موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 14 المکاسب المحرمة المجلد 2

هویة الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 14 المکاسب المحرمة المجلد 2/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 548ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

ص: 1

اشارة

ص: 2

صورة

صورة

ص: 3

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين ،

وصلّى اللّه على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ،

ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين .

وبعد ، فهذا هو المجلّد الثاني من مهمّات مسائل المكاسب المحرّمة وما يتعلّق بها ويستطرد لها ممّا هي أصعب طريقاً ، وأحوج إلى التحرير والتحقيق ، وأكثر ابتلاءً من سائر مسائلها .

كتبها بيده الداثرة العبد المفتاق إلى اللّه الكريم السيّد روح اللّه بن السيّد مصطفى الخميني عفى اللّه عنهما .

ص: 5

ص: 6

المسألة الرابعة في حرمة القمار

حرمةاللعب بالآلات المعدّة للقمار

القمار حرام إجماعاً (1) وكتاباً وسنّة (2) ، إذا كان اللعب بالآلات المعدّة لذلك مع رهان . وهو المتيقّن من عنوان القمار والميسر في الكتاب والسنّة ومعقد الإجماع .

ولا فرق بين أنواعه من النرد والشطرنج وغيرهما ، حتّى اللعب بالجوز والبيض ؛ للصدق على اللعب بهما عرفاً ، ولو للتعارف بالمقامرة معهما . ولو شكّ في الصدق فلا شبهة في إلحاقه به نصّاً وفتوى .

إنّما الإشكال والكلام في صدق العنوانين على اللعب بالآلات بلا رهان ، وعلى اللعب بغيرها برِهان أو غيره .

ص: 7


1- راجع مفتاح الكرامة 12 : 184 - 185 ؛ جواهر الكلام 22 : 109 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 371 .
2- راجع ما يأتي في الصفحة 8 و18 .

ولا ينبغي الريب في عدم صدقهما على الأخير وإن يظهر من بعضهم إطلاقهما على مطلق المغالبة(1) ، لكنّه خلاف المتبادر والمرتكز في الأذهان من القمار ، وخلاف كلمات اللغويين فيه وفي الميسر الذي هو أخصّ منه أو مساوق له ، على ما يأتي الإشارة إليه .

والظاهر عدم صدقهما على ما قبله أيضاً ؛ لأنّ القمار عرفاً ليس مطلق المغالبة برهان . فلا يقال لمن جعل الرهان بإزاء الغلبة في حسن الخطّ ، أو تجويد قراءة القرآن ، أو سرعة العدوّ أو الرمي ونحوها : إنّه مقامر ، ولا لفعلها : إنّه

قمار . والعرف أصدق شاهد عليه .

ويؤيّد ما ذكرناه بل يشهد عليه ما ورد من جواز السبق والرماية مع شرط الجعل عليه(2) ، مع إباء قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ)(3) عن التخصيص ، وسيأتي أنّ الميسر هو مطلق القمار .

وأمّا عدم صدق الميسر فكذلك بناءً على أ نّه القمار ، وأوضح منه بناءً على التفسير الآتي(4) .

ولا يبعد عدم صدقهما على اللعب بالآلات بلا رهان ، كما تشهد به كلمات كثير من اللغويين ، كصاحب «القاموس» ، و «المجمع» ، و «المنجد» ،

ص: 8


1- راجع مفتاح الكرامة 12 : 186 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 371 .
2- راجع وسائل الشيعة 19 : 254 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 4 .
3- المائدة (5) : 90 .
4- يأتي في الصفحة 10 .

و«منتهى الإرب»(1) ، ومحكيّ «لسان العرب»(2) ، فإنّها طفحت بقيد الرهان :

ففي «القاموس» : «قامره مقامرة وقماراً ، فقمره : راهنه فغلبه»(3) .

وفي «المنجد» : «قمر يقمِر قمراً : راهن ولعب في القمار» . ثمّ قال : «قامره

مقامرة وقماراً : راهنه ولاعبه في القمار» إلى أن قال : «تقامر القوم : تراهنوا ولعبوا في القمار» إلى أن قال : «القمار (مصدر) : كلّ لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئاً ، سواء كان بالورق أو غيره»(4) .

وفي «المجمع» : «القمار بالكسر : المقامرة . وتقامروا : لعبوا بالقمار ، واللعب

بالآلات المعدّة له على اختلاف أنواعها ، نحو الشطرنج والنرد وغير ذلك . وأصل القمار الرهن على اللعب بالشيء من هذه الأشياء ، وربّما اُطلق على اللعب بالخاتم والجوز»(5) .

ويظهر ذلك أيضاً من «المقنع»(6) الذي هو متون الأخبار بشهادة الصدوق(7) .

نعم ، يظهر من بعضٍ إطلاقه على مطلق المغالبة(8) . وهو غير ثابت ، وعلى فرض ثبوته أعمّ من الحقيقة ، وإن كان حقيقة فهو مخالف للعرف

ص: 9


1- منتهى الإرب 3 : 1057 .
2- لسان العرب 11 : 300 .
3- القاموس المحيط 2 : 125 .
4- المنجد : 653 .
5- مجمع البحرين 3 : 463 .
6- المقنع : 457 .
7- المقنع : 5 .
8- راجع مفتاح الكرامة 12 : 186 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 371 .

العامّ ، وهو مقدّم على غيره ، تأمّل .

وأمّا عبارة «الصحاح»(1) فلم يظهر منها المخالفة لما قلناه ، وكان ما حكي عن ابن دريد مجملة ، ويظهر منه أ نّه يطلق على المغالبة في الفخر ، وهو على فرض صحّته يأتي فيه ما تقدّم آنفاً .

فالإنصاف : أنّ إثبات صدقه على ما ذكر مشكل ، ولا أقلّ من الشكّ فيه ، فلا يمكن إثبات حرمة الثلاثة بالمطلقات على فرض وجود الإطلاق .

وكذا بما دلّت على حرمة الميسر ، كالآية الكريمة وغيرها ؛ فإنّه - على

ما يظهر من اللغويين(2) بل من بعض الأخبار(3) - إمّا عبارة عن الجزور التي كانوا يتقامرون عليها ، أو عبارة عن اللعب بالقداح ، وهو لعب العرب . وعلى هذا التفسير أخصّ من القمار ، سواء فسّر باللعب بالآلات مطلقاً أو مع الرهان ، أم فسّر بالمغالبة مطلقاً ؛ لأنّ اللعب لا يكون إلاّ بالرهان .

ولا يبعد أن يكون كذلك على التفسير الأوّل ؛ لقوّة احتمال أن يكون كناية عن التفسير الثاني .

وكيف كان : لا تكون الصور الثلاث منطبقة عليه ولو مع إلغاء الخصوصية عن لعب العرب بالأزلام ؛ لأنّ غاية ما يمكن دعوى إلغائها هو حيث الآلات لا حيث الرهان .

بل الأقرب أنّ الميسر مطلق القمار ، كما فسّر به في بعض كتب اللغة

ص: 10


1- الصحاح 2 : 799 .
2- راجع القاموس المحيط 2 : 169 ؛ المنجد : 924 .
3- ستأتي هذه الأخبار .

ك «المجمع» و «المنجد»(1) ، وبعض كتب الأدب ، وكذا بعض التفاسير ك- «مجمع البيان» ، وحكي عن ابن العبّاس وابن مسعود ومجاهد وقتادة والحسن(2) .

ويؤيّده مقابلته للأزلام التي [هي] قمار العرب .

وتشهد له الروايات :

كرواية جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لمّا أنزل اللّه على رسوله )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ( قيل : يا رسول اللّه ، ما الميسر ؟ قال : كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز»(3) .

وعن «تفسير العيّاشي» عن الرضا علیه السلام قال: سمعته يقول: «الميسر هو القمار»(4).

وعنه علیه السلام : «إنّ الشطرنج والنرد وأربعة عشر وكلّ ما قومر عليه منها فهو ميسر»(5) .

وهو المناسب لمادّة اليسر ، ففي «مجمع البيان» : «أصله من اليسر خلاف العسر»(6) . وفي «مجمع البحرين» : «الميسر القمار ، وقيل : كلّ شيء يكون منه

ص: 11


1- مجمع البحرين 3 : 520 ؛ المنجد : 924 .
2- مجمع البيان 2 : 557 .
3- الكافي 5 : 122 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 165 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 4 .
4- تفسير العيّاشي 1 : 339 / 181 ؛ وسائل الشيعة 17 : 167 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 10 .
5- تفسير العيّاشي 1 : 339 / 182 ؛ وسائل الشيعة 17 : 167 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 11 .
6- مجمع البيان 3 : 369 .

قمار فهو الميسر حتّى لعب الصبيان بالجوز الذي يتقامرون به . . .» وقال : «ويقال : سُمّي ميسراً لتيسّر أخذ مال الغير فيه من غير تعب ومشقّة»(1) .

فتحصّل ممّا ذكر عدم استفادة حكم الصور الثلاث من الروايات وغيرها الواردة في حرمة القمار والميسر .

إلاّ أن يقال : إنّ حكم اللعب بالآلات بلا رهان يستفاد من قوله تعالى : )إِنَّمَا

الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .( .

بناءً على أنّ المراد بالميسر فيها هو آلات القمار لا القمار ، بقرينة كون المراد

بالثلاثة الاُخر المذكورة الذوات ، وبقرينة حمل الرجس عليها ، وهو يناسب الذوات لا الأفعال إلاّ بتأوّل ، سواء اُريد به النجس المعهود كما ادّعى الإجماع عليه شيخ الطائفة في محكيّ «التهذيب» في مورد الآية(2) وهو واضح ، أم اُريد الخبيث(3) ، فإنّه أيضاً يناسب الذوات . وحمله على اللعب والشرب(4) لا يخلو من ركاكة .

وتشهد له جملة من الروايات : كرواية جابر المتقدّمة .

ورواية محمّد بن عيسى ، قال : كتب إليه إبراهيم بن عنبسة - يعني إلى علي ابن محمّد علیهما السلام : إن رأى سيّدي ومولاي أن يخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : )يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ . . .( الآية ، فما الميسر جعلت فداك ، فكتب :

ص: 12


1- مجمع البحرين 3 : 520 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 278 .
3- زبدة البيان : 41 ؛ مجمع البيان 3 : 370 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 98 .

«كلّ ما قومر به فهو الميسر»(1) .

وفي عدّة روايات عدّ النرد والشطرنج من الميسر(2) . والحمل على اللعب بها خلاف الظاهر . فحمل الرجس وعمل الشيطان في الآية المتقدّمة على المذكورات باعتبار ذاتها ؛ إذ كما يصحّ أن يقال : إنّ الخمر رجس خبيث ، يصحّ أن يقال : إنّ الشطرنج كذلك ، كما يشعر به الأمر - ولو ندباً - بغسل يد المقلّب له(3) . وكونها من عمل الشيطان باعتبار أ نّها مصنوعة بيد الإنسان بإغرائه ووسوسته ، فيصحّ أن يقال : إنّ ذات الخمر والآلات الحاصلة بإغرائه من عمله ، ولو بقرينية الروايات المتقدّمة .

وتدلّ عليه رواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام ، فإنّه بعد بيان معنى المذكورات قال : «كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه محرّم ، وهو رجس من عمل الشيطان»(4) .

فإنّ الظاهر منها أنّ نفس المذكورات التي لا يجوز بيعها رجس من عمل الشيطان .

فعليه يكون الأمر بالاجتناب عن الآلات ذواتها مقتضياً لحرمة الانتفاع بها

ص: 13


1- تفسير العيّاشي 1 : 105 / 311 ؛ وسائل الشيعة 17 : 325 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 11 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 322 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 103 ، الحديث 3 و4 .
4- تفسير القمّي 1 : 181 ؛ وسائل الشيعة 17 : 321 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 12 .

انتفاعاً مقصوداً متعارفاً ، ولا شبهة في أنّ اللعب بها للتفريح والمغالبة من

الانتفاعات المقصودة المتداولة ، سيّما لدى الاُمراء وخلفاء الجور . وليس الأمر بالاجتناب مخصوصاً باللعب برهان ، بل أعمّ منه ، سيّما مع كيفية تعبير الآية الكريمة بأ نّه (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) .

نعم ، ورد في بعض الروايات تفسير الميسر بالقمار :

كرواية الوشّاء عن أبي الحسن علیه السلام ، قال : سمعته يقول : «الميسر هو

القمار»(1) وعن «تفسير العيّاشي» نحوها (2) .

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللّه تعالى : )إِنَّمَا الْخَمْرُ . . .( : «وأمّا الميسر فالنرد والشطرنج ، وكلّ قمار ميسر»(3) .

فيمكن حمل الروايات المتقدّمة على بيان المراد من الآية كما يظهر منها ، والروايتين المتقدّمتين آنفاً على تفسير الميسر مطلقاً ، لا المراد بالآية .

وأمّا الأخيرة فيحتمل فيها أن يكون المراد ب- «كلّ قمار» كلّ آلة له بقرينة «النرد والشطرنج» ، كما يحتمل أن يكون المراد بهما بقرينة «كلّ قمار» اللعب بهما ، ففيها إجمال .

بل يمكن أن يقال : إنّ الروايات في تفسير الميسر على طوائف :

منها : ما دلّت على أ نّه الآلات ، كالروايات المتقدّمة .

ص: 14


1- الكافي 5 : 124 / 9 ؛ وسائل الشيعة 17 : 165 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 3 .
2- تقدّمت في الصفحة 11 .
3- تقدّم تخريجها آنفاً .

ومنها : ما دلّت على أ نّه الرهن ، كصحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن علیه السلام ، قال : «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلةٍ واحدة ، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(1) .

ورواية العيّاشي في محكيّ تفسيره عن ياسر الخادم عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الميسر قال : «التفل من كلّ شيء» . قال : «والتفل ما يخرج بين المتراهنين من الدرهم وغيره»(2) .

وضبط «التفل» مختلف في «الوسائل» : ففي مورد بالتاء والفاء(3) ، وفي مورد بالثاء المثلّثة والقاف(4) ، وفي مورد بالنون والعين(5) . ولم يظهر معنىً مناسب في اللغة لما فسّر في الرواية . ومن المحتمل أن يكون بالنون والفاء محرّكة ؛ بمعنى الغنيمة ، فيكون ما بين المتراهنين نفل وغنيمة .

ومنها : ما دلّت على أ نّه الآلات والرهن جميعاً ، كالمحكيّ عن «تفسير العيّاشي» عن الرضا علیه السلام ، قال : سمعته يقول : «إنّ الشطرنج والنرد وأربعة عشر

ص: 15


1- الكافي 6 : 435 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 1 .
2- اُنظر تفسير العيّاشي 1 : 341 / 187 ؛ وسائل الشيعة 17 : 167 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 12 .
3- وسائل الشيعة 17: 167، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 35، الحديث 12 .
4- وسائل الشيعة 17 : 325 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 9 .
5- وسائل الشيعة 12 : 243 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 104 ، الحديث 9 (طبع مكتبة الإسلامية).

وكلّ ما قومر عليه منها فهو ميسر»(1) .

فإنّ الظاهر منه أنّ الشطرنج وتالييه ذاتهما ميسر ، وكلّ ما قومر عليه أيضاً ميسر ، وما قومر عليه هو الرهن .

وإرجاع أحد المعطوف والمعطوف عليه إلى الآخر بأن يقال : إنّ المراد بالشطرنج وتالييه رهانها ، أو إنّ المراد بما قومر عليه ما قومر به ، خلاف الظاهر سيّما الأوّل منهما .

فيمكن أن تجعل الرواية شاهدة جمع لسائر الروايات ، بأن يقال : إنّ المراد بالتفاسير المذكورة التفسير بالمصاديق ، ويكون الميسر في الآية جميع المذكورات من الآلة والعمل والرهن ولو باستعمال اللفظ في أكثر من معنىً ، مع قرينية الروايات ، أو استعماله في جامع انتزاعي ، أو إرادة المعاني ولو بنحو من الكناية ، كما في غيره من الموارد الكثيرة الواردة في الكتاب العزيز المفسّرة بالروايات .

وعليه أيضاً يصحّ الاستدلال بالآية الكريمة على حرمة اللعب بالآلات بلا رهن بمثل ما تقدّم(2) .

وأمّا ما عن أمير المؤمنين علیه السلام أ نّه قال : «كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر»(3) ، فلا بدّ من تأويله ، أو تقي-يده ، أو ردّ علمه إليه ، مع أ نّه ضعيف سنداً .

ص: 16


1- تقدّمت في الصفحة 11 .
2- تقدّم في الصفحة 12 .
3- الأمالي ، الطوسي : 336 / 681 ؛ وسائل الشيعة 17 : 315 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 100 ، الحديث 15 .

ثمّ إنّ ما ذكرناه من استفادة الحكم من الآية الكريمة لا ينافي ذيلها ، بتوهّم أنّ ما يوجب الوقوع في البغضاء والعداوة القمار برهن ، لا مطلق اللعب بالآلات للتفريح ونحوه .

وذلك - مضافاً إلى أنّ التنافس في الغلبة على الخصم ليس بأقلّ من التنافس في تحصيل الأموال التي تجعل رهناً ، سيّما عند أرباب التنزّه والمترفين ، وعليه يوجب ذلك الوقوع فيهما - أنّ الوقوع فيهما ليس علّة للحكم ؛ ضرورة حرمة الخمر والميسر برهن مطلقاً ، سواء حصل منهما العداوة والبغضاء أم لا ، كما لا يحرم مطلق ما يوقع فيهما ، فالوقوع فيهما أحياناً ومعرضيتهما لذلك نكتة الجعل ، ولا ريب في حصوله باللعب بلا رهن .

مضافاً إلى أنّ مفاد الآية(1) أنّ الشيطان يريد أن يوقعهما بينكم ، لا أنّ السرّ وقوعهما ، ولا يجب وقوع مراده دائماً ، بل يكفي كونهما في معرض ذلك ، ولا شبهة في أنّ اللعب بلا رهان في معرض ذلك ، ويكون آلة وشبكة للشيطان لإيقاع الفساد ، ولو كان في الآية نوع كناية أو استعارة لا يفترق أيضاً بين اللعب برهن وغيره .

والإنصاف أنّ استفادة الحكم من الآية ليست بعيدة .

ويمكن الاستدلال على المطلوب بروايات :

منها : رواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللّه : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .( وفيها : «أمّا الميسر فالنرد والشطرنج ، وكلّ قمار ميسر» . ثمّ عدّ

ص: 17


1- المائدة (5) : 91 .

الأنصاب والأزلام فقال : «كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه محرّم ، وهو رجس من عمل الشيطان . . .»(1) .

بتقريب أنّ المراد من الميسر في الآية إن كان الآلات أو الأعمّ منها كما تشهد

به الرواية فقد مرّت دلالتها على المطلوب(2) ، وإن كان المعنى المصدري وكان التقدير في الخمر وغيرها ما يناسبها كالشرب والعبادة ، يكون المراد بالنرد والشطرنج في الرواية أيضاً اللعب بهما ، ويكون عطف كلّ قمار عليهما عطف العامّ على الخاصّ بقرينية كونها مفسّرة للميسر .

فعلى هذا يراد بقوله : «كلّ هذا بيعه وشراؤه . . .» الخمر وآلات القمار والأنصاب والأزلام ، فكأ نّه قال : «شرب الخمر واللعب بآلات القمار وعبادة الأنصاب حرام ، وبيع المذكورات والانتفاع بها حرام» ، فيكون المراد منها بقرينة المحمول متعلّقات الموضوعات ، فتدلّ على حرمة الانتفاع بآلات القمار ، سواء الشطرنج وغيره . والانتفاع المتعارف المطلوب من تلك الآلات بما هي آلات يعمّ اللعب للتنزّه والتفريح بلا رهن .

وأمّا ما أفاد شيخنا الأنصاري من الشاهدين على أنّ المراد بالقمار ليس المعنى المصدري(3) ، فغير وجيه ، سيّما مع بنائه في غير المورد على أنّ المقدّر في كلٍّ من المذكورات ما يناسبها(4) ؛ إذ مع استظهار ذلك من الآية لا محيص عن

ص: 18


1- تقدّمت في الصفحة 13 .
2- تقدّمت في الصفحة 16 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 373 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 98 .

حمل الشطرنج والنرد على اللعب بهما وإرجاعهما إلى عنوان القمار لا العكس .

ومع الغضّ عنه لا يكون الشطرنج والنرد قرينة على أنّ المراد بكلّ قمار آلاته ؛ لاحتمال أن يراد بهما نفسهما ، وبكلّ قمار عنوان القمار ؛ أي المعنى المصدري ، فيكون المنظور إثبات شمول الآية للآلات وللقمار .

وعليه وإن يمكن الاستدلال بالآية ببركة الرواية ، لكن لا بطريق أفاده ، بل بإطلاق الاجتناب المأمور به .

وأمّا قوله : «كلّ هذا بيعه وشراؤه . . .» فلا يدلّ على ما رامه ؛ لأنّ المشار إليه ب- «هذا» ما يصحّ بيعه من المذكورات ؛ أي الخمر والشطرنج والنرد ونحوهما والأنصاب والأزلام ، من غير احتياج إلى ارتكاب خلاف الظاهر ؛ أي حمل القمار الظاهر في المعنى المصدري على الآلات ، سيّما أنّ إرادة الآلة من القمار لا تخلو من بعد بخلاف إرادتها من الميسر .

والإنصاف أنّ التمسّك بها لا يحتاج إلى ذلك التكلّف ، بل على احتمال يكون للآية الدلالة عليه وعلى احتمال للرواية .

ومنها : موثّقة زرارة عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه سئل عن الشطرنج ولعبة شبيب التي يقال لها : لعبة الأمير ، وعن لعبة الثلاث ؟ فقال : «أرأيتك إذا ميّز اللّه الحقّ والباطل مع أيّهما تكون ؟» قال : مع الباطل ، قال : «فلا خير فيه»(1) ، فإنّ «لا خير فيه» وإن لم يدلّ لو خلّي ونفسه على التحريم ، لكن مقتضى إطلاق الشطرنج وغيره شمولها للّعب برهان ، ولا شبهة في حرمته ، فيكون ذلك قرينة على أ نّه

ص: 19


1- الكافي 6 : 436 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 319 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 5 .

كناية عن حرمة الارتكاب . وجعله كناية عن معنىً أعمّ بعيد جدّاً .

ولا شبهة في أنّ ذكر المذكور فيها من قبيل المثال .

نعم ، لولا لعبة الأمير وما بعدها يمكن دعوى الخصوصية في الشطرنج ؛ لكثرة الروايات في خصوصه وتشديد الأمر فيه ، لكن مع ذكر غيره لا يبقى مجال لتوهّم الخصوصية ، فتدلّ على حرمة اللعب بكلّ آلة ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين جعل الرهن وعدمه .

ودعوى الانصراف(1) غير مسموعة ، سيّما مع تداول المغالبة بلا رهن في

عصر الصدور بين الخلفاء وأتباعهم ، بل لا يبعد أن يكون كثير من الأسئلة مربوطة باللعب بلا رهن ؛ حيث كان محلّ الخلاف بين فقهاء العامّة :

فعن الشافعية : حلّية اللعب بالشطرنج(2) .

وعن الحنابلة : يكره اللعب به(3) .

وعن الشافعي : هو مكروه وليس بمحظور ، ولا تردّ شهادة اللاعب به إلاّ ما كان فيه قمار(4) .

وعنه : أنّ النرد مكروه وليس بمحظور لا يفسق فاعله(5) .

والخلاف إنّما هو مع اللعب بها بلا رهن وإلاّ فالقمار حرام عند الجميع .

ص: 20


1- جواهر الكلام 22 : 109 .
2- راجع الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 52 .
3- نفس المصدر .
4- راجع الخلاف 6 : 302 ؛ الاُمّ 6 : 208 .
5- راجع الخلاف 6 : 304 ؛ الاُمّ 6 : 208 .

ولعلّ فتوى بعض العامّ-ة بعدم حرم-ة اللعب بها بلا ره-ن لجلب نظر الخلفاء والاُم-راء .

ثمّ على ما ذكر يشكل استفادة الحرمة من الرواية ، وكذا الرواية الآتية ، إلاّ أن يقال : إنّ كون محطّ نظر السائل ما ذكر لا يوجب عدم الإطلاق ، فلا يجوز رفع اليد عن إطلاقها .

ومنها : حسنة الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس : النرد والشطرنج ، حتّى انتهيت إلى السدر ؟ فقال : «إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل مع أيّهما يكون ؟» قلت : مع الباطل ، قال : «فما لك والباطل ؟ !»(1) .

بتقريب تقدّم في الرواية السابقة .

ومنها : رواية «تحف العقول» ، قال في ذيلها : «وذلك إنّما حرّم اللّه الصناعة التي حرام هي كلّها التي يجيء منها الفساد محضاً ، نظير البرابط والمزامير والشطرنج وكلّ ملهوّ به والصلبان والأصنام وما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام . وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ولا يكون فيه ولا منه شيء من وجوه الصلاح ، فحرام تعليمه وتعلّمه والعمل به وأخذ الأجر عليه وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات كلّها إلاّ أن تكون صناعة . . .»(2) .

ص: 21


1- الكافي 6 : 436 / 9 ؛ وسائل الشيعة 17 : 324 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 3 .
2- تحف العقول : 335 ؛ وسائل الشيعة 17 : 85 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .

فإنّه عدّ الشطرنج وكلّ ملهوّ به ؛ أي سائر آلات القمار ممّا يجيء منه الفساد محضاً ، فلا يصحّ القول بأنّ في اللعب بها للتفريج صلاحاً ، وهو يؤيّد ما في صدرها من تفسير الصلاح بما فيه قيام الناس كالمأكول والملبوس لا مطلق ما فيه غرض كالتفريح والتفرّج .

وتدلّ على المطلوب فقرة اُخرى منها ، وهي قوله : «وكذلك كلّ بيع ملهوّ به ، وكلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير اللّه ، أو يقوّى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي ، أو باب من الأبواب يقوّى به باب من أبواب الضلالة ، أو باب من أبواب الباطل ، أو باب يوهن به الحقّ ، فهو حرام محرّم بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلّب فيه ، إلاّ في حال تدعو الضرورة فيه إلى ذلك»(1) .

ضرورة أنّ آلات القمار أوضح مصاديق الملهوّ به الذي يقوّى به باب من أبواب الباطل ويوهن به الحقّ ، واللعب بها ولو بلا رهن من مصاديق التقلّب فيها ، فلا إشكال في دلالتها لولا الخدشة في سندها .

ويمكن الاستدلال للعموم بروايات واردة في الشطرنج والنرد ، بضميمة ما دلّت على التسوية بينهما وبين غيرهما :

كمرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبداللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : )فَاجْتَنِبُوا

الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ( ، قال : «الرجس من الأوثان هو

ص: 22


1- تحف العقول : 333 ؛ وسائل الشيعة 17 : 84 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .

الشطرنج ، وقول الزور الغناء»(1) . ونحوها رواية زيد الشحّام(2) .

ودلالتهما لا تقصر عن دلالة رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سئل عن الشطرنج والنرد ؟ فقال : «لا تقربوهما»(3) . ولا شبهة في إطلاقها للّعب بلا رهن .

ورواية الحسين بن عمر بن يزيد عنه علیه السلام ، وليس في سندها إلاّ سهل الذي أمره سهل ، ومحمّد بن عيسى الذي لا يبعد وثاقته(4) ، قال : «يغفر اللّه في شهر رمضان إلاّ لثلاثة : صاحب مسكر أو صاحب شاهين أو مشاحن»(5) .

ونحوها رواية عمر بن يزيد الصيقل مع تفسير الشاهين بالشطرنج(6) .

ولفظ الصاحب وإن يشعر أو يدلّ على نحو إدمان ، لكن لا شبهة في صدقه على المقيم على اللعب بلا رهن ، والظاهر إطلاقهما له .

ص: 23


1- الكافي 6 : 436 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 318 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 3 .
2- الكافي 6 : 435 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 318 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 1 .
3- معاني الأخبار : 224 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 320 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 10 .
4- رجال النجاشي : 333 / 896 ؛ جامع الرواة 2 : 166 .
5- الكافي 6 : 436 / 10 ؛ وسائل الشيعة 17 : 319 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 6 .
6- الكافي 6 : 435 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 319 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 4 .

وموثّقة مسعدة عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه سئل عن الشطرنج ؟ فقال : «دعوا

المجوسية لأهلها لعنها اللّه»(1) .

وموثّقة السكوني عنه علیه السلام قال : «نهى رسول اللّه رحمهما اللّه عن اللعب

بالشطرنج والنرد»(2) ونحوها رواية المناهي عنه رحمهما اللّه (3) .

ورواية أبي بصير عن «مستطرفات السرائر» عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «بيع الشطرنج حرام وأكل ثمنه سحت واتّخاذها كفر واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة ، والخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير ، لا صلاة له حتّى يغسل يده كما يغسلها من مسّ لحم الخنزير ، والناظر إليها كالناظر في فرج اُمّه . واللاهي بها ، والناظر إليها في حال ما يلهى بها ، والسلام على اللاهي بها في حالته تلك في الإثم سواء . . .»(4) .

والإنصاف أنّ الخدشة في دلالة الروايات وفي إطلاقها في غير محلّها .

نعم ، هي لا تدلّ على حرمة اللعب بمطلق الآلات ؛ لاحتمال خصوصية في

ص: 24


1- الكافي 6 : 437 / 13 ؛ وسائل الشيعة 17 : 319 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 7 .
2- الكافي 6 : 437 / 17 ؛ وسائل الشيعة 17 : 320 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 9 .
3- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 325 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 6 .
4- السرائر ، المستطرفات 3 : 577 ؛ وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 103 ، الحديث 4 .

النرد والشطرنج ، كما يظهر من التأكيدات الواردة فيهما ، سيّما الشطرنج ، لكن

يمكن الاستدلال على المطلوب بعموم المنزلة في صحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن علیه السلام قال : «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(1) .

والظاهر أ نّه بصدد نفي الخصوصية عن آلة خاصّة كالنرد والشطرنج وإلحاق سائر الآلات بهما .

هذا كلّه حال اللعب بالآلات المعدّة للقمار .

حكم اللعب بغير آلات القمار مع رهان

وأمّا اللعب بغيرها مع رهن ، فقد حكي عن جمع حرمته تكليفاً ، وعن بعض دعوى الإجماع أو عدم الخلاف فيه(2) .

لكن الاعتداد بها لا يجوز بعد تراكم الأدلّة واحتمال تشبّثهم بها ، بل من المحتمل أن يكون نقله من الاجتهاد في كلمات القوم واستظهار الحرمة تكليفاً منها ، مع إرادة كلّهم أو بعضهم الوضعية ، فلا اعتداد بنقل الإجماع وعدم الخلاف .

كما لا اعتداد بدعوى صدق القمار عرفاً على مطلق اللعب برهن ؛ لما قلنا من الجزم بعدم صدقه على التغالب في الخطّ والقراءة والعدو ونحوها (3) .

ص: 25


1- تقدّمت في الصفحة 15 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 375 .
3- تقدّم في الصفحة 8 .

وكلمات اللغويين مختلفة: فربّما يظهر من إطلاق بعضهم كصاحب «القاموس» و«منتهى الإرب» ومحكيّ «لسان العرب» أ نّه مطلق المغالبة برهن(1) ، لكن صريح «مجمع البحرين» وظاهر «المنجد» أنّ للآلات المعهودة دخالة في الصدق(2) . ولا يبعد استظهار الدخالة من غيرهما ، كصاحب «الصحاح» و«أقرب الموارد»(3) ، كما لا يبعد دعوى عدم الإطلاق في عبارة «القاموس» وما بمثلها .

فلا يمكن استفادة صدقه على ما ذكر من كلماتهم لو لم نقل بالعكس .

كما أنّ دعوى استفادة كونه قماراً موضوعاً من بعض الروايات ، مثل ما فسّرت الميسر بكلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز ، أو قومر عليه(4) ، بدعوى أنّ المراد التغالب به أو عليه(5) .

ومن رواية إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون ؟ قال : «لا تأكل منه ؛ فإنّه حرام»(6) ، حيث عدّهما من القمار مع عدم كونهما آلة له .

ومن رواية العلاء بن سيّابة عنه علیه السلام ، وفيها : وكان يقول : «إنّ الملائكة

ص: 26


1- القاموس المحيط 2 : 125 ؛ منتهى الإرب 3 : 1057 ؛ لسان العرب 11 : 300 .
2- مجمع البحرين 3 : 463 ؛ المنجد : 653 .
3- الصحاح 2 : 799 ؛ أقرب الموارد 2 : 1036 .
4- تقدّم في الصفحة 11 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 375 - 377 .
6- الكافي 5 : 124 / 10 ؛ وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 7 .

تحضر الرهان في الخفّ والحافر والريش ، وما سوى ذلك فهو قمار

حرام»(1) .

ليست وجيهة ؛ لأنّ عدّ اللعب بالجوز والبيض من القمار لعلّه لأجل تعارف اتّخاذهما آلة للقمار ، وأين هذا ممّا لا يكون كذلك ، مع أنّ الإطلاق أعمّ .

ودعوى إرادة مطلق المغالبة من قوله : «كلّ ما قومر عليه» أو «به»(2) كما ترى ، فإنّها بلا بيّنة .

وإطلاقه أحياناً على مطلق المغالبة أو على المغالبة في التفاخر - كما يظهر

من بعض اللغويين - لا يوجب حمل الأخبار عليه ، مع أنّ الظاهر من الجوهري في «الصحاح» أنّ المستعمل في غلبة التفاخر من قمر يقمُر بضمّ الميم ، وفي المغالبة في اللعب بكسرها (3) .

ورواية إسحاق لا تدلّ إلاّ على استعماله ، وهو أعمّ .

ورواية ابن سيّابة على خلاف المطلوب أدلّ ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ المسابقة في المذكورات ليست قماراً وأنّ غيرها قمار حرام ، مع أنّ الصدق في جميعها سواء ، فلا محالة تحمل الرواية على الإلحاق الحكمي ، وتنزيل غير القمار منزلته .

ص: 27


1- تهذيب الأحكام 6 : 284 / 785 ؛ وسائل الشيعة 19 : 253 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 3 ، الحديث 3 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 377 .
3- الصحاح 2 : 799 .

واحتمال أن يكون المراد أنّ غير المذكورات قمار حرام وهي قمار غير حرام ، بعيد جدّاً . مع ما عرفت من إباء الآية الكريمة من التخصيص(1) ، مضافاً إلى أنّ الاستعمال أعمّ .

والإنصاف : أنّ الاستدلال للحكم بصدق عنواني القمار والميسر عليه في غير محلّه .

كما أنّ الاستدلال له بالآية الكريمة ؛ أي قوله : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .( تارة بأن يقال : إنّ عطف الأزلام على الميسر ظاهر في كونه عنواناً مقابلاً له فيكون الاستقسام بالأزلام محرّماً لا بعنوان القمار ، وبإلغاء الخصوصية منها عرفاً يستفاد الحكم في مطلق استنقاذ المال باللعب ، فإنّ الظاهر المتفاهم منه أنّ كون الأزلام رجساً من عمل الشيطان ليس لخصوصية في القداح ولا في عددها ولا في الجزور التي كانوا يقتسمونها ، بل لاستنقاذ المال بوجه غير مستقيم كالتجارة ونحوها بتوسّط الأزلام ونحوها .

واُخرى بقوله : )إِنَّما يُريدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالبَغْضاءَ . . .((2) بدعوى أنّ ما يوجب ذلك يكون من عمل الشيطان ويجب الاجتناب عنه .

غير وجيه ؛ لأنّ استظهار مغايرة اللعب بالأزلام مع القمار بمجرّد العطف مع عدّ اللغويين الأزلام قمار العرب(3) ، غير صحيح . وتخصيصه بالذكر لعلّه لأجل

ص: 28


1- تقدّم في الصفحة 8 .
2- المائدة5: 91 .
3- مجمع البحرين 6 : 80 .

التعارف بينهم ، لا لأشدّية حرمته من غيرها حتّى يقال : إنّ الشطرنج كأ نّه أشدّ كما يظهر من التأكيد والتشديد في أمره .

وإلغاء الخصوصية وإن يمكن بالنسبة إلى بعض الآلات ، كتبديل الأزلام بالأوراق ونحوها ، لكن بالنسبة إلى مطلق اللعب برهن غير ممكن ، كالقراءة والخطّ والمصارعة ونحوها .

وقد مرّ أنّ ذيل الآية ليس تعليلاً(1) حتّى يدلّ على حكم غير المورد .

نعم ، لا يبعد جواز الاستدلال على المطلوب بقوله تعالى : )لاَ تَأكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ((2) .

بأن يقال : إنّه بعد معلومية أنّ قوله : )لاَ تَأْكُلُوا( كناية ، يحتمل أن يكون كناية عن مطلق التصرّفات ، فيكون المراد : لا تتصرّفوا في الأموال الحاصلة بالباطل إلاّ ما حصل بتجارة عن تراض .

ويحتمل أن يكون كناية عن تحصيل الأموال بالباطل ، فيكون النهي متعلّقاً على سبب تحصيلها ، فيكون المعنى : لا يجوز تحصيل المال بالأسباب الباطلة كالقمار والبخس والسرقة ونحوها .

ويرجّح هذا الاحتمال بالروايات الواردة في تفسيرها :

كصحيحة زياد بن عيسى ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قوله عزّ وجلّ : )وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِل( ؟ فقال : «كانت قريش تقام-ر الرجل

ص: 29


1- تقدّم في الصفحة 17 .
2- النساء (4) : 29 .

بأهله وماله ، فنهاهم اللّه عزّ وجلّ عن ذلك»(1) .

فإنّ الظاهر منها أنّ اللّه تعالى نهاهم عن القمار بالمعنى المصدري ، لا عن التصرّف في الأموال .

ونحوها رواية العيّاشي عن أسباط بن سالم ، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام

فجاء رجل فقال : أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : )يا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ( قال : «يعني بذلك القمار»(2) .

وقريب منها رواية محمّد بن عيسى المرويّة عن «نوادر» ابنه(3) .

وأظهر منها رواية العيّاشي الاُخرى عن محمّد بن علي عن أبي عبداللّه علیه السلام

في قول اللّه عزّ وجلّ : )يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِل( قال : «نهى عن القمار وكانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله ، فنهاهم اللّه عن ذلك»(4) .

ويؤيّده استثناء التجارة عن تراض ، فكأ نّه قال : لا يجوز استنقاذ الأموال بشيء من الأسباب الباطلة ، لكن لا بدّ وأن يكون بنحو التجارة عن تراض .

ص: 30


1- الكافي 5 : 122 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 164 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 1 .
2- تفسير العيّاشي 1 : 235 / 98 ؛ وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 8 .
3- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 162 / 414 ؛ وسائل الشيعة 17 : 167 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 14 .
4- تفسير العيّاشي 1 : 236 / 103 ؛ وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 9 .

فإذا كان النهي متعلّقاً بالأسباب التي تحصل بها الأموال كالقمار والبخس والربا والسرقة - كما فسّرت بها أيضاً على ما حكي(1) - ويكون المعنى : لا يجوز تحصيل المال بتلك الاُمور ، تدلّ الآية بإطلاقها على حرمة كلّ لعب يكون فيه رهن، وكذا لو كان المذكور جزء مدلولها .

واحتمال أن يكون النهي إرشاداً إلى البطلان ، غير وجيه ؛ لأنّ ما تدخل في الآية غالباً لا تكون من قبيل المعاقدات التي تتّصف بالصحّة والبطلان ، فلا يجوز رفع اليد عن ظاهر النهي الدالّ على التكليف .

والإنصاف : أنّ الاستدلال بالآية لا يخلو من وجه ، وإن لا يخلو من مناقشة :

بأن يقال : إنّ غاية ما يمكن إثبات دخوله في الآية القمار ؛ لورود روايات فيه يصحّ أسناد بعضها . فحينئذٍ يمكن أن يكون النهي عن الأكل كناية عن تحصيل المال بأسباب كالقمار مقابل التجارة ، لا كالسرقة والخيانة . فمع تعلّق النهي بالتحصيل بالأسباب أو بالأسباب لا يستفاد منه الحرمة التكليفية ؛ لظهوره في الإرشاد إلى البطلان وعدم السببية ، كسائر الموارد من الأشباه والنظائر .

نعم ، لو قام دليل على دخول السرقة والظلم ونحوهما فيها لأمكن الاستدلال بها بما تقدّم .

مضافاً إلى إمكان أن يقال : إنّ القمار الوارد في الأخبار المفسّرة بمعنى الرهن ، كما قيل : إنّه أصله(2) . فعليه يمكن حفظ ظهور الآية في دلالتها على حرمة التصرّف في الأموال الحاصلة بالباطل .

ص: 31


1- مجمع البيان 3 : 59 .
2- مجمع البحرين 3 : 463 ؛ جامع المقاصد 4 : 24 .

بل لقائل أن يقول : إنّ إدخال القمار في الآية تعبّدي لا مفاد لها كتفسير الأوثان بالشطرنج ، فلا يجوز رفع اليد عن ظاهرها بدخول مصداق تعبّدي فيها لا يعلم كيفية إرادته ودخوله .

وأمّا الروايات : فقد استدلّ الشيخ الأنصاري برواية ياسر الخادم عن الرضا علیه السلام قال : سألته عن الميسر ؟ قال : «التفل من كلّ شيء» قال : «والتفل ما يخرج بين المتراهنين من الدرهم وغيره»(1) .

وبمصحّحة معمّر بن خلاّد : «كلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(2) .

وبرواية جابر عن أبي جعفر علیه السلام ، وفيها : قيل : يا رسول اللّه ، ما الميسر ؟ قال : «كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز»(3) .

قال رحمه الله علیه : والظاهر أنّ المقامرة بمعنى المغالبة على الرهن(4) .

والإنصاف عدم دلالتها على المطلوب ، فإنّ رواية ياسر تدلّ على حرمة ما يخرج بين المتراهنين ، وهو غير مطلوبنا في المقام . وكذا الصحيحة ، فإنّ ما قومر عليه هو المجعول بين المتقامرين ، وحرمته لا تدلّ على حرمة العمل ولو كان المقامرة بمعنى المغالبة فيها ، مع أ نّه غير مسلّم بل الظاهر منها وممّا عبّرت بمثلها

هو القمار المعروف .

ومن هنا لا يصحّ الاستدلال برواية جابر إن كان محطّه الكلّية المذكورة .

ص: 32


1- تقدّمت في الصفحة 15 .
2- تقدّمت في الصفحة 15 .
3- تقدّمت في الصفحة 11 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 376 - 377 .

وأمّا إن كان محطّه قوله : «حتّى الكعاب والجوز» بدعوى أنّ عدّ الجوز ممّا قومر به دليل على أنّ ما ليس بآلة القمار داخل فيه وملحق به ، وبإلغاء الخصوصية يثبت الحكم لسائر آلات اللعب برهن .

ففيه : - مضافاً إلى أنّ اللعب بالجوز والبيض ممّا اتّخذ آلة للتقامر لا يبعد صدق القمار عليه لأجل ذلك الاتّخاذ - أنّ إلغاء الخصوصية منه إلى غيره ممّا هو غير متّخذ آلة مشكل بل ممنوع ؛ لخصوصية فيما اتّخذ آلة لذلك دون غيره كالتخطيط وتجويد القراءة والسبق بالسباحة والعدو . . . إلى غير ذلك . فإلحاق ما اتّخذ آلة له به لا يدلّ على إلحاق غيره به .

فالعمدة في المقام روايات باب السبق والرماية :

كمرسلة الصدوق المرويّة في «الفقيه» في باب حدّ من شرب الخمر وما جاء في الغناء والملاهي ، قال : وقال الصادق علیه السلام : «إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل ، وقد سابق رسول اللّه رحمهما اللّه اُسامة بن زيد وأجرى الخيل»(1) .

قال المحدّث الكاشاني في ذيلها : «ويأتي هذا الحديث في باب عدالة الشاهد مسنداً مع ما في معناه ، وفي آخره : وما عدا ذلك قمار حرام»(2) .

وما حكى في الباب المشار إليه ، روايتان بسند واحد عن العلاء بن سيابة :

إحداهما : قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن شهادة من يلعب بالحمام ؟ قال :

ص: 33


1- الفقيه 4 : 42 / 136 ؛ وسائل الشيعة 19 : 251 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- الوافي 15 : 149 ، ذيل الحديث 14821 .

«لا بأس إذا لم يعرف بفسق» . قلت : فإنّ من قبلنا يقولون : قال عمر : هو شيطان ؟ فقال : «سبحان اللّه ، أما علمت أنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قال : إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل ، فإنّها تحضره الملائكة ، وقد سابق رسول اللّه رحمهما اللّه اُسامة بن زيد وأجرى الخيل»(1) .

وثانيتهما : بهذا الإسناد ، قال : سمعته يقول : «لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام ، ولا بأس بشهادة صاحب السباق المراهن عليه ، فإنّ رسول اللّه رحمهما اللّه

قد أجرى الخيل وسابق ، وكان يقول : إنّ الملائكة تحضر الرهان في الخفّ والحافر والريش ، وما عدا ذلك قمار حرام»(2) .

وأنت خبير بما في اجتهاد الكاشاني من كون المرسلة عين المسندة ، فإنّ ظاهر الصدوق في المرسلة أنّ قوله : «إنّ الملائكة لتنفر . . .» من كلام الصادق علیه السلام لا منقول عن رسول اللّه رحمهما اللّه ، وصريح الرواية الاُولى وظاهر الثانية أ نّه من كلام رسول اللّه رحمهما اللّه .

مضافاً إلى أنّ الرواية الاُولى الشبيهة بالمرسلة في الفقرات مشتملة على جملة زائدة ، وهي قوله : «فإنّها تحضره الملائكة» ، على ما في نسختي : «من لا يحضر» ، و«الوسائل» .

وأمّا الثانية فلا مجال لاحتمال وحدتها مع المرسلة .

فالظاهر استقلال المرسلة ، وهي من المرسلات التي يشكل طرحها للإرسال .

ص: 34


1- الوافي 16 : 1012 / 16589 .
2- الوافي 16 : 1012 / 16590 .

نعم ، لو كانت عين المسندة وقطعة منها يشكل الاستناد إليها ؛ لأجل العلاء بن

سيابة(1) ، لكن قد مرّ بُعد ذلك .

وكيف كان فالظاهر من المرسلة حرمة السباق فيما عدا المذكورات .

والمناقشة في دلالتها تارة : بأنّ الرهان يمكن أن يكون جمع الرهن وهو المال المرهون ، أو مصدراً بمعنى جعل المال رهناً لا بمعنى السباق واللعب .

واُخرى : بأنّ نفار الملائكة ولعنها لا يلازمان الحرمة ولا يدلاّن عليها ، لإمكان نفارهم عن المكروهات أو بعضها سيّما مثل اللعب واللهو ممّا ينافي قداستهم ، وأمّا اللعن فقد ورد في المكروهات أيضاً .

كأ نّها في غير محلّها ؛ لقوّة ظهور الرواية في الرهان بمعنى السبق سيّما مع استشهاده بمسابقة رسول اللّه رحمهما اللّه اُسامة بن زيد ، بل هو دليل على أنّ المستثنى السباق بالمذكورات ، فإنّه لو كان المراد المال المرهون أو جعل الرهن دون المسابقة لما كان لاستشهاده بالسباق وجه وكان عليه الاستشهاد بجعل رسول اللّه رحمهما اللّه الرهن ، فإذا كان المستثنى ما ذكر يكشف عن المستثنى منه ، فلا إشكال من هذه الجهة .

وأمّا لعن الملائكة وكذا لعن اللّه تعالى ولعن رسوله رحمهما اللّه فالظاهر منه أنّ العمل الموجب له محرّم .

واستعماله أحياناً في مورد الكراهة ، كما عن أبي الحسن موسى علیه السلام قال : «لعن رسول اللّه رحمهما اللّه ثلاثة : الآكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده ،

ص: 35


1- راجع تنقيح المقال 2 : 257 / السطر 25 (أبواب العين) .

والراكب في الفلاة وحده»(1) ، وقد ورد في الدوابّ : «لا تلعنوها ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - لعن لاعنها»(2) . لا ينافي ظهوره في الحرمة .

وقد ورد مادّة اللعن قرب أربعين مورداً في القرآن الكريم لا يكون مورد منها

في أمر مكروه أو شخص مرتكب له ، فراجع(3) . بل غالب استعماله في موارد التشديد على المحرّمات أو الأشخاص المرتكب لها أو الكفّار والمنافقين والشيطان وأمثالهم ، فلا شبهة في ظهوره في الحرمة .

وأوضح منها دلالة رواية العلاء بن سيابة الثانية ، بل هي صريحة في المطلوب ، لكنّها ضعيفة .

فالإنصاف أنّ الحرمة لو لم تكن أقوى فهي أحوط ، سيّما مع حكاية عدم الخلاف من بعض الأعاظم واستظهاره من جمع ، كما قال الشيخ الأنصاري : «فلا أظنّ الحكم بحرمة الفعل مضافاً إلى الفساد محلّ إشكال ولا محلّ خلاف كما يظهر من كتاب السبق والرماية وكتاب الشهادات»(4) ، انتهى .

وأمّا الاستشهاد بصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر علیه السلام قال : «قضى أمير المؤمنين علیه السلام في رجل أكل هو وأصحاب له شاة ، فقال : إن أكلتموها فهي

ص: 36


1- الفقيه 2 : 181 / 810 ؛ وسائل الشيعة 11 : 410 ، كتاب الحجّ ، أبواب آداب السفر ، الباب 30 ، الحديث 7 .
2- الفقيه 2 : 188 / 845 ؛ وسائل الشيعة 11 : 483 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام الدوابّ ، الباب 10 ، الحديث 6 .
3- راجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم : 766 ، مادّة لعن .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 378 .

لكم ، وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا ، فقضى فيه : أنّ ذلك باطل لا شيء في المؤاكلة من الطعام ، قلّ منه أو كثر ، ومنع غرامته فيه»(1) بدعوى أنّ سكوت الإمام علیه السلام عن منع اللعب دليل على جوازه وإن كان باطلاً لا يوجب غرامة(2) .

ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الاستشهاد إمّا بسكوت الباقر علیه السلام عن بيان الحكم ، ففيه أ نّه بصدد بيان قضاء مولانا أمير المؤمنين علیه السلام ، ولم يكن لاعب عنده حتّى ينهاه ، أو بأنّ سكوته عن بيان منع علي علیه السلام دليل على عدم منعه علیه السلام وهو دليل على الجواز ، ففيه أ نّه علیه السلام بصدد بيان قضائه علیه السلام في الواقعة لا مطلق ما وقع فيها ، ولهذا لم يذكر كيفية الدعوى والمدّعي والمدّعى عليه . ولعلّ أمير المؤمنين علیه السلام نهى ع-ن العمل ولم يك-ن أبو جعفر علیه السلام بصدد نقله ، مع أنّ الواقعة كانت قضيّة خارجية لم تظهر حالها ، فلا معنى لاستفادة شيء من سكوته .

ثمّ إنّ في الرواية إشكالاً ، وهو أنّ نفي الغرامة خلاف القواعد ؛ لأنّ المعاقدة إن كانت فاسدة كان الأكل موجباً للغرامة ؛ لأ نّه كالمقبوض بالبيع الفاسد . وما يقال : إنّ الإباحة المالكية ترفع الغرامة(3) ، ليس بشيء ؛ لأنّ ما يوجب رفعها هو الإباحة المطلقة لا في ضمن معاملة فاسدة ، فلو باع شاة في بيع فاسد وقال : خذها وكلها ، فهل يمكن دفع الغرامة بالإباحة المذكورة ؟

فالأولى أن يقال : إنّ كيفية الدعوى والمدّعي والمدّعى عليه غير مذكورة

ص: 37


1- الكافي 7 : 428 / 11 ؛ وسائل الشيعة 23 : 192 ، كتاب الجعالة ، الباب 5 ، الحديث 1 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 378 - 379 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 221 .

في الرواية ، ولم يكن أبو جعفر علیه السلام بصدد بيان تمام الواقعة ، بل كان بصدد بيان نحو القضاء .

فعليه يحتمل أن يكون المدّعي في الواقعة صاحب الشاة ، مع إظهار أصحابه العجز عن الأكل بعد تمامية المشارطة وقبل التصرّف في الشاة ، فأراد أخذ الغرامة التي جاءت بعهدة أصحابه بتوهّم صحّة المعاقدة ، فمنع أمير المؤمنين علیه السلام

الغرامة . والقول بعدم صدق الغرامة عليه وَهْم ، فإنّ الغرامة ما يلزم أداؤه من المال ، ولهذا يقال للمديون : الغريم ، فالمال المشارط عليه يقع على عهدة المتخلّف ، فيكون غرامة وصاحبه غريماً .

فمع هذا الاحتمال لا دلالة في الصحيحة على خلاف القواعد ، فتدبّر .

حكم المغالبة بغير عوض في غير ما استثني

وأمّا المغالبة بغير عوض في غير ما استثني فقد حكي عن الأكثر عدم جوازها (1) ، ويظهر من موارد من «التذكرة» الاتّفاق عليه(2) .

والظاهر أنّ دعوى العلاّمة معلّلة لا يمكن الاتّكال عليها ، سيّما مع عدم تعرّض قدماء أصحابنا لذلك ظاهراً ، وسيّما مع تقييد شيخ الطائفة المسابقة على الأقدام وبالمصارعة وبالطيور ، بعوض في موضوع الحرمة ، بل ظاهره في المسابقة بالسفن ونحوها التقييد أيضاً (3) ؛ لاستدلاله بما استدلّ لغيرها ، وهو

ص: 38


1- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 380 ؛ رياض المسائل 9 : 408 .
2- تذكرة الفقهاء 19 : 14 - 17 .
3- المبسوط 6 : 291 - 292 .

قوله : «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(1) .

وكيف كان فقد استدلّ الشيخ الأنصاري عليه بأدلّة حرمة القمار وادّعى صدقه على مطلق المغالبة(2) ، وهو كما ترى .

وقد مرّت كلمات اللغويين المشحونة باعتبار الرهن(3) .

ولا شبهة في عدم صدقه عرفاً على المغالبة في الخطّ والقراءة والمصارعة وغرس الأشجار وحفر الأنهار والبناء ونحوها مع رهن فضلاً عن عدمه .

والأولى الاستدلال له بمرسلة «الفقيه» المتقدّمة ، قال : قال الصادق علیه السلام : «إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان . . .»(4) .

بدعوى : أنّ المراد بالرهان مطلق المسابقة ، كما هو أحد معانيه على ما يظهر من اللغة ، بقرينة استشهاده بأ نّه «قد سابق رسول اللّه رحمهما اللّه اُسامة بن زيد وأجرى الخيل» ، فلو كان مراده من الرهان السباق برهن أو مال الرهانة لما يناسب الاستشهاد بذلك ، فتدلّ على حرمة مطلق المغالبة .

ويمكن المناقشة فيه : بأنّ الظاهر من الرهان السبق برهن ، وإطلاقه على المسابقة لعلّه للمناسبة بينهما ولزوم السباق له ، فيكون ذلك قرينة على أنّ مراده من الاستشهاد بالسباق هو ما يشتمل على الرهن ، فقد ورد : «أنّ

ص: 39


1- الكافي5 : 50 / 14 ؛ وسائل الشيعة 19 : 252 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 382 .
3- تقدّم في الصفحة 8 .
4- تقدّمت في الصفحة 33 .

رسول اللّه رحمهما اللّه أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضّة»(1) ، ولعلّه كان مع اُسامة بن زيد .

ويشهد له رواية العلاء بن سيابة ، وفيها : «لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام ، ولا بأس بشهادة صاحب السباق المراهن عليه ، فإنّ رسول اللّه رحمهما اللّه

قد أجرى الخيل وسابق ، وكان يقول : إنّ الملائكة تحضر الرهان في الخفّ والحافر والريش ، وما سوى ذلك فهو قمار حرام»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ استشهاده بسباق رسول اللّه رحمهما اللّه وعمله لنفي البأس في سباق صاحب السباق المراهن عليه لا مطلق السباق .

والحمل على مطلقه بدعوى أنّ محطّ نظره مطلق اللعب ، كما يظهر من قوله : «يلعب بالحمام» بلا قيد ، ومن استشهاده بمسابقة ذاتها ، بعيد جدّاً ، بل الأظهر أنّ استشهاده للسبق برهن ، واتّكل على وضوح المراد .

ومثله في البعد توهّم أنّ الاستشهاد بقوله رحمهما اللّه لا بعمله ، أو بعمله في أصل السبق وبقوله فيه برهن . فإنّ كلّ ذلك تكلّف وبعيد عن الأفهام .

فالتشبّث بالمرسلة وكذا برواية ابن سيابة في غير محلّه .

كالاستدلال بقوله : «لا سبق إلاّ في خفّ . . .»(3) ، أو بمثل قوله في الشطرنج وغيره : «إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل مع أيّهما يكون ؟» قال : مع الباطل .

ص: 40


1- قرب الإسناد : 134 / 468 ؛ وسائل الشيعة 19 : 255 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 4 ، الحديث 4 .
2- الوافي 16 : 1013 / 16590 .
3- تقدّم في الصفحة 39 .

قال : «فلا خير فيه»(1) .

فإنّ قوله : «لا خير فيه» وإن كان كناية عن الحرمة ؛ لما مرّ(2) ، لكن لا يمكن الالتزام بحرمة مطلق الباطل ؛ لقيام الضرورة والسيرة على خلافها . فلا بدّ من حمله على قسم معهود منه . ولا يبعد أن يكون المراد به ما في قوله تعالى : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ( المفسّر بالقمار(3) ، وغاية اقتضاء إطلاقه حرمة أكل المال المتحصّل من الأسباب الباطلة ، أو حرمة تحصيل المال بها على ما تقدّم احتماله مع الجواب عنه(4) .

ومنه يظهر الجواب عن روايات يظهر منها حرمة مطلق الباطل(5) ، أو كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه ونحوها (6) .

نعم ، في «مقنع» الشيخ الصدوق : «ولا تلعب بالصوالج ، فإنّ الشيطان يركض معك والملائكة تنفر عنك . وروي أنّ من عثرت دابّته فمات دخل النار . واجتنب الملاهي كلّها واللعب بالخواتيم والأربعة عشر وكلّ قمار ، فإنّ الصادقين علیهم السلام

قد نهوا عن ذلك أجمع»(7) ، انتهى .

مع ما في أوّله من الشهادة على أنّ كلّ ما فيه روايات مسندة موجودة

ص: 41


1- تقدّم في الصفحة 19 .
2- تقدّم في الصفحة 20 - 21 .
3- تقدّمت الروايات المفسّرة في الصفحة 29 - 30 .
4- تقدّم في الصفحة 29 - 31 .
5- تقدّمت في الصفحة 19 و21 .
6- تقدّمت في الصفحة 16 .
7- المقنع : 458 .

في الكتب الاُصولية عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات(1) ، ومع ما في ذيل هذه العبارة من الجزم بأنّ الصادقين علیهم السلام نهوا عن ذلك أجمع ، فلا إشكال في سندها .

وأمّا دلالتها فيمكن أن يقال : إنّ الملاهي مطلق آلات اللهو واللعب ، كما تشهد به كلمات اللغويين :

ففي «الصحاح» : «وألهاه أي شغله» إلى أن قال : «ألهو لهواً إذا لعبت به ، وتلهّيت به مثله»(2) .

وفي «القاموس» : «لها لهواً : لعب ، كالتهى ، وألهاه ذلك . والملاهي : آلاته»(3) .

وفي «المنجد» : «لها يلهو لهواً الرجل : لعب» إلى أن قال : «المِلْهى - بالكسر - آلة اللهو ، الجمع : مَلاه» . نعم فيه : «آلات الملاهي : آلات الموسيقى»(4) .

لكن يمكن أن يقال : إنّ الظاهر منه أ نّها مصداق من الملاهي بعد تفسير اللهو باللعب .

وفي «مجمع البيان» : «عن المجاهد : كلّ لعب لهو . وقيل : اللعب ما رغّب في الدنيا ، واللهو ما ألهى عن الآخرة»(5) .

فتحصّل من ذلك وجوب اجتناب آلات اللهو واللعب كآلات القمار ونحو

ص: 42


1- المقنع : 5 .
2- الصحاح 6 : 2487 .
3- القاموس المحيط 4 : 390 .
4- المنجد : 737 .
5- مجمع البيان 9 : 359 .

الصولجان والكرة ، بل يمكن إلغاء الخصوصية من الخواتيم والصولجان وإسراء الحكم إلى مطلق اللعب .

وعليه يمكن الاستدلال للمطلوب برواية سماعة ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «لمّا مات آدم علیه السلام شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المَعازف والملاهي شماتة بآدم علیه السلام . فكلّ ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس فإنّما هو من ذلك»(1) .

ويمكن المناقشة في سند «المقنع» بأن يقال : إنّ ما في أوّله لا يدلّ على توثيق جميع ما في سلسلة السند ؛ لأ نّه قال : «إنّي صنّفت كتابي هذا وسمّيت كتاب «المقنع» لقنوع من يقرأه بما فيه ، وحذفت الأسناد منه لئلاّ يثقل حمله ولا يصعب حفظه ولا يملّه (ولا يملّ . ظ) قارئه . إذ كان ما اُبيّنه فيه في الكتب الاُصولية موجوداً مبيّناً عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهما اللّه »(2) ، انتهى .

وفيه احتمالان :

أحدهما : أ نّه بصدد الشهادة على موجودية ما في «المقنع» في الكتب الاُصولية ، فتكون شهادة على وجدانه فيها ، وإنّما ذكرت الأسناد فيما ذكرت لا لإثبات الكتب بل لأغراض اُخر كحفظ السلسلة ورجال الأسانيد كالأسناد الموجودة في عصرنا إلى الكتب الأربعة ، وبصدد شهادة اُخرى ، وهي توثيق صاحب الاُصول .

ص: 43


1- الكافي 6 : 431 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 313 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 100 ، الحديث 5 .
2- المقنع : 5 .

وعلى هذا يكون ما فيه بمنزلة رواية صحيحة لو قلنا بقبول توثيق عدل واحد في رجال السند .

وثانيهما : أن يكون بصدد بيان وثاقة طرقه إلى الاُصول لا توثيق أصحابها ، بأن يكون قوله : «مبيّناً» حالاً ، لا خبراً بعد خبر ، فيكون مراده أنّ وجودها في الكتب معلوم مبيّن بوسيلة المشايخ الثقات .

ولعلّ هذا الاحتمال أقرب ، لبعد امتياز «المقنع» عن سائر كتبه سيّما مثل «من لا يحضر» .

مضافاً إلى أنّ ظاهر قوله : «واجتنب الملاهي كلّها» أ نّه نهى عنه ، بقرينة قوله : «فإنّ الصادقين علیهم السلام قد نهوا عن ذلك أجمع» . ومعه لا يبقى إلاّ إرسال الصدوق ، وهو وإن كان من الإرسالات التي قلنا : إنّه يشكل طرحها ، لكن يحتمل أن يكون مثل اللعب بالخواتيم ونحوها داخلاً في القمار عنده كما قال جمع : إنّ القمار مطلق المغالبة(1) . ومعه لا يبقى ظهور في أنّ كلّ ما ذكرها بعناوينها منهيّة عنه ، مع أنّ عين النواهي غير مذكورة . فمن المحتمل أن لا تدلّ - بجهات تقدّم بعضها - على الحرمة .

ص: 44


1- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 371 .

فرعان :

حرمة المال المأخوذ بالقمار بعنوانه

أحدهما : أ نّه هل المأخوذ بالقمار والمال الذي جعل رهناً محرّم بعنوان ما يقامر عليه زائداً على حرمة التصرّف في مال الغير ، كما قلنا في ثمن الخمر والعذرة(1) ، أو كان حاله كالمقبوض بالعقد الفاسد ؟

يمكن الاستشهاد للأوّل بصحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن علیه السلام قال : «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(2) .

وقريب منها رواية العيّاشي عن الرضا علیه السلام (3) .

فإنّ الظاهر منهما أنّ ما قومر عليه بمنزلة الميسر ، لا بنحو المجاز في الحذف ، بل على نحو الحقيقة الادّعائية بملاك ترتّب الآثار ، فيكون ما قومر عليه بعنوانه محرّماً ومنزّلاً منزلته ، وهذا أقرب من جعل الرواية مفسّرة للآية الكريمة ؛ أي : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالمَيْسِرُ . . .( ؛ لأ نّه مع عدم إشعار فيها لذلك وإنّما احتمال أو ظنّ ناشٍ من ورود الميسر في الآية ، مع(4) أنّ الحمل على التفسير

ص: 45


1- تقدّم في الجزء الأوّل: 23 - 25 .
2- تقدّمت في الصفحة 15 .
3- تقدّمت في الصفحة 11 .
4- والظاهر أنّ لفظة «مع» زائدة .

يوجب ارتكاب خلاف ظاهر بعيد في الآية ، وهو استعمال الميسر وإرادة القمار وما قومر عليه . بل ما ورد في تفسيرها كروايتي جابر(1) ومحمّد بن عيسى(2) ليس فيهما ما قومر عليه ، بل فسّر فيهما بما قومر به ، فلا وجه لجعل مثل صحيحة معمّر بن خلاّد تفسيراً لها .

مضافاً إلى أ نّه لو جعلت مفسّرة أيضاً تدلّ على المقصود ظاهراً ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ ما قومر عليه بما هو كذلك داخل فيها ومراد منها ، وإن لا يخلو من نحو مناقشة .

وكيف كان لا شبهة في ظهورها فيما ذكرناه ، بل يمكن استظهار حرمته على صاحب المال منها أيضاً ، بأن يقال : إنّ ما قومر عليه حرام لا بعنوان أكل مال الغير حتّى يقال : لا معنى لحرمته على صاحبه ، بل بعنوان انتزاعي آخر هو عنوان ما قومر عليه ، فيحرم بهذا العنوان على جميع الناس .

وبعبارة اُخرى : أنّ أخذ مال المقامرة من صاحبه بعنوان الغلبة في القمار والالتزام بمقتضى مقامرتهما يجعل المال معنوناً بعنوانٍ محرّم ، فلا يجوز لأحد التصرّف فيه ولو صاحب المال .

نعم ، لو أخذ ماله بعنوان أنّ القمار ليس بسبب ، لا بأس به ويجوز تصرّفه فيه .

وأمّا احتمال خروج المال شرعاً عن المالية بمجرّد حصول التقامر عليه ضعيف جدّاً ، بل مقطوع الخلاف ، لكن الاحتمال المتقدّم موافق للأدلّة ولا يخالفه عقل أو نقل . وقد وقع نظيره في الشرع ، كحرمة الأكل على مائدة

ص: 46


1- تقدّمت في الصفحة 11 .
2- تقدّمت في الصفحة 12.

يشرب عليها الخمر(1) . فلا يجوز رفع اليد عن إطلاق الدليل بمجرّد الاستبعاد

أو تخيّله .

ولا يتوهّم أنّ ما ذكر نظير ما قيل في المغصوب : إنّه لا يجوز لصاحب المال أيضاً التصرّف فيه ، ولا يخفى ضعفه ؛ وذلك لأنّ حرمة المغصوب إنّما هو بعنوانه ، وهو التسلّط على مال الغير والاستيلاء عليه ، وحرمة تصرّفه باعتبار التصرّف في مال الغير عدواناً ، فلا معنى لحرمته على صاحب المال ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ الحرمة متعلّقة بعنوان آخر غير التصرّف في مال الغير ، فتدبّر .

دلالة الكتاب والسنّة على أنّ القمار من الكبائر

الثاني : القمار بأقسامه من الكبائر ؛ لظاهر قوله تعالى : )يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ((2) . ولا ينافيه قوله تعالى : )وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ

مِنْ نَفْعِهِما( ؛ لأنّ أكبريته منهما لا تنافي كونه كبيرة في نفسه كما يقتضيه صدر الآية .

وفي رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن علیه السلام -

في باب تحريم الخمر - قال : «فأمّا الإثم في كتاب اللّه فهي الخمر والميسر ، وإثمهما كبير كما قال اللّه عزّ وجلّ»(3) .

ص: 47


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 374 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، الباب 33 .
2- البقرة (2) : 219 .
3- الكافي 6 : 406 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 301 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 9 ، الحديث 13 .

ولروايتي الفضل بن شاذان(1) وأعمش(2) الواردين في عدّ الكبائر . وفي سندهما ضعف وإن قيل : إنّ سند الاُولى بأحد طرقه لا يخلو من حسن بل صحّح بعضهم ذلك(3) ، وقال الشيخ الأنصاري في باب الكذب : «إنّه لا يقصر عن الصحيح»(4) وسيأتي الكلام فيه(5) .

ويمكن الاستدلال على المطلوب برواية علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي الجارود في قوله تعالى : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .( وفي آخرها : «وقرن اللّه الخمر والميسر مع الأوثان»(6) .

ولا ريب في أ نّه ليس مراده من الإخبار بالمقارنة بينها صرف الإخبار بأمر ضروري لا فائدة فيه ، بل مراده بيان عظمة خطبهما وحرمتهما وأ نّه لهذه جعلهما قريناً للشرك .

ولعلّه تشير إلى ذلك ما دلّت على «أنّ شارب الخمر كعابد وثن»(7) ، وما دلّت

ص: 48


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 126 - 127 ؛ وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 .
2- الخصال : 610 ؛ وسائل الشيعة 15 : 331 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 36 .
3- راجع تنقيح المقال 2 : 233 / السطر 20 (أبواب العين) .
4- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 11 .
5- يأتي في الصفحة 91 .
6- تفسير القمّي 1 : 181 ؛ وسائل الشيعة 17 : 321 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 12 .
7- راجع وسائل الشيعة 25 : 317 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 13 .

على «أنّ الرجس من الأوثان : الشطرنج»(1) .

وقد استدلّ أبو عبداللّه علیه السلام في رواية عبد العظيم الحسني الصحيحة على أنّ شرب الخمر من الكبائر بقوله : «لأنّ اللّه عزّ وجلّ نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان»(2) . وهو إشارة إلى الآية المتقدّمة ، وليس مراده مجرّد تعلّق النهي بهما . بل المراد أنّ النهي عنهما مقارنان أو مشابهان في الكيفية ، فتدلّ على أنّ الخمر والميسر في العظمة والكبر كعبادة الأوثان وليس الاقتران بينها لصرف الجمع في التعبير بلا نكتة .

ويمكن الاستدلال عليه بما دلّت على أنّ الشطرنج كبيرة ، كرواية أبي بصير المحكيّة في «مستطرفات السرائر» عن جامع البزنطي عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتّخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية وكبيرة موبقة ، والخائض يده فيها كالخائض يده في لحم الخنزير . . .»(3) .

وهي كما ترى تدلّ على المقصود بجهات عديدة تظهر بالتأمّل فيها والمراجعة إليها . واشتمالها على ما يجب تأويله وهو قوله : «لا صلاة له حتّى يغسل يده» لا يوجب الوهن فيها ، كما أنّ الاستبعاد من بعض فقراتها لا يوجب ذلك .

ص: 49


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 318 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 1 و3 .
2- الكافي 2 : 287 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 320 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .
3- تقدّمت في الصفحة 24 .

وتدلّ أيضاً عليه مرسلة ابن أبي عمير(1) ورواية زيد الشحّام(2) عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيهما : قال : «الرجس من الأوثان : الشطرنج» . بناءً على أنّ المراد تنزيله منزلته ، تأمّل .

ويؤيّده رواية الحسين بن عمر بن يزيد عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «يغفر اللّه في شهر رمضان إلاّ لثلاثة : صاحب مسكر ، أو صاحب شاهين ، أو مشاحن»(3) .

وقريب منها رواية عمر بن يزيد(4) .

وهما وإن كانا في المزاولين بهما لكن تشعران أو تدلاّن على عظمتهما .

إلى غير ذلك ، فلا ينبغي الشبهة في كونه كبيرة .

ويتمّ المقصود في سائر أنواع القمار بعموم التنزيل في صحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن علیه السلام المتقدّمة(5) .

فلا يبعد استفادة التسوية بين أنواعه . بل لا يبعد أن يكون مراده من ذلك نفي

الفرق بين الشطرنج وغيره ، سيّما مع قوله : «وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر» .

ثمّ إنّه يستفاد من ذيل صحيحة معمّر أنّ التصرّف فيما قومر عليه أيضاً كبيرة ، لإطلاق التنزيل والهوهوية .

ويمكن الاستدلال عليه بموثّقة السكوني عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كان

ص: 50


1- تقدّمت في الصفحة 22 .
2- تقدّمت في الصفحة 23 .
3- تقدّمت في الصفحة 23 .
4- تقدّمت في الصفحة 23 .
5- تقدّمت في الصفحة 15 .

ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن يؤكل» وقال : «هو سحت»(1) . بضميمة روايتي الفضل بن شاذان وأعمش(2) ، وقد عدّ السحت فيهما من الكبائر ، فينقّح موضوعهما بالموثّقة ، لكنّهما ضعيفتان .

ص: 51


1- الكافي 5 : 123 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 6 .
2- تقدّم تخريجهما في الصفحة 48، الهامش 1 و2 .

المسألة الخامسة في الكذب

ماهية الصدق والكذب

وقد اختلفوا في ماهية الصدق والكذب :

والمشهور أنّ الأوّل مطابقة الخبر للواقع ، والثاني مخالفته له(1) .

وقد يقال : إنّ الأوّل مطابقة الحكم للواقع ، والثاني مخالفته له ، وأنّ رجوع

الصدق والكذب إلى الحكم أوّلاً وبالذات ، وإلى الخبر ثانياً وبالواسطة ، قال به التفتازاني(2) .

وهذا بوجه نظير قول من قال : «إنّ الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة»(3) إن كان مراد التفتازاني بالحكم الإدراك الذهني والحكم النفسي، وسيجيء الاحتمالات في كلامه .

ص: 52


1- راجع المطوّل : 38 .
2- نفس المصدر .
3- الشفاء ، المنطق 1 : 25 ؛ الإشارات والتنبيهات ، شرح المحقّق الطوسي 1 : 32 ؛ الجوهر النضيد: 8.

أقول : لا شبهة في أنّ الكلام بنفسه مع قطع النظر عن صدوره من متكلّم مريد دالّ على المعنى . فلو نقشت بواسطة الحوادث الكونية كلمة : «السماء فوقنا» ، و«السماء تحتنا» فلا يمكن أن يقال : إنّا لا نفهم منهما شيئاً أصلاً ، أو هما لا يحكيان عن مدلولهما ، أو يقال : إنّ المدلول منهما شيء واحد ، أو إنّ مدلولهما ليس موافقاً ولا مخالفاً للواقع . فعليه تكون الجملة الاُولى صادقة ، والثانية كاذبة .

وتوهّم أنّ ما يحكيان عنه ليس بنحو الدلالة ، بل بنحو الخطور لاُنس الذهن(1) ، خلاف الوجدان . وهو أصدق شاهد على عدم الفرق في الدلالة بين الكلام الصادر من متكلّم شاعر وبين الصادر من غيره .

فبطل القول بأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة ، أو الوضع عبارة عن التعهّد بإرادة المعنى من اللفظ ، أو أنّ الدلالة عبارة عن إبراز ما في الضمير ، وما

فيه حاكٍ عن الواقع(2) .

مضافاً إلى أنّ الكلام الصادر من المتكلّم لا يحكي إلاّ عن الواقع ونفس الأمر مستقيماً ، من غير دلالة على المعاني الذهنية وصورها ، وهو وجداني جدّاً . فيكون الصدق والكذب من صفات الخبر أوّلاً وبالذات ، وإنّما يتّصف المتكلّم بكونه صادقاً أو كاذباً لأجل إخباره . فلا محالة تكون سعة اتّصافه بالصادق والكاذب تابعة لإخباره ؛ لعدم إمكان أن يكون الخبر صادقاً وقد أخبر به المتكلّم

ص: 53


1- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 43 .
2- درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 41 - 43 ؛ أجود التقريرات 1 : 18 - 19 و46، الهامش ؛ مصباح الفقاهة 1 : 543 .

ومع ذلك لا يكون صادقاً ، وكذا في الكذب .

لكن نرى في العرف والعادة عدم إطلاق الكاذب على الخاطئ والمشتبه ، فلا يقال لمن صنّف كتاباً مشتملاً على أحكام اجتهادية مخالفة للواقع : «إنّه كاذب» ، ولا لمن أخبر بإعطاء شيء لزيد غداً فمنعه مانع عنه : «إنّه كذب وإن كان معذوراً» .

وبالجملة : إنّ العرف يطلقون على مثله الخطأ والاشتباه أو نحوهما ، ولا يقال : «إنّه كاذب» أو «كذب فلان» . ولازم ذلك أن يكون أمثال ذلك خارجة عن الصدق والكذب بالمعنى المصدري ، وإن لم تخرج عن أحدهما بمعنى حاصل المصدر ؛ أي نفس الكلام .

ويظهر من «المنجد» دخالة الاعتقاد فيه ، قال : «كذب ، ضدّ صدق : أخبر عن الشيء بخلاف ما هو ، مع العلم به»(1) .

ثمّ إنّ ما ذكرناه غير مقالة النظّام(2) ، فإنّه لم يفرّق بين الكلام والمتكلّم ؛ أي بين الصدق والكذب وبين الصادق والكاذب ، بل الظاهر عدم التزام أحد به .

ويمكن أن يقال : إنّ عدم انتساب [الكذب] إلى المفتي بالأحكام المخالفة للواقع ، وكذا غيره المخبر بمقالة كاذبة مع اعتقاده صدقها ، وأمثال ذلك ، إنّما نشأ

من أدب العشرة واحتراز الناس عن استعمال لفظ يشعر بالذمّ أو يدلّ عليه ، وانتسابه إلى غيره ولو مع إرادة خلاف ظاهره وإقامة قرينة عليه . والظاهر من

ص: 54


1- المنجد : 678 .
2- اُنظر المطوّل : 39 .

قوله : «كذب فلان» أو «هو كاذب في مقالاته» أ نّه كذب عمداً ، ولا أقلّ من إشعاره بذلك ، وهو نحو إهانة بالطرف أو خلاف أدب . بل قد يكون سلب انتساب بعض القبائح موجباً للهتك والإهانة ، فيحترز الناس عنه ، فإنّ في السلب أيضاً إشعاراً بالذمّ ، فلا يقال للرجل الشريف : «إنّه ليس بسارق ولا زانٍ» .

فعدم انتساب الكذب ، للاحتراز عن الإهانة . ولهذا نرى احترازهم عن ذلك مختلفاً باختلاف عظمة الطرف ، فاستعمل الخطاء والاشتباه ونحوهما مكانه وشاع الاستعمال فصار منشأً لتوهّم عدم الصدق ، وإلاّ فلا ينبغي الإشكال في صدق الكاذب على من أخبر بكلام مخالف للواقع .

وإنّما يختصّ ما ذكرناه بالكلام والأقوال دون الأفعال ، فيقال لمن شرب الخمر خطاءً : إنّه شربها ، وهكذا ؛ فلعلّه لكثرة الابتلاء بالأقوال المخالفة للواقع خطاءً ، فإنّ الكتب ملؤ من ذلك ، فصارت كثرة استعمال الخطاء ونحوه منشأ لذلك ، بخلاف الاشتباه في الأفعال ، فإنّ الابتلاء بها قليل في موارد الاستعمال ، فتدبّر .

ثمّ إنّ التفتازاني فسّر قول صاحب «التلخيص» : «صدق الخبر مطابقته للواقع» بمطابقة حكمه .

فلا يخلو مراده منه عن أن يكون إمّا الحكم النفساني والإدراك بأنّ هذا ذاك أو غيره ، أو الإدراك بوقوع النسبة أو لا وقوعها . كما يؤيّده قوله بعد ذلك - في مقام الجواب عن الإشكال بأنّ القضيّة المشكوك فيها ليست متّصفة بصدق ولا كذب ؛ لعدم الحكم فيها - : «إنّ الحكم بمعنى إدراك وقوع النسبة أو لا وقوعها ، وحكم الذهن بشيء من النفي والإثبات وإن لم يتحقّق لكن إذا

ص: 55

تلفّظ بالجملة الخبرية مع الشكّ ، بل مع القطع بالخلاف ، فكلامه خبر لا محالة»(1) ، انتهى ملخّصاً .

فيكون حاصل مراده أنّ إدراك النفس وحكمها بأنّ هذا ذاك ، أو إدراكه بوقوع النسبة أو لا وقوعها متّصف بالكذب أوّلاً وبالذات ، ولأجله يتّصف الخبر به .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ لازمه أنّ المخبر بقوله : «السماء تحتنا» مع اعتقاده بأ نّها فوقنا لا يكون صادقاً ولا كاذباً ، ولا مقالته صدقاً ولا كذباً ؛ لأنّ اعتقاده

وإدراكه موافق للواقع ، وإخباره مخالف له ولاعتقاده ، فلا يكون إخباره صادقاً ؛ لمخالفته لهما ، ولا كاذباً ؛ لأنّ موصوفية الكلام بالكذب على هذا المبنى يكون ثانياً وبواسطة الإدراك النفساني المخالف للواقع ، وليس الأمر كذلك هاهنا ، فتدبّر .

أو كان مراده من الحكم إيقاع المتكلّم وجعله الخبر للمبتدأ .

وفيه : أنّ هذا فعل المتكلّم وليس له محكيّ يطابقه أو لا يطابقه .

أو كان مراده منه النسبة الحكمية .

وهو مع كونه خلاف ظاهرهم مقدوح فيه بأنّ النسبة الحكمية التصوّرية ليس لها واقع محكيّ يطابقها أو لا يطابقها ، والتصديقية منها عين الخبر ، فإنّه ليس إلاّ

ما يحكي عن كون هذا ذاك أو هذا لذاك .

ولو كان مراده منه الحكم بالوقوع أو اللا وقوع .

يرد عليه - مضافاً إلى ما تقدّم - : أنّ الحكم الكذائي مجرّداً عن متعلّقه

ص: 56


1- المطوّل : 38 - 39 .

لا يتّصف بالصدق والكذب ، بل لا تحقّق له ، وباعتبار متعلّقه يتّصف ثانياً وبالعرض بهما ؛ لما عرفت من أنّ الجملة الخبرية تدلّ على مفادها ولو لم يصدر من متكلّم شاعر ، فالحكم بالوقوع واللا وقوع لا دخالة له لاتّصافها بهما .

في عدم تقوّم الكذب بالقول واللفظ

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الكذب لا يتقوّم بالقول واللفظ ، بمعنى كونه قولاً خارجاً من الفم معتمداً على المخارج مخالفاً مضمونه للواقع ، حتّى لا تكون الإشارة والكتابة بل المبالغات والكنايات والمجازات كذباً ، فإنّ الإشارة والكتابة ليستا ألفاظاً ، بل الاُولى فعل والثانية نقش حاكٍ عن الواقع .

وفي المبالغات وتاليتيها لم تستعمل الألفاظ في المعاني التي يراد الإخبار بها

جدّاً ، وليست من قبيل استعمال اللفظ في غير ما وضع له حتّى المجازات ، على ما هو التحقيق من أ نّها من قبيل الحقائق الادّعائية(1) ، لا كما ذكره السكّاكي في الاستعارة(2) ، بل باستعمال اللفظ في معناه الموضوع له وتطبيق المعنى على المراد الجدّي ادّعاءً .

ففي مثل «زيد أسد» استعمل لفظ الأسد في معناه ، وادّعي أنّ زيداً مصداق لماهية الأسد ، فعليه لا يكون قوله ذلك مع عدم شجاعة زيد كذباً :

أمّا بالنسبة إلى المفاد الاستعمالي فلعدم تعلّق الإرادة الجدّية به ، وسيأتي اعتباره في الصدق والكذب لا الجدّ مقابل الهزل بل مقابل الاستعمال .

ص: 57


1- راجع مناهج الوصول 1 : 62 .
2- مفتاح العلوم : 156 .

وأمّا بالنسبة إلى المعنى المراد ؛ أي الإخبار بالشجاعة ، فلعدم التلفّظ به .

وأوضح منها الحال في الكنايات والمبالغات .

ولا مطلق الإيصال إلى خلاف الواقع والإفهام له والدلالة عليه - حتّى يكون مثل نصب علامة الفرسخ على ما دونه للدلالة على الفرسخ ، وإظهار الكلام جزماً لإفهام اعتقاده بمضمونه ، والأذان قبل دخول الوقت للإعلام بدخوله ، والمشي على زيّ الأشراف والأغنياء لإراءة خلاف ما هو عليه - كذباً ، ولازمه أن يكون في بعض الأحيان كذب واحد أكاذيب كثيرة ، بل غير محصورة ، كمن أخبر بأنّ اليوم الكذائي جمعة ، وكان سبتاً ، فإنّ لازم كونه جمعة أن يكون بعده سبتاً ، وبعد بعده أحداً ، وهكذا ، وقبله خميساً ، وقبل قبله أربعاء ، وهكذا ، والالتزام بها كما ترى .

