شرح أصول الكافي للمازندراني المجلد 6

هوية الکتاب

شرح أصول الكافي

تألیف: للمولى محمد صالح المازندراني المتوفى 1081 ه

المجموعة : مصادر الحديث الشيعية - قسم الفقه

تحقيق : مع تعليقات : الميرزا أبو الحسن الشعراني / ضبط وتصحيح : السيد علي عاشور

سنة الطبع :1929ه. 2008م

دار احياء التراث العربي

بيروت _ لبنان

ص: 1

اشارة

جمیع الحقوق محفوظة للناشر

الطبعة الثّانیة

1929ه. 2008م

الطبعة الثّانیه المصّیحة المنقّحة

بیروت - لبنان طریق المطار. خلف غولدن بلازا تلفن:01/540000_01455559

- فاکس: 850717

850717 : Beyrout Liban - Rue Arport Tel: 01/455559 - 01/540000 - fax-

www.dartourath.com

Email:info@dartourath.com

ص: 2

الحديث الثاني من باب شأن (إنا أنزلناه)

* الأصل:

2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بينا أبي جالس وعنده نفر إذ استضحك حتى إغرورقت عيناه دموعا ثم قال: هل تدرون ما أضحكني؟ قال: فقالوا: لا. قال: زعم ابن عباس أنه من (الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) فقلت له: هل رأيت الملائكة يا ابن عباس! تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن؟ قال: فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: (إنما المؤمنون إخوة) وقد دخل في هذا جميع الامة، فاستضحكت ثم قلت: صدقت يا ابن عباس أنشدك الله; في حكم الله جل ذكره اختلاف؟ قال: فقال: لا، فقلت: ما ترى في رجل ضرب رجلا أصابعه بالسيف حتى سقطت ثم ذهب وأتى به رجل آخر فأطار كفه فأتي به إليك وأنت قاض كيف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعطه دية كفه وأقول لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت، وأبعث به إلى ذوي عدل، قلت: جاء الاختلاف في حكم الله عز ذكره ونقضت القول الأول، أبى الله عز ذكره أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود [و] ليس تفسيره في الأرض، اقطع قاطع الكف أصلا ثم أعطه دية الأصابع، هكذا حكم الله ليلة تنزل فيها أمره، إن جحدتها بعدما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأدخلك الله النار كما أعمى بصرك يوم جحدتها علي بن أبي طالب قال:

فلذلك عمي بصري، قال: وما علمك بذلك؟ فوالله إن عمي بصري إلا من صفقة جناح الملك، قال: فاستضحكت ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله.

ثم لقيته فقلت: يا ابن عباس ما تكلمت بصدق مثل أمس، قال لك علي بن أبي طالب (عليه السلام): إن ليلة القدر في كل سنة وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وإن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: من هم؟ فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون، فقلت: لا أراها كانت إلا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتبدى لك الملك الذي يحدثه، فقال: كذبت يا عبد الله رأت عيناي الذي حدثك به علي - ولم تره عيناه ولكن وعى قلبه ووقر في سمعه - فقلت صفقك بجناحه فعميت؟ قال: فقال ابن عباس: ما اختلفنا في شيء فحكمه إلى الله، فقلت له: فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين؟ قال: لا، فقلت: ههنا هلكت وأهلكت.

* الشرح:

ص:3

قوله (حتى اغرورقت عيناه دموعا) يقال: اغرورقت عيناه إذا دمعتا كأنهما غرقتا في دمعهما.

قوله (زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله) قال الله تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم)(1) قد مر تفسير هذه الآية بطريق الإجمال في باب بعد باب عرض الأعمال، واعلم أن عبد الله بن عباس كان في بداية الحال من أهل الأمانة والديانة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم تغيرت حاله وذهبت أمانته وفسدت ديانته (2) وذمه (عليه السلام) في مواضع عديدة ومن أراد الاطلاع عليه فليرجع إلى نهج البلاغة.

قوله (فقلت له: هل رأيت الملائكة (3) - إلى قوله - والحزن) قد ذكر الله تعالى جميع ذلك في

ص:4


1- -سورة فصلت:32،30.
2- قوله «ثم تغيرت حاله وذهبت أمانته» ان الأمور المعلومة الواضحة المتواترة لا تدفع بالمشكوكات فضلا عما علم بطلانه يقينا وقد ذكر العلامة الحلي (رحمه الله) ابن عباس في الممدوحين من الخلاصة قال: عبد الله بن عباس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان محبا لعلي (عليه السلام) وتلميذا له، حاله في الجلالة والإخلاص لأمير المؤمنين (عليه السلام) أشهر من أن يخفى. وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه وهو أجل من ذلك قد ذكرناها في كتابنا الكبير وأجبنا عنها (رضي الله عنه)، انتهى قوله وهو الحجة هنا، وأما الكشي فكما روى أحاديث في القدح روى أحاديث في مدحه غاية المدح وسلامته إلى آخر عمره خلافا لما قاله الشارح ولعل من رأى احتجاجاته في حرب الجمل ومحاجته مع معاوية على ما في البحار وتأسف أمير المؤمنين (عليه السلام) من عدم رضى أصحابه بتعيين ابن عباس مكان أبي موسى الأشعري وغير ذلك مما لا يحصى لم يشك في حسن حال الرجل. وأما عتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) عليه فلا يدل على عناد فيه ومخالفته في الإمامة ولم يكن ابن عباس معصوما فجاز أن يشتبه عليه أمر في مال أخذه من بيت المال وقد عتب على عثمان بن حنيف بأشد من ذلك وكان كتابه إليه ألطف وأرأف ولا اعتبار بسائر ما روي بطريق ضعيف والعبرة بالمتواتر من صحبته له ورضاه عنه وسعيه في تأكيد أمره وتحكيم خلافته وقد ذكر علماؤنا في الكلام أن المؤمن الحق لا يمكن أن يرتد ولا أدري كيف غفل عنه الشارح! ويختلج بالبال أن واضع الخبر أراد توهين ابن عباس تقربا إلى عوام الشيعة تنفيرا لهم عن خلفاء وقته لأنهم كانوا يفتخرون بجدهم. (ش)
3- قوله «فقلت له هل رأيت الملائكة» رووا أن ابن عباس رأى جبرئيل على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وأخبره النبي (صلى الله عليه وآله) أنه يعمى في آخر عمره وكانوا يعدون ذلك من فضائل ابن عباس لأن رؤية جبرئيل تدل على وجوده بصرا ملكوتيا يرى به ذلك العالم ولم يكن عماه في آخر عمره مجازاة على رؤية الملك لأنها لم تكن باختياره ولم تكن محرمة حتى يجازى عليها ولم تكن من أثر ضربة جناح الملك; وإلا لعمي من بدو صباه في عهد النبي (صلى الله عليه وآله). وأما واضع هذا الخبر فكان سمع أن شيعة بني العباس يفتخرون برؤية جدهم جبرئيل (عليه السلام) وأن عماه في آخر عمره كان لذاك لأن الذي ينظر إلى ضياء قوي فوق استطاعة القوة الباصرة يتهيأ بصره للضعف والانحلال ولم يكن هذا الراوي مطلعا على تفصيل ما يرونه ويروونه وما يتمسكون به فلفق هذه الحكاية. والمكالمة لم تقع قط بين الإمام (عليه السلام) وابن عباس لأن الإمام معصوم عن الخطأ والغفلة وإن كان صبيا ولا يشتبه عليه الأمر. ثم إن الباقر (عليه السلام) لم يدرك ابن عباس إلا في صغره جدا فإنه مات سنة 65 أو 66 وأكثر ما قيل 68 ولم يكن (عليه السلام) حين ملاقاته إلا غلاما ابن عشر سنين ونحوه. والحسن بن عباس بن الحريش واضع الخبر لم يكن عالما بالتاريخ لبعد عهده عنهما وإلا لأشار إلى كون هذه المحاجة معجزة، ولكن روى الخبر بحيث يتبادر منه كون المحاجة حين إمامة الباقر (عليه السلام) وكونه محاطا بأصحابه وحضور أبي عبد الله (عليه السلام) مع كون ابن عباس حيا. (ش)

هذه الآية (الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا).

قوله (فاستضحكت) سبب الضحك أن اندراج ابن عباس في آية (إنما المؤمنون إخوة) يتوقف على كونه مؤمنا وأنه بعقيدته الفاسدة خرج عن حد الإيمان فيرد عليه المثل المشهور «ثبت العرش ثم انقش» ولو سلم دخوله فيها فالآية لا دلالة فيها إلا على اشتراك الأمة في أصل الإيمان وأما كونه مندرجا في آية (قالوا ربنا الله) فلا دلالة عليه فلا يثبت مطلوبه وقوله (عليه السلام) «صدقت» إما مبني على التنزل وإما بمعنى أنك صدقت في أن المؤمنين إخوة وإن لم يكن فيه دلالة على المطلوب.

قوله (أنشدك الله. الخ) قال في «النهاية»: يقال: نشدتك الله وبالله وأنشدك الله وبالله أي سألتك وأقسمت عليك يعني بحقه ونشدته نشدة ونشدانا ومناشدة وتعديته إلى مفعولين إما لأنه بمنزلة دعوت حيث قالوا: نشدتك الله وبالله كما قالوا: دعوت زيدا وبزيد، أو لأنهم ضمنوه معنى ذكرت فأما أنشدتك بالله فخطأ.

قوله (هل في حكم الله اختلاف) أي هل يكون له أحكام مختلفة في قضية مخصوصة! أو هل يجوز تبديل حكمه بغيره بعد النبي (صلى الله عليه وآله)؟ قال لا: لأن لله تعالى في كل قضية حكما واحدا ولا نسخ بعده.

قوله (فأتى به) أي برجل آخر وهو قاطع الكف.

قوله (قلت: جاء الاختلاف) قيل: لعل الاختلاف من تقويم المقومين لوقوع الاختلاف في التقويمات كثيرا، وقال الفاضل الأسترآبادي: كان مراد ابن عباس من ذكر (ذوي عدل) ما هو المشهور في كتب متأخري أصحابنا من الأرش وجعل الحر تابعا للعبد (1) ومن المعلوم الاختلاف بين هذا وبين صالحه عما شئت لأن هذا يقتضي أن يكون له قدر معلوم و (صالحه على ما شئت)

ص:5


1- في كتب الديات: الجراحة التي ليست لها مقدر من الدية يفرض المجروح عبدا لو لم يكن فيه هذه الجراحة كم قيمته، ولو كان فيه هذه الجراحة كم قيمته، وبنسبة التفاوت بين القيمتين من الدية الكاملة يؤخذ للمجروح.

يقتضي أن لا يكون له قدر معلوم معين، وأيضا ظاهر قوله (عليه السلام) (أعطه دية كفه) أن القدر معلوم معين.

قوله (ونقضت القول الأول) وهو أنه لا اختلاف في حكم الله تعالى.

قوله (أبى الله أن يحدث) كأنه قيل: ليس لله في هذه القضية حكم، أو ما بلغ رسوله حكمها فأجاب بما ذكر.

قوله (اقطع) كأنه قيل: ما الحكم هنا؟ قال: اقطع الكف.

قوله (أصلا) (1) أي من أصل الكف.

قوله (ليلة تنزل فيها أمره) أي في ليلة فهي منصوبة على الظرفية والمراد بها ليلة القدر.

قوله (إن جحدتها) أي جحدت يا ابن عباس استمرار حكمها بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة.

قوله (يوم جحدتها) (2) أي يوم جحدت تلك الليلة على علي بن أبي طالب (عليه السلام) وسيجئ في هذا الحديث بيان إنكاره عليه.

قوله (فلذلك عمي بصري) أي قال ابن عباس اعترافا: فلذلك الإنكار عمي بصري، ثم قال: يا أبا جعفر وما علمك بذلك؟ يعني من أين علمت أن عمى بصري من أجل ذلك الإنكار؟.

قوله (فوالله الخ) من كلام أبي جعفر (عليه السلام) لبيان سبب عماه وهو أنه من صفقة جناح الملك، والصفقة: الضرب الذي له صوت، وكلمة إن نافية.

قوله (قال فاستضحكت) منشأ الضحك هو أن ابن عباس لكمال سخافته لم يعقل أن عمى بصره لأجل الإنكار يوجب الاعتراف بأن ما أنكره حق فإصراره على الإنكار مع الاعتراف بما يزيله محل التعجب. فقلت: يا ابن عباس ما تكلمت بصدق مثل أمس حيث اعترفت بأن عمى بصرك لذلك الإنكار. وفي بعض النسخ «يا أبا عباس».

قوله (قال لك علي بن أبي طالب (عليه السلام)) تفصيل لما أجمله أولا بقوله «كما أعمى بصرك يوم جحدتها على علي بن أبي طالب» وبقوله «إن عمى بصري إلا من صفقة جناح الملك».

ص:6


1- قوله (اقطع قاطع الكف أصلا) هذا أيضا من أدلة ضعف الرواية إذ شرط قصاص الطرف التساوي أو كون الجاني أنقص فلا يجوز قطع يد ذات أصابع قصاصا بيد فاقدة لها وإن أعطاه دية الأصابع، ولا حاجة لنا إلى التكلف في توجيه فتوى ابن عباس بعد عدم اعتبار الخبر. (ش)
2- قوله «يوم جحدتها» لم يعم بصر ابن عباس في خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان في زمن معاوية بصيرا بل عمي في آخر عمره في زمان ابن الزبير وقد حج في سنة حج فيها معاوية في خلافته فكان لابن عباس موكب ولمعاوية موكب وهذا أيضا من مخائل ضعف الخبر التي أشار إليها العلامة (رحمه الله) في «الخلاصة». (ش)

قوله (أئمة محدثون) خبر لقوله: أنا وأحد عشر من صلبي، أو حال عنه وهو خبر مبتدأ محذوف وهو هم أو خبر مبتدأ محذوف أي نحن أئمة.

قوله (فقلت لا أراها) أي فقلت: يا ابن عباس لا أرى ليلة القدر كانت إلا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما مات ذهبت معه (1) وقد عرفت أن هذا خلاف الإجماع.

قوله (فتبدى لك) أي فظهر لك يا ابن عباس الملك الذي كان يحدث عليا (عليه السلام) فقال: كذبت يا عبد الله فيما قلت من أن تلك الليلة إنما كانت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصدق علي (عليه السلام) فيما قال من أن ليلة القدر في كل سنة إلى آخره لأنه رأت عيناي ما حدثك به علي (عليه السلام) من نزول الملائكة عليه في ليلة القدر إذ كنت من جملتهم ولم ترهم عينا علي (عليه السلام) إذ كان محدثا والمحدث يسمع صوت الملك ولا يراه ولكن وعى قلبه وحفظ ما القي إليه وسكن في سمعه وثبت، ثم صفقك الملك يا ابن عباس بجناحه فعميت، وفي بعض النسخ «ثم خفقك» أي ضربك، والخفق الضرب بشيء عريض يقال: خفقه بالسيف ويخفق إذا ضربه به ضربة خفيفة.

قوله (ووقر في سمعه) وقر من باب ضرب ووعد، يقال: وقر الشيء في سمعه أي سكن وثبت فيه من غير نسيان، من الوقار وهو الحلم والرزانة، وقد وقر يقر وقارا كذا في «النهاية» وفي بعض النسخ: وقر من القرار والمعنى واحد.

قوله (قال: فقال ابن عباس: ما اختلفنا في شيء فحكمه إلى الله) يعني أنا يا أبا جعفر وأنت إذا اختلفنا في أمر من الأمور كاستمرار ليلة القدر ونحوه فالله يعلم المحق من المبطل، وغرضه أنه المحق.

قوله (فقلت له) الغرض منه حمل ابن عباس على الإقرار بأنه كاذب.

* الأصل:

3 - وبهذا الإسناد، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال عز وجل في ليلة القدر: «فيها يفرق كل أمر حكيم» يقول: ينزل فيها كل أمر حكيم والمحكم ليس بشيئين إنما هو شيء واحد فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عز وجل، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت، إنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر الناس بكذا وكذا، وإنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل

ص:7


1- قوله «فلما مات ذهبت معه» لا اعتبار بهذه النسبة ولا يعتد بها مع ضعف الحديث، والمشهور عن ابن عباس أن ليلة القدر في السابعة والعشرين من شهر رمضان وهو معروف عنه في كتب العامة والخاصة. (ش)

يوم علم الله عزوجل الخاص والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر، ثم قرأ: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله، إن الله عزيز حكيم).

* الشرح:

قوله (ومن حكم بأمر فيه اختلاف) قد مر معنى الاختلاف آنفا.

قوله (فقد حكم بحكم الطاغوت) وهو الذي يتبع هواه ووساوس الشيطان ومن البين أن حكمه مخالف لحكم الله الذي لا اختلاف فيه وموافق لحكم الشيطان.

قوله (إنه لينزل في ليلة القدر تفسير الأمور سنة سنة يؤمر) أي ولى الأمر (فيها) أي في ليلة القدر أو في تلك الأمور، وهذا بيان لتفسير الأمور وتفصيل له واعلم ان الاستدلال بسورة القدر على وجود إمام (1) في كل عصر يتوقف على استمرار حكمها وهو مذهبنا ومذهب العامة أيضا. قال عياض: سميت ليلة القدر ليلة القدر لتقدير الله تعالى فيها ما يكون في تلك السنة من الأرزاق والآجال وغير ذلك، والمراد بهذا التقدير إظهاره تعالى لملائكته مما يكون من أفعاله بما سبق به علمه وقضاؤه في الأزل، ولخواص خلقه بنفسه أو بواسطة الملائكة وهو المراد بقوله (تنزل الملائكة والروح) الآية، وقيل: سميت بذلك لعظمة قدرها، وقال المازري: أجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر لتظافر الأحاديث وكثرة رؤية الصالحين لها، وقال عياض: وشذ قوم فقالوا: كانت خاصة بهم ورفعت، لحديث «أنه أعلمها حتى تلاحا الرجلان فرفعت» (2)، ومعنى هذا عندنا أنه رفع علم عينها كما قال في آخر «فأنسيتها» انتهى. وقال المازري: واحتجاجهم بالحديث غلط لأن في آخره ما يرد عليهم قال فيه البخاري:

فرفعت، وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في السبع أو التسع، فلو أريد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها انتهى.

ص:8


1- قوله «الاستدلال بسورة القدر على وجود الإمام» ولا يخفى أن سورة القدر لا تدل على وجود الإمام (عليه السلام) وساحة المعصوم بريئة عن نسبة هذا الاستدلال إليه وإنما هو خاطر اختلج في ذهن الحسن ابن عباس بن الحريش واستحسنه ونسبه إلى المعصوم وزعم أنه ابتكر مسألة في العلم، فإن قيل: دلالة السورة على الإمامة تعبد نأخذه من الإمام المعصوم وقوله حجة في دلالة القرآن وفي التفسير والتأويل; قلنا: هذا مصادرة فإنا في مقام الاستدلال بالقرآن على الإمامة، فالإمامة متوقفة على دلالة السورة ولو كانت دلالة السورة متوقفة على الإمامة لزم الدور وإنما يناسب هذا الاستدلال العوام وحشوية أهل الحديث دون الإمام المعصوم (ش).
2- رواه البخاري في كتاب الصوم باب فضل ليلة القدر.

وبالجملة ظاهر القرآن وصريح رواياتنا ورواياتهم وصريح أقوال علمائنا وعلمائهم في أن حكم ليلة القدر مستمر إلى آخر الدهر والمنكر له مكابر.

قوله (علم الله تعالى الخاص المكنون العجيب المخزون) أضاف هذا العلم إلى الله تعالى مع أن العلوم كلها منه تعالى للتعظيم والتشريف ثم وصفه بأربعة أوصاف: أحدها الخاص، ولعل المراد به العلم المتعلق بمعلوم معلوم كما أن الوجود الخاص الوجود المتعلق بموجود موجود، أو العلم المختص به (عليه السلام) لا يشاركه أحد سواه.

وثانيها: المكنون، والعلم المكنون هو العلم المستور عن أذهان الخلائق إلا من ارتضى من رسول الله ومن يقوم مقامه.

وثالثها: العجيب، والعلم العجيب ما يتعجب منه لعظم موقعه وخفاء سببه ودقة وجهه.

ورابعها: المخزون وهو المكتوب في اللوح المحفوظ لأنه خزانة العلوم أو الثابت في ذهن أهله لا يطرأ عليه السهو والنسيان، فإن قلت: جميع العلوم في القرآن واللوح المحفوظ وقد ثبت أنهم علموا جميع ما فيهما فما معنى ذلك؟ قلت: العلم بأن الشيء وجد مغاير للعلم بأنه سيوجد، والأول هو المراد هنا والحاصل لهم هو الثاني.

قوله (مثل ما ينزل في تلك الليلة) دل على أنه يحدث لهم في كل يوم وليلة مثل ما يحدث لهم في ليلة القدر. فإن قلت: أي فضل في ليلة القدر بالنسبة إلى غيرها حينئذ؟ قلت: لعل الفضل بنزول الملائكة والروح فيها لقصد زيارتهم وتبليغ بشارتهم.

قوله (ثم قرأ) استشهاد لما سبق من كثرة علومه الفائضة على قلوبهم المطهرة في كل يوم وليلة إلى انقراض الدهر ورفع لاستبعاد ذلك. وقوله «من شجرة» بيان لما وتنكيرها للتكثير، وقوله «أقلام» خبر أن وقوله «والبحر» بالرفع عطف على محل اسم «أن» أو الواو للحال والمراد به البحر المحيط من شعبه وخبره محذوف أي: ولو أن البحر مداد يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله. والمقصود أن هذا البحر مع بحار متكثرة منضمة إليه لو صارت مدادا وصارت الأشجار كلها أقلاما لا تفي بكتب كلمات الله وآياته وعلومه إن الله عزيز غالب قاهر على جميع ما سواه فلا يعجز عن شيء، حكيم يفعل ما يشاء على وفق الحكمة فلا يسئل عما يفعل ومن جملته إفاضته العلوم الغير المحصورة على الوجه المذكور إلى ولي الأمر.

* الأصل:

4 - وبهذا الإسناد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين صلوات الله عليه يقول: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) صدق الله عز وجل: أنزل الله القرآن في ليلة القدر. (وما أدراك ما ليلة

ص:9

القدر) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا أدري، قال الله عز وجل: (ليلة القدر خير من ألف شهر) ليس فيها ليلة القدر، قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): وهل تدري لم هي خير من ألف شهر؟ قال: لا، قال: لأنها (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) وإذا أذن الله عز وجل بشيء فقد رضيه (سلام هي حتى مطلع الفجر) يقول: تسلم عليك يا محمد ملائكتي وروحي بسلامي من أول ما يهبطون إلى مطلع الفجر، ثم قال في بعض كتابه: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (1)في إنا أنزلناه في ليلة القدر، وقال في بعض كتابه: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) يقول في الآية الاولى:

إن محمدا حين يموت، يقول أهل الخلاف لأمر الله عز وجل: مضت ليلة القدر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذه فتنة أصابتهم خاصة وبها ارتدوا على أعقابهم لأنهم إن قالوا: لم تذهب فلابد أن يكون لله عز وجل فيها أمر وإذا أقروا بالأمر لم يكن له من صاحب بد.

* الشرح:

قوله (صدق الله أنزل القرآن في ليلة القدر) قال الصدوق: اعتقادنا أن القرآن نزل في شهر رمضان في ليلة القدر جملة واحدة إلى البيت المعمور ثم فرق في مدة أربعة وعشرين سنة.

قوله (ليس فيها ليلة القدر) فسر بذلك لئلا يلزم تفضيل الشيء على نفسه.

قوله (والروح) ذكر الروح بعد الملائكة من باب ذكر الخاص بعد العام للاهتمام.

قوله (وإذا أذن الله) لعل المراد بالإذن هنا الأمر الحتمي فلا يرد أنه لا يقع شيء ما إلا بإذنه كما مر، والله سبحانه لا يرضى ببعض الأشياء، ثم فيه دفع لتوهم المنكر أن نزولهم بإذنه تعالى إلى أحد في أمر لا يوجب رضاه تعالى بالنزول ولا بالمنزل إليه ولا بذلك الأمر فلا يتم المطلوب.

قوله (واتقوا فتنة) الفتنة الاختبار بالذنب ونحوه، ثم كثر استعماله فيما أخرجه الاختبار من الذنب والبدعة والقتال والإحراق وخلاف الحق، والفاتن هو المضل عن الحق والمراد بها هنا البدعة المخصوصة وهي إنكار ليلة القدر بعده (صلى الله عليه وآله) وإنكاره خلافة علي (عليه السلام) أو هو داخل فيها، ويؤيده ما رواه الشيخ الطبرسي عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية (واتقوا فتنة) قال النبي (صلى الله عليه وآله) «من ظلم عليا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي».

قوله (في إنا أنزلناه) ظرف للظلم المستفاد من (ظلموا). قوله (أفإن مات أو قتل انقلبتم على

ص:10


1- سورة الأنفال:25.

أعقابكم) (1)إنكار لارتدادهم ورجوعهم عن الدين على أعقابهم بموته أو قتله بعد علمهم بموت من قبله من الأنبياء وبقاء دينهم وما جاءوا به.

قوله (يقول في الآية الاولى - إلى قوله - خاصة) هذا التفسير واضح على قراءة (لتصيبن) جوابا لقسم محذوف، وكذا على قراءة (ولا تصيبن) إذا كان نهيا بعد الأمر باتقاء الذنب عن الظلم الذي وباله يصيب الظالم خاصة، وأما إذا كان نفيا صفة لفتنة، أو جوابا لأمر مذكور أي إن أصابتكم لا تصيبن الظالمين منكم خاصة; فغير واضح إلا أن يقال: يستفاد من الآية أن الفتنة على قسمين:

أحدهما وهو مذكور فيها صريحا يعم الظالم وغيره، والآخر يختص بالظالم، وما ذكره (عليه السلام) تفسير للقسم الثاني.

قوله (يقول أهل الخلاف لأمر الله) لأمر الله متعلق بالخلاف وصلة له، ولعل المراد بأهل الخلاف بعضهم، فإنك قد عرفت آنفا أن أكثر أهل الخلاف يقولون ببقاء حكم ليلة القدر بعده (صلى الله عليه وآله) وإن خالفنا في المنزل إليه، ويحتمل أن يراد جميعهم لأن جميعهم يقولون بزوال حكمها إذ حكمها وهو النزول إلى ولي الله وهم لا يقولون به.

قوله (لأنهم إن قالوا) دليل على قوله: يقول أهل الخلاف مضت ليلة القدر، توضيحه: إن القول بعدم ذهابها يستلزم القول بأن لله تعالى فيها أمرا وهذا القول يستلزم الإقرار بأن لذلك الأمر صاحبا تنزل الملائكة إليه، وإنكار اللوازم يستلزم إنكار الملزوم، فلزمهم القول بذهابها سواء قالوا ذلك صريحا كبعضهم أو لم يقولوا كأكثرهم فليتأمل.

* الأصل:

5 - وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) كثيرا ما يقول: [ما] اجتمع التيمي والعدوي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقرأ «إنا أنزلناه» بتخشع وبكاء فيقولان: ما أشد رقتك لهذه السورة فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما رأت عيني ووعى قلبي ولما يرى قلب هذا من بعدي، فيقولان: وما الذي رأيت وما الذي يرى؟ قال: فيكتب لهما في التراب (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) قال: ثم يقول: هل بقي شيء بعد قوله عز وجل (كل أمر) فيقولان: لا، فيقول: هل تعلمان من المنزل إليه بذلك؟ فيقولان: أنت يا رسول الله، فيقول: نعم، فيقول: هل تكون ليلة القدر من بعدي؟ فيقولان: نعم، قال: فيقول: فهل ينزل ذلك الأمر فيها؟ فيقولان: نعم، قال: فيقول: إلى من؟ فيقولان: لا ندري، فيأخذ برأسي ويقول: إن لم تدريا فادريا، هو هذا من بعدي، قال: فإن كانا

ص:11


1- سورة آل عمران:144.

ليعرفان تلك الليلة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من شدة ما يداخلهما من الرعب.

* الشرح:

قوله (كثيرا ما يقول) أي يقول قولا كثيرا أو حينا كثيرا، وما زائدة للمبالغة وفي بعض النسخ «يقول كثيرا ما».

قوله (اجتمع التيمي والعدوي) اريد بالتيمي أبو بكر نسب إلى جده الخامس تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، وفي مرة وهو الجد السادس للنبي (صلى الله عليه وآله) اجتمع معه، وبالعدوي عمر نسب إلى جده السابع عدي بن كعب بن لؤي، وفي كعب اجتمع مع النبي (صلى الله عليه وآله). قوله (ما أشد رقتك) رقتك صيغة التعجب مثل ما أحسن زيدا.

قوله (لما رأت عيني ووعى قلبي ولما يرى قلب هذا من بعدي) أشار بهذا إلى علي (عليه السلام) ولم ينسب الرؤية العينية إليه لأنه محدث والمحدث لا يرى بالعين بخلاف النبي.

قوله (فيكتب لهما في التراب) دل على أنه (صلى الله عليه وآله) كان يكتب، وهذا من إعجازه لأنه لم يتعلم الكتاب وقد علمها.

قوله (هل بقي شيء) يريد هل بقي احتمال أن يكون نزول الملائكة لا إلى أحد من الناس بعد قوله تعالى (من كل أمر) لأن نزولهم بالأمر لا يكون إلا إلى مأمور منزل إليه، والمقصود من هذا الاستفهام تقريرهما على نفي هذا الاحتمال، فلذا أمر أو قالا: لا.

قوله (بذلك) أي بذلك الأمر. قوله (فإن كانا) إن مخففة من المكسورة المشددة وهي إذا خففت يلزمها اللام للفرق بينها وبين النافية، ويجوز إبطال عملها وإدخالها على كان ونحوه كما في قوله تبارك وتعالى (وإن كانت لكبيرة).

قوله (من شدة ما يداخلهما من الرعب) علة لمعرفتهما تلك الليلة، يعني أنه كان يدخل عليهما في ليلة القدر بعد النبي (صلى الله عليه وآله) من الرعب والخوف ما لا يعرف قدره إلا الله، إما لتذكرهما قول النبي (صلى الله عليه وآله) أو من قبل الله تعالى لإكمال الحجة عليهم فيعرفان بذلك أنها ليلة القدر، ولكن حب الجاه والرئاسة منعهما من الرجوع إلى الحق.

* الأصل:

6 - وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا معشر الشيعة! خاصموا بسورة إنا أنزلناه تفلحوا، فوالله إنها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله). وإنها لسيدة دينكم، وإنها لغاية علمنا، يا معشر الشيعة خاصموا ب (حم * والكتاب المبين * إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين) فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص:12

يا معشر الشيعة! يقول الله تبارك وتعالى (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) قيل: يا أبا جعفر نذيرها محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: صدقت، فهل كان نذير وهو حي من البعثة في أقطار الأرض؟ فقال السائل: لا، قال أبو جعفر (عليه السلام): أرأيت بعيثه أليس نذيره كما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعثته من الله عز وجل نذير؟ فقال: بلى، قال: فكذلك لم يمت محمد إلا وله بعيث نذير، قال: فإن قلت: لا; فقد ضيع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من في أصلاب الرجال من أمته قال: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلى إن وجدوا له مفسرا، قال: وما فسره رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: بلى قد فسره لرجل واحد وفسر للأمة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام).

قال السائل: يا أبا جعفر كان هذا أمر خاص لا يحتمله العامة، قال: أبى الله أن يعبد إلا سرا حتى يأتي إبان أجله الذي يظهر فيه دينه كما أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع خديجة مستترا حتى أمر بالإعلان، قال السائل: ينبغي لصاحب هذا الدين أن يكتم؟ قال: أو ما كتم علي ابن أبي طالب (عليه السلام) يوم أسلم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى ظهر أمره؟ قال: بلى، قال: فكذلك أمرنا حتى يبلغ الكتاب أجله.

* الشرح:

قوله (خاصموا بسورة إنا أنزلناه تفلحوا) أي تظفروا وتغلبوا عليهم لإخبارها بنزول الملائكة والروح فيها من كل أمر إلى ولي مؤيد من عند الله تعالى، ولا يمكنهم التخلص إلا بأن يقولوا: ذهبت الليلة بذهابه (صلى الله عليه وآله) أو يقولوا: ذهب النزول بذهابه، أو يقولوا: ثبت النزول إلى سلطان الجور، أو يقولوا: ثبت النزول لا إلى أحد، والكل باطل، أما الأولان فلدلالة رواياتهم أيضا على بقائها وبقاء النزول فيها إلى يوم القيامة; ولإجماعهم على بقائهما كما مر، وأما الثالث فلأن نزول الملائكة إلى الجائر بما يحتاج إليه الناس من الأوامر والنواهي باطل بالضرورة، ولم يدع ذلك أحد من الجائرين، وأما الرابع فلأن نزولهم بالأوامر والنواهي لا إلى أحد من الخلق مما لا يتصور قطعا.

قوله (إنها لحجة الله على الخلق بعد رسول الله) حيث دلت على أن الزمان بعده لا يخلو من حجة، ويحتمل أن يراد أن رسول الله حجة الله على الخلق أولا لبيانه من يقوم مقامه بعده ثم هذه السورة حجة الله عليهم بعده لما مر.

قوله (وإنها لسيدة دينكم) لدلالتها على أعظم أمور الدين وهي الخلافة التي تبتنى عليها سائر أموره.

قوله (وإنها لغاية علمنا) لدلالتها على حصول علوم غير محصورة لهم في تلك الليلة بإخبار

ص:13

الملائكة، أو لأن هذه العلوم من توابع العلوم التي كانت حاصلة لهم وغاياتها، فانهم (عليهم السلام) علموا جميع ما في اللوح المحفوظ من النقوش حتمية كانت أو غير حتمية، ويجيئهم حتم غير المحتوم في تلك الليلة، والله أعلم.

قوله (فإنها لولاة الأمر خاصة) لا للغواة كما ظنه بعض النواصب، وفساد ظنه أظهر من أن يحتاج إلى البيان.

قوله (ويقول الله تعالى وإن من امة إلا خلا فيها نذير) أي مضى فيها والأمة الجماعة الموجودون في عصر، وفيه دلالة على أن عصرا من الأعصار لم يخل من نذير فالحكمة الإلهية تقتضي أن يكون في كل أمة وفي كل عصر إلى يوم القيامة نذير.

قوله (قيل يا أبا جعفر نذيرها محمد) أي نذير هذه الأمة محمد (صلى الله عليه وآله) ولا يكون بعده نذير آخر فلا يتم المطلوب.

قوله (أرأيت بعيثه) أي أخبرني والغرض منه تقرير السائل بالمنفي وقد أقر به.

قوله (قال فإن قلت لا) أي قلت: مات محمد (صلى الله عليه وآله) ولم يكن له بعيث لزمك القول بأنه ضيع من في أصلاب الرجال من أمته، والقول بذلك باطل لأنه كفر وموجب لبطلان البعثة ونسبة ما لا يليق به (صلى الله عليه وآله) إليه.

قوله (قال بلى) أي بلى يكفيهم القرآن إن وجدوا له مفسرا يعلم ظاهر القرآن وباطنه ويعلم جميع ما أنزل الله تعالى فيه.

قوله (إبان أجله) إبان الشيء بالكسر والتشديد: وقته.

* الأصل:

7 - وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لقد خلق الله جل ذكره ليلة القدر أول ما خلق الدنيا، ولقد خلق فيها أول نبي يكون وأول وصي يكون، ولقد قضى أن يكون في كل سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد رد على الله عز وجل علمه لأنه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدثون إلا أن تكون عليهم حجة بما يأتيهم في تلك الليلة مع الحجة التي يأتيهم بها جبرئيل (عليه السلام) قلت: والمحدثون أيضا يأتيهم جبرئيل أو غيره من الملائكة (عليهم السلام) قال: أما الأنبياء والرسل صلى الله عليهم فلا شك ولابد لمن سواهم - من أول يوم خلقت فيه الأرض إلى آخر فناء الدنيا - أن تكون على أهل الأرض حجة ينزل ذلك في تلك الليلة إلى من أحب من عباده، وأيم الله لقد نزل الروح والملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم، وأيم الله ما مات

ص:14

آدم إلا وله وصي، وكل من بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الأمر فيها ووضع لوصيه من بعده، وأيم الله إن كان النبي ليؤمر فيما يأتيه من الأمر في تلك الليلة من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله) أن أوص إلى فلان، ولقد قال الله عز وجل في كتابه لولاة الأمر من بعد محمد (صلى الله عليه وآله) خاصة: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) إلى قوله - فأولئك هم الفاسقون» يقول: أستخلفكم لعلمي وديني وعبادتي بعد نبيكم كما استخلف وصاة آدم من بعده حتى يبعث النبي الذي يليه (يعبدونني لا يشركون بي شيئا) يقول: يعبدونني بإيمان لا نبي بعد محمد (صلى الله عليه وآله) فمن قال غير ذلك (فأولئك هم الفاسقون) فقد مكن ولاة الأمر بعد محمد بالعلم ونحن هم، فاسألونا فإن صدقناكم فأقروا وما أنتم بفاعلين، أما علمنا فظاهر، وأما إبان أجلنا الذي يظهر فيه الدين منا حتى لا يكون بين الناس اختلاف، فإن له أجلا من ممر الليالي والأيام، إذا أتى ظهر وكان الأمر واحدا، وأيم الله لقد قضى الأمر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد (صلى الله عليه وآله) علينا ولنشهد على شيعتنا ولتشهد شيعتنا على الناس، أبى الله عز وجل أن يكون في حكمه اختلاف أو بين أهل علمه تناقض، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): فضل إيمان المؤمن بحمله إنا أنزلناه وبتفسيرها على من ليس مثله في الإيمان بها كفضل الإنسان على البهائم، وإن الله عز وجل ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا - لكمال عذاب الآخرة لمن علم أنه لا يتوب منهم - ما يدفع بالمجاهدين عن القاعدين، ولا أعلم أن في هذا الزمان جهادا إلا الحج والعمرة والجوار.

* الشرح:

قوله (لقد خلق الله تعالى ليلة القدر أول ما خلق الدنيا) يريد أن الزمان من أوله إلى آخره لا يخلو من ليلة القدر، أو يريد أنها أول ليلة عند خلق الدنيا وهكذا جرى قضاء الله تعالى ليجيء فيها تفسير الأمور إلى من هو أهله، وعلى التقديرين لا دلالة فيه على أن الليل مقدم على النهار فلا ينافي قوله تعالى (ولا الليل سابق النهار).

قوله (خلق فيها أول نبي) يريد خلق فيها أول نبي في سلسلة الأنبياء وأول وصي في سلسلة الأوصياء وإنما قيد بالأول لأنه لم يخلق كل نبي وكل وصي فيها كما يظهر لمن نظر في تواريخ مواليدهم. [ويحتمل أن يراد بالخلق التقدير، فيعم].

قوله (يهبط فيها بتفسير الأمور) قد تحقق أن أئمتنا (عليهم السلام) كانوا عالمين بجميع الأمور إلا أن بعضها لما كان محتوما مبرما وبعضها غير محتوم كان المراد بتفسيرها تفسير غير المحتوم فيحصل

ص:15

لهم العلم في تلك الليلة بأنه صار محتوما فيؤمرون بفعل هذا وترك ذاك إلى ما شاء الله تعالى، وفي لفظ التفسير إيماء إلى ذلك، ويحتمل أن يراد به الإعلام بأنها وجدت في الأعيان وهذا غير الإعلام بأنها ستوجد، وما كان متحققا لهم هو الثاني دون الأول.

قوله (فقد رد على الله علمه) أي علم الله الذي أهبطه على أوليائه أو علمه بأنه أهبطه.

قوله (لأنه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدثون) تعليل للرد المذكور، يعني لا يقوم هؤلاء العظام بأمر الخلق وإرشادهم إلا أن تكون لله تعالى حجة وبرهان عليهم وهي ما يأتيهم الملائكة من العلوم المتكثرة في ليلة القدر، وما يأتيهم جبرئيل (عليه السلام) في غيرها من سائر الأوقات، ومن أنكر ذلك فقد رد على الله علمه الذي أنزله إليهم، والراد على الله كافر فكيف يستحق الخلافة.

قوله (قلت والمحدثون أيضا يأتيهم جبرئيل (عليه السلام) أو غيره) السؤال إنما هو عن إتيان جبرئيل (عليه السلام) لا عن إتيان غيره من الملائكة لأن إتيان غيره كان معلوما للسائل بقرينة قوله «والمحدثون» ويحتمل أن يكون إتيان الملك معلوما له فسأل: هل هو جبرئيل (عليه السلام) أو غيره.

قوله (من أول يوم خلقت فيه الأرض) المراد أول يوم خلقت عند وجود الأرض كما يشعر به قوله على أهل الأرض، وفيه دلالة على أن اليوم مقدم على الليل، ويؤيده أن العالم عند خلقه لابد أن يكون على أشرف الأوضاع، والطلوع أشرف من الغروب.

قوله (حجة ينزل ذلك) المراد بالحجة العلم الذي ينزل أو الملك الذي ينزل به ذلك الملك في ليلة القدر وإنما لم يبين الملك النازل هل هو جبرئيل أو غيره للدلالة على التعميم.

قوله (إلى من أحب من عباده) دل على أن المنزل إليه لابد أن يكون من محبوبيه فلا يكون فاسقا لأن الفاسق مبغوض.

قوله (إن كان النبي ليؤمر) «إن» مخففة كما مر، وفيه تنبيه على أن سنة الله جرت في كل نبي من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله) أن لا يمضي إلا بعد نص وصي بأمر الله تعالى فكيف تتخلف هذه السنة في محمد (صلى الله عليه وآله)! ثم أشار بقوله «ولقد قال الله تعالى إلى آخره» مؤكدا بالقسم إلى أن الله تعالى نص بأوصياء نبينا مخاطبا لهم للإكرام والتشريف.

قوله (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات) المراد بالإيمان التصديق الكامل المنزه عن شوائب الوهم والخيال وهو الذي يرى المعقول شاهدا والغائب حاضرا وبالصالحات الأعمال الصالحة كلها صغيرها وكبيرها وحقيرها وجليلها. وفي العطف إيماء إلى أن الأعمال خارجة عن حقيقة الإيمان.

قوله (يقول استخلفكم) أي يقول الله تعالى مخاطبا للأوصياء (عليهم السلام) (كما استخلف الذين من

ص:16

قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).

قوله (أما علمنا فظاهر) يعني أما علمنا فظاهر لم يدخل النقص فيه بغلبة الأعداء، وأما وقت ظهورنا وغلبتنا عليهم حتى يظهر الدين ويرتفع الاختلاف بين الناس فله أجل معين عند الله تعالى إذا جاء أجله صار الدين واحدا ورجع الناس من الاختلاف إلى الاتحاد وهو زمان ظهور مهدي هذه الامة.

قوله (ولذلك جعلهم شهداء على الناس) أي ولقضائه تعالى بأن لا يكون بين المؤمنين اختلاف في الذين جعلهم الله تعالى شهداء على الناس، لأن بناء الشهادة على التوافق في المشهود به، ولذلك ترد الشهادة لو اختلف الشهود فيه، فدلت الآية على أنه لا اختلاف في علم الله ولا في دينه ولا في حكمه.

قوله (فضل إيمان المؤمن) هذا يحتمل وجهين: أحدهما أن فضل إيمان المؤمن العالم بها وبتفسيرها على إيمان المؤمن الغير العالم كفضل الإنسان على البهائم، وربما يؤيده لفظ الحمل، ففيه ترغيب في تحصيل العلم، وثانيهما وهو الأظهر أن فضل المؤمن بها وبتفسيرها على غير المؤمن بها من أهل الخلاف كالفضل المذكور، ويرجحه قوله «وإن الله تعالى ليدفع بالمؤمنين بها إلى آخره».

قوله (وإن الله تعالى ليدفع) يعني إن الله تعالى ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها عذاب الدنيا، ولولا المؤمنون بها لعذبهم في الدنيا وأهلكهم كافة وذلك الدفع ليعذبهم في الآخرة عذابا أليما بسبب جحدهم وإنكارهم إياها، وذلك الدفع أو كمال عذاب الآخرة لمن علم الله تعالى أنه لا يتوب عن إنكاره ولا يرجع عنه إلى الايمان بها، وهذا الدفع مثل ما يدفع الله تعالى بالمجاهدين في سبيله عن القاعدين هلاكهم بسيوف المشركين أو بعقوبته.

قوله (ولا أعلم في هذا الزمان جهادا إلا الحج والعمرة والجوار) الجوار بالكسر الذمة والأمان فيكون بها جارك، وأيضا المجاورة، ومنه الجار الذي يجاورك، والمضاف محذوف على الأخير لو أريد أحسن الجوار، وفيه دلالة على أن وجوب الجهاد مشروط بوجود الإمام وتمكنه.

* الأصل:

8 - قال: وقال رجل لأبي جعفر (عليه السلام): يا ابن رسول الله لا تغضب علي قال: لماذا؟ قال: لما أريد أن أسألك عنه، قال: قل، قال: ولا تغضب؟ قال: ولا أغضب، قال: أرأيت قولك في ليلة القدر وتنزل الملائكة والروح فيها إلى الأوصياء يأتونهم بأمر لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد علمه أو

ص:17

يأتونهم بأمر كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلمه؟ وقد علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مات وليس من علمه شيء إلا وعلي (عليه السلام) له واع، قال أبو جعفر (عليه السلام): ما لي ولك أيها الرجل، ومن أدخلك علي؟ قال: أدخلني عليك القضاء لطلب الدين، قال: فافهم ما أقول لك: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أسري به لم يهبط حتى أعلمه الله جل ذكره علم ما قد كان وما سيكون وكان كثير من علمه ذلك جملا يأتي تفسيرها في ليلة القدر، وكذلك كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد علم جمل العلم ويأتي تفسيره في ليالي القدر، كما كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال السائل: أو ما كان في الجمل تفسير؟ قال: بلى ولكنه إنما يأتي بالأمر من الله تعالى في ليالي القدر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وإلى الأوصياء إفعل كذا وكذا، لأمر قد كانوا علموه، امروا كيف يعملون فيه، قلت: فسر لي هذا، قال: لم يمت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا حافظا لجملة العلم وتفسيره، قلت: فالذي كان يأتيه في ليالي القدر علم ما هو؟ قال: الأمر واليسر فيما كان قد علم، قال السائل: فما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا؟ قال: هذا مما أمروا بكتمانه ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلا الله عز وجل.

قال السائل: فهل يعلم الأوصياء ما لا يعلم الأنبياء؟ قال: لا وكيف يعلم وصي غير علم ما أوصي إليه! قال السائل: فهل يسعنا أن نقول: إن أحدا من الوصاة يعلم ما لا يعلم الآخر؟ قال: لا، لم يمت نبي إلا وعلمه في جوف وصيه وإنما تنزل الملائكة والروح في ليلة القدر بالحكم الذي يحكم به بين العباد.

قال السائل: وما كانوا علموا ذلك الحكم؟ قال: بلى قد علموه ولكنهم لا يستطيعون إمضاء شيء منه حتى يؤمروا في ليالي القدر كيف يصنعون إلى السنة المقبلة، قال السائل: يا أبا جعفر لا أستطيع إنكار هذا، قال أبو جعفر (عليه السلام): من أنكره فليس منا، قال السائل: يا أبا جعفر أرأيت النبي (صلى الله عليه وآله) هل كان يأتيه في ليالي القدر شيء لم يكن علمه؟ قال: لا يحل لك أن تسأل عن هذا، أما علم ما كان وما سيكون فليس يموت نبي ولا وصي إلا والوصي الذي بعده يعلمه، أما هذا العلم الذي تسأل عنه فإن الله عز وجل أبى أن يطلع الأوصياء عليه إلا أنفسهم، قال السائل: يا ابن رسول الله كيف أعرف أن ليلة القدر تكون في كل سنة؟ قال: إذا أتى شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في كل ليلة مائة مرة فإذا أتت ليلة ثلاث وعشرين فإنك ناظر إلى تصديق الذي سألت عنه.

* الشرح:

قوله: (أرأيت قولك في ليلة القدر) كان الرجل في مقام معارضة ودفع نزول الملائكة إلى علي بأنه (عليه السلام) كان عالما بجميع علم النبي (صلى الله عليه وآله) فإن نزل إليه الملائكة فإما ان تنزل إليه بعلم لم يعلمه

ص:18

رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو بعلم يعلمه وكلاهما باطل، لأن الأول يوجب أن يكون علي (عليه السلام) أعلم منه. والثاني يوجب تحصيل الحاصل، ولذلك غضب (عليه السلام) عليه وقال: ما لي ولك ومن أدخلك علي؟ ثم لما اعتذر السائل بقوله: أدخلني عليك القضاء لطلب الدين وراعى الأدب; أجابه (عليه السلام) وكشف الغطاء بما لا مزيد عليه بقوله: فافهم إلى آخره.

قوله (وكان كثير من علمه ذلك جملا يأتي تفسيرها في ليلة القدر) لما كان هذا الكلام مجملا لاحتمال أنه يأتي نفس تفسيرها وتفصيلها في ليلة القدر واحتمال أنه يأتي الأمر بتفاصيلها; حمله السائل على الأول واستفهم على سبيل التقرير بقوله «أو ما كان في الجمل تفسير» يريد أن فيها تفسيرها والنفوس القدسية إذا علمت الجملة فقد علمت تفسيرها أيضا إما بنفس معرفة الجمل أو بأدنى التفات وذلك كما إذا نظرت إلى زيد فقد أبصرت كله إجمالا وأبصرت أجزاءه وتفاصيله جميعا عند إبصار واحد بل إبصار الكل والأجزاء إبصار واحد وإنما يتفاوت بالاعتبار، فأقر به (عليه السلام) بقوله بلى وصدقه، وأشار بقوله «ولكنه إنما يأتي بالأمر إلى آخره» إلى أن المراد به هو الاحتمال الثاني وتوضيحه أن كثيرا من علمه ذلك كان مجملا لا يعلم هل يأمر بامضائه وفعله وتركه أو لا يأمر وهل يثبته أو يمحوه كما في العلم الذي يجري فيه البداء، وإنما يأتي الأمر بتفاصيل هذه الأمور في ليلة القدر، وإنما قال (كان كثير من علمه ذلك جملا) لأن كثيرا من علمه ذلك أيضا كان مثبتا لا يجري فيه البداء وكان الأمر به معلوما لا يحتمل غيره.

قوله (قلت فسر لي هذا) أي بين لي بأمثلة جزئية هذا الذي قلت من أن الذي يأتيه في ليالي القدر هو الأمر بما علموا، فأجابه (عليه السلام) بأنه (لم يمت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا حافظا لجملة العلم وتفسيره) تلقيا له بغير ما يترقبه للتنبيه على أن الأهم له هو العلم بهذا لا بما ذكر وعلى أن ولي الأمر غير مأذون بإظهاره لمصلحة لا يعلمها إلا هو كما سيصرح به، ثم رجع السائل فسأله بقوله «فالذي كان يأتيه في ليالي القدر علم ما هو» للمبالغة في استعلام ما يأتيه فيها فأجابه (عليه السلام) بنحو ما أجابه سابقا من أن الذي يأتيه هو الأمر واليسر، والمراد باليسر هو التخفيف بالمحو ونحوه، ثم عاد السائل وقال (فما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا) إشعارا بأن هذا محال لأنه تحصيل الحاصل ومبالغة في استعلام يحدث لهم فيها من الأوامر المخصوصة فأجابه (عليه السلام) صريحا بأن هذا أي ما يحدث لهم من الأوامر مما أمروا بكتمانه وإظهار خصوصياته ولا يعلم تفسير ما سألت عنه من الأوامر المخصوصة والخصوصيات التي تنزل فيها إلا الله تعالى. والحصر إضافي بالنسبة إلى غير الولاة، لأن عقول غيرهم لا تتحمل ما تنزل فيها، ويحتمل أن يراد أنه لا يعلم ما يصير محتوما في ليلة القدر قبل أن يصير محتوما إلا الله تعالى فيكون الحصر حقيقيا، ولكن الأول أنسب بسياق

ص:19

الكلام فتأمل والله أعلم بحقيقة الحال.

قوله (قال السائل فهل يعلم الأوصياء) لما كان القول بأنه ينزل في ليلة القدر أمور السنة إلى ولادة الأمر يشعر ظاهرا بأن الوصي أعلم من النبي والوصي الآخر أعلم من الوصي الأول لأن الملائكة تنزل على الآخر بما لم تنزل به على الأول من الأمور المتعلقة بكل سنة سنة سأل السائل عن هذا التفاضل هل هو ثابت أم لا؟ فأجاب (عليه السلام): بأنه لا وأن الملائكة تنزل بالحكم الذي يحكم به ولاة الأمر بين العباد، فعاد السائل وقال: أوما كانوا يعني ولاة الأمر علموا ذلك الحكم؟ قال (عليه السلام):

بلى قد علموه ولكن لا يقدرون على إمضاء شيء منه بدون الأمر به في ليلة القدر، والحاصل أنهم علموا المحتوم وغير المحتوم جميعا ولكن لا يجوز لهم العمل في غير المحتوم إلا بعد العلم الحاصل لهم في ليلة القدر بأنه صار محتوما وبعد الإذن لهم في العمل، نظير ذلك أن الوزير إذا نظر إلى البلد العظيم ورأى ما فيه من البيوتات المعمورة والمكسورة والمهدومة والأراضي الخالية القابلة للعمارة والبناء والزرع وغير ذلك من الخصوصيات التي لا تحصى فإنه لا يقدر على إمضاء شيء من ذلك بمقتضى علمه إلا بعد أمر الأمير وإذنه له في العمل. فإن قلت: العلم بأنه صار محتوما علم حاصل له في ليلة القدر ولم يكن حاصلا لمن قبله من الأولياء فيلزم أن يكون هو أعلم ممن قبله فيعود أصل السؤال.

قلت: يحصل له العلم بذلك بعد حصول العلم به لمن قبله، ويؤيده ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ليس يخرج شيء من عند الله تعالى حتى يبدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم بأمير المؤمنين (عليه السلام) ثم بواحد بعد واحد لئلا يكون آخرنا أعلم من أولنا» والحديث مذكور في الباب الثاني من هذا الباب إن قلت: فعلى هذا يجوز أن يحصل له العلم بما سيكون ولا يلزم أن يكون أعلم ممن قبله؟ قلت: نعم ولكنه خلاف الأمر المحقق الثابت وهو أنهم لم يموتوا حتى علموا ما كان وما سيكون وما هو كائن إلى يوم القيامة.

قوله (قال السائل يا أبا جعفر أرأيت) لما كان السائل مشغوفا حريصا بمعرفة خصوصيات ما ينزل عليهم في ليلة القدر وكيفية البداء سأل عنها مرارا مرة بعد أخرى فأجاب (عليه السلام) بأنه لا يحل لك أن تسأل عن خصوص ما ينزل في ليلة القدر لحكمة مقتضية لإخفائه وعدم اطلاع غير الأوصياء عليه وعدم اقتدار عقول الناقصين على تحمله ولذلك لم يجبه (عليه السلام) بمثال مخصوص مع الحاجة في السؤال عنه.

قوله (أما هذا العلم الذي تسأل عنه) وهو العلم بخصوصيات ما ينزل في ليلة القدر من الأمر والإذن والحتم فيما لم يكن محتوما.

ص:20

قوله (فإذا أتت ليلة ثلاث وعشرين) هذا صريح في أنها ليلة القدر وللاخريين أيضا قدر عظيم ظهر ذلك لبعض أهل العرفان.

* الأصل:

9 - وقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): لما ترون من بعثه الله عز وجل للشقاء على أهل الضلالة من أجناد الشياطين وأزواجهم أكثر مما ترون خليفة الله الذي بعثه للعدل والصواب من الملائكة، قيل: يا أبا جعفر وكيف يكون شيء أكثر من الملائكة؟ قال: كما شاء الله عز وجل، قال السائل: يا أبا جعفر إني لو حدثت بعض الشيعة بهذا الحديث لأنكروه! قال: كيف ينكرونه؟ قال: يقولون: إن الملائكة (عليهم السلام) أكثر من الشياطين، قال: صدقت افهم عني ما أقول: إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا وجميع الجن والشياطين تزور أئمة الضلالة ويزور إمام الهدى عددهم من الملائكة حتى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى ولي الأمر، خلق الله - أو قال قيض الله - عز وجل من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالإفك والكذب حتى لعله يصبح فيقول: رأيت كذا وكذا فلو سأل ولي الأمر عن ذلك لقال: رأيت شيطانا أخبرك بكذا وكذا حتى يفسر له تفسيرا ويعلمه الضلالة التي هو عليها، وأيم الله إن من صدق بليلة القدر ليعلم أنها لنا خاصة لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) حين دنا موته: «هذا وليكم من بعدي فإن أطعتموه رشدتم» ولكن من لا يؤمن بما في ليلة القدر منكر ومن آمن بليلة القدر ممن على غير رأينا فإنه لا يسعه في الصدق إلا أن يقول: إنها لنا ومن لم يقل فإنه كاذب، إن الله عز وجل أعظم من أن ينزل الأمر مع الروح والملائكة إلى كافر فاسق، فإن قال: إنه ينزل إلى الخليفة الذي هو عليها فليس قولهم ذلك بشيء، وإن قالوا:

إنه ليس ينزل إلى أحد، فلا يكون أن ينزل شيء إلى غير شيء، وإن قالوا - وسيقولون -: ليس هذا بشيء، فقد ضلوا ضلالا بعيدا.

* الشرح:

قوله (لما ترون) المراد بالرؤية الرؤية القلبية بقرينة تعديته إلى مفعولين وعدم تحقق الرؤية العينية. والمراد ببعث الله الأقدار والتسليط وعدم المنع.

قوله (أكثر مما ترون خليفة الله) أي أكثر مما ترون مع خليفة الله من الملائكة، أو أكثر مما ترون من بعثه الله تعالى للهدى إلى خليفة الله من الملائكة.

قوله (وكيف يكون شيء أكثر من الملائكة) بناء هذا السؤال والذي يأتي بعده على نزول جميع الملائكة إلى خليفة الله تعالى إلا أن هذا السؤال لما تعلق بأكثرية شيء مطلقا أجاب عنه (عليه السلام) بقوله: كما شاء الله، تنبيها على تحققها لظهور أن الأشياء أكثر من الملائكة بخلاف السؤال الآتي فإنه

ص:21

لما كان صريحا في أن الملائكة أكثر من الشياطين - وهذا عكس ما أفاده (عليه السلام) أولا بحسب الظاهر من أن الشياطين الواردين على أهل الضلالة وأئمة الجور أكثر من الملائكة النازلين على خليفة الله تعالى - أجاب عنه (عليه السلام) توضيحا لمقصوده بقوله: إفهم عني ما أقول إلى آخره وحاصله على ما صرح به الفاضل الأمين الأسترآبادي أن زيارة أجناد الشياطين لأئمة الضلالة أكثر من زيارة الملائكة لخليفة الله تعالى وذلك لأن زيارة الملائكة إنما تكون في ليلة القدر وزيارة الشياطين تكون في ليلة القدر وغيرها من الليالي والأيام وأنت خبير بأن الحصر الذي ادعاه في زيارة الملائكة غير مناسب بسياق الكلام ومناف لما دل من نزول الملائكة إليهم في غير ليلة القدر أيضا، فالأولى أن يقال:

المقصود أن عدد الزائرين لأئمة الضلالة أكثر من عدد الزائرين لإمام الهدى لأن النازل إليه بعض الملائكة لا جميعها كما ستعرفه.

قوله (ويزور إمام الهدى عددهم من الملائكة) أي يزور إمام الهدى في كل يوم وليلة عدد أئمة الضلالة من الملائكة وإرجاع ضمير الجمع إلى الجن والشياطين يوجب التساوي والمقصود خلافه إذ المقصود التفاوت بين الزيارتين كما قيل، أو التفات بين الزائرين كما قلنا.

قوله (حتى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة خلق الله) لعل المراد بخلق الله بعض الملائكة كما هو الظاهر من هذه العبارة وبهذا القدر يتم المقصود وهو أن الزائرين لأئمة الضلالة أكثر من الزائرين لإمام الهدى سواء زار من الشياطين لأئمة الضلالة في تلك الليلة بقدر عدد الملائكة الزائرين أم لم يزر.

قوله (أو قال قيض الله) الشك من الراوي لعدم تيقنه بصدور هذا القول منه (عليه السلام) أي أو قال أيضا هذا القول بعدما ذكر والتقييض تقدير كردن كذا في الصراح.

قوله (فأتوه بالإفك والكذب) الإفك الكذب فالعطف للتفسير ولا يبعد أن يقال: إن الخبر الذي لا يطابق الواقع من حيث أنه لا يطابق الواقع يسمى كذبا ومن حيث أنه يصرف المخاطب عن الحق إلى الباطل يسمى إفكا يقال أفكه إذا صرفه عن الشيء ومنه قوله تعالى (قالوا أجئتنا لتأفكنا عما وجدنا عليه آباءنا) (1)أي لتصرفنا عنه.

قوله (فلو سأل ولي الأمر) أي فلو سأل ولي الضلالة ولي الخلافة عما رآه لقال ولي الأمر: رأيت شيطانا أخبرك بكذا وكذا إلى آخر ما رآه حتى يفسر له تفسيرا يبين به باطله ويعلمه الضلالة التي هو أي ولي الضلالة عليها لعله يرجع عنها أو الغرض منه أن ولي الأمر عالم بكل ما يقع حقا كان أو

ص:22


1- -سورة الإحقاف:22.

باطلا إما بالإلهام أو بتوجه نفسه القدسية أو باخبار الملائكة.

قوله (لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)) تعليل ليعلم وحاصله أن من صدق بليلة القدر علم أن الملائكة ينزلون إلى خليفة الله تعالى ووليه وأما العلم بأن هذا الخليفة هو علي (عليه السلام) فلقوله (صلى الله عليه وآله) (لعلي (عليه السلام) حين دنا موته هذا وليكم من بعدي فإن أطعتموه رشدتم) حيث دل على أنه (عليه السلام) خليفته في امته وأولى بالتصرف فيهم وأن الرشد والهداية في متابعته فيعلم أن الذي تنزل إليه الملائكة بعد التصديق بليلة القدر.

قوله (ولكن من لا يؤمن بليلة القدر منكر) أي منكر لها أو للرسالة وأصل الشرع فهو خارج عن الدين فيتوجه إليه الذم لهذا لا للخطأ في تعيين موردها.

قوله (ممن على غير رأينا) بيان لمن أو حال عن فاعل «آمن».

قوله (ومن لم يقل فإنه كاذب) أي من آمن بها ولم يقل أنها لنا فهو كاذب سواء قال بنزول الأمر مع الملائكة والروح إلى كافر فاسق، أو قال بنزوله إلى خليفة الجور من هذه الامة، أو قال بنزوله لا إلى أحد، أو قال لا نعرف هذا وليس ما قلتم بشيء إذ الكل باطل أما الأول والثاني فلأنه تعالى لا ينزل الأمر مع الملائكة والروح إلى كافر فاسق بالضرورة. والثالث فلأنه لا معنى بالضرورة لنزول شيء لا إلى شيء وأما الرابع فلأنه محض مكابرة.

قوله (فإن قال إنه ينزل إلى الخليفة الذي هو عليها) أفرد فاعل قال هنا نظرا إلى لفظ الموصول وجمعه فيما بعد نظرا إلى معناه، والذي مع صلته مفعول ينزل وضمير عليها راجع إلى الخليفة وتأنيثها باعتبار اللفظ والمراد بالذي هو على الخليفة أمور الرئاسة.

قوله (وإن قالوا وسيقولون) في بعض النسخ فسيقولون أي إن قالوا بعد هذه المراتب شيئا سيقولون هذا، أي ما قلتم من أن الأمر مع الملائكة ينزل إلى ولي الأمر ليس بشيء يعني إن قالوا بعد تلك المراتب شيئا قالوا هذا إذ لا مفر لهم سواه (1).

ص:23


1- قوله «إذ لا مفر لهم سواه» وهنا آخر ما نقله (رحمه الله) في إنا أنزلناه وقد نقلنا في صدر الباب قول علماء الرجال في ذلك وأن جميع ما رواه الحسن بن العباس موضوع لا عبرة به ولا اعتماد عليه ومذهبنا أن ما روى في الإمامة من الأحاديث مما لم يدل عليه ضرورة المذهب ولا متواتر الأخبار ولم يدل العقل على صحته ولا على فساده فالوجه التوقف فيه، وأما هذه الروايات فالعقل يحكم بفسادها لأنه يحكم بعصمة المعصوم من الخطأ ولا ريب أن سورة إنا أنزلناه ونزول الملائكة في ليلة القدر لا يدل بظاهرها مع قطع النظر عن تفسير المعصوم على ان الملائكة تنزل بالأحكام والشرائع فلعلها تنزل بالبركات وإلهام الخيرات للمؤمنين كما ورد، وليس نزول الملائكة بأمثال ذلك مستلزما لوجود إمام تنزل عليه فمع كل قطرة من قطرات الأمطار ملك ولرفع أعمال العباد في الصباح والمساء ملائكة، حتى ورود (إن قرآن الفجر كان مشهودا) أي صلاة الصبح لملائكة الليل وملائكة النهار ومثل ذلك كثير. واما تفسير المعصوم فلا يكفي في مقام الاحتجاج على من لا يعترف بوجود المعصوم على ما مر في الخبر السادس لأنه دور ومصادرة، ثم إن الراوي زعم أن غير الشيعة لا يقولون باستمرار ليلة القدر وأن ذلك شعارهم مأخوذ من الخليفتين. (ش)

باب في أن الأئمة (عليهم السلام) يزدادون في ليلة الجمعة

* الأصل:

1 - حدثني أحمد بن إدريس القمي ومحمد بن يحيى، عن الحسن بن علي الكوفي، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن أيوب، عن أبي يحيى الصنعاني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا أبا يحيى إن لنا في ليالي الجمعة لشأنا من الشأن، قال: قلت: جعلت فداك وما ذاك الشأن؟ قال: يؤذن لأرواح الأنبياء (عليهم السلام) الموتى وأرواح الأوصياء الموتى وروح الوصي الذي بين ظهرانيكم يعرج بها إلى السماء حتى توافي عرش ربها فتطوف به أسبوعا وتصلي عند كل قائمة من قوائم العرش ركعتين ثم ترد إلى الأبدان التي كانت فيها فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملئوا سرورا ويصبح الوصي الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل جم الغفير.

* الشرح:

قوله (إن لنا في ليالي الجمعة لشأنا من الشأن) الشأن - بسكون الهمزة - الخطب والأمر والحال والجمع شؤون والتنكير للتعظيم وقوله من الشأن مبالغة فيه.

قوله (الموتى) جمع ميت وفيه تصريح بموتهم لئلا يتوهم أنهم أحياء غابوا ولم يموتوا.

قوله (بين ظهرانيكم) أي أقاموا بينكم على سبيل الاستظهار والاستناد إليكم وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدا، ومعناه أن ظهرا منكم قدامه وظهرا وراءه فهو مكنوف أي محاط من جانبيه ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا.

قوله (حتى توافي عرش ربها) يقال: وافاه فلان يوافيه إذا أتاه، وقد مر تفسير العرش مشروحا ولا يبعد أن يراد به هنا العرش الجسماني لجواز أن يكون له سبحانه عرش جسماني في السماء هو معبد الملائكة وأرواح القديسين كما أن له بيتا ومسجدا في الأرض هو معبد الناس. وحمله على بيت المعمور أيضا محتمل.

ص:24

قوله (ثم ترد إلى الأبدان التي كانت فيها) لعل المراد بها الأبدان المثالية ويحتمل الأصلية أيضا (1).

قوله (وقد زيد في علمه مثل جم الغفير) أريد بهم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وبالعلم العلم بما يصير محتوما في تلك الليلة.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن جعفر بن محمد الكوفي، عن يوسف الأبزاري، عن المفضل قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) ذات يوم - وكان لا يكنيني قبل ذلك -: يا أبا عبد الله، قال: قلت: لبيك، قال: إن لنا في كل ليلة جمعة سرورا، قلت: زادك الله وما ذاك؟ قال: إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله (صلى الله عليه وآله) العرش ووافى الأئمة (عليهم السلام) معه ووافينا معهم فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد ولولا ذلك لأنفدنا.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن عبد الله بن محمد، عن الحسين بن أحمد المنقري، عن يونس أو المفضل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من ليلة جمعة إلا ولأولياء الله فيها سرور، قلت: كيف ذلك جعلت فداك؟ قال: إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله (صلى الله عليه وآله) العرش ووافى الأئمة (عليهم السلام) ووافيت معهم فما أرجع إلا بعلم مستفاد ولولا ذلك لنفد ما عندي.

ص:25


1- قوله «ويحتمل الأصلية» الاحتمالان كلاهما غير معقول، وراوي الحديث موسى بن سعدان من الغلاة، ضعفه علماء الرجال ولا فائدة للتكلف في توجيه ما يستغلق من حديثه، وأما رد أرواح الأئمة الأحياء إلى أبدانهم فمعقول نظير ما ورد في الكتاب الكريم (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى) وعروج أرواح الأئمة إلى العرش أمر ممكن وعودها أيضا ممكن. (ش)

باب لولا أن الأئمة (عليهم السلام) يزدادون لنفد ما عندهم

* الأصل:

1 - علي بن محمد ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن صفوان بن يحيى قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: كان جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: لولا أنا نزداد لأنفدنا.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) مثله.

* الشرح:

قوله (ولولا ذلك لأنفدنا) يقال: نفد الشيء - بالكسر - نفادا فني وأنفدته أنا وأنفد القوم أي ذهبت أموالهم أو فني زادهم وينبغي أن يعلم أن علمه تعالى ثلاثة أقسام: قسم يختص به سبحانه ولا يطلع عليه أحد من عباده، وقسم محتوم أظهره للأنبياء والأوصياء لا مرد له ولا تبديل، وقسم غير محتوم يجري فيه البداء، وهذا القسم كثير يظهر جل شأنه كلا في وقته لخليفته فإذا أظهره صار محتوما، والمراد بالعلم المستفاد ما أظهره الله تعالى لهم من هذا القسم ولو لم يظهره لهم لانقطع علمهم بهذا القسم، ولا يلزم من ذلك أن يكون الآخر أعلم من الأول لما ذكرناه سابقا ولما سيجيء من رواية سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن لله تعالى علمين أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعلما استأثر به فإذا بدا لله في شيء منه أعلمنا ذلك وعرض على الأئمة الذين كانوا من قبلنا».

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ذريح المحاربي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا ذريح لولا أنا نزداد لأنفدنا.

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر، عن ثعلبة. عن زرارة قال:

سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لولا أنا نزداد لأنفدنا، قال: قلت: تزدادون شيئا لا يعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: أما إنه إذا كان ذلك عرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم على الأئمة ثم انتهى الأمر إلينا.

* الشرح:

ص:26

قوله (قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لولا أنا نزداد لأنفدنا) ينبغي أن يعلم أن كل علم ألقاه تعالى إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) كان أوصياؤه (عليهم السلام) عالمين به من غير زيادة ولا نقصان، وأما العلوم المستأثرة المخزونة إذا اقتضت الحكمة الإلهية إظهارها في أوقات متفرقة على ولي العصر والخليفة الموجود في تلك الأوقات أظهرها له ولا يلزم منه أن يكون هو أعلم من النبي (صلى الله عليه وآله) لما ذكره (عليه السلام) من أنه يعرض ذلك أولا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم عليه، ولا ينافي ذلك ما مر من أنه (صلى الله عليه وآله) (1) لم يمت إلا حافظا لجملة العلم وتفسيره، إذ لعل المراد بجملة العلم العلم بالمحتوم وأما غير المحتوم فيحصل له العلم به عند صيرورته محتوما ولو بعد الموت أو المراد به العلم بالمحتوم وغيره على وجه الحتم وعدمه ثم يحصل له بعد الموت العلم بالحتم في غير المحتوم والله أعلم.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس يخرج شيء من عند الله عز وجل حتى يبدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم بأمير المؤمنين (عليه السلام) ثم بواحد بعد واحد لكيلا يكون آخرنا أعلم من أولنا.

ص:27


1- (1) قوله «ما مر من أنه» لا حاجة إلى التكلف لهذا الجمع فإن ما مر في باب شأن إنا أنزلناه ضعيف ولا معنى للقضاء غير المحتوم إلا على البداء بالمعنى الباطل. (ش)

باب أن الأئمة (عليهم السلام) يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل (عليهم السلام)

*الأصل:

1- علي بن محمد ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن القاسم، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله تبارك وتعالى علمين: علما، أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعلما استأثر به، فإذا بدا لله في شيء منه أعلمنا ذلك وعرض على الأئمة الذين كانوا من قبلنا.

علي بن محمد ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم ومحمد بن يحيى، عن العمركي بن علي جميعا، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) مثله.

* الشرح:

قوله (إن لله تعالى علمين) هذا تقسيم لعلمه باعتبار كونه محتوما وغير محتوم (1) فالأول عبارة عن المحتوم، والثاني عن غير المحتوم، فإذا بدا لله في شيء من غير المحتوم وتعلق الحتم به أعلم الإمام الموجود بين الخلق وعرض على الأئمة الماضين (عليهم السلام) لئلا يكون آخرهم أعلم من أولهم.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن لله عز وجل علمين: علما عنده لم يطلع عليه أحدا من خلقه. وعلما نبذه إلى ملائكته ورسله، فما نبذه إلى ملائكته ورسله فقد انتهى إلينا.

