شرح أصول الكافي للمازندراني المجلد 10

هوية الکتاب

شرح أصول الكافي

تألیف: للمولى محمد صالح المازندراني المتوفى 1081 ه

المجموعة : مصادر الحديث الشيعية - قسم الفقه

تحقيق : مع تعليقات : الميرزا أبو الحسن الشعراني / ضبط وتصحيح : السيد علي عاشور

سنة الطبع :1929ه. 2008م

دار احياء التراث العربي

بيروت _ لبنان

ص: 1

اشارة

جمیع الحقوق محفوظة للناشر

الطبعة الثّانیة

1929ه. 2008م

الطبعة الثّانیه المصّیحة المنقّحة

بیروت - لبنان طریق المطار. خلف غولدن بلازا تلفن:01/540000_01455559

- فاکس: 850717

850717 : Beyrout Liban - Rue Arport Tel: 01/455559 - 01/540000 - fax-

www.dartourath.com

Email:info@dartourath.com

ص: 2

باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن إبراهيم والفضل ابني يزيد الأشعري، عن عبد الله (عليه السلام) بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا:

«أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنفه بها يوما ما».(1)

* الشرح:

قوله: (أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنفه بها يوما ما) قد تحقق هذا في كثير من الإخوة والأصدقاء ولذلك قال بعض العارفين لابد من أن تأخذ صديقا معتمدا موافقا مأمونا شره ولا يحصل ذلك إلا بعد إختيارك إياه قبل الصداقة آونة من الزمان في جميع أقواله وأحواله مع بني نوعه ومع ذلك لابد بعد الصداقة من أن تخفي كثيرا من أسرارك وأحوالك منه فإنه ليس بمعصوم فلعل بعد المفارقة منك لامر قليل يوجب زوال الصداقة يعنفك بأمر يكرهك.

والمراد باحصاء العثرات والزلات حفظها وضبطها في الخاطر أو الدفاتر ليعنفه ويعيره بها يوما من الأيام. ويفهم من هذا الحديث وغيره من أحاديث هذا الباب أن كمال قربه إلى الكفر بمجرد الإحصاء لقصد التعنيف وإن لم يقع التعنيف، ووجه قربه إلى الكفر أن ذلك منه باعتبار عدم استقرار ايمانه في قلبه ومن لم يستقر ايمانه بعد فهو قريب من الكفر، أو المراد بالكفر كفر النعمة فإن مراعاة حقوق الاخوة من أجل نعماء الله عز وجل وقصده ذلك مناف لمراعاتها فهو قريب من الكفر ويتحقق بالكفر بوقوع التعنيف، وينبغي للمؤمن إذا عرف عثرات أخيه أن ينظر أولا إلى عثرات نفسه ويطهر نفسه عنها، ثم ينصح أخاه بالرفق واللطف والشفقة ليترك تلك العثرات ويكمل الاخوة والصداقة ويتم الرفاقة في السير إلى الله تبارك وتعالى، ثم لعل المراد بتلك العثرات ما ينافي حسن الصحبة والعشرة، وأما ما ينافي الدين من الذنوب فلا يعنفه ولا يعيره على رؤوس الخلائق ولكن يجب عليه من باب النهي عن المنكر زجره عنها على الشروط والتفاصيل المذكورة في

ص:3


1- -الکافی :354/2.

موضعها.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن إسحاق بن عمار قال: قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذموا المسلمين ولا تتبوا عوراتهم فإنه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته ومن تتبع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته».

عنه، عن علي بن النعمان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله.(1)

* الشرح:

قوله: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذموا المسلمين) دل على أن من ذم المسلمين فهو مسلم بلسانه وحده غير خالص الإيمان، ولعل المراد بعدم خلوصه شوبه بما ينافيه أو عدم ثبوته واستقراره في القلب فإن الإيمان المتزلزل غير خالص، ثم أشار إلى النهي عن تتبع العورة مع الوعيد الدنيوي مبالغة في الزجر عنه بقوله: (ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته ومن تتبع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته) العورة كل أمر قبيح يستره الإنسان أنفة أو حياء، والمراد بتتبعها تطلبها شيئا بعد شيء في مهلة والفحص عن ظاهرها وباطنها بنفسه أو بغيره، والمراد بتتبع الله تعالى عورته إرادة اظهارها على خلقه ومن أراد الله تعالى إظهار عورته واعلان بواطن ما يكره اظهاره بفضحه باظهارها ولو في جوف بيته إذ لا مانع لإرادته تعالى ولا دافع لها.

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرجل الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنفه بها يوما ما».

4 - عنه، عن الحجال، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا معشر من أسلم بلسانه ولم يسلم بقلبه لا تتبعوا عثرات المسلمين فإنه من تتبع عثرات المسلمين تتبع الله عثرته ومن تتبع الله عثرته يفضحه».

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن إسماعيل، عن ابن مسكان، عن

ص:4


1- -الکافی :354/2.

محمد بن مسلم أو الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تطلبوا عثرات المؤمنين فإن من تتبع عثرات أخيه تتبع الله عثراته ومن تتبع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته».

6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرجل الرجل على الدين فيحصي عليه زلاته ليعيره بها يوما ما».

7 - عنه، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يواخي الرجل وهو يحفظ [عليه] زلاته ليعيره بها يوما ما».(1)

* الشرح:

قوله: (أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يواخي الرجل وهو يحفظ [عليه] زلاته ليعيره بها يوما ما) عيرته كذا وعيرته بكذا قبحته عليه ونسبته اليه، يتعدى بنفسه وبالباء، ولعل المراد بزيادة البعد الزيادة في بعض الأحوال لا في جميعها وإلا فالزيادة في حال الكفر والشرك أكثر وأظهر فلا ينافي قوله: «أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي... إلى آخره».

ص:5


1- -الکافی :355/2.

باب التعيير

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أنب مؤمنا أنبه الله في الدنيا والآخرة».(1)

* الشرح:

قوله: (من أنب مؤمنا أنبه الله في الدنيا والآخرة) التأنيب ملامت وسرزنش كردن وتأنيبه عز وجل إياه اما على الحقيقة أو يراد به العقوبة على تأنيبه وعثراته.

* الأصل:

2 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن عمار، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ومن عير مؤمنا بشيء لم يمت حتى يركبه».(2)

* الشرح:

قوله (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ومن عير مؤمنا بشيء لم يمت حتى يركبه) الفاحشة كل ما نهى الله عز وجل عنه وربما يختص بما يشتد قبحه من الذنوب، وقد يقال:

هذا الوعيد إنما هو في ذي الهيئات الحسنة فيمن لم يعرف بأذى ولا فساد في الأرض وأما المولعين بذلك الذين ستروا غير مرة فلم يكفوا فلا يبعد القول بكشفهم; لأن الستر عليهم من المعاونة على المعاصي وستر من يندب إلى ستره إنما هو في معصية مضت، وأما معصية هو متلبس بها فلا يبعد القول بوجوب المبادرة إلى انكارها والمنع منها لمن قدر عليه فإن لم يقدر رفع إلى اولي الأمر ما لم يؤد إلى مفسدة أشد، وأما جرح الشاهد والرواة والامناء على الأوقاف والصدقات وأموال الأيتام فيجب عند الحاجة إليه لأنه يترتب عليه أحكام شرعية ولو رفع إلى الإمام ما يندب الستر فيه لم يأثم إذا كانت نيته دفع معصية الله تعالى لا كشف ستره، وجرح الشاهد إنما هو عند طلب ذلك منه أو يرى حاكما يحكم بشهادته وقد علم منه ما يبطلها فلا يبعد القول برفعه، والله يعلم.

ص:6


1- -الکافی :355/2.
2- -الکافی :356/2.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من عير مؤمنا بذنب لم يمت حتى يركبه».(1)

* الشرح:

قوله: (من عير مؤمنا بذنب لم يمت حتى يركبه) لا ينبغي تعيير مؤمن بشيء ولو كان معصية سيما على رؤوس الخلائق ولا ينافي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر; لأن المطلوب منهما أن يكون على سبيل النصح إلا إذا علم انه لا ينفعه فينبغي التشدد عليه على النحو المقرر.

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، عن حسين بن عمر بن سليمان، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من لقي أخاه بما يؤنبه أنبه الله في الدنيا والآخرة».

ص:7


1- -الکافی :356/2.

باب الغيبة والبهت

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه. قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

الجلوس في المسجد انتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث، قيل: يا رسول الله وما يحدث؟ قال:

الاغتياب».(1)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه) أي في قلبه أو مطلقا. والغيبة بالكسر اسم من اغتاب فلان فلانا إذا ذكره بما يسوؤه ويكرهه من العيوب وكان فيه وإن لم يكن فيه فهو تهمة، وفي العرف ذكر الإنسان المعين أو بحكمه في غيبته بما يكره نسبته إليه وهو حاصل فيه ويعد نقصا في العرف بقصد الانتقاص والذم قولا أو إشارة أو كناية، تعريضا أو تصريحا فلا غيبة في غير معين كواحد مبهم من غير محصور بخلاف مبهم من محصور كواحد من المعينين فإنه في حكم المعين كما صرح به شيخ العارفين في الأربعين ولا بذكر عيبه في حضوره وإن كان آثما لإيذائه إلا بقصد الوعظ والنصيحة والتعريض حينئذ أولى إن نفع; لأن التصريح يهتك حجاب الهيبة، ولا بذكر ما ليس فيه فإنه بهتان وتهمة، ولا بذكر ما لا يكره ولا يعد نقصا، ولا بذكر عيبه لا لقصد الانتقاص كذكره للطبيب لقصد العلاج، وللسلطان لقصد الترحم.

والغيبة حرام للآيات والروايات واجماع الامة وقد عدت من الكبائر والمغتاب لما لم يكن معصوما ينبغي أن يكون له في عيبه لنفسه شغل عن عيب غيره، ولو فرض أنه خال من العيوب كلها فلينزه نفسه من الغيبة التي هي أقبح العيوب ومن أعظم الكبائر وليعلم ان ما صدر من أخيه مفسدة جزئية والغيبة مفسدة كلية; لأن مقصود الشارع اجتماع المؤمنين وإيتلافهم وتعاونهم وتصافي قلوبهم ومحبتهم، والغيبة لكونها مثيرة للتضاغن والتباعد والتعاند منافية لذلك المقصود فهي مفسدة كلية وإذا علم ذلك زجر نفسه عنها لأن العاقل لا يعيب أحدا بمفسدة جزئية مع تلبسه

ص:8


1- -الکافی :356/2.

هو بمفسدة كلية.

قال الشهيد الثاني: والعجب من علماء أهل الزمان أن كثيرا منهم يجتنبون كثيرا عن المعاصي الظاهرة مثل شرب الخمر والزنا وغصب أموال الناس ونحوها وهم مع ذلك يتعاطون الغيبة والسبب فيه إما الغفلة عن تحريمها وما ورد من الوعيد عليها، وإما لأن مثل ذلك من المعاصي لا يخل عرفا بمراتبهم ومنازلهم من الرئاسات لخفاء هذا النوع من المنكر على من يرومون المنزلة عنده من أهل الجهالات ولو رغبوهم في الشرب أو الزنا أو غصب مال الغير ما أطاعوه لظهوره فحشه عند العامة وسقوط منزلتهم لديهم، ولو استبصروا علموا أن لا فرق بين المعصيتين بل لا نسبة بين المعصية المستلزمة للاخلال بحقه تعالى وبين ما يتعلق مع ذلك بحق العبد خصوصا بأعراضهم بل هي أجل وأشرف من أموالهم.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اذناه فهو من الذين قال الله عز وجل: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم)».(1)(2)

* الشرح:

قوله: (فهو من الذين قال الله عز وجل -... إلى آخره) إنما قال من الذين لأن الآية الكريمة تشمل أيضا من بهت رجلا ومن ذكر عيبه في حضوره ومن أحب شيوعه وإن لم يذكره ومن سمعه ورضي به والوعيد بالعذاب الأليم للجميع. قال الشهيد رحمه الله: إن الله أوحى إلى موسى بن عمران «أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة وإذا لم يتب فهو أول من يدخل النار».

* الأصل:

3 - الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن داود بن سرحان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغيبة قال: «هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل وتبث عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد».(3)

* الشرح:

قوله: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغيبة قال: هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل وتبث عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد) هو راجع إلى الغيبة والتذكير باعتبار الاغتياب أو

ص:9


1- -الکافی :357/2.
2- -سورة النور :19.
3- -الکافی :357/2.

باعتبار الخبر، وقوله: «لم يقم عليه فيه حد» صفة بعد صفة لامر أو حال بعد حال عنه وفيه دلالة على انه لا حرمة للكافر فلا يحرم غيبته وحرمة قذفه من دليل خارج وعلى أن الغيبة هي نسبة القبيح إلى الغير سواء فعله أم لا فتشمل البهتان وسواء حضر أم غاب، فيراد بالغيبة هنا غير المعنى المصطلح وعلى أن ذكر الأمر المكشوف المشهور ليس بغيبة وسيجئ زيادة البحث فيه وعلى أن ذكر الامر المستور الذي يقام فيه الحد على فاعله مثل الزناء وغيره ليس بغيبة وإلا لبطلت الحدود، فلو اطلع العدد الذين يثبت بهم الحد أو التعزير على فاحشة جاز ذكرها عند الحاكم بصورة الشهادة في حضور الفاعل وغيبته، ولا يجوز التعرض إليها في غير ذلك.

* الأصل:

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن حفص بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سئل النبي (صلى الله عليه وآله) ما كفارة الاغتياب؟ قال: تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته».(1)

* الشرح:

قوله: (سئل النبي (صلى الله عليه وآله) ما كفارة الاغتياب؟ قال: تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته) في بعض النسخ كما ذكرته أي بالعيب، والأصل يفيد وقوع الاستغفار في أوقات التذكر كلها قال الشهيد (قدس سره):

كفارة الغيبة أن يندم ويتوب ويتأسف على فعله ليخرج من حق الله تعالى، ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج عن مظلمته، وينبغي أن يستحله وهو حزين متأسف نادم على فعله إذ المرائي قد يستحل ليظهر من نفسه الورع وفي الباطن لا يكون تائبا فيكون قد قارف معصية أخرى يدل على ذلك ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) «من كانت لأخيه في قبله مظلمة في عرض أو مال فليستحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم إنما يؤخذ من حسناته فإن لم تكن حسنات اخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته» (2) ولا منافاة بين هذه الرواية ورواية الكتاب لأنه يمكن حمل الاستغفار على من لم يبلغ غيبته المغتاب وفي حكم من لم يبلغه من لم يقدر على الوصول إليه بموت أو غيبة، وحمل الاستحلال على من تمكن الوصول إليه مع بلوغه الغيبة ويستحب للمعتذر إليه قبول العذر والمحالة فإن لم يقبل كان اعتذاره وتودده حسنة محسوبة له وقد يقابل سيئة الغيبة في القيامة ولا فرق بين غيبة الصغير والكبير والحي والميت والذكر والأنثى وليكن الاستغفار والدعاء له على حسب ما يليق بحاله فيدعو للصغير بالهداية وللميت بالرحمة والمغفرة ونحو

ص:10


1- -الکافی :356/2.
2- أخرجه أحمد في مسنده: ج 2 ص 506 من حديث أبي هريرة.

ذلك، ولا يسقط الحق بإباحة الإنسان عرضه لأنه عفو عما لم يجب كما أن من أباح قذف نفسه لم يسقط حقه من الحد، والظاهر أنه تجب في هذه الكفارة النية كباقي الكفارات.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك ابن عطية، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيه بعثه الله في طينة خبال حتى يخرج مما قال، قلت: وما طينة الخبال؟ قال: صديد يخرج من فروج المومسات».(1)

* الشرح:

قوله: (من بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيه بعثه الله في طينة خبال حتى يخرج مما قال، قلت:

وما طينة خبال؟ قال: صديد يخرج من فروج المومسات) البهت الافتراء والقذف، بهته بهتا من باب نفع قذفه بالباطل وافترى عليه الكذب والاسم البهتان واسم الفاعل بهوت والجمع بهت مثل رسول ورسل، والخبال بفتح الخاء الفساد، والصديد الدم المختلط بالقيح، وقيل هو القيح الذي كأنه الماء في رقته والدم في شكله، والمومسات بضم الميم الأولى وكسر الثانية جمع المومسة وهي الفاجرة، وتجمع أيضا على المواميس والمياميس.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن العباس بن عامر، عن أبان، عن رجل لا نعلمه إلا يحيى الأزرق قال: قال لي أبو الحسن صلوات الله عليه: «من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته».(2)

* الشرح:

قوله: (من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه) دل على جواز ذكر المعائب إذا كانت مشهورة عند من عرفها ومن جملة ذلك إذا كان معروفا بلقب قبيح كالأعمش والقصير والأعمى والأعور والأعرج ونحوها فيذكر ذلك للتعريف لا للتنقيص وان أمكن تعريفه بغير ذلك اللقب فهو أولى تحرزا من احتمال كسر قلب المؤمن وعلى جواز غيبة الفاسق المعلن بفسقه بذكر فسقه ذلك لا بغيره من معايبه سواء

ص:11


1- -الکافی :357/2.
2- -الکافی :358/2.

استنكف ذكر ذلك الفسق أم لا ومنهم من منعه مطلقا ومنهم من منعه في المستنكف وجوزه في غيره وظاهر هذا الحديث والذي يأتي بعده وظاهر ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له» هو الجواز مطلقا والله أعلم.

وأما الفاسق الغير المعلن فالأظهر أنه لا يجوز غيبته بذكر فسقه، إلا أن يتعلق بها غرض صحيح ديني بأن يرجو ارتداعه عن المعصية فيلحق بباب النهي عن المنكر، ثم إن كل ذلك إذا لم يندم على المعصية ولم يتب منها والا فلا يجوز قطعا، ودل أيضا على أن الاغتياب هو ذكر الرجل في غيبته بما يسوؤه فلو ذكره في حضوره لا يكون غيبة وان كان حراما لأنه لا يجوز ايذاء المؤمن على أي وجه كان وعلى أن ذكر غير المعروف من المعايب اغتياب وقد استثنوا من ذلك جرح الشاهد والراوي، وتفضيل بعض العلماء والصناع على بعض، والتنبيه على الخطأ في المسائل العلمية لقصد أن لا يتبعه أحد فيها، وشكاية المتظلم عند الوالي أو عند من يقدر على انصافه ويقتصر على مورد الظلم ويقول: فلان فعل كذا ليزجره عنه، والنصح للمؤمن المتردد إلى الفاسق والمبتدع فيعلمه ليتباعد منه، ونصح المستشير إلى غير ذلك مما يتعلق به غرض صحيح شرعي وأمثال هذه الأمور إن أغنى التعريض فلا يبعد القول بتحريم التصريح لأنها انما شرعت للضرورة والضرورة تقدر بقدر الحاجة، والله أعلم.

7 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن سيابة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه، وأما الأمر الظاهر فيه مثل الحدة والعجلة فلا، والبهتان أن تقول فيه ما ليس فيه».

ص:12

باب الرواية على المؤمن

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن مفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروءته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان».(1)

* الشرح:

قوله: (من روى على مؤمن رواية -... إلى آخره) بأن ينقل عنه كلاما يدل على ضعف عقله وسخافة رأيه وسفاهة طبعه، ولعل السر في عدم قبول الشيطان له أن فعله أقبح من فعل الشيطان لان سبب خروج الشيطان من ولايته الله تعالى هو مخالفة أمره مستندا بأن أصله أشرف من أصل آدم (عليه السلام) ولم يذكر من فعل آدم ما يسوؤه ويسقطه عن نظر الملائكة وسبب خروج هذا الرجل من ولاية تعالى هو مخالفة أمره عز وجل من غير أن يسندها إلى شبهة إذ الأصل واحد وذكره من فعل المؤمن ما يؤذيه ويحضره في أعين السامعين وادعاء الكمال الفعلي لنفسه ضمنا وهذا إدلال وتفاخر وعجب وتكبر فلذلك لا يقبله الشيطان لكونه أقبح فعالا منه على أن الشيطان لا يعتمد على ولاية له لأن شأنه نقض الولاية لاعن شيء فلذلك لا يقبله.

2 - عنه، عن أحمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان قال: قلت له: عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال: «نعم»، قلت: تعني سفله؟ قال: «ليس حيث تذهب إنما هو إذاعة سره».

3 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن الحسين بن مختار، عن زيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) فيما جاء في الحديث «عورة المؤمن على المؤمن حرام» قال: «ما هو أن ينكشف فترى منه شيئا إنما هو أن تروي عليه أو تعيبه».

ص:13


1- -الکافی :358/2.

باب الشماتة

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن إبراهيم بن محمد الأشعري، عن أبان بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «لا تبدي الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويصيرها بك، وقال: من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن».(1)

* الشرح:

قوله: (لا تبدي الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويصيرها بك) شمت به يشمت إذا فرح بمصيبة نزلت به. والاسم الشماتة واشتمت الله به العدو، ومنه قوله تعالى: (ولا تشمت بي الأعداء) أي لا تفعل بي ما يحبون ويسرون، وإبداؤها يكون بالفعل مثل إظهار السرور والبشاشة والضحك عند المصاب، وبالقول مثل الهزء والسخرية به، وإنما نهي (عليه السلام) عن الإبداء لعلمه بأن الشماتة توجد في قلب العدو فرحا بمقتضى الطبع فنهى عن إظهارها للمصاب لما فيه من الزيادة له على مصيبته وإيذائه والتأكيد للعداوة عنده وإغرائه وشئ من ذلك ينبغي أن لا يكون; لأن من صفات المؤمنين أن يكونوا متراحمين متعاطفين متواصلين، ولأن العاقل لعلمه بأسرار القدر وملاحظته لأسباب المصائب وأنه في معرض أن يصيبه مثلها يتصور ثبوتها لنفسه ولا يفرح بنزولها في غيره ولأن الله تعالى قد يرحم المصاب ويعافيه عن المصيبة ويصيرها بالشامت فيعكس أمر الشماتة وذلك; لأن في اظهار الشماتة نوع بغي على المصاب في أمر أنزله الله تعالى به وعقوبة البغي عاجلة فيعافيه إرغاما للشامت ويبتليه تعجيلا لعقوبة بغيه.

والظاهر أن قوله: (وقال: من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن) من تتمة الرواية المذكورة بالاسناد المذكور، واحتمال كونه رواية اخرى بحذف الاسناد بعيد، ويفتتن بالبناء للمفعول من الفتنة وهي المحنة والمصيبة والابتلاء وأصلها من قولهم: فتنت الذهب والفضة إذا أحرقته بالنار لتبين الجيد من الرديء، وإنما يفعل الله تعالى به ذلك غيرة وانتصارا ورغما له وجزاء لما صنع بأخيه بسبب ما أنزل الله فيه.

ص:14


1- -الکافی :359/2.

باب السباب

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة».(1)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة) السب الشتم سبه يسبه سبا شتمه، فهو سباب، ومنه قيل للإصبع التي تلي الإبهام: سبابة لأنه يشاربها عند السب وسابه مسابة وسبابا سب كل واحد صاحبه، والهلكة مثال قصبة. والهلك مثال قفل بمعنى الهلاك، ولعل المراد بها الكفر والخروج من الدين وبالمشرف عليها من قرب وقوعه فيهما بفعل الكبائر العظيمة، والساب شبيه بالمشرف وقريب منه، ولو أريد بها العقوبة أو استحقاقها لم يتم التشبيه على الظاهر; لأن الساب على الأول مشرف عليها وعلى الثاني متصف بها.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن عبد الله بن بكير، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة ماله كحرمة دمه».(2)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سباب المؤمن فسوق) الفسوق مصدر يقال: فسق فسوقا من باب نصر وضرب أي خرج عن الطاعة، والاسم فسق، ويقال: أصله خروج الشيء من الشيء على وجه الفساد، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها، وكذلك كل شيء خرج من قشره فقد فسق، والسباب بالكسر مصدر ساب كقتال مصدر قاتل، وهو إما بمعنى السب أو على بابه للطرفين والإضافة إلى المفعول أو إلى الفاعل على احتمال، وسابه بأن يقول مثلا: يا شارب الخمر أو يا آكل الربا، أو يا ملعون، أو يا خائن، أو يا حمار، أو يا كلب، أو يا خنزير، أو يا فاسق، أو يا فاجر، أو أمثال ذلك خارج عن ولاية المؤمن وعن طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة الأئمة المعصومين، وفاعل لما

ص:15


1- -الکافی :359/2.
2- -الکافی :359/2.

يؤذبهم ومستحق للتأديب على حسب ما يراه الحاكم (وقتاله كفر) كأن القتال كان من أسباب الكفر فأطلق عليه الكفر مجازا أو أريد به القتال مستحلا، أو قتال المؤمن من حيث إنه مؤمن أي لأجل إيمانه أو أريد بالكفر كفر نعمة التآلف إن الله ألف بين المؤمنين أو إنكار حق الأخوة إذ من حقها عدم المقاتلة، والله أعلم.

(وأكل لحمه معصية) المراد به الغيبة كما قال عز وجل: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه)(1) شبه صاحب الغيبة بآكل لحم أخيه الميت زيادة في التنفير والزجر عنها، والمراد بالمعصية الكبيرة; لأن الغيبة كبيرة موبقة.

(وحرمة ماله كحرمة دمه) جمع المال والدم في احترام، ولا شك في أن اهراق دمه كبيرة مهلكة فكذا أكل ماله، ومثل هذا الحديث مذكور في كتب العامة، وقال ابن الأثير: قيل هذا محمول على من سب أو قاتل مسلما من غير تأويل، وقيل: إنما قال على جهة التغليظ لا أ نه يخرجه إلى الفسق والكفر.

3 - عنه، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن رجلا من بني تميم أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: أوصني، فكان فيما أوصاه أن قال: لا تسبوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم».(2)

* الأصل:

4 - ابن محبوب، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في رجلين يتسابان قال: «البادي منهما أظلم وزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم».(3)

* الشرح:

قوله: (ابن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجاج) أسقط المصنف (قدس سره) طريقه إلى ابن محبوب ويؤيده أ نه روى هذا الحديث سابقا في باب السفه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) إلى آخر ما ذكره من غير تفاوت إلا في قوله (ما لم يعتذر إلى المظلوم) فإن في السابق «ما لم يتعد المظلوم» وقد مر شرحه مفصلا فلا نعيده، ويفهم منه أ نه إذا اعتذر وعفا عنه سقط عنه الوزر والتعزير أو الحد قبل الثبوت عند الحاكم وبعده، ولا اعتراض للحاكم لأنه حق آدمي يتوقف إقامته على مطالبته ويسقط بعفوه.

* الأصل:

5 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ما شهد رجل على رجل بكفر قط إلا باء به أحدهما إن كان شهد [به]

ص:16


1- -سورة الحجرات:12.
2- -الکافی :360/2.
3- -الکافی :360/2.

على كافر صدق وإن كان مؤمنا رجع الكفر عليه، فإياكم والطعن على المؤمنين».(1)

* الشرح:

قوله: (ما شهد رجل على رجل بكفر قط إلا باء به أحدهما) بأن شهد به عند الحاكم أو أتى بصيغة الخبر نحو أنت كافر أو بصيغة النداء نحو يا كافر، وباء بمعنى رجع أي رجع بالكفر أحدهما وصار عليه، وقوله: «فإياكم والطعن على المؤمنين» إشارة إلى أن مطلق الطعن حكمه حكم الكفر في الرجوع إلى أحدهما قطعا فإن قيل: إذا لم يكن المقول له كافرا فغاية ما في الباب أن القائل ساب كاذب وشئ منهما ليس بكفر، فالجواب أنهما من أقرب منازل الكفر إذ صاحبهما لا يأمن من أن ينتقل منهما إلى الكفر لعدم استقرار الإيمان في قلبه، وقد شاع في الأخبار إطلاق الكفر عليه، وباقي التوجيهات السابقة يجري هنا أيضا وقيل: ضمير «به» يعود إلى السيئة المفهومة من السياق لا إلى الكفر أي باء بالسيئة أحدهما، وقيل: الضمير يعود إلى التكفير لا إلى الكفر يعني تكفيره لأخيه تكفير لنفسه لأنه لما كفر مؤمنا فكأنه كفر نفسه، وفيه أن التكفير حينئذ غير مختص بأحدهما لتعلقه بهما جميعا، وقيل: الضمير يعود إلى الكفر الحقيقي; لأن القائل اعتقد أن ما عليه المقول له من الإيمان كفر فقد كفر لقوله تعالى: (ومن كفر بالإيمان فقد حبط عمله) وفيه أن القائل بكفر أخيه لم يجعل الإيمان كفرا بل جعل بدل الإيمان كفرا توبيخا وتعييرا له بترك الإيمان وأخذ الكفر بدلا منه، وبينهما بون بعيد.

* الأصل:

6 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن علي بن أبي حمزة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سمعته يقول: إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها ترددت فإن وجدت مساغا وإلا رجعت على صاحبها».(2)

* الشرح:

قوله: (إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها ترددت فإن وجدت مساغا وإلا رجعت على صاحبها) فيه تفخيم لأمر اللعن وإثمه، وحث على التجنب منه فإنه لا يقع قط عبثا بل يرجع إما إلى الملعون أو إلى اللاعن. فليجتنب المسلم عن لعن المسلمين ولا يلعن إلا من لعنه الله تعالى أو المعصوم أو من علم قطعا أنه محروم من الرحمة الواسعة; لأن اللعن الإبعاد من الرحمة، وليس ذلك من خلق المؤمنين الذين وصفوا بأنهم كجسد واحد وأنهم متراحمون بينهم، وأنهم يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم، ومن دعا على أخيه باللعن فهو في غاية التقاطع والتدابر وهذا غاية ما يود المسلم للكافر.

ص:17


1- -الکافی :360/2.
2- -الکافی :360/2.

7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي، عن علي بن عقبة، عن عبد الله بن سنان، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها ترددت بينهما فإن وجدت مساغا وإلا رجعت على صاحبها».

* الأصل:

8 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن حسان، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا قال الرجل لأخيه المؤمن: اف خرج من ولايته وإذا قال: أنت عدوي كفر أحدهما، ولا يقبل الله من مؤمن عملا وهو مضمر على أخيه المؤمن سوءا».(1)

* الشرح:

قوله: (ولا يقبل الله من مؤمن عملا وهو مضمر على أخيه المؤمن سوءا) دل على أن إضمار السوء لا يقدح في أصل الإيمان نعم يدفع كماله، وليس المراد باضماره الخطرات التي تخطر في القلب; لأن دفعه غير مقدور. بل المراد الظن به وإن لم يتكلم. ثم إن لم يحصل الظن بوجه شرعي معتبر وإلا فالظاهر أ نه خارج عن هذا الوعيد لترتب كثير من الأحكام الشرعية عليه، مثل الحدود والتعزير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا ينافي هذا الحديث حديث «الحزم مساءة الظن»; لأن معنى هذا هو الأمر بالتحفظ والاحتياط دون الظن بالسوء والله أعلم.

* الأصل:

9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن حماد بن عثمان، عن ربعي، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ما من إنسان يطعن في عين مؤمن إلا مات بشر ميتة وكان قمنا أن لا يرجع إلى خير».(2)

* الشرح:

قوله: (ما من إنسان يطعن في عين مؤمن إلا مات بشر ميتة وكان قمنا أن لا يرجع إلى خير) الطعن القدح والعتب والوقوع في أعراض الناس سواء فعلوا أم لا وفعله من باب قتل ومن باب نفع لغة، والميتة بكسر الميم للحال والهيئة، ولعل المراد بها ميتة الكفر نعوذ بالله منها. والقمن بالتحريك الجدير والحقيق ويستعمل بلفظ واحد مطلقا فيقال: هو وهي وهم وهن قمن أن يفعل كذا ويجوز قمن بكسر الميم فيطابق في التذكير والتأنيث والإفراد والجمع، والمراد بالخير التوبة أو الإيمان أو الأعم.

ص:18


1- -الکافی :361/2.
2- -الکافی :361/2.

باب التهمة وسوء الظن

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء».(1)

* الشرح:

قوله: (إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء) اتهمته بكذا ظننته به والاسم التهمة وزان رطبة، والسكون لغة حكاها الفارابي، وأصل التاء واو، ولعل المراد بها أن يقول ما ليس فيه مما يكسر شأنه ويوجب شينه، ويحتمل أن يراد بها سوء الظن به، وانماث الملح في الماء ذاب، وإنما قال: من قلبه ولم يقل: في قلبه للتنبيه على فساد قلبه حتى أ نه ينافي الإيمان ويوجب فساده.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن الحسين بن حازم، عن حسين بن عمر بن يزيد، عن أبيه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من اتهم أخاه في دينه فلا حرمة بينهما، ومن عامل أخاه بمثل ما عامل به الناس فهو بريء مما ينتحل».(2)

* الشرح:

قوله: (من اتهم أخاه في دينه فلا حرمة بينهما) الحرمة - بالضم - اسم من الاحترام، وسلبها باعتبار انقطاع علاقة الأخوة وزوال الرابطة الدينية، ثم بالغ في حفظ حال الأخ في الدين ورعاية جانبه زائدا عن غيره بقوله:

(ومن عامل أخاه).

* الأصل:

3 - عنه، عن أبيه، عمن حدثه، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا».(3)

ص:19


1- -الکافی :361/2.
2- -الکافی :361/2.
3- -الکافی :362/2.

* الشرح:

قوله: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه) أي احمل أمر أخيك قولا كان أو فعلا على أحسنه وإن كان مرجوحا وكان خلافه راجحا (1)

ص:20


1- قوله: و «إن كان مرجوحا وكان خلافه راجحا» يعني ليس ظاهر الكلام حجة في الحكم بالتضليل والتفسيق، وإن كان حجة في الحكم بالإسلام وفي المعاملات والأقارير، وربما يغفل عن ذلك الجاهل فيحمل كلام الناس على الفساد كالغلو أو التفويض والجبر والتعطيل وأمثالها بظاهر يحتمل الخلاف بل مع قيام قرينة عقلية على إرادة خلاف الظاهر بل بلوازم الكلام عند نفسه وإن لم تكن تخطر ببال أحد قط بل يحكم بتضليل رجل بظاهر كلام صاحبه ومن لم يثبت موافقته له. ولذلك أمثلة كثيرة: منها تكفير العوام بقولهم: شفاني العباس بن علي (عليهما السلام) من هذا المرض وأعطاني أبو عبد الله (عليه السلام) الحسين (عليه السلام) هذا الولد وهذا المال، فيقال: هذا نسبة فعل الله إلى غيره وتعطيله تعالى عن فعله وهو شرك أو كفر والحاد، ومثله نسبة فعله تعالى إلى الأسباب الطبيعية والروحانية كقولهم: أنبت الربيع البقل، وأينعت الثمار بحرارة الشمس، وشفي المريض بالدواء أو بالتربة المقدسة، وتصور الجنين في الرحم بفعل الملائكة المصورة، وأفيض العلم على النفوس من العقول المجردة ولم يقل أحد بأن نسبة الفعل إلى تلك الأسباب كفر وإن كان ظاهر الكلام يقتضي نسبة الفعل إليها مستقلا بالمباشرة كما إذا نسب القتل والسرقة إلى زيد في مقام الشهادة اقتضى المباشرة والاستقلال، ولكن القرينة العقلية والعادية دالة على عدم إرادة نسبة فعل الله تعالى إلى الأسباب واستقلالها فيه، وقال الحكماء: لا مؤثر في الوجود إلا الله تعالى، وهو تصريح بأن الأسباب غير مؤثرة. وأيضا ربما لم يكن المتكلم بالكلام وليا أو نبيا أو عاقلا حكيما متفطنا لجميع النكات التي يجب مراعاتها فيأتي بكلام يفيد ظاهره شيئا لا يريده ولا يقيم قرينة على خلافه لعدم تنبهه، ويجب درء كل تهمة عن الناس بالشبهة المحتملة ، والحاصل أن ظاهر الكلام إن دل على ضلال المتكلم واحتمل خلافه مرجوحا يجب حمل كلامه على ذلك الوجه المحتمل. وأما نسبة الضلال إليه باللوازم المستخرجة بالتكلف من كلامه أو بصدوره من غيره الموافق له في الجملة في طريقته فغلط جدا وهو من سير الظلمة وولاة الجور لا من طريقة العلماء، ولذلك أمثلة منها: تكفير الروافض مطلقا لقول بعض من يسمونه رافضيا بالوهية أمير المؤمنين (عليه السلام) وتكفير الصوفية مطلقا لقول بعضهم بحلول ذات الواجب في الممكنات وتضليل المنجمين مطلقا لقول بعضهم بألوهية النجوم وتكفير الحنابلة بأن بعضهم قال بالتجسيم، ومن لوازم الجسم التركيب، ومن لوازم التركيب الإمكان والحدوث فكل من قال بالجسم فهو منكر للمبدأ تعالى، وهذه لوازم لا تخطر ببال حنبلي أصلا، وترى في الناس من يضلل أو يكفر رجلا لمدحه بعض الكفار أو المبتدعين بأنه لو لم يكن راضيا بكفره وضلاله لم يمدحه، وقد مدح السيد الرضي بعض الكفار الصابئين لعلمه وأدبه ورثاه بعد موته وتأسف من فقده بقوله: أرأيت من حملوا على الأعواد؟ * أرأيت كيف خبا ضياء النادي؟ ويضللون من يمدح المولوي بشعره وابن عربي بعلمه لأن في كليهما أمورا فاسدة الظاهر، ويظنون أن كل من يمدح أحدا فهو متفق معه في جميع العقائد أو أ نه تتبع جميع كتبه وكلماته واستحسن جميعها، وهذه الإحاطة لا تتفق لغير المعصوم البتة، وأما الخلفاء والظلمة فكانوا يعاقبون من يحتمل إخلالهم في ملكهم بأدنى تهمة وبناؤهم في ذلك على أصالة الاحتياط وكانوا يرون في الشيعة إباء وتنفرا ونزعة فينسبون كل واحد منهم بكل سوء احتمل وجوده في غيره احتياطا لملكهم وحفظا لقدرتهم. (ش)

مظنونا من غير تجسس حتى يأتيك اليقين على خلافه. فإن الظن قد يخطئ والتجسس منهي عنه كما قال الله عز وجل: (إن بعض الظن إثم) وقال: (ولا تجسسوا)(1) ومن ثم قال العلماء: أفعال المؤمنين محمولة على الصحة. ثم نهى تأكيدا لما مر عن حمل كلامه على الشر إن كان محتملا للخير وإن كان بعيدا جدا بقوله:

(ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا) فإذا خرجت منه كلمة ذات وجهين وجب عليك أن تحملها على وجه الخير، وإن كان معنى مجازيا بدون قرينة أو كناية أو تورية أو نحوها، ومن هذا القبيل ما سماه علماء العربية أسلوب الحكيم كما قال الحجاج للقبعثرى متوعدا له بالقيد: لأحملنك على الأدهم، فقال القبعثرى مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب فأبرز وعيده في معرض الوعد. ثم قال الحجاج للتصريح بمقصوده: إنه حديد فقال القبعثرى: لئن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا. وبالجملة: كما يحرم على المؤمن سوء القول في أخيه كذلك يحرم عليه سوء الظن به بان يعقد القلب عليه ويحكم به من غير يقين، وأما الخاطر بحديث النفس فمعفو كما مر وما وقع في قلبه من غير يقين فهو من الشيطان يلقي إليه ليغريه على أخيه، فوجب أن يكذبه فإنه أفسق الفاسقين فلا يجوز تصديقه. ومن ثم جاء في الشرع أن من تكلم بكلمة ظاهرها الارتداد ولها معنى صحيح لا يحكم بارتداده (2) وأن من علمت في فيه رائحة الخمر لا يجوز أن تحكم عليه بشر بها وأن تحده عليها لإمكان أن يكون تمضمض بها ومجها أو وجر في حلقه جبرا وذلك أمر ممكن.

ص:21


1- -سورة الحجرات:12.
2- قوله: «ولها معنى صحيح لا يحكم بارتداده» لعلك تقدر على ما بين في الحاشية السابقة على استخراج أمثلة كثيرة لا نطيل الكلام بتفصيلها وقد مر في المجلد الثامن حديث طويل في عدم جواز تبرى أحد من غيره بعدم وجود ما عنده عنده قال الصادق (عليه السلام) فينبغي لنا أن نبرأ منكم. (ش)

باب من لم يناصح أخاه المؤمن

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن أبي حفص الأعشى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سعى في حاجة لأخيه فلم ينصحه فقد خان الله ورسوله».(1)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سعى في حاجة لأخيه فلم ينصحه فقد خان الله ورسوله) خيانت با كسى دغلى وناراستى كردن، والنصح خلاف الغش فإذا لم ينصحه فقد غشه بتضييع حقوقه، ورفض سيرة العدل فيه، وقول الصدق في أمره، والدفع عن عرضه وحماية حوزته، وبذل السعي في حاجته، ومن غشه بشيء من ذلك فقد خانه فيما اعتمد عليه وجعله وسيلة إليه وواسطة بينه وبين حاجته، ومن خان مؤمنا فقد خان الله ورسوله فيما أراد من النصح للمؤمن وهو يظهر النصح ظاهرا ويعمل بخلافه باطنا وهذه خيانة عظيمة.

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أيما مؤمن مشى في حاجة أخيه فلم يناصحه فقد خان الله ورسوله».

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، وأبو علي الأشعري، عن محمد بن حسان جميعا، عن إدريس بن الحسن، عن مصبح هلقام قال: أخبرنا أبو بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أيما رجل من أصحابنا استعان به رجل من إخوانه في حاجة فلم يبالغ فيها بكل جهد فقد خان الله ورسوله والمؤمنين» قال أبو بصير: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تعني بقولك: والمؤمنين؟ قال: «من لدن أمير المؤمنين إلى آخرهم».(2)

* الشرح:

قوله: (من لدن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى آخرهم) لعل المراد بهم الأئمة (عليهم السلام) مع احتمال أن يراد

ص:22


1- -الکافی :362/2.
2- -الکافی :362/2.

بهم المؤمنون كلهم إلى يوم القيامة.

* الأصل:

4 - عنهما جميعا، عن محمد بن علي، عن أبي جميلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من مشى في حاجة أخيه ثم لم يناصحه فيها كان كمن خان الله ورسوله وكان الله خصمه».(1)

* الشرح:

قوله: (كان كمن خان الله ورسوله) التشبيه باعتبار أن خيانة المؤمن كخيانتهما أو باعتبار أن خيانته مستلزمة لخيانتهما، والقاصد للملزوم كالقاصد للازم وإن لمن يشعر به.

* الأصل:

5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن حسين بن حازم، عن حسين بن عمر بن يزيد، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من استشار أخاه فلم يمحضه محض الرأي سلبه الله عز وجل رأيه».(2)

* الشرح:

قوله: (من استشار أخاه فلم يمحضه محض الرأي سلبه الله عز وجل رأيه) أمحضه الود والنصيحة أخلصهما كمحضهما، والرأي العقل والتدبير وما اعتقده الإنسان وكل ذلك هنا محتمل،، ولعل السر في سلبه أنه نعمة جليلة وترك الشكر عليه بعدم العمل بمقتضاه كفران لتلك النعمة وكفرانها موجب لسلبها.

6 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن سماعة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أيما مؤمن مشى مع أخيه المؤمن في حاجة فلم يناصحه فقد خان الله ورسوله».

ص:23


1- -الکافی :363/2.
2- -الکافی :363/2.

باب خلف الوعد

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن أخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرض وذلك قوله:

(يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)(1)».(2)

* الشرح:

قوله: (عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له) أي كالنذر في جعله على نفسه أو في لزوم الوفاء به إلا أ نه لا كفارة له وهو اما للتخفيف أو للتغليظ على احتمال وهذا التشبيه، وقوله: (فمن اخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرض) يعني أن مخلف الوعد مخالف لأمر الله أو لا ومتعرض لمقته وغضبه واستشهاده بالآية وقوله في الحديث الآخر: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد» يدل على أن خلف الوعد حرام، والوفاء به واجب فينبغي للمؤمن أن لا يعد وإذا وعد أن يفي به وقد حث على الوفاء به قوله تعالى: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا)(3) قارن صدق الوعد بالرسالة والنبوة وقدمه عليهما لشدة الاهتمام به والحث عليه.

2 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف إذا وعد».

ص:24


1- -سورة الصف:2.
2- -الکافی :363/2.
3- -سورة مریم:54.

باب من حجب أخاه المؤمن

* الأصل:

1 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن حسان، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد جميعا، عن محمد بن علي، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):

«أيما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب ضرب الله عز وجل بينه وبين الجنة سبعين ألف سور، ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام».(1)

* الشرح:

قوله: (أيما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب ضرب الله بينه وبين الجنة سبعين ألف سور، ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام) سيأتي هذا في الحديث الآخر مع زيادة وهي «أن غلظ كل سور مسيرة ألف عام» أقول: لا نعلم أنها ألف عام الدنيا أو ألف عام الآخرة، ثم الظاهر منه إرادة هذا العدد، ويمكن حمله على المبالغة في بعده عن الرحمة والجنة، أو على أ نه لا يدخلها إلا بعد زمان طويل يقطع فيه تلك المسافة البعيدة، أو على أن المراد بالجنة جنة معينة يدخل فيها من لم يحجب المؤمن والله يعلم.

* الأصل:

2 - علي بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن أحمد بن الحسين، عن أبيه، عن إسماعيل ابن محمد، عن محمد بن سنان قال: كنت عند الرضا صلوات الله عليه فقال لي: «يا محمد إنه كان في زمن بني إسرائيل أربعة نفر من المؤمنين فأتى واحد منهم الثلاثة وهم مجتمعون في منزل أحدهم في مناظرة بينهم فقرع الباب فخرج إليه الغلام فقال: أين مولاك؟ فقال: ليس هو في البيت فرجع الرجل ودخل الغلام إلى مولاه فقال له: من كان الذي قرع الباب؟ قال: كان فلان، فقلت له: لست في المنزل، فسكت ولم يكترث، ولم يلم غلامه، ولا اغتم أحد منهم لرجوعه عن الباب، وأقبلوا في حديثهم، فلما كان من الغد بكر إليهم الرجل فأصابهم وقد خرجوا يريدون ضيعة لبعضهم فسلم عليهم، وقال: أنا معكم؟ فقالوا له: نعم ولم يعتذروا إليه وكان الرجل محتاجا ضعيف الحال، فلما كانوا في بعض الطريق إذا غمامة قد أظلتهم فظنوا أنه مطر، فبادروا

ص:25


1- -الکافی :364/2.

فلما استوت الغمامة على رؤوسهم إذا مناد ينادي من جوف الغمامة أيتها النار خذيهم وأنا جبرئيل رسول الله، فإذا نار من جوف الغمامة قد اختطفت الثلاثة النفر وبقي الرجل مرعوبا يعجب مما نزل بالقوم ولا يدري ما السبب، فرجع إلى المدينة فلقي يوشع بن نون (عليه السلام) فأخبره الخبر وما رأى وما سمع، فقال يوشع بن نون (عليه السلام): أما علمت أن الله سخط عليهم بعد أن كان عنهم راض وذلك بفعلهم بك؟ فقال: وما فعلهم بي؟ فحدثه يوشع، فقال الرجل: فأنا أجعلهم في حل وأعفوا عنهم، قال: لو كان هذا قبل لنفعهم فأما الساعة فلا، وعسى أن ينفعهم من بعد».(1)

* الشرح:

قوله: (ولم يكترث) اكثراث «باك وفكر داشتن از چيزى» يقال: ما يكترث أي ما يبالي، والغمامة أخص من الغمام وهو السحاب سمى سحابا لانسحابه أي جريه في الهواء، وغماما لأنه يغم أي يغطي ويستر نور الشمس. والمرعوب من الرعب وهو الخوف تقول: رعبته فهو مرعوب إذا أفزعته. والسخط من الله التعذيب والعقوبة والمذكور في جميع النسخ راض، والوجه غير ظاهر، والظاهر «راضيا» بالنصب على أ نه خبر كان، ويفهم من هذا الحديث أ نه لو صدر عن أحد مثل هذه المبادرة كان عليه أن يبادر إلى الاعتذار لئلا يصيبه مثل ما أصابهم، ولئلا يرد على الله وهو ماقت وأن الحجب حرام.

3 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بكر بن صالح، عن محمد بن سنان، عن مفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أيما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب ضرب الله بينه وبين الجنة سبعين ألف سور، وغلظ كل سور مسيرة ألف عام [ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام]».

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له: جعلت فداك ما تقول في مسلم أتى مسلما زائرا [أو طالب حاجة] وهو في منزله، فاستأذن عليه فلم يأذن له ولم يخرج إليه؟ قال: يا أبا حمزة أيما مسلم أتى مسلما زائرا أو طالب حاجة وهو في منزله فاستأذن له ولم يخرج إليه لم يزل في لعنة الله حتى يلتقيا، فقلت: جعلت فداك في لعنة الله حتى يلتقيا؟ قال: نعم يا أبا حمزة».(2)

* الشرح:

قوله: (لم يزل في لعنة الله حتى يلتقيا) الظاهر أن مجرد الملاقاة غير كاف في رفع اللعنة والعقوبة، بل لابد من الاعتذار والعفو بقرينة ما مر.

ص:26


1- -الکافی :364/2.
2- -الکافی :365/2.

باب من استعان به اخوه فلم يعنه

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، وأبو علي الأشعري، عن محمد بن حسان، عن محمد بن علي، عن سعدان، عن حسين بن أمين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر».(1)

* الشرح:

قوله: (من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر) أي ولا يؤجر بما وقع عليه من الظلم، والبخل بالمعونة مستلزم لتركها وعدمها أي لم يعن أخاه إلا إبتلي، والظاهر أن عطف القيام على المعونة للتفسير والتأكيد مع احتمال أن يراد بالمعطوف القيام في حاجته عند غيره والسعي فيها وبالمعطوف عليه الإعانة في حاجته عنده، وربما يشعر به لفظ القيام وفاعل يأثم راجع إلى من وتعديته بعلى لتضمن معنى القهر أو الظلم ويندرج في معونة من يأثم عليه معونة الأعداء ومعونة الظالم وإن كان من أهل الإيمان.

2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أيما رجل من شيعتنا أتى رجلا من إخوانه فاستعان به في حاجته فلم يعنه وهو يقدر إلا ابتلاه الله بأن يقضي حوائج غيره من أعدائنا، يعذبه الله عليها يوم القيامة».

3 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن حسان، عن محمد بن أسلم، عن الخطاب بن مصعب، عن سدير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لم يدع رجل معونة أخيه المسلم حتى يسعى فيها ويواسيه إلا ابتلي بمعونة من يأثم ولا يؤجر».

* الأصل:

4 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن علي بن جعفر عن [أخيه] أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عز وجل».(2)

* الشرح:

قوله: (من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيرا في بعض أحواله) سواء استجار به في دفع الظلم عنه، أو في قضاء حاجة له عنده أو عند غيره.

ص:27


1- -الکافی :365/2.
2- -الکافی :366/2.

باب من منع مؤمنا شيئا من عنده أو من عند غيره

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وأبو علي الأشعري، عن محمد بن حسان، جميعا، عن محمد بن علي، عن محمد بن سنان، عن فرات بن أحنف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره أقامه الله يوم القيامة مسودا وجه مزرقة عيناه مغلولة يداه إلى عنقه فيقال: هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثم يؤمر به إلى النار».(1)

* الشرح:

قوله: (من منع مؤمنا شيئا مما يحتاج إليه... إلى آخره) مفاد أحاديث هذا الباب راجع إلى ما في الباب السابق إلا أنها لما وردت باسم خاص ونهي خاص وضع لها بابا آخر وأمثال هذه الأحاديث دلت على العقوبة بسبب خلاف المروة وترك الآداب والمرغبات وحملها على التغليظ أو المنع لأجل الإيمان أو للاستخفاف كما قيل في نظائرها ممكن والله أعلم، والظاهر أن مزرقة من الأفعلال. قال في كنز اللغة: ازرقاق «گربه چشم شدن».

* الأصل:

2 - ابن سنان، عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا يونس، من حبس حق المؤمن أقامه الله عز وجل يوم القيامة خمسمائة عام على رجليه حتى يسيل عرقه أو دمه وينادي مناد من عند الله: هذا الظالم الذي حبس عن الله حقه قال: فيوبخ أربعين يوما ثم يؤمر به إلى النار».(2)

* الشرح:

قوله: (حتى يسيل عرقه أو دمه... إلى آخره) الترديد من الراوي أو القضية منفصلة مانعة الخلو وفي بعض النسخ أودية جمع الوادي ولعل المراد بأربعين يوما زمان مقداره أربعون يوما من أيام الدنيا والموبخ المؤمنون أو الملائكة أو هما، وفيه دلالة على أن حق المؤمن حق الله عز وجل لكمال القرب أو لأنه تعالى جعلة حقا له وأول من دخل في هذا الوعيد الخلفاء الثلاثة ومن تبعهم لأنهم منعوا حق أول المؤمن وأفضلهم أمير المؤمنين (عليه السلام).

* الأصل:

3 - محمد بن سنان، عن مفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «من كانت له دار فاحتاج مؤمن إلى سكناها فمنعه إياها قال الله عز وجل: يا ملائكتي بخل عبدي على عبدي بسكنى الدار الدنيا وعزتي وجلالي لا يسكن جناني أبدا».(3)

ص:28


1- -الکافی :367/2.
2- -الکافی :367/2.
3- -الکافی :367/2.

* الشرح:

قوله: (قال الله عز وجل: يا ملائكتي بخل عبدي على عبدي بسكنى الدار الدنيا وعزتي وجلالي لا يسكن جناني أبدا) لا ريب في أنه بمجرد ذلك المنع لا يصير كافرا خارجا عن الإيمان من كل وجه، فلابد من التأويل والله ورسوله أعلم به، ويمكن أن يأول المنع بالمنع من أجل الإيمان فيصير كافرا، أو يراد بالجنان الجنان المعين وهو الجنان الذي يدخلها قاضي حوائج المؤمنين.

* الأصل:

4 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن علي بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنما هي رحمة من الله عز وجل ساقها إليه، فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا وهو موصول بولاية الله عز وجل، وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلط الله عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة، مغفور له أو معذب، فإن عذره الطالب كان أسوء حالا قال: وسمعته يقول: من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله تبارك وتعالى».(1)

* الشرح:

قوله: (وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلط الله عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة، مغفور له أو معذب) الشجاع ضرب من الحيات على الاستعارة سمي به لكثرة سمه القاتل، ولعل المراد به الحية حقيقة، واستبعاد بعض السفهاء بأنه لو كانت لرأيناها عند مشاهدة الميت في القبر واللازم باطل، وأيضا الميت تتفرق أجزاؤه فلا يتصور نهشه، ومدفوع بأن هذه الباصرة لا تقدر أن ترى ما في عالم الآخرة، وتفرق الأجزاء لا يدفع ذلك; لأن الله تعالى يقدر على جمعها وإن لم تبصره، وعلى إيصال الألم لم بكل جزء، ويمكن أن يراد بها الصفات الذميمة للنفس فإن كان واحدة بمنزلة حية تعذبها بعد فرقها من البدن وإن لم تجد ألمها قبله، وعلى هذا لا يتوجه الاستبعاد المذكور، ثم بالغ في تقبيح حاله بقوله: (فإن عذره الطالب كان أسوء حالا) أي رفع عنه اللوم، وقيل: عذره مع عدم العذر; لأن المفروض أنه قادر على قضاء الحاجة، ولعل وجه كونه أسوء حالا أنه خالف الله في عذره مع أنه لا منفعة له فيه بخلاف تارك القضاء فإنه خالفه لرفاهة نفسه ومنافعه، ومن البين أن المخالفة الأولى أشد وأقبح مع أن فيه الرضا بالمنكر، والميل إلى من أبغضه الله تعالى، وقد يقال: اسم كان يعود إلى الموصول مثل ضمير عذره.

ص:29


1- -الکافی :367/2.

باب من أخاف مؤمنا

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسى، عن الأنصاري، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله عز وجل يوم لا ضل إلا ظله».(1)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله عز وجل يوم لا ضل إلا ظله) يدخل في الوعيد كل ما يخيفه مثل الإشارة بالسيف والسكين ونحوها، ولعل الظل مستعار للجود والرحمة أو الحماية والستر، والوجه الراحة. فإن الملتجىء في راحة كالمستظل من حر الشمس.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي إسحاق الخفاف، عن بعض الكوفيين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من روع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار، ومن روع بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النار».(2)

* الشرح:

قوله: (من روع مؤمنا بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار) ترويع المؤمن وهو تفزيعه وتخويفه حرام ونوع من أذاه. ثم المروع إن كان كافرا فأمره ظاهر، وإن كان مؤمنا ولم يتب ولم يعتذر نقص بذلك إيمانه واستحق الوعيد المذكور وتدركه الشفاعة بعد العقوبة إن شاء الله تعالى.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي».(3)

* الشرح:

قوله: (من أعان على مؤمن بشطر كلمة) الإعانة عليه أعم من الإعانة على نفسه وماله وعرضه.

ومن أن تؤثر فيه تلك الكلمة أو لا.

ص:30


1- -الکافی :368/2.
2- -الکافی :368/2.
3- -الکافی :368/2.

باب النميمة

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا انبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال:

المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء المعايب».(1)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا انبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبراء المعايب) البراء ككرام جمع البريء، والبغي الطلب، والنم نقل الحديث لقصد الإفساد يقال: نم الرجل الحديث نما من بابي قتل وضرب سعى به، ليوقع فتنة أو وحشة فالرجل نم تسمية بالمصدر، ونمام مبالغة، والاسم النميمة، والنميم أيضا وهي قول الغير المنقول إلى المقول فيه كما يقول: فلان تكلم فيك بكذا وكذا، وينقله بالقول أم بالكتابة أم بالإشارة والرمز، وكثيرا ما يكون نقل ذلك القول نقصا أو عيبا في المحكي عنه موجبا لكراهته له وإعراضه عنه فهو راجع إلى الغيبة أيضا فالنمام كثيرا ما يجمع بين المعصيتين معصية الغيبة والنميمة، ومفاسدها أكثر من أن تحصى، ويجب على المنقول إليه أن لا يصدق الناقل لأنه فاسق وان ينهاه لأن نهيه من النصيحة وأن يبغضه لأنه مبغض عند الله، ويجب بغض من يبغضه الله سبحانه وأن لا يظن بالمنقول عنه شرا، ولا يحمله ذلك على التجسس عليه لأنه حرام بنص القرآن ولا يحكى ما نقل إليه لأنه يصير مثله نماما إلا أن يتضمن مصلحة شرعية كإخبار الإمام عمن يريد أن يوقع فسادا وكاخبار الرجل عمن يريد أن يفتك به أو بأهله أو بماله، وقد يجب ذلك بحسب المواطن.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن يوسف بن عقيل عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «محرمة الجنة على القتاتين المشائين بالنميمة».(2)

* الشرح:

قوله: (محرمة الجنة على القتاتين المشائين بالنميمة) القتات: النمام يقال: قت الحديث يقته

ص:31


1- -الکافی :369/2.
2- -الکافی :369/2.

إذا زوره وهيأه، وقيل: النمام الذي يكون مع القوم يتحدثون فينم عليهم، والقتات الذي يتسمع وهم لا يعلمون ثم ينم والقساس الذي يسأل عن الأخبار ثم ينمها، والحديث يحتاج إلى تأويل لأن الفسق لا يوجب الكفر الموجب للخلود في النار والحرمان من الجنة أبدا والحمل على المستحل، وعلى أن الجنة حرام عليه ابتداء ولا يدخلها إلا بعد انقضاء مدة العقوبة، أو على أن المراد بالجنة جنة معينة لا يدخلها القتات أبدا محتمل، والله أعلم.

3 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن الإصبهاني عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): شراركم المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة، المبتغون للبراء المعايب».

ص:32

باب الإذاعة

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن الله عز وجل عير أقواما بالإذاعة في قوله عز وجل:

(وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به)(1) فإياكم والإذاعة»(2).

* الشرح:

قوله: (إن الله عز وجل عير أقواما بالإذاعة في قوله: عز وجل: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به)(3) فإياكم والإذاعة) قال المفسرون: معناه إذا جاءهم مما يوجب الأمن أو الخوف أذاعوه وأفشوه كما إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو أخبرهم الرسول بما أوحى إليه من وعد بالظفر، أو تخويف من الكفرة أذاعوه من غير حزم وكانت إذاعتهم مفسدة، وهذا صريح في أن إذاعة الخبر إذا كانت مفسدة لا تجوز.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن محمد الخزاز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أذاع علينا حديثنا فهو بمنزلة من جحدنا حقنا.

قال: وقال لمعلى بن خنيس: المذيع حديثنا كالجاحد له».(4)

* الشرح:

قوله: (من أذاع علينا حديثنا فهو بمنزلة من جحدنا حقنا) المذيع والجاحد متشاركان في عد الإيمان وبراءة الإمام منهم وفعل ما يوجب لحوق الضرر، بل ضرر الإذاعة أقوى; لأن ضرر الجحد يعود إلى الجاحد، وضرر الإذاعة يعود إلى المذيع وإلى المعصوم وإلى المؤمنين، واعلم أ نه (عليه السلام) كان خائفا من أعداء الدين على نفسه المقدسة وعلى شيعته وكان في تقية شديدة منهم فلذلك نهى عن إذاعة خبر دال على إمامته وامامة آبائه وأولاده الطاهرين، وعلى ذم أعدائهم بل عن إذاعة أخبارهم في الشرائع والأحكام والحدود لكون أكثرها مخالفة لأحكام العامة المخترعة لأوهامهم الكاسدة وآرائهم الفاسدة ولم يجوز الإذاعة إلا إلى ثقة معتمد في دينه مأمون من الإذاعة وبالغ في

ص:33


1- -سورة النساء:83.
2- -الکافی :369/2.
3- -سورة النساء:83.
4- -الکافی :370/2.

الزجر عنها تارة بأن المذيع كالجاحد وتارة بأنه قاتل وتارة بأنه ليس بمؤمن وتارة بأنه شاك وتارة بأنه عاص وتارة بأنه مارق عن الدين وخارج عنه لعلهم يحذرون.

3 - يونس، عن ابن مسكان، عن ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الإيمان».(1)

4 - يونس بن يعقوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ ولكن قتلنا قتل عمد».

* الأصل:

5 - يونس، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دما فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك. فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا رب إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دما، فيقول: بلى سمعت من فلان رواية كذا وكذا، فرويتها عليه فنقلت حتى صار إلى فلان الجبار فقتله عليها وهذا سهمك من دمه».(2)

* الشرح:

قوله: (يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دما فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك... إلى آخره) المحجمة بكسر الأول قارورة الحجام، والواو في قوله: «وماندى دما» للحال والنداوة البلل أي ما نال دما ولم يصبه نداوته وبلله، وفي هذا الحديث وما قبله وما بعده دلالة واضحة على أن السبب يشارك القاتل المباشر في العقوبة، وعلى أن القول الباعث للقتل كالقتل ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «رب كلام كالحسام» وقال أيضا: «رب كلام أنفذ من السهام».

* الأصل:

6 - يونس، عن ابن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) وتلا هذه الآية: «(ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)(3) قال: والله ما قتلوهم بأيديهم ولا ضربوهم بأسيافهم ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فاخذوا عليها فقتلوا فصار قتلا واعتداء ومعصية».(4)

* الشرح:

قوله: (ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فاخذوا عليها فقتلوا فصار قتلا واعتداء ومعصية) أي فصارت الإذاعة من حيث أنها سبب للقتل قتلا، ومن حيث أنه ظلم على المقتول وإعانة للقاتل

ص:34


1- -الکافی :370/2.
2- -الکافی :371/2.
3- -سورة البقرة :61.
4- -الکافی :371/2.

اعتداء، ومن حيث إنه لا يجوز عند احتمال الضرر معصية فالمذيع متصف بهذه الثلاثة.

7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: «(ويقتلون الأنبياء بغير حق)(1)فقال: أما والله ما قتلوهم بأسيافهم ولكن أذاعوا سرهم وأفشوا عليهم فقتلوا».(2)

8 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله عز وجل عير قوما بالإذاعة، فقال: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) فإياكم والإذاعة».

9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان، عمن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أذاع علينا شيئا من أمرنا فهو كمن قتلنا عمدا ولم يقتلنا خطأ».

* الأصل:

10 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن نصر بن صاعد مولى أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: مذيع السر شاك وقائله عند غير أهله كافر ومن تمسك بالعروة الوثقى فهو ناج، قلت: ما هو؟ قال: التسليم».

* الشرح:

قوله: (مذيع السر شاك وقائله عند غير أهله كافر) لعل المراد أن مذيع السر عند مجهول الحال شاك بقرينة قوله: «وقائله - أي قائل السر - عند غير أهله وهو المذيع والمخالف، كافر» وأما إظهاره عند المؤمن المعتمد فجائز.

11 - علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن رجل من الكوفيين، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «إن الله عز وجل جعل الدين دولتين دولة آدم - وهي دولة الله - ودولة إبليس، فإذا أراد الله أن يعبد علانية كانت دولة آدم، وإذا أراد الله أن يعبد في السر كانت دولة إبليس، والمذيع لما أراد الله ستره مارق من الدين».

* الأصل:

12 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من استفتح نهاره بإذاعة سرنا سلط الله عليه حر الحديد وضيق المحابس».(3)

* الشرح:

قوله: (من استفتح نهاره بإذاعة سرنا) لعل ذكر الاستفتاح بذلك على سبيل التمثيل وإلا فالحكم غير مختص به.

ص:35


1- -سورة آل عمران:112.
2- -الکافی :371/2.
3- -الکافی :372/2.

باب من أطاع المخلوق في معصية الخالق

* الأصل:

1 - علي إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من طلب رضا الناس بسخط الله جعل الله حامده من الناس ذاما».(1)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من طلب رضا الناس بسخط الله جعل الله حامده من الناس ذاما) هذا النوع من الإنسان كثير منهم من ترك الإمام الحق واتبع الجائر طلبا لرضاه كأصحاب معاوية ويزيد عليهما اللعنة ويدخل في هذا النوع كل من أعان جائرا في جوره طلبا لرضاه كعساكر السلطان الجائر وغلمانه، والمتكفلين لأعماله، والمتكلمين على وفق مقاصده الخارجة عن القوانين الشرعية، ومنهم استعمل الحمية للحميم بالباطل، ومنهم شاهد الزور ومنهم من رجح جانب أحد المتخاصمين لمجرد صداقته، ومنهم من جمع المال من الحرام والشبهة طلبا لرضا أهله ووارثه، ومنهم من يساعد الرفقاء ويوافقهم في الغيبة وذكر عيوب الناس طلبا لرضاهم عنه بالمرافقة والموافقة، فإنهم قد يغتابون أحدا فيرى أنه لو أنكر وقطع المجلس استثقلوه ونفروا عنه فيساعدهم طلبا لرضاهم عنه، ويرى ذلك لجهله أنه من حسن المعاشرة، ويظن أنه مجاملة في الصحبة، ومنهم السلطان الذي لا يدفع ظلم عامله عن رعيته أو ظلم الرعايا بعضهم بعضا ولو فتشت أحوال الناس وجدت أكثرهم على هذه الخصلة الذميمة الموبقة، ثم هو بعد ما عليه في الآخرة من العقوبة التي لا مفر له منها يذمه في الدنيا والآخرة من يحمده في وقت النصرة أو من يتوقع منه الحمد فيترتب على فعله نقيض مقصوده أما في الدنيا فلأن حامده يعلم خيانته وجوره قطعا فيبغضه باطنا، وربما يلومه ظاهرا أو لايثق به في أمر من أموره، وأما في الآخرة فإن كل واحد منهما يتبرأ من الآخر كما نطق به القرآن الكريم.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله كان حامده من الناس ذاما ومن آثر طاعة الله بغضب الناس كفاه الله

ص:36


1- -الکافی :372/2.

عداوة كل عدو، وحسد كل حاسد، وبغي كل باغ وكان الله عز وجل له ناصرا وظهيرا».(1)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله كان حامده من الناس ذاما ومن آثر طاعة الله بغضب الناس كفاه الله عداوة كل عدو، وحسد كل حاسد، وبغي كل باغ وكان الله عز وجل له ناصرا وظهيرا) رغب في ترك تلك الخصلة ومعالجتها فإن اختيارها إما لتوقع المال والجاه والحمد والثناء من الناس، أو لدفع الخوف والضرر عن نفسه، وشئ من هذه الأمور لا يصلح لذلك إذ مع ما فيه الإعراض عن حمده تعالى والتعرض للعقوبة منه لعل الله تعالى يصرف قلوب العباد عنه فيجعل من يتوقع الحمد منه ذاما وعدوا له فيصير خاسر الدنيا والآخرة وفي العكس سعادتهما إذ من آثر طاعة الله بعضب الناس طالبا لحمده تعالى وخوفا من عقوبته كفاه الله عداوة كل عدو وحسد كل حاسد يريد زوال نعمته ويحتال لازالتها وبغي كل باغ متجاوز عن الحد في إيصال السوء إليه وايقاع المكروه عليه، إما بصرف قلوبهم عما أرادوا وإلقاء المحبة فيها فيجعلهم محبين حامدين له بعد ما كانوا مبغضين معاندين له، أو بنصرته عليهم إن تبعوا أحكام الغضب ولو أجروا عليه الغضب كان الله عز وجل منتقما له في الآخرة.

* الأصل:

3 - عنه، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كتب رجل إلى الحسين صلوات الله عليه: عظني بحرفين، فكتب إليه: من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجيء ما يحذر».(2)

* الشرح:

قوله: (من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجيء ما يحذر) مثلا من طلب رضا المخلوق بمعصية الخالق يفوت رضاه ومدحه ويجد غضبه وذمه بخلاف من حاول رضاه تعالى بمعصية الخلق فإنه تعالى يجعله مادحا له وهذا أمر مشاهد مجرب فإن الناس مجبولون على حب الأمين المتدين العامل لله القاصد له في جميع حركاته وسكناته وهذا من جوامع الكلام في الزجر عن المنهيات والترغيب في الخيرات.

* الأصل:

4 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله، ولا دين لمن دان بفرية باطل على

ص:37


1- -الکافی :372/2.
2- -الکافی :373/2.

الله، ولا دين لمن دان بجحود شيء من آيات الله».(1)

* الشرح:

قوله: (لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله، ولا دين لمن دان بفرية باطل على الله، ولا دين لمن دان بجحود شيء من آيات الله) الفرية «دروغ بافتن» وهي أخص من العصيان وطاعة العاصي أعم من طاعته في المعصية وغيرها ولعل المراد بآيات الله الأئمة (عليهم السلام) أو الأعم وبالدين الطريقة النبوية ومن البين أنه لادين بهذا المعنى لمن دان بالأمور المذكورة; لأن هذه الأمور ليست من هذه الطريقة وأول من دخل في هذا الوعيد أتباع الخلفاء الثلاثة، ثم أتباع سلاطين الجور، ثم اتباع من دونهم من الفاسقين.

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام)، عن جابر بن عبد الله [الأنصاري] قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أرضى سلطانا بسخط الله خرج من دين الله».

ص:38


1- -الکافی :373/2.

باب في عقوبات المعاصي العاجلة

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خمس إن أدركتموهن فتعوذوا بالله منهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا اخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولو لا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم وعدوهم وأخذوا بعض ما في أيديهم، ولم يحكموا بغير ما أنزل الله [عز وجل] إلا جعل الله عز وجل بأسهم بينهم».(1)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمس إن دركتموهن فتعوذوا بالله منهن) هي: ظهور الفاحشة أي الزنا، ونقص المكيال والميزان، ومنع الزكاة، ونقض عهد الله ورسوله والحكم بغير ما أنزل الله، ويترتب على كل واحد منها عقوبة تناسبه فإن الأول لما كان فيه تضييع آلة النسل ناسبه الطاعون الموجب لانقطاعه، والثاني لما كان القصد فيه زيادة المعصية ناسبه القحط وشدة المؤونة وجور السلطان بأخذ المال وغيره، والثالث لما كان فيه منع ما أعطاه الله بتوسط الماء ناسبه منع نزول المطر من السماء، والرابع لما كان فيه ترك العدل والحاكم العادل ناسبه تسلط العدو وأخذ الأموال، والخامس لما كان فيه رفض الشريعة وترك القوانين العدلية ناسبه وقوع الظلم بينهم وغلبة بعضهم على بعض، وفيه تنبيه على أن لهذه الأمور تأثيرا عظيما في نزول هذه البلايا وورود هذه المصائب لاستعداد أهلها بالانهماك فيها وعدم المبالاة بها لسخط الله وعقوبته وأشار بقوله:

(ولو لا البهائم لم يمطروا) إلى أن وجود البهائم رحمة للناس وسبب لوصول فيض الحق إليهم، وذلك لأن بقاء البهائم ونشوءها بالماء والكلاء وهو متوقف على نزول المطر من السماء فإذا نزل المطر رعاية لحالها وحفظا لنظام أحوالها انتفع به بنو آدم أيضا كما دلت عليه حكاية النملة واستسقائها وقولها: «اللهم لا تؤاخذنا بذنوب بني آدم» وكما أن عقوبة الله عز وجل قد تعم الأبرار بشؤم الأشرار كذلك رحمته قد تعم الأشرار لرعاية الضعفاء والأخيار، ولعل المراد بعهد الله وعهد

ص:39


1- -الکافی :373/2.

رسوله هو العهد بنصرة الإمام الحق واتباعه في جميع الامور، وظاهر أن ذلك موجب لظهور العدل بينهم وحفظ أموالهم ودمائهم وقطع أيدي الأعداء عنهم وأن نقض ذلك العهد والهجران عن الإمام موجب لتسلط سلطان الجور عليهم وأخذ أموالهم وسفك دمائهم كما هو مشاهد الآن في أقطار الأرض وأما جعل بأسم بينهم وهو القوة والشدة والعذاب فكأن المراد به غلبة بعضهم على بعض بالتعدي والطغيان ومعاونة بعضهم لبعض على الظلم والعدوان والله أعلم.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد جمعيا، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «وجدنا في كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا ظهر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة وإذا طفف المكيال والميزان أخذهم الله بالسنين والنقص وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها وإذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم والعدوان وإذا نقضوا العهد سلط الله عليهم عدوهم وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلط الله عليهم شرارهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم».(1)

* الشرح:

قوله: (وإذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم والعدوان); لأن الرافع للتعاون على الظلم والعدوان والباعث للتعاون على البر والتقوى والإحسان هو العدل، فإذا ارتفع العدل وتحقق ضده وهو الجور تحقق التعاون على الظلم والعدوان في النفس والمال والعرض وذلك موجب لتبدد النظام المطلوب عقلا وشرعا.

قوله: (وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار) أول الأرحام وأولاها بالوصل رحم آل محمد والأئمة صلى الله عليه وعليهم أجمعين وقطعها يوجب وقوع أموال المؤمنين والأبرار في أيدي الفجرة والأشرار كما وقع في الصدر الأول واستمر إلى الآن، ثم أرحام المؤمنين وقطعها يوجب انقطاع النسل الموجب لوقوع الأموال في أيدي الأشرار، أو يوجب وقوع المخالفة بينهم وعدم معاونة بعضهم بعضا، وذلك يوجب طمع الأشرار في أموالهم وأخذها منهم ظلما (وإذا لم يأمروا بالمعروف... إلى آخره) يحتمل ترتب التسليط على ترك كل واحد من الأمرين المذكورين، وعلى تركهما جميعا، ووجه عدم استجابة دعاء الخيار هو استحكام الغضب وبلوغه حد الحتم والإبرام، ألا يرى أنه لم تقبل شفاعة خليل الرحمن لقوم لوط كما يدل عليه قوله تعالى:

(يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود)(2)؟

ص:40


1- -الکافی :374/2.
2- -سورة هود :76.

باب مجالسة أهل المعاصي

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي زياد النهدي، عن عبد الله بن صالح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلسا يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره».(1)

* الشرح:

قوله: (لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلسا يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره) المراد بمعصية الله ترك أوامره وفعل نواهيه، كبيرة كانت أو صغيرة، حق الله كان أو حق الناس. ومن جملة ذلك اغتياب المؤمن وذكره بما يكرهه فإن فعل أحد شيئا من ذلك وقدرت على تغييره ومنعه منه فغيره أشد تغيير حتى يسكت عنه وينزجر ولك ثواب المجاهدين وإن خفت منه فاقطعه وانقله بالحكمة من أمره إلى أمر آخر جائز ولو بنحو من التقريب ولابد أن يكون التغيير بالقلب واللسان لا باللسان وحده والقلب مائل إليه فإن ذلك نفاق وفاحشة اخرى، وإن لم تقدر عليه فقم ولا تجلس معه فإن لم تقدر على القيام أيضا فأنكره بقلبك وامقته في نفسك، وكن كأنك على الرضف فإن الله تعالى مطلع على سرائر القلوب وأنت عنده حينئذ من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وإن لم تنكر ولم تقم مع القدرة على الإنكار والقيام فقد رضيب بالمعصية فأنت وهو حينئذ سواء في الإثم كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «المستمع أحد المغتابين» وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:

«السامع للغيبة أحد المغتابين».

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن بكر بن محمد، عن الجعفري قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «مالي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب؟ فقال: إنه خالي، فقال: إنه يقول في الله قولا عظيما، يصف الله ولا يوصف، فإما جلست معه وتركتنا، وإما جلست معنا وتركته، فقلت:

هو يقول ما شاء، أي شيء علي منه إذا لم أقل ما يقول؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا؟ أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى (عليه السلام) وكان أبوه من أصحاب فرعون فلما لحقت خيل فرعون موسى تخلف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى فمضى أبوه وهو

ص:41


1- -الکافی :374/2.

يرغمه حتى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا فاتي موسى (عليه السلام) الخبر، فقال: هو في رحمة الله ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع»؟ (1)

* الشرح:

قوله: (فإما جلست معه وتركتنا وإما جلست معنا وتركته) دل على أنه ينبغي عدم الجلوس مع من يجالس أهل المعاصي وإن لم يكن هو من أهلها.

(وهو يراغمه حتى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا) المراغمة المغاضبة تقول: راغمته إذا غاضبته، وغرقه في البحر مع كونه في طاعة الله تعالى بنصيحة أبيه وهدايته لأجل مقاربة المذنب فمن قارب المذنب ولم تكن تلك المقاربة طاعة فهو أولى بالمؤاخذة وأمره في الآخرة شديد.

* الأصل:

3 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أ نه قال: «لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المرء على دين خليله وقرينه».(2)

* الشرح:

قوله: (لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم); لأن من تشبه بقوم فهو منهم، ويفهم منه أن حسن الحال عند الناس مطلوب، وربما كان ذلك سببا لحسن حاله عند الله تعالى; لأن الله تعالى لا يرد شهادة المؤمنين له فما ذهب إليه فرقة من الملامتيه باطل، وينبغي أن يعلم أن الناس إما أهل الخير والصلاح، وإما أهل الشر والفساد والواجب على الفرقة الأولى التعاون والتآلف والتودد فيما بينهم، والقيام بأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى الفرقة الثانية مع وجود الشرائط وإلا وجب عليهم المهاجرة عنهم وبما قررنا يظهر وجه الجمع بين الأخبار التي يدل بعضها على مدح الاعتزال وبعضها على مدح الاجتماع، وبعضها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبطل قول من رجح الاعتزال مطلقا وقد بسطنا الكلام في صدر الكتاب.

ثم بالغ في الزجر عن مصاحبة أهل البدع بقوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) المرء على دين خليله وقرينه) أي ظاهرا وباطنا أما ظاهرا فظاهر لأنه عند الناس مثلهم، وأما باطنا فلأن النفس مائلة إلى الشرور فتميل إلى طبع الجليس سريعا وتسكن إليه فتستعد لصدور ما يصدر عنه من الامور المنكرة، ويعكس الأمر إذا كان الجليس زاهدا متورعا عالما متدينا.

ص:42


1- -الکافی :374/2.
2- -الکافی :375/2.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة».

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم) الريب الشك ومن علاماته المساهلة في الدين وترك الأوامر وفعل النواهي وعدم الاعتناء بهما، والبدعة اسم من الابتداع (1) وهو الاحداث ثم غلب استعمالها فيما هو زيادة أو نقصان في الدين، والمراد بسبهم الإتيان بكلام يوجب الاستخفاف بهم.

قال الشهيد الثاني: يصح مواجهتهم بما يكون نسبته إليهم حقا لا بالكذب (2) وهل يشترط جعله على طريق النهي فتشترط شروطه أم يجوز الاستخفاف بهم مطلقا؟ ظاهر النص والفتاوى الثاني والأول أحوط. ودل على جواز مواجهتهم بذلك وعلى رجحانها رواية البرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا ظاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة» (3) ومرفوعة محمد بن بزيع «من تمام العبادة الوقيعة في أهل الريب» انتهى. والوقيعة اللوم والذم والعيب. تقول: وقعت في فلان وقوعا ووقيعة إذا عبته وذممته، وبفلان إذا لمته، والبهت التحير والدهش، ولعل المراد به (4) إلزامهم

ص:43


1- قوله: «والبدعة اسم من الابتداع» وليست بهذا المعنى شيئا مذموما مطلقا; لأن الأمر الحادث الذي لم يكن على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة على ما في قواعد الشهيد، فكتابة القرآن والحديث في مجلد بين الدفتين كان أمرا حادثا بعد رسول (صلى الله عليه وآله) وهو واجب حفظا للكتاب والسنة، وايجاد المدارس وتدوين علم النحو واللغة، وتأليف الكتب فيها حادث مستحب، والتوسع في النعيم والتنوع في الأطعمة والألبسة وتزيين البناء وأمثالها مكروهة، وكل حادث نهى عنه الشرع بدعة محرمة واختراع عبادة لم يأمر بها عموما ولا خصوصا محرمة كذلك، وفي البدع امور مباحة لم ينه الشارع عنها ولم يأمر بها، وقالوا: أول بدعة حدثت بعد رسول الله استعمال المنخل لنخل الدقيق، ولكن غلب في استعمال أهل الشرع إطلاق البدعة على خصوص ما حرم منها، ولا يسمى عند المتأخرين غيره بدعة (ش).
2- قوله: «نسبته إليهم حقا لا بالكذب» فلا يجوز نسبة شيء إلى أحد، وإن كان مبتدعا إلا إذا كانت صادقة، فلا يجوز نسبة الكفر إليه إن لم يقل كلمة تدل على كفره (ش).
3- الوسائل أبواب آداب العشرة من كتاب الحج ب 154.
4- قوله: «والبهت والتحير والدهش ولعل المراد به» وربما يختلج في ذهن بعض العوام أنه يجوز البهتان والافتراء على أهل البدع بأن ينسب إليهم كفر لم يتفوهوا به لمزيد تنفير الناس عنهم وهو غلط واضح بل البهتان كذب وهو حرام كما مر من قول الشهيد (قدس سره) (ش).

بالحجج البالغة لينقطعوا ويبهتوا كما بهت الذي كفر في محاجة إبراهيم (عليه السلام) وكل ذلك. (كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم) فإنك إذا وقعت فيهم وأظهرت بدعهم ولمتهم بها يتركون الفساد، ويحذر منهم الناس ولا يتعلمون من بدعتهم، ولا يكتسبونها خوفا من الله، أو من الوقيعة، واعلم أن لخلاف الحق درجات متفاوتة منهم الكافر، والإعراض عنه وعداوته وبغضه لازم وإن كان أهل الذمة والأمان، ومنهم المبتدع وهو الذي يرتكب البدعة ويدعو الناس إليها، ومنهم أهل المعصية التي فيها إيذاء الخلق، كالظلم، والشهادة الزور، والحكم بخلاف الحق، والهجو، والغيبة. وفهم أهل المعصية التي فيها إيذاء الخلق كالظلم وشهادة الزور والحكم بخلاف الحق والهجو والغيبة، ومنهم أهل المعصية التي لا تؤذي الخلق كشرب الخمر وترك الصلاة، وهؤلاء يجب زجرهم عن المعصية فإن قبلوا وتابوا وإلا وجب الوقوع فيهم وتشهيرهم لما ذكر. ثم رغب فيما ذكر بقوله:

(يكتب الله لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة) فيا عجبا لمن يدعي الفضل حيث يجالس الشاربين للخمور والشاغلين بالنرد والطنبور، والمؤذين للمؤمنين بالغيبة وقول الزور، والعاملين بجميع أنواع المعصية والفجور، وهو يتكلم على وفق مرادهم بغمض عن فسادهم حبا للشهرة والرئاسة وطلبا لما في أيديهم من متاع الدنيا للخساسة.

* الأصل:

5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن يوسف، عن ميسر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا الكذاب».

الشرح:

قوله: (لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا الكذاب) الفاجر الفاسق، والأحمق الناقص العقل من الحمق وهو نقصان العقل وفساده، وقيل: هو من يسبق كلامه فكره ولا يتأمل في نطقه أهو صواب أم خطأ، وإليه يرشد قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه» والكذاب المبالغ في الكذب المشتهر به، وهؤلاء لا ينفعون في الدين والدنيا فلا خير في مواخاتهم وصداقتهم.

* الأصل:

6 - عنه، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن سالم الكندي، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)

ص:44

قال: «كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه إذا صعد المنبر قال: ينبغي للمسلم أن يجتنب مواخاة ثلاثة: الماجن والأحمق والكذاب، فأما الماجن فيزين لك فعله ويحب أن تكون مثله ولا يعينك على أمر دينك ومعادك ومقارنته جفاء وقسوة، ومدخله ومخرجه عليك عار، وأما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه وربما أراد منفعتك فضرك، فموته خير من حياته وسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه، وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش ينقل حديثك وينقل إليك الحديث، كلما أفنى احدوثة مطها باخرى حتى أ نه يحدث بالصدق فما يصدق ويغري بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم».(1)

* الشرح:

قوله: (ينبغي للمسلم أن يجتنب مواخاة ثلاثة: الماجن والأحمق والكذاب) مجن مجونا من باب قعد صلب وغلظ وهزل ورفث أي أفحش في منطقه، ولا يبالي قولا وفعلا فهو ماجن وقد بالغ في الزجر عن مواخاة الأحمق بقوله:

(وربما أراد منفعتك فضرك) وذلك لأنه لا يعرف موارد الكلام وحقائق الامور وآثارها وفوائدها ومفاسدها ومنافعها ومضارها، فربما يقول شيئا مثلا ويعتقد أنه نافع وهو ضار، وأشار إلى بعض من صفات الكذاب الداعية إلى ترك مواخاته بقوله:

(وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش ينقل حديثك وينقل إليك الحديث) وبذلك يفتح بينك وبين بني نوعك باب الفساد الذي لا يمكن سده بشيء.

(كلما أفنى احدوثة مطها باخرى) أي مدها والأحدوثة واحد الأحاديث وهي ما يتحدث به، (حتى أنه يحدث بالصدق فما يصدق); لأن الكذوب قد يصدق إلا أنه لا يصدق لشهادة حاله على كذب مقاله (ويغري بين الناس بالعداوة) للافتراء عليهم ونقل كلام كل إلى الآخرين (فينبت السخائم في الصدور) السخيمة والسخمة بالضم الحقد، وفي بعض النسخ الشحناء بالشين والحاء المهملة وهو البغض والحدق وفي بعضها «الشجنا» بالشين والجيم من الشجن بالتحريك وهو الهم والحزن، والكل مناسب، والإنبات استعارة تبعية وهذه الخصلة هي ثمرة مصاحبة الكذابين وهي خصلة شنيعة ذميمة لكونها منافية للنظام، قاطعة للالتئام، مؤدية إلى شيوع القتل والنهب والسبي في الأنام.

(فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم) لما كان الكذاب ذليلا في نفسه مذلا لغيره وبين (عليه السلام) مضاره نبه

ص:45


1- -الکافی :376/2.

هنا بأنه لابد لكل أحد من أن ينظر لنفسه ويعرف حال من يريد مؤاخاته ومصادقته ولا يعتمد على ظاهر حاله في بادىء الرأي لئلا يتخذ مصاحبا ذليلا مذلا.

* الأصل:

7 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن عذافر، عن بعض أصحابه، عن محمد بن مسلم أو أبي حمزة، عن أبي عبد الله، عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال لي علي بن الحسين صلوات الله عليهما: يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا توافقهم في طريق فقلت: يا أبه من هم؟ قال: إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك باكلة أو أقل من ذلك، وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل في ثلاث مواضع: قال الله عز وجل: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)(1) وقال: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)(2) وقال: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون)»(3).

* الشرح:

قوله: (إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب) السراب كثيرا ما يطلق على الآل اللامع في المفازة بصورة الماء ويطلق أيضا على كل ما لا حقيقة له، وقوله: «يقرب... إلى آخره» إشارة إلى وجه الشبه كما فسرناه آنفا.

(وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك باكلة) هي بضم الهمزة اللقمة وبفتحها مرة من الأكل ونظيره قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «إياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه» أي باليسير الحقير وذلك لأنه سهل عليه خلاف الديانة فلا يحفظ حق المصادقة.

چو فاسق ديانت ندارد يقين * تو خود را بلقمه فرخته ببين (وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه) خذلته وخذلت عنه من باب قتل والاسم الخذلان إذا تركت نصرته واعانته وتأخرت عنه وهجرته والظاهر أن أحوج منصوب على الحال من الكاف، و «ما» مصدرية، وضمير إليه راجع إلى البخيل أو إلى ماله.

ص:46


1- -سورة محمد:22.
2- -سورة الرعد:25.
3- -الکافی :376/2.

قوله: (قال الله عز وجل: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)) أي فهل يتوقع منكم أن توليتم امور الناس وتأمرتم عليهم أو توليتم عن الإسلام وأعرضتم عنه أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي وتقطعوا أرحامكم وتظلموا في الولاية وتقاتلوا الأقارب؟ وفيه توبيخ يعني أن لضعفكم في الدين وحرصكم على الدنيا يتوقع ذلك منكم أولئك المذكورون الذين لعنهم الله لإفسادهم وقطعهم الأرحام فأصمهم عن استماع الحق وقبوله وأعمى أبصارهم فلا يهتدون سبيله.

(وقال: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)(1)) لله تعالى عهود، عهد أخذه بالعقل على عباده بإراءة آياته في الآفاق والأنفس وبما ركز فيه من إقامة الحجة على وجود الصانع وقدرته وتوحيده وعهد أخذه عليهم بان يقروا بربوبيته وأقروا وقالوا: بلى حين قال: (ألست بربكم). وعهد أخذه على أهل الكتاب في الكتب المنزلة على أنبيائهم بتصديق محمد (صلى الله عليه وآله) وعهد أخذه على الأمم بأن يصدقوا نبيا بعث إليهم بالمعجزات ويتبعوه ولا يخالفوا حكمه، وعهد أخذه عليهم بالولاية للأوصياء. وعهد أخذه على العلماء بأن يعلموا الجهال ويبينوا ما في الكتاب ولا يكتموه. وعهد أخذه على النبيين بأن يبلغوا الرسالة ويقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه وقد وقع النقض في جميع ذلك إلا في الأخير والضمير في ميثاقه للعهد، وقال المفسرون: هو اسم لما يقع به الوثاقة وهي الاستحكام والمراد ما وثق الله به عهده من الآيات والكتب أو ما وثقوه به من الالتزام والقبول. و «أن يوصل» في محل الخفض على أنه بدل الاشتمال من ضمير «به» وقطعهم شامل لقطع رحم محمد (صلى الله عليه وآله) وترك الوصل بأوصيائه الطاهرين وقطع رحم الأقربين وقطع موالاة المؤمنين وقطع ما بين الأنبياء والمرسلين من الوصلة والاجتماع على الحق بالإيمان ببعض والكفر ببعض. والافساد في الأرض شامل لكل ما يجوز شرعا كالمنع من الإيمان والاستهزاء بالحق وأهله والقتل والنهب ونحوها.

* الأصل:

8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن شعيب العقرقوفي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن قول الله عز وجل: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها)(2)... إلى آخر الآية، فقال: «إنما عنى بهذا [إذا سمعتم] الرجل [الذي] يجحد الحق ويكذب به ويقع في الأئمة فقم من عنده ولا تقاعده كائنا من كان».ز

ص:47


1- -سورة الرعد:25.
2- -سورة النساء:140.

* الشرح:

قوله: (ولا تقاعده كائنا من كان) أي سواء كان من أهل ملتك أم من أهل الخلاف فإنه لا بد من القيام وترك مجالسته إذا لم يمكنك نهيه عن المنكر وإلا وجب نهيه وإذا لم يمكن النهي والقيام للتقية والخوف منه أو من غيره وجب إنكاره قلبا كما دلت عليه روايات أخر وقد مر تفسير الآية الكريمة في باب «أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها» فلا نعيده.

9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن عبد الأعلى ابن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس مجلسا ينتقص فيه إمام أو يعاب فيه مؤمن».

* الأصل:

10 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبة».(1)

* الشرح:

قوله: (قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبة) أي لا يقوم مقام تهمة وشك ولا يجلس فيه فإنه يتهم بالفسق ظاهرا عند الناس وقد يتلوث به باطنا لقلق قلبه وقبوله الشك والفسق من الجليس. قال في المغرب: رابه ريبا شككه والريبة الشك والتهمة ومنها الحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» فإن الكذب ريبة وإن الصدق طمأنينة أي ما يشكك ويحصل فيك الريبة وهي في الأصل قلق النفس واضطرابها، ألا ترى كيف قابلها بالطمأنينة، وهي السكون وذلك أن النفس لا تستقر متى شكت في أمر وإذا أيقنته سكنت واطمأنت.

11 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة عن عبد الأعلى قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخرة فلا يقعدن في مجلس يعاب فيه إمام أو ينتقص فيه مؤمن».

* الأصل:

12 - الحسين بن محمد، عن علي بن محمد بن سعد، عن محمد بن مسلم، عن إسحاق بن موسى قال: حدثني أخي وعمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ثلاثة مجالس يمقتها الله ويرسل نقمته على أهلها فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم: مجلسا فيه من يصف لسانه كذبا في فتياه، ومجلسا ذكر أعدائنا فيه جديد وذكرنا فيه رث، ومجلسا فيه من يصد عنا وأنت تعلم، قال: ثم تلا أبو

ص:48


1- -الکافی :377/2.

عبد الله (عليه السلام) ثلاث آيات من كتاب الله كأنما كن في فيه - أو قال [في] كفه -: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم). (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره). (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب)».(1)

* الشرح:

قوله: (ثلاثة مجالس يمقتها الله ويرسل نقمته... إلى آخره) المراد بالنقمة - بفتح النون وكسر القاف أو سكونها - إما العقوبة الدنيوية أو اللعنة، وبالرث البالي الخلق، والهين الضعيف وبمن يصد من يصد عنهم (عليه السلام) في ذلك المجلس أو أعم فيفهم عدم مجالسة الصاد عنهم مطلقا، ويؤيد الثاني قوله «وأنت تعلم» أي وأنت تعلم به من يصدعنا وإن لم تعلم فلا حرج عليك في مجالسته إذ لا تكليف بالمهاجرة عنه مع عدم العلم بحاله، وبسب الله عز وجل سبهم (عليه السلام) وإنما نسب سبهم إلى ذاته المقدسة تشريفا وتعظيما لهم وليس المراد سب الله عز وجل حقيقة لأن أحدا لا يسبه كما وقع التصريح به في بعض الروايات، وبالآيات أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد وقع التصريح به في بعض الروايات وربما يؤيده تذكير الضمير في غيره.

* الأصل:

13 - وبهذا الإسناد، عن محمد بن مسلم، عن داود بن فرقد قال: حدثنى محمد بن سعيد الجمحي قال: حدثني هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا ابتليت بأهل النصب ومجالستهم فكن كأنك على الرضف حتى تقوم فإن الله يمقتهم ويلعنهم فإذا رأيتهم يخوضون في ذكر إمام من الأئمة فقم فإن سخط الله ينزل هناك عليهم».(2)

* الشرح:

قوله: (فكن كأنك على الرضف حتى تقوم) الرضف الحجارة المحماة الواحدة رضفة مثل تمر وتمرة وفي كنز اللغة رضف «سنگى كه گرم ميسازند وبآن شتر را داغ ميكنند وگوشت را بريان ميكنند».

14 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من قعد عند ساب لأولياء الله فقد عصى الله تعالى».

* الأصل:

15 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن القاسم بن عروة، عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من قعد في مجلس يسب فيه إمام من الأئمة، يقدر على الانتصاف فلم يفعل ألبسه الله الذل في الدنيا وعذبه في الآخرة وسلبه صالح ما من به عليه

ص:49


1- -الکافی :378/2.
2- -الکافی :379/2.

من معرفتنا».(1)

* الشرح:

قوله: (من قعد في مجلس يسب فيه إمام من الأئمة يقدر على الانتصاف) من الانتصاف أن يقتله إذا لم يخف على نفسه أو عرضه أو ماله أو على مؤمن آخر وقد سئل الصادق (عليه السلام) عمن سمع يشتم عليا (عليه السلام) ويبرأ منه فقال: هو حلال الدم. وإضافة «صالح» إلى الموصول في قوله (وسلبه صالح ما من به من معرفتنا) إما بيانية فيفيد سلب المعرفة وإما لامية فيفيد سلب الأعمال الصالحة عنه.

* الأصل:

16 - الحسين بن محمد، ومحمد بن يحيى، عن علي بن محمد بن سعد، عن محمد بن مسلم، عن الحسن بن علي بن النعمان، قال: حدثني أبي علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن اليمان بن عبيد الله قال: رأيت يحيى بن أم الطويل وقف بالكناسة ثم نادى بأعلى صوته: معشر أولياء الله، إنا براء مما تسمعون من سب عليا (عليه السلام) فعليه لعنة الله ونحن براء من آل مروان وما يعبدون من دون الله، ثم يخفض صوته فيقول: من سب أولياء الله فلا تقاعدوه ومن شك فيما نحن عليه فلا تفاتحوه، ومن احتاج إلى مسألتكم من إخوانكم فقد خنتموه، ثم يقرأ: (إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا)(2)(3).

* الشرح:

قوله: (رأيت يحيى بن أم الطويل وقف بالكناسة) يحيى بن أم الطويل المطعمي من أصحاب الحسين (عليه السلام) وقال الفضل بن شاذان: لم يكن في زمن علي بن الحسين (عليهما السلام) في أول أمره إلا خمسة أنفس وذكر من جملتهم يحيى بن أم الطويل وروي عن الصادق (عليه السلام) قال: «ارتد الناس بعد قتل الحسين (عليه السلام) إلا ثلاثة أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم، ثم إن الناس لحقوا وكثروا» وفي رواية اخرى مثله وزاد فيها: وجابر بن عبد الله الأنصاري، وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن الحجاج طلبه وقال: تلعن أبا تراب، وأمر بقطع يديه ورجليه وقتله.

(ومن شك فيما نحن عليه فلا تفاتحوه) أي فلا تحاكموه أو تبتدئوه بالمجادلة والمناظرة (ومن احتاج إلى مسألتكم من إخوانكم فقد خنتموه) إذ لابد من إعطائه قبل الطلب كما دل عليه بعض الروايات.

(وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل) في النهاية: المهل القيح والصديد الذي يذوب فيسيل من الجسد ومنه قيل للنحاس المذاب مهل، وفي الكشاف المهل: ما اذيب من جواهر الأرض وقيل دردي الزيت يشوي الوجوه من حرارته إذا قدم ليشرب، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) هو كعكر الزيت إذا قرب إليه سقطت فروة وجهه.

ص:50


1- -الکافی :379/2.
2- -سورة الکهف:29.
3- -الکافی :379/2.

باب أصناف الناس

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن سليم مولى طربال قال:

حدثني هشام، عن حمزة بن الطيار قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «الناس على ستة أصناف، قال:

قلت: أتأذن لي أن أكتبها؟ قال: نعم قلت: ما اكتب؟ قال: أكتب أهل الوعيد من أهل الجنة وأهل النار، واكتب (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: وحشي منهم، قال: واكتب (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) قال: واكتب (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا)(1) لا يستطيعون حيلة إلى الكفر، ولا يهتدون سبيلا إلى الإيمان (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) قال: واكتب أصحاب الأعراف، قال: قلت: وما أصحاب الأعراف؟ قال: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فإن أدخلهم النار فبذنوبهم وإن أدخلهم الجنة فبرحمته».(2)

* الشرح:

قوله: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): الناس على ستة أصناف) لعل وجه الحصر أن الناس إما مؤمن أو كافر أو لا هذا ولا ذاك، والأخير هم المستضعفون الذين لا يقرون بالحق ولا ينكرونه والثاني هم أهل النار قطعا والأول إما مؤمن كامل سابق بالخيرات لم يصدر منه ذنب أصلا أو لا، والأول هم أهل الجنة قطعا والثاني إما أن يتوب عن ذنبه أولا، والأول (وهم آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم) أي يقبل توبتهم والثاني إما أن تغلب حسناته على سيئاته أو لا، والأول هم (آخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) والأول هم أصحاب الأعراف. قال بعض المفسرين: الأعراف سور مضروب بين الجنة والنار وهو السور المذكور وفي قوله تعالى: (فضرب بينهم بسور له باب) قيل: أي حاجة إلى ضرب هذا السور والجنة فوق السماوات والجحيم في أسفل السافلين؟ وأجيب بأن بعد أحدهما عن الآخر (3)

ص:51


1- -سورة النساء:98.
2- -الکافی :381/2.
3- قوله: «أجيب بأن بعد أحدهما عن الآخر» إن كان غرض المجيب أن البشر ما داموا في الدنيا لا يعرفون تفاصيل امور الآخرة فلعل البعد بين الجنة والنار لم يكن مانعا من الرؤية، ويحتاج في المنع إلى سور، فله وجه; لأن البعد المكاني في الدنيا مانع من رؤية الأجرام الصغار دون الكبار كالكواكب الثابتة مع بعدها العظيم وأما الآخرة فأهل الجنة يرون أهل النار أو بالعكس صغيرا وكبيرا، ولا يجوز قياس الدنيا بالآخرة، اما إذا ضرب بينهما بسور أمكن منع الرؤية، وأما إن كان غرضه أن السور ضرب لغير منع الرؤية فهو بعيد عن سياق الآية، وربما يتوهم المبتدي أن النفوس المفارقة لا تطلع إلا على أنفسها، ومرتكزات خاطرها، ومعلوماتها المخزونة في ذاتها، ولا تعلم الموجودات الخارجة عن ذاتها إذ لا يعلم الأشياء الخارجة عن الذات إلا بالحواس، ولا حاسة بعد مفارقة البدن وهو غير موافق لما حققه الحكماء العارفون بهذا الشأن إذ المجرد يمكن أن يكون عالما بغيره بغير وساطة الجوارح وعاقلا له إذا كان ذلك الغير مجردا، وقالوا: إن المجرد قابل: لأن يصير مقارنا لمجرد آخر فيصح أن يصير معقولا; لأن العقل ليس إلا مقارنة العاقل للمعقول (ش).

لا يمنع أن يكون بينهما سور وحجاب وله أعلى وأسفل وعلى أعلاه رجال يعرفون كلا بسيماهم أجلسهم الله تعالى في ذلك المكان العالي إظهارا لشرفهم وليكونوا مشرفين مطلعين على أحوال الخلائق وهم كما كانوا في الدنيا شهداء على أهل الطاعة وعلى أهل الكفر والمعصية كذلك يكونون في الآخرة شهداء على كل أحد بما يليق به ثم إنه تعالى ينقلهم إلى الدرجات العلى في الجنة، وعلى أسفله قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم أوقفهم الله تعالى عليه لأنه درجة متوسطة بين الجنة والنار ثم يؤول أمرهم إلى الجنة بفضل الله تعالى إن شاء الله.

(قال اكتب أهل الوعيد من أهل الجنة وأهل النار) «من» بيان لأهل الوعيد وإشارة إلى صنفين من الأصناف الستة، وفي بعض النسخ «الوعد» بدون الياء بدل الوعيد، وفي بعضها الوعدين على صيغة التثنية.

(قال: وحشي منهم) هو قاتل حمزة ثم أسلم وقتل مسيلمة الكذاب كما هو المذكور في كتب السير على المشهور وأدرجه (عليه السلام) في هذا الصنف وأدرجه أبوه (عليه السلام) في الباب الثامن بعد هذا الباب في صنف المرجون لأمر الله، ولعل المراد بالمرجون في الباب الثامن المعنى الشامل للصنفين جميعا، والإرجاء التأخير وسموا بذلك; لأن حكمهم مؤخر إلى يوم القيامة حتى يأتي أمر الله عليهم.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن حماد، عن حمزة بن الطيار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «الناس على ست فرق، يؤولون كلهم إلى ثلاث فرق: الإيمان والكفر والضلال، وهم أهل الوعدين الذين وعدهم الله الجنة والنار: المؤمنون والكافرون، والمستضعفون والمرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والمعترفون بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وأهل الأعراف».(1)

ص:52


1- -الکافی :381/2.

* الشرح:

قوله: (الناس على ست فرق يؤولون كلهم إلى ثلاث فرق: الإيمان والكفر والضلال) لعل المراد بالإيمان الإيمان الكامل الذي لا يشوبه شيء من المعصية والمتصفون به هم السابقون المقربون وبالكفر انكار الحق والمتصفون به هم المخلدون في النار والضلال واسطة بينهما والمتصفون به على أربعة أقسام لأنهم إن وقفوا بين الإيمان والكفر فهم المستضعفون وإن اتصفوا بالإيمان والمعصية وتابوا عنها فهم المعترفون بذنوبهم وإن لم يتوبوا فإن نقصت المعصية عن الطاعة فهم المرجون لأمر الله وإن زادت عليها أو سواها فهم أهل الأعراف وضمير الجمع في قوله (وهم أهل الوعيد) راجع إلى ست فرق، وفي بعض النسخ بدل الوعيد «الوعدين» مثل السابق.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن زرارة قال: دخلت أنا وحمران - أو أنا وبكير - على أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له: إنا نمد المطمار قال: وما المطمار؟ قلت: التر، فمن وافقنا من علوي أو غيره توليناه ومن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه، فقال لي: يا زرارة قول الله أصدق من قولك، فأين الذين قال الله عز وجل: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا)؟ أين المرجون لأمر الله، أين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا؟، أين أصحاب الأعراف؟ أين المؤلفة قلوبهم؟! وزاد حماد في الحديث قال: فارتفع صوت أبي جعفر (عليه السلام) وصوتي حتى كاد يسمعه من على باب الدار، وزاد فيه: جميل، عن زرارة: فلما كثر الكلام بيني وبينه قال لي: يا زرارة حقا على الله أن لا يدخل الضلال الجنة».(1)

* الشرح:

قوله: (دخلت أنا وحمران - أو أنا وبكير - على أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: إنما نمد المطمار، قال: وما المطمار؟ قلت التر) الترديد إما من زرارة أو من راويه، والتر بالضم الخيط يقدر به البناء ويمد عليه يقول الرجل لصاحبه عند الغضب: لأقيمنك على التر.

(فمن وافقنا من علوي أو غيره توليناه ومن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه) كان مراده بالموافق مؤمن مستقر إيمانه ليس عليه كبيرة كما هو مذهب الخوارج والكبيرة عندهم كفر، فخرج بالأول من جحد الله أو رسوله أو الحجة (عليه السلام) والمستضعف الذي لا يعرف الحق ولا ينكره، وبالثاني المؤلفة وهم الذين آمنوا ولم يستقر الإيمان في قلوبهم لقرب عهدهم بالجاهلية وسموا بها، لأن

ص:53


1- -الکافی :382/2.

النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعطيهم الزكاة والصدقات لتأليف قلوبهم، وبالثالث الكبيرة وهم المرجون لأمر الله والذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، وأصحاب الأعراف ودخل هؤلاء كلهم عنده في المخالف الذي يجب التبرؤ منه.

(فقال لي: يا زرارة قول الله أصدق من قولك) وهو وعد المستضعفين ومن بعدهم من الأصناف المذكورة بالجنة فلا يجوز إدخالهم في المخالف والتبرؤ منهم كما يتبرىء منه.

(وزاد حماد في الحديث قال:) أي زاد حماد في هذا الحديث عن زرارة قال زرارة: (فارتفع صوت أبي جعفر (عليه السلام) وصوتي حتى يكاد يسمعه من على باب الدار) دل على سوء أدب زرارة وانحرافه (1) والحق أنه من أفاضل أصحابنا أنه منزه عن مثل ذلك وكأن قوله هذا كان قبل استقراره على المذهب الصحيح أو كان قصده معرفة كيفية المناظرة في هذا المطلب وتحصيل المهارة فيها ليناظر مع الخوارج وأضرابهم ورأى أن المبالغة فيها لا تسوؤه (عليه السلام) بل تعجبه، والله يعلم.

(وزاد فيه جميل عن زرارة فلما كثر الكلام بيني وبينه قال لي: يا زرارة حقا على الله أن لا يدخل الضلال الجنة) المراد بالضلال المستضعفين وغيرهم من الأصناف المذكورة فهم ليسوا بكفار لدلالة الروايات الصحيحة والمعتبرة وإجماع الفرقة الناجية على أن الكفار لا يدخلون الجنة.

ص:54


1- قوله «على سوء أدب زرارة وانحرافه» أما سوء الأدب فهو كذلك، وأما الانحراف فلا يدل كلامه عليه إذ رب محب يطيش فيخرج عن الأدب لاعن الحب، وليس كل أحد معصوما عن الزلل. أما رأيت ولدا برا بوالديه قد يتفق عند الغضب أن يخشن الكلام ويهجر الوالد ثم يندم من قريب ويعتذر، وروي من ابن عباس أشد من ذلك بالنسبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان تابعا وليا له من أول عمره إلى آخره بعد ذاك العتاب وقبله بل يدل هذا الحديث على أن زرارة مفرطا في الولاية مبالغا فيه زائدا متجاوزا عن الحد الذي كان يرضى به الإمام (عليه السلام) وكان يرى أن كل متخلف عن أهل البيت كافر وردعه عنه الإمام (عليه السلام) بأن المستضعفين من الضلال في الجنة (ش).

باب الكفر

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن داود بن كثير الرقي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفرائض الله عز وجل؟ فقال: إن الله عز وجل فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافرا وأمر [رسول] الله بأمور كلها حسنة فليس من ترك بعض ما أمر الله عز وجل به عباده من الطاعة بكافر ولكنه تارك للفضل، منقوص من الخير».(1)

* الشرح:

قوله: (قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفرائض الله عز وجل؟) أي في الشرف والاحترام أو في لزوم الوفاء أو في كفر التارك؟ (فقال: إن الله عز وجل فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافرا) الفريضة تشمل الواجبات الأصولية والفروعية فلا يبعد أن يكون قوله: (فلم يعمل بها) ناظرا إلى الثانية وقوله: (وجحدها) ناظرا إلى الأولى حينئذ يكون الكفر أعم من كفر الجحود وكفر ترك ما أمر الله تعالى به وإن كان تركه مقرونا بالجحود كان كفره أيضا كفر جحود، وأما ترك الأولى من غير جحود ولا إقرار فهو مستضعف وقد مر وسيجئ أن المستضعف ليس بمؤمن ولا كافر وأنه في المشيئة.

(وأمر الله بأمور كلها حسنة فليس من ترك بعض ما أمر الله عز وجل به عبادة من الطاعة بكافر ولكنه تارك للفضل منقوص الخير) لعل المراد بتلك الامور الامور المندوبة، ففيه دلالة بحسب المنطوق أن ترك بعضها ليس بكفر وهو كذلك وبحسب المفهوم أن ترك جميعها كفر ولعل وجهه أنه موجب للاستخفاف بالدين والاستخفاف به كفر ولو خصت الفريضة بالأصولية أمكن أن يراد بتلك الامور الفروعية مطلقا وإن ترك بعضها وهو المندوبات ليس بكفر بشرط عدم الاستخفاف والإنكار، وفي بعض النسخ «وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمور».

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)

ص:55


1- -الکافی :383/2.

قال: «والله إن الكفر لأقدم من الشرك وأخبث وأعظم، قال: ثم ذكر كفر إبليس حين قال الله له:

اسجد لآدم فأبى أن يسجد، فالكفر أعظم من الشرك فمن اختار على الله عز وجل وأبى الطاعة وأقام على الكبائر فهو كافر ومن نصب دينا غير دين المؤمنين فهو مشرك».(1)

* الشرح:

قوله: (إن الكفر لأقدم من الشرك وأخبث وأعظم) أما أنه أقدم فلأنه إباء من الطاعة وإنكار الحق وهو مقدم الشرك مسبوق لتوقفه على الكفر وأقل مراتبة الاباء من الأمر بترك الشرك وانكاره، وما ذكره (عليه السلام) من كفر إبليس على سبيل التمثيل بالفرد الواضح فإنه أبى أولا من طاعة الرب وأنكر أمره فكفر، ثم دعا إلى عبادة غير الله تعالى فأشرك. وأما أنه أخبث وأعظم من الشرك فلأنه سبب له وداع إليه وسبب الخبث وداعيه أخبث وأعظم منه، ومن هنا يظهر أن الشرك يستلزم الكفر دون العكس وإن من خالفنا في إمامة علي (عليه السلام) فهو كافر من جهة الإباء من طاعة الله وطاعة رسوله وإنكار أمرهما بخلافته (عليه السلام)، ومشرك من جهة نصب دين غير دين المؤمنين والظاهر أنه عز وجل لم يقل لإبليس بخصوصه اسجد لآدم والمراد بقوله (عليه السلام): «حين قال الله له: اسجد لآدم» أنه تعالى أمره أيضا بالسجود في قوله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)(2) وشمول خطاب الملائكة له إما باعتبار التغليب أو لكونه داخلا فيهم ومعدودا من جملتهم.

(فمن اختار على الله عز وجل وأبى الطاعة وأقام على الكبائر فهو كافر) لعل المراد بالاختيار اختيار مراده على مراد الله تعالى أو اختيار أمر إبليس على أمره تعالى وبالإباء من الطاعة إنكارها، ولا ريب في أن إنكار الطاعة سواء كانت من الاصول أم من الفروع كفر، ولو أريد بإبائها ترك العمل بها في الفرعية لا يبعد أن يراد بالكفر كفر النعمة أو كفر ترك المأمور به أو كفر الجحود مع الاستخفاف فيرجع إلى الأول.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ذكر عنده سالم بن أبي حفصة وأصحابه فقال: إنهم ينكرون أن يكون من حارب عليا (عليه السلام) مشركين؟ فقال: أبو جعفر (عليه السلام): فإنهم يزعمون أنهم كفار، ثم قال لي: إن الكفر أقدم من الشرك، ثم ذكر كفر إبليس حين قال له: اسجد فأبى أن يسجد، وقال: الكفر أقدم من الشرك، فمن اجترى على الله فأبى الطاعة وأقام على الكبائر فهو كافر (يعني مستخف كافر)».(3)

* الشرح:

ص:56


1- -الکافی :383/2.
2- -سورة البقرة :34.
3- -الکافی :384/2.

قوله: (عن عبد الله بن بكير، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ذكر عنده سالم بن أبي حفصة وأصحابه فقال: إنهم ينكرون أن يكون من حارب عليا (عليه السلام) مشركين؟) سالم بن أبي حفصة روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام) وكان زيديا بتريا من رؤسائهم، لعنه الصادق (عليه السلام) وكذبه وكفره وروي في ذمه روايات كثيرة، واسم أبي حفصة زياد وعبد الله مشترك بين عبد الله بن بكير بن أعين وعبد الله بن بكير الأرجاني وعبد الله بن بكير المرادي وعبد الله بن بكير الهجري والثلاثة الأول من أصحاب الصادق (عليه السلام) والأخير من أصحاب الباقر (عليه السلام) والظاهر أن فاعل قال في الموضعين راجع إلى زرارة وإن «ذكر» مبني للمفعول إلا أنه حينئذ في الثاني يحتاج إلى تقدير، أي فقال: قلت: إنهم ينكرون، ويحتمل أن يكون فاعل الأول راجعا إلى عبد الله وفاعل الثاني و «ذكر» إلى زرارة إلا أن نقله عن زرارة يأباه في الجملة.

(فقال أبو جعفر (عليه السلام): فإنهم يزعمون أنهم كفار) أشار (عليه السلام) إلى مذهبهم وإلى أنهم يعتقدون في المحاربين ما هو أخبث من الشرك وليس فيه تصديق لقولهم بنفي الشرك وإن احتمل بناء على أن الشرك عبارة عن عبادة غير الله وهي لم تتحقق والكفر يتحقق بترك الطاعة وقد تحقق، ولعل المراد هو الأول ويؤيده ما يجيء في هذا الباب عنه (عليه السلام) من أن الحروري كافر مشرك، والله يعلم.

(فمن اجترى على الله فأبى الطاعة وأقام على الكبائر فهو كافر يعني مستخف كافر) كأن قوله:

«يعني مستخف كافر» ليس من كلام الباقر (عليه السلام) وإن احتمل والغرض منه على التقديرين إما التنبيه على أن إباء الطاعة والقيام على الكبائر كفر إن كان مع الاستخفاف بها وإلا فلا، أو التنبيه على أن الإباء لا ينفك عن الاستخفاف فيكون هذا القول تفسيرا وبيانا للزوم لا تقييدا، والله يعلم.

* الأصل:

4 - عنه، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن حمران بن أعين قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز وجل: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)(1) قال: «إما آخذ فهو شاكر وإما تارك فهو كافر».(2)

* الشرح:

قوله: (قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول له عز وجل: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) قال: إما آخذ فهو شاكر وإما تارك فهو كافر) الهاء راجع إلى الإنسان و «إما» مع مدخولها حال عنه، أي إنا هديناه سبيل الخير وهو طريق التوحيد والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة وغيرها بإعطاء العقل ونصب الدلائل وانزال الكتاب وبعث الرسل فإما شاكرا بالاهتداء والأخذ فيه

ص:57


1- -سورة الإنسان :3.
2- -الکافی :384/2.

وإما كفورا بالإعراض عنه، فالمراد بالشكر الإقرار بالله وبرسوله وكتابه وشرايعه وأحكامه والعمل بها وبالكفر إنكار ذلك وترك العمل والأول كفر جحود وكذا الثاني مع الاستخفاف وبدونه كفر نعمة، ومن لطف الله تعالى على عباده وتشريفه لهم أنه من الله عليهم بالتوفيق لطاعته والقيام بوظائف خدمته وهي نعمة عظيمة، ثم جعلها جزاء وشكرا لبعض نعمائه الأخرى ومع ذلك يعطيهم بها أجرا جميلا وثوابا جزيلا في الآخرة.

* الأصل:

5 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن حماد بن عثمان، عن عبيد، عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله)(1) قال: «ترك العمل الذي أقر به، من ذلك أن يترك الصلاة من غير سقم ولا شغل».(2)

* الشرح:

قوله: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) قال:

ترك العمل الذي أقربه من ذلك أن يترك الصلاة من غير سقم ولا شغل) أشار بذلك إلى أن المراد بالإيمان العمل وقد مر أن إطلاقه عليه شايع ولعل المراد بالكفر كفر النعمة أو كفر ترك الأمر ومخالفته لا كفر الجحود والإنكار إلا أن يكون ترك العمل مقرونا بالاستخفاف أو الجحود وزوال الاعتقاد، أو يقال: ترك العمل بالواجبات المؤكدة والاستمرار عليه من غير علة لا ينفك عنها ويؤيده ذكر حبط العمل معه وعدم السقم والشغل، والله يعلم.

* الأصل:

6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن موسى بن بكر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الكفر والشرك أيهما أقدم؟ قال: «فقال لي: ما عهدي بك تخاصم الناس، قلت:

أمرني هشام بن سالم أن أسألك عن ذلك، فقال لي: الكفر أقدم وهو الجحود، قال الله عز وجل:

(إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين)».(3)

* الشرح:

قوله: (ما عهدي بك تخاصم الناس) لعل المراد بالعهد هنا الإدراك والمعرفة أي ليس لي معرفة بحالك هل تخاصم الناس فتريد معرفة ما سألت لتخاصمهم.

* الأصل:

7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن زرارة قال:

ص:58


1- -سورة المائدة :11.
2- -الکافی :384/2.
3- -الکافی :385/2.

قلت لأبي جعفر (عليه السلام): يدخل النار مؤمن؟ قال: «لا والله، قلت: فما يدخلها إلا كافر؟ قال: لا إلا من شاء الله، فلما رددت عليه مرارا قال لي: أي زرارة إني أقول: لا، وأقول: إلا من شاء الله وأنت تقول: لا، ولا تقول: إلا من شاء الله، قال: فحدثني هشام بن الحكم وحماد، عن زرارة قال: قلت في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة قال: فقال لي: يا زرارة ما تقول فيمن أقر لك بالحكم أتقتله؟ ما تقول في خدمكم وأهليكم أتقتلهم؟ قال: فقلت: أنا - والله - الذي لا علم لي بالخصومة».(1)

* الشرح:

قوله: (عن عبد الرحمن بن الحجاج عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): يدخل النار المؤمن؟ قال: لا والله، قلت: فما يدخلها إلا كافر؟ قال: لا إلا من شاء الله) أي لا يدخلها أحد غير كافر إلا من شاء الله أن يدخلها وهذا وسط بين المؤمن والكافر لما ستعرفه خلافا لزرارة حيث ينفي الوسط بينهما وكأنه تمسك بقوله تعالى: (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن)(2) وبقوله تعالى (فريق في الجنة وفريق في السعير) وفي دلالتهما على ذلك منع. قال: (فلما رددت عليه مرارا قال لي: أي زرارة إني أقول: لا وأقول: إلا من شاء الله وأنت تقول: لا ولا تقول: (إلا من شاء الله) المفهوم من قوله (عليه السلام) «إلا من شاء الله» أن غير الكافر قد يدخل النار وقد فهم من قوله: (عليه السلام) (لا والله) أن المؤمن لا يدخل النار فقد فهم منهما أن هذا الغير ليس بمؤمن ولا كافر فهو وسط بينهما، وإنما لم يأت (عليه السلام) بعد قوله: (لا والله) بالاستثناء ولم يقل: إلا ما شاء الله لعدم احتماله إذ المؤمن لا يدخل النار قطعا بخلاف قوله: (لا) في السؤال الثاني فإنه يجوز فيه الاستثناء فإن المستثنى منه المقدر في قول زرارة (فما يدخلها إلا كافر؟) وهو أحد يصدق بعد استثناء الكافر، على المؤمن وغيره، وغيره قد يدخل النار فلذلك استثناه بقوله: (إلا من شاء الله) وجوز دخوله في النار بمشيئة الله تعالى، وأما زرارة فلما خص المستثنى منه بالمؤمن ترك الاستثناء ولم يقل: إلا ما شاء الله. ومما قررنا ظهر أن مناط الفرق بين القولين هو هذا الاستثناء وتركه فإن الأول يوجب ثبوت الواسطة والثاني عدمه.

(قال: فحدثني هشام بن الحكم وحماد، عن زرارة قال: قلت في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة) قال زرارة: النار لا يدخلها إلا كافر، صادق بدون الاستثناء ولا يثبت الحاجة إليه إلا بإبطال قوله وبيان فساده، ولما تكرر الكلام ولم يبين (عليه السلام) فساده أساء زرارة وأضمر بأنه شيخ لا علم له بالخصومة والمناظرة إذ لابد في مقام المناظرة وإثبات المدعى من إبطال قول الخصم وبيان

ص:59


1- -الکافی :385/2.
2- -سورة التغابن:2.

فساده، فلما علم (عليه السلام) ما أضمره تصدى بيان فساد قوله بمقدمة مسلمة عنده وهي أن ضعفاء المسلمين الذين ليس لهم معرفة بالدين وهم مقرون بحكمه مندرجون تحت يده وقدرته وان خدمه وأهليه المستضعفين غير مؤمنين عنده ولا كافرين لأنه لا يجوز قتلهم ولو كانوا كافرين لجاز، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم وهو كفر هؤلاء يستحقون النار بزعمه فلزم من ذلك أن النار لا يدخلها إلا كافر على الإطلاق ليس بصحيح بل لابد من التقييد بالاستثناء كما ذكره (عليه السلام) وهذا ما نقله زرارة عنه (عليه السلام).

(قال: فقال لي: يا زرارة ما تقول فيمن أقر لك بالحكم أتقتله؟) إشارة إلى القسم الأول (ما تقول في خدمكم وأهليكم أتقتلهم؟) (1) إشارة إلى القسم الثاني والهمزة للإنكار، ويحتمل أن يكون «ما تقول في خدمكم» بيانا لما قبله والغرض على التقديرين تقريره بأن هؤلاء ليسوا بمؤمنين ولا كافرين.

(قال: فقلت: أنا - والله - الذي لا علم لي بالخصومة) قال ذلك لصيرورته مغلوبا بما لديه ومخصوما بما عنده وهو عليه، والظاهر أن يقول: «لا علم له» إلا أنه عدل عن الغائب إلى المتكلم

ص:60


1- قوله: «ما تقول في خدمكم وأهليكم أتقتلهم؟» والظاهر أنه اشتبه على زرارة الإيمان والكفر في الدنيا الموضوعان للأحكام الفقهية من النجاسة والطهارة وتحريم التزويج وتحليله الحكم بالارتداد والقتل وأمثال ذلك وفي الآخرة الموجبان للثواب والسعادة أو العذاب والشقاوة الأبدية وظن أنهما من باب واحد ولا ريب أن الإنسان في الدنيا إما مؤمن طاهر يحل زواجه بالمسلمة أو كافر نجس لا يحل زواجه ويقتل إن كان مرتدا ولا وسط بين الإيمان والكفر والمنزلة بين المنزلتين قول بعض المعتزلة وهو باطل. وأما بالنسبة إلى درجات الآخرة فلا ريب في اختلاف درجات الناس وأما الحكم بفساد رأي المبطل والضال والتبري منهم فأمر لا ينافي المعاملة معهم ظاهرا معاملة المسلمين ثم ننبههم على خطئهم وبطلانهم وإن ارتدعوا فنتولاهم وإن تمادوا في الغي نتبرأ من آرائهم ولا نحكم بكفرهم ونجاستهم ووجوب قتلهم وزعم زرارة أن كل منحرف كافر والمؤمن من يعتقد الحق في جميع مزاعمه وآرائه ولو كان ذلك كذلك انحصر المؤمن في المعصومين (عليهم السلام) إذ ما من أحد إلا هو مخطىء في رأي من آرائه أو عقيدة من عقائده ولو كان من أعلم العلماء المتورعين ولابد أن يكون كل رجل مخطئا في رأي فإن كان لشبهة فهو معذور وإن كان لتقصير فهو معاقب في الآخرة من غير أن يحكم بكفره في الدنيا نعم لو كان خطؤه في الاعتقاد بالتوحيد والرسالة كان كافرا في الدنيا وإن كان لشبهة ولا يستلزم الكفر في الدنيا العقاب حتما فإن أولاد الكفار محكومون بالكفر والنجاسة والحرمان من إرث المسلمين وسائر أحكام الدنيا وإن لم يستحقوا العقاب في الآخرة، ومما يدل على ما ذكرناه خطا زرارة نفسه في هذا الرأي الذي حاج فيه الإمام (عليه السلام) فلو كان هو بهذا الخطأ خارجا عن الإيمان وجب التبري منه ولعنه ولم يعده أحد من أعاظم أصحاب الأئمة وأوثق الرواة وأفقههم ولكن عذروه لأن الاشتباه في أمثال هذه الآراء قد يتفق لأعاظم العلماء ويرد بعضهم على بعضهم ويبطل بعضهم آراء بعض آخر ونعلم أنهم لم يقصدوا بذلك إلا تحري الحق إلا أنه منحصر في أحدهم والباقون مبطلون معذورون (ش).

رعاية لجانب المعنى كما قيل في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أنا الذي سمتنى أمي حيدرة» وهذا الذي ذكرته في الشرح هذا الحديث من باب الاحتمال، والله تعالى شأنه يعلم حقيقة هذا المقال.

* الأصل:

8 - علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسئل عن الكفر والشرك أيهما أقدم؟ فقال: «الكفر أقدم وذلك أن إبليس أول من كفر وكان كفره غير شرك لأنه لم يدع إلى عبادة غير الله وإنما دعي إلى ذلك بعد فأشرك».(1)

* الشرح:

قوله: (وذلك أن إبليس أول من كفر) حيث ترك طاعة ربه عتوا حين أمره بالسجود لآدم، ويفهم من آخر الحديث أن الداعي إلى عبادة غير الله والعابد له مشتركان في الشرك.

* الأصل:

9 - هارون، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسئل: ما بال الزاني لا تسميه كافرا وتارك الصلاة قد سميته كافرا؟ وما الحجة في ذلك؟ فقال: «لأن الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافا بها وذلك لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلا وهو مستلذ لإتيانه إياها قاصدا إليها وكل من ترك الصلاة قاصدا إليها فليس يكون قصده لتركها اللذة فإذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر، قال: وسئل أبو عبد الله (عليه السلام) وقيل له: ما الفرق بين من نظر إلى المرأة فزنى بها أو خمر فشربها وبين من ترك الصلاة حتى لا يكون الزاني وشارب الخمر مستخفا كما يستخف تارك الصلاة؟ وما لحجة في ذلك؟ وما العلة تفرق بينهما؟ قال: الحجة أن كلما أدخلت أنت نفسك فيه لم يدعك إليه داع ولم يغلبك غالب شهوة، مثل الزنا وشرب الخمر وأنت دعوت نفسك إلى ترك الصلاة وليس ثم شهوة فهو الاستخفاف بعينه وهذا فرق ما بينهما».(2)

* الشرح:

قوله: (وسئل ما بال الزاني لا تسميه كافرا وتارك الصلاة قد سميته كافرا؟ (وما الحجة في ذلك؟) لما كان الظاهر تساوي الزاني وتارك الصلاة في الحكم لفعل كل واحد منهما منهيا عنه وهو الزنا وترك الصلاة، أو لأن الأول فعل منهيا عنه والثاني ترك مأمورا به والأمر والنهي متقابلان متماثلان سأل عن سبب التفاوت حيث إن الثاني يسمى كافرا دون الأول، وأجاب (عليه السلام) بإبداء السبب وإظهار الفرق بأن الثاني وهو تارك الصلاة مستخف لها وللامر بها دون الأول، ووجه

ص:61


1- -الکافی :386/2.
2- -الکافی :386/2.

الاستخفاف بها أن تاركها إما أن يختار السكون للاستراحة التي لا قدر لها عند العقلاء ولا لذة تقابل لذة فعلها، وإما أن يختار فعلا آخر من الافعال الدنيوية أو غيرها وعلى التقادير تركها استخفاف دال على إنكارها أو على عدم الاعتناء بها، وضمير التأنيث في قوله: «قاصدا إليها» راجع إلى المرأة أو إلى اللذة، ولعل المراد بالكفر في قوله: «وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر» كفر الجحود; لأن المستخف بالصلاة جاحد لا كفر النعمة وهو مقابل للشكر بناء على أن الصلاة شكر فتركها كفر لأن الكفر بهذا المعنى غير مختص بالصلاة لوجوده في الزاني وشارب الخمر أيضا; لأن تركهما طاعة وكل طاعة شكر، والمراد في قوله: «لم يدعك إليه داع» الداعي المخصوص وهو غلبة الشهوة، فقوله: «ولم يغلبك عليه غالب شهوة» عطف تفسير وإلا فكل فعل اختياري له داع.

* الأصل:

10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من شك في الله وفي رسوله (صلى الله عليه وآله) فهو كافر».(1)

* الشرح:

قوله: (من شك في الله وفي رسوله (صلى الله عليه وآله) فهو كافر) الظاهر أن الواو بمعنى «أو» للتنويع وأن الشك في إمامة علي (عليه السلام) مثل الشك في الرسالة والشاك فيهما كافر وجب قتله مع القدرة إذا كان ظاهر الإسلام وأما الكفار كاليهود والنصارى وغيرهم فلا يجوز قتلهم من هذا الوجه وإن جاز قتلهم من وجه آخر.

* الأصل:

11 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان، عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

«من شك في رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: كافر، قلت: فمن شك في كفر الشاك فهو كافر؟ فأمسك عني فرددت عليه ثلاث مرات فاستبنت في وجهه الغضب».(2)

* الشرح:

قوله: (قال: كافر قلت: فمن شك في كفر الشاك فهو كافر؟ فأمسك عني فرددت عليه ثلاث مرات فاستبنت في وجهه الغضب) كأنه سد بالامساك سؤاله عمن شك في علي (عليه السلام) لعلمه (عليه السلام) بأنه يسأل عنه بعد هذا السؤال فمنعه بالإمساك خوفا من إفشائه أو تقية من بعض الحاضرين.

* الأصل:

12 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة

ص:62


1- -الکافی :386/2.
2- -الکافی :387/2.

قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله)؟ فقال: «من ترك العمل الذي أقر به، قلت: فما موضع ترك العمل حتى يدعه أجمع؟ قال: منه الذي يدع الصلاة متعمدا لامن سكر ولامن علة».(1)

* الشرح:

قوله: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله)؟ فقال: من ترك العمل الذي أقر به، قلت: فما موضع ترك العمل حتى يدعه أجمع؟) كأنه طلب معرفة العمل الذي تركه يوجب حبط العمل حتى يجتنب منه وفيه دلالة على أن الذنب يحبط العمل، قيل: لا خلاف في أن الكفر يحبطه، ولا في أن احباط الموازنة واقع وإنما الخلاف في الإحباط بمعنى عدم اعتبار الحسنات لاقتراف السيئات، فالمعتزلة يثبتونه وجماعة من أهل السنة ينفونه.

* الأصل:

13 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حكيم وحماد، عن أبي مسروق قال: سألني أبو عبد الله (عليه السلام) عن أهل البصرة، فقال لي: «ما هم؟» قلت: مرجئة، وقدرية وحرورية فقال: «لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شيء».(2)

* الشرح:

قوله: (قلت: مرجئة وقدرية وحرورية) مرجئة بالياء أو الهمزة اسم فاعل من أرجيته أو أرجاءه بمعنى أخرته وهم فرقة من أهل الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا بذلك لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصي وأخره عنهم.

والقدرية طائفة يقولون بخلق الاعمال وأن العباد لا قدرة لهم على أعمالهم. والحرورية الخوارج نسبوا إلى حروراء بالمد والقصر اسم قرية لأنه كان أول مجتمعهم وتحكيمهم بها.

(فقال: لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شيء) وصف الكافرة بالمشركة للتقييد لأن الكفر أقدم من الشرك وأعم منه كما مر واللعن يتوجه إليهم باعتبار كفرهم حيث أنكروا طاعة الله تعالى وأوامره وباعتبار شركهم حيث اتخذوا دينا غير دينه فلم يعبدوه على شيء يعتد به ويستحق اسم العبادة.

14 - عنه، عن الخطاب بن مسلمة وأبان، عن الفضيل قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وعنده رجل فلما قعدت قام الرجل فخرج، فقال لي: «يا فضيل ما هذا عندك؟ قلت: وما هو؟ قال:

ص:63


1- -الکافی :387/2.
2- -الکافی :387/2.

حروري، قلت: كافر؟ قال: إي والله مشرك».

* الأصل:

15 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «كل شيء يجره الإقرار والتسليم فهو الإيمان وكل شيء يجره الإنكار والجحود فهو الكفر».(1)

* الشرح:

قوله: (كل شيء يجره الإقرار والتسليم فهو الإيمان وكل شيء يجره الإنكار والجحود فهو الكفر). الاقرار والتسليم لله ولرسوله ولأولي الامر ولوازمهما من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة إيمان، والإنكار والجحود وتوابعهما من الأعمال القبيحة والاخلاق الذميمة كفر.

* الأصل:

16 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن عبد الله بن سنان، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إن عليا صلوات الله عليه باب فتحه الله من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا».(2)

* الشرح:

قوله: (قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن عليا صلوات الله عليه باب فتحه الله من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا) المراد بالداخل العارف بحقه، وبالخارج المنكر له سواء أنكره مطلقا أو أنكره في مرتبته، وهنا قسم ثالث وهو الذي لم يدخل ولم يخرج ويسمى ضالا ومستضعفا كما سيجيء.

* الأصل:

17 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار وابن سنان وسماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

طاعة علي (عليه السلام) ذل ومعصيته كفر بالله، قيل: يا رسول الله وكيف يكون طاعة علي (عليه السلام) ذلا ومعصيته كفرا بالله؟ قال: إن عليا (عليه السلام) يحملكم على الحق فإن أطعتموه ذللتم وإن عصيتموه كفرتم بالله عز وجل».(3)

* الشرح:

قوله: (فإن أطعتموه ذللتم وإن عصيتموه كفرتم بالله) لعل المراد بالذل الذل عند الله تعالى

ص:64


1- -الکافی :387/2.
2- -الکافی :388/2.
3- -الکافی :388/2.

لأن مدار طاعته على المجاهدة في الطاعات والتضرع والخضوع والسجود والركوع وغيرها من العبادات وكل واحد منها بكيفياته وهيئاته موضوع على المذلة والاستسلام لعزة الله وعظمته وملاحظة كبريائه وجبروته وغير ذلك مما ينافي التكبر والتعظم، ويحتمل أن يراد به الذل عند الناس لأن طاعته توجب ترك الدنيا وزينتها والرضا بتسوية القسمة بين الشريف والوضيع وغير ذلك مما يوجب ذلا عند الناس وقد نقل أنه (عليه السلام) قسم بيت المال بين أكابر الصحابة والضعفاء على السوية فغضب لذلك طلحة والزبير وفعلا ما فعلا.

* الأصل:

18 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، قال: حدثني إبراهيم بن أبي بكر قال:

سمعت أبا الحسن موسى (عليه السلام) يقول: «إن عليا (عليه السلام) باب من أبواب الهدى، فمن دخل من باب علي كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين لله فيهم المشيئة».(1)

* الشرح:

قوله: (من لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين لله فيهم المشيئة) هذا قبل قيام الحجة وأما بعده فعدم الدخول فيه كفر; لأن المتوقف معذور إن لم يصل إليه أنه (عليه السلام) إمام مفترض الطاعة ولم يبلغه الحجة وإلا فلا عذر له كما سيجيء في باب المستضعف.

* الأصل:

19 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا».(2)

* الشرح:

قوله: (لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا) مثلا من جحد حق علي (عليه السلام) ولم يقم عليه حجة إذا وقف ولم ينكره لم يكفر ودخل في المستضعف وهو في مشيئة الله فعسى أن تدركه الرحمة بخلاف الكفر، ومن هذا يعلم أن المخالفين كافرون.

* الأصل:

20 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله عز وجل نصب عليا (عليه السلام) علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا ومن نصب معه شيئا كان مشركا ومن جاء بولايته دخل الجنة ومن جاء

ص:65


1- -الکافی :389/2.
2- -الکافی :388/2.

بعداوته دخل النار».(1)

* الشرح:

قوله: (فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا ومن نصب معه شيئا كان مشركا) من أنكر فهو كافر سواء أنكره عنادا أو أنكره مع الجهل بحاله أما من جهله ولم يقربه ولم ينكره فهو ضال ومستضعف والضال في المشيئة ومن نصب معه إماما وأخره فهو مشرك لأنه وضع دينا غير دين الله فالناس بالنسبة إليه (عليه السلام) إما مؤمن أو كافر أو مستضعف أو مشرك.

21 - يونس، عن موسى بن بكر، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: «إن عليا (عليه السلام) باب من أبواب الجنة فمن دخل بابه كان مؤمنا ومن خرج من بابه كان كافرا ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة التي لله فيهم المشيئة».

باب وجوه الكفر

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عز وجل قال: «الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه، فمنها كفر الجحود والجحود على وجهين، والكفر بترك ما أمر الله وكفر البراءة وكفر النعم، فأما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول: لا رب ولا جنة ولا نار وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم: الدهرية وهم الذين يقولون: «وما يهلكنا إلا الدهر» وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشيء مما يقولون، قال الله عز وجل: (إن هم إلا يظنون) أن ذلك كما يقولون وقال: (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)(2) يعني بتوحيد الله تعالى فهذا أحد وجوه الكفر وأما الوجه الآخر من الجحود على معرفة وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق، قد استقر عنده، وقد قال الله عز وجل: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) وقال الله عز وجل: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين)(3) فهذا تفسير وجهي الجحود، والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان (عليه السلام): (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه

ص:66


1- -الکافی :388/2.
2- -سورة البقرة :6.
3- -سورة البقرة :89.

ومن كفر فإن ربي غني كريم)(1)» وقال: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) وقال: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)(2)والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عز وجل به وهو قول الله عز وجل: (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم)(3) فكفرهم بترك ما أمر الله عز وجل به ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال: (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون)(4) والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة وذلك قوله عز وجل يحكي قول إبراهيم (عليه السلام): (كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدواة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) يعني تبرأنا منكم، وقال: يذكر إبليس وتبرئته من أوليائه من الإنس يوم القيامة: (إني كفرت بما أشركتموني من قبل) وقال: (إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا)(5) يعني يتبرأ بعضكم من بعض»(6).

* الشرح:

قوله: (وهو قول من يقول: لا رب ولا جنة ولا نار) (7) يعني ينكر المبدأ والمعاد.

ص:67


1- -سورة النمل:40.
2- -سورة البقرة :152.
3- -سورة البقرة :34.
4- -سورة البقرة :85.
5- -سورة العنکبوت :24.
6- -الکافی :389/2.
7- (1) قوله: «لا رب ولا جنة ولا نار» الكفر مشترك بين خمسة معان اشتراكا لفظيا أو معنويا لأنه استعمل في القرآن في كل واحد من الخمسة بالخصوص فإن كان منقولا شرعيا كان مشتركا لفظيا، وإن أطلق باعتبار كون المستعمل فيه من مصاديق المفهوم اللغوي كان مشتركا معنويا، والثلاثة الأخيرة منها غير الكفر المصطلح عنه المتشرعة المتأخرين إذ ليس كافر النعمة ولا مرتكب الكبائر كافرا عندهم والكفر بالمشركين وأعمالهم بمعنى البراءة منهم هو عين الإيمان، والكفر الذي يوافق اصطلاحهم هو المعنى الأول والثاني أي كفر الجحود بوجهيه. ولم يذكر الإمام (عليه السلام) كفر أهل الكتاب أعنى الاقرار بالربوبية وانكار الرسالة لأن الكفر لم يستعمل في القرآن الكريم في هذا المعني بخصوصه أو لعدم الحاجة إلى كثير مؤونة في بيان بطلانهم وإنما المهم اثبات الربوبية والمعاد، أو لأنهم داخل في القسم الثاني والكافر المستحق لاطلاق هذه الكلمة عليه هو الذي لا يؤمن بوجود شيء غير المادة المحسوسة وينكر وجود كل شيء لا يناله الحواس ولا يتحيز في مكان فمن رسخ هذا المعنى في ذهنه لا يخضع لأي دليل على وجود الواجب تعالى ولا الجنة والنار ولا وجود الملائكة والوحي والرسالة فإن جميع ذلك من عالم الغيب وشرط الإيمان بها الإيمان بالغيب وعدم كون الشيء محسوسا عند هؤلاء يدل على عدمه واقعا وهو الظن الذي لا يغني من الحق شيئا لأن عدم الوجودان لا يدل على الوجود، وقال تعالى في درهم «ما لهم بذلك من علم أن هم إلا يظنون». (ش)

(وهو قول صنفين من الزنادقة) لعل المراد بهما صنف طلبوا لهذا العالم سببا فأحالوه على الطبع الذي هو صفة جسمانية خالية عن العلم والإدراك وصنف لم يطلبوا له سببا بل اشتغلوا بأنفسهم وعاشوا عيش البهائم أو صنف أنكروا والمبدأ والمعاد جميعا وصنف أنكروا المعاد وقالوا بقدم العالم وأبديته وصنف قالوا: لا حياة بعد الموت وصنف قالوا بالتناسخ وهو تعلق الروح بعد الموت ببدن آخر.

و (يقال لهم: الدهرية وهم الذين يقولون وما يهلكنا إلا الدهر) زعموا أن تولد الأشخاص وتكون الممتزجات وفسادها وحياتها وموتها مستندة إلى الدهر وتأثير الكواكب وحركات الأفلاك (وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان) منهم عدوه حسنا بتسويلات نفوسهم الفاسدة واختراعات أوهامهم الكاسدة.

و (على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشيء مما يقولون) كما قال عز وجل: (وما لهم بذلك من علم) بل بنوا ذلك على وهم وتخمين.

(قال الله عز وجل: (إن هم إلا يظنون) أن ذلك كما يقولون) وهذا القول في غاية البعد عن منهج الصواب بحيث لا يلتفت إلى قائله بالخطاب والجواب.

قوله: (وقال: (ان الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)(1)يعني بتوحيد الله تعالى) سواء اسم بمعنى الاستواء وخبر لأن وما بعده فاعله أي مستو عليهم إنذارهم وعدمه أو خبر لما بعده والجملة خبر «لأن» أي إنذارهم وعدمه سيان عليهم وقوله: «بتوحيد الله» متعلق بكفروا أو بلا يؤمنون أو بهما على التنازع، ولما فرق عن الوجه الأول من الجحود أشار إلى الوجه الآخر منه بقوله:

(وأما الوجه الآخر من الجحود على معرفة) أي على معرفة الحق مثل الرسالة والولاية ونحوهما للعناد أو الحسد أو الاستكبار أو لغيرها.

(وهو أن يجحد الجاحد وهم يعلم أنه حق قد استقر عنده) استقرارا لا شك فيه (وقد قال الله عز وجل: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)(2) أي أنكروا آيات الله وكذبوها والحال أن أنفسم مستيقنة بها عالمة إياها وإنما أنكروها ظلما لأنفسهم وعلوا أي ترفعا على الرسول والانقياد له والإيمان به. قال بعض الأصحاب: فيه دلالة على أن الإيمان هو التصديق مع العمل دون التصديق وحده وإلا لما سلب الإيمان عمن له هذا التصديق بانتفاء الإقرار باللسان وفيه نظر; لأن الروايات المتكثرة صريحة في أن الإيمان هو التصديق القلبي (3) وقد ذكرنا بعضها في

ص:68


1- -سورة البقرة :6.
2- -سورة النمل:14.
3- قوله: «صريحة في أن الإيمان هو التصديق القلبي» أن الإنسان مع كمال عقله وتفطنه مبتلى بوجود الواهمة فربما يعتقد شيئا لا يشك في صحته ومع ذلك لا ينقاد لاعتقاده كما مثلوه بأن الميت جماد والجماد لا يخاف عنه فينتج الميت لا يخاف عنه وهذا دليل عقلي صحيح يعتقده الإنسان لكن لا يوافقه وهمه على عدم الخوف كذلك المعاندون من أهل الكتاب على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا (قبل بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) وعلة كفرهم على ما بين الله تعالى في كتابه غلبة القوة الواهمة على العاقلة فلم يؤمنوا كما لا يؤمن بالمقدمات التي يعترف بها وبصحتها من يخاف من الميت وكذلك حب الجاه والعادة وكراهة ترك ما تربى عليه يمنع الكافي من الخضوع لعقله ونرى في زماننا أيضا كثيرا ممن نشأ على رأي وعقيدة واعتاد طريقة وعملا لا يتيسر له ترك ما اعتاده وإن أقيم له ألف دليل وإذا أقام الشيعي على مخالفه ألف قرينة وشاهد على كون علي (عليه السلام) غير راض بخلافة من تقدم عليه تمحل في الخروج عن العويصة وتكلف لإبداء احتمالات غير معقولة لتوجيه ما أشكل عليه حتى يتخلص من ترك ما نشأ عليه وهذا معنى قوله تعالى (ظلما وعلوا); لأن الظلم وهو الانحراف عن الحق وحب الاستعلاء والغلبة وعدم الاعتراف بالجهل والقصور من القوة الواهمة التي تغلب على العقل وكل صاحب رأي وحرفة وفن وعلم يريد أن يثبت رجحانه وعلوه وفضله على مخالفه، وكل جاهل بشيء يريد أن يبطل ذلك الشيء أو يجعله تافها ويظهر أن جهله به لأنه لا يعبأ به ولا فضل في علمه. فالمتفلسف أو المتفقه إن لم يكن عارفا بالنحو لا يعترف بأن النحوي أفضل منه في شيء بل يقول: إن النحو شيء لا فضل لعالمه ولا نقص على جاهله والمهم هو الذي أنا عالم به، والمتكلم الجاهل بالفقه لا يرى الفقه إلا وسيلة للتكسب لا علما يكمل به النفوس (وكل حزب بما لديهم فرحون) والفقيه الجاهل بالكلام لا يرى النظر في الكلام إلا تضييعا للعمر واشتغالا بما لا يعنى إن لم يعتقده ضلالا. وبالجملة هذا الصنف من الكفار جماعة غلبت أوهامهم على قوتهم العاقلة فصار تصديقهم القلبي مقهورا نظير من يخاف من الميت مع تصديقه بأنه جماد لا يخاف منه فكما أنه لا يصدق عليه أنه لا يخاف كذلك لا يصدق على من جحد واستيقنتها أنفسهم أنهم مؤمنون; لأن ظلمهم وانحرافهم وعلوهم وعصبيتهم مانعة من خضوع نفوسهم ليقينهم المرتكز في باطنهم (ش).

باب «أن السكينة هي الإيمان» وهو مذهب المحققين من أصحابنا ثم كون التصديق القلبي إيمانا مشروط بالإقرار باللسان مع القدرة وهو مذهب طائفة من العامة أيضا قال التفتازاني في شرحه للعقائد النسفية: فرقة يعني من أهل السنة والجماعة تقول الإقرار شرط لصحته وقال العلامة الدواني في شرحه للعقائد العضدية: والتلفظ بكلمتي الشهادتين مع القدرة عليه شرط فمن أخل به فهو كافر مخلد في النار ولنا أيضا أن نقول: كون التصديق: ايمانا مشروط بعدم الإنكار فينتفي الإيمان بالإنكار، والله أعلم.

(وقال الله عز وجل: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين)(1)) أي وكان أهل الكتاب من قبل البعثة يطلبون الغلبة على المشركين ويستنصرون عليهم بخاتم الأنبياء ويقولون: اللهم انصرنا بنبي آخر الزمان المنعوت في التوراة أو يفتحون عليهم ويعرفون أن نبيا يبعث منهم وقرب زمانه فلما جاءهم النبي الذي عرفوه كفروا به

ص:69


1- -سورة البقرة :89.

وجحدوه حسدا أو خوفا من الرئاسة أو لغير ذلك فلعنة الله على الكافرين أي عليهم فوضع الظاهر موضع الضمير للتنصيص على أن لعنهم بسبب كفرهم وإنكارهم الحق المعروف عندهم.

(والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله: تعالى يحكى قول سليمان: (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم)(1)) حين عرف سليمان (عليه السلام) نعمة الله تعالى في شأنه وعلم أنها صورة الابتلاء قال: هذا من فضل ربي أي الاقتدار من إحضار العرش في مدة يسيرة من مسافة بعيدة وهي مسافة بين سبأ والشام بلا حركات جسمانية من فضل ربي ونعمائه ليبلوني أأشكر بالإقرار بأن ذلك الفضل له ومنه لا لي ومني وبالإتيان بالثناء الجزيل والذكر الجميل أم أكفر بترك ذلك الإقرار وعدم ذلك الإتيان، ومن شكر فإنما يكشر لنفسه لأنه يديم العتيد ويجلب المزيد ويستحق الثواب ومن كفر بما مر فلا يضر الله شيئا فإن ربي غني عن عبادة العابدين وشكر الشاكرين، كريم بالإفضال والإحسان وترك مؤاخذه العبد بالإساءة والكفران لعله يتوب ويصلح حاله في مستقبل الأزمان ومن ها هنا ظهر أن ترك الشكر على النعمة كفر.

(وقال: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)) الشكر هو الاعتراف بالنعمة ظاهرة كانت أو باطنة، جلية كانت أو خفية، والإقرار بها للمنعم والإتيان بالأعمال الصالحة المطلوبة له والامتثال بأوامره ونواهيه والاجتناب عن معاصيه. وكفر النعم ضد للشكر بهذا المعنى وهو سبب لزوال النعمة وعدم الزيادة وتحقق العقوبة في الدنيا والآخرة ولذلك قال الله عز وجل على سبيل التأكد من وجوه شتى: (ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).

(وقال: (فأذكروني أذكركم)) أي فاذكروني ظاهرا باللسان وباطنا بالجنان عند الأوامر والنواهي أذكركم في ملأ المقربين بالخير والصلاح أو في القيامة إذا بلغت القلوب الحناجر من شدائدها أو في حال الموت أو في البرزخ أو في جميع الأحوال كما دلت عليه صيغة الاستقبال.

والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عز وجل به وهو قول الله عز وجل: (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم)(2)) قيل: أخذ العهد منهم بأن لا يقتلوا أنفسهم كما يفعله من يصعب عليه الزمان للتخلص من الصعوبة وكما يفعله بعض أهل الهند للتخلص من عالم الفساد واللحوق بعالم النور وقيل بأن لا يفعلوا ما يوجب قتلهم وإخراجهم من ديارهم وقيل بأن لا يقتل بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا عن وطنه وإنما جعل قتل الرجل وإخراجه غيره قتل نفسه وإخراجها لاتصاله به نسبا أو دينا ولأنه يقتص منه فكأنه قتل نفسه وقيل بأن لا يفعلوا ما يصرفهم عن الحياة الأبدية التي هي الحياة الحقيقية وما يمنعهم عن الجنة التي هي

ص:70


1- -سورة النمل:40.
2- -سورة البقرة :84.

دار القرار فإنه الجلاء الحقيقي.

(ثم أقررتم وأنتم تشهدون) أي أقررتم بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه وأنتم تشهدون عليها وهذا تأكيد كقولك: أقر فلان على نفسه بكذا شاهدا عليها واعترفتم على قبوله وشهد بعضكم على بعض بذلك أو أنتم تشهدون اليوم يا معشر اليهود على اقرار أسلافكم بهذا الميثاق فيكون إسناد الإقرار إلى المخاطبين مجازيا.

(ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم) قيل: ثم استبعاد لما أسند إليهم من القتل والاجلاء والعدوان بعد الميثاق منهم واقرارهم وشهادتهم وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره والمعنى أنتم بعد ذلك هؤلاء الناقضون الشاهدون يعني أنتم قوم آخرون غير هؤلاء الشاهدين كقولك: رجعت بغير الوجه الذي خرجت أي ما أنت الذي كنت من قبل نزل تغير الصفة منزلة تغير الذات، وتقتلون حينئذ بيان لهذه الجملة وقيل: أنتم مبتدأ وتقتلون خبره، وهؤلاء إما منصوب بتقدير أعني أو منادى بحذف حرف النداء عند من جوز حذف حرف النداء في المبهمات كسيبويه وأتباعه، وقيل: «أنتم» مبتدأ و «هؤلاء» بمعنى الذين و «تقتلون» صلته أي ثم أنتم الذي يقتلون، وهذا عند الكوفيين وأما البصريون فلا يجوزون أن يكون هؤلاء وأولاء هذا بمعنى الموصول، وقيل: أنتم مبتدأ وهؤلاء خبره بحذف المضاف أي مثل هؤلاء (تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان) قيل: هو حال عن فاعل تخرجون أو عن مفعوله أو كليهما والتظاهر التعاون من الظهر أي تتعاونون عليهم، وقيل: لما كان الإخراج من الديار وقتل البعض بعضا مما تعظم به الفتنة واحتيج فيه إلى زيادة اقتدار عليه بين الله تعالى أنهم فعلوه على وجه الاستعانة بمن يظاهرهم على الظلم والعدوان، وفيه دلالة على أن الظلم كما هو محرم فكذا إعانة الظالم على ظلمه محرمة ولا يشكل هذا بتمكن الله الظالم من الظلم فإنه كما مكنه فقد زجره بخلاف معين الظالم فإنه يدعوه إلى الظلم ويحسنه في عينه.

(وإن يأتوكم اسارى تفادوهم) قال المفسرون: قريظة وهم قبيلة من يهود خيبر كانوا حلفاء الأوس والنضير وهم قبيلة اخرى منهم حلفاء الخزرج فإذا اقتتلا عاون كل فريق حلفاءه في القتل وتخريب الديار وإخراج أهلها وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا حتى يفدوه فعيرتهم العرب وقالت: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم؟! فيقولون: أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ولكنا نستحيي أن نذل حلفاءنا فذمهم الله تعالى على ذلك إذ أتوا ببعض الواجب وتركوا البعض، وأسارى جمع أسرى كسكارى جمع سكرى وأسرى جمع أسير كمرضى جمع مريض وقيل: اسارى أيضا جمع أسير وقيل: هو من الجموع التي تركوا مفردها كأنه جمع أسران كعجالي وعجلان (وهو محرم عليكم إخراجهم) هذا متعلق بتخرجون فريقا من دياركم وما بينهما اعتراض وهو ضمير الشأن وإخراجهم مبتدأ ومحرم خبره والجملة خبر لهو مفسرة له أو هو مبتدأ مبهم

ص:71

ومحرم خبره وإخراجهم تفسير له، أو هو راجع إلى الإخراج المفهوم من تخرجون وإخراجهم تأكيد أو بيان له.