بل الظاهر أنّ الكذب بالمعنى المصدري عرفاً عبارة عن الإخبار المخالف للواقع ، والإخبار لم ينحصر باللفظ والقول الخارج من الفم ، بل يشمل الكتابة والإشارة ونحوهما عرفاً كما يطلق على ما في الصحف والمجلاّت واليوميات .

وفي مثل المجازات وتاليتيها يكون المتكلّم مخبراً عن لازم كلامه لا عن مضمونه .

فالقائل بأنّ زيداً كثير الرماد أخبر عن سخائه . فلو لم يكن زيد سخيّاً ولم يكن في كلامه تأوّل آخر يكون المخبر كاذباً والخبر كذباً ، وكذا في النظائر .

وفي مثل جعل النصب دون الفراسخ إذا لم يكتب عليها أنّ هذا رأس الفرسخ لم يكن مجرّد الوضع إخباراً وكذباً عرفاً ، والمؤذّن قبل الوقت لم يخبر بالوقت ، والماشي على غير زيّه لم يخبر بشيء ولا يقال : إنّه أخبرني بكذا ، ولوازم المخبر

ص: 58

عنه ليست بإخبار ، بل الإخبار إنّما هو عن الملزوم ، وهي لوازم المخبر عنه .

وما ذكرناه هو الموافق لفهم العرف . فعليه ليس الإخبار أو الخبر عبارة عن القول أو اللفظ المحتمل للصدق والكذب بل أعمّ منه وممّا قام مقامه ، لكن لا بنحو يشمل مطلق ما له حكاية .

ولعلّ السرّ فيه أنّ الصدق والكذب عبارة عن إلقاء الجملة الخبرية لإفادة مضمونها أو لإفادة جملة اُخرى .

فتندرج فيهما المجازات والمبالغات والكنايات إذا اُريد بها الإخبار ، وكذا يدخل الكتابة ، وإن احتمل فيها ما يأتي في الإشارة ، وهو أنّ الإشارة المستعملة مكان الجملة الإخبارية كالإشارة ب- «نعم» و«لا» في جواب هل زيد قائم ؟ فالظاهر أنّ إطلاق الصدق والكذب عليها باعتبار قيامها مقام القول عرفاً ، بخلاف سائر الأفعال الحاكية عن خلاف الواقع ، فإنّها ليست من مقولة الأخبار والأقوال ولا نائباً منابها ، بل لها دلالة مستقيمة على الواقع في مقابل الأخبار .

فأذان المؤذّن قبل الوقت ليس بكذب ؛ لأنّ مقالته ؛ أي فصوله بما أ نّها حاكية عن معانيها ، لا تحكي عن دخول الوقت لا مطابقة ولا التزاماً ، بل إيقاع هذا العمل كاشف عن دخول الوقت ؛ للتعارف والعادة .

ففرق بين الأعمال القائمة مقام الأقوال ، وغيرها ممّا هي كاشفة عن واقع لزوماً .

وأمّا لوازم المخبر به في المثال المتقدّم ؛ أي الإخبار بأنّ هذا يوم السبت ، فلا يقال فيها : إنّه أخبر باُمور غير محصورة ؛ لأ نّه لم يخبر إلاّ عن يوم السبت ،

واللوازم المذكورة لوازم المخبر عنه الوحداني . ففي قوله : زيد طويل النجاد ،

ص: 59

إخبار عن طول قامته أو شجاعته ، لا عن طول النجاد ، بخلاف قوله : هذا يوم السبت ، فإنّه إخبار عن مضمونه ، لا عن الأيّام الاُخر .

في عدم تقوّم الكذب على إفهام المخاطب

ثمّ إنّ الكذب هل يتقوّم على إفهام الغير مضمون الجملة ، فلا يقال للجملة التي لا مخاطب لها : إنّها صدق أو كذب ، أو لا يتوقّف إلاّ على صدور الجملة المخالفة للواقع من المتكلّم ؟

يمكن أن يقال : إنّ الصدق والكذب متفرّعان على الحكاية عن الواقع ، والحكاية فرع الدلالة أو هي هي ، ومعنى الدلالة الفعلية على شيء كون الكلام هادياً ومرشداً إلى الواقع أو إلى مفاد الجملة المنطبق عليه ، والدلالة الفعلية بما

أ نّها من الاُمور الإضافية تحتاج إلى الأطراف من الدالّ والمدلول والمدلول عليه ، فلا يتّصف الكلام بالدلالة الفعلية إلاّ إذا كان عند المتكلّم مخاطب مهديّ بكلامه بالفعل إلى مضمون الجملة الحاكية عن الواقع ، ومع فقد المهديّ بالفعل لا تكون الدلالة والهداية فعلية ؛ لأنّ المتضايفين متكافئان قوّة وفعلاً ، بل يكون الكلام دالاًّ اقتضاءً ؛ أي له اقتضاء الدلالة لا فعليتها ، وليس المتكلّم مهديّاً وهادياً

باعتبارين ؛ لأنّ كلامه ليس هادياً له إلى الواقع أو إلى مدلوله التصديقي .

ويؤيّد ذلك ما قال المحقّق الطوسي رحمه الله علیه بلفظه : «دلالة اللفظ لمّا كانت وضعية كانت متعلّقة بإرادة المتلفّظ ، الجارية على قانون الوضع ، فما يتلفّظ به ويراد به معنىً ما ويفهم عنه ذلك المعنى يقال : إنّه دالّ على ذلك المعنى»(1) .

ص: 60


1- الإشارات والتنبيهات ، شرح المحقّق الطوسي 1 : 32 .

وقول شارح «حكمة الإشراق» : «فالدلالة الوضعية تتعلّق بإرادة اللافظ الجارية على قانون الوضع ، حتّى إ نّه لو أطلق وأراد به معنىً وفهم منه لقيل : إنّه

دالّ عليه ، وإن فهم غيره فلا يقال : إنّه دلّ عليه»(1) .

وهما كما ترى ظاهران في أنّ الدلالة كما هي متوقّفة على إرادة اللافظ ، متوقّفة على فهم المخاطب ، فإذا لم يدلّ الكلام على مضمونه فعلاً لا يعقل مطابقته للواقع ومخالفته ؛ لكونهما متفرّعتين على الحكاية والدلالة ، ومع فقدهما لا يتّصف الكلام بالصدق والكذب ، والمتكلّم بالصادق والكاذب ، بل لازم ذلك عدم الكذب في الأخبار التي لا تفيد المخاطب فائدة خبرية ، كقوله : «السماء تحتنا» لمن يعلم مخالفته للواقع . فيعتبر فيه أن يكون الكلام دليلاً وهادياً بالفعل

إلى الواقع ، ومع العلم ليس كذلك .

ويمكن أن يناقش فيه : بأنّ الكذب ليس عبارة عن مخالفة مضمون الجملة بعد الدلالة بهذا المعنى الذي ظاهر كلام العلمين المتقدّمين ؛ أي بعد إرادة المتكلّم

وفهم السامع ، بل الصدق والكذب عبارة عن موافقة مضمونها ومخالفته للواقع . فحينئذٍ يقال : إنّ جملة «السماء تحتنا» و«السماء فوقنا» لا محالة يكون لهما مضمون ومعنىً مع قطع النظر عن فهم السامع ، وإلاّ لزم أن لا يفهم منهما معنىً إلاّ على وجه دائر ، فإذا كان لهما مضمون فلا محالة يكون معنىً تصديقياً لا تصوّرياً ، ولازمه مخالفة الاُولى للواقع دون الثانية ، وهما الصدق والكذب ، فإذا صدرتا من المتكلّم بنحو الجدّ يتّصف لا محالة بالصادق والكاذب .

ص: 61


1- شرح حكمة الإشراق : 36 .

فالدلالة بالمعنى المتقدّم غير دخيلة في صدق الكلام والمتكلّم وكذبهما .

ولو سلّمت دخالتها فيهما فيمكن أن يقال : إنّ الدلالة عبارة عن كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ، فهذا المعنى التعليقي حقيقة الدلالة ، فلا تكون الدلالة اقتضائية وتعليقية ، بل معناها عبارة عن أمر تعليقي حاصل بالفعل ، فالكلام بهذا المعنى دالّ بالفعل على معناه ، لأ نّه بحيث يلزم من فهمه فهم المعنى ، وهو أمر فعلي ؛ أي هذا الأمر التعليقي حاصل بالفعل .

ولعلّ مراد العَلَمَين ليس ما يوهم ظاهر كلامهما ، بل يكون مرادهما أنّ اللفظ إذا اُطلق واُريد به المعنى بالإرادة الاستعمالية وكان بحيث يفهم منه المعنى على قانون الوضع ، كان دالاًّ . فقوله : «رأيت أسداً» إذا اُريد به الرجل الشجاع من غير قيام قرينة لا يدلّ عليه ؛ لعدم كونه مفهماً للمعنى المقصود ، بخلاف ما إذا عمل المتكلّم بقانون الوضع وأقام القرينة، فإنّه يدلّ على المعنى. وكذا الحال في مخالفة

قانون الوضع لو أطلق اللفظ وأراد المعنى الحقيقي لكن أقام قرينة المجاز .

فعليه لا يكون مرادهما ممّا ذكرا تبعية الدلالة للإرادة ولا تبعيتها لفهم المخاطب فعلاً بوجه ، تأمّل .

ثمّ إنّ ما ذكرناه أخيراً متفرّعاً على ما تقدّم غير وجيه ؛ لأنّ باب دلالة الألفاظ على معانيها غير باب مطابقة مضمون الكلام لنفس الأمر ، والثاني ليس من باب الدلالة في شيء ، وما هو من بابها عبارة عن إحضار المعاني في ذهن المخاطب بإلقاء الكلام ، وهو حاصل في الأخبار الضروري الصدق أو الكذب .

ولو قلنا : بأنّ الدلالة عبارة عن إرشاد المخاطب إلى معاني الألفاظ تكون في المقام حاصلة أيضاً ، فإنّها لا محالة تحضر المعاني في ذهن المخاطب ،

ص: 62

وكونها ضرورياً غير مربوط بالدلالة .

ثمّ إنّ المبالغات والمجازات والكنايات إنّما تتّصف بالصدق والكذب إذا اُريد بها الإخبار عن واقع ولو كان لازماً لها ، دون ما اُريد بها إنشاء المدح والذمّ ، فإنّها لا تتّصف بهما بالغة ما بلغت . وفهم المعنى التصديقي عن الإنشاء ليس بمخبر به ، نظير إنشاء البيع الذي ينتقل الذهن منه إلى كون البائع سلطاناً عليه ، وإنشاء الزواج الدالّ على كون المرأة خليّة ، فلا تتّصف لأجله بهما .

وأمّا قضيّة جواز مدح من يستحقّ الذمّ أو العكس فهي أمر آخر .

الميزان في صدق المتكلّم وكذبه

ثمّ إنّ التحقيق أنّ الميزان في صدق المتكلّم وكذبه استعمال الجملة الإخبارية في معنىً موافق أو مخالف للواقع ، فمع عدم الاستعمال فيه ، أو الاستعمال في معنىً مخالف لظاهر الكلام المخالف للواقع لم يكن كاذباً إذا كان المعنى المراد موافقاً للواقع .

فالمتلفّظ بألفاظ مهملة لا يكون كاذباً إذا لم يستعملها في معنىً . وكذا المتلفّظ بألفاظ لا يعلم اللافظ أ نّها موضوعة أو مهملة ، أو لا يعلم مضمون الجملة مطلقاً ، أو لا يعلم أ نّها إنشائية أو إخبارية ، كلّ ذلك بشرط عدم الاستعمال في خصوص معنىً مخالف للواقع ولو غلطاً وعلى خلاف قانون الوضع .

ولو علم أنّ لها معنىً كاذباً إجمالاً من غير العلم بخصوص المعنى ولو إجمالاً ، فلا يبعد عدم الاتّصاف به ، ويحتمل الاتّصاف إذا ألقى الكلام لإفادة المعنى الواقعي ، ولو علم أنّ مضمونها إمّا هذا أو ذاك وكان أحدهما موافقاً

ص: 63

والآخر مخالفاً ، فإن ألقى الكلام بلا استعمال في المعنى الكاذب أو في المعنى الواقعي لا يكون كاذباً ، وإلاّ فعلى الأوّل كاذب وعلى الثاني لو صادف المخالفة لا يبعد أن يكون كاذباً .

ولو علم أنّ الجملة موضوعة لخصوص معنىً غير موافق للواقع لكن لا يعرف معنى ألفاظها ، بأن لا يعلم أنّ في قوله : «رأيت أسداً» أيّ لفظ بمعنى الحيوان المفترس وإن علم أنّ مضمون الجملة مفيد لرؤيته ، فحينئذٍ إن استعمل مجموع الجملة في المعنى يكون كاذباً مع عدم الموافقة ، وإن لم يكن استعماله على قانون الوضع وكان غلطاً ، نظير أن يستعمل الأسد في رجل بلا نصب قرينة وقال : «رأيت أسداً» وأراد زيداً وكان مخالفاً للواقع ، فإنّه كاذب بلحاظ هذا الاستعمال ، وإن كان صادقاً بحسب ظاهر لفظه بأن رأى أسداً .

وبالجملة : الميزان في الكذب والصدق مخالفة المعنى المستعمل فيه وموافقته للواقع ، لا صحّة الاستعمال .

هذا إن استعمل مجموع الجملة في المعنى بلا لحاظ استعمال المفردات .

وأمّا إن لاحظ استعمالها ، فإن استعمل خصوص بعض الألفاظ في خصوص بعض المعاني وإن كان الاستعمال خطأ يتّصف بالكاذب والصادق .

وإن ألقى الكلام بلا إرادة استعمال ألفاظه في معانيه ، بل لغاية فهم المخاطب العارف بالمعنى ، لا يكون كاذباً على إشكال .

ولو ألقى الكلام ليكون كلّ لفظ منه حاكياً عن معناه الواقعي فالظاهر الاتّصاف إن أراد من الألفاظ معانيها الواقعية وإن لم يعرفها ، نظير الاستعمال في المعلوم بالإجمال ؛ أي واقعه المعلوم عند اللّه تعالى .

ص: 64

عدم كون التورية وخلف الوعد كذباً

وممّا ذكرناه من اعتبار الاستعمال في المعنى المخالف للواقع في الكذب لا يبقى إشكال في عدم كون التورية كذباً ؛ ضرورة أنّ المورّي استعمل الجمل في المعاني الموافقة للواقع ولو على خلاف قانون الوضع والمحاورات ، كاستعمال اللفظ المشترك في غير المعنى المسؤول عنه مثلاً ، فإن قال في جواب قوله : أزيد في الدار ؟ ليس زيد في الدار ، مريداً غير ما في السؤال ، أو قال : ليس في الدار ، مريداً غيره ، ليس كاذباً ؛ لأنّ المستعمل فيه موافق للواقع فرضاً ،

والظاهر المخالف له غير مستعمل فيه .

بل لو استعمل الألفاظ في معانيها وأراد بحسب الجدّ غيرها بنحوٍ من الادّعاء لا يكون كاذباً ، وهو ظاهر .

كما أنّ خلف الوعد ليس كذباً وهو معلوم ، وكذا الوعد ولو مع إضمار عدم الإنجاز ؛ لأ نّه إنشاء لا إخبار .

هذا جملة من الكلام في موضوعه .

حرمة الكذب وما يلحق به

وأمّا حكمه ، فحرمته في الجملة ضرورية لا تحتاج إلى إقامة الدليل عليها وإن كان في دعوى حكم العقل بها (1) نظر .

فالأولى البحث عن خصوصيات اُخر :

ص: 65


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 11 .

انصراف أدلّة الحرمة عن الكذب عند نفسه

منها : الظاهر أنّ الأدلّة منصرفة عن الكذب عند نفسه مع عدم مخاطب .

بل الظاهر انصرافها عن التكلّم به عند مخاطب لم يسمع الكلام لصممه ، أو لم يفهم معناه لعدم تميّزه أو جهله به ، فإنّ المتكلّم بالجملة الكاذبة عند المذكورين ليس بمخبر وإن صدر منه الكذب .

والمنع عنه باحتمال أن يكون مراد الشارع عن المنع عنه تنزّه لسان المتكلّم عن التقوّل بالكذب ، احتمال عقلي غير منافٍ لانصرافها . وفي الروايات إشعارات وتأييدات لذلك :

كقوله : «الكاذب على شفا مخزاة وهلكة»(1) .

وقوله : «من كثر كذبه ذهب بهاؤه»(2) .

وقوله : «إنّ ممّا أعان اللّه به على الكذّابين النسيان»(3) .

وقوله : «إنّ الكذّاب يكذب حتّى يجيء بالصدق فلا يُصدَّق»(4) .

ص: 66


1- الفقيه 1 : 132 / 613 ؛ وسائل الشيعة 12 : 246 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 13 .
2- الكافي 2 : 341 / 13 ؛ وسائل الشيعة 12 : 244 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 5 .
3- الكافي 2 : 341 / 15 ؛ وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 7 .
4- الكافي 2 : 341 / 14 ؛ وسائل الشيعة 12 : 244 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 6 .

وقوله : «الكذب يسوّد الوجه»(1) .

وقوله : «اجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة فإنّ فيه الهلكة»(2) . إلى غير ذلك(3) .

حكم ما يفيد فائدة الكذب كالتورية والإنشاء والأفعال

وهل يلحق بالخبر الكاذب ما يفيد فائدته ، كالتورية والإنشاء ، كما حكى الشيخ الأنصاري عن بعض الأساطين : «إنّ الكذب وإن كان من صفات الخبر إلاّ أنّ حكمه يجري في الإنشاء المنبئ عنه ، كمدح المذموم ، وذمّ الممدوح ، وتمنّي المكاره ، وترجّي غير المتوقّع . . .»(4) .

وكالأفعال المفيدة فائدته ، كتأوّه السالم لإفادة العلّة ، وتلبّس الغنيّ لباس الفقير لإفادة فقره ، وتلبّس الجاهل لباس العلماء لإفادة كونه منهم ، ونصب العلامة دون الفرسخ لإفادة كونها رأسه ، ونصب الرايات والبيارق لإفادة إقامة العزاء مع مخالفتها للواقع ، وأمثال ذلك ؟

ففي «الجواهر» : «قد يقال : إنّه وإن كان من صفات الخبر لكن يجري حكمه في الإنشاء المنبئ عنه مع قصد الإفادة . وأمّا الكذب في الأفعال فلا يخلو من

ص: 67


1- مستدرك الوسائل 9: 88، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 120، الحديث 22.
2- مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 25 .
3- راجع وسائل الشيعة 12 : 243 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 83 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 15 .

إشكال . والتورية والهزل من غير قرينة داخلان في اسمه أو حكمه»(1) ، انتهى .

أو لا يلحق شيء منها به مطلقاً ، أو يفصّل بين الأخبار المفيدة فائدته ، كالتورية والهزل ، وبين غيرها ، أو بين الكلام المفيد فائدته وغيره ، فلا تلحق به الأفعال ؟

غاية ما يمكن الاستشهاد به لإلحاق الجميع ، أن يقال : إنّ العرف مساعد لإلغاء الخصوصية عن الكذب إلى كلّ ما يفيد فائدته ، فإنّه عبارة عن جملة إخبارية متقوّمة بألفاظ وهيئة خاصّة حاكية عن معنىً تصديقي مخالف للواقع . فإذا قيل : إنّ الكذب قبيح عقلاً أو حرام شرعاً ، لا يرى العقل والعرف قبحه وحرمته متعلّقين على الألفاظ الخاصّة والهيئات المخصوصة والمعاني التصديقية ، لا بنحو تمام الموضوع ولا جزئه ، سيّما مع أنّ الظاهر أن تكون الحرمة الشرعية بملاك القبح العقلي ، وإن كان العقل لا يحكم بالقبح المستلزم لصحّة العقوبة ، لكن يدرك أ نّه قبيح ومذموم ولو أخلاقاً ، وبعد حكم الشرع يرى أ نّه بمناطه ، مع أ نّه من الواضح لدى العقول أن لا دخالة للألفاظ هيئة ومادّة وكذا للمعاني بما أ نّها مستفادة من خصوص تلك الألفاظ في القبح والمذمومية ، بل يدرك أنّ الذمّ والقبح لإراءة خلاف الواقع وإلقاء ما يكون مخالفاً له .

وعلى هذا كلّ كلام أو فعل يفيد فائدته ملحق به إذا أوجده الفاعل لإفادة خلاف الواقع ، كالتورية والهزل والإنشاءات والأفعال المفيدة خلاف الواقع .

لا أقول : إنّ العلّة هي الإغراء حتّى يمنع ذلك بدعوى الإجماع على

ص: 68


1- جواهر الكلام 22 : 72 .

حرمة الكذب ولو لم يوجبه(1) .

بل أقول : إنّ تحريمه بملاك قبحه ، وهو موجود فيما يفيد فائدته .

أو أقول : إنّ العرف يرى أنّ الألفاظ ومعانيها التصديقية غير دخيلة في موضوع الحكم ولو بنحو جزء الموضوع ، وأنّ تمام الموضوع للحرمة هو ما يحكي عن خلاف الواقع بأيّ دالّ كان .

ويمكن تأييد المدّعى أو الاستشهاد له بما وردت في التورية وما يقتضي الجمع بينها :

كما روي عن «الاحتجاج» أ نّه سئل الصادق علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ في قصّة إبراهيم علیه السلام : (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَ لُوهُمْ إنْ كانُوا يَنْطِقُون)(2) ؟ قال : «ما فعل كبيرهم ، وما كذب إبراهيم علیه السلام » . قيل : وكيف ذلك ؟ فقال : «إنّما قال إبراهيم : (فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُون) ، إن نطقوا فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئاً ، فما نطقوا وما كذب إبراهيم» . ثمّ ذكر تورية يوسف علیه السلام وإبراهيم علیه السلام في قضيّة اُخرى وكيفية المواراة فيها (3) .

ويظهر منها أ نّهما ما كذبا موضوعاً بل أخبرا تورية .

والظاهر من عدّة من الروايات أ نّهما أرادا الإصلاح فلم يكن قولهما كذباً حكماً .

كرواية الحسن الصيقل ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّا قد روينا عن

ص: 69


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 128 .
2- الأنبياء (21) : 63 .
3- الاحتجاج 2 : 256 / 228 .

أبي جعفر علیه السلام في قول يوسف علیه السلام : (أَيَّتُهَا العِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ)(1) ؟ فقال : «واللّه ما سرقوا وما كذب» . وقال إبراهيم علیه السلام : )بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَ لُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُون( ؟ فقال : «واللّه ما فعلوا وما كذب» قال : فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «ما عندكم فيها يا صيقل ؟» قال : فقلت : ما عندنا فيها إلاّ التسليم . قال : فقال : «إنّ اللّه تعالى أحبّ اثنين ، وأبغض اثنين : أحبّ الخطر(2) فيما بين الصفّين وأحبّ الكذب في الإصلاح ، وأبغض الخطر في الطرقات وأبغض الكذب في غير الإصلاح ، إنّ إبراهيم علیه السلام إنّما قال : )بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا(إرادة الإصلاح ودلالة على أ نّهم لا يفعلون ، وقال يوسف علیه السلام إرادة الإصلاح»(3) .

ورواية عطاء عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : لا كذب على مصلح» . ثمّ تلا : )أَيَّتُهَا العِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ( ثمّ قال : «واللّه ما سرقوا

وما كذب» . ثمّ تلا : )بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَ لُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُون( ثمّ

قال : «واللّه ما فعلوه وما كذب»(4) .

ويمكن الجمع بأن يقال : إنّ المنفيّ في رواية «الاحتجاج» موضوع الكذب

ص: 70


1- يوسف (12) : 70 .
2- الخطر : التبختر في المشي . [ منه قدس سره ]
3- الكافي 2 : 341 / 17 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 4 .
4- الكافي 2 : 343 / 22 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 7 .

كما هو صريحها ، وفي الروايتين وما بمعناهما حكم الكذب ، فيكون المراد أنّ التورية محكومة بحكم الكذب إذا لم تكن للإصلاح ، ومع كونها له ليست بكذب ؛ أي حكماً أيضاً كما ليست به موضوعاً .

ويؤيّده ما دلّت على «أنّ المصلح ليس بكذّاب» كما في صحيحة معاوية بن عمّار(1) .

وعن كتاب «الإخوان» بسنده عن الرضا علیه السلام ، قال : «إنّ الرجل ليصدق على

أخيه فيناله عنت من صدقه فيكون كذّاباً عند اللّه ، وإنّ الرجل ليكذب على أخيه ، يريد به نفعه ، فيكون عند اللّه صادقاً»(2) .

وعن أبي عبداللّه علیه السلام ، ق-ال : «الكلام ثلاثة : صدق ، وكذب ، وإصلاح بين الناس»(3) .

وبالجملة : مقتضى الجمع بين رواية «الاحتجاج» وغيرها أنّ التورية لا تجوز إلاّ مع إرادة الإصلاح ، وفي مورده مع إمكانها تجب أو ترجّح ، فيستفاد من مجموع الروايات عدم جواز التورية إلاّ في مورد الاستثناء ، وليس ذلك إلاّ لأجل إلحاق الصدق المفيد فائدة الكذب والموجب لإفادة خلاف الواقع بالكذب ، فيتعدّى إلى الإنشاء المفيد فائدته ، بل الأفعال إذا أفادت فائدته .

ص: 71


1- الكافي 2 : 342 / 19 ؛ وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 3 .
2- مصادقة الإخوان : 76 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 255 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 10 .
3- الكافي 2 : 341 / 16 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 6 .

ويمكن تأييد ذلك برواية أبي بصير التي قد يقال : إنّها موثّقة ، قال : قيل لأبي جعفر علیه السلام - وأنا عنده - : إنّ سالم بن أبي حفصة وأصحابه يروون عنك أ نّك تكلّم على سبعين وجهاً لك منها المخرج ؟ فقال : «ما يريد سالم منّي ، أيريد أن أجيء بالملائكة ؟ واللّه ما جاءت بهذا النبيّون علیهم السلام ، ولقد قال إبراهيم علیه السلام : )إِنِّى سَقيمٌ((1) وما كان سقيماً وما كذب . ولقد قال إبراهيم علیه السلام : )بَلْ فَعَلهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا( وما فعله وما كذب ، ولقد قال يوسف علیه السلام : )أَيَّتُهَا العِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ(واللّه ما كانوا سارقين وما كذب»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ سالماً أراد الإيراد على أبي جعفر علیه السلام بأ نّه يورّي في الكلام ويأتيه على وجوه ليمكن له المفرّ عند الإيراد عليه ، فأجاب عنه بأ نّه لا بأس به في مورد تقتضي المصلحة كما فعل إبراهيم ويوسف علیهما السلام .

لكنّ الأظهر أنّ الرواية بصدد دفع الإشكال عن أصل التورية ، فيظهر منها أنّ

قول إبراهيم علیه السلام ويوسف علیه السلام من قبيل التورية . فيكون مفادها نحو مفاد رواية «الاحتجاج» .

فتحصّل ممّا مرّ أنّ مقتضى رواية «الاحتجاج» وأبي بصير كون كلام إبراهيم ويوسف علیهما السلام تورية . ومقتضى الروايات المتقدّمة أ نّهما أرادا الإصلاح فما كذبا . ومقتضى المجموع أنّ التورية كذب في وعاء التشريع ، ولها مصداقان : محبوب ومبغوض ، وإنّما سمّاها كذباً ؛ لادّعاء كونها ذلك .

ص: 72


1- الصافّات (37) : 89 .
2- الكافي 8 : 100 / 70 .

ويؤيّد ما ذكرناه بل يدلّ عليه ما وردت في استثناء عِدَة الرجل أهله - إذا لا يريد أن يتمّ لهم - من الكذب :

كرواية عيسى بن حسّان ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلاّ كذباً في ثلاثة : رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه ، أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا يريد بذلك الإصلاح ما بينهما ، أو رجل وعد أهله شيئاً وهو لا يريد أن يتمّ لهم»(1) .

ورواية المحاربي عن جعفر بن محمّد علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام ، عن النبي رحمهما اللّه قال : «ثلاثة يحسن فيهنّ الكذب : المكيدة في الحرب ، وعِدَتك زوجتك ، والإصلاح بين الناس»(2) .

وفي رواية الحارث الأعور : «ولا أن يعد أحدكم صبيّه ثمّ لا يفي له ، إنّ الكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار . . .»(3) .

بأن يقال : إنّ حقيقة الوعد والوعيد ليست إخباراً عن واقع يطابقه أو لا يطابقه ، بل تعهّد وتهديد وإن كانا على نحو الإخبار وإلقاء الجملة الخبرية ، نظير الجعل بنحو الإخبار في باب الجعالة ، فإذا قال : «من ردّ ضالّتي اُعطيه كذا»

ص: 73


1- الكافي 2 : 342 / 18 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 5 .
2- الخصال : 87 / 20 ؛ وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 2 .
3- الأمالي ، الصدوق : 342 / 9 ؛ وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 3 .

ليس إخباراً ، بل إنشاء بصورة الإخبار أو إخبار بداعي الإنشاء .

فقوله : «إنّي اُعطيك غداً كذا» ليس إخباراً بل إنشاء قرار وعهد ، وله إنجاز وخلف ، لا صدق وكذب ، وإطلاق صادق الوعد والوعد المكذوب أو غير المكذوب ليس باعتبار الإخبار عن واقع ، بل بنحو من المشابهة والتأوّل ، كقوله : يبكي كذباً ، ويتأوّه ويتمنّى ويترجّى كذباً ، ونظائرها .

فتحصّل من ذلك أنّ عِدَة الرجل أهله ليست من قبيل الإخبار ، ومع ذلك استثناه من الكذب ، فيستكشف منه أنّ الكذب في المستثنى منه أعمّ من الكذب الحقيقي والحكمي الادّعائي ، فيصحّ الاستثناء منه ، فيستفاد منها أنّ كلّ ما كان له

نحو كشف عن الواقع ، ولو كان من قبيل الإنشاءات ، داخل في الكذب حكماً ، ومحرّم إلاّ ثلاثة .

ويؤيّد أيضاً بما دلّ على أنّ الهزل محرّم :

كمرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال: «كان علي بن الحسين علیه السلام يقول لولده : اتّقوا الكذب ، الصغير منه والكبير ، في كلّ جدّ وهزل»(1) .

ورواية الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام : «لا يجد عبد طعم الإيمان حتّى يترك الكذب ، هزله وجدّه»(2) .

بدعوى : أنّ الهزل مقابل الجدّ ، والجدّ إخبار حقيقة ، والهزل ليس بإخبار

ص: 74


1- الكافي 2 : 338 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 1 .
2- الكافي 2 : 340 / 11 ؛ وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 2 .

جدّاً ، بل إلقاء الجملة الخبرية ، لا بداعي الإخبار ، بل بداعي المزاح والهزل ، فلا يكون له واقع لا يطابقه .

ودعوى : أنّ المراد من الكذب هزلاً الإخبار عن الواقع بداعي الهزل(1) خلاف الظاهر ؛ لأنّ الإخبار الحقيقي جدّ ، لأيّ غاية كان ، فالهزل المقابل له هو ما لا يكون إخباراً جدّاً ، لا أ نّه إخبار جدّاً لغاية الهزل .

فاتّضح منها أنّ ما يفيد فائدة الخبر كذب في عالم التشريع ، وإن لم يكن إخباراً عن الواقع .

هذا غاية ما يمكن الاستشهاد عليه لإلحاق غير الكذب به إنشاءً كان أو فعلاً .

ويمكن المناقشة في الأوّل : بأنّ إلغاء الخصوصية إنّما هو في موارد يفهم العرف أنّ الموضوع الملقى ليس موضوعاً للحكم ، وإنّما أتى به للمثالية ، أو لجري العادة ، ونحو ذلك .

كقوله : «رجل شكّ بين الثلاث والأربع»(2) ، وقوله : «أصاب ثوبي دم رعاف»(3) ، أو «رجل أفطر يوماً من شهر رمضان»(4) ، ونظائرها (5) ممّا يرى العرف أنّ الحكم للشكّ والدم والإفطار ، لا للرجل والثوب .

ص: 75


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 15 ؛ مصباح الفقاهة 1 : 531 .
2- راجع وسائل الشيعة 8 : 218 ، كتاب الصلاة ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الباب 10 ، الحديث 7 .
3- راجع وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 2.
4- راجع وسائل الشيعة 10 : 44 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الباب 8 .
5- راجع وسائل الشيعة 8 : 260 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 3 ، الحديث 8 ، 14 ، 19 ، 21 و23 .

وأمّا إذا كان الحكم متعلّقاً بموضوع واُريد إسراؤه منه إلى موضوع آخر بوجوه ظنّية كما نحن فيه ؛ حيث تعلّق الحكم على الكذب ، ولا يفهم العرف منه غيره ، لكن اُريد إسراؤه منه إلى ما يفيد فائدته بالوجوه الظنّية والاعتبارية ، فهو

قياس ، لا إلغاء خصوصية عرفاً .

وفي الثاني : بأنّ إثبات كون مناط الحرمة هو القبح العقلي غير ممكن في المقام ؛ لعدم دليل عليه بل يحتمل أن يكون عنده مناط آخر مجهول عندنا ، والكشف الظنّي لا يغني من الحقّ شيئاً .

وبالجملة : لا دليل على أنّ ما أدركه العقل من القبح هو العلّة للحكم وهو يدور مدارها توسعة وتضي-يقاً ، وصرف إحراز الاقتضاء لا يفيد شيئاً .

مع إمكان منع القبح في الأفعال والإنشاءات الكاشفة عن خلاف الواقع بمجرّد ذلك إذا لم ينطبق عليها عناوين اُخر . فمثل مدح من لا يستحقّ المدح ، وذمّ من لا يستحقّه ، وسؤال غير الفقير ، ونظائرها ، ليس قبحها بمناط الكشف عن غير الواقع ، بل نفس تلك العناوين قبيحة بذاتها لا بملاك الكذب ، ولهذا لا قبح في التعفّف ، وإن كان بغرض إفهام الغنى وأن يحسبه الجاهل غنيّاً من التعفّف ، ولا قبح في إنشاء البيع الكاشف عن مالكية المنشئ ، وإن كان بغرضه .

وبالجملة : إنّ الوجه المذكور ممنوع صغرى وكبرى .

وفي الروايات الواردة في عِدَة الرجل أهله(1) ، والواردة في الجدّ

ص: 76


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 1 ، 2 ، 5، وقد تقدّمت بعضها في الصفحة 73 .

والهزل(1) : بوقوع التعارض بين عنوان الكذب المأخوذ فيها الظاهر في الإخبار المخالف للواقع ، وبين عنواني العِدَة والهزل الظاهرين في غير الإخبار .

ولا يبعد تحكيم الصدر على الذيل ، وحمل العدة والهزل على نوع من الإخبار المخالف للواقع ، ولا أقلّ من التعارض الموجب للإجمال .

وفيما قلنا في وجه الجمع بين روايات التورية(2) : بأنّ هذا الجمع غير مقبول لدى العقلاء ، ولا يصحّ إثبات حكم شرعي بهذا النحو من الملازمات العقلية الخارجة عن فهم العرف .

مع أنّ لازم ما ذكر من الجمع دعوى كون التورية كذباً ، ليترتّب عليها آثاره من الجواز عند إرادة الإصلاح وعدمه عند عدمها ، ثمّ دعوى أنّ ما اُريد بها الإصلاح ليس بكذب ؛ أي ليس بكذب ادّعاءً؛ لإثبات جوازها عند إرادة الإصلاح ، وهو كما ترى أمر منكر مخالف للمحاورات العقلائية لإفهام المعاني ، بيانه :

إنّ قول أبي جعفر علیه السلام على ما في رواية الصيقل(3) : «ما كذب إبراهيم ويوسف علیهما السلام » ، وما عن رسول اللّه رحمهما اللّه في رواية عطاء : «لا كذب على مصلح»(4) ثمّ تلا الآية المربوطة بقضيتهما ونفي الكذب عنهما الظاهر في نفيه

ص: 77


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، وقد تقدّمت بعضها في الصفحة 74 .
2- تقدّم في الصفحة 72 .
3- تقدّمت في الصفحة 69 - 70 .
4- تقدّمت في الصفحة 70 .

حكماً لا موضوعاً ، إنّما يصحّ - في فرض كون قولهما بنحو التورية - إذا اُريد

بنفي الموضوع النفي ادّعاء ، مع أنّ التورية ليست بكذب حقيقة ، فلا بدّ في تصحيح ذلك أن يقال : إنّ التورية مطلقاً كذب ادّعاءً ، والمراد من نفيه عنهما في الروايتين نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الادّعائي ادّعاء ، فتدبّر .

مع أنّ مقتضى دعوى كونها كذباً جوازها عند إرادة الإصلاح ؛ فإنّ الكذب كذلك . ومقتضى دعوى عدم كونها كذباً ادّعاء عند إرادة الإصلاح عدم كون حكمها حكم الكذب الإصلاحي ، فيلزم منه نفي الجواز لإرادة الإصلاح ، لا إثباته لذلك . بل لازمه التعارض بين الروايات .

والإنصاف أنّ ما ذكرناه من الاستنتاج للتعميم ، غير وجيه خارج عن المحاورات .

فتحصّل من جميع ذلك عدم قيام دليل على إلحاق ما ليس بكذب به ، تورية كان أو إنشاء أو فعلاً ، مع أ نّه قد وردت التورية في روايات ظاهرة في جوازها مطلقاً :

كرواية محمّد بن إدريس في «مستطرفات السرائر» نقلاً من كتاب عبداللّه بن بكير بن أعين عن أبي عبداللّه علیه السلام في الرجل يستأذن عليه ، فيقول للجارية : قولي : ليس هو هاهنا . قال : «لا بأس ، ليس بكذب»(1) .

والظاهر أنّ المشار إليه كان محلاًّ خالياً ، حتّى يخرج الإخبار عن الكذب .

ومقتضى إطلاقها جواز التورية ولولا لإرادة الإصلاح .

ص: 78


1- السرائر ، المستطرفات 3 : 632 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 8 .

نعم ، في سند الروايات التي نقلها ابن إدريس من بعض الاُصول ككتاب البزنطي وابن بكير وغيرهما كلام ، وهو أ نّه لم يثبت عندنا أنّ تلك الاُصول كانت معروفة في عصر ابن إدريس نحو كتاب «الكافي» و «التهذيب» وغيرهما ممّا هي معروفة واضحة الصدور من أربابها بحيث لم نحتج إلى العنعنة في إثبات كونها منهم ، ولم يذكر ابن إدريس طريقه إليها ، ومن المحتمل أنّ ثبوت كونها منهم عنده بوجوه اجتهادية وقرائن لو قامت عندنا لم نتّكل عليها ؛ لاختلاف اجتهادنا معه ، وليس ابن إدريس ومن في طبقته ونظائره عندنا كصدوق الطائفة ونظائره ممّن كان عصره قريباً من عصر صاحب الاُصول ولم يكن دأبه الاجتهاد وإعمال النظر والاتّكال على القرائن الاجتهادية لإثبات شيء . ولهذا لا يبعد الاعتماد على مرسلاتهم التي أرسلوها إرسال المسلّمات دون مرسلات أضراب محمّد بن إدريس رحمه الله علیه .

مضافاً إلى أنّ في «مستطرفات السرائر» : ومن ذلك ما استطرفناه من كتاب عبداللّه بن بكير الحسين عنه عن أبي عبداللّه علیه السلام ، ثمّ ساق الحديث(1) ، ويظهر من الأحاديث المذكورة بعده أنّ أحاديثه منقولة عن عبداللّه بواسطة الحسين ، وهو يحتمل أن يكون الحسين بن سعيد الأهوازي ، لكنّه مجرّد احتمال أو ظنّ بذلك ، فلا حجّية في الرواية وإن أغمضنا عن الإشكال الأوّل .

وكرواية عبد الأعلى مولى آل سام، قال: حدّثني أبو عبداللّه علیه السلام بحديث، فقلت

ص: 79


1- السرائر : 490 (ط . القديم) . وفيه : «ما استطرفناه من كتاب عبداللّه بن بكير بن أعين الحسين عنه . . . » ، وفي 3 / 632 (ط .الجديد) : «ما استطرفناه من كتاب عبداللّه بن بكير ابن أعين عنه . . .» .

له: جعلت فداك، أليس زعمت لي الساعة كذا وكذا ؟ فقال: «لا». فعظم ذلك عليّ، فقلت : بلى واللّه زعمت . قال : «لا واللّه ما زعمت» . قال : فعظم ذلك عليّ ، فقلت : بلى واللّه قد قلته. قال: «نعم قد قلته، أما علمت أنّ كلّ زعم في القرآن كذب؟»(1).

فإنّها ظاهرة الدلالة في جواز التورية مطلقاً ، فإنّ دفع عبد الأعلى عن إطلاق كلمة زعمت - التي بمعنى قلت وتستعمل في حقّ وباطل - ليس من الإصلاح الذي يجوّز الكذب أو ما بحكمه ، ولهذا لا يجوز الكذب في نظيره .

وكرواية أبي بصير المتقدّمة الواردة في قصّة سالم بن أبي حفصة(2) ، فإنّ أبا جعفر علیه السلام لم يعلّل جواز إلقاء كلام ذي وجوه وكذا تورية إبراهيم علیه السلام ويوسف علیه السلام بإرادة الإصلاح ، فيفهم منها أنّ إلقاء كلام ذي وجوه وإرادة بعض الوجوه المخفيّة لا مانع منه كما فعل يوسف وإبراهيم علیهما السلام .

ويظهر من ذيل رواية سويد بن حنظلة المنقولة في كتاب الطلاق - وعن «المبسوط» روايتها (3) - جوازها أيضاً ، قال : خرجنا ومعنا وائل بن حجر نريد النبي رحمهما اللّه فأخذه أعداء له ، وتحرّج القوم أن يحلفوا ، فحلفت باللّه أ نّه أخي ، فخلّى عنه العدوّ ، فذكرت ذلك للنبي رحمهما اللّه فقال : «صدقت ، المسلم أخو

المسلم»(4) .

ص: 80


1- الكافي2 : 342 / 20 ؛ وسائل الشيعة 12 : 256 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 142 ، الحديث 1 .
2- تقدّمت في الصفحة 72 .
3- المبسوط 5 : 95 .
4- الخلاف 4 : 490 ، مسألة 60 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 10 : 65 ؛ سنن ابن ماجة 1 : 685 / 2119 .

فإنّ الظاهر منها وإن كان حلفه على الاُخوّة النسبية لكن يظهر منها نفي الكذب عن التورية ، ويفهم منه جوازه لذلك ، لا لإرادة الإصلاح وإن كان المورد كذلك . فلو كانت التورية غير جائزة إلاّ مع إرادة الإصلاح ، لكان عليه التنبيه عليه لا الحكم بالجواز لمجرّد نفي الكذب .

فتحصّل ممّا مرّ أنّ التورية وكذا الإنشاءات والأفعال المفيدة فائدة الكذب لا تكون محرّمة ؛ للأصل وقصور الأدلّة ، بل دلالة بعض الروايات على الجواز .

ثمّ إنّه قد يستشكل على رواية «الاحتجاج»(1) في توجيه تورية إبراهيم بأنّ كسر الأصنام صدر من إبراهيم علیه السلام وإن كانت الأصنام ينطقون ، فيلزم الكذب بالإخبار بالملازمة ، فإنّ ملاك الصدق والكذب في الشرطيات صدق الملازمة وكذبها (2) .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ كلام إبراهيم علیه السلام من قبيل التعليق على أمر محال لإثبات أنّ المعلّق عليه محال ، لا لإثبات الملازمة ، فالكلام سيق لنفي العمل لكونه معلّقاً على محال ، لا لتحقّقه بتحقّق المعلّق عليه ، نظير قوله تعالى : )وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الخِياطِ((3) ، فإنّه ليس بصدد الإخبار بالملازمة بين دخول الجنّة وولوج الجمل في سمّ الخياط ، ضرورة عدم التلازم بينهما ، بل بصدد بيان استحالة دخولهم الجنّة بالتعليق على محال عادي .

ص: 81


1- تقدّمت في الصفحة 69 .
2- اُنظر حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب، قسم المحرّمة: 128.
3- الأعراف (7) : 40 .

وبالجملة : نظائر هذا الكلام كناية عن عدم التحقّق أو استحالته لا إخبار بالملازمة ، كما هو واضح .

انصراف المطلقات عن الكذب في مقام الهزل

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الأخبار المطلقة منصرفة عن الكذب في مقام الهزل وإن فرض الإخبار بالواقع لهذا الغرض ، لكن مع قيام قرينةٍ حاليةٍ أو مقاليةٍ شاهدةٍ على الهزل ، كما لو كان المجلس من المجالس التي اُعدّت له .

بل لا يبعد الانصراف عن أخبار غير مفيدة ، كما لو أخبر بخلاف واقع واضح لا يؤثّر في المخاطب شيئاً ، كالإخبار ببرودة النار وحرارة الثلج . بل ولو كان غير مفيد لمخاطب خاصّ ، كما لو علم المتخاطبين كذب القضيّة ، فإنّ المتفاهم من أخبار الباب والإشعارات التي فيها هو حرمة الكذب في الأخبار المتداولة المعمولة بين الناس لإفادة مضمونها :

كقوله : «ممّا أعان اللّه به على الكذّابين النسيان»(1) وقوله : «إنّ الكاذب على شفا مخزاةٍ وهلكةٍ»(2) . وقوله : «العبد إذا كذب كان أوّل من يكذّبه اللّه ، ونفسه تعلم أ نّه كاذب»(3) . . . إلى غير ذلك .

وبناءً على انصراف الأخبار عن الهزل لا يمكن إثبات حرمته بما وردت في

ص: 82


1- تقدّم في الصفحة 66 .
2- تقدّم في الصفحة 66 .
3- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 213 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 247 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 15 .

الكذب هزلاً ، فإنّها وإن كانت مستفيضةً ، فلا ينظر إلى ضعف أسنادها مع أنّ

بعضها لا يخلو من حُسنٍ كرواية الأصبغ(1) ، لكن فيها ما لا تدلّ على الحرمة : كرواية الأصبغ ، والحارث الأعور(2) ، بل مرسلة سيف بن عميرة(3) . فإنّ قول علي بن الحسين علیه السلام على ما في الرواية لولده في مقام النصيحة لتهذيبهم عن الذمائم ، لا يدلّ على التحريم ، مع أنّ في مادّة التقوى أيضاً إشعاراً بعدمه ،

فلا يبعد أن يكون الأمر لمجرّد الرجحان .

بل يمكن الخدشة في دلالة رواية أبي ذرّ ، وفيها : «يا أبا ذرّ ، ويل للّذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ، ويل له»(4) . فإنّ إنشاء الويل أعمّ من التحريم ، ولو سلّمت دلالتها كما يأتي بيانها - إن شاء اللّه تعالى - فلا تصلح لإثبات الحكم ؛ لضعفها سيّما في مثل المقام الذي ادّعى الأعلام السيرة على ارتكابه كما لا تبعد .

فالأقوى عدم الحرمة في الهزل مع قيام القرينة . ولا يخلو عدمها من رجحان في الأخبار غير المفيدة مطلقاً ، لكن الأحوط الاحتراز سيّما في الثاني .

وقد ادّعى بعض المدقّقين في تعليقته على «مكاسب» شيخنا المرتضى

ص: 83


1- تقدّمت في الصفحة 74 .
2- تقدّمت في الصفحة 73 .
3- تقدّمت في الصفحة 74 .
4- الأمالي ، الطوسي : 537 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 251 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 4 .

الإجماع على حرمته ولو لم يكن فيه إغراء ؛ لكون المخاطب مثلاً عالماً بعلم المتكلّم بعدم مطابقة كلامه للواقع(1) .

حكم الإخبار عن قضيّة مشكوك فيها

ثمّ إنّ مقتضى الاُصول العقلية والنقلية جواز الإخبار عن قضيّة مشكوك فيها ؛ فلو شكّ في أنّ زيداً قائم يجوز له الإخبار بقيامه ؛ لأ نّه من الشبهة المصداقية لأدلّة الكذب .

إلاّ أن يدّعى وجوب الصدق ، لا بمعنى وجوبه مطلقاً ، بل بمعنى أ نّه لو أراد المتكلّم الإخبار يجب عليه أن يصدق ، فلا بدّ له من إحراز كونه صدقاً بعلم أو أمارة .

لكن إثبات ذلك مشكل بل ممنوع ، وإن أفتى به صاحب «الوسائل»(2) و «مستدركه»(3) ، فإنّ الأخبار لا تصلح لإثباته ، إمّا لقصور الدلالة كما هو كذلك غالباً ، أو لقصور السند ، فراجعها .

أو يقال بإلغاء الخصوصية ممّا وردت متواترةً(4) بحرمة الفتوى بغير علم ، وما وردت بحرمة القضاء وكذا الشهادة كذلك(5) .

ص: 84


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 128 .
2- وسائل الشيعة 12: 5، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 1.
3- مستدرك الوسائل 8 : 309 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 27 : 20 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 .
5- راجع وسائل الشيعة 27 : 341 ، كتاب الشهادات ، الباب 20 .

وفيه : أنّ غاية ما يمكن إلغاؤها هو الكذب على اللّه تعالى وعلى رسوله رحمهما اللّه والأئمّة علیهم السلام في خصوص الأحكام ولو كان بنحو الإخبار لا الفتوى . فلو أخبر عن اللّه أو عن رسوله رحمهما اللّه بأ نّه قال كذا في مورد الشبهة الحكمية ، يكون محرّماً ؛ لفحوى أدلّة حرمة الفتوى بغير علم ، دون الإخبار بالاُمور الاُخر ، كالإخبار بأنّ للنبي رحمهما اللّه صفةً كذائية أو نحو ذلك ، فضلاً عن الإخبارات العادية بالنسبة إلى غيرهم .

أو يقال : إنّ الإخبار في مورد الشكّ جزماً إخبار عن علم المخبر ، وهو كذب أو له مفسدته .

وفيه : منع كونه إخباراً عنه ، بل ينتقل السامع منه إليه . وقد تقدّم عدم الدليل على حرمة مثله ومنع كون مناط الكذب فيه .

والأولى : الاستدلال عليه - مضافاً إلى العلم الإجمالي المنجّز في الموارد المشكوك فيها ؛ فإنّ في كلّ مورد منها يعلم إجمالاً بأ نّه إمّا الإخبار عن الثبوت كذب محرّم أو الإخبار عن عدمه ، فلا يجوز عقلاً الإخبار بأحد الطرفين - بجملة من الروايات :

كحسنة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام ، عن آبائه في حديث قال : «ليس لك أن تتكلّم بما شئت ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : )وَلاَ تَقْفُ ما لَيْسَ

لَكَ بِهِ عِلْمٌ((1)»(2) .

ص: 85


1- الإسراء (17) : 36 .
2- علل الشرائع : 605 / 80 ؛ وسائل الشيعة 27 : 30 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 36 .

فإنّ الظاهر منها أنّ الآية الكريمة تشمل القول بغير علم ، فتكون هي مضافاً إلى الرواية دليلاً على المطلوب .

وفي «المجمع»(1) أ نّها أعمّ من القول بغير علم ، والاعتقاد بما لا يعلم ، وغيرهما .

والمتيقّن من الرواية هو القول بغير علم بقرينة استشهاده بالآية الشريفة ، ومقتضى إطلاقها عموم الحكم لجميع مصاديق الإخبار بغير علم ، ولا دليل على اختصاصها بالإخبار عن اللّه تعالى .

وصحيحة هشام بن سالم ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما حقّ اللّه على خلقه ؟ قال : «أن يقولوا ما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى اللّه حقّه»(2) ، ونحوها رواية زرارة(3) .

ويمكن المناقشة فيها بأنّ مطلق ثبوت حقّ منه تعالى على خلقه لا يدلّ على وجوب أدائه ، إذ لعلّه من الحقوق المستحبّة ، أو يقال : إنّ الحقّ فيها منصرف إلى ما هو من قبيل أحكام اللّه تعالى ، لا مطلق القول بغير علم .

وموثّقة زياد بن أبي رجاء ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : اللّه أعلم ، إنّ الرجل لينتزع الآية من القرآن يخرّ فيها

ص: 86


1- مجمع البيان 6 : 641 .
2- الكافي 1 : 50 / 12 ؛ وسائل الشيعة 27 : 24 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 10 .
3- الكافي 1 : 43 / 7 ؛ وسائل الشيعة 27 : 23 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 9 .

أبعد ما بين السماء والأرض»(1)

إلاّ أن يناقش فيها بأنّ ذيلها قرينة على أنّ المراد من القول بغير علم مثل الفتوى والإخبار عن اللّه تعالى لا مطلقاً .

إلاّ أن يقال : إنّ ذكر مصداق أهمّ المصاديق لا يصير قرينة على الاختصاص ، فالعبرة بإطلاق الصدر .

وأمّا المناقشة فيها باشتمالها على ما لا يجب جزماً وهو القول بأنّ اللّه أعلم ، ففي غير محلّها ؛ لأ نّه كناية عن عدم جواز القول بغير علم . فالظاهر المتفاهم منها عدم جوازه .

وتؤيّد المطلوب رواية أبي يعقوب إسحاق بن عبداللّه - والظاهر صحّتها - عن أبي عبداللّه علیه السلام «إنّ اللّه تعالى خصّ عباده بآيتين من كتابه : أن لا يقولوا حتّى يعلموا ، ولا يردّوا ما لم يعلموا ، وقال تعالى : )أَلَمْ يُؤخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللّه ِ إِلاّ الحَقّ((2) وقال : )بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمّا يَأْتِهِمْ تَأْويلُه((3)»(4) .

ولكن الظاهر اختصاصها بالأحكام ونحوها .

ص: 87


1- الكافي 1 : 42 / 4 ؛ وسائل الشيعة 27 : 22 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 5 .
2- الأعراف (7) : 169 .
3- يونس (10) : 39 .
4- الكافي 1 : 43 / 8 .

ورواية زرارة : «إنّ من حقيقة الإيمان أن لا يجوز منطقك علمك»(1) .

ويؤيّده أيضاً فحوى صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «إذا سئل الرجل منكم عمّا لا يعلم فليقل : لا أدري ، ولا يقل : اللّه أعلم ، فيوقع في قلب صاحبه شكّاً ، وإذا قال المسؤول : لا أدري ، فلا يتّهمه السائل»(2) ، فتأمّل .

مضافاً إلى قبح الإخبار بغير علم ، بل الظاهر عدم جوازه في ارتكاز المتشرّعة ، وكان منزلته منزلة الكذب لديهم .

هذا مع قطع النظر عن الاستصحاب في بعض الموارد ، وإلاّ فقد يمكن التمسّك به لإحراز الموضوع . فإذا شكّ في طلوع الشمس بعد اليقين بعدم طلوعها يقال : إنّ الإخبار بطلوعها كان كذباً ، والآن كما كان فينقّح به موضوع الحرمة ، وهذا ليس باستصحاب تعليقي ، بل تنجيزي على عنوان كلّي قبل تحقّق مصاديقه ، كاستصحاب حرمة شرب الخمر وأكل الربا ، واستصحاب وجوب صلاة الجمعة الذي يرجع إلى فعل المكلّف ؛ أي عنوانه . ويجري الأصل الحكمي مع الغضّ عن الموضوعي على عنوان كلّي ، فينحلّ العلم الإجمالي حكماً .

نعم ، استصحاب عدم طلوع الشمس لا يثبت كون الإخبار بالطلوع كذباً ومحرّماً ، كما لا يخفى .

هذا بالنسبة إلى أصل المسألة . وأمّا لو قلنا بحرمة القول بغير علم هل يجري

ص: 88


1- المحاسن : 205 / 57 ؛ وسائل الشيعة 27 : 29 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 30 .
2- الكافي 1 : 42 / 6 .

الاستصحاب ويقوم مقام العلم الموضوعي بدليله فيستصحب عدم طلوعها ويخبر به أو لا ؟

الظاهر جريانه ؛ لما قلنا في محلّه من قيامه مقامه بدليله(1) .

هذا إذا قلنا بأنّ العلم المأخوذ في أدلّة حرمة القول بغير علم ، العلم الوجداني ، وأمّا إن قلنا بأنّ المراد به في نظائر المقام الحجّة ، كما هو الحقّ ، فلا إشكال في وروده عليها وإخراج موضوعه عن القول بغير علم .

ثمّ ينبغي التنبيه على أمرين :

ص: 89


1- راجع أنوار الهداية 1 : 85.

الأمر الأوّل في كون الكذب من الكبائر

الأمر الأوّل : إنّ الكذب هل هو من الكبائر مطلقاً أو لا كذلك ، أو يختلف حكمه باعتبار المخبر به ، أو لا يكون فيه اقتضاء الحرمة بذاته أصلاً ، وإنّما يحرم تبعاً لفساد متعلّقه ويصير كبيرة أيضاً بتبعه ، فإذا لم يكن في المتعلّق مصلحة ولا مفسدة لا يكون حراماً ؟

وهذا العنوان الأخير وإن كان تقديمه على التنبيه أنسب ، لكن لمّا كان تحقيقه متوقّفاً على ذكر الروايات أخّرناه عنه .

الاستدلال بالروايات على كون الكذب مطلقاً من الكبائر

وقد استدلّ على كونه مطلقاً كبيرة بروايات :

الاستدلال بروايتي العيون والخصال

منها : رواية «عيون الأخبار» بأسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام (1)، ورواية الأعمش عن جعفر بن محمّد علیه السلام في حديث

ص: 90


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 127/1 ؛ وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 .

شرائع الدين(1) ، حيث عدّ فيهما من الكبائر .

والثانية ضعيفة بلا إشكال .

وقد حاول بعضهم تحسين الاُولى أو تصحيحها (2) بأنّ للصدوق إلى الفضل ثلاثة طرق منها : عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار النيسابوري ، عن علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ، عن الفضل بن شاذان ، وهو طريق حسن بل صحيح ؛ لأنّ الصدوق روى في كتاب «عيون الأخبار» روايته من ثلاث طرق وقال عقيب ذلك : وحديث عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس عندي أصحّ(3) ، وهو توثيق رجال السند سيّما عبد الواحد . ويؤيّده تصحيح العلاّمة رواية هو في سندها (4) ، وتبعه الشهيد الثاني محتجّاً بذلك وبكونه من المشايخ الذين ينقل عنهم الصدوق بغير واسطة مع تكرّر ذلك الظاهر منه الاعتماد عليه(5) .

وفيه : أنّ قول الصدوق راجع إلى متن الرواية ، فإنّها بطريقها الآخر مشتملة على بعض الزيادات المخالف للمذهب ، كمعصية الأنبياء وغير ذلك(6) . مع أ نّه تصحيح السند بهذا الاصطلاح لعلّه غير معهود عند الصدوق وأمثاله .

ص: 91


1- الخصال : 610 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 331 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 36 .
2- راجع تنقيح المقال 2 : 233 / السطر 20 (أبواب العين) .
3- عيون أخبار الرضا 2 :127 ، ذيل الحديث 2 .
4- تحرير الأحكام 4 : 373 .
5- مسالك الأفهام 2 : 23 .
6- عيون أخبار الرضا 2 : 127 / 2 .

وتصحيح العلاّمة لعلّه لقرائن دالّة على صحّة المتن ، ولهذا حكي عن «مختلفه» تارة بأ نّه : «لا يحضرني حال عبد الواحد بن عبدوس» ، واُخرى : «إن ثبت وثاقته صار الخبر صحيحاً»(1) ، ومعه لا يمكن الاعتماد على تصحيحه .

وتكرّر نقل الصدوق وترضّيه لا يفيدان شيئاً يمكن الاتّكال عليه .

وعلي بن محمّد بن قتيبة أيضاً لا يخلو من كلام(2) ، وإن قال النجاشي : «اعتمد عليه الكشّي»(3) ، و[الشيخ] : «إ نّه فاضل»(4) .

وأمّا الطريق الآخر ففيه جعفر بن نعيم الشاذاني ، ولم يرد فيه شيء إلاّ ترضّي

الصدوق عليه(5) ، وهو غير كافٍ في الاعتماد عليه .

وأمّا المحكيّ عن الصدوق بأ نّي لم أذكر في مصنّفاتي إلاّ ما صحّحه شيخي ابن الوليد(6) فإن كان المراد تصحيح السند فيوجب ذلك الإشكال في تصحيحات ابن الوليد ؛ ضرورة اشتمال مصنّفاته على روايات ضعاف إلى ما شاء اللّه ، وإن كان المراد تصحيح المتن فهو غير مفيد لنا .

والطريق الثالث ضعيف ؛ لقنبر بن علي بن شاذان وأبيه(7) .

ثمّ إنّه يمكن الإشكال في إطلاقهما ، بأن يقال : إنّهما بصدد بيان عدّ الكبائر

ص: 92


1- مختلف الشيعة3 : 314 .
2- راجع تنقيح المقال 2 : 308 / السطر 28 (أبواب العين) .
3- رجال النجاشي : 259 / 678 .
4- رجال الطوسي : 429 / 2 .
5- راجع تنقيح المقال 1 : 228 / السطر 19 (أبواب الجيم) .
6- الفقيه 2 : 55 ، ذيل الحديث 241 .
7- راجع تنقيح المقال 2 : 30 / السطر 24 (أبواب القاف) .

لا بيان حال كلّ كبيرة . وبعبارة اُخرى : إنّهما بصدد بيان العدّ لا المعدود حتّى يؤخذ بإطلاقهما .

وهو نظير أن يقال : إنّ في الشريعة واجبات : الصلاة والصوم والحجّ . . . وفيها محرّمات : الربا والكذب والسرقة . . . ، حيث لا يمكن الأخذ بإطلاقه بالنسبة إلى كلّ واحد منها ، فيدفع به الشكّ في شرطية شيء أو مانعيته بالنسبة إلى الصلاة وغيرها ، أو بالنسبة إلى بعض المصاديق المشكوك فيه .

إلاّ أن يقال : يكشف الإطلاق فيهما من ذكر تقييدات فيهما ، كتقييد قتل النفس بالتي حرّم اللّه تعالى ، وأكل مال اليتيم بقوله : ظلماً ، وما اُهلّ لغير اللّه

بغير ضرورة ، وأكل الربا ببعد البيّنة ، وحبس الحقوق بغير عسر . فلولا كونهما في مقام البيان لا وجه لذكر القيود ، فإنّ البيان على نحو العدّ والإهمال لا يناسبه .

ويمكن أن يقال : إنّ ذكر تلك القيود إنّما هو بتبع ورودها في الكتاب الكريم ، حيث قال : )وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ التى حَرَّمَ اللّه ُ إِلاّ بِالْحَقِّ((1) .

وقال : )إِنَّ الّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً((2) .

وقال : )إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ(إلى أن قال : )فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ((3) .

وقال بعد آية الربا : )فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ . . .((4) .

ص: 93


1- الإسراء (17) : 33 .
2- النساء (4) : 10 .
3- البقرة (2) : 173 .
4- البقرة (2) : 275 .

وقال في حقّ الغريم : )وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَة((1) .

والشاهد عليه أنّ هذه القيود في الموارد الخمسة وردت في الروايتين ، فيكون ذكرها بتبع الكتاب ، لا لكونه في مقام البيان من جميع الجهات .

إلاّ أن يدّعى أنّ الإشارة إلى القيود المذكورة في الكتاب أيضاً دليل على كونه في مقام البيان ، وفيه تأمّل .

والإنصاف أنّ الاتّكال عليهما لإثبات كون الكذب في الجملة كبيرة مشكل ، فضلاً عن إثبات كونه كذلك بجميع مصاديقه .

إشكال العلاّمة الشيرازي في المقام

وقد يستشكل عليهما وعلى كلّ ما دلّت على كونه من الكبائر بأ نّها معارضة لصحيحة عبد العظيم الحسني الحاكية لدخول عمرو بن عبيد على أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية : )الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِثْمِ وَالْفَواحِش((2) ثمّ أمسك ، فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «ما أسكتك ؟» قال : اُحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب اللّه (3) ، فعدّها ولم يعدّ منها الكذب .

ويمكن الجمع بأنّ المراد من الروايات التي عدّته كبيرة بيان ما يكون كبيرة في الجملة ولو بالنسبة إلى بعض مصاديقه ، ومن الصحيحة ما يكون كبيرة بجميع

ص: 94


1- البقرة (2) : 280 .
2- النجم (53) : 32 .
3- الكافي 2 : 285 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .

مصاديقه . وحينئذٍ لا يبقى في الروايات دلالة على كون الكذب كبيرة .

ثمّ قال : إن قلت : لعلّ المراد بالصحيحة خصوص الكبائر الثابتة في الكتاب ، ومن الروايتين وغيرهما مطلقها ، كما يشهد به قوله : «اُريد أن أعرف الكبائر من كتاب اللّه» فلا مانع من حمل الكذب فيهما على إطلاقه .

قلت : الظاهر إرادة معرفة مطلقها ؛ إذ من الظاهر تعلّق «من كتاب اللّه» ب- «أعرف» لا ب- «الكبائر» ، مع أنّ الكبائر المذكورة في الصحيحة أعمّ ممّا في كتاب اللّه ، كترك الصلاة وشيء ممّا فرضه اللّه ، فإنّه استشهد على كونه كبيرة بقول

رسول اللّه رحمهما اللّه فلا وجه للحمل المذكور ولا شاهد عليه . ويؤيّد ما ذكرناه أيضاً عدّ خصوص اليمين وشهادة الزور في تلك الرواية من الكبائر ؛ إذ مع كون مطلق الكذب منها لا وقع لذلك(1) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ الجمع المذكور ليس جمعاً عقلائياً رافعاً للتعارض وإلاّ لصحّ الجمع بين قوله : أكرم العلماء ، ولا تكرم العلماء ، بحمل الأوّل على القرشي والثاني على غيره ، فلا وجه ولا شاهد لحمل الكبائر في مورد على قسم منها وفي مورد آخر على قسم آخر مع وحدة اللفظ والمقام - أنّ ما ذكره غير تامّ ؛ لأنّ الصحيحة مشتملة على ما لا يكون بجميع مصاديقه محرّمة فضلاً عن كونه كبيرة ، كالربا ، فإنّ كثيراً من مصاديقه جائز ، تأمّل ، وغير مشتملة على ما يكون كبيرة بجميع مصاديقه ، كالقمار واللواط والسرقة والتعرّب بعد الهجرة والقنوط من رحمة اللّه والاستخفاف بالحجّ وغيرها .

ص: 95


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 124 .

فلا يتمّ ما ذكره من الجمع . مع أنّ الظاهر من سؤال عمرو إرادة معرفة الكبائر

من كتاب اللّه ، فتصدّى أبو عبداللّه علیه السلام لذكر ما تكون كذلك في كتاب اللّه حتّى يوافق جوابه لمسؤوله ، وما لا يكون كتاب اللّه دالاًّ على كونها كذلك لا مجال لذكرها ؛ لعدم إمكان معرفتها منه .

ولعلّ ذكر ترك الصلاة والفرائض لأهمّيتها ، وإن لم يدلّ كتاب اللّه على كونها كبيرة . والظاهر أنّ المراد بالفرائض غير مطلق الواجبات ، بل من قبيل الحجّ والزكاة والصوم ونحوها من الاُصول .

نعم ، يبقى سؤال ، وهو ما وجه عدم ذكر بعض الكبائر التي دلّ الكتاب على كونه كبيرة ، كالميسر الذي فيه إثم كبير ، واللواط الذي سمّاه فاحشة وعذّب قوماً به ، والنقص في المكيال والميزان ، قال : )وَلاَ تَنْقُصُوا المِكْيالَ وَالمِيزانَ إِنّى أَريكمْ بِخَيْرٍ وَإِنّى أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَومٍ مُحيطٍ((1) والافتراء على اللّه تعالى إلى غير ذلك ؟

ويمكن أن يقال : إنّ عمرو بن عبيد اختنقه البكاء ولم يتمالك نفسه ، فخرج صارخاً قبل أن يتمّ أبو عبداللّه علیه السلام عدّ الكبائر ، ولعلّ فيها إشعاراً بذلك؛ حيث قال فيما قال : «وقطيعة الرحم ؛ لأنّ اللّه يقول : )وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّار((2) قال : فخرج عمرو وله صراخ من بكائه» . وليس فيه ما يدلّ على سكوت أبي عبداللّه علیه السلام وإتمام كلامه ، فلا يمكن استفادة الحصر بالمذكورات

ص: 96


1- هود (11) : 84 .
2- غافر (40) : 52 .

فيها مع الاحتمال المذكور الذي لا يبعد إشعار الرواية به .

وأمّا ما جعله مؤيّداً لمرامه من عدّ خصوص اليمين وشهادة الزور فيها .

ففيه : - مضافاً إلى أنّ اليمين ليس من الإخبار بل إنشاء ، وحرمته بعنوانه غير حرمة الكذب ، وإنّما يقال : الأيمان الكاذبة باعتبار متعلّقها فلا وجه لجعله مؤيّداً - أنّ اختصاص ذكره وذكر شهادة الزور التي هي من كتمان الشهادة أيضاً لأجل استفادة حكمهما من كتاب اللّه وقد أراد السائل معرفة الكبائر منه .

نعم ، لو قلنا باستفادة كون مطلق الكذب كبيرة من الكتاب يتوجّه السؤال عن وجه اختصاصهما بالذكر . ويمكن أن يكون لأجل اختصاصهما به في الكتاب . وأمّا عدم ذكر الكذب المطلق فيها - كعدم ذكر كثير من الكبائر - فقد مرّ ما يمكن أن يكون وجهاً له .

الاستدلال بموثّقة محمّد بن مسلم

ومنها : موثّقة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «إنّ اللّه تعالى جعل

للشرّ أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شرّ من الشراب»(1) .

ونحوها رواية اُخرى ، إلاّ أنّ في ذيلها : «وشرّ من الشراب الكذب»(2) .

ويحتمل بعيداً أن يكون قوله : «شرّ من الشراب» غير مراد به التفضيل ، بل

ص: 97


1- الكافي 2 : 338 / 3 ؛ وسائل الشيعة 12 : 244 ؛ كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 3 .
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 291 / 8 ؛ وسائل الشيعة 25 : 331 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 15 ، الحديث 22 .

يكون «من» نشوية ، وأراد به أنّ الكذب شرّ ناشٍ من الشراب ؛ أي من جملة الشرور المترتّبة على الشراب الكذب .

كما تشهد به رواية محمّد بن سنان ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، قال : «حرّم اللّه الخمر لما فيها من الفساد ، ومن تغيير عقول شاربها ، وحملها إيّاهم على إنكار اللّه عزّ وجلّ والفرية عليه وعلى رسله ، وسائر ما يكون منهم من الفساد والقتل والقذف والزنا . . .»(1) .

حيث جعل فيها الكذب على اللّه وعلى رسوله وعلى المؤمنات ناشياً من الخمر .

وتؤيّده الروايات الكثيرة القائلة بأنّ الخمر رأس كلّ إثم ومفتاح كلّ شرّ(2) .

ويؤيّده أيضاً أنّ قوله في الموثّقة : «إنّ اللّه جعل للشرّ أقفالاً» يراد به مطلق الشرّ ، ومن البعيد أن يراد بذيله استثناء الكذب ، مع أنّ الشراب مفتاح الكذب أيضاً .

لكن مع ذلك كلّه أنّ ما ذكر خلاف المتفاهم العرفي .

ثمّ إنّ من المحتمل أن يكون المراد من الموثّقة بيان أمر تكويني ؛ أي بيان كيفية صدور الشرور من شاربها وإن كان ذلك بنحو الاستعارة والادّعاء ، بأن ادّعى أنّ طبيعة الشرّ في الإنسان كأ نّها موجود متمثّل جعل اللّه تعالى

ص: 98


1- علل الشرائع : 475 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 329 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 15 ، الحديث 16 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 313 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 12 .

أقفالاً له لولاها لخرج معربداً مفسداً .

وذلك لأنّ طبيعة الشهوة والغضب والشيطنة في الإنسان مقتضية للفساد بنحو الإطلاق بلا قيد وشرط من ناحيتها . ومقتضى قوّة الشهوة الالتذاذ بكلّ ما يمكن بأيّ طريق كان بلا قيد مطلقاً ، وكذا مقتضى القوّتين الاُخريين ، وإنّما حاجزها وعقالها وأقفالها قوى وملكات اُخر جعلها اللّه تعالى في الإنسان وديعةً ، رأسها العاقلة ، وبعدها الحياء ، والشرف ، والخوف من اللّه ومن الناس ، وعزّ النفس وعظمتها ، وطلب الكمال وأمثالها .

ومفتاح كلّ تلك الأقفال ورافع تلك الحواجز الشراب ؛ بمعنى أنّ ذاته كذات المفتاح وشربه آليته الفعلية ، لا بمعنى ترتّب جميع الشرور على شربه فعلاً ، بل بمعنى رفع الحاجز عمّا هو مقتضٍ للفساد ، فلا يبالي معه بما فعل وما فعل به ، ويأتي بما يمكنه ويهويه من مشتهياته ومقتضيات قواه المائلة إلى الفساد، فلا يبالي بقتل النفس المحترمة ولا بالزنا بالمحارم ولا بغير ذلك . هذا حال الشراب .

وأمّا الكذب فهو شرّ منه في هذه الخاصّة من جهتين :

من جهة أنّ الشراب رافع الموانع عن الشرور ، والكذب محرّك وداعٍ إليها ، فإنّه قد يثير الشهوات والقوى الغضبية والشيطنة إلى العمل على مقتضياتها . فهو من هذه الحيثية شرّ منه .

ومن جهة أنّ المفاسد المترتّبة على الكذب لا يقاس بالمفاسد المترتّبة على الخمر ، لا بمعنى أنّ كلّ كذب كذلك ، بل بمعنى ملاحظة الطبيعتين في الجامعة البشرية .

فمقنّن القوانين لجميع عائلة البشر إذا نظر إلى الكذب ومفاسده بنحو الوجود

ص: 99

الساري ، وإلى الخمر ومفاسدها كذلك يرى أنّ مفاسد الكذب أكثر وأعظم ؛ لأنّ جميع الأديان الباطلة إنّما حدثت وانتشرت بالكذب . والكذب الواحد قد ينتهي إلى خراب البلدان وقتل النفوس الزكيّة وانتهاك حرمات عظيمة .

وبالجملة : لا تقاس المفاسد المترتّبة على الكذب في الجامعة البشرية على المفاسد المترتّبة على الخمر أو سائر المعاصي .

لكن على هذا الاحتمال لا يمكن إثبات حرمة الخمر بهذه الرواية فضلاً عن كونها كبيرةً ، فضلاً عن إثبات حرمة الكذب أو كونه كبيرةً في الجملة فضلاً عن جميع مصاديقه .

وذلك لأنّ تلك المفاسد لو كانت مترتّبة على الخمر أو على الكذب ولو بنحو المسبّبية والمعلولية ، لما توجب حرمتهما ؛ لما قرّر في محلّه من عدم حرمة مقدّمة الحرام وإن كانت علّة تامّة(1) فضلاً عمّا إذا لم تكن كذلك كما في المقام . فإنّ الخمر ليست علّة تامّة لما ذكر بل تكون رافعة للموانع ، وكذا الكذب وإن كان بعض مصاديقه داعياً إلى إتيان المحرّم لكن لا يكون علّةً تامّة له .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ المقصود بالرواية أنّ الخمر صارت محرّمة لأجل تلك المفاسد لا لكون سبب المحرّم محرّماً ، بل كونها مفتاحاً لأقفال الشرور صار نكتة لجعل التحريم القانوني على جميع مصاديقها ، وللتوعيد عليها بالعذاب فصارت كبيرة . ولمّا كان الكذب شرّاً منها تكون شرّيته نكتة لجعل الحرمة على جميع مصاديقه ولكونه كبيرة .

ص: 100


1- مناهج الوصول 1 : 347 .

إلاّ أن يناقش فيه بأنّ تلك المفاسد لو كانت علّة للحرمة وكونها كبيرة لكان لما ذكر وجه ؛ لأنّ المعلول تبع لعلّته في التحقّق والشدّة والضعف والكمال والنقص . لكنّه احتمال فاسد ؛ لعدم دوران الحرمة مدارها ، بل عدم دوران كون الخمر كبيرة مدارها ، كما لا يخفى .

وأمّا إذا كانت المفاسد نكتة الجعل فلا بدّ في إثبات مقداره وكيفيته من دليل :

أمّا في الخمر فيظهر من جملة من الروايات أنّ جميع مصاديقها كبيرة قليلها وكثيرها ، وأنّ نكتة ذلك هي ما تترتّب عليها من المفاسد ، كصيرورة العبد بحال لا يعرف ربّه ، وصيرورته مشركاً ، وغير ذلك(1) .

ولا دليل على أنّ الكذب إذا كان ببعض مصاديقه شرّاً من الشراب بالمعنى المتقدّم صار ذلك علّة لجعل الحكم على جميع مصاديقه على نحو القانونية ، بل لعلّ شرّيته صارت موجبة لجعله على خصوص ما يترتّب عليه ذلك لا مطلقاً .

وذلك للفرق بين الخمر والكذب من جهة أنّ فساد الخمر نوعي بل عمومي لمتعارف الناس عند تعارف شربها ، فالشرب المتعارف يوجب السكر في متعارف الناس ويوجب صيرورة الشارب بحيث لا يعرف ربّه ، ولا يبالي بما فعل وما فعل به ، ولأجل تلك النوعية أو العمومية صارت محرّمة وكبيرة بجميع مصاديقها ضرباً للقانون . وأمّا الكذب وإن كان بملاحظة مجموع أفراده ومقايستها لمجموع أفراد الخمر يكون شرّاً منها ، لكن ليس شرّه عامّاً كشرّ شرب الخمر ولا يترتّب على كلّ مصداق منه شرّ . وترتّبه على بعض مصاديقه

ص: 101


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 313 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 12 .

لا يوجب جعل الحرمة على مصاديقه فضلاً عن جعلها كبيرة .

فلا يستفاد حرمة جميع مصاديقه ، أو كونه كبيرة من الرواية على هذا الاحتمال .

وكذا لا يستفاد منها الحرمة لو كان المراد بيان أنّ الكذب شرّ من الخمر في الخاصّة المترتّبة عليها بالنسبة إلى كلّ شخص ؛ أي أ نّه يوجب الدخول في المعاصي ويجعل النفس مائلة إلى الشهوات والمعاصي وإن لم نعلم كيفيته ، كما ورد : «إنّ الكذب يهدي إلى الفجور»(1) ، وورد : «أنّ الخبائث حطّت في بيت ومفتاحه الكذب»(2) .

وتوهّم أنّ الوجدانيات لا يمكن أن تخفى علينا في غير محلّه ؛ لأنّ كثيراً ما تخفى علينا ملكاتنا الخبيثة وخصوصيات أميالنا . ولعلّ شرّية الكذب من الشراب لكونه هادياً إلى الشرور ، بخلاف الخمر ، فإنّها رافعة للمانع .

فعلى هذا الاحتمال أيضاً لا تدلّ على حرمة الكذب والخمر ؛ لأنّ رافع مانع المحرّمات والهادي إليها لا يلزم أن يكون محرّماً نفساً فضلاً عن كونه كبيرةً ، بل ولا محرّماً بالغير ؛ لأنّ مقدّمة الحرام ليست بحرام .

وفيها احتمال آخر ، وهو أنّ الجملتين صدرتا على نحو من الادّعاء والمبالغة ، أو أنّ الثانية كذلك . بأن يدّعى أنّ الخمر رافعة لجميع الموانع عن

ص: 102


1- الأمالي ، الصدوق : 342 / 9 ؛ وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 3 .
2- الدرة الباهرة : 43 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 85 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 11 .

الشرور ، ويدّعى أنّ الكذب شرّ منها .

فحينئذٍ إمّا أن يدّعى أنّ الكذب شرّ منها في تلك الخصوصية ؛ أي كونه مفتاحاً للشرور ، أو يراد أ نّه شرّ منها من جميع الجهات .

فعلى الأوّل لا تدلّ على الحرمة فضلاً عن كونه كبيرة .

وعلى الثاني تدلّ على كونه كبيرة ؛ لأنّ المبالغة في شرّيته منها إنّما تصحّ إذا كان معصية عظيمة ، ومع كونه صغيرة لا تصحّ الادّعاء ولا مصحّح للمبالغة .

فإذا قيل : فلان أشجع من الأسد ، أو فلان أجمل من الشمس والقمر ، يكون ظاهراً في أنّ القائل في مقام تعظيم الكمال ، فيكون شجاعته وجماله بحدّ يصحّ أن يرجّحهما في مقام المبالغة على الأسد والشمس والقمر .

ولا يلزم بما ذكرناه خلاف الواقع والضرورة ، فإنّ الكذب في نفسه لا يكون أكبر من الخمر ، ولهذا لو دار الأمر بين ارتكاب أحدهما ولم يترتّب على الكذب مفاسد اُخر لا شبهة في وجوب اختيار الكذب ، وذلك لأنّ هذا المحذور غير لازم على فرض الادّعاء والمبالغة ، فتدلّ الرواية على أكبرية الخمر حقيقة ، وعلى كون الكذب كبيرة لا أكبريته منها .

وهنا احتمال آخر ، وهو كون الجملتين كناية عن كونهما كبيرة .

ثمّ إنّ مقتضى أصالة الظهور تعيّن الاحتمال الأوّل أو الثاني ، فإنّ فيهما أيضاً وإن كان التشبيه بالأقفال والمفاتيح على نحو الاستعارة والتجوّز لكن لا ادّعاء زائداً عليه ، ويكون قوله : «والكذب شرّ من الشراب» على نحو الحقيقة ، بخلاف سائر الاحتمالات فإنّ فيها نحو تأوّل زائداً عليه .

وعليه يسقط الاستدلال بالرواية للمقصود ، ولو منع ترجيح الأوّل فلا ترجيح

ص: 103

للحمل على ما يستفاد منه كونه كبيرة .

ثمّ على فرض استفادة الحرمة وكونه كبيرةً يقع الكلام في أنّ قوله : «والكذب شرّ من الشراب» هل يراد به أنّ هذه الطبيعة بنفسها مع الغضّ عن

لواحق اُخر شرّ من طبيعة الشراب كذلك ؟

أو يراد به أ نّها بوجودها الساري شرّ منها ؟ فيكون كلّ مصداق منها شرّاً من طبيعة الشراب أو كلّ مصداق منه .

أو يراد أنّ هذه الطبيعة على نحو الإهمال شرّ منه ولو باعتبار بعض مصاديقه ؟ فيكون الانتساب إلى الطبيعة : إمّا لعدم كونه في مقام البيان ، أو للادّعاء بأنّ الطبيعة ليست إلاّ ما يترتّب عليها الفساد الذي جعلها كبيرةً ، فيكون

الكلام مبنيّاً على دعوى أنّ المصاديق المترتّبة عليها المفاسد ، كالذي ينطبق عليه عنوان النميمة ، أو الافتراء على اللّه تعالى تمام حقيقته ، وغيرها بمنزلة العدم ، فحينئذٍ يستفاد منها كونه كبيرةً في الجملة لا بجميع مصاديقه .

وما ذكرناه من الاحتمالات تأتي في أمثال هذا التركيب ، كقوله : الرجل خير من المرأة ، والرطب خير من العنب ، إلى غير ذلك .

ولا يبعد أن يكون الاحتمال الأوّل أظهر ، لكن في المقام لمّا لم يمكن الحمل عليه ؛ ضرورة عدم كون الكذب بنفسه شرّاً من الخمر ، وكذا لا يمكن الحمل على الاحتمال الثاني على نحو الحقيقة ، فلا بدّ من الحمل على حقيقة ادّعائية : إمّا دعوى كون الطبيعة بنفسها شرّاً من الشراب ، أو دعوى كونها بجميع مصاديقها كذلك ، أو دعوى كونها كذلك بلحاظ بعض المصاديق .

والأرجح الأوّل ثمّ الثاني . فعليه يستفاد منها كونه كبيرةً بنفسه أو بجميع

ص: 104

مصاديقه ، ولا يستفاد منها أكبريته من الشراب حقيقة ، بل هو ادّعاء يثبت به كونه كبيرةً .

لكنّ الشأن في ترجيح الاحتمال الذي يستفاد منه كونه كبيرةً من بين الاحتمالات المتقدّمة الكثيرة .

إلاّ أن يدّعى : أنّ الظاهر من الجملة الاُولى أنّ الشراب من الكبائر بجعل ما ذكر كنايةً عنه .

وظاهر الجملة الثانية بعد عدم إمكان الحمل على الحقيقة ، هو دعوى كون طبيعة الكذب بلا قيد شرّاً من الشراب .