* الشرح:

قوله (إن لله عز وجل علمين علما عنده لم يطلع) هذا تقسيم لعلمه تعالى باعتبار اختصاصه به

ص:28


1- قوله «محتوما وغير محتوم» الأصح أن يقال مكتوما وغير مكتوم كما هو مفاد الحديث لأن الله تعالى يعلم علوما لم ير المصلحة في أن يظهرها لأحد من ملائكته ومقربيه وإن كانت محتومة، وعلوما أظهرها لهم وهي محتومة فلا يكون له تعالى علم غير محتوم أصلا سواء كان مكتوما أو لا، وغير المحتوم لا يكون علما له تعالى. (ش)

وعدمه، فالأول هو القسم الأول من الأقسام الثلاثة التي ذكرناها سابقا، والثاني هو القسم الثاني منها أو الأعم منه ومن الثالث لأن الثالث أيضا منبوذ إلى الرسل كما عرفت.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن ضريس قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن لله عز وجل علمين: علم مبذول وعلم مكفوف. فأما المبذول فإنه ليس من شيء تعلمه الملائكة والرسل إلا نحن نعلمه وأما المكفوف فهو الذي عند الله عز وجل في أم الكتاب إذا خرج نفذ.

* الشرح:

قوله (علم مبذول وعلم مكفوف) العلم المبذول العلم بالشيء الذي قضاه وأمضاه وأظهره لخواص خلقه، والعلم المكفوف العلم بالشيء الذي فيه المشيئة فلا يقضيه ولا يمضيه إذا شاء ويقضيه ويمضيه إذا شاء، فإذا قضاه وأمضاه أظهره لهم وإذا أظهره نفذ، ولا يجري فيه البداء.

قوله (في أم الكتاب إذا خرج نفذ) أي مضى لتعلق القضاء والإمضاء والإظهار به ومتى كان كذلك كان نافذا ماضيا، ولعل المراد بأم الكتاب اللوح المحفوظ أو التقدير الأزلي فإنه أم لجميع المكتوبات وأصل لجميع الموجودات.

* الأصل:

4 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن النعمان، عن سويد القلا عن أبي أيوب، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن لله عز وجل علمين: علم لا يعلمه إلا هو، وعلم علمه ملائكته ورسله، فما علمه ملائكته ورسله (عليهم السلام) فنحن نعلمه.

* الشرح:

قوله (علم لا يعلمه إلا هو) يحتمل أن يراد به العلم بغير المحتوم فإنه لا يعلمه قبل أن يصير محتوما إلا هو، كما يحتمل أن يراد به العلم المختص به الذي لا يطلع عليه أحد من خلقه في وقت من الأوقات.

ص:29

باب نادر فيه ذكر الغيب

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمر بن خلاد قال: سأل أبا الحسن (عليه السلام) رجل من أهل فارس فقال له: أتعلمون الغيب؟ فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم وقال: سر الله عز وجل أسره إلى جبرئيل (عليه السلام) وأسره جبرئيل إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وأسره محمد إلى من شاء الله.

* الشرح:

قوله (فقال أتعلمون الغيب) المراد بالغيب كل ما لا يتناوله الحواس (1) من الأمور الكاينة في الحال أو الماضي أو الاستقبال.

قوله (يبسط لنا العلم فنعلم) لعله إشارة إلى أن العلم بالغيب قسمان: أحدهما حاصل لهم بإعلامه تعالى، والثاني مختص به تعالى كعلمه بخطرات النفوس وعزمات القلوب ونظرات العيون كما قال تعالى (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) أو إشارة إلى أن علم الغيب هو العلم الذي لا يكون مستفادا عن سبب يفيده وذلك إنما يصدق في حقه تعالى إذ كل علم الذي علم سواه فهو

ص:30


1- قوله «كل ما لا يتناوله» والصحيح أن يزاد قيد وهو أن لا يكون طريق إليه للعقل ضرورة أن العلم بالله وملائكته لا يعد من علم الغيب المبحوث عنه في هذا الباب. واعلم ان مسألة علم الأئمة والأنبياء بالغيب معضلة عند العوام واضحة عند الخواص ولا إشكال في أن لكل نفس من النفوس الإنسانية حظا من العلم بما يأتي أو ما بعد عن منال حواسه وثبت ذلك في الحكمة ظ: التي بينها أبو علي ابن سينا في أواخر كتاب الإشارات أوضح بيان، وقد تواتر عن النبي والأئمة (عليهم السلام) أخبار كثيرة بالغيب ولا يستحيل في العقل أن يطلع بعض النفوس الكاملة على كل ما توجه إليه وأراد الاطلاع عليه بإرادة الله تعالى وإلهام الملائكة الملهمة وقد اتفق لفرعون يوسف وهو كافر أن يطلع في المنام على ما سيأتي من سني الخصب والرخاء وهذا باب واسع مفتوح على قلوب أفراد الإنسان من الآخرة ليؤمنوا بوجود عالم غير مادي وراء هذا العالم وهو مشتمل على جميع ما مضى وما يأتي في لمحة واحدة بحيث يمكن أن يرى فرعون فيه ما لا يوجد في الحس إلا بعد أربع عشرة سنة لوجوده في ليلة الرؤيا عند عقل مجرد عالم به، وأما من نفى علم الغيب عن الإنسان أو عن الأئمة والأنبياء فمراده نفي العلم ذاتا بغير تعليم من الله تعالى ومن أثبت فمراده علمهم بالتعليم والإلهام وهذا ثابت لجميع أفراد الإنسان ويختلف بحسب اختلاف النفوس كمالا ونقصا وقلة وكثرة ووضوحا وإبهاما وإجمالا وتفصيلا وصريحا وتمثيلا ويقظة ونوما وغير ذلك والأئمة والأنبياء (عليهم السلام) كانوا يعلمون ما يعلمون بتعليم الله تعالى وإلهامه، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنما هو تعلم من ذي علم، بعد أن سأله رجل عن علمه بالغيب. وقال المفيد (رحمه الله) في المسائل العكبرية: إجماعنا على أن الإمام يعلم الأحكام لا الأعيان ولسنا نمنع أن يعلم أعيان ما يحدث ويكون بإعلام الله تعالى له ذلك. (ش)

مستفاد من بسطه وجوده إما بواسطة أو بلا واسطة، ولا يكون علم غيب بل اطلاعات على أمر غيبي لا يتأهل عليه كل الناس بل يختص بنفوس خصت بعناية إلهية كما قال تعالى شأنه (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) (1)أو إشارة إلى أن لهم بسطا وقبضا فبسطهم عبارة عن حصول الصور الكائنة عند نفوسهم القادسة بالفعل فهم يعلمونها وقبضهم عبارة عن عدم حصولها لها بالفعل وإن كانت في الخزانة بحيث يحصل لهم لمجرد توجه النفس وهم يسمون هذه الحالة عدم العلم ويؤيده ما يجيء في الباب الآتي من أن الإمام إذا شاء أن يعلم علم، والله أعلم.

قوله (وقال سر الله) أي البسط والقبض سر أو حصول العلم بالغيب وعدم حصوله بسبب البسط والقبض سر الله أسره أي أظهره. وأراد بقوله «إلى من شاء الله» عليا (عليه السلام) وفيه دلالة على أن الإظهار له (عليه السلام) بمشيئة الله وإرادته.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن سدير الصيرفي قال: سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل:

(بديع السماوات والأرض) قال أبو جعفر (عليه السلام): إن الله عز وجل ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله. فابتدع السماوات والأرضين ولم يكن قبلهن سماوات ولا أرضون أما تسمع لقوله تعالى: (وكان عرشه على الماء)؟ فقال له حمران: أرأيت قوله جل ذكره: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) فقال أبو جعفر (عليه السلام): «إلا من ارتضى من رسول» وكان والله محمد ممن ارتضاه، وأما قوله «عالم الغيب» فإن الله عز وجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شيء ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه وقبل أن يفضيه إلى الملائكة فذلك يا حمران علم موقوف عنده، إليه فيه المشيئة فيقضيه إذا أراد ويبدو له فيه فلا يمضيه، فأما العلم الذي يقدره الله عز وجل فيقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم إلينا.

* الشرح:

قوله (بديع السماوات والأرض) البديع فعيل بمعنى الفاعل وهو الذي يفعل فعلا لم يسبق مثله وقد يكون بمعنى المفعول وأما نفس ذلك الفعل أو الفعل الحسن المشتمل على نوع من الغرابة لمشابهته إياه في كونه محل التعجب منه وليس بمراد هنا.

قوله (على غير مثال كان قبله) وقد مر شرحه مفصلا وفيه تنزيه له عن صفات الصانعين من

ص:31


1- -سورة الجن:26.

البشر فإن صنايعهم تحذو حذوا ومثله سبقت من غيرهم أو حصلت في أذهانهم بإلهام فلا يكون على غير مثال.

قوله (أما تسمع لقوله تعالى وكان عرشه على الماء) استشهاد لما تقدم لإفادة أن الماء أول الموجودات الممكنة وأصلها ولا أصل له وإن عرش الواجب يعني علمه المتعلق بالموجودات كان على الماء فقط إذ لم يكن حينئذ شيء من الجسم والجسمانيات موجودا غيره ثم خلق منه السماوات والأرضين; يدل على ذلك ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة: «قال وكان الخالق قبل المخلوق ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من الشيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا ولم يزل الله إذا ومعه شيء ليس هو يتقدمه، ولكنه كان إذ لا شيء غيره وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء الذي خلق الأشياء منه فجعل نسب كل شيء إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه، وخلق الريح من الماء ثم سلط الريح على الماء، فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ولا نقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة، ثم طواها فوضعها فوق الماء ثم خلق الله النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولا نقب وذلك قوله (أم السماء بناها رفع سمكها وسويها أغطش ليلها وأخرج ضحيها)(1) قال «ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ثم طواها فوضعها فوق الأرض ثم نسب الخليقتين فرفع السماء قبل الأرض فذلك قوله عز ذكره (والأرض بعد ذلك دحيها)(2) يقول بسطها» (3) وقال بعض الأفاضل: مقتضى الروايات أنه خلق الماء قبل الأرض وهذا مما شهد به البرهان العقلي فإن الماء لما كان حاويا لأكثر الأرض كان سطحه الباطن المماس لسطحها الظاهر مكانا وظاهر أن للمكان تقدما باعتبار ما على المتمكن فيه وان كان اللفظ يعطي تقدم خلق الماء على الأرض تقدما زمانيا.

قوله (فقال أبو جعفر (عليه السلام) إلا من ارتضى من رسول) لما توهم السائل اختصاص علم الغيب به تعالى نبه (عليه السلام) بذكر الاستثناء على ثبوته لمن ارتضاه.

قوله (وأما قوله عالم الغيب فإن الله عز وجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شيء ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه وقبل أن يفضيه إلى الملائكة) فيما يقدر حال عن ما الموصولة

ص:32


1- -سورة النازعات :28 .
2- -سورة النازعات :30 .
3- راجع كتاب الروضة تحت رقم 67.

وفي علمه متعلق بيقدر وما عطف عليه وفي بمعنى الباء أو حال عن فاعله إذ كأنه في علمه المحيط بجميع الأشياء أو حال عن ذي الحال الأول. وقيل: متعلق بفي علمه أو بعالم، ولعل المراد أنه تعالى عالم بالشيء قبل أن يخلقه ويظهره للملائكة في حال تقديره وقضائه وذلك موقوف عنده لأن ذلك الشيء في محل البداء ولله فيه المشيئة فيمضيه إذا أراد أمضاه ولا يمضيه إذا أراد عدم إمضائه وهذا علم بالغيب مختص به، وأما الذي قدره وقضاه وأمضاه فهو الذي أظهره للملائكة والأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وبالجملة العلم قسمان: علم موقوف وهو العلم بالأشياء قبل إمضائها في حال المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء فإنها في هذه المراتب في محل البداء، فإذا تعلق بهذا الإمضاء بعد القضاء خرجت عن حد البداء ودخلت في الأعيان، وعلم مبذول وهو العلم بالأشياء بعد تعلق الإمضاء. وإن شئت زيادة توضيح لهذا المقام فارجع إلى ما ذكرناه في شرح أحاديث باب البداء.

قوله (إليه فيه المشيئة) المشيئة مبتدأ و «فيه» متعلق بها و «إليه» خبر أي المشيئة فيه إلى الله.

* الأصل:

3 - أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن عباد بن سليمان، عن محمد بن سليمان عن أبيه، عن سدير قال: كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبد الله (عليه السلام) إذ خرج إلينا وهو مغضب، فلما أخذ مجلسه قال: يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة، فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي؟ قال سدير: فلما أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت أنا وأبو بصير وميسر وقلنا له: جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك ونحن نعلم أنك تعلم علما كثيرا ولا ننسبك إلى علم الغيب، قال: فقال: يا سدير ألم تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال: فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل: (قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك)(1) قال: قلت: جعلت فداك قد قرأته، قال: فهل عرفت الرجل؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟ قال: قلت: أخبرني به، قال: قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب؟! قال: قلت: جعلت فداك ما أقل هذا! فقال: يا سدير ما أكثر هذا أن ينسبه الله عز وجل إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل أيضا:

(قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب)(2)؟ قال: قلت: قد قرأته جعلت فداك.

ص:33


1- -سورة النمل: 40 .
2- -سورة الرعد: 43 .

قال:

أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم أمن عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت: لا، بل من عنده علم الكتاب كله، قال: فأومأ بيده إلى صدره وقال: علم الكتاب والله كله عندنا، علم الكتاب والله كله عندنا.

* الشرح:

قوله (وهو مغضب) اسم مفعول من أغضبه شيء ولابد أن يكون ذلك الشيء المغضب لله تعالى لا لمقتضى النفس إذ مقتضاها لا يحركه إلى الغضب فهو إما ما رآه من الجارية من خلاف الآداب، أو ما زعمه بعض الناس من أنه يعلم الغيب مثل الله سبحانه وتعالى ويشاركه في الإلهية.

قوله (يا عجبا لأقوام) أي يا صحبي عجبت عجبا والسبب في التعجب عن الشيء هو عدم اطلاع النفس على أسبابه لغموضها مع كونه في نفسه أمرا غريبا وكلما كان الشيء أغرب وأسبابه أخفى كان أعجب وفيه أيضا إظهار بأنه لا يعلم الغيب مثله سبحانه وإلا لم يخف عليه السبب ثم الغرض من هذا التعجب وإظهاره هو أن لا يتخذه الجهال إلها أو يدفع عن وهم بعض الحاضرين المنكر لفضله ما نسبوه إليه من العلم بالغيب حفظا لنفسه وإلا فهو (عليه السلام) كان عالما بما كان وما يكون فكيف يخفى عليه مكان الجارية، فإن قلت: إخباره بذلك على هذا يوجب الكذب، قلت: إنما يوجب الكذب لو لم يقصد التورية (1) وقد قصدها، فإن المعنى: فما علمت علما غير مستفاد منه تعالى بأنها في أي بيوت الدار. وهذا حق فإن علمه بذلك علم مستفاد وهذا العلم في الحقيقة ليس علما بالغيب كما أشرنا إليه.

ص:34


1- قوله «لو لم يقصد التورية» تكلف عجيب من الشارح جوز الكذب على الإمام (عليه السلام) تورية لئلا يلزم كذب الراوي وتضعيف الرواية وإني لا أرى التورية في هذا المقام مناسبة لشأن المعصوم ولا أجوز الكذب عليه (عليه السلام) وإن أوجب تكذيب الراوي وطرح الرواية، كيف وسليمان الديلمي الراوي من الكذابين الضعاف الذين لا يعتمد عليهم وغلوه لم يكن في علمهم بالغيب بل هو في أمور أخر. (ش)

قوله (قال سدير فلما أن قام من مجلسه) هذا يدل على أن ذلك القول كان على سبيل التقية من بعض الحاضرين حيث لم يسألوه عنه في ذلك المجلس.

قوله (علما كثيرا) وهو إما مصدر تعلم أو مفعوله.

قوله (ولا ننسبك إلى علم الغيب) قالوا ذلك تحرزا عن التعجب المذكور وعن تخاطبه بما يكرهه ثم هذا القول منهم بعد اعترافهم بأنه يعلم كثيرا من الأمور الكائنة بناء على أن علم الغيب علم غير مستفاد كعلم الواجب، وأما علم غيره بالأمور الغائبة عن الحواس فإنما هو اطلاع على أمر غيبي كما أشرنا إليه.

قوله (قال فقال: يا سدير ألم تقرأ القرآن) ملخص الجواب أمران: أحدهما أنه (عليه السلام) أعلم من صاحب سليمان الذي أحضر عرش بلقيس في أقل من طرفة عين بعلمه، وثانيهما أنه عالم بجميع الأشياء ولا يخفى عليه شيء وذلك لأن كل شيء في الكتاب وهو عالم بالكتاب كله فهو عالم بجميع الأشياء وقد دفع بذلك ما خالج قلب السائل من الكلام السابق من أنه لا يعلم بعض الأشياء.

قوله (قال الذي عنده علم من الكتاب) التنكير للتعظيم والتكثير والكتاب اللوح المحفوظ فدل ذلك على أنه كان عالما ببعض الكتاب لا بكله.

قوله (فهل عرفت الرجل) لم يعينه هنا وفي تعيينه أقوال ذكرناها سابقا.

قوله (وهل علمت ما كان عنده) أي شيء وأي قدر عنده من علم الكتاب.

قوله (في البحر الأخضر) أي البحر المحيط سمي أخضر لسواد مائه وبعد عمقه والعرب تطلق الخضرة على السواد.

قوله (فما يكون ذلك من علم الكتاب) أي: أي قدر يكون ذلك الذي علمه هذا الرجل من علم الكتاب وبالقياس إليه.

قوله (ما أقل هذا) تعجب في قلته بالقياس إلى علم الكتاب.

قوله (ما أكثر هذا) تعجب من كثرته وعظمته بالنظر إلى ذاته من جهة أنه تعالى ينسبه إلى العلم الذي أخبرك به وهو العلم الذي ترتب عليه الأثر العظيم.

قوله (فمن عنده علم الكتاب كله أفهم) أي أعلم أم من عنده علم الكتاب بعضه، دل على أن اسم الجنس المضاف إلى المعرفة من صيغ العموم فهو حجة لمن ذهب إليه.

* الأصل:

4 - أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن أحمد بن الحسن بن علي، عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإمام: يعلم الغيب؟ فقال: لا، ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه الله ذلك.

* الشرح:

قوله (قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإمام يعلم الغيب فقال: لا) دل على أن علم الغيب علم غير مستفاد كعلم الله تعالى وعلم الإمام لما كان مستفادا منه تعالى لا يكون علما بالغيب حقيقة وقد يسمى أيضا علما بالغيب نظرا إلى تعلقه بالأمور الغائبة وبه يجمع بين الأخبار التي دل بعضها على أنهم عالمون بالغيب ودل بعضها على أنهم غير عالمين به.

ص:35

باب أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا

* الأصل:

1 - علي بن محمد وغيره، عن سهل بن زياد، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن بدر بن الوليد، عن أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم.

* الشرح:

قوله (إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم) بفتح العين وكسر اللام أو بضم العين وكسر اللام وشدها من التعليم. وفيه دلالة على أن جهلهم بالشيء عبارة عن عدم حصوله بالفعل ويكفي في حصوله مجرد توجه النفس، والسبب في ذلك هو أن النفس الناطقة إذا قويت حتى صارت نورا إلهيا لم يكن اشتغالها بتدبير البدن عائقا لها عن الاتصال بالحضرة الإلهية، فهي والحالة هذه إذا توجهت إلى الجناب القدس لاستعلام ما كان وما سيكون وما هو كائن أفيضت عليها الصور الكلية والجزئية بمجرد التوجه من غير تجشم كسب وتمهيد مقدمات.

* الأصل:

2 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن بدر بن الوليد، عن أبي الربيع، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم.

3 - محمد بن يحيى، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، عن عمرو بن سعيد المدائني، عن أبي عبيدة المدائني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أراد الإمام أن يعلم شيئا أعلمه الله بذلك (1).

ص:36


1- قوله (عليه السلام) في الحديث الرابع من الباب السابق «اعلمه الله ذلك» إذا كان حصول العلم بهذه السهولة صدق أنه عالم بما كان وما يكون وما هو كائن، وأحاديث الباب وإن كان جميعها ضعيفة لكنها لا تخالف أصول المذهب. (ش)

باب أن الأئمة (عليهم السلام) يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن سليمان بن سماعة، وعبد الله بن محمد، عن عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أي إمام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير، فليس ذلك بحجة لله على خلقه.

* الشرح:

قوله (أي إمام لا يعلم ما يصيبه) الغرض منه أن الإمام لابد أن يكون عالما بكل شيء حتى ما يصيبه وما يصير إليه وإلا فلا يصلح أن يكون حجة الله وخليفته على خلقه لأن خليفته قائم مقامه فيجب أن يكون عالما بكل شيء مثله.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محمد بن بشار. قال: حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ببغداد ممن كان ينقل عنه، قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل هذا البيت، فما رأيت مثله قط في فضله ونسكه فقلت له: من؟ وكيف رأيته؟ قال:

جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه المنسوبين إلى الخير، فأدخلنا على موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقال لنا السندي: يا هؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به ويكثرون في ذلك وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا وإنما ينظر به أن يقدم فيناظر أمير المؤمنين وهذا هو صحيح موسع عليه في جميع أموره، فسلوه، قال: ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل وإلى فضله وسمته، فقال موسى بن جعفر (عليهما السلام): أما ما ذكر من التوسعة وما أشبهها فهو على ما ذكر غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في سبع تمرات وأنا غدا أخضر وبعد غد أموت، قال: فنظرت إلى السندي بن شاهك يضرب ويرتعد مثل السعفة.

* الشرح:

قوله (من أهل قطيعة الربيع) القطيعة كشريعة محال ببغداد أقطعها المنصور أناسا من أعيان

ص:37

دولته ليعمروها ويسكنوها.

قوله (جمعنا) على صيغة المجهول وقوله «ثمانين» حال عن ضمير المتكلم ويحتمل أن يكون على صيغة المعلوم وثمانين مفعوله.

قوله (قد فعل به) يعني قد قتل.

قوله (ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا) أراد به هارون الرشيد - لعنه الله -.

قوله (وإلى فضله وسمته) المراد بالفضل آثاره، وبالسمت الهيئة الحسنة وهي هيئة أهل الخير.

قوله (أيها النفر) النفر بالتحريك والتسكين والنفرة والنفير الجماعة من الناس.

قوله (إني قد سقيت السم في سبع تمرات) قال الصدوق: سمه هارون الرشيد لعنه الله فقتله.

وقال الشهيد الأول: قبض مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك لعنه الله لست بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقيل: يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة إحدى وثمانين ومائة.

قوله (مثل السعفة) السعفة بالتحريك غصن النخل.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن عبد الله بن أبي جعفر قال: حدثني أخي، عن جعفر، عن أبيه أنه أتى علي بن الحسين (عليهما السلام) ليلة قبض فيها بشراب فقال: يا أبه اشرب هذا فقال: يا بني إن هذه الليلة التي أقبض فيها وهي الليلة التي قبض فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله).

* الشرح:

قوله (عن عبد الله بن أبي جعفر) المراد بأبي جعفر الباقر (عليه السلام).

قوله (عن جعفر) المراد به الصادق (عليه السلام).

قوله (بشراب) المراد به شراب طاهر حلال مثل ما يتداوى به المرضى.

قوله (يا أبه) أصله يا أبي قلبت الياء ألفا للتخفيف، ثم حذفت الألف اكتفاء بفتح ما قبلها ثم أدخلت الهاء للوقف.

قوله (إن هذه الليلة التي أقبض فيها) قال الصدوق (رحمه الله) سمه الوليد بن عبد الملك لعنه الله فقتله.

* الأصل:

4 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عبد الحميد، عن الحسن بن الجهم قال:

قلت للرضا (عليه السلام): إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضع الذي يقتل

ص:38

فيه وقوله لما سمع صياح الأوز في الدار: «صوائح تتبعها نوائح» وقول أم كلثوم: لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس، فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح وقد عرف (عليه السلام) أن ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف كان هذا مما لم يجز تعرضه، فقال: ذلك كان ولكنه خير في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عز وجل.

* الشرح:

قوله (الإوز) الإوز والإوزة بكسر الهمزة وفتح الواو والزاء وشدها: البط.

قوله (لو صليت الليلة) لو للتمني أو للشرط والجزاء محذوف.

قوله (وقد عرف (عليه السلام) ان ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف) قال الآبي في كتاب إكمال الإكمال: ان عليا (رضي الله عنه) لما استأصل الخوارج بالنهروان وفلت منهم اليسير وكان من جملتهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي من قبيلة بني حمير من حلفاء المراد، والبكر الصيرفي (1) وبكر بن عمر التميمي فاجتمع الثلاثة بمكة فتذاكروا أمر الناس وعابوا أعمالهم وتراحموا على من قتل من قبل من أصحابهم بالنهروان قالوا: ما نصنع بالبقاء بعد إخواننا فلو قتلنا أئمة الضلالة.

فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم عليا، وقال البكر: أنا أكفيكم معاوية وقال بكر بن عمر: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، وما أفسد أمر الأمة غيره، فتعاهدوا على ذلك عند البيت وتوثقوا على أن لا يرجع أحد من صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه وتواعدوا أن يفعلوا ذلك صلاة الصبح في السابع عشر من شهر رمضان فسموا سيوفهم وخرجوا آخر رجب فأتى ابن ملجم الكوفة وبها ناس من الخوارج ممن قتل آباؤهم وإخوانهم يوم النهروان فأخبرهم بما جاء له فاستمكنهم وانتدب إلى قتله معه شبيب بن بجرة ووردان بن مجالد، ولما كانت ليلة الميعاد قعدوا مقابلين لباب السدة التي يخرج منها علي وكان يخرج كل غداة لأول الأذان يوقظ الناس لصلاة الصبح فضربه شبيب فوقع سيفه على عضادة الباب وضربه ابن ملجم على عاتقه وهرب وردان فدخل منزله فدخل عليه رجل من بني أمية فقال له: ما هذا السيف فأخبره بالقصة فخرج الرجل فجاء بسيفه وعلا به وردان حتى قتله ودخل شبيب بين الناس فنجا بنفسه، وقال علي (رضي الله عنه) في ابن ملجم: لا يفوتنكم الرجل، فضرب رجل من همدان رجله وضرب مغيرة بن نوفل بن حارث بن عبد المطلب وجهه بقصبة فصرعه وأتى به الحسن ثم قال علي (رضي الله عنه): علي بالرجل، فأدخل عليه مكتوفا فقال: أي عدو الله ألم أحسن إليك؟ قال: بلى قال: فما حملك على

ص:39


1- في مروج الذهب وتاريخ الخلفاء وكتب اخر «برك» مكان البكر.

هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، قال علي (رضي الله عنه): لا أراك إلا مقتولا به، وقال للحسن: النفس بالنفس إن هلكت فاقتلوه ولا تمثلوا، وإن بقيت رأيت فيه رأيي وقبض (رضي الله عنه) ليلة تسعة عشر من رمضان سنة أربعين وخرج به ليلا فدفن بظهر الكوفة خوف أن ينبشه الخوارج، واختلف في سنه فقيل: سبع وخمسون، وقيل: ستون، وقيل: ثلاث وستون وهو الصحيح. وكانت خلافته خمس سنين غير ثلاثة أشهر، وكان علي أوصى الحسن وقال: إن أنا مت فاضربه ضربة كضربة. وأما البكر الصيرفي فقعد لمعاوية في الليلة التي ضرب فيها علي (عليه السلام) فلما خرج ضربه فوقع السيف في أليتيه فأخذ فقال لمعاوية: إن عندي خبرا يسرك فهل ذلك نافعي إن أخبرتك؟ قال: نعم قال: إن لي أخا قتل في هذه الساعة عليا، قال: لعله لم يقدر على ذلك، قال: إن عليا يخرج وليس معه من يحرسه، فأمر به معاوية فقتل، وقيل: إنه حبسه حتى جاءه خبر علي فقطع يده وخلى سبيله وبعث معاوية إلى الطبيب الساعدي فلما نظر إليه قال: اختر إما أن أحمي حديدة وأضعها في موضع السيف، وإما أن أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرء فإن ضربتك مسمومة، قال: أما النار فلا صبر لي عليها، وأما انقطاع الولد ففي يزيد وعبد الله ما تقر به العين، فسقاه تلك الشربة فبرء ولم يولد له، وأما بكر بن عمر فجلس لعمرو بن العاص فلم يخرج عمرو تلك الليلة لأنه كان اشتكى بطنه وأمر خارجة أن يصلي بالناس وكان خارجة على شرط عمرو وقضائه فخرج ليصلي فشد عليه وهو يرى أنه عمرو فضربه فقتله وأخذه الناس فانطلقوا به إلى عمرو فسلموا عليه بالإمامة فقال: من هذا؟ فقالوا: عمرو، قال: فمن قتلت إذا؟ قالوا: خارجة. فقال: أما والله يا فاسق ما أردت غيرك، قال عمرو: أردتني وأراد الله خارجة، وسأله عمرو عن خبره فأخبره أن عليا ومعاوية قتلا في هذه الليلة فقال: قتلا أو لم يقتلا لابد من قتلك فأمر بقتله فبكى فقيل: أجزعا من الموت بعد الإقدام؟ قال: لا والله ولكن أبكي على أن يفوز صاحباي ولا أفوز أنا بقتل عمرو. فضربت عنقه وصلب.

قوله (هذا مما لم يحل تعرضه) في بعض النسخ «مما لم يجز» وفي بعض النسخ «مما لم يحن» بالحاء المهملة والنون من حان بمعنى قرب والمعنى واحد.

قوله (ولكنه خير في تلك الليلة) أي خير فيها بين البقاء واللقاء فاختار اللقاء ليمضي تقدير الله تعالى والوقوع في الهلكة غير جائز إذا لم يكن بأمر الله تعالى ورضائه وإلا فهو جائز بل واجب مثل هذا وفعل الحسين (عليه السلام) وفعلنا في الجهاد مع الاثنين.

* الأصل:

ص:40

5 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل غضب على الشيعة فخيرني نفسي أو هم فوقيتهم والله بنفسي.

* الشرح:

قوله (إن الله عز وجل غضب على الشيعة) لكثرة مخالفتهم وقلة إطاعتهم وعدم نصرتهم للإمام الحق.

قوله (فخيرني نفسي أو هم) أي فخيرني بين إرادة موتي أو موتهم ليتحقق المفارقة بيني وبينهم فوقيتهم والله بنفسي للشوق إلى لقاء الله تعالى وللشفقة عليهم ولئلا ينقطع نسل الشيعة بالمرة ولتوقع أن يخرج من أصلابهم رجال صالحون.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن مسافر أن أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قال له: يا مسافر هذه القناة فيها حيتان؟ قال: نعم جعلت فداك، فقال: إني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) البارحة وهو يقول: يا علي ما عندنا خير لك.

* الشرح:

قوله (قال له: يا مسافر هذه القناة فيها حيتان قال: نعم جعلت فداك) لعله (عليه السلام) يخبره بما سيراه في قبره من الماء والحيتان، بيانه ما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) بإسناده عن أبي الصلت الهروي في كلام طويل يأمره (عليه السلام) بكيفية حفر القبر وشق اللحد حتى قال: وإذا فعلوا ذلك يعني الحفر واللحد فإنك ترى عند رأسي نداوة فتكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينبع الماء حتى يمتلي اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ففتت لها الخبز الذي أعطيك فانها تلتقطه فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شيء، ثم تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء ثم تكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينضب الماء ولا يبقى منه شيء ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون - إلى أن قال - فلما ظهر من النداوة والحيتان وغير ذلك قال المأمون:

لم يزل الرضا (عليه السلام) يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته أيضا فقال له وزير كان معه: أتدري ما أخبرك بها الرضا (عليه السلام)؟ قال: لا، قال: إنه أخبرك أن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم سلط الله تعالى عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم، قال له: صدقت، وهذا الذي ذكرنا أحسن مما قيل من أن علمي بما أقول كعلمي بوجود الحيتان في هذه القناة.

* الأصل:

ص:41

7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله وفي كفنه وفي دخوله قبره، فقلت: يا أبه والله ما رأيتك منذ اشتكيت أحسن منك اليوم، ما رأيت عليك أثر الموت، فقال: يا بني! أما سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) ينادي من وراء الجدار يا محمد؟ تعال، عجل.

* الشرح:

قوله (يا محمد تعال) قال صاحب الكنز: تعال بفتح اللام أمر است از تعالى يتعالى يعنى بيا.

* الأصل:

8 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أنزل الله تعالى النصر على الحسين (عليه السلام) حتى كان [ما] بين السماء والأرض ثم خير: النصر أو لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالى.

* الشرح:

قوله (فاختار لقاء الله تعالى) إنما اختار لقاء الله دون النصر وبقاء الحياة الدنيوية لأن ميله إلى الثاني ميل طبيعي حيواني وهو في معرض الزوال والفناء وميله إلى الأول ميل عقلي باق أبدا فأين أحدهما عن الآخر؟ كيف لا وقد قال سيد العارفين أمير المؤمنين (عليه السلام) «والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه» وكذلك اختار سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) الموت من البقاء في الدنيا حين خيره الله تعالى بينهما في مرض الموت. ويدل على وفور رغبة الأولياء في الموت قوله تعالى (إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين).

ص:42

باب أن الأئمة (عليهم السلام) يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم

* الأصل:

1 - أحمد بن محمد ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد الله بن حماد، عن سيف التمار قال: كنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) جماعة من الشيعة في الحجر فقال: علينا عين، فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا، فقلنا: ليس علينا عين، فقال: ورب الكعبة ورب البنية - ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر (عليهما السلام) أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وراثة.

* الشرح:

قوله (علينا عين) أي رقيب وجاسوس.

قوله (ورب البنية) البنية كفعيلة الكعبة.

قوله (والخضر) الخضر بالكسر صاحب موسى (عليه السلام) (1) ويقال الخضر مثل كبد وكبد وهو الأفصح.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة، وعدة من أصحابنا منهم عبد الأعلى وأبو عبيدة وعبد الله بن بشر الخثعمي سمعوا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون، قال: ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه فقال: علمت ذلك من كتاب الله عز وجل، إن الله عز وجل يقول: (فيه تبيان كل شيء).

* الشرح:

قوله (فيه تبيان كل شيء) أي كشفه وإيضاحه وفيه دفع لاستبعاد السامع إذ تحقق

ص:43


1- قوله «والخضر صاحب موسى» ويشكل على هذه الرواية بأن الخضر كان عالما بما يكون أيضا حيث أخبر بما يفضي إليه أمر الغلام الذي قتله والجواب أن الرواية ضعيفة لأن إبراهيم بن إسحاق الأحمر كان ضعيفا غاليا لا يعبأ به ومحمد بن الحسين في الإسناد مصحف والظاهر أنه محمد بن الحسن الصفار. (ش)

تبيانه يقتضي أن يكون هناك عالم ببيانه والإقرار بالملزوم يقتضي الإقرار باللازم.

* الأصل:

3 - علي بن محمد، عن سهل، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن جماعة بن سعد الخثعمي أنه قال: كان المفضل عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له المفضل: جعلت فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء؟ قال: لا، الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحا ومساء.

* الشرح:

قوله (عن جماعة بن سعد الخثعمي) ما رأيته بهذه النسبة في كتب الرجال والذي فيه جماعة ابن سعد الجعفي الصائغ وهو ضعيف يروى عن أبي عبد الله (عليه السلام).

قوله (ويحجب عنه خبر السماء) أي خبر السماء وأهلها وخبر أعمالهم أو خبر يأتيه من جهة السماء وهو الذي يأتي به الملائكة ويحدثه. والأخير أنسب بسياق الكلام. والإضافة حينئذ لأدنى ملابسة.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن ضريس الكناسي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول - وعنده أناس من أصحابه -: عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا أئمة ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لأمرنا، أترون أن الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم؟! فقال له حمران: جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله عز ذكره وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ثم أجراه.

فبتقدم علم إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام علي والحسن والحسين (عليهم السلام): وبعلم صمت من صمت منا ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله عز وجل وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله عز وجل أن يدفع عنهم ذلك وألحوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم، إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من

ص:44

سلك منظوم انقطع فتبدد، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه، لا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها، فلا تذهبن بك المذاهب فيهم.

* الشرح:

قوله (ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم) لأن حجتهم على المخالفين بأن إمامهم أعلم من إمامهم فإذا قالوا بأن إمامهم ليس عالما بجميع الأشياء فقد كسروا حجتهم وخصموا أنفسهم إذ للمخالفين أن يقولوا: لا فرق بيننا وبينكم في أن إمامنا وإمامكم سواء في العلم وعدمه.

قوله (بضعف قلوبهم) لعدم قوتها ومعرفتها حق الإمام بنسبة ما لا يليق إليه من الجهل بالمعارف والأحكام.

قوله (فينقصونا حقنا) «حقنا» بدل عن الضمير المتكلم مع الغير، والمراد به العلم بجميع الأشياء حيث يعتقدون أن لا علم لنا بجميعها.

قوله (ويعيبون ذلك) أي يذمون من عرفنا بالفضل وكمال العلم حق المعرفة وسلم لأمرنا من العلم التام وينكرون ذلك عليه.

قوله (ويقطع عنهم مواد العلم) بأن لا يرد عليهم من الله تعالى علم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم واحتياجهم في كماله كالخلفاء الجاهلين بأكثر أموره.

قوله (فقال له حمران) كأنه قال: إن كان لهم العلم بجميع الأمور لم أقدموا على ما فيه هلاكهم مما ذكر، وحاصل الجواب أنه كان لهم علم بذلك بإخبار الرسول وأقدموا عليه بعد تقدير الله تعالى ذلك وأمره إياهم على سبيل التخيير بينه وبين عدمه وقضائه وإمضائه بعد اختيارهم ليبلغوا درجة الشهادة ومحل الكرامة منه تعالى، ولئلا يبقى للخلق حجة عليه بسكوت الجميع وقعودهم ومن لم يقدم منا كان ذلك أيضا بأمره جل شأنه لمصلحة وبالجملة كل من القيام وعدمه والسكوت وعدمه منا إنما كان بأمر الله تعالى.

قوله (ولو أنهم يا حمران) كما هم كانوا مخيرين بين القيام وعدمه واختاروا القيام لأمر الله تعالى على سبيل التخيير كذلك كانوا مخيرين بين الدعاء عليهم بالاستيصال وتركه واختاروا الترك شوقا إلى لقاء الله تعالى ليزداد مثوبتهم واستدراجا للطواغيت ليشتد عقوبتهم، وإيقانا بسرعة انقطاع ملكهم وتفرق جمعهم.

قوله (أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد) السلك بالكسر الخيط الذي ينظم فيه اللؤلؤ، والتبدد التفرق، شبه اتصال ابتداء دولتهم بانقطاعها باتصال انقطاع السلك بتفرق ما هو منظوم فيه مبالغة في السرعة.

ص:45

قوله (وما كان ذلك الذي أصابهم) هذا حق لا ريب فيه لأن المصائب والبلايا في الدنيا إنما تتوجهان إلى الخلق باعتبار قربهم من الحق فكلما كان القرب أشد كان لحوق المصائب أقوى وأكثر.

قوله (فلا تذهبن بك المذاهب فيهم) بأن تنسب إليهم الجهل والعجز واستحقاق العقوبة ونحوها مما يوجب النقص.

* الأصل:

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) بمنى عن خمسمائة حرف من الكلام فأقبلت أقول: يقولون كذا وكذا، قال: فيقول: قل كذا وكذا، قلت: جعلت فداك هذا الحلال وهذا الحرام أعلم أنك صاحبه وأنك أعلم الناس به وهذا هو الكلام؟ فقال لي: ويحك يا هشام [لا] يحتج الله تبارك وتعالى على خلقه بحجة لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه.

* الشرح:

قوله (عن خمسمائة حرف من الكلام) أي عن خمسمائة مسألة من علم الكلام وشبهاتهم فيه.

قوله (وهذا هو الكلام) أي هذا الذي سألتك هو علم الكلام ومسائله ولم يكن لي علم بأنك عارف به حق المعرفة.

قوله (يا هشام يحتج الله تعالى) هذا على سبيل الإنكار أي لا يكون ذلك الاحتجاج أبدا إذ وجب أن يكون حجته تعالى على الخلق عالما بجميع ما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة. وللعامة هنا كلام لا بأس أن نشير إليه فنقول: قال الآبي في كتاب إكمال الإكمال: اشترط غلاة الشيعة أن يكون الإمام صاحب معجزات وعالما بالغيب وبجميع اللغات وبطبائع الأشياء وعجائب الأرض والسماوات وهذا كله باطل للإجماع على صحة عقد الإمامة لأبي بكر وعمر وعثمان مع عرائهم من ذلك انتهى. وفيه أن الشيعة لا يسلمون انعقاد الإجماع على إمامة هؤلاء المذكورين كيف، وكثير من الصحابة المعروفين بالفضل والصلاح عندنا وعندهم لم يبايعوهم منهم سلمان والمقداد وطلحة والزبير وعباس وعمار وأبي ذر وإخراجه من المدينة إلى الشام ثم إلى الربذة مشهور، وقد صرحوا أيضا بجميع ذلك كما نقلنا عنهم سابقا.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن محمد بن فضيل، عن أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لا والله لا يكون عالم جاهلا أبدا، عالما بشيء جاهلا بشيء، ثم قال: الله أجل وأعز وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه، ثم

ص:46

قال: لا يحجب ذلك عنه.

* الشرح:

قوله (لا والله لا يكون عالم) أي لا يكون إمام عالم بشيء جاهلا بشيء آخر أبدا فإن هذا لا يصلح أن يكون إماما للخلق وخليفة لله. وفيه رد على أصحاب الثلاثة حيث يجيزون أن يكون الإمام جاهلا ببعض الشريعة بل بأكثرها وأن يقتدى فيما جهله برعيته ويقولون: لا يجوز أن يكون جاهلا بجميعها. وأنت خبير بأن هذا باطل بالضرورة وأنه لا فرق بين الجاهل بالبعض والجاهل بالجميع فكما لا يصلح الثاني للإمامة كذلك لا يصلح الأول لها.

ص:47

باب أن الله عز وجل لم يعلم نبيه إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين وأنه كان شريكه في العلم

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن عبد الله بن سليمان، عن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن جبرئيل (عليه السلام) أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) برمانتين فأكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إحداهما وكسر الأخرى بنصفين فأكل نصفا وأطعم عليا (عليه السلام) نصفا ثم قال رسول الله: يا أخي هل تدري ما هاتان الرمانتان؟ قال: لا؟ قال: أما الاولى فالنبوة، ليس لك فيها نصيب، وأما الأخرى فالعلم أنت شريكي فيه، فقلت: أصلحك الله كيف كان يكون شريكه فيه؟ قال: لم يعلم الله محمدا (صلى الله عليه وآله) علما إلا وأمره أن يعلمه عليا (عليه السلام).

2 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) برمانتين من الجنة فأعطاه إياهما فأكل واحدة وكسر الأخرى بنصفين فأعطى عليا (عليه السلام) نصفها فأكلها، فقال: يا علي أما الرمانة الاولى التي أكلتها فالنبوة ليس لك فيها شيء وأما الأخرى فهو العلم فأنت شريكي فيه.

3 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس عن ابن أذينة، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: نزل جبرئيل على محمد (صلى الله عليه وآله) برمانتين من الجنة فلقيه علي (عليه السلام) فقال: ما هاتان الرمانتان اللتان في يدك؟ فقال: أما هذه فالنبوة، ليس لك فيها نصيب، وأما هذه فالعلم، ثم فلقها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصفها ثم قال: أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه، قال: فلم يعلم - والله - رسول الله (صلى الله عليه وآله) حرفا مما علمه الله عز وجل إلا وقد علمه عليا ثم انتهى العلم إلينا، ثم وضع يده على صدره.

* الشرح:

قوله (أما الاولى فالنبوة) لما كان إرسال إحداهما لأجل النبوة والأخرى لأجل العلم وكان في العلم شركة دون النبوة وقع الاختصاص بإحداهما والاشتراك في الأخرى وربما يفهم منه أن درجة النبي فوق درجة الوصي بثلاث مراتب.

قوله (كيف كان يكون شريكه) لما كان المتبادر من الشركة في أمر اختصاص كل من الشريكين بحصة فيه ليس للآخر فيها نصيب وهو ليس بمراد هنا سأل عن كيفية الشركة هنا فأجاب بأن المراد بها علم كل منهما جميع ما يعلمه الآخر إلا أن

ص:48

لأحدهما حق التعليم على الآخر.

باب جهات علوم الأئمة (عليهم السلام)

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن عمه حمزة بن بزيع، عن علي السائي، عن أبي الحسن الأول موسى (عليه السلام) قال: قال: مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث، فأما الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا.

* الشرح:

قوله (عن علي السائي) هو علي بن السويد السائي من أصحاب الرضا (عليه السلام) ثقة منسوب إلى الساءة بالسين المهملة قرية قريبة من المدينة.

قوله (ماض وغابر وحادث) الغابر الباقي والماضي من الأضداد والمراد به هنا الثاني.

قوله (فأما الماضي فمفسر) يعني الماضي الذي تعلق علمنا به وهو كل ما كان مفسرا لنا بالتفسير النبوي، والغابر المحتوم الذي تعلق علمنا به وهو كل ما يكون مزبورا مكتوبا عندنا بخط علي (عليه السلام) وإملاء الرسول وإملاء الملائكة كما مر في تفسير الجامعة ومصحف فاطمة (عليها السلام).

والحادث الذي يتعلق علمنا به وهو كل ما يتجدد في إرادة الله تعالى ويحتمه بعدما كان في معرض البداء قذف في قلوبنا بإلهام رباني ونقر في أسماعنا بتحديث الملك وهذا القسم الأخير أفضل علمنا لاختصاصه بنا ولحصوله لنا من الله بلا واسطة بشر بخلاف الأولين لحصولهما بالواسطة ولعدم اختصاصهما بنا إذ قد اطلع على بعضها بعض خواص الصحابة مثل سلمان وأبي ذر باخبار النبي وبعض خواص أصحابنا مثل زرارة وغيره بقراءة بعض مواضع كتاب علي (عليه السلام).

قوله (ولا نبي بعد نبينا) دفع بذلك توهم من يتوهم أن كل من قذف في قلبه ونقر في سمعه فهو نبي. وهذا التوهم فاسد لأنه محدث والمحدث ليس بنبي كما مر.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن علي بن موسى، عن صفوان بن يحيى، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): [قال] قلت: أخبرني عن علم عالمكم؟ قال: وراثة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن علي (عليه السلام) قال: قلت: انا نتحدث أنه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم؟

ص:49

قال: أو ذاك.

* الشرح:

قوله (وراثة) أخبر بالقسمين الأولين وسكت عن الثالث لغرابته، ثم أخبر به بعد السؤال عنه فقد ظهر أن جهات علومهم ثلاثة.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عمن حدثه، عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام):

روينا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع، فقال: أما الغابر فما تقدم من علمنا، وأما المزبور فما يأتينا، وأما النكت في القلوب، فإلهام، وأما النقر في الأسماع فأمر الملك.

ص:50

باب أن الأئمة (عليهم السلام) لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن عبد الواحد بن المختار قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): لو كان لألسنتكم أوكية لحدثت كل امرئ بما له وعليه.

* الشرح:

قوله (أوكية) جمع وكاء ككساء وهو رباط القربة وغيرها، شبه الحالة التي تمنع الإنسان عن التكلم بما يضره بالوكاء الذي يشد به رأس القربة للإفصاح والإيضاح.

* الأصل:

2 - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن عبد الله بن مسكان قال: سمعت أبا بصير يقول: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): من أين أصاب أصحاب علي ما أصابهم مع علمهم بمناياهم وبلاياهم؟ قال: فأجابني - شبه المغضب -: ممن ذلك إلا منهم؟! فقلت: ما يمنعك جعلت فداك؟ قال: ذلك باب أغلق إلا أن الحسين بن علي صلوات الله عليهما فتح منه شيئا يسيرا، ثم قال: يا أبا محمد! إن أولئك كانت على أفواههم أوكية.

* الشرح:

قوله (من أين أصاب أصحاب علي ما أصابهم مع علمهم بمناياهم وبلاياهم) «ما» للتفخيم والتعظيم، والمراد به الأمور الغريبة التي أخبرهم بها (عليه السلام) والظرف أعني «مع» حال عن فاعل أصابهم، والمراد بأصحاب علي خواص أصحابه وهم أصحاب سره لا كلهم يعني من أي سبب أصاب أصحاب علي (عليه السلام) من العلوم الغريبة والرموز السرية حال كونها مقرونة مع ما أصابهم من علمهم بمناياهم وبلاياهم كل ذلك بإخباره (عليه السلام) إياهم.

قوله (شبه المغضب) لعل سبب غضبه عدم وجدانه من أصحابه من يصلح أن يكون محلا لأسراره وقابلا لإظهارها عليه.

قوله (ممن ذلك إلا منهم) «ذلك» مبتدأ إشارة إلى السبب الذي سأل السائل عنه و «ممن» خبره وضمير «منهم» راجع إلى أصحاب علي (عليه السلام) أي ذلك السبب الذي يوجب إظهار الأمور الغريبة

ص:51

والأسرار العجيبة ممن يكون إلا منهم فإنهم لصلاحهم ورعاية حقوق إمامهم صاروا قابلين لإظهار السر عليهم.

قوله (ما يمنعك) مفعوله محذوف بقرينة المقام أي ما يمنعك إظهار السر على أصحابك كما أظهره علي (عليه السلام) على أصحابه.

قوله (ذلك باب أغلق) ذلك إشارة إلى إظهار السر المعلوم بحسب المقام وإغلاق بابه كناية عن عدم جواز إظهاره لعدم الوكاء على ألسنة الناس كما يشير إليه آخر الحديث.

قوله (إن اولئك كانت على أفواههم أوكية) فلذلك صاروا قابلين لإظهار الأسرار وأما أصحابنا فلما لم تكن على أفواههم أوكية لم يجز لنا إظهارها عليهم لأنه يصير سببا لسفك دمائنا ودمائهم، وأولئك إشارة إلى أصحاب علي وأصحاب الحسين (عليهما السلام).

ص:52

باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة (عليهم السلام) في أمر الدين

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق النحوي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعته يقول: إن الله عز وجل أدب نبيه على محبته فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم). ثم فوض إليه فقال عز وجل:

(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال عز وجل: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، قال: ثم قال: وإن نبي الله فوض إلى علي وائتمنه فسلمتم وجحد الناس فوالله لنحبكم أن تقولوا إذا قلنا وأن تصمتوا إذا صمتنا، ونحن فيما بينكم وبين الله عز وجل. ما جعل الله لأحد خيرا في خلاف أمرنا.

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول - ثم ذكر نحوه -.

* الشرح:

قوله (عن أبي إسحاق ا لنحوي) هو ثعلبة بن ميمون وكان وجها في أصحابنا قارئا فقيها نحويا لغويا عابدا زاهدا ثقة.

قوله (أدب نبيه على محبته) التأديب تعليم الأدب وهو ما يدعو إلى المحامد من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة.

قوله (على محبته) متعلق بأدب على تضمين معنى القيام أو حال عن الضمير المجرور أي كائنا على محبته. ومحبته لله عبارة عن الإتيان بمرضاته والصبر على موجبات قربه والتوجه بالكلية إلى قدس ذاته. ومحبة الله إياه عبارة عن إفاضة الخير عليه وتتابع الإحسان إليه وإجابة ما يتمناه وإعطاء ما يرضاه.

قوله (فقال وإنك لعلى خلق عظيم) متفرع على التأديب يعني بعدما أدبه وأكمل له محامده وبلغه إلى غاية كماله خاطبه بذلك القول مؤكدا بأن واللام واسمية الجملة، والتنكير المفيد للتعظيم والتصريح به للدلالة على علو قدره وتفرده بذلك وتقرير حبه في الأذهان إذ ما من أحد ولو كان كافرا إلا وهو يمدح الخلق وصاحبه.

قوله (ثم فوض إليه) للتفويض معان بعضها باطل وبعضها صحيح أما الباطل فهو تفويض الخلق

ص:53

والإيجاد والرزق والإحياء والإماتة إليه يدل على ذلك ما روي عن الرضا (عليه السلام) قال «اللهم من زعم أننا أرباب فنحن منه براء ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن عنه براء كبراءة عيسى بن مريم من النصارى» وما روي عن زرارة قال: «قلت للصادق (عليه السلام): إن رجلا من ولد عبد المطلب بن سبأ يقول بالتفويض فقال: وما التفويض؟ فقلت: إن الله عز وجل خلق محمدا (صلى الله عليه وآله) وعليا (عليهما السلام) ثم فوض الأمر إليهما فخلقا ورزقا وأحييا وأماتا، فقال (عليه السلام): كذب عدو الله إذا رجعت إليه فاقرأ عليه الآية التي في سورة الرعد (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار) (1)فانصرفت إلى الرجل فأخبرته بما قال الصادق (عليه السلام) فكأنما ألقمته حجرا - أو قال فكأنما خرس» - وأما الثاني فأقسام منها تفويض أمر الخلق إليه بمعنى أنه أوجب عليهم طاعته في كل ما يأمر به وينهى عنه سواء علموا وجه الصحة أم لم يعلموا وإنما الواجب عليهم الانقياد والإذعان بأن طاعته طاعة الله تعالى. ومنها تفويض القول بما هو أصلح له أو للخلق وان كان الحكم الأصلي خلافه كما في صورة التقية وهي أيضا من حكم الله تعالى إلا أنه منوط على عدم إمكان الأول بالإضرار ونحوه. ومنها تفويض الأحكام والأفعال بأن يثبت ما رآه حسنا ويرد ما رآه قبيحا، فيجيز الله تعالى لإثباته إياه. ومنها تفويض الإرادة بأن يريد شيئا لحسنه ولا يريد شيئا لقبحه فيجيز الله تعالى إياه.

وهذه الأقسام الثلاثة لا تنافي ما ثبت من أنه لا ينطق إلا بالوحي لأن كل واحد منها ثبت من الوحي إلا أن الوحي تابع لإرادته يعني إرادة ذلك فأوحى إليه كما أنه أراد تغيير القبلة وزيادة الركعتين في الرباعية والركعة في الثلاثية وغير ذلك فأوحى الله تعالى إليه بما أراد، إذا عرفت هذا حصلت لك بصيرة على موارد التفويض في أحاديث هذا الباب فليتأمل.

قوله (وما أتاكم الرسول فخذوه) هذا ظاهر في القسم الأول (2).

قوله (ونحن فيما بينكم وبين الله عز وجل) نبين لكم ما أراد الله منكم ونحصل لكم ما أردتم منه ونوردكم مورد الكرامة منه.

قوله (في خلاف أمرنا) خلافه عبارة عن عدم الاعتقاد بحقيته سواء كان مع الاعتقاد بحقية نقيضه أم لا.

* الأصل:

ص:54


1- -سورة الرعد:16.
2- قوله «ظاهر في القسم الأول» لكن الحق أن المراد به التفويض في الأحكام بقرينة سائر الروايات. (ش)

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن بكار بن بكر، عن موسى بن أشيم قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسأله رجل عن آية من كتاب الله عزوجل فأخبره بها، ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر [به] الأول، فدخلني من ذلك ما شاء الله حتى كأن قلبي يشرح بالسكاكين، فقلت في نفسي: تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو وشبهه وجئت إلى هذا، يخطئ هذا الخطأ كله، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي، فسكنت نفسي فعلمت أن ذلك منه تقية، قال: ثم التفت إلي فقال لي: يا ابن أشيم إن الله عزوجل فوض إلى سليمان بن داود فقال:

(هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) وفوض إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) فقال: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(1) فما فوض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد فوضه إلينا.

* الشرح:

قوله (فسأله رجل عن آية من كتاب الله عزوجل) هذا ظاهر في القسم الثاني.

قوله (كأن قلبي يشرح بالسكاكين) الشرح الكشف ومنه تشريح اللحم، والسكاكين بالفتح والتخفيف جمع السكين بالكسر، أي كان قلبي يقطع ويكشف بالسكين.

قوله (إن الله فوض إلى سليمان) أراد أنه تعالى كما فوض الإعطاء والمنع والتصرف فيهما إلى سليمان (عليه السلام) غير محاسب عليهما كذلك فوض التصرف في الأمر والنهي إلينا نحن نقول فيهما ما يقتضيه المصلحة غير محاسبين على ذلك.

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحجال، عن ثعلبة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما السلام) يقولان: إن الله عزوجل فوض إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم، ثم تلا هذه الآية: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(2).

* الشرح:

قوله (لينظر كيف طاعتهم) أي كيف طاعتهم لله أو لنبيه لأن الطاعة للخلق وإن كانت بأمر الله تعالى أشد على النفوس من الطاعة للخالق ولذلك أنكرها جم غفير من الحساد.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن فضيل بن يسار قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: إن الله عزوجل أدب نبيه فأحسن أدبه فلما أكمل له الأدب قال: «إنك لعلى خلق عظيم»، ثم فوض إليه أمر الدين والأمة ليسوس عباده،

ص:55


1- -سورة البقرة :94.
2- -سورة القلم:4.

فقال عزوجل: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (1)وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان مسددا موفقا مؤيدا بروح القدس، لا يزل ولا يخطئ في شيء مما يسوس به الخلق فتأدب بآداب الله، ثم إن الله عز وجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين، عشر ركعات، فأضاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في سفر، وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر فأجاز الله عزوجل له ذلك كله فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، ثم سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) النوافل أربعا وثلاثين ركعة مثلي الفريضة فأجاز الله عزوجل له ذلك والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر، وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان وسن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صوم شعبان وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة فأجاز الله عزوجل له ذلك.

وحرم الله عزوجل الخمر بعينها وحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسكر من كل شراب فأجاز الله له ذلك كله، وعاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنما نهى عنها نهي إعافة وكراهة، ثم رخص فيها فصار الأخذ برخصه واجبا على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه ولم يرخص لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما نهاهم عنه نهي حرام ولا فيما أمر به أمر فرض لازم فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام لم يرخص فيه لأحد ولم يرخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمهما إلى ما فرض الله عزوجل، بل ألزمهم ذلك إلزاما واجبا، لم يرخص لأحد في شيء من ذلك إلا للمسافر وليس لأحد أن يرخص [شيئا] ما لم يرخصه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوافق أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر الله عزوجل، ونهيه نهي الله عزوجل، ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى.

* الشرح:

قوله (ليسوس عباده) ساس الناس يسوسهم سياسة أمرهم ونهاهم وملك أمورهم.

قوله (فأضاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الركعتين ركعتين) هذا هو القسم الثالث على الظاهر أو الرابع على الاحتمال.

قوله (فصارت عديل الفريضة) أي فصارت الزيادة مثل الفريضة ومساوية لها في عدم جواز الترك كما أشار إليه بقوله: لا يجوز تركهن، لا في العدد لأن الزائد ناقص فيه.

قوله (وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة) يعني لما أفرد الركعة في المغرب تركها قائمة في

ص:56


1- -سورة الحشر :7.

السفر والحضر، وحاصله: لما نقص ركعة لم يقصر فيهما، يدل عليه ما رواه الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) لأي علة يصلى المغرب في السفر والحضر ثلاث ركعات وسائر الصلوات ركعتين؟ قال: لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرض عليه الصلاة مثنى مثنى وأضاف إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ركعتين ثم نقص من المغرب ركعة ثم وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ركعتين في السفر وترك المغرب وقال إني أستحيي أن أنقص فيها مرتين فلتلك العلة يصلى ثلاث ركعات في الحضر والسفر».

قوله (فأجاز الله عزوجل له ذلك كله) أي ذلك المذكور وهو الإضافة وعدم جواز الترك مطلقا في الحضر وجوازه في الرباعيات في السفر وعدم جوازه في المغرب فيه.

قوله (ثم سن رسول الله (صلى الله عليه وآله) النوافل أربعا وثلاثين) هذا حجة لمن ذهب إلى أن النوافل هذا المقدار.

قوله (تعد بركعة مكان الوتر) ضمير تعد راجع إلى الركعتين باعتبار أنهما ركعة تقوم مقام الوتر لمن يفوته للنوم وغيره ولكون شرعهما باعتبار قيامهما مقام الوتر عند فواته لم يصلهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما يدل على الأمرين ما رواه الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر، قال: قلت: يعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال: نعم إنهما بركعة فمن صلاهما ثم حدث له حدث مات على وتر فإن لم يحدث له حدث الموت، يصلي الوتر في آخر الليل، فقلت: هل صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاتين الركعتين؟ قال: لا، قلت: ولم؟ قال: لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأتيه الوحي وكان يعلم أنه هل يموت في هذه الليلة أولا وغيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلهما وأمر بهما.

قوله (مثلي الفريضة) شعبان كله وثلاثين يوما لكل شهر من عشرة أشهر ثلاثة أيام.

قوله (وعاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشياء وكرهها) عاف الأشياء كرهها فالعطف في وكرهها للتفسير وقوله «لم ينه عنها» نهي حرام للتأكيد أو لدفع توهم حمل الكراهة على التحريم، ويؤيده الحصر في قوله «إنما نهى عنها نهي اعافة وكراهة» ولما كان عاف وأعاف بمعنى، صح إعافة في موضع عيافا بكسر العين وهو مصدر عاف.

قوله (فصار الأخذ برخصه واجبا على العباد) دل على أن الأخذ بالمكروه والمندوب من حيث أنه مكروه ومندوب واجب عليهم كما أن الأخذ بالحرام والواجب من حيث أنه حرام وواجب واجب عليهم فلا يجوز لهم الأخذ بالعكس في الموضعين ولا دلالة فيه على اعتبار الكيفية في النية فليتأمل.

ص:57

قوله (فكثير المسكر) لا دلالة فيه على عدم النهي في قليله إلا بمفهوم اللقب وهو ليس بحجة اتفاقا.

قوله (وليس لأحد أن يرخص) لأنه يجب على الكل الأخذ بقوله والتسليم لأمره ونهيه.

5 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة أنه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما السلام) يقولان: إن الله تبارك وتعالى فوض إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم، ثم تلا هذه الآية (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة مثله.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى أدب نبيه (صلى الله عليه وآله) فلما انتهى به إلى ما أراد، قال له: (إنك لعلى خلق عظيم) ففوض إليه دينه فقال: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وإن الله عزوجل فرض الفرائض ولم يقسم للجد شيئا وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطعمه السدس فأجاز الله جل ذكره له ذلك وذلك قول الله عزوجل: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب).

* الشرح:

قوله (فلما انتهى به إلى ما أراد) من الكمالات الإنسانية والأخلاق النفسانية حتى صار متصلا بالحق اتصالا معنويا وبلغ غاية القرب منه وشاهد نوره في ذاته وذاته في نوره فرض الفرائض أي أحكام المواريث.

قوله (ولم يقسم للجد شيئا) أي لم يقسم لجد الميت مع أبويه شيئا لأن الأبوين يمنعان آباءهم عن الإرث.

قوله (أطعمه السدس) أي سدس الأصل استحبابا.

قوله (وذلك قول الله عزوجل) أي تفويض أمر دينه إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) كتفويض المن والإمساك إلى سليمان (عليه السلام).

* الأصل:

7 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) دية العين ودية النفس وحرم النبيذ وكل مسكر، فقال له رجل: وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غير أن يكون جاء فيه شيء؟ قال: نعم ليعلم من يطيع الرسول ممن يعصيه.

* الشرح:

قوله (من غير أن يكون جاء فيه شيء فقال نعم) وهو القسم الثالث فإنه أثبت شيئا

ص:58

وأجازه الله تعالى لإثباته.

* الأصل:

8 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن قال: وجدت في نوادر محمد بن سنان عن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة، قال عزوجل: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أريك الله) وهي جارية في الأوصياء (عليهم السلام).

* الشرح:

قوله (لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه) وهو القسم الأول الذي أشرنا إليه.

9 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن زياد، عن محمد بن الحسن الميثمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن الله عزوجل أدب رسوله حتى قومه على ما أراد، ثم فوض إليه عز ذكره: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فما فوض الله إلى رسوله (صلى الله عليه وآله) فقد فوضه إلينا.

* الأصل:

10 - علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن الحسين بن عبد الرحمن، عن صندل الخياط، عن زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) قال: أعطى سليمان ملكا عظيما ثم جرت هذه الآية في رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان له أن يعطي ما شاء من شاء ويمنع من شاء، وأعطاه [الله] أفضل مما أعطى سليمان لقوله: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).

* الشرح:

قوله (ثم جرت هذه الآية) لأنه فوض إليه (صلى الله عليه وآله) المنع والإعطاء المتعلقين بالرئاسة الدنيوية أيضا.

قوله (أفضل مما أعطى سليمان (1)) حيث فوض إليه أمر الدين المتعلق بالرئاسة الأخروية.

ص:59


1- قوله «أفضل مما أعطى سليمان» حاصل أحاديث هذا الباب والمعنى الذي يتفق عليه جميعها أن بعض الأحكام مفوض إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعضها موحى إليه من الله تعالى ويشكل بأن ما يفرضه الرسول (صلى الله عليه وآله) لا يمكن أن يكون إلا بأمر الله تعالى وهو (لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) والجواب أن جميعها وإن كانت من الله تعالى وبأمر الله لكن الفرق في الطريق الموصل فبعض الأحكام يوحى إليه قرآنا بوسيلة روح القدس وبعضها غير قرآن وبعضها إلهام وإلقاء في الروع وبعضها بعلمه (صلى الله عليه وآله) بالمصلحة الملزمة وليس هذا أمرا غريبا كما يتفق للعلماء وإنهم يستنبطون الحكم تارة من الكتاب الكريم وتارة من نص الرسول (صلى الله عليه وآله) وتارة من فحوى الخطاب كاستفادة حرمة ضرب الأبوين وشتمهما من قوله تعالى (ولا تقل لهما أف) وتارة يعرفون الحكم من العقل مجردا من النص المنقول كحرمة الغصب وقتل النفوس وليس معنى تفويض الله تعالى بعض أحكامه إلى رسوله أنه تعالى لا يعلم ولا يقصد ما يفعله الرسول ولا يجعل حكما ولا يريد شيئا إلا تبعا لإرادة الرسول (صلى الله عليه وآله) بل الأمر بالعكس لكن عرف (صلى الله عليه وآله) وجوب الركعتين الأوليين بنص جبرئيل في ليلة الإسراء ووجوب الركعات الأخر بإلهام وقوة قدسية من الله أيضا كما أن جميع ما نعرفه بعقلنا بل بحسنا إنما هو من جانب الله تعالى وإن لم يكن بوحي وإلهام بل بإعداد مقدمات وحصول معدات لا تنفك في سنته تعالى عن إفاضة العلم والإدراك ولما جرت عادة الناس بأن ينسبوا ما استفادوا من غير سبب وواسطة إلى نفس المسبب وما استفادوا بواسطة إلى الواسطة مع اعتقادهم بأنه من ذي الواسطة فيتبادر من قولهم: شربت الماء من النهر إنهم شربوا منه بلا واسطة لا من الحياض والحباب والكوز التي في دارهم مع أنها من النهر أيضا جرى في هذه الأخبار على اصطلاحهم كما هو دأب الشرع في التكلم مع الناس بلسانهم فسمى ما أوحى إليه بلفظه من الله تعالى مثلا فرض الله وما ألهم به بقوته القدسية وعلمه بالمصلحة الملزمة مثلا فرض الرسول وإن كانت جميعا فرض الله تعالى ومذهبنا المتفق عليه بيننا أن الأنبياء لا يشرعون حكما باجتهادهم على ما صرح به علماؤنا في كتب التفسير والكلام فراجع ما قالوا في تفسير آية (ففهمناها سليمان - الآية) لكنه تعالى أدب رسوله فأحسن أدبه وجعل فيه الخلق العظيم وإذا حصلت فيه القوة القدسية استعد لقبول الإلهام والإلقاء في الروع وأمثالهما كما في هذه الأخبار، وبينه الشيخ الرئيس في الإشارات أحسن بيان. (ش)

باب في أن الأئمة (عليهم السلام) بمن يشبهون ممن مضى، وكراهية القول فيهم بالنبوة

*الأصل:

1 - أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما موضع العلماء؟ قال: مثل ذي القرنين وصاحب سليمان وصاحب موسى (عليهم السلام).

* الشرح:

قوله (ما موضع العلماء) (1) عنوان الباب دل على أن المراد بالعلماء الأئمة (عليهم السلام) وحينئذ

ص:60


1- قوله «ما موضع العلماء» مراد السائل بقرينة الجواب أن الأئمة (عليهم السلام) بمنزلة الأنبياء أو بمنزلة الرعية وآحاد الناس أو غير ذلك وما هي والجواب إنهم ليسوا بأنبياء بل عباد مكرمون مؤيدون بأرواح غيبية ولهم فضل على الرعية بقربهم وعناية خاصة من الله تعالى بهم كما كان صاحب سليمان وصاحب موسى وذو القرنين، ولا ينافي ذلك كونهم أفضل من الأنبياء مع عدم كونهم نبيا واستصعاب الشارح عجيب لأن تشبيه شيء بشيء، يقتضي الاشتراك في وجه الشبه لا في جميع الصفات، والمقصود هنا دفع وهم السائل وإن كل مقرب عند الله ليس نبيا وكل من ذكره الله بخير ليس ممن يوحى إليه وليس الأئمة (عليهم السلام) لعناية الله بهم أنبياء ووجه الشبه عدم نبوتهم كصاحب سليمان وذي القرنين. (ش)

تشبيههم بمن ذكر يوجب النقص فيهم وانحطاط رتبتهم وكذا إن تركنا التشبيه وحكمنا بالتساوي وهو باطل لدلالة الروايات المتكثرة المعتبرة على أنهم أعلم وأفضل من جميع السابقين ومواضعهم أرفع من مواضعهم، ويمكن الدفع بأن وجه الشبه هو الوصية أو بأن العلم والقرب ورفعة المواضع والمقام هنا وإن كانت في المشبه أقوى وأكمل منها في المشبه به إلا أنها لما كان في المشبه به أشهر في الصدر الأول وكانت مسلمة الثبوت فيه وقع التشبيه من هذه الجهة، ويمكن حمل العلماء على علماء الرعية فيسلم عن هذه الشبهة إلا أنه بعيد في هذا المقام ومثل ما ذكرناه من السؤال والجواب يجري فيما روي من «أن علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل».

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أبي العلاء قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنما الوقوف علينا في الحلال والحرام فأما النبوة فلا.

* الشرح:

قوله (إنما الوقوف علينا) أراد بالوقوف عليهم العكوف على سدتهم والرجوع إليهم والحصر بالنسبة إلى النبوة وإلا فهم المعادن لجميع العلوم والمعارف وقد أخبروا بكثير من الأسرار والغيوب التي يتوهم منها إنهم الأنبياء المخبرون عن الوحي، ولذلك نفى عنهم النبوة دفعا لهذا التوهم.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى الأشعري، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله عز ذكره ختم بنبيكم النبيين فلا نبي بعده أبدا، وختم بكتابكم الكتب فلا كتاب بعده أبدا وأنزل فيه تبيان كل شيء وخلقكم وخلق السماوات والأرض ونبأ ما قبلكم وفصل ما بينكم وخبر ما بعدكم وأمر الجنة والنار وما أنتم صائرون إليه.

* الشرح:

قوله (وخلقكم) عطف على التبيان أي فيه كيفية خلقكم وخلق السماوات والأرض، يظهر ذلك لمن تفكر فيه.

قوله (ونبأ ما قبلكم) إلى زمان آدم بل إلى أول الإيجاد.

قوله (وفصل ما بينكم) من الأحكام والقضايا بالقوانين الدينية والدنيوية.

ص:61

قوله (وخبر ما بعدكم) من الأمور الآتية إلى يوم القيامة.

قوله (وما أنتم صائرون إليه) من الخيرات والشرور والأخلاق والأعمال والأحوال والبرزخ والمعاد.

* الأصل:

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن عليا (عليه السلام) كان محدثا.

فقلت: فنقول: نبي؟ قال: فحرك بيده هكذا، ثم قال: أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أو ما بلغكم أنه (صلى الله عليه وآله) قال: وفيكم مثله.

* الشرح:

قوله (إن عليا (عليه السلام) كان محدثا) قال أبو جعفر (عليه السلام) في رواية الأحول عنه «المحدث الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه» وفي رواية بريد عنه «المحدث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة» يعني يكلمه الملك وفي رواية محمد بن مسلم المذكورة في الباب الآتي مثله. وقال البخاري المحدث هو الذي يجري الصواب على لسانه، وقال بعض علمائهم: المحدث هو الملهم بالصواب. وقال بعضهم: هو الذي يلقى في قلبه شيء من الملأ الأعلى. وقال بعضهم: هو الذي يحدث في ضميره بأمور صحيحة وهو نوع من الغيب فيظهر على نحو ما وقع له وهي كرامة من الله تعالى يكرم بها من يشاء من صالح عباده ومن هذا النوع الفراسة في قوله (صلى الله عليه وآله): «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» وقال بعضهم: هو الذي من صفاء القلب فيتجلى فيه من اللوح المحفوظ عند المقابلة بينه وبين القلب، وقال بعضهم: هو الذي يخلق الله تعالى في قلبه الصافي الأمور الكائنة بواسطة الملك الموكل به وقد ينتهي الاستعداد إلى أن يسمع الصوت ويرى الملك.

قوله (فنقول نبي) أي هو نبي ونقول على صيغة المتكلم مع الغير ويحتمل الخطاب.

قوله (هكذا) يعني لا وعدم جواز هذا القول مع أنه نبي لغة لأنه مخبر عن الله تعالى ولو بواسطة ورفيع القدر لوقوع المنع منه شرعا ولاختصاص النبي شرعا بمن يرى الملك ويخبر عن الله تعالى بلا واسطة من البشر.

قوله (أو كصاحب سليمان) عطف على محدثا والترديد على سبيل منع الخلو فيمكن الاجتماع كما مر في الحديث الأول وصحة التشبيه على نحو ما عرفت فيه أيضا.