(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) المراد بالبعض الأول الفداء وبالبعض الآخر حرمة القتال والإجلاء، وقد ذمهم الله تعالى على ذلك وأنكر الجمع بين الأمرين وأوعد عليه بقوله: (فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا) قتل قريظة وسبي نسائهم وذراريهم واجلاء النضير لنقض عهدهم وضرب الجزية على غيرهم، والخزي ذل وهو أن يستحيي منه، يقال: أخزاه الله أي أهانه وأوقعه موقعا يستحيي منه، وتنكير خزي يدل على فظاعة شأنه وأنه بلغ مبلغا لا يعرف كنهه.

(ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب) لشدة عصيانهم قيل: عذاب منكري الصانع كالدهرية يجب أن يكون أشد فكيف وصف عذاب اليهود بأنه أشد؟ وأجيب أولا كفر العناد أشد فعذابهم أشد، وثانيا بأن المراد أن عذابهم أشد من الخزي لا مطلقا.

(وما الله بغافل عما تعملون) قيل هذا وعيد شديد للعاصين وبشارة عظيمة للمطيعين; لأن القدرة الكاملة مع عدم الغفلة تقتضي وصول الحقوق إلى مستحقها.

(والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة) إضافة الكفر إلى البراءة بيانية.

(وذلك قوله: عز وجل يحكي قول إبراهيم (عليه السلام): (كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) يعني تبرأنا منكم) كفرهم جحود بالرب وبينه وكفر الخليل بهم بمعنى البراءة وفي «حتى» إشعار بأن البراءة والعداوة والبغض إنما كانت لله بسبب إنكارهم ولو زال السبب زال المسبب ولعل الفرق بين العداوة والبغض أن العداوة يظهر أثرها بخلاف البغض أو البغض أشد من العداوة.

وفي المصباح: البغضة بالكسر، والبغضاء شدة البغض.

(وقال: (إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم)) أول من يدخل في الأوثان وفي الخطاب الشيوخ الثلاثة وتابعوهم إلى يوم القيامة كما نطقت به الأخبار المعتبرة والآيات المذكورة صريحة في أن الكفر بمعنى البراءة كما يكون بين المؤمن والكافر كذلك يكون بين الكافرين.

ص:72

باب دعائم الكفر وشعبه

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن عمر بن اذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: «بني الكفر على أربع دعائم: الفسق والغلو والشك والشبهة.

والفسق على أربع شعب: على الجفاء والعمى والغفلة والعتو، فمن جفا احتقر الحق ومقت الفقهاء أصر على الحنث العظيم، ومن عمي نسي الذكر واتبع الظن وبارز خالقه وألح عليه الشيطان وطلب المغفرة بلا توبة ولا استكانة ولا غفلة، ومن غفل جنى على نفسه، وانقلب على ظهره، وحسب غيه رشدا، وغرته الأماني، وأخذته الحسرة والندامة إذا قضي الأمر وانكشف عنه الغطاء وبدا له ما لم يكن يحتسب، ومن عتا عن أمر الله شك ومن شك تعالى الله عليه فأذله بسلطانه وصغره بجلاله كما اغتر بربه الكريم وفرط في أمره.

والغلو على أربع شعب: على التعمق بالرأي والتنازع فيه والزيغ والشقاق، فمن تعمق لم ينب إلى الحق ولم يزدد إلا غرقا في الغمرات ولم تنحسر عنه فتنة إلا غشيته اخرى وانخرق دينه فهو يهوى في أمر مريج، ومن نازع في الرأي وخاصم شهر بالعثل من طول اللجاج، ومن زاغ قبحت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة ومن شاق أعورت عليه طرقه واعترض عليه أمره، فضاق عليه مخرجه إذا لم يتبع سبيل المؤمنين.

والشك على أربع شعب: على المرية والهوى والتردد والاستسلام وهو قول الله عز وجل:

(فبأي آلاء ربك تتمارى)(1).

وفي رواية اخرى: على المرية والهول من الحق والتردد والاستسلام للجهل وأهله، فمن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه، ومن امترى في الدين تردد في الريب وسبقه الأولون من المؤمنين وأدركه الآخرون ووطئته سنابك الشيطان ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيما بينهما، ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين ولم يخلق الله خلقا أقل من اليقين.

والشبهة على أربع شعب: إعجاب بالزينة وتسويل النفس وتأول العوج ولبس الحق بالباطل، وذلك بأن الزينة تصدف عن البينة، وأن تسويل النفس تقحم على الشهوة، وأن العوج يميل

ص:73


1- -سورة النجم :55.

بصاحبه ميلا عظيما وأن اللبس ظلمات بعضها فوق بعض فذلك الكفر ودعائمه وشعبه».(1)

* الشرح:

قوله: (بني الكفر على أربع دعائم) المراد هنا تفصيل دعائم الكفر مطلقا وبيان فروعها وثمراتها لا بيان حقيقته; لأن حقيقته إما الجحود أو غيره من الأنواع المذكورة.

(الفسق) وهو الخروج عنه الطاعة ويقال: أصله خروج الشيء من الشيء على وجه الفساد (والغلو) وهو مجاوزة الحد في الدين وفي التنزيل (لا تغلوا في دينكم) ويقال: أصله الارتفاع ومجاوزة القدر في كل شيء.

(والشك) وهو تساوي النقيضين وفي المصباح: قال أئمة اللغة هو خلاف اليقين وهو التردد بين الشيئين سواء استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر، قال تعالى: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك) قال المفسرون: أي غير مستيقن وفعله يستعمل لازما ومتعديا بالحروف فيقال: شك الأمر يشك شكا إذا التبس وشككت فيه ولعل المراد به الشك في أصول الدين وضرورياته وهو أعظم أصول الكفر إذ يبتنى عليه أعظم المفاسد وأكثرها.

(والشبهة) وهي ترجيح الباطل بالباطل وتصوير غير الواقع بصورة الواقع وجلها بل كلها يحصل بمزج الباطل بالحق كما مر في كتاب العلم، ولذلك سميت شبهة لأنها تشبه الحق ولما فرغ من دعائم الكفر وأصوله وكان لكل واحدة منها أربع شعب وكانت لتلك الشعب ثمرات وآثار مهلكة أشار إلى تلك الشعب وثمراتها للتحذير منها والتنفير عنها بقوله: (والفسق على أربع شعب:

على الجفاء) وهو الغلظة في الطبع والخرق في المعاملة والفظاظة في القلب ورفض الصلة والبر والرفق ويقال: هو مأخوذ من جفاء السيل وهو ما نفاه السيل (والعمى) وهو إبطال البصيرة القلبية وترك التفكر في الامور النافعة في الآخرة (والغفلة) وهي غيبة الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكره له وقد استعملت فيمن ترك إهمالا وإعراضا كما في قوله تعالى: (وهم في غفلة معرضون) يقال:

غفلت عن الشيء غفولا من باب قعد وله ثلاثة مصادر: غفول وهو أعمها وغفلة وزان تمرة وغفل وزان سبب.

(والعتو) وهو مصدر بمعنى التجبر والاستكبار وفعله من باب نصر.

(فمن جفا احتقر الحق ومقت الفقهاء) المراد بالفقهاء من له معرفة دينية وبصيرة قلبية وحذاقة عقلية بها يعرف آفات النفس وأمراض القلب ومنافع الدنيا والآخرة ومضارهما وهو مع ذلك يقظ حذر وجل خائف. ورأس هذه الطائفة المكرمة أوصياء نبينا صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

ص:74


1- -الکافی :391/2.

(وأصر على الحنث العظيم) وهو الإثم بالاحتقار والمقت أو بالأعم منهما (ومن عمي نسي الذكر) أي ذكر الله أو ذكر الآخرة أو القرآن الكريم أو أمير المؤمنين (عليه السلام) (واتبع الظن) أي الظن الحاصل له بالرأي والقياس والاستحسان العقلي كما هو شأن مخالفينا.

(وبارز خالقه) أي حاربه مطلقا أو في اتباع الظن حيث ارتكب ما نهاه عنه بقوله عز وجل:

(ولا تقف ما ليس لك به علم) وبقوله (إن يتبعون إلا الظن إن الظن لا يغني من الحق شيئا) (وألح عليه الشيطان) لأنه أثر فيه إغواؤه فطمع فيه وجد في إضلاله.

(وطلب المغفرة بلا توبة ولا استكانة ولا غفلة) أي طلب المغفرة من الله تعالى بلا توبة وندامة مما فعل ولا استكانة وتواضع لله عز وجل ولا غفلة من الذنوب وإذاعتها لأنه متلبس بهما والأول استهزاء والثاني نفاق والثالث اغترار.

(ومن غفل جنى على نفسه وانقلب على ظهره وحسب غيه رشدا) أي من غفل عما ذكر جنى على نفسه بما يهلكه وانقلب من الدين على ظهره ورجع عنه وحسب غيه وضلالة رشدا وصوابا وذلك لفساد عقله وكمال جهله.

(وغرته الأماني) وهي تعمى عين البصائر حتى لا ترى عواقب الامور وهي إنما تحصل من قصور العقل وإن كان كماله يقتضى فطام النفس عن الشهوات ونزعها عن الأماني والشبهات وخلو السر عن النظر إلى الزهرات والمقتنيات الداثرة، قال بعض الأفاضل: من المغرورين من ينكر الحشر والنشر ومنهم من يزعم أن وعيد الأنبياء من باب التخويف ولا عقاب في الآخرة، ومنهم من يقول:

إن لذات الدنيا متيقنة وعقوبة الآخرة مشكوكة والمتيقن لا يترك بالمشكوك، ومنهم من يفعل المعاصي ويقول: الله غفور رحيم، ومنهم من يزعم أن الدنيا نقد والآخرة نسية والنقد أحسن من النسية، ومنهم من اغتر بنفسه وبعمله وغفل عن آفاته، ومنهم من اغتر بعمله وظن أنه بلغ حد الكمال وليس مثله أحد وكأنه لم يسمع ما ورد من ذم العلماء المغرورين بعلومهم، ومنهم من علم وعمل وغفل عن طهارة الباطن من الأخلاق الرذيلة وظن أنه منزه عنها مستحق للثواب الجزيل بسببه، ومنهم من أغتر بأصل العلم وطلب علوما نافعة في الدنيا وغفل عن علم الآخرة، ومنهم من اغتر بأصل الطهارة والنيات وتبع وسواس الشيطان وظن أنه يحسن شيئا وأنه مستحق للاجر به، ومنهم اغتر بالعبادة وظن أنه فاق العابدين، ومنهم من اغتر بالزهد وظن أنه أزهد الناس وأنه شفيع للخلق يوم القيامة، ومنهم من اغتر بالمال، والمغرورون به كثير، ومنهم من اغتر بالأولاد والأنصار، ومنهم من اغتر بالجاه والرئاسة إلى غير ذلك من أسباب الغرة التي لا تحصى كثرة.

(وأخذته الحسرة) مما لحقه من الفضائح (والندامة) مما فعله من القبائح (إذا قضي الأمر)

ص:75

بين الخلائق في القيامة أو أمر الدنيا بالموت.

(وانكشف عنه الغطاء) المانع له من مشاهدة سوء عاقبته في القيامة أو في وقت الموت (1).

ص:76


1- قوله: «فليس مثله أحد» جميع أصحاب الفنون مبتلون غالبا بهذه البلية فلا يعترفون بنقصهم بل قد لا يخضعون لغير أهل فنهم أيضا مع أن كل عالم عامي في غير فنه يجب عليه تقليده عقلا وأما العلوم الإسلامية فكل من تبحر في شعبة منها إن كان طالبا للجاه والحشمة ومؤثرا للدنيا على الآخرة نعوذ بالله - يدعي لا محالة انحصار الحق فيما يعلمه وأما غيره من العلوم فإن أمكن ابداء وجه للحكم بكونها ضلالا وكفرا وبدعة ولو بتكلف تمحل وأبداه ليكون معذورا في جهله إذ لا كمال في العلم بالبدعة والضلال وإن لم يمكن توسل بوجه آخر ليبدي عذره مثل ان كل علم غير علمه غير مهم ولا مفيد لا ينفع التمهر فيه ولا يضر الجهل به بل صرف العمر فيه تضييع للعمر، مع أن بقاء الدين وقوامه بعلوم كثيرة لا يتصور الاستغناء عنها البتة ولابد من وجود العالم بها في كل عصر وإن كان بعضها سهل المنال غير حاو لمسائل عويصة وغوامض صعبه أترى أنه لا يحتاج المسلمون إلى علم قراءة القرآن وضبط ألفاظها مع كونه المعجز الأعظم لخاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) أو إلى معرفة سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وتاريخ الخلفاء وأعمالهم مع الأئمة المعصومين (عليه السلام) وأحوال الرجال أو إلى المواعظ لتذكير الناس وقصص الزهاد وآراء أهل الملل أو لا يحتاجون إلى الصرف والنحو والعربية إلى غير ذلك من العلوم وينحصر احتياجهم في الكلام والأصول؟ فيجب على العلماء حسن التفاهم والتناصر وترك التباغض والتحاسد وترغيب بعضهم بعضا في جميع ما يتعلق بالدين ولا يجوز ما يفعل بعضهم من الازدراء والتبرىء كما نراه، فالمتكلم إذا رأى المحدث أو الفقيه عاجزا عن إدراك دقائق علم الكلام ازدراه به واستخف به ورماه بنقص العقل وضعف الفكر، وصرف العمر في المسائل التي لا يحتاج إليها أحد من المسلمين عن ما يحتاج إليه نفسه كل يوم، والمحدث يرمي المتكلم بأن تتبع أصحاب المقالات الضالة والآراء الباطلة والاحتجاج بالأدلة العقلية لا يزيد المتفكر إلا ضلالا وتحيرا وبعدا، ويرمي أصحاب القراءات بأنها مأخوذة من العامة لا حجة فيها، وأصحاب الاصول كذلك بأنها مأخوذة من العامة وكتبهم طافحة بالمطالب التافهة وأصحاب العربية مضيعون عمرهم فيما لا يعني ولا فضل في العلم وهكذا ولا يبالون بتكفير من يؤمن بالله ويصلي ويصوم في خلوته ويظهر من أمارات أحواله ومخائل أطواره أنه أشد في الإيمان وأرسخ في اليقين وأعرف بمقام الأئمة (عليهم السلام) أشد تمسكا بسنة النبي (صلى الله عليه وآله) وأزهد في الدنيا وأعرض عن زخارفها من كل أحد بل ربما يجعلون الدليل على ضلاله ما هو أدل على إيمانه كالاستشفاء بالدعاء والتوسل بقبور الأئمة والأولياء واستصحاب الأدعية والرقى والتحرز من العين وغير ذلك مما يدل على اعتقاد صاحبه تأثير شيء غير الامور المادية في الحوادث فإن نفس هذا الاعتقاد من الإيمان وإن كان ما يعتقده مخالفا للواقع. (ش) وقوله أيضا: «وغفل عن طهارة الباطن» وربما تجافوا وغلوا ونسبوا صاحب الأخلاق إلى التصوف والرهبانية نعوذ بالله، وربما حملوا جميع ما ورد في أحاديث علم الأخلاق على الاستحباب والترغيب دون الوجوب، وذلك لأن موضوعات الفقه الأعمال الظاهرة وهي قريبة المنال وغايته إصلاح امور الدنيا ونظمها وكل الناس يطلبون النظام ويستحسنون قواعد لا يتخلفون عنها في معايشهم وإن لم يكونوا مؤمنين بالله واليوم الآخر وأحكام المعاملات والسياسات ظاهرة الفوائد واضحة الغايات، وأما موضوع الرقائق ومباحث الأخلاق وما ورد في أبواب الإيمان والكفر بعيد المنال للماديين غير واضحة المعنى والغاية لهم وخرافات عند أهل الدنيا، يفهمون معنى قوله تعالى: (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وأنها تفيد حفظ الاموال وقوله: (أوفوا بالعقود) فإنها تفيد اعتماد الناس على غيرهم في معاملاتهم وأما سجدة الشجر لله تعالى وحمل الملائكة عرش الرحمن (وسع كرسيه السماوات والأرض) (وهو معكم أينما كنتم) (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (وله معقبات من بين يديه ومن خلقه يحفظونه من أمر الله) وقال ربكم (ادعوني استجب لكم) (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) وغير ذلك مما لا يناله الماديون وأمثالهم من أهل الظاهر ولا يهتمون به إذا لا يرون فائدة في فهمه ولا غاية دنيوية في الاعتقاد به وكذلك قوله تعالى: (ونفس وما سويها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها) وإن تصوروا فائدة فيها تصوروا فائدة دنيوية أيضا للاجتماع لا للشخص; لأن الزهد وترك الحرص في المال والحسد والبغض يضر بالشخص غالبا في الدنيا ويفيد الاجتماع إن كان له فائدة وصريح القرآن بخلاف ذلك وأن تهذيب النفس يفيد الشخص أيضا وكذلك في الأحاديث لا يهتمون بخطب أمير المؤمنين في التوحيد والعدل وأحاديث أصول الكافي في خلق الأسماء والمشيئة وما ورد في الجبر والتفويض وخلق الملائكة والعرش والكرسي فإنها غير متعلقة بأمور الدنيا ومعايش العباد. وبالجملة: يعرضون عن كل شيء يتعلق بباطن النفوس ويتشبثون بكل ما يتعلق بالدنيا والمعاش والحياة الظاهرة ويزعمون أن الدين لا صلاح الدنيا لا أن الدنيا لإصلاح الدين نعوذ بالله - من الضلال وسمعنا من بعض طلبة العلوم الدينية أن الأدب شؤم والكلام يورث الفقر ولذلك تركتهما وأقبلت على الفقه حذرا من الفقر يعني أني طالب العلم للدنيا والمال والله الهادي (ش).

(وبداله) من الله (ما لم يكن يحتسب) لغفلته وسوء فعاله وشدة نكاله، والإبهام للتفخيم.

(ومن عتا عن أمر الله) أي تركه استكبارا ولم يتخضع له (شك) في الله أو في أمره إذ الموقن مطيع له، منقاد لامره، متواضع لحكمه.

(ومن شك) فيما ذكره (تعالى الله) أي استولى (عليه فأذله) في الدنيا والآخرة.

(بسلطانه) أي بتمكنه وقدرته (وصغره) عند الخلائق (بجلاله) وعظمته فيفعل به نقيض مقصوده وهو التكبر (كما اغتر بربه الكريم) الذي أحسن إليه وأنعم عليه.

(وفرط في أمره) أي قصر فيه واجترأ عليه وجعل المفعول في أذله وصغره راجعا إلى الله عز وجل بعيد، ولما فرغ عن شعب الفسق وثمراتها أشار إلى شعب الغلو وثمراتها بقوله:

(والغلو على أربع شعب: التعمق بالرأي) أي التعمق في الباطل وطلب أقصى غايته بالرأي والقياس أو بالجهل وقد شاع اطلاق الرأي على الجهل.

(والتنازع فيه) أي مخاصمة الحق بالرأي والباطل (والزيغ) أي الميل عن دين الحق إلى الباطل.

(والشقاق) أي المخالفة الشديدة مع أهل الحق (فمن تعمق) في الرأي (لم ينب إلى الحق) ولم يرجع إليه وإن ظهر لأن من خاض في الباطل وتمكن في قلبه لم يرجع إلى الحق الواضح إلا من

ص:77

شد.

(ولم يزدد) في تعمقه (إلا غرقا في الغمرات) الشديدة والآراء الفاسدة المتراكمة بعضها فوق بعض (ولم تنحسر) أي لم تنكشف (عنه فتنة) مضلة (إلا غشيته اخرى) لأن الشرور بعضها يجر إلى بعض فيتعسر عليه الخروج عنها، والتخلص منها وانخرق دينه بمقراض الفتنة (فهو يهوي في أمر مريج) مختلط بالأباطيل المتكثرة المختلفة أو بالحق والباطل.

(ومن نازع في الرأي وخاصم شهر بالعثل من طول اللجاج) العثل بالعين المهملة والثاء المثلثة الحمق والعثول كصبور الأحمق وبالتاء المثناة الفوقانية: الغلظة والفظاظة، وأما الفشل بالفاء والشين وهو الجبن والضعف فيأباه ظاهر المقام.

(ومن زاغ) عن منهج الحق ومال إلى الباطل (قبحت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة) كما هو شأن أهل الضلالة (كذلك زين لهم الشيطان سوء أعمالهم). (ومن شاق) أهل الدين والإمام المبين (أعورت عليه طرقه) أي صارت أعور لا علم لها فلا يهتدي سالكها، وفي بعض النسخ «أوعرت» بمعنى صعبت من الوعر وهو ضد السهل، وإنما جمع الطرق للدلالة على كثرة طرق الباطل (واعترض عليه أمره) أي أمره متعرض عليه مستول كالفرس الحرون يمشي نشاطا في عرض الطريق، وهو كناية عن عدم استقامته أو عن قوته ونشاطه في الباطل أو معترض عليه مانع عن قبول الحق من عرض له عارض أي مانع ومنه اعتراضات العلماء لأنها تمنع من التمسك بالدليل وتعارض البينات لأن كل واحدة تعترض الأخرى وتمنع نفوذها.

(فضاق عليه مخرجه) أي خروجه من الباطل لقوة باطله وصيرورته ملكه له وعقد قلبه به (إذا لم يتبع سبيل المؤمنين) متعلق بالثلاثة المذكورة أو بالامر الأخير، والمراد بسبيلهم دين الحق أو ترك المشاقة وتركها يوجب انتفاء هذه الأمور ضرورة أن انتفاء السبب يوجب انتفاء المسبب، ولما فرغ عن شعب الغلو وثمراتها شرع في شعب الشك وثمراتها فقال:

(والشك على أربع شعب: على المرية) لعل المراد بالشك الشك في أصول الدين أو خلاف اليقين وبالمرية الشك في فروعه أو بمعنى تساوي الطرفين الحق والباطل والأخيران من شعب الأولين (والهوى) إذ الشك يوجب متابعة الهوى ويميل النفس إليه وأما من له اليقين فهو يقطع كل سبب بينه وبين الله تعالى ويكون الله مراده لا غير ويؤثر رضاه على كل شيء سواه فكيف يتبع هواه؟ (والتردد) بين الحق والباطل لأن الشاك متردد بين النقيضين اللذين أحدهما حق والآخر باطل (والاستسلام للجهل وأهله) لأن الشاك واقف على الجهل مستسلم له أو لما يوجب هلاك الدنيا

ص:78

والآخرة (وهو) أي الشك وشعبه والزجر عنه (قول الله عز وجل: (فبأي آلاء ربك تتمارى) إذ المماراة مجادلة على مذهب الشك وشعبه).

(والهول من الحق) أي الفزع منه والرعب من قبوله لدخول الباطل في قلبه فيظن الباطل حقا والحق باطلا فيشمئز من قبول الحق ويخاف منه.

(فمن هاله ما بين يديه) من الحق والخير (نكص على عقبيه) أي رجع إلى الباطل والشر، إذ لا واسطة بينهما فإذا هاله أحدهما رجع إلى الآخر.

(من امترى في الدين تردد في الريب) امتراء «درشك افتادن وشك» بردن»، ولعل المراد بالتردد في الريب التحير فيه والقيام عليه لعدم العلم بطريق النجاة منه.

(وسبقه الأولون من المؤمنين) في المسير إلى الله وهم المقربون (وأدركه الآخرون) أي التابعون للأولين وهو واقف متحير كالضال عن الطريق.

وحينئذ (وطئته سنابك الشيطان) واستولى عليه جنوده. والسنابك جمع السنبك وهو طرف مقدم الحافر (ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيما بينهما) فلم تكن له الدنيا خالصة لزوالها مع ما عليه من العقوبات فيها ولم تكن له الآخرة لعدم اتيانه بما ينفعه فيها. قال بعض المحققين: فيه إشارة إلى أن الطالب للدنيا المستسلم لها هالك وأن الطالب للعقبى ونعيمها أيضا هالك وللانسان الموقن شأن وراء ذلك يليق به وهو نبذ الدنيا والعقبى وراء ظهره والترقي إلى ساحة الوصول أمام دهره. روي أن الله تعالى أوحى إلى داود «يا داود، إن أحب الأحباء إلي من عبدني بغير نوال ولكن عبدني ليعطي الربوبية حقها ومن أظلم ممن عبدني لجنة أو نار ألم أكن أهلا أن أطاع وأعبد خالصة؟».

(ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين) ليس اليقين أن يقول الإنسان: أيقنت بأن الله تعالى موجود لا شريك له حي قادر إلى آخر ما يليق به ومنزه عن جميع ما لا يليق به، وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله وأن علي بن أبي طالب وأولاده الطاهرين خلفاؤه وأنما اليقين كيفية نفسانية تبعث على متابعتهم من جميع الوجوه وتمنع عن مخالفتهم ولذلك قال (عليه السلام):

(ولم يخلق الله خلقا أقل من اليقين) لأن اليقين بالمعنى المذكور لا يكون إلا لمن اصطفاه الله تعالى من عباده وجعله نورا في بلاده يهتدون به في المصير إلى الله ولهم يقين في الجملة يزداد بحسب الازدياد في المتابعة إلى أن يبلغ حد الكمال.

وبعد الفراغ مما ذكر أشار إلى شعب الشبهة وثمراتها بقوله: (والشبهة على أربع شعب: إعجاب بالزينة) أي إعجاب المرء بالزينة الدنيوية أو القلبية من الأمور التي اخترعتها النفس بالرأي

ص:79

والاستحسان مع استعانة الوهم والخيال فأعجبت بها لكونها من عملها.

(وتسويل النفس) أي تزيينها للأمور الباطلة بحسب المادة أو الصورة مع شوب الحق وعدمه فإن النفس بإستعانة الوهم قد تزين الأمور الباطلة الصرفة كما تزين الباطل الممتزج بالحق (وتأول العوج) التأول هنا بمعنى التأويل أي تأويل العوج وتفسيره بوجه يخفى عوجه ويبرز استقامته فيظن أنه مستقيم كما فعل أهل الخلاف في كثير من أحاديثهم الموضوعة.

(ولبس الحق بالباطل) وإخفاء الواقع بخلاف الواقع كما يلبس طائفة حدوث العالم بقدمه وطائفة خلافة علي (عليه السلام) بخلافة الثلاثة الباطلة وأمثال ذلك أكثر من أن تحصى.

(وذلك بأن الزينة تصدف علن البينة) أي تصرف النفس عن البينة الشرعية والعقلية التي يحكم بصحتها النص الصحيح والعقل الصريح.

(وأن تسويل النفس تقحم على الشهوة) أي تزيين النفس للباطل يقحم على الشهوة الداثرة الجسمانية واللذة الحاضرة النفسانية ويورث الدخول فيها والعكوف عليها.

(وأن العوج يميل بصاحبه إلى الباطل ميلا عظيما) يتعسر معه الرجوع إلى الحق وإنما لم يقل تأول العوج إما للاقتصار اكتفاء بما سبق، أو للتنبيه على أن تأول العوج أيضا عوج (وأن اللبس) أي لبس الحق بالباطل وان كان واحدا. (ظلمات بعضها فوق بعض) ظلمة الباطل وظلمة القلب، وظلمة الأعمال المترتبة عليه، وظلمة يوم القيامة وأنت تعلم بعد التأمل ان معاني هذا الباب عجيبة أنيقة وأن التفكر فيها حق التفكر مثمر للعلوم الجمة وإنما اقتصرنا على ما ذكرنا تحرزا من الإطناب.

ص:80

باب صفة النفاق والمنافق

* الأصل:

1 - «قال: والنفاق على أربع دعائم: على الهوى والهوينا والحفيظة والطمع:

فالهوى على أربع شعب: على البغي والعدوان والشهوة والطغيان، فمن بغى كثرت غوائله وتخلي عنه ونصر عليه، ومن اعتدى لم يؤمن بوائقه ولم يسلم قلبه ولم يملك نفسه عن الشهوات ومن لم يعدل نفسه في الشهوات خاض في الخبيثات ومن طغى ضل على عمد بلا حجة.

والهوينا على أربع شعب: على الغرة والأمل والهيبة والمماطلة وذلك بأن الهيبة ترد عن الحق والمماطلة تفرط في العمل حتى يقدم عليه الأجل، ولولا الأمل علم الإنسان حسب ما هو فيه ولو علم حسب ما هو فيه مات خفاتا من الهول والوجل والغرة تقصر بالمرء عن العمل.

والحفيظة على أربع شعب: على الكبر والفخر والحمية والعصبية، فمن استكبر أدبر عن الحق ومن فخر فجر ومن حمى أصر على الذنوب، ومن أخذته العصبية جار، فبئس الأمر أمر بين إدبار وفجور وإصرار وجور على الصراط.

والطمع على أربع شعب: الفرح والمرح واللجاجة والتكاثر، فالفرح مكروه عند الله والمرح خيلاء واللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حمل الآثام والتكاثر لهو ولعب وشغل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، فذلك النفاق ودعائمه وشعبه. والله قاهر فوق عباده تعالى ذكره وجل وجهه وأحسن كل شيء خلقه وانبسطت يداه ووسعت كل شيء رحمته وظهر أمره وأشرق نوره وفاضت بركته واستضاءت حكمته وهيمن كتابه وفلجت حجته وخلص دينه واستظهر سلطانه وحقت كلمته وأقسطت موازينه وبلغت رسله، فجعل السيئة ذنبا والذنب فتنة والفتنة دنسا وجعل الحسنى عتبى والعتبى توبة والتوبة طهورا، فمن تاب اهتدى ومن افتتن غوى ما لم يتب إلى الله ويعترف بذنبه ولا يهلك على الله إلا هالك.

الله الله فما أوسع مالديه من التوبة والرحمة والبشرى والحلم العظيم وما أنكل ما عنده من الأنكال والجحيم والبطش الشديد، فمن ظفر بطاعته اجتنب كرامته ومن دخل في معصيته ذاق وبال نقمته وعما قليل ليصبحن نادمين».(1)

* الشرح:

ص:81


1- -الکافی :393/2.

قوله: (قال: والنفاق على أربع دعائم) فاعل قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وهذا من تتمة الحديث السابق أفرده المصنف عنه. والنفاق بالكسر فعل المنافق ومحله القلب واشتقاقه إما من نفقت الدابة نفوقا من باب قعد إذا ماتت لأن المنافق بنفاقه بمنزلة الميت الهالك، أو من نفق البيع نفاقا بالفتح إذا راج لأن المنافق يروج إيمانه ظاهرا ويخفي باطله باطنا أو من النفق بفتحتين وهو خرق في الأرض يكون له مخرج من موضع آخر لأن المنافق يستر نفاقه كما يستر السائر في الأرض نفاقه أي دراهمه وغيرها أو من النافقاء وهي احدى جحرتي اليربوع لأن له جحرتين يقال لإحداهما النافقاء وللآخر القاصعاء فإذا دخل من إحداهما وهي القاصعاء خرج من الأخرى وهي النافقاء وفيه تشبيه باليربوع فإن اليربوع يخرق الأرض من أسفل حتى إذا قارب وجهها أرق التراب فإذا رابه شيء دفع التراب برأسه وخرج فظاهر جحره تراب وباطنه حفر وكذا المنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر ويخرج من الايمان من غير الوجه الذي دخل فيه (على الهوى والهونيا) الهوى ميل النفس إلى مقتضى طباعها وخروجها عن حدود الله عز وجل وهو أشد جاذب عن قصد الحق وأعظم ساد عن سلوك سبيله وأقوى باعث على سلوك سبيل النفاق، والهوينا تصغير الهونا تأنيث الأهون وهي الفتنة الصغرى التي تجري إلى الكبرى والفتن تترتب كبراها على صغراها والمؤمن يترك الصغرى فضلا عن الكبرى.

(والحفيظة والطمع) الحفيظة الغضب وهو في الإنسان تغير على الغير لقصد الإساءة إليه والطمع توقع الدنيا وما في أيدي الناس وهما أكثر مصارع النفوس وأخص أفعال الشيطان وأضر أحوال الإنسان.

(فالهوى على أربع شعب على البغي) وهو التجاوز عن الاقتصاد وقصد الاستيلاء على الأئمة والعباد والتجبر عليهم ومبدؤه الفساد في القوة العقلية والغضبية والشهوية إذ بفساد الأولى لا يعلم أن صلاحه في متابعتهم وبفساد الثانية يطلب مخالفتهم والتجبر عليهم وبفساد الثالثة يطلب ما سولت له نفسه من مشتهياتها التي يظن أنها لا تحصل إلا بمخالفتهم.

(والعدوان) على الخلائق في الانتقام وأخذ الحقوق ومبدؤة أيضا الفساد في القوى المذكورة (والشهوة) وهي الميل إلى المعاصي وزهرات الدنيا ومبدؤه الفساد في القوة الشهوية والتجاوز عن حد الإعتدال فيها.

(والطغيان) وهو مجاوزة الحد وكل شيء جاوز المقدار والحد في العصيان فهو طاغ وهو كما يكون بالمال يكون بالحسب والنسب والعلم وغيرها ومن طريق العامة «للعلم طغيان كطغيان المال» قال ابن الأثير أي يحمل صاحبه على الترخص بما اشتبه منه إلى ما لا يحل له ويترفع به

ص:82

على من دونه ولا يعطى حقه بالعمل به كما يفعل رب المال.

(فمن بغى كثرت غوائله) أي مهالكه جمع غائلة وهي صفة لخصلة مهلكة من غاله يغوله إذا أهلكه والباغي على أهل الحق لا محالة متصف بصفات كثيرة مهلكة كما ترى في مخالفينا.

(وتخلي منه ونصر عليه) كان فاعل تخلي ونصر على البناء للمفعول راجع إلى من وضمير منه راجع إلى البغي والتخلي التفرغ، وفيه إشارة إلى أن الباغي بعد تقريره قوانين البغي ووضعه إياها له ناصر في حياته وبعد موته وعليه وزره ومثل وزر ناصره إلى يوم القيامة.

(ومن اعتدى لم يؤمن بوائقه) جمع البائقة وهي الداهية أي من اعتدى على الخلق لم يؤمن شروره وخصوماته (ولم يسلم قلبه) من الأمراض المهلكة النفسانية أو من الميل إلى ايذاء الغير (ولم يملك نفسه عن الشهوات) من المعاصي والمقتينات التي هي مقتضى طباعها لأن زجر النفس عنها موقوف على خصلة ربانية وملكة روحانية وهي عارية عنها.

(ومن لم يعدل نفسه في الشهوات خاض في الخبيثات) أي الخصال الذميمة والافعال الردية التي يعود ضررها إليه وإلى غيره وذلك ظاهر لأن الجور في الشهوات وترك العدل فيها يوجب الخوض فيما ذكر (ومن طغى ضل على عمد بلا حجة) لأن منشأ الضلال وهو الطغيان لما كان عمدا كان الضلال على عمد، وأما أنه بلا حجة فهو ظاهر لأن الضال لا حجة له.

(والهوينا على أربع شعب على الغرة) أي غفلة الرجل عن دينه وعاقبة أمره.

(والأمل) هو ميل القلب إلى البقاء وحصول المرغوبات ومنشؤه الذهول عن أمر الآخرة ولذلك روى أن طول الامل ينسى الآخرة، قيل: اجتمع ثلاثة نفر فسأل بعضهم بعضا عن أمله فقال أحدهم: ما يأتي علي شهر إلا ظننت أني أموت فيه، وقال الثاني: لم يأت علي يوم إلا ظننت أني أموت فيه، وقال الثالث: ما أمل من أجله بيد غيره. وهذا هو الذي لا أمل له.

(والهيبة) وهي قد يكون من الفساد في القوى العقلية والغضبية والعملية باتصاف النفس والجوارح بما يوجب الخوف، والهيبة من الاخلاق الذميمة والاعمال القبيحة المخوفة مثل التجبر والضرب والقتل ونحوها، وقد تكون من الصلاح والتقوى، والمراد بها هنا هو الأولى لأنها التي ترد عن الحق لأن صاحبها يستنكف عنه حفظا لمقامه، وأما الثانية فهي ناشئة من الحق وعائدة إليه وباعثة على اتباعه.

(والمماطلة) وهي تأخير ما يوجب الاقدام عليه، وتسويف ما ينبغي الاقبال إليه من الاعمال القلبية والبدنية (وذلك بأن الهيبة ترد عن الحق والمماطلة تفرط في العمل حتى يقدم عليه الاجل) وهو نهاية العمر، وضمير عليه راجع إلى العمل أو إلى المماطل المفهوم من المماطلة

ص:83

(ولو لا الامل علم الإنسان حسب ما هو فيه ولو علم حسب ما هو فيه مات خفاتا من الهول والوجل) الحسب بالتحريك القدر والعدد، والخفات بضم الخاء المعجمة الموت فجأة والهول الخوف والوجل بالتحريك الفزع وهو من آثار الخوف وتوابعه يعني لولا الأمل علم الإنسان قدر ما هو فيه وعظمة عاقبته من ألم الفراق والموت وما بعده من العقبات والعقوبات وأهوال القيامة وصار ذلك نصب عينه حتى كأنه مشاهد له ولو علم الإنسان حسب ما هو فيه وقدره مات فجأة من الخوف والفزع فينتج لولا الأمل مات الإنسان من الخوف والفزع وابتغاء الامل على الحكمة لا يقتضي أن يكون مطلوبا كالمعصية، ويفهم منه أن الإنسان إلا من عصمه الله عز وجل لا يخلو من شعب النفاق، وأن المؤمن الخالص المنزه عنها ليس إلا من أخذت بيده العناية الإلهية والتوفيقات الربانية.

(والغرة تقصر بالمرء عن العمل) لظهور أن العمل يتوقف على المعرفة والتذكر والتيقظ وشئ من ذلك لا يتحقق مع الغرة قيل: والفرق بين الغرة والمماطلة أن مع المماطلة شعورا بالعمل ومعرفة بثبوته وحقيقته بخلاف الغرة ولذلك ذكر التفريط مع المماطلة والقصر مع الغرة إذ الشايع في التفريط هو التقصير بالشيء مع العلم به.

(والحفيظة على أربع شعب على الكبر) وهو ترفع الإنسان وتعظمه بادعاء الشرف والعلو على غيره أو هو بطر الحق ويؤيده ما روي من طريق العامة «الكبر بطر الحق» قال ابن الأثير: هو أن يجعل ما جعله الله حقا من توحيده وعبادته باطلا، وقيل: هو أن يتجبر عند الحق فلا يراه حقا، وقيل: هو أن يتكبر عن الحق فلا يقبله.

(والفخر) وهو إظهار الفرح والكمال بالمال والحسب والنسب ونحوها وادعاء العظمة والشرف بذلك، وأما ذكر آلائه واحسانه عز وجل في نفسه فليس من الفخر كما قال النبي (صلى الله عليه وآله): «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» أي لا أقوله تبجحا وفخرا ولكن شكرا لله تعالى وتحدثا بنعمته، (والحمية) هي الأنفة والعار لأنهما من أسباب الحماية أي المنع والدفع وحامية القوم الذي يحميهم ويذب عنهم، والهاء للمبالغة.

(والعصبية) العصبة قرابة الرجل وصاحب العصبية هو الذي يغضب لعصبته ويتعصب لهم وهي والحمية من لوازم الكبر لحصولهما عن تصور المؤذي مع الترفع على فاعله واعتقاد الشرف عليه ومن خطرات الشيطان التي توجد في النفوس ونزعاته التي يفسد بها الناس ونفثاته التي يلقيها إلى أذهانهم بتحسين الغلبة والانتقام والترفع لغرض الإفساد والإضلال.

(فمن استكبر أدبر عن الحق); لأن الكبر صفة ردية توجب إخفاء الحق والإدبار عنه بل أصل

ص:84

الاستكبار إدبار وهو مع ذلك مستلزم لصفات رذيلة أخرى موجبة للإدبار عن الحق.

(ومن فخر فجر) أي كذب ومال عن الصدق أو أذنب ووقع في المعاصي والمحارم إذ الفخر مع كونه معصية مستلزم لمعاصي اخر غير محصورة.

(ومن حمى أصر على الذنوب) أي من دفع عن قومه حمية أصر على الذنوب لأن الحامية كلما فرغ من ذنب دخل في آخر، بل الحمية مرة مورثة لذنوب كثيرة مثل الضرب والشتم والقتل ونحوها. وأما من دفع لامن باب الحمية وتعدى الحق فليس بمذموم بل هو ممدوح.

(ومن أخذته العصبية جار) لأن المعتصب جائر عن القصد. مائل إلى الباطل دائما.

(فبئس الامر أمر بين ادبار وفجور واصرار وجور على الصراط) لعل المراد بذلك الامر الحفيظة. وفي بعض النسخ «فبئس الامرؤ امرءا» بالهمزة والمراد به صاحب الحفيظة ووجه الذم العام أنه بين الأمواج الأربعة من المهلكات فالنجاة منها من المحالات.

(والطمع على أربع شعب الفرح) وهو السرور بما يحصل من الدنيا (والمرح) وهو أشد الفرح أوثر من آثاره كالتبختر ونحوه.

(واللجاجة) وهي التمادي في تعاطي الفعل المزجور عنه (والتكاثر) وهو التباهي بالكثرة في الأموال والأولاد والأنصار ونحوها.

(فالفرح مكروه عند الله) كما قال: «إن الله لا يحب الفرحين» والمؤمن قلبه حزين في أمر الآخرة و (المرح خيلاء) وهو بالضم والكسر والمد العجب والتبختر في المشي، وقيل: هو التكبر في كل شيء، وقال ابن دريد: هو التكبر مع جر الإزار وأنه كمال التكبر عند العرب.

(واللجاجة بلاء) أي فتنة ومحنة (لمن اضطرته) أي ألجأته (إلى حمل الآثام) الناشئة منها لأن اللجاجة سبب المعاصي والآثام ولذلك قيل: اللجاجة متولدة من الكبر وغيره من الامور الفاسدة ويتولد منها امور فاسدة اخرى.

(والتكاثر لهو ولعب) شبه التقلب في أمر الدنيا باللهو واللعب والاتعاب بلا منفعة وفي المنع عما يوجب منفعة أبدية من أمر الآخرة.

(وشغل) للقلب عن الله تعالى وعما أراد من نوع الإنسان من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة النافعة في الآخرة (واستبدال الذي هو أدنى) وهو الدنيا وزهراتها الفانية (بالذي هو خير) وهو الآخرة ونعيمها الباقي (فذلك النفاق ودعائمه وشعبه) أي أصوله وفروعه المنتجة للبعد من الله ومن دينه، فمن تخلص من الجميع فهو مؤمن كامل ومن اتصف بالجميع فهو منافق كامل، ومن اتصف ببعض دون بعض فهو مذبذب بينهما، شبيه بالمنافق إلى أن يستقر أمره فيما شاء الله تعالى، 85

واعلم أن أحاديث هذا الباب تدل على أن المؤمن أقل وجودا من الكبريت الأحمر إذ لا يخلو أحد من العلماء والصلحاء عن بعض الخصال المذكورة فضلا عن غيرهم، ويمكن أن يقال: هذه الخصال إن كانت لأجل التهاون بالدين وعدم اعتقاد حقيقته كان صاحبها منافقا خارجا عن الإيمان مشاركا لمنافقي عهد النبي (صلى الله عليه وآله) في الاسم والمعنى، وان لم يكن لأجل ذلك بل حصلت بمجرد اقتضاء الطبيعة وهوى النفس الأمارة كان مشابها بهم ومشاركا لهم في الاسم دون المعنى ولا يكون بذلك خارجا عن الايمان وان خرج عن كماله.

ومما يدل على ذلك ما ذكره في آخر الباب «ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق» وقال المازري من العامة: المراد بالمنافق من غلب عليه خصال النفاق وأصر فيها وجعلها طبيعة وعادة له لامن وجدت فيه ندرة، وقال: لابد من هذا التأويل لأن تلك الخصال قد تجتمع في واحد ولا تخرجه من الاسلام كما اجتمعت في بعض السلف وبعض العلماء وفي اخوة يوسف فإنهم حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا مع أنهم لم يكونوا منافقين خارجين عن الإسلام لأن ذلك كان ندرة منهم ولم يصروا على ما فعلوا. وقال محي الدين البغوي: هذه ذنوب لا نكفر بها فتجمل على أن من فعلها عادة وتهاونا بالدين يكون منافقا خارجا عن الاسلام أو على أن المراد بالنفاق معناه اللغوي لأنه لغة اظهار خلاف ما في الضمير ومن فيه هذه الخصال كذلك فإن الكاذب يظهر أنه صادق، ومخلف الوعد يظهر أنه يفي بوعده، وكذا في بقيتها.

(والله قاهر فوق عباده) أي غالب على جميع العباد فوقهم بالاستيلاء والقدرة على ايجادهم وابقائهم وافنائهم (تعالى ذكره) عن النقائص أو عن معرفة كنه ذاته وصفاته.

(وجل وجهه) أي ذاته وصفاته أو رسله وحججه أو دينه بناء على أن وجهه ما يتوجه به إليه.

(وأحسن كل شيء خلقه) فقدر ركل شيء أتقن تقدير وأوجده أحسن ايجاد وتدبير بحيث لا يتصور المزيد عليه ولا يتخيل النقص لديه.

(وانبسطت يداه) أي قدرته أو نعمته واطلاقها عليها إما مجاز مرسل أو مكنية، ونسبة الانبساط إليها تخييلية، ويمكن أن يكون اليد كناية عن قبول توبة المذنبين وإنما كنى بذلك لأن العرب إذا رضي أحدهم الشيء بسط يده لأخذه وإذا كرهه قبضها فخوطبوا بأمر محسوس يفهمونه ليتمكن المراد في النفس وانما وجب حملها على ذلك لأن اليد التي هي الجارحة والبسط الحقيقي لها يستحيل كل منهما في حقه تعالى لأن ذلك من صفات الأجسام.

(ووسعت كل شيء رحمته) أي وسعت رحمته كل شيء من المؤمن والكافر والمكلف وغيره في الدنيا، وأما في الآخرة فهي للمؤمن خاصة كما قال جل شأنه: (ورحمتي وسعت كل شيء

ص:86

فسأكتبها للذين يتقون) (وظهر أمره) أي دينه وشرايعه في العباد ليقروا له بالعبودية أو أمره التكويني الدال على كمال قدرته (وأشرق نوره) أي علمه وهو نور الله الذي لا يضل من اهتدى به، والمراد باشراقه انتشاره في قلوب العارفين أو حجته الدالة على وحدانيته وعلو ذاته وصفاته أو نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) أو نور الولاية المشار إليه بقوله تعالى: (يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا أن يتم نوره)(1) (وفاضت بركته) أي كثرت من فاض الماء يفيض فيضا إذا كثرو من أسمائه تعالى الفياض لسعة عطائه وكثرته والبركة العطية لكون عطاياه كلها ثابتة أو زائدة على أصل الاستحقاق وعلى قدره.

(واستضاءت حكمته) أي شريعته أو مصلحته أو علمه بالأشياء وايجادها على غاية الاحكام أو علم الإنسان بالموجودات وفعل الخيرات (وهيمن كتابه) الهيمنة القيام على الشيء يعني كتابه الكريم قائم على سائر الكتب رقيب عليها لأنه يشهد لها بالصحة.

(وفلجت حجته) أي غلبت حجته الدالة على ربوبيته وتوحيده وقدرته وحكمته، أو ظهرت ظهورا تاما حتى فرقت بين الحق والباطل، أو المراد بالحجة الرسل والأوصياء (عليه السلام) (وخلص دينه) المراد بالدين الطريقة الإلهية والشريعة النبوية، وبخلوصه خلوصه عن الباطل يحتمل أن يراد بالدين الطاعة وفيه حينئذ تنبيه على أن الطاعة المختلطة بغير وجه الله عز وجل ليست بطاعة (واستظهر سلطانه) الاستظهار بمعنى الظهور والعلو والغلبة يقال: ظهر على الحائط إذا علاه وظهر على العدو إذا غلبه، والسلطان بمعنى الحجة والبرهان والولاية والسلطنة والزيادات للتأكيد والمبالغة والاحتمالات تسعة تحصل بضرب الثلاثة في الثلاثة، (وحقت كلمته) لعل المراد بكلمته كلامه مطلقا أو كلامه في الثواب والعقاب أو في التوحيد والرسالة أو القرآن الكريم (واقسطت موازينه) الأقساط العدل والمقسط العادل يقال: أقسط يقسط فهو مقسط إذا عدل وقسط يقسط فهو قاسط إذا جار فكأن الهمزة في أقسط للسلب والمراد بالميزان إما الشرائع الإلهية أو ميزان الحساب والجزاء.

(وبلغت رسله) ما أرسلهم به إلى عباده بلا افراط ولا تفريط لأنهم أمناؤه في وحيه.

(فجعل السيئة ذنبا) مبعدا عن رحتمه والسيئة الخصلة الذميمة من القول والفعل والعقد (والذنب فتنة) أي ضلالة عن سبيله وهي اسم لكل ما يفتتن به الناس عن سبيل الحق (والفتنة دنسا) أي وسخا تتوسخ به النفس الناطقة كالثوب المتوسخ بانحاء من القاذورات وأنواع من النجاسات وهو سبب تام للبعد من الحق والخذلان والتخلق بأخلاق المنافق والشيطان.

87


1- -سورة الصف:8.

(وجعل الحسنى عتبى) العتبى الرجوع من الذنب والإساءة والعصيان إلى الطاعة والتوبة والإحسان والحسنى الفعلة الحسنى وهي الأعمال الحسنة الموافقة للقوانين الشرعية والعقلية أو الكلمة الحسنى هي الشهادتان وغيرهما من الأقوال المطابقة للقواعد الحقة أو العبادة الحسنى أعني العبادة الواقعة على التوافق بين الظاهر والباطن المعراة عن صفة النفاق وحقيقتها أن تعبد الله كأنك تراه وقد عبر عنها بالاحسان والإخلاص اللذين هما شرط في صحة الإيمان والعلم جميعا (والعتبى توبة) أي ندامة عما فعل وعزما على عدم الإتيان بمثله وأما مجرد الندامة بدون ذلك العزم فليس بتوبة (والتوبة طهورا) أي مطهرا من الذنوب إذ التوبة تغسل النفس عن الخباثة كما أن الماء يغسل الثوب عن النجاسة.

(فمن تاب اهتدى) أي فمن تاب من الذنوب التي منها النفاق اهتدى إلى الحق ورفع عنه أغلال الذنوب المانعة من الوصول إلى رحمته.

(ومن افتتن) بالادناس والذنوب (غوى) عن سبيل الحق وضل عنه (ما لم يتب إلى الله ويعترف بذنبه) فإنه إذا تاب واعترف اهتدى إذ لا ذنب مع التوبة ولا غواية مع الاعتراف (ولا يهلك على الله) بعد الهداية وتقرير التوبة. (إلا هالك) بلغ الغاية في استحقاق العقوبة وهذا كما تقول: لا يعلم الفن من هذا العلم إلا عالم أي بلغ الغاية في العلم.

(الله الله) أي اتقوا الله أو احذروا الله والتكرير للتأكيد وقد يراد به التعجب (فما أوسع مالديه من التوبة) عن الذنوب.

(والرحمة) للعباد بعد استحقاقهم للعقوبة (والبشرى) بالرحمة وقبول التوبة وإن بلغت النفس الحلقوم (والحلم العظيم) حيث لم يعجل في أخذهم بالمعصية رحمة بهم لعلهم يرجعون عنها بالتوبة والاعتراف بالتقصير (وما أنكل ما عنده من الأنكال والجحيم) النكل بالتحريك منع الرجل وتبعيده عما يريد والنكال بالفتح العقوبة التي تنكل الناس عن فعل ما جعلت له جزاء والنكل بالكسر والسكون القيد لأنه ينكل به أي يمنع وجمعه أنكال ونكول، والجحيم من أسماء جهنم، وأصله ما اشتد لهبه من النيران.

(والبطش الشديد) البطش الأخذ القوى الشديد والوصف للتأكيد وفيه إشارة إلى نوع آخر من العقوبة (فمن ظفر بطاعته اجتنب كرامته) أي تحفه وهداياه الخاصة لأوليائه والمنزل الرفيع في الدنيا والآخرة; لأن أصل الطاعة كرامة مستلزمة لكرامات اخرى غير محصورة كما هو معلوم لأرباب الطاعة وأصحاب العرفان.

(ومن دخل في معصيته ذاق وبال نقمته) الوبال في الأصل الثقل والمكروه ويراد به العذاب

ص:88

في الآخرة والنقمة السخط والغضب والعقوبة ومن أسمائه المنتقم وهو المبالغ في العقوبة مفتعل من نقم ينقم من باب علم إذا بلغت به الكراهة حد السخط وكما أن رحمته عظيمة كذلك نقمته شديدة لأن كل صفة له عز وجل فهي على حد الكمال ولذلك ورد «اتقوا من غضب الحليم».

(وعما قليل ليصبحن نادمين) ما زائدة للمبالغة في القلة أي عن زمان قليل ليصبحن نادمين مما فعلوا من المعاصي ولا ينفعهم الندم لانقطاع زمان التكليف والندامة بزمان الموت والقيامة.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن عبد الحميد والحسين بن سيعد جميعا، عن محمد بن الفضيل قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن مسألة فكتب إلي: «أن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالي يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا، مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يظلل الله فلن تجد له سبيلا، ليسوا من الكافرين وليسوا من المؤمنين وليسوا من المسلمين يظهرون الإيمان ويصيرون إلى الكفر والتكذيب لعنهم الله».(1)

* الشرح:

قوله: (عن محمد بن الفضيل) رمى بالغلو وروي عن أبي الحسن موسى والرضا (عليهما السلام)، (فكتب إلى أن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) أن يظهرون الإيمان والصلاح ويخفون الكفر والفساد للنجاة من قتلهم وسبي ذراريهم ونهب أموالهم ودفع ضرر المؤمنين عن أنفسهم والله تعالى خادعهم بادخالهم في المسلمين ظاهرا واجراء أحكامهم عليهم وتعذيبهم أشد من تعذيب الكفار وجعلهم في الدرك الأسفل من النار وخداعهم مع الله ليس على ظاهره لأنه لا يخفى عليه شيء بل المراد إما مخادعة رسوله على حذف المضاف أو على أن معاملة الرسول معاملة الله، وأما أن صورة صنيعهم مع الله وصورة صنيعه معهم صورة المتخادعين.

(وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) متثاقلين عنهما كالمكره على الفعل (يراؤون الناس) إظهارا لإيمانهم (ولا يذكرون إلا قليلا); لأن المرائي لا يفعل إلا بحضور من يراه وهو أقل أحواله أو لأن المراد بالذكر القلبي وهو في المرائي قليل.

(مذبذبين بين ذلك) حال من واو يراؤون مثل ولا يذكرون، أو من واو يذكرون، أو منصوب على الذم والمعنى مرددين بين الإيمان والكفر متحيرين فيهما من ذبذبه تركه حيران مترددا (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) لا منسوبين إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين لعدم الإقرار بالجنان وعدم الإنكار

ص:89


1- -الکافی :395/2.

باللسان (ومن يضلل الله) بسلب اللطف والتوفيق (فلن تجد له سبيلا) إلى الحق والإيمان.

* الأصل:

3 - الحسين بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن الهيثم بن واقد، عن محمد بن سليمان، عن ابن مسكان، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال: «إن المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي وإذا قام إلى الصلاة اعترض. قلت: يا ابن رسول الله وما الاعتراض؟ قال: الالتفات. وإذا ركع ربض، يمسي وهمه العشاء وهو مفطر ويصبح وهمه النوم ولم يسهر، إن حدثك كذبك وإن إئتمنته خانك وإن غبت اغتابك وإن وعدك أخلفك».(1)

* الشرح:

قوله: (إن المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي به -.. إلى آخره) لعل المراد بالمنافق هنا ناقص الإيمان وهو شبيه بالمنافق الحقيقي لما بينهما من الملائمة في عدم الإتيان بما ينبغي الإتيان به وإن كان هذا معتقدا للحق ومما يدل على ما ذكرنا ما مر في باب أصول الكفر وأركانه عن يزيد الصايغ قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل على هذا الأمر إن حدث كذب وإن وعد أخلف وإن ائتمن خان ما منزلته؟ قال: هي أدنى منازل الكفر وليس بكافر» ولا دلالة فيه على أن من شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يأتي الأمر بذلك المعروف ويكف الناهي عن ذلك المنكر، لأن الواجب في طرف الأمر أمران أحدهما أمر غيره والثاني أن يمتثل في نفسه وكذا في طرف النهي أمران أحدهما أن ينهى غيره، والثاني أن يكف في نفسه، والنفاق والعقوبة من جهة المخالفة وهي أنه لم يمتثل ولم ينته لا للأمر والنهي، المراد بالالتفات الالتفات يمنة ويسرة أو الأعم وبالربوض بضم بعضه ببعض من غير تجنيح مثل ربوض الغنم وهو كبروك الإبل أو لصوقه بالأرض من غير تربص وطمأنينة من ربض في الأرض إذا لصق بها ولازمها.

* الأصل:

4 - عنه، عن ابن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الملك بن بحر، رفعه - مثل ذلك وزاد فيه - «إذا ركع ربض وإذا سجد نقر وإذا جلس شغر».(2)

* الشرح:

قوله: (وزاد فيه إذا ركع ربض) ليس هذا من الزيادة وإنما ذكره تمهيدا لبيان الزيادة والارتباط (وإذا سجد نقر) أي نقر كنقر الديك يعني يسرع في السجود ويخففه ولا يمكث فيه إلا قدر وضع

ص:90


1- -الکافی :396/2.
2- -الکافی :396/2.

الديك منقاره فيما يريد أكله.

(وإذا جلس شغر) أي رفع ساقيه عن الأرض وقعد على عقبيه من شغر الكلب كمنع رفع إحدى رجليه بال أو لم يبل.

* الأصل:

5 - أبو علي الأشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مثل المنافق مثل جذع النخل أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنائه فلم يستقم له في الموضع الذي أراد، فحوله في موضع آخر فلم يستقم له، فكان آخر ذلك أن أحرقه بالنار».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مثل المنافق مثل جذع النخل أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنائه... إلى آخره) هذا تمثيل حسن إذ كما أن جذع النخل غير مستقيم لكون ظاهره متحدبا وباطنه معوجا غائرا وصار ذلك سببا لعدم الانتفاع به في بعض الامور المطلوب منه واحراقه بالنار كذلك بالمنافق.

* الأصل:

6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق».(2)

* الشرح:

قوله: (ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق) تساوي خشوع القلب والجسد وزيادة الأول على الثاني من صفات الإيمان، وأما العكس فهو نفاق وإن كان المتصف به على هذا الأمر.

ص:91


1- -الکافی :396/2.
2- -الکافی :396/2.

باب الشرك

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركا؟ قال: «فقال: من قال للنواة: إنها حصاة وللحصاة:

إنها نواة ثم دان به».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركا؟ قال: فقال: من قال للنواة: إنها حصاة وللحصاة: إنها نواة ثم دان به) المشرك كما يطلق على من عبد غير الله تعالى مثل عبدة الأصنام والأوثان وعبدة الشمس والنيران، كذلك يطلق على من أطاع غيره سواء عبد ذلك الغير أو لم يعبده وسواء كان ذلك الغير شيطانا أو إنسانا أو نفسا أمارة، وأما طاعة الرسول والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين فهي طاعة الله عز وجل كما نطقت به الآيات والروايات ويقال للشرك بهذا المعنى: الشرك بالمعنى الأعم وعلى هذا كل من أنكر من الدين ما هو حق واعتقد فيه ما هو باطل ودان به. وسواء كان من الضروريات كما يظهر من المثال أو من غيرها كما يظهر من بعض أخبار هذا الباب وغيره. وسواء كان من الأمور الكبار أم من الصغار فهو مشرك لأنه أطاع نفسه وشيطانه فكأنه جعلهما ربا من دون الله.

* الأصل:

2 - عنه، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي العباس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أدنى ما يكون به الإنسان مشركا؟ قال: «فقال: من ابتدع رأيا فأحب عليه أو أبغض عليه».(2)

* الشرح:

قوله: (من ابتدع رأيا فأحب عليه أو أبغض عليه) الرأي المبتدع ما ليس له مستند شرعي فما حبه مشرك لأنه اتخذ مع الرب عز وجل ربا آخر وهو نفسه وهواه وإن لم يشعر به سواء كان ذلك الرأي متعلقا بالاصول أم بالفروع، وسواء أحبه عليه غيره وتابعه أم لم يحبه عليه أحد وأما المجتهد المخطىء الذي له مستند شرعي في ظنه غير مطابق لحكم الله تعالى في نفس الأمر فالظاهر أنه ليس بمشرك، والله أعلم.

ص:92


1- -الکافی :397/2.
2- -الکافی :397/2.

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن سماعة، عن أبي بصير، وإسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) قال: «يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك».(1)

* الشرح:

قوله: (يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك) الظاهر أن من حيث لا يعلم متعلق بيطيع فيفيد أن إطاعة الشيطان في العقائد والأعمال مع عدم العلم بأنها فاسدة وأنها إطاعة له وشرك.

فكيف مع العلم فإنها أيضا شرك بطريق أولى، ويحتمل أن يتعلق بقوله: «فيشرك» فيفيد أن إطاعة الشيطان مطلقا شرك وإن لم يعلم أنها شرك ولم يقصده لأنه تابع لازم لها.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن بكير، عن ضريس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) قال: «شرك طاعة وليس شرك عبادة وعن قوله عز وجل: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) قال: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون في أتباعه ثم قلت: كل من نصب دونكم شيئا فهو ممن يعبد الله على حرف؟ فقال: نعم، وقد يكون محضا».(2)

* الشرح:

قوله: (شرك طاعة وليس شرك عبادة) أي أريد الشرك شرك طاعة لغير الله تعالى لا شرك عبادة له فمن أطاع غير الله سواء كان شيطانا أو نفسا داعية إلى السوء أو انسانا ضالا مضلا فقد أشرك بالله غيره وإن لم يعبده ولم يسجد له فالخلفاء الثلاثة مشركون لأنهم أطاعوا شياطينهم ونفوسهم الامارة وكذا أتباعهم إلى يوم القيامة.

(وعن قوله عز وجل (ومن الناس من يعبد الله على حرف) قال إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون في اتباعه - إلى آخره) أي من الناس من يعبد الله على طرف من الدين ومن كان على طرف منه فهو خارج عنه مشرك بالله غير مؤمن به ولعل المراد به الشك في محمد (صلى الله عليه وآله) وما جاء به من ولاية علي (عليه السلام) وغيرها، وفيه إشارة إلى أن الآية نزلت في الثلاثة وأتباعهم وأن نزولها يكون محضا لهم وأنهم مقصودون منه أصالة.

5 - يونس، عن داود بن فرقد، عن حسان الجمال، عن عميرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته

ص:93


1- -الکافی :397/2.
2- -الکافی :397/2.

يقول: «امر الناس بمعرفتنا والرد إلينا والتسليم لنا، ثم قال: وإن صاموا وصلوا وشهدوا أن لا إله إلا الله وجعلوا في أنفسهم أن لا يردوا وإلينا كانوا بذلك مشركين».

* الأصل:

6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا الشيء صنعه الله أو صنعه النبي (صلى الله عليه وآله): ألا صنع خلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين، ثم تلا هذه الآية «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسلميا» ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): فعليكم بالتسليم».(1)

* الشرح:

قوله: (ثم قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه النبي (صلى الله عليه وآله): ألا صنع خلاف الذي صنع.. إلى آخره) فمن لاموه (صلى الله عليه وآله) بما صنع من نصب علي (عليه السلام) وغيره من الاصول والفروع أو وجدوا عدم الرضا بذلك في قلوبهم فهم مشركون حيث نفي عنهم حقيقة الإيمان به وهو مستلزم لثبوت الشرك لهم ويستمر لهم هذه الخصلة حتى يجعلوه حكما فيما تنازعوا فيه من خلافة علي (عليه السلام) وغيرها ويرضوا بحكمه ولا يجدوا في أنفسهم حرجا وشكا فيما حكم به ويسلموا له ولا له صلوات الله عليهم، وبالجملة ثبوت الإيمان المنافي للشرك لهم موقوف على الرجوع إليه والرضا بما حكم به والتسليم له وهو أعلى درجة من الرضا; لأن أهل الرضا يرون أنفسهم ويحكمون عليها بحكمه وإن كان بشعا مرا في مذاقهم، وأهل التسليم لا يرون أنفسهم ولا بشاعة بل يجدون حكمه أحلى من العسل.

* الأصل:

7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) فقال: «أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون».(2)

* الشرح:

ص:94


1- -الکافی :397/2.
2- -الکافی :398/2.

قوله: (فعبدوهم من حيث لا يشعرون) كذلك أكثر هذه الامة اتخذوا جهلة أربابا من دون الله وتبعوا أحكامهم المغايرة لأحكام الله تعالى فعبدوهم من حيث لا يشعرون وليس الذم مختصا بأهل الكتاب.

* الأصل:

8 - علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من أطاع رجلا في معصية فقد عبده».(1)

* الشرح:

قوله: (من أطاع رجلا في معصية فقد عبده) في معصية إما وصف لرجلا أو حال عنه أو متعلق بأطاع فيفيد على الأولين ان العاصي معبود لمن أطاعه مطلقا سواء أطاعه في المعصية أم في غيرها كما يدل عليه قوله تعالى (ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار) وعلى الأخير أن العاصي معبود لمن أطاعه في المعصية سواء فعلها أيضا أو رضي بها ومدحه عليها أو دعا له أو لم ينكرها مع القدرة على الإنكار، وسر ذلك أن العبادة ليست إلا الخضوع والتذلل والطاعة والانقياد ولذلك جعل الله سبحانه اتباع الهوى وطاعة الشيطان عبادة للهوى والشيطان. فقال (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) وقال: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان)(2) وصدرت عن أهل العصمة في ذلك روايات كثيرة، وإذا كان اتباع الغير عبادة له فأكثر الخلق مقيمون على عبادة غير الله تعالى وهو النفس والشيطان وأهل المعصية والكفران وهذا هو الشرك الخفي نعوذ بالله منه.

ص:95


1- -الکافی :398/2.
2- -سورة یس:6.

باب الشك

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن الحسين بن الحكم قال: كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) اخبره أنى شاك وقد قال إبراهيم (عليه السلام): (رب أرني كيف تحيى الموتى) (1)وإني احب أن تريني شيئا، فكتب (عليه السلام): «أن إبراهيم كان مؤمنا وأحب أن يزداد إيمانا وأنت شاك الشاك لا خير فيه، وكتب: إنما الشك ما لم يأت اليقين فإذا جاء اليقين لم يجز الشك، وكتب: أن الله عز وجل يقول: (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين)(2) قال: نزلت في الشاك».(3)

* الشرح:

قوله: (قال: كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام) اخبره أنى شاك وقد قال إبراهيم (عليه السلام): (رب أرني كيف تحيى الموتى) وإني احب أن تريني شيئا) كأنه أراد أني شاك فيك فأحب أن تريني شيئا يفيد اليقين بك كما كان إبراهيم (عليه السلام) شاكا في إحياء الموتى فأحب أن يريه ربه ما يفيده اليقين به.

(فكتب (عليه السلام)) إليه (أن إبراهيم (عليه السلام) كان مؤمنا وأحب أن يزداد إيمانا وأنت شاك والشاك لا خير فيه) المراد أن إبراهيم (عليه السلام) لم يسأل ربه ليزيل الشك عن نفسه لأنه كان مؤمنا بذات الرب وصفاته وقدرته على احياء الموتى ولم يشك قط بل سأله ليزداد يقينا بأن يرى بالعيان ما علمه بالدليل والجنان، والحاصل أنه كان له علم اليقين فطلب عين اليقين وأنت شاك كما اعترفت به والشاك لا خير فيه لأن الخير كله سيما الإيمان في ضد الشك وهو اليقين.

(وكتب (عليه السلام): إنما الشك ما لم يأت اليقين فإذا جاء اليقين لم يجز الشك) كأنه تأكيد لقوله: أن إبراهيم كان مؤمنا. وحاصله أنه كان له يقين بقدرته تعالى على احياء الموتى فكان مؤمنا غير شاك إذ الشك بالشيء ينافي اليقين به فلا يجامعه، وقيل: انما سأل إبراهيم (عليه السلام) ليعلم قدر منزلته عند الله تعالى لأن الإسعاف بالمطلب الفخم يدل على مكانة السائل وحينئذ معنى (أو لم تؤمن) أو لم تؤمن بمنزلتك عندي. قال الصدوق في كتاب العلل: «سمعت محمد أن عبد الله بن محمد بن طيفور يقول قول إبراهيم (عليه السلام): (ربي أرني كيف تحيي الموتى)(4) الآية، إن الله عز وجل أمر

ص:96


1- -سورة البقرة :260.
2- -سورة الأعراف :102.
3- -الکافی :399/2.
4- -سورة البقرة :260.

إبراهيم (عليه السلام) أن يزور عبدا من عباده الصالحين فزاره فلما كلمه قال له: إن لله تبارك وتعالى في الدنيا عبدا يقال له إبراهيم واتخذه خليلا قال: وما علامة ذلك العبد؟ قال: يحيى له الموتى فوقع لإبراهيم أنه هو فسأله أن يحيى له الموتى قال: (أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) يعني على الخلة، ويقال: إنه أراد أن يكون له ذلك معجزة كما كانت للرسل، وقيل: كأنه له اليقين بالإحياء وانما سأل ليعلم كيفية الاحياء كما يشعر به كيف، وقيل: إنما سأله أن يقدره على احياء الموتى وتأدب في السؤال فقال: (أرني كيف تحيي الموتى)» وقال بعض أهل الإشارة: أرى من نفسه الشك فما شك فإنما سأل فيزداد قربا (وكتب: أن الله عز وجل يقول: (وما وجدنا لا كثرهم من عهد وان وجدنا أكثرهم لفاسقين) قال: نزلت في الشاك) العهد يكون بمعنى الوصية، كما قيل في قوله تعالى (ألم أعهد إليكم يا بني آدم) وبمعنى الولاية والخلافة ومنه قوله تعالى (لا ينال عهدي الظالمين) وبمعنى الإمام والذمة، وبمعنى الضمان كما قيل في قوله تعالى: (أوفوا بعهدي أوف بعهدكم) أي أوفوا بما ضمنتكم من طاعتي أوف بما ضمنت لكم من ثوابي وجنتي ولعله (عليه السلام) أشار بذلك إلى أن الأكثر نقضوا عهد الله وعهد رسوله في الولاية والخلافة وشكوا فيها وأن الآية نزلت في ذمهم وأن كل شاك فاسق.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن أبي إسحاق الخراساني قال:

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في خطبته: «لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا».(1)

* الشرح:

قوله: (كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في خطبته: لا ترتابوا فتشكوا ولا تشكوا فتكفروا) الارتياب يجيء بمعنى القلق والاضطراب وبمعنى سوء الظن والتهمة وبمعنى الشك، ولعل المراد لا توقعوا أنفسكم في قلق واضطراب وبسبب الفكر فيما يعارض الحق ويدفعه من الشبهات والتخيلات فإنه يؤديكم إلى الشك فيه أو لا تتهموا الله في أفعاله وصفاته ولا رسوله في تبليغ رسالاته ولا خليفته في ولايته والاتصاف بكمالاته ولا تتصفوا بسوء الظن بهم فإنه يؤديكم إلى الشك في صدقهم ولا تشكوا فيهم فتكفروا فإن الشك فيه كفر بالله العظيم وبما أنزله إلى رسوله الكريم، وقد مر توضيحه في باب استعمال العلم.

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن أبي

ص:97


1- -الکافی :399/2.

أيوب الخزار، عن محمد بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) جالسا عن يساره وزرارة عن يمينه، فدخل عليه أبو بصير فقال: يا أبا عبد الله ما تقول فيمن شك في الله؟ فقال: «كافر يا أبا محمد، قال: فشك في رسول الله؟ فقال: كافر، قال: ثم التفت إلى زرارة فقال: إنما يكفر إذا جحد».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: فشك في رسول الله؟ فقال: كافر، ثم التفت إلى زرارة فقال: إنما يكفر إذا جحد) من البين أن الشك في رسول الله إنما يتصور قبل تمام الحجة إذ لا شك بعده بالضرورة، والشاك قبله كافر إذا جحد وأنكر بخلاف ما إذا لم يجحد فإنه مستضعف، وسيجئ بيانه، وأما الشاك في الله فهو كافر; لأن حجة الله والدليل على وجوده هي الحجة الواضحة إذ كل شيء شاهد عليه وإنما التفت إلى زرارة للتنبيه على فساد مذهبه وهو أنه لا واسطة بين المؤمن والكافر كما مر وسيجئ أيضا والله يعلم.

* الأصل:

4 - عنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) قال: «بشك».(2)

* الشرح:

قوله: (قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) (3)قال: بشك) أي الذين آمنوا بالله ورسوله وأوصياء رسوله ظاهرا ولم يلبسوا ايمانهم بشك في أحدهم باطنا أولئك لهم الأمن وهم مهتدون، والظلم وضع الشيء في غير محله، فالعاصي ظالم لأنه وضع المعصية موضع الطاعة والكافر ظالم لأنه وضع الكفر موضع الإيمان، والشاك ظالم لأنه وضع الشك موضع اليقين، وبالجملة كل من عدل عن طريق حق إلى طريق باطل فهو ظالم وكان السائل سأل عن العام هل هو باق بعمومه أو مختص ببعض أفراده، فأجاب (عليه السلام) بأن المراد به ظلم الشك والكفر قيل: فيه دلالة على أنهم كانوا يقولون بالعموم وعلى جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة واعترض بأنه لا دلالة فيه على شيء منها أما الأول فلأن السائل حمل الظلم على ظلم المخالفة وشق عليه ذلك لما ترتب عليه من عدم الامن وعدم الاهتداء فسأل عن ذلك فأجاب (عليه السلام) بحمله على ظلم الشك، وأما الثاني فلأن الآية ليس فيها تكليف يعمل وإنما فيها

ص:98


1- -الکافی :399/2.
2- -الکافی :400/2.
3- -سورة الأنعام:82.

تكليف باعتقاد صدق الخبر بأن للمؤمنين الأمن والاهتداء فأين الحاجة التي يؤخر البيان إليها؟ وأجيب عن الأول بأن ظلم المخالفة يتنوع إلى كبائر وصغائر لا تنحصر وإنما شق عليه حمله على ظلم المخالفة إذا عم جميع صورها فأخذ العموم لازم سواء جعل من تعميم الجنس في أنواعه أو من تعميم النوع في أفراده، وعن الثاني بأن الآية وإن كانت خبرا فهي في معنى النهي عن لبس الإيمان بالظلم فهي عملية من هذا الوجه على أن الفرق في تأخير البيان بين المسائل العلمية والعملية غير ظاهر والدليل في المسألة مشترك.

5 - الحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الشك والمعصية في النار، ليسا منا ولا إلينا».

* الأصل:

6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من شك في الله بعد مولده على الفطرة لم يفىء إلى خير أبدا».(1)

* الشرح:

قوله: (من شك في الله بعد مولده على الفطرة لم يفىء إلى خير أبدا) دل على أن المرتد عن فطرة وهو المولود على الإسلام لا تقبل توبته كما هو المشهور، وقال الشيخ زين الملة والدين: لا تقبل توبته ظاهرا وفي قبولها باطنا قول قوي (2) حذرا من تكليف ما لا يطاق لو كان مكلفا بالإسلام

ص:99


1- -الکافی :400/2.
2- قوله: «وفي قبولها باطنا قول قوي» مبني على ما ذكر مرارا من أن أحكام الفقه للدنيا لا الآخرة فرب من يحكم بإيمانه ظاهرا وطهارته وجواز نكاحه بحسب أحكام الفقه مع أنه كافر حقيقة ومن أهل النار، والمرتد مأمور بأداء التكاليف الشرعية كالصلاة والصوم ولا يصح منه بدون الإيمان شيء والأمر بالشيء مع العلم بانتفاء شرطه قبيح عند الاصوليين، فلابد أن يكون توبته صحيحة وإيمانه بعد الارتداد مقبولا لكن قتله حد كحد الزنا واللواط ومفارقة الزوجة وسلب الاموال وتوريثه وراثه حكم تأديبي ليس بمنزلة قتل الحربي وغنيمة أمواله ولو كان كذلك انتقل ماله إلى قاتله لا إلى وارثه فإن الغنيمة للمجاهدين. فإن قيل: ما حكم المرتد في زمان الغيبة; لأن إجراء الحدود على الإمام (عليه السلام) وهو غائب؟ قلنا: هو داخل في ولاية الفقيه عند بعض العلماء ومتوقف على ظهور الإمام (عليه السلام) عند آخرين ولم يرد دليل لفظي على جواز اجراء الحدود للفقهاء فيما نعلم، بل ولايتهم ثابتة بدليل العقل والنقل فيما لا يمكن توقيفه وتأخيره كالحكم في المعاملات وحفظ أموال الصغار واليتامى والمجانين ولا ولاية له فيما لا ضرورة تقتضيه كالجهاد للدعوة إلى الإسلام وهذا هو المتيقن مما له فيه الولاية قطعا أو ليس له قطعا ويبقى الشك في الحدود ويحتمل قويا كونها مما لا يمكن تأخيره وتوقيفه خصوصا في السارقين والمحاربين وأما صلاة الجمعة فالظاهر عدم توقف صحتها على ظهور الإمام بل توقف وجوبها العيني فقط ولا يجري فيه دليل ولاية الفقيه إذ لا ضرورة في إقامتها ويمكن تأخيرها إلى ظهور الإمام (عليه السلام) وتمسك بعض المتأخرين برواية في الاحتجاج عن إسحاق بن يعقوب وهو رجل مجهول وفيها «أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا» وفيه أولا ضعف الرواية كما قلنا، وثانيا: لا شك في وجوب الرجوع في كل واقعة إلى العلماء ولا حاجة فيه إلى التمسك بالروايات الضعيفة مع تصريح آيات القرآن العظيم والروايات المتواترة وإنما الكلام في أنا إذا رجعنا إلى العلماء فعلى العلماء أن يجيبوا بما ظهر لهم من الأدلة وإن لم يكن عندهم دليل توقفوا فيرجع فيها إلى الإمام ومورد السؤال الحوادث التي يحتاج فيها إلى سؤال الإمام نفسه كما في عصرهم (عليهم السلام) فربما أجابوا بأن حكم الحدود كحكم الجهاد موقوف إلى ظهوره (عليه السلام) ويظهر من الشيخ المحقق الأنصاري أنه كان يعرف إسحاق بن يعقوب (ش).

أو خروجه عن التكليف ما دام حيا كامل العقل وهو باطل بالإجماع، وقال ابن فهد في شرح النافع:

لو تاب المرتد عن فطرة لم تقبل بالنسبة إلى إسقاط الحد وملك المال وبقاء النكاح وابتداء النكاح مطلقا وتقبل بالنسبة إلى الطهارة وصحة العبادات واسقاط عقوبة الآخرة واستحقاق الثواب ولا ينافي ذلك وجوب قتله كما لو تاب المحصن بعد قيام البنية.

* الأصل:

7 - عنه، عن أبيه، رفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا ينفع مع الشك والجحود عمل».(1)

* الشرح:

قوله: (لا ينفع مع الشك والجحود عمل); لأن الشاك والجاحد كافران والكافر لا ينفعه عمله وقد دلت الروايات على أن عمل الشاك في الإمام والجاحد له كالخوارج وأضرابهم لا ينفع

* الأصل:

8 - وفي وصية المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «من شك أو ظن فأقام على أحدهما أحبط الله عمله إن حجة الله هي الحجة الواضحة».

الشرح:

قوله: (وفي وصية المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من شك أو ظن فأقام على أحدهما أحبط الله عمله) أي من شك في الله أو في الرسول أو في الإمام أو ظن بطلانهم (2) فأقام

ص:100


1- -الکافی :400/2.
2- قوله: «أو ظن بطلانهم» تعلق الظن بالبطلان غير متجه والحق أن الظن بالصحة أيضا لا يغنى من الحق شيئا وقد أصر بعض المتأخرين على كفاية الظن في اصول الدين وكأنه مخالف لإجماع المسلمين من صدر الإسلام إلى عهدنا هذا، فإنا لم نر أحدا اكتفى في اسلام الكافر بأن يقول أني أظن أن لا إله إلا الله ويحتمل ضعيفا عنده عدم وجوده تعالى أو يقول اليهودي أني أظن أن محمدا نبي وربما يحكون القول به عن الحكيم الطوسي في بعض مؤلفاته والفيض رحمهما الله وغيرهما ولا أدري ما أقول في هذه النسبة بعد وضوح بطلان هذا القول وعلى فرض صدور كلام مشتبه منهما يجب أن يؤول بوجه لا ينافي ضرورة الإسلام والآيات الناهية عن تقليد الآباء ومتابعة الظن ولعلهم أرادوا بالظن غير معناه المتداول كمن يعتقد شيئا بدليل قاطع لا يستطيع أن يقرره كالعوام أو أرادوا أن المظهر لليقين المبطن للظن محكوم بالإسلام ظاهرا لأنه إذا كان المنافق الجازم بالخلاف مسلما ظاهرا فالظان مسلم بطريق أولى واختار بعض تلامذة الشيخ المحقق الأنصاري في كتابه كاشف الأسرار أن الظن الإطمئناني علم ويكتفي به في اصول الدين وفيه أن الإعتقاد أما أن يحتمل فيه الخلاف أو لا يحتمل فإن احتمل الخلاف ولو ضعيفا ليس علما ولا يكتفي به وإن لم يحتمل الخلاف فليس ظنا بل هو علم، مثلا إذا وقع في ألف ألف درهم صحيح درهم واحد مغشوش وأخذت منه درهما واحتمل كونه ذلك الدرهم المغشوش ولو ضعيفا جدا لم يصح لك دعوى العلم بأن ما أخذته صحيح إلا أن تسامح أو تكذب وكيف يصح لهذا الفاضل مع مهارته في العلوم العقلية أن يحكم باسلام من يحتمل ضعيفا كذب خاتم الأنبياء وصدق الدهرية نعم قد يحصل للإنسان اعتقاد بشيء فيجري على اعتقاده ولا يخطر بباله خلافه حتى يحتمل وإن نبه عليه ربما تردد، مثاله من يرى شبحا من بعيد فيعتقد أنه شجر ويقصده ليستظل تحته ويجني من ثمره ولا يخطر بباله شيء غير الشجر ولو نبه عليه تردد في المسير وهذا ظن في الواقع وليس معنى الظن أن يلتفت الظان فعلا إلى النقيض فيحتمله بل لو التفت احتمل ويدل على ذلك قول الله عز وجل في تخطئة الدهريين (ما لهم بذلك من علم أن هم إلا يظنون) فسمى جزمهم بنفي الربوبية ظنا وإن لم يحتمل عندهم خلاف ما اعتقدوا لأنهم لو نبهوا على أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ربما تبدل جزمهم باحتمال خلاف ما رأوا. وقد يحصل مثل هذا الإعتقاد للمقلد فيجري عليه في العمل ولو نبه على أن الإنسان جائز الخطاء فلعل من تقلده مخطى احتمال خطائه وتبدل جزمه بالترديد ولا ريب أن سائر الكفار كاليهود والنصارى والمشركين يقلدون آباءهم ومع ذلك هم جازمون بآرائهم لا يختلج في ذههنم ترديد وشك ولذلك كانوا يحاربون عليه ويبذلون نفوسهم وأموالهم في سبيل دينهم ولا يرجعون عن الحق مع أن التقليد لا يفيد العلم لاحتمال الغلط في المقلد ولو اختلج في ذهن اليهودي أنه في تقليده آباءه كالنصراني ولو كان التقليد طريقا إلى الحق لكان كلا طرفي النقيض حقا وهو باطل وقد ذمهم الله تعالى بالتقليد وبين وجه غلطهم عقلا بقوله« أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ » فکیف یصح دعوی أنه تعالی جوز للمسلمین ما منع الکفار منه مع أن احتمال کون الآباء لا یعقلون شیئا و لایهتدی قائم فی کل إنسان غیر معصوم و أما قول المعصوم فیفید الیقین بعد الإعتراف بعصمته و لا تسمی تقلیداً اصطلاحاً .(ش)

على أحدهما أحبط الله عمله ولا ينفعه في الآخرة كما قال عز وجل (لئن أشركت ليحبطن عملك).

وقوله: (أن حجة الله هي الحجة الواضحة) إشارة إلى أن الموجب لاحباط العلم هو الشك في الأمر الجلى وأما الأمر الخفي مثل بعض الفروع فليس الأمر فيه كذلك، والله يعلم.

* الأصل:

9 - عنه، عن علي بن أسباط، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال:

قلت: إنا لنرى الرجل له عبادة واجتهاد وخشوع ولا يقول بالحق فهل ينفعه ذلك شيئا؟ فقال: «يا أبا محمد إنما مثل أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل كان لا يجتهد أحد منهم أربعين

ص:101

ليلة إلا دعا فأجيب وإن رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة ثم دعا فلم يستجب له فأتى عيسى بن مريم (عليه السلام) يكشو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء قال: فتطهر عيسى وصلى ثم دعا الله عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه يا عيسى إن عبدي أتاني من غير الباب الذي اوتي منه، أ نه دعاني وفي قلبه شك منك فلو دعاني حتى ينقطع عنقه وتنتثر أنامله ما استجبت له، قال: فالتفت إليه عيسى (عليه السلام) فقال: تدعوا ربك: وأنت في شك في نبيه؟ فقال: يا روح الله وكلمته قد كان والله ما قلت، فادع الله [لي] أن يذهب به عني قال: فدعا له عيسى (عليه السلام) فتاب الله عليه وقبل منه وصار في حد أهل بيته».(1)

* الشرح:

قوله: (فقال: يا أبا محمد إنما مثل أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلا دعا فأجيب - إلى آخره) المراد بالاجتهاد الإتيان بالطاعات والاجتناب عن المنهيات وتهذيب الظاهر والباطن لله تعالى، وفيه دلالة على أنه من شرائط قبول الدعاء والروايات الدالة عليه كثيرة وسيجئ بعضها في كتاب الدعاء والغرض من هذا التمثيل أن العبادة مع الشك في أهل البيت غير مقبولة ولا نافعة فكيف إنكارهم وإن التمسك بهم يوجب قبولها وإن التوبة بعد الشك والإنكار مقبولة وإن المؤمن الخالص في حد أهل البيت (عليهم السلام).

ص:102


1- -الکافی :400/2.

باب الضلال

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن هاشم صاحب البريد قال: كنت أنا ومحمد بن مسلم وأبو الخطاب مجتمعين فقال لنا أبو الخطاب: ما تقولون فيمن لم يعرف هذا الأمر؟ فقلت: من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر فقال أبو الخطاب: ليس بكافر حتى تقوم عليه الحجة فإذا قامت عليه الحجة فلم يعرف فهو كافر، فقال له محمد بن مسلم:

سبحان الله ما له إذا لم يعرف ولم يجحد يكفر؟! ليس بكافر إذا لم يجحد، قال: فلما حججت دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته بذلك، فقال: «إنك قد حضرت وغابا ولكن موعدكم الليلة، الجمرة الوسطى بمنى، فلما كانت الليلة اجتمعنا عنده وأبو الخطاب ومحمد بن مسلم فتناول وسادة فوضعها في صدره، ثم قال لنا: ما تقولون في خدمكم ونساءكم وأهليكم أليس يشهدون أن لا إله إلا الله؟ قلت: بلى قال: أليس يشهدون أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قلت: بلى، قال: أليس يصلون ويصومون ويحجون، قلت: بلى، قال: فيعرفون ما أنتم عليه؟ قلت: لا. قال: فما هم عندكم؟ قلت: من لم يعرف [هذا الأمر] فهو كافر، قال: سبحان الله أما رأيت أهل الطريق وأهل المياه؟ قلت: بلى، قال: أليس يصلون ويصومون ويحجون، أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمد، رسول الله؟ قلت: بلى، قال: فيعرفون ما أنتم عليه؟ قلت: لا، قال: فما هم عندكم؟ قلت: من لم يعرف [هذا الأمر] فهو كافر، قال: سبحان الله أما رأيت الكعبة والطواف وأهل اليقين وتعلقهم بأستار الكعبة؟ قلت: بلي، قال: أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويصلون ويصومون ويحجون؟ قلت بلي، قال: فيعرفون ما أنتم عليه؟ قلت، لا، قال: فما تقولون فيهم؟ قلت: من لم يعرف فهو كافر، قال: سبحان الله هذا قول الخوارج ثم قال: إن شئتم أخبرتكم، فقلت أنا: لا، فقال: أما إنه شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا، قال: فظننت أنه يديرنا على قول محمد بن مسلم».(1)

* الشرح:

قوله: (فقلت من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر فقال أبو الخطاب: ليس بكافر حتى تقوم عليه

ص:103


1- -الکافی :401/2.

الحجة فإذا قامت عليه الحجة فلم يعرف فهو كافر، فقال له محمد بن مسلم: سبحان الله ما له إذا لم يعرف ولم يجحد يكفر؟! ليس بكافر إذا لم يجحد) الفرق بين الأقوال الثلاثة أنه ذهب صاحب البريد إلى أن غير العارف كافر سواء قامت عليه الحجة أم لم تقم، وسواء جحد أم لم يجحد، وعلى هذا لا واسطة بين المؤمن والكافر وذهب أبو الخطاب إلى أنه كافر أن قامت عليه الحجة، سواء جحد أو لم يجحد وعلى هذا بينهما واسطة وهي غير العارف قبل قيام الحجة ولكن يلزم أن لا يكون قبله مع الانكار أيضا كافرا وليس كذلك. وذهب محمد بن مسلم إلى أنه كافر إذا جحد وبدون الجحد ليس بكافر، وعلى هذا بينهما واسطة وهي من لم يعرف ولم يجحد ويسمى مستضعفا وضالا، والمراد بالضال في هذا الباب هو هذا المعنى وان كان يطلق كثيرا ما على المعنى الأعم منه وهو من لم يتمسك بالحق وخرج عن سبيله فإنه يصدق على جميع أرباب المذاهب الباطلة، والظاهر وأن مرادهم بالكافر هنا من يجري عليه أحكام الكفر في الدنيا مثل النجاسة وعدم جواز المباشرة والمناكحة وغيرها كما هو مذهب بعض العلماء والا فلا خلاف في استحقاق العقوبة وخلود بعضهم في النار.

(قال فلما حججت دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته بذلك فقال: إنك قد حضرت وغابا ولكن موعدكم الليلة. الجمرة الوسطى بمنى) دل على أنه ينبغي للحاكم أن يترك الحكومة والتكلم فيها حتى يحضر الخصوم جميعا ومن ثم قال بعض الأكابر إذا جاءك الخصم وقد فقئت عينه فلا تحكم له فلعله يأتيك خصمه وقد فقئت عيناه.

(ثم قال لنا: ما تقولون في خدمكم ونسائكم وأهليكم - إلى آخره) لما أظهروا عنده (عليه السلام) أقوالهم المذكورة استفهم (عليه السلام) ثلاث مرات عمن أسلم وأقر بالشهادتين وأتى بالصلاة والصوم والحج ونحوها ولم يعرف هذا الامر والإمام الحق فأجاب صاحب البريد في كل مرة ومراده أنه كافر ينبغي أن يجري عليه أحكام الكفر من النجاسة والقتل وحرمة المناكحة وغيرها فقال (عليه السلام) - توبيخا له وردا لقوله -:

(سبحان الله هذا قول الخوارج) القائلين بأن من فعل كبيرة أو صغيرة وأصر عليها كافر خارج عن الاسلام مستحق للقتل ولذلك حكموا بكفر أمير المؤمنين (عليه السلام) للتحكيم لزعمهم أن التحكيم معصية صدرت منه عليه السلام وقد أخطاؤا، أما أولا فلأن التحكيم وقع بغير رضاه (عليه السلام) بسبب غلبة الرجال والعساكر كما هو المسطور في الكتب المفصلة المعتبرة، وأما ثانيا فلأن تعيين الحاكم وتفويض الحكم إلى أبي موسى وقع ايضا بدون رضاه (عليه السلام) كما هو المسطور فيها أيضا.

وأما ثالثا فلأن المقصود في التحكيم هو الرجوع إلى حكم الله في كتابه وتعيين الأحق بالخلافة

ص:104

منه ولا ريب في أنه ليس بمعصية واغترار الحاكم من صاحبه وحكمه بخلاف ما في كتاب الله معصية صدرت من ذلك الحاكم لا ممن أمره بالحكم الحق وانما لم يقل (عليه السلام) هذا قول الخوارج بعد الجواب عن السؤال الأول بل كرر السؤال عن جنس واحد للتأكيد والتقرير وتوقع رجوع المخاطب عن اعتقاده الباطل بتكرار السؤال والتنبيه، وانما لم يجبه بالجواب الحق مع أن شأنه (عليه السلام) هو الارشاد إليه بل استعلمه بقوله إن شئتم أخبرتكم لعلمه بأنه متعنت ولذلك أساء الأدب وقال لا ووبخه (عليه السلام) بقوله أما أنه شر عليكم أن تقولوا لشيء ما لم تسمعوه منا للتنبيه على فساد قوله وعلى أن كل ما يتكلم به الناس من أمور الدين وجب أن يكون مسموعا من أهل العصمة (عليهم السلام) ولو بواسطة ليكون مأمونا من الخطاء.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما تقول في مناكحة الناس فإني قد بلغت ما تراه وما تزوجت قط، فقال: وما يمنعك من ذلك؟ فقلت: ما يمنعني إلا أنني أخشى أن لا تحل لي في مناكحتهم فما تأمرني؟ فقال:

«كيف تصنع وأنت شاب، أتصبر؟» قلت: أتخذ الجواري قال: «فهات الآن فبما تستحل الجواري؟» قلت: إن الأمة ليست بمنزلة الحرة إن رابتني بشيء بعتها واعتزلتها، قال: «فحدثني بما استحللتها؟» قال: فلم يكن عندي جواب فقلت له: فما ترى أتزوج؟ فقال: «ما ابالي أن تفعل، قلت: أرأيت قولك: ما ابالي أن تفعل، فإن ذلك على جهتين تقول: لست ابالي أن تأثم من غير أن آمرك، فما تأمرني أفعل ذلك بأمرك؟ فقال لي: قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوج وقد كان من أمر امرأة نوح وامرأة لوط ما قد كان إنهما كانتا تحت عبدين من عبادنا

ص:105

صالحين، فقلت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس في ذلك بمنزلتي إنما هي تحت يده وهي مقرة بحكمه مقرة بدينه، قال: فقال لي: ما ترى من الخيانة في قول الله عز وجل: (فخانتاهما) ما يعني بذلك إلا الفاحشة وقد زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلانا، قال: قلت: أصلحك الله ما تأمرني انطلق فأتزوج بأمرك؟ فقال لي: إن كنت غافلا فعليك بالبلهاء من النساء، قلت: وما البلهاء قال: ذوات الخدور العفاف، فقلت: من هي على دين سالم بن أبي حفصة قال: لا، فقلت: من هي على دين ربيعة الرأي؟ فقال: لا ولكن العواتق اللواتي لا ينصبن كفرا ولا يعرفن ما تعرفون، قلت: وهل تعدو أن تكون مؤمنة أو كافرة؟ فقال:

تصوم وتصلي وتتقي الله ولا تدري ما أمركم؟ فقلت: قد قال الله عز وجل: (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) لا والله لا يكون أحد من الناس ليس بمؤمن ولا كافر، قال: فقال: أبو جعفر (عليه السلام) قول الله أصدق من قولك يا زرارة أرأيت قول الله عز وجل: (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى

ص:106

الله أن يتوب عليهم) فلما قال: عسى؟ فقلت: ما هم إلا مؤمنين أو كافرين، قال: فقال: ما تقول في قوله عز وجل: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا)(1) إلى الإيمان، فقلت: ما هم إلا مؤمنين أو كافرين، فقال: والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين، ثم أقبل علي فقال: ما تقول في أصحاب الأعراف؟ فقلت: ما هم إلا مؤمنين أو كافرين، إن دخلوا الجنة فهم مؤمنون وإن دخلوا النار فهم كافرون، فقال: والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين، ولو كانوا مؤمنين لدخلوا الجنة كما دخلها المؤمنون ولو كانوا كافرين لدخلوا النار كما دخلها الكافرون ولكنهم قوم قد استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم الأعمال وإنهم لكما قال الله عز وجل فقلت: أمن أهل الجنة هم أم من أهل النار؟ فقال: اتركهم حيث تركهم الله، قلت:

أفترجئهم؟ قال: نعم ارجئهم كما أرجأهم الله، إن شاء أدخلهم الجنة برحمته وإن شاء ساقهم إلى النار بذنوبهم ولم يظلمهم، فقلت: هل يدخل الجنة كافر؟ قال: لا، قلت: [ف] - هل يدخل النار إلا كافر؟ قال: فقال: لا إلا إن يشاء الله يا زرارة إنني أقول ما شاء الله وأنت لا تقول ما شاء الله، أما إنك إن كبرت رجعت وتحللت عنك عقدك».(2)

* الشرح:

قوله: (فقلت: ما يمنعني إلا أنني اخشى أن لا تحل لي مناكحتهم) منشأ الخشية توهم إن غير العارفات بهذا الأمر كافرات لا يجوز نكاحهن وقد مر وسيجئ إن زرارة كان لا يقول بالواسطة بين المؤمن والكافر فكان جميع المخالفين من أي فرق الإسلام كانوا ولو من الشيعة غير الإمامية كفارا عنده يجري عليهم أحكام الكفرة ظاهرا وباطنا ومنها عدم جواز مناكحتهم (قلت أن الأمة ليست بمنزلة الحرة أن رابتني بشيء بعتها واعتزلتها قال: فحدثني بما استحللتها) رابه وارابه شككه وأو همه يعني أن أوهمتني بشيء يسوئني ويخالف ما أنا عليه بعتها واعتزلتها بخلاف الحرة فإن حرمتها أتم وأعظم وقبح مفارقتها أشد وأفخم ولما لم يكن هذا الجواب مطابقا للسؤال; لأن السؤال عن سبب التحليل أعاد (عليه السلام) السؤال بعينه للتنبيه على خطائه في الجواب.

(قلت أرأيت قولك ما أبالي أن تفعل فإن ذلك على جهتين تقول لست أبالي أن تأثم من غير أن آمرك) أي أخبرني عن تفسير قولك ما أبالي أن تفعل فإن هذا القول يحتمل وجهين أحدهما أنك لا تبالي أن أعصي الله وآثم إذ لم تأمرني بذلك والوجه الآخر أن يكون ذلك جائزا لي ولم يذكره لظهوره (فقال لي: قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوج) أي تزوج عائشة وحفصة وفعلتا بالنفاق واستبطان الكفر وعدم الإخلاص له (صلى الله عليه وآله) ما فعلتا وآذتاه بما غاظه وكرهه كما هو المذكور في القرآن الكريم.

(وقد كان من امرأة نوح وامرأة لوط ما قد كان أنهما قد كانتا تحت عبدين من عباد نا صالحين) ذم الله عز وجل المرأتين المذكورتين ومثل حالهما بحال امرأة نوح وامرأة لوط في أنهما بالنفاق واستبطان الكفر وعدم الإخلاص كفرتا وخرجتا عن الدين فلم يغن نوح ولوط عنهما من عذاب الله شيئا من الاغناء بحق الزواج حتى يقال لهما عند الموت أو في القيامة: ادخلا النار مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء، قال المفسرون فيه إشارة إلى أن سبب القرب والرجحان عند الله تعالى ليس إلا الصلاح كائنا من كان وخيانة المرأتين ليست هي الفجور وإنما هي نفاقهما وابطانهما الكفر وتظاهرهما على الرسولين فامرأة نوح قالت لقومه أنه مجنون وامرأة لوط دلت قومه على ضيفانه، وليس المراد بالخيانة البغى والزنا إذ ما زنت امرأة نبي قط، وذلك هو المراد بقوله (عليه السلام):

(ما ترى من الخيانة في قول الله عز وجل (فخانتاهما) ما يعني بذلك إلا الفاحشة) هي كلما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي والمراد بها هنا النفاق والمخالفة والكفر، وفيه رد لقول زرارة وهي مقرة بحكمه مقرة بدينه إذ علاقة الزوجية لا تستلزم ذلك وقوله (عليه السلام). (وقد زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلانا) إشارة إلى أن يجوز للمؤمنة التزويج بالمخالف المظهر للإسلام المبطن للنفاق والكفر وهو مذهب المفيد والمحقق ابن سعيد والمشهور المنع لأخبار كثيرة بعضها مرسل وبعضها ضعيف وبعضها مجهول وهما حملاها على الكراهية جمعا ودعوى الإجماع على المنع لم يثبت والاحتياط ظاهر، ولما استشعر زرارة من الكلام المذكور الرخصة في نكاحهن أراد أن يعلمها صريحا.

(قال: قلت أصلحك الله ما تأمرني انطلق فاتزوج بأمرك) أي أتزوج من النساء اللواتي لا يعرفن هذا الأمر بأمرك وإذنك.

(فقال لي: أن كنت فاعلا فعليك بالبلهاء من النساء) الأبله ضعيف العقل والأنثى بلهاء والجمع بله مثل أحمر وحمراء وحمر، وفعله بله من باب تعب.

(قلت وما البهاء؟ قال: ذوات الخدور العفاءف) الخدر بالكسر الستر، والجمع خدور، يطلق الخدر على البيت أن كانت فيها امرأة وإلا فلا وأخدرت الجارية لزمت الخدر وأخدرها أهلها أي ستروها وصانوها عن الإمتهان والخروج لقضاء حوائجها، يتعدى ولا يتعدى، والعفائف جمع العفيفة وهي المرأة الممتنعة عن القبائح حياء من عف عن الشيء يعف من باب ضرب عفة بالكسر وعفافا بالفتح امتنع عنه، وإنما أمر بتزويجهن لأنهن أقرب إلى الحق وقبول دين الأزواج وأبعد من سوء الأخلاق ونصب أهل البيت (عليهم السلام).

(فقلت من هي على دين سالم بن أبي حفصة؟ قال: لا) كان زيديا بتريا من رؤسائهم لعنه الصادق (عليه السلام) وكذبه وكفره (فقلت من هي على دين ربيعة الرأي؟ فقال لا) هو ربيعة بن أبي عبد

ص:107


1- -سورة النساء:98.
2- -الکافی :402/2.

الرحمن مدني عامي خبيث، وإنما منع من تزويجهن لكفرهن وعداوتهن لأهل البيت وإنكارهن لهم (ولكن العواتق اللواتي لا ينصبن كفرا ولا يعرفن ما تعرفون) العواتق جمع العاتق وهي الجارية أول ما أدركت، وهذا يدل على أنه لا يجوز أنه للمؤمن أن ينكح الناصبية المعروفة بالنصب لأنها كافرة، ولا يجوز للمؤمن أن ينكح الكافره كما لا يجوز للكافر أن ينكح المؤمنة دواما ومتعة، وعليه روايات كثيرة. ثم عاد زرارة بعد تلك المقدمات إلى ما كان عليه من أن غير العارفة كافرة ولذلك قال:

(قلت: وهل تعدو أن تكون مؤمنة أو كافرة) أي لا تتجاوز المرأة أحد هذين الوصفين الإيمان والكفر. وإذا فقدت وصف الإيمان فقد اتصفت بالكفر. فقال (عليه السلام) ردا لقوله.

(تصوم وتصلي وتتقى الله ولا تدري ما أمركم) من الإقرار بالولاية فهي مسلمة فكيف تكون كافرة (فقلت: قد قال الله عز وجل (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) لا والله لا يكون أحد من الناس ليس بمؤمن ولا كافر) استدل على مذهبه بهذه الآية وليس نصا فيه، لأن الإيمان هو الإقرار والكفر هو الإنكار، وبينهما واسطة هي عدمهما ويسمون المتصف به تارة غير عارف وتارة مستضعفا، وتارة ضالا، والحكم على الخلق بأن بعضهم مؤمن وبعضهم كافر لا يدل على إنحصارهم فيهما إلا أن يريد بالكافر غير المؤمن سواء كان منكرا أم غير عارف فيتوجه أن اطلاق الكافر على هذا المعنى غير متعارف، وإن عدم جواز نكاح الكافرة بهذا المعنى مطلقا ممنوع لجواز نكاح غير العارفة، وكأنه (عليه السلام) لم يتعرض لجوابه لظهوره بل أشار إلى ثبوت الواسطة كما نقلها عن زرارة.

(قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): قول الله أصدق من قولك يا زرارة أرأيت قول الله عز وجل: (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم)(1)) ربما يشعر بتوسطه أن الله عز وجل جعل المعذرين المتخلفين عن غزوة تبوك قسيم المؤمنين قال: (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفهسم - الآية) وقال: (وجاء المعذرون.. الآية) ثم جعل المعذرين على صنفين: كافرين وغير كافرين، قال: (سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم) وضمير منهم راجع على المعذرين، وفيه تنبيه على أن المعذر اعتذر لكسله لا لكفره وجعل المعذر لكسله إلى صنفين حيث قال:

(وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم)(2) أي اعترفوا بذنوبهم وندموا من التخلف (خلطوا عملا صالحا) هو اظهار الاعتراف بالذنب والندم منه (عسى الله أن يتوب عليهم) أي يقبل توبتهم المفهومة من قوله (اعترفوا بذنوبهم) وقال (وآخرون مرجون لأمر الله أما يعذبهم وإما يتوب عليهم) أي آخرون من المتخلفين وهم الذين لم يعترفوا بذنوبهم، ولم يندموا مؤخرون موقوف أمرهم لأمر الله تعالى في

ص:108


1- -سورة التوبة :102.
2- -سورة التوبة :106.

شأنهم إما يعذبهم أن اصروا على الذنب، وأما يتوب عليهم أن تابوا، ومن هذه المقدمات يعلم أن هذين الصنفين لم يكونوا مؤمنين ولا كافرين، والله يعلم، ولما لم يفهم زرارة المقصود منه قال (فلما قال «عسى»؟ فقلت: ما هم إلا مؤمنين أو كافرين) وأعرض (عليه السلام) عن بيانه وتوضيحه وأشار إلى دليل آخر أظهر في المقصود كما يفعله الحكيم، وقد صدر مثله من الخليل لإلزام نمرود كما نطق به القرآن الكريم وهو ما نقله زرارة.

(قال: فقال: ما تقول في قوله: عز وجل: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا) إلى الإيمان) أي لا يستطيعون حيلة إلى الكفر فيكفروا ولا يهتدون سبيلا إلى الإيمان فيؤمنوا، وقد مر تفسيره بهذا في باب أصناف الناس، وسيجئ في أول الباب الآتي وهذا صريح في أن المستضعفين ليسوا بمؤمنين ولا كافرين.

(فقلت: ما هم إلا مؤمنين أو كافرين) هذا القول مكابرة وكأنه بنى ذلك على باطله، وهو أن المراد بالكافر غير المؤمن، أو على تفسيره الآية بوجه آخر، وعلى التقديرين بالغ في إساءة الأدب، ويمكن أن يكون مراده بذلك الاستقصاء في المناظرة ليعلم جودة الكلام، وتحصل له قوة المجادلة مع الخصم.

(فقال: والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين) قد صرح بعض الأصحاب بأن المستضعفين الذين لا يعرفون الحق ولا ينكرون، والذين لم تحصل لهم المعرفة بالدليل ما هم بمؤمنين ولا كافرين. (ثم أقبل علي فقال: ما تقول في أصحاب الأعراف؟) قد مر تفسيره في باب أصناف الناس (فقلت ما هم إلا مؤمنين أو كافرين) وذلك لأنهم (إن دخلوا الجنة فهم مؤمنون); لأن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن (وإن دخلوا النار فهم كافرون); لأن النار لا يدخلها إلا كافر، والمقدمتان ممنوعتان لأن الجنة قد يدخلها غير مؤمن برحمة الله وفضله، والنار قد يدخلها غير كافر بذنب غير الكفر كما ستعرفه (فقال: والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ولو كانوا مؤمنين لدخلوا الجنة) أي ابتداء، أو بسبب الإيمان (كما دخلها المؤمنون) كذلك وهذا لا ينافي دخولهم فيها بالرحمة كما سيأتي (ولو كانوا كافرين لدخلوا النار) أي ابتداء أو بسبب الكفر.

(كما دخلها الكافرون) كذلك، وهذا لا ينافي دخولهم فيها بذنوبهم غير الكفر كما سيأتي، (ولكنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم) كأن المراد بهما الإقرار والإنكار، وباستوائهما عدم رجحان أحدهما على الآخر أو الأعم منهما ومن الأعمال الصالحة والذنوب.

(فقصرت بهم الأعمال) أي لم تبلغ بهم الأعمال الحسنة إلى مقصدهم وهو الجنة، وفي المصباح قصرت بنا النفقة أي لم تبلغ بنا إلى مقصدنا. فالباء للتعدية.

ص:109

(وإنهم لكما قال الله عز وجل) قال بعض المفسرين: في الدرجة الأدنى من الأعراف قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم أوقفهم الله تعالى عليها لأنها درجة متوسطة بين الجنة والنار ثم تؤل عاقبة أمرهم إلى الجنة برحمة من الله وفضل كما قال الله عز وجل: (لم يدخلوها وهم يطمعون) أي لا يطمعون دخولها من عملهم. بل يطمعون من فضل الله واحسانه أن ينقلهم من ذلك الموضع إلى الجنة (فقلت: أمن أهل الجنة هم أم من أهل النار؟) كان غرضه من هذا السؤال أن يقول: هم المؤمنون إن كانوا من أهل الجنة، والكافرون إن كانوا من أهل النار لزعمه أن الجنة لا يدخلها إلا مؤمن، والنار لا يدخلها إلا كافر.

(فقال: أتركهم حيث تركهم الله) وهو مقام الرجاء برحمته وفضله، وفيه تنبيه على أن دخول الجنة قد يكون بالرحمة لا بالإيمان كما أن دخول النار قد يكون بالذنوب لا بالكفر (قلت:

أفترجئهم) أي أفتؤخرهم ولا تحكم بكفرهم أو افتوقعهم في الرجاء والطمع للمغفرة ولا تحكم بكفرهم.

(قال: نعم ارجئهم كما ارجأهم الله، إن شاء أدخلهم الجنة برحمته) لا بإيمانهم لعدمه (وإن شاء ساقهم إلى النار بذنوبهم) لا بكفرهم لعدمه أيضا (ولم يظلمهم) إذ لا ظلم في العقوبة مع الاستحقاق بالذنوب.

(فقلت: هل يدخل الجنة كافر؟ قال: لا قلت: هل يدخل النار إلا كافر؟ قال: فقال لا إلا أن يشاء الله) كان غرضه ان يحمله على التقرير للمقدمتين ليتفرع عليه عدم الواسطة مع ملاحظة المقدمة المعلومة بادعائه، وهي أن الناس إما أهل الجنة أو أهل النار. إذ بحكم المقدمة الأولى كل من دخل الجنة فهو مؤمن، وبحكم المقدمة الثانية كل من دخل النار فهو كافر ولا واسطة بحكم المقدمة المعلومة. فأجاب (عليه السلام) بمنع المقدمة الثانية بقوله (لا إلا أن يشاء الله) أشار به إلى أنه قد يدخل النار غير كافر فهذا واسطة، ويمكن الجواب بمنع المقدمة الأولى أيضا إذ لا يلزم من عدم دخول الكافر في الجنة أن يكون كل من دخلها مؤمنا لجواز أن يدخلها غير المؤمن كالمستضعف، وبمنع المقدمة الادعائية أيضا لجواز أن لا يدخل بعض الناس في الجنة، ولا في النار. كما قال قوم أصحاب الأعراف هم الفساق من أهل الصلاة يسكنهم الله الأعراف بين الجنة والنار، إنما خص (عليه السلام) الاستثناء بالمقدمة الثانية لأنه لا يصلح تعلقه بالمقدمة الأولى نعم لو قال زرارة: هل يدخل الجنة غير مؤمن لجاز تعلقه بها أيضا (يا زرارة انني أقول ما شاء الله وأنت لا تقول ما شاء الله) أشار به إلى خطاء زرارة فإنه يقول: كل من دخل النار فهو كافر بدون الاستثناء، وهذا خطاء لأنه قد يدخلها غير كافر ممن شاء الله دخوله فيها.

(أما إنك إن كبرت رجعت وتحللت عنك عقدك) العقد بالكسر القلادة وبالضم الرأي ومع الهاء بدونها أيضا العهد والبيعة المعقودة للولاة، ولعل المراد رجعت عن هذا القول الباطل

ص:110

وتحللت عنك هذه القلادة أو هذا الرأي أو رجعت عن دين الحق وتحللت عنك العهد والبيعة.

وفيه على الأخير ذم عظيم (1) له إلا أن في الرواية ضعفا بالإرسال وبمحمد بن عيسى وهو محمد ابن عيسى بن عبيد بن يقطين وإن كان له مدح وتوثيق من بعض الأصحاب لكن جزم ابن طاووس بضعفه في مواضع وضعفه أبو جعفر محمد على بن الحسين بن بابويه وشيخه محمد بن الوليد، والشهيد الثاني، وقال اشترك جميع الأخبار القادحة لزرارة في استنادها إلى محمد بن عيسى وهو قرينة عظيمة على ميل وانحراف منه على زرارة مضافا إلى ضعفه في نفسه وقال مثله ابن طاووس (رضي الله عنه) واعلم أن ما ذكرته في شرح هذا الحديث كله من باب الاحتمال والله تعالى شأنه يعلم حقيقة الحال.

ص:111


1- قوله «على الأخير ذم عظيم» ولكن الاحتمال الأخير ضعيف جدا ولا ريب أن الرواية تدل على تخطئة زرارة في رأيه وإنه كان مقصرا عليه غير قانع بما احتج به (عليه السلام) وكان زرارة يرى أن الناس على قسمين فقط لا ثالث لهما أما مؤمن ناج يدخل الجنة، وأما كافر يدخل النار وليس بينهما واسطة ومقتضى أحكام الفقه هو ما اختاره زرارة; لأن الإنسان إما أن يحكم بطهارته وحل ذبيحته وتجويز نكاحه المسلمة وأمثال هذه الأحكام وهو مسلم وإما أن يكون نجسا لا يحل ذبيحته ولا يجوز نكاحه المسلمة وهو كافر ورأيه صحيح في طريقة الفقهاء وعلى قواعدهم وبين الإمام (عليه السلام) خطاءه في رأيه حيث ظن أن كل من يحكم بإسلامه ظاهرا فهو ناج في الآخرة ومن أهل الجنة وكل كافر ظاهرا فهو من أهل النار وفرع حكم الآخرة على الدنيا وليس كذلك وهذا الخبر وإن كان ضعيفا بمحمد بن عيسى بن عبيد على ما ذكره الشارح لكن مضمونه مستفيض عن زرارة وسبق حديث بهذا المضمون عنه ليس في طريقه محمد بن عيسى بن عبيد ولا غيره ممن يطعن فيه وذكرنا سابقا في تعليق ما يوضح المقصود فراجع وكان على زرارة أن يسلم للإمام (عليه السلام) ويرتدع عن مقاله ولا يصر على مخالفة المعصوم (عليه السلام) ولكن ذلك غير عجيب من كثير من الرواة فقد اتفق إن عرضت لهم شبهة لم تزل عن ذهنهم بعد مدة ولم يكن إصراره على الإنكار بل على الإستفتاح والإستيضاح إذ تعسر تفطنه لمراده (عليه السلام) لجموده على الالتزام بظواهر أحكام الفقه ونرى مثله في كثير من أمثاله في أمثال هذه المسائل مثلا الصحيح عند المتكلمين ما يوجب الثواب وعند الفقهاء ما يوجب اسقاط القضاء أو يوافق الأمر الواقعي فيعرف كل منهما بحسب ما يهم في علمه ولما كان نظر الفقيه إلى أحكام الدنيا فكل عبادة لم يستتبع تبعة فهي صحيحة عنده ونظر المتكلم إلى حكم الآخرة فكل عبادة استحق بها ثوابا فهي صحيحة عنده ويظهر الثمرة في الصلاة باستصحاب الطهارة بعد ما تبين الحدث فإنها باطلة عند الفقيه ويستحق بها ثوابا عند المتكلم وصوم يوم الفطر لمن لم يثبت عنده الهلال فإنه باطل عند الفقيه ويستحق به الثواب عند المتكلم والمتوغل في الفقه الحاصر كل أمر الدين في الفقه يلتزم بأن الصائم في الصيف مع الحر وتحمل الشدة بقصد التقرب إلى الله تعالى يستحق ثوابا إذا صادف يوم الفطر وهو لا يعلم لثواب من لم يصادف وهو يعلم (ش).

باب المستضعف

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المستضعف فقال: «هو الذي لا يهتدي حيلة إلى الكفر فيكفر ولا يهتدي سبيلا إلى الإيمان، لا يستطيع أن يؤمن ولا يستطيع أن يكفر فهم الصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان مرفوع عنهم القلم».(1)

* الشرح:

قوله: (قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المستضعف) كأنه سأل عن المستضعف الذي استثناه عز وجل في قوله (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأويهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفوا عنهم وكان الله عفوا غفورا) قال أصحاب التفسير توفاهم اما ماض فيكون اخبارا عن حال قوم انقرضوا وكانوا قوما من المسلمين بمكة فخرجوا في قوم من المشركين في قتال فقتلوا معهم، وإما مستقبل بحذف احدى التائين. فيكون الوعيد عاما في كل من كان بهذه الصفة، (وظالمي أنفسهم) حال عن ضمير الموصول والظلم قد يراد به الشرك والنفاق. فالمراد أنهم ظالمون أنفسهم بنفاقهم وكفرهم وتركهم الهجرة، وقد يراد به المعصية فالمراد الذين اسلموا في دار الكفر وبقوا هناك غير مهاجرين إلى دار الإسلام حين كانت الهجرة فريضة وفي خبر أن وجوها [وجوه. ظ]:

الأول: قالوا فيم كنتم والعائد محذوف. أي قالوا لهم فيم كنتم. أي في أي شيء كنتم أمر دينكم. والمراد التوبيخ بأنكم لم تكونوا من الدين في شيء.

والثاني: فأولئك ويكون «قالوا» حالا من الملائكة بتقدير قد.

والثالث: أن الخبر محذوف وهو هلكوا يفسره فيم كنتم وهم أجابوا اعتذارا بقولهم (كنا مستضعفين في الأرض) غير قادرين على شعائر الإيمان والمهاجرة، ثم الملائكة لم يقبلوا عنهم هذا العذر فبكتوهم بقولهم (ألم تكن أرض الله واسعة) وأرادوا أنكم كنتم قادرين على المهاجرة.

ثم

ص:112


1- -الکافی :404/2.

استثنى من الموصول المستضعفين في نفس الأمر والاستثناء منقطع لعدم دخول المستثنى في المستثنى منه; لأن المستثنى منه أهل الوعيد دون المستثنى، ومن شرط الاتصال أن يدخل فيه المستثنى لو لم يخرج، وفي ذكر العفو وكلمة الأطماع وهي عسى تنبيه على أن أمر الهجرة خطير مضيق لا توسعة فيه حتى أن المضطر من حقه أن يترقب العفو ولا يأمن وينبغي أن يعلق قلبه بها.

ولعل المراد بالولدان الأطفال والصبيان (1) كما في هذه الرواية وغيرها، وإنما ذكرهم مع أنهم لم يبلغوا حد التكليف أصلا; لأن السبب في سقوط التكليف هو العجز، وأنه حاصل فيهم فحسن استثناؤهم بهذا الوجه، وقيل المراد بهم العبيد، وقيل المراد بهم المراهقون الذين عقلوا ما يعقل الرجال والنساء حتى يتوجه التكليف عليهم فيما بينهم وبين الله، وقيل استثناؤهم للمبالغة في الأمر والاشعار بأنهم على صدد وجوب الهجرة، فإنهم إذا بلغوا وقدروا عليها فلا محيص لهم عنها، وأن قوامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت، وقال أرباب التأويل: الموصول هم الذين رفضوا الحق واتبعوا الباطل فظلموا أنفسهم فيقول الملائكة: (فيم كنتم) أي في أي غفلة كنتم تضيعون أعماركم وتبطلون استعدادكم الفطري، وفي أي واد من أودية الهوى تهيمون. فيقولون:

كنا مستضعفين عاجزين لاستيلاء النفس الأمارة، وغلبة الهوى فيقول الملائكة: (ألم تكن أرض الله) أي أرض القلوب (واسعة) فتخرجوا عن مضيق ما كنتم فيه. ثم استثنى ضعفاء العقول الذين رفع

ص:113


1- قوله «ولعل المراد بالولدان الأطفال والصبيان» أطال الشارح الكلام وتكلف فيه والمستضعف كلمة واضحة المفهوم وإنما يسئل عن المصاديق المرادة في العبارات المختلفة والمراد به في الآية العجزة والفقراء ومن ليس له قوة يقدر بها على اظهار شعائر الإسلام وإقامة أحاكمه في بلدة يكون أمرائها وأشرافها وأهل الحل والعقد فيها منكرين كافرين واحتج الملائكة عليهم حين توفتهم عند الموت بأنكم وإن كنتم غير قادرين على العمل بالتكاليف في بلد الكفر لكن ما منعكم من أن تهاجروا إلى بلاد الإسلام وتقيموا بها ما فرض الله عليكم واستثنى منهم من كان عاجزا عن المهاجرة والحيلة في الفرار وبهذا تم معنى الآية، وأما المراد من المستضعف في الحديث فهو العاجز عن التدبر والفهم ولو في دار الإسلام لا العاجز عن العمل بعد التأمل والفهم فلا يتوافق المصاديق مع اتحاد المفهوم، وأما المستضعف في خبر سفيان بن السمط الآتي فليس بمعنى الولدان والصبيان قطعا إذ الإمام (عليه السلام) لما نفي أن يكون اليوم مستضعف لم يرد به نفي وجود الولدان وضعاف العقول الذين عقولهم مثل عقول الصبيان بل أراد المستضعف البالغ العاقل غير العاجز الذي له قدرة على تحقيق الحق وتميز الدين الصحيح لكن لم يلتفت إلى وجوب التحقيق عليه; لأن التكليف متفرع على الالتفات ومن لم يخطر بباله قط أن للناس اختلافا في مسئلة من المسائل كالإمامة لم يعقل تكليفه بتحقيق الحق فيه كما لو لم يخطر ببال أحدنا أن في لبس جورب لا ساق له اختلافا بين العلماء، أو في أرضاع الطفل أقل من حولين وغير ذلك لم ينبعث في نفسنا إرادة تحقيق ذلك وأراد الإمام (عليه السلام) بنفي وجود المستضعف نفي وجود من لم يطلع على الاختلاف في الإمامة دون المستضعف في سائر المسائل وبالجملة يجب تعيين المراد في كل عبارة بالقرائن الخاصة بها (ش).

عنهم قلم التكليف بالمعارف، وهم الذين لا يستطيعون حيلة في الخروج عن الدنيا لضعف الرأي ولا يهتدون سبيلا إلى صاحب الولاية.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

«المستضعفون الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا» قال: لا يستطيعون حيلة إلى الإيمان ولا يكفرون، الصبيان وأشباه عقول الصبيان من الرجال والنساء».(1)

* الشرح:

وقول الباقر (عليه السلام) في تفسير المستضعف يمكن تطبيقه على تفسير الآية الكريمة وعلى تأويلها فليتأمل وإنما قال (عليه السلام) في الكفر: «حيلة» وفي الإيمان «سبيلا» للتنبيه على أنه لا سبيل إلى الكفر ولا دليل عليه ولو فرض شيء يفضى إليه فإنما هي يفضى إليه حيلة نفسانية وشبهة شيطانية وقال في الخبر الآخر لا يستطيع حيلة إلى الإيمان للاشعار بأن الحيلة كافية للخروج من الكفر إلى الإيمان أو لإرادة السبيل بها مجازا لاشتراكهما في الإفضاء والإيصال، واطلاق الصبيان يشمل صبيان الكفار أيضا إلا أن الروايات المتكثرة دلت على أنهم مع آبائهم في النار، قال بعض العلماء: لكن لا يؤثر فيهم حرها (2) كما لا يؤثر في آبائهم، وقال أيضا: يحتمل أنهم يدخلون مداخل آبائهم في النار لتذهب بخبثهم كما تذهب بخبث الحديد، ثم يخرجون منها ويدخلون الجنة، وأيده بما هو المشهور من أنهم يخدمون أهل الجنة، وحديث التأجيج مشهور بين الخاصة والعامة (3) وعلى هذا يمكن أن يقال: كل من أطاع منهم وقت التأجيج يدخل الجنة وكل من خالف دخل النار والله يعلم.

3 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المستضعف، فقال: «هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر ولا يهتدي بها إلى سبيل الإيمان، لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر، قال: والصبيان ومن كان من الرجال والنساء على عقول الصبيان».

*أصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن

ص:114


1- -الکافی :404/2.
2- قوله: «قال بعض العلماء لكن لا يؤثر فيهم حرها» أراد بذلك الجمع بين دليلي النقل والعقل وذلك; لأن الالتزام بظاهر الروايات غير ممكن في العقل ولا يلائم ما علمنا بالضرورة من مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فإن الصبيان غير مقصرين ولا مأخوذين بمعصية آبائهم والحق ان الجمع تبرع غير واجب والوجه الالتزام بحكم العقل وضرورة المذهب وترك كل رواية لا توافقها ومن جمع بينهما أيضا ترك ظاهر الرواية والتزم بالعقل (ش).
3- راجع توحيد الصدوق باب الأطفال تحت رقم 60.

جندب، عن سفيان بن السمط البجلي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في المستضعفين؟ فقال لي شبيها بالفزع: «فتركتم أحدا يكون مستضعفا وأين المستضعفون؟ فوالله لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهن وتحدث به السقايات في طريق المدينة».(1)

* الشرح:

قوله: (عن سفيان بن السمط البجلي) هو مجهول وبجيلة قبيلة من اليمن والنسبة إليها بفتحتين مثل حنفي في النسبة إلى بني حنيفة، وبجلة مثال ثمرة قبيلة أيضا والنسبة إليها على لفظها (قال:

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في المستضعفين؟ فقال لي شبيها بالفزع: فتركتم أحدا يكون مستضعفا - إلى آخره) المستضعف عند أكثر الأصحاب من لا يعرف الإمام ولا ينكره ولا يوالي أحدا بعينه، وقال ابن إدريس: هو من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم وهذا أوفق بأحاديث هذا الباب وأظهر; لأن العالم بالخلاف والدلائل إذا توقف لا يقال له مستضعف، ولعل فزعه (عليه السلام) باعتبار أن سفيان كان من أهل الإذاعة لهذا الأمر، فلذلك قال (عليه السلام) على سبيل الإنكار «فتركتم أحدا يكون مستضعفا» يعني أن المستضعف من لا يكون عالما بالحق والباطل وما تركتم أحدا على هذا الوصف لافشائكم أمرنا حتى تتحدث النساء والجواري في خدورهن والسقايات في طريق المدينة، وإنما خص العواتق بالذكر وهي الجارية أول ما أدركت لأنهن إذا علمن مع كمال استتارهن فعلم غيرهن به أولى.

* الأصل:

5 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن عمر بن أبان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المستضعفين فقال: «هم أهل الولاية، فقلت: أي ولاية؟ فقال: أما إنها ليست بالولاية في الدين ولكنها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة وهم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكفار ومنهم المرجون لأمر الله عز وجل».(2)

* الشرح:

قوله: (فقال هم أهل الولاية، فقلت: أي ولاية؟ فقال: أما انها ليست بالولاية في الدين ولكنها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة) لما كان الظاهر من الولاية هو الولاية في الدين الشاملة لولاية العادل والجائر سأل عمر عنها فأجاب (عليه السلام) أنها ليست ولاية في الدين لظهور أن أهلها إما مؤمن أو كافر، وهو على التقديرين ليس بمستضعف، بل المراد بها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة، ولجعل هذه الولاية مقابلا للولاية في الدين لا يرد أن تفسير المستضعف بها تفسير

ص:115


1- -الکافی :404/2.
2- -الکافی :405/2.

بالأعم لثبوت الولاية في المناكحة وما عطف عليها في الولاية في الدين أيضا وفي قوله «ومنهم المرجون لأمر الله عز وجل» إشارة إلى أنهم قسم من المستضعف ولعل المراد بهم من شهد بالتوحيد والرسالة ولم يستقر الإيمان في قلبه بعد ان كان له شك في الرسول وما جاء به ومن لم يصدق ولم ينكر ومن ساوت حسناته وسيئاته ومن زادت سيئاته على حسناته فإن كلهم مرجون لأمر الله.

* الأصل:

6 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن مثنى، عن إسماعيل الجعفي قال:

سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الدين الذي لا يسع العباد جهله، فقال: «الدين واسع ولكن الخوارج ضيقوا على أنفسهم من جهلهم، قلت: جعلت فداك فاحدثك بديني الذي أنا عليه؟ فقال: بلى، فقلت:

أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله وأتولاكم وأبرء من عدوكم ومن ركب رقابكم وتأمر عليكم وظلمكم حقكم، فقال: ما جهلت شيئا، هو والله الذي نحن عليه، قلت: فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟ فقال: لا إلا المستضعفين، قلت:

من هم؟ قال: نساؤكم وأولادكم. ثم قال: أرأيت ام أيمن؟ فإني أشهد أنها من أهل الجنة وما كانت تعرف ما أنتم عليه».(1)

* الشرح:

قوله: (الدين واسع ولكن الخوارج ضيقوا على أنفسهم من جهلهم) لعل المراد بسعته هنا سعته باعتبار أن الذنوب كلها غير الكفر يجامع الإيمان ولا يرفعه خلافا للخوارج فإنهم قالوا الذنوب كلها كفر.

* الأصل:

7 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف».(2)

* الشرح:

قوله: (من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف) إذ من عرف اختلاف الناس في مذاهبهم مكلف بالإيمان طلب الحق فلا يكون معذورا ولا مستضعفا; لأن المستضعف من ليس له عقل يقتضي تكليفه بالمعرفة.

* الأصل:

8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن جميل بن دراج قال:

ص:116


1- -الکافی :405/2.
2- -الکافی :405/2.

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني ربما ذكرت هؤلاء المستضعفين فأقول: نحن وهم في منازل الجنة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا يفعل الله ذلك بكم أبدا».(1)

* الشرح:

قوله: (فأقول نحن وهم في منازل الجنة) كأنه أراد به التساوي في الدرجة فأنكره (عليه السلام) وأظهر التفاوت، وفي الحديث الثاني أيضا دلالة على أن أرباب الذنوب من أهل الإيمان ليست درجتهم ودرجة المستضعفين سواء.

9 - عنه، عن علي بن الحسن التيمي، عن أخويه محمد وأحمد ابني الحسن، عن علي بن يعقوب، عن مروان بن مسلم، عن أيوب بن الحر قال: قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام) ونحن عنده:

جعلت فداك، إنا نخاف أن ننزل بذنوبنا منازل المستضعفين، قال: فقال: «لا والله لا يفعل الله ذلك بكم أبدا».

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله.

10 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من عرف إختلاف الناس فليس بمستضعف».

11 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن محمد بن منصور الخزاعي، عن علي بن سويد، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: سألته عن الضعفاء فكتب إلي:

«الضعيف من لم ترفع إليه جنة ولم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف».

* الأصل:

12 - بعض أصحابنا، عن علي بن الحسن، عن علي بن حبيب الخثعمي عن أبي سارة إمام مسجد بني هلال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ليس اليوم مستضعف أبلغ الرجال الرجال والنساء والنساء».(2)

* الشرح:

قوله: (ليس اليوم مستضعف - إلى آخره) المستضعف من لم يعرف اختلاف الناس ولم يبلغه الحق ولم ترفع إليه الحجة وأما من عرف الاختلاف وبلغه ذلك ولم يؤمن فهو كافر ومن ههنا ظهر أن اليوم ليس بمستضعف لشيوع الحق وبلوغه إلى الناس فمن قبله فهو مؤمن ومن لم يقبله فهو كافر.

ص:117


1- -الکافی :406/2.
2- -الکافی :406/2.

باب المرجون لأمر الله

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل (وآخرون مرجون لأمر الله) قال: «قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين، ثم إنهم دخلوا في الإسلام فوحدوا الله وتركوا الشرك ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنة ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فتجب لهم النار فهم على تلك الحال إما يعذبهم وإما يتوب عليهم».(1)

* الشرح:

قوله: (قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجفعر وأشباههما - إلى آخره) دل على اعتبار قتل المؤمن حال الكفر والرجوع عنه إلى الإسلام بعده وعدم استقرار الإيمان في قلوبهم ويمكن التعميم بحيث يشمل الاقسام المذكورة آنفا أيضا ولعل ذكر هذا القسم على سبيل التمثيل.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن حسان، عن موسى بن بكر الواسطي، عن رجل قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «المرجون قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ثم إنهم بعد ذلك دخلوا في الإسلام فوحدوا الله وتركوا الشرك ولم يكونوا يؤمنون فيكونوا من المؤمنين ولم يؤمنوا فتجب لهم الجنة ولم يكفروا فتجب لهم النار فهم على تلك الحال مرجون لأمر الله».(2)

* الشرح:

قوله: (ولم يؤمنوا فتجب لهم الجنة ولم يكفروا فتجب لهم النار) لعل المراد بالإيمان الإيمان المقتضى لدخول الجنة كما يشعر به التفريع وهو الإيمان الكامل المستقر الموجب للأمن وبالكفر الجحود الموجب لدخول النار وعلى هذا يصدق المرجون على جميع الأقسام المذكورة سابقا.

ص:118


1- -الکافی :407/2.
2- -الکافی :407/2.

باب أصحاب الأعراف

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عن ابن فضال، عن ابن بكير، وعلي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رجل جميعا، عن زرارة قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «ما تقول في أصحاب الأعراف؟ فقلت: ما هم إلا مؤمنون أو كافرون إن دخلوا الجنة فهم مؤمنون وإن دخلوا النار فهم كافرون، فقال: والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ولو كانوا مؤمنين دخلوا الجنة كما دخلها المؤمنون ولو كانوا كافرين لدخلوا النار كما دخلها الكافرون، ولكنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم الأعمال وإنهم لكما قال الله عز وجل، فقلت: أمن أهل الجنة هم أو من أهل النار؟ فقال: اتركهم حيث تركهم الله، قلت: أفترجئهم قال: نعم ارجئهم الله كما أرجأهم الله، وإن شاء الله أدخلهم الجنة برحمته وإن شاء ساقهم إلى النار بذنوبهم ولم يظلمهم فقلت: هل يدخل الجنة كافر؟ قال: لا، قلت: هل يدخل النار إلا كافر قال: فقال: لا إلا أن يشاء الله، يا زرارة إنني أقول: ما شاء الله وأنت لا تقول ما شاء الله أما إنك إن كبرت رجعت وتحللت [عنك] عقدك».(1)

* الشرح:

قوله: (ما تقول في أصحاب الأعراف؟ فقلت: ما هم إلا مؤمنون أو كافرون - إلى آخره) ومر هذا الحديث مع شرحه مفصلا في باب أصناف الناس وباب الضلال فلا نعيده.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن حسان، عن موسى بن بكر، عن رجل قال:

قال أبو جعفر (عليه السلام): «الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فأولئك قوم مؤمنون يحدثون في إيمانهم من الذنوب التي يعيبها المؤمنون ويكرهونها فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم».(2)

* الشرح:

قوله: (قال أبو جعفر (عليه السلام) الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا - إلى آخره) مر شرحه أيضا وذكر المصنف هذا الحديث في هذا الباب مشعر بأن هذا الصنف عنده أيضا من أصحاب الأعراف وعلى هذا لا يبعد أن يكون المرجون لأمر الله منهم، والله يعلم.

ص:119


1- -الکافی :408/2.
2- -الکافی :408/2.

باب في صنوف أهل الخلاف

اشاره:

(وذكر القدرية والخوارج والمرجئة وأهل البلدان)

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن مروك بن عبيد، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لعن الله القدرية، لعن الله الخوارج، لعن الله المرجئة، لعن الله المرجئة قال: قلت: لعنت هؤلاء مرة مرة ولعنت هؤلاء مرتين؟ قال: إن هؤلاء يقولون: إن قتلتنا مؤمنون فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلى يوم القيامة، إن الله حكى عن قوم في كتابه: (لن نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين) قال: كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا».(1)

* الشرح:

قوله: (قال إن هؤلاء يقولون قتلتنا مؤمنون - إلى آخره) هذا القول بناه على أصلهم الفاسد وهو أنه لا يضر مع الإيمان والشهادة بالتوحيد والرسالة معصية وإن كانت قتل نفس معصومة مؤمنة كما لا ينفع مع الكفر طاعة. سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصي أي أخره عنهم، والمرجئة بالهمزة مثل مرجعة من ارجأته وبدون الهمزة مثل معطية من أرجيته وكلاهما بمعنى أخرته، وذكر الآية استشهاد بأن الراضي بقتل حكمه حكم القاتل في العقوبة فإن الراضي بالشيء كالفاعل له، فعلى هذا كل من رضي بقتل أحد من الأئمة المعصومين وقتل شيعتهم إلى يوم الدين فهو بمنزلة قاتلهم ويدخل النار مع الداخلين.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حكيم وحماد بن عثمان، عن أبي مسروق قال: سألني أبو عبد الله (عليه السلام) عن أهل البصرة ما هم؟ فقلت: مرجئة وقدرية وحرورية، فقال: «لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شيء».(2)

* الشرح:

قوله: (فقال: لعن الله تلك الملل الكفافرة المشركة التي لا تعبد الله على شيء) أي على شيء من الحق والعبادة أو على شيء من الأشياء التي جاء النبي (صلى الله عليه وآله). والملل جمع الملة وهي الدين ووصفها بالكفر والشرك وعدم العبادة لله وصف مجازي; لأن هذه الأوصاف لصاحب الملل حقيقة نسبت إلى الملل التي هي سبب لإتصاف صاحبها بها بمالغة في السببية كما أن في لعن تلك الملل مبالغة في لعن صاحبها أيضا، والمراد بلعنها طردها عن طريق الحق وساحة القبول

ص:120


1- -الکافی :409/2.
2- -الکافی :409/2.

ونيل الرحمة ودخول الجنة.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن منصور بن يونس، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أهل الشام، شر من أهل الروم وأهل المدينة شر من أهل مكة وأهل مكة يكفرون بالله جهرة».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: أهل الشام، شر من أهل الروم وأهل المدينة شر من أهل مكة وأهل مكة يكفرون بالله جهرة) الخيرية والشرية لهذه الامة باعتبار الإيمان ومحبة أهل البيت (عليهم السلام) وباعتبار الكفر وعداوتهم فكلما كان الإيمان والمحبة أفخم كان الخير أعظم وكلما كان الكفر والعداوة أعظم كان الشر أتم، وأهل هذه البلدان اشتركوا في الكفر وعداوة أهل الشام لهم لما كانت أكثر من عداوة أهل الروم كان شرهم أكثر من شرهم وكذلك أهل المدينة بالنسبة إلى أهل مكة يكفرون بالله جهرة لأنهم كانوا يكفرون الأوصياء صريحا يحتمل أن يراد بالكفر بالله الكفر بالأوصياء وقد مر أن الفعل المتعلق بهم ينسب إلى الله تعالى مبالغة في شرفهم أو لأن أهل مكة إذا عصوا أو عبدوا غير الله أو تولوا غير أولياء الله فقد ألحدوا وأشركوا لقوله تعالى: (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم)(2) روى في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير هذه الآية قال: «من عبد فيه غير الله أو تولى فيه غير أولياء الله فهو ملحد بظلم وعلى الله أن يذيقه من عذاب أليم» ويظهر من هذا الخبر ونحوه أن أهلها غالبا ملاحدة يكفرون بالله جهرة.

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «إن أهل مكة ليكفرون بالله جهرة، وإن أهل المدينة أخبث من أهل مكة، أخبث منهم سبعين ضعفا».

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة ابن أيوب، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أهل الشام شر أم [أهل] الروم فقال: «إن الروم كفروا ولم يعادونا وإن أهل الشام كفروا وعادونا.

6 - عنه، عن محمد بن الحسين، عن النضر بن شعيب، عن أبان بن عثمان، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تجالسوهم - يعني المرجئة - لعنهم الله ولعن [الله] مللهم المشركة الذين لا يعبدون الله على شيء من الأشياء».

ص:121


1- -الکافی :410/2.
2- -سورة الحج:25.

باب المؤلفة قلوبهم

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر; وعلي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رجل جميعا، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

«المؤلفة قلوبهم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة [من يعبد] من دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول الله، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتألفهم ويعرفهم لكيما يعرفوا ويعلمهم».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: المؤلفة قلوبهم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة [من يعبد] من دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول الله، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتألفهم ويعرفهم لكيما يعرفوا ويعلمهم) الظاهر أن محمدا بدل من المعرفة بحذف مضاف أي لم تدخل معرفة أن محمدا رسول الله في قلوبهم بالشك في بعض ما جاء به كما في الخبر الآتي. والمفهوم من هذا الخبر وما بعده أن المؤلفة مسلمون لهم ضعف في الإسلام لعدم استقراره في قلوبهم، ويدخل فيهم المنافقون بدليل الشك في بعض ما جاء به رسول الله، ومن طريق العامة «إني اعطى رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم».

قال ابن الأثير: التألف المداراة والإيناس ليثبتوا على الاسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال، وقال المفيد: المؤلفة قسمان: مسلمون ومشركون، وقال العلامة في الإرشاد: المؤلفة هم الكفار الذين يستمالون للجهاد، وهذا هو المشهور بين الأصحاب، وقال في القواعد المؤلفة قسمان كفار يستمالون الإسلام. ومسلمون أما من ساداتهم لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا رغب النظراء في الإسلام، وأما سادات مطاعون ترجى بعطائهم قوة إيمانهم ومساعدة قومهم في الجهاد، واما مسلمون في الأطراف إذا أعطوا منعوا الكفار من الدخول، وإما مسلمون إذا أعطوا أخذوا الزكاة من ما نعيها، وقيل: المؤلفة الكفار خاصة، ونقل الشهيد في الدروس عن ابن الجنيد أنه قال: المؤلفة هم المنافقون، وفي مؤلفة الإسلام قولان: أقربهما أنهم يأخذون من سهم سبيل الله، وقال بعض الأصحاب للإمام أن يتألف هؤلاء إن شاء من سهم المؤلفة وإن شاء من سهم مصالح، ثم الظاهر أن يعلمهم عطف على يعرفهم وإن الضمير فيهما راجع إلى المؤلفة وأن قوله «لكيما يعرفوا» على

ص:122


1- -الکافی :410/2.

صيغة المجهول علة لهما، والمقصود أن اعطاءهم لأمرين أحدهما تأليف قلوبهم بالمال ليثبت إسلامهم ويستقر في قلوبهم، وثانيهما أن يعرفهم ويعلمهم بأعيانهم لأصحابه حتى يعرفوهم بأنهم من الذين لم يثبت إيمانهم في قلوبهم وأنهم مؤلفة والله أعلم.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل (والمؤلفة قلوبهم) قال: «هم قوم وحدوا الله عز وجل وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) فأمر الله عز وجل نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يتألفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه وأقروا به.

وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش وسائر مضر، منهم أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين الفزاري وأشباههم من الناس فغضبت الأنصار واجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالجعرانة فقال: يا رسول الله أتأذن لي في الكلام؟ فقال: نعم فقال: إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئا أنزله الله رضينا وإن كان غير ذلك لم نرض، قال زرارة: وسمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا معشر الأنصار أكلكم على قول سيدكم سعد؟ فقالوا: سيدنا الله ورسوله: ثم قالوا في الثالثة: نحن على مثل قوله ورأيه قال زرارة: فسمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: فحط الله نورهم. وفرض الله للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن».(1)

* الشرح:

قوله: (وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم حين تألف رؤساء العرب ومن قريش وساير مضر - إلى آخره) حنين بضم الحاء وفتح النون واد قبل الطائف قريب من مكة كانت بها وقعة معروفة للنبي (صلى الله عليه وآله)، وقد غلب بعد ما غلب وأخذا سارى وغنائم كثيرة، ومضر بضم الميم وفتح الضاد قبيلة من العرب معروفة في الكثرة والغلظة، والجعرانة بكسر الجيم والعين وفتح الراء المشددة، وقد تسكن العين وتخفف الراء موضع قريب من مكة، وسبب غضب الأنصار أنه (صلى الله عليه وآله) أعطاهم ذلك اليوم أقل مما أعطى المؤلفة فتحركت قوتهم الشهوية إلى طلب الزائد واستعانت بالقوة الغضبية فتحركت حتى ظهر منهم الغضب والقوة الشهوية إذا عجزت عن مقتضاها تستعين بالقوة الغضبية لرفع الموانع، ولغضبهم على النبي (صلى الله عليه وآله) وعدم رضاهم بما صنع حط الله تعالى نور إيمانهم بسبب ما قالوا جهالة أو عنادا أو طعما للزيادة من زخارف الدنيا فنقص بذلك إيمانهم وفرض الله تعالى رغما

ص:123


1- -الکافی :411/2.

لهم سهما للمؤلفة في القرآن.

* الأصل:

3 - علي، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم».(1)

* الشرح:

قوله: (قال المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم) المؤلفة لم يكونوا محصورين في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) بل يكونون بعده أكثر; لأن أهل النفاق مع المؤمنين وأهل الإنكار والشك فيما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) من حق الأئمة المعصومين أكثر من أن يحصى، ولكل إمام قائم مقامه بالحق أن يعطيهم ويألفهم، وأما في زمان الغيبة فيسقط سهمهم; لأن ذلك ولاية مختصة بهم (عليهم السلام) وقال العلامة في النهاية: لو فرضنا الحاجة إلى المؤلفة في يومنا بأن تنزل بالمسلمين نازلة واحتاجوا إلى الاستعانة بالكفار فالأقوى عندي جواز صرف السهم إليهم، وفيه رد على بعض العامة حيث قال:

سهم المؤلفة لتكثير سواد الإسلام فلما أعزه الله وأكثر أهله سقط، ولذلك لما تولى أبو بكر منع المؤلفة لكثرة المسلمين وعدم الحاجة إليهم ولم يعلم أن أعطاءهم ليس للجهاد فقط بل قد يكون لتثبيتهم على الإسلام أو لغير ذلك.

* الأصل:

4 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن إسحاق بن غالب قال:

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية: (إن اعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) قال: ثم قال: هم أكثر من ثلثي الناس».(2)

* الشرح:

قوله: (قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية: (إن اعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) قال: ثم قال: هم أكثر من ثلثي الناس) لما قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) غنائم حنين واستعطف قلوب المؤلفة بتوفير الإعطاء عليهم قال بعض من لم يؤمن بالله وبرسوله حقيقة: اعدل يا رسول الله. فقال: «ويلك إن لم أعدل فمن يعدل» فنزل قوله تعالى: (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا) الآية، أي منهم من يعيبك وينسبك إلى الجور في تقسيمها، وقد أشار (عليه السلام) إلى أن المعترضين على الإمام لو ملك الأرض وقسم الغنائم على ما فرضه الله أكثر بكثير من المعترضين على النبي (صلى الله عليه وآله).

ص:124


1- -الکافی :411/2.
2- -الکافی :412/2.

* الأصل:

5 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن حسان، عن موسى بن بكر، عن رجل قال:

قال أبو جعفر (عليه السلام): «ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم، وهم قوم وحدوا الله وخرجوا من الشرك ولم تدخل معرفة محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلوبهم وما جاء به فتألفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتألفهم المؤمنون بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكيما يعرفوا».(1)

* الشرح:

قوله: (وتألهم المؤمنون بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكيما يعرفوا) لعل المراد بالمؤمنين الأئمة (عليهم السلام); لأن ذلك ولاية مختصة بهم وذلك ظاهر في عصر أمير المؤمنين (عليه السلام) وكذلك في عصر القائم (عليه السلام) وأما في عصر سائر الأئمة فليس بواضح إلا أن يقال ذلك حقهم وحصول المانع لا يقدح فيه، ولا يبعد أن يراد بالمؤمنين المعنى إلا عم فيكون حجة للعلامة فيما نقلنا عنه آنفا.

ص:125


1- -الکافی :412/2.

باب في ذكر المنافقين والضلال وإبليس في الدعوة

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن جميل قال: كان الطيار يقول لي: إبليس ليس من الملائكة وإنما امرت الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام) فقال إبليس: لا أسجد، فما لإبليس يعصي حين لم يسجد وليس هو من الملائكة؟ قال: فدخلت أنا وهو على أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«فأحسن والله في المسألة، فقال: جعلت فداك أرأيت ما ندب الله عز وجل إليه المؤمنين من قوله:

(يا أيها الذين آمنوا) أدخل في ذلك المنافقون معهم؟ قال: نعم والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة وكان إبليس ممن أقر بالدعوة الظاهرة معهم».(1)

* الشرح:

قوله: (وإنما أمرت الملائكة بالسجود لآدم - إلى آخره) الحصر ممنوع، وإنما يتم لو قال الله تعالى يا ملائكتي اسجدوا أو قال اسجدوا يا ملائكتي، وذلك غير معلوم لجواز أن يكون الخطاب اسجدوا بدون ذكر الملائكة، نعم في قوله تعالى (عليهم السلام) (وإذ قلنا للملائكة) تجوز لما ذكره عليه أو تغليب، والمنافقون هم المقرون بالنبي ظاهرا والمنكرون له باطنا والضلال هم المقرون به ظاهرا وباطنا إلا أنهم أخطأوا سبيل الحق ولم يعرفوا الحجة فضلوا، أو المراد بهم أهل الكبائر الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم أو زادت سيئاتهم إذا عرفت هذا فنقول لما علم الطيار أن المنافقين غير مؤمنين حقيقة لعدم اتصافهم بالإيمان، وهو الإقرار باطنا وان شاركهم في الصورة الظاهرة، والمخالطة والكون معهم ظاهرا أحسن في المسألة واستفهم عن دخولهم في خطاب المؤمنين وعدمه ليجعله ذريعة إلى ما هو مقصوده من دخول إبليس في خطاب الملائكة بناء على الصورة الظاهرة حيث كان معهم وفي زمرتهم، أو عدم دخوله فيه بناء على إرادة الملائكة حقيقة.

ليعلم عدم ورود الشبهة المذكورة أو ورودها، فأجاب (عليه السلام) بأنهم داخلون في خطاب المؤمنين باعتبار أن المراد بالمؤمنين المؤمنون بحسب الظاهر الذين أقروا بالدعوة الظاهرة سواء أقروا بالدعوة الباطنة أو لا، ثم أنه (عليه السلام) لما كان عالما بمقصوده من هذا السؤال صرح به وبين أن إبليس كان داخلا في خطاب الملائكة باعتبار أن المراد بالملائكة من هو بصورتهم الظاهرة، فيشمل إبليس لأنه كان معهم وفي صورتهم بحسب الظاهر ويحتمل أن يكون دخوله فيهم من باب التغليب والله أعلم.

ص:126


1- -الکافی :412/2.

باب في قوله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف)

اشاره:

(1)

ص:127


1- قوله: (من يعبد الله على حرف) بعد ما ثبت أن بين الإيمان والكفر منازل ودرجات كثيرة في الآخرة، وإن لم يكن بينهما منزلة في الدنيا بالنسبة إلى أحكام الفقه، ناسب المقام الإشارة إلى بعض هذه الوسائط والأقسام فأورد المصنف روايات يتضمن جماعة من هؤلاء مثل الضال والمستضعف والمرجون لأمر الله وأصحاب الأعراف وصنوف أهل الخلاف والمؤلفة قلوبهم ومن يعبد الله على حرف، ولعل المتتبع في الروايات يجد أقساما آخر ووجه ضبط هذه الأقسام أن ينظر إلى حال الإنسان واعتقاده الحاصل بعقله وملكاته وأحواله المتعلقة بوهمه وتعارض العقل والوهم في بعثه على الأعمال إذ قد سبق أن الوهم لا يخضع للعقل مطلقا كما مر من مثال مذكور هناك أن الميت جماد والجماد لا يخاف منه فالميت لا يخاف منه. هذا حكم العقل، والوهم يتأبي جدا لغلبة الخوف والخوف من توابع الوهم فيغلب العقل ونقول الإنسان بالنسبة إلى الإعتقادات الدينية التي يجب المعرفة بها إما أن يكون ملتفتا أو غير ملتفت غافل فإن كان غير ملتفت أصلا فهو مستضعف كمن لم يسمع أن في المسلمين خلافا في الإمامة. ثم الملتفت أما أن تحرى واجتهد للوصول إلى الحق أو قصر لعذر أو لغير عذر فبقى على الشك. والمجتهد للوصول إلى الحق ربما لم يجد دليلا فبقى على الشك أيضا، وربما وجد دليلا هداه إلى الباطل، وربما وجد دليلا هداه إلى الحق، والذي وجد دليلا هداه إلى الحق قد يكون سالما عن معارضة الأوهام فيلتزم بالحق ويدين به وقد يعارض أوهام تمنعه من متابعة الحق أصلا أو في الجملة كما كان يمنع التنفر من الميت والخوف منه أن يذعن بأن الميت جماد لا يخاف منه، فهذه مبادى وأصول يجعل الإنسان في منزلة بين الإيمان المحض والكفر المحض وبالجملة المستضعف من لم يلتفت حتى يجتهد وهو معذور. والضال من التفت واجتهد واطلع على دليل مغالطي هداه إلى الباطل فإن كان راجعا إلى أصل الدين فهو كافر وإلا فهو ضال، والمرجون لأمر الله جماعه تعارض أوهامهم وعقولهم ومنعهم هواهم وشهواتهم وعاداتهم الخبيثة وتماديهم في الباطل أن يدينوا للحق الذي عرفوه ويلتزموا به كل الالتزام وأمرهم إلى الله، وأصحاب الأعراف جماعة اتفق لهم حالتان مدة حياتهم تارة غلبت شهواتهم وتارة غلبت عقولهم، خلطوا عملا صالحا، وآخر سيئا والفرق بينهم وبين المرجين لأمر الله أن هؤلاء لم يغلب عقلهم على هواهم بل دامت المعارضة واستمر الخلاف بينهما إلى آخر عمرهم ولم يصروا على الكفر والضلال أيضا، وصنوف أهل الخلاف جماعة خالفوا مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في أمر من الامور كالجبرية والخوارج، والمؤلفة قلوبهم جماعة كانوا في معرض أن يخرجوا من الدين لغلبة أوهامهم أو يدخلوا في الدين لغلبة عقولهم فيعطون من المال لتضعيف أوهامهم; لأن حب المال من القوة الواهمة فإذا وجدت الواهمة ما يرضيها لم يعارض العقل في متابعة الدين، ومن يعبد الله على حرف هو نظير المؤلفة مبتلى بمعارضة الوهم أن أصابه خير اطمأن به وثبت في إسلامه وإن اصابته فتنة دعته والواهمة إلى ترك العقل ولا ريب أن الحب والبغض والخوف والطمأنينة وأمثال ذلك كلها من أفعال الواهمة وإن استحسن بعضها العقل. ثم أعلم أن غالب هذه الأقسام مما لا يمكن أن يترتب عليها حكم فقهى في الدنيا إذ هي امور باطنة في القلب لا يطلع عليها إلا الله ويجازيهم في الآخرة على حسب ما يعلم من استحقاقهم والناس مأمورون بالظاهر وما يمكن إطلاعهم عليه، وكل هؤلاء المظهرين للإسلام محكومون بالطهارة، وأخطأ زرارة في أمرين الأول أنه نفي الواسطة بين الإيمان والكفر في الآخرة وقاسه على الدنيا واجرى حكم الفقه في جميع امور الدين، الثاني أنه حكم بكفر هذه الوسائط مطلقا ودل الحديث الأول السابق في باب الضلال على إصابة محمد بن مسلم. وهذه الفرق والأقسام غير الفرق التي لهم عقائد ممهدة مدونة وجماعة متظاهرة متناصرة وآراء معلومة مضبوطة وأسماء مشهورة كالزيدية والأشاعرة والمعتزلة وغيرهم، فإنهم يعرفون بالانتحال إلى فرقتهم وليسوا مما لا يطلع أحد على باطنهم إلا الله. نعم لا يحكم بكفر أحد وضلاله ما لم يسمع مذهبه من لفظه، ولا يكفي في ذلك انتحاله إلى طائفة، فرب أشعري لا يلتزم ببعض أصولهم ومعتزلي كذلك والانتحال إليهم باعتبار الاتفاق في أغلب القواعد أو الظاهر المهم منها، وكم من شافعي خالف الشافعي في بعض فتاواه، وهنا فرق ليس لهم اختصاص بدين ومذهب أصلا ولا يمكن الحكم فيهم بشيء أصلا بصرف الانتحال كالصوفية والفلاسفة فهم بمنزلة الشاعر والنحوى يوجد فيهم الشيعي والسني والنصراني واليهودي. بل يوجد في الفلاسفة المشرك والملحد كما يوجد فيهم المسلم الإمامي الاثنا عشري ولا يصح جعل هذه الفرق بمنزلة ما ورد في الروايات من فرق المخالفين والوسائط بين الإيمان والكفر. (ش)

*أصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن الفضيل وزرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة) قال زرارة سألت عنها أبا جعفر (عليه السلام) فقال: «هؤلاء قوم عبدوا الله وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله وشكوا في محمد (صلى الله عليه وآله) وما جاء به فتكلموا بالإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقروا بالقرآن وهم في ذلك شاكون في محمد (صلى الله عليه وآله) وما جاء به وليسوا شكاكا في الله، قال الله عز وجل: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) يعني على شك في محمد (صلى الله عليه وآله) وما جاء به (فإن أصابه خير) يعني عافية في نفسه وماله وولده (أطمأن به) ورضي به (وإن أصابته فتنة) يعني بلاء في جسده أو ماله تطير وكره المقام على الإقرار بالنبي (صلى الله عليه وآله) فرجع إلى الوقوف والشك، فنصب العداوة لله ولرسوله والجحود بالنبي وما جاء به».(1)

* الشرح:

قوله: (وشكوا في محمد (صلى الله عليه وآله) وما جاء به فتكلموا بالإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقروا بالقرآن وهم في ذلك شاكون في محمد (صلى الله عليه وآله) وما جاء به) أي شهدوا أن محمدا رسول الله وأقروا بالقرآن ظاهرا باللسان لا باطنا بالجنان بقرينة نسبة الشك إليهم في موضعين

ص:128


1- -الکافی :413/2.