ولازم هذه الدعوى كونه كبيرةً بنفسها . ولا يلزم منه إشكال كما توهّم ، فإنّه إذا قامت القرينة على عدم إرادة الحقيقة ، لا يجوز طرح الرواية ، بل تحمل على الحقيقة الادّعائية ، ولازمها كون الكذب بنفسه وعلى نحو الإطلاق شرّاً من الشراب ادّعاءً ، ولازم ذلك كونه كبيرة على نحو الإطلاق .

إلاّ أن يقال : مجرّد هذا التشبيه والدعوى لا يدلّ على كونه كناية عن كونها

كبيرةً ، كما ورد : «أنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة»(1) مريداً به أنّ حبّها اُمّ الخطايا مع أ نّه غير محرّم بلا شبهة .

فيمكن أن يكون المراد بالرواية التنبيه على مفاسد الخمر والكذب ، لا بيان حرمتهما . ولا قرينة على كونه بصدد بيان الحرمة فضلاً عن كونهما كبيرةً .

فدعوى كون الجملتين كناية عن حرمتهما ، أو كونهما كبيرة ، عارية

ص: 105


1- الخصال : 25 / 87 ؛ وسائل الشيعة 16 : 9 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 61 ، الحديث 4 .

عن الشاهد ومخالفة لأصالة الظهور .

وبعبارة اُخرى : إنّ الجملة الاُولى بعد كونها استعارة تكون لها ظهور ثانوي لأجل قيام القرينة في المعنى الاستعاري ، وجعل هذا المعنى الاستعاري كنايةً عن أمر آخر ، وهو الحرمة أو كونه كبيرةً ، خلاف الظاهر لا بدّ فيه من قيام قرينة وهي مفقودة .

ويؤيّد ما ذكرناه أنّ حرمة الخمر كانت معلومةً في عصر صدور الرواية بالكتاب والسنّة لم يحتج إلى بيانها ، والمحتاج إليه بيان مفاسدها ومصالح منعها . فالجملة الاُولى سيقت لبيانها ، والثانية تبع لها في المفاد . فتدلّ على أ نّه شرّ من

الشراب في هذه المفاسد والتبعات ، فلا تكون الرواية بصدد بيان الحرمة حتّى يؤخذ بإطلاقها لحرمة جميع المصاديق ، بل لا يصحّ التمسّك بها لإثبات الحرمة ولو في الجملة ، تأمّل .

ومن بعض ما ذكرناه يظهر حال ما روي عن العسكري علیه السلام ، قال : «جعلت الخبائث كلّها في بيت واحد وجعل مفتاحها الكذب»(1) .

الاستدلال بالمرسلة التي ذكرها الشيخ الأعظم

ومنها : المرسلة التي ذكرها الشيخ ، قال : واُرسل عن رسول اللّه رحمهما اللّه : «ألا اُخبركم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور ؛ أي الكذب»(2) .

ص: 106


1- جامع الأخبار : 418 / 1162 ؛ بحار الأنوار 69 : 263 / 46 و48 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 12 .

وعن ابن أبي جمهور ، عنه رحمهما اللّه قال : «ألا اُنبّئكم بأكبر الكبائر ؟» قلنا : بلى يا رسول اللّه . قال : «الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين» وكان متّكئاً فجلس ثمّ قال : «ألا وقول الزور» فما زال يكرّرها حتّى قلنا : ليته سكت(1) .

والتفسير في الاُولى يمكن أن يكون من الراوي ، فتكون الرواية دالّة على أعمّ من الكذب ، وإن كان من المرويّ عنه تختصّ به .

ودلالتهما على كون المذكورات كبيرة لا تنكر .

والإشكال بأنّ الضرورة قائمة بأنّ الكذب وكذا عقوق الوالدين ليس أكبر الكبائر ، لا يوجب طرحهما ، بل تصير قرينة على أنّ الكلام مبنيّ على المبالغة ، فيفهم أ نّهما كبيرة حيث يدّعى في مقام المبالغة أ نّهما أكبر الكبائر، كما مرّ نظيره(2).

ولا يبعد إطلاقهما ، وإن أمكنت المناقشة فيه بأن يقال : إنّه بصدد بيان أكبرية المذكورات عن غيرها بعد مفروغية حكمها ، لا بيان كونها محرّمة أو كبيرة ، أو يقال : إنّه بصدد عدّ أكبر الكبائر ، لا حال المعدود ، فلا إطلاق لهما من هذه الجهة .

الاستدلال برواية أنس

ومنها : رواية أنس ، قال : قال رسول اللّه رحمهما اللّه : «المؤمن إذا كذب بغير عذر ، لعنه سبعون ألف ملك ، وخرج من قلبه نتن حتّى يبلغ العرش فيلعنه حملة

ص: 107


1- درر اللآلي 2 : 81 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 416 ، كتاب الشهادات ، الباب 6 ، الحديث 11 .
2- تقدّم في الصفحة 103 .

العرش ، وكتب اللّه عليه بتلك الكذبة سبعين زنية ، أهونها كمن يزني مع اُمّه»(1) .

ودلالتها على كونه كبيرةً لا تنكر ، ولو مع قطع النظر عن قوله : «وكتب اللّه . . .» ؛ لأنّ الظاهر أ نّه بصدد بيان عظمة الذنب وكبره ، سواء كان بصدد الإخبار عن الواقع ، أو بصدد المبالغة .

نعم ، ظاهر ذيلها كونه بصدد الإخبار عن الواقع ، وإن كان عدد السبعين كناية عن الكثرة مبالغةً ، وهو مطروح ؛ لقيام الضرورة على أهونية الكذب من حيث هو عن الزنا ، فضلاً عن الزنا بالاُمّ ، وهو لا يوجب طرح صدرها الدالّ على كونه كبيرةً .

الاستدلال برواية أبي ذرّ

ومنها : رواية أبي ذرّ ، عن النبي رحمهما اللّه في وصيته له ، قال : «يا أبا ذرّ ، من ملك ما بين فخذيه وما بين لحييه دخل الجنّة» . قلت : وإنّا لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا ؟ فقال : «وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم ؟ إنّك لا تزال سالماً ما سكتّ ، فإذا تكلّمت كتب لك أو عليك . يا أبا ذرّ ، إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة في المجلس ليضحك بها ، فيهوي في جهنّم ما بين السماء والأرض ، يا أبا ذرّ ، ويل للّذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ، ويل له . . .»(2) .

ص: 108


1- جامع الأخبار : 417 / 1158 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 86 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 15 .
2- الأمالي ، الطوسي : 536 / 1162 ؛ وسائل الشيعة 12 : 251 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 4 .

والظاهر أنّ قوله : «يا أبا ذرّ ، ويل للّذي . . .» ، تفريع على قوله : «وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار . . .» . واحتمال كونه كلاماً مستأنفاً غير مربوط بالصدر بعيد .

فتدلّ على أنّ الكذب موجب لدخول النار . وقد مرّ سابقاً (1) أنّ الظاهر من صحيحة عبد العظيم الحسني(2) أنّ إيعاد رسول اللّه رحمهما اللّه العذاب على شيء من شواهد كونه كبيرةً بل إيعاده إيعاد اللّه . ولم يظهر من الروايات الدالّة على أنّ الكبيرة ما أوعد اللّه عليه النار(3) أنّ اللازم إيعاده في الكتاب العزيز ونحوه ، فتدلّ الرواية على حرمة سائر أنواع الكذب بالفحوى .

ويمكن المناقشة فيها بأ نّها منصرفة إلى من يصدر منه كراراً ويشتغل به ، بل

لا يبعد دعوى ظهورها في ذلك ، فيكون مصرّاً به والإصرار بالصغائر كبيرة على ما في الروايات(4) .

الاستدلال بالروايات الدالّة على عدم اجتماع الكذب والإيمان

ومنها : روايات كثيرة تدلّ - على اختلاف التعابير والمضامين - على أنّ الكذب لا يجتمع مع الإيمان :

كمرسلة الصدوق ، قال : كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول : «ألا فاصدقوا إنّ اللّه

ص: 109


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 419 .
2- تقدّمت في الصفحة 94 .
3- راجع وسائل الشيعة 15 : 315 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 45 .
4- راجع وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 و36 ، والباب 47 ، الحديث 11 ، والباب 48 ، الحديث 3 .

مع الصادقين ، وجانبوا الكذب فإنّه يجانب الإيمان»(1) .

وعن أبي جعفر علیه السلام : «الكذب خراب الإيمان»(2) .

وصحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : «سئل رسول اللّه رحمهما اللّه : يكون المؤمن جباناً ؟ قال : نعم. قيل : ويكون بخيلاً ؟ قال : نعم . قيل : ويكون كذّاباً ؟ قال : لا»(3) .

وعن النبي رحمهما اللّه قال : «ثلاث خصال من علامات المنافق : إذا حدّث كذب ، وإذا ائتمن خان ، وإذا وعد أخلف»(4) .

وعن «دعوات الراوندي»، قال رجل له رحمهما اللّه : المؤمن يزني؟ قال: «قد يكون

ذلك» قال : المؤمن يسرق ؟ قال : «قد يكون ذلك» قال : يا رسول اللّه ، المؤمن يكذب؟ قال : «لا قال اللّه تعالى : )إِنَّما يَفْتَرِى الكَذِبَ الّذينَ لاَ يُؤمِنُونَ((5)»(6) .

وعن «تفسير العيّاشي» عن العبّاس بن هلال ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام أ نّه

ص: 110


1- الفقيه 1 : 132 / 613 ؛ وسائل الشيعة 12 : 246 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 13 .
2- الكافي 2 : 339 / 4 ؛ وسائل الشيعة 12 : 244 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 4 .
3- المحاسن : 118 / 126 ؛ وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 11 .
4- مستدرك الوسائل 9 : 85 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة، الباب 120، الحديث 9.
5- النحل (16) : 105 .
6- الدعوات : 118 / 275 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 86 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 13 .

ذكر رجلاً كذّاباً ، ثمّ قال : «قال اللّه تعالى : )إِنَّما يَفْتَرِى الكَذِبَ الّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ(»(1) إلى غير ذلك .

ولمّا استشهد بالآية الكريمة في الأخيرتين فالأولى صرف الكلام إلى مفادها مع قطع النظر عن الروايات .

قال تعالى : )إِنَّما يَفْتَرِى الكَذِبَ الّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِآياتِ اللّه ِ وَاُولئِكَ هُمُ الكاذِبُونَ( .

يمكن تقريبها للمدّعى بأن يقال : إنّها وإن وردت بعد قوله تعالى : )وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللّه ُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قَالوا إِنَّما أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ((2) وبعد قوله : )وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَ نَّهُم يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَر((3) لكنّه بصدد بيان كبرى كلّية ، وهي أنّ اختلاق الكذب مقصورة على )الّذينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِآياتِ اللّه ِ( من غير اختصاص بالكذب على اللّه تعالى . ويؤكّد التعميم قوله : )وَاُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ(؛ لظهوره في أنّ الكاذب مقصور على غير المؤمن ، وأنّ غير المؤمنين بآيات اللّه هم الكاذبون منحصراً .

فيظهر منه أنّ الكذب مطلقاً من خواصّ غير المؤمن .

ولمّا كان في مقام تعظيم الكذب وتكبيره ، ولو بدعوى أنّ الكاذبين غير المؤمنين ، يفهم منه أ نّه عظيمة كبيرة ، وإلاّ لما صحّت الدعوى .

ص: 111


1- تفسير العيّاشي 2 : 271 / 71 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 85 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 10 .
2- النحل 16 : 101 .
3- النحل (16) : 103 .

وهنا احتمال آخر فيها ، وهو أ نّها بصدد ردّ القائلين وإنشاء ذمّهم ، لا الإخبار

بأمر واقعي حتّى يحتاج في تصحيحها إلى التأوّل والدعوى ، نظير ما نسب إلى زينب الكبرى I في جواب عبيد اللّه - لعنه اللّه - حيث قال : الحمد للّه . . . قالت : «إنّما يفتضح الفاجر ، وهو غيرنا»(1) . فإنّه ظاهر في إنشاء الذمّ ، لا الإخبار عن واقعة . ونظير قولك في ردّ من قال لك : أنت بخيل : «إنّ البخيل من يأكل مال الناس» فإنّ ذلك ردّ قوله بإنشاء ذمّ بالجملة الخبرية ، لا الإخبار بأنّ آكل مال الناس بخيل .

فيكون المقصود من قوله : )إِنَّما يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ( ردّ قولهم بإنشاء ذمّ لهم .

وهنا احتمال ثالث ، وهو أنّ الآية بصدد ردّهم بجملة إخبارية ، وهي أنّ الذين يقولون بأ نّك مفتر ، ويقولون يعلّمه بشر ، هم يفترون الكذب في انتساب الافتراء إليك ، وإنّهم هم الكاذبون .

ولا يبعد أن يكون الاحتمال الثاني أقرب إلى الذوق في المقام .

ثمّ إنّه لو سلّم رجحان الاحتمال الأوّل - ولو بضميمة الروايتين المتقدّمتين - يكون في دلالتها على حرمة الكذب مجال مناقشة ؛ لإمكان أن يكون المراد بدعوى قصر الكذب على غير المؤمن ونفي اتّصاف المؤمنين به ، هو أنّ الكذب لمّا كان صفة خبيثة دنيّة يناسب أرذال الناس ، والمؤمن شريف كامل لا يناسب صدوره منه ، فسلب الصفة عنه ليس لكونه معصية كبيرة ، بل لكونه صفة رديّة

ص: 112


1- الملهوف على قتلى الطفوف : 201 .

قبيحة قذرة لا تناسب مقام المؤمن . وعليه لا تدلّ على كونه محرّماً ، نظير قوله : «المؤمن لا يخلف الوعد» و«أ نّه لفي شغل عن اللهو» و«المؤمنون عن اللغو معرضون» . . . إلى غير ذلك .

وما ذكرناه من الاحتمال ، جارٍ في جميع الروايات التي تكون بهذا المضمون ، وقد مرّت جملة منها ، ولعلّ في بعضها شهادة على ما ذكرناه ، فراجع . مع أنّ في كلّ منها نحو مناقشة يظهر بالتأمّل فيها .

الاستدلال بالروايات الدالّة على أنّ قول الزور عدل الشرك

ومنها : جملة من الروايات التي يستفاد منها أنّ شهادة الزور عدل الشرك ، متمسّكاً فيها بقوله تعالى : )فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ((1) :

كرواية «دعائم الإسلام» ، عن أبي جعفر علیه السلام ، وفيها : «فمن الزور أن يشهد

الرجل بما لا يعلم ، أو ينكر ما يعلم ، وقد قال اللّه عزّ وجلّ : )فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفاءَ للّه ِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ( فعدل تبارك اسمه شهادة الزور بالشرك»(2) .

وعن تفسير الشيخ أبي الفتوح ، عن رسول اللّه رحمهما اللّه أ نّه قال في خطبة على المنبر : «إنّ شهادة الزور تعادل الشرك باللّه تعالى» . ثمّ تلا قوله تعالى :

ص: 113


1- الحجّ (22) : 30 .
2- دعائم الإسلام 2 : 508 / 1816 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 415 ، كتاب الشهادات ، الباب 6 ، الحديث 4 .

)فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ((1) .

وقريب منها عن ابن أبي جمهور عن النبي رحمهما اللّه (2) .

فتدلّ هذه الروايات على أنّ مقارنة قول الزور للشرك في الآية الكريمة ليست بمجرّد كونه من المحرّمات ، بل لكونه عدلاً للشرك في كونه كبيرة خصّه تعالى بالذكر قريناً للشرك من بين سائر المحرّمات ؛ تنبيهاً على عظمه وكبره ، كما يوافقه الاعتبار .

وتؤيّده صحيحة عبد العظيم الحسني ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في تعديد الكبائر ، وفيها : «وشرب الخمر ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ نهى عنها ، كما نهى عن عبادة الأوثان»(3) .

فتمسّك لكونه كبيرة بمقارنته في الكتاب العزيز لعبادة الأوثان ، مشيراً إلى

قوله تعالى : )إِنَّما الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ . . .((4) .

فيظهر منها أنّ المقارنة له في الذكر في الكتاب للتنبيه على عظمة الذنب وكبره ، ولهذا استفدنا منها كون القمار كبيرة .

فحينئذٍ نقول : إنّ قول الزور الذي جعل عدلاً للشرك يكون كبيرةً ؛ لعين ما ذكر في الرواية ، وهو أعمّ من شهادة الزور ، فيشمل الكذب مطلقاً ، فتدلّ الآية

ص: 114


1- روض الجنان وروح الجنان 13 : 324 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 416 ، كتاب الشهادات ، الباب 6 ، الحديث 8 .
2- درر اللآلي 2: 81؛ مستدرك الوسائل 17: 416، كتاب الشهادات، الباب6، الحديث 10.
3- الكافي 2 : 285 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .
4- المائدة (5) : 90 .

بإطلاقها بضميمة الروايات على أنّ الكذب مطلقاً من الكبائر .

إلاّ أن يناقش في الاستدلال بها - مضافاً إلى ضعف الروايات عدا الصحيحة التي يأتي الكلام فيها - بأنّ الزور يأتي في اللغة بمعنى الباطل والكذب والشرك باللّه وغيرها (1) . والحمل على مطلق الباطل ، الأعمّ من جميع المذكورات

وغيرها ، وجميع الأقاويل الباطلة ، خلاف الضرورة ، فإنّ مطلق الباطل ليس بحرام ضرورة . والحمل على خصوص الكذب يحتاج إلى شاهد بعد عدم إرادة مطلق الباطل ، ولعلّه أراد خصوص شهادة الزور كما يظهر من الروايات المتقدّمة ، فإنّ الظاهر منها أ نّه تعالى عدل بين خصوصها مع الشرك ، لا مطلق الكذب وتكون الشهادة من مصاديقه .

ويؤيّد عدم إرادة مطلق الكذب في الآية ، عدم استشهاد النبي رحمهما اللّه

والأئمّة علیهم السلام في شيء من الروايات الواردة في الكذب على كثرتها بالآية الكريمة ، إلاّ المرسلة التي ذكرها الشيخ(2) ، ولم أعثر على أصلها مع احتمال كون التفسير من الراوي . ومن البعيد دلالة الآية على حرمة الكذب مطلقاً ، وعدم استشهادهم بها في شيء من الروايات الكثيرة ، واستشهادهم بها لشهادة الزور على ما في الروايات المتقدّمة(3) . وللغناء على ما في روايات كثيرة(4) .

ص: 115


1- القاموس المحيط 2 : 43 ؛ مجمع البحرين 3 : 319 ؛ المنجد : 311 .
2- تقدّمت في الصفحة 106 .
3- تقدّمت في الصفحة 113 - 114 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 303 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 2 ، 8 ، 9 ، 20 و26 .

ولو سلّمت دلالتها على حرمة الكذب ، لكن يمكن أن يكون جعله عدلاً للشرك بملاحظة بعض مصاديقه ، كشهادة الزور - كما دلّت عليه الروايات - والكذب على اللّه تعالى ورسوله رحمهما اللّه ، والبدع ، ونحوها .

وكون الكذب بكثير من مصاديقه ذا مفسدة عظيمة ، يكفي في جعله مقارناً للشرك تعظيماً له ، ولا يلزم أن يكون بجميع مصاديقه كبيرةً . وجعله بإطلاقه قريناً له ، لا يوجب كونه بإطلاقه كبيرةً ، وليس إطلاق للآية من هذه الجهة يؤخذ به ، كما لا يخفى ، فتدبّر .

وأمّا صحيحة عبد العظيم علیه السلام فلا تكون مؤيّدةً للمطلوب ؛ لأنّ الآية النازلة في الخمر والميسر تفارق الآية في قول الزور ، فإنّ في قوله : )إِنَّما الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ((1) جعلت العناوين الأربعة أو الثلاثة موضوعة لقوله : )رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ(وللنهي، فتكون وحدة السياق ووحدة النهي شاهدة على المطلوب ، ولهذا استشهد أبو عبداللّه علیه السلام في الصحيحة لكون الخمر كبيرةً ، بأنّ اللّه تعالى نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان ، ولعلّ نظره إلى وحدة الأمر وكيفية الأداء في المذكورات .

ثمّ لا يخفى أنّ الأمر بالاجتناب بمنزلة النهي وفي قوّته .

وأمّا قوله : )فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ((2) يكون فيه الأمر بالاجتناب مكرّراً ، فلم تكن هذه الآية بمثابة الآية المتقدّمة ، ولعلّ في التكرار نحو إشارة إلى اختلافهما .

ص: 116


1- المائدة (5) : 90 .
2- الحجّ (22) : 30 .

الاستدلال بمرسلة الصدوق

ومنها : مرسلة الصدوق في ضمن تعديده لألفاظ رسول اللّه رحمهما اللّه عدّ منها قوله : «أربى الربا الكذب»(1) .

ويصحّ الاستدلال بها للمطلوب ، سواء قلنا بأنّ التفضيل على وجه الحقيقة أو على نحو المبالغة ؛ لعدم صحّة دعوى كون صغيرة أربى الربا الذي هو من أعظم الكبائر .

ويمكن المناقشة فيها بأنّ المذكور في المرسلة ألفاظ كثيرة منسوبة إلى رسول اللّه رحمهما اللّه ، والظاهر عدم صدورها في مجلس واحد ، بل كان في مقامات عديدة ، وقد جمعوها في رواية ، ولم يعلم أنّ تلك اللفظة في أيّ مقام صدرت منه رحمهما اللّه ، ولعلّه كان في مقام لم يكن له إطلاق ، تأمّل .

أو يناقش بأ نّه ليس بصدد بيان حكم الكذب بل بصدد ترجيحه على الربا ، فهي نظير قوله : «أكبر الكبائر الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور»(2) ؛ حيث قلنا بأ نّه بصدد بيان حكم آخر هو أكبرية هذا من ذاك بعد الفراغ عن أصل الحكم ، فلا يجوز التمسّك بإطلاقه(3) .

ص: 117


1- الفقيه 4 : 271 / 828 ؛ وسائل الشيعة 12 : 246 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 12 .
2- تقدّم في الصفحة 107 .
3- تقدّم في الصفحة 107 .

الاستدلال بروايات ضعيفة سنداً أو دلالة

ومنها : غير ذلك ممّا هو ضعيف سنداً ، أو دلالة ، أو جميعاً :

كما عن النبي رحمهما اللّه : «من أعظم الخطايا ، اللسان الكذوب»(1) .

وعن علي علیه السلام : «وعلّة الكذب أقبح علّة»(2) . وعنه علیه السلام : «ولا سوأة أسوء من الكذب»(3) .

وعن النبي رحمهما اللّه : «وإيّاكم والكذب ، فإنّه من الفجور ، وإنّهما في النار»(4) .

وعن كتاب «الغيبة» للفضل بن شاذان بسند صحيح عن عبداللّه بن العبّاس ، قال : حججنا مع رسول اللّه رحمهما اللّه . . . ثمّ حكى عنه ما هو من أشراط الساعة إلى

أن قال : «ويكون الكذب عندهم ظرافة ، فلعنة اللّه على الكاذب وإن كان مازحاً»(5) .

وفي دلالتها إشكال ؛ لأنّ اللعن لا يدلّ على كبر المعصية .

فتحصّل ممّا ذكر عدم قيام دليل على كون الكذب بنحو الإطلاق من الكبائر .

ص: 118


1- مستدرك الوسائل 9: 85، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120، الحديث 7.
2- مستدرك الوسائل 9 : 87 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 18 .
3- الكافي 8 : 19 / 4 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 21 .
4- مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 26 .
5- مستدرك الوسائل 11 : 372 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 49 ، الحديث 11 .

في أنّ الكذب كبيرة في الجملة

نعم ، لا شبهة في كونه كبيرةً في الجملة ؛ لأنّ الأخبار الدالّة عليه مستفيضة ، بل لعلّها متواترة من طرق الفريقين ، والمتيقّن منه الكذب على اللّه وعلى رسوله والأئمّة علیهم السلام ، وشهادة الزور ، والتهمة ، بناء على كونها من مصاديق الكذب .

وأمّا لو قلنا : إنّها أعمّ من وجه منه ، فحاله كالنميمة ممّا دلّت الروايات على كونها كبيرةً(1) ، فإذا انطبقت على الكذب لا يوجب صيرورته كبيرةً ، فإنّ الحكم المتعلّق على عنوان لا يسري إلى عنوان آخر متّحد معه في الوجود . كما أ نّه لو صار موجباً لفساد ، لا يوجب ذلك حرمته لأجله فضلاً عن صيرورته كبيرةً كما مرّت الإشارة إليه(2) .

بل يمكن أن يقال : إنّ الكذب في غير ما دلّ الدليل على كونه كبيرةً - كالموردين المتقدّمين - من الصغائر ؛ لرواية أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول : «إنّ العبد ليكذب حتّى يكتب من الكذّابين ، فإذا كذب قال اللّه عزّ وجلّ : كذب وفجر»(3) .

ورواية الحارث الأعور عن علي علیه السلام ، قال : «لا يصلح من الكذب جدّ ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيّه ثمّ لا يفي له ، إنّ الكذب يهدي إلى الفجور ،

ص: 119


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 306 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 164 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 149 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 144 .
2- تقدّمت في الصفحة 100 .
3- المحاسن : 117 / 125 ؛ وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 10 .

والفجور يهدي إلى النار ، وما يزال أحدكم يكذب حتّى يقال : كذب وفجر ، وما يزال أحدكم يكذب حتّى لا تكذب(1) موضع إبرة صدق فيسمّى عند اللّه كذّاباً»(2).

والظاهر من رواية أبي بصير أنّ قوله : «فإذا كذب» ، تفريع على قوله : «حتّى

يكتب من الكذّابين» ، ومعناه أ نّه بعد كتبه منهم إذا كذب قال تعالى : كذب وفجر ، ومعناه - ولو بمناسبة المقام - فَسَقَ ، فإنّه أنسب من سائر معانيه ، فيظهر منه أ نّه

بعد كتبه منهم إذا كذب صار فاجراً فاسقاً ، مع أ نّه لو كان كبيرةً صار المرتكب له بمجرّد ارتكابه فاسقاً .

فتدلّ هي والتي بعدها على أنّ مجرّد تكرار الكذب لا يوجب الفسق ، بل لا بدّ فيه من كونه مدمناً وكذّاباً مطبوعاً على الكذب .

بل ظاهر الاُولى أ نّه بعد ذلك لا بدّ من صدور كذب منه، حتّى يقال: إنّه فاجر.

وتدلّ الروايتان على أنّ الإصرار الموجب للفسق في الكذب ، غير الإصرار في سائر المعاصي ، لو قلنا فيها بكفاية مطلق التكرار أو عدم التوبة . واحتمال أنّ المراد بقول اللّه : «فجر» أ نّه أخزاه وهتك ستره - كاحتمال أن يكون الفجور عند اللّه غير ما في ظاهر الشريعة ، وكاحتمال أ نّه تعالى لا يقول بكلّ فاجر : إنّه

فاجر فاسق - خلاف الظاهر .

ص: 120


1- كذا ، ولعلّه «لا تجد» . [ منه قدس سره ]
2- وسائل الشيعة 2 : 234 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 3 ، (الطبع الحجري) ، ولكن الموجود في الطبع الجديد من وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 3 «حتّى لا يبقى» بدل «حتّى لا تكذب» ، وفي الأمالي ، الصدوق : 342 / 9 «حتّى لا يبقى في قلبه» .

ويؤيّد صغره قوله في الرواية الثانية : «الكذب يهدي إلى الفجور» . فإنّها مشعرة بعدم كونه منها ، بل تدلّ أيضاً على عدم كونه في نفسه موجباً للنار ، ويؤيّده أنّ في كثير من الروايات جعل الكذّاب موضوعاً للحكم .

ويظهر من جملة من الروايات أنّ ما يخالف الإيمان ، أو ما هو من علائم النفاق ، المطبوعية على الكذب :

كصحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الكذّاب هو الذي يكذب في الشيء ؟ قال : «لا ، ما من أحد إلاّ يكون ذلك منه ، ولكنّ المطبوع على الكذب»(1) .

وهي بمنزلة التفسير لما دلّ على أنّ الكذب يجانب الإيمان ، فإنّ قوله : «ما من أحد . . .» يدلّ على أنّ كلّ أحد وإن كان مؤمناً يبتلى بالكذب ، ولكنّ الكذّاب هو المطبوع عليه . ولعلّ السائل كان ذهنه مسبوقاً بأنّ الكذّاب فاجر فاسق ، أو أ نّه لا يكون مؤمناً ، فسأل ما سأل .

وأمّا احتمال أن يكون نظره إلى قوله تعالى : )سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الكَذّابُ الأَشِر((2) فليس بشيء ، فإنّه مربوط ببعض الاُمم السالفة ، ولا يناسب المقام ، فراجع(3) .

وأبعد منه احتمال أن يكون السؤال والجواب راجعاً إلى تفسير اللغة ، بل هو

ص: 121


1- الكافي 2 : 340 / 12 ؛ وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 9 .
2- القمر (54) : 26 .
3- راجع مجمع البيان 9 : 289 .

مقطوع الخلاف ولا يناسب قوله : «ما من أحد . . .» .

وكرواية الحسن بن محبوب المرويّة عن «اختصاص» الشيخ المفيد ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : يكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : «نعم» . قلت : فيكون جباناً ؟ قال : «نعم» . قلت : فيكون كذّاباً ؟ قال : «لا» . ثمّ قال : «جبّل المؤمن على كلّ طبيعة إلاّ الخيانة والكذب»(1) .

وعن النبي رحمهما اللّه : «إنّ المؤمن ينطبع على كلّ شيء إلاّ على الكذب والخيانة»(2) .

وعن أبي عبداللّه علیه السلام : قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : ثلاث من كنّ فيه كان منافقاً ، وإن صام وصلّى وزعم أ نّه مسلم : من إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف . . .»(3) .

وقريب منها روايات اُخر(4) .

فتحصّل ممّا ذكر أنّ الكذب في نفسه في غير بعض أنواعه الذي دلّ

ص: 122


1- الاختصاص : 231 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 84 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 5 .
2- مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 23 .
3- الكافي 2 : 290 / 8 ؛ وسائل الشيعة 15 : 339 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 149 ، الحديث 4 .
4- راجع وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 11 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 86 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 13 و28 .

الدليل على كونه كبيرةً ، صغيرةٌ .

نعم ، لا دلالة في رواية أبي خديجة عن أبي عبداللّه علیه السلام : «الكذب على اللّه وعلى رسوله من الكبائر»(1) على عدم غيره منها ؛ لأنّ نكتة اختصاصهما بالذكر ، بعد أهمّية الموضوع ، لعلّها كثرة القالة على رسول اللّه رحمهما اللّه . وتوهّم أ نّه في مقام التحديد ، كما ترى .

دفع كون تحريم الكذب باعتبار اللواحق

حكم العقل بقبح الكذب ذاتاً

ثمّ إنّ هاهنا كلاماً آخر لا بدّ من التعرّض له تتميماً للمرام ، وهو احتمال أن يكون الكذب من العناوين اللا اقتضائية ، حتّى من حيث الحرمة بحسب حكم الشارع ، فيكون تحريمه باعتبار اللواحق . ولا بأس بالإشارة إلى حكم العقل في المقام ، ثمّ إلى حكم الشارع الأقدس :

فنقول : يحتمل بحسب التصوّر : أن يكون الكذب قبيحاً ذاتاً ، ويكون علّة تامّة له لا ينفكّ عنه ، فيكون في موارد مزاحمته مع ما هو أقبح منه باقياً على قبحه ، وإن جاز أو لزم ارتكابه ؛ لاختيار العقل أقلّ القبيحين .

وأن يكون مقتضياً له ، بمعنى أنّ فيه اقتضاءه ويؤثّر ذلك في القبح إلاّ أنّ منعه مانع عن فعليته ، كاقتضاء النار للإحراق ، فلا ينافي ذلك الاقتضاء عدم التأثير

ص: 123


1- الكافي 2 : 339 / 5 ؛ وسائل الشيعة 12 : 248 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 139 ، الحديث 3 .

فعلاً . فعليه لا يكون الكذب المنجي للمؤمن من الهلكة قبيحاً فعلاً ، ومعنى كونه مقتضياً أ نّه لولا ذلك المانع لصار فعلياً ، فحينئذٍ يكون الكذب مزاحاً وفي موارد لا يترتّب عليه صلاح ولا فساد ، قبيحاً ؛ لاقتضائه الذاتي وفقدان ما يمنعه عن الفعلية . وليعلم أنّ الاقتضاء والتأثير والعلّية ، كلّها هاهنا ليست على حذو علل التكوين .

وأن يكون لا اقتضاء ذاتاً ، ويكون قبحه وحسنه بالوجوه والاعتبار ، وعروض جهات مقبّحة أو محسّنة ، ولا يكون قبيحاً ولا حسناً مع عدم عروض شيء منهما . وهذا هو المراد من كون القبح بالوجوه والاعتبار ، وإن يظهر من الشيخ الأنصاري(1) في المقام الثاني ما يشعر بخلاف ذلك .

والظاهر أنّ هذا الاحتمال أضعف الاحتمالات ، فإنّ العقل يدرك قبحه وحزازته في نفسه ، فيرى الكذب الذي لا يترتّب عليه مفسدة ومصلحة قبيحاً ، له حزازة بلا شبهة .

وإنّما الكلام في الاحتمالين الآخرين ، ولا يبعد ترجيح الأوّل ، بدليل أ نّه في المورد الذي يتوقّف إنجاء النبي رحمهما اللّه أو المؤمن على الكذب ، يرى العقل أ نّه لو كان إنجاؤه متوقّفاً على الصدق كان أحسن ، فلا يسوّي بين الكذب والصدق التقديري في هذا المورد . وهذا شاهد على أنّ العقل يدرك قبحه فعلاً لا اقتضاءً بالمعنى المتقدّم .

وإن شئت قلت : إنّ الكذب مع تجرّده عن كافّة المتعلّقات ، والنظر إلى ذاته

ص: 124


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 21 .

بذاته له قبح ما عقلاً لا ينفكّ عنه ، والجهات الخارجية لا تأثير لها في رفعه ، ولهذا يتمنّى العاقل أن يكون الصدق مكان الكذب منجياً للنبي رحمهما اللّه وليس

ذلك إلاّ لعدم رفع حزازته وقبحه وإن لزم ارتكابه ، وله نظائر تظهر بالتأمّل .

مناط حكم الشرع في الكذب غير مناط حكم العقل

ثمّ لو كان حكم الشارع بحرمته بملاك حكم العقل ، فلا محالة يتبعه فيه . فكما أنّ قبحه بناءً على أقوى الوجوه باقٍ ولو مع عروض المصالح ، تكون حرمته أيضاً باقية مع ذلك ، بناءً على ما قوّيناه في باب تزاحم المقتضيات ، وباب الأهمّ والمهمّ ، من أنّ الحكم باقٍ بفعليته في المزاحمين وفي الأهمّ والمهمّ جميعاً ، وإن كان المكلّف معذوراً في ترك المهمّ مع الاشتغال بالأهمّ ، وفي أحد المتزاحمين ، مع الإتيان بالمزاحم الآخر(1) .

فيكون الكذب على ذلك محرّماً فعلاً وإن كان معذوراً في ارتكابه .

وأمّا حديث وجوبه مقدّمة لإنجاء النبي رحمهما اللّه وهو لا يجتمع مع الحرمة قد فرغنا عن تهجينه ، ولو قلنا بوجوب المقدّمة ، فلا تنافي بينه وبين حرمة الكذب ؛ لما قلنا من أ نّه على فرض وجوبها ، يكون متعلّقه هو عنوان الموصل بما هو . والتفصيل يطلب من مظانّه(2) .

ولكنّ الشأن في كون الحكم الشرعي بمناط حكم العقل ، إذ لا دليل عليه ، وليس حكم العقل بقبحه في ذاته بمثابة تكشف منه الحرمة الشرعية .

ص: 125


1- مناهج الوصول 2 : 16 .
2- مناهج الوصول 1 : 333 .

بل يمكن الاستئناس لعدم وحدة المناطين ، بما دلّت - في باب جواز الكذب في الإصلاح - على حبّ اللّه تعالى الكذب في الإصلاح(1) ، فإنّه لو كانت حرمته بمناط حكم العقل لما صار محبوباً في شيء من الموارد ؛ لأنّ الكذب الإصلاحي على ذلك مبغوض بذاته وإن كان العبد معذوراً فيه ، فالحكم بالمحبوبية دليل على أنّ حكم الشارع بالتحريم والتجويز ليس بملاك حكم العقل ، والحمل على المحبوبية بالعرض خروج عن ظاهر الدليل بلا دليل .

ودعوى أنّ القبيح عقلاً لا يمكن أن يصير محبوباً شرعاً ، يمكن دفعها بأ نّه وجيه لو كان المناط منحصراً بما أدركه العقل ، أو كان المناط بحيث يكشف حكم الشرع منه ، ولعلّ فيه مناطات اُخر مجهولة علينا .

مقتضى الروايات حرمة الكذب مطلقاً

ثمّ بعد فرض عدم الدليل على وحدة المناط في حكم العقل والشرع ، لا بدّ من أخذ إطلاق أدلّة حرمة الكذب لو كان ، وكذا الأخذ بالمخصّص والمقيّد والحكم بعدم الحرمة في موردهما .

وهل يمكن أن يقال : إنّ حرمة الكذب في الشرع بالوجوه والاعتبار بالمعنى المتقدّم ، وإن كان قبحه بذاته عقلاً ؟ وليستأنس له بروايات :

كمرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «كان علي بن

ص: 126


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 1 و4 .

الحسين علیه السلام يقول لولده : اتّقوا الكذب ، الصغير منه والكبير ، في كلّ جدّ وهزل ، فإنّ الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير . . .»(1) .

بدعوى أنّ الظاهر من التعليل أنّ الأمر بالاتّقاء عن الصغير ليس لذاته ، بل لأجل عدم الابتلاء بالكبير ، فلو كان الكذب الصغير محرّماً ، لما يناسب هذا التعليل .

وهو نظير قوله في روايات التثليث : «ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم»(2) .

فالأمر بالاتّقاء عن الصغير إرشادي لغرض عدم الوقوع في المحرّم ، وهو الكذب الكبير .

ومعلوم أنّ كبر الكذب وصغره باعتبار ترتّب الفساد على المخبر به ومراتب الفساد ، وإلاّ فنفس الكذب من حيث ذاته لا يتّصف بهما .

ومن ذلك يمكن الاستئناس للمطلوب بأنّ الكذب في حدّ ذاته لا يكون شيئاً ، وإنّما حرمته وحلّيته وكبره وصغره باعتبار الوجوه المنطبقة عليه .

ورواية حمّاد و[ أنس بن] محمّد ، عن الصادق عن آبائه علیهم السلام في وصيّة

النبي رحمهما اللّه لعلي علیه السلام قال : «يا علي ، ثلاث يحسن فيهنّ الكذب : المكيدة في الحرب ، وعدتك زوجتك ، والإصلاح بين الناس» . وفيها أيضاً : «يا علي ، إنّ اللّه

ص: 127


1- الكافي 2 : 338 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 250 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 1 .
2- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 157 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 9 .

أحبّ الكذب في الصلاح ، وأبغض الصدق في الفساد»(1) . وقريب منها روايات(2) .

ورواية الصدوق عن الصادق علیه السلام : «اليمين على وجهين» إلى أن قال : «فأمّا اليمين التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذباً ولم تلزمه الكفّارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعدّ يتعدّى عليه من لصّ أو غيره»(3) .

وفي موثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام في باب الحلف كاذباً للعشّار ، قال : «فاحلف لهم ، فهو أحلّ من التمر والزبد»(4) . وفي نسخة «أحلى» مكان «أحلّ» وكأ نّها أصحّ .

بدعوى أ نّه لو لم تكن حرمته بالوجوه والاعتبار ، لما صار أحبّ إلى اللّه ولا حسناً ولا أحلى - أو أحلّ - من التمر ولا مأجوراً عليه لأجل طروء عنوان ذي مصلحة عليه ، بل كان من قبيل تزاحم المقتضيات في مقام العمل ، وللكاذب عذر في اختيار أقلّ المحذورين والمبغوضين .

ويمكن أن يناقش فيه : بأنّ غاية ما يمكن أن يستشهد بتلك الروايات ،

ص: 128


1- الفقيه 4 : 259 / 824 و : 255 / 821 ؛ وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 2 و4 .
3- الفقيه 3 : 231 / 1094 ؛ وسائل الشيعة 23 : 226 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 9 .
4- الفقيه 3 : 230 / 1083 ؛ وسائل الشيعة 23 : 225 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 6 .

ما عدا الاُولى أنّ الكذب ليس علّة تامّة للحرمة ، وليست الحرمة لازم ذاته ؛ لأنّ الظاهر منها أ نّه محبوب وحسن في الإصلاح . ومقتضى تزاحم المقتضيات - كما مرّ(1) - بقاء الموضوع على حرمته ومبغوضيته ، لا صيرورته محبوباً حسناً . والحمل على المحبوبية العرضية مع كونه مبغوضاً بالفعل ذاتاً ، بعيد جدّاً .

وأمّا الدلالة على أنّ حرمته بالوجوه والاعتبار فلا ؛ لإمكان أن يكون مقتضياً للحرمة ، ويكون العنوان الطارئ من قبيل المانع عن تأثيره ، فيمكن أن يكون ما فيه اقتضاء الحرمة والمبغوضية غير محرّم ولا مبغوض لأجل عروض المانع ، بل يمكن أن يصير محبوباً فعلاً ؛ لعدم التنافي بين المبغوضية الاقتضائية والمحبوبية الفعلية ، سيّما إذا كانت المحبوبية بالعرض ، كما في المقام ، فإنّ محبوبيته لأجل كونه في الصلاح ، فالصلاح محبوب بالذات ، وهو محبوب ثانياً وبالعرض .

وإذا دار الأمر بين الاحتمالين لا يمكن رفع اليد عن إطلاق أدلّة حرمة الكذب، لو فرض إطلاق فيها ، بل يمكن كشف حال الموضوع من إطلاقها والحكم بكونه مقتضياً للحرمة لولا عروض ما يمنعه عن تأثير مقتضاه بدليل دالّ عليه .

وأمّا الرواية الاُولى فلا دلالة لها على المطلوب ، بل ولا إشعار فيها به ؛ لأنّ الاجتراء على المعصية الكبيرة بارتكاب الصغيرة طبيعي للنفس ، فأشار في الرواية إليه ، والتعليل صحيح موجّه بعد كون المحرّمات ذات مراتب . نعم ، لو لا كونها كذلك لكان لما ذكر وجه .

ثمّ إنّ الظاهر وجود الإطلاق والعموم في أخبار كثيرة ربما توجب كثرتها

ص: 129


1- تقدّم في الصفحة 125 .

الاطمئنان والوثوق بصدور بعضها إجمالاً ، فلا ينظر إلى ضعف أسانيدها :

كرواية وصيّة النبي رحمهما اللّه لأبيذرّ رضى الله عنه ، وفيها : «ولا يخرجنّ من فيك كذبة أبداً» . قلت : يا رسول اللّه ، فما توبة الرجل الذي يكذب متعمّداً ؟ قال : «الاستغفار وصلوات الخمس تغسل ذلك»(1) .

وقبل هذه الفقرة فقرة يمكن دعوى الإطلاق فيها أيضاً، وإن لا يخلو من إشكال.

ورواية عيسى بن حسّان ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلاّ كذباً في ثلاثة . . .»(2) .

ونحوها رواية الطبرسي(3) عنه علیه السلام ، ولعلّهما واحدة .

وعن جعفر بن أحمد القمّي ، عن أحمد بن الحسين ، بإسناده ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه في حديث : والكذب كلّه إثم ، إلاّ ما نفعت به مؤمناً . . .»(4) وعن الطبرسي نحوه(5) .

ص: 130


1- الأمالي ، الطوسي : 537 / 1162 ؛ وسائل الشيعة 12 : 251 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 140 ، الحديث 4 .
2- الكافي 2 : 342 / 18 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 5 .
3- مشكاة الأنوار : 309 / 966 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 94 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 4 .
4- الأعمال المانعة من الجنّة : 59 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 95 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 7 .
5- مشكاة الأنوار : 309 / 967 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 94 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 3 .

وعن «جامع الأخبار» عن الصادق علیه السلام : «الكذب مذموم»(1) . وفي دلالتها إشكال .

وفي رواية أبي إسحاق الخراساني ، قال : «كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول : إيّاكم والكذب . . .»(2) .

وفي رواية الحسن الصيقل ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ اللّه أحبّ - إلى أن قال - وأبغضَ الكذب في غير الإصلاح»(3) .

وفي رواية أنس ، المتقدّمة عن رسول اللّه رحمهما اللّه : «المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك . . .»(4) .

وعن «فقه الرضا» : «وإيّاكم والكذب ، فإنّه لا يصلح إلاّ لأهله»(5) .

وعن علي علیه السلام : «الكذب أقبح علّة»(6) . وعنه علیه السلام : «لا سوأة أسوء من الكذب»(7) .

ص: 131


1- جامع الأخبار : 418 / 1159 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 96 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 8 .
2- الكافي 2 : 343 / 21 ؛ وسائل الشيعة 12 : 245 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 138 ، الحديث 8 .
3- الكافي 2 : 341 / 17 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 4 .
4- تقدّمت في الصفحة 107 .
5- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 339 ؛ مستدرك الوسائل 9 :87 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 17 .
6- تقدّم في الصفحة 118 .
7- تقدّم في الصفحة 118 .

وعنه علیه السلام : «أوصاني رسول اللّه رحمهما اللّه حين زوّجني فاطمة فقال : إيّاك والكذب ، فإنّه يسوّد الوجه»(1) .

وعن النبي رحمهما اللّه : قال : «واجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة ، فإنّ فيه الهلكة»(2) .

وعنه رحمهما اللّه : «إيّاكم والكذب ، فإنّه من الفجور وإنّهما في النار»(3) .

وقد مرّ في الصحيح عن رسول اللّه رحمهما اللّه : «فلعنة اللّه على الكاذب وإن كان مازحاً»(4) . . . إلى غير ذلك . فلا ينبغي الإشكال في حرمته مطلقاً إلاّ ما استثني .

ص: 132


1- مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 22 .
2- مستدرك الوسائل 9 : 88 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 120 ، الحديث 25 .
3- تقدّم في الصفحة 118 .
4- تقدّم في الصفحة 118 .

الأمر الثاني في مسوّغات الكذب

الأمر الثاني : في مسوّغات الكذب ، الأعمّ من الشرعية والعقلية ، وبالعنوان الأوّلي أو الثانوي .

في أنّ الضرورة من مسوّغات الكذب

قال الشيخ الأنصاري : يسوَّغ الكذب لوجهين : أحدهما : الضرورة إليه .

ثمّ جعل الإكراه والاضطرار ، وكذا الدوران بين المحذورين منه .

ثمّ بعد كلام جعل الأخبار الواردة في باب اليمين لنجاة مال نفسه أو غيره مربوطة بالمقام(1) .

مع أ نّه على فرض كونها مربوطة به يكون مقتضى إطلاقها جواز الكذب لمال نفسه ولو غير معتدّ به ، وصريح بعضها جوازه لمال غيره(2) .

وهذا العنوان غير التسويغ للضرورة ؛ إذ لا ينطبق عليه أحد العناوين المتقدّمة :

أمّا الإكراه والدوران بين المحذورين فظاهر ؛ إذ لا يجب على الإنسان حفظ مال نفسه فضلاً عن مال غيره إذا لم يكن تحت يده .

ص: 133


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 21 - 25 .
2- راجع وسائل الشيعة 23 : 224 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 1 و9 و17 .

وأمّا الاضطرار فلا يصدق إلاّ مع كون المال بمقدار يكون دفعه موجباً للحرج .

ولو قلنا : إنّ مطلق دفع المال إلى الظالم حرجي ، لا يصحّ ذلك بالنسبة إلى مال الغير إذا لم يكن تحت يده ، ومقتضى إطلاق بعض الروايات جواز الحلف كاذباً في خلاص مال مسلم وإن لم يكن أمانة عنده وتحت يده .

فلو كانت تلك الروايات من أدلّة الباب ، لا بدّ من جعل المسوّغ زائداً على اثنين ، أو تعميم المسوّغ الثاني بما يشمل مورد الأخبار . والأمر سهل .

والذي ينبغي أن يقال : إنّ المكلّف تارةً : يكون مكرهاً على الكذب ، فأكرهه المكره به بعنوانه .

واُخرى : يكون مضطرّاً إليه ، إذا كان في تركه ضرر عليه نفساً ، أو عرضاً ، أو مالاً بمقدار معتدّ به ، أو مطلقاً في بعض الأحيان .

وثالثة : يكون كذبه لترجيح أخفّ المحرّمين على الآخر ، كما لو كلّفه على شرب الخمر من لا يأمن سوطه وسلطانه ، فرجّح الكذب للتخلّص ، وهذا غير عنوان الاضطرار المرفوع بأدلّته، كما لا يخفى .

وسيأتي الكلام في تلك العناوين إن شاء اللّه .

فهل يمكن استفادة مورد رابع من الروايات الواردة في باب الحلف أو لا ؟ لا بدّ من نقل بعضها ليتّضح الحال :

فمنها : صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا علیه السلام في حديث ، قال : سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف ؟ قال : «لا جناح عليه» . وعن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلفه لينجو به منه ؟

ص: 134

قال : «لا جناح عليه» . وسألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله ؟ قال : «نعم»(1) .

ومنها : موثّقة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : نمرّ بالمال على العشّار ، فيطلبون منّا أن نحلف لهم ويخلّون سبيلنا ، ولا يرضون منّا إلاّ بذلك ؟ قال : «فاحلف لهم ، فهو أحلّ (أحلى خ . ل) من التمر والزبد»(2) .

ومنها : صحيحة الحلبي ، أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحرز (يحوز - خ . ل) بذلك ماله ؟ قال : «نعم»(3) .

ومنها : موثّقة اُخرى لزرارة ، قال : قلت له : إنّا نمرّ على هؤلاء القوم ، فيستحلفونا على أموالنا وقد أدّينا زكاتها ؟ فقال : «يا زرارة ، إذا خفت فاحلف لهم ما شاؤوا» . قلت : جعلت فداك بالطلاق والعتاق ؟ قال : «بما شاؤوا»(4) .

إلى غير ذلك ممّا هي نحوها أو قريب منها .

وجه الاستفادة : دعوى إطلاقها للحلف الصادق والكاذب لإنجاء ماله أو مال غيره كائناً ما كان . فهو عنوان غير العناوين السالفة ، وغير الكذب في الإصلاح .

ويمكن المناقشة فيها : بأ نّها بصدد بيان حكم آخر ، وهو جواز الحلف .

ص: 135


1- الكافي 7 : 440 / 4 ؛ وسائل الشيعة 23 : 224 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 3 : 230 / 1083 ؛ وسائل الشيعة 23 : 225 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 6 .
3- الفقيه 3 : 231 / 1090 ؛ وسائل الشيعة 23 : 225 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 8 .
4- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 73 / 153 ؛ وسائل الشيعة 23 : 227 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 14 .

توضيحه : أنّ الحلف عبارة عن جملة إنشائية تأتي بها لتأكيد الجملة الإخبارية ، أو الإنشائية في بعض الأحيان ، وهي غير الجملة الإخبارية المؤكّدة بها ، ولا تتّصف بالصدق والكذب ، وإطلاقهما أحياناً عليها إنّما هو بنحو من التأويل والتسامح ، فيقال : اليمين الكاذبة أو الصادقة باعتبار متعلّقهما .

ولمّا ورد في الكتاب العزيز النهي عن جعل اللّه تعالى عرضة للأيمان فقال تعالى : )وَلاَ تَجْعَلُوا اللّه َ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ((1) ، وورد في الروايات النهي عنها كاذباً أو صادقاً (2) يمكن أن يكون ذاك وذلك منشأً للشبهة في أنّ اليمين غير جائزة حتّى لإنجاء المال والتخلّص من العشّار وغيره ، فسألوا عن حكم اليمين من حيث هي .

فلا إطلاق فيها يشمل اليمين المقارنة للجملة الكاذبة ؛ لأنّ جواز نفس اليمين غير مربوط ولا ملازم لجواز الكذب .

بل لا معنى للإطلاق بالنسبة إلى المقارن والمتعلّق ، فإنّ معنى الإطلاق هو كون نفس طبيعة موضوع حكم من غير دخالة شيء آخر فيه ، فتكون الطبيعة في أيّ مورد وجدت محكومة به ، واليمين من حيث هي إنشاء لا كذب فيها ، وإسراء حكم الكذب عليه من متعلّقه لا معنى له ، فتكون الروايات أجنبيّة عمّا نحن بصدده .

وتؤيّد ما ذكرناه موثّقة زرارة الثانية ، فإنّ ظاهرها أ نّه مع أداء الزكاة كانوا يطلبون منه زكاة ماله ، فكان محطّ سؤاله اليمين الصادقة ، بأن حلف على أ نّه

ص: 136


1- البقرة (2) : 224 .
2- راجع وسائل الشيعة 23 : 197 ، كتاب الأيمان ، الباب 1 ، الحديث 2 و5 و7 و9 .

ليس في المال زكاة أو حقّ للفقراء . والحمل على اليمين بجملة اُخرى كاذبة خلاف الظاهر ، فتشهد بأنّ مورد السؤال نفس الحلف .

ومنها يستكشف مورد سائر الأخبار .

وأمّا مرسلة الصدوق الآتية(1) فظاهرة بقرينة قوله علیه السلام : «إذا حلف كاذباً لم تلزمه الكفّارة» في إنشاء عهدة عليه ، أو الالتزام بعمل ، كأن يقول : لو كان هذا مال زيد ، عليّ كذا أو اُنفق كذا .

لكن يمكن دفع المناقشة ، بأن يقال : مقتضى القرائن الموجودة في نفس الأخبار أنّ محطّ السؤال والجواب فيها هو الحلف كاذباً : أمّا صحيحة إسماعيل ابن سعد ، فإنّ السؤال عن حلف السلطان بالطلاق ، منشؤه احتمال وقوعه مع عدم موافقة مقدّمه للواقع ، فإنّه مع صدقه لا يحتمل وقوعه . فقوله : «إن كان هذا مال زيد فامرأتي طالق» وإن كان إنشاءً ، لكن وقوع الطلاق عند العامّة إنّما هو فيما إذا كان مال زيد ، وكان القائل في مقام إنكاره .

فعليه كان محطّ الحلف بالطلاق والعتاق في مورد كان المسؤول بالحلف يحلف في مقام إنكار ما كان واقعاً أو إثبات ما لم يكن كذلك ، فيكون قوله : «وعن رجل يخاف على ماله من السلطان . . .» مورد الحلف كذباً أيضاً .

ومنه يظهر حال ما ورد فيها السؤال عن الحلف بالطلاق والعتاق :

كصحيحة معاذ بيّاع الأكسية - بناءً على وثاقته بشهادة المفيد(2) - قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّا نستحلف بالطلاق والعتاق ، فما ترى ، أحلف لهم ؟ فقال :

ص: 137


1- تأتي في الصفحة 140 .
2- الإرشاد ، الجزء الثاني ، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 11 : 216 .

«احلف لهم بما أرادوا إذا خفت»(1) .

وصحيحة إسماعيل الجعفي - بناءً على وثاقته بشهادة العلاّمة(2) والمجلسي وغيرهما (3) - قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : أمرّ بالعشّار ومعي المال ، فيستحلفوني ، فإن حلفت تركوني ، وإن لم أحلف فتّشوني وظلموني ؟ فقال : «احلف لهم» . قلت : إن حلّفوني بالطلاق ؟ قال : «فاحلف لهم» . قلت : فإنّ المال لا يكون لي ؟ قال : «تتّقي مال أخيك»(4) .

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ، وفيها : قلت : إنّي رجل تاجر أمرّ بالعشّار ومعي مال ؟ فقال : «غيّبه ما استطعت ، وضعه مواضعه» ، قلت : فإن حلّفني بالعتاق والطلاق ؟ فقال : «احلف له» . ثمّ أخذ تمرة فحفّ بها من زبد كان قدّامه فقال : «ما اُبالي حلفت لهم بالطلاق والعتاق أو أكلتها»(5) .

وهي كما ترى ظاهرة جدّاً في جواز الكذب والحلف كذباً . ونحوها موثّقة زرارة المتقدّمة وما هي بهذا المضمون ، فإنّ موردها بقرينة السؤال عن الحلف بالطلاق والعتاق هو الحلف كاذباً . لا أقول : في مورد الحلف بهما حتّى يقال : إنّه

ص: 138


1- المحاسن : 339 / 125 ؛ وسائل الشيعة 23 : 227 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 13 .
2- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال : 54 / 2 .
3- اُنظر تنقيح المقال 1 : 130 / السطر 29 ؛ مرآة العقول 21 : 216 .
4- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 74 / 156 ؛ وسائل الشيعة 23 : 227 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 17 .
5- الكافي 6 : 127 / 2 ؛ وسائل الشيعة 22 : 86 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 37 ، الحديث 1 .

إنشاء ، بل أقول : إنّ مورد الحلف بهما هو الكذب لولا الإنشاء ، فيستكشف منه أنّ مورد الأسئلة في غيره هو الحلف كذباً ، فقوله : فيستحلفوني ؛ أي يستحلفوني كذباً ، بالقرينة المذكورة .

وتشهد لما ذكرناه أيضاً ما اُشير فيها إلى التقيّة والضرورة والاضطرار :

كصحيحة أبي الصباح عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : قال : «ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقيّة فأنتم منه في سعة»(1) .

ورواية سماعة عنه علیه السلام قال : «إذا حلف الرجل تقيّة لم يضرّه إذا هو اُكره واضطرّ إليه» وقال : «ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه»(2) .

لأنّ الظاهر منها أنّ التقيّ-ة والاضطرار والإكراه صارت منشأً للجواز ، ولولا تلك العناوين المجوّزة لم يكن جائزاً ، بل رواية سماعة كالصريح بذلك .

ولا شبهة في جواز الحلف صادقاً مطلقاً ، كما فعل الأئمّة علیهم السلام كثيراً ، وقد حلف أبو عبداللّه علیه السلام في صحيح أبي الصباح المتقدّم ، وحلف أبو الصباح

بمحضره . والحمل على عدم الكراهة كما ترى ، بل هو مقطوع الخلاف .

وتشهد له أيضاً مرسلة يونس ، عن بعض أصحابه عن أحدهما ، في رجل حلف تقيّة ؟ فقال : «إن خفت على مالك ودمك فاحلف تردّه بيمينك ، فإن لم تر أنّ ذلك يردّ شيئاً ، فلا تحلف لهم»(3) .

ص: 139


1- الكافي 7: 442/15؛ وسائل الشيعة 23 : 224 ، كتاب الأيمان ، الباب 12، الحديث 2.
2- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 75 / 161 ؛ وسائل الشيعة 23 : 228 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 18 .
3- الكافي 7: 463/17 ؛ وسائل الشيعة 23 : 224 ، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 3.

فإنّ الظاهر أنّ النهي عن الحلف للحرمة ، فيكشف منه أنّ مورده الحلف كاذباً .

وأمّا مرسلة الصدوق فالظاهر منها جدّاً أنّ موردها الحلف كاذباً لا الإنشاء :

قال في «الفقيه» : وقال الصادق علیه السلام : «اليمين على وجهين : أحدهما . . .» إلى أن قال : «والاُخرى على ثلاثة أوجه : فمنها : ما يؤجر الرجل عليه إذا حلف كاذباً ، ومنها : ما لا كفّارة عليه ولا أجر له ، ومنها : ما لا كفّارة عليه فيها

والعقوبة فيها دخول النار ، فأمّا التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذباً ولا تلزمه الكفّارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعدّ يتعدّى عليه من لصّ أو غيره» إلى أن قال : «وأمّا التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم ، أو على حقّه ظلماً ، فهذه يمين غموس توجب النار ولا كفّارة عليه في الدنيا»(1) .

فإنّ الظاهر من الحلف كذباً هو الحلف على إخبار مخالف للواقع ، وليس نفي الكفّارة قرينة على كون الحلف لإنشاء الالتزام ، فإنّ نفيها كما يكون في إنشاء الالتزام لدفع الظلم كذلك يكون في الإخبار كاذباً ، كما صرّح فيها بنفي الكفّارة في اليمين الغموس ، ولا إشكال في أ نّها حلف في مقام الدعوى لإنكار حقّ الغير ، فكما قال فيها لا كفّارة عليه قال فيما تقدّم .

فلا شبهة في أنّ الظاهر من الروايات أنّ مصبّها الحلف كذباً ، وليس في مورد منها السؤال عن الأعمّ أو خصوص الصدق .

ص: 140


1- الفقيه 3 : 231 / 1094 ؛ وسائل الشيعة 23 : 226 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 9 .

فعلى هذا يكون هذا عنواناً آخر غير عنوان الاضطرار والإكراه والدوران بين المحذورين ، وغير الكذب في الإصلاح لو خصّصناه به ولم نتعدّ إلى مطلق المصلحة ولو لنفسه ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه .

ولا يتوهّم أنّ مطلق إعطاء المال الظالم ظلماً ، حرج على المظلوم ، فيكون الجواز للاضطرار .

وذلك لممنوعيته بنحو الإطلاق ، فإنّ أخذ العشّار والوالي بعد تعارف أخذهما من الناس ليس بحرجي . مضافاً إلى أنّ مقتضى بعض الروايات جواز الكذب والحلف عليه لإنجاء مال غيره ، ولو لم يكن تحت يده ، كإطلاق ذيل صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدّمة(1) ، ومرسلة الصدوق . ومن المعلوم أنّ الحلف على مال الغير الذي لا يكون أمانة عنده وتحت يده ليس لاضطرار وضرورة .

ثمّ إنّه بما ذكرناه من أنّ محطّ الروايات الحلف كاذباً ، تكون أخصّ مطلقاً من مطلقات حرمة الكذب ، فتوهّم التعارض بالعموم من وجه لعلّه ناشٍ من توهّم أعمّية موردها من الكذب ، وقد عرفت ما فيه .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأنصاري : من معارضتها لمفهوم رواية سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «إذا حلف الرجل تقيّة لم يضرّه إذا هو اُكره أو اضطرّ إليه» وقال : «ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه»(2) . فإنّ مفهومها عدم الجواز في غير حال الضرورة والإكراه ، والكذب مع إمكان التورية ليس

ص: 141


1- تقدّمت في الصفحة 134 .
2- تقدّم في الصفحة 139 .

مضطرّاً إليه ، فلا يجوز بمقتضى إطلاقه ، ويجوز لحفظ المال بمقتضى إطلاق الروايات ، فبعد التعارض يرجع إلى إطلاقات حرمة الكذب(1) .

ففيه : - مضافاً إلى عدم المفهوم للشرطية كما حقّق في محلّه(2) - أ نّه يمكن أن يقال : إنّ المورد ليس من مفهوم الشرط ، فإنّ قوله : «إذا حلف الرجل تقيّة» ظاهر في أنّ حلفه كان للخوف والتقيّة . والحمل على الأعمّ من التقيّة الخوفية والتقيّة المداراتية والتحبيبية خلاف الظاهر . وعليه لا يكون قوله : «إذا هو اُكره أو اضطرّ إليه» إلاّ لبيان حال القيد ، ولا يكون شرطية مستقلّة ، وفي مثلها لا مفهوم لها ، إذ يكون ذكرها تبعاً للقيد وبياناً لحاله . فلو كان مفهوم فلا بدّ

أن يكون للقيد وهو لا مفهوم له .

مضافاً إلى إمكان أن يقال : إنّ المفهوم للشرطية على القول به ليس لدلالة وضعية لفظية لأداة الشرط ؛ بمعنى عدم وضع أداته للعلّة المنحصرة وهو واضح ، بل بجهات اُخرى عمدتها الإطلاق .

وإنّما يمكن دعوى المفهوم فيما إذا كان المتكلّم بصدد بيان حال ما عدا مورد

التعليق ، كقوله : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء»(3) ، حيث يكون المتكلّم به بصدد بيان حدّ عدم الانفعال لإفادة انفعال الماء القليل . ولو نوقش في المثال فلا مشاحّة فيه .

ص: 142


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 24 - 26 .
2- مناهج الوصول 2 : 157 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 1 و2 و5 و6 .

وفي رواية سماعة ليس المتكلّم بصدد بيان حال حرمة الكذب وحدودها ، بل بصدد بيان أنّ الاضطرار يرفع حكمه بعد مفروضيته .

وإن شئت قلت : سيقت الشرطية لبيان رفع الاضطرار حكم الكذب ، وفي مثله لا مفهوم لها ، ولهذا قال في ذيلها : «ليس شيء ممّا حرّم اللّه . . .» إن كان هذا من تتمّة الحديث . فالمفهوم للشرطية محلّ إشكال من وجوه عمدتها عدم المفهوم لها رأساً .

ثمّ لو سلّمنا المفهوم لها في نفسها لكن في المقام تكون تلك الروايات المتقدّمة قرينة على عدم المفهوم ، فلا تقع المعارضة بينه وبين تلك الروايات ؛ ضرورة أنّ كثرتها في هذا المقام والمقامات الاُخر نظيره ، من غير تعرّض أو إشارة إلى التورية ، دليل على عدم اعتبار العجز عنها ، سيّما أنّ بعضها شاهدة على جواز الحلف كاذباً مع إمكان التورية :

كرواية معمّر بن يحيى ، الصحيحة على الظاهر ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : إنّ معي بضائع للناس ، ونحن نمرّ بها على هؤلاء العشّار فيحلفونا عليها فنحلف لهم ؟ فقال : «وددت أ نّي أقدر على أن اُجيز أموال المسلمين كلّها وأحلف عليها ، كلّ ما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقيّة»(1) .

إذ من المعلوم أنّ المراد بالحلف المسؤول عنه هو الحلف كذباً كما تقدّم(2) . كما أنّ الظاهر أنّ مورد ودّ أبي جعفر علیه السلام الحلف لإنجاء أموال المسلمين مورد

ص: 143


1- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 73 / 154 ؛ وسائل الشيعة 23 : 227 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 16 .
2- تقدّم في الصفحة 137 .

السؤال المذكور ، لا سنخ مخالف له ، مع أنّ أبا جعفر علیه السلام لا يعقل إلجاؤه واضطراره إلى الكذب ، لقدرته على أنحاء التورية .

بل الظاهر منها ومن غيرها كمرسلة الصدوق(1) ، وموثّقة زرارة(2) المتقدّمة أنّ الكذب محبوب وحسن ومأجور عليه . فلو كان في مورد إمكان التورية محرّماً ولو مع غفلة الحالف ، لا يصير محبوباً وأحلى من التمر ، بل يكون محرّماً مبغوضاً وإن كان المكلّف معذوراً ، كسائر المبغوضات المأتيّ بها غفلة .

وما ذكره الشيخ الأنصاري لرفع الاستبعاد عن تقييد الأخبار بأنّ موردها مورد الغفلة عن التورية(3) - مضافاً إلى عدم تماميته في بعض الأخبار كما أشرنا

إليه ، ولا يناسبه التعبير بالمأجورية وكونه أحلى أو أحلّ من التمر والزبد - غير وجيه ؛ لإمكان أن يقال : إنّ كون التورية مغفولاً عنها يؤكّد الاستبعاد المذكور ، فإنّ الكذب لو كان محرّماً مع إمكان التورية ، وكان القيد ممّا يغفله العامّة ، كان

على المعصوم علیه السلام بيانه ، ولا يمكن الأمر بالحلف كاذباً في تلك الروايات الكثيرة ، من غير إشارة إلى أنّ جوازه موقوف على عدم إمكانها ، فتدبّر .

ثمّ إنّ هذه الروايات معارضة بروايات دلّت على حصر جواز الكذب بثلاثة :

كرواية عيسى بن حسّان ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلاّ كذباً في ثلاثة : رجل كائد في حروبه فهو موضوع عنه ، أو رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي به هذا ، يريد بذلك

ص: 144


1- تقدّمت في الصفحة 140 .
2- تقدّمت في الصفحة 135 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 26 .

الإصلاح ما بينهما ، أو رجل وعد أهله شيئاً وهو لا يريد أن يتمّ لهم»(1) . ومرسلة أبي يحي-ى الواسطي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «الكلام ثلاثة : صدق

وكذب وإصلاح بين الناس»(2) .

وتشعر بالحصر بعض ما تأتي(3) في المستثنى الآخر .

وحمل هذه الروايات على الحصر الإضافي بعيد ، بل لا وجه له في المقام . وتقي-يد الحصر ليس بجمع عقلائي مقبول عرفاً .

إلاّ أن يدّعى أنّ كثرة استعمال الاستثناء في أخبارنا في غير الحصر الحقيقي توجب وهناً في دلالته عليه .

بل القرينة العقلية قائمة في المقام على عدم الحصر ؛ لوضوح أنّ الكذب لإنجاء المؤمن من الهلكة غير مسؤول عنه ، وكذا في موارد دوران الأمر بينه وبين المحذور الأشدّ كالزنا وشرب المسكر .

مضافاً إلى أنّ في نفس تلك الروايات أيضاً اختلافاً كالروايتين المتقدّمتين .

والذي يسهّل الخطب ضعف الروايتين سنداً وضعف سائرها المشعرة بذلك سنداً ودلالة ، وكثرة الروايات المقابلة لها وفيها الصحيحة والموثّقة ممّا لا تصلح هي لمعارضتها .

ص: 145


1- الكافي 2 : 342 / 18 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 5 .
2- الكافي 2 : 341 / 16 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 6 .
3- تأتي في الصفحة 150 .

فتحصّل ممّا مرّ جواز الكذب لتخلّص مال نفسه أو غيره ، وهو عنوان آخر غير ما تقدّم .

ثمّ يظهر من تلك الروايات جواز الكذب لتخلّص نفسه أو غيره من سائر المؤمنين من أنحاء الضرر النفسي والعرضي ، لإلقاء الخصوصية عرفاً ، وفحوى الروايات ، وإطلاق بعضها كمرسلة الصدوق ، الدالّة على مأجورية الكاذب إذا حلف في خلاص امرئ مسلم ، أو خلاص ماله من متعدّ يتعدّى عليه من لصّ أو غيره(1).

ويظهر منها عدم خصوصية للعشّار وأعوان الظلمة ، بل هو مقتضى تعليق الحكم على الخوف على نفسه ، أو ماله ، أو مال غيره ، فإنّ الظاهر منه أنّ الموضوع للحكم ذلك ، ولا دخالة لظالم خاصّ فيه .

فاحتمال الخصوصية في عمّال الظلمة بدعوى أنّ دفع المال إليهم موجب لتقويتهم وتقوية سلطانهم ، فلهم خصوصية من بين الظلمة ، ضعيف مخالف لظواهر الروايات ، وصريح المرسلة .

ومقتضى إطلاق تلك الروايات ، جواز الحلف كاذباً وجواز الكذب في كلّ ضرورة وإكراه ، سواء تمكّن من التورية أم لا .

نعم ، لولاها ، وكان المستند في جوازه أدلّة نفي الاضطرار والإكراه ، كان عدم التمكّن منها معتبراً في جوازه ، من غير فرق بين الإكراه والاضطرار ؛ لعدم

ص: 146


1- تقدّم في الصفحة 140 .

صدقهما مع إمكانها بنحو لا يخاف المورّي عن كشف الواقعة لدهشة ووحشة مستولية عليه .

ودعوى صدق الإكراه ولو مع إمكانها ؛ لأنّ المكرِه أكرهه على الواقع وطلب منه الكذب ، وإن أمكن التخلّص عنه بالتورية ، فمع إمكانها لا يخرج الكذب عن وقوعه عن إكراه ، بخلاف الاضطرار ، فإنّه مع إمكانها لا يصدق أ نّه مضطرّ على الكذب(1) .

غير وجيهة ؛ لأنّ الإكراه على الواقع المجهول عن علم المكرِه غير ممكن ، ومع إمكان التورية والتفصّي عن إكراهه بها أو بغيرها ، لا يصدق أ نّه مكرَه على الكذب ، وإن كان مكرهاً على التنطّق بالألفاظ . والفرق بينه وبين الاضطرار بذلك غير ظاهر . فلو طلب منه قتل مؤمن محقون الدم وأمكنه التخلّص منه بقتل كافر مهدور ، لا يصدق أ نّه مكره على قتل المؤمن ؛ لأنّ المكره طلب منه قتل المؤمن .

وأمّا وجه افتراق الفقهاء بين الكذب ، حيث اعتبروا في جوازه عدم إمكان التورية(2) ، وبين العقود والإيقاعات والألفاظ المحرّمة كالسبّ والتبرّي ، فلم يعتبروا إمكانها في لغويتها (3) بل صرّح بعضهم بع-دم اعتبار العجز

ص: 147


1- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 28 .
2- راجع النهاية : 559 ؛ السرائر 2 : 435 ؛ شرائع الإسلام 2 : 129 ؛ المختصر النافع : 150 ؛ قواعد الأحكام 2 : 188 ؛ مسالك الأفهام 5 : 84 .
3- راجع النهاية : 510 ؛ السرائر 2 : 665 ؛ شرائع الإسلام 3 : 3 ؛ المختصر النافع : 197 ؛ قواعد الأحكام 3 : 122 .

عنها (1) كما حكاه الشيخ الأنصاري رحمه الله علیه (2) فلعلّه لذهابهم إلى عدم إطلاق في الروايات الواردة في باب الحلف ، فلا تشمل الحلف الكاذب بما تقدّم وجهه والجواب عنه(3) ، فيكون تجويزهم الكذب بمقتضى مثل حديث الرفع(4) وقد تقدّم أنّ المستند فيه إذا كان ذلك لا محيص عن اعتبار العجز عنها .

وأمّا عدم اعتباره في باب العقود والإيقاعات ، فلورود روايات خاصّة في لغويتها مع الإكراه(5) . ومقتضى إطلاقها عدم اعتباره ، ولهذا عطفوا عليها

السبّ والبراءة كما نسب إليهم الشيخ الأنصاري ، وذلك لورود روايات فيهما راجعة إلى قضيّة عمّار وغيرها من غير إشارة فيها إلى لزوم التورية مع الإمكان(6) .

ثمّ إنّه لا شبهة في اعتبار العجز عنها في الدوران بينه وبين محذور أشدّ الذي هو أحد العناوين المجوّزة له ، وذلك لوضوح أ نّه مع إمكانها ليس من دوران الأمر بين المحذورين ، إلاّ أن يقال بحرمة التورية بلا عذر ، كالكذب ، أو يقال : إنّ

الكذب عبارة عن التقوّل بكلام ظاهر في مخالفة الواقع وإن لم يكن ظاهره مراداً ، وهما فاسدان مرّ الكلام فيهما .

ص: 148


1- مسالك الأفهام 9 : 22 ؛ الروضة البهيّة 3 : 352 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 27 .
3- تقدّم في الصفحة 136 - 137 .
4- راجع وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 و3 .
5- راجع وسائل الشيعة 22 : 86 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّماته وشرائطه ، الباب 37 .
6- راجع وسائل الشيعة 16 : 225 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 .

في أنّ إرادة الإصلاح من مسوّغات الكذب

ومن مسوّغات الكذب إرادة الإصلاح ، والروايات الواردة في هذا الباب على طوائف :

منها : ما دلّت على استثناء الكذب في الإصلاح بين الناس :

كرواية الصدوق في وصيّة النبي رحمهما اللّه لعلي علیه السلام ، وفيها : «يا علي ، ثلاث يحسن فيهنّ الكذب : المكيدة في الحرب ، وعدتك زوجتك ، والإصلاح بين الناس»(1) . ونحوها رواية المحاربي(2) عن الصادق عن آبائه عنه رحمهما اللّه ورواية

الطبرسي(3) عن أبي عبداللّه علیه السلام وقريب منها رواية عيسى بن حسّان(4) ، ورواية «الجعفريات»(5) عنه رحمهما اللّه .

وفي مرسلة الواسطي عن أبي عبداللّه علیه السلام : «الكلام ثلاثة : صدق وكذب وإصلاح بين الناس . . .»(6) .

ص: 149


1- تقدّمت في الصفحة 127 .
2- الخصال : 87 / 20 ؛ وسائل الشيعة 12 : 252 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 2 .
3- مشكاة الأنوار: 309 / 966 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 94 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 4 .
4- تقدّمت في الصفحة 144 .
5- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 170 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 94 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 1 .
6- تقدّمت في الصفحة 145 .

ومنها : ما دلّت على استثناء ما يراد به نفع المؤمن :

كرواية الصدوق عن الرضا علیه السلام ، قال : «إنّ الرجل ليصدق على أخيه فيناله عنت من صدقه فيكون كذّاباً عند اللّه ، وإنّ الرجل ليكذب على أخيه يريد به نفعه فيكون عند اللّه صادقاً»(1) .

وعن الطبرسي في «المشكاة» عن الباقر علیه السلام ، قال : «الكذب كلّه إثم إلاّ ما نفعت به مؤمناً أو دفعت به عن دين المسلم»(2) ونحوها رواية جعفر بن أحمد القمّي بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام عن رسول اللّه رحمهما اللّه (3) .

وعن الشيخ المفيد بإسناده عن صالح بن سهل الهمداني ، قال : قال الصادق علیه السلام : «أيّما مسلم سئل عن مسلم فصدق ، فأدخل على ذلك المسلم مضرّة ، كتب من الكاذبين ، ومن سئل عن مسلم فكذب ، فأدخل على ذلك المسلم منفعة ، كتب عند اللّه من الصادقين»(4) .

ومنها : ما دلّت على استثناء إرادة الصلاح :

كرواية وصيّة النبي رحمهما اللّه ، وفيها : «يا علي ، إنّ اللّه أحبّ الكذب في

ص: 150


1- مصادقة الإخوان : 76 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 255 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 10 .
2- مشكاة الأنوار : 309 / 967 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 94 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 3 .
3- تقدّمت في الصفحة 130 .
4- الاختصاص : 224 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 95 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 5 .

الصلاح ، وأبغض الصدق في الفساد»(1) .

وهذا أعمّ من عنوان الإصلاح بين الناس ، سيّما مع استثناء الكذب للإصلاح بين الناس أيضاً في هذه الوصيّة كما تقدّم .

ورواية الصيقل عن أبي عبداللّه علیه السلام في قضيّة إبراهيم علیه السلام ويوسف علیه السلام ، وفيها بعد ذكر حبّ اللّه تعالى الكذب في الإصلاح قال : «إنّ إبراهيم إنّما قال : )بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا( إرادة الإصلاح ، ودلالة على أ نّهم لا يفعلون ، وقال يوسف علیه السلام إرادة الإصلاح»(2) .

ورواية عطاء عنه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : لا كذب على مصلح» . ثمّ تلا : )أَيّتُهَا العِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ( ثمّ قال : «واللّه ما سرقوا وما كذب» ثمّ تلا : )بَلْ فَعَلهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَ لُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ( ثمّ قال : «واللّه ما فعلوه وما كذب»(3) .

والظاهر منهما أنّ إبراهيم علیه السلام ويوسف علیه السلام إنّما قالا ذلك إرادة الإصلاح ولم يكن قولهما كذباً محرّماً ، بل كان كذباً محبوباً عند اللّه ، فما كذبا عند اللّه .

والإصلاح الذي أراد إبراهيم هو التنبيه على فساد رأي عابدي الأوثان وإرجاعهم إلى الحقّ ، كما أنّ الإصلاح الذي أراد يوسف ظاهراً إبقاء أخيه عنده

ص: 151


1- تقدّمت في الصفحة 127 .
2- الكافي 2 : 341 / 17 ؛ وسائل الشيعة 12 : 253 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 4 .
3- الكافي 2 : 343 / 22 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 7 .

ليجيء يعقوب النبي علیه السلام عنده . والحمل على إرادة إبراهيم علیه السلام الصلح بين نفسه والقوم ، وإرادة يوسف علیه السلام رفع الخصومة بينه وبين إخوته(1) ، كما ترى .

ويمكن الاستشهاد بهما ، بل برواية معاوية بن حكيم ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (2) على أنّ المراد من صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «المصلح ليس بكذّاب»(3) هو الأعمّ من الإصلاح بين الناس . مضافاً إلى أنّ كلمة «أصلح» و«مصلح» إذا اُضيفت إلى مثل «بين الناس» يكون معناها التوفيق بينهم ، وإذا قيل : أصلح الشيء - مقابل أفسده - وأصلح الأمر ، يكون بمعنى إيقاع الصلاح والفساد ، وإذا اُطلق وقيل : «المصلح ليس بكذّاب» يكون أعمّ ، فإذا كذب لإرادة نفع لأخيه أو دفع ضرر عنه يصحّ أن يقال : أراد الإصلاح بكذبه وأ نّه مصلح ، إلاّ أن يدّعى الانصراف إلى الإصلاح بين الناس .

ثمّ إنّ التعارض المتراءى بين مفهوم الحصر في رواية عيسى بن حسّان ورواية الطبرسي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وكذا مفهوم العدد في مقام التحديد في مرسلة الواسطي ورواية وصيّة النبي رحمهما اللّه وغيرهما ، وبين سائر الروايات ، يمكن دفعه بما أشرنا إليه سابقاً من أنّ القرينة العقلية قائمة بعدم إرادة الحصر

ص: 152


1- راجع مرآة العقول 10 : 337 - 338 .
2- اختيار معرفة الرجال : 294 / 519 ؛ وسائل الشيعة 12 : 254 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 141 ، الحديث 9 .
3- الكافي 2: 342 / 19؛ وسائل الشيعة 12: 252، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 141، الحديث 3.

من الاستثناء في المقام(1) ؛ ضرورة أنّ العقل حاكم بأنّ الكذب للفرار من مفسدة أعظم من مفسدته غير مسؤول عنه . مضافاً إلى ما تقدّمت من الروايات في المسألة المتقدّمة المجوّزة للكذب لإنجاء ماله ، أو نفسه ، أو مال غيره أو نفسه(2) . فلا بدّ من التصرّف في الحصر بنحو لا يخالف ما تقدّم ، فيصير مفادها بعد رفع التعارض جواز الكذب لكلّ مصلحة ونفع ، كائناً ما كان .

ويمكن إرجاع الروايات الواردة في جوازه لتخلّص النفس والمال إليها ، فيكون الجواز فيها أيضاً للمصلحة والنفع .

إلاّ أن يقال : إنّ سند هذه الروايات عدا صحيحة معاوية بن عمّار ، والروايات المتقدّمة التي لها عنوان آخر ضعيفة . واستفاضتها وكثرتها وإن توجب الوثوق بصدور بعضها إجمالاً ، لكن لا بدّ معه من أخذ ما هو أخصّ مضموناً ، وهو الإصلاح بين الناس ، فيقال بجوازه فيه المتطابق عليه الروايات دون غيره .

مع أنّ الالتزام بجوازه في مطلق الصلاح والنفع غير ممكن ، بل لعلّه موجب لإخراج الأكثر البشيع . وأمّا الصحيحة فيمكن دعوى انصرافها إلى الإصلاح بين الناس كما تقدّم .

هل يجوز الكذب في الوعد مع الأهل أم لا ؟

ثمّ إنّ القول بجواز الكذب في الوعد مع الأهل كما ورد في الروايات مشكل ؛ لضعفها ، وإجمال المراد منها ، فإنّ الظاهر من استثناء عدة الأهل من الكذب ، أنّ

ص: 153


1- تقدّم في الصفحة 145 .
2- تقدّمت في الصفحة 134 وما بعدها .

المراد بها الإخبار عن خلاف الواقع ، والظاهر من عنوان العدة أ نّها إنشاء .

فيمكن أن تجعل العدة قرينة على تصرّف في الكذب ، فيراد به الأعمّ منه وممّا هو شبيه به ، كالوعد الذي لا يراد إنجازه .

ويمكن أن يجعل الكذب قرينة على أنّ المراد بالوعد الإخبار بالإعطاء مع عدم إرادة الإتيان به .

وكيف كان الأحوط لو لم يكن الأقوى عدم جوازه إلاّ مع إكراه أو اضطرار كما قد يتّفق ، ويمكن حمل الروايات على مورد الاضطرار ، تأمّل .

ص: 154

المسألة السادسة في معونة الظالم

اشارة

معونة الظالم في ظلمه محرّمة بلا إشكال ، وقد تقدّم(1) البحث عن حرمة الإعانة على الإثم مستقصى ، مضافاً إلى الأدلّة الخاصّة في المقام .

هل تكون معونة الظالم من الكبائر مطلقاً أم لا ؟

إنّما الكلام في جهات اُخر : ككونها كبيرةً مطلقاً ، أو لا كذلك ، أو يفصّل بما يأتي ، وكونها محرّمة ولو في غير ظلمه ، وغيرهما ممّا يأتي الكلام فيه .

فنقول : إنّ الظالم قد يكون ممّن يتلبّس بظلمٍ ما ، وقد يكون شغله ذلك كالسارق القاطع للطريق ، وقد يكون سلطاناً أو أميراً جائراً ، وقد يكون مدّعي الخلافة عن رسول اللّه رحمهما اللّه ويكون غاصباً لولاية أئمّة الحقّ علیهم السلام كخلفاء بني اُميّة وبني العبّاس - لعنهم اللّه - فهل تكون معونة جميع الطوائف في ظلمهم كبيرة؟

ص: 155


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 235 .