قوله (أوما بلغكم أنه) الاستفهام للتقرير وضمير مثله راجع إلى ذي القرنين وضمير أنه راجع

ص:62

إلى النبي (صلى الله عليه وآله) لكونه معلوما أو إلى علي لكونه مذكورا يدل على الأول ما روي عنه (صلى الله عليه وآله) قال: «إن عليا ذو قرني هذه الأمة» أي مثله فيها، ومثله في النهاية. وعلى الثاني ما ذكر صاحب الكشاف في تفسير قوله (يسألونك عن ذي القرنين) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) حين سأله ابن الكواء: ما ذو القرنين أملك أم نبي؟ فقال (عليه السلام): ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله» أراد به نفسه. وما ذكره أيضا صاحب النهاية حيث قال: ومنه حديث علي وذكر قصة ذي القرنين ثم قال: وفيكم مثله، وإنما عنى نفسه لأنه ضرب على رأسه ضربتين إحداهما يوم الخندق والأخرى ضربة ابن ملجم وذو القرنين هو الإسكندر سمي به لأنه ملك الشرق والغرب وقيل: لأنه كان في رأسه شبه قرنين وقيل: رأى في النوم أنه أخذ بقرني الشمس. ومن العجائب ما رواه مسلم بإسناده عن عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه كان يقول «قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم» وأنت تعلم بالضرورة إن من كان عاكفا على عبادة الأصنام والزنا بالأحرار كما اعترف هو به في بعض المواضع لا يصلح أن يكون محدثا يتكلم الملائكة معه وإنما المحدث في هذه الأمة مثل علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهم ظلموه ووضعوا حقه في غير موضعه.

* الأصل:

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: ما منزلتكم ومن تشبهون ممن مضى؟ قال: صاحب موسى وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيين.

* الشرح:

قوله (قال صاحب موسى) هذا بحسب الظاهر إخبار عن حالهما وفي الواقع إخبار عن المشابهة بينهم وبينهما في العلم وعدم النبوة وهذه حجة على من قال بأن ذا القرنين كان نبيا.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن أبي طالب، عن سدير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن قوما يزعمون أنكم آلهة، يتلون بذلك علينا قرآنا: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) فقال: يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء وبرئ الله منهم، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم، قال: قلت: وعندنا قوم يزعمون أنكم رسل يقرؤون علينا بذلك قرآنا (يا أيها

ص:63

الذين آمنوا كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم)(1) فقال: يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء وبرئ الله منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم، قال: قلت: فما أنتم؟ قال: نحن خزان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض.

* الشرح:

قوله (إن قوما يزعمون أنكم آلهة) هؤلاء لما رأوا منهم (عليهم السلام) أمورا غريبة بعيدة عن قدرة البشر بحسب العادة زعموا أنهم آلهة خلقوا أهل الأرض أو نسبوا إليهم الإحياء والإماتة والرزق واستدلوا على ذلك بقوله تعالى (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) زعموا لسوء فهمهم وقلة تدبرهم أن إله الأرض غير إله السماء وأن الآية مسوقة لإثبات تعدد الإله وهذا فاسد، إذ المقصود إثبات وحدة الإله. توضيح ذلك أن الظرف في الموضعين متعلق بإله لكونه بمعنى المعبود وإله خبر مبتدأ محذوف وهو ضمير الموصول والتقدير وهو الذي هو إله في السماء وإله في الأرض أي مستحق لأن يعبد فيهما، ففيه نفي تعدد الإله واختصاصه تعالى بالألوهية.

قوله (فقال يا سدير سمعي وبصري) هذا أبلغ وأفيد من قوله أنا منهم بريء لما فيه من الإشارة إلى احتياجه في تحققه وكماله إلى هذه الأمور والمحتاج إلى شيء ليس بإله وأيضا كل واحد من هذه الأمور باعتبار ذاته وتركبه وحدوثه ومحله شاهد صدق على أن له إلها صانعا وعلى أن المفتقر إليه أولى بذلك، مع ما فيه من الإيماء إلى غاية التباغض والبراءة لأن في براءة السمع من سماع أحوالهم وبراءة البصر من رؤية أشخاصهم وبراءة سائر الأعضاء من مخالطتهم ومجالستهم دلالة على كمال العداوة بينه وبينهم فافهم.

قوله (من هؤلاء براء) تقديم الظرف لقصد الحصر مبالغة لأن هؤلاء من حيث أنهم نفوا صفة كمالهم (عليهم السلام) وهي غاية العبودية كانوا في حد التفريط من حيث أنهم أثبتوا لهم مالا يليق بهم من صفة الألوهية كانوا في حد الإفراط فهم كانوا أصحاب الرذيلتين بخلاف من سواهم من الملل الفاسدة فإنهم كانوا من أهل التفريط فقط فسبب البراءة من هؤلاء أشد وأقوى حتى كأنه تحقق فيهم لا في غيرهم فليتأمل.

قوله (ما هؤلاء على ديني) لظهور أن دينه هو التوحيد المطلق ودين هؤلاء هو الشرك بالله.

ص:64


1- -سورة الزخرف:84.

قوله (يقرؤون علينا بذلك قرآنا يا أيها الرسل) يعني يستدلون على أنكم رسل بهذه الآية ومناط استدلالهم بها على توهم أن المراد بالرسل محمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، وهذا التوهم فاسد لما ذكره المفسرون من أنه نداء وخطاب لجميع الأنبياء لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على معنى أن كلا منهم خوطب به في زمانه، وفيه تنبيه على أن الأمر بأكل الطيبات لم يكن له خاصة، بل كان لجميع الأنبياء، وحجة على من رفض أكلها تقربا إلى الله تعالى، وقيل: النداء له (صلى الله عليه وآله) والجمع للتعظيم، وفي المغرب: الطيبات خلاف الخبائث في المعنيين يقال:

شيء طيب أي طاهر نظيف أو مستلذ طعما وريحا وخبيث أي نجس أو كريه الطعم والرائحة، وفي النهاية: الطيب أكثر ما يرد بمعنى الحلال كما أن الخبيث كناية عن الحرام، وقد يرد الطيب بمعنى الطاهر. وقيل: الطيب المباح والحلال أخص من المباح لما ورد «أن الحلال قوت النبيين» بخلاف المباح فإنه قوت غيرهم.

* الأصل:

7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن بحر، عن ابن مسكان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الأئمة بمنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أنهم ليسوا بأنبياء ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي (صلى الله عليه وآله) فأما ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

* الشرح:

قوله (الأئمة بمنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله)) يعني في العلم والعمل والأخلاق ووجوب طاعة الخلق له.

قوله (ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي) فلا تحل لهم تسع نسوة ولا امرأة بمجرد الهبة.

ص:65

باب أن الأئمة (عليهم السلام) محدثون مفهمون

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحجال، عن القاسم بن محمد، عن عبيد بن زرارة قال: أرسل أبو جعفر (عليه السلام) إلى زرارة أن يعلم الحكم بن عتيبة أن أوصياء محمد عليه وعليهم السلام محدثون.

* الشرح:

قوله (أن يعلم الحكم بن عتيبة) زيدي بتري مذموم روى الكشي في ذمه روايات كثيرة وكان من فقهاء العامة وفي بعض كتب الرجال أنه كان أستاد زرارة وحمران والطيار قبل أن يروا هذا الأمر.

قوله (إن أوصياء محمد (صلى الله عليه وآله) محدثون) الغرض منه أن زيدا ليس بوصي لأنه ليس بمحدث.

* الأصل:

2 - محمد، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن زياد بن سوقة، عن الحكم بن عتيبة قال: دخلت على علي بن الحسين (عليهما السلام) يوما فقال: يا حكم هل تدري الآية التي كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعرف قاتله بها ويعرف بها الأمور العظام التي كان يحدث بها الناس؟ قال الحكم: فقلت في نفسي: قد وقعت على علم من علم علي بن الحسين، أعلم بذلك تلك الأمور العظام، قال: فقلت: لا والله لا أعلم، قال: ثم قلت: الآية تخبرني بها يا ابن رسول الله؟ قال: هو والله قول الله عز ذكره: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي (ولا محدث)) وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) محدثا فقال له رجل يقال له: عبد الله بن زيد، كان أخا علي لأمه: سبحان الله:

محدثا؟! كأنه ينكر ذلك، فأقبل علينا أبو جعفر (عليه السلام) فقال: أما والله إن ابن أمك بعد قد كان يعرف ذلك. قال: فلما قال ذلك سكت الرجل، فقال: هي التي هلك فيها أبو الخطاب فلم يدر ما تأويل المحدث والنبي.

* الشرح:

قوله (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي - ولا محدث -) دل على أن قوله ولا محدث كان من تتمة الآية وهم أسقطوها، وإطلاق الرسول على المحدث من باب التغليب أو على أن المراد بالرسول معناه لغة وكل من أرسله إلى أحد فهو رسول أو على أن رسول الرسول أيضا رسول مجازا

ص:66

كما في قوله تعالى (إذ أرسلنا إليهم اثنين) مع أن الاثنين لم يكونا رسولين لله تعالى بل لعيسى (عليه السلام).

قوله (كان أخا علي لأمه) قيل: كان أخا علي بن الحسين لأمه رضاعا، وقيل: كانت أمه جارية الحسين (عليه السلام)، وكانت مربية لعلي بن الحسين (عليهما السلام) وهو زوجها بعد مراجعته من كربلاء فولدت ابنا فكان بمنزلة أخيه من أمه مجازا.

قوله (إن ابن أمك) أراد به أباه (عليه السلام).

قوله (فقال هي التي هلك فيها أبو الخطاب) أي هذه القضية أو هذه الحكاية أو هذه المعرفة وفاعل قال أبو جعفر أو علي بن الحسين (عليهما السلام) وأبو الخطاب محمد بن مقلاص (1) لعنه الله.

قوله (فلم يدر ما تأويل المحدث والنبي) فزعم أن المحدث نبي وقد مر تأويلهما مرارا.

3 - أحمد بن محمد، ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن إسماعيل قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: الأئمة علماء صادقون مفهمون محدثون.

4 - علي إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن محمد بن مسلم قال: ذكر المحدث عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: إنه يسمع الصوت ولا يرى الشخص، فقلت له: جعلت فداك كيف يعلم أنه كلام الملك؟ قال: إنه يعطى السكينة والوقار حتى يعلم أنه كلام ملك.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة، عن حمران بن أعين قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) إن عليا (عليه السلام) كان محدثا، فخرجت إلى أصحابي فقلت: جئتكم بعجيبة فقالوا: وما هي؟ فقلت:

سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان علي (عليه السلام) محدثا، فقالوا: ما صنعت شيئا; ألا سألته من كان يحدثه، فرجعت إليه فقلت: إني حدثت أصحابي بما حدثتني فقالوا: ما صنعت شيئا ألا سألته من كان يحدثه؟ فقال لي: يحدثه ملك، قلت: تقول: إنه نبي؟ قال: فحرك يده - هكذا -: أو كصاحب سليمان، أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أوما بلغكم أنه قال: وفيكم مثله.

* الشرح:

قوله (عن الحارث بن المغيرة عن حمران بن أعين) نقل الحارث في الرابع من الباب السابق

ص:67


1- قوله «وأبو الخطاب محمد بن مقلاص» أبو الخطاب قتل في عصر الصادق (عليه السلام) في صدر دولة بني العباس سنة مائة وثمانية وثلاثين أو قبله بقليل وكان غاليا والحكم بن عتيبة مات سنة مائة وخمس عشرة ولم يدرك أبا الخطاب ولا قتله والحديث مع سلامة إسناده إلى الحكم مضطرب المتن جدا. وقال المجلسي (رحمه الله): اشتبه الأمر فيه على نساخ الحديث أو المصنف والله العالم. (ش)

مضمون هذا الحديث عن أبي جعفر (عليه السلام) بلا واسطة ولعله سمعه تارة بواسطة وتارة بلا واسطة.

قوله (بعجيبة) أي بقصة عجيبة.

قوله (فرجعت إليه) في بعض النسخ فرحت إليه بالحاء المهملة وفي بعضها فخرجت إليه بالخاء المعجمة والجيم.

قوله (فقالوا ما صنعت شيئا) «ما» للنفي أو الاستفهام والتوبيخ.

ص:68

باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة (عليهم السلام)

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن جابر الجعفي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا جابر إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة أصناف وهو قول الله عزوجل: (وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون أولئك المقربون)(1) فالسابقون هم رسل الله (عليهم السلام) وخاصة الله من خلقه، جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الأشياء، وأيدهم بروح الإيمان فبه خافوا الله عزوجل، وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على طاعة الله، وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عزوجل وكرهوا معصيته. وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون. وجعل في المؤمنين أصحاب الميمنة روح الإيمان، فبه خافوا الله، وجعل فيهم روح القوة فبه قدروا على طاعة الله، وجعل فيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون.

* الشرح:

قوله (وكنتم) أي وكنتم عند الحشر أصنافا ثلاثة لا أكثر ولا أقل كل صنف في مرتبة وإن كانت تحته مراتب متفاوتة.

قوله (فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة) الاستفهام للتعجب من علو حالهم والتفخيم لرفعة شأنهم وهم الذين كانوا عند أخذ الميثاق من أصحاب اليمين أو الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم أو الذين يكونون على يمين العرش لأن الجنة على يمينه أو الذين يكونون من أهل اليمن والبركة وأصحاب المشئمة على خلاف ذلك كله.

قوله (والسابقون السابقون) إلى المقامات العلية والمراتب السنية بالحكمة النظرية والعملية، وإلى الأصناف الثلاثة أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «ساع سريع نجا وطالب بطيء رجا ومقصر في النار هوى» ووجه الحصر أن الناس إما طالبون له أو تاركون، والطالبون بالسرعة في غاية جدهم

ص:69


1- -سورة الواقعة :7 .

ونهاية سعيهم في العلم والعمل واصلون إليه أو بالبطء والثاني سالكون لطريقه. فالقسم الأول هم الفائزون بقصب السبق، والقسم الثاني ذو جهتين تجذبه يد الرحمن إلى العلو ويد الشيطان إلى السفل والقوة للأولى إن شاء الله، والقسم الثالث معرض عن الرحمن تابع للشيطان يجذبه إلى حيث أراد من موارد الهلاك ومنازل الشقاء.

قوله (وخاصة الله من خلقه) هم الذين سبقوا في حيازة الفضل والكمالات وبلغوا أقصى المراتب في العمل والخيرات وأفضلهم علما وأكملهم عملا وأشرفهم أخلاقا علي بن أبي طالب (عليه السلام) باتفاق الأمة.

قوله (جعل فيهم) أي جعل الله تعالى بالحكمة البالغة والمصلحة الكاملة في الرسل والخاصة خمسة أرواح لحفظهم من الخطأ والخلل وتكميلهم بالعلم والعمل ليكون قولهم صدقا وبرهانا والاقتداء بهم رشدا وإيقانا كيلا يكون لمن سواهم على الله حجة يوم القيامة، ولعل المراد بالأرواح هنا النفوس، قال الصدوق في كتاب الاعتقاد: «النفوس: الأرواح التي بها الحياة وهي الخلق الأول لقوله (صلى الله عليه وآله) «أول ما أبدع الله سبحانه النفوس المقدسة المطهرة فأنطقها بتوحيده ثم خلق سائر الخلق» وهي خلقت للبقاء لا للفناء لقوله: «ما خلقتم للفناء، بل خلقتم للبقاء وإنما تنقلون من دار إلى دار وأنها في الأرض غريبة وفي الأبدان مسجونة» وروى في كتاب العلل بإسناده عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

لأي علة جعل الله عزوجل الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوتها الأعلى في أرفع محل؟ فقال (عليه السلام): «إن الله تبارك وتعالى علم أن الأرواح في شرفها وعلوها متى تركت على حالها نزع أكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عزوجل - الحديث».

وقال الشيخ بهاء الملة والدين في الأربعين: المراد بالروح ما يشير إليه الإنسان بقوله: أنا، أعنى النفس الناطقة وهو المعني بالروح في القرآن والحديث، وقد تحير العقلاء في حقيقتها واعترف كثير منهم بالعجز عن معرفتها حتى قال بعض الأعلام: إن قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «من عرف نفسه فقد عرف ربه» معناه أنه كما لا يمكن التوصل إلى معرفة النفس لا يمكن التوصل إلى معرفة الرب وقوله عز وعلا: (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)(1) مما يعضد ذلك والذي عليه المحققون أنها غير داخلة في البدن بالجزئية والحلول بل هي بريئة عن صفات الجسمية منزهة عن العوارض المادية متعلقة به تعلق التدبير والتصرف فقط، وهو مختار

ص:70


1- -سورة الإسراء : 85 .

أعاظم الحكماء الإلهيين وأكابر الصوفية والإشراقيين وعليه استقر رأي أكثر متكلمي الإمامية كالشيخ المفيد وبني نوبخت والمحقق نصير الملة والدين والعلامة الحلي ومن الأشاعرة الراغب الأصفهاني وأبي حامد الغزالي والفخر الرازي وهو المذهب المنصور (1) الذي أشارت إليه الكتب السماوية وانطوت عليه الأنباء النبوية وعضدته الدلائل العقلية وأيدته الأمارات الحسية والمكاشفات الذوقية. انتهى وقال عياض: روي عن علي (عليه السلام) أن الروح في الآية ملك من الملائكة، وقيل: هو القرآن وقيل هو جبرئيل، وقيل: خلق كخلق بني آدم إذا عرفت هذا فنرجع إلى المقصود فنقول والله أعلم: كما أن الروح يعني أن النفس الناطقة تسمى مطمئنة ولوامة وأمارة بالسوء باعتبارات مختلفة كذلك تسمى روح المدرج (2) باعتبار أنها

ص:71


1- قوله «وهو المذهب المنصور» بل غير هذا المذهب إما يرجع إلى الإلحاد والزندقة أو إلى الحشو والخرافة ومنكر التجرد إن قال بكون الروح جسما داخلا في البدن لزم منه أن لا يموت أحد أبدا بعدما مات بدنه بحيث لا يمكن أن يخرج منه شيء، وإن قال بكونه عرضا كسائر القوى الجسمانية الحالة في الأعضاء والجوارح كالبصر في الباصرة والسمع في الأذن والجاذبة في المعدة، فإذا مات الحيوان وتلاشى جوارحه وأعضاؤه فني ولم يبق منه شيء وهو مذهب الملاحدة والماديين وأصحاب الطبائع وليس المتدين الذي يفهم ما يقول ويتقيد بالاحتراز عن الجزاف إلا من يقول بتجرد الروح وإن لم يصرح به لعدم أنسه باصطلاح، ونعم ما قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات الآية) في سورة البقرة قال: وفيها دلالة على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن، تبقى بعد الموت دراكة وعليه جمهور الصحابة والتابعين وبه نطقت الآيات والسنن انتهى. وقد سبق مفصلا، ومنكر التجرد في التوحيد أيضا إما ملحد أو مجسم. (ش)
2- (1) قوله «كذلك تسمى روح المدرج» المذهب الصحيح أن النفس في وحدته كل القوى كما أشار إليه الشارح فالبصير هو الروح والسميع هو هو إلى غير ذلك ويسمى بكل اعتبار قوة ولا مشاحة في الاصطلاح فما سمي في هذا الحديث روحا سمي في اصطلاح المتأخرين قوة والحاكم المطلق في الكمل من المؤمنين ليس روح الشهوة أي القوة الشهوية ولا روح المدرج أي القوة المحركة، وغير ذلك بل جميع أرواحهم أي قواهم مسخرة لروح الإيمان والقوة والعاقلة ولذلك قال الإمام علي (عليه السلام) في روح القوة: «به قدروا على طاعة الله» وفي روح الشهوة: «فبه اشتهوا طاعة الله» وأما روح القدس التي اختص بها الأولياء والأنبياء فيسمى في اصطلاح المتأخرين القوة القدسية وبينها الشيخ في الإشارات بأبين وجه، وليس مراد الإمام ههنا جبرئيل ولا العقل الفعال إذ قال في الحديث الثالث: إذا قبض النبي (صلى الله عليه وآله) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام وليس هذا صفة جبرئيل بل صفة قوة كانت خاصة بالنبي ثم بعده (صلى الله عليه وآله) اتصف بها الإمام بعده وأما روح الإيمان فهو القوة العاقلة باعتبار توجهه إلى عالم الغيب والإلهيات وعالم الآخرة لا باعتبار تصرفه في العلوم الكونية، ثم اعلم أن درجات أفراد الإنسان في الفضائل غير متناهية جدا وبحسبها يختلف درجاتهم في الآخرة إلا أنهم جميعا لا يخرجون عن ثلاثة أقسام: الأول السابقون الذين يليق بهم أعلى العوالم وأكمل درجات الآخرة، والثاني أصحاب الميمنة وهم السعداء غير البالغين إلى رتبة الأولين، والثالث أصحاب المشئمة فإن العوالم الكلية ثلاثة: المادي محضا، والمجرد محضا، والعالم المتوسط بينهما يناسب كل منها طائفة. (ش)

مصدر للذهاب والمجيء وسبب للحركة في الحوائج، وروح الشهوة باعتبار أنها مع القوة الشهوية تشتهي طاعة الله تعالى والإتيان بالحلال من النساء وغير ذلك، وروح القدرة باعتبار أنها تقدر بسبب القدرة المعدة لها على الإتيان بما تشتهيه وروح الايمان باعتبار أن الايمان والعدل والخوف من الله تعالى يتحقق بها، وروح القدس باعتبار اتصافها بالقوة القدسية التي تتجلى فيها لوايح الغيب وأسرار الملكوت المختصة بالأنبياء والأوصياء وهم بسببها عرفوا الأشياء كلها كما هي وصاروا من أهل التعليم والإرشاد، ويؤيده ما ذكره بعض المحققين من أن الروح جود الله تعالى وفيضه الصادر منه، وإنما كان روحا لأنه مبدء كل فيض وراحة وحياة حقيقة فهو الروح التي بها قوام حقيقة النبوة وكل واحدة من هذه الأرواح فيهم على غاية الكمال والسداد، وأما الموجودة في أصحاب الميمنة وهي ما سوى الأخيرة فالغالب فيها السداد والاستقامة، والموجودة في أصحاب المشئمة وهي ما سوى الأخيرتين ولم يذكرها لكونها معلومة بقرينة المقام بالعكس ولكن لا ينفعهم الاستقامة اتفاقا في الآخرة.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن عمر، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخل، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن علم العالم، فقال لي: يا جابر إن في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح: روح القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة، فبروح القدس. يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى، ثم قال: يا جابر! إن هذه الأربعة أرواح يصبيها الحدثان إلا روح القدس فإنها لا تلهو ولا تلعب.

* الشرح:

قوله (وروح الحياة) وهي ما سماه أولا بروح المدرج، وحملها على الروح الحيوانية بعيد.

قوله (عرفوا ما تحت العرش إلى ما تحت الثرى) أريد بالعرش هنا العرش الجسماني وهو الفلك الأعظم، والمراد أنهم عرفوا بروح القدس جميع الموجودات من المجردات والماديات، وكون تلك المعرفة بسببها لا ينافي أن يكون ذلك بتسديد الروح الذي معهم وهو الملك كما سيجيء لأن قبول التسديد حصل لهم بذلك.

ص:72

* الأصل:

3 - الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن عبد الله بن إدريس، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره، فقال: يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي (صلى الله عليه وآله) خمسة أرواح: روح الحياة فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فبه آمن وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة، فإذا قبض النبي (صلى الله عليه وآله) انتقل روح القدس فصار إلى الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو، والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو، وروح القدس كان يرى به.

* الشرح:

قوله (وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال) هذا لا ينافي ما مر من أنهم بروح الشهوة اشتهوا طاعة الله تعالى لأن هذا من أفراده، وقوله: من الحلال متعلق بالأفعال الثلاثة على التنازع أو على الأخير على الاحتمال.

قوله (وروح الإيمان فبه آمن وعدل) هذا لا ينافي ما سبق من أنهم بروح الإيمان خافوا الله تعالى لأن الخوف من لوازم الإيمان والعدل إذ بهما يتقرب العبد إلى الله تعالى والتقرب سبب للخوف وإنما يخافه المتقربون أو بالعكس لأن الإيمان والعدل من لوازم الخوف وبالجملة بينهما تلازم وتعاكس في السببية إلى أن يبلغا ما شاء الله.

قوله (وروح القدس فبه حمل النبوة) وأثقالها ولوازمها من الوحي والتعليم والحكمة النظرية والعملية على وجه الكمال.

قوله (انتقل روح القدس فصار إلى الإمام) فبه حمل الإمام الإمامة والخلافة المطلقة والعلم والتعليم دون النبوة، والمراد بانتقالها انتقال مثلها لا نفسها إلا أن تحمل على الملك وهو بعيد هنا.

قوله (لا ينام ولا يغفل) أما من غفلت عن الشيء تغفل غفولا إذا لم يكن متذكرا له أو من أغفلته إذا تركته على ذكر منك وتغافلت عنه، والأول ينفي النوم والغفلة الناشئة منه كما قال (صلى الله عليه وآله) «تنام عيني ولا ينام قلبي» والثاني ينفي الغفلة مطلقا.

قوله (ولا يلهو ولا يزهو) اللهو واللعب والغفلة بالشيء عن غيره والزهو جاء بمعنى الاستخفاف والتهاون والحرز والتخمين والكبر والفخر والكذب والباطل والكل هنا مناسب.

قوله (وروح القدس كان يرى به) رؤية قلبية شبيهة برؤية عينية في الوضوح بل أكمل منها ولذلك لا تحجب منها الحجب والأستار.

ص:73

باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة (عليهم السلام)

* الأصل:

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) (1)قال: خلق من خلق الله عزوجل أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخبره ويسدده، وهو مع الأئمة من بعده.

* الشرح:

قوله (وكذلك أوحينا إليك) أي أرسلنا وألقينا إليك روحا. قال بعض المفسرين: المراد بالروح هنا القرآن لأن به حياة القلوب الميتة بالجهل وحياة الدين كما أن بالروح حياة الأبدان، وقال بعضهم: المراد به جبرئيل (عليه السلام) وهذا الحديث دل على أن المراد به غيرهما.

قوله (من أمرنا) أي بأمرنا ومن أجله، ويحتمل أن يكون صفة ل «روحا» أو حالا عنه. يعني أنه من عظم الأمر وهو عالم المجردات (2) لا من عالم الخلق وهو عالم الجسمانيات، وقيل: يرشد إليهما قوله تعالى: (ألا له الخلق والأمر).

ص:74


1- -سورة الشوری : 52 .
2- قوله «من عالم الأمر وهو عالم المجردات» وإنما يسمى عالم المجردات عالم الأمر مع أن الجسمانيات أيضا بأمر الله تعالى لأن حدوث الجسمانيات إنما هو بعد استعداد المواد بأسباب معدة يظن أنها علل وجودها كالحرارة لذوبان الجسم وتبخير الماء ونزول المطر لبرودة تعرض في البخار ونور الشمس لنمو النبات فينسب في الظاهر إلى تلك الأسباب المعدة وأما عالم المجردات فليس ما فيه لسبب ظاهر يعدله فينسب إلى أمر الله محضا والروح من أمر الرب إذ ليس له سبب جسماني ظاهر، وإلا فالحقيقة أن كل شيء بأمر الله تعالى وكذلك وحي ا لأنبياء ليس له سبب ظاهر كتعلم وقراءة وإسناد وكتابة من الأسباب الظاهرة فهو من أمر الله تعالى. وقد يستشكل في نسبة الوحي إلى الروح لأن الوحي ينسب إلى المعاني والعلوم لا إلى الجواهر والموجودات المستقلة والمناسب فيها الإرسال ولا يقال: أوحى جبرئيل أو الملائكة إلى الأنبياء بل أرسلهم والجواب ان الروح بناء على كونه خلقا من خلق الله وإن كان جوهرا مستقلا تناسبه كلمة الإرسال لكن باعتبار كونه مع النبي (صلى الله عليه وآله) ومبدء علمه وسبب عصمته عن الخطأ فيما يرد في قلبه صح اطلاق الوحي عليه. (ش)

قوله (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) أي ما كنت تعلم قبل إنزال الروح (1) ما الكتاب وأي شيء هو ولا التصديق بالشرائع وأحكامها ودعوة الخلق إليها وإن كنت تعلم أصول الإيمان بطريق عقلي، والمقصود أن علمك بذلك من فيض الله وجوده بإنزال الروح إليك.

قوله (خلق من خلق الله) هذا الخلق ليس من الملائكة لما سيصرح به ولأنه أعظم من جبرئيل (عليه السلام) وميكائيل بحسب الرتبة والعلم، ولم يثبت أن أحدا من الملائكة أعظم منهما ولأن الملائكة لم يعلموا جميع الأشياء كما اعترفوا به حيث قالوا: لا علم لنا إلا ما علمتنا، وهذا الخلق عالم بجميعها فيحتمل أن يكون نورا إلهيا صرفا مجردا عن العلائق، عارفا بالله وصفاته ومعلولاته إلى آخرها، متعلقا بالنفوس البشرية إذا صفت وتخلصت عن الكدورات كلها واتصفت بالقوة القدسية المذكورة تعلقا تاما يوجب إشراقها وانطباع ما فيه من العلوم الكلية والجزئية فيها، والمراد بإنزاله إليه وهو هذا التعلق وبتسديده هو هذا الإشراق والله أعلم بحقيقة الحال وأنا أستغفر الله مما أقول.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن أسباط بن سالم قال:

سأله رجل من أهل هيت - وأنا حاضر - عن قول الله عزوجل (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا)(2) فقال: منذ أنزل الله عزوجل ذلك الروح على محمد (صلى الله عليه وآله) ما صعد إلى السماء وإنه لفينا.

* الشرح:

قوله (وإنه لفينا) إلى قيام القائم (عليه السلام) ثم إذا ارتحل القائم من الدنيا صعد إلى السماء.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال:

ص:75


1- قوله «قبل إنزال الروح» لا قبلية زمانية بل ذاتية إذ لم يكن زمان كان فيه نبينا جاهلا بالكتاب وغير عارف بالله وكان نبيا وآدم بين الماء والطين كما ورد في الحديث، ولكن لما كان علمه وإيمانه مأخوذا من الباري تعالى عز اسمه ولم يكن هو بنفسه واجب الوجود بالذات حتى يكون عالما عارفا بذاته كان عدمه الذاتي قبل وجوده الغيري وكان علمه وإيمانه وكماله أيضا حادثا معلولا مأخوذا من الله تعالى بحيث لو لم يكن وحي وتعليم من الله تعالى لم يكن يعرف ما الكتاب ولا الإيمان. وقال بعض الشعراء «يا رب لولا أنت ما اهتدينا» وليس معناه ان الله تعالى لم يكن في زمان بل غرضه توقف الاهتداء على وجوده تعالى وفي قصة يوسف (وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) وليس معناه أنه لم يكن برهان من ربه في زمان فهم بالزنا، ثم حصل البرهان فكف بل كان البرهان معه دائما فلم يهم بالمعصية، ومثله: لو لم يكن شمس لم يكن نهار، وهكذا هنا لو لم يوح إلى النبي (صلى الله عليه وآله) روح من أمر ربه لم يكن له إيمان وعلم، ومثله كثير في اللغة والعرف. (ش)
2- -سورة الشوری : 52 .

سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) (1)قال:

خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مع الأئمة وهو من الملكوت.

* الشرح:

قوله (وهو من الملكوت) أي الملكوت الأعلى وهو عالم المجردات الصرفة.

* الأصل:

4 - علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد (صلى الله عليه وآله) وهو مع الأئمة يسددهم وليس كل ما طلب وجد.

* الشرح:

قوله (لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد (صلى الله عليه وآله)) لأن كل من كان معه هذا الخلق كان عالما بجميع الأشياء ولم يكن غير محمد (صلى الله عليه وآله) من الأنبياء السابقين عالما بجميعها.

قوله (وليس كل ما طلب وجد) كأنه قيل: كون هذا الخلق مع أحد أمر عظيم يوجب رفعة محله ونظر جميع الأنبياء في عروجه إلى المقامات العالية فلم لم يكن معهم؟ فأجاب بأنه ليس كل ما طلب وجد، لأن وجوده مشروط بشروط وهو بلوغ الطالب غاية الكمالات البشرية التي لا غاية فوقها والبالغ إليها هو محمد (صلى الله عليه وآله) وأوصياؤه الطاهرون (عليهم السلام) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، عن علي بن أسباط، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العلم أهو علم يتعلمه العالم من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه؟ قال: الأمر أعظم من ذلك وأوجب، أما سمعت قول الله عزوجل: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) ثم قال: أي شيء يقول أصحابكم في هذه الآية أيقرون أنه كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان؟ فقلت: لا أدري - جعلت فداك - ما يقولون، فقال [لي]: بلى قد كان في حال لا يدري ما الكتاب

ص:76


1- -سورة الإسراء:85 .

ولا الإيمان حتى بعث الله تعالى الروح التي ذكر في الكتاب، فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم وهي الروح التي يعطيها الله تعالى من شاء، فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم.

* الشرح:

قوله (عن أبي حمزة) اسمه ثابت بن دينار روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهم السلام) ومات في عصره سنة خمسين ومائة وكان من أخيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه» وعن الرضا (عليه السلام) أنه يقول: «أبو حمزة الثمالي في زمانه كلقمان في زمانه» وفي بعض النسخ سلمان بدل لقمان.

قوله (عن العلم) أي عن علم العالم فاللام عوض عن المضاف إليه.

قوله (أهو علم يتعلمه العالم من أفواه الرجال) في بعض النسخ: هو شيء يتعلمه الرجل من أفواه العالم والمراد بالعالم الجنس الشامل الكثير بقرينة الأفواه.

قوله (تقرؤونه فتعلمونه) في بعض النسخ: فتتعلمونه بالتائين والواحدة أولى وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب للتعيين والتصريح بالمطلوب.

قوله (قال الأمر أعظم من ذلك وأوجب) أي أمر علمنا أعظم وأوجب يعني ألزم وأتم وأحق من أن يكون مأخوذا من أفواه الرجال أو مستخرجا من الكتاب بل هو من الروح الذي معنا، ولعل المراد بالعلم الذي وقع السؤال عنه جميعه على الإيجاب الكلي أو العلم بما يصير محتوما وإلا فكون بعض علومهم مأخوذا على الوجه المذكور مثل العلم بالأحكام الشرعية والمحتومات ظاهر لحصوله باخبار النبي (صلى الله عليه وآله) وبكتاب علي (عليه السلام) كما دلت عليه الروايات منها ما مر من «أن علومهم على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث. فأما الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع» وقد مر شرحه.

قوله (أي شيء يقول أصحابكم) (1) خطاب الجمع لأبي حمزة من باب التعظيم أوله ولسائر

ص:77


1- «أي شيء يقول أصحابكم» ما ورد في أحاديث هذا الباب بحث فلسفي صرف زائد عن فكر المتكلمين والظاهريين ولم يعهد من علماء سائر فرق المسلمين في عصر الأئمة (عليهم السلام) البحث عن القوى النفسانية التي يتفاضل الناس فيها فضلا عن القوة القدسية وروح الولاية المختصة بأولياء الله تعالى وكان علماء العامة يظنون افراد الإنسان سواء النبي (صلى الله عليه وآله) والأوصياء وسائر الناس في طبقة واحدة لا يعلمون شيئا إلا بالسماع والنقل والحفظ والقراءة في الكتب ولم يكونوا يتعقلون إفاضة روح ومبدء قوة من الله تعالى على أوليائه بها يعرفون ما يجب من غير سماع تفاصيل الأمور واحدا بعد واحد كما تعقله الحكماء وبينوه في كتبهم في علم النفس، فمراد الإمام (عليه السلام) من قوله: أصحابكم هو عامة الناس من مجالسيه ومخالطيه سواء كانوا من المخالفين أو من عوام الشيعة غير العارفين بأحاديث الأئمة (عليهم السلام) وللعاقل المنصف أن يجعل نفس هذه الأحاديث دليلا على إمامة الأئمة (عليهم السلام) وكونهم مؤيدين بروح القدس الذي ذكره في هذه الأحاديث ولولا ذلك كانوا يعتقدون اعتقاد سائر علماء العامة ولم يعرفوا أسرار النفوس ودرجاتها في الفضائل ومراتب ارتقائها إلى قرب رب العالمين كما لم يكن يعرف ذلك سائر منتحلي العلم. (ش)

مشاركيه في التشيع على سبيل التغليب.

قوله (بلى قد كان) بلى من حروف التصديق وهو إيجاب لما بعد النفي كما إذا قيل: لم يقم زيد؟ فقلت: بلى; كان المعنى قد قام.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن الحسين بن أبي العلاء، عن سعد الإسكاف قال: أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن الروح، أليس هو جبرئيل؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): جبرئيل (عليه السلام) من الملائكة والروح غير جبرئيل، فكرر ذلك على الرجل.

فقال له: لقد قلت عظيما من القول، ما أحد يزعم أن الروح غير جبرئيل، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): إنك ضال تروي عن أهل الضلال، يقول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) (أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون ينزل الملائكة بالروح) والروح غير الملائكة صلوات الله عليهم.

* الشرح:

قوله (يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل) لعل السؤال عن الروح في قوله تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحا - الآية) والاستفهام للتقرير لاعتقاد السائل أن الروح ليس إلا جبرئيل (عليه السلام) وقد بلغه تفسير هذا الروح بغيره فجاء سائلا مستنكرا فأجاب (عليه السلام) بأن هذا الروح غير ملك وجبرئيل ملك فهذا الروح غير جبرئيل فعلى هذا لا يرد أن إطلاق الروح على جبرئيل (عليه السلام) صحيح شائع فكيف ينفيه (عليه السلام) وأن المستفهم عن الشيء غير عالم به فكيف يتصور منه الرد والمخالفة بعد البيان.

قوله (ما أحد يزعم أن الروح غير جبرئيل) (1) يعني اتفقوا على أن الروح ليس إلا جبرئيل،

ص:78


1- قوله «إن الروح غير جبرئيل» زعمهم مبني على ما ذكرنا من أن سائر علماء العامة لم يكن لهم معرفة بمراتب النفوس الإنسانية وقواها وتفاضلها في الدرجة بما يمنحها الله تعالى من الأرواح والقوى والروح هنا خلق آخر معه قوة قدسية أفاضها الله تعالى على أوليائه وجعلها معهم وهي مبدء استكشاف العلوم حتى لا يحتاجوا إلى السماع من الشيوخ والقراءة من الكتب وأما جبرئيل فملك يطلق عليه الروح أيضا ولكن ليس ا لمراد من الروح في كل موضع هو جبرئيل ولا ينافي نزول جبرئيل على الأنبياء كونهم مؤيدين بقوة قدسية تطلق عليها الروح أيضا كما يطلق على جبرئيل بل لو لم يكن الأنبياء مؤيدين بتلك القوة القدسية لم يكونوا يرون جبرئيل كما لم يكن يراه سائر الناس. (ش)

أقول: ما ادعاه هذا السائل دل على كمال جهله فإن أهل العلم اختلفوا في تفسيره قديما وقالوا أقوالا مختلفة متكثرة فقيل: إنه القرآن، وقيل: إنه الحياة الباقية، وقيل: إنه جبرئيل، وقيل: إنه ملك غيره، وقيل: إنه خلق كخلق بني آدم، وقيل غير ذلك.

قوله (تروي عن أهل الضلال) هم الذين يقولون أن الروح ليس إلا جبرئيل (عليه السلام) وإنه لا ينزل على أحد بعد محمد (صلى الله عليه وآله) ولا مستند لهذين القولين، والأول مخالف لروايات الخاصة والعامة وأقوال أكثر علمائهم، والثاني مخالف لما في طريق الخاصة أن جبرئيل (عليه السلام) كان يأتي فاطمة بعد أبيها (عليهما السلام) ويكلمها إلا أنها لا تراه، ومما يدل على فساد الثاني ما ذكره الآبي وهو من أعاظم علماء العامة في كتاب إكمال الإكمال أن رجلا عابدا كان في مسجد أندلس وكان يسمع صوت الملائكة ويعلم نزولهم فإذا جاز ذلك عندهم في واحد من الأمة فلم لم يجز نزول الملائكة وجبرئيل على أهل بيت نبينا صلوات الله عليهم.

قوله (أتى أمر الله) قال المفسرون: لما أوعدهم النبي (صلى الله عليه وآله) بإهلاكهم كما فعل يوم بدر أو بقيام الساعة استعملوا ذلك استهزاء وتكذيبا وقالوا: إن صح ذلك يخلصنا أصنامنا عنه، فرد عليهم جل شأنه بقوله (أتى أمر الله)، أي أمره بالهلاك أو قيام الساعة، وعبر عنه بالماضي للدلالة على تحقق وقوعه (فلا تستعجلوه) لأنه لاحق بكم ولا مرد له (سبحانه وتعالى عما يشركون) نزهه عن أن يكون له شريك يدفع عنهم ما أراد بهم بنزول الملائكة بالروح أي مصاحبين معه.

قوله (والروح غير الملائكة) وهو ظاهر فاندفع بذلك ما توهمه السائل من أن الروح ليس غير جبرئيل (عليه السلام) وفي بعض النسخ «فالروح غير الملائكة» بالفاء وهو الأظهر.

ص:79

باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي كان قبله عليهم جميعا السلام

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن أسباط عن الحكم بن مسكين، عن بعض أصحابنا قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): متى يعرف الأخير ما عند الأول؟ قال: في آخر دقيقة تبقى من روحه.

* الشرح:

قوله (في آخر دقيقة تبقى من روحه) (1) لما جرت حكمة الله تعالى أن لا يجتمع إمامان في عصر واحد، وأن لا يخلو العصر عن إمام كان لا محالة وقت انتقال الإمامة وما مع الإمام الأول من العلم الكامل الذي اختص به آخر دقيقة تبقى من روحه وإن كان أحدهما في شرق الأرض والآخر في غربها فإن الله تعالى يحضره في ذلك الوقت، يدل على ذلك ما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) بإسناده عن أبي الصلت الهروي قال: خرج يعني الرضا (عليه السلام) من عند المأمون بعدما سم بالعنب مغطى الرأس فلم أكلمه حتى دخل الدار فأمر أن يغلق الباب، فغلق ثم نام (عليه السلام) على فراشه ومكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا فبينا أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا (عليه السلام) فبادرت إليه فقلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق، فقلت له: ومن أنت؟ فقال لي: أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت، أنا محمد بن علي، ثم مضى نحو أبيه (عليهما السلام) فدخل

ص:80


1- قوله «آخر دقيقة تبقى من روحه» الإمامة ربط مع الله تعالى وارتباط مع الناس ولا يمتنع في زمان واحد أن يرتبط اثنان مع الله تعالى برابطة الولاية ويكون لأحدهما ما يكون للآخر كالحسن والحسين (عليهما السلام) وأما الربط مع الناس فأحدهما صامت لا يتصدى لمناصب الإمامة الظاهرية مع الآخر وإنما يحق له التصدي لها في آخر دقيقة من حياة الأول كما يستفاد من الحديث السادس في هذا الباب وقد ورد أيضا «أنه لا يكون في عصر واحد إمامان إلا وأحدهما صامت» وأما ما يستفاد من انتقال العلم إلى الثاني عند موت الإمام الأول فلعله وهم من الراوي أوله معنى لا نعلمه، وأما رواية أبي الصلت الهروي ففيه إعضال من جهة أخرى وهو أن الإمامة ليست جسما في صورة الزبد ولا طيرا شبيها بالعصفور حتى يخرج من بدن الرضا (عليه السلام) ويدخل في بطن أبي جعفر (عليه السلام) بل هي كمال روحاني كما سبق في الأحاديث المثبتة للأرواح التي مع الأئمة (عليهم السلام) فينبغي على فرض صحة رواية أبي الصلت تفويض علم ذلك إليهم والتوقف فيه أو حمله على تمثل المعاني وتجسمها المثالي. (ش)

وأمرني بالدخول معه فلما نظر إليه الرضا (عليه السلام) وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه.

ثم سحبه سحبا إلى فراشه وأكب عليه محمد بن علي عليهما السلام والصلاة يقبله ويساره بشيء لم أفهمه، ورأيت على شفتي الرضا (عليه السلام) زبدا أشد بياضا من الثلج ورأيت أبا جعفر (عليه السلام) يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر (عليه السلام) ومضى الرضا (عليه السلام) - الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

2 - محمد، عن محمد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن الحكم بن مسكين، عن عبيد ابن زرارة وجماعة معه قالوا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يعرف الذي بعد الإمام علم من كان قبله في آخر دقيقة تبقى من روحه.

3 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن يعقوب بن يزيد، عن علي بن أسباط عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له; الإمام متى يعرف إمامته وينتهي الأمر إليه؟ قال:

في آخر دقيقة من حياة الأول.

ص:81

باب في أن الأئمة صلوات الله عليهم في العلم والشجاعة والطاعة سواء

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر، عن الخشاب، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال [الله تعالى] (الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء)(1) قال: «الذين آمنوا» النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وذريته الأئمة والأوصياء صلوات الله عليهم، ألحقنا بهم ولم ننقص ذريتهم الحجة التي جاء بها محمد (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) وحجتهم واحدة، وطاعتهم واحدة.

* الشرح:

قوله (قال قال الذين آمنوا) فاعل الفعل الأول ضمير عبد الرحمن بن كثير وفاعل الفعل الثاني ضمير أبي عبد الله (عليه السلام) والفعل الثاني بمعنى قرأ.

قوله (واتبعتهم ذريتهم بإيمان) ذرية الرجل أولاده ويكون واحدا وجمعا ومنه (هب لي من لدنك ذرية طيبة) وقرئ أيضا «ذرياتهم» على صيغة الجمع و «اتبعناهم» على صيغة المتكلم مع الغير، أي جعلنا ذريتهم تابعين لهم في الإيمان، وقيل: بإيمان حال عن الضمير أو عن الذرية أو عنهما وتنكيره للتعظيم.

قوله (ألحقنا بهم ذرياتهم) أي في الرتبة والدرجة وهو خبر قوله (الذين آمنوا) وقرئ أيضا ذريتهم بدون الألف.

قوله (وما ألتناهم) أي ما نقصناهم، من ألته يلته إذا نقصه.

قوله (وذريته الأئمة) أي ذريته التابعون لهم في الإيمان الكامل الأوصياء والأئمة صلوات الله عليهم ألحقناهم بهم في وجوب الطاعة والانقياد والتسليم لهم أو في الحجة والطاعة.

قوله (ولم ننقص ذريتهم الحجة) تفسير لقوله تعالى: (وما ألتناهم من عملهم من شيء) وفيه إشارة إلى أن ضمير الجمع في علمهم راجع إلى «الذين آمنوا» وفي ألتناهم إلى الذرية وإلى أن العمل عبارة عن الحجة والطاعة يعني أن حجتهم وطاعتهم مثل حجة الذين آمنوا وطاعتهم من

ص:82


1- -سورة الطور :21 .

غير نقص كما أشار إليه (عليه السلام) بقوله وحجتهم واحدة وطاعتهم واحدة أي سواء.

* الأصل:

2 - علي بن محمد بن عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن عيسى، عن داود النهدي، عن علي ابن جعفر، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قال لي: نحن في العلم والشجاعة سواء وفي العطايا على قدر ما نؤمر.

* الشرح:

قوله (نحن في العلم والشجاعة سواء) ا لعلم كيفية نفسانية تابعة للاستقامة في القوة العاقلة والنفس الناطقة، والشجاعة كيفية نفسانية تابعة للاستقامة في القوة الغضبية وإذا تحققت هاتان الكيفيتان تحققت العفة التابعة للاستقامة في القوة الشهوية أيضا، وكمال هذه الكيفيات لا يكون إلا في إنسان كامل بالفعل من جميع الوجوه وهو النبي والوصي، فالمراد بالعلم والشجاعة هنا ما بلغ حد الكمال.

قوله (وفي العطايا على قدر ما نؤمر) الظاهر من العطاء صرف المال في وجوه الخير فرضا كان أو نفلا، ويحتمل أن يراد به صرف النعم الظاهرة والباطنة فيشتمل عطاء العلم وتعليمه أيضا لحصول التفاوت فيه بحسب الأزمنة والأمكنة واختلاف أحوال الناس في الرد والقبول وغير ذلك.

* الأصل:

3 - أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

نحن في الأمر والفهم والحلال والحرام نجري مجرى واحدا، فأما رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) فلهما فضلهما.

* الشرح:

قوله (نحن في الأمر والفهم) لعل المراد نحن الأئمة (عليهم السلام) ويحتمل شموله لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضا وبالأمر أمر الخلافة والإمامة والطاعة، وبالفهم جودة الذهن المعدة للنفوس المقدسة وهي القوة القدسية، وبالحلال والحرام العلم بجميع الشرائع والأحكام.

قوله (فأما رسول الله) الظاهر أنه من كلام أبي عبد الله (عليه السلام) ويحتمل أن يكون من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) احتمالا بعيدا.

قوله (فلهما فضلهما) بالأبوة فإن الأب والابن وإن تساويا في جميع الكمالات كان الفضل للأب أو بالتعليم فإن المعلم والمتعلم مع تساويهما في العلم والعمل كان الفضل للمعلم.

ص:83

باب أن الإمام (عليه السلام) يعرف الإمام الذي يكون من بعده وأن قول الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات) إلى أهلها، فيهم (عليهم السلام) نزلت

* الأصل:

1 - الحسن بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ عن ابن اذينة، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)(1) قال: إيانا عنى، أن يؤدي الأول إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الذي في أيديكم، ثم قال للناس: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(2) إيانا عنى خاصة، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا، فإن خفتم تنازعا في أمر فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم كذا نزلت، وكيف يأمرهم الله عزوجل بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم؟! إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

* الشرح:

قوله (الكتب والعلم والسلاح) أريد بالكتب الكتاب الذي جمعه علي بن أبي طالب (عليه السلام) والجفر الأبيض الذي فيه زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم ومصحف فاطمة (عليها السلام) الذي كتبه علي (عليه السلام) عند نزول جبرئيل إليها وإخباره بما يكون إلى يوم القيامة، وفيه جميع ما يحتاج إليه الناس، والجامعة وهي صحيفة كتبها علي (عليه السلام) بخطه من إملاء الرسول (صلى الله عليه وآله).

والجفر وهو مشتمل على علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا. والصحيفة التي جاء بها جبرئيل الأمين في الوصية من عند رب العالمين، وبالعلم العلم الذي اختص به الإمام وهو العلم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، وبالسلاح سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل المغفر والدرع والراية والقميص والسيف والخاتم وغيرها.

قوله (أن تحكموا بالعدل الذي في أيديكم) الحكم بالعدل هو الإنصاف والتسوية بين الغني

ص:84


1- -سورة النساء: 56.
2- -سورة النساء: 59.

والفقير والكبير والصغير والقريب والبعيد والشريف والوضيع وهو يتوقف على الكمال في القوة العقلية. واتصافها بغاية العلم ونهاية المعرفة وتميزها بين الحق والباطل، وعلى الاستقامة في القوة الغضبية، وعدم ميلها إلى جهة الإفراط والتفريط لأن جهة التفريط توجب العجز عن إقامة الحدود وإجراء الأحكام، وجهة الإفراط توجب ارتكاب الظلم والجور. وتلك الاستقامة هي الشجاعة المعدودة من الأخلاق الحسنة التي كانت لجميع الأنبياء والأوصياء وعلى اعتدال القوة الشهوية وتوسطها بين الإفراط والتفريط لأن طرف التفريط يوجب العجز عن جلب ما لا بد منه وطرف الإفراط يوجب جلب ما يضر ويجب تركه من المشتهيات النفسانية. فإذا حصلت هذه الأمور حصلت من مجموعها للنفس ملكة العدل التي بها يجوز الحكم بين الناس بل يجب، وإذا فقد كلها أو بعضها كان الحاكم من أهل الجور والطغيان وأهل الظلم والعدوان نعوذ بالله من ذلك. وفي قوله:

(الذي في أيديكم) إشارة إلى أنه مكتوب عندهم في كتاب علي (عليه السلام) أو إلى اتصافهم بهذه الصفة وعدم حصولها لهم بالتكلف.

قوله (إيانا عنى خاصة) أي أراد بأولي الأمر إيانا خاصة لا إيانا وغيرنا ولا غيرنا خاصة، وفيه رد على من قال: أراد بهم سلاطين الجور، وبطلان هذا القول أظهر من أن يحتاج إلى البيان، وأما من قال: أراد بهم أمراء المسلمين وخلفاءهم وقضاتهم وعلماء الشرع فإن أراد بهم الأئمة الطاهرين من آل الرسول فهو حق وإلا فهو في ظهور البطلان مثل ما مر.

قوله (أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا) يفهم عموم المؤمنين وشمول الأوقات من عدم التقييد ببعض ووقت ولصحة الاستثناء وهو معيار العموم ولأن طاعتهم كطاعة الله وطاعة الرسول فكما أن طاعتهما واجبة إلى يوم القيامة كذلك طاعتهم.

قوله (فإن خفتم تنازعا في أمر) في القرآن هكذا (فإن تنازعتم في شيء) فالمذكور إما تفسير له وبيان لحاصل معناه أو إشعار بوقوع التحريف فيه أيضا كما يشعر به ظاهر قوله «كذا نزلت» وإنما قلنا ظاهر قوله لاحتمال أن يكون كذا إشارة إلى قوله (وإلى أولي الأمر منكم خاصة).

قوله (وكيف يأمرهم الله عزوجل بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم) (1) أي منازعة ولاة

ص:85


1- قوله «ويرخص في منازعتهم» إن كان المراد بأولي الأمر في الآية الكريمة أمراء الجنود والولاة وأمثالهم ممن نصبه النبي (صلى الله عليه وآله) في عصره جاز أن يختلف نظر الأمراء والمأمورين في شيء كالحرب والصلح وتقسيم الغنائم فأمرهم الله تعالى بالرد إلى الله والرسول (صلى الله عليه وآله) بقوله (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول) وهذا ترخيص للتنازع إذ لو لم يكن مرخصا فيه لأمرهم بمتابعة أميرهم وإن خالف رأيهم رأيه فيرتفع التنازع قهرا، وعلى هذا فتقرير استدلال الإمام (عليه السلام) هكذا: أمير الجند مرخص في مخالفته وولي الأمر غير مرخص فيها لأنه تعالى أمر بإطاعة أولي الأمر فينتج من الشكل الثاني أن أمير الجند ليس من أولي الأمر. (ش)

الأمر بعضهم بعضا في أمر من أمور الدين وغيرها أو في منازعة الناس إياهم، وفيه رد على من قال:

الخطاب في تنازعتم لأولي الأمر على سبيل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب وعلى من قال:

الخطاب لهم وللمؤمنين على سبيل التغليب يعني إن تنازعتم يا ولاة الأمر في شيء أو إن تنازعتم أيها المؤمنون وولاة الأمر في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول أي فارجعوا فيه إلى كتاب الله وإلى الرسول بالسؤال عنه في حياته والأخذ من سنته بعد موته، ووجه الرد أمران: أحدهما أن قوله تعالى (وإلى أولي الأمر منكم) كما أشار إليه (عليه السلام) بقوله «كذا نزلت» يدل على فساد هذين القولين وهو ظاهر، وثانيهما أن العقل يحكم بالضرورة بأنه لا معنى لأن يأمر الله تعالى المؤمنين بطاعة ولاة الأمر ثم يرخص ولاة الأمر في منازعة بعضهم بعضا في أمور الدين، أو يرخص المؤمنين في منازعة ولاة الأمر فيها، وهذا من أجلى الضروريات لا ينكره إلا مكابر أو مباهت.

قوله (إنما قيل ذلك للمأمورين) أي للمأمورين بطاعة أولي الأمر وفيه إشارة إلى أن الخطاب في قوله «ان تنازعتم» للمؤمنين المأمورين بطاعتهم، وأمرهم بالرجوع إلى ولاة الأمر عند التنازع على تقدير وجود «وإلى أولي الأمر منكم» في القرآن (1) كما أشار إليه (عليه السلام) ظاهر، وإما على تقدير

ص:86


1- قوله «على تقدير وجود وإلى أولي الأمر منكم» قد ظهر مما قلنا في الحاشية السابقة إن استدلال الإمام (عليه السلام) لا يتوقف على وجود كلمة أولي الأمر بعد قوله (فردوه إلى الله وإلى الرسول) وإن كان الخطاب في تنازعتم متوجها إلى أمراء الجنود والمأمورين معا أي إن تنازعتم أيها الأمراء والمأمورون في شيء فردوه إلى الله وإلى رسوله أي في عصر الرسول وبعده (صلى الله عليه وآله) والدليل إنما هو في ترخيص التنازع لا في مرجع التنازع إذ لا يتصور التنازع مع وجوب إطاعة أمراء الجنود فيدل على أن إطاعة أمراء الجنود ليست واجبة مطلقا فليسوا أولي الأمر إذ يجب إطاعة أولي الأمر مطلقا، وأما بعد ترخيص التنازع وأنه هل يرد إلى الله والرسول أو إلى غيرهما أيضا فلا دخل له في استدلال الإمام (عليه السلام) وكأن زيادة كلمة أولي الأمر من سهو النساخ أو بعض الرواة، ويمكن أن يقال: اتفق المسلمون على عدم وجوب إطاعة أحد غير الله ورسوله ممن لم يثبت عصمته لأن المسلمين جميعا نقلوا عن أبي بكر وعمر فتاوى في مسائل وخالفوهما ولم يروا قولهما حجة بل قالوا إنهما كانا مجتهدين يجوز أن يخطآ، يعلم ذلك المتتبع في أقوال الفقهاء وحينئذ فليس أحد ممن يجب إطاعته إلا معصوما باتفاق الفريقين، وهذا الدليل مرجعه إلى قياس استثنائي من شرطية متصلة ينتج من رفع التالي رفع المقدم هكذا لو كان الخلفاء وأمراء الجنود وأمثالهم من أولي الأمر لوجب إطاعتهم وهذه شرطية متصلة والتالي هو قولنا: لوجب طاعتهم فيرفع ويقال: لكن ليس يجب إطاعتهم، فينتج ليسوا من أولي الأمر، ويمكن أن يختلج في ذهن الناشئ إشكالان: الأول انا نقيد وجوب إطاعة أولي الأمر بما إذا أمروا بموافق الشرع لا إذا خالفوا وأمروا بما لا يوافق الشرع، الثاني إنا نقيد وجوب إطاعتهم بما استلزم عصيانهم الفساد ووقوع الفتن والهرج، والجواب عن الأول ان كل أحد أمر بموافق الشرع وجب إطاعته ولا يختص بأولي الأمر والمقصود هنا إطاعة أولي الأمر زائدا على إطاعة آحاد الناس، وعن الثاني إنا لا ننكر السكوت والتقية ومراعاة مصلحة العامة إذا استلزم مخالفة الإمام غير المعصوم الهرج والفتن وقتل المسلمين كما سكت أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الخلفاء والحسن بن علي والحسين (عليهم السلام) مع معاوية وكذلك سائر أئمتنا مع خلفاء زمانهم وهذا لا يوجب كون إطاعتهم بعنوان أولي الأمر واجبا من عند الله تعالى، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس» وصالح الإمامان مع معاوية حقنا لدماء الشيعة، فتأمل في ذلك وفي وجه استدلال الإمام (عليه السلام) بآية أولي الأمر وهذا يكفيك في إثبات إمامتهم إن شاء الله تعالى ومنه التوفيق. (ش)

عدمه كما في هذا المصحف الذي جمعوه في عهد عثمان فيفهم بقرينة الأمر بطاعتهم أولا، وإنما لم يذكرهم هنا للتنبيه على أن الرجوع إليهم رجوع إلى الله وإلى الرسول، وفيه دلالة بمفهوم الشرط على أن الإجماع حجة.

* الأصل:

2 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عمر قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) قال: هم الأئمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله) أن يؤدي الإمام الأمانة إلى من بعده ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه.

* الشرح:

قوله (قال هم الأئمة) أي الخطاب في يأمركم للأئمة.

قوله (أن يؤدي الإمام) أي أمر أن يؤدي الإمام، فحذف الفعل بقرينة المقام.

قوله (ولا يزويها عنه) أي لا يخفيها عنه، يقال: زوى فلان المال عن وارثه أي أخفاه عنهم.

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن فضيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في قول الله عزوجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) قال: هم الأئمة يؤدي الإمام إلى الإمام من بعده ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه.

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن ابن أبي يعفور، عن المعلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) قال: أمر الله الإمام الأول أن يدفع إلى الإمام الذي بعده كل شيء عنده.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن العلاء بن زرين، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يموت الإمام حتى يعلم من يكون من بعده فيوصي

ص:87

[إليه].

* الشرح:

قوله (لا يموت الإمام حتى يعلم) على صيغة المجهول من الإعلام أو على صيغة المعلوم من العلم والمقصود أن العلم بذلك حاصل له قبل الموت لا أنه يحصل له عند الموت.

6 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن [ابن] أبي عثمان، عن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الإمام يعرف الإمام الذي من بعده فيوصي إليه.

7 - أحمد، عن محمد بن عبد الجبار، عن أبي عبد الله البرقي، عن فضالة بن أيوب عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما مات عالم حتى يعلمه الله عزوجل إلى من يوصي.

ص:88

باب أن الإمامة عهد من الله عزوجل معهود من واحد إلى واحد (عليهم السلام)

* الأصل:

1 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: حدثني عمر ابن أبان، عن أبي بصير قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فذكروا الأوصياء وذكرت إسماعيل، فقال لا والله يا أبا محمد ما ذاك إلينا وما هو إلا إلى الله عزوجل ينزل واحدا بعد واحد.

* الشرح:

قوله (وذكرت إسماعيل) هو إسماعيل بن جعفر بن محمد الباقر (عليهم السلام)، وكان رجلا صالحا فظن أبو بصير وغيره من الشيعة أنه وصي لأبيه بعده فلذلك قال الصادق (عليه السلام) بعد موته «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني» وليس معناه أن الله تعالى رجع عن الحكم بإمامته بعد أبيه وبدا له بداء ندامة، كيف وقد قال (عليه السلام): «من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم»! بل معناه ما أشار إليه الصدوق (رحمه الله) وحاصله: أن الله تعالى ما أظهر شيئا كان مخفيا للخلق مثل ما أظهره من عدم إمامة ابني إسماعيل إذ اخترمه وأماته قبلي ليعلم الناس أنه ليس بإمام بعدي.

قوله (ما ذاك إلينا) أي ليس تعيين الوصي موكولا إلينا حتى نختار من نشاء وما هو إلا إلى الله تعالى لأن للإمام صفات باطنة لا يعلمها إلا هو كما في «باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته، وفيه رد على العامة حيث ذهبوا إلى أن عقد الإمامة إما باستخلاف المتولي كما فعل أبو بكر لعمر أو بقول أهل الحل والعقد كما لأبي بكر ويلزم سائر الناس حتى قال بعضهم: لا يلزم مباشرة كل الناس بل لو استخلف واحد واستقر الأمر له وجب على جميع الناس متابعته.

قوله (ينزل واحدا بعد واحد) أي نازل في منزله ومحله يعني مرتبة من الإنزال والتنزيل وهو الترتيب وفيه دلالة على أنه لا يجتمع في عصر إمامان وهو متفق عليه بين الخاصة والعامة، أما عندنا فبالنص وهو هذا وأمثاله، وأما عندهم فإنهم لما لم يشترطوا العصمة في الإمام قالوا لم يجز تعدده وإلا لوقع التشاجر والتنازع بينهما ويوجب ذلك الهرج والمرج ويبطل ا لغرض من نصب الإمام وتعيينه وفي رواياتهم أيضا ما يدل على ذلك.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن

ص:89

حماد بن عثمان، عن عمرو بن الأشعث قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد؟! لا والله ولكن عهد من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه.

الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن حماد بن عيسى، عن منهال، عن عمرو بن الأشعث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله.

* الشرح:

قوله (ولكن عهد) العهد الميثاق والوصية وقد عهدت إليه أي أوصيته ومنه اشتق العهد الذي يكتب للولاة.

قوله (حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه) وهو مهدي هذه الأمة الذي وقع الاتفاق على ظهوره بين الخاصة والعامة، إلا أنهم يقولون سيوجد من نسل الحسين (عليه السلام).

* الأصل:

3 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن محمد، عن بكر بن صالح، عن محمد بن سليمان، عن عيثم بن أسلم، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الإمامة عهد من الله عزوجل معهود لرجال مسمين، ليس للإمام أن يزويها عن الذي يكون من بعده، إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود (عليه السلام) أن اتخذ وصيا من أهلك فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيا وله وصي من أهله وكان لداود (عليه السلام) أولاد عدة وفيهم غلام كانت أمه عند داود وكان لها محبا فدخل داود (عليه السلام) عليها حين أتاه الوحي فقال لها: إن الله عزوجل أوحى إلي يأمرني أن أتخذ وصيا من أهلي، فقالت له امرأته: فليكن ابني، قال; ذلك أريد، وكان السابق في علم الله المحتوم عنده أنه سليمان، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى داود: أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري، فلم يلبث داود أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم فأوحى الله عزوجل إلى داود أن اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك، فجمع داود (عليه السلام) ولده، فلما أن قص الخصمان قال سليمان (عليه السلام): يا صاحب الكرم! متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك؟ قال: دخلته ليلا، قال: قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا. ثم قال له داود: فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني إسرائيل وكان ثمن الكرم قيمة الغنم؟ فقال سليمان: إن الكرم لم يجتث من أصله، وإنما أكل حمله وهو عائد في قابل، فأوحى الله عزوجل إلى داود: أن القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به، يا داود! أردت أمرا وأردنا أمرا غيره، فدخل داود على امرأته فقال: أردنا أمرا وأراد الله عزوجل أمرا غيره ولم يكن إلا ما أراد الله عزوجل، فقد رضينا بأمر الله عزوجل وسلمنا.

ص:90

وكذلك الأوصياء (عليهم السلام)، ليس لهم أن يتعدوا بهذا الأمر فيجاوزون صاحبه إلى غيره.

قال الكليني: معنى الحديث الأول أن الغنم لو دخلت الكرم نهارا، لم يكن على صاحب الغنم شيء لأن لصاحب الغنم أن يسرح غنمه بالنهار ترعى، وعلى صاحب الكرم حفظه، وعلى صاحب الغنم أن يربط غنمه ليلا، ولصاحب الكرم أن ينام في بيته.

* الشرح:

قوله (عيثم بن أسلم) لم أره في كتب الرجال.

قوله (لا تعجل دون أن يأتيك أمري) إذ أوحى الله تعالى إلى نبيه الكريم بأن يتخذ وصيا ثم نهاه أن يعينه برأيه قبل أن يأتيه أمره بالتعيين، فكيف يجوز لجهلة من الناس أن يعينوا بآرائهم الفاسدة الكاسدة خليفة لرسول رب العالمين!.

قوله (لم يجتث) على صيغة المجهول من أجتثه أي اقتلعه.

قوله (وإنما أكل حمله) الحمل بالفتح والسكون مصدر حمل الشيء ويطلق أيضا على ما كان في بطن أو على رأس شجرة كذا في المغرب. وذكر ابن دريد: أن حمل الشجر فيه لغتان بالفتح والكسر.

قوله (يا داود أردت أمرا وأردنا أمرا غيره) إن قلت: كيف يريد داود نبي الله أمر الخلافة لأحد لا يكون أهلا لها، وما معنى هذه الإرادة؟ قلت: معناها ميل النفس إلى خلافته لوجدانه أهلا بحسب علمه. ولما كانت الخلافة مبنية على أمور جليلة وخفية يعلم بعضها أهل العلم وبعضها لا يعلمه إلا الله تعالى كارتباط خاص بالله تعالى وكمال علم ونهاية تقدس وهي من فيض الله تعالى أراد جل شأنه خلاف إرادته للتنبيه على أن العلم البشري لا يكون مستقلا في نصب الخليفة.

قوله (وسلمنا) التسليم مترتب على الرضى، والرضى على المحبة، إذ المحب يرضى بكل شيء من المحبوب فيسلم له.

قوله (بهذا الأمر) أي بأمر الخلافة فليس لهم أن يعينوا خليفة بدون أمر الله تعالى أوليس لهم أن يعينوا غير من عينه الله تعالى فيجاوزون على التقديرين صاحب أمر الخلافة إلى غيره ويوجب ذلك بطلان ما هو المطلوب منه.

4 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير وجميل، عن عمرو بن مصعب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أترون أن الموصي منا يوصي إلى من يريد؟! لا والله ولكنه عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى رجل فرجل حتى انتهى إلى نفسه.

ص:91

باب أن الأئمة لم یفعلوا شیئا و لا یفعلون إلا بعهد من الله عزوجل وأمر منه لا يتجاوزونه

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى والحسين بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن علي بن الحسين بن علي، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي جميلة، عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتابا، لم ينزل على محمد (صلى الله عليه وآله) كتاب مختوم إلا الوصية فقال جبرئيل (عليه السلام): يا محمد هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أي أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال: نجيب الله منهم وذريته، ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم (عليه السلام) وميراثه لعلي (عليه السلام) وذريتك من صلبه، وكان عليها خواتيم، قال: ففتح علي (عليه السلام) الخاتم الأول ومضى لما فيها ثم فتح الحسن (عليه السلام) الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها، فلما توفي الحسن ومضى فتح الحسين (عليه السلام) الخاتم الثالث فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك، قال: ففعل (عليه السلام)، فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) قبل ذلك، ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها أن اصمت وأطرق لما حجب العلم، فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي (عليهما السلام) ففتح الخاتم الخامس فوجد فيها أن فسر كتاب الله تعالى وصدق أباك وورث ابنك واصطنع الأمة وقم بحق الله عزوجل وقل الحق في الخوف والأمن ولا تخش إلا الله، ففعل، ثم دفعها إلى الذي يليه.

قال: قلت له: جعلت فداك فأنت هو؟ قال: فقال: ما بي إلا أن تذهب يا معاذ فتروي علي قال:

فقلت: أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات، قال:

قد فعل الله ذلك يا معاذ، قال: فقلت: فمن هو جعلت فداك؟ قال: هذا الراقد - وأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد -.

الشرح

قوله (كتابا) حال عن فاعل «نزلت» أو تميز للنسبة.

قوله (لم ينزل على محمد (صلى الله عليه وآله) كتاب مختوم) الظاهر أن النفي راجع إلى المقيد أو إلى القيد والمقيد جميعا لا إلى القيد فقط.

ص:92

قوله (إلا الوصية) أوصيت له بشيء وأوصيت إليه أيضا إذا جعلته وصيك وكذلك وصيته توصية، والوصية والوصاية إسمان في معنى المصدر، منه قوله تعالى: (حين الوصية) ثم سمى الموصى به وصية ومنه قوله تعالى: (من بعد وصية توصون بها).

قوله (في أمتك عند أهل بيتك) خبر بعد خبر أو حال عن الوصية على تقدير الجواب والعامل معنى أنبه أو أشير.

قوله (أي أهل بيتي) هذا السؤال مع علمه (صلى الله عليه وآله) بوصيته للاطمئنان كما قال خليل الرحمن (ولكن ليطمئن قلبي).

قوله (قال نجيب الله منهم) أي من أهل بيتك، والنجيب الكريم السخي الفاضل البين النجابة وقد نجب ينجب نجابة إذا كان فاضلا نفيسا في نوعه، والمراد بها علي بن أبي طالب (عليه السلام) والفاعل في قوله «ليرثك» ضمير يعود إليه.

قوله (كما ورثه إبراهيم) من الأنبياء السابقين والتشبيه باعتبار أن وراثته كان أظهر وأشهر لا باعتبار أنها كانت أقوى وأكمل.

قوله (وميراثه لعلي) أي ميراث علم النبوة أو ميراث إبراهيم (عليه السلام) وفيه تصريح بما رمز إليه أولا.

قوله (فوجد فيها أن قاتل فاقتل وتقتل) الأمر للحتم والوجوب كسائر الواجبات فلا يرد ما يقول الجهلة من الناس من أنه (عليه السلام) كان يعلم بقتله وقتل أصحابه فلم ارتكبه وقد قال الله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)(1)؟ ولم يعلموا أن الإلقاء إليها لا يجوز إذا لم يكن بأمر الله تعالى وأما إذا كان بأمره فهو جائز بل واجب كما انه لا يجوز لأحدنا الفرار عن الزحف مع ضعف العدو وإن غلب الهلاك ولا شبهة في أن تكليفهم فوق تكليفنا فإذا أوجب الله تعالى عليهم القتال مع أضعاف العدو لمصلحة منها أن لا يكون للخلق حجة على الله يوم القيامة بعدم وجدانهم داعيا إليه فلا محالة وجب عليهم الإقدام ولا يجوز لهم القعود.

قوله (أن اصمت واطرق) من أطرق الرجل إذا سكت فلم يتكلم فالعطف للتفسير أو من أطرق إذا أرخى عينيه ينظر إلى الأرض كما يفعله المهموم المتفكر وهو كناية عن الإعراض عن الناس.

قوله (لما حجب العلم) لما بفتح اللام وشد الميم أو بكسر اللام وما مصدرية، وهو على التقديرين تعليل للسكوت وعدم إفشاء علم الشرائع ودعوة الخلق إليه لعدم انتفاعهم به ولقتلهم إياه مثل أبيه (عليهما السلام).

ص:93


1- -سورة البقرة :195 .

قوله (واصطنع الأمة) أي ربهم تربية وأحسن إليهم إحسانا وأخرجهم من الجهل إلى العلم ومن الظلمة إلى النور، من اصطنعته ربيته وأخرجته.