وتكلمهم بالإسلام، لأن الشاك في شيء غير معتقد به، وهذا من أوصاف المنافقين والمستودعين الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم.

(وليسوا شكاكا في الله عز وجل) شكاك بضم الشين وشد الكاف جمع شاك مثل كفار جمع كافر (قال الله عز وجل: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) يعني على شك في محمد (صلى الله عليه وآله) وما جاء به)، الحرف الطرف، والشاك في الدين على طرف منه لإثبات له فيه كالذي يكون على طرف الجيش فإن أحس بظفر قر وإلا فر، قال المفسرون: نزلت في أعاريب قدموا المدينة فكان أحدهم إذا صح بدنه نتجت فرسه مهرا سريا وولدت امرأته غلاما سويا وكثر ماله وماشيته قال: ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا الا خيرا واطمأن وأن كان الأمر بخلافه تشأم به، وقال: ما أصبت إلا شرا وانقلب.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: (ومن الناس من يعبد الله على حرف) قال:

«هم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله فخرجوا من الشرك ولم يعرفوا أن محمدا (صلى الله عليه وآله) رسول الله، فهم يعبدون الله على شك في محمد (صلى الله عليه وآله) وما جاء به، فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالوا: ننظر فإن كثرت أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا علمنا أ نه صادق وأنه رسول الله وإن كان غير ذلك نظرنا قال الله عز وجل: (فإن أصابه خير اطمأن به) يعني عافية في الدنيا (وإن أصابته فتنة) يعني بلاء في نفسه [وماله] (انقلب على وجه) انقلب على شكه إلى الشرك، (خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه) قال:

ينقلب مشركا، يدعو غير الله ويعبد غيره، فمنهم من يعرف ويدخل الإيمان قلبه فيؤمن ويصدق ويزول عن منزلته من الشك إلى الإيمان. ومنهم يثبت على شكه ومنهم من ينقلب إلى الشرك».

علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن زرارة مثله.(1)

* الشرح:

قوله: (فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالوا: ننظر فإن كثرت أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا علمنا أ نه صادق وأنه رسول الله وإن كان غير ذلك نظرنا) جعلوا حصول المعافاة وكثرة الأموال والأولاد دليلا على صدق الرسول، وحقية دينه لزعمهم أن كل ما يورث ذلك فهو مبارك، وكل ما هو بخلافه فهو شؤم وكذلك كان شأن جهال العرب ولم يعلموا أن نزول البلايا والمصائب على المؤمنين من

ص:129


1- -الکافی :413/2.

لدن آدم (عليه السلام) إلى آخر الدهر كان أكثر من نزولها على غيرهم وأن بناه كأصل التكليف على الاختبار والامتحان، وقد أشار إليه عز وجل بقوله: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال وإلا نفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا أنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).

(انقلب على شكه إلى الشرك) أي ينتقل من شكه في رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد نزول البلايا إلى الشرك بالله بسبب إنكار الرسول وما جاء به، وليس المراد أنه اجتمع الشك فيه مع الشرك فلا ينافي ما فهم سابقا من خروجهم من الشرك مع الشك فيه.

(خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) أما خسرانه في الدنيا والآخرة فلو ورد البلايا عليه وذهاب عصمته وهبوط عمله بالارتداد، وأما إن خسرانه هو الخسران المبين الظاهر في الخسارة فلانه لا خسران أعظم وأظهر منه; لأن الخسران أما بفوات المرغوبات الدنيوية أو بفوات المثوبات الاخروية أو بفواتهما جميعا، وهذا أظهر وأبين من الأولين.

(فمنهم من يعرف ويدخل الإيمان قلبه - إلى آخره) قسم من خرج عن الشرك والشك في محمد (صلى الله عليه وآله) وما جاء به على ثلاثة أقسام (عليهم السلام) فمنهم من يعرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقربه ظاهرا وباطنا ويزول عنه الشك بمشاهدة الآيات والمعجزات والهدايات الخاصة، ومنهم من يثبت على شكه فيه ويقيم عليه لعدم انتقاله من الشك إلى الإيمان ولا منه إلى الشرك، ومنهم ينتقل من الشك إلى الشرك بإنكار الرسول وتشأمه به كما ذكر وهذا أسوء حالا من الثاني.

ص:130

باب أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أو كافرا أو ضالا

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر ليماني، عن ابن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس قال: سمعت عليا صلوات الله عليه يقول وأتاه رجل فقال له: ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا وأدنى ما يكون به العبد كافرا وأدنى ما يكون به العبد ضالا فقال له: «سألت فافهم الجواب أما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أن يعرفه الله تبارك وتعالى نفسه فيقر له بالطاعة، ويعرفه نبيه (عليه السلام) فيقر له بالطاعة، ويعرفه أمامه وحجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة، قلت له: يا أمير المؤمنين وإن جهل جميع الأشياء إلا ما وصفت؟ قال: نعم إذا امر أطاع وإذا نهي انتهى، وأدنى ما يكون به العبد كافرا من زعم أن شيئا نهى الله عنه أن الله أمر به ونصبه دينا يتولى عليه ويزعم أ نه يعبد الذي أمره به وإنما يعبد الشيطان، وأدنى ما يكون به العبد ضالا أن لا يعرف حجة الله تبارك وتعالى وشاهده على عباده الذي أمر الله عز وجل بطاعته وفرض ولايته، قلت: يا أمير المؤمنين صفهم لي فقال: الذين قرنهم الله عز وجل بنفسه ونبيه فقال: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم) قلت: يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك أوضح لي فقال: الذين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آخر خطبته يوم قبضه الله عز وجل إليه: إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض كهاتين وجمع بين مسبحتيه ولا أقول: كهاتين وجمع بين المسبحة والوسطي فتسبق إحداهما الاخرى، فتمسكوا بها لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا».(1)

* الشرح:

قوله: (أما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أن يعرفه الله تبارك وتعالى نفسه فيقر له بالطاعة إلى آخره) تعريف الرب يتحقق بما أظهر من آيات وجوده وقدرته وعلمه وحكمته وسائر صفاته الكمالية والفعلية في الآفاق وإلا نفس، وتعريف النبي يتحقق بما خصه من المعجزات البينات والأفعال الخارقة للعادات، وتعريف الحجة يتحقق بالكرامات الجلية والنصوص النبوية والعلوم اللدنية، والظاهر من الإقرار الاقرار بالجنان أو الأعم منه، ومن الإقرار باللسان مع الإمكان، وفيه

ص:131


1- -الکافی :414/2.

دلالة على أن أصل الإيمان هو التصديق والاذعان وإن لم يكن معه شيء من الأعمال، وأن الأعمال مترتبة على الإيمان ولا ينافيه ما روى عنه وعن الرضا (عليهما السلام) «إن الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان» لجواز أن يكون المراد به الإيمان الكامل أو التقدير زين الإيمان ذلك على حذف المضاف، وقد مرت الأخبار الدالة على أن الإيمان هو التصديق، وعلى أنه بالعمل يكمل ويتم ويرتقى إلى الدرجة العليا ومرتبة الكمال (وأدنى ما يكون به العبد كافرا من زعم أن شيئا نهى الله عنه أن الله أمر به (1) ونصبه دينا يتولى عليه) يشمل الاصول والفروع، ومن ذلك أن يتخذ الطاغوت إماما ووليا والله تعالى أمره أن يكفر بالطاغوت.

(ويزعم أنه يعبد الذي أمر به) هو صادق في هذا الزعم، لكن أخطأ في أن الذي أمر به هو الله تعالى وإنما أمر به الشيطان فهو إنما يعبد الشيطان من حيث لا يعلم.

(وأدنى ما يكون به العبد ضالا أن لا يعرف حجة الله تبارك وتعالى - إلى آخره) عدم معرفة الحجة وإن كان أعم من الإعتقاد بعد كونه حجة، ومن عدم الإعتقاد مطلقا لكن المراد هنا هو الثاني; لأن الأول كفر ومن قدم الطاغوت على الحجة فهو داخل في الأول إذ يصدق عليه أنه أنكر الحجة في الجملة وفي الكلام السابق اشعار به فليتأمل.

(فقال: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم)) حذف مفعول الإطاعة للدلالة على التعميم فوجب إطاعة أولى الأمر في جميع الامور كما وجب إطاعة الله

ص:132


1- قوله: «إن شيئا نهى الله عنه أن الله أمر به» في معناه الحديث الأول من باب الشرك وقد مضى فمن قال للحصاة أنها نواة أو بالعكس ودان به فهو الشرك وكتاب سليم وإن كان ضعيفا ولكن يعتمد على ما تأيد مضمونه بغيره ويشكل هذا الخبر بأن الكفر والإيمان لا يختلف فيهما الاحكام بالقصور والتقصير والكافر كافر وإن لم يكن مقصرا وحينئذ فيلزم كفر جميع الناس إلا المعصومين إذ ما من أحد إلا وقد أخطأ في حكم من أحكام الإسلام ورأى من آرائه ودان به من غير تقصير وأي مجتهد أصاب في جميع ما أفتى به عند أصحاب التخطئة؟ والجواب المحتمل في دفع الإشكال شيئان الأول أن يلتزم بأن الكافر من غير تقصير ليس كافرا كشبان اليهود والنصارى وعوامهم حيث لم يخطر ببالهم وجود أديان يجب البحث عنها والتفحص فيها. وهذا حكمهم في الآخرة وأما الدنيا فهم كفار قطعا. الثاني أن يرد ظاهر هذه الأخبار فإنها تخالف الاجماع والسيرة القطعية ويلزم منه كفر كل صالح وطالح وفقيه وعامي، فإن قيل نحمل على كفرهم في الآخرة لا في الدنيا قلنا أمر الآخرة أوسع وكيف يعذب الله أحدا خالف بعض تكاليفه لا بالتقصير، فإن قيل نحمله على حط الدرجات قلنا استعارة لفظ الكفر لحط الدرجة غير مأنوس ولا مقبول; لأن الصلحاء والشهداء والعلماء الربانيين لا يوصفون بالكفر ولو مجازا وإن كان درجتهم أحط من المعصومين وأيضا صدر الحديث أن أدنى الإيمان من عرف الله وأقر له بالطاعة وهذا يشمل جميع الناس إلا من قل وغاية ما يمكن أن يقال هنا أن المقصود كفر المعاند ومن يخالف حكما من أحكام الله عنادا للدين في مقابل المؤمن الذي يقر بالطاعة. (ش)

وإطاعة الرسول فيها، فلا يجوز أن يراد بأولى الأمر السلطان الجائر إذ لا يجوز اطاعته في أكثر الامور وقد ذكرنا شرحه مفصلا فلا نعيده.

(إني قد تركت فيكم أمرين) لو كان لهذه الامة متمسك غيرهما لذكره والحديث متفق عليه بين الخاصة والعامة، وقد مر شرحه مفصلا.

(فإن اللطيف الخبير قد عهد إلى أنهما لن يفترقا حتى يراد على الحوض) أي لن يفترقا في وجوب التمسك والحجية فلو كان علي (عليه السلام) حجة بعد الثلاثة وقد كان القرآن حجة بعد النبي بلا فصل لزم الافتراق وأنه باطل.

(ولا تقدموهم فتضلوا) نهى عن التقدم عليهم لعلمه بوقوع ذلك وقد وقع فضلوا وأضلوا.

ص:133

باب

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن سفيان ابن عيينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن بني امية أطلقوا للناس تعليم الإيمان ولم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: إن بني امية أطلقوا للناس تعليم الإيمان ولم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه) أطلقوا أي جوزوا ورخصوا والضمير في لم يعرفوه راجع إلى الشرك أو إلى تعليمه والمراد بعدم معرفته انكاره (2) مجازا أو كناية وفيه دلالة على أن سلاطين بني أمية لم يؤمنوا، وإنما تمسكوا بظاهر الإيمان لتمشية أمور سلطنتهم (3) والتحرز عن مخالفة رعيتهم.

ص:134


1- -الکافی :415/2.
2- قوله: «والمراد بعدم معرفته انكاره» حمل الشارح تبعا لغيره تعليم الشرك على ترغيب الناس إلى الشرك وترويج الشرك فيهم ومعنى امتناع بني أمية عن تعاليم الشرك تظاهرهم بالاسلام وعدم اظهار شيء يدل على باطنهم ولم يبين وجها معقولا لقوله (عليه السلام) «لكي إذا حملوهم عليه - إلى آخره» لأنهم إذا كانوا مصرين على تظاهرهم بالاسلام كيف حملوا الناس على الشرك وأرادوا ذلك وكيف يصير تظاهرهم بالاسلام موجبا لانكار الناس الشرك إذا حملوهم عليه وهل هو الا نقض غرض فإن كان غرضهم ترويج الشرك كيف فعلوا أمرا يوجب انكار الناس وان كان غرضهم حفظ ملكهم بالتظاهر بالاسلام كيف قصدوا حملهم على الشرك؟! والوجه الصحيح أن بني أمية رخصوا للعلماء تعليم القرآن والعبادات واتيان المساجد والصلوات فمن كان منهم يعلم أمثال هذه الأمور من لوزام الايمان لم يمنعوه ولم يحبسوه ولم يشردوه وأما من كان من العلماء يبين عاقبة الظلم وعذاب الظلمة ويقبح أمر المعاصي وينفر الناس من شاربي الخمور والزناة وأصحاب البدع في الدين وأمثال ذلك عذبوه وشردوه وقتلوه كما فعل الحجاج وزياد ابن أبيه بحجر بن عدي وسعيد بن جبير وكميل وغيرهم بل اخترعوا مذهب المرجئة وهو ان المتظاهر بالإسلام ان ارتكب الكبائر كقتل الصلحاء والعلماء والأئمة وشرب الخمر وظلم الناس فلا يضره فعل تلك الكبيرة وهو مساو عند الله في الآخرة لمن هو قانت اناء الليل وصائم في النهار يحذر الآخرة وغرضهم أن لا يتنفر الناس من ملوك بني أمية وبالجملة معنى تعليم الشرك تعليم قباحة هذه الأمور التي هي من لوازم الشرك ومعني حملوهم عليه أنهم إذا أرادوا حمل الناس على قتل الأولياء وأعانتهم في الظلم وشرب الخمر لم يمتنعوا وأطاعوهم لعدم كون ذلك قبيحا ونعلم أن المعصية إذا راجت ولم يرخص للعلماء تقبيح القبيح وتذكير الناس بالعذاب وتعظيم الامر لديهم هانت عليهم ولم يمتنعوا. (ش)
3- قوله: «لتمشية أمور سلطنتهم» حق لا ريب فيه وهو مقتضى العادة فإن كفار قريش كانوا معاندين لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وآمن من آمن منهم ظاهرا بعد فتح مكة ولم يمض عليهم ثلاث سنين حتى مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جوار ربه ولم ينسوا في ثلاث سنين حقدهم ونرى في زماننا أن المغلوبين بالقهر لا ينقادون إلا ما دام القاهر فوق رؤوسهم فإذا زال المانع وعاد الممنوع فكيف إذا انعكس الامر وصار المغلوب غالبا وكذلك بنو أمية غلبوا على الملك وانتهزوا للانتقام وأول غرض استهدفوه أولاد رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم، ثم الأنصار أهل المدينة حيث نصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على كفار مكة في غزوات كثيرة وقتلوا أعاظم بني أمية وأكابر قريش في بدر واستحل القتل فيهم يزيد بن معاوية ثم المهاجرين والمؤمنين وهم أعاظم أهل الكوفة وأهل العراق وبذلك يعرف أن رواج الاسلام وظهوره لم يكن قهرا بالسيف بل بالبراهين والبينات وان الناس آمنوا حقيقة وكان السيف لدفع المانع من دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا لايجاد المقتضى للايمان ولو كان إسلام الناس جبرا لارتدوا وتركوا الاسلام في دولة بني أمية لأن القهر كان للمخالف ولم يتجرى بنو أمية لإظهار كفرهم لأنهم علموا ايمان الناس بقلوبهم وتمكنه في نفوسهم واصرارهم. (ش)

باب ثبوت الإيمان وهل يجوز أن ينقله الله

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن حسين ابن نعيم الصحاف قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «لم يكون الرجل عند الله مؤمنا قد ثبت له الإيمان عنده ثم ينقله الله بعد من الإيمان إلى الكفر؟ قال: فقال: إن الله عز وجل هو العدل إنما دعا العباد إلى الإيمان به لا إلى الكفر ولا يدعوا أحدا إلى الكفر به، فمن آمن بالله ثم ثبت له الإيمان عند الله لم ينقله الله عز وجل بعد ذلك من الإيمان إلى الكفر، قلت له: فيكون الرجل كافرا قد ثبت له الكفر عند الله ثم ينقله بعد ذلك من الكفر إلى الإيمان؟ قال: فقال: إن الله عز وجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها، لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بجحود، ثم بعث الله الرسل يدعوا العباد إلى الإيمان به، فمنهم من هدى الله ومنهم لم يهده الله».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لم يكون الرجل عند الله مؤمنا قد ثبت له الإيمان عنده ثم ينقله الله بعد من الإيمان إلى الكفر؟ قال: فقال: إن الله عز وجل هو العدل إنما دعا العباد إلى الإيمان به لا إلى الكفر ولا يدعوا أحدا إلى الكفر به، فمن آمن بالله ثم ثبت له الإيمان عند الله لم ينقله الله عز وجل بعد ذلك من الإيمان إلى الكفر) سأل عن سبب نقل ثابت الايمان منه إلى الكفر إلا أنه نسب النقل إلى الله عز وجل مجازا باعتبار خذلانه له وسلب لطفه وتوفيقه عنه، أو عن سبب

ص:135


1- -الکافی :416/2.

نقله عز وجل إياه حقيقة لزعمه أن الكفر والايمان من فعله عز وجل والجواب عن الأول ان الله تعالى عادل ومن عدله دعا الناس إلى الايمان لا إلى الكفر، فمن آمن به وثبت ايمانه في علمه لم ينقله من الايمان إلى الكفر ولم يسلب عنه لطفه وتوفيقه ابدا، وهو يخرج من الدنيا مؤمنا وما قد يتفق من نقل المؤمن إلى الكفر فإنما هو إذا كان الإيمان مستودعا غير ثابت، وعن الثاني أنه تعالى عادل لا يجوز ولو كان الايمان والكفر والنقل من الأول إلى الثاني من فعله تعالى لزم الجور والظلم، وإنما فعله دعاء الناس إلى الإيمان لا إلى الكفر وهدايتهم إلى منافع الأول ومضار الثاني فمن آمن به، وثبت له الايمان واستقر في قلبه لم ينقله إلى الكفر ولم يسلب عنه توفيقه.

(قلت له: فيكون الرجل كافرا قد ثبت له الكفر عند الله ثم ينقله الله بعد ذلك من الكفر إلى الإيمان؟ قال: فقال: إن الله عز وجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها، لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بجحود، ثم بعث الله الرسل يدعوا العباد إلى الإيمان به، فمنهم من هدى الله ومنهم لم يهده الله) يحتمل الخبر والاستفهام أما الأول فظاهر وأما الثاني فلان السائل لما علم بالجواب المذكور أن من ثبت ايمانه لم ينقله الله إلى الكفر بسلب التوفيق عنه سأل عن حال من ثبت كفره هل ينقله من الكفر إلى الايمان باهداء التوفيق واللطف أم لا، وانطباق الجواب على الأول ظاهر لاشعاره بأنه ممن هداه لعدم ابطاله الفطرة الأصلية بالكلية، فلذلك تداركته العناية الإلهية، وأما انطباقه على الثاني ففيه خفاء إذ لم يصرح (عليه السلام) بما سأل عنه إلا أنه أشار إلى تقرير قاعدة كلية للتنبيه على أن المقصود الأهم هو معرفتها، والتصديق بها وهي أن الله تعالى خلق الناس على نحو من الفطرة، وهي كونهم قابلين للخير والشر، وهداهم اليهما ببعث الرسل، وهم يدعونهم إلى الايمان وإلى سبيل الخير، وينهونهم عن سبيل الكفر والشر، فمنهم من هداه الله عز وجل بالهدايات الخاصة لعدم ابطاله الفطرة الأصلية وتفكره في أنه من أين جاء ولأي شيء جاء، وإلى أين نزل وأي شيء يطلب منه، واستماعه إلى نداء الحق فإنه عند ذلك يتلقاه اللطف والتوفيق والرحمة كما قال عز وجل: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).

ومنهم من لم يهده الله عز وجل لابطاله فطرته، وعدم تفكره فيما ذكر وإعراضه عن سماع نداء الحق فيسلب عنه الرحمة واللطف والتوفيق، وهو المراد من عدم هدايته له فقد أشار عليه السلام بتقرير هذه المقدمة إلى أن الواجب عليكم أن تعلموا وتصدقوا بأن كل من آمن به فإنما آمن لأجل هدايته الخاصة وكل من لم يؤمن به لم يؤمن به لفقده تلك الهداية والله أعلم.

ص:136

باب المعارين

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إن الله عز وجل خلق خلقا للإيمان لا زوال له، وخلق خلقا للكفر لا زوال له، وخلق خلقا بين ذلك واستودع بعضهم الإيمان، فإن يشأ أن يتمه لهم أتمه، وإن يشأ أن يسلبهم إياه سلبهم وكان فلان منهم معارا».(1)

* الشرح:

قوله: (قال سمعته يقول: ان الله عز وجل خلق خلقا للإيمان لا زوال له، وخلق خلقا للكفر لا زوال له، وخلق خلقا بين ذلك - إلى آخره) كان اللام للعاقبة أي خلق خلقا عاقبتهم الايمان في العلم الأزلي لا زوال لهم عنه، وهم الأنبياء والأوصياء والتابعون لهم من المؤمنين الثابتين في الإيمان، وخلق خلقا عاقبتهم الكفر في علمه عز وجل أزلا لا زوال عنه لاستحالة تخلف علمه عن المعلوم، وهم المنكرون لهؤلاء الكرام، وخلق خلقا مترددين بين الايمان والكفر، مستضعفين في علمه، فمن آمن منهم كان ايمانهم مستودعا فإن يشأ الله أن يتمه لهم لحسن استعدادهم واقبالهم إلى الله وتعرضهم لأوامره ونواهية أتمه بفضله وتوفيقه وجعله ثابتا مستقرا فيهم، وان شاء أن يسلبهم إياه لزوال استعدادهم الفطري وفساد استعدادهم الكسبي، وكون قلوبهم لاهية ونفوسهم ساهية سلبهم وسلط عليهم عدوهم، ورفع عنهم توفيقهم، ويفهم بالمقايسة حال من كفر منهم، ويحتمل أن يكون اللام للتعليل والغرض، لأنه إذا كانت عاقبتهم في علمه ذلك صح أنه خلقهم لذلك وأنه لا زوال لهم لوجوب المطابقة بين العلم والمعلوم، ولعل المراد بفلان أبو الخطاب لوقوع التصريح به في الخبر الآتي.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب والقاسم ابن محمد الجوهري، عن كليب بن معاوية الأسدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن العبد يصبح مؤمنا ويمسي كافرا ويصبح كافرا ويمسى مؤمنا وقوم يعارون الإيمان ثم يسلبونه ويسمون المعارين، ثم قال: فلان منهم».(2)

ص:137


1- -الکافی :417/2.
2- -الکافی :418/2.

* الشرح:

قوله: (قال: إن العبد يصبح مؤمنا ويمسي كافرا ويصبح كافرا ويمسى مؤمنا وقوم يعارون الإيمان ثم يسلبونه ويسمون المعارين، ثم قال: فلان منهم) يريد أن كل واحد من الايمان والكفر قد يكون مستودعا غير مستقر فيزول سريعا بحدوث ضده وسر ذلك أن القلب إذا اشتد ضياؤه وكمل صفاؤه استقر الايمان وكل ما هو حق فيه، فإذا اشتدت ظلمته وكملت كدرته استقر الكفر وكل ما هو باطل فيه، فإذا كان بين ذلك باختلاط الضياء والظلمة فيه كان مترددا بين الإقبال والإدبار ومتحيرا بين الإيمان والكفر. فإن غلب الأول دخل الإيمان فيه من غير استقرار وان غلب الثاني دخل الكفر فيه كذلك، وربما يصير الغالب مغلوبا فيعود من الايمان إلى الكفر ومن الكفر إلى الايمان، فلا بد للعبد مراعاة قلبه فإن رآه مقبلا إليه عز وجل شكر وبذل جهده ويطلب منه الزيادة لئلا يستدبر ولذلك قال العلماء: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) وان رآه مدبرا زائغا عن الحق تاب واستدرك ما فرط فإن لم يفعل ربما سلط الله عليه العدو ورفع عنه التوفيق وهو يموت مدبرا مسلوب الايمان كما قال الله تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) نعوذ بالله من الازاغة.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري وغيره عن عيسى شلقان قال:

كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسى (عليه السلام) ومعه بهمة قال: قلت: يا غلام ما ترى ما يصنع أبوك، يأمرنا بالشيء ثم ينهانا عنه، أمرنا أن نتولى أبا الخطاب ثم أمرنا أن نلعنه ونتبرء منه؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام) وهو غلام: «إن الله خلق خلقا للإيمان لا زوال له وخلق خلقا للكفر لا زوال له وخلق خلقا بين ذلك أعارهم الإيمان يسمون المعارين، إذا شاء سلبهم وكان أبو الخطاب ممن، أعير الإيمان.

قال: فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته ما قلت لأبي الحسن (عليه السلام) وما قال لي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنه نبعة نبوة».(1)

* الشرح:

قوله: (قال كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسى (عليه السلام) ومعه بهمة - إلى آخره) البهمة بفتح الباء وسكون الهاء ولد الشاة، وهي بعد السخلة، وأبو الخطاب كوفي غال ملعون قد أعير الايمان فرجع منه إلى الكفر فله التولي وقت الايمان ومنه التبري وقت الكفر، والنبعة الشجرة التي يتخذ منها القوس ويتخذ من أغصانها السهام، وقد تطلق على غصنها أيضا.

ص:138


1- -الکافی :418/2.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن صلوات الله عليه قال: «إن الله خلق النبيين على النبوة فلا يكونون إلا أنبياء، وخلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلا مؤمنين وأعار قوما إيمانا، فإن شاء تممه لهم وإن شاء سلبهم إياه، قال: وفيهم جرت: (فمستقر ومستودع) وقال لي: إن فلانا كان مستودعا إيمانه; فلما كذب علينا سلب إيمانه ذلك».(1)

* الشرح:

قوله: (قال لي: ان فلانا كان مستودعا ايمانه فلما كذب علينا سلب ايمانه) دل على أنه سلب الايمان عن المستودع ليس بظلم لأنه مستند إلى فعله واتمامه أيضا مستند إلى فعله بقرينة المقابلة، وهذا مؤيد لما ذكرناه آنفا.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن حبيب، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله جبل النبيين على نبوتهم، فلا يرتدون أبدا، وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدون أبدا، وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبدا، ومنهم من اعير الإيمان عارية، فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الإيمان».(2)

* الشرح:

قوله: (ومنهم من اعير الإيمان عارية، فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الإيمان) هذا تنبيه للغافلين على دوام الذكر وطلب حسن الخاتمة. ومنه خوف أكثر الخائفين حيث علموا صفات القلب وغفلته وتنقله، ولم يعلموا أن عاقبة أمرهم هي الاستقرار على الإيمان أو الكفر مع امكان الموت في ساعة الغفلة واغواء الشيطان، وغاية جهده في إزالة الايمان حينئذ وفيه أيضا دلاله على أن الاتمام والسلب مسببان من فعل الإنسان لأنه يصير بذلك محلا للتوفيق والخذلان كما ذكرنا سابقا.

ص:139


1- -الکافی :418/2.
2- -الکافی :418/2.

باب في علامة المعار

* الأصل:

1 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن المفضل الجعفي قال: قال: أبو عبد الله (عليه السلام): «إن الحسرة والندامة والويل كله لمن لم ينتفع بما أبصره ولم يدر ما الأمر الذي هو عليه مقيم، أنفع له أم ضر؟ قلت له: فبم يعرف الناجي من هؤلاء جعلت فداك؟ قال: من كان فعله لقوله موافقا فأتت له الشهادة بالنجاة، ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع».(1)

* الشرح:

قوله: (ان الحسرة والندامة والويل كله لمن لا ينتفع بما أبصره) الحسرة اسم من حسرت على الشيء حسرا من باب تعب وهي التلهف والتأسف على فوات أمر مرغوب، والندامة الحزن على فعل شيء مكروه، والويل العذاب وواد في جهنم، يعني هذا كله لمن لم ينتفع بما أبصره من العقائد والاحكام والاعمال والاخلاق والآداب وعدم الانتفاع كناية عن الاعراض عنه وعدم الاعتناء به.

(ولم يدر ما الامر الذي هو عليه مقيم) فيه حث على مراقبة النفس في جميع الحالات ومحاسبتها في جميع الحركات والسكنات ليعلم ما ينفعها وما يضرها فإن ذلك يوجب طلب النافع وترك الضار، وسلوك طريق الخير، ورفض طريق الشر.

(قلت له: فبم يعرف الناجي من هؤلاء جعلت فداك - إلى آخره) سأل عن سبب النجاة من العذاب أو من ألم الفراق أو من الكفر ليعرفه ويتمسك به ويتبعه. فأجاب (عليه السلام) بأنه الموافقة بين القول والفعل. والمراد بالقول القول الحق، فمن كان فعله موافقا لقوله الحق «فأتت» أي جاءت له الشهادة بالنجاة لأنه لأنه حكيم كامل قلبه متنور بنور المعارف والايمان فظاهر مستقيم بعمل الخير والاحسان لأن الأول وهو القول الحق دليل على اتصافه بالحكمة النظرية إذ استقامة اللسان دليل على استقامة الجنان، والثاني وهو موافقة الفعل لقوله دليل على اتصافه بالحكمة العملية وغلبته على القوة الشهوية والغضبية. وفي بعض النسخ «فأثبتت» على صيغة المؤنث المجهول من الاثبات ومن لم يكن فعله موافقا لقوله بأن يكون قوله حقا وفعله بالطلا كما هو شأن أكثر الخلق فإنما ذلك مستودع ايمانه غير ثابت فيحتمل أن يبقى على الحق ويثبت له الايمان ويحصل له النجاة، ويحتمل أن يزول عن الحق ويسلب عنه الايمان ويعود إلى الشقاوة ويستحق الويل والحسرة والندامة.

ص:140


1- -الکافی :419/2.

باب سهو القلب

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جعفر بن عثمان، عن سماعة عن أبي بصير وغيره قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن القلب ليكون الساعة من الليل والنهار ما فيه كفر ولا إيمان كالثوب الخلق، قال: ثم قال لي: أما تجد ذلك من نفسك؟ قال: ثم تكون النكتة من الله في القلب بما شاء من كفر وإيمان».

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن أبي عمير مثله.(1)

* الشرح:

قوله: (إن القلب ليكون الساعة من الليل والنهار ما فيه كفر ولا إيمان كالثوب الخلق، قال: ثم قال لي: أما تجد ذلك من نفسك) المراد بالقلب النفس الناطقة التي هي محل للايمان والكفر، وحمله على الجسم المعروف كما يشعر به ظاهر هذا التشبيه وظاهر التشبيه بالمضغة في الخبر الآتي وهو الجسم الصنوبري المودع في الجانب الأيسر من الصدر الذي هو محل للروح بعيد.

والمراد بالساعة ساعة الغفلة عن الحق والاشتغال بما سواه إذ ليس في القلب حينئذ بالفعل التصديق بالحق والانكار له، وفيه اشعار بأن الكفر وجودي إذ لو كان عبارة عن عدم الأيمن كما زعم لما انتفيا معا، وتشبيه القلب بالثوب الخلق في الكثافة والرثاثة أو في أنه ليس باطلا بالمرة ولا كاملا في الجملة تشبيه معقول بمحسوس لقصد التقبيح والتنفير والاستفهام في «اما تجد» للتقرير.

(قال ثم تكون النكتة من الله في القلب بما شاء من كفر وإيمان) النكتة النقطة، وكل نقطة في شيء بخلاف لونه تسمي نكتة، والحالة المذكورة مرض القلب ونكتة الكفر فيه بمنزلة اماتته، ونكتة الايمان بمنزلة شفائه كما أن مرض البدن اما أن يزول بالشفاء أو ينجر إلى الموت ولكن مرض القلب أشد من مرض البدن لتفاوت الاثرين.

فإن المرض البدني سبب للألم الدنيوي والمرض القلبي سبب للعذاب الأخروي، ولا نسبة بينهما، ثم ان كون نكتة الايمان والكفر من الله سبحانه يحتمل أن يكون باعتبار أنه وكل على القلب ملكا يهديه إلى الخير وشيطانا يرشده إلى الشر كما مر، وبهذا الاعتبار كانت النكتتان منه تعالى ومعنى مشيئته للايمان والكفر المشيئة باعتبار الاقدار عليهما دون المشيئة على سبيل الاجبار، فإنه عز وجل لما جعل فيه آلة الايمان فقد شاء منه الكفر والايمان لكن لا بحيث يكون مجبورا،

ص:141


1- -الکافی :420/2.

وتكون المشيئة مشيئة حتم والله أعلم.

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن معروف، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «يكون القلب ما فيه إيمان ولا كفر، شبه المضغة أما يجد أحدكم ذلك».

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال:

«إن الله خلق قلوب المؤمنين مطوية مبهمة على الإيمان فإذا أراد استشارة ما فيها نضحها بالحكمة وزرعها بالعلم، وزارعها والقيم عليها رب العالمين».(1)

* الشرح:

قوله: (قال إن الله خلق قلوب المؤمنين مطوية مبهمة على الايمان) خلق قلوبهم مطوية على سبيل التشبيه بما يقبل الطي كالثياب والكتاب والمراد بالمبهمة المغلقة والمقفلة على سبيل الشبيه بالبيت. فلا يعلم ما فيها إلا هو من أبهم الباب فهو مبهم إذا أغلقه وأقفله أو المعظلة التي لا يعلم حالها ووصفها إلا هو من أبهم الامر فهو مبهم إذا لم يجعل عليه دليلا، أو الخالصة الصحيحة التي ليس فيها شيء من العاهات والأمراض، ومنه فرس بهيم وهو الذي له لون واحد لا يخالطه لون سواه، وقوله على الايمان متعلق بمطوية أو بمبهمة أو بهما على التنازع أو حال عن القلوب أي خلقها كائنة على الايمان، وفي ذكر المطوية والمبهمة اشعار بأن ايمانها مغفول عنه وهو عبارة عن سهو القلب. ولما كان الخلق تابعا للعلم وكان علم الله عز وجل بالشيء قبل خلقه كعلمه به بعده، وكان قلب المؤمن متصفا بالايمان باختيار إياه صدق أنه تعالى خلقه على هذا الوصف فلا يلزم الجبر.

(فإذا أراد استشارة ما فيها نضحها بالحكمة وزرعها بالعلم) الاستشارة بالشين المعجمة استخراج العسل من موضعه يقال: شار العسل شورا من باب قال، وأشاره واستشاره إذا استخرجه من الوقبة وهي نقرة في صخرة يجتمع فيها الماء والعسل، وفيه نوع تخييل وتشبيه الماء في قلوب المؤمنين بالعسل في الترغيب وميل الطبع، والنضح الرش نضحه كمنعه إذا رشه، وانما شبه الحكمة وهي دين الحق المانع للقلب عن الصلابة والغلظة والباعث للرخوة واللينة بالماء لأنها تلين القلب وتصلحها كالماء للأرض وشبه العلم بالبذر لأنه ينمو ويحصل منه المانع الكثير كالبذر، ولا يخفي ما فيه من المكنية والتخييلية.

ص:142


1- -الکافی :420/2.

(وزارعها والقيم عليها رب العالمين) الزرع في الأصل الانبات. يقال: زرع الله الحرث أي أنبته وأنماه، وهو فعله تعالى دون البشر. ولذلك قال: (أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) نسب الحرث إليهم لكونه فعلا لهم وسببا للزرع ونسب الزرع إلى ذاته المقدسة لكونه فعلا له، ثم قيل: زرع الله العلم على سبيل الاستعارة بتشبيه القاء العلوم والاسرار إلى القلوب بالزرع في التزيين والحياة والثمرة فكما أن الزرع يزين الأرض ويوجب حياتها ويثمر ثمرة توجب حياة الأبدان ونموها وقيامها بأفعالها كذلك الالقاء المذكور يزين القلب ويوجب حياتها الأبدية، وثمرة أقوى وأتم من ثمرة الزرع لأن ثمرة الزرع هي الحياة الدنيوية، وثمرة الالقاء المذكور هي الحياة الأخروية الأبدية التي لا انقطاع لها، والفضل بينهما كفضل الآخرة على الدنيا، والحاصل أن الذي ينبت في القلوب النبات الحسن من العقائد الصحيحة والحقائق الربوبية والاسرار الحكمية لحسن استعدادها وكمال حفظها للقوة الفطرية، والذي يقوم بأمرها ويدبر فيها، ويراقب جميع أفعالها هو رب العالمين الذي بيده ايجاد العالم على الأنواع المختلفة.

وتربيته واخراج كل شيء من حد النقص إلى حد الكمال، وفيه تنبيه على أن القلوب التي بها قوام الحقيقة الانسانية في تصرفها وحركتها وسكونها بعد ميلها إلى الجناب الحق، وتشوقها إلى لقائه في أسر أقدار الله تعالى وقهر قدرته ويد تقليبه في المراقبات المتوالية عليها بحيث لا يمهلها طرفة عين ولا يتصرف فيها إلا هو، ومن ثم جاء في الأدعية «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» فلا بد للعبد كما ذكرنا آنفا من مراعاة قلبه فإن رآه مقبلا على ربه ومنقادا لامره ونهيه ومتوجها اليهما استبشر وشكر لعظيم مننه وبذل طاقته في طاعته، وان رآه مقبلا على غيره من الهوى النفسانية والوساوس الشيطانية تاب واعتذر واستدرك واستغفر. فإن لم يفعل فربما سلط عليه الشيطان ومات من غير ايمان.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن القلب ليرجج فيما بين الصدر والحنجرة حتى يعقد على الإيمان، فإذا عقد على الإيمان قر وذلك قول الله عز وجل: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)».(1)

* الشرح:

قوله: (إن القلب ليرجج فيما بين الصدر والحنجرة حتى يعقد على الإيمان، فإذا عقد على الإيمان قر وذلك قول الله عز وجل: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)) الرج التحريك والتحرك

ص:143


1- -الکافی :421/2.

والاهتزاز، والرجرجة الاضطراب. والحنجرة الموضع الناتي من خارج الحلق يعني أن قلب من علم الله ايمانه يتحرك ويضطرب فيما بين الصدر والحنجرة طلبا للحق يعقد عليه فإذا عقد عليه ووجد مطلوبه قر وسقط عنه الاضطراب كما هو شأن كل من وجد مطلوبه، وأما قلب غيره فهو دائما مضطرب لأنه على الباطل، وللباطل طرق متكثرة وشعب متعددة فهو دائما يطير من باطل باطل ولعل وجه الاستشهاد بالآية ان من شأنه أن يؤمن بالله يهد الله قلبه للإيمان ويرشده اليه، ويوفقه له فيستقر عليه.

* الأصل:

5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن القلب ليتجلجل في الجوف يطلب الحق فإذا أصابه إطمأن وقر، ثم تلا أبو عبد الله (عليه السلام) هذه الآية: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام - إلى قوله - كأنما يصعد في السماء)».(1)

* الشرح:

قوله: (ان القلب ليتجلجل في الجوف يطلب الحق فإذا أصابه اطمأن) التجلجل التحرك والتضعضع، وهذا مثل السابق ولعل المراد من الآية ان من يرد الله أن يهديه إلى الاسلام لعلمه أزلا باسلامه وحسن رعايته للفطرة الأصلية يشرح صدره للاسلام، وقبول أحكامه ويصرف زمام قلبه إليه باللطف والتوفيق.

فإذا أصابه قر وأطمأن به، ومن يرد أن يضله بسلب اللطف والتوفيق لعلمه بأنه لا يؤمن يجعل صدره ضيقا في قبول الإيمان حرجا في الاتصاف به كأنها يصعد إلى السماء وهو كناية عن شدة قلبه وصعوبته ونهاية بعده وتألمه في قبول الايمان ولوازمه.

6 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي المغرا، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: إن القلب يكون في الساعة من الليل والنهار ليس فيه إيمان ولا كفر، أما تجد ذلك، ثم تكون بعد ذلك نكتة من الله في قلب عبده بما شاء إن شاء بإيمان وإن شاء بكفر».

7 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسين بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن القاسم، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله خلق قلوب المؤمنين مبهمة على الإيمان، فإذا أراد استنارة ما فيها فتحها بالحكمة وزرعها بالعلم، وزارعها والقيم عليها رب العالمين».

ص:144


1- -الکافی :421/2.

باب في ظلمة قلب المنافق وإن أعطى اللسان ونور قلب المؤمن وإن قصر به لسانه

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن فضال، عن علي بن عقبة، عن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال لنا ذات يوم: تجد الرجل لا يخطئ بلام ولا واو خطيبا مصقعا ولقلبه أشد ظلمة من الليل المظلم وتجد الرجل لا يستطيع يعبر عما في قلبه بلسانه وقلبه يزهر كما يزهر المصباح».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: قال لنا ذات يوم) الذات بمعنى النفس أي قال لنا نفس يوم يعني قال لنا يوما من الأيام. (تجد الرجل لا يخطئ بلام ولا واو) هذا مثل لمن يقدر على الكلام قدرة كاملة بحيث لا يفوته شيء من الوجوه المحسنة اللفظية. (خطيبا مصقعا) المصقع بكسر الميم وفتح القاف البليغ أو العالي الصوت أو من لا يضطرب في كلامه ولا يلتبس عليه وجوهه المعتبرة في تحسينه لفظا ومعنا ولا يتعتع.

(ولقلبه أشد ظلمة من الليل المظلم) المراد بالقلب الروح الانساني وهو من عالم الامن نزل في هذا العالم بأمر ربه للتجارة والحراثة كما قيل: الدنيا مزرعة الآخرة وبذره الايمان وماؤه الحكمة وثمرته الاعمال والاخلاق والمقصود من جميع ذلك النعيم الأبدي وقرب الحق والمنافق لما كان فاقدا لجميع هذه الأمور التي هي أضواء عقلية وأنوار الهية لفقده البصيرة القلبية التي هي مبدأ المشاهدات والمكاشفات ومنشأ صفاء مرآة القلب واستضاءته بنور تلك الأنوار كان قلبه لا محالة مظلما لا يمكنه رؤية جمال المعارف وهذا بخلاف المؤمن العارف المطيع كما أشار بقوله:

(وتجد الرجل لا يستطيع يعبر عما في قلبه بلسانه) لقصور في لسانه ونقض في بيانه (وقلبه يزهر كما يزهر المصباح) باعتبار نور الايمان وأركانه وعقائده الحقة وأخلاقه الحسنة وأعماله الصالحة وتنزهه عما يوجب ظلمة القلب وغلبته على القوة الشهوية والغضبة المكدرة لصفاء مرآته وهذه الأمور توجب صفاء القلب ونورانيته ومشاهدة ما في عالم الغيب والشهادة وفيه دلالة واضحة على أن حسن الظاهر وطلاقة اللسان وفصاحة البيان بدون تنور القلب وصفاءه واستقامته لا عبرة بها وإنما العبرة بصفاء الباطن ونورانيته وإن لم يكن معه صفاء الظاهر والله الناظر

ص:145


1- -الکافی :422/2.

الرقيب لا ينظر إلى صور ظاهركم وانما ينظر إلى صور باطنكم. اللهم نور قلوبنا بنور الإيمان.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن المفضل، عن سعد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن القلوب أربعة: قلب فيه نفاق وإيمان، وقلب منكوس وقلب مطبوع، وقلب أزهر أجرد، فقلت: ما الأزهر؟ قال: فيه كهيئة السراج، فأما المطبوع فقلب المنافق، وأما الأزهر فقلب المؤمن إن أعطاه شكر وإن ابتلاه صبر، وأما المنكوس فقلب المشرك. ثم قرء هذه الآية: (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم) فأما القلب الذي فيه إيمان ونفاق فهم قوم كانوا بالطائف فإن أدرك أحدهم أجله على نفاقه هلك وإن أدركه على إيمانه نجا».(1)

* الشرح:

قوله: (عن المفضل عن سعد عن أبي جعفر (عليه السلام)) لعل المراد بالمفضل المفضل بن صالح أبو جميلة، وبسعد سعد بن طريف بقرينة أن المفضل بن صالح أبا جميله يروى عنه كما صرح به النجاشي (قال: إن القلوب أربعة: قلب فيه نفاق وايمان، وقلب منكوس، وقلب مطبوع، وقلب أزهر أجرد) وجه الحصر أن القلب إما متصف بالإيمان أو لا، الأول إما متصف بالإيمان بجميع ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) أو ببعضه دون بعض، الأول قلب المؤمن والثاني قلب فيه إيمان ونفاق والثاني إما أن يصرح بالإيمان ظاهرا أو لا، الأول قلب المنافق والثاني قلب المشرك.

(فقلت: ما الأزهر؟ قال فيه كهيئة السراج) الهيئة الصورة شبه ما في القلب من نور الإيمان والمعارف بنور السراج لقصد الإيضاح والظهور وإن كان الوجه في المشبه أكمل; لأن بنور القلب يرى ما في عالم الملك والملكوت وبنور السراج يرى بعض ما حوله من المبصرات.

(فأما المطبوع فقلب المنافق) الطبع الختم وختم القلب كناية عن منع الله عز وجل ألطافه وتوفيقه المانع من دخول الإيمان وغيره من المعارف فيه، وإنما نسب الطبع إلى قلب المنافق; لأن عدم دخول الإيمان فيه مع تعرضه له بإظهاره باللسان إنما هو لمانع عظيم وهو الطبع المسبب عن إبطاله لإستعداده الفطري.

(وأما الأزهر فقلب المؤمن إن أعطاه شكر وإن ابتلاه صبر) ذكر من أوصاف المؤمن وعلاماته أمرين الشكر والصبر لأنهما يدلان على كمال إيمانه ومعرفته وصفاء باطنه وظاهره إذ هما تابعان للعلم بالله وبما وعد للشاكرين والصابرين.

(وأما المنكوس فقلب المشرك، ثم قرء هذه الآية: (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن

ص:146


1- -الکافی :422/2.

يمشي سويا على صراط مستقيم)) القلب المنكوس كالكوز المقلوب وإنما نسب النكس إلى قلب المشرك مع المشاركة بينه وبين المنافق في عدم الإيمان; لأن قلب المنافق يمر فيه شيء من الحق والإيمان ولا يعتقد به بخلاف قلب المشرك فإنه لا يمر فيه شيء من الحق كالكوز المنكوس ولا يلزم من ذلك أن يكون عقوبة المنافق أخف من عقوبة المشرك; لأن انكار الحق مع الشعور به أقبح وأشد، وقيل القلب المنكوس القلب الناظر إلى الدنيا والمتوجه إليها; لأن الدنيا تحت الآخرة والآخرة فوقها فالناظر إليها منكوس رأسه، والآية من باب التمثيل بالأشياء المحسوسة تقريبا للفهم والاستشهاد باعتبار أن المشرك يمشي مكبا على وجهه لكون قلبه مكبوبا مقلوبا والمؤمن يمشي سويا لكون قلبه على وجه الفطرة مستقيما عارفا بالحق كما يرشد إليه قوله تعالى (على صراط مستقيم).

(فإما القلب الذي فيه إيمان ونفاق فهم قوم كانوا بالطائف فإن أدرك أحدهم أجله على نفاقه هلك وإن أدركه على إيمانه نجا) القلب الذي فيه نفاق وإيمان هو قلب من آمن ببعض ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وجحد بعضه أو شك وهذا في الحقيقة نوع من النفاق كما يرشد إليه قوله «فإن أدرك أحدهم أجله على نفاقه» بأن لا يرجع عنه ولا يتوب وقوله «فهم قوم كانوا بالطائف» على سبيل التمثيل وإلا فكل من اتصف بصفاتهم فحكمه حكمهم.

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «القلوب ثلاثة: قلب منكوس لا يعي شيئا من الخير وهو قلب الكافر، وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشر فيه يعتلجان فأيهما كانت منه غلب عليه، وقلب مفتوح فيه مصابيح تزهر ولا يطفأ نوره إلى يوم القيامة وهو قلب المؤمن».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: القلوب ثلاثة) هذا لا ينافي ما مر من أن القلوب أربعة; لأن قوله «وقلب فيه نكتة سوداء» يشمل القسمين منها وهما قلب فيه نفاق وإيمان وقلب المنافق الذي لم يؤمن بحسب الباطن أصلا، والاعتلاج با يكديگر در آويختن در كشتى گرفتن وجنگ كردن وأمثال آن (وقلب مفتوح) الفتح مقابل القبض والطبع وهو قلب يقبل الإيمان والمعارف والأسرار وكلها نور ينور القلب في عالم الأبدان والأرواح كما أن الشمس تنور الأرض في عالم الأجسام والأشباح، وقوله:

(لا يطفأ نوره إلى يوم القيامة) إشارة إلى أن القلب المنور بأنوار الإيمان والمعارف منور بعد الفراق من البدن في عالم البرزخ وبعده فإن هذه الأنوار باقية لا تزول منه أبدا ورفقاؤه دائما وهو مبتهج مسرور بها وكذلك ظلمة القلب بحكم المقابلة معه أبدا وهو مغموم ومحزون بها دائما.

ص:147


1- -الکافی :423/2.

باب في تنقل أحوال القلب

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، ومحمد ابن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن ابن محبوب، عن محمد بن النعمان الأحوال، عن سلام بن المستنير قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام): فدخل عليه حمران بن أعين وسأله عن أشياء فلما هم حمران بالقيام قال لأبي جعفر (عليه السلام): اخبرك أطال الله بقاءك لنا وأمتعنا بك أنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا وتسلوا أنفسنا عن الدنيا ويهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنيا؟ قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): «إنما هي القلوب مرة تصعب ومرة تسهل، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): أما إن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) قالوا: يا رسول الله نخاف علينا النفاق قال: فقال: ولم تخافون ذلك؟ قالوا:

إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا وجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا حتى كأنا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل يكاد أن نحول عن الحال التي كنا عليها عندك وحتى كأنا لم نكن على شيء أفتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟ فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): كلا إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا والله لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء ولو لا أنكم تذنبون فتستغفرون الله لخلق الله خلقا حتى يذنبوا، ثم يستغفروا الله فيغفر [الله] لهم، إن المؤمن مفتن تواب أما سمعت قول الله عز وجل: (إن الله يحب التوابين ويحب المطهرين) وقال:

(إستغفروا ربكم ثم توبوا إليه)».(1)

* الشرح:

قوله: (فلما هم حمران بالقيام قال لأبي جعفر (عليه السلام) أخبرك أطال الله بقاءك لنا وامتعنا بك أنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا - إلى آخره) هذا انكار منه على نفسه لما وجد منها في خلوتها خلاف ما يظهر منه بحضرته (عليه السلام) خوف أن يكون ذلك من أنواع النفاق وأراد من نفسه أن يكون دائما على تلك الحالة التي يجدها عند موعظته (عليه السلام) ولا يشتغل عنها بشيء فأخبره تحسرا وتأسفا بأنه يفوت عنه تلك الحالة الشريفة عند المعاشرة مع أهل الدنيا فأجاب (عليه السلام) بأن القلوب مرة

ص:148


1- -الکافی :423/2.

تصعب ومرة تسهل وليست دائم على حالة واحدة فإذا صعبت أدبرت وانتقلت إلى حالة دنية وإذا سهلت أقبلت وانتقلت منها إلى حالة شريفة ووجه ذلك أن سنة الله في عالم الإنسان أن يكون فعله متوسطا بين عالم الملائكة وعالم الشياطين فمكن الملائكة في الخير بحيث يفعلون ما يؤمرون ويسبحون الليل والنهار ولا يفترون ومكن الشياطين في الشر بحيث لا يغفلون فجعل عالم الإنسان متلونا.

وإليه يرشد ما نقل عن أبي ذر قال: «وعلى العاقل أن تكون له ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفكر فيها في صنع الله وساعة يخلو فيها بحاجته من المطعم والمشرب» وفيه رد على من زعم لنفسه دوام تلك الحال وأنه لا يميل معها إلى الأهل والمال اللهم إلا أن يدعي أنه خرج من جبلة البشر وتعاطى دوام الذكر وعدم الفترة التي هي من خواص الملائكة والحق أن دوام الأحوال محال عادة وإنما الذي يمكن دوامه هو المقام وهو يحصل للإنسان لسعيه وكسبه والحال تحصل بهبة ربه ولهذا قالوا المقامات مكاسب والأحوال مواهب (1) وفيه دلالة واضحة

ص:149


1- قوله: «المقامات مكاسب والأحوال مواهب» كلمة متلقاة من الصوفية ولا ضير في نقلها والاعتماد عليها والاعتناء بها إذا لم تكن من البدع ودل عليها العقل ولا ريب أن كل كمال للنفس يفيض عليها من الملاء الأعلى سواء كان علما نافعا أو خلقا حسنا، وإذا أخذته النفس والتفتت إليه واعتنت به وعملت بمقتضاه وحفظته صارت ملكة راسخة وسمى مقاما وإن لم تعتن به وأهملته وكان في معرض الزوال سمى حالا، والأصل في ذلك أن في الإنسان قوة تسمى بالقوة العاقلة وقوة اخرى تسمى بالواهمة، والشهوة والغضب وما يتضرع عليها من الأهواء من الواهمة والخير والفضائل من العاقلة، والعاقلة والواهمة قد تتفقان كشهوة طعام الحلال ودفع أعداء الدين فلا كلام وقد تتخالفان وهو الغالب وكل ما نرى من البدع والضلالات والفتن والأهواء والفسوق والمعاصي فإنما هي لغلبة القوة الواهمة على العاقلة لا لأن العاقلة معزولة لا تحكم بشيء بل لأنها مغلوبة لا تطيعها سائر القوى ولو كانت العاقلة معزولة لكان صاحبها بمنزلة الحيوان والمجانين ولكنها آمرة لا تطاع وطريق تسخير الواهمة أن يتمرن الإنسان ويتتبع حالاته فكلما رأى حالا أفيضت عليه وأمره بها العقل تمسك ولم يهمل وعمل بها قهرا على الواهمة حتى يصير الحال راسخة والعاقلة غالبة والواهمة مغلوبة ويثبت على الخير ويحصل له المقام وليس الحال والمقام منحصرين في مرتبة بعينها من مراتب السلوك بل هما في جيمع منازل السالكين إلى الله تعالى، وهنا مطالب يسئل عنها وقد أشير إليها في مطاوي الأحاديث السابقة لابد من الإشارة إليها بتوفيق الله تعالى: الأول: ما معنى الإيمان المعار والمستودع؟ هل تحقق عندهم اليقين بالتوحيد والنبوة أو شكوا وظنوا؟ فإن تحقق عندهم اليقين فلا يمكن زوال اليقين والضلال بعد الهداية على ما مر في الروايات فليس معارا وإن شكوا أو ظنوا فليس الشك ولا الظن إيمانا والجواب أنهم أيقنوا بعقولهم وعارض عقولهم أوهامهم نظير من يعلم يقينا إن الميت جماد والجماد لا يخاف منه ولكن يفر من الميت ولا يخضع لعقله كذلك هؤلاء وليس لهم التزام بما تحكم به عقولهم إلا في حالات خاصة لا يزاحم الدين أهواءهم وقد مر في الحديث الذي سبق في باب علامة المعار «أن الحسرة والندامة والويل كله لمن لم ينتفع بما أبصره - أه» وليس كل من عرف شيئا يقينا ملتزما بالعمل بيقينه كمريض يعلم ضرر طعام ويأكله متابعة لشهوته وفي ذلك الحديث أيضا من لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع أي أبصر ولم ينتفع بما أبصره. الثاني: قد مر في بعض الروايات أن الرجل المؤمن لا ينقل إلى الكفر فما معنى الإرتداد والأحكام الواردة للمرتد في الفقه وما معنى قوله تعالى (إن الذين كفروا - إلى قوله - ثم ازدادوا كفرا) فإن الظاهر منها متناقض والجواب أن أحكام الفقه واردة للدنيا وهذه الروايات ناظرة إلى الآخرة ولا تناقض بينهما فمظهر الإسلام محكوم بالإسلام في الدنيا فإذا ظهر منه الإنكار حكم بارتداده في الدنيا وأما بالنسبة إلى الآخرة فالمرتد لم يكن مؤمنا حقيقة والدليل عليه مع هذه الروايات أمور: الأول: أن الشك بعد اليقين خلاف العادة; لأن الإنسان قد يتفق له أن يشك في شيء ثم يتنبه لدلائل ثبوته ويتيقن به ولكن لا يتفق عادة ان يتضح لديه شيء يتقين به ويدرك الواقع على ما هو عليه بالبداهة أو بدليل صحيح ثم يشك فيه كمن رأى نارا وأدرك حرارتها بيده أو ثبت عنده أن حاصل ضرب أربعة في خمسة عشرون لم يتردد فيه إلا أن يكون المطلب مبهما وكان اقراره به أولا تخمينا ثبت بعده خطاؤه. الثاني: ما استدل به كثير من المتكلمين أن المؤمن يستحق الثواب والكافر العقاب فإذا مات المرتد على الكفر استحق الثواب على الإيمان والعقاب على الكفر ولا يمكن الجمع بينهما ولا احباط في مذهبنا ولا تكفير وحينئذ فإما ان يقدم العقاب على الكفر فيخرج منه إلى الثواب خالدا وهو غير صحيح مع موته على الكفر وإما يقدم الثواب فيخرج منه إلى العقاب الدائم على الكفر وهذا أيضا ينافي الثواب لأن انتظار العقاب حين الثواب منغص للالتذاذ به وغير مناسب للكريم تعال ولا استدراج في القيامة. المطلب الثالث ان قيل لا منافاة بين أن يكون الإنسان مؤمنا موقنا بالله تعالى ورسالة نبيه (صلى الله عليه وآله) وان لا يعرض له شك فيها بعد الإيمان لكن يصير مرتدا بإنكار امور اخر من ضروريات الدين كالمعاد وحدوث العالم قلنا هذا غير معقول; لأن اليقين بالرسالة يقين بجميع ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله) فإن تردد الموقن بالرسالة في شيء فإنما تردد في صحه نسبة ذلك الشيء إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو لا يستلزم الإرتداد; لأن المرتد من ينكر شيئا مع علمه بصدوره من النبي (صلى الله عليه وآله) (ش).

على أن مجالسة الصالحين ومصاحبتهم تنسى الدنيا وتذكر الآخرة وتدفع خطرات النفس ووساوس الشيطان ولذلك كثرت الروايات في الحث عليها سيما أرباب العصمة (عليهم السلام) فإنهم أنوار الله في عباده وخزان علمه في بلاده والناصرون لأمره والقائمون به والذابون عن دينه يشدون قلوب من توسل بهم ويقومون ظهره ويؤيدون أمره ويحذفون شواغل الدنيا وحب زهراتها عن قلبه ويقلعون شبهات الباطل عن صدره بالكلمات البالغة إلى أعلى مدارج ذهنه والخطابات الواصلة إلى أقصى معارج فهمه فيشرق الأنوار الغيبية على ظاهره وباطنه هدانا الله بفيض جودهم إلى أعلى معارج اليقين وبنور وجودهم إلى أرفع منازل الآمنين.

(ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) أما أن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) قالوا: يا رسول الله نخاف علينا النفاق - إلى قولهم - افتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا) لما كان باطنهم متصفا بصفة شريفة عند حضرته (صلى الله عليه وآله)

ص:150

وبصفة دنية عند غيبته توهموا أن يكون ذلك نفاقا.

(فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلا أن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا) ردعا لهم عن ذلك التوهم; لأن باطنهم موقن متذكر في وقت وغافل في وقت آخر لخطوات الشيطان وترغيبه في الدنيا كما هو شأن الخبيث اللعين حيث أنة إذا لم يكن له تصرف في إيمان المؤمن يتوصل بما يوجب نقص إيمانه وينزله عن كماله والمنافق باطنه غير مؤمن وقلبه غير موقن بل متصف بصفة الغفلة دائما وبينهما بون بعيد، وينبغي أن يعلم أن قلب المؤمن في الحقيقة عرش الرحمن يطوف به قوافل واردات الحق والهاماته ويشرق فيه لوامع أنواره وطوالع أسراره ولذلك يجب تطهيره عن أدناس التعلقات وأرجاس الشهوات.

وقد قيل: له بابان باب شرقي أيمن مفتوح إلى مشرق نور الحق وحظيرة القدس يطلع من ذلك الباب شوارق الألطاف الربوبية والمواعظ اللاهوتية وباب غربي أيسر إلى مغرب الجسد والأعضاء ومنه يظهر آثار تلك الشوارق والمواعظ إلى الأعضاء فتخضع بالأعمال الصالحة تواضعا ويسهل القلب عند ذلك ويتم النعمة ظاهرة وباطنة وكثيرا ما يتصرف فيه الشيطان ويلقى إليه من باب الغربي كذبا وزورا ويوحى إلى زخرف القول غرورا، فيميله إلى الدنيا ويحدث فيه صداء ورينا فإن استيقظ من نداء الغيب ودعوة أهل الحق ونصحه واستغفر زال عنه وإن استمر يسرى ذلك من الباب الشرقي إلى عالم القدس ويمنع الواردات اللاهوتية والأنوار الربوبية فيسود لوح القلب ويصدر من الجوارح أعمال قبيحة ومظلمة تنعكس ظلمتها إليه فينطمس نوره بريح الشهوات وتراكم الظلمات ظلمات بعضها فوق بعض فلا يقبل الحق أبدا.

ثم أشار (صلى الله عليه وآله) إلى أن الحالة الأولى حالة حسنة شريفة والدوام عليها يوجب التشبه بالملائكة والوصول إلى مقامات عالية وإلى أن الحالة الثانية والتعرض للذنب والاستغفار بعده أيضا لا تخلوا من حكة الهية ومصلحة ربانية بقوله: (والله لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء) هذا الخطاب حق وصدق; لأن المانع من ذلك إنما هو الكدورات الجسمية والتعلقات البشرية والأوزار النفسانية والوساوس الشيطانية والميل إلى الزهرات الدنيوية واللذات الفانية، فإذا زالت عن العبد تلك الموانع دائما يصير نورا صرفا وروحا محضا ويتصف بصفات الملائكة ويلتحق بالروحانيين ويصافحهم ويكون معهم ويمشى على الماء مثلهم، وإن شئت توضيح ذلك فنقول: إن للروح الإنساني منازل في السير إلى الله أولها المحسوسات وثانيها المتخيلات وثالثها الموهومات ورابعها المعقولات وهو في هذا المنزل يمتاز عن سائر الحيوانات ويرى فيه ما هو خارج عن عالم الحس والخيال والوهم ويعلم روح الأشياء

ص:151

وحقايقها وله عرض عريض وله أول عالم الإنسان وآخر عالم الملائكة بل فوقه وهو معراج الإنسان وأعلى عليين له كما أن الثلاثة الأول أسفل السافلين له وأعظم أسباب معراجه قطع التعلق عن الدنيا والاعراض عنها بالكلية، ثم الدوام على هذه الحالة فإنه يوجب الوصول إلى حالة شريفة هي مرتبة عين اليقين وله في تلك المرتبة قدرة على أفعال غريبة (1) وآثار عجيبة باذن الله تبارك وتعالى كمصافحة الملائكة والمشي على الماء والهواء وغيرها ومنه يعلم أن الكرامات غير منكرة من الأولياء كما زعمه بعض العلماء نعم هي مستبعدة والاستبعاد لا يقتضي نفيها. وتنقل القلب أعنى الروح عبارة عن انتقاله من المرتبة الأعلى إلى المرتبة الأدنى وقد ينتقل إلى أدنى جميع المراتب

ص:152


1- قوله: «وله في تلك المرتبة قدرة على أفعال غريبة» أورد المجلسي (رحمه الله) كلام الشارح من قوله ينبغي أن يعلم إلى قوله بعض العلماء في مرآة العقول وذلك لنفاسته واشتماله على أصول شريفة هي غاية خلق الإنسان ومنتهى المقاصد في ارسال الأنبياء وانزال الكتب ولعمرى ان كتاب الإيمان والكفر أنفس ما في الكافي الشريف لأنه الغرض الأقصى وهذا الحديث من أعلاق النفائس يبين به سر السعادة وإن مقامات السائرين إلى الله ومنازلهم غير متناهية وتفاضل الناس بالحصول على تلك المراتب وكلها أعلى وأشرف من العدالة الشرعية التي هي مرتبة واحدة وتلك المقامات غير متناهية لا يمكن احصاؤها ولو أراد أحد تقسيم الناس بحسب الأحكام الدنيوية قسمهم أولا إلى قسمين مسلم وكافر، والمسلم إلى أهل الولاية والمخالف، وأهل الولاية إلى العادل والفاسق ولكن إذا أراد تقسيمهم بحسب أحكام الآخرة فلا يجوز الاكتفاء بذلك بل يجب أن ينظر إلى حالات النفوس في الحقيقة والواقع والعمدة فيه أن الإنسان اما أن يكون ماديا قائلا بأن الموجود منحصر في هذه المحسوسات وليس وراء المحسوس شيء واما أن يكون مؤمنا بالغيب والآخرة يقينا أو بحسب الاحتمال وهذا أول الاعتناء بما وراء المحسوسات فالمادي منغمر في الدنيا بعيد عن الله تعالى (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون) وهؤلاء أخس أفراد الإنسان وأما الذين يؤمنون بالغيب فيرجى الخير منهم فمنهم كافر ومنهم مؤمن والكفار منهم مشركون ومنهم موحدون ويرجى من كل منهم الإيمان واما المنغمر في الدنيا (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون). والمؤمنون على درجات شتى غير متناهية على حسب تقديرهم للغيب الذي آمنوا به فكل من كان اعتناؤه بالغيب أشد واعراضه عن الدنيا أبلغ وأكثر كان مقامه أعلى وأشرف وإلى الله تعالى أقرب. والسلوك إلى الله تعالى عبارة عن أعمال يوجب تنزيه القلب عن الشهوات والأوهام والرذائل الخلقية بالتدريج شيئا بعد شيء ورذيلة بعد رذيلة حتى يصل إلى مقام يليق به فإن رفض حب الدنيا وتمحض في عالم الغيب بحيث لو انكشف الغطاء ما ازداد يقينا أو قارب ذلك المقام ناسب أن يصافح الملائكة ويمشى على الماء ويظهر منه الكرامات واما مراتب العدالة في الفقه فكل منها في عرض الأخرى ممكن الحصول لجميع الناس بالسهولة فيتجنب المحرمات والشبهات ويأتي بالنوافل بقدر ما يمكن ولكثير من مدعى التصوف تمحلات في توجيه رغبتهم في الدنيا وتكالبهم عليها يعلم منها كذبهم وعدم معرفتهم بمقصد الدين الشريف في السلوك والهادي هو الله. وأهم ما يدل عليه هذا الحديث أن السلوك إلى الله ومراتبه حق مطلوب في الشرع وليس كما يظن أهل الظاهر وقد مر في المجلد (9) ما يؤيد كلام الشارح هنا.

ويستقر فيه وهو أسفل السافلين فيكون بعد الفراق من البدن من الخاسرين أعاذنا الله منه.

(ولو لا أنكم تذنبون فتستغفرون الله لخلق الله خلقا حتى يذنبوا ثم يستغفر والله فيغفر [الله] لهم) الاستغفار طلب غفران الذنوب وسترها والتجاوز عنها وهو سبب للرجوع إلى الحق وسلوك سبيله; لأن الذنوب اغلال للسائرين إليه وموانع للطالبين له ولذلك قال عز وجل (ثم توبوا) مع احتمال أن يراد بالتوبة العزم على عدم الإتيان بالذنوب فيما بقي من عمره بعد الاستغفار عما مضى وفيه تسلية للمذنبين وبشارة للتائبين وإشارة إلى أن الحكمة البالغة (1) تقتفي وجود هذا النوع من الخلق لتكون مظهر الرحمة وأن المؤمن لابد أن يكون دائما بين هذين الوصفين وأن يكون مراقبا لأحواله الماضية والآتية فيتدارك ما فات ويستعد لما هو آت والله هو الموفق للخيرات.

ص:153


1- قوله: «إشارة إلى أن الحكمة البالغة» لكن إرادة المعاصي بالعرض لا بالذات فإنه تعالى أراد أن يكون الإنسان مختارا في فعله وأن لا يجبره على الطاعة ولازم الاختيار وجود جماعة عاصية كسلطان لا يرى المصلحة في اجبار رعاياه على شيء فإن الإجبار يرفع نشاط العمل ويقل ارتفاع البلاد فيتركهم وما يفعلون إلا أنه يعاقب من ارتكب فسادا وفتنة ولازم تخيير الرعايا وحريتهم أن يرتكب بعضهم بعض القبائح لكن قهرهم يوجب ضررا أشد فيختار أهل الضررين والقبائح ليست مطلوبة له إلا بالعرض لضرورة حرية الناس واختيارهم. (ش)

باب الوسوسة وحديث النفس

* الأصل:

1 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن محمد بن حمران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوسوسة وإن كثرت، فقال: «لا شيء فيها، تقول: لا إله إلا الله».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوسوسة وإن كثرت فقال: لا شيء فيها، تقول: لا إله إلا الله) الوسوسة حديث النفس مثل من خلق الله؟ وأين هو؟ وكيف هو؟ ومتى هو؟ يخطر ذلك في القلب من غير قصد ولا عقد ولا تكلم به لقصد الترويج والتشهير وربما يفرق بينهما بأن الوسوسة آكد مثلا ان خطر ببالك النظر إلى امرأة فهو حديث النفس وإن حصلت الرغبة وحركتك الشهوة فهو الوسوسة ولا شيء فيهما ومن أراد دفع كراهة ذلك وطرد الخبيث عن نفسه فليقل: لا إله إلا الله أو ليقل: آمنا بالله وبرسوله ولا حول ولا قوة إلا بالله أو ليذكر الله وحده، أمره بالتوحيد لوجوه: الأول:

أن لا يأتيه الموت وهو على تلك الحال.

الثاني: نفي ما القى في نفسه من أن لا له إلها آخر حيث صرح بأن إله واحد ليس إلا هو، الثالث:

أن تلك الكلمة تطرد الخبيث وتدفعه عن قائلها ولذلك يلقن المحتضر بها، الرابع: إفادتها أن سلسلة الممكنات منتهية إليه فلا يكون له موجد، الخامس: أن من اتصف بجميع صفات الكمال لا يتصف بالمخلوقية والاحتياج، السادس: أنه لو كان له إله لزم الدور أو التسلسل فوجب حصر الألوهية في واحد ومثل هذا الحديث روى العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «إن الله تجاوز لي عن امتي ما حدثت به أنفسهم ما لم تتكلم به أو تعمل به» قال بعضهم قال (عليه السلام) هذا بعد نزول النسخ أو التخفيف لقوله تعالى: (فإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) فقال بعض الصحابة من يطيق هذا؟ فقال: أتريدون أن تقولوا كما قال بنوا إسرائيل سمعنا وعصينا قولوا سمعنا وأطعنا، فقالوا، فأنزل الله التخفيف بقوله: (لا يكلف الله نفسا إلى وسعها - الآية) فقال (عليه السلام) كالمبين والمفصل لجملتها: إن الله تجاوز لي إلى آخره فبين لهم ما رفع عنهم مما لا يطيقونه وهو حديث النفوس فأعلمهم أن له سبحانه أن يكلفهم ما يعلم أنه يشق عليهم معاناته بمقتضى عدله وعدله حسن، ثم خفف عنهم برفع ما يعجزون عنه اظهارا لفضله والفضل عليهم أحسن، والمراد بحديث النفس المعفوا عنه ما لا يدخل تحت كسب العبد من الخواطر أولا والفكر فيما يخطر للنفس ثانيا فيتأمله ويتحدث هل يعمله أم لا فهذا معفوا إلى أن يترجح في القلب الفعل أو الترك فيهم به فإن كان خيرا كتب له حسنة

ص:154


1- -الکافی :424/2.

وإن كان شرا لم يكتب فإذا قوى الهم صار نية فيعرم القلب وينوى فمن هنا يتحقق كسبه وفعله فتقع المؤاخذة والمحاسبة لقوله تعالى: (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) ثم استدرك (عليه السلام) بعد ذكر ما عفى عنه ما يحاسب عليه فقال: ما لم تتكلم به وهو عمل اللسان أو تعمل به وهو عمل القلب وكسبه وهو عزمه ونيته وأفعال الجوارح والأركان فهذا ما لم يعف عنه وإن جاز العفو عنه بعد إثباته والمحاسبة عليه فضلا كما روى أن الله تعالى يقول للحافظين: «وإذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها وآخذه أو اغفر» وقوله (عليه السلام) «إن الله تجاوز لي» يشعر بفضيلته فإن الله تعالى خصه في حق أمته بهذا العفو دون من قبله من الأنبياء كما خصه بقوله: «نصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم ولم يحل لأحد قبلي ونصرت بالصبا» إلى غير ذلك مما أكرمه انتهى كلامه.

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

قلت له: إنه يقع في قلبي أمر عظيم، فقال: «قل: لا إله إلا الله، قال جميل: فكلما وقع في قلبي شيء قلت: لا إله إلا الله، فيذهب عني».

* الأصل:

3 - ابن أبي عمير، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله هلكت، فقال له (عليه السلام): أتاك الخبيث فقال لك: من خلقك؟ فقلت: ألله، فقال لك:

ألله من خلقه؟ فقال: إني والذي بعثك بالحق لكان كذا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذلك والله محض الإيمان، قال ابن أبي عمير: فحدثت بذلك عبد الرحمن بن الحجاج فقال: حدثني أبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما عنى بقوله «هذا والله محض الإيمان» خوفه أن يكون قد هلك حيث عرض له ذلك في قلبه».(1)

* الشرح:

قوله: (فقال يا رسول الله هلكت) قال ذلك لظنه أنه مكلف بالتحفظ من الخطرات ودفعها شاق عليه وذلك إشارة إلى خوف الهلاك كما دل عليه ما بعده أي خوفك من الهلاك لأجل تلك المخاطرة محض الإيمان ضرورة ان الكافر لا يخاف من هذه ولا من أعظم منها ولا يخبر بهلاكه.

* الأصل:

4 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا عن علي بن مهزيار قال: كتب رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) يشكو إليه لمما يخطر على باله، فأجابه في بعض كلامه: «إن الله عز وجل إن شاء ثبتك فلا يجعل لإبليس عليك طريقا، قد شكى قوم إلى

ص:155


1- -الکافی :425/2.

النبي (صلى الله عليه وآله) لمما يعرض لهم; لأن تهوي بهم الريح أو يقطعوا أحب إليهم من أن يتكلموا به فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتجدون ذلك قالوا نعم فقال: والذي نفسي بيده إن ذلك لصريح الإيمان، فإذا وجدتموه فقولوا: آمنا بالله ورسوله ولا حول ولا قوة إلا بالله».(1)

* الشرح:

قوله: (كتب رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) يشكوا إليه لمما يخطر على باله - إلى آخره) اللمم بفتحتين مقاربة الذنب وقيل هو الصغائر من الذنوب وهو أيضا طرف من الجنون يلم به الإنسان وإنما جعل الوسوسة لمما أي ذنبا صغيرا لزعمه أنها من صغائر الذنوب أو لأنها قد تؤول إلى ذنب وإلا فهي ليست من الذنوب والهوى السقوط من أعلى إلى أسفل وفعله من باب ضرب ومنه قوله تعالى: (أو تهوى به الريح في مكان سحيق) أي بعيد والباء في بهم للتعدية وهم جعلوا التكلم باللمم واظهاره أشد عليهم من أن يسقطهم الريح إلى مكان عميق أو من أن تقطع أعضاؤهم استقباحا لشأنه واستعظاما لأمره لأنه محال في حقه تعالى وكفر به، والاستفهام في قوله (أتجدون ذلك) على حقيقته أو للتعجب أو التقرير، ولفظه ذلك في الموضعين إشارة إلى الاستعظام أو الخوف المفهومين من سياق الكلام.

وصريح الإيمان خالصة ولو جعل إشارة إلى اللمم لورد أن الإيمان يقين واللمم شك أو قريب منه فلا يكون اللمم من الإيمان فضلا عن أن يكون من صريحه، ويمكن أن يدفع ذلك بأن الشيطان إذا يئس من كفر من صح إيمانه ومن الإتيان به من جهة الأعمال قصده بالوسوسة ليشغل قلبه بحديث النفس وليؤذيه بذلك فإذا سبب الوسوسة هو محض الإيمان وصريحه فصح أن الوسوسة صريح الإيمان بخلاف الكافر والشاك وضعيف الإيمان فإنه يأتيهم من أي وجه أراد، ويدل على هذا التوجيه حديث آخر الباب.

5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن محمد، عن محمد ابن بكر بن جناح، عن زكريا بن محمد، عن أبي اليسع داود الأبزاري، عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن رجلا أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إنني نافقت فقال: والله ما نافقت ولو نافقت ما أتيتني، تعلمني ما الذي رابك؟ أظن العدو الحاضر أتاك فقال لك: من خلقك؟ فقلت: الله خلقني، فقال لك: من خلق الله؟ قال: إي والذي بعثك بالحق لكان كذا، فقال: إن الشيطان أتاكم من قبل الأعمال فلم يقو عليكم فأتاكم من هذا الوجه لكي يستزلكم، فإذا كان كذلك فليذكر أحدكم الله وحده».

ص:156


1- -الکافی :425/2.

باب الاعتراف بالذنوب والندم عليها

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي الأحمسي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به، قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام): «كفى بالندم توبة».(1)

* الشرح:

قوله: (والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به) أي ما ينجو منه قطعا أو استحقاقا إلا من أقر به وأما غيره ففي مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفى عنه فلا ينافي الحصر.

(قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام): كفى بالندم توبة) ندم على ما فعل ندما وندامة فهو نادم إذا حزن أو فعل شيئا ثم كرهه، واعلم أن الله تعالى خلق القلب قابلا للخاطرات الحسنة والخاطرات القبيحة والأولى من الملك والثانية من الشيطان ثم الثانية إذا أثرت في القلب حصل شوق إلى الذنب وهو يوجب العزم عليه والعزم يوجب تحرك القدرة والقوة إليه وتحرك القدرة يوجب تحرك الأعضاء والجوارح إليه فيصدر منها الذنب وإذا أخذت بيده العناية الأزلية وأثرت فيه الخاطرات الحسنة وحصل له علم بأن الذنوب سموم مهلكة حصل له شوق إلى قرب المبدأ والرجوع إليه وزال عنه الشوق إلى الذنب فيحصل له ندامة عما كان فيه وهو المسمى بالتوبة فإذا زال الشوق إلى الذنب وحصل له الندامة زال العزم عليه ومتى زال العزم زال تحرك القوة فيزول تحرك الأعضاء; لأن المسببات تزول بزوال أسبابها كما يشعر به قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا الباب: «إن الندم على الذنب يدعوا إلى تركه» فمعنى قوله (عليه السلام): «كفى بالندم توبة» أنه إذا حصل الندم حصل التوبة والرجوع إلى الله تعالى بالاقلاع عن الذنوب والخروج منه لأنه أصل له وسبب مؤد إليه ولم يرد أن مجرد التوبة من دون كف النفس عن الذنوب كاف في الرجوع إليه إذ ليس مجرد ذلك توبة وندامة بل هو شبيه بالإستهزاء، نعم الندامة المفضية إلى ترك الذنوب توبة وإن لم يستغفر منه.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عمن ذكره، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

«لا والله ما أراد الله تعالى من الناس إلا خصلتين: أن يقروا له بالنعم فيزيدهم وبالذنوب فيغفرها لهم».(2)

ص:157


1- -الکافی:426/2.
2- -الکافی:426/2.

* الشرح:

قوله: (عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا والله ما أراد الله تعالى من الناس إلا خصلتين: أن يقروا له بالنعم فيزيدهم وبالذنوب فيغفرها لهم) المراد بالإقرار بالنعم معرفة المنعم وقدر نعمته وأنها منه تفضلا وهي شكر والشكر يوجب الزيادة وبالإقرار بالذنوب الإقرار بها مجملا ومفصلا وهو ندامة منها والندامة توبة والتوبة توجب غفران الذنوب، ولعل الحصر حقيقي; لأن كل ما أراد الله من الناس فهو داخل في الخصلتين.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمر [و] بن عثمان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن الرجل ليذنب الذنب فيدخله الله به الجنة، قلت: يدخله الله بالذنب الجنة؟ قال: «نعم إنه ليذنب فلا يزال منه خائفا ماقتا لنفسه فيرحمه الله فيدخله الجنة».(1)

* الشرح:

قوله: (قال نعم إنه ليذنب فلا يزال منه خائفا ماقتا لنفسه فيرحمه الله فيدخله الجنة) دل على أن دوام الخوف والمقت بمعنى تحققهما كلما خطر الذنب بباله سبب للرحمة لأنه بالخوف اعترف بعظمة الرب وقبح مخالفته وبالمقت اعترف بذنبه وتقصيره وكل واحد سبب تام للرحمة.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن معاوية بن عمار قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنه والله ما خرج عبد من ذنب إلا بإصرار وما خرج عبد من ذنب إلا بإقرار».(2)

* الشرح:

قوله: (ما خرج عبد من ذنب بإصرار وما خرج عبد من ذنب بإقرار) الإصرار إما فعلي وهو المواظبة على نوع ذلك الذنب أو على نوع آخر أو حكمي وهو العزم على فعله ثانيا وإن لم يفعل كما صرح به الشهيد في شرح اللمعة، والغرض الأصلي منه لازمه وهو الوعيد بوخامة العاقبة وشدة العقوبة وإلا فمضمونه ظاهر وليس الحصر بالنسبة إليه لأنه حقيقي إذ الخروج على سبيل القطع والاستحقاق لا يحصل إلا بالإقرار.

* الأصل:

5 - الحسين بن محمد، عن محمد بن عمران بن الحجاج السبيعي، [عن محمد بن وليد] عن

ص:158


1- -الکافی:426/2.
2- -الکافی:426/2.

يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «من أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له غفر له وإن لم يستغفر».(1)

* الشرح:

قوله: (من أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه - إلى آخره) لعل الوجه أن ذلك اقرار بالذنب وبأنه معصية للخالق العالم المطلع القادر على جميع الأشياء واعتراف بالعجز والتقصير وكل ذلك سبب للمغفرة كالتوبة والندامة وترك الذنوب إلا أن هذا السبب أعظم من الأول.

* الأصل:

6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي هاشم، عن عنبسة العابد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله يحب العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم ويبغض العبد أن يستخف بالجرم اليسير».

* الشرح:

قوله: (قال إن الله يحب العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم ويبغض العبد أن يستخف بالجرم اليسير) يتحقق هذا الطلب بدوام الحسرة والتضرع، ومنشأوه العلم بقبح المعصية والمخالفة، وثمرته تنور القلب ومحبة الرب والمراد بالإستخفاف بالجرم اليسير عدم الاعتناء به والإصرار عليه وذلك استخفاف بالله وبالشريعة وصاحبها فمن أجل ذلك يستحق البغض من الله وسلب رحمته بخلاف من لجأ إلى الله وطلب المغفرة في الذنب العظيم فإن فيه تقبيحا للذنب وتعظيما للرب وتعييرا للنفس وكل ذلك موجب لأن يحبه الله ويفيض عليه رحمته.

* الأصل:

7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن إسماعيل بن سهل، عن حماد عن ربعي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إن الندم على الشر يدعو إلى تركه».

* الشرح:

قوله: (ان الندم على الشر يدعوا إلى تركه) فالنادم الفاعل للشر ليس نادما في الحقيقة ولا يبعد أن يستفاد منه أن التوبة في الحقيقة هي التي تدعوا إلى ترك الذنوب كلها كما هو مذهب بعض الأصحاب.

* الأصل:

8 - محمد بن يحيى، عن علي الحسين الدقاق، عن عبد الله بن محمد، عن أحمد بن عمر، عن

ص:159


1- -الکافی:426/2.

زيد القتات، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه إلا غفر الله له قبل أن يستغفر، وما من عبد أنعم الله عليه نعمة فعرف أنها من عند الله إلا غفر الله له قبل أن يحمده».(1)

* الشرح:

قوله: (ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه إلا غفر الله له قبل أن يستغفر) الندمة فعل القلب والاستغفار فعل اللسان والأول أشرف فلذا له تأثير بدون الثاني ولا تأثير للثاني بدونه.

قوله: (وما من عبد أنعم الله عليه نعمة - إلى آخره) ايصال كل مرغوب ودفع كل مكروه نعمة ويفهم منه أن الحمد القلبي أشرف من الحمد اللساني وأن الحمد وغيره من العبادات القلبية والبدنية سبب للمغفرة كما يدل عليه أيضا قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات).

ص:160


1- -الکافی:427/2.

باب ستر الذنوب

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن العباس مولى الرضا (عليه السلام) قال: سمعته (عليه السلام) يقول: «المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بالسيئة مغفور له».(1)

* الشرح:

قوله: (المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة) أي تعدل حسنته سبعين حسنة دل على أن الحسنة في السر أفضل لبعده من الرياء والسمعة، وقد استثنى اظهار الصدقة لدفع التهمة أو لأسوة الغير به أو لنحو ذلك.

(والمذيع بالسيئة مخذول); لأن في إذاعتها استخفاف بالدين واستهانة بالذنب وتبجح به واستحسان له وترويج له بين العوام وهتك لما ستره الله عليه بفضله وكل ذلك مذموم عقلا ونقلا حتى أنه يقرب من الكفر.

(والمستتر بالسيئة بها مغفور له); لأن استتارها نوع من الإقرار بقبحه وقبح فاعله وتقصيره في تعظيم الرب وقد مر أن المقر مغفور له.

2 - محمد بن يحيى، عن محمد بن صندل، عن ياسر، عن اليسع بن حمزة، عن الرضا (عليه السلام) قال:

«قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له».

ص:161


1- -الکافی:427/2.

باب من يهم بالحسنة أو السيئة

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسنة وعملها كتبت له بها عشرا ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه [سيئة] ومن هم بها وعملها كتبت عليه سيئة».(1)

* الشرح:

قوله: (قال إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة - إلى آخره) تفصيل المقام أن ما في النفس ثلاثة أقسام: الأول الخطرات التي لا تقصد ولا تقتصر وقد مر فيما قبل أنه لا مؤاخذة بها ولا خلاف فيه بين الامة، الثاني: الهم وهو حديث النفس اختيارا ان تفعل ما يوافقها أو يخالفها أو أن لا تفعل فإن كان ذلك حسنة كتبت له حسنة واحدة فإن فعلها كتبت له عشر حسنات وإن كان سيئة لم تكتب عليه وإن فعلها كتبت عليه سيئة واحدة كل ذلك مقتضى أحاديث هذا الباب ولا خلاف فيه أيضا بين الامه إلا أن بعض العامة صرح بأن هذه الكرامة مختصة بهذه الامة وظاهر هذا الحديث أنها في الامم السابقة أيضا.

الثالث: العزم وهو التصميم وتوطين النفس على الفعل أو الترك وقد اختلفوا فيه فقال كثير من الأصحاب أنه لا يؤاخذ به (2) لظاهر هذه الأحاديث وقال أكثر العامة والمتكلمين والمتحدثين

ص:162


1- -الکافی:428/2.
2- قوله: «فقال كثير من الأصحاب أنه لا يؤاخذ به» هذا من فروع مسئلة التجري والبحث فيه من ثلاثة وجوه: الأول على طريقة الفقهاء والثاني على طريقة المتكلمين والثالث على طريقة أهل الحديث ولكل واحد هؤلاء الأعلام غرض في البحث يخالف غرض الآخرين. أما على طريقة الفقهاء فغرضهم ترتب أحكام الفعل على القصد أو عدم ترتبه ولا ينبغي التأمل في عدم ترتب الأحكام الدنيوية عليه مثلا من قصد الزنا وعزم عليه لا يحد حد الزنا لأن الحد ثابت على من زنى بالفعل لا على من قصده ولا تحرم عليه أم من قصد الزنا بها أو بنتها، وكذلك من عزم شرب الخمر لا يضرب الحد وإن شرب ماء ظنه خمرا، والقاصد لسرقة مال الغير لا يقطع إذا تبين أنه أخذ مال نفسه، ولا تحرم أخت غلام قصد ايقابه عليه أبدا ولا ذات البعل إن قصد الزنا بها وأما الحكم بفسقه وزوال عدالته وعدم قبول شهادته والصلاة خلفه بالعزم الخالي عن الفعل فمبنى على كون العزم معصية بنفسه وبالجملة لا يترتب حكم الزنا على قصد الزنا قطعا، نعم إن قلنا بكون العزم معصية بنفسه لا بأنه سبب ينجر إلى المعصية فلا ريب في فسق القاصد وقد قال الله تعالى: (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) وقال تعالى: (إن السمع والبصير والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) ولا ريب أن العزم من الأفعال الاختيارية للقلب يصح أن يكون موردا للتكليف بنفسه وقال تعالى: (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم). أما على طريقة المتكلمين فاستحقاق العقاب على قصد المعصية ثابت عقلا إذ لا ريب في أنه فبيح ولكن لو فرض أن عقاب نفس المعصية شيء غير عقاب العزم عليها ثبت استحقاق عقاب العزم لا عقاب المعصية وهذا خارج عن غرضنا. وأما أهل الحديث فغرضهم النظر في كل حديث ورد في هذا المعنى وابداء وجه الجمع بينها إن أوهم ظاهرها المنافاة، ووجه التأويل فيها إن خالفت أصلا من أصول المذهب مثلا: «من هم بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه» ينافي ظاهر الآيات السابقة فيقال أن الآيات تدل على الاستحقاق والرواية على التفضل بالعفو أو يقال المؤاخذة والسؤال أعم من العقاب، وأيضا ورد «أن خلود أهل النار فيها لأن نياتهم كانت على الاستمرار على العصيان ان خلدوا في الدنيا» وهذا ينافي نفي العقاب على النية فيقال نفي العقاب تفضل على من ارتدع بنفسه من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) والتفضل لا ينافي استحقاق العقاب لأن التفضل غير واجب ولا ريب أن الجمع والتأويل في أمثال هذه الروايات تبرع غير واجب فإن لم يظهر لنا وجه أو استبعدنا بعض توجيهاتهم لم يضرنا البتة وقد تكلم شيخنا المحقق الأنصاري في التجري في رسائله بما لا مزيد عليه وتكلم فيه اتباعه بعده بما يغنينا عن التكرار والإعادة وفيما ذكرنا كفاية وزيادة، ويبقى الكلام في تأثير سوء السريرة أعنى وجود الدواعي القوية في النفس إلى المعصية والتحقيق أن العزم غير سوء السريرة لأن الإنسان قد يكون فيه الدواعي إلى الطاعة أيضا فإن غلب دواعي الخير على داعية الشر لم يعزم على العصيان وكذلك إن تكافئتا وإن غلبت داعية الشر عزم على العصيان قطعا فليس وجود داعية الشر كافيا في استحقاق العقاب نعم لا يصحل لصاحبها الترقي في معارج الكمال والسعادة والوصول إلى المراتب العالية التي هي فوق مرتبة العدالة إلا بقلع مواد الفساد من قلبه ومحو حب الدنيا والشهوات من نفسه حتى يخلص إلى مطالعة عالم الغيب ويتلذذ بمشاهدة جمال الله وجلاله. (ش)

ومنهم القاضي أنه يؤاخذ به لكن بسيئة العزم لا بسيئة المعزوم عليه لأنها لم تفعل فإن فعلت كتبت سيئة ثانية لقوله تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) وقوله: (اجتنبوا كثيرا من الظن) ولكثرة الأخبار الدالة على حرمة الحسد واحتقار الناس وإرادة المكروه بهم وحملوا الأحاديث الدالة على عدم المؤاخذة على الهم، والمنكرون أجابوا عن الآيتين بأنهما مخصصتان بإظهار الفاحشة والمظنون كما هو الظاهر من سياقهما، وعن الثالث: ان العزم المختلف فيه ما له صورة في الخارج كالزنا وشرب الخمر، وأما ما لا صورة له في الخارج كالإعتقادات وخبائث النفس مثل الحسد وغيره فليس من صور محل الخلاف فلا حجة فيه على ما نحن فيه، وأما احتقار الناس وإرادة المكروه بهم فإظهارهما حرام يؤاخذ به ولا نزاع فيه وبدونه أول المسألة والحق أنها محل إشكال، ثم الظاهر أنه لا فرق في قوله «ومن هم بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه» بين أن يعملها خوفا من الله أو خوفا من الناس وصونا لعرضه ويدل على التعميم أيضا روايات اخر فقول من قال التعميم لا وجه له وأن عشر أمثال الحسنة مضمونة البتة لدلالة نص

ص:163

القرآن عليه وإن شاء الله تعالى قد يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف كما جاء في بعض الأخبار وإلى ما لا يأخذه حساب كما قال تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)(1) بقي هنا شيء وهو أنه سألني بعض الأفاضل عن وجه الجمع بين أحاديث هذا الباب وبين ما مر في باب النية عن الصادق (عليه السلام) قال: «إنما خلد أهل النار في النار; لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا وإنما خلد أهل الجنة في الجنة; لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء، ثم تلا قوله تعالى: (قل كل يعمل على شاكلته)» قال: على نيته فإنه دل أحدهما على المؤاخذة بالنية ودل الآخر على عدم المؤاخذة بها، قلت له: لا منافاة بينهما إذ دل أحدهما على عدم المؤاخذة بنية المعصية إذا لم يفعلها ودل الآخر على المؤاخذة بنية المعصية إذا فعلها فإن المنوي كالكفر واستمراره مثلا موجود في الخارج فهذه النية ليس داخلة في النية بالسيئة التي لم يعملها، ثم قال: كما أن المعصية ليست سببا للخلود على ما يفهم من الحديث المذكور لكونها في زمان محصور منقطع هو مدة العمر كذلك نيتها لأنها تنقطع أيضا عند انقطاع العمر لدلالة الآيات والروايات على ندامة العاصي عند الموت ومشاهدة أحوال الآخرة فينبغي أن يكون ناويها في النار بقدر كونها في الدنيا لا مخلدا فقلت له: أولا أن هذه النية موجبة للخلود لدلالة الحديث عليه بلا معارض فوجب التسليم والقبول، وثانيا أن صاحبها في هذه الدنيا التي هي دار التكليف لم يفعل شيئا يوجب نجاته من النار وندامته بعد الموت لا تنفع لإنقطاع زمان التكليف، وثالثا ان سبب الخلود ليس ذات المعصية ونيتها من حيث هي بل هو المعصية ونيتها على فرض البقاء أبدا ولا ريب في أنها معصية أبدية موجبة للخلود أبدا، تأمل تعرف.

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن المؤمن ليهم بالحسنة ولا يعمل بها فتكتب له حسنة وإن هو عملها كتبت له عشر حسنات، وإن المؤمن ليهم بالسيئة أن يعملها فلا يعملها فلا تكتب عليه».

* الأصل:

3 - عنه، عن علي بن حفص العوسي، عن علي بن السائح، عن عبد الله بن موسى بن جعفر، عن أبيه (عليه السلام) قال: سألته عن الملكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة؟ فقال:

«ريح الكنيف وريح الطيب سواء؟ قلت: لا، قال: إن العبد إذا هم بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال: صاحب اليمين لصاحب الشمال: قم فإنه قد هم بالحسنة فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه

ص:164


1- -سورة الزمر:10.

مداده فأثبتها له وإذا هم بالسيئة خرج نفسه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين:

قف فإنه قد هم بالسيئة فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده وأثبتها عليه».(1)

* الشرح:

قوله: (فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فاثبتها له) أي ثبت له تلك الحسنة مع الزيادة كما دل عليه الأخبار الآتية ويفهم منه أن الملائكة أجسام لطيفة كما ذهب إليه أكثر المسلمين (2) ثم إذا كان هم السيئة نتنا يجد ريحه المقربون كان نتن السيئة عندهم أشد وأقبح وريحها لديهم أبين وأوضح فيا حسرة للمذنبين عند كشف الغطاء في تنفرهم من أنفسهم.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن فضيل بن عثمان

ص:165


1- -الکافی:429/2.
2- قوله: «أجسام لطيفة كما ذهب إليه أكثر المسلمين» أكثر المسلمين بل أكثر الناس مطلقا يزعمون انحصار الموجودات في الأجسام وأحوال الأجسام ولا يخطر ببالهم الوجود المجرد حتى أن كثيرا منهم كانوا مجسمة يعتقدون تحيزه تعالى فوق العرش وأهل العلم والحديث منهم يخلطون بين تبادر المعنى من اللفظ وبين رسوخ المعنى في الذهن قبل اللفظ فيتمسكون بلفظ جاء ورفع مثلا في قوله تعالى: (وجاء ربك) وقوله تعالى: (والعمل الصالح يرفعه) ولفظ التنزيل في قوله تعالى: (نزله روح القدس على قلبك) على جسمية متعلقات هذا الفعل لأن المركوز في ذهنهم ان كل شيء يتعلق به فعل من الأفعال لابد أن يكون جسما وليس مثل هذا التبادر حجة كما يفهم العجمي من لفظ الدار أنها مشتملة على صحن وحوض وبيوت لانس ذهنه ورسوخ هذا المعنى في قلبه مع ان الدار في مكة وكثير من البلاد لا تشتمل على صحن ولا يتبادر إلى ذهن أهله، كذلك يتبادر إلى ذهنه ان البسر حامض قياسا على الحصرم والبسر بالفارسية غورة خرما والحصرم غورة انگور وما يتبادر في أمثال هذه الموارد ناشىء من أنس ذهن المستمع لا من دلالة اللفظ وكون الملائكة أجساما عندهم ناشىء من وهمهم الغلط لا من الصفات الثابتة لهم في الأدلة الشرعية ولا من ظهور لفظ جاء ونزل وكون الملائكة مرئية لبعض الناس دون بعض من غير اعتبار حدة البصر وضعفه يدل على تجردهم، إذ لو كانوا جسما عنصريا شفافا جدا وجب أن لا يبصرهم أحد وإن كانوا غير شفاف وجب أن يبصرهم كل الناس وأيضا يدخلون من باب مسدود لا منفذ فيه من غير خرق والتيام ويقعدون على شدق ابن آدم أي على طرف فمه ولا يزاحمون الالتقام والتكلم وينزلون مع قطرات الأمطار ولا يتزاحمون وبعضهم راسخة في الأرضين السفلى اقدامهم وشاخصة إلى السماوات العليا رؤوسهم من غير خرق للأرض ولا للسماء والتداخل محال بالبديهة وبعضهم يدخلون القبور ويسئلون الموتى من غير نبش القبر إلى غير ذلك من الصفات الثابتة لهم فوق حد الإحصاء وهذا يدل على كونهم من غير سنخ هذه الأجسام العنصرية الداخلة في تركيب المواليد ويطلق عليهم المجرد تارة وأجساما مثالية تارة اخرى وكذلك كل ما اختلفوا في جسميته يجب تتبع الصفات الثابتة له هل هي من صفات الأجسام أو من صفات المجردات فإن أراد القائل إن الملائكة أجسام لطيفة أي أجسام مثالية فهو صحيح وأن أراد أنهم أجسام عنصرية فالصفات المذكورة تأباه. (ش)

المرادي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعدهن إلا هالك، يهم العبد بالحسنة فيعملها فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيته، وإن هو عملها كتب الله له عشرا. ويهم بالسيئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء وإن هو عملها اجل سبع ساعات وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال: لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها، فإن الله عز وجل يقول: (إن الحسنات يذهبن السيئات) أو الاستغفار فإن هو قال: «أستغفر الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم الغفور الرحيم ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه» لم يكتب عليه شيء، وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة واستغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات: اكتب على الشقي المحروم».(1)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعدهن إلا هالك); لأن الله تعالى كثر الحسنات وقلل السيئات حيث كتب بهم الحسنة مع عدم فعلها حسنة ومع فعلها عشر حسنات ولم يكتب بهم سيئة مع عدم فعلها سيئة وكتب مع فعلها بعد مضى سبع ساعات يمكن دفعها بحسنة أو باستغفار سيئة واحدة فلم يهلك مع سعة هذه الرحمة الواسعة إلا هالك لا خير فيه أصلا مستغرق في المعصية متماد في الغي والضلالة.

(وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال: لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها) قيل ان تبعها بحسنة كانت له عشر أمثالها فيقول صاحب اليمين لصاحب الشمال واحدة بواحدة ويكتب له تسعة وربما يفهم منه أن المحو قبل كتب السيئة لا بعدها وإلا فلا فائدة في تأخير الكتابة إلا أن يقال الفائدة هي ترك ما هو في معرض الزوال والمحو، ثم الظاهر أن الحسنة وإن كانت صغيرة ماحيه لسيئة قبلها وإن كانت كبيرة ولا بعد فيه نظرا إلى الرحمة الواسعة وفي نسبة كتب السيئة إلى صاحب الشمال وكتب عشر حسنات إلى الله تعالى أشعار بأن اثبات العشر من باب التفضل.

ص:166


1- -الکافی:429/2.

باب التوبة

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية ابن وهب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة، فقلت: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه وما كتبا عليه من الذنوب ويوحي إلى جوارحه: اكتمي عليه ذنوبه ويوحي إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب».(1)

* الشرح:

قوله: (إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة - إلى آخره) التوبة الرجوع عن الذنب لقبحه إلى الطاعة فخرج الرجوع عن شرب الخمر مثلا لإضطراره بالبدن وقد يزاد مع العزم على عدم المعاودة إليه وتدارك ما يمكن أن يتدارك وقال الغزالي: التوبة تنتظم من امور ثلاثة علم وحال وعمل، أما العلم فهو اليقين بأن الذنوب سموم مهلكة وحجاب بين العبد ومحبوبه وهذا اليقين تثمر حالة ثانية هي التألم بفوات المطلوب والتأسف من فعل الذنوب ويعبر عن هذه الحالة بالندامة وهي تثمر حالة ثالثة هي ترك الذنوب في الحال وعزم على عدم العود إليها في الاستقبال وتدارك ما فات في الماضي من حقوق الله تعالى مثل الصلاة والصيام والزكاة ونحوها من حقوق الناس مثل رد المال إلى صاحبه أو وارثه وطلب الإبراء في الغيبة وتسليم النفس في القصاص إلى وليه ليقتص منه أو ليعفوا عنه، ولو لم يمكنه ذلك كان عليه أن يكثر في العبادة ليبقى له قدر الكفاية في القيامة بعد أخذ حقوقهم منها وهذه الامور الثلاثة مترتبة في الحصول ويطلق اسم التوبة تارة على مجموعها وتارة على الندم والعزم واخرى على الندم وحده ويجعل العلم كالمقدمة والترك، كالثمرة فيكون الندم محفوفا بالطرفين الطرف الأول مثمر الندم والطرف الآخر ثمرته كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن الندم على الشر يدعوا إلى تركه» وترتب هذه الامور غير مختصة بالتوبة بل انتظام الصبر والشكر والتوكل والرضا وغير ذلك من المقامات الدينية ينتظم من علم وحال وعمل وهذه الامور الثلاثة إذا قيس بعضها إلى بعض لاح للناظرين إلى الظواهر أن

ص:167


1- -الکافی:430/2.

العلوم مطلقا إنما تراد للأحوال والأحوال إنما تراد للأعمال (1) وأما أهل البصائر وأولوا الباب فالأمر عندهم بالعكس فإن الأعمال عندهم تراد للأحوال والأحوال تراد للعلوم فالأفضل العلوم ثم الأحوال ثم الأعمال; لأن كل مراد لغيره كان ذلك الغير لا محالة أفضل منه، ثم المراد بكتمان الجوارح وبقاع الأرض ذنوبه اما نسيانهما كما في الملكين أو عدم الشهادة بها والأول أظهر، ويؤيده ما روى من طرق العامة أنه تعالى ينسى أيضا جوارحه وبقاع الأرض ذنوبه بل ربما يقال: أنه تعالى يمحوها عن لوح نفسه أيضا ليكمل استعداده لإفاضة الفيض والرحمة عليه ويرتفع عنه الانفعال عند لقاء الرب.

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) قال:

«الموعظة التوبة».

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) قال: يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود فيه، قال محمد بن الفضيل: سألت عنها أبا الحسن (عليه السلام) فقال: «يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه، وأحب العباد إلى الله تعالى المفتنون التوابون».(2)

* الشرح:

قوله: (قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) قال: يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود فيه) دل هذا وما بعده على أن التوبة النصوح هي التوبة القوية الثابتة التي تمنع صاحبها من العود إلى الذنب بعدها وهذا التفسير يؤيده ما قيل

ص:168


1- قوله: «والأحوال إنما تراد للأعمال» أهم الامور عند هؤلاء امور الدنيا والآخرة مغفول عنها عندهم وكل شيء عندهم لنظم الدنيا وعمرانها، والدين أيضا من نظم الدنيا حتى لا يظلم أحد أحدا ولا يتعدى أحد على أحد ولا يكون الهرج والفساد وينبغي أن يزاد على عبارة الشارح بعد قوله «والأحوال إنما تراد للأعمال» والأعمال العبادية إنما تراد لحفظ حقوق الناس; لأن من يعتاد العبادات لا يتعدى على غيره والحق أن الدنيا للآخرة وإنما خلق الناس ليعبدوا الله لا ليعمروا الدنيا، والدين لعمارة الآخرة أصلا وبالذات وما يتعلق من أحكامه بالدنيا أيضا موضوعة لتأمين الناس في معاشهم حتى يتهيأ لهم زاد المعاد والمراد بالعلوم كل ما يدعوا إلى الآخرة لا علوم الدنيا المنسية للآخرة وإلا لكان بقراط وجالينوس وأمثالهم أفضل عند الله من سلمان وأبي ذر; لأن الطب أفضل علوم أهل الدنيا. (ش)
2- -الکافی:426/2.

من أنها توبة تنصح صاحبها فيقلع عن الذنوب ثم لا يعود إليها أبدا أو تنصح الناس أي تدعوهم إلى أن يأتوا بمثلها لظهور آثارها الجميلة في صاحبها، وقيل هي توبة خالصة لوجه الله سبحانه من قولهم عسل ناصح إذا كان خالصا من الشمع بأن لا تكون لرياء ولا نفاق ولا لخوف النار وقد حكم المحقق في التجريد بأن الندم على الذنوب خوفا من النار ليس توبة. وقيل اسناد النصوح إلى التوبة من باب الاسناد المجازي; لأن النصح صفة للتائبين أي توبوا توبة تنصحون بها أنفسكم بأن تأتوا بها على أكمل الوجوه وأفضل الشرائط حتى تكون قالعة لآثار الذنوب من القلوب الكلية وذلك بإذابة النفس بالحسرات ومحو ظلمة السيئات بنور الحسنات.

قوله: (وأحب العباد إلى الله تعالى المفتنون التوابون) أي المفتونون بالذنوب التوابون منها ولعل المراد بالمفتون التواب من لا يعود إلى الذنب بعد التوبة فيكون تأكيدا لما قبله وكونه أحب بالنظر إلى من يتوب (1) ثم يعود ثم يتوب وهكذا لا بالنظر إلى من لم يذنب أصلا، ويحتمل أن يراد بها كثير التوبة بأن يتوب ثم يذنب ثم يتوب وهكذا وهو أحب ممن يتوب من الذنوب كلها توبة واحدة وممن يذنب ذنوبا ثم يتوب منها ثم يذنب ذنوبا ثم يتوب منها.

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) قال: «هو الذنب الذي لا يعود فيه أبدا، قلت: وأينا لم يعد؟ فقال: يا أبا محمد إن الله يحب من عباده المفتن التواب».

* الأصل:

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا رفعه قال: «إن الله عز وجل أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطى خصلة منها جميع أهل السماوات والأرض لنجوا بها قوله عز وجل: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) فمن أحبه الله لم يعذبه، وقوله: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم * وقهم السيئات

ص:169


1- (1) قوله: «أحب بالنظرة إلى من يتوب» أقول كأنه ناظر إلى الغالب; لأن من لم يذنب ذنبا خاصا ربما كان امتناعه منه لعدم العادة والداعي أو لعدم تهيؤ وسائله أو لشدة حيائه وأمثال ذلك بخلاف من ارتكبه مرة أو مرات فإن امتناعه للخوف من الله تعالى ولإدراك قبحه وغلبة عقله على شهوته فهو أرسخ في التقوى وأبعد من العود إلى الذنب وأما الذي كان امتناعه من الذنوب من أول الأمر خوفا من العذاب وامتثالا لأمره تعالى فهو أقرب إلى السعادة وأحب عند الله قطعا يأتي في في الحديث 9 وليس لفظ الحديث محمولا على العموم; لأن المعصومين (عليهم السلام) والمقاربون لهم أحب عند الله يقينا. (ش)

ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم») وقوله عز وجل: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما)».(1)

* الشرح:

قوله: (إن الله عز وجل أعطى التائبين ثلاث خصال) الأولى أنه تعالى يحبهم والثانية ان الملائكة المقربين يطلبون المغفرة لهم والثالثة انه عز وجل وعدهم بالأمن والرحمة ومعنى أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين انه يجنب التوابين عن النجاسات الباطنة وهي الذنوب ويحب المتطهرين من النجاسات الظاهرة بالماء وقيل يحب التوابين من الكبائر ويحب المتطهرين من الصغائر وقد وصف الله تعالى نفسه في آخر الآية بقوله: (وكان الله غفورا رحيما) فيغفر الذنوب ويبدل السيئات حسنات تحريكا لطمع المذنبين التائبين ومن طريق العامة: «إن الله جعل رحمته مائة جزء، جزء في الدنيا والبواقي في الآخرة» فإذا كانت رحمة واحدة في هذه الدار التي هي دار الأكدار يقع بها من التراحم ما لا يحصى فكيف بالبواقي في دار القرار.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله إنها ليست إلا لأهل الإيمان قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب وعاد في التوبة؟! فقال: يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثم لا يقبل الله توبته، قلت: فإنه فعل ذلك مرارا، يذنب ثم يتوب ويستغفر [الله] فقال: كلما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة وإن الله غفور رحيم، يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة الله».(2)

* الشرح:

قوله: (أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثم لا يقبل الله توبته) الهمزة للإنكار وفيه دلالة على أن التوبة مقرونة بالقبول البتة ويدل عليه أيضا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «ما كان الله ليفتح على عبد باب التوبة ويغلق عنه باب المغفرة» ويدل عليه أيضا ظاهر الآيات وقال محي الدين البغوي: التوبة من الكافر مقطوع بقبولها واختلف في قبولها من العاصي فقيل كذلك

ص:170


1- -سورة غافر:7.
2- -الکافی:434/2.

وقيل لا ينتهي إلى القطع (1); لأن الظواهر التي جاءت بقبولها ليست بنص وإنما هي نصوصات معرضة للتأويل، وقال عياض: قبولها ليس بواجب على الله تعالى عقلا وإنما علمناه بالشرع والإجماع خلافا للمعتزلة في إيجابهم ذلك عقلا على أصلهم في التحسين والتقبيح، ولما استبعد السائل قبول التوبة بعد نقضها مرارا حذره (عليه السلام) من ذلك بقوله «فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة الله» تقنيط المؤمن من الرحمة الواسعة والقول بأنك فعلت ما لا يغفر الله لك بعده حرام وحكم على الله سبحانه وحجر عليه وجهل بأحكام الربوبية وادلال بأن له عند الله تعالى منزلة لا لذلك المذنب ولذلك قال العلماء: ينبغي أن يكون واعظ الناس متوسطا بين الترغيب والترهيب ولو زاد الترهيب لا على حد يوجب القنوط جاز باعتبار أن أكثر النفوس إلى الفساد أميل فزجرها بزيادة الترهيب أفضل.

7 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته، عن قول الله عز وجل: (إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) قال: «هو العبد يهم بالذنب ثم يتذكر فيمسك فذلك قوله: (تذكروا فإذا هم مبصرون)».

* الأصل:

8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينه، عن أبي عبيدة الحذاء قال:

سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إن الله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته ومزاده في ليلة ظلماء، فوجدها فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها».(2)

* الشرح:

ص:171


1- قوله: «وقيل لا ينتهى إلى القطع» مذهب أهل التحقيق منا أن قبول التوبة تفضل من الله تعالى ولا يرفع استحقاق العقاب عقلا ولا شرعا لكنه تعالى وعد قبول التوبة وإجابة الدعاء كما وعد اخلاف المنفق في سبيل الله خيرا مما أنفق ويوفي بما وعد لأنه كريم فإن ظهر تخلف في موارد نادرة لحكمة ومصلحة أو تأخر قبول التوبة لعظم الذنب كجماعة تابوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم ينزل قبول توبتهم إلا بعد مدة حتى أن أبا لبابة ربط نفسه بأسطوانة مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبقى أياما وبعضهم خرج من المدينة وتوارى في الشعاب والبوادي واستغاث إلى الله تعالى حتى قبلت توبتهم ولو كان قبول التوبة واجبا لم يتأخر عن الندم فكل ذلك يدل على عدم كون الوعد عاما بحيث لا يخرج عنه مورد أصلا ويستأنس لذلك بما ورد من أن الحد لا يسقط بالتوبة بعد الثبوت عند الحاكم ولو كان سقوط العقاب بالتوبة واجبا عقلا واستلزم نفى استحقاق العقاب من أصله لم يكن فرق بين العقوبة الدنيوية والاخروية ولو كان العقاب بعد الندم قبيحا لسقط الحد. ومع ذلك كله فقد تردد المحقق الطوسي رحمه الله في التجريد في وجوب القبول وللنظر والتأمل مجال. (ش)
2- -الکافی:435/2.

قوله: (قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن الله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته ومزاده في ليلة ظلماء، فوجدها فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها) الفرح السرور يقارنه الرضا بالمسرور به فالمعنى أن الله سبحانه يرضى توبة العبد أشد مما يرضى الواجد لراحلته الضالة في الليلة الظلماء ومزاده فعبر عن الرضا بالفرح تأكيدا لمعنى الرضا في نفس السامع ومثل هذا الحديث رواه مسلم بطرق متعددة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «الله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا وراحلته وزاده» الدوية منسوبة إلى الدو بتشديد الواو وهي البرية التي لانبات فيها.

9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن عبد الله ابن عثمان، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن الله يحب العبد المفتن التواب ومن لم يكن ذلك منه كان أفضل».

* الأصل:

10 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن محمد بن سنان، عن يوسف [بن] أبي يعقوب بياع الأرز، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزيء».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: سمعته يقول: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزيء) الظاهر أن التشبيه في نفي الذنب لا في التساوي في الدرجة والاستغفار باللسان مع الإصرار على الذنب استهزاء فهو استغفار يحتاج إلى استغفار، أما أنه استهزاء فلانه يظهر ندامته عند الله مع عدمها بقرينة الإقامة على الذنب إذ الندم على الشر يدعو إلى تركه ويظهر أيضا أنه خائف من الله مع عدم الخوف منه وبهذين الوجهين يشبه فعله واستغفاره بالإستهزاء في أنه يشعر ظاهرا بأن مقصوده الحاق الهوان والحقارة به سبحانه ولكنه ليس مستهزئا حقيقة إذ ليس قصده ذلك وإلا لكان كافرا بالله العظيم وليس كذلك لما مر عن الباقر (عليه السلام): «أن المؤمن كلما عاد بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة» ثم الظاهر أن الذنب أعم من أن يكون من نوع واحد أو من أنواع

ص:172


1- -الکافی:435/2.

متعددة فلو فعل ذنبا معينا وندم منه استغفر منه ولم يعد إليه، ثم فعل ذنبا آخر وندم واستغفر وهكذا صدق عليه أنه بمنزلة المستهزيء فعلى هذا فيه دلالة على ما ذهب إليه بعض المحققين من أن التوبة إنما تحقق بالندم من جميع الذنوب والاقلاع عنها.

* الأصل:

11 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله عز وجل أوحى إلى داود (عليه السلام) أن ائت عبدي دانيال فقل له: إنك عصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك، فأتاه داود (عليه السلام) فقال: يا دانيال إنني رسول الله إليك وهو يقول: إنك عصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك، وعصيتني فغفرت لك فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك، فقال له دانيال: قد أبلغت يا نبي الله، فلما كان في السحر قام دانيال فناجى ربه فقال: يا رب إن داود نبيك أخبرني عنك أنني قد عصيتك فغفرت لي، وعصيتك فغفرت لي وعصيتك فغفرت لي، وأخبرني عنك أنني إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي، فوعزتك لئن لم تعصمني لأعصينك، ثم لأعصينك، ثم لأعصينك».(1)

* الشرح:

قوله: (فوعزتك وجلالك لئن لم تعصمني لأعصينك) فيه مع الإقرار بالتقصير اعتراف بالعجز عن مقاومة النفس وهواها ودفع وساوسها ورداها وتنبيه للغافلين وتحريض للعاصين على التوسل بذيل الإلطاف الإلهية والتوفيقات الربانية فأن ذلك جذاب للهدايات الخاصة الوافية والعنايات التامة الشافية للأمراض القلبية والبدنية وليس للمريض في الدين دواء انفع من هذا على اليقين.

12 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم، عن جده الحسن بن راشد، عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله فستر عليه، فقلت: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كانا يكتبان عليه ويوحى [الله] إلى جوارحه وإلى بقاع الأرض أن اكتمي عليه ذنوبه فيلقى الله عز وجل حين يلقاه، وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب».

13 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله عز وجل يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب كما يفرح أحدكم بضالته إذا وجدها».

ص:173


1- -الکافی:435/2.

باب الاستغفار من الذنب

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن العبد إذا أذنب ذنبا اجل من غدوة إلى الليل فإن استغفر الله لم يكتب عليه».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن العبد إذا أذنب ذنبا اجل من غدوة إلى الليل) هذا إذا أذنب غدوة وأجل هذا المقدار من الزمان أن أذنب في غيرها وزمان التأجيل متفاوت بحسب التفاوت في الأشخاص والأزمان والذنوب فلا ينافي هذا رواية سبع ساعات ونحوها، والظاهر أن الكبيرة داخلة في هذا الذنب وإن حقوق الناس خارجة منه، وقد يقال الفرق بين التوبة والاستغفار أن التوبة ترفع اسم الذنوب والاستغفار طلب المغفرة والستر عن الأغيار كيلا يعلمه أحد ولا يكون عليه شاهد.

2 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، وأبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن أبي أيوب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من عمل سيئة اجل فيها سبع ساعات من النهار فإن قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم - ثلاث مرات - لم تكتب عليه».

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وأبو علي الأشعري، ومحمد بن يحيى، جميعا عن الحسين بن إسحاق، عن علي بن مهزيار، عن فضالة بن أيوب، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «العبد المؤمن إذا أذنب ذنبا أجله الله سبع ساعات فإن استغفر الله لم يكتب عليه شيء، وإن مضت الساعات ولم يستغفر كتبت عليه سيئة، وإن المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له، وإن الكافر لينساه من ساعته».(2)

* الشرح:

قوله: (وإن المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له، وإن الكافر لينساه

ص:174


1- -الکافی :437/2.
2- -الکافی :437/2.

من ساعته) ذكر المؤمن من لطفه تعالى لتخليص المؤمن ونسيان الكافر من سلب لطفه تعالى عنه ليؤاخذه بالكفر والذنب جميعا وحمل الكفر على كفر النعمة وكفر المخالفة بناء على أن كفر الجحود لا ينفع معه التوبة عن الذنب والاستغفار إلا عن الكفر بعيد; لأن الكفر بالمعنيين الأولين يجامع الإيمان أيضا.

* الأصل:

4 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد، عن غير واحد، عن أبان، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوب إلى الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة، فقلت: أكان يقول: أستغفر الله وأتوب وإليه؟ قال: لا ولكن كان يقول: أتوب إلى الله، قلت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتوب ولا يعود ونحن نتوب ونعود، فقال: الله المستعان».(1)

* الشرح:

قوله: (قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتوب إلى الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة) فيه ترغيب في التوبة لأنه (صلى الله عليه وآله) إذا تاب مع علو رفعته وكمال عصمته بهذا العدد في كل يوم كان الأولى بحال غيره أن لا يترك التوبة في شيء من الأوقات.

(فقلت أكان يقول: أستغفر الله وأتوب إليه؟ قال: لا ولكن كان يقول: أتوب إلى الله) الظاهر أنه (عليه السلام) لم يقصد نفي الاستغفار عنه (صلى الله عليه وآله) مطلقا لما سيجيء في باب الاستغفار من كتاب الدعاء أنه (صلى الله عليه وآله) كان لا يقوم من مجلس وإن خف حتى يستغفر الله عز وجل خمسا وعشرين مرة، بل قصد بيان الواقع في هذه القضية وكيفية توبته في كل يوم سبعين مرة فأفاد أنه لم يكن معها استغفار وبالجملة كان (صلى الله عليه وآله) يتوب ويستغفر ولكن لم تكن توبته واستغفاره من الذنوب المنافية للعصمة لأنه عندنا وعند كثير من العامة لم يكن مذنبا أصلا بل من أمر آخر والله أعلم بحقيقة ذلك الأمر وللعلماء فيه كلام مبسوط ومجمل والأحسن ما أفاده صاحب كشف الغمة وتبعه البيضاوي في شرح المصابيح، ونقله الشيخ في الأربعين هو: أن الأنبياء لما كانت قلوبهم مستغرقة بذكر الله ومشغولة بوجه الله ومتعلقة بجلال الله ومتوجهة إلى كمال الله وكانت أتم القلوب صفاء وأكثرها ضياء وأغرقها عرفانا واذعانا وأكملها أيقانا كانوا إذا وأنحطوا عن تلك المرتبة العلية ونزلوا عن تلك الدرجة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب والتناكح والصحبة مع بنى نوعه وغير ذلك من المباحات أسرعت كدورة ما إليها لكمال رقتها وفرط نورانيتها فإن الشئ كلما كان أرق وانظر كان تأثره بالكدورات أبين وأظهر، فعدوا ذلك ذنبا وخطيئة فتابوا واستغفروا منه، وكما روي: «حسنات

ص:175


1- -الکافی :438/2.

الأبرار سيئات المقربين».

وإليه يشير قوله (صلى الله عليه وآله) «ليران؟؟ على قلبي وإني أستغفر بالنهار سبعين مرة» وقيل أراد به تعليم الناس كيفية التوبة والاستغفار من الذنوب وقيل هو محمول على الاعتراف بالعبودية وإن البشر في مظنة التقصير والعجز على أن دفع ذلك عن توبته ظاهر; لأن التوبة في اللغة الرجوع إلى الحق عز شأنه وإن لم يكن من ذنب يقال تاب وآب وأناب إذا رجع إلى الحق.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من عمل سيئة اجل فيها سبع ساعات من النهار، فإن قال:

استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه - ثلاث مرات - لم تكتب عليه».

* الشرح:

قوله: (فإن قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم) المراد به الاستغفار مع الندم على الذنب كما سيأتي ودل عليه أيضا ما مر من إن الاستغفار مع القيام على الذنب استهزاء.

6 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة بياع الأكسية، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن المؤمن ليذنب الذنب فيذكر بعد عشرين سنة فيستغفر الله منه فيغفر له وإنما يذكره ليغفر له وإن الكافر ليذنب الذنب فينساه من ساعته».

* الأصل:

7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما من مؤمن يقارف في يومه وليلته أربعين كبيرة، فيقول وهو نادم أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد وأن يتوب علي إلا غفرها الله عز وجل له، ولا خير فيمن يقارف في يوم أكثر من أربعين كبيرة».(1)

* الشرح:

قوله: (فيقول وهو نادم) أي فيقول عقب كل كبيرة أو عقب الجميع، وإنما قيد بالندم; لأن الاستغفار بدونه لا أثر له بل يعد استهزاء. وفي قوله:

(ولا خير فيمن يقارف في يوم أكثر من أربعين كبيرة) دلالة على أن المغفرة بالقول المذكور لا تتعلق بالزائد عن الأربعين ولعل السر فيه أن من زاد عليه لعدم مبالاته بالدين خارج عن الإيمان مع

ص:176


1- -الکافی :438/2.

احتمال أن يكون هذا الكلام في مقام الوعيد للمبالغة في الزجر.

* الأصل:

8 - عنه، عن عدة من أصحابنا، رفعوه، قالوا: قال: «لكل شيء دواء ودواء الذنوب الاستغفار».

* الشرح:

قوله: (ودواء الذنوب الاستغفار) شبه الذنوب بالداء والمرض المهلك وأثبت لها الدواء على سبيل المكنية والتخييلية وحمل الاستغفار على الدواء من باب حمل المشبه على المشبه به للدلاة على الاتحاد والتعريف للحصر.

9 - أبو علي الأشعري، ومحمد بن يحيى جميعا، عن الحسين بن إسحاق وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن علي بن مهزيار، عن النضر بن سويد، عن عبد الله بن سنان. عن حفص قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ما من مؤمن يذنب ذنبا إلا أجله الله عز وجل سبع ساعات من النهار، فإن هو تاب لم يكتب عليه شيء وإن هو لم يفعل كتب [الله] عليه سيئة، فأتاه عباد البصري فقال له: بلغنا أنك قلت: ما من عبد يذنب ذنبا إلا أجله الله عز وجل سبع ساعات من النهار؟ فقال: ليس هكذا قلت ولكني قلت: ما من مؤمن وكذلك كان قولي».

* الأصل:

10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار ابن مروان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «من قال: أستغفر الله مائة مرة في [كل] يوم غفر الله عز وجل له سبعمائة ذنب ولا خير في عبد يذنب في [كل] يوم سبعمائة ذنب».(1)

* الشرح:

قوله: (من قال أستغفر الله مائة مرة في كل يوم غفر الله عز وجل له سبعمائة ذنب) الظاهر أن المجموع يترتب على المجموع فلا يدل على أن من استغفر مائة مرة غفر الله له مائة ذنب، ولا على أن من استغفر خمسين مرة غفر الله له ثلاثمائة وخمسين ذنبا مع احتماله والذنب يشمل الصغيرة والكبيرة والملفق منها. وقوله:

(ولا خير في عبد يذنب في يوم سبعمائة ذنب) أخبار بشدة عاقبته وسوء حاله وخاتمته إذ قد لا يوفق من له هذه الذنوب الكثيرة للاستغفار والتوبة لكمال غفلته ووغوله في المعاصي ومخالفته.

ص:177


1- -الکافی :439/2.

باب «فيما أعطى الله عز وجل آدم (عليه السلام) وقت التوبة»

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله أو عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال: «إن آدم (عليه السلام) قال: يا رب سلطت علي الشيطان وأجريته مني مجرى الدم فاجعل لي شيئا. فقال: يا آدم جعلت لك أن من هم من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة ومن هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة فإن هو عملها كتبت له عشرا قال: يا رب زدني، قال: جعلت لك إن من عمل منهم سيئة ثم استغفر غفرت له قال: يا رب زدني، قال: جعلت لهم التوبة - أو قال: بسطت لهم التوبة - حتى تبلغ النفس هذه.

قال: يا رب حسبي».(1)

* الشرح:

قوله: (قال إن آدم (عليه السلام) قال: يا رب سلطت على الشيطان أجريته منى مجرى الدم) روى العامة أيضا: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» ذهب قوم ممن ينتمي إلى ظاهر العلم إلى أن المراد به أن الشيطان لا يفارق ابن آدم ما دام حيا كما لا يفارقه دمه وحكى هذا عن الأزهري وقال:

هذا على طريق ضرب المثل والجمهور من علماء الامة أجروا ذلك على ظاهره وقالوا: إن الشيطان جعل له هذا القدر من التطرق (2) إلى باطن الآدمي بلطافة هيئته لمحنة الابتلاء ويجري في العروق

ص:178


1- -الکافی :440/2.
2- قوله: «جعل له هذا القدر من التطرق» لا ريب في عدم كون الشياطين والجن والملائكة من سنخ العناصر والجسمانيات المحسوسة ويعرف تجرد هذه الموجودات من الصفات الثابتة لهم في الشرع فإن للمجردات صفات وللماديات صفات اخرى ضدها والملاحدة الحاصرون للموجود في المادي يحملون جميع ما ورد في الشياطين والجن والملائكة وأمثالها على المعنى المادي ويستهزؤون بالدين والأنبياء إذ ليس في الماديات شيء بصفات هذه الموجودات ويؤيدهم الظاهريون ويوافقون معهم في كونها مادية ويعتذرون بأجوبة يزيدهم شرا وفسادا واستهزاء، والحق أن الموجود غير منحصر في الجسمانيات ولم يقل أحد من المسلمين أنهم من الأجسام العنصرية وقد ذكرنا قريبا بعض صفات الملائكة مما دل على كونهم مجردات وهي صفات يعتقد بها وبأمثالها المسلمون جميعا. ومما يدل على عدم كون الشيطان جسما عنصريا هذه الرواية فإن تداخل الأجسام محال بالضرورة. قال المحقق الطوسي في التجريد: والضرورة قضت ببطلان الطفرة والتداخل ولا ريب أن الدم ملاء العروق فإن دخل الشيطان وهو جسم عنصري زادها حجما ودخل في تركيب الدم ويمكن أن يلتزم الظاهريون بأن الشيطان قادر على أن يتصغر كصغر الجرائيم ويتلين كلين الأدهان ويدخل من مسامات الجلد في العروق ويمتزج بالدم ثم يتعظم وينبسط في جميع العروق ويصير إلى القلب والرأس ويغير مزاج الأعضاء ويؤثر في إرادة الإنسان الشر كما يؤثر الأشربة المسكرة، ويستهزء الملاحدة من هذه الاعتذارات أشد من استهزائهم بأصل الإعتقاد وبدن المؤمن والفاسق متساويان في قبول نفوذ الأجسام اللطيفة فكيف يسد مسامات المؤمن من نفوذ جسم الشيطان اللين دون الادهان والجراثيم ودون مسامات الفاسق، أيضا كيف يدخل الشيطان من الأبواب المسدودة من غير خرق وكيف يتحرك في الهواء من غير أن يظهر أثر ترجرج واضطراب فيه وأمثال ذلك والجواب عن جميع ذلك أنكم غلطتم واشتبه عليكم الجسم المادي بالموجود المجرد وأول ما يجب على المؤمن الإيمان بعالم الغيب المقابل لعالم الشهادة أي بالموجود المجرد المقابل للمادي وقد فتح الله تعالى كتابه العزيز بعد الخطبة أعنى سورة الفاتحة بقوله تعالى: (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقن الذين يؤمنون بالغيب) فالشرط الأول للمسلم الإيمان بالمجردات ولا يتعقل الإسلام من الرجل المادي فكما بالغيب أن علوم العلماء لا توجد محسوسة في تضاعيف دماغهم مع وجودها حقيقة لترتب آثار الوجود عليها كذلك يوجد الشيطان في العروق من غير أن توجد محسوسة بأي وجه فرض والله الهادي وما قال الأزهري أنه على طريق ضرب المثل فله وجه ضعيف والأصح ما ذكرناه وليكن هذا أصلا بيدك كلما سمعته في الروايات والأخبار والآيات من ألفاظ دالة على التجسم ثم رأيت صفات بخلاف صفات الأجسام العنصرية بحيث يستحيل اتصاف الجسم العنصري بتلك الصفات فأعلم أنه من المجردات أو الأجسام المثالية البرزخية ولا تصر على اثبات شيء ينفر الناس من الدين والأنبياء والكتب السماوية ولو اسلم الناس كلهم وأقروا بما ورد وأحالوا علمه إلى الله تعالى كان أولى وأقوم لكن بعد أن تعمقوا وأثاروا الشبه فالواجب ابداء الوجه الصحيح لأهل النظر وإحالة العامة على الإيمان بواقع معنا كما كان عليه السلف. (ش)

التي هي مجاري الدم من الآدمي إلى أن يصل إلى قلبه فيوسوسه على حسب ضعف إيمان العبد وقلة ذكره وكثرة غفلته ويبعد عنه ويقل تسلطه وسلوكه إلى باطنه بمقدار قوة إيمانه ويقظته ودوام ذكره وإخلاص توحيده وما رواه المفسرون عن ابن عباس قال: «إن الله جعل الشياطين من بني آدم مجري الدم وصدور بني آدم مساكن لهم» مؤيد لما ذهب إليه الجمهور وهم يسمون وسوسته لمة الشيطان ومن ألطافه تعالى أنه هيأ ذوات الملائكة على ذلك الوصف من أهل لطافتهم وأعطاهم قوة الحفظ لبني آدم وقوة الإلهام في بواطنهم وتلقين الخير لهم في مقابله لمة الشيطان كما روي أن للملك لمة بابن آدم للشيطان لمة، لمة الملك ايعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليحمد الله ولمة الشيطان ايعاد بالشر وتكذيب بالحق فمن وجد من ذلك شيئا فليستعذ بالله من الشيطان وقالوا: إنما ينكر مثل هذا عقول اسراء العادات الذين استولت عليهم المألوفات فما لم يجدوا في مستقر عاداتهم أنكروه كما أنكر الكفار احياء العظام النخرة وإعادة الأجسام البالية والذي يجب هو التسليم بما نطق به الخبر الصريح ولا يأباه العقل الصحيح، (قال: جعلت لهم التوبة - أو قال بسطت لهم التوبة - حتى تبلغ النفس هذه. قال: يا رب حسبي) النفس بالتحريك ما يخرج

ص:179

من الحي عند التنفس وبالسكون الروح والمقصود أن باب التوبة مفتوح إلى أن تبلغ النفس الحلقوم وتتحق الغرغرة فإذا بلغت هذه فلا توبة لأنه وقت المعاينة والتوبة إنما يكون في حال الغيب وإنما قال آدم (عليه السلام): حسبي لعلمه بأن أكثر أولاده إلا من أخذت يده الشقاوة الأبدية تدركهم الرحمة الواسعة وتدخلهم في باب التوبة ولو كان شيء أنفع لأولاده من هذه النعمة المبسوطة لطلبه، ومن طريق العامة: «إن إبليس بعد ما صار ملعونا وأنظر قال بعزتك لا أخرج عن قلب ابن آدم ما دام الروح في بدنه فقال الله تبارك وتعال بعزتي لا أسد باب التوبة عليه ما دام الروح في بدنه».

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته، ثم قال: إن السنة لكثيرة، من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته، ثم قال: إن الشهر لكثير، من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته، ثم قال:

إن الجمعة لكثير من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته، ثم قال: إن يوما لكثير من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته».(1)

* الشرح:

قوله: (من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته) قال الشيخ في الأربعين: المراد بقبول التوبة اسقاط العقاب المترتب على الذنب الذي تاب منه وسقوط العقاب بالتوبة مما أجمع عليه أهل الإسلام وإنما الخلاف فيه أنه هل يجب على الله حتى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما أو هو تفضل يفعله سبحانه كرما منه ورحمة بعباده، المعتزلة على الأول والأشاعرة على الثاني وإليه ذهب الشيخ أبو جعفر الطوسي (قدس سره) في كتاب الإقتصاد والعلامة جمال الملة والدين (رحمه الله) في بعض كتبه الكلامية وتوقف المحقق الطوسي طاب ثراه في التجريد، ومختار الشيخين هو الظاهر، دليل الوجوب مدخول (من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته) أي قبل أن يرى ملك الموت أو رسول الله وأمير المؤمنين (عليهما السلام) ويمكن أن يراد بالمعاينة علمه بحصول الموت وقطعه الطمع من الحياة والظاهر أن المرض المهلك ليس من باب المعاينة; لأن الموت معه ليس بمتحقق قطعا وكأنه (صلى الله عليه وآله) أتى بالتفصيل المذكور ولم يذكر أولا ما ذكره آخرا للإشارة إلى تفضيل مراتب التوبة بعضها على بعض، ووجوبها فورى عند العلماء وفي تسويفها خطر عظيم لإمكان أن يأتيه الموت بغتة فلا يوفق للتوبة ولان ظلمة الذنوب قد يتراكم على قلبه إلى أن تصير رينا وطبعا فلا يقبل المحو بعد ذلك قطعا.

ص:180


1- -الکافی :440/2.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

«إذا بلغت النفس هذه - وأهوى بيده إلى حلقه - لم تكن للعالم توبة وكانت للجاهل توبة».(1)

* الشرح:

قوله: (إذا بلغت النفس هذه - وأهوى بيده إلى حلقه - لم تكن للعالم توبة وكانت للجاهل توبة) لأن العالم لما ترك مقتضى علمه إلى هذا الوقت لا عذر له فلا مساهلة معه بخلاف الجاهل فإن توبته تقبل حينئذ لوقوع المساهلة معه في كثير من الامور وقبول توبته في هذا الوقت من جملتها وإليه يشير قوله تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما)(2)، وقيل المراد بالعالم العالم بموته وبالجاهل الجاهل بموته.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن معاوية ابن وهب قال: خرجنا إلى مكة ومعنا شيخ متأله متعبد [لا يعرف هذا الأمر] يتم الصلاة في الطريق ومعه ابن أخ له مسلم، فمرض الشيخ فقلت لابن أخيه: لو عرضت هذا الأمر على عمك لعل الله أن يخلصه، فقال كلهم: دعوا الشيخ حتى يموت على حاله فإنه حسن الهيئة فلم يصبر ابن أخيه حتى قال له: يا عم إن الناس ارتدوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا نفرا يسيرا وكان لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) من الطاعة ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان بعد رسول الله الحق والطاعة له، قال: فتنفس الشيخ وشهق وقال: أنا على هذا وخرجت نفسه. فدخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) فعرض علي بن السري هذا الكلام على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: «هو رجل من أهل الجنة، قال له علي بن السري: إنه لم يعرف شيئا من هذا غير ساعته تلك؟ قال: فتريدون منه ماذا؟ قد دخل والله الجنة».(3)

* الشرح:

قوله: (فإنه حسن الهيئة) تعليل لقوله لعل الله أن يخلصه وتوسط كلام الغير لا ينافي الاتصال، والهيئة صورة الشيء وشكله، والمراد بحسن هيئته كونه ملتزما لسمت واحد وصفة مستحسنة شرعا وعقلا (فتنفس الشيخ وشهق) تنفس أدخل النفس إلى باطنه وأخرجه، وشهق من بابي منع وضرب شهيقا ردد نفسه مع سماع صوته من حلقه (قال: فتريدون منه ماذا؟ قد دخل والله الجنة) يعني ماذا تريدون منه أتريدون منه الأعمال والأعمال ساقطة عنه مكفرة بالتوبة أم تريدون منه الإقرار والإيمان وقد أقر وآمن فدخل الجنة.

ص:181


1- -الکافی :440/2.
2- -سورة التوبة:16.
3- -الکافی :440/2.

باب اللمم

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد ابن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: أرأيت قول الله عز وجل: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) قال: «هو الذنب يلم به الرجل فيمكث ما شاء الله ثم يلم به بعد».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: قلت له: أرأيت قول الله عز وجل: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم)) قال المفسرون: الكبائر ما يكبر عقابه من الذنوب وهو ما رتب الوعيد عليه بخصوصه أو ما يوجب الحد مثل الزنا والسرقة ونحوها واضافتها إلى الاثم إضافة النوع إلى الجنس; لأن الإثم يشمل الكبائر والصغائر والفواحش ما يزيد قبحه من الكبائر كأنها مع كبر مقدار عقابها قبيحة في الصورة كالشرك بالله وحده وذكرها بعد الكبائر للتنبيه على زيادة قبحها واللمم بفتحتين ما قل وصغر فإنه مغفور من مجتنبي الكبائر والاستثناء منقطع أو «إلا» صفة بمعني غير، ولما كان سؤال السائل عن تفسير اللمم أشار (عليه السلام) إليه بقوله: (هو الذنب يلم به الرجل فيمكث ما شاء الله ثم يلم به بعد) ألم فلان بالذنب إذا فعله ولعل المراد أن ذنب صغير يفعله الرجل فيمكث ما شاء الله ويتركه ثم يلم به بعد ذلك ويفعله فإن الله تعالى يغفر له باجتناب الكبائر ويكفره به كما يكفر الكبائر بالتوبة.

* الأصل:

2 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت له: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) قال: «الهنة بعد الهنة أي الذنب بعد الذنب يلم به العبد».(2)

* الشرح:

قوله: (قال الهنة بعد الهنة أي الذنب بعد الذنب يلم به العبد) أي ينزل به بعد فعله مع توسط الترك كما مر والهن والهنة بتخفيف النون وتشديدها كناية عن كل شيء ذكره باسمه قبيح مثل الفرج ونحوه وهي هنا كناية عن الذنب كما وقع التفسير به، ولعل التفسير من المعصوم مع احتمال أن يكون من غيره والله أعلم.

ص:182


1- -الکافی :441/2.
2- -الکافی :441/2.

3 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما من مؤمن إلا وله ذنب يهجره زمانا ثم يلم به وذلك قول الله عز وجل: (إلا اللمم) وسألته عن قول الله عزو جل: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) قال:

الفواحش الزنا والسرقة، واللمم: الرجل يلم بالذنب فيستغفر الله منه».

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحارث بن بهرام عن عمرو بن جميع قال:

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن وتفسيره فدعوه ومن جاءنا يبدي عورة قد سترها الله فنحوه، فقال له رجل من القوم: جعلت فداك والله إنني لمقيم على ذنب منذ دهر، اريد أن أتحول عنه إلى غيره فما أقدر عليه، فقال له: إن كنت صادقا فان الله يحبك وما يمنعه أن ينقلك منه إلى غيره إلا لكي تخافه».(1)

* الشرح:

قوله: (ومن جاءنا يبدي عورة قد سترها الله فنحوه) قد أمر (عليه السلام) أصحابه الذين من أهل التفرس أن يمنعوا من الدخول عليه من هو من أهل الإذاعة والابداء لأنه أصلح له ولهم ويندرج فيه ابداء أحاديثهم لغير أهلها وإذاعة أمرهم إلى أهل الجور واظهار سرهم الذي ستره الله تعالى وأمر باستتاره حفظا له ولشيعته من أعدائهم لشدة الخوف والتقية منهم وقد أشار (عليه السلام) إلى أن صدور الذنب من المؤمن مبنى على المصلحة له بقوله (إن كنت صادقا فإن الله يحبك - إلى آخره) محبة الله لعبده عبارة عن إيصال الخير إليه أو إرادة ايصاله فإذا علم الله تعالى أن عبدا من عباده يغتر بترك الذنوب ويعجب بكثرة الطاعة ولزوم الانقياد ويخرج نفسه عن حد التقصير والخوف منه يبتليه ببعض الذنوب وذلك لطف منه ورحمة على عبده لكي يخافه ويرجع إليه ويعترف بتقصيره، وهذا من أحسن الحالات للإنسان ولو لا هذا المصلحة لم يذنب مؤمن قط، ومنه يفهم أن الذنب خير من العجب والله المستعان.

* الأصل:

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى [عن حريز] عن إسحاق ابن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما من ذنب إلا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره الزمان ثم يلم به وهو قول الله عز وجل: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم)(2)، قال: اللمام العبد الذي يلم بالذنب بعد الذنب ليس من سليقته، أي من طبيعته»(3).

ص:183


1- -الکافی :442/2.
2- سورة النجم:31.
3- -الکافی :442/2.

* الشرح:

قوله: (ما من ذنب إلا وقد طبع عليه عبد مؤمن - إلى آخره) الطبع على الشيء الختم عليه وهو مستلزم لمنع دخول شيء فيه، ولعل المراد أن المؤمن ممنوع من الدخول في الذنب زمانا على سبيل الكناية ثم يلم به لمصلحة وأما حمله أن المؤمن خلق عليه بمعنى أنه مقتضى طبعه وسجيته فينافيه آخر هذا الحديث والحديث الذي بعده فليتأمل.

* الأصل:

6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن المؤمن لا يكون سجيته الكذب والبخل والفجور وربما ألم من ذلك شيئا لا يدوم عليه. قيل: فيزني؟ قال: نعم ولكن لا يولد له من تلك النطفة»(1).

* الشرح:

قوله: (وربما ألم من ذلك شيئا لا يدوم عليه) عدم دوامه دليل على أنه ليس من طبيعته; لأن مقتضى الطبيعة لا ينفك عنها وأيضا طبيعته الطيبة من طينة الجنة والروحانية المربية لها من روح الله وليس شيء منهما مقتضيا للذنب والمخالفة وإنما هو لامور خارجة عنهما ولحكمة مقتضية له (قيل فيزني؟ قال نعم ولكن لا يولد له من تلك النطفة) لعل المراد أن المتولد من تلك النطفة لا يكون ولدا له ولا يلحق به شرعا لا أنه لا يتولد منها ولد فإنه خلاف الواقع، وهنا احتمال بعيد وهو أنه لا يولد للمؤمن من تلك النطفة لأنه ليس بمؤمن حين يزنى فيكون إشارة إلى سلب الإيمان عنه حين الزنا.

ص:184


1- -الکافی :442/2.

باب في أن الذنوب ثلاثة

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن حماد، عن بعض أصحابه رفعه قال: صعد أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أيها الناس إن الذنوب ثلاثة ثم أمسك فقال له حبة العرني: يا أمير المؤمنين قلت: الذنوب ثلاثة ثم أمسكت، فقال: ما ذكرتها إلا وأنا اريد أن أفسرها ولكن عرض لي بهر حال بيني وبين الكلام نعم الذنوب ثلاثة: فذنب مغفور وذنب غير مغفور وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه، قال: يا أمير المؤمنين فبينها لنا، قال: نعم أما الذنب المغفور فعبد عاقبه الله على ذنبه في الدنيا فالله أحلم وأكرم من أن يعاقب عبده مرتين، وأما الذنب الذي لا يغفر فمظالم العباد بعضهم لبعض، إن الله تبارك وتعالى إذا برز لخلقه أقسم قسما على نفسه، فقال: وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ولو كف بكف ولو مسحة بكف ولو نطحة ما بين القرناء إلى الجماء فيقتص للعباد بعضهم من بعض حتى لا يبقى لأحد على أحد مظلمة ثم يبعثهم للحساب، وأما الذنب الثالث فذنب ستره الله على خلقه ورزقه التوبة منه، فأصبح خائفا من ذنبه راجيا لربه، فنحن له كما هو لنفسه، نرجو له الرحمة ونخاف عليه العذاب»(1) .

* الشرح:

قوله: (إن الذنوب ثلاثة) وجه الحصر أن الذنب أما للتقصير في حق الله أو في حق الناس والأول أما أن يرفع عن العبد العقوبة الدنيوية بالتوبة أو لا فهذه ثلاثة وأما الذنب الذي لا عقوبة عليه في الدنيا ولم يتب منه، فالظاهر أنه داخل في القسم الثالث وحكمه حكمه وإن كان الخوف منه أشد (ولكن عرض لي بهر) هو انقطاع النفس من الأعياء (أما الذنب المغفور فعبد عاقبه الله على ذنبه) دخل على أن المحدود على الذنوب كلها باي حد كان وإن كان لأمر مشترك مغفور وأما المعاقب بالأمراض فالظاهر أنه أيضا داخل فيه والعلة مشتركة (إن الله تبارك وتعالى إذا برز لخلقه) أي ظهر أمره وحكمه لطلب الحقوق منهم (أقسم قسما على نفسه فقال وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ولو كف بكف ولو مسحه بكف ولو نطحه ما بين القرناء إلى الجماء فيقتص للبعاد بعضهم من بعض) أي فيأخذ بعض ثواب بعض ويأخذ بعض عقاب بعض وهذا إذا لم يعف عن صاحبه وقد روي أنه عز وجل يطلب منهم العفو ويعد لمن عفى أجرا جزيلا حتى يعفو الأكثر طلبا لما

ص:185


1- -الکافی :443/2.

عنده تعالى ثم ظاهر هذا الخبر وظاهر قوله تعالى (وإذا الوحوش حشرت) وظاهر ما في مسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «ليؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» يفيد وقوع حشر الوحوش يوم القيامة والشاة الجلحاء التي لا قرن لها وكذا الجماء مؤنث الاجم وصرح بعض المفسرين (1) في تفسير الآية بحشر الوحوش وقيل المراد إذا الوحوش جمعت من أطراف الأرض، وقيل اميتت.

قال عياض: اضطرب العلماء في بعث البهائم وأقوى ما تعلق به من يقول ببعثها قوله تعالى (وإذا الوحوش حشرت) وأجاب الآخر بأن معنى حشرت ماتت، قال والأحاديث الواردة في بعثها آحاد تفيد الظن والمطلوب في المسألة القطع، وحمل البعض القود المذكور في الحديث على أنه ليس حقيقة وإنما هو ضرب مثل اعلاما للخلق بأنها دار جزاء لا يبقى فيها حق عند أحد، ثم قال: ويصح عندي أن يخلق الله تعالى هذه الحركة للبهائم يوم القيامة ليشعر أهل المحشر بما هم صائرون إليه من العدل وسمى ذلك قصاصا لا أنه قصاص تكليف ومجازاة ومن توقف في بعثها إنما توقف في القطع بذلك ما يقطع ببعث المكلفين والأحاديث الواردة ليست نصوصا ولا متواترة وليست المسئلة عملية حتى يكتفي فيها بالظن (2) والأظهر حشر المخلوقات كلها بمجموع ظواهر الآي والأحاديث وليس من شرط الإعادة المجازاة بعقاب أو ثواب للإجماع على أن أولاد الأنبياء (عليهم السلام) في الجنة ولا مجازاة على الأطفال، واختلف في أولاد من سواهم اختلافا كثيرا انتهى.

ص:186


1- قوله: «وصرح بعض المفسرين» أورد العلامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول كلام الشارح هنا بعين عباراته وكذلك كل تحقيق أنيق ونكتة طريفة تجلب النظر هنا توجد في المرآة في هذه الأبواب وما أجمله الشارح اعتمادا على القارئين وإحالة لهم على مظانه فصله ليرفع عنهم الفحص ويسهل عليهم الأمر ومنه قول الشارح بعض المفسرين مجملا وفصله العلامة المجلسي (رحمه الله) فاورد كلام الطبرسي والرازي. ثم نقل كلام الشارح من قوله قال عياض إلى آخره وأورد بدل عياض بعض شراح صحيح مسلم (ش).
2- قوله: «وليست المسألة عملية حتى يكتفى فيها بالظن» الاكتفاء في المسألة العملية بالظن أيضا غير معقول إلا أن يقوم دليل علمي على حجية الظن وحينئذ فالإعتماد على العلم لا على الظن ولا يخفى أن في المسائل الاعتقادية أو العملية إذا حصل من الأدلة والإمارات ظن بشيء لم يمكن لأحد سلب الظن عن قلبه، فإنه يحصل بغير اختياره، ولا يعقل أن يأمره الشارع بأن يعتقد خلاف ظنه أو يعلم قطعا صحة ظنه ومطابقته للواقع يقينا، ولكن يعقل أنى يأمره بالعمل مع ظنه عمل من يعلم بصحته أو يعلم ببطلانه ولذلك قالوا يكتفي في المسائل العملية بالظن دون الاعتقادية، فتبين من ذلك أن قيام الدليل العلمي على حجية الظن في الإعتقادات غير معقول فإن الظن لا يتغير ماهيته ولا يصير علما ولا شكا ولا مطلوب في الإعتقاديات إلا حصول نفس الإعتقاد بخلاف العمليات فإن المطلوب فيها ترتيب آثار الإعقتاد ولا مانع من قيام الدليل العلمي على ترتيب آثار اليقين على الظن تشريعا ولكن لا يعقل قيام الدليل العلمي على كون الظن علما تكوينا (ش).

وقال القرطبي: حمل بعضهم الحديث على ظاهره لأنه قال يؤتى يوم القيامة بالبهائم فيقال لها كونى ترابا بعد ما يقاد للجماء من القرناء وحينئذ (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) يدل على أنها ضرب مثل ما جاء في بعض الروايات من الزيادة في هذا الحديث (يريد الحديث الذي نقله مسلم) قال: حتى يقاد من القرناء وللحجر ما ركب على حجر وللعود لم خدش العود لأن الجمادات لا تعقل كلاما (1) فلا ثواب ولا عقاب لها وهو في التمثيل مثل قوله تعالى: (ولو أن قرآنا) الآية وقوله تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن) الآية وقال الآبي: المسائل العلمية التي لا ترجع للذات ولا للصفات كهذه يصح التمسك فيها به بالآحاد والاستدلال بمجموع ظواهر الآي والأحاديث يرجع إلى التواتر المعنوي والاختلاف فيمن سوى أولاد الأنبياء (عليهم السلام) إنما هو في محلهم بعد البعث لا في بعثهم كذا أظنه توقف الأشعري في بعث المجانين ومن لم يبلغه الدعوة فجوز أن يبعثوا وجوز أن لا يبعثوا ولم يرد عنه قاطع في ذلك، ثم قال: لا معنى لتوقفه; لأن ظاهر الآي والأحاديث بعث الجميع والمسئلة علمية لا ترجع للذات ولا للصفات فيصح التمسك فيها بالآحاد كما تقدم أو يقال مجموع الآي والأحاديث يفيد التواتر المعنوي كما تقدم انتهى.

(وأما الذنب الثالث فذنب ستره الله على خلقه ورزقه التوبة منه فأصبح خائفا من ذنبه راجيا لربه - إلى آخره) لما كانت التوبة أيضا عملا وقبول الأعمال غير متيقن لم يحصل له القطع بالتخلص من العقوبة بعد التوبة كما لم يحصل له القطع بالتخلص منها بالأعمال فلذلك كان التائب بين الخوف والرجاء، وما ورد من أن التائب مغفور وأن الله تعالى لا يعذبه فالمراد منه أنه تعالى إذا قبل توبة عبد لا يعذبه، ولله أعلم.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن بكير، عن زرارة عن حمران، قال:

سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل اقيم عليه الحد في الرجم أيعاقب [عليه] في الآخرة؟ قال: «إن الله

ص:187


1- قوله: «; لأن الجمادات لا تعقل» لا ينافي ذلك ثبوت الاعواض للحيوانات إذ كما أن مقتضى العدل الإلهي إثابة المطيع كذلك مقتضاه تعويض الآلام عند أهل العدم نعم لا تختص الأعواض بعالم الآخرة والحق أن القيامة وما بعدها من الأسرار الغيبية الإلهية التي لا طريق لنا إليها وإنا لا نعلم منها إلا ما ورد من الشرع، والبزخ وإن كان كذلك لكنه أقرب إلينا ويمكننا تصور شيء منه بالتقريب وجماعة من الحكماء الإسلاميين أثبتوا تجرد نفوس الحيوان نوع تجرد ولأن بقاء النفوس فرع تجردها أثبتوا حشر الحيوانات ولكن العارف بطريقتهم يعلم أن ما ذكروه خاص بالبرزخ ولم يذكروا بعد إثبات الحشر في القيامة حتى بالنسبة إلى الإنسان تفصيلا شافيا فما ثبت يقينا من الشرع وجب التصديق به وما لم يثبت فلا طريق لنا إليه قال تعالى: (يسئلونك عن الساعة أيان مرسيها فيم أنت من ذكريها إلى ربك منتهاها) (ش).

أكرم من ذلك».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: إن الله أكرم من ذلك) من جرى عليه الحد غفر له قطعا وإن دفعه بالتوبة قبل لزومه غفر له أيضا إن قبلت توبته ووقعت شرائطها ولكن قبولها غير متيقن ولذلك كان التائب بين الخوف والرجاء إلى أن يعلم مآل حاله.

ص:188


1- -الکافی :443/2.

باب تعجيل عقوبة الذنب

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن حمزة بن حمران، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن الله عز وجل إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله ذنب ابتلاه بالسقم، فإن لم يفعل ذلك له ابتلاه بالحاجة فإن لم يفعل به ذلك شدد عليه الموت ليكافيه بذلك الذنب، قال: وإذا كان من أمره أن يهين عبدا وله عنده حسنة صحح بدنه، فإن لم يفعل به ذلك وسع عليه في رزقه، فإن هو لم يفعل ذلك به هون عليه الموت ليكافيه بتلك الحسنة».

* الشرح:

قوله: (قال: إن الله عز وجل إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله ذنب ابتلاه بالسقم، فإن لم يفعل ذلك له ابتلاه بالحاجة فإن لم يفعل به ذلك شدد عليه الموت ليكافيه بذلك الذنب) وفي رواية:

«إن بقي عليه ذنب يكافيه بضغطة القبر وقد يجتمع الأثنان والثلاثة والأربعة أن عظم الذنب بحيث لا يكفره أحد» وفيه دلالة واضحة على أن المؤمن لا يعذب في الآخرة إلا أن يقال قد يبقي الذنب لا يكفره شيء من الأربعة أو يخصص الذنب بالتقصير في حق الله تعالى.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن الحكم بن عتيبة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يكن عنده من العمل ما يكفرها ابتلاه بالحزن ليكفرها».(1)

* الشرح:

قوله: (ابتلاه بالحزن ليكفرها) أما بالسقم أو بالحاجة أو بفوات المال والولد أو بغيرها من الأسباب المعلومة وغير المعلومة.