يمكن الاستدلال عليه في أوّل العناوين برواية طلحة بن زيد - وفي سندها محمّد بن سنان ، وهو لا بأس به(1) ، وعن شيخ الطائفة : أنّ كتاب طلحة معتمد(2) - عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم»(3) . ونحوها عن «كنز الكراجكي»(4) مرسلاً عن الباقر علیه السلام (5) .

بناءً على أنّ المراد بكونهم شركاء تسويتهم في درجة الإثم والعقوبة ، وبناءً على أنّ الظلم مطلقاً من الكبائر ، كما يستظهر من بعض الروايات .

ولو قيل بامتناع كونهم في درجة واحدة - ضرورة أنّ القتل أعظم من الرضا به والإعانة عليه - لصار ذلك قرينة على بناء الكلام على المبالغة ، كقوله : «شارب الخمر كعابد وثن»(6) وقد تقدّم(7) أنّ المبالغة إنّما تحسن وتصحّ إن كان المورد معصية عظيمة كبيرة . ولو كانت صغيرة لا تصحّ المبالغة فيها ،

ص: 156


1- راجع تنقيح المقال 3: 124 / السطر 18 (أبواب الميم).
2- الفهرست ، الطوسي : 149 / 372 .
3- الكافي 2 : 333 / 16 ؛ وسائل الشيعة 17 : 177 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 2 .
4- الصحيح «جامع الأخبار» ، بدل «كنز الكراجكي» ؛ لأنَّ الحديث 14 و15 و16 من المستدرك معطوف على جامع الأخبار في ذيل الحديث 13 دون كنز الكراجكي ، كما لا يخفى . راجع مستدرك الوسائل 13 : 125 .
5- جامع الأخبار : 436 / 1224 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 125 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 16 .
6- الفقيه 4 : 255 / 821 ؛ وسائل الشيعة 25 : 320 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 13 ، الحديث 12 .
7- تقدّم في الصفحة 48 .

فالتسوية بينها مبالغة دليل على كونهما من الكبائر .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّه بعد حكم العقل بعدم التسوية بينهم كما يمكن أن يجعل الكلام مبنيّاً على المبالغة يمكن أن يقال : إنّ المراد بها شركتهم في أصل الإثم لا في درجته . وبعبارة اُخرى : يكون في مقام بيان أصل الشركة لا كيفية الاشتراك والتسوية ، فلا تدلّ إلاّ على أنّ المعين له يكون عاصياً .

فاستظهار الاحتمال الأوّل الدالّ على المقصود مشكل .

كما يشكل استفادة حرمة الإعانة في غير ظلمه منها .

وجه الاستفادة : أنّ الضمير في قوله : «والمعين له» ، يرجع إلى العامل ، ويكون مقتضى الإطلاق عدم جواز إعانة العامل ، سواء في ظلمه أم لا .

وفيه : أنّ الظاهر منه ولو لأجل مقارنته للراضي به الراجع ضميره إلى الظلم وبمناسبة الحكم والموضوع عرفاً أنّ المراد به المعين له في ظلمه ، مضافاً إلى أنّ الإطلاق فيه ممنوع ؛ لأ نّه في مقام بيان التسوية أو الاشتراك بين الثلاثة لا في مقام بيان حكم المعين له ، فلا إطلاق فيه .

وبرواية الصدوق بإسناده عن رسول اللّه رحمهما اللّه في حديث ، قال : «من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها نزل به ملك الموت بالبشرى بلعنه ونار جهنّم وبئس المصير»(1) . ونحوها عنه رحمهما اللّه في حديث المناهي(2) .

ص: 157


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 331 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 181 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 14 .
2- الفقيه 4 : 11/1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 189 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 6 .

بدعوى : أنّ الظاهر من قوله : «من تولّى خصومة ظالم» أنّ من قام بأمر خصومته بأن يقبل وكالته في تلك الخصومة الظالمانة ، أو أعان الظالم في الخصومة ، أو أعان المتولّي فيها بشّره ملك الموت بكذا .

فتدلّ على أنّ تولّي الخصومة من الظالم ، والإعانة عليها ، كبيرة موجبة للدخول في النار .

وقد تقدّم(1) أنّ الظاهر من صحيحة عبد العظيم الحسني(2) في عدّ الكبائر أنّ إيعاد رسول اللّه رحمهما اللّه النار على معصية ، كاشف عن كونها كبيرة .

إلاّ أن يناقش في الرواية : بأنّ المراد من الظالم فيها السلطان الجائر بقرينة سائر فقراتها المذكور فيها السلطان ، وهي قوله : «ومن خفّ لسلطان جائر» ، وقوله : «ومن دلّ سلطاناً على الجور» ، وقوله : «ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر» ، وقوله : «ومن سعى بأخيه إلى سلطان . . .» .

ويحتمل أن يكون المراد من تولّي خصومته ، القيام بأمر القضاء من قبله وإن كان بعيداً . بل الحمل على خصوص السلطان أيضاً بعيد بل غير صحيح في الرواية الثانية ، لكن الرواية لا تصلح لإثبات حكم ؛ لضعفها سنداً (3) .

ومضمرة ورّام بن أبي فراس المرسلة ، قال : قال علیه السلام : «من مشى إلى ظالم

ص: 158


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 419 .
2- الكافي 2 : 285 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .
3- لوجود رجال مجاهيل في سلسلة السند ، فراجع .

ليعينه وهو يعلم أ نّه ظالم فقد خرج من الإسلام»(1) .

وعن «كنز الكراجكي» عن رسول اللّه رحمهما اللّه نحوها تقريباً إلاّ أنّ في ذيلها «فقد خرج من الإيمان»(2) وعن «جامع الأخبار» عنه رحمهما اللّه نحوها (3) .

وعن السيّد فضل اللّه الراوندي في «نوادره» بإسناده الصحيح - على ما شهد به المحدّث النوري رحمه الله علیه في «مستدركه» - عن موسى بن جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : من نكث بيعة ، أو رفع لواء ضلالة ، أو كتم علماً ، أو اعتقل مالاً ظلماً ، أو أعان ظالماً على ظلمه وهو يعلم أ نّه ظالم ، فقد برئ من الإسلام»(4) .

ودلالة هذه الروايات على المطلوب لأجل تلك المبالغة العظيمة فيها ؛ ضرورة أنّ الخروج من الإسلام والإيمان والبراءة منه ليس على نحو الحقيقة ، بل بنحو المبالغة ، وهي لا تصحّ أو لا تحسن في الصغيرة ، فلو صحّت في بعض الأحيان لكن الظاهر المتفاهم من نحوها كونها كبيرة عظيمة في نظر القائل .

ص: 159


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) : 62 ؛ وسائل الشيعة 17 : 182 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 43 ، الحديث 15 .
2- كنز الفوائد 1 : 351 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 125 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 13 .
3- جامع الأخبار : 436 / 1223 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 125 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 13 .
4- النوادر ، الراوندي : 128 / 153 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 4 .

فلا ينبغي الإشكال في دلالتها في مورد الإعانة على الظلم ، سيّما مع اقترانها في الأخيرة مع نكث البيعة ورفع لواء الضلالة .

وأمّا الدلالة على الإعانة في غيره فلا ؛ لأنّ الظاهر حتّى من غير الأخيرة الإعانة في ظلمه لا مطلقاً ، ولا أقلّ من عدم إطلاقها ، مع محفوفيتها بما تصلح للقرينية ، بل مقتضى تقييد الأخيرة دخالة القيد في الحكم ، فتكون مقيّدة لإطلاقها مع فرض الإطلاق أو رافعة لإجمالها على فرضه .

وتوهّم دلالة قوله : «من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها» على الأعمّ للإطلاق الشامل للخصومة في غير مورد الظلم ، ضعيف مخالف لفهم العرف .

مع أ نّه مع إرادة الإطلاق لكان اختصاص الخصومة بالذكر بعيداً ، ومع التسليم فالرواية ضعيفة . لكن لا يبعد القول بكونها كبيرة في مورد الإعانة على الظلم ؛ لتظافر الروايات واعتبار بعضها وتصحيح الأخيرة ، ولم يحضرني كتاب الراوندي حتّى أنظر سندها .

وأمّا إعانة الظلمة الذين كان الظلم شغلاً وصفةً ثابتةً لهم ، كقطّاع الطريق دون الخلفاء والسلاطين ، فيمكن الاستدلال على كونها كبيرة في مورد الإعانة على ظلمهم ، مضافاً إلى الروايات المتقدّمة ، بجملة اُخرى :

منها : رواية ابن أبي يعفور ، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا ، فقال له : جعلت فداك إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق والشدّة فيدعى إلى البناء يبنيه ، والنهر يكريه ، والمسنّاة يصلحها ، فما تقول في ذلك ؟ فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «ما اُحبّ أ نّي عقدت لهم عقدة ، أو وكيت لهم وكاء وأنّ لي ما بين لابتيها ، لا ولا مدّة بقلم . إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق

ص: 160

من نار حتّى يحكم اللّه بين العباد»(1) .

فإنّ صدرها وإن كان في مورد الدخول في أعمال خلفاء الجور أو الاُمراء من قبلهم ، لكن ذيلها بمنزلة كبرى كلّية تشمل جميع الظلمة ، سواء كانوا منهم ، أو مثل سلاطين الجور والحكّام من قبلهم ، أو مثل قطّاع الطرق وأمثالهم ممّن شأنهم وشغلهم الظلم .

ودعوى انصرافها إلى خصوص الطائفة الاُولى ، أو هي والثانية ، كأ نّها في غير محلّها .

ويظهر منها بقرينة صدرها أنّ إعانتهم في غير ظلمهم أيضاً محرّمة كبيرة ، فإنّ السؤال عن البناء والنهر وإصلاح المسنّاة ، وهي غير مورد الظلم .

إلاّ أن يقال : إنّ مورد السؤال غير مذكور فيها ، ومعلوم أنّ عدم ذكره كان للتقيّة والخوف ، ومن المحتمل أن يكون المعهود من مورده أمير المدينة مثلاً ونحوه ، وكان البناء والنهر والمسنّاة المدعوّ إليها من الأموال المغصوبة ، كالأراضي الخراجية التي كانت تحت يدهم غصباً ، أو من أموال الناس المغصوبة ، وكان الأعمال فيها إعانة عليهم في ظلمهم ، فإنّ إبقاء المغصوب تحت يد الظالم ظلم مستمرّ منه ، والتصرّف فيه ظلم . ولعلّ العمّال لمّا كانوا غير مستقلّين في التصرّف ، وكانوا يداً للغاصب عُدّوا معيناً لهم لا ظالماً في تصرّفهم .

وعلى هذا الاحتمال الجائي من إجمال السؤال، لا يمكن استفادة حرمة إعانة

ص: 161


1- الكافي 5 : 107 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 179 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 6 .

الخلفاء والاُمراء من قبلهم في غير مورد ظلمهم منها ، فضلاً عن سائر الظلمة .

إلاّ أن يقال : إنّ قوله علیه السلام : «ما اُحبّ أ نّي عقدت لهم عقدة . . .» كناية عن عدم جواز مطلق الإعانة عليهم ، كانت في مورد ظلمهم أم لا ، فيدفع به الاحتمال المتقدّم . والقول بأنّ «ما اُحبّ» لا يدلّ على الحرمة بل يدلّ على الكراهة ضعيف جدّاً وإن قال به الشيخ الأنصاري(1) ، فإنّ قوله : «إنّ أعوان الظلمة» كبرى كلّية وبمنزلة تعليل لما تقدّم ، فكيف يصحّ الحمل على الكراهة ؟ فهو كقوله تعالى : )إِنَّ اللّه لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُور((2) .

ويظهر منها أيضاً ببركة قوله : «ما اُحبّ . . .» أنّ الأعوان أعمّ ممّن تلبّس بإعانةٍ ما ، أو كان شغله الإعانة عليهم ؛ إذ لولا ذلك لأمكن دعوى الانصراف .

والتحقيق أن يقال : إنّ قوله : إنّ أعوان الظلمة كذا ، مع قطع النظر عن صدره ، له جهات من الظهور :

كظهور الظلمة في نحو الاُمراء والسلاطين والخلفاء ، أو الأعمّ منهم وممّن شغله ذلك .

وظهور الأعوان - ولو باعتبار الإضافة إلى الظلمة - فيمن شغله العون ، كالجُندي والقاضي والكاتب ونحوهم ، ولا تشمل من أعان في مورد أو موردين ، فلا يقال له : هو من أعوان الظلمة .

وظهور الجملة - ولو بمناسبة الحكم والموضوع والإضافة إلى الموصوف

ص: 162


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 58 .
2- لقمان (31) : 18 .

بوصف الظلم - في أنّ المعين معينهم في ظلمهم ، كعمّال الخلفاء والسلاطين بحسب النوع .

وبلحاظ صدر الرواية يقع التعارض بدواً بين الظهورين الأخيرين ، وبين قوله علیه السلام : «ما اُحبّ أ نّي عقدت لهم عقدة . . .» ، فإنّ الظاهر أ نّه كناية عن مطلق العمل لهم .

بل وبين الظهورين أو الظهور الأخير وبين المذكورات في مورد السؤال ؛ لأنّ البنّاء ونحوه لا يكون معيناً للظلم ولا شغله الإعانة .

فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظاهر الذيل وحمله بقرينة الأمثلة وقوله علیه السلام : «إنّي لا اُحبُّ . . .» على مطلق العمل لهم ، كان إعانة عليهم أو في ظلمهم أم لا ، فتكون التوسعة لذلك تعبّدية .

وبين جعل قوله علیه السلام كناية عن الدخول في أعمالهم التي كان إعانة عليهم في ظلمهم لا محالة بحسب النوع ، فيكون موافقاً للظهورين ، أو عن الإعانة لهم في ظلمهم بقرينة تطبيق الكبرى عليه ، فيكون موافقاً للأخير وكاشفاً ببركة الكبرى عن مورد السؤال المجهول عندنا ، كما تقدّم .

والأظهر ولو بمناسبة الحكم والموضوع وبأ نّه علیه السلام استشهد ظاهراً بالكبرى المذكورة - وعليه يكون حملها على ما تقدّم وإعمال التعبّد في غاية البعد - جعل الكبرى قرينةً على المعنى المكنّى عنه وأ نّه أحد المعنيين المتقدّمين ، فتكون حاصل المعنى المراد أنّ الدخول في ديوانهم المستلزم لكونه عوناً على ظلمهم محرّم أو أنّ الإعانة على ظلمهم محرّمة .

وأمّا الروايات الاُخر التي علّق فيها الحكم على أعوان الظلمة :

ص: 163

مثل موثّقة السكوني ، عن جعفر بن محمّد علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : أين أعوان الظلمة ، ومن لاق لهم دواة ، أو ربط لهم كيساً ، أو مدّ لهم مدّة قلم ؟ فاحشروهم معهم»(1) .

ورواية السيّد فضل اللّه الراوندي ، التي صحّحها المحدّث النوري(2) ، عن موسى بن جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : أين الظلمة وأعوان الظلمة : من لاق لهم دواة ، أو ربط لهم كيساً ، أو مدّ لهم مدّة ؟ احشروه معهم»(3) .

وقريب منهما رواية ورّام بن أبي فراس ، إلاّ أنّ فيها : «وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتّى من برئ لهم قلماً . . .»(4) .

ورواية القطب الراوندي ، وفيها : «أين الظلمة وأعوانهم ، حتّى من لاق لهم دواة . . .»(5) .

ص: 164


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 309 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 180 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 11 .
2- مستدرك الوسائل 13: 122، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 35، الحديث 2.
3- النوادر ، الراوندي : 158 / 234 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 7 .
4- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) : 62 ؛ وسائل الشيعة 17 : 182 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 16 .
5- مستدرك الوسائل 13 : 127 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 21 .

فالكلام فيها : أ نّه يحتمل في رواية السكوني أن يكون عطف «من لاق لهم . . .» على أعوان الظلمة بالواو لإفادة أمر زائد على الإعانة في ظلمهم ، فكأ نّه قال : إعانتهم في ظلمهم وفي غيره كالإعانة في الليق والربط والمدّ سواء .

فتكون بحسب هذا الظهور مخالفة لسائر الروايات ، فإنّ بعضها بلا عاطف ، فيكون ما بعد بياناً ، وفي بعضها عطف بحتّى لإفادة أخفى مراتب الإعانة فتكون المذكورات بحسب رواية السكوني مقابلة للإعانة ، وبحسب غيرها مصداقها .

لكنّ الأظهر الأولى حمل العطف في رواية السكوني على عطف الخاصّ على العامّ ، فتطابق بين الروايات ؛ لأظهرية غيرها منها ، كما لا يخفى .

ثمّ إنّ ما ذكرناه في رواية ابن أبي يعفور(1) ، من وقوع التعارض بين صدرها وذيلها ، يأتي في تلك الروايات أيضاً ، لكن الأظهر في مفادها أنّ مطلق الإعانة على ظلمهم محرّم ومعصية كبيرة ، ولا تختصّ الحرمة بالاشتغال المعتدّ به . واحتمال أن يكون المراد بمن لاق ونحوه من كان شغله ذلك ، وهم .

وإنّما قلنا : على ظلمهم ؛ لأنّ ذكر مثل الدواة والقلم والكيس في تلك الروايات - ممّا هي آلات الظلمة سيّما الحكّام في ظلمهم لإنفاذ الأحكام وجمع المظالم - دليل على اختصاص الإعانة بمورد الظلم ، والمذكورات من الموارد الخفيّة للإعانة على الظلم ، لا مطلق الإعانة على الظالم . فلو كان المراد الثاني لكان عليه ذكر غيرها ممّا لا دخل له في ظلمهم ، كإعطاء كأس ماء ونحوه .

ص: 165


1- تقدّمت في الصفحة 160 .

وأمّا مرسلة «عوالي اللآلي» : أ نّه دخل على الصادق علیه السلام رجل ، فمتّ له بالأيمان أ نّه من أوليائه ، فولّى عنه وجهه ، فدار الرجل إليه وعاود اليمين ، فولّى

عنه ، فأعاد اليمين ثالثة ، فقال علیه السلام له : «يا هذا ، من أين معاشك ؟» فقال : إنّي أخدم السلطان ، وإنّي واللّه لك محبّ . فقال : «روى أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن رسول اللّه رحمهما اللّه أ نّه قال : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من السماء من قبل اللّه عزّ وجلّ : أين الظلمة ؟ أين أعوان الظلمة ؟ أين من برئ لهم قلماً ؟ أين من لاق لهم دواةً ؟ أين من جلس معهم ساعةً ؟ فيؤتى بهم جميعاً ، فيؤمر أن يضرب عليهم بسور من نار ، فهم فيه حتّى يفرغ الناس م-ن الحساب ، ثمّ يؤمر بهم إلى النار»(1) .

فهي مع ضعفها واشتمالها على ما لا يمكن الالتزام به ، ظاهرة في أنّ الرجل كان معروفاً عند أبي عبداللّه علیه السلام ، ولهذا ولّى عنه وجهه ، ولعلّ خدمته كانت من قبيل ما صدق عليه الظلم أو الإعانة عليه ، فلا دلالة فيها على حرمة مطلق العون .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ الروايات المتقدّمة ، لا تدلّ إلاّ على حرمة إعانة الظالم في ظلمه ، كما صرّح بالقيد في بعضها وهي ظاهر الروايات الأخيرة ، بل وغيرها .

وأمّا ما في بعض الروايات : «من علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر جعلها اللّه

ص: 166


1- عوالي اللآلي 4 : 69 / 31 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 124 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 9 .

حيّة طولها سبعون ألف ذراع فيسلّط اللّه عليه في نار جهنّم خالداً فيها مخلّداً»(1) .

فموردها الإعانة على الظالم في ظلمه ، بل لا يبعد أن يكون المراد منه ولو بمناسبة الحكم والموضوع هو السوّاط الذي كان شغله ضرب المظلومين والمجرمين بنظر حاكم الجور ، فهو من الظلمة ومعين الظلمة في ظلمهم .

وأمّا رواية ابن بنت الكاهلي عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع ، حشره اللّه يوم القيامة خنزيراً»(2) .

وفي رواية عن الكاهلي عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من سوّد اسمه في ديوان الجبّارين من ولد فلان حشره اللّه يوم القيامة حيراناً»(3) .

كذا في «الوافي»(4) و «الوسائل»(5) ويحتمل أن يكون «خنزيراً» مصحّف «حيراناً» أو بالعكس ، وكون الروايتين واحدة ، وكانت الاُولى أيضاً عن الكاهلي ، لكن لا يعبأ بهذا الاحتمال .

وعن الشيخ المفيد في «الروضة» ، عن ابن أبي عمير ، عن الوليد بن صبيح الكابلي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من سوّد اسمه في ديوان بني شيصبان حشره اللّه

ص: 167


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 335 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 181 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 14 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 329 / 913 .
3- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 310 / 1 .
4- الوافي 17 : 161 / 17045 .
5- وسائل الشيعة 17 : 180 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 9 و : 186 ، الباب 44 ، الحديث 6 .

يوم القيامة مسوّداً وجهه»(1) . وبني شيصبان كناية عن بني العبّاس ، وشيصبان اسم شيطان على ما في «القاموس»(2) .

فالظاهر منها أو من بعضها حرمة الدخول في ديوانهم بأن يصير من أعضاء ديوان الظالم أو ديوان غاصب الخلافة ، كالشرطي ، والجُندي ، والقاضي ، والأمير ، وحواشي السلطان ، وأمثالهم ، لا مثل خيّاط السلطان ، وبنّائه ، ومعماره ،

كما قال الشيخ الأنصاري(3) . ولعلّه أراد بما ذكر بيان المراد في رواية ابن أبي يعفور ، وإلاّ فالظاهر من قوله : «من سوّد اسمه . . .» هو ما ذكرناه . وقد مرّ أنّ الروايات الواردة في أعوان الظلمة ظاهرة أو منصرفة إلى أعوانهم في الظلم . فما أفاده من أنّ معمار السلطان وبنّاءه من أعوانه حقّ ، لكن تلك الروايات لا تدلّ على حرمة مطلق عون السلطان والظلمة .

وأمّا الروايات المتقدّمة آنفاً ، فالظاهر منها أنّ الدخول في ديوانهم وصيرورته من أعضاء حكومتهم محرّم . ولعلّه لأجل ملازمته للإعانة على الظلم ، أو لصيرورته موجباً لقوّة شوكتهم ، أو يكون نفس الدخول في ديوانهم إعانة على حكومتهم الجائرة الظالمة ، وإن كان مقتضى الجمود على ظواهرها أنّ الدخول فيه حرام ذاتاً لا لترتّب معصية أو عنوان آخر عليه . ويأتي بعض الكلام فيه في المسألة الآتية .

ص: 168


1- مستدرك الوسائل 13 : 126 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 17 .
2- القاموس المحيط 1 : 90 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 59 .

ولا يبعد اختصاص ذلك بخلفاء الجور الغاصبين لخلافة رسول اللّه رحمهما اللّه

والمدّعين لها ، والإسراء إلى غيرهم مشكل ؛ لخصوصية فيهم لعنهم اللّه .

كما لا يبعد الاختصاص في رواية يونس بن يعقوب ، قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : «لا تعنهم على بناء مسجد»(1) .

والمراد من الإعانة على بناء المسجد ، ليس مطلق العمل فيه ولو لحوائج نفسه ، كالبنّاء ، والعملة العاملين لأجل حوائجهم ، من غير نظر إلى صاحب العمل . فإعانتهم أخصّ من ذلك ؛ ضرورة أ نّه لا يقال للتاجر الذي يتّجر لأغراضه وحوائجه : إنّه معين الفقراء ، أو معين الظلمة ، بمجرّد بيع المتاع منهم كبيعه من سائر الناس ، ولا لمن باع الآجر والجصّ من الباني للمسجد ، كبيعه من سائر الناس : إنّه أعانه على بناء المسجد .

نعم ، لو خصّ نفسه لبناء المسجد وانتخبه من سائر الأبنية ، مع تسهيل لأمره أو قصد التوصّل إليه ، يمكن أن يقال : إنّه معينه في بنائه . وكذا لو وقف نفسه للبيع

من الظالم ، والعمل له ، يمكن أن يقال : إنّه معينه . ويمكن توجيه نظر الشيخ إلى ذلك ، تأمّل .

بل لو صار شخص بنّاءهم ، أو معمارهم ، أو خيّاطهم ، لحوائج نفسه ، وإنّما انتخب ذلك لكونه أنفع له في معاشه ، لا يقال : إنّه معينهم .

وتشهد لما ذكر رواية صفوان الجمّال ، قال : دخلت على أبي الحسن الأوّل علیه السلام ، فقال : «يا صفوان ، كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً» .

ص: 169


1- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 941 ؛ وسائل الشيعة 17 : 180 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 8 .

قلت : جعلت فداك ، أيّ شيء ؟ قال : «إكراؤك جمالك من هذا الرجل» ، يعني هارون الرشيد . قلت : واللّه ما أكريته أشراً ولا بطراً ، إلى أن قال : «أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك؟» قلت : نعم . قال : «من أحبّ بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم كان ورد النار . . .»(1) .

فإنّ صدرها لا يدلّ على الحرمة ، فإنّ عدم كون الشيء جميلاً حسناً أعمّ منه ، بل لعلّه يشعر بالكراهة .

كما أنّ التعليل بعدم جواز حبّ بقائهم ، دليل على أنّ إكراءه بنفسه غير محرّم ، وإلاّ لعلّل به لا بأمر خارج ، فتدلّ على أنّ العمل لهم لحوائج نفسه ليس بحرام . وأمّا حبّ بقائهم ، فأمر آخر ليس مورد بحثنا ، ومع حرمته لا توجب تحريم أمر آخر خارج عنه .

ويشهد له أيضاً صحيح الحلبي الآتي في المسألة الآتية(2) ، وفيها قال : وسألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء أن يصيب معهم شيئاً ، فيغنيه اللّه به ، فمات في بعثهم . قال : «هو بمنزلة الأجير ، إنّه إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم»(3) .

فإنّه كالصريح في أنّ العمل لهم بنيّة حوائجه لا بنيّة العون عليهم محلّل ، وأنّ الأجير لهم لم يرتكب حراماً .

ص: 170


1- اختيار معرفة الرجال : 440 / 828 ؛ وسائل الشيعة 17 : 182 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 17 .
2- تأتي في الصفحة 191 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 944 ؛ وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 2 .

ولا يخفى : أنّ عنوان الأجير والخادم ، غير عنوان الديواني والدخول في شؤون السلطنة كما مرّ .

وقد تقدّم أنّ إسراء الحكم من تلك الروايات الواردة في خلفاء الجور المدّعين لخلافة رسول اللّه رحمهما اللّه إلى غيرهم مشكل ؛ لخصوصية فيهم دون سائر الظلمة والسلاطين والاُمراء ، سيّما مثل سلاطين الشيعة واُمرائهم .

وممّا تقدّم يظهر الكلام في جملة من الروايات المأخوذة فيها عنوان المعونة أو العون :

كرواية الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام في كتابه إلى المأمون ، وعدّ فيها في جملة الكبائر معونة الظالمين ، والركون إليهم(1) .

وفي صحيحة أبي حمزة - بناءً على أنّ مالك بن عطيّة هو الأحمسي الثقة -(2) عن علي بن الحسين علیه السلام ، قال : «إيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين»(3) .

وعن «تفسير العيّاشي» عن سليمان الجعفري ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا علیه السلام : ما تقول في أعمال السلطان ؟ فقال : «يا سليمان ، الدخول في أعمالهم ، والعون لهم ، والسعي في حوائجهم عديل الكفر ، والنظر إليهم على

ص: 171


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 127 / 1 ؛ وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 .
2- رجال النجاشي : 422 / 1132 .
3- الكافي 8 : 14 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 177 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث1 .

العمد من الكبائر التي يستحقّ بها النار»(1) .

وفي رواية شاذان بن جبرئيل ، عن رسول اللّه رحمهما اللّه في حديث الإسراء وما رآه مكتوباً على أبواب النار ، ومن جملته : «ولا تكن عوناً للظالمين»(2) . فإنّ الظاهر أو المنصرف منها ولو بمناسبة الحكم والموضوع العون على ظلمهم ، سيّما مع التقييد في بعض ما تقدّم وغيره ، ومع ما تقدّم من رواية صفوان وصحيح الحلبي .

ويؤيّده رواية أعمش(3) ، حيث عدّ فيها من الكبائر ترك إعانة المظلومين ، ومعلوم أنّ المراد تركها فيما ظلموا لا مطلقاً .

والظاهر انصراف السلطان في رواية الجعفري إلى بني العبّاس - لعنهم اللّه - والسؤال والجواب ناظران إليهم ، فإنّهم محلّ الحاجة في ذلك الزمان . فلا يبعد القول بحرمة إعانتهم مطلقاً ، والسعي في حوائجهم والدخول في أعمالهم ، بل والنظر إليهم ، لكن الظاهر لزوم توجيه الأخير بوجه .

مع إمكان الخدشة في سند الرواية ، فإنّ العيّاشي وإن كان ثقة(4) ، وأدرك

ص: 172


1- تفسير العيّاشي 1 : 238 / 110 ؛ وسائل الشيعة 17 : 191 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 12 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 126 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 19 .
3- الخصال : 610 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 331 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 36 .
4- رجال النجاشي : 350 / 944 .

الجعفري وهو ثقة(1) ، لكن ليس لنا طريق صحيح إلى تفسيره . ومعروفيتها

بحيث أغنتنا عن السند غير ظاهرة ، ولم يذكر صاحب «الوسائل» طريقه إليه ، إلاّ أن يدّعى الاطمئنان والوثوق بكون ما عن تفسيره منه ، والعلم عند اللّه .

وأمّا الروايات الواردة في الدخول في أعمالهم ، والغشيان في سلطانهم ، والقرب من السلطان وحواشيه ، فليست من المسألة التي تعرّضنا لها ، ككثير ممّا تقدّم ، وإنّما تعرّضنا لها تبعاً للقوم ، وسيأتي الكلام فيها إن شاء اللّه في

المسألة الآتية .

ص: 173


1- رجال النجاشي : 182 / 483 .

المسألة السابعة في الولاية من قبل الجائر

حرمة الولاية من قبل الجائر

الولاية من قبل الجائر محرّمة ، كانت على المحرّمات ، أو المحلّلات ، أو ما اختلط فيها المحرّم والمحلّل .

وذلك لأنّ السلطنة مجعولة بجعل اللّه تعالى لرسول اللّه رحمهما اللّه وبجعله تعالى أو بجعل رسول اللّه رحمهما اللّه بأمره تعالى مجعولة لأمير المؤمنين علیه السلام والأئمّة

الطاهرين من بعده .

وأساس السلطنة وشؤونها غير أساس تبليغ الأحكام الذي هو من شؤون رسول اللّه رحمهما اللّه من حيث رسالته ونبوّته ، ومن شؤون الأئمّة بإرجاع رسول اللّه رحمهما اللّه الاُمّة إليهم في أخذها بأمره تعالى بضرورة المذهب ، وللروايات المتواترة من الفريقين ، كحديث الثقلين(1) وحديث سفينة نوح علیه السلام (2) وغيرهما .

ص: 174


1- راجع غاية المرام ، البحراني 2 : 304 ؛ خلاصة عبقات الأنوار 2 : 7 .
2- راجع غاية المرام ، البحراني 3 : 13 ؛ خلاصة عبقات الأنوار 4 : 13 .

وإنّما وجب طاعتهم ؛ لكونهم سلاطين الاُمّة وولاة الأمر من قبل اللّه تعالى ، لا لكونهم مبلّغين لأحكامه تعالى ؛ لأنّ المبلّغ لها لا أمر ولا حكم له فيما يبلّغها ، ولا يكون العمل طاعة له ، بل الحكم من اللّه والإطاعة له ، وإنّما أقواله وآراؤه كاشفات عن حكم اللّه تعالى .

وأمّا أوامرهم الصادرة منهم بما أ نّهم ولاة الأمر وسلاطين الاُمّة ، فتجب إطاعتها لكونهم كذلك ، ولكون الأمر أمرهم لا لكشفه عن أمر اللّه تعالى .

نعم، إنّما يجب طاعتهم لأجل أمر اللّه تعالى بها في قوله: )أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأمْرِ مِنكُمْ((1) ، ولجعل السلطنة والولاية لهم من قبله تعالى .

ولولا ذلك لم تجب ؛ لأنّ السلطنة والولاية مختصّة باللّه تعالى بحسب حكم العقل ، فهو تعالى مالك الأمر والولاية بالذات من غير جعل ، وهي لغيره تعالى بجعله ونصبه .

وهذه السلطنة والخلافة والولاية من الاُمور الوضعية الاعتبارية العقلائية . فالسلطنة بشؤونها وفروعها لهم من قبله تعالى ، ولا يجوز لأحد التصرّف فيها وتقلّدها أصلاً وفرعاً ؛ لأنّ تقلّدها غصب والتصرّف فيها وفي شؤونها ، كائنة ما كانت ، تصرّف في سلطان الغير .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الغصب بما أ نّه الاستيلاء على مال الغير أو حقّه عدواناً ، وعامل السلطان ولو من تقلّد من قبله أمر إمارة بلد ، أو ولاية ناحية ، أو

تقلّد أمر القضاء والوزارة ونحوها ليس مستولياً على شؤون السلطنة ، بل

ص: 175


1- النساء (4) : 59 .

الاستيلاء إنّما هو من السلطان وهو غاصب للخلافة والسلطنة بشؤونهما ، وعمّاله أياديه ، وليسوا مستولين على شؤونها ، حتّى الأمر الذي كانوا متولّين له بنصب من السلطان ، بل هو نظير غصب السلطان بلداً بوسيلة عمّاله ، فإنّ الغاصب له هو السلطان لا غير ، وأياديه لا يعدّون سلطاناً ومستولياً عليه ، وإن كان تصرّفهم فيه محرّماً بعنوان التصرّف في مال الغير بغير إذنه .

ففي المقام إنّ تقلّد أمر من شؤون السلطنة والخلافة محرّم ، لا بعنوان الغصب بل بعنوان التصرّف في سلطان الغير بلا إذنه وعدواناً .

لكن ما ذكرناه مختصّ ظاهراً بمن تولّى منصباً من قبله ، كالقضاء ، والحكومة ، والإمارة ، بل والولاية على الجباية وسائر أنحاء المناصب ، دون مثل الجندي ، وخدمة الدوائر ، ونظائرهم ؛ للفرق بين شؤون السلطنة بفروعها ، ومثل ما ذكر .

لأنّ تولّي الاُمور المتقدّمة تصرّف في شؤون السلطنة ، ولو لم يكن المتصرّف مستولياً ، ومع الاستيلاء غصب للشؤون ، بخلاف مثل الخادم والجندي ، فصيرورة شخص جندياً أو خادم دائرة غير تقلّد المناصب ، ليست محرّمة لا بعنوان الغصب ولا بعنوان التصرّف في سلطان الغير .

فلا بدّ من التماس دليل آخر على حرمتها، ويأتي الكلام في الروايات الخاصّة.

وممّا تقدّم يظهر النظر فيما يظهر من المحقّق صاحب «الجواهر»(1) من أنّ الولاية على المحلّل حلال لو لا الأخبار الخاصّة ؛ إذ ظهر أ نّها محرّمة مع الغضّ

ص: 176


1- جواهر الكلام 22 : 157 .

عنها لكن لا بعنوان ذاتها بل بعنوان التصرّف في سلطان الغير .

فلا بدّ في تقلّد شيء من المناصب وشؤون السلطنة من الإذن من ولاة الأمر أو المنصوب من قبلهم .

ثمّ إنّه يظهر منهم أنّ الولاية من قبل السلطان العادل الحقّ قد تصير واجبة عيناً ، إذا عيّنه أو يتوقّف القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه ، ومن قبل الجائر تحرم إذا كانت على محرّم ، وكذا إذا كانت على ما يشتمل على محرّم ومحلّل ، كالحكومة على بعض البلدان المشتملة على خراج ، ونظام ، وسياسة ، ومحرّمات ، كالكمرك وغيره إذا لم يأمن من اعتماد ما يحرم(1) ، والظاهر من التعبيرات أنّ الولاية بما ذكر صارت بعنوانها واجبة أو محرّمة .

فإن كان هذا الظاهر مراداً فهو غير وجيه ؛ لأنّ الوجوب في الموردين لم يتعلّق بذاتها وعنوانها :

أمّا في الأوّل فلأنّ الواجب عنوان إطاعة السلطان العادل ، لا عنوان الولاية ، وهما عنوانان ، ولا يلزم من وجوب أحدهما وجوب الآخر وإن كانا منطبقين على الوجود الخارجي .

وقد قالوا نظير ذلك في غير المقام ، كوجوب الوضوء والغسل بالنذر والعهد والقسم . ويرد عليهم نظير ما أوردناه في المقام .

وأمّا في الثاني فمضافاً إلى عدم وجوب المقدّمة شرعاً ، أ نّها لو كانت واجبة فالتحقيق أنّ الوجوب في المقدّمة لم يتعلّق بما هي مقدّمة بالحمل الشائع

ص: 177


1- النهاية : 356 ؛ المهذّب 1 : 346 ؛ السرائر 2 : 202 ؛ شرائع الإسلام 2 : 6 .

وبالعناوين الذاتية لها ، بل يتعلّق بعنوان الموصل بما هو كذلك ، كما هو محتمل

كلام «الفصول»(1) ، وهو عنوان آخر غير عنوان ذات المقدّمة .

فالولاية بعنوانها الذاتي لا تصير واجبة إذا توقّف واجب عليه .

ولأنّ التولية على أمر محرّم لا توجب حرمتها ، ولا تسري حرمة ذلك المحرّم إليها ؛ لعدم وجه للسراية . ومقدّمات الحرام ليست محرّمة لو فرضت كونها من مقدّماتها .

هذا مع قطع النظر عن الروايات الخاصّة الآتية .

نعم ، قد عرفت أ نّها من قبل الجائر محرّمة ، سواء كانت على محلّل أو محرّم بعنوان التصرّف في سلطان الغير .

في الروايات الدالّة على أنّ حرمة الولاية لأجل حرمة التصرّف في سلطان الإمام علیه السلام

وأمّا الروايات فيظهر من بعضها أنّ حرمتها لما أشرنا إليه :

كرواية أبي حمزة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سمعته يقول : «من أحللنا له شيئاً أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال ، وما حرّمناه من ذلك فهو له حرام»(2) .

والظاهر أنّ المراد بما حرّمناه ذكر بعض مصاديق ما يقابل الجملة الاُولى ،

ص: 178


1- الفصول الغروية : 81 / السطر 4 .
2- تهذيب الأحكام 4 : 138 / 387 ؛ وسائل الشيعة 17 : 198 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 15 .

لا إثبات قسم ثالث غير مذكور ، فيكون المراد ما لم نحلّل له فهو حرام .

ودلالتها على المطلوب مبنيّة على أن يكون المراد من «شيء أصابه» عملاً من أعمالهم ، على أن يكون «من أعمال الظالمين» بياناً للشيء . فحاصل المعنى أنّ كلّ ولاية أو نحوها أصابها ، موقوفة حلّيتها على تحليلنا ، فتدلّ على أنّ عدم الجواز في غير صورة التحليل ، بجهة التصرّف في سلطانهم ، ومع إجازتهم لا يكون التقلّد لها عدواناً فيحلّ .

لكنّ الأظهر أنّ المراد بالشيء الأموال التي أصابها من أعمالهم . فحينئذٍ يحتمل أن يكون المراد منه ما يقع في يده من الزكوات والغنائم وخراج الأراضي الخراجية ، إلى غير ذلك ممّا يكون جمعها والتصرّف فيها مختصّاً بوالي الحقّ ، ويكون ولاة الجور ظالمين في الأخذ والإعطاء فيها .

فتدلّ على أنّ تجويزهم وتحليلهم لما أصابوا موجب للحلّية ؛ لأنّ تحليلهم إجازة لما أخذه من غير حقّ ، فيتعيّن زكاة وخراجاً بإجازتهم في هذا المقدار ؛ إذ إعطاء الزكاة والخراج لوالي الجور لا يوجب وقوعهما وتعيّنهما ، لكونه غاصباً ، ومع إجازة والي الحقّ يتعيّنان . وتحليل ما أخذه المتقلّد لولاية ، إجازة لما أخذه ،

فوقع زكاةً وخراجاً ، فحلّ له .

وعلى هذا الاحتمال تدلّ بالملازمة على أنّ تصرّفاتهم وتقلّدهم للولاية محرّمة ؛ لأجل التصرّف في سلطان الغير .

وكذا لو كان المراد من شيء أعمّ منها ومن مجهول المالك . واحتمال اختصاصه بالثاني لا وجه له ، لو لم نقل إنّ الظاهر اختصاصه بما تقدّم ؛ لظهور الحلّية بالتحليل في أ نّه يكون لصاحب الحقّ .

ص: 179

وأظهر منها ما هي نظيرها عن الكشّي في رجاله عن أبي حمزة الثمالي ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : «من أحللنا له شيئاً [أصابه] من أعمال الظالمين فهو له حلال ؛ لأنّ الأئمّة منّا مفوَّض إليهم ، فما أحلّوا فهو حلال ، وما حرّموا فهو حرام»(1) .

وع-ن «اختصاص» الشيخ المفيد ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن ابن عميرة مثله(2) .

فهي كما ترى ظاهرة في أنّ التحليل متعلّق بالأعمال وتقلّدها . ولعلّ المراد

بالتفويض تفويض السلطنة وشؤونها ، فيكون تحليلهم لحقّهم وأ نّهم علیهم السلام

سلطان من قبل اللّه .

وعن السيّد هبة اللّه معاصر العلاّمة عن صفوان بن مهران ، قال : كنت عند

أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل عليه رجل من الشيعة ، فشكا إليه الحاجة ، فقال له : «ما يمنعك من التعرّض للسلطان فتدخل في بعض أعماله ؟» فقال : إنّكم حرّمتموه علينا . فقال : «خبّرني عن السلطان لنا أو لهم ؟» قال : بل لكم ، قال : «أهم الداخلون علينا ، أم نحن الداخلون عليهم ؟» فقال : بل هم الداخلون عليكم ، قال : «فإنّما هم قوم اضطرّوكم فدخلتم في بعض حقّكم . . .»(3) .

ص: 180


1- لم نجده في رجال الكشي وإن نقل عنه في مستدرك الوسائل 13 : 138 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 26 .
2- الاختصاص : 330 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 139 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، ذيل الحديث 26 .
3- مستدرك الوسائل 13 : 138 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 25 .

وعن «الاختصاص» عن إسحاق بن عمّار ، قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام

عن الدخول في عمل السلطان ؟ فقال : «هم الداخلون عليكم ، أم أنتم الداخلون عليهم ؟» فقال : لا بل هم الداخلون علينا ، قال : «لا بأس بذلك»(1) .

والظاهر منهما جواز دخول الشيعة في أعمالهم ؛ لكونها حقّهم من قبل أئمّتهم علیهم السلام ، وأنّ ذلك نحو استنقاذ لحقّهم وحقّ أئمّتهم علیهم السلام . ولعلّ ذلك إذن عامّ أو كاشف عنه للشيعة الإمامية .

ويؤيّد المطلوب رواية الحسن بن الحسين الأنباري ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان . . .(2) حيث إنّ الظاهر منها معهودية لزوم الإذن منهم وأ نّه مع عدم الإذن لا يجوز الدخول ومعه يجوز . ولا معنى للاستئذان فيما يكون محرّماً ذاتاً ، فلا بدّ وأن يكون محلّلاً

مع قطع النظر عن حقّهم علیهم السلام .

ورواية علي بن أبي حمزة ، قال : كان لي صديق من كتّاب بني اُميّة ، - إلى أن قال : - فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «لولا أنّ بني اُميّة وجدوا لهم من يكتب ويجبي

لهم الفيء ، ويقاتل عنهم ، ويشهد جماعتهم ، لما سلبونا حقّنا . . .»(3) .

ص: 181


1- الاختصاص : 261 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 138 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 141 ، الحديث 4 .
2- الكافي 5 : 111 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 1 .
3- الكافي 5 : 106 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 199 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 47 ، الحديث 1 .

والظاهر أنّ تعييرهم في الدخول في أعمالهم لأجل سلب حقّهم به ، وفيها إشعار بأنّ الولاية لهم وليس لغيرهم الدخول فيها .

وفيها احتمال آخر ، وهو أنّ الدخول في أعمالهم الموجب لشوكتهم وقوّتهم محرّم ، لا لكونه مقدّمة للحرام ، بل لتعلّق الحرمة عليه لتلك النكتة ، فكانت غير مربوطة بالروايات المتقدّمة .

وكيف كان ، الظاهر ممّا تقدّم أنّ عدم جواز التولية لأجل حرمة التصرّف في سلطانهم علیهم السلام .

وهنا طوائف اُخرى :

في الروايات الدالّة على حرمة الولاية ذاتاً

منها : ما تدلّ على الحرمة الذاتية :

كرواية «تحف العقول» ، وفيها : «فوجه الحلال من الولاية ، ولاية الوالي العادل الذي أمر اللّه بمعرفته وولايته والعمل له في ولايته» إلى أن قال : «فالولاية له ، والعمل معه ، ومعونته في ولايته ، وتقويته حلال محلّل ، وحلال الكسب معهم ، وذلك لأنّ في ولاية والي العدل وولاته ، إحياء كلّ حقّ وكلّ عدل» إلى أن قال : «وأمّا وجه الحرام من الولاية ، فولاية الوالي الجائر ، وولاية ولاته ، الرئيس منهم وأتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم باباً من أبواب الولاية على من هو والٍ عليه ، والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام ومحرّم ، ومعذّب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير ؛ لأنّ كلّ شيء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر ، وذلك أنّ في ولاية

ص: 182

الوالي الجائر ، دوس (دروس - خ . ل) الحقّ كلّه وإحياء الباطل كلّه ، وإظهار الظلم والجور والفساد ، وإبطال الكتب ، وقتل الأنبياء والمؤمنين ، وهدم المساجد ، وتبديل سنّة اللّه وشرائعه ، فلذلك حرم العمل معهم ، ومعونتهم ، والكسب معهم ، إلاّ بجهة الضرورة ، نظير الضرورة إلى الدم والميتة . . .»(1) .

ولا يخفى أ نّها ظاهرة الدلالة على الحرمة ذاتاً . وما ذكر فيها من العلل علل للتشريع ، فكأ نّه قال : لمّا كانت المفاسد العظيمة مترتّبة على الولاية من قبل الجائر ، وأنّ الحكومات الجائرة الباطلة منشأ كلّ مفسدة ، حرّمها اللّه تعالى وحرّم الدخول فيها في أعمالهم والولاية من قبلهم ، وإلاّ فالمفاسد المذكورة لم تترتّب على كلّ ولاية ؛ ضرورة أنّ في عصر بني اُميّة وبني العبّاس - لعنهم اللّه -

لم يكن نبي ، لكنّ المنظور بيان علّة التشريع كلّياً ، فدلالتها على الحرمة الذاتية

غير خفيّة .

ورواية زياد بن أبي سلمة ، قال : دخلت على أبي الحسن موسى علیه السلام -

إلى أن قال - : فقال لي : «يا زياد! لئن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة ، أحبّ إليّ من أن أتولّى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم ، إلاّ لماذا ؟» قلت : لا أدري جعلت فداك . قال : «إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه . يا زياد ، إنّ أهون ما يصنع اللّه عزّ وجلّ بمن تولّى لهم عملاً ، أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ اللّه عزّ وجلّ من حساب الخلائق»(2) .

ص: 183


1- تحف العقول : 332 .
2- الكافي5 : 109 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 194 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 9 .

دلالتها على الحرمة الذاتية لأجل أنّ أبا الحسن علیه السلام مع كونه وليّ الأمر وصاحب الحقّ ، قال ما قال ، وعلّله بما ذكر ، واستثنى ما استثنى ، فلو كانت الحرمة للتصرّف في حقّهم فقط ، لما كان لذلك كلّه وجه .

وموثّقة مسعدة بن صدقة ، قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان ، يعملون لهم ويجبون لهم ويوالونهم ؟ قال : «ليس هم من الشيعة ولكنّهم من اُولئك» . ثمّ قرأ أبو عبداللّه علیه السلام هذه الآية : )لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسرائيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ((1) إلى أن قال : «ثمّ احتجّ اللّه على المؤمنين الموالين للكفّار فقال : )تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ

يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ( إلى قوله : )وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ((2) فنهى اللّه عزّ وجلّ أن يوالي المؤمن الكافر إلاّ عند التقيّة»(3) .

والظاهر من استثناء التقيّة أنّ المراد بالموالاة ليس المحبّة والوداد ، بل التولّي للاُمور والتصدّي لأعمالهم ، أو الأعمّ منه ومن الموالاة ظاهراً بإظهار المحبّة والوداد ، سيّما مع أنّ الظاهر من صدرها أنّ نفي التشيّع عن الجماعة ، ليس لخصوص الموالاة ، بل الظاهر أنّ من عمل لهم ودخل في أعمالهم ليس من الشيعة ويكون منهم ، ومعلوم أنّ هذا النفي والإثبات بوجه من التأويل ، وذلك لاشتراكهم حكماً .

ص: 184


1- المائدة (5) : 78 .
2- المائدة (5) : 80 - 81 .
3- تفسير القمّي 1 : 176 ؛ وسائل الشيعة 17 : 190 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 10 .

ودلالتها على الحرمة الذاتية واضحة .

ورواية سليمان الجعفري ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا علیه السلام : ما تقول في أعمال السلطان ؟ فقال : «يا سليمان ، الدخول في أعمالهم ، والعون لهم ، والسعي في حوائجهم ، عديل الكفر . . .»(1) .

والظاهر منها أنّ الثلاثة المذكورة محرّمة بعناوينها . واحتمال أن تكون الحرمة في الدخول في أعمالهم لأجل التصرّف في سلطان الغير بعيد .

ومن هذا القبيل الروايات المستفيضة عن الرضا علیه السلام حين سألوه عن وجه الدخول في ولاية العهد ، فأجاب بأنّ التقيّة أوجبت ذلك(2) وإن يحتمل فيها أن يكون جوابه كذلك لحفظ قلوب المستضعفين الظانّين بأنّ الدخول فيها منافٍ للزهد ، كما يشعر به بعض الروايات(3) أو لكون الدخول تقوية لسلطان الجور وتثبيت سلطانه ، فأجاب بما أجاب عليه الصلاة والسلام(4) .

ومن هذا القبيل رواية ابن بنت الكاهلي وغيرها عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من سوّد اسمه . . .»(5) .

ص: 185


1- تفسير العيّاشي 1 : 238 / 110 ؛ وسائل الشيعة 17 : 191 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 12 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 203 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 5 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 206 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 10 .
5- تقدّمت في الصفحة 167 .

والمراد الدخول في ديوانهم والتقلّد لأعمالهم أعمّ من التولية وغيرها . والظاهر منها أنّ الدخول والتقلّد محرّم بذاته ، لا أنّ الحرمة لانطباق عنوان محرّم

عليه كالتصرّف في سلطان الغير ، أو لأمر خارج كالابتلاء بالمحرّمات فيها .

في الروايات الدالّة على أنّ الحرمة لأمر خارج

ومنها : ما تدلّ على أنّ الحرمة لأمر خارج :

كصحيحة أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن أعمالهم ؟ فقال لي : «يا أبا محمّد ، لا ، ولا مدّة قلم . إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من

دينه مثله» أو «حتّى يصيبوا من دينه مثله» . الوهم من ابن أبي عمير(1) .

والظاهر منها أنّ النهي عن الدخول في أعمالهم للإرشاد إلى حفظ دينهم ، وأنّ الدخول فيها والإصابة من دنياهم ملازم لإصابتهم من دينه ، إمّا لملازمته للمعصية نوعاً ، أو لإرجاع الاُمور المحرّمة إليه ، أو لحصول المحبّة والوداد لهم قهراً .

ونحوها رواية جهم بن حميد ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «أما تغشى سلطان هؤلاء ؟» قال : قلت : لا . قال : «ولم ؟» قلت : فراراً بديني ، قال : «وقد عزمت على ذلك ؟» قلت : نعم . قال لي : «الآن سلم لك دينك»(2) .

ص: 186


1- الكافي 5 : 106 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 179 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 5 .
2- الكافي 5 : 108 / 10 ؛ وسائل الشيعة 17 : 180 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 7 .

ورواية داود بن زربي ، قال : أخبرني مولى لعلي بن الحسين علیه السلام قال : كنت بالكوفة فقدم أبو عبداللّه علیه السلام الحيرة فأتيته فقلت : جعلت فداك ، لو كلّمت

داود بن علي أو بعض هؤلاء ، فأدخل في بعض هذه الولايات ؟ فقال : «ما كنت لأفعل» إلى أن قال : جعلت فداك ، ظننت أ نّك إنّما كرهت ذلك مخافة أن أجور وأظلم ، وإنّ كلّ امرأة لي طالق ، وكلّ مملوك لي حرّ ، وعليّ وعليّ إن ظلمت أحداً أو جرت عليه وإن لم أعدل . قال : «كيف قلت ؟» فأعدت عليه الأيمان ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : «تناول السماء أيسر عليك من ذلك»(1) .

بناءً على أنّ المراد أ نّه أيسر من العدل ، كما هو الأرجح ، فتكون دالّة أو مشعرة بالمطلوب .

في الروايات الظاهرة في الحرمة بلا عنوان

ومنها : ما هي ظاهرة في الحرمة بلا عنوان ، وإن لا يبعد دعوى دلالتها على الحرمة ذاتاً ، فتكون من الطائفة السالفة :

كصحيحة الوليد بن صبيح ، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام فاستقبلني

زرارة خارجاً من عنده ، فقال لي أبو عبداللّه علیه السلام : «يا وليد ، أما تعجب من زرارة ؟ سألني عن أعمال هؤلاء ، أيّ شيء كان يريد ؟ أيريد أن أقول له : لا ؟ فيروي(2) ذلك عليّ ؟» ثمّ قال : «يا وليد ، متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ؟

ص: 187


1- الكافي 5 : 107 / 9 ؛ وسائل الشيعة 17 : 188 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 4 .
2- لا يبعد أن يكون بصيغة المجهول . [ منه قدس سره ]

إنّما كانت الشيعة تقول : يؤكل من طعامهم ويشرب من شرابهم ، ويستظلّ

بظلّهم ، متى كانت الشيعة تسأل عن هذا ؟»(1) .

ورواية يحيى بن إبراهيم ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : فلان يقرؤك السلام ، وفلان وفلان . فقال : «وعليهم السلام» قلت : يسألونك الدعاء . قال : «وما لهم ؟» قلت : حبسهم أبو جعفر . فقال : «وما لهم ؟ وما له ؟» فقلت : استعملهم فحبسهم . فقال : «فما لهم ؟ وما له ؟ ألم أنههم ؟ ألم أنههم ؟ ألم أنههم ؟ هم النار ، هم النار ، هم النار» ثمّ قال : «اللهمّ اجدع عنهم سلطانهم» . قال : وانصرفنا

[فانصرفنا خ . ل ]من مكّة فسألنا عنهم ، فإذا قد اُخرجوا بعد الكلام ، بثلاثة أيّام(2) . إلى غير ذلك .

عدم المنافاة بين الأخبار

ثمّ إنّ هذه الطوائف لا منافاة بينها :

أمّا الأخيرة مع ما دلّت على الحرمة الذاتية فواضح .

وأمّا مع ما دلّت على الحرمة لأجل التصرّف في سلطانهم ، فلعدم المنافاة بين حرمتها ذاتاً ومن حيث التصرّف المذكور ، فإنّهما عنوانان مختلفان في محطّ تعلّق الحكم ومتّحدان خارجاً ، فلكلٍّ حكم مستقلّ .

ص: 188


1- الكافي 5 : 105 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 187 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 1 .
2- الكافي 5 : 107 / 8 ؛ وسائل الشيعة 17 : 188 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 3 .

وقوله : «من أحللنا له شيئاً من أعمال الظالمين فهو حلال»(1) لا دلالة له على عدم الحرمة ذاتاً للولاية ، ولا على تحليلهم ما حرّمه اللّه تعالى ذاتاً أو جواز ذلك

لهم . بل لمّا كان في التحريم الذاتي استثناء كما سيأتي إن شاء اللّه ، يكون في مورد الاستثناء منه أيضاً احتياج إلى تحليلهم . فإنّ الحلّية الشرعية الذاتية الأوّلية

لا تنافي الحرمة من حيث الغصب أو التصرّف في حقّ الغير .

وبالجملة : إنّ قوله : «من أحللنا . . .» لا يتعرّض لمورد التحليل ولا لجوازه مطلقاً ، ومعلوم أ نّهم لا يحلّلون ما حرّمه اللّه تعالى ، لكن في مورد تحليل اللّه لا تحلّ إلاّ بإذنهم ورضاهم .

فلا منافاة بين تلك الطائفة ، وبين ما دلّت على الحرمة الذاتية أو على الحرمة بلا عنوان .

وأمّا بعض ما تقدّمت ممّا دلّت على استئذانهم في الدخول الظاهر منه أ نّه محلّل ، مع قطع النظر عن الاستئذان منهم ، فمحمول على الاستئذان في مورد الاستثناء عن الحرمة ذاتاً ، كما تشعر أو تدلّ عليه بعضها .

وقد أشرنا إلى أ نّه لا إطلاق فيها يشمل مطلق التولّي والتقلّد ، فإذاً لا منافاة بينهما بوجه .

وكذا بينها وبين ما تشعر أو تدلّ على الإرشاد ، فإنّ غاية ما فيها عدم الدلالة على الحرمة ذاتاً لا الدلالة على عدمها . فلو كان فيها إشعار به فلا يقاوم ظهور غيرها ، كما لا يخفى .

ص: 189


1- تقدّم في الصفحة 180 .

فتحصّل من جميع ذلك أنّ ما هو من قبيل المناصب والولايات وأمثالهما تحرم بعنوانين : أحدهما بعنوان التصرّف العدواني ، وثانيهما بعنوانها الذاتي . وما لا يكون كذلك ؛ أي ليس من المناصب وشؤون السلطنة والحكومة ، تحرم فيما تحرم بجهة واحدة ، وهي الدخول في أعمال السلطان ، وقد تقدّم المراد منه .

هذا إذا لم تنطبق عليه عناوين اُخر ، كإعانة الظالم في ظلمه ، وتقوية شوكة الظالمين ونحوهما .

مسوّغات الولاية من قبل الجائر

ثمّ إنّه يسوّغ الدخول في أعمالهم أمران :

الأمر الأوّل : القيام بمصالح العباد

أحدهما : القيام بمصالح العباد . وقد ادّعي عليه الإجماع وعدم الخلاف(1) .

واستدلّ عليه الشيخ الأنصاري بأنّ الولاية إن كانت محرّمة لذاتها كان ارتكابها لأجل المصالح ودفع المفاسد التي هي أهمّ من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر(2) .

وفيه : أنّ هذا الاستدلال أخصّ من المدّعى ، فإنّ المدّعى جواز الدخول والتولية لمصلحة ولو راجحة ، كما هو مورد دلالة الأخبار .

مضافاً إلى أنّ المدّعى استثناء المورد عن الحرمة ، كما اعترف به وتدلّ عليه

ص: 190


1- فقه القرآن ، الراوندي 2 : 24 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 72 .

الأخبار ، لا من باب ترجيح أحد المتزاحمين . ولو آل الأمر إلى مزاحمة المقتضيات ، فقلّما يمكن إحراز أهمّية الدخول في الولاية المحرّمة من جهتين ، بل قد تنطبق عليه عناوين محرّمة اُخر كتقوية شوكة الظالمين والإعانة للخلفاء الغاصبين ، إن قلنا بأنّ مطلق إعانتهم ولو في غير ظلمهم محرّمة كما سبق الكلام فيه(1) .

فلا يمكن ترجيح مقتضيات المصالح ودفع المفاسد على مقتضياتها إلاّ نادراً .

ذكر الروايات في المسألة

فالأولى التمسّك للمطلوب بالروايات الكثيرة الواردة في هذا المضمار ، وبيان مقدار دلالتها :

ففي صحيحة الحلبي ، قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن رجل مسلم وهو في ديوان هؤلاء ، وهو يحبّ آل محمّد رحمهما اللّه ويخرج مع هؤلاء في بعثهم ، فيقتل تحت رايتهم ؟ قال : «يبعثه اللّه على نيّته» . قال : وسألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء أن يصيب معهم شيئاً فيغنيه اللّه به ، فمات في بعثهم ؟ قال : «هو بمنزلة الأجير ، إنّه إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم»(2) .

وأرسل الصدوق في «المقنع» عنه علیه السلام نحو الفقرة الاُولى منها (3) .

ص: 191


1- تقدّم في الصفحة 168 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 944 ؛ وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 2 .
3- المقنع : 364 ؛ وسائل الشيعة 17 : 193 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 6 .

والظاهر منهما أنّ الدخول في ديوانهم والخروج معهم في غزوهم حرمةً وحلّيةً تابعان لنيّة الشخص ، فإن كان في نيّته الدخول للصلاح يحلّ ، وإن كان لغيره فلا . بل لعلّه يمكن استفادة الحلّية زائدة على مورد نيّة القيام بصلاح العباد ، سيّما مع ذيل الاُولى ، وإن لا يخلو من إشكال .

وكيف كان لا شبهة في دلالتهما على أنّ الدخول بنيّة القيام بمصالح العباد أو الإسلام جائز ، فهما مع صحّة اُولاهما سنداً لا خدشة في دلالتهما .

ثمّ إنّ الظاهر منهما أنّ الجواز فعلي لا حيثي ، فتدلاّن على أ نّه مع خلوص نيّة الصلاح كما يجوز شرعاً بالعنوان الأوّلي ويستثنى من المحرّم الذاتي الإلهي ، يكون الإمام علیه السلام راضياً بدخوله كذلك ، فيكشف منهما الرضا في كلّ مورد كذائي والإذن العامّ لمن دخل كذلك ، فيحلّ فعلاً ومن الحيثين .

وفي «مستطرفات السرائر» نقلاً من كتاب «مسائل الرجال» ، عن أبي الحسن علي بن محمّد علیه السلام أنّ محمّد بن [علي بن] عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العبّاس وأخذ ما يتمكّن من أموالهم ، هل فيه رخصة ؟ فقال : «ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر ، فاللّه قابل العذر ، وما خلا ذلك فمكروه» إلى أن قال : فكتبت إليه في جواب ذلك اُعلمه أنّ مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوّه وانبساط اليد في التشفّي منهم بشيء أتقرّب به إليهم ، فأجاب : «من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراماً ، بل أجراً وثواباً»(1) .

ص: 192


1- السرائر ، المستطرفات 3 : 583 ؛ وسائل الشيعة 17 : 190 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 9 .

وفي رواية زياد بن أبي سلمة ، عن أبي الحسن موسى علیه السلام

فقال لي : «يا زياد ، لئن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة ، أحبّ إليّ من أن أتولّى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم إلاّ لماذا ؟» قلت : لا أدري جعلت فداك . قال : «إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه . . .»(1) .

وهي وإن كانت متعرّضة لجواز دخوله علیه السلام لتلك الغايات ، لكنّ الظاهر أنّ ذلك لبيان مورد الجواز حتّى يستفيد منه السامع ، لا لبيان اختصاص الجواز به . فيكشف منها أيضاً الإذن العامّ والرضا المطلق للدخول في حقّهم مضافاً إلى الجواز شرعاً وذاتاً .

وفي رواية يونس بن عمّار (حمّاد - خ . ل) ، قال : وصفت لأبي عبداللّه علیه السلام

من يقول بهذا الأمر ممّن يعمل عمل (مع - التهذيب) السلطان ، فقال : «إذا ولّوكم يدخلون عليكم المرفق وينفعونكم في حوائجكم ؟» قال : قلت : منهم من يفعل ذلك ومنهم من لا يفعل . قال : «من لم يفعل ذلك منهم فابرأوا منه برئ اللّه منه»(2) .

وظاهر أنّ استفصاله وتخصيص البراءة بمن لم يفعل ، دالّ على أنّ من يفعل لا يكون بهذه المثابة ، فيدلّ على الجواز ذاتاً ، وعلى الإذن العامّ بما مرّ .

وعن الشيخ المفيد في «الروضة» ، عن علي بن جعفر ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام : إنّ قوماً من مواليك يدخلون في عمل السلطان ، ولا يؤثرون

ص: 193


1- تقدّمت في الصفحة 183 .
2- الكافي 5 : 109 / 14 ؛ وسائل الشيعة 17 : 196 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 12 .

على إخوانهم ، وإن نابت أحداً من مواليك نائبة قاموا ؟ فكتب : «اُولئك هم المؤمنون حقّاً ، عليهم مغفرة من ربّهم ورحمة ، واُولئك هم المهتدون»(1) . ونحوها رواية اُخرى عنه(2) .

وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سألته من عمل السلطان والدخول معهم ؟ قال : «لا بأس ، إذا وصلت إخوانك ، وعضدت أهل ولايتك»(3) .

وعن الوليد بن صبيح عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من سوّد اسمه في ديوان

بني شيصبان ، حشره اللّه يوم القيامة مسوّداً وجهه ، إلاّ من دخل في أمرهم على معرفة وبصيرة ، وينوي الإحسان إلى أهل ولايته»(4) .

وعن محمّد بن سنان عنه علیه السلام ، قال : سألته من عمل السلطان ، والدخول معهم ، وما عليهم فيما هم فيه ؟ قال : «لا بأس به إذا واسى إخوانه ، وأنصف المظلوم ، وأغاث الملهوف من أهل ولايته»(5) .

ص: 194


1- مستدرك الوسائل 13 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 136 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 19 .
3- مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 4 .
4- مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 6 .
5- مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث7 .

وعن رجال الكشّي في ترجمة محمّد بن إسماعيل بن بزيع عنه ، قال : قال أبو الحسن الرضا علیه السلام : «إنّ للّه تعالى بأبواب الظالمين من نوّر اللّه له البرهان ، ومكّن له في البلاد ، ليدفع بهم عن أوليائه ويصلح اللّه به اُمور المسلمين ، إليهم

ملجأ المؤمنين من الضرر ، إليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا ، وبهم يؤمن اللّه روعة المؤمنين في دار الظلمة ، اُولئك هم المؤمنون حقّاً ، اُولئك اُمناء اللّه في

أرضه» إلى أن قال : «فهنيئاً لهم ، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه» . قال : قلت : بما ذا جعلني اللّه فداك ؟ قال : «يكون معهم فيسرُّنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا ، فكن منهم يا محمّد»(1) .

فإنّ الظاهر من ذيلها الترغيب في دخول شيعته في أعمالهم لهذا المقصد وحمله على أ نّه لو كان معهم لفعل كذا خلاف الظاهر جدّاً ، مع أنّ تقريره لكونهم معهم على الفرض كافٍ في المطلوب ، سيّما مع هذه التوصيفات .

إلاّ أن يقال : إنّ ذلك وما هي نظيره لا دلالة فيها على جواز الدخول ؛ لأ نّه إخبار عن وجود أمثال هؤلاء في ديوانهم وأبوابهم ، ولعلّه كان دخولهم إجباراً وقهراً أو تقيّةً واضطراراً ، فالعمدة دلالة ذيلها .

نعم ، لا يبعد أن يكون قوله : «فكن منهم يا محمّد» لترغيبه بالإحسان إلى الشيعة لو كان ذلك في زمان تقلّده عملهم ، ويحتمل أن يكون صدوره في زمان لم يكن متقلّداً .

ص: 195


1- لم نجد هذا الحديث في رجال الكشّي . اُنظر رجال النجاشي : 331 / 893 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 76 .

وأمّا احتمال كون المذكورين في رواية محمّد بن إسماعيل ونظائرها من غير المتقلّدين لأمرهم ، بل من أشراف البلد الذين لهم ذهاب وإياب في أبوابهم(1) ، فهو خلاف ظاهر قوله : «ومكّن له في البلاد . . .» . بل خلاف ظاهر قوله : «بأبواب الظالمين» ، سيّما مع كون الراوي لها مثل محمّد بن إسماعيل ولبعضها علي بن يقطين ، وهما متقلّدان لأعمالهم ، ولعلّها صادرة لترغيبهم في البقاء على بابهم .

وتشهد له رواية محمّد بن عيسى بن يقطين ، قال : كتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن علیه السلام في الخروج من عمل السلطان . فأجابه : «إنّي لا أرى لك الخروج من عمل السلطان ، فإنّ للّه عزّ وجلّ بأبواب الجبابرة من يدفع بهم عن أوليائه ، وهم عتقاؤه من النار ، فاتّق اللّه في إخوانك» ، أو كما قال(2) .

ومنها يظهر المراد من قوله في رواية ابن بزيع «إنّ للّه بأبواب الظالمين . . .» .

فهذه جملة من الروايات .

ونحوها جملة وافرة اُخرى متوافقة المضمون دالّة على جواز الدخول في أعمالهم لإصلاح حال المؤمنين والقيام بمصالحهم . وتظافرها وكثرتها أغنانا عن النظر إلى الأسناد والمصادر ؛ للوثوق والاطمئنان بصدور جملة منها . مع أنّ فيها صحيحة الحلبي المتقدّمة(3) .

ص: 196


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 256 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 3 .
3- تقدّمت في الصفحة 191 .

وصحيحة علي بن يقطين ، قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر علیه السلام : «إنّ للّه تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه»(1) .

بناءً على أنّ قوله ذلك لترغيبه في بقائه على شغله ، كما تشهد به مضافاً إلى

رواية محمّد بن عيسى المتقدّمة روايته الاُخرى ، أ نّه كتب إلى أبي الحسن موسى علیه السلام ، قال : إنّ قلبي يضيق ممّا أنا عليه من عمل السلطان - وكان وزيراً لهارون - فإن أذنت جعلني اللّه فداك هربت منه ؟ فرجع الجواب : «لا آذن لك بالخروج من عملهم ، واتّق اللّه» ، أو كما قال(2) .

واحتمال التقيّة بعيد ولو بملاحظة سائر الروايات .

وأمّا رواية الحسين بن زيد عن الصادق علیه السلام في مناهي رسول اللّه رحمهما اللّه قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : من تولّى عرافة قوم اُتي به يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه ، فإن قام فيهم بأمر اللّه عزّ وجلّ أطلقه اللّه ، وإن كان ظالماً

هوى به في نار جهنّم وبئس المصير»(3) وقريب منها غيرها (4) .

فلا تدلّ على المقصود ؛ لأ نّها بصدد بيان التحذير عن الدخول في الرئاسة

ص: 197


1- الفقيه 3 : 108 / 451 ؛ وسائل الشيعة 17 : 192 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 1 .
2- قرب الإسناد : 305 / 1198 ؛ وسائل الشيعة 17 : 198 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 16 .
3- الفقيه 4 : 11 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 189 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 6 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 189 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 7 .

حتّى مثل رئاسة قبيلة ، لا في مقام بيان جواز الرئاسة فضلاً عن الرئاسة من قبلهم حتّى يؤخذ بإطلاقها .

ويحتمل أن تكون في مقام بيان أنّ الرئيس إن كان عادلاً فكذا ، وإن كان ظالماً فكذا .

وهي نظير قوله : «العالم إن كان عادلاً يجوز حكمه وقضاؤه ، وإن كان فاسقاً فلا» ؛ حيث لا تعرّض له لجواز تحصيل العلم ولا يجوز التمسّك بإطلاقه له .

ثمّ إنّ في المقام روايات ربما يقال بالتعارض بينها في نفسها ، وبينها وبين الروايات المتقدّمة المجوّزة للدخول في أعمالهم لغرض القيام بمصالح العباد .

كذيل رواية «تحف العقول» ، حيث قال : «فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم ، والكسب معهم إلاّ بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة»(1) .

وظاهرها بملاحظة التنظير ، الضرورة في المعاش ، لا الاضطرار في الدخول للخوف منهم .

فتكون نحو موثّقة عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام : سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل ؟ قال : «لا ، إلاّ أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ، ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(2) .

ص: 198


1- تحف العقول : 332 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 330 / 915 ؛ وسائل الشيعة 17 : 202 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 3 .

وظاهرهما عدم جواز الدخول إلاّ عند الاضطرار في المعاش .

وفي رواية محمّد بن إدريس المتقدّمة : «ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر فاللّه قابل العذر ، وما خلا ذلك فمكروه»(1) والمراد بالمكروه المحرّم بلا ريب بقرينة المقام وبقرينة ذيلها الآتي . فهي تدلّ على عدم الجواز إلاّ في مورد القهر والجبر .

وفي موثّقة مسعدة بن صدقة ، قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان . . . إلى أن قال : «فنهى اللّه عزّ وجلّ أن يوالي المؤمن الكافر إلاّ عند التقيّة»(2) .

ونحوها رواية علي بن يقطين ، قال : قلت لأبي الحسن علیه السلام : ما تقول في أعمال هؤلاء ؟ قال : «إن كنت لا بدّ فاعلاً فاتّق أموال الشيعة» . قال : فأخبرني علي أ نّه كان يجبيها من الشيعة علانيةً ويردّها عليهم في السرّ(3) .

بناءً على أنّ الموالاة في الاُولى بمعنى النصر والدخول في أعمالهم ، وعلى أنّ المراد باللابدّية في الثانية كونها للخوف من سلطانهم وسوطهم لولا الدخول ، كما هو كذلك من مثل علي بن يقطين .

فهذه الروايات بمقتضى الحصر في كلّ عنوان منها تعارض بعضها بعضاً ، وتعارض مع ما تقدّمت من الروايات المجوّزة للدخول لنيّة صلاح المؤمن .

ص: 199


1- تقدّمت في الصفحة 192 .
2- تقدّمت في الصفحة 184 .
3- الكافي 5 : 110 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 193 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 8 .

عدم المعارضة بين الروايات لدى العرف والعقلاء

ويمكن أن يقال : لا معارضة بين أنفسها ؛ لأ نّها إذا عرضت على العرف والعقلاء يجمعون بينها بأنّ المجوّز للدخول مطلق العذر ، وإنّما ذكر في كلّ منها مصداق منه ، وإلاّ فلا ينقدح في الأذهان من الحصر في رواية «التحف» مثلاً إرادة سلب الجواز حتّى مع التقيّة أو القهر والجبر ، وهكذا في غيرها .

والإنصاف أنّ الناظر فيها لا يشكّ في أنّ المراد سلب الجواز بلا عذر ، من غير خصوصية لعذر خاصّ بين الأعذار ، سيّما مع ملاحظة عمومات التقيّة ورفع الاضطرار والاستكراه .

وكذا لا معارضة بينها وبين الروايات المتقدّمة ؛ لأنّ الروايات الواردة في الأعذار متعرّضة للعناوين الثانوية ورتبتها متأخّرة عن الروايات المقيّدة والمخصّصة للعناوين الأوّلية .

وإن شئت قلت : إنّ موضوع أخبار الأعذار هو المحرّم الأوّلي ، والروايات المخصّصة رافعة لموضوعها في مورد التخصيص ، فتكون حاكمة عليها لا معارضة معها .

مضافاً إلى أنّ في تلك الروايات ما تشهد على أنّ المراد بها غير مورد الورود في الولاية للإصلاح أو لإيقاع المكروه عليهم :

ففي رواية محمّد بن إدريس بعد السؤال عن العمل لبني العبّاس والجواب بعدم الجواز فيما عدا مورد الجبر والقهر ، قال : فكتبت إليه في جواب ذلك اُعلمه أنّ مذهبي في الدخول في أمرهم ، وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوّه ،

ص: 200

وانبساط اليد في التشفّي منهم بشيء أتقرّب به إليهم ؟ فأجاب : «من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراماً ، بل أجراً وثواباً»(1) .

فيظهر منها صدراً وذيلاً أ نّه علیه السلام حمل العمل لبني العبّاس في المكاتبة الاُولى على العمل المتعارف الذي كانوا يدخلون فيه لأغراض أنفسهم ، فأجاب بعدم الجواز إلاّ مع الجبر والقهر ، فلمّا كتب إليه ثانياً بأنّ مدخله لمقصد كذا أجاب بأ نّه ليس بمحرّم ، بل فيه أجر وثواب .

وهذه شاهدة جمع بين سائر الروايات ، مع أنّ الموالاة في موثّقة مسعدة يمكن أن تكون بمعنى النصرة والإعانة ، فيكون الدخول في أعمالهم لغرض إيقاع المكروه عليهم ، أو غرض إعانة المؤمن ورفع المكروه عنه خارجاً عنها موضوعاً ، تأمّل .

ثمّ إنّ هاهنا روايات اُخر ربما يتوهّم التنافي بينها وبين ما تقدّمت :

كمرسلة الصدوق ، قال : قال الصادق علیه السلام : «كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان»(2) .

ورواية زياد بن أبي سلمة ، قال : دخلت على أبي الحسن موسى علیه السلام ، فقال لي : «يا زياد ، إنّك لتعمل عمل السلطان ؟» قال : قلت : أجل . قال لي : «ولِم ؟» قلت : أنا رجل لي مروءة ، وعليّ عيال ، وليس وراء ظهري شيء . إلى أن قال : «فإن ولّيت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك ،

ص: 201


1- تقدّمت في الصفحة 192 .
2- الفقيه 3 : 108 / 453 ؛ وسائل الشيعة 17 : 192 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 3 .

فواحدة بواحدة ، واللّه من وراء ذلك . . .»(1) .

وفي «المستدرك» ، عن السيّد هبة اللّه ، عن صفوان الجمّال ، قال : دخل

زياد بن مروان العبدي على مولاي موسى بن جعفر علیه السلام ، فقال لزياد : «أتقلّد لهم عملاً ؟» فقال : بلى يا مولاي . فقال : «ولم ذاك ؟» قال : فقلت : يا مولاي ، إنّي رجل لي مروءة ، عليّ عيلة ، وليس لي مال . فقال : «يا زياد ، واللّه لئن أقع من السماء إلى الأرض فأنقطع قطعاً ، ويفصلني الطير بمناقيرها مفصلاً مفصلاً ، لأحبّ إليّ من أن أتقلّدهم عملاً» . فقلت : إلاّ لماذا ؟ فقال : «إلاّ لإعزاز مؤمن ، أو فكّ أسره. إنّ اللّه وعد من يتقلّد لهم عملاً أن يضرب عليه سرادقاً من نار ، حتّى يفرغ اللّه من حساب الخلائق . فامض وأعزز من إخوانك واحداً ، واللّه من وراء ذلك يفعل ما يشاء»(2) .

وكأ نّه سقط منها شيء وكان الأصل : واحداً بواحد . واحتمال إرادة إعزاز واحدٍ منهم بعيد جدّاً بل فاسد . ويشهد له رواية زياد المتقدّمة ، ويأتي احتمال وحدتهما (3) .

وعن الشيخ المفيد عن علي بن رئاب ، قال : استأذن رجل أبا الحسن موسى علیه السلام في أعمال السلطان ؟ فقال : «لا ، ولا قطّة قلم ، إلاّ لإعزاز مؤمن ، أو

ص: 202


1- الكافي 5 : 109 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 194 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 9 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 135 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 15 .
3- يأتي في الصفحة 206 .

فكّ أسره» . ثمّ قال له : «كفّارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم»(1) .

وعن الفضل بن عبد الرحمان ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام أستأذنه في

أعمال السلطان ؟ فقال : «لا بأس به ما لم يغيّر حكماً، ولم يبطل حدّاً ، وكفّارته قضاء حوائج إخوانكم»(2) .

ورواية الحسن بن الحسين الأنباري ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، قال : كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان ، فلمّا كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أ نّي أخاف على خيط عنقي ، وأنّ السلطان يقول لي : إنّك رافضي ، ولسنا نشكّ في أ نّك تركت العمل للسلطان للرفض ، فكتب إليّ أبو الحسن علیه السلام : «فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك ، فإن كنت تعلم أ نّك إذا ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول اللّه رحمهما اللّه ثمّ تصيّر أعوانك وكتّابك أهل ملّتك ، وإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتّى تكون واحداً منهم ، كان ذا بذا وإلاّ فلا»(3) .

ورواية العيّاشي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : قد ترى مكاني من هؤلاء القوم . فقال : «اُنظر ما أصبت ، فعد به على أصحابك ، فإنّ اللّه يقول : )إِنَّ

ص: 203


1- مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 8 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 132 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 10 .
3- الكافي 5 : 111 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 1 .

الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئات((1)»(2) .

فإنّ الظاهر من تلك الطائفة حرمة عمل السلطان ، وإنّما يكفّرها قضاء حوائج المؤمنين ، والتي مرّت تدلّ على نفي البأس ، بل والفضل والرجحان فيه لذلك .

ويمكن أن يقال : إنّ الورود في أعمالهم وديوانهم تارةً يكون لمحض إعزاز المؤمن وفكّ أسره ونحوهما ، واُخرى لذلك ولمعيشته ، وثالثةً لمحض المعاش ونحوه ، ورابعةً لمعونتهم وتقوية سلطانهم .

والأخبار الواردة في المقام :

طائفة منها: ناظرة إلى الاُولى، كذيل رواية ابن إدريس في «المستطرفات»(3) ، وبعض فقرات رواية زياد بن أبي سلمة(4) وزياد العبدي(5) حيث استثني فيهما من عدم جواز الدخول ما كان لمصلحة مؤمن . والظاهر أنّ منها أيضاً رواية محمّد بن إسماعيل المتقدّمة(6) .

وهذا النحو من الدخول راجح ، وفيه أجر وثواب .

وطائفة منها : ناظرة إلى الثانية ، كرواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سألته من عمل السلطان والدخول معهم ؟ قال : «لا بأس إذا وصلت إخوانك ،

ص: 204


1- هود (11) : 114 .
2- تفسير العيّاشي 2 : 163 / 79 ؛ وسائل الشيعة 17 : 198 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 17 .
3- تقدّمت في الصفحة 200 - 201 .
4- تقدّمت في الصفحة 201 .
5- تقدّمت في الصفحة 202.
6- تقدّمت في الصفحة 195 .

وعضدت أهل ولايتك»(1) ، وما هي بمضمونها (2) .

فإنّ الظاهر منها السؤال عن الدخول في أعمالهم للمعيشة ونحوها من أغراضه ، فأجاب بنفي البأس إذا وصلت ؛ أي إذا قصدت ذلك في خلال عملك ، لا بمعنى كون القصد موضوعاً ، بل بمعنى القصد الطريقي ، فتدبّر .

والحمل على أنّ ذلك بوجوده الواقعي شرط الجواز بنحو الشرط المتأخّر ، بعيد غايته .

وطائفة منها : ناظرة إلى الثالثة ، وهي الروايات المتقدّمة المشتملة على قوله : «فواحدة بواحدة»(3) ، وعلى أنّ كفّارة عملهم قضاء حوائج الإخوان(4) .

وأمّا رواية زياد بن أبي سلمة ، فإنّ الظاهر من صدرها أ نّه كان وارداً في عمل

السلطان ومشتغلاً به لأجل معيشته ، وقد حذّره أبو الحسن عن العمل لهم إلاّ لإعزاز مؤمن ونحوه . والظاهر أنّ قوله علیه السلام : «فإن ولّيت . . .» بعد فرض كونه متولّياً لأمرهم وعاملاً لهم يراد به : إن ولّيت في اشتغالك بأعمالهم بما يحتاج إليك إخوانك فأحسن إليهم ، حتّى يكون لك عمل صالح في مقابل السيّء .

ولعلّه علیه السلام أشار بذلك وبقوله : «واللّه من وراء ذلك» إلى قوله تعالى : )خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّ-ئاً عَسَى اللّه ُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّه َ غَفُورٌ

ص: 205


1- مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 4 .
2- نفس المصدر ، الحديث 7 و21 .
3- تقدّمت في الصفحة 201 - 202 .
4- تقدّمت في الصفحة 201 .

رَحيمٌ((1) فيكون حاصل مفادها أنّ الوارد في أعمالهم لمعيشته ارتكب حراماً ، فإن أحسن إلى إخوانه يكون واحداً بواحد وعسى اللّه أن يتوب عليه .

وأظهر منها رواية زياد العبدي . ولا يبعد أن يكون هو زياد بن أبي سلمة ، بل ولا يبعد أن يكون العبدي مصحّف «القندي» ، ويكون زياد بن أبي سلمة زياد بن مروان القندي ، ولعلّ مروان كان مكنّى بأبي سلمة ، فإنّ الروايتين كأ نّهما في قضيّة واحدة نقلت الثانية بالمعنى ، ولهذا لا تخلو من نحو اغتشاش .

وإنّما قلنا : هي أظهر في المقصود ؛ لعدم اشتمالها على الشرطية ، بل قال : «امض وأعزز إخوانك . . .» . فأمره بالإعزاز لمن كان مشتغلاً بعملهم للهداية إلى طريق لو سلكه عسى اللّه أن يتوب عليه .