قوله (وقم بحق الله عزوجل) أي قم بإظهاره متشمرا مجتهدا فيه من غير فتور ولا توان، يقال:

قام بالأمر إذا اجتهد فيه وتجلد. وحقيقة القيام بالشيء هي الانتصاب له، وهو يدل على الاعتناء به وهو يستلزم التشمر والاجتهاد فيه من غير فتور، فأطلق القيام على هذا اللازم مجازا.

قوله (ولا تخش إلا الله) فيه وعد له بالعصمة من الناس وبشارة له بالقرب والعلم إذ لا يخشاه إلا المقربون (إنما يخشى الله من عباده العلماء).

قوله (فقال ما بي إلا أن تذهب فتروي علي) أي ما بي بأس أو خوف إلا أن تذهب يا معاذ فتروي علي هذا مسلطا للأعداء علي، وفيه مبالغة في التوصية له بحفظه عن غير أهله، وإن كان من خواص أصحابه وأهل سره ويمكن أن يكون تأبى بالتاء المثناة الفوقانية.

* الأصل:

2 - أحمد بن محمد، ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الكناني، عن جعفر بن نجيح الكندي، عن محمد بن أحمد بن عبيد الله العمري، عن أبيه، عن جده، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عزوجل أنزل على نبيه (صلى الله عليه وآله) كتابا قبل وفاته، فقال: يا محمد هذه وصيتك إلى النجبة من أهلك، قال: وما النجبة يا جبرئيل؟ فقال علي بن أبي طالب وولده (عليهم السلام)، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب فدفعه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وأمره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه، ففك أمير المؤمنين (عليه السلام) خاتما وعمل بما فيه، ثم دفعه إلى ابنه الحسن (عليه السلام)، ففك خاتما وعمل بما فيه، ثم دفعه إلى الحسين (عليه السلام) ففك خاتما فوجد فيه أن اخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلا معك واشر نفسك لله عزوجل، ففعل، ثم دفعه إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) ففك خاتما فوجد فيه أن أطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، ففعل، ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي (عليهما السلام)، ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم ولا تخافن إلا الله عزوجل، فإنه لا سبيل لأحد عليك [ففعل] وثم دفعه إلى ابنه جعفر، ففك خاتما فوجد فيه: حدث الناس وأفتهم، وانشر علوم أهل بيتك، وصدق آباءك الصالحين ولا تخافن إلا الله عزوجل وأنت في حرز وأمان، ففعل، ثم دفعه إلى ابنه موسى (عليه السلام) وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده ثم كذلك إلى قيام المهدي صلى الله عليه.

* الشرح:

قوله (عن محمد بن أحمد بن عبيد الله العمري) في بعض النسخ «عبد الله» مكبرا بدل عبيد الله

ص:94

مصغرا وهو الأصح، لأن الظاهر أنه محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان أحمد وأبوه عبد الله كلاهما من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام).

قوله (إلى النجبة من أهلك) قال الجوهري: النجبة مثال الهمزة: النجيب، ويقال: هو نجبة القوم إذا كان النجيب منهم.

قوله (وما النجبة) لم يسأل عن حقيقته وتعيين مفهومه بل عن مصداقه.

قوله (واشر نفسك لله تعالى) أي بعها ببذلها في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تقتل لله وطلبا لرضائه ويرشد إليه قوله تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله).(1)

قوله (ثم دفعه إلى ابنه جعفر) هذا وما يأتي من قوله «ثم دفعه إلى ابنه موسى» التفات من التكلم إلى الغيبة إذ المقام يقتضي أن يقول: ثم دفعه إلي ثم دفعته إلى ابني موسى، واحتمال كونه من كلام الراوي نقلا بالمعنى بعيد.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن ضريس الكناسي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال له حمران: جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين (عليهم السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله عزوجل وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا حمران، إن الله تبارك وتعالى [قد] كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه، ثم أجراه، فبتقدم علم ذلك إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام علي والحسن والحسين، وبعلم صمت من صمت منا.

* الشرح:

قوله (أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين) أي أخبرني ما سبب قيام هؤلاء الأئمة بدين الله واجتهادهم في إظهاره مع علمهم بأنهم يقتلون ويغلبون؟ فأخبره بأن الله تعالى قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه لمصلحة ثم أجراه في وقته بأمرهم بالقيام لئلا يكون للخلق على الله حجة يوم القيامة بأنهم لم يجدوا داعيا إليه وإلى دينه، وأما من صمت منا ولم يخرج ولم يتكلم في إفشاء الدين وإظهار علمه فهو أيضا مأمور بذلك. وبالجملة هم تابعون لأمره تعالى فإذا أمرهم بالخروج خرجوا وإذا أمرهم بالسكوت سكتوا.

ص:95


1- -سورة البقرة :207.

* الأصل:

4 - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن الحارث بن جعفر، عن علي بن إسماعيل بن يقطين، عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير، قال:

حدثني موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أليس كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كاتب الوصية ورسول الله (صلى الله عليه وآله) المملي عليه وجبرئيل والملائكة المقربون (عليهم السلام) شهود؟ قال: فأطرق طويلا ثم قال: يا أبا الحسن قد كان ما قلت، ولكن حين نزل برسول الله (صلى الله عليه وآله) الأمر، نزلت الوصية من عند الله كتابا مسجلا نزل به جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة، فقال جبرئيل: يا محمد مر بإخراج من عندك إلا وصيك، ليقبضها منا وتشهدنا بدفعك إياها إليه ضامنا لها - يعني عليا (عليه السلام) - فأمر النبي (صلى الله عليه وآله) بإخراج من كان في البيت ما خلا عليا (عليه السلام) وفاطمة فيما بين الستر والباب، فقال جبرئيل: يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول: هذا كتاب ما كنت عهدت إليك وشرطت عليك وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي وكفى بي يا محمد شهيدا، قال:

فارتعدت مفاصل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا جبرئيل ربي هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام صدق عزوجل وبر، هات الكتاب، فدفعه إليه وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: اقرأه، فقرأه حرفا حرفا، فقال: يا علي هذا عهد ربي تبارك وتعالى إلي وشرطه علي وأمانته، وقد بلغت ونصحت وأديت، فقال علي (عليه السلام): وأنا أشهد لك [بأبي وأمي أنت] بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي، فقال جبرئيل (عليه السلام): وأنا لكما على ذلك من الشاهدين، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أخذت وصيتي وعرفتها وضمنت لله ولي الوفاء بما فيها؟ فقال علي (عليه السلام): نعم بأبي أنت وأمي علي ضمانها وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي إني أريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة، فقال علي (عليه السلام):

نعم أشهد، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك فقال: نعم ليشهدوا وأنا - بأبي أنت وأمي - أشهدهم، فأشهدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان فيما اشترط عليه النبي بأمر جبرئيل (عليه السلام) فيما أمر الله عزوجل أن قال له: يا علي تفي بما فيها من موالاة من والى الله ورسوله والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله والبراءة منهم على الصبر منك [و] على كظم الغيظ وعلى ذهاب حقك وغصب خمسك وانتهاك حرمتك؟ فقال: نعم يا رسول الله.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل (عليه السلام) يقول للنبي: يا محمد عرفه أنه ينتهك الحرمة وهي حرمة الله وحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى أن تخضب لحيته من

ص:96

رأسه بدم عبيط، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتى سقطت على وجهي وقلت: نعم قبلت ورضيت وإن انتهكت الحرمة وعطلت السنن ومزق الكتاب وهدمت الكعبة وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط صابرا محتسبا أبدا حتى أقدم عليك، ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة والحسن والحسين وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين فقالوا مثل قوله، فختمت الوصية بخواتيم من ذهب، لم تمسه النار ودفعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقلت لأبي الحسن (عليه السلام): بأبي أنت وأمي ألا تذكر ما كان في الوصية؟ فقال: سنن الله وسنن رسوله، فقلت: أكان في الوصية توثبهم وخلافهم على أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فقال: نعم والله شيئا شيئا، وحرفا حرفا، أما سمعت قول الله عزوجل (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)(1)؟ والله لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام): أليس قد فهمتما ما تقدمت به إليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى [بقبوله] وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا.

وفي نسخة الصفواني زيادة.

* الشرح:

قوله (أليس كان أمير المؤمنين (عليه السلام)) الاستفهام إما على الحقيقة أو على التقرير بما دخل عليه النفي أو لإفادة العلم بمضمونه.

قوله (فأطرق طويلا) أي سكت زمانا طويلا وأرخى عينه إلى الأرض كذلك، ولعل السر فيه اشتغاله بالمحدث الذي كان معه في أمر الوصية أو رجوعه إلى نفسه المقدسة وتشاوره في بيان أمر الوصية كما هو حقه.

قوله (قد كان ما قلت) يفهم منه أنه (صلى الله عليه وآله) أوصى إلى علي (عليه السلام) وسمى أوصياءه (عليهم السلام) وكتبها علي (عليه السلام) بخطه ثم نزلت كتابا من السماء.

قوله (ولكن حين نزل برسول الله (صلى الله عليه وآله) الأمر) أي الأمر برجوعه إلى الحق أو الأمر بنصب الأوصياء أو الأمر بدفع الوصية إلى أهلها.

قوله (كتابا مسجلا) أي محكما من سجل عليه إذا أحكمه والسجل كتاب الحكم أو مرسلا من سجلت الكتاب أي أرسلته، نقل عن محمد بن الحنفية (رحمه الله) في تفسير قوله تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)(2) أنه قال: هي مسجلة للبر والفاجر، قال الأصمعي: أي مرسلة لم يشترط

ص:97


1- - سورة یس : 12 .
2- -سورة الرحمن : 55 .

فيها بر دون فاجر، أو مبذولا لهداية الخلق. قال ابن الأثير: المسجل المال المبذول.

قوله (ضامنا لها) حال عن الضمير المجرور في «إليه» الراجع إلى الوصي لا يقال: العامل في الحال متعلق الظرف وهو الدفع والعامل في ذي الحال حرف الجر، لأنا نقول: العامل في ذي الحال أيضا هو المتعلق والجار آلة توصل معناه إليه مجرورة فيتحد العامل فيهما.

قوله (يعني عليا (عليه السلام)) بيان للوصي وتفسير له.

قوله (بين الستر والباب) لا خارجه ولا داخله والستر بالكسر واحد الأستار والستور وهو ما يستر به ومعمول لذلك، والسترة بالضم أعم منه لأنها تشمل المعمول له وغيره.

قوله (يقرئك السلام) أقرأته السلام وهو يقرئك السلام بضم الياء رباعيا لا غير وإذا قلت يقرأ عليك السلام فبالفتح لا غير وقيل: هما لغتان.

قوله (هذا كتاب ما كنت عهدت إليك) إضافة الكتاب إلى ما بتقدير اللام والعهد العقد والميثاق والوصية يقال: عهد إليه إذا أوصاه ولعل هذا العهد وقع في الذر عند أخذ الميثاق للأئمة (عليهم السلام) بالإمامة أو في المعراج أو في وقت آخر من أيام البعثة.

قوله (وشرطت عليك) بتبليغه وإكرام من آمن به وصدقه وإذلال من كفر به وكذبه.

قوله (فارتعدت مفاصل النبي (صلى الله عليه وآله)) لتشديد الأمر والتعظيم له والمبالغة فيه وجعله تعالى ذاته المقدسة والملائكة المقربين شهودا عليه والحق أنه محل الخيفة وموضع الرعدة فياحسرة للعباد عما يراد بهم لشدة غفلتهم وفرط عتوهم مع أن بواعث الخوف فيهم أظهر والشهود عليهم أكثر إذ عليهم شهود غير هؤلاء وهم خاتم الأنبياء وسيد الأوصياء وأولاد النجباء، اللهم انصرنا في دار الغربة وموطن الفرقة وارحمنا وأنت أرحم الراحمين.

قوله (ربي هو السلام) تعريف الخبر للحصر وتوسيط ضمير الفصل للمبالغة فيه والسلام من أسمائه تعالى، وقيل: معناه السالم من المعائب وسمات الحدوث، وقيل: المسلم عباده من المهالك، وقيل: المسلم عليهم في الجنة. قال بعض الأفاضل: هو على الأول من أسماء التنزيه كالقدوس وعلى الثاني يرجع إلى القدرة أو إلى صفة الفعل وعلى الثالث إلى الكلام، واقتصر في النهاية على المعنى الأول وقال: السلام في الأصل السلامة، يقال: سلم يسلم سلاما وسلامة، ومنه قيل للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الآفات.

قوله (ومنه السلام وإليه يعود السلام) أي الرحمة وسلامة العباد من المعائب والمهالك منه سبحانه وهو مالكهما لا غيره وهما لو صدرتا من غيره فيعودان إليه سبحانه لأنه الموفق له عليهما ولما كان السلام معناه السالم من المعائب وسمات الحدوث جاء بعد قوله هو السلام بهذا الكلام

ص:98

بيانا واحتراسا لأن الوصف بالسلامة إنما يكون فيمن هو بعرضة أن يلحقه ضرر وآفات فبين أن وصفه تعالى بالسلام ليس على حد وصف المخلوقين المفتقرين لأنه تعالى هو الغني المتعالي الذي يعطي السلامة ومنه تستوهب وإليه ترجع ومن كان كذلك لا يتطرق توهم الضرر والآفات إلى سرادقات عزه.

قوله (صدق عزوجل وبر) أي صدق فيما ذكر من العهد والشرط والشهادة والإشهاد وبر بالوفاء بالعهد وإرسال كتابه.

قوله (وشرطه علي) الشرط معروف ويحتمل أن يراد به حكم الله على ما قد أظهره لي وبينه بقوله (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).

قوله (وأمانته) أي وديعته لك عندي وهي حق على بن أبي طالب (عليه السلام) الذي أودعه الله تعالى عند رسوله ثم أمره بدفعه إليه.

قوله (وقد بلغت ونصحت وأديت) الوصية كانت وديعة الله عنده (صلى الله عليه وآله) وحكما من أحكامه الحتمية الضرورية وكان (صلى الله عليه وآله) مأمورا بتبليغه إلى الخلق والنصيحة لهم فيها وأدائها إلى أهلها وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد فعل ما كان عليه، والحق أنه ما بالغ أحد من الأنبياء في الوصية مثل ما بالغ نبينا (عليه السلام) فيها، وكتب العامة والخاصة مشحونة بها ولكن من أعمى الله قلبه فلا هادي له.

قوله (بأبي وأمي أنت) هذه الكلمة لإظهار عزة المخاطب وبيان أنه عزيز في نفس القائل حتى أنه أرجح ممن هو أقرب الخلق إليه وأعز عليه وهو أبواه بحيث يفديه بهما ولا يشترط في ذلك وجودهما.

قوله (بالبلاغ) هو بالفتح اسم من التبليغ وهو ما بلغه من القرآن والسنن وجميع ما جاء به، أو بالكسر مصدر بالغ في الأمر إذا اجتهد فيه.

قوله (والنصيحة) وهي إرادة الخير للأمة وإرشادهم إلى مصالحهم خالصا لوجه الله وأصل النصح الخلوص.

قوله (والتصديق على ما قلت) أي تصديقك للرب على ما قلت من أن هذا عهده وشرطه وأمانته أو من قوله «صدق عزوجل وبر» أو من جميع ما جئت من عنده وبينه للناس. وفي بعض النسخ: والصدق هو الأظهر يراد بالموصول قوله «وقد بلغت ونصحت وأديت».

قوله (يشهد لك به سمعي) يعني يصدقك فيه جوارحي هذه وغيرها وتشهد لك به يوم القيامة.

يحتمل أن يراد بالدم الروح وقد فسر الروح بالدم جماعة من العلماء وقد صرح به الشيخ (رحمه الله) في

ص:99

الكشكول.

قوله (وأنا لكما على ذلك من الشاهدين) شهادته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على تبليغه ونصيحته وأداء الأمانة، ولعلي (عليه السلام) على تصديقه بالبلاغ والنصيحة والصدق على ما قال وجاء به.

قوله (على ضمانها) بالوفاء بما فيها والعمل وأدائها إلى أهلها كما هي.

قوله (بموافاتي بها) أي بإتيانك إياي بها كما هي يوم القيامة، يقال: وافاه أي أتاه مفاعلة من الوفاء.

قوله (فيما بيني وبينك الآن) يحتمل البين المكاني والمعنوي.

قوله (على الصبر منك) في الموالي والمعادي وكليهما وهو حال عن فاعل تفي، والصبر ملكة تحمل النفس على تحمل المكاره والمشاق.

وقوله (على كظم الغيظ) يناسب الفريقين وما عطف عليه إنما يناسب الثاني ولذلك أعاد كلمة «على» وكظم الغيظ تجرعه واحتمال سببه بحبس النفس من المكافاة والمجازاة ولهذه الوصية صبر (عليه السلام) على ما فعلوا.

قوله (وانتهاك حرمتك) حرمة الرجل ما تجب عليه وعلى غيره حفظه ورعايته مثل عزته ورتبته وأهله وغير ذلك، وانتهاكها عدم رعايتها وتناولها بما لا يحل، والمبالغة في خرقها، وقد أشار به وبما سبق إلى ما فعله الخلفاء الثلاثة أولا وبنو أمية ثانيا وبنو عباس ثالثا وهكذا إلى زمان ظهور صاحب الأمر عليه الصلاة والسلام.

قوله (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة) الفلق بالسكون الشق ومنه فالق الحب والنوى أي الذي يشق حبة الطعام ونوى التمر للإنبات، والنسمة بالتحريك النفس من نسيم الريح، ثم سميت بها النفس أي ذات الروح وبرؤها خلقها وإيجادها من كتم العدم وكان (عليه السلام) كثيرا ما يقسم بها إذا اجتهد في يمينه لعظمة هذا الفعل وكمال اختصاصه بالله القادر المختار.

قوله (يا محمد عرفه أنه ينتهك الحرمة) لما لم يصرح (صلى الله عليه وآله) بأنه ينتهك حرمته ويهراق دمه حياء ولا يدل عليهما قوله «وانتهاك حرمتك» صريحا أمره جبرئيل (عليه السلام) بأن يعرفه ذلك صريحا فكشف الله تعالى حجاب السمع فأسمعه صوت الوحي بلا واسطة رعاية لحياء النبي والله لا يستحيي من الحق. وفي بعض النسخ: أعلمه بدل عرفه.

قوله (بدم عبيط) العبيط من الدم الخالص الطري.

قوله (فصعقت) صعق الرجل - كسمع - صعقة وتصعاقا أي غشي عليه أو صعقه غيره، ولم يكن ذلك لخوفه من القتل بل لشدة السرور من سماع الوحي أو لسماع الوحي فجأة، وفيه دلالة على

ص:100

كمال القوة النبوية.

قوله (ومزق الكتاب) التمزيق التخريق والتقطيع، ولعل المراد بتمزيقه تقطيع أوراقه وتبديل أحكامه وتغيير ألفاظه.

قوله (صابرا محتسبا) أي طالبا لوجه الله تعالى وثوابه من احتسب بالشيء إذا اعتد به وجعله في الحساب، والحسب بالسكون العد والاحتساب منه كالاعتداد من العد، وإنما قيل: احتسب العمل لمن ينوي به وجه الله لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به، كذا في الفائق والنهاية.

قوله (فقال سنن الله وسنن رسوله) السنن جمع السنة وهي في الأصل الطريقة وفي الشرع ما أمر به النبي ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا، ولعل المراد بها هنا جميع ذلك كما هو الظاهر أو ما يتعلق به أمر الخلافة بقرينة المقام.

قوله (شيئا شيئا وحرفا حرفا) يريد أن فيها جميع وقائعهم ونوائبهم، ويحتمل أن يراد بالشيء الوقايع الكلية وبالحرف الوقائع الجزئية والتكرار لإفادة الشمول في كليهما.

قوله (أما سمعت) استشهاد لما ذكر من أن في كتاب الوصية جميع ذلك.

قوله (إنا نحن نحيي الموتى) أي إنا نحن نحيي الموتى بالبعث أو الهداية ونكتب ما قدموا من الأعمال مطلقا وآثارهم من علم أظهروه وظلم أسسوه وغير ذلك كل شيء أحصيناه في إمام مبين وهو كتاب الوصية، وقيل: اللوح المحفوظ، وقيل: صحيفة الأعمال، والجميع محتمل.

قوله (فقالا بلى بقبوله) أي بلى فهمناه وقبلناه متلبسين بقبوله في الواقع والآن، وليس قوله «بقبوله» في أكثر النسخ.

قوله (وصبرنا) معطوف على الفعل المفهوم من قوله بلى، وكون الواو للحال بتقدير قد بعيده.

قوله (وفي نسخة الصفواني زيادة) هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال ثقة. أو أبو عبد الله عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بالصفواني المذكور في إعلام الورى وغيره في فضل كرامات الرضا (عليه السلام) والله أعلم.

* الأصل:

[5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن أبي عبد الله البزاز، عن حريز قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة الناس إليكم؟! فقال: إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته، فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضر. فأتاه النبي (صلى الله عليه وآله) ينعى إليه نفسه

ص:101

وأخبره بما له عند الله وأن الحسين (عليه السلام) قرأ صحيفته التي أعطيها، وفسر له ما يأتي بنعي وبقي فيها أشياء لم تقض، فخرج للقتال وكانت تلك الأمور التي بقيت أن الملائكة سألت الله في نصرته، فأذن لها ومكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتى قتل فنزلت وقد انقطعت مدته وقتل (عليه السلام)، فقالت الملائكة: يا رب أذنت لنا في الانحدار وأذنت لنا في نصرته، فانحدرنا وقد قبضته، فأوحى الله إليهم: أن الزموا قبره حتى تروه وقد خرج فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته فإنكم قد خصصتم بنصرته وبالبكاء عليه، فبكت الملائكة تعزيا وحزنا على ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج يكونون أنصاره].

* الشرح:

قوله (فأتاه النبي (صلى الله عليه وآله)) أي فيأتيه وينعاه أي بخبره بقرب أجله وموته وبما له عند الله من الكرامة ورفع المنزلة فيختار اللقاء على البقاء شوقا إلى الله وإنما عبر عن المستقبل بالماضي للدلالة على تحقق الوقوع، وعدى ينعى بإلى للتأكيد في التعدية ونفسه بالسكون تأكيد للمنصوب في أتاه، أو بدل عن المجرور في إليه وأما فتح الفاء بمعنى القرب أو الروح على أن يكون مفعول ينعى أي ينعى إليه قرب أجله على حذف المضاف إليه أو خروج روحه على حذف المضاف فبعيد.

قوله (وفسر له ما يأتي بنعي) أي بين له فيها ما يأتيه ويعمل به في مدة عمره مع نعيه وخبر موته.

قوله (وبقي فيها أشياء لم تقض) أي لم يتعلق بها القضاء والحتم وكان في معرض البداء، والواو للعطف على ما فسر أو للحال بتقدير قد.

قوله (وتتأهب) أي تستعد، وأهبة الحرب عدتها والعطف للتفسير.

قوله (حتى تروه وقد خرج) دل على الرجعة، ومما دل عليها ما رواه المصنف في كتاب الروضة (1) بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى (ثم رددنا لكم الكرة عليهم) قال: «إنه يخرج الحسين (عليه السلام) في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب لكل بيضة وجهان المؤدون إلى الناس أن هذا الحسين (عليه السلام) قد خرج، حتى لا يشك المؤمنون فيه وأنه ليس بدجال ولا شيطان.

والحجة القائم بين أظهرهم» الحديث، وعنه (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(2) أنه قال: قال «لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قباع، سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم

ص:102


1- تحت رقم 250.
2- -سورة النحل : 38 .

يموتوا فيقولون: بعث فلان وفلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم; هذه دولتكم فأنتم تقولون فيها الكذب! لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة قال: فحكى الله قولهم» (1) أخذنا منه موضع الحاجة. وعن أبي جعفر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون. لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون)(2)قال: إذا قام القائم بعث إلى بني أمية بالشام (3) فهربوا إلى الروم فيقول لهم الروم لا ندخلنكم حتى تتنصروا فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان والصلح. فيقول أصحاب القائم: لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منا قال:

فيدفعونهم إليهم فذلك قوله (لا تركضوا وارجعوا ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون) قال يسألهم الكنوز وهو أعلم بها قال: فيقولون (يا ويلنا إنا كنا ظالمين. فما زالت تلك دعويهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين) بالسيف (4) وذكر الصدوق في كتاب الاعتقادات طائفة من الآيات التي دلت على صحة الرجعة، ومن أراد الاطلاع عليها فليرجع إليه.

ص:103


1- المصدر تحت رقم 14.
2- -سورة الأنبیاء: 13،12 .
3- «إذا قام بعث إلى بني أمية» المتبادر إلى الذهن أنه ليس من أخبار الرجعة وإن حمله الشارح عليها، بل الظاهر منه أن القائم يظهر في ملك بني أمية وهم بالشام فيطلبهم فيفرون منه ويتنصرون إلى آخر ما في الحديث لكن زالت دولتهم بظهور العباسيين ولم يظهر القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) في دولتهم فحمله الشارح على الرجعة ولولا ذلك لوجب طرح الرواية والحكم بكونها موضوعة من بعض الناس في عصر الأمويين أو يقال: وهم الراوي فسمع من الإمام (عليه السلام) الأخبار بغلبة بني هاشم على بني أمية وقتلهم وتشريدهم وإزالة ملكهم وذهب ذهنه إلى ظهور القائم عجل الله فرجه وأدخل فيه بعض المبالغات كما هو دأبهم مع أن مقصود الإمام (عليه السلام) غلبة العباسيين عليهم وقتلهم كما فعل السفاح ولكن الشارح تحرز من طرح الرواية أو الحكم بغلط الراوي وحمله على الرجعة إذ كان أسهل عليه من الطرح. (ش)
4- الروضة تحت رقم 15.

باب الأمور التي توجب حجة الإمام (عليه السلام)

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام):

إذا مات الإمام بم يعرف الذي بعده؟ فقال: للإمام علامات منها أن يكون أكبر ولد أبيه ويكون فيه الفضل والوصية، ويقدم الركب فيقول: إلى من أوصى فلان؟ فيقال: إلى فلان، والسلاح فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل، تكون الإمامة مع السلاح حيثما كان.

* الشرح:

قوله (منها أن يكون أكبر ولد أبيه) المراد أنه أغلبي أو المراد أنه كذلك إذا كان الإمامة في الولد أو السؤال والجواب عن إمام بعده (عليه السلام) فلا يرد النقض عكسا بالحسين (عليه السلام).

قوله (ويكون فيه الفضل والوصية) أريد بالفضل الصلاح، وكمال النفس بالفضائل والعلم بالشرائع كلها، وأريد بالوصية الوصية الظاهرة المعروفة عند الناس فيكون قوله «ويقدم الركب» حينئذ توضيح وتفسير له ويحتمل أن يراد بها الوصية النبوية أو التي جاء بها جبرئيل (عليه السلام) وما بعده حينئذ علامة مستقلة.

قوله (والسلاح فينا) أي سلاح النبي فينا أهل البيت بمنزلة التابوت في بني إسرائيل فكما أن الملك والنبوة في إسرائيل كانا مع التابوت حيث ما كان كذلك يكون الإمامة فينا مع السلاح حيثما كان.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين عن يزيد شعر، عن هارون بن حمزة عن عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): المتوثب على هذا الأمر المدعي له، ما الحجة عليه؟ قال:

يسأل عن الحلال والحرام، قال: ثم أقبل علي فقال: ثلاثة من الحجة لم تجتمع في أحد إلا كان صاحب هذا الأمر: أن يكون أولى الناس بمن كان قبله ويكون عنده السلاح ويكون صاحب الوصية الظاهرة التي إذا قدمت المدينة سألت عنها العامة والصبيان: إلى من أوصى فلان؟ فيقولون: إلى فلان بن فلان.

* الشرح:

ص:104

قوله (قال يسأل عن الحلال والحرام) هذه حجة للعلماء الذين يعلمون مسالك الشريعة ومناهجها ويميزون بين الحق والباطل، ويعرفون قدر علم كل أحد بالسؤال عنه.

قوله (أولى الناس) في القرابة والكبر والعلم والأخلاق.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قيل له: بأي شيء يعرف الإمام؟ قال: بالوصية الظاهرة وبالفضل، إن الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج، فيقال: كذاب ويأكل أموال الناس، وما أشبه هذا.

* الشرح:

قوله (بالوصية الظاهرة) يعني المعرفة بين الناس كوصية النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) ووصية علي (عليه السلام) إلى الحسن (عليه السلام) وهكذا لا يقال: وصية الرضا (عليه السلام) إلى ابنه محمد بن علي (عليهما السلام) لم تكن ظاهرة معروفة; لأنا نقول: وصيته كانت ظاهرة إذ وصاه عند خروجه إلى خراسان، وأما وصية الحسن بن علي العسكري إلى ابنه صاحب الزمان صلوات الله عليهما فمعروفة أيضا عند أهل العلم.

قوله (وبالفضل) قد عرفت أن المراد بالفضل جميع كمالات النفس وهو يتوقف على كمال القوة العقلية والعملية، وكمال القوة الغضبية والشهوية، ويظهر حينئذ حقيقة التعليل المذكور بعده.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن وهب قال:

قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما علامة الإمام الذي بعد الإمام؟ فقال: طهارة الولادة، وحسن المنشأ، ولا يلهو ولا يلعب.

* الشرح:

قوله (طهارة الولادة) بأن لا يطعن عليه في النسب أو يراد أعم منه كأن يتولد مختونا مقطوع السرة غير ملوث بالدم.

قوله (وحسن المنشأ) المنشأ مصدر أو مكان من نشأ إذا خرج وابتدأ، أيضا إذا كبر وشب أي ارتفع عن حد الصبا وقرب الإدراك، ولعل المراد أنه اتصف بالكمال من حد الصبا إلى زمان الإدراك لقوة عقله وتقدس ذاته. «ولا يلهو» أي لا يغفل عن الحق ولا يشغل عنه بغيره ولا يلعب يعني لا يعمل عملا لا يترتب عليه نفع ولا يكون فيه رضى من الله تعالى وما صدر عنه في بعض الأوقات

ص:105

من المزاح فإنما هو من لطف طبعه وكرم أخلاقه.

* الأصل:

5 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أحمد بن عمر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن الدلالة على صاحب هذا الأمر، فقال: الدلالة عليه: ا لكبر والفضل والوصية إذا قدم الركب المدينة فقالوا: إلى من أوصى فلان؟ قيل: فلان بن فلان ودوروا مع السلاح حيثما دار، فأما المسائل فليس فيها حجة.(1)

* الشرح:

قوله (فقال الدلالة عليه الكبر) أي الدليل عليه الكبر باعتبار السن كما مر يقال كبر الرجل من باب لبس يكبر كبرا أي أسن أو باعتبار القدر والمنزلة يقال كبر من باب شرف فهو كبير إذا عظم قدره وارتفعت منزلته.

قوله (فأما المسائل فليس فيها حجة) أي للعوام لأن عقولهم لا يبلغها. فلا ينافي ما مر من أن الحجة أن يسأل عن الحلال والحرام وما سيأتي من أنه «يسئل فيجيب» لأن هذه الحجة للخواص.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) [قال]: إن الأمر في الكبير ما لم تكن فيه عاهة.(2)

* الشرح:

قوله (ما لم تكن فيه عاهة) أي آفة بدنية أو عقلية، فإن منصب الإمامة يتنزه عن النقص في الأعضاء والعقول.

* الأصل:

7 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن أبي بصير قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك بم يعرف الإمام؟ قال: فقال: بخصال، أما أولها فإنه بشيء قد تقدم من أبيه فيه بإشارة إليه لتكون عليهم حجة، ويسأل فيجيب وإن سكت عنه ابتدأ، ويخبر بما في غد، ويكلم الناس بكل لسان، ثم قال لي: يا أبا محمد أعطيك علامة قبل أن تقوم، فلم ألبث أن دخل علينا رجل من أهل خراسان، فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن (عليه السلام) بالفارسية فقال له الخراساني: والله جعلت فداك ما منعني أن أكلمك بالخراسانية غير أني ظننت أنك لا تحسنها، فقال: سبحان الله

ص:106


1- -الکافی :285/1.
2- -الکافی :285/1.

إذا كنت لا أحسن أجيبك فما فضلي عليك؟ ثم قال لي: يا أبا محمد إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام.(1)

* الشرح:

قوله (فإنه بشيء) اريد به الوصية بالخلافة أو مطلقا كما مر.

قوله (ويسئل فيجيب) كما هو شأن العالم الكامل في ذاته المكمل لغيره، فإن قصده لما كان إرشاد الخلق وهدايتهم كان يجيب بالحق إذا سئل ويبتدئ بالكلام إن لم يسأل تحصيلا لمقصوده وتكميلا لعقولهم.

قوله (ويخبر بما في غد) يعني يكون له علم ببواطن الأمور كما يكون له علم بظواهرها ويكون الغائب عنده كالشاهد.

قوله (ويكلم الناس بكل لسان) من باب مقابلة المتعدد بالمتعدد وتوزيع الجمع على الجمع أي يكلم كل صنف من الناس بلغتهم من غير حاجة إلى المترجم لئلا يفوت الغرض عند عدمه ولا يلحقه النقص بالحاجة إلى الرعية.

قوله (أعطيك علامة قبل أن تقوم) هذا إشعار بأنه كان عالما بالغائب كالشاهد لأنه أخبر بما سيقع وقد وقع.

قوله (لا تحسنها) أي لا تعلمها، يقال: فلان يحسن الشيء أي يعلمه، وفيه دلالة على أن هذا ومثله من سوء الأدب لا يقدح في اعتقاد القائل وإيمانه.

قوله (فما فضلي عليك) دل على أن الإمام يجب أن يكون أفضل من المأموم في جميع الخصال حتى لولا كان في الأمة عالم بشيء ما لم يعلمه الإمام لا يصلح أن يكون الإمام إماما له ولغيره.

ص:107


1- -الکافی :285/1.

باب ثبات الإمامة في الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولا عم ولا غيرهما من القرابات

اشاره:

1- علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبدا، إنما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (1)فلا تكون بعد علي بن الحسين (عليهما السلام) إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.

2 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سمعه يقول: أبى الله أن يجعلها لأخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام).

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه سئل: أتكون الإمامة في عم أو خال؟ فقال: لا، فقلت: ففي أخ؟ قال: لا، قلت: ففي من؟ قال: في ولدي - وهو يومئذ لا ولد له -.

4 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن سليمان ابن جعفر الجعفري، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين، إنما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.

* الأصل:

5 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي نجران، عن عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إن كان كون - ولا أراني الله - فبمن أئتم؟ فأومأ إلى ابنه موسى (عليه السلام) قال: قلت: فإن حدث بموسى حدث فبمن أئتم؟ قال: بولده، قلت: فإن حدث بولده حدث وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا فبمن أئتم؟ قال: بولده ثم واحدا فواحدا. «وفي نسخة الصفواني»: ثم هكذا أبدا.(2)

* الشرح:

قوله (إن كان كون ولا أراني الله) كان تامة أي إن حدث حدث ولا أراني الله ذلك الحدث، وأراد به موته (عليه السلام).

ص:108


1- -سورة الأنفال :75 .
2- -الکافی :285/1.

باب ما نص الله عزوجل ورسوله على الأئمة (عليهم السلام) واحدا فواحدا

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) فقال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام). فقلت له: إن الناس يقولون: فما له لم يسم عليا وأهل بيته (عليهم السلام) في كتاب الله عزوجل؟ قال: فقال: قولوا لهم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم. ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم، حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم. ونزل الحج فلم يقل لهم: طوفوا أسبوعا حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الذي فسر ذلك لهم. ونزلت (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ونزلت في علي والحسن والحسين، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي: من كنت مولاه، فعلي مولاه.

وقال (صلى الله عليه وآله): أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، فإني سألت الله عزوجل أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما علي الحوض، فأعطاني ذلك وقال: لا تعلموهم، فهم أعلم منكم، وقال: إنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة، فلو سكت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يبين من أهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان، لكن الله عزوجل أنزله في كتابه تصديقا لنبيه (صلى الله عليه وآله) (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) فكان علي والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام)، فأدخلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت الكساء في بيت ام سلمة، ثم قال: اللهم إن لكل نبي أهلا وثقلا وهؤلاء أهل بيتي وثقلي، فقالت أم سلمة: ألست من أهلك؟ فقال: إنك إلى خير ولكن هؤلاء أهلي وثقلي فلما قبض رسول لله (صلى الله عليه وآله) كان علي أولى الناس بالناس لكثرة ما بلغ فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإقامته للناس وأخذه بيده، فلما مضى علي لم يكن يستطيع علي ولم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي ولا العباس بن علي ولا واحدا من ولده إذا لقال الحسن والحسين: إن الله تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك، وبلغ فينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما بلغ فيك وأذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك، فلما مضى علي (عليه السلام) كان الحسن (عليه السلام) أولى بها لكبره

ص:109

فلما توفي لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك والله عزوجل يقول: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فيجعلها في ولده إذا لقال الحسين: أمر الله بطاعتي كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك وبلغ في رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما بلغ فيك وفي أبيك وأذهب عني الرجس كما أذهب عنك وعن أبيك، فلما صارت إلى الحسين (عليه السلام) لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه كما كان هو يدعي على أخيه وعلى أبيه، لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه ولم يكونا ليفعلا ثم صارت حين أفضت إلى الحسين (عليه السلام) فجرى تأويل هذه الآية (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين، ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي (عليه السلام). وقال: الرجس هو الشك والله لا نشك في ربنا أبدا.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد. والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد. عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب بن الحر وعمران بن علي الحلبي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثل ذلك.(1)

* الشرح:

قوله (فقال نزلت في علي بن أبي طالب) هذا هو الحق الذي لا ريب فيه دون ما ذكره العامة من أنها نزلت في سلاطين الأمة وأمرائهم وإن كانوا من أهل الجور، وقد بسطنا القول فيه سابقا فلا نعيده.

قوله (من كنت مولاه فعلي مولاه) رواه مسلم والبخاري وأحمد بن حنبل في مسنده (2) عن

ص:110


1- -الکافی :286/1.
2- قوله «رواه مسلم والبخاري» الدليل على إمامة آحاد الأئمة (عليهم السلام) هو النص إذ لا طريق للعقل إلى تعيين أشخاصهم والنص يجب أن يكون موجبا لليقين ولا يحصل اليقين في المنقول إلا بالتواتر فيثبت إمامتهم واحدا واحدا بالتواتر كما دلت عليه الأحاديث الواردة في الباب السابق «إذا قدم الركب المدينة فقالوا: إلى من أوصى فلان؟ قيل: إلى فلان بن فلان» وقد يمكن إثبات الإمامة في الدعوى المقارنة للمعجزة. وأما رواية «من كنت مولاه» فقد أثبت علماؤنا تواترها في كتبهم في الإمامة بما يغني عن تكرارها وقد صنفوا كتبا في حديث الغدير على ما هو مشهور ولا يحتاج إلى التمسك بقول مسلم والبخاري من آحاد المحدثين وقد رويا في صحيحيهما قوله (صلى الله عليه وآله): «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» وحمله الراية في خيبر. وأما رواية «من كنت مولاه» فقد رواه أحمد بن حنبل في مسنده وروى فيه «أنه أول رجل صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله). وأنه (صلى الله عليه وآله) أمر بحبه وبسد الأبواب إلا بابه، ولا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وأنت ولي كل مؤمن بعدي» ويشترك معه الترمذي في رواية جميع ذلك وروى الترمذي أيضا «أنه كان أحب الخلق إلى الله تعالى» وروى أحمد «من سب عليا فقد سب النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي ولي النبي (صلى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة» وروى الترمذي علي أخو النبي (صلى الله عليه وآله) في الدنيا والآخرة وقوله (صلى الله عليه وآله): أنا دار الحكمة وعلي بابها روى أحمد إخباره (عليه السلام) عن قتل نفسه وأما ما ذكره الشارح من رواية مسلم والبخاري لرواية من كنت مولاه فهو أعلم به. (ش)

عدة طرق بأسانيده المتصلة إلى عبد الله بن عباس وإلى عائشة قال: «لما خرج النبي (صلى الله عليه وآله) إلى حجة الوداع نزل بالجحفة فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فأمره أن يقوم بعلي (عليه السلام) فقال: «أيها الناس ألستم تزعمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره وأعز من أعزه وأعن من أعانه» قال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم، وفيه دلالة واضحة على أن ولايته (عليه السلام) للمؤمنين كولايته (صلى الله عليه وآله) لهم من غير تفاوت ولا تقييد بوقت ولا تخصيص بشرط، وهذا نص في الخلافة.

قوله (أوصيكم بكتاب الله) روى مثله مسلم في صحيحه (1) وصاحب كتاب الجمع بين الصحاح الستة والترمذي في صحيحه وأحمد بن حنبل في مسنده بطرق عديدة مع اختلاف يسير وفيه أيضا دلالة واضحة على النص بخلافته (عليه السلام) حيث شاركه مع القرآن كما وجب على كل من آمن بالله وبرسوله التمسك بالقرآن كذا وجب عليه التمسك بذيل عصمته (عليه السلام) وإلا فرق بينهما وترك وصية نبيه.

قوله (وقال لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) لصفاء نفوسهم، ونقاء قلوبهم، وكثرة معاشرتهم ودوام ملازمتهم للنبي (صلى الله عليه وآله)، وفيهم باب مدينة علمه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد اعترف العامة بكمال علمه ونهاية فضله. قال المازري: لا يخفى أن عليا (رضي الله عنه) كان مستجمعا لخلال شريفة ومناقب منيفة بعضها كاف في استحقاق الإمامة، وقد اجتمع فيه من حميد الصفات وأنواع الكمالات ما تفرق في غيره من الصحابة حتى قيل إنه من أشجع الصحابة وأعلمهم وأزهدهم وأفصحهم وأسبقهم إيمانا وأكثرهم جهادا وأقربهم نسبا وصهرا. كان معدودا في أول الجريدة وسابقا إلى كل فضيلة، وقد قال فيه رباني هذه الأمة ابن عباس: ولم يبق محمدة من محامد الدين والدنيا إلا وهو موصوف بها مع ما ورد فيه من الآثار المنبهة على مناقبه.

وقال القرطبي بعد ذكر نسبه (عليه السلام): اتفق الجمهور على أنه أول من أسلم لحديث «أولكم واردا على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب». وقد عبد الله تعالى قبل أن يعبده أحدا من هذه الأمة بخمس سنين وشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) المشاهد كلها إلا تبوك فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلفه مع أهله وقال «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» وزوجه ابنته فاطمة رضي الله عنها

ص:111


1- راجع الصحيح: 7 / 123.

سيدة نساء أهل الجنة. وله من الشجاعة والعلم والحلم والزهد والورع وكرم الأخلاق ما لا يسعه كتاب.

قوله (وقال إنهم إن يخرجوكم) وفيه أيضا دلالة واضحة على ما ذكرنا، وتعريض لمن عاداهم بأنهم يخرجون من تبعهم من باب الهدى ويدخلونهم في باب الضلالة كما ترى من أئمة الجور وأمراء الجهل بالنسبة إلى تابعيهم.

قوله (لادعاها آل فلان وآل فلان) أي آل تيم وآل عدي. جواب الشرط وهو «سكت ولم يبين» فإن قلت: القاعدة العربية يقتضي انتفاء ادعائهما عند وقوع البيان وعدم السكوت; والواقع خلافه، قلت: تقدير الجواب لا يكن الادعاء أو لتوجه الادعاء أو كان للادعاء وجه للنسبة والقرابة البعيدة، وأما حمل الآلين على غير ما مر فبعيد جدا فتأمل.

قوله (ولكن الله عزوجل أنزله) أي أنزل بيان أهل بيته وتفسيرهم تصديقا له فيما قال من أنهم لا يفارقون الكتاب، ولا يخرجونكم من باب الهدى، ولا يدخلونكم في باب ضلالة لأن المطهر من الرجس كله شأنه ذلك، وفي بعض النسخ. أنزل بدون الضمير، والمفعول حينئذ قوله «إنما يريد الله».

قوله (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).

نفى الرجس عنهم على وجه المبالغة حيث أكد ذلك بوجوه: الأول «إنما» الدال على الحصر والتأكيد، الثاني لام التأكيد في ليذهب، الثالث لفظ الإذهاب الدال على الإزالة بالكلية، الرابع التعريف بلام الجنس الذي يستلزم نفيه نفي جميع جزئياته. الخامس الإتيان بالمضارع الدال على الاستمرار، السادس تقديم الظرف على المفعول الدال على كمال العناية والاختصاص، السابع الإتيان بأهل البيت لا بأسمائهم تعظيما لهم، الثامن النداء على وجه الاختصاص، التاسع الإتيان بالتطهير الدال على التنزيه عن كل دنس، العاشر الإتيان بالمصدر تأكيدا.

قوله (فكان علي والحسن والحسين) أشار بذلك إلى أن الآية الكريمة نزلت في شأن هؤلاء الطاهرين لا في شأن الزوجات كما يتوهم بالنظر إلى ما قبلها وما بعدها ويدل على بطلان هذا التوهم أمور: الأول أنه أخرج أم سلمة عنها ولو كان المراد الزوجات لدخلت فيها، الثاني أنه أشار إلى علي والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام) بقوله «اللهم هؤلاء أهل بيتي» وهذا يدل على أنهم المقصودون من أهل البيت دون غيرهم، الثالث أن «يطهركم» و «عنكم» يدل على ما ذكرنا إذ لو كان المراد الزوجات لقيل عنكن ويطهركن، الرابع أن نفي حقيقة الرجس المستلزم لنفي جميع أفراده على العموم صريح في المطلوب لأن نفيه على هذا الوجه عبارة عن العصمة، فيمتنع دخول الزوجات في الخطاب لعدم عصمتهن. وبهذا يندفع ما يتوهم من أن دخول الزوجات في الخطاب

ص:112

المذكور جائز من باب التغليب.

واعلم ان روايات العامة أيضا دلت على أن هذه الآية الشريفة نزلت في شأن هؤلاء الطاهرين.

روى مسلم في صحيحه (1) بإسناده عن عائشة قالت: «خرج النبي (صلى الله عليه وآله) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» قال عياض: المرط: كساء والجمع مروط، ومرحل بالحاء المهملة ويروى بالجيم أي فيه صورة الرجال أو صور المراجل وهي القدور ويقال: ثوب مرحل بالإضافة وثوب مرحل بالوصف.

وقال القرطبي: هذا قول الشارحين ويظهر لي أن المراد به أنه ممشوط خمله ربيدة لأنه (صلى الله عليه وآله) كيف يلبس ما فيه الصور وقد نهى عن ذلك وهتك الستر الذي هي فيه وغضب عند رؤيته، ثم قال القرطبي: الآية تدل على أن المراد بأهل البيت المعظمون الذين عظمهم النبي (صلى الله عليه وآله) بإدخالهم في مرطه.

قال ابن عطية: قال ابن عباس وعكرمة: المراد بأهل البيت زوجاته، وقال الجمهور: المراد من أدخلهم معه في المرط لا غير لأحاديث وردت ولقوله تعالى: (ويطهركم) ولو أراد الزوجات لقال ويطهركن، ولحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «ونزلت هذه الآية في وفي علي وفاطمة والحسن والحسين» وقال بعض الشافعية: أهل الرجل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوز فاستعمل فيمن يجمعه وإياهم نسب ثم نص في الحديث ما ذكر.

أقول: الأحاديث في قول ابن عطية «لأحاديث وردت» منها ما أشار إليه من حديث أبي سعيد الخدري، ومنها ما رواه صاحب كتاب الجمع بين الصحاح الستة في الجزء الثاني عن الثعلبي من طرق منها عن أم سلمة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لفاطمة: «إيتيني بزوجك وابنيك فأتت بهم فألقى عليهم كساء، ثم رفع يده عليهم فقال: اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد فإنك حميد مجيد، قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فاجتذبه وقال: إنك لعلى خير» ومنها ما رواه أحمد بن حنبل والثعلبي بإسنادهما عن واثلة بن الأسقع قال: «جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه - أو قال كساء - ثم تلا هذه الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق وأعلم» إن «كان» هنا

ص:113


1- صحيح مسلم: 7 / 130.

يحتمل أن تكون تامة عبارة عن الحدوث والوجود وأن تكون ناقصة خبرها محذوف أي حاضرين أو خبرها قوله «في بيت أم سلمة» أخره اختصارا لتعلقه بالفعلين على سبيل التنازع.

قوله (تحت الكساء) الكساء بالكسر والمد واحدة الأكسية وأصله كساو لأنه من كسوت إلا أن الواو لما جاءت بعد الألف همزت.

قوله (إن لكل نبي أهلا وثقلا) قال الأزهري: أهل الرجل أخص الناس به وقيل: أهله المختص به اختصاص القرابة، وقيل: خاصته الذي ينسب إليه، وثقل الرجل بالتحريك حشمه الذين يعينونه في أمره وسمى عترته ثقلا لأنهم يعينونه في ترويج دينه.

قوله (أولى الناس بالناس) أي أقومهم بأمرهم وأولاهم بالتصرف في أمورهم كما كان النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك في حال حياته.

قوله (لكثرة ما بلغ فيه) روايات التبليغ كثيرة متواترة مشهورة وفي كتب العامة والخاصة والسير مسفورة مذكورة وما بلغ أحد من الأنبياء في وصيه مثل ما بلغ نبينا (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام)، فيا عجبا لحالهم مع كثرة رواياتهم كيف ذهبوا إلى أنه (صلى الله عليه وآله) لم يوص إلى علي (عليه السلام) واستدلوا عليه بما رواه مسلم (1) عن الأسود بن يزيد قال: «ذكروا عند عائشة أن عليا كان وصيا فقالت: متى أوصى إليه فقد كنت مسندته إلى حجري فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري، وما شعرت أنه مات فمتى أوصى إليه» أقول: ذكرهم ذلك عندها دل على شيوع الوصاية عندهم، وأما شهادة عائشة مع بغضها لعلي (عليه السلام) لأمر ما كما ذكره الآبي في كتاب إكمال الإكمال وهو من أعاظم علمائهم ومع كونها شهادة على النفي وهي غير مقبولة إجماعا فكيف تسمع وتقبل. وقال الآبي في الكتاب المذكور ونعم ما قال: سبب الوصية إنما هو حدوث المرض لا الانتهاء إلى هذه الحالة التي ذكرتها عائشة وحينئذ لا يتقرر ما ذكرت دليلا على أنه لم يوص لاحتمال أن يكون أوصى قبل ذلك وهذا الكلام الحق قد أجرى الله على لسان هذا الناصبي ليكون حجة عليه يوم القيامة والحمد لله رب العالمين.

قوله (وإقامته للناس وأخذه بيده) عطف على الكثرة إشارة إلى ما وقع في غدير خم.

قوله (فلما مضى علي لم يكن يستطيع) أي فلما قرب وقت مضيه لم يكن قادرا على نقل الوصية عن محلها إلى غيره لعدم المقتضي له وتحقق المانع منه عقلا ونقلا والفعل عند عدم المقتضى وتحقق المانع غير مقدور ولعل المقصود هو الإشارة إلى أنه إذا لم يكن لصاحب الأمر أن ينقل الحق عن صاحبه كيف يجوز ذلك لغيره.

ص:114


1- : 5 / 75 كتاب الوصية.

قوله (كان الحسن أولى بها لكبره) أي كان أولى بها من الحسين (عليه السلام) لأنه كان أكبر منه وقد مر أن الإمامة لأكبر الأولاد.

قوله (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) أي أولى ببعض في التوارث من الأجانب في القرآن أو في حكم الله أو في اللوح المحفوظ المكتوب فيه جميع الأشياء، والظاهر أنه بمنزلة التعليل للفعل المنفي، يعني أن فعله ذلك ونقل الوصية إلى ولده باعتبار مضمون هذه الآية لكون ولده أقرب إليه من أخيه الحسين (عليه السلام) لا يجوز، لأن الحسين (عليه السلام) ورث العلم والإمامة من أبيه حيث أن أباه أوصى إليه وإلى أخيه الحسن (عليهما السلام) على أن يكون الحسن (عليه السلام) مقدما عليه فهو الأولى بالإرث من ولد الحسن (عليه السلام).

قوله (لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع) كإخوته وأولاد أخيه مثل محمد بن الحنفية وأولاد الحسن (عليه السلام) إذ الحجج المذكورة لم تكن لأحد منهم وفي قوله «كما كان هو يدعي على أخيه وعلى أبيه الخ» دلالة على ما ذكرنا من أن وراثة الحسين (عليه السلام) من أبيه، وأن أباه أوصى إليه أيضا فافهم.

قوله (ثم صارت حين أفضت إلى الحسين (عليه السلام) يجري (1)) الفضاء المكان والساحة وقولهم أفضى فلان إلى فلان إذا وصل إليه حقيقته صار في فضائه وساحته كذا في المغرب، وقوله «فجرى» خبر صارت بحذف العائد أي يجري تأويل هذه الآية يعني ورث الولد دون سائر الأقارب.

قوله (والرجس هو الشك) والرجس مسبب عن الشك في الله والحمل للمبالغة في السببية حتى كان السبب صار نفس المسبب كما أن الحصر كذلك أيضا.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة عن ابن مسكان، عن عبد الرحيم بن الروح القصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزوجل: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فيمن نزلت؟ فقال: نزلت في الإمرة، إن هذه الآية جرت في ولد الحسين (عليه السلام) من بعده، فنحن أولى بالأمر وبرسول الله (صلى الله عليه وآله) من المؤمنين والمهاجرين والأنصار، قلت: فولد جعفر لهم فيها نصيب؟ قال: لا، قلت: فلولد العباس فيها نصيب؟ فقال: لا، فعددت عليه بطون بني عبد المطلب، كل ذلك يقول: لا، قال: ونسيت ولد الحسن (عليه السلام) فدخلت بعد ذلك عليه، فقلت له: هل لولد الحسن فيها نصيب؟ فقال: لا، والله يا عبد الرحيم! ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا.(2)

ص:115


1- كذا وفي المتن «فجرى» وقال في «المرآة»: أكثر النسخ «فجرى».
2- -الکافی :288/1.

* الشرح:

قوله (نزلت في الإمرة) الإمرة والإمارة بالكسر فيهما الولاية يقال أمر فلان بالضم أي صار أميرا واليا وأمره إذا جعله أميرا صاحب الإمارة والولاية.

قوله (إن هذه الآية جرت) أي قوله تعالى: (وأولو الأرحام) جرى حكمه في ولد الحسين بعده لتقدمه على سائر الأقرباء في وراثة الإمارة، وأما الحسين (عليه السلام) فهو مقدم على أولاد أخيه الحسن (عليه السلام) وغيرهم من الأقارب.

قوله (فلولد جعفر) هو جعفر بن أبي طالب أخو أمير المؤمنين (عليه السلام).

* الأصل:

3 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محمد الهاشمي عن أبيه، عن أحمد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزوجل (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) قال: إنما يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم، الله ورسوله والذين آمنوا يعني عليا وأولاده والأئمة (عليهم السلام) إلى يوم القيامة، ثم وصفهم الله عزوجل فقال: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1)وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في صلاة الظهر وقد صلى ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار وكان النبي (صلى الله عليه وآله) كساه إياها وكان النجاشي أهداها له فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم تصدق على مسكين، فطرح الحلة إليه وأومأ بيده إليه أن احملها. فأنزل الله عزوجل فيه هذه الآية وصير نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة، يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون وهم راكعون والسائل الذي سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) من الملائكة والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة.(2)

* الشرح:

قوله (إنما يعني أولى بكم) هذا التفسير هو الحق، وأما ما ذهب إليه بعض العامة من أن المراد بالولي المحب فينا فيه الحصر وينافيه ما رواه الثعلبي بإسناده عن عباية بن ربعي عن أبي ذر قال:

«صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا إلا علي (عليه السلام) فأعطاه وهو راكع بحضرة النبي فلما فرغ النبي من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال «اللهم إن موسى (عليه السلام) سألك فقال (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري - إلى قوله - من اتبعكما الغالبون) اللهم أنا محمد عبدك ونبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي واشدد به ظهري» قال أبو ذر: فما استتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكلمة حتى نزل عليه جبرئيل (عليه السلام)

ص:116


1- -سورة المائدة :55 .
2- -الکافی :288/1.

بهذه الآية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة وهذا ظاهر في أن المراد بالولي صاحب الولاية والخلافة والوزارة وقد بسطنا القول فيه سابقا فلا نعيده.

قوله (يعني عليا (عليه السلام)) وافقتنا العامة في أن المراد به علي (عليه السلام) ورواياتهم أيضا تدل عليه، قال الثعلبي في تفسير هذه الآية: قال السدي: وعتبة بن أبي حكيم وغالب بن عبد الله: إنما عنى بهذه الآية علي بن أبي طالب لأنه مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه» ومثله قال الزمخشري في الكشاف.

قوله (ثم وصفهم الله) يحتمل أن يراد بالوصف النعت المعروف وأن يراد به البيان والتفسير فلا ينافي أن يكون بدلا وعلى التقديرين ترك العطف لأنه المناسب.

قوله (ويؤتون الزكاة وهم راكعون) قال بعض النواصب: كيف أعطى الخاتم في الصلاة وهو يوجب فعلا كثيرا؟ الجواب: إن الروايات مختلفة، ففي بعضها أنه أعطى حلة وفي بعضها أنه أعطى خاتما والجمع محتمل باعتبار تعدد القضية، وعلى التقديرين يمكن الإعطاء من غير أن يتحقق فعل كثير، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأنه أومأ إلى السائل بيده فأخرجه السائل، يدل على ذلك ما رواه الثعلبي في حديث طويل عن أبي ذر قال: سأله سائل وكان (عليه السلام) راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره.

قوله (وعليه حلة) الحلة بالضم إزار ورداء كذا في المغرب.

قوله (كساه إياها) يقال: كسوته ثوبا فاكتسى.

قوله (وكان النجاشي أهداها له) قال المطرزي في المغرب: النجاشي ملك الحبشة بتخفيف الياء سماعا من الثقات وهو اختيار الفاراني. وعن صاحب التكملة بالتشديد وعن الغوري كلتا اللغتين، وأما تشديد الجيم فخطأ واسمه أصحمة والسين تصحيف، وأورد على المطرزي بأن الفاراني ذكره في المنسوب بالتشديد وفي فعالي بالتخفيف. فنظر المطرزي في فعالى وغفل عن المنسوب، وقال الجوهري: النجاشي بالفتح اسم ملك الحبشة، وقال البغوي: اسمه أصحمة بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الحاء المهملتين، وقال عياض: وهو الصواب والمعروف صحمة بفتح الصاد وإسكان الحاء، وقيل: إنما اسمه صمحة بتقديم الميم على الحاء والصواب الأول، وقال ابن قتيبة: معناه بالعربية عطية، وقال الآبي: يعني أنه مرادف العطية لا أنه تفسير له لأنه علم والأعلام لا تفسر معانيها، فلا يقال زيد معناه كذا وإنما تفسر المشتقات، فيقال: معنى العالم من قام به العلم.

وقال عياض: النجاشي لقب لملك الحبشة كما أن كسرى لملك الفرس، وهرقل وقيصر لملك

ص:117

الروم، وخاقان لملك الترك، والتبع لملك اليمن، والقيل لملك حمير، وقيل: القيل أقل درجة من الملك، وقيل: فرعون لكل من ملك مصر، ونمرود لكل جبار ملك قرية نمرود وإبراهيم (عليه السلام). وقال الآبي: هذه هي أعلام جنس كأسامة والنجاشي هذا هو الذي هاجر إليه جعفر وغيره فأكرم نزلهم فأكرمه الله بالجنة وكان يخفي إيمانه وصلى عليه النبي (صلى الله عليه وآله) في اليوم الذي مات فيه وذلك من معجزاته بإخباره عن الغيب وقد كانوا اختلفوا في أنه هل يعد من الصحابة أم لا بناء على اختلافهم في الصحابي هل هو من رآه وآمن به أو من آمن به وهو من أهل عصره وإن لم يره والمشهور هو الأول.

قوله (والسائل الذي سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) من الملائكة) سأله بأمر الله تعالى اختبارا وإظهارا لفضله على الصحابة. والفضيل بن يسار عطف على زرارة.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة وفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعا عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

أمر الله عزوجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة) وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله محمدا (صلى الله عليه وآله) أن يفسر لهم الولاية كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من الله، ضاق بذلك صدر رسول الله وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه، فضاق صدره وراجع ربه عزوجل فأوحى الله عزوجل إليه (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) فصدع بأمر الله تعالى ذكره فقام بولاية علي (عليه السلام) يوم غدير خم فنادى الصلاة جامعة وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب.

قال عمر بن أذينة: قالوا جميعا غير أبي الجارود - وقال أبو جعفر (عليه السلام): وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عزوجل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) قال أبو جعفر (عليه السلام): يقول الله عزوجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض.(1)

* الشرح:

قوله (وأبي الجارود) اسمه زياد بن المنذر زيدي أعمى، أعمى القلب كذاب إليه تنسب الجارودية، وحكى أنه سرحوب ونسب إليه السرحوبية من الزيدية وسماه بذلك أبو جعفر (عليه السلام) وذكر أن سرحوبا اسم شيطان وهو بالسين المهملة المضمومة والراء والحاء المهملتين

ص:118


1- -الکافی :289/1.

والباء الموحدة بعد الواو.

قوله (قال أمر الله عزوجل رسوله بولاية علي) أي يجعله واليا أميرا على الأمة بعده.

قوله (وتخوف أن يرتدوا عن دينهم) للحسد والعناد والعداوة حيث أنه (عليه السلام) قتل من أبنائهم وآبائهم وصناديدهم كثيرا.

قوله (وإن يكذبوه) العاقل الكامل يخاف من تكذيبه فيما يقول وإن كان ضرره عائدا إلى المكذب، ولذا قال كليم الله حين جعله رسولا إلى فرعون (إني أخاف أن يكذبون) في الحديث:

«إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه» ثم المراد من تكذيبهم له إما عدم قبولهم الولاية وعدم انقيادهم له وإن اعترفوا أنها من الله أو نسبة الكذب إليه بأنه يقول ذلك من عند نفسه حبا لقرابته لا من عند الله تعالى.

قوله (بلغ ما أنزل إليك) من ولاية علي (عليه السلام) (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)(1) لأن الولاية أصل الدين وسائر الشرائع فروع وتوابع لها وعدم تبليغ الأصل موجب لعدم تبليغ الفرع قطعا (والله يعصمك من الناس) قد وفى الله تعالى بما وعده حيث أنهم عن آخرهم قبلوا منه ذلك وصدقوه يومئذ وحيوه بأحسن تحية وباركوه.

قوله (فصدع بأمر الله) صدع بالحق إذا تكلم به جهارا وأظهره.

قوله (فقام بولاية علي (عليه السلام) يوم غدير خم) قال في النهاية: هو موضع بين مكة والمدينة تصب فيه عين هناك وبينها مسجد للنبي (صلى الله عليه وآله). واعلم أن العامة وافقونا في نصبه (عليه السلام) ذلك اليوم ورواياتهم فيه متواترة مقبولة عندهم منها ما رواه مسلم في صحيحه (2) بإسناده عن يزيد بن حيان قال:

انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما حدثتكم فاقبلوا وما لا أحدثكم فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول يوما فينا خطيبا بما يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: «أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي - ثلاثا - فقال له

ص:119


1- -سورة القصص:34.
2- صحيح مسلم: 7 / 123.

حصين: ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.

ومنها ما نقله صاحب الطرائف عن مسعود السجستاني بإسناده إلى عبد الله بن عباس قال: أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يبلغ بولاية علي (عليه السلام) فأنزل الله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك - الآية) فلما كان يوم غدير خم قام فحمد الله وأثنى عليه وقال: «ألستم تزعمون أني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره وأعز من أعزه، وأعن من أعانه».

ومنها ما رواه أبو بكر بن مردويه الحافظ بإسناده إلى أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه وآله) يوم دعا الناس إلى غدير خم أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم وذلك يوم الخميس، ثم دعا الناس إلى علي (عليه السلام) فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يتفرقا حتى نزلت هذه الآية العظيمة (اليوم أكملت لكم دينكم - الآية) وقال رسول الله «الله أكبر على كمال الدين وتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب ثم قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاده، وانصر من نصره، واخذل من خذله» فقال حسان بن ثابت الأنصاري: يا رسول الله أتأذن لي أن أقول أبياتا؟ قال: قل على بركة الله تعالى، فقال حسان أبياتا منها:

يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالنبي مناديا إلى أن قال:

فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا فقال: فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك فقال له: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

ومنها ما رواه ابن المغازلي في كتابه بإسناده إلى أبي هريرة قال: من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة فأنزل الله عزوجل (اليوم أكملت لكم دينكم).

وفي كتاب الطرائف: روى حديث الغدير محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ من خمس

ص:120

وعشرين طريقا وأفرد له كتابا سماه كتاب العلاة، ورواه أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة من مائة وخمسة طرق وأفرد له كتابا سماه كتاب الولاة، وذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الاقتصاد ان قد رواه من مائة وخمس وعشرين طريقا، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده من أكثر من خمسة عشر طريقا، ورواه الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب من اثني عشر طريقا، وذكر صاحب الطرائف أيضا أنه ذكر ابن عقدة في الكتاب المذكور الإخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك وذكر أسماء الرواة من الصحابة والكتاب عندي وعليه خط الشيخ العالم الرباني أبو جعفر الطوسي وجماعة من شيوخ الإسلام، وهذه أسماء من روى حديث غدير خم عن الصحابة وعد أحدا ومائتين من أسماء الصحابة ومن أراد أن يعلمها فليرجع إلى الطرائف.

قوله (فأنزل الله عزوجل اليوم أكملت لكم دينكم) روى مسلم في صحيحه بإسناده عن طارق ابن شهاب قال: قال يهودي لعمر: لو علينا معشر يهود نزلت هذه الآية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ونعلم اليوم الذي أنزلت فيه لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. وفي أخرى قال - يعني ابن شهاب: جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال: آية في كتابكم نقرؤها لو علينا نزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: وأي آية؟ قال: (اليوم أكملت لكم دينكم - الآية) فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله بعرفات في يوم الجمعة ونحن معه.

قال القرطبي: هو يوم عرفة في حجة الوداع، وقال مجاهد: نزلت في يوم فتح مكة. ورواياتنا دلت على أنها نزلت في حجة الوداع يوم غدير خم، وذهب إلى ما أشار إليه (عليه السلام) من قوله: «يقول الله لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة» مجاهد حيث قال «دينكم» معناه شرائع دينكم لأنها نزلت نجوما وآخر ما نزل منها هذه الآية.

وكذا ذهب إليه ابن عباس حيث قال: ولم ينزل بعد هذه الآية حكم ومعنى الآية بحسب تفسير أهل البيت (عليهم السلام) اليوم أكملت لكم دينكم بولاية علي (عليه السلام) وأتممت عليكم نعمتي بإكمال الشرائع بإمامة علي (عليه السلام) ورضيت لكم الإسلام دينا بخلافته. والعامة لما لم يعرفوا ذلك اعترضوا على الله سبحانه بأنه لم يزل كان راضيا بدين الإسلام فلم يكن لتقييد الرضا باليوم فائدة، وأجاب القرطبي بأن معنى قوله: «رضيت لكم الإسلام دينا» أعلمتكم برضاي له دينا اليوم، وإلا فهو سبحانه كان دائما راضيا بذلك فلا يرد أنه لا فائدة للتقييد باليوم لأن رضاه كان دائما لأن الإعلام برضاه وقع في ذلك اليوم. فاعرف قبح ذلك وكن من الشاكرين.

5 - علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كنت عنده جالسا، فقال له رجل: حدثني عن ولاية علي أمن

ص:121

الله أو من رسوله؟ فغضب ثم قال: ويحك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخوف لله من أن يقول ما لم يأمره به الله، بل افترضه كما افترض الله الصلاة والزكاة والصوم والحج.

* الأصل:

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، ومحمد بن الحسين جميعا، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: فرض الله عزوجل على العباد خمسا، أخذوا أربعا وتركوا واحدا، قلت:

أتسميهن لي جعلت فداك؟ فقال: الصلاة، وكان الناس لا يدرون كيف يصلون، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد أخبرهم بمواقيت صلاتهم، ثم نزلت الزكاة فقال: يا محمد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم، ثم نزل الصوم فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان يوم عاشوراء بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم فنزل [صوم] شهر رمضان بين شعبان وشوال، ثم نزل الحج فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال: أخبرهم من حجهم ما أخبرتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم، ثم نزلت الولاية وإنما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة، ثم أنزل الله عزوجل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)(1) وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال عند ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله): أمتي حديثو عهد بالجاهلية ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ويقول قائل - فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني - فأتتني عزيمة من الله عزوجل بتلة أوعدني إن لم أبلغ أن يعذبني، فنزلت: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدي القوم الكافرين) فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد علي (عليه السلام) فقال: [يا] أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلا وقد عمره الله، ثم دعاه فأجابه، فأوشك أن أدعى فأجيب وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ فقالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت ما عليك فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين، فقال: اللهم اشهد - ثلاث مرات - ثم قال: يا معشر المسلمين هذا وليكم من بعدي فليبلغ الشاهد منكم الغائب، قال أبو جعفر (عليه السلام): كان والله [علي (عليه السلام)] أمين الله على خلقه وغيبه ودينه الذي ارتضاه لنفسه، ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حضره الذي حضره فدعا عليا فقال: يا علي إني أريد أن أئتمنك على ما إئتمنني الله عليه من غيبه وعلمه و [من] خلقه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه، فلم يشرك والله فيها - يا زياد - أحدا من الخلق، ثم إن عليا (عليه السلام) حضره الذي حضره فدعا ولده وكانوا

ص:122


1- -سورة المائدة :99 .

اثني عشر ذكرا فقال لهم: يا بني إن الله عزوجل قد أبى إلا أن يجعل في سنة من يعقوب وإن يعقوب دعا ولده وكانوا اثني عشر ذكرا، فأخبرهم بصاحبهم، ألا وإني أخبركم بصاحبكم، ألا إن هذين ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام) فاسمعوا لهما وأطيعوا ووازروهما فإني قد إئتمنتهما على ما إئتمنني عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما إئتمنه الله عليه من خلقه ومن غيبه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه، فأوجب الله لهما من علي (عليه السلام) ما أوجب لعلي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يكن لأحد منهما فضل على صاحبه إلا بكبره وإن الحسين كان إذا حضر الحسن (عليهما السلام) لم ينطق في ذلك المجلس حتى يقوم. ثم إن الحسن (عليه السلام) حضره الذي حضره فسلم ذلك إلى الحسين (عليه السلام)، ثم إن حسينا حضره الذي حضره فدعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) مبطونا لا يرون إلا أنه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا.

الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله.

* الشرح:

قوله (فقال يا محمد أخبرهم بمواقيت صلاتهم) الميقات الوقت المضروب للفعل وأصله موقات تقول: وقت الفعل إذا جعل له وقتا يفعل فيه وهو بيان مقدار المدة، وقته أيضا إذا قدره وحده وكيفه بتقدير معين وحد مخصوص وكيفية مخصوصة.

قوله (فنزل شهر رمضان بين شعبان وشوال) أي فنزل صوم شهر رمضان و «بين» ظرف للشهر أو للصوم، والغرض من ذكره هو الإشارة إلى وجوب صوم كله وقيل ظرف للشهر والغرض منه هو التنبيه على أنه لم يكن اسمه شهر رمضان قبل فلما أمر الله تعالى بصوم ذلك الشهر سماه شهر رمضان لأن رمضان اسم الله تعالى وفيه دلالة على أنه نسخ صوم عاشوراء بصوم هذا الشهر وعلى أنه يجوز نسخ الأخف بالأشق لأن صوم شهر أشق من صوم يوم.

قوله (ثم نزلت الولاية - إلى قوله - بولاية علي (عليه السلام)) لعل المراد: ثم نزلت ولاية علي (عليه السلام) لقوله جل شأنه (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك - الآية) وإنما أتاه ذلك أي الولاية في يوم الجمعة بعرفة ولما أقامه ونصبه في يوم غدير خم أنزل الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم - الآية) ثم ما بعده تفصيل لهذا المجمل، فلا يرد أن هذا يدل على أن نزول قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) كان في يوم عرفة قبل إظهار ولاية علي (عليه السلام) وهو مناف لما مر أنه كان بعده. فليتأمل.

ص:123

قوله (حديثو عهد بالجاهلية) يقال: عهده به حديث أي إدراكه وملاقاته إياه قريب لم يمض بعد زمان كثير وفيه إيماء إلى أن فيهم شائبة من أخلاق الجاهلية ولم ينقلع عروقها عن قلوبهم والحق أنهم كانوا كذلك فلذلك أحدثوا بعده ما أحدثوا.

قوله (يقول قائل ويقول قائل) أي يقول قائل: أخبر به وهو صادق، ويقول قائل آخر: أخبر به وهو كاذب مفتر على الله. أو يقول قائل: أخبر به من قبله للقرابة، ويقول قائل آخر: أخبر به افتراء.

وحذف مقول القول للدلالة على التعميم في الذم.

قوله (فقلت في نفسي) أي قال: فقلت، بحذف الجملة لقرينة المقام وهو متفرع على السابق منتظم في سلكه من غير تقدير شيء أو معطوف على أمتي والقول النفسي عبارة عن الخاطر ثم هذا القول من كرم الأخلاق والتواضع للرب وإلا فهو (صلى الله عليه وآله) أرفع من أن يخالف ربه في أمر من الأمور.

وأما وجوب إظهار الولاية فقد كان وقته موسعا وإنما لم يبادر في أول أوقات إمكانه لأنه كان مترقبا للعصمة من الله تعالى.