3 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أخرج عبدا من الدنيا وأنا اريد أن أرحمه حتى أستوفي منه كل خطيئة عملها، إما بسقم في جسده وإما بضيق في

ص:189


1- -الکافی :444/2.

رزقه وإما بخوف في دنياه فإن بقيت عليه بقية شددت عليه عند الموت، وعزتي وجلالي لا أخرج عبدا من الدنيا وأنا اريد أن اعذبه حتى اوفيه كل حسنة عملها إما بسعة في رزقه وإما بصحة في جسمه وإما بأمن في دنياه فإن بقيت عليه بقية هونت عليه بها الموت».

* الأصل:

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن محبوب، عن هشام ابن سالم، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن المؤمن ليهول عليه في نومه فيغفر له ذنوبه وإنه ليمتهن في بدنه فيغفر له ذنوبه».(1)

* الشرح:

قوله: (إن المؤمن ليهول عليه في نومه فيغفر له ذنوبه وإنه ليمتهن في بدنه فيغفر له ذنوبه) إذا كان الخوف الخيالي والحزن المثالي موجبان للمغفرة فكيف المتحقق منهما ومنه يتأكد أمر الرجاء، وفي بعض النسخ «ليمهن» من أمهنته أي أضعفته وفي كنز اللغة الإمتهان ضعيف كردن.

5 - علي بن إبراهيم; عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن السري بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا عجل عقوبته في الدنيا وإذا أراد بعبد سوءا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافي بها يوم القيامة».

* الأصل:

6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير): ليس من إلتواء عرق ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم ولا خدش عود إلا بذنب ولما يعفو الله أكثر، فمن عجل الله عقوبة ذنبه في الدنيا فإن الله أجل وأكرم وأعظم من أن يعود في عقوبته في الآخرة».(2)

* الشرح:

قوله: (ليس من إلتواء عرق ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم ولا خدش عود إلا بذنب) نكبته الحجارة نكبا لثمته أي أصابته وأدمته، وفيه دلالة على أن أمثال هذه المصائب إنما تكون من أجل ذنب لتكون كفارة عنه وإن الله تعالى يعفو أكثر الذنوب تفضلا بدون إيصال تلك المصائب أو المراد أنه يبقى على المؤمن بعد تلك المصائب أكثر الذنوب والله سبحانه يعفو عنه تفضلا.

7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن العباس بن موسى الوراق عن علي

ص:190


1- -الکافی :444/2.
2- -الکافی :445/2.

الأحمسي، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يزال الهم والغم بالمؤمن حتى ما يدع له ذنبا».

8 - عنه، عن أحمد بن محمد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن أبي عمير، عن الحارث بن بهرام، عن عمرو بن جميع قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن العبد المؤمن ليهتم في الدنيا حتى يخرج منها ولا ذنب عليه».

9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي الأحمسي عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا يزال الهم والغم بالمؤمن حتى ما يدع له من ذنب».

10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: ما من عبد اريد أن ادخله الجنة إلا إبتليته في جسده، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا شددت عليه عند موته حتى يأتيني ولا ذنب له، ثم ادخله الجنة وما من عبد اريد أن ادخله النار إلا صححت له جسمه فإن كان ذلك تماما لطلبته عندي وإلا آمنت خوفه من سلطانه فإن كان ذلك تماما لطلبته عندي وإلا وسعت عليه في رزقه فإن كان ذلك تماما لطلبته عندي وإلا هونت عليه موته حتى يأتيني ولا حسنة له عندي ثم ادخله النار».

* الأصل:

11 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن اورمة، عن النضر بن سويد عن درست ابن أبي منصور، عن ابن مسكان، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «مر نبي من أنبياء بني إسرائيل برجل بعضه تحت حائط وبعضه خارج منه قد شعثته الطير ومزقته الكلاب، ثم مضى فرفعت له مدينة فدخلها فإذا هو بعظيم من عظمائها ميت على سرير مسجا بالديباج حوله المجمر فقال: يا رب أشهد أنك حكم عدل لا تجور، هذا عبدك لم يشرك بك طرفة عين أمته بتلك الميتة وهذا عبدك لم يؤمن بك طرفة عين أمته بهذه الميتة! فقال: عبدي: أنا كما قلت حكم عدل لا أجور، ذلك عبدي كانت له عندي سيئة أو ذنب أمته بتلك الميتة لكي يلقاني ولم يبق عليه شيء وهذا عبدي كانت له [عندي] حسنة فأمته بهذه الميتة لكي يلقاني وليس له عندي حسنة».(1)

* الشرح:

قوله: (فقال: عبدي: أنا كما قلت حكم عدل لا أجور، ذلك عبدي كانت له عندي سيئة أو ذنب

ص:191


1- -الکافی :446/2.

إلى آخره) الترديد من الراوي وفيه دلالة على أن رفع السيئات والحسنات لا يختص بالابتلاء والإكرام في حال الحياة بل يكون بالاعزاز وعدمه بعد الموت أيضا.

* الأصل:

12 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي الصباح الكناني قال:

كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه شيخ فقال: يا أبا عبد الله أشكو إليك ولدي وعقوقهم وإخواني وجفاهم عند كبر سني، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا هذا إن للحق دولة وللباطل دولة وكل واحد منهما في دولة صاحبه ذليل وإن أدنى ما يصيب المؤمن في دولة الباطل العقوق من ولده والجفاء من إخوانه، وما من مؤمن يصيبه شيء من الرفاهية في دولة الباطل إلا ابتلي قبل موته، إما في بدنه وإما في ولده وإما في ماله حتى يخلصه الله مما اكتسب في دولة الباطل ويوفر له حظه في دولة الحق. فأصبر وأبشر».(1)

* الشرح:

قوله: (فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا هذا إن للحق دولة وللباطل دولة وكل واحد منهما في دولة صاحبه ذليل إلى آخره) الحق والباطل مثل كفتى ميزان رفع أحدهما موجب لوضع الآخر وبالعكس، فإذا كانت الدولة دولة الباطل كان الباطل رفيعا وأهله عزيزا وكان الحق وضيعا وأهله ذليلا وإذا كانت الدولة ودلة الحق كان الأمر بالعكس، ثم إنه يصيب المؤمن في دولة الباطل مصائب كثيرة أدناها ما ذكر، كل ذلك لظهور الباطل وخفاء الحق وإن أصاب المؤمن في دولة الباطل رفاهية في العيش وسعة في الرزق وفراغ للخاطر فإنما هو غالبا لمماشاته مع أهل الباطل ومجاراته معهم ولو فرض عدم ذلك فلا شبهة في وقع التشابه بينه وبينهم ومن تشبه بقوم فهو منهم فلذلك كانت له سيئة يتخلص منها بالابتلاء قبل الموت ولما كان السائل في دولة الباطل وانتفت عنه الرفاهية أمره (عليه السلام) بالصبر على المصائب اللازمة في دولة الباطل وبشره بما أعد الله للصابرين.

ص:192


1- -الکافی :447/2.

باب في تفسير الذنوب

* الأصل:

1 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن العباس بن العلاء، عن مجاهد، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الذنوب التي تغير النعم البغي والذنوب التي تورث الندم القتل، والتي تنزل النقم والظلم، والتي تهتك الستر شرب الخمر، والتي تحبس الرزق الزنا، والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم، والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين».(1)

* الشرح:

قوله: (قال الذنوب التي تغير النعم البغي) أي البغي على الإمام العارف العادل أو على الناس أو السعي بالفساد بينهم أو فجور المرأة وكل ذلك يوجب فساد النظام وزوال الرفاهية وتغير النعم وذهاب الراحة، ونقل صاحب العدة عن سيد العابدين (عليه السلام) أنه قال: «الذنوب التي تغير النعم البغي على الناس، والزوال عن العادة في الخير، واصطناع المعروف، وكفران النعم، وترك الشكر قال الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)(2).

وقال أيضا: «الذنوب التي تزيل النعم عصيان العارف والتطاول على الناس والاستهزاء والسخرية منهم» (والذنوب التي تورث الندم القتل) فإنه يورث الندامة في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى في قابيل حين قتل أخاه هابيل: (فأصبح من النادمين) والندامة الاخروية ظاهرة لمشاهدة الخلود في النار وشدة العقوبة وليست ندامة غيره من المعاصي مثل ندامته حيث كان الندامة منحصرة فيه (والتي تنزل النقم الظلم) الظلم على عباد الله يوجب نزول عقوبته ولزوم نقمته على الظالم ولو بعد حين وقد خرب الله تعالى ديار الظالمين وأفنى أولادهم وأموالهم كما هو معلوم من أحوال فرعون وهامان وأحوال بني امية وبني عباس وغيرهم من المشهورين بالظلم وهذه عقوبة دنيوية وأما الاخروية فمعدة لهم لا يعلم قدرها إلا هو (والتي تهتك الستر شرب الخمر) لأن الله تعالى يكشف الغطاء عن الأفعال القبيحة لشارب الخمر ويزيل الحياء عنه فلا يرى قبح شيء من الأشياء ولا يبالي بأقبح الأعمال ومن كان بهذه الصفة فهو حرى بأن يهتك ستره عند المقربين ويظهر عيبه عند الخلائق أجمعين (والتي تحبس الرزق الزنا) لأن قوة الباه من كثرة الرزق ولذلك يضعف بالصوم ونحوه من الرياضات النفسانية فالزاني إذا صرف قوته في غير محله استحق

ص:193


1- -الکافی :447/2.
2- -سورة الرعد:11.

أن يحبس عنه الرزق (والتي تعجل الفناء قطعية الرحم) قد مر تحقيق ذلك في باب صلة الرحم وقطعها (والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين) الهواء الفضاء بين الأرض والسماء وأظلام العقوق له مبالغة في ظلمة العقوق وقبحه، ولا يبعد أن يجعل كناية عن أنه يمنع القلب عن إدراك الحق.

وأما أنه يرد الدعاء فلان قبول الدعاء منوط برضاء الله المنوط برضاء الوالدين فإذا تحقق العقوق انتفى جميع ذلك فينتفى القبول، ولا ينافي ذلك ما روى من أن الله تعالى يقبل دعاء العدو والفاسق سريعا كراهة لسماع صوتهما; لأن هذا ليس بكلى على أنه يمكن أن يخصص بغير العقوق.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان أبي (عليه السلام) يقول: «نعوذ بالله من الذنوب التي تعجل الفناء وتقرب الآجال وتخلي الديار وهي قطيعة الرحم والعقوق وترك البر».(1)

* الشرح:

قوله: (نعوذ بالله من الذنوب التي تعجل الفناء وتقرب الآجال وتخلي الديار وهي قطيعة الرحم والعقوق وترك البر) الظاهر على أن النشر على ترتيب اللف، ويحتمل تعلق كل واحد بكل واحد، ولعل المراد بالبر بر الوالدين ويحتمل الأعم.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أيوب بن نوح - أو بعض أصحابه عن أيوب - عن صفوان بن يحيى قال:

حدثني بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا فشا أربعة ظهرت أربعة: إذا فشا الزنا ظهرت الزلزلة، وإذا فشا الجور في الحكم احتبس القطر، وإذا خفرت الذمة اديل لأهل الشرك من أهل الإسلام، وإذا منعوا الزكاة ظهرت الحاجة»(2).

* الشرح:

قوله: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا فشا أربعة ظهرت أربعة) فيه تنبيه على أن للذنوب والأعمال الخارجة عن أوامر الله تعالى تأثيرا في دفع الرحمة وسر ذلك أن الجود الإلهي لا بخل فيه ولا منع من قبله وإنما ذلك بحسب عدم الاستعداد الكسبي وقلته وكثرته وظاهر أن المقبلين إلى الدنيا وشهواتها المرتكبين لمحارم الله معرضون عنه غير مقبلين لآثار رحمته بل مستعدون لضد ذلك أعنى سخطه وعذابه بحسب استعدادهم بالإنهماك في محارمه والجور عن سبيل وحرى بمن كان كذلك أن لا تناله البركة ولا تفاض عليه الرحمة (وإذا اخفرت الذمة اديل لأهل الشرك من أهل

ص:194


1- -الکافی :448/2.
2- -الکافی :448/2.

الإسلام) الاخفار نقض العهد والأدالة النصرة والغلبة يقال اديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم وصارت الغلبة لنا والمقصود أن المشركين يغلبون على أهل الإسلام (وإذا منعوا الزكاة ظهرت الحاجة) أي حاجة الفقراء أو حاجة الأغنياء أيضا; لأن الزكاة سبب لبقاء المال ونموه فإذا منعوها تلفت أموالهم.

باب نادر

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قال الله عز وجل: إن العبد من عبيدي المؤمنين ليذنب الذنب العظيم مما يستوجب به عقوبتي في الدنيا والآخرة فأنظر له فيما فيه صلاحه في آخرته فاعجل له العقوبة عليه في الدنيا لاجازية بذلك الذنب واقدر عقوبة ذلك الذنب وأقضيه وأتركه عليه موقوفا غير ممضى ولي في إمضائه المشية وما يعلم عبدي به فأتردد في ذلك مرارا على إمضائه ثم امسك عنه فلا امضيه كراهة لمساءته وحيدا عن إدخال المكروه عليه فأتطول عليه بالعفو عنه والصفح، محبة لمكافاته لكثير نوافله التي يتقرب بها إلي في ليله ونهاره فأصرف ذلك البلاء عنه وقد قدرته وقضيته وتركته موقوفا ولي في إمضائه المشية: ثم أكتب له عظيم أجر نزول ذلك البلاء وأدخره واوفر له أجره ولم يشعر به ولم يصل إليه أذاه وأنا الله الكريم الرؤوف الرحيم».(1)

* الشرح:

قوله: (قال الله عز وجل: إن العبد من عبيدي المؤمنين ليذنب الذنب العظيم مما يستوجب به عقوبتي في الدنيا والآخرة فأنظر له فيما فيه صلاحه في آخرته... إلى آخره) هو جعله خالصا مما يوجب عقوبته في الآخرة بإبتلائه في الدنيا ليكون كفارة لذنبه وهو مع كونه مستحقا له رفع الله عنه ذلك البلاء تفضلا ونظرا إلى بعض نوافله فعفى عن ذنبه في الدنيا والآخرة وقوله: (فأعجل له العقوبة) إشارة إلى إرادة تعجيل العقوبة الدنيوية وتقديرها وقضائها ليكون جزاء لذلك الذنب وكفارة له ثم إنه بعد القضاء جعله موقوفا على الإمضاء إذ لا يوجد شيء في الخارج يدون الإمضاء ثم امسك عن الإمضاء وعفى عن ذلك الذنب رحمة وتفضلا ونظرا لبعض نوافله لئلا يرد عليه المساءة والمكروه وقوله: (وقد قدرته) إشارة لي زيادة الامتنان حيث دفع عنه البلاء المقدر

ص:195


1- -الکافی :449/2.

المقضي الذي هو قريب الوقوع.

قوله (فأصرف ذلك البلاء عنه) إشارة إلى البلاء الدنيوي أعنى العقوبة المقدرة المذكورة وقوله: «ثم أكتب له عظيم أجر نزول ذلك البلاء» إشارة إلى تفضل آخر فوق المذكور وهو أنه أثابه لأجل ذلك البلاء المقدر المقضى مع عدم نزوله ثوابا عظيما فالمراد بنزول البلاء نزوله على سبيل الفرض، ولعل المراد بتوفير الاجر أجر ذلك الذنب حيث عفى عنه وأجر ذلك البلاء المقدر أو أعطاء أجره بعشر أمثاله، وقوله: (ولم يشعر به) إشارة إلى أن له من الله تعالى الطافا غيبية مع عدم علمه بها وقوله: «وأنا الله الكريم الرؤوف» إشارة إلى أن مبدأ جميع هذه الالطاف هو هذه الأوصاف هذا، ويحتمل أن يراد بتعجيل العقوبة الدنيوية وقعوها وامضاؤها وبتقدير عقوبة ذلك الذنب تقدير عقوبته الاخروية مع العفو عنها وعدم امضائها ولكنه بعيد والله يعلم.

ص:196

باب نادر أيضا

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في قوله عز وجل: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) فقال هو: (ويعفو عن كثير) قلت: ليس هذا أردت أرأيت ما أصاب عليا وأشباهه من أهل بيته (عليهم السلام) من ذلك؟ فقال: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتوب إلى الله في كل يوم سبعين مرة من غير ذنب».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في قوله: عز وجل: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) فقال هو - أي أبو عبد الله (عليه السلام) - «ويعفو عن كثير» قلت: ليس هذا أردت أرأيت ما أصاب عليا وأشباهه من أهل بيته (عليهم السلام) من ذلك؟ فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتوب إلى الله في كل يوم سبعين مرة) التوبة وهي الرجوع مما يوجب الغفلة عن الحق إليه، كما تكون من الكفر والمعصية كذلك تكون من الغفلة عن ذكر الحق ولو لحظة إليه فإنها أصل من اصول المعاصي ولو فرض عدم الغفلة أصلا ودوام اشتغال القلب بالذكر والتفكر فلا ريب في أن مقامات الذكر متفاوتة لأجل الاشتغال بالامور الضرورية الدنيوية مثل المشارب والمآكل والمناكح وغيرها فالكون في الدرجة التحتانية نقص بالنسبة إلى الكون في الدرجة الفوقانية، ولا ريب في أن التوبة منه أيضا مطلوبة ولعل توبته (صلى الله عليه وآله) كانت من هذا القبيل.

إذا عرفت هذا فنقول: لما اقتصر السائل بذكر بعض الآية وذكر (عليه السلام) باقيها أشار السائل بقوله «وليس هذا أردت» اعتذارا لعدم ذكر باقيها إلى أن مراده من السؤال غير متعلق بالباقي وإنما هو متعلق بما ذكره وهو أنه أصاب عليا (عليه السلام) وأهل بيته الطاهرين مصيبات عظيمة وهي ليست بما كسبت أيديهم لأنهم معصومون من الذنوب. أو نقول لما دلت الآية على أن كل معصية بسبب كسب الذنوب ولزم منه أنه متى تحقق الكسب تحققت المصيبة لامتناع تخلف المعلول عن علته وحمل (عليه السلام) أصل السؤال على هذا اللازم وأشار بقوله (ويعفوا عن كثير) إلى أن كسب الذنوب ليس علة مستقلة للمصيبة وإنما وهو موجب لإستحقاقها واستحقاقها لا يوجب حصولها بل الله تعالى يغفر أكثر الذنوب بلا مصيبة، قال السائل ما أردت هذا بل أردت أن مصيبة على وعترته

ص:197


1- -الکافی :449/2.

الطاهرين هل هي بسبب ذنوبهم كما يقتضيه منطوق الآية فأجاب (عليه السلام) بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتوب إلى الله في كل يوم سبعين مرة من غير ذنب وهذا الجواب يحتمل وجهين: أحدهما أن المصيبة قد تكون من غير ذنب كما أن التوبة قد تكون من غير ذنب والغرض منها زيادة الثواب ورفع الدرجات، حينئذ حكم الآية جار في غيرهم (عليهم السلام) والخطاب غير شامل لهم كما سيجيء، وثانيهما أن المكتسب أعم من الذنب وغيره كما أن التوبة أعم من ذنب وغيره فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين، والفرق بين الجوابين تخصيص الحكم والمكتسب في الأول وتعميمهما في الثاني، والله أعلم.

2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) أرأيت ما أصاب عليا وأهل بيته (عليهم السلام) من بعده هو بما كسبت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون؟ فقال: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتوب إلى الله ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب، إن الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب».

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، رفعه قال: لما حمل علي بن الحسين صلى الله عليهما إلى يزيد بن معاوية فاوقف بين يديه قال يزيد لعنه الله: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم)(1) فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): «ليست هذه الآية فينا إن فينا قول الله عز وجل: (وما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير)»(2).(3)

* الشرح:

قوله: (فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): ليست هذه الآية فينا إن فينا قول الله عز وجل: (وما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير)) مصيبتهم واقعة في أهل الأرض والخطاب لهم والكتاب اللوح المحفوظ والضمير في نبرأها أي نخلقها للمصيبة أو الأرض أو الأنفس أو المخلوقات وذلك إشارة إلى اثباتها وحفظها وهو يسير سهل على الله سبحانه وان كان عسيرا صعبا على غيرة والمقصود أن مصيبتنا قدره الله تعالى لنا من غير ذنب ليأجرنا بها ويرفع درجتنا عنده، والله أعلم.

ص:198


1- -سورة الشوری :30.
2- -سورة الحدید :22.
3- -الکافی :450/2.

باب «إن الله يدفع بالعامل عن غير العامل»

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبد الله بن القاسم عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله [ل] - يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، وإن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج من شيعتنا ولو أجمعوا على ترك الحج لهلكوا وهو قول الله عز وجل: (ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)(1) فوالله ما نزلت إلا فيكم ولا عنى بها غيركم»(2).

* الشرح:

قوله: (قال: إن الله ليدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا - إلى آخره) المراد بالهلاك الهلاك الدنيوي وهو الاستيصال فيدل على أن وجود الصلحاء سبب لبقاء الأشقياء ولعل الدفع والهلاك غير مختصين بفعل الواجبات المذكورة وتركها مع احتماله ولعل المراد بقوله (عليه السلام): «فو الله ما نزلت إلا فيكم» أن تنزيلها فيكم وانكم مقصودون أولا وبالذات فلا ينافي شمول تأويلها للغير.

ص:199


1- -سورة البقرة :251.
2- -الکافی :451/2.

باب «إن ترك الخطيئة أيسر من [طلب] التوبة»

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابه، عن أبي العباس البقباق [قال:] قال أبو عبد الله (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة وكم من شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا والموت فضح الدنيا، فلم يترك لذي لب فرحا».(1)

* الشرح:

قوله: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة) لظهور أن ترك الفعل أسهل من الفعل ولصفاء النفس قبل فعل الخطيئة وتكدرها بعده والترك مع صفائها واستعدادها له أسهل من الفعل مع تكدرها وزوال استعدادها له وبالجملة الذنب يسود لوح النفس ويوردها في مهاوي الهلاك فكانت مخالفتها حينئذ أصعب (وكم من شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا) وهو الحزن بعد الموت بمشاهدة سوء العاقبة أبدا، أو قبل الموت أيضا فإن التابع للشهوة كثيرا ما يحزن بعد انقضائها حزنا شديدا لعلمه بقبح متابعتها وظلمة آثارها (والموت فضح الدنيا فلم يترك لذي لب فرحا) فضحه فأنفضع أي كشف عن مساويه، يعني أن الموت كشف عن مساوي الدنيا أو مساوي أهلها إذ بعد الموت يعلم أن شهواتها التي دعت أربابها إليها فرية وغرورا وزهراتها التي حرضت أصحابها عليها مينا وزورا، صورتها في نظرهم بأحسن الصور حتى مالوا إليها بأكمل الميل والنظر وهي في نفس الامر كحيات مهلكة وعقارب مؤذية فلم يترك الموت لذي لب وعقل يدرك شناعة أواخر الأمور في أوائلها، وقباحة نهاية الشهوات في بدايتها، وكمال بوائق الدنيا وغوائلها فرحا وسرورا، يوجب فراغ باله ورفاه حاله لعلمه بأن الدنيا قد غرت كثيرا من الأذكياء فأنزلتهم في منازل الأشقياء فهم بعد الموت هائمون وفي الحسرة والندامة دائمون، ويمكن أن يراد أن أصل الموت فضح الدنيا لكشفه عن عدم وفائها لأهلها بالبقاء أو أن موت الأمة الماضية وتركهم الدنيا وزهراتها واشتغالهم بأعمالهم بعد الموت فضح الدنيا بعد الوفاء لهم، وفيه على التقادير ترغيب في ذكر الموت فإنه يوجب ترك الدنيا والركون إليها.

ص:200


1- -الکافی :451/2.

باب الإستدراج

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن جندب، عن سفيان بن السمط قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن الله إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة ويذكره الاستغفار وإذا أراد بعبد شرا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادي بها، وهو قول الله عز وجل: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) بالنعم عند المعاصي».(1)

* الشرح:

قوله: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): ان الله إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة ويذكره الاستغفار - إلى آخره) العبد إذا كان خيرا صالحا مائلا إلى النجاة والسعادة وعلم الله ذلك منه فأذنب ذنبا أتبعه الله تعالى بنقمة ويلهمه أنها لأجل ذلك الذنب ويذكره الاستغفار منه ليستغفر فيغفر له، وإذا كان شريرا مائلا إلى الفساد والشقاوة وعلم الله ذلك منه فأذنب ذنبا أتبعه الله عز وجل بنغمة لتنسيه الاستغفار عنه ويتمادي في الغي والضلالة وهو قول الله عز وجل: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) واستدراجهم بإيصال النعم إليهم عند اشتغالهم بالمعاصي والاستدراج قيل هو الاخذ على الغرة من حيث لا يعلم.

وقيل هو أن يتتابع على عبده النعم ابلاغا للحجة والعبد مقيم على الإساءة مصر على المعصية فيزداد بتواتر النعم عليه غفلة ومعصية وذهابا إلى الدرجة القصوى منها فيأخذه الله بغتة على شدة حين لا عذر له كما ترى الراقي في الدرجة فيتدرج شيئا بعد شيء حتى يصل إلى العلو فيسقط منه، وفيه تخويف للمنعم عليه بالاغترار والنسيان، وحمل ذلك على الالطاف والإحسان وتذكير له باحتمال أن يكون ذلك استدراجا ليأخذه على الغرة والشدة فوجب أن يستيقظ من سنة غفلته وينظر إلى مآل حاله ويترك انهماكه في غيه وضلاله، ويبتهل إلى الله سبحانه ويتضرع بين يدي رحمته لعل الله يرحمه ويجعل ذلك رحمة ونعمة عليه فإن الله سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب، وإليه يرد قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أيها الناس ليريكم الله تعالى من النعمة وجلين» يعني إذا أنعم الله عليكم في الدنيا فينبغي أن تكونوا خائفين وجلين لإمكان أن يكون ذلك ادراجا لكم في الفتنة، وقوله أيضا: «انه من وسع عليه في ذات يده فلم ير ذلك ادراجا فقد أمن

ص:201


1- -الکافی :452/2.

مخوفا» يعني إن من وسع عليه النعمة فلم ير أن ذلك استدراج فقد أمن من الفتنة وغفل عنها فوجب عليه أن يرى بعين البصيرة مآل الحال وأن ذلك استدراج وامهال من الملك المتعال كي يرجع عن الضلال وينفق ذلك المال في وجوه الخير.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن بعض أصحابه قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الإستدراج، فقال: «هو العبد يذنب الذنب فيملي له ويجدد له عندها النعم فتلهيه عن الاستغفار من الذنوب فهو مستدرج من حيث لا يعلم».

* الشرح:

قوله: (فقال: هو العبد يذنب الذنب فيملى له) الاملاء الامهال. قال الله تعالى: (واملي لهم أن كيدي متين) واشتقاقه من أمليت بمعنى أمهلت وأخرت وأطلت له مدة وزمانا والاملاء أعظم الابتلاء إذ بسببه يصدر عن المبتلي جرائم غير محصورة ومعاصي غير معدودة.

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) قال: «هو العبد يذنب الذنب فتجد له النعمة معه تلهيه تلك النعمة عن الاستغفار من ذلك الذنب».

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان [بن داود] المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه وكم من مستدرج يستر الله عليه وكم من مفتون بثناء الناس عليه».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه - إلى آخره) كم للأخبار بكثرة مغرور بالنعمة مستدرج مستور عليه. ومفتون بالمعصية ممدوح بين الناس، وهذا حال أهل الدنيا فإن المنعم بالنعم المتوافرة غافل عن المبدأ والمعاد وأحوال النفس، ومن أراد الله عز وجل استدراجه يستر عليه قبائح أعماله حتى يتدرج فيها إلى الدرجة العليا فيأخذه بغتة من حيث لا يدري أخذا شديدا والمفتون بالمعصية والدنيا يثنى عليه أكثر الناس أما طمعا لما في يديه، أو خوفا منه أو ميلا إلى المعصية فلا يحكمون بقبحها كما هو المعلوم في عصرنا هذا; وفيه تنفير عن الميل إليهم والمخالطة معهم.

ص:202


1- -الکافی :452/2.

باب محاسبة العمل

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إنما الدهر ثلاثة أيام أنت فيما بينهن: مضى أمس بما فيه فلا يرجع أبدا فإن كنت عملت فيه خيرا لم تحزن لذهابه وفرحت بما استقبلته منه وإن كنت قد فرطت فيه فحسرتك شديدة لذهابه وتفريطك فيه وأنت في يومك الذي أصبحت فيه من غد في غرة ولا تدري لعلك لا تبلغه وإن بلغته لعل حظك فيه في التفريط مثل حظك في الأمس الماضي عنك، فيوم من الثلاثة قد مضى أنت فيه مفرط ويوم تنتظره لست أنت منه على يقين من ترك التفريط وإنما هو يومك الذي أصبحت فيه وقد ينبغي لك إن عقلت وفكرت فيما فرطت في الأمس الماضي مما فاتك فيه من حسنات ألا تكون أكتسبتها ومن سيئات ألا تكون أقصرت عنها وأنت مع هذا مع استقبال غد على غير ثقة من أن تبلغه وعلى غير يقين من اكتساب حسنة أو مرتدع عن سيئة محبطة، فأنت من يومك الذي تستقبل على مثل يومك الذي استدبرت، فاعمل عمل رجل ليس يأمل من الأيام إلا يومه الذي أصبح فيه وليلته، فاعمل أودع، والله المعين على ذلك».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إنما الدهر ثلاثة أيام أنت فيما بينهن) هي اليوم الذي أصبحت فيه وهو يومك الذي ينبغي لك أن تعمل فيه; واليوم الذي قبل هذا اليوم وهو يشمل كل يوم قبله وهو المراد بالأمس الماضي لا خصوص يوم واحد قبله واليوم الآتي بعد هذا اليوم كذلك وهو المراد بالمستقبل (مضى أمس بما فيه فلا يرجع أبدا فإن كنت عملت فيه خيرا لم تحزن لذهابه وفرحت بما استقبلته منه - إلى آخره) يتحقق الفرح والحسرة بالعمل والتفريط ويتضح حق الوضوح وقت كشف الاستار وهو وقت الموت وما بعده وبالجملة الحسرة هي الحزن بفوات المحبوب والفرح هو السرور بحصوله وأحب الأشياء هو أنفعها وأنفعها عند المؤمن هو الطاعات والخيرات لأنها معه دائما وثوابها يعود إليه أبدا، فإذا أتى بها فرح ويزداد الفرح عند

ص:203


1- -الکافی :453/2.

كشف الغطاء، وإذا فرط فيها مع علمه بقدرها ومنافعها اشتدت حسرته لذهاب وقتها وحرمانه عن منافعها.

وفيه تحريص على محافظتها وأدائها في أوقاتها ورعاية حقوقها (وأنت في يومك الذي أصبحت فيه من غد في غرة) من للابتداء. والغد أول النهار والغرة بالكسر الغفلة أي أنت في اليوم الذي أصبحت فيه في غفلة من غد لا تدري تبلغه أم لا وعلى تقدير البلوغ لا تدري ما حظك فيه فاغتنم الوقت الذي أنت فيه كما أشار إليه بقوله (وإنما هو يومك الذي أصبحت فيه) الضمير راجع إلى الدهر أو إلى اليوم على احتمال، وفيه ترغيب في حفظ النفس فيه عن الأعمال الفاسدة وحبسها على الأعمال الصالحة كما أشار إليه بقوله (وقد ينبغي لك أن عقلت وفكرت فيما فرطت - إلى آخره) والظاهر أن مضمون الشرط والجزاء وهو «فاعمل عمل رجل» فاعل ينبغي، يعني ينبغي لك التفكر فيما فرطت في الماضي بترك الحسنات وفعل السيئات مع عدم الوثوق بادراك المستقبل، وعدم اليقين بفعل الحسنة وترك السيئة فيه على تقدير إدراكه، فإن هذا يوجب العمل في يومك الذي أصبحت فيه تداركا لما فات وتلافيا لما هو آت، وأنت أيها اللبيب إذا اعتبرت وتفكرت فيما ذكر بعين البصيرة، وتيقنت أنك قد سهوت في صرف ما مضى من عمرك في قنيات الدنيا وشهوات النفس حفظت ما بقي من عمرك في صرفه في الفاسد المفسد، ولا يخفى أن ذلك يحصل للمستيقظ الناظر إلى النفس في جميع حركاتها وسكناتها المتمسك بذيل العناية الأزلية وحبل رجائها، العارف بأن عمره في هذا اليوم رأس ماله وهو ينقص وينقضي بالتدريج وربحه فيه ذكر الحق بأنحاء الطاعات وأنواع العبادات فيحذر أن يفوته الربح ورأس المال جميعا والله ولى التوفيق.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم عن عمر اليماني عن أبي الحسن الماضي صلوات الله عليه قال: «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسنا استزاد الله وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه».(1)

* الشرح:

قوله: (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسنا استزاد الله وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه) محاسبه النفس ضبط الإنسان على نفسه الأعمال الخيرية والشرية ليحليها بما ينبغي ويخليها عما لا ينبغي، وينبغي أن يكون حال العقل مع النفس كحال الإنسان مع

ص:204


1- -الکافی :453/2.

الشريك، فينبغي أن يتولى حسابها في كل يوم وينظر إلى قيامها وقعودها وأكلها وشربها وحركتها وسكونها في الأعمال الظاهرة والباطنة ويزن جميع ذلك بميزان الشرع ليعلم مداخل الزيادة والنقصان كما أن التاجر يصنع ذلك بشريكه ويفتش عن حساب الدنيا بالحبة والقيراط ويتحفظ مداخل الزيادة والنقصان، ولابد أن يجعل الإنسان ليله ونهاره أربعة أجزاء: جزء لمحاسبة النفس، وجزء لمناجاة الرب، وجزء لتدبير المعاش، وجزء للاستراحة والاستمتاع بما أبيح له.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن إسحاق ابن عمار عن أبي النعمان العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «يا أبا النعمان لا يغرنك الناس من نفسك، فإن الأمر يصل إليك دونهم ولا تقطع نهارك بكذا وكذا فإن معك من يحفظ عليك عملك وأحسن فإني لم أر شيئا أحسن دركا ولا أسرع طلبا من حسنة محدثة لذنب قديم».

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي النعمان مثله.(1)

* الشرح:

قوله: (لا يغرنك الناس من نفسك فإن الأمر يصل إليك - إلى آخره) لما كان أكثر الناس في غفلة كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا» حذرك أولا عن متابعتهم وتقريرهم إياك وعلل ذلك بأن أمرك في الغفلة واليقظة إنما يصل إليك لا إليهم فترحم على نفسك ولا تتبعهم في أعمالهم، ونهاك ثانيا أن تصرف عمرك في نهارك الذي أنت فيه وتقدر على العمل فيما صرفوا فيه أعمارهم من المباحات والمحرمات وعلل ذلك بأن معك من يحفظ عليك عملك وسترى ما عملت من خير وشر حاضرا، فينبغي أن تقول هذا يوم جديد قد أمهلني الله فيه ولو قصرت فيه لقلت بعد الموت رب ارجعني لعلى أعمل صالحا فاحسب أنك رددت فيه فجد فيه وأعمل عملا صالحا، وأمرك ثالثا بالإحسان ولعل المراد به الإحسان إلى نفسك بتزكيتها أو إحسان العبادة بفعلها في أوقاتها مقرونة بأركانها وشرائطها المعتبرة في تحققها وكمالها وعلل ذلك بأنها درك حسن تام لذنب قديم أي يتدارك بها ذلك الذنب وطالب سريع له ليدفعه فهي في ذاتها طاعة توجب أجرا جزيلا ومحبطة لذنب سابق كما قال عز وجل: (إن الحسنات يذهبن السيئات).

* الأصل:

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا،

ص:205


1- -الکافی :454/2.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال: إصبروا على الدنيا فإنما هي ساعة فما مضى منه فلا تجد له ألما ولا سرورا وما لم يجيء فلا تدري ما هو وإنما هي ساعتك التي أنت فيها فاصبر فيها على طاعة الله واصبر فيما عن معية الله».

* الشرح:

قوله: (إنما هي ساعتك التي أنت فيها) أي ما دنياك إلا ساعتك التي أنت فيها، وتحمل شدائد الصبر فيها لسرور الأبد سهل عند من آمن بالله واليوم الآخر، وطلب الشهوة فيها يوجب حزنا كما دل عليه قوله (عليه السلام) فيما مر: «كم من شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا».

5 - عنه، عن بعض أصحابنا رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «احمل نفسك لنفسك فإن لم تفعل لم يحملك غيرك».

* الأصل:

6 - عنه، رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لرجل: «إنك قد جعلت طبيب نفسك وبين لك الداء وعرفت آية الصحة ودللت على الدواء، فانظر كيف قيامك على نفسك».

* الشرح:

قوله: (قال أبو عبد الله (عليه السلام) لرجل: إنك قد جعلت طبيب نفسك وبين لك الداء وعرفت آية الصحة - إلى آخره) المراد بالداء الداء النفساني والبدني من الأمراض القلبية والأعمال الفاسدة البدنية، وبالدواء أضداد تلك الأمراض والأعمال، وبآية الصحة الإيمان على احتمال، فإذا عرفته وعرفت الداء والدواء فكن طبيب نفسك. وعالج كل داء بضده من الدواء كما أشار إليه بقوله:

(فانظر كيف قيامك على نفسك) فإذا قمت على الداء ولم تعالجه بالدواء فقد قتلت نفسك ومن قتل نفسه فجزاؤه جهنم خالدا فيها.

* الأصل:

7 - عنه، رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لرجل: «اجعل قلبك قرينا برا أو ولدا واصلا واجعل عملك والدا تتبعه واجعل نفسك عدوا تجاهدها واجعل مالك عارية تردها».(1)

* الشرح:

قوله: (قال أبو عبد الله (عليه السلام) لرجل: اجعل قلبك قرينا برا أو ولدا واصلا واجعل عملك والدا تتبعه - إلى آخره) القرين البار المصاحب الصالح، وهو الذي يهديك إلى ما ينفعك، ويمنعك عما يضرك، والولد الواصل هو الذي لا يفعل ما يؤذيك أصلا وقد شبه القلب أعنى العقل بهما

ص:206


1- -الکافی :454/2.

للمشاركة بينه وبينهما في هذا المعنى، وشبه العمل الصالح بالوالد لأنه يوصل الخير العظيم والنفع الجسيم إليه كالوالد، وشبه النفس الأمارة بالعدو لأنها أعدى عدو للإنسان. فلابد من قتل متمنياتها القاتلة وشهواتها الباطلة لتطيع العقل فيما يأمرها به وينهاها عنه، وشبه المال بالعارية في قطع التعلق به أو في أنه ليس فيه إلا المشقة.

* الأصل:

8 - [و] عنه، رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أقصر نفسك عما يضرها من قبل أن تفارقك وأسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك، فإن نفسك رهينة بعملك».(1)

* الشرح:

قوله: (وأسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك) أراد به السعي فيما يوجب فكاكها وهذا وإن كان ينبغي أن يكون أزيد وأكمل من السعي في طلب المعيشة; لأن التفاوت بينهما بقدر التفاوت بين الدنيا والآخرة إلا إن طلب المعيشة في أكثر الناس لما كان أزيد وأكمل وقع التشبيه به في أصل السعي لظهوره أو في قدره على سبيل التنزيل فكأنه قال: ينبغي أن لا يكون سعيك في فكاكها أقل من سعيك في طلب المعيشة كما هو شأن أكثر أهل الدنيا، ثم علل ذلك ورغب في العمل بقوله:

(فإن نفسك رهينة بعملك) رهينة فعيلة بمعنى فاعل أي ثابتة مقيمة، وقيل بمعنى مفعول أي نفسك مقامة في جزاء ما قدر من عملك، ولما كان الرهن يتصور منه الحبس استعير ذلك للمحتبس أي شيء كان قال الله تعالى: (كل إمريء بما كسب رهين).

* الأصل:

9 - عنه، عن بعض أصحابه، رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كم من طالب للدنيا لم يدركها ومدرك لها قد فارقها، فلا يشغلنك طلبها عن عملك، والتمسها من معطيها ومالكها فكم من حريص على الدنيا قد صرعته واشتغل بما أدرك منها عن طلب آخرته حتى فنى عمره وأدركه أجله. وقال أبو عبد الله (عليه السلام): المسجون من سجنته دنياه عن آخرته».(2)

* الشرح:

قوله: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): كم من طالب للدنيا لم يدركها ومدرك لها قد فارقها) يعني أن طالب الدنيا يكون بين حزنين أحدهما عدم النيل بمطالبه، والثاني النيل مع فراقها فإن الحريص على الدنيا إذا جمعها كان عليه من وراء ذلك فراق ما جمع ونقض ما أبرم بهادم اللذات، ولا حسرة

ص:207


1- -الکافی :455/2.
2- -الکافی :455/2.

أعظم من أن يضيع أحد عمره فيما يتركه لغيره ويكون الحساب والعقاب عليه ثم نفر عن الدنيا ورغب في الآخرة على وجه آخر بقوله:

(المسجون من سجنته دنياه عن آخرته) أي حبسه، وهو الذي اشتغل بزهرات الدنيا عن أمر الآخرة وعلق قلبه عليها فيدركه الموت وليس له شيء منهما.

* الأصل:

10 - وعنه، رفعه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال: إذا أتت على الرجل أربعون سنة قيل له: خذ حذرك فإنك غير معذور وليس ابن الأربعين بأحق بالحذر من ابن العشرين فإن الذي يطلبهما واحد وليس براقد، فاعمل لما أمامك من الهول ودع عنك فضول القول».

* الشرح:

قوله: (وليس ابن الأربعين بأحق بالحذر من ابن العشرين فإن الذي يطلبهما واحد وليس براقد) «فإن» وجه لعدم الأحقية وذلك; لأن الأحقية أما باعتبار أن طالبهما متعدد فيمكن أن يتفاوت الطلب ويتفاوت بتفاوته الحذر بالشدة والضعف أو باعتبار أن طالبهما واحد صالح للرقود والغفلة فيغفل عن الثاني دون الأول، أو باعتبار أن طلب الموت لأحدهما أقرب من طلبه للآخر، ويمكن ادراجه في الاعتبار الأول، وليس شيء من هذا الاعتبارات فانتفت الأحقية، والمراد بترك فضول القول عدم التكلم به وعدم استماعه; لأن ذلك مفسد للسان والسمع والقلب، ومانع عن إدراك الحق واستقراره في القلب، ويمكن أن يراد به التسويف، والقول بأني سأعمل فيما يأتي من الزمان.

* الأصل:

11 - عنه، عن علي بن الحكم، عن حسان، عن زيد الشحام قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «خذ لنفسك من نفسك، خذ منها في الصحة قبل السقم وفي القوة قبل الضعف وفي الحياة قبل الممات».

* الشرح:

قوله: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): خذ لنفسك من نفسك، خذ منها في الصحة قبل السقم وفي القوة قبل الضعف وفي الحياة قبل الممات) لما كان كل من السقم والضعف بكبر السن والموت مانعا من الأعمال الحسنة وكانت القدرة في أضدادها وهي الصحة والقوة والحياة أمر (عليه السلام) بالمبادرة إلى تلك الأعمال في حال الاقتدار عليها فأن الفرصة غنيمة والأعمال نافعة، والندامة غير مفيدة.

* الأصل:

12 - عنه، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

ص:208

«إن النهار إذا جاء قال: يا ابن آدم اعمل في يومك هذا خيرا، أشهد لك به عند ربك يوم القيامة، فإني لم آتك فيما مضى ولا آتيك فيما بقي وإذا جاء الليل قال مثل ذلك».

* الشرح:

قوله: (قال أن النهار إذا جاء قال: يا ابن آدم - إلى آخره) قال ذلك بلسان الحال أو بلسان المقال.

* الأصل:

13 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن شعيب بن عبد الله عن بعض أصحابه، رفعه قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: «يا أمير المؤمنين أوصني بوجه من وجوه البر أنجو به، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أيها السائل استمع ثم استفهم ثم استيقن ثم استعمل وأعلم أن الناس ثلاثة: زاهد وصابر وراغب فأما الزاهد فقد خرجت الأحزان والأفراح من قلبه فلا يفرح بشيء من الدنيا ولا يأسى على شيء منها فاته، فهو مستريح وأما الصابر فإنه يتمناها بقلبه فإذا نال منها ألجم نفسه عنها لسوء عاقبتها وشنآنها، لو اطلعت على قلبه عجبت من عفته وتواضعه وحزمه وأما الراغب فلا يبالي من أين جاءته الدنيا من حلها أو [من] حرامها ولا يبالي ما دنس فيها عرضه وأهلك نفسه وأذهب مروءته، فهم في غمرة يضطربون».(1)

* الشرح:

قوله: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أيها السائل استمع ثم استفهم ثم استيقن ثم استعمل) الامور الأربعة مترتبة. فإن العمل موقوف على اليقين، واليقين موقوف على الفهم، والفهم موقوف على الاستماع من أهل العلم.

(وأعلم أن الناس ثلاثة: زاهد وصابر وراغب) وجه الحصر أن الإنسان أما أن يخرج حب الدنيا عن قلبه أو لا، والثاني أما أن يمنع نفسه عن تحصيلها أو لا، فالأول زاهد، والثاني صابر، والثالث راغب.

(فأما الزاهد فقد خرجت الأحزان والافراح من قلبه) أي خرج الحزن بفوات الدنيا والفرح بحصولها من قلبه (فلا يفرح بشيء من الدنيا ولا يأسى على شيء منها فاته) الأسى بالفتح والقصر الحزن أسى يأسي من باب علم أسى فهو آس، والمقصود أن قلب الزاهد متعلق بالله وبأمر الآخرة لا بالدنيا فلا يفرح بشيء منها يأتيه ولا يحزن على شيء فاته.; لأن الفرح بحصول محبوب. والحزن بفواته، وشئ من الدنيا ليس بمحبوب عند الزاهد التارك لها بالكلية.

ص:209


1- -الکافی :455/2.

(فهو مستريح) في الدنيا والآخرة أما الدنيا فلخلوه من مشاق الكسب وشدائد الصبر على حبه، وأما الآخرة فلنجاته من الحساب والعقاب.

(لو اطلعت على قلبه عجبت من عفته) التعجب ينشأ من إدراك أمر غريب وهو عفته من الدنيا التي يتمناها مع خفاء سبب العفة وهو علاقة كاملة بينه وبين الله تعالى ولا يعلم تلك العلاقة إلا هو، والحزم جودة الرأي.

(ولا يبالي ما دنس فيها عرضه) عرض الرجل ما ينبغي أن يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص، وقيل: عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير، وقد بين أن الراغب في الدنيا لا يبالي بتوسخ عرضه الظاهري في هذا العالم، وذهاب عرضه الباطني في عامل الأرواح ولا باهلاك نفسه بابطال استعدادها للكمال، وجعلها مستعدة للعقوبات ولا باذهاب مروته وهي كمال الرجولية لإخراج طوره عن طور الأحرار. ثم شبه الدنيا بالبحر الزاخر.

والراغب فيها يالغريف المضطرب فيها لإيضاح المقصود وتصوير المعقول بصورة المحسوس فقال: (فهم في غمرة يضطربون) غمرة سختى ونادانى وكودكى وآن قدر آبى كه به پوشاند قامت را، وقد يراد بها الشدة، وأعلم أن المحب للدنيا الذي لا يبالي من أين جاءته في غمرات متعددة وشدائد مختلفة أوليها الشدة في جمعها وحفظها وثانيها الشدة في مفارقتها عند الموت وبعد كفراق المحب عن محبوبه، وثالثها الشدة بالأخلاق الرذيلة اللازمة لمحبتها فإن كل واحد منها كحية في جوهر النفس تنهشها، ورابعها شدة الحرمان عن قرب الحضرة الربوبية وبعده عن مشاهدة جلاله وكماله، وخامسها شدة العقوبة بالنار فهو في ظلمات الشدائد بعضها فوق بعض.

* الأصل:

14 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن محمد بن حكيم، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: لا يصغر ما ينفع يوم القيامة ولا يصغر ما يضر يوم القيامة، فكونوا فيما أخبركم الله عز وجل كمن عاين».(1)

* الشرح:

قوله: (فكونوا فيما أخبركم الله عز وجل كمن عاين) كما أن أمر من عاين الشيء هو اليقين كذلك أمر من سمع اخباره عز وجل هو اليقين به إذ لا كذب قطعا في أخباره تعالى بل هو أولى باليقين لإمكان الغلط في الحس، وإن لم يقع بخلاف اخباره عز وجل فإنه لا يتصور فيه الغلط أصلا.

* الأصل:

15 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني، جميعا، عن القاسم ابن محمد، عن

ص:210


1- -الکافی :456/2.

سليمان المنقري، عن حفص بن غياث قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن قدرت أن لا تعرف فافعل وما عليك ألا يثني عليك الناس وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله (عليه السلام)، ثم قال: قال أبي علي ابن أبي طالب (عليه السلام): لا خير في العيش إلا لرجلين رجل يزداد كل يوم خيرا ورجل يتدارك منيته بالتوبة وأنى له بالتوبة والله لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله تبارك وتعالى منه إلا بولايتنا أهل البيت، ألا ومن عرف حقنا ورجا الثواب فينا ورضي بقوته نصف مد في كل يوم وما ستر عورته وما أكن رأسه وهم والله في ذلك خائفون وجلون ودوا أنه حظهم من الدنيا وكذلك وصفهم الله عز وجل فقال: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) ثم قال: ما الذي آتوا؟ آتوا والله مع الطاعة المحبة والولاية وهم في ذلك خائفون، ليس خوفهم خوف شك ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا».(1)

* الشرح:

قوله: (إن قدرت أن لا تعرف فافعل) ترغيب في الاعتزال بقدر الإمكان; لأن التخلص من الآفات الدينية والدنيوية فيه وفي الشهرة آفات عظيمة لا ينجو منها إلا من عصمه الله تعالى وقوله (إذا كنت) متعلق بكل واحد من الأمرين أعنى عدم لحوق الضرر بذم الناس وعدم ثنائهم ولما كان المحمود عند الله أطواره غير أطوار الناس وهم لا يثنونه بل يذمونه لذلك تسلاه بأنه لا يعود إليه ضرر بذلك أصلا، ولعل المراد بالعيش الحياة الدنيوية أو الاخروية، وبالرجل الأول رجل لم يذنب أصلا وبالثاني رجل يذنب ويتوب ويستغفر ربه.

* الأصل:

16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن إبراهيم بن مهزم، عن الحكم بن سالم قال:

دخل قوم فوعظهم ثم قال: «ما منكم من أحد إلا وقد عاين الجنة وما فيها وعاين النار وما فيها إن كنتم تصدقون بالكتاب».(2)

* الشرح:

قوله: (عن الحكم بن سالم قال: دخل قوم فوعظهم) الواعظ غير معلوم (ثم قال ما منكم من أحد إلا وقد عاين الجنة وما فيها وعاين النار وما فيها إن كنتم تصدقون بالكتاب) لعل المراد أن في الكتاب أحوال الجنة ودرجاتها وما فيها، وأحوال النار ودركاتها وما فيها، والله سبحانه أصدق الصادقين فمن صدق بالكتاب كان كمن عاينهما وما فيها ومن عاينهما يترك المعصية قطعا فمن

ص:211


1- -الکافی :456/2.
2- -الکافی :457/2.

ادعى التصديق بالكتاب وعصى ربه فهو كاذب في دعواه.

* الأصل:

17 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال:

سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «لا تستكثروا كثير الخير ولا تستقلوا قليل الذنوب فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يصير كثيرا، وخافوا الله في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف وسارعوا إلى طاعة الله وأصدقوا الحديث وأدوا الأمانة فإنما ذلك لكم ولا تدخلوا فيما لا يحل لكم، فإنما ذلك عليكم».(1)

* الشرح:

قوله: (قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: لا تستكثروا كثير الخير) إذ استكثار الخير يوجب العجب والفخر والادلال والاعتقاد بخروج النفس عن حد التقصير وكل ذلك مهلك، وأيضا من عرف الله وعظمته علم أنه لم يعبده حق عبادته وأنه مقصر غاية التقصير فكيف يستكثر عبادته فالعابد وإن بالغ في العبادة ينبغي أن يستقل عبادته ويحكم بتقصيره فيها ويخاف من عدم قبولها حيث لا علم له بالرد والقبول.

(ولا تستقلوا قليل الذنوب - إلى آخره) إذا اعتقاد قلة الذنب في الكم والكيف ذنب والاستمرار عليه ذنب آخر وهكذا وأيضا هو لا يبالي بالذنب ومخالفة الحق: فيأتي بذنب آخر، وهكذا حتى يجتمع عليه ذنوب كثيرة فيخرج عن حد الصغيرة، ويدخل في حد الكبيرة كما روي «لا صغيرة مع الإصرار» والإصرار كما يتحقق بتتابع المعصية يتحقق بترك التوبة أيضا.

(وخافوا الله في السر) ينبغي الخوف من الله في السر والعلانية وإنما خص السر بالذكر; لأن الناس يتسامحون في السر ما لا يتسامحون في العلانية، وأيضا كل خائف في السر خائف في العلانية دون العكس وأيضا الخوف في السر أشد على النفس.

(فإنما ذلك لكم ولا تدخلوا فيما لا يحل لكم فإنما ذلك عليكم) لما كان كل إنسان طالبا لمنافعه ودافعا لمضاره حث (عليه السلام) على الامور المذكورة والاجتناب عما لا يحل بأن بين أن منافع الأول له ومضار الثاني عليه، وهذا وإن كان بينا لكن فيه تنبيه لهم عن الغفلة.

* الأصل:

18 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن محمد ابن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: ما أحسن الحسنات بعد السيئات وما أقبح السيئات بعد

ص:212


1- -الکافی :457/2.

الحسنات».(1)

* الشرح:

قوله: (ما أحسن الحسنات بعد السيئات وما أقبح السيئات بعد الحسنات) أما حسن الأول فلان فيه ابطالا للباطل ورجوعا منه إلى الحق وتطهير النفس، وأما قبح الثاني فلان فيه ابطالا للحق ورجوعا منه إلى الباطل وتنجيس النفس، وهذا كلام موجز يندرج فيه التوبة بعد المعصية والمعصية بعد التوبة وكل خير بعد شر وكل شر بعد خير سواء كانا ضدين كالإحسان والإساءة أم لا كالصلاة والشرب ونحوهما.

* الأصل:

19 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن فضال، عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنكم في آجال مقبوضة وأيام معدودة، الموت يأتي بغتة، من يزرع خيرا يحصد غبطة ومن يزرع شرا يحصد ندامة ولكل زارع ما زرع ولا يسبق البطيء منكم حظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، من اعطى خيرا فالله أعطاه ومن وقي شرا فالله وقاه».(2)

* الشرح:

قوله: (قال إنكم في آجال مقبوضة وأيام معدودة والموت يأتي بغتة) أشار بالوصفين إلى أن الآجال والأيام التي هي مدة العمر كأنها قبضت وعدت بتمامها فينبغي لكم أن تفرضوا كل زمان أنتم فيه آخر عمركم والموت يأتي بغته من غير شعور لكم بزمانه. ثم رغب في حسن الاستعداد لما بعد الموت بقوله:

(من يزرع خيرا يحصد غبطة - إلى آخره) الغبطة النعمة والسرور والكلام تمثيل، أو يزرع استعارة تبعية بمعني يعمل والحصاد ترشيح والتنكير في غبطة وندامة للتعظيم ولما كان المانع من الخير غالبا هو طلب الدنيا زجر (عليه السلام) عن الوغول فيه بأنه عبث عند العقلاء; لأن البطيء المقصر فيه لا يفوته رزقه المقدر له والحريص المنهمك فيه لا يدرك ما لم يقدر له وبالجملة المقدر لكل أحد يأتيه أراد أولم يرد وهذا كلام صحيح لا ريب فيه ولا ينافيه وجدان الحريص زيادة; لأن تلك الزيادة ليست من قوته المفتقر هو إليه في البقاء بل هو لغيره والحساب عليه ثم أشار بقوله (من أعطى خيرا) إلى أن العبد ينبغي أن لا يتكل على قوته في طلب الخير ورفع الشر بل عليه تفويض اموره إلى الله في جميع الأحوال لا حول ولا قوة إلا بالله.

* الأصل:

ص:213


1- -الکافی :458/2.
2- -الکافی :458/2.

20 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابه، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن واصل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جاء رجل إلى أبي ذر فقال: يا أباذر ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب.

فقال له: فكيف ترى قدومنا على الله؟ فقال: أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله وأما المسئ منكم فكالابق يرد على مولاه، قال: فكيف ترى حالنا عند الله؟ قال: اعرضوا أعمالكم على الكتاب، إن الله يقول: (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم)(1) قال: فقال الرجل فأين رحمة الله؟ قال: رحمة الله قريب من المحسنين. قال: أبو عبد الله (عليه السلام): وكتب رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه يا أبا ذر أطرفني بشيء من العلم فكتب إليه أن العلم كثير ولكن إن قدرت أن لا تسيء إلى من تحبه فافعل، قال: فقال له الرجل: وهل رأيت أحدا يسيء إلى من يحبه؟ فقال له: نعم نفسك أحب الأنفس إليك فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها».(2)

* الشرح:

قوله: (فقال لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة) دل على أن تارك الدنيا وطالب الآخرة لا يكره الموت ولا يرضي ببقائه في الدنيا بل يريد فراقها شوقا إلى لقائه عز وجل لو لا الأجل مكتوب عليه كما دل عليه أيضا قوله تعالى: (قل يا أيها الذين هادوا أن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت أن كنتم صادقين)(3).

(فقال أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله) أراد أن المحسن آمن يقينا معزز قطعا وأما المسىء من أهل الإيمان فهو بين خوف ورجاء أن عذب فهو عدل وإن رحم فهو فضل، اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك، وقوله (يرد على مولاه) بتشديد الدال أو تخفيفها والأول أظهر (قال اعرضوا أعمالكم على الكتاب - إلى آخره) يعني إن كنتم بررة عملة بما في الكتاب فحالكم عند الله حسن وأنتم من أهل هذه الآية (إن الأبرار لفي نعيم) وإن كنتم فسقة فجرة فحالكم عند الله قبيح - أنتم من أهل هذه الآية (وإن الفجار لفي جحيم) (قال: رحمة الله قريب من المحسنين) دل قرب الرحمة منهم على أنهم من أهلها قطعا ولا يبعد أن يفهم منه أن تعلق الرحمة بهم أنسب لأن الإنسان وإن كان محسنا فهو يعد في حيز التقصير يدل على ذلك ما روى أنه «لا يدخل الجنة أحد إلا بالتفضل».

(أطرفني بشيء من العلم) الطارف والطريف من المال المستحدث والاسم منه الطرفة وهي

ص:214


1- -سورة الإنفطار :14.
2- -الکافی :459/2.
3- -سورة الجمعة :6.

ما يستطرف أي يستملح وأطرف فلان إذا جاء بطرفة.

(ولكن أن قدرت على أن لا تسىء إلى من تحبه فافعل) لعل المراد به هو الزجر عن إساءة المحبوب الحقيقي وهو الله عز وجل بأن لا يقابل نعماه بالكفران ولا يبدل طاعته بالعصيان، والتمثيل بالنفس لايضاح ما استبعده السائل وهذه كلمة وجيزة; لأن الوفاء بمضمونها متوقف على علم الأخلاق والشرايع كلها مع الأعمال القلبية والبدنية طرها.

* الأصل:

21 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «اصبروا على طاعة الله وتصبروا عن معصية الله، فإنما الدنيا ساعة فما مضى فليس تجد له سرورا ولا حزنا وما لم يأت فليس تعرفه فاصبر على تلك الساعة، التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت».(1)

* الشرح:

قوله: (اصبروا على طاعة الله وتصبروا عن معصية الله) لما كانت اللذة في فعل المعصية أكمل من اللذة في ترك الطاعة كان الصبر على المعصية أشق على النفس من الصبر على فعل الطاعة ولذلك قال في الطاعة اصبروا وفي المعصية تصبروا وهو تكلف الصبر وحمل النفس عليه، ثم حرض على الصبر بالبيان الشافي فقال (فإنما الدنيا ساعة فما مضى فليس تجد له سرورا ولا حزنا) أي فليس تجد له سرورا في اللذة الماضية ولا حزنا بفواتها، فالماضي بالنظر إلى السلطان والفقير سواء (وما لم يأت فليس تعرفه) لعل المراد به عدم معرفة إتيانه لإمكان نزول الموت قبله أو عدم معرفة أحواله فيه لإمكان التقصير فيه أو عروض مانع من العمل.

(فأصبر على تلك الساعة التي أنت فيها) بفعل الطاعات وترك المنهيات.

(فكأنك قد اغتبطت) اغتباط بغين معجمه شاد شدن وآرزو بردن بنيكوئى حال كسى تا أو را مثل آن حال باشد، ومن تفكر في هذا الكلام الوجيز هونت عليه جميع المصائب والمشاق، والله هو الموفق والمعين.

* الأصل:

22 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«قال الخضر لموسى (عليه السلام): يا موسى إن أصلح يوميك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو وأعد له الجواب، فانك موقوف ومسؤول وخذ موعظتك من الدهر فإن الدهر طويل قصير، فاعمل كأنك

ص:215


1- -الکافی :459/2.

ترى ثواب عملك ليكون أطمع لك في الآخرة فإن ما هو آت من الدنيا كما هو قد ولى منها».(1)

* الشرح:

قوله: (وخذ موعظتك من الدهر فإن الدهر طويل قصير - إلى آخره) الموعظة ما يتعظ به ويمنع من الدخول فيما منعه الله عز وجل ولما كان كل صادر منك واقعا في الدهر حاضرا عنده حتى كأنه وديعة عنده. أمر بأخذ الموعظة منه سريعا من غير تسويف فإن الدهر مع طوله نظرا إلى ذاته قصير نظرا إلى وجودك وهو الساعة التي أنت فيها أو نظرا إلى انقطاعه فإن كل منقطع قصير فهذا الدهر القصير لا يصلح ترك اتخاذ الموعظة منه وتأخيرها عنه فوجب عليك أن تعمل فيه عملا بحضور القلب وكمال التوجه حتى كأنك ترى ثواب عملك في لوح نفسك فإن ذلك أطمع لك في أجرك إذ الطمع بدون ذلك كأنه مقطوع والظاهر أن قوله (فإن ما هو آت) علة للقصر وحاصله أن الآتي من الدهر كالماضي منه في عدم قدرتك على العمل فيهما، وإنما قدرتك على العمل في زمان قصير فاغتنمه وأعمل فيه كما ذكره والله أعلم.

* الأصل:

23 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): عظنا وأوجز، فقال: الدنيا حلالها حساب وحرامها عقاب وأنى لكم بالروح ولما تأسوا بسنة نبيكم تطلبون ما يطغيكم ولا ترضون ما يكفيكم».(2)

* الشرح:

قوله: (فقال الدنيا حلالها حساب وحرامها عقاب - إلى آخره) الحمل للمبالغة والحلال ما يجوز التصرف فيه شرعا من الماكل والمشارب والمناكح والمراكب والملابس وغيرها وطلب الزائد على قدر الكفاف منها ورسوخ محبة ذلك في القلب يمنع من اللحوق بالمجردين المعرضين عنها، الذين لم يكتب في صحائف أعمالهم شيء منها ما يحاسبون عليه حتى أنهم يدخلون الجنة قبل هؤلاء بخمسمائة سنة أو أزيد وما ذلك إلا لكثرة حساب هؤلاء، والمراد بالروح الراحة، وبسنة النبي طريقته في ترك الدنيا أو الأعم منه فإنه يبعد عن التأسي بها من طلب من الدنيا ما يطغيه ولا يرضى منها ما يكفيه وهذه الكلمة الوجيزة شاملة لجميع ما ينبغي فعله وما ينبغي تركه من الأخلاق والأعمال وغيرهما.

ص:216


1- -الکافی :459/2.
2- -الکافی :459/2.

باب من يعيب الناس

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن أسرع الخير ثوابا البر وإن أسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه أو يعير الناس بما لا يستطيع تركه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه».(1)

* الشرح:

قوله: (إن أسرع الخير ثوابا البر وإن أسرع الشر عقوبة البغي) لعل المراد بالبر هنا اللطف بخلق الله والإحسان إليهم وثوابه سريع يصل إلى صاحبه في الدنيا أيضا ويطلق كثيرا ما على كمال الإيمان والطاعة والعفة والتقوى والأعمال الجميلة كلها، والبغي الظلم والعدوان على عباد الله والفساد بينهم ويطلق على الزنا أيضا. وهذا الكلام لفظه اخبار ومعناه نهي عن ركوب هذه المعاصي وحث على الانتهاء عنها.

(وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه أو يعير الناس بما لا يستطيع تركه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه) من البين أن الإنسان يحب نفسه وأن المحب لا يرى عيب من يحبه فلذلك لا يبصر الإنسان عيب نفسه ولو قلع عنه علاقة المحبة لابصر عيبه كما يبصر عيب غيره، فينبغي أن يرجع إلى نفسه فإن وجد فيها عيبا اشتغل به وبإصلاحه ودفعه ولا يترك نفسه ويذم غيره وإن عجز عن إصلاحه فينبغي أن يعلم أن عجر غيره كعجزه ولو لم يجد في نفسه عيبا فهو من أعظم العيوب; لأن براءة النفس من العيب جهل والجهل عيب عظيم وعلى تقدير عدمه فليشكر الله عز وجل على النزاهة ولا يلوث نفسه بذكر عيب أخيه الذي هو أعظم العيوب، والعلم بأن تألم غيره بذكره عيب ذلك الغير كتألمه بذكر ذلك الغير عيبه، باب عظيم إلى ترك عيوب الغير، ثم الظاهر أن المراد بما يعمى عنه من نفسه وما لا يستطيع تركه الأمر الأعم سواء كان من جنس ما في الغير، أم لم يكن مع احتمال المماثلة وعلى التقديرين لا ينبغي أن يعيب صاحبه; لأن عيبه إما أن يكون مثل عيب صاحبه أو أكبر منه أو أصغر فإن كان الأولان ينبغي أن يكون له في عيبه لنفسه شغل عن عيب صاحبه وإن كان الأخير فهو ممنوع أيضا لأنه يضيف إلى عيبه الأصغر عيبا آخر أكبر

ص:217


1- -الکافی :459/2.

وهو الغيبة والتعيير.

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن أبي حمزة قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه».

3 - محمد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن علي بن مهزيار، عن حماد ابن عيسى، عن الحسين بن مختار، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كفى بالمرء عيبا أن يتعرف من عيوب الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه أو يعيب على الناس أمرا هو فيه، لا يستطيع التحول عنه إلى غيره، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه».

4 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي عبد الرحمن الأعرج، وعمر بن أبان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر وعلي بن الحسين صلوات الله عليهم قالا: «إن أسرع الخير ثوابا البر وأسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيبا أن ينظر في عيوب غيره ما يعمى عليه من عيب نفسه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه أو ينهى الناس عما لا يستطيع تركه».

ص:218

باب أنه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهلية

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن ناسا أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ما أسلموا فقالوا: يا رسول الله أيؤخذ الرجل منا بما كان عمل في الجاهلية بعد إسلامه؟ فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): من حسن إسلامه وصح يقين إيمانه لم يأخذه الله تبارك وتعالى بما عمل في الجاهلية ومن سخف إسلامه ولم يصح يقين إيمانه أخذه الله تبارك وتعالى بالأول والاخر».(1)

* الشرح:

قوله: (قال إن ناسا أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ما أسلموا فقالوا: يا رسول الله أيؤخذ الرجل منا بما كان عمل في الجاهلية بعد إسلامه - إلى آخره) الأظهر في السائل أنه كان حديث عهد بالإسلام; لأن جب الإسلام ما قبله كان من معالم الدين التي لا تجهل، ولعل المراد بالإسلام الحسن أن يكون اعتقاديا لا يكون فيه شوب شك ونفاق فقوله «وصح يقين إيمانه» تفسير له.

والمراد بالإسلام السخيف ما كان فيه شك ونفاق والإسلام الحسن يجب جميع ما وقع في أيام الكفر من حق الله وحق البشر إلا ما خرج بدليل مثل مال المسلم الموجود في يده، ثم الظاهر أن هذا حال الحربي الذي أسلم وأما الذمي فلا يسقط إسلامه ما وجب من دم أو مال أو غيره; لأن حكم الإسلام جار عليه على الظاهر والإسلام السخيف لا يجب ما قبله لأنه ليس بإسلام حقيقة فيؤخذ بالكفر الأول والآخر وبالعمل فيهما، وفيه دلالة على أن الكافر مكلف بالفروع كما أنه مكلف بالاصول ويمكن أن يراد بالإسلام الحسن الإسلام الثابت الذي لا يعقبه ارتداد وبالإسلام السخيف ما يعقبه ارتداد فإذا ارتد يؤخذ بكفره الأول والآخر وهذا التفسير لا يخلوا من مناقشة; لأن الإسلام قد جب الأول فكيف يؤخذ بعد الإرتداد بالأول، ويحكم بعود الزائل من غير سبب، ويمكن أن يدفع بأن السبب هو الإرتداد لأنه إذا ارتد حبطت عمله ومن جملة عمله إسلامه السابق فإذا بطل إسلامه السابق بطل جبه وإذا بطل جبه يؤخذ بالكفر الأول أيضا ضرورة أن المسبب ينتفي بانتفاء سببه على أنه يمكن أن يقال الذي يجب ما قبله هو الإسلام بشرط الاستمرار وإذا قطع الاستمرار بالارتداد علم أن هذا الإسلام لم يجب ما قبله فلا يلزم عود الزائل بل اللازم ظهور عدم زواله بذلك

ص:219


1- -الکافی :461/2.

الإسلام.

واعلم أن تفسير الإسلام بالطاعة بأن يكون معه أعمال صالحة والإسلام السخيف بالمخالفة وجعل قوله «وصح يقين إيمانه» وصفا آخر للإسلام غير صحيح لأنه يوجب أن يكون جب الإسلام ما قبله موقوفا على الطاعة والعمل وليس الأمر كذلك إذ لا دليل عليه ولم نعرف أحدا يقول به.

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن المنقري، عن فضيل بن عياض قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يحسن في الاسلام أيؤاخذ بما عمل في الجاهلية؟ فقال: «قال النبي (صلى الله عليه وآله): من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام اخذ بالأول والاخر».

ص:220

باب أن الكفر مع التوبة لا يبطل العمل

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب وغيره، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «من كان مؤمنا فعمل خيرا في إيمانه، ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب بعد كفره كتب له وحوسب بكل شيء كان عمله في إيمانه ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره».(1)

* الشرح:

قوله: (من كان مؤمنا فعمل خيرا في إيمانه، ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب بعد كفره كتب له وحوسب بكل شيء كان عمله في إيمانه ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره) الفتنة قد تكون من الشيطان وقد تكون من البشر وقد تكون من الله قال الله تعالى: (وفتناك فتونا) والمقصود من ذلك إظهار كمال المفتون إن صبر وإظهار خبثه إن لم يصبر والفتنة إذا اشتدت أفسدت القلوب وأورثتها القسوة والغفلة التي هي سبب الشقاء فلذلك ذكر الفتنة وفرع الكفر عليها، و «ثم» هنا للتراخي في الرتبة، وفي قوله: «إذا تاب بعد كفره» دلالة بحسب مفهوم الشرط، إن ثبت انه حجة، على أن الكفر الذي لم تعقبه التوبة يحبط الأعمال الصالحة ودل عليه أيضا قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) ثم الظاهر أن المراد بالإحباط وعدم ترتب الثواب في الآخرة; لأن الكافر إذا عمل خيرا جزاه الله عز وجل في الدنيا إن الله لا يضيع عمل عامل.

وإلحاق غير الكفر من المعاصي في الإحباط بعيد، بل لا يبعد القول بعدم الإحباط لقوله تعالى:

(وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا)(2) اللهم إلا إذا غلب المعاصي على الطاعة كما دل عليه قوله تعالى: (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية)(3) وعموم هذا الخبر أو إطلاقه دل على أن توبة المرتد مقبولة وإن كان فطريا وقد يخصص بالملى لروايات دلت على أن توبة الفطري غير مقبولة، والله أعلم.

ص:221


1- -الکافی :461/2.
2- -سورة التوبة :102.
3- -سورة القارعة :6.

باب المعافين من البلاء

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه; جميعا عن ابن محبوب [وغيره] عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن لله عز وجل ضنائن يضن بهم عن البلاء فيحييهم في عافية ويرزقهم في عافية ويميتهم في عافية ويبعثهم في عافية ويسكنهم الجنة في عافية».(1)

* الشرح:

قوله: (إن لله عز وجل ضنائن يضن بهم عن البلاء فيحييهم في عافية ويرزقهم في عافية ويميتهم في عافية ويبعثهم في عافية ويسكنهم الجنة في عافية) الضنائن الخصائص جمع ضنينة فعيله بمعنى مفعول من الضن وهي ما تخصه وتضن به لمكانه منك وموقعه عندك ومنه قولهم هو ضني من بين اخواني أي أختص به وأضن بمودته واعلم أن الله تعالى حكيم كل فعله منوط بالحكمة فإذا علم أن بعض عباده لا يحتاج في اصلاحه إلى البلاء رزقهم العافية وقد يعطي بعضهم البلاء لزيادة الأجر ورفع المنزلة وإذا علم أن بعضهم يحتاج إلى البلاء ابتلاهم به.

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إن الله عز وجل خلق خلقا ضن بهم عن البلاء، خلقهم في عافية وأحياهم في عافية وأماتهم في عافية وأدخلهم الجنة في عافية.

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا عن جعفر بن محمد، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله عز وجل ضنائن من خلقه يغذوهم بنعمته ويحبوهم بعافيته ويدخلهم الجنة برحمته تمر بهم البلايا والفتن لا تضرهم شيئا».

ص:222


1- -الکافی :462/2.

باب ما رفع عن الأمة

* الأصل:

1 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أبي داود المسترق قال: حدثني عمر وابن مروان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رفع عن امتي أربع خصال: خطاؤها ونسيانها وما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا وذلك قول الله عز وجل: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) وقوله: (إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان)».(1)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رفع عن أمتي أربع خصال - إلى آخره) أي رفع أثم البعض كما في الثلاثة الأول ونفس البعض أو حكمه التكليفي كما في الأخير فإن ما لا يطاق التكليف به أعنى الايجاب والندب غير موجودين في هذه الأمة ثم انتفاء الاثم في الأولين لا ينافي بعض الاحكام لهما كالضامن في خطاء الطبيب وقاتل النفس وإعادة الصلاة عند نسيان الركن وسجدة السهو والتدارك ونحو ذلك ويفهم من الرفع أنهما يورثان الاثم والعقوبة ولكنه تعالى تجاوز عنها رحمة وتفضلا وهو غير بعيد وإلا كراه أعم من أن يكون في أصول الدين أو فروعه، وأعم من أن يبلغ الوعيد حد القتل أو غيره مما لا يتحمل عادة وهذا العام مخصوص إذ لا اكراه في قتل المؤمن ثم استشهد لرفع الخصال المذكورة عن الأمة بالآية الكريمة، فإن قلت الآية دلت على المؤاخذة والاثم بالخطأ والنسيان والا فلا فائدة للدعاء بعدم المؤاخذة فكيف تكون دليلا على الرفع المذكور؟ قلت: أولا: قال بعض المحققين: السؤال والدعاء قد يكون للواقع والغرض منه بسط الكلام مع المحبوب وعرض الافتقار لديه كما قال خليل الرحمن وابنه إسماعيل (عليهم السلام): (ربنا تقبل منا) مع أنهما لا يفعلان غير المقبول، قلت: وثانيا قد صرح بعض المفسرين بأن الآية دلت على أن الخطأ والنسيان سببان للإثم والعقوبة ولا يمتنع عقلا المؤاخذة بهما إذ الذنب كالسم فكما أن السم يؤدي إلى الهلاك وأن تناوله خطأ، كذلك الذنب ولكنه عز وجل وعد بالتجاوز عنه رحمة وتفضلا وهو المراد من الرفع فيجوز أن يدعو الإنسان به استدامة لها وامتدادا بها، وقال بعضهم معنى الآية ربنا لا

ص:223


1- -الکافی :462/2.

تؤاخذنا بما أدى بنا إلى خطاء أو نسيان من تقصير وقلة مبالاة فإن الخطاء والنسيان أغلب ما يكون من عدم الاعتناء بالشيء وهذا وان كان دافعا للايراد المذكور لأن الدعاء بعدم المؤاخذة بسببهما ليس دعاء بعدم المؤاخذة بهما لكن فيه شيء لا يخفى على المتأمل. والاصر الذنب والعقوبة وأصله من الضيق والحبس يقال أصره يأصره إذا حبسه وضيق عليه وقيل: المراد به الحمل الثقيل الذي يحبس صاحبه في مكانه والتكاليف الشاقة مثل ما كلف به بنو إسرائيل من قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب وخمسين صلاة في اليوم والليلة وصرف ربع المال للزكاة أو ما أصابهم من الشدائد والمحن وقوله: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) تأكيد لما قبله وطلب للاعفاء من التكليفات الشاقة التي كلف بها الأمم السابقة لا طلب الاعفاء عن تكليف ما لا يتعلق به قدرة البشر أصلا فلا دلالة فيه على جواز التكليف بما لا يطاق الذي أنكره العدلية وجوزه الأشاعرة باعتبار أنه لو لم يجز لم يطلبوا الاعفاء عنه وقوله (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) معناه إلا من أكره على قبيح مثل كلمة الكفر وغيرها وقلبه مطمئن بالإيمان غير متغير عن اعتقاد الحق وفيه دلالة على أنه لا اثم على المكره، لا يقال الاستثناء من قوله تعالى: (ومن كفر بالله من بعد إيمانه) و «من» شرطية محذوفة الجزاء أي فهو مفتر للكذب بقرينة ما تقدم، فالاستثناء دل على أن المكروه غير مفتر للكذب لا على أنه غير آثم لأنا نقول المستثنى منه في معرض الذم والوعيد وهما منتفيان عن المكره بحكم الاستثناء فلا يكون المكره من أهل الذم والوعيد فلا يكون آثما.

* الأصل:

2 - الحسين بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، رفعه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وضع عن امتي تسع خصال: الخطأ والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة في التفكر الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد».(1)

* الشرح:

قوله: (وما لا يعلمون) كالصلاة مع نجاسة الثوب والبدن أو موضع السجود أو في الثوب والمكان المغصوبين أو ترك الجهر والاخفات في موضعهما أو ترك القصر في السفر وغير ذلك مما يعذر الجاهل فيه وهذا العام مخصوص إذ الجاهل في كثير من المواضع غير معذور كما ذكروا في تضاعيف كتب الفروع.

(وما اضطروا إليه) سواء كان سبب الاضطرار من قبل الله تعالى كما في أكل الميتة وشرب

ص:224


1- -الکافی :463/2.

النجس للمفتقر اليهما وشرب الحرام والتداوي به للمريض، أو من قبل نفسه أو من قبل الغير كمن جرح نفسه أو جرحه غيره في شهر رمضان واضطر إلى الإفطار.

(والطيرة) هي بكسر الطاء وفتح الياء وسكونها التشام بالشيء وهي مصدر يقال: تطير طيرة وتخير خيرة ولم يجيء في المصادر هكذا غيرهما والأصل فيها أن العرب إذا أرادت المضي لمهم مرت بمجاثم الطير وأثارتها لتستفيد هل تمضى أو ترجع، ثم أجروها في السوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرها وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر.

(والوسوسة في التفكر في الخلق) كالتفكر بأنه تعالى كيف خلق الأشياء بلا مادة ولا مثال؟ أو لأي شيء خلق ما يضر ولا ينفع بحسب الظاهر؟ أو لأي خلق بعض الأشياء طاهرا وبعضها نجسا؟ أو لأي شيء خلق الإنسان من تفاوت؟ أو كيف هو سبحانه من من خلقه؟ وقد ورد أنه إذا دخل فيكم هذا الوسواس قولوا لا إله إلا الله.

(والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد) الظاهر ان ما لم يظهر متعلق بالحسد فيفهم منه ان الحسد مع الإظهار يؤاخذ به ولا ينافي ذلك ما روى من أن: «الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب» لإمكان حمله على الحسد مع الاظهار أو على الترغيب في معالجته ليحصل الإيمان الكامل وان لم يكن مؤاخذا به، ويمكن أن يكون متعلقا بالوسوسة أيضا فيفهم أن الوسوسة موضوعة ما لم يظهر وقد صرح به الشهيد في الدروس كما نقل عنه.

ص:225

باب إن الإيمان لا يضر معه سيئته والكفر لا ينفع معه حسنة

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هل لأحد على ما عمل ثواب على الله، موجوب إلا المؤمنين قال: «لا».(1)

* الشرح:

قوله: (هل لأحد على ما عمل ثواب على الله، موجوب إلا المؤمنين قال: لا) دل على وجوب الثواب للمؤمنين على الله سبحانه لا لغيرهم وذلك; لأن الله سبحانه وعد على العمل بشرائطه ثوابا فإذا تحقق العمل مع شرائطه التي من جملتها الإيمان لزم الثواب وثبت وهذا معني الوجوب على الله عز وجل خلافا للأشاعرة فإنهم ذهبوا إلى أنه لا يجب على الله شيء وقالوا: يجوز أن يعاقب المطيع ويثيب العاصي وهذا القول يبطل الوعد والوعيد.

* الأصل:

2 - عنه، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال موسى للخضر (عليهما السلام): قد تحرمت بصحبتك فأوصني، قال [له]: ألزم ما لا يضرك معه شيء كما لا ينفعك مع غيره شيء».(2)

* الشرح:

قوله: (قال [له]: ألزم ما لا يضرك معه شيء كما لا ينفعك مع غيره شيء) لعل المراد بالموصول الإيمان، وبالضرر الضرر الموجب للخلود في النار، وبالنفع النفع الموجب للدخول في الجنة وبالشيء الأول العمل القبيح وبالشيء الثاني العمل الصالح وعلى هذا لا ينافي ما ورد من الاخبار من معاقبة المؤمن بالعمل القبيح وإثابة الكافر في الدنيا بالعمل الصالح وقد مر بعضها، ويحتمل أن يراد بالشيء الاول أيضا العمل الصالح ويجعل التنكير للتصغير ويراد بالضرر النقص، لأن; العمل الصالح الصغير يجعل للمؤمن كبيرا مثله، ويجري في الحديثين بعده، وحديث ابن مارد الآتي يؤيد الاحتمال الأخير، والله أعلم.

* الأصل:

3 - عنه، عن يونس، عن ابن بكير، عن أبي أمية يوسف بن ثابت قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)

ص:226


1- -الکافی :463/2.
2- -الکافی :464/2.

يقول: «لا يضر مع الإيمان عمل ولا ينفع مع الكفر عمل، ألا ترى أنه قال: (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) - وماتوا وهم كافرون».(1)

* الشرح:

قوله: (وماتوا وهم كافرون) دل على أنه تقبل منهم نفقاتهم في حال الكفر لو ماتوا وهم مؤمنون، والله أعلم.

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن ثعلبة، عن أبي أمية يوسف بن ثابت بن أبي سعدة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) [قال:] قال: «الإيمان لا يضر معه عمل وكذلك الكفر لا ينفع معه عمل».

5 - أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عمن ذكره، عن عبيد بن زرارة. عن محمد بن مارد قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): حديث روي لنا أنك قلت: «إذا عرفت فاعمل ما شئت؟ فقال: قد قلت ذلك، قال: وإن زنوا أو سرقوا أو شربوا الخمر؟ فقال لي: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما أنصفونا أن نكون اخذنا بالعمل ووضع عنهم، إنما قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فإنه يقبل منك».

* الأصل:

6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن الريان بن الصلت، رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيرا ما يقول في خطبته: يا أيها الناس دينكم دينكم فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره والسيئة فيه تغفر والحسنة في غيره لا تقبل.

هذا آخر كتاب الإيمان والكفر والطاعات والمعاصي من كتاب الكافي والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله».(2)

* الشرح:

قوله: (يا أيها الناس دينكم دينكم) أي خذوا أو الزموا أو احفظوا دينكم والتنكير للمبالغة وفي قوله: «والسيئة فيه تغفر إلى آخره» إشارة إلى أن السيئة من حيث هي سيئة ليست خيرا من الحسنة من حيث هي حسنة بل الخيرية وعدمها باعتبار المغفرة وعدم القبول.

هذا آخر ما أردنا شرحه من كتاب الإيمان والكفر ويتلوه كتاب الدعاء ان شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

ص:227


1- -الکافی :464/2.
2- -الکافی :464/2.

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الدعاء

باب فضل الدعاء والحث عليه

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل يقول: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) قال: هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء، قلت: إن (إبراهيم لأواه حليم)؟ قال: الأواه هو الدعاء.(1)

* الشرح:

* الأصل:

4 - حميد بن زياد، عن الخشاب، عن ابن بقاح، عن معاذ، عن عمرو بن جميع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من لم يسأل الله عز وجل من فضله [فقد] افتقر.(2)

* الشرح:

قوله: (من لم يسأل الله عز وجل من فضله [فقد] افتقر) إذ وقوع الإعطاء مع السؤال متحقق لا

ص:230


1- -الکافی :466/2.
2- -الکافی :467/2.

بدونه بناء على وجود شرطه أو وجود ما هو سبب لصيرورته مصلحة وهو السؤال والطلب فترك السؤال يوجب الافتقار.

* الأصل:

5 - علي بن إبراهيم عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ادع ولا تقل: قد فرغ من الأمر فإن الدعاء هو العبادة إن الله عز وجل يقول: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) وقال: (ادعوني استجب لكم).

* الشرح:

قوله: (وقال: ادعوني استجب لكم) الدعاء هنا بمعنى السؤال كما هو الظاهر خصوصا مع اقترانه بأستجب لكم فهو دليل على أن المراد بالعبادة في الآية المذكورة الدعاء، عبره بها لأنه من أعظم أبوابها وهذا أو لي مما قاله بعض المفسرين من أن المراد بالدعاء هنا العبادة وبالاستجابة الإثابة حيث قال المعنى اعبدوني اثب لكم إذ فيه حمل اللفظ على خلاف ظاهره في الموضعين.

* الأصل:

6 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن أبي نجران، عن سيف التمار قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليكم بالدعاء فإنكم لا تقربون بمثله ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار.

* الشرح:

قوله: (ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها) تحريص على الدعاء في جميع الأشياء صغيرها وكبيرها حتى شسع النعل وملح الطعام فأنه تعالى هو ا لمعطي للجميع.(1)

* الأصل:

7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن عبيد بن زرارة، عن أبيه، عن رجل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):

الدعاء هو العبادة التي قال الله عز وجل: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) - الآية ادع الله عز وجل ولا تقل: إن الأمر قد فرغ منه. قال زرارة: إنما يعني لا يمنعك إيمانك بالقضاء والقدر أن تبالغ بالدعاء وتجتهد فيه - أو كما قال -.

* الشرح:

قوله: (إنما يعني لا يمنعك إيمانك بالقضاء والقدر أن تبالغ بالدعاء وتجتهد فيه - أو كما

ص:231


1- -الکافی :467/2.

قال -) وجه المنع أن الإيمان بالقدر وهو تقدير الأشياء وبالقضاء هو الحكم بها مظنة لتوهم أنهما إن تعلقا بوجود المطلوب وجد، وان تعلقا بعدمه عدم فلا فائدة على التقديرين في الدعاء ويدفع ذلك التوهم بأنه يجوز المحو والإثبات بعدهما قبل الإمضاء على أن تعلقهما بوجود المطلوب وعدمه يجوز أن يكون مشروطا بالدعاء وعدمه فللدعاء فائدة ظاهرة وقوله: «- أو كما قال: إشارة إلى ما نقله عن زرارة اما عبارته أو مثل عبارته في إفادة هذا المعني.

كتاب الدعاء

اشارة

الدعاء بالضم والمد الرغبة إلى الله تعالى ومنه دعوت فلانا ناديته وهو على أربعة أقسام: الأول ما يتعلق بالتحميد والتسبيح والتهليل، الثاني ما يتعلق بطلب خير الدنيا ورفع مكارهها، الثالث ما يتعلق بطلب الآخرة والتوفيق لخيراتها، والرابع ما تعلق بالاثنين والثلاثة منها.

قوله: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) أي صاغرين ذليلين (وقال هو الدعاء) أي العبادة المذكورة في الآية الدعاء وتذكير الضمير باعتبار الخبر (وأفضل العبادة الدعاء ) لعل السر في أن أفضلية العمل أما لأنه لغيره من الأعمال أو لأنه أصرح في الدلالة على الافتقار والحاجة إلى الله تعالى أو لثمرته المترتبة عليه وكل هذه الأسباب للدعاء; لأن الدعاء وهي الرغبة إليه أصل لجميع العبادات إذ لو لم يتحقق الرغبة لم يتحقق العبادة وكونه على الافتقار ظاهر وثمرته طلب اللذات أو طلب الخيرات ومن الخيرات سائر العبادات فظهر أنه أفضل حتى من تلاوة القرآن كما دلت عليه روايات آخر، وقال النووي وغيره من علماء العامة تلاوة القرآن أفضل منه إلا في الأوقات التي خصصها الشارع به كبعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس مثلا الظاهر أن القرآن ما كان من باب الدعاء فهو داخل في حكم الدعاء وما ليس منه فهو في حكم سائر العبادات،

ص:228

والله يعلم.

(قال الأواه هو الدعاء) الأواه المتضرع المتأوه والدعاء بتشديد العين الكثير الدعاء وتخصيصه بالذكر في مقام المدح دل على كمال فضله.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل وابن محبوب، جميعا عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أي العبادة أفضل؟ فقال: ما من شيء أفضل عند الله عز وجل من أن يسئل ويطلب مما عنده وما أحد أبغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر(1) عن عبادته ولا يسأل ما عنده.

* الشرح:

قوله: (من أن يسأل ويطلب مما عنده) متعلق بالفعلين و «من» للتبعيض وإنما أتى به لأن جميع ما عنده للجميع ولأنه غير محصور فطلبه خارج من الآداب.

(وما أحد أبغض إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده) لما كان الاستكبار أشد القبايح كان المتصف به أبغض الخلائق، وفي العطف إشارة إلى أن الاستكبار كناية عن ترك السؤال ولا يراد به حقيقته إذ لا يستكبر أحد من القائلين بوجوده عز وجل حقيقة.

* الأصل:

3 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ميسر بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا ميسر ادع ولا تقل: إن الأمر قد فرغ منه. إن عند الله عز وجل منزلة لا تنال إلا بمسألة، ولو أن عبدا سد فاه ولم يسأل لم يعط شيئا فسل تعط، يا ميسر إنه ليس من باب يقرع إلا يوشك أن يفتح لصاحبه.(2)

* الشرح:

قوله: (يا ميسر ادع ولا تقل ان الأمر قد فرغ منه) (3) أي لا تقل أن كل كائن مكتوب في اللوح المحفوظ لا يتغير ولا يتبدل فمن علم الله أنه يموت في سنة كذا يستحيل أن يموت قبلها أو بعدها; لأن العلم معرفة المعلوم على ما هو به فلو مات قبلها أو بعدها لم يكن الله علم ذلك الاجل على ما هو به وانقلب العلم جهلا والجهل على الله محال، فإذا كان نصا في الاجل لا يزيد ولا ينقص

ص:229


1- -الکافی :466/2.
2- -الکافی :466/2.
3- قوله: «الامر قد فرغ منه» فإن الله تعالى قضى للداعي بالخير لا لكل أحد. وعلمه بأن الداعي يدعو باختياره لا يتخلف كما أن علمه بأنه يصل إلى السعادة والخير لا يتخلف (ش)

وكذلك الارزاق وسائر المطالب التي يدعوهما الإنسان وهذه من الشبهات التي ذكرها المبتدعة لعدم فائدة الدعاء، وأجاب (عليه السلام) عنها بوجهين: أحدهما أن الدعاء في نفسه مطلوب لأنه عبادة جليلة تؤدي إلى منزلة رفيعة عند الله تعالى لا تنال المنزلة إلا بمسئلة ودعاء وتضرع.

الثاني أن الكائن قد يزيد وينقص ويمحو إذا كان مشروطا بشرط مثلا يقدر عمره بثلاثين سنة أن لم يصل رحمه وبسبعين ان وصلها ويقدر رزقه يوم كذا بدرهم ان لم يدع ولم يطلب الزيادة وبدرهمين ان دعاها وطلبها وهكذا باقي المطالب فحينئذ يجوز أن يكون الدعاء من جملة الشرائط للزيادة والأصل حصول المطلوب وكذا لو قدر نزول بلية يوم كذا أن لم يتضرع إليه في دفعها فلا شبهة في أن حصول النجاة منها مشروط بالدعاء، وبالجملة لوجود الكائنات وعدمها شروط وأسباب والدعاء من جملتها بل أعظمها، نعم رد هذه الشبهة على من يزعم أنه لا فاعل إلا الله ولا مؤثر سواه فإنه يفعل بلا شرط ولا سبب (1) ولا غرض، وكما يرد عليهم هذه الشبهة يرد عليهم أن لا فائدة في السعي إلى جميع الأعمال مثل الصوم والصلاة والزكاة والحج وغيرها فإن كل مقدر كائن قطعا ولا دخل لسعي العباد فيه وهم أجابوا عنها بتكلفات، فقال السمعاني: معرفة هذا الباب التوقف لا النظر ومن نظر ضل وحار وهذا لا يزيل الشبهة بل اعتراف بورودها وقال الآبي: والقضاء وان سبق بمكان كل ما هو كائن لكن استحقاق العبد للثواب وحصول المطالب ليس بذاته بل موقوف على العمل والدعاء بمعني أن الفائز بالمقاصد ميسر للدعاء والعمل والمحروم ميسر لتركها كما قال (عليه السلام): «كل ميسر لما خلق له» وقال محي الدين البغوي: والكل وان كان مفروغا عنه إلا أن الله تعالى أمر بالصلاة والصوم ووعد بأنها تنجي من النار والدعاء بالنجاة مثلا من جملة تلك العبادات فكما لا يحسن ترك الصلاة اتكالا على ما سبق من القدر فكذلك لا يترك الدعاء بالمعافاة.

* الأصل:

8 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن أبن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء وأفضل العبادة العفاف، قال: وكان أمير المؤمنين رجلا دعاء.(2)

* الشرح:

قوله: (وأفضل العبادة العفاف) كل ما يوجب القرب منه تعالى فهو عبادة وله مراتب متفاوتة في الفضل وأفضله العفاف بالفتح وهو ترك السؤال من الناس وكف البطن والفرج وغيرهما من الحرام ومبدؤه العلم بالمحاسن والمقابح والاعتدال في القوى العقلية والشهوية والغضبية.

ص:232


1- قوله: «ولا مؤثر سواه فإنه يفعل بلا شرط ولا سبب» الحق أنه تعالى فاعل وحده ولا مؤثر سواه ولم يدع أحد من المحصلين أنه بلا شرط ولا سبب بل الشرط والسبب معد يهييء الأشياء لقبول الفيض من المبدأ الاعلى كرجل يجعل الشيء مقابلا للشمس حتى تضيئه الشمس ولا مؤثر في الإضاءة إلا الشمس. (ش)
2- -الکافی :467/2.

باب ان الدعاء سلاح المؤمن

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرض.(1)

* الشرح:

قوله: (الدعاء سلاح المؤمن) لأنه يدفع المكاره الدنيوية والأخروية وشر شياطين الجن والإنس كما أن السلاح يدفع شر الأعداء (وعمود الدين); لأن فيضان الخيرات الدينية والتوفيق لها بسببه وثباتها وقيامها عليه كقيام السقف بالعمود.

(ونور السماوات والأرض) لعل المراد أنه لصاحبه فيها يعرفه أهلها كما يعرف الشمس والقمر وسائر الكواكب بأنوارها أو المراد أنه منورهما كما قال تعالى (الله نور السماوات والأرض) وحمل النور عليه إما من التشبيه والوجه في المشبه به حسي وفي المشبه عقلي أو من باب الحقيقة; لأن الدعاء نور ساطع عند أهل التجريد وضوء لامع عند أصحاب التوحيد.

* الأصل:

2 - وبهذا الإسناد قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي، وفي المناجاة سبب النجاة، وبالإخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع.(2)

* الشرح:

قوله: (الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح) النجاح الظفر بالمقصود والفلاح الفوز والنجاة والبقاء على الخير ولعل المراد بالأول الظفر بالمطالب الدنيوية وبالثاني الفوز بالسعادات الأخروية والنجاة من العقوبات الباقية والبقاء على المثوبات الأبدية، والاقليد كالإحليل والمقلد كالمنبر المفتاح الذي يشبه المنجل ويجمع الأول على الاقاليد والثاني على المقالد والمقاليد، وحمل الجمع على المفرد وهو الدعاء باعتبار أن المراد به الجنس الشامل للمتكثر والمتعدد وفائدة الجمع هي التنبيه على أن الدعاء مفتاح لجميع المطالب والمقاصد (وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي

ص:233


1- -الکافی :468/2.
2- -الکافی :468/2.

وقلب تقي) خيريته باعتبار أنه أقرب إلى الاخلاص والإجابة وأكمل من حيث الثواب والطاعة، وفيه إشارة إلى بعض من شرائط الدعاء، والصدر النقي ما استخرج خبثه فطهر من الرذائل، والقلب التقي ما له وقاية من الميل إلى المعصية والآفات (وفي المناجاة) مع الرب (سبب النجاة) من نكارة الدنيا وشدايد الآخرة. (وبالاخلاص) في الدعاء - وهو تجريد عن شوائب النقص والرياء - (يكون الخلاص) أي النجاة من المشقة والبلاء، أو الوصول إلى الله تبارك وتعالى أو إلى المطلوب، قال في النهاية: خلص فلان إلى فلان وصل وخلص أيضا سلم ونجا، وفيه إشارة إلى بعض من شرائط الدعاء.

(فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع) الفزع الخوف والمفزع هنا الاستعانة يقال فزع منه إذا خاف، واليه إذا استغاث. يعني إذا اشتد الخوف من الأعداء ومن الفقر والبلاء ونحوها فإلى الله الاستغاثة والاستعانة لدفع ذلك وتقديم الظرف للحصر والخبر بمعني الامر.

* الأصل:

3 - وبإسناده قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم؟ قالوا: بلى، قال: تدعون ربكم بالليل والنهار، فإن سلاح المؤمن الدعاء.(1)

* الشرح:

قوله: (ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم)؟ الادرار الاكثار ويفهم منه أن الدعاء - وان لم يشمل على طلب دفع العدو ووصول الرزق وكثرته - سبب لهما وتخصيصه بالمشتمل عليهما احتمال بعيد.

4 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الدعاء ترس المؤمن ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك.

5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن بعض أصحابنا عن الرضا (عليه السلام) أنه كان يقول لأصحابه: عليكم بسلاح الأنبياء. فقيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء.

* الأصل:

6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي سعيد البجلي، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الدعاء أنفذ من السنان.(2)

* الشرح:

قوله: (إن الدعاء أنفذ من السنان) أشار إلى نفوذ الدعاء في الأعداء أشد من نفوذ السنان فيهم،

ص:234


1- -الکافی :468/2.
2- -الکافی :469/2.

ولعل السر فيه أن الداعي الراجي من الله تعالى والملتجيء إليه في دفع الأعداء يظهر ضعفه وعجزه ويسلب عن نفسه الحول والقوة ويتمسك بحول الله وقوته والمتمسك بالسيف والسنان معتمد بحوله وقوته وسنانه، ومن البين أن الأول أقول من الثاني في دفعهم.

7 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الدعاء أنفذ من السنان الحديد.

ص:235

باب أن الدعاء يرد البلاء والقضاء

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، قال: سمعته يقول: إن الدعاء يرد القضاء، ينقضه كما ينقض السلك وقد ابرم إبراما.(1)

* الشرح:

قوله: (إن الدعاء يرد القضاء، ينقضه كما ينقض السلك وقد ابرم إبراما) (2) الياء في قوله «يرد» متعلق بالدعاء، والإبرام الاحكام وقد مر أن البداء يجري في مرتبة القضاء وأن الإمضاء بعده لا راد له فالدعاء قد ينقض القضاء ويمنع من الإمضاء، والمستتر في ينقض راجع إلى ما الموصولة في كما وفيه تشبيه معقول بمحسوس لقصد الإيضاح وفي بعض النسخ «يرد» بالياء المثناة التحتانية فقوله ينقضه حينئذ خبر بعد خبر أو حال من فاعل يرد أو استيناف والظاهر أنه تصحيف.

* الأصل:

2 - عنه، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: إن الدعاء يرد ما قد قدر وما لم يقدر، قلت: وما قد قدر عرفته فما لم يقدر؟ قال: حتى لا يكون.(3)

* الشرح:

قوله: (إن الدعاء يرد ما قد قدر وما لم يقدر) اشاره إلى أن الدعاء يرد البلاء الذي قدر وقوعه والذي لم يقدر بعد فإن تقدير وقوعه في الاستقبال ممكن يدفع بالدعاء فقوله (عليه السلام): «حتى لا يكون» معناه يرد الدعاء ما لم يقدر حتى لا يكون التقدير أو غير المقدر، وإن شئت زيادة توضيح فنقول:

ايجاده تعالى للشيء موقوف على علمه بذلك الشيء ومشيئة وارادته وهي العزيمة على ما شاء وتقديره وقضائه وامضائه وفي مرتبة المشيئة إلى الامضاء تجري البداء فيمكن الدفع بالدعاء وان أردت تحقيق ذلك فارجع إلى باب البداء من كتاب التوحيد.

3 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن بسطام الزيات، عن أبي

ص:236


1- -الکافی :469/2.
2- قوله: «وقد أبرم ابراما» مع قطع النظر عن الدعاء أي تهيأت جميع أسباب الحادثة بحيث لولا الدعاء لوقعت وعلم الله أنها تقع لو لا الدعاء ولا تقع للدعاء. (ش)
3- -الکافی :469/2.

عبد الله (عليه السلام) قال: إن الدعاء يرد القضاء وقد نزل من السماء وقد ابرم إبراما.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى، عن أبي همام إسماعيل بن همام، عن الرضا (عليه السلام) قال: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): إن الدعاء والبلاء ليترافقان إلى يوم القيامة، إن الدعاء ليرد البلاء وقد ابرم إبراما.(1)

* الشرح:

قوله: (إن الدعاء والبلاء ليترافقان إلى يوم القيامة) في عدة الداعي ليتوافقان، ومن طرق العامة: «ان الدعاء ليلقي البلاء فيعتلجان في الهواء» قال الزمخشري في الفائق: يعتلجان أي يصطرعان فيتدافعان.

5 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال:

كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: الدعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل.

* الأصل:

6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي: ألا أدلك على شيء لم يستثن فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلت: بلى، قال: الدعاء يرد القضاء وقد ابرم إبراما - وضم أصابعه -.(2)

* الشرح:

قوله: (قال: الدعاء يرد القضاء وقد ابرم إبراما - وضم أصابعه -) لعل المراد بالقضاء المبرم هو الحكم بالتيام اجزاء المقضي وانضمام بعضها ببعض كما يرشد إليه ضم الأصابع، والإمضاء الذي لا يرده الدعاء هو الحكم بوصول المقضى إلى أهله كما يرشد إليه حديث إسحاق بن عمار الآتي عن أبي عبد الله (عليه السلام).

7 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الدعاء يرد القضاء بعد ما ابرم إبراما، فأكثر من الدعاء فإنه مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة ولا ينال ما عند الله عز وجل إلا بالدعاء وإنه ليس باب يكثر قرعه إلا يوشك أن يفتح لصاحبه.

8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد قال: قال أبو الحسن موسى (عليه السلام): عليكم بالدعاء فإن الدعاء لله والطلب إلى الله يرد البلاء وقد قدر وقضي

ص:237


1- -الکافی :469/2.
2- -الکافی :469/2.

ولم يبق إلا إمضاؤه، فإذا دعي الله عز وجل وسئل صرف البلاء صرفة.

* الأصل:

9 - الحسين بن محمد، رفعه، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله عز وجل ليدفع بالدعاء الأمر الذي علمه أن يدعى له فيستجيب ولو لا ما وفق العبد من ذلك الدعاء لأصابه منه ما يجثه من جديد الأرض.(1)

* الشرح:

قوله: (إن الله عز وجل ليدفع بالدعاء الأمر الذي علمه أن يدعى له فيستجيب) لعل الغرض في توجيه ذلك الامر وهو البلاء إلى العبد مع العلم بأنه يدفعه بالدعاء هو تحريك العبد إليه في جميع الأوقات فإنه يجوز في كل وقت أن يكون البلاء متوجها إليه ويبعثه ذلك إلى الدعاء دائما وقوله «يجثه من جديد الأرض» أي من وجهها، وفي بعض النسخ بالنون من الإجتنان وهو الاستتار وفي بعض بالثاء المثلثة من الجث وهو القطع أو انتزاع الشجر من أصله.

ص:238


1- -الکافی :470/2.

باب أن الدعاء شفاء من كل داء

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أسباط بن سالم. عن ابن كامل قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): عليك بالدعاء فإنه شفاء من كل داء.(1)

* الشرح:

قوله: (فإنه شفاء من كل داء) من الادواء الجسمانية والروحانية ولبعضها أدعية مأثورة والحمل للمبالغة.

ص:239


1- -الکافی :470/2.

باب أن من دعا استجيب له

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: الدعاء كهف الإجابة كما أن السحاب كهف المطر.(1)

* الشرح:

قوله: (الدعاء كهف الإجابة كما أن السحاب كهف المطر) الكهف كالبيت المنقور في الجبل والمراد هنا المحل ويستفاد منه مع ملاحظة التشبيه أن الإجابة في الدعاء لا في غيره ففيه ترغيب فيه.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحيا الله عز وجل أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على وجهه ورأسه.(2)

* الشرح:

قوله: (ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحيا الله عز وجل أن يردها صفرا) الحياء انقباض النفس عن القبيح خوفا من الذم وإذا نسب إليه تعالى يراد به الترك اللازم للانقباض.

باب الهام الدعاء

اشاره:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):

هل تعرفون طول البلاء من قصره؟ قلنا: لا، قال: إذا الهم أحد [كم] الدعاء عند البلاء فاعلموا أن البلاء قصير.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن أبي ولاد قال: قال أبو الحسن موسى (عليه السلام): ما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيلهمه الله عز وجل الدعاء إلا كان كشف

ص:240


1- -الکافی :470/2.
2- -الکافی :471/2.

ذلك البلاء وشيكا وما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيمسك عن الدعاء إلا كان ذلك البلاء طويلا فإذا نزل فعليكم بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل.(1)

* الشرح:

قوله: (شيكا) الوشيك السريع والقريب.

باب التقدم في الدعاء

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من تقدم في الدعاء استجيب له إذا نزل به البلاء، وقالت الملائكة:

صوت معروف ولم يحجب عن السماء، ومن لم يتقدم في الدعاء لم يستجب له إذا نزل به البلاء، وقالت الملائكة: إن ذا الصوت لا نعرفه.(2)

* الشرح:

قوله: (من تقدم في الدعاء استجيب له إذا نزل به البلاء) ترغيب في الدعاء في جميع الأوقات لأنه مع كونه عبادة ينفع صاحبه إذا دعا عند نزول البلاء ويوجب كشفه سريعا للعلة المذكورة.

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ابن سنان، عن عنبسة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من تخوف [من] بلاء يصيبه فتقدم فيه بالدعاء لم يره الله عز وجل ذلك البلاء أبدا.

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن منصور بن يونس، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء.

4 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من سره أن يستجاب له في الشدة فليكثر الدعاء في الرخاء.

5 - عنه، عن أبيه، عن عبيد الله بن يحيى، عن رجل، عن عبد الحميد بن غواص الطائي، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان جدي يقول: تقدموا في الدعاء فإن العبد إذا كان دعاء فنزل به البلاء فدعا، قيل: صوت معروف وإذا لم يكن دعاء فنزل به بلاء فدعا، قيل: أين كنت قبل اليوم؟!.

* الأصل:

6 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عمن حدثه، عن أبي الحسن الأول،

ص:241


1- -الکافی :471/2.
2- -الکافی :471/2.

عن أبيه (عليهما السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: الدعاء بعد ما ينزل البلاء لا ينتفع [به].(1)

* الشرح:

قوله: (الدعاء بعد ما ينزل البلاء لا ينتفع [به]) يعني لمن لم يتعود بالدعاء قلبه، لما مر آنفا.

باب اليقين في الدعاء

اشاره:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سليم الفراء، عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا دعوت فظن أن حاجتك بالباب.(2)

باب الاقبال في الدعاء

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن سليمان بن عمرو قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة.

* الشرح:

قوله: (إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه) ينبغي أن يعلم أن مقام الدعاء من أشرف مقامات العارفين فلا بد للناسك السالك العارف أن يتفكر في عجائب الملك والملكوت ويعرج إلى عالم العز والجبروت حتى ينتهي إلى سرادقات جلاله وينظر بعين بصيرته إلى قدرته وكماله ويقف بين يديه بقلبه وبدنه في مقام التناجي والدعاء ثم يفتح لسانه بالذكر والثناء مع حضور البال على وجه الخضوع والابتهال ليكون دعاؤه مقرونا بالإجابة فلو تحرك لسانه بقلب ساه (3) كان حريا بعدم الاستجابة لوجوه: الأول: أن الدعاء من أفضل الأعمال وإنما الأعمال

ص:242


1- -الکافی :472/2.
2- -الکافی :473/2.
3- قوله: «بقلب ساه» نعلم أن جميع ما يحدث في العالم إنما هي بتأثير الملائكة الروحانيين بأمر الله تعالى لا بإستقلال الطبيعيات وعواملها لأنا نرى المصالح والأغراض في جميع المخلوقات بحيث لا نشك أن المدبر يفعل بعناية ونعلم أن الإنسان متصل بذلك العالم أعنى عالم الملائكة بإفاضة العلوم والرؤيا الصادقة فلا يمتنع أن يكون دعاؤه وتوجهه قلبا إلى ذلك العالم واستدعاؤه والحاجة باطنا إليهم موجبا لتأثيرهم في تسبيب الأسباب وتوفيق الأمور حتى يحصل المطلوب المراد ولا يرتبط أحد مع الروحانيين إلا بالقلب والنفس الناطقة وأصل الاستدعاء بالقلب وإنما الكلام لجمع الخواطر وانصراف الهمة عن غيره تعالى فإن للتكلم في شيء بعينه أثرا في ذلك مشهودا. (ش)

بالنيات ولا يتصور النية مع سهو القلب، الثاني: أن دعاءه حينئذ شبيه بالاستهزاء وهو يوجب البعد عن الرحمة فكيف يكون موجبا للإجابة، الثالث: أن اللسان ترجمان للقلب والترجمان إذا قال شيئا لم يخطر ببال الأصل ظهر منه الخيانة واستحق به الطرد والمنع عن الحضور، الرابع: ان القلب أعرض عنه جل شأنه واشتغل بغيره فقد أتخذ الها غيره كما قال عز شأنه: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) فحقيق بأن يكله إلى ذلك الغير، الخامس: أن العاشق إذا أعرض عن المعشوق مع كمال ألطاف المعشوق واكرامه فالمعشوق أولى بأن يعرض عنه.

2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يقبل الله عز وجل دعاء قلب لاه، وكان علي (عليه السلام) يقول: إذا دعا أحدكم للميت فلا يدعوا له وقلبه لاه عنه ولكن ليجتهد له في الدعاء.

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بعض أصحابه، عن سيف بن عميرة، عن سليم الفراء، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا دعوت فأقبل بقلبك وظن حاجتك بالباب.

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب قاس.

* الأصل:

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

لما استسقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسقي الناس حتى قالوا: إنه الغرق - وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده وردها:

أللهم حوالينا ولا علينا قال: فتفرق السحاب - فقالوا: يا رسول الله استسقيت لنا فلم نسق ثم استسقيت لنا فسقينا؟ قال: إني دعوت وليس لي في ذلك نية ثم دعوت ولي في ذلك نية.(1)

* الشرح:

قوله: (اللهم حوالينا ولا علينا) أي أنزل الغيث في جوانبنا ولا تنزله علينا فالواو للعطف وفي النهاية: رأيت الناس حوله وحواليه أي مطيفين به من جوانبه يريد انزال الغيث في مواضع النبات لا في مواضع الابنية (وليس لي في ذلك نية - إلى آخره) أراد بالنية تمام القصد وكمال الاهتمام دون الاخلاص لأنه (صلى الله عليه وآله) منزه عن عدمه.

ص:243


1- -الکافی :474/2.

باب الإلحاح في الدعاء والتلبث

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن حسين بن عطية، عن عبد العزيز الطويل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن العبد إذا دعا لم يزل الله تبارك وتعالى في حاجته ما لم يستعجل.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عطية عن عبد العزيز الطويل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله.(1)

* الشرح:

قوله: (ما لم يستعجل) أي ما لم يفرغ عن الدعاء أو لم يستعجل، ولم يقم بحاجته ويؤيده الخبر الآتي من «أن العبد إذا عجل فقام لحاجته يقول الله تبارك وتعالى أما يعلم العبد أني أنا الله الذي أقضى الحوائج» ومحصل القول انه لا بد للداعي من أن يعزم المسئلة ويعظم الرغبة إليه سبحانه ولا يتراخى ويحسن الظن بالله تعالى في الإجابة فإن الله سبحانه لا يتعاظمه شيء أعطاه ولكن قد يؤخر الإجابة أما لحب صوته وتضرعه أو لغير ذلك فوجب على الداعي أن لا ييأس من الإجابة.

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، وحفص بن البختري وغيرهما، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن العبد إذا عجل فقام لحاجته يقول الله تبارك وتعالى: أما يعلم عبدي أني أنا الله الذي أقضي الحوائج.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن محمد ابن مروان، عن الوليد بن عقبة الهجري قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: والله لا يلح عبد مؤمن على الله عز وجل في حاجته إلا قضاها له.(2)

* الشرح:

قوله: (والله لا يلح عبد مؤمن على الله عز وجل) معنى الالحاح أن يشتد ويتلبث ولا يتراخى ولا يتوانى وقد يفسر الالحاح بالعزم وحسن الظن بالله سبحانه في الإجابة وأحاديث هذا الباب

ص:244


1- -الکافی :474/2.
2- -الکافی :475/2.

يؤيد الأول.

* الأصل:

4 - عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحجال، عن حسان، عن أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة وأحب ذلك لنفسه، إن الله عز وجل يحب أن يسأل ويطلب ما عنده.(1)

* الشرح:

قوله: (وأحب ذلك لنفسه) أي أحب الحاح الناس لنفسه دون غيره والالحاح عليه هو الملازمة بين يديه وقرع باب رحمته في الدعاء والسؤال إليه في جميع الأحوال من ألحت الناقة إذا قامت ولم تبرح وإنما أحب الله تعالى الملحين من عباده لدوام ملازمتهم ببابه وانزال فقرهم وفاقتهم بعز جنابه ونشر آمالهم ومهماتهم لديه ورفع حاجتهم وضرورياتهم إليه ورجوعهم إليه في جميع الحاجات ولونهم بكرمه في جميع الحالات سواء كانوا في ضيق ومحنة أو في سعة ونعمة لا يقطعهم المحن عن الرجوع إليه ولا يشغلهم النعم عن الإقبال إليه ولا يمنعهم الشواغل عن العكوف بين يديه وفيه اعتراف بحقيقة التوحيد والمجد والكرم واقرار بأنه مالك العز والجود والنعم ولذلك ورد «أن الدعاء مخ العبادات وأفضلها وأشرف الطاعات وأكملها»، ولذلك قال سبحانه في الترغيب إليه: (ادعوني استجب لكم) وفي المدح عليه (يدعوننا رغبا ورهبا) وفي الذم على تركه: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)(2) وقال (عليه السلام): «الدعاء ينفع ما نزل وما لم ينزل».

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين الأحمسي، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا والله لا يلح عبد على الله عز وجل إلا استجاب الله له.

6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رحم الله عبدا طلب من الله عز وجل حاجة فألح في الدعاء استجيب له أو لم يستجب [له] وتلا هذه الآية: (وادعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا).(3)

ص:245


1- -الکافی :475/2.
2- -سورة الغافر:60.
3- -الکافی :477/2.

باب تسمية الحاجة في الدعاء

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد الله الفراء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ولكنه يحب أن تبث إليه الحوائج فإذا دعوت فسم حاجتك، وفي حديث آخر قال: قال: إن الله عز وجل يعلم حاجتك وما تريد ولكن يحب أن تبث إليه الحوائج.(1)

باب إخفاء الدعاء

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي همام إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: دعوة العبد سرا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية. وفي رواية اخرى: دعوة تخفيها أفضل عند الله من سبعين دعوة تظهرها.(2)

* الشرح:

قوله: (وفي رواية اخرى: دعوة تخفيها أفضل عند الله من سبعين دعوة تظهرها) الفرق بين الروايتين أن الأولى تفيد المساواة بين الواحدة الخفية والسبعين والثانية تفيد الزيادة عليها ثم الحكم بالمساواة والزيادة إنما هو إذا كانت الظاهرة عرية عن الرياء والسمعة والا فلا نسبة بينهما.

ص:246


1- -الکافی :476/2.
2- -الکافی :476/2.

باب الأوقات والحالات التي ترجى فيها الإجابة

اشاره:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن زيد الشحام قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أطلبوا الدعاء في أربع ساعات: عند هبوب الرياح وزوال الأفياء ونزول القطر وأول قطرة من دم القتيل المؤمن فإن أبواب السماء تفتح عند هذه الأشياء.

2 - عنه، عن أبيه وغيره، عن القاسم بن عروة، عن أبي العباس فضل البقباق قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يستجاب الدعاء في أربعة مواطن: في الوتر وبعد الفجر وبعد الظهر وبعد المغرب.

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): اغتنموا الدعاء عند أربع: عند قراءة القرآن وعند الأذان وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفين للشهادة.

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان أبي إذا كانت له إلى الله حاجة طلبها في هذه الساعة يعني زوال الشمس.

* الأصل:

5 - عنه، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا رق أحدكم فليدع، فإن القلب لا يرق حتى يخلص.(1)

* الشرح:

قوله: (فإن القلب لا يرق حتى يخلص) (2) أي يخلص عن غيره تعالى ويفرغ عن الشواغل أو يصل إليه وقد مر.

* الأصل:

6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير وقت دعوتم الله عز وجل فيه الأسحار،

ص:247


1- -الکافی :478/2.
2- قوله: «فإن القلب لا يرق حتى يخلص» يؤيد ما ذكر في الحاشية السابقة. (ش)

وتلا هذه الآية في قول يعقوب (عليه السلام): (سوف أستغفر لكم ربي)(1) [و] قال: أخرهم إلى السحر.(2)

* الشرح:

قوله: (أخرهم إلى السحر) في بعض الروايات إلى سحر ليلة الجمعة، قال القاضي (عليهم السلام) اخره إلى السحر أو إلى صلاة الليل أو إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة أو إلى أن يستحل لهم من يوسف أو إلى أن يعلم أنه هل عفا عنهم فإن عفو المظلوم شرط المغفرة.

7 - الحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس فإذا أراد ذلك قدم شيئا فتصدق به وشم شيئا من طيب، وراح إلى المسجد ودعا في حاجته بما شاء الله.

* الأصل:

8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن حديد، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك، فدونك دونك، فقد قصد قصدك.

قال: ورواه محمد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السراج، عن محمد بن أبي حمزة عن سعيد مثله.(3)

* الشرح:

قوله: (فدونك دونك) أي هو دونك أو قريب منك يقال هذا دونه أي قريب منه ودونك اغراء والتكرير للمبالغة.

قوله: (فقد قصد قصدك) أي اعتدل قصدك إياه وإستقام وفيه حث على طلب الحاجات منه حينئذ.

* الأصل:

9 - عنه، عن الجاموراني، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن صندل عن أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل يحب من عبادة المؤمنين كل [عبد] دعاء، فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس فإنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وتقسم فيها الأرزاق، وتقضى فيها الحوائج العظام.(4)

* الشرح:

قوله: (إن الله عز وجل يحب من عبادة المؤمنين كل [عبد] محبته تعالى إرادة

ص:248


1- -سورة یوسف:98.
2- -الکافی :477/2.
3- -الکافی :478/2.
4- -الکافی :478/2.

احسانه واكرامه وافضاله أو نفس هذه الافعال ومن دلائل محبته له توفيقه للدعاء والعبادة وهدايته اليهما ومن هذا الوجه ما يذكر أن لرجل كانت جارية فافتقدها في بعض أجزاء الليل فلم يجدها فطلبها فوجدها في بعض زوايا القصر ساجدة تقول «اللهم بمحبتك لي» فسألها بعد ذلك لم قلت بمحبتك لي ولم تقولي بمحبتي لك وكيف عرفت أنه محبك؟ قالت لو لا محبته لي ما أيقظني للعبادة وأنامك، وما وفقني لها.

* الأصل:

10 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم ثم يصلي ويدعوا لله عز وجل فيها إلا استجاب له في كل ليلة، قلت: أصلحك الله وأي ساعة هي من الليل؟ قال؟ إذا مضى نصف الليل وهي السدس الأول من أول النصف.(1)

* الشرح:

قوله: (وهي السدس الاول من أول النصف) أي من أول النصف الاخر ومن ابتدائية وبيانية للسدس وتعيين النصف متوقف على تحقيق أن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من الليل أو من النهار والظاهر هو الثاني وقيل بالأول.

ص:249


1- -الکافی :478/2.

باب الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والابتهال والاستعاذة والمسألة

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الرغبة أن تستقبل ببطن كفيك إلى السماء والرهبة أن تجعل ظهر كفيك إلى السماء. وقوله: (وتبتل إليه تبتيلا) قال: الدعاء بأصبع واحدة تشير بها، والتضرع تشير بأصبعيك وتحركهما، والابتهال ترفع اليدين وتمدهما وذلك عند الدمعة، ثم ادع.(1)

* الشرح:

قوله: (الرغبة ان تستقبل ببطن كفيك إلى السماء) الرغبة الإرادة يقال رغب فيه واليه كسمع رغبة إذا أراده والراغب الطالب للشيء منه تعالى يناسب حاله أن يبسط كفيه إلى السماء ليوضع مطلوبه فيهما (والرهبة أن تجعل ظهر كفيك إلى السماء) الرهبة الخوف والفزع والخائف يناسب حاله أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء وبطنهما إلى الأرض للاشعار بأنه القى نفسه على الأرض تذللا (2) أو بأنه مع الخوف من التقصير كيف يتوقع أخذ شيء منه تعالى: (وقوله: (وتبتل إليه تبتيلا)) الظاهر أنه من كلام الصادق (عليه السلام) وان ضمير قوله راجع إلى الله تعالى وان المقصود بيان المراد من هذه الكلمات الواقعة في القرآن الكريم.

(قال الدعاء بأصبع واحدة تشير بها) التبتل الانقطاع والمتبتل المنقطع إليه تعالى المعرض عما سواه يناسب حاله ذلك للإشعار بأنه ليس به سواء ولا مرجع إلا إياه وفي خبر يأتي «يحرك السبابة اليسرى إلى السماء بالتأني ويضعها» قيل: لعل السر فيه هو الإشارة إلى أن الروح يجرني إليك والتعلق الجسماني يجرني إلى السفل ولا يمكنني الانقطاع إليك إلا بجذباتك. (والتضرع تشير باصبعيك وتحركهما) الظاهر أنهما من اليدين وأنهما سبابتان وكونهما من يد واحدة بعيد وفي خبر يأتي تحرك السبابة اليمني يمينا وشمالا. قيل السر فيه هو الإشعار بأنه لا أدري أنا من أصحاب اليمين أم من أصحاب الشمال.

(والابتهال ترفع اليدين وتمدهما وذلك عند الدمعة، ثم ادع) في

ص:250


1- -الکافی :479/2.
2- قوله: «ألقى نفسه على الأرض تذللا» دلالة حركات الأعضاء على الحالات النفسانية مبنية على رابطة بينهما والسر فيه مجهول غالبا كدلالة القبلة على المحبة وعقد الحواجب على الغضب وفتح الفم على التحير وما ذكر في توجيهه تكلف. (ش)

القاموس الابتهال الإجتهاد واخلاصه، وفي النهاية الابتهال ان تمد يديك جميعا وأصله التضرع والمبالغة في السؤال وقيل الابتهال حين يرى أسباب البكاء فيرفع يديه إلى السماء حتى يتجاوز رأسه لأن البكاء علامة إجابة الدعاء فكأنه وصل إلى المطلوب وأعطاه الله تعالى فيمد يديه حتى يأخذه والظاهر أن قوله: «ثم ادع» مترتب على الابتهال وترتبه على الجميع أنسب.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم قال:

سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) فقال: الاستكانة هو الخضوع والتضرع هو رفع اليدين والتضرع بهما.(1)

* الشرح:

قوله: ((فما استكانوا لربهم وما يتضرعون)) قيل استكان من باب الافتعال وأصله إفتعل من السكون فالمد شاذ حصل بالإشباع وقيل من باب الاستفعال وأصله استفعل من كان فالمد قياس ووجه بأنه يقال استكان إذا خضع وذل أي صار له كون خلاف كونه الأولي كما يقال استحال إذا تغير من حال إلى حال إلا أن استحال عام في كل حال واستكان خاص.

(فقال الاستكانة هو الخضوع) تذكير الضمير باعتبار الخبر والتضرع هو رفع اليدين والتضرع بهما الإشارة بالإصبعين وتحريكهما كما مر أو الأعم منها فيشمل الابتهال أيضا.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد، جميعا; عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أبي خالد، عن مروك بياع اللؤلؤ، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ذكر الرغبة وأبرز باطن راحتيه إلى السماء، وهكذا الرهبة وجعل ظهر كفيه إلى السماء، وهكذا التضرع وحرك أصابعه يمينا وشمالا، وهكذا التبتل ويرفع أصابعه مرة ويضعها مرة وهكذا الابتهال ومد يده تلقاء وجهه إلى القبلة ولا يبتهل حتى تجري الدمعة.(2)

* الشرح:

قوله: (وهكذا الرهبة) أي وهكذا ذكر الرهبة وقس عليه البواقي واعلم أن تفسير الألفاظ المذكورة موافق لما مر في الرواية السابقة إلا التضرع والتبتل ويمكن أن يكون هذا إشارة إلى فرد آخر لهما كما يمكن تخصيص السابق بما ذكر هنا فتأمل.

* الأصل:

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة، عن العلاء، عن

ص:251


1- -الکافی :479/2.
2- -الکافی :479/2.

محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: مربي رجل وأنا أدعو في صلاتي بيساري فقال: يا عبد الله بيمينك، فقلت: يا عبد الله إن الله تبارك وتعالى حقا على هذه كحقه على هذه.

وقال: الرغبة تبسط يديك وتظهر باطنهما، والرهبة تبسط يديك وتظهر ظهرهما والتضرع تحرك السبابة اليمني وشمالا، والتبتل تحرك السبابه اليسرى ترفعها في السماء رسلا وتضعها، والابتهال تبسط يديك وذراعيك إلى السماء والابتهال حين ترى أسباب البكاء.(1)

* الشرح:

قوله: (يا عبد الله بيمينك) بناء السؤال على أن اليمين أشرف من اليسار فينبغي رفع اليمين إلى الله تعالى وبناء الجواب على أن اليسار قد ينبغي رفعها لئلا يبطل حقها، وقد ورد استحباب رفعها دون اليمين في بعض الأدعية المخصوصة.

* الأصل:

5 - عنه، عن أبيه أو غيره، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الدعاء ورفع اليدين فقال: على أربعة أوجه: أما التعوذ تستقبل القبلة بباطن كفيك وأما الدعاء في الرزق فتبسط كفيك وتفضي بباطنهما إلى السماء وأما التبتل فإيماء بإصبعك السبابة وأما الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك، ودعاء التضرع أن تحرك أصبعك السبابة مما يلي وجهك وهو دعاء الخيفة.(2)

* الشرح:

قوله: (أما التعوذ تستقبل القبلة بباطن كفيك) كأنك تشير به إلى أنك استقبلت إلي القبلة الحقيقية التي يتوجه إليها وجوه الممكنات كلها وجعلت يدك ترسا لدفع المكاره وإنما يفعل ذلك في مقام إظهار العجز كما ترى أن العاجز المضطر قد يجعل يده ترسا لدفع السيف والسنان وقوله فيما بعد: «وتفضي بكفيك» معناه تفضي بباطن كفيك إلى القبلة.

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن محمد ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (فما استكانوا لربهم وما يتضرعون)(3) قال:

الاستكانة هي الخضوع والتضرع رفع اليدين والتضرع بهما.

7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم وزرارة قالا: قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام) كيف المسألة إلى الله تبارك وتعالى؟ قال: تبسط كفيك، قلنا: كيف الاستعاذة؟ قال:

تفضي بكفيك والتبتل الايماء بالأصبع، والتضرع تحريك الأصبع والابتهال أن تمد يديك جميعا.

ص:252


1- -الکافی :480/2.
2- -الکافی :480/2.
3- -سورة المؤمنون:76.

باب البكاء

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة تطفيء بحارا من نار، فإذا أغر ورقت العين بمائها لم يرهق وجهها قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه الله على النار ولو أن باكيا بكى في امة لرحموا.(1)

* الشرح:

قوله: (ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة تطفيء بحارا من نار) لذلك قيل محو المثبتات من العثرات بالمرسلات من العبرات، والكيل والوزن إما مصدران يقال: كال الطعام يكيله كيلا ووزنه يزنه وزنا إذا قاسه بالمكيال والميزان أو اسم لما يكال به الطعام وللعبارة وجهان الأول أن كل عبادة يعتبر كيلها ووزنها ويجزي على وجه الاستحقاق بمثلها كيلا بكيل ووزنا بوزن وإذ وقعت الزيادة فهي تفضل إلا الدمع فإنه وإن كان خفيفا قليلا يستحق صاحبه أجرا جزيلا لا يعلم قدره إلا الله عز وجل. الثاني: أن الدمع لكونه عظيما لا يحبط به الكيل والوزن لا يمكن أن يقدر بهما فلذلك يوجب أجرا جزيلا.

(فإذا إغرورقت العين بمائها) أي دمعت كثيرا كأنها غرقت في دمعتها.

(لم يرهق وجهها قتر ولا ذلة) في القاموس رهقة كفرح غشية ولحقة أو دنا منه سواء أخذه أو لم يأخذه والقتر محركة والقترة بالفتح العبرة، والذلة بالكسر الهون والحقارة والصعوبة.

قوله: (ولو أن باكيا بكى في امة لرحموا) أي بكي فيما بينهم أو في رفع العقوبة عنهم فعلى الأول دفع الله عنهم العقوبة الدنيوية وعلى الأخير دفع عنهم العقوبة الدنيوية والاخروية.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة ومنصور ابن يونس، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من عين إلا وهي باكية يوم القيامة إلا عينا بكت من خوف الله وما أغرورقت عين بمائها من خشية الله عز وجل إلا حرم الله عز وجل سائر جسده على النار ولا فاضت على خده فرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة وما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا

ص:253


1- -الکافی :481/2.

الدمعة، فإن الله عز وجل يطفئ باليسير منها البحار من النار، فلو أن عبدا بكي في امة لرحم الله عز وجل تلك الامة ببكاء ذلك العبد.

3 - عنه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنى الحناط، عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما من قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره.

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن صالح بن رزين ومحمد بن مروان وغيرهما، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة: عين غضت عن محارم الله وعين سهرت في طاعة الله وعين بكت في جوف الليل من خشية الله.

5 - ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج ودرست، عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة منها تطفيء بحارا من النار فإذا أغر ورقت العين بمائها لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه الله على النار ولو أن باكيا بكي في امة لرحموا.

6 - ابن أبي عمير، عن رجل من أصحابه قال: قال أو عبد الله (عليه السلام): أوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام): إن عبادي لم يتقربوا إلي بشيء أحب إلي من ثلاث خصال، قال موسى: يا رب وما هن؟ قال: يا موسى الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي، قال موسى، يا رب فما لمن صنع ذا؟ فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى أما الزاهدون في الدنيا ففي الجنة، وأما البكاؤون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحد، وأما الورعون عن معاصي فإني افتش الناس ولا افتشهم.(1)

* الشرح:

قوله: (يا موسى أما الزاهدون في الدنيا) الزاهد في الدنيا من لا يحبها وهو من يرضى بالكفاف ويترك الزائد من حلالها ولا يلتفت إلى حرامها وإن أردت زيادة توضيح فارجع إلى ما ذكرنا في باب الزهد من كتاب الكفر والإيمان، والرفيع الأعلى مسكن الأنبياء والأولياء من أعلى عليين وهم الرفيق الأعلى وحسن أولئك رفيقا. والتفتيش الطلب والفحص عن أحوال الناس من كبير ما فعلوا وصغيره وكان المراد بعدم تفتيش أهل الورع دخولهم الجنة بغير حساب والتسامح فيه محتمل.

* الأصل:

7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عمار قال:

ص:254


1- -الکافی :482/2.

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي فهل يجوز ذلك؟ فقال: نعم فتذكرهم فإذا رققت فابك وادع ربك تبارك وتعالى.(1)

* الشرح:

قوله: (فإذا رققت فابك وادع ربك) أمر بصرف قلبه إلى الله تعالى وإلى أمر الآخرة وذكر ما بعد الموت فإن ذكر الميت كثيرا ما يفضى إلى ذلك، وفيه دلالة على جواز استعمال الحيل المشروعة لترقيق القلب والقدرة على البكاء.

* الأصل:

8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عنبسة العابد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن لم تكن بك بكاء فتباك.

* الشرح:

قوله: (إن لم تك بك بكاء فتباك) (كذا) الظاهر إن لم تك خطاب. وبكاء بتشديد الكاف للمبالغة وهو من يقدر على البكاء بسهولة ويحتمل الغيبة وتخفيف الكاف وضم الباء و «كان» حينئذ تامة والتباكي إظهار البكاء مع عدمه وفيه تشبه بالباكي وهو مطلوب مع أنه قد يفضي إلى البكاء ولو قليلا.

* الأصل:

9 - عنه، عن ابن فضال، عن يونس بن يعقوب، عن سعيد بن يسار بياع السابري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أتباكى في الدعاء وليس لي بكاء؟ قال: نعم ولو مثل رأس الذباب.

10 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لأبي بصير: إن خفت أمرا يكون أو حاجة تريدها فابدأ بالله ومجده واثن عليه كما هو أهله وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) وسل حاجتك وتباك ولو مثل رأس الذباب، إن أبي (عليه السلام) كان يقول: إن أقرب ما يكون العبد من الرب عز وجل وهو ساجد باك.(2)

* الشرح:

قوله: (إن خفت أمرا يكون أو حاجة تريدها) أي إن خفت أمرا مكروها يوجد أو خفت فوات حاجة تريدها (فابدأ بالله تعالى) من قبل الدعاء.

(ومجده واثن عليه كما هو أهله) بحسب الطاقة والقدرة لا بحسب الواقع; لأن تمجيده وثناءه

ص:255


1- -الکافی :483/2.
2- -الکافی :483/2.

كما هو أهله بحسب الواقع خارج عن طوق البشر والتمجيد التعظيم بالرفعة والعلو والكرم والشرف وحسن الفعال، والثناء الوصف بالمدح والذكر الجميل وهما متغايران بحسب المفهوم ومتقاربان بحسب الصدق.

(أقرب ما يكون العبد من الرب عز وجل وهو ساجد باك) غاية القرب منه بغاية التذلل والتواضع له وهي في تلك الحالة توضع مكارم الأعضاء له على التراب وقد دل عليه القرآن الكريم أيضا.

* الأصل:

11 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن إسماعيل البجلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لم يجئك البكاء فتباك، فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ.(1)

* الشرح:

قوله: (فبخ بخ) في النهاية هي كلمة يقال في المدح والرضا بالشيء وتكريره للمبالغة وهي مبنية على السكون فإن وصلت جررت ونونت فقلت بخ بخ وربما شددت وبخبخت الرجل إذا قلت له ذلك ومعناه تعظيم الأمر وتفخيمه.

ص:256


1- -الکافی :483/2.

باب الثناء قبل الدعاء

* الأصل:

1 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن الحارث ابن المغيرة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله عز وجل والمدح له والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم يسأل الله حوائجه.(1)

* الشرح:

قوله: (إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه - إلى آخره) أي بعدوا أنفسكم حين أراد أحدكم أن يسأل ربه من أن يسأله حتى يبدأ بالثناء على الله فالمحذر منه محذوف لدلالة سياق الكلام عليه و «إذا» ظرف للتحذير.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن محمد ابن مسلم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن في كتاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إن المدحة قبل المسألة فإذا دعوت الله عز وجل فمجده، قلت: كيف امجده؟ قال: تقول: «يا من هو أقرب إلي من حبل الوريد، يا فعالا لما يريد، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من هو بالمنظر الأعلى يا من هو ليس كمثله شيء».(2)

* الشرح:

قوله: (إن المدحة قبل المسألة) المدحة بالكسر ما يمدح به مما يليق بذاته وصفاته الذاتية والفعلية والمسئلة والسؤال بمعنى.

قوله: (تقول: يا من هو أقرب إلي من حبل الوريد) تمثيل لغاية قربه. وفي النهاية الوريد هو العرق الذي في صفحة العنق ينتفخ عند الغضب وهما وريدان.

(يا فعالا لما يريد) المبالغة لقوة الفاعل وكمال قدرته وكثرة الفعل واشتماله على كمال الصنع والحكمة وسرعة ترتبه على الإرادة ونصب المنادى لكونه شبه مضاف.

(يا من يحول بين المرء وقلبه) فيوفقه لعدم الميل إلى الشهوات البدنية ومقتضيات القوى

ص:257


1- -الکافی :484/2.
2- -الکافی :484/2.

الجسمانية وذلك لطف منه تعالى لمن يشاء من عباده وإليه يشير قوله تعالى: (ولقد همت به وهم بها لو لا أن رأى برهان ربه) والمعنى لو لا رأى برهان ربه لهم بها كما صرح به الرضا (عليه السلام) ويمكن أن يكون إشارة إلى كمال قربه ومبالغة فيه لافادته أنه أقرب إلى المرء من القلب وهو النفس الناطقة مع كمال اتصالها وقربها منه أو إلى عمله بمقاصد القلب فيوفقه لما يشاء منها ويمنعه عما يشاء وهو قرب الأول.

(يا من هو بالمنظر الأعلى) المنظر والمنظرة ما نظرت إليه وهو سبحانه منظور جميع الممكنات إذ نظر جميعها في ذواتها ولوازمها وآثارها وخواصها في سلسلة الأسباب والعلل والإمكان إليه جل شأنه وهو أعلى من الجميع ويمكن أن يكون كناية عن إحاطة علمه بجميع الممكنات جليها وخفيها كبيرها وصغيرها واستيلاؤه على الجميع; لأن كونه بالمنظر الاعلى يستلزم ذلك.

قوله: (يا من ليس كمثله شيء) المقصود نفي مثله لا نفي مثل مثله المستلزم لثبوت مثله فالكاف زائدة كذا قيل، وقيل غير زائدة والمقصود نفي المثل بالبرهان، بيانه أن ذاته تعالى مسلم الثبوت لا ينكره أحد فلو ثبت له مثل لزم ثبوت مثل المثل ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم وهو المطلوب.

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن ابن سنان، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنما هي المدحة، ثم الثناء، ثم الإقرار بالذنب ثم المسألة، إنه والله ما خرج عبد من ذنب إلا بالإقرار.

4 - وعنه، عن ابن فضال، عن ثعلبة، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله إلا أ نه قال:

ثم الثناء، ثم الاعتراف بالذنب.

5 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن حماد بن عثمان، عن الحارث بن المغيرة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أردت أن تدعو فمجد الله عز وجل وأحمده وسبحه وهلله واثن عليه وصل على محمد النبي وآله، ثم سل تعط.

* الأصل:

6 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن عيص بن القاسم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربه وليمدحه فإن الرجل إذا طلب الحاجة من السلطان هيأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه فإذا طلبتم الحاجة فمجدوا الله العزيز الجبار وامدحوه وأثنوا عليه تقول: «يا أجود من اعطى ويا خير من سئل، يا أرحم من استرحم، يا أحد

ص:258

يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، يا من لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، يا من يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ويقضي ما أحب، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من هو بالمنظر الأعلى، يا من ليس كمثله شيء يا سميع يا بصير» وأكثر من أسماء الله عز وجل فإن أسماء الله كثيرة وصل على محمد وآله وقل: «اللهم أوسع علي من رزقك الحلال ما أكف به وجهي واؤدي به عن أمانتي وأصل به رحمي ويكون عونا لي في الحج والعمرة» وقال: إن رجلا دخل المسجد فصلى ركعتين ثم سأل الله عز وجل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عجل العبد ربه وجاء آخر ففصلى ركعتين ثم أثنى على الله عز وجل وصلى على النبي [وآله] فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سل تعط.(1)

* الشرح:

قوله:: (يا أجود من أعطى) وجه التفضيل ظاهر لعظمة جوده وسرعة وصوله ووقوعه من موقعه وعدم توقع العوض في مقابله وعدم خوف النقص والحاجة إلى الآلة في تحققه وإنما لم يحصر الجود فيه مع أنه أكمل في المدح وأقوى في الثناء; لأن عدمه أنسب بالمقام وأدل على كمال انقطاع السائل إليه عز وجل وإعراضه عما سواه وقس عليه ما بعده.

(يا أحد) في بعض الأدعية «يا واحد يا أحد» والفرق بينهما على ما ذكره صاحب العدة أن الواحد من لا نظير له في الذات والأحد من لا نظير له في الصفات.

(يا صمد) الصمد السيد الذي يقصد إليه في الامور ويرجع إليه في الحوائج والنوازل من صمد إذا قصد (يا من لم يلد) لتنزهه عن الشهوة والافتقار إلى الصاحبة والولد والمجانسة لشيء والولد يجانس الوالد، وفيه رد على من أثبت له ولدا كاليهود والنصارى. (ولم يولد) إذ لم يسبقه أحد ولا يفتقر وجوده إلى شيء.

(ولم يكن له كفوا أحد) أي لم يكن أحد مماثلا له قدم الخبر لرعاية الفواصل وللإهتمام بنفي المماثل من جميع الجهات.

(يا من يفعل ما يشاء) بمجرد المشيئة والإرادة بلا آلة ولاروية ولا تعب.

(ويحكم ما يريد) الحكم القضاء بالعدل أي يحكم بلا مانع بالعدل بين العباد ما يشاء من الفقر والغنى والصحة والسقم وغيرها.

(ويقضى ما أحب) أي يقضى بلا دافع وجود ما أحب وجوده مما فيه صلاح.

(يا سميع يا بصير) السميع السامع والبصير والمبصر فعيل من أبنية المبالغة وهو سبحانه يسمع المسموعات ويبصر المبصرات أي يعلمها بلا آلة ولا جارحة فهما نوعان من العلم وفي ذكر

ص:259


1- -الکافی :485/2.

هذه الأوصاف قبل السؤال أشعار بأنه مبدأ الحاجات كلها واستعطاف في حصولها.

(اللهم أوسع علي من رزقك الحلال) هو ما كان مكسبه طيبا وطريقه مشروعا واختلفوا في أن الحرام رزق أم لا فذهب إلى كل فرقة فالحلال على الأول تقييد وعلى الثاني تأكيد.

(ما أكف به وجهي) عن سؤال الناس إذ فيه ذل حاضر وخسران لازم.

(وأؤدى به عن أمانتي) أي أقوى يقال آدى يؤدي كآوى يؤوى إذا أقوى، وعن بمعنى على وقراءة أودى بتشديد الدال من التأدية وجعل عن زائدة احتمال بعيد، والمراد بالأمانة العبادات والقوة عليها وأداؤها موقوف على الرزق وفي الخبر «لو لا الخبز ما صلينا ولا صمنا» (عجل العبد ربه) حيث سأله قبل أن يمجده ويثنى عليه وفيه دلالة على أن الحمد والثناء والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) في الصلاة غير كافية السؤال عقيبها.

* الأصل:

7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي كهمس قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: دخل رجل المسجد فابتدأ قبل الثناء على الله والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عاجل العبد ربه، ثم دخل آخر فصلى وأثنى على الله عز وجل وصلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سل تعط، ثم قال: إن في كتاب علي (عليه السلام): أن الثناء على الله والصلاة على رسوله قبل المسألة وإن أحدكم ليأتي الرجل يطلب الحاجة فيحب أن يقول له خيرا قبل أن يسأله حاجته.

8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عمن حدثه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت:

آيتان في كتاب الله عز وجل أطلبهما فلا أجدهما قال: وما هما؟ قلت: قول الله عز وجل:

(ادعوني أستجب لكم) فندعوه ولا نرى إجابة، قال: أفترى الله عز وجل أخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فمم ذلك؟ قلت: لا أدري، قال: لكني اخبرك، من أطاع الله عز وجل فيما أمره ثم دعاه من جهة الدعاء أجابه: قلت: وما جهة الدعاء؟ قال: تبدأ فتحمد الله وتذكر نعمه عندك ثم تشكره ثم تصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم تذكر ذنوبك فتقر بها ثم تستعيذ منها فهذا جهة الدعاء ثم قال: وما الآية الاخرى؟ قلت: قول الله عز وجل: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين)(1) وإني انفق ولا أرى خلفا، قال: أفترى الله عز وجل أخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فمم ذلك؟ قلت: لا أدري قال: لو أن أحدكم اكتسب المال من حله وأنفقه في حله لم ينفق درهما إلا اخلف عليه.(2)

* الشرح:

ص:260


1- -سورة السبأ:39.
2- -الکافی :485/2.

قوله: (ثم تذكر ذنوبك فتقر بها ثم تستعيذ منها) كان الإستعاذة كناية عن التوبة وفيه دلالة على أن الدعاء محجوب بدون شرطه كما لا تصح صلاة بغير طهور ومن جملة شرائطها التوبة عن الذنوب كلها والعزم على عدم العود إليها وهذا الشرط لمن له صلاح ولله تعالى فيه عناية حيث يمنع إجابة دعائه تأديبا له حتى يخلص له النية يطهر نفسه عن الذنوب المكدرة لصفاء قلبه ويدخل نفسه في خلص عباده، وإلا فيجيء إن دعاء العدو قد يكون أسرع إجابة من دعاء المحب حبا لسماع صوته وبغضا لسماع صوت العدو. وقال بعض العامة: ومن شرائط قبوله أن لا يشتغل به في وقت مستحق لغيره كما لو اشتغل به في وقت خيار فريضة فلا يتقبل من غاصب فإنه في كل آن مكلف بالاشتغال بالرد، وقال بعضهم: الصواب خلاف ما ذكر وأنه يصح من المشتغل به في وقت عبادة اخرى ويأثم بالترك أو بتأخير تلك العبادة.

9 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من سره أن يستجاب له دعوته فليطب مكسبه.

ص:261

باب الاجتماع في الدعاء

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبيد الله بن عبد الله الواسطي، عن درست بن أبي منصور، عن أبي خالد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما من رهط أربعين رجلا اجتمعوا فدعوا الله عز وجل في أمر إلا استجاب الله لهم، فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون الله عز وجل عشر مرات إلا استجاب الله لهم، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعوا الله أربعين مرة فيستجيب الله العزيز الجبار له.(1)

* الشرح:

قوله: (ما من رهط أربعين رجلا اجتمعوا فدعوا الله عز وجل في أمر إلا استجاب الله لهم) في النهاية الرهط وهم عشيرة الرجل وأهله من الرجال ما دون العشرة وقيل إلى الأربعين ولا تكون فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه ويجمع على أرهط وأرهاط، وأراهط جمع الجمع، وفي القاموس الرهط ويحرك قوم الرجل وقبيلته من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو ما دون العشرة وما فيهم امرأة.

وفيه فضيلة الاجتماع للدعاء والظاهر أنه لابد من دعاء كل واحد سواء كان الدعاء واحدا أو متعددا فإذا اجتمعوا في طلب الرزق مثلا ودعا كل واحد منهم دعاء مأثورا غير ما دعا به الآخر من الأدعية المأثورة فيه يتحقق الاجتماع وترتب عليه الاستجابة، ويحتمل أن يحقق الاجتماع إذا دعا واحد وأمن الباقون كما يدل عليه خبر آخر.

ثم الظاهر أنه يعتبر في دعاء الأربعة عشر مرات ودعاء الواحد أربعين مرة أن يكون ذلك في مجلس واحد; لأن ذلك قائم مقام اجتماع الأربعين.

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن يونس ابن يعقوب، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما اجتمع أربعة رهط قط على أمر واحد فدعوا [الله] إلا تفرقوا عن إجابة.

* الأصل:

3 - عنه، عن الحجال، عن ثعلبة، عن علي بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أبي (عليه السلام) إذا حزنه أمر جمع النساء والصبيان ثم دعا وأمنوا.(2)

ص:262


1- -الکافی :487/2.
2- -الکافی :487/2.

* الشرح:

قوله: (ثم دعا وأمنوا) أمن فلان يؤمن تأمينا إذا قال آمين وهو اسم مبنى على الفتح ممدود ومقصور والمد أكثر وقد يشدد المد ويمال أيضا ومعناه اللهم استجب لي، وقيل معناه كذلك فليكن أو فافعل يعني الدعاء وعن الواحدي أنه اسم من أسمائه تعالى.

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الداعي والمؤمن في الأجر شريكان.

ص:263

باب العموم في الدعاء

اشاره:

1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا دعا أحدكم فليعم فإنه أوجب للدعاء.

باب من أبطأت عليه الإجابة

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال:

قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك إني قد سألت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة وقد دخل قلبي من إبطائها شيء، فقال: يا أحمد إياك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتى يقنطك، إن أبا جعفر صلوات الله عليه كان يقول: إن المؤمن يسأل الله عز وجل حاجة فيؤخر عنه تعجيل إجابته حبا لصوته واستماع نحيبه ثم قال: والله ما أخر الله عز وجل عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم مما عجل لهم فيها وأي شيء الدنيا، إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحوا من دعائه في الشدة، ليس إذا اعطي فتر، فلا تمل الدعاء فإنه من الله عز وجل بمكان وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم وإياك ومكاشفة الناس فإنا أهل بيت نصل من قطعنا ونحسن إلى من أساء إلينا، فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنة، إن صاحب النعمة في الدنيا إذا سأل فاعطي طلب غير الذي سأل وصغرت النعمة في عينه فلا يشبع من شيء وإذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق التي تجب عليه وما يخاف من الفتنة فيها، أخبرني عنك لو أني قلت لك قولا أكنت تثق به مني؟ فقلت له: جعلت فداك إذا لم أثق بقولك فبمن أثق وأنت حجة الله على خلقه؟ قال: فكن بالله أوثق فإنك على موعد من الله، أليس الله عز وجل يقول: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)(1)وقال: (لا تقنطوا من رحمة الله) وقال: (والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) فكن بالله عز وجل أوثق منك بغيره ولا تجعلوا في أنفسكم إلا خيرا فإنه مغفور لكم.(2)

* الشرح:

قوله: (حبا لصوته واستماع نحيبه) النحب والنحيب أشد البكاء وفعله كمنع وينبغي أن يعلم

ص:264


1- -سورة البقرة :86.
2- -الکافی :487/2.

أن لإجابة الدعاء شروطا متكثرة معلومة لمن تصفح الأحاديث والكتب المدونة لبيان فوائد الدعاء وشرائطه والشروط المذكورة في هذا الحديث خمسة: الأول: أن يكون دعاؤه في الرخاء مثل دعائه في الشدة لئلا يقول الملك في حال الشدة إن ذا الصوت لا نعرفه فينبغي أن لا يمل من الدعاء ولا يتركه في جميع الحالات، الثاني: أن يكون صابرا فيه لو تأخر الإجابة ملحا عليه ولا يقول دعوت مرات فلم يستجب لي فيقطعه ويستحسر منه، الثالث: أن يكون دعاؤه وطلبه متعلقا بأمر حلال، الرابع: أن لا يكون الداعي قاطع الرحم ويندرج فيه قاطع حقوق المسلمين.

الخامس: أن يجتنب من مكاشفة الناس ومجادلتهم بما لا يناسبه، وإذا كملت هذه الشرائط وغيرها من الشرائط المعتبرة فيه استجاب الله وقبله البتة وما لم يقبل من الدعاء فإنما هو لعدم شرط من شرائطه، ثم الاستجابة بأحد أمور أربعة: الأول: اعطاء مطلوبه سريعا، الثاني: إنجاز مطلوبه وتأخيره زمانا ماحبا لسماع صوته، الثالث: قبول دعائه وجعله كفارة لذنوبه، الرابع قبوله وجعله ذخيرة له للآخرة وهذان الأخيران إذا علم الله سبحان بأن لا مصلحة له في إنجاز مطلوبه في الدنيا فمن دعا مرارا ولم يصل إلى مطلوبه وترك الدعاء يأسا من قبوله كأنه ظن أن استجابة الدعاء وفوائده منحصرة في الأمر الأول وهذا جهل منه وقنوط من روح الله تعالى وتكذيب لوعده نعوذ بالله من هذه الرذائل النفسانية والخصائل الشيطانية.

* الأصل:

2 - عنه، عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن منصور الصيقل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ربما دعا الرجل بالدعاء فاستجيب له ثم أخر ذلك إلى حين؟ قال فقال: نعم، قلت: ولم ذاك؟ ليزداد من الدعاء؟ قال: نعم.

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن أبي هلال المدائني، عن حديد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن العبد ليدعوا فيقول الله عز وجل للملكين: قد استجبت له ولكن احبسوه بحاجته، فإني احب أن أسمع صوته وإن العبد ليدعوا فيقول الله تبارك وتعالى عجلوا له حاجته فإني أبغض صوته.

4 - ابن أبي عمير، عن سليمان صاحب السابري، عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يستجاب للرجل الدعاء ثم يؤخر؟ قال: نعم عشرين سنة.

5 - ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان بين قول الله عز وجل: (قد اجيبت دعوتكما) وبين أخذ فرعون أربعين عاما.

6 - ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)

ص:265

يقول: إن المؤمن ليدعوا فيؤخر إجابته إلى يوم الجمعة.

7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن غير واحد من أصحابنا قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن العبد الولي لله يدعوا الله عز وجل في الأمر ينوبه فيقول: للملك الموكل به: اقض لعبدي حاجته ولا تعجلها فإني أشتهي أن أسمع نداءه وصوته وإن العبد العدو لله ليدعوا الله عز وجل في أمر ينوبه فيقال للملك الموكل به: اقض [لعبدي] حاجته وعجلها فإني أكره أن أسمع نداءه وصوته قال: فيقول الناس: ما اعطي هذا إلا لكرامته ولا منع هذا إلا لهوانه.

8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام ابن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يزال المؤمن بخير ورجاء، رحمة من الله عز وجل ما لم يستعجل، فيقنط ويترك الدعاء، قلت له: كيف يستعجل؟ قال: يقول: قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة.

9 - الحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن إسحاق ابن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن المؤمن ليدعوا الله عز وجل في حاجته فيقول الله عز وجل: أخروا أجابته شوقا إلى صوته ودعائه، فإذا كان يوم القيامة قال الله عز وجل: عبدي! دعوتني فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ودعوتني في كذا وكذا فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا، قال: فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا مما يرى من حسن الثواب.(1)

* الشرح:

قوله: (فيقول الله عز وجل: أخروا أجابته شوقا إلى صوته ودعائه) قيل الشوق إنما يتعلق بشيء أدرك من وجه ولم يدرك من وجه آخر فإن غير المدرك أصلا والمدرك من جميع الوجوه لا يتصور الشوق إليه فإن من غاب عنه محبوبه وبقى عنده خياله يشتاق إليه وكذا لو رآه لم يتصور أن يشتاق إليه إلا أن يراه من وجه دون وجه كأن يرى وجهه دون شعره ويراه في ظلمة فإنه يشتاق إلى استكمال رؤيته باشراق الضوء إليه فلكل مشتاق جهتان جهة أدراك وجهة جهل فالشوق نقص وهو ممتنع عليه سبحانه، وأجيب بأن الشوق يستلزم المحنة وإذا نسب إليه سبحانه يراد به ذلك اللازم.

(فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا) إن قلت عدم ظفر المتمني بما تمناه ألم ولا ألم في الجنة قلت لا نسلم أن ذلك ألم ولو سلم فقد وقع هذا الألم في يوم القيامة على أنه ألم لمن لم ينل ثواب ذلك ولعله بتمنيه ذلك ينال ثوابه أيضا.

ص:266


1- -الکافی :489/2.