وأمّا رواية علي بن رئاب فلأنّ قوله : «كفّارة أعمالكم . . .» لا يراد به الدخول لإعزاز المؤمن ؛ لأ نّه - مضافاً إلى عدم تناسب الكفّارة مع نفي الحرمة عرفاً ، فإنّها لتكفير السيّ-ئة أو النقيصة الحاصلة منها - أنّ الدخول لذلك له أجر وثواب حسب الروايات المتقدّمة ، فلا معنى للكفّارة فيه .

فيكون ذاك وذا قرينة على أنّ المراد بأعمالهم ما دخلوا فيها لمقاصدهم ، كما هو كذلك بحسب النوع .

ومنه يظهر حال مرسلة الصدوق ورواية العيّاشي .

وأمّا رواية الحسن الأنباري فالظاهر أنّ أبا الحسن علیه السلام كان لم يصدّقه في دعواه الخوف على نفسه ، أو كان علیه السلام عالماً بعدم وقوع مكروه عليه لو لم يدخل

ص: 206


1- التوبة (9) : 102 .

في عملهم ، وإلاّ لأجازه بلا شرط . والمظنون بل المعلوم أنّ اشتراطه بما ذكر

تعليق على أمر غير مقدور له ، فإنّ التولّي لهم في ذلك العصر مع انتخاب جميع الكتّاب والأعوان من غيرهم ومن خصوص الشيعة ، كان غير ممكن عادةً ، كما أنّ المواساة للفقراء بحيث يكون المتولّي للأمر كأحد منهم كأ نّه غير ميسور له .

ففي الحقيقة إنّ هذه الرواية من الروايات الناهية عن الدخول في أعمالهم مطلقاً . مع أنّ ظاهرها مخالف للقواعد ، ولهذا حملناها على ما تقدّم .

كما أنّ رواية الفضل مخالفة لروايات الباب ؛ لأنّ الظاهر منها عدم حرمة التولّي ذاتاً ما لم يغيّر حكماً أو يبطل حدّاً . وقد عرفت دلالة الروايات على حرمته ذاتاً ، ومقتضى اُصول المذهب حرمة التولّي بغير إذنهم ، مضافاً إلى التنافي بين صدرها وذيلها . فإنّ نفي البأس ينافي الكفّارة كما مرّ .

فلا بدّ من حملها على أنّ كفّارة عملهم لمعيشته كذا ، فإنّه المتعارف في أعمالهم .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة جواز الدخول في أعمالهم للمقصد الراجح بما تقدّم ولو لزم من التصدّي جمع الزكوات والخراج من غير الشيعة وإيصالها إلى السلطان الجائر ، فإنّ التولّي لاُمورهم في مثل ولاية النواحي لا ينفكّ عن مثله ، فالسكوت عنه في تلك الروايات الكثيرة دليل على جوازه بالنسبة إلى من كان على مذهبهم ، وكان معتقداً بلزوم إيصال الخراج والزكوات والغنائم إليهم . ففي الحقيقة هو إلزامهم بما التزموا به ، مع أ نّه قد يكون التولّي لخصوص ذلك ، ومقتضى الإطلاق جوازه .

وحمل الروايات على ما لا يلزم من التولّي سوى إعزاز المؤمن ونحوه في

ص: 207

قوّة طرحها ؛ لعدم إمكان العمل بها ، أو ندرة ذلك جدّاً ، مع أ نّه لا دليل لحملها على ذلك سوى الحصر في بعضها ، وقد عرفت حاله .

وقد أشارت إلى ذلك رواية صفوان بن مهران ، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام

إذ دخل عليه رجل من الشيعة - إلى أن قال : - فقال : إنّ لهم سيرة وأحكاماً ، قال :

«أليس قد أجرى لهم الناس على ذلك ؟» قال : بلى . قال : «أجروهم عليهم في

ديوانهم ، وإيّاكم وظلم المؤمن»(1) .

بل في الروايات ما هي كالصريح في تولّيهم ذلك : كرواية علي بن يقطين المتقدّمة(2) ، الحاكية عن جبايته أموال الشيعة علانيةً والردّ إليهم سرّاً ، بعد توصية أبي الحسن علیه السلام ، وما اشتملت على كتابة أبي عبداللّه علیه السلام إلى النجاشي والي الأهواز وفارس(3) ، وغير ذلك . وسيجيء إن شاء اللّه ما ينفع بالمقام في جوائز السلطان .

كلام الشيخ الأعظم في الولاية المكروهة والمستحبّة

ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري(4) جمع بين رواية مهران بن محمّد بن أبي نصر عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سمعته يقول : «ما من جبّار إلاّ ومعه مؤمن يدفع اللّه

ص: 208


1- مستدرك الوسائل 13 : 138 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 25 .
2- تقدّمت في الصفحة 199 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 333 / 925 ؛ وسائل الشيعة 17 : 196 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 13 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 75 - 76 .

عزّ وجلّ به من المؤمنين ، وهو أقلّهم حظّاً في الآخرة ؛ يعني أقلّ المؤمنين حظّاً بصحبة الجبّار»(1) .

وبين مثل رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع(2) ، بحمل الاُولى على من تولّى لهم لنظام معاشه قاصداً الإحسان في خلال ذلك إلى المؤمنين ودفع الضرر عنهم ، وحمل الثانية على من لم يقصد بدخوله إلاّ الإحسان إلى المؤمنين ، فذهب إلى كراهة الأوّل واستحباب الثاني .

أقول : وفي رواية المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «ما من سلطان إلاّ ومعه من يدفع اللّه به عن المؤمنين ، اُولئك أوفر حظّاً في الآخرة»(3) .

وأنت خبير بأنّ الجمع بين هذه الرواية وكذا الروايات المتقدّمة ، وبين رواية مهران بما ذكره ، غير مقبول عرفاً ، سيّما مع كون الورود في عملهم أو الصحابة لهم لغرض إلهي محض نادراً جدّاً .

فحمل بعض منها على ذلك مع شواهد عليه كما مرّ الكلام فيه وإن لا يبعد ، لكن حمل جميع تلك الروايات الكثيرة عليه بعيد جدّاً ، بل غير صحيح ، سيّما في الرواية المتقدّمة إذا كان قوله : «يعني أقلّ المؤمنين حظّاً بصحبة الجبّار» من تتمّة الحديث ، ليكون ذلك بمنزلة التعليل الدالّ على أنّ صحبة الجبّار علّة

ص: 209


1- الكافي 5 : 111 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 186 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 44 ، الحديث 4 .
2- تقدّمت في الصفحة 195 .
3- مستدرك الوسائل 13 : 136 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 17 .

لأقلّية حظّه ، فمقتضاها أقلّية حظّ مطلق المصاحب ، سواء كان لمحض غرض راجح أم لا .

فتلك الرواية معارضة لرواية محمّد بن إسماعيل وغيرها ، ولا يصحّ الجمع المذكور .

والتفصيل بين الدخول بنحو الصحابة وغيرها أيضاً بعيد ؛ لأنّ موضوع رواية مهران ورواية المفضّل واحد ، والمراد بالمعية فيهما واحد وهو الصحابة كما فسّرت بها .

نعم ، لا شبهة في أنّ الورود لمحض الإحسان على المؤمنين أرجح وأفضل منه لغايتين ، لكن ذلك لا يوجب صحّة الجمع بين الروايات سيّما بين الروايتين المتقدّمتين .

ومن المحتمل أن يكون لفظ «حظّاً» في رواية مهران بتقديم الخاء المعجمة على الطاء غير المعجمة ، وكان التفسير من بعض الرواة ، وكان الأصل الذي فيه الرواية مأخوذاً بالمناولة لا بالقراءة وكان تفسيره لاشتباه وقع في الخطّ . وما ذكرناه وإن كان غير معتمد في نفسه لكن بعد ورود قوله : «أوفر حظّاً» في رواية اُخرى ، وبعد التصرّف فيها وورود روايات اُخر تؤيّدها ، لا بُعد فيه ، سيّما مع قرب وقوع الاشتباه في مثل الكلمة المذكورة التي يكون منشأ الاشتباه فيها تغيير محلّ النقطة قليلاً ، وفي مثله ليس الاحتمال المذكور مخالفةً معتدّاً بها للأصل العقلائي سيّما مع ورود الروايات على خلافه ، والأمر سهل .

ص: 210

في وجوب تصدّي الولاية فيما توقّف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه

ثمّ إنّه قد يجب عقلاً تصدّي الولاية فيما كان جائزاً لتوقّف الأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر عليه ، لكن حكي عن غير واحد استحبابه(1) .

وقد تصدّى الشيخ الأنصاري لتوجيه كلامهم بأنّ نفس الولاية قبيحة محرّمة ؛ لأ نّها توجب إعلاء كلمة الباطل وتقوية شوكته، وترك الأمر بالمعروف قبيح آخر، وليس أحدهما أقلّ قبحاً من الآخر ، فيكون المقام من قبيل تزاحم المقتضيين ، ويمكن الحكم باستحباب اختيار أحدهما لمصلحة لم تبلغ حدّ الإلزام .

ثمّ ذكر كلام المحقّق صاحب «الجواهر»(2) بأ نّه يمكن تقوية عدم الوجوب بتعارض ما دلّ على وجوب الأمر بالمعروف وما دلّ على حرمة الولاية عن الجائر ، بناءً على الحرمة الذاتية ، والنسبة عموم من وجه . . .(3) .

مقتضى القواعد مع قطع النظر عن الأخبار

أقول : وقوع التعارض بين الأدلّة وكذا التزاحم بين المقتضيات ، موقوف على إطلاق الأدلّة وكشف المقتضي في مورد التزاحم منها ، أو حكم العقل

ص: 211


1- النهاية : 356 ؛ المهذّب 1 : 346 ؛ السرائر 2 : 202 ؛ شرائع الإسلام 2 : 6 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 77 - 78 .
2- جواهر الكلام 22 : 164 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 79 - 81 .

استقلالاً بوجود المقتضي في المزاحمين .

ويمكن إنكار إطلاق أدلّة الأمر بالمعروف لمورد توقّفه على الولاية من قبل الجائر ، بأن يقال : إنّ وجوب الأمر بالمعروف إنّما هو لإقامة الفرائض ، ولا إطلاق فيها يشمل ما يوجب سقوط فريضة أو ارتكاب محرّم ، فلا يقع التعارض بينها وبين أدلّة حرمة الولاية .

وليس المراد أنّ كلّ عامّين من وجه كذلك حتّى يقال باستلزامه نفي التعارض بينهما مطلقاً ، وهو خلاف ما عليه الفقهاء وخلاف الواقع ؛ لأنّ كلّ عنوان محكوم بحكم لا ينظر حكمه إلى حكم عنوان آخر ، بل يلاحظ الإطلاق بالنسبة إلى حالات الموضوع مع قطع النظر عن حكم آخر وبلا لحاظ إليه .

بل مرادنا أنّ في المقام خصوصية موجبة لذلك ، وهي أنّ موضوع أدلّة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الأمر بالواجبات والنهي عن المحرّمات ، ومن الواضح بحكم العقل والعقلاء أنّ إيجابهما ليس لاقتضاء في نفسهما بحيث يكون إنشاء الأمر والنهي أو نفسهما ذا مصلحة قائمة بهما ، بل هو للتوصّل بهما إلى فعل الواجب وترك الحرام ، ولهذا لا يجبان إلاّ مع احتمال التأثير . ويشهد له قوله : «إنّها فريضة تقام بها الفرائض»(1) .

فتلك العناوين التوصّلية إذا وقعت متعلّقة للأمر لا ينقدح في أذهان العرف والعقلاء إلاّ أنّ الأمر بها للتوصّل لا لمصلحة ذاتية نفسية . وبالجملة : إنّهما

ص: 212


1- راجع وسائل الشيعة 16 : 119 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 1 ، الحديث 6 .

واجبان للغير لا غيريان ، فإذا كان كذلك لا يستفاد من أدلّة وجوبهما إطلاق يشمل ما يستلزم منه ارتكاب محرّم أو ترك واجب ، فإنّ ما وجب لإقامة الفريضة لا إطلاق لوجوبه لمورد إماتتها .

وإن شئت قلت : إنّ المتفاهم من أدلّة وجوبهما أ نّه معلّق بعدم استلزام ترك واجب أو فعل حرام ، ودليل حرمة الولاية مطلق في موضوعه على نحو التنجيز ، ولا يعارض المعلّق المنجّز ، بل دليله حاكم على دليل الحكم المعلّق ، فكما لا تعارض بين الأدلّة بما عرفت لا مجال للتزاحم بعد عدم إطلاق يكشف منه المقتضي وعدم استقلال العقل بوجود المقتضي حتّى في مورد لزوم ارتكاب الحرام .

هذا بالنسبة إلى المقتضي الذي قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وأمّا المقتضيات التي في المعروف والمنكر فلا وجه لتزاحمها مع مقتضي الحرمة في تقلّد الولاية ؛ لأنّ تزاحم المقتضيات إنّما هو في التكاليف المتوجّهة إلى مكلّف واحد . فإذا دار أمر مكلّف بين شرب الخمر وقتل النفس المحترمة يقدّم الشرب ، ومع تساوي المقتضيات يتخيّر . وأمّا مع دوران الأمر بين ارتكاب مكلّف محرّماً وارتكاب مكلّف آخر محرّماً ، فلا وجه لملاحظة المقتضيات ، ولا يجوز ارتكاب شخص محرّماً لدفع ارتكاب شخص آخر محرّماً ولو كان مقتضاه أهمّ . فلو توقّف ترك شرب الخمر من زيد على ارتكاب عمرو محرّماً دون شربها في المقتضي لا يمكن الالتزام بجوازه أو وجوبه .

نعم ، فيما إذا كان وجود شيء مبغوضاً مطلقاً ويجب على كلّ مكلّف دفعه يكون من قبيل تزاحم المقتضيات . فإذا توقّف إنجاء النبي رحمهما اللّه من

ص: 213

يد ظالم أراد قتله على شرب الخمر أو غيره من المحرّمات ، يجب عقلاً إنجاؤه

بارتكاب المحرّم .

هذا كلّه بناءً على أن يكون وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرعياً ، وأمّا بناءً على كونه عقلياً ويرى العقل لزوم حفظ أغراض المولى التي لا يرضى بنقضها ، وقبح ترك المنع عن مخالفة المولى وعن نقض أغراضه من غير فرق بين كون الناقض نفسه أو غيره من سائر المكلّفين ، فلا يبعد القول بتزاحم المقتضيات القائمة بالمعروف والمنكر مع مقتضي حرمة التولّي من الجائر ، لكنّه في غاية الإشكال ، إلاّ في العظائم التي يعلم بلزوم حفظها كما أشرنا إليه .

وأمّا لو توقّف ترك شرب الخمر من زيد على ارتكاب عمرو معصية دونه ، فتجويز ارتكابه لدفعه في غاية الإشكال ، بل غير ممكن ، ولا أظنّ التزام فقيه به ، سواء قلنا بأنّ وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عقلي أو نقلي .

ولو قيل : إنّ العبيد لمولى واحد بمنزلة شخص واحد في توجّه التكليف ، فكما يقع التزاحم في تكليف شخص واحد ، كذلك يقع في العبيد لمولى واحد ، أو قيل : إنّ حفظ أغراض المولى واجب على العبيد كلّهم ، ولا بدّ من رفع اليد عن غرضه المهمّ لإقامة الأهمّ كما في الموالي العرفية ، فإذا علم العبد أنّ نقض غرضه المهمّ موجب لحفظ غرضه الأهمّ يحكم العقل بلزوم حفظه .

يقال : إنّ ما ذكر غير مقنع . أمّا الأوّل فواضح ؛ لعدم دليل على كونهم كذلك . وأمّا الثاني فله وجه في الموالي العرفية ، فإنّ أغراضهم معلومة وموارد رضاهم وسخطهم واضحة لدينا ، وأمّا المولى الحقيقي فأحكامه ليست لأغراض راجعة إليه - والعياذ باللّه - بل أحكامه لمحض اللطف على العباد ولمصالحهم ، وفي مثله

ص: 214

لا يصحّ ما ذكر ، ولا يجوّز العقل مخالفته لدفع مخالفة الغير وإيقاع نفسه في

المهلكة لعدم وقوع غيره فيها . فهل ترى من نفسك جواز شرب الخمر إذا رأى المكلّف دوران الأمر بين شربه وشرب غيره وعلم أ نّه لو لم يشربها ، يشربها غيره ؟ فلو كان المورد من قبيل المتزاحمين لا بدّ من الالتزام بالتخيير في المورد ، وكذا الالتزام بلزوم ارتكاب القمار مثلاً لمنع شرب الخمر ، وهو مخالف لضرورة الفقه والعقل .

مقتضى الأخبار في المقام

هذا كلّه مع الغضّ عن أخبار الباب ، وأمّا بالنظر إليها فمحصّل الكلام فيه: أنّ من أراد التولّي لولاية الجائر ؛ فقد يعلم بأ نّه إذا تولاّها يمكن له دفع منكر أو منكرات أو إقامة فريضة أو فرائض ، وقد يظنّ ذلك ، وقد يحتمل ؛ بمعنى أ نّه يحتمل مع تولّيه تأثير أمره بخلاف ما إذا لم يتولّها .

وعلى أيّ تقدير : قد يكون المنكر موجوداً والمعروف متروكاً ، وقد لا يكون كذلك ، لكن علم أو ظنّ أو احتمل وجودها فيما يأتي ، وعلى أيّ تقدير : تارة يكون مأموناً من ارتكاب المعصية في ديوانهم ، واُخرى لا يكون ، أو يكون في معرض ارتكابها ، إلى غير ذلك من الفروض .

فهل يمكن استفادة جواز الدخول من الروايات الخاصّة في جميع الفروض أو لا ؟

أقول : ما يمكن أن يستدلّ به على المطلوب روايات :

منها : صحيحة الحلبي ، قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن رجل مسلم وهو في

ص: 215

ديوان هؤلاء ، وهو يحبّ آل محمّد رحمهما اللّه ويخرج مع هؤلاء في بعثهم ، فيقتل تحت رايتهم ؟ قال : «يبعثه اللّه على نيّته» . قال : وسألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء أن يصيب معهم شيئاً فيغنيه اللّه به ، فمات في بعثهم ؟ قال : «هو بمنزلة الأجير ، إنّه إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم»(1) .

وفي مرسلة الصدوق(2) قريب من الفقرة الاُولى .

بناءً على أنّ المراد بالرجل المسلم المحبّ لهم هو الشيعي ، فإنّ ترك الاستفصال عن أنّ وروده في ديوانهم هل هو بالقهر والجبر والتقيّة أو بالاختيار دليل على أنّ الوارد بالاختيار إذا كان وروده بنيّة صالحة يحشره اللّه على نيّته .

بل الظاهر أنّ وروده وخروجه إلى الغزو بالاختيار ؛ لأنّ الحشر على نيّته إنّما هو في مورده لا في مورد الجبر والقهر، مع أ نّه لو كان وروده بنحو الجبر فلا محالة كان خروجه كذلك أيضاً ، أو بحسب النوع ، فلا يبقى مجال لنيّته والحشر عليها .

مضافاً إلى أ نّه لو كان مقهوراً في الورود كان على السائل ذكر كونه مكرهاً ، وإلاّ فظاهر السؤال أ نّه كان مختاراً .

فلا شبهة في أنّ ظاهرها أنّ الورود والخروج كانا باختياره ، وأنّ الثواب والعقاب فيهما حسب نيّته : إن كان خيراً فيثاب وإن شرّاً فيعاقب . وتخصيصه بنيّة إصلاح حال الشيعة والإحسان إليهم يحتاج إلى مخصّص .

ص: 216


1- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 944 ؛ وسائل الشيعة 17 : 201 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 2 .
2- المقنع : 364 ؛ وسائل الشيعة 17 : 193 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 6 .

إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر من الرجل المسلم : المحبّ ، مقابل المسلم الناصب ، وهو غير الشيعي . فحينئذٍ يكون قوله : «يبعثه اللّه على نيّته» كقوله : عليه ما عليه ، لا يدلّ على كونه مثاباً مع نيّة الخير ، فإنّ الثواب لا يكون إلاّ مع الولاية

والتصديق بإمامتهم علیهم السلام ، بل مع إطلاقها بالنسبة إلينا وإلى غيرنا يشكل أيضاً استفادة الحكم منها .

لكنّ الاحتمال بعيد ؛ لأنّ الظاهر أنّ السائل في الفقرة الاُولى كان شيعياً ، وفي الفقرة الثانية كان السائل هو الحلبي ، ومن البعيد جدّاً أن يسأل الشيعي ، سيّما مثل الحلبي العريق في التشيّع خلفاً عن سلف وأباً عن جدّ - رضوان اللّه عليهم - عن حال المخالف بعد موته لأجل الدخول في أعمالهم. بل الظاهر أنّ السؤال عن حال الشيعي بأنّ ذلك موجب لعقوبته؟ ولو كان المراد بالسؤال معرفة حكم المسألة فلا وجه للسؤال عن عمل غيرنا ، فإنّ فقهاء أصحابنا كانوا يسألون المسائل ويحفظونها في اُصولهم للبثّ في الشيعة ، فلا وجه للسؤال عن حال غيرهم .

مضافاً إلى أنّ قوله في ذيل الرواية : «إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم» ، يكشف المراد عن قوله : «يبعثه اللّه على نيّته» ، ويدفع الاحتمال المتقدّم ، بل هو كبرى كلّية لإفادة أنّ الأجر بحسب النيّات ، ولا شبهة في أ نّه راجع إلى من يليق بإعطاء الثواب والأجر عليه ، وهو الشيعي بحسب اُصول المذهب ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ السؤال عن الرجل من هذه العصابة .

ومنها : الروايات الكثيرة الواردة في جواز الدخول مع نيّة الإحسان إلى الإخوان ، وقد مرّت جملة منها (1) .

ص: 217


1- تقدّمت في الصفحة 194 - 195 .

بدعوى إلغاء الخصوصية منها ، أو دعوى الفحوى والأولوية القطعية ، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة ، فكيف يمكن جواز الدخول لصلة الإخوان المستحبّة ، وعدم جوازه مع توقّف فريضة عظيمة عليه ؟

والتحقيق : أنّ الروايات الواردة في الجواز على كثرتها ضعيفة سنداً ، لكنّ الوثوق والاطمئنان حاصل بصدور بعضها إجمالاً ، فلا بدّ من الأخذ بأخصّها مضموناً . فإنّها على طوائف :

منها : ما يظهر منها الجواز مطلقاً ، كرواية صفوان بن مهران(1) ، ورواية إسحاق بن عمّار(2) المرويّتين في «المستدرك» ، الظاهر منهما جوازه ؛ لكونه حقّهم.

ومنها : جوازه مع نيّة الإحسان إلى أهل ولايته إذا دخل على معرفة وبصيرة ، كرواية الوليد بن صبيح(3) .

ومنها : جوازه لإعزاز المؤمن أو فكّ أسره أو قضاء دينه ، كرواية زياد بن أبي سلمة(4) ، وصفوان بن مهران(5) وعلي بن رئاب(6) .

ويظهر من هذه الطائفة الجواز لشيء من منافع الشيعة .

لكنّ الظاهر من قوله : «لإعزاز المؤمن . . .» أنّ الغاية للدخول إذا كانت نحو ذلك يجوز الدخول . وكون الإعزاز ونحوه غاية محرّكة لا يمكن إلاّ مع العلم أو

ص: 218


1- تقدّمت في الصفحة 180 .
2- تقدّمت في الصفحة 181 .
3- تقدّمت في الصفحة 194 .
4- تقدّمت في الصفحة 193 .
5- تقدّمت في الصفحة 202 .
6- تقدّمت في الصفحة 202 - 203 .

الوثوق والاطمئنان بأنّ الدخول فيها يمكّنه منه ، وإلاّ فمع احتماله أو ظنّه لا يمكن أن يصير الإعزاز غاية بل يكون رجاؤه غاية .

ومنها : ما دلّت على جوازه إذا وصل إخوانه وعضد أهل ولايته ، كما في رواية أبي الجارود(1) ، أو إذا واسى إخوانه ، وأنصف المظلوم ، وأغاث الملهوف من أهل ولايته ، كما في رواية محمّد بن سنان(2) ، أو إذا وصل إخوانه ، وعاد أهل ولايته ، كما في رواية أبي الجارود الاُخرى(3) .

ومنها : ما دلّت باختلاف التعابير على أنّ للّه في أبواب الظلمة من يدفع عن أوليائه ، كمرسلة الصدوق عن «الفقيه»(4) ، ومرسلته الاُخرى عن «المقنع»(5) ، وروايات محمّد بن عيسى بن يقطين(6) ، وسدير(7) ، وهشام بن سالم(8) ،

ص: 219


1- تقدّمت في الصفحة 204 .
2- تقدّمت في الصفحة 194 .
3- مستدرك الوسائل 17 : 137 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 21 .
4- الفقيه 3 : 108 / 452 ؛ وسائل الشيعة 17 : 192 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 2 .
5- المقنع : 364 ؛ وسائل الشيعة 17 : 193 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 5 .
6- تقدّمت في الصفحة 196، ويأتي آنفاً .
7- الاختصاص : 261 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 132 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 12 .
8- مستدرك الوسائل 13 : 136 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 16 .

والمفضّل بن عمر(1) ، ومهران بن محمّد بن أبي نصر(2) ، وحمران بن [أعين(3)] ، نعم ومن جملتها صحيحة علي بن يقطين(4) لكن هي بنفسها لا تدلّ على المطلوب، والقرائن الشاهدة على كونها مربوطة به من الضعاف .

كما أنّ الاستناد في كون سائر تلك الطائفة كذلك لأجل قرينيتها ، كرواية محمّد بن عيسى بن يقطين ، قال : كتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن علیه السلام في الخروج من عمل السلطان ، فأجابه : «إنّي لا أرى لك الخروج من عمل السلطان ، فإنّ للّه عزّ وجلّ بأبواب الجبابرة من يدفع بهم عن أوليائه ، وهم عتقاؤه من النار ، فاتّق اللّه في إخوانك» ، أو كما قال(5) . وبعض روايات اُخر(6) .

والظاهر منها أنّ الدخول في أعمالهم والبقاء فيها جائز ، بل راجح للدفع عن أوليائه تعالى ، وأنّ عدم إجازته للخروج لذلك لا للخوف عليه من شرّ السلطان .

ص: 220


1- تقدّمت في الصفحة 209 .
2- تقدّمت في الصفحة 208 - 209 .
3- مستدرك الوسائل 13 : 138 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 24 .
4- الفقيه 3 : 108 / 451 ؛ وسائل الشيعة 17 : 192 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 1 .
5- مستدرك الوسائل 13 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 3 .
6- راجع مستدرك الوسائل 13 : 131 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 9 .

نعم ، لا يبعد ذلك الاحتمال في رواية اُخرى عنه تتضمّن الإذن للهرب من هارون - لعنه اللّه - فأجابه : «لا آذن لك بالخروج من عملهم ، واتّق اللّه» ، أو كما قال(1) .

ومن هذه أيضاً ما اشتملت على السؤال عن أنّ قوماً من الموالي يدخلون في عملهم ولا يؤثرون على إخوانهم . . . فأجاب : «اُولئك هم المؤمنون حقّاً» ، كرواية السيّاري(2) عن علي بن جعفر في مكاتبته إلى أبي الحسن علیه السلام . والظاهر منها أيضاً جواز الدخول لذلك ، وهي أيضاً قرينة على المراد في الروايات المتقدّمة .

فلا بدّ من الأخذ بأخصّ مضموناً منها ، والظاهر أنّ المتيقّن منها جواز الدخول مع العلم بأنّ في دخوله يدفع عن الشيعة ويحفظ منافعهم بوجه من الوجوه . ولعلّ من مجموع تلك الروايات الكثيرة جدّاً المتقاربة المضمون ، يحصل الاطمئنان بجواز الدخول لذلك مع علمه بتوفيقه .

وأمّا رواية الحسن بن الحسين الأنباري المتقدّمة(3) وإن كانت أخصّ منها ، لكن قد تقدّم(4) أنّ الظاهر منها أنّ أبا الحسن علیه السلام لم يصدّقه في دعواه ، وعلّق الجواز على أمر غير ممكن في العادة ، ولعلّه لخصوصية فيه عرفها منه .

ص: 221


1- تقدّمت في الصفحة 197 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .
3- تقدّمت في الصفحة 203 .
4- تقدّم في الصفحة 206 - 207 .

هل يمكن إلغاء الخصوصية من مورد الجواز أم لا ؟

ثمّ إنّه يقع الكلام في أ نّه هل يمكن إلغاء الخصوصية منها ، أو القطع بالأولوية وإسراء الحكم إلى كلّ مصلحة أو نيّة حسنة ، أو إلى خصوص مورد التمكّن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً ، أو مع العلم أو الوثوق بالتأثير ؟

فيه تردّد ؛ من حيث إنّه لو كان مطلق المصالح سيّما التمكّن منهما من المجوّزات أو الموجبات للدخول في سلطانهم ، لأشاروا إليه في تلك الروايات الكثيرة جدّاً ، مع كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض المهمّة العظيمة ، ولم ينهوا عن الدخول بنحو مطلق تارةً وبنحو الحصر اُخرى في مواضع كثيرة ، ومعه كيف يمكن إلغاء الخصوصية أو دعوى الأولوية القطعية ؟

بل مع تظافر الروايات الدالّة على الحرمة ، إلاّ في مورد كان الورود لأجل مصالح الشيعة والدفع عنهم ، تقيّد صحيحة الحلبي(1) ، بناءً على إطلاقها لمطلق نيّة الخير .

هذا كلّه مع احتمال أن يكون التسويغ للورود في سلطانهم في تلك الأعصار تسويغاً سياسياً لمصلحة بقاء المذهب ، فإنّ الطائفة المحقّة في ذلك العصر كانت تحت سلطة الأعادي وكانت خلفاء الجور واُمراؤهم من ألدّ الأعداء لهذه العصابة ، فلولا دخول بعض اُمراء الشيعة وذوي جلالتهم في الحكومات ، والتولّي للاُمور لحفظ مصالحهم والصلة إليهم والدفع منهم لكان الأفراد السواد منهم في معرض الاستهلاك في الدول ، بل في معرض تزلزل الضعفاء منهم

ص: 222


1- تقدّمت في الصفحة 215 - 216 .

من شدّة الضيق عليهم ، فكانت تلك المصلحة موجبة لترغيبهم في الورود في ديوانهم .

وربما تشهد لما ذكرناه التعبيرات التي في بعض الروايات :

كرواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : قال أبو الحسن علیه السلام : «إنّ للّه تعالى بأبواب الظالمين من نوّر اللّه له البرهان ومكّن له في البلاد ، ليدفع بهم عن أوليائنا ويصلح اللّه به اُمور المسلمين ، إليهم ملجأ المؤمنين من الضرّ ، وإليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا ، وبهم يؤمن اللّه روعة المؤمنين في دار الظلمة ، اُولئك هم المؤمنون حقّاً ، اُولئك اُمناء اللّه في أرضه ، أولئك نور اللّه في رعيّته

يوم القيامة ، ويزهر نورهم لأهل السماوات ، كما تزهر الكواكب الدرّية لأهل الأرض ، أولئك نورهم يوم القيامة تضيء منه القيامة ، خلقوا واللّه للجنّة وخلقت الجنّة لهم ، فهنيئاً لهم ، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه» . قال : قلت : بماذا جعلت فداك ؟ قال : «يكون معهم فيسرّنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا ، فكن منهم يا محمّد»(1) .

وكرواية أحمد بن محمّد السيّاري(2) ، وغيرهما (3) .

فإنّ الناظر فيها لا يستبعد بأن تكون تلك الفضائل والمرغّبات لأجل مصلحة

ص: 223


1- رجال النجاشي : 331 / 893 .
2- مستدرك الوسائل 13 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .
3- راجع مستدرك الوسائل 13 : 136 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 16 و17 و19 .

عظيمة فوق إكرام المؤمن ، بل في رواية محمّد بن إسماعيل إشارات إلى ما ذكرناه ، ولا يلزم أن يكون تلك المصلحة موجبة لإيجاب الدخول في ديوانهم سيّما بالنحو العموم ، ولعلّه مستلزم لمفاسد ، ولعلّهم علیهم السلام ألزموا بعض أصحابنا المؤثّرين في حفظ هذا المقصد على الدخول ، كما تشهد عليه ما دلّت على منع علي بن يقطين من الخروج عن ديوانهم :

ففي رواية علي بن يقطين : «لا آذن لك بالخروج من عملهم ، واتّق اللّه»(1) . وفي رواية اُخرى بعد عدم إذنه بالخروج علّله ب- «أنّ للّه بأبواب الجبابرة من يدفع بهم عن أوليائه»(2) . ومن هذه يظهر المراد من الرواية المتقدّمة ، ويضعّف

احتمال أن يكون عدم إذنه للخوف على نفسه ، بل لا يبعد أن يكون الظاهر منهما أنّ دخوله كان بأمر منه علیه السلام وإلزامه ، لا لمحض الجواز أو الاستحباب .

المتيقّن من الأدلّة جواز الدخول لإصلاح حال الشيعة

وبالجملة : إنّ المتيقّن من مجموع الروايات أنّ جواز الدخول في ديوانهم - عليهم اللعنة - كان لإصلاح حال الشيعة ، ولعلّ سرّه ضعف الشيعة وقلّة عددهم والخوف من تشتّتهم ، ولا يجب التنبيه على غايات الأحكام والمصالح الكامنة فيها .

وعلى هذا الاحتمال يكون المقام من قبيل تزاحم المقتضيات ، وترجيح اقتضاء الدخول لحفظ الشيعة على اقتضاء حرمة الدخول من غير إشكال ،

ص: 224


1- تقدّمت في الصفحة 197 .
2- تقدّمت في الصفحة 220 .

وتوجّه الروايات القائلة بأنّ قضاء حوائج الإخوان ونحوه كفّارة عمل السلطان ، سيّما على ما بنينا عليه من بقاء المزاحم المهمّ على حرمته مع مزاحمته للأهمّ .

كما أ نّه على هذا الاحتمال لا يصحّ إلغاء الخصوصية بالنسبة إلى مطلق مصلحة ، ولا دعوى الأولوية القطعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وما ذكرناه وإن كان مخالفاً لظاهر بعض الروايات غير المعتمدة ، لكنّ الاتّكال في المقام على استفادة الحكم من مجموع الروايات الضعاف التي حصل الوثوق بصدور بعضها ، ونتيجته ما عرفت .

فإسراء الحكم إلى جواز التولّي في ديوانهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشكل ، بل غير صحيح حتّى في صورة العلم بأ نّه مع تولّيه يدفع ارتكاب منكر معمول وترك معروف متروك فضلاً عن غيرها . هذا حال الأخبار .

ذكر كلمات الأصحاب في المقام

وأمّا كلمات الأصحاب وإن توافقت ظاهراً من زمن شيخ الطائفة على اختلاف التعابير بجوازه ، لكن لا يظهر منها الإجماع أو الشهرة على جوازه لخصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقد نسب إلى العلاّمة في «المنتهى» دعوى عدم الخلاف فيه ، وهو غير صحيح ؛ لأنّ دعواه ذلك في مسألة اُخرى ، قال : «أمّا السلطان الجائر فلا يجوز الولاية منه مختاراً ، إلاّ مع علم التمكّن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقسمة الأخماس والصدقات على مستحقّهما ، وصلة الإخوان ، ولا يكون في ذلك مرتكباً للمآثم أو غلبة الظنّ بذلك . أمّا إذا

ص: 225

انتفى العلم والظنّ معاً فلا يجوز الولاية من قبل الجائر بلا خلاف»(1) .

وأنت خبير بأنّ دعواه عدم الخلاف راجعة إلى مورد انتفاء العلم والظنّ . واحتمال الرجوع إلى جميع ما تقدّم مقطوع الفساد . فقول صاحب «مفتاح الكرامة» حكاية عن غيره : إنّ العلاّمة في «المنتهى» نفى الخلاف عن ذلك كلّه(2) ، ليس موافقاً للواقع .

كما أنّ دعوى الراوندي(3) الإجماع إنّما هي فيما إذا تمكّن مع التولّي من إيصال الحقّ لمستحقّه .

نعم ، ظاهر الشيخ في «النهاية»(4) ، وابن إدريس في «السرائر»(5) ، والمحقّق(6) ، والعلاّمة(7) ، ومن تأخّر منهم(8) جوازه لذلك .

وأنت خبير بعدم ثبوت إجماع معتبر أو شهرة معتمدة من ذلك ، سيّما مع كون المسألة ممّا كثرت فيها الأدلّة والروايات ، ولا يظنّ أن يكون لهم مستند سواها .

لكن مع ذلك تطابق فتاوى من عرفت يسلب الجرأة على المخالفة ، فالمسألة محلّ تردّد .

ص: 226


1- منتهى المطلب 15 : 455 .
2- مفتاح الكرامة 12 : 375 .
3- فقه القرآن ، الراوندي 2 : 24 .
4- النهاية : 356 .
5- السرائر 2 : 202 .
6- شرائع الإسلام 2 : 6 .
7- منتهى المطلب 15 : 455 .
8- جامع المقاصد 4 : 44 .

الأمر الثاني ممّا يسوّغ الولاية : العذر

اشارة

الثاني ممّا يسوّغ الولاية : العذر ، كالاضطرار أو التقيّ-ة أو الإكراه .

وهذا أولى من جعل الثاني خصوص الإكراه ، فإنّه على ذلك يزيد المستثنى ممّا ذكر ؛ ضرورة جواز الدخول مع التقيّة ، وهي غير الإكراه . وتدلّ على الجواز معها عمومات التقيّة(1) ، وخصوص رواية مسعدة المتقدّمة(2) .

وكذا مع الاضطرار ، وهو غيره أيضاً . ويدلّ على الجواز معه - مضافاً إلى حديث الرفع(3) - موثّقة عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام ، سُئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل ؟ قال : «لا ، إلاّ أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ، ولا يقدر على حيلة ، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(4) . كما أ نّه يدلّ على الجواز مع الإكراه - مضافاً إلى الأدلّة العامّة(5) - خصوص بعض الروايات المتقدّمة(6) . وينبغي التنبيه على اُمور :

ص: 227


1- راجع وسائل الشيعة 16 : 214 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 .
2- تقدّم في الصفحة 184.
3- راجع وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 .
4- تهذيب الأحكام 6 : 330 / 915 ؛ وسائل الشيعة 17 : 202 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 48 ، الحديث 3 .
5- تأتي في الصفحة 230 - 235 .
6- تقدّمت في الصفحة 192 .

التنبيه الأوّل شمول أدلّة الإكراه لمطلق المحرّمات

اشارة

كما يباح بالإكراه نفس الولاية المحرّمة يباح به ما يلزمها من المحرّمات الاُخر ، سواء كانت لازمة لمنصبها ممّا لا تنفكّ عنه أو يقع الإكراه بخصوصها . وهذا على الإجمال ممّا لا إشكال فيه .

إنّما الإشكال في أنّ الأدلّة الدالّة على الجواز كحديث الرفع وغيره ، هل لها إطلاق بالنسبة إلى جميع المحرّمات ؛ سواء كانت حقّ اللّه محضاً أم من حقوق الناس أيضاً ، دماً كان أو عرضاً أو مالاً . أو تختصّ بخصوص حقّ اللّه ولا تشمل حقّ الناس ولو كان قليلاً وكان الإيعاد على كثير . أو يفصّل بين العظائم والمهمّات وغيرها ، سواء كانت من حقّ اللّه تعالى أو حقّ الناس . أو يفصّل بين المهمّات وغيرها في حقّ اللّه مع الاختصاص بخصوصه . أو يفصّل بين ما إذا كان الضرر الذي أوعد به المكره أعظم ممّا أكرهه عليه فيرتفع وبين غيره ؟

ما استدلّ به على اختصاص أدلّة الإكراه بحقّ اللّه وردّه

قد يقال باختصاص الأدلّة بحقّ اللّه محضاً وعدم شمولها لحقّ الناس . ويتشبّث له(1) تارةً : بأنّ المستفاد من أدلّة الإكراه أنّ تشريعه لدفع الضرر

ص: 228


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 86 - 87 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 262 - 263 .

فلا يجوز دفعه بالإضرار بالغير ولو كان الإضرار أدون .

واُخرى : بأنّ حديث الرفع(1) مسوق للامتنان على جنس الاُمّة ، ولا حسن في الامتنان على بعضهم بترخيص الإضرار ببعض آخر ، فإذا توقّف دفع الضرر على نفسه بالإضرار بالغير لم يجز :

وثالثةً : بأنّ دليل الإكراه لو عمّ للإكراه على الإضرار بالغير ، لعمّ نفي الاضطرار له أيضاً ، فإنّ سياقهما واحد ، ولا وجه للافتراق بينهما ، والتالي باطل ؛

لقبح تشريع الإضرار بالغير لدفع ضرر نفسه ، ولهذا لم يجوّز أحد هتك أعراض الناس ونهب أموالهم إذا توقّف عليه صون عرضه وماله ، مع أ نّه يجوز ارتكاب المحرّمات وترك الواجبات لذلك .

ورابعةً : بقوله : «إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليس تقيّة»(2) بتقريب أنّ المستفاد منه أ نّه كلّ ما شرّعت التقيّة لحفظه إذا بلغته فلا تقيّة ، ومن المعلوم أنّ التقيّة كما شرّعت لحقن الدماء شرّعت لحفظ الأعراض والأموال أيضاً ، ومقتضاه أ نّه إذا بلغت هتك الأعراض ونهب الأموال فليس تقيّة .

ويرد على الأوّل والثاني بل على الجميع أنّ الاختصاص بغير ما تعلّق به حقّ الناس مخالف لمورد نزول قوله تعالى : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ

ص: 229


1- الخصال : 417 / 9 ؛ التوحيد ، الصدوق : 353 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .
2- الكافي 2: 220 / 16؛ وسائل الشيعة 16: 234، كتاب الأمر والنهي، أبواب الأمر والنهي، الباب 31، الحديث 1.

بِالاْءِيمانِ((1) فإنّه بحسب قول المفسّرين وبعض الروايات المعتمدة نزل في قضيّة عمّار ، حيث اُكره على البراءة من النبي رحمهما اللّه وسبّه وشتمه ، ففي «مجمع البيان» : «أعطاهم عمّار بلسانه ما أرادوا منه» ثمّ قال : «وجاء عمّار إلى رسول اللّه رحمهما اللّه وهو يبكي فقال رحمهما اللّه : «ما وراءك ؟» فقال : شرّ يا رسول اللّه ، ما تركت حتّى قلت(2) منك وذكرت آلهتهم بخير ، فجعل رسول اللّه رحمهما اللّه يمسح عينيه ويقول : «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» ، فنزلت الآية ، عن ابن عبّاس وقتادة»(3) ، انتهى .

وتدلّ عليه رواية مسعدة الآتية(4) ، وشأن نزول الآية لا يوجب تقييد إطلاقها أو تخصيص عمومها ، فقوله : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ( مطلق شامل لمطلق الإكراه ، ولا وجه لاختصاصه بخصوص الإيعاد على القتل وإن كان شأن نزوله خاصّاً ، كما أنّ الحال كذلك في سائر الآيات .

فلا ينبغي الإشكال في إطلاقه ، سيّما مع كون العناية بهذه الفقرة ؛ أي الاستثناء ، كما دلّت عليه الرواية الآتية وكلمات المفسّرين .

بل الاختصاص بحقّ اللّه مخالف لظاهر الآية ، سواء كان قوله : )مَنْ كَفَرَ بِاللّه ِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ( مربوطاً بما سبق من الآيات ، وهو قوله تعالى : )وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللّه ُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ( إلى أن قال :

ص: 230


1- النحل (16) : 106 .
2- في المصدر : «نلت» بدل «قلت» .
3- مجمع البيان 6 : 597 .
4- تأتي في الصفحة 232 .

)وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ( إلى أن قال : )إِنَّما يَفْتَرِى

الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بِآياتِ اللّه ِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ * مَنْ كَفَرَ بِاللّه ِ . . .((1) ، ويكون محصّل المعنى : من قال : إنّك مفتر وكاذب ، هو مفتر وكاذب وكافر ، إلاّ من اُكره . والظاهر منه أنّ كلّ مكره ليس عليه بأس ولا يكون مورد ذمّ اللّه تعالى في الافتراء على رسول اللّه وتكذيبه ، وهو واضح .

أو كان أوّل الكلام ، ويكون محصّل المعنى : أنّ من كفر باللّه بعد إيمانه بالارتداد وإيجاد أسبابه من القول والفعل ، فعليه غضب من اللّه وعذاب عظيم إلاّ من اُكره بإيجادها .

وعلى هذا الاحتمال لابدّ من أن يراد بالكفر في قوله : )مَنْ كَفَرَ( خصوص أسبابه ؛ أي من أوجد أسبابه ، أو الأعمّ منها حتّى يصحّ الاستثناء ، فإنّ الإكراه على الكفر الباطني والاعتقادي غير ممكن ، وعلى فرضه غير معفوّ ، كما أنّ في الآية تقييداً بقوله : )وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ( ، فالمراد بالإكراه الإكراه على الأسباب ، ومقتضى إطلاقه جواز كلّ ما يوجب الكفر من تكذيب النبي رحمهما اللّه وسبّه وشتمه - والعياذ باللّه - مع كونه مكرهاً كما تدلّ عليه الروايات(2) .

وتدلّ على إطلاقها أيضاً رواية عمرو بن مروان - ولا يبعد أن تكون معتمدة - عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : رفع عن اُمّتي أربع خصال :

ص: 231


1- النحل (16) : 101 - 106 .
2- راجع وسائل الشيعة 16 : 225 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 .

خطأُها ، ونسيانها ، وما اُكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا ، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: )رَبَّنا لاَ تُؤاخِذْنَا . . .((1) إلى أن قال : «وقوله : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ(»(2) . وعن العيّاشي عنه علیه السلام نحوها (3) .

حيث تدلّ على أ نّه تعالى رفع عن الاُمّة ما اُكرهوا عليه مطلقاً بمقتضى الآية الكريمة .

ويمكن تقريب دلالة الآية أيضاً على رفع مطلق ما اُكرهوا عليه بأنّ الإكراه إذا صار موجباً لرفع الحرمة عن هتك عرض النبي رحمهما اللّه وتكذيبه في نبوّته

وكتابه ، وهو من أعظم المحرّمات ، وموجباً لرفع هدر دمه الذي من الوضعيات من جهة ، صار موجباً لرفع حرمة هتك سائر الأعراض ، فضلاً عن الأموال التي هي دون الأعراض ، ولرفع سائر الوضعيات أيضاً .

وتدلّ على عدم الاختصاص أيضاً رواية مسعدة بن صدقة - المعتمدة بل لا يبعد أن تكون موثّقة - قال : قيل لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّ الناس يروون أنّ علياً علیه السلام قال على منبر الكوفة : «ستدعون إلى سبّي ، فسبّوني ، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرأوا منّي» ؟ فقال : «ما أكثر ما يكذب الناس على علي علیه السلام » . ثمّ قال : «إنّما قال : ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثمّ تدعون إلى

ص: 232


1- البقرة (2) : 286 .
2- الكافي 2 : 462 / 1 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 2 .
3- تفسير العيّاشي 2 : 272 / 75 ؛ وسائل الشيعة 16 : 218 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 10 .

البراءة منّي وإنّي لعلى دين محمّد رحمهما اللّه ولم يقل : ولا تبرأوا منّي» . فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة ؟ فقال : «واللّه ما ذلك عليه ، وماله إلاّ ما مضى عليه عمّار بن ياسر ، حيث أكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئنّ بالإيمان ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ( فقال له النبي رحمهما اللّه : يا عمّار ، إن عادوا فعد فقد أنزل اللّه عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا»(1) .

ومعلوم أنّ الظاهر منها أنّ الآية لا تختصّ بقضيّة عمّار أو قضيّة نحو قضيّته هذا .

مع أنّ إطلاق قوله : «ستدعون إلى سبّي فسبّوني» ، وكذا إطلاق الإجازة بالبراءة يقتضي جوازهما بمجرّد الدعوة ممّن يخاف سوطه أو سيفه من غير اختصاص بالإيعاد على القتل ، وكلامه هذا ليس ظاهراً في كونه على وجه الإخبار بالغيب ، بل الظاهر قيام القرائن عليه ؛ لأنّ له علیه السلام كان أعداء علم من عداوتهم ذلك عادةً ، فلا معنى للحمل على موضوع خاصّ علمه علیه السلام

من طريق الغيب(2) ولا حجّة على رفع اليد عن إطلاق الدليل بمحض ذاك

الاحتمال .

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة بكر بن محمّد، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال: «إنّ التقيّة تُرس المؤمن ، ولا إيمان لمن لا تقيّة له» . فقلت له : جعلت فداك قول اللّه تبارك

ص: 233


1- الكافي 2 : 219/ 10 ؛ وسائل الشيعة 16 : 225 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 2 .
2- مرآة العقول 9 : 173 .

وتعالى : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ( ؟ قال : «وهل التقيّة إلاّ هَذَا»(1) .

ورواية «الجعفريات» عن علي بن أبي طالب علیه السلام ، قال : «قلت : يا رسول اللّه ، الرجل يؤخذ يريدون عذابه ، قال : يتّقي عذابه بما يرضيهم باللسان ويكرهه بالقلب ، قال رحمهما اللّه : هو قول اللّه تبارك وتعالى : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ(»(2) .

ورواية عبداللّه بن عجلان عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سألته فقلت له : إنّ الضحّاك قد ظهر بالكوفة ، ويوشك أن ندعى إلى البراءة من علي علیه السلام فكيف

نصنع ؟ قال : «فابرأوا منه» . قلت : أيّهما أحبّ إليك ؟ قال : «أن تمضوا على ما مضى عليه عمّار بن ياسر ، اُخذ بمكّة فقالوا له : ابرأْ من رسول اللّه رحمهما اللّه ، فبرئ منه ، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - عذره )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ(»(3) إلى غير ذلك .

فتحصّل ممّا ذكر عدم الاختصاص بحقّ اللّه تعالى محضاً ، وكذا بالإيعاد بالقتل ، وبقضيّة عمّار أو نحوها .

وإن شئت قلت : مقتضى إطلاق حديث الرفع وإطلاقات التقيّ-ة وعموماتها

ص: 234


1- قرب الإسناد : 35 / 114 ؛ وسائل الشيعة 16 : 227 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 6 .
2- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 180 ؛ مستدرك الوسائل 12 : 269 ، كتاب الأمر بالمعروف ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 28 ، الحديث 1 .
3- تفسير العيّاشي 2 : 272 / 76 ؛ وسائل الشيعة 16 : 230 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 13 .

عدم الاختصاص . وإنّما نشأت دعوى الاختصاص من مجرّد استبعاد ، أو وجوه ظنّية ، ومع فرض شمولها بما تقدّم لبعض الأعراض المهمّة التي من حقوق الناس يرفع هذا الاستبعاد وتدفع تلك الوجوه .

مضافاً إلى أنّ دعوى كون حديث الرفع منّة أو شرّع ذلك لدفع الضرر ، فلا وجه لشموله ما هو خلاف المنّة أو موجب للضرر ، مدفوعة بأنّ ما ذكر من قبيل نكتة التشريع لا علّة الحكم ، نظير جعل العدّة لنكتة عدم تداخل المياه ، وفي مثله يتّبع إطلاق الدليل . ودعوى الانصراف ، ممنوعة ، سيّما بعد كون الآية في مورد حقّ الغير .

وأمّا التشبّث بقوله : «إنّما جعلت التقيّة . . .» بالتقريب المتقدّم(1) ، ففي غير مورده ، بل هو من الأدلّة على التعميم يظهر وجهه بعد نقل الروايات المشتملة عليه :

ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إنّما جعلت التقيّة

ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليس تقيّة»(2) .

وفي موثّقة أبي حمزة الثمالي عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّما جعلت التقيّة

ليحقن بها الدم ، فإذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة»(3) .

ص: 235


1- تقدّم في الصفحة 229 .
2- الكافي 2 : 220 / 16 ؛ وسائل الشيعة 16 : 234 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 31 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 172 / 335 ؛ وسائل الشيعة 16 : 234 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 31 ، الحديث 2 .

وفي مرسلة الصدوق في «الهداية» قال : قال الصادق علیه السلام : «لو قلت : إنّ تارك التقيّة كتارك الصلاة لكنت صادقاً ، والتقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم ، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة»(1) .

وأنت خبير : بأنّ الظاهر منها أنّ عدم التقيّة منحصر بالدم والحصر في محلّه ؛ لأنّ المراد من قوله : «إنّما جعلت التقيّة . . .» أنّ التقيّة شرّعت في أوّل تشريعها لحقن الدم ؛ لأنّ أوّل تشريعها ونكتته ومورده قضيّة عمّار بن ياسر كما تقدّم(2) وكان موردها حقن الدم ، فقوله ذلك إشارة ظاهراً إلى تلك القضيّة وإشارة إلى نكتة عدم التقيّة في الدم ، فتكون الروايات دالّة على عموم التقيّة فيما عدا بلوغ الدم .

ولا وجه لرفع اليد عن هذا الظاهر بتخيّل أنّ الحصر غير صحيح(3) ؛ لأنّ التقيّة مشروعة في الأعراض والأموال أيضاً . وذلك لما عرفت من أنّ الحصر باعتبار مبدأ التشريع وصرف بيان نكتة عدم التقيّة مع بلوغ الدم ، وليس المراد منه حصر مورد التقيّة بالدم حتّى يأتي فيه ما ذكر ، فلا مجال للإشكال في العموم ، سيّما مع قوله في المرسلة : «التقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم . . .» .

وبما ذكرناه يحفظ ظهور «إنّما» في الحصر وظهور الآية والروايات المتقدّمة . بل مع احتمال ما ذكر لا يصحّ رفع اليد عن الإطلاقات والأخبار المتقدّمة ، بل

ص: 236


1- الهداية ، الصدوق : 51 ؛ مستدرك الوسائل 12 : 274 ، كتاب الأمر بالمعروف ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 230.
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني1 : 262 .

لازمه وقوع المعارضة بين هذه الروايات ، وظاهر الكتاب والروايات المتقدّمة بعد عدم التفكيك بين الأعراض والأموال ، تأمّل .

نعم ، يأتي كلام في عموم هذه الروايات وإطلاقها من جهة اُخرى فانتظر .

وأمّا ما قيل : من أنّ تلك الروايات أجنبيّة عن الباب ؛ لأنّ المراد بها أنّ التقيّة

لحفظ الدم فإذا لم يحقن الدم على أيّ حال فلا مورد للتقيّة(1) .

ففيه: ما لا يخفى من ارتكاب خلاف الظاهر ؛ فإنّ من المعلوم أنّ الروايات الثلاث متوافقة المضمون ، فتكون الموثّقة المصرّحة بفاعل «بلغ» كاشفة عن فاعله في الروايتين ، وتذكير الضمير باعتبار الاتّقاء . ولا شبهة في أنّ الظاهر من قوله : «إذا بلغت التقيّة الدم» أنّ التقيّة إذا صارت موجبة لإراقته وهي منتهية إليه ، لا أنّ الدم إذا يهرق وتكون التقيّة لغواً لا أثر لها ، فإنّ حقّ العبارة لإفادة ذلك أن يقول : فإذا لم يحقن الدم فلا تقيّة .

مضافاً إلى أنّ الحمل على ما ذكر حمل على أمر واضح لعلّ ذكره لا يخلو من ركاكة .

وأمّا الإشكال الثالث ، وهو أنّ دليل الإكراه لو عمّ لعمّ دليل الاضطرار(2) .

ففيه : - مضافاً إلى عدم الملازمة بينهما ؛ إذ يمكن أن يدّعى عموم الأوّل لأجل مورد نزول الآية والروايات المتقدّمة دون الثاني - أنّ دليل الاضطرار أيضاً عامّ يشمل الاضطرار بمال الغير ، فإذا اضطرّ إلى شرب ماء أو أكل خبز غيره يرفع دليل الاضطرار حرمة التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، لكن لا يسقط

ص: 237


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني1 : 262 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني1 : 263 .

ضمانه ؛ لعدم الاضطرار إلى أكله أو شربه مجّاناً .

وبالجملة : كما ترفع حرمة الخمر بالاضطرار ترفع حرمة التصرّف في مال الغير به .

وأمّا إذا اُكره على إعطاء ماله ، فدفع مال الغير لدفع شرّه ، فليس ذلك مشمولاً لدليل الاضطرار ؛ لأ نّه مكره وملجأ في إعطاء ماله لدفع شرّ متوجّه إليه ، وإنّما أراد دفع شرّ متوجّه إليه بمال غيره .

وبعبارة اُخرى : إنّه ليس ملجأً بإعطاء مال غيره ولا مضطرّاً إليه ، بل ملجأ ومضطرّ إلى إعطاء مال نفسه ؛ لأ نّه الذي أراد منه المكرِه ، وإنّما أراد دفع شرّه بمال غيره .

وإن شئت قلت : شمول دليل الاضطرار نصّاً وفتوى لمورد تعلّق حقّ الغير ، كالاضطرار إلى أكل مال الغير ، دليل على عدم الاختصاص بحقّ اللّه تعالى . وعدم تجويزهم دفع إكراه المكره المتوجّه إليه بإعطاء مال غيره ، ليس لأجل عدم شمول دليل الاضطرار لحقّ الناس ، وإلاّ لزم عدم إفتائهم في المسألة المتقدّمة ، بل لأجل عدم صدق الاضطرار على التصرّف في مال الغير فيما إذا توجّه الإكراه إليه خاصّة .

للفرق بين الاضطرار على التصرّف في مال الغير ، وبين دفع الإكراه والإلجاء المتوجّهين إليه بمال غيره . فالمكره لأجل الإيعاد عليه إذا لم يدفع ماله مضطرّ إلى دفعه لا دفع بدله ، وإنّما أراد دفع الشرّ المتوجّه إليه ورفع إلجائه بإعطاء بدله مع عدم الاضطرار إليه ، بل لو أكرهه على دفع مال بلا انتساب إليه أو إلى غيره وكان عنده من مال نفسه ما يدفع به شرّه ، ليس له إعطاء مال

ص: 238

غيره ؛ لعدم الاضطرار إلى إعطاء مال الغير .

نعم ، لو لم يكن في الفرض عنده غير مال غيره ، يجوز دفعه بدليل رفع الإكراه ، كما لو اضطرّ إلى صرف مال ولم يكن عنده غير مال الغير يجوز صرفه بدليل رفع الاضطرار.

وأمّا ما قيل : من عدم الفرق بين قوله : أنت مخيّر بين إعطاء مالك ومال غيرك ، وبين قوله : أعطني مال غيرك وإلاّ أخذت مالك ، إلاّ بمجرّد العبارة(1) .

ففيه : ما لا يخفى ؛ لأ نّه في الفرض الأوّل أكرهه على أحدهما في عرض واحد فلا بدّ له من اختيار أقلّهما محذوراً عقلاً ، وفي الثاني أكرهه على خصوص مال الغير لا على ماله ومال غيره . والفرق بينهما في غاية الوضوح .

فإذا أكرهه على مال غيره يكون الشرّ متوجّهاً إلى الغير ويكون المكرَه وسيلة لإجراء ما أراد المكرِه . ودفع الشرّ عن الغير بإيقاعه على نفسه غير لازم ، بخلاف ما إذا أكرهه على مال نفسه ، فإنّه لا يجوز إعطاء مال الغير ؛ لأنّ الشرّ متوجّه إليه

لا إلى غيره . وقد عرفت أنّ صدق الاضطرار فيه أيضاً محلّ إشكال ، ولو سلّم الصدق فدعوى انصراف الأدلّة عن مثله قريبة ، بخلاف دعوى الانصراف في دليل الإكراه .

وإن شئت قلت : إنّ التلازم بين الفقرتين في التعميم وعدمه على فرضه ليس عقلياً ، بل عرفي بلحاظ وحدة السياق ، وهي من أدنى مراتب الظهور على تسليم أصله ، ومع قيام قرينة على التفرقة تقدّم عليه ، وفي المقام قامت الأدلّة على

ص: 239


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني1 : 265 .

شمول دليل الإكراه لحقّ الناس كما تقدّم الكلام فيه .

ولولا بعض الجهات لقلنا بأنّ مقتضى وحدة السياق التعميم في دليل رفع الاضطرار ، لكنّ العرف والعقلاء يفرّقون بين الإكراه على مال الغير وعرضه ، وبين الإكراه على ماله وعرضه وأراد دفعه بمال الغير أو عرضه ؛ فإنّ الإقدام على الأوّل ليس قبيحاً وليس من قبيل إيقاع الضرر المتوجّه إليه على غيره ، بخلاف الثاني ، ومقتضى الامتنان التجويز في الأوّل دون الثاني .

وما ذكر من جهات وخصوصيات موجبةٌ للتفرقة بين الفقرتين ، وكأ نّها صارت موجبة لفتوى الفقهاء أو معظمهم على جواز التقيّة في كلّ شيء إلاّ الدم ، وعدم جواز دفع الضرر المتوجّه إليه إلى غيره(1) .

هذا كلّه مضافاً إلى دليل الحرج ؛ لأنّ إيجاب تحمّل الضرر لدفع الضرر المتوجّه إلى الغير حرجي ، بخلاف عدم تجويز دفع الضرر المتوجّه إليه بإيقاعه على غيره .

وما قيل : إنّ ذلك في غير الفاعل الشاعر ، وأمّا هو فمباشرته جزء أخير من العلّة التامّة الموقعة للغير في الضرر ، وتجويز هذه المباشرة تجويز للإضرار بالغير دفعاً للضرر المتوعّد به عن نفسه وهو قبيح مخالف للامتنان(2) .

مدفوع : بما مرّ. وكون مباشرة الفاعل جزءاً أخيراً لوقوع الضرر ، لا يوجب عدم كون الضرر متوجّهاً إلى الغير ابتداءً ولو باستعمال الفاعل الشاعر كُرهاً ، فإنّ

ص: 240


1- راجع رسائل فقهية ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23 : 122 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 266.

إرادة المكرِه - بالكسر - توجّهت إلى الإضرار بالغير أوّلاً ، ثمّ أراد تحصيله

بوسيلة المكرَه إرادةً غيرية مقدّمية ، فالمكرَه لو تحمّل الضرر اللازم للتخلّف عن أمره فإنّما تحمّله لصرف الضرر عن غيره ، وهو حرجي نفاه الشارع منّةً على العباد . وكون الفاعل شاعراً لا يدفع ما هو مناط في المقام .

ولعمري إنّ ما أفاده شيخنا الأنصاري في غاية السداد(1) ، وما قال بعضهم إشكالاً عليه - وقد أشرنا إلى عمدته وجوابها - غير سديد ، فراجع تعليقة الفاضل الإيرواني على المكاسب(2) .

وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه شمول أدلّة الإكراه لمطلق المحرّمات سواء كانت متعلّقة لحقّ الناس أم لا .

مستثنيات إطلاق أدلّة الإكراه

اشارة

ثمّ إنّ هاهنا موارد يمكن القول باستثنائها من تلك الكلّية قد ذكرناها في «رسالة التقيّة»(3) ، ونذكر بعضها هاهنا :

استثناء ما يؤدّي إلى الفساد في الدين

منها : بعض المحرّمات التي في ارتكاز المتشرّعة من العظائم والمهمّات جدّاً ، كمحو كتاب اللّه الكريم - والعياذ باللّه - بجميع نسخه ، وتأويله بما يخالف الدين

ص: 241


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 86 - 89 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني1 : 262 - 266 .
3- الرسالات الفقهية والاُصولية ، الإمام الخميني قدس سره : 10 .

أو المذهب بحيث يوجب ضلالة الناس ، والردّ على الدين أو المذهب بنحو يوجب الإضلال ، وهدم الكعبة المعظّمة ومحو آثارها ، وكذا قبر النبي رحمهما اللّه

والأئمّة علیهم السلام كذلك ، إلى غير ذلك .

فإنّ الظاهر أنّ الأدلّة منصرفة عن أمثال ذلك سيّما بعضها ، وإنّما شرّعت التقيّة لبقاء المذهب الحقّ ، ولولاها لصارت تلك الأقلّية المحقّة في معرض الزوال والاضمحلال والهضم في الأكثرية الباطلة ، وتجويزها لمحو المذهب والدين خلاف غرض الشارع الأقدس ، بل لعلّ بعض حقوق الناس كالأعراض الكثيرة المهمّة في ارتكاز المتشرّعة كذلك .

ففي تلك المقامات لابدّ من ملاحظة أقوى المقتضيين وأهمّ المناطين .

وتشهد لما ذكرناه موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : «وتفسير ما يتّقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله ، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز»(1) .

بل يشكل تحكيم الأدلّة فيما إذا كان المكرَه -

بالفتح - من الشخصيات البارزة الدينية في نظر الخلق ، بحيث يكون ارتكابه لبعض القبائح موجباً لهتك حرمة المذهب ووهن عقائد أهله .

ص: 242


1- الكافي 2 : 168 / 1 ؛ وسائل الشيعة 16 : 216 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 6 .

استثناء ما يؤدّي إلى الدم

ومنها : الدم ، فقد نفى ابن إدريس الخلاف بين الأصحاب في نفي التقيّة في قتل النفوس(1) ، وكذا العلاّمة في كتاب «المنتهى» في باب الأمر بالمعروف(2) ، وفي «الرياض» : الإجماع على استثناء إنفاذ أمر الجائر في قتل المسلم(3) ، وكذا ادّعاه الأردبيلي(4) ، وبقسميه في «الجواهر»(5) ، وادّعاه في «المستند»(6) ، وهو ظاهر شيخنا الأنصاري(7) ، وهو منقول عن جماعة(8) .

والمستند فيه مضافاً إليه صحيحة محمّد بن مسلم ، وموثّقة أبي حمزة ، ومرسلة الصدوق المتقدّمات(9) الدالّة على نفي التقيّة إذا بلغت الدم .

لكن يمكن أن يناقش فيها بأنّ عنوان الإكراه غير عنوان التقيّة كما يظهر من الأخبار :

فإنّ التقيّة عبارة عن الاحتراز والتجنّب عن شرّ قوم مخالف للمذهب ، بإتيان أعمال توافق مذهبهم ، من غير أن أكرهوه على إتيانها وأوعدوه على تركها .

ص: 243


1- السرائر 2 : 203 .
2- منتهى المطلب 15 : 245 .
3- رياض المسائل 8 : 109 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 97 .
5- جواهر الكلام 22 : 169 .
6- مستند الشيعة 14 : 194 .
7- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 86 .
8- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 381 .
9- تقدّمت في الصفحة 235 .

ففي رواية مسعدة بن صدقة المعتمدة عن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ المؤمن إذا أظهر الإيمان» إلى أن قال : «لأنّ للتقيّة مواضع من أزالها عن مواضعها لم تستقم له وتفسير ما يتّقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله ، فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز»(1) .

وظاهر التفسير سيّما في مثل المقام أ نّه بصدد بيان الحقيقة ، ولعلّه أعمّ من التقيّة الخوفية والمداراتية .

ويظهر من جملة من الروايات أنّ التقيّة مقابل الإذاعة(2) ، وهي أيضاً بوجه داخلة في التفسير ، فإنّها عبارة عن كتمان المذهب خوفاً وتجنّباً من المخالف .

وأمّا الإكراه فعبارة عن تحميل الغير عملاً وإيعاده على تركه بما يلجؤه إلى العمل ، أو الإيعاد على فعل شيء بما يلجؤه على تركه .

وأيضاً التقيّة واجبة حسب الأدلّة الكثيرة(3) وراجحة في بعض الموارد(4) ، ودليل الإكراه(5) رافع للحكم ، فمقتضى دليل الرفع رفع الحرمة أو الوجوب عمّا

ص: 244


1- تقدّمت في الصفحة 242 .
2- راجع وسائل الشيعة 16 : 203 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 24 ، الحديث 1 و10 .
3- راجع وسائل الشيعة 16: 203، كتاب الأمر والنهي، أبواب الأمر والنهي، الباب 24.
4- راجع وسائل الشيعة 16 : 225 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 .
5- راجع وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 .

اُكره عليه ، لا جعل الوجوب أو الاستحباب لفعله أو تركه . ومقتضى دليل التقيّة

جعل الحكم لا نفيه .

وأيضاً ظاهر أدلّة التقيّة أ نّها شرّعت لحفظ دماء الشيعة وأعراضهم وأموالهم من غير خصوصية للمتّقي ، ودليل الرفع منّة على المكرَه ولوحظ فيه حفظ نفسه وعرضه وماله .

فبعد كونهما عنوانين مختلفين موضوعاً وحكماً ومورداً وغايةً لا وجه لتسرية الحكم من التقيّة إلى الإكراه ، بل ظاهر قوله : «إنّما جعلت التقيّة ليحقن به الدم . . .»(1) أنّ تشريعها لحفظ الدم ، سواء كان دم المتّقي أو غيره من أفراد الشيعة ، فإذا بلغت الدم ؛ أي صارت موجبة لإراقة ما شرّعت لأجله ، فلا تقيّة .

وأمّا نفي الإكراه لمّا شرّع لحفظ مصلحة خصوص المكرَه ، فلا يكون بلوغه دم غيره مخالفاً لتشريعه ، فحينئذٍ يكون هذا الحكم مختصّاً بالتقيّة ، وبقي دليل نفي ما اُكرهوا على عمومه . ودعوى إلغاء الخصوصية ممنوعة ، بل لا مورد لها ؛ لأنّ خصوصية ما اُكره تخالف خصوصية التقيّة ، فإنّ في مورد الإكراه توجّه الشرّ إلى الغير ويكون المكره وسيلة وآلة للمكرِه ، ومورد التقيّة ليس كذلك نوعاً .

وأيضاً جعل التقيّة لحفظ مطلق دم الشيعة ، ورفع ما اُكره لحفظ خصوص المكره ، فكيف يمكن أن يقال بإلغاء الخصوصية عرفاً أو يدّعى وحدة المناط أو يدّعى أنّ سلب التقيّة في الدماء لأهمّيتها فلا فرق بين البابين ؟

ص: 245


1- تقدّمت في الصفحة 235 .

لكن يمكن دفع المناقشة :

مضافاً إلى أنّ التقيّة أعمّ لغة ؛ فإنّها بمعنى التجنّب والتحذّر والمخافة(1) ، فصدقت على التحرّز من كلّ مكروه وشرّ ، فإذا أكرهه على أمر فأتى به تجنّباً من شرّه يصدق عرفاً ولغةً أ نّه فعله تقيّة واتّقاءً ، فلا وجه لتقييد عمومات التقيّة

بخصوص ما ذكر بمجرّد كون مورد بعض الأخبار ذلك ، مع إمكان حملها على التفسير بالمصداق كما هو شائع وإلاّ لصارت مضامينها متناقضة ، بل رواية مسعدة أيضاً لا يبعد أن تكون ظاهرة في التفسير بالمصداق ؛ لأنّ قوله : «مثل أن يكون قوم» ظاهر في أنّ ما بعده أحد المصاديق المذكور من باب المثال . ومقابلتها للإذاعة والإفشاء في جملة من الروايات لا تدلّ على الحصر ، فقوله : «الحسنة التقيّة ، والسيّئة الإذاعة»(2) لا يدلّ على أنّ ما لا يقابل الإذاعة ليس تقيّة بل للتقيّة موارد غيرها .

ومضافاً إلى أنّ الظاهر من جملة من الروايات أنّ الإكراه أيضاً تقيّة :

كرواية محمّد بن مروان ، قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : «ما منع ميثم رحمه الله علیه من التقيّة ؟ فواللّه لقد علم أنّ هذه الآية نزلت في عمّار وأصحابه : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ(»(3) .

ص: 246


1- القاموس المحيط 4 : 403 ؛ لسان العرب 15 : 377 ؛ المنجد : 915 .
2- راجع وسائل الشيعة 16 : 203 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 24 ، الحديث 1 و10 .
3- الكافي 2 : 220 / 15 ؛ وسائل الشيعة 16 : 226 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 3 .

وفي رواية درست عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ما بلغت تقيّة أحد ما بلغت تقيّة أصحاب الكهف . . .»(1) .

مع ما في رواية عبداللّه بن يحيى أ نّه علیه السلام ذكر أصحاب الكهف فقال : «لو كلّفكم قومكم ما كلّفهم قومهم» . فقيل له : ما كلّفهم قومهم ؟ فقال : «كلّفوهم الشرك باللّه العظيم ، فأظهروا لهم الشرك وأسرّوا الإيمان»(2) .

فيظهر من ضمّ الروايتين أنّ الإكراه أيضاً من التقيّة .

ومضافاً إلى روايات فيها صحاح :

ق-ال : «التقيّة في كلّ ضرورة»(3) أو «التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم»(4) . ولا شبهة في أنّ المكرَه يكون ملجأً ومضطرّاً إلى إتيان ما اُكره عليه عرفاً ، وتكون الضرورة ألجأته إلى إتيانه ، وإلاّ لما يأتمر بأمر المكرِه فهو ضرورة

فيها التقيّة .

أ نّه لو بنينا على مقابلة العنوانين بل مباينتهما ، لأمكن الإلحاق في الأحكام بصحيحة بكر بن محمّد عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «إنّ التقيّة تُرس

ص: 247


1- تفسير العيّاشي 2 : 323 / 9 ؛ وسائل الشيعة 16 : 230 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 15 .
2- تفسير العيّاشي 2 : 323 / 8 ؛ وسائل الشيعة 16 : 230 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 14 .
3- الكافي 2 : 219 / 13 ؛ وسائل الشيعة 16 : 214 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 1 .
4- الكافي 2 : 220 / 18 ؛ وسائل الشيعة 16 : 214 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 2 .

المؤمن ، ولا إيمان لمن لا تقيّة له» فقلت له : جعلت فداك قول اللّه تبارك وتعالى : )إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ( ؟ قال : «وهل التقيّة إلاّ هذا ؟»(1) .

فإنّها إن دلّت على أنّ الإكراه تقيّة حقيقة فهو ، وإلاّ بما أ نّها دلّت على أنّ التقيّة ليست إلاّ الإكراه على سبيل المبالغة ، كقوله : هل الأسد إلاّ زيد ، تدلّ على الإلحاق الحكمي بلسان الهوهوية .

وبالجملة : إنّها حاكمة على أخبار التقيّة التي منها صحيحة محمّد بن مسلم وغيرها (2) : «إذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة» بتنقيح موضوعها .

فتحصّل ممّا ذكرناه أ نّه كما أنّ التقيّة إذا بلغت الدم فهي منفيّة كذلك لا إكراه

بعد بلوغه .

مفاد قوله علیه السلام : «فإذا بلغت الدم فلا تقيّة»

ثمّ إنّ مفاد قوله : «فإذا بلغت الدم فلا تقيّة» هل هو حرمتها ، أو عدم وجوبها ؟

ومنشأ الاحتمالين أ نّه بعد معلومية أنّ نفي عنوان التقيّة من الحقائق الادّعائية ، ولابدّ فيها من مصحّح للدعوى :

فيحتمل أن يكون المصحّح لها حرمتها في الشريعة ، كقوله : )فَلا رَفَثَ

ص: 248


1- قرب الإسناد : 35 / 114 ؛ وسائل الشيعة 16 : 227 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 6 .
2- تقدّمت في الصفحة 235 .

وَلاَ فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِى الحَجِّ((1) ، وقوله : «لا تعرّب بعد الهجرة ، ولا وصال في صيام»(2) ، ونظائرها .

فيدّعى أنّ الحرمة الشرعية أوجبت سدّ طرق وجودها ، فليس لها تحقّق ووجود ، كسائر الجمل الإخبارية التي تستعمل في مقام الإنشاء ، كقوله : «يعيد صلاته ويغسل ثوبه»(3) ؛ فإنّها لم تستعمل في المعاني الإنشائية ، بل تستعمل في معانيها بادّعاء أ نّه لا يترك أو لا يوجد ، فيفهم منها الوجوب أو الحرمة .

ويحتمل أن يكون المصحّح نفي الحكم المتعلّق بها ، فإنّها واجبة ولا دين لمن

لا تقيّة له ، ومع نفي حكمها في الشريعة يصحّ أن يدّعى عدمها ، كقوله : «لا رضاع بعد فطام»(4) ، و«لا يمين في غضب . . . ولا في جبر ، ولا في إكراه»(5) ونظائرها .

ويمكن ترجيح هذا الاحتمال بأن يقال : إنّ كلّ موضوع ذي حكم في الشريعة إذا تعلّق النفي به يكون ظاهراً في نفيه بلحاظ حكمه ، إلاّ أن قامت قرينة على خلافه .

مضافاً إلى أنّ قوله : «إنّما جعلت التقيّة» أيضاً من الحقائق الادّعائية بلحاظ

ص: 249


1- البقرة (2) : 197 .
2- الكافي 5 : 443 / 5 ؛ وسائل الشيعة 20 : 384 ، كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، الباب 5 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 428 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 19 ، الحديث 2 و3 .
4- الكافي 5 : 443 / 5 ؛ وسائل الشيعة 20 : 384 ، كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، الباب 5 ، الحديث 1 .
5- الكافي 7: 442 / 16؛ وسائل الشيعة 23: 235، كتاب الأيمان، الباب 16، الحديث 1.

جعل الحكم عليها . والمناسبة بينه وبين الفقرة الثانية تقتضي أن يكون النفي

بلحاظ نفي هذا المجعول ، فكأ نّه قال : إنّما وجبت التقيّة لكذا ، فإذا بلغت الدم فلا وجوب .

لكن مع ذلك يكون الاحتمال الأوّل أرجح لو لم نقل بتعيّنه ؛ لفهم العرف مع خلوّ ذهنه عن الشبهات ، ولمناسبة الحكم والموضوع ، ولأنّ الظاهر أنّ الجملة سيقت لبيان أهمّية الدماء وأ نّه تعالى أوجب التقيّة لحقنها ، فإذا كان حقنها موجبة

لوجوبها وكونها ديناً ولا دين لمن تركها ، لا محالة يكون البلوغ إلى إراقتها موجباً لحرمتها .

فهذه قرائن على أنّ النفي ليس بلحاظ نفي الحكم لو سلّم الظهور المدّعى في الوجه المتقدّم . وكذا المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي أن يكون النفي بلحاظ التحريم ، والإثبات بلحاظ الإيجاب ، وهذا هو التناسب بين الفقرتين ، لا ما ذكرناه في الوجه السابق .

مضافاً إلى أنّ نفي الموضوع في المقام بلحاظ نفي حكمه غير صحيح ، ولا يكون هذا مصحّحاً لنفي الموضوع لخصوصية فيه ؛ لأنّ الأغراض الأكيدة في عامّة الناس قائمة بحفظ نفوسهم ونفوس من يتعلّق بهم ، بحيث لولا الخوف من عذاب اللّه تعالى والجزاء الشرعي والعرفي في الحكومات والسياسات لكان كلّ شخص يهمّ بحفظ نفسه ونفس عائلته ومتعلّقيه وإن توقّف على إراقة الدماء بالغة ما بلغت .

ففي مثل المورد إذا نفى الشارع وجوب التقيّة إذا بلغت الدم ولم يحرّمها لا شبهة في استعمال عامّة الناس - إلاّ من شذّ منهم - التقيّة لحفظ دمائهم ، بل

ص: 250

لحفظ أعراضهم ، بل لا يبعد استعمالهم لحفظ أموالهم المهمّة ، ومع عدم منع استعمالها في الشريعة وكثرة تحقّقها لشدّة اهتمام الناس بها لا يصحّ سلب الموضوع ادّعاءً ، فالإخبار الادّعائي بعدم تحقّق شيء كثير الوجود خارجاً وغير ممنوع شرعاً ، لا مصحّح له .

وبالجملة : نفي الموضوع بلحاظ نفي الحكم ، ليس صحيحاً بنحو الإطلاق بل لا بدّ من ملاحظة خصوصيات الموارد ؛ فقد يصحّ الدعوى ، وقد لا تصحّ ، والمقام من قبيل الثاني .

فإن قلت : فما تقول في قوله : «لا يمين في غضب»(1) ، و«لا يمين لولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها»(2) إلى غير ذلك ممّا هو كثير التحقّق ، ويكون نفي الموضوع بلحاظ نفي الحكم وعدم الانعقاد ؟

قلت : في مثل هذه الموارد يكون المصحّح لغوية وجود الموضوع ، فكأنّ ما لا يترتّب عليه أثر في الشرع ولا في العرف لا يكون موجوداً فيصحّ تعلّق النفي به . وأمّا في المقام فيترتّب على التقيّة آثار مهمّة عند العقلاء هي حفظ نفوسهم وسائر أغراضهم .

وبالجملة : لابدّ في نفي الموضوع التكويني الموجود خارجاً من ادّعاء ومصحّح له ، فقد يكون المصحّح ندرة الوجود ، وقد يكون عدم ترتّب آثار الوجود عليه ، وقد يكون عدم ترتّب الأثر المتوقّع منه عليه ، وقد يكون ممنوعية

ص: 251


1- تقدّم في الصفحة 249 .
2- راجع وسائل الشيعة 23 : 216 ، كتاب الأيمان ، الباب 10 .

وجوده وسدّ طرق تحقّقه تشريعاً وليس في المقام مصحّح غير الأخير .

مع أنّ فهم الأصحاب ذلك من الروايات أيضاً من المؤيّدات القويّة لو لم نقل من الحجج الكافية ودليل على الظهور العرفي ، فتردّد بعض المدقّقين(1) فيه في غير محلّه .

في دوران الأمر بين مباشرة القتل وبين إيقاع النفس في الهلكة

ثمّ إنّه لو قلنا بعدم استفادة أحد الوجهين منها أو استفادة الوجه الثاني من

الوجهين فقد يقال : بمعارضة دليل حرمة القتل لدليل حرمة إيقاع النفس في

الهلكة ، ومزاحمة الحكمين أو مزاحمة حرمة قتل النفس لحرمة التسبيب لقتل النفس المحترمة ؛ أي نفس من يتعلّق به إذا كان الإيعاد بقتله ، ولا دليل على الترجيح فيتخيّر بينهما .

نعم ، قد يتحقّق الترجيح والأهمّية في أحد الطرفين ، كما لو أوعده على قتل بعض متعلّقيه لو لم يقتل جماعة عديدة ، أو أوعده على قتله وقتل جميع متعلّقيه لو لم يقتل واحداً (2) .

أقول : في دوران الأمر بين مباشرة القتل وبين محرّم آخر دونه ، لا ينبغي الإشكال في أقلّية محذور ارتكاب الثاني وعدم مزاحمته لمقتضى القتل ، والإيقاع في الهلكة في المقام ليس قتل نفسه مباشرة ولا تسبيباً ، بل لمّا أمكنه

ص: 252


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 139 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 139 - 140 .

صرف شرّ الغير عن نفسه كان ذلك الصرف واجباً ولو عقلاً ، أو عدم صرفه نحو إيقاع لها في الهلكة .

فصرف شرّ الغير عن نفسه واجب أو الإيقاع في الهلكة بهذا المعنى حرام ، لكنّه دون حرمة مباشرة القتل . ألا ترى أ نّه لو دار الأمر بين قتل جابر نفساً محترمة وبين قتلك نفساً محترمة اُخرى ، لا يمكن القول بالتخيير بين القتل مباشرة لحفظ النفس المحترمة وترك المباشرة وإيقاع الغير في الهلكة ، بدعوى مزاحمة المقتضيين وعدم الترجيح .

وأمّا قوله في دوران الأمر بين قتل المكره - بالفتح - شخصاً وقتل المكره - بالكسر - بعض من يتعلّق به ، بأنّ ذلك من قبيل الدوران بين حرمة القتل وحرمة التسبيب له .

ففيه : أنّ ذلك ليس تسبيباً لقتل من يتعلّق به . فإنّ التخلّف عن أمر المكرِه ليس سبباً عرفاً وعقلاً للقتل ، مع أنّ المباشرة للقتل أشدّ محذوراً من هذا المعنى المفروض وإن سمّي تسبيباً .

بل يمكن أن يقال : إنّه لو دار الأمر بين مباشرته لقتل شخص واحد ، وبين مباشرة المكرِه لقتل أشخاص عديدة ، لا يجوز مباشرة القتل ؛ لأنّ الواجب دفع قتلهم مع الإمكان ، لكن إذا توقّف على ارتكاب القتل مباشرة ، فلا دليل على جوازه وترجيح مقابله .

وهل هذا إلاّ نظير دوران الأمر بين ارتكابه شرب الخمر وارتكاب جمع كثير شربها ؟

وبالجملة : لم يتّضح وجوب حفظ النفوس بارتكاب قتل النفس .

ص: 253

نعم ، لو كان المتوعّد على قتله من يجب حفظه على أيّ تقدير كالنبيّ رحمهما اللّه

والوصيّ علیه السلام يجب قتل غيره لحفظه .