قوله (فأتتني عزيمة من الله تعالى بتلة) البتل القطع، والعزيمة الفريضة التي عزم الله سبحانه على العباد وجوبها، ووصفها بالبتلة للدلالة على أنها فريضة محكمة لا ترد ولا تتبدل وهو إما للتأكيد أو للتقييد بناء على أن الفريضة قد تكون غير محكمة.

قوله (وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون) أي أنا مسؤول عن التبليغ والسياسة وأنتم مسؤولون عن التصديق والطاعة أو حذف المتعلق للتعميم.

قوله (كان والله أمين الله على خلقه) مدار الإمارة على ثلاثة أشياء: الأول أن يكون أمين الله على خلقه جميعا لأنه خليفة عليهم فينبغي أن يفعل بهم على وفق مراده تعالى ولا يخونه في شيء من أمورهم، الثاني أن يكون أمينه على غيبه من العلوم والأسرار المختصة بالأنبياء فلا يخونه بالزيادة والنقصان، الثالث أن يكون أمينه على دينه الذي ارتضاه لنفسه وقرره لمصالح عباده فيحفظه كما قرره ويبينه كما أنزله ويجري عليهم أحكامه ولا يخونه في شيء أصلا وقد كان علي (عليه السلام) والله موصوفا بهذه الخصال على وجه الكمال.

قوله (إني أريد أن ائتمنك) إيتمنه على كذا فهو مؤتمن أي اتخذه أمينا.

قوله (فلم يشرك والله فيها يا زياد أحد) أي لم يجعل شريكه في الولاية والخلافة، يقال: أشركه فيه أي جعله شريكا فيه ومنه قوله تعالى: (وأشركه في أمري) أي أجعله شريكي فيه، وفيه دفع لتوهم أهل الفساد أن له شريكا في الخلافة بعده (صلى الله عليه وآله).

قوله (ووازروهما) الوزر الحمل الثقيل ووزره حمله يعني احملوا عنهما ما يثقل ظهرهما من الأشياء المثقلة، وفيه ترغيب في معاونتهما وتحمل أثقالهما.

قوله (ولم ينطق في ذلك المجلس حتى يقوم) أي لم ينطق بما ينبغي أن ينطق به

ص:124

الإمام من أمر الدين والرئاسة لما مر من أنه لا يجتمع في عصر إمامان إلا وأحدهما صامت.

قوله (فدفع إليها كتابا ملفوفا) الروايات في ذلك مختلفة فمنها هذه ومنها أنه (عليه السلام) دفع إلى أم سلمة صحيفة مختومة ثم قبضها بعد ذلك علي بن الحسين (عليهما السلام) ومنها أن الإمام يعرف إمامته وينتهي الأمر إليه في آخر دقيقة تبقى من حياة الأول ولا اختلاف في الحقيقة لأنه (عليه السلام) دفع إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) ما معه من العلوم والأسرار الإلهية في ساعة قريبة من القتل ودفع بعض وصاياه إلى أم سلمة مثل الصحيفة المختومة وسلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند خروجه إلى العراق وبعضها إلى ابنته فاطمة لعلمه بأنهما تدفعان إلى علي بن الحسين عليهما السلام.

* الأصل:

7 - محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن صباح الأزرق، عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن رجلا من المختارية لقيني فزعم أن محمد بن الحنفية إمام، فغضب أبو جعفر (عليه السلام)، ثم قال: أفلا قلت له؟ قال: قلت: لا والله ما دريت ما أقول، قال: أفلا قلت له: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصى إلى علي والحسن والحسين فلما مضى علي (عليه السلام) أوصى إلى الحسن والحسين ولو ذهب يزويها عنهما لقالا له: نحن وصيان مثلك ولم يكن ليفعل ذلك وأوصى الحسن إلى الحسين ولو ذهب يزويها عنه لقال أنا وصي مثلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن أبي ولم يكن ليفعل ذلك، قال الله عزوجل: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) هي فينا وفي أبنائنا.

* الشرح:

قوله (إن رجلا من المختارية) الروايات في مدح مختار بن أبي عبيد الثقفي وذمه مختلفة قيل هو الذي دعى الناس إلى محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية وسميت أصحابه بالكيسانية وهم المختارية وكان لقبه كيسان ولقب كيسان لصاحب شرطه وقيل إنه سمى كيسان بكيسان مولى علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وقيل هو الذي حمله على الطلب بدم الحسين (عليه السلام) ودله على قتلته وكان صاحب سره والغالب على أمره وكان لا يبلغه عن رجل من أعداء الحسين (عليه السلام) إنه في دار أو موضع إلا قصده فهدم الدار بأسرها وقتل كل من فيها من ذي روح.

قوله (أفلا قلت) الفاء للعطف على مقدر أي أسمعت ذلك فلا قلت له شيئا.

قوله (ما دريت) دريت الشيء علمته.

ص:125

باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين (عليه السلام)

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن زيد بن الجهم الهلالي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لما نزلت ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): سلموا على علي بإمرة المؤمنين، فكان مما أكد الله عليهما في ذلك اليوم - يا زيد - قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهما: قوما فسلما عليه بإمرة المؤمنين، فقالا:

أمن الله أو من رسوله يا رسول الله؟ فقال لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله): من الله ومن رسوله فأنزل الله عزوجل (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون) يعني به قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهما وقولهما: أمن الله أو من رسوله (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون) أئمة هي أزكى من أئمتكم قال: قلت: جعلت فداك أئمة؟ قال: إي والله أئمة، قلت: فإنا نقرأ: أربى، فقال: ما أربى؟ - وأومأ بيده فطرحها - (إنما يبلوكم الله به) يعني بعلي (عليه السلام) (وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون * لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن يوم القيامة عما كنتم تعلمون * ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها) يعني بعد مقالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله) يعني به عليا (عليه السلام) (ولكم عذاب عظيم).(1)

* الشرح:

قوله (بإمرة المؤمنين) أي بإمارتهم وولايتهم.

قوله (مما أكد الله عليهما) أي على الأول والثاني.

قوله (فقالا أمن الله أو من رسوله) دل على أنهما لم يوقنا بالله وبرسوله حيث ظنا أن الرسول يتكلم بذلك الأصل العظيم من قبله افتراء على الله وكأنهما لم يسمعا قوله تعالى: (ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) (ولا تنقضوا الأيمان) أي لا تنقضوا أيمان البيعة بولاية علي (عليه السلام) وإمارته بعد توكيدها وتوثيقها بذكر الله وميثاقه (وقد جعلتم الله عليكم كفيلا) شاهدا رقيبا سمى

ص:126


1- -الکافی :292/1.

الشاهد الرقيب كفيلا لأن الكفيل مراع بحال المكفول به، شاهد رقيب عليه، واعلم أن تفسير الأيمان بأيمان البيعة ليس ببعيد مستبعد لتصريح علماء العامة بذلك في تفاسيرهم إلا أنهم أرادوا بالبيعة بيعة الرسول.

قوله (إن الله يعلم ما تفعلون) تقرير وتثبيت لكونه كفيلا لأن كل من قال قولا أو عمل عملا فقد جعل الله عليه كفيلا.

قوله (يعني به) الظاهر أنه تفسير لما تفعلون والضمير راجع إليه وأريد بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله في الموضعين.

قوله (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) الغزل مصدر غزلت المرأة القطن وهو هنا بمعنى المفعول. والقوة الإبرام والإحكام، والأنكاث جمع النكث بالكسر وهو الخيط الخلق من صوف أو شعر أو وبر، سمي به لأنه ينقض ثم يعاد فتله، وانتصابه على أنه حال من غزلها. نهاهم أن ينقضوا عهدهم وبيعتهم ويتشبهوا بالمرأة التي نقضت ما غزلته من بعد قوة وإحكام وجعلته خلقا وأعادت فتله وهي ريطة بنت سعد بن تيم القرشية فإنها كانت خرقاء تفعل ذلك.

قوله (تتخذون أيمانكم دخلا بينكم) حال من الضمير في قوله ولا تكونوا، والدخل بالتحريك والتسكين الدغل، وهو الريبة والمكر والخديعة، وأصله ما يدخل في الشيء وليس منه فيفسده، والمعنى: لا تكونوا متشابهين بالمرأة المذكورة حال كونكم تتخذون أيمانكم وبيعتكم مكرا وخديعة بينكم.

قوله (أن تكون أئمة) متعلق بتتخذون أي بسبب أن يكون أو لأجل أو كراهة أن يكون أئمة هي أزكى أي أطهر وأفضل من أئمتكم والتفضيل هنا مجرد عن الزيادة أو لإظهاره أصلا في غيرهم من الأئمة.

قوله (قال قلت جعلت فداك أئمة) كأن السائل كان في مقام الشك حيث لم ير في القرآن إلا أمة (1) بمعنى جماعة ولو كان هذا لتم المقصود أيضا فتأمل.

ص:127


1- «حيث لم ير في القرآن إلا أمة» زيد بن جهم لا عبرة بما يرويه مخالفا للمعلوم المتواتر أو الثابت بالبرهان اليقيني، أما الأول فما يتضمنه من تحريف القرآن صريحا والقرآن متواتر والخبر من الآحاد ولا يثبت القرآن بخبر الواحد بإجماع المسلمين، وأما الثاني فإنا نعلم بالبرهان اليقيني عصمة الحجج (عليهم السلام) وعدم تمسكهم بحجة باطلة ونعلم أن الاحتجاج في مقابل الخصم يجب أن يكون بما يعترف الخصم به وإلا فلا يتم الحجة عليه ومعلوم أن أحدا من المسلمين المعترفين بالقرآن الكريم لا يقبل القراءة الشاذة فإن كان مقصود الإمام (عليه السلام) الاحتجاج على المعاند بقراءة اختص هو بنقلها فهو حجة باطلة ينزه الإمام عنها وان كان المقصود الاحتجاج لمؤمن معترف بحجية قول الإمام وعصمته وقبول ما ينقل من القراءة وإن كانت شاذة فهو في غنى عن إثبات إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنه قائل بإمامته وعصمته وإمامة جميع الأئمة إلى الصادق (عليه السلام). (ش)

قوله (يعني بعلي (عليه السلام)) يريد أن الضمير المجرور يعود إلى علي (عليه السلام) باعتبار أنه مفهوم من أئمة وأنه واحد منها أو إلى أئمة باعتبار أن المراد بها علي (عليه السلام) والجمع للتعظيم ويحتمل أن يكون الضمير عائدا إلى «أن تكون أئمة» بمعنى المصدر أي إنما يخبركم بكون أئمة أزكى هل تتمسكون بحبل الوفاء بعهده وبيعته أم تخدعونه بالمكر والخديعة ونقض العهد!.

قوله (وليبينن لكم) أي وليبينن لكم يوم القيامة عند مجازاة العباد بالثواب والعقاب ما كنتم تختلفون من أمر الولاية والإمامة بنقض العهد فتجدون جزاء الاختلاف والنقض.

قوله (ولو شاء - إلى قوله - تعملون) أي ولو شاء الله أن يجعلكم أمة واحدة متفقة على الإيمان والولاية جبرا لجعلكم كذلك ولكن يضل من يشاء بخذلانه ووكوله إلى نفسه المائلة إلى الفساد ويهدي من يشاء بالنصر والتوفيق بحسن استعداده، فالجبر منتف والخذلان والتوفيق واقعان باعتبار تفويت الاستعداد والقبول وعدمه.

قوله (ولا تتخذوا أيمانكم) صريح بالنهي عنه بعد الإشعار به للتأكيد والمبالغة أي لا تتخذوا أيمان البيعة ومواثيق الولاية مكرا وخديعة بينكم فتزل قدم عن طريق الحق ومنهج الإيمان بعد ثبوتها عليه ببيان الرسول. وقوله في علي (عليه السلام) من ولاية الأمة وخلافتهم له بأمر الله تعالى وتذوقوا سوء العذاب يوم القيامة بسبب صدودكم وإعراضكم عن الوفاء بالعهد والبيعة ومنعكم الأعقاب عنه ولكم عذاب عظيم بإعراضكم عنه ومنعكم للغير، فإن من نقض البيعة وارتد; جعل ذلك سنة لغيره - كما صرح به القاضي وغيره - فعليه وزره ومثل وزر من عمل به إلى يوم القيامة.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين وأحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن محمد ابن فضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لما أن قضى محمد نبوته واستكمل أيامه أوحى الله تعالى إليه أن يا محمد! قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب، فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من ذريات الأنبياء.(1)

ص:128


1- -الکافی :292/1.

* الشرح:

قوله (والإيمان) هو إما بفتح الهمزة بمعنى الميثاق والعهد بالولاية، أو بكسرها وهو التصديق القلبي بالله وبرسوله وبجميع ما جاء به الرسول، ولعل المراد به هنا ما يجب الإيمان به وهو جميع ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) من عند الله تعالى.

قوله (والاسم الأكبر) الاسم الأكبر يطلق على الاسم الأعظم وعلى كل كتاب نزل من السماء، ولعل المراد به هنا الثاني لأن الصادق (عليه السلام) فسره في الحديث التالي لهذا الحديث (1).

قوله (وميراث العلم) الإضافة بتقدير اللام وحملها على البيانية يوجب التكرار ولعل المراد به الولاية العظمى والخلافة الكبرى وهي رئاسة الدارين وخلافة الكونين.

قوله (وآثار علم النبوة) الإضافة مثل ما مر ولعل المراد بها إرشاد الخلق وهدايتهم وتعليمهم وغير ذلك من المعجزات والكرامات وروح القدس وبالجملة أمره أن يجعل عند علي (عليه السلام) خمسة أمور: الأول: العلم الكامل بجميع الأمور، الثاني: الشرائع الإلهية، الثالث: الكتب السماوية، الرابع:

الخلافة الدينية والدنيوية، الخامس: الإرشاد والتعليم.

* الأصل:

3 - محمد بن الحسين وغيره، عن سهل، عن محمد بن عيسى، ومحمد بن يحيى ومحمد ابن الحسين جميعا، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أوصى موسى (عليه السلام) إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسى، إن الله تعالى له الخيرة، يختار من يشاء ممن يشاء وبشر موسى ويوشع بالمسيح (عليهم السلام) فلما أن بعث الله عزوجل المسيح قال المسيح (عليه السلام) لهم: إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل (عليه السلام) يجيء بتصديقي وتصديقكم وعذري وعذركم، وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين، وإنما سماهم الله تعالى المستحفظين لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب الذي يعلم به علم كل شيء، الذي كان مع الأنبياء صلوات الله عليهم، يقول الله تعالى: (ولقد أرسلنا رسلا (2) من قبلك وأنزلنا معهم الكتاب والميزان) الكتاب: الاسم الأكبر وإنما عرف مما يدعى الكتاب التوراة والإنجيل والفرقان فيها كتاب نوح (عليه السلام) وفيها كتاب صالح وشعيب وإبراهيم (عليهم السلام) فأخبر الله

ص:129


1- قوله «في الحديث التالي» بل في أواخر هذا الحديث بعينه.
2- كذا، وفي المصحف (ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات - الآية).

عزوجل: (إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى) فأين صحف إبراهيم! إنما صحف إبراهيم الاسم الأكبر، وصحف موسى الاسم الأكبر فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد (صلى الله عليه وآله) فلما بعث الله عزوجل محمدا (صلى الله عليه وآله) أسلم له العقب من المستحفظين وكذبه بنو إسرائيل ودعا إلى الله عزوجل وجاهد في سبيله.

ثم أنزل الله جل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيك فقال: رب إن العرب قوم جفاة، لم يكن فيهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي ولا يعرفون فضل نبوات الأنبياء (عليهم السلام) ولا شرفهم ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي، فقال الله جل ذكره: (ولا تحزن عليهم) (وقل سلام فسوف تعلمون) فذكر من فضل وصيه ذكرا فوقع النفاق في قلوبهم، فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك وما يقولون.

فقال الله جل ذكره: يا محمد! (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) ولكنهم يجحدون بغير حجة لهم وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتألفهم ويستعين ببعضهم على بعض ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيه حتى نزلت هذه السورة فاحتج عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه، فقال الله جل ذكره: (فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب) يقول: إذا فرغت فانصب علمك وأعلن وصيك فأعلمهم فضله علانية، فقال (صلى الله عليه وآله):

من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه - ثلاث مرات - ثم قال: لأبعثن رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار، يعرض بمن رجع يجبن أصحابه ويجبنونه وقال (صلى الله عليه وآله): علي سيد المؤمنين وقال: علي عمود الدين. وقال: هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحق بعدي، وقال: الحق مع علي أينما مال. وقال: إني تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا: كتاب الله عزوجل وأهل بيتي عترتي، أيها الناس اسمعوا وقد بلغت، إنكم ستردون علي الحوض فأسألكم عما فعلتم في الثقلين، والثقلان: كتاب الله جل ذكره وأهل بيتي فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، فوقعت الحجة بقول النبي (صلى الله عليه وآله) وبالكتاب الذي يقرؤه الناس فلم يزل يلقي فضل أهل بيته بالكلام ويبين لهم بالقرآن (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وقال عز ذكره: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) ثم قال: (وآت ذا القربى حقه) فكان علي (عليه السلام) وكان حقه الوصية التي جعلت له والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة، فقال: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) ثم قال: «وإذا المودة سئلت بأي ذنب قتلت» يقول: أسألكم عن المودة

ص:130

التي أنزلت عليكم فضلها، مودة القربى، بأي ذنب قتلتموهم، وقال جل ذكره: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) قال: الكتاب [هو] الذكر، وأهله آل محمد (عليهم السلام) أمر الله عزوجل بسؤالهم ولم يؤمروا بسؤال الجهال، وسمى الله عزوجل القرآن ذكرا فقال تبارك وتعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) وقال عزوجل: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون) وقال عزوجل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وقال عزوجل: (ولو ردوه (إلى الله و) إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) فرد الأمر - أمر الناس - إلى أولي الأمر منهم الذين أمر بطاعتهم وبالرد إليهم، فلما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) فنادى الناس فاجتمعوا وأمر بسمرات فقم شوكهن، ثم قال (صلى الله عليه وآله): [يا] أيها الناس من وليكم وأولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: الله ورسوله، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه - ثلاث مرات - فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم وقالوا: ما أنزل الله جل ذكره هذا على محمد قط وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه، فلما قدم المدينة أتته الأنصار فقالوا: يا رسول الله إن الله جل ذكره قد أحسن إلينا وشرفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا، فقد فرح الله صديقنا وكبت عدونا وقد يأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدو، فنحب أن تأخذ ثلث أموالنا حتى إذا قدم عليك وفد مكة وجدت ما تعطيهم، فلم يرد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهم شيئا وكان ينتظر ما يأتيه من ربه فنزل جبرئيل (عليه السلام) وقال: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) ولم يقبل أموالهم، فقال المنافقون: ما أنزل الله هذا على محمد وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه ويحمل علينا أهل بيته، يقول أمس: من كنت مولاه فعلي مولاه، واليوم: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.

ثم نزل عليه آية الخمس فقالوا: يريد أن يعطيهم أموالنا وفيئنا، ثم أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد إنك قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي (عليه السلام)، فإني لم أترك الأرض إلا ولي فيها عالم تعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي ويكون حجة لمن يولد بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر، قال: فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة وأوصى إليه بألف كلمة وألف باب، يفتح كل كلمة وكل باب ألف

ص:131

كلمة وألف باب.(1)

* الشرح:

قوله (قال أوصى موسى إلى يوشع بن نون) اعلم أن المقصود من هذا الحديث بيان أمور، منها: أن الوصية قد جرت بأمر الله تعالى من نبي إلى آخر وهكذا إلى أن وصلت إلى خاتم الأنبياء وعترته الطاهرين وليس لإرادة الخلق واختيارهم مدخل في الخلافة والإمامة وبذلك يبطل اختيار الجهلة إياها للثلاثة.

ومنها: أن الكتب الإلهية التي أنزلها الله تعالى إلى أنبيائه السابقين كانت محفوظة عنده (صلى الله عليه وآله) فلابد أن تكون محفوظة بعده عند خليفته، وإذ ليس عند غير علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالاتفاق فلابد أن يكون عنده، ومنها: أنه (صلى الله عليه وآله) كان لا يزال يخرج شيئا بعد شيء صريحا وكناية وإشارة في فضل أهل بيته ووصيه حتى ملأ به أسماع الأمة وقلوبهم لئلا يكون لهم بعده مجال لإنكار فضل أهل البيت وتقدمهم عليهم.

ومنها: أن الله تعالى لا يزال ينزل آية بعد آية في فضل أهل بيت نبيه حتى أن قرب انقضاء مدته (صلى الله عليه وآله) فأمره بإعلان فضل وصيه وإظهار ولايته وخلافته على رؤوس الخلائق وأوعده بأنه إن لم يفعل ذلك لم يبلغ رسالته فأجاب (صلى الله عليه وآله) أمر ربه وبلغه كما أمره به.

ومنها: أن العرب بعد هذه المراتب لشدة قلوبهم وكمال قربهم بالجاهلية وميلهم إلى الدنيا وقعت حسكة النفاق في صدورهم حتى فعلوا ما فعلوا، ومنها: أنه تعالى أمر نبيه بعد استكمال أيامه أن يجعل جميع ما معه من العلم وميراثه وآثار علم النبوة عند علي (عليه السلام) ففعله ومضى.

قوله (بتصديقي وتصديقكم) أي بتصديقي في الرسالة وصحة الولادة، ردا لليهود كما نطقت به سورة المائدة في قوله تعالى: (وإذ أوحينا إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا بالله واشهد بأننا مسلمون) إلى غير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

قوله (وعذري وعذركم) أي بمحو إساءتي وإساءتكم وحقيقة عذرت عذرا محوت الإساءة وطمستها وفيه إشارة إلى أن الأنبياء وأمتهم يحتاجون إليه في نيل القرب ورفع الدرجة، أو المصدر وهو العذر بمعنى العاذر وهو الأثر، أي يجيء بأثري وأثركم أشار بذلك إلى قرب ظهوره وإلى أنه لا

ص:132


1- -الکافی :293/1.

نبي بعده إلا هو (صلى الله عليه وآله).

قوله (جرت من بعده في الحواريين في المستحفظين) الظرف الأخير بدل مما قبله أو تفسير وبيان له وفاعل جرت الوصية المفهومة من الكلام السابق وحواريو النبي خلصانه وأنصاره أي الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب.

قوله (وأنزلنا معهم الكتاب والميزان) الميزان ما يوزن به الشيء ويعرف به قدره، وشاع إطلاقه على هذا الذي له لسان وعمود وكفتان، والمراد به هنا إما هذا أو العدل أو الشريعة أو الكتاب على أن يكون العطف للتفسير.

قوله (وإنما عرف مما يدعى الكتاب التوراة والإنجيل والفرقان) يعني أن المعروف بين الناس مما يدعى باسم الكتاب السماوي في هذا العصر إنما هو هذه الثلاثة دون غيرها ولم يذكر الزبور لأنه غير معروف أيضا بينهم، وفي جملة الكتب السماوية كتاب نوح وكتاب صالح وكتاب شعيب وكتاب إبراهيم وكتاب داود ولم يذكره لكون اسمه غير معروف (1) بين الناس فقد أخبر الله تعالى أن هذا أي ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى فأين صحفهما وهل توجد عند غيره (صلى الله عليه وآله) وإنما صحفهما الاسم الأكبر الذي بلغ يدا عن يد وكابرا عن كابر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وكان محفوظا عنده وهو دفعه عند انقضاء مدته إلى المستحفظين من عقبه. وبالجملة الكتب السماوية المشهورة وغيرها إذا حفظها الله تعالى بوضعها عند الحفظة حتى دفعوها إلى خاتم الأنبياء وجب أن لا يضيعها بعده بدفعها إلى خليفته وإذا لم تكن عند غير علي بن أبي طالب (عليه السلام) وجب أن تكون محفوظة عنده، يدل على ذلك أيضا ما روى عن أهل العصمة (عليهم السلام) من أن الله تعالى لم يرفع العلم الذي أنزله من لدن آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله) بل هو مخزون عند أهله.

قوله (أسلم له العقب من المستحفظين) «من» إما بيانية أو ابتدائية والمستحفظون على الأول أهل البيت (عليهم السلام) وعلى الثاني أعقاب العلماء الماضين وأفضل الفريقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقوله «وكذبه بنو إسرائيل» هم أولاد يعقوب (عليه السلام) وإسرائيل لقبه، ومعناه بالعبرانية صفوة الله وقيل عبد الله.

قوله (جفاة) الجفاة جمع الجافي من الجفاء بالمد وهو خلاف البر، وفي المغرب: الجفاء غالب على أهل البدو وهو الغلظ في العشرة والخرق في المعاملة وترك الرفق.

قوله (لم يكن فيهم كتاب) استيناف كأنه قيل: ما بالهم يكونون جفاة؟ فأجاب بما ذكر فإن

ص:133


1- معروفا. خ.

الطبايع البشرية والنفوس الناقصة مائلة إلى الجفاء فإذا لم يوجد فيهم زاجر من الكتاب والسنة النبوية يأخذ الجفاء حد الرسوخ فيصير كالطبيعة الثانية، أعاذنا الله منه.

قوله (ولا تحزن عليهم) لما علم الله تعالى أن نفسه المقدسة محزونة لما يفوتهم من السعادات الدنيوية والأخروية بالجفاء وترك قبول النصيحة وذلك لكمال شفقته على الأمة تسلاه وأدبه بقوله «ولا تحزن عليهم» فإن عليك البلاغ وعلينا الحساب، فإذا بلغت لم يسمعوا فلا تجادلهم وقل سلام على عباد الله الصالحين فسوف تعلمون في الآخرة وبال أمركم وسوء عاقبتكم.

قوله (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون) من الطعن في نصب علي (عليه السلام) وذكر فضله واللام جواب القسم وقد لتحقيق الفعل وتكثيره والآية في آخر سورة الحجر.

قوله (فإنهم لا يكذبونك) أي في الحقيقة لعلمهم بأنك صادق فيما ذكرت من فضل وصيك والآية في سورة الأنعام وفيها هكذا (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) أي ينكرونها والآيات هم الأوصياء كما مر عن الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وما تغني الآيات والنذر) قال: الآيات هم الأئمة والنذر هم الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.

وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى: (كذبوا بآياتنا كلها) قال: يعني الأوصياء كلهم. وإنما وضع الظالمين موضع الضمير للتنصيص بظلمهم في إنكار آياته وتمرنهم على جحدها.

قوله (لكنهم يجحدون بغير حجة) عقلا ونقلا بل بمجرد الحسد والعناد وحب الجاه والرئاسة مع علم جلهم بل كلهم على حقيقته وحقيقة الرسول بما قال فيه.

قوله (يتألفهم) أي يوقع الألفة بينهم بالنصايح الشافية والمواعظ الحسنة ولكن من أضله الله فلا هادي له.

قوله (ويستعين ببعضهم على بعض) في الجهاد وإجراء الحدود والأحكام ولم يطردها مع علمه بأقوالهم وعقائدهم لضعف الإسلام وقلة أهله حينئذ قوله (حتى نزلت هذه السورة) أي ألم نشرح، وفي بعض النسخ «هذه الآية» وهي آية (فإذا فرغت فانصب).

قوله (فإذا فرغت فانصب علمك) العلم العلامة وهي ما يعلم به الطريق، والمراد به علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذ به يعلم طريق الشرع ومنهج التوحيد.

ص:134

قوله (فقال (عليه السلام) من كنت مولاه) (1) هذا أيضا مذكور في طرق العامة بأسانيد متعددة مع زيادة وقد ذكرنا بعضها آنفا.

قوله (ثم قال لأبعثن رجلا) هذا أيضا رواه العامة من طرق متكثرة منها ما رواه مسلم (2) بإسناده عن سلمة بن الأكوع قال «كان علي (رضي الله عنه) - قد تخلف عن النبي (صلى الله عليه وآله) في خيبر وكان رمدا فقال أنا أتخلف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج علي فلحق بالنبي (صلى الله عليه وآله) فلما كان مساء الليل التي فتحها الله في صبيحتها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لأعطين الراية - أو ليأخذن الراية - غدا رجلا يحبه الله ورسوله - أو قال يحبه الله ورسوله (3) ويفتح الله عليه. وإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي فأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الراية ففتح الله عليه.

ومنها: ما رواه أيضا بإسناده عن أبي حازم قال: أخبرني سهل بن سعد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال يوم خيبر «لأعطين هذه الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، قال: فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلهم يرجو أن يعطاها قال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو - يا رسول الله - يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عينيه ودعا له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، قال: انفذ على رسلك (4) حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم (5).

ص:135


1- قوله «من كنت مولاه» هذا من الأحاديث التي يحتج بها على الخصم في مقام الجدل لاعتراف الخصم بها وفي مقام الاعتقاد للمنصف أيضا لثبوتها متواترا ويحتج بالمتواترات في البرهان لأن المتواتر من الأقسام الستة الضرورية وقد روي بطرق كثيرة يمتنع عادة تواطؤ رواتها على الكذب وكان متداولا مشهورا في جميع الأزمنة من عهد الرسول إلى زماننا هذا على ما هو مذكور في محله، وقد روى حديث «من كنت مولاه» من أصحاب الصحاح الترمذي ورواه أيضا أحمد مع زيادة «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» وقول الشيخين له «بخ بخ لك يا علي لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة». (ش)
2- : 7 / 122.
3- قوله «لأبعثن رجلا يحب الله ورسوله» روى حديث خيبر البخاري ومسلم أيضا ولم يأنفوا من نقله لعدم دلالته عندهم على ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) صريحا وفهموا منه دفع النواصب من بني أمية لأنه حجة عليهم والحق أنه مع دلالته على دفع النواصب يدل على استحقاق علي (عليه السلام) الإمامة لأنه أشجع والأشجع مقدم في الإمامة والفرار من الزحف معصية وارتكباه ومن لم يعص قط أولى بتولي أمور الدين ممن خالف وعصى. (ش)
4- «على رسلك» بكسر الراء بعدها سين مجزومة وكسر اللام أي أثبت ولا تعجل.
5- صحيح مسلم: 7 / 121. وحمر النعم هي الإبل الحمر وهي من أنفس أموال العرب يضربون بها المثل في النفاسة.

ومنها: ما رواه أيضا عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه، قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، قال:

فتساورت (1) لها رجاء أن أدعى لها قال: فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب فأعطاه إياها وقال له: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، قال: فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقهم وحسابهم على الله» (2) قال عياض: هذا من أعظم فضائل علي وأكرم مناقبه، وفي الحديث: من علامات نبوته علامتان قولية وفعلية، فالقولية يفتح على يديه فكان كذلك.

والفعلية بصقه (صلى الله عليه وآله) في عينه وكان رمدا فبرئ من ساعته، وفي قوله: امش ولا تلتفت حض على التقدم وترك التأني، والالتفات هنا النظر يمنة ويسرة وقد يكون على وجه المبالغة في التقدم ويدل عليه قوله: فسار علي فوقف ولم يلتفت، وقد يكون معنى: لا تلتفت لا تنصرف يقال: التفت أي انصرف ولفته أنا صرفته، وقوله: يدوكون معناه يخوضون يقال: هم في دوكة أي في اختلاط وخوض، وقوله: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم حض عظيم على تعليم العلم وبثه في الناس وعلى الوعظ والتذكير، والنعم الإبل، وحمرها خيارها، يعني ثواب تعليم رجل واحد وإرشاده أفضل من ثواب الصدقة بهذه الإبل النفيسة لأن ثواب الصدقة ينقطع بموتها وثواب العلم والهدى لا ينقطع إلى يوم القيامة، وفي الحديث «إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية وولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به بعد موته» وفي قوله: ادعهم إلى الإسلام وجوب الدعوة قبل القتال، وقال الآبي: وفي الاكتفاء لأبي الربيع قال أبو رافع (رضي الله عنه) مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله): خرجت مع علي (رضي الله عنه) حين أعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الراية فلما دنا من الحصن خرج إليه مقاتلهم فقتله فتناول علي (رضي الله عنه) بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرغ ولقد رأيتني في نفر مع سبعة أنا منهم نجهد أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه، ولا يخفى عليك أن قول عمر: تساورت أي تطاولت وقوله في حديثهم الآخر: حرصت وقوله: «ما أحببت الإمارة إلا يومئذ» هو الذي حداه إلى فعل ما فعل فهلك وأهلك.

ص:136


1- أي تطاولت لها وحرصت عليها.
2- المصدر: 7 / 121.

قوله (معرض) (1) أي هو معرض من التعريض وهو التصريح والفرق بينه وبين الكناية أن التعريض تضمين الكلام دلالة ليس لها فيه ذكر، كقولك: ما أقبح البخل تعرض بأنه بخيل، والكناية ذكر الرديف وإرادة المردوف أو ذكر الملزوم وإرادة اللازم، كقولك: فلان طويل النجاد وكثير رماد القدر. يعني أنه طويل القامة ومضياف، وفي بعض النسخ «معرضا» بالنصب على الحال وهو أظهر.

قوله (بمن رجع يجبن أصحابه ويجبنونه) هو الأول والثاني حيث رجعوا عن حرب أهل خيبر مغلوبين ينسب بعضهم إلى بعض الجبن وهو خلاف الشجاعة يقال: جبنته تجبينا أي نسبته إلى الجبن.

قوله (وقال (صلى الله عليه وآله): علي سيد المؤمنين) (2) لأنه أكثرهم علما وحلما وأشهرهم سخاء وسماحة وأقواهم عملا وشجاعة وأقدمهم إسلاما وإيمانا وأجلهم نسبا وقدرا وأشرفهم تقدسا وخلقا فهو بالرئاسة أولى وأقدم وبالسياسة أجدر وأعلم.

قوله (وعلي عمود الدين) لأن الدين يقوم به كما يقوم البيت بالعمود.

قوله (وقال هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف) (3) إشارة إلى قتاله مع الناكثين والقاسطين والمارقين، أما الناكثون فهم أهل الجمل وطلحة وزبير، وأما القاسطون فهم معاوية وأصحابه، وأما المارقون فهم أهل النهروان.

قوله (وقال الحق مع علي أينما مال) قال صاحب الطرائف: روى أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه (4) في كتاب المناقب في عدة طرق فمنها بإسناده إلى محمد بن أبي بكر قال: حدثتني عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «الحق مع علي وعلي مع الحق لن يفترقا حتى يردا على الحوض».

ص:137


1- كذا.
2- قوله «علي سيد المؤمنين» لا يحضرني الآن موضع هذا الحديث وما بعده في كتب القوم ولم يشر إليه المجلسي (رحمه الله) ولا غيره ممن رأيت. (ش)
3- قوله «هذا الذي يضرب الناس بالسيف» رواه أحمد في مسنده والترمذي بعبارات متقاربة ويأتي رواية الترمذي إن شاء الله تعالى. (ش)
4- قوله «أحمد بن موسى بن مردويه» رواه أيضا من أصحاب الصحاح الترمذي عن النبي (صلى الله عليه وآله) «رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار» وهذا يدل على عصمته وكون قوله حجة وبطلان كل من خالفه في فعل وقول لأن دعاء النبي مستجاب البتة. وقريب منه في معناه عن أم سلمة قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول «لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن» ويشكل بناء على مذهبهم الجمع بين هذا الحديث وما يعتقدونه من كون كثير من مبغضيه من أهل الجنة كطلحة وزبير وأصحاب صفين والجمل. (ش)

قوله (إني تارك فيكم أمرين) (1) الخبر متواتر اتفقت الأمة على قوله ونقله وفيه دلالة على كمال فضلهم والرجوع إليهم في القول والعمل كما وجب الرجوع إلى القرآن ولا يجوز مخالفتهم أصلا كما لا يجوز مخالفة الكتاب وإنما فسر أهل البيت بالعترة وهي الأولاد والأقارب لئلا يتوهم أن المراد نساؤه وهذا نص صريح في إمامتهم وخلافتهم ولا شيء أبلغ منه كما يقول الأمير إذا أراد الخروج من قريته لأهلها: إني تارك فيكم فلانا يرعاكم فاسمعوا له وأطيعوه فإنه صريح عند العقل الصحيح والطبع السليم أنه استخلفه وأقامه مقامه.

قوله (اسمعوا وقد بلغت) أي بلغت ما وجب علي من الأمر بحفظ كتاب الله والتمسك بأهل بيتي.

قوله (والثقلان كتاب الله تعالى وأهل بيتي) اتفقت العامة والخاصة على مضمون هذا الحديث وصحته وهذا صريح في المطلب فإنه لا يشك عاقل أن الثقلين يقومان مقامه بعده في أمته وأن التمسك بهما أمان من الضلال وقد مر أن المراد من أهل البيت العترة (عليهم السلام) وقد صرحوا أيضا بذلك ففي صحيح مسلم قال الحصين لزيد بن أرقم وهو راوي الحديث المذكور مع زيادة: «يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده» وقال حسان لزيد بن أرقم أنساؤه من أهل بيته؟ قال: لا، وأيم الله أن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وأمها وقومها. أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده، وقال عياض: «معنى قول زيد: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته الذين منعوا الصدقة ان نساءه من أهل مسكنه وليس المراد إنما أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده» أي الذين منعتهم خلفاء بني أمية صدقتهم التي خصهم الله سبحانه بها وكانت تفرق عليهم في أيامه (عليه السلام)، ويحتمل أن يعني الذين حرموا الصدقة التي هي من أوساخ الناس، وأما وجه تسميتها بالثقلين فقال محيي الدين البغوي: سماهما ثقلين لأن العمل والأخذ بهما ثقيل والعرب تقول لكل شيء نفيس ثقيل فسماهما ثقلين لعظمهما

ص:138


1- قوله «إني تارك فيكم أمرين» المشهور قوله «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» رواه أصحاب الصحاح مسلم والترمذي وهو حديث يشهد لفظه بصحته لكمال فصاحته وهو من جوامع الكلم التي افتخر به النبي (صلى الله عليه وآله) ولفظ الترمذي هكذا «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما» وهذا يدل على وجود إمام معصوم في أهل البيت حتى يكون قولهم حجة ويجب التمسك به كما يجب التمسك بالقرآن. (ش)

وتفخيم شأنهما، ومثله قال ابن الأثير في النهاية، وقال الزمخشري في الفائق: قال النبي (صلى الله عليه وآله):

«خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» الثقل المتاع المحمول على الدابة وإنما قيل للجن والإنس الثقلان لأنهما قطان الأرض فكأنهما ثقلاها وقد شبه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يستصلح بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين، والعترة العشيرة وسميت بالعترة وهي المرزنجوشة لأنها لا تنبت إلا شعبا متفرقة.

قوله (فلا تسبقوهم فتهلكوا) فمن سبقهم من الخلفاء الثلاثة الذين خلفوا وغيرهم فقد هلكوا وأهلكوا من تبعهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم لأنهم مهبط الوحي لكون النبي (صلى الله عليه وآله) منهم وفيهم وهم ملازموه ومعاشروه وفيهم باب مدينة العلم وهم أخص الخلق به وأقربهم إليه نسبا ومنزلة وأفضلهم لديه علما وعملا مع صفاء نفوسهم وضياء عقولهم وتقدس ذواتهم وقد صرحوا بأن عليا (عليه السلام) أعلم من جميع الأمة وفيه دلالة واضحة على أن الإمام يجب أن يكون أعلم من جميع الأمة والعقل الصحيح يحكم بذلك أيضا. وفي حذف معفول التعليم دلالة على التعميم.

قوله (إنما يريد الله - الآية) قد مر تفسيره مفصلا فلا نعيده (1).

ص:139


1- قوله «قد مر تفسيره مفصلا» وقد مر قريبا حديث زيد بن أرقم في معنى أهل البيت وفضلهم عن صحيح مسلم وقد رواه الترمذي، وروى مسلم والترمذي في تفسير قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب - الآية) عن عائشة: خرج النبي (صلى الله عليه وآله) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ولفظ الترمذي هكذا: نزلت هذه الآية: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) في بيت أم سلمة فدعا النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجللهم بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك وأنت إلى خير» وهذا الكلام يدل على خروج النساء من المراد بأهل البيت ويؤيده رواية الترمذي في حديث زيد بن أرقم الذي ذكره الشارح سئل زيد: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وأيم الله أن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وأمها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده; ولم يرو الشارح الرواية وكان أولى بالنقل، وجميع روايات الترمذي أكمل في الدلالة على ما نريد الاحتجاج به، وقد رأيت أن أذكر هنا انموذجا مما رواه في فضائل علي (عليه السلام) وهو بعد أحمد بن حنبل أنصف أهل الحديث وأقربهم إلينا. فمما رواه عن زيد بن أرقم أن أول من أسلم علي، ومنها عن براء بن عازب أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي بن أبي طالب: «أنت مني وأنا منك» وعن ربعي بن خراش عن علي (عليه السلام) قال (صلى الله عليه وآله) «يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين قد امتحن الله قلبه على الإيمان قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال له أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال: هو خاصف النعل وكان أعطى عليا نعله يخصفها». ومما رواه في ضمن حديث: ما تريدون من علي وكررها ثلاثا، ثم قال: «إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي» وعن ابن عمر: فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) «أنت أخي في الدنيا والآخرة» وعن أبي سعيد «يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيره» وعن أنس قال: كان عند النبي (صلى الله عليه وآله) طير فقال: «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير فجاء علي فأكل معه» وقال (صلى الله عليه وآله) «أنا دار الحكمة وعلي بابها» وعن جابر قال: قال (صلى الله عليه وآله) «ما انتجيته ولكن الله انتجاه» وهذا بعدما طال نجواه مع علي (عليه السلام) واستطاله الناس. وفي هذا المقدار كفاية على ما مر. (ش)

قوله (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) المشهور في أن لله خمسه فتح الهمزة على حذف المبتدأ أي فحكمه أن لله خمسه، وقيل: على حذف الخبر أي فثابت أن لله خمسه، وقرئ بكسرها أيضا والمعنى أن الذي أخذتموه من مال الكفار قهرا مما يطلق عليه اسم الشيء قليلا كان أو كثيرا فحكمه أن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وتقسيمه إلى الأقسام الستة عندنا ثابت إلى يوم القيامة، والأقسام الثلاثة أعني سهم الله وسهم الرسول وسهم ذي القربى للإمام بعد الرسول، وقال أبو حنيفة: تسقط هذه الأقسام الثلاثة بعده ويصرف الكل إلى الثلاثة الباقية، ولا يخفى ما في تخصيص ذي القربى بالذكر وإعادة اللام وتشريكه مع الرسول في التساهم من التعظيم والاهتمام بشأنه.

قوله (فكان علي (عليه السلام)) أي فكان علي (عليه السلام) ذا القربى على حذف الخبر بقرينة المقام.

قوله (والاسم الأكبر) هذا وما عطف عليه بالنصب عطف على الوصية وقد مر تفسير هذه الأمور.

قوله (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) أي قل لا أسألكم على ما أتعاطاه من التبليغ والبشارة والهداية أجرا ونفعا إلا المودة في أهل بيتي، قال القاضي: روي أنها لما نزلت قيل:

يا رسول الله من قرابتك؟ قال: علي وفاطمة وابناهما. وفي جعل أجر هداية الأمة وتبليغ الرسالة الذي لا منتهى له مودة ذي القربى وطلبها منهم بأمر الله تعالى دلالة واضحة على كمال رفعتهم وعلو منزلتهم ولزوم كون مودتهم في أكمل المراتب وأشرفها.

قوله (وإذا المودة سئلت) (1) قال في مجمع البيان: روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «وإذا

ص:140


1- قوله «وإذا المودة بفتح الواو» راوي هذا الحديث عبد الحميد بن أبي الديلم ضعيف مطعون لا يعتد بما رواه وليس هذا الاحتجاج شيئا يمكن إسناده إلى الإمام المعصوم (عليه السلام) لأنه إن كان في مقام الاحتجاج على منكري الإمامة فظاهر أنهم لا يقرؤون المودة بفتح الواو حتى يثبت الحجة عليهم بمسلماتهم بل هم متفقون على قراءته بصيغة اسم المفعول من الوأد وإن كان في مقام الكلام مع المعترفين بإمامته فإنهم كانوا يقبلون منه القراءة الغير المعروفة لاعترافهم بصدقه وعصمته وحجية قوله لكن لا يناسبه سائر فقرات الحديث إذ الظاهر منها أنها في مقام الاحتجاج على أهل الخلاف، وبالجملة فالاعتماد في أمثال هذه الأحاديث الضعيفة بل غيرها من الصحاح في أصول الدين على المتن والمعنى لا الإسناد فما علمنا من مضامينها ومعانيها صحته بقرائن عقلية أو نقلية متواترة كحديث الثقلين «ومن كنت مولاه» وغيرهما اعتمدنا عليها وتمسكنا بها، أو كانت من مسلمات الخصم كحديث الطير احتججنا بها على المخالف وما تفرد الحديث الواحد به من غير قرينة تؤيد صحة مضمونها ولا نعلم تسلم الخصم لها فلا نعتمد عليها بصرف الإسناد. (ش)

المودة» بفتح الواو وروي ذلك عن ابن عباس أيضا والمراد بذلك الرحم والقرابة وأنه يسئل قاطعها عن سبب قطعها، وروي عن ابن عباس أنه هو من قتل في مودتنا أهل البيت، وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يعني قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن قتل في جهاد، وفي رواية أخرى: من قتل في مودتنا وولايتنا انتهى.

أقول: يحتمل أن يراد بالقتل في هذه الرواية قتل ذي القربى وقتل من هو من أهل مودتهم على التقديرين فيه مدح عظيم وفضل جسيم لذي القربى وفيه حث بليغ على مودتهم ووعيد عظيم بقتلهم وقتل محبيهم.

قوله (مودة في القربى) عطف بيان للمودة حيث يفسرها ويوضحها.

قوله (الكتاب الذكر) لما كان الكتاب معلوما كالذكر جعله مسندا إليه لإفادة أن الذكر هو فلا يرد أن العكس أولى لكون الذكر معلوما ولم يعلم أنه الكتاب أو غيره ثم إن هذا التفسير لا ينافي ما مر في أحاديث متكثرة من تفسير الذكر في هذه الآية بمحمد (صلى الله عليه وآله) لأن كلا التفسيرين صحيح وإنما اقتصر على الأول لأن المطلب يحصل من الثاني بطريق أولى.

قوله (أمر الله عزوجل بسؤالهم) هذا الأمر دل على إحاطة علمهم بجميع الأشياء وإلا لم ينفع السؤال عند الجهل في شيء ما.

قوله (ولم يؤمروا بسؤال الجهال) (1) عدم الأمر به ظاهر مع أن الغرض من السؤال طلب لعلم وهو من الجاهل محال وإنما بنى الفعل هنا للمفعول دون السابق للإشعار بأن قبحه في الكمال إلى

ص:141


1- قوله «ولم يؤمروا بسؤال الجهال» لأن مورد الآية علماء أهل الكتاب وأمر الله تعالى أن يسألهم أهل مكة والكفار عن الرسل والأنبياء أهم بشر أم ملائكة فإن الكفار كانوا يزعمون أن الرسل يجب أن لا يأكلوا ولا يشربوا ولا يمشوا في الأسواق وكان علماء أهل الكتاب عارفين بأن الرسل لم يكونوا إلا بشرا وتسرية حكم الآية إلى غير موردها كما هي معهودة بين المسلمين تقتضي أن يكون المسؤول في كل شيء هو العالم به دون الجهال ومعلوم أن المرجع والمسؤول في أمور الدين أعني الإمام يجب أن يكون عالما بها لا مثل مروان بن الحكم ووليد بن يزيد وغيرهم من معاصري الأئمة (عليهم السلام) الذين لا يخطر ببال مسلم أنهم في العلم مثل الأئمة بل ولا أدون بما يمكن النسبة. (ش)

حيث يمتنع نسبته إلى الله تعالى بحسب ظاهر اللفظ وإن اريد نفيه بحسب المعنى.

قوله (وسمى الله تعالى الكتاب ذكرا) دليل على إثبات ما ذكره من أن الذكر عبارة عن الكتاب.

قوله (ولعلهم يتفكرون) أي يتفكرون ما فيه من المواعظ والنصائح والعبر والزواجر والثواب والعقاب فيحصل لهم الدواعي على فعل المحسنات وترك المنهيات.

قوله (وسوف تسئلون) عن محافظته ومراقبته والإتيان بمأموراته والاجتناب عن منهياته.

قوله (وأولي الأمر منكم) هو الذي نصبه الرسول لأمر الأمة وخلافتهم وفوض إليه هداية الخلق وولايتهم ولا يتصور غير ذلك وقد مر تفسيره مرارا.

قوله (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) أي يستخرجونه بعلومهم التي خصهم الله تعالى بها والموصول عبارة عن أولي الأمر، وفائدته التنصيص بأنهم هم أهل العلم والاستخراج.

قوله (فرد الأمر أمر الناس إلى أولي الأمر منهم) أي فرد الله سبحانه أمر الناس في الآيتين المذكورتين إلى أولي الأمر منهم وهم الخلفاء المنصوبون من قبل الله تعالى وقبل رسوله (صلى الله عليه وآله) بطاعتهم وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة الرسول في الآية الأولى وأمر بالرد إليهم وإلى رسوله في الآية الثانية ومن فسر أولي الأمر فيهما بكبار الصحابة أو الامراء إن أراد به ما ذكرناه فنعم الوفاق وإلا فقبحه أظهر من أن يحتاج إلى البيان.

قوله (بلغ ما أنزل إليك) المراد به هو الوصية والولاية بدليل أنه نصب عليا (عليه السلام) عند نزول هذه الآية.

قوله (إن الله لا يهدي القوم الكافرين) دل على من أنكر ولاية علي (عليه السلام) فهو كافر.

قوله (وأمر بسمرات) أي بكنس سمرات والإضافة لأدنى ملابسة والسمر بفتح السين، وضم الميم من شجر الطلح والجمع سمر وأسمر وسمرات.

قوله (فقم شوكهن) ألقم رفتن خانه وغير آن تقول: قممت البيت أي كنسته والقمامة الكناسة.

قوله (فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم) أي بعض القوم أو اللام إشارة إلى جماعة معينة، والحسكة بالتحريك نبات تتعلق بصوف الغنم وتمسك من تعلق بها، ومن ثم قيل حسكة مسكة والإضافة من باب لجين الماء.

قوله (وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه) ضبع بفتح الضاد وسكون الباء العضد والرفع خلاف الوضع يقال: رفعته فارتفع والباء زائدة للتأكيد، والمقصود أنه لا يريد بنصب ابن عمه إلا إعلاء قدره. وأما القول بأن يرفع - بضم الفاء من باب شرف وأن الباء للسببية يعني ما يريد بذلك إلا

ص:142

أن يصير رفيع القدر شريفا بسبب عضد ابن عمه وقوته - فبعيد.

قوله (بين ظهرانينا) العرب تقول: هو نزل بين ظهرانينا بصيغة التثنية أي نزل بيننا.

قوله (وكبت عدونا) أي صرفه أو أذله أو أهلكه من الكبت بمعنى الصرف والإذلال والإهلاك.

والأولان في الصحاح والنهاية، والأخير في المغرب.

قوله (وقد يأتيك وفود) وفد فلان على الملك أي ورد عليه وأتاه رسولا في أمر فتح أو تهنية أو نحو ذلك فهو وافد والجمع وفد كصاحب وصحب وجمع الوفد أوفاد ووفود والاسم الوفادة.

قوله (وأوصى إليه بألف كلمة وألف باب) يحتمل أن يراد بالكلمة الأولى النوع وبالثانية الصنف وبالباب الأول الجنس وبالثاني النوع. وبالجملة فتح له ألف ألف كلمة وألف ألف باب من العلم، ويحتمل أيضا أن يراد بذكر هذا العدد التكثير فيمكن الزيادة والله أعلم.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه وصالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن يحيى بن معمر العطار، عن بشير الدهان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي توفي فيه:

ادعوا لي خليلي، فأرسلتا إلى أبويهما فلما نظر إليهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعرض عنهما، ثم قال:

ادعوا لي خليلي، فأرسل إلى علي فلما نظر إليه أكب عليه يحدثه، فلما خرج لقياه، فقالا له: ما حدثك خليلك؟ فقال: حدثني ألف باب يفتح كل باب ألف باب.(1)

* الشرح:

قوله (قال ادعوا لي خليلي فأرسل إلى علي) قيل: أصل الخلة الانقطاع وقيل: الاختصاص وقيل: الاصطفاء وقيل: صفاء المودة وسمي علي (عليه السلام) خليله على الأول لانقطاعه إليه وعلى الثاني لكمال اختصاصه به بحيث كان يوالي فيه ويعادي فيه، وعلى الثالث لكونه مصطفاه ومختاره وعلى الرابع لكونه صافي المودة له، قيل: الخلة من تخلل الشيء في القلب كما قال الشاعر: «قد تخللت مسلك الروح مني» وبه سمي الخليل خليلا وعلى هذا سمي (عليه السلام) خليله لتخلل حبه شغاف قلبه واستيلائه عليه وقيل: سمي خليلا لتخلقه بخلال حسنة اختصت به. وقيل: الخليل من لا يسع قلبه غير من فيه، يعني أنه لم يكن في قلبه موضع لغيره (عليه السلام) من أفراد البشر، وقيل: الخليل الصاحب المواد الذي يعتمد في الأمور عليه وكذلك كان علي (عليه السلام) لأنه اعتمد عليه في أمر الأمة، وقد قال أيضا (صلى الله عليه وآله) في شأنه (عليه السلام) «حبيبي» واختلف أيهما أفضل الخلة أو المحبة؟ فقيل: هما بمعنى واحد،

ص:143


1- -الکافی :296/1.

فالحبيب لا يكون إلا خليلا والخليل لا يكون إلا حبيبا وقيل: درجة المحبة أرفع، وقيل: بالعكس ولكل وجه يطول الكلام بذكره.

قوله (أكب عليه يحدثه) أي أقبل عليه يحدثه أي أقبل عليه وألزم ذلك.

قوله (فقالا له ما حدثك خليلك) قالا ذلك تعنتا واستهزاء كما هو شأن المنافقين.

قوله (فقال حدثني ألف باب يفتح كل باب ألف باب) قال الغزالي في رسالة العلم اللدني: قال علي (رضي الله عنه): «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدخل لسانه في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم فتح لي كل باب ألف باب» وقال (رضي الله عنه): «لو ثنيت لي الوسادة وجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوارتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم» وهذه المرتبة لا تنال بمجرد التعليم بل يتمكن المرء في هذه المرتبة بقوة العلم اللدني.

* الأصل:

5 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) ألف حرف كل حرف يفتح ألف حرف.(1)

* الشرح:

قوله (ألف حرف) الحرف اللغة والطرف والجانب ولعل المراد به ألف قسم.

6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان في ذؤابة سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) صحيفة صغيرة، فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أي شيء كان في تلك الصحيفة؟ قال: هي الأحرف التي يفتح كل حرف ألف حرف، قال أبو بصير: قال أبو عبد الله (عليه السلام): فما خرج منها حرفان حتى الساعة.(2)

* الشرح:

قوله (كان في ذؤابة سيف) الذؤابة بالضم المقبض.

قوله (فما خرج منها حرفان) بل خرج حرف وجزء من حرف والاحتمالات الباقية بعيدة جدا بل يحكم العقل بالتأمل على عدمها، ثم الحرفان إما من الأصول أو من الفروع والأول أظهر.

7 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر، عن فضيل [بن] سكرة قال:

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك، هل للماء الذي يغسل به الميت حد محدود؟ قال: إن رسول

ص:144


1- -الکافی :296/1.
2- -الکافی :296/1.

الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): إذا أنا مت فاستق ست قرب من ماء بئر غرس فغسلني وكفني وحنطني فإذا فرغت من غسلي وكفني فخذ بجوامع كفني وأجلسني ثم سلني عما شئت، فوالله لا تسألني عن شيء إلا أجبتك فيه.(1)

* الشرح:

قوله (من ماء بئر غرس) قال في القاموس: بئر غرس في المدينة ومنه الحديث «غرس من عيون الجنة وغسل (صلى الله عليه وآله) منها».

قوله (ثم سلني عما شئت) من الأمور الكلية والجزئية مما له دخل في نظام هذا العالم والخلق وغيره ولا ينافي هذا ما مر وثبت من أنه (صلى الله عليه وآله) لم يخرج من الدنيا إلا وعلي (عليه السلام) علم جميع علمه وأنه لم يمت إلا وعلمه في جوف وصيه أما أولا فلأن هذا السؤال والتعليم أيضا قبل خروجه من الدنيا وقبل موته بناء على أن قوله: لم يمت معناه لم يخرج من الدنيا من باب الكناية، وأما ثانيا فلأن المراد بعلمه (عليه السلام) جميع علمه (صلى الله عليه وآله) قبل موته العلم بالجميع الذي شاء الله تعالى أن يحصل له قبل، وهذا مما شاء أن يحصل له بعده، يؤيد ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن عليا (عليه السلام) كان عالما والعلم يتوارث ولن يهلك عالم إلا بقي من بعده من يعلم علمه أو ما شاء الله» وأما ثالثا فلأن العرض المكرر جائز وتوجه النفس إلى ما توجهت إليه أولا محتمل، ثم هذا السؤال والجواب إما من باب الحقيقة وبالمعنى المعروف ولا يبعد ذلك من النفوس القدسية الإلهية، أو من باب المجاز، فإن النفس القدسية المطهرة من جميع الأدناس إذا توجهت إلى مثلها فاضت منه عليها جميع نقوشه الغيبية وعلومه الكلية والجزئية فسمى ذلك التوجه سؤالا وتلك الإفاضة جوابا مجازا تقريبا للمقصود إلى الفهم.

* الأصل:

8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن ابن أبي سعيد، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الموت دخل عليه علي (عليه السلام) فأدخل رأسه. ثم قال: يا علي! إذا أنا مت فغسلني وكفنني ثم أقعدني وسلني واكتب.(2)

* الشرح:

قوله (فأدخل رأسه) يعني في الإزار. ولعل السر فيه أن لا يرى تغير حاله (عليه السلام) بسماع ذلك الكلام

ص:145


1- -الکافی :294/1.
2- -الکافی :297/1.

فإنه لم يكن شيء عنده (عليه السلام) أعظم من موته (صلى الله عليه وآله).

* الأصل:

9 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي، عن يونس بن رباط قال: دخلت أنا وكامل التمار على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له كامل: جعلت فداك حديث رواه فلان؟ فقال: اذكره، فقال: حدثني أن النبي (صلى الله عليه وآله) حدث عليا (عليه السلام) بألف باب يوم توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، كل باب يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، فقال: لقد كان ذلك، قلت: جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم؟ فقال: يا كامل باب أو بابان. فقلت [له]: جعلت فداك فما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلا باب أو بابان؟ قال: فقال: وما عسيتم أن ترووا من فضلنا، ما تروون من فضلنا إلا ألفا غير معطوفة.(1)

* الشرح:

قوله (فقال: يا كامل باب أو بابان) العطف من كلامه (عليه السلام) وليس من باب الشك منه (عليه السلام) لتقدسه عنه ولا من الراوي لدلالة سؤاله بعده على ذلك بل المقصود أنه ظهر باب تام وشئ من باب آخر، وتسميته بابا إما من باب تسمية الجزء باسم الكل أو من باب التغليب.

قوله (وما عسيتم أن ترووا من فضلنا) «ما» نافية و «عسى» من أفعال المقاربة، وضمير جمع المخاطب فاعله و «أن ترووا» مفعوله وإضافة الفضل للعموم والمقصود نفي قرب رواية فضائلهم، وفيه مبالغة على عدم إمكانها لأن عدم قرب حصول الشيء دل بحسب العرف على عدم إمكان حصوله، وجعل ترووا على البناء للمفعول من التروية بمعنى الحمل على الرواية يقال: رويته إياه أي حملته على روايته ومنه روينا في ا لأخبار بعيد جدا.

قوله (ما تروون من فضلنا إلا ألفا غير معطوفة) نقل عن الفاضل الأمين الأسترآبادي أن الألف الغير المعطوفة احتراز عن الهمزة وكناية عن الوحدة أو إشارة إلى ألف منقوشة ليس قبلها صفر أو غيره، وعن الشيخ بهاء الملة والدين أن المراد بها باب واحد ناقص لأن الألف على رسم الخط الكوفي صورتها هكذا «- ا» وكونها غير معطوفة أي غير مائل طرفها كناية عن نقصانها ولا يرد عليه ما سبق من ظهور باب أو بابين لدلالته على ظهور باب تام وشئ من باب آخر إذ له أن يحمل البابين على أبواب الفروع وهذا الباب المعبر عنه بالألف الناقصة على باب من أبواب الأصول، ويمكن أن يقال: إن ألفا بفتح الألف وسكون اللام ويراد به باب واحد وعبر عنه بالألف لأنك قد عرفت أن

ص:146


1- -الکافی :297/1.

الباب الواحد ينحل بألف باب مع إظهار تكثره ويراد بقوله «غير معطوفة» أنه ليس معه معطوفه وهو قول السائل «أو بابان» والمعنى إلا بابا واحدا لا بابين فليتأمل.

ص:147

باب الإشارة والنص على الحسن بن علي (عليهما السلام)

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أذينة، عن أبان، عن سليم بن قيس قال: شهدت وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) حين أوصى إلى ابنه الحسن (عليه السلام) وأشهد على وصيته الحسين (عليه السلام) ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح وقال لابنه الحسن (عليه السلام): يا بني! أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودفع إلي كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين (عليه السلام)، ثم أقبل على ابنه الحسين (عليه السلام) فقال:

وأمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثم أخذ بيد علي بن الحسين (عليهما السلام) ثم قال لعلي بن الحسين: وأمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي وأقرئه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومني السلام.(1)

* الشرح:

قوله (وقال لابنه الحسن (عليه السلام)) روى مسلم في صحيحه (2) عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) اعتنق الحسن وقال «اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه». وعن البراء قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) واضعا الحسن على عاتقه وهو يقول «اللهم إني أحبه فأحبه» (3) قال محيي الدين في شرح هذا الحديث: محبة أهل البيت واجبة على الجملة وخصوصا من حض رسول الله (صلى الله عليه وآله) على محبته بالتعين وطلب من الله تعالى أن يحبه وأن يحب من أحبه وتلك درجة جعلها الله سبحانه لمن يحبه حقيقة ويلعن باغضه ومعاديه. وقد ظهرت بركة هذا الدعاء وقبوله فحقن دماء الأمة وتنزه عن عرض الدنيا وتسليمه الملك لمعاوية خوف الفتنة وحوطا على الأمة ونظر لدينه. هذا كلامه.

قوله (وأقرئه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)) أقرئه أمر من المجرد أو من المزيد يقال قرأ عليه وأقرأه إذا بلغه.

ص:148


1- -الکافی :297/1.
2- : 7 ص 130.
3- : 7 ص 130.

* الأصل:

2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما حضره الذي حضره قال لابنه الحسن: ادن مني حتى أسر إليك ما أسر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلي وائتمنك على ما ائتمنني عليه، ففعل.(1)

* الشرح:

قوله (حتى أسر إليك ما أسر رسول الله (صلى الله عليه وآله)) من العلوم اللدنية وغيرها.

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي قال: حدثني الأجلح وسلمة بن كهيل وداود بن أبي يزيد وزيد اليمامي قالوا:

حدثنا شهر بن حوشب: أن عليا (عليه السلام) حين سار إلى الكوفة استودع أم سلمة كتبه والوصية، فلما رجع الحسن (عليه السلام) دفعتها إليه.

«وفي نسخة الصفواني:

4 - أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف، عن أبي بكر، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن عليا صلوات الله عليه حين سار إلى الكوفة، استودع أم سلمة كتبه والوصية فلما رجع الحسن (عليه السلام) دفعتها إليه».(2)

* الشرح:

قوله (حدثني الأجلح) هذا وزيد اليمامي بالميم وفي بعض النسخ زيد اليماني بالنون لم أجدهما في كتب الرجال التي رأيناها.

* الأصل:

5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الحسن وأشهد وصيته الحسين (عليه السلام) ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، ثم قال لابنه الحسن: يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله ودفع إلي كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت

ص:149


1- - الکافی :298/1 .
2- - الکافی :298/1 .

أن تدفعه إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين وقال: أمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تدفعه إلى ابنك هذا، ثم أخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين، ثم قال لعلي بن الحسين: يا بني وأمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تدفعه إلى ابنك محمد بن علي وأقرئه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومني السلام، ثم أقبل على ابنه الحسن، فقال: يا بني أنت ولي الأمر وولي الدم، فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم.(1)

* الشرح:

قوله (فضربة مكان ضربة ولا تأثم) يحتمل النهي أي لا تأثم بالمثلة أو بقتل غير قاتلي كما هو دأب أقرباء الحكام فإنه قد يقتل بواحد قبيلة لقوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) ومما يدل على ذلك ما روي عنه (عليه السلام) في وصيته للحسن والحسين (عليهما السلام) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله وهو مذكور في نهج البلاغة حيث قال «أوصيكما بتقوى الله - إلى أن قال: - يا بني عبد المطلب لا ألفينكم (لا أجدنكم) تخوضون ظ: في دماء المسلمين خوضا ألا لا تقتلن بي غير قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ولا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:

إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور» ثم النهي عنهما إنما هو لتعليم الأمة وإلا فالحسنين (عليهما السلام) كانا منزهين (2) عن فعل ما لا يجوز شرعا وأما القول بأن المراد لا تأثم بالزيادة عن الضربة الواحدة على سبيل المبالغة حيث أمر أولا بضربة ونهى ثانيا عن الزيادة عنها وعدها إثما فمستبعد، ويحتمل الخبر يعني لا تأثم بالزيادة إن زدت، أولا تأثم بالضربة الواحدة لوقوعها قصاصا، وهذا أيضا بعيد فالأصوب ما ذكرناه أولا.

* الأصل:

6 - الحسين بن الحسن الحسني رفعه ومحمد بن الحسن عن إبراهيم بن إسحاق الأحمري رفعه قال: لما ضرب أمير المؤمنين (عليه السلام) حف به العواد وقيل له: يا أمير المؤمنين أوص، فقال: اثنوا لي وسادة ثم قال: الحمد لله حق قدره متبعين أمره وأحمده كما أحب، ولا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد كما انتسب، أيها الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر والأجل مساق النفس إليه والهرب منه موافاته كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه هيهات علم مكنون، أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئا، ومحمدا (صلى الله عليه وآله) فلا تضيعوا

ص:150


1- - الکافی :298/1 .
2- قوله «فالحسنين (عليهما السلام)» والصحيح الحسنان ولكن وجدنا في النسخ هكذا ولعله من غلط الكاتب ومثله كثير في القسم الأخير من هذا الكتاب. (ش)

سنته، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذم ما لم تشردوا، حمل كل امرئ مجهوده وخفف عن الجهلة، رب رحيم وإمام عليم، ودين قويم، أنا بالأمس صاحبكم، و [أنا] اليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم، إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد، وإن تدحض القدم فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح، وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها، وعفا في الأرض محطها، وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما وستعقبون مني جثة خلاء، ساكنة بعد حركة وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي، فإنه أوعظ لكم من الناطق البليغ، ودعتكم وداع مرصد للتلاقي، غدا ترون أيامي ويكشف الله عزوجل عن سرائري وتعرفوني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي، إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي [وإن أعف] فالعفو لي قربة ولكم حسنة، فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم، فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة أو تؤديه أيامه إلى شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة أو تحل به بعد الموت نقمة، فإنما نحن له وبه. ثم أقبل على الحسن (عليه السلام) فقال: يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم.(1)

* الشرح:

قوله (حف به العواد) جمع العائد من العيادة وهي الزيارة.

قوله (اثنوا لي وسادة) ثنى الشيء كسمع رد بعضه على بعض فتثنى وأنثنى.

قوله (الحمد لله حق قدره) أي حمدا حق قدره وتعظيمه، حمده إجمالا بما يليق عظمته للتنبيه على أن الإتيان بتفاصيله متعسر بل متعذر لأن ذلك متوقف على معرفة عظمته والقدرة على إحصاء ثنائه وهما خارجان عن طوق البشر كما قال (صلى الله عليه وآله): «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».

قوله (متبعين أمره) حال عن فاعل الحمد وإنما أتى به بعد الإشارة إلى أن الحمد بإزاء ذاته وصفاته للدلالة على أنه أيضا بإزاء نعمه التي أجلها وأكملها وأعظمها وأفضلها هي متابعة أمره لأنها مع كونها نسبة شريفة في هذه الدار سبب لجميع النعم في دار القرار.

قوله (وأحمده كما أحب) الإجمال هنا كالسابق وفيه توقع لأن يجعل حمده مثل حمد أحبه، وإشعار بأن الحمد الذي يليق به لا يقدر عليه غيره، ويحتمل أن يكون الكاف زائدا فيكون حمده حمدا هو أحبه وإنما حمده بكلا نوعي الحمد أعني الثبات والاستمرار على وجه التجدد للاشعار

ص:151


1- -الکافی :300/1 .

باستحقاقه لهما وعطف الفعلية على الاسمية جايز أيضا سيما إذا كانت الإسمية آئلة إلى الفعلية.

قوله (ولا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد) عطف الفعلية على الاسمية جايز أيضا على أنه يحتمل أن يكون التقدير: وأشهد أن لا إله إلا الله، وإنما وصفه بهذه الأوصاف الثلاثة لأنها من أخص صفاته لدلالة الأول على نفي الشركة في الذات والصفات والثاني على نفي التجزي والثالث على كونه مرجعا لجميع الممكنات ولا شيء مما سواه كذلك.

قوله (كما انتسب) أي كما انتسب إلى هذه الصفات في صورة التوحيد وغيرها.

قوله (أيها الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر) كما قال الله تعالى (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) وذلك لأن لحوق الموت ضروري وقد أحسن بقوله «في فراره» فإنه لما كان الإنسان دائما فارا من الموت طبعا وكان لابد منه لا جرم يلاقيه في حال فراره.

قوله (والأجل مساق النفس إليه) المراد بالأجل إما مدة عمر الإنسان يعني أن مدة كون النفس في هذا البدن محل لسوقها إلى الموت فإن النفس بانقضاء كل جزء من العمر تقرب من الموت أو الوقت المضروب للموت، قال جل شأنه (إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة) وفيه حث على الاستعداد لما بعد الموت وإشارة إلى أن الموت في حال الحياة، نعم ما قيل «موتوا قبل أن تموتوا».

قوله (والهرب منه موافاته) الهرب بالتحريك الفرار والموافاة الإتيان وهذه الفقرة كالأولى في غاية اللطف فإن كل هارب من شيء يطلب البعد منه إلا الهارب من الموت فإن فراره منه في مدة عمره يستلزم انقطاع تلك المدة وانقطاعها يستلزم ملاقاة الموت وموافاته. والحمل من باب المبالغة لكمال اللزوم والاتصال.

قوله (كم أطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر) «كم» خبرية و «أطردت» صيغة المتكلم وحده من باب الأفعال «والأيام» مفعوله، يقال: أطردت الشيء أي أخرجته وحقيقته صيرته طريدا.

«وأبحثها» حال عن فاعل «أطردت» بتقدير قد، وهذا الأمر يحتمل أمرين: أحدهما خفاء الحق ومظلومية أهله وظهور الباطل ورواج أهله، والمراد بالمكنون حينئذ سر ذلك وسببه والمعنى: كم صيرت الأيام طريدة لي أتبع بعضها بعضا والحال أني أبحث فيها عن سر هذا الأمر فأبى الله إلا إخفاءه وذلك لأنه من العلوم المتعلقة بالقضاء والقدر، وثانيهما ما ذكره شارح نهج البلاغة وهو ما وقع من قتله وضربه بالسيف والمراد حينئذ وقته المعين ومكانه المخصوص وكيفية وقوعه على التفصيل، يعني: كم صيرت الأيام والأزمان طريدة لي وقد كنت أبحث فيها لأعرف ذلك على التفصيل فأبى الله إلا إخفاءه فإن ذلك مما استأثر الله تعالى بعلمه لقوله (إن الله عنده علم الساعة - الآية) وإن كان قد أخبره الرسول (صلى الله عليه وآله) بكيفية قتله مجملا كما روي عنه أنه قال «سيضرب على

ص:152

هذه - وأشار إلى هامته - فتخضب منها هذه - وأشار إلى لحيته -» وعنه أنه قال له «أتعلم من أشقى الأولين؟ قال: نعم عاقر الناقة، وقال له: أتعلم من أشقى الآخرين؟ قال: لا، قال: من يضربك على هذه فتخضب هذه» وأما بحثه هو عن تحصيل الوقت المعين المحدود والكيفية المشخصة المعينة ونحوها من القرائن المشخصة وذلك البحث إما بالسؤال من الرسول (صلى الله عليه وآله) مدة حياته وكتمانه إياه أو بالبحث والفحص من قرائن أحواله في سائر أوقاته مع الناس كما هو ظاهر العبارة.

قوله (هيهات علم مكنون) أي بعد ذلك العلم عنا وهو علم مكنون مستور عن الخلق مختص به جل شأنه.

قوله (أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله شيئا) لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أوامره ونواهيه وسائر ما نطق به القرآن العزيز، فهو ترغيب في التوحيد وحث على الإخلاص.

قوله (ومحمدا (صلى الله عليه وآله) فلا تضيعوا سنته) عطف «على أن لا تشركوا» أي أما وصيتي فمحمدا أي فإن تحفظوا محمدا وترعوا جانبه فلا تضيعوا سنته وهي شريعته التي قررها زمان رسالته وفيه ترغيب في التمسك بها وعدم إهمالها.

قوله (أقيموا هذين العمودين) تأكيد أو استئناف والمراد بالعمودين عدم الشرك وعدم التضييع أعني التوحيد المطلق والسنة على سبيل الاستعارة المرشحة، إذ كما أن مدار الخيمة وقيامها بالعمود كذلك مدار الإسلام ونظام أمور المسلمين في معاشهم ومعادهم على التوحيد والتمسك بالسنة. والإقامة ترشيح، والقول بأن المراد بالعمودين الحسن والحسين (عليهما السلام) بعيد.