باب الصلاة على النبي محمد وأهل بيته عليهم السلام

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلي على محمد وآل محمد.(1)

* الشرح:

قوله: (قال: لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلي على محمد وآل محمد) آل النبي عندنا عترته الطاهرة وأهل العصمة (عليهم السلام). ولا وجه لتخصيص الشهيد الثاني بأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام). وللعامة اختلافات فيه فقيل آله أمته وقيل عشيرته وقيل من حرم عليه أخذ الزكاة من بني هاشم وبني عبد المطلب، والسر في حجب الدعاء بدون الصلاة: أمران: الأول أن نبينا وآله (عليهم السلام) وسائط بينه سبحانه وبين عباده في قضاء حوائجهم ونيل مطالبهم وهم أبواب معرفته عز وجل فلابد من التوسل بهم في عرض الدعاء عليه وقبوله لديه وذلك ما إذا أراد أحد من الرعية اظهار حاجته على السلطان يتوسل بمن يعظمه السلطان ولا يرد قوله وقد أشار إليه فخر السالكين ابن طاووس رضي الله عنه في بعض المواضع:

الثاني: إن العبد إذا ضم الصلاة مع دعائه وعرض المجموع إلى الله سبحانه والصلاة غير محجوبة فالدعاء أيضا غير محجوب; لأن الله سبحانه كريم يستحيى أن يقبل جزء المعروض ويرد جزءا آخر وقد جعل ذلك خصلة بين عباده أيضا فإنه قرر على من اشترى أمتعة مختلفة وكان بعضها معيبا أن يرد الجميع أو يقبل الجميع ولم يجوز قبول الصحيح ورد المعيب وقد صرح بذلك بعض المتأخرين وأشار إليه الصادق (عليه السلام) في الخبر الآتي.

* الأصل:

2 - عنه، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من دعا ولم يذكر النبي (صلى الله عليه وآله) رفرف الدعاء على رأسه فإذا ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) رفع الدعاء.(2)

* الشرح:

قوله: (رفرف الدعاء) على رأسه رفرف الطائر إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه.

ص:267


1- -الکافی :491/2.
2- -الکافی :491/2.

* الأصل:

3 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن أبي اسامة زيد الشحام، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إني أجعل لك ثلث صلواتي، لا، بل أجعل لك نصف صلواتي، لا، بل أجعلها كلها لك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

إذا تكفي مؤونة الدنيا والآخرة.(1)

* الشرح:

قوله: (إذا تكفي مؤونة الدنيا والآخرة) إذا جواب وجزاء والمؤونة ما يحتاج إليه والصعوبة أيضا أي إذا كان الأمر كما ذكرت يكفيك الله مؤونتك في الدنيا والآخرة فحذف الفاعل وأقيم المفعول الأول مقامه.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف، عن أبي اسامة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ما معنى أجعل صلواتي كلها لك؟ فقال: يقدمه بين يدي كل حاجة فلا يسأل الله عز وجل شيئا حتى يبدأ بالنبي (صلى الله عليه وآله) فيصلي عليه ثم يسأل الله حوائجه.(2)

* الشرح:

قوله: (ما معنى أجعل صلواتي كلها لك؟ فقال يقدمه بين يدي كل حاجة - إلى آخره) تذكير الضمير هنا باعتبار المعنى وهو الدعاء وتأنيثه سابقا باعتبار اللفظ ولعل المراد بكل صلاة الصلاة الكاملة في الفضل والأجر وهي الواقعة قبل السؤال وبنصفها ما دونها بهذا القدر في الفضل وهي الواقعة في وسط السؤال وثلثها ما انحط منها بهذه النسبة وهي والواقعة بعد الفراغ من السؤال، وبالجملة ففيه إشارة إلى تفاوت مراتب الصلاة في الفضل والكمال والأجر والله أعلم.

* الأصل:

5 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لاتجعلوني كقدح الراكب فإن الراكب يملأ قدحه فيشر به إذا شاء، اجعلوني في أول الدعاء وفي آخره وفي وسطه.(3)

* الشرح:

قوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا: تجعلوني كقدح الراكب) مثله في كتب العامة أيضا وفي النهاية والفائق أراد لا تؤخروني في الذكر; لأن الراكب يؤخر القدح إلى أن يرفع كل شيء بسبب ما فيه من

ص:268


1- -الکافی :491/2.
2- -الکافی :492/2.
3- -الکافی :492/2.

الماء وربما يحتاج إليه فيستعمله ويشربه ثم يعلقه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله من خلفه.

* الأصل:

6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، وحسين بن أبي العلاء عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال:

إذا ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) فأكثروا الصلاة عليه فانه من صلى على النبي (صلى الله عليه وآله) صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ولم يبق شيء مما خلقه الله إلا صلى على العبد لصلاة الله عليه وصلاة الملائكة، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور، قد برئ الله منه وروله وأهل بيته.(1)

* الشرح:

قوله: (قال: إذا ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) فأكثروا الصلاة عليه فانه من صلى على النبي (صلى الله عليه وآله) صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة) صلاته تعالى ألف صلاة في ألف صف من الملائكة يحتمل وجهين الأول: أنه صلى عليه حقيقة بكلام يسمعه ألف صف من الملائكة فيصلون الملائكة أيضا بصلاته جل جلاله، الثاني: أنه صلت عليه ألف صف من الملائكة بأمره جل جلاله لهم بالصلاة عليه ونسبة الصلاة إليه سبحانه باعتبار أنه أمر ويحتمل أن يراد من قوله «صلى الله عليه» رحمته وضعف أجره من قبيل (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) وهذه الوجوه تجرى في قوله تعالى: «فإن ذكرني في ملاء ذكرته في ملاء خير منهم».

وأعلم أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) لا في الصلاة ولا عند الذكر مستحب عند أهل الإسلام ولا نعرف أحدا يقول بوجوبه إلا الكرخي فإنه أوجبها في العمر مره كما في الشهادتين، وأما في الصلاة فأجمع علماؤنا على وجوبها في التشهدين معا وسيجئ الكلام فيه، وقال الشافعي: مستحبة في الأول واجبة في الثاني، وقال أبو حنيفة ومالك: مستحبة فيهما، وأما عند ذكره (صلى الله عليه وآله) فظاهر هذا الخبر وظاهر خبر عبيد الله بن عبد الله الدهقان عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وظاهر قوله (صلى الله عليه وآله): «من ذكرت عنده ولم يصل على دخل النار ومن ذكرت عنده فنسي الصلاة على خطىء به طريق الجنة» أنها تجب كلما ذكر وكلما سمع وهو مختار ابن بابويه (قدس سره) وصاحب كنز العرفان من أصحابنا والطحاوي من العامة.

وقال الزمخشري وهو الذي يقتضيه الاحتياط ومنهم من أوجبها في العمر مرة ومنهم من أوجبها

ص:269


1- -الکافی :492/2.

في كل مجلس، وقال الفاضل الأردبيلي: ولا شك أن احتياط الكشاف أحوط، ثم قال: ويمكن اختيار الوجوب في مجلس مرة أن صلى آخرا وأن صلى ثم ذكر تجب أيضا كما في تعدد الكفارة بتعدد الموجب إذ تحللت وإلا فلا، أقول هذه التفاصيل عرية عن المستند فالقول به مستبعد فالأولى أما الوجوب عند كل ذكر كما ذهب إليه طائفة من الأفاضل، وأما الاستحباب مطلقا كما ذهب إليه آخرون مستدلين بالأصل والشهرة المستندين إلى عدم تعليمه (عليه السلام) للمؤذنين وتركهم ذلك مع عدم نكير لهم كما يفعلون الآن ولو كان لنقل، وفيه نظر; لأن عدم التعليم ممنوع وكذا عدم النكير وعدم النقل وسيجئ في باب بدء الاذان والإقامة ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «إذ أذنت فافصح بالألف والهاء فصل على النبي كلما ذكرته أو ذكره ذاكر في أذان أو غيره».

على أن عدم النقل ليس دليلا على عدمه وأصالة البراءة لا يصحل التمسك بها بعد ورود القرآن والأخبار به، ثم الظاهر من بعض الأخبار المذكورة حيث رتب الأمر بالصلاة على الذكر بالفاء التعقيبية هو فوريتها فلو أهمل الفور أثم على تقدير الوجوب ولم يسقط، وكذا الظاهر هو الأمر بها على كل أحد في جميع الأحوال ولو كان مشتغلا بالصلاة فلو ترك الامتثال واشتغل بالقراءة أو بغيرها من الأذكار الواجبة أمكن القول ببطلانها على تقدير الوجوب بناء على أن الأمر بالشيء نهيا عن ضده الخاص، والنهي عن العبادة يدل على الفساد، والراجح عدم البطلان; لأن كون الأمر بالشيء نهيا عن ضده الخاص ممنوع وقد حققناه في الاصول ولو سلم فلو تكرر الذكر تكرارا كثيرا بحيث يخرج الاشتغال بالصلاة عليه (صلى الله عليه وآله) عن كونه مصليا لا يبعد القول بسقوط التكليف بها لأن الفعلين إذا تضيقا ولم يكن الجمع بينهما علمنا أن أحدهما ليس بواجب قطعا ولما كان مشتغلا بالصلاة ووجب إتمامها والاستمرار بها كان ما ينافيها غير مأمور به فليتأمل.

7 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صلى علي صلى الله عليه وملائكته ومن شاء فليقل ومن شاء فليكثر.

8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصلاة علي وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق.

* الأصل:

9 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن حسان، عن أبي عمران الأزدي، عن عبد الله بن الحكم، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال: يا رب صل على محمد وآل محمد مائة

ص:270

مرة قضيت له مائة حاجة ثلاثون للدنيا [والباقي للآخرة].(1)

* الشرح:

قوله: (من قال: يا رب صل على محمد وآل محمد مائة مرة قضيت له مائة حاجة ثلاثون للدنيا) ظاهره أن قضاء الحاجات مترتب على القول المذكور وإن لم يطلبها وأن مائة مرة بيان لمرتبة التكرار يعني يكرر ذلك القول مائة مرة ويحتمل بعيدا أن يكون مجموع يا رب صل على محمد وآل محمد مقول القول كما يقال سبحان الله عدد خلقه.

* الأصل:

10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، وعبد الرحمن بن أبي نجران، جميعا، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل دعاء يدعى الله عز وجل به محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد وآل محمد.

11 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال: حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أجعل نصف صلواتي لك؟ قال: نعم، ثم قال: أجعل صلواتي كلها لك؟ قال: نعم، فلما مضى قال:

رسول الله (صلى الله عليه وآله) كفي هم الدنيا والآخرة.

12 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن رجلا أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إني جعلت ثلث صلواتي لك؟ فقال له: خيرا، فقال: يا رسول الله إني جعلت نصف صلواتي لك؟ فقال له: ذاك أفضل، فقال: إني جعلت كل صلواتي لك؟ فقال: إذا يكفيك الله عز وجل ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك، فقال له رجل: أصلحك الله كيف يجعل صلاته له؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لا يسأل الله عز وجل شيئا إلا بدأ بالصلاة على محمد وآله.

13 - ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ارفعوا أصواتكم بالصلاة علي فإنها تذهب بالنفاق.

14 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن يعقوب بن عبد الله، عن إسحاق ابن فروخ مولى آل طلحة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا إسحاق بن فروخ من صلى على محمد وآل محمد عشرا صلى الله عليه وملائكته مائة مرة، ومن صلى على محمد وآل محمد مائة [مرة] صلى الله عليه وملائكته ألفا: أما تسمع قول الله عز وجل: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته

ص:271


1- -الکافی :493/2.

ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما).(1)(2)

* الشرح:

قوله: (مولى آل طلحة) نقل عن الشهيد الثاني أن المولى إذا أطلق في كتب الرجال فالمراد به غير العربي الصريح ومتى وجد منسوبا فبحسب النسبة.

(من صلى على محمد وآل محمد عشرا صلى الله عليه وملائكته مائة مرة) يدل عليه أيضا قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)(3) ولا ينافي ذلك ما سبق من أن من صلى عليه صلاة صلى الله عليه ألف صلاة; لأن الزيادة من باب التفضل، ويحتمل أن يكون باعتبار تفاوت مراتب المصلين أما تسمع قول الله عز وجل: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته) الاستشهاد إنما هو لصلاته تعالى وصلاة ملائكته علينا رفعا لاستبعاد ذلك لا لبيان العدد المذكور، إذ لا دلالة فيه على ذلك العدد، قيل الصلاة من الله سبحانه رحمة ومن الملائكة دعاء ففيه دلالة على جواز استعمال المشترك في كلا المعنيين على سبيل الحقيقة فهو حجة على من أنكره، والجواب أنه يمكن أن يكون ذلك من باب عموم المجاز ولا نزاع في جوازه على أنا لا نسلم أن ملائكته عطف على المفروع المستكن في يصلي لجواز أن يكون مبتدأ خبره محذوف وهو يصلون بقرينة المذكور ويكون من عطف الجملة على الجملة.

* الأصل:

15 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد وإن الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به فيخرج (صلى الله عليه وآله) الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجح.(4)

* الشرح:

قوله: (ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد وإن الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به - إلى آخره) الباء للمصاحبة أي فتميل الأعمال مع الميزان إلى الرفع لخفتها، قال الشيخ في الأربعين: ثقل الميزان كناية عن كثرة الحسنات ورجحانها على السيئات وقد اختلف أهل الإسلام في أن وزن الأعمال الوارد في الكتاب والسنة هل هو كناية عن العدل والإنصاف والتسوية، أو المراد به الوزن الحقيقي؟ فبعضهم على الأول; لأن الاعراض لا يعقل وزنها وجمهورهم على الثاني للوصف بالخفة والثقل في الحديث والموصوف صحائف الأعمال أو

ص:272


1- -الکافی :493/2.
2- -سورة الأحزاب :43.
3- -سورة الأنعام:160.
4- -الکافی :494/2.

الأعمال نفسها بعد تجسيمها في تلك النشأة، ثم قال: الحق أن الموزون نفس الأعمال لا صحائفها وأن العرض في هذا المقام يتجسم في الآخرة (1) وبين ذلك بوجه طويل ومن أراد الاطلاع عليه فليرجع إليه.

* الأصل:

16 - علي بن محمد، عن ابن جمهور، عن أبيه، عن رجاله قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) من كانت له إلى الله عز وجل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإن الله عز وجل أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط إذ كانت الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه.

17 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محسن بن أحمد، عن أبان الأحمر، عن عبد السلام بن نعيم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني دخلت البيت ولم يحضرني شيء من الدعاء إلا الصلاة على محمد وآل محمد فقال: أما إنه لم يخرج أحد بأفضل مما خرجت به.

18 - علي بن محمد، عن أحمد بن الحسين، عن علي بن الريان، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال لي: ما معنى قوله: (وذكر اسم ربه فصلى) قلت: كلما ذكر اسم ربه قام فصلى، فقال لي: لقد كلف الله عز وجل هذا شططا فقلت: جعلت فداك فكيف هو؟ فقال: كلما ذكر اسم ربه صلي على محمد وآله.

* الشرح:

قوله: (لقد كلف الله عز وجل هذا شططا) الشطط الجور والظلم والبعد عن الحق وذلك لكثرة أفعال الصلاة ومقدماتها وشرائطها فلو كلفوا به عند كل ذكر لوقعوا في شدة وضيق وعطلت أمورهم بخلاف الصلاة على النبي وآله عليهم السلام.

* الأصل:

19 - عنه، عن محمد بن علي، عن مفضل بن صالح الأسدي، عن محمد بن هارون، عن أبي

ص:273


1- (1) قوله: «يتجسم في الآخرة» بينه تلميذه صدر المتألهين (قدس سرهما) في كتبه بما لا مزيد عليه وأصله أن لكل شيء في كل عالم صورة تطابقه بحيث لو اطلع عليه لعرف أنه هو وإن اختلف مراتبه بالتجسم والعرضية، والحقيقة محفوظة كما أن الرؤية بالعين وبالحس المشترك رؤية حقيقة وإن كان الرؤية بالعين ضعيفة بالنسبة إلى الحس المشترك والحس المشترك أعم وأشمل ويمكن أن يرى به ما مضى وما سيأتي والمبصر لا يرى إلا ما في الحال ومعنى تأويل الرؤيا استنباط المناسبة التي يتنبه بها للصورة الجسمية التي تطابق الاعراض كسنى الجدب التي رآها فرعون يوسف بصورة سبع بقرات عجاف ولم تكن تخيلا محضا بلا حقيقة وإلا لم تكن لها تأويل وهكذا سائر ما ذكروه (ش).

عبد الله (عليه السلام) قال: إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي [وآله] (عليه السلام) في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله، وقال (صلى الله عليه وآله): ومن ذكرت عنده فنسي الصلاة علي خطىء به طريق الجنة.(1)

* الشرح:

قوله: (إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي وآله في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة) يعني لا ترفع صلاته إلى عليين بل ترد عليه وربما يستدل به على وجوب الصلاة على النبي وآله في التشهد إذ لا تجب الصلاة إلا فيه اتفاقا.

قوله: (فأبعده الله تعالى) أي عن رحمته أو عن شفاعتي (وقال (صلى الله عليه وآله): من ذكرت عنده فنسى الصلاة علي خطىء به طريق الجنة) خطىء بتشديد الطاء مهموز اللام مبني للمفعول والباء للتعدية والضمير المجرور راجع إلى من، وطريق الجنة مفعول وأصله خطأ الله به طريق الجنة فحذف الفاعل وأقيم الظرف مقامه يعني جعله الله مخطئا طريق الجنة غير مصيب إياه، ثم النسيان إن كان كناية عن الترك وقد فسره به (عليه السلام) في قوله تعالى في آدم (عليه السلام): (فنسى ولم نجد له عزما) فالأمر ظاهر، وإن حمل على معناه الحقيقي فلعل ذلك لعدم الاهتمام به فليتأمل.

* الأصل:

20 - أبو علي الأشعري، عن الحسين بن علي، عن عبيس بن هشام، عن ثابت، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ذكرت عنده فنسي أن يصلي علي خطأ الله به طريق الجنة.

21 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول: اللهم صل على محمد، فقال له أبي: يا عبد الله لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل: اللهم صل على محمد وأهل بيته.(2)

* الشرح:

قوله: (سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول: اللهم صل على محمد، فقال له أبي: يا عبد الله لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل: اللهم صل على محمد وأهل بيته) البتر بتقديم الباء الموحدة على التاء المثناة الفوقانية بمعنى القطع قبل الإتمام يقول بترت الشيء أبتره كفرح بترا قطعته قبل اتمامه وقد ابتره أي صيره أبتر، وضمير التأنيث راجع إلى الصلاة، وحقنا مفعول فيه أي لا تظلمنا في حقنا والظلم وضع الشيء في غير موضعه، ومن هذا الخبر يستفاد وجوب ذكر أهل البيت معه عليهم

ص:274


1- -الکافی :494/2.
2- -الکافی :495/2.

السلام في الصلاة لأنه نهي عن البتر وعد ذلك ظلما ولا شك أن الظلم على أهل البيت حرام والاحتياط ظاهر، وينبغي أن يعلم أنه لا نزاع في جواز ذكر الال في الصلاة تبعا له (صلى الله عليه وآله) وإنما النزاع في جواز ذلك انفرادا وأصالة والذي عليه أصحابنا أجمعون الجواز لقوله تعالى مخاطبا للمؤمنين كافة: (هو الذي يصلى عليكم وملائكته) فإذا جاز الصلاة على آحاد المؤمنين فكيف لا يجوز على أشرف الامة وأخصهم به (صلى الله عليه وآله) وقوله تعالى: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) ولا شك أنهم أصيبوا بأعظم المصائب وصبروا أجمل صبر وقوله تعالى: (وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم) وقوله (صلى الله عليه وآله): «اللهم صل على أبي أوفى وآل أبي أوفى» حين أوفى أبو أوفى زكاته فإذا جاز صلاته على أمته فكيف لا يجوز صلاة أمته على آله عليهم السلام، ولأن صلاة الله بمعنى الرحمة ويجوز الرحمة عليهم اجماعا فيجوز مرادفها كما تقرر في الاصول.

وقال المخالفون: إن افرادهم مكروه ومنهم صاحب الكشاف قال: نص القرآن والأخبار وإن دل على جواز ذلك لكنه مكروه; لأن ذلك صار شعارا لذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأنه اتهام بالرفض. ولا يخفى سماجة هذا القول لأنه لا معنى للحكم بالكراهة بعد شهادة القرآن والأخبار كما اعترف به وحديث الشعار الاختصاص مصادرة; لأن ذلك شعار له (صلى الله عليه وآله) عندهم بسبب منعهم لغيره والمجوزون لغيره لا يسلمون اختصاصه به وترك ما اقتضاه الدليل لأجل أن طائفة من محبي آل الرسول (صلى الله عليه وآله) عملوا به، تعصب وعناد لا يليق ارتكابه بالعاقل اللبيب وإلا لزمهم ترك العبادات لئلا يتهموا بالرفض ولهم أمثال ذلك كثيرة مثل ما ورد من تسنيم القبور حيث قالوا المستحب هو التسطيح لكن هو شعار للرفضة فالتسنيم خير منه وكذلك في التختم باليمين وغير ذلك والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.

ص:275

باب ما يجب من ذكر الله عز وجل في كل مجلس

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن ربعي ابن عبد الله بن الجارود الهذلي، عن الفضيل بن يسار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما من مجلس يجتمع فيه أبرار وفجار، فيقومون على غير ذكر الله عز وجل إلا كان حسرة عليهم يوم القيامة.(1)

* الشرح:

قوله: (ما من مجلس يجتمع فيه أبرار وفجار - إلى آخره) المجلس يصدق حتى من الواحد والحكم المذكور مشترك بينه وبين الجماعة ويندرج في الذكر ذكر الحلال والحرام والقرآن والسنة وآثار الصالحين وأخبار الأئمة الطاهرين وتنزيههم عن النقائص، واعلم أن ذكر الله تعالى هو المقصود من خلق الإنسان ومن وضع جميع التكاليف فإن المقصود من الصلاة ذكر الحق وتعظيمه، ومن الصوم كسر الشهوات وتصفية القلب عن آثارها ليصلح استقرار الذكر فيه إذ القلب المملو بالشهوات لا يتأثر بالذكر ولا يبلغ مقام القرب، ومن الحج ذكره وذكر أحوال القيامة وقس على ذلك.

وللذكر درجات الأولى: أن يكون باللسان مع غفلة القلب عنه وهذا أضعفها وإن كان لا يخلوا من فائدة.

والثانية: أن يكون بالقلب مع عدم استقراره فيه ولا يتوجه إلا بالتكلف والاجتهاد، والثالثة: أن يكون بالقلب ويستقر فيه بحيث لا يتوجه القلب إلى غيره إلا بالتكلف، والرابعة: أن يكون بالقلب مع استقراره فيه واستيلائه عليه بحيث لا يشغل عنه أصلا وهذا مرتبة المحبة، والذاكر في هذه المرتبة قد يبلغ مقام الفناء في الله بحيث يغفل عن نفسه وعن غيرها حتى عن الذكر فلا يجد في قلبه إلا المذكور.

* الأصل:

2 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما اجتمع في مجلس قوم لم يذكروا الله عز وجل ولم يذكرونا إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة، ثم قال: [قال] أبو جعفر (عليه السلام): إن ذكرنا من ذكر الله وذكر عدونا من ذكر الشيطان.

ص:276


1- -الکافی :496/2.

3 - وبإسناده قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل إذا أراد أن يقوم من مجلسه: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

* الشرح:

قوله: (من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل - إلى آخره) المكيال والكيل بمعنى واكتلت عليه اخذت منه يقال كال المعطي واكتال الأخذ وكيل الطعام على ما لم يسم فاعله وإن شئت ضممت الكاف والطعام مكيل ومكيول مثل مخيط ومخيوط والمعنى من أراد أن يأخذ الثواب من الله سبحانه على الوجه الأكمل من غير نقص فليقل ذلك فهو كناية عن كثرة الثواب وعظمته ويحتمل أن يكون تمثيلا; لأن الثواب لا يكال بمكيال وإن احتمل ذلك كما أنه يوزن بميزان.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسى (عليه السلام) سأل ربه فقال: يا رب أقريب أنت مني فاناجيك أم بعيد فاناديك. فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى أنا جليس من ذكرني، فقال موسى: فمن في سترك يوم لا ستر إلا سترك؟ فقال: الذين يذكرونني فأذكرهم ويتحابون في فاحبهم فأولئك الذين إذا أردت أن اصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم.(1)

* الشرح:

قوله: (يا رب أقريب أنت مني فاناجيك أم بعيد فاناديك) شبه حاله معه عز وجل بحال من وقع في مهلكة فاحتاج إلى الاستغاثة من القريب، أو البعيد مناجيا أو مناديا لإظهار التوبة والتحير مع علمه بأنه تعالى أقرب من كل قريب بالعلم والقدرة أو لإظهار قربه على العباد ورفع توهم البعد عنهم كما: (قال رب أرني أنظر إليك) ليجاب ب: (لن تراني) ليعلم أصحابه أنه تعالى لا يرى أبدا فأوحى الله تعالى إليه يا موسى: (أنا جليس من ذكرني) هذا أيضا استعارة تمثيلية تشبيها للغائب بالحاضر للإيضاح أو كناية عن الحضور اللائق وفيه تعب للنفوس على العبادة وحفظ النفس عن القبايح وضبط الأصوات وعدم رفعها كثيرا.

* الأصل:

5 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن حسين بن زيد،

ص:277


1- -الکافی :496/2.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من قوم اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا اسم الله عز وجل ولم يصلوا على نبيهم إلا كان ذلك المجلس حسرة ووبالا عليهم.

6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس بذكر الله وأنت تبول فإن ذكر الله عز وجل حسن على كل حال فلا تسأم من ذكر الله.(1)

* الشرح:

قوله: (لا بأس بذكر الله وأنت تبول فإن ذكر الله حسن على كل حال) دل على استحباب الذكر في حال الجنابة والخلاء وفي حال الطهارة وعدمها وفي وقت الخلوة وعدمها فيمكن أن يستفاد منه جواز تلاوة القرآن للجنب والحائض وسيجئ الكلام فيه في كتاب الطهارة إن شاء الله تعالى (2) فلا تسأم عن ذكر الله في تلك الحالات لشرافة الذكر وخسة المحل فظهر التفريع.

* الأصل:

7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام): يا موسى، لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كل حال، فإن كثرة المال تنسي الذنوب وإن ترك ذكري يقسي القلوب.(3)

* الشرح:

قوله: (يا موسى لا، تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كل حال) نهي عن الفرح بكثرة المال وترك الذكر في شيء من الأحوال ورتب على كل منهما ما يترتب عليه من الفساد ترغيبا في قبوله.

* الأصل:

8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسى سأل ربه فقال:

إلهي إنه يأتي علي مجالس اعزك واجلك إن أذكرك فيها، فقال: يا موسى إن ذكري حسن على كل حال.

ص:278


1- -الکافی :498/2.
2- قوله: «وسيجئ الكلام في كتاب الطهارة» كان بناء الشارح على شرح الفروع لكن لم ير منه شيء وقال بعضهم أنه رأى شرح كتاب الخمس وهو بعيد وكأنه اشتبه عليه ما ورد من أحاديث الخمس في باب الإمامة فرأى نسخة فيها ذكر الخمس زعمه من الفروع (ش).
3- -الکافی :497/2.

9 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، عن بعض أصحابه، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل لموسى: أكثر ذكري بالليل والنهار وكن عند ذكري خاشعا وعند بلائي صابرا واطمئن عند ذكري واعبدني ولا تشرك بي شيئا، إلي المصير، يا موسى اجعلني ذخرك وضع عندي كنزك من الباقيات الصالحات.

10 - وبإسناده، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل لموسى: اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم وأكثر ذكري بالليل والنهار ولا تتبع الخطيئة في معدنها فتندم فإن الخطيئة موعد أهل النار.(1)

* الشرح:

قوله: (اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم) يعني تأمل وتفكر أولا فكل ما رجحه عقلك ورآه خيرا لك وعاريا عن المفسدة ووخامة العاقبة فتكلم به فإنك إن فعلت هكذا تسلم من الندامة عاجلا وآجلا ولا تجعل قلبك وراء لسانك كما هو شأن الجهال وأهل النفاق فيكلمون بما لا يعنيهم وبما يوردهم في معرض الهلاك والندامة وهذه الكلمة الشريفة الموجزة مشتملة على نصايح الدنيا والآخرة (ولا تتبع الخطيئة في معدنها فتندم) عند مشاهدة سوء عاقبتها في يوم لا تنفع فيه الندامة وكأن المراد بمعدن الخطيئة هو الظلمة والفجرة أو السفاهة والجهالة أو كل ما يتولد منه الخطايا والشرور كرذايل النفس وأهوائها وبالجملة نهي عن اتباع الخطيئة بالتحرز عن الاصول المتولدة هي منها.

* الأصل:

11 - وبإسناده قال: فيما ناجى الله به موسى (عليه السلام) قال: يا موسى لا تنسني على كل حال فإن نسياني يميت القلب.(2)

12 - عنه، عن ابن فضال، عن غالب بن عثمان، عن بشير الدهان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل: يا ابن آدم اذكرني في ملاء أذكرك في ملاء خير من ملئك.(3)

13 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل: من ذكرني في ملاء من الناس ذكرته في ملاء من الملائكة.(4)

* الشرح:

قوله: (قال الله عز وجل يا ابن آدم اذكرني في ملاء أذكرك في ملاء خير من ملائك) أراد بالملاء الأول الملاء من الناس وبالأخير الملاء من الملائكة كما يأتي في تفسيره في الخبر الآخر والمعنى أنوه باسمه فيهم وآمر ملكا ينادي بذكره في ملائكة السماوات وفيه دلالة على تفضيل

ص:279


1- -الکافی :498/2.
2- -الکافی :498/2.
3- -الکافی :498/2.
4- -الکافی :498/2.

الملائكة على بني آدم في الجملة وهو كذلك واما الأنبياء والأوصياء عليهم السلام فالظاهر أنهما أفضل من الملائكة لدلالة روايات متكثرة على ذلك وقد وجد مثل هذا في كتب العامة ففي مسلم:

«إن ذكرني عبد في ملاء ذكرته في ملاء هم خير منهم»، قال القرطبي: يعني بهم الملائكة عليهم السلام وفيه تفضيل الملائكة على بني آدم وهو أحد القولين انتهى، وقال عياض: اضطرب العلماء أيما أفضل الملائكة أو الأنبياء على جميعهم السلام واستدل الأولون بهذا الحديث وأجاب الآخرون تارة بأن المعنى ذكرته بذكر خير من ذكره وهو بعيد عن اللفظ واخرى بأن هذا الحديث خبر واحد ورد بلفظ العموم وخبر الواحد لا يفيد القطع وفي التمسك بالعام خلاف (1) ثم الخلاف في تفشيل الملائكة أو الأنبياء لا يجري في نبينا (صلى الله عليه وآله) لأنه خارج عن هذا الخلاف للإجماع على أنه أفضل الخلق كلهم (2).

ص:280


1- قوله: «وفي التمسك بالعام الخلاف» التمسك بالعام تمسك بالظاهر والظاهر يفيد الظن والظن ليس بحجة إلا يقام عليه دليل يقيني وتمسكوا الحجية ظواهر الالفاظ في التكاليف والاعمال بأن المخاطب إذا كلف بشيء كالصلاة والطهارة والركوع والسجود ونهي عن شيء كالخمر والميسر والأنصاب والأزلام يفهم من الالفاظ معنى فإن كان مكلفا بما فهم فهو معنى حجية الظواهر وان كان مكلفا بما لا يفهم فهو تكليف بما لا يطاق فإن قيل قد يتفق أن يفهم شيئا لم يرده الشارع مثل «قوله: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) وظاهره كون المرافق منتهي المسح وليس بمراد قلنا، المراد حجية الظاهر بعد التأمل في أساليب الكلام ومراعاة القرائن ومقايسة عبارات الفصحاء ودفع احتمال ما يكون ارادته ولعلك سمعت ما روى أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما مدحه شاعر من الشعراء قال لرجل بحضرته: اقطع لسانه; فذهب ليقطع لسانه بالسكين فأدركه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال المراد أحسن اليه. هذا في الظواهر المتعلقة بالعمل اما فيما لا يتعلق بالعمل فلا يبعدان يتكلم بلفظ ويراد غير ما يفهم من ظاهر معناه ولا يلزم تكليف بمالا يطاق ولا من توقف المخاطب فيه محذور. فإن قيل فما تقول في ما ورد في المعاد من الحشر والنشر والجنة والنار والحساب والميزان وسائر ما يتعلق به ألا يجوز التمسك بظواهر ألفاظ الكتاب والسنة للرد على الملاحدة والزنادقة ومن يأولها بأن المراد منها الترغيب والترهيب لرفع الظلم والفساد في الدنيا؟ قلنا نتمسك في حجية الظواهر بدلالة العقل على أن لم يكن مراد الأنبياء الكذب والغرور واغراء الناس بالجهل فإنهم مبرؤون من المكر والحيلة واغفال الناس، ولا ريب في أن ما ذكروه من شدة عذاب نار الآخرة وتوافر لذاتها وجزاء كل عامل بمقتضى عمله على أبلغ ما يكون من العدل حق ونرى أنهم أخبروا بأمور تقع بعدهم ووقعت كما أخبروا والاخبار بالقيامة من ذلك القبيل فنؤمن بها لقيام هذا الدليل القطعي على حجية ظواهر الالفاظ في هذا المقام وان لم نعلم على التفصيل كيفية تلك النقم والنعم مع التصديق بأصلها ونظير ذلك أن القرآن أخبر المهاجرين والأنصار بأنهم سيظهرون على أمم العالم فتحقق ذلك وأن لم يكونوا يعلمون قبل الوقوع تفصيله ولعل ما ظفروا من الغلبة كان فوق ما فهمو على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما حصل لهم من الأموال والدولة أعظم وأكثر مما قدروه سابقا، والله اعلم وقال تعالى في شأن المنافقين: (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا). (ش)
2- قوله: «للإجماع على أنه أفضل الخلق كلهم» خالف فيه شرذمة لايعباء بهم كالزمخشري فزعم ان جبرئيل أفضل من نبينا (صلى الله عليه وآله) فتبرأ منه المسلمون أعنى من رأيه هذا وأطبق العرفاء أن الإنسان الكامل أفضل من كل موجود سوى الواجب وان العقل بعده في الرتبة، فإن قيل أن العقول كلهم بالفعل من جميع الجهات والإنسان بالفعل من جهة وبالقوة من جهة قلنا ليس المراد بالانسان هذا البدن المحسوس والنفس المتعلقة به الموجودة بعده بل باطنه المتحد به نحوا من الاتحاد ولم يكن نبينا (صلى الله عليه وآله) ببدنه المتولد عام الفيل نبيا وآدم بين الماء والطين ولا بنفسه المتعلقة ببدنه أيام حمله بل كان نبيا بحقيقة روحه المجردة قبل أن يخلق آدم وهو الذي أشار بقوله «أول ما خلق الله روحي» وكذلك ليس زيد زيدا ببدنه ولم يكن الشيخ الرئيس طبيبا ببدنه ولا بنفسه المنطبعة بل بعقله وروحه ولا أرسطو حكميا كذلك ولا أبو جهل كافرا ببدنه ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان بروحه في مقام وجميع الموجودات الروحانيين دون مقامه وان كان مقتضى بشريته كسائر الناس مثلهم قال: (إنما انا بشر مثلكم يوحى إلي) وسائر الناس بأرواحهم في مقامات يكون الروحانيون مثلهم أو فوقهم. (ش)

باب ذكر الله عز وجل كثيرا

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من شيء الا وله حد ينتهي إليه إلا الذكر فليس له حد ينتهي إليه، فرض الله عز وجل الفرائض فمن أداهن فهو حدهن، وشهر رمضان فمن صامه فهو حده والحج فمن حج فهو حده إلا الذكر فإن الله عز وجل لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدا ينتهي إليه ثم تلا هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا) فقال: لم يجعل الله عز وجل له حدا ينتهي إليه، قال: وكان أبي (عليه السلام) كثير الذكر لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله ولقد كان يحدث القوم [و] ما يشغله ذلك عن ذكر الله وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول: لا إله إلا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر. والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين. وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا اخبركم بخير أعمالكم لكم، أرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من الدينار والدرهم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم؟ فقالوا: بلى، فقال: ذكر الله عز وجل كثيرا، ثم قال:

ص:281

جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: من خير أهل المسجد؟ فقال: أكثرهم لله ذكرا. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اعطي لسانا ذاكرا فقد اعطي خير الدنيا والآخرة. وقال: في قوله تعالى: (ولا تمنن تستكثر) قال: لا تستكثر ما عملت من خير لله.

* الشرح:

قوله: (ثم تلا هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا)(1)) قال القرطبي في تفسير هذه الآية هذا السياق يدل على وجوب الذكر الكثير لأنه لم يكتف به حتى أكده بالمصدر ولم يكتف بالمصدر حتى وصفه بالكثير وهذا السياق لا يكون في المندوب فظهر أن الذكر الكثير واجب ولم يقل أحد بالوجوب اللساني دائما، فرجع إلى ذكر القلب وذكر الله تعالى دائما في القلب يرجع اما إلى الإيمان بوجوده وصفات كماله وهو يجب ادامته في القلب ذكرا أو حكما في حال الغفلة لأنه لا ينفك عنه إلا بنقيضه وهو الكفر، وأما أن يرجع إلى ذكر الله تعالى عند الاخذ في الفعل فإنه يجب أن لا يقدم أحد على فعل أو قول حتى يعرف حكم الله فيه ولا ينفك المكلف عن فعل أو قول دائما فيجب ذكر الله دائما.

قوله: (وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول: لا اله إلا الله) اللسان يلزق في قول هذه الكلمة الشريفة بالحنك أربع مرات.

(وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر) فيه فضل الاجتماع للذكر والدعاء والتلاوة وهذا متفق عليه بين الخاصة والعامة ومن طرقهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده، قال بعضهم المراد بالسكينة الوقار والطمأنينة، وقال بعضهم المراد بها الرحمة، ورد بذكر الرحمة قبلها.

(كما يضيء الكواكب الدري) في النهاية الكواكب الدري الشديد الإنارة كأنه نسب إلى الدر تشبيها بصفائه وقال الفراء الكوكب الدري هو العظيم المقدار وقيل هو أحد الكواكب الخمسة السيارة. (وخير لكم من الدينار والدرهم) وهو ظاهر لأن نفعهما منقطع ونفع الذكر دائم، والمراد خير لكم من انفاقهما في سبيل الله.

(فقد أعطى خير الدنيا والآخرة) أما خير الآخرة فظاهر وأما خير الدنيا فلان من كان لله كان الله له فهو مشغول بالذكر والله سبحانه يهيء له أسباب مهماته.

(وقال في فوله تعالى: (ولا تمنن تستكثر) قال: لا تستكثر ما عملت من خير لله) كأنه أشار إلى أن لا تمنن من منه بكذا وأن تستكثر بدل منه وأن ما صدر من خير لله سواء كان عبادته أم

ص:282


1- -سورة الأحزاب :41.

الاحسان إلى عباده يجب أن لا تستكثر لأن اكثاره يوجب اخراج النفس عن حد التقصير وعجبها واحباط أجرها.(1)

* الأصل:

2 - حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا.

3 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، جميعا عن الحسن بن علي الوشاء، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أكثر ذكر الله عز وجل أحبه الله ومن ذكر الله كثيرا كتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق.

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن بكر بن أبي بكر، عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) من الذكر الكثير الذي قال الله عز وجل: (اذكروا الله ذكرا كثيرا).

عنه; عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي اسامة زيد الشحام ومنصور بن حازم وسعيد الأعرج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله.

5 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن داود الحمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أكثر ذكر الله عز وجل أظله الله في جنته.(2)

* الشرح:

قوله: (من أكثر ذكر الله عز وجل أظله الله في جنته) أي أظله فيها بظل قبابها وبيوتها وأشجارها أو أظله فيها بظل رحمته الفائضة عليه آنا فآنفا على ما ذكر كما قال: (ولدينا مزيد).

ص:283


1- -الکافی :500/2.
2- -الکافی :500/2.

باب ان الصاعقة لا تصيب ذاكرا

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يموت المؤمن بكل ميتة إلا الصاعقة، لا تأخذه وهو يذكر الله عز وجل.

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ان أبي عمير، عن ابن اذينة، عن بريد ابن معاوية العجلي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الصواعق لا تصيب ذاكرا، قال: قلت: وما الذاكر؟ قال: من قرأ مائة آية.

3 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال:

سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ميتة المؤمن، قال: يموت المؤمن بكل ميتة يموت غرقا ويموت بالهدم ويبتلي بالسبع ويموت بالصاعقة ولا تصيب ذاكرا لله عز وجل.(1)

* الشرح:

قوله: (يموت المؤمن بكل ميتة إلا الصاعقة) الميتة بالكسر حالة الموت ونوعه والصاعقة النار التي يرسلها الله تعالى مع النار الشديد.

ص:284


1- -الکافی :500/2.

باب الاشتغال بذكر الله عز وجل

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

إن الله عز وجل يقول: من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما اعطي من سألني.(1)

* الشرح:

قوله: (إن الله عز وجل يقول: من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما اعطي من سألني) دل على أن من شعل بذكره تعالى خالصا من غير أن يجعله وسيلة للسؤال عن حاجته وقضائها قضى الله تعالى له حاجة ووجه التفضيل حينئذ ظاهر، ويمكن التعميم بحيث يشمل أيضا من أراد السؤال ونسيه.

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن العبد ليكون له الحاجة إلى الله عز وجل فيبدأ بالثناء على الله والصلاة على محمد وآل محمد حتى ينسى حاجته فيقضيها الله له من غير أن يسأله إياها.(2)

باب ذكر الله عز وجل في السر

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال الله عز وجل: من ذكرني سرا ذكرته علانية.

* الشرح:

قوله: (قال الله عز وجل: من ذكرني سرا ذكرته علانية) لعل المراد إظهار حاله وشرفه في المخلوقين من الملائكة والناس أجمعين. قيل الذكر ثلاثة: ذكر باللسان وذكر بالقلب وهذا نوعان أحدهما الذكر في عظمة الله سبحانه وجلاله وملكوته وآيات أرضه وسمائه والثاني ذكره عنده أمره ونهيه فيتمثل الامر ويجتنب النهي ويقف عند ما يشكل، وارفع الثلاثة الفكر لدلالة الأحاديث الواردة على الذكر الخفي وأضعفها الذكر باللسان ولكن له فضل كثير على ما جاء في الآثار. وقيل

ص:285


1- -الکافی :501/2.
2- -الکافی :501/2.

الخلاف انما هو في الذكر بالقلب بالتهليل والتسبيح ونحوهما وفي الذكر باللسان به لا في الذكر الخفي الذي هو الكفر وفي الذكر باللسان فإن الفكر لا تقاربه ذكر اللسان فكيف يفاضل معه، ثم هذا الخلاف إذا كان القلب في ذكر اللسان حاضرا وأما إذا كان لاهيا فذكر اللسان لغو لا ذكر.

فمن رجح ذكر القلب قال; لأن عمل السر أفضل، ومن فضل ذكر اللسان قال; لأن فيه زيادة عمل الجوارح على عمل ذكر القلب وزيادة العمل يقتضي زيادة الاجر. أقول وما ذكر من أنه لابد من حضور القلب كأنه أراد به النية فإن خلا الذكر عن النية فهو لغو ثم ان صحبته النية من الشروع إلى التمام فهو الغاية المطلوبة وأن صحبته في الشروع وغربت في الأثناء فالظاهر أنه إذا كان أصل العمل لله تعالى وعلى ذلك عقد فلا يضره ما يعرض من الخطرات التي يقع في القلب ولا يملك ولذلك اعتبروا النية الحكمية في الوضوء والصلاة ونحوهما دون الفعلية، ثم اختلفوا في ان ذكر القلب هل تكتبه الملائكة وتعلمه؟ قيل: نعم لأن الله تعالى يجعل عليه علامة، وقيل: لا; لأنهم لا يطلعون عليه، أقول في باب المصافحة ما يشعر بالثاني.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن سليمان بن عمرو، عن أبي المغرا الخصاف، رفعه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من ذكر الله عز وجل في السر، فقد ذكر الله كثيرا، إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر، فقال الله عز وجل: (يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)(1).

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، رفعه، قال: قال الله عز وجل لعيسى (عليه السلام): يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي واذكرني في ملأك أذكرك في ملاء، خير من ملاء الادميين، يا عيسى ألن لي قلبك وأكثر ذكري في الخلوات واعلم أن سروري أن تبصبص إلي ولكن في ذلك حيا ولا تكن ميتا.

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: لا يكتب الملك إلا ما سمع وقال الله عز وجل: (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة)(2) فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله عز وجل لعظمته.(3)

* الشرح:

قوله: (قال الله عز وجل لعيسى (عليه السلام): يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي) قيل النفس تطلق على الدم وعلى نفس الحيوان وعلى الذات وعلى الغيب ومنه قوله تعالى: (ولا أعلم ما في

ص:286


1- -سورة النساء:142.
2- -سورة الأعراف :205.
3- -الکافی :505/2.

نفسك) أي في غيبك والأولان يستحيلان في حقه تعالى دون الأخيرين، إذا عرفت هذا فنقول المراد بالذكر النفساني في قوله تعالى: «اذكرني في نفسك» ذكر لا يعرفه غير الذاكر، وفي قوله: « أذكرك في نفسي» جزاء ذلك الذكر يعني أجازيك وأرحمك لأجل الذكر فسمى جزاء الذكر ذكرا وليس المراد به الذكر المقابل للنسيان لأن الذكر بهذا المعنى ثابت له تعالى سواء ذكره العبد أم لا أو المراد أذكرك من حيث لا يطلع عليه أحد فإن العبد إذ ذكره تعالى بحيث لا يطلع عليه أحد أثابه تعالى ثوابا لا يطلع عليه أحد كما قال تعالى: (فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة أعين)(1) فأخبر سبحانه بأنه انفرد بعلم بعض ما يجازي به عباده الصالحين والله أعلم.

(اذكرني في ملأك) إشارة إلى الذكر الجلى ويندرج فيه فعل الطاعات ظاهرا والامر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا لأن كل واحد منها من أفراد الذكر.

(اذكرني في ملاء خير ملاء الآدميين) أي أظهر ذكرك إياي للملائكة والروحانيين ليثنوا عليك أو أظهر ثواب ذكرك لهم أو أظهر فضلك وشرفك على الإطلاق لهم.

(وأعلم أن سروري أن تبصبص) التبصبص التملق من خوف أو طمع، (وكن في ذلك حيا ولا تكن ميتا) أي كن حاضر القلب ولا تكن ساهيا غافلا فإن القلب الساهي الغافل عن ذكره تعالى وعن أدراك الحق ميت والقلب العاقل الذاكر حي، وقوله تعالى: (أفمن كان ميتا فأحييناه) و: (إنك لا تسمع الموتى) أشار إلى هذين القلبين».

ص:287


1- -سورة السجدة :17.

باب ذكر الله عز وجل في الغافلين

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الذاكر لله عز وجل في الغافلين كالمقاتل في المحاربين.(1)

* الشرح:

قوله: (الذاكر لله عز وجل في الغافلين كالمقاتل في المحاربين) تشبيه هيئة بهيئة أو مفرد بمفرد والوجه ظاهر ويندرج في الذاكر فيهم الذاكر سرا وعلانية وتعليما وتفهيما وأمرا ونهيا ويجري مثل ذلك فيما بعده.

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل عن الفارين والمقاتل عن الفارين له الجنة.

ص:288


1- -الکافی :502/2.

باب التحميد والتمجيد

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبي سعيد القماط، عن المفضل قال: قلت:

لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك علمني دعاء جامعا، فقال لي: أحمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك، يقول: سمع الله لمن حمده.(1)

* الشرح:

قوله: (يقول) في صلاته بعد الرفع من الركوع (سمع الله لمن حمده) فيشملك هذا الدعاء لأنك حمدته، قال الشهيد الثاني والشيخ في الأربعين ضمن سمع معنى استجاب فلذلك عدى باللام كما ضمن معنى الاصغاء فعدى ب (إلى) في قوله تعالى: (لا يسمعون إلى الملاء الأعلى).

* الأصل:

2 - عنه، عن علي بن الحسين، عن سيف بن عميرة، عن محمد بن مروان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ فقال: أن تحمده.

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي الحسن الأنباري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحمد الله في كل يوم ثلاثمائة مرة وستين مرة، عدد عروق الجسد، يقول: الحمد لله رب العالمين كثيرا على كل حال.

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وحميد بن زياد، عن الحسن بن محمد، جميعا، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن يعقوب بن شعيب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن في ابن آدم ثلاثمائة وستين عرقا، منها مائة وثمانون متحركة ومنها مائة وثمانون ساكنة، لو سكن المتحرك لم ينم ولو تحرك الساكن لم ينم وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أصبح قال: الحمد لله رب العالمين كثيرا على كل حال - ثلاثمائة وستين مرة - وإذا أمسى قال مثل ذلك.(2)

* الشرح:

(وحميد بن زياد، عن الحسين بن محمد) هكذا في النسخ التي رأيناها والظاهر الحسن مكبرا لان حميد بن زياد يروى عنه وهو يروى عن أحمد الميثمي.

(وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أصبح قال: الحمد لله رب العالمين كثيرا على كل حال - ثلاثمائة

ص:289


1- -الکافی :503/2.
2- -الکافی :503/2.

وستين مرة - وإذا أمسى قال مثل ذلك) هذا مفصل والسابق عليه وهو أنه (صلى الله عليه وآله) كان يقول في كل يوم الحمد لله رب العالمين كثيرا ثلاثمائة وستين مرة مجمل والمجمل يحمل على المفصل مع احتمال السابق على أنه (صلى الله عليه وآله) كان يقول العدد المذكور في كل يوم، وحمل هذا على أنه (صلى الله عليه وآله) كان يقول في بعض الأيام مرتين مرة في الصباح ومرة في المساء وفي لفظة «إذا» اشعار به للاهمال والمهملة في حكم الجزئية.

* الأصل:

5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن منصور بن العباس، عن سعيد بن جناح قال: حدثني أبو مسعود، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال أربع مرات إذا أصبح: الحمد لله رب العالمين، فقد أدى شكر يومه، ومن قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته.

* الشرح:

قوله: (من قال أربع مرات إذا أصبح: الحمد لله رب العالمين فقد أدي شكر يومه) من النعماء الواصلة إليه في ذلك اليوم والحمد شكر بل رأسه لأنه من أظهر أفراده إذ في أصل الإعتقاد وفي دلالته دلالة الأعمال والأركان على النعمة خفاء.

* الأصل:

6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن حسان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

كل دعاء لا يكون قبله تحميد فهو أبتر، إنما التحميد، ثم الثناء. قلت: ما أدري ما يجزي من التحميد والتمجيد، قال: يقول: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت البطان فليس دونك شيء وأنت العزيز الحكيم».(1)

* الشرح:

قوله: (كل دعاء لا يكون قبله تحميد فهو أبتر) أي أقطع من البتر وهو القطع والمراد به النقص أو القطع من القبول أو الصعود.

(إنما التحميد ثم الثناء) مر الفرق بينهما وفيه حذف وهو ثم الدعاء ولو كان الدعاء بدل الثناء لم يحتج إليه (قلت: ما أدرى ما يجزي من التحميد والتمجيد) مر الفرق بينهما أيضا (قال يقول اللهم أنت الأول) حصر الأولية المطلقة فيه دل على وجوبه بالذات وقدمه ولذلك فرع عليه قوله:

(فليس قبلك شيء) إذ لو كان قبله شيء واتصف بالحدوث لم تكن له أولية مطلقة، هذا خلف ( وأنت الآخر) لعل المراد بالآخر الآخر بحسب الغايات وحصر الآخرية المطلقة بحسبها دل على

ص:290


1- -الکافی :503/2.

أنه منتهى كل غاية ومرجع كل حاجة ولذلك فرع عليه قوله: (فليس بعدك شيء) إذ كل من بعده شيء في سلسلة رفع المقامات والحاجات ليس هو منتهاها وبالجملة أشار بالفقرة الاولى إلى أنه الأول باعتبار ابتداء الوجودات وبالفقرة الثانية إلى أنه الآخر باعتبار انتهاء الغايات فدائرة الإمكان تبتدء منه في الوجود وتنتهى إليه في الحاجة.

(وأنت الظاهر) أي الغالب القاهر على جميع الأشياء وحصر الغلبة المطلقة فيه دل على أن أحدا غيره ليس له تلك الصفة فلذلك فرع عليه قوله:

(فليس فوقك شيء) يغلبك ويقدر علمك إذ لو كان فوقه شيء لم تكن له الغلبة المطلقة، هذا خلف (وأنت الباطن) أي العالم بسرائر الأشياء وبطونها وبضماير القلوب وكمونها.

(فليس دونك شيء) لم يبغله علمك وإن كان في غاية الصغر.

ويحتمل أن يراد بالدون معنى الغير أي فليس غيرك شيء تكون له تلك الصفة والأول أظهر والثاني أنسب بالقرائن السابقة (وأنت العزيز الحكيم) هما من أسمائه تعالى والعزيز هو الغالب القوى الذي لا يغلب والرفيع المنيع الذي لا يعادله شيء ولا يماثله أحد، والعزة في الأصل القوة والشدة والغلبة يقال عز يعز بالكسر إذا صار عزيزا وبالفتح إذا اشتد والحكيم هو الذي يقضى بالحق والذي يحكم الأشياء ويتقنها بأكمل التدبير وأحسن التقدير والتصوير والذي لا يفعل القبيح ولا يخل بالأصلح والذي يضع الأشياء في مواضعها والذي يعلم الأشياء كما هي وأعلم أن هذا الدعاء يضمن ما يضمن قوله تعالى (هو الأول والآخر والظاهر والباطن)(1) واختلف عبارات المفسرين، فقيل أنه الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية والظاهر بلا اقتراب والباطن بلا احتجاب، وقيل الأول بالابتداء والآخر بالانتهاء والظاهر بالآيات والباطن عن الادراكات، وقيل الأول القديم والآخر الباقي، وقيل الظاهر الغالب والباطن اللطيف الرفيق بالخلق، وقوله تعالى: (فأصبحوا ظاهرين) أي غالبين قاهرين. وقيل ظاهر لقوم فوجدوه وباطن لقوم فجحدوه، قال المازري: واحتجت المعتزلة به لمذهبهم أن الأجسام تفنى; لأن معنى الآخر الباقي بعد فناء خلقه ومذهب أهل السنة خلافه وأن المراد الآخر بصفاته بعد ذهاب صفاتهم وقد مر في صدر هذا تفسير شيء من هذه الكلمات.

* الأصل:

7 - وبهذا الإسناد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ما أدنى ما يجزي من التحميد؟ قال: تقول:

الحمد لله الذي علا فقهر، والحمد لله الذي ملك فقدر، والحمد لله الذي بطن فخبر، والحمد لله الذي [يميت الأحياء] ويحيي الموتى وهو على كل شيء قدير.(2)

ص:291


1- -سورة الحدید :3.
2- -الکافی :502/2.

* الشرح:

قوله: (الحمد لله الذي علا فقهر) أي فوق الممكنات بالشرف والرتبة والغلبة والقدرة والقوة فقهرهم بالايجاد والافناء وغلبهم بالاعدام والإبقاء فلا يملكون المنع والدفع ولا الضر والنفع وقد يكون علوه تعالى عبارة عن تنزهه عن صفات المخلوقين وسمات المصنوعين والأشباه والأضداد والأمثال والأنداد.

(والحمد لله الذي ملك فقدر) أي ملك رقاب الأكاسرة وأعناق القياصرة وزمام المخلوقات وتمام المصنوعات فقدر على امضاء ما أراد واجراء ما شاء عليهم من الأحياء والإماتة والإبقاء والإزالة والصحة والسقم وغيرها من الامور المعلومة لنا وغير المعلومة.

(والحمد لله الذي بطن فخبر) من الخبر وهو العلم أي دخل علمه في بواطن الأشياء فعلم بواطنها كما علم ظواهرها أو بطن من الأبصار والأوهام واحتجب من العقول والأفهام فلا يدركه بصر ووهم ولا يحيط به عقل وفهم وهو يدركها كما قال تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير)(1) والأول أنسب كما لا يخفى.

(والحمد لله الذي يحيى الموتى) في القبر والحشر أو الأعم الشامل لإحياء المواد الحيوانية بإفاضة الأرواح واحياء القلوب الميتة بإفاضة المعارف.

(وهو على كل شيء) من الممكنات (قدير) فلا يستطيع أن يجاوز شيء منها عن تقديره وتدبيره وإرادته وقضائه على نحو ما أراد.

ص:292


1- -سورة الأنعام:103.

باب الاستغفار

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه. عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير الدعاء الاستغفار.

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن حسين بن سيف، عن أبي جميلة عن عبيد بن زرارة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا أكثر العبد من الاستغفار رفعت صحيفته وهي يتلألأ.

3 - علي بن إبراهيم، [عن أبيه] عن ياسر، عن الرضا (عليه السلام): مثل الاستغفار مثل ورق على شجرة تحرك فيتناثر، والمستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزيء بربه.

4 - عدة من وأصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سنان عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لا يقوم من مجلس وإن خف حتى يستغفر الله عز وجل خمسا وعشرين مرة.

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستغفر الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة ويتوب إلى الله عز وجل سبعين مرة، قال: قلت: كان يقول: أستغفر الله وأتوب إليه؟ قال: كان يقول: أستغفر الله، أستغفر الله - سبعين مرة - ويقول وأتوب إلى الله وأتوب إلى الله - سبعين مرة -.

6 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن حسين بن زيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الاستغفار وقول: لا إله إلا الله، خير العبادة، قال الله العزيز الجبار: (فأعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك).(1)

* الشرح:

قوله: (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لا يقوم من مجلس وإن خف حتى يستغفر الله عز وجل خمسا وعشرين مرة) قيل دعاؤه واستعاذته واستغفاره (صلى الله عليه وآله) مع معافاته وعصمته إنما هو تعليم للخلق وإبلاغ في العبودية والخوف، وقيل قد كان يحصل فترات وغفلات من الذكر الذي شأنه الدوام عليه فعد ذلك ذنبا واستغفر منه.

وقيل كان استغفارا لامته بسبب ما أطلع عليه من أحوالهم، وقيل سببه النظر في مصالح امته

ص:293


1- -الکافی :504/2.

وامورهم ومحاربة العدو مداراتهم وتأليف المؤلفة ونحو ذلك من معاشرة الأزواج والاكل والشرب والنوم وذلك مما يحجبه ويحجزه عن عظيم مقامه فرآه ذنبا بالنسبة إلى ذلك المقام العلى وهو حضوره في حضرة القدس ومشاهدته ومراقبته وفراغه مع الله مما سواه فيستغفر لذلك وإن كانت تلك الامور من أعظم الطاعات، وقيل سببه تغشي السكينة قلبه لقوله تعالى: (فأنزل الله سكينته على رسوله) فالإستغفار لإظهار العبودية والافتقار والشكر لما أولاه، وقيل سببه حالات حسنة وافتقار فالاستغفار شكر لها، قال المحاسبي: خوف المقربين خوف اجلال واعظام، وقيل سببه شيء يعترى القلوب الصافية مما يحدث في النفس من الملامة والحديث والغفلة فيشوشها، وقيل أنه (صلى الله عليه وآله) كان يترقي في كل يوم إلى مقام أعلى من الذي كان قبله فيجعل الكون في المقام الذي انتقل عنه كالذنب بالنسبة إلى المقام الذي يترقي إليه وإن كان من المقامات العالية.

ص:294

باب التسبيح والتهليل والتكبير

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، وأبي أيوب الخزاز، جميعا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء الفقراء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله إن الأغنياء لهم ما يعتقون وليس لنا، ولهم ما يحجون وليس لنا، ولهم ما يتصدقون وليس لنا، ولهم ما يجاهدون وليس لنا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كبر الله عز وجل مائة مرة كان أفضل من عتق مائة رقبة ومن سبح الله مائة مرة كان أفضل من سياق مائة بدنة ومن حمد الله مائة مرة كان أفضل من حملان مائة فرس في سبيل الله بسرجها ولجمها وركبها ومن قال: لا إله إلا الله مائة مرة كان أفضل الناس عملا ذلك اليوم، إلا من زاد، قال: فبلغ ذلك الأغنياء فصنعوه، قال: فعاد الفقراء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله قد بلغ الأغنياء ما قلت فصنعوه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.(1)

* الشرح:

قوله: (ومن حمد الله مائة مرة كان أفضل من حملان مائة فرس في سبيل الله - إلى آخره) الحملان بالضم مصدر وفعله من باب ضرب والسروج جمع سرج كالفلوس جمع فلس واللجم والركب بضمتين فيهما جمع اللجام بالكسر والراكب وفي قوله (إلا من زاد) تنبيه على أن ما زاد على هذا العدد يكون له الأجر بحساب ذلك وأنه ليس من العبادات التي نهى الشرع عن الزيادة في عددها وقوله (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) ظاهر في تفضيل الغنى على الفقر لأنه لما استووا في عمل الذكر واختص الأغنياء من العبادة المالية بما عجز الفقراء عنه قال: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).

فالإشارة بذلك إلى الفضل الذي اختصوا به، وإنما قلنا ظاهر في ذلك لإمكان أن يجعل سبق الفقراء بالذكر المذكور وتقدمهم على الأغنياء فضيلة اختصوا بها دون الأغنياء ويجعل ذلك إشارة إليها فيفيد تفضيل الفقر على الغنى لكنه عدول عن الظاهر ولا يمكن ترجيح هذا بقوله «كان أفضل الناس عملا في ذلك اليوم إلا من زاد» بناء على حمل الناس على العموم وحمل الزيادة على الزيادة في الذكر فمن اتصف بالزيادة المالية داخل في المفضل عليه وغير خارج بالاستثناء لأنا

ص:295


1- -الکافی :505/2.

نمنع عموم الناس لأنه يستلزم تفضيل الشيء على نفسه بل المراد به من لم يماثله في الذكر المذكور ونمنع أيضا تخصيص الزيادة بالزيادة في الذكر لجواز أن يكون المراد بها الزيادة المطلقة الشاملة للزيادة في الذكر وفي غيره من الأعمال التي تشمل الحقوق المالية، ولبعض الأفاضل في تحقيق أفضلية الفقر أو الغنى كلام لا بأس أن نورده في هذا المقام فإنه ينفتح محل النزاع وهو أن الفقر والغنى ثلاثة: الأولى الغني والفقير اللذان يفعل كل منهما الواجب عليه فقط، الثانية أن يفعل كل منهما ما هو مقدوره كان يصبر الفقير ويؤثر على غيره ويحج الغنى ويعتق ويتصدق، الثالثة الفقر والغني وصفان كليان من حيث كون كل منهما قابلا لأمر; أما الغني فقابل لتحصيل القرب بالمالية; وأما الفقير فقابل للصبر وكل واحد من هذه الثلاثة يصح أن يكون محلا للخلاف.

أما الاولى، فلأنه يمكن أن يقال فيها هل فضل القربات المالية أرجح من صبر الفقير أو صبره أرجح، وأما الثانية: وهي الأنسب بهذا الحديث فكذلك بنحو ما تقدم، وأما الثالثة فكذلك فإنه يصح أن يقال هل قابلية فعل الخيرات والقربات المالية الواجبة أرجح من قابلية تحصيل الصبر والسلامة من عهدة الغناء وتكاليفه أو العكس; فتأمل ورجح بحسب ما ظهر لك من الروايات وغيرها.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن حماد عن ربعي، عن فضيل، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سمعته يقول: أكثروا من التهليل والتكبير فإنه ليس شيء أحب إلى الله عز وجل من التهليل والتكبير.

3 - علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملأ الميزان والله أكبر يملأ ما بين السماء الأرض.(1)

* الشرح:

قوله: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملأ الميزان) أما بنفسه أو مع التسبيح فهو على الأول ضعف التسبيح وعلى الأخير مثله (والله أكبر يملأ ما بين السماء والأرض) قال بعض الأفاضل: أن التسبيح والتحميد والتكبير وغيرها من الأعمال يتجسم في الآخرة ويوزن، وقد مر ومن طريق العامة: «الحمد لله يملأ الميزان» قال المازري الحمد ليس بجسم فيقدر بمكيال ويوزن بمعيار فقيل هو كناية عن تكثير العدد أي حمدا لو كان مما يقدر بمكيال ويوزن بميزان املاء، وقيل هو لتكثير اجوره، وقيل هو على التعظيم والتفخيم لشأنه وقد جاء من

ص:296


1- -الکافی :506/2.

طرق العامة: «أن الميزان له كفتان كل كفة طباق السماوات والأرض» وجاء أيضا: أن الحمد لله يملاءه، وقيل القول الأول وهو أنه لتكثير العدد أظهر لمجيى سبحان الله عدد خلقه وظاهره أنه لتكثير العدد.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن ضريس الكناسي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) برجل يغرس غرسا في حائط له، فوقف له وقال: ألا أدلك على غرس أثبت أصلا وأسرع إيناعا وأطيب ثمرا وأبقى؟ قال: بلى فدلني يا رسول الله، فقال: إذا أصبحت وأمسيت فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإن لك إن قلته بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنة من أنواع الفاكهة وهن من الباقيات الصالحات، قال: فقال الرجل: فإني اشهدك يا رسول الله أن حائطي هذا صدقة مقبوضة على فقراء المسلمين أهل الصدقة فأنزل الله عز وجل آيات من القرآن: (فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى)(1).

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير العبادة قول: لا إله إلا الله.(2)

* الشرح:

قوله: (مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) برجل يغرس غرسا) الغرس المغروس والجمع أغراس وغرس الشجر وأغرسه أنبته في الأرض.

(فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر - إلى آخره) في طريق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلى مما طلعت عليه الشمس» يريد أن هذا الذكر أحب إلي من أن يكون لي الدنيا فأنفقها في سبيل الله وإلا فالدنيا من حيث هي لا تعدل عند الله تعالى ولا عند أوليائه جناح بعوضة.

ص:297


1- -سورة اللیل :5.
2- -الکافی :506/2.

باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن الفضيل ابن يسار، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أوشك دعوة وأسرع إجابة دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب.

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن محبوب، عن عبد الله ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه.

3 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تبارك وتعالى: (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله) (1)قال: هو المؤمن يدعوا لأخيه بظهر الغيب فيقول له الملك: آمين، ويقول الله العزيز الجبار: ولك مثلا ما سألت وقد اعطيت ما سألت بحبك إياه.(2)

* الشرح:

قوله: (هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر بالغيب فيقول له الملك: آمين.) أي في حال الغيب وخص الدعاء بظهر الغيب لأنه أبعد من الرياء وأقرب إلى الإخلاص والأخ شامل للواحد والجماعة من المؤمنين أحياء كانوا أم أمواتا، والظاهر من الملك هو الموكل لكتب أعماله وحفظه عن الشياطين كما دل عليه الخبر الآتي، وقيل المراد به ملائكة السماء، وقيل إذا قال الموكل به ذلك قاله من فوقه حتى ينتهي إلى ملائكة السماء، قيل المراد به الملائكة المستغفرون لمن في الأرض كما جعل الله ملائكة تصلي على من يصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) وملائكة تدعو لمن ينتظر الصلاة كذلك جعل ملائكة تؤمن على دعاء المؤمنين، وما منهم إلا وله مقام معلوم.

وقوله «ولك مثلاه» الظاهر أنه خبر ويحتمل الدعاء ولا ينافي ذلك ما يجيء من أنه نودي من العرش ولك مائة ألف ضعف; لأن الضعف بمقتضى دعائه والزائد تفضل منه تعالى لمن يشاء أو لأن الضعف أقل المراتب ومائه ألف ضعف أكثرها وبينهما مراتب متفاوتة بحسب تفاوت مراتب الداعي والمدعو له، ويحتمل أن يكون علة الضعف أن الدعاء للغير يتضمن عملين صالحين:

أحدهما الدعاء والضراعة إلى الله تعالى والثاني دعاؤه لأخية ومحبته له وطلب الخير له ولذلك كان هذا الدعاء مستجابا يؤجر عليه مرتين، ثم بعض السلف إذا كان أراد أن يدعو لنفسه بشيء دعا

ص:298


1- -سورة الشوری :26.
2- -الکافی :507/2.

لأخيه المسلم بتلك الدعوة طمعا لحصول المطلوب مع زيادة لما رأى أنها مستجابة، ويدل عليه فعل عبد الله ابن جندب كما سيجيء، وكان بعضهم يقول هذا خلاف الاولى والاولى أن يدعو لنفسه ولغيره ثم الدعاء على الغير ليس مثل الدعاء له في تأمين الملك وطلب المثلين عليه والمعروف في آمين المد وتخفيف الميم، وحكى ثعلب فيه القصر وأنكره غيره، وقال إنما جاء مقصورا في الضرورة، وحكى بعضهم فيه المد وشد الميم، وقيل هي لغة شاذة خطىء قائلها ومعناها اللهم استجب وقد وقع الحث على قولها بعد الدعاء من طرق العامة أيضا، روى عن أبي زهير النميري وكان من الصحابة فإذا دعا أحدنا قال: اختمه بآمين فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة، قال أبو زهير: ألا أخبركم عن ذلك خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات مرة فإذا رجل قد ألح في المسئلة فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «قد أوجب أن أختمه فقال رجل من القوم: بأي شيء تختمه؟ فقال: «بآمين فإنه أن ختم بآمين قد أوجب».

واختلفوا في أنها هل هي دعاء أم لا، فقيل بالثاني لأنها اسم للدعاء (1) وهو اللهم استجب والاسم مغاير لمسماه، وقيل بالأول وهو الحق لأنها اسم فعل وأسماء الأفعال أسماء لمعاني الأفعال لا لألفاظها كما حققه الشيخ الرضي ومن أدلته أن العرب تقول صه مثلا ويريد معنى اسكت، ولا يخطر بباله لفظة اسكت بل قد لا يكون مسموعة له أصلا.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبيد الله بن عبد الله الواسطي عن درست ابن أبي منصور، عن أبي خالد القماط قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): أسرع الدعاء نجحا للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل به: آمين ولك مثلاه.

5 - علي بن محمد، عن محمد بن سليمان، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد التميمي، عن حسين بن علوان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عز وجل عليه مثل الذي دعا لهم به من كل مؤمن ومؤمنة مضى من أول الدهر أو هو آت إلى يوم القيامة، إن العبد ليؤمر به إلى النار يوم القيامة فيسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات: يا رب هذا الذي كان يدعو لنا فشفعنا فيه فيشفعهم الله عز وجل فيه فينجو.(2)

ص:299


1- () قوله: «لأنها اسم للدعاء» والصحيح أنها بمعنى «كذلك فليكن» وليس دعاء إذ قد يقع بعد الخبر وهو نظير «هنيئا مريئا» و «سقيا ورعبا» مما يتكلم وبأمثاله من لا يعتقد بالله والدعاء والاستجابة ولذلك لا يجوز في الصلاة ويعد من كلام الآدميين. (ش)
2- -الکافی :508/2.

* الشرح:

قوله: (فيسحب) أي فيجر، سحبه كمنعه جره على وجه الأرض ومنه سحب ذيله فانسحب.

* الأصل:

6 - علي، عن أبيه، قال: رأيت عبد الله بن جندب في الموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادا يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض فلما صدر الناس قلت له: يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك قال: والله ما دعوت إلا لإخواني وذلك أن أبا الحسن موسى (عليه السلام) أخبرني أن من دعا لأخيه يظهر الغيب نودي من العرش ولك مائة ألف ضعف، فكرهت أن أدع مائة ألف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا.(1)

* الشرح:

قوله: (فلما صدر الناس) أصل الصدر الانصراف يقال صدر الناس إذا انصرفوا وأصدرته إذا صرفته.

* الأصل:

7 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا; عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن ثوير قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب أو يذكره بخير قالوا: نعم الأخ أنت لأخيك تدعو له بالخير وهو غائب عنك وتذكره بخير قد أعطاك الله عز وجل مثلي ما سألت له وأثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه ولك الفضل عليه وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا له:

بئس الأخ أنت لأخيك كف أيها المستر على ذنوبه وعورته وأربع على نفسك وأحمد الله الذي ستر عليك وأعلم أن الله عز وجل أعلم بعبده منك.(2)

* الشرح:

قوله: (كف أيها المستر على ذنوبه وعورته) يجوز في المستر كسر التاء وفتحاء والتشديد للمبالغة والتكثير، والعورة للعيب.

(وأربع على نفسك) ربع كمنع وقف وتحبس ومنه قولهم أربع عليك أو على نفسك يعني قف على نفسك واقتصر عليها.

ص:300


1- -الکافی :508/2.
2- -الکافی :508/2.

باب من تستجاب دعوته

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عيسى بن عبد الله القمي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاثة دعوتهم مستجابة: الحاج، فانظروا كيف تخلفونه والغازي في سبيل الله، فانظروا كيف تخلفونه، والمريض، فلا تغيظوه ولا تضجروه.(1)

* الشرح:

قوله: (ثلاثة دعوتهم مستجابة الحاج فانظروا (2) كيف تخلفونه) في أهله وماله وداره وعقاره

ص:301


1- -الکافی :509/2.
2- قوله: «الحاج فانظروا» في هذا الباب والباب الذي يليه جواب قاطع لشبهة الملاحدة واخوتهم من أهل الظاهر فإن الطائفتين متفقتان على نفي العلل الروحانية والموجودات الغيبية ولا تعترفان بشيء غير ما يدركه حواسهم وأما شبهتهم في هذا المقام فما يرون من عدم استجابة الدعوات كثيرا والأصل في الجواب أن الله تعالى أمر بالدعاء ووعد الإجابة بقوله: (أدعوني استجب لكم) ولكن القضية مهملة لا كلية إذ لم يقل أستجيب كل ما تدعون في جميع الحالات والشرائط بل حكم في الجملة بأن الدعاء طريق إلى المقصود كما أن التجارة سبيل إلى الرزق وورد فيها أحاديث كثيرة وآيات. وقد يتجر الإنسان ولا يربح ولا يرزق كذلك قد يدعو ولا يستجاب وليس الدعاء علة تامة للإجابة كما أن الدواء ليس علة تامة لدفع المرض ولا التجارة للرزق وهنا عدد جماعة يستجاب دعاؤهم وجماعة لا يستجاب. وأما الملاحدة فطر يقتهم إنكار كل سبب غير طبيعي وبعض من يتظاهر بالإسلام منهم فسر الدعاء بالتوجه إلى الله لا طلب شيء منه والاستجابة بتوجه الله تعالى إليه لا بقضاء حاجته وأهل الظاهر يزعمون تأثير التلفظ بألفاظ خاصة في دفع المرض مثلا نظير تأثير المسهل فكما أن للدواء المسهل أثرا مع الالتفات إليه والجهل به وحضور القلب وعدمه وكفر الطبيب الأمر به وإسلامه كذلك للألفاظ الدعائية أثرا طبيعيا في كل حال ولا يعلمون أن في الدعاء تأثيرا نفسانيا روحانيا يتوقف على الإخلاص والتوجه والإيمان بالله وحسن الظن بل اليقين به كما قلنا سابقا والشاك في ذلك لا يدعو أحدا حتى يستجاب له قود يستلزم استجابة الدعاء خرق عادة الطبايع والغلبة عليها وللنفوس في ذلك درجات ومراتب مثلا الدعاء لشفاء مريض أو توسعة رزق أو دفع عدو وأمثال ذلك وإن كانت بخرق الأسباب لكنه ليس كالدعاء لزوال الجبال وصيرورتها ذهبا أو لفلق البحر وأمثال ذلك والنفوس في القدرة على الغلبة على الآثار الطبيعية مختلفة فقد يمكن لبعضهم شفاء مريض ولا يمكن له فلق البحر وإن كان كلاهما خرق الطبيعة ورابطة النفوس مع الله تعالى والملائكة المتوكلين بالطبائع والهادين لها مختلفة البتة ولا يخفى على أحد أن الوثبة شيء مخالف للطبيعة والصعود إلى الجبال كذلك فبعض الناس يثب ذراعين وبعضهم أربعة وبعضهم يصعد إلى فرسخ وبعضهم أقل والطيور تقاوم جاذبية الأرض مع اختلافهم كذلك إذا استلزم الدعاء المعارضة مع الأسباب الطبيعية ومدافعتها اختلف مراتب الإجابة باختلاف همم النفوس. (ش)

وفيه ترغيب في حسن مراعاة أحواله.

* الأصل:

2 - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلي بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عبد الله ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أبي (عليه السلام) يقول: خمس دعوات لا يحجبن عن الرب تبارك وتعالى: دعوة الإمام المقسط، ودعوة المظلوم يقول الله عز وجل: لأنتقمن لك ولو بعد حين، دعوة الولد الصالح لو الدية ودعوة الوالد الصالح لولده ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب، فيقول:

ولك مثله.

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إياكم ودعوة المظلوم فإنها ترفع فوق السحاب حتى ينظر الله عز وجل إليها فيقول:

ارفعوها حتى استجيب له، وإياكم ودعوة الوالد فإنها أحد من السيف.

* الشرح:

قوله: (حتى ينظر الله عز وجل إليها) يريد به نظر العناية وإرادة القبول.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أبي يقول: اتقوا الظلم فإن دعوة المظلوم تصعد إلى السماء.

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

من قدم أربعين من المؤمنين ثم دعا استجيب له.

* الشرح:

قوله: (من قدم أربعين من المؤمنين) يجوز تخفيف الدال وتشديدها، والثاني أظهر; لأن في الاجتماع مدخلا عظيما في استجابة الدعاء.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن طلحة النهدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أربعة لا ترد لهم دعوة حتى تفتح لهم أبواب السماء وتصير إلى العرش: الوالد لولده والمظلوم على من ظلمه والمعتمر حتى يرجع والصائم حتى يفطر.

ص:302

* الشرح:

قوله: (أربعة لا ترد لهم دعوة حتى تفتح لهم أبواب السماء أو تصير إلى العرش) «حتى» غاية لعدم الرد لا للرد ولفظة «أو» بمعنى «إلى أن» أو للعطف، والفتح أما كناية عن قبول الدعاء وصعوده إلى السماء أو محمول على الحقيقة.

7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): ليس شيء أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب.

* الأصل:

8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): دعا موسى (عليه السلام) وأمن هارون (عليه السلام) وأمنت الملائكة (عليهم السلام) فقال الله تبارك وتعالى: «قد اجيبت دعوتكما فاستقيما» ومن غزى في سبيل الله استجيب له كما استجيب لكما يوم القيامة.

* الشرح:

قوله: (ومن غزى في سبيل الله استجيب له) عطف على قوله «قد أجيبت دعوتكما».

ص:303

باب من لا تستجاب دعوته

اشاره:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حسين بن مختار، عن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صحبته بين مكة والمدينة فجاء سائل فأمر أن يعطى ثم جاء آخر فأمر أن يعطى، ثم جاء آخر فأمر أن يعطى، ثم جاء الرابع فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يشبعك الله، ثم التفت إلينا فقال: أما إن عندنا ما نعطيه ولكن أخشى أن نكون كأحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم دعوة: رجل أعطاه الله مالا فأنفقه في غير حقه ثم قال: اللهم ارزقني فلا يستجاب له، ورجل يدعو على امرأته أن يريحه منها وقد جعل الله عز وجل أمرها إليه، ورجل يدعو على جاره وقد جعل الله عز وجل له السبيل إلى أن يتحول عن جواره ويبيع داره.

* الأصل:

2 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن عبد الله ابن إبراهيم، عن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أربعة لا تستجاب لهم دعوة: رجل جالس في بيته يقول: اللهم ارزقني فيقال له: ألم آمرك بالطلب؟ ورجل كانت له امرأة فدعا عليها فيقال له: ألم أجعل أمرها إليك؟ ورجل كان له مال فأفسده فيقول: اللهم ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالإقتصاد؟ ألم آمرك بالإصلاح؟ ثم قال: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) ورجل كان له مال فأدانه بغير بينة فيقال له: ألم آمرك بالشهادة؟. محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي الحكم، عن عمران بن أبي عاصم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله.

* الشرح:

قوله: (ثم قال (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)) الإسراف سرف المال الزائد على القدر الجائز شرعا وعقلا، والقتر والقتور التضيق يقال قتر على عياله قترا وقتورا من باب قعد وضرب ضيق في النفقة وأقتر اقتارا وقتر تقتيرا مثله، والقوام بالفتح العدل والاعتدال.

* الأصل:

3 - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن عبد الله بن سنان عن الوليد بن صبيح قال: سمعته يقول: ثلاثة ترد عليهم دعوتهم: رجل رزقه الله مالا فأنفقه في غير وجهه ثم قال: يا رب ارزقني، فيقال له: ألم أرزقك؟ ورجل دعا على امرأته وهو لها ظالم فيقال

ص:304

له: ألم أجعل أمرها بيدك؟ ورجل جلس في بيته وقال يا رب ارزقني فيقال له: ألم أجعل لك السبيل إلى طلب الرزق؟.

* الشرح:

قوله: (وهو لها ظالم) بسبب الدعاء عليها; لأن دعاءه عليها مع قدرته على التخلص بوجه آخر ظلم.

ص:305

باب الدعاء على العدو

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار، قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) جارا لي وما ألقى منه قال: فقال لي: ادع عليه، قال ففعلت فلم أر شيئا فعدت إليه فشكوت إليه، فقال لي: ادع عليه، قال فقلت: جعلت فداك قد فعلت فلم أر شيئا، فقال: كيف دعوت عليه؟ فقلت: إذا لقيته دعوت عليه، قال: فقال:

ادع عليه إذا أقبل و [إذا] استدبر، ففعلت فلم ألبث حتى أراح الله منه.

* الشرح:

قوله: (ادع عليه إذا أقبل وإذا استدبر) الظاهر من الاستدبار ضد الإقبال وإرادة الغيبة احتمال بعيد.

2 - وروي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: إذا دعا أحدكم على أحد قال: «اللهم أطرقه ببلية لا اخت لها وأبح حريمه».

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن مالك بن عطية، عن يونس بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن لي جارا من قريش من آل محرز قد نوه باسمي وشهرني كلما مررت به قال: هذا الرافضي يحمل الأموال إلى جعفر بن محمد قال: فقال لي فادع الله عليه إذا كنت في صلاة الليل وأنت ساجد في السجدة الأخيرة من الركعتين الاوليين فاحمد الله عز وجل ومجده وقل: «اللهم فلان بن فلان قد شهرني ونوه بي وغاظني وعرضني للمكاره، أللهم اضربه بسهم عاجل تشغله به عني، أللهم وقرب أجله واقطع أثره وعجل ذلك يا رب الساعة الساعة»، قال: فلما قدمنا الكوفة قدمنا ليلا فسألت أهلنا عنه قلت: ما فعل فلان؟ فقالوا: هو مريض فما انقضى آخر كلامي حتى سمعت الصياح من منزله وقالوا: قد مات.

* الشرح:

قوله: (نوه باسمي) نوه باسمه تنويها رفع ذكره (اللهم اضربه بسهم عاجل) أي ببلية عاجلة سماها سهما على سبيل الاستعارة (وقرب أجله) الأجل محركة غاية الوقت في الموت وحلول مدة العمر.

ص:306

(واقطع أثره) الأثر بالتحريك الخبر وأيضا أثر القدم في الأرض، وفيه دعاء عليه بالموت لأن من مات لم يبق له خبر في الأحياء ولا يرى لأقدامه أثر في الأرض أو دعاء عليه بالزمانة فإن من زمن انقطع مشيه وانقطع أثره.

* الأصل:

4 - أحمد بن محمد الكوفي، عن علي بن الحسن التيمي، عن علي بن أسباط، عن يعقوب بن سالم قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له العلاء بن كامل: إن فلانا يفعل بي ويفعل فإن رأيت أن تدعوا الله عز وجل فقال: هذا ضعف بك قل: «أللهم إنك تكفي من كل شيء ولا يكفي منك شيء فاكفني أمر فلان بم شئت وكيف شئت و [من] حيث شئت وأني شئت».

* الشرح:

قوله: (فإن رأيت أن تدعوا الله عز وجل) الجزاء محذوف أي دعوت عليه (فقال هذا ضعف بك) حث على الدعاء عليه على وجه المبالغة ولعل هذا إشارة إلى فعل فلان به وحمل ضعف عليه من باب حمل السبب على المسبب.

(قل أللهم إنك تكفي من كل شيء ولا يكفي منك شيء) أي تغنيني من كل شيء ولا يغنيني منك شيء وفيه توسل تام إليه عز وجل في الكفاية عن المهمات ورفع البليات فلذلك قال:

(فاكفني أمر فلان) طلب قيامه عز وجل مقامه في دفع عدوه، وفي النهاية كفاه الأمر إذا أقام مقامه فيه (بم شئت وكيف شئت وحيث شئت) حيث يثلث آخره.

(وأنى شئت) «بم» إشارة إلى سبب الأخذ، و «كيف» إلى كيفيته، و «حيث» إلى مكانه، و «أنى» إلى زمانه، فهو هنا بمعنى متى للزمان لا بمعنى كيف ولا بمعنى أين لئلا يلزم التكرار.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، عن حماد بن عثمان، عن المسمعي قال: لما قتل داود بن علي المعلى بن خنيس قال أبو عبد الله (عليه السلام): لأدعون الله على من قتل مولاي وأخذ مالي. فقال له داود بن علي: إنك لتهددني بدعائك، قال حماد: قال المسمعي:

فحدثني معتب أن أبا عبد الله (عليه السلام) لم يزل ليلته راكعا وساجدا فلما كان في السحر سمعته يقول وهو ساجد: «أللهم إني أسألك بقوتك القوية وبجلالك الشديد الذي كل خلقك له ذليل أن تصلي على محمد وأهل بيته أن تأخذه الساعة الساعة».

فما رفع رأسه حتى سمعنا الصيحة في دار داود بن علي فرفع أبو عبد الله رأسه وقال: إني

ص:307

دعوت الله بدعوة بعث الله عز وجل عليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة من حديد انشقت منها مثانته فمات.

* الشرح:

قوله: (لما قتل داود بن علي المعلى بن خنيس) معلى مولى أبي عبد الله (عليه السلام) وفي مدحه وذمه اختلاف بين أصحاب الرجال روي عن ابن أبي نجران، عن حماد بن ناب، عن الخثعمي قال: لما أخذ داود بن علي عن المعلى بن خنيس حبسه فأراد قتله فقال له معلى: أخرجني إلى الناس فإن لي دينا كثيرا ومالا حتى أشهد بذلك فأخرجه إلى السوق فلما اجتمع الناس قال: يا أيها الناس أنا معلى بن خنيس فمن عرفني فقد عرفني اشهدوا إن ما تركت من مال عين أو دين أو أمة أو عبيد أو دار أو قليل أو كثير فهو لجعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: فشد عليه صاحب شرطة داود فقلته.

قال: فلما بلغ ذلك أبا عبد الله (عليه السلام) خرج يجر ذيله حتى دخل على داود بن علي وإسماعيل ابنه خلفه فقال: يا داود قتلت مولاي وأخذت مالي فقال: ما أنا قتلته ولا أخذت مالك فقال: والله لأدعون على من قتل مولاي وأخذ مالي فقال ما قتلته ولكن قتله صاحب شرطتي فقال: باذنك أو بغير اذنك؟ فقال: بغير إذني فقال: يا إسماعيل شأنك به فخرج إسماعيل والسيف معه حتى قتله في مجلسه.

(اللهم إني أسئلك بقوتك القوية) القوة والقدرة متقاربان وفي وصف القوة بالقوية إشارة إلى كمالها واستيلائها على جميع الممكنات وعدم تطرق العجز إليها.

(وبجلالك الشديد) أي القوي الغالب المرتفع العالي على كل شيء والجلال العظمة ومن أسمائه تعالى الجليل، قال في النهاية هو الموصوف بنعوت الجلال الحاوي لجميعها وهو راجع إلى كمال الصفات كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات والعظيم إلى كمال الذات والصفات وهذا الدعاء مذكور في كتاب الرجال للفاضل الاستر آبادي وفيه «ومحالك الشديد» وفي النهاية:

المحال بالكسر الكيد، وقيل المكر وقيل القوة والشدة، وميمه أصلية ورجل محل أي ذو كيد (بعث الله عز وجل عليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة من حديد - إلى آخره) في القاموس: الارزبة والمرزبة مشددتان أو الأولى فقط عصية من حديد، وفي الصحاح: الارزبة التي يكسر بها المدر فإن قلتها بالميم خففت وقلت المرزبة، وفي الجزري: مرزبة بكسر الميم وفتح الزاي والمحدثون يروونها بتشديد الباء والصواب تخفيفها وأما أهل اللغة فلا يعرفون سوى التخفيف، وإنما يكون التشديد في ارزبة بالهمز وهي مطرقة الحديد الكبيرة التي يدق بها النحاس والحديد عند خروجهما من النار، والمثانة العضو الذي يجتمع فيه البول داخل الجوف.

ص:308

باب المباهلة

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حكيم، عن أبي مسروق، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: إنا نكلم الناس فنحتج عليهم بقول الله عز وجل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم) فيقولون: نزلت في امراء السرايا، فنحتج عليهم بقوله عز وجل: (إنما وليكم الله ورسوله) إلى آخر الآية فيقولون: نزلت في المؤمنين، ونحتج عليهم بقول الله عز وجل:

(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) فيقولون: نزلت في قربى المسلمين، قال: فلم أدع شيئا مما حضرني ذكره من هذه وشبهه إلا ذكرته، فقال لي: إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة، قلت: وكيف أصنع؟ قال: أصلح نفسك ثلاثا - وأظنه قال: وصم - واغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبان فشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه، ثم أنصفه وابدأ بنفسك وقل: «أللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، إن كان أبو مسروق جحد حقا وادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما» ثم رد الدعوة عليه فقل: «وإن كان فلان جحد حقا وادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما» ثم قال لي: فإنك لا تلبث أن ترى ذلك فيه، فو الله ما وجدت خلقا يجيبني إليه.

* الشرح:

قوله: (نزلت في امراء السرايا) في النهاية السرايا جمع السرية وهي طائفة من الجيش تبلغ أقصاه أربعمائة تبعث إلى العدو سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس، وقيل: سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا وخفية وليس بالوجه; لأن لام السر راء وهذه ياء.

(إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة) في النهاية البهلة بضم الباء وتفتح اللعنة، والمباهلة الملاعنة وهي أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا لعنة الله على الظالم منا (قلت: وكيف أصنع؟) سأل عن كيفية المباهلة لعلمه بأنها عمل له كيفية مخصوصة.

(قال: أصلح نفسك ثلاثا) أي ثلاث أيام قبل المباهلة بالتوبة والاستغفار والدعاء والخضوع

ص:309

لله تعالى (وأظنه قال: وصم) أي في الأيام الثلاثة.

(واغتسل) عند الخروج والظاهر أنه عطف على أصلح لا على صم ليكون داخلا في المظنون وإن كان محتملا (وابرز أنت وهو إلى الجبان) الجبان والجبانة بفتح الجيم وشد الباء الصحراء ويسمى بهما المقابر لأنها يكون في الصحراء تسمية للشيء باسم موضعه. (فشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه) من يده اليمنى.

(ثم أنصفه) الإنصاف العدل وهو يقتضي تقديم نفسه كما قال (وابدأ بنفسك) في الدعاء عليها بالهلاك على تقدير انكارها للحق.

(فأنزل عليه حسبانا) وهو بالضم الصاعقة ويطلق أيضا على العذاب والبلايا (أو عذابا أليما) غيره وإنما لم يكتف به للدلالة على التعميم ورفع توهم التخصيص بنوع منه.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن مخلد أبي الشكر، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الساعة التي تباهل فيها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن إسماعيل، عن مخلد أبي الشكر، عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله.

* الشرح:

قوله: (الساعة التي تباهل فيها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) لأنه وقت استجابة الدعاء وينبغي طلب هذا الوقت للمباهلة إن أمكن وإلا فيجوز في غيره.

* الأصل:

3 - أحمد، عن بعض أصحابنا في المباهلة قال: تشبك أصابعك في أصابعه ثم تقول: «اللهم إن كان فلان جحد حقا وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك». وتلاعنه سبعين مرة.

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المباهلة قال: تشبك أصابعك في أصابعه ثم تقول: «أللهم إن كان فلان جحد حقا وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك». وتلاعنه سبعين مرة.

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن عبد الحميد، عن أبي جميلة، عن بعض أصحابه قال: إذا جحد الرجل الحق فإن أراد أن يلاعنه قال: «اللهم رب السماوات السبع

ص:310

ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم إن كان فلان جحد الحق وكفر به فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما».

* الشرح:

قوله: (وتلاعنه سبعين مرة) يعني إن لم يقع الاستجابة في المرة الاولى لاعنه مرة ثانية وهكذا واحتمال كون هذا العدد في مجلس واحد بعيد.

ص:311

باب ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله عز وجل ثلاث ساعات في الليل وثلاث ساعات في النهار يمجد فيهن نفسه، فأول ساعات النهار حين تكون الشمس هذا الجانب يعني المشرق مقدارها من العصر يعني من المغرب إلى الصلاة الاولى، وأول ساعات الليل في الثلث الباقي من الليل إلى أن ينفجر الصبح يقول: «إني أنا الله رب العالمين، إني أنا الله العلي العظيم إني أنا الله العزيز الحكيم، إني أنا الله الغفور الرحيم، إني أنا الله الرحمن الرحيم، إني أنا الله مالك يوم الدين، إني أنا الله لم أزل ولا أزال، إني أنا الله خالق الخير والشر، إني أنا الله خالق الجنة والنار، إني أنا الله بدئ كل شيء وإلي يعود، إني أنا الله الواحد الصمد، إني أنا الله عالم الغيب والشهادة، إني أنا الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، إني أنا الله الخالق البارىء المصور لي الأسماء الحسنى، إني أنا الله الكبير المتعال» قال: ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) من عنده: والكبرياء رداؤه فمن نازعه شيئا من ذلك أكبه الله في النار، ثم قال: ما من عبد مؤمن يدعوا بهن مقبلا قلبه إلى الله عز وجل إلا قضى حاجته، ولو كان شقيا رجوت أن يحول سعيدا.

* الشرح:

قوله: (حين تكون الشمس) أي حين يكون الشمس من جانب المشرق إلى الصلاة الأول وهي الظهر مقدارها حين يكون من جانب المغرب وقت العصر إلى الغروب وهو قريب من ثمن الدور ومثله في آخر الليل إلى طلوع الفجر فإنه قال: أول ساعات الليل في الثلث الباقي إلى أن ينفجر الصبح ولم يقل أولها من الثلث الباقي أو أول الثلث الباقي ولو قال ذلك لكان المقدار قريبا من سدس الدور وهو أكثر من ثلاث ساعات، وفيه دلالة على أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس داخل في النهار.

(يقول: إني أنا الله رب العالمين) الله أشهر أسمائه تعالى وأعلاها محلا في الذكر والدعاء ولذا ابتدأ به في القرآن المجيد وفي فقرات هذا التمجيد وهو اسم للذات الواجب بالذات المستحق

ص:312

لجميع المحامد والكمالات، والرب قيل: هو مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ كل شيء إلى كماله اللايق به شيئا فشيئا والوصف به للمبالغة كزيد عدل. وقيل صفة مشبهة من ربه يربه فهو رب ثم سمى به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه لينتقل من حد النقص إلى حد الكمال، والعالم هو كل ما سوى الله تعالى من المجردات والجسمانيات، وفيه دلالة على افتقار الممكن إلى المؤثر في البقاء; لأن التربية بالمعنى المذكور لا يكون إلا في حال البقاء بواسطة الإبقاء (إني أنا الله العلي العظيم) العلي المتنزه عن صفات الممكن وقد يكون بمعنى العالي فوق خلقه بالغلبة والقدرة عليهم وبمعنى المتعالي عن الأشباه والأنداد والعظيم ذو العظمة وهو راجع إلى كمال الذات والصفات كما مر.

(إني أنا الله العزيز الحكيم) العزيز الغالب الذي لا يغلب ولا يعادله شيء، والحكيم الذي يعلم الأشياء كما هي أو يحكم خلقها ويتقنها بلطف التدبير وحسن التقدير وقد مر. (إني أنا الله الغفور الرحيم) أي كثير المغفرة للسيئات، وعظيم التجاوز عن العقوبات، وشديد الرحمة بالتائبين، ومفيض الخير إلى النادمين.

(إني أنا الله الرحمن الرحيم) أي ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلق في الدنيا بإيصال الأرزاق وتيسير الأسباب ودفع البليات وقضاء الحاجات، وللمؤمنين في الآخرة بإعطاء جنات عالية وعيون جارية ونعم باقية وتفضلات زاكية.

(إني أنا الله مالك يوم الدين) الدين الجزاء أي مالك الامور كلها والمتصرف فيها يوم الجزاء إذ لا مالك فيه غيره. حذف المفعول به وأقيم الظرف مقامه وجعل مفعولا به على سبيل الإتساع والتجوز (إني أنا الله لم أزل ولا أزال) إذ لا بداية لوجوده ولا نهاية له فيكون أزليا وأبديا (إني أنا الله خالق الخير والشر) أي مقدرهما أو خالق النور والظلمة أو خالق الحياء والموت أو خالق الغنى والفقر والصحة وغيرها من الصفات المتضادة.

(إني أنا الله خالق الجنة والنار) الظاهر أن خالقا من حيث هو مضاف صفة لله لا خبر بعد خبر وحينئذ يجب أن يكون بمعنى الماضي ليكون الإضافة معنوية مفيدة للتعريف لا بمعنى الحال أو الاستقبال فيفهم منه أن الجنة والنار مخلوقتان، وهذا يجري في سائر الإضافات الواقعة في هذا التمجيد (إني أنا الله بدئ كل شيء وإلي يعود) البديء كبديع الأول كالبدء والله سبحانه أول كل شيء بالعلية والية عوده بعد الفناء وبالحاجة حال البقاء.

(إني أنا الله الواحد الصمد) المتفرد في الذات والصفات والمقصود للخلائق في الحوائج والمهمات (إني أنا الله عالم الغيب والشهادة) المراد بهما الآخرة والدنيا، أو ما غاب عن الحس

ص:313

وما حضر أو السر والعلانية أو عالم المجردات وعالم الجسمانيات.

(إني أنا الله الملك القدوس) أي المتصرف بالأمر والنهي في المخلوقات والمنزه عن العيب والنقص وصفات الممكنات.

(السلام المؤمن المهيمن) من أسمائه تعالى «السلام» وهو في الأصل مصدر ووصفه تعالى به للمبالغة ومعناه السلامة عما يلحق الخلق من العيب والفناء والحاجة والغنى، وقيل للجنة دار السلام; لأن أهلها سالمون من الآفات، أو لأنها داره عز وجل، ومن أسمائه تعالى «المؤمن» لأنه الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان بمعنى التصديق أو يؤمنهم في القيامة عذابه فهو من الأمان، والأمن ضد الخوف، ومن أسمائه «المهيمن» قيل: هو الرقيب الحافظ لكل شيء، وقيل هو الشاهد على الخلق، وقيل المؤتمن، وقيل القائم بامور الخلق وتدبيرهم، وقيل أصله المؤيمن أبدلت الهاء من الهمزة هو مفيعل من الأمانة.

(العزيز الجبار المتكبر) «العزيز» المنيع الذي لا يغلب أو لا يعادله شيء، أو لا مثل له ولا نظير، والجبار من أبنية المبالغة ومعناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي وغيرهما من الامور التي ليس لهم فيها اختيار ولا قدرة على تغييرها، وقيل: هو العالي فوق خلقه: وقيل: هو الذي يجبر مفاقر الخلق وكسرهم ويكفيهم أسباب الرزق ويصلح أحوالهم والمتكبر العظيم من الكبر بالكسر وهي العظمة وهي عبارة عن كمال الذات والصفات، وقيل: هو المتعالي عن صفات الخلق، وقيل: المتكبر على عتاة خلقه.

(إني أنا الخالق البارىء المصور لي الأسماء الحسنى) هي التي لا نقص فيها ولا في مفهومها قال الشيخ في المفتاح: قد يظن أن الثلاثة مترادفة لأنها بمعنى الإيجاد والإنشاء فذكرها للتأكيد وليس كذلك بل امور متخالفة. ألا ترى أن البنيان يحتاج إلى تقدير في الطول والعرض، وإلى ايجاد بوضع الأحجار والأخشاب على نهج خاص وإلى تزيين ونقش وتصوير فهذه امور ثلاثة مترتبة يصدر عنه جل شأنه في إيجاد الخلائق من كتم العدم فله سبحانه باعتبار كل منها اسم على ذلك الترتيب.

(إني أنا الله الكبير) في العدة الكبير السيد، يقال لكبير القوم سيدهم وفي النهاية الكبير العظيم فهو والمتكبر متقاربان ألا أن في المتكبر دلالة على الزيادة.

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن عبد الله بن بكير، عن عبد الله بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى يمجد نفسه في كل يوم وليلة ثلاث مرات فمن مجد الله بما مجد به نفسه ثم كان في حال شقوة حوله الله عز وجل إلى سعادة يقول: «أنت

ص:314

الله لا إله إلا أنت رب العالمين، أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم، أنت الله لا إله إلا أنت العزيز [العلي]، الكبير أنت الله لا إله إلا أنت مالك يوم الدين، أنت الله لا إله إلا أنت الغفور الرحيم، أنت الله لا إله إلا أنت العزيز الحكيم، أنت الله لا إله إلا أنت منك بدء الخلق وإليك يعود، أنت الله [الذي] لا إله إلا أنت لم تزل ولا تزال، أنت الله [الذي] لا إله إلا أنت خالق الخير والشر، أنت الله لا إله إلا أنت خالق الجنة والنار، أنت الله لا إله إلا أنت أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أنت الله لا إله إلا أنت (الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون، هو الله الخالق البارىء المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) - إلى آخر السورة - أنت الله لا إله إلا أنت الكبير، والكبرياء رداؤك».

:315

باب من قال لا إله إلا الله

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلا الله، إن الله عز وجل لا يعد له شيء ولا يشركه في الامور أحد.

* الشرح:

قوله: (ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلا الله عز وجل) لأنها كلمة الإخلاص والتوحيد وينفي به الشريك والأنداد ويوصفه بالصفات اللائقة به سبحانه ويحكم باحتياج كل موجود سواه إليه على أنها أصل لجميع العبادات لا اعتداد بها ولا يترتب الثواب عليها إلا بعد هذه الكلمة الشريفة، ومن طرق العامة عنه (صلى الله عليه وآله) «أفضل ما قلته وقاله النبيون من قبلي لا إله إلا الله» قال بعض العامة: قيل أنه اسم الله الأعظم وهي كلمة الإخلاص، ثم الظاهر أنه لا يشترط في داخل الإسلام النطق بلفظة أشهد أن لا إله إلا الله فلو قال الله واحد وقال لا شريك له كفى» وأما كون النطق بذلك شرطا في حصول الثواب المذكور فمحتمل (لا يعدله شيء) في كمال الذات والصفات (ولا يشركه في الامور) أي صفات الأحوال (أحد) من الموجودات.

* الأصل:

2 - عنه، عن الفضيل بن عبد الوهاب، عن إسحاق بن عبد الله، عن عبيد الله بن الوليد الوصافي، رفعه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من قال: لا إله إلا الله. غرست له شجرة في الجنة من ياقوتة حمراء، منبتها في مسك أبيض، أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج وأطيب ريحا من المسك، فيها أمثال ثدي الأبكار، تعلوا عن سبعين حلة.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خير العبادة قول: لا إله إلا الله.

وقال: خير العبادة الاستغفار وذلك قول الله عز وجل في كتابه: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك).

* الشرح:

قوله: (غرست له شجرة في الجنة من ياقوتة حمراء) من بيانية أو ابتدائية، وفي بعض

ص:316

الروايات «أن أرض الجنة بيضاء فأغرسوها بالتسبيح والتهليل والتحميد ونحوها».

(منبتها في مسك أبيض) وصف لأرض الجنة في طيبها وريحها (أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج وأطيب ريحا من المسك) أي ثمرتها أحلى - إلى آخره أو وصف للشجرة باعتبار ثمرتها (فيها أمثال ثدي الأبكار) أي في الشجرة أثمار مشبهة بثدي الأبكار في الهيئة والمقدار وكان المراد بها الرمان، والثدي بالفتح يذكر ويؤنث والتذكير أكثر وقيل: يؤنث والتذكير مجاز.

وقوله: (تعلو من سبعين حلة) من حلل الجنة ترشيح ووصف للثدي بالنور والضياء وللحلة بالرقة والصفاء للترغيب والتنشيط، والجملة حال عن الثدي.

(وقال خير العبادة قول: لا إله إلا الله - والاستغفار) يحتمل أن يكون المراد أن مجموع التوحيد والاستغفار من حيث المجموع خير العبادة لكن فيه شيء لأنك قد عرفت أن التوحيد وحده خير العبادة فما الفائدة في ضم الاستغفار معه والحكم على المجموع بالخيرية، ويمكن الجواب بأن الخيرية تقبل التشكيك فهذا الفرد منها أكمل من السابق، ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد منهما خير العبادة أما الأول فلما عرفت مما ذكرنا وأما الثاني فلأن الاستغفار في نفسه عبادة لكونه غاية الخشوع والتذلل والرجعة إليه سبحانه ومع ذلك سبب لمحو الذنوب الصغيرة والكبيرة جميعا الذي يوجب طهارة النفس وحصول القرب إليه سبحانه; لأن المعصية مانعة منه وأما غيره من العبادات وإن كان مكفرا للذنوب لكن ليس بهذه المثابة.

ص:317

باب من قال لا إله إلا الله والله أكبر

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، رفعه، عن حريز، عن يعقوب القمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثمن الجنة لا إله إلا الله والله أكبر.

* الشرح:

قوله: (ثمن الجنة لا إله إلا الله والله أكبر) أي أكبر من كل شيء أو أكبر من أن يوصف والبايع هو الله سبحانه، والمشتري هو العبد، والثمن هو هذه الكلمة الشريفة مع شرائطها ومن شرائطها الإقرار بالرسالة والولاية لأهلهما.

باب من قال لا إله إلا الله وحده وحده وحده

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال جبرئيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): طوبى لمن قال من امتك: «لا إله إلا الله وحده وحده وحده».

* الشرح:

قوله: (طوبى لمن قال - إلى آخره) طوبى اسم شجرة في الجنة وهي الطيب قلبت الياء واوا لضمة قبلها ويقال طوباك وطوبى لك والمقصودان الجنة لمن قال ذلك تسمية للمحل باسم الحال أو طيب العيش له وتكرير وحده للمبالغة والتأكيد أي منفردا في الذات والصفات لا نظير له ولا مثل وكان لم يزل ولم يكن معه شيء، وفي النهاية هو منصوب عند أهل البصرة على الحال أو المصدر، وعند أهل الكوفة على الظرف كأنك قلت أوحدته برؤيتي ايحادا أي لم أر غيره.

ص:318

باب من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له - عشرا -

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عمرو بن عثمان، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن عبد الله بن المغيرة، عن ابن مسكان، عن أبي بصير ليث المرادي، عن عبد الكريم بن عتبة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: من قال عشر مرات قبل أن تطلع الشمس وقبل غروبها: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير» كانت كفارة لذنوبه ذلك اليوم.

* الشرح:

قوله: (من قال عشر مرات قبل أن تطلع الشمس وقبل غروبها) من طريق العامة «عنه (صلى الله عليه وآله) قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل» قال الآبي: فيه دلالة على أن العرب تسترق.

واعلم أنه إذا رتب الثواب على عدد معين فالظاهر أنه لا يترتب على أقل وأكثر وبه صرح ابن طاووس (قدس سره) وغيره وقد مثل له بأنه إذا قال لك صادق القول عد من هذا المقام عشرة أذرع فأين انتهى كان فيه كنز فلا شبهة في أنه لا يمكن تحصيله في تسعة أو في أحد عشر ثم قيل إن الأولى تمام العدد من غير فصل بكلام أجنبي فلو فصله كان الأولى اعادته ومع ذلك لابد من توجه النفس إليه وربط القلب به; لأن التوجه روح العبادة.

(كانت كفارة لذنوبه ذلك اليوم) يحتمل أن يراد باليوم اليوم مع ليلته فيكون ما قاله قبل طلوع الشمس كفارة لذنوب الليل وما قاله قبل غروبها كفارة لذنوب اليوم، ولو خص اليوم لبقي ذنوب الليل بلا كفارة، ثم الظاهر من الذنوب جميعها صغيرة كانتا وكبيرة ولا يبعد تخصيصها بالصغيرة لأن الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة أو فضل الله تعالى ويؤيد هذا التخصيص قوله في الخبر الآتي: «ولم تحط به كبيرة من الذنوب».

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عمن ذكره، عن عمر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من صلى الغداة فقال قبل أن ينقض ركبتيه عشر مرات: «لا

ص:319

إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت ويميت ويحيي [وهو حي لا يموت] بيده الخير وهو على كل شيء قدير» وفي المغرب مثلها، لم يلق الله عز وجل عبد بعمل أفضل من عمله إلا من جاء بمثل عمله.

* الشرح:

قوله: (لم يلق الله عز وجل عبد بعمل أفضل من عمله إلا من جاء بمثل عمله) فيه إشكال; لأن ظاهر الاستثناء يفيد أن عمل من جاء بمثل عمله أفضل من عمله والمثلية يقتضي المساواة وبينهما منافاة اللهم إلا أن يراد بالأفضل الفضل ويتعلق القصد بنفي المساواة كما يقال ليس في البلد أفضل من زيد ويراد نفي المساواة وأن زيدا أفضل ممن عده فيكون المقصود لم يلق الله عز وجل عبد يعمل عملا مساويا لعمله في الفضيلة والكمال إلا من جاء بمثل عمله.

ص:320

باب من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعيد، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قال: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» كتب الله له ألف ألف حسنة.

* الشرح:

قوله: (كتب الله له ألف ألف حسنة) أي كتب الملك إلا أنه نسب الفعل إلى الأمر.

باب من قال عشر مرات في كل يوم: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد العزيز العبدي، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال في كل يوم عشر مرات: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا أحدا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا». كتب الله له خمسة وأربعين ألف حسنة ومحا عنه خمسة وأربعين ألف سيئة ورفع له خمسة وأربعين ألف درجة.

وفي رواية اخرى وكن له حرزا في يومه من السلطان والشيطان ولم تحط به كبيرة من الذنوب .

* الشرح:

قوله: (إلها واحدا أحدا) الواحد الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر والأحد الفرد الذي لا يتجزى ولا يقبل الانقسام فالواحد هو المتفرد بالذات في عدم المثل والأحد هو المتفرد بالمعنى، قوله: (كتب الله له خمسة وأربعين ألف حسنة ومحا عنه خمسة وأربعين ألف سيئة ورفع له خمسة وأربعين ألف درجة) جزاء الشرط وهو قوله من قال والظاهر أن ذلك القول سبب

ص:321

لهذه الامور الثلاثة كما يدل عليه الشرطية فعلى هذا إن لم يكن له سيئة لا يبعد القول بأنه يعوض عن محو السيئة حسنة ولم أر بذلك تصريحا من الأصحاب وجزم بذلك الخطابي من علماء العامة ولعل المراد بالسيئة الصغيرة لا الأعم منها ومن الكبيرة وإن جاز العفو عن الكبيرة أيضا عن غير توبة للرواية الآتية، وقال بعض العامة محو الكبائر مشروط بالتوبة (وفي رواية اخرى وكن له حرزا في يومه من السلطان والشيطان) يعني أنه تعالى يحفظه في يومه ذلك فلا يقع منه زلة ولا وسوسة وقد يقال هذا مشروط بالقبول فمن قاله وصدرت منه زلة أو وقع منه ظلم فهو دليل على أنه تعالى لم يقبله منه.

ص:322

باب من قال يا الله يا الله - عشر مرات -

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن أيوب بن الحر أخي اديم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال: يا الله يا الله - عشر مرات - قيل له: لبيك ما حاجتك.

* الشرح:

قوله: (من قال: يا الله يا الله عشر مرات قيل له: لبيك ما حاجتك) إن كان القائل هو الله سبحانه فقوله «ما حاجتك» للإستنطاق وإن كان غيره من الملائكة يحتمل أن يكون الاستفهام على حقيقته وأن يكون للإستنطاق أيضا.

ص:323

باب من قال لا إله إلا الله حقا حقا

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن عيسى الأرميني، عن أبي عمران الخراط، عن الأوزاعي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال في كل يوم: «لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله عبودية ورقا، لا إله إلا الله إيمانا وصدقا». أقبل الله عليه بوجهه ولم يصرف وجهه عنه حتى يدخل الجنة.

* الشرح:

قوله: (من قال في كل يوم لا إله إلا الله حقا حقا) أي حق حقا فهو مفعول مطلق منصوب بفعل مقدر لتأكيد مضمون جملة والتكرير للمبالغة في التأكيد.

(لا إله إلا الله عبودية ورقا) وفي القاموس العبودية والعبادة الطاعة، وفي الكنز الرق الملك والعبد أي أثبت له الألوهية ونفيتها عن غيره لأجل أني عبد مطيع له وهو أهل للعبادة والطاعة والإذعان والانقياد دون غيره.

(لا إله إلا الله إيمانا وصدقا) أي آمنت به إيمانا وصدقت فيه صدقا والجمع بينهما للإشعار بالتوافق بين اللسان والقلب، ويمكن تفسير بمثل السابق والله يعلم.

(أقبل الله عليه بوجهه ولم يصرف عنه وجهه حتى يدخل الجنة) أي أفاض عليه الرحمة والبركات ويسدده في جميع حالاته ولم يكله إلى نفسه ولم يصرف عنه شيئا من ذلك حتى يدخل الجنة والحاصل ان هذا القائل محفوظ بحفظ الله معصوم بعصمة الله حتى يدخل الجنة ولا حاجة فيه إلى التأويل.

ص:324

باب من قال يا رب يا رب

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، محمد بن عيسى، عن أيوب بن الحر أخي اديم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال عشر مرات: «يا رب يا رب» قيل له: لبيك ما حاجتك.

* الشرح:

قوله: (من قال عشر مرات يا رب يا رب) في ذكر الرب استعطاف لما فيه من الدلالة على تربيه كل شيء وتكميله وحفظه واخراجه من حد النقص إلى الكمال، وهو مجرب في قضاء الحاجات ودفع البليات ولذلك توسل الأنبياء في دفع النوازل والبلايا كما نطق به القرآن الكريم.

2 - أحمد بن محمد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران قال: مرض إسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): قل: يا رب يا رب - عشر مرات - فإن من قال ذلك نودي لبيك ما حاجتك.

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن عيسى، عن معاوية، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال: «يا رب يا الله يا رب يا الله» حتى ينقطع نفسه قيل له: لبيك ما حاجتك.

باب من قال لا إله إلا الله مخلصا

* الأصل:

1 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، جميعا ، عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي الحسن السواق، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا أبان إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث: من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة، قال: قلت له: إنه يأتيني من كل صنف من الأصناف أفأروي لهم هذا الحديث؟ قال: نعم يا أبان إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين فتسلب لا إله إلا الله منهم إلا من كان على هذا

ص:325

الأمر.

* الشرح:

قوله: (من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة) قيل لما دلت ظاهر الآيات والروايات على نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة واقتضى هذا الحديث أمنهم تعين فيه التأويل صونا لظاهر الشرع عن التناقض فتأوله بعضهم أن ذلك كان قبل نزول الفرائض وأما بعده فالعاصي بالمشيئة.

أقول: هذا التأويل وإن كان مستبعدا من جهة قوله «إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث»; لأن الغرض منه الترغيب في هذه الكلمة الشريفة ولا شبهة في أنهم نشأوا بعد نزول الفرائض، ومن جهة عموم من شهد لكنه قد مر في باب بعد باب أن الإيمان قبل الإسلام ما يؤيده حيث قال الباقر (عليه السلام) في حديث طويل «ثم بعث الله عز وجل محمدا (صلى الله عليه وآله) وهو بمكة عشر سنين فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا أدخله الله الجنة باقراره وهو إيمان التصديق ولم يعذب الله أحدا ممن مات وهو متبع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على ذلك إلا من أشرك بالرحمن» وأوله بعضهم بحمله على من مات ولم يعص.

أقول: ويؤيده أن لهذا الحكم أعنى ترتب وجوب دخول الجنة على الشهادة بالتوحيد شروط أشار (عليه السلام) إلى بعضها بقوله إلا من كان على هذا الأمر» وبعضها الشهادة على الرسالة وهو غير مذكورة، فيحتمل أن يكون عدم العصيان أيضا من الشروط وأوله البخاري بمن مات وهو ثابت يريد أن من كان آخر كلامه هذه الكلمة الشريفة وجبت له الجنة لأنها مكفرة للذنوب الذي صدرت قبلها. وأقول لا يحتاج الحديث إلى التأويل; لأن المؤمن العاصي إن غفر له ابتداء يلتحق بغير العاصي فيدخل الجنة مثله وإن نفذ فيه الوعيد يدخل النار على ما شاء الله ثم لابد من دخول الجنة فوجوب دخول الجنة على ظاهره إذ لابد للقائل بالشهادتين من دخولها إما ابتداء أو بعد الجزاء وفي قوله (عليه السلام) «من شهد» إشارة إلى أن مجرد القول من غير القصد والاعتقاد لا يكفي في ترتب الجزاء; لأن الشهادة لا تكون إلا من صميم القلب، والظاهر أن قوله مخلصا حال مؤكدة من فاعل شهد; لأن المراد بالإخلاص هنا أن لا يعتقد له شريكا لا أن لا يقصد بذلك ثوابا; لأن المقصود من الحديث هو التحريص بذلك القول لأجل هذا الثواب كما لا يخفى.

ص:326

باب من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن هشام ابن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا دعا الرجل فقال بعد ما دعا: «ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله».

قال الله عز وجل: استبسل عبدي واستسلم لأمري اقضوا حاجته.

* الشرح:

قوله: (فقال بعد ما دعا ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله) أي ما شاء الله كان أو أشاء ما شاء.

قيل الحول هنا الحركة يعني لا حركة ولا قوة إلا بمشيئة الله، وقيل الحيلة وقيل القدرة أي لا قدرة على شيء ولا قوة إلا بمعونة الله وتوفيقه، وقيل التحول والانتقال يعني لا تحول لنا عن المعاصي ولا قوة لنا على الطاعات إلا بعون الله وتوفيقه، وهذا المعنى رواه المصنف في كتاب التوحيد عن الباقر (عليه السلام) ومثله مروي عن الصادق (عليه السلام) فهو أولى بالإرادة، وسئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى هذه الكلمة: فقال إنا لا نملك مع الله شيئا ولا نملك إلا ما ملكنا فمتى ملكنا ما هو أملك به منا كلفنا ومتى أخذه منا وضع تكليفه عنا، ونقل بعض الأفاضل عن بعض المحققين من أهل اللغة أنه قال الحال لما يختص به الإنسان من الامور المعتبرة في نفسه وجسمه ونياته والحول ما له القوة في أحد هذه الاصول الثلاثة، ومنه قيل لا حول ولا قوة إلا بالله، أقول: المعنى الذي ذكره (عليه السلام) ما يدركه من هذه العمارة فرسان ميدان الفصاحة والبلاغة وهو زائد على منطوقه اللغوي وفي هذه الكلمة الشريفة تسليم للقضاء والقدر وإظهار للفقر إلى الله تعالى بطلب المعونة منه في جميع الامور وابراز لعجز البشر بسلب القدرة والحركة في الطاعات والخيرات عنهم واثباتهما للملك العلام وتوقيرا وتعظيما له ودلالة على التوحيد الخفي لأنه إذا نفي الحيلة والحركة والقوة والاستطاعة عن غيره سبحانه وأثبتها له على الحصر الحقيقي وبينه أنها بإيجاده واستعانته وتوفيقه لزمه القول بأنه لم يخرج شيء من ملكه وملكوته وأنه لا شريك له تحقيقا لمعنى الحصر، وفي طرق العامة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعبد الله بن قيس: «يا عبد الله بن قيس ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: لا حول ولا قوة إلا بالله» قال المازري: وفي ضبط هذه الكلمة خمس لغات: فتح الكلمتين بلا تنوين ورفعهما منونتين وفتح الاولى ونصب الثانية ورفعها منونة،

ص:327

والخامس عكس الرابع، قال المطرزي: والأفعال التي أخذت من أسمائها سبعة: بسمل إذا قال بسم الله، وسبحل إذ قال سبحان الله، وحمدل إذا قال الحمد الله، وهلل إذا قال لا إله إلا الله، وحوقل إذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله، وحيعل إذا قال حي على الفلاح، وجعفل إذا قال صعلت فداك ويجري على قياس صيعل حيصل إذا قال: حي على الصلاة وزاد الثعلبي طبلق إذا قال أطال الله بقاك، ودمعز إذا قال أدام الله عزك، ورد ذلك بأن قياس حيصل على حيعل غير صحيح; لأن حيعل تعمهما لأنهما من حي على ولو كان كما قال لقيل حيفل بالفاء في حي على الفلاح ولم يقولوه وهذا الباب مسموع ولو كان على القياس لقيل جعلف في جعلت فداك وطلبق في أطال الله بقاك; لأن اللام قبل الفاء والقاف، وقال المازري: الحوقلة بتقديم القاف هو الذي حكاه الأزهري وذكره الهروي بتقديم اللام والأول هو المشهور فالحاء من الحول والقاف من القوة واللام من اسم الله وعلى الثاني فالحاء واللام من الحول والأول أولى لئلا يفصل بين الحروف. (استبسل عبدي) أي وكل امره إلي أو وطن نفسه علي. يقال ابسله واستبسله لعمله وبه إذا وكله إليه ونفسه له إذا وطنها عليه.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابه، عن جميل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: من قال: «ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله» - سبعين مرة - صرف عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء أيسر ذلك الخنق، قلت: جعلت فداك وما الخنق؟ قال: لا يعتل بالحبون فيخنق.

* الشرح:

قوله: (من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله سبعين مرة) أي في مجلس واحدا وفي يوم بليلته على احتمال (صرف عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء) وإن قضيت عليه وابرمت ولكن لم تبلغ مرتبة الإمضاء (أيسر ذلك الخنق) الخنق بالخاء المعجمة والخناق كغراب داء في الحلق يأخذ النفس ويمنعه من الخروج والدخول إلى الرية والقلب ومنشأوه غلبة الدم أو السوداء (قلت:

جعلت فداك وما الخنق؟) الواو في الحكاية دون المحكي وعطف الإنشاء على الاخبار إذا كان له محل من الإعراب جائز.

(قال: لا يعتل بالحبون فيخنق) لا يعتل في بعض النسخ بالفاء يقال فتله يفتله لواه كفتله فهو فتيل ومفتول والأنسب لا يعتل بالعين من الإعتدال، والحبون بالحاء المهملة المضمومة والباء الموحدة جمع الحبن بالكسر كالحمول جمع حمل وهو خراج كالدمل وما يعترى في الجسد

ص:328

فيقيح ويرم الحبن محركة داء في البطن يعظم منه ويرم كذا في القاموس. واعلم أن هذا القول يفسر ما اشتمل عليه الكلام السابق وهو صرف عنه الخنق ويفهم منه الجواب عن السؤال المذكور وهو أن الخنق هو الحبن.

باب من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الصمد، عن الحسين بن حماد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قال في دبر صلاة الفريضة قبل أن يثني رجليه: «أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ذو الجلال والإكرام وأتوب إله» - ثلاث مرات - غفر الله عز وجل له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

* الشرح:

قوله: (استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم) في العدة الفهدية «الحي الفعال المدرك وهو حي في نفسه لا يجوز عليه الموت والفناء وليس بمحتاج إلى حياة بها يحيى، والقيوم القائم بلا زوال ويقال هو القيوم على كل شيء بالرعاية من قمت بالشيء إذا توليته بنفسك وتوليت حفظه واصلاحه تدبيره». وفي كتاب إكمال الإكمال «القيوم فيعول من القيام للمبالغة ومنه قوله تعالى: (أفمن هو قائم على كل نفس) قيل: قال ابن عباس: القيوم الذي لا يزول ويرجع إلى البقاء، وقال غيره القائم: بكل شيء أي الذي يدبر أمر الخلائق ويرجع إلى الحفظ، والمعنيان يتوجهان في الآية والحديث.

(ذو الجلال والإكرام) وصف له بعظمة الذات وكمال الصفات والإكرام إلى جميع الممكنات.

ص:329

باب القول عند الإصباح والإمساء

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عن غالب بن عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى: (وظلالهم بالغدو والآصال) قال: هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة.

* الشرح:

قوله: ((وظلالهم بالغدو والآصال)) الظلال جمع ظل وهو هنا الشخص والآصال جمع أصيل وهو ما بين الغروب والعصر أي يسجد وينقاد لله تعالى أشخاصهم في هذين الوقتين، وفسره (عليه السلام) بالدعاء فيما، وقال بعض المفسرين الظل الفييء، والمراد انقياد أفيائهم فيهما بالمد والتقليص وضمير هي في قوله: (وهي ساعة إجابة) راجع إلى القبل والتأنيث باعتبار الخبر.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن إبليس عليه لعائن الله يبث جنود الليل من حيث تغيب الشمس وتطلع فأكثروا ذكر الله عز وجل في هاتين الساعتين وتعوذوا بالله من شر إبليس وجنوده وعوذوا صغاركم في تلك الساعتين فإنهما ساعتا غفلة.

* الشرح:

قوله: (إن إبليس عليه لعائن الله) لعائن بالفتح جمع لعان بالكسر كشمائل جمع شمال وفي القاموس لعنة كمنعه طرده وأبعده فهو لعين وملعون والاسم اللعان.

(يبث جنود الليل) كان فيه حذفا وهو وجنود النهار بقرينة السياق.

(من حيث تغيب الشمس وتطلع) حيث للمكان كحين للزمان ويثلث آخره، وفي بعض النسخ حين بدل حيث، (فإنهما ساعتا غفلة) وفيهما أول جبلات الشياطين وصدماتهم والغفلة محركة اسم من غفل عنه غفولا إذا تركه وسها عنه.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن

ص:330

ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن رزين صاحب الأنماط، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: من قال: « أللهم إني اشهدك واشهد ملائكتك المقربين وحملة عرشك المصطفين أنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم وأن محمدا عبدك ورسولك وأن فلان بن فلان إمامي ووليي وأن أباه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليا والحسن والحسين وفلانا وفلانا - حتى ينتهي إليه - أئمتي وأوليائي على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه ابعث يوم القيامة، وأبرأ من فلان وفلان وفلان. فإن مات في ليلته دخل الجنة.

* الشرح:

قوله: (وإن فلان بن فلان إمامي ووليي) الظاهر أنه كناية عن الصاحب المنتظر والضمير في قوله (حتى ينتهي إليه) راجع إليه وكان ذكره أولا باعتبار أنه أعظم مقصد للمؤمنين إذ هو شفاء لغيظ صدورهم بالغلبة على أعدائهم الكافرين وذكره أخيرا باعتبار مرتبة وجوده وللمبالغة في التوسل به (عليه السلام) والله أعلم.

قوله: (على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث) هذا القول اما بالنظر إلى رسوخ اعتقاده والاعتماد عليه أو للطلب من الله تعالى أن يجعله كذلك (وأبرأ من فلان وفلان وفلان) ويسميهم بأسمائهم ولا ينفع التولي بدون البراءة منهم كما دل عليه بعض الاخبار.

(فإن مات في ليلة دخل الجنة) ظاهره أنه يدخلها بلا عقوبة وقد يقال أن المذكور أصل الإيمان وهو بدون الاعمال لا يوجب الدخول في الجنة ابتداء لأن العاصي في المشيئة فلا بد من حمل الدخول على الدخول في الجنة وأن كان بعد الجزاء وقد ذكرناه سابقا.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحجال، وبكر بن محمد، عن أبي إسحاق الشعيري، عن يزيد بن كلثمة، عن أبي عبد الله أو عن أبي جعفر (عليهم السلام) قال: تقول إذا أصبحت: « أصبحت بالله مؤمنا على دين محمد وسنته ودين علي وسنته ودين الأوصياء وسنتهم وآمنت بسرهم وعلانيتهم وشاهدهم وغائبهم وأعوذ بالله مما استعاذ منه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي والأوصياء وأرغب إلى الله فيما رغبوا إليه ولا حول ولا قوة إلا الله».

* الشرح:

قوله: (آمنت بسرهم وعلانيتهم) لعل المراد بالسر الاعتقاديات وبالعلانية الأقوال أو العمليات أو الأعم منهما ومن الأمور الشرعية المختصة بهم والمشتركة بينهم وبين المنكرين لهم

ص:331

(وشاهدهم وغائبهم) الشاهد الموجود والغائب الماضي إلى جوار الله تعالى.

* الأصل:

5 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن علي بن الحسين صلوات الله عليهما كان إذا أصبح قال: «أبتدىء يومي هذا بين يدي نسياني وعجلتي بسم الله وما شاء الله» فإذا فعل ذلك العبد أجزأه مما نسي في يومه.

* الشرح:

قوله: (أبتدىء يومي هذا بين يدي نسياني وعجلتي بسم الله وما شاء الله) بدأ به كمنع ابتداء وبدأ الشيء وأبداه وأبتداه فعله ابتداء والعجلة والعجل محركتين السرعة يعني ابتدىء وأقدم بين يدي نسياني عن الخيرات وسرعتي فيها هاتين الكلمتين الشريفتين وفي الأولى توسل بالذات الواجب وجوده لذاته المستجمع لجميع كمالاته وصفاته، وفي الثانية تفويض للأمر إليه واذعان بأنه لا يقع في ملكه شيء إلا أن مشيئته في فعل العباد غير حتمية وتعلقها بالطاعة بالذات وبالمعصية بالعرض لأنه أراد انطباق علمه بالمعلوم وهي تستلزم إرادة المعلوم بالعرض فمشيئته المتعلقة بالطاعة بالذات من وجه وبالعرض من وجه آخر. ومشيئة المتعلقة بالمعصية بالعرض فقط ومنه يظهر سر ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وقد أشار إليه أهل العصمة عليهم السلام وأوضحناه في الشرح التوحيد.

(فإذا فعل ذلك أجزأه مما نسي في يومه) وكفاه وقام مقام المنسى وفي النهاية أجزأني الشيء أي كفاني فضمير المفعول راجع إلى العبد وضمير الفاعل المستتر إلى فعل ذلك.

* الأصل:

6 - عنه، عن أحمد بن محمد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عمر ابن شهاب وسليم الفراء، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال هذا حين يمسي حف بجناح من أجنحة جبرئيل (عليه السلام) حتى يصبح: «أستودع الله العلي الأعلى الجليل العظيم نفسي ومن يعنيني أمره، أستودع الله نفسي المرهوب المخوف المتضعضع لعظمته كل شيء» - ثلاث مرات -.

* الشرح:

قوله: (أستودع الله العلي الأعلى) العلي المنزه عن صفات المخلوقين والأعلى الغالب كقوله

ص:332

تعالى: (لا تخف أنك أنت الأعلى) (الجليل العظيم) الجلال هو العظمة وهو منصرف إلى جلال القدرة والعظيم هو ذو العظمة وهو منصرف إلى عظم الشأن وجلالة القدر.

(نفسي ومن يعنيني أمره) يعنيني بالنونين بينهما ياء مثناة تحتانية ومعناه يقصدني، ويهمني ويشغلني من عناه فلان إذا قصده وأهمه وشغله.

(استودع الله نفسي المرهوب المخوف المتضعضع لعظمته كل شيء) المرهوب وما بعده صفة لله والفصل لا يضر، والفرق بينه وبين المخوف أن الرهبة بملاحظة عظمة الله من حيث هي والخوف بملاحظتها مع ملاحظة التقصير والتضعضع الخضوع والذل والافتقار والجار متعلق بالثلاثة من باب التنازع.

7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وأبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحجال، عن علي بن عقبة، وغالب بن عثمان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أمسيت قل: «اللهم إني أسألك عند إقبال ليلك وإدبار نهارك وحضور صلواتك وأصوات دعائك أن تصلي على محمد وآل محمد» وإدع بما أحببت.

* الأصل:

8 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من يوم يأتي على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم: يا ابن آدم أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد، فقل في خيرا واعمل في خيرا أشهد لك به يوم القيامة فإنك لن تراني بعدها أبدا.

قال: وكان علي (عليه السلام) إذا أمسى يقول مرحبا بالليل الجديد والكاتب الشهيد اكتبا على اسم الله، ثم يذكر الله عز وجل.

* الشرح:

قوله: (قال له ذلك اليوم: يا ابن آدم أنا يوم جديد) ذلك القول أما بلسان الحال أو المقال وينبغي للمؤمن أن يسمعه بأذن القلب ويعمل بمقتضاه.

* الأصل:

9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن عبد الله بن بكير، عن شهاب بن عبد ربه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا تغيرت الشمس فاذكر الله عز وجل وإن كنت مع قوم يشغلونك فقم وادع.

* الشرح:

ص:333

قوله: (إذا تغيرت الشمس) باصفرارها وقت العصر قريبا من الغروب.

* الأصل:

10 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاث تناسخها الأنبياء من آدم (عليه السلام) حتى وصلن إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا أصبح يقول: «أللهم إني أسألك إيمانا تباشر به قلبي ويقينا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي ورضني بما قسمت لي».

ورواه بعض أصحابنا، وزاد فيه «حتى لا احب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا وصلى الله على محمد وآله».

* الشرح:

قوله: (ثلاث تناسخها الأنبياء) نسخ الكتاب كمنع كتبه عن معارضه كانتسخه واستنسخه وتناسخوه نسخ بعض عن بعض وتناوله على سبيل الإرث والمنقول منه النسخة بالضم.

(اللهم إني أسئلك) بالنصرة والتوفيق والهداية الخاصة (ايمانا تباشر به قلبي) وهو الإيمان المستقر فيه وإنما طلبه لأن الإيمان المستودع قد يزول بأدنى تدليسات الشيطان ويطير بأدنى نفخاته (ويقينا) هو العلم بالحق مع العلم بأنه لا يكون غيره فهو مركب من عملين كما صرح به المحقق الطوسي في أوصاف الاشراف.

(حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي) أي ما قضى أو قدر أو خط لي في اللوح المحفوظ من المصائب والنوائب والخيرات الدنيوية والأخروية وان كان للعبد مدخل في بعضها وفيه إقرار بالقضاء والقدر وتفويض للأمور إليه عز وجل.

(ورضني بما قسمت لي) الرضى بالقسمة شكر للنعمة وسبب لحفظ العتيد وجلب المزيد وطمأنينة النفس وكل ذلك سبب لتمام الدين ونظام الدنيا.

(حتى لا أحب تعجيل ما أخرت) من متاع الدنيا وزهراتها (ولا تأخير ما عجلت) من نوائب الأزمنة ومصيباتها (يا حي يا قيوم برحمتك استغيث) تعليق الاستغائة على هذا الصفات استعطاف وفي حذف المستغاث له دلالة على التعميم ويمكن تخصيصه بالشدائد الحاضرة وتخصيص قوله (أصلح لي شأني) كله بالتقصيرات الماضية والشأن الخطب والامر والحال وتخصيص قوله (ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا) بالاحوالات الماضية.

ص:334

* الأصل:

11 - و [روي] عن أبي عبد الله (عليه السلام): «الحمد لله الذي أصبحنا والملك له وأصبحت عبدك وابن عبدك وابن أمتك في قبضتك، أللهم ارزقني من فضلك رزقا من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب واحفظني من حيث أحتفظ ومن حيث لا أحتفظ أللهم ارزقني من فضلك ولا تجعل لي حاجة إلى أحد من خلقك، أللهم ألبسني العافية وارزقني عليها الشكر يا واحد يا أحد يا صمد يا الله الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، يا الله يا رحمن يا رحيم يا مالك الملك ورب الأرباب وسيد السادات ويا الله [يا] لا إله إلا أنت اشفني بشفائك من كل داء وسقم فإني عبدك وابن عبدك أتقلب في قبضتك».

* الشرح:

قوله: (الحمد لله الذي أصبحنا والملك له) الاصباح الدخول في الصبح والواو للحال والملك بالضم معروف والمراد به هنا ما سواه تعالى وقد يطلق على السلطان والعظمة والمحمود عليه هو الاصباح المقيد أو هو القيد والأول نعمة لنا والثاني كون الملك له تعالى صفة له وكل واحدة منهما يستحق الحمد عليها.

(وأصبحت عبدك وابن عبدك وابن أمتك في قبضتك) الظاهر أن الجملة حال عن فاعل أصبحت وانما عدل عن التكلم إلى الغيبة لما في لفظ العبد من التواضع والتذلل والاستعطاف ما ليس في أنا. والقبضة وضمه أكثر ما قبضت عليه من شيء وجمعته في كفك وهي كناية عن تسلطه تعالى على العبد واحاطته بأموره وقدرته على التصرف فيه كيف يشاء بلا مانع ولا دافع (من كل داء وسقم) يمكن حمل الداء على المرض النفساني والسقم على المرض الجسماني.

* الأصل:

12 - عنه، عن محمد بن علي، رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يقول: «أللهم إني وهذا النهار خلقان من خلقك، أللهم لا تبتلني به ولا تبتله بي، أللهم ولا تره مني جرأة على معاصيك ولا ركوبا لمحارمك، أللهم اصرف عني الأزل واللأواء والبلوى وسوء القضاء وشماتة الأعداء ومنظر السوء في نفسي ومالي».

قال: وما من عبد يقول حين يمسي ويصبح: «رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد (صلى الله عليه وآله) نبيا وبالقرآن بلاغا وبعلي إماما» - ثلاثا - إلا كان حقا على الله العزيز الجبار أن يرضيه يوم القيامة.

ص:335

قال: وكان يقول (عليه السلام) إذا أمسى: «أصبحنا لله شاكرين وأمسينا لله حامدين فلك الحمد كما أمسينا لك مسلمين سالمين».

قال: وإذا أصبح قال: «أمسينا لله شاكرين وأصبحنا لله حامدين والحمد لله كما أصبحنا لك مسلمين سالمين».

* الشرح:

قوله: (اللهم لا تبتلني به ولا تبتله بي) كأنه طلب ان لا يصدر منه المعاصي فيه ولا ينزل فيه المصائب إليه كما يشعر ما بعده وبالجملة طلب حسن المعاشرة وعدم كون كل منهما بلية للاخر (اللهم اصرف عنى الأزل واللاواء والبلوى) الأزل بالفتح الضيق والشدة والجدب وبالكسر الكذب والداهية واللأواء واللاي كسعى الابطاء والاحتباس والشدة والبلوى اسم لما يبتلى ويختبر به من المحنة والبلية والغم من بلوته وابتليته واختبرته.

(وسوء القضاء) السوء بالضم اسم من ساءه سوءا إذا فعل به ما يكره والمراد به الآفات والبليات وغيرها مما تعلقت به القضاء ومتعلق القضاء قد يدفع بالدعاء كما مر.

(وشماتة الأعداء) وهي الفرح والسرور بذل الغير وهوانه وبليته.

(ومنظر السوء في نفسي ومالي) الظاهر أن المنظر ما نظرت إليه وان اضافته بيانية وسوء النفس شامل للعيوب النفسانية والجسمانية والعاهات البدنية وسوء المال شامل للحرام والحقوق المالية، ويحتمل أن يكون مصدرا ميميا بمعنى النظر.

(وبالقرآن بلاغا) البلاغ بالفتح الكفاية والاسم من الابلاغ والتبليغ وهما الإيصال وقد يقوم مقامهما ويفيد مفادهما (وكان يقول (عليه السلام) إذا أمسى) أي دخل وقت المساء.

(أصبحنا لله شاكرين وأمسينا لله حامدين) أصبح وأمسى هنا أما لاقتران مضمون الجملة بهذين الوقتين أو بمعنى صار لإفادة الانتقال من حال إلى حال مجردا عن ملاحظة الوقت أو تامة ولله على الأولين متعلق بما بعده وتقديمه لقصد الحصر أو الاهتمام وعلى الأخير حال كما بعده أو متعلق به والتقديم لما ذكر وإنما قدم الشكر على الحمد لأن العرفي منه أعظم من الحمد واللغوي أهم لكونه في مقابل النعمة وأعم باعتبار صدوره من كل واحد من الموارد الثلاثة (فلك الحمد كما أمسينا لك مسلمين سالمين) أشار إلى أن هاتين النعمتين يعني الكون من أهل الإسلام أو التسليم والانقياد والكون من أهل السلامة من الآفات يقتضيان الحمد له رعاية لحسن المعاملة وأداء لحق النعمة.

ص:336

(وإذا أصبح قال أمسينا لله شاكرين وأصبحنا لله حامدين) إنما غير الأسلوب فقال في السابق أولا أصبحنا وقال هنا أمسينا لرعاية تقديم ما هو المقدم في الواقع في الموضعين.

* الأصل:

13 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أبي (عليه السلام) يقول إذا أصبح: «بسم الله وبالله وإلى الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، اللهم إليك أسلمت نفسي وإليك فوضت أمري وعليك توكلت يا رب العالمين، أللهم احفظني بحفظ الإيمان من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ومن تحتي ومن قبلي، لا إله إلا أنت لا حول ولا قوة إلا بالله نسألك العفو والعافية من كل سوء وشر في الدنيا والآخرة، أللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن ضغطة القبر ومن ضيق القبر، وأعوذ بك من سطوات الليل والنهار، أللهم رب المشعر الحرام ورب البلد الحرام، ورب الحل والحرام أبلغ محمدا وآل محمد عني السلام، أللهم إني أعوذ بدرعك الحصينة وأعوذ بجمعك أن تميتني غرقا أو حرقا أو شرقا أو قودا أو صبرا أو مسما أو ترديا في بئر أو أكيل السبع أو موت الفجأة أو بشيء من ميتات السوء ولكن أمتني على فراشي في طاعتك وطاعة رسولك (صلى الله عليه وآله) مصيبا للحق غير مخطيء، أو في الصف الذي نعتهم في كتابك (كأنهم بنيان مرصوص) اعيذ نفي وولدي وما رزقني ربي بقل أعوذ برب الفلق - حتى يختم السورة وأعيذ نفسي وولدي وما رزقني ربي بقل أعوذ برب الناس - حتى يختم السورة - ويقول: الحمد لله عدد ما خلق الله والحمد لله مثل ما خلق والحمد لله ملء ما خلق الله والحمد لله مداد كلماته والحمد لله زنة عرشه والحمد لله رضا نفسه ولا إله إلا الله الحليم الكريم ولا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات والأرضين وما بينهما ورب العرش العظيم، أللهم إني أعوذ بك من درك الشقاء ومن شماتة الأعداء وأعوذ بك من الفقر والوقر وأعوذ بك من سوء المنظر في الأهل والمال والولد» ويصلي على محمد وآل محمد عشر مرات.

* الشرح:

قوله: (بسم الله) ابتداء (وبالله) أي بذاته أستعين (وإلى الله) أرجع (وفي سبيل الله) استقيم (وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله)) استقر فالجار في هذه المواضع متعلق فعل مقدر وتقديره بعده لقصد الحصر والعطف من باب عطف الجملة على الجملة كما في حمدا له وشكرا له.

(اللهم إليك أسلمت نفسي) أي سلمتها إليك لا إلى غيرك فعليك حفظها واصلاحها.

ص:337

(واليك فوضت أمري) في النهاية فوض إليه الامر تفويضا رده إليه وجعله الحاكم فيه ومن فوض أمره إلى الله هداه إلى الخيرات ووقاه من السيئات.

(وعليك توكلت يا رب العالمين) أي اعتمدت في أموري عليك وألجأتها إليك لعجزي عن القيام بها وثقتي بكفايتك إياها.

(أللهم احفظني بحفظ الإيمان من بين يدي ومن خلفي وعن يمني وعن شمالي ومن فوقي ومن تحتي ومن قبلي) السالك إلى الله خائف من قطع الطريق من الشيطان ومن نفسه الامارة بالسوء والشيطان يأتيه من الجهات الست بالوساوس والشبهات والنفس تعرض عليه سلوك سبيل المشتهيات فهو من قرته إلى قدمه مغمور في بحار الظلمات ومدخون بالادخنة الثائرة من نيران الشهوات ظلمات بعضها فوق بعض فلم ير للتخلص منها مساغا إلا بأن يلجأ إلى الله سبحانه ويطلب منه الحفاظ من جميع تلك الجهات وما يخاف منه من قبل نفسه، ولذلك قال: ومن قبلي وإنما أخره مع أن الاحتراز عن العدو الداخلي أولى من الاحتراز عن العدو الخارجي، لأن دفع الخارج إذا كان منه فساد الداخل أهم ولعل السر في تقديم الأمام والخلف وتأخير الفوق والتحت وتوسيط اليمين والشمال أن اتيان العدو في الأولين أغلب إلا أن القوى يأتي من الأمام والضعيف من الخلف وفي الأخيرين نادر جدا وفي الوسطين غالب بالنسبة إلى الأخيرين فالأولى في طلب الحفظ أن يقدم الأهم فالأهم وإنما آثر «عن» على «من» في الوسطين طلبا لتجاوز الحفظ منهما إلى الأولين للمبالغة في حفظهما حيث طلبه أولا صريحا.

وثانيا ضمنا (وأعوذ بك من سطوات الليل والنهار) هي النوائب النازلة فيهما والإضافة باعتبار الظرفية (اللهم رب المشعر الحرام ورب البلد الحرام ورب الحل والاحرام) في بعض النسخ « والحرام» والوجه في تخصيص أمثال هذه الأشياء بالمربوبية مع أنه رب كل شيء; المبالغة في تعظيم الخالق بإضافة كل عظيم إلى ايجاده ولذلك قد يقال رب السماوات والأرض ورب النبيين والمرسلين ورب الجبال والبحار ورب المشرق والمغرب ورب العالمين وغير ذلك مما جاء في القرآن والحديث ولم يأت فيما يستحقر ويستفذر كالحشرات والكلاب والقرود إلا على وجه العموم (اللهم اني أعوذ بدرعك الحصينة) درع الحديد يؤنث وقد يذكر والمراد بهاذمة الإسلام أو وقاية الله تعالى أو كلمة التوحيد مع شرائطها (وأعوذ بجمعك) هم الملائكة والرسل والأنبياء والأوصياء والصلحاء.

(أن تميتني غرقا - إلى آخره) مفعول مطلق والأصل اماته غرق حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وأعرب باعرابه وكذا نظائره، والشرق بالتحريك مصدر شرق فلان بالماء كفرح

ص:338

إذا غص به حتى يموت، وفي الكنز شرق گلو ماندن چيزى. والقود محركة القصاص وموت الصبر هو القتل مع الحبس، يقال قتل فلان صبرا إذا حبس على القتل حتى يقتل والصف الذين وصفهم الله في كتابه صف المجاهدين ولما كان الصف يصدق عل الكثير وصفهم بصيغة الجمع والبنيان مصدر بناه ولذلك لا يجمع والمرصوص الملزق بعضه ببعضه والمدغم جزؤه في جزء بحيث يعسر هدمه شبه الصف به في التلازق والتلاصق وعدم الفرجة بينهم والولد محركة وبالضم والكسر والفتح واحد وجمع وقد يجمع على أولاد وولدة بالكسر وولد بالضم.

(ويقول الحمد لله عدد ما خلق الله والحمد لله مثل ما خلق والحمد لله ملء ما خلق) الظاهر أنه إذا قال ذلك يثاب مثل ثواب من حمده تلك العدة وقد صرح به بعض العامة أيضا وقال بعضهم:

يثاب بأكثر من ثواب من حمده زائدا على مرة واحدة وهو تحكم.

(والحمد لله مداد كلماته - إلى آخره) من طرق العامة (سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته) قال عياض: مداد مصدر بمعنى المدد والمدد ما يكثر به الشيء قالوا: واستعماله هنا مجاز لأن كلماته تعالى لا تنحصر بعدد، والمراد المبالغة في الكثرة لأنه ذكر أولا ما يحصره العدد الكثير من عدد الخلق ثم ارتى إلى ما هو أعظم وعبر عنه بهذا اللفظ الذي لا يحصيه عدد، وزنة عرشه التي لا يعلمنها إلا هو، وقيل: مداد كلماته مثلها في العدد وقيل: مثلها في أنا لا تنفد. وقيل: مثلها في الكثرة والأظهر أن ذلك كناية عن الكثرة لا أنها مثلها في العدد ولا في الكثرة لأن كلماته تعالى غير متناهية فلا يلحق بها المتناهي في العدد والكثرة. وقال القرطبي: معنى قوله «ورضا نفسه» رضاه عمن رضى عنه من النبيين والصديقين والصالحين. (اللهم أعوذ بك من درك الشقاء) هذا أيضا في طرق العامة قال في النهاية: الدرك اللحاق والوصول إلى الشيء أدركته ادراكا ودركا، وقال صاحب كتاب اكمال الإكمال الدرك بفتح الراء اسم الادراك كالثخن من الاثخان وضبطه بعضهم بسكونها على أنه مصدر قال: درك الشقاء في الدنيا التعب وفي الآخرة سوء الخاتمة. وقال الشيخ في المفتاح: الدرك بالتحريك يطلق على المكان وطمعاته ويقال النار دركات والجنة درجات ويطلق أيضا على أقصى قعر الشيء، (ومن شماتة الأعداء) استعاذ منها برفع ما يفضى إليها.

(وأعوذ بك من الفقر والوقر) المراد بالفقر الفقر الذي لا يكون معه صبر ولا ورع حتى وقع فيما لا يليق بأهل الدين والمروة، أو المراد به فقر القلب الذي يفضى إلى فقر الآخرة والوقر بالفتح والسكون ثقل السمع كذا في النهاية وفي القاموس الوقر ثقل في الاذان أو ذهاب السمع كله وقد وقر كوعد ووجل، ومصدره وقرا بالفتح والقياس بالتحريك.

ص:339

* الأصل:

14 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ما من عبد يقول إذا أصبح قبل طلوع الشمس: «الله أكبر الله أكبر كبيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا والحمد لله رب العالمين كثيرا، لا شريك له وصلى الله على محمد وآله» إلا ابتدرهن ملك وجعلهن في جوف جناحه وصعد بهن إلى السماء الدنيا فتقول الملائكة: ما معك؟ فيقول: معي كلمات قالهن رجل من المؤمنين وهي كذا وكذا، فيقولون: رحم الله من قال هؤلاء الكلمات وغفر له، قال: وكلما مر بسماء قال لأهلها مثل ذلك، فيقولون: رحم الله من قال هؤلاء الكلمات وغفر له حتى ينتهي بهن إلى حملة العرش، فيقول لهم: إن معي كلمات تكلم بهن رجل من المؤمنين وهي كذا وكذا، فيقولون: رحم الله هذا العبد وغفر له انطلق بهن إلى حفظه كنوز مقالة المؤمنين فإن هؤلاء كلمات الكنوز حتى تكتبهن في ديوان الكنوز.

* الشرح:

قوله: (ما من عبد يقول إذا أصبح قبل طلوع الشمس: «الله أكبر الله أكبر كبيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا والحمد لله رب العالمين كثيرا) روى مسلم باسناده عن ابن عمر قال: «بينا نصلى مع رسول لله (صلى الله عليه وآله) إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكذا من القائل كلمة كذا وكذا؟ فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله. قال: عجبت لها وفتحت لها أبواب السماء، قال ابن عمر ما تركتهن منذ سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك».

قيل انتصاب كبيرا باضمار فعل دل عليه ما قبله أي كبرت كبيرا أو ذكرت كبيرا، وقيل على أنه حال مؤكدة وقيل على القطع وقيل على التميز ورد عليهما بأن النصب على القطع أنى يكون فيما يصح أن يكون صفة ولا تصح الصفة هنا وبأن النصب على التمييز هنا لا يصح لأن تمييز أفعل التفضيل شرطه أن يكون مغايرا للفظه نحو أحسن عملا. وكثيرا منصوب على الصفة لمصدر محذوف أي حمدا كثيرا وفي ظاهر قوله: «ألا بتدرهن ملك» دلالة على أن الملائكة يتنافسون في رفع أعمال العباد فيفهم أن الرافع لأعمالهم غير منحصر في الحفظة. (فإن هؤلاء كلمات الكنوز) الإضافة بيانية وتسميتها بالكنز من باب إدخال الشيء في جنس وجعله أحد أنواعه على التغليب فالكنز إذا نوعان: المتعارف وهو المال الكثير الذي يجعل بعضه فوق بعض ويحفظ، وغير المتعارف وهو هذه الكلمات الجامعة بين التكبير والتسبيح والتحميد والتوحيد والصلاة على

ص:340

النبي (صلى الله عليه وآله) وكونها كنزا عبارة عن كون أجرها مدخرا لقائلها.

* الأصل:

15 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة. عن غير واحد من أصحابه عن أبان بن عثمان، عن عيسى بن عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أصبحت فقل: «اللهم إني أعوذ بك من شر ما خلقت وذرأت وبرأت في بلادك وعبادك، اللهم إني أسألك بجلالك وجمالك وحلمك وكرمك كذا وكذا».

* الشرح:

(فقل اللهم إني أعوذ بك من شر ما خلقت وذرأت وبرأت) أي خلقت فمعنى الثلاثة واحد ويمكن أن يراد بالأول ما ليس فيه روح فإنه قد يصدر منه الضر والشر وبالثاني الجن والإنس وبالثالث سائر الحيوانات (في بلادك وعبادك) متعلق بقوله أعوذ بك وتعلقه بالافعال المذكورة بعيد (اللهم إني أسئلك بجلالك وجمالك) أي بعظمتك وبهائك وحسن فعالك أو بصفاتك الجلالية وهي السلبية وصفاتك الجمالية وهي الثبوتية.

* الأصل:

16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن عبد الله بن ميمون، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن عليا صلوات الله عليه وآله كان يقول إذا أصبح: «سبحان الله الملك القدوس - ثلاثا - اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحويل عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن درك الشقاء ومن شر ما سبق في الليل، أللهم إني أسألك بعزة ملكك وشدة قوتك وبعظيم سلطانك وبقدرتك على خلقك» ثم سل حاجتك.

* الشرح:

(ومن فجأة نقمتك) الفجأة بالضم والمد وقوع الشيء بغتة من غير تقدم سبب، وقرأه بعضهم بالفتح والسكون من غير مد على المرة والنقمة مثل الكلمة والرحمة والنعمة والعقوبة. (ومن شر ما سبق في الليل) من البلايا والنازلة فيه الطالبة لأهلها أو المقدرة فيه النازلة في النهار. (ولكن قل كما أقول لك) دل على أنه لا ينبغي إضافة شيء إلى الدعاء المأثور وان كان في الإضافة زيادة ثناء ولها حسن موقع لأن الفضل المرتب عليه لا يدرك بالعقل بل بالسمع فلا يغير ولعل لهذا الترتيب الخاص تأثيرا لبعض الأمور كما أن لهذا العدد أعنى عشر مرات تأثيرا.

17 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن الحسين بن المختار، عن العلاء ابن كامل قال:

ص:341

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول عند المساء: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت ويميت ويحيى وهو على كل شيء قدير. قال: قلت: بيده الخير، قال: إن بيده الخير ولكن قل كما أقول [لك] عشر مرات، وأعوذ بالله السميع العليم حين تطلع الشمس وحين تغرب عشر مرات.

* الأصل:

18 - علي، عن أبيه، عن حماد، بن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يقول بعد الصبح:

«الحمد لله رب الصباح، الحمد لله فالق الإصباح (1) - ثلاث مرات - اللهم أفتح لي باب الأمر الذي فيه اليسر والعافية، اللهم هيىء لي سبيله وبصرني مخرجه اللهم إن كنت قضيت لأحد من خلقك علي مقدرة بالشر فخذه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وعن تحت قدميه ومن فوق رأسه واكفنيه بما شئت ومن حيث شئت وكيف شئت».

* الشرح:

قوله: (يقول بعد الصبح) هو الفجر أو أول النهار والجمع الأصباح كالقفل والأقفال (الحمد لله رب الصباح) (2) أي لمالكه أو مربية المبلغ له إلى غايته وكماله المقدرة.

(الحمد لفالق الأصباح) (3) أي لخالقه أو شاقه عن ظلمة الليل وسواده من فلقه كضربه إذا خلقه وشقه وفي الكنز فالق شكافنده وآفريننده والصبيحة والأصباح والصباح واحد.

(اللهم افتح باب الأمر الذي فيه اليسر والعافية) اليسر ضد العسر وهو اللينة والسهالة والرخاء وطيب العيش، والعافية شاملة لعافية الدنيا وهي السلامة من الآفات وعافية الآخرة وهي النجاة من العقوبات.

(اللهم هيىء لي سبيله) أي سبيل ذلك الأمر وطريقه الموصل إليه وأصل التهيئة إحداث هيئة الشيء وصورته (وبصرني مخرجه) بفتح الميم أو ضمها وعلى التقديرين أما مصدر بمعنى الخروج أو الإخراج أو أسم مكان وهو الأنسب وإنما طلب ذلك لتحصل له بصيرة تامة فيما هو محل لخروج ذلك الأمر من الأسباب والوسائل وغيرها.

(اللهم إن كنت قضيت لأحد من خلقك على مقدرة بالشر فخذه) المقدرة مثلثة الدال القدرة والقوة، في الدعاء على رفع القضاء دلالة على البداء وقد مر أن الدعاء يرد القضاء وأن كأم مبرما.