هذا مع قطع النظر عن دليل الحرج ، وإلاّ فلا تصل النوبة إلى حكم العقل ، فإنّه على فرض كون المرفوع في الدم حكم التقيّة وسكوت الرواية عن حكم بلوغ الدم ، يكون مقتضى دليل نفي الحرج جواز ارتكاب الدم ؛ لما مرّ من أنّ الشرّ والضرر المتوجّه إلى الغير يكون وجوب دفعه بتحمّل الضرر على النفس حرجياً.

وإن شئت قلت : إيجاب حفظ نفس الغير أو حرمة قتله بإيقاع الضرر على نفسه حرجي ، سيّما إذا كان الضرر المتوعّد عليه من النفوس أو الأعراض المتعلّقة به ، فمع قيام الدليل الشرعي لا مجال لحكم العقل وترجيحه .

ولو قلنا بأنّ المستفاد من دليل نفي التقيّة في الدماء الحرمة ، فإن قلنا بأ نّه شامل لجميع أنحاء التقيّة في عرض واحد وكان مفاده تحريمها مطلقاً في الدم ، تكون النسبة بينه وبين دليل نفي جعل الحرج العموم من وجه ؛ لأنّ عدم التقيّة في الدم أعمّ من أن يلزم الحرج في تركه . وعليه يكون دليل نفي الحرج حاكماً عليه كحكومته على سائر الأدلّة . وكون دليل التقيّة من الأحكام الثانوية لا ينافي الحكومة المتقوّمة بلسان الدليل مع أنّ قوله : «فلا تقيّة» حكم أوّلي متعلّق بعنوانها.

وإن قلنا بأنّ روايات نفي التقيّة بلحاظ قوله : «إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم» ناظرة إلى قضيّة عمّار ، كما أشرنا إليه(1) ، تكون واردة مورد الإكراه

ص: 254


1- تقدّم في الصفحة 236 .

الذي هو مورد قضيّة عمّار ، فلا محالة لا يجوز إخراجه بدليل الحرج ؛ للزوم إخراج المورد ، وهو مستهجن . ومع بقاء مورد الإكراه كذلك ؛ أي عدم جواز إراقة الدم مع الإكراه والتوعيد على القتل، لا يجوز إخراج ما عداه بالضرورة ، فإنّ القتل إذا لم يجز مع التوعيد على القتل لا يجوز مع ما دونه وما هو أهون منه .

وبعبارة اُخرى : لا يصحّ التفكيك عقلاً وعرفاً في الدليل ، فلا بدّ من رفع اليد

عن تحكيم دليل الحرج في المقام ، وهو أهون من عمل التعارض ، مع أ نّه على فرضه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق الآية(1) إمّا لكونه عملاً بالدليلين في الجملة أو للإجماع المدّعى(2) والشهرة المحقّقة المرجّحين على إطلاق الكتاب بل

المقيّدين له .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق قوله : «إذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة» عدم الفرق بين أفراد المؤمنين من حيث الصغر والكبر ، والعلم والجهل ، والذكورة والاُنوثة حتّى الحمل بعد ولوج الروح ، ولا بين المريض وغيره ، ولا بين من في حال النزع وغيره على تأمّل في الأخير ، بل والمستحقّ للقتل قصاصاً وغيره ، فإنّه محقون الدم وإن جعل اللّه لوليّه سلطاناً على قتله .

وأمّا المؤمن المستحقّ للقتل حدّاً كالزاني محصناً واللاطي ، فالظاهر أ نّه غير محقون ، كما تسالم عليه الفقهاء في كتاب القصاص وادّعي عليه الإجماع(3) ، بل

ص: 255


1- النحل (16) : 106 .
2- تقدّم في الصفحة 243 .
3- راجع غنية النزوع 1 : 403 ؛ السرائر 3 : 324 .

عن «الرياض» دعوى تظافر النصوص عليه(1) ، ولعلّه أراد بها ما دلّت على أ نّه يقتل ونحو ذلك ، تأمّل .

فدعوى شيخنا الأنصاري أنّ ظاهر المشهور عدم التقيّة فيه(2) ناشئة من إطلاقهم في المقام ، ولكن مقتضى تصريحهم بعدم محقونيته مطلقاً جواز التقيّة فيه ، وهو لا يخلو من وجه ، فإنّ الظاهر أنّ الحدّ ليس حقّاً للحاكم كالقصاص بالنسبة إلى وليّ الدم ، بل الحاكم لكونه مسيّس العباد وله السلطان والولاية يكون مختصّاً بإجراء الحدود وليس لغيره إجراؤها .

فلو قتل شخص من يجب قتله حدّاً اختياراً لا قصاص عليه ولا دية كما قالوا وليس عليه إلاّ الإثم ويرتفع مع الإكراه .

بل الظاهر انصراف قوله : «إنّما جعلت التقيّة . . .» عن مثله ؛ ضرورة أنّ التقيّة لم تجعل لحقن دم مثله ، فإطلاق أدلّة الإكراه والتقيّة محكّم .

كما أنّ غير المؤمن من سائر الفرق خارج عن مصبّ الروايات وأنّ التقيّة جعلت لحقن دم المؤمن خاصّة ، ومقتضى العمومات جواز قتل غيرهم بالإكراه وحال الضرورة .

ثمّ الظاهر أنّ الدم كناية عن القتل بأيّ سبب كان ، بإراقة الدم أو غيرها ، وما دون القتل جرحاً كان أو غيره خارج ، وداخل في جواز التقيّة أو وجوبها .

ص: 256


1- رياض المسائل 14 : 104 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 98 - 99 .

التنبيه الثاني حكم سائر أقسام التقيّة

اشارة

إنّ ما ذكرناه إنّما هو في الإكراه والتقيّة الإكراهية ، ولا بأس بالإشارة إلى حكم سائر أقسامها : من التقيّة المداراتية المشروعة لمراعاة حسن العشرة معهم ، والتقيّة الخوفية المشروعة لحفظ شأن من شؤون الشيعة ، سواء كان من المتّقي أو غيره من إخوانه المؤمنين ، والتقيّة الكتمانية ، في مقابل الإذاعة والإفشاء ، الواجبة لكتمان سرّهم ، كما وردت في كلّ منها أخبار عديدة .

فهل يجوز جميع أقسام التقيّة لما دون الدم ، فيجوز الإضرار بالغير مالاً وعرضاً لقسم من الأقسام المتقدّمة أم لا ؟

ربّما يقال : إنّ مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم ، وموثّقة أبي حمزة(1) العموم ؛ لأنّ الظاهر منهما أنّ التقيّة فيما عدا الدم مشروعة كائناً ما كان ، وكانت التقيّة ما كانت ، وهو مقتضى عموم مرسلة الصدوق : «والتقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم ، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة»(2) .

ويمكن المناقشة فيه : بأنّ الروايتين الاُولي-ين إنّما سيقتا لإفادة عدم التقيّة في الدم ، وأ نّه إذا بلغت الدم فلا تقيّة ، ولا شبهة في إطلاقهما من هذه الجهة وفي هذا

الحكم ؛ أي حرمة التقيّة في الدم ، فيستفاد منهما السلب الكلّي في الدم .

ص: 257


1- تقدّمتا في الصفحة 235 .
2- تقدّمت في الصفحة 236 .

وأمّا في غيره فلا يستفاد منهما الإيجاب الكلّي بمعنى جواز جميع أنحاء التقيّة في غيره ، فيظهر منهما أ نّه مع عدم بلوغها الدم ، ففيه تقيّة بنحو الإجمال ، لا بنحو الإطلاق والكلّية بحيث يظهر منهما مشروعيتها بجميع أنحائها وأقسامها المتقدّمة ، وذلك من غير فرق بين القول بالمفهوم في الشرطية وعدمه ، فإنّ مفهومها على القول به أ نّه إذا لم تبلغ الدم ففيه تقيّة ، لا فيه جميع أنحائها ؛ لما

حقّق في محلّه أنّ مفهوم نحو تلك القضيّة الإيجاب الجزئي(1) . والمقام نظير قوله : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»(2) الدالّ بمفهومه أ نّه مع عدم البلوغ يتنجّس في الجملة .

ومنه يظهر الحال في المرسلة ، فإنّ قوله : «التقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم» عامّ بالنسبة إلى أفراد ما عدا الدم من المال والعرض والجرح بما دون القتل ، لا بالنسبة إلى أنحاء التقيّة . فإذا ثبت في كلّ شيء تقيّة في الجملة ولو عند

الإكراه والتوعّد بالقتل يصحّ أن يقال : التقيّة في كلّ شيء ما عدا القتل ، ففي القتل

سلب كلّي وفي مقابله إيجاب جزئي .

وممّا ذكرنا يظهر الحال في عدم عمومها وإطلاقها بالنسبة إلى موارد الإكراه ، سواء قلنا بأ نّه تقيّة عرفاً ولغةً وبحسب الأخبار ، أو يلحق بها حكماً بما تقدّم(3) ، أمّا على الأوّل فبالبيان المتقدّم ، وأمّا على الثاني فلأ نّه

ص: 258


1- مناهج الوصول 2 : 186 - 187 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 1 ، 2 و6 .
3- تقدّم في الصفحة 246 - 248 .

لا يزيد على الملحق به والمتفرّع عليه .

نعم ، لا نحتاج في إثبات الحكم مطلقاً في موارد الإكراه بهذه الرواية ، بل يكفي فيه مثل دليل الرفع وسائر ما تقدّمت الإشارة إليها (1) .

وممّا تقدّم يظهر عدم جواز الاستدلال على جوازها مطلقاً برواية أبي عمر الأعجمي عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث أ نّه قال : «لا دين لمن لا تقيّة له ، والتقيّة في كلّ شيء إلاّ في النبيذ والمسح على الخفّين»(2) .

فإنّها بصدد بيان أنّ فيما عدا النبيذ والمسح تقيّة . فيظهر منها أمران : أحدهما : عدم التقيّة مطلقاً فيهما . والثاني : ثبوتها لكلّ ما عداهما في الجملة ؛ لعدم كونها

بصدد بيان جواز أنحاء التقيّة ، فلا إطلاق فيها .

هذا ، مع احتمال أن يكون المراد بالمستثنى منه المحرّمات والواجبات الإلهية ممّا لا يتعلّق بها حقّ الناس ، بقرينة استثناء المذكورين وعدم استثناء الدم ، تأمّل .

نعم ، مقتضى عموم صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «التقيّة في كلّ ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به»(3) ، وصحيحة اُخرى عنه وعن غيره ، قالوا : سمعنا أبا جعفر علیه السلام يقول : «التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم

ص: 259


1- تقدّمت في الصفحة 230 - 235 .
2- الكافي 2 : 217 / 2 ؛ وسائل الشيعة 16 : 215 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 3 .
3- الكافي 2 : 219 / 3 ؛ وسائل الشيعة 16 : 214 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 1 .

فقد أحلّه اللّه له»(1) ، جوازها في كلّ شيء يضطرّ إليه ، كما إذا خاف على نفسه أو عرضه ، أو نفس من يكون بمنزلته من أهله وخاصّته وعشيرته الأقربين أو عرضهم ، أو على ماله الذي إذا سلب عنه يقع في الحرج والمشقّة الشديدة ، من غير فرق بين حقّ اللّه وحقّ الناس ما عدا الدم ؛ وأمّا غيره ممّا استثني في بعض الروايات ، كرواية الأعجمي ، فلا بدّ من تأويلها ، وقد تعرّضنا لها في رسالة التقيّة(2) .

وما ذكرناه من شمولها لحقّ الناس وإن كان بعيداً سيّما بعض مراتبه لكن لا محيص عنه بعد تطابق النصّ والفتوى عليه :

قال الشيخ في «النهاية» في باب الأمر بالمعروف : «فأمّا إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها ، إلاّ لسلطان الزمان المنصوب من قبل اللّه تعالى» إلى أن قال :

«ولا يجوز له أن يحكم بمذهب أهل الخلاف ، فإن كان قد تولّى الحكم من قبل الظالمين فليجتهد أيضاً في تنفيذ الأحكام على ما يقتضيه شريعة الإسلام والإيمان ، فإن اضطرّ على تنفيذ حكم على مذهب أهل الخلاف بالخوف على النفس أو الأهل أو المؤمنين أو على أموالهم ، جاز له تنفيذ الحكم ما لم يبلغ ذلك قتل النفس ، فإنّه لا تقيّة في قتل النفوس»(3) .

وقال في المكاسب في جملة من كلامه : «فإن لم يتمكّن من إقامة حقّ على

ص: 260


1- الكافي 2 : 220 / 18 ؛ وسائل الشيعة 16 : 214 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 2 .
2- الرسالات الفقهية والاُصولية ، الإمام الخميني قدس سره : 14 .
3- النهاية : 300 - 302 .

وجه ، والحال ما وصفناه في التقيّة ، جاز له أن يتّقي في جميع الأحكام والاُمور ، ما لم يبلغ ذلك إلى سفك الدماء المحرّمة»(1) .

أقول : والحال الذي وصفه في التقيّة هو الخوف على النفس أو على الأهل أو على بعض المؤمنين .

وفي «المراسم» : «وقد فوّضوا علیهم السلام إلى الفقهاء إقامة الحدود والأحكام بين الناس بعد أن لا يتعدّوا واجباً ولا يتجاوزوا حدّاً» إلى أن قال : «فإن اضطرّتهم تقيّة به أجابوا داعيها ، إلاّ في الدماء خاصّة ، فلا تقيّة فيها»(2) .

وفي «السرائر» بعد دعوى الإجماع على عدم جواز إقامة الحدود إلاّ للإمام علیه السلام والحكّام من قبله قال : «فإن خاف على نفسه من ترك إقامتها فإنّه يجوز له أن يفعل في حال التقيّة ، ما لم يبلغ قتل النفوس» إلى أن قال : «فإن اضطرّ إلى تنفيذ حكم على مذهب أهل الخلاف بالخوف على النفس ، أو الأهل ، أو المؤمنين ، أو على أموالهم ، جاز تنفيذ الحكم ، ما لم يبلغ ذلك قتل النفوس ، فإنّه لا تقيّة له في قتل النفوس»(3) .

وفي «الشرائع» : «فإن اضطرّ إلى العمل بمذهب أهل الخلاف جاز ، إذا لم يمكن التخلّص عن ذلك ، ما لم يكن قتلاً لغير مستحقّ»(4) .

وفي «المنتهى» : «فإن اضطرّ إلى استعمال ما لا يجوز من ظلم مؤمن

ص: 261


1- النهاية : 357 .
2- المراسم : 261 .
3- السرائر 2 : 25 - 26 .
4- شرائع الإسلام 1 : 313 .

أو قهره جاز ذلك للضرورة ، ما لم يبلغ الدماء ، فلا يجوز التقيّة فيها على حال»(1) .

لكن يمكن المناقشة في إطلاق الحكم - مضافاً إلى غاية بُعده في بعض المراتب وإمكان أن يقال بأنّ تلك الأدلّة الصادرة على وجه الامتنان منصرفة عن الموارد التي يلزم منها وقوع الضرر أو الحرج على الغير ، تأمّل - أنّ مقتضى تلك الأدلّة عموماً وإطلاقاً وإن كان جواز التقيّة في كلّ مورد يضطرّ إليه ابن آدم من غيرفرق بين حقّ الناس وغيره ، لكن مقتضى حكومة دليل نفي الحرج ، كحكومته على سائر الأدلّة ، تخصيص الحكم بموارد لا يلزم منها الحرج على الغير بفعله .

ولازمه التفصيل في حقوق الناس بين ما إذا توجّه الشرّ والضرّ على الغير ، ويكون دفعه عنه مستلزماً لوقوع الدافع في شرّ وضرّ وحرج ، كما في الموارد المتقدّمة في كلام الشيخ وابن إدريس وغيرهما ، فإنّه لو فرض أنّ السارق أقرّ بالسرقة عند من كان منصوباً من قبل والي الجور للقضاء ، وكان مقتضى مذهبهم القطع بالإقرار مرّة واحدة كما قال به أبوحنيفة ومالك والشافعي(2) وخاف القاضي واضطرّ إلى الحكم على مذهبهم وإنفاذه ، ففي مثله يجوز له ؛ لأنّ الشرّ حسب إقراره ومذهبهم متوجّه إليه فإيجاب دفعه عنه بما يلزم منه وقوع الشرّ عليه حرجي .

ص: 262


1- منتهى المطلب 15 : 460 .
2- المبسوط ، السرخسي 9 : 182 ؛ الموطّأ 2 : 833 ؛ مختصر المزني : 264 .

وأمّا تجويزه لدفع اضطراره ليس حرجياً على غيره أو ينصرف الدليل عنه ؛ لأ نّه شرّ توجّه إليه لا من قبله بل من قبل إقراره ومذهب الباطل .

ولو سلّم كونه حرجياً ومنع الانصراف يتعارض دليل الحرج في مصداقين وتسلم أدلّة أنّ التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه .

وأمّا إذا توجّه الشرّ إلى المتّقي وأراد دفعه بالتوجّه إلى غيره ، كما لو ظنّ أ نّه إمامي وخاف منه على عرضه فأراد هتك عرض شيعي لدفع التوهّم والشرّ عن نفسه ، ففي مثله يكون تجويزه حرجاً على غيره وهو منفيّ .

وأمّا تحريم دفع ضرره بإيقاع شرّ على الغير فليس من الأحكام الحرجية ، فإنّ الضرر متوجّه إليه لا من قبل الشارع . نعم ، مع تجويزه إيقاع الشرّ على الغير يندفع اضطراره لكن مقتضى الأدلّة عدمه .

وهذا التفصيل غير مستبعد عقلاً وموافق للقواعد ، ولعلّ الفتاوى المتقدّمة مختصّة بالموارد التي من قبيل الأوّل .

وممّا ذكرناه يظهر الحال في مسألة اُخرى ، وهي أ نّه لو اضطرّ إلى أكل مال الغير دون خوف الموت فإنّه يجوز بدليل رفع الاضطرار فيما إذا لم يلزم منه حرج على غيره ، فإنّ دليل رفع الاضطرار يرفع الحرمة الشرعية ، ولكن المال مضمون عليه ؛ لعدم اضطراره على الأكل المجّاني ؛ لعدم معنىً له .

وأمّا لو فرض أنّ المضطرّ لا مال له رأساً ، ولا يتوقّع منه الجبران ، وكان صرف المال الذي اضطرّ إليه موجباً لوقوع الحرج على صاحبه ، فالظاهر عدم جوازه ؛ لحكومة دليل نفي الحرج على الأدلّة الثانوية أيضاً ، حتّى مثل حديث الرفع ، فإنّ الرفع القانوني نحو جعل وحكم من الشارع .

ص: 263

ولو نوقش فيه فقوله : )ما جَعَلَ عَلَيْكُم . . .((1) دالّ - ولو بمناسبة كونه في مقام الامتنان وأنّ هذه الملّة سهلة سمحة - على أنّ مطلق أحكامه وضعاً ورفعاً ليست حرجية .

هذا كلّه في التقيّة الإكراهية والاضطرارية .

حكم التقيّة إذا خاف على عرض مؤمن أو ماله

وأمّا إذا لم يخف على نفسه أو ما يتعلّق به ولم يكن مكرهاً ، فهل تجوز أو تجب التقيّة بارتكاب المحرّمات لو خاف على عرض بعض المؤمنين ، أو ماله ، دون نفسه التي لا يوازنها شيء ؟

الظاهر عدم جواز التمسّك له بمطلقات أدلّة التقيّة ؛ لأنّ عنوانها غير صادق

ظاهراً إلاّ على الخوف على ما يتعلّق بالمتّقي من النفس والعرض والمال ، سواء كان منه أو ممّن يتعلّق به الذي بمنزلته ، وأمّا الخوف على سائر الناس فليس مورد التقيّة ، ولا هي صادقة عليه . فقوله : «التقيّة تُرس المؤمن وحرزه»(2) ظاهر في أ نّها حافظها عن توجّه الضرر إليه ، فلا بدّ في المقام من التماس دليل آخر .

ربّما يتمسّك : برواية «الاحتجاج» عن أمير المؤمنين علیه السلام على جواز ارتكاب المحرّمات ولو أعظمها ، كالتبرّي عنه علیه السلام ، وفيها : «ولئن تبرَأْ منّا ساعة بلسانك وأنت موالٍ لنا بجنانك ، لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها ، ومالها الذي

ص: 264


1- الحجّ (22) : 78 .
2- الكافي 2 : 221 / 23 ؛ وسائل الشيعة 16 : 205 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 24 ، الحديث 7 .

به قيامها ، وجاهها الذي به تمسّكها ، وتصون من عرف بذلك (من - ظ .)

أولياءنا وإخواننا ، فإنّ ذلك أفضل من أن تتعرّض للهلاك ، وتنقطع به عن عمل في الدين ، وصلاح إخوانك المؤمنين . وإيّاك ثمّ إيّاك أن تترك التقيّة التي أمرتك بها ، فإنّك شائط بدمك ودماء إخوانك ، معرِّض لنعمتك ونعمتهم للزوال ، مذلّ لهم في أيدي أعداء دين اللّه ، وقد أمرك اللّه بإعزازهم ، فإنّك إن

خالفت وصيّتي كان ضررك على إخوانك ونفسك أشدّ من ضرر الناصب لنا الكافر بنا»(1) .

وأنت خبير : بأ نّها أخصّ من المدّعى .

أمّا الفقرة الاُولى منها فلا دلالة فيها على جواز البراءة فيما إذا خاف على مال مؤمن أو عرضه ، فإنّ قوله : «وتصون من عرف بذلك . . .» ظاهر في صيانة نفوسهم ، سيّما مع ذكر النفس والمال والجاه بالنسبة إلى المتّقي . فلو كان الخوف على غيره في المال والجاه كالخوف على نفسه فيهما لكان أولى بالذكر ، ولا أقلّ من قصور دلالتها على جميع مراتب الخوف .

وقوله : «وصلاح إخوانك» عطف على قوله : «عن عمل في الدين» ؛ أي تنقطع عنه وعن صلاح إخوانك ، فلا ربط له بالمقام .

وأمّا الفقرة الثانية؛ أي قوله: «وإيّاك ثمّ إيّاك...»، فظاهرها من أوّلها إلى آخرها أ نّها مربوطة بزمان كان الشيعة في الأقلّية التامّة وفي معرض الزوال والهضم لو ترك التقيّة وفشا أمرهم ، ولا شبهة في أنّ ضرر تركها والحال هذه أكثر من ضرر

ص: 265


1- الاحتجاج 1 : 556 / 134 ؛ وسائل الشيعة 16 : 228 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 29 ، الحديث 11 ، والمتن مطابق مع الوسائل.

النصب والكفر على المذهب الحقّ ، فإنّ في تركها مظنّة ذهاب أهل الحقّ ومذهبهم في مثل ذلك العصر الذي كانت عدّتهم محصورة جدّاً ، وكذا في مثل عصر الصادقين علیهما السلام والكاظمين علیهما السلام ، حيث كان تركها موجباً لاطّلاع ولاة الجور وأعداء دين اللّه - لعنهم اللّه - على حزب الحقّ وتحزّبهم في الخفاء لإبقاء

الحقّ وإحياء سنّة اللّه تعالى، وذلك كان موجباً لإراقة دمائهم وزوال نعمتهم وذلّهم

تحت أيدي أعداء اللّه . وأين ذلك ممّا نحن بصدده من جواز ارتكاب المحرّمات حتّى مثل سبّ الأئمّة علیهم السلام - والعياذ باللّه - عند الخوف على هتك مؤمن أو جمع منهم أو الخوف على أموالهم من غير ترتّب تلك المفاسد على تركها ؟

وما ذكرناه فيها جارٍ في سائر الروايات الواردة في التقيّة أو في المقام :

كالمحكيّ عن «تفسير الإمام علیه السلام » قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : من صلّى الخمس كفّر اللّه عنه من الذنوب» إلى أن قال : «لا تبقي عليه من الذنوب شيئاً إلاّ الموبقات التي هي جحد النبوّة ، أو الإمامة ، أو ظلم إخوانه ، أو ترك التقيّة حتّى يضرّ بنفسه وإخوانه المؤمنين»(1) .

وعنه قال الحسن بن علي علیه السلام : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : إنّ الأنبياء إنّما فضّلهم اللّه على خلقه أجمعين بشدّة مداراتهم لأعداء دين اللّه ، وحسن تقيّتهم لأجل إخوانهم في اللّه»(2) .

ص: 266


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 231 / 111 ؛ مستدرك الوسائل 12 : 259 ، كتاب الأمر بالمعروف ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 24 ، الحديث 6 .
2- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 355 / 244 ؛ مستدرك الوسائل 12 : 262 ، كتاب الأمر بالمعروف ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 27 ، الحديث 3 .

وعنه عن أمير المؤمنين علیه السلام : «التقيّة من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين»(1) إلى غير ذلك .

فإنّ الظاهر أنّ جعل ترك التقيّة من الموبقات وقريناً لجحد النبوّة والإمامة ليس لمحض حفظ مال مؤمن أو عرضه مثلاً ، بل لمّا كان تركها في تلك الأزمنة موجباً لفساد في الدين أو المذهب صار بتلك المنزلة ، وإلاّ فمن الواضح أنّ الموجِب بتركها لنهب مال مؤمن لا يكون مرتكباً لموبقة قرينة لجحدهما ، وكذا الحال ظاهراً في مداراة الأنبياء لأعداء دين اللّه وتقيّتهم لأجل إخوانهم ،

فإنّ الموجب لفضيلتهم ليس نفس المداراة والتقيّة ، بل لمّا كانت دعوتهم وإشاعة دينهم بين الناس موقوفة بمداراة أعداء اللّه وحفظ المؤمنين ، صارا بتلك المنزلة .

هذا مع الغضّ عن ضعف السند وعدم الإطلاق .

وممّا ذكرناه يظهر عدم صحّة التشبّث لإثبات المدّعى ؛ أي جواز ارتكاب المحرّمات ، بالروايات الكثيرة المتقدّمة الدالّة على جواز التولّي من قبل الجائر لصلاح حال الشيعة(2) .

لما عرفت(3) من أنّ الظاهر من مجموعها أو المتيقّن منها بعد ضعف أسنادها جواز التولّي فيما إذا كان صلاح المذهب ، ولولا التولّي لخيف تشتّت الشيعة

ص: 267


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 320 / 163 ؛ وسائل الشيعة 16 : 222 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 28 ، الحديث 3 .
2- تقدّمت في الصفحة 218 - 221 .
3- تقدّم في الصفحة 221 .

وذهاب حزبهم مع قلّة عددهم وضعفهم وقوّة أعدائهم وشدّة اهتمامهم - لعنهم اللّه - بهضمهم وهلاكهم ، كما هو ظاهر .

فلولا أمثال علي بن يقطين ، والنجاشي ، ومحمّد بن إسماعيل ومن يحذو حذوهم لخيف على الشيعة الانقراض ، وإلاّ فما أظنّ ارتضاء منصف بأنّ تلك الترغيبات الواردة منهم علیهم السلام ، سيّما في رواية ابن بزيع(1) ، للورود في ديوانهم لمحض حفظ مال من شيعي أو عرضه ، مع حرمة الورود فيه ذاتاً وملازمة ورود أمثالهم للابتلاء بمعاصي اُخر تقيّة .

فتجويز ذلك والترغيب الأكيد فيه ليس إلاّ لحفظ المصالح السياسية الكائنة في تلك الظروف ، المقدّم على ارتكاب أيّ معصية يبتلى بها في ديوانهم .

فكيف يمكن تجويز ارتكاب محرّم كشرب الخمر أو سبّ أمير المؤمنين علیه السلام

- والعياذ باللّه - في مثل زماننا لحفظ مال شيعي وعرضه ؟

وكذا لا يصحّ التشبّث بما ورد في روايات عديدة من جواز الحلف كذباً لإنجاء مال مؤمن من العشّار أو اللصّ وغيره ، كما في بعضها (2) ؛ ضرورة عدم جواز التعدّي منه إلى سائر المعاصي . كما أنّ الكذب في الصلاح جائز نصّاً وفتوى ، لكن لا يمكن التعدّي منه ، ولعلّه كما قالوا إنّ قبح الكذب بالوجوه والاعتبار ، ومع ترتّب الصلاح عليه لا يكون قبيحاً .

فلو توقّف إنجاء مال مؤمن من العشّار أو غيره وكذا الإصلاح بين المؤمنين

ص: 268


1- تقدّمت في الصفحة 195 .
2- وسائل الشيعة 23 : 226 ، كتاب الأيمان ، الباب 12 ، الحديث 9 و16 .

على معصية اُخرى ، كسبّ النبي رحمهما اللّه وشرب الخمر لا يمكن الالتزام بالجواز ، كما هو واضح .

فتحصّل من جميع ذلك عدم دليل على جواز ارتكاب المحرّم لحفظ مال أو عرض ، فلو دلّ دليل على وجوب حفظ شيء مطلقاً لا بدّ من ملاحظة الأهمّ ومعاملة باب التزاحم .

ثمّ لو قلنا بجواز التقيّة في هذا المورد فلا شبهة في عدم جواز الإضرار بالغير لدفع الإضرار عن مؤمن آخر وهو واضح . والفرق بينه وبين التقيّة الاضطرارية ظاهر .

ص: 269

التنبيه الثالث الإشكال على ما ذكره الشيخ في معنى الإكراه

قال الشيخ الأنصاري في «كتاب البيع» : «إنّ حقيقة الإكراه لغةً وعرفاً حمل الغير على ما يكرهه ، ويعتبر في وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بوعيد منه مظنون الترتّب على ترك ذلك الفعل مضرّ بحال الفاعل أو متعلّقه نفساً أو عرضاً أو مالاً»(1) .

وقال في المقام : «إنّ الإكراه يتحقّق بالتوعّد بالضرر على ترك المكره عليه

ضرراً متعلّقاً بنفسه أو ماله أو عرضه أو بأهله ، ممّن يكون ضرره راجعاً إلى تضرّره وتأ لّمه»(2) ، انتهى .

أقول : إنّ ما ورد في الأخبار عنوانان : أحدهما : ما اُكرهوا عليه ، وثانيهما : ما استكرهوا عليه . ولا شبهة في رجوعهما إلى معنىً واحد ، كما أنّ الاستكراه أو الإكراه الوارد في بعض الأخبار راجعان إلى ذلك أيضاً ، فلا بدّ من النظر في معنى قوله : «رُفع ما اُكرهوا عليه»(3) عرفاً ولغةً . والظاهر أ نّهما متطابقان على أنّ معنى أكرهه عليه حمله على ذلك قهراً وكُرهاً ؛ بمعنى أنّ متعلّق القهر والكره الحمل ، فيكون معنى أكرهه على ذلك كقوله أجبره عليه وألزمه عليه ؛

ص: 270


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16 : 311 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 90 .
3- الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .

أي حمله عليه قهراً وجبراً وإلزاماً وكرهاً .

وأمّا بناءً على ما ذكره الشيخ لا يكون الكره والقهر في الحمل على الفعل ، بل إذا كان الفعل مكروهاً له وهو يكرهه صدق الإكراه عليه ولو كان الحمل عليه بلا قهر وجبر بل يكون حمله عليه بالاستدعاء أو إعطاء المال عليه ؛ ضرورة صدق حمله على ما يكرهه . فإذا أمره من لا ينبغي مخالفته بأمر كرهه فأتاه صدق عليه أ نّه حمله على ما يكرهه .

وتوهّم أنّ الحمل بمعنى الإلزام والقهر باطل ؛ ضرورة أ نّه أعمّ منه ؛ إذ يصدق قوله : «حملني صديقي أو أخي على ذلك المكروه» بلا شائبة تأوّل .

وبالجملة : ليس في قوله : «أكرهه على ذلك» إلاّ مادّة واحدة هي الكُره ، فهي إمّا متعلّقة بالهيئة وما يستفاد منها ، فيكون المعنى حمله عليه كرهاً ؛ أي قهراً ،

فيكون نظير أجبره وألزمه ، أو راجعة إلى المتعلّق ، فيكون المعنى حمله على ما يكرهه ، فيكون الحمل مطلقاً غير مقيّد بالإلزام والقهر والكره . وتوهّم اعتبار الكره في كليهما كما ترى لا وجه له .

ومع الدوران بينهما لا شبهة في أنّ الأوّل موافق للعرف ، فلا يقال لمطلق الحمل والتحميل على ما يكرهه أ نّه أكرهه عليه ، وموافق لقاعدة الاشتقاق، كما يظهر بالنظر في الأمثال والنظائر ، ولكلمات اللغويين :

ففي «منتهى الإرب» في معنى الاستكراه : «و به ناخواست و ستم بر كارى داشتن، ومنه الحديث : "رفع عن اُمّتي الخطاء وما استكرهوا عليه" »(1) .

ص: 271


1- منتهى الإرب 4 : 1094 .

وفي «الصحاح» : «وأكرهته على كذا : حملته عليه كرهاً»(1) .

ونحوه في «المجمع»(2) .

وفي «معيار اللغة» : «أكرهته على الأمر إكراهاً : حملته عليه قهراً»(3) .

وفي «المنجد» : «أكره فلاناً على الأمر : حمله عليه قهراً . أكره الرجل : حمله

على أمر يكرهه»(4) .

ترى كيف يفرّق بين الجملتين ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ معنى أكرهه عليه : حمل عليه قهراً وكرهاً .

وعليه لا يتحقّق الإكراه على الأمر بالتوعّد بالضرر مطلقاً ؛ إذ قد يكون التوعّد به لا يوجب القهر على الفعل والإلزام عليه ، كما لو أوعد ابنك بأ نّك لو لم تفعل كذا لقتلت نفسي ، أو قالت أهلك : «لو لم تفعل كذا لهتكت سرّي» ، أو قال صديقك : «لو لم تفعل لهجرتك» وكانت هجرته شاقّاً عليك .

فإنّ في تلك الموارد ونظائرها لا يصدق أكرهه على العمل . نعم ، صدق حمله على مكروه .

بل ولا يتوقّف صدق أكره عليه على التوعّد بالمكروه ، فلو خاف المأمور شرّ الآمر كفى في الصدق ، أوعده على الشرّ أم لا ، فاعتبار الإيعاد لا يصحّ طرداً وعكساً .

ص: 272


1- الصحاح 6 : 2247 .
2- مجمع البحرين 6 : 360 .
3- معيار اللغة 3 : 765 .
4- المنجد : 682 .

كما أنّ اعتبار الظنّ على ترتّب الضرر غير ظاهر ، بل يكفي الخوف على ترتّبه وإن لم يحصل الظنّ به .

بل التحقيق أ نّه لا يعتبر كون المأمور به ممّا يكرهه المأمور ، بل ما يعتبر في الصدق - أي كان لازماً فيه - أن يكون المكره مقهوراً في اختياره ؛ بمعنى أ نّه ما اختاره إلاّ للخوف عن مخالفة أمر الجائر .

وعدم اختياره وإرادته له تارةً لأجل كراهته له ومنفوريته لديه ، واُخرى لكونه مخالفاً لصلاحه وإن كان مشتاقاً إليه كمال الاشتياق ، كالمشتهيات التي يتركها المؤمن خوفاً من عذاب اللّه ، فإنّه مع كمال اشتياقه بها يحمله العقل والدين على تركه .

بطلان تفسير الإرادة بالشوق المتأكّد

والظاهر أنّ توهّم اعتبار ذلك نشأ من توهّم أنّ الإرادة عبارة عن الشوق التامّ في طرف الفعل والكراهة التامّة في جانب الترك ، أو أ نّهما من مباديها دائماً .

ولهذا أنّ بعض أهل التحقيق لمّا رأى أنّ في الأفعال الصادرة من الفاعل ما لا يتعلّق به الشوق بل يتنفّر منه كمال التنفّر ومع ذلك يريده ويوجده كقطع يده ورجله للعلاج ، والانتحار لأجل بعض الدواعي الفاسدة ، قال بعد جعل الإرادة عبارة عن الشوق المتأكّد : «ما من فعل إرادي إلاّ ويصدر إمّا عن شوق طبيعي أو شوق عقلي» . وقال أيضاً : «إذا اشتدّ الشوق العقلي وغلب على الكراهة الذوقية فلا محالة يشرب الدواء»(1) .

ص: 273


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الأصفهاني 2 : 39 .

وأنت خبير : بما فيه من التكلّف وعدم الموافقة للموازين العقلية لمحض توهّم أنّ الإرادة هي الشوق المتأكّد ، مع أنّ أصل المبنى فاسد ، فإنّ الإرادة من القوى الفعّالة الحاملة على الفعل والمحرّكة للعضلات نحوه ، والشوق والحبّ والبغض والكراهة من الاُمور التي لا فعّالية لها ، فالشوق لا يكون محرّكاً للعضلات بلغ ما بلغ من الشدّة ، والإرادة كثيراً ما تتعلّق بأشياء مع كمال الكراهة ومع فقدان الشوق رأساً .

وإدراك العقل المصلحة وترجيح الفعل على الترك بالقضاء العقلي أو القوّة الحاكمة والقاضية ، غير الشوق الذي ينفعل النفس به لا بمعنى فعّاليته بل بمعنى عروضه لها ، وليس الاشتياق من شؤون العاقلة ، بل العقل مدرك للمصالح والمفاسد ، ولا يليق به الحبّ والبغض وأضرابهما من الانفعاليات .

وما في مسفورات أهل النظر(1) من نسبة الشوق ونحوه إلى المبدأ - تعالى جدّه - لا بدّ من تأويله ، كما ورد في الكتاب والسنّة من أشباه ذلك ممّا لا يليق بظاهرها بساحة قدسه جلّ وعلا(2) ، ولعمري لا داعي للالتزام بما يخالف الوجدان والبرهان لتصحيح ما قال بعض أهل النظر(3) : إنّ الإرادة هي الشوق المؤكّد ، مع عدم برهان عليه .

فتحصّل من ذلك أنّ الإكراه على الشيء لا يعتبر في مفهومه كون ذلك الشيء

ص: 274


1- راجع الشفاء ، الإلهيات : 363 ؛ الحكمة المتعالية 7 : 149 .
2- راجع معاني الأخبار : 12 .
3- راجع القبسات : 473 ؛ الحكمة المتعالية 4 : 113 ؛ شرح المنظومة ، قسم الحكمة 3 : 647 .

ممّا أكرهه الفاعل ، وهو واضح . وكذا لا يكون تحقّقه متقوّماً لذلك أو ملازماً له .

فالأولى في تحديد مفاد قوله : «اُكرهوا عليه» تبعية كلمات اللغويين الموافقة للعرف والاعتبار ، أو إيكال الأمر إلى العرف ، كما صنعه المحقّق صاحب «الجواهر»(1) .

ثمّ إنّ اعتبار عدم إمكان التفصّي عرفاً بما لا يحصل منه ضرر آخر معتدّ به ممّا لا ينبغي الريب فيه .

ص: 275


1- جواهر الكلام 32 : 11 .

التنبيه الرابع في التفصيل فيما ذكره الشيخ من أنّ قبول الولاية مع الضرر المالي اليسير رخصة

قال الشيخ الأنصاري قدّس سرّه : «قبول الولاية مع الضرر المالي الذي لا يضرّ

بالحال رخصة لا عزيمة ، فيجوز تحمّل الضرر المذكور ؛ لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم ، بل ربّما يستحبّ تحمّل ذلك الضرر للفرار عن تقوية شوكتهم»(1) ، انتهى .

مقتضى إطلاقه فيما لا يضرّ بالحال كونه رخصة حتّى مع اقتضاء التقيّة ذلك ومع كونه في دار التقيّة ، وهو مبنيّ على عدم وجوب التقيّة ، وهو غير تامّ ، فلا

بدّ في هذه الصورة من التفصيل بين ما إذا كان المورد من موارد التقيّة الواجبة ، فيكون القبول عزيمة ، وبين غيره إن قلنا بأنّ «رفع ما اُكرهوا عليه» على سبيل الرخصة كما اشتهر بينهم مطلقاً ولا يبعد في الجملة .

ومقتضى تخصيصه الحكم بالضرر المالي غير المضرّ ، أنّ القبول عزيمة مع المالي المضرّ بالحال . والظاهر أنّ المراد به ما كان دفعه موجباً للحرج ، وهو مبنيّ على أنّ رفع الحرج على سبيل العزيمة ، وهو خلاف المعهود منهم وإن رجّحناها في بعض الموارد أو مطلقاً في رسالة التيمّم(2) .

ص: 276


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 98 .
2- الطهارة ، الإمام الخميني قدس سره 2 : 111 .

وكذا مقتضاه أ نّه عزيمة مع الضرر العرضي والنفسي مطلقاً ، وهو محلّ تأمّل . فإنّها مبنيّة على حرمة جعل المؤمن نفسه في معرض الهتك والضرر أيّ ضرر كان ولو لم يبلغ حدّ التهلكة .

والمسألة بشقوقها محلّ إشكال وتأمّل وتحتاج إلى مزيد فحص وتحقيق .

ص: 277

ص: 278

القسم الخامس في الاكتساب بما يجب على الإنسان فعله

اشارة

ص: 279

ص: 280

حرمة التكسّب بالواجبات

في محطّ البحث

ممّا يحرم التكسّب به : ما يجب على الإنسان فعله عيناً أو كفايةً ، تعبّداً أو توصّلاً على المشهور ، وعليه الفتوى كما عن «المسالك»(1) .

وفي «الرياض» بعد تقييد الوجوب بالذاتي لإخراج التوصّلي ، كأكثر الصناعات الواجبة : «بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة ، وهو الحجّة»(2) .

وفي «مفتاح الكرامة» : «لم يعرف الخلاف إلاّ من علم الهدى» لكن قال : «حكي عن علم الهدى جواز الاُجرة على مثل التكفين والدفن ؛ لأ نّه واجب على الوليّ ولا يجوز لغيره إلاّ بإذنه»(3) ، انتهى . وعليه لا يكون هو مخالفاً في المسألة .

ص: 281


1- مسالك الأفهام 3 : 130 .
2- رياض المسائل 8 : 83 .
3- مفتاح الكرامة 12 : 303 .

وكيف كان الظاهر من عنوان الفقهاء الأعمّ من التوصّلي والتعبّدي ، ومن ذهابهم نصّاً أو ظاهراً إلى الجواز في المستحبّات ، أنّ موضوع البحث هو الواجبات ؛ إمّا لأنّ وصف الوجوب ينافي الاكتساب كما صرّح به بعضهم ويأتي الكلام فيه ، أو أنّ الأمر تعبّدي ثابت بالإجماع والشهرة ، وأمّا التعبّدية فلا تنافي

الاكتساب عندهم ، ولهذا قالوا بجوازه في المستحبّات .

لكنّ المتأخّرين عمّموا البحث في التعبّديات مطلقاً مستحبّةً كانت أو واجبةً ، وفي الواجبات توصّلية أو تعبّدية .

فلا بدّ من البحث تارةً في أنّ وصف التعبّدية منافٍ للاكتساب أم لا ، واُخرى في أنّ وصف الوجوب منافٍ له أم لا ؟

حول إشكال منافاة وصف التعبّدية لأخذ الاُجرة

أمّا الأوّل فقد يقال - مضافاً إلى عدم المنافاة - : إنّ تضاعف الوجوب يؤكّد

الإخلاص . والقائل صاحب «مفتاح الكرامة»(1) . وفي «الجواهر» قال في مقام عدم المنافاة : «إنّ المنافاة واضح المنع ؛ ضرورة كون الإجارة مؤكّدة له باعتبار تسبيبها الوجوب أيضاً»(2) .

وسبقهما إلى ذلك السيّد في «الرياض» في المستحبّات ، قال في مقام بيان عدم المنافاة : «إنّ غايتها هنا عدم ترتّب الثواب لا حرمته مع إمكان ترتّبه حينئذٍ

ص: 282


1- مفتاح الكرامة 12 : 303 .
2- جواهر الكلام 22 : 117 .

أيضاً بعد إيقاع عقد الإجارة ، فإنّها بعده تصير واجبة وتصير من قبيل ما وجبت

بنذر وشبهه ، ولا ريب في استحقاق الثواب حينئذٍ . ووجهه أنّ أخذ الاُجرة حينئذٍ صار سبباً لوجوبها عليه ومعه يتحقّق الإخلاص في العمل ؛ لكونه حينئذٍ لمجرّد الإطاعة والامتثال للّه تعالى وإن صارت الاُجرة منشأً لتوجّه الأمر الإيجابي إليه»(1) ، انتهى .

والعجب منه رحمه الله علیه حيث صرّح قبل ذلك بأسطر بأنّ أخذ الأجر في الواجبات منافٍ للإخلاص . نعم ، بين كلامه وكلامهما فرق يتّضح عن قريب .

أقول : إنّ مراد الأوّلين من تأكّد الإخلاص ، وتضاعف الوجوب في كلام الثاني يحتمل أحد الاُمور :

إمّا أنّ الأمر في العبادي متعلّق بذات العبادة والأمر الإجاري أيضاً كذلك ؛ لأنّ قوله : )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((2) بمنزلة قوله : صلّ ، وصم ، واعمل كذا وكذا . فالأمر الإجاري يؤكّد الأمر العبادي ، بل الأمر إذا تعلّق بموضوع عبادي يصير عبادياً ؛ إذ ليست العبادية من كيفيات الأمر بل هي من قيود المأمور به ، فإذا تعلّق بموضوع كذلك يصير عبادياً قهراً ، ولمّا كان الموضوع واحداً يؤكّد أحد الأمرين الآخر ، ولمّا كانا عباديين يؤكَّد الإخلاص .

وإمّا أنّ المراد بتضاعف الوجوب وتأكّد الإخلاص ، أنّ تعلّق الأمر الإجاري يوجب إمكان قصد الإخلاص به ، فإنّه وإن كان توصّلياً لكن مع قصد التقرّب يصير عبادياً بالمعنى الأعمّ . فالمكلّف قبل تعلّق الأمر الإجاري لا طريق له

ص: 283


1- رياض المسائل 8 : 83 .
2- المائدة (5) : 1 .

للإخلاص إلاّ قصد الأمر العبادي ، وبتعلّقه زاد طريق آخر يمكن معه قصد الإخلاص ، فلو نذر إتيانه زاد طريق آخر ، وهكذا .

ولعلّ مراد صاحب «الرياض» هذا الوجه ؛ إذ لم يعبّر بالتأكّد والتضاعف . لكنّ الأظهر أنّ مراده تبديل الأمر الاستحبابي بعد الإجارة بالوجوبي ؛ بمعنى سقوط ذلك وثبوت ذا بتوهّم وحدة متعلّقهما .

وإمّا أنّ المراد به أنّ متعلّق الأمر الإجاري والعبادي لمّا كانا متّحدين في الخارج ، فللعامل أن يقصدهما للّه تعالى ، فيكون الأمر بهذا المعنى مؤكّداً للإخلاص وموجباً لزيادته بتعدّد سببه ، ولعلّه أقرب إلى ظاهر الأوّلين .

ويرد على الوجه الأوّل : أنّ التأكيد في الأوامر ونحوها إنّما هو فيما إذا تعلّق أمر بموضوع لغاية وغرض ، فإذا كان الموضوع مهتمّاً به مثلاً يؤكّده الأمر إمّا بألفاظ التأكيد أو بتكرار الأمر ، وأمّا إذا كانت الأوامر بجهات عديدة فلا تكون من التأكيد في شيء . وفي المقام يكون الأمر العبادي كالأمر بصلاة الفريضة إنّما تعلّق بها بجهة وغرض غير جهة الأمر الإجاري . فلو فرض تعلّق الثاني أيضاً بذات العبادة لا يمكن أن يكون مؤكّداً للأوّل ، إلاّ أن لا يراد بالتأكيد معناه المعروف . مضافاً إلى أنّ الأمر الإجاري إنّما تعلّق بموضوع آخر هو الوفاء بالعقد ، فقوله : )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( موضوعه العقود ومتعلّقه الوفاء ، والأمر الصلاتي تعلّق بالصلاة ، ولا يعقل تجافي أحدهما عن متعلّقه إلى متعلّق الآخر .

نعم ، إذا أوجد الصلاة وفاءً بإجارته وقلنا بصحّة الاستئجار يكون مصداق الصلاة معنوناً بعنوانين : ذاتي هو الصلاة وعرضي هو الوفاء بالإجارة ، وكذا في النذر وإطاعة الوالد ونظائرهما .

ص: 284

وما كان هذا شأنه لا يمكن أن يكون مؤكِّداً ؛ لأنّ موطن تعلّق الأوامر موطن اختلاف الموضوعات والمتعلّقات ، وموطن اتّحادها وهو الخارج لا يكون موطن تعلّقها .

فما يقال : إنّ الأمر الإجاري بمنزلة صلّ وصم وغير ذلك(1) ، غير تامّ وخلط بين موضوعات الأحكام ومتعلّقاتها ، وبين مصاديقها غير المأمور بها .

وبهذا ظهر الجواب عن الاحتمال الثاني ؛ فإنّ مبناه أيضاً زعم تعلّق الأمر الإجاري بنفس الموضوعات العبادية ، ومع اختلاف المتعلّقات والموضوعات كما عرفت لا معنى لقصد التقرّب بأمر متعلّق بموضوع أجنبيّ عن الآخر لتصحيح ذلك الأجنبيّ ، وهو واضح .

بل يظهر النظر بما تقدّم في الوجه الثالث أيضاً . فإنّ تعدّد الأوامر على موضوعات مختلفة لا يوجب تأكّد الإخلاص في أحد الموضوعات ، بل على الفرض يوجب تعدّده حسب تعدّدها .

هذا كلّه مع ورود إشكال أساسي على جميع الوجوه ، وهو أنّ الإشكال في المقام إنّما هو دعوى المنافاة بين قصد التقرّب وأخذ الأجر للعمل ، فلا يمكن للمؤجر الإتيان بالعمل المستأجر فيه ، ومع عدمه لا تصحّ الإجارة ، فلا أمر إجاري حينئذٍ حتّى يصحّح العبادية أو يؤكّد الإخلاص .

وبعبارة اُخرى : إنّ تأكيد الأمر الإجاري الإخلاص موقوف على وجوده ، وهو موقوف على صحّة الإجارة ، فلا يمكن تصحيحها بما ذكر .

ص: 285


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 134 .

وإن شئت قلت : إنّ صحّتها موقوفة على قدرة المؤجر إيجاد العمل المورد للإجارة ، وهو غير ممكن ؛ للتلازم بين أخذ الأجر وبطلان العمل العبادي ، فلا بدّ من دفع هذه الغائلة ، ومع عدم دفعها لا يمكن تعلّق أمر )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( حتّى

يقال : إنّه يؤكّده .

وقد تصدّى المحقّقون لدفعها بالداعي على الداعي تارةً ويأتي الكلام فيه ، وبالأمر الإجاري اُخرى .

وقد فصّله السيّد الطباطبائي في تعليقته بما ملخّصه : «إنّه مع الغمض عن الوجه السابق يمكن أن يقال : إنّه إذا لم يكن قصد الامتثال بالنسبة إلى الأمر الأوّلي المتعلّق بالعبادة ؛ لأنّ المفروض أنّ غرضه أخذ الاُجرة ، فبعد إيقاع عقد الإجارة يمكن أن يكون داعيه امتثال الأمر الإجاري ، ولا يضرّ توصّليته ؛ لأنّ الأمر التوصّلي والتعبّدي لا يفترقان إلاّ في المتعلّق ، فمع عبادية المتعلّق يكون الأمر تعبّدياً كما في المقام .

ودعوى أنّ المعتبر قصد الأمر الصلاتي مدفوعة أوّلاً بالمنع ، غاية الأمر يعتبر

فيه كون الداعي هو اللّه من أيّ وجه كان ، وثانياً أنّ أمر )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( في قوّة

قوله : صلّوا وصوموا . . . فالأمر الإجاري عين الأمر الصلاتي»(1) .

وقال في ذيل تصحيح العبادات الاستئجارية عن الغير بعد تكرار الوجهين المتقدّمين :

«إن قلت : إنّ ذلك مستلزم للدور ، فإنّ الوجوب من حيث الإجارة موقوف

ص: 286


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 133 - 134 .

على صحّتها ، وهي موقوفة على صحّة العمل الموقوفة على الوجوب .

قلت - ثمّ حكى وجهاً عن الشيخ وقال - : وثانياً وهو التحقيق في الجواب : أنّ المعتبر في متعلّق الإجارة ليس أزيد من إمكان إيجاده في الخارج في زمان الفعل ، وفي المقام إنّ تعلّق الإجارة والأمر الإيجاري سبب في هذا الإمكان . وبهذا أجبنا عن إشكال الدور في التعبّدي ، بناءً على كون قصد القربة من قيود المكلّف به ، بدعوى أنّ الأمر موقوف على تحقّق الموضوع ، والمفروض عدمه إلاّ بالأمر ، حيث قلنا : لا يعتبر في صحّة توجّه الأمر إلاّ إمكان إيجاد الموضوع ولو كان الأمر هو السبب»(1) ، انتهى .

وفيه : مضافاً إلى ما أشرنا إليه من أنّ الأمر الإجاري متعلّق بعنوان الوفاء بالعقد ، وهو أمر توصّلي ؛ لعدم اعتبار العبادية في متعلّقه ، ولو قصد الامتثال به يتقرّب بعنوان امتثال أمر الوفاء بالعقد ، ولا يعقل أن يكون مجرّد ذلك موجباً لامتثال الأمر الصلاتي أو مقرّباً لأجل أمرها ، بل لو تعبّد بالأمر الإجاري من غير التعبّد بالأمر الصلاتي لا يصير مقرّباً مطلقاً ؛ إذ لم يأت بمتعلّق الإجارة ولم يمتثل الأمر الإجاري أيضاً ، ومجرّد اتّحاد العنوانين في المصداق لا يوجب أن يصير إيجاد أحد العنوانين بداعوية أمره موجباً للتقرّب بعنوان آخر متّحد معه ولو لم يكن مأتيّاً به بداعوية أمره أو بداعٍ قربي آخر مربوط به .

ألا ترى أ نّه لو أمر بإكرام العالم وأمر بإكرام الهاشمي ، وكان الأمران تعبّديين غير ساقطين إلاّ بقصد التعبّد ، فأكرم المكلّف من ينطبق عليه العنوانان بداعوية

ص: 287


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 138 .

أمر العالم مع عدم داعوية أمر الهاشمي أصلاً ، لا يعقل سقوط الأمرين وتقرّبه بعنوانين ؛ لأنّ التقرّب بعبادةٍ فرع إتيانها بداعوية أمرها أو بجهة مقرّبة اُخرى قائمة بها أو راجعة إليها . ومجرّد اتّحاد العالم مع الهاشمي في الخارج لا يوجب حصول التقرّب قهراً على زعم الفاعل .

ومضافاً إلى ما أشرنا إليه من عدم تعقّل تجاوز الأمر من عنوان )أَوْفُوا

بِالْعُقُودِ( إلى عنوان الصلاة والصوم ونحوهما ، وكذا الحال في النذر واليمين والعهد ، فإنّ أوامرها لا تتعلّق إلاّ بعنوان الوفاء بها ، فلا يمكن أن ينحلّ قوله : )أَوْفُوا بِالْعُقُودِ( إلى صلّ وصم وهكذا ، ولا يكون في قوّة ذلك إلاّ على تأوّل ومسامحة وهو لا يصحّح العبادية ، فلا وجه محصّل لتصحيحها بالأمر الإجاري .

أنّ الإشكال في المقام ليس في منافاة عقد الإجارة أو الأمر الإجاري للإخلاص ، بل الإشكال في منافاة العمل المأتيّ به بإزاء الاُجرة للإخلاص ، ومع ذلك كيف يمكن له تسليم مورد الإجارة وإيجاده ؟ فلا يمكن معه تصحيح الإجارة ، فلا تصل النوبة إلى الأمر الإجاري حتّى يبحث في إمكان التقرّب به . فمع الغضّ عن رفع تلك الغائلة بالداعي على الداعي أو نحوه لا يمكن تصحيحها .

وليس الإشكال في المقام نظير الإشكال في التعبّدي والتوصّلي ؛ أي ليس الإشكال في أنّ المكلّف عاجز عن العمل من قبل فقد الأمر حتّى يقال : إنّ القدرة معتبرة وقت العمل والأمر محقِّقها .

بل الإشكال في أنّ التنافي الواقعي الحاصل بين الإخلاص وأخذ الأجر في مقابل العمل يوجب بطلان الإجارة ، وهذا العجز الآتي من قبل التنافي الواقعي

ص: 288

لا يعقل رفعه بالأمر الإجاري ، فالمقايسة بين البابين في غير محلّها .

ثمّ إنّ إشكال الدور وجوابه وإن كان راجعاً إلى باب النيابة لكن مناطه موجود في المقام وسيأتي الكلام في النيابة(1) .

ثمّ إنّه يرد على القائل بتصحيح العبادة بالأمر الإجاري أيضاً بأنّ مورد الإجارة على المفروض هو الواجب العبادي ، فالعبادية مأخوذة في موضوع الإجارة وموردها ، ومعنى العبادية ، مع قطع النظر عن الوقوع مورد الإجارة ، أن يكون المأتيّ به بداعوية الأمر المتعلّق به ، أو كونه للّه تعالى م-ن غير جهة تعلّق الإجارة وأمرها . والوفاء بهذا العقد لا يمكن أن يكون بإتيان الذات بقصد الأمر الإجاري ؛ لأنّ المأتيّ به بقصده لم يكن متعلّق الإجارة حتّى يكون إيجاده كذلك وفاءً بالعقد ومتعلّقاً للأمر بالوفاء .

وبالجملة : لا بدّ من محفوظية عباديتها قبل تعلّق الإجارة ومع الغضّ عن أمرها ؛ لكون العبادية بما هي مأخوذة في موضوعها ، وفي مثله لا يمكن الوفاء بعقدها إلاّ مع الإتيان بالعبادة بما هي عبادة بغير الأمر الإجاري .

نعم ، يمكن إيقاع الإجارة بما يقع عبادة من قبل الأمر الإجاري أو الأعمّ منه ، لكنّه خروج عن موضوع البحث في المقام .

في الجواب عن إشكال المنافاة بطولية داعي الامتثال

ثمّ إنّ المعروف في جواب الإشكال عن المنافاة للإخلاص ، طولية داعي الامتثال عن داعي أخذ الأجر فلا منافاة .

ص: 289


1- يأتي في الصفحة 346 .

وقد ردّ ذلك تارةً بمنع الطولية ، واُخرى بمنع إجدائها .

وخلاصة ما أفاده بعض أهل التحقيق في منع الطولية : «أنّ مورد الإجارة هو ذات العمل العبادي فينحلّ إلى الذات وحيثية الامتثال والعبادية ، والمؤجر يأتي بالذات بداعي تحقّق المستأجر عليه وداعي الامتثال ، فيكون من التشريك في أصل الفعل ، لا من قبيل غاية الغاية . والحاصل أنّ تحقّق عنوان المستأجر عليه يتوقّف على حصول أمرين : ذات العبادة وعنوان الامتثال ، والآتي بالذات إنّما يأتي بها بقصد تحقّق عنوان المستأجر عليه وقصد امتثال أمر اللّه ، ليتحقّق كلا الجزءين من المستأجر عليه ، فيكون من قبيل التشريك في القصد لا داعي الداعي»(1) ، انتهى .

وفيه : أنّ مورد الإجارة هو العمل بداعي الامتثال ، ومعناه أنّ جعل الأجر في مقابل العمل المأتيّ به بداعوية الامتثال ؛ أي يكون الامتثال تمام الداعي والمحرّك له ، فلو أتى به بداعيين ؛ داعي الامتثال وداعي تحقّق عنوان المستأجر عليه ، لم يكن آتياً بمورد الإجارة والموضوع المستأجر عليه ولم يكن فعله وفاءً بعقد الإجارة ، ومعه كيف يمكن التشريك في مقام الوفاء مع كونه رافعاً له ومعدماً لموضوعه ؟ !

وبعبارة اُخرى : إنّ عقد الإجارة في مثل المقام لا ينحلّ إلى عقدين

ولا الإجارة إلى إجارتين ، حتّى يقال : إنّ لذات العمل وفاء ، أتى بها بداعي الامتثال أم لا ، وللامتثال وفاء ، بل وقعت الإجارة على عمل خاصّ لا يمكن

ص: 290


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 147 .

إيجاد موردها بلا تلك الخصوصية ، وهي العمل الذي يتحقّق بمحرّكية أمره فقط ،

أو كونه للّه خالصاً ، وفي مثله لا يمكن إيجاده بلا داعٍ إلهي أو بِداعٍ مشترك ،

فلا محيص في مقام الوفاء إلاّ بإتيانه بداعي اللّه وإن كان هذا بداعٍ آخر في طوله ، فالطولية مقتضى ذات تعلّق الإجارة بالعمل بداعي اللّه لا يمكن سلبها عنها . هذا هو التحقيق في الجواب .

وأمّا ما يقال في دفعه : إنّ ذات المقيّد والقيد ملحوظان بالمعنى الحرفي في مورد الإجارة لا بالمعنى الاسمي ، فلا يكون شيء منهما مورداً للغاية وللإجارة(1) .

فمع عدم وجاهته - ضرورة أنّ مورد الإجارة الصلاة المتقيّدة وهي ملحوظة استقلالاً وباللحاظ الاسمي - أنّ الأخذ حرفاً أو اسماً أجنبيّ عن دفع الإشكال فلا الاسمية في اللحاظ مضرّ بالمقصود ، ولا الحرفية دافع للإشكال على فرض وروده .

ثمّ إنّ المحقّق المستشكل أورد إشكالاً آخر ويظهر من بعض تعبيراته وتنظيراته أنّ إشكاله كبروي وفي عدم إجداء الداعي على الداعي ، ومن بعض تعبيراته أنّ إشكاله صغروي وفي عدم كون المقام من قبيل داعي الداعي ، ويحتمل أن يكون مراده أنّ داعي الداعي مرجعه إلى التشريك ونقص العلّية .

وكيف كان لا بدّ من تعرّض الاحتمالين أو الاحتمالات ، وسيأتي - إن شاء اللّه - الكلام في الكبرى .

ص: 291


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 219 .

وحاصل ما أفاده في منع الصغرى : «أ نّه ليس المراد بقولنا : يجب إتيان الفعل بداعي الامتثال ، الأعمّ من كون الامتثال بنفسه داعياً أو باعتبار ما اكتنف به من العوارض ، مثل كونه مستعقباً أو موجباً لأمر كذا ، فإنّها عوارضه . وبعبارة اُخرى :

الأعمّ من أن يكون القرب والامتثال علّة تامّة أو ناقصة للفعل ، بل لابدّ وأن يكون علّة تامّة ، والمقام ليس كذلك ، فإنّ الامتثال يصير علّة ناقصة إذا كان الغرض منه حصول مايترتّب عليه ، فإنّ علّيته من حيث ترتّب الأثر عليه ، بحيث تنتفي بفرض انتفائه ، وهو معنى نقص العلّية ، فإنّ معنى تمامها ترتّب المعلول عليه ولو فرض انتفاء كلّ موجود ووجود كلّ معدوم . والحاصل أنّ اعتبار خصوصية في الغاية تنتفي غائيتها بانتفائها ينافي علّيتها التامّة وتصير ناقصة»(1) ، انتهى مورد الحاجة .

أقول : لا ينبغي الريب في أنّ العلّة لأثر في التكوين لا تمكن أن تكون ذات العلّة بقيد ترتّب الأثر عليها ، أو كونها مستعقبة أو موجبة للأثر ، بحيث أن تكون العلّة مركّبة من الذات وأحد العناوين والقيود المذكورة ؛ للزوم تقدّم الشيء على نفسه وكون الشيء من قيود علّة نفسه إن كان المراد الاستعقاب والإيجاب الواقعي-ين وبالحمل الشائع ، وإن كان المراد بها العناوين فمضافاً إلى عدم إمكان تأثيرها وجزئيتها للأثر الوجودي يلزم منه أن يكون المتأخّر متقدّماً ؛ لأنّ تلك العناوين بما أ نّها من المضايفات لا يمكن انتزاعها إلاّ بعد فعلية العلّة ووجود المعلول ، فيكون انتزاعها من العلّة والمعلول في رتبة واحدة . ومقتضى دخالتها

ص: 292


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 145 - 146 .

في العلّية تقدّمها على المعلول مضافاً إلى لزوم كون المتضايفات غير متكافئات .

ثمّ بعد ما ثبت أنّ العلّة للمعلول نفس ذاتها بلا دخالة تلك القيود إذا فرض كون أثر غاية لإيجاد الفاعل علّته ، فلا محالة يكون تصوّر الأثر والتصديق بفائدته ولزوم تحقّقه منشأً لتحريك الفاعل نحو علّته ليس إلاّ ؛ لعدم إمكان داعوية العلّة الغائية إلى غير ما يترتّب عليه إلاّ خطأً وغلطاً . فلا محالة إذا رأى

الفاعل أنّ الأثر مترتّب على الذات بلا قيد يصير منبعثاً إليها فقط ، وهو واضح .

فحينئذٍ نقول : إنّ الأجر ، دنيوياً أو اُخروياً ، إلهياً أو خلقياً ، إذا فرض ترتّبه

على عبادة بما هي عبادة ، فلا محالة تكون العبادة بما هي عبادة ، علّةً لترتّبه عليها لا بما أ نّها مستعقبة للأثر أو موجبة لها لما تقدّم من محذور القيدية .

فعليه لا يمكن أن يصير الأثر علّة غائية لغير العبادة بما هي التي هي تمام العلّة للأثر الذي هو فائدة وجوداً وعلّة فاعلية الفاعل ماهية وتصوّراً .

فالقول بكون الامتثال علّةً ناقصةً ، إمّا لأجل أنّ تلك العناوين شريكة معه في العلّية فقد تقدّم استحالته ، أو لأجل أنّ العلّة وإن كانت ذاته بذاته لكنّ الغاية تدعو إلى العلّة وغير العلّة فقد اتّضح امتناعه ، فلا مناص عن أن تكون الغاية علّة للفعل بغاية الامتثال ؛ أي بمحرّكيته وداعويّته بلا دخالة شيء آخر ، وهو المطلوب .

فإذا كانت الاُجرة بإزاء العمل بداعي الامتثال وكان الأجير بصدد تسليم مورد الإجارة لأخذ الاُجرة بإزاء المستأجر عليه فلا محالة ينقدح في نفسه الداعي إلى إيجاد العمل للّه وبباعثية الأمر العبادي بلا تشريك فيه ؛ لما عرفت من امتناعه .

ص: 293

وبما ذكرناه يظهر النظر في الاحتمال الثالث في كلامه .

ثمّ إنّ ما ذكره في معنى العلّية التامّة صحيح ، لكن لا يراد بذلك إلاّ أ نّها بذاتها - بلا ضمّ ضميمة اُخرى وشريك في العلّية - علّةٌ ومؤثّر ، لا أ نّها علّة حتّى مع عدم علّة نفسها ؛ إذ مع عدمها تعدم . نعم ، لو فرض محالاً وجودها بلا علّة تكون مؤثّرة وموجدة للمعلول ، وفي المقام انتفاء الداعي الأعلى يوجب انتفاء ذات الداعي المعلولة له لا انتفاء شريكها مع بقاء ذاتها .

إن قلت : قد قرّر في محلّه أنّ الجهات التعليلية ترجع إلى الجهات التقي-يدية وأنّ الغايات عناوين الموضوعات ، ولذا كان التحقيق بناءً على وجوب المقدّمة وجوب الموصلة منها (1) ؛ بمعنى أنّ الواجب هو الموصل بما هو موصل ؛ لأنّ

الإيصال إلى ذي المقدّمة غاية وجهة تعليلية ، فترجع إلى الجهة التقييدية ، فتتعلّق الإرادة بالموصلة بعنوانها من دون دخالة شيء آخر . ففي المقام لمّا كان أخذ الأجر غاية ، لابدّ وأن يكون عنواناً للموضوع وحيثية تقييدية له ، فلا محالة يكون تمام الداعي لإيجاد الفعل أخذ الأجر ، فيمحّض الفعل في غير اللّه ، ولا شركة لأمر اللّه وداعي اللّه فيه رأساً .

قلت : هذه مغالطة نشأت من مقايسة إرادة الفاعل ومقدّماتها على إرادة الآمر والمشرِّع ، أو قياس إرادة الفاعل ومقدّماتها على حكم العقل على الموضوعات العقلية ، وهو قياس باطل ومع الفارق :

فإنّ حكم العقل وكذا إرادة المشرّع المنكشفة بها موضوعها العناوين ، فإذا

ص: 294


1- مناهج الوصول 1 : 333 .

أدرك العقل الملازمة بين وجوب ذي المقدّمة والمقدّمة الموصلة يكشف حكم الآمر على هذا العنوان ؛ أي الموصل ؛ لأنّ الغايات في الأحكام العقلية موضوع بحسب الواقع ، والجهات التعليلية ترجع إلى التقييدية . وبالجملة : يكشف العقل بإدراك الملازمة وجوباً شرعياً على عنوان الموصل . وهذا وجوب شرعي مستكشف بالعقل بناءً على الملازمة .

وأمّا الفاعل فلم يتعلّق إرادته على العناوين والطبائع الكلّية في إيجاد الأمر الخارجي ، ولو تعلّقت أحياناً بها لا يكفي تعلّقها بها للإيجاد المساوق للتشخّص ، فلا محالة تنشأ من إرادته المتعلّقة بالطبائع إرادة متعلّقة بما يريد بمبادئها بتوسّط

بعض الصور الموجودة في الذهن ، فإذا اعتقد أنّ الأثر الكذائي المطلوب مترتّب على وجود كذا فلا محالة يصير تصوّر تلك الغاية مع سائر المبادئ باعثاً له نحو العلّة ؛ أي الذات التي يترتّب عليها الأثر بنفسها لا بقيد وعنوان ، فإنّ المفروض أنّ العلّة هي الذات لا شيء آخر ، فلا محالة ينبعث نحوها ، فتصوّر العطشان أنّ رفع العطش مترتّب على شرب الماء بلا ضمّ ضميمة ، وتصديقه به ، يبعثه مع سائر المبادئ إلى ذات شربه بلا ضمّ ضميمة أجنبيّة عن التأثير ، وهو واضح .

وقد مرّ أنّ المؤثّر في المعلول ذات العلّة ، ولا يعقل أن تكون العلّة ذاتها

المتقيّدة بترتّب الأثر عليه(1) .

ففي المقام يكون ما قابل الأجر الصلاة بداعي أمر اللّه تعالى ، فلا محالة يكون الأجر داعياً ومحرّكاً إلى ذات الصلاة بداعي اللّه تعالى من غير إمكان

ص: 295


1- تقدّم في الصفحة 292 - 293 .

دخالة الأجر واشتراكه مع داعي اللّه في إتيانها ؛ للزوم تأخّر المتقدّم وتقدّم المتأخّر بالذات .

وإن شئت قلت : إنّ تصوّر أخذ الأجر علّة فاعلية الفاعل بسائر المبادئ لإيجاد الصلاة بداعوية أمرها ، والصلاة بداعوية أمرها يترتّب عليها الأجر ، فلا يعقل تجافي علّة فاعلية الفاعل عن مقام علّيتها وتقدّمها ووقوعها في رتبة داعوية أمر الصلاة لإيجادها .

والإنصاف : أنّ القول بالتشريك أو التمحّض في غير اللّه تعالى بالبيان المتقدّم غير وجيه ، بل دعوى أمر غير معقول كما مرّ .

في اعتبار إلهية جميع الدواعي الطولية والعرضية في العبادة

ثمّ إنّه على تسليم الداعي على الداعي أوردوا عليه بعدم إجدائه في وقوع الفعل امتثالاً وقربياً ، حتّى قال بعض الأعاظم : إنّه لو كان هذا إشكالاً لكان أولى

وأحقّ من أن يكون جواباً (1) .

وحاصل دعواهم : أنّ الامتثال والتقرّب متوقّفان على وقوع جميع الدواعي الطولية والعرضية إلهية ، ومع كون بعض ما في السلسلة غير إلهي لا يقع الفعل عبادة ، وفرّقوا بين الغايات المترتّبة على الأفعال بجعل إلهي وغيرها بأنّ ما كان بجعله تعالى يرجع إليه ولم يضرّ بقربيته دون ما كان لغاية غير اللّه تعالى .

وبالجملة : بعد تسالمهم على صحّة العمل إذا كان الامتثال للطمع في أجر اللّه

ص: 296


1- منية الطالب 1 : 51 .

والخوف من عقابه استشكلوا في الغايات المتوقّعة من غيره تعالى(1) .

أقول : قبل الورود في الجواب لا بدّ من التنبيه على أمر :

وهو أنّ في المقام قد يكون الداعي إلى امتثال أمر اللّه تامّاً مستقلاًّ في نفسه ، بحيث ينبعث المكلّف منه ، سواء كان في مقابله أجر أم لا .

وقد يكون الداعي إليه مفقوداً ، بحيث لولا الأجر لما كان آتياً بالفريضة .

وقد يكون الداعي إليه ناقصاً وضعيفاً لا يصلح للبعث ويتمّ بالأجر .

وكذا الداعي إلى أخذ الأجر قد يكون مستقلاًّ تامّاً ، وقد يكون ضعيفاً ناقصاً أو مفقوداً .

فتصوير الداعي على الداعي يأتي في بعض الصور لا جميعها ، ومع رفع الإشكال عمّا هي أسوأ حالاً من الجميع يتمّ المطلوب، وهي الصورة التي لا داعي للفاعل أصلاً لإتيان الفريضة ، وإنّما يتحقّق داعيه بواسطة الاُجرة ؛ بمعنى أنّ الفاعل لا يهتمّ بأمر الشارع - والعياذ باللّه - ، لكن يهتمّ بعقوده وعهوده لمروءته .

ثمّ لو فرض بقاء الإشكال في هذه الصورة لا يلزم منه الحكم ببطلان جميع الصور المتقدّمة ؛ ضرورة أنّ من لا ينبعث بالأمر الإجاري ولا يكون الأجر أيضاً داعياً له ولو بنحو ضعيف ، لا يقاس في البطلان بمورد الداعي على الداعي .

فلو فرض أنّ الفاعل لا يؤثّر في نفسه الاُجرة رأساً ويأتي بمورد الإجارة لداعوية الصلاة فقط ، لا وجه للحكم ببطلانها ، سواء قلنا بصحّة الداعي على الداعي أم لا .

ص: 297


1- منية الطالب 1 : 51 .

بل لو كان الداعيان مستقلّين ، أو داعي الصلاة مستقلاًّ وداعي الأجر ضعيفاً ، يمكن القول بالصحّة ولو قلنا ببطلان ما يأتي بالداعي على الداعي ؛ لأ نّه من قبيل الضميمة المباحة ، كما نسب القول بالصحّة في مثلها إلى كاشف الغطاء(1) إذا كان الداعيان مستقلّين ، ومال إليه شيخنا العلاّمة - أعلى اللّه مقامه -(2) .

والأولى بالصحّة فرض ضعف الداعي غير الإلهي ، وإن كان الفرضان لا يخلوان من إشكال سيّما الأوّل منهما .

التحقيق : عدم اعتبار الإخلاص التامّ في العبادة

وكيف كان لو فرض في المقام عدم الداعي الإلهي رأساً في نفسه ، ودعاه إلى العمل بداعي اللّه الاُجرة ، فهل الداعي على الداعي يوجب صحّته ، أم يعتبر فيها أن يكون جميع الدواعي الطولية والعرضية إلهية ؟

وإن شئت قلت : لا شبهة في أنّ الأمر بنفسه في شيء من الموارد لا يكون محرّكاً وباعثاً تكوينياً نحو العمل ، بل هو إنشاء البعث الاعتباري ، فإنّ هيئة الأمر

وضعت لإيقاع البعث نحو المادّة ، وأمّا علّيتها تكويناً للانبعاث فغير معقول وإلاّ لزم عدم تفكيك العمل عن الأمر ، وهو كما ترى .

بل تصوّر الأمر أيضاً ليس محرّكاً ما لم يكن في نفسه مبادئ اُخر كالخوف والطمع والحبّ والمعرفة .

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ المعتبر في العبادة أن تكون المبادئ الموجودة في

ص: 298


1- كشف الغطاء 1 : 273 .
2- الصلاة ، المحقّق الحائري : 131 - 132 .

النفس الباعثة لإيجاد متعلّق الأمر امتثالاً له تعالى كلّها مربوطة به تعالى ، فيكون خوفه من اللّه ورجاؤه إليه وطمعه في إعطائه تعالى باعثاً لإطاعته ومحرّكاً له ، أم

لا يعتبر فيها إلاّ كون العمل للّه تعالى خالصاً بلا شركة شيء معه ، فإذا صار شيء دنيوي سبباً لإيجاد عمل للّه تعالى ، ولا يكون في إتيان الفعل بداعي اللّه شريكاً

وإن كان الإتيان بداعي اللّه معلولاً لداعي غير اللّه ، يقع الفعل عبادة ؟

التحقيق هو الثاني ؛ لأنّ الامتثال والإطاعة عقلاً ليس غير إتيان المأمور به حسب دعوة الآمر ولأجل موافقته ، كان الباعث الأقصى عليه ما كان . وكون نفس الأمر محرّكاً بلا غاية اُخرى ومبادئ اُخر محال ؛ لأنّ كلّ فعل اختياري لابدّ له من مبادئ ، كالتصوّر والتصديق بالفائدة وإدراك لزوم إيجاده واصطفائه وإرادته ، والأمر بما هو ، ليس محرّكاً تكويناً ولا مترتّباً عليه بما هو فائدة . ولو

فرض في مورد ترتّبها عليه يكون مبدأ المحرّك والغاية الباعثة هي تلك الفائدة ، لا نفس أمر الآمر بما هو ، فلا بدّ في تحرّك المكلّف حسب دعوة الآمر من غاية ، وتلك الغاية لا يعقل أن تحرّك العبد إلاّ نحو امتثال الأمر وإطاعة المولى ، فتحقّق الامتثال والطاعة ممّا لابدّ منه ، وإلاّ لتخلّفت المتحرّكية عن المحرّكية ، والمعلول

عن العلّة . ولا يعتبر في العبادة عقلاً إلاّ وقوع الفعل امتثالاً وإطاعة للّه تعالى ، وكان تحرّك العبد حسب دعوة أمره بلا شركة شيء آخر في هذه الرتبة .

وبالجملة : إذا كان الإتيان للامتثال والإطاعة محضاً وبلا دخالة شيء فيه يصير العمل عبادة ؛ لأنّ العبادة إطاعة المولى وحركة العبد على طبق أمره ، كانت الغاية لها ما كانت .

وقد عرفت بما لا مزيد عليه امتناع اشتراك الغايات في ترتّب الآثار على ذي

ص: 299

الغايات ، بل هي علّة العلّة لا شريكتها .

والشاهد على عدم اعتبار شيء آخر في صيرورة الفعل قربياً وعبادياً - مضافاً إلى ما ذكر - الأدلّة المرغّبة في العبادات بالوعد على ترتّب آثار اُخروية أو دنيوية عليها ، وتسالمهم على صحّة العبادة إذا كان الإتيان والإطاعة بطمع الجنّة أو لخوف النار بل بطمع سعة الرزق ونحوها ، مع أنّ كلّ ذلك خارجة عن الإلهية ، والغايات المذكورة غير اللّه تعالى .

وما يقال : إنّ طمع الأجر إن كان من اللّه ، والخوف إن كان من عذاب اللّه فهو غير مضرّ بالإخلاص ، دون ما كان الإتيان لطمع في غير اللّه تعالى كحطام الدنيا ومنها الاُجرة(1) .

غير وجيه ؛ لأنّ الداعي ليس عبارة عمّا يخطر في الذهن ، بل عبارة عن الغاية المحرّكة حقيقة ، ولا ينبغي الريب في أنّ المحرّك في تلك العبادات المأتيّ بها طمعاً وخوفاً هو نفس متعلّقات الإضافات وحاصل المصادر والنتائج من غير أدنى دخالة للإضافات وحيث الصدور من فاعل خاصّ . ولهذا صارت محرّكات مع فرض سقوط الإضافة إلى اللّه بل مع الإضافة إلى عدوّ اللّه تعالى .

توضيح ذلك : أنّ إعطاء اللّه تعالى الحور العين بإزاء عبادة ينحلّ إلى حصول الحور ، والإعطاء ، وإضافته إليه تعالى . والمحرّك للفاعل الذي طمعه ترتّب تلك الفائدة على عمله لا يخلو : إمّا أن يكون نفس حصول الحور العين له استقلالاً من غير دخالة إضافة اللّه تعالى والإعطاء ؛ أي المعنى المصدري ، أو

ص: 300


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 129 .

نفس الإضافة إليه تعالى فقط من غير دخالة للمضاف إليه والمعنى المصدري ، أو نفس المعنى المصدري بلا دخالة غيره ، أو يكون محرّكه مركّباً من الحور والإضافة إليه تعالى ؛ بمعنى أنّ المضاف بما هو مضاف أو الإضافة الخاصّة علّة ، إلى غير ذلك من أنحاء التركيب الثنائي أو الثلاثي .

ففي غير مورد واحد - وهو كون تمام العلّة الإضافة إلى اللّه تعالى بحيث لا يكون نظر الفاعل إلى المتعلّق إلاّ كونه كرامة اللّه تعالى ويكون تمام المحرّك

حيث الانتساب إليه جلّ وعلا - يكون لغير اللّه دخالة في التحريك والإيجاد ، إمّا بنحو تمام العلّة ، أو بنحو الاشتراك والجزئية . هذا بحسب التصوّر .

وأمّا بحسب الواقع فلا يمكن حصول تلك المرتبة الرفيعة إلاّ لخلّص أولياء اللّه تعالى والمحبّين المجذوبين له تعالى ، بحيث كان تمام نظرهم إليه لا إلى غيره ، وكان ما وراءه تعالى من الجنّة وغيرها مغفولاً عنها ، وهم غافلون عن غير اللّه ويشتغلون به عن غيره - صلّى اللّه عليهم - .

وأمّا غيرهم من متعارف الناس فلا يكون محرّكهم إلاّ النتائج ومتعلّقات الإضافات ، ولهذا لو فرض اعتقادهم بترتّب تلك الآثار المطلوبة على أفعالهم من غير توسيط فاعل ومن غير ربط أو إضافة إلى أحد لأوجدوها طمعاً للآثار وحرصاً على الشهوات والمستلذّات .

فلو فرضنا أنّ مفاتيح الجنّة والنار بيد عدوّ اللّه الشيطان الرجيم - والعياذ باللّه - وكان هو معطي الجنّة ومُدخل النار ، وكانت طاعة اللّه تعالى وعصيانه بلا جزاء أصلاً ، لكنّه تعالى أمر أن يعبدوه بلا جزاء وأن لا يعصوه بلا عقاب على عصيانه ، وأمر بمخالفة الشيطان ونهى عن طاعته ، وكان الشيطان أمر بمخالفة اللّه تعالى

ص: 301

ونهى عن طاعته ، وأعطى للمخالفين له تعالى الجنّة وأدخل المطيعين له تعالى النار ، لعلم اُولو الألباب أنّ المطيع للّه تعالى على الفرض كالكبريت الأحمر أو أندر منه .

ولعمري أنّ هذا واضح لمن تأمّل في غايات أفعاله وتدبّر في حالات نفسه ومكائدها ، وليس هذا معنىً دقيقاً عرفانياً خارجاً عن فهم الناس ، بل شيء يعرفونه مع التنبيه على المحرّك الأصلي في الأعمال وتميّزه عن غيره .

فالإضافة إليه تعالى إمّا ساقطة رأساً وكان المحرّك التامّ هو رجاء الوصول إلى المشتهيات النفسانية والنيل إلى الشهوات والأهواء ، أو الخوف من التبعات والعذاب ، كما أنّ الأمر كذلك بحسب النوع .

أو لها نحو دخالة ضعيفة أو قويّة على حسب مدارج العاملين ، وهو مقام المتوسّطين .

وأمّا الخلوص التامّ فلا يناله إلاّ كمّل الأولياء ، بل لا يصدّقه إلاّ الأوحدي من الناس - جعلنا اللّه منهم ، وعصمنا اللّه من إنكار مقامات أوليائه عليهم صلواته - .

وإلى ما أشرنا إليه [يشير] ما ورد عن المعصومين علیهم السلام من تقسيم العبادة تارة إلى عبادة الأجير ، وعبادة العبيد ، وعبادة الأحرار ، واُخرى إلى عبادة الحُرصاء وهو الطمع ، والعبيد ، والأحرار(1) .

إذ من المعلوم أنّ الأجير لا يكون مطمح نظره في العمل إلاّ النيل بالأجر ويكون عمله خالصاً لأجل الاُجرة من غير دخالة الإضافات ، والحريص يرغب

ص: 302


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 62 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 9 .

إلى المال من أيّ طريق حصل ولا دخالة في إخماد نار حرصه للإضافات .