قوله (وأوقدوا هذين المصباحين) المراد بهما ما ذكر على سبيل الاستعارة المرشحة أيضا إذ كما أن المصباح يهدي في الظلام إلى الطريق الموصل إلى المطلوب كذلك التوحيد والسنة النبوية يهديان من ظلمات الجهل إلى طريق الحق ويوصلان إلى جواره في جنات النعيم وهو المطلوب الحقيقي للسالك في بيداء الطبائع البشرية، والإيقاد ترشيح.

قوله (وخلاكم ذم ما لم تشردوا) أي عداكم وجاوزكم ذم ولوم بعد التمسك بالتوحيد والسنة ما لم تشردوا ولم تتفرقوا عن دين الحق وما أنتم عليه، والغرض أنه لا يلحقكم ذم أصلا ما دمتم ثابتين على ذلك.

قوله (حمل كل امرئ مجهوده وخفف عن الجهلة رب رحيم وإمام عليم ودين قويم) التحميل التكليف يقال: حملته الشيء كلفته حمله، والدين القويم هو الذي لا اعوجاج فيه ولا صعوبة، والإمام العليم الرسول المبين لكيفية سلوك سبيل الله ومراحله ومنازله والهادي فيه بما يقتضيه حكمته من القول والعمل، أو أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه لكونه وارث علمه وسالك مسالكه،

ص:153

والظاهر أن حمل وخفف على صيغة المعلوم، و «رب» وما عطف عليه فاعلهما على سبيل التنازع ولما أمر أولا بإقامة هذين العمودين وإيقاد هذين المصباحين اللذين يدور عليهما التكليف أشار بهذا القول إلى أن التكليف بذلك يتفاوت بحسب تفاوت مراتب الرجال فالرب الرحيم والإمام العليم والدين القويم حملوا كل رجل ما هو مقدوره وكلفوه بما هو مجهوده فكلفوا العلماء وأهل الفضل والعقل بالتفكر والتأمل والتعليم والإرشاد والهداية والاستدلال وخففوا عن الجهال وضعفاء العقول ذلك وكلفوهم بما هو مقدورهم وهو المحسوس من العبادات والمتابعة لأولي الفضل في القول والعمل فتكليفهم دون تكليف هؤلاء العظام وإنما قلنا ذلك لاحتمال أن يكون الفعلان على صيغة المجهول وقوله «رب رحيم» إلى آخره حينئذ إما خبر مبتدأ محذوف تقديره المكلف رب رحيم ووصفه بالرحمة لمناسبة ما ذكر من التخفيف عن الجهلة أو فاعل لفعل يفسره حمل أي حملهم رب رحيم كقوله (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال).

قوله (أنا بالأمس صاحبكم) في الأمر والنهي والمحاربة مع الأقران والمقاتلة مع أهل الخذلان وغير ذلك من الأفعال والأعمال التي لا تصدر إلا من الأقوياء.

قوله (وأنا اليوم عبرة لكم) يمكن لكم الاعتبار بما طرأ من الضعف بعد القوة ومن السكون بعد الحركة ومن العجز بعد القدرة، وبالجملة تلك الأمور ونحوها من مصرعه (عليه السلام) بعد كونه صريعا للأقران ومصارعا للشجعان عبرة لأولي الألباب.

قوله (وغدا مفارقكم) بالموت وأراد بالغد معناه حقيقة لعلمه (عليه السلام) بأنه يموت في تلك الواقعة غدا لا ما يستقبل من الزمان مطلقا، وكل هذه التعبيرات محل الاعتبار يتنبه بها أولو الأحلام.

قوله (إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد) الوطأة الدوس بالرجل والمشي بها ولعل المراد هنا القدم مجازا أي أن يكون لي ثبات قدم في هذه المزلة التي هي محل زوال الحياة وبقاء فيها فذاك المراد لكشفه بأنه مراد الله تعالى وفيه رضاء بالواقع وتفويض الأمر إلى الله تعالى.

قوله (وإن تدحض القدم فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح وتحت ظل غمامة، اضمحل في الجو متلفقها وعفا في الأرض محطها) الأفياء جمع فيئ وهو الظل وأصله الرجوع وإنما سمي الظل فيئا لرجوعه من جانب إلى جانب، وذرى الرياح بالفتح كنفها ومهبها يقال: أنا في ذرى فلان أي في كنفه، وذرى الرياح بالضم اسم لما ذرته الريح وأطارته، ولا يمكن إرادته هنا إلا بتكلف وهو أن المراد بالكون فيه الكون فيما بينه ومن جملته، والغمام السحاب الواحدة غمامة، والجو ما بين السماء والأرض، والمتلفق إما اسم مفعول من تلفق أي اجتمع أو مصدر ميمي منه بمعنى الاجتماع، وضمير التأنيث عايد إلى الغمام، والعفاء الدروس والانمحاء يقال: عفا الأثر أي درس

ص:154

وانمحى، والمحط بالحاء والطاء المهملتين المنزل والأثر وضميره راجع إلى الغمام ورجوعه إلى ذرى الرياح بعيد ودحض القدم كناية عن الموت أي إن مت فلا عجب فإنا كنا في هذه الأمور وكنى بها عن أحوال الدنيا ومستلذاتها وقلة ثباتها والتمتع بها وفيه حث على عدم الركون إليها وترغيب في الاستعداد لما بعد الموت، وقيل: أراد على وجه الاستعارة بالأغصان الأركان من العناصر وبالأفياء تركيبها المعرض للزوال، وبالرياح الأرواح، وذراها الأبدان الفائضة هي عليها بالجود الإلهي، وبالغمامة الأسباب العلوية من الحركات السماوية والاتصالات الكوكبية والأرزاق المفاضة على الإنسان في هذا العالم التي هي سبب بقائه، وكنى باضمحلال متلفقها في الجو عن تفرق تلك الأسباب وزوالها، وبعفاء محطها في الأرض عن فناء آثارها في الأبدان.

قوله (وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما) أراد بالأيام مدة حياته، وفيه تنبيه على أن مجاورته إنما كانت بالبدن فقط، وأما نفسه القدسية فإنما كانت متصلة بالملأ الأعلى، غير مايلة إلى البقاء في الدنيا ومجاورة أهلها أو على أن المجاورة إنما هي من عوارض الجسمية فتكون متعلقة بالبدن فقط.

قوله (وستعقبون مني جثة خلاء) أي خالية من الروح، والجثة الشخص والبدن وفيه مع ما يليه أيضا عبرة واتعاظ لأولي الأبصار.

قوله (وكاظمة بعد نطق) الكظوم السكوت يقال: كظم الرجل يكظم كظوما إذا أمسك عن الكلام والنفس فهو كاظم أي ساكت.

قوله (ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي) الهدوء بضم الهاء والدال والهمزة أخيرا السكوت من باب منع يقال: أهدأه فهدأ أي سكنه فسكن والخفوت بضمتين السكون يقال:

خفت الصوت خفوتا أي سكن، ولهذا قيل للميت: خفت إذا انقطع كلامه وسكت فهو خافت والإطراق إرخاء العينين، يقال: أطرق فلان أي أرخى عينيه ينظر إلى الأرض وسكت، ويحتمل أن يكون الأطراق بفتح الهمزة جمع الطرق بكسر الطاء وهي القوة كحمل وأحمال. والأطراف جمع الطرف بالتحريك كجمل وأجمال والمراد بها الأعضاء والجوارح أو جمع الطرف بالتسكين وهو تحريك العين والجفن، والمراد بها هنا العيون والأجفان إلا أن جمعه لم يثبت إلا عند القتيبي، وقال الزمخشري: الطرف لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر. وقال الجوهري: الطرف العين ولا يجمع لأنه في الأصل مصدر فيكون واحدا وجمعا.

قوله (فإنه أوعظ لكم من الناطق البليغ) أي فإن ما ذكر أوعظ لكم من ناطق صاحب الفصاحة والبلاغة فإن النفوس لمشاهدة ما فيه من العبرة والوعظ أكثر انفعالا وأشد اتعاظا واعتبارا من

ص:155

الاتعاظ والاعتبار بالقول المسموع ولو بأبلغ عبارة إذ ليس الخبر كالمعاينة.

قوله (ودعتكم وداع مرصد للتلاقي غدا) ولما حمد الله تعالى ونصحهم ووعظهم بما فيه عبرة أخذ في توديعهم بقوله: ودعتكم على سبيل الإنشاء وداع رجل مرصد أي معد ومهيئ للقاء الله تعالى أو للقائكم غدا يريد به يوم القيامة والمرصد حينئذ اسم فاعل من أرصدت له بمعنى أعددت وهيأت له، ويجوز أن يكون اسم مكان من الرصد بالتحريك والتسكين بمعنى المراقبة والانتظار.

قوله (ترون أيامي ويكشف الله عن سرائري وتعرفوني بعد خلو مكاني وقيام غير مقامي) في بعض النسخ «وقيام غيري مقامي» وفيه تذكير لهم بحسن خلقه وفضيلته وتنبيه على كمال شفقته على رعيته ليثبت العارفون بفضله على أتباعه ويبالغوا في مدحه وثنائه أداء لحمد الله تعالى بإعطاء ذلك الإمام العادل ويعرف الغافلون عن فضله ومنزلته ولزوم قصده في سبيل الحق عند مشاهدة المنكرات وظهور الظلم والجور ممن يقوم مقامه من خلفاء بني أمية وعمالهم. ويعلموا سرائره وهي أن حروبه ووقايعه وحرصه على هذا الأمر وأمره بالقتال لم يكن لنيل دنيا بل لإقامة الدين وترويج الشرع.

قوله (إن أبق فأنا ولي دمي) صدق الشرطية لا يستلزم وقوع الطرفين فلا ينافي ما مر من قوله (عليه السلام) «وغدا مفارقكم».

قوله (وإن أفن فالفناء ميعادي) كما قال جل شأنه (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك) وقال (كل شيء هالك إلا وجهه).

قوله (فالعفو لي قربة ولكم حسنة) التنكير فيهما للتعظيم فإن مراتبهما متفاوتة وفيه ترغيب في العفو إذ يكتب لصاحبه حسنة جليلة وهي منشأ لقربه من الله باستحقاق رحمته ومغفرته وألطافه وإحسانه وترادف مننه وفيض مواهبه عليه، وقوله «لي» معناه لأجلي ورضائي بذلك، لا أن العفو سبب لقربه (عليه السلام) منه تعالى لأن الله تعالى قد أعطاه من القرب والمنزلة ما لا يؤثر فيه شيء من أفعالنا.

قوله (فاعفوا) أي فاعفوا عن ذنوب الإخوان وزلاتهم واصفحوا بالإعراض عن مؤاخذتهم وتعييرهم بها (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) بإخفاء ذنوبكم وستر زلاتكم وترك تعييركم، فكما تحبون ذلك لأنفسكم فأحبوه لإخوانكم، مع أن عفوكم لإخوانكم سبب لمغفرتكم.

قوله (فيالها حسرة) النداء للتعجب والمنادى محذوف وحسرة بالنصب تميز عن الضمير المبهم كما في قوله يا لها قصة، وربه رجلا أي يا قوم أدعوكم لشيء تتعجبون منه وهي الحسرة على كل ذي غفلة عما يراد منه أن يكون عمره ومدة بقائه في دار التكليف حجة عليه يوم القيامة كما

ص:156

قال جل شأنه (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير) و (فذوقوا فما للظالمين من نصير) أو تؤديه أيامه إلى شقوة تجره إلى عذاب السعير، والمؤدي إليها وإن كان عقائده الفاسدة وأعماله الكاسدة; إلا أن الزمان لما كان ظرفا لها نسب التأدية إليه مجازا.

قوله (جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله تعالى رغبة) القصور العجز يقال: قصرت عن الشيء قصورا عجزت عنه ولم أبلغه وحرف المجاوزة متعلق بلا يقصر و «رغبة» تميز عن النسبة فيه وضمير به راجع إلى الله أي ممن لا يقصر بلطف الله وتوفيقه عن طاعة الله لأجل الرغبة عنها ولو جعلت رغبة فاعل «لا يقصر» وحرف المجاوزة متعلقا بها لزم خلاف المعنى المقصود.

قوله (أو تحل به بعد الموت نقمة) عطف على قوله يقصر والنقمة على وزن الكلمة وإن شئت سكنت القاف ونقلت حركتها إلى النون فقلت: نقمة وهي العقوبة والعذاب.

قوله (فإنما نحن له وبه) أي فإنما نحن موجودون لله تعالى وبه، ففي الأول إشارة إلى وجوب طلب التقرب منه بالإتيان بالمأمورات والاجتناب عن المنهيات وفي الثاني إشارة إلى تفويض الأمور كلها إليه، وبهما يتم النظام في الدارين، ويحصل علو المنزلة في النشأتين.

*اصل:

7 - محمد بن يحيى، عن علي بن الحسن، عن علي بن إبراهيم العقيلي يرفعه قال قال: لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال للحسن: يا بني إذا أنا مت فاقتل ابن ملجم واحفر له في الكناسة - (ووصف العقيلي الموضع على باب طاق المحامل موضع الشواء والرؤاس) ثم ارم به فيه، فإنه واد من أودية جهنم.(1)

* الشرح:

قوله (موضع الشواء والرؤاس) الشواء بالكسر اسم من شويت اللحم شيا والرؤاس بائع الروؤس والعامة تقول رواس، كذا في الصحاح.

ص:157


1- -الکافی :300/1 .

باب الإشارة والنص على الحسين بن علي (عليهما السلام)

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح (قال الكليني): وعدة من أصحابنا، عن ابن زياد، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن هارون بن الجهم، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لما حضر الحسن بن علي (عليهما السلام) الوفاة قال للحسين (عليه السلام): يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها، إذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأحدث به عهدا ثم اصرفني إلى أمي (عليها السلام) ثم ردني فادفني بالبقيع واعلم أنه سيصيبني من عائشة ما يعلم الله والناس صنيعها وعداوتها لله ولرسوله وعداوتها لنا أهل البيت، فلما قبض الحسن (عليه السلام) [و] وضع على السرير ثم انطلقوا به إلى مصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يصلى فيه على الجنائز (1) فصلى عليه الحسين (عليه السلام) وحمل وأدخل إلى المسجد فلما أوقف على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذهب ذو العوينين إلى عائشة فقال لها: إنهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوه مع النبي (صلى الله عليه وآله) فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجا - فقالت: نحوا ابنكم عن بيتي، فإنه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجابه، فقال لها الحسين (عليه السلام): قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأدخلت عليه بيته من لا يحب قربه، وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة.

* الشرح:

قوله (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح قال الكليني وعدة من أصحابنا) بكر بن صالح مشترك بين مجهول يروي عن أبي جعفر (عليه السلام) وبين ضعيف وهو بكر بن صالح الرازي يروي عن الكاظم (عليه السلام) فإن كان المراد به الأول فالسند الأول مسند مع احتمال الإرسال، لأن رواية إبراهيم ابن هاشم عمن يروي عن الباقر (عليه السلام) بلا واسطة بعيد جدا، وإن كان المراد به الثاني كما هو الظاهر لأن إبراهيم بن هاشم يروي عنه فالسند مرسل أو مربوط بالسند الثاني مع احتمال أن يكون هو والأول واحدا كما صرح به بعض أصحاب الرجال فتأمل.

قوله (ثم اصرفني إلى أمي ثم ردني فادفني بالبقيع) دل على أن مرقد فاطمة (عليها السلام) ليس

ص:158


1- قوله (كان يصلى فيه على الجنائز) هذا المصلى واقع في زماننا في المسجد الشريف في الجانب الشرقي من الشباك المقدس. (ش)

بالبقيع (1).

قوله (صنيعها) (2) كذا في بعض النسخ المعتبرة وفي أكثرها «بغضها» وهو مفعول «ما يعلم» والعائد إلى «ما» محذوف وهو به.

قوله (ذهب ذو العوينين) هو الجاسوس، وقيل: هو مروان بن الحكم، وفي الصحاح: العين حاسة الرؤية وتصغيرها عيينة ومنه ذو العيينتين للجاسوس ولا تقل ذو العوينتين، وهذا يرده.

* الأصل:

2 - محمد بن الحسن وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان الديلمي عن بعض أصحابنا، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما حضرت الحسن بن علي (عليهما السلام) الوفاة، قال: يا قنبر! انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به مني، قال: ادع لي محمد بن علي، فأتيته فلما دخلت عليه، قال: هل حدث إلا خير؟ قلت: أجب أبا محمد، فعجل على شسع نعله، فلم يسوه وخرج معي يعدو، فلما

ص:159


1- قوله «ليس بالبقيع» ويدل على ذلك اتفاق المشايخ الثلاثة الكليني وابن بابويه والشيخ الطوسي أصحاب الكتب الأربعة على أن زيارتها (عليها السلام) في بيتها الواقع في زماننا في الشباك المقدس ويدل أيضا على ذلك القرائن العقلية لأن غرضهم كان إخفاء موتها وقبرها ولا يتيسر ذلك مع نقلها من بيتها إلى البقيع وكان الدفن في البيت معهودا فلابد أن يقال بدفنها في بيتها يقينا وإنما أنكر من أنكر لأغراض، أما الأعداء فلأغراض خبيثة وأما الموالي فلإقامة الشواهد على مخالفتها لما جرى بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله). (ش)
2- قوله «صنيعها» أي عملها وديدنها فإن الناس علموا أنها كانت من أعداء أمير المؤمنين وأهل بيته (عليهم السلام) ولا ينكر ذلك أهل السنة أيضا وحملوا ذلك على ما بين المرأة وضراتها وأحمائها وخصوصا أولاد ضرتها خديجة وظهر ذلك منها مرارا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده في حرب الجمل وغيره، وثبت في كتبهم وكلما جرى ذكر خديجة رضي الله عنها بخير عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) تغيرت وغضبت، وقد صرح القرآن بصدور الإيذاء منها ومن صاحبتها له (صلى الله عليه وآله) ومخالفتهما وتظاهرهما عليه في قوله: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) و (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما) وما دل من أحاديثهم على خلاف ذلك غير مقبول لمخالفة نص الكتاب ولو كان حذف شيء من القرآن ممكنا لحذفوه ثم إن بعض من لا بصيرة له ولا خبرة في لغة العرب فسر قوله (عليه السلام) «الناس صنيعها» إن الناس أي بني أمية يجعلونها آلة لأغراضهم وهو غلط وأما دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت عائشة ورحلته وتمريضه فيه فإنما هو لمجاورة المسجد وكان اطلاعه (صلى الله عليه وآله) على الناس وخروجه إليهم من بيتها أسهل عليه مع مرضه مما لو كان في بيت غيرها كما اطلع على صلاة أبي بكر بالناس وخرج ومنعه، ثم كون قبره الشريف مجاورا للمسجد كان أذكر له وأسهل لزيارته (صلى الله عليه وآله) وليس ذلك لفضل عائشة. نعم لا كلام في براءتها مما رميت به في مسألة القذف لأن رميها به هتك لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكذلك كل زوجة بالنسبة إلى بعلها. (ش)

قام بين يديه سلم، فقال له الحسن بن علي (عليهما السلام): اجلس فإنه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيى به الأموات ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم ومصابيح الهدى، فإن ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض، أما علمت أن الله جعل ولد إبراهيم (عليه السلام) أئمة وفضل بعضهم على بعض وآتى داود (عليه السلام) زبورا! وقد علمت بما استأثر به محمدا (صلى الله عليه وآله)! يا محمد بن علي، إني أخاف عليك الحسد وإنما وصف الله به الكافرين، فقال الله عزوجل (كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق)(1) ولم يجعل الله عزوجل للشيطان عليك سلطانا، يا محمد بن علي ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟ قال: بلى. قال: سمعت أباك (عليه السلام) يقول يوم البصرة: من أحب يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمدا ولدي، يا محمد بن علي! لو شئت أن اخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك، يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي (عليهما السلام) بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي وعند الله جل اسمه في الكتاب، وراثة من النبي (صلى الله عليه وآله) أضافها الله عزوجل له في وراثة أبيه وأمه فعلم الله أنكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمدا (صلى الله عليه وآله) واختار محمد عليا (عليه السلام) واختارني علي (عليه السلام) بالإمامة، واخترت أنا الحسين، فقال له محمد بن علي: أنت إمام وأنت وسيلتي إلى محمد (صلى الله عليه وآله) والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام، ألا وإن في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء ولا تغيره نغمة الرياح كالكتاب المعجم في الرق المنمنم أهم بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل أو ما جاءت به الرسل وإنه لكلام يكل به لسان الناطق ويد الكاتب، حتى لا يجد قلما ويؤتوا بالقرطاس حمما فلا يبلغ إلى فضلك وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوة إلا بالله، الحسين أعلمنا علما وأثقلنا حلما وأقربنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) رحما، كان فقيها قبل أن يخلق وقرأ الوحي قبل أن ينطق ولو علم الله في أحد خيرا ما اصطفى محمدا (صلى الله عليه وآله); فلما اختار محمدا (صلى الله عليه وآله) واختار محمد عليا واختارك علي إماما واخترت الحسين، سلمنا ورضينا من [هو] بغيره يرضى و [من غيره] كنا نسلم به من مشكلات أمرنا.(2)

* الشرح:

قوله (أعلم به مني) فلا يحتاج إلى أن أخبرك بعد النظر، وفيه شيء يمكن دفعه بحمل النظر على النظر الباطني.

قوله (فعجل على شسع نعله) الشسع أحد سيور النعل وهو الذي يدخل بين الإصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام، والزمام السير الذي يعقد فيه

ص:160


1- -سورة البقرة:109.
2- -الکافی :300/1 .

الشسع.

قوله (فإنه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام) وهو الوصية في الولاية والنص على الخليفة بعده فإن السامع لهذا الكلام والمقر بصدقه حي وإن كان ميتا والمنكر له ميت وإن كان حيا إذ الحياة هي حياة النفس بالمعرفة والموت هو موتها بالجهالة.

قوله (كونوا أوعية العلم ومصابيح الهدى) أمر بطلب العلم وتنوير القلب للرشاد والدلالة على السداد إذ نظام الإنسان في نفسه بالعلم والعمل بمقتضاه وهو الاهتداء إلى المقصود والتمسك بالحق فإنه إذا فعل ذلك فهو مصباح لمن تبعه واستضاء بنوره في سلوك سبيل الحق بخلاف ما إذا علم الحق وتركه فإنه ضال لنفسه ومضل لغيره وهكذا حال كل من ادعى الإمامة وليس بأهل لها، وهذا كالتمهيد لما هو المقصود هنا من أمره ومتابعة الحسين (عليه السلام) وزجره عن مخالفته.

قوله (فإن ضوء النهار) لما أمره بطلب العلم وقد كان عالما أشار هنا إلى بيان ذلك وبين أن العلم لتفاوت درجاته كالضوء فإن بعضه أشد ضياء من بعض فكذلك العلم بعضه أكمل من بعض وإليه أشار جل شأنه بقوله (وفوق كل ذي علم عليم) فلابد للعالم من رجوعه إلى الأعلم والإقرار بفضله وهذا أيضا تمهيد لما ذكر.

قوله (أما علمت) تمثيل لما ذكر وتقرير له وتنبيه على أنه كما كان بين أولاد خليل الرحمن تفاوت في العلم والفضل حتى صار الأفضل مستحقا للخلافة كذلك بين أولاد سيد الأوصياء تفاوت فيه حتى صار الأفضل بذلك مستحقا للخلافة والإمامة.

قوله (وقد علمت بما استأثر الله به محمدا (صلى الله عليه وآله)) أي علمت أن الله تعالى اختار محمدا من بين خلقه جميعا بسبب علمه وعمله وصفات كماله وامتيازه من جميع الوجوه وهذه الأمور مناط تقدمه على جميعهم وفيه تمهيد لما ذكر.

قوله (يا محمد بن علي إني أخاف عليك الحسد) (1) هو أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى أن

ص:161


1- قوله «أخاف عليك الحسد» الحديث ضعيف غايته لأن محمد بن سليمان الديلمي ضعيف وما يروى عن المفضل أيضا غير معتمد عليه لحمل الغلاة عليه حملا كثيرا وإن قلنا باعتبار الرجل في نفسه ومع ذلك ففيه إرسال، لكن وليس في متنه ما ينافي الأصول ولا يرى فيه ضعف من جهة المعنى إلا مواجهة الحسن (عليه السلام) أخاه بهذا الكلام ونسبة الحسد إليه، ومحمد بن الحنفية معروف بالصلاح والفضل والتقوى وأجل من أن ينسب إليه الجهل بمقام ابني فاطمة سلام الله عليهما وشرفهما بالانتساب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وموقعهما في قلوب المسلمين ولا يحسد الإنسان كلما كان جاهلا إلا من يساويه أو يقرب منه في الرتبة ولا يحسد أحد من ضعاف الرعية الملوك على قدرتهم وثروتهم ولا أحد من صغار الطلبة العلامة والشهيد وأمثالهم على شهرتهم في العلم وإنما يحسدون من في رتبتهم أو ما يقربها، ثم صدور هذا الكلام من الإمام (عليه السلام) وهو سب وفحش وهتك حرمة وسوء أدب غير معهود منهم (عليهم السلام) ولم يواجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنافقين الذين كان يعرفهم بالتعيين بمثل هذا الكلام. (ش)

تزول عنه وتكون له دونه ومبدؤه قلة التفكر والجهل بالله وحكمته وكثرة الحرص وحب الدنيا وإنما نسبه إلى أبيه دون نفسه ولم يقل يا أخي تذكيرا له بما صدر عن أبيه من الوصية إلى الحسين (عليه السلام) في حضوره.

قوله (كفارا حسدا) الآية هكذا (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق) قوله و «لو يردونكم» مفعول «ود» و «لو» بمعنى أن المصدرية أي أن يردوكم، وقوله «كفارا» أي مرتدين حال عن ضمير المخاطبين وقوله «حسدا» مفعول له لود وعلة له، وقوله «من عند أنفسهم» متعلق به أي ودوا ذلك من عند أنفسهم وهواها وتشبيها لا من قبل التدين والميل مع الحق أو بحسد أي حسدا منبعثا من أصل نفوسهم من بعدما تبين لهم الحق بالمعجزات والنعوت المذكورة في كتبهم. إذا عرفت هذا فنقول: كل من أنكر الحق حسدا فهو في زمرة الكافرين ومتصف بصفتهم. نعوذ بالله من ذلك.

قوله (ولم يجعل الله تعالى للشيطان عليك سلطانا) حيث من عليك بالإيمان فلا تجعل له عليك سلطانا بالكفر والارتداد ومتابعة مشتهيات النفس كما قال جل شأنه (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون)(1) ويحتمل أن يكون المراد أن الشيطان ليس له عليك سلطان يجبرك على الشر حتى تكون معذورا وإنما فعلك ينسب إلى نفسك إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا كما قال عز شأنه (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).

قوله (من أحب أن يبرني) بره يبره من باب علم أي أطاعه وأحسن إليه وأتى بحقوقه والغرض من هذه الأخبار حثه على الشكر بهذه النعمة الجليلة وعدم فعل ما يوجب زوالها.

قوله (يا محمد بن علي لو شئت) لعل المراد منه هو التنبيه بأن الإمام يجب أن يكون له علم بما في أصلاب الرجال وأرحام الأمهات وأن لا يخفى عليه شيء من ضمائر القلوب وخطرات النفوس ليقل بذلك طمعه في الإمامة والولاية لعدم اتصافه بهذا العلم.

قوله (يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي) العطف للتفسير وإلا فالنفس لا تموت وقوله «من بعدي» تأكيد وتوضيح لاتصال إمامة الحسين (عليه السلام) بمفارقة روحه المقدسة من غير فصل لئلا يتوهم السامع جواز الانفصال، وفيه تذكير له بما سمعه من أبيه (عليه السلام) حين أحضره وسائر أخوته عند الوصية إلى ابنيه الحسن

ص:162


1- -سورة النحل:99.

والحسين (عليهما السلام) وأشهدهم على ذلك، وقد روي أنه نظر بعد الوصية إلى محمد بن الحنفية فقال: هل حفظت بما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم، قال: فإني أوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك.

قوله (وأنت وسيلتي) هي ما يتقرب به إلى الشيء ويتوصل به إليه.

قوله (قبل أن أسمع منك هذا الكلام) أي الكلام المخبر بموتك أو نسبة الحسد إلي.

قوله (ألا وإن في رأسي كلاما ما تنزفه الدلاء) تنكير «كلاما» للتكثير والتعظيم، والمراد به ما دل على مدحه وفضائله (عليه السلام) وجعل الرأس ظرفا له لأن اللسان مظهره وتشبيهه بالماء في الكثرة والغزارة مكنية ونسبة النزف إليه تخييلية والتمثيل أيضا محتمل، والنزف النزح تقول: نزفت ماء البئر نزفا إذا نزحت كله، والمقصود أن هذا الكلام في الكثرة والعظمة إلى حيث لا يمكن التكلم بجميعه.

قوله (ولا تغيره نغمة الرياح) النغمة الصوت الخفي وهذا تمثيل لثباته واستقراره وعدم زواله بمخاطرات النفس ووساوس الشيطان أو كناية عنه، يقال: هذا ما تغيره الرياح إذا كان ثابتا مستقرا.

قوله (كالكتاب المعجم) أي ما في رأسي من الكلام كالكتاب المعجم الذي أزيلت عجمته وعدم إفصاحه بالنقط والإعراب بحيث يكون المقصود منه ودلالته عليه واضحين ناظرين غير متلبسين على الناظر فيه من قولهم: أعجمت الكتاب فهو معجم أي أزلت عجمته وهي عدم الإفصاح ويمكن أن يراد بالكتاب المعجم الكتاب الغير المفصح لمقصوده من قولهم: أعجمه إذا لم يفصحه لا لقصور فيه بل للطف معانيه وكثرة لطائفه حتى يعجز اللسان عن بيانه.

قوله (في الرق المنمنم) الرق بالفتح وقد يكسر: جلد رقيق يكتب فيه والصحيفة البيضاء أيضا، والمنمنم المرقش والمزخرف والموشى، يقال: نمنم الثوب أي رقشه وزخرفه ووشاه وقد يطلق على الثوب الأبيض أيضا ولعل المراد بالرق المنمنم صدره لاتصافه بالزينة وحب أهل البيت (عليهم السلام)، أو بالضياء والصفاء عن دنس الحقد وسواد الحسد. وفي بعض النسخ «في الرق المنهم» يقال: أنهم الشحم والبرد إذا ذابا، وإنما وصف قلبه بالذوب لإذابة الغم والهم إياه.

قوله (أهم بأدائه) في بعض النسخ «بإبدائه» والمآل واحد.

قوله (فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل) الظاهر أن سبقت على صيغة المجهول وسبق على صيغة الماضي المعلوم من باب الاستئناف، واللام في الكتاب إما للعهد إشارة إلى القرآن العزيز أو للاستغراق الشامل لجميع الكتب المنزلة والترديد من باب منع الخلو فلا ينافي الجمع أو من باب الشك من الراوي على احتمال بعيد ولعل المقصود أنه سبقني على إبدائه الكتب السماوية وألسنة الرسل (عليهم السلام)، والحاصل أن أهل البيت لا يحتاجون إلى أن أذكر نعوتهم وأبدي

ص:163

فضائلهم لأن الله تعالى ذكرها وأبداها وألسنة الرسل ناطقة بها، وإنما قلت: الظاهر ذلك لاحتمال أن يكون الأول على صيغة المعلوم والثاني على صيغة المصدر ولكنه بعيد جدا.

قوله (أو ما حلت به الرسل) في بعض النسخ «أو ما مضت» وفي بعضها «أو ما جاءت» والأشهر في الرواية هو الأول.

قوله (وأنه لكلام يكل به لسانه الناطق [حتى يكل لسانه]) هكذا في أكثر النسخ المعتبرة وليس في بعضها قوله «حتى يكل لسان» وهو الأظهر ولعل المعنى على تقدير وجوده أن الكلام الذي في رأسي يكل به لسانه الناطق الفصيح ويعجز عن إبدائه حتى يبلغ غاية الكلال ويعجز عن النطق به بالكلية، وهذا ليس من باب الجزاف والتخمين بل هو حق ثابت في نفس الأمر إذ لا يعلم مدايح أهل البيت وشرف فضائلهم وعلو منزلتهم إلا الله تعالى.

قوله (ويد الكاتب حتى لا يجد قلما ويؤتوا بالقرطاس حمما فلا يبلغ فضلك) ضمير «لا يجد» للكاتب و «قلما» في حيز الاستغراق وضمير «يؤتوا» للناس وهو معطوف على «لا يجد» والعائد محذوف وهو منه، والحمم بضم الحاء وفتح الميم جمع الحممة كذلك وهي الفحمة والشيء الأسود، والفاء في قوله «فلا يبلغ» للتفريع وضمير يبلغ للكاتب أو للقرطاس، وفي كثير من النسخ «ولا يبلغ» بالواو للحال وهو الأظهر، ولعل المعنى أنه لكلام يكل به يد الكاتب لكثرة حركتها في كتابته حتى لا يجد قلما أصلا لصرف كله في الكتابة وحتى يؤتوا أي الناس من جانب الكاتب بالقراطيس كلها مسودة مملوة بفضائلك فلا يبلغ الكاتب أو القرطاس «فضلك بل المكتوب قليل من كثير وهذا ليس من باب الاغراق إذ لو صارت الأشجار أقلاما والأفلاك وما فيها قرطاسا والبحور مدادا لنفدت قبل أن تنفد كلمات فضائلهم (عليهم السلام).

قوله (كان فقيها قبل أن يخلق) أراد بخلقه خلق جسمه، وقد روي أن الأرواح المطهرة قبل تعلقها بالأبدان المقدسة كانوا عالمين معلمين للملائكة أيدهم الله تعالى بنوره وأفضلهم بقربه والقول بأن المراد أنه كان فقيها في علم الله قبل خلقه بعيد جدا.

قوله (سلمنا ورضينا) التسليم هو الإذعان والانقياد قولا وفعلا ظاهرا وباطنا، والرضا هو السرور بمر القضاء وإرادة الحق والسكون إلى أحكامه، والفرق بينهما كالفرق بين السبب والمسبب فإن الرضا سبب التسليم ومقدم عليه والتسليم فوقه.

قوله (من بغيره يرضى) أي من يرضى بغير الحسين (عليه السلام) فالظرف متعلق بما بعده والضمير المجرور راجع إلى الحسين (عليه السلام) و «يرضى بالياء» غائب مذكر وفاعله راجع إلى «من» والاستفهام للإنكار، وأما قراءة «نرضى» بالنون على أن يكون متكلما مع الغير كما في بعض النسخ فلا يخلو ما فيه لخلو «من» عن العائد إليه إلا أن يقدر أو يجعل ضمير المجرور له، والأخير واه.

ص:164

* الأصل:

3 - وبهذا الإسناد، عن سهل، عن محمد بن سليمان، عن هارون بن الجهم، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لما احتضر الحسن بن علي (عليهما السلام) قال للحسين: يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها، فإذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأحدث به عهدا ثم اصرفني إلى أمي فاطمة (عليها السلام) ثم ردني فادفني بالبقيع، واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وعداوتها لنا أهل البيت، فلما قبض الحسن (عليه السلام) [و] وضع على سريره فانطلقوا به إلى مصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يصلي فيه على الجنائز فصلى على الحسن (عليه السلام)، فلما أن صلى عليه حمل فأدخل المسجد فلما أوقف على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلغ عائشة الخبر وقيل لها: إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ليدفن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجا - فوقفت وقالت: نحوا ابنكم عن بيتي، فإنه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجابه.

فقال لها الحسين بن علي صلوات الله عليهما: قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قربه وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة! إن أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليحدث به عهدا، واعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستره، لأن الله تبارك وتعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) وقد أدخلت أنت بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الرجال بغير إذنه، وقد قال الله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) (1)ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند أذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعاول، وقال عزوجل: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقربهما منه الأذى وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء وتالله يا عائشة! لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول الله صلوات الله عليهما جائزا فيما بيننا وبين الله لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك، قال: ثم تكلم محمد بن الحنفية وقال: يا عائشة! يوما على بغل ويوما على جمل فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم، قال: فأقبلت عليه فقالت: يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين (عليه السلام): وأنى

ص:165


1- -سورة الأحزاب:53.

تبعدين محمدا من الفواطم، فوالله لقد ولدته ثلاث فواطم: فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو ابن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر، قال: فقالت عائشة للحسين (عليه السلام): نحوا ابنكم واذهبوا به فإنكم قوم خصمون، قال: فمضى الحسين (عليه السلام) إلى قبر أمه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع.(1)

* الشرح:

قوله (وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك) أي أعلم الناس بتأويل كتابه بقرينة السابق مكرها من أن يهتك فلا يرد أن الهتك مفضل عليه وهو ليس بصحيح.

قوله (لأن الله تعالى يقول يا أيها الذين آمنوا) دليل على أنه لا يجوز هتك ستره والدخول في بيته ودلالة الآية الأولى عليه ظاهرة وأما دلالة الآية الثانية والثالثة ففيها خفاء، اللهم إلا أن يقال:

النهي عن رفع الصوت والأمر بغضه وخفضه لرعاية الأدب ولأجل الأذى وهذه العلة موجودة فيما نحن فيه فيكون من باب قياس منصوص العلة.

قوله (الرجال بغير إذنه) هم أبو بكر وعمر والحفار والذين حملوهما ودفنوهما فيه.

قوله (وفاروقه) سمى عمر فاروق أبي بكر تهكما واستهزاء لأنه كان كثير التصرف في أموره وكان يفرق بين مصالحه ومفاسده ويجري عليه أمره ونهيه.

قوله (عند أذن رسول الله) هذا لا ينافي ما روي من أن الأنبياء والأوصياء يرفعون إلى السماء بعد ثلاثة أيام إذ ذلك لا يقتضي عدم رجوعهم على مراقدهم المقدسة والروايات على وجودهم فيها كثيرة، منها ما ورد من النهي عن الإشراف على بيت النبي كراهة أن يرى هو مع بعض أزواجه.

قوله (يغضون أصواتهم) غض صوته أي خفضه ولم يرفعه بصيحة كما هو دأب الأراذل وفيه تعظيم له (صلى الله عليه وآله).

قوله (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) أي جربها للتقوى أو جربها بأنواع التكاليف لأجل التقوى فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها، أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميز جيده من رديه، وللتقوى ثلاث مراتب كما صرح به العلماء: الأولى التوقي عن الشرك الموجب للخلود في النار، الثانية التحرز عما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر عند قوم وهو المتعارف باسم التقوى في الشرع، الثالثة التنزه عما يشغل قلبه عن الحق وهو التقوى الحقيقي وأعلى المراتب.

قوله (إن الله حرم من المؤمنين أمواتا) رفع بذلك ما يتوهم من أن حرمة الدخول في بيته (صلى الله عليه وآله) بغير إذنه إنما كانت في حياته لا بعد موته.

قوله (وإن رغم معطسك) المعطس كمجلس الأنف وربما جاء بفتح الطاء، والرغام بالفتح

ص:166


1- -الکافی :303/1 .

التراب يقال: رغم أنفه من باب علم أي ذل رغما بحركات الراء، ورغم الله أنفه وأرغمه أي ألصقه بالرغام، هذا هو الأصل ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف من الخصم والانقياد على كره.

قوله (وقال يا عائشة! يوما على بغل ويوما على جمل) تعيير لها بخروجها على هذه الهيئة المذمومة للنساء سيما نساء النبي (صلى الله عليه وآله) حيث أمرهن الله تعالى بالاستقرار في البيوت بقوله (وقرن في بيوتكن) وقال: محمد أو ابن عباس خطابا معها:

تجملت تبغلت وإن عشت تفيلت * لك التسع من الثمن وللكل تملكت قوله (فما تملكين نفسك) النفوس البشرية كلها مائلة إلى الشرور والفساد فمن زمها بزمام العقل والشرع كان مالكا لها متصرفا فيها كتصرف المالك، ومن أرسلها غلبت عليه وأوردته في المهالك والمقابح.

قوله (ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم) أي لا تملكين مكانك ولا تستقرين فيه لأجل عداوة بني هاشم وإيصال السوء بهم، أو لا تملكين الأرض ولا تصيرين أميرا على أهلها من أجل عداوتهم، والأول من باب الاستفهام والثاني من باب الهزء والتهكم.

قوله (هؤلاء الفواطم يتكلمون) روى مسلم أنه أهدي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ثوب حرير فأعطاه عليا فقال: شققه بين الفواطم، قال ابن قتيبة: الفواطم ثلاث (1) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبنت أسد بن هاشم أم علي (رضي الله عنه) ولا أعرف الثالثة، قال الأزهري: الثالثة هي فاطمة بنت حمزة الشهيد، وروى بعضهم عن علي (عليه السلام) أنه قسمه بين أربع فواطم الثلاث المذكورة والرابعة فاطمة بنت عقيل بن أبي طالب.

قوله (وأنى تبعدين) من الإبعاد أو التبعيد والاستفهام للإنكار.

قوله (وفاطمة بنت أسد بن هاشم) هي زوجة أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم وابنة عمه وأم أمير المؤمنين (عليه السلام) قال الآبي في كتاب إكمال الإكمال: هي أول هاشمية ولدت هاشميا.

قوله (عبد معيص بن عامر) المعيص بالعين والصاد المهملتين كأمير بطن من قريش وفي بعض النسخ المغيض بالمعجمتين.

قوله (فانكم قوم خصمون) أي شديد و الخصومة واللجاج، خذلها الله من لجاج وخصومة وقول زور افترته.

ص:167


1- قوله «الفواطم ثلاث» لا فائدة في ذكر ذلك ولا مناسبة وإنما الفواطم الثلاث اللآتي ولدن محمد بن الحنفية من ذكرهن في متن الحديث: الأولى زوجة عبد المطلب والثانية زوجة أبي طالب والثالثة زوجة هاشم أم عبد المطلب. (ش)

باب الإشارة والنص على علي بن الحسين (عليهما السلام)

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين وأحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الحسين بن علي (عليهما السلام) لما حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) مبطونا معهم لا يرون إلا أنه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد! قال: قلت: ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟ قال: فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا. والله إن فيه الحدود، حتى أن فيه أرش الخدش.(1)

* الشرح:

قوله (حتى أن فيه أرش الخدش) خدش الجلد قشره بعود أو نحوه خدشه يخدشه خدشا والخدوش جمعه لأنه سمى به الأثر وإن كان مصدرا والأرش هو الذي يأخذه المشتري من البائع إذا اطلع على عيب في المبيع، وأروش الجنايات والجراحات من ذلك لأنها جابرة لها عما حصل فيها من النقص ويسمى أرشا لأنه من أسباب النزاع، يقال: أرشت بين القوم إذا أوقعت بينهم. كذا في النهاية.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما حضر الحسين (عليه السلام) ما حضره، دفع وصيته إلى ابنته فاطمة ظاهرة في كتاب مدرج، فلما أن كان من أمر الحسين (عليه السلام) ما كان دفعت ذلك إلى علي بن الحسين (عليهما السلام)، قلت له: فما فيه - يرحمك الله؟ فقال: ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى.(2)

* الشرح:

قوله (في كتاب مدرج) الإدراج درهم پيچيدن، يقال: أدرجت الكتاب والثوب

ص:168


1- -الکافی :303/1 .
2- -الکافی :303/1 .

طويته.

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الحسين صلوات الله عليه لما صار إلى العراق استودع أم سلمة رضي الله عنها الكتب والوصية فلما رجع علي بن الحسين (عليهما السلام) دفعتها إليه. «وفي نسخة الصفواني(1):

* الشرح:

قوله (استودع أم سلمة رضي الله عنها الكتب والوصية) لعل المراد بعضها فلا ينافي ما مر.

قوله (وفي نسخة الصفواني) ذكر ما فيها في باب النص على أبي جعفر (عليه السلام) أولى ولعل وجه ذكره هنا أنه كان متصلا بالحديث المذكور في نسخة الصفواني.

* الأصل:

4 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير، عن فليح بن أبي بكر الشيباني قال: والله إني لجالس عند علي بن الحسين وعنده ولده إذ جاءه جابر بن عبد الله الأنصاري فسلم عليه، ثم أخذ بيد أبي جعفر (عليه السلام) فخلا به، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبرني أني سأدرك رجلا من أهل بيته يقال له محمد بن علي يكنى أبا جعفر فإذا أدركته فأقرئه مني السلام، قال: ومضى جابر ورجع أبو جعفر (عليه السلام) فجلس مع أبيه علي بن الحسين (عليهما السلام) وإخوته فلما صلى المغرب قال علي ابن الحسين لأبي جعفر (عليه السلام): أي شيء قال لك جابر بن عبد الله الأنصاري؟ فقال: قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:

إنك ستدرك رجلا من أهل بيتي اسمه محمد بن علي يكنى أبا جعفر فأقرئه مني السلام، فقال له أبوه: هنيئا لك يا بني ما خصك الله به من رسوله من أهل بيتك. لا تطلع إخوتك على هذا فيكيدوا كيدا لك كما كاد إخوة يوسف ليوسف (عليه السلام)».(2)

* الشرح:

قوله (عن فليح) بضم الفاء وفتح اللام والحاء المهملة أخيرا يروي عن علي بن الحسين والباقر والصادق (عليهم السلام) مجهول.

قوله (فخلا به) خلا به ومعه وإليه خلوا وخلاء وخلوة سأله أن يجتمع معه في خلوة ففعل.

قوله (هنيئا لك) أي أشكر أو أذكر هنيئا لك وكل شيء يأتيك من الخير فهو هني وهذه الفضيلة والكرامة التي لا شيء أعظم منها أو يساويها جاءته من فضل الله تعالى بلا تعب ولا اكتساب.

ص:169


1- -الکافی :304/1 .
2- -الکافی :304/1 .

باب الإشارة والنص على أبي جعفر (عليه السلام)

* الأصل:

1 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن أبي القاسم الكوفي، عن محمد بن سهل عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما حضر علي بن الحسين (عليهما السلام) الوفاة قبل ذلك أخرج سفطا أو صندوقا عنده، فقال: يا محمد احمل هذا الصندوق، قال: فحمل بين أربعة، فلما توفي جاء إخوته يدعون [ما] في الصندوق فقالوا: أعطنا نصيبنا في الصندوق، فقال: والله ما لكم فيه شيء ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إلي، وكان في الصندوق سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتبه.(1)

* الشرح:

قوله (أخرج سفطا أو صندوقا) (2) السفط بالتحريك واحد الأسفاط وهو ما يوضع فيه الثياب والآلات ونحوها، والشك من الراوي.

قوله (بين أربعة) رجال بأن أخذ كل واحد واحدا من أعمدته الأربعة.

2 - محمد بن يحيى، عن عمران بن موسى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عبد الله، عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، قال: التفت علي بن الحسين (عليهما السلام) إلى ولده - وهو في الموت - وهم مجتمعون عنده، ثم التفت إلى محمد بن علي فقال: يا محمد! هذا الصندوق اذهب به إلى بيتك، قال: أما إنه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكن كان مملوءا علما.

3 - محمد بن الحسن، عن سهل، عن محمد بن عيسى، عن فضالة بن أيوب، عن الحسين ابن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى ابن حزم أن يرسل إليه بصدقة علي وعمر وعثمان وإن ابن حزم بعث إلى زيد بن الحسن وكان أكبرهم، فسأله الصدقة، فقال زيد: إن الوالي كان بعد علي الحسن وبعد الحسن الحسين وبعد الحسين علي بن

ص:170


1- -الکافی :305/1 .
2- قوله «سفطا أو صندوقا» هذا الحديث يدل على أن ما يتركه الإمام إن كان مما يملكه بمنصب الإمامة لا يشترك فيه ورثته بل يختص بالإمام اللاحق، وأما سائر أمواله فيشتركون فيها ومثله الأنفال وسهم الإمام من الخمس. (ش)

الحسين وبعد علي بن الحسين محمد بن علي، فابعث إليه، فبعث ابن حزم إلى أبي، فأرسلني أبي بالكتاب إليه حتى دفعته إلى ابن حزم. فقال له بعضنا: يعرف هذا ولد الحسن؟ قال: نعم كما يعرفون أن هذا ليل ولكنهم يحملهم الحسد ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيرا لهم، ولكنهم يطلبون الدنيا.

الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عبد الكريم بن عمرو، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى ابن حزم - ثم ذكر مثله، إلا أنه قال: بعث ابن حزم إلى زيد بن الحسن وكان أكبر من أبي (عليه السلام).

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء مثله.

* الشرح:

قوله (بصدقة علي وعمر وعثمان) أي بدفاتر صدقاتهم لا بحاصلها كما هو الظاهر.

قوله (فأرسلني أبي بالكتاب إليه) (1) أراد بالكتاب دفتر الوقف أو كتابه (عليه السلام) بأنه وقف خاص والأول أظهر.

قوله (فقال له بعضنا) كلام الحسين بن أبي العلاء وضمير «له» لأبي عبد الله (عليه السلام) وهذا إشارة إلى ما ذكره زيد بن الحسن أو إلى كون الوالي هؤلاء والمآل واحد.

قوله (ولو طلبوا الحق بالحق) أي لو طلبوا دين الحق أو الآخرة بالإمام الحق ومتابعته لكان خيرا لهم ولكنهم يطلبون الباطل وهو الدنيا بالدعاوى الباطلة.

ص:171


1- قوله «بالكتاب إليه» أي إلى ابن حزم وكان من أخلاف عمرو بن حزم الأنصاري الذي تولى جباية الزكاة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وله رواية في مقادير الزكاة وأنصابها منقولة في كتب الحديث. (ش)

باب الإشارة والنص على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)

* الأصل:

1 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي الصباح الكناني قال: نظر أبو جعفر (عليه السلام) إلى أبي عبد الله (عليه السلام) يمشي فقال: ترى هذا؟ هذا من الذين قال الله عزوجل: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).(1)

* الشرح:

قوله (ونريد أن نمن) أي ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض بالظلم عليهم وغصب حقوقهم ونجعلهم أئمة في الدين ونجعلهم الوارثين لعلوم الأنبياء والمرسلين، وفي جعل الأرض ظرفا للاستضعاف تنبيه على أنهم ذووا قوة عظيمة في الباطن حتى لو أرادوا إهلاك الخلق دفعة وإزالة الجبال والسماء بغتة لقدروا على ذلك.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما حضرت أبي (عليه السلام) الوفاة قال: يا جعفر، أوصيك بأصحابي خيرا، قلت: جعلت فداك والله لأدعنهم والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحدا.(2)

* الشرح:

قوله (لأدعنهم والرجل) أدعنهم بفتح الدال من الودع وهو الترك والواو للحال أي لأتركنهم وحالهم ذلك لكمالهم في علم الدين. وفي بعض النسخ «لأرعينهم» بسكون الراء من الرعاية.

* الأصل:

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن المثنى، عن سدير الصيرفي قال:

سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبه خلقه وخلقه وشمائله، وإني لأعرف من ابني هذا، شبه خلقي وخلقي وشمائلي يعني أبا عبد الله (عليه السلام).(3)

* الشرح:

قوله (شبه خلقه وخلقه وشمائله) للإنسان الكامل صورة باطنة تسمى تارة بالصورة الملكية وتارة بالخلق الحسن وأخرى بالكمال وهي الإنسان حقيقة، ومعنى وصورة ظاهرة وهي

ص:172


1- -الکافی :306/1 .
2- -الکافی :306/1 .
3- -الکافی :306/1 .

تنقسم على قسمين: أحدهما الجثة المعتدلة والقامة المستوية وهي المراد من الخلق، وثانيهما الاستقامة في كل عضو عضو والاعتدال فيه من حيث اللون والتركيب وهي المراد بالشمائل جمع الشمأل بمعنى الخلق أيضا وإلى هذه الأمور أشار (عليه السلام) بهذا القول وإنما أفرد الأولين وجمع الأخير لأن التعدد معتبر في الأخير دون الأولين.

* الأصل:

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن طاهر، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فأقبل جعفر (عليه السلام) فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا خير البرية أو أخير.(1)

* الشرح:

قوله (هذا خير البرية أو أخير) الشك من الراوي، ولعل المراد بالبرية برية زمانه أو المعصوم مستثنى بدليل العقل والنقل وفيه تنصيص على إمامته لأن الناس لابد لهم من إمام ولا يكون الإمام إلا من هو خير منهم، ثم المراد بالأخير الأبلغ في الخيرية والأكمل فيها والأشهر فيه وفي ضده الخير والشر وأما الأخير والأشر فأصلان مرفوضان إلا نادرا كما قال جل شأنه حكاية عن الكفار (بل هو كذاب أشر) (2) ورد عليهم بقوله تعالى: (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر).

5 - أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن يونس بن يعقوب، عن طاهر قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فأقبل جعفر (عليه السلام) فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا خير البرية.

* الأصل:

6 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن فضيل بن عثمان، عن طاهر قال: كنت قاعدا عند أبي جعفر (عليه السلام) فأقبل جعفر (عليه السلام) فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا خير البرية.(3)

* الشرح:

قوله (عن طاهر) الظاهر أنه مولى أبي جعفر (عليه السلام) وأنه مشكور.

* الأصل:

7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سئل عن القائم (عليه السلام) فضرب بيده على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال:

هذا والله قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله)، قال عنبسة: فلما قبض أبو جعفر (عليه السلام) دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)

ص:173


1- -الکافی :306/1 .
2- قوله «بل هو كذاب أشر» لا يخفى أن الأشر بفتح الهمزة وكسر الشين وتخفيف الراء مهموز بصيغة الصفة المشبهة نحو خشن، ولم يقرأ أحد بفتح الشين وتشديد الراء من المضاعف بصيغة أفعل التفضيل إلا شاذا فيما روي عن أبي قلابة، وتمسك الشارح به ليس بجيد بل هو مما لا ينبغي. (ش)
3- -الکافی :307/1 .

فأخبرته بذلك فقال: صدق جابر، ثم قال: لعلكم ترون أن ليس كل إمام هو القائم بعد الإمام الذي كان قبله.(1)

* الشرح:

قوله (ثم قال لعلكم ترون) المراد بالرؤية الرؤية القلبية وهي العلم والظن وفيه دفع لما يتوهم من أن اسم القائم مختص بالصاحب المنتظر صلوات الله عليه.

* الأصل:

8 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أبي (عليه السلام) استودعني ما هناك، فلما حضرته الوفاة قال: ادع لي شهودا فدعوت له أربعة من قريش، فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر فقال: اكتب، هذا ما أوصى به يعقوب بنيه (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة وأن يعممه بعمامته وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع وأن يحل عنه أطماره عند دفنه، ثم قال للشهود: انصرفوا رحمكم الله، فقلت له: يا أبت - بعدما انصرفوا - ما كان في هذا بأن تشهد عليه، فقال: يا بني كرهت أن تغلب وأن يقال: إنه لم يوص إليه، فأردت أن تكون لك الحجة.(2)

* الشرح:

قوله (استودعني ما هناك) من الكتب والسلاح وغيرهما مما كان مختصا بالإمام (عليه السلام).

قوله (وأن يحل عنه أطماره) الأطمار جمع الطمر بالكسر وهو الثوب الخلق والكساء البالي، ولعل المراد منه حل عقد الأكفان عند الرأس والرجل، وقيل: أمره بأن لا يدفنه مع ثيابه المخيطة.

قوله (فقلت له يا أبت بعدما انصرفوا) قوله «بعدما انصرفوا» موجود في أكثر النسخ غير موجود في بعض.

قوله (فقال يا بني كرهت أن تغلب) لعل وجه الغلبة أمور: الأول تربيع القبر، والثاني رفعه، فإن روايات العامة مختلفة ففي بعضها تسوية القبور وفي بعضها تسنيمها فذهب بعضهم إلى الأول وذهب أكثرهم إلى الثاني، والثالث التنازع في الإمامة والتخالف فيها فإن الوصية الظاهرة من علامات الإمام كما مر إليه إشارة بقوله: وأن يقال أنه لم يوص فأردت أن تكون لك الحجة أي الحجة التي هي الوصية الظاهرة.

ص:174


1- -الکافی :307/1 .
2- -الکافی :307/1 .

باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى (عليه السلام)

اشاره

1- أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن عبد الله القلا، عن الفيض بن المختار، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): خذ بيدي من النار، من لنا بعدك؟ فدخل عليه أبو إبراهيم (عليه السلام) - وهو يومئذ غلام - فقال: هذا صاحبكم، فتمسك به.

* الأصل:

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب عن ثبيت، عن معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: أسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها، فقال: قد فعل الله ذلك قال: قلت: من هو؟ - جعلت فداك - فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال: هذا الراقد - وهو غلام -.(1)

* الشرح:

قوله (عن ثبيت) هو ثبيت بن محمد مصغرا لرواية أبي أيوب الخزاز عنه ويحتمل ثبيت بن نشيط الكوفي أيضا والأول متكلم حاذق فقيه محدث، والثاني مجهول.

* الأصل:

3 - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمد قال: حدثني أبو علي الأرجاني الفارسي، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت عبد الرحمن في السنة التي أخذ فيها أبو الحسن الماضي (عليه السلام) فقلت له: إن هذا الرجل قد صار في يد هذا وما ندري إلى ما يصير؟ فهل بلغك عنه في أحد من ولده شيء؟ فقال لي: ما ظننت أن أحدا يسألني عن هذه المسألة، دخلت على جعفر بن محمد في منزله فإذا هو في بيت كذا في داره في مسجد له وهو يدعو وعلى يمينه موسى بن جعفر يؤمن على دعائه فقلت له: جعلني الله فداك قد عرفت انقطاعي إليك وخدمتي لك، فمن ولي الناس بعدك؟ فقال: إن موسى قد لبس الدرع وساوى عليه، فقلت له: لا أحتاج بعد هذا إلى شيء.(2)

* الشرح:

قوله (إن هذا الرجل قد صار في يد هذا) أريد بهذا الرجل أبو الحسن الماضي (عليه السلام) وبهذا هارون الرشيد عليه اللعنة.

قوله (إن موسى قد لبس الدرع وساوى عليه) أي لبس درع رسول الله ولبسه له، ومساواته عليه

ص:175


1- -الکافی :307/1 .
2- -الکافی :308/1 .

من دلائل إمامته، فإن قلت: السائل سأل عن النص على الرضا (عليه السلام) والمجيب أجاب بالنص على موسى (عليه السلام) فالجواب لا يطابق السؤال، قلنا: آخر الحديث الذي لم يذكره المصنف دل على الجواب عن السؤال المذكور وإنما لم يذكره المصنف لعدم تعلق الغرض بذكره في هذا الباب ولئلا يتوهم أنه المقصود فيه وليس كذلك إذ المقصود فيه ذكر النص على موسى (عليه السلام) وإن لم يتعلق السؤال به.

* الأصل:

4 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن موسى الصيقل، عن المفضل بن عمر قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل أبو إبراهيم (عليه السلام) وهو غلام، فقال: استوص به وضع أمره عند من تثق به من أصحابك.(1)

* الشرح:

قوله (فقال استوص به) ضمير قال لأبي عبد الله، وضمير به لأبي إبراهيم (عليهما السلام) والخطاب لمفضل ابن عمر أمره بالتعهد له ومراعاة أحواله وطلب ذلك من الغير ليفعله على غيب منه وفي حضوره وأمره بإظهار إمامته ووضع أمره عند الثقات من الناس للانتشار والحفظ.

*الأصل:

5 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال: حدثني إسحاق بن جعفر قال: كنت عند أبي يوما، فسأله علي بن عمر بن علي فقال: جعلت فداك إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك؟ فقال: إلى صاحب الثوبين الأصفرين والغديرتين - يعني الذؤابتين - وهو الطالع عليك من هذا الباب، يفتح البابين بيده جميعا، فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذة بالبابين ففتحهما! ثم دخل علينا أبو إبراهيم (عليه السلام).(2)

* الشرح:

قوله (يعني الذؤابتين) لما كانت الغديرة يطلق على معان منها الشيء المتخلف ومنها القطعة من الماء فسرها بالذؤابة وهي الخصلة من شعر الرأس.

* الأصل:

6 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

قال له منصور بن حازم: بأبي أنت وأمي إن الأنفس يغدا عليها ويراح، فإذا كان ذلك، فمن؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا كان ذلك فهو صاحبكم - وضرب بيده على منكب أبي الحسن (عليه السلام) - الأيمن فيما أعلم - وهو يومئذ خماسي وعبد الله بن جعفر جالس معنا.(3)

ص:176


1- -الکافی :308/1 .
2- -الکافی :308/1 .
3- -الکافی :308/1 .

* الشرح:

قوله (إن الأنفس يغدا عليها ويراح) أي يأتي أجلها وقت الغداة ووقت الرواح وهو اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل وهذا كناية عن قربه ووروده من غير اختيار وقد يستعمل يغدا ويراح للذهاب في مطلق الزمان والظاهر أن الفعلين مجهولان من باب الإفعال لأن غدا يغدو غدوا وراح يروح رواحا لازمان بخلاف أغداه وأراحه فإنهما متعديان بمعنى إذهابه في هذين الوقتين.

قوله (وهو يومئذ خماسي) قيل: يعني كان له خمس سنين وفي القاموس والنهاية: غلام خماسي طوله خمسة أشبار، وفي النهاية والأنثى خماسية ولا يقال سداسي ولا سباعي ولا في غير الخمسة.

قوله (وعبد الله بن جعفر جالس معنا) هو عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) كان أكبر اخوته بعد إسماعيل ولم تكن منزلته عند أبيه منزلة غيره من ولده في الإكرام، وكان متهما بالخلاف على أبيه في الاعتقاد، ويقال: إنه كان يخالط الحشوية ويميل إلى مذهب المرجئة وادعى بعد أبيه الإمامة واحتج بأنه أكبر اخوته الباقين فاتبعه جماعة ثم رجع أكثرهم إلى القول بإمامة أخيه موسى (عليه السلام) لما تبينوا ضعف دعواه وقوة أمر أبي الحسن (عليه السلام) ودلالة حقيته وبراهين إمامته وأقام نفر يسير منهم على إمامة عبد الله وهم الملقبة بالفطحية لأن عبد الله كان أفطح الرجلين، أو لأن داعيهم إلى الإمامة رجل يقال له عبد الله بن أفطح، كذا نقله بعض أصحاب الرجال عن المفيد في إرشاده.

* الأصل:

7 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إن كان كون - ولا أراني الله ذلك - فبمن أئتم؟ قال: فأومأ إلى ابنه موسى، قلت: فإن حدث بموسى (عليه السلام) حدث فبمن أئتم؟ قال: بولده، قلت: فإن حدث بولده حدث وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا فبمن أئتم؟ قال:

بولده، ثم قال: هكذا أبدا، قلت: فإن لم أعرفه ولا أعرف موضعه؟ قال: تقول: اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي، فإن ذلك يجزيك إن شاء الله.(1)

* الشرح:

قوله (إن كان كون) أي وجد حادث وهو موته (عليه السلام).

قوله (فإن ذلك يجزيك) وبذلك يخرج عما روي من أنه «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» وفيه دلالة واضحة على أن الإيمان على سبيل الإجمال بما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) مع عدم

ص:177


1- -الکافی :309/1 .

العلم بتفاصيله كاف ثم يجب الإيمان به على الخصوص بعد التفصيل وتحصيله وهو الحق الذي لا ريب فيه لئلا يفوت الايمان، ولا يترك الميسور بالمعسور ولا يلزم طلب المحال، والحوالة على المشيئة من باب التبرك.

* الأصل:

8 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن عبد الله القلا، عن المفضل بن عمر قال: ذكر أبو عبد الله (عليه السلام) أبا الحسن (عليه السلام)، وهو يومئذ غلام. فقال: هذا المولود الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه، ثم قال لي: لا تجفوا إسماعيل.(1)

* الشرح:

قوله (لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه) لكثرة شيعته ورجوع شيعة أبيه وحده إليه وحفظه إياهم وتعليمه لهم وخروج غياث هذه الامة منه كما يجيء في الباب الآتي وحصول الرفاهية من العيش بينهم.

قوله (لا تجفوا إسماعيل) أي تعاهدوه ولا تبعدوا عنه ولا تتركوا بره وصلته ورعاية جانبه من الجفاء وهو البعد وترك البر والصلة لأنه وديعة الله عندكم سيرجع إليه، وقيل: لا تجفوه بتشديد الفاء بمعنى لا تذهبوا به أي لا تخبروه بذلك فتجفوه وتذهبوا به لأنه نعيه لعلمه بأن العهد لأكبر ولد أبيه فيعلم بذلك الإخبار أنه يموت قبله، وفيه أن جفه بمعنى ذهب به لم يثبت.

* الأصل:

9 - محمد بن يحيى، وأحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن الحسين، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن فيض بن المختار في حديث طويل في أمر أبي الحسن (عليه السلام) حتى قال له أبو عبد الله (عليه السلام): هو صاحبك الذي سألت عنه، فقم إليه فأقر له بحقه. فقمت حتى قبلت رأسه ويده ودعوت الله عزوجل له، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما إنه لم يؤذن لنا في أول منك.

قال: قلت: جعلت فداك فأخبر به أحدا؟ فقال: نعم أهلك وولدك، وكان معي أهلي وولدي ورفقائي وكان يونس بن ظبيان من رفقائي، فلما أخبرتهم حمدوا الله عزوجل وقال يونس: لا والله حتى أسمع ذلك منه وكانت به عجلة، فخرج فأتبعه فلما انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول له: وقد سبقني إليه يا يونس الأمر كما قال لك فيض، قال: فقال: سمعت وأطعت، فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): خذه إليك يافيض.(2)

* الشرح:

قوله (اما انه لم يؤذن لنا في أول منك) الخطاب لفيض أي لم نكن مأذونين بإظهار

ص:178


1- -الکافی :309/1 .
2- -الکافی :309/1 .

أمره لأحد أسبق منك، وحاصله ما أخبرت به أحدا قبلك، وجعل الخطاب لموسى (عليه السلام) والقول بأن معناه لم يؤذن لنا في النص على الإمامة في أقدم منك سنا وهو إسماعيل; بعيد.

قوله (وكان يونس بن ظبيان من رفقائي) الظبيان بفتح الظاء المعجمة وفيه دلالة على حسن حال يونس ولكن علماء الرجال بالغوا في ذمه ونسبوه إلى الكذب والضعف والتهمة والغلو ووضع الحديث ونقلوا عن الرضا (عليه السلام) أنه لعنه وقال «أما أن يونس بن ظبيان مع أبي الخطاب في أشد العذاب» وروي بطريق ضعيف عن هشام بن سالم قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن يونس بن ظبيان فقال (رحمه الله): بنى له بيتا في الجنة كان والله مأمونا على الحديث».

قوله (لا والله) أي لا أكتفي بهذا وأذهب والله حتى أسمع منه شفاها فالواو للعطف على المقدر.

قوله (وكانت به عجلة) العجلة بالتحريك خلاف البطء يقال: عجل أسرع عجلا وعجلة وهو عجلان أي مستعجل ولعل المراد أنه كان عجولا في استكشاف الأمور بالطبع أو في تجهيز أسباب السفر.

قوله (خذه إليك يا فيض) الظاهر أن الضمير المنصوب راجع إلى يونس أي يا فيض خذ يونس منضما إليك في تعليمه أو في حفظه من أن يخبر به أحدا ممن ليس بأهل لهذا السر ولعله أظهر من الأول وفيه حينئذ دلالة ما على خباثة ذات يونس حتى صدر منه ما نقل.

* الأصل:

10 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشير، عن فضيل، عن طاهر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان أبو عبد الله (عليه السلام) يلوم عبد الله ويعاتبه ويعظه ويقول: ما منعك أن تكون مثل أخيك، فوالله إني لأعرف النور في وجهه؟ فقال عبد الله: لم؟ أليس أبي وأبوه واحدا وأمي وأمه واحدة؟ فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): إنه من نفسي وأنت ابني.(1)

* الشرح:

قوله (عن طاهر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان) الظاهر أن طاهرا هذا مولى أبي عبد الله (عليه السلام) وفي أكثر النسخ لم يوجد قوله: عن أبي عبد الله (عليه السلام).

قوله (يلوم عبد الله ويعاتبه) عبد الله هو الأفطح الذي ذكرناه سابقا، واللوم العذل والتعنيف، يقال: لامه على كذا لوما ولومة إذا عذله وعنفه فهو ملوم، ولومه شدد للمبالغة، والعتاب هو التوبيخ على الذنب البالغ إلى حد الموجدة والغضب فهو أشد من اللوم وأخص منه.

قوله (وأمي وأمه واحدة) نقل عن كتاب ربيع الشيعة بدل هذا «وأصلي وأصله واحدة»، قيل:

ص:179


1- -الکافی :310/1 .

هو الصحيح لأن عبد الله ليس من أم أبي الحسن (عليه السلام).

قوله (أنه من نفسي وأنت ابني) يعني أنت منسوب إلي بالنسب الجسداني وهو منسوب إلي بالنسب الجسداني والروحاني جميعا حتى أن نفسه مثل نفسي وعلمه مثل علمي، وخلقه مثل خلقي، وفعله مثل فعلي إلى غير ذلك من صفات الكمال من غير تفاوت، ثم إن الاستدلال بهذا الخبر بناء على أن المراد «بأخيك» أبو الحسن (عليه السلام) وبعد ذلك فدلالته على المطلوب واضحة فإن في قوله (عليه السلام): «إني لأعرف النور في وجهه، وأنه من نفسي» دلالة واضحة على أنه قابل للإمامة دون غيره.

* الأصل:

11 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن محمد بن سنان، عن يعقوب السراج قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد، فجعل يساره طويلا، فجلست حتى فرغ، فقمت إليه فقال لي: أدن من مولاك فسلم، فدنوت فسلمت عليه فرد علي السلام بلسان فصيح، ثم قال لي: اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس، فإنه اسم يبغضه الله، وكان ولدت لي ابنة سميتها بالحميراء. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): انته إلى أمره ترشد، فغيرت اسمها.(1)

* الشرح:

قوله (يساره طويلا) ساره في أذنه وتساروا تناجوا.

12 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن سليمان ابن خالد قال: دعا أبو عبد الله (عليه السلام) أبا الحسن (عليه السلام) يوما ونحن عنده فقال لنا: عليكم بهذا، فهو والله صاحبكم بعدي.

* الأصل:

13 - علي بن محمد، عن سهل أو غيره، عن محمد بن الوليد، عن يونس، عن داود بن زربي، عن أبي أيوب النحوي قال: بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب، قال: فلما سلمت عليه رمى بالكتاب إلي وهو يبكي، فقال لي: هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ثلاثا. وأين مثل جعفر؟ ثم قال لي: اكتب قال: فكتبت صدر الكتاب، ثم قال: اكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه، قال: فرجع إليه الجواب أنه قد أوصى

ص:180


1- -الکافی :310/1 .

إلى خمسة واحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى وحميدة.(1)

* الشرح:

قوله (قد أوصى إلى خمسة [نفر] واحدهم أبو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان) لا يقال لا يصح عطف هؤلاء على واحدهم لأنا نقول كل واحد منهم واحدهم وبالجملة الربط مقدم على العطف.

14 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد بنحو من هذا إلا أنه ذكر أنه أوصى إلى أبي جعفر المنصور وعبد الله وموسى ومحمد بن جعفر ومولى لأبي عبد الله (عليه السلام) قال: فقال أبو جعفر:

ليس إلى قتل هؤلاء سبيل.

* الأصل:

15 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن علي بن الحسن، عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر، فقال: إن صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب، وأقبل أبو الحسن موسى - وهو صغير - ومعه عناق مكية وهو يقول لها: اسجدي لربك، فأخذه أبو عبد الله (عليه السلام) وضمه إليه وقال: بأبي وأمي من لا يلهو ولا يلعب.(2)

* الشرح:

قوله (لا يلهو ولا يلعب) أي لا يغفل عن الله تعالى بالإشغال لغيره ولا يفعل ما يضره في الآخرة ولا ينفعه فيها.

قوله (ومعه عناق مكية) العناق بالفتح الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم لها سنة.

* الأصل:

16 - علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن عبيس بن هشام، قال: حدثني عمر الرماني، عن فيض بن المختار قال: إني لعند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ أقبل أبو الحسن موسى (عليه السلام)، وهو غلام، فالتزمته وقبلته، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أنتم السفينة وهذا ملاحها قال: فحججت من قابل ومعي ألفا دينار فبعثت بألف إلى أبي عبد الله (عليه السلام) وألف إليه، فلما دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا فيض! عدلته بي؟ قلت: إنما فعلت ذلك لقولك، فقال: أما والله ما أنا فعلت ذلك، بل الله عزوجل فعله به.(3)

* الشرح:

قوله (أنتم السفينة وهذا ملاحها) الدنيا بحر عميق والنفس في سيرها إلى الله بمنزلة السفينة، وما معها من الكمالات بمنزلة المتاع والقرب من الله تعالى بمنزلة الساحل، والإمام الهادي لها إليه بمنزلة الملاح إذ كما أن السفينة لا تصل إلى الساحل بدون الملاح كذلك النفس لا تصل إلى قرب الحق بدون الهادي إليه.

قوله (عدلته بي) أي سويت بيني وبينه وجعلته عديلا لي.

ص:181


1- -الکافی :310/1 .
2- -الکافی :311/1 .
3- -الکافی :311/1 .

باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)

* الأصل:

1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح جالسا فدخل عليه ابنه علي فقال لي: يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي. أما إني قد نحلته كنيتي، فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته، ثم قال: ويحك كيف قلت؟ فقال علي ابن يقطين: سمعت والله منه كما قلت، فقال هشام: أخبرك أن الأمر فيه من بعده.

أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: كنت عند العبد الصالح. وفي نسخة الصفواني. قال: كنت أنا. ثم ذكر مثله.(1)

* الشرح:

قوله (فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته) للتحسر والتأسف بموته (عليه السلام) لأنه نعى إلى علي ابن يقطين نفسه.

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن معاوية بن حكيم، عن نعيم القابوسي، عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال: إن ابني عليا أكبر ولدي وأبرهم عندي وأحبهم إلي وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلا نبي أو وصي نبي.

* الأصل:

3 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن محمد بن سنان وإسماعيل بن عباد القصري جميعا، عن داود الرقي قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): جعلت فداك إني قد كبر سني، فخذ بيدي من النار، قال: فأشار إلى ابنه أبي الحسن (عليه السلام)، فقال: هذا صاحبكم من بعدي.(2)

* الشرح:

قوله (قد كبر سني) سن الجارحة مؤنثة ثم استعيرت للعمر استدلا بها على طوله وقصره وبقيت على التأنيث إلا أنه غير حقيقي فلذا لا يجب تأنيث ما نسب إليها.

ص:182


1- -الکافی :311/1 .
2- -الکافی :311/1 .

* الأصل:

4 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن الحسن، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): ألا تدلني إلى من آخذ عنه ديني؟ فقال: هذا ابني علي إن أبي أخذ بيدي فأدخلني إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا بني إن الله عزوجل قال: (إني جاعل في الأرض خليفة) وإن الله عزوجل إذا قال قولا وفى به.(1)

* الشرح:

قوله (وأن الله تعالى إذا قال قولا وفى به) دل على أن الأرض لا تخلو من خليفة، والأخبار فيه متظافرة، وقد مر بعضها.

* الأصل:

5 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن يحيى بن عمرو، عن داود الرقي قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): إني قد كبرت سني ودق عظمي وإني سألت أباك (عليه السلام) فأخبرني بك، فأخبرني [من بعدك؟] فقال: هذا أبو الحسن الرضا.(2)

* الشرح:

قوله (فأخبرني بك فأخبرني فقال) في بعض النسخ «فأخبرني بك فأخبرني من بعدك فقال» والظاهر أن قوله «فأخبرني» ثانيا على صيغة الأمر.

* الأصل:

6 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن زياد بن مروان القندي وكان من الواقفة قال:

دخلت على أبي إبراهيم وعنده ابنه أبو الحسن (عليه السلام)، فقال لي: يا زياد هذا ابني فلان، كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله.(3)

* الشرح:

قوله (عن زياد بن مروان القندي وكان من الواقفة) وقف في الرضا (عليه السلام) وكان سبب وقفه مع سماعه النص عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) على ابنه الرضا (عليه السلام) أنه كان عنده سبعون ألف دينار من مال موسى بن جعفر (عليه السلام) فأنكر موته وإمامة الرضا (عليه السلام) لئلا يدفع المال إليه.

* الأصل:

7 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل قال: حدثني المخزومي

ص:183


1- -الکافی :312/1 .
2- -الکافی :312/1 .
3- -الکافی :312/1 .

وكانت أمه من ولد جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) قال: بعث إلينا أبو الحسن موسى (عليه السلام) فجمعنا ثم قال لنا: أتدرون لم دعوتكم؟ فقلنا: لا، فقال: اشهدوا أن ابني هذا وصيي والقيم بأمري وخليفتي من بعدي، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا ومن كانت له عندي عدة فلينجزها منه ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلا بكتابه.(1)

* الشرح:

قوله (حدثني المخزومي) الظاهر أنه المغيرة بن توبة المخزومي وفي إرشاد المفيد ما يدل على أنه من خاصة أبي الحسن (عليه السلام) وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته.

قوله (فلينجزها منه) تنجز الوعد واستنجزه طلب إنجازه والوفاء به.

قوله (فلا يلقني إلا بكتابه) لشدة الخوف والتقية والضمير للرضا (عليه السلام) أو للموصول على احتمال.

8 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن محمد بن سنان وعلي بن الحكم جميعا، عن الحسين بن المختار قال: خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن (عليه السلام) وهو في الحبس: عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل كذا وأن يفعل كذا، وفلان لا تنله شيئا حتى ألقاك أو يقضي الله علي الموت.

* الأصل:

9 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن المغيرة، عن الحسين بن المختار قال: خرج إلينا من أبي الحسن (عليه السلام) بالبصرة ألواح مكتوب فيها بالعرض:

عهدي إلى أكبر ولدي، يعطي فلان كذا وفلان كذا وفلان كذا وفلان لا يعطى حتى أجيء أو يقضي الله عزوجل علي الموت، إن الله يفعل ما يشاء.(2)

* الشرح:

قوله (خرج إلينا) من أبي الحسن (عليه السلام) بالبصرة ألواح. قبض عليه الرشيد لعنه الله من المدينة في صلاته عند رأس النبي (صلى الله عليه وآله) وبعثه إلى أمير البصرة عيسى بن أبي جعفر وكان في حبسه آونة من الزمان ثم حمل سرا إلى بغداد فحبس ثم أطلق ثم حبس ثم سلم إلى السندي بن شاهك لعنه الله فحبسه وضيق عليه ثم بعث إليه الرشيد بسم في رطب وأمره أن يقدم إليه ويحتم عليه في تناوله منه ففعل فمات صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.

ص:184


1- -الکافی :312/1 .
2- -الکافی :312/1 .

10 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن ابن محرز، عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: كتب إلي من الحبس: أن فلانا ابني، سيد ولدي وقد نحلته كنيتي.

11 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن أبي علي الخزار، عن داود بن سليمان قال:

قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): إني أخاف أن يحدث حدث ولا ألقاك، فأخبرني من الإمام بعدك؟ فقال:

ابني فلان - يعني أبا الحسن (عليه السلام) -.

12 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن سعيد بن أبي الجهم، عن النصر بن قابوس قال:

قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): إني سألت أباك (عليه السلام) من الذي يكون من بعدك؟ فأخبرني أنك أنت هو، فلما توفي أبو عبد الله (عليه السلام) ذهب الناس يمينا وشمالا وقلت فيك أنا وأصحابي، فأخبرني من الذي يكون من بعدك من ولدك؟ فقال: ابني فلان.

13 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن الضحاك بن الأشعث، عن داود بن زربي قال:

جئت إلى أبي إبراهيم (عليه السلام) بمال، فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت: أصلحك الله لأي شيء تركته عندي؟ قال: إن صاحب هذا الأمر يطلبه منك، فلما جاءنا نعيه بعث إلي أبو الحسن (عليه السلام) ابنه، فسألني ذلك المال، فدفعته إليه.

* الأصل:

14 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن أبي الحكم الأرمني قال: حدثني عبد الله بن إبراهيم بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن يزيد بن سليط الزيدي، قال أبو الحكم:

وأخبرني عبد الله بن محمد بن عمارة الجرمي، عن يزيد بن سليط قال: لقيت أبا إبراهيم (عليه السلام) - ونحن نريد العمرة - في بعض الطريق، فقلت: جعلت فداك هل تثبت هذا الموضع الذي نحن فيه؟ قال: نعم، فهل تثبته أنت؟ قلت: نعم إني أنا وأبي لقيناك ههنا وأنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) ومعه إخوتك. فقال له أبي: بأبي أنت وأمي أنتم كلكم أئمة مطهرون والموت لا يعرى منه أحد، فأحدث إلي شيئا أحدث به من يخلفني من بعدي فلا يضل، قال: نعم يا أبا عبد الله، هؤلاء ولدي وهذا سيدهم - وأشار إليك - وقد علم الحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج إليه الناس وما اختلفوا فيه من أمر دينهم ودنياهم، وفيه حسن الخلق وحسن الجواب وهو باب من أبواب الله عزوجل وفيه أخرى خير من هذا كله.

فقال له أبي: وما هي؟ - بأبي أنت وأمي - قال (عليه السلام): يخرج الله عزوجل منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفضلها وحكمتها، خير مولود وخير ناشئ، يحقن الله عزوجل به الدماء

ص:185

ويصلح به ذات البين ويلم به الشعث ويشعب به الصدع ويكسو به العاري ويشبع به الجائع ويؤمن به الخائف وينزل الله به القطر ويرحم به العباد، خير كهل وخير ناشئ، قوله حكم وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه ويسود عشيرته من قبل أوان حلمه. فقال له أبي: بأبي أنت وأمي وهل ولد؟ قال: نعم ومرت به سنون، قال يزيد: فجاءنا من لم نستطع معه كلاما، قال يزيد: فقلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): فأخبرني بمثل ما أخبرني به أبوك (عليه السلام)، فقال لي: نعم إن أبي (عليه السلام) كان في زمان ليس هذا زمانه، فقلت له: فمن يرضى منك بهذا فعليه لعنة الله، قال: فضحك أبو إبراهيم ضحكا شديدا، ثم قال: أخبرك يا أبا عمارة، أني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بني في الظاهر وأوصيته في الباطن، فأفردته وحده ولو كان الأمر إلي لجعلته في القاسم ابني، لحبي إياه ورأفتي عليه ولكن ذلك إلى الله عزوجل، يجعله حيث يشاء ولقد جاءني بخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم أرانيه وأراني من يكون معه وكذلك لا يوصى إلى أحد منا حتى يأتي بخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجدي علي صلوات الله عليه، ورأيت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) خاتما وسيفا وعصا وكتابا وعمامة، فقلت: ما هذا يا رسول الله؟ فقال لي: أما العمامة فسلطان الله عزوجل وأما السيف فعز الله تبارك وتعالى وأما الكتاب فنور الله تبارك وتعالى وأما العصا فقوة الله وأما ظ: الخاتم فجامع هذه الأمور، ثم قال لي: والأمر قد خرج منك إلى غيرك.

فقلت: يا رسول الله، أرنيه أيهم هو؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما رأيت من الأئمة أحدا أجزع على فراق هذا الأمر منك ولو كانت الإمامة بالمحبة لكان إسماعيل أحب إلى أبيك منك ولكن ذلك من الله عزوجل، ثم قال أبو إبراهيم (عليه السلام): ورأيت ولدي جميعا الأحياء منهم والأموات، فقال لي أمير المؤمنين (عليه السلام): هذا سيدهم، وأشار إلى ابني علي، فهو مني وأنا منه والله مع المحسنين.

قال يزيد: ثم قال أبو إبراهيم (عليه السلام): يا يزيد، إنها وديعة عندك فلا تخبر بها إلا عاقلا أو عبدا تعرفه صادقا وإن سئلت عن الشهادة فاشهد بها وهو قول الله عزوجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) وقال لنا أيضا: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) قال: فقال أبو إبراهيم (عليه السلام): فأقبلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: قد جمعتهم لي - بأبي وأمي - فأيهم هو؟ فقال: هو الذي ينظر بنور الله عزوجل ويسمع بفهمه وينطق بحكمته، يصيب فلا يخطئ ويعلم فلا يجهل، معلما حكما وعلما، هو هذا - وأخذ بيد علي ابني - ثم قال: ما أقل مقامك معه فإذا رجعت من سفرك فأوص وأصلح أمرك وافرغ مما أردت فإنك منتقل عنهم ومجاور غيرهم، فإذا أردت فادع عليا فليغسلك وليكفنك فإنه طهر لك ولا يستقيم إلا ذلك وذلك سنة قد مضت، فاضطجع بين

ص:186

يديه وصف إخوته خلفه وعمومته ومره فليكبر عليك تسعا، فإنه قد استقامت وصيته ووليك وأنت حي، ثم اجمع له ولدك من بعدهم، فأشهد عليهم وأشهد الله عزوجل وكفى بالله شهيدا، قال يزيد: ثم قال لي أبو إبراهيم (عليه السلام): إني أوخذ في هذه السنة والأمر هو إلى ابني علي، سمي علي وعلي، فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب وأما الآخر فعلي بن الحسين (عليهم السلام)، أعطي فهم الأول وحلمه ونصره ووده ودينه ومحنته، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره وليس له أن يتكلم إلا بعد موت هارون بأربع سنين، ثم قال لي: يا يزيد، وإذا مررت بهذا الموضع ولقيته وستلقاه فبشره أنه سيولد له غلام، أمين، مأمون، مبارك وسيعلمك أنك قد لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية جارية رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم إبراهيم، فإن قدرت أن تبلغها مني السلام فافعل، قال يزيد: فلقيت بعد مضي أبي إبراهيم (عليه السلام) عليا (عليه السلام) فبدأني، فقال لي:

يا يزيد، ما تقول في العمرة؟ فقلت: بأبي أنت وأمي ذلك إليك وما عندي نفقة، فقال: سبحان الله وما كنا نكلفك ولا نكفيك، فخرجنا حتى انتهينا إلى ذلك الموضع فابتدأني فقال: يا يزيد إن هذا الموضع كثيرا ما لقيت فيه جيرتك وعمومتك، قلت: نعم ثم قصصت عليه الخبر فقال لي: أما الجارية فلم تجىء بعد، فإذا جاءت بلغتها منه السلام، فانطلقنا إلى مكة فاشتراها في تلك السنة فلم تلبث إلا قليلا حتى حملت فولدت ذلك الغلام، قال يزيد: وكان إخوة علي يرجون أن يرثوه فعادوني إخوته من غير ذنب، فقال لهم إسحاق بن جعفر: والله لقد رأيته إنه ليقعد من أبي إبراهيم بالمجلس الذي لا أجلس فيه أنا.(1)

* الشرح:

قوله (عن أبي الحكم الأرمني) قال الجوهري: أرمنية بالكسر كورة بناحية الروم والنسبة إليها أرمني بفتح الهمزة والميم وأبو الحكم بهذه النسبة لم أجد اسمه في كتب الرجال ويحتمل أن يكون عمار بن اليسع الكوفي من أصحاب الصادق (عليه السلام) ونسبته إلى الكوفة باعتبار توطنه فيها وهو مجهول الحال.

قوله (قال حدثني عبد الله بن إبراهيم بن علي بن عبد الله) هكذا في النسخ كلها، وفي كتب الرجال عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله إلى آخره والظاهر أن جده بلا واسطة ساقط في البين، وهو ثقة صدوق روى أبوه عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) وروى أخوه جعفر عن أبي عبد الله (عليه السلام).

ص:187


1- -الکافی :313/1 .

قوله (عن يزيد بن سليط الزيدي) النسبة باعتبار النسب لا باعتبار المذهب وهو مجهول.

قوله (عبد الله بن محمد بن عمارة الجرمي) لم أجده في كتب الرجال، وجرم بطنان في العرب أحدهما في قضاعة وهو جرم بن زيان والآخر في طي.

قوله (هل تثبت هذا الموضع) أي هل تعرفه وتذكره وجعلته ثابتا في ذهنك لا يفارقه.

قوله (والموت لا يعرى منه أحد) يقال: عري من ثيابه يعرى بالكسر فهو عار وعريان شبه الموت بالثوب في الإحاطة وتلبس جميع الخلق به.

قوله (أحدث به) مجزوم بعد الأمر ويحتمل أن يكون مرفوعا صفة لشيئا.

قوله (وقد علم الحكم) الحكم بالضم القضاء بين الناس والحكم أيضا الحكمة والفهم: العلم، والسخاء: الجود وهو تحصيل الشيء مما يجوز وصرفه فيما يجوز، والمعرفة والعرفان مصدر عرفته بمعنى علمته وكثيرا ما تطلق المعرفة على العلم بالجزئيات والعلم على العلم بالكليات ولعل المقصود أنه علم حقائق هذه الأمور وأبوابها وتفاصيلها كما هي.

قوله (من أمر دينهم ودنياهم) متعلق بكلا الموصولين.

قوله (وفيه حسن الخلق) وهو أصل عظيم من أصول الرئاسة، واختلف العلماء في تعريفه فقيل: هو بسط الوجه وكف الأذى وبذل الندى، وقيل: هو كيفية يمنع صاحبها من أن يظلم ويمنع ويجفو أحدا وإن ظلم غفر وإن منع شكر وإن ابتلي صبر، وقيل: هو صدق التحمل وترك التجمل وحب الآخرة وبغض الدنيا، وقيل غير ذلك.

قوله (وحسن الجواب) وهو من دلائل كمال العقل والعلم لأن لسان العاقل العالم تابع لعقله وعلمه فيجيب إذا سئل بما يقتضيه العقل ويناسب المقام ويقول ما يناسب العلم بأحسن العبارة وأفصح الكلام.

قوله (وهو باب من أبواب الله عزوجل) المراد بأبواب الله تعالى الأئمة المعصومون (عليهم السلام) لأنهم أبواب للعلم الإلهي وأسراره كما قال (صلى الله عليه وآله): «أنا مدينة العلم وعلي بابها» فمن طلب العلم والحكمة وأسرار الشريعة وجب عليه أن يرجع إليهم ويتمسك بذيل طاعتهم، أو أبواب للجنة كما ورد أنه «لا يدخل الجنة أحد إلا بحب علي وأولاده الطاهرين. وإن عليا قسيم الجنة» وإطلاق الباب على ما ذكر من باب الاستعارة.

قوله (وفيه أخرى خير من هذا كله) أي وفيه صفة أخرى خير من جميع ما ذكر لأنها منشأ لرفاهية الخلق ووصول النفع إليهم وهي خير الخصال وأفضلها.

قوله (يخرج الله تعالى منه غوث هذه الأمة وغياثها) ضمير منه راجع إلى أبي إبراهيم (عليه السلام)

ص:188

والغوث پناه والغياث بالكسر پناه دهنده والأول اسم من غوث الرجل والثاني من أغاثه وكذلك كان الرضا (عليه السلام) فإن العلوية وغيرهم من الشيعة كانوا مستريحين في كهف رأفته معلنين لمذهبهم في ظل إغاثته (عليه السلام).

قوله (وعلمها ونورها وفضلها وحكمتها) يمكن أن يراد بهذه الأربعة الرضا (عليه السلام) على سبيل المبالغة لأنه لما كان مبدأ هذه الأمور ومظهرها في الأمة كان كأنه نفسها وأن يراد بالعلم والفضل والحكمة حقائقها وبالنور ظهور هذه الثلاثة لحسن اهتمامه بين الموافق والمخالف كظهور النور.

قوله (وخير ناشئ) نشأ الغلام نشأ إذا شب وأيفع فهو ناشئ وهو الحدث الذي جاوز حد الصغر وارتفع عن حد الصبا وقرب من الإدراك من قولهم: نشأ السحاب إذا ارتفع.

قوله (يحقن الله تعالى به الدماء) يقال: حقنت له دمه من باب نصر إذا منعت من قتله وإراقته أي جمعه له وحبسه عليه من حقن اللبن إذا جمعه في السقاء.

قوله (ويصلح به ذات البين) أي الحال التي بين الرجل وأهله أو ما بين الرجلين أو القبيلتين والمراد ههنا ما بين المسلمين، والبين الوصل كما قال الله تعالى (لقد تقطع بينكم).

قوله (ويلم به الشعث) الشعث بالتحريك انتشار الأمر، واللم الجمع والإصلاح، تقول: لممت الشيء ألمه من باب نصر إذا جمعته وأصلحته والمقصود ههنا أن الله تعالى يصلح ويجمع بسببه ما تفرق من أمور المسلمين.

قوله (ويشعب به الصدع) الشعب بالفتح والسكون الصدع والتفريق في الشيء وجمعه واصلاحه أيضا، تقول: شعبت الشيء فرقته وصدعته وشعبته جمعته وأصلحته وتقول: تفرق شعبهم إذا تفرقوا بعد الاجتماع والتأم شعبهم إذا اجتمعوا بعد التفرق فهو من الأضداد والمراد هنا المعنى الثاني.

قوله (ويشبع به الجائع) الشبع بكسر الشين وفتح الباء: نقيض الجوع وبسكون الباء اسم ما أشبعك من شيء تقول شبعت خبزا ولحما ومن لحم وخبز شبعا وهو من مصادر الطبائع وأشبعته من الجوع إذا أطعمته ما يكفيه ويرفع جوعه.

قوله (وخير كهل) الكهل من الرجال من انتهى شبابه، قيل: هو من زاد على الأربعين، وقيل: من زاد على ثلاثين إلى الأربعين، وقيل: من زاد على ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين، وقد اكتهل الرجل وكاهل إذا بلغ الكهولة فصار كهلا. ويحتمل أن يراد بالكهل ههنا الحليم الحكيم العاقل من باب الكناية.

قوله (قوله حكم) أي كلام نافع يمنع من الجهل والسفه ومنهي عنهما لاشتماله على المواعظ

ص:189

والأمثال والنصائح والأحكام التي ينتفع بها الناس في الدنيا والآخرة والحكم العلم والفقه والقضاء بالعدل وهو مصدر حكم يحكم.

قوله (وصمته علم) الصمت بالفتح والسكون السكوت يقال: صمت يصمت من باب نصر إذا سكت، والحمل على سبيل المبالغة لأن الصمت سبب للعلم بالتفكر في الله وأسراره التي لا تتناهى ومسبب عنه أيضا لأن العالم يتكلم بما يعنيه ويسكت عما لا يعنيه.

قوله (ويسود عشيرته) سيد القوم من وجب عليهم الرجوع إليه في القول والفعل، ساد قومه ويسودهم سيادة وسوددا وسيدودة فهو سيدهم وهم سادة تقديره فعله بالتحريك لأن تقدير سيد فعيل، وعشيرة الرجل طائفة يعاشرونه ويعاشرهم وهي فعيلة بمعنى مفاعلة من العشرة وهي الصحبة.

قوله (من قبل أوان حلمه) الحلم بالضم والسكون الاحتلام في النوم والاسم الحلم كعنق، والمراد به ههنا البلوغ وجريان حكم الرجال عليه وإن لم يحتلم بل هو منزه عنه، ويحتمل أن يكون بالكسر والسكون بمعنى الفعل من الحلم بمعنى التثبت في الأمور وهذا كناية عن البلوغ وإلا فعقله كان كاملا عند الفطرة.

قوله (فجاءنا من لم نستطع معه كلاما) أي فجاءنا مخالف فقطعنا الكلام لأجل التقية.

قوله (قال يزيد فقلت لأبي إبراهيم) هذا هو المقصود في هذا الباب ويحتمل أن يكون هذا السؤال في هذا المجلس بعد ذهاب الجائي وأن يكون في مجلس آخر وكتاب العيون صريح في الأخير.

قوله (فأفردته وحده) يعني فأردت ابني فلانا أي علي (عليه السلام) منفردا بلا مشارك في الوصية الباطنة وهي الوصية بالعلم والكتب والسلاح وغير ذلك مما يختص بالإمام ولو كان الأمر في نصب الوصي باطنا مفوضا إلي وإلى اختياري لجعلته في القاسم ابني لحبي إياه ورأفتي عليه زايدا على غيره.

أقول: ذلك الحب والرأفة كانا من قبل الله ألقاهما في قلبه المقدس وكذلك ما كان في أكثر الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) كما مر في داود (عليه السلام) بالنسبة إلى ابنه غير سليمان (عليه السلام) ليعلموا أن لا مدخل لاختيار الخلق وحبه في نصب الخليفة وإنما ينصب الخليفة بمجرد إرادة الله تعالى ومحبته إياه.

قوله (ولقد جاءني) اللام جواب لقسم محذوف تقديره وأقسم بالله لقد جاءني بخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا تظنن أنه (صلى الله عليه وآله) جاءه بخبره في المنام بل جاء به على وجه يشاهده بالعين الظاهرة وتكلم معه كتكلمنا مع مخاطبنا.

قوله (وأراني من يكون معه) من شيعته الخلص أو مطلقا.

ص:190

قوله (وأما العمامة فسلطان الله تعالى) لأن العمامة عند العرب بمنزلة التاج للسلاطين لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفي الرؤوس أو بالقلانس والعمامة فيهم قليلة.

قوله (وأما السيف فعز الله تعالى) إذ بالسيف تكسب العزة وتقهر الأعداء، والعزة تحت ظلاله.

قوله (وأما الكتاب فنور الله تعالى) المراد بالنور العلوم الربانية والأسرار الإلهية على سبيل الاستعارة.

قوله (وأما العصا فقوة الله تعالى) إذ بالعصا يتقوى الضعيف ويقدر على المشي الذي يعجز عنه بدونها فهي كناية عن القوة والقدرة.

قوله (وأما الخاتم فجامع هذه الأمور) لأن الخاتم عند العرب أو مطلقا كالسرير كناية عن الأمور المذكورة وجامع لها.

قوله (ما رأيت من الأئمة أحدا أجزع على فراق هذا الأمر منك) سياق الكلام سابقا ولاحقا دل على أن الأمر عبارة عن نصب الوصي وفراقه منه سلب اختياره عنه وجزعه وهو بالتحريك نقيض الصبر والخوف والحزن على فراقه منه لأجل أنه أحب جعله في ابنه القاسم ثم هذا الجزع كناية عن مجرد فوات محبوبه، وإلا فهو (عليه السلام) كان منزها عن الحزن وعدم الصبر في وقوع محبوب الله تعالى وعدم وقوع محبوبه، ويحتمل أن يراد بالأمر الإمامة وجزعه على فراقها منه لعلمه بأنه سيقع الاختلاف بين بنيه بل بين شيعته أيضا لوقف كثير منهم فيه وإنكارهم خلافة ابنه علي (عليه السلام) والله أعلم.

قوله (فهو مني وأنا منه) أشار به إلى تماثلهما في الذات والصفات والنورية والمنزلة وفي جميع الجهات بحيث لو نظر إليهما ناظر يمكن له أن يقول: هذا من ذاك وذاك من هذا وهذه النسبة واقعة بينه وبين جميع الأئمة، ومفهوم اللقب لا يفيد الحصر.

قوله (وإن سئلت عن الشهادة فاشهد بها) يعني إن سألك شيعتي وأهل ولايتي والمستخبرين عن الخليفة بعدي فاشهد بهذه الوصية وبخلافة علي بعدي. وإنما أمره ههنا بالشهادة المفيدة للقطع وفي السابق بعدم الإخبار رعاية للمناسبة فإن المفيد ههنا هو الشهادة والمضر في السابق هو مجرد الإخبار وإن لم يبلغ حد الشهادة ثم استشهد لهما بقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)(1) فإنه دل بحسب المنطوق على الثاني وبحسب المفهوم على الأول واستشهد للثاني بقوله تعالى (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله)(2) فإنه صريح في وجوب

ص:191


1- -سورة البقرة :56.
2- -سورة البقرة :140.

أداء الشهادة وفي أن من كتمها فهو ظالم لنفسه ولمن يفوت حقه ظلما شديدا.

قوله (فأقبلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله)) ليس طلب تعيين الوصي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعدما عينه علي (عليه السلام) للشك في قوله بل لتأكيد أمر الوصي والتشرف بخطابه (صلى الله عليه وآله) كما تشرف بخطاب علي (عليه السلام).

قوله (فقال هو الذي ينظر بنور الله) لما كانت الرئاسة بالخلافة متوقفة على أمور أشار إليها أولا ثم عين المتصف بها فمن تلك الأمور أن ينظر في الأشياء وأمور الرعية بنور الله تعالى وعلمه لا بالرأي والتخمين، ومنها أن يسمع ما يسمع بفهمه وعلمه ولا يحتاج إلى مترجم يفهمه ومعلم يعلمه، ومنها أن ينطق بحكمته وإتقانه من غير اضطراب ولا اختلاف، ومنها أن يصيب الحق دائما ولا يخطئ أبدا، ومنها أن يعلم جميع ما يحتاج إليه الناس ولا يجهل شيئا منه، ومنها أن يكون معلما للأحكام والعلوم التي وردت بها الشريعة فمن تقلد الخلافة وتحمل الرئاسة وليس فيه شيء من هذه الأمور فهو جائر لا يجوز العمل بقوله والرجوع إليه.

قوله (ما أقل مقامك) إشارة إلى ما فعله المهدي العباسي وابنه موسى وهارون من إخراجهم له (عليه السلام) عن المدينة إلى البصرة وبغداد حتى قتله الأخير لعنه الله بالسم.

قوله (فإذا أردت فادع عليا) أي فإذا أردت الوصية فادع عليا وإنما أمره أن يفعل ذلك في حال حياته ليعلم إخوة علي (عليه السلام) وعمومته أنه وصيه ووليه وأولى بالخلافة منهم لئلا ينازعوه ويكونوا شهداء له، ثم هذا التغسيل لا يكفي عن تغسيله بعد موته، يدل عليه ما رواه الصدوق في كتاب العيون بإسناده في حديث طويل - إلى أن قال -: قال المسيب بن زهير: دعاني موسى (عليه السلام) قبل وفاته بثلاثة أيام فقال: إني راحل إلى الله عز وجل فإن عليا ابني هو إمامك ومولاك بعدي فاستمسك بولايته فإنك لن تضل ما لزمته، فقلت: الحمد لله، ثم دعاني بعدما سم فقال: يا مسيب إن هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي ودفني، هيهات لا يكون ذلك أبدا، ثم رأيت شخصا أشبه الأشخاص به جالسا إلى جانبه وكان عهدي بالرضا (عليه السلام) وهو غلام، فوافى السندي بن شاهك، فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئا، ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم وهم لا يعرفونه فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص: يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن في فإني إمامك ومولاك حجة الله عليك بعد أبي (عليه السلام).

قوله (فإنه ظهر لك ولا يستقيم إلا ذلك) ضمير «إنه» راجع إلى التغسيل وذلك إشارة إليه وإلى التكفين، وفيه دلالة على أن المعصوم لا يغسله ولا يكفنه إلا المعصوم كما دل عليه أيضا غيره من الروايات وسيجئ أن الحسين (عليه السلام) يغسل صاحب الأمر صلوات الله عليه.

ص:192

قوله (وصف إخوته خلفه وعمومته) «صف» أمر، و «إخوته» وما عطف عليه مفعوله، يقال:

صففت القوم فاصطفوا إذا أقمتهم صفا.

قوله (ومره فيكبر عليك تسعا) قيل: وجد بخط الشهيد الثاني (رحمه الله) أن المراد من التسع الخمسة التي في مذهبنا والأربعة التي في مذهب المخالف، وقيل: يمكن أن يكون المراد من التسع التكبيرات الخمسة والأدعية الأربعة تغليبا والله أعلم.

قوله (ووليك وأنت حي) كل من ولي أمر واحد فهو وليه والواو في قوله «وأنت» للحال.

قوله (ثم اجمع له ولدك من بعدهم) أي من بعد جمع العمومة لتحقيق النص قولا بعد تحققه فعلا وضبطه بعض الناظرين بضم الباء أي من كان منهم بعيدا، والظاهر أنه تصحيف وفي بعض النسخ «من تعدهم» بتاء الخطاب من العد أي صغيرهم وكبيرهم والله أعلم.

قوله (سمي علي) تقول: هو سمي فلان إذا وافق اسمه اسمه، وقوله تعالى: (هل تعلم له سميا) أي نظيرا يستحق مثل اسمه.

قوله (أعطي فهم الأول) الأئمة (عليهم السلام) إنما اتصفوا بصفات الكمال دون النقص وكل ما هو من صفة الكمال فهو موجود في كل واحد على وجه الكمال لئلا يلزم اتصافه بالنقص، فهذا التفصيل على هذا باعتبار اشتهار كل بصفة دون أخرى عندنا لا باعتبار أن صفة الأول لم توجد في الثاني وبالعكس.

قوله (إلا بعد موت هارون بأربع سنين) وذلك عند ظهور دولة المأمون، وفي كتاب العيون بعده: فإذا مضت أربع سنين فاسأله عما شئت فإنه يجيبك إن شاء الله تعالى.

قوله (وستلقاه) تصريح بما علم من إذا الدالة على وقوع الشرط بحسب الوضع.

قوله (ما كنا نكلفك ولا نكفيك) الواو عاطفة أو حالية.

قوله (جيرتك وعمومتك) أراد بهم أبا الحسن موسى وأبا عبد الله وأولاده عليهم السلام وسماهم عمومته لأن يزيد كان من أولاد زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام).

قوله (فإذا جاءت بلغتها منه السلام) بلغتها إما بصيغة الخطاب بقرينة السابق أو بصيغة التكلم.

قوله (فعادوني (1)«فعاداني ظ» إخوته من غير ذنب) ذلك إما لزعمهم أن يزيد اشتراها له (عليه السلام) أو لزعمهم أنه أشار إليه بشرائها.

قوله (فقال لهم إسحاق بن جعفر عم الرضا (عليه السلام) لقد رأيته) أي يزيد قال ذلك إصلاحا بينه

ص:193


1- - فی نسخة :فعاداتی .

وبينهم وترغيبا لهم في حبه لأن صديق الأب ومصاحبه وجب إعزازه ومحبته.

* الأصل:

15 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن أبي الحكم قال: حدثني عبد الله بن إبراهيم الجعفري وعبد الله بن محمد بن عمارة، عن يزيد بن سليط قال: لما أوصى أبو إبراهيم (عليه السلام) أشهد إبراهيم بن محمد الجعفري وإسحاق بن محمد الجعفري وإسحاق بن جعفر بن محمد وجعفر بن صالح ومعاوية الجعفري ويحيى بن الحسين بن زيد بن علي وسعد بن عمران الأنصاري ومحمد بن الحارث الأنصاري ويزيد بن سليط الأنصاري ومحمد بن جعفر بن سعد الأسلمي - وهو كاتب الوصية الأولى - أشهدهم أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور وأن البعث بعد الموت حق وأن الوعد حق وأن الحساب حق والقضاء حق، وأن الوقوف بين يدي الله حق وأن ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) حق وما نزل به الروح الأمين حق، على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله.

وأشهدهم أن هذه وصيتي بخطي وقد نسخت وصية جدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ووصية محمد بن علي قبل ذلك نسختها حرفا بحرف ووصية جعفر بن محمد على مثل ذلك وإني قد أوصيت إلى علي وبني بعد معه إن شاء وآنس منهم رشدا وأحب أن يقرهم فذاك له، وإن كرههم وأحب أن يخرجهم فذاك له ولا أمر لهم معه وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وموالي، وصبياني الذين خلفت وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأم أحمد، وإلى علي أمر نسائي دونهم وثلث صدقة أبي وثلثي، يضعه حيث يرى ويجعل ما فيه ما يجعل ذو المال في ماله، فإن أحب أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدق بها على من سميت له وعلى غير من سميت فذاك له، وهو أنا في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي، وإن يرى أن يقر إخوته الذين سميتهم في كتابي هذا أقرهم وإن كره فله أن يخرجهم غير مثرب عليه ولا مردود، فإن آنس منهم غير الذي فارقتهم عليه فأحب أن يردهم في ولايته فذاك له وإن أراد رجل منهم أن يزوج أخته، فليس له يزوجها إلا بإذنه وأمره فإنه أعرف بمناكح قومه وأي سلطان أو أحد من الناس كفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء مما ذكرت في كتابي هذا أو أحد ممن ذكرت، فهو من الله ومن رسوله بريء والله ورسوله منه برآء وعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين والنبيين والمرسلين وجماعة المؤمنين وليس لأحد من السلاطين أن يكفه عن شيء وليس لي عنده تبعة ولا تباعة، ولا لأحد من ولدي له قبلي مال فهو مصدق فيما ذكر، فإن أقل فهو

ص:194

أعلم وإن أكثر فهو الصادق كذلك، وإنما أردت بإدخال الذين أدخلتهم معه من ولدي التنويه بأسمائهم والتشريف لهم وأمهات أولادي من أقامت منهن في منزلها وحجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي إن رأى ذلك، ومن خرجت منهن إلى زوج فليس لها أن ترجع إلى محواي إلا أن يرى علي غير ذلك، وبناتي بمثل ذلك، ولا يزوج بناتي أحد من إخوتهن من أمهاتهن ولا سلطان ولا عم إلا برأيه ومشورته، فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا الله ورسوله وجاهدوه في ملكه وهو أعرف بمناكح قومه، فإن أراد أن يزوج زوج وإن أراد أن يترك ترك، وقد أوصيتهن بمثل ما ذكرت في كتابي هذا وجعلت الله عزوجل عليهن شهيدا وهو وأم أحمد [شاهدان] وليس لأحد أن يكشف وصيتي ولا ينشرها وهو منها على غير ما ذكرت وسميت، فمن أساء فعليه ومن أحسن فلنفسه وما ربك بظلام للعبيد وصلى الله على محمد وعلى آله، وليس لأحد من سلطان ولا غيره أن يفض كتابي هذا الذي ختمت عليه الأسفل، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين وجماعة المرسلين والمؤمنين من المسلمين وعلى من فض كتابي هذا. وكتب وختم أبو إبراهيم والشهود وصلى الله على محمد وعلى آله.

قال أبو الحكم: فحدثني عبد الله بن آدم الجعفري عن يزيد بن سليط قال: كان أبو عمران الطلحي قاضي المدينة فلما مضى موسى قدمه إخوته إلى الطلحي القاضي فقال العباس بن موسى: أصلحك الله وأمتع بك، إن في أسفل هذا الكتاب كنزا وجوهرا ويريد أن يحتجبه ويأخذه دوننا ولم يدع أبونا رحمه الله شيئا إلا ألجأه إليه وتركنا عالة ولولا إني أكف نفسي لأخبرتك بشيء على رؤوس الملأ، فوثب إليه إبراهيم بن محمد فقال: إذا والله تخبر بما لا نقبله منك ولا نصدقك عليه، ثم تكون عندنا ملوما مدحورا نعرفك بالكذب صغيرا وكبيرا وكان أبوك أعرف بك لو كان فيك خيرا وإن كان أبوك لعارفا بك في الظاهر والباطن وما كان ليأمنك على تمرتين.

ثم وثب إليه إسحاق بن جعفر عمه فأخذ بتلبيبه فقال له: إنك لسفيه ضعيف أحمق أجمع هذا مع ما كان بالأمس منك، وأعانه القوم أجمعون. فقال أبو عمران القاضي لعلي: قم يا أبا الحسن حسبي ما لعنني أبوك اليوم وقد وسع لك أبوك ولا والله ما أحد أعرف بالولد من والده لا والله ما كان أبوك عندنا بمستخف في عقله ولا ضعيف في رأيه، فقال العباس للقاضي: أصلحك الله فض الخاتم واقرأ ما تحته فقال أبو عمران: لا أفضه حسبي ما لعنني أبوك اليوم، فقال العباس: فأنا أفضه، فقال: ذاك إليك، ففض العباس الخاتم فإذا فيه إخراجهم وإقرار علي لها وحده وإدخاله إياهم في ولاية علي إن أحبوا أو كرهوا وإخراجهم من حد الصدقة وغيرها وكان فتحه عليهم بلاء

ص:195

وفضيحة وذلة ولعلي (عليه السلام) خيرة.

وكان في الوصية التي فض العباس تحت الخاتم هؤلاء الشهود: إبراهيم بن محمد وإسحاق بن جعفر وجعفر بن صالح وسعيد بن عمران وأبرزوا وجه أم أحمد في مجلس القاضي وادعوا أنها ليست إياها حتى كشفوا عنها وعرفوها، فقالت عند ذلك: قد والله قال سيدي هذا: إنك ستؤخذين جبرا وتخرجين إلى المجالس، فزجرها إسحاق بن جعفر وقال: اسكتي فإن النساء إلى الضعف ما أظنه قال من هذا شيئا، ثم إن عليا (عليه السلام) التفت إلى العباس فقال: يا أخي إني أعلم أنه إنما حملكم على هذا الغرائم والديون التي عليكم، فانطلق يا سعيد فتعين لي ما عليهم، ثم اقض عنهم ولا والله لا أدع مواساتكم وبركم ما مشيت على الأرض فقولوا ما شئتم، فقال العباس: ما تعطينا إلا من فضول أموالنا، وما لنا عندك أكثر، فقال: قولوا ما شئتم فالعرض عرضكم فإن تحسنوا فذاك لكم عند الله وإن تسيئوا فإن الله غفور رحيم، والله إنكم لتعرفون أنه مالي يومي هذا ولد ولا وارث غيركم ولئن حبست شيئا مما تظنون أو ادخرته فإنما هو لكم ومرجعه إليكم والله ما ملكت منذ مضى أبوكم رضي الله عنه شيئا إلا وقد سيبته حيث رأيتم، فوثب العباس فقال: والله ما هو كذلك وما جعل الله من رأي علينا ولكن حسد أبينا لنا وإرادته ما أراد مما لا يسوغه الله إياه ولا إياك وإنك لتعرف وأني أعرف صفوان ابن يحيى بياع السابري بالكوفة ولئن سلمت لأغصصنه بريقه وأنت معه، فقال علي (عليه السلام): لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أما إني يا إخوتي فحريص على مسرتكم، الله يعلم، اللهم إن كنت تعلم أني أحب صلاحهم وإني بار بهم واصل لهم رفيق عليهم أعنى بامورهم ليلا ونهارا فاجزني به خيرا، وإن كنت على غير ذلك فأنت علام الغيوب فاجزني به ما أنا أهله إن كان شرا فشرا وإن كان خيرا فخيرا، اللهم أصلحهم وأصلح لهم واخسأ عنا وعنهم الشيطان وأعنهم على طاعتك ووفقهم لرشدك أما أنا يا أخي فحريص على مسرتكم، جاهد على صلاحكم، والله على ما نقول وكيل، فقال العباس: ما أعرفني بلسانك وليس لمسحاتك عندي طين، فافترق القوم على هذا وصلى الله على محمد وآله.(1)

* الشرح:

قوله (عن أبي الحكم) هو إما هشام بن سالم أو عمار بن اليسع.

قوله (حدثني عبد الله بن إبراهيم الجعفري) هو عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) ثقة صدوق.

ص:196


1- -الکافی :316/1 .

قوله (ومحمد بن جعفر بن سعد الأسلمي) كذا في بعض النسخ ولم أجده في كتب الرجال وفي أكثر النسخ جعد بدل جعفر والمذكور في كتب الرجال محمد بن جعد الأسدي وهو من أصحاب الكاظم (عليه السلام).

قوله (وهو كاتب الوصية الأولى) أما هذه الوصية فكتبها (عليه السلام) كما يدل عليه قوله فيما بعد «إن هذه وصيتي بخطي».

قوله (أشهدهم أنه يشهد) بدل أو بيان لجواب «لما» لإيضاحه وتفسيره، وإنما أعاد لفظ أشهدهم ولم يجعل أنه يشهد مفعولا لجواب «لما» لتكثر الواسطة بينهما وفيه دلالة واضحة على أن استشهاد المؤمنين على النحو المذكور مستحب للمحتضر وغيره.

قوله (لا ريب فيها) أي لا ريب لي فيها أو لا ينبغي أن يرتاب فيها أحد فلا يرد أن طائفة من الجهلة أنكروها.

قوله (وإن الله يبعث من في القبور) يمكن أن يراد به البعث في القبر للسؤال أيضا، كما يمكن أن يراد ذلك بقوله «وإن البعث بعد الموت حق» أي ثابت واقع البتة ويمكن أن يراد بأحدهما البعث في القيامة وبالآخر البعث في القبر إلا أن الأظهر أن المراد بكليهما هو الأول.

قوله (وإن الوعد حق) أي الوعد بالبعث والثواب والعقاب حق لا ريب فيه.

قوله (وإن الحساب حق والقضاء حق) المراد بالحساب ما ذهب إليه المليون من أن الله تعالى يحاسب الخلق على أعمالهم دفعة واحدة لا يشغله كلام عن كلام كما قال عز من قائل (وهو سريع الحساب) وأما الحكماء فقالوا: لما كانت حقيقة المحاسبة تعود إلى تعريف الإنسان ماله وما عليه وكان ما يحصل في النفوس من الملكات الخيرية والشرية بتكرر أعمال الخير والشر أمورا مضبوطة في جوهرها ينكشف لها انكشافا تاما في الآن الذي ينقطع فيه علاقتها مع البدن أشبه ذلك ما يتبين للإنسان عند المحاسبة مما أحصى له وعليه وأطلق عليه لفظ الحساب مجازا أو حقيقة، والمراد بالقضاء إما القضاء والقدر وإما الحكم على وفق الحكمة على الإطلاق واما الحكم بالخلود في الجنة والخلود في النار.

قوله (وإن الوقوف بين يدي الله حق) تمثيل لقصد الإيضاح وهذا الوقوف لأجل الحساب وخروج الخلق عن جرائم أعمالهم متفاوت في السهولة والصعوبة وبحسب تفاوت الدرجات والمقامات والله غفور رحيم.

قوله (وإن ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) حق وان ما نزل به الروح الأمين حق) الروح الأمين إما القرآن أو جبرئيل (عليه السلام) وعلى الثاني يمكن أن يراد بالموصول القرآن فالعطف على التقديرين من باب

ص:197

عطف الخاص على العام لشدة الاهتمام ويمكن أن يراد به التأكيد أيضا.

قوله (وإني قد أوصيت إلى علي وبني بعد معه) شارك بنيه مع علي (عليه السلام) وفوض أمرهم إليه إن شاء أن يدخلهم أدخلهم وإن شاء أن يخرجهم أخرجهم سواء آنس وعلم منهم رشدا وصلاحا في القول والعمل أو أنس عدمه، وبالجملة الأمر له انفرادا واجتماعا ولا أمر لهم معه لا انفرادا ولا اجتماعا فإن علم أمرا خيرا كان له فعل ذلك الأمر وليس لهم الاعتراض عليه.

قوله (وأوصيت إليه بصدقاتي) كان له (عليه السلام) صدقات من جملتها أنه تصدق بعض أراضيها بجميع حقوقها على ولده من صلبه للذكر مثل حظ الاثنين وعلى ولد أبيه من أمه بعد انقراض ولده وعلى ولد أبيه بعد انقراض ولد أبيه من أمه وأخرج البنات بعد التزويج إلى أن ترجع بلا زوج وأولاد البنات إلا أن يكون آباؤهم من أولاده وأولاد أبيه.

قوله (وأموالي) لعل المراد بها الموقوفات أو الثلث أو حصص الصغار والله أعلم.

قوله (وموالي) يحتمل أن يراد بهم العبيد والمعتق والعصبة والشيعة كلهم.

قوله (إلى إبراهيم والعباس) لعل المراد أوصيت إلى إبراهيم فهو عطف على إليه بحذف العاطف، وفي كتاب العيون «وإلى إبراهيم» بالواو وهو الأظهر وقيل: إلى ههنا بمعنى مع.

قوله (وإلى علي أمر نسائي وثلث صدقة أبي وثلثي) أي أوصيت إلى علي (عليه السلام) وحده هذه الأمور الثلاثة ولعل المراد بالثلث الثلث الذي كان له (عليه السلام) من أجل ولاية الوقف ووكالته فجعله لعلي (عليه السلام) منفردا بلا مشارك لشدة الاهتمام به.

قوله (فإن أحب أن يبيع) دل على أنه يجوز لمتولي الوقف أن يتصرف في حق التولية كما يتصرف المالك في ملكه، والفرق بين الهبة والنحلة بالكسر كالفرق بين العام والخاص لأن النحلة هي العطية ابتداء من غير عوض وأيضا إعطاء الحق من غير مطالبة المستحق يقال: نحلت المرأة مهرها عن طيب نفس أنحلها من باب نحل ينحل بالضم.

قوله (وهو أنا) إشارة إلى مساواتهما في التصرف من غير تفاوت.

قوله (غير مثرب ولا مردود) التثريب بالثاء المثلثة التعيير والتوبيخ، يعني ليس لأحد من الحكام وغيره تعييره وتوبيخه في إخراجهم أو في تصرفاته مطلقا ولا رد شيء من ذلك لأنه لا يفعل إلا ما فيه مصلحة وهو أعرف بمواقعها.

قوله (فإن أنس منهم غير الذي فارقتهم عليه) أي فإن وجد منهم رشدا تاما وأهلية كاملة وهو غير الذي فارقهم عليه فأحب أن يردهم في ولاية علي (عليه السلام) فله ذلك فكيف إذا لم يجد منهم هذا الوصف.

ص:198

قوله (وإن أراد رجل منهم أن يزوج أخته) دل على أن للأب ولوصيه ولاية على الرشيدة البالغة ويمكن أن يكون هذا في واقعة معينة مع احتمال أن يراد أولوية الإذن إذا كان الأب والأخ والوصي مطلقا أعرف بموارد النكاح وأحوال الرجال كما يرشد إليه التعليل والله أعلم.

قوله (وأي سلطان أو أحد من الناس كفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء) من قبيل اللف والنشر المرتب، إذ الكف وهو المنع يناسب السلطان، والحائل وهو المانع من وصول المرء إلى مطلوبه يناسب أحدا من الناس بتخصيصه بغير السلطان بقرينة المقابلة، والتأكيد أيضا محتمل، والترديد من الراوي بعيد، وفي كتاب العيون وفي بعض نسخ هذا الكتاب «وكشفه عن شيء» بالشين المعجمة ولعل المراد كشف العيوب في تصرفاته، وأما بالسين المهملة بمعنى القطع فالظاهر أنه تصحيف.

قوله (أو أحد ممن ذكرت) الظاهر أنه عطف على شيء وأن المراد به الأولاد والنساء والبنات والموالي والمراد بالشيء حينئذ التصرفات في الأموال والتصدقات وإخراج الأخوة من الوصاية.

قوله (والله ورسوله منه برآء) في كتاب العيون «بريئان» على صيغة التثنية وهو الأظهر.

قوله (وليس لأحد من السلاطين أن يكفه عن شيء وليس لي عنده تبعة ولا تباعة) التبعة بفتح التاء وكسر الباء ما يتبع المال من نوائب الحقوق وهو من تبعت الرجل بحقي إذا مشيت خلفه والتبع الذي يتبعه لحق يطالبه، والتباعة مصدر منه، تقول: تبعت القوم بالكسر تبعا وتباعة إذا مشيت خلفهم أو مروا بك فمضيت معهم. وفي بعض النسخ «أن يكشفه» بالشين المعجمة بدل «أن يكفه» وفي كتاب العيون «أن يكشفه عن شيء لي عنده من بضاعة».

قوله (ولا لأحد من ولدي وله قبلي مال - إلى قوله - كذلك) في كتاب العيون «ولا لأحد من ولدي ولي عنده مال وهو مصدق فيما ذكر من مبلغه إن أقل أو أكثر فهو الصادق».

قوله (التنويه بأسمائهم) نوهت باسمه إذا رفعت ذكره.

قوله (إن رأى ذلك) أي إن رأى علي (عليه السلام) ذلك، وفي كتاب العيون: «إن أراد ذلك».

قوله (إلى محواي) أي إلى منزلي الذي كان يحويها والمحوى اسم المكان الذي يحوي الشيء أي يضمه ويجمعه.

قوله (وقد أوصيتهن بمثل ما ذكرت في كتابي هذا) أي أوصيت إلى نسائي أن لا يرجعن بعد تزويجهن إلى محواي إلا بإذنه وإلى بناتي أن لا يتزوجن إلا بإذنه ومشورته.

قوله (وهو وأم أحمد) هو راجع إلى علي (عليه السلام) أي جعلته وأم أحمد أيضا شهيدين عليهن.

قوله (وهو منها) على غير ما ذكرت وسميت وهو راجع إلى أحد والجملة حال عن فاعل

ص:199

يكشف، والمقصود هو النهي عن كشف الوصية مع الحكم بخلافها وأما مع الحكم بها فلا يكون الكشف بمنهي عنه فالنهي راجع إلى القيد، ويحتمل أن يراد بما ذكرت الولاية على الأموال والصدقات وبما سميت الولاية على الأولاد والنساء والبنات.

قوله (وما ربك بظلام للعبيد) لعل المراد المبالغة في نفي الظلم لا نفي المبالغة فيه كما قالوا في قوله تعالى: (ولو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) إن فعل المضارع لاستمرار الثبوت والمقصود بعد دخول «لو» استمرار النفي لا نفي الاستمرار، ويمكن أيضا أن يقال: كل صفة من صفات الواجب جل شأنه على وجه الكمال فلو كان الظلم صفة له كان على وجه الكمال وحيث لم يكن له ظلم على وجه الكمال لم يكن له ظلم أصلا وإلا لزم خلاف الفرض.

قوله (وليس لأحد من سلطان ولا غيره أن يفض كتابي هذا الذي ختمت عليه الأسفل فمن فعل ذلك) لعله (عليه السلام) بعدما كتب كتاب الوصية وأشهد الشهود المذكورين على ما فيه وأدرجه; كتب في عنوانه قوله سابقا «وليس لأحد أن يكشف وصيتي الخ» وقوله «ليس لأحد من سلطان ولا غيره الخ» وختم على أسفله فقوله على الأسفل بدل الكل من ضمير الغائب في عليه وهو جائز أو مفعول فيه بتقدير في، وقوله «فمن فعل ذلك» إشارة إلى كشف الوصية والعمل بغير ما ذكر فيها وقوله «وعلى من فض كتابي» هذا عطف على «من فعل ذلك» متعلق بقوله «وليس لأحد من سلطان ولا غيره أن يفض كتابي» يعني وعلى من فض كتابي هذا فعليه أيضا لعنة الله وغضبه - الخ. والله أعلم.

قوله (قدمه إخوته) قدمه يقدمه من باب نصر أي تقدمه والمراد إزعاجه إلى القاضي.

قوله (وأمتع بك) أي أمتعنا الله بسببك فالمفعول محذوف لقصد التعميم والباء للسببية يعني جعلنا الله ذا متاع بسببك، والمتاع المنفعة وهي كل ما ينتفع به من عروض الدنيا قليلها وكثيرها.

قوله (إلا ألجأه إليه) أي أسنده إليه وجعله له.

قوله (وتركنا عالة) العالة بالتخفيف جمع عائل وهو فقير ذو عيال.

قوله (لأخبرتك بشيء) مراده بذلك الشيء إما المال الكثير أو خلافته وإمامته (عليه السلام) وغرضه من ذلك تخويفه (عليه السلام) وإغراء الأعداء به.

قوله (فوثب إليه إبراهيم بن محمد) هو إبراهيم بن محمد الجعفري أول من تقدم من الشهود «وأبو إبراهيم» في بعض النسخ سهو من الناسخ، والضمير في إليه راجع إلى العباس.

قوله (إذا والله تخبر) إذن جواب وجزاء ينصب المضارع بشرط أن يتأخر عنها وأن تكون للحال وأن لا يكون معمولا لما قبلها وإذا فقد أحد هذه الشروط بطل عملها، وإذا وقفت عليها قلت: إذا.

ص:200

قوله (مدحور) الدحور الطرد والإبعاد.

قوله (وكان أبوك أعرف بك) أي أعرف بك من كل أحد أو منك.

قوله (وإن كان أبوك لعارفا بك في الظاهر والباطن) إن مخففة من المثقلة المكسورة ويلزمها اللام، ويجوز دخولها على كان وأخواته، وفي بعض النسخ «فإنه يعرفك في الظاهر والباطن».

قوله (ثم وثب إليه إسحاق بن جعفر عمه) الضمير في الموضعين راجع إلى العباس.

قوله (فأخذ بتلبيبه) تقول: لببت الرجل تلبيبا إذا جمعت ثيابه عند صدره ونحره في الخصومة ثم جررته.

قوله (إنك لسفيه ضعيف أحمق) المراد بالسفيه الجاهل المضطرب والخفيف الطياش وبالضعيف الناقص في الرأي أو الذي لا رأي له أصلا وبالأحمق الناقص في العقل أو الذي لا عقل له أصلا.

قوله (أجمع هذا مع ما كان بالأمس منك من المنازعة والسفاهة) ولعل الهمزة للاستفهام على سبيل التوبيخ بكسر المنازعة والجمع بالضم بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المذخور.

قوله (وأعانه القوم) الضمير راجع إلى إسحاق بن جعفر.

قوله (حسبي ما لعنني أبوك اليوم) «ما» إما مصدرية أو موصولة والعائد محذوف ولحوق اللعن به باعتبار احضاره والتفتيش عن حاله إذ لم يكن له ذلك.

قوله (فقال أبو عمران لا أفضه حسبي ما لعنني أبوك منذ اليوم) اللعن وقع لأمرين أحدهما الكشف عن حاله والكف عما أراد وثانيهما فض الكتاب وقد ارتكب الأول في الجملة إذا حضره وكشفه وكفه آن المرافعة واجتنب عن الثاني. وفي كتاب العيون «فقال: لا أفضه لا يلعنني أبوك» وهو أيضا صحيح.

قوله (وإدخاله إياهم في ولاية علي) إذ جعلهم كالأيتام في حجره.

قوله (قال سيدي هذا) الظاهر أن «هذا» إشارة إلى علي (عليه السلام) وكونه إشارة إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام) بعيد.

قوله (وقال اسكتي فإن النساء إلى الضعف - الخ) أي النساء مائلات إلى ضعف العقل وقلة الرأي فربما يقلن من غير علم وقال ذلك خوفا وتقية وإطفاء للفتنة.

قوله (إنما حملكم على هذا الغرائم) الغرائم جمع الغريم كالقبائح جمع القبيح، والمراد بالغريم هذا من له الدين وقد يطلق على من عليه الدين أيضا.

قوله (فتعين لي ما عليهم) أي اجعل ما عليهم من الديون متعينا معلوما لي، أو اجعله علي وفي

ص:201

ذمتي بأجل من العينة وفي بعض النسخ فعين لي بدون التاء.

قوله (ولا والله) أي ليس الأمر كما زعمتم من ترك الصلة وعدم الرعاية لكم والله لا أدع مواساتكم أي إعطاءكم، وفي النهاية: الإسوة بكسر الهمزة وضمها القدوة والمواساة المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق وأصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا، وفي المغرب: آسيته بمالي أي جعلته أسوة أقتدي به ويقتدي هو بي وواسيته لغة ضعيفة.

قوله (ما تعطينا إلا من فضول أموالنا ومالنا عندك أكثر) «ما» موصولة أو موصوفة «ولنا» ظرف عامله محذوف أي وما كان لنا عندك من الأموال أكثر مما تعطينا، ويحتمل أن يكون «مالنا» بالرفع على الابتداء والواو على التقديرين إما للعطف أو للحال. والمراد بفضول الأموال منافعها المتجددة.

قوله (فالعرض عرضكم) في الصحاح: عرض الرجل حسبه، وفي النهاية: العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقض ويثلب، وقال ابن قتيبة: عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير.

قوله (ولئن حبست شيئا مما تظنون أو ادخرته) أي منعته من الإنفاق على أهله وفي قوله «مما تظنون» إشارة إلى أنه منزه عن ذلك وإنما ذلك بحسب ظنهم وفساد عقيدتهم، ويحتمل أن يراد بالحبس الوقف احتمالا بعيدا، وادخار المال جعله ذخيرة ليوم الحاجة وأصله اذتخار وهو افتعال من الذخر يقال: ذخر يذخر ذخرا، فهو ذاخر واذتخر يذتخر فهو مذتخر، فلما أرادوا أن يدغموا ليخف النطق قلبوا التاء إلى ما يقاربها من الحروف وهو الدال المهملة لأنهما من مخرج واحد فصارت اللفظة اذدخر بذال ودال ولهم حينئذ فيه مذهبان: أحدهما وهو الأكثر أن تقلب الذال المعجمة دالا وتدغم فيها فتصير دالا مهملة مشددة، والثاني وهو الأقل أن تقلب الدال المهملة ذالا وتدغم فتصير ذالا مشددة معجمة وهذا العمل مطرد في أمثاله كما ذكر في موضعه.

قوله (إلا وقد سيبته حيث رأيتم) أي أعطيته حيث رأيتم من ذوي الاستحقاق والسيب العطاء، وفي بعض النسخ «وقد سبلته» يعني جعلته في سبل الخير وصرفته فيها وفي بعضها «وقد شتته» يعني فرقته فيها.

قوله (من رأى علينا) مفعول جعل وأصله رأيا علينا زيدت «من» لزيادة العموم يعني ما جعل الله لك شيئا من أفراد الرأي والتدبير والتصرف والزيادة علينا ولكن حسد أبينا ظاهر منك لنا وإرادة أبينا فيك ما أراد من تفوقك علينا وهو ما لا يسوغه الله إياه ولا إياك جعلا لك علينا فضلا وزيادة

ص:202

وتفوقا، وهذا الكلام منه من غاية الركاكة وسوء الأدب بل يشم منه رائحة الارتداد والكفر والله غفور رحيم.

قوله (وإنك لتعرف أني أعرف صفوان بن يحيى بياع السابري بالكوفة) صفوان بن يحيى كان ثقة عينا ورعا عابدا زاهدا وكان وكيل الكاظم (عليه السلام) وقد بذل له جماعة من الواقفة مالا كثيرا للوقف فلم يقبل منهم وسلم مذهبه منه ثم كان وكيلا للرضا وأبي جعفر الثاني (عليهما السلام) وكانت له عندهما منزلة شريفة (رحمه الله).

قوله (ولئن سلمت لأغصصنه بريقه وأنت معه) يقال: غصصت بالماء أغص من باب علم غصصا بالتحريك فأنا غاص وغصان إذا وقف في حلقك فلم تكد تسيغه وأغصصته أنا وهذا كناية عن تشديد الأمر عليه، وفي بعض النسخ لأغصصنه على صيغة المتكلم من الماضي.

قوله (رفيق عليهم) الرفيق فعيل بمعنى فاعل وهو إما بالفاء من الرفق ضد الخرق والعنف أعني الرأفة والتلطف وقد رفق به يرفق من باب نصر فهو رفيق، أو بالقاف من الرقة ضد القسوة والشدة أعني الضعف واللينة، وقد رق له قلبه إذا رحمه، وإنما عداه بعلى لتضمين معنى الحفظ أو نحوه.

قوله (أعنى بأمورهم) بضم الهمزة وفتح النون أو بفتحها وكسر النون تقول: عنيت بحاجتك بضم أوله أعني بها كذلك فأنا بها معني على مفعول وعنيت بها فأنا عان، والأول أكثر أي اهتممت بها واشتغلت في تحصيلها من العناية وهي الحفظ فإن من عنى بشيء حفظه وحرسه.

قوله (أصلحهم وأصلح لهم) إصلاحهم عبارة عن تقويمهم وتعديلهم وتهذيب أخلاقهم وأعمالهم والإصلاح لهم عبارة عن تحصيل المنافع ورفع المضار.

قوله (واخسأ) أمر من خسأ الكلب كمنع إذا طرده.

قوله (ووفقهم لرشدك) أي لقبول هدايتك ودلالتك وسلوك سبيلك، والرشد بالضم خلاف الغي.

قوله (على مسرتكم) المسرة والسرور خلاف الحزن، تقول: سرني فلان إذا جعلك مسرورا والإضافة من باب إضافة المصدر إلى المفعول.

قوله (والله على ما نقول وكيل) أي والله على ما نقول من الحرص على المسرة والبر والصلة والرفق والمجاهدة وغير ذلك وكيل شاهد حفيظ علينا.

قوله (ما أعرفني بلسانك) صيغة التعجب ويحتمل أن يكون «ما» نافية والفاعل محذوف أي ما أعرفني شيء بلسانك.

قوله (وليس لمسحاتك عندي طين) المسحاة بكسر الميم مفعلة من سحوت الطين عن وجه

ص:203

الأرض إذا جرفته وأزلته وذهبت به كله أو جله وهي آلة من حديدة معوجة يقال لها بالفارسية كلند، وهذا مثل يقال لمن لا يؤثر كلامه أو حيلته في قلب السامع.

* الأصل:

16 - محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن علي وعبيد الله بن المرزبان عن ابن سنان قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) من قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه، فنظر إلي فقال: يا محمد أما إنه سيكون في هذه السنة حركة، فلا تجزع لذلك، قال: قلت:

وما يكون جعلت فداك؟ فقد أقلقني ما ذكرت، فقال: أصير إلى الطاغية، أما إنه لا يبدأني منه سوء ومن الذي يكون بعده، قال: قلت: وما يكون جعلت فداك؟ قال: يضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء، قال: قلت: وما ذاك جعلت فداك؟ قال: من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب حقه وجحده إمامته بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: قلت: والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن له بإمامته، قال: صدقت يا محمد، يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر له بإمامته وإمامة من يكون من بعده، قال: قلت: ومن ذاك؟ قال: محمد ابنه، قال: قلت له:

الرضا والتسليم.(1)

* الشرح:

قوله (أصير إلى الطاغية) اللام للعهد إشارة إلى المهدي العباسي والتاء للمبالغة في طغيانه وتجاوزه عن الحد.

قوله (لا يبدأني منه سوء) بدء كل شيء أوله وابتداؤه، يعني لا يصلني ابتداء منه سوء وهو القتل ولا من الذي بعده وهو موسى بن المهدي، وقد قتله بعده هارون الرشيد بالسم وهذا من دلائل إمامته إذ أخبر بما يكون وقد وقع كما أخبر.

قوله (قال: قلت: وما يكون) سأل السائل عن مآل حاله مع الطواغيت فأشار (عليه السلام) إلى أنه القتل بقوله: «يضل الله الظالمين» أي يتركهم مع أنفسهم الطاغية حتى يقتلوا نفسا معصومة ولم يمنعهم جبرا وهذا معنى إضلالهم وإلى أنه ينصب مقامه إماما آخر بقوله: «ويفعل الله ما يشاء» ولما كان هذا الفعل مجملا بحسب الدلالة والخصوصية سأل السائل عنه بقوله: «وما ذاك» يعني وما ذاك الفعل؟ فأجاب (عليه السلام): بأنه نصب ابني علي للإمامة والخلافة ومن ظلم ابني هذا حقه وجحده إمامته كان كمن ظلم علي بن أبي طالب حقه وجحده إمامته وذلك لأن من أنكر الإمام الآخر لم يؤمن بالإمام الأول ولأنهما صراط الحق فالتارك لأحدهما كان كالتارك للآخر في الخروج عنه قطعا.

ص:204


1- -الکافی :319/1 .

باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني (عليه السلام)

* الأصل:

1 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد، عن يحيى بن حبيب الزيات قال:

أخبرني من كان عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) جالسا، فلما نهضوا قال لهم: ألقوا أبا جعفر فسلموا عليه وأحدثوا به عهدا، فلما نهض القوم التفت إلي فقال: يرحم الله المفضل إنه كان ليقنع بدون هذا.(1)

* الشرح:

قوله (إنه كان ليقنع بدون هذا) أي بدون الأمر بالتسليم وإحداث العهد بل كان يكفيه في إحداثه الإشارة أو كان يحدثه بدونها أيضا كما أن الناس يسلمون على ولد العزيز الشريف ويحدثون به عهدا وملاقاة بدون أمر أبيه بذلك، وهم لما لم يفعلوا ذلك إلا بعد الأمر تذكر (عليه السلام) حسن فعل المفضل وكمال اعتقاده فترحم عليه، وفيه لوم لهم لهذا الوجه وكمال مدح للمفضل ولكن لم نعلم أن المفضل من هو لاحتماله رجالا كثيرا، وتخصيصه بابن عمر تخصيص بلا مخصص والاشتهار لو سلم فإنما هو عندنا لا عند السلف. ويحتمل أن يكون سبب لومهم أنهم تركوا التسليم وإحداث العهد بعد الأمر وليس في هذا الحديث دلالة على أنهم فعلوا ذلك بعده، ويحتمل أيضا أن يكون اللوم متعلقا بالمخبر وهو من كان جالسا عند أبي الحسن (عليه السلام) فإن الظاهر أنه لم ينهض ولم يسلم عليه ولم يحدث به عهدا بعد الأمر، ثم إحداث العهد وتجديده بوقوع عهد سابق، وهو إما العهد الذي صدر منهم حين كونهم ذرا أو أعم منه ومن الذي وقع عند ظهوره (عليه السلام) في هذه النشأ وفيه دلالة واضحة على أنه ينبغي زيارة الصلحاء ومراقبتهم والابتداء بالتسليم عليهم.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن معمر بن خلاد قال: سمعت الرضا (عليه السلام) وذكر شيئا فقال: ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني وقال: إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة.(2)

* الشرح:

قوله (القذة بالقذة) القذذ بضم القاف وفتح الذال ريش السهم واحدتها قذة بضم

ص:205


1- -الکافی :320/1 .
2- -الکافی :320/1 .

القاف، يقال:

حذو القذة بالقذة إذا تساويا في المقدار حيث يقدر واحدة كل منهما على قدر صاحبتها وتقطع ثم يضرب به مثلا لشيئين يستويان ولا يتفاوتان أصلا.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه محمد بن عيسى قال: دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فناظرني في أشياء، ثم قال: يا أبا علي، ارتفع الشك; ما لأبي غيري.(1)

* الشرح:

قوله (عن أبيه محمد بن عيسى) اختلف علماء الرجال في ذم محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين ومدحه وتوثيقه، ونقل عن ابن طاووس أنه جزم في مواضع بضعفه، ومن أراد تفصيل ذلك فليرجع إلى كتب الرجال.

قوله (ما لأبي غيري) أي ليس لأبي ولد غيري، والغرض منه هو الإشعار بأنه الإمام بعده.

* الأصل:

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن جعفر بن يحيى، عن مالك بن أشيم، عن الحسين بن بشار، قال: كتب ابن قياما إلى أبي الحسن (عليه السلام) كتابا يقول فيه: كيف تكون إماما وليس لك ولد؟ فأجابه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) - شبه المغضب -: وما علمك أنه لا يكون لي ولد! والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولدا ذكرا يفرق به بين الحق والباطل.(2)

* الشرح:

قوله (كتب ابن قياما) الحسين بن قياما من أصحاب الكاظم (عليه السلام) واقفي.

* الأصل:

5 - بعض أصحابنا، عن محمد بن علي، عن معاوية بن حكيم، عن ابن أبي نصر قال: قال لي ابن النجاشي: من الإمام بعد صاحبك؟ فأشتهي أن تسأله حتى أعلم؟ فدخلت على الرضا (عليه السلام) فأخبرته، قال: فقال لي: الإمام ابني، ثم قال: هل يتجرى أحد أن يقول ابني وليس له ولد.(3)

* الشرح:

قوله (فأشتهي أن تسأله) في بعض النسخ: أن أسأله، والضمير راجع إلى الصاحب وهو الرضا (عليه السلام).

قوله (ثم قال هل يتجرى أحد) الظاهر أن ابنه كان موجودا حين الجواب ويحتمل أنه أخبر بذلك لعلمه بأنه سيولد.

6 - أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن معمر بن خلاد قال: ذكرنا عند أبي الحسن (عليه السلام) شيئا بعدما ولد له أبو جعفر (عليه السلام) فقال: ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي

ص:206


1- -الکافی :320/1 .
2- -الکافی :320/1 .
3- -الکافی :320/1 .

وصيرته في مكاني.

7 - أحمد، عن محمد بن علي، عن ابن قياما الواسطي قال: دخلت على علي بن موسى (عليهما السلام) فقلت له: أيكون إمامان؟ قال: لا، إلا وأحدهما صامت، فقلت له: هو ذا أنت، ليس لك صامت - ولم يكن ولد له أبو جعفر (عليه السلام) بعد - فقال لي: والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله ويمحق به الباطل وأهله، فولد له بعد سنة أبو جعفر (عليه السلام) وكان ابن قياما واقفيا.(1)

* الأصل:

8 - أحمد، عن محمد بن علي، عن الحسن بن الجهم قال: كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) جالسا، فدعا بابنه وهو صغير فأجلسه في حجري، فقال لي: جرده وانزع قميصه، فنزعته، فقال لي: انظر بين كتفيه، فنظرت فإذا في أحد كتفيه شبيه بالخاتم داخل في اللحم، ثم قال: أترى هذا؟ كان مثله في هذا الموضع من أبي (عليه السلام).(2)

* الشرح:

قوله (فإذا في أحد كتفيه شبيه بالخاتم) هذا من علامات الإمامة، ولعل المراد بأحد كتفيه كتفه اليسرى كما صرحوا به في خاتم النبوة حيث قالوا: إنه عند ناغض كتفه اليسرى، والناغض من الإنسان قيل: هو أصل العنق حيث ينغض رأسه، ونغض الكتف هو العظم الرقيق على طرفيها، وقيل: هو فرع الكتف سمي ناغضا للحركة، وقيل: هو مارق من الكتف سمي ذلك لنغوضه، وحركته نغض رأسه ومنه قوله تعالى: (فسينغضون إليك رؤوسهم) أي يحركونها استهزاء.

قوله (داخل في اللحم) فيه دفع لتوهم أنه نابت كاللحم الذي قبضت عليه المحجمة.

قوله (أترى هذا) الاستفهام للتقرير.

* الأصل:

9 - عنه، عن محمد بن علي، عن أبي يحيى الصنعاني قال: كنت عند أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فجيء بابنه أبي جعفر (عليه السلام) وهو صغير، فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه.(3)

* الشرح:

قوله (لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه) لأن الشيعة كانوا في زمانه (عليه السلام) على رفاهية، ويحتمل أن يكون الحصر إضافيا بالنسبة إلى غير الأئمة (عليهم السلام).

* الأصل:

10 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا (عليه السلام): قد كنا

ص:207


1- -الکافی :321/1 .
2- -الکافی :321/1 .
3- -الکافی :321/1 .

نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر (عليه السلام) فكنت تقول: يهب الله لي غلاما، فقد وهبه الله لك. فأقر عيوننا، فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر (عليه السلام) وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟! فقال: وما يضره من ذلك، فقد قام عيسى (عليه السلام) بالحجة وهو ابن ثلاث سنين (1).

* الشرح:

قوله (فأقر عيوننا) يقال: قرت عينه إذا سر وفرح وأقر الله عينه أي جعله مسرورا فرحا وحقيقته أبرد الله دمعة عينه لأن دمعة الفرح والسرور باردة، وقيل: معنى أقر الله عينه بلغه أمنيته حتى ترضى نفسه وتسكن عينه فلا تستشرف إلى غيره.

قوله (فلا أرانا الله يومك فإن كان كون) أراد بيومك يوم الموت وبالكون حدوث واقعة وهي الموت.

قوله (وما يضره من ذلك) لأن بلوغ الجثة غير معتبر في الإمامة وإنما المعتبر فيها بلوغ العقل وعقول الأئمة (عليهم السلام) كانت بالغة كاملة منزهة عن العيب والنقص حين الفطرة.