* الأصل:

19 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن أبي

ص:342


1- (1) كذا.
2- (1) كذا.
3- (2) كذا.

إسماعيل السراج، عن الحسين بن المختار، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قال إذا أصبح:

«اللهم إني أصبحت في ذمتك وجوارك، اللهم إني أستودعك ديني ونفسي ودنياي وآخرتي وأهلي ومالي وأعوذ بك يا عظيم من شر خلقك جميعا وأعوذ بك من شر ما يبلس به إبليس وجنوده». إذا قال هذا الكلام لم يضره يومه ذلك شيء وإذا أمسى فقاله لم يضره تلك الليلة شيء إن شاء الله تعالى.

* الشرح:

قوله: (اللهم إني أصبحت في ذمتك وجوارك) الذمة بالكسر العهد والأمان والكفالة والضمان والجوار بالكسر الأمان واعطاء الذمة وبالفتح معناه بالفارسية همسايگى وهذا تمثيل أو كناية عن القرب. (وأعوذ بك من شر ما يبلس به إبليس وجنوده) أبلس تحير وتحزن وسكت وتدهش ويئس ومنه سمى إبليس لتحيره في أمره ويأسه من رحمة الله وكان أسمه عزازيل وقيل إبليس أعجمي ولعل المراد بالموصول العجب والتكبر وإضلال الخلق.

* الأصل:

20 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا صليت المغرب والغداة فقل: «بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» - سبع مرات - فإنه من قالها لم يصبه جذام ولا برص ولا جنون ولا سبعون نوعا من أنواع البلاء، قال: وتقول إذا أصبحت وأمسيت: «الحمد لرب الصباح، الحمد لفالق الإصباح - مرتين - الحمد لله الذي أذهب الليل بقدرته وجاء بالنهار برحمته ونحن في عافية» ويقرأ آية الكرسي وآخر الحشر وعشر آيات من الصافات و «سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون، يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون، سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتك غضبك لا إله إلا أنت سبحانك إني عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني وتب علي إنك أنت التواب الرحيم».

* الشرح:

قوله: (ويقرأ آية الكرسي) قال الشيخ في المفتاح: إلى هم فيها خالدون (وآخر الحشر) من

ص:343

قوله: (لو أنزلنا هذا القرآن) إلى آخر السورة.

(وعشر آيات من أول الصافات) ذكرها الشيخ من أولها إلى (شهاب ثاقب).

(ويحيي الأرض بعد موتها) قال في النهاية قيل الموت في كلام العرب يطلق على السكون يقال ماتت الريح إذا سكنت والموت يقع على أنواع بحسب أنواع الحياة فمنها ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الحيوان والنبات كقوله تعالى: (يحيي الأرض بعد موتها) ومنها زوال القوة الحسية كقوله تعالى (يا ليتني مت قبل هذا) ومنها زوال القوة العاقلة وهي الجهالة كقوله تعالى: (أفمن كان ميتا فأحييناه) و (إنك لا تسمع الموتى) ومنها الحزن والخوف المكدر للحياة كقوله تعالى: (ويأتيه الموت من كل مكان) (وما هو بميت) ومنها المنام كقوله تعالى: (والتي لم تمت في منامها)، وقيل المنام الموت الخفيف والموت النوم الثقيل وقد يستعار الموت للأحوال الشاقة كالفقر والذل والسؤال والهرم والمعصية وغير ذلك. (سبقت رحمتك غضبك) لأنه تعالى خلق الخلق رحمة منه كما قال: «رحمتي وسعت كل شيء وغضبه إنما نشأت من سوء أعمالهم ولأن كل من يتوجه إليه الرحمة والغضب يتوجه إليه الرحمة إن شاء الله تعالى. (وتب على) في القاموس تاب العبد إلى الله توبة رجع عن المعصية وهو تائب وتواب وناب الله عليه وفقه للتوبة أو رجع به من التشديد إلى التخفيف أو رجع عليه بفضله وقبوله وهو تواب على عباده.

* الأصل:

21 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«اللهم لك الحمد أحمدك وأستعينك وأنت ربي وأنا عبدك أصبحت على عهدك ووعدك وأومن بوعدك وأوفي بعهدك ما استطعت، ولا حول ولا قوة إلا بالله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أصبحت على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وملة إبراهيم ودين محمد، على ذلك أحيا وأموت إن شاء الله، اللهم أحيني ما أحييتني به وأمتني إذا أمتني على ذلك، وابعثني إذا بعثتني على ذلك أبتغي بذلك رضوانك واتباع سبيلك، إليك ألجأت ظهري وإليك فوضت أمري، آل محمد أئمتي ليس لي أئمة غيرهم، بهم أئتم وإياهم أتولي وبهم أقتدي، اللهم إجعلهم أوليائي في الدنيا والآخرة واجعلني اوالي أولياء هم واعادي أعداءهم في الدنيا والآخرة وألحقني بالصالحين وآبائي معهم.

* الشرح:

قوله: (اللهم لك الحمد); لأن المحامد كلها لك ومنك (أحمدك) بجميع محامدك

ص:344

(وأستعينك) في اموري كلها حتى في حمدك.

(وأنت ربي وأنا عبدك) في الإقرار بالربوبية والعبودية استعطاف; لأن الرب من شأنه التربية والعبد من شأنه الحاجة إليها.

(أصبحت على عهدك ووعدك) أراد العهد المأخوذ على العباد بالإقرار بالتوحيد والرسالة والولاية والطاعة والوعد بالثواب والجزاء في دار البقاء فلذلك قال (وأومن بوعدك) أي أصدق بأنه حق لا خلف فيه.

(وأوفي بعهدك ما استطعت) ومن العهد الوفاء به كما قال تعالى: (أوفوا بعهدي أوف بعهدكم) باثابتكم على الوفاء وإنما قيد الوفاء بالاستطاعة; لأن منازل الوفاء غير محصورة ومراتب الرجال في الاستطاعة غير معدودة فكل يطلب ما هو ميسر له.

(أصبحت على فطرة الإسلام) الإضافة بيانية وهي الإقرار بما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وهي ما أخذ عليهم من العهد القديم وهم في ظهور آبائهم بقوله: (ألست بربكم قالوا بلى) وهو الإقرار بالتوحيد (وكلمة الإخلاص) هي كلمة التوحيد أو كلمة الشهادة بالرسالة أيضا وسميتا كلمة مع أنهما كلمتان للتنبيه على أنه لا يعتبر أحديهما بدون الاخرى ولا يتحقق الإخلاص إلا بهما فهما بمنزلة كلمة واحدة.

(وملة إبراهيم ودين محمد (صلى الله عليه وآله)) دينه (صلى الله عليه وآله) ما جاء به وهو مشتمل على ملة إبراهيم وهي الاصول التي لا تتبدل بتبدل الشرائع مثل وجوب وجوده تعالى توحده وصفاته وتنزهه عن صفات المخلوقين وحشره للخلائق للثواب والعقاب وغيرها (وآبائي معهم) الواو للعطف أي الحق آبائي معهم أو للحال.

* الأصل:

22 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: علمني شيئا أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت فقال: قل: «الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره الحمد لله كما يحب الله أن يحمد، الحمد لله كما هو أهله، اللهم أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد وأخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد وصلى الله على محمد وآل محمد».

* الشرح:

قوله: (قل: الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره) أي يفعل كل ما يشاء بلا مانع

ص:345

ولا يفعل غيره كل ما يشاء لوجوده مانع أو لا يفعل عز شأنه كل ما يشاء غيره لعدم مصلحة فيه.

وفاعل «ولا يفعل» على الأول غيره وعلى الثاني هو الله تعالى.

* الأصل:

23 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عبد الرحمن بن حماد الكوفي، عن عمرو بن مصعب، عن فرات بن الأحنف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مهما تركت من شيء فلا تترك أن تقول في كل صباح ومساء: «اللهم إني أصبحت أستغفرك في هذا الصباح وفي هذا اليوم لأصل رحمتك وأبرأ من أهل لعنتك، اللهم إني أصبحت أبرء إليك في هذا اليوم وفي هذا الصباح ممن نحن بين ظهرانيهم من المشركين ومما كانوا يعبدون، إنهم كانوا قوم سوء فاسقين، اللهم اجعل ما أنزلت من السماء إلى الأرض في هذا الصباح وفي هذا اليوم بركة على أوليائك وعقابا على أعدائك، واللهم وال من والاك وعاد من عاداك، اللهم أختم لي بالأمن والإيمان كلما طلعت شمس أو غربت، اللهم اغفر لي ولوالدي وأرحمهما كما ربياني صغيرا، اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اللهم إنك تعلم منقلبهم ومثواهم، واللهم احفظ إمام المسلمين بحفظ الإيمان وانصره نصرا عزيزا وافتح له فتحا يسيرا واجعل له ولنا من لدنك سلطانا نصيرا، اللهم العن فلانا وفلانا والفرق المختلفة على رسولك وولاة الأمر بعد رسولك والأئمة من بعده وشيعتهم وأسألك الزيادة من فضلك والإقرار بما جاء من عندك والتسليم لأمرك والمحافظة على ما أمرت به لا أبتغي به بدلا ولا أشتري به ثمنا قليلا، اللهم أهدني فيمن هديت وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضي عليك ولا يذل من واليت تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت تقبل مني دعائي وما تقربت به إليك من خير فضاعفه لي أضعافا [مضاعفة] كبيرة وآتنا من لدنك [رحمة و] أجرا عظيما، رب ما أحسن ما ابتليتني وأعظم ما أعطيتني وأطول ما عافيتني وأكثر ما سترت علي فلك الحمد يا إلهي كثيرا طيبا مباركا عليه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شاء ربي كما يحب ويرضي وكما ينبغي لوجه ربي ذي الجلال والإكرام.

* الشرح:

قوله: (ممن نحن بين ظهرانيهم) في القاموس بين ظهريهم وظهرانيهم ولا يكسر النون وبين أظهرهم أي وسطهم وفي منتظمهم وفي النهاية المراد أنه أقام بينهم على سبيل الاستظهار والإستناد إليهم وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدا ومعناه أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فهو

ص:346

مكنوف من جانبيه ومن جوانبه إذا قيل بين أظهرهم ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا (بركة على أوليائك) البركة محركة النماء والزيادة والشرف والكرامة والخير والسعادة (اللهم اختم لي بالأمن والإيمان كلما طلعت شمس أو غربت) أي أختم لي بالأمن من شر الشيطان وأذى أهل العدوان وآفات الزمان وبالإيمان بك وبرسولك وأوصياء رسولك مع رعاية الشرائط والأركان عند كل طلوع الشمس وغروبها وقد طلب كونه على الوصفين في جميع أوقات عمره (اللهم إنك تعلم منقلبهم ومثواهم) المثوى المنزل من ثوى بالمكان إذا أقام فيه وقد يكون بمعنى المصدر ولعل المراد إنك تعلم إنقلابهم وسكونهم أو محلهما وبالجملة تعلم جزئيات امورهم في حال الحركات والسكنات فأصرفهم إلى ما هو خير لهم وقهم عما هو شر لهم وأغفر لهم عما صدر منهم من الزلات، ويمكن أن يكون المراد بهما انقلاب قلوبهم وحركتها في طلب الحق وسكونها عند الوصول إليه والله أعلم.

(اللهم أحفظ إمام المسلمين بحفظ الإيمان) الباء للسببية والإضافة إلى المفعول أي احفظه بسبب حفظك أو حفظه الإيمان وأهله إذ لو لا الإمام لبطل الإيمان والإسلام (والأئمة من بعده) العطف على الولاة للتفسير والتأكيد.

(ولا اشترى به ثمنا قليلا) أي لا استبدل ذلك بالثمن القليل، يعني متاع الدنيا كما استبدلوه به وفرقوا الامة وأضلوهم بذلك، وفيه استعارة تبعية وترشيح.

(اللهم أهدني فيمن هديت) من أوليائك عديت الهداية ب «في» لتضمينه معنى الدخول وكون «في» بمعني إلى أو مع بعيد والمراد بالهداية الخاصة كما في قوله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وهي كشف السرائر على الضمائر وإيصالها إلى حقائق الأشياء كما هي وإيصال المستعدين إلى المقامات العالية والدرجات الرفيعة وتلك مرتبة لا ينالها إلا أولياء الله تعالى (تباركت) أي تقدست وتنزهت عن الأشياء والأضداد والأمثال أو ثبت على مالك من صفات الكمال وسمات الجلال من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزم وثبت عليه (وتعاليت) عن صفات المخلوقين وافك المفترين، والمتعالي من جل عنهما وهو متفاعل من العلو، وقد يكون بمعنى العالي وهو الذي ليس فوقه شيء من الرتبة والشرف والحكم.

(سبحانك رب البيت) في إضافته إلى البيت تعظيم له حيث إن البيت أعظم ما ابتلى به خلقه وأذل به رقاب الكبراء فضلا عن الضعفاء.

(تقبل منى دعائي) الدعاء وغيره من العبادات وإن كان في غاية الكمال في ذاته لكنه بالنسبة إلى قدس الحق ناقص محتاج إلى التضرع في قبوله ولذلك قال خليل الرحمن مع كون عمله في

ص:347

غاية الكمال (ربنا تقبل منا أنك أنت السميع العليم).

(ما أحسن ما ابتليتني) المشهور أن الابلاء يكون في الخير والشر والأنعام والإحسان من غير فرق بين فعلهما تقول بليت الرجل وأبليته بالإحسان ومنه قوله تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) وقال القتيبي: يقال من الخير أبليته أبليه ابلاء ومن الشر بلوته أبلوه بلاء، والمراد بالابلاء هنا هو الأبلاء بالخير «وما» الثانية أما مصدرية أو موصولة أو موصوفة والعائد إليها محذوف وفي هذا التعجب مع تفخيم ما دلالة على تعظيم الابلاء وقس عليه نظائره.

(فلك الحمد يا الهي) لتلك النعماء الجليلة والآلاء الجزيلة.

حمدا (كثيرا طيبا) طاهرا من النقص والرياء مباركا عليه، الظاهر أن ضمير المجرور راجع إلى الحمد وأن المعنى أديم له الشرف والبركة والتنزه عن النقص ومنه قولك «وبارك على محمد وآل محمد» أي أدم له ما أعطيته من الشرف والكرامة.

(ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شاء ربي كما يحب ويرضى) ورضي. الملء بالكسر والسكون اسم ما يأخذه الاناء إذ امتلأ وبالفتح مصدر ومن طريق العامة أيضا «لك الحمد ملء السماوات والأرض» قال في النهاية هذا تمثيل; لأن الكلام لا يسع الأماكن والمراد به كثرة العدد يقول: لو قدر أن يكون كلمات الحمد أجساما لبلغت من كثرتها أن تملاء السماوات والأرض.

ويجوز أن يكون المراد به تفخيم شأن كلمة الحمد ويجوز أن يريد بها أجرها وثوابها.

(وكما ينبغي لوجه ربي) أي لذاته أو صفاته والناس يتوجهون اليهما في جميع الامور.

* الأصل:

24 - عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن حماد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من قال: «ما شاء الله كان، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم». مائة مرة حين يصلي الفجر لم ير يومه ذلك شيئا يكرهه.

* الشرح:

قوله: (حين يصلي الفجر) لعل المراد به بعد فريضة الفجر (فمن قالها دفع الله عنه مائة نوع من أنواع البلاء) قد مر قبيل ذلك في رواية علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه: «من قال ذلك سبع مرات لم يصبه جذام ولا برص ولا جنون ولا سبعون نوعا من أنواع البلاء» ومثله في حديث سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) وهو المتقدم على هذا الحديث بلا فصل. فالنسبة يقتضى أن يكون المدفوع بالسبع مرات سبعة أنواع من البلايا أو يكون المدفوع بمائة مرة ألف نوع

ص:348

من البلايا ليرتفع التنافي بين الأخبار والجواب أن أنواع البلايا المدفوعة بمائة مرة أشد وأعظم من الأنواع المدفوعة بسبع كما يشعر به قوله (عليه السلام) أدنى نوع منها الجذام والبرص والشيطان والسلطان، وفي السبع قال: لم يصبه جنون ولا جذام ولا برص ولا سبعون نوعا من البلاء حيث يفهم منه أن الجنون والجذام والبرص أعظم نوع من هذه الأنواع وإذا اختلف البلايا في الشدة والضعف بطلت النسبة المذكورة.

* الأصل:

25 - عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال في دبر صلاة الفجر ودبر صلاة المغرب سبع مرات: «بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم». دفع الله عز وجل عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء أهونها الريح والبرص والجنون وإن كان شقيا محي من الشقاء وكتب في السعداء.

26 - وفي رواية سعدان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله إلا أنه قال: أهونه الجنون والجذام والبرص وإن كان شقيا رجوت أن يحوله الله عز وجل إلى السعادة.

27 - عنه، عن ابن فضال، عن الحسن بن جهم، عن أبي الحسن (عليه السلام) مثله إلا أنه قال: يقولها ثلاث مرات حين يصبح وثلاث مرات حين يمسي لم يخف شيطانا ولا سلطانا ولا برصا ولا جذاما، ولم يقل: سبع مرات. قال أبو الحسن (عليه السلام): وأنا أقولها مائة مرة.

28 - عنه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا صليت الغداة والمغرب فقل: «بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» - سبع مرات - فإنه من قالها لم يصبه جنون ولا جذام ولا برص ولا سبعون نوعا من أنواع البلاء.

29 - عنه، عن محمد بن عبد الحميد. عن سعد بن زيد قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): إذا صليت المغرب فلا تبسط رجلك ولا تكلم أحدا حتى تقول مائة مرة: «بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم». ومائة مرة في الغداة فمن قالها دفع الله عنه مائة نوع من أنواع البلاء أدنى نوع منها البرص والجذام والشيطان والسلطان.

30 - عنه، عن عبد الرحمن بن حماد، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: إذا أمسيت فنظرت إلى الشمس في غروب وإدبار فقل: «بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك الحمد لله الذي يصف ولا يوصف ويعلم ولا يعلم ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أعوذ بوجه الله الكريم وباسم الله العظيم من شر ما ذرأ وما برأ ومن شر ما تحت الثرى ومن شر ما ظهر وما بطن ومن شر ما كان في

ص:349

الليل والنهار ومن شر أبي مرة وما ولد ومن شر الرسيس ومن شر ما وصفت وما لم أصف، فالحمد لله رب العالمين» ذكر أنها أمان من السبع ومن الشيطان الرجيم ومن ذريته.

قال: وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إذا أصبح: «سبحان الله الملك القدوس - ثلاثا - اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحويل عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن درك الشقاء ومن شر ما سبق في الكتاب، اللهم إني أسألك بعزة ملكك وشدة قوتك وبعظيم سلطانك وبقدرتك على خلقك».

* الشرح:

قوله: (الحمد لله الذي يصف ولا يوصف) أي يصف الأشياء بصفاتها ولا يوصف بشيء من صفاتها لاستحالة اتصافه بصفات الممكن. أو لا يوصف بصفه أصلا إذ لا صفة له حتى يوصف بها وكل ما يتخيل من الصفات فهو راجع إلى السلب، فإن قولنا هو عالم قادر مثلا راجع إلى أنه ليس بجاهل ولا عاجز كما مر في كتاب التوحيد.

(ويعلم ولا يعلم) أي يعلم الأشياء وحقائقها كما هي لاستحالة الجهل عليه ولا يقدر أحد أن يعلم كنه ذاته ولا حقيقة صفاته.

(ومن شر أبي مرة وما ولد ومن شر الرسيس) أبو مرة كينة إبليس والرسيس الكاذب أو المفسد قال في النهاية أهل الرس هم الذين يبتدؤون الكذب ويوقعونه في أفواه الناس، وقال الزمخشري: هم المفسدون من رس بين القوم إذا أفسد. (وبقدرتك على خلقك) ذكر السؤال ولم يذكر المسؤول للتعميم أو الاختصار أو للحوالة على علمه تعالى أو على السائل بأن يذكر مقصوده.

* الأصل:

31 - عنه، عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها سنة واجبة مع طلوع الفجر والمغرب تقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير» - عشر مرات - وتقول: «أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون، إن الله هو السميع العليم» - عشر مرات - قبل طول الشمس وقبل الغروب فإن نسيت قضيت كما تقضي الصلاة إذا نسيتها.

* الشرح:

قوله: (إن الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها سنة واجبة) أي سنة مؤكدة (مع طلوع

ص:350

الفجر والمغرب) في بعض النسخ الشمس بدل الفجر هو الأظهر والظاهر أن مع بمعنى عند وأنه مع مدخوله تفسير للقبل وتحديد له، ويمكن أن يكون المراد استحباب الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ووجوبه يعني تأكيد استحبابه عند طلوع الفجر أو الشمس وعند غروبها والله أعلم.

(يحيي ويميت ويميت ويحيي) دل على الأحياء في القبر; لأن الحياة الأولى في الدنيا والحياة الأخيرة في الآخرة والموت الأول في الدنيا والموت الثاني لا محالة في القبر ولا يتحقق ذلك إلا بعد الحياة فيه.

قوله: (أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين) في القاموس الهمز الغمز والضغط والنخس والدفع والضرب والعض والكسر والهامز والهمزة الغماز، وفسر النبي (صلى الله عليه وآله) همز الشيطان بالموتة أي الجنون لأنه يحصل من نخسه وغمزة وفي النهاية في حديث الإستعاذة من الشيطان « إما همزة فالموتة» الهمز والنخس والغمز وكل شيء دفعته فقد همزته والموتة الجنون والهمز أيضا الغيبة والوقيعة في الناس وذكر عيوبهم وقد همز يهمز فهو هماز وهمزة للمبالغة (إن الله هو السميع العليم) فيسمع دعاء الداعين ويعلم مقاصدهم وعجزهم فيستجيب لهم كما قال: (ادعوني استجب لكم) وفيه حث على حسن الظن بقبول الدعاء (فإن نسيت) أن تقوله في وقته المذكور.

(قضيت) متى ذكرت كما تقضى الصلاة) عند ذكرها (إذا نسيتها) في وقتها، والتشبيه لتأكيد القضاء عند الذكر لا للوجوب.

* الأصل:

32 - عنه، عن محمد بن علي، عن أبي جميلة، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

قل: «أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون، إن الله هو السميع العليم». وقل «لا إله إلا الله وحده لا شريك يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير» قال: فقال له رجل: مفروض هو؟ قال: نعم مفروض محدود تقوله قبل طلوع الشمس وقبل الغروب - عشر مرات - فإن فاتك شيء فاقضه من الليل والنهار.

* الشرح:

قوله: (قال: نعم مفروض محدود) أي محدود في وقت وزمان وفي القاموس الفرض كالضرب التوقيت ومنه فمن فرض فيهن الحج وما أوجبه الله تعالى كالمفروض والقراءة، والسنة فرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي سن والعطية المفروضة وما فرضته على نفسك فوهبته أوجدت به لغير ثواب لغير أي إرادة جزاء به.

33 - عنه، عن إسماعيل بن مهران، عن رجل، عن إسحاق بن عمار، عن العلاء ابن كامل قال:

ص:351

قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن من الدعاء ما ينبغي لصاحبه إذا نسيه أن يقضيه يقول بعد الغداة: «لا إله إلا وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحييء ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير [كله] وهو على كل شيء قدير». - عشر مرات - ويقول: «أعوذ بالله السميع العليم» - عشر مرات - فإذا نسي من ذلك شيئا كان عليه قضاؤه.

* الأصل:

34 - عنه، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التسبيح، فقال: ما علمت شيئا موظفا غير تسبيح فاطمة (عليها السلام) وعشر مرات بعد الفجر تقول: « لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد [يحيي ويميت] وهو على كل شيء قدير» ويسبح ما شاء تطوعا.

* الشرح:

قوله: (ما علمت شيئا موظفا غير تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) وعشر مرات) لعل حصر الموظف فيه من باب التأكيد والمبالغة فيه وإلا فالموظف غيره كثير.

* الأصل:

35 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل ابن جابر، عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): من قال حين يطلع الفجر: «لا إله إلا الله وحد لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت و [يميت ويحيي] وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير» - عشر مرات - «وصلى على محمد وآل محمد» - عشر مرات - وسبح خمسا وثلاثين مرة، وهلل خمسا وثلاثين مرة، وحمد الله خمسا وثلاثين مرة لم يكتب في ذلك الصباح من الغافلين وإذا قالها في المساء لم يكتب في تلك الليلة من الغافلين.

36 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الفضيل قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أسأله أن يعلمني دعاء فكتب إلي: تقول إذا أصبحت وأمسيت: «الله الله الله ربي الرحمن الرحيم لا اشرك به شيئا» وإن زدت على ذلك فهو خير، ثم تدعو بما بدا لك في حاجتك فهو لكل شيء بإذن الله تعالى يفعل الله ما يشاء.

37 - الحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان، عن داود الرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تدع أن تدعو بهذا الدعاء ثلاث مرات إذا أصبحت وثلاث مرات إذا أمسيت:

«اللهم اجعلني في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد» فإن أبي (عليه السلام) كان يقول: هذا من الدعاء المخزون.

ص:352

* الشرح:

قوله: (هذا من الدعاء المخزون) أي المخزون في خزانة مقالة المؤمنين التي في ضبط الملائكة المقربين.

* الأصل:

38 - علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن محمد بن سنان، عن أبي سعيد المكاري عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما عنى بقوله: (وإبراهيم الذي وفى)؟ قال: كلمات بالغ فيهن، قلت: وما هن؟ قال: إذا أصبح قال: «أصبحت وربي محمود أصبحت لا اشرك بالله شيئا ولا أدعو معه إلها ولا أتخذ من دونه وليا» - ثلاثا - وإذا أمسى قالها ثلاثا، قال: فأنزل الله عزوجل في كتابه (وإبراهيم الذي وفى) قلت: فما عنى بقوله في نوح: (إنه كان عبدا شكورا)؟ قال: كلمات بالغ فيهن، قلت: وما هن؟ قال: كان إذا أصبح قال: «أصبحت اشهدك ما أصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فإنها منك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد على ذلك ولك الشكر كثيرا». كان يقولها إذا أصبح ثلاثا وإذا أمسى ثلاثا، قلت: فما عنى بقوله في يحيى:

(وحنانا من لدنا وزكاة) قال: تحنن الله، قال: قلت: فما بلغ من تحنن الله عليه؟ قال: كان إذا قال:

يا رب، قال الله عزوجل لبيك يا يحيى.

* الشرح:

قوله: (وإبراهيم الذي وفى) قال: كلمات بالغ فيهن) هي كلمات فرضها على من التزمها وبالغ بالوفاء بها قال بعض المفسرين: وفى بالصبر على ذبح الولد وعلى نار نمرود حتى قال جبرئيل (عليه السلام) هو في الهواء بعد الرمي إليها: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا.

قوله: (أصبحت وربي محمود) أي محمود بحمد الخلائق له أو بحمدي له.

(فما عنى بقوله: في نوح (إنه كان عبدا شكورا) قال: كلمات بالغ فيهن) قال القاضي: كان يحمد الله تعالى على مجامع حالاته وفيه إيماء إلى ان نجاته ونجاة من معه كان ببركة شكره، وحث للذرية على الاقتداء به، وقيل الضمير لموسى (عليه السلام).

(قلت فما عنى بقوله: في يحيى: (وحنانا من لدنا وزكاة)) عطف على الحكم في قوله (وآتيناه الحكم صبيا) والمراد بالزكاة الطهارة النفسانية من الأرجاس الشيطانية والأخباث الجسمانية. (قال: تحنن الله) التحنن العطف والترحم والإشتياق والبركة والصوت وتفسيره (عليه السلام) بالبلية يناسب الجميع، وقال بعض المفسرين: المراد به رحمته على والديه أو رحمة الله عليه، ولا يبعد إرادة الجميع لأن الآية الواحدة قد يتضمن وجوها متعددة.

ص:353

باب «الدعاء عند النوم والانتباه»

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، والحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، جميعا، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال حين يأخذ مضجعه ثلاث مرات: «الحمد لله الذي علا فقهر والحمد لله الذي بطن فخبر والحمد لله الذي ملك فقدر والحمد لله الذي يحيي الموتى ويميت الأحياء وهو على كل شيء قدير». خرج من الذنوب كهيئة يوم ولدته امه.

* الشرح:

قوله: (الحمد لله الذي علا فقهر) أي علا كل شيء في الرتبة والشرف والعلية والحكم وليس فوقه شيء يقهر جميع ما عداه وغلب على جميع ما سواه فيفعل بهم ما يشاء ويحكم بهم ما يريد (والحمد لله الذي بطن فخبر) أي احتجب عن الأبصار والأوهام فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم، أو علم بواطن الأشياء كما علم ظاهرها يقول بطنت الأمر إذا عرفت باطنه فخبر دقائق الأشياء وسرائرها وعلم غوامضها وضمائرها من الخبر وهو العلم يقال فلان خبير أي عالم بكنه الشيء وطبيعته مطلع على آثاره وحقيقته.

(والحمد لله الذي ملك فقدر) أي ملك رقاب الممكنات وزمامها وقوامها ونظامها فقدر على إيجادها وإبقائها وإصلاحها وإفنائها.

(والحمد لله الذي يحيي الموتى ويميت الأحياء) يجوز أن يراد بالموتى من اتصف بالموت قبل تعلق الروح والوجود به ومن اتصف به عند انقضاء الآجال في الدنيا ومن اتصف به بعد رد الروح إليه في القبر للسؤال فالأحياء في ثلاثة مواضع: في الدنيا وفي القبر وفي البعث وإماتة الأحياء في مقامين: في الدنيا وفي القبر كما قالوا (أمتنا اثنتين) وأما قولهم (وأحييتنا اثنتين) فالمراد به الإحياء بعد الموت الذي وجدوه وهو الإحياء في القبر والبعث والله أعلم. (خرج من الذنوب كهيئة يوم ولدته امه) ظاهر التشبيه يفيد انه يخرج من الكبائر أيضا ولا يبعد لأن غفران الكبائر بلا توبة يجوز عندنا إلا ما أخرجه الدليل.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أوى أحدكم إلى

ص:354

فراشه فليقل: «اللهم إني احتبست نفسي عندك فاحتبسها في محل رضوانك ومغفرتك وإن رددتها [إلى بدني] فارددها مؤمنة عارفة بحق أوليائك حتى تتوفاها على ذلك».

3 - حميد بن زياد، عن الحسين بن محمد، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يقول عند منامه: «آمنت بالله وكفرت بالطاغوت، اللهم احفظني في منامي وفي يقظتي».

* الشرح:

قوله: (وكفرت بالطاغوت) الطاغوت الشيطان والأصنام والكاهن وكل ما عبد من دون الله وكل رئيس في الضلالة وأقدمهم من أقدم أولا على تخريب الدين.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ألا اخبركم بما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول إذا آوى إلى فراشه؟ قلت: بلى، قال: كان يقرأ آية الكرسي ويقول: «بسم الله آمنت بالله وكفرت بالطاغوت، اللهم احفظني في منامي وفي يقظتي».

5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن ميمون، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الاحتلام ومن سوء الأحلام وأن يلعب بي الشيطان في اليقظة والمنام».

* الشرح:

قوله: (أعوذ بك من الاحتلام ومن سوء الأحلام) احتلام الجماع في النوم والأحلام جمع الحلم بالضم وبضمتين وهي الرؤيا وهذا الدعاء منه (عليه السلام) للتعليم أو لإظهار العجز والتواضع والافتقار إليه تعالى.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا، عن القاسم بن عروة، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) إذا أخذت مضجعك فكبر الله أربعا وثلاثين واحمده ثلاثا وثلاثين وسبحه ثلاثا وثلاثين وتقرأ آية الكرسي والمعوذتين وعشر آيات من أول الصافات وعشرا من آخرها.

* الشرح:

قوله: (تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام)) هذه الرواية دلت بحسب الذكر على تقديم

ص:355

التحميد على التسبيح عند النوم وصحيحة محمد بن عذافر الواردة فيه على الإطلاق صريحة في ذلك وكذا رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) وان كانت ضعيفة فلذلك ذهب كثير من الأصحاب إلى أن التحميد مقدم على التسبيح مطلقا، ونقل عن الصدوق وأبيه وابن الجنيد رضي الله عنهم أن التسبيح مقدم على التحميد لما روي في الفقيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال له ولفاطمة (عليهما السلام) في آخر حديث طويل إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة وسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة واحمدا ثلاثا وثلاثين.

ولا يخفى ما فيه لأن الواو لا يدل على الترتيب كما بين في موضعه ولو دل لوقع التعارض بينه وبين حديث هشام المذكور هنا فبقيت روايتا ابن عذافر وأبي بصير سالمتين عن المعارض على ان ما في الفقيه يمكن حمله على التقية لأنه موافق لمذهب العامة. روى مسلم عن علي (عليه السلام) قال: ان فاطمة (عليها السلام) اشتكت ما تلقى من الرحا في يدها، وفي غير مسلم أنها جرت بالرحى حتى مجلت يدها وقمت البيت حتى أغبر شعرها وخبزت حتى تغير وجهها فانطلقت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) لتطلب خادمة فلم تجده ولقيت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي (صلى الله عليه وآله) أخبرته عائشة بمجىء فاطمة فجاء النبي (صلى الله عليه وآله) إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال النبي (صلى الله عليه وآله): على مكانكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري فقال: «ألا اخبركما ألا اعلمكما خيرا مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا لله أربعا وثلاثين وتسبحاه ثلاثا وثلاثين وتحمداه ثلاثا وثلاثين فهو خير لكما من خادم».

* الأصل:

7 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن داود بن فرقد، عن أخيه أن شهاب بن عبد ربه سأله أن يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) وقال: قل له: إن امرأة تفزعني في المنام بالليل، فقال: قل له: اجعل مسباحا وكبر الله أربعا وثلاثين تكبيرة وسبح الله ثلاثا وثلاثين تسبيحة واحمد الله ثلاثا وثلاثين وقل: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي، بيده الخير وله إختلاف الليل والنهار، وهو على كل شيء قدير» - عشر مرات -.

* الشرح:

قوله: (اجعل مسباحا) هو اسم لما يسبح به ويعلم عدده كالمفتاح لما يفتح به والمسبار لما يسبر به الجرح أي يمتحن غوره.

(وله إختلاف الليل والنهار) أي تعاقبهما أو إختلاف مقدارهما باعتبار دخول كل منهما في

ص:356

الآخر في وقتين بل في وقت واحد من جهتين.

* الأصل:

8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه أتاه ابن له ليلة فقال له: يا أبه اريد أن أنام، فقال: يا بني قل: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، أعوذ بعظمة الله وأعوذ بعزة الله وأعوذ بقدرة الله وأعوذ بجلال الله وأعوذ بسلطان الله، إن الله على كل شيء قدير وأعوذ بعفو الله وأعوذ بغفران الله وأعوذ برحمة الله من شر السامة والهامة ومن شر كل دابة صغيرة أو كبيرة بليل أو نهار ومن شر فسقة الجن والإنس ومن شر فسقة العرب والعجم ومن شر الصواعق والبرد، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك» قال معاوية: فيقول الصبي الطيب عند ذكر النبي: [الطيب] المبارك، قال: نعم يا بني الطيب المبارك.

* الشرح:

قوله: (وأعوذ برحمة الله من شر السامة والهامة) في مصباح اللغة الهامة ما له سم يقتل كالحية قاله الأزهري والجمع الهوام مثل دابة ودواب، وقد يطلق الهوام على ما لا يقتل كالحشرات ومنه حديث كعب بن عجرة وقد قال (عليه السلام): «أيؤذيك هوام رأسك» والمراد القمل على الاستعارة بجامع الأذى، والسامة من الخشاش ما يسم ولا يقتل بسمه كالعقرب والزنبور وهي اسم فاعل، والجمع سوام مثل دابة ودواب.

قوله: (قال معاوية: فيقول الصبي الطيب عند ذكر النبي: [الطيب] المبارك) قوله فيقول استفهام والإخبار بعيد والطيب اما منصوب على انه مقول القول، أو مرفوع على أنه صفة للصبي، والمبارك على الأول صفة للنبي وعلى الثاني مقول القول.

(قال: نعم يا بني الطيب المبارك) أي قل الطيب المبارك عند ذكر النبي فقل: «اللهم صل على محمد الطيب المبارك عبدك ورسولك».

* الأصل:

9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن مفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) إن استطعت أن لا تبيت ليلة حتى تعوذ بأحد عشر حرفا؟ قلت: أخبرني بها؟ قال: قل «أعوذ بعزة الله وأعوذ بقدرة الله وأعوذ بجلال الله وأعوذ بسلطان الله وأعوذ بجمال الله وأعوذ بدفع الله وأعوذ بمنع الله وأعوذ بجمع الله وأعوذ بملك الله وأعوذ بوجه الله وأعوذ برسول

ص:357

الله (صلى الله عليه وآله) من شر ما خلق وبرأ وذرأ». وتعوذ به كلما شئت.

10 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن خالد بن نجيح قال:

كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا أويت إلى فراشك فقل: «بسم الله وضعت جنبي الأيمن [لله] على ملة إبراهيم حنيفا لله مسلما وما أنا من المشركين».

* الشرح:

قوله: (فقل بسم الله وضعت جنبي الأيمن لله) قد تواترت الروايات معنى من طرق الخاصة والعامة على استحباب النوم على الجنب الأيمن. قال عياض: لما في التيامن من البركة وفي اسمه الخير، وأيضا في النوم على الأيمن سرعة التيقظ لأن القلب في الجانب الأيسر، فإذا نام كذلك يبقى القلب معلقا إلى جهة الأيمن وإذا نام على الأيسر إستغرقه النوم ولا ينتبه إلا بعد حين، وأما الدعاء المذكور فلأنه تجديد عهد إذ قد يموت في نومته تلك.

* الأصل:

11 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن حسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام أحدكم من الليل فليقل: «سبحان رب النبيين وإله المرسلين ورب المستضعفين والحمد لله الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير». يقول الله عزوجل: صدق عبدي وشكر.

* الشرح:

قوله: (ورب المستضعفين) المروي انهم الأئمة (عليهم السلام) والتعميم ممكن.

* الأصل:

12 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قمت بالليل من منامك فقل: «الحمد لله الذي رد علي روحي لأحمده وأعبده» فإذا سمعت صوت الديك فقل: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبقت رحمتك غضبك، لا إله إلا أنت وحدك، عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فإذا قمت فانظر في آفاق السماء وقل: «اللهم لا يواري منك ليل داج ولا سماء ذات أبراج ولا أرض ذات مهاد ولا ظلمات بعضها فوق بعض، ولا بحر لجي تدلج بين يدي المدلج من خلقك، تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم لا تأخذك سنة ولا نوم سبحان ربي رب العالمين وإله المرسلين والحمد لله رب العالمين».

ص:358

* الشرح:

قوله: (فإذا سمعت صوت الديك فقل: سبوح قدوس) في النهاية يرويان بالضم والفتح أقيس والضم أكثر استعمالا وهما من أبنية المبالغة والمراد بهما التنزيه عن العيوب والنقايص ومن طريق العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «إذا سمعتم صياح الديك فاسألوا الله من فضله فانها رأت ملكا» قال عياض: إنما أمرنا بالدعاء حينئذ لتؤمن الملائكة وتستغفر وتشهد للداعي بالتضرع والإخلاص، وقال القرطبي ولرجاء القبول.

(فانظر إلى آفاق السماء) أي ما ظهر من نواحيها والنظر اما لملاحظة الوقت أو لمشاهدة عظمة آثار الرب (وقل اللهم لا يواري منك ليل داج) الداجي المظلم وفي مفتاح الشيخ «ساج» من سجى بمعنى ركد واستقر، والمعنى لا يستر عنك ليل مظلم أو ليل راكد ظلامه مستقر قد بلغ الغاية في الظلمة (ولا سماء ذات أبراج) فسرت بالبروج الإثنى عشر التي تسير فيها السيارات وتكون فيها الثوابت وبمنازل القمر وبالكواكب العظام وبأبواب السماء.

(ولا أرض ذات مهاد) الظاهر أن مهادا هنا جمع مهد أو مهدة (1) بالضم فيهما وهو ما ارتفع من الأرض أو ما انخفض منها في سهولة واستواء، والمعنى لا يستر عنك أرض ذات أتلال عالية وجبال راسية أو ذات أقطاع مستقيمة ممهدة وأمكنة مستوية ومنبسطة (ولا ظلمات بعضها فوق بعض) فلا يستر عنك شيء وان دق واحتجب بحجب ظلمانية كحسيس نملة على سطح صخرة في ليل مظلم مع سحاب متراكم (ولا بحر لجي) أي بحر عظيم متلاطم كثير الماء بعيد الغور منسوب إلى اللج، أو اللجة بضم اللام فيهما وشد الجيم وهو معظم الماء ويجوز كسر اللام في لجي باتباع الجيم (تدلج بين يدي المدلج من خلقك) أدلج بتخفيف الدال إذا سار في الليل كله أو في أوله أو في آخره وبتشديدها إذا سار في آخره ومعناه تتوجه إلى من يتوجه إليك وتتقرب إلى من يتقرب منك بالفرائض والنوافل، نظير ما روي «من يقرب إلي شبرا تقربت إليه باعا» ثم ان التقرب والتوجه الحسيين محالان على الله سبحانه لأنهما من خواص الحيوانات فهما كنايتان عن الإثابة والرعاية والهداية والمحافظة والإحسان وأنواع الإكرام. وقال الشيخ في المفتاح معناه ان رحمتك وتوفيقك وإعانتك لمن توجه إليك وعبدك صادرة عنك قبل توجهه وعبادته لك إذ لولا رحمتك وتوفيقك وإيقاعك ذلك في قلبه لم يخطر ذلك بباله فكأنك سريت إليه قبل أن يسري هو إليك.

ص:359


1- (1) وفعل بالضم يجمع على فعال بالكسر وأفعال وفعول وفعله بكسر الفاء وفتح العين كخف على خفاف وقرء على أقراء وقروء وقرط على قرطة وفعله يجمع على فعال كبرمة على برام، وأما المهاد بمعنى البساط والفراش فهو مفرد يجمع على أمهدة ومهد كحمار على أحمرة وحمر (منه (رحمه الله)).

(تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) الخائنة اما مصدر كالكافية والعاقبة أو اسم فاعل أي تعلم خيانة الأعين وهي النظر إلى ما لا يجوز والغمز بها أو تعلم النظر الخائنة الصادرة منها، وخفايا الصدور مخاطراتها ومضمراتها.

(غارت النجوم) أي أخذت في الهبوط وشرعت في السقوط، أو غربت وكان المراد بالنجوم النجوم التي طلعت في أول الليل (ونامت العيون) كأنه تأسف عن الغفلة عن مشاهدة هذا الصنع الغريب والتدبير العجيب.

(وأنت الحي القيوم) أي الفعال المدرك للأشياء كما هي والقائم على كل شيء برعايته وحفظه وإصلاحه وتدبيره وفيه حث على إدراك لذة المناجاة وتحصيل أسباب النجاة في هذه الأوقات (لا تأخذك سنة ولا نوم) قدم السنة وهو مبادي النوم عليه كما قدمه عزوجل في كتابه الكريم مع أن القياس في النفي الترقي من الأعلى إلى الأدنى لتقدمها عليه طبعا فوقع الترتيب في النفي على نحو وقوعه عند عروضه للحيوان.

* الأصل:

13 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج: قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا قام آخر الليل يرفع صوته حتى يسمع أهل الدار ويقول: «اللهم أعني على هول المطلع ووسع علي ضيق المضجع وارزقني خير ما قبل الموت وارزقني خير ما بعد الموت».

* الشرح:

قوله: (اللهم أعني على هول المطلع) المطلع بتشديد الطاء وفتح اللام مكان الإطلاع من مكان عال وموضعه من إشراف إلى إنحدار، وفي النهاية: المراد به موقف القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال.

* الأصل:

14 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه رفعه قال: تقول إذا أردت النوم: «اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها».

15 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد، جميعا، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أبي اسامة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة حين يأخذ مضجعه غفر له ما عمل قبل ذلك

ص:360

خمسين عاما، وقال يحيى: فسألت سماعة، عن ذلك فقال: حدثني أبو بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول ذلك، وقال: يا أبا محمد أما إنك إن جربته وجدته سديدا.

* الشرح:

قوله: (وقال يا أبا محمد أما أنك ان جربته وجدته سديدا) فاعل قال أبو بصير وأبو بصير كنية لسماعة بن مهران، ويفهم منه أن لقاريها على العدد المذكور إذا واظبها تحصل حالات غريبة وكمالات عجيبة يجدها الذوق ويدركها الشوق ولا يبعد اجراء مثل هذا الحكم في غيرها من الأدعية المأثورة عن أهل العصمة (عليهم السلام) والله أعلم.

* الأصل:

16 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمد، جميعا عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا آوى إلى فراشه قال:

«اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت» فإذا قام من نومه قال: «الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور». وقال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من قرأ عند منامه آية الكرسي ثلاث مرات والآية التي في آل عمران: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة). وآية السخرة وآية السجدة وكل به شيطانان يحفظانه من مردة الشياطين، شاؤوا أو أبوا ومعهما من الله ثلاثون ملكا يحمدون الله عزوجل ويسبحونه ويهللونه ويكبرونه ويستغفرون له إلى أن ينتبه ذلك العبد من نومه وثواب ذلك له.

* الشرح:

قوله: (قال اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت) قيل معناه بك يكون ذلك فالاسم هو المسمى كقوله تعالى: (سبح اسم ربك) فان المنزه هو المسمى، وقيل: من أسمائه تعالى المحيي والمميت ومعنى كل اسم من أسمائه واجب له فهو سبحانه يحيي ويميت لا يتصف غيره بذلك فكأنه قال: باسمك المحيي أحيى وباسمك المميت أموت.

(الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني) حمده بالإحياء لأن الإحياء نعمة يستحق الحمد به (وإليه النشور) السابق دليل عليه لأن الإحياء بعد موت النوم نشور أصغر يمكن الإستدلال به على النشور الأكبر فلذلك ذكره بعده.

قوله:: ((شهد الله أنه لا إله إلا هو)) بنصب الآثار الدالة على توحيده فان كل ذرة من ذرات العالم شاهدة عليه، أو بإنزال الآيات الدالة عليه، أو بقوله في القرآن الكريم: (أنا الله لا إله إلا أنا)

ص:361

(وآية السخرة) (عليهم السلام) (ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) - إلى آخرها وإنما سميت سخرة لدلالتها على تسخير الله تعالى للأشياء وتذليلها (وآخر السجدة): (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ألا أنهم في مرية من لقاء ربهم ألا انه بكل شيء محيط).

(وكل به شيطانان يحفظانه من مردة الشياطين) هذا من جملة تسخيراته تعالى حيث جعل عدو وليه حافظا له (شاؤوا أو أبوا) أي شاء الشيطانان أو المردة حفظه أو أبوا وكرهوا وضمير الجمع على الأول باعتبار أن الاثنين أقله ومثل هذه العبارة شايع فيمن فعل فعلا وهو ثقيل عليه (وثواب ذلك له) هذا لا ينافي قوله تعالى: (أن ليس للإنسان إلا ما سعى) لأن ذلك من آثار سعيه كما أن الخيرات الصادرة من المؤمنين من آثار سعيه وإيمانه.

* الأصل:

17 - أحمد بن محمد الكوفي، عن حمدان القلانسي، عن محمد بن الوليد، عن أبان، عن عامر بن عبيد الله بن جذاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من أحد يقرأ آخر الكهف عند النوم إلا تيقظ في الساعة التي يريد.

* الشرح:

قوله:: (ما من أحد يقرأ آخر الكهف): (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى) - إلى آخر السورة وكونه سببا للتيقظ أمر مجرب.

* الأصل:

18 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): من أراد شيئا من قيام الليل وأخذ مضجعه فليقل: «[بسم الله] اللهم لا تؤمني مكرك ولا تنسني ذكرك ولا تجعلني من الغافلين، أقوم ساعة كذا وكذا». إلا وكل الله عزوجل به ملكا ينبهه تلك الساعة.

* الشرح:

قوله: (اللهم لا تؤمني مكرك) أصل المكر الخداع وهو على الله سبحانه محال وإذا نسب إليه تعالى يراد به الإستدراج أو الجزاء بالغفلات والإيقاع بالبليات والعقوبة بالسيئات (ولا تنسني ذكرك) نسيان العبد ذكره تعالى لازم لسلب اللطف والتوفيق والنصرة والإعانة عنه فقصد بنفي اللازم نفي الملزوم من باب الكناية (ولا تجعلني من الغافلين) عن ذكرك وطاعتك بالإمداد والتوفيق لها.

ص:362

باب الدعاء إذا خرج الإنسان من منزله

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي حمزة قال:

رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يحرك شفتيه حين أراد أن يخرج وهو قائم على الباب، فقلت: [إني] رأيتك تحرك شفتيك حين خرجت فهل قلت شيئا؟ قال: نعم إن الإنسان إذا خرج من منزله قال حين يريد أن يخرج: الله أكبر، الله أكبر - ثلاثا - «بالله أخرج وبالله أدخل وعلى الله أتوكل» - ثلاث مرات - «اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير وأختم لي بخير، وقني شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها (إن ربي على صراط مستقيم) لم يزل في ضمان الله عزوجل حتى يرده إلى المكان الذي كان فيه.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب، عن أبي حمزة مثله.

* الشرح:

قوله: (الله أكبر، الله أكبر - ثلاثا -) أي قال: الله أكبر ثلاث مرات. (بالله أخرج) أي أخرج مستعينا بذاته أو متبركا باسمه.

(وعلى الله أتوكل) في الخروج والدخول وفي جميع الامور (وثلاث مرات) أي قال الكلمات الثلاثة المذكورة ثلاث مرات (اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير واختم لي بخير) أراد أن يكون خير الابتداء متصلا بخير الانتهاء، أو طلب الخير في الذهاب والخير في العود (وقني شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها) الوصف للتوضيح والتعميم والإشارة إلى الترقب بحصول الوقاية بل إلى تحققها. (ان ربي على صراط مستقيم) في ذكر قيامه على الحق وهو الصراط المستقيم توقع لنصرته على طاعته وتوفيقه له.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي قال: أتيت على باب علي بن الحسين (عليهما السلام) فوافقته حين خرج من الباب فقال: «بسم الله آمنت بالله وتوكلت على الله». ثم قال: يا أبا حمزة إن العبد إذا خرج من منزله عرض له الشيطان فإذا قال: «بسم الله» قال الملكان: كفيت فإذا قال: «آمنت بالله» قالا: هديت، فإذا

ص:363

قال: «توكلت على الله» قالا: وقيت، فيتنحى الشيطان فيقول بعضهم لبعض: كيف لنا بمن هدي وكفي ووقي؟ قال: ثم قال: «اللهم إن عرضي لك اليوم» ثم قال: يا أبا حمزة إن تركت الناس لم يتركوك وإن رفضتهم لم يرفضوك، قلت: فما أصنع قال: أعطهم [من] عرضك ليوم فقرك وفاقتك.

* الشرح:

قوله: (فوافقته) بتقديم الفاء على القاف أي صادفته وفاجأت لقاءه (فقال: بسم الله) أي أمشي أو أخرج أو أطلب الحاجة مستعينا ومتبركا أو متوسلا بذاته أو باسمه إذ لإسمه من الآثار والخواص ما لايعده العادون، ولا يبلغه الواصفون، ولا يدركه العارفون (آمنت بالله) إقرار بإيمان ثابت، والإقرار به من كمال الإيمان أو جزئه كما بينا في موضعه أو بإيمان حادث بأن الحافظ مطلقا خصوصا في السفر وبعد الخروج من المنزل هو الله تعالى (وتوكلت على الله) أي فوضت اموري كلها إليه خصوصا الخروج وما يرد بعده.

(ثم قال: اللهم ان عرضي لك اليوم) العرض بالكسر في النهاية العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره، وقيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب، وقال ابن قتيبة: عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير (ثم قال:

يا أبا حمزة ان تركت الناس لم يتركوك وان رفضتهم لم يرفضوك) المراد بالترك ترك المحاورة معهم والوقيعة فيهم وبالرفض الاعتزال عنهم وعدم المجالسة معهم وليس المقصود من الشرط هنا ثبوت الجزاء عند ثبوته وانتفاؤه عند انتفائه كيف وترتبه على نقيض الشرط أولى من ترتبه على الشرط، بل المقصود أن الجزاء لازم الوجود في جميع الأوقات لأنه إذا ترتب على وجود الشرط وكان ترتبه على نقيضه أولى يفهم استمرار وجوده سواء وجد الشرط أو لم يوجد فيكون متحققا دائما.

(قلت) إذا كان الناس كذلك (فما أصنع) معهم (قال أعطهم من عرضك ليوم فقرك وفاقتك) يعني إذا ذموك وعابوك فلا تجازهم فان ذلك يوجب زيادة خشونتهم وذمهم بل أعطهم من عرضك على سبيل القرض في ذمتهم لتستوفيه منهم يوم حاجتك في القيامة.

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي حمزة قال:

استأذنت على أبي جعفر (عليه السلام) فخرج إلي وشفتاه تتحركان فقلت له، فقال: أفطنت لذلك يا ثمالي؟ قلت: نعم جعلت فداك. قال: إني والله تكلمت بكلام ما تكلم به أحد قط إلا كفاه الله ما أهمه

ص:364

من أمر دنياه وآخرته، قال: قلت له: أخبرني به قال: نعم من قال حين يخرج من منزله: «بسم الله حسبي الله توكلت على الله، اللهم إني أسألك خير اموري كلها وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة» كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته.

4 - عنه، عن علي بن الحكم، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من قال حين يخرج من باب داره: «أعوذ بما عاذت به ملائكة الله من شر هذا اليوم الجديد الذي إذا غابت شمسه لم تعد من شر نفسي ومن شر غيري ومن شر الشياطين ومن شر من نصب لأولياء الله ومن شر الجن والإنس ومن شر السباع والهوام ومن شر ركوب المحارم كلها، اجير نفسي بالله من كل شر» غفر الله له وتاب عليه وكفاه الهم وحجزه عن السوء وعصمه من الشر.

* الشرح:

قوله: (أعوذ بما عاذت به ملائكة الله) أي أعوذ بأسمائه الحسنى، وفي الفقيه: «أعوذ بالله مما عاذت منه ملائكة الله» والموصول فيه عبارة عن المعصية والمخالفة. واستعاذة الملائكة تدل على إقتدارهم على المخالفة وان لم يقع كما في الأنبياء وحملها على التواضع والتذلل ممكن (ومن شر الشياطين) تفسير وتفصيل لقوله: «ومن شر غيره» لأنه مجمل شامل لجميع ما بعده (ومن شر من نصب لأولياء الله) أي نصب حربا وعداوة ويندرج في الأولياء الشيعة.

(غفر الله له) أي ذنوبه كلها كما هو الظاهر وهو خبر لمن قال.

(وتاب عليه) أي وفقه للتوبة وعدم العود إلى الذنوب وقبل توبته منها (وكفاه الهم) هم الدنيا والآخرة، أو هم ما أراده بخروجه (وحجزه عن السوء) بعد الخروج في الحضر والسفر أو في عمره (وعصمه من الشر كذلك) ولعل المراد بالسوء المكاره الزمانية والنوائب اليومية، وبالشر المعاصي والشرور الحيوانية والزلات النفسانية.

* الأصل:

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

إذا خرجت من منزلك فقل: «بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أسألك خير ما خرجت له وأعوذ بك من شر ما خرجت له اللهم أوسع علي من فضلك وأتمم علي نعمتك واستعملني في طاعتك واجعل رغبتي فيما عندك وتوفني على ملتك وملة رسولك (صلى الله عليه وآله)».

* الشرح:

قوله: (اللهم أوسع علي من فضلك) «من» للتعليل أو ابتدائية (وأتمم علي نعمك) نعمه تعالى على العباد غير محصورة وكل واحدة منها دنيوية أو اخروية قابلة للزيادة إلى أن تبلغ

ص:365

حد التمام والكمال والله سبحانه يحب أن يسأله العبد إتمامها على وجه التضرع والابتهال (واستعملني في طاعتك) بالتوفيق لها والإعانة عليها (واجعل رغبتي فيما عندك) من السعادة والكرامة والجنة ونعيمها بصرف القلب إلى ما يوجب الوصول إليها.

(وتوفني على ملتك) بالثبات عليها وحسن العاقبة وهو أمر يخاف من فوته العارفون فضلا عن غيرهم.

* الأصل:

6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن أبي خديجة قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا خرج يقول: «اللهم بك خرجت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت، اللهم بارك لي في يومي هذا وارزقني فوزه وفتحه ونصره وطهوره وهداه وبركته واصرف عني شره وشر ما فيه، بسم الله وبالله والله أكبر والحمد لله رب العالمين، اللهم إني قد خرجت فبارك لي في خروجي وأنفعني به». قال: وإذا دخل في منزله قال ذلك.

* الشرح:

قوله: (اللهم بك خرجت) أي خرجت مستعينا بك في اموري أو متمسكا بحولك وقوتك لا بحولي وقوتي (ولك أسلمت) اللام إما للتعليل أو للاختصاص والإسلام إما بمعنى الدخول في الدين وقبوله أو بمعنى الإذعان والانقياد.

(وعليك توكلت) في اموري كلها لتكفيني وتتولى إصلاحها (واصرف عني شره وشر ما فيه) لعل المراد بشره البلايا النازلة فيه من قبل الله تعالى. وبشر ما فيه شر المخلوقات (وإذا دخل في منزله قال ذلك) بتغيير ما على الظاهر بأن يقول: بك دخلت إني قد دخلت فبارك لي في دخولي.

* الأصل:

7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن الرضا (عليه السلام) قال: كان أبي (عليه السلام) إذا خرج من منزله قال: «بسم الله الرحمن الرحيم، خرجت بحول الله وقوته لا بحول مني ولا قوتي بل بحولك وقوتك يا رب متعرضا لرزقك فأتني به في عافية».

* الشرح:

قوله: (بل بحولك وقوتك) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب والوجه فيه كما في: (إياك نعبد). (فأتني به في عافية) لك أن تجعل الظرفية مجازية بتشبيه ملابسة رزقه للعافية في الاجتماع معها بملابسة المظروف للظرف فيكون لفظة «في» استعارة تبعية ولك أن تعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الرزق والعافية ومصاحبة أحدهما الآخر بالهيئة المنتزعة من المظروف والظرف وإصطحابهما فيكون الكلام استعارة تمثيلية تركب كل من ظرفيها لكنه لم يصرح من الألفاظ التي

ص:366

بإزاء المشبه به إلا بكلمة «في» فان مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة وما عداه تبع له يلاحظ معه في ضمن ألفاظ منوية فلا يكون لفظة «في» استعارة بل هي على معناها الحقيقي، ولك أن تشبه العافية بما يكون محلا وظرفا للشيء على طريقة الاستعارة بالكناية ويكون ذكر كلمة «في» قرينة وتخييلا.

* الأصل:

8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر بن يزيد قال:

قال أبو عبد الله (عليه السلام): من قرأ قل هو الله أحد حين يخرج من منزله عشر مرات لم يزل في حفظ الله عزوجل وكلائته حتى يرجع إلى منزله.

* الشرح:

قوله: (لم يزل في حفظ الله وكلائته) الكلاء بالكسر والمد الحفظ والحراسة وفعله كمنع وقد تخفف همزتها وتقلب ياء.

* الأصل:

9 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم، عن صباح الحذاء قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): إذا أردت السفر فقف على باب دارك واقرأ فاتحة الكتاب أمامك وعن يمينك وعن شمالك وقل هو الله أحد أمامك وعن يمينك وعن شمالك وقل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق أمامك وعن يمينك وعن شمالك. ثم قل: «اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي بلاغا حسنا» ثم قال: أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ويسلم ولا يسلم ما معه ويبلغ ولا يبلغ ما معه.

* الشرح:

قوله: (فقف على باب دارك) تلقاء الوجه الذي تتوجه إليه كما هو المذكور في الفقيه (واقرأ فاتحة الكتاب أمامك) قيل ليس فيه النفث كما ذكره بعض بل الأحوط تركه لتشبهه بالسحر كما في قوله تعالى: (من شر النفاثات في العقد).

(اللهم احفظني واحفظ ما معي) من الآفات والبليات والمكاره الجسمانية والروحانية (وسلمني وسلم ما معي) الظاهر أنه تأكيد لما قبله وهو كثير في الأدعية والقول بأن معناه سلمني من المعصية والمخالفة وتخصيص الموصول بالخدم والعبيد بعيد كتخصيص الحفظ بالحفظ عن المكاره الأرضية وتخصيص التسليم بالتسليم عن الآفات السماوية (وبلغني وبلغ ما معي بلاغا حسنا) أي بلغني وما معي إلى المقصود والمكان المقصود تبليغا حسنا بلا نقص ولا تعب، والبلاغ إما بالفتح وهو اسم لما يتبلغ ويتوسل به إلى المقصود والمراد به هنا التبليغ بإقامة الاسم مقام

ص:367

المصدر كما في قولك: أعطيته عطاء، وبالكسر للمبالغة في التبليغ من بالغ الأمر مبالغة وبلاغا إذا اجتهد فيه ولم يقصر.

(ويسلم ولا يسلم ما معه) هذا الفعل وما بعده من الأفعال إما مجرد معلوم من السلامة أو مزيد مجهول من التسليم.

* الأصل:

10 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد، عن غير واحد، عن أبان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه كان إذا خرج من البيت قال: «بسم الله خرجت وعلى الله توكلت. لا حول ولا قوة إلا بالله».

* الشرح:

قوله: (إذا خرج من البيت) في سفر أو حضر كما في الخبر الآتي.

* الأصل:

11 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم، عن صباح الحذاء، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: يا صباح لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا قام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ الحمد أمامه وعن يمينه وعن شماله، والمعوذتين أمامه وعن يمينه وعن شماله وقل هو الله أحد أمامه وعن يمينه وعن شماله وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله، ثم قال:

«اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل». لحفظه الله وحفظ ما معه وسلمه وسلم ما معه وبلغه وبلغ ما معه، أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ويبلغ ولا يبلغ ما معه ويسلم ولا يسلم ما معه.

12 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل: «بسم الله آمنت بالله توكلت على الله، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله». فتلقاه الشياطين فتنصرف وتصرف الملائكة وجوهها وتقول: ما سبيلكم عليه وقد سمى الله وآمن به وتوكل عليه وقال: «ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله».

* الشرح:

قوله: (فتلقاه الشياطين) لاغوائه وإضراره (فتنصرف وتصرف الملائكة وجوهها) هذه الرواية بعينها في الفقيه وفيه: «فتلقاه الشياطين وتضرب الملائكة وجوهها» وهو أظهر.

ص:368

باب الدعاء قبل الصلاة

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: من قال هذا القول كان مع محمد وآل محمد إذا قام قبل أن يستفتح الصلاة: «اللهم إني أتوجه إليك بمحمد وآل محمد واقدمهم بين يدي صلاتي وأتقرب بهم إليك فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، مننت علي بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم، فإنها السعادة واختم لي بها، فإنك على كل شيء قدير»، ثم تصلي فإذا انصرفت قلت: «اللهم اجعلني مع محمد وآل محمد في كل عافية وبلاء واجعلني مع محمد وآل محمد في كل مثوى ومنقلب، اللهم اجعل محياي محياهم ومماتي مماتهم واجعلني معهم في المواطن كلها ولا تفرق بيني وبينهم، إنك على كل شيء قدير».

* الشرح:

قوله: (من قال هذا القول كان مع محمد وآل محمد إذا قام من قبل أن يستفتح الصلاة) من متعلق بقال. وإذا قام ظرف له على الظاهر أو لكان على احتمال، والمراد بالقيام على الأول القيام للصلاة، وعلى الثاني القيام للنشور.

(اللهم إني أتوجه إليك) أي أقبل بظاهري وباطني إليك (بمحمد وآل محمد) الباء للسببية أو الاستعانة (وأقدمهم بين يدي صلاتي) الصلاة هدية وتحفة من العبد إلى الله تعالى ولابد في إيصالها إليه وقبوله لها من توسطهم (عليهم السلام) كما يتوسل مقرب السلطان في إيصال التحف إليه.

(وأتقرب بهم إليك) أي أتقرب بتوسطهم أو بتصديقهم ومتابعتهم إليك (فاجعلني بهم) أي بسبب تصديقهم ومتابعتهم أو بسبب توجههم وإقبالهم.

(وجيها) أي ذا جاه ومنزلة، والوجيه سيد القوم (في الدنيا والآخرة) أما في الدنيا فبالعلم والعمل والتمسك بالسنة النبوية والطريقة العلوية وأما في الآخرة فبالمقامات الرفيعة والدرجات العلية (ومن المقربين) منك ومنهم والقرب درجة فوق الدرجات وفيها توجد أنواع من التفضلات والتكريمات وإليها يرشد قوله: (ولدينا مزيد).

ص:369

(مننت علي بمعرفتهم) أي بتصديقهم وهذه المنة سبب لقوله إني أتوجه إليك إلى آخره ولذا ترك العطف لما بينهما من كمال الاتصال والإستئناف محتمل (فاختم لي بطاعتهم) في الأقوال والأعمال والعقائد كما قلت: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم).

(ومعرفتهم وولايتهم) طلب الختم بهذه الامور والخروج من الدنيا عليها لأن معرفتهم بدونها وهي المعرفة المستودعة الزائلة عند الموت لا تنفع ولذلك تجد العارفين متضرعين في طلب حسن العاقبة (فأنها السعادة) الضمير راجع إلى الطاعة والمعرفة والولاية وتعريف الخبر بالحصر الدال على أن ما سواها وهو المعرفة الغير الثابتة ليست بسعادة.

(اختم لي بها) أي بما ذكر من الامور الثلاثة وبالسعادة والمآل واحد وهذا تأكيد للسابق للمبالغة والاهتمام ببقائها وثباتها (اللهم اجعلني مع محمد وآل محمد في كل عافية وبلاء) طلب ذلك لأن المعرفة التامة والمتابعة الكاملة والمحبة الصادقة تقتضي المشاركة في العافية والبلاء والشدة والرخاء (واجعلني مع محمد وآل محمد في كل مثوى ومنقلب) أي في كل محل أقاموا فيه وكل مقام انقلبوا فيه أو في كل إقامة وسكون وكل انقلاب وحركة وبالجملة طلب أن تكون حركاته وسكونه موافقة لحركاتهم وسكونهم ولولا ذلك لدخل النقص في المتابعة ووقع الفراق بين المحب والمحبوب في الجملة.

(اللهم اجعل محياي محياهم ومماتي مماتهم) المحيا والممات مفعل من الحياة والموت ويقعان على المصدر والزمان والمكان والأول أظهر. المعنى اجعل حياتي مثل حياتهم في التعرض للخيرات والأعمال الصالحات وموتي مثل موتهم في استحقاق الرضوان والغفران والدرجات والشفاعات وقيل المحيا الخيرات التي تقع في حال الحياة منجزة، والممات الخيرات التي تصل إلى الشخص بعد الموت كالتدبير والوصية بشيء وغير ذلك مما ينتفع به الناس.

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا رفعه قال: تقول قبل دخولك في الصلاة: «اللهم إني اقدم محمدا نبيك (صلى الله عليه وآله) بين يدي حاجتي وأتوجه به [إليك] في طلبتي فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، اللهم اجعل صلاتي بهم متقبلة وذنبي بهم مغفورا ودعائي بهم مستجابا يا أرحم الراحمين».

* الأصل:

3 - عنه، عن أبيه، عن عبد الله بن القاسم، عن صفوان الجمال قال: شهدت أبا عبد الله (عليه السلام) استقبل القبلة قبل التكبير وقال: «اللهم لا تؤيسني من روحك ولا تقنطني من رحمتك ولا تؤمني

ص:370

مكرك فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون» قلت: جعلت فداك ما سمعت بهذا من أحد قبلك، فقال: إن من أكبر الكبائر عند الله اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله.

* الشرح:

قوله: (اللهم لا تؤيسني من روحك) اليأس القنوط أيأسته وآيسته قنطته والروح بالفتح الراحة والنسيم الطيبة والرحمة والأولان أولى بالإرادة هنا تحرزا عن التكرار والمراد بهما نسيم الجنة والراحة فيها والقنوط منهما ومن الرحمة بسبب المعصية وان كانت عظيمة بعد الإيمان كفر بالله العظيم كما نطق به القرآن الكريم: (ولا تؤمني مكرك) كالإستدراج ونحوه مثل أن يسكن قلبه ولا يخاف عقوبته من المعصية ويعتقد أنه مغفور قطعا فان ذلك تكذيب للوعيد وليس هذا من باب حسن الظن بالله فان حسن الظن به أن يعمل ويستغفر ويظن أنه مقبول وقد مر تفصيل ذلك في شرح كتاب الكفر والإيمان.

ص:371

باب الدعاء في أدبار الصلوات

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي عبد الله البرقي، عن عيسى بن عبد الله القمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول إذا فرغ من الزوال «اللهم إني أتقرب إليك بجودك وكرمك وأتقرب إليك بمحمد عبدك ورسولك وأتقرب إليك بملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وبك، اللهم أنت الغني عني وبي الفاقة إليك، أنت الغني وأنا الفقير إليك أقلتني عثرتي وسترت علي ذنوبي فاقض اليوم حاجتي ولا تعذبني بقبيح ما تعلم مني، بل عفوك وجودك يسعني» قال: ثم يخر ساجدا ويقول: «يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة يا بر يا رحيم؟ أنت أبر بي من أبي وامي ومن جميع الخلائق أقلبني بقضاء حاجتي مجابا دعائي، مرحوما صوتي، قد كشفت أنواع البلاء عني».

* الشرح:

قوله: (يقول إذا فرغ من الزوال) الظاهر انه فريضة الظهر والنافلة محتملة (اللهم إني أتقرب إليك بجودك وكرمك) لا بعملي وطاعتي، وفيه اعتراف بالتقصير وتوسل بأشرف الوسائل للتقرب فان الجود والكرم على الإطلاق يقتضيان إعطاء السائل ما سأله.

(ثم يقول يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة) وهو تعالى أهل لأن يتقى من عقوبته ومخالفته وأهل لأن يغفر ذنوب عباده.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الصباح بن سيابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال إذا صلى المغرب ثلاث مرات: «الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره» اعطي خيرا كثيرا.

* الشرح:

قوله: (الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره) مر تفسيره بوجهين (أعطى خيرا كثيرا) في الدنيا والآخرة والخير كلي شامل لأنواع الخيرات المطلوبة فيهما.

ص:372

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، رفعه قال: يقول بعد العشائين:

«اللهم بيدك مقادير الليل والنهار ومقادير الدنيا والآخرة ومقادير الموت والحياة ومقادير الشمس والقمر ومقادير النصر والخذلان ومقادير الغنى والفقر، اللهم بارك لي في ديني ودنياي وفي جسدي وأهلي وولدي، اللهم ادرأ عني شر فسقة العرب والعجم والإنس، واجعل منقلبي إلى خير دائم ونعيم لا يزول».

* الشرح:

قوله: (اللهم بيدك مقادير الليل والنهار) اليد كناية عن القدرة والحفظ والأمر، والمقدار مبلغ الشيء المقدر بتقدير معين يعني تقدير الليل والنهار بمقادير مخصوصة مختلفة وتعاقبهما واختلافهما طولا وقصرا وزيادة ونقصانا وظلمة وضياء إنما هو منوط بقدرتك وإختيارك.

(ومقادير الدنيا والآخرة) بانقطاع الاولى وتغير أحوالها ودوام الثانية وثبات درجاتها ودركاتها ومقدار اجورها وعقوباتها (ومقادير الموت والحياة) بتفاوت الأسباب والأعمار المقدرة على وفق الحكمة (ومقادير الشمس والقمر) على تفاوت الحركات والأنوار والزيادة والنقصان والطلوع والغروب والخسوف والكسوف والاقتران والافتراق (ومقادير النصر والخذلان) على تفاوت مراتبهما للمؤمنين والكافرين.

(ومقادير الغنى والفقر) في الكمية والكيفية والزيادة والنقصان كل ذلك لحكمة مقتضية له، وفيه رد على الملاحدة والدهرية والفرق المبتدعة الناسبة إيجاد السفليات وأكثر العلويات إلى غيره تعالى وعلى كل من نسب الإيجاب إليه تعالى إذ الموجب لا يصدر عنه أفعال مختلفة متضادة تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

(اللهم بارك لي في ديني) أي زد لي في ديني بالعلم والعمل بما فيه أو أثبت وأدم لي ما أعطيتني في ديني من التشريف والكرامة بمتابعة رسولك وأوليائك (واجعل منقلبي إلى خير دائم) المنقلب بضم الميم وفتح اللام اسم مكان أو مصدر والأخير هو المراد هنا بقرينة تعديته ب «إلى».

* الأصل:

4 - عنه، عن بعض أصحابه، رفعه، قال: من قال بعد كل صلاة وهو آخذ بلحيته بيده اليمنى:

«يا ذا الجلال والإكرام ارحمني من النار» - ثلاث مرات - ويده اليسرى مرفوعة وبطنها إلى ما يلي

ص:373

السماء ثم يقول: «أجرني من العذاب الأليم». [ثلاث مرات] ثم يؤخر يده عن لحيته، ثم يرفع يده ويجعل بطنها مما يلي السماء، ثم يقول: «يا عزيز يا كريم يا رحمن يا رحيم». ويقلب يديه ويجعل بطونهما مما يلي السماء، ثم يقول: «أجرني من العذاب [الأليم]» - ثلاث مرات - «صل على محمد وآل محمد والملائكة والروح» غفر له ورضي عنه ووصل بالاستغفار له حتى يموت جميع الخلائق إلا الثقلين الجن والإنس، قال: إذا فرغت من تشهدك فارفع يديك وقل: «اللهم اغفر لي مغفرة عزما جزما لا تغادر ذنبا ولا أرتكب بعدها محرما أبدا وعافني معافاة لا بلوى بعدها أبدا واهدني هدى لا أضل بعده أبدا وانفعني يا رب بما علمتني واجعله لي ولا تجعله علي وارزقني كفافا ورضني به يا رباه وتب علي يا الله يا الله يا الله يا رحمن يا رحمن يا رحمن يا رحيم يا رحيم يا رحيم، ارحمني من النار ذات السعير وابسط علي من سعة رزقك واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك واعصمني من الشيطان الرجيم وأبلغ محمدا (صلى الله عليه وآله) عني تحية كثيرة وسلاما واهدني بهداك وأغنني بغناك واجعلني من أوليائك المخلصين وصلى الله على محمد وآل محمد آمين».

قال: من قال هذا بعد كل صلاة رد الله عليه روحه في قبره وكان حيا مرزوقا ناعما مسرورا إلى يوم القيامة.

* الشرح:

قوله: (ثم يرفع يده ويجعل بطنها مما يلي السماء) الظاهر أنه يجعل بطن اليمنى فقط إلى السماء كما يشعر به ما بعده. (غفر له ورضى عنه) فلا يعذبه أبدا فهو خبر بمنزلة الجزاء لقوله: من قال بعد كل صلاة.

(ووصل بالاستغفار له حتى يموت) ذلك الداعي وجميع الخلائق إلا الثقلين (الجن والإنس ) أقول على سبيل الاحتمال الضمير المستتر في وصل عائد إلى الله تعالى والمفعول محذوف وجميع الخلائق فاعل الاستغفار والاستثناء من الخلائق يعني وصل الله تعالى مغفرته لذنوبه الثابتة باستغفار جميع الخلائق له بخصوصه فيما بقي من عمره حتى يموت لإفهامهم بحاله إلا الثقلين لعدم معرفتهما له بخصوصه لغرض يتعلق بنظامه أو نظام الكل كالعجب وغيره من المفاسد والله يعلم. (اللهم اغفر لي مغفرة عزما) الظاهر أن «عزما» تميز وهو القطع في الأمر والجد فيه والقوة خلاف الوهن ولعل المغفرة لا على جهة العزم هي المعلقة بشرط أو صفة أو وقت أو بنوع من الذنب.

ص:374

(وعافني) من الأمراض الروحانية والجسمانية الدنيوية والاخروية (معافاة لا بلوى بعدها أبدا) في الدنيا والآخرة (واهدني هدى لا أضل بعده أبدا) طلب الثبوت على الهداية والهداية الخاصة التي للأولياء أو الإيصال إلى المطلوب فانه لا يتصور الضلالة بعده أبدا (وانفعني يا رب بما علمتني) من الامور الدينية بالعمل به والتعليم والإرشاد.

(واجعله لي ولا تجعله علي) يعني اجعل ما علمتني بحيث ينفعني بأن توفقني للعمل به ولا تجعله علي بحيث يضرني بترك العمل به فان العالم بلا عمل محجوج بالعلم معاقب بزيادة ما يعاقب به الجاهل كما دل عليه بعض الأخبار.

(وارزقني كفافا) الكفاف بفتح الكاف مقدار الحاجة من غير زيادة ولا نقصان سمي بذلك لأنه يكف عن سؤال الناس ويغنى عنهم (ارحمني من النار ذات السعير) أي ذات اللهب والوصف للتوضيح لا للتقييد لأن نار جهنم ذات لهب دائما كما في القرآن المجيد.

(واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك) أي اهدني إلى الحق الذي اختلف فيه من الاصول والفروع فقبله بعض وأنكره بعض، وقوله: «بإذنك» متعلق بالهداية أو بالاختلاف على احتمال لأنه لا يقع شيء في الأرض ولا في السماء إلا بإذن الله تعالى كما مر في كتاب التوحيد مشروحا.

(واهدني بهداك) الهدى بضم الهاء وفتح الدال القرآن والبيان والدلالة والإرشاد يقال هداه الله تعالى إذا أرشده وبصره طريق معرفته وعرفه ما لابد له في بقائه ووجوده وكماله في النشأتين.

(وإغنني بغناك) أي أغنني بغنى من عندك حتى لا أحتاج إلى غيرك (واجعلني من أوليائك المخلصين) بفتح اللام من أخلصه الله إذا جعله خالصا من الرذائل أو متميزا عن غيرهم في السعادة من خلص إذا تميز، أو سالما من المكاره الاخروية من خلص إذا سلم ونجا، أو واصلا إلى قربه تعالى من خلص فلان إلى فلان إذا وصل إليه. أو بكسرها من أخلص لله إذا طلب بعمله وجه الله تعالى وترك الرياء والسمعة أو أخلص نفسه من المهلكات والخبائث كما أخلصته النار من الذهب وغيره.

* الأصل:

5 - عنه، عن بعض أصحابه رفعه قال: تقول بعد الفجر «اللهم لك الحمد حمدا خالدا مع خلودك، ولك الحمد حمدا لا منتهى له دون رضاك، ولك الحمد حمدا لا أمد له دون مشيئتك، ولك الحمد حمدا لا جزاء لقائله إلا رضاك، اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان، اللهم لك الحمد كما أنت أهله، الحمد لله بمحامده كلها على نعمائه كلها حتى ينتهي الحمد إلى حيث ما يحب ربي ويرضى» وتقول بعد الفجر قبل أن تتكلم: «الحمد لله ملء الميزان ومنتهى

ص:375

الرضا وزنة العرش وسبحان الله ملء الميزان ومنتهى الرضا وزنة العرش والله أكبر ملء الميزان ومنتهى الرضا وزنة العرش ولا إله إلا الله ملء الميزان ومنتهى الرضا وزنة العرش» تعيد ذلك أربع مرات، ثم تقول: [اللهم] أسألك مسألة العبد الذليل أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تغفر لنا ذنوبنا وتقضي لنا حوائجنا في الدنيا والآخرة في يسر منك وعافية».

* الشرح:

قوله: (اللهم لك الحمد حمدا خالدا مع خلودك) طلب أن يكون حمده كحمده تعالى لذاته في الخلود أو أن يكون أجره خالدا (ولك الحمد حمدا لا منتهى له دون رضاك) رضاه عبارة عن الإحسان والإكرام وفيه رجاء لأن يكون ثواب حمده غير متناه لأن عدم نهاية الحمد عند إحسانه وإكرامه بسببه مستلزم لعدم نهايتهما.

(ولك الحمد حمدا لا أمد له دون مشيئتك) الأمد الغاية وفيه طلب لأن يكون الحمد بغير غاية عند تعلق مشيئته تعالى بصدوره وبالجملة طلب أن يكون تعلق المشيئة به على هذا الوصف ويمكن أن يكون المراد عدم الغاية من جهة البداية تفضلا بإرادة المشيئة الأزلية وان كان الحمد حادثا كتعلق المشيئة به (ولك الحمد حمدا لا جزاء لقائله إلا رضاك) طلب لأن يكون الحمد خالصا له عاريا عن الرياء والسمعة لأنه الذي يترتب عليه رضاه تعالى.

(اللهم لك الحمد) أي حمد على الوجه المذكور لك لا لغيرك وفيه إجمال بعد تفصيل وجمع بعد تفريق وهو فن من الصناعة البديعية.

(وإليك المشتكى) أي إليك الشكاية من الغربة والفرقة والوحدة والوحشة وغيبة الإمام وغيرها من البلايا الواردة في الدنيا (وأنت المستعان) في الامور والشدائد كلها (اللهم لك الحمد كما أنت أهله) فيه إظهار عجز من حمد هو أهله وإنما غاية كمال العبد هي التضرع بأن يجعل حمده شبيها بحمد هو أهله ويثيبه به من باب التفضل.

(الحمد لله بمحامده كلها على نعمائه كلها) يحمده إجمالا بجميع ما يحمد به على جميع ما يحمد عليه للأشعار بأن حمده تفصيلا فيهما محال وقد ذكرنا سابقا إختلاف الأقوال في كمية ثوابه، وقال بعض الأفاضل: قد يكون التفصيل في الدعاء في بعض المواضع أبلغ وقعا للنفوس وألذ وقد يكون الإجمال والاختصار أبلغ وأنفع ولذلك بين الشرع كلا الطريقين.

(حتى ينتهي الحمد إلى حيث ما يحب ربي ويرضى) حيث هنا للمقام الأعلى من المحبة والرضا بقرينة المقام (ويقول بعد الفجر: الحمد لله ملء الميزان) من طرق العامة: «للميزان كفتان

ص:376

كل كفة طباق السماوات والأرض والحمد يملاءه» وقيل: يملأه لو كانت أجساما وقيل المقصود منه تكثير العدة وقيل تكثير اجوره وقيل: تعظيم شأنه، وقد مر.

(ومنتهى الرضا) لكونه في غاية الكمال المترتب عليها نهاية الرضا. (وزنة العرش) لعل المراد به العرش الجسماني وهو الفلك الأعظم. (وتقضي لنا حوائجنا في الدنيا والآخرة) حوائج الدنيا ما يحتاج إليه في التعيش والبقاء وحوائج الآخرة ما ينفع فيها من الخيرات كلها. (في يسر منك وعافية) الظرف متعلق بتقضي أو حال عن ضمير المتكلم «ومنك» صفة ليسر، ويسر مترتب على قضاء حوائج الدنيا «وعافية» على قضاء حوائج الآخرة أو كل مترتب على كل.

* الأصل:

6 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابه، عن محمد بن الفرج قال: كتب إلي أبو جعفر أبن الرضا (عليهما السلام) بهذا الدعاء وعلمنيه وقال: من قاله في دبر صلاة الفجر لم يلتمس حاجة إلا تيسرت له وكفاه الله ما أهمه: «بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآله (وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد) فوقاه الله سيئات ما مكروا، (لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) (حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء) ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله [العلي العظيم] ما شاء الله لا ما شاء الناس، ما شاء الله وإن كره الناس، حسبي الرب من المربوبين حسبي الخالق من المخلوقين، حسبي الرزاق من المرزوقين حسبي الذي لم يزل حسبي منذ قط حسبي الله الذي لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم» وقال: إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل: «رضيت بالله ربا وبمحمد نبيا وبالإسلام دينا وبالقرآن كتابا وبفلان وفلان أئمة اللهم وليك فلان فاحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته وامدد له في عمره واجعله القائم بأمرك والمنتصر لدينك وأره ما يحب وما تقر به عينه في نفسه وذريته وفي أهله وماله وفي شيعته وفي عدوه وأرهم منه ما يحذرون وأره فيهم ما يحب وتقر به عينه واشف صدورنا وصدور قوم مؤمنين» قال: وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يقول إذا فرغ من صلاته: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وإسرافي على نفسي وما أنت أعلم به مني، اللهم أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أجمعين ما علمت الحياة خيرا لي فأحيني، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي، اللهم إني أسألك خشيتك في السر والعلانية وكلمة الحق في الغضب والرضا

ص:377

والقصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا ينقطع وأسألك الرضا بالقضاء وبركة الموت بعد العيش وبرد العيش بعد الموت ولذة المنظر إلى وجهك وشوقا إلى رؤيتك ولقائك من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين، اللهم اهدنا فيمن هديت، اللهم إني أسألك عزيمة الرشاد والثبات في الأمر والرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عافيتك وأداء حقك وأسألك يا رب قلبا سليما ولسانا صادقا وأستغفرك لما تعلم وأسألك خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم فإنك تعلم ولا نعلم وأنت علام الغيوب».

* الشرح:

قوله: (وأفوض أمري إلى الله) قيل التفويض نوع لطيف من التوكل وهو أن يفعل العبد ما أمره الله تعالى ويكل اموره الدنيوية والاخروية إليه ولا يبالي ما وقع عليه من البلايا.

قوله: (ان الله بصير بالعباد) عالم بأحوالهم الظاهرة والباطنة ومنافعهم ومضارهم فلا يخفى عليهم كرب المكروبين فيزيله ان كانت في إزالته مصلحة.

قوله: ((فوقاه الله سيئات ما مكروا)) كل من فوض أمره إلى الله عند مكر الخلائق وإرادتهم إيصال السوء إليه وقطع الطمع عن معاونة غيره وعلم أنه تعالى عالم بأحوالهم وأسرارهم (فوقاه الله سيئات) مكرهم وشدائد قصودهم ((لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)) فيه إقرار بتوحيده المطلق وتنزيهه عن النقص والعجز وبالظلم لنفسه المشعر بأن ما لحقه من البلية والغم إنما هو من أجل عمله وكسبه، وهذا الإقرار الدال على كمال العبودية والعجز والانقطاع عن الخلق مقتض لإزالة البلية والغم كما قال عز شأنه:

((فاستجبنا له ونجيناه من الغم)) الضمير لذي النون، وغمه ألم التقام الحوت أو غم الخطيئة وهي المهاجرة عن قومه بدون إذنه وتنجيته بأن أمر الحوت بقذفه إلى الساحل بعد أربع ساعات أو بعد ثلاثة أيام كما قيل (وكذلك) أي كما نجينا يونس (ننجي المؤمنين) المغمومين إذا دعوا الله بهذا الكلام أو مطلقا مخلصين والآية في سورة الأنبياء وهي مجربة لدفع الغموم (حسبنا الله) أي فحسبنا وكافينا في قضاء حوائجنا ورفع غمومنا.

(ونعم الوكيل) لمن وكل إليه أمره والبحث في هذا العطف والجواب عنه مشهوران وان شئت معرفة ذلك فارجع إلى ما ذكره التفتازاني والشريف في المطول وحاشيته (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) أي فرجع المجاهدون عن بدر متلبسين بنعمة عظيمة وعافية وأمن من الأعداء وبفضل كثير من الله من الغنيمة والثواب الأخروي.

ص:378

(لم يمسسهم سوء) من الأعداء والآية في سورة آل عمران وهي مجربة في دفع شر الأعداء ورفع الهموم. (ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) في الأول إقرار بأن كل شيء وجوده وعدمه وبقاؤه وفناؤه بمشيئة الله تعالى وفي الثاني اعتراف بالعجز وان كل ما حصل له من الخيرات وكل ما رفع عنه من المكروهات فهو بحول الله وقوته وأقداره ومعونته.

(ما شاء الله لا ما شاء الناس) أي ما شاء الله كان قطعا لما فيه مصلحة، لا ما شاء الناس إذ قد لا يكون فيه مصلحة (ما شاء الله وان كره الناس) كالأمراض والبلايا والفقر وغيرها وفيه إشارة إلى الرضا بالقضاء (حسبي منذ قط) في القاموس قط مشددة مجرورة بمعنى الدهر مخصوصة بالماضي أي فيما مضى من الزمان أو فيما انقطع من العمر ومنذ مبني على الضم ومذ مبني على السكون ويكسر ميمهما وهما إذا كان يليهما اسم مجرور بمعنى الماضي حرفا جر بمعنى من والمعنى حسبي الله وكفاني من أول العمر إلى الآن ومنه أتوقع الكفاية فيما بقي.

(واجعله القائم بأمرك والمنتظر لدينك) الطلب في أمثال هذا مما كان المطلوب حاصلا للتأكيد وإظهار الرضا والشغف والسرور.

(وأره ما يحب وما تقر عينه في نفسه اه) قيل أقر الله عينه من القرار وهو السكون يعني بلغه امنيته حتى ترضى نفسه وتسكن عينه فلا تستشرف إلى غيره والمشهور أنه من القرة كناية عن الفرح والسرور. قال الشيخ في الأربعين: قرة العين برودتها وانقطاع بكائها ورؤيتها ما كانت مشتاقة إليه والقرة بالضم ضد الحر والعرب تزعم أن دمع الباكي من شدة السرور بارد ودمع الباكي مع الحزن حار فقرة العين كناية عن الفرح والسرور والظفر بالمطلوب، عينه تقر بالكسر والفتح قرة بالفتح والضم.

(اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت) قيل: يحتمل فيما مضى، ويحتمل فيما مضى وفيما يأتي ودعاؤه بذلك مع علمه بأنه مغفور له ومع أنه معصوم من جميع الذنوب على ما هو الحق إشفاق وتعليم للأمة. وقيل: خوف مكر الله ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وقيل يحتمل: أنه بحسب المقامات يرى مقامه في زمان دون مقامه في زمان آخر فيستغفر من مقامه الأول، وقيل طلب: لامته إلا أنه نسبها إلى نفسه للإشعار بأن مغفرة ذنوبهم مغفرة له، أو طلبها لنفسه بناء على أن الكفار كانوا معتقدين بأنه مذنب في دعوى الرسالة فجعل رفع ذلك الإعتقاد منهم بمنزلة المغفرة أو بناء على أنه عد خلاف الاولى ذنبا.

(اللهم أنت المقدم وأنت المؤخر) على صيغة الفاعل وهذا في كتب العامة أيضا ومعناه تقدم ما تشاء وتؤخر ما تشاء على مقتضى الحكمة لأن بعض معلولاته مقدم على بعض في الشرف

ص:379

والرتبة والزمان وغير ذلك، وقال ابن الأثير: ومن أسمائه تعالى المقدم والمؤخر لأنه يقدم بعض الأشياء ويؤخر بعضها ويضع كلا في موضعه فمن إستحق التقديم قدمه ومن إستحق التأخير أخره.

وقال بعضهم: أنت منزل الأشياء منازلها فتقدم من تشاء بطاعتك وتأخر من تشاء لخذلانك، وقال بعضهم: أنت المقدم بلا بداية وأنت المؤخر بلا نهاية وأنت المقدم القديم وأنت المؤخر الباقي أو أنت الأول بالابتداء والآخر بالانتهاء، وقال القرطبي: هذان الإسمان من أسمائه تعالى المزدوجة كالقابض والباسط، قال العلماء: لا يؤتى بها إلا كذلك، فلا يقال أنت المقدم وحده كما لا يقال القابض وحده.

(لا إله إلا أنت) فلا مقدم ولا مؤخر غيرك فهو تأكيد لما قبله (بعلمك الغيب) أي أسألك به «ما علمت - إلى آخر -» مفعول السؤال والباء للسببية أو القسم والغيب بالنصب مفعول العلم وجره بالوصف له بعيد ولا حاجة إلى مفعول ثان كما قيل.

(اللهم إني أسألك خشيتك في السر والعلانية)، قال المحقق الطوسي في أوصاف الأشراف:

الخوف والخشية وان كانا في اللغة بمعنى واحد إلا أن بين خوف الله وخشيته في عرف أرباب القلوب فرقا هو: أن الخوف تألم النفس من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المنهيات والتقصير في الطاعات، والخشية حالة تحصل عند الشعور بعظمة الحق وهيئته وخوف الحجب عنه، والمراد بالخشية في السر والعلانية ما أشار إليه شيخ العارفين في الأربعين وهو: أن يظهر آثارها في الصفات والأفعال من كثرة البكاء ودوام التحرق وملازمة الطاعات وقمع الشهوات حتى يصير جميعها مكروها لديه كما يصير العسل مكروها عند من عرف أن فيه سما قاتلا مثلا وإذا احترقت جميع الشهوات بنار الخوف ظهر في القلب الذبول والخشوع والانكسار وزال عنه الكبر والحقد والحسد وصار كل همه النظر في خطر العاقبة فلا يتفرغ لغيره ولا يصير له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والاحتراز من تضيع الأنفاس والأوقات ومؤاخذة النفس في الخطوات والخطرات وأما الخوف الذي لا يترتب عليه شيء من هذه الآثار فلا يستحق أن يطلق عليه اسم الخوف وإنما هو حديث نفس ولهذا قال بعض العارفين: إذا قيل لك هل تخاف الله فاسكت عن الجواب فإنك ان قلت: لا كفرت، وان قلت: نعم كذبت.

(وكلمة الحق في الغضب والرضا) وهي من توابع العدل وسلامة النفس من الآفات إذ هما يقتضيان مراعاة الحق في حال الغضب والرضا وعدم التجاوز عنه إلى الباطل كما هو مقتضى الحمية الجاهلية.

(والقصد في الفقر والغنى) القصد الإعتدال والمقتصد المعتدل الذي لا يميل إلى أحد طرفي

ص:380

الإفراط والتفريط والإسراف والتبذير وهو متفاوت في الفقير والغني فقصد الفقير تقتير للغني وقصد الغني تبذير للفقير.

(وأسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع) إما من باب التفضل أو التوفيق لما يوجبهما (وأسألك الرضا بالقضاء) قد تقرر في الشرع أنه لا يقع شيء خيرا كان أو شرا إلا بقضاء الله تعالى وان الرضا به واجب، لا يقال كل من القضاء بالكفر والرضا بذلك القضاء رضا بالكفر وهو قبيح لأنا نقول إذا عرفت معنى القضاء والرضاء به علمت انه لا نقص فيهما أصلا بل هما عين الحكمة ونفس الكمال وذلك لأنه تعالى إذا علم في الأزل كفر فلان باختياره وقضى به ليطابق علمه بالمعلوم فلا نقص فيه ولا في الرضا به بل النقص في عدمهما فليتأمل.

(وبركة الموت بعد العيش) اريد ببركة الموت الفرح والسرور والراحة ومشاهدة السعادة بعده وبالعيش الحياة الطيب وما يكون به الحياة ويعاش به على الوجه الحلال.

(وبرد العيش بعد الموت) العيش البارد عيش لا تعب ولا مشقة ولا عسر فيه أو عيش ثابت مستقر من قولهم: برد لي على فلان حق أي ثبت وإستقر وكل محبوب عندهم بارد.

(ولذة النظر إلى وجهك) أي إلى رحمتك أو إلى أنبيائك ورسلك وأوصيائهم وهم وجه الله إذ الناس بهم يتوجهون إليه، قد تقدم تفصيل التوجه بهم في الأصول (وشوقا إلى رؤيتك ولقائك) أي رؤية المقربين منك ولقائهم أو رؤية تفضلاتك وألطافك ولقائها، أو رؤية تجلياتك ولقائها، والشوق إلى ذلك يبعث على الطاعة والأعمال الصالحة.

(من غير ضراء مضرة) في الدين أو الدنيا أيضا، والضر ضد النفع والضراء الحالة التي تضر كالبلية والفاقة ونحوهما وهي نقيض السراء وهما بنائان للمؤنث ولا مذكر لهما.

(ولا فتنة مضلة) عن الحق، والفتنة بالكسر مصدر بمعنى الاختبار أو اسم وهي البلية والمحنة والعذاب والمال والأولاد وغيرهما مما يختبر به وإنما قيدها والضراء بالوصف لأن المقصود هو الحفظ منه وإلا فالإنسان ما دام في الدنيا لا يخلو عنهما.

(اللهم زينا بزينة الإيمان) الظاهر أن الإضافة بيانية، وان المراد بالإيمان الكامل ويحتمل أن يراد بالإيمان أصل التصديق، وبزينتها الأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة التي لها مدخل في كماله والمقصود طلب التوفيق والنصرة والمعونة منه تعالى.

(واجعلنا هداة مهتدين) (1) مهتدين مفعول ثان أو صفة للأول والمقصود هو الجمع بين الهداية والإرشاد وقبول الهداية من أهلها إذ لا كمال في أحدهما بدون الآخر.

ص:381


1- (1) كذا.

(اللهم اهدنا فيمن هديت) من الأنبياء المقربين والرسل المكرمين والعباد الصالحين ولعل التعدية بفي لتضمين معنى الدخول أو الإندراج.

(اللهم إني أسألك عزيمة الرشاد) الرشاد بالفتح الاهتداء مصدر رشد كنصر وفرح إذا اهتدى إلى المطلوب والعزيمة مصدر بمعنى الإرادة والجد والقطع يقال عزم على الأمر يعزم عزما وعزيمة إذا أراد فعله وقطع عليه وجد فيه ولما كان الرشاد بدون العزيمة عليه متزلزلا مستودعا طلب العزم عليه ليصير مستقرا بالغا حد الكمال.

(والثبات في الأمر والرشد) الأمر شامل كل ما هو حق من أحوال المبدأ والمعاد والأحكام وغيرها والرشد والرشاد بمعنى ذكره بعد الأمر من باب ذكر الخاص بعد العام للاهتمام لأنه أصل لجميع ما ذكر، وإنما طلب الثبات فيهما لأنهما بدونه مستودع لا خير فيه. (وأسألك شكر نعمتك) تفصيلا فيما علمت وإجمالا فيما لم أعلم، والشكر وان كان فعل العبد لكن التوفيق والأقدار من فعله عزوجل.

(وحسن عافيتك) في الدنيا من البليات والمكروهات والشبهات وفي الآخرة من العقوبات (وأداء حقك) من الواجبات والمندوبات، ويندرج فيه حقوق الإخوة والرعية والولاية وكل ما يطلق عليه اسم الحق لأنه كله حق الله تعالى من حيث أنه قرره على عباده.

(وأسألك يا رب قلبا سليما) من الرذائل والآفات الشكوك والشبهات (ولسانا صادقا) في الشريعة البيضاء منزها عن الكذب والافتراء (وأستغفرك لما تعلم) من الذنوب وان لم أعملها (وأسألك خير ما تعلم) وان كان شرا عندي كما قلت: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) (وأعوذ بك من شر ما تعلم) وان كان خيرا عندي بحسب الظاهر كما قلت: (وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) (فإنك تعلم ولا نعلم) تعليل لما ذكر من المعاملة بما هو الأصلح لنا في علمه.

* الأصل:

7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن سيف بن عميرة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى يوسف وهو في السجن، فقال له: يا يوسف قل في دبر كل صلاة: «اللهم اجعل لي فرجا ومخرجا وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب».

* الشرح:

قوله: (اللهم اجعل لي فرجا ومخرجا) مصدر أو مكان (وارزقني من حيث

ص:382

أحتسب ومن حيث لا أحتسب) فبالجزء الأول أخرجه من السجن وبالجزء الثاني أعطاه السلطنة.

* الأصل:

8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن عبد العزيز، عن بكر بن محمد، عمن رواه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال هذه الكلمات عند كل صلاة مكتوبة حفظ في نفسه وداره وماله وولده: «أجير نفسي ومالي وولدي وأهلي وداري وكل ما هو مني بالله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وأجير نفسي ومالي وولدي وكلما هو مني برب الفلق من شر ما خلق. إلى آخرها وبرب الناس - إلى آخرها - وآية الكرسي - إلى آخرها -».

* الشرح:

قوله: (بالله الواحد الأحد) قال صاحب العدة الله أشهر أسمائه تعالى في الذكر والدعاء، تسمت به سائر الأسماء والواحد هو المنفرد بالذات وأحد هو المنفرد بالمعنى والصمد هو السيد الذي يصمد إليه في الامور ويقصد في الحوائج والنوازل (الذي لم يلد ولم يولد) نفى عنه الافتقار والتغير في الأحوال والإتصاف بالشهوات والتشابه بالحيوانات وإتخاذ الزوجة والأولاد والاحتياج إلى الآباء والأجداد كما قال الفرق الباطلة الملائكة بنات الله، ومريم زوجة الله وعيسى ابن الله وعزير ابن الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

(ولم يكن له كفوا أحد) قال صاحب العدة: الواحد يطلق على من يعقل وعلى غيره، والأحد لا يطلق إلا على من يعقل انتهى. ويمكن أن يراد به هنا معنى الواحد من باب التغليب أو يقال ان نفي المماثلة عن ذوي العقول يستلزم نفيها عن غيرهم بطريق أولى.

(برب الفلق) هو بالتحريك ضوء الصبح وإنارته أو الصبح نفسه أو المراد به جميع الموجودات لأنه تعالى فلق أي شق ظلمة العدم بنور الإيجاد وفيه إشعار بأن من قدر أن يزيل ظلمة الليل عن هذا العالم بنور الصبح أو ظلمة العدم بنور الإيجاد قدر أن يزيل عن العائذ ما يخافه.

قال القاضي: لفظ الرب ههنا أوقع من سائر أسمائه لأن الإعادة من الضار تربية (وبآية الكرسي إلى آخرها) إلى هم فيها خالدون كما صرح به الشيخ في المفتاح، وظاهر كلامه أنه يقول الله لا إله إلا هو وقال بعض الأفاضل يقول: وبالله لا إله إلا هو.

* الأصل:

9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار قال: من قال في دبر

ص:383

الفريضة: «يامن يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء أحد غيره» - ثلاثا - ثم سأل اعطي ما سأل.

* الشرح:

قوله: (يامن يفعل ما يشاء) لأن كل ما يشاء فيه حكمة ومصلحة وله عليه قدرة قاهرة. (ولا يفعل ما يشاء أحد غيره) قد مر أن له تفسيرين.

* الأصل:

10 - الحسين بن محمد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان، عن سعيد بن يسار قال: قال: أبو عبد الله (عليه السلام): إذا صليت المغرب فأمر يدك على جبهتك وقل: «بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الهم والغم والحزن» - ثلاث مرات -.

* الشرح:

قوله: (اللهم أذهب عني الهم والحزن) الهم ما يقدر الإنسان على رفعه كالإفلاس أو ما ليس له سبب معلوم أو ما هو قبل نزول المكروه أو ما هو من أجل الدنيا، والحزن ما لا يقدر الإنسان على رفعه كذهاب المال بالغصب وموت الولد، أو ما له سبب معلوم أو ما بعد نزول المكروه أو ما هو من أجل الآخرة.

* الأصل:

11 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد الجعفي، عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنت كثيرا ما أشتكي عيني فشكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: ألا اعلمك دعاء لدنياك وآخرتك وبلاغا لوجع عينيك؟ قلت: بلى، قال: تقول في دبر الفجر ودبر المغرب:

«اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد عليك صل على محمد وآل محمد واجعل النور في بصري والبصيرة في ديني واليقين في قلبي والإخلاص في عملي والسلامة في نفسي والسعة في رزقي والشكر لك أبدا ما أبقيتني».

* الشرح:

قوله: (كنت كثيرا ما أشتكي عيني) أي أشتكي من عيني إلى الله وفي الكنز: الإشتكاء گله كردن وناله كردن، والبلاغ الكفاية. (واجعل النور في بصري) يمكن أن يكون جعل النور في البصر كناية عن الهداية إلى الصراط المستقيم حتى لا يزيغ عنه أبدا ويجوز أن يراد به التوفيق في رؤية ما يجوز رؤيته والمنع عما لا يجوز فان ذلك يصلح القلب ويشرح الصدر ويزيد في الفهم ورؤية الحرام بضد ذلك، ويحتمل أن يراد به القوة البصرية الموجبة للرؤية والمقصود الدعاء في طلب

ص:384

سلامة العين وحفظها عن زوال نورها.

* الأصل:

12 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير قال: حدثني أبو جعفر الشامي قال: حدثني رجل بالشام يقال له: هلقام بن أبي هلقام قال: أتيت أبا إبراهيم (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك علمني دعاء جامعا للدنيا والآخرة وأوجز، فقال: قل في دبر الفجر إلى أن تطلع الشمس:

«سبحان الله العظيم وبحمده أستغفر الله وأسأله من فضله». قال هلقام: لقد كنت من أسوء أهل بيتي حالا فما علمت حتى أتاني ميراث من قبل رجل ما ظننت أن بيني وبينه قرابة وإني اليوم لمن أيسر أهل بيتي وما ذلك إلا بما علمني مولاي العبد الصالح (عليه السلام).

* الشرح:

قوله: (سبحان الله العظيم وبحمده) قال عياض: هذا الكلام على إختصاره جملتان: إحديهما سبحان الله; لأن سبحان مصدر والمصدر يدل على فعله فكأنه قال اسبح سبحان الله التسبيح الكثير، والثانية بحمده لأنه متعلق بمحذوف تقديره اثني عليه بحمده.

ص:385

باب الدعاء للرزق

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا، عن القاسم بن عروة، عن أبي جميلة، عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أن يعلمني دعاء للرزق، فعلمني دعاء ما رأيت أجلب للرزق منه، قال: قل: «اللهم ارزقني من فضلك الواسع الحلال الطيب، رزقا واسعا حلالا طيبا بلاغا للدنيا والآخرة صبا صبا، هنيئا مريئا، من غير كد ولا من من أحد من خلقك إلا سعة من فضلك الواسع فإنك قلت: (واسألوا الله من فضله) فمن فضلك أسأل ومن عطيتك أسأل ومن يدك الملاء أسأل».

* الشرح:

قوله: (اللهم ارزقني من فضلك الواسع) الفضل ضد النقص والمراد به هنا العطاء الكامل ووصفه بالواسع للدلالة على كثرته وشموله للبر والفاجر.

(الحلال الطيب) الحلال ضد الحرام وهو شامل للحلال في ظاهر الشريعة والحلال في نفس الأمر وهو قوت النبيين كما سيجئ والمراد به هنا هو الأول والتعميم محتمل، والطيب الحلال فهو التأكيد وقد يراد به الطاهر وهو حينئذ للتأسيس على الظاهر.

(رزقا واسعا حلالا طيبا) مفعول به أو مفعول مطلق على احتمال والرزق ما ينتفع به بالتغذي وغيره حلالا كان أم حراما وتقييده هنا بالحلال مؤيد له، ويمكن أن يكون وصفه بالحلال للتوضيح والتفسير لا للتقييد جمعا بينه وبين ما روي عن الباقر (عليه السلام) في حديث إلى أن قال: «فان الله قسم الأرزاق بين خلقه حلالا ولم يقسمها حراما فمن اتقى وصبر أتاه رزقه من حله ومن هتك حجاب ستر الله عزوجل وأخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة». (بلاغا) أي كافية.

(للدنيا والآخرة) بأن يكف عن الناس ويغني عنهم في الدنيا ويتسبب للقوة على العمل وطلب الأجر وللآخرة برعاية حال الفقراء، وهذا كالتفسير لقوله: «واسعا» (صبا صبا) أي رزقا مصبوبا، من صبه صبا فصب إذا أراقه والتكرير للمبالغة في تواتره وإدراره. (هنيئا مريئا) الهنىء السائغ وأيضا ما يأتيك بلا تعب والمرىء الطعام المنحدر عن المعدة الغير الثقيل عليها وكأنه كناية

ص:386

عن أن لا يكون معه عاهة جسمانية ولا آفة روحانية.

(من غير كد) أي من غير تعب ومشقة في تحصيله وهو وصف لرزقا كالسوابق أو حال عنه (ولا من من أحد من خلقك) بأن لا يكون منهم ولا من إمدادهم وإعانتهم مطلقا، أو مع منتهم علي ولو كان، بناء على ان للرزق أسبابا فليكن بلا منة لأن عدمه خير من وجوده معها والأول أنسب بقوله: (إلا سعة من فضلك الواسع) أي لكن سعة فالإستثناء منقطع. (ومن يدك الملاء أسأل) الملاء بالفتح الغني ومنه الملي وهو الغنى وفعله كمنع وكرم وأما الملاءة بالكسر فهو اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلاء ويمكن إرادته هنا على سبيل التشبيه للأشعار بأن المطلوب ما يملأ ظرف الطمع والرجاء.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن يونس، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لقد استبطأت الرزق فغضب ثم قال لي: قل: «اللهم إنك تكفلت برزقي ورزق كل دابة، يا خير مدعو ويا خير من أعطى ويا خير من سئل ويا أفضل مرتجى افعل بي كذا وكذا».

* الشرح:

قوله: (اللهم إنك تكلفت برزقي) أي ضمنته في قولك: (ونحن نرزقهم) وقولك: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) وقولك (وفي السماء رزقكم وما توعدون) وأمثال ذلك.

(يا خير مدعو ويا خير من أعطى ويا خير من سئل) تفضيله تعالى على الغير في هذه الأفعال بالنظر إلى عادة الناس وضعف عقولهم حيث يثبتون أصل تلك الأفعال في الجملة لغيره أيضا فحثهم على الرجوع إليه بأنه أكمل فيها من غيره لأن النفس إلى الأكمل أرغب وإلا فلا نسبة بين الخالق والخلق ولا بين فعله وفعلهم حتى يجري فيهم معنى التفضيل.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: أبطأ رجل من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) عنه ثم أتاه فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أبطأ بك عنا؟ فقال: السقم والفقر، فقال له: أفلا اعلمك دعاء يذهب الله عنك بالسقم والفقر؟ قال: بلى يا رسول الله، فقال: قل: «لا حول ولا قوة إلا بالله [العلي العظيم] توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ [صاحبة ولا] ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا». قال:

فما لبث أن عاد إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله قد أذهب الله عني السقم والفقر.

ص:387

* الشرح:

قوله: (ولم يكن له ولي من الذل) أي لم يكن له ناصر ومعين في إيجاد العالم أو حفظه وتدبيره لأن ذلك من آثار الذل والافتقار فهو سبحانه منزه عنهما.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن زيد الشحام، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ادع في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد: «يا خير المسؤولين ويا خير المعطين ارزقني وارزق عيالي من فضلك الواسع فإنك ذو الفضل العظيم».

* الشرح:

قوله: (ادع في طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد: «يا خير المسؤولين) في هذا الدعاء اهتمام عظيم حيث خص بالصلاة المكتوبة لأنها أحق بالإجابة وبحال السجود لقوله: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» وقوله: «من فضلك» أي من مجرد فضلك من غير ملاحظة استحقاق فإني لست بأهل له وإلا فالرزق كله من الله تعالى وأكد ذلك بقوله: (فإنك ذو الفضل العظيم) أي لا لأني أستحق ذلك.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن عروة، عن أبي جميلة، عن أبي بصير قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) الحاجة وسألته أن يعلمني دعاء في طلب الرزق فعلمني دعاء ما إحتجت منذ دعوت به، قال:

قل في [دبر] صلاة الليل وأنت ساجد: «يا خير مدعو ويا خير مسؤول ويا أوسع من أعطى ويا خير مرتجى ارزقني وأوسع علي من رزقك وسبب لي رزقا من قبلك، إنك على كل شيء قدير».

* الشرح:

قوله: (قل في صلاة الليل وأنت ساجد - اه) قال الشيخ: صلاة الليل في الأحاديث يطلق على الثمان وعلى الإحدى عشرة بإضافة الشفع والوتر وعلى الثلاثة عشرة بإضافة ركعتي الفجر وعلى هذا كل سجدة من سجدات الثلاث عشرة محل هذا الدعاء وذكره في الثمان أحسن (وسبب لي رزقا من قبلك) سبب بالبائين الموحدتين من التسبيب وهو الإجراء والإرسال، وأما بالياء المثناة

ص:388

التحتانية من التسبيب وهو الإعطاء والإرسال فهو أيضا مناسب لكنه لم يوجد في النسخ التي رأيناها.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي داود، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إني ذو عيال وعلي دين وقد اشتدت حالي فعلمني دعاء ادعوا الله عزوجل به ليرزقني ما أقضي به ديني وأستعين به على عيالي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عبد الله توضأ وأسبغ وضوءك ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود ثم قل: «يا ماجد يا واحد يا كريم [يا دائم] أتوجه إليك بمحمد نبيك نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله)، يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي ورب كل شيء أن تصلي على محمد وأهل بيته وأسألك نفحة كريمة من نفحاتك وفتحا يسيرا ورزقا واسعا، ألم به شعثي وأقضي به ديني وأستعين به على عيالي».

* الشرح:

قوله: (وأسبغ وضوءك) الإسباغ الإكمال ولعل المراد به المشتمل على جميع الواجبات واشتماله على المندوبات أيضا محتمل (ثم قل) بعد الفراغ من الصلاة (يا ماجد) هو الواسع الكريم الذي وسع غناه مفاقر عباده ووسع رزقه جميع خلقه، يقال رجل ماجد إذا كان كريما سخيا واسع العطاء، وقيل هو الكريم العزيز، وقيل هو المفضال الكثير الخير، وقيل هو شريف ذاته وحسن فعاله والكل متقارب.

(يا واحد يا كريم) هو الواحد بالوحدة الحقيقية المنافية للشركة في الذات والصفات والتكثر والتعدد والتركب الذهني والخارجي وهو الكريم المطلق الجامع لأنواع والخير والشرف والفضائل والجود والإعطاء الذي لا ينفد.

(أتوجه إليك بمحمد نبيك) أي أجعله وسيلة بيني وبينك وشفيعا في إنجاز طلبتي ونيل سؤلي وقضاء حاجتي، ثم صرف الخطاب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وإستشفعه ليقبل شفاعته ويصير شفيعا له (فقال: يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي ورب كل شيء) فيه من آداب حسن الدعاء ما لا يخفى لأن من جعل أحدا شفيعا في مطلب إلى أحد لابد له من الرجوع إليهما في طلب قبول الشفاعة (أن تصلي على محمد وأهل بيته) متعلق بقوله «أتوجه إليك» وإنما توسل بهم في طلب الصلاة عليهم مع أنه تعالى يصلي عليهم قطعا لإظهار العجز والانكسار والإشعار بأن

ص:389

هذا الطلب من حيث أنه صدر منه لا يستحق القبول بدون التوسل بهم، وفي بعض النسخ «يصلي» على الغيبة وهو حينئذ متعلق بقوله: «يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله» إلا أن في قوله:

«على محمد وأهل بيته» عدولا عن الخطاب إلى الغيبة لقصد التبرك أو الإستلذاذ أو الاهتمام هذا غاية الجهد في ربط هذه الفقرة بما قبله فليتأمل.

(وأسألك نفحة كريمة من نفحاتك) عطف على قوله أتوجه إليك والتوسل بهم معتبر هنا أيضا، والنفحة بالحاء المهملة هبوب الريح وريح المسك وهي مستعارة للعطية والرحمة وفي طريق العامة: «ان لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها» والكريمة والشريفة النفيسة الطيبة الخالصة عن النقص.

(وفتحا يسيرا) لأبواب الرزق بلا تعب ولا مشقة. (ورزقا واسعا) يغنيني عن الخلق ويقوم بحوائجي كلها كما وصفه للكشف بقوله: (ألم به شعثي) لمه جمعه والشعث محركة انتشار الأمر وتفرقه.

* الأصل:

7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن أبان، عن أبي سعيد المكاري وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا الدعاء: «يا رازق المقلين، يا راحم المساكين، يا ولي المؤمنين، يا ذا القوة المتين صل على محمد وأهل بيته وارزقني وعافني واكفني ما أهمني».

* الشرح:

قوله: (يا رازق المقلين) الإقلال قلة الجدة ورجل مقل وأقل فقير وفيه بقية. (يا راحم المساكين) رحمته عامة وتعلقها بالمسكين أقرب لأن احتياجه إليها أولى.

(يا ولي المؤمنين) الولي الناصر والمحب والمتولي لأمور غيره وهو سبحانه وان كان متوليا لأمور الخلائق كلهم إلا أن توليه لأمور المؤمنين أكمل.

(ويا ذا القوة المتين) المتين صفة للمضاف لا للمضاف إليه وفي النهاية هو سبحانه متين أي قوي شديد لا يلحقه في أفعاله مشقة ولا كلفة ولا تعب والمتانة الشدة فهو من حيث انه بالغ القوة وتامها قوى ومن حيث أنه شديد القوة متين وإنما عطف هنا لتحقق شرط صحته وهو تحقق المناسبة والمغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه للإتحاد في المضاف والاختلاف في المضاف إليه فيهما بخلاف السوابق لإتحادهما فيها فتأمل.

ص:390

* الأصل:

8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن معمر بن خلاد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال:

سمعته يقول: نظر أبو جعفر (عليه السلام) إلى رجل وهو يقول: «اللهم إني أسألك من رزقك الحلال»، فقال أبو جعفر (عليه السلام): سألت قوت النبيين قل: «اللهم إني أسألك رزقا واسعا طيبا من رزقك».

* الشرح:

قوله: (نظر أبو جعفر (عليه السلام) إلى رجل وهو يقول: «اللهم ارزقني من رزقك الحلال» فقال أبو جعفر (عليه السلام): سألت قوت النبيين) ومسلكه دقيق وسبيله ضيق.

(قل: «اللهم إني أسألك رزقا واسعا طيبا من رزقك») الحلال والطيب وان كانا متقاربين بل متساويين في اللغة إلا أن المستفاد من هذا الحديث وما بعده أن بينهما فرقا في عرف الأئمة (عليهم السلام) وكان الفرق هو أن الطيب ما هو طيب في ظاهر الشرع سواء كان طيبا في الواقع أم لا، والحلال هو حلال وطيب في الواقع لم تعرضه النجاسة والخيانة قطعا ولم تناوله أيدي المتغلبة أصلا في وقت من الأوقات ولا ريب في أنه قوت الأنبياء وأنه نادر جدا وطريقه ضيق والطالب له طالب لضيق معيشته وأما ما وقع في بعض الأدعية من طلبه فالمراد به ما هو بمعنى الطيب.

9 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال:

قلت للرضا (عليه السلام): جعلت فداك ادع الله عزوجل أن يرزقني الحلال فقال: أتدري ما الحلال؟ قلت:

الذي عندنا الكسب الطيب، فقال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: الحلال هو قوت المصطفين، ثم قال: قل: «أسألك من رزقك الواسع».

* الأصل:

10 - عنه، عن بعض أصحابه، عن مفضل بن مزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قل: «اللهم أوسع علي في رزقي وامدد لي في عمري واجعل لي ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري».

* الشرح:

قوله: (وامدد لي في عمري) زيادة عمر المؤمن عطية يتدارك بها ما فات ويقدم بها على ما هو آت ولا ينافي طلبها ما روي أن المؤمن يحب الموت وإن «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» لأنه غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار فان المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان وكرامة من الله تعالى فليس شيء أحب إليه من الموت ومما أمامه فأحب الموت وأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه والكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله تعالى فليس

ص:391

شيء أكره إليه من الموت ومما أمامه وكره الموت وكره لقاء الله وكره الله لقاءه.

(واجعلني ممن تنتصر به لدينك) أي اجعلني ممن تنتقم به من الأعداء لإظهار دينك بالتوفيق والأمر والنهي والجهاد مع إمام هاد ولو بالرجعة عند ظهور الصاحب (عليه السلام).

(ولا تستبدل بي غيري) أي لا تهلكني بالتولي من طاعتك والمخالفة بمعصيتك ولا تأت من يطيعك بدلا مني وان كنت مستحقا لذلك ولا تجعلني مصداقا لقولك: (وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).

* الأصل:

11 - عنه، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) دعاء في الرزق: «يا الله يا الله يا الله أسألك بحق من حقه عليك عظيم أن تصلي على محمد وآل محمد وأن ترزقني العمل بما علمتني من معرفة حقك وأن تبسط علي ما حضرت من رزقك».

* الشرح:

قوله: (يا الله يا الله يا الله) كرر الجلالة لأن من شأن المستصرخين تكرير اسم الصريخ للإشعار بشدة النازلة وقوة الحاجة إلى الإغاثة والإعانة.

(أسألك بحق من حقه عليك عظيم) وهو النبي والولي صلوات الله وسلامه عليهما لأنهما مظهر وجوده وصفاته وكماله ولو لم يكونا لم يعرفه أحد بل لم يكن في الوجود إلا هو.

* الأصل:

12 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عبد الحميد العطار، عن يونس بن يعقوب، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا قد استبطأنا الرزق فغضب ثم قال: قل:

«اللهم إنك تكفلت برزقي ورزق كل دابة فيا خير من دعي ويا خير من سئل ويا خير من أعطى ويا أفضل مرتجى افعل بي كذا وكذا».

* الشرح:

قوله: (عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنا قد استبطأنا الرزق - آه) مر هذا الحديث في الثاني من هذا الباب باسناد آخر عن يونس عن أبي بصير مع تغيير يسير.

* الأصل:

13 - أبو بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يدعو بهذا الدعاء: «اللهم إني أسألك حسن المعيشة معيشة أتقوى بها على جميع حوائجي وأتوصل بها في الحياة إلى

ص:392

آخرتي من غير أن تترفني فيها فأطغى أو تقتر بها علي فأشقى، أوسع علي من حلال رزقك وأفض علي من سيب فضلك، نعمة منك سابغة وعطاء غير ممنون، ثم لا تشغلني عن شكر نعمتك بإكثار منها تلهيني بهجته وتفتني زهرات زهوته ولا بإقلال علي منها يقصر بعملي كده ويملأ صدري همه، أعطني من ذلك يا إلهي غنى عن شرار خلقك وبلاغا أنال به رضوانك وأعوذ بك يا إلهي من شر الدنيا وشر ما فيها، لا تجعل الدنيا علي سجنا ولا فراقها علي حزنا، أخرجني من فتنتها مرضيا عني، مقبولا فيها عملي إلى دار الحيوان ومساكن الأخيار وأبدلني بالدنيا الفانية نعيم الدار الباقية، اللهم إني أعوذ بك من أزلها وزلزالها وسطوات شياطينها وسلاطينها ونكالها ومن بغي من بغى علي فيها، اللهم من كادني فكده ومن أرادني فأرده وفل عني حد من نصب لي حده واطف عني نار من شب لي وقوده واكفني مكر المكرة وافقأ عني عيون الكفرة واكفني هم من أدخل علي همه وادفع عني شر الحسدة واعصمني من ذلك بالسكينة وألبسني درعك الحصينة وأخبأني في سترك الواقي وأصلح لي حالي وصدق قولي بفعالي وبارك لي في أهلي ومالي».

* الشرح:

قوله: (اللهم إني أسألك حسن المعيشة) المعيشة الحسنة هي الكفاف فهو ما يكفي في الحوائج الضرورية ولا يزيد عنه زيادة توجب الاغترار والعصيان وتورث الافتخار والطغيان كما أشار إليها بقوله:

(معيشة أتقوى بها على جميع حوائجي) بدل عما تقدم، والجمع المضاف يفيد العموم، وفي ذكر الجميع مبالغة فيه.

(وأتوصل بها في الحياة إلى آخرتي) طلب ما زاد عن حوائج الدنيا ليصرفه في وجوه البر تحصيلا لثواب الآخرة ثم نفي الزيادة السابغة وأشار إلى أن المطلوب هو التوسط بين الزيادة الموجبة للطغيان والقلة المقتضية للشقاوة والحرمان بقوله:

(من غير أن تترفني فيها فأطغى أو تقتر بها علي فأشقى) الترفة بالضم النعمة والطعام الطيب وأترفته وترفته تتريفا أنعمته والمترف بضم الميم وفتح الراء المتنعم المتوسع في ملاذ الدنيا وشهواتها، والشقاء بالقصر والمد الشدة والعسر وفعله كرضى ولما كانت المعيشة وهي ما يعاش به صادقة على الحرام أيضا احترز عنه بقوله:

(أوسع علي من حلال رزقك) تخصيصا لها بالفرد الحلال ولا دلالة فيه على أن الحرام من

ص:393

رزق الله لأن الظاهر أن الإضافة بيانية.

(وأفض علي من سيب فضلك نعمة منك سابغة) الإفاضة صب الماء وإفراغه، والسيب العطاء ومصدر ساب الماء إذا جرى، والفضل الجود والإضافة من باب جرد قطيفة ومن للابتداء أو التعليل وتشبيه النعمة بالمطر مكنية والإفاضة تخييلية وسيب الفضل ترشيح يعني أفرغ على من فضلك الجاري على الخلق نعمة كاملة وافية للدنيا والآخرة.

(عطاء غير ممنون) أي غير محسوب ولا مقطوع كذا في القاموس أو غير ممنون على يمن به أحد من خلقك. (ثم لا تشغلني) الشغل بالضم وبضمتين وبالفتح وبفتحتين ضد الفراغ وفعله كمنع واشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة كذا في القاموس.

(عن شكر نعمتك) هذه وغيرها ويندرج في الشكر عليها الإتيان بطاعاته والاجتناب عن منهياته. (بإكثار منها) الباء للسببية وأشار بذلك إلى أن مطلوبه هو الكفاف لا زائد عليه. (تلهيني بهجته) اللهو اللعب والإعجاب وحب الباطل والغفلة عن الحق وألهاه بعثه على اللهو وأوقعه فيه، والبهجة الحسن والنضارة والفرح والسرور والإضافة إلى السبب، والضمير للإكثار والجملة صفة له.

(ولا تفتني) فتنه وأفتنه أوقعه في الفتنة والضلال عن الحق والخروج عن الطاعة.

(زهرات زهوته) الزهرة وتحرك النبات ونوره أو الأصفر منه ومن الدنيا متاعها وحسنها وبهجتها ونضارتها وزينتها والزهوة الكبر والفخر والخيلاء والضمير للإكثار والإضافة الثانية مثل السابقة الاولى بالعكس.

(ولا بإقلال علي منها) عطف على قوله بإكثار و «لا» زائدة للتأكيد أي لا تشغلني عن شكر نعمتك بإقلال منها. (يقصر بعملي كده ويملأ صدري همه) الضمير المجرور في الموضعين راجع إلى الإقلال والكد المشقة والشدة والإلحاح في الطلب والهم الحزن وهمه الأمر هما وأهمه حزنه فهو مهموم أي محزون والمستتر في يقصر راجع إلى الإقلال وقد طلب الكفاف من غير زيادة ونقصان في هذا القول وهو: «لا تشغلني اه» للتحرز عن الحزن وترك حقوق الله وفي القول السابق وهو: «من غير أن تترفني اه» للتحرز عن الضيق والشدة وترك حقوق الناس بالطغيان والتكبر ونحوهما فلا تكرار.

(أعطني من ذلك يا إلهي غنى عن شرار خلقك) ذلك إشارة إلى حلال رزقك أو سيب فضلك وشرار جمع شرير كفصال جمع فصيل وإنما طلب الغنى عن الشرار لأن الناس يحتاج بعضهم إلى بعض في أمر المبدأ والمعاد والمعاش وليس لأحد منهم غنى عن الآخر بالكلية فغاية المرام طلب الغنى عن اللئام والشرار دون الكرام والأخيار.

ص:394

(وبلاغا أنال به رضوانك) نيل الرضوان بالطاعة والطاعة بالقدرة والقدرة بالبلاغ وهو قدر ما يكفي في التعيش والبقاء من غير زيادة ونقصان ولذلك طلبه لتحصيل الغايات المذكورة. (وأعوذ بك يا إلهي من شر الدنيا وما فيها) العطف للتفسير أو المراد بشر الدنيا شر متاعها وزينتها الخادعة أو شر النوازل والنوائب الكاسرة. وبشر ما فيها شر الخلائق الفاسقة. (لا تجعل الدنيا علي سجنا) بضنك العيش وتواتر النوائب والبلايا.

(ولا فراقها علي حزنا) بالميل إليها والحب لها وكثرة النعماء وإنما فصل لأنه تأكيد للسابق وهو ما طلبه من الكفاف محترزا من الإكثار وإقلال. (أخرجني من فتنتها) هي كل ما يشغل القلب عن ذكر الله. (مرضيا عني مقبولا فيها عملي) حالان عن المفعول.

(إلى دار الحيوان) في بعض النسخ «دار الخلود» (ومساكن الأخيار) هي الجنة أو أعلى درجاتها وإنما فصله عما مر لأنه تأكيد لقوله «أعوذ بك».

(وأبدلني بالدنيا الفانية نعيم الدار الباقية) في القاموس بدل الشيء محركة الخلف منه وأبدله منه أي اتخذه بدلا منه وعلى هذا فقوله أبدلني من باب الحذف والإيصال أي أبدل لي والباء بمعنى من والحروف الجارة قد يقع بعض منها في موضع آخر والمطلوب هو التوفيق لرفض زوائد الدنيا والعمل بما يوجب نعيم الآخرة.

(اللهم إني أعوذ بك من أزلها وزلزالها) الأزل بالفتح والسكون الضيق والشدة وبالكسر والسكون الكذب والداهية والزلزال التحريك زلزله زلزلة وزلزالا مثلثة: حركه والزلزال البلايا كذا في القاموس. (وسطوات شياطينها وسلاطينها ونكالها) السطو والسطوة: الصولة والقهر والبطش.

والنكال بالفتح العقوبة التي تنكل الناس أي تنحيهم وتمنعهم عن فعل ما جعلت له جزاء.

(من بغي من بغى علي فيها) بغى عليه بغيا علا وظلم وعدل عن الحق وإستطال وكذب.

(اللهم من كادني فكده) الكيد المكر والخبث والخدعة والحيلة والمراد بكيده تعالى الجزاء من باب المشاكلة.

(ومن أرادني فأرده) أي من أرادني بالسوء فأرده بالدفع أو بإيصاله إليه والجزاء له على نحو ما مر. (وفل عني حد من نصب لي حده) الفل بفتح الفاء الكسر والثلم وفعله كمد. والحد الحدة والسورة. (وأطف عني نار من شب لي وقوده) الإطفاء الإذهاب، أطفأت النار أذهبت لهبها.

والشب الإيقاد شب النار أوقدها فتلألأ ضياء ونورا والوقود بالفتح الحطب والنار ولهبها وبالضم إيقادها أو الضمير للموصول والنار استعارة لما له من الصفات الذميمة المهلكة كالحقد والحسد والعداوة والغيظ والغضب والمقاتلة.

ص:395

(واكفني مكر المكرة) طلب كفايته تعالى من مكرهم إظهارا للعجز وتفويضا للأمر إليه. (وافقأ عني عيون الكفرة) فقأ العين كمنع قلعها طلب منه تعالى صرف عيونهم عنه أو إذلالهم على سبيل الكناية. (واكفني هم من أدخل علي همه) الهم القصد وفي على دلالة على الضرر والمطلوب صرف قصده وإرادته عنه واحتمال إرادة الحزن والغم من الهم وجعل إضافته إلى ضمير الموصول لأدنى ملابسة بعيد. (وادفع عني شر الحسدة) الحاسد من يتمنى زوال النعمة عن الغير بالوصول إليه أو مطلقا وهو بتلك الخصلة الذميمة يتفكر في كيفية الإزالة ويتدبر في كل سبب من أسبابها ويتوسل بكل شيء من كل وجه وينبعث من ذلك شرور غير محصورة توجب خراب الديار والأعمار والأموال من غير أن يكون للمحسود شعور بذلك فالإلتجاء إليه تعالى لدفع شره من أهم الامور وأولاها.

(واعصمني من ذلك بالسكينة) أي بما يسكن قلبي من شره ولعل المقصود بالفقرة الاولى سلب إرادة الحاسد عن إيصال المكروه إليه، وبالفقرة الثانية إعطاء المحسود ما يسكن قلبه ويأمن من وصول شر الحاسد إليه. (وألبسني درعك الحصينة) وهي حفظه المانع من وصول الشر إليه وتأثيره فيه من باب الاستعارة.

(وأحيني في سترك الواقي) من الشرور والمكاره، الستر بالكسر هو الساتر، وبالفتح المصدر والأول أنسب، وفي الاحياء إشارة إلى أن الشرور قاتلة مهلكة وفي بعض النسخ «وأخبأني» وهو أمر من خبأه كمنعه إذا ستره.

(وأصلح لي حالي) بيني وبينك وبيني وبين خلقك، وفي هذه العبارة الوجيزة طلب للخيرات الدنيوية والاخروية كلها.

(وصدق قولي) طلب الموافقة بين القول الصادق والفعل إذ الأول بدون الثاني مذموم كما قال عزوجل: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) وقال: (لم تقولون ما لا تفعلون).

(وبارك لي في أهلي ومالي) أي زدهما من البركة وهي النمو والزيادة أي أثبتهما وأدمهما لي، من برك البعير إذا أناخ في موضع ولزمه.

ص:396

باب الدعاء للدين

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وسهل بن زياد، جميعا، عن ابن محبوب، عن جميل بن دراج، عن وليد بن صبيح، قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) دينا لي على أناس، فقال:

قل: «اللهم لحظة من لحظاتك تيسر على غرمائي بها القضاء وتيسر لي بها الاقتضاء إنك على كل شيء قدير».

* الشرح:

قوله: (قل: اللهم لحظة من لحظاتك) أي ألحظ لحظة أو أسألك لحظة وهي النظر بشق العين الذي يلي الصدغ والمراد هنا نظر الرحمة والتوفيق.

* الأصل:

2 - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أتى النبي (صلى الله عليه وآله) رجل فقال: يا نبي الله الغالب علي الدين ووسوسة الصدر، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) قل: «توكلت على الحي الذي لا يموت الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا». قال : فصبر الرجل ما شاء الله، ثم مر على النبي فهتف به فقال: ما صنعت؟ فقال: أدمنت ما قلت لي يا رسول الله فقضى الله ديني وأذهب وسوسة صدري.

* الشرح:

قوله: (قل: توكلت على الحي الذي لا يموت) هذا الدعاء كما له مدخل في قضاء الدين له مدخل أيضا في قضاء جميع المهمات إذ الوكيل المطلق العالم القادر بفعل جميع ما فيه سلاح الموكل ورضاه وقد مر شرحه.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله قد لقيت شدة من وسوسة الصدر وأنا رجل مدين معيل محوج فقال: كرر هذه الكلمات: «توكلت على الحي

ص:397

الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا». فلم يلبث أن جاءه فقال: أذهب الله عني وسوسة صدري وقضى عني ديني ووسع علي رزقي.

* الشرح:

قوله: (وأنا رجل مدين معيل محوج) الدين ما له أجل وما لا أجل له فقرض، والمدين بالفتح من عليه الدين وبالضم من يأخذه من أدان إذا أخذ دينا، والمعيل بالضم من كثر عياله من أعول فلان إذا كثر عياله، والمحوج بضم الميم وكسر الواو المحتاج من الحوج وهو الاحتياج، يقال أحوج فلان إذا احتاج.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن موسى بن بكر، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) كان كتبه لي في قرطاس: «اللهم أردد إلى جميع خلقك مظالمهم التي قبلي، صغيرها وكبيرها في يسر منك وعافية وما لم تبلغه قوتي ولم تسعه ذات يدي ولم يقو عليه بدني ويقيني ونفسي فأده عني من جزيل ما عندك من فضلك ثم لا تخلف علي منه شيئا تقتصه من حسناتي، يا أرحم الراحمين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن الدين كما شرع وأن الإسلام كما وصف وأن الكتاب كما انزل وأن القول كما حدث وأن الله هو الحق المبين، ذكر الله محمدا وأهل بيته بخير، وحيا محمدا وأهل بيته بالسلام».

* الشرح:

قوله: (اللهم أردد إلى جميع خلقك مظالمهم التي قبلي صغيرها وكبيرها في يسر منك وعافية) المظلمة بفتح الميم وكسر اللام ما لا حد على غيره من الحقوق المالية والبدنية، و «في» للظرفية المجازية أو بمعنى مع، والتعليل محتمل لأن اليسر والعافية علة غائية للرد، ثم الظاهر من طلب رده تعالى المظلمة إلى المظلوم أن يرضيه من قبله مع احتمال أن يراد به طلب التوفيق لردها فيما يمكنه وبما بعده مما لا يمكنه التدارك طلب الإرضاء وهو قوله:

(وما لم تبلغه قوتي) لضعفها أو لقوة المظلوم. (ولم تسعه ذات يدي) المراد بالذات هنا النفس كما قيل في قولهم: ذات ليلة، والإضافة بيانية أو المراد بها الأحوال كما فسرت بها في قولهم:

ذات بينكم، أو المراد بها هنا الأموال والإضافة بتقدير في أو لامية.

(ولم يقو عليه بدني) لما فيه من الضعف المانع من تحمل مثل الجناية على المظلوم.

ص:398

(ويقيني ونفسي) لما فيهما من الضعف المانع من تسليم البدن إلى المظلوم. (فأده عني من جزيل ما عندك من فضلك) خبر لما والضمير له والفاء لكونه متضمنا لمعنى الشرط و «من فضلك» بيان لما عندك أو بدل لقوله: «من جزيل ما عندك».

(ثم لا تخلف علي منه شيئا يقتصه من حسناتي) يوم الجزاء وقد ثبت ان حسنات الظالم تضاف إلى حسنات المظلوم فان وفى وإلا فتضاف سيئات المظلوم إلى سيئات الظالم وفي بعض النسخ تقتضه بالضاد المعجمة. (وأن الدين كما شرع) شرع لهم كمنع سن والدين والشريعة والشرع ما سن لهم الرسول بأمر الله تعالى وفرض عليهم الأخذ به، ولفظة «ما» في كما موصولة، والمقصود أن دينه تعالى وهو ما جاء به الوحي مماثل لما سنه النبي (صلى الله عليه وآله) من غير زيادة ونقصان، وليس القصد فيه التشبيه الدال على المغايرة وقس عليه ما بعده. (وذكر الله محمدا وأهل بيته بخير) الظاهر أنه بحسب المعنى أمر عدل عنه إلى الخبر للتنبيه على وقوعه.

ص:399

باب الدعاء للكرب والهم والحزن والخوف

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السراج، عن ابن مسكان، عن أبي حمزة قال: قال محمد بن علي (عليهما السلام): يا أبا حمزة ما لك إذا أتى بك أمر تخافه أن لا تتوجه إلى بعض زوايا بيتك يعني القبلة فتصلي ركعتين ثم تقول:

«يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين» - سبعين مرة - كلما دعوت بهذه الكلمات [مرة] سألت حاجة.

* الشرح:

قوله: (يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين - اه) إطلاق الناظر والسامع والحاسب والراحم عليه وعلى غيره إنما هو من باب الاشتراك في اللفظ دون المعنى إذ لا شركة بينه وغيره في المعنى أصلا، فان البصر والسمع فيه مثلا عبارة عن عدم خفاء المبصرات والمسموعات الجلية والخفية عن ذاته وفي غيره عبارة عن حضورهما عند آلاته.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن ثابت، عن أسماء قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أصابه هم أو غم أو كرب أو بلاء أو لأواء فليقل: «الله ربي ولا اشرك به شيئا، توكلت على الحي الذي لا يموت».

* الشرح:

قوله: (من أصابه هم أو غم أو كرب أو بلاء أو لأواء فليقل - اه) البلاء الشر والفتنة في النفس والولد والمال وغيرها واللأواء الشدة والمحنة والثلاثة الأول الحزن وهي متحدة ويمكن الفرق بأن المراد بالغم الحزن بسبب معلوم أو لأمور الدنيا أو لفوات مرغوب والهم الحزن لا لسبب معلوم أو لامور الآخرة أو لنزول مكروه، والمراد بالكرب بالفتح والكربة بالضم - الحزن الذي يأخذ النفس لشدته.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

ص:400

إذا نزلت برجل نازلة أو شديدة أو كربه أمر فليكشف عن ركبتيه وذراعيه وليلصقهما بالأرض وليلزق جؤجؤه بالأرض ثم ليدع بحاجته وهو ساجد.

* الشرح:

قوله: (وليلزق جؤجؤه إلى الأرض) الجؤجؤ كهدهد الصدر والجمع الجواجي.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن الحسن بن عمار الدهان عن مسمع، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما طرح إخوة يوسف يوسف في الجب أتاه جبرئيل (عليه السلام) فدخل عليه فقال:

يا غلام ما تصنع ههنا؟ فقال: إن إخوتي ألقوني في الجب قال: فتحب أن تخرج منه؟ قال: ذاك إلى الله عزوجل، إن شاء أخرجني، قال: فقال له: إن الله تعالى يقول لك: ادعني بهذا الدعاء حتى اخرجك من الجب فقال له: وما الدعاء؟ فقال: قل: «اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل لي مما أنا فيه فرجا ومخرجا». قال: ثم كان من قصته ما ذكر الله في كتابه.

* الشرح:

قوله: (لما طرح اخوة يوسف يوسف في الجب) الجب بالضم البئر أو الكثيرة الماء البعيدة القعر (فقال: قل: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل لي مما أنا فيه) من الشدة والضيق والغم (فرجا ومخرجا) دل على أن الداعي ينبغي أن يضم إلى المطلوب الصلاة على النبي وآله صلوات الله عليهم وأن يقدم عليه تحميده تعالى وتمجيده والثناء عليه لأنه أدخل في حصول المطلوب، وقوله «لك الحمد» إشارة إلى أن جميع المحامد له لإختصاص جميع أفراد الحمد به. والمنان من أبنية المبالغة ومعناه المنعم المعطي مطلقا من غير رعاية استحقاق. من المن بمعنى العطاء لا من المنة.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السراج، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) إن الذي دعا به أبو عبد الله (عليه السلام) على داود بن علي حين قتل المعلى بن خنيس وأخذ مال أبي عبد الله (عليه السلام): «اللهم إني أسألك بنورك الذي لا يطفي وبعزائمك التي لا تخفى وبعزك الذي لا ينقضي وبنعمتك التي لا تحصى وبسلطانك الذي كففت

ص:401

به فرعون عن موسى (عليه السلام)».

* الشرح:

قوله: (ان الذي دعا به أبو عبد الله (عليه السلام) على داود بن علي حين قتل المعلى بن خنيس) ذكرنا حكايته في باب الدعاء على العدو. (اللهم إني أسألك بنورك الذي لا يطفى - إلى آخره) أي لا يذهب من طفئت النار بالهمزة كسمع إذا ذهب لهبها لعل المراد بالنور الرسول أو علمه تعالى أو قدرته من باب الاستعارة والترشيح. (وبعزائمك التي لا تخفى) العزيمة القدرة والقوة كما في النهاية وقد يطلق أيضا على الجد في الأمر والثبات فيه وعلى الحقوق الواجبة. (وبعزك الذي لا ينقضي) العز والعزة: الشدة والغلبة والعزيز من أسمائه تعالى وهو الغالب القوى الذي لا يغلب.

(وبنعمتك التي لا تحصى) كما قال عز وجل: (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها). (وبسلطانك الذي كففت به فرعون عن موسى) السلطان قدرة الملك والحجة وإنما ذكر الثناء والتحميد على الله تعالى دون المطلوب وهو الدعاء على داود لأن المقصود هنا بيان ما ينبغي تقديمه على المطلوب.

* الأصل:

6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الهم قال: تغتسل وتصلي ركعتين وتقول: «يا فارج الهم يا كاشف الغم يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما فرج همي واكشف غمي يا الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أعصمني وطهرني وأذهب ببليتي» واقرأ آية الكرسي والمعوذتين.

* الشرح:

قوله: (يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما) قيل: هما إسمان بنيا للمبالغة من رحم والأول أبلغ من الثاني; لأن زيادة المباني تدل على زيادة المعاني، وتلك الزيادة إما باعتبار الكمية ولذلك يقال رحمن الدنيا لأنه يعم الأبرار والفجار، ورحيم الآخرة لأنه يخص الأبرار، وكذلك يقال: رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا لأن النعم الاخروية كلها جسام في ذاتها وبالنسبة إلى النعم الدنيوية، أقول: ويشكل هذا بمثل رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما إلا أن يخص الثاني بما ليس جليلا فيهما أو بما سوى الكفار أو يقال اطلقا على معنى واحد.

* الأصل:

7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا خفت أمرا فقل: «اللهم إنك لا يكفي منك أحد وأنت تكفي من كل أحد من

ص:402

خلقك فاكفني كذا وكذا.

وفي حديث آخر قال: تقول: «يا كافيا من كل شيء ولا يكفي منك شيء في السماوات والأرض، اكفني ما أهمني من أمر الدنيا والآخرة وصلى الله على محمد وآله» وقال أبو عبد الله (عليه السلام): من دخل على سلطان يهابه فليقل: «بالله أستفتح وبالله أستنجح وبمحمد (صلى الله عليه وآله) أتوجه، اللهم ذلل لي صعوبته وسهل لي حزونته فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك ام الكتاب». وتقول أيضا «حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم وأمتنع بحول الله وقوته من حولهم وقوتهم وأمتنع برب الفلق من شر ما خلق ولا حول ولا قوة إلا بالله».

* الشرح:

قوله: (اللهم إنك لا يكفي منك أحد وأنت تكفي من كل أحد من خلقك) قوله «من خلقك» بيان لكل أحد أو بدل من كل أحد، والظاهر أن من فيه وفي منك للبدل كما في قوله تعالى:

(أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) وفي الكنز كفاية بس بودن والمعنى لا يكفي ولا يحسب أحد بدلا منك وتكفي أنت وتحسب بدلا من كل أحد. وفيه إشعار بالانقطاع عن الغير والإلتجاء إليه عزوجل في رفع المكاره وطلب المنافع.

قوله: (تقول: يا كافيا من كل شيء) في القاموس كافيك من رجل حسبك ونصب المنادي لكونه شبه مضاف.

قوله: (بالله أستفتح وبالله أستنجح) الإستفتاح الإستنصار ومنه قوله تعالى: (ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) والإستنجاح طلب نجح الحاجة أي الظفر بها والوصول إليها عجالة تقول فلان إستنجح الحاجة فأنجحها الله أي طلب الظفر بها وتنجزها فأظفره الله بها. (وبمحمد (صلى الله عليه وآله) أتوجه) أي بهم أتوجه إليك واقدمهم بين يدي الحاجات. (اللهم ذلل لي صعوبته وسهل لي حزونته) الصعوبة العسر. والحزونة الغلظة ولعل المراد بالاولى العقوبة والبطش وبالثانية الغلظة في القول والخشونة في الطبع وبتذليل الاولى وتسهيل الثانية رفعهما أو تبديلهما باليسر واللطف. (تمحو ما تشاء وتثبت وعندك ام الكتاب) وهو اللوح المحفوظ المكتوب فيه كل ما هو كائن من المحتوم وغيره مما يمحى ويثبت على وفق الحكمة والمصلحة وفيه إشارة إلى مضمون الآية الكريمة، وتوقع بأن تبدل أسباب الخوف والشرور بأسباب الأمن والسرور. (وتقول أيضا: حسبي الله) في جلب المنافع والمقاصد ودفع المكاره والمفاسد. (لا إله إلا هو) أشار بالتوحيد المطلق إلى أنه لا رب سواه ولا ملجأ إلا إياه وفيه استعطاف في تحصيل المطالب.

ص:403

(عليه توكلت) تقديم الظرف للحصر والدلالة على تفويض الامور إليه والانقطاع عن غيره (وهو رب العرش العظيم) هو الفلك الأعظم المطاف للملائكة أو علمه بجميع الأشياء من باب التشبيه لإستقرارها فيه. (وأمتنع بحول الله وقوته من حولهم وقوتهم) الامتناع الكف عن الشيء والممتنع القوي الذي يمنع من يريده بسوء وفي الكنز امتناع وايستادن وقوى گشتن، والحول القوة والعطف للتفسير أو الدفع كما قيل فيما روي «اللهم بك أصول وبك أحول». (وأمتنع برب الفلق من شر ما خلق) قيل الفلق الصبح وتخصيصه للتنبيه على أن من قدر أن يزيل عن هذا العالم ظلمة الليل بعمود الصبح قدر أن يزيل العائذ ما يخافه بضده.

* الأصل:

8 - عنه، عن عدة من أصحابنا، رفعوه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان من دعاء أبي (عليه السلام) في الأمر يحدث: «اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لي وارحمني وزك عملي ويسر منقلبي واهد [ء] قلبي وآمن خوفي وعافني في عمري كله وثبت حجتي واغفر خطاياي وبيض وجهي واعصمني في ديني وسهل مطلبي ووسع علي في رزقي فإني ضعيف وتجاوز عن سيىء ما عندي بحسن ما عندك ولا تفجعني بنفسي ولا تفجع لي حميما وهب لي يا إلهي لحظة من لحظاتك، تكشف بها عني جميع ما به إبتليتني وترد بها علي ما هو أحسن عاداتك عندي، فقد ضعفت قوتي وقلت حيلتي وانقطع من خلقك رجائي ولم يبق إلا رجاؤك وتوكلي عليك وقدرتك علي يا رب إن ترحمني وتعافني كقدرتك علي إن تعذبني وتبتلني، إلهي ذكر عوائدك يؤنسني والرجاء لإنعامك يقويني ولم أخل من نعمك منذ خلقتني وأنت ربي وسيدي ومفزعي وملجئي والحافظ لي والذاب عني والرحيم بي والمتكفل برزقي وفي قضائك وقدرتك كل ما أنا فيه فليكن يا سيدي ومولاي فيما قضيت وقدرت وحتمت تعجيل خلاصي مما أنا فيه جميعه والعافية لي فإني لا أجد لدفع ذلك أحدا غيرك ولا أعتمد فيه إلا عليك، فكن يا ذا الجلال [والإكرام] عند أحسن ظني بك ورجائي لك وارحم تضرعي وإستكانتي وضعف ركني وامنن بذلك علي وعلى كل داع دعاك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله».

* الشرح:

قوله: (كان من دعاء أبي عبد الله (عليه السلام) في الأمر يحدث) من الهم والكرب والشدة والنازلة وغير ذلك، وفي لفظة «من» اشعار بأنه كان له (عليه السلام) أدعية وأن هذا من جملتها.

(اللهم صل على محمد وآل محمد) افتتح بالصلاة وإختتم بها لأن الدعاء المحفوف بها لا يرد

ص:404

(واغفر لي) ما كان لي من الزلات.

(وارحمني) بترك معاصيك فيما بقي من الحياة (وزك عملي) من النقائص والمفسدات (ويسر منقلبي) في سبل الطاعات (وآمن خوفي) من المخلوقات (وعافني في عمري) كله من البليات (وثبت حجتي) هي الدليل والبرهان، والمراد بها هنا الأعمال الصالحة والأقوال الصادقة والإيمان يعني ثبتها في الدنيا وعند جواب الملكين في القبر وعند الحساب والميزان.

(واغسل خطاياي) بالعفو والغفران، وفي بعض النسخ «واغفر» وفي الأصل استعارة تبعية بتشبيه الإزالة بالغسل واستعارة الفعل بتبعيته.

(وبيض وجهي) يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، قيل: بياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الحزن فيه، وقيل: يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصفحة وإشراق البشرة وسعي النور بين يديه ويمينه وأهل الباطل بأضداد ذلك (واعصمني في ديني) من الخطاء والزلل في العقل والقول والعمل.

(وسهل مطلبي) في أمر الدين والدنيا (ووسع علي في رزقي) طلب الكفاف أو أزيد من طرق الحلال ويندرج فيه رزق العيال.

(فإني ضعيف) أي فقير أو غير قادر على تحصيله وإكتسابه (وتجاوز عن سيىء ما عندي بحسن ما عندك) طلب التجاوز عن السيئات وتبديلها بالحسنات والله سبحانه يبدلها تفضلا لمن يشاء والسيىء أصله سيوء بفتح السين وسكون الياء وكسر الواو فقلبت الواو ياء وادغمت (ولا تفجعني بنفسي ولا تفجع لي حميما) الحميم كأمير القريب وقد يكون للجمع والمؤنث والفجيعة الرزية الموجعة والمصيبة المؤلمة وقد فجعه المصيبة كمنعه أوجعته كفجعته تفجيعا (وهب لي يا إلهي لحظة من لحظاتك) اللحظة النظر بشق العين مما يلي الصدغ من باب الرفق وهي كناية عن اللطف والرحمة.

(تكشف بها) أي تزيل بتلك اللحظة وترفع (عني جميع ما به إبتليتني) من النوازل والنوائب، و «به» متعلق بالفعل المتأخر (وترد بها علي) بتشديد الياء.

(ما هو أحسن عاداتك عندي) وهو الإحسان والإنعام والسلامة من البلية وهي أحسن عاداته، وفي التفضيل دلالة على أن ضدها أيضا حسن (فقد ضعفت قوتي) عن تحمل ما ورد علي من المكاره والنوازل (وقلت حيلتي) أي قوتي أو تدبيري وتفكري في تحصيل ما يرفع تلك المكاره عني فلم يبق إلا صرف الرجاء إلى أحد يرفعها.

(وانقطع من خلقك رجائي) لعجزهم عن صرف ما أوردته علي ووجهته إلي ولعلمي بأن

ص:405

الرجوع إليهم نقص في الدين وضعف في اليقين (ولم يبق إلا رجاؤك وتوكلي عليك) في رفع النوائب وعن تحصيل المطالب (وقدرتك علي يا رب) الواو للحال وفي ذكر الرب استعطاف لأن التربية تقتضي توقع رفع المضار وجلب المنافع منه تعالى (ان ترحمني) أي على أن ترحمني بإفاضة الخيرات والمرغوبات وتعافيني من الآفات والمكروهات (كقدرتك على أن تعذبني) بمنع المرغوبات.

(وتبتليني) بالبليات فلا يعسر عليك التحويل ولا يصعب عليك التبديل. (إلهي ان ذكر عوائدك يؤنسني بك) والعوائد جمع العائدة وهي المعروفة والصلة والعطف والمنفعة.

(والرجاء لإنعامك يقويني) على السؤال منك إذ كان كل ذلك بلا استحقاق مني والغرض منه زيادة بسط الرجاء في نيل المقصود.

(ولم أخل من نعمك منذ خلقتني) الظاهر أن المراد بإبتداء خلقه ابتداؤه في العالم الجسماني وهو عند نزوله في الرحم مع احتمال ابتدائه في العالم النوراني وعلى التقديرين نعماؤه تعالى عليه غير محصورة (وأنت ربي وسيدي الفرق بينهما أنه تعالى رب من حيث التربية البالغة وسيد من حيث أنه مالك على الإطلاق فهما متخالفان في المفهوم متساويان في التحقق. هذا في الواجب وأما غيره فبينهما عموم من وجه.

(ومفزعي وملجئي) المفزع من يغيث غيره وينصره في الحوادث من فرغه كمنع وفرح إذا أغاثه ونصره والملجأ من يستند إليه غيره ويعتضد به في دفع المكاره. (والحافظ لي) الحفظ الحراسة، يقال: حفظ ماله إذا حرسه ورعاه من التلف والضياع ووصول يد التغلب إليه، وهو سبحانه حافظ لعبده ولولا حفظه لأهلكته النفس الأمارة وشياطين الجن والإنس (والذاب عني) مهام الحوادث والنوازل.

(والرحيم بي) بأنحاء العطايا والنوائل والمتكفل برزقي) فيه اعتراف بالنعم وشكر له وطلب للزيادة لأن الكريم إذا تكفل برزق أحد يؤتيه على وجه الكمال خصوصا بعد الطلب. (وفي قضائك وقدرتك كل ما أنا فيه) من الامور الحادثة، قال في النهاية: القضاء أصله القطع والفصل يقال قضى يقضي فهو قاض إذا حكم وفصل وقضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه فيكون بمعنى الخلق، وقال الأزهري: القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وإتمامه وكلما أحكم عمله أو أتم أو ختم أو أدى أو أوجب أو أعلم أو أنفذ أو أمضى فقد قضى وقد جاءت هذه المعاني كلها في الحديث ومنه القضاء المقرون بالقدر والمراد بالقدر التقدير وبالقضاء الخلق

ص:406

كقوله تعالى: (فقضاهن سبع سماوات في يومين) أي خلقهن والقضاء والقدر أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر; لأن أحدهما بمنزلة الأساس وهو القدر، والثاني بمنزلة البناء وهو القضاء فمن رام الفصل بينهما رام هدم البناء ونقضه. (فليكن يا سيدي ومولاي) المراد بالمولى هنا الرب أو السيد أو المالك أو المنعم أو الناصر.

(فكن يا ذا الجلال عند أحسن ظني بك ورجائي لك) لما بسط الرجاء وأحسن ظنه به في قبوله طلب منه تعالى أن يحقق رجاءه ويصدق ظنه ومعنى حسن ظن العبد به أن لا يتكل بعمله وان اجتهد بل يظن أنه تعالى يقبله بفضله فيظن بالغفران حين يستغفر وبالقبول حين يتوب ويعمل وبالكفاية حين يستكفي وبالإجابة حين يدعو ولا يتكل بالعمل ولا يغتر بجودته، وقد روي عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: قال الله تعالى: «لا يتكل العاملون على أعمالهم فانهم وان اجتهدوا فيها كانوا مقصرين غير بالغين كنه عبادتي ولكن برحمتي فليثقوا وبفضلي فليرجوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا فان رحمتي عند ذلك تدركهم فإني أنا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت» - نقلنا بعض مضمون الحديث -.

(وارحم تضرعي) في طلب الحاجات بقضائها. (وإستكانتي) أي ذلي وخضوعي يقال:

إستكان إذا ذل وخضع أي صار له كون خلاف كونه كما يقال: استحال إذا تغير من حال إلى حال إلا أن استحال عام في كل حال وإستكان خاص.