ومن كان ناظراً إلى إضافة اللّه وإلى كرامة المولى لا إلى متعلّقاتها فهو ليس من الاُجراء ولا الحرصاء ، بل هو من العرفاء باللّه والمخلصين من أوليائه تعالى .

فتحصّل من جميع ذلك صحّة صلاة الخائف والطامع ، وهي دليل على أنّ العبرة في الصحّة ليست إلاّ إطاعة أمر اللّه تعالى بلا تشريك غيره فيها ، ولا ينظر

إلى غايات محرّكة للطاعة والعبادة .

وإن شئت قلت : إنّه بعد ما كان الداعي ليس عبارة عن الخطور ، بل هو المحرّك ، وبعد ما كان المحرّك التامّ وعلّة فاعلية الفاعل بحسب متن الواقع هو الخوف من العذاب أو الطمع إلى المشتهيات بلا دخالة شيء آخر فيه وإنّما يقال : أفعل كذا لأن يدخلني اللّه الجنّة أو لخوف الدخول في نار اللّه ، لمجرّد كون المورد كذلك ، وأنّ الجنّة والنار بيد اللّه وتحت قدرته ، لا لأنّ العلّة للإيجاد

الجنّة مع تلك الإضافة أو نفس الإضافة ، وهو نظير أن يقال : إنّ الشمس في الفلك الرابع مشرقة والنار في جهنّم محرقة ، حيث لا يراد نفي علّية الشمس والنار بذاتهما ، بل بيان للمورد والواقعة ، فإذا كان الأمر بحسب الواقع في متعارف الناس والمكلّفين كذلك لا يعقل أمرهم بما هو خارج عن تحت قدرتهم ؛ ضرورة أنّ حصول الخلوص التامّ طولاً وعرضاً لا يمكن لمتعارف الناس ؛ بل ولا لخواصّهم إلاّ من عصمه اللّه تعالى .

فلو كان الإخلاص التامّ معتبراً لسقط التكليف عن عامّة الناس ؛ لعجزهم عنه .

مع أ نّه لو كان الامتثال والعبادية لا يحصل إلاّ بالخلوص الكذائي كان على

ص: 303

اللّه تعالى وأوليائه علیهم السلام بيانه وإرشاد الناس إليه وتكليفهم به ، لا الترغيب فيما يضادّه وينافيه .

مضافاً إلى أنّ في الآيات والروايات ما تدلّ على أنّ للأعمال الحسنة آثاراً

ولوازم في النشأة الآخرة ، كظاهر قوله تعالى : )فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . . .((1) .

وقد ورد حديث عن أمير المؤمنين علیه السلام : أنّ هذه الآية أحكم آية في كتاب اللّه (2) فعليه يكون ظاهرها مراداً بلا تأوّل . والظاهر منها أنّ عمل الخير بنفسه مورد الرؤية .

ويؤكّده قوله : )يَومَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوا أَعْمالَهُمْ((3) .

فيظهر منها أنّ الأعمال نفسها متجسّدة مرئيّة فيها والناس ملتذّ بها .

فلو فرض أنّ الآتي بالصلاة للّه تعالى والمجيب لدعوة )أَقِمِ الصَّلَوةَ( إنّما يأتي بها ويطيعه تعالى طمعاً للوصول إلى الصورة البهيّة اللازمة لعمله ، فهل يمكن أن يقال : عمله باطل ، أو يقال : للجنّة خصوصية ؟

فلو قيل : إنّ أمثال ذلك خارج بدليل .

قلنا : مرجع هذا إلى عدم اعتبار الخلوص فيها ، وأنّ تلك الأفعال ليست بعبادة ، وهو خلاف الضرورة ، فإنّ الإجماع بل الضرورة على اعتبار الخلوص في العبادات ، وقصد غير اللّه مضرّ بها ، فيكشف منهما وممّا ذكرناه عقلاً ونقلاً أ نّه

ص: 304


1- الزلزلة (99) : 7 .
2- اُنظر مجمع البيان 10 : 800 ؛ تفسير الصافي 5 : 358 .
3- الزلزلة (99) : 6 .

لا يعتبر في العبادية إلاّ الخلوص في نفس العمل ؛ أي كونه امتثالاً له تعالى من غير تشريك في هذه الرتبة، ولا ينظر إلى مبادئ التحريك .

ويؤيّد ما ذكرناه بل يدلّ عليه إطلاق أدلّة الأمر بالمعروف ، فإنّ المعروف إن كان من العبادات ، والمكلّف التارك كان غير منبعث عن أمر اللّه تعالى فأمره والده أو من يحتشم منه أو من يحبّه ولا يرضى بمخالفته واقعاً ، فأتى بالتكليف الإلهي وامتثل أمر اللّه إطاعة لوالده أو غيره ، لابدّ وأن تقع صحيحة ، وإلاّ لزم أن يكون

الأمر بالمعروف مُعدماً لموضوعه ، بل موجباً لانقلابه بالمنكر ، فإنّ إتيان العمل العبادي لغير اللّه من المنكرات . وليس المراد بالأمر بالمعروف الموعظة الحسنة ، بل المراد به وما هو الواجب الأمر المولوي لغرض البعث به ، ولهذا لا يجب إذا لم يحتمل التأثير ، فإنّ معه لا يمكن الأمر حقيقة .

وبالجملة : لا شبهة في وجوب الأمر بالمعروف ، فلا بدّ وأن يكون الانبعاث ببعث الآمر في طول الإتيان بالعمل عبادة وإطاعة للّه تعالى غير مضرّ بالعبادية ، وهو المقصود .

ويؤيّد عدم مضرّية وقوع الشيء طاعة وامتثالاً مع عدم رجوع جميع السلسلة إلى المطاع ، أمر اللّه تعالى بإطاعة رسول اللّه رحمهما اللّه واُولي الأمر علیهم السلام ، فلو خرج المأتيّ به بواسطة كون الغاية إطاعة أمر اللّه تعالى عن طاعة الرسول رحمهما اللّه واُولي الأمر علیهم السلام لزم امتناع تعلّق الأمر بها ؛ لكونه معدماً لموضوعه .

وليس المراد بإطاعتهم أخذ الأحكام منهم أو العمل بالأحكام الشرعية الإلهية التي كانوا مبيّنين لها ؛ لأنّ كلّ ذلك ليس إطاعة لهم ، بل المراد إطاعة

ص: 305

أوامرهم السلطانية الصادرة منهم بما هم حكّام وسلاطين ، كالأمر بالغزو والجهاد

وغيرهما من شؤون السلطنة ، كما فصّلناه في رسالة «لا ضرر»(1) .

وبالجملة : فالقائل ببطلان العبادة في الموارد المذكورة ومنها مورد البحث :

إمّا أن يقول بعدم صدق الطاعة في تلك الموارد فيردّه العقل والنقل .

وإمّا أن يدّعي مع صدقها عدم صدق العبادة ، فيردّه أيضاً العقل والنقل . فإنّ إطاعة أمر اللّه تعالى وامتثاله خالصاً بمعنى عدم التشريك في إتيان العمل وعدم كونه لغير اللّه ولو بنحو جزء العلّة عبادة له تعالى .

وإمّا أن يقول باعتبار شيء زائد في حصول التقرّب وسقوط الأمر العبادي ، فهو مع بطلانه خلاف الفرض والمبحوث عنه في المورد .

إشكال العلاّمة الشيرازي في المقام والجواب عنه

وممّا ذكرناه يظهر النظر في كلام المحقّق التقيّ في تعليقته ، من التشبّث بحكم العرف والعقلاء بأ نّهم لا يشكّون في أ نّه إذا جعل زيد اُجرة لعمرو في إطاعة شخص فأطاعه طلباً للجعل لا يستحقّ من هذا الثالث مدحاً ولا ثواباً . وكذا لو أمر المولى عبده بخدمة ثالث فأطاع العبد أوامره امتثالاً لأمر

المولى أ نّه لا يعدّ مطيعاً له ولا يستحقّ منه أجراً ومدحاً ، مع أنّ إطاعة هذا الثالث لحصول إطاعة المولى ، فإطاعته غاية لفعله وإطاعة المولى غاية لهذه الغاية(2) ، انتهى .

ص: 306


1- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، الإمام الخميني قدس سره: 66 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 146 .

وفيه : - بعد الغضّ عن مسامحته في التعبير وجعل إطاعة المولى غاية لغاية ، وقد مرّ معنى الداعي على الداعي والمقصود منه(1) ويأتي الإشارة إليه - أنّ الاعتراف بمأجورية العبد عند مولاه في إطاعة الثالث وباستحقاقه للجعل على الجاعل في المثال الأوّل ملازم للاعتراف بحصول الامتثال والإطاعة للثالث ؛ ضرورة أنّ الجعل في مقابل طاعته وامتثال المولى لا يحصل إلاّ بإطاعة الثالث .

فلو توقّف صدق الطاعة على كون جميع المبادئ طولاً وعرضاً راجعاً إلى المطاع لما يمكن صدق الطاعة في المثالين ، فلا يمكن استحقاق الأجر والثواب من الجاعل والمولى ، فمع صدقها يسقط أمر الثالث بلا ريب ولو كان الامتثال والإطاعة معتبرة فيه .

وليس الإطاعة في الأوامر العقلائية مخالفة لها في الأوامر الإلهية ، فكما تحصل في مورد المثالين تحصل في أمره تعالى بلا افتراق من هذه الجهة بينهما ، وكما يسقط أمر الثالث في موردهما تسقط أوامر اللّه في نظائر الموردين .

واستحقاق الأجر والثواب وحصول القرب ليس شيء منها معتبراً في وقوع العمل عبادة . ولهذا أنكر طائفة من المتكلّمين والفقهاء استحقاقهما في إطاعة أوامر اللّه تعالى ولا يحصل العلم بالقرب الفعلي في العبادات .

وببالي أنّ المحقّق القمّي رحمه الله علیه قال في موضع من «القوانين» : «إنّ عباداتنا

ص: 307


1- تقدّم في الصفحة 293 .

لم يحصل بها القرب بل لعلّها موجبة للبعد»(1) ومع ذلك لا ينكرون صحّتها وسقوط الأمر بها .

وتدلّ على عدم الملازمة بين الصحّة وحصول القرب واستحقاق الثواب روايات مستفيضة دالّة على أنّ المقبول من الصلاة ما يؤتى بها بإقبال القلب وإنّما يصعد منها ما كان كذلك(2) .

فلا يعتبر في صحّة العبادة غير ما تقدّم .

وليس الكلام في المقام في الرياء ، ولعلّ فيه بحسب الأخبار تضييقاً ليس في غيره من الاُمور المباحة .

إبطال المحقّق الإيرواني الداعي على الداعي وردّه

وبما مرّ من المراد من الداعي على الداعي يظهر سقوط قول بعض الأفاضل ، حيث قال : «والحقّ بطلان الداعي على الداعي وإن بنى معظم أساتيدنا تصحيح أخذ الأجر في العبادات على أساسه . وأنت لو تأمّلت علمت أنّ الداعي - أعني المحرّك الباعث إلى العمل - لا يعقل في غير الأفعال الاختيارية . ودعوة الأمر ليست فعلاً من أفعال المكلّف فضلاً عن أن يكون اختيارياً ، ومع ذلك كيف يعقل أن يدعو أمر إلى أن يكون أمر آخر داعياً ؟ وهل الداعي يكون عن داعٍ مع أ نّه يلزم التسلسل في الدواعي ؟»(3) ، انتهى .

ص: 308


1- قوانين الاُصول 1 : 145 / السطر 15 .
2- راجع وسائل الشيعة 5 : 476 ، كتاب الصلاة ، أبواب أفعال الصلاة ، الباب 3 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 282 .

وأنت خبير : بأنّ حكمه ببطلان ما ذهب إليه معظم الأساتيد ناشٍ من قلّة التدبّر في مرادهم وعدم تحصيل مغزى مرامهم ، فتوهّم تارةً أنّ مرادهم أنّ أمراً من الأوامر صار موجباً لدعوة أمر آخر مع أنّ دعوته ليست فعلاً من المكلّف ، واُخرى أنّ لازم كلامهم أنّ الداعي بالداعي وهو موجب للتسلسل ، مع أنّ مرادهم بمعزل عمّا فهم ، بل المراد ما أشرنا إليه من أنّ الأمر يدعو إلى المتعلّق إنشاءً وإيقاعاً ، وليس علّة لتحرّك العبد بذاته ، بل بعد تحقّق بعض المبادئ كالخوف والرجاء وغيرهما في النفس صارت تلك المبادئ ومبادئ اُخر موجبة لتحرّك العبد حسب دعوة الأمر وتحريكه الإيقاعي وإطاعته لمولاه . وهذه المبادئ في طول إتيان العمل بداعوية الأمر ، فأين ذلك من كلامه من لزومه للتسلسل أو كون شيء موجباً لدعوة الأمر ؟ بل قلّما يتّفق إتيان فعل لا بداعي الداعي .

ثمّ لو شككنا في اعتبار الإخلاص في العمل زائداً عن الإخلاص العرضي فمقتضى الإطلاق فيما تمّت مقدّماته والإطلاق المقامي في بعض الأحيان عدم اعتباره ، ومع فقده فأصالة البراءة العقلية ومثل دليل الرفع تكون مرجعاً .

هذا كلّه فيما قيل أو يقال في منافاة التعبّدية وأخذ الأجر .

ص: 309

حول إشكال منافاة وصف الوجوب لأخذ الاُجرة

وأمّا منافاة وصف الوجوب له ، وهو الذي كان مورد نظر الفقهاء ، فقد استدلّوا عليه باُمور . ونحن نفرض المقام فيما إذا كان الواجب عينياً تعيينياً ثمّ نشير إلى

سائر الأقسام .

الكلام في الواجب العيني التعييني

استدلال الشيخ الأعظم على المنافاة وردّه

فمنها : ما أفاده العلاّمة الأنصاري قدّس سرّه ، قال : «فإن كان العمل واجباً عينياً تعيينياً لم يجز أخذ الاُجرة ؛ لأنّ أخذ الاُجرة عليه مع كونه واجباً مقهوراً من قبل الشارع على فعله أكل للمال بالباطل ؛ لأنّ عمله هذا لا يكون محترماً ؛ لأنّ استيفاءه منه لا يتوقّف على طيب نفسه ؛ لأ نّه يقهر عليه مع عدم طيب النفس والامتناع»(1) ، انتهى .

وأنت خبير : بأنّ دليله الذي انتهى إليه بعد قوله : لأنّ ولأنّ ، أخصّ من المدّعى ، فإنّ مدّعاه عدم جواز أخذها في مطلق الواجبات الكذائية ، ودليله على عدم احترام عمله جواز استيفائه منه بلا توقّف على طيب نفسه وقهراً عليه بدليل الأمر بالمعروف ، مع أنّ دليل الأمر بالمعروف لا تكفي في مطلق الموارد ، كما لو كان الواجب موسّعاً سيّما مثل قضاء الفوائت وبعض صلوات الآيات ،

ص: 310


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 135 .

فلا يمكن الاستيفاء بلا طيب نفسه ولا يجوز إلزامه بإتيانه ، فلا بدّ في استيفاء

المنفعة المطلوبة من عقد الإجارة .

لا أقول : استئجاره في إتيان العمل في زمان خاصّ ، حتّى يقال : إنّ الاستئجار له ليس استئجاراً للواجب .

بل أقول باستئجاره لإتيان الواجب لكن بعد الاستئجار يجوز له مطالبة حقّه بلا تقي-يد للموضوع ، مع أ نّه قد لا يمكن إلزامه على العمل وقهره عليه ، تأمّل .

مضافاً إلى أنّ ما كان مالاً عند العقلاء وتكون المعاملة عليه عقلائية منسلكة في التجارة عن تراضٍ ، فلا بدّ في دعوى كون أخذ الأجر عليه من أكل المال بالباطل من دليل تعبّدي مسقط لماليته أو لإضافته إلى مالكه حتّى يصير بتحكيم ذلك الدليل خارجاً عن موضوع الأوّل وداخلاً في الثاني ، أو دلّ دليل على عدم صحّة المعاملة كالإجارة الغررية ونحوها .

ومجرّد إيجاب الشارع وإمكان استيفاء المنفعة بغير عقد الإجارة لا يوجب سقوط الشيء عن المالية . كيف ؟ وقد فرض إمكان استيفاء المنفعة العقلائية المقوّمة للمالية لدى العقلاء بطريق آخر . فإمكانه بذلك لا يعقل أن يكون مُعدماً لماليته ، وكثيراً ما يمكن استيفاء منفعة بلا عقد إجارة مثلاً واستنقاذ عين بلا عقد بيع .

وأمّا جواز القهر عليه وإلزامه على الإيجاد بدليل الأمر بالمعروف فهو أجنبيّ عن جواز إلزامه لاستيفاء المنفعة وإن يترتّب عليه الاستيفاء قهراً .

وبالجملة : فرق بين جواز الإلزام على إعطاء عمله لاستيفاء المنفعة وبين جواز إلزامه على إيجاد الواجب الإلهي وإن ترتّب نفع للملزم - بالكسر - على

ص: 311

عمله . فلو سلّم منافاة جواز الإلزام على الوجه الأوّل لبقاء الاحترام للمال فلا يسلّم منافاته له على الوجه الثاني المورد لأدلّة الأمر بالمعروف . وقد تقدّم أنّ مجرّد إمكان الاستيفاء بوجه غير الإجارة لا يوجب إسقاط المالية . فالتعبير في المقام بقوله : «إنّ استيفاءه منه لا يتوقّف على طيب نفسه» الموهم لإعطاء حقّ من قبل الشارع لاستيفاء منفعة عمله كأ نّه في غير محلّه .

وكذا لا ملازمة عقلاً ولا عرفاً بين جواز الاستيفاء قهراً وبين سقوط المالية والاحترام كما في نظائره . فلو خاف على نفسه التلف يجوز بل يجب الانتفاع بمال الغير قهراً عليه ، كالدخول في حمّامه ولبس ثوبه وركوب دابّته مع امتناعه ، ومع ذلك يجوز الاستئجار منه بلا إشكال ويكون ضامناً مع الانتفاع بها .

بل جواز الاستيفاء مجّاناً لا يوجب بطلان المعاملة عليه أيضاً ولا تصير به خارجة عن التجارة عن تراضٍ ، كما جاز للمارّة الأكل مجّاناً ، ولا شبهة في جواز الاشتراء أيضاً ، إلاّ أن يقال في المقام بلزوم الاستيفاء مجّاناً، وهو

أوّل الكلام .

فتحصّل ممّا ذكر أنّ شيئاً من المذكورات لا يصلح لإسقاط مالية العمل ولا لإسقاط الإضافة إلى الفاعل ولا يدلّ شيء منها على بطلان المعاملة .

وأمّا ما أفاده في ذيل كلامه من حكم العقلاء بأنّ أخذ الأجر على ما وجب من قبل المولى أكل للمال مجّاناً وبلا عوض(1) ، ففيه منع ، إلاّ إذا فهم من أمره المجّانية ، وهو ليس محلّ الكلام .

ص: 312


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 135 .

والشاهد على ما ذكرناه أ نّه لو صرّح المولى بأ نّه لا بأس بأخذ الأجر فيما

أوجبت عليك ، لم يحكم العقلاء بالتنافي بين إيجابه ونفي بأس أخذه ، مع أ نّه يقع التنافي على ما أفاده . ولا أظنّ منه قدّس سرّه أ نّه لو ورد دليل معتبر على جواز أخذ الأجر في الواجب عمل معه معاملة المعارض للكتاب والسنّة ، بل الظاهر أنّ أخذ الأجر في مقابل فعل الحرام أيضاً لا يكون من قبيل أكل المال بالباطل عند العقلاء إذا لم يكن الفعل باطلاً عرفاً ، ولهذا إنّ العقلاء يعاملون على المحرّمات ولا يرون أخذ الأجر أو العوض فيها من قبيل الأكل بالباطل كالسرقة والظلم ، وليس الباطل هو الشرعي ، فالدليل على بطلانها غير ذلك ، كقوله : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» بتقريب قدّمناه(1) أو عدم إمكان تنفيذ المعاملة على المحرّمات وإيجاب الوفاء بها .

ما أجاب به المحقّق الأصفهاني عن مقالة الشيخ وما فيه

وربما يقال في جواب مقالة الشيخ : إنّ لمال المسلم حيثيتين من الاحترام :

إحداهما : حيثية إضافته إلى المسلم ، ومقتضى احترامه بهذه الحيثية أن لا يتصرّف أحد فيه بغير إذنه وله السلطنة على ماله وليس لأحدٍ مزاحمته في سلطانه .

ثانيتهما : حيثية ماليته ، ومقتضى حرمتها أن لا يذهب هدراً وبلا تدارك .

ومن الواضح أنّ الإيجاب والمقهورية وسقوط إذنه موجبة لسقوط احترامه

ص: 313


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 49 - 50 .

من الحيثية الاُولى دون الثانية ، ولذا جاز أكل مال الغير في المخمصة بلا إذنه مع بقائه على احترامه ، ولهذا يضمن قيمته بلا إشكال .

مضافاً إلى أنّ هدر المال غير هدر المالية ، والمضرّ الثاني لا الأوّل ، ولهذا

يصحّ المعاملة مع الكافر الحربي مع سقوط احترام ماله من الحيثيتين وذلك لعدم هدر مالية ماله(1) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه أوّلاً : أ نّه ليس للمملوك إلاّ إضافة واحدة إلى مالكه هي إضافة المملوكية ، ولها أحكام عقلائية وشرعية واحترامات كذلك ، ومع الغضّ عن تلك الإضافة لا حرمة له مطلقاً ؛ ضماناً كانت أو غيره ، فالحيثية الثانية في كلامه ؛ أي

ذات المالية ، مقطوع الإضافة لا حرمة لها ، وعدم الذهاب هدراً من آثار إضافة المال إليه ومن الأحكام العقلائية المترتّبة على إضافة المال إليه ؛ أي على إضافة المالكية ، لا حيثية مقابلة لها ، فإضافة المال إلى المسلم أو المال المضاف إليه موضوع تلك الآثار .

وجواز الأكل في المخمصة بلا إذن صاحبه وقهراً عليه ليس من جهة سقوط احترام الإضافة إلى المسلم ؛ لأنّ لازم سقوط احترامها عدم الضمان بلا ريب ؛ لأنّ موضوع دليل الضمان الإتلافي وغيره هو مال الغير المتقوّم بالإضافة .

وليس الضمان من جهة احترام ذات المال ساقط الإضافة أو مع سلب احترام إضافته ، بل لأجل أنّ حكومة دليل رفع الاضطرار إنّما هي على بعض الأحكام المترتّبة على إضافة المالكية ، وهو حرمة التصرّف فيه بلا إذنه ورضاه ، دون

ص: 314


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 197 - 199 .

الحكم الوضعي وهو الضمان ؛ لأنّ المضطرّ إنّما يضطرّ إلى الأكل وهو يسدّ رمقه ، لا الأكل المجّاني ، فليس مضطرّاً إلى الأكل المجّاني . فليس في الأكل في المخمصة سقوط الإضافة إلى المسلم وتحقّق الضمان بإتلاف ذات المال بلا إضافة إلى مالكه، وهو واضح .

وكذا الكلام في مال الكافر الحربي ، فإنّه لم تسقط الإضافة المالكية عن الحربي ، ولماله احترام في الجملة ، وفي إتلافه ضمان في الجملة .

ومجرّد أنّ للمسلم جواز تملّكه وأ نّه ملك أن يملك لا يوجب سقوط إضافته إليه وسقوط أحكام الإضافة واحترامها واحترامه مطلقاً ، ولهذا يورث ماله ويضمن التالف غير المسلم ، بل لا يبعد القول بضمان المسلم لو أتلفه بلا تملّك وإن جاز تملّك عوضه أيضاً . ومجرّد ملك أن يملك لا يوجب جواز التصرّف بلا إذنه ما دام في ملكه ولا سلب ضمانه إذا أتلفه ، إلاّ أن يقال بانصراف أدلّة الضمان عن مثل المورد ، والمسألة محتاجة إلى المراجعة .

وثانياً : أنّ مورد الكلام في المقام هو أخذ الاُجرة على إتيان الواجب وصيرورة المكلّف أجيراً على إيجاد ما وجب عليه ، وهو المعنى المصدري ؛ أي نفس الإضافة الصدورية .

وإن شئت قلت : إنّ الواجب عمل المكلّف وإيجاده ، لا حاصل عمله والمعنى الاسم المصدري . فعليه لو سقطت حرمة عمله من حيث الإضافة إليه ؛ أي من حيث الإضافة الصدورية فلا تقع الإجارة عليه صحيحة ؛ لأ نّها وقعت على ما سقطت حرمته .

وبعبارة اُخرى : إنّ للعمل اعتبارين مع وحدته الخارجية : اعتبار الإضافة إلى

ص: 315

العامل وهو إضافة صدورية وهي مقوّمة لاعتبار ملكية العامل له ، واعتباره في نفسه وكونه شيئاً بحياله وحاصلاً من إيجاد الفاعل وهو حاصل عمله لا نفسه . وما تعلّق به التكليف وإن كان الطبيعة لكن الأمر باعث إلى إيجادها بنحو قرّر في محلّه فيجب عليه إيجادها ، وكذا ما هو محلّ البحث صيرورته أجيراً في الواجب ؛ أي في الإيجاد الكذائي ، فلو سقطت حرمة عمله من حيث إضافته إلى الفاعل لا محيص عن القول بالبطلان .

فالأولى في الجواب ما تقدّم من أنّ الإيجاب والإلزام لا ينافي بقاء احترامه وإضافته وصحّة الاستئجار عليه .

استدلال المحقّق النائيني على المنافاة وردّه

ومنها : ما أفاده بعض أعاظم العصر ، قال في بيان منشأ بطلان الإجارة على المحرّمات والواجبات ما حاصله : «أ نّه يعتبر في الإجارة وما يلحق بها أمران :

الأوّل : أن يكون العمل ملكاً للعامل ؛ بأن لا يكون مسلوب الاختيار بإيجاب أو تحريم شرعي ؛ لأ نّه إذا كان واجباً عليه فلا يقدر على تركه ، وإذا كان محرّماً عليه لا يقدر على فعله . ويعتبر في صحّة المعاملة كون الفعل والترك تحت اختياره .

الثاني : أن يكون العمل ممكن الحصول للمستأجر ، فلو لم يكن كذلك كما إذا تعلّق تكليف عليه مباشرة فلا تصحّ الإجارة عليه وإن انتفع به ، فإنّ مجرّد الانتفاع لا يصحّحها ؛ فإنّه معتبر في جميع المعاملات لإخراجها عن السفهية» .

ص: 316

ثمّ فرّع على ذلك بطلان الإجارة على الواجبات لفقد الأمرين وعلى المحرّمات لفقد الأوّل منهما (1) .

ويرد على الأمر الأوّل : أ نّه إن اُريد به أنّ التكليف يسلب الاختيار تكويناً فهو كما ترى وهو لا يريده جزماً .

فلا بدّ وأن يكون المراد بسلب الاختيار أ نّه بعد الإيجاب والتحريم ليس مختاراً من قبل الشارع في إيجاد الفعل وتركه ؛ أي لا يكون الفعل مباحاً عليه ومرخّصاً فيه ، ويراد بقوله : «فإذا كان واجباً لا يقدر على تركه» أ نّه لا يجوز تركه .

فهو كما ترى مصادرة واضحة ، فإنّ المدّعى أ نّه إذا أوجب اللّه تعالى عملاً لايجوز أخذ الأجر عليه ، والدليل المذكور أ نّه إذا كان واجباً لا يجوز تركه ويجب إتيانه وليس مرخّصاً في فعله وتركه فلا يجوز أخذ الأجر عليه ، وهو عين المدّعى ويطالب بالدليل على أ نّه إذا كان كذلك لِمَ لا يجوز أخذ الأجر عليه ؟

وإن اُريد أ نّه إذا وجب تكليفاً سلبت القدرة الوضعية عنه فهو أيضاً مصادرة واضحة ، والإنصاف أنّ هذا لا يرجع إلى محصّل .

وعلى الأمر الثاني : بأنّ المراد بإمكان الحصول للمستأجر إن كان إمكان المملوكية له ؛ بمعنى أن يصير العمل أو نتيجته ملكاً له كملكية الهيئة الحاصلة بالخياطة ونحوها ، فلا شبهة في عدم اعتبار ذلك في صحّة الإجارة ؛ ضرورة صحّتها على تعمير المساجد والطرق والقناطير ، وكذا صحّتها على عمل للأجنبيّ .

ص: 317


1- منية الطالب 1 : 45 .

وإن كان المراد بإمكان الحصول له صيرورة العمل ملكاً له ؛ بمعنى كونه مالكاً للإبراء والإلزام فلا ريب في أنّ هذا المعنى حاصل له ، فله إبراؤه وإبرامها وفسخها مع الخيار ولهما الإقالة إلى غير ذلك من أحكام مالكية العمل أو المنفعة ، وبإبرائه أو فسخها يسقط حقّه المعاملي وإن وجب من قبل الشارع ويجب عليه الأمر بالمعروف بشرائطه .

وإن كان المراد من الحصول إمكان تحقّقه على نحو المعاقدة والمعاملة عليه فلا ريب في إمكان حصوله له بهذا المعنى ، فإنّ من له غرض عقلائي من نفع أو غيره في وجود عمل صادر من الغير واستأجره على إيجاده فأوجده على طبق غرضه فقد حصل العمل له .

وأمّا ما قال في خلال كلامه : إنّ مجرّد الانتفاع لا يصحّح الإجارة ، غير وجيه ؛ لأنّ الانتفاع العقلائي الموقوف على وجود عمل في الخارج يصحّحها كالاستئجار لتعمير المساجد ونحوه ، بل لا يعتبر في صحّتها الانتفاع أيضاً ، فإن كان لفعل أثر مورد لغرض عقلائي يصحّ الإجارة عليه وإن لم ينتفع المستأجر به . فالميزان في صحّتها كون العمل مرغوباً فيه لغرض عقلائي .

استدلال كاشف الغطاء على المنافاة وردّه

ومنها : ما عن شرح الاُستاذ على «القواعد» من أنّ المنافاة بين صفة الوجوب والتملّك ذاتية ؛ لأنّ المملوك والمستحقّ لا يملك ولا يستحقّ ثانياً (1) .

وفيه : - مضافاً إلى التنافي بين دعوى ذاتية التنافي بين صفة الوجوب

ص: 318


1- شرح القواعد ، كاشف الغطاء 1 : 279 .

والتملّك الظاهرة في أنّ التنافي لذاتهما لا لأمر آخر ، وبين تعليله الظاهر في أنّ التنافي بين المملوكين والمستحقّين بالذات لا بين صفة الوجوب والتملّك ، وتوجيه كلامه بأنّ مدّعاه اتّحاد ماهية الوجوب والتملّك أفحش - أ نّه :

إن أراد بما ذكر أنّ الإيجاب من الأسباب المملّكة ، فإذا تعلّق بعمل يوجب صيرورته للموجب ومع كونه له لا يمكن جعله لشخص آخر ؛ لعدم إمكان كون المملوك مملوكاً ثانياً .

ففيه : منع كونه مملّكاً لا عند العقلاء وهو واضح ؛ ضرورة أنّ الأب أو المولى إذا أمرا بعمل لا يصيران مالكين له لدى العقلاء بحيث يعدّان ذا مال بعهدة الولد والمملوك فصارا مستطيعين لأجل ذلك وصار المال موروثاً ، إلى غير ذلك من الآثار ، كإجارته بالغير نحو الدابّة ، ولا عند الشارع ؛ لعدم الدليل على جعل السببية له ، بل الدليل على خلافه ، فإنّ فعل الابن المأمور به لا يصير ملكاً لأبيه

بضرورة الفقه .

ولو ادّعى الفرق بين أوامر اللّه تعالى وأمر غيره ففيه ما لا يخفى ؛ لأنّ الإيجاب في جميع الموارد بمعنىً واحد ولو كان المنشئ له مختلفاً ، مضافاً إلى عدم الدليل على سببية إيجاب اللّه تعالى لتملّكه الاعتباري ولو قلنا بصحّة اعتبار الملكية له تعالى عند العقلاء بهذا المعنى الاعتباري ، وسنشير إليه وإلى فساده(1) .

وإن أراد بذلك أنّ الإيجاب مستلزم لقطع سلطنة المكلّف وحدوث سلطنة للمولى ولا معنى للملكية مع سقوط أنحاء السلطنة عن المالك فإنّ اعتبار

ص: 319


1- يأتي في الصفحة 321 .

الملكية عند العقلاء بلحاظ آثارها ومع عدم الأثر مطلقاً لا معنى لاعتبارها .

ففيه : أنّ المدّعى إن كان قطع جميع أنحاء السلطنة ومنها السلطنة على المعاملة والإجارة فهو مصادرة ؛ لأنّ الكلام في أ نّه هل يصحّ أخذ الأجر على الواجبات وأنّ الإيجاب يوجب بطلان الإجارة أو لا .

وبالجملة : نحن مطالب بالدليل على هذا المدّعى .

وإن كان المدّعى قطع بعض أنحائها ، وهو عبارة اُخرى عن سلب اختياره وسلطنته تشريعاً عن الفعل والترك ، وهو عبارة اُخرى عن الوجوب الرافع للترخيص فهو بهذا المعنى مسلّم لكن لا يوجب سلب الملكية ، فإنّ اعتبارها متقوّم بترتّب الأثر في الجملة ، فكثيراً ما سلب بعض أنحاء السلطنة عن المالك مع بقاء ملكيته عند العقلاء .

فتحصّل ممّا ذكر عدم المنافاة بين صفة الوجوب والتملّك وعدم منشئية الوجوب لملكية اللّه تعالى حتّى لا تجتمع ملكيته مع ملكية غيره .

بيان السيّد الطباطبائي في عدم المنافاة وما فيه

وأمّا ما في تعليقة الطباطبائي رحمه الله علیه من أنّ السرّ في عدم المنافاة أنّ ملكية المستأجر في طول طلب الشارع واستحقاقه(1) .

وقد نطقت بإمكان الملكية الطولية الألسن وصار كالأصل المسلّم ، وقد مثّلوا تارة بملكيته تعالى للأشياء وملكية رسول اللّه رحمهما اللّه والأئمّة علیهم السلام لها مع ملكية كلّ مالك لملكه ، واُخرى بملكية العبد والمولى لمال العبد طولاً .

ص: 320


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 141 - 142 .

ففيه : أنّ الطولية المدّعاة في المقام عكس الطولية في المثالين ، فإنّ فيهما يقال : إنّ الناس مملوكون للّه تعالى مع أملاكهم ، والعبد وملكه لمولاه . وفي المقام

يقال : إنّ أمر اللّه تعالى أوجب ملكيته تعالى للعمل ، والمستأجر ملك ما ملك اللّه ، فاللّه تعالى ملك ذات العمل والمستأجر ملك المملوك له تعالى ، وهو بوصف مملوكيته في طول الذات .

وأنت خبير بأنّ هذا النحو من الطولية لا يصحّح اعتبار الملكية بل ينافيه ويناقضه . فهل يصحّ القول بأنّ الثوب ملك لزيد ، وبما أ نّه ملك لزيد ملك لعمرو ، وهل هذا إلاّ التناقض في الاعتبار لدى العقلاء والعرف ؟ والمسألة عرفية لا عقلية لابدّ في حلّها من المراجعة إلى الاعتبارات العقلائية ، لا الدقائق العقلية ، مع أنّ مثل هذه الطولية لا يدفع به التنافي في العقليات أيضاً ، فهل يمكن

تحريم شيء وإيجابه بوصف كونه محرّماً عقلاً ؟

مضافاً إلى أنّ الطولية في المثالين أيضاً ممّا لا أصل لها ، فإنّ ملكيته تعالى للأشياء بهذا المعنى الاعتباري المبحوث عنه في مثل المقام غير ثابتة ، بل لا معنى لها . فهل ترى من نفسك أ نّه تعالى ملك الأشياء بهذا المعنى المعروف ؟ مع أنّ لازمه أ نّه لو وهب بتوسّط نبي من أنبيائه شيئاً من عبده سقطت ملكيته وانتقلت إلى العبد ، فلو كان سبيل ملكيته للأشياء ما لدى العقلاء لابدّ من الالتزام

بآثارها ، وهو كما ترى .

والظاهر أنّ أولوية التصرّف والسلطان على التصرّفات الثابتة للّه تعالى عقلاً ، وللنبي رحمهما اللّه والأئمّة علیهم السلام بجعله تعالى ، أوجبت توهّم كونهم مالكين للأشياء تلك المالكية الاعتبارية .

ص: 321

والسلطنة على سلب الملكية وإقرارها غير الملكية ، كما نشاهد في السلاطين العرفية والقوانين العقلائية ، فإنّ السلطان مثلاً ليس مالكاً للأشياء بحيث لو مات صار جميع ما في مملكته إرثاً لوارثه ويكون السلطان مستطيعاً باعتبار ملك رعيته ، بل يكون الملك للرعية ، والسلطان أولى بالتصرّف .

فللّه تعالى ولرسوله رحمهما اللّه وللأئمّة علیهم السلام سلاطين البشر سلطنة على النفوس والأموال ، من غير أن تكون الأموال ملكاً اعتبارياً لهم ؛ بحيث لو باعوا سلبت منهم الملكية والسلطنة .

وأمّا العبد وملكه فمسألة مشكلة يقع الكلام فيها تارةً في صحّة مالكيته ، واُخرى في كيفية مالكية المولى لماله على فرض مالكيته ؛ هل هو نظير مالكية اُولي الأمر أو نحو آخر ، فلا يصحّ جعل ما هو مشكل ومحلّ كلام شاهداً على غيره ، ولا حلّ مشكلة بمشكلة .

وأمّا قضيّة مالكيته تعالى بالإضافة الإشراقية التي قد يرى إدخالها في تلك المسائل فأمر غير مربوط بالمالكية المبحوث عنها في مثل المقام ، وعلى المحصّل أن يجتنب من إدخال مسائل غير مربوطة بالفقه فيه ؛ إذ في اختلاط العقليات - سيّما مثل تلك المسائل غير المنحلّة عند أهلها - بالعرفيات مظنّة اعوجاج أذهان المشتغلين واغتشاش أفكارهم .

ولهذا ترى مقايسة بعضهم(1) الملكية الاعتبارية العقلائية بالإضافة الإشراقية . وتوهّم أنّ مالكيته تعالى بتلك الإضافة متى تجتمع مع مالكية المخلوقين

ص: 322


1- مصباح الفقاهة 1 : 645 - 646 .

فلا محالة تجتمع مالكيتان اعتباريتان طولاً ، غفلة عن أنّ القياس مع الفارق .

فالمخلوق للّه تعالى يمكن أن يكون مملوكاً اعتبارياً لغيره ، والمملوك الاعتباري لشخص لا يعتبر مملوكاً لآخر لدى العرف والعقلاء .

وأعجب منه قياس الملكيتين المستقلّتين على مملوك واحد باجتماع أوصياء ووكلاء متعدّدين على شيء واحد مستقلاًّ فيهما (1) . مع أنّ الفارق لدى العرف والعقلاء أوضح من أن يخفى ؛ فإنّ الملكية نحو إضافة لازمها اختصاص المال بالمالك أو نحو اختصاص له به ، وكون شيء بكلّيته ملكاً مختصّاً بأكثر من واحد تناقض في الاعتبار .

وأمّا استقلال التصرّف اللازم للوصيّة ليس إلاّ نفوذ تصرّفه بلا احتياج إلى ضمّ نظر آخر وإجازته ، فلو باع أحد الوصيّين أو الوكيلين جميع دار من رجل ، وباع الآخر جميعها من آخر ، فهل يمكن القول بصحّتهما وعدم تعارضهما ؟ فلولا التنافي بين الملكيتين المستقلّتين على شيء واحد لم يقع التعارض بينهما ، فلا بدّ من القول بوقوعهما صحيحين وكلّ منهما صار مالكاً لجميعه ، وهو كما ترى واضح الفساد . وليس ذلك إلاّ لوضوح التنافي المذكور لدى العرف والعقلاء ، فقياس ملك التصرّف مع ملك العين مع الفارق ، والسند حكم العرف .

استدلال المحقّق النراقي في المقام وما فيه

ومنها : ما تمسّك به النراقي ، قال ما محصّله : «وإن كان واجباً مطلقاً ؛ أي غير متقيّد بأخذ الأجر عليه لا يجوز أخذ الأجر عليه وإن كان فيه منفعة للمستأجر

ص: 323


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 283 .

كإنقاذ ولده ؛ لأنّ إيجاب اللّه على الأجير تمليك للمستأجر ، ولأنّ منافع العبد

ملك اللّه تعالى ، وهو وإن أذن له أنحاء التصرّفات إلاّ أنّ إيجابه لفعل يوجب عدم إذنه في التصرّف وأخذ العوض ، بل الإيجاب تفويت تلك المنفعة وطلبها لنفسه وإخراجها من يده ومن كونها مملوكة له»(1) ، انتهى .

وفيه - بعد الغضّ عن التنافي بين صدر كلامه وذيله كما يظهر بالتأمّل ، وبعد الغضّ عن أنّ دليله الأوّل أخصّ من المدّعى ، لعدم كون جميع الواجبات التي فيها نفع للمستأجر مثل إنقاذ ولده الذي ربّما يتوهّم تمليك المنفعة له ، ضرورة أنّ مثل الحجّ واجب إلهي لا يتوهّم أن يكون إيجابه على المكلّف تمليكاً لمن له نفع فيه - : أنّ إيجاب اللّه ليس تمليكاً بوجه حتّى في مثل إنقاذ الغريق ، ولا جعل حقّ

حتّى في مثل تجهيز الميّت ، بل وجوبهما حكم شرعي محض ، ولهذا لا يترتّب عليهما شيء من أحكام الملك والحقّ ، فلا يجوز الإعراض والإسقاط ، ولا النقل ، ولا سائر التصرّفات المربوطة بالملك والحقّ ، ويجوز بل يجب الإنقاذ بلا إذن الغريق ووالده ومع نهيهما .

ودعوى أنّ منافع العبد مملوكة للّه لا للعبد وإن أجاز التصرّف فيها ، الملازمة لدعوى أنّ جميع الأعيان الخارجية أيضاً كذلك ، غريبة منه ، ومخالفة لضرورة الفقه من مملوكية الأعيان والمنافع للناس .

نعم ، وقع الكلام في أنّ عمل الحرّ قبل الإجارة ملك له أو لا ؟ وهو أمر آخر غير ما يدّعيه .

ص: 324


1- مستند الشيعة 14 : 177 .

وأمّا سائر دعاويه ، كقوله : «إنّ إيجابه يوجب عدم إذنه في التصرّف ، وأ نّه تفويت المنفعة ، وأ نّه طلب لنفسه وسلب المملوكية عن العبد» ، فكلّها مصادرات إن كان المراد م-ن سلب الإذن وغيره الأعمّ من الوضعيات ، وغير مفيدة لو لم يرد الأعمّ .

ثمّ إنّ هناك استدلالات ضعيفة لا يحتاج في دفعها إلى زيادة مؤونة ، من عدم ترتّب آثار الملك على العمل من الإبراء والإقالة ، ومن لغوية بذل العوض بما يتعيّن على الأجير ، ومن أنّ الواجب تعود منفعته إلى الأجير ، فأخذ الأجر عليها أكل للمال بالباطل ، ومن أنّ أدلّة إنفاذ العقود قاصرة عن الشمول للمورد أو شكّ في شمولها ، ومن أنّ المتبادر من إيجاب شيء طلبه مجّاناً (1) إلى غير ذلك .

تقرير آخر للاستدلال على المنافاة

ويمكن الاستدلال على المطلوب بأنّ جلّ الواجبات العينية التعي-ينية كالصلاة والصوم والحجّ ونحوها اعتبر فيها مضافاً إلى أصل الوجوب كونها على ذمّة العبد نحو الديون الخلقية .

أمّا الحجّ فلظاهر قوله تعالى : )وَللّه ِ عَلَى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ . . .((2) فإنّ اعتبار «له عليه» غير اعتبار الإيجاب ، وقد ورد في روايات إطلاق الدين عليه ،

ص: 325


1- مستند الشيعة 14 : 177 - 178 ؛ بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 197 .
2- آل عمران (3) : 97 .

كرواية الخثعمية(1) وغيرها (2) .

ومن الممكن استفادة هذا الاعتبار من قوله تعالى : )كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ((3) .

ومن قوله تعالى : )إِنَّ الصَّلوةَ كانَتْ عَلَى المُؤمِنينَ كِتاباً مَوْقُوتاً((4) ، تأمّل .

مع أنّ وجوب قضاء الواجبات أقوى شاهد على ذلك الاعتبار ، فإنّه لو كان الحجّ مثلاً واجباً عليه تكليفاً محضاً بلا اعتبار كونه عليه لما كان معنىً لقضائه عنه بعد موته ؛ لأنّ التكليف ساقط عنه بل غير متوجّه به ، فلا بدّ وأن يكون في عهدته شيء لم يسقط عنه بسقوط التكليف وسقط بإتيان الغير كالولد الأكبر وغيره ، وليس إلاّ اعتبار أمر وضعي وكون تلك الواجبات ديناً عليه ، ولا محالة يكون الدائن الطالب هو اللّه تعالى .

إلاّ أن يقال بمقالة عَلَم الهدى ، من أنّ القضاء ليس نيابة عن الميّت ، وإنّما هو واجب أصلي خوطب به القاضي ، وسببه فوات الفعل من الميّت ، والميّت لا يثاب عليه(5) .

ص: 326


1- روض الجنان وروح الجنان 4 : 450 ؛ مستدرك الوسائل 8 : 26 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، الباب 18 ، الحديث 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 11 : 67 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ، الباب 25 ، الحديث 4 و5 .
3- البقرة (2) : 183 .
4- النساء (4) : 103 .
5- الانتصار : 198 .

وهو كما ترى ، بل لابدّ من تأويل كلام السيّد كما أوّله بعضهم(1) .

وكيف كان يظهر ممّا مرّ أنّ الأعمال الواجبة ملك للّه تعالى ودين على العبد ، فلا يجوز إجارة نفسه لما لا يملكه ، ويكون ملكاً للغير .

ثمّ إنّ الاعتبار المذكور إنّما يكون في النذر بجعل العبد للّه على نفسه وتنفيذه تعالى ، وباب الكفّارات المعيّنة كلّها من قبيل الدين ، وفي المخيّرة إشكال عقلي قابل الدفع بتصوير جامع اعتباري أو انتزاعي ، وليس الكلام هاهنا في الواجب التخييري ، ويأتي الكلام فيه .

فاتّضح ممّا ذكر وجه عدم جواز أخذ الأجر على الواجبات التي بتلك المثابة ؛ ففي الزكاة والخمس لابدّ وأن تؤدّيان بعد الموت بعنوانهما مع ما يعتبر فيهما ، فيستكشف منه أنّ نفس العمل الواجب اعتبرت فيه العهدة والدينية ، ويلحق بها ما ليس كذلك ؛ لعدم القول بالفصل ، تأمّل .

بل يمكن دعوى منافاة أخذ الاُجرة على الواجب العيني التعي-يني في ارتكاز المتشرّعة .

ولعلّ الوجوه التي تشبّث بها الأعاظم والمحقّقون - مع ضعفها كما مرّ(2) - تشبّثات بعد الفراغ عن عدم الجواز في ارتكازهم ، مع أ نّه لم ينقل الجواز في الواجب المذكور من أحد وإنّما نقل الخلاف في الأجر على القضاء ونحوه من الكفائيات . والتعيّن فيها في بعض الأحيان عقلي لا شرعي .

ص: 327


1- رسائل فقهية ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23 : 207 .
2- تقدّم في الصفحة 310 وما بعدها.

فالمسألة مظنّة الإجماع ، فالأقوى فيما يعتبر فيه العهدة والذمّة عدم الجواز ، وفي غيرها هو الأحوط بل لا يخلو من قوّة .

أخذ الاُجرة في الواجب التخييري

ثمّ إنّ بما ذكرناه يظهر الكلام في الواجب التخييري ، ولابدّ من تمحيض الكلام فيه من وقوع الإجارة على الواجب ، فالقول بالصحّة فيما إذا وقع العقد على خصوصية متّحدة مع الواجب لا عليه(1) أجنبيّ عن محطّ الكلام .

وتوجيه كلام الشيخ في الواجب التخييري بأنّ مراده الوقوع على الخصوصية(2) غير مرضيّ ، فإنّه خروج عن البحث لا تفصيل بين التخي-يري

وغيره .

بل التفصيل بين التعييني والتخييري ، سواء كان التخيير شرعياً أو عقلياً ، مقتضى الدليل الذي تمسّك به في إثبات عدم الجواز من سلب احترام عمله لأجل أنّ استيفاءه منه لا يتوقّف على طيب نفسه ؛ لأ نّه يقهر عليه مع امتناعه ، وأحد أطراف التخييري ليس كذلك ، فبقي على احترامه .

نعم ، لو ضاق الوقت أو عجز إلاّ عن أحد الأطراف بحيث يتعيّن عليه الإتيان به كان مقتضى دليله عدم الجواز لسلب احترامه ، وأنّ استيفاءه لا يتوقّف على طيب نفسه .

كما أنّ التفصيل المذكور لازم الاستدلال على المطلوب بأنّ الوجوب

ص: 328


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 136 .
2- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 207 .

الشرعي موجب لسلب قدرة العبد واختياره ، كما لا يخفى .

وأمّا بناءً على ما ذكرناه من أنّ الواجبات التي اعتبر فيها الدينية والملكية للواجب تعالى لا يجوز الأجر عليها ، فلا يفترق بين التخييري والتعييني . فإنّ الإجارة على أحد الأطراف في التخييري الشرعي ، بحيث يكون مورد الإجارة هو الواجب ، إجارة على عمل ملكه اللّه تعالى؛ لأنّ كلّ طرف من طرفي التخيير إذا وجد يكون ملكاً له ، وكذا لو آجره على إتيان واجب في مكان كذا أو زمان كذا أو غيرهما من الخصوصيات في التخيير العقلي ؛ لأنّ العمل الخاصّ ملك له تعالى وإن اكتنف على أمر زائد ، والإجارة على ملك الغير المتخصّص بخصوصية زائدة باطلة .

وبالجملة : الإجارة إمّا وقعت على الخاصّ ، أو على الخصوصية ، فعلى الأوّل باطلة ؛ لوقوعها على ملك الغير ، وعلى الثاني خروج عن محطّ البحث .

تصوير تعلّق الملكية بالواجب التخييري

نعم ، هنا كلام آخر ، وهو تصوير الملكية في الواجب التخييري ، وأ نّه هل يمكن ملكية الأمر المردّد أو لا ؟

أقول : إن قلنا بأنّ الملكية بما أ نّها من الاُمور الاعتبارية لا تحتاج إلى محلّ معيّن موجود كالأعراض الخارجية المحتاجة إلى المحلّ ، كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري واستشهد عليه بتصريح الفقهاء بصحّة الوصيّة بأحد الشيئين بل لأحد الشخصين(1) ، فلا كلام .

ص: 329


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 17 : 251 .

وإن قلنا بعدم إمكانه فيمكن أن يقال : إنّ اعتبار الدينية أو الملكية في الواجبات ليس من قبيل الانتزاع من الوجوب حتّى يتبعه في اللوازم ، بل لو كان منتزعاً من التكليف لكان اللازم سقوطه بسقوطه مع ثبوت الدين حتّى مع سقوط الوجوب بموت . وتخيّل كون الوجوب واسطة في الثبوت لا العروض باطل ؛ لأنّ المورد ليس من قبيله ، بل الانتزاعيات تابعة لمنشأ انتزاعها ثبوتاً وسقوطاً .

مضافاً إلى أنّ الدينية والملكية لو كانتا منتزعتين من التكليف لكان اللازم انتزاعهما من كلّ تكليف ، وهو واضح الفساد . وكذا الحال لو كان الوجوب واسطة للثبوت أو العروض ، فالوساطة ومنشئية الانتزاع فاسدتان ، مع أ نّه يكفي في المقام عدم الدليل على الانتزاعية فإذا لم يثبت ذلك يمكن أن تكون الملكية معتبرة لعنوان واحد هو جامع حقيقي بينها أو انتزاعي مع فقد الحقيقي كصاع من صبرة بنحو الكلّي في المعيّن لا بنحو الفرد المردّد .

وبالجملة : مع قيام الدليل على اعتبار العهدة والدينية في واجب تخييري كالتخييريات في باب الكفّارات بل وكالصلاة في الأماكن الأربعة بما ذكرناه من الوجه في ملكية المذكورات للّه تعالى ودينيتها ، لا يجوز رفع اليد عنه إلاّ مع قيام

الدليل على الامتناع ، ومع احتمال الإمكان فالدليل متّبع ، مع أنّ الإمكان فيها ثابت . ففي الكفّارة المرتّبة والمخيّرة معاً ، ككفّارة حنث اليمين حيث يجب فيه عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيّراً بينها فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيّام ، يمكن جعل عنوان واحد منها القابل للصدق على كلّ منها كالصاع من الصبرة على القادر وعلى العاجز عنها صيام ثلاثة أيّام . وقس عليه غيره ممّا هو أخفّ مؤونة في الاعتبار .

ص: 330

أخذ الاُجرة في الواجب الكفائي

وممّا ذكرناه يظهر الكلام في الواجب الكفائي من حيث إمكان اعتبار العهدة والدينية ، فإنّه لو قلنا فيه بأ نّه واجب على كلّ مكلّف وإن سقط عنهم بإيجاد واحد منهم فلا إشكال في صحّة اعتبار العهدة عليهم والسقوط بأداء بعضهم .

وإن قلنا بأنّ المكلّف ، فيه واحد من المكلّفين قابل للانطباق على كلّ مكلّف في الخارج وإن لم يكن الانطباق إلاّ بنحو التبادل - بمعنى أ نّه لا يجب عليهم عرضاً كالصاع من الصبرة المبتاع ، فإنّه منطبق على كلّ صاع من صيعان الصبرة لكنّ المملوك ليس إلاّ صاعاً واحداً ، فهو منطبق على كلٍّ تبادلاً ، نعم قد يكون المكلّف في الكفائي واحداً بشرط لا ، وقد يكون لا بشرط ، والفرق واضح - فاعتبار العهدة والدينية أيضاً ممّا لا إشكال فيه .

وتوهّم أنّ الواحد العنواني كلّي وهو غير قابل لتوجّه التكليف عليه فاسد ؛ لأنّ صحّة التكليف تابعة لقابليته للبعث والانبعاث . وما تعلّق بالعنوان القابل للانطباق على الخارج قابل له ، بل التكاليف كثيراً ما تتعلّق بالعناوين ، كقوله : )للّه ِِ عَلَى النّاسِ((1) ، بل في مثل قوله : )يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((2) ، يكون التكليف متعلّقاً بعنوان قابل للانطباق على الأفراد في عمود الزمان ، وكثير من تكاليف أهل العرف كذلك ، فيقول المولى لعبيده : فليفعل واحد منكم كذا ، ومعلوم لدى العقل والعقلاء أ نّه لو ترك الجميع الأمر المتعلّق بواحد

ص: 331


1- آل عمران (3) : 97 .
2- المائدة (5) : 1 .

عنواني يكون الجميع مستحقّاً للعقوبة ؛ لانطباقه على كلّ منهم تبادلاً .

نعم ، لو قلنا بأنّ الواجب الكفائي نظير الواجب التخييري أو نظير الفرد المنتشر ففي صحّة العهدة تأمّل وإشكال وإن كان مقتضى كلام الشيخ الأعظم في نظيره صحّة الاعتبار(1) .

وكيف كان لو اعتبرت في الكفائي العهدة والدينية يكون الكلام فيه كالعيني ، فإنّ المفروض وقوع الإجارة على الواجب ، ومع كون العمل ملكاً للّه تعالى لا يصحّ تمليكه لغيره . لكن ليس في الواجبات الكفائية ظاهراً ما يعتبر فيها العهدة والدينية للّه تعالى ، ولا جعل استحقاق وعهدة لغيره . وقد مرّ(2) أنّ تجهيز الميّت وكذا إنقاذ الغريق بل وطبابة الطبيب ليست من هذا القبيل ، وليس فيها من آثار الحقّ والملك شيء .

فالأقوى صحّة الاستئجار في الكفائيات إلاّ أن ثبت في كفائي اعتبار الملكية له تعالى أو لغيره .

تنبيه : أخذ الاُجرة في الواجبات النظامية

وبما ذكرناه ظهر الكلام في الواجبات النظاميات على فرض تسليم كونها واجبات ، فإنّ وجوبها لا يقتضي الدينية والعهدة لأحد ، لا للّه تعالى ولا لغيره كما

تقدّم ، ولا دليل على اعتبارها زائدةً على الوجوب . فمقتضى القاعدة جواز أخذ الأجر عليها من غير ورود إشكال ولا شبهة نقض لما ذكرناه .

ص: 332


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 17 : 251 .
2- تقدّم في الصفحة 324 .

لكن الشأن في أنّ حفظ النظام واجب ، أو الإخلال به حرام ؟ وعلى الثاني يكون ما هو الجزء الأخير من العلّة التامّة للإخلال محرّماً ، بناءً على حرمة مقدّمة الحرام . فلو كان ذلك ترك ما يتوقّف عليه النظام يكون ذلك الترك محرّماً ، ومع اقتضاء حرمة الشيء وجوب ضدّه العامّ يكون الفعل واجباً .

وعلى الأوّل يجب ما يتوقّف عليه النظام ، بناءً على وجوب المقدّمة ، لكن التحقيق عدم وجوب المقدّمة مطلقاً (1) ، وعدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه العامّ ولا عن ضدّه الخاصّ(2) ، وعلى فرض وجوبها واقتضائه لا يكون في التكليف التوصّلي اعتبار الدينية ولو فرض الاعتبار أو الانتزاع في غيره ، والاعتبار الخارج المستقلّ غير ثابت .

وتوهّم أنّ المستحقّ لتلك الواجبات النظامية من وجب النظام له ، غير وجيه ؛ ضرورة عدم ترتّب أثر من آثار الحقّ فيها كالنقل والإسقاط والاحتياج إلى الإذن ونفوذ النهي عن التصرّف وغيرها ، فهي على فرض وجوبها واجبات شرعية لغرض متعلّق بحفظ النظام أو لمبغوضية اختلاله .

وكيف كان : فنحن في فسحة من الإشكال المعروف ، وكذا من كان اعتماده في حرمة أخذ الاُجرة على الواجبات على أمر تعبّدي كالإجماع(3) .

لكن لابدّ للمتمسّك بالوجوه الاُخر كالوجوه العقلية من الدفاع عن الإشكال وبيان وجه التفرقة بينها وبين غيرها ، ومع عدم صحّة الدفاع

ص: 333


1- مناهج الوصول 1 : 342 .
2- مناهج الوصول 2 : 10 .
3- رياض المسائل 8 : 83 .

يعلم بطلان الوجه المتشبّث به ؛ إذ لا يمكن القول بالإخراج تخصيصاً . وقد ذكروا للتخلّص وجوهاً :

جواب المحقّق النائيني عن الإشكال في الواجبات النظامية

منها : ما ذكره بعض الأعاظم ، قال عقيب ما ذكره من اعتبار أمرين في الإجارة ونحوها : أحدهما : أن لا يكون الأجير مسلوب الاختيار بإيجاب أو تحريم شرعي ، وثانيهما : أن يكون العمل ممكن الحصول للمستأجر ، كما تقدّم الكلام فيهما ما حاصله : «إنّ الواجبات النظامية ما عدا القضاء يجوز أخذ الأجر عليها لحصول الشرطين . أمّا الثاني فواضح . وأمّا الأوّل فلأنّ الواجب في النظام المعنى المصدري كالطبابة ، وما تقع بإزائه الاُجرة هو حاصل المصدر ؛ لأ نّه مال لا المصدر الذي معنىً آلي ، وهما وإن كانا متّحدين خارجاً إلاّ أ نّهما

مختلفان اعتباراً ، فللشارع تفكيكهما وإيجاب المصدر واعتبار ملكية اسمه ، والواجبات النظامية كذلك إلاّ القضاء ، فإنّ التكليف تعلّق بنتيجة عمل القاضي وهو فصله الخصومة فلا يجوز أخذ الأجر عليه . وأمّا المصدر فليس بمال .

وكيف كان : لو وجب بذل العمل وحرمة احتكاره يجوز أخذ الأجر عليه ، ولو وجب نتيجة العمل عليه فلا يجوز ؛ لأنّ المصدر آلي غير مالي واسمه خارج عن ملكه . ونظير الأعمال في الشقّين الأموال ، فإنّه قد يتعلّق تكليف أو وضع بنفس الملك كباب الخمس والزكاة فلا يجوز أخذ العوض عليه ، وقد يتعلّق تكليف بالتمليك والإعطاء فيجوز ، كوجوب بيع الطعام في المخمصة ، فإنّ

ص: 334

التكليف حرمة حبسه واحتكاره الطعام ولم يتعلّق بنفس المال»(1) ، انتهى .

وفيه : مضافاً إلى أنّ إمكان الحصول الذي ادّعى الظهور فيه غير ظاهر بالمعنى الذي تقدّم منه ، فإنّه اعتبر فيه زائداً على الانتفاع بالعمل حصول العمل له ، وبهذا المعنى لا يكون إمكانه ظاهراً في الواجبات النظامية ، فإنّ المعنى المصدري وكذا حاصله أمر غير باقٍ وغير حاصل للمستأجر ، والانتفاع بهما وإن كان ممكناً له لكنّه أنكر كفاية الانتفاع في الصحّة ، والبقاء الاعتباري في حاصل المصدر مشترك بين الواجبات النظامية وغيرها ، فلا بدّ له من القول بالصحّة مطلقاً ، وأثر العمل كالهيئة في المخيط وإن كان حاصلاً له لكنّه ليس مورد الإجارة ؛ لأ نّه ليس مصدراً ولا حاصله ، كما هو واضح .

مضافاً إلى أنّ الأثر حاصل له في بعض الواجبات غير النظامية ، كقرض الكفن وحفر القبر فيما إذا كان واجباً على شخص تعييناً ولو عقلاً ، وكذا لو كان للصلاة وغيرها أثر باقٍ حاصل للمستأجر ، كتعلّم أجزائها وكيفيتها ، فلا بدّ له من القول بالصحّة فيها أو عدم المانع من هذه الجهة .

أنّ التكليف في جميع الموارد متعلّق بالمصادر لا بأسمائها ، ونحن وإن قلنا في محلّه بأنّ الأوامر متعلّقة بالطبائع(2) مقابل من قال بتعلّقها بالإيجاد لكنّه كلام آخر وفي مقام آخر ؛ إذ لا شبهة في أنّ مفاد الهيئة إيقاع البعث إلى المادّة وهي

ص: 335


1- منية الطالب 1 : 46 - 47 .
2- مناهج الوصول 2 : 55 .

نفس الطبيعة ، والبعث إليها تحريك إلى تحصيلها وهو ملازم لإيجادها عرفاً وعقلاً ؛ لأنّ الطبيعة ليست طبيعة بالحمل الشائع إلاّ بالوجود ، وبالأخرة يتعلّق التكاليف بأفعال المكلّفين ، سمّى إيجاد الطبيعة أو تحصيلها .

فما قال في جملة من كلامه : إنّ التكليف لو تعلّق بحاصل المصدر فكذا ، ليس على ما ينبغي ؛ لأنّ حاصل المصدر ليس مورد تعلّق التكاليف .

كما أنّ الإجارة في الأعمال تتعلّق بأعمال المؤجر لا بحاصل المصدر واسمه ، فإنّه مع قطع الإضافة عن الفاعل ليس قابلاً للاستئجار ؛ لكونه مستقلاًّ غير مربوط بالفاعل .

مع أنّ الإشكال في المقام هو قيام الضرورة والسيرة على الاستئجار بالنحو المتعارف في الواجبات النظامية ، ولا معنى لتصحيح أمر متخيّل غير منطبق على ما في يد المسلمين والجامعة البشرية . ومن الواضح أنّ الإجارة وقعت حيثما وقعت وتقع على الأعمال بالمعاني المصدرية ، فيستأجر الخيّاط ليخيط له ، والصبّاغ ليصبغ وهكذا . فحاصل المصادر ونتائج الأعمال وآثارها كلّها خارجة عن محطّ الإجارة ، وهو واضح جدّاً .

وأمّا مالية الأعمال كمالية حاصل المصادر ونتائج الأعمال فليست ذاتية ، بل يعتبرها العقلاء باعتبار تعلّق الأغراض العقلائية بها ، فالأعمال بالمعنى المصدري أموال لتعلّق الرغبات والأغراض بها .

وإن شئت قلت : إنّ في الأعمال كالخياطة والنجارة وغيرهما اُموراً ثلاثة : المصدر ، وحاصله - وهما متّحدان وجوداً ومختلفان اعتباراً - والأثر المرتّب عليه المعلول له . والأوّلان موجودان متصرّمان متقضّيان لا بقاء لهما إلاّ بالاعتبار في بعض الأحيان ، والثالث ربّما يكون من الموجودات القارّة الباقية .

ص: 336

فما وقع لدى العقلاء مورد الإجارة هو الشخص باعتبار عمله بالمعنى المصدري ، ومفاد الإجارة أو لازمها انتقال عمل المؤجر إلى المستأجر ؛ أي عمله بالمعنى المصدري ، وهذا بعينه متعلّق التكليف ، سواء كان الشيء من النظاميات أو غيرها ، أو من قبيل القضاء أو غيره . فالواجب على القاضي الحكم والقضاء بالمعنى المصدري ، وهو الفاصل للخصومة ، أو الواجب فصلها ، وكلاهما فعلان اختياريان ، لكن الأوّل بلا وسط والثاني مع الوسط .

وأمّا حاصل المصدر ونتائج الأعمال ؛ أي آثارها فلم يقعا مورد الإجارة ، بل لا معنى له ، كما هو واضح .

وأمّا المالية فلا يعقل أن تكون في اسم المصدر لا في المصدر ؛ فإنّها قائمة اعتباراً بالأشياء في الوجود الخارجي أو بلحاظه ، والفرض أنّ المصدر واسمه شيء واحد خارجاً وحقيقةً ، فكيف يعقل أن يكون الشيء الواحد مالاً وغير مال في ظرف وحدته ، فكأ نّه وقع الخلط بين المصدر واسمه وبين العمل وأثره .

ثمّ لو سلّمنا ما ذكره كان لازمه تصحيح إجارة مطلق الواجبات ، نظامية كانت أو غيرها ؛ ضرورة أنّ التكاليف الشرعية متعلّقة بأعمال المكلّفين بالمعنى المصدري ، ولو قيل بصحّة تعلّقها بحاصل المصدر لكنّه يحتاج إلى دليل وإلاّ فظاهر الأدلّة ما ذكر .

فحينئذٍ مورد تعلّق التكليف غير مورد تعلّق الإجارة ؛ لأنّ موردها بزعمه هو حاصل المصدر أو نتيجة العمل ، وهما غير متعلّقين للتكليف . فلو فرض أن يكون شيء منها متعلّقاً لغرض العقلاء لابدّ من القول بصحّة

ص: 337

الإجارة عليه . وحديث عدم الحصول للمستأجر قد مرّ ما فيه ، بل لازم كلامه أن يكون الاستئجار للمحرّمات صحيحة لولا دليل آخر غير ما تشبّث به ، فتدبّر .

وبما مرّ من البيان تظهر الخدشة في وجه افتراقه بين التكليف في باب الخمس والزكاة وبين التكليف في باب المخمصة ؛ بأنّ في الأوّل تعلّق بالملك وفي الثاني بالإعطاء ؛ لما مرّ من عدم معنىً لتعلّقه بغير أعمال المكلّفين ، ففي قوله تعالى : )آتَوُا الزَّكَوةَ((1) كقوله : )أَقِيمُوا الصَّلَوةَ((2) تعلّق التكليف بالإيتاء والإقامة بالمعنى المصدري .

فمتعلّق التكليف في باب الزكاة والخمس وباب الإعطاء في المخمصة شيء واحد ، والاختلاف بينهما في أمر آخر ، وهو أنّ ما وراء التكليف في باب الزكاة والخمس يكون اعتباران آخران :

أحدهما : جعل عشر الأموال الزكوية وخمس الغنائم لأربابهما بنحو الإشاعة ، كما هو الأقوى ، أو بغيره ، أو بنحو جعل الحقّ كما قيل(3) .

وثانيهما : اعتبار العهدة والدينية في نفس التكليف على الظاهر ، ولهذا لا يصحّ بيعهما ولا يصحّ أخذ الاُجرة على إعطائهما ، ولم يعتبر شيء منهما في باب المخمصة فيصحّ بيع المال من المضطرّ والإعطاء بضمان ، بل لا يبعد صحّة أخذ الأجر على الإعطاء على إشكال .

ص: 338


1- البقرة (2) : 277 .
2- الروم (30) : 31 .
3- مستند الشيعة 9 : 221 .

جواب الشيخ الأعظم عن الإشكال في الواجبات النظامية

ومنها : ما أفاده الشيخ الأنصاري قدّس سرّه من التفصيل بين الواجب العيني وبين الواجب الكفائي(1) ، فمنع أخذ الاُجرة على الأوّل دون الثاني ، وجعل من الثاني أخذ الطبيب الاُجرة على حضوره عند المريض إذا تعيّن عليه علاجه ، فإنّ العلاج وإن كان معيّناً عليه إلاّ أنّ الجمع بينه وبين المريض مقدّمة للعلاج واجب كفائي عليه وعلى أوليائه ، ومن الأوّل أخذها على بيان الدواء إذا تعيّن عليه فلا يجوز .

وأنت خبير : بأنّ ما ذكره ليس حلاًّ للإشكال الذي وقعنا فيه من أنّ الشهرة والسيرة على جوازه في الواجبات النظامية مطلقاً من غير تفصيل بين التعيّن بالعرض وغيره ؛ ضرورة أنّ بناء العرف من المتشرّعة وغيرهم على أخذ الاُجرة وإعطائها بإزاء الطبابة والعلاج لا على محض الحضور . نعم ، مع حضوره عند المريض يتزايد الأجر .

إن قلت : إنّ السيرة مستقرّة في الواجبات الكفائية ؛ ضرورة أنّ النظام قائم فعلاً ، والقائم بأمره لا ينحصر حتّى يتعيّن عليه ، والطبيب غير منحصر فلا يتعيّن عليه .

قلت : كلاّ ، فإنّ في هذا العصر الذي كثر فيه الأطبّاء كثرة مدهشة لا يكون في غالب القرى وكثير من صغار البلاد إلاّ طبيب واحد أو كحّال كذلك ، وكذا سائر من قام به النظام ، وكثيراً ما يتعيّن على الطبيب العلاج ، ولا يمكن للمريض

ص: 339


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 141 - 142 .

وأوليائه الإرجاع إلى الخارج ولا إحضار الطبيب منه ، ومع ذلك لا يختلج في ذهن أحد من المسلمين إلاّ من شذّ ممّن له حظّ من العلم عدم جواز أخذ الأجر على طبابته ، بل لو تفوّه أحد بذلك يعدّ من المنكَر .

هذا حال عصرنا ، فكيف بسائر الأعصار الغابرة التي قلّ فيها الطبيب فضلاً عن المتخصّص ، وكذا الحال في سائر ما يحتاج قيام النظام إليه .

والإنصاف أنّ ما ذكره قدّس سرّه مجرّد تصوّر غير مطابق للواقع ولا دافع للإشكال .

لكن مع الغضّ عنه لا يرد عليه ما أورد عليه بعض أهل التحقيق : من أنّ المتعيّن على الطبيب إن كان الطبابة فلا يعقل أن تكون مقدّماتها واجباً كفائياً ؛ ضرورة أنّ المقدّمة تابعة لذيها فلا يعقل وجوب ذي المقدّمة تعيّناً على أحد ووجوب مقدّماتها كفائياً .

وإن كان الواجب العلاج فيجب على الطبيب بإعلام الدواء وعلى الأولياء بالاستعلام ، فهنا واجبان تعيّنيان ، ولكلٍّ مقدّمات تجب تعيّناً عليه ، فلا وجوب كفائياً (1) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه : أنّ الواجب النفسي في المثال حفظ النفس ، وهو واجب كفائي وله مقدّمات ، منها العلاج ؛ أي بيان الدواء ، وهو متعيّن على الطبيب كما صرّح هو به في أسطر قبل ذلك ، وعليه لو قلنا بأنّ الوجوب المقدّمي مترشّح من ذي المقدّمة على جميع المقدّمات الطولية والعرضية ؛ أي المقدّمات ومقدّمات المقدّمات في عرض واحد ؛ لأنّ الملاك متحقّق في كلّها ، فلا يلزم من تعيّن بعض المقدّمات

ص: 340


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 214 .

على بعض المكلّفين تعيّن مقدّمات مقدّماتها عليه . فإذا وجب حفظ النفس وجوباً مطلقاً على جميع المكلّفين كفاية ، اجتماعاً أو انفراداً ، ترشّح منه على مبنى القوم وجوب مقدّمي على جميع المقدّمات كالعلاج ومقدّماته وهكذا ، ومع تعيّن بعض المقدّمات على بعض عقلاً لعجز غيره لا ت-تعيّن مقدّمات اُخرى عليه ، سواء كانت مقدّمات بلا وسط أو معه .

نعم ، لو قلنا بأنّ ترشّح الوجوب من ذي المقدّمة إلى المقدّمات طولاً بمعنى أنّ الوجوب مترشّح منه إلى المقدّمة بلا وسط ، ومن المقدّمة إلى مقدّمتها وهكذا ، ويكون الوجوب المقدّمي في مقدّمة المقدّمة تابعاً للمقدّمة في الكفائية والتعيّنية ،

لكان للإشكال وجه ، لكن المبنى غير وجيه .

هذا على مسلك القوم من ترشّحية وجوب المقدّمة عن ذيها قهراً ، وعلّية وجوبه لوجوبها .

ولكن على مذهبنا من أنّ الوجوب المقدّمي على فرضه مجعول اختياري متوقّف على مقدّمات ومبادئ كوجوب ذي المقدّمة(1) يقع الكلام على طور آخر ، ولعلّ لازمه عدم لزوم تبعيّة وجوب المقدّمة لذيها في بعض الأطوار.

ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري تعرّض لنقوض اُخر غير الطبابة ، بعضها مربوط بالمقام وبعضها بالتعبّديات :

منها : جواز أخذ الوصيّ الاُجرة على تولّي أموال الطفل الموصى عليه حتّى فيما تعيّن عليه العمل ، فأجاب عنه سابقاً بأ نّه لا ينافي ما ذكرنا حكم الشارع

ص: 341


1- مناهج الوصول 1 : 261 .

بجواز أخذ الاُجرة بعد العمل عليه كما أجاز للوصيّ أخذ اُجرة المثل أو مقدار

الكفاية ؛ لأنّ هذا حكم شرعي لا من باب المعاوضة(1) .

وقال في المقام : «وأمّا أخذ الوصيّ الاُجرة على تولّي أموال الطفل فمن جهة

الإجماع والنصوص المستفيضة على أنّ له أن يأخذ شيئاً ، وإنّما وقع الخلاف في تعيينه ، فذهب جماعة إلى أنّ له اُجرة المثل حملاً للأخبار على ذلك ، ولأ نّه إذا فرض احترام عمله بالنصّ والإجماع فلا بدّ من كون العوض اُجرة المثل . وبالجملة : فملاحظة النصوص والفتاوى في تلك المسألة ترشد إلى خروجها عمّا نحن فيه»(2) ، انتهى .

أقول : توهّم بعضهم(3) المناقضة بين هذا ودليله السابق ، فإنّ مبنى السابق

على أ نّه حكم شرعي لا من باب العوض ، واعترف في المقام باحترام عمله بالنصّ والإجماع ، فالعوض اُجرة عمله ، بل هو مناقض لأصل دليله على حرمة أخذ الأجر على الواجبات حيث تمسّك بعدم حرمة العمل المتعلّق للوجوب .

ويندفع بأنّ ما اعترف به هو قيام الإجماع والنصوص على أصل الأخذ ، وأمّا كونه على وجه اُجرة المثل فلم يعترف به ، بل حكاه عن جماعة في تعيين مقداره وأنّ له اُجرة المثل ؛ للأخبار ولاحترام عمله ، ولم يظهر ارتضاؤه بذلك ، بل قوله : «وبالجملة فملاحظة النصوص . . .» ظاهر في أنّ مدّعاه خروجها تخصّصاً لا تخصيصاً ، فيرجع هذا إلى ما سبق منه .

ص: 342


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 135 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 141 - 142 .
3- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 215 .

هذا ، ولكن الشأن في أنّ الشارع المقدّس إن جعل الأجر بإزاء عمله فقد أذن في أكل المال بالباطل ، وهو لا يلتزم به .

والقول بأ نّه أجاز الأخذ مجّاناً وبلا عوض وبلا لحاظ عمله خلاف الضرورة ، مع أ نّه أيضاً من قبيل إجازة أكل المال بالباطل .

وقد تصدّى بعض المحقّقين لدفعه بما حاصله : «أنّ المقصود نفي اعتبار المعاوضة المالكية بين عمل الوصيّ بعد وجوبه عليه وبين ما رخّص في أكله من مال الصغير ، بل اعتبار العوضية إنّما هو في نظر الشارع قبل وجوبه . والوجوب والرخصة متفرّعان عليه ، فاعتبار العوضية قبل تعلّق الوجوب ، وبهذا اللحاظ ليس أكلاً للباطل»(1) .

وفيه : أنّ اعتبار العوضية لشيء يكون في ظرف تحقّقه مسلوب المالية أكل للمال بالباطل ، وماليته قبل تعلّق الوجوب عليه ، مع الإشكال فيها كما يأتي ، وكذا صالحيته لها في نفسه لا تصحّح العوضية ولا يدفع بها الإشكال .

وبالجملة : أنّ الترخيص في أخذ المال إن كان بلا عوض ومجّاناً وعلى صرف التعبّد فهو مع كونه خلاف القطع مرجعه إلى الإذن في أكل المال بالباطل ، وإن كان بلحاظ العمل الخارجي فالمفروض أ نّه خارج عن المالية بالإيجاب ، وإن كان بلحاظ العمل تعلّق الوجوب فهو غير متحقّق ولا يكون مالاً قبل تحقّقه ؛ لكون المفروض أنّ في ظرف تحقّقه لا مالية له ، وما كان كذلك لا يعقل اعتبار ماليته قبل تحقّقه .

ص: 343


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 156 .

والإنصاف أنّ الوجه المذكور مع إعمال الدقّة فيه لا يفي بدفع الإشكال ، مع أنّ ظاهر الفتاوى والمتفاهم من النصوص عرفاً هو جواز الأخذ في مقابل العمل وإن اختلفوا في أنّ مقدار المأخوذ هل هو اُجرة المثل أو قدر كفايته أو أقلّ الأمرين .

والتوجيه المتقدّم على فرض صحّته في نفسه لا يدفع الإشكال ولا ينطبق على الواقع ، كالتوجيه الآخر لبعض أهل التحقيق(1) ، وهو أنّ الشارع اعتبر استحقاق الصغير بعمل الوصيّ بعوض، فلا عوض على الواجب، بل إيجاب العمل منبعث عن استحقاق الصغير له ، فهو من باب وجوب أداء ما يستحقّه الغير .

وأنت خبير : بأنّ هذه التكلّفات والوجوه الاختراعية المخالفة للنصوص والفتاوى إنّما يتشبّث بها إذا ألجأنا دليل عقلي قاطع على ارتكابها . وقد تقدّم أنّ

طريق التخلّص عن الإشكال المتقدّم لا ينحصر بما ذكره الشيخ ؛ للوجه الذي قدّمناه في مبنى حرمة أخذ الأجر على الواجبات(2) ، ومعه لا يستكشف اعتبار الشارع لذلك الذي ادّعاه الموجِّه المتقدّم في خلال كلامه ، مع بعض مناقضات فيه أغمضنا عنه مخافة التطويل . فتحصّل ممّا مرّ أنّ دفاع الشيخ الأعظم غير دافع .

ومنها : وجوب بذل العوض على المضطرّ ، فقد أجاب عنه الشيخ بأنّ العوض للمبذول لا للبذل(3) .

ص: 344


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 215 .
2- تقدّم في الصفحة 325 - 327 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 142 .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ المضطرّ ربّما يضطرّ إلى عمل من الغير ولا أظنّ بالتزامهم على عدم جواز أخذ الأجر معه - أنّ مقتضى دليله وهو أنّ جواز الاستيفاء قهراً وعلى رغمه يوجب سلب احترام عمله ، مسلوبية احترام مال يقهر المالك على إتلافه ، بل قد يكون الإلجاء والاضطرار مؤدّياً إلى أن يكون المالك مباشراً لإتلافه ، كما لو اضطرّ إلى طلي دواء لا يتمكّن منه إلاّ مالكه فيلزم

ويقهر على الطلي والإتلاف ولا أظنّ بأحد الالتزام بالمجّانية .

فما في تعليقة بعض المحقّقين من إبداء الفرق بين الأعمال والأعيان(1) ، غير وجيه .

ومنه يظهر الكلام في جواز أخذ الاُمّ المرضعة اُجرة إرضاع اللبأ إذا وجب عليها دفعاً وإشكالاً .

ومنها : أخذ الأجر على العمل العبادي النيابي ، فإنّ أخذه لو كان منافياً للإخلاص لكانت العبادات الاستئجارية على وجه النيابة باطلة والاستئجار عليها باطلاً ، والنصّ والفتوى متطابقان على صحّتها وصحّته ، فلا بدّ من الالتزام بعدم المنافاة .

ولقد تصدّى الشيخ الأعظم لدفع الإشكال وإبداء الفرق بين المقامين(2) .

ص: 345


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 156 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 144 .

تصحيح العبادات الاستئجارية

اشارة

في ماهية النيابة

ولا بأس بالإشارة إلى ماهية النيابة في اعتبار العقلاء قبل التعرّض لدفاع الشيخ ؛ ليتّضح ما يمكن أن يكون فارقاً بين المقامين :

فنقول : الظاهر اختلاف ماهية الوكالة والنيابة في اعتبار العقلاء ، فإنّ الوكالة عبارة عن تفويض أمر إلى الغير وإيكاله إليه ، من غير اعتبار كون الوكيل نازلاً منزلته في الاعتبار أو عمله نازلاً منزلة عمله ، وانتساب العمل إلى الموكّل باعتبار كونه فعلاً تسبيبياً له .

ففي الوكالة يكون الوكيل والموكّل ممتازين في عالم الاعتبار ، والفعل صادر مباشرة من الوكيل ، وتسبيباً من الموكّل . وليست الوكالة في العباديات ، فلا تصحّ في الحجّ والصلاة وغيرهما ممّا هي أفعال عبادي مباشري ، ونظيرها في العرف حضور أعيان المملكة في الأعياد لدى السلطان للسلام ، فإنّه مع عذر بعضهم عن الحضور يقبل ذلك النيابة لا الوكالة لدى العقلاء وهو دليل على اختلافهما .

وأمّا النيابة في العمل :

احتمال كون النيابة تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه

فيحتمل تصوّراً أن تكون عبارة عن تنزيل شخص نفسه منزلة غيره فيه ؛ بمعنى تبديل شخصية النائب بشخصية المنوب عنه في صقع الاعتبار ، فتكون مبنيّة على إنساء النائب وإفنائه وتحوّل وجوده بوجود المنوب عنه .

ص: 346

كما في باب الاستعارة على المذهب الحقّ(1) ؛ من كون بنائها على تناسي التشبيه والمشبّه والمشبّه به ، بل مبنيّة على دعوى كون شخص أسداً حقيقة ، فيحسن إثبات لوازم الأسد له ونفي لوازم غيره عنه .

وله أشباه في العرف ، كمجالس الشبيه والعزاء المعروفة في بعض البلاد ، فصار شخص شمراً وآخر ابن زياد إلى غير ذلك ، فإنّ في تلك الصحنة تتبدّل الأشخاص بشخصيات اُخر ، فهي مبنيّة على تناسي الشخصيات الحقيقية . ولها نظائر اُخر في مجالس اللهو سيّما في هذه الأعصار .

فحينئذٍ يكون ما صدر منه منتسباً إلى الشخصية الثانية ؛ أي المنوب عنه ومسلوبة عن الاُولى ، فلو كانت النيابة في الأعمال كذلك لا يعقل أن يقع الأجر في مقابل العمل ، فإنّ صقع إتيانه صقع فناء النائب ووجود المنوب عنه فقط والعمل عمله ولا معنى للأجر في عمل المنوب عنه .

وفي هذا الاعتبار لا يكون للعمل اعتباران ، فإنّ النائب وعمله منسيّان ، فالنائب هو المنوب عنه ليس إلاّ والعمل عمله ليس إلاّ .

فالاُجرة في هذا الاعتبار تقع بإزاء تنزيل النائب شخصه منزلة المنوب عنه وتبديل نفسه باُخرى في عمل ، فصقع العمل ليس صقع اعتبار الاُجرة ؛ إذ العمل عمل المنوب عنه فلا أجر له في عمل نفسه لنفسه .