11 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن معمر بن خلاد قال:

سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا (عليه السلام): إن ابني في لسانه ثقل، فأنا أبعث به إليك غدا تمسح على رأسه وتدعو له فإنه مولاك، فقال: هو مولى أبي جعفر فابعث به غدا إليه.

* الأصل:

12 - الحسين بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن محمد بن خلاد الصيقل (2). عن محمد بن الحسن بن عمار قال: كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالسا بالمدينة وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما يسمع من أخيه - يعني أبا الحسن (عليه السلام) - إذ دخل عليه أبو جعفر محمد ابن علي الرضا (عليه السلام) المسجد - مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) - فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبل يده وعظمه، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): يا عم اجلس رحمك الله فقال: يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم، فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبخونه ويقولون: أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال: اسكتوا إذا كان الله عزوجل - وقبض على لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه; أنكر فضله؟!، نعوذ بالله مما تقولون، بل أنا له عبد.(3)

* الشرح:

قوله (فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء) دل على استحباب تعظيم الفضلاء

ص:208


1- كذا وفي إرشاد المفيد وإعلام الورى «ابن أقل من ثلاث سنين».
2- كذا في النسخ ولم أجد له في كتب الرجال عنوانا إلا أن الأردبيلي (رحمه الله) ذكره في ترجمة محمد بن الحسن ابن عمار قال: روى عنه محمد بن خلاد الصيقل وأشار إلى هذا الحديث.
3- -الکافی :322/1 .

والعلماء وأهل الورع وعدم جواز ترجيح المفضول على الفاضل، كل ذلك لاشتراك العلة ظاهرا.

قوله (وقبض على لحيته لم يؤهل) مدخول الواو حال عن فاعل قال، ولم يؤهل مفعوله، يقال:

أهله للخير تأهيلا، أي جعله أهلا له وحذف مفعول التأهيل في الموضعين للدلالة على العموم وتفوقه (عليه السلام) من جميع وجوه الخير والكمال، والمعترضون وأرباب التوبيخ نظروا إليه (عليه السلام) بالعين الظاهرة وهو رحمه الله نظر إليه بالبصيرة الباطنة ومن شأنها إدراك الحقيقة الإنسانية والكمالات النفسانية والفضائل الروحانية، وأما العين الظاهرة فكليلة عن إدراكها ولذا قيل: إنما يعرف ذا الفضل ذووه.

قوله (بل أنا له عبد) أي عبد الطاعة والانقياد لأعماله وأقواله وهذه كلمة وجيزة مفيدة للمتابعة من جميع الوجوه.

* الأصل:

13 - الحسين بن محمد، عن الخيراني، عن أبيه قال: كنت واقفا بين يدي أبي الحسن (عليه السلام) بخراسان فقال له قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال: إلى أبي جعفر ابني، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر (عليه السلام)، فقال أبو الحسن (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولا نبيا، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر (عليه السلام).(1)

* الشرح:

قوله (الحسين بن محمد عن الخيراني) لم يحضرني الآن اسمه وكأني لم أجده ويحتمل أن يكون من أولاد خيران مولى الرضا (عليه السلام)، وفي بعض النسخ: الجواني، وهو محمد بن الحسن بن محمد بن عبيد الله الأعرج بن الحسين بن علي بن الحسين (عليهما السلام) نسبة إلى جوانية قرية بالمدينة، أو علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد أو ابنه محمد بن علي بن إبراهيم.

قوله (صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر) لأنه بعث نبيا وهو في المهد كما دل عليه قوله تعالى: (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) وقوله تعالى:

(فناداها من تحتها ألا تحزني) إلى آخر الآيات، فإذا جاز أن يكون هو نبيا صاحب شريعة مبتدأة غير تابع لشريعة نبي آخر في السن الذي أصغر من سن أبي جعفر فكيف لا يجوز أن يكون أبو جعفر إماما تابعا لشريعة آخر في السن الذي أكبر من سنه وهذا من باب القياس بطريق الأولوية فهو حجة لمن ذهب إلى حجيته، اللهم إلا أن يقال: إن السائل كان قائلا بالقياس فألزمه (عليه السلام) بما هو

ص:209


1- -الکافی :322/1 .

مذهبه، وهو بعيد لأن الظاهر أنه من أصحابه (عليه السلام) لم يعمل بالقياس، أو يقال: المقصود رفع استبعاد السائل وهو يحصل بما ذكر، لا إثبات الإمام بالقياس فليتأمل.

* الأصل:

14 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني جميعا، عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي قال: سمعت علي بن جعفر، يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال: والله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، فقال له الحسن: إي والله - جعلت فداك - لقد بغى عليه إخوته، فقال علي بن جعفر: إي والله ونحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضركم؟ قال: قال له إخوته: ونحن أيضا، ما كان فينا إمام قط حائل اللون، فقال لهم الرضا (عليه السلام): هو ابني، قالوا: فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قضى بالقافة فبيننا وبينك القافة، قال: ابعثوا أنتم إليهم فأما أنا فلا ولا تعلموهم لما دعوتموهم ولتكونوا في بيوتكم، فلما جاؤوا أقعدونا في البستان واصطف عمومته وإخوته وأخواته وأخذوا الرضا (عليه السلام) وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاؤوا بأبي جعفر (عليه السلام) فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له ههنا أب ولكن هذا عم أبيه وهذا عم أبيه وهذا عمه وهذه عمته وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدميه وقدميه واحدة، فلما رجع أبو الحسن (عليه السلام) قالوا:

هذا أبوه، قال علي ابن جعفر: فقمت فمصصت ريق أبي جعفر (عليه السلام) ثم قلت له: أشهد أنك إمامي عند الله، فبكى الرضا (عليه السلام)، ثم قال: يا عم ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بأبي ابن خيرة الإماء ابن النوبية الطيبة الفم، المنجبة الرحم (1) ويلهم لعن الله الاغيبس وذريته (2)، صاحب الفتنة ويقتلهم سنين وشهورا وأياما، يسومهم خسفا ويسقيهم كأسا مصبرة وهو الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده، صاحب الغيبة، يقال: مات أو هلك، أي واد سلك؟! أفيكون هذا يا عم إلا مني؟ فقلت: صدقت جعلت فداك.(3)

* الشرح:

قوله (عن يحيى بن زكريا بن النعمان الصيرفي) في بعض النسخ: المصري، والرجل مجهول الحال.

قوله (أي والله جعلت فداك لقد بغى عليه اخوته) إي بكسر الهمزة من حروف التصديق ولا

ص:210


1- وفي أكثر النسخ: المنتحبة الرحم.
2- كذا في النسخ التي رأيناها وفي المرآة أيضا بالعين المهملة.
3- -الکافی :322/1 .

يستعمل إلا مع القسم. والبغي الظلم والتعدي.

قوله (قال له إخوته) الضميران راجعان إلى الرضا (عليه السلام).

قوله (حائل اللون) كل حائل متغير سمي به لأنه يحول من حال إلى حال والمقصود أن لونه ليس مثل لونك ولون آبائك الطاهرين، لأن لونه (عليه السلام) كان أسمر، وكان غرضهم من ذلك سلب نسبه (عليه السلام) لسلب إمامته طمعا فيها نعوذ بالله من ذلك.

قوله (قالوا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قضى بالقافة فبيننا وبينك القافة) روى مسلم بإسناده عن عائشة أنها قالت: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: «ألم تر أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض» (1) وعنها أيضا قالت: دخل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم مسرورا فقال: «يا عائشة ألم تر أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض» وعنها أيضا قالت: «دخل قائف ورسول الله (صلى الله عليه وآله) شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض فسر بذلك النبي (صلى الله عليه وآله) وأعجبه» قال عياض: المجزز بفتح الجيم وكسر الزاي الأول سمي بذلك لأنه إذا أخذ أسيرا جز ناصيته، وقيل:

حلق لحيته وكان من بني مدلج وكانت القافة فيهم وفي بني أسد وهي جمع القائف الذي يعرف الآثار، وقال الآبي: اختلف أقوال السلف في القافة هل هي مختصة ببني مدلج أم لا، لأن المدعى فيها إنما هو درك الشبه وذلك غير خاص بهم، أو يقال: إن في ذلك قوة ليست لغيرهم، وكان يقال:

علوم العرب ثلاثة: الشيافة والعيافة والقيافة، فالشيافة شم تراب الأرض ليعلم بها الاستقامة على الطريق والخروج منها، والعيافة زجر الطير والطيرة والتفأل ونحوه. والقيافة اعتبار الشبه بإلحاق الولد، وقال محيي الدين: قيل: إن أسامة كان شديد السواد وكان أبوه زيد أبيض من القطن فكانت الجاهلية تطعن في نسبه لذلك فلما قال القائف ذلك وكانت العرب تصغي لقول القائف سر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنه كاف لهم عن الطعن.

قوله (قال ابعثوا أنتم إليه فأما أنا فلا) إنما قال ذلك لعدم اعتقاده بقول القافة لابتناء قولهم على الظن والاستنباط بالعلامات والمشابهات التي يتطرق إليها الغلط، ولكن الخصوم لما اعتقدوا به ألزمهم بما اعتقدوه، وقد أنكر التمسك بقول القافة أبو حنيفة وأثبته الشافعي، والمشهور عن مالك إثباته في الإماء دون الحرائر، ونقل عنه إثباته في الحرائر أيضا، واحتج المثبت بما روي عن

ص:211


1- صحيح مسلم: ج 4 ص 172.

النبي (صلى الله عليه وآله) من حديث زيد وأسامة ابنه وبسروره وعدم إنكاره، واعترض عليه ابن الباقلاني بأنه إنما لم ينكره لأنه وافق الحق الذي كان معلوما له (صلى الله عليه وآله) وإنما استسر لأن المنافقين كانوا يطعنون في نسب اسامة لسواده وبياض زيد وكان (صلى الله عليه وآله) يتأذى من قولهم فلما قال القائف ذلك وهم كانوا يعتقدون حكمه استسر لإلزامهم أنه ابنه وتبين كذبهم على ما يعتقدون من صحة العمل بالقافة.

قوله (ولا تعلموهم لما دعوتموهم) أمرهم بذلك لأنه أدخل لقبولهم قول القائف وأبعد عن تطرق التهمة ودخول الشبهة عليهم.

قوله (ولتكونوا في بيوتكم) أمرهم بذلك ليحصل له الشهود، بقول القائف لسماع جميعهم قوله.

قوله (فلما جاؤوا أقعدونا في البستان) الظاهر أن هذا من كلام الرضا (عليه السلام) وأن أقعدونا على صيغة أمر وأن الخطاب للعمومة والإخوة وانما أمرهم به ليظهر للقافة أنه (عليه السلام) من عبيدهم وخدمهم ليبعد احتمال إلحاق الولد به ويكمل الحجة عليهم بعده.

قوله (ووضعوا على عنقه مسحاة) قال صاحب المقدمة: المسحاة پارو وبيل آهنين وسوهان خوشه ساى.

قوله (قالوا ألحقوا) ضمير قالوا راجع إلى الإخوة والأخوات والعمومة».

قوله (فبكى الرضا (عليه السلام)) بكاؤه لأجل التضرع إلى الله تعالى والتذلل له اداء لشكر نعمته بإظهار الحق عليهم.

قوله (ابن خيرة الإماء) المراد به صاحب الزمان (عليه السلام) لا محمد بن علي الجواد لأن ضمير هو في قوله «وهو الطريد» راجع إلى الابن وهو بيان لحال الصاحب قطعا.

قوله (ابن النوبية) النوبة بالضم بلاد واسعة للسودان بجنب الصعيد ومنها بلاد الحبشة، والنوبة أيضا جبل من السودان والنسبة إليها نوبي ونوبية.

قوله (الطيبة الفم) إما لخلوصه من كلمة اللغو والشرك أو لنظافته وزوال خبثه، بالسواك أو لطيب رائحته.

قوله (المنجبة الرحم) يقال: امرأة منجبة إذا كانت تلد النجباء.

قوله (ويلهم) بالنصب على إضمار الفعل وهي كلمة عذاب، وواد في جهنم شديدة الحرارة والضمير للمفسدين من الخلفاء العباسية.

ص:212

قوله (لعن الله الاغيبس وذريته) (1) الغبس بفتح الغين المعجمة والغبسة بضمها لون كلون الرماد والأغبس الذي له هذا اللون، والذئب الأغبس الذي يقال له بالفارسية گرك سياه والمراد به هنا خليفة من خلفاء بني عباس وفي بعض النسخ الأغيبس وهو تصغير الأغبس بدون الترخيم وهو حذف الزائد والأكثر في تصغيره غبيس بالترخيم كزهير وأزهر.

قوله (يقتلهم) ضمير المنصوب راجع إلى الأغبس وذريته وضمير المرفوع المستكن راجع إلى الله تعالى لكونه معلوما أو إلى ابن خيرة الإماء لأن الصاحب (عليه السلام) يقتلهم بعد الرجعة جزاء بما كانوا يعملون، ويحتمل أن يكون الضمير المرفوع راجعا إلى الأغبس وذريته بتأويل المذكور (؟) وضمير المنصوب (؟) إلى الأئمة (عليهم السلام) والجملة استئناف لبيان سبب اللعن المذكور.

قوله (يسومهم خسفا) الخسف بفتح الخاء وضمها: الذل والنقيصة والمشقة والذهاب في الأرض ويراد به الهلاك، يقال: سامه خسفا أي أولاه هذه الأمور وألزمه عليها قهرا.

قوله (ويسقيهم كأسا مصبرة) الكأس مؤنثة، قال الله تعالى: (بكأس من معين بيضاء) قال ابن الاعرابي: لا تسمى الكأس كأسا إلا وفيها شراب، والمصبرة على وزن مكحلة اسم آلة للصبر وهو بكسر الباء الدواء المر المعروف، وأما المصبرة بشد الباء على صيغة المفعول من باب التفعيل بمعنى التي جعل فيها صبر فهو احتمال بعيد.

قوله (وهو الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده) الضمير راجع إلى ابن خيرة الإماء والمراد صاحب الزمان (عليه السلام) والطريد فعيل بمعنى مفعول من الطرد بالتسكين والتحريك وهو الإبعاد والإخراج والدفع يقال: طرده السلطان إذا أخرجه عن بلده وأبعده ودفعه عن محله فهو مطرود وطريد. والشريد فعيل بمعنى فاعل من شرد فلان إذا نفر عن الخلق وذهب في الأرض وسار في البلاد خوفا وفزعا فهو شارد وشريد، وقال الجوهري: الشريد الطريد وهو حينئذ فعيل بمعنى مفعول والتكرير للتأكيد والموتور من قتل حميمه وأفرد، يقال: وترته إذا قتلت حميمه وأفردته فهو وتر وموتور. وكذلك كان حال الصاحب (عليه السلام) لأنه قتل جده وأبوه (عليه السلام) وقد بقي هو صغيرا طريدا شريدا موتورا سائرا في الأرض خائفا فزعا من الأعداء.

قوله (يقال مات أو هلك أي واد سلك) يقال ذلك لمن طالت غيبته حتى لا يدرى أين هو.

ص:213


1- كذا في النسخ التي رأيناها وفي المرآة أيضا بالعين المهملة.

باب الإشارة والنص على أبي الحسن الثالث (عليه السلام)

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مهران قال: لما خرج أبو جعفر (عليه السلام) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ فكر بوجهه إلي ضاحكا وقال: ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة، فلما اخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم التفت إلي فقال: عند هذه يخاف علي، الأمر من بعدي إلى ابني علي.(1)

* الشرح:

قوله (إسماعيل بن مهران) وثقه الشيخ والنجاشي، ورميه بالغلو غير ثابت، لقي الرضا (عليه السلام) وروى عنه.

قوله (من خرجتيه) الخروج معروف والخرجة بالفتح للعدد وتثنيته لإفادة أن خروجه كان مرتين.

قوله (فكر بوجهه إلي ضاحكا) الكر الرجوع، يقال: كره وكر به يتعدى ولا يتعدى.

قوله (حتى اخضلت لحيته) اخضل الشيء إخضلالا أي ابتل، وفي بعض النسخ: حتى اخضلت لحيته يعني بلت. وفي الأول من المبالغة ما ليس في الثاني.

قوله (عند هذه يخاف علي) «يخاف» إما بتاء الخطاب أو بالياء المضمومة وهذا من الإخبار بالغيب إذ قتله المعتصم في هذه المرة بالسم في بغداد آخر ذي القعدة، وقيل: يوم الثلاثاء في حادي عشر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين ودفن (عليه السلام) في ظهر جده الكاظم (عليه السلام) في مقابر قريش.

* الأصل:

2 - الحسين بن محمد، عن الخيراني، عن أبيه أنه قال: كان يلزم باب أبي جعفر (عليه السلام) للخدمة التي كان وكل بها وكان أحمد بن محمد بن عيسى يجيء في السحر في كل ليلة ليعرف خبر علة

ص:214


1- -الکافی :323/1 .

أبي جعفر (عليه السلام) وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر (عليه السلام) وبين أبي إذا حضر قام أحمد وخلا به أبي، فخرجت ذات (1) ليلة وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول لأبي: إن مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إني ماض والأمر صائر إلى ابني علي وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي، ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه وقال لأبي: ما الذي قد قال لك؟ قال: خيرا، قال: قد سمعت ما قال فلم تكتمه؟ وأعاد ما سمع فقال له أبي: قد حرم الله عليك ما فعلت لأن الله تعالى يقول: (ولا تجسسوا) فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوما ما، وإياك أن تظهرها إلى وقتها.

فلما أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة وقال: إن حدث بي حدث الموت قبل أن اطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها، فلما مضى أبو جعفر (عليه السلام) ذكر أبي أنه لم يخرج من منزله حتى قطع على يديه نحو من أربعمائة إنسان واجتمع رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون هذا الأمر فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماعهم عنده وأنه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه ويسأله أن يأتيه، فركب أبي وصار إليه، فوجد القوم مجتمعين عنده، فقالوا لأبي: ما تقول في هذا الأمر؟ فقال أبي لمن عنده الرقاع: أحضروا الرقاع فأحضروها، فقال لهم: هذا ما أمرت به، فقال بعضهم: قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر شاهد آخر؟ فقال لهم: قد أتاكم الله عز وجل به هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة، وسأله أن يشهد بما عنده، فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئا فدعاه أبي إلى المباهلة، فقال: لما حقق عليه قال: قد سمعت ذلك وهذا مكرمة كنت أحب أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم، فلم يبرح القوم حتى قالوا بالحق جميعا.

«وفي نسخة الصفواني(2):

* الشرح:

قوله (انه قال كان يلزم باب أبي جعفر (عليه السلام)) أي أن الخيراني قال: كان أبي يلزم الباب وضمير «إنه» و «قال» راجع إلى الخيراني وضمير «كان» راجع إلى أبيه ويبعد أن يرجع الجميع إلى الأب كما لا يخفى.

قوله (للخدمة التي وكل بها) في بعض النسخ «كان وكل بها».

قوله (وكان أحمد بن محمد بن عيسى) أبو جعفر الأشعري شيخ القميين ووجههم وفقيههم

ص:215


1- كذا في النسخ التي رأيناها.
2- -الکافی :324/1 .

وقد لقي الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام) ثقة له كتب.

قوله (قام أحمد وخلا به أبي) أي قام أحمد عن المجلس وخلا بالرسول أبي، وفيه دلالة على علو منزلة أبيه عنده (عليه السلام).

قوله (فخرج ذات ليلة) (1) أي فخرج الرسول ذات ليلة والذات هنا ظرف زمان والمراد به إما جزء من أجزاء الليلة أو نفسها.

قوله (يقرأ عليك السلام) يجوز فتح الياء وضمها والأول أولى إذا عدي بعلى والثاني أولى إذا عدي بنفسه.

قوله (إياك أن تظهرها إلى وقتها) حذره ونهاه أن يظهرها من زمان سماعها إلى زمان الاحتياج إلى إظهارها.

قوله (حتى قطع على يديه نحو من أربعمائة إنسان) يعني أخذ البيعة منهم للإمام أبي جعفر (عليه السلام) على سبيل القطع والجزم.

قوله (عند محمد بن فرج) محمد بن فرج الرخجي من رجال أبي الحسن الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام) ثقة معتمد.

قوله (يتفاوضون هذا الأمر) التفاوض سخن پيوستن با هم وكذا المفاوضة وهي مفاعلة من التفويض كأن كل واحد منهما يفوض ما عنده إلى الاخر.

قوله (هذا ما أمرت به) على صيغة المتكلم المعلوم أو المجهول.

قوله (لا لرجل من العجم) الخيراني وأبوه كانا من الأعاجم.

قوله (وفي نسخة الصفواني أبي محمد (2) بن جعفر الكوفي) قيل: أبو محمد يحتمل أن يكون كنيته ويحتمل أن يكون «أبي» مضافا إلى ياء المتكلم يعني أبي عن محمد بن جعفر.

* الأصل:

3 - محمد بن جعفر الكوفي، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن الحسين الواسطي أنه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر يحكي أنه أشهده على هذه الوصية المنسوخة:

شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر أن أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: أشهده أنه أوصى إلى علي ابنه بنفسه وإخوانه وجعل أمر موسى إذا بلغ إليه وجعل عبد الله بن المساور قائما على تركته من الضياع والأموال

ص:216


1- كذا في النسخ التي رأيناها.
2- كذا في جميع النسخ التي رأيناها، وفي المرآة «محمد بن جعفر».

والنفقات والرقيق وغير ذلك إلى أن يبلغ علي بن محمد، صير عبد الله بن المساور ذلك اليوم إليه.

يقوم بأمر نفسه وإخوانه ويصير أمر موسى إليه، يقوم لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها وذلك يوم الأحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين وكتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطه وشهد الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): وهو الجواني على مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب وكتب شهادته بيده وشهد نصر الخادم وكتب شهادته بيده».(1)

* الشرح:

قوله (مولى أبي جعفر) محمد بن علي الجواد (عليهم السلام).

قوله (إنه أشهده على هذه الوصية المنسوخة) ضمير المنصوب في أنه والمرفوع المستكن في «أشهده» راجع إلى أبي جعفر (عليه السلام)، وضمير البارز (؟) راجع إلى أحمد بن أبي خالد والمراد بالوصية المنسوخة هي الوصية على النحو الذي يذكره أحمد بن أبي خالد.

قوله (أوصى إلى علي ابنه) حاصله أنه أوصى إلى ابنه بأمور نفسه وإخوانه وتربيتهم وجعل أمر موسى ابنه إلى موسى عند بلوغه وجعل عبد الله بن المساور قائما على التركة، إلى أن يبلغ علي ابنه فإذا بلغ صير ابن المساور القيام على التركة إليه فيقوم على التركة وأمر نفسه وإخوانه إلا أمر موسى فإنه يقوم بأمره لنفسه بعد علي وابن المساور على ما شرط (عليه السلام) في صدقاته وموقوفاته وفيه نص على ان ابنه علي (عليه السلام) أفضل من إخوته فهو الإمام بعده.

قوله (من الضياع) الضياع بالفتح العيال، قال صاحب النهاية الضياع العيال وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعا فسمى العيال بالمصدر كما تقول من مات وترك فقرا أي فقراء وأن كسرت الضاد كان جمع ضائع كجائع وجياع، ويفهم من المغرب أن تسمية العيال بالضياع لأجل أنهم في معرض أن يضيعوا كالذرية الصغار وبالكسر جمع الضيعة وهي العقار وهذا هو الأظهر والأنسب في هذا المقام.

قوله (صير عبد الله بن المساور ذلك إليه) «عبد الله» فاعل «صير» و «ذلك» مفعوله وهو إشارة إلى القيام على التركة وضمير إليه راجع إلى علي بن محمد والمعنى واضح، وفي بعض النسخ:

«ذلك اليوم» وهو غير واضح إلا بتكلف بعيد فليتأمل.

قوله (يقوم بأمر نفسه وإخوانه) فوض إليه أموره وأمور إخوانه إلا موسى حتى التصرفات في

ص:217


1- -الکافی :325/1 .

الضياع والأموال والنفقات والرقيق وغير ذلك وأما موسى فقد فوض أمره إليه بعد علي (عليه السلام) وبعد عبد الله بن المساور وأزال عنه منعهما حينئذ.

قوله (على شرط أبيهما في صدقاته) «على» متعلق بيقوم في الموضعين وفي متعلق بالشرط وضمير التثنية راجع إلى على وموسى بمعنى أنهما يقومان على ما شرط أبوهما في صدقاته.

قوله (وشهد الحسن بن محمد بن عبد الله) هكذا في النسخ التي رأيناها قال في بعض النسخ «عبيد الله» بالتصغير وهو الموافق للرجال والنسب.

قوله (وهو الجواني) الضمير راجع إلى الحسن بن محمد ونقل بعض أئمة الرجال عن صاحب عمدة الطالب أن الجواني نسبة محمد بن عبيد الله الأعرج بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولعل محمد هذا أباه والأمر فيه سهل.

ص:218

باب الإشارة والنص على أبي محمد (عليه السلام)

* الأصل:

1 - علي بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن يحيى بن يسار القنبري قال: أوصى أبو الحسن (عليه السلام) إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.(1)

* الشرح:

قوله (عن يحيى بن يسار العنبري) بالعين المهملة والنون، وفي بعض النسخ «القنبري» بالقاف والنون قيل أورده ابن طاووس في ربيع الشيعة أيضا.

* الأصل:

2 - علي بن محمد، عن جعفر بن محمد الكوفي، عن بشار بن أحمد البصري، عن علي بن عمر النوفلي قال: كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) في صحن داره، فمر بنا محمد ابنه فقلت له: جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك؟ فقال: لا، صاحبكم بعدي الحسن.(2)

3 - عنه، عن بشار بن أحمد، عن عبد الله بن محمد الاصفهاني قال: قال أبو الحسن (عليه السلام):

صاحبكم بعدي الذي يصلي علي، قال: ولم نعرف أبا محمد (عليه السلام) قبل ذلك، قال: فخرج أبو محمد (عليه السلام) فصلى عليه.(3)

4 - وعنه، عن موسى بن جعفر بن وهب، عن علي بن جعفر قال: كنت حاضرا أبا الحسن (عليه السلام) لما توفي ابنه محمد فقال الحسن (عليه السلام): يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا.

* الشرح:

قوله (عن علي بن جعفر) كان ثقة ووكيلا لأبي الحسن الثالث علي بن محمد ومن أصحابه وأصحاب أبي محمد الحسن بن علي العسكري.

قوله (فقال للحسن بني) في بعض النسخ «يا بني».

قوله (فقد أحدث فيك أمرا) حيث أمات محمدا وقد ظن الشيعة أنه امام بعد أبيه فاظهر الإمامة فيك وخصها بك ورفع الاختلاف بينهم وهذه نعمة عظيمة توجب الشكر.

ص:219


1- -الکافی :325/1 .
2- -الکافی :325/1 .
3- -الکافی :325/1 .

* الأصل:

5 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن عبد الله بن مروان الأنباري قال:

كنت حاضرا عند [مضي] أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) فجاء أبو الحسن (عليه السلام) فوضع له كرسي فجلس عليه وحوله أهل بيته وأبو محمد (عليه السلام) قائم في ناحية، فلما فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمد (عليه السلام) فقال: يا بني أحدث لله تبارك وتعالى شكرا فقد أحدث فيك أمرا.(1)

* الشرح:

قوله (قال كنت حاضرا عند أبي جعفر محمد بن علي) أي بعد موته ولابد من هذا القيد ولم يذكره لدلالة المقام عليه، قيل في كشف الغمة وربيع الشيعة «عند مضي أبي جعفر» وهو أخو أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام).

قوله (فلما فرغ) من أمر أبي جعفر أي من تجهيزه وتكفينه.

* الأصل:

6 - علي بن محمد، عن محمد بن أحمد القلانسي، عن علي بن الحسين بن عمرو، عن علي بن مهزيار قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) إن كان كون - وأعوذ بالله - فإلى من؟ قال: عهدي إلى الأكبر من ولدي.(2)

* الشرح:

قوله (قال عهدي إلى الأكبر من ولدي) وهو أبو محمد الحسن العسكري ولعل هذا القول كان بعد موت أخيه لأن محمد كان أكبر منه، ويحتمل أن يكون قبله لعلمه (عليه السلام) بأن محمدا، سيموت ويكون أبو محمد أكبر ممن بقي.

* الأصل:

7 - علي بن محمد، عن أبي محمد الاسبارقيني، عن علي بن عمرو العطار قال: دخلت على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) وأبو جعفر ابنه في الأحياء وأنا أظن أنه هو، فقلت له: جعلت فداك من أخص من ولدك؟ فقال: لا تخصوا أحدا حتى يخرج إليكم أمري، قال: فكتبت إليه بعد: فيمن يكون هذا الأمر؟ قال: فكتب إلي في الكبير من ولدي، قال: وكان أبو محمد أكبر من جعفر.(3)

* الشرح:

ص:220


1- -الکافی :326/1 .
2- -الکافی :326/1 .
3- -الکافی :326/1 .

قوله (عن أبي محمد الاسبا رقيني) لم أجده في كتاب الرجال ويفهم من الصحاح أن بني القين قبيلة من بني أسد والنسبة إليها قيني، قيل في ربيع الشيعة وإعلام الورى: عن أبي محمد الأسترآبادي.

قوله (في الاحياء) أي في زمرة الأحياء.

قوله (أنه هو) أي أنه ولي الأمر بعد أبيه.

قوله (من أخص) على صيغة المتكلم أي من أخصه من ولدك بهذا الأمر بعدك.

قوله (بعد) أي بعد موت ابنه أبي جعفر محمد بن علي أو بعد الزمان الذي سألته فيه عن ولي هذا الأمر شفاها قوله (من جعفر) أراد به جعفر المشهور بالكذاب.

* الأصل:

8 - محمد بن يحيى، وغيره، عن سعد بن عبد الله، عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسن الأفطس أنهم حضروا - يوم توفي محمد بن علي بن محمد - باب أبي الحسن يعزونه وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله، فقالوا: قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلا سوى مواليه وسائر الناس إذ نظر إلى الحسن بن علي (ع) قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه، فنظر إليه أبو الحسن (عليه السلام) بعد ساعة فقال:

يا بني أحدث لله عز وجل شكرا، فقد أحدث فيك أمرا، فبكى الفتى وحمد الله واسترجع وقال:

«الحمد لله رب العالمين وأنا أسأل الله تمام نعمة لنا فيك، وإنا لله وإنا إليه راجعون» فسألنا عنه، فقيل: هذا الحسن ابنه، وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجح، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه.(1)

* الشرح:

قوله (مشقوق الجيب) دل على جواز شق الرجل ثوبه لموت أخيه كما صرح به الأصحاب.

قوله (فبكى الفتى) دل على أن البكاء ليس بمذموم، وقد بكى النبي (صلى الله عليه وآله) لموت ابنه إبراهيم وإنما المذموم فهو أن يقول ما يوجب الشكاية وإحباط الأجر وعدم الرضا بقضاء الله تعالى.

قوله (وقال الحمد لله رب العالمين) العطف لتفسير الحمد والاسترجاع وهذه الكلمة أفضل كلمة دلت على مدحه وثنائه لاشتماله على الحمد له بذاته وصفاته وآلائه.

ص:221


1- -الکافی :326/1 .

قوله (وأنا أسال الله تعالى تمام نعمة لنا فيك) أي في بقائك لأن بقاءك نعمة لنا فكلما ازداد تمت لنا النعمة، وقدم المسند إليه لقصد تكرير الحكم وتأكيده واستمراره.

قوله (إنا لله وإنا إليه راجعون) هذه الكلمة أشرف كلمة دلت على الصبر في المصائب وتفويض الأمر إلى الله جل شأنه والانقطاع عن غيره حتى عن نفسه لأن «إنا لله» إقرار له بالملك وجريان تصرفه وقضائه وحكمه «وإنا إليه راجعون» إقرار على النفس بالهلاك ورجوعها إليه كابتدائها منه وذلك موجب لحملها على الصبر والتسليم لقضائه ولذلك قال الله تعالى (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون).

* الأصل:

9 - علي بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن محمد بن يحيى بن درياب قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) بعد مضي أبي جعفر فعزيته عنه وأبو محمد (عليه السلام) جالس، فبكى أبو محمد (عليه السلام) فأقبل عليه أبو الحسن (عليه السلام) فقال [له]: إن الله تبارك وتعالى قد جعل فيك خلفا منه فاحمد الله.(1)

* الشرح:

قوله (ان الله قد جعل فيك خلفا منه فاحمد الله) الخلف والخلف بالتحريك والتسكين بمعنى واحد وهو ما جاء من بعد، وقيل: بالتحريك في الخير وبالتسكين في الشر، يقال: هو خلف صدق من أبيه بالتحريك، وخلف سوء بالتسكين إذا قام مقامه، والمراد به ههنا الإمامة والخلافة لأن الناس كانوا يقدرونها في أبي جعفر محمد بن علي فأحدثها الله تعالى وأظهرها بإماتته في أبي محمد الحسن ابن علي (عليهما السلام) كما كان في علمه الأزلي.

* الأصل:

10 - علي بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وإني لافكر في نفسي أريد أن أقول: كأنهما - أعني أبا جعفر وأبا محمد - في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد (عليهم السلام) وإن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد (عليه السلام) المرجى بعد أبي جعفر فأقبل علي أبو الحسن (عليه السلام) قبل أن أنطق فقال: نعم يا أبا هاشم! بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى (عليه السلام) بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره

ص:222


1- -الکافی :327/1 .

المبطلون، وأبو محمد ابني الخلف من بعدي. عنده ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة.(1)

* الشرح:

قوله (إذ كان أبو محمد المرجى بعد أبي جعفر) كما كان أبو الحسن موسى (عليه السلام) المرجى للخلافة بعد إسماعيل عند الشيعة فكما ظهر صنع الله في أبي الحسن موسى (عليه السلام) وأظهر أمره فيه بموت إسماعيل كذلك ظهر صنعه في أبي محمد وأظهر أمره فيه بعد موت أبي جعفر.

قوله (فقال نعم) «نعم» تصديق للكلام المتقدم وهو ههنا ما قرره أبو هاشم في نفسه.

قوله (بدا لله في أبي محمد) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها «بدا الله» والبداء بالفتح والمد ظهور الشيء بعد الخفاء وهو على الله عز وجل غير جائز والمراد به القضاء والحكم وقد يطلق عليه كما صرح به صاحب النهاية فالمعنى قضى الله جل شأنه في أبي محمد بعد موت أبي جعفر بما لم يكن معروفا لأبي محمد عند الخلق وهو الإمامة والخلافة.

قوله (ومعه آلة الإمامة) مثل الكتب والسلاح وغير ذلك مما يختص بالإمام وعلامة من علاماته.

* الأصل:

11 - علي بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن محمد بن يحيى بن درياب، عن أبي - بكر الفهفكي قال: كتب إلي أبو الحسن (عليه السلام): أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزة وأوثقهم حجة وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف وإليه ينتهي عرى الإمامة وأحكامها، فما كنت سائلي فسله عنه، فعنده ما يحتاج إليه.(2)

* الشرح:

قوله (عن أبي بكر الفهفكي) اسمه محمد بن خالد، مهمل.

قوله (أنصح آل محمد غريزة) في بعض النسخ «أصح آل محمد غريرة» وهو الأصح، والغريزة الطبيعة والخلق، والنصح الخلوص، والنصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير والمعنى أنه أنصح آل محمد لله ولرسوله ولعامة المسلمين لأجل استقامة طبيعته وصفاء قريحته وصفاء عقله وكمال خلقه وعلى الثاني أن غريزته أصح الغرائز وطبيعته أحسن الطبائع وقريحته أكمل القرائح وخلقه أفضل الأخلاق.

قوله (وأوثقهم حجة) أي أوثقهم كلاما وأقواهم برهانا وأفصحهم بيانا.

ص:223


1- -الکافی :327/1 .
2- -الکافی :327/1 .

قوله (عرى الإمامة) «عرى» بضم العين وفتح الراء جمع العروة بالضم والسكون، وعروة الكوز والقميص معروفة، والعروة أيضا من الشجر الشيء الذي لا يزال باقيا في الأرض ولا يذهب وقد يراد بها الأصل على سبيل التشبيه ويجوز هنا إرادة جميع هذه المعاني أما الأولان فعلى سبيل المكنية والتخييلية بأن شبه الإمامة بالظرف الذي لا يتم ولا يحمل مع ما فيه إلا بالعروة أو بالقميص الذي يحيط باللابس وأثبت لها العرى وأراد بها الآلات التي هي متمسك الإمامة ولا يتم الإمامة إلا بها مثل الكتب والسلاح والعلم وغيرها مما ذكر تفاصيله في مواضع متعددة وأخبار متكثرة، وأما الأخيران فبأن يراد بها أيضا تلك الآلات لأنها باقية مع الإمامة غير زائلة عنها وأصول لها والإضافة فيهما لامية.

قوله (فعنده ما يحتاج إليه) يحتاج إما بصيغة الخطاب أو بصيغة الغائب المجهول.

* الأصل:

12 - علي بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن شاهويه بن عبد الله الجلاب قال: كتب إلي أبو الحسن في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك، فلا تغتم فإن الله عز وجل «لا يضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون» وصاحبك بعدي أبو محمد ابني وعنده ما تحتاجون إليه، يقدم ما يشاء الله ويؤخر ما يشاء الله (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) قد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان.(1)

* الشرح:

قوله (وقلقت لذلك) القلق الانزعاج والاضطراب وإنما قلق لأنه ظن أن الخلف أبو جعفر محمد ابن علي فلما مات وبطل ظنه قلق لعدم ظنه بخلف غيره على الخصوص.

قوله (فإن الله لا يضل قوما) ضل ضاع والضلال الضياع وأضله غيره ضيعه وأخرجه عن الطريق أو وجده ضالا، وباب الافعال يجيء لهذا المعنى أيضا كما تقول: أحمدته وأبخلته إذا وجدته محمودا وبخيلا وقد صرح به ابن الأثير في النهاية أو سماه ضالا أو أخذه مؤاخذة الضال كما صرح به القاضي وغيره في تفسير هذه الآية، وإذا نسب الإضلال إلى الله تعالى يراد به غير المعنى الأول من المعاني المذكورة، والمعنى: لا يجد الله قوما ضالين خارجين عن طريق الحق أو لا يسميهم ضالين أو لايؤاخذهم مؤاخذتهم بعد إذ هداهم للإيمان حتى يبين لهم ما يجب اتقاؤه ومن جملة ما يجب اتقاؤه خلاف الإمام فلا إضلال ولا مؤاخذة بدون بيان الإمام وفيه دلالة على أن العبد غير

ص:224


1- -الکافی :328/1 .

مكلف بشيء من أحكام الدين قبل العلم به.

قوله (يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء) أي يقدم ما يشاء تقديمه ويؤخر ما يشاء تأخيره بلا معارض ولا مدافع، ولما تعلقت المشية الأزلية بتقديم أبي محمد قدمه وأمات أبا جعفر ليبطل ظن من ظن أنه المتقدم في الخلافة ويظهر علمه الأزلي بذلك.

قوله (ما ننسخ من آية) «ما» شرطية جازمة لننسخ، منصوبة على المفعولية و «من آية» تميز لها وإنساؤها إذهابها عن القلوب يعني أي شيء ننسخ من آية أو نذهبها عن القلوب نأت بما هو خير لهم منها أو مثلها في النفع وقد أنسى وأزال عن قلوبهم ماظنوه من خلافة أبي جعفر بموته وأتى بمن هو خير لهم منه وهو أبو محمد (عليه السلام).

* الأصل:

13 - علي بن محمد، عمن ذكره، عن محمد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم قال:

سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمد (عليهم السلام).(1)

* الشرح:

قوله (فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف) المراد بالخلف الأول الحجة وبالخلف الثاني الحسن العسكري (عليهم السلام) وكيف للإنكار أي لا يكون لكم العلم بالخلف بعد الخلف بشخصه أو بمكانه أو لا يجوز لكم التسمية باسمه.

قوله (لا ترون شخصه) لعل المراد نفي الرؤية عن جماعة أو كلما أرادوا أو في زمان الغيبة أو كناية عن غيبته وإلا فقد رآه جماعة كما سيجيء، والله أعلم.

قوله (ولا يحل لكم ذكره باسمه) دل على أنه لا يجوز تسميته باسمه مطلقا ولا يبعد تخصيصه بالغيبة الصغرى أو بمحل الخوف والتقية كما يشعر به بعض الروايات الآتية وربما يشعر به لفظ «لكم» ويؤيده وقوع التصريح باسمه في بعض الأدعية المأثورة، والاحتياط أمر آخر.

ص:225


1- -الکافی :328/1 .

باب الإشارة والنص إلى صاحب الدار (عليه السلام)

* الأصل:

1 - علي بن محمد، عن محمد بن علي بن بلال قال: خرج إلي من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم خرج إلي من قبل مضيه، بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده.(1)

* الشرح:

قوله (علي بن بلال) من أصحاب أبي جعفر الثاني والهادي والعسكري (عليهم السلام) ثقة، وهذا الإسناد من الأسانيد العلية.

قوله (يخبرني بالخلف) صفة لمحذوف هو فاعل خرج أي خرج رجل أو كتاب يخبرني ومثله ما بعده.

* الأصل:

2 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد (عليه السلام): جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: سل، قلت: يا سيدي هل لك ولد؟ فقال: نعم: فقلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة.(2)

* الشرح:

قوله (عن أحمد بن إسحاق) أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأحوص الأشعري أبو علي القمي كان وافد القميين روى عن الجواد والهادي (عليهم السلام) وكان من خاصة أبي محمد (عليه السلام) ورأى صاحب الزمان ويحتمل أن يراد أحمد بن إسحاق الرازي وهو من أصحاب الهادي (عليه السلام) وكان ثقة وكان له اختصاص بالجهة المقدسة يعني صاحب الزمان (عليه السلام).

قوله (عن أبي هاشم الجعفري) كنية لداود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب من أهل بغداد جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة (عليهم السلام) قد شاهد الجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر (عليهم السلام) وقد روى عنهم كلهم وله منزلة عظيمة وموقع جليل عندهم، وفي

ص:226


1- -الکافی :328/1 .
2- -الکافی :328/1 .

ربيع الشيعة أنه من السفراء والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الشيعة القائلون بإمامة الحسن بن علي فيهم، كذا ذكره بعض أئمة الرجال.

قوله (قال بالمدينة) لعل المراد بالمدينة مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) وفيه دلالة على أن إقامته حال الغيبة فيها أكثر، وقد نقل أن أبا هاشم رآه - ويحتمل أن يراد بالمدينة سر من رأى، والله أعلم.

* الأصل:

3 - علي بن محمد، عن جعفر بن محمد الكوفي، عن جعفر بن محمد المكفوف، عن عمرو الأهوازي، قال: أراني أبو محمد ابنه وقال: هذا صاحبكم من بعدي.(1)

* الأصل:

4 - علي بن محمد، عن حمدان القلانسي قال: قلت للعمري: قد مضى أبو محمد (عليه السلام)؟ فقال لي: قد مضى ولكن قد خلف فيكم من رقبته مثل هذه وأشار بيده.(2)

* الشرح:

قوله (قال قلت للعمري) الظاهر أنه أبو عمر وعثمان بن سعيد ثقة من أصحاب أبي جعفر الثاني والهادي والعسكري والصاحب (عليهم السلام)، وفي ربيع الشيعة عند ذكر أبواب الناحية المقدسة: كان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (قدس سره) بابا لأبيه وجده (عليهم السلام) من قبل وثقة لهما ثم تولى البابية من قبله وظهر المعجزات من يده، ويحتمل أن يكون ابنه محمد بن عثمان، وهما كانا وكيلين في خدمة صاحب الزمان (عليه السلام) ومن السفراء الأربعة بين الصاحب وشيعته أولهم عثمان بن سعيد ثم ابنه محمد بن عثمان ثم أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحير النوبختي ثم أبو الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنهم.

قوله (من رقبته مثل هذه وأشار بيده) الرقبة العنق وقد يراد بها الشخص كله تسمية للشيء باسم جزئه كما صرحوا به، ولعل المراد بها المعنى الثاني والإشارة باليد لبيان طول قامته (عليه السلام) ويبعد أن يكون المراد بها تحديد طول عنقه أو حجمه والله أعلم.

* الأصل:

5 - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال:

خرج عن أبي محمد (عليه السلام) حين قتل الزبيري لعنه الله: هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله فيه، وولد له ولد سماه «م ح م د» في سنة ست

ص:227


1- -الکافی :328/1 .
2- -الکافی :328/1 .

وخمسين ومائتين.(1)

* الشرح:

قوله (م ح م د) قيل فيه دلالة على أن عدم جواز التسمية باسمه ليس مبنيا على التقية لأن (م ح م د) ظاهر في أن اسمه محمد. أقول: حاصله أن القائل لم يكن في تقية بدليل أنه ذكر ما هو في حكم التصريح باسمه وحيث لم يذكر اسمه صريحا دل على عدم جواز ذكره بدون التقية أيضا.

وفيه نظر لأن التقية في ذلك الوقت كانت شديدة والفرق بين محمد وبين (م ح م د) ظاهر إذ لا مجال لإنكار إرادة الاسم في الأول بخلاف الثاني لجواز أن يقال المراد هو حروف التهجي المركب من هذه الحروف ألا ترى أنك إذا قلت: محمد فأخذ أحد بلبتك وقال: من مسمى هذا الاسم؟ لا سبيل لك إلى الإنكار بخلاف ما إذا قلت: م ح م د. فليتأمل.

قوله (في سنة ست وخمسين ومائتين) قال بعض أئمة الرجال: ولد المهدي محمد بن الحسن (عليهم السلام) يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين، وأمه ريحانة، ويقال لها نرجس، ويقال لها صيقل، ويقال لها سوسن، ووكيله عثمان بن سعيد العمري أبو عمرو وهو أول من نصبه العسكري (عليه السلام)، وقالوا: قتل المعتمد لعنه الله الحسن بن علي العسكري (عليهم السلام) بالسم يوم الرابع من ربيع الأول سنة ستين ومائتين ومنه يظهر سنه الشريف في حياة أبيه (عليه السلام).

* الأصل:

6 - علي بن محمد، عن الحسين ومحمد ابني علي بن إبراهيم، عن محمد بن علي بن عبد الرحمن العبدي - من عبد قيس - عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سماه قال:

أتيت سامرا ولزمت باب أبي محمد (عليه السلام) فدعاني، فدخلت عليه وسلمت فقال: ما الذي أقدمك؟ قال: قلت: رغبة في خدمتك، قال: فقال لي: فالزم الباب، قال: فكنت في الدار مع الخدم، ثم صرت اشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في الدار رجال، قال: فدخلت عليه يوما وهو في دار الرجال؟ فسمعت حركة في البيت، فناداني: مكانك لا تبرح، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجت علي جارية معها شيء مغطى، ثم ناداني: أدخل، فدخلت، ونادى الجارية فرجعت إليه، فقال لها: اكشفي عما معك، فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه وكشف عن بطنه فإذا شعر نابت من لبته إلى سرته أخضر ليس بأسود، فقال: هذا صاحبكم، ثم أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد (عليه السلام).(2)

ص:228


1- -الکافی :328/1 .
2- -الکافی :329/1 .

* الشرح:

قوله (قال أتيت سامرا) بفتح الميم وتشديد الراء مع القصر وبكسر الميم وتخفيف الراء مع المد وهي المدينة التي بناها المعتصم وانتقل إليها وتسمى أيضا سر من رأى بضم السين وفتح الراء وبفتحها، وسار من رأى.

قوله (قلت رغبة في خدمتك) الظاهر أن «رغبة» بالرفع فاعل الفعل محذوف أي أقدمني رغبة في خدمتك.

قوله (إذا كان في دار الرجال) أي في دار يدخل فيها الرجال وهي التي يقال بالفارسية ديوان خانه. قوله (فناداني مكانك) أي فناداني أبو محمد إلزم مكانك. «ولا تبرح» تأكيد له.

قوله (من لبته) اللبة واللبب المنحر وهو موضع القلادة من الصدر.

قوله (أخضر ليس بأسود) الخضرة لون متوسط بين الصفرة والسواد أعني ما فيه دهمة وسمرة، وقد يطلق على السواد، والأخضر على الأسود فقوله: ليس أسود دليل على ما هو المراد من الأخضر ودفع لاحتمال حمله على الأسود.

ص:229

باب في تسمية من رأى القائم (عليه السلام)

* الأصل:

1 - محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعا، عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال:

اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو (رحمه الله) عند أحمد بن إسحاق، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخلف فقلت له: يا أبا عمرو إني أريد أن أسألك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوما، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة (لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا)(1) فاولئك شرار من خلق الله عز وجل وهم الذين تقوم عليهم القيامة، ولكني أحببت أن أزادد يقينا وإن إبراهيم (عليه السلام) سأل ربه عز وجل أن يريه كيف يحيى الموتى قال: (أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)(2)، وقد أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته وقلت: من أعامل أو عمن آخذ وقول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون، وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد (عليه السلام) عن مثل ذلك، فقال له:

العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعمها فانهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك. قال: فخر أبو عمرو ساجدا وبكى، ثم قال: سل حاجتك، فقلت: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد (عليه السلام)؟ فقال: إي والله ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده - فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، قلت: فالاسم: قال محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل ولا أحرم ولكن عنه (عليه السلام)، فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولدا وقسم ميراثه وأخذه من لا حق له فيه، وهو ذا عياله يجولون. ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئا وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك.

قال الكليني (رحمه الله): وحدثني شيخ من أصحابنا - ذهب عني اسمه - أن أبا عمرو سأل أحمد بن

ص:230


1- -سورة الأنعام: 158 .
2- -سورة البقرة :260 .

إسحاق عن مثل هذا فأجاب بمثل هذا.(1)

* الشرح:

قوله (والشيخ أبو عمرو) هو عثمان سعيد العمري وهو أول وكيل من الوكلاء الأربعة وأول سفير منهم.

قوله (أحمد بن إسحاق) هو أحد المذكورين سابقا.

قوله (فغمزني أحمد بن إسحاق) الغمز العصر والكبس باليد والإشارة كالرمز بالعين أو الحاجب أو اليد يقال: غمزت الشيء بيدي وغمزته بعيني.

قوله (رفعت الحجة وأغلق باب التوبة) المراد بالحجة القرآن وصاحب الزمان (عليه السلام) وظاهر قوله «أغلق باب التوبة» وظاهر الآية يشعران بسقوط التكليف في ذلك الزمان، وظاهر قوله «فاولئك شرار من خلق الله» يشعر ببقائه، ولم يحضرني من الأخبار ما يدل على أحدهما ويمكن أن يرجح الأول بما دل من الأخبار على أنه «لو بقي في الأرض اثنان لكان أحدهما الحجة» وعلى أنه «لو بقيت الأرض بغير حجة لساخت» بتخصيص هذه الأخبار بزمان التكليف وبذلك يندفع التنافي بينها وبين هذا القول، ويمكن رفع التنافي أيضا بتخصيصها بغير الأربعين وإن وقع التكليف في الأربعين أيضا لعدم الاعتداد به، ولكنه بعيد جدا فليتأمل.

قوله (فلم يكن ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) «إيمانها» فاعل «ينفع» ولم تكن آمنت» صفة لنفسا، و «أو كسبت» عطف على «آمنت» يعني إذا تحققت هذه الآية التي هي من آيات قيام القيامة أعني رفع الحجة وسد باب التوبة لا ينفع الإيمان حينئذ نفسا لم تؤمن قبل هذه الآية أو آمنت ولم تكسب في إيمانها خيرا من قبل لأن هذا الزمان لما كان من مقدمات يوم القيامة كان حكمه حكم يوم القيامة في أنه لا ينفع الإيمان والعمل فيه وهذا حجة لمن ذهب إلى أن الإيمان المجرد عن العمل لا ينفع، وأما من ذهب إلى أنه ينفع فهو إما أن يخصص عدم النفع بذلك الزمان أو يجعل العطف على «لم تكن آمنت» ليصير المعنى لا ينفع الإيمان حينئذ نفسا كسبت في إيمانها خيرا فكيف إذ لم يكسبه.

قوله (فأولئك شرار من خلق الله) أي أولئك الذين بقوا في الأرض بعد رفع الحجة منه وسد باب التوبة عليهم شرار من خلق الله لفقد الخير فيهم، ولابد من تخصيصهم بمن لم يؤمن ولم يعمل خيرا قبل الرفع والسد، والشرار بالكسر خلاف الخيار.

قوله (تقوم عليهم القيامة) بعد إماتتهم جميعا.

ص:231


1- -الکافی :329/1 .

قوله (ولكني أحببت أن أزداد يقينا) اليقين هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع وله درجات متفاوتة ومراتب متباعدة يحصل بسبب التفاوت في رفع المزاحمات الخيالية والتوهمات الوهمية التي لا تقدح في أصل اليقين حتى يبلغ إلى مرتبة عين اليقين، وإليه يشير قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» ولو لم يكن اليقين متفاوتا لما كان بينه (عليه السلام) وبين غيره في ذلك تفاوت، وأيضا الفرق الضروري بين يقين الأنبياء والأوصياء ويقين غيرهم قاض بذلك، وتفاوت درجات الإيمان أيضا مؤيد له.

قوله (وإن إبراهيم (عليه السلام)) استشهاد لأن سؤاله ليس بسبب الشك فيما يسأله بل لأجل أن يحصل له زيادة بصيرة وكمال يقين وسكون قلب كسؤال إبراهيم (عليه السلام)، نقل أن إبراهيم (عليه السلام) أراد أن يصير علمه البرهاني بإحياء الموتى عيانيا ونوره القلبي شهوديا ليزداد بصيرة وسكون قلب بمشاهدة المعلوم عيانا (قال رب أرني كيف تحيي الموتى) حتى أراه بعيني كما علمته بقلبي، قال جل شأنه (أو لم تؤمن (بأني قادر على إحياء الموتى) قال بلى (آمنت به ولكن سألت) ليطمئن قلبي) ويحصل له سكون وزيادة بصيرة بإضافة البصيرة العينية إلى البصيرة القلبية، والغرض من قوله تعالى (أولم تؤمن) مع علمه أنه مؤمن خالص ليجيب (عليه السلام) بما أجاب فيعلم السامعون غرضه من هذا السؤال وهو حصول زيادة بصيرة والفرق بينه وبين القول المذكور لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) واضح لا يخفى على أحد.

قوله (فخر أبو عمرو ساجدا وبكى) سجد لشكر النعمة وبكى لموت الإمامين.

قوله (رقبته مثل ذا) قد مر تفسيرها.

قوله (فإن الأمر عند السلطان) أراد بالسلطان المعتمد العباسي لعنه الله، وهذا التعليل دل صريحا على أن حرمة التصريح باسمه في زمان الغيبة، إلا أن صاحب كشف الغمة قال: قد جاء في الأخبار أنه لا يحل لأحد أن يسميه باسمه ولا أن يكنيه بكنيته إلى أن يزين الله الأرض بظهور دولته، ومال إليه جماعة من الأصحاب والله أعلم.

قوله (يجولون) جال واجتال جاء وذهب وفي بعض النسخ (يحولون) من التحويل والظاهر أنه تصحيف.

قوله (ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم) أي ليس أحد يجسر أن يجعل نفسه معروفا لهم يعرفونه بالمحبة والولاية أن ينيلهم ويعطيهم شيئا يسد حاجتهم خوفا من السلطان وتبعته.

* الأصل:

2 - علي بن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر وكان أسن شيخ من ولد

ص:232

رسول الله 9 بالعراق فقال: رأيته بين المسجدين وهو غلام (عليه السلام).(1)

* الشرح:

قوله (بين المسجدين) مسجد مكة والمدينة.

* الأصل:

3 - محمد بن يحيى، عن الحسين بن رزق الله أبو عبد الله قال: حدثني موسى بن محمد القاسم ابن حمزة بن موسى بن جعفر قال: حدثني حكيمة ابنة محمد بن علي (عليه السلام) وهي عمة أبيه أنها رأته ليلة مولده وبعد ذلك.

4 - علي بن محمد، عن حمدان القلانسي قال: قلت للعمري: قد مضى أبو محمد (عليه السلام)؟ فقال:

قد مضى ولكن قد خلف فيكم من رقبته مثل هذا - وأشار بيده -.(2)

* الشرح:

قوله (علي بن محمد عن حمدان القلانسي) مر هذا الحديث متنا وسندا وتفسيرا في الباب السابق.

* الأصل:

5 - علي بن محمد، عن فتح مولى الزراري قال: سمعت أبا علي بن مطهر يذكر أنه قد رآه ووصف له قده.(3)

6 - علي بن محمد، عن محمد بن شاذان بن نعيم، عن خادم لإبراهيم بن عبدة النيسابوري أنها قالت: كنت واقفة مع إبراهيم على الصفا فجاء (عليه السلام) حتى وقف على إبراهيم وقبض على كتاب مناسكه وحدثه بأشياء.

7 - علي بن محمد، عن محمد بن علي بن إبراهيم، عن أبي عبد الله بن صالح أنه رآه عند الحجر الأسود والناس يتجاذبون عليه وهو يقول: ما بهذا أمروا.(4)

* الشرح:

قوله (يتجاذبون عليه) أي، يتنازعون للوصول إلى الحجر الأسود ويتدافعون، يدفع بعضهم بعضا أشد دفع.

* الأصل:

8 - علي، عن أبي علي أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه أنه قال: رأيته (عليه السلام) بعد مضي أبي محمد حين أيفع وقبلت يديه ورأسه.(5)

* الشرح:

قوله (حين أيفع) أيفع الغلام فهو يافع إذا شارف البلوغ ولما يبلغ وهو من نوادر الأبنية، وفي التكملة: غلام يفاع بمعنى يافع واليفاع واليافع المرتفع من كل شيء.

* الأصل:

9 - علي، عن أبي عبد الله بن صالح وأحمد بن النضر، عن القنبري - رجل من ولد قنبر الكبير - مولى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: جرى حديث جعفر بن علي فذمه: فقلت له: فليس غيره فهل رأيته؟ فقال: لم أره ولكن رآه غيري. قلت ومن رآه؟ قال: قد رآه جعفر مرتين وله حديث.(6)

ص:233


1- -الکافی :330/1 .
2- -الکافی :331/1 .
3- -الکافی :331/1 .
4- -الکافی :331/1 .
5- -الکافی :331/1 .
6- -الکافی :331/1 .

* الشرح:

قوله (من ولد قنبر الكبير) لعل المراد بقنبر الكبير قنبر مولى أمير المؤمنين (عليه السلام) والوصف بالكبير للمدح والإيضاح لا للاحتراز وقوله مولى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بيان أو بدل لرجل.

قوله (قال جرى) فاعل قال وقلت أحمد، وفاعل ذمه وضمير له وغيره راجع إلى القنبري ومفعول ذمه راجع إلى جعفر بن علي وهو المشهور بالكذاب، وضمير المفعول في رأيته راجع إلى صاحب الزمان (عليه السلام).

* الأصل:

10 - علي بن محمد، عن أبي محمد الوجناني أنه أخبرني عمن رآه: أنه خرج من الدار قبل الحادث بعشرة أيام وهو يقول: اللهم إنك تعلم أنها من أحب البقاع لولا الطرد - أو كلام هذا نحوه -.

* الشرح:

قوله (قبل الحادث) أي قبل وفاة أبيه أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) وضمير أنها راجع إلى البقعة المباركة المعروفة.

قوله (أو كلام نحو هذا) صريح في أن الراوي ليس متذكر اللفظ بعينه وأن المروي هو المعنى فهو حجة لمن جوز نقل الحديث بالمعنى.

* الأصل:

11 - علي بن محمد، عن علي بن قيس. عن بعض جلاوزة السواد قال: شاهدت سيماء آنفا بسر من رأى وقد كسر باب الدار، فخرج عليه وبيده طبرزين فقال له: ما تصنع في داري؟ فقال سيما: إن جعفرا زعم أن أباك مضى ولا ولد له، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك، فخرج عن الدار. قال: علي بن قيس: فخرج علينا خادم من خدم الدار فسألته عن هذا الخبر، فقال لي: من حدثك بهذا؟ فقلت له: حدثني بعض جلاوزة السواد، فقال لي: لا يكاد يخفى على الناس

ص:234

شيء.(1)

* الشرح:

قوله (عن بعض جلاوزة السواد) السواد بالفتح قرى المدينة وعامة الناس و أوباشهم وكل عدد كثير، والجلاوزة جمع الجلواز بالكسر وهو الشرطي والارذل والمتابع للشرطي والعون للسلطان يكون معه بلا رزق.

قوله (شاهدت سيما) هو واحد من عبيد جعفر الكذاب.

قوله (فخرج عليه) فاعل خرج صاحب الدار وهو الصاحب (عليه السلام).

* الأصل:

12 - علي بن محمد، عن جعفر بن محمد الكوفي، عن جعفر بن محمد المكفوف عن عمرو الأهوازي قال: أراني أبو محمد (عليه السلام) وقال: هذا صاحبكم.

13 - محمد بن يحيى، عن الحسن بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمد ابن عبد الله بن موسى بن جعفر، عن أبي نصر ظريف الخادم أنه رآه.(2)

14 - علي بن محمد، عن محمد والحسن [الحسين]؟ ابني علي بن إبراهيم أنهما حدثاه في سنة تسع وسبعين ومائتين، عن محمد بن عبد الرحمن العبدي، عن ضوء بن علي العجلي، عن رجل من أهل فارس سماه، أن أبا محمد أراه إياه.

* الشرح:

قوله (عن رجل من أهل فارس) لعل هذا الحديث وهذا الرجل مر ذكرهما في الباب السابق تفصيلا.

* الأصل:

15 - علي بن محمد، عن أبي أحمد بن راشد، عن بعض أهل المدائن قال: كنت حاجا مع رفيق لي، فوافينا إلى الموقف فإذا شاب قاعد عليه إزار ورداء وفي رجليه نعل صفراء، قومت الإزار والرداء بمائة وخمسين دينارا وليس عليه أثر السفر، فدنا منا سائل فرددناه، فدنا من الشاب فسأله، فحمل شيئا من الأرض وناوله، فدعا له السائل واجتهد في الدعاء وأطال، فقام الشاب وغاب عنا، فدنونا من السائل فقلنا له: ويحك ما أعطاك؟ فأرانا حصاة ذهب مضرسة، قدرناها عشرين مثقالا، فقلت لصاحبي: مولانا عندنا ونحن لا ندري ثم ذهبنا في طلبه فدرنا الموقف كله فلم نقدر عليه، فسألنا كل من كان حوله من أهل مكة والمدينة فقالوا: شاب علوي، يحج في كل سنة ماشيا.(3)

ص:235


1- -الکافی :332/1 .
2- -الکافی :332/1 .
3- -الکافی :332/1 .

باب في النهى عن الاسم

* الأصل:

1 - علي بن محمد، عمن ذكره، عن محمد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن العسكري (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ قال: إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمد صلوات الله عليه وسلامه.(1)

* الشرح:

قوله (علي بن محمد عمن ذكره عن محمد بن أحمد العلوي) هذا الحديث قد مر سندا ومتنا في آخر باب الإشارة والنص على أبي محمد (عليه السلام).

* الأصل:

2 - علي بن محمد، عن أبي عبد الله الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) أن أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: إن دللتهم على الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلوا عليه.(2)

* الشرح:

قوله (عن أبي عبد الله الصالحي) كان وكيلا للناحية المقدسة، يعني الصاحب (عليه السلام).

قوله (إن دللتهم على الاسم أذاعوه) أي أفشوه ولم يكتموه وصار ذلك سببا لتسلط الأعداء عليهم وايذائهم، وفيه دلالة على أن حرمة التصريح بالاسم في زمان التقية والخوف.

* الأصل:

3 - عدة من أصحابنا، عن جعفر بن محمد، عن ابن فضال، عن الريان بن الصلت قال: سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول. وسئل عن القائم، فقال: لا يرى جسمه ولا يسمى اسمه.(3)

* الشرح:

قوله (لا يرى جسمه ولا يسمى اسمه) الأول إخبار عن غيبته والثاني نهي في المعنى عن 236


1- -الکافی :332/1 .
2- -الکافی :333/1 .
3- -الکافی :333/1 .

التصريح باسمه، ولعله في بعض الأزمنة لأجل الخوف.

* الأصل:

4 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: صاحب هذا الأمر لا يسميه باسمه إلا كافر.(1)

* الشرح:

قوله (لا يسميه باسمه إلا كافر) لعل المراد بالكافر ههنا تارك الأوامر وفاعل النواهي دون منكر الرب والمشرك به، وفيه مبالغة في تحريم التصريح باسمه، ولعله مختص بزمان التقية بدليل ما ذكرناه في مواضع متفرقة ودلالة بعض الأخبار عليه ظاهرة ويؤيده عدم بقاء التحريم فيه في جميع الأوقات والأزمان فإذا تطرق إليه التخصيص جاز حمله على ما ذكرناه فلا يكون دليلا على شمول التحريم لزمان الغيبة، وبالجملة المانع مستظهر.

ص:237


1- -الکافی :333/1 .

باب نادر في حال الغيبة

* الأصل:

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن خالد، عمن حدثه، عن المفضل بن عمر ومحمد ابن يحيى، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أقرب ما يكون العباد من الله جل ذكره وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة الله جل وعز ولم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجة الله جل ذكره ولا ميثاقه، فعندها فتوقعوا الفرج صباحا ومساء فإن أشد ما يكون غضب الله على أعدائه إذا افتقدوا حجته ولم يظهر لهم وقد علم أن أولياءه لا يرتابون ولو علم أنهم يرتابون ما غيب حجته عنهم طرفة عين ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس.(1)

* الشرح:

قوله (أقرب ما يكون العباد) دل على أن أقرب العباد منه تعالى في زمان غيبة الإمام إذا كانوا عارفين بحقه أزيد وأكمل، ورضاه تعالى عنهم وإضافة الرحمة عليهم إذا كانوا تابعين له أعظم وأشمل وذلك ليتمهم وانتظارهم وتحسرهم وأسرهم وخوفهم على الأنفس والأموال من تغلب الكفار وتسلط الأشرار عليهم، ولأن الإيمان بالغيب دل على ضياء عقولهم ولطف قرائحهم ولينة طبائعهم وصفاء عقيدتهم وكمال هدايتهم وكل ذلك موجب لزيادة القرب من الحق وكمال رضاه.

وفي طرق العامة عن ابن مسعود قال: إن أمر محمد كان بينا لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب ثم تلا قوله تعالى (الذين يؤمنون بالغيب) قال الطيبي: معنى هذا الحديث مخرج في سنن الدارمي عن أبي عبيدة بن الجراح قال: «يا رسول الله أحد خير منا، أسلمنا وجاهدنا معك! قال: نعم هم قوم يكونون بعدكم يؤمنون بي ولا يروني» وأنت خبير بأن هذا الحكم غير مختص بالنبي بل يجري في إمام بعده.

قوله (يعلمون أنه لم تبطل حجة الله) أي يعلمون بالبراهين العقلية والأحاديث النبوية أنه لم تبطل حجة الله عز ذكره في الأرض ولا ميثاقه وعهده في الحجة، بل هما باقيان في الخلق ودائمان فيهم ما دامت الدنيا، فلذلك يؤمنون بالإمام وإن لم يروه، ويعتقدون بوجوده وإن لم يشاهدوه.

ص:238


1- -الکافی :333/1 .

قوله (فتوقعوا الفرج صباحا ومساء) لوجوب ظهوره في وقت ما لدفع الظلم والجور ونصرة دين الحق وأهله، ولكن لما لم نعلم ذلك الوقت بخصوصه واحتمل كل جزء من أجزاء الزمان أن يكون ذلك الوقت لابد لنا من توقع الفرج في جميع الأوقات وإنما ذكر الصباح والمساء لشيوعهما في التعارف واحاطتهما بسائر الأوقات.

قوله (فإن أشد ما يكون) دليل لتوقع الفرج ولعل وجه ذلك مع أن الظاهر أن يكون الغضب عليهم عند ظهور الحجة وعدم ايمانهم به أشد وأجدر ولحقوق النكال بهم أحرى وأظهر لكون الحجة عليهم حينئذ أقوى وأكمل من عدم ظهوره بسبب سوء صنيعهم واعوجاج طبيعتهم حتى حرم المستعدون للهداية والقابلون للفهم والدراية عن مشاهدة جماله وملاحظة كماله، فلذلك كان الغضب عليهم حال الغيبة أشد.

قوله (وقد علم أن أولياءه) أي أولياء الحجة وهذا دفع لما عسى أن يقال من أن إخفاء الحجة موجب لإضلال الخلق ورفع اللطف عنهم ولا يجوز شيء من ذلك، ووجه الدفع ظاهر وحاصله أن ذلك إنما يلزم لو كان أحد من أوليائه يرتاب فيه بعد الغيبة وليس كذلك، فلا مفسدة في الغيبة وإنما هي محض المصلحة وهي حفظ النفس المعصومة أو غيرها.

قوله (ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس) دل على أن ظهوره لا يكون إلا عند فشو الشر في الناس وبعد الخير عنهم وقد دل على ذلك أيضا بل على تعيين الشرور والمفاسد بعض الروايات كما يأتي ذكره في كتاب الروضة.

* الأصل:

2 - الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن علي بن مرداس، عن صفوان بن يحيى والحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

أيما أفضل: العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل أو العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال: يا عمار: الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة أفضل ممن يعبد الله عز وجل ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحق، واعلموا أن من صلى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة مستتر بها من عدوه في وقتها فأتمها، كتب الله له خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلى منكم صلاة فريضة وحده مستترا بها من عدوه في وقتها فأتمها، كتب الله عز وجل بها له خمسا وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها، كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن

ص:239

عمل منكم حسنة كتب الله عز وجل له بها عشرين حسنة ويضاعف الله عز وجل حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ودان بالتقية على دينه وإمامه ونفسه وأمسك من لسانه أضعافا مضاعفة، إن الله عز وجل كريم.

قلت: جعلت فداك قد والله رغبتني في العمل وحثثتني عليه ولكن احب أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحق ونحن على دين واحد؟ فقال: إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله عز وجل وإلى الصلاة والصوم والحج وإلى كل خير وفقه وإلى عبادة الله عز ذكره سرا من عدوكم مع إمامكم المستتر، مطيعين له صابرين معه، منتظرين لدولة الحق، خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة تنظرون إلى حق إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك واضطروكم إلى حرث الدنيا وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم وطاعة إمامكم والخوف من عدوكم، فبذلك ضاعف الله عز وجل لكم الأعمال، فهنيئا لكم، قلت: جعلت فداك فما ترى إذا أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالا من أصحاب دولة الحق والعدل؟ فقال:

سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحق والعدل في البلاد ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة ولا يعصون الله عز وجل في أرضه وتقام حدوده في خلقه ويرد الله الحق إلى أهله فيظهر، حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمار! لا يموت منكم ميت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر وأحد فأبشروا.(1)

* الشرح:

قوله (أيما أفضل العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر) المراد بالامام - المستتر من لا يقدر على إظهار الدين كما ينبغي خوفا من الأعداء والظلمة سواء كان ظاهرا بين الخلق أو كان غائبا عنهم فكل إمام إلى زمان ظهور صاحب الزمان فهو مستتر بهذا المعنى والمراد بالإمام الظاهر من قدر على ذلك وكان حكمه جاريا على الخلق وهو صاحب الزمان بعد ظهوره.

قوله (الصدقة في السر) دل على أن الصدقة مطلقا في السر أفضل، وبه قال بعض الأصحاب، ووجه ذلك أنها أقرب إلى القربة وأبعد عن الرياء والسمعة واحتقار الفقير، وقيل: هذا لمن لم يتهم بترك الصدقات وإلا فالأفضل أن يعطيها جهرا لدفع التهمة عن نفسه وكذا إن علم أن للناس به اسوة في أداء الصدقات، وقيل: هذا في المندوبة وأما الفريضة فالجهر أفضل.

ص:240


1- -الکافی :333/1 .

قوله (وكذلك والله) وليس من قبيل إثبات الحكم بالقياس لأن القياس عند أهل البيت (عليهم السلام) باطل بل هي من قبيل ذكر الشيء مع نظيره للايضاح وكان حكم الكل ثابت بالنص.

قوله (وحال الهدنة) هادنه مهادنة صالحه وتهادنوا تصالحوا والهدنة بالضم فالسكون الاسم وأصلها من هدن إذا سكن والمراد بها الهدنة الحاصلة للإمام الحق مع أئمة الجور وعدم منازعته إياهم لحكمة مقتضية لذلك.

قوله (أفضل ممن يعبد الله) أي من عبادة من يعبد الله وإنما حذف العبادة لدلالة المقام والكلام عليها فالمفضل والمفضل عليه من جنس واحد.

قوله (وليست العبادة مع الخوف) أي ليست العبادة مع خوف النفس والمال والعرض في دولة الباطل مثل العبادة والأمن من تلف النفس والمال والعرض في دولة الحق، بل الأولى أجزل ثوابا وأكمل رتبة من الثانية ويتفاوت ذلك بحسب تفاوت درجات الخوف والأمن، وإنما لم يقل مثل العبادة مع الأمن كما قال مثل العبادة مع الخوف للإشعار بأن الفضل باعتبار العبادة في نفسها والخوف في نفسه على أن يكون كل واحد منهما مستقلا في الاتصاف به لا باعتبار المجموع من حيث المجموع فليتأمل.

قوله (من صلى منكم اليوم) أراد باليوم زمانه (عليه السلام) الذي كان دولة الحق فيه مخفوضة ودولة الباطل فيه مرفوعة.

قوله (في وقتها فأتمها) الجار متعلق بصلى، وأتمها عط