(وضعف ركني) أي قوتي أو جوارحي وأركان كل شيء جوانبه التي يستند إليها ويقوم بها كأركان البيت أو عشيرتي وغيرهم ممن استند إليهم في أمري.

* الأصل:

9 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن إسماعيل بن يسار، عن بعض من رواه قال: قال: إذا أحزنك أمر فقل في آخر سجودك: «يا جبرئيل يا محمد، يا جبرئيل يا محمد - تكرر ذلك - إكفياني ما أنا فيه فإنكما كافيان واحفظاني بإذن الله فإنكما حافظان».

* الشرح:

قوله: (إذا أحزنك أمر) أحزنه بالحاء المهملة والزاي المعجمة والنون جعله حزينا فهو محزون وبالباء الموحدة نابه وأصابه ويؤيد الأخير ما رواه مسلم في باب الدعاء وفسره العياض والمازري بأنه بالحاء المهملة والزاي المعجمة والباء الموحدة بمعنى نابه وأصابه.

(فقل في سجودك: يا جبرئيل يا محمد، يا جبرئيل يا محمد - تكرر ذلك -) التكرار ان كان عبارة

ص:407

عن ذكر الشيء مرة بعد اخرى كما هو المعروف فقد حصل بالمذكور فقوله: «تكرر ذلك» بمنزلة قوله: تقول ذلك مرتين وان كان عبارة عن إعادة مجموع الذكرين فلابد من إعادته ثانية والتكرار إلى انقطاع النفس أو إلى أي قدر شاء محتمل.

* الأصل:

10 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أعين، عن بشير بن سلمة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: ما ابالي إذا قلت هذه الكلمات لو اجتمع علي الإنس والجن: «بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللهم إليك أسلمت نفسي وإليك وجهت وجهي وإليك ألجأت ظهري وإليك فوضت أمري، اللهم احفظني بحفظ الإيمان من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ومن تحتي وما قبلي وادفع عني بحولك وقوتك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك».

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير مثله.

* الشرح:

قوله: (بسم الله) أتحصن وأستظهر (وبالله) أستعين وأقتدر (ومن الله) موتي وحياتي (وإلى الله) نصرتي ونجاتي (وفي سبيل الله) سكوني وحركاتي.

(وعلى ملة رسول الله) قيامي وثباتي. واعلم أن تقدير هذه الامور من باب الاحتمال وان وجدت ما هو أنسب فلك أن تقدره.

(اللهم إليك أسلمت نفسي ووجهت وجهي) الوجه كالنفس الذات والأولى أن يراد به القصد والعمل لأن الجمع بينهما يدل على المغايرة والغرض منه إظهار العجز في حفظها يعني لا قدرة لي في حفظها وتدبيرها وجلب النفع لها ودفع الضر عنها.

(وإليك ألجأت ظهري) أي إليك أسندت ظهري للتقوية وهذا كناية عن طلب القوة منه لأن من استند إلى شيء غرضه التقوى به.

(وإليك فوضت أمري) أي رددت أمري كله إليك لتتولى إصلاحه وتكفيني همه، يقال: فوض إليه الأمر تفويضا إذا رده إليه وجعله الحاكم فيه والتقديم في جميع ذلك لقصد الحصر (اللهم احفظني بحفظ الإيمان) الظاهر أن إضافة الحفظ إلى الإيمان إضافة المصدر إلى المفعول وأن الباء للمصاحبة وأن المطلوب حفظ البدن عن المكاره وحفظ الإيمان عن النواقض وبحفظهما يتم نعمة الدنيا والآخرة ونظامهما.

ص:408

(من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ومن تحتي وما قبلي) مبالغة في حفظه من جميع الجهات التي يمكن ورود المكاره فيها من الخارج، وقوله: (ما قبلي) بكسر القاف وفتح الباء إشارة إلى الحفظ من المكاره والمفاسد النازلة من قبل النفس والقوى البدنية، والوجه في إتيان «من» في بعض المواضع و «عن» في بعضها ما ذكرناه سابقا.

* الأصل:

11 - عنه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال لي رجل: أي شيء قلت حين دخلت على أبي جعفر بالربذة؟ قال: قلت: «اللهم إنك تكفي من كل شيء ولا يكفي منك شيء فاكفني بما شئت وكيف شئت ومن حيث شئت وأنى شئت».

* الشرح:

قوله: (قال لي رجل أي شيء قلت حين دخلت على أبي جعفر بالربذة) هي بالتحريك قرية معروفة قرب المدينة بها قبر أبي ذر الغفاري.

* الأصل:

12 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن علي بن ميسر قال: لما قدم أبو عبد الله (عليه السلام) على أبي جعفر أقام أبو جعفر مولى له على رأسه وقال له: إذا دخل علي فاضرب عنقه، فلما دخل أبو عبد الله (عليه السلام) نظر إلى أبي جعفر وأسر شيئا فيما بينه وبين نفسه، لا يدري ما هو، ثم أظهر: «يامن يكفي خلقه كلهم ولا يكفيه أحد اكفني شر عبد الله بن علي» قال:

فصار أبو جعفر لا يبصر مولاه وصار مولاه لا يبصره، فقال أبو جعفر: يا جعفر بن محمد لقد عنيتك في هذا الحر فانصرف فخرج أبو عبد الله (عليه السلام) من عنده فقال أبو جعفر لمولاه: ما منعك أن تفعل ما أمرتك به؟ فقال لا والله ما أبصرته ولقد جاء شيء فحال بيني وبينه، فقال له أبو جعفر:

والله لئن حدثت بهذا الحديث أحدا لأقتلنك.

* الشرح:

قوله: (فصار أبو جعفر لا يبصر مولاه وصار مولاه لا يبصره) الظاهر أن ضمير لا يبصره راجع إلى أبي جعفر المنصور وعوده إلى أبي عبد الله وان كان صحيحا لكنه بعيد جدا. (لقد عنيتك) عنا عناء: نصب وتعب وأعناه وعناه وتعناه تعنية أتعبه.

* الأصل:

13 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن أحمد بن أبي داود، عن عبد الله

ص:409

ابن عبد الرحمن، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي: ألا أعلمك دعاء تدعو به، إنا أهل البيت إذا كربنا أمر وتخوفنا من السلطان أمرا لا قبل لنا به ندعو به.

قلت: بلى بأبي أنت وامي يا بن رسول الله، قال: قل: «يا كائنا قبل كل شيء ويا مكون كل شيء ويا باقي بعد كل شيء صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا».

* الشرح:

قوله: (لا قبل لنا به) القبل بكسر القاف وفتح الباء الطاقة وفي القاموس: ما لي به قبل أي طاقة (قل يا كائنا قبل كل شيء) أشار بذلك إلى حدوث الممكنات كلها ردا على من زعم ثبوت قديم غيره عزوجل وإلى أنه تعالى قديم أزلي إذ لو كان حادثا لكان قبله شيء موجد له فلا يكون هو قبل كل شيء هذا خلف.

(ويا مكون كل شيء) إلا ما أخرجه النص، وفيه رد على من نسب تكوين السفليات وأكثر العلويات إلى غيره. (ويا باقي بعد كل شيء) دل على فناء الأشياء وبقائه بعدها وهو وارث كل شيء. ويمكن أن يكون إشارة إلى أنه الباقي نظرا إلى ذاته وأما الممكن فهو من حيث أنه ممكن يستوي وجوده وعدمه نظرا إلى ذاته فانه هالك كما قال عز وجل: «كل شيء فإن» و: (كل شيء هالك إلا وجهه) وقد صرح به بهمنيار في التحصيل وفيه حينئذ إشارة إلى أبديته. وكان في نهاية ابن الأثير أيضا إشارة إليها حيث قال: الباقي في أسمائه تعالى هو الذي لا ينتهي تقدير وجوده في الاستقبال إلى آخر ينتهي إليه ويعبر عنه بأنه أبدي الوجود.

* الأصل:

14 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن علي بن مهزيار قال: كتب محمد بن حمزة الغنوي إلي يسألني أن أكتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) في دعاء يعلمه يرجو به الفرج فكتب إلي: أما ما سأل محمد بن حمزة من تعليمه دعاء يرجو به الفرج فقل له: يلزم «يامن يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء اكفني ما أهمني مما أنا فيه» فإني أرجو أن يكفي ما هو فيه من الغم إن شاء الله تعالى. فأعلمته ذلك فما أتى عليه إلا قليل حتى خرج من الحبس.

* الشرح:

قوله: (يسألني أن أكتب إلى أبي جعفر (عليه السلام)) هو الجواد محمد بن علي (عليهما السلام) (فكتب إلي أما ما سأل) الظاهر أنه كتب إليه قبل أن يكتب علي بن مهزيار فهذا من العلامة. مما هو فيه ليس من تتمة

ص:410

الدعاء بل بيان للموصول، والظاهر أنه لو قال الداعي اكفني ما أهمني (مما أنا فيه) وجعله جزءا من الدعاء كان جائزا.

* الأصل:

15 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن ابن أبي حمزة قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول لابنه: يا بني من أصابه منكم مصيبة أو نزلت به نازلة فليتوضأ وليسبغ الوضوء ثم يصلي ركعتين أو أربع ركعات ثم يقول في آخرهن: «يا موضع كل شكوى ويا سامع كل نجوى وشاهد كل ملاء وعالم كل خفية ويا دافع ما يشاء من بلية ويا خليل إبراهيم ويا نجي موسى ويا مصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) أدعوك دعاء من إشتدت فاقته وقلت حيلته وضعفت قوته، دعاء الغريق الغريب المضطر الذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلا أنت يا أرحم الراحمين» فإنه لا يدعو به أحد إلا كشف الله عنه إن شاء الله.

* الشرح:

قوله: (يا بني من أصابه منكم مصيبة أو نزلت به نازلة) ان اريد بالمصيبة الحزن كما في الكنز وبالنازلة الشديدة كما في القاموس أو الأمر المكروه الذي ينزل بالإنسان كما في النهاية فالفرق واضح، وان اريد بهما الأمر المكروه فلا فرق إلا باعتبار المفهوم أو باعتبار أن يراد بأحديهما المكروه النازل من الخلق وبالأخرى المكروه النازل من الخالق أو بوجه آخر من الاعتبارات (أو أربع ركعات) يحتمل الوصل والفصل بتسليمة والثاني أولى لأنه الغالب في المندوبة. (ثم يقول في آخرهن) يحتمل قبل الركوع من الأخيرة بعد القراءة. ويحتمل السجدة الأخيرة. (يا موضع كل شكوى) شكى أمره إلى الله شكوى وينون إذا أخبر ما أصابه من المكروه ليزوله وفي الكنز شكوى گله كردن.

* الأصل:

16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أخي سعيد عن سعيد بن يسار قال:

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يدخلني الغم فقال: أكثر من [أن ت] قول: «الله الله ربي لا أشرك به شيئا» فإذا خفت وسوسة أو حديث نفس فقل: «اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، عدل في حكمك، ماض في قضاؤك، اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل القرآن نور بصري وربيع قلبي وجلاء حزني وذهاب همي، الله الله ربي لا اشرك به شيئا».

ص:411

* الشرح:

قوله: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك) المراد بكل اسم الأسماء الحسنى كلها أو أسماء الأعظم كلها أو الجميع وقد مر في كتاب الحجة أن الاسم الأعظم كثير بعضه معلوم للخواص وبعضه مستأثر عنده تعالى لا يعلمه إلا هو، والظاهر أن أو للتنويع لا للترديد.

(وأن تجعل القرآن نور بصري) طلب التوفيق للنظر إلى القرآن دائما أو للعمل بأحكامه والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته (وربيع قلبي) طلب سرور القلب وإرتياحه بالتفكر في أسرار القرآن ومن طرق العامة: «اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي» قال ابن الأثير:

جعله ربيعا لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان ويميل إليه.

* الأصل:

17 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) ليلة الأحزاب: «يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين ويا كاشف غمي اكشف عني غمي وهمي وكربي، فانك تعلم حالي وحال أصحابي واكفني هول عدوي».

* الشرح:

قوله: (ليلة الأحزاب) الأحزاب المتحزبون من الأعراب في قضية الخندق وليلتها هي التي دعا فيها النبي (صلى الله عليه وآله) تضرعا وخشوعا فاستجاب سبحانه وأرسل عليهم ريحا وجنودا لم تروها وهزمهم وحده من غير قتال.

* الأصل:

18 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن إبراهيم بن أبي إسرائيل، عن الرضا (عليه السلام) قال: خرج بجارية لنا خنازير في عنقها فأتاني آت فقال: يا علي قل لها: فلتقل:

«يا رؤوف يا رحيم يا رب يا سيدي» - تكرره - قال: فقالته فأذهب الله عز وجل عنها. قال: وقال هذا الدعاء الذي دعا به جعفر بن سليمان.

* الشرح:

قوله: (قال خرج بجارية لنا خنازير في عنقها) هي قروح تحدث في الرقبة ويهلك غالبا.

* الأصل:

19 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) دعاء

ص:412

وأنا خلفه فقال: «اللهم إني أسألك بوجهك الكريم واسمك العظيم وبعزتك التي لا ترام وبقدرتك التي لا يمتنع منها شيء أن تفعل بي كذا وكذا». قال: وكتب إلي رقعة بخطه قل: «يامن علا فقهر وبطن فخبر، يامن ملك فقدر، ويا من يحيى الموتى وهو على كل شيء قدير صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا» ثم قل: «يا لا إله إلا الله ارحمني بحق لا إله إلا الله ارحمني».

وكتب إلي في رقعة اخرى يأمرني أن أقول «اللهم ادفع عني بحولك وقوتك، اللهم إني أسألك في يومي هذا وشهري هذا وعامي هذا بركاتك فيها وما ينزل فيها من عقوبة أو مكروه أو بلاء فاصرفه عني وعن والدي بحولك وقوتك، إنك على كل شيء قدير، اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحويل عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن شر كتاب قد سبق، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إنك على كل شيء قدير، وإن الله قد أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا».

* الشرح:

قوله: (اللهم إني أسألك بوجهك الكريم) الوجه الذات والكريم في وصفه تعالى هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه والجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل.

(واسمك العظيم) وصف اسمه بالعظيم للكشف والتوضيح لا للتقييد والتخصيص لأن كل اسمه عظيم وحمله على الاسم الأعظم بعيد.

(وبعزتك التي لا ترام) بتخفيف الميم أي لا تطلب ولا يقصد إذ لا سبيل للعقل إليها من الروم وهو القصد والطلب وأما تشديد الميم ليكون مفاعلة من الرمة بالكسر بمعنى البلى والهشم فهو غير موافق للرواية وان كان له وجه.

(وبقدرتك التي لا يمتنع منها شيء) من الممكنات إذ ليس في وسعه الإباء منها، قال الشيخ في المفتاح: فيه إشارة إلى عدم صدق الشيئية على الممتنعات.

(وكتب إلي رقعة بخطه) في القاموس الرقعة بالضم التي تكتب. (قل: يامن علا فقهر وبطن فخبر - اه) قد مر شرح هذه الكلمات الشريفة في أول باب الدعاء عند النوم والانتباه فلا نعيده (ثم قل: يا لا إله إلا الله ارحمني) هذه الكلمة الشريفة لدلالتها على التوحيد المطلق كأنها صارت علما له عزوجل فلذلك صح دخول حرف النداء عليها فكأنه قال: يا الله الذي ليس إله سواه إرحمني.

(اللهم إدفع عني بحولك وقوتك) الحول بمعنى القوة فالعطف للتفسير أو بمعنى التحويل يعنى

ص:413

ادفع عني المكاره بتحويلك إياها وقدرتك على التصرف فيها بالمحو والإثبات أو بمعنى الحذق وهو جودة النظر وان كان بعيدا يعنى إدفعها عنى بعلمك بها ونظرك إليها وقوتك على دفعها.

(ومن فجأة نقمتك) الفجأة بالضم والمد وقوع الشيء بغتة والنقمة ككلمة والنعمة: العقاب.

(ومن شر كتاب قد سبق) الإضافة بتقدير في. والكتاب اللوح المحفوظ والعارف كما يستعيذ من نزول الشر كذلك يستعيذ من تقديره في الأزل بل هو أولى بالاستعاذة لأنه الأصل الأول ثم تقديره قد يكون في معرض البداء وقد يمكن دفعه بالدعاء.

* الأصل:

20 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عمر بن يزيد: «يا حي يا قيوم، يا لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث فأكفني ما أهمني ولا تكلني إلى نفسي». تقول مائة مرة وأنت ساجد.

* الشرح:

قوله: (عن عمر بن يزيد: «يا حي يا قيوم) عمر بن يزيد مشترك بين السابري والكوفي يرويان عن أبي عبد الله (عليه السلام) والأول عن الكاظم (عليه السلام) أيضا ولم يعلم أن الدعاء منقول عن المعصوم أو لا.

والله سبحانه حي أي فعال مدرك لا يجوز عليه الموت والفناء. وقيوم يقوم بنفسه مطلقا لا بغيره ويقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود شيء ولا بقاؤه ولا قوام أحواله إلا به.

* الأصل:

21 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابه، عن إبراهيم بن حنان، عن علي بن سورة، عن سماعة قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): إذا كان لك يا سماعة إلى الله عزوجل حاجة فقل: «اللهم إني أسألك بحق محمد وعلي فان لهما عندك شأنا من الشأن وقدرا من القدر، فبحق ذلك الشأن وبحق ذلك القدر أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا».

فإنه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن ممتحن إلا وهو يحتاج إليهما في ذلك اليوم.

* الشرح:

قوله: (فان لهما عندك شأنا من الشأن وقدرا من القدر) الشأن الخطب والأمر والحال. والقدر المنزلة والمرتبة. وقوله:

(فانه إذا كان يوم القيامة - إلى آخره) دليل لقوله لهما عندك شأن وقدر وتنكيرهما للتعظيم.

ص:414

* الأصل:

22 - علي بن محمد، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن أبي القاسم الكوفي، عن محمد بن إسماعيل، عن معاوية بن عمار والعلاء بن سيابة وظريف بن ناصح قال: لما بعث أبو الدوانيق إلى أبي عبد الله (عليه السلام) رفع يده إلى السماء، ثم قال: «اللهم إنك حفظت الغلامين بصلاح أبويهما فاحفظني بصلاح آبائي محمد وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي، اللهم إني ادرء بك في نحره وأعوذ بك من شره».

ثم قال للجمال: سر، فلما استقبله الربيع بباب أبي الدوانيق قال له: يا أبا عبد الله ما أشد باطنه عليك لقد سمعته يقول: والله لا تركت لهم نخلا إلا عقرته ولا مالا إلا نهبته ولا ذرية إلا سبيتها، قال: فهمس بشيء خفي وحرك شفتيه، فلما دخل سلم وقعد فرد عليه السلام ثم قال: أما والله لقد هممت أن لا أترك لك نخلا إلا عقرته ولا مالا إلا أخذته، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا أمير المؤمنين إن الله ابتلى أيوب فصبر وأعطى داود فشكر وقدر يوسف فغفر وأنت من ذلك النسل ولا يأتي ذلك النسل إلا بما يشبهه، فقال: صدقت قد عفوت عنكم، فقال له: يا أمير المؤمنين إنه لم ينل منا أهل البيت أحد دما إلا سلبه الله ملكه، فغضب لذلك وإستشاط فقال: على رسلك يا أمير المؤمنين إن هذا الملك كان في آل أبي سفيان فلما قتل يزيد حسينا سلبه الله ملكه فورثه آل مروان، فلما قتل هشام زيدا سلبه الله ملكه فورثه مروان بن محمد، فلما قتل مروان إبراهيم سلبه الله ملكه فأعطاكموه فقال: صدقت هات ارفع حوائجك فقال: الإذن، فقال: هو في يدك متى شئت، فخرج فقال له الربيع: قد أمر لك بعشرة آلاف درهم، قال: لا حاجة لي فيها، قال: إذن تغضبه فخذها ثم تصدق بها.

* الشرح:

قوله: (اللهم إنك حفظت الغلامين بصلاح أبويهما) هما الغلامان المذكوران في القرآن العزيز في قصة موسى وخضر (عليهما السلام) وحفظهما يفهم من حفظ كنزهما بالأولوية.

(اللهم إني ادرء بك في نحره) أي ادفع. (فلما استقبله الربيع) هو الربيع الحاجب من أصحاب الصادق (عليه السلام). (بباب أبي الدوانيق) اسمه محمد بن علي وكنيته أبو جعفر ولقبه منصور وهو الثاني من خلفاء بني العباس وفي المغرب اشتهر بالدوانيقي وبأبي الدوانيق لأنه لما أراد حفر الخندق بالكوفة قسط على كل واحد منهم دانق فضة وأخذه وصرفه إلى الحفر.

(أما والله لقد هممت أن لا أترك لك نخلا إلا عقرته) في القاموس عقر النخلة قطع رأسها

ص:415

فيبست فهي عقيرة. (فغضب لذلك وإستشاط) إستشاط عليه التهب غضبا.

(فقال على رسلك) الرسل بالكسر الرفق والتؤدة والتأني قال الجوهري: افعل كذا على رسلك بالكسر أي اتئد فيه.

* الأصل:

23 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أعين، عن قيس بن سلمة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما يقول: ما ابالي إذا قلت هذه الكلمات لو اجتمع علي الجن والإنس: «بسم الله وبالله ومن الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، اللهم إليك أسلمت نفسي، وإليك وجهت وجهي وإليك ألجأت ظهري وإليك فوضت أمري، اللهم احفظني بحفظ الإيمان من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ومن تحتي ومن قبلي وادفع عني بحولك وقوتك فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله».

* الشرح:

قوله: (علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أعين، عن قيس بن سلمة) قد مر هذا الإسناد والمسند مع الشرح قبيل ذلك إلا أن فيما مر بشر بن سلمة وهو الأصوب.

ص:416

باب الدعاء

الدعاء للعلل والأمراض

قوله: (الدعاء للعلل والأمراض) العطف للتفسير أو تخصيص العلة بما في بعض الأعضاء والمرض بما في جميعها وهي إما للكفارة عن السيئات أو للتنبيه عن الغفلات أو لرفع الدرجات وأحاديث هذا الباب وغيرها من الآيات والروايات دالة على استحباب الدعاء لدفع الأمراض والأسقام، والظاهر أنه لا خلاف فيه عندنا وإليه ميل بعض العامة وقال المازري هو الذي أجمع عليه علماء الفتوى وذهب إليه طائفة من الزهاد وأرباب المعارف إلا أن ترك الدعاء إستسلاما للقضاء أفضل، وقال آخرون: ان دعا للمسلمين فحسن، وان دعا لنفسه فالأولى تركه وقال آخرون:

ان وجد في نفسه نشاطا للدعاء استحب وإلا فلا، ودليل العلماء على الاستحباب من الكتاب والسنة.

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران وابن فضال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان يقول عند العلة: «اللهم إنك عيرت أقواما فقلت: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) فيا من لا يملك كشف ضري ولا تحويله عني أحد غيره صل على محمد وآل محمد واكشف ضري وحوله إلى من يدعو معك إلها آخر لا إله غيرك».

* الشرح:

قوله: ((قل ادعوا الذين زعمتم من دونه)) أي زعمتم آلهة والأصنام داخلة من باب التغليب.

والزعم بالضم والفتح قريب من الظن وكثيرا ما يقال في حديث لا سند له ولا ثبت فيه وإنما يحكى عن الألسن على سبيل البلاغ.

* الأصل:

2 - أحمد بن محمد، عن عبد العزيز بن المهتدي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن داود بن زربي قال: مرضت بالمدينة مرضا شديدا فبلغ ذلك أبا عبد الله (عليه السلام) فكتب إلي: قد بلغني علتك

ص:417

فاشتر صاعا من بر ثم استلق على قفاك وانثره على صدرك كيفما انتثر وقل: «اللهم إني أسألك باسمك الذي إذا سألك به المضطر كشفت ما به من ضر ومكنت له في الأرض وجعلته خليفتك على خلقك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تعافيني من علتي». ثم استو جالسا وأجمع البر من حولك وقل مثل ذلك، وأقسمه مدا مدا لكل مسكين وقل مثل ذلك، قال داود: ففعلت ذلك فكإنما نشطت من عقال وقد فعله غير واحد فانتفع به.

* الشرح:

قوله: (فاشتر صاعا من بر) الظاهر أن الإشتراء غير لازم إذا كان مالكا بدونه وفي القاموس:

الصاع الذي يكال به ويدور عليه أحكام المسلمين أربعة أمداد والمد رطل وثلث والرطل ويكسر إثنتى عشرة أوقية الأوقية أربعون درهما، والدرهم ستة دوانيق، والدانق قيراطان. والقيراط طسوجان، والطسوج حبان، والحبة سدس ثمن درهم وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءا من درهم، وفي الأربعين للشيخ (رحمه الله): المد لا يزيد على مائتين واثنين وتسعين درهما شرعية وهي على ما حسبناه لا يكاد يزيد على ربع المن التبريزي في زماننا هذا.

(وقل اللهم إني أسألك باسمك الذي إذا سألك به المضطر كشفت ما به من ضر) أي قل ذلك في حال النثر أو قبله أو بعده والأول أظهر والموصول مع صلته صفة كاشفة للإسم فهو شامل لجميع أسمائه الحسنى ويحتمل أن يكون للتقييد فالمراد به الاسم الذي له زيادة مناسبة لدفع العلة وإنما لم يصرح بالمعين ليشمل التوصل بالجميع وهو أبلغ في إنجاح المقصود، ثم الظاهر أن المريض مع القدرة على الأفعال المذكورة ينبغي أن يفعلها بنفسه وإلا بغيره، وأن «إذا» للاستقبال وإدخاله على الماضي للدلالة على تحقق مضمون الشرط ووقوعه، ويمكن أن يكون بمعنى الماضي للدلالة على ما صدر من الأنبياء والصالحين وكشف الله الضر عنهم مثل أيوب ويونس (عليهما السلام) أو غيرهما وربما يشعر به ظاهر ما بعده.

(فكأنما نشطت من عقال) أي خرجت منه من نشط من المكان إذا خرج منه أو حللته على أن من زائدة من نشطته إذا حللته حلا رفيقا فلا يرد ما أورده صاحب النهاية من أنه كثيرا ما يجئ في الرواية كإنما نشطت من عقال وليس بصحيح ويقال نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطها إذا أحللتها.

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن نعيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

اشتكى بعض ولده فقال: يا بني قل: «اللهم اشفني بشفائك وداوني بدوائك وعافني من بلائك فإني عبدك وابن عبدك».

ص:418

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن مالك بن عطية، عن يونس ابن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك هذا الذي قد ظهر بوجهي يزعم الناس أن الله عزوجل لم يبتل به عبدا له فيه حاجة فقال لي: لا، لقد كان مؤمن آل فرعون مكنع الأصابع فكان يقول هكذا - ويمد يده - ويقول: (يا قوم اتبعوا المرسلين). قال: ثم قال: إذا كان الثلث الأخير من الليل في أوله فتوضأ وقم إلى صلاتك التي تصليها فإذا كنت في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين فقل: وأنت ساجد: «يا علي يا عظيم يا رحمن يا رحيم يا سامع الدعوات ويا معطي الخيرات صل على محمد وآل محمد وأعطني من خير الدنيا والآخرة ما أنت أهله واصرف عني من شر الدنيا والآخرة ما أنت أهله وأذهب عني هذا الوجع - وسمه - فإنه قد غاظني و [أ] حزنني» وألح في الدعاء. قال: فما وصلت إلى الكوفة حتى أذهب الله به عني كله.

* الشرح:

قوله: (أن الله عزوجل لم يبتل به عبدا له فيه حاجة) أي لم يبتل عبدا خلقه لعبادته أو سلب الحاجة فيه كناية عن طرحه وعدم الاعتناء به لأن عدم حاجتنا في شيء يستلزم طرحنا إياه وعدم إلتفاتنا إليه وإعتنائنا به فلا يرد انه تعالى لا حاجة له إلى أحد من عباده. (فقال لي لا) أي ليس الأمر كما زعموه.

(لقد كان مؤمن آل فرعون) الظاهر أنه فرعون موسى والأنسب بما بعده أنه فرعون أنطاكية الذي أرسل إليه عيسى (عليه السلام) رسله وفرعون لقب كل متكبر جبار وان اشتهر في الأول. والمؤمن المذكور كان من أهل أنطاكية ولذلك نسب إليه وهم قتلوه بعد نصحه لهم وإظهار إيمانه. (مكنع الأصابع) كنع كمنع كنوعا إنقبض وإنضم وكفرح يبس وتشنج والأكنع الأشل ومن رجعت أصابعه إلى كفه وظهرت رواجبه وقد كنعت أصابعه كنعا إذا تشنجت ويبست ويده كنع تكنيعا أشلها.

(فقل وأنت ساجد يا علي يا عظيم) معنى العظيم في وصفه تعالى أنه جاوز قدره عن حدود العقول حتى لا يتصور الإحاطة بكنه ذاته وحقيقة صفاته.

(فانه قد غاظني وحزنني) الغيظ الغضب أو الشدة أو سورته وأوله غاظه يغيظه فإغتاظ.

والحزن بالضم خلاف السرور وحزنه الأمر حزنا وأحزنه جعله حزينا وحزنه تحزينا جعل فيه حزنا فهو محزون ومحزن وحزين. وحزنا بكسر الزاي وضمها.

ص:419

* الأصل:

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، جميعا، عن حنان بن سدير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا رأيت الرجل مر به البلاء فقل:

«الحمد لله الذي عافاني مما إبتلاك به وفضلني عليك وعلى كثير من خلقه». ولا تسمعه.

* الشرح:

قوله: (الحمد لله الذي عافاني مما إبتلاك به وفضلني - إلى آخره) المعافاة والتفضيل من النعم الجليلة التي توجب حمده تعالى والثناء عليه والشكر له من حيث أنه منعم مفضل من غير استحقاق وليس ذلك لأجل السرور ببلية المخاطب ليكون شماتة ولا لأجل التفاخر عليه ليكون إستكبارا عليه وإستحقارا له، والظاهر أن النهي في قوله «لا تسمعه» للتحريم لأن اسماعه يوجب كسر قلبه وزيادة حزنه.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن محمد بن عيسى، عن داود بن زربي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تضع يدك على الموضع الذي فيه الوجع وتقول ثلاث مرات: «الله الله ربي حقا لا اشرك به شيئا، اللهم أنت لها ولكل عظيمة ففرجها عني».

* الشرح:

قوله: (تضع يدك على الموضع الذي فيه الوجع) اليمنى أو اليسرى والأولى أولى فإن كان في موضع لم يبلغ الاولى ضع الاخرى.

(يقول ثلاث مرات الله الله ربي حقا) أي تقول مجموع الدعاء ثلاث مرات على الظاهر أو لفظ الجلالة على احتمال. وقوله: «حقا» مفعول مطلق منصوب بفعل مقدر أي حق حقا يعني ثبت ثبوتا لا ريب فيه وفي ذكر الرب استعطاف لأن التربية مقتضية لجلب النفع للمربوب ودفع الضر عنه. (لا أشرك به شيئا) لا في الربوبية ولا في الالتجاء وفيه زيادة بسط الرجاء إليه لكونه ملجأ لا غيره.

(اللهم أنت لها ولكل عظيمة) أي أنت معد لدفع هذه البلية ولكل بلية عظيمة وأنت عدتي عند شدتي. (ففرجها عني) تفريج البلية كشفها ورفعها يقال فرج الله الغم يفرجه إذا كشفه كفرجه تفريجا.

* الأصل:

7 - عنه، عن محمد بن عيسى، عن داود، عن مفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) للأوجاع تقول:

ص:420

«بسم الله وبالله كم من نعمة لله في عرق ساكن وغير ساكن على عبد شاكر وغير شاكر». وتأخذ لحيتك بيدك اليمنى بعد صلاة مفروضة وتقول: «اللهم فرج عني كربتي وعجل عافيتي واكشف ضري» - ثلاث مرات - واحرص أن يكون ذلك مع دموع وبكاء.

* الشرح:

(نقول: «بسم الله وبالله) أي بسم الله أستعيذ وأستشفي وبالله أستعين وأستكفي وفيه إيماء إلى التوسل بالاسم والمسمى جميعا.

(كم من نعمة لله) «كم» خبرية للتكثير ومرفوعة محلا على الابتداء و «نعمة» مجرور على التميز، و «من» زائدة و «الله» خبر يعني لله تعالى نعمة كثيرة غير محصورة. (في عرق ساكن أو غير ساكن) حتى لو تحرك الساكن أو سكن المتحرك لأختل نظام البدن وفسدت أحواله وبطلت أفعاله وعرضت أنواع من الأوجاع والأسقام وأنحاء الأمراض والآلام. (على عبد شاكر وغير شاكر) أشار بذلك إلى أن حصول تلك النعمة لهم ليس من باب الاستحقاق وليس الغرض منه مجرد الأخبار بل مد الرجاء إلى رفع الأوجاع حيث ان إحسانه غير مختص بالأولياء.

* الأصل:

8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير. عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن رجل قال:

دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فشكوت إليه وجعا بي فقال: قل: «بسم الله» ثم أمسح يدك عليه وقل:

«أعوذ بعزة الله وأعوذ بقدرة الله، وأعوذ بجلال الله. وأعوذ بعظمة الله، وأعوذ بجمع الله، وأعوذ برسول الله، وأعوذ بأسماء الله من شر ما أحذر ومن شر ما أخاف على نفسي» تقولها سبع مرات، قال: ففعلت فأذهب الله عزوجل [بها] الوجع عني.

* الشرح:

قوله: (وأعوذ بجمع الله) وهم الملائكة المقربون والأنبياء المرسلون والأوصياء الصالحون والمجاهدون في سبيله وذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعده من باب ذكر الخاص بعد العام لمزيد الاهتمام.

* الأصل:

9 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الوشاء، عن عبد الله بن سنان، عن عون قال: أمر يدك على موضع الوجع ثم قل: «بسم الله وبالله ومحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم امسح عني ما أجد». ثم تمر يدك اليمنى وتمسح موضع الوجع - ثلاث مرات -.

ص:421

* الشرح:

قوله: (أمر يدك على موضع الوجع ثم قل) دل على أن الإمرار مقدم على الدعاء ومتأخر عنه وأن المقاربة غير معتبرة وأن في المتقدم يكفي مرة ولو باليسرى والأولى أن يكون باليمنى كالمتأخر. (اللهم امسح عني ما أجد) أي أقطعه وأكشفه وأزله وادفع (وتمسح موضع الوجع ثلاث مرات) المسح كالمنع والتمسح إمرار اليد على الشيء لأذهابه.

* الأصل:

10 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد بن أخي غرام عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تضع يدك على موضع الوجع ثم تقول «بسم الله وبالله [و] محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم امسح عني ما أجد» وتمسح الوجع - ثلاث مرات -.

11 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن علي بن عيسى، عن عمه قال: قلت له: علمني دعاء أدعو به لوجع أصابني، قال: قل وأنت ساجد: «يا الله يا رحمن [يا رحيم] يا رب الأرباب وإله الآلهة ويا ملك الملوك ويا سيد السادة اشفني بشفائك من كل داء وسقم فإني عبدك أتقلب في قبضتك».

* الشرح:

قوله: (فإني عبدك وأتقلب في قبضتك) قبضه بيده يقبضه تناوله وأمسكه والقبضة بالفتح والضم أكثر ما يقبض عليه وهو المقبوض، والمراد يتقلبه فيها كونه مقهورا في قدرته متحولا في إرادته يفعل به ما يشاء ويحكم فيه ما يريد وفيه وفي ذكر العبد استعطاف وتخضع وترقب للرحمة لأن العبد والذليل لا يتوقع الرحمة إلا من المولى والعزيز.

* الأصل:

12 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إذا دخلت على مريض فقل: «اعيذك بالله العظيم رب العرش العظيم من شر كل عرق نفار ومن شر حر النار» - سبع مرات -.

* الشرح:

قوله: (من شر كل عرق نفار) بالعين المهملة من نعر العرق كمنع إذا فار منه الدم أو صوت لخروجه أو إذا علا به الدم وارتفع، وفي بعض النسخ «نفار» بالفاء من نفر العرق ينفر نفورا إذا هاج

ص:422

وورم (ومن حر النار) لعل المراد بالنار الحمى من باب الاستعارة والوجه هو الإحراق ويمكن أن يراد بها نار جهنم بناء على ان الحمى من فيحها.

* الأصل:

13 - عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا اشتكى الإنسان فليقل: «بسم الله وبالله ومحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعوذ بعزة الله وأعوذ بقدرة الله على ما يشاء من شر ما أجد».

14 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي، عن هشام الجواليقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «يا منزل الشفاء ومذهب الداء أنزل علي ما بي من داء شفاء».

15 - محمد بن يحيى، عن موسى بن الحسن، عن محمد بن عيسى، عن أبي إسحاق صاحب الشعير، عن حسين الخراساني وكان خبازا قال: شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) وجعا بي فقال: إذا صليت فضع يدك. موضع سجودك ثم قل: «بسم الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) اشفني يا شافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما، شفاء من كل داء وسقم».

* الشرح:

قوله: (لا يغادر سقما) أي لا يترك من المغادرة وهو الترك.

* الأصل:

16 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

مرض علي صلوات الله عليه فأتاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: قل: «اللهم إني أسألك تعجيل عافيتك، وصبرا على بليتك وخروجا إلى رحمتك».

17 - علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان ينشر بهذا الدعاء: تضع يدك على موضع الوجع وتقول: «أيها الوجع اسكن بسكينة الله وقر بوقار الله وانحجز بحاجز الله واهدأ بهدء الله، اعيذك أيها الإنسان بما أعاذ الله عزوجل به عرشه وملائكته يوم الرجفة والزلازل» تقول ذلك سبع مرات ولا أقل من الثلاث.

* الشرح:

قوله: (أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان ينشر بهذا الدعاء) في القاموس النشرة بالضم رقية يعالج بها المجنون والمريض وقد نشر عنه وفي النهاية هي ضرب من الرقية يعالج به من كان يظن به مس من الجن سميت نشرة لأنه ينشر به عنه أي يكشف ويزال، وقال الحسن: النشرة من السحر وقد نشرت عنه

ص:423

تنشيرا. ويقول: (أيها الوجع) نداء الوجع لتنزيله منزلة من له صلاحية النداء وإجراء أحكامه عليه مع إمكان خلق الحس فيه وسماعه إياه. (اسكن بسكينة الله) أي بطمأنينته أو برحمته من السكن بالتحريك وهو الرحمة تفسيرها بالطمأنينة مذكورة في النهاية أيضا (وقر بوقار الله) الوقار بالفتح الحلم والرزانة وقد وقر يقر وقارا.

(وإنحجز بحاجز الله) الحاجز المانع والإنحجاز قبول المنع حجزه يحجزه منعه وكفه وإنحجز. (وأهدء بهدء الله) هدء كمنع هدءا بفتح الهاء وسكون الدال وهدوءا بضمها سكن وأهدأته أسكنته. (اعيذك أيها الإنسان) هذا إذا كان الداعي غير المريض ظاهر وان كان هو فالنداء للاختصاص ومجرد بيان المقصود بكاف الخطاب.

(بما أعاذ الله عزوجل به عرشه وملائكته يوم الرجفة والزلازل) «ما» عبارة عن حفظه تعالى لعرشه وملائكته عن التحرك والاضطراب وإلقاء الطمأنينة إليهم في ذلك اليوم وهو يوم ذكر الله تعالى في سورة الحاقة.

* الأصل:

18 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عمار بن المبارك، عن عون بن سعد مولى الجعفري، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تضع يدك على موضع الوجع وتقول: «اللهم إني أسألك بحق القرآن العظيم الذي نزل به الروح الأمين وهو عندك في ام الكتاب علي حكيم أن تشفيني بشفائك وتداويني بدوائك وتعافيني من بلائك» - ثلاث مرات - وتصلي على محمد وآله.

* الشرح:

قوله: (وهو عندك في ام الكتاب علي حكيم) بدل عن ام الكتاب ولعل المراد به علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذ قلبه الشريف يتولد منه أسرار الكتاب وأنواع الحكمة.

* الأصل:

19 - أحمد بن محمد، عن العوفي، عن علي بن الحسين، عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: عرض بي وجع في ركبتي، فشكوت ذلك إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال: إذا أنت صليت فقل: «يا أجود من أعطى ويا خير من سئل ويا أرحم من إسترحم، إرحم ضعفي وقلة حيلتي وعافني من وجعي». قال: ففعلته فعوفيت.

* الشرح:

قوله: (واعفني من وجعي) عافاه الله وأعفاه بمعنى والاسم العافية وهي دفاع الله عن العبد.

ص:424

باب الحرز والعوذة

* الأصل:

1 - حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد، عن غير واحد، عن أبان، عن ابن المنذر قال:

ذكرت عند أبي عبد الله (عليه السلام) الوحشة، فقال: ألا اخبركم بشيء إذا قلتموه لم تستوحشوا بليل ولا نهار: «بسم الله وبالله وتوكلت على الله وإنه من يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا، اللهم اجعلني في كنفك وفي جوارك واجعلني في أمانك وفي منعك»، فقال:

بلغنا أن رجلا قالها ثلاثين سنة وتركها ليلة فلسعته عقرب.

* الشرح:

قوله: (باب الحرز والعوذة) العوذة بالضم الرقية والتعويذ والحرز بالكسر العوذة وما يحفظ به الشيء تقول أحرزت الشيء إحرازا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ. (لم تستوحشوا بليل ولا نهار) الباء بمعنى «في» والوحشة بمعنى ضد الإنس والهم والخوف والخلوة والإستيحاش وجدان الوحشة وفي الكلام حذف لا يخفى.

(أنه من يتوكل على الله فهو حسبه) في امور الدين والدنيا وفيه تصديق بوعده وإذعان بأن المتوكل في كفايته. (ان الله بالغ أمره) أي أمره بالغ نافذ يبلغ أين اريد به بلا مانع ولا دافع. وفيه تصديق بأنه لا راد له. (قد جعل الله لكل شيء قدرا) من الذات والصفات والزمان والبقاء وكل ذلك كان مقدرا في علمه الأزلي وقد مر سابقا.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محسن بن أحمد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قل: «أعوذ بعزة الله، وأعوذ بقدرة الله، وأعوذ بجلال الله، وأعوذ بعظمة الله، وأعوذ بعفو الله، وأعوذ بمغفرة الله، وأعوذ برحمة الله، وأعوذ بسلطان الله الذي هو على كل شيء قدير، وأعوذ بكرم الله، وأعوذ بجمع الله من شر كل جبار عنيد وكل شيطان مريد، وشر كل قريب أو بعيد أو ضعيف أو شديد، ومن شر السامة والهامة والعامة، ومن شر كل دابة صغيرة أو كبيرة بليل أو نهار، ومن شر فساق العرب والعجم، ومن شر فسقة الجن والإنس».

* الشرح:

قوله: (أعوذ بجلال الله، وأعوذ بعظمة الله) الجلال راجع إلى كمال الصفات

ص:425

والعظمة إلى كمال الذات والصفات وكثيرا ما يطلق الجلال على العظمة والعطف حينئذ للتفسير.

(ومن شر السامة والهامة والعامة) الهامة كل ذات سم يقتل والجمع الهوام فأما ما يسم ولا يقتل فهو السامة كالعقرب والزنبور وقد يقع الهوام على ما يدب من الحيوان وان لم يقتل كالحشرات وأما العامة فلعل المراد به البلية التي تعم أكثر الناس كالطاعون ونحوه. والعامة أيضا القيامة والخلائق خلاف الخاصة.

(ومن شر كل دابة صغيرة أو كبيرة) في الحجم أو في الإضرار وهذا من باب التعميم بعد التخصيص. (بليل أو نهار) حال عن شر أو عن دابة وتعلقه بأعوذ بعيد.

(ومن شر فساق العرب والعجم، ومن شر فسقة الجن والإنس) يمكن تخصيص الفساق بالكفرة وتخصيص الفسقة بالفسقة من أهل الدين.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): رقى النبي (صلى الله عليه وآله) حسنا وحسينا فقال: «أعيذكما بكلمات الله التامة وأسمائه الحسنى كلها عامة من شر السامة والهامة، ومن شر كل عين لامة، ومن شر حاسد إذا حسد». ثم التفت النبي (صلى الله عليه وآله) إلينا فقال: هكذا كان يعوذ إبراهيم إسماعيل وإسحاق (عليهم السلام).

* الشرح:

قوله: (رقى النبي (صلى الله عليه وآله) حسنا وحسينا) الرقية العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات رقاه يرقيه فهو راق. الظاهر أنه لا نزاع في جوازها بين العامة والخاصة والروايات فيه من الطريقين كثيرة ولكن هذا إذا كان بالقرآن وبأسمائه تعالى وبصفاته وباللفظ العربي أو غيره إذا كان مفهما وأما لا ترجمة له ولا يمكن الوقوف عليه فقال صاحب النهاية: لا يجوز استعماله، ثم الظاهر عندنا أنها أولى للخواص وغيرهم.

وقال صاحب النهاية: الأولى للخواص والأولياء تركها وأما العوام ومن لم يصبر فلهم التداوي والمعالجات والرقية: (فقال أعيذكما بكلمات الله التامة) قيل هي القرآن ووصفه بالتام لأنه ليس فيه نقص ولا عيب لا لفظا ولا معنى كما يكون في كلام الناس أو لأنه تام النفع ينفع المتعوذ به ويحفظه من الآفات ويكفيه من المكروهات أو لأنه تام شامل لجميع ما يحتاج إليه الخلق مما كان أو ما يكون وما هو كائن. وقيل هي كلمة حق شافية نافعة للمتعوذ ولا يبعد أن يراد بها الأنبياء والأوصياء حقيقة أو مجازا باعتبار أنهم يفسرون كلمات الله تعالى.

ص:426

(وأسمائه الحسنى) تشمل أسماء الذات والصفات ووصفها بالحسنى لتنزهها عن النقص وتمامها في قضاء الحوائج ورفع المكاره.

(كلها عامة) لما كان الجمع المضاف للعموم والغالب في العام هو التخصيص رفع توهم التخصيص بقوله: «كلها»، ثم لما كان الكل قد يراد به الكل المجموعي رفع توهم إرادة المجموع من حيث المجموع بقوله: «عامة» للتنبيه على أن المراد به الكل الافرادي، وإن العوذة وقعت بكل واحد واحد من أسمائه تعالى على سبيل الاستقلال لأن الحكم في العام متعلق بكل فرد منه.

(ومن شر كل عين لامة) أي ذات لمم، واللمم بالتحريك: الجنون يلم بالإنسان أي يقرب منه ويعتريه كذا في النهاية وفي القاموس العين اللامة المصيبة بسوء أو هي كل ما يخاف من فزع أو شر ويمكن أن يستدل به على أن إصابة العين حق ثابت كما هو المعروف بين الناس وأنكرها جماعة وقالوا: أن العين لا تأثير لها.

ويرد عليهم أن ما ليس بمحال ولا يؤدي إلى مخالفة دليل هو جائز فإذا أخبر الشارع بوقوعه وجعل له عوذة وجب اعتقاده، وقال بعض المثبتين: أن العاين ينبعث من عينه قوة سمية يتصل بالمعيون فيهلك أو يفسد لا يستنكر هذا كما لا ينكر انبعاث ذلك من الأفعى والعقرب فيهلك اللديغ وقال بعضهم: تنبعث من العين جواهر لطيفة غير مرئية تتصل بالمعيون وتتحلل مسام جسده فيضره.

(ومن شر حاسد إذا حسد) أي إذا أظهر حسده وإنما قيل به لأن الحسد حيث هو إنما هو يضر الحاسد دون المحسود لإغتمامه بنعمته وسروره وإنما يضر المحسود إظهاره لأنه يؤدي إلى القتل والنهب والسعاية ونحوها وهي شرور تابعة له فلابد من الإستعاذة منها.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن بكير، عن سليمان الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: إذا أمسيت فنظرت إلى الشمس في غروب وإدبار فقل: «بسم الله وبالله والحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا، والحمد لله الذي يصف ولا يوصف ويعلم ولا يعلم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأعوذ بوجه الله الكريم وباسم الله العظيم من شر ما برأ وذرأ ومن شر ما تحت الثرى، ومن شر ما بطن وظهر، ومن شر ما وصفت وما لم أصف، والحمد لله رب العالمين» وذكر أنها أمان من كل سبع ومن الشيطان الرجيم وذريته وكل ما عض أو لسع ولا يخاف صاحبها إذا تكلم بها لصا ولا غولا، قال: قلت له: إني صاحب صيد السبع وأنا أبيت في الليل في الخرابات

ص:427

وأتوحش، فقال لي: قل إذا دخلت: «بسم الله أدخل». وأدخل رجلك اليمنى وإذا خرجت فأخرج رجلك اليسرى وسم الله فإنك لا ترى مكروها.

* الشرح:

قوله: (والحمد لله الذي يصف ولا يوصف) أي يصف الأشياء وينعتها بما هو لها من الصفات والكيفيات وغيرها، ولا يوصف هو حيث انه لا صفة له ومن ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «كمال توحيده نفي الصفات عنه». (ويعلم ولا يعلم) أي يعلم الأشياء من جميع الوجوه ولا يعلم هو بوجه لا بكنه ذاته ولا بحقيقة صفاته.

(يعلم خائنة الأعين) أي ما يخونون فيه من مسارقة النظر إلى ما لا يحل والخائنة بمعنى الخيانة وهي من المصادر التي جاءت على لفظ الفاعل.

(ومن شر ما برأ وذرأ) أي خلق والظاهر أن العطف للتفسير، ويمكن أن يراد بالأول ذوو العقول وبالثاني غيرهم من أنواع الحيوان.

(ولا يخاف صاحبها إذا تكلم بها لصا ولا غولا) في القاموس الغول بالفتح الصداع والسكر والمشقة وبالضم الهلكة والداهية والسعلاة والجمع أغوال وغيلان والحية والجمع أغوال وسحرة الجن والمنية وشيطان يأكل الناس أو دابة رأتها العرب وعرفتها وقتلها تأبط شرا ومن يتلون ألوانا من السحرة والجن أو كل ما زال به العقل; إذا عرفت هذا فنقول: دل هذا على وجود الغول وأضراره للناس ولعل المراد به نوع من الشياطين كما صرح به المازري أو نوع من الجن، وقال بعض العامة لا وجود له لما رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله): «لا عدوى ولا غول» رد (عليه السلام) بذلك قول العرب بأن المرض يتعدى من المريض إلى الصحيح وأن الغيلان تترأى للناس في الفلوات فتتغول تغولا أي تتلون تلونا وتتصور بصور شتى تضلهم عن الطريق وتهلكهم وقد ذكروا ذلك في أشعارهم وأبطل (صلى الله عليه وآله) ذلك وبين انتفاء حقيقتها وفيه نظر لأنهم ان أرادوا بالغول غير النوعين المذكورين مما هو أمر تخييلي لا وجود له كما هو المعروف بن العامة فلا نزاع فيه وان أرادوا هذين النوعين فإنكار وجودهما مكابرة وما تمسكوا به لا يدل على عدم الوجود لأن المراد به على ما صرحوا أكثرهم نفي ما تزعم العرب أن الغيلان تتصور بصور مختلفة وتضلهم عن الطريق فتهلكهم يعني أن الغول لا يستطيع أن يتصور بصور مختلفة وتضل أحدا، ويشهد له الحديث الآخر من طرقهم: «لا غول ولكن الغال سحرة الجن» أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل كذا فسره ابن الأثير والمازري ويدل على وجودها حديث: إذا تغولت الغيلان فتبادروا بالأذان» قال ابن الأثير: أي أطفئوا شرها بذكر الله

ص:428

وحديث أبي داود: «كان لي ثمرة في سهوة كانت الغول تجىء وتأخذ» وفي بعض نسخهم «تأكل» وقال الطحاوي: ويحتمل ان الغول كانت تفعل ذلك فدفعها الله سبحانه عن عباده، قال بعضهم: ولا يبعد هذا ويكون من خصائص بعثته (صلى الله عليه وآله) كإستراق السمع.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن قتيبة الأعشى قال: علمني أبو عبد الله (عليه السلام) قال: قل: «بسم الله الجليل اعيذ فلانا بالله العظيم من الهامة والسامة واللامة والعامة ومن الجن والإنس ومن العرب والعجم ومن نفثهم وبغيهم ونفخهم، بآية الكرسي». ثم تقرأها ثم تقول في الثانية: «بسم الله اعيذ فلانا بالله الجليل...» - حتى تأتي عليه -.

* الشرح:

قوله: (ومن نفثهم وبغيهم ونفخهم) في كنز اللغة نفث ونفخ دميدن از دهن وفي النهاية النفث بالفم وهو شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق وفسر النفخ أيضا بالكبر لأن المتكبر يتعاظم ويجمع نفسه فيحتاج أن ينفخ. (ثم تقول في الثانية) أي في المرة الثانية فتقول مرتين مع تغيير في أول الثانية كما أشار إليه.

* الأصل:

6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن عمار، قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك إني أخاف العقارب، فقال: انظر إلى بنات نعش الكواكب الثلاثة الوسطى منها بجنبه كوكب صغير قريب منه تسميه العرب السها ونحن نسميه أسلم، أحد النظر إليه كل ليلة وقل ثلاث مرات: «اللهم رب أسلم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسلمنا» قال: إسحاق فما تركته منذ دهري إلا مرة واحدة فضربتني العقرب.

* الشرح:

قوله: (انظر إلى بنات نعش الكواكب الثلاثة) في القاموس بنات نعش الكبرى سبعة كواكب أربعة منها نعش وثلاث بنات وكذلك الصغرى تنصرف نكرة لا معرفة والسها كوكب خفي في بنات النعش الصغرى والكوكب الأول منها الذي هو آخرها قائد والثاني الذي إلى جانبه السها عناق بالفتح والثالث الحور بالتحريك.

* الأصل:

7 - أحمد بن محمد، عن علي بن الحسن، عن العباس بن عامر، عن أبي جميلة، عن سعد

ص:429

الإسكاف قال: سمعته: يقول: من قال هذه الكلمات فأنا ضامن له ألا يصيبه عقرب ولا هامة حتى يصبح: «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ ومن شر ما برأ ومن شر كل دابة هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم».

* الشرح:

قوله: (أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر) لإحتياج الكل ورجوعهم إليها ونفاذ حكمها عليهم شاؤوا أو كرهوا وقد مر تفسير تلك الكلمات.

(ومن شر كل دابة هو آخذ بناصيتها) كناية عن كمال اقتداره عليها والوصف للتأييد والتعميم لا للتقييد والتخصيص. (أن ربي على صراط مستقيم) فيعلم الداخل فيه والخارج عنه فيجزى كلا بما يليق به أو فيجب أن يقصد ذلك الصراط دون غيره.

* الأصل:

8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض مغازيه إذ شكوا إليه البراغيث أنها تؤذيهم فقال:

إذا أخذ أحدكم مضجعه فليقل: «أيها الأسود الوثاب الذي لا يبالي غلقا ولا بابا عزمت عليك بام الكتاب ألا تؤذيني وأصحابي إلى أن يذهب الليل ويجيء الصبح بما جاء» - والذي نعرفه - إلى أن يؤوب الصبح متى ما آب.

* الشرح:

قوله: (في بعض مغازيه) هي جمع المغزى وهو موضع الغزو وقد يكون الغزو نفسه.

(عزمت عليك بأم الكتاب) أي أقسمت عليك بأم الكتاب وهي القرآن لاشتماله على جميع ما في اللوح المحفوظ والكتب السماوية وهنا احتمال آخر.

(أن لا تؤذيني وأصحابي) هذا الخطاب إما أن يؤثر بالخاصية أو يلقى من مضمونه في نفوسها الحيوانية فينزجرن أو يسمعونه ويفهمون منطوقه. (إلى أن يذهب الليل ويجىء الصبح بما جاء) أي مع ما جاء من طلوع الشمس وضوء النهار وغيرهما مما يقع فيه أو الباء للتعدية (- والذي نعرفه - إلى أن يؤوب الصبح متى ما آب) بدلا لقوله: «إلى أن يذهب الليل» إلى آخره والظاهر أنه من كلام الراوي.

* الأصل:

9 - علي بن محمد، عن ابن جمهور، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن سنان عن

ص:430

أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا لقيت السبع فقل: «أعوذ برب دانيال والجب من شر كل أسد مستأسد».

* الشرح:

قوله: (فقل أعوذ برب دانيال والجب) دانيال اسم أعجمي غير منصرف للمعجمة والعلمية والجب بالضم البئر أو التي لم تطو أو لم يحفره الناس.

قوله: (من شر كل أسد مستأسد) في القاموس استأسد صار كالأسد وعليه اجترأ.

* الأصل:

10 - محمد بن جعفر أبو العباس، عن محمد بن عيسى، عن صالح بن سعيد، عن إبراهيم ابن محمد بن هارون أنه كتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) يسأله عوذة للرياح التي تعرض للصبيان فكتب إليه بخطه بهاتين المعوذتين وزعم صالح أنه أنفذهما إلى إبراهيم بخطه «الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله الله أشهد أن محمدا رسول الله، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولا رب لي إلا الله، له الملك وله الحمد لا شريك له، سبحان الله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، اللهم ذا الجلال والإكرام، رب موسى وعيسى وإبراهيم الذي وفى، إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط لا إله إلا أنت سبحانك مع ما عددت من آياتك وبعظمتك وبما سألك به النبيون وبأنك رب الناس، كنت قبل كل شيء وأنت بعد كل شيء، أسألك باسمك الذي تمسك به السماوات أن تقع على الأرض إلا بإذنك، وبكلماتك التامات التي تحيي به الموتى أن تجير عبدك فلانا من شر ما ينزل من السماء وما يعرج إليها وما يخرج من الأرض وما يلج فيها، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين» وكتب إليه أيضا بخطه: «بسم الله وبالله وإلى الله وكما شاء الله، واعيذه بعزة الله وجبروت الله وقدرة الله وملكوت الله، هذا الكتاب من الله شفاء لفلان، [ابن] عبدك وابن أمتك عبد الله صلى الله على محمد وآله».

* الشرح:

قوله: (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) من فعله وفعل العبد مطلقا، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن مشيئة فعله عبارة عن إقداره عليه وبعبارة اخرى لو لم يشأ لم يقدر ولو لم يقدر لم يكن فلو لم يشاء لم يكن والأظهر انه تعالى علم فعله أزلا خيرا كان أو شرا فشاء وجوده ليطابق علمه بالمعلوم، وتعلق مشيئته بالشر بالعرض لحصول المطابقة، وبالخير كذلك وبالذات أيضا فليتأمل:

(يا رب موسى وعيسى وإبراهيم الذي وفى) بما رآه في المنام من ذبح الولد أو بما عهد إليه: (إله

ص:431

إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط) طلب إقباله أولا متصفا بالربوبية وثانيا متصفا بالالوهية لما في الأول من طلب العفو والرحمة وفي الثاني من إظهار العجز والعبودية وخص هؤلاء الأكابر بالذكر لأنه كلما كانت التربية وإظهار العجز أفضل وأتم كان الرجاء في حصول المطلوب أكمل وأعظم وترك الوصل لكمال المناسبة ولما ناداه بالنداء البعيد توهما لبعده المعنوي فشاهده حاضرا خاطبه بقوله:

(لا إله إلا أنت) إبتهاجا وتقربا منه بالتوحيد المطلق والفرق بينه وبين التوحيد السابق كالفرق بين ضمير المخاطب وبين العلم في التعريف ولذلك نزهه ثانيا بقوله:

(سبحانك مع ما عددت من آياتك) الظرف حال عن كاف الخطاب وعددت بفتح التاء على الظاهر أو بضمها على احتمال والآيات هي المعدودة في القرآن أو فيما سبق.

(وبعظمتك وبما سألك به النبيون وبأنك رب الناس) الظروف معطوفة على الظرف السابق والمراد بالموصول صفاته الخاصة أو الربوبية فان الأنبياء عند البلايا نادوه بالرب كما نطق به القرآن الكريم.

(كنت قبل كل شيء وأنت بعد كل شيء) بالذات لا بالزمان فمنك أخذه وابتداؤه وإليك عوده وإنتهاؤه. (أسألك باسمك الذي تمسك به السماوات أن تقع على الأرض إلا بإذنك) تمسك بالبناء للفاعل أو المفعول وما به الإمساك العلى أو الرفيع أو الحفيظ أو القادر.

(وبكلماتك التامات) مر تفسيرها. (ان تجير عبدك فلانا) وتسميه (من شر ما ينزل من السماء - إلى آخره) المقصود هو: الإجارة من شر كل ما يتصور منه الشر في عالم الإمكان.

(وجبروت الله وقدرة الله وملكوت الله) الجبروت فعلوت من الجبر وهو القهر وهو سبحانه جبار أي قهار يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي يقال: جبر الخلق وأجبرهم وجبر أكثر، وقيل: هو العالي فوق خلقه ومنه يقال: للنخلة جبارة وهي العظيمة العالية الطويلة التي تفوت يد المتناول والملكوت فعلوت من الملك وهو بعد الزيادة صارت مختصا بملك الله الشامل للمجردات والماديات كلها.

* الأصل:

11 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسي وقل له: «عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة محمد (صلى الله عليه وآله) وعزيمة سليمان بن داود (عليهما السلام) وعزيمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة الطاهرين من بعده» فإنه ينصر عنك إن شاء

ص:432

الله. قال: فخرجت فإذا السبع قد اعترض فعزمت عليه وقلت له: إلا تنحيت عن طريقنا ولم تؤذنا، فنظرت إليه قد طأطأ [ب] رأسه وأدخل ذنبه بين رجليه وانصرف.

12 - عنه، عن جعفر بن محمد، عن يونس، عن بعض أصحابنا، عن أبي الجارود، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من قال في دبر الفريضة: «أستودع الله العظيم الجليل نفسي وأهلي وولدي ومن يعنيني أمره وأستودع الله المرهوب المخوف المتضعضع لعظمته كل شيء نفسي وأهلي ومالي وولدي ومن يعنيني أمره». حف بجناح من أجنحة جبرئيل (عليه السلام) وحفظ في نفسه وأهله وماله.

* الشرح:

قوله: (وأستودع الله المرهوب المخوف) رهبه ورهب منه خافه وهو مرهوب باعتبار عظمته ومخوف باعتبار التقصير في عبادته. (المتضعضع لعظمته كل شيء) تضعضع خضع وذل وإفتقر (ويعنيني أمره) بالعين المهملة والياء المثناة التحتانية بين نونين عناه الأمر يعنوه ويعنيه عناية وعناية أهمه واعتنى به أهم بشأنه.

13 - عنه، رفعه قال: من بات في دار أو بيت وحده فليقرأ آية الكرسي وليقل، «اللهم آنس وحشتي وآمن روعتي وأعني على وحدتي».

* الأصل:

14 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن يزيد من مرة، عن بكير، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي ألا أعلمك كلمات إذا وقعت في ورطة أو بلية فقل: «بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم». فإن الله عزوجل يصرف بها عنك ما يشاء من أنواع البلاء.

* الشرح:

قوله: (إذا وقعت في ورطة أو بلية فقل) الورطة كل غامض والهلكة وكل أمر يعسر النجاة منه.

ص:433

باب الدعاء عند قراءة القرآن

* الأصل:

1 - قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) يدعوا عند قراءة كتاب الله عزوجل: «اللهم ربنا لك الحمد أنت المتوحد بالقدرة والسلطان المتين، ولك الحمد أنت المتعالي بالعز والكبرياء وفوق السماوات والعرش العظيم، ربنا ولك الحمد أنت المكتفي بعلمك والمحتاج إليك كل ذي علم، ربنا ولك الحمد يا منزل الآيات والذكر العظيم، ربنا فلك الحمد بما علمتنا من الحكمة والقرآن العظيم المبين، اللهم أنت علمتناه قبل رغبتنا في تعلمه وإختصصتنا به قبل رغبتنا بنفعه، اللهم فإذا كان ذلك منا منك وفضلا وجودا ولطفا بنا ورحمة لنا وإمتنانا علينا من غير حولنا ولا حيلتنا ولا قوتنا، اللهم فحبب إلينا حسن تلاوته وحفظ آياته وإيمانا بمتشابهه وعملا بمحكمه وسببا في تأويله وهدى في تدبيره وبصيرة بنوره، اللهم وكما أنزلته شفاء لأوليائك وشقاء على أعدائك وعمى على أهل معصيتك ونورا لأهل طاعتك، اللهم فاجعله لنا حصنا من عذابك وحرزا من غضبك وحاجزا عن معصيتك وعصمة من سخطك ودليلا على طاعتك ونورا يوم نلقاك نستضيء به في خلقك ونجوز به [على] صراطك ونهتدي به إلى جنتك، اللهم إنا نعوذ بك من الشقوة في حمله والعمى عن عمله والجور في حكمه والعلو عن قصده والتقصير دون حقه، اللهم احمل عنا ثقله وأوجب لنا أجره وأوزعنا شكره واجعلنا نراعيه ونحفظه، اللهم اجعلنا نتبع حلاله ونجتنب حرامه ونقيم حدوده ونؤدي فرائضه، اللهم ارزقنا حلاوة في تلاوته ونشاطا في قيامه ووجلا في ترتيله وقوة في استعماله في آناء الليل و [أطراف] النهار.

اللهم واسقنا (1) من النوم باليسير وأيقظنا في ساعة الليل من رقاد الراقدين ونبهنا عند الأحايين التي يستجاب فيها الدعاء من سنة الوسنانين، اللهم اجعل لقلوبنا ذكاء عند عجائبه التي لا تنقضي، ولذاذة عند ترديده، وعبرة عند ترجيعه، ونفعا بينا عند إستفهامه، اللهم إنا نعوذ بك من تخلفه في قلوبنا وتوسده عند رقادنا ونبذه وراء ظهورنا ونعوذ بك من قساوة قلوبنا لما به وعظتنا، اللهم إنفعنا بما صرفت فيه من الآيات وذكرنا بما ضربت فيه من المثلاث وكفر عنا بتأويله السيئات وضاعف لنا به جزاء في الحسنات وارفعنا به ثوابا في الدرجات ولقنا به البشرى بعد الممات، اللهم اجعله لنا زادا تقوتنا به في الموقف وفي الوقوف بين يديك، وطريقا

ص:434


1- (1) في بعض النسخ «واشفنا».

واضحا نسلك به إليك، وعلما نافعا نشكر به نعماءك، وتخشعا صادقا نسبح به أسماءك فإنك اتخذت به علينا حجة قطعت به عذرنا وإصطنعت به عندنا نعمة قصر عنها شكرنا، اللهم اجعله لنا وليا يثبتنا من الذلل، ودليلا يهدينا لصالح العمل وعونا وهاديا يقومنا من الميل وعونا يقوينا من الملل، حتى يبلغ بنا أفضل الأمل، اللهم اجعله لنا شافعا يوم اللقاء، وسلاحا يوم الارتقاء، وحجيجا يوم القضاء ونورا يوم الظلماء، يوم لا أرض ولا سماء، يوم يجزى كل ساع بما سعى، اللهم اجعله لنا ريا يوم الظماء، وفورا يوم الجزاء من نار حامية، قليلة البقيا على من بها إصطلى وبحرها تلظى، اللهم اجعله لنا برهانا على رؤوس الملاء يوم يجمع فيه أهل الأرض وأهل السماء، اللهم ارزقنا منازل الشهداء وعيش السعداء ومرافقة الأنبياء إنك سميع الدعاء».

* الشرح:

قوله: (ربنا لك الحمد) قدم الظرف ولم يذكر المحمود به والمحمود عليه للتخصيص والتعميم والإشعار بإنحصار جميع المحامد فيه واستحقاقه للحمد من جميع الجهات. (أنت المتوحد بالقدرة) على جميع الممكنات بالإيجاد والإبقاء والإفناء لا يشاركك فيها أحد.

(والسلطان المتين) المتين القوي الشديد والسلطان الحجة وقدرة الملك ويضم لامه والوالي الحاكم يؤنث ويذكر وهو على الأولين عطف على القدرة وعلى الأخير على المتوحد. (أنت المتعال بالعز والكبرياء) العز القوة والشدة والغلبة، والكبرياء العظمة والملك وقيل: هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود ولا يوصف بها إلا الله سبحانه وتعالى; أي المتعالي عن الخلق في الرتبة والحكم أو عن صفاتهم أو عن إفك المفترين بما له من العز والكبرياء. (وفوق السماوات والعرش العظيم) بالاستيلاء والقدرة لا بالتمكن والاستقرار.

(ربنا ولك الحمد) الواو للإستيناف (أنت المكتفي بعلمك) المحيط بجميع المعلومات فلا تحتاج في الإحاطة بها إلى التعلم من غيرك.

(والمحتاج إليك كل ذي علم) عطف جملة على جملة أو مفرد على مفرد. وذو علم لا يصدق على الله سبحانه; لأن علمه عين ذاته. (يا منزل الآيات والذكر العظيم) اريد به القرآن وبالآيات آياته أو الرسول أو من قام مقامه أو معجزاته.

(ربنا فلك الحمد على ما علمتنا من الحكمة) وهي العلم بما جاء به الرسول من أمر المبدأ والمعاد والأحكام وغيرها. (والقرآن العظيم المبين) أي المظهر للحق أو الفارق بينه وبين الباطل والمراد بتعليمه تعالى توفيقه للتعلم أو تعليم النبي والوصي لأن تعليمهم تعليمه. (اللهم أنت

ص:435

علمتناه قبل رغبتنا في تعلمه) التعليم فينا قبل التعلم وبعد الرغبة فيه ومن ألطافه تعالى ان بدأ بتعليمنا قبل رغبتنا في التعلم ورغبنا فيه.

(واختصصتنا به قبل رغبتنا في نفعه) هذا أيضا من لطف الله تعالى علينا حيث خصصنا به قبل رغبتنا في نفعه ورغبنا فيه بذكر الثواب والجزاء وأيضا أنزل القرآن ولم يكن لنا علم به فضلا عن تعلمه ونفعه وعن الرغبة فيهما.

(اللهم فإذا كان ذلك) أي إنزال القرآن علينا وتعليمنا إياه وإختصاصنا به قبل رغبتنا في تعليمه ونفعه (منا منك) يقال من عليه منا إذا أنعم عليه وإصطنع عنده صنيعا. (وفضلا) أي زيادة في الإحسان إذ إحسانه تعالى علينا غير محصور. (وجودا) أي إحسانا كثيرا بالغا حد الكمال، قال صاحب العدة: الجواد هو المنعم الكثير الإنعام والإحسان، والفرق بين الجود والكرم أن الكرم هو الإعطاء مع السؤال والجود هو الإعطاء من غير سؤال وقيل بالعكس (ولطفا بنا) أي رفقا بنا مع إستحقاقنا للأخذ يقال: لطف به وله يلطف لطفا إذا رفق به (ورحمة لنا) الرحمة وتحرك الرقة والمغفرة والتعطف كالرحمة كذا في القاموس.

(وإمتنانا علينا) في كنز اللغة إمتنان منت نهادن ونعمت دادن وفيه مبالغة وزيادة في المن فلا تكرار. (من غير حولنا) الحول الحركة يقال: حال الشخص يحيل إذا تحرك أي من غير تقلبنا وحركتنا إلى طلب ذلك منك وهو مع ما عطف عليه حال عن اسم كان أو خبر له. (ولا حيلتنا) هي الحذق وجودة النظر والقوة على التصرف يعني لم يكن ذلك من نظرنا وتصرفات عقولنا في الاحتيال إلى الوصول.

(ولا قوتنا) لعجزنا عن تصور تلك النعمة الجليلة إبتداء فضلا عن طلبها وتحصيلها.

(اللهم فحبب إلينا حسن تلاوته) بالترتيل كما أمرتنا به وهو جزاء للشرط.

(وحفظ آياته) عن التبديل والتحريف والزيادة والنقصان.

(وإيمانا بمتشابهه وعملا بمحكمه) ان كان المطلوب منه العمل والعمل شامل للقلب أيضا والمحكم في اللغة المضبوط المتقن، وفي الاصطلاح ما اتضح معناه، وقيل: معناه ما لا يحتمل إلا وجها واحدا والمتشابه بخلافه فهو ما يتضح معناه أو ما يحتمل وجوها متعددة ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم. والمراد بالإيمان به التصديق بأنه من عند الله تعالى وبأنه يجب رد تأويله إلى أهله وبأنه لا يجوز تأويله وتعيين المراد منه بالرأي والقياس، وأما من كفر بالله فمنهم من أوله برأيه كأكثر المخالفين ومنهم من تبعه إبتغاء للفتنة وطلبا للتشكيك في القرآن وإضلال العوام كالزنادقة والقرامطة، ومنهم من تبع ظاهره كالمجسمة والمشبهة حيث جمعوا ما في القرآن مما دل

ص:436

ظاهره على الجسمية والصورة والمشابهة بالخلق واعتقدوا انه تعالى جسم ذا صورة ويشابه بالخلق تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. (وسببا في تأويله) السبب ما يتوسل به إلى الشيء والمراد به هنا أهل العلم أو الطريق الذي بينوه والضمير عائد إلى المتشابه أو إلى القرآن والأول أظهر والثاني أنسب كما لا يخفى. (وهدى في تدبيره) التدبير النظر في عاقبة الأمر والتفكر في صلاحه و «في» بمعناها أو بمعنى «إلى» والهداية راه يافتن وراه نمودن لازم ومتعد، والفاعل على الثاني هو الله تعالى أو الرسول ووصيه ومن أخذ منهم.

(وبصيرة بنوره) البصر محركة حس العين ومن القلب خاطره ونظره والباء متعلقة به يقال بصر به إذا نظر إليه وأدركه ويحتمل أن يكون للسببية أي بصيرة في الامور بسبب نوره وعمله (اللهم وكما أنزلته شفاء لأوليائك) حيث قبلوه فنجوا من مرض الغواية والجهالات. (وشقاء على أعدائك) حيث أنكروه مع اشتماله على توبيخهم وتعذيبهم بأنواع العقوبات.

(وعمى على أهل معصيتك) حيث لا ينظرون إلى ظواهر آياته ولا يعقلون زواجر بيناته (ونورا لأهل طاعتك) حيث يهتدون به إلى سبيل الطاعات وينظرون إلى وجوه الخيرات. (اللهم فاجعله لنا حصنا من عذابك) شبهه بالحصن في أنه من دخله بالتصديق به والعمل بما فيه كان آمنا (وحرزا من غضبك) الحرز العوذة والموضع الحصين الذي يحفظ من دخله من المكاره. والغضب حالة للنفس محركة لها نحو الانتقام أو انفعال النفس من تلك الحالة بالتحرك إليه وإذا نسب إليه تعالى فالمراد به لازمه وهو العقوبة والانتقام.

(وحاجزا عن معصيتك) في زماننا هذا. (وعصمة من سخطك) فيما بقي من عمرنا.

(ودليلا على طاعتك) بالتوفيق للمتابعة وسلوك سبيل الطاعة فلا يرد أن القرآن دليل على طاعته فلا وجه لطلب كونه كذلك. (ونورا يوم يلقاك) وهو يوم القيامة ويوم الموت أيضا وسيجئ في فضل القرآن أنه نور يوم القيامة يقود من صانه إلى الجنة.

(نستضيء به في خلقك) الظاهر أنه حال عن فاعل يلقاك وانفصاله عما قبله وإرادة الإستضاءة به في الدنيا احتمال بعيد كما لا يخفى.

(ونجوز به على صراطك) وهو الجسر المضروب على جهنم في غاية الدقة وحمله على دين الحق محتمل ومن جاز عليه جاز على ذلك بسهولة.

(ونهتدي به إلى جنتك) أي إلى طريقها في الآخرة أو في الدنيا أيضا والأولى متوقفة على الثانية والثانية مستلزمة للاولى.

(اللهم إنا نعوذ بك من الشقوة في حمله) بعدم الرعاية لمبانيه والتفكر في معانيه والعمل بما

ص:437

فيه. (والعمى عن علمه) بالجهل به والإعراض عنه والعمى بالقصر ذهاب بصر العين وبصيرة القلب وعدم إدراكه للحق وبالمد السحاب والمراد به هنا لو ثبت الحجاب المانع من الإدراك.

(والجور في حكمه) بالتجاوز عنه وعدم قبوله.

(والعلو عن قصده) أي التجاوز عن مقصوده واستقامة طريقه والاعتماد به وأصل القصد استقامة الطريق والاعتماد والاقتصاد ضد الإفراط. (والتقصير دون حقه) وهو استماع ما نطق به والاقتفاء له كما ينبغي. (اللهم احمل عنا ثقله) الثقل كعنب ضد الخفة، ثقل ككرم ثقلا وثقالة فهو ثقيل وثقال كسحاب وغراب، ولما كانت النفس لميلها إلى الكسالة والبطالة قد تثقل عليها الطاعات وتحمل ما في القرآن من الخيرات طلب من الله تعالى رفع ذلك عنها وتوفيقها للسداد والثبات.

(وأوجب لنا أجره) يحفظه عن النقص وعروض المفسدات.

(وأوزعنا شكره) أي ألهمنا شكره وأولعنا به يقال أوزعه الله بالشيء إذا ألهمه وأولعه به (واجعلنا نراعيه ونحفظه) طلب التوفيق لحفظه بعد طلبه لمراعاتها وهي النظر إلى مقاصدها وما يصير إليه أمره يقول: راعيت الأمر إذا نظرت إلى ما يصير وهذا أولى من تفسير المراعاة بالمحافظة لأن التأسيس خير من التأكيد.

(واشفنا من النوم باليسير) جعل النوم الكثير مرضا واليسير منه وهو ما وقع في ست ساعات تقريبا شفاء له ولابد من هذا القدر لإستراحة النفس وخروج القوى من التعب والكلال. (وأيقظنا في ساعة الليل) الإضافة اما بتقدير اللام أو «في» أو «من».

(من رقاد الراقدين) الرقاد والرقود بضمهما النوم كالرقد أو الرقاد مختص بالليل والأنسب من رقادنا إلا أنه اضيف إلى الراقدين للتنبيه على أن المراد به رقاد الليل لأنه وقت إستراحة الخلائق ونومهم. (ونبهنا عند الأحايين التي يستجاب فيها الدعاء من سنة الوسنانين) الأحايين جمع أحيان جمع حين وهو وقت مبهم يصلح لجميع الأزمان طال أو قصر والوسانين جمع الوسنان وهو النائم أو الذي ليس بمستغرق في نومه. والوسن النوم أو أوله وقد وسن يوسن سنة فهو وسن ووسنان، والهاء في السنة عوض من الواو المحذوفة.

(اللهم اجعل لقلوبنا ذكاء عند عجائبه التي لا تنقضي) الذكاء بالفتح والمد شدة قوة النفس المعدة لإكتساب التصورات والتصديقات النظرية من ذكت النار ذكاء إذا إشتد لهبها وارتفع إشتعالها وعجائب القرآن نكاته ولطائفه المندرجة في الأسلوب والمباني وأسراره ودقائقه المندرجة في المقصود والمعاني التي بعضها فوق بعض، والمراد بعدم انقضائها عدم انقطاعها في عقولنا حتى إذا بلغ سرا من أسراره وجد فوقه سرا آخر إلى ما شاء الله.

ص:438

(ولذاذة عند ترديده) لذة وبه لذاذا ولذاذة وجده لذيذا، ولذ هو صار لذيذا ومن إعجاز القرآن أن تكراره يوجب اللذة وزيادة ميل القلب إليه بخلاف غيره.

(وعبرة عند ترجيعه) الترجيع التكرير. والعبرة بالكسر الإتعاظ بما يتعظ به والاعتبار مما يعتبر منه والتعجب مما يتعجب منه لما فيه من الحسن والغرابة من إعتبر منه إذا تعجب وبالفتح الحزن والدمعة أيضا إلا أن الدمعة لا يناسب السياق كما لا يخفى.

(ونفعا بينا عند إستفهامه) بحصول المطالب الجليلة والمقاصد العظيمة والأسرار الدقيقة وتنور القلوب وميلها من الدنيا إلى الآخرة.

(اللهم إنا نعوذ بك من تخلفه في قلوبنا) بعدم دخول معانيه فيها أو بعدم ثباتها إستقرارها فيها (وتوسده عند رقادنا) الوسادة بالتثليث المتكاء والمخدة، توسده جعله وسادة وهو كناية عن إمتهانه وطرحه عند النوم وترك تلاوته والتدبر فيه، يقال: هو لا يتوسد القرآن أي لا يمتهنه ولا يطرحه بل يحمله ويعظمه ويقرؤه.

(ونبذه وراء ظهورنا) كناية عن صرف الوجه عنه وعن قراءته والتفكر فيه والعمل به. (ونعوذ بك من قساوة قلوبنا لما به وعظتنا) وعظه وعظا وعظة وموعظة ذكره ما يلين القلب من الثواب والعقاب وحسن الطاعة وقبح المعصية وقسا قلبه قسوا وقسوة وقساوة صلب وغلظ بحيث لا يقبل الوعظ ولا يتأثر به والقساوة من أعظم أبواب الشقاوة.

(اللهم انفعنا بما صرفت فيه من الآيات) تصريف الآيات تبيينها وهي الآيات الدالة على وجوده وقدرته وحكمته وعظمته واستحقاقه للعبادة وهي في القرآن كثيرة وقد قال في مواضع منه بعد ذكر عجائب صنعه: (ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون).

(وذكرنا بما ضربت فيه من المثلاث) مثل به كنصر مثلا ومثلة كنصرا ونصرة إذ اسود وجهه أو قطع أنفه أو إذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه والاسم منه المثلة بضم الثاء وسكونها واحدة المثلات، ولعل المراد بها هنا العقوبات النازلة على الامم السابقة بسبب المخالفات. (وكفر عنا بتأويله السيئات) أول الكلام تأويلا دبره وقدره وفسره على الوجه المطلوب منه. (وضاعف لنا به جزاء في الحسنات) أي بسبب تلاوته وتدبره والعمل بما فيه أو بسبب حكمه حيث حكم بأن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وإرجاع الضمير إلى التأويل يخالف سائر الضمائر في الجمل المتعاطفة ويوجب خلو المعطوف عن ضمير في المعطوف عليه.

(وارفعنا به ثوابا في الدرجات) أي درجات الجنة والكرامة أو درجات القرب والسعادة.

ص:439

والرفع ضد الخفض والوضع و «في» متعلق به على الظاهر و «ثوابا» بالنصب على التمييز والمقصود طلب الرفع في الدرجات من حيث الأجر والمثوبات.

(ولقنا به البشرى بعد الممات) لقاه الشيء ألقاه إليه ومنه قوله تعالى: (وإنك لتلقى القرآن) أي يلقى إليك وحيا من الله تعالى. والبشرى بالضم ما يعطيه البشير.

(اللهم اجعله لنا زادا تقوتنا به في الموقف) القوت المسكة من الرزق التي يتوقف عليها الحياة قاته فاقتات والمراد به القوت الروحاني الذي به الحياة الأبدية والمعارج النفسانية والترقي إلى الدرجات العلية وفي بعض النسخ تقوينا من التقوية.

(وطريقا واضحا نسلك به إليك) القرآن طريق واضح قطعا وإنما المقصود طلب التوفيق لسلوكه. (وعلما نافعا نشكر به نعماك) العلم النافع هو المعمول بمقتضاه والعمل شكر، فالمطلوب هو التوفيق للعمل به.

(وتخشعا صادقا نسبح به أسماءك) طلب أن يجعله سببا للتخشع وهو التخضع والتذلل في القلب أو البدن أو الصوت أو الجميع وغايته تنزيه أسمائه تعالى عن النقص والمدلولات التي لا يليق بذاته فان أسماءه تعالى وان كانت تامة لكنها لا تخلو من الدلالة على المعاني والمفهومات والغايات التي يجب تنزيهه تعالى عنها وقد مر توضيح ذلك في كتاب التوحيد.

(فانك اتخذت به علينا حجة - اه) القرآن حجة على الخلق قاطع لعذرهم من التقصير بعده ونعمة لهم لأنه يدعوهم إلى ما هو خير لهم في الدنيا والآخرة. والقصر كالعنب خلاف الطول وفعله ككرم وفيه إظهار للعجز عن أداء حق شكر تلك النعمة والبلوغ إلى غايته لكن ينبغي أن لا يترك الميسور بالمعسور.

(اللهم اجعله لنا وليا يثبتنا من الذلل) أثبته إثباتا إذا أقره فاستقر وعرفه حق المعرفة والذلل جمع الذلول من الذل بالكسر وهو ضد العقوبة، ولعل المراد أن يثبتنا من هذا الصنف لا من ضده.

وفي بعض النسخ «من الزلل» بالزاي المعجمة.

(ودليلا يهدينا لصالح العمل) ليس المطلوب أصل الدلالة إذ هي ثابتة بل تأثيرها والتوفيق لقبولها. (وعونا وهاديا يقومنا من الميل) الميل بالتحريك هنا العدول والانحراف عن الحق إلى الباطل كالميل بالتسكين.

(وعونا تقوينا من الملل) الملل بالتحريك السأمة والملال من تحمل الحق والعمل به. (حتى يبلغ بنا أفضل الأمل) وهو رجاء القرب والسعادة أو العمل الموجب لهما.

(اللهم اجعله لنا شافعا يوم اللقاء) وهو يوم الموت وهو القيامة الصغرى أو يوم الحشر وهو

ص:440

القيامة الكبرى.

(وسلاحا يوم الارتقاء) الظاهر أنه هذه الدنيا لأنه يوم الارتقاء إلى درجات الأعمال والصعود من حضيض النقص إلى أوج الكمال وإطلاق السلاح وهي آلة الحرب على القرآن من باب الاستعارة إذ به يجاهد الإنسان شياطين الجن والإنس ويدفع عنه صدماتهم وحملاتهم.

(وحججا يوم القضاء) القضاء الحكم، والحجة الدليل والبرهان والغلبة يقال: حجه وعليه إذا غلبه بالحجة وهو حجج أي محاج مغالب بالحجة فعيل بمعنى مفاعل وقد ثبت ان كل أحد يوم القيامة يتمسك بنجاة نفسه بما يظن انه حجة له وان كل خير يحتج لصاحبه وان القرآن حجيج لأهله ينفعه وينجيه من الشدائد وسيأتي توضيح ذلك في أول كتاب فضل القرآن ان شاء الله تعالى.

(ونورا يوم الظلماء) الظلما بضم وضمتين، والظلماء بالفتح وسكون اللام والمد ذهاب النور وقد يشبه الخير بالنور والشر بالظلمة ولما كان يوم القيامة يوم بروز الكامنات وكان الشر فيه أكثر سمي يوم الظلماء ولما كان إطلاق يوم الظلماء على اليوم الشديد الذي كثر فيه الشر مطلقا شائعا لغة أو عرفا خصه بيوم القيامة وقال:

(يوم لا أرض ولا سماء) لتبدلهما كما نطق به القرآن الكريم ولا يعلم حقيقة ذلك الغير إلا الله والراسخون في العلم.

(يوم يجزى كل ساع بما سعى) من خير وشر وتضعيف الحسنات والثواب الراجع إلى الموت من أجل دعاء المؤمنين والمؤمنات لأجل إيمانه أيضا من ثمرة سعيه.

(اللهم اجعله لنا ريا يوم الظماء) الري بالكسر اسم من روى الماء واللبن كرضى ريا بالفتح والظمأ بالفتح والسكون والهمز مصدر ظمى كفرح إذا عطش أو إشتد عطشه وبالكسر اسم منه (وفوزا يوم الجزاء من نار حامية) الحامية هي التي إشتدت حرارتها، قيل: نار جهنم أشد حرا من نار الدنيا بسبعين درجة، والفوز النجاة فاز منه نجى وفي أكثر النسخ نورا بالنون ولعله تصحيف (قليلة البقيا) البقيا بالضم والسكون الرحمة والشفقة اسم من أبقيت عليه إبقاء إذا رحمته وأشفقت عليه ويفهم من لفظ القلة عرفا المبالغة في شدتها كما يقال قليل الترحم على خلق الله للمبالغة في أنه غضوب. ويمكن أن يكون إيماء إلى أنها قد ترحم بعضا وتخف حرارتها له وهو من شاء الله أن يكون عقوبته أخف من عقوبة غيره.

(على من بها إصطلى وبحرها تلظى) الجار في الموضعين متعلق بما بعدها والصلاء بالكسر والمد النار والإصطلاء افتعال من صلى النار كرضى إذا تسخن بها، واللظى كالفتى النار غير منصرفة للعلمية والتأنيث لأنها علم جهنم، والتلظي التلهب والإضطرام.

ص:441

(اللهم اجعله لنا برهانا على رؤوس الملاء) أي حجة ودليلا لنا على مطلوبنا من نيل السعادة والكرامة والثواب والجزاء في دار البقاء أو من ظهور صحة الإيمان والتصديق به وبك وبرسولك وأوليائك في يوم الجزاء.

(اللهم ارزقنا منازل الشهداء) الذين يشهدون للخلق وعليهم يوم القيامة واستشهدوا في سبيل الله. (وعيش السعداء) في الدنيا والآخرة والثاني أظهر والتعميم أجدر. (ومرافقة الأنبياء) فيهما. (إنك سميع الدعاء) تسمعه بلا جارحة وان خفى أو تجيبه وتقبله يقال: اسمع دعائي أي أجب أو أقبل لأن غرض السائل هو الإجابة والقبول.

ص:442

باب الدعاء في حفظ القرآن

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عمن ذكره، عن عبد الله بن سنان، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تقول: «اللهم إني أسألك ولم يسأل العباد مثلك أسألك بحق محمد نبيك ورسولك وإبراهيم خليلك وصفيك وموسى كليمك ونجيك وعيسى كلمتك وروحك، وأسألك بصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى وقرآن محمد (صلى الله عليه وآله) وبكل وحي أوحيته وقضاء أمضيته وحق قضيته وغني أغنيته وضال هديته وسائل أعطيته.

وأسألك باسمك الذي وضعته على الليل فأظلم، وباسمك الذي وضعته على النهار فاستنار، وباسمك الذي وضعته على الأرض فاستقرت ودعمت به السماوات فاستقلت ووضعته على الجبال فرست، وباسمك الذي بثثت به الأرزاق وأسألك باسمك الذي تحيي به الموتى وأسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن ترزقني حفظ القرآن وأصناف العلم وأن تثبتها في قلبي وسمعي وبصري وأن تخالط بها لحمي ودمي وعظامي ومخي وتستعمل بها ليلي ونهاري برحمتك وقدرتك فانه لا حول ولا قوة إلا بك يا حي يا قيوم».

قال: وفي حديث آخر زيادة: «وأسألك باسمك الذي دعاك به عبادك الذين استجبت لهم وأنبياؤك فغفرت لهم ورحمتهم وأسألك بكل اسم أنزلته في كتبك وبإسمك الذي إستقر به عرشك وبإسمك الواحد الأحد الفرد الوتر المتعال الذي يملأ الأركان كلها، الطاهر الطهر المبارك المقدس الحي القيوم نور السماوات والأرض الرحمن الرحيم الكبير المتعال وكتابك المنزل بالحق وكلماتك التامات ونورك التام وبعظمتك وأركانك». وقال في حديث آخر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أراد أن يوعيه الله عزوجل القرآن والعلم فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف بعسل ماذي ثم يغسله بماء المطر قبل أن يمس الأرض ويشربه ثلاثة أيام على الريق فإنه يحفظ ذلك إن شاء الله.

* الشرح:

قوله: (اللهم إني أسألك ولم يسأل العباد مثلك) لإنتفاء المثل لا لإنتفاء السؤال لأن كثيرا من

ص:443

العباد سألوا الغير زلة وخطاء وفيه إظهار العجز والمسكنة والافتقار إليه بحمل السؤال والقيام بين يديه. (أسألك بحق محمد نبيك ورسولك) الرسول أخص من النبي كما مر في كتاب الحجة (وإبراهيم خليلك وصفيك) الخليل الصديق من الخلة بالضم وهي الصداقة والمحبة المختصة التي لا خلل فيها أو التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه وقيل: من الخلة وهي الحاجة والفقر لأنه رفع حاجته إلى الله تعالى لا إلى غيره، والصفى أخص منه لأنه الذي يصافي الود ويخلصه مع صفاء ظاهره وباطنه عن النقائص كلها من الصفو نقيض الكدر ومنه صفو الشيء مثلثة وهو ما صفا منه.

(وموسى كليمك ونجيك) فعيل بمعنى مفاعل والثاني أخص لأن كل مناج مكالم دون العكس. (وعيسى كلمتك وروحك) سمى عيسى كلمة الله لأنه انتفع به وبكلامه أو لأنه وجد بكلمة كن من غير أب وروح الله من باب تسمية الشيء باسم ما يتعلق به ويجاوره إذ الروح ما به حياة الأنفس والإضافة للاختصاص والتشريف كبيت الله أو لأنه صدر منه بلا توسط ما يجري مجرى الأصل والمادة أو لأنه كان يحيي الأموات أو القلوب وبهما فسر قوله تعالى: (وروح منه) وإنما توسل لحصول المرام أولا بهؤلاء الكرام لأنهم وسائط لمعرفة الله تعالى وحصول الفيض منه.

(وأسألك بصحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود وإنجيل عيسى وقرآن محمد (صلى الله عليه وآله)) قدم محمدا (صلى الله عليه وآله) في السؤال الأول لتقدمه بحسب الشرف والرتبة ولأنه سبب لوجود الموجودات وبروز كمال الممكنات، وأخره وقرآنه في هذا السؤال لتأخرهما بحسب الوجود في الأعيان وللتنبيه على أنه ينبغي للطالب من التوسل به أولا وآخرا.

(وبكل وحي أوحيت) الوحي الإشارة والرسالة والإلهام والكلام الخفي وكل ما ألقي إلى الغير يقال: وحيت إليه وأوحيته.

(وقضاء أمضيته) القضاء الحكم والإمضاء إنفاذه فالإمضاء إتمام القضاء وهو يتعلق بفعله وفعل العبد أيضا وقد مر تحقيقه في الاصول.

(وحق قضيته) يشمل حقه وحق العباد. (وغنى أغنيته) يشمل الغنى المعروف بين الناس والغنى الاخروي. (وضال هديته) الهداية العامة أو الخاصة المقرونة بالتوفيق لقبول الحق والهداية وهي أنسب وحينئذ إطلاق الضال باعتبار ما كان.

(وسائل أعطيته) وان لم يستحقه وفيه بسط رجاء لحصول مطلوبه وتحقق مأموله. (وباسمك الذي وضعته على الأرض فاستقرت) في الهواء والماء من غير نزول ولا رسوب مع عظمة الحجم وثقالة الجسم. (ودعمت به السماوات) أي جعلته دعامة لها وأقمتها به وهي عماد البيت

ص:444

والخشب المنصوب للتعريش. (فاستقلت) أي ارتفعت مع عظمة حجمها وإشتراكها لسائر الأجسام في الجسمية المقتضية للنزول.

(ووضعته على الجبال فرست) رسى الشيء يرسو إذا ثبت ويفهم من عدم تكرار الاسم في هذه الثلاثة أنها مستندة إلى واحد. (وباسمك الذي بثثت به الأرزاق) أي نشرتها لأصناف المرزوقين وأشخاصهم على وفق ما يناسبهم، يقال بثثت الشيء بالتخفيف فانبث أي نشرته فانتشر وبثثته بالتشديد للمبالغة. (وباسمك الذي تحيي به الموتى) بعد تبدد أجسادهم وتكسر عظامهم وتفرق أجزائهم. الظاهر أن المراد بالاسم هنا الاسم الأعظم وهو كثير كما مر في الاصول وان لكل واحد تعلقا خاصا بشيء وأثرا معينا فيه وأن المراد بوضعه فيه هو ذلك التعلق، ويمكن أن يراد به القادر وهو وان كان واحدا بالذات لكنه متعدد بالحيثيات فانه باعتبار تعلق قدرته بإظلام الليل مغاير له باعتبار تعلقها بإضاءة النهار، وقس على ذلك. والوضع المذكور إشارة إلى تلك الحيثية المغايرة والله يعلم. (وأسألك بمعاقد العز من عرشك) (1) المعاقد جمع المعقد اسم مكان يعقد به الشيء ولعل المراد به خصال العرش التي إستحق بها العز أو صفاته تعالى المعقود بها عز عرشه كالقدرة والقوة وحقيقة معناه بعز عرشك وبما عقد به عزه وهو من صفات العرش أو صفاته تعالى.

(ومنتهى الرحمة من كتابك) الكتاب رحمة للعباد ومنتهاها كناية عن تمامها الشامل للبداية والنهاية. (أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد) أي تعظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإعلان شريعته وفي الآخرة بتشفيعه لامته وتضعيف أجره ومثوبته وإعلاء مرتبته ودرجته.

(وأن ترزقني حفظ القرآن) من ظهر القلب أو الأعم منه ومن محافظته بالعمل بأحكامه وحسن تلاوته والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه والتدبر فيه وفي أسراره.

(وأصناف العلم) المذكور فيه وعلوم القرآن أنواع كثيرة وأصناف غير محصورة بعضها متعلق بأحوال المبدأ والمعاد، وبعضها بكيفية خلق آدم وأحوال العباد وبعضها بإيجاد الأرضين

ص:445


1- (1) كتب في هامش بعض النسخ قوله: (وأسألك بمعاقد العز من عرشك) المعاقد جمع معقد اسم مكان أي ما يعقد به والمراد هنا ما يعقد به العز أي الملائكة الجلالية وهم القاهرون فوق العباد الحاكمون يوم المعاد والعباد تحت سطوات عزهم محرقة مقهورة ووراء لمعات جلالهم مستهلكة مغلوبة وبهم يظهر قدرة الله وقوته وعظمته وجلاله وكبرياؤه وسطوته وسلطانه وهم من عرش الرحمن ومظاهر عز لحضرة السبحان أي المقربين له المنقادين لأمره لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون والمسؤول به ههنا اللذون وقعوا حجابا للمحجوبين ونقابا للمبعدين وسدوا شديدا طريق الملحدين والكافرين وحاصل المعنى إني أسألك صفاتك الجلالية التي هي من عرشك أي ملائكتك المقربين ويمكن أن يكون المراد من العرش الجسم الكلي أي فلك الأفلاك فيكون المراد على هذا الملائكة الحاملين لعرش الرحمن الحافين حوله (نمقه الفقير مهدي).

والسماوات إلى غير ذلك مما يعجز عن عده فحول العلماء ويتحير في أدنى مراتبه عقول العقلاء (وأن تثبتها في قلبي وسمعي وبصري وأن تخالط بها لحمي ودمي وعظامي ومخي) إثباتها في هذه الجوارح عبارة عن جعلها ملكة راسخة فيها، ويمكن أن يكون فيه إشارة إجمالية إلى أصناف العلم لأن بعضها علوم عقلية صرفة وبعضها علوم آلية، فمنها ما يحصل من طريق السمع ومنها، ما يحصل من طريق البصر، ومنها ما يحصل بالمخالطة من طريق الذوق ومنها ما يحصل من طريق الشم ومنها ما يحصل من طريق اللمس ومنها ما يحصل من طرق الحواس الباطنة (وتستعمل بها ليلي ونهاري) سؤال عن توفيق العمل بها وفي تعليق العمل بالليل والنهار وتجوز باعتبار وقوعه فيهما.

(برحمتك وقدرتك) متعلق بقوله: «ترزقني» إلى آخره أو بقوله: «تستعمل» والأول أشمل والثاني أظهر وفي الجمع بين الرحمة والقدرة إيماء إلى تحقق المطلوب لأنهما كالعلة التامة له.

(فانه لا حول ولا قوة إلا بك يا حي يا قيوم) علة للسؤال المذكور وإستعطاف لحصوله بالانقطاع إليه عزوجل وفي النداء أيضا توقع لحصوله لأن الحي هو الفعال المدرك لا يفوته شيء مما أراد والقيوم هو القائم على كل شيء بالرعاية والحفظ والإصلاح والتدبر فيه وفي أحواله.

(قال: وفي حديث آخر زيادة) فاعل قال أبان مع الواو، والصادق (عليه السلام) مع عدمها كما في بعض النسخ، وقوله: «في حديث آخر زيادة» على الأول مبتدأ وخبر والجملة مقول القول وقوله: «زيادة» على الثاني مقول القول وقوله: في حديث آخر» ظرف له أو متعلق بزيادة ثم أشار إلى الزيادة بقوله:

(وأسألك) أي هي وأسألك على حذف المبتدأ وإضافة الزيادة إليه محتملة وفي محل الإضافة تأمل وكأنه بعد قوله: «ومنتهى الرحمة من كتابك» فليتأمل.

(باسمك الذي دعاك به عبادك الذين استجبت لهم) دل على ان التوسل إجمالا بالاسم الذي يستجاب به الدعاء مؤثر في الاستجابة وان لم يعلم بعينه لكن الظاهر أن تأثيره مع العلم به أقوى وأشد يظهر ذلك للمتوسل بالاسم الأعظم مع العلم وعدمه.

(وأنبياؤك فغفرت لهم ورحمتهم) دلت الآيات الكريمة على أن ذلك الاسم هو الرب.

(وبكل اسم أنزلته في كتبك) فيه توسل بأسمائه كلها إجمالا وكونه كالتوسل بها تفصيلا أم لا محل كلام ذكرناه سابقا.

(وبإسمك الذي إستقر به عرشك) ان اريد به الفلك الأعظم فالمراد بإستقراره استقراره في مكانه المقدر له وهو أعلى الارتفاعات من غير نزول ولا صعود وان اريد به عالم الملك والملكوت فالمراد استقرار كل شيء في مرتبته.

ص:446

(وبإسمك الواحد الأحد) وصفان للإسم أو بدلان وهما إسمان يشملهما نفي الإبعاض والإجزاء والفرق بينهما: أن الواحد هو المنفرد بالذات والأحد هو المنفرد بالمعنى كذا في العدة (الفرد الوتر المتعال) الفرد هو المنفرد بربوبيته والوتر هو الموجود وحده لا موجود معه، والمتعال المتنزه عن صفات المخلوقين أو معناه العالي فوق خلقه بالقدرة عليهم.

(الذي يملأ الأركان كلها) أركان كل شيء جوانبه التي يستند إليها ويقوم بها ولعل المراد هنا أركان مجموع الكائنات من حيث المجموع وأركان كل واحدة منها ومعنى يملأها يغلبها من ملأه إذا غلبه والملاء بالتحريك الغلبة أو يملأها علما وقدرة من ملاء الماء الإناء فامتلاء على سبيل التمثيل.

(الطاهر الطهر المبارك المقدس الحي القيوم) الطاهر المتنزه عن الأشياء والأنداد والأمثال والأضداد والصاحبة والأولاد والحدوث والزوال والسكون والانتقال والطول والعرض والدقة والغلظة والحرارة والبرودة وبالجملة هو طاهر عن معاني المخلوقات متعال عن صفات الممكنات كذا في العدة. والمطهر المنزه عن إمكان الإتصاف بشيء من المعاني المذكورة والمبارك بالكسر المثيب المديم لما أعطاه من الوجودات والخيرات والتشريفات الدنيوية والاخروية من بارك بمعنى أثبت وأدام ومنه في الصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله) وبارك على محمد وآل محمد، أو ذو البركة والزيادة للخير والثواب لمن يشاء وبالفتح المقدس وهو المنزه عن العيوب والنقائص ومن تبارك الله أي تقدس وتنزه.

(ونور السماوات والأرض) في كتاب إكمال الإكمال لشرح مسلم اختلف في النور، فقيل:

جسم وقيل: عرض وإذا انحصر النور في أنه جوهر أو عرض استحال أن يكون سبحانه نورا لاستحالة أن يكون جوهرا أو عرضا، ثم النور لغة اسم لهذه الأنوار الفائضة عن الشمس والقمر والكواكب والنار على الأرض والجدران وغيرهما ويمتنع أن يكون سبحانه نورا بهذا التفسير لاستحالة أن يكون ذاته تعالى هذه الأضواء وإذا امتنع أن يكون نورا بكل تفسير من تفاسير النور تعين تأويل قوله: (الله نور السماوات والأرض) فقال محيي الدين: منورهما أي خالق أنوارهما، وقيل: معناه هادي أهلهما، وقيل: معناه مدبر أمرهما وقال الأصيلي: معناه منور آفاقهما بالنجوم والقلوب بالدلائل والمنور بهذه المعاني صفة فعل لا صفة ذات. أقول: يمكن أن يكون إطلاق النور عليه سبحانه باعتبار أن به ظهور وجودات الأشياء من بطن العدم.

(الرحمن) في الدنيا للكل بإكمال المهيات ولوازمها وآثارها وإعطاء الأرزاق وما يحتاج إليه في

ص:447

الوجود والبقاء.

(الرحيم) في الآخرة للمؤمنين بالتفضلات ورفع الدرجات. (الكبير المتعال) عن صفات المخلوقين أو عن الوصول إلى كنه ذاته وصفاته عقول العارفين والكبير هو العظيم ذو الكبرياء والعظمة وهي عبارة عن كمال الذات والوجود.

(وكتابك المنزل بالحق) عطف على اسمك. (وكلماتك التامات) مر تفسيرها. (وبعظمتك) عظمته عبارة عن تجاوز قدره عن حدود العقول حتى لا يتصور الإحاطة بكنه ذاته والعظمة في الأجسام كبر الطول والعرض والعمق والله تعالى جل قدره عن ذلك.

(وأركانك) لعل المراد بها صفاته الذاتية، ولا يبعد أن يراد بها الأنبياء والرسل والأوصياء (عليهم السلام) والإضافة للتشريف.

(من أراد أن يوعيه الله عزوجل القرآن والعلم) أي يجعله واعيا حافظا لهما بالفهم والعمل، يقال: وعاه إذا عقله وفهمه وعمله.

(فليكتب هذا الدعاء) المذكور (في إناء نظيف) من النجاسة والوسخ (بعسل ماذي) الماذي العسل الأبيض الجديد أو الخالص الجيد.

* الأصل:

2 - عنه، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

أعلمك دعاء لا تنسى القرآن: «اللهم ارحمني بترك معاصيك أبدا ما أبقيتني وارحمني من تكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن المنظر فيما يرضيك عني، والزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني اللهم نور بكتابك بصري واشرح به صدري وفرح به قلبي وأطلق به لساني واستعمل به بدني وقوني على ذلك وأعني عليه، إنه لا معين عليه إلا أنت، لا إله إلا أنت» قال: ورواه بعض أصحابنا، عن وليد بن صبيح، عن حفص الأعور، عن أبي عبد الله (عليه السلام).

* الشرح:

قوله: (اللهم ارحمني بترك معاصيك أبدا) باللطف والتوفيق لتركها. (ما أبقيتني) تأكيد لأبدا، «ما» زمانية كما في قوله: «ما دمت حيا».

(وارحمني من تكلف ما لا يعنيني) أي ما لا يهمني يقال عناه الأمر يعنوه ويعنيه عناية وعناية أهمه وإعتنى به إهتم. (وارزقني حسن المنظر فيما يرضيك عني) من العلم والعمل وسبل الخير

ص:448

كله والمنظر إما مصدر ميمي بمعنى النظر أو اسم مكان وهو ما نظرت إليه، يقال: هو حسن المنظر أي يعجبك إذا نظرت إليه والظرف على الأول متعلق به وعلى الثاني متعلق بارزقني. (والزم قلبي حفظ كتابك) كما علمتني بالقراءة والتعلم والتفهم والتدبر والعمل بما فيه. (وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني) وهو التلاوة بالترتيل وأداء الحروف وحفظ الوقوف وإظهار الحركات والسكنات مع التدبر في حسن مبانيه ولطف معانيه وصرف القلب إلى أسراره.

(اللهم نور بكتابك بصري) طلب التوفيق للنظر إليه أو زيادة نور البصر بالنظر إليه. (واشرح به صدري) شرح كمنع كشف وفتح ووسع والمراد بشرح الصدر كشف الحجب عن وجوه المعقولات الأسرار الإلهية أو توسيعه للمناجاة الربانية وإزالة الجهالات والرذائل النفسانية (وفرح به قلبي) تفريح القلب كناية عن توسيعه لقبول الحق والعلوم الربانية وإتصافه بالفضائل النفسانية الباعثة لتحمل المشاق والتكليفات الجسمانية.

(وأطلق به لساني) طلب التوفيق لتلاوته وقراءته. (وإستعمل به بدني) أو بسببه أو بما فيه من الأحكام وفيه طلب التوفيق للعمل.

(وقوني على ذلك) طلب كمال القوة تحرزا من الكلال والضعف فيها. (وأعني عليه) طلب الإعانة عليه بعد طلب التقوية تمسكا بحول الله وقوته لا حول ولا قوة إلا بالله.

ص:449

باب دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا والآخرة

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن إسماعيل بن سهل، عن عبد الله بن جندب، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قل: «اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك ولا تشقني بنشطي لمعاصيك، وخر لي في قضائك، وبارك [لي] في قدرك حتى لا احب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت، واجعل غناي في نفسي ومتعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارثين مني وانصرني على من ظلمني وأرني فيه قدرتك يا رب وأقر بذلك عيني».

* الشرح:

قوله: (اللهم اجعلني أخشاك) طلب الخشية يستلزم طلب كمال العلوم والمعرفة كما قال تعالى شأنه: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ولذلك قال:

(كأني أراك) طلبا لتوفيق الوصول إلى مقام المشاهدة وهو مقام رفيع لا يبلغه إلا خاص الخواص كالأنبياء والأوصياء والأولياء وغيرهم ممن أخذت باعه العناية الأزلية وهذا المقام أن يبلغ العبد في أعماله وأفكاره بحيث يستغرق في بحار المكاشفة كأنه يرى الله سبحانه كما قال (صلى الله عليه وآله):

«جعلت قرة عيني في الصلاة» وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما عبدت إلها لم أره» حين سئل هل رأيت الله؟، وليس المراد بهذه الرؤية رؤية البصر بل المراد بها رؤية البصيرة التي لا تكشف عن حقيقتها العبارة وهناك مقامان آخران: أحدهما مقام المراقبة وهو أن يخشى الله كأن الله سبحانه يراه، والآخر وهو أدونهما بل لا نسبة بينه وبينهما أن لا يبلغ هذين المقامين ولكن ينطبق أفعاله وأقواله على قوانين الشرع وهو الموفق والمعين.

(وأسعدني بتقواك) وهي ترك كل ما يؤثم. (ولا تشقني بنشطي لمعاصيك) الشقاوة ضد السعادة أشقاه الله جعله شقيا وحكم بشقاوته، والنشط بالفتح والسكون طيب النفس لشيء والتذاذها نشط كسمع نشطا ونشاطا بالفتح فيما طابت نفسه للعمل وغيره والباء للسببية ولعل المقصود إزالة المسبب وهو الحكم بالشقاوة بإزالة سببه والتوفيق لها.

(وخر لي في قضائك) أي اجعل لي في قضائك للأشياء وحكمك عليها خيرا من خار الله لك

ص:450

في الأمر إذا جعل لك فيه الخير.

(وبارك لي في قدرك) بارك من البركة بمعنى الزيادة يعني زد لي في تقديرك للامور رزقا وغيره مما يصلح به أمري في الدنيا والآخرة. (حتى لا احب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت) لكون كل واحد من المعجل والمؤخر خيرا وبركة لي على ذلك التقدير.

(واجعل غناي في نفسي) غناها عبارة عن رضاها بالمقدر والكفاف ورفض زوائد الدنيا والطمع فيها وفيما في يد أهلها وصرف غنائها إلى أمر الآخرة وما يوجب النجاة من أهوالها وهذه النفس غنية في الدنيا والآخرة مطمئنة مندرجة في قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي).

(ومتعني بسمعي وبصري) طلب التوفيق لإستماع الآيات ومشاهدة الآثار الواضحات الدالة على وجود الصانع وقدرته وحكمته ليستدل بها على المطالب العالية الموجبة للسعادة الأبدية (واجعلهما الوارثين مني) مثله في طريق العامة قال ابن الأثير: أي أبقيهما صحيحين سليمين إلى أن أموت، وقيل: أراد بقاؤهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى النفسانية فيكون السمع والبصر وأرثي سائر القوى والباقين بعدها.

(وانصرني على من ظلمني) نصره إذا أعانه على عدوه وفيه طلب للإقتدار على الانتقام ممن ظلمه بالمثل أو على دفع الظلم. (وأرني فيه قدرتك يا رب) تأكيد للسابق أو طلب لإنتقامه تعالى منه سريعا عاجلا (وأقر بذلك عيني) القرة والقرار مصدران والأول بمعنى البرودة والثاني بمعنى الثبات والسكون يقال: قرت عينه تقر كسمع وضرب قرة إذا بردت دمعتها وقرارا إذا ثبتت وسكنت عن الاضطراب في النظر والإشراف فقوله: «أقر» إن كان من الأول فمعناه أبرد بذلك دمعة عيني وهو كناية عن الفرح والسرور لأن دمعة السرور باردة وان كان من الثاني معناه أثبت وأسكن بذلك عيني عن الاستشراف إلى غيرك طلبا للمغيث لحصول الأمنية وما كنت متشوقا إليه.

* الأصل:

2 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي سليمان الجصاص، عن إبراهيم بن ميمون قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «اللهم أعني على هول يوم القيامة وأخرجني من الدنيا سالما وزوجني من الحور العين واكفني مؤونتي ومؤونة عيالي ومؤونة الناس وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين».

* الشرح:

قوله: (اللهم أعني على هول يوم القيامة) بالتفضل والعفو أو بالتوفيق للإحتراز عن

ص:451

الزلات الموجبة للهول في ذلك اليوم وهو الفزع والخوف والأمر الشديد وقد هاله يهوله فهو هائل ومهول.

(وأخرجني من الدنيا سالما) من الذنوب التي بيني وبينك بالعفو أو بالتوفيق للتوبة ومن التبعات التي بيني وبين خلقك بالتخلص منها إما بالتعويض منك أو بالأداء مني أو بالتحليل منهم (وزوجني من الحور العين) هن نساء أهل الجنة واحدتهن حوراء بالفتح وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها.

(واكفني مؤونتي ومؤونة عيالي ومؤونة الناس) المؤونة كل ما يحتاج إليه والتمون كثرة النفقة على العيال مانه إذا أنفق عليه وقام بكفايته والكفاية قيام شخص مقام آخر في قضاء حوائجه وفي القاموس يقال كفاه الأمر إذا قام مقامه فيه.

(وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) أي بتوفيقك للعمل بما عملوا وتقبله بقبول حسن فذكر السبب وأراد المسبب وإنما حملنا على ذلك لأن رجاء شيء بدون التمسك بسببه سفه كما دل عليه بعض الروايات.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قل: «اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك وأعوذ بك من كل سوء أحاط به علمك، اللهم إني أسألك عافيتك في أموري كلها، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة».

* الشرح:

قوله: (اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمك) سأله كذا وعن كذا وبكذا بمعنى طلبه ف «من» إما بمعنى عن أو بمعنى الباء ويحتمل أن يكون لبيان الجنس أو للتبعيض لأن طلب جميع الخيرات الدنيوية والاخروية طلب محال. (وأعوذ بك من كل سوء أحاط به علمك) السوء بالفتح مصدر ساء سوءا إذا فعل به ما يكره وبالضم وهو الأنسب هنا اسم منه وهو كل آفة ومكروه وفي الفقيه: «من كل شر». (اللهم إني أسألك عافيتك في اموري كلها) امور الدنيا والآخرة والعافية مصدر عافاه الله عافية إذا دفع عنه المكروه والمراد بالامور إما الجنس الشامل للمحبوبة والمكروهة أو المختص بالمحبوبة فعلى الأول طلب دفع الامور المكروهة عنه وعلى الثاني طلب دفع الآفات عنه ليحصل له الامور المحبوبة على وجه الكمال.

(وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة) العوذ إما منهما طلبا للتفضل أو من أسبابهما طلبا للتوفيق على ترك تلك الأسباب.

ص:452

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن علي بن زياد، قال: كتب علي بن بصير يسأله أن يكتب له في أسفل كتابه دعاء يعلمه إياه يدعو به فيعصم به من الذنوب جامعا للدنيا والآخرة فكتب (عليه السلام) بخطه: «بسم الله الرحمن الرحيم، يامن أظهر الجميل وستر القبيح ولم يهتك الستر عني، يا كريم العفو، يا حسن التجاوز يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة يا صاحب كل نجوى ويا منتهى كل شكوى يا كريم الصفح، يا عظيم المن يا مبتدىء كل نعمة قبل استحقاقها، يا رباه يا سيداه يا مولاه يا غياثاه صل على محمد وآل محمد وأسألك أن لا تجعلني في النار». ثم تسأل ما بدا لك.

* الشرح:

قوله: (فكتب (عليه السلام) بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم) ليست التسمية في العدة. (يامن أظهر الجميل) من أفعال العباد في الدنيا والآخرة. (وستر القبيح) منها فيهما نقل صاحب العدة عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن جبرئيل (عليه السلام) نزل عليه بهذا الدعاء من السماء ونزل عليه ضاحكا مستبشرا فقال: السلام عليك يا محمد، فقال: وعليك السلام يا جبرئيل.

فقال: ان الله عزوجل بعث إليك بهدية قال: وما تلك الهدية يا جبرئيل؟ قال: كنز من كنوز الجنة أكرمك الله بها قال: وما هي يا جبرئيل: قال قل: «يامن أظهر الجميل وستر القبيح - اه» مع إختلاف يسير كما سنشير إليه.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجبرئيل: ما ثواب هذه الكلمات؟ قال: هيهات هيهات انقطع العمل لو اجتمع ملائكة سبع سماوات وملائكة سبع أرضين إلى أن يصفوا ثواب ذلك إلى يوم القيامة ما وصفوا من كل جزء جزءا واحدا فإذا قال العبد: «يامن أظهر الجميل وستر القبيح» ستره الله ورحمه في الدنيا وجمله في الآخرة وستر الله عليه ألف ستر في الدنيا والآخرة وإذا قال: «يامن لم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر» وفي هذا الكتاب: «ولم يهتك الستر عني» لم يحاسبه الله تعالى يوم القيامة ولم يهتك ستره يوم تهتك الستور وإذا قال: «يا عظيم العفو» وفي هذا الكتاب:

«يا كريم العفو» غفر الله له ذنوبه ولو كانت خطيئته مثل زبد البحر وإذا قال: (يا حسن التجاوز) تجاوز الله عنه حتى السرقة وشرب الخمر وأهاويل الدنيا وغير ذلك من الكبائر وإذا قال: «يا واسع المغفرة» فتح الله له سبعين بابا من الرحمة فهو يخوض في رحمة الله تعالى حتى يخرج من الدنيا وإذا قال: «ويا باسط اليدين بالرحمة» وفي العدة بدون الواو بسط الله يده بالرحمة عليه وإذا قال:

ص:453

«يا صاحب كل نجوى ويا منتهى كل شكوى» وفي العدة «ومنتهى» بدون حرف النداء أعطاه الله من الأجر ثواب كل مصاب وسالم وكل مريض وضرير وكل مسكين وكل فقير وكل صاحب مصيبة إلى يوم القيامة وإذا قال: «يا كريم الصفح» أكرمه الله كرامة الأنبياء وإذا قال: «يا عظيم المن» أعطاه الله يوم القيامة منيته ومثل منية كل الخلائق وإذا قال: «يا مبتدىء كل نعمة قبل استحقاقها» وفي العدة: «يا مبتدءا بالنعم قبل استحقاقها» أعطاه الله من الأجر بعدد من شكر نعماءه وإذا قال: «يا رباه يا سيداه» وفيها: «يا ربنا ويا سيدنا» قال الله تعالى: اشهدوا ملائكتي قد غفرت له وأعطيته من الأجر بعدد من خلقته في الجنة والنار والسماوات السبع والشمس والقمر والنجوم وقطر الأمطار وأنواع الخلق والجبال والحصى والثرى وغير ذلك والعرش والكرسي» وإذا قال: «يا مولاه» وفيها: «يا مولانا» أملأ الله قلبه من الإيمان وإذا قال: «يا غياثاه» وفيها: «يا غاية رغبتنا» أعطاه الله تعالى رغبته ومثل رغبة الخلائق وهذا الثواب بما في العدة أنسب وإذا قال: «صل على محمد وآل محمد وأسألك أن لا تجعلني في النار» وفيها: «أسألك يا الله أن لا تشوه خلقي» بدون التصلبية والواو.

قال الجبار: «استعتقني عبدي من النار أشهدوا ملائكتي إني قد أعتقته من النار وأعتقت أبويه وأخوته وأهله وولده وجيرانه وشفعته في ألف رجل ممن وجبت له النار وأجرته من النار». ثم قال جبرئيل (عليه السلام): فعلمهن يا محمد المتقين ولا تعلمهن المنافقين فإنها دعوة مستجابة لقائلهن ان شاء الله.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي عبد الله البرقي وأبي طالب عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «اللهم أنت ثقتي في كل كربة وأنت رجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من كرب يضعف عنه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل عنه القريب ويشمت به العدو وتعييني فيه الامور أنزلته بك وشكوته إليك راغبا فيه عمن سواك ففرجته وكشفته وكفيتنيه فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حاجة ومنتهى كل رغبة، فلك الحمد كثيرا ولك المن فاضلا».

* الشرح:

قوله: (اللهم أنت ثقتي في كل كرب) الكرب بالفتح الحزن الشديد يأخذ بالنفس كالكربة، والثقة مصدر بمعنى الإيمان: يقال وثق به كورث ثقة إذا ائتمنه والحمل للمبالغة أو المصدر بمعنى المفعول وفيه إظهار للانقطاع عن الغير وله مدخل تام في حصول المطالب. (وأنت رجائي في كل

ص:454

شدة) الرجاء ضد اليأس والحمل كما مر.

(وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة) الظرف وهو لي وفي متعلق بثقة والتقديم لرعاية السجع دون الحصر وفي بعض النسخ و «لي» بمعنى الناصر وقوله: «ثقة» حينئذ خبر بعد خبر ونصبه على التميز أو الحال بعيد. والعدة بالضم ما أعددته وهيأته ليوم الحاجة وحوادث الدهر. (كم من كرب) كم خبرية للتكثير.

(يضعف عنه الفؤاد) لكثرته. (وتقل فيه الحيلة) لعظمته مع ضعف القوة عن استعمال الحيلة لدفعه. (ويخذل عنه القريب) الظاهر أن «يخذل» مبني للمفعول و «عن» للتعليل وفي الكنز:

مخذول خوار وبد بخت شده.

(ويشمت به العدو) الشماتة الفرح ببلية العدو وفعلها من باب علم. (وتعييني فيه الامور) أعياه أذله وأخضعه و «في» إما للتعليل أو بمعنى الباء أو بمعنى مع والظرفية المجازية محتملة.

* الأصل:

6 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان، عن عيسى بن عبد الله القمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قل: «اللهم إني أسألك بجلالك وجمالك وكرمك أن تفعل بي كذا وكذا».

* الشرح:

قوله: (اللهم إني أسألك بجلالك وجمالك وكرمك) الجلال العظمة والجمال الحسن والمراد به حسن أفعاله وكمال أوصافه وقد فسر في النهاية الجميل فيما روي من: «ان الله جميل يحب الجمال» بأنه حسن الأفعال كامل الأوصاف. والكرم الجود وفي النهاية: الكريم هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه وهو الكريم المطلق، والكريم الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل.

* الأصل:

7 - عنه، عن ابن محبوب، عن الفضل بن يونس، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قال لي: أكثر من أن تقول: «اللهم لا تجعلني من المعارين، ولا تخرجني من التقصير». قال: قلت: أما المعارين فقد عرفت فما معنى «لا تخرجني من التقصير»؟ قال: كل عمل تعمله تريد به وجه الله عزوجل فكن فيه مقصرا عند نفسك، فإن الناس كلهم في أعماله فيما بينهم وبين الله عزوجل مقصرون.

* الشرح:

قوله: (قلت أما المعارين فقد عرفت) أنهم الذين لم يستقر الإيمان والدين في قلوبهم فكأنه عارية عندهم يؤخذ منهم ويسلب عنهم يوما والمعارين اسم مفعول من إستعاره ثوبا فأعاره إياه

ص:455

والعارية مشددة الياء وقد تخفف كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار.

(فما معنى لا تخرجني من التقصير) لما كان ظاهر هذا الكلام طلب ترك الإجتهاد في العمل وهو ليس بمراد سأل عن المراد منه فأشار إليه (عليه السلام).

(وقال: كل عمل تعمله تريد به وجه الله عزوجل) وهو عمل الآخرة وإحترز به عن عمل الدنيا فانه لا ينبغي أن يعد نفسه في ترك الجد فيه مقصرة.

(فكن فيه مقصرا عند نفسك) واعترف بالتقصير فيه وان بالغت في تصحيحه وإجتهدت في تكميله (فان الناس كلهم في أعمالهم فيما بينهم وبين الله مقصرون) غير عابدين حق عبادته.

(إلا من عصمه الله) من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وهم مع ذلك اعترفوا بالتقصير تذللا وإستكانة وإستحقارا بالنظر إلى عظمته وإحسانه واستحقاقه لما هو أهله.

* الأصل:

8 - عنه، عن ابن محبوب، عن أبان، عن عبد الرحمن بن أعين قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): لقد غفر الله عزوجل لرجل من أهل البادية بكلمتين دعا بهما، قال: «اللهم إن تعذبني فأهل لذلك أنا، وإن تغفر لي فأهل لذلك أنت». فغفر الله له.

9 - عنه، عن يحيى بن المبارك، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن عمه، عن الرضا (عليه السلام) قال: «يامن دلني على نفسه وذلل قلبي بتصديقه، أسألك الأمن والإيمان في الدنيا والآخرة».

10 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن أبي حمزة، عن أبيه، قال:

رأيت علي بن الحسين (عليهما السلام) في فناء الكعبة في الليل وهو يصلي فأطال القيام حتى جعل مرة يتوكأ على رجله اليمنى ومرة على رجله اليسرى ثم سمعته يقول بصوت كأنه باك: «يا سيدي تعذبني وحبك في قلبي؟ أما وعزتك لئن فعلت لتجمعن بيني وبين قوم طال ما عاديتهم فيك».

* الشرح:

قوله: (يا سيدي تعذبني وحبك في قلبي) الواو للحال والاستفهام للإنكار وحمله على الحقيقة بعيد، والمراد بالعذاب عذاب الآخرة فلا ينافي ورود البلايا في الدنيا لرفع الدرجات على أن البلايا لأجله لا يسمى تعذيبا.

(أما وعزتك لئن فعلت لتجمعن بيني وبين قوم طال ما عاديتهم فيك) كأنه (عليه السلام) أراد أن المعاداة يوجب الافتراق والتعذيب يوجب الاجتماع وهما لا يجتمعان لأن تنافي اللوازم يستلزم تنافي الملزومات وإرادة أن الجمع يوجب شماتة العدو وأنت لا ترضى بها بعيدة.

ص:456

* الأصل:

11 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن بعض أصحابنا، عن داود الرقي قال: إني كنت أسمع أبا عبد الله (عليه السلام) أكثر ما يلح به في الدعاء على الله بحق الخمسة يعني: رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم.

12 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب، عن إبراهيم الكرخي قال:

علمنا أبو عبد الله (عليه السلام) دعاء وأمرنا أن ندعو به يوم الجمعة: «اللهم إني تعمدت إليك بحاجتي وأنزلت بك اليوم فقري ومسكنتي فأنا [اليوم] لمغفرتك أرجا مني لعملي ولمغفرتك ورحمتك أوسع من ذنوبي فتول قضاء كل حاجة هي لي بقدرتك عليها وتيسير ذلك عليك ولفقري إليك فإني لم اصب خيرا قط إلا منك ولم يصرف عني أحد شرا قط غيرك وليس أرجو لآخرتي ودنياي سواك ولا ليوم فقري يوم يفردني الناس في حفرتي وأفضي إليك يا رب بفقري».

* الشرح:

قوله: (اللهم إني تعمدت إليك بحاجتي) تعمده قصده والباء للمصاحبة. (وأنزلت بك اليوم فقري ومسكنتي) يحتمل أن يراد بالفقر المعنى المعروف أعني عدم شيء من متاع الدنيا وان يراد به فقد ما يوجب الثواب الأخروي وإطلاقه على هذا المعنى أيضا متعارف في الشرع كما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «الفقر الموت الأحمر فقيل له: الفقر من الدينار والدرهم؟ فقال: لا; ولكن من الدين» ويؤيد الثاني التفريع بعده وللمسكنة أيضا معنى معروف يحتمل أن يكون هو المراد ويحتمل غيره وهو الذي أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «مسكين ابن آدم مكتوم الأجل مكنون العلل محفوظ العمل تؤلمه البقة تقتله الشرقة تنتنه العرقة» فقد فسر (عليه السلام) مسكنته بستة أشياء: لا يدرك متى يكون وقت موته فانه مكتوم مستور منه ومن غيره لاقتضاء مصلحة عامة ذلك، وعلله وأمراضه مكنونة مستورة عنه لا يعلم متى يصير مريضا، وأعماله محفوظة بالنقير والقطمير (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، ويؤذيه أقل شيء حتى البق، يؤلمه، ويشرق بالماء أي يغص به فيهلك والشرقة الغصة، ويصير بدنه نتنا بأقل عرق يسيل منه، وبالجملة مسكنته عبارة عن عجزه.

(فأنا اليوم لمغفرتك أرجا مني لعملي) أراد أن رجاء النجاة أو الدرجة الرفيعة للمغفرة أزيد وأقوى من الرجاء للعمل لأن الوعد بالمغفرة حق ثابت والتقصير في العمل متحقق وقبوله غير

ص:457

معلوم ولفظ اليوم فيما رأيناه من النسخ نسخة وفي الصحيفة السجادية: «بمغفرتك وبعملي» بالباء.

(ولمغفرتك ورحمتك أوسع من ذنوبي) إذ مراتب المغفرة والرحمة غير محصورة والذنوب محصورة وغير المحصور أوسع من المحصور وهو في اللفظ إخبار وفي المعنى إظهار لرجائهما (فتول قضاء كل حاجة هي لي) في ذكر المبتدأ وهو «هي» تكرار لذكر الحاجة مع إفادة ثبوتها ولو لم يذكره فهم الثبوت دون التكرار ولا ريب في أن ذكر الحاجة مكررا أدخل في الرجاء وأقرب إلى القضاء.

(بقدرتك عليها) لإمكانها ونفاذ قدرتك على جميع الممكنات. (وتيسير ذلك) أي القضاء.

(عليك) لعدم الاحتياج فيه إلى استعمال الروية والآلات بل هو مترتب على مجرد الإرادة والفعل المترتب عليه في غاية السهولة. (ولفقري إليك) هذه الثلاثة وهي كمال قدرته على قضاء الحاجة وتيسيره عليه وصرف وجه الفقر إليه موجبة لقضاء الحاجة ولذلك توسل بها. (فإني لم أصب خيرا إلا منك قط) دليل على قوله فتول قضاء كل حاجة هي لي لأنه إذا كان أصابه الخير وصرف الشر دائما منه لا من غيره كان قضاء الحاجات متوقعا منه قطعا.

(وليس أرجو لآخرتي ودنياي سواك) المقصود بسط الرجاء إليه وطلب حصول المرجو.

(ولا ليوم فقري) أي ليس أرجو ليوم فقري سواك و «لا» زائدة لتأكيد النفي وقوله في الآخر «بفقري» متعلق بيفردني أو بأفضى والباء للمصاحبة أي مع فقري.

* الأصل:

13 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن عطية، عن يزيد الصايغ قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): ادع الله لنا، فقال: «اللهم ارزقهم صدق الحديث وأداء الأمانة والمحافظة على الصلوات، اللهم إنهم أحق خلقك أن تفعله بهم اللهم وافعله بهم».

* الشرح:

قوله: (اللهم ارزقني صدق الحديث) في الامور الدينية والدنيوية. (وأداء الأمانة) الإلهية والبشرية. (والمحافظة على الصلوات) الواجبة والمندوبة والمراد بمحافظتها فعلها في أوقاتها بشرائطها وأركانها.

* الأصل:

14 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: «اللهم من

ص:458

علي بالتوكل عليك والتفويض إليك والرضا بقدرك والتسليم لأمرك، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت يا رب العالمين».

* الشرح:

قوله: (اللهم من علي بالتوكل عليك) المن الإنعام يقال: من عليه منا إذا أنعم وإصطنع عنده صنيعة والتوكل على الله في الامور. الجاؤها إليه والاعتماد فيها عليه، وهو نعم الوكيل لأنه القيم الكفيل بأرزاق العباد ومصالحهم القادر المستقل بفعل الأمر الموكول إليه.

(والتفويض إليك) التفويض الرد يقال: فوض إليه الأمر تفويضا إذا رده إليه وجعله الحاكم فيه، ولعل المعتبر في مفهومه رد الاختيار إليه وسلبه عن نفسه بالكلية لا في مفهوم التوكل وهو بهذا الاعتبار يمتاز عن التوكل.

(والرضا بقدرك) القدر وقد يسكن تقدير الامور ويطلق أيضا على تلك الامور المقدرة كما يشعر به كلام ابن الأثير وأورد عليه بأن الكفر والفسق من الامور المقدرة والرضا بهما كفر وفسق والجواب عنهما في شرح كتاب العلم.

(والتسليم لأمرك) التسليم الانقياد وفسره الصادق (عليه السلام) بالإخبات وهو الخشوع والتواضع.

* الأصل:

15 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن سجيم، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول وهو رافع يده إلى السماء: «رب لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا، لا أقل من ذلك ولا أكثر» قال: فما كان بأسرع من أن تحدر الدموع من جوانب لحيته، ثم أقبل علي فقال: يا بن أبي يعفور إن يونس بن متى وكله الله عزوجل إلى نفسه أقل من طرفة عين فأحدث ذلك الذنب، قلت فبلغ به كفرا أصلحك الله؟ قال: لا ولكن الموت على تلك الحال هلاك.

* الشرح:

قوله: (رب لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا) طرف بعينه حرك جفنها والمرة منه طرفة (فأحدث ذلك الذنب) كأنه الخروج من بين قومه بدون إذنه عزوجل حين شاهد إنكارهم له وقرب موعدهم عذابهم.

(قلت فبلغ به كفرا أصلحك الله؟ قال: لا) ليس هذا كفر جحود وهو ظاهر ولا كفر مخالفة لأنه لم يترك ما أمر به ولم يفعل ما نهي عنه وإنما فعل ما لم يؤذن به لظنه أنه جائز وهو عند الله عظيم

ص:459

(ولكن الموت على تلك الحال هلاك) الهلاك في اللغة الموت والضلالة والثاني هو المراد هنا، وترك الأولى ضلالة بالنسبة إلى الأنبياء والأولياء موجب لنقصان درجتهم.

* الأصل:

16 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد رفعه قال: أتى جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: إن ربك يقول لك: إذا أردت أن تعبدني يوما وليلة حق عبادتي فارفع يديك إلي وقل: «اللهم لك الحمد حمدا خالدا مع خلودك، ولك الحمد حمدا لا منتهى له دون علمك، ولك الحمد حمدا لا أمد له دون مشيئتك، ولك الحمد حمدا لا جزاء لقائله إلا رضاك، اللهم لك الحمد كله ولك المن كله ولك الفخر كله ولك البهاء كله ولك النور كله ولك العزة كلها ولك الجبروت كلها ولك العظمة كلها ولك الدنيا كلها ولك الآخرة كلها ولك الليل والنهار كله ولك الخلق كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره، اللهم لك الحمد حمدا أبدا، أنت حسن البلاء، جليل الثناء، سابغ النعماء، عدل القضاء، جزيل العطاء، حسن الآلاء، إله في الأرض وإله في السماء، اللهم لك الحمد في السبع الشداد ولك الحمد في الأرض والمهاد ولك الحمد طاقة العباد ولك الحمد سعة البلاد ولك الحمد في الجبال الأوتاد ولك الحمد في الليل إذا يغشى ولك الحمد في النهار إذا تجلى ولك الحمد في الآخرة والاولى ولك الحمد في المثاني والقرآن العظيم وسبحان الله وبحمده والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون، سبحان الله وبحمده، كل شيء هالك إلا وجهه، سبحانك ربنا وتعاليت وتباركت وتقدست، خلقت كل شيء بقدرتك وقهرت كل شيء بعزتك وعلوت فوق كل شيء بارتفاعك وغلبت كل شيء بقوتك وإبتدعت كل شيء بحكمتك وعلمك وبعثت الرسل بكتبك وهديت الصالحين بإذنك وأيدت المؤمنين بنصرك وقهرت الخلق بسلطانك، لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، لا نعبد غيرك ولا نسأل إلا إياك ولا نرغب إلا إليك، أنت موضع شكوانا ومنتهى رغبتنا وإلهنا ومليكنا».

* الشرح:

قوله: (وقل اللهم لك الحمد حمدا خالدا مع خلودك) إما أن يراد بالحمد ثوابه فطلب بقاء الثواب وخلوده ببقائه سبحانه وخلوده وإما أن يراد به حقيقة الحمد فطلب أن يكتبه من الحامدين في أبد الآبدين فكأنما صدر عن الحامد بهذه العبارة حمدا غير متناه كما يشعر به قوله: (ولك الحمد حمدا لا منتهى له دون علمك) أي عند علمك فان الظاهر منه تكثر أفراد الحمد وعدم

ص:460

تناهيه كما أن معلوماته تعالى غير متناهية وإنما قلنا الظاهر ذلك لاحتمال أن يراد حمدا لا منتهى لثوابه ثم إرتفع وقال:

(ولك الحمد حمدا لا أمد له دون مشيئتك) فأحال الأمر فيه على المشيئة وليس للحمد وراء ذلك منتهى فأشار إلى أن حمد الله سبحانه أعز عن أن يصوره الحسبان أو يكفيه الزمان والمكان ولم ينته أحد من الخلق منتهاه وبهذه الرتبة إستحق (صلى الله عليه وآله) أن يسمى أحمد.

(ولك الحمد حمدا لا جزاء لقائله إلا رضاك) طلب هذا الفرد من الجزاء لأن قليله أعظم من الجميع عند العارفين كما قال عز وجل: (ورضوان من الله أكبر) ولأن حصوله مستلزم لحصول الجميع. (اللهم لك الحمد كله) لأن المحامد كلها لك ومنك وإليك.

(ولك المن كله) المن الإحسان والعطاء بلا طلب الجزاء ومن أسمائه تعالى المنان لأنه المحسن المعطي بلا سبق استحقاق ولا طلب جزاء، وإحسان الغير وعطاؤه راجعان إليه لأنه الموفق والمعين له على ذلك.

(ولك الفخر كله) الفخر ادعاء العظم والكبر والشرف وكل ذلك له بحسب الذات والوجود والصفات على الإطلاق.

(ولك البهاء كله) البهاء الحسن ولعل المراد أن حسن الذات والصفات والأفعال كله لك لتنزهك عن الإمكان والحدوث والنقص والحاجة إلى الغير وكمال أفعالك وإبتنائها على الحكمة والمصلحة. (ولك النور كله) أي نور الحجب أو نور الأجرام النورانية أو نور الهداية إذ بنور هدايته يبصر ذو العماية ويرشد ذو الغواية ولو اريد بالنور هو الله سبحانه باعتبار أنه الظاهر في نفسه المظهر لغيره لورد ان لفظ «لك» و «كله» مناف له.

(ولك العزة كلها) العزة القوة والشدة والغلبة وله العزة بهذه المعاني كلها وإما العزة لغيره ممن وهبها له مع كونها عين ذل بالنسبة إلى عزته التي لا تغلب ولا تضعف ولا تقهر فهي راجعة إليه لأنها منه. (ولك الجبروت كلها) الجبروت فعلوت من جبره إذا قهر لقهره على العباد بالأمر والنهي وعلى الممكنات كلها بما أراد من المنهيات ولوازمها وآثارها أو من جبر العظم المكسور إذا أصلحه لإصلاحه الممكنات وإخراجها من النقص إلى الكمال أو من جبره إذا أحسن إليه وأغناه بعد فقر لإحسانه إلى الممكنات وإغنائها بعد فقرها.

(ولك العظمة كلها) العظمة بمعنى تجاوز قدره عن الإحاطة بكنه ذاته وصفاته مختصة به وكل عظمة سواها مع كونها أمرا إضافيا له ومنه تعالى.

(ولك الدنيا كلها ولك الآخرة كلها) إذ لا مالك لهما ولا متصرف فيهما إيجادا وإبقاء أو منعا

ص:461

وإعطاء غيرك لا شريك لك.

(ولك الليل والنهار كله) إذ خلقتهما وتعاقبهما واختلافهما في الظلمة والنور والمقدار وتداخل بعض كل منهما في الآخر في أوقات مختلفة بل في وقت واحد وإنما هي بتقديرك وتدبيرك. (ولك الخلق كله) أي المخلوق من المجردات والماديات أو إيجاده تقديره لك لا شريك لك فيه. (وبيدك الخير كله) كل ما صدر منه فهو خير وكل خير فهو منه وبقوته وتوفيقه (وإليك يرجع الأمر) أمر العباد كله.

(علانيته وسره) لأن علمك بالسر كعلمك بالعلانية فتجزيهم بما عملوا ان خيرا فخير وان شرا فشر. (اللهم لك الحمد حمدا أبدا) أكده طلبا لهذا الفرد الذي لا انقطاع له ولا لجزائه وهو تأكيد للسابق.

(أنت حسن البلاء) من البين انه تعالى لا يفعل عبثا ولا يظلم أحدا ولا يفعل فعلا تعود الفائدة إليه ومن هذه المقدمات يعلم أن كل ما أبلى به العباد وإختبرهم به مما هو خير أو شر في ظاهر نظرهم فهو حسن في نفس الأمر وفيه مصالح جمة لهم في الدنيا والآخرة.

(جليل الثناء) الثناء وصف يمدح به والجليل العظيم وعظمته ارتفاع قدره بحيث لا يصل إليه عقول العقلاء ولا يحيط به ألسنة الأذكياء قال سيد الأنبياء: «لا احصي ثنا عليك أنت كما أثنيت على نفسك». (سابغ النعماء) سبوغها تمامها وكمالها وإتساعها فانظر كيف بسط خوان النعمة والإحسان على بساط الوجود وعالم الإمكان.

(عدل القضاء) حكمه في التكوين والتكليف والثواب والعقاب وغيرها عدل لا جور فيه أصلا لتنزهه عنه. (جزيل العطاء) الجزيل الكثير والعطا وقد يمد، ما يعطى كالعطية وقد بلغت كثرته حدا لا يبلغ العد والإحصاء (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها).

(حسن الآلاء) وهي النعم وقد أشار سابقا إلى سبوغها وهنا إلى حسنها ونضارتها فلا حاجة إلى تخصيص السابقة بالظاهرة وهذه بالباطنة أو بالعكس مع أنه لا وجه له. (إله في الأرض وإله في السماء) إله فعال بمعنى مألوه أي معبود فيهما مستحق للعبادة مع أهلهما وفيه أقوال اخر ذكرناه في شرح التوحيد.

(اللهم لك الحمد في السبع الشداد) الشداد جمع شديدة أي قوية محكمة لا تتغير ولا تتأثر بمر الدهور أو مرتفعة من شد النهار إذا إرتفع. (ولك الحمد في الأرض المهاد) وصف الأرض بما هو من صفات جنسها للتأكيد في التعميد وحصر الحمد في السماء والحمد في الأرض فيه عزوجل لا ينافي حمد الملائكة للمؤمنين وثنائهم وحمد بعض أهل الأرض بعضا لأن هذا أيضا له

ص:462

حقيقة إذ هو المولى للنعم والمعطي للخيرات والموفق لها.

(ولك الحمد طاقة العباد) أخبر بأن الحمد في قدر طاقة العباد مختص به إختصاصا حقيقيا وهو له أهل ولعل الغرض منه ان ثناءه بذلك القدر أو طلب أو يكون موازنا له. (ولك الحمد سعة البلاد) أي في سعة البلاد وهو مثل ما مر في اعتبار الوجهين ويحتمل أن يكون من قبيل قولهم: لك الحمد ملء الأرض فكنى عن كثرته بأنه لو كان جسما لكان مكانه سعة البلاد. (ولك الحمد في الجبال الأوتاد) للأرض كيلا تهتز ولا تتحرك والجبال تحمده (وان من شيء إلا يسبح بحمده) على ان لها أهلا يحمدونه وبعد التنبيه باختصاص الحمد به تعالى في كل الأمكنة نبه باختصاص الحمد به في كل الأزمنة فقال: (ولك الحمد في الليل إذا يغشى) كل ما يمكن إدراكه بالبصر أو الشمس أو النهار.

(ولك الحمد في النهار إذا تجلى) أي انكشف من ظلمة الليل أو تبين ووضح بطلوع الشمس (ولك الحمد في الآخرة والاولى) لأن خير الآخرة والدنيا كلها منك والمحامد فيها كلها لك.

(ولك الحمد في المثاني والقرآن العظيم) المثاني سورة الحمد على الأشهر وهو المروي عن الأئمة (عليهم السلام) وفيه أقوال اخر مذكورة في القاموس وفي مجمع البيان وإنما سميت به لأنها تثنى في الصلاة، وقيل: لأنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة لما حولت القبلة ولم يثبت ذلك والظاهر أنها مكية فقط وعلى هذا ذكر القرآن من باب ذكر الكل بعد الجزء ومن باب ذكر العام بعد الخاص بناء على ان القرآن يطلق على الكل وعلى كل جزء منه.

(وسبحان الله وبحمده) أي انزهه تنزيها عن جميع النقائص وأنا متلبس بحمده على التوفيق للتنزيه أو جميع الأحوال.

(والأرض جميعا) أي جميع أصنافها وهو السبع أو جميع أبعاضها (قبضته يوم القيامة) قبضه بيده يقبضه تناوله بها والقبضة بالفتح وهو يضم ما قبضت عليه وهو المقدار المقبوض بالكف (والسماوات مطويات بيمينه) قال المفسرون: فيه تنبيه على عظمة الله تعالى وكمال قدرته على إفناء العالم وتخريبه وأنهما أهون شيء عليه على سبيل التخييل والتمثيل من غير اعتبار القبضة حقيقة ومجازا والمقصود أن الأرض جميعها تحت قدرته يقلبها كيف يشاء ثم ان الذي يقبضه القابض بكفيه تحت قدرته وإن طي السماوات مقدور له كما ان طي القرطاس ونحوه مقدور لنا وذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار.

(سبحانه وتعالى عما يشركون) من اعتبار الشريك له أو وصفه بما لا يليق به.

(كل شيء هالك إلا وجهه) أي ذاته فان الوجه الذاتي ينافي الهلاك وأما الممكن لعدم اقتضاء

ص:463

ذاته الوجود فهو في مرتبة ذاته هالك وان اتصف بالوجود ويمكن أن يراد بالوجه ما يتوجه به العبد إلى الله فانه ثابت باق وكل ما سواه فهو هالك فان.

(سبحان ربنا) سبحان بمعنى التنزيه إذا اضيف إلى المفعول وبمعنى التنزه إذا اضيف إلى الفاعل والأول أولى لأنه أكثر والثاني هنا أنسب بما عطف عليه. (وتعاليت) عن إدراك الأوهام والعقول ذاتك وصفاتك. (وتباركت) أي تقدست عن اتصاف المخلوقات بصفاتك وتطهرت عن تشابه ذواتهم بذاتك أو ثبت ذاتا وصفاتا (كذا؟) لبقاء ذاتك ودوام صفاتك من غير تبدل وتغير من برك بروكا إذا ثبت. (وتقدست) أي تطهرت عن الإتصاف بصفات المخلوقات وتنزهت عن التشابه بالممكنات (وخلقت كل شيء) من المجردات والجسمانيات. (بقدرتك) وفيه رد على من زعم انه لم يخلق إلا واحدا ومن زعم أن فعله بالإيجاب. (وقهرت كل شيء بعزتك) القهر الغلبة والعزة القوة والشدة وهو سبحانه قاهر غالب على جميع الممكنات بالإيجاد والإعدام والإبقاء والإفناء ووضع كل شيء في حدوده وتدبير ما أراد من خواصه وآثاره بعزته التي لا تدفع وغلبته التي لا تمنع.

(وعلوت فوق كل شيء بإرتفاعك) قدرا ورتبة ووجودا وعلة لا مكانا لأنه تعالى ليس بمكاني وفي ذكر الفوق فائدة: وهو أنه تعالى فوق كل شيء; بيان ذلك أن فوق كل شيء أعلاه ومنتهاه كالسطح للبيت فلو حذف لفهم أنه علا وصعد كل شيء ولا يستلزم ذلك البلوغ فوقه والعلو عليه بخلاف ما إذا ذكر كما يظهر ذلك بالتأمل في قولك: علوت سطح البيت وعلوت البيت.

(وغلبت كل شيء بقدرتك) هذا قريب من قوله: «وقهرت كل شيء بعزتك» وتخصيص القهر بالإيجاد والإبقاء والغلبة بالإعدام والإفناء بعيد والتأكيد محتمل ومثله في الأدعية كثير (وإبتدعت كل شيء بحكمتك وعلمك) الابتداع الاختراع وهو الإيجاد بلا مادة ولا مدة ولا مثال ولا تعليم ولا تعلم والعلم أعم من الحكمة لأن إدراك الشيء علم به وإذا إعتبر معه إدراك إتقانه وأحكامه ومصالحه وحسن عاقبته وغير ذلك مما اعتبر به تمامه وكماله فهو حكمة، ومن ثم قيل: الحكمة عبارة عن معرفة أفضل العلوم والحكيم من يحكم الأشياء ويتقنها وقيل: من يحسن دقائق الصناعات ويتقنها.

* الأصل:

17 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار قال: قال: [لي] أبو عبد الله (عليه السلام) إبتداء منه يا معاوية: أما علمت أن رجلا أتى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فشكى الإبطاء عليه في الجواب في دعائه فقال له: فأين أنت عن الدعاء السريع الإجابة؟

ص:464

فقال له الرجل: ما هو؟ قال: قل: «اللهم إني أسألك باسمك العظيم الأعظم الأجل الأكرم المخزون المكنون النور الحق البرهان المبين الذي هو نور مع نور ونور من نور ونور في نور ونور على نور ونور فوق كل نور ونور يضيىء به كل ظلمة ويكسر به كل شدة وكل شيطان مريد وكل جبار عنيد، ولا تقر به أرض ولا تقوم به سماء ويأمن به كل خائف ويبطل به سحر كل ساحر وبغي كل باغ وحسد كل حاسد، ويتصدع لعظمته البر والبحر ويستقل به الفلك حين يتكلم به الملك فلا يكون للموج عليه سبيل وهو اسمك الأعظم الأعظم الأجل الأجل النور الأكبر الذي سميت به نفسك وإستويت به على عرشك، وأتوجه إليك بمحمد وأهل بيته أسألك بك وبهم أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا».

* الشرح:

قوله: (قل اللهم أني أسألك باسمك العظيم الأعظم الأجل الأكرم المكنون المخزون) وصفه بالعظيم نظرا إلى ذاته وبالتفضيل نظرا إلى غيره وتلك العظمة والزيادة لا يعلم حدهما ولا قدرهما إلا الله. ثم الاسم الأعظم كثير واحد منه لا يعلمه إلا هو والبواقي يعلمها الأنبياء على التفصيل المذكور في كتاب التوحيد، ثم الظاهر أن المراد منه هنا هو الأول بقرينة وصفه بالمخزون المكنون إذ المتبادر منه أنه المخزون عند الله المستور عن الخلق كلهم، ويمكن أن يراد به الثاني أو الأعم ويراد بالمخزون المخزون عند أهله وبالمكنون المستور عن غير أهله. (النور الحق البرهان المبين) وصفه بثلاثة أوصاف: الأول أنه نور لأنه مظهر لآثار غريبة وأفعال عجيبة وظهور تلك الآثار والأفعال به كظهور المبصرات بالشمس.

الثاني أنه حق ثابت في الواقع ليس بمجرد الاعتبار والوهم والخيال وبالجملة ليس تأثيره كتأثير بعض المؤثرات الوهمية والخيالية، الثالث أنه البرهان المبين أي الحجة الظاهرة لأهله فيما أراد واريد إذا تمسك به ألا ترى أن آصف سليمان كيف حقق دعواه به والأنبياء كيف أظهروا المعجزات بالتوسل به أقل من طرفة عين. (الذي هو نور مع نور ونور من نور ونور في نور ونور على نور ونور فوق كل نور) النور معروف وقد مر، وكثيرا ما يطلق على ما يبين الأشياء وعلى ما يتسبب للخير وعلى ما يتوسل به إلى المطالب الحقة ومن ثم يطلق على الله تعالى في لسان الشرع وألسنة الحكماء حتى قيل انه نور الأنوار لأنه يصدر منه الأنوار كلها، وعلى الاسم الأعظم وعلى غيره من أسمائه تعالى وعلى ما هي مباديه من الخيرات وعلى نبينا والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وعلى القرآن الكريم. إذا عرفت هذا فنقول لعل المراد منه في قوله: «مع نور» نبينا والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وفي

ص:465

قوله: «من نور» الله جل شأنه ومن ابتدائية لأنه نشأ منه وفي قوله «في نور» القرآن الكريم، وفي قوله:

«على نور» الآثار والخيرات والمطالب الحاصلة بالتوسل به والمبالغة في نوريته محتملة، وفي قوله «فوق كل نور» سائر الأسماء الحسنى هذا ما خطر بالبال والله أعلم بحقيقة الحال.

(ونور يضييء به كل ظلمة - اه) هي معروفة ويمكن أن يراد بها الجور أو الفتنة أو الشرور أو الشبهة على سبيل الحقيقة أو التشبيه والاستعارة والإضاءة ترشيح، ومريد بمعنى مارد وهو العاتي المتمرد الشديد وعتيد بمعنى عاتد وهو المايل عن طريق الحق المخالف الراد له مع العلم والمعرفة به وفعله كنصر وسمع وكرم.

(وتقر به أرض ولا تقوم به سماء) القرار الثبات والسكون يقال قر بالمكان يقر به بالفتح والكسر قرارا إذا ثبت وسكن، والظاهر أن «به» متعلق بالفعل المذكور وأن الباء للسببية أو بمعنى مع وأنه يفهم منه بحسب المقام أن عدم قرار الأرض وعدم قيام السماء عند الدعاء به على زوالهما من غير حاجة إلى تقديره، وقال بعض أفاضل المتأخرين: «به» متعلق بفعل مقدر لا بالمذكور تقديره لا تقر أرض ولا تقوم سماء إذا دعى به عليهما، ولا يخفى بعده لأن حذف الشرط وإرادته وإبقاء جزء منه غير معروف والله يعلم.

(ويأمن به كل خائف - اه) المراد أن شأنه ذلك ان أراد العالم به ولكنه قد لا يريد لمصلحة أو طلب أجر كما لم يرد نبينا (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) مع شدة أحوالهم وبالجملة العالم به لا يفعل كل ما هو قادر عليه.

(ويتصدع لعظمته البر والبحر) كما تصدع لآصف وموسى (عليهما السلام). (ويستقل به الفلك حين يتكلم به الملك فلا يكون للموج عليه سبيل) الفلك بالضم السفينة ويذكر وهو للواحد والجمع والفرق بينهما بالاعتبار كما حقق في موضعه، والمراد باستقلاله ارتفاعه من قولهم: استقل الطائر إذا إرتفع أو ذهابه من قولهم: استقل القوم إذا ذهبوا وإرتحلوا. (وهو اسمك الأعظم الأعظم الأجل الأجل) التكرير للتأكيد في عظمته أو للتخصيص بالأعظم المخزون عنده تعالى.

(النور الأكبر) من أن يوصف ويدرك ذاته ونوره وعظمته أو من الأنوار كلها. (الذي سميت به نفسك) ليس الغرض من التسمية به أن يدعو هو نفسه به لأنه لا حاجة له إلى ذلك كما مر في كتاب التوحيد ولا أن يدعوه الخلق به بخصوصه لأنهم لا يعلمونه بل لأغراض اخر منها أن يدعوه بها مجملا كما في هذا الدعاء وغيره ويتحصل من الدعاء به كذلك أنواع من المطالب كما لا يخفى على ذوي البصائر. (واستويت به على عرشك) الظاهر أن الباء للتعدية أي جعلته مستوليا على عرشك يجري حكمه وأثره عليه لا للاستعانة ولا للمصاحبة لأنه تعالى منزه عنهما ولعل المراد

ص:466

بالعرش عالم الملك وهو عالم الإمكان كله وحمله على الفلك الأعظم محتمل والله أعلم.

(أسألك بك وبهم) دل على كمال شرف محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين حيث قرنهم بذاته تعالى في السؤال بعد السؤال بالاسم الأعظم.