فبقي إشكالان :

أحدهما : أنّ الأجر إن كان بإزاء التنزيل لابدّ من استحقاقه بمجرّد التنزيل

ص: 347


1- مناهج الوصول 1 : 62 .

الذي هو أمر اعتباري وبناء قلبي ، وإن كان بإزاء التنزيل والعمل يعود الإشكال

وينهدم هذا الأساس ، وكذا إن كان بإزاء التنزيل المقيّد بالعمل .

والجواب : أنّ الأجر بإزاء التنزيل في العمل ، وهو وإن لم يتحقّق إلاّ بالعمل ويتوقّف تحقّقه عليه لكن لا يكون العمل جزءاً أو قيداً له ، نظير أن يقع أجر على إرادة ضرب زيد بناءً على عدم انفكاكها عن المراد خارجاً ، فإنّ ذلك لا يوجب أن يكون الأجر بإزاء الضرب جزءاً أو قيداً .

ففرق بين جعل شيء جزءاً أو قيداً للمستأجر فيه ، وبين توقّف تحقّقه عليه . فما نحن فيه على فرض كون النيابة هي ما تقدّم بيانها لا محيص عن كونه من قبيل الثاني ؛ لعدم الجمع بين اعتبار النيابة بما ذكر ، وبين كون العمل جزءاً أو قيداً ؛ لأنّ اعتبار الجزئية والقيدية اعتبار كون العمل للمؤجر والنائب ، وهو مضادّ

لاعتبار النيابة .

وإن شئت قلت : إنّ العمل مترتّب على التنزيل ومتأخّر عنه رتبة فلا يعقل تقيّده به ؛ للزوم صيرورة المتأخّرعن الشيء في رتبته ،تأمّل .

أو قلت : إنّ النيابة مبنيّة على التناسي فرضاً والتقيّد المذكور مبنيّ على تذكّر العمل وهما متنافيان فالأجر في مقابل التنزيل غير المنفكّ من العمل .

وهذا بوجه نظير قوله : «نيّة المؤمن خير من عمله»(1) بناءً على كون المراد منه أنّ العمل الموجود بنيّة أحد الجزئين التحليليين منه خير من جزئه الآخر ، حتّى لا يرد عليه الإشكال المعروف ، فكما أنّ الخيرية للنيّة الملازمة للعمل من

ص: 348


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 50 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 6 ، الحديث 3 و15 .

غير دخالة العمل في موضوع الأفضلية لعدم تعقّل دخالته ، كذلك في المقام يكون الأجر بإزاء النيابة في العمل غير المنفكّة عنه وغير المتقيّدة به .

ثانيهما : أنّ الإخلاص لو كان معتبراً في العمل طولاً وعرضاً فلا شبهة في بطلان هذا العمل ؛ لأنّ أخذ الأجر محرّك الفاعل حقيقة في إتيان العمل ؛ ضرورة أ نّه لولا الأجر لما نزّل نفسه منزلته ولولا التنزيل في العمل لما عمل ، فالعمل مستند إلى الأجر بالأخرة .

والجواب بالفرق بين كون شيء غاية لعمل أو غاية للعمل المغيّى كباب الداعي على الداعي على ما تقدّم(1) وبين كون شيء متوقّفاً عليه من غير غائيته له .

مثلاً : لو استأجره للمسافرة يكون السفر لأجل الاُجرة ، ولازمه إتيان الصلاة قصراً ، فيصحّ أن يقال : لولا الاُجرة لما صلّى قصراً ؛ لأنّ القصر لأجل السفر والسفر للاُجرة .

لكن ليس هذا من قبيل ترتّب ذي الغاية على غايته ، بل من قبيل كون شيء من آثار المغيّى وأحكامه .

ففي ما نحن فيه لم يجعل الأجر في مقابل العمل النيابي على ما تقدّم من أنّ العمل عمل المنوب عنه ، ولا يعقل فيه الأجر في اُفق الاعتبار ، فلا يمكن أن يكون الأجر في سلسلة غاياته .

نعم ، لولا الأجر لما صار النائب منوباً عنه ولا ت-تبدّل شخصيته بشخصيته ، ولولا ذلك لما عمل .

ص: 349


1- تقدّم في الصفحة 293 .

وبالجملة : مع التحفّظ على الاعتبار المتقدّم وعدم الخلط تندفع الإشكالات .

إن قلت : إنّ ما ذكرت من الأمثلة اُمور تكوينية واقعية ، فأين هي من المورد الذي من الاعتباريات والتنزيليات ؟ فالمحرّك الواقعي ليس التنزيل والدعوى ، بل أمر واقعي هو الأجر .

قلت : بل المحرّك على هذا الفرض هو التنزيل وتبديل الشخصية بناءً وذهناً ، ولا شبهة في مؤثّريته ومبدئيته للإرادة والأعمال أحياناً . ألا ترى أنّ من نزّل نفسه منزلة السلطان لعباً ولهواً يؤثّر ذلك في نفسه بحيث يعمل أعماله ، بل ربّما يحصل في نفسه نحو تجبّر وتبختر وليس ذلك إلاّ لكون هذا التنزيل والبناء مؤثّراً في النفوس وصيرورته مبدأً للإرادة ، بل مبدؤها ليست الاُمور الخارجية وإنّما هو اُمور ذهنية وإدراكات نفسانية وربّما تكون أمثال ما ذكر مؤثّرة في النفس ومبدأً للإرادة والتحريك مع الغفلة والذهول عن الأجر رأساً .

وبالجملة : بعد ما عرفت من عدم إمكان الجمع بين كون النيابة ما ذكرت وبين وقوع الأجر بإزاء العمل لا محيص عن الالتزام ببعض ما ذكرناه .

وممّا ذكرناه يظهر الخلط في كلمات الشيخ الأعظم(1) ، حيث إنّه مع جعل اعتبار النيابة تنزيل الشخص منزلة المنوب عنه خلط في لوازمه وجعل للعمل الخارجي عنوانين : أحدهما : كونه فعل النائب ، والآخر : فعل المنوب عنه ، مع أنّ لازم هذا الاعتبار عدم انتساب الفعل إلى النائب بوجه كما مرّ .

فقوله : «فالصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب» يناقض

ص: 350


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 144 - 146 .

في اُفق الاعتبار لقوله : «وفعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب ؛ يعني تنزيل نفسه

منزلة المنوب عنه»(1) .

فإنّ فعل النائب ليس إلاّ عملاً قلبياً واعتباراً وادّعاءً ، نظير الحقائق الادّعائية

لكنّه ملازم أو موقوف في التحقّق الخارجي على العمل الخارجي . فالنيابة على هذا المبنى ليست من الأعمال الخارجية ولا يمكن أن يكون العمل الخارجي فعلاً للنائب بعد التنزيل . وما ذكره رحمه الله علیه مضافاً إلى مخالفته للاعتبار المتقدّم مستلزم لورود الإشكال السابق عليه ، كما يأتي بيانه .

ثمّ لو قلنا بأنّ حقيقة النيابة هي تنزيل الشخص مقام الشخص يمكن دفع بعض إشكالات اُخر عن النيابة في العبادات :

منها :(2) أنّ النائب لا أمر له بالنسبة إلى العمل ، والأمر متوجّه إلى

المنوب عنه حقيقة .

أمّا الأمر الحقيقي فواضح ؛ ضرورة أنّ الإضافات تشخّصها بتشخّص أطرافها فيستحيل خروجها من حدّ إلى حدّ ، فلا يمكن أن يتخطّئ الأمر المتوجّه إلى المنوب عنه منه إلى نائبه ، ومعه لا يمكن انبعاثه ؛ لعدم تعقّل الانبعاث عن الأمر المتوجّه إلى الغير.

وأمّا الانتساب الاعتباري التنزيلي بلحاظ تنزيل النائب منزلة المنوب عنه فلا يفيد ؛ لأنّ الانبعاث حقيقة لا يمكن إلاّ عن البعث الحقيقي ، فمجرّد التنزيل الاعتباري الادّعائي لا يوجب توجّه الأمر إليه حقيقةً ، والتوجّه

ص: 351


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 146 .
2- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 229 .

الادّعائي لا يمكن أن يصير باعثاً حقيقة .

ويندفع بأنّ حقيقة النيابة إذا كانت لدى العقلاء ما تقدّمت(1) ، وقد أمضاها الشارع وأنفذها بالأخبار المتظافرة ، كروايات ابن مسلم ، وابن أبي يعفور ، والبزنطي ، وصفوان بن يحيى عن الصادق والرضا علیهما السلام : «أ نّه يقضى عن الميّت الحجّ والصوم والعتق وفعاله الحسن»(2) ممّا هي ظاهرة في صحّة النيابة وجوازها ، يستكشف منهما ؛ أي من الأخبار الممضية ومن فرض كونها ما تقدّمت ، التوسعة في الأدلّة الواقعية من حيث توجّه التكليف إلى الوجود التنزيلي توسعة حقيقية بمقدار سعة دائرة الإمضاء والإنفاذ .

ففي الحجّ لولا دليل النيابة قلنا بلزومه على المستطيع مباشرة ، ومع عجزه لا يقوم غيره مقامه ، لكن بعد قيام الدليل بجوازها حيّاً في حال عجزه(3) وميّتاً(4) نستكشف بسقوطه عنه بالإتيان الأعمّ بوجوده التنزيلي ويستكشفُ منه توجّه التكليف بأعمّ .

لا يقال : لازم ذلك وجوبه على المتبرّع إذا نزّل نفسه منزلته .

فإنّه يقال : نعم ، يجب عليه بما أ نّه المنوب عنه ما دام تنزيله ، ولهذا يجب عليه نيّة الوجوب لكن لا يجب عليه التنزيل ولا إدامته .

ص: 352


1- تقدّمت في الصفحة 346 .
2- وسائل الشيعة 8 : 281 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 12 ، الحديث 23 ، 19 ، 21 وذيل الحديث 19 .
3- راجع وسائل الشيعة 11 : 63 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوبه وشرائطه ، الباب 24 .
4- راجع وسائل الشيعة 11: 71، كتاب الحجّ، أبواب وجوبه وشرائطه، الباب 28.

نعم ، لو آجر نفسه للنيابة يجب عليه الوفاء بالإجارة بتنزيل نفسه منزلته في العمل ، ومعه ينوي الوجوب إن وجب على المنوب عنه ، ولو تركه يعاقب على ترك العمل بالإجارة إذا قلنا بوجوب الوفاء بالعقود ، ولا يعاقب على ترك الحجّ؛ لأنّ التكليف متوجّه إلى المنوب عنه لا النائب . وتوجّهه عليه بعد التنزيل توجّه إلى المنوب عنه أيضاً بوجوده التنزيلي ، فمع إتيانه سقط عنه ؛ لإتيانه بوجوده التنزيلي ، ومع تركه بقي على ذمّة المنوب عنه لا النائب .

وبالجملة : لازم أدلّة النيابة توسعة التكليف إلى الوجود التنزيلي ، وهذه توسعة حقيقية ببركة التحكيم والتعبّد ، كما قلنا بنظيرها في باب الإجزاء في المأتيّ به بالتكليف الظاهري ، حيث قلنا بأنّ مقتضى ظواهر الأدلّة الأوّلية كقوله :

«لا صلاة إلاّ بطهور»(1) وإن كان اشتراط الصلاة مثلاً بالطهارة الواقعية لكن بعد تحكيم قوله : «كلّ شيء طاهر»(2) على أدلّة الشروط صارت النتيجة توسعة دائرة الشرط إلى الطهارة الظاهرية ، فالصلاة المأتيّ بها بالطهارة الظاهرية مصداق حقيقي للصلاة ببركة التعبّد والتوسعة المستكشفة بدليل الأصل(3) .

ففي المقام يكون توجّه التكليف إلى الوجود التنزيلي حقيقياً ببركة استكشاف التوسعة من الأدلّة ، فيكون الانبعاث عن البعث .

مع إمكان أن يجاب في المقام بوجه آخر غير مبنيّ على ما ذكرناه ،

ص: 353


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 و6 .
2- المقنع : 15 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 583 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 30 ، الحديث 4 .
3- مناهج الوصول 1 : 255 .

ومحصّله : عدم الاحتياج إلى توجّه الأمر إلى الآتي بها بعد قيام الدليل على سقوطها عن عهدة المنوب عنه بإتيان النائب ، نظير أداء دين الغير تبرّعاً ، غاية الأمر يقصد في المقام التقرّب والتعبّدية .

وممّا ذكرناه يظهر الجواب عن إشكال آخر(1) ، وهو أ نّه كيف يمكن تقرّب المنوب عنه بعمل النائب ؟ فإنّ القرب المعنوي كالحسّي ، فكما أنّ قرب شخص من آخر مكاناً لا يوجب قرب غيره فكذلك في القرب المعنوي .

وفيه : أنّ القرب المعتبر في العبادة لو كان من الحقائق الواقعية كالكمالات الروحانية من حصول نحو تنزّه وتجرّد عن المادّة لكان حصولها للمنوب عنه بفعل النائب ممتنعاً لكن لا يعتبر ذلك فيها جزماً . وأمّا القرب الاعتباري وسقوط الأمر أو سقوط المكلّف به عن عهدته بفعل الغير بمكان من الإمكان . ويستكشف ذلك كلّه من أدلّة النيابة ، فالنائب يأتي بالفعل بما أ نّه منوب عنه فيحصل قرب المنوب عنه لا قرب نفسه ، ولا وجه لحصول القرب له في العمل عن غيره اللهمّ إلاّ تفضّلاً ، فهذا القرب الاعتباري لا مانع من حصوله مع قصد تحصيله للغير ، كما أنّ سقوط التكليف أو المكلّف به ممكن ، فقياس القرب في المقام بالقرب الحسّي مع الفارق .

مضافاً إلى أنّ اعتبار نيّة التقرّب أو حصول القرب في العبادات غير ظاهر ؛ إذ لا دليل عليه ، فلا يعتبر فيها إلاّ الإخلاص وكونها للّه تعالى ، ومعه يسقط التكليف

أو المكلّف به عن عهدة المنوب عنه ، وهذا موجب لامتيازه عن غيره ممّن

ص: 354


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 233 .

يشتغل ذمّته ، ويمكن أن يصير ذلك موجباً للتفضّل عليه بإعطاء الثواب أو سقوط العقاب عنه .

بل يمكن أن يقال : إنّ عمل النائب عن المنوب عنه يوجب وصول صورة عمله البهيّة إليه ، كما ورد في بعض الروايات : «يدخل على الميّت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والدعاء»(1) .

احتمال كون النيابة تنزيل العمل لا تنزيل الشخص

ويحتمل أن تكون النيابة في اعتبار العقلاء عبارة عن تنزيل العمل منزلة عمل المنوب عنه :

إمّا بأن يوجد العمل نازلاً منزلته ويكون بنفس وجوده عملاً للمنوب عنه فلا يكون منتسباً إلى النائب في وعاء الاعتبار بوجه ، فيكون الاُجرة للتنزيل لا للعمل .

وإمّا أن يكون التنزيل بعد تحقّق العمل ، فيكون عند وجوده عملاً للنائب وبالتنزيل للمنوب عنه .

فعلى الأوّل تندفع الإشكالات المتقدّمة بنحو ما مرّ ، بل لا يرد على هذا الفرض إشكال استحقاق الاُجرة بنفس التنزيل ، فإنّ التنزيل هاهنا تنزيل العمل فلا يمكن تحقّقه بغيره .

وإشكال المنافاة للإخلاص مندفع بأنّ الأجر في مقابل التنزيل وهو

ص: 355


1- وسائل الشيعة 8 : 279 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 12 ، الحديث 10 .

غير العمل وإن كان موقوفاً عليه ، بل يظهر ممّا تقدّم عدم إمكان كون الأجر

مقابل العمل في الفرض أيضاً ؛ لأنّ اعتبار تحقّق العمل عملاً للمنوب عنه ينافي اعتبار الأجر المتقوّم بكون العمل عملاً للأجير فلا يعقل الجمع بين الاعتبارين فلا يعقل أن يكون الأجر بإزاء العمل ، وقد مرّ أنّ التوقّف غير الغائية(1) .

وهذا بوجه نظير إعطاء الأجر للإفطار بالتمر مثلاً ، فإنّ ذلك الأجر لا يعقل أن يقع بإزاء الصوم ولو قيداً ؛ لأ نّه بإزاء ما يبطله أو ينتهي إليه . فالصوم لا يكون

بإزاء الأجر ، ولو توقّف تحقّق استحقاق الأجر بتحقّق الصوم فلا يكون الأجر له ولا غاية له ، ومجرّد التوقّف غير مضرّ.

وأمّا مطالبة الأمر في المقام للانبعاث ببعثه فقد تقدّم أ نّه لا تتوقّف صحّة العبادة على الأمر . ففي المقام لمّا فرض كون النيابة عبارة عن قيام العمل مقام عمل المنوب عنه عرفاً فمنه ومن دليل تنفيذ النيابة يعلم أنّ العمل النيابي موجب لسقوطه عن ذمّة الميّت ، فيصير ذلك موجباً لانبعاث المتبرّع إلى الإتيان عن جدّ ، كما يستكشف منها صحّة الإجارة للنيابة وقد مرّ إمكان حصول التقرّب له .

وعلى الثاني أيضاً يمكن دفع الإشكالات : أمّا أوّلها فبما مرّ .

وأمّا قضيّة الإخلاص فكذلك ، بأن يقال : إنّ الاُجرة على جعل العمل منزلة عمل المنوب عنه لا على ذاته ، نظير أخذ الأجر على إتيان عمل عبادي في مكان كذا ، فإنّ جعله فيه ليس عبادياً معتبراً فيه الإخلاص .

ص: 356


1- تقدّم في الصفحة 349 .

إلاّ أن يقال : بالفرق بين ما كان ذات العمل مطلوباً متعلّقاً للأمر ، فيكون القصد إلى إتيانه خالصاً وجعله في مكان خاصّ غير عبادي يصحّ أخذ الأجر عليه ، وبين ما لا يكون العمل مطلوباً كالمقام ، حيث لا يكون مطلوباً من النائب وإنّما هو في ذمّة المنوب عنه ، فإتيان النائب له بطمع الأجر لا للّه تعالى .

ففرق بين المقام والصورتين السابقتين ، فإنّ فيهما يكون الأجر مقابل التنزيل

ولا يعقل جعله مقابل العمل كما مرّ ، وأمّا في المقام فالعمل عمل النائب يأتي به ليجعله وسيلة لجلب النفع . فحينئذٍ لو قلنا بمقالة الشيخ من مخالفة ذلك للإخلاص(1) فلا مفرّ منه .

وأمّا الإشكالات الاُخر فيندفع بالتأمّل فيما سبق .

ثمّ إنّ لوازم النيابة في الصورتين الأخيرتين تخالف مع الصورة الاُولى ، ففيهما لابدّ من مراعاة شرائط صلاة المنوب عنه لا شرائط نفسه بل النائب يراعي في شرائط الفاعل ما هو تكليفه ، فلا يجب على الرجل الإخفات أو الستر نحو ستر المرأة لو كان نائباً عنها ، ويجوز الاقتداء به إن كان نائباً عنها أو عن الميّت ، بخلاف الصورة الاُولى .

التحقيق في النيابة

ولكنّ الإنصاف: أنّ ما لدى المتشرّعة وسائر العقلاء وظاهر النصوص في النيابة ليس شيئاً ممّا تقدّم ؛ ضرورة أنّ الاستئجار إنّما يقع في العمل عن الغير فيأخذ الأجر ويقع في عرف المتشرّعة ارتكازاً وعملاً في مقابل العمل عن الغير ،

ص: 357


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 143 - 144 .

فيأخذه ليعمل الحجّ عن غيره ، لا لتنزيل نفسه منزلة غيره في العمل ، ولا لتنزيل عمله كذلك ، وهو واضح غير قابل للخدشة ، كما هو ظاهر الأخبار الواردة في الحجّ عن الغير :

ففي رواية عبداللّه بن سنان ، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام ، إذ دخل عليه رجل فأعطاه ثلاثين ديناراً يحجّ بها عن إسماعيل ، ولم يترك شيئاً من العمرة إلى الحجّ إلاّ اشترط عليه ، حتّى اشترط عليه أن يسعى في وادي محسّر ثمّ قال : «يا هذا ، إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجّة بما أنفق من ماله وكانت لك تسع بما أتعبت من بدنك»(1) .

ولعمري إنّها كالصريح في كون الأجر في مقابل العمل عنه .

فما تقدّم من التصوّرات أجنبيّة عن عمل المسلمين وعن مفاد النصوص كالرواية المتقدّمة وغيرها ممّا هي منقولة في كتاب الحجّ(2) التي هي ظاهرة الدلالة في ذلك .

فلا بدّ من دفع الإشكال عن هذه الواقعة التي بيد المسلمين ومفاد النصوص ، وهو لا يندفع بما تقدّم ولا بما أفاده الشيخ الأنصاري ، فيستكشف من النصوص صحّة العبادات الاستئجارية بنحو الداعي على الداعي ، ولا يرد عليها ما أوردناه على الاستئجار في عبادة نفسه(3) ، كما لا يخفى .

ص: 358


1- الكافي 4 : 312 / 1 ؛ وسائل الشيعة 11 : 163 ، كتاب الحجّ ، أبواب النيابة ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 11 : 166 ، كتاب الحجّ ، أبواب النيابة ، الباب 2 و3 و4 .
3- تقدّم في الصفحة 325 .

وأمّا الإشكال بأ نّه كيف يسقط عمل عن عهدة شخص بفعل آخر ، وكيف يتقرّب المنوب عنه بفعل نائبه ، فليس موجّهاً بعد قيام الدليل ، وتقدّم الوجه فيهما .

فتحصّل من ذلك أنّ النيابة في الأعمال في ظاهر الشريعة ولدى المتشرّعة هي إتيان العمل عوض الغير وبدله كأداء الدين عنه كما صرّح به في رواية الخثعمية(1) . فهل ترى من نفسك أنّ المعطي لدين غيره وعن قبله ينزّل نفسه منزلة نفسه أو عمله منزلة عمله ؟ !

وبالجملة : ليس في النصوص إلاّ نحو قوله : «يحجّ عنه» أو «يصلّى عنه»(2) ، وليس مفاد ذلك إلاّ نحو قوله : «قضى دينه عنه»(3) .

ما يرد على كلام العلاّمة الحائري والشيخ الأعظم في المقام

وأمّا ما أفاده شيخنا العلاّمة في صلاته(4) ، ولعلّه يظهر من خلال كلمات الشيخ الأنصاري أيضاً (5) ؛ من أنّ المعتبر في صحّة الإجارة قرب المنوب عنه لا قرب العامل ، فالإشكال بمنافاة أخذ الأجر للقربة المعتبرة في العبادة كالجواب

ص: 359


1- روض الجنان وروح الجنان 4 : 450؛ مستدرك الوسائل 8 : 26 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ، الباب 18 ، الحديث 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 8 : 276 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 12 .
3- راجع وسائل الشيعة 18 : 336 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ، الباب 9 ، الحديث 3 .
4- الصلاة ، المحقّق الحائري : 578 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 144 - 145 .

بالداعي على الداعي في غير محلّه .

فغير وجيه ؛ لأنّ حصول القرب على فرض اعتباره مترتّب على العمل الخالص للّه تعالى ، فإن أتى به بعد الخلوص لنفسه تصير مقرّبة ، وإن أتى به لغير يصير الغير مقرّباً ، فلا بدّ من لحاظ منشأ حصول القرب للمنوب عنه ، وليس هو إلاّ إتيان النائب العمل للّه . مع أنّ إتيانه للأجر ينافي كونه للّه تعالى ، فالأجر ينافي الإخلاص ومع عدمه لا يحصل القرب للمنوب عنه ، ولهذا لو أتى الأجير بالعمل رياءً لا يقع عن المنوب عنه ؛ لعدم صلاحيته لحصول القرب له ، فالإشكال في محلّه ، وكذا الجواب .

وأمّا الشيخ الأنصاري فلا تخلو كلماته عن اضطراب(1) . فإنّ الظاهر من بعضها أنّ الأجر للعمل المأتيّ به تقرّباً إلى اللّه تعالى نيابة عن غيره .

وهو ظاهر في كون الأجر في مقابل العمل المقيّد ، لكنّ الظاهر أ نّه غير المقصود منه بقرينة سائر كلماته .

ويظهر من بعضها أنّ الصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب بجهة وللمنوب عنه بجهة .

والظاهر من مجموع كلماته أ نّه أيضاً غير مراد ؛ أي لا يعني أنّ للصلاة وجودين اعتباراً حتّى يرد عليه بأ نّه ليس لها إلاّ وجود واحد ينسب إلى النائب بوجه وإلى المنوب عنه بوجه .

ويظهر من بعضها أنّ المنطبق على الصلاة الموجودة في الخارج على وجه

ص: 360


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 144 - 146 .

النيابة عنوانان : أحدهما : ذات الصلاة ، وهي منسوبة إلى المنوب عنه بوجه ، وثانيهما : نيابة النائب في فعلها ، وهي عنوان زائد على ذات الصلاة يقع الأجر بإزائه لا بإزاء ذات الصلاة .

والظاهر من مجموع كلماته بعد جعل بعضها قرينة على بعض أنّ هذا مراده .

قال : «فالموجود في ضمن الصلاة الخارجية فعلان : نيابة صادرة عن الأجير النائب فيقال : ناب عن فلان ، وفعل كأ نّه صادر عن المنوب عنه ، فيمكن أن يقال على سبيل المجاز : صلّى فلان ، ولا يمكن أن يقال : ناب فلان . فكما جاز اختلاف هذين الفعلين في الآثار فلا ينافي اعتبار القربة في الثاني جواز الاستئجار على الأوّل الذي لا يعتبر فيه القربة»(1) ، انتهى .

وهذه العبارة قرينة على مراده في سائر الفقرات .

وكيف كان لو كان مراده تعدّد العمل كما توهّم فهو خلاف الواقع ؛ لأنّ الصلاة المأتيّ بها واحدة حقيقة واعتباراً ، وإنّما التعدّد في انتسابها إلى النائب

والمنوب عنه .

وإن كان مراده ما ذكرناه فهو مخالف لما عليه عمل المتشرّعة وظاهر الشريعة ؛ لما تقدّم من أنّ الأجر مجعول في مقابل العمل في عرف المتشرّعة وهو الظاهر من الأخبار(2) .

وبما ذكرناه يظهر النظر في وجه آخر منسوب إلى الشيخ ، وهو : «أنّ النيابة عنوان يلحق الفعل المنوب فيه وبه يصير متعلّقاً للإجارة ، وهو كون الصلاة عن

ص: 361


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 146 .
2- تقدّمت في الصفحة 357 - 358 .

فلان ، فالصلاة من حيث ذاتها عبادة ومن حيث وصفها ؛ أي كونها عن الغير ، معاملة محضة نظير الصوم والصلاة في البيت»(1) ، انتهى .

والظاهر أنّ ذلك أيضاً راجع إلى الوجه المتقدّم . ويرد عليه ما يرد عليه من أ نّه تصوّر وتخيّل غير مربوط بما بيد المتشرّعة وعليه عملهم ، وغير موافق للظواهر ، كما أنّ الظاهر رجوع الوجه الآخر المنقول عن رسالة القضاء(2) إلى ذلك ، وهو أنّ للصلاة قيدين : أحدهما : كونها عن قصد القربة ، وثانيهما : كونها عن الغير ويؤخذ الأجر على هذا القيد .

ويردّه ما يردّ سابقه مع أنّ تلك الوجوه لا تدفع أصل الإشكال ؛ ضرورة أنّ المؤجر لا يأتي بالعمل خالصاً للّه تعالى ، وإنّما يأتي به طلباً وطمعاً في الأجر ،

وبهذا يفترق فعل الأجير لعمل الغير عن فعله لعمل نفسه في مكان كذا مثلاً ؛ فأخذ الأجر لإتيان صلاته الفريضة في مكان كذا لا يضرّ بالإخلاص إذا أخذه للخصوصية بعد تحقّق داعيه لإتيان فريضته ، فالفرق بينهما واضح ، والتخلّص عن الإشكال ما تقدّم .

فتحصّل ممّا مرّ صحّة العبادات الاستئجارية . والسلام على محمّد وآله .

ص: 362


1- بحوث في الفقه ، الإجارة، المحقّق الأصفهاني : 226 .
2- رسائل فقهية، القضاء عن الميّت ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23 : 245 - 246 .

خاتمة

اشارة

وفيها مسألتان :

اشارة

ص: 363

ص: 364

المسألة الاُولى في جوائز السلطان الجائر وعمّاله

جوائز السلطان الجائر وعمّاله ، وصِلاتهم ، بل مطلق المال المأخوذ منهم مجّاناً أو بعوض ، لا يخلو عن صور تعرّض لمهمّاتها الشيخ الأعظم قدّس سرّه (1) .

وفیها مسألتان:

الصورة الاُولى : عدم العلم بوجود الحرام في جملة أموال الجائر

منها : أن لا يعلم أنّ في جملة أموال الجائر مالاً محرّماً يصلح أن يكون المأخوذ منه ، ولا يكون ما في يده طرف العلم الإجمالي . وبعبارة اُخرى : تكون الشبهة في أمواله بدوية .

والأولى عنوان المسألة بما ذكرناه ؛ أي جعل العنوان : «السلطان الجائر وعمّاله» كما هو صريح «نهاية» الشيخ(2) وظاهر المحقّق(3) ، ولهذا فسّر صاحب

ص: 365


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 165 .
2- النهاية : 357 .
3- شرائع الإسلام 2 : 6 .

«الجواهر» الجائر في عبارة «الشرائع» بالسلطان الجائر(1) ، وهو ظاهر العلاّمة في «التذكرة» و «القواعد»(2) ، كما يظهر بالتأمّل . وإنّما قلنا ذلك ؛ لأنّ مخالفة

قواعد العلم الإجمالي في المسائل الآتية لابدّ لها من مستند معتمد معمول عليه . وما يمكن أن يقال باستثنائه منها نصّاً وفتوى هو نحو جوائز السلطان الجائر وعمّاله . وإلحاق مطلق الظالم به كالسارق ، أو مطلق من لم يتورّع عن الحرام ، أو مطلق المال المخلوط به محلّ إشكال وكلام ، كما يأتي إن شاء اللّه .

وكيف كان : إنّ في جوائز السلطان وصِلاته وسائر ما يؤخذ منه بعوض أو بلا عوض شبهتين :

إحداهما : احتمال أن لا يكون المال منه وتكون يده عليه غاصبة ، وهو مدفوع في هذه الصورة بقاعدة اليد وإطلاق أدلّتها، وببعض الروايات الآتية ولو بالفحوى.

وثانيتهما : احتمال ممنوعية أخذ الجائزة والصلة وغيرهما من خصوص السلاطين الجائرين سيّما مثل الغاصبين للخلافة ، واحتمال عدم جواز أكل أموالهم والتصرّف فيها كاحتمال حرمة عشرتهم وصحابتهم والدخول عليهم ، وهو مدفوع بأصالة البراءة والحلّ .

ولعلّ تمسّك الشيخ الأعظم بالأصل(3) لدفع الشبهة الثانية لا الاُولى . فوقوع بعضهم كالفاضل الإيرواني في حيص وبيص ؛ من تمسّكه بالأصل أو حمل الأصل على قاعدة اليد(4) لعلّه في غير محلّه .

ص: 366


1- جواهر الكلام 22 : 170 .
2- تذكرة الفقهاء 12 : 152 ؛ قواعد الأحكام 2 : 12 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 165 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 309 .

ولعلّ ما ذكرناه ظاهر قوله : «فلا إشكال في جواز أخذه وحلّية التصرّف فيه؛ للأصل . . .»(1) ولو فرض عدم ظهوره فلا أقلّ أ نّه محتمله .

مضافاً إلى عدم الإشكال في الاحتياج إلى الأصل لدفع تلك الشبهة ، ولا تندفع بقاعدة اليد ، ولا بالعلم بكون المال ماله ؛ إذ احتمال أنّ جوائزه وعطاياه محرّمة علينا ولو علمنا أ نّها أمواله - لاحتمال مبغوضية مطلق التماسّ معهم بشؤونه سيّما ما كان مظنّة لجلب الحبّ والوداد - غير مدفوع إلاّ بالأصل . فالحكم بالجواز الفعلي والحلّية الفعلية يتوقّف على قاعدة اليد والأصل كليهما .

نعم ، تندفع الشبهتان ببعض الروايات الآتية ، فالتمسّك بالأصل مع الغضّ عنها .

ثمّ قال الشيخ الأعظم : «ربّما يوهم بعض الأخبار أ نّه يشترط في حلّ مال الجائر ثبوت مال حلال له ، مثل ما عن «الاحتجاج» عن الحميري أ نّه كتب إلى صاحب الزمان علیه السلام يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحلّ لما في يده لا يتورّع عن أخذ ماله ، ربّما نزلت في قرية وهو فيها ، أو أدخل منزله وقد حضر طعامه ، فيدعوني إليه ، فإن لم آكل من طعامه عاداني عليه ، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدّق بصدقة ، وكم مقدار الصدقة ؟ وإن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر ، فيدعوني إلى أن أنال منها وأنا أعلم أنّ الوكيل لا يتورّع عن أخذ ما في يده ، فهل عليّ فيه شيء إن أنا نلت منه ؟

«الجواب : إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه

ص: 367


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 165 .

واقبل برّه ، وإلاّ فلا»(1) . بناءً على أنّ الشرط في الحلّية هو وجود مال آخر فإذا لم يعلم به لم يثبت الحلّ»(2) ، انتهى .

وهو مبنيّ على أن يكون السؤال في الرواية عن شخص غير مبالٍ في مال الوقف وغير متورّع عن أكله ، فيكون محطّ شبهته أنّ يد غير المتورّع معتبرة كسائر الأيادي ويعامل مع ما في يده معاملة ملكه ، أو أ نّها ساقطة لأجل عدم تورّعه وعدم مبالاته . وبعبارة اُخرى : إنّ من لم يتورّع عن مال الوقف تسقط يده فيما كانت معتبرة لو لم يكن كذلك ، ولا يكون السؤال عن حيث العلم الإجمالي أو التفصيلي بكون ما في يده حراماً حتّى تكون الرواية أجنبيّة عن الصورة المفروضة .

والظاهر أنّ السؤال ناظر إلى الوجه الأوّل ، والجواب بأ نّه «إن كان له معاش . . .» مناسب له ، بل لعلّه ليس أمراً تعبّدياً ؛ لكونه ظاهراً موافق بناء العقلاء

أيضاً في ترتيب الأثر على اليد ؛ لأنّ من لم يكن له طريق معاش سوى السرقة أو غصب مال الغيركالوقف ونحوه لا يعامل العقلاء مع ما في يده معاملة ملكه ولو في الشبهة البدوية .

وعلى أيّ تقدير : إنّ المراد من الجواب بعد فرض كون السؤال عن الحيثية المتقدّمة أ نّه إذا لم يكن للرجل مال ومعاش غير الوقف لا يؤخذ برّه ولو مع عدم العلم تفصيلاً أو إجمالاً بكونه من مال الوقف ، وهو عبارة اُخرى عن سقوط اعتبار يده فيما تعتبر يد غيره .

ص: 368


1- الاحتجاج 2 : 572 / 355 ؛ وسائل الشيعة 17 : 217 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 15 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 165 - 167 .

وعلى ما ذكرناه يسقط الإشكال على الشيخ من هذه الجهة بأنّ الرواية أجنبيّة عن الصورة الاُولى(1) .

نعم ، هنا إشكال آخر عليه ، وهو أنّ موضوع السؤال والجواب فيها وإن كان عن يد الشخص الذي لا يتورّع عن الحرام الذي في يده ، لكن المفروض وجود ممرّ حرام معلوم بالتفصيل عنده وكان غير متورّع عنه ، فأجاب في الفرض بما أجاب الذي قلنا إنّه موافق لبناء العقلاء ظاهراً ، وهو غير الصور المذكورة ؛ أي صورة العلم الإجمالي بكون حرام في يده أو عدمه . فمفروض السؤال والجواب حيثية غير مربوطة بالصور المذكورة في المقام .

ثمّ إنّ الظاهر من الرواية أ نّه إن كان له مال آخر يجوز أخذ برّه ، وأمّا لزوم العلم الوجداني بكون المال غير الوقف وبكونه حلالاً فلا . فلو فرض إحراز كونه غير الوقف بالبيّنة وإحراز كونه حلالاً بكونه في يده يكون كافياً لتحقّق موضوع الرواية وتكون أدلّة حجّية البيّنة واليد حاكمة عليها ومنقِّحة لموضوعها .

فما أفاده الشيخ من لزوم العلم بمال حلال له(2) ، غير ظاهر إن أراد بالعلم هو الوجداني منه .

نعم ، ربّما يستشكل في إحراز اليد عنوان «مال آخر» الذي هو مذكور في الرواية ؛ لعدم الدليل على حجّية مثل تلك الأمارات لمثل هذه اللوازم(3) ، وللكلام فيه محلّ آخر .

ص: 369


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 310 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 167 .
3- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 163 .

الصورة الثانية العلم الإجمالي بوجود الحرام في أموال السلطان الجائر

ومنها : أن يعلم إجمالاً بأنّ في أموال الظالم مالاً حراماً يمكن أن تكون الجائزة منه تماماً أو بعضاً مع عدم العلم ولو إجمالاً بأنّ الجائزة مشتملة على الحرام . وبعبارة اُخرى : تكون الجائزة طرف العلم الإجمالي . وفيها صورتان :

إحداهما : صورة عدم تنجيز العلم الإجمالي لأجل الجهات المشتركة مع سائر المباحث ، ككون الأطراف غير محصورة ونحوه .

ثانيتهما : صورة عدم المانع من تنجيزه من هذه الجهات مع قطع النظر عن خصوصية المورد .

وفیها صورتان:

الاُولى : فيما لو كان العلم الإجمالي غير منجّز كالشبهة غير المحصورة

وقبل الورود في المطلب لابدّ من التنبيه بأمر ربما صار الخلط فيه موجباً للخطأ في كثير من مباحث العلم الإجمالي :

وهو أنّ العلم بالتكليف بحسب الكبرى الكلّية قد يتعلّق بتكليف فعلي يعلم بعدم رضا المولى بتركه كائناً ما كان ؛ لأجل أهمّيته عنده ، نظير قتل النبي رحمهما اللّه

وقتل الولد في الموالي العرفية ، ومعه يسقط جميع الاُصول العقلية والشرعية وجميع الأمارات العقلائية والشرعية ، ويجب عقلاً الاحتياط التامّ ، حرجياً كان أم لا ، ولا عذر إلاّ العجز العقلي .

ص: 370

وذلك لأ نّه مع هذا العلم الوجداني بالتكليف الفعلي الكذائي لا يحتمل جواز الترخيص في العمل بالأمارات ولو في الشبهات البدوية وكذا في العمل بالاُصول ؛ لأنّ جواز الترخيص بها مساوق لاحتمال اجتماع النقيضين ؛ ضرورة أنّ العلم الوجداني بعدم رضا المولى بترك الواقع لا يجتمع مع احتمال الترخيص في تركه ، فإنّ إجازة العمل بالأمارة أو الأصل ولو في الشبهة البدوية ملازمة للترخيص في ترك الواقع على فرض تخلّفها عنه .

بل العلم بهذه المرتبة من الأهمّية بيان على التكليف الواقعي ، وإن شئت قلت : كاشف عن إيجاب الاحتياط ، وهو بيان وارد على قاعدة قبح العقاب بلا بيان .

ففي هذه الصورة لا يمكن الترخيص في الشبهات البدوية فضلاً عن أطراف العلم أو بعضها ، وفي مثله يصحّ أن يقال : إنّ الترخيص في الأطراف ترخيص في المعصية وهو محال .

لكن هذه الصورة قليلة الاتّفاق في الشرعيات ، ويجب فيها على المولى عقلاً إيجاب الاحتياط في الشبهات البدوية مع عدم العلم بهذه المرتبة من الأهمّية .

وقد يتعلّق العلم بالحجّة ، كإطلاق دليل أو عموم عامّ أو نحو ذلك من ظاهر الكتاب والسنّة ، لا العلم بالتكليف الواقعي الفعلي ، فإطلاق الكتاب يقتضي حرمة الميتة والخمر ، كانتا معلومتين تفصيلاً أو إجمالاً أم مجهولتين ، ولكن العلم بالإطلاق لا يلازم العلم الوجداني بالتكليف الواقعي الفعلي ، وإن يلازم العلم بقيام الحجّة على الواقع ، لكن يحتمل وجداناً تخلّفها عن الواقع وإن لا عذر

ص: 371

للعبد مع قيام الحجّة في التخلّف عنها .

وفي هذه الصورة لا مانع عقلاً من الترخيص في المخالفة القطعية فضلاً عن الاحتمالية .

وهذه الصورة هي التي ينبغي أن يبنى عليها المباحث الآتية ومباحث العلم الإجمالي في باب الاشتغال ، فمع عدم امتناع الترخيص في الأطراف جميعاً أو بعضاً يلاحظ مقتضى الأدلّة المرخّصة ويؤخذ بها ، وإن اقتضت الترخيص في جميعها ، فإنّ الترخيص في الجميع يلازم غمض العين عن التكليف الواقعي لمصالح أهمّ منه ولو لم نعلم بها . فالترخيص في جميع الأطراف في هذه الصورة كالترخيص في الشبهة البدوية والترخيص في العمل بالأمارات في إمكانه ، كما أنّ الجميع مشتركة في الصورة الاُولى في الامتناع .

فمباحث العلم الإجمالي في باب القطع ينبغي أن تكون من قبيل الصورة الاُولى ، كما أنّ مباحث العلم الإجمالي في باب الاشتغال ، كعدم تنجيزه في الشبهة غير المحصورة ، أو في صورة الاضطرار إلى بعض الأطراف ، أو في صورة عدم الابتلاء به ، إلى غير ذلك من مباحث التنجيز واللا تنجيز والانحلال التعبّدي وغير ذلك ، ينبغي أن يبحث عنها في فرض الصورة الثانية ، فإنّها ساقطة مع الصورة الاُولى ، كما لا يخفى على اُولي النهى .

وبحثنا في المقام من قبيل الصورة الثانية ، فمع فرض هذه الصورة لو كان العلم الإجمالي غير منجّز كالشبهة غير المحصورة أو كفرض الاضطرار إلى بعض الأطراف وغيرهما من موارد عدم التنجيز فحكمها حينئذٍ كالصورة الاُولى بعين ما ذكر فيها .

ص: 372

حول القول بكراهة أخذ الجوائز في المقام

ثمّ إنّه حكي عن جماعة كراهة الأخذ(1) . ونحن وإن بنينا على عدم التعرّض إلاّ لمهمّات المسائل لكن لا بأس هنا بالإشارة الإجمالية :

فنقول : إنّ هاهنا عناوين ، كراهة كلّ منها على فرض ثبوتها غير مربوطة بالآخر ، كما أنّ رفعها لا يكون على نسق واحد :

منها : عنوان الاستعطاء من السلطان وعمّاله .

ومنها : أخذ جوائزهم .

ومنها : التصرّف في نفس المأخوذ استعطاء بما هو مأخوذ كذلك أو بنحو الجائزة بلا استعطاء بما هو مأخوذ كذلك .

ومنها : التصرّف في المال المنسوب إليهم وإن لم يكن بنحو الاستعطاء أو الجائزة وعلم كونه ماله وحلّيته .

ومنها : التصرّف في المال وأخذه بما أ نّه مال مشتبه حلّيته وحرمته .

والظاهر أنّ الصورة الاُولى خارجة عن محلّ البحث وإن كان الاستعطاء مكروهاً مطلقاً ، ولعلّه من الجائر أشدّ ، كما هو ظاهر بعض الروايات الآتية .

وما استدلّوا لها في المقام بعضها راجع إلى العنوان الأخير ، وبعضها إلى الثاني

ص: 373


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 168 ؛ منتهى المطلب 15 : 465 ؛ مسالك الأفهام 3 : 141 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 86 ؛ الحدائق الناضرة 18 : 261 ؛ رياض المسائل 8 : 105 .

أو الثالث أيضاً ، كما أنّ ما ذكر في رفع الكراهة من إخبار ذي اليد وإخراج الخمس على فرض صحّته إنّما هو راجع إلى رفع الكراهة الحاصلة بالعنوان الأخير دون غيره .

أقول : يمكن تعميم مثل قوله : «دع ما يريبك»(1) ، وقوله : «من ترك الشبهات نجا من المحرّمات»(2)، وكذا أخبار التثليث(3) والتوقّف(4) إلى جميع الصور المتقدّمة ، بأن يقال : في كلّ من تلك الصور شبهة الحرمة ، فكما أنّ في الأموال التي بيده ريباً وشبهة ، كذا في الاستعطاء وأخذ الجائزة من السلطان وعمّاله والتصرّف فيها بل في مطلق المال المنسوب إليهم ، فقوله : «دع ما يريبك» شامل لجميعها .

لكنّ الظاهر عدم ثبوت الكراهة الشرعية التابعة لحزازة ذاتية من تلك الأخبار على كثرتها ؛ لأنّ لسانها لسان الإرشاد إلى عدم الابتلاء بالمحرّمات ، كما يظهر من قوله : «فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم» ، وقوله : «والمعاصي

ص: 374


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 167 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 43، 54 و63 .
2- الكافي1 : 68 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 :157 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 9 .
3- راجع وسائل الشيعة 27 : 157 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 9 ، 27 ، 28 ، 52 و68 .
4- راجع وسائل الشيعة 27 : 154 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 2 ، 13 ، 15 ، 48 و57 .

حمى اللّه ، فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها»(1) .

مضافاً إلى أنّ الناظر في الأخبار الواردة في عدم جواز الفتياء بغير علم والقضاء كذلك(2) ، وما ورد من نحو قوله : «بيّن رشده ، وبيّن غيّه»(3) ، وغير ذلك ممّا وردت في العلم يقطع بأنّ المراد منه فيها على كثرتها كتاباً وسنّة ليس خصوص العلم الوجداني بل الأعمّ منه وممّا حصل من ظاهر الكتاب والسنّة .

فمن أفتى بظاهر الكتاب والسنّة وقضى على موازين القضاء أفتى وقضى بعلم.

وبيّن الرشد ما دلّ الدليل الشرعي على رشده لا خصوص ما علم وجداناً ، وكذا المراد من الريب والشكّ والجهل ونحوها المقابل له ليس الوجداني منها .

فعليه تكون أدلّة اليد وسائر الأمارات حاكمة أو واردة على مثل تلك الروايات ومعدمة لموضوعها تعبّداً وتحكيماً .

كما أنّ الريب من جهة الشبهة الحكمية مدفوع بمثل حديث الرفع(4) الحاكم عليها .

نعم ، يبقى سؤال قلّة المورد أو فقدانه في تلك الأدلّة ، وللكلام فيه محلّ آخر .

وكيف كان إثبات الكراهة الشرعية بها غير وجيه .

ص: 375


1- الفقيه 4 : 53 / 193 ؛ وسائل الشيعة 27 : 161 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 22 .
2- راجع وسائل الشيعة 27 : 20 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 .
3- وسائل الشيعة 27: 157، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 12 ، الحديث 9.
4- الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1.

نعم ، يمكن الاستدلال لها في بعض تلك العناوين المتقدّمة أو جميعها ببعض روايات خاصّة :

كرواية حريز - ولا يبعد صحّتها ؛ إذ ليس في سندها ما يناقش فيه إلاّ سهل بن زياد ، وهو سهل ، وفي طريق «الكافي» بدل حريز «حديد» ، وهو ابن حكيم الثقة - قال سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «اتّقوا اللّه وصونوا دينكم بالورع ، وقوّوه بالتقيّة والاستغناء باللّه - عزّ وجلّ - عن طلب الحوائج إلى صاحب السلطان . إنّه من خضع لصاحب سلطان ولمن يخالفه على دينه طلباً لما في يديه من دنياه أخمله اللّه - عزّ وجلّ - ومقته عليه ، ووكّله إليه ، فإن هو

غلب على شيء من دنياه فصار إليه منه شيء نزع اللّه - جلّ اسمه - البركة منه ولم يأجره على شيء منه ينفقه في حجّ ولا عتق ولا برّ»(1) .

فإنّ الظاهر من صدرها استحباب الاستغناء عن طلب الحوائج من صاحب السلطان ، بل لا يبعد استفادة كراهة طلبها منه أيضاً .

والفقرة الثانية ؛ أي قوله : «من خضع . . .» ظاهرة في شدّة كراهة الخضوع له طلباً لما في يده ولو بنحو الجائزة المترتّبة على جلب قلبه .

والفقرة الثالثة ؛ أي قوله : «فإن هو غلب على شيء . . .» إن كانت مربوطة بخصوص الخاضع لطلب الدنيا فلا دلالة فيها إلاّ على عدم البركة والخير في المال الذي يصير إليه بتلك الوسيلة ولو بنحو الجائزة ، فتدلّ على كراهة التصرّف في المأخوذ جائزة في هذا الفرض لا مطلقاً .

ص: 376


1- الكافي 5 : 105 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 330 / 914 ؛ وسائل الشيعة 17 : 178 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 4 .

وإن كانت أعمّ من ذلك ويراد بها من صار إليه شيء من أمواله مطلقاً ، فلا بركة فيه تدلّ على كراهة المأخوذ منهم عطيّة وجائزة ونحوهما . ولا يبعد على هذا الفرض استفادة كراهة القبول أيضاً ، تأمّل .

والأظهر الاحتمال الأوّل ، فلا دلالة فيها على كراهة مطلق الجائزة .

نعم ، تدلّ على كراهة قسم منها . واحتمال رجوع الضمير إلى طالب الحوائج ، بعيد .

وأمّا سائر الروايات فلا دلالة فيها على الكراهة الشرعية ، لا في المال ولا في سائر العناوين المتقدّمة :

أمّا قوله : «إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً . . .» فإنّه في ذيل صحيحة أبي بصير(1) وبمنزلة التعليل لحرمة الدخول في أعمالهم . والظاهر أنّ المراد منه أ نّهم استعملوكم في الحرام لا محالة ، فلا يمكن استفادة الكراهة من التعليل الوارد في الدخول المحرّم .

وأمّا المرويّ عن موسى بن جعفر علیه السلام : «واللّه لولا أ نّي أرى من اُزوّجه بها من عزّاب . . .»(2) فلأنّ وجه عدم قبوله غير معلوم ، ولعلّه للاحتراز عن المشتبه احتياطاً ، ومعه لا تدلّ على الكراهة الشرعية .

وبمثلها يجاب عن رواية «العلل» مرسلة : «وكان الحسن علیه السلام والحسين علیه السلام

ص: 377


1- الكافي 5 : 106/5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 179 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 ، الحديث 5 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 77 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 216 ، كتاب المتاجر ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 11 .

يأخذان من معاوية الأموال فلا ينفقان من ذلك على أنفسهما ولا على عيالهما ما

تحمله الذبابة بفيها»(1) .

نعم ، قد تشعر بالكراهة صحيحة الوليد بن صبيح ، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام فاستقبلني زرارة ، إلى أن قال : «يا وليد ، متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ؟ إنّما كانت الشيعة تقول : يؤكل من طعامهم ويشرب من شرابهم ويستظلّ بظلّهم»(2) .

إذ لا يبعد أن يكون ذلك تقريراً على حزازة أكل طعامهم . . . ، ولولا قوله :

«يستظلّ بظلّهم» ، لكان من المحتمل أن يراد من السؤال عن الأكل والشرب دفع احتمال نجاستهم ، فلا يخلو ما ذكر من الإشعار بالحزازة .

ولكن إثبات الكراهة بذلك مشكل ، فلا دليل عليها . بل لا يبعد دلالة بعض الروايات على عدمها :

كقوله : «لا بأس بجوائز السلطان»(3) ، وقوله : «جوائز العمّال ليس بها بأس»(4) .

ص: 378


1- علل الشرائع 1 : 218 / 2 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 180 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 44 ، الحديث 16 .
2- الكافي 5 : 105 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 187 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 45 ، الحديث 1 .
3- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 163 / 421 ؛ وسائل الشيعة 17 : 218 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 16 .
4- تهذيب الأحكام 6 : 336 / 931 ؛ وسائل الشيعة 17 : 214 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 5 .

بناءً على أنّ البأس أعمّ من الحرمة أو استعماله غالباً في الكراهة ، وإن احتمل في المقام بمناسبة غلبة شبهة الحرمة رجحان إرادة نفيها ، لا نفي الكراهة أو الأعمّ منها .

وكقوله : «إنّ الحسن والحسين علیهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية»(1) .

إذ كان بصدد بيان الحكم من حكاية عملهما ، فلا يبعد ظهورها في نفي البأس مطلقاً لولا رواية «العلل» المتقدّمة .

وكبعض الروايات الدالّة على إجازة الأخذ والحجّ بها ، وأوضح منها رواية عمر أخي عذافر المشتملة على حكاية ذهاب متاعه و وعد عامل المدينة إعطاء عوضه ، وفيها : «فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك ، فإنّما هو شيء دعاك اللّه إليه لم تطلبه منه»(2) .

فإنّ الظاهر منها أ نّه مع عدم الطلب لا حزازة في أخذه ولا في المأخوذ ؛ لأ نّه من دعوة اللّه تعالى وعطيّته ، مضافاً إلى أنّ الطلب مكروه لا حرام ، والظاهر منها

رفع ما ثبت بالطلب .

وهذه الرواية رافعة لإجمال رواية حريز المتقدّمة لو كان فيها إجمال .

فتحصّل من ذلك أنّ في المأخوذ مع الاستعطاء أو بالملق والخضوع حزازة وفي التصرّف فيه كراهة ، وبدون ذلك لا دليل على كراهته الشرعية .

ص: 379


1- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 935 ؛ وسائل الشيعة 17 : 214 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 4 .
2- الكافي 8 : 221 / 278 ؛ وسائل الشيعة 17 : 215 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 8 .

ثمّ إنّ الكراهة لو كانت من ناحية الاستعطاء أو الملق والاستعطاف ، أو لأجل كون الأخذ والاستفادة منه معرضاً لحصول المحبّة له ، أو قلنا بكراهة نفس الأخذ فلا ترفع بإخبار ذي اليد ولا بإخراج الخمس ، وهو واضح . بل الظاهر عدم رفعها مطلقاً بإخباره بما هو ذو اليد .

نعم ، لو قلنا بأنّ المراد من مثل قوله : «دع ما يريبك» هو الريب الوجداني وقلنا باستفادة الكراهة منه يمكن أن يقال : برفعها بإخبار من يوثق بصدقه كان بذي اليد أم لا ، لرفع الريب عرفاً .

وكذا لا يرفع بإخراج الخمس وإن قلنا باستحبابه ؛ لعدم الملازمة بين استحبابه وعدم الكراهة في التصرّف في البقيّ-ة ، والأمر سهل .

الثانية : فيما لو كان العلم الإجمالي منجّزاً كالشبهة المحصورة

حول جريان أصالة الحلّ في المقام

وأمّا الصورة الثانية - وهي صورة عدم المانع من تنجيز العلم الإجمالي بالجهات العامّة المذكورة في محلّها - فمع الغضّ عن أخبار الباب وغيرها ؛ قد يقال : إنّ العلم الإجمالي حاصل بأنّ هذا المال الذي أجاز الجائر في تصرّفه أو أعطاه جائزة لغير الجائر أو غيره ممّا في يده ، ومقتضاه الاجتناب عن الجميع ، ولو قلنا بأنّ الخروج من محلّ الابتلاء مؤثّر في عدم تنجيزه؛ فإنّ الأموال التي تحت يد الجائر غير خارج عنه ؛ ضرورة عدم استهجان الخطاب بالنسبة إليها ، وأ نّها مورد ابتلائه من حيث إمكان الابتياع وإجازة التصرّف ونحو ذلك .

ص: 380

وبالجملة : اعتبار عدم الخروج بهذا النحو عن محلّ الابتلاء خلاف الضرورة مع الغضّ عن فساد أصل المبنى ، فالعلم الإجمالي موجب للتنجيز .

ويمكن المناقشة فيه : بأنّ العلم الإجمالي بأنّ «هذا» لزيد المغصوب منه أو «ذلك» غير مفيد ؛ لأنّ مال زيد مثلاً بما هو ماله وبهذا العنوان ليس موضوعاً للحكم ، وما هو موضوع له هو مال الغير بلا إذنه أو مال أخ مسلم بغير طيب نفسه ، ولم يتعلّق علم إجمالي بهذا العنوان ؛ لأنّ ما في يد الجائر غير المأذون فيه

من قبله - كما هو مفروض المسألة - معلوم تفصيلاً أ نّه للغير ولامرئ مسلم لا يطيب نفسه بالتصرّف فيه كما هو معلوم الحرمة تفصيلاً ، فالحكم الشرعي وموضوعه معلومان تفصيلاً بالنسبة إلى ما في يد الجائر وإن لم يعلم أ نّه له أو لغيره ، وما أجاز في التصرّف فيه مشتبه بدوي بالنسبة إلى الموضوع ذي الحكم ، وكذا بالنسبة إلى الحكم وإن علم إجمالاً أنّ هذا لزيد أو ما في يد الجائر .

وبالجملة : ما علم إجمالاً ليس موضوعاً للحكم ، ولا إجمال فيما هو موضوع له .

وهذا بوجه نظير ما علم تفصيلاً بكون مائع خمراً ، وعلم إجمالاً بأ نّها إمّا من هذا العنب أو ذاك ، فإنّ العلم الإجمالي غير متعلّق بموضوع ذي حكم فلا يكون منجّزاً في عرض العلم التفصيلي ، فالعلم الإجمالي المذكور لا يمنع عن أصالة الحلّ .

وقد يقال : «لا مسرح لإجراء أدلّة حلّ ما لم يعلم بحرمته في المقام ؛ يعني في باب إباحة التصرّف في جوائز السلطان أصلاً ؛ لأ نّه إن كان هناك أصل أو أمارة تقتضي جوازه كاليد وأصالة صحّة تصرّف المسلم على تقدير جريانهما

ص: 381

فالحلّ مستند إليه ، وإلاّ فأصالة عدم ملك المجيز لما أجازه ، أو عدم سبب ملك

المجاز له ، بل أصالة عدم ملك المجاز حاكمة على أصالة الحلّ»(1) ، انتهى .

أقول : أمّا اليد وأصالة الصحّة فيأتي الكلام فيهما (2) ، وأمّا الاُصول الموضوعية المذكورة ففي جريانها إشكال :

أمّا أصالة عدم سبب الملك التي قرّرها المورد المحقّق - طاب ثراه - بأنّ

ما في يد الجائر صار ملكاً له بسبب حادث كالشراء والصلح والتوريث ونحوها ، وكلّها مسبوق بالعدم ، فأصالة عدم حدوث سبب الملك حاكمة على أصالة الحلّ(3) .

فيرد عليها بأنّ ما هو موضوع للحكم الشرعي ؛ أي حرمة التصرّف أو عدم حلّيته ، هو ملك الغير بغير إذنه أو مال الأخ المسلم لا بطيب نفسه ، وهذا الحكم ثابت معلوم مع قطع النظر عن بعض الروايات الواردة بهذا المضمون ويؤيّده الروايات(4) .

فالاستصحاب إن أحرز موضوع هذا الحكم يصير حاكماً على أصالة الحلّ ، فلا بدّ من النظر في أنّ الأصل المذكور أو سائر الاُصول الموضوعية المذكورة هل يصلح لإحراز موضوع الدليل الاجتهادي أو لا ؟

ص: 382


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 168 .
2- يأتي في الصفحة 388 و390 .
3- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقىّ الشيرازى على المكاسب ، قسم المحرّمة : 167 .
4- راجع وسائل الشيعة 5 : 120 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 3 ، الحديث 1 و3 .

فنقول : إنّ أصالة عدم حدوث سبب الملك لا تفيد ، سواء قلنا بأنّ السببية مجعولة استقلالاً ، أو قلنا بأنّ المجعول هو المسبّب عقيب وجود السبب ؛ لأ نّه على الأوّل يكون ترتّب السبب على المسبّب عقلياً وإن كانت السببية شرعية ، فأصالة عدم وقوع السبب لا تثبت عدم ملكية ما بيد الجائر وإن اُغمض عن الإشكال المطّرد في نحو تلك الاُصول العدمية بعد كون الجعل متعلّقاً بالجانب الوجودي .

وكذا على الثاني ؛ لأنّ السببية غير مجعولة على الفرض ، فعدم حدوث السبب لا أثر له رأساً ، وأصالة عدم حدوث الملك له غير أصالة عدم حدوث السبب ، إلاّ أن يقال : إنّه على هذا الفرض يكون السبب موضوعاً لترتّب المسبّب الشرعي عليه ، فبنفيه ينفي ، مع الغضّ عن الإشكال المطّرد .

ثمّ لو بنينا على إثبات عدم ملكية الجائر بأصالة عدم السبب لكن عدم ملكيته ليس موضوعاً لحرمة التصرّف وعدم الحلّ ، بل الموضوع ملك الغير بغير إذنه في التصرّف أو التصرّف في ملك الغير بغير إذنه ومال الأخ المسلم بغير طيب نفسه ، والأصل المذكور لا يفيد لإثبات الموضوع .

ومن هنا يظهر الكلام في أصالة عدم ملكية المجيز لهذا المال ، وكذا أصالة عدم ملك المجاز .

إن قلت : إنّ احتمال الحلّ ناشٍ من احتمال كونه مال الجائر ، وأصالة عدم كونه ماله يدفع هذا الاحتمال تعبّداً .

قلت : إنّ الحلّ لازم أعمّ لكون المال مال الدافع ومال غيره مع إذنه ، وكونه من المباحات ، وكونه مال الآخذ المجاز واقعاً ، لكن لمّا علم وجداناً أو بطريق

ص: 383

معتبر عدم كونه إلاّ مال الدافع أو المغصوب منه لا محالة يكون احتمال الحلّ

منحصراً بكونه مال الدافع ، فتكون الملازمة بين عدم كونه مال الدافع وبين عدم الحلّ مطلقاً علمية ، وفي مثله لا يثبت إلاّ بالأصل المثبت ، فإنّ نفي اللازم الأعمّ

بنفي أحد الملزومات للملازمة العلمية عقلي ومن الأصل المثبت .

ثمّ هنا أصل آخر تمسّك به المحقّق المتقدّم - طاب ثراه - وهو أصالة عدم وقوع الإذن من المالك في مورد إذن الجائر(1) .

وهو بهذا الظاهر مخدوش ؛ لأ نّها من قبيل استصحاب الكلّي لإثبات حال الفرد ، فإنّ استصحاب عدم وقوع الإذن من المالك لا يثبت أنّ هذا الموجود ملك لمالك لم يأذن فيه .

وإن أراد منها أصالة عدم كون الإذن المحقّق الصادر من الجائر من المالك على أن يكون اللام في الإذن للعهد .

فيرد عليه : أنّ الإذن المحقّق ليست له حالة سابقة بالكون الناقص . واستصحاب عدم الكون المحمولي غير مفيد . وبالجملة : يرد عليه ما يرد على أصالة عدم القرشية ، والتفصيل في محلّه(2) .

مضافاً إلى أ نّه مع تسليم جريانه أيضاً غير مفيد ؛ لأنّ استصحاب عدم كون الإذن المحقّق من مالكه لا يثبت عدم إذنه مطلقاً ولو بغير هذا الفرد إلاّ بالملازمة

العلمية نظير ما تقدّمت الإشارة إليه آنفاً .

ص: 384


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 167 .
2- مناهج الوصول 2 : 288 ؛ أنوار الهداية 2 : 94 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 104 - 114 .

نعم ، يمكن تقرير الأصل بوجه آخر ، بأن يقال : إنّ هذا المال كان سابقاً لمالك لم يأذن في التصرّف فيه ، لا بنحو المعلوم بالإجمال أو الفرد المردّد حتّى يقال : بأ نّه لا شكّ في هذا المعنى الإجمالي أو الفرد المردّد حتّى يستصحب ، ولا تتّحد القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها ؛ لأنّ موضوع المتيقّنة مجمل أو مردّد ، وليس هذا المعنى المجمل أو المردّد مشكوكاً فيه .

بل يشار إلى الفرد الواقعي والمالك الحقيقي فيقال : إنّ هذا المال كان لمالك موجود مشخّص واقعاً لم يأذن فيه وإن لم أعرفه ، وهو لا يضرّ بالعلم بالواقع ، فيستصحب هذا العنوان ، وهو عين العنوان المأخوذ في الدليل الاجتهادي ، فينقّح به الموضوع ويترتّب عليه الحرمة ويدفع به موضوع أصالة الحلّ .

إلاّ أن يقال : بورود نظير شبهة الغروب والمغرب في المقام ، فكما يقال بعدم جريان استصحاب عدم الغروب هناك ؛ لأ نّه إن كان عبارة عن سقوط القرص فهو معلوم التحقّق وإن كان زوال الحمرة فهو معلوم العدم ، فلا شكّ في البقاء ، بل الشكّ في انطباق مفهوم الغروب على هذا أو ذاك ، وهو أجنبيّ عن الاستصحاب ، يقال هاهنا بأن لا شكّ في الواقع ؛ لأنّ الإجازة من الجائر متيقّنة ، ومن الطرف الآخر متيقّنة العدم ، والشكّ في انطباق المالك على الجائر أو الطرف ، فليس في البقاء .

لكنّ الظاهر عدم وقع للشبهة لا هناك ولا هاهنا ؛ لتحقّق الشكّ وجداناً في بقاء النهار هناك وإن كان منشؤه في الواقع الاشتباه في المفهوم ، فدوران الأمر بين الأمرين المعلوم كلّ منهما على فرض محقّق الشكّ في بقاء النهار .

فالشكّ في بقائه تارة يكون لأجل الشكّ في ذهاب الحمرة بعد إحراز

ص: 385

المفهوم ، واُخرى لأجل الشبهة في المفهوم ، وهي محقّقة الشكّ وجداناً لا منافيته .

وكذلك في المقام ؛ لأنّ الشكّ في بقاء عدم إذن المالك الواقعي وجداني وإن كان منشؤه العلم الإجمالي بأنّ مالكه هو الجائر المجيز أو غيره . وبالجملة : لا يمكن إنكار هذه الواقعة ؛ أي العلم بعدم إجازة المالك الواقعي لهذا المال والشكّ في بقائه وتبدّله .

نعم ، هنا شبهة اُخرى هي أنّ المعتبر في الاستصحاب وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها . وبعبارة اُخرى : يعتبرتعلّق الشكّ بعين ما تعلّق به اليقين ، وليس في المقام كذلك ؛ لأنّ العلم قد تعلّق بشيء والشكّ بالآخر .

ويتّضح ذلك بالتدبّر في مورد استصحاب الكلّي من القسم الثاني ، كالفرد المردّد بين طويل العمر وقصيره بعد مضيّ زمان احتمال بقاء القصير ، فإنّه قد يراد فيه استصحاب الكلّي بين الحيوانين منقطع الإضافة عن الخصوصيات ، فلا كلام فيه هاهنا ، بل الظاهر وحدة القضيتين وعدم الإشكال من هذه الجهة .

وقد يراد استصحاب شخص الحيوان الموجود في الخارج ، بأن يقال : قد علم تحقّق حيوان شخصي خارجي وجزئي حقيقي قبل مضيّ زمان العلم بزوال القصير ، وبعده شكّ في بقاء ذلك الجزئي ، فيستصحب .

وفيه : أنّ القضيّة المتيقّنة هاهنا غير القضيّة المشكوك فيها ؛ لأنّ اليقين تعلّق بحيوان مردّد بين القصير والطويل ؛ ضرورة عدم تعلّقه بخصوص الطويل أو القصير ، والشكّ في البقاء لم يتعلّق بالحيوان المردّد بينهما ، بل هنا احتمالان

كلٌّ تعلّق بأحد طرفي الترديد : احتمال بقاء الحيوان وهو متعلّق بالطويل ،

ص: 386

واحتمال عدمه وهو متعلّق بالقصير .

وبعبارة اُخرى : ما هو محتمل البقاء وهو الطويل محتمل التحقّق من أوّل الأمر ، كما أنّ ما هو محتمل الزوال محتمل التحقّق ، وما هو يقيني التحقّق ومحتمل البقاء هو الكلّي الجامع بينهما .

وإن شئت قلت : إنّ المتيقّن هو المعلوم بالإجمال إذا لوحظ الموجود الخارجي بخصوصيته ، فإنّ الحيوان في الخارج وإن كان جزئياً حقيقياً لكن العالم مردّد بين كونه طويل العمر أو قصيره ، وهذا عبارة اُخرى عن العلم الإجمالي والفرد المردّد بحسب وجدان العالم ، والشكّ في البقاء لم يتعلّق بهذا المعلوم بالإجمال ؛ لأنّ معنى تعلّقه به أن يشكّ في بقاء هذا المعلوم المجمل المردّد ، فإذا علم بوجود حيوان مردّد بين الفرس والحمار وشكّ في موت ما هو المردّد المجمل بأن احتمل موته سواء كان فرساً أو حماراً كان الشكّ متعلّقاً بعين ما تعلّق به اليقين وتكون القضيتان متّحدتين .

وأمّا في المقام فليس كذلك ؛ لأ نّه لا يحتمل زوال الحيوان المردّد بين الطويل والقصير ، كما هو واضح .

وما نحن فيه كذلك ؛ لأنّ المال الذي لم يتعلّق به إذن المالك معلوم بالإجمال ومردّد بين كونه للجائر أو غيره ، وبعد إذن الجائر علم بتبدّل عدم إذنه بالوجود ، وعلم ببقاء عدم إذن الطرف لو كان مالكاً ، لكنّ الشكّ في بقاء عدم إذن المالك لأجل احتمال كون المالك غير الجائر لا لاحتمال عدم التبدّل سواء كان المالك جائراً أم غيره ، فمحتمل البقاء محتمل التحقّق لا متيقّنه .

وبالجملة : المتيقّن معلوم بالإجمال ، ومحتمل البقاء أحد المحتملين دون

ص: 387

الآخر ، فاستصحاب عدم وقوع الإذن من المالك كاستصحاب عدم التمليك منه غير جارٍ ، فتدبّر ، فإنّه حقيق به .

وأمّا استصحاب الكلّي فلا مسرح له في المقام ؛ لأنّ أحد طرفي الترديد مالك والآخر غير مالك ، ولا يعقل أن يكون الجامع بينهما القابل للصدق عليهما المالك غير الآذن ، مع أنّ في استصحاب الجامع في المقام إشكالاً نغمض عنه .

ثمّ إنّ الظاهر جريان الأصل الحكمي ، وهو أصالة بقاء حرمة التصرّف في المجاز فيه من قبل الجائر ؛ لأنّ عدم جوازه قبل إجازته كان معلوماً بالتفصيل وإن كان منشؤه معلوماً إجمالاً ، وهو نظير العلم بنجاسة مائع تفصيلاً مع التردّد في أنّ نجاسته من وقوع قطرة من دم زيد فيه أو عمرو ، فالتردّد في المنشأ لا في المعلول .

فالعلم التفصيلي متعلّق بحرمة التصرّف في المال المأخوذ ، والشكّ في بقائها عيناً .

ففرق بين المقام وما تقدّم ، كما يظهر بالتأمّل .

كما أنّ استصحاب عدم النقل بعد تمليك الجائر لا مانع منه .

حول جريان قاعدة اليد في المقام

ثمّ إنّه ربما يتوهّم أنّ اليد معتبرة في المأخوذ بعد العلم التفصيلي بحرمة ما في يد الجائر(1) .

وفيه : أنّ ما قلنا في عدم تأثير العلم الإجمالي وعدم منجّزيته في

ص: 388


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 168 .

حرمة التصرّف ، لا قبل الإجازة ولا بعدها ، للعلم التفصيلي بحرمة الجميع قبلها

وحرمة ما في يد الجائر بعدها . وأنّ العلم بأنّ هذا مال زيد أو مال الجائر لا يؤثّر

في حرمة التصرّف .

غير جارٍ هاهنا ؛ لأنّ اليد أمارة عقلائية أنفذها الشارع ، وهي كاشفة عن مالكية ذي اليد ، ويترتّب على ما في يده جميع آثار الملكية الواقعية من البيع والشراء والصلح والإجارة ونحوها ، بل يجوز الشهادة على ملكية ذي اليد ، ومع العلم الإجمالي بأنّ بعض ما في يده ليس منه تسقط يده عن الأمارية والحجّية ، سواء كان مستندها الدليل الشرعي ، كقوله : «من استولى على شيء منه فهو له»(1) ، أو بناء العقلاء ؛ لعدم البناء جزماً على ترتيب آثار ملكية ذي اليد على مالين يعلم بأنّ أحدهما مغصوب ولا على أحدهما المعيّن ، فلا محالة تسقط عن الاعتبار ، وذلك من غير فرق بين كون المالين تحت يده أو نقلهما أو نقل واحداً منهما إلى غيره ، ومن غير فرق بين ما إذا أجاز في تصرّفهما أو تصرّف واحد منهما أو لا . فالعلم التفصيلي بحرمة التصرّف أجنبيّ عن المقام ، مع أنّ اعتبار إجازة التصرّف فيه ونفوذ تمليكه مستنداً إلى اليد موقوف على اعتبارها قبلهما ، فلا يعقل توقّف حجّيتها على أحدهما .

نعم ، لو قلنا بأنّ المستند لها هو الدليل التعبّدي ؛ أي قوله : «من استولى على

شيء . . .» ، بناءً على عدم وروده إمضاءً لما في يد العقلاء ، يمكن أن يقال : إنّ إطلاقه يقتضي حجّيتها ولو في موارد لم يحرز بناء العقلاء على العمل أو اُحرز

ص: 389


1- تهذيب الأحكام 9 : 302 / 1079 ؛ وسائل الشيعة 26 : 216 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ، الباب 8 ، الحديث 3 .

عدم بنائهم عليه ، فيصحّ أن يقال : إنّه مع خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء

مطلقاً ، بناءً على سقوط أثر العلم به أو مع سقوط العلم بوجه آخر ، تكون اليد حجّة بالنسبة إلى سائر الأطراف ، فيفصّل بين كون المستند في اعتبار اليد بناء العقلاء ، فيقال بعدم اعتبارها مطلقاً ، وبين كونه الدليل الشرعي ، فيفصّل بين سقوط العلم عن التنجيز وعدمه .

هذا بناءً على إطلاق أدلّة اعتبار اليد بالنحو المشار إليه ، لكنّه لا يخلو من تأمّل .

ويمكن دعوى بناء العقلاء على ترتيب آثار اليد في بعض الأطراف المبتلى به مع كثرة الأطراف وإن لم تبلغ حدّ غير المحصورة ، والمسألة محتاجة إلى الفحص والتأمّل .

حول جريان أصالة الصحّة في المقام

وأمّا أصالة الصحّة المتشبّث بها للمقصود(1) :

فإن كان المراد منها : أصالة الحمل على المباح في دوران الأمر بين حرمة العمل وحلّيته فيقال : إنّ تصرّف الجائر في الجائزة بنحو الإجازة في التصرّف فيها أو الإعطاء لها محمول على الإباحة الواقعية ، ولازمها ملكيته ونفوذ إجازته وتمليكه فيدفع بها احتمال حرمة تصرّف المجاز ، واحتمال عدم النقل إليه والاُصول الحكمية محكومة لأصالة الصحّة ولو قيل بعدم حكومتها على الاُصول الموضوعية ؛ لما عرفت من عدم جريانها فليس في المقام إلاّ أصالة

ص: 390


1- شرح القواعد ، كاشف الغطاء 1 : 339 .

حرمة التصرّف وأصالة عدم الانتقال .

فيمكن أن يناقش فيها بأنّ المحرز من بناء العقلاء على اعتبار أصالة الصحّة - وكذا الأدلّة الشرعية التي يظهر منها مفروغية اعتبارها في الأبواب المتفرّقة الكثيرة كجواز الاكتفاء بتجهيز الميّت الصادر من المسلم مع احتمال فساده ، والأدلّة المرغّبة إلى الجماعة مع احتمال بطلان صلاة الإمام والمأمومين الحائلين في الصفوف ، وأدلّة تنفيذ الوكالة وجواز ترتيب الآثار على فعل الوكيل وكذا الوصيّ ، إلى غير ذلك من الأدلّة الظاهرة في جواز الاتّكال على فعل الغير من أوّل الفقه إلى آخره ، وقلّما كان في الفقه موضوع نحو أصالة الصحّة في وفور الأدلّة على اعتباره وإن لم يكن شيء منها بعنوانها لكن يعلم منها مفروغيتها - هو حمل الفعل الذي له جهة صحّة وجهة فساد على الصحّة الواقعية مع الشرائط المقرّرة في محلّه(1) .

فبناء العقلاء على ترتيب آثار الصحّة على أفعال تقع تارة صحيحة واُخرى فاسدة كالعقود والإيقاعات ، وكانوا يشهدون على ما ملكه الغير ببيع وصلح ونحوهما ، ويتزوّجون المطلّقات ولا يعتدّون باحتمال الفساد .

ولم يحرز بناؤهم على حمل فعل مردّد بين الحرمة والحلّية التكليفية على الحلّية الواقعية فيحلفون على كون فعله حلالاً ويشهدون عليه مع احتمال الحرمة ، بل خلافه محرز .

إذ الدوران بين الحرمة والحلّية ليس من دورانه بين الصحّة والفساد بالمعنى

ص: 391


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 398 .

المتقدّم الذي هو موافق للعرف والاعتبار . وهذا العنوان وإن لم يكن موضوع دليل لفظي ، بل هو عنوان مأخوذ في كلام الفقهاء ، لكن يمكن الاستئناس به ؛ لاختصاص حجّيتها بالمورد المتقدّم .

وكيف كان نحن لا نحتاج إلى الدليل على العدم ، بل يكفي عدم الدليل على اعتبارها في المورد .

وإن اُريد منها الصحّة الوضعية ؛ أي نفوذ إجازته وصحّة هبته وجائزته ليستكشف منها ملكية الجائر ويترتّب عليها آثارها .

ففيه : أنّ المسلّم من بناء العقلاء والأدلّة الشرعية غير مورد العلم الإجمالي

سواء كان منجّزاً أم لا ، مضافاً إلى أ نّه لا يثبت بأصالة الصحّة إلاّ صحّة العقد ونحوه ، وكون المال لغيره لا ينافيها كما قرّر في محلّه(1) .

مضافاً إلى إمكان الاستدلال على عدم جواز ترتيب تلك اللوازم ؛ أي كشف الملكية ونحوها عليها بقوله في رواية حفص بن غياث الواردة في اعتبار اليد : «ولو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»(2) .

فإنّ الظاهر منها أنّ سلب اعتبار اليد موجب لاختلال نظم السوق ، مع أ نّه لو ترتّبت على أصالة الصحّة تلك اللوازم وثبتت بها الملكية وغيرها من الآثار لما اختلّ نظام السوق بواسطة عدم اعتبارها ، بل لما احتاج المسلمون إلى اعتبارها في قيام سوقهم ، ولو فرض في بعض الموارد النادرة الاحتياج إليه لما كان

ص: 392


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 421 .
2- الكافي 7 : 387 / 1 ؛ وسائل الشيعة 27 : 292 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 25 ، الحديث 2 .

موجباً لاختلاله مع عدم اعتبارها مطلقاً .

فتحصّل من جميع ما مرّ أنّ في بعض الموارد على بعض المباني تكون اليد حجّة ويصحّ الاستناد إليها ويدفع بها استصحاب حرمة التصرّف وعدم الانتقال ، وفي سائر الموارد تكون أصالة حرمة التصرّف وعدم الانتقال محكّمة وتقدّم على أصالة الحلّ تحكيماً .

هذا كلّه فيما علم إجمالاً بأنّ هذا المال المأخوذ مثلاً من الغير ، أو ذلك فيما هو في معدود ، وأمّا إذا علم أنّ في أموال فلان مالاً محرّماً وكان له طرق معاش محلّلة وبعض طرق محرّمة فالظاهر قيام بناء العقلاء والسيرة المتشرّعة على اعتبار يده ، وهذه الصورة خارجة من مفروض مسألتنا هذه ، وسيأتي الكلام فيها .

صورة تنجيز العلم الإجمالي في جميع الأطراف

ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري تعرّض لمسألة اُخرى في ذيل المسألة الثانية(1) تكون من شقوقها أو مسألة مستقلّة ، وهي صورة تنجيز العلم الإجمالي جميع الأطراف .

وتفصيل القول فيه بوجه يتّضح الحال في مطلق العلم الإجمالي أ نّه تارة

يكون العلم الإجمالي من قبيل المقام ، وهو ما كان الأطراف مسبوقة بالعلم التفصيلي مع عدم إيجاب جريان الأصل فيها للمخالفة العملية ، فاستصحاب حرمة التصرّف في كلّ من الأطراف جارٍ وحاكم على أصالة الحلّ ، بناءً على

ص: 393


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 174 .

جريانه في الأطراف في هذا الفرض ، وبناءً على عموم أدلّة الحلّ للأطراف المعلوم بالإجمال .

وأمّا في سائر الصور وفي مطلقها بناءً على سقوط الاُصول في الأطراف بالمعارضة أو عدم جريانها :

فربّما يقال : مقتضى إطلاق أدلّة الحلّ وخصوص صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه»(1) ، حلّية جميع الأطراف وسقوط العلم الإجمالي رأساً ، وقد تقدّم(2) عدم محظور عقلي فيه .

وفيه : أنّ في الصحيحة احتمالات :

أحدها : أنّ المراد بالشيء هو الموجود المتشخّص كما هو ظاهره ، والضمائر راجعة إليه . فيكون المعنى : كلّ موجود شخصي في الخارج فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى يتميّز الحلال والحرام ويعرف الحرام بعينه . فيختصّ بمورد اختلاط الحلال والحرام وحصول موجود شخصي عرفي ، كاختلاط الخلّ والخمر . وهذا بعيد جدّاً سيّما مع عدم تحقّق الغاية مطلقاً أو نوعاً .

ثانيها : هذا الاحتمال ، لكن مع إرجاع ضمير «فيه» إلى جنس الشيء المتشخّص استخداماً . فالمعنى : كلّ متشخّص في جنسه نوع حلال ونوع حرام

ص: 394


1- الفقيه 3 : 216 / 1002 ؛ وسائل الشيعة 17 : 87 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 372 .

مع الجهل بانطباق أحد العنوانين عليه فهو حلال حتّى تعرف أ نّه حرام بعينه باندراجه تحت النوع الحرام . فيختصّ بالشبهة البدوية ، أو يعمّ أطراف العلم الإجمالي بإطلاقه .

ثالثها : أن يراد بالشيء الطبيعة ، فالمعنى : كلّ طبيعة قسم منها حلال وقسم حرام فهي حلال حتّى تعرف القسم الحرام فتدعه . وهذا كالثاني في الاختصاص بالشبهة البدوية أو الإطلاق .

رابعها : أن يراد بالشيء مجموع شيئين فصاعداً مع اعتبار الوحدة . فيراد : كلّ مجموع فيه حلال وحرام ؛ أي بعضه حلال وبعضه حرام فذلك المجموع حلال أبداً حتّى تعرف الحرام فتدعه .

وأمّا احتمال أن يكون المراد من قوله : «فيه حلال وحرام» احتمالهما ، فبعيد غايته .

فعلى الاحتمال الأوّل والرابع تكون واردة في خصوص المعلوم بالإجمال أو المختلط بنحو ما مرّ ، لكنّ الاحتمالين ضعيفان مخالفان لفهم العرف ، أمّا الأوّل فظاهر . وأمّا الرابع فلأنّ حمل «كلّ شيء» على كلّ مجموع واحد بالاعتبار في غاية البعد .

فالأظهر هو الاحتمال الثالث .

ويؤيّده ورود نظيرها في ذيل روايات الجبن : كرواية عبداللّه بن سليمان ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجبن ؟ فقال لي : «لقد سألتني عن طعام يعجبني» إلى أن قال : قلت : ما تقول في الجبن ؟ قال : «أو لم ترني آكله ؟» قلت : بلى ولكنّي أحبّ أن أسمعه منك ، فقال : «ساُخبرك عن الجبن وغيره : كلّ ما كان فيه

ص: 395

حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه»(1) .

فإنّ السؤال عن الطبيعة ولو بلحاظ وجودها ، لا عن خصوص مصداق أو مصاديق منضمّة بعضها ببعض . ولعلّ منشأ سؤاله علمه بأن يجعل في بعض الأمكنة فيه الميتة ، كما ربّما تشهد به رواية أبي الجارود ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجبن ؟ فقلت له : أخبرني من رأى أ نّه يجعل فيه الميتة ؟ فقال : «أمِنْ أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم في جميع الأرضين ؟ ! . . .»(2) .

فعليه لا يراد بها خصوص المعلوم بالإجمال ، بل إمّا يراد بها خصوص المشتبه بدواً ، أو مقتضى إطلاقها التعميم ، لكنّ الأخذ بهذا الإطلاق مشكل أو ممنوع :