* الأصل:

18 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن عمرو بن أبي المقدام قال: أملأ علي هذا الدعاء أبو عبد الله (عليه السلام) وهو جامع للدنيا والآخرة، تقول بعد حمد الله والثناء عليه:

«اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الحليم الكريم، وأنت الله لا إله إلا أنت العزيز الحكيم وأنت الله لا إله إلا أنت الواحد القهار، وأنت الله لا إله إلا أنت الملك الجبار وأنت الله لا إله إلا أنت الرحيم الغفار، وأنت الله لا إله إلا أنت شديد المحال وأنت الله لا إله إلا أنت الكبير المتعال، وأنت الله لا إله إلا أنت السميع البصير وأنت الله لا إله إلا أنت المنيع القدير، وأنت الله لا إله إلا أنت الغفور الشكور وأنت الله لا إله إلا أنت الحميد المجيد (1)، وأنت الله لا إله إلا أنت الغفور الودود وأنت الله لا إله إلا أنت الحنان المنان، وأنت الله لا إله إلا أنت الحليم الديان وأنت الله لا إله إلا أنت الجواد الماجد، وأنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد وأنت الله لا إله إلا أنت الغائب الشاهد، وأنت الله لا إله إلا أنت الظاهر الباطن وأنت الله لا إله إلا أنت بكل شيء عليم، تم نورك فهديت وبسطت يدك فأعطيت ربنا وجهك أكرم الوجوه وجهتك خير الجهات وعطيتك أفضل العطايا وأهنؤها تطاع ربنا فتشكر وتعصى فتغفر لمن شئت، تجيب المضطر [ين] وتكشف السوء وتقبل التوبة وتعفو عن الذنوب لا تجازى أياديك ولا تحصى نعمك ولا يبلغ مدحتك قول قائل، اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وروحهم وراحتهم وسرورهم وأذقني طعم فرجهم وأهلك أعداءهم من الجن والإنس، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، واجعلنا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وإجعلني من الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون، وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وبارك لي في المحيا والممات والموقف والنشور والحساب والميزان وأهوال يوم القيامة وسلمني على الصراط وأجزني عليه وارزقني علما نافعا ويقينا صادقا وتقى وبرا وورعا وخوفا منك وفرقا يبلغني منك زلفى ولا يباعدني عنك وأحببني ولا تبغضني وتولني ولا تخذلني وأعطني من جميع خير الدنيا والآخرة ما علمت منه وما لم أعلم وأجرني من السوء كله بحذافيره ما علمت منه وما لم أعلم».

ص:467


1- (1) في نسخة «وأنت الله لا إله إلا أنت الغني الحميد».

* الشرح:

قوله: (وهو جامع للدنيا والآخرة) لاشتماله على مصالحهما ومنافعهما والاحتراز عن مضارهما وما يليق بالواجب من صفات الكمال ونعوت الجلال.

(تقول بعد الحمد والثناء) قد مر أنه ينبغي تقديم التحميد والتمجيد على الدعاء بطلب المقاصد والمطالب ومر أيضا بعضه وأفضله التحميد المذكور في أول الصحيفة السجادية.

(اللهم أنت الله) أنت مبتدأ أو خبر، وهو أولى لإفادة الحصر فقوله: (لا إله إلا أنت) على الأول تأسيس وعلى الثاني تأكيد للحصر.

(الحليم الكريم) أي متأن عن عقوبة العاصي غير مستعجل فيها وجواد لا ينفد عطاؤه وهو بيان للمستثنى لا للإيضاح إذ لا إبهام فيه بل لأن يجعل الثناء بالتوحيد لازما واقعا محققا لا شبهة فيه وقس عليه البواقي.

(العزيز الحكيم) أي الغالب القوي الذي لا يغلب والحاكم القاضي بالحق أو الذي يحكم الأشياء ويتقنها والحكيم على الأول بمعنى فاعل وعلى الثاني بمعنى مفعل.

(الواحد القهار) هو الواحد الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه غيره أو الذي لا نظير له ولا مثل ولا يتجزى ولا ينقسم وهو القهار أي الغالب على جميع الخلائق مبالغة من قهره إذا غلبه.

(الملك الجبار) لأنه مالك رقاب الممكنات ونواصيها يحكم فيها ما يشاء كيف يشاء وجبر الخلائق على ما أراد من أمر أو نهي أو جبر نقائص حقائق الممكنات بوجوداتها أو علا فوقهم بحيث لا يتناوله أيدي الأفكار والأوهام.

(الرحيم الغفار) بوصول فيض رحمته إلى العالمين وبلوغ نعمة مغفرته إلى المذنبين ففيض رحمته معد للعالمين وخوان مغفرته مبسوط للمذنبين.

(شديد المحال) أي شديد المكائد والاهلاك أو العقوبة على أعدائه ووصفه تعالى به باعتبار المتعلق وفي القاموس المحال ككتاب الكيد وروم الأمر بالحيل والتدبير والمكر والقدرة والجدال والعقال والعذاب والعداوة والقوة والشدة والإهلاك، محل به مثلثة الحاء محلا ومحالا كاده.

(الكبير المتعال) أي العظيم المتعالي عن صفات الخلق من الكبر بالكسر وهو العظمة يقال كبر ككرم أي عظم فهو كبير.

(السميع البصير) العليم بالمسموعات والمبصرات بذاته لا بتوسط الآلة كالإنسان ونحوه فالسمع والبصر فيه عزوجل نوعان من مطلق العلم والتسمية باعتبار المطلق.

(المنيع القدير) المنيع في حقه تعالى القوي الذي يمنع عن أهل طاعته ويحوطهم وينصرهم

ص:468

وقيل: يمنع من يريد من خلقه ما يريد ويعطيه ما يريد والقدير أبلغ من القادر لما فيه من المبالغة في نفاذ كل ما أراد بحيث لا راد لإرادته ولا مضاد لقدرته.

(الغفور الشكور) هما من أبنية المبالغة يعني يستر ذنوب العباد وعيوبهم ويغطي خطاياهم وذنوبهم ويشكر قليلا من أعمالهم ويجعله كثيرا ويضاعف لهم الجزاء ويعطيهم جزيلا. (الحميد المجيد) في النهاية الحميد المحمود على كل حال يعني في السراء والضراء والشدة والرخاء، والمجد في كلام العرب الشرف الواسع وهو ماجد مفضال كثير الخير شريف، والمجيد فعيل منه للمبالغة وقيل: هو الكريم الفعال وقيل: إذا قرن شرف الذات حسن الفعال سمي مجيدا وفعيل أبلغ من فاعل فكأنه يجمع معنى الجليل والوهاب والكريم. (وأنت الله لا إله إلا أنت الغني الحميد) في العدة الغني هو المستغني عن الخلق بذاته فلا يعرض له الحاجات وبكماله وقدرته عن الآلات والأدوات وكل ما سواه محتاج إليه في وجوده فهو الغني المطلق، وهذه الفقرة مكتوبة في الأصل معلمة النسخة.

(الغفور الودود) في النهاية الودود فعول بمعنى مفعول من الود والمحبة يقال: وددت الرجل أوده ودا إذا أحببته. فالله تعالى مودود أي محبوب في قلوب أوليائه، أو هو فعول بمعنى فاعل أي أنه يحب عباده الصالحين أي يرضى عنهم.

(الحنان المنان) هما من أبنية المبالغة، والأول معناه الرحيم لعباده أو الذي يقبل على من أعرض عنه من الحنان بالفتح والتخفيف وهو الرحمة من الحنين وهو الشوق إلى الشيء والميل إليه والتعطف عليه، والثاني معناه المنعم المعطي من المن وهو العطاء لا من المنة أو المحسن إلى من لا يطلب الجزاء عليه.

(الحليم الديان) الحليم ذو الصفح والأناة وهو الذي لا يغيره جهل الجاهلين ولا عصيان العاصين، والديان من الدين بمعنى الجزاء وهو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم وقيل: من الدين بمعنى القهر والديان القهار وهو الذي دان كل شيء على ما أراد أي قهرهم عليه فأطاعوه كما قالت السماوات والأرض (أتينا طائعين)، واعلم أن الدين في اللغة أيضا الغلبة والإستعلاء والملك والحكم والتدبير، ويمكن أن يكون الديان منه بهذه المعاني أيضا.

(الجواد الماجد) قال صاحب العدة: الجواد المنعم المحسن الكثير الإنعام والإحسان، والفرق بينه وبين الكريم أن الكريم الذي يعطي مع السؤال والجواد، الذي يعطي من غير سؤال وقيل: بالعكس.

(الواحد الأحد) الواحد المنفرد بالذات والأحد المنفرد بالمعنى وبعبارة اخرى الواحد الأحد

ص:469

الفرد الذي لم يزل بلا تجزية ولا تركيب ولا تعدد ولا تكثر، ولا يجمع هذين الوصفين إلا لله سبحانه إذ لكل موجود سواه نظير وشبيه - ولو ببعض الوجوه - وجزء وتكثر وان كان بسيطا ومن ثم قيل: لا وحدة في عالم الإمكان.

(الغائب الشاهد) أي الغائب عن مدارك العقول والأوهام والشاهد العالم الذي لا يعزب عنه شيء كما صرح به ابن الأثير في النهاية، ثم قال: إذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم وإذا اضيف إلى الامور الباطنة فهو الخبير وإذا اضيف إلى الامور الظاهرة فهو الشهيد ويمكن أن يراد به الشاهد على الخلق يوم القيامة أو الشاهد عند كل شيء بآثار قدرته وآثار عظمته.

(الظاهر الباطن) أي الظاهر بالحجج والدلائل والأعلام. والباطن المتحجب عن إدراك الحواس والعقول والأوهام فهو ظاهر جلي بوجود ذاته وباطن خفي بكنه ذاته وحقيقة صفاته، وقيل: المراد بظهوره أنه ظهر فوق كل شيء وعلا عليه وببطونه أنه داخل كل شيء يعني أن علمه ببواطن الأشياء كعلمه بظواهرها.

(بكل شيء عليم) رد على من زعم أنه لا يعلم الجزئيات ومن زعم أنه يعلمها بالإجمال دون التفصيل وتحقيقه كما مر في كتاب التوحيد.

(تم نورك فهديت) عبادك إلى ما فيه صلاحهم ونظامهم في الدنيا والآخرة ولعل المراد بالنور القرآن الكريم وبتمامه اشتماله على جميع ما يحتاجون إليه من أمر الدين والدنيا وكل ما كان وما يكون وما هو كائن، أو آيات وجوده وبراهين قدرته أو محمد (صلى الله عليه وآله) وتمامه بلوغه غاية الكمال.

(وبسطت يدك فأعطيت) كل ما يليق به ويصلح به أمره. وبسط اليد كناية عن غاية الجود والكرم يقال: فلان كريم اليد إذا كان سمحا جوادا، ويمكن أن يراد باليد النعمة مجازا وبسطها ظاهر. (ربنا وجهك أكرم الوجوه) أي ذاتك وصفاتك أكرم الذوات والصفات وأجلها ويمكن أن يراد بالوجه ما يتوجه به إلى الله وهم النبي والأئمة (عليهم السلام).

(وجهتك خير الجهات) الجهة مثلثة الجانب والناحية كذا في القاموس والتفضيل فيها باعتبار تقدير الفعل وفرضه في المفضل عليه.

(وعطيتك أفضل العطايا وأهنؤها) أهنأ اسم تفضيل من هنأني الطعام فهو هنىء أي سائغ أو آت من غير تعب ولا مشقة، أما أنها أفضل فلأنها من جواد عظيم ومنعم كريم عوائد نعمه منشورة للإنس والجان وموائد كرمه مبسوطة في ساحة الإمكان، وأما انها أهنأ فلأنها غير منكدرة بالمنة ولا منقصة بالضنة ولا محصلة بالمشقة لحصول أكثرها من غير أن يخطر بالبال وبعضها بمجرد السؤال.

(تطاع ربنا فتشكر) أي فتثيب بالطاعة مع أنك أهل لها بالذات وهي حق لك فالإثابة تفضل منك لا

ص:470

حق عليك.

(وتعصى ربنا فتغفر لمن شئت) مع أن العصيان يقتضي العقوبة والخذلان فالمغفرة أيضا تفضل منك وتجاوز عن حقك. وقوله: «لمن شئت» لدفع الاغترار بالاعتداء وللإيقاع بين الخوف والرجاء. (وتجيب المضطرين) كما هو المجرب والمذكور في الكتاب المبين وفي الكنز إجابة جواب دادن.

(وتكشف السوء) أي ترفعه والسوء بالضم ما يكرهه الطبع ويثقل عليه من النوائب والمصائب والبلايا وغيرها وأما السوء بالفتح فمصدر ساءه سوءا إذا فعل به ما يكره.

(وتقبل التوبة) هي الندامة على الذنب والعزم على عدم العود إليه واختلفوا في أن قبولها واجب عليه أمن لا والبحث فيه في علم الكلام.

(وتعفو عن الذنوب) قيل: العفو الصفح عن الذنب وترك مجازاة المذنب وقيل: العفو محو الذنوب مأخوذ من عفت الريح الأثر إذا درسته ومحته وهو أرفع وأعلى من المغفرة لأن غفر الذنوب وهو سترها قد يحصل مع بقاء أصلها بخلاف العفو وهو المحو فانه إزالة لها رأسها وقلع لأثرها جملة.

(لا تجازي أياديك) الأيادي جمع الأيدي جمع اليد بمعنى النعمة والإحسان ولا ريب في أنها غير محصورة ولا في أن جزاء غير المحصور بمعنى الإتيان بالطاعة والحمد والشكر في مقابل كل واحد واحد غير مقدور للعبد على أن كل واحدة من نعمة تعالى لكونها أمرا عظيما لا يعلم قدرها إلا هو لا يمكن مقابلتها بالجزاء على قدرها.

(ولا تحصى نعمك) كما قال تعالى: (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها) وان أردت أن تحقق لك ذلك فانظر إلى شيء من نعمائه عليك وهو أصل وجودك وأعضائك وجوارحك ومنافعها فإنك تجد نفسك عاجزة عن إحصائها قال المحقق الطوسي: شرحت خواص ما وجدت من أعضاء الإنسان ومنافعها في أزيد من الف ورقة وما ذكرت عشرا من أعشارها.

(ولا يبلغ مدحتك قول قائل) المدحة بالكسر ما يمدح به والسر فيه أن المحامد غير محصورة لا يمكن الإحاطة بها على أن كلا من القول اللفظي والنفسي ممكن له حدود وكيفيات وصور ومفهومات لا يمكن وصفه تعالى به نعم هو دليل على مدحه في نفس الأمر لا يحيط به ألسنة المادحين ولا يبلغ إليها عقول العارفين.

(اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم) بكشف غمهم وظهور دولتهم بظهور القائم المنتظر (عليه السلام). (وروحهم وراحتهم وسرورهم) الروح بالفتح الراحة فالعطف للتفسير وحمله

ص:471

على راحة الشيعة والإضافة باعتبار أن راحتهم راحتهم (عليهم السلام) بعيد وقراءة الروح بالضم وتفسيره بأمر النبوة أو حكم الله تعالى وأمره أبعد وعطف السرور على ما قبله من باب عطف المسبب على السبب.

(وأذقني طعم فرجهم) تشبيه الفرج بالعسل في ميل الطبع إليه ورغبته فيه مكنية وإثبات الطعم له وهو الحلاوة من تخييلية والإذاقة ترشيح.

(وأهلك أعداءهم من الجن والإنس) المطلوب إهلاكهم الآن أو بسيف صاحب الزمان وأنصاره من أهل الإيمان أظهر وأهم.

(وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) يمكن أن يراد بالحسنة الاولى الجهاد مع إمام عادل وبالثانية ثواب المجاهدين وأن يراد بالاولى متابعته وبالثانية مصاحبته، وقال الشيخ أبو الفتوح في تفسيره: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أن الاولى زوجة صالحة والثانية حور العين. وعذاب النار زوجة سليطة مؤذية» وقال الحسن البصري: الاولى العلم والعبادة، والثانية الجنة.

وقال مقاتل الاولى الرزق الواسع والثانية المغفرة والثواب، وقال عطية: الاولى العلم والعمل والثانية الثواب والمساهلة في الحساب، وقيل: الاولى التوفيق والعصمة والثانية النجاة والرحمة، وقيل: الاولى الولد الصالح والثانية صحبة الأنبياء والصلحاء وقيل: الاولى المال والنعمة والثانية تمام النعمة وهو النجاة من العقوبة والدخول في الجنة، وقيل الاولى الإخلاص والثانية الخلاص، وقيل الاولى والثانية كلاهما حسن العاقبة انتهى كلامه. واعلم أن هذا الكلام الشريف بحر لا ينزف، يندرج فيها خيرات الدنيا والآخرة. (واجعلنا) بالتوفيق للخيرات والاجتناب عن المنهيات. (من الذين لا خوف عليهم) في الآخرة من نزول الهوان ووصول الخذلان. (ولا هم يحزنون) فيها من فوات الثواب ولحوق العقاب وهم قوم آمنوا بالله وزهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة. (واجعلني من الذين صبروا) على تحمل البليات والمصيبات ومشاق التكليفات وأذى الفاسقين والفاسقات.

(وعلى ربهم يتوكلون) في جميع الامور وهم الذين علموا أن الصبر على ما ذكر سبب للكرامة والثواب وأن التوكل موجب للتفرق للعبادة والتخلص من الاضطراب فصبروا على ذلك فصاروا من المكرمين وتوكلوا على الله وإشتغلوا بالعبادة فصاروا من المقربين الذين يغبط الناظرون مرتبتهم ويتمنى العارفون منزلتهم.

(وثبتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) وهو القول بالتوحيد والرسالة والولاية.

وفيه طلب لحسن العاقبة التي يخاف منها العارفون ويضطرب في أمره الزاهدون كما في قوله تعالى

ص:472

حكاية عن الصالحين: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا) و «في» متعلق بالثابت أو ب «ثبتني» أو بهما على سبيل التنازع.

(وبارك لي في المحيا والممات والموقف) البركة الزيادة والدوام والثبات والسعادة أي أسعدني في هذه الأوقات أو زد أو ثبت وأدم لي فيها التشريف والكرامة، والموقف موقف القيامة وحمله على القبر محتمل لأنه محل الوقوف إلى البعث.

(وسلمني على الصراط وأجزني عليه) سلم من السقوط بالكسر وسلمه الله منه والصراط جسر ممدود على جهنم والأشقياء يتساقطون منه والسعداء يمرون عليه على التفاوت في السرعة والبطوء بقدر التفاوت في الكمال.

(وارزقني علما نافعا) هو العلم بالدين وبما هو المطلوب فيه مع العمل بمقتضاه.

(ويقينا صادقا) هو الإعتقاد الجازم بما هو حق في الواقع وإحترز بالقيد عن الإعتقاد بالباطل فانه يقين عند الجهلة غير صادق، ويحتمل أن يراد باليقين الصادق اليقين المستقر الراسخ في القلب إذ إطلاقه على غير الراسخ كاذب.

(وتقى وبرا وورعا) تقى بالتنوين مصدر تقول: تقيت الشيء أتقيه تقى إذا حذرته والمراد به الاحتراز به من المعاصي. والبر بالكسر الصلة والإتساع في الإحسان إلى الناس والطاعة لله تعالى.

والورع محركة الهدى وحسن الهيئة والكف عن المحرمات والمشتبهات والحلال الذي يؤدي إلى احديها وأعلى مراتبه الكف عن كل ما يشغل القلب عن الله تعالى. (وخوفا منك) قال المحقق الطوسي في أوصاف الأشراف: هو تألم النفس من العقاب بارتكاب المنهيات والتقصير في الطاعات كما في أكثر الخلق وقد يحصل بمعرفة عظمة الحق ومشاهدة هيئته كما في الأنبياء والأولياء. (وفرقا يبلغني منك زلفى ولا يباعدني عنك) زلفى كحبلى القربة والمنزلة كالزلفة بالضم، ومنك متعلق بها والإبلاغ الإيصال والفرق بالتحريك الفزع الشديد والخوف ولعل المطلوب الخوف المحرك إلى فعل الطاعات وترك المنهيات وهو المقرون بالرجاء فانه بدونه سبب للقنوط الموجب للبعد عنه تعالى.

(وأحببني ولا تبغضني) حبه تعالى للعبد الإحسان إليه والإكرامن عليه وبغضه له تبعيده عن رحمته وتعذيبه بنقمته. (وتولني ولا تخذلني) تولاه اتخذه وليا وخذله ترك نصرته ووكله إلى نفسه. (وأعطني من جميع خير الدنيا والآخرة ما علمت منه وما لم أعلم) ما مفعول ثان للإعطاء والعائد إليه محذوف وضمير منه راجع إلى الخير أو إلى الجميع وإنما طلب الإعطاء من

ص:473

جميع الخير يعني من كل نوع منه بعضه لا جميعه لأن جميع للجميع كما ذكرناه سابقا.

(وأجرني من السوء كله بحذافيره) كله تأكيد للشمول دفعا لإرادة عدمه وحذافيره تأكيد آخر لدفع استبعاد الشمول مع كثرة أنواع السوء وأفراده. والحذافير بالفتح جمع الحذفار بالكسر وهو جانب الشيء وأعلاه يقال: أعطاه بحذافيره أي بأسره أو بجوانبه أو بأعاليه.

* الأصل:

19 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ألا تخصني بدعاء؟ قال: بلى، قال: قل: «يا واحد يا ماجد يا أحد يا صمد يامن لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، يا عزيز يا كريم يا حنان يا منان يا سامع الدعوات يا أجود من سئل ويا خير من أعطى يا الله يا الله يا الله» قلت: ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون)، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «[نعم] لنعم المجيب أنت» ونعم المدعو ونعم المسؤول أسألك بنور وجهك وأسألك بعزتك وقدرتك وجبروتك وأسألك بملكوتك ودرعك الحصينة وبجمعك وأركانك كلها وبحق محمد وبحق الأوصياء بعد محمد أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا».

* الشرح:

قوله: (ألا تخصني بدعاء) أخصه بالشيء فضله (ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول نعم المجيب أنت) في بعض النسخ «نعم لنعم المجيب أنت».

(ونعم المدعو ونعم المسؤول) كأنه (عليه السلام) نقله للترغيب في التأسي به (صلى الله عليه وآله) وكونه جزء هذا الدعاء بعيد عن سياق الكلام.

(وأسألك بنور وجهك) يحتمل أن يراد بالوجه ذاته وفي القاموس الوجه نفس الشيء والإضافة لامية إذ به تعالى ظهور الوجودات والموجودات كلها وأن يراد به محمد (صلى الله عليه وآله) وهو نور كما صره به في القاموس ودلت عليه الأخبار، أو علمه والإضافة بيانية أو لامية.

(ودرعك الحصينة) في القاموس درع حصين وحصينة محكمة، ولعل المراد بها - والله أعلم - دينه المحكم الذي لا يطرء عليه نسخ وتغيير قطعا. أو صفاته المحكمة التي لا يتصف بالنقص والزوال أصلا، أو درع النبي (صلى الله عليه وآله) هي السيف والمغفر والدروع وغيرها من آلات الحرب المحكمة عند أهلها وهو الآن عند الصاحب (عليه السلام).

(وبجمعك وأركانك كلها) لعل المراد بالجمع الأنبياء والملائكة (عليهم السلام) قال في المغرب الجمع

ص:474

الجماعة تسمية بالمصدر يقال: رأيت جمعا من الناس وبالأركان الأوصياء والأولياء (عليهم السلام) وما بعده من باب ذكر الخاص بعد العام لكمال الاهتمام.

* الأصل:

20 - عنه، عن بعض أصحابه، عن حسين بن عمارة، عن حسين بن أبي سعيد المكاري وجهم ابن أبي جهمة، عن أبي جعفر (رجل من أهل الكوفة كان يعرف بكنيته) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): علمني دعاء أدعو به فقال: نعم، قل: «يامن أرجوه لكل خير ويا من آمن سخطه عند كل عثرة، ويا من يعطي بالقليل الكثير، يامن أعطى من سأله تحننا منه ورحمة، يامن أعطى من لم يسأله ولم يعرفه صل على محمد وآل محمد وأعطني بمسألتي من جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة فإنه غير منقوص ما أعطيتني وزدني من سعة فضلك يا كريم».

* الشرح:

قوله: (يامن أرجوه لكل خير) من خير الدنيا والآخرة، وينبغي أن يقوم القائل قلبه في ذلك القول لئلا يكون كاذبا، والظاهر أن تمسكه بالأسباب مع اعتماده على مسبب الأسباب لا ينافي ذلك. (ويا من آمن سخطه عند كل عثرة) لا لإستحقارها ولا لتوهم عدم علمك بها أو عجزك عن الأخذ بها حاشا، بل لحلمك عن الأخذ وصفحك عن الانتقام، والعثرة في الأصل المرة من العثار ثم شاع استعمالها في عثرة النفس في الخطايا ووقوعها فيها تشبيها للمعقول المحسوس في عدم الإستقامة لقصد الإيضاح.

(ويا من يعطي بالقليل) من العمل. (الكثير) من الثواب كما نطق به القرآن الكريم، وفي ذكر الأمن من العثرة وإعطاء الكثير بالقليل بسط رجاء لحصول المطلوب. (يامن أعطى من سأله تحننا منه ورحمة) التحنن الترحم والتلطف، وفي الكنز تحنن مهربانى كردن.

(يامن أعطى من لم يسأله ولم يعرفه) أكثر عطاياه كذلك فإنك لو تأملت وجدت أكثرها من غير سؤال ومعرفة وفيه أيضا بسط رجاء بما ذكر ونعم ما قيل:

اى كريمى كه از خزانه غيب * گبر وترسا وظيفة خود دارى دوستان را كجا كنى محروم * تو كه با دشمنان نظر دارى (وأعطني بمسألتي) الباء للسببية والمسألة والسؤال واحد. (فانه غير منقوص ما أعطيتني) الفاء للتعليل والظاهر أن الضمير المنصوب للشأن وأن المسؤول مبتدأ خبره مقدم للحصر يعني أن ما أعطيتني قبل السؤال لا نقص فيه بحسب الكم والمقدار والكيف وذلك بعثني على السؤال

ص:475

وطلب الزيادة ففيه شكر للواصل وطلب لحصول غير الحاصل ووسيلة له كما قال:

(وزدني من سعة فضلك) فيه إيماء إلى أن عطاياه كلها من باب التفضل بدون الاستحقاق، وفي ذكر السعة إشارة إلى كمال الرجاء بحصول المطلوب.

* الأصل:

21 - وعنه، رفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام) أنه علم أخاه عبد الله بن علي هذا الدعاء: «اللهم ارفع ظني صاعدا ولا تطمع في عدوا ولا حاسدا واحفظني قائما وقاعدا ويقظانا وراقدا، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني سبيلك الأقوم وقني حر جهنم واحطط عني المغرم والمأثم واجعلني من خيار العالم».

* الشرح:

قوله: (اللهم ارفع ظني صاعدا) أي ظني بالرحمة والمغفرة والإحسان، وصعوده عبارة عن الصدق والقبول وعدم الخيبة والخسران.

(ولا تطمع في عدوا ولا حاسدا) بصرف قلوبهم ودفع همتهم «ولا تطمع» من أطمع يقال:

طمع فيه طمعا وأطمعه فيه غيره. (واحفظني قائما وقاعدا) أي قائما بوظائف الطاعات وقاعدا عنها والمراد بهما المعنى المعروف.

(ويقظانا وراقدا) أي في حالتي التذكر والغفلة والمراد بهما أيضا المعنى المعروف. (اللهم اغفر لي) ما سلف من الذنوب. (وارحمني) عن الإتيان بمثلها فيما بقي من عمري. (واهدني سبيلك الأقوم) وهو الدين القويم والصراط المستقيم أي ثبتني فيه أو وفقني لرعاية حقوقه كلها بالعلم والعمل. (وقني حر جهنم) بالتوفيق للتجنب عن مقتضياته أو بالتفضل بعد حفظ أصل الإيمان (واحطط عني المغرم والمأثم) في النهاية المأثم الأمر الذي يأثم به الإنسان وهو الإثم نفسه وضعا للمصدر موضع الاسم والمغرم مصدر وضع موضع الاسم ويريد به مغرم الذنوب وقيل: المغرم كالغرم وهو الدين.

(واجعلني من خيار العالم) بالتوفيق للعمل بعملهم والاقتداء بأثرهم والعالم بفتح اللام وكسرها محتمل.

* الأصل:

22 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى وهارون بن خارجة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «ارحمني مما لا طاقة لي به ولا صبر لي

ص:476

عليه».

* الشرح:

قوله: (ارحمني مما لا طاقة لي به ولا صبر لي عليه) الموصول شامل لفعل الطاعات وترك المنهيات ونزول البليات فان كل ذلك والصبر عليه ثقيل على النفس إلا بلطف الله تعالى وتوفيقه.

* الأصل:

23 - عنه، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن ابن سنان، عن حفص، عن محمد بن مسلم قال: قلت له: علمني دعاء فقال: فأين أنت عن دعاء الإلحاح، قال: قلت: وما دعاء الإلحاح؟ فقال: «اللهم رب السماوات السبع وما بينهن ورب العرش العظيم ورب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ورب القرآن العظيم ورب محمد خاتم النبيين، إني أسألك بالذي تقوم به السماء وبه تقوم الأرض وبه تفرق بين الجمع وبه تجمع بين المتفرق وبه ترزق الأحياء وبه أحصيت عدد الرمال ووزن الجبال وكيل البحور»، ثم تصلي على محمد وآل محمد، ثم تسأله حاجتك وألح في الطلب.

* الشرح:

(فأين أنت عن دعاء الإلحاح) ألح على الشيء إذا لزمه وصبر عليه وتثبت فيه. (اللهم رب السماوات السبع) أي مربيها، ومبلغها إلى كمالها، ومالكها وحافظها.

قوله: (إني أسألك بالذي تقوم به السماء) وهو ذاته تعالى أو علمه وقدرته. (وألح في الطلب) بالتثبت والتوسل بالوسائل التي هي مقبولة عنده سبحانه كالأئمة (عليهم السلام).

* الأصل:

24 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن كرام، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله 7 أنه كان يقول:

«اللهم املأ قلبي حبا لك وخشية منك وتصديقا وإيمانا بك وفرقا منك وشوقا إليك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم حبب إلي لقاءك واجعل لي في لقائك خير الرحمة والبركة وألحقني بالصالحين ولا تؤخرني مع الأشرار وألحقني بصالح من مضى واجعلني مع صالح من بقي وخذ لي سبيل الصالحين وأعني على نفسي بما تعين به الصالحين على أنفسهم ولا تردني في سوء استنقذتني منه يا رب العالمين، أسألك إيمانا لا أجل له دون لقائك، تحييني وتميتني عليه وتبعثني عليه إذا بعثتني وابرأ قلبي من الرياء والسمعة والشك في دينك اللهم أعطني نصرا في

ص:477

دينك وقوة في عبادتك وفهما في خلقك وكفلين من رحمتك وبيض وجهي بنورك واجعل رغبتي فيما عندك وتوفني في سبيلك على ملتك وملة رسولك، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والجبن والبخل والغفلة والقسوة والفترة والمسكنة.

وأعوذ بك يا رب من نفس لا تشبع ومن قلب لا يخشع ومن دعاء لا يسمع ومن صلاة لا تنفع واعيذ بك نفسي وأهلي وذريتي من الشيطان الرجيم، اللهم إنه لا يجيرني منك أحد ولا أجد من دونك ملتحدا، فلا تخذلني ولا تردني في هلكة ولا تردي بعذاب، أسألك الثبات على دينك والتصديق بكتابك واتباع رسولك، اللهم اذكرني برحمتك ولا تذكرني بخطيئتي وتقبل مني وزدني من فضلك إني إليك راغب، اللهم اجعل ثواب منطقي وثواب مجلسي رضاك عني واجعل عملي ودعائي خالصا لك، واجعل ثوابي الجنة برحمتك واجمع لي جميع ما سألتي وزدني من فضلك إني إليك راغب اللهم غارت النجوم ونامت العيون وأنت الحي القيوم، لا يواري منك ليل ساج ولا سماء ذات أبراج ولا أرض ذات مهاد ولا بحر لجي ولا ظلمات بعضها فوق بعض تدلج الرحمة على من تشاء من خلقك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أشهد بما شهدت به على نفسك وشهدت ملائكتة واولوا العلم لا إله إلا أنت العزيز الحكيم ومن لم يشهد على ما شهدت به على نفسك وشهدت ملائكتك واولو العلم فاكتب شهادتي مكان شهادته، اللهم أنت السلام ومنك السلام، أسألك يا ذا الجلال والإكرام أن تفك رقبتي من النار».

* الشرح:

قوله: (اللهم املأ قلبي حبا لك - اه) حتى لا يكون فيه موضع لغير هذه الامور وفيه طلب لتنزيه القلب عن غيره تعالى وتفريغه عما سواه. (اللهم حبب إلي لقاءك) أي لقاء رحمتك بالموت والبعث وحب اللقاء من صفة الا لأولياء كما نطق به القرآن الكريم.

(واجعل في لقاءك خير الرحمة والبركة) وهو الفرد الكامل الذي لأوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. (والحقني) بعد الموت.

(بصالح من مضى) من الأنبياء والرسل وأوصيائهم (عليهم السلام) وغيرهم. (واجعلني) في حال الحياة.

(مع صالح من بقي) وهذه الجملة كالتفسير لما تقدمها.

(وخذ لي سبيل الصالحين) في الكنز أخذ فرا گرفتن وشروع كردن ورفتن والأخير هو المراد هنا والباء للتعدية يعني اذهب بي في سبيلهم وسيرني فيه.

ص:478

(وأعني على نفسي) في دفع هواها وترك مشتهاها. (بما تعين به الصالحين على أنفسهم) من القوة والقدرة والتوفيق واللطف والنصرة.

(ولا تخزني مع الأشرار) هذا غير موجود في بعض النسخ. (ولا تردني في شر استنقذتني منه) المراد بالشر البلية والكفر والشك في الحق وأهله وغيرها مما يفسد نظام الدنيا والدين أو كمالهما. (أسألك إيمانا لا أجل له دون لقائك أي إيمانا ثابتا مستقرا دائما لا ينقطع قبل الموت ولا بعده، والأجل الوقت المضروب المحدود لشيء في المستقبل.

(تحييني - إلى آخره) تأكيد للسابق ولذا ترك العاطف. (وابرأ قلبي من الرياء والسمعة والشك في دينك) الرياء فعل الخير لغير الله سبحانه أو له ولغيره والسمعة بالفتح ويضم ويحرك ما فعل من الخير ونوه بذكره ليسمعه الناس ويحمدوا عليه وبينهما مع تقاربهما في كون الفعل للغير تفاوت من وجهين. أحدهما أن المقصود في الرياء رؤية الغير ليعتقد بفاعله، والمقصود في السمعة هو إسماع الغير ليذكروه وينشروه ويحمدوا فاعله عليه وثانيهما أن الرياء مصدر والسمعة اسم والشك في الدين شامل للشك في أصل الدين والشك في شيء من أجزائه وأحكامه وآدابه والشك في صاحبه وواضعه وقيمه. (اللهم أعطني نصرا في دينك) بالتوفيق لترويجه ونشر أحكامه وآدابه بين الخلق والعمل به وحفظه عن الزيادة والنقصان.

(وقوة في عبادتك) من الواجبات والمندوبات في آناء الليل وساعات النهار. (وفهما في خلقك) وهو جودة تهيؤ الذهن لإكتساب المطالب بسهولة وسرعة انتقاله من المبادئ إلى المقاصد. (وكفلين من رحمتك) الكفل بالكسر الضعف وقد يقال للحظ والنصيب والكفلان أحدهما في الدنيا بسلوك سبيل الحق وإنتظام الأحوال فيه والآخر في الآخرة بسلوك سبيل الجنة والدخول فيها أو كلاهما في الآخرة أحدهما للنصرة في الدين والآخر للاجتهاد في العمل أو أحدهما التخلص من النار والآخر الدخول في الجنة أو أحدهما الدخول في الجنة والتنعم بنعيمها والآخر التلذذ باللذات الروحانية ومشاهدة أنوار العظمة الإلهية والتشرف بالفيوضات الربانية المعدة للأولياء الطالبين لوجه الله المعرضين عما سواه. (وبيض وجهي بنورك) يوم تسود فيه الوجوه وهو نور الطاعة والعبادة، أو نور من فيضه تعالى تنضر به وجوه المؤمنين، وتشرق كالشمس المضيئة ففيه طلب للنضرة والحسن والجمال.

(واجعل رغبتي فيما عندك) من التفضلات الجليلة والمثوبات الجزيلة والكرامات الجميلة وعلامة ذلك الاشتغال بأنحاء العبودية وقطع الطمع عما في أيدي الناس من الزهرات الدنيوية (وتوفني في سبيلك على ملتك وملة رسولك) أي توفني وأنا على هذا الوصف. وسبيل الله عام

ص:479

يقع على كل عمل خالص يتقرب به إلى الله تعالى ويطلق كثيرا ما على الجهاد حتى كأنه مقصور عليه. والملة بالكسر الدين.

(اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم) الكسل التثاقل عن الشيء والفتور فيه والهرم محركة أقصى الكبر وإنما إستعاذ (عليه السلام) منهما لأن الأول يوجب ثقل الحق والفتور في أدائه والثاني يوجب الخرف وإختلال الحواس والعقل وعدم العلم وتشويه المنظر وكثرة المشقة وهذا منه (عليه السلام) تعليم للامة. (والجبن والبخل) الجبن صفة للنفس توجب عدم الإقدام على الشيء والبخل صفة لها يوجب منعها عن إعطاء ما ينبغي واستعاذ (عليه السلام) منهما لما فيهما من التقصير عن القيام بالحقوق وترك الغلظة على أهل المعاصي إذ بشجاعة النفس يقيم الحدود والحقوق وينصر المظلوم، وبالكرم يؤدي حقوق المال ويواسي منه ويلم به شعث المساكين، ثم استعاذته (عليه السلام) من أمثال هذه الامور مما علم براءة ساحة عصمته عنها يشعر بجواز الدعاء فيما علمت السلامة منه وذلك لأن للدعاء فائدتين: الاولى تحصيل المطلوب، والثانية كونه عبادة وإظهارا للعجز والعبودية فإن انتفت الأولى تبقى الثانية، ودعاؤه (عليه السلام) من هذا القبيل مع ما فيه من أنه تعليم للامة. (والغفلة والقسوة) الغفلة صفة للقلب يوجب ترك الحق وعدم ذكر الموت وما بعده والميل إلى الباطل وحب الدنيا، والقسوة الصلابة والغلظة، والقلب القسي القلب الغليظ الردي الذي يقرب من الشر ويبعد من الخير.

(والفترة والمسكنة) الفترة ضد الحدة وهو ضعف القلب عن تحصيل العلم والعمل والقيام بالأحكام والحدود، ورعاية الحقوق والمسكنة فقر النفس عن متاع الآخرة أو عن متاع الدنيا الذي يؤدي عدمه إلى انكسار الظهر وسوء المآل والفقر الممدوح هو القدر الكفاف واختلف الأخبار في مدح الفقر وذمه ومحلهما ما ذكرناه آنفا في شرح الاصول.

(وأعوذ بك يا رب من نفس لا تشبع) من متاع الدنيا كلما وجدت منه شيئا طلبت الزيادة وتعلقت بآمال بعيدة في تحصيلها.

(ومن قلب لا يخشع) الخشوع الخضوع والصبر والسكون والتذلل وهو وصف للقلب ثم يسري أثره في الجوارح فيقوم كل منها على ما هو مطلوب منه.

(ومن دعاء لا يسمع) أي لا يستجاب ولا يعتد به ولا يقبل لفقد شرائط القبول، فكأنه غير مسموع. (ومن صلاة لا تنفع) لنقص في شيء من أركانها وشرائطها.

(لا يجيرني منك أحد) إن أردت الأخذ والعقوبة هذا وان كان خيرا لكن المقصود منه هو الاعتراف بالتقصير وطلب الإجارة منه.

ص:480

(ولا أجد من دونك ملتحدا) أي ملتجأ، وأصل الإلحاد الميل والملتحد إلى أحد مائل إليه، وفيه أيضا اعتراف بالتقصير وطلب للتجاوز عنه. (فلا تخذلني بالرد في الالتجاء ولا بترك النصرة في الامور. (ولا تردني في هلكة) هي محركة الهلاك والمراد به الهلاك بالمعاصي والذنوب والغرض طلب التوفيق والنصرة في تركها.

(ولا تردني بعذاب) في الآخرة والدنيا من سوء عملي والباء بمعنى في أو للسببية بتقدير الاستحقاق. (إني إليك راغب) الظرف متعلق بما بعده والتقديم للحصر الحقيقي، وليس المقصود إفادة الحكم أو لازمه لأن المخاطب عالم السر والخفيات، بل المطلوب إظهار التوقع لحصول المرغوب. (اللهم غارت النجوم) في الكنز الغور چيزى بزمين فرو بردن، ومنه قوله تعالى: (أصبح ماؤكم غورا) وقولهم: غارت الشمس إذا غربت، والغور أيضا الإنخفاض يعني غابت النجوم وإنخفظت وهبطت عن نصف النهار بعد ما أخذت في الارتفاع والمراد بها النجوم الطالعة عند غروب الشمس، والغرض هو الثناء عليه جل شأنه بالتصرف والتدبير فيها والتحسر عن غفلة الناس عنها كما أومأ إليه بقوله:

(ونامت العيون) فتعطلت عن مشاهدة تلك الغرائب والتفكر في هذه العجائب.

(وأنت الحي القيوم) أي الفعال المدرك للموجودات أو الدائم القائم بحفظها وتدبيرها حتى لا يتصور وجود شيء ولا بقاؤه ولا زواله إلا به، قال القاضي: القيوم فيعول من قام بالأمر إذا حفظه (لا يواري منك ليل ساج) المواراة الستر وساج اسم فاعل من سجى بمعنى ركد واستقر يعني لا يستر منك ليل راكد ظلامه مستقر قد بلغ غايته كذا في المفتاح: ويمكن أن يكون من سجى بمعنى غطى قال ابن الأثير في النهاية ومنه الليل الساجي لأنه يغطي بظلامه وسكونه يعني لا يستر منك شيئا ليل يغطي الأشياء بظلامه.

(ولا سماء ذات أبراج ولا أرض ذات مهاد) وفي المفتاح المهاد جمع مهد أي ذات أمكنة مستوية ممهدة انتهى، وفيه تأمل، ويمكن أن يكون جمع مهدة بالضم كبرام جمع برمة بالضم للقدر والمهدة ما إرتفع من الأرض أو ما انخفض منها في سهولة واستواء وإنما وصف السماء والأرض بما هو من خواص جنسهما للمبالغة والتأكيد لشمولهما لجميع أفرادهما. (ولا بحر لجي) في المفتاح لجي بضم اللام وقد تكسر وتشديد الجيم المكسورة أي عظيم وفي النهاية لجة البحر معظمه. (ولا ظلمات بعضها فوق بعض) كظلمة بطن الحوت وظلمة جسده وظلمة البحر وظلمة الليل وظلمة السحاب الساترة لأنوار الكواكب فان هذه الظلمات المتراكمة لا تستر منه ما في بطن الحوت.

(تدلج الرحمة على من تشاء من خلقك) في النهاية يقال: أدلج بالتخفيف إذا سار من أول

ص:481

الليل وأدلج بالتشديد إذا سار من آخره والاسم منهما أدلج وأدلج بالضم والفتح ومنهم من يجعل الادلاج السير في الليل كله وفي المفتاح الادلاج السير في الليل وربما يختص بالسير في أوله.

أقول: وربما يختص بالسير في السحر والمعنى على أي تقدير تسير رحمتك وإعانتك وتوفيقك ولطفك إلى من تشاء من خلقك ولولا ذلك لم يصدر من أحد خير والغرض منه إظهار الشكر على تلك النعمة وطلب الزيادة عليها.

(تعلم خائنة الأعين) في النهاية الخائنة بمعنى الخيانة وهي من المصادر التي جاءت على لفظ الفاعل كالعافية والمراد بخيانة الأعين غمزها والنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه.

(وما تخفي الصدور) من المضمرات والخاطرات التي لم يظهر أثرها من الجوارح.

(أشهد بما شهدت به على نفسك) لعله التوحيد في قوله (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة واولوا العلم) (اللهم أنت السلام) في النهاية قيل: معناه سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء والسلام السلامة يقال: سلم يسلم سلاما وسلامة ومنه قيل: للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الآفات (ومنك السلام) أي السلامة من الآفات والقبائح.

* الأصل:

25 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أبا ذر أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه جبرئيل (عليه السلام) في صورة دحية الكلبي وقد إستخلاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما رآهما انصرف عنهما ولم يقطع كلامهما فقال جبرئيل (عليه السلام): يا محمد هذا أبو ذر قد مر بنا ولم يسلم علينا أما لو سلم لرددنا عليه، يا محمد إن له دعاء يدعو به، معروفا عند أهل السماء فسله عنه إذا عرجت إلى السماء، فلما إرتفع جبرئيل جاء أبو ذر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما منعك يا أبا ذر أن تكون سلمت علينا حين مررت بنا؟ فقال: ظننت يا رسول الله أن الذي [كان] معك دحية الكلبي قد استخليته لبعض شأنك، فقال:

ذاك جبرئيل (عليه السلام) يا أبا ذر وقد قال: أما لو سلم علينا لرددنا عليه فلما علم أبو ذر أنه كان جبرئيل (عليه السلام) دخله من الندامة حيث لم يسلم عليه ما شاء الله فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما هذا الدعاء الذي تدعو به؟ فقد أخبرني جبرئيل (عليه السلام) أن لك دعاء تدعو به، معروفا في السماء، فقال: نعم يا رسول الله أقول: «اللهم إني أسألك الأمن والإيمان بك والتصديق بنبيك والعافية من جمع البلاء والشكر على العافية والغنى عن شرار الناس».

* الشرح:

قوله: (في صورة دحية الكلبي) في النهاية هو دحية بن خليفة أحد الصحابة كان

ص:482

جميلا حسن الصورة ويروى بكسر الدال وفتحها، وفي كتاب إكمال الإكمال لشرح مسلم: كان دحية الكلبي حسن الصورة ولذلك تمثل جبرئيل (عليه السلام) بصورته وكان من كبار أصحابه (صلى الله عليه وآله) وبقى إلى خلافة معاوية وأرسله رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى قيصر سنة ست وآمن قيصر وأبت بطارقته أن يؤمنوا، فأخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ثبت الله ملكه، وفيه منقبة عظيمة لأبي ذر وجواز رؤية الملائكة على صورة الآدميين ولكنهم لا يعلمون أنهم ملائكة لأنهم لا يقدرون على رؤيتهم في صورهم الأصلية وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يراه في صورة دحية وقد رآه أيضا في صورته الأصلية مرارا وفيه ان الله سبحانه يجعل صور الملائكة (عليهم السلام) متى شاء في أي صورة شاء وإنما كان يريه في صورة الإنسان ليوانس به ولا يهوله لعظم خلقه كذا قال المازري.

(اللهم إني أسألك الأمن) من الشيطان والنفس والعذاب في الدنيا والآخرة وما يوجبه (والإيمان بك والتصديق بنبيك) في رسالته وما جاء به والمقصود هو الثبات أو الزيادة.

(والعافية من جميع البلاء) كالفتنة ومصائب الدهر ونوازلها والفقر الموجب لثقل القلب وكسر الظهر ونحوها (والشكر على العافية) في الدين والبدن.

(والغنى عن شرار الناس) التقييد للإحتراز عن خيارهم لأن طلب الغنى عنهم غير مستحسن إذ الإنسان مدني بالطبع يحتاج بعضهم إلى بعض، يدل على ذلك ما مر في باب فضل فقراء المسلمين من ان رجلا قال لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك ادع الله أن يغنيني عن خلقه، قال (عليه السلام) ان الله متم رزق من شاء على يدي من شاء ولكن سل الله أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرك إلى لئام خلقه.

* الأصل:

26 - علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة قال: أخذت هذا الدعاء من أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: وكان أبو جعفر يسميه الجامع: «بسم الله الرحمن الرحيم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، آمنت بالله وبجميع رسله وبجميع ما أنزل به على جميع الرسل وأن وعد الله حق ولقاءه حق وصدق الله وبلغ المرسلون والحمد لله رب العالمين وسبحان الله كلما سبح الله شيء وكما يحب أن يسبح، والحمد لله كلما حمد الله شيء وكما يحب الله أن يحمد، ولا إله إلا الله كلما هلل الله شيء وكما يحب الله أن يهلل، والله أكبر كلما كبر الله شيء وكما يحب أن يكبر، اللهم إني أسألك مفاتيح الخير وخواتيمه وسوابغه وفوائده وبركاته وما بلغ علمه علمي وما قصر عن إحصائه حفظي.

اللهم أنهج لي أسباب معرفته وافتح لي أبوابه وغشني ببركات رحمتك ومن علي بعصمة عن

ص:483

الإزالة عن دينك وطهر قلبي من الشك ولا تشغل قلبي بدنياي وعاجل معاشي عن آجل ثواب آخرتي واشغل قلبي بحفظ ما لا تقبل مني جهله وذلل لكل خير لساني وطهر قلبي من الرياء ولا تجره في مفاصلي واجعل عملي خالصا لك.

اللهم إني أعوذ بك من الشر وأنواع الفواحش كلها ظاهرها وباطنها وغفلاتها وجميع ما يريدني به الشيطان الرجيم وما يريدني به السلطان العنيد، مما أحطت بعلمه وأنت القادر على صرفه عني، اللهم إني أعوذ بك من طوارق الجن والإنس وزوابعهم وبوائقهم ومكائدهم ومشاهد الفسقة من الجن والإنس وأن استزل عن ديني فتفسد علي آخرتي وأن يكون ذلك منهم ضررا علي في معاشي أو يعرض بلاء يصيبني منهم لا قوة لي به ولا صبر لي على إحتماله، فلا تبتلني يا إلهي بمقاساته فيمنعني ذلك عن ذكرك ويشغلني عن عبادتك، أنت العاصم المانع الدافع الواقي من ذلك كله، أسألك اللهم الرفاهية في معيشتي ما أبقيتني، معيشة أقوى بها على طاعتك وأبلغ بها رضوانك وأصير بها إلى دار الحيوان غدا ولا ترزقني رزقا يطغيني ولا تبتلني بفقر أشقى به مضيقا علي، أعطني حظا وافرا في آخرتي ومعاشا واسعا هنيئا مريئا في دنياي ولا تجعل الدنيا علي سجنا، ولا تجعل فراقها علي حزنا أجرني من فتنتها، واجعل عملي فيها مقبولا وسعيي فيها مشكورا، اللهم ومن أرادني بسوء فأرده بمثله، ومن كادني فيها فكده، واصرف عني هم من أدخل علي همه وأمكر بمن مكر بي فإنك خير الماكرين وافقأ عني عيون الكفرة الظلمة والطغاة الحسدة، اللهم وأنزل علي منك سكينة، وألبسني درعك الحصينة، واحفظني بسترك الواقي، وجللني عافيتك النافعة، وصدق قولي وفعالي وبارك لي في ولدي وأهلي ومالي، اللهم ما قدمت وما أخرت وما أغفلت وما تعمدت وما توانيت وما أعلنت وما أسررت فاغفره لي يا أرحم الراحمين».

* الشرح:

قوله: (وكان أبو جعفر (عليه السلام) يسميه الجامع) في النهاية الجامع من الدعاء هو الذي يجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة أو يجمع الثناء على الله تعالى وآداب المسألة. (آمنت بالله) تأكيد لما سبق لأنه يدل على الإيمان ولذا ترك العاطف.

(وإن وعد الله حق ولقاءه حق) عطف على اسم ان أي أشهد ان ما وعد به من ثواب المؤمن وعقاب الكافر وغير ذلك من الأخبار حق وصدق والمراد باللقاء الموت أو البعث. (وصدق الله) عطف على أشهد.

ص:484

(والحمد لله رب العالمين) حمده بالربوبية لأن تعليق الحمد بالوصف يشعر العلية أو بنعمة التبليغ أو بالتوفيق للشهادة والإيمان والتصديق أو بالجميع أو به وبغيره من الآلاء.

(وسبحان الله كلما سبح الله شيء - اه) دل على أنه يسبح كلما سبحه شيء من الأشياء وإن من شيء إلا وهو يسبحه فيفيد أنه يسبحه في جميع الحالات والأوقات والظاهر أنه يؤجر بعدد تسبيح كل شيء. وفيه أقوال اخر ذكرناه سابقا وقد ذكر الشيخ في المفتاح هذه التسبيحات على الوجه المذكور مع زيادة في باب التعقيب.

(اللهم إني أسألك مفاتيح الخير وخواتيمه) المفاتيح جمع المفتاح وهو آلة الفتح والخواتيم هنا جمع الختام بالكسر وهو ما يختم به على الشيء من الطين ونحوه وفيه مكنية بتشبيه الخير بالمال المخزون وتخييلية بإثبات المفتاح له وترشيح بذكر الختام، ثم المراد بالمفتاح إما معناه المعروف كما هو المشهور بين المتأخرين من أهل العربية أو أسباب الخير على سبيل التشبيه كما هو رأي صاحب المفتاح والمطلوب نزول الخير وعدم زواله، ويمكن أن يكون مفاتيح الخير كناية عن أوائله وخواتيمه عن أواخره بناء على أن الختام جاء بمعنى آخر أيضا والمقصود حينئذ طلب الخير كله من أوله إلى آخره. (وسوابغه وفوائده وبركاته) طلب بعد طلب الخير امورا ثلاثة: الأول الفرد الكامل من كل نوع منه يقال: هو سابغ أي كامل تام واسع واف، الثاني فوائده المقصودة منه فان حصول الخير لا يستلزم حصولها كما ترى في الغني البخيل والصحيح التارك لما يطلب من الأصحاء فاحتيج إلى السؤال، الثالث بركته أي زيادته وسرايته إلى آخر فان الخير قد يسري إلى الخير كالشر إلى الشر أو ثباته ودوامه وعدم طريان النقص والزوال عليه.

(وما بلغ علمه علمي وما قصر عن إحصائه حفظي) علمي فاعل بلغ وعلمه مفعول ولعل أصله علمك إياه حذف الفاعل واضيف المصدر إلى المفعول وإنما لم يقل: وما بلغه علمي للتنبيه على ان المطلوب ما هو خير في علمه تعالى وبلغه أيضا علمي بأنه لا خير لا ما هو خير في علمي فقط لاحتمال أن لا يكون ذلك خيرا في الواقع وبالجملة قسم ما هو خير في علمه تعالى على قسمين: قسم بلغه علم الداعي أيضا، وقسم لم يبلغ وهو طلب كل واحد منهما فليتأمل.

(اللهم انهج لي أسباب معرفته) أي ابن وأوضح من نهجت الطريق إذا أبنته وأوضحته والسبب كل ما يتوصل به إلى شيء ومنه الطريق.

(وافتح لي أبوابه) فيه مكنية وتخييلية وترشيح، وفي جميع الباب إيماء إلى أن المقصود أنواع الخير كلها. (وغشني بركات رحمتك) الغشاء الغطاء والتغشية التغطية أي غطني ببركات رحمتك، فنصب بركات بنزع الخافض.

ص:485

(ومن علي بعصمة عن الإزالة عن دينك) العصمة بالكسر المنع والزوال والذهاب والاستحالة، زال عنه وأزاله غيره واللام في الإزالة عوض عن المضاف إليه المفعول وهو ياء المتكلم وفاعله محذوف وهو كل مزيل من المعاصي.

(وطهر قلبي من الشك) فيك وفي تدبيرك ودينك وغيرها من الحقوق. (ولا تشغل قلبي بدنياي وعاجل معاشي) اريد بالأول الحاصل وبالثاني غير الحاصل وكون العطف للتفسير وإرادتهما في كليهما محتمل. في الكنز معاش: دنيا وزندگانى.

(عن آجل ثواب آخرتي) أي عن العمل له. (واشغل قلبي بحفظ ما لا تقبل مني جهله) من العقائد الحقة والقصد إلى الخيرات والفكر لما بعد الموت والعمل له.

(وذلل لكل خير لساني) اللسان له تصرف في المعدومات والموجودات والمعقولات والمحسوسات فله سبيل إلى الخيرات كلها دنيوية كانت أو اخروية فلذلك خصه بالذكر وطلب تذليله دون سائر الحواس. (وطهر قلبي من الرياء ولا تجره في مفاصلي) الرياء تدخل في القلب أولا وفي سائر الأعضاء ثانيا لأن فسادها تابع لفساد القلب وفيه مبالغة في طلب التوفيق لرفعه عن أحوال جميع الجوارح. (واجعل عملي خالصا) لك لا اريد به سواء لا بالانفراد ولا بالاشتراك (اللهم إني أعوذ بك من الشر) شر الخلائق والنوائب.

(وأنواع الفواحش كلها ظاهرها وباطنها) أي جليها وخفيها أو بدنيها وقلبيها والفاحشة كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي وكل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال.

(وغفلاتها) الإضافة للملابسة باعتبار أن الفواحش مسببة عن الغفلات من وجه وأسباب لها من وجه آخر (اللهم إني أعوذ بك من طوارق الجن والإنس) طوارق جمع طارقة لا طارق لأن فاعل الوصف لا يجمع على فواعل وكل آت في الليل بخير أو شر طارق سمي به لحاجته إلى طرق الباب وهو دقه، والمراد به هنا الطارق بالشر.

(وزوابعهم وبوائقهم ومكائدهم) الزابعة بالزاي والباء الموحدة والعين المهملة من اشتد غيظه وغضبه وعربد وساء خلقه ودام على الكلام المؤذي ولم يستقم وزوبعة اسم شيطان رئيس للجن والبائقة الشر والظلم والخصومة والداهية والهجوم بها على الغير حتى يكسره ويهضمه والمكيدة والكيد المكر والخدعة والخبث والحرب والحيلة لإيصال المكروه إلى الغير من حيث لا يعلم (ومشاهد الفسقة من الجن والإنس) المشاهد جمع المشهد وهو محضرهم ومن ابتدائية لا لبيان الجنس إذ بعض الفريقين ليس بفاسق.

(وان استزل عن ديني فتفسد علي آخرتي) الواو للعطف على طوارق الجن والفاء سببية دالة

ص:486

على ان ما قبلها سبب لما بعدها وتفسد مبني للفاعل من الفساد أو من الإفساد، وآخرتي على الأول فاعله وعلى الثاني مفعوله وفاعله مستتر راجع إلى الزلة.

(وأن يكون ذلك منهم ضررا على ما في معاشي) أي في حياتي والواو للعطف على أن استزل وضمير منهم راجع إلى الفسقة أو إلى الطواق والمآل واحد وذلك إشارة إلى الزلة لا إليهما لأن ذكر ما يتعلق بالجملة الاولى بعد الفراغ منها والإتيان بالاخرى مستبعد بل غير جائز ثم المراد بالضرر اما الزلة المذكورة أو ما يترتب عليها إذ الزلة عن الدين توجب تسلط الفسقة من الجن والإنس إلى صاحبها وسهولة تأثيرهم فيه وسرعة قبوله منهم بخلاف ما إذا كان قويا ثابتا في الدين ويتولد منه ضررا كثيرا.

(ويعرض بلاء يصيبني منهم لا قوة لي به) أي بدفعه. (ولا صبر لي على إحتماله) لا قوة إما استئناف أو حال عن ضمير المتكلم أو صفة ثانية لبلاء ولعل النكتة في إيراد أحد الوصفين جملة فعلية والآخر اسمية هي التنبيه على ان الإصابة متجددة آنا فآنا والقوة منتفية بالمرة على سبيل الاستمرار، ثم الظاهر ان البلاء أيضا ضرر فلو حملنا الضرر على المعنى الأول والبلاء على ما يترتب على الزلة كما هو ظاهر العبارة فالفرق واضح، وإلا فلا ويمكن أن يراد بالضرر الضرر الديني والبلاء البلاء الدنيوي فليتأمل.

(فلا تبتليني يا إلهي بمقاساته) قاساه كاد وتحمل مشقته وفي الكنز مقاساة. رنج چيزى كشيدن (أسألك اللهم الرفاهية في معيشتي ما أبقيتني) الرفاهية مخففة رغد الخصب ولين العيش وسعته وهي الكفاف أو فوقه.

(معيشة أقوى بها على طاعتك) معيشة بالجر بدل لمعيشتي وبالنصب مصدر لها أو بدل أو بيان للرفاهية وفيه إشارة إلى بعض فوائد تلك المعيشة وهو صرف القوة الحاصلة بها في الطاعة دون المعصية. (وأبلغ بها رضوانك) ضمير التأنيث راجع إلى معيشة لا إلى طاعة وان كان البلوغ بسببها لئلا تخلو الجملة الوصفية عن ضمير الموصوف والمراد بدار الحيوان الجنة لأنها دار حياة أبدية. (ولا ترزقني رزقا يطغيني) وهو الكثير الشاغل للقلب عنه تعالى وعن العمل للآخرة والباعث على الطغيان ويفهم منه أن المراد بالمعيشة المطلوبة الكفاف.

(ولا تبتليني بفقر أشقى به) وهو الفقر الباعث للكفر والسؤال عن الخلق وكسر الظهر وزوال الصبر (مضيقا علي) الظاهر أنه حال عن فاعل لا تبتليني أو عن فقر.

(وأعطني حظا وافرا في آخرتي) بالتفضل أو بالتوفيق للعمل له. (ومعاشا واسعا) اريد به الكفاف وهو تأكيد لما سبق.

ص:487

(هنيئا مريئا في دنياي) الهنىء الطيب المساغ الذي لا ينغضه والمرىء محمود العاقبة الذي لا يضر ولا يؤذي كذا ذكره الفاضل الأردبيلي.

(ولا تجعل الدنيا علي سجنا) كناية عن طلب رفع الفقر وضنك العيش وسوء الحال وأذى الخلائق وألم النوائب وشدة المنصائب.

(ولا تجعل فراقها علي حزنا) كناية عن طلب النصرة على العمل لما بعد الموت وصرف القلب عن الركون إلى الدنيا والمحبة لها فان ترك العمل فيها والميل إليها يستلزمان حزنا طويلا وغما كثيرا عند فراقها. (ومن كادني فيها فكده - اه) اريد بكيده تعالى مكره وصرف الكيد والمكر أو جزاء أهلهما والتسمية من باب المشاكلة.

(وافقأ عني عيون الكفرة) فقأ العين كمنع قلعها أو أعورها أقبح عور، ولعله كناية عن صرف همتهم بالنظر إليه لقصد الإضرار له وإلقاء المكروه عليه.

(اللهم وأنزل علي منك سكينة) إحتفظ بها قلبي وجوارحي عن الاضطراب وأسكن بها في سبيل الخير والرشد والصواب، والسكينة الوقار والتأني في الحركة والسير ويمكن أن يراد بها الرحمة (وألبسني درعك الحصينة) أي المحكمة المانعة عن سهام المكاره، ولعل المراد بها حفظه تعالى. (واحفظني بسترك الواقي) عن المعاصي والذنوب، والستر بالكسر ما يستر به وبالفتح مصدر. (وجللني عافيتك النافعة) عافيته أن يسلم من الأسقام والبلايا وهي الصحة ضد المرض، والمراد بها السلامة من الأسقام القلبية والبدنية والأمراض الروحانية والجسمانية، والوصف إما للتوضيح بناء على أن عافية الله تعالى كلها نافعة أو للتخصيص بالفرد الكامل منها وهو النافع من جميع الوجوه أو للتنبيه على ان المطلوب العافية التي تكون معها الأفعال المطلوبة من أهل العافية والصحة.

(وصدق قولي وفعالي) الإضافة فيهما تفيد العموم والتصديق ضد التكذيب ولما كان بينه وبين صدقهما تلازم هنا لم يبد أن يكون كناية عن كون جميع أقواله صادقة موافقة للمزازين العدلية وجميع أقواله مطابقة للقوانين الشرعية، ويمكن أن يكون المقصود طلب التوفيق للموافقة بين القول والفعل وافراد القول وجمع الفعل باعتبار ان مورد الأول واحد ومورد الثاني متعدد. (وامدد لي في عمري) طلب الزيادة فيه للزيادة في امور الآخرة وتحصيل خيراتها وقد روي أن بقية عمر المؤمن عطية بها يتدارك ما فات ويراعي ما هو آت، ولا ينافي ذلك ما روي من أن المؤمن يحب لقاء الله تعالى ولا يكره الموت لأن ذلك حين الاختصار ووقت الارتحال.

* الأصل:

27 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء بن رزين،

ص:488

عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قل: «اللهم أوسع علي في رزقي وامدد لي في عمري واغفر لي ذنبي واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري».

* الشرح:

(واجعلني ممن تنتصر به لدينك) من أعدائك ولو بعد الرجعة في عهد الصاحب (عليه السلام) وفي الكنز: انتصار داد ستاندن وكينه خواستن وباز داشتن مكر.

(ولا تستبدل بي غيري) أي لا تمح اسمي في المنتصرين ولا تثبت غيري بدلا مني والغرض منه طلب التوفيق للثبات على الامتثال وعدم التولي عنه لئلا يكون مصداقا لقوله: (وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).

* الأصل:

28 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه يقول: «يامن يشكر اليسير ويعفو عن الكثير وهو الغفور الرحيم اغفر لي الذنوب التي ذهبت لذتها وبقيت تبعتها».

* الشرح:

قوله: (يامن يشكر اليسير) من العمل أي يقبله ويضاعف أجره. (ويعفو عن الكثير) من الذنوب بالتوبة وعدمها لمن يشاء. (وهو الغفور الرحيم) أي الساتر لذنوب عباده وعيوبهم وهو أبلغ من العفو لأن العفو لا يستلزم الستر.

(اغفر لي الذنوب التي ذهب لذتها وبقيت تبعتها) تبعة الشيء بكسر الباء ما يتبعه ولا يفارقه من تبعت الرجل كفرح إذا مشيت خلفه، ولعل المراد هنا العقوبة أو استحقاقها ووصف الذنوب بما ذكر للتوضيح وإظهار التحسر والتأسف والندامة عليها وتذكر الغير وزجره عن الإتيان بمثلها.

* الأصل:

29 - وبهذا الإسناد، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان من دعائه يقول:

«يا نور يا قدوس يا أول الأولين ويا آخر الآخرين يا رحمن يا رحيم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، واغفر لي الذنوب التي تحل النقم واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم واغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء، واغفر لي الذنوب التي تديل الأعداء واغفر لي الذنوب التي تعجل الفناء واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء واغفر لي الذنوب التي تظلم الهواء واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء واغفر لي الذنوب التي ترد غيث السماء».

ص:489

* الشرح:

قوله: (يا نور يا قدوس) هو نور لأنه ظاهر به ظهور كل شيء والظاهر في نفسه المظهر لغيره يسمى نورا أو لأن به اهتدى أهل السماوات والأرضين إلى مصالحهم ومراشدهم كما يهتدي بالنور، أو لأنه منور النور وخالقه وأطلق عليه اسمه. كذا في العدة والنهاية. والقدوس من أبنية المبالغة ومعناه الطاهر من العيوب والنقائص.

(يا أول الأولين ويا آخر الآخرين) يجده الذهن أول عند انتقاله من أول الأسباب إلى آخرها وآخر عند انتقاله من آخرها إلى أولها، وبعبارة اخرى أول عند انتقاله من الأسباب إلى المسببات وآخر عند انتقاله من المسببات إلى الأسباب فهو أول عند كونه آخر، وبالعكس، ولا تفارق بينهما إلا بلحاظ العقل، ويكن أن يكون الأولية باعتبار إيجاد الأشياء والآخرية باعتبار إفنائها وهو الباقي الوارث بعد فنائها.

(اغفر لي الذنوب التي تغير النعم) كالبخس في المكيال والميزان، وقد روي أنه يورث تبديل الخصب والرخاء والأمن بالقحط وشدة المؤونة وجور السلطان، ولا يبعد أن الذنوب كلها تغير النعم (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

(واغفر لي الذنوب التي تحل النقم) النقم ككلم وعنب جمع النقمة بالفتح وبالكسر وكفرحه وهي المكافاة بالعقوبة كالزنا والسرقة وغيرهما مما يوجب الحمد.

(واغفر لي الذنوب التي تهتك العصم) العصم كعنب جمع العصمة وهي خصلة مانعة من المعصية، شبهها بالساتر بقرينة الهتك والذنوب إذا كثرت وتراكمت وتهتكها وترفعها بالمرة حتى لا يبالي المذنب بأي ذنب ورد ولا بأي واد هلك، وقد يصدر الهتك من ذنب واحد كشرب الخمر.

(واغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء) الذنوب كلها يمكن أن يصير سببا لنزول البلية سيما إذا بلغت القوة الشهوية والغضبية مرتبة الإفراط فيها وذلك ظاهر في المنهمكين فيها المأخوذين بأنواع من البلاء.

(واغفر لي الذنوب التي تديل الأعداء) أي تغلبهم وتنصرهم علينا من الدالة وهي الغلبة وذلك كمخالفة الرعية للحاكم العادل وترك متابعته ومخالفة المؤمنين بعضهم بعضا فإنها توجب الوهن فيهم والضعف في الحاكم وعدم قدرته على دفع الأعداء وعند ذلك يقوى الأعداء وتكون الغلبة لهم وقد روي عن الباقر (عليه السلام): «إنهم لم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم وأخذوا بعض ما في أيديهم».

ص:490

(واغفر لي الذنوب التي تعجل الفناء) كقطيعة الرحم واليمين الكاذبة، وقد روي أنهما لتذران الديار بلاقع من أهلها.

(واغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء) كالكفر والقنوط من رحمة الله واليأس من روحه والنفاق وإنكار الحق مع العلم بأنه حق.

(واغفر لي الذنوب التي تظلم الهواء) وهي الكبائر المظلمة الموبقة، والهواء بالمد الجو وهو ما بين الأرض والسماء وقد يطلق على القلب الخالي من الخير وكل خال هواء ومنه قوله تعالى:

(وأفئدتهم هواء) وبالقصر هو النفس ومتمنياته والأول هنا أظهر والثاني أنسب والثالث بعيد.

(واغفر لي الذنوب التي تكشف الغطاء) وهي الكبائر الكثيرة وقد روي: «أن على كل عبد أربعين جنة من أجنحة الملائكة تستره فإذا فعل أربعين كبيرة ثم اشتغل بعد ذلك بالقبيح يوحي الله عزوجل إليهم أن ارفعوا أجنحتكم عنه فعند ذلك ينهتك ستره في السماء وستره في الأرض فيقول الملائكة يا رب هذا عبدك بقي مخترق الستر فيوحي الله عزوجل إليهم لو كانت لله فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه» هذا بعض مضمون الحديث المذكور في باب الكبائر.

(واغفر لي الذنوب التي ترد الدعاء) وهي كثيرة إذ كل ذنب يحتمل أن يكون رادا له ولذلك عدوا الاستغفار والتوبة من شرائط قبوله ومن جملة شرائط تلك الذنوب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هو المروي عن الباقر (عليه السلام).

(واغفر لي الذنوب التي ترد غيث السماء) هذه أيضا كثيرة ومنها منع الزكاة وقد روي عن الباقر (عليه السلام): «أنهم لم يمنعوا الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا».

* الأصل:

30 - عنه، عن محمد بن سنان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «يا عدتي في كربتي ويا صاحبي في شدتي ويا وليي في نعمتي ويا غياثي في رغبتي». قال: وكان من دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام): «اللهم كتبت الآثار وعلمت الأخبار واطلعت على الأسرار فحلت بيننا وبين القلوب فالسر عندك علانية والقلوب إليك مفضاة، وإنما أمرك لشيء إذا أردته أن تقول له كن فيكن». فقل: «برحمتك لطاعتك أن تدخل في كل عضو من أعضائي ولا تفارقني حتى ألقاك».

وقل: «برحمتك لمعصيتك أن تخرج من كل عضو من أعضائي فلا تقربني حتى ألقاك وارزقني من الدنيا وزهدني فيها ولا تزوها عني ورغبني فيها يا رحمن».

* الشرح:

قوله: (يا عدتي في كربتي) العدة بالضم ما أعدته وهيأته لحوادث الدهر من المال

ص:491

والسلاح وغيرهما والكربة بالضم الحزن الشديد.

(ويا صاحبي في شدتي) في ذكر الصاحب إيماء إلى علمه بحاله وشدائده مع توقع رفعها منه.

(ويا وليي في نعمتي) وفيه أيضا إيماء إلى توقع رفع الحزن والشدائد لأنه ولي كل نعمة ورفعها نعمة واضحة. (ويا غياثي في رغبتي) فيك بدفع الشدائد والأحزان والغياث بالكسر فرياد رس وأصله الغواث صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها.

(اللهم كتبت الآثار) جمع الأثر بالتحريك وهو ما بقي من رسم الشيء والمراد به ما أسسه كل شخص وبقي بعده من خير أو شر، وفي النهاية الأثر الأجل ويحتمل أن يراد به الأجل وسمي به لأنه يتبع العمر.

(وعلمت الأخبار) أي أخبار من كان ومن يكون ومن هو كائن وأخبار أهل الجنة وأهل النار وأخبار السماء والأرض وأخبار المخلوقات كلها.

(واطلعت على الأسرار) أي علمتها تقول اطلعت على باطن أمره وهو افتعلت إذا علمته.

(فحلت بيننا وبين قلوبنا) لعل المراد بقوله بيننا المواد الجسمانية والقوى البدنية وبالقلوب العقول المجردة النورانية المائلة إلى الله عزوجل بإذنه، وبكونه تعالى حائلا بينهما أنه مانع من استيلاء الاولى على الثانية ولولا منعه تعالى لاستولت القوى الجسمانية على القوة العقلانية التي من شأنها الرئاسة البدنية فيصير الأمير مأمورا والرئيس مرؤوسا وبطل النظام ومنه يظهر سر قولنا: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

(فالسر عندك علانية) هذا ناظر إلى قوله اطلعت على الأسرار. (والقلوب إليك مفضاة) أي موصولة اسم مفعول من أفضيت إلى الشيء إذا وصلت وفيه تنبيه على أن وصول القلب إليه عزوجل من لطفه وعونه وهذا ناظر إلى قوله: «فحلت - إلى آخر» إذ لو لم يكن حائلا يتحقق الإفضاء.

(ان يقول له كن فيكون) كما نطق به القرآن الكريم وكلمة كن كناية عن التسخير بمجرد الإرادة لا ان هناك لفظا وصوتا.

(فقل برحمتك لطاعتك - اه) القول هنا بمعنى: الحكم والقضاء لا بمعنى اللفظ والنطق باللسان قال في النهاية: القول يستعمل في معنى الحكم.

(وارزقني من الدنيا وزهدني فيها) طلب الكفاف والزهد فيما زاد أو في محبته أو في صرف العمر في تحصيله. (ولا تزوها عني ورغبتي فيها) زويت الشيء عنه صرفته ونحيته عنه والواو للحال عن ضمير المتكلم والمقصود صرف هذا القيد يعني أن صرفتها عني لمصلحة فاصرف عني

ص:492

رغبتي فيها. وكون المطلوب عدم صرف الكفاف الذي فيه الرغبة بعيد.

* الأصل:

31 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن عبد الرحمن بن سيابة قال: أعطاني أبو عبد الله (عليه السلام) هذا الدعاء: «الحمد لله ولي الحمد وأهله ومنتهاه ومحله، أخلص من وحده واهتدى من عبده وفاز من أطاعه وأمن المعتصم به، اللهم يا ذا الجود والمجد والثناء الجميل والحمد، أسألك مسألة من خضع لك برقبته ورغم لك أنفه وعفر لك وجهه وذلل لك نفسه وفاضت من خوفك دموعه وترددت عبرته واعترف لك بذنوبه وفضحته عندك خطيئته وشانته عندك جريرته وضعفت عند ذلك قوته وقلت حيلته وإنقطعت عنه أسباب خدائعه واضمحل عنه كل باطل وألجأته ذنوبه إلى ذل مقامه بين يديك وخضوعه لديك وإبتهاله إليك أسألك اللهم سؤال من هو بمنزلته أرغب إليك كرغبته وأتضرع إليك كتضرعه وابتهل إليك كأشد إبتهاله.

اللهم فارحم إستكانة منطقي وذل مقامي ومجلسي وخضوعي إليك برقبتي، أسألك اللهم الهدى من الضلالة والبصيرة من العمى والرشد من الغواية، أسألك اللهم أكثر الحمد عند الرخاء وأجمل الصبر عند المصيبة وأفضل الشكر عند موضع الشكر والتسليم عند الشبهات، وأسألك القوة في طاعتك والضعف عن معصيتك والهرب إليك منك والتقرب إليك رب لترضى والتحري لكل ما يرضيك عني في إسخاط خلقك إلتماسا لرضاك، رب من أرجوه إن لم ترحمني، أو من يعود علي إن أقصيتني، أو من ينفعني عفوه إن عاقبتني، أو من آمل عطاياه إن حرمتني، أو من يملك كرامتي إن أهنتني، أو من يضرني هوانه إن أكرمتني رب ما أسوء فعلي وأقبح عملي وأقسى قلبي وأطول أملي وأقصر أجلي وأجرأني على عصيان من خلقني، رب وما أحسن بلاءك عندي وأظهر نعماءك علي، كثرت علي منك النعم فما احصيها وقل مني الشكر فيما أوليتنيه فبطرت بالنعم وتعرضت للنقم وسهوت عن الذكر وركبت الجهل بعد العلم وجزت من العدل إلى الظلم وجاوزت البر إلى الإثم وصرت إلى الهرب من الخوف والحزن فما أصغر حسناتي وأقلها في كثرة ذنوبي، وما أكثر ذنوبي وأعظمها على قدر صغر خلقي وضعف ركني، رب وما أطول أملي في قصر أجلي وأقصر أجلي في بعد أملي وما أقبح سريرتي في علانيتي، رب لا حجة لي إن احتججت ولا عذر لي إن اعتذرت ولا شكر عندي إن ابتليت وأوليت إن لم تعني على شكر ما أوليت، رب ما أخف ميزاني غدا إن لم ترجحه وأزل لساني إن لم تثبته واسود وجهي إن لم تبيضه، رب كيف لي بذنوبي التي سلفت مني قد هدت لها أركاني، رب كيف أطلب شهوات

ص:493

الدنيا وأبكي على خيبتي فيها ولا أبكي وتشتد حسراتي على عصياني وتفريطي، رب دعتني دواعي الدنيا فأجبتها سريعا وركنت إليها طائعا ودعتني دواعي الآخرة فتثبطت عنها وأبطأت في الإجابة والمسارعة إليها كما سارعت إلى دواعي الدنيا وحطامها الهامد وهشيمها البائد وشرابها الذاهب رب خوفتني وشوقتني واحتججت علي برقي وكفلت لي برزقي فآمنت [من] خوفك وتثبطت عن تشويقك، ولم أتكل على ضمانك وتهاونت باحتجاجك.

اللهم فاجعل أمني منك في هذه الدنيا خوفا وحول تثبطي شوقا وتهاوني بحجتك فرقا ثم رضني بما قسمت لي من رزقك يا كريم، [يا كريم] أسألك باسمك العظيم رضاك عند السخطة والفرجة عند الكربة والنور عند الظلمة والبصيرة عند تشبه الفتنة، رب اجعل جنتي من خطاياي حصينة ودرجاتي في الجنان رفيعة وأعمالي كلها متقبلة وحسناتي مضاعفة زاكية، وأعوذ بك من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن ومن رفيع المطعم والمشرب ومن شر ما أعلم ومن شر ما لا أعلم، وأعوذ بك من أن أشتري الجهل بالعلم والجفاء بالحلم والجور بالعدل والقطيعة بالبر والجزع بالصبر والهدى بالضلالة والكفر بالإيمان».

ابن محبوب، عن جميل بن صالح أنه ذكر أيضا مثله وذكر أنه دعاء علي بن الحسين صلوات الله عليهما وزاد في آخره «آمين رب العالمين».

* الشرح:

قوله: (الحمد لله ولي الحمد وأهله ومنتهاه ومحله) وصفه تعالى بكل واحد من هذه المفهومات والأربعة مغاير لوصفه بغيره بالاعتبار إذ هو ولي الحمد من حيث كمال ذاته وصفاته وشرافة وجوده على الإطلاق، وأهله من حيث بسط عوائد كرمه عوائد نعمه على ساحة الإمكان، ومنتهاه من حيث ان الحمد ينتهي إليه ولا يجاوزه إذ ليس فوقه شيء، ومحله من حيث إثبات الحمد والمحامد كلها له. (أخلص من وحده) بنفي الشريك والند والضد والمثل والتركيب والتجزية في الذهن والخارج ونفي الصفات، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من كمال الإخلاص نفي الصفات عنه» وقد مر وجهه وتحقيقه في كتاب التوحيد.

(واهتدى) إلى السعادة الأبدية والمثوبات الإلهية. (من عبده) خالصا مخلصا لوجهه الكريم. (وفاز) بالكرامات الأبدية واللذات الروحانية والجذبات الإلهية. (من أطاعه) في أوامره ونواهيه ومواعظه ونصائحه بالإذعان والإيمان بها والتسليم والانقياد لها.

(وأمن) من عذاب الآخرة وأهوالها. (المعتصم به) في القاموس اعتصم بالله وامتنع بلطفه المعصية. (أسألك اللهم مسألة من خضع لك برقبته) على الخضوع بالرقبة لأن أغلب ظهوره كظهور

ص:494

ضده وهو التكبر بها. (ورغم لك أنفه) رغم لله أنفه بكسر الغين وفتحها ورغم الأنف ورغما بضم الراء وفتحها إذا ساخ في الرغام بالفتح وهو التراب ثم استعمل في الذل وأرغم الله أنفه إذا ألصقه بالرغام ثم استعمل في الإذلال وحمل الرغم هنا على الأصل ظاهر وعلى الذل محتمل. (وعفر لك وجهه) في الصحاح: العفر بالتحريك التراب عفره بالتراب يعفره عفرا أو عفره تعفيرا أي مرغه كاعفره. (وترددت عبرته) في القاموس العبرة بالفتح الدمعة قبل أن يفيض أو تردد البكاء في الصدر أو الحزن بلا بكاء.

(وفضحته عندك خطيئته) في الصحاح: الخطيئة الذنب أو ما تعمد منه كالخطء بالكسر والخطأ ما لم يتعمد. (وشانته عندك جريرته) أي عابته وقبحته والجريرة ذنب وجناية جرهما الإنسان على نفسه وغيره.

(فضعفت عند ذلك قوته) لأن الخطيئة والجريرة توجبان ضعف القوة في الدين ووهن الإعتقاد واليقين سيما إذا بلغت إلى حد الفضيحة. (وقلت حيلته) هي في اللغة الحذق وجودة النظر والقوة على التصرف يعني قلت جودة تفكره في ابدار الأعذار وقوة تصرفه في التخلص من النكال والبوار حيث انه ليس له عذر مقبول ولا مفر معقول.

(وإنقطعت عنه أسباب خدائعه) جمع خديعة وهي اسم من خدعه كمنعه خدعا ويكسر ختله وأراد به مكروها من حيث لا يعلم، والمراد بأسبابها طغيان القوة الشهوية والغضبية وغيرهما من قوى النفسانية والحيوانية الداعية إلى الشرور وبإنقطاع تلك الأسباب خمودها وذبولها لكبر السن ونحوه. (واضمحل عنه كل باطل) من الأسباب والمسببات ومقتضيات القوة البهيمية والسبعية التي حكم ببطلانها الموازين الإلهية والقوانين النبوية، والإضمحلال الذهاب والانحلال ومنه اضمحلت السحاب إذا ذهبت وتفرقت بالريح.

(وألجأته ذنوبه إلى ذل مقامه بين يديك) المقام بالفتح مصدر وبالضم اسم مكان أو زمان ولعل إضافة الذل إليه بتقدير «في» ثم المقام بين يديه من حيث هو عز لكنه من حيث أنه نشأ منه الذنوب ذل عظيم.

(وخضوعه لديك) عطف على ذلك أو مقامه والأول أظهر. (وإبتهاله إليك) الابتهال التضرع والمبالغة في السؤال والاجتهاد في الطلب وشاع استعماله أيضا في رفع اليدين ومدهما إلى السماء حتى تتجاوزا عن الرأس عند ظهور الدمعة والبكاء كما مر.

(أسألك اللهم سؤال من هو بمنزلته - اه) الظاهر أنه تأكيد لقوله: «أسألك اللهم سؤال من خضع لك برقبته» كما يشعر به ترك العطف وفائدته التكرير والتقرير ان اريد بالموصول الثاني عين الأول

ص:495

على سبيل الكناية أو دفع احتمال عدم الشمول والعموم ليفيد أن سؤال له مساو لسؤال كل من هو بمنزلته أو متصف بصفته. (فارحم إستكانته) من الكون أي صار له كون خلاف كونه كاستحال إذا تغير من حال إلى حال وقد مر.

(أسألك اللهم الهدى من الضلالة - إلى آخره) في المواضع الثلاثة للمبدل كما قيل في قوله تعالى: (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة) والمراد بالهدى الوصول إلى سبيل الحق والدخول فيه بقرينة الضلالة التي هي الخروج منه والدخول في سبيل الباطل، والعمى عدم البصيرة المستلزم للجهالة ولوازمها والغواية بالفتح الضلالة والخيبة أيضا، والرشد خلافها بالمعنيين والفرق بينهما بالمعنى الأخير خفي إلا أن يراد بها الضلالة الشديدة فتكون من باب ذكر الخاص بعد العام للاهتمام، قال ابن الأثير: الغي الضلال والانهماك في الباطل.

(وأسألك اللهم أكثر الحمد عند الرخاء) هو الله سبحانه يستحق الحمد عند الشدة كما يستحقه عند الرخاء كما نطقت به الروايات ودلت عليه الصحيفة السجادية وإنما خص الرخاء بالذكر لأنه أكثر ولأنه في أكثر الناس سبب للبطر والغفلة فطلب كثرة الحمد عنده أهم.

(وأجمل الصبر عند المصيبة) هو حبس النفس عن الجزع والشكوى وعن الانتقام أيضا لو كانت المصيبة واردة من قبل الناس وفيه فوائد كثيرة في الدنيا ومثوبات جزيلة في الآخرة (وأفضل الشكر عند موضع الشكر) موضعه النعمة قال في النهاية: الشكر مثل الحمد إلا أن الحمد أعم منه فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه ولا تشكره إلا على معروفه دون صفاته والشكر مقابل النعمة بالقول والفعل والنية فيثني على المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعته ويعتقد انه مولاها.

(والتسليم عند الشبهات) عطف على أفضل أو على الشكر والتسليم وهو الإذعان والانقياد عند الشبهات والتوقف عند المشكلات إلى أن يرفع إلى العالم بوجه المراد أمر مطلوب من العباد ولازم على أهل الدين والرشاد لئلا يقعوا على الحرام والفساد كما دل عليه الخبر ونطق به الأثر.

(والهرب إليك منك) أي من عقوبتك. والهرب بالتحريك الفرار.

(والتقرب إليك رب لترضى) طلب التقرب تفضلا منه أو طلب التوفيق لما يوجبه واللام في «لترضى» متعلق بقوله: «أسألك القوة» وتعليل له، لا بقوله: «أسألك اللهم أكثر الحمد - إلى آخره» فانه بعيد. ولا بالتقرب فقط فانه تخصيص بلا مخصص.

(والتحري لكل ما يرضيك - اه) من القول والفعل والاعتقاد والتحري القصد والطلب والاجتهاد والعزم كذا في النهاية وفي القاموس: تحراه تعمده وطلب ما هو أحرى بالإستعمال

ص:496

وقوله: (التماسا لرضاك) أي طلبا له علة للتحري أو للإسخاط.

(أو من يعود على أن أقصيتني) العود النفع والعطف، ومنه العائدة يقال هذا: الشيء أعود عليك من كذا أي أنفع وفلان ذو عائدة أي ذو منفعة وتعطف والإقصاء الإبعاد يقول أقصيته إذا أبعدته وطردته (رب ما أسوء فعلي وأقبح عملي) تعجب مما جعل فعله سيئا وعمله قبيحا لعظمته وخفاء سببه «ما» بمعنى شيء مبتدء وما بعدها خبره أو موصولة وما بعدها صلتها والخبر محذوف والمعنى على الأول شيء عظيم لا يدركه ذاته ولا وصفه ولا سببه أسوء فعلي شيء عظيم أو استفهامية وما بعدها خبرها فكأنه للجهل بالنسبة أو لتحيره استفهم عنه والاستفهام وقد يستفاد منه التعجب نحو (وما أدراك ما ليلة القدر) (وما أدراك ما يوم الدين) وقس عليه البواقي.

(وأقسى قلبي) حتى يترك ما ينفعه ويوجب حياته وقوته ويرتكب ما يضره ويوجب موته وعقوبته.

(وأطول أملي وأقصر أجلي) فيه تعجب، وطول الأمل في الامور الدنيوية التي لا يمكن حصولها فيه وعلى فرض حصولها لا حاجة إليها.

(وما أحسن بلاءك عندي) البلاء والمحنة العطية (وأظهر نعماك علي) النعما بالضم والقصر والنعماء بالفتح والمد اسم لما أنعم الله عليك كالنعمة بالكسر.

(وقل مني الشكر فيما أوليتنيه) من المعروف والنعمة وفي الكنز ايلاء بخشيدن.

(وبطرت بالنعم) البطر محركة النشاط والأشر وهو شدة المرح والطغيان بالنعمة وفعله كفرح.

(وصرت إلى الهرب من الخوف والحزن) وفي بعض النسخ «إلى اللهو» وهو العلب والانس أيضا ومنه لهت المرأة إلى حديثه إذا أنست به.

(فما أصغر حسناتي وأقلها في كثرة ذنوبي) وصف الحسنات بالصفر بحسب المقدار وبالقلة بحسب العدد ولم يقل في عظم ذنوبي وكثرتها إقتصارا بالقرينة، وفي للظرفية مجازا للمقايسة كما في قولك: خيره قليل في شره أي بالقياس إليه.

(وما أكثر ذنوبي وأعظمها على قدر صغر خلقي وضعف ركني) ركن كل شخص جوارحه وجوانبه التي يستند إليها ويقوم بها وأيضا عشيرته الذين يستند إليهم كما يستند إلى الركن من الحائط والأول هنا أنسب والثاني متحمل وفيه تعجب في تعجب من حمل هذا الخلق الصغير الضعيف تلك الأثقال الكثيرة والأحمال العظيمة الثقيلة التي لا يقدر على تحملها الأقوياء. (رب وما أطول أملي في قصر أجلي وأقصر أجلي في بعد أملي) أيضا مبالغة في التعجب حيث أراد تحصيل ما يقتضي زمانا طويلا في زمان قصير وتطبيق زمان قصير بزمان طويل.

ص:497

(وما أقبح سريرتي في علانيتي) فيه أيضا مبالغة في التعجب حيث أنه أفسد سريرته مع الخالق وأصلح علانيته مع الخلق وذلك النفاق والمخادعة فصار بذلك مصداقا لقوله تعالى (يخادعون الله وهو خادعهم).

(رب لا حجة لي ان احتججت) لأنها داحضة بعد التعريف والبيان. (ولا عذر لي ان اعتذرت) لأنه مقطوع بعد التوضيح والبيان. (ولا شكر عندي ان ابتليت وأوليت) يجوز بناء الفعلين للفاعل والمفعول وهو أظهر، والابتلاء كما يكون بالمحنة والعطية كذلك يكون بالمحنة والبلية وهي أولى بالإرادة هنا للفرار عن وسمه التكرار وفيه دلالة على أنه تعالى يستحق الشكر في الحالين.

(ان لم تعني على شكر ما أوليت) بالتوفيق له وصرف القوة إليه والفعل يحتمل الوجهين والعائد إلى الموصول محذوف ولم يذكر الابتلاء إما للاختصار أو للتغليب أو لأن الابتلاء أيضا إيلاء (رب ما أخف ميزاني غدا) لقلة حسناتي وصغرها وكثرة سيئاتي وعظمها. (ان لم ترجحه) بالتفضل أو لمحو بعض السيئات وإسقاطه أو بتثقيل الخفيف وتخفيف الثقيل وهما أيضا تفضل.

(كيف لي بذنوبي التي سلفت مني) كيف استفهام عن الأحوال وقد يقع للتعجب منه وهو المراد هنا أي حال لي بسبب تلك الذنوب أو معها.

(وقد هدت لها أركاني) الواو للحال وهدت على البناء للمفعول بمعنى كسرت يقال هذا البناء يهده هدا كسره وضعضعه وهدته المصيبة ضعفت أركانه أي جوارحه وهذه الجملة الحالية سبب لما ذكر من الحالة العجيبة.

(وكيف أطلب شهوات الدنيا وأبكي على خيبتي فيها) المراد بالبكاء معناه حقيقة مع إمكان أن يراد به الحزن كناية.

(ولا أبكي وتشتد حسراتي على عصياني وتفريطي) الظاهر أن تشتد عطف على أبكي وكونه حالا عن فاعله محتمل وقوله: «على عصياني» متعلق به وبأبكي على سبيل التنازع وفيه تعجب من انعكاس حاله حيث طلب الدنيا وبكى على عدم نيلها ولم يطلب الآخرة ولم يبك على الإتيان بما يوجب خرابها مع أن الدنيا دار الفرار والآخرة دار القرار.

(رب دعتني دواعي الدنيا) هي الشهوات الدنياوية والرغبات النفسانية والشيطانية والقوى الجسمانية. (فأجبتها سريعا) من غير إبطاء ولا توان.

(وركنت إليها طائعا) من غير كراهة ولا تثاقل. (ودعتني دواعي الآخرة) أي الأوامر الإلهية والنبوية والمثوبات الجزيلة الباقية الاخروية.

ص:498

(فتثبطت عنها) أو تعوقتها وإشتغلت عنها بغيرها يقال ثبطه عن مراده تثبيطا إذا عوقه وشغله عنه فتثبط. (وحطامها الهامد) شبه متاع الدنيا بالحطام وهو بالضم ما تكسر من اليبس ووصف الحطام بالهامد وهو النبات البالي اليابس للمبالغة في ذمه وتكسره وعدم نضارته وخروجه عن حد الانتفاع به. (وهشيمها البائد) الهشم الكسر والهشيم المكسور فعيل بمعنى مفعول والبائد الهالك من باد يبيد إذا هلك وفي تشبيه متاع الدنيا به مبالغة في التنفير عنه لذهاب مائه وعدم روائه وقلة نضرته وزوال خضرته، ويمكن أن يكون الهشيم بمعنى الهاشم للإشعار بأنه مع كونه هالكا في نفسه كما مر مهلك لمن تمسك به وركن إليه.

(وشرابها الذاهب) الشراب بالفتح ما يشرب من الماء وغيره من المايعات، وفي بعض النسخ «سرابها» بالسين المهملة وهو ما تراه نصف النهار كأنه ماء وليس بماء، شبه به متاع الدنيا في انه ليس بشيء والمبالغة في التنفير عنه مؤيدة له والذاهب مؤيد للأول لإفادته بحسب الظاهر انه شيء لا اعتناء به لأنه ذاهب منقطع.

(رب خوفتني) من مخالفتك وعقوبتك. (وشوقتني) إلى طاعتك ومثوبتك. (واحتججت علي برقي) أي بأني عبد مملوك لك يجب على طاعتك كما يجب على العبد طاعة مولاه.

(وكفلت برزقي) كما صرحت به في مواضع من القرآن الكريم والكافل الضامن كالكفيل وقد كفل به كضرب ونصر وكرم وعلم ضمنه.

(فأمنت خوفك) الخوف يوجب فعل الطاعات وترك المنهيات والأمن يوجب عكس ذلك فهو كناية عن ترك ما ينبغي فعله وفعل ما ينبغي تركه.

(وتثبطت عن تشويقك) فاشتغلت بما يوجب سخطك وعقوبتك. (ولم أتكل على ضمانك) برزقي فاضطربت في تحصيله وإكتسابه من أي وجه كان مشتغلا به عن أمر الآخرة.

(وتهاونت بإحتجاجك) علي بالعبودية وتركت ما وجب علي من عبادتك وطاعتك.

(اللهم فاجعل أمني في هذه الدنيا خوفا) الفاء زائدة أو استئناف والجار والمجرور متعلق بالأمن وفائدته الاحتراز عن الآخرة فان المطلوب فيها هو العكس.

(أسألك باسمك العظيم) الوصف للمدح أو التوضيح إذ كل اسمه عظيم ولا يبعد أن يراد به الفرد الكامل وهو الاسم الأعظم لأن المطلق ينصرف إليه.

(رضاك عند السخطة) طلب تحويل عذابه بالإحسان أو ما يرضيه عند ما يسخطه والسخط كقفل وعنق وجبل خلاف الرضا سخط كفرح غضب أسخط أغضبه.

(والفرجة عند الكربة) في القاموس الفرجة مثلثة التفصي من الغم فرج الله الغم يفرجه كشفه

ص:499

وأخرجه. (والنور عند الظلمة) لعل المراد بهما العلم والجهل أو الطاعة والمعصية أو الهدى والضلالة أو الخير والشر كل ذلك على سبيل الاستعارة.

(والبصيرة عند تشبه الفتنة) الشبه بالكسر والتحريك المثل وأشباه ذلك أمثاله وتشابها وإشتبها أشبه كل منهما الآخر حتى التبسا والشبهة بالضم الالتباس والتشبيه التلبيس يقال: تشبه عليه الأمر تشبها إذا التبس عليه وامور مشتبهة ومشبهة ملتبسة مشكلة وللفتنة معان منها الضلال ومنها الإذلال ومنها إختلاف الناس في الآراء، ويطلق أيضا على المذاهب المختلفة الحاصلة من الآراء والظاهر أن إضافة التشبيه إلى الفتنة إضافة المصدر إلى المفعول والمقصود طلب البصيرة القلبية الفارقة بين الحق والباطل عند تلبيس أهل التشبيه فتنتهم بصورة الحق ويمكن أن يكون الفتنة فاعلا للتشبيه مجازا للملابسة بينها وبين الفاعل الحقيقي وكان الفتنة تلبس نفسها بالحق فالإضافة حينئذ مجاز عقلي.

(رب اجعل جنتي من خطاياي حصينة) أي غير متأثرة بتسويلات النفس وتدليسات الشيطان والجنة بالضم الترس ولعل المراد بها التقوى الواقية المانعة من الخطأ والمعصية.

(وحسناتي مضاعفة زاكية) أي طاهرة من الخلل والنقص أو نامية وقد روي ان العمل القليل الخالص قد ينمو بلطف الله تعالى حتى يصير كجبل احد.

(أعوذ بك من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن) كلها تأكيد للشمول ودفع لتوهم التخصيص الشائع في العموم والمراد بظاهرها وجليها وهو ما علم أنه فتنة بظاهر النظر كالقتال والسبي والنهب والهرج والمرج والعداوة العلانية ونحوها مما علم فساده نظرا إلى ظاهر الشريعة وباطنها خفيها وهو ما علم أنه فتنة بالنظر الدقيق والفكر العميق كبعض شبهات المخالفين ومعاداة المنافقين ومكائد الماكرين وأمثالها.

(ومن رفيع المطعم والمشرب) وان كان حلالا لأن في حلاله حسابا وفي حرامه عقابا ولأنه يوجب الغفلة والقسوة والدخول في زمرة المتنعمين والخروج عن زي المساكين وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): «اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين» وروي أنه (صلى الله عليه وآله) لم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام.

(والهدى بالضلالة) الظاهر ان فيه قلبا وفي المصباح أو الضلالة بالهدى وهو يؤيده ويمكن التوجيه بإرادة البيع من الإشتراء وان كان بعيدا لكونه مخالفا للسابق واللاحق.

* الأصل:

32 - ابن محبوب قال: حدثنا نوح أبو اليقظان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ادع بهذا الدعاء:

ص:500

«اللهم إني أسألك برحمتك التي لا تنال منك إلا برضاك والخروج من جميع معاصيك [إلا برضاك] والدخول في كل ما يرضيك والنجاة من كل ورطة والمخرج من كل كبيرة أتى بها مني عمدا وزل بها مني خطاء أو خطر بها علي خطرات الشيطان أسألك خوفا توقفني به على حدود رضاك وتشعب به عني كل شهوة خطر بها هواي واستزل بها رأيي ليجاوز حد حلالك، أسألك اللهم الأخذ بأحسن ما تعلم وترك سييء كل ما تعلم أو أخطىء من حيث لا أعلم أو من حيث أعلم، أسألك السعة في الرزق والزهد في الكفاف والمخرج بالبيان من كل شبهة والصواب في كل حجة والصدق في جميع المواطن، وإنصاف الناس من نفسي فيما علي ولي، والتذلل في إعطاء النصف من جميع مواطن السخط والرضا وترك قليل البغي وكثيره في القول مني والفعل وتمام نعمتك في جميع الأشياء والشكر لك عليها لكي ترضى وبعد الرضا، وأسألك الخيرة في كل ما يكون فيه الخيرة بميسور الامور كلها لا بمعسورها يا كريم يا كريم يا كريم وافتح لي باب الأمر الذي فيه العافية والفرج وافتح لي بابه ويسر لي مخرجه، ومن قدرت له علي مقدرة من خلقك فخذ عني بسمعه وبصره ولسانه ويده، وخذه عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن قدامه وامنعه أن يصل إلي بسوء، عز جارك وجل ثناء وجهك ولا إله غيرك، أنت ربي وأنا عبدك، اللهم أنت رجائي في كل كربة وأنت ثقتي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، فكم من كرب يضعف عنه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويشمت فيه العدو وتعيى فيه الامور أنزلته بك وشكوته إليك راغبا إليك فيه عمن سواك قد فرجته وكفيته، فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حاجة ومنتهى كل رغبة فلك الحمد كثيرا ولك المن فاضلا».

* الشرح:

قوله: (اللهم إني أسألك برحمتك التي لا تنال منك إلا برضاك) في الكنز الرحمة مهربانى ودوستى نمودن والوصف لتخصيص الرحمة بما هو للخواص وهي التي تنال بها السعادة الأبدية والتقربات الربانية ودرجات الجنة العالية وأما التي تنال بها معرفة طريق الخير والشر والوصول إلى المطالب الدنيوية فهي عامة للمؤمن والكافر والصالح والطالح غير متوقفة على الرضا وما عطف عليه. (والخروج من جميع معاصيك) بعدم فعلها أصلا أو بالتوبة الخالصة منها بعده وهو بالجر عطف على رضاك وكذا المعطوفات بعده.

(والدخول في كل ما يرضيك) من الأعمال الحسنة الظاهرة والعقائد الصحيحة الباطنة.

(والنجاة من كل ورطة) الورطة كل غامض والهلكة وكل أمر يعسر النجاة منه أو ورطة ألقاه فيها.

ص:501

(والمخرج من كل كبيرة) هي كثيرة وتفصيلها في محلها وعند بعض الأصحاب كل الذنوب كبيرة والصغير بالإضافة والمخرج مصدر بمعنى الخروج.

(أتى بها مني عمدا وزل بها مني خطاء) مني في الموضعين متعلق بما بعده واسناد الإتيان والزلة إلى عمد وخطاء اسناد مجازي ومجاز عقلي كاسناد الفعل إلى السبب.

(أو خطر بها على خطرات الشيطان) أي اهتز بسببها وساوس الشيطان من قولهم خطر الرمح يخطر وخطر بسيفه إذا هزه وحركة متعرضا للمبارزة واسناده إلى خطرات الشيطان اسناد إلى السبب مجازا وفيه تشبيه ضمنا للشيطان بالمحارب المبارز والمعصية بسيفه الصارم بالإهلاك.

(أسألك خوفا توقفني به على حدود رضاك) لا تجاوزها إلى مواضع سخطك وفيه إيماء إلى أن الوقوف على ما ذكر من لطف الله تعالى كما أن حصول الخوف بملاحظة التقصير من لطفه وبه الاستعانة والتوفيق. (وتشعب به عني كل شهوة خطر بها هواي) عطف على توقفني والشعب كالمنع التفريق يقول: شعبت الشيء إذا فرقته والشهوة شاملة للحرام والمباح الذي لا يحتاج إليه والخوف سبب لرفض الشهوات الموجبة للغفلة من الله تعالى وعن أمر الآخرة.

(واستزل بها رأيي) عطف على خطر والرأي نظر القلب والاعتقاد، ويمكن أن يراد به القلب والنفس تسمية للمحل باسم الحال.

(ليجاوز حد حلالك) ويدخل في حرامك الجار متعلق باستزل وخطر وفاعل يجاوز راجع إلى كل واحد من الرأي والهوى.

(أسألك اللهم الأخذ بأحسن ما تعلم) من أنواع الخير وأفراده والمقصود أحسن فرد من كل وأكمله. (وترك سيىء كل ما تعلم) من أنواعه وأفراده والمطلوب ترك جميعها وسيىء الأمر القبيح والسيئة الخصلة القبيحة وأصلهما سيوء وسيوئة قلبت الواو ياء وأدغمت.

(أو أخطىء من حيث لا أعلم أو من حيث أعلم) أخطىء على صيغة المتكلم والظاهر أنه عطف على تعلم فيندرج تحت الترك.

(أسألك السعة في الرزق) هو كل ما يجوز الانتفاع به والمطلوب قدر الكفاف بقرينة قوله:

(والزهد في الكفاف) هو بفتح الكاف ما يكون بقدر الحاجة ويكف عن السؤال والجار والمجرور في محل النصب على أنه حال عن الزهد لا متعلق به وفي للمصاحبة وبمعنى مع وعلى التقديرين إندفع توهم خلاف المقصود.

(والمخرج بالبيان من كل شبهة) في الأمور الدنيوية أو الدينية أو المبدأ أو المعاد والباء للسببية، والبيان: الإفصاح والإيضاح والشبهة ما إمتزج من الحق والباطل وألبس المجموع بصورة

ص:502

الحق ولذلك سمي شبهة لإشتباهه بالحق وأما الباطل الصرف الذي لا يكون معه شيء من الحق فليس بشبهة إذ لا يخفى على العاقل وجه فساده.

(والصواب في كل حجة) الحجة ان كانت بمقدمات صادقة وصورة صحيحة وشرائط معتبرة كانت حقا وصوابا والحاصل منها يقينا وصدقا وإلا كانت شكا وشبهة لا حجة وبرهانا إلا عند أصحاب الجهل المركب، والمقصود هنا طلب التوفيق للاولى والتحرز من الثانية والفرار من الجهل المركب.

(والصدق في جميع المواطن) مواطن السر والعلانية والمحاورة والامور الدنيوية والدينية والمبدأ والمعاد. (وإنصاف الناس من نفسي فيما علي ولي) الإنصاف العدل يقال أنصفهم من نفسه إذا عدل معهم وعاملهم بالعدالة فيما عليه من اعطاء حقوقهم كما هي وفيما له من أخذ حقه كما هو من غير زيادة.

(والتذلل في إعطاء النصف من جميع مواطن السخط والرضا) التذلل إما من الذل بالكسر وهو ضد الصعوبة ومنه الذلول أو من الذل بالضم وهو الهون ومنه الذليل، والنصف والنصفة محركتين اسم من الإنصاف والمطلوب هو التسهيل أو التوفيق للمذلة لله في الإتيان بما يقتضيه العدالة في حال السخط على أحد والرضا عن رجل بحيث يأمن المسخوط عن ظلمه وجوره وييأس المرضى من تعصبه وحميته.

(وترك قليل البغي وكثيرة في القول مني والفعل) البغي الخروج عن طاعة من يجب طاعته وأصله مجاوزة الحد والفعل شامل للفعل القلبي أيضا وبالجملة كل عضو من الإنسان أمر بشيء ونهى عن شيء وكل واحد من ترك الأول وفعل الثاني بغي.

(وتمام نعمتك في جميع الأشياء) التي طلبتها أو لم أطلبها وتمامها كمالها، وفي بعض النسخ «نعمك» بصيغة الجمع.

(والشكر لك عليها) طلب التوفيق له لأنه طاعة والطاعة لا تحقق إلا بتوفيق الله تعالى ونصرته والشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل فيثني على المنعم بلسانه ويتعب نفسه في طاعته ويعتقد أنه مولاه. (لكي ترضى وبعد الرضا) كي حرف تعليل دالة على سببية ما قبلها لما بعدها والمضارع بعدها منصوب بها أو بإضمار أن واللام الداخلة عليها زائدة للتأكيد لأنهما بمعناها، ورضاه تعالى عن العبد عبارة عن الإحسان إليه، ومن البين أن الشكر سبب للإحسان كما قال عزوجل: (لئن شكرتم لأزيدنكم) ولعل قوله: «بعد الرضا» عطف على «ترضى» بتقدير فعل مثله للإشعار بأن المطلوب هو الإحسان بعد الإحسان على سبيل الاستمرار ولديه مزيد. (وأسألك الخيرة) هي

ص:503

بكسر الخاء وسكون الياء ويفتح ما فيه الخير اسم من خار الله لك في الأمر إذ جعل لك فيه خيرا.

(في كل ما يكون فيه الخيرة) «ما» موصولة أو موصوفة وفائدتها الاحتراز عما ليس فيه خيرة أصلا كالكفر والشرك وشرب الخمر والزناء وأمثالها والجار والمجرور متعلق بالسؤال وظرف له وفائدته التصريح بأن المطلوب هو الخيرة في كل شيء يوجد فيه الخير ويتحقق فيه الخيرة لا في شيء معين ولا في شيء ما.

(بميسور الامور كلها لا بمعسورها) ظرف للسؤال أيضا أو حال عن الخيرة في الاولى والباء بمعنى «في» أو للملابسة لإفادة أن المطلوب كون الخيرة في الامور الميسورة التي يسهل حصولها من غير تعب لا في الامور المعسورة التي لا تحصل إلا بمشقة وكلفة.

(يا كريم يا كريم يا كريم) كرره للمبالغة والإلحاح وذكر هذا الاسم الشريف لأنه أنسب بمقام السؤال وإجابة السائل.

(وإفتح لي باب الأمر الذي فيه العافية والفرج) أي العافية من المكاره الآتية والفرج من المكاره الواقعة والتعميم فيهما ممكن ومن تلك المكاره الذنوب والخطايا والأمراض والبلايا وضيق المعيشة في الدنيا.

(وافتح لي بابه ويسر لي مخرجه) تأكيد لما سبق والضمير المجرور فيهما راجع إلى الأمر ولعل المراد ببابه ومخرجه أسبابه وشرائطه على سبيل التشبيه إذ الأمر الممكن بأسبابه وشرائطه يدخل من حد الكمون إلى البروز ويخرج من درجة الخفاء إلى الظهور.

(ومن قدرت له علي مقدرة) القدر القضاء والحكم يقال: قدر الله ذلك عليه كنصر وضرب قدرا بالتحريك وقد يسكن وقدره عليه وله تقديرا إذا قضى وحكم والمقدرة مثلثة الدال القوة والقدرة: (فخذ عني بسمعه وبصره ولسانه ويده) أخذ هذه الجوارح منه كناية عن اغفاله عن أفعاله ورفع الأذى والتأثير والضرر المتصورة من قبلها ولم يذكر الرجل لدخولها في قوله: (وخذه عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن قدامه) وهو كناية عن سد طرق أضراره من جميع الجهات.

(وامنعه أن يصل إلي بسوء) هذا ثمرة لأخذه على الوجه المذكور، ويمكن أن يكون المراد منع إرادة إيصال السوء وصرف قلبه عنه.

(عز جارك) الجار الذي أجرته من أن يظلمه أحد والمستجير إلى الله عزوجل عزيز محفوظ في الدنيا من أذى الأشرار وفي الآخرة من عذاب النار.

(وجل ثناء وجهك) الجلالة العظمة والثناء بالفتح وصف بمدح والوجه الذات يعني عظم وصف ذاتك بصفاتك الذاتية والفعلية بحيث عجز عنه ألسنة الواصفين وإفهام العارفين.

ص:504

(ولا إله غيرك أنت ربي وأنا عبدك) فلا دافع عني غيرك ولا ملجأ لي سواك كما أشار إليه بقوله: (اللهم أنت رجائي في كل كربة) وهي الحزن الشديد الذي يأخذ النفس ويضعف به القلب.

(وأنت ثقتي في كل شدة) الثقة الإيتمان يقال وثقت به أثق بالكسر إذا ائتمنه، والحمل للمبالغة أو المصدر بمعنى المفعول كالسابق.

(وأنت لي) الظرف متعلق بثقة وعدة قدم للحصر. (في كل أمر نزل بي) من نوازل الدهر (ثقة وعدة) هي ما أعددته وهيأته ليوم الحاجة ورفع شدائده.

(فكم من كرب يضعف عنه الفؤاد) كم أخبار عن كثرة لا تحصى، والفؤاد بالضم والهمز القلب وفي نسبة الضعف إلى القلب الذي هو أمير البدن إشعار إلى هجومه على جميع الجوارح.

قوله: (وتقل فيه الحيلة) أي حذاقة النفس وتصرفها في وجوه التخلص منه لتحيرها وعدم إهتدائها إليها. (ويشمت فيه العدو) شمت كفرح لفظا ومعنى والشماتة من بلية أعظم منها.

(وتعييني فيه الامور) عى بالأمر وعيى كرضى إذا لم يهتد بوجهه أو عجز منه ولم يطق على أحكامه وأعياه هو إذا عجزه وصيره بحيث لا يهتدي إلى وجه مصالحه، و «في» للظرفية المجازية أو بمعنى الباء السببية يعني أعجزتني بسببه اموري فلم أقدر على إحكامها ولم أهتد إلى وجه مصالحها. وفي بعض النسخ «تعبى» كترضى واسناد العجز إلى الامور اسناد إلى ملابس ما هو له وهو صاحبها.

(أنزلته بك وشكوته إليك راغبا إليك فيه عمن سواك قد فرجته وكفيته) في محل الرفع على أنه خبر لقوله: «فكم من كرب» وفي مضمون هذه الجملة مع أنه شكر لتلك النعمة الجزيلة وهي كشف الكروب الكثيرة في الأزمنة الماضية جلب للمزيد وإستعطاف وترقب لرفع الكربات الحاضرة لأن المعتاد بالإحسان متوقع له في جميع الأزمان وفي حصر الرغبة إليه سبحانه إيماء إلى بعض شرائط استجابة الدعاء لأن الراغب إلى غيره أيضا يجعله شريكا له تعالى فيكله الله سبحانه إليه. (فأنت ولي كل نعمة) ظاهرة وباطنة جلية وخفية وجودية وعدمية وفيه حصر للشكر فيه عزوجل لإختصاص النعمة به.

(وصاحب كل حاجة) صرف وجوه الحاجات إليك وطالبها في قضائها متضرع بين يديك.

(ومنتهى كل رغبة) إذ رغبات الراغبين منتهية إليك ومطايا الآمال واقفة لديك والغرض من هذا الخبر ونحوه إظهار التوقع لحصول الغرض المطلوب لا إفادة الحكم ولازمه.

(فلك الحمد كثيرا ولك المن فاضلا) عن قدر الحاجة أو كثيرا والمن الإعطاء وإصطناع المعروف ونصب الإسمين على المصدرية أي حمدا كثيرا ومنا فاضلا وتقدم الظرف للحصر.

ص:505

* الأصل:

33 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: قل: «اللهم إني أسألك قول التوابين وعملهم ونور الأنبياء وصدقهم ونجاة المجاهدين وثوابهم وشكر المصطفين ونصيحتهم وعمل الذاكرين ويقينهم وإيمان العلماء وفقههم وتعبد الخاشعين وتواضعهم وحكم الفقهاء وسيرتهم وخشية المتقين ورغبتهم وتصديق المؤمنين وتوكلهم ورجاء المحسنين وبرهم اللهم إني أسألك ثواب الشاكرين ومنزلة المقربين ومرافقة النبيين.

اللهم إني أسألك خوف العاملين لك وعمل الخائفين منك وخشوع العابدين لك ويقين المتوكلين عليك وتوكل المؤمنين بك، اللهم إنك بحاجتي عالم غير معلم وأنت لها واسع غير متكلف أنت الذي لا يحفيك سائل ولا ينقصك نائل ولا يبلغ مدحتك قول قائل، أنت كما تقول وفوق ما تقول، اللهم اجعل لي فرجا قريبا وأجرا عظيما وسترا جميلا، اللهم إنك تعلم أني على ظلمي لنفسي وإسرافي عليها لم أتخذ لك ضدا ولا ندا ولا صاحبة ولا ولدا، يامن لا تغلطه المسائل، يامن لا يشغله شيء عن شيء ولا سمع عن سمع ولا بصر عن بصر ولا يبرمه إلحاح الملحين أسألك أن تفرج عني في ساعتي هذه من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب إنك تحيي العظام وهي رميم وإنك على كل شيء قدير، يامن قل شكري له فلم يحرمني وعظمت خطيئتي فلم يفضحني ورآني على المعاصي فلم يجبهني وخلقني للذي خلقني له فصنعت غير الذي خلقني له فنعم المولى أنت يا سيدي وبئس العبد أنا وجدتني ونعم الطالب أنت ربي وبئس المطلوب [أنا] ألفيتني، عبدك وابن عبدك وابن أمتك بين يديك ما شئت صنعت بي.

اللهم هدأت الأصوات وسكنت الحركات وخلا كل حبيب بحبيبه وخلوت بك، أنت المحبوب إلي فاجعل خلوتي منك الليلة العتق من النار يامن ليست لعالم فوقه صفة يامن ليس لمخلوق دونه منعة يا أولا قبل كل شيء ويا آخرا بعد كل شيء يامن ليس له عنصر ويا من ليس لآخره فناء ويا أكمل منعوت ويا أسمح المعطين ويا من يفقه بكل لغة يدعى بها ويا من عفوه قديم وبطشه شديد وملكه مستقيم أسألك باسمك الذي شافهت به موسى يا الله يا رحمن يا رحيم، يا لا إله إلا أنت، اللهم أنت الصمد أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تدخلني الجنة برحمتك».

* الشرح:

قوله: (اللهم إني أسألك قول التوابين وعملهم) اريد بالقول القول اللفظي والنفسي

ص:506

وهو الندامة من الذنوب والعزم على عدم العود إليها وبعملهم ما يترتب عليه من تدارك ما مضى والاجتهاد فيما يأتي لا الذنوب السابقة باعتبار أن التوبة سبب للمحبة كما قال عز وجل: (أن الله يحب التوابين) وهذا باب واحد من تدليسات اللعين لإغواء المؤمنين القاصرين، وأما الكاملون فيعلمون أن المحبة بترك الذنوب أشد وأقوى وأن تركه أهون وأسهل من التوبة بعده لوجوه ذكرناها في محلها.

(ونور الأنبياء وصدقهم) اريد بنورهم علمهم أو هدايتهم أو بصيرتهم أو عملهم كل ذلك من باب الاستعارة، وبصدقهم صدقهم قولا وعملا وإعتقادا فان الصدق كما يجري في القول باعتبار مطابقته للواقع كذلك يجري في العمل والاعتقاد بذلك الاعتبار.

(ونجاة المجاهدين وثوابهم) الموعود في القرآن العظيم من جنات وعيون ومقام كريم، والمراد بنجاتهم نجاتهم من قيد النفس الأمارة بالسوء وسوسة الشيطان الرجيم وأهوال يوم القيامة والعذاب الأليم.

(وشكر المصطفين ونصيحتهم) لله ولعباده والنصح الخلوص وهو إرادة الخير للمنصوح له ومعنى النصيحة له تعالى صحة الإعتقاد في وحدانيته وما يصح له ويمتنع عليه والإخلاص النية في عبادته والتصديق بكتابه والعمل به والحث عليه ومعنى النصيحة لعباده هدايتهم إلى منافعهم وإرشادهم إلى مصالحهم وجذبهم عن طرق الضلالة إلى سبيل الهداية والمراد بالمصطفين الرسل أو الأعم.

(وعمل الذاكرين ويقينهم) المراد بالذاكر الذاكر باللسان والذاكر بالقلب وهو الذاكر عند الأمر فيبتدر وعند النهي فينزجر وعند المصيبة فيصطبر، وبعملهم نفس هذه الأذكار أو ما يترتب عليها وباليقين العلم بالحق مع العلم بأنه لا يكون غيره ولذلك، قال المحقق الطوسي في أوصاف الأشراف: اليقين مركب من علمين.

(وإيمان العلماء وفقههم) المراد بإيمانهم الإيمان المستفاد من البرهان المفيد لليقين وأما إيمان غيرهم فهو ظني أو تقليدي ناقص أو مستودع، وبالفقه العلم بالدين وما اشتمل عليه السنة النبوية والكتاب المبين والعمل به مع بصيرة قلبية داعية إلى الآخرة زاجرة عن الدنيا والركون إليها.

(وتعبد الخاشعين وتواضعهم) لله ولرسوله والأئمة المعصومين ولسائر المؤمنين والتواضع ضد التكبر ومن أفراده والامتثال بالأوامر والنواهي والإتعاظ بالمواعظ والنصائح والخشوع السكون والتذلل وهو وصف يتصف به القلب والبصر واللسان وغيرها من الجوارح وصاحب هذا الوصف متقيد بسائر أوصاف الكمال غير متجاوز منها إلى أضدادها. (وحكم الفقهاء وسيرتهم) اريد

ص:507

بالفقهاء العالمون بالشريعة كما هي وحكمهم مطابق لحكم الله قطعا وبالسيرة السنة والطريقة والهيئة الحسنة فالمطلوب استقامة القلب وربطه بالحق والحكم به واستقامة الظاهر مثلهم.

(وخشية المتقين ورغبتهم) الخشية الخوف الحاصل من العلم بعظمته تعالى ولذلك قال الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وهي مقتضية للتقوى من الله وترك محرماته والرغبة إليه في التوفيق لمرضاته (وتصديق المؤمنين وتوكلهم) اريد بالمؤمنين الكاملين في الإيمان وهم الذين صدقوا بالله وبرسوله وبما جاء به الرسول وعملوا الصالحات وتركوا المنهيات وهذبوا الظاهر والباطن وساروا بشراع التوكل ورفض الأغيار إلى حضرة القدس وساحة الجبار. (ورجاء المحسنين وبرهم) رجاء أحد بالسعادة الأبدية والمثوبات الاخروية والتقرب بالحضرة الربوبية سبب للإحسان والبر بنفسه وبغيره والإحسان قد يفسر بما يقتضيه مقام المشاهدة وهو أن تعبد الله كأنك تراه وإليه أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «لم أعهد ربا لم أره» وقد يفسر بما يقتضيه مقام المراقبة وهو أن تعبده معتقدا بأنه يراك وهذا دون الأول وقد يفسر بالإخلاص في النية في جميع الأعمال فان العامل بدونه ليس محسنا والإحسان على جميع التفاسير يقتضي تجويد العمل والإتيان بجميع ما له مدخل في كماله والاحتراز عن كل ما له تأثير في نقصانه.

(اللهم إني أسألك ثواب الشاكرين ومنزلة المقربين ومرافقة النبيين) طلب ذلك من باب التفضل بعد تحقق الاستعداد بصحة الإيمان والعمل في الجملة وطلب التوفيق مثل أعمالهم الموجبة لهذه الدرجات العلية. (اللهم إني أسألك خوف العاملين لك) خوفهم خوف التقصير في العمل أو خوف عدم قبوله وذلك يوجب الإجتهاد فيه وفي رعاية جهات حسنه.

(وعمل الخائفين منك) أي من عقوبتك بالمخالفة والمطلوب دوام العمل وخلوصه وجودته لضرورة أن عمل الخائف منها متصف بهذه الصفات.

(وخشوع العابدين لك) المراد بالعابدين له من اشتغل جميع جوارحه وأعضائه بما أمرت به وبما هو مطلوب له تعالى، ولا ريب في ثبوت الخشوع لهم وإلا لأشتغل بعض جوارحهم بما هو غير مطلوب منه تعالى هذا خلف والمطلوب هو العبادة بهذا الوصف.

(ويقين المتوكلين عليك) اليقين سبب للتوكل إذ التوكل وهو تفويض العبد اموره إلى الله تعالى والاعتماد فيها عليه متوقف على اليقين بأنه تعالى واحد لا شريك له ولا ضد له ولا ند له وأنه عالم بالأشياء كلها وأنه قادر على جميع المقدورات وأنه حكيم عادل لا يجور في حكمه أصلا وأن رسوله صادق وما جاء به الرسول حق، ومن حصل له اليقين بهذه الامور وإستنار قلبه به ولم

ص:508

يعارضه الوهم والجبن حصلت له حالة شريفة وهي في جميع اموره بالله سبحانه وتفويضها إليه وإنقطاعه عن غيره من الأسباب والوسائط وهذا معنى التوكل ثم إذا حصل له معنى التوكل كما هو حقه ورأى بالمعاينة امورا منتظمة على نحو ما أراده حصل له يقين آخر فوق الأول، والفرق بينهما كالفرق بين علم اليقين وعين اليقين، والوجه في توقف التوكل على اليقين بالامور المذكورة أنه; لولا اليقين بالأول يجوز أن يكون له مانع في تحصيل مقاصده فلا يكون مستقلا فيه; ولولا اليقين بالثاني يجوز أن يكون جاهلا ببعض مطالبه ولولا الثالث يجوز أن يكون عاجزا في تحصيل بعضها; ولولا الرابع يجوز أن يكون غير محكم في بعضها; وجائرا في بعضها، ولولا الخامس يجوز أن يكون ما جاء به الرسول من الحث على التوكل وغيره باطلا وعلى كل واحد من هذه التقادير لا يحصل له الوثوق فلا يحصل التوكل.

(وتوكل المؤمنين بك) المطلوب هو التوكل التام إذ المراد بالمؤمنين الكاملون في الإيمان والمتصفون بالإيقان ولا ريب أن توكلهم في حد الكمال أما غيرهم فلا توكل لهم أو هو ناقص.

(اللهم إنك بحاجتي عالم غير معلم) صفة للعالم أو خبر بعد خبر ومعلم مفعول من التعليم وكونه من الإعلام محتمل والغرض منه أن علمك بالحال كفاني عن السؤال أو الإشعار بثبوت الحاجة في نفس الأمر وتوقع رفعها بناء على أن العالم بحاجة أحد من جهة التعليم أو الإعلام قد يتوهم أو يظن كذبه فلا يبالغ في رفعها ولا يقبل عليه والظرف متعلق بما بعده وتقديمه ليس للحصر لفساده بل للاهتمام برفع الحاجة سريعا أو الإشعار بأنها لشدتها نصب عينه وظهر قلبه فلا يتبادر في الذهن إلا إليها.

(وأنت لها واسع غير متكلف) في القاموس الواسع ضد الضيق وفي الأسماء الحسنى الكثير العطاء الذي يعطي لما يسأل والمحيط بكل شيء الذي وسع رزقه جميع خلقه ورحمته كل شيء، والمتكلف المتجشم تكلفه إذا تجشمه. وفي النهاية الواسع في أسماه تعالى هو الذي وسع غناء كل فقير ورحمته كل شيء، والتكلف التجشم يقول تكلف: الشيء إذا تجشمه على مشقة، وفي الكنز واسع فراخ وبخشنده واحاطه كننده وتكلف رنج چيزى كشيدن واز خود چيزى نمودن كه آن نباشد، يعني أنه واسع للحاجات محيط بها جواد قادر على قضائها من غير تعب ومشقة فيه.

(وأنت الذي لا يحفيك سائل) أحفاه ألح عليه وبرح به في الإلحاح تبيريحا يعني أجهده وأواه، والمراد أن الحاح السائل لا يشق عليك ولا يجهدك لأنه مطلوب عندك.

(ولا ينقصك نائل) وهو العطاء كالنوال والتنكير للتكثير أو للتعظيم والنقص لازم ومتعد والمضاف قبل الكاف محذوف يعني لا ينقص مالك أو خزائنك العطاء الكثير. (ولا يبلغ مدحتك

ص:509

قول قائل) مر بيانه في الدعاء الجامع.

(أنت كما تقول وفوق ما نقول) لأن كل ما تقول هو ممكن مكيف بكيفية لفظية ومصور بصورة عقلية، والله سبحانه فوقه وإليه يشير قول سيد المرسلين: «لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك». (اللهم اجعل لي فرجا) من الضيق وسوء الحال والمعصية. (قريبا) من هذه الساعة. (وأجرا عظيما) في الآخرة.

(وسترا جميلا) من الذنوب حتى لا أرتكبها فيما بعده ولا يطلع أحد على ما سبق منها مع العفو عنها. (اللهم إنك تعلم أني على ظلمي لنفسي) بترك الطاعات. (وإسرافي عليها) بفعل المنهيات، و «على» في الموضعين دليل على الإفراط، ولا يبعد أن يكون الاولى بمعنى مع.

(لم أتخذ لك ضدا ولا ندا) الضد والند بالكسر فيهما النظير والمثل، ولا يبعد أن يراد بالأول المثل الذي يضاده في أموره ويخالفه ويغلبه وبالآخر المثل مطلقا. أو المثل المخالف الذي لا يغلبه أو يريد من أحدهما العاقل وبالآخرة غيره والمراد بهما ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله مطلقا (ولا صاحبة ولا ولدا) كما زعمت النصارى واليهود وطائفة من المشركين في مريم وعيسى وعزير والملائكة، وقد توسل بالتوحيد المطلق في قضاء الحاجات ورفع الزلات ناظرا إلى قوله تعالى: (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

(يامن لا تغلطه المسائل) أي المسائل المختلة، والمطالب المتداخلة الممتزجة من شخص واحد ومن الأشخاص كلهم ولو في آن واحد والغلط محركة أن تعمى الشئ فلا تعرف وجه الصواب فيه وفعله كفرح وأغلطه غيره أوقعه في الغلط وغلطه تغليطا إذا قال له غلطت كذا في القاموس والصحاح. (يامن لا يشغله شيء عن شيء) في أفعاله وغيرها.

(ولا سمع عن سمع ولا بصر عن بصر) أي لا يشغله سمع صوت عن سمع صوت آخر وان تمازجت الأصوات وتداخلت وحصلت من المجموع مركب كدوي النحل ولا بصر شيء عن بصر شيء آخر وان تمازجت المبصرات كالصفرة بالحمرة والحمرة بالسواد والسواد بالبياض واللبن بالماء أو لا يشغله مسموع عن مسموع ولا مبصر عن مبصر على أن يكون المصدر بمعنى المفعول .

(ولا يبرمه إلحاح الملحين) أبرمه إذا أمله وأضجره، والإلحاح المبالغة في السؤال والإصرار عليه. (أسألك أن تفرج عني) المكاره والغموم وحذف المفعول للدلالة على العموم.

(في ساعتي هذه) اريد بهذه الساعة الساعة القريبة من وقت السؤال لأن المطلوب في وقت السؤال غير حاصل. (من حيث أحتسب) حصول الفرح فيه. (ومن حيث لا أحتسب) وقد روي

ص:510

أن أكثر حصول مطالب العبد وفرحه من حيث لا يحتسبه.

(إنك تحيي العظام وهي رميم وإنك على كل شيء قدير) كسر الهمزة أظهر وفتحها بتقدير لام التعليل جائز وهو مع كونه ثناء له بالقدرة القاهرة بمنزلة التعليل لما سبق وإظهار لتوقع حصول المطالب معها. (يامن قل شكري) على نعمائه ظاهرا وباطنا، (فلم يحرمني) منها تفضلا مع تحقق سبب الحرمان.

(وعظمت خطيئتي) بالمخالفة في امتثال الأوامر والنواهي، (فلم يفضحني) بهتك الأستار خصوصا عند الأبرار. (ورآني على المعاصي فلم يجبهني) جبهه كمنعه ضرب جبهته ورده أو لقيه بما يكره وإستقبله به.

(وبئس العبد أنا وجدتني) فتح التاء في وجدتني أظهر من ضمها والظاهر أنه على التقديرين استئناف لا محل له من الإعراب فكأنه قيل: ما سبب هذا الذم العام؟ فأجاب: بأنك وجدتني بهذا الوصف وهو الذم العام أو بما يوجبه كذلك ألفيتني ومعناه وجدتني.

(عبدك وابن عبدك وابن أمتك بين يديك) في هذا مع كونه غاية الخضوع والتذلل المطلوبين في مقام الدعاء استعطاف وإسترحام لأن هذه الأوصاف تقتضي العطف والترحم.

(ما شئت صنعت بي) معناه خبر كاللفظ أو أمر وفيه على التقديرين إظهار للرضا والتسليم.

(هدأت الأصوات) أي سكنت.

(وسكنت الحركات) لفراغهم عن المعاملة والمحاورة وإستقرارهم في بسط الاستراحة.

(وخلا كل حبيب بحبيبه) لأن كل شخص مائل إلى من يحبه من نوعه وصنفه كما هو المعروف من أفراد الحيوان والإنسان. (وخلوت بك أنت المحبوب إلي) تعريف الخبر باللام يفيد الحصر ولا ريب أن المحبوب الحقيقي للمؤمن ليس إلا هو.

(فاجعل خلوتي منك الليلة العتق من النار) أي نار جهنم أو نار ألم الفراق. والليلة ظرف للجعل أو للخلوة وحمل الخلوة على العتق من باب حمل المسبب على السبب للمبالغة في السببية. (يامن ليست لعالم فوقه صفة) من الصفات مثل العلم والقدرة والإرادة وغيرها من الصفات الذاتية والفعلية والمقصود نفي أن يكون فوقه عالم إذ لو كان لكانت له صفة ضرورة أن الموجود لا يخلو منها وإذ ليست فليس لأن انتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم وبالجملة لما كان للعلم مراتب كان المتبادر في الوهم أن فوق كل ذي علم عليم أشار بما هو في الواقع ونفي أن يكون فوقه عالم بنفي لازمه وهو الصفة على وجه العموم.

(يامن ليس لمخلوق دونه منعة) في القاموس فلان في عز ومنعة محركة ويسكن أي معه من

ص:511

يمنعه من عشيرته وفي النهاية: ليست له منعة بفتح النون أي قوة تمنع من يريده بسوء، وفي الصحاح قيل: المنعة بالتحريك جمع مانع مثل كافر وكفرة، ودونه إما صفة لمخلوق للتوضيح دون التخصيص أو متعلق بمنعة والمعنى على الأول ليس لمخلوق هو دونه تعالى من يمنع الله أو قوة تمنعه إذا أراده بسوء، وعلى الثاني ليس له منعة دون الله ونصرته تمنع من يريده بسوء. (يا أولا قبل كل شيء) نون المنادي لأنه لم يقصد المعين من حيث هو معين وتوضيحه انه تعالى معلوم من جهة الوجود وآثاره وغير معلوم من جهة حقيقة ذاته وصفاته فقد يقصد من حيث أنه غير معلوم وينون كما فيما نحن فيه وقد يقصد من حيث أنه معلوم ويجري عليه حكم المفرد المعرفة فيقال:

يا أول ويا آخر وإنما قال: «قبل» بدلا عنه أو وصفا له لتصحيح الربط بما بعده وظهور محل لإعرابه وللتنبيه على أن أوليته حقيقة لا أول له «لا» إضافية.

(ويا آخر بعد كل شيء) أراد بالشيء غيره تعالى كما قيل في قوله تعالى: (والله على كل شيء قدير) وهذه العناية معتبرة في السابق أيضا وفي ذكر بعد إيماء إلى أنه تعالى كما هو آخر كل فرد من أفراد الأشياء كذلك هو بعد المجموع من حيث المجموع والأول يستلزم الثاني كما ترى في الجزء الأخير من المركب.

(يا من ليس له عنصر) أي علة فاعلية وأجزاء مادية وصورية، وفي النهاية العنصر بضم العين وفتح الصاد الأصل وقد تضم الصاد، والنون مع الفتح زائدة عند سيبويه لأنه ليس عنده فعلل بالفتح وفيه إشارة إلى أنه ليس لأوله ابتداء.

(ويا من ليس لآخره فناء) وفيه إشارة إلى أنه أبدي وفي السابق إلى أنه أزلي. (ويا أكمل منعوت) لكون نعته في نهاية الكمال بخلاف نعت غيره وفي النهاية النعت وصف الشيء بما هو فيه من حسن ولا يقال في القبيح إلا أن يتكلف متكلف فيقال: نعت سوء والوصف يقال في الحسن والقبيح. (ويا أسمح المعطين) كناية عن سرعة إجابته وحبه للسائل وسماع صوته وان كان خفيا وجزالة عطائه.

(ويا من يفقه بكل لغة يدعى بها) فقهه كعلمه فهمه وعلمه والظاهر ان الباء زائدة للمبالغة في التعدية وفيه جواز الدعاء المخترع ولو في الصلاة وقد صرح بعض الأصحاب بجوازه فيها. (ويا من عفوه قديم) كعفوه عن آدم وزوجته.

(وبطشه شديد) كبطشه على إبليس والامم الماضية وفيه توقيف للنفس بين الخوف والرجاء مع رجحانه لأن قدم العفو يقتضي التعويد به. (وملكه مستقيم) أي ما ملكه من المخلوقات مستقيم الأحوال والنظام بحيث لا يكون ملك أتقن مما دبره ولا نظام أحسن مما قدره إذ سلطانه

ص:512

ثابت لا يزول ودائم لا يزال. (أسألك باسمك الذي شافهت به موسى) في القاموس شافهه أدنى شفته من شفته والبلد والأمر أدناه وشفهه كمنعه ضرب شفته وشغله وألح عليه في المسألة وهذا كناية عن نهاية قربه وكلامه بلا واسطة.

(يا الله يا رحمن يا رحيم) يحتمل أن يكون هذا هو الاسم المذكور. (يا لا إله إلا أنت) أي يا لا الله إلا أنت. (اللهم أنت الصمد) أي المقصود لجميع المخلوقات والمرجع في جميع الحاجات .

* الأصل:

34 - محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الوليد، عن يونس قال: قلت للرضا (عليه السلام) علمني دعاء وأوجز، فقال: قل: «يامن دلني على نفسه وذلل قلبي بتصديقه أسألك الأمن والإيمان».

* الشرح:

قوله: (علمني دعاء وأوجز) أي أسرع واقتصر، وكلام وجيز أي خفيف مقتصد مشتمل على جل المقاصد أو كلها وهذا الدعاء كذلك.

(فقال قل يا من دلني على نفسه) يندرج فيه الدلالة على المبدأ وما يصح له وما يمتنع عليه.

(وذلل قلبي بتصديقه) يندرج فيه تصديقه وتصديق رسوله وتصديق جميع ما ثبت أنه جاء به رسوله إذ بانتفاء شيء منها لا يتحقق تصديقه.

(أسألك الأمن) في الدنيا والآخرة من مكارههما (والإيمان) اريد به الإيمان الكامل المقرون بامتثال الأوامر والنواهي فلا تكرار.

* الأصل:

35 - علي بن أبي حمزة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رجلا أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين كان لي مال ورثته ولم أنفق منه درهما في طاعة الله عزوجل ثم اكتسبت منه مالا فلم أنفق منه درهما في طاعة الله فعلمني دعاء يخلف علي ما مضى ويغفر لي ما عملت أو عملا أعمله، قال: قل، قال: وأي شيء أقول يا أمير المؤمنين؟ قال: قل كما أقول:

«يا نوري في كل ظلمة ويا انسي في كل وحشة ويا رجائي في كل كربة ويا ثقتي في كل شدة ويا دليلي في الضلالة أنت دليلي إذا انقطعت دلالة الأدلاء فإن دلالتك لا تنقطع ولا يضل من هديت أنعمت علي فأسبغت ورزقتني فوفرت وغذيتني فأحسنت غذائي وأعطيتني فأجزلت بلا استحقاق لذلك بفعل مني ولكن ابتداء منك لكرمك وجودك فتقويت بكرمك على معاصيك

ص:513

وتقويت برزقك على سخطك وأفنيت عمري فيما لا تحب فلم يمنعك جرأتي عليك وركوبي لما نهيتني عنه ودخولي فيما حرمت علي أن عدت علي بفضلك ولم يمنعني حلمك عني وعودك علي بفضلك وإن عدت في معاصيك فأنت العواد بالفضل وأنا العواد بالمعاصي، فيا أكرم من اقر له بذنب وأعز من خضع له بذل، لكرمك أقررت بذنبي ولعزك خضعت بذلي فما أنت صانع بي [في] كرمك وإقراري بذنبي وعزك وخضوعي بذلي افعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله».

تم كتاب الدعاء ويتلوه كتاب فضل القرآن.

* الشرح:

(ولم أنفق منه درهما في طاعة الله) أراد صرف كله في المعصية. (فعلمني دعاء يخلف علي ما مضى) أي يرد الله علي بسببه مثل ما مضى من الأموال يقال: أخلف الله عليه أي رد عليه مثل ما ذهب إلا أنه نسب الفعل إلى السبب مجازا ولو عاد ضمير يخلف إلى الله لزم خلو الجملة الوصفية عن ضمير الموصوف. (ويغفر لي ما عملت) من المعاصي فقد طلب دعاء يصير سببا للرد والمغفرة (أو عملا أعمله) عطف على دعاء وأراد به غيره من الأعمال الموجبة للمغفرة بل الرد أيضا. (قال: قل، قال: وأي شيء أقول؟) بدأ المخاطب إلى السؤال عن المقول إما لإظهار الشعف والسرور أو لأنه (عليه السلام) سكت عنه لبعض الامور.

(قال: قل كما أقول: يا نوري في كل ظلمة) أراد بالنور الهادي وبالظلمة الجهالة والعدول عن منهج الصواب على سبيل التشبيه ومن هدايته حصلت الندامة للسائل عما فعل حتى سأل ما سأل.

(ويا انسي في كل وحشة) في الكنز انس خو گرفتن وآرام گرفتن، ووحشت رميدن ودورى جستن، يعني سكوني إليك وإستقراري بين يديك في الوحشة من النفس الأمارة والشيطان وشرار الناس والفرار منهم.

(أنت دليلي إذا انقطعت دلالة الأدلاء) لعدمهم أو لعدم ظهورهم أو لعدم إمكان الوصول إليهم أو ليأسهم من قبول الدلالة. (ولا يضل من هديت) ضل عن الطريق حار وضل الشيء ضاع ولعل المراد بالهداية الهداية الخاصة التي للأولياء باللطف والتوفيق لسلوك سبيل الخير. (أنعمت علي فأسبغت - إلى آخره) لعل المراد باسباغها إتمامها وإكمالها بحيث لا يكون في شيء منها خلل ونقص في حد ذاتها وبتوفيرها جعلها واسعة على قدر الحاجة غير ناقصة عنه وبإحسان الغذاء جعله من الطيبات كقوله تعالى: (كلوا من طيبات ما رزقناكم) وبإجزال العطاء جعله كثيرا زائدا

ص:514

عن قدر الحاجة وبهذا ظهر الفرق بين الفقرات والتأكيد محتمل. (بلا استحقاق لذلك تفعل مني) الجار متعلق بالأفعال الأربعة على سبيل التنازع وتفعل على صيغة الخطاب وفي بعض النسخ «بفعل بي» بالباء الموحدة التحتانية والفاء بعدها. (فلم يمنعك جرأتي عليك) الجرأة كالجرعة الشجاعة جرء ككرم فهو جرىء أي شجاع مبارز. (وركوبي لما نهيتني عنه) ركب الذنب كسمع ركوبا إقترفه كارتكبه فاللام زائدة.

(ودخولي فيما حرمت علي) هذا أعم من السابق لشموله ركوب المنهيات وترك الواجبات جميعا. (ان عدت علي بفضلك) مفعول يمنعك يعني أفعالي القبيحة المذكورة التي هي أسباب للمنع والحرمان لم تمنعك من رجوعك إلي بالفضل والإحسان وإهداء الأيادي الجسيمة والعطايا العظيمة. (ولم يمنعني حلمك عني) بالتأني وعدم العجلة في المؤاخذة.

(وعودك علي بفضلك وان عدت في معاصيك) مع أن هذه النعمة الجزيلة والكرامة الجميلة أسباب للحياء والانزجار عنها وما هذا إلا لكمال الوقاحة، وفي لفظة «في» وجمع مدخولها إيماء إلى الاستقرار والإحاطة.

(فأنت العواد بالفضل) العواد بالفتح والشد للمبالغة. (فيا أكرم من أقر له بذنب) «اقر» على البناء للمفعول من الغائب. (وأعز من خضع له بذنب) في بعض النسخ «بذل» وهو الأنسب بقوله:

خضعت بذلي. (فما أنت صانع بي كرمك) الموصول مع صلته مبتدء وكرمك خبر وفي بعض النسخ «بي» بالباء بدل «في».

(وإقراري بذنبي لعزتك) (1) في بعض النسخ «وعزتك». (وخضوعي بذلي) الواو في الموضعين أو الثلاثة للقسم. (افعل بي ما أنت أهله) من الكرم والتفضل والإحسان. (ولا تفعل بي ما أنا أهله) من البعد عن الرحمة والعقوبة والخذلان.

تم كتاب الدعاء ويتلوه كتاب فضل القرآن من كتاب الكافي.

ص:515


1- (1) كذا.

فهرس الآيات

(اجتنبوا كثيرا من الظن الحجرات: 12... 163

(ادعوني استجب لكم غافر: 60... 231 - 260

(أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون الواقعة: 63... 143

(إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا النساء: 98... 105

(إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان)». النحل: 106... 223

(الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) الانعام: 82... 98

(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون البقرة: 156... 274

(الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) النجم: 31... 182

(الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا

ربنا وسعت كل غافر: 7... 169

(الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون

في الرعد: 25... 47 - 46

(الله نور السماوات والأرض) النور: 35... 233 - 447

(الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الحشر: 23... 315

(إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه

بئس الشراب وساءت مرتفقا الكهف: 29... 50

(إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم الانفطار: 13 - 14... 213

(إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين

في النساء: 97... 112

(إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون البقرة: 6... 66 - 68

(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) النور: 19... 9 - 163

(إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين غافر: 60... 228 - 231 - 245

(ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء: 48... 509

(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم الرعد: 11... 193 - 489

(إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا الانسان: 3... 57

(ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح الأنفال: 19... 403

ص:516

(ان ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام الأعراف: 54... 361

(إن ربي على صراط مستقيم هود: 56... 363

(ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون الرعد: 4... 439

(إنك لا تسمع الموتى النمل: 79... 287

(إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم العنكبوت: 24... 67

(إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب النساء: 16... 181

(إنما يخشى الله من عباده العلماء فاطر: 28... 450 - 507

(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب الزمر: 10... 164

(إنه كان عبدا شكورا)؟ الاسراء: 3... 352

(أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة التوبة: 38... 403 - 495

(أصبح ماؤكم غورا الملك: 30... 480

(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم النساء: 59... 309 - 370

(أفرأيت من اتخذ إلهه هواه الجاثية: 23... 243 - 95

(أفمن هو قائم على كل نفس الرعد: 33... 329

(أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم الملك: 22... 146

(ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان يس: 60... 95

(أن الله يحب التوابين البقرة: 222... 506

(أوفوا بعهدي أوف بعهدكم البقرة: 40... 97 - 344

(أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) محمد: 23... 46

(ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم البقرة: 85... 70

(حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء آل عمران: 173... 377

(خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم التوبة: 102... 105 - 108

(ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون

البقرة: 61... 34

(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء). الجمعة: 4... 295

(رب أرني كيف تحيى الموتى البقرة: 260... 96

(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت

ص:517

الوهاب آل عمران: 8... 138 - 472

(سبح اسم ربك الاعلى: 1... 361

(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل

شيء شهيد ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا انه بكل شيء محيط فصلت: 53... 361

(سوف أستغفر لكم ربي يوسف: 98... 248

(شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة آل عمران: 18... 361 - 481

(فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون البقرة: 152... 66

(فاستجبنا له ونجيناه من الغم) الأنبياء: 88... 378

(فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك). محمد: 19... 316

(فإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله البقرة: 284... 154

(فانقلبوا بنعمة من الله وفضل آل عمران: 174... 378

(فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك يونس: 94... 74

(فأعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك محمد: 19... 293

(فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى الليل: 5... 297

(فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازنه فأمه القارعة: 6... 221

(فأنزل الله سكينته على رسوله الفتح: 26... 294

(فبأي آلاء ربك تتمارى). النجم: 55... 73

(فقضاهن سبع سماوات في يومين فصلت: 12... 406

(فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة أعين السجدة: 17... 287

(فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) المؤمنون: 76... 251

(فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم البقرة: 85... 66

(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام - إلى قوله - كأنما يصعد في السماء)». الانعام:

125... 144

(فوقاه الله سيئات ما مكروا) غافر: 45... 378

(فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئكم حم د: 22... 46

(قد اجيبت دعوتكما يونس: 89... 265

(قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم الاسراء: 56... 417

(قل كل يعمل على شاكلته) الاسراء: 84... 164

ص:518

(قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى الكهف: 109... 362

(قل يا أيها الذين هادوا أن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس الجمعة: 6... 214

(كأنهم بنيان مرصوص الصف: 4... 337

(كل شيء هالك إلا وجهه القصص: 88... 410

(كلوا من طيبات ما رزقناكم طه: 81... 514

(لئن أشركت ليحبطن عملك). الزمر: 65... 101 - 221

(لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ولئن كفرتم إن عذابي

لشديد إبراهيم: 7... 70 - 503

(لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين) الأنبياء: 87... 378 - 377

(لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار الانعام: 103... 292

(لا تغلوا في دينكم المائدة: 77... 74

(لا يسمعون إلى الملاء الأعلى الصافات: 8... 289

(لا ينال عهدي الظالمين البقرة: 124... 97

(لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا التوبة: 88... 108

(لم تقولون ما لا تفعلون الصف: 2... 396

لو أنزلنا هذا القرآن - الآية الحشر: 21... 187

(لو أنزلنا هذا القرآن الحشر: 21... 343

ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما). الأحزاب: 43... 271

(من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها الانعام: 160... 269 - 272

(وآتيناه الحكم صبيا مريم: 12... 353

(وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا التوبة: 102... 221

(وإبراهيم الذي وفى) النجم: 37... 352

(وإذا الوحوش حشرت التكوير: 5... 186

(وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به النساء: 83... 33 - 35

(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب البقرة: 86... 264

(وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) البقرة: 84... 70 - 66

(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم البقرة: 34... 56

ص:519

(واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة الأعراف: 205... 286

(واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان مريم: 54... 24

(واسألوا الله من فضله النساء: 32... 386

(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما الفرقان: 67... 304

(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا العنكبوت: 69... 347

(والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) البقرة: 268... 264

(وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم محمد: 38... 391 - 488

(وان من شيء إلا يسبح بحمده) الاسراء: 44... 462

(وتبتل إليه تبتيلا المزمل: 8... 250

(وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا النمل: 14... 68

(وحنانا من لدنا وزكاة مريم: 13... 352

(ورحمتي وسعت كل شيء الأعراف: 156... 86

(وظلالهم بالغدو والآصال الرعد: 15... 330

(وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) البقرة: 266... 382

(وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها النساء: 140... 47

(وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على

الكافرين البقرة: 89... 66

(ولا أعلم ما في نفسك المائدة: 116... 287

(ولا تجسسوا الحجرات: 12... 21

(ولا تركنوا الذين ظلموا فتمسكم النار هود: 113... 95

(ولا تمنن تستكثر المدثر: 6... 282

(ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم الحجرات: 12... 16

(ولقد همت به وهم بها لو لا أن رأى برهان ربه يوسف: 24... 258

(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال البقرة: 155... 130

(ولو أن قرآنا الرعد: 31... 187

(ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين البقرة:

251... 199

(وما أدراك ما يوم الدين الانفطار: 17... 496

ص:520

(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم الشورى: 30... 197 - 190

(وما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على

الله يسير) الحديد: 22... 198

(وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين سب: 39... 260

(وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين الأعراف: 102... 96 - 97

(ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على

وجهه خسر الدنيا والآخرة الحج: 11... 128 - 93 - 129

(ومنهم من يلمزك في الصدقات أن أعطوا - الآية التوبة: 58... 124

(ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم الحج: 25... 121

(ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله المائدة: 11... 58 - 62

(ومن يؤمن بالله يهد قلبه) التغابن: 11... 143

(ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله الشورى: 26... 298

(ويقتلون الأنبياء بغير حق آل عمران: 112... 34

(هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر

النمل 40... 66 - 69

(هو الأول والآخر والظاهر والباطن الحديد: 3... 291

(هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن التغابن: 2... 59

(هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن التغابن: 2... 105 - 108

(هو الذي يصلي عليكم وملائكته الأحزاب: 43... 271 - 274

(يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود)؟ هود:

76... 40

(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى الفجر: 28... 451

(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا) الأحزاب: 41... 281 - 282

(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم النساء: 59... 131

(يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا التحريم: 8... 168

(يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)». الصف:

2... 24

(يا قوم اتبعوا المرسلين يس: 20... 418

ص:521

(يا ليتني مت قبل هذا مريم: 23... 343

(يخادعون الله وهو خادعهم النساء: 142... 497

(يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) النساء: 142.... 286

(يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا الصف: 8... 87

ص :522

فهرس المطالب

باب من طلب عثرات المؤمنين وعوراتهم...3

باب التعيير...6

باب الغيبة والبهت...8

باب الرواية على المؤمن...13

باب الشماتة...14

باب السباب...15

باب التهمة وسوء الظن...19

باب من لم يناصح أخاه المؤمن...22

باب خلف الوعد...24

باب من حجب أخاه المؤمن...25

باب من استعان به اخوه فلم يعنه...27

باب من منع مؤمنا شيئا من عنده أو من عند غيره...28

باب من أخاف مؤمنا...30

باب النميمة...31

باب الإذاعة...33

باب من أطاع المخلوق في معصية الخالق...36

باب في عقوبات المعاصي العاجلة...39

باب مجالسة أهل المعاصي...41

باب أصناف الناس...51

باب الکفر...55

باب وجوه الکفر...66

باب دعائم الكفر وشعبه...73

باب صفة النفاق و المنافق...81

ص:523

باب الشرک...92

باب الشک...96

باب الظلال...103

باب المستضعف...112

باب المرجون لأمر الله...118

باب أصحاب الأعراف...119

باب فی صنوف أهل الخلاف ...120

باب المؤلفة قلوبهم...122

باب في ذكر المنافقين والضلال وابليس في الدعوة ...126

باب في قوله تعالى : (ومن الناس من يعبد الله على حرف ) ...127

باب أدني ما يكون به العبد مؤمنة أو كافرة أو ضالا ...131

باب ثبوت الإيمان وهل يجوز أن ينقله الله ...135

باب المعارين ... 137

باب في علامة المعار ...140

باب سهو القلب ... 141

باب في ظلمة قلب المنافق وإن أعطى اللسان ونور قلب المؤمن ...145

باب في تنقل أحوال القلب ...148

باب الوسوسة وحديث النفس... 154

باب الإعتراف بالذنوب والندم عليها ... 157

باب ستر الذنوب ...161

باب من يهم بالحسنة أو السيئة ... 162

باب التوبة...167

باب الإستغفار من الذنب ...174

باب فيما أعطى الله ع وجل آدم 7 وقت التوبة ...178

باب اللمم...182

باب في أن الذنوب ثلاثة...185

باب تعجيل عقوبة الذنب ...189

ص:524

باب في تفسير الذنوب ...193

باب نادر...195

باب نادر أيضا...197

باب إن الله يدفع بالعامل عن غير العامل ... 199

باب إن ترك الخطیئة من طلب التوبة ...200

باب الإستدراج...201

باب محاسبة العمل...203

باب من يعيب الناس.. 217

باب أنه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهلية ...219

باب أن الكفر مع التوبة لا تبطل العمل ...221

باب المعافين من البلاء ... 222

باب مارفع عن الامة ... 223

باب إن الإيمان لا يضر معه سيئة والكفر لا ينفع معه حسنة ... 226

کتاب الدعاء

باب فضل الدعاء والحث عليه ...228

باب أن الدعاء سلاح المؤمن... 233

باب أن الدعاء برد البلاء والقضاء...236

باب أن الدعاء شفاء من كل داء ...239

باب أن من دعا استجيب له...240

باب إلهام الدعاء...240

باب التقدم في الدعاء ...241

باب اليقين في الدعاء ...242

باب الاقبال في الدعاء ...242

باب الإلحاح في الدعاء والتلبث ... 244

باب تسمية الحاجة في الدعاء...246

باب الأوقات والحالات التي ترجى فيها الإجابة ...247

ص:525

باب الرغبة والرهبة والتضرع ...250

باب البكاء ...253

باب الثناء قبل الدعاء ...257

باب الإجتماع في الدعاء...262

باب العموم في الدعاء ... 264

باب من أبطأت عليه الإجابة ...264

باب الصلاة على النبي محمد وأهل بيته عليهم السلام... 267

باب ما يجب من ذكر الله ع وجل في كل مجلس ... 276

باب ذكر الله ع وجل كثيرة ...281

باب أن الصاعقة لا تصبب ذاكرا ... 284

باب الاشتغال بذكر الله عز وجل ...285

باب ذكر الله ع رجل في السر ...285

باب ذكر الله عز وجل في الغافلين ...288

باب التحميد والتمجيد...289

باب الإستغفار ... 293

باب التسبيح والتهليل والتكبير...295

باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب ...298

باب من تستجاب دعوته...301

، من لا تستجاب دعوته ...304

باب الدعاء على العدو ...306

باب المباهلة...309

باب ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه ...312

باب من قال لا إله إلا الله ...316

باب من قال لا إله إلا الله والله أكبر ...318

باب من قال لا إله إلا الله وحده وحده وحده ...318

باب من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له . عشرة ...319

باب من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. 321

ص:526

باب من قال عشر مرات في كل يوم : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...321

باب من قال لا إله إلا الله حقا حقا ...324

باب من قال يا رب يا رب ...325

باب من قال لا إله إلا الله مخلصة ... 325

باب من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ... 327

باب من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ... 329

باب القول عند الإصباح والإمساء ...330

باب الدعاء عند النوم والإنتباه ... 354

باب الدعاء إذا خرج الإنسان من منزله...363

باب الدعاء قبل الصلاة ...369

باب الدعاء في أدبار الصلوات...372

باب الدعاء للرزق ...386

باب الدعاء للدين ...397

باب الدعاء للكرب والهم والحزن والخوف ... 400

باب الدعاء...417

الدعاء للعلل والأمراض...417

باب الحرز والعوذة ...425

باب الدعاء عند قراءة القرآن ...434

باب الدعاء في حفظ القرآن... 443

باب دعوات موجزات لجميع الحوائج للدنيا والآخرة...450

فهرس الآيات ...516

ص:527

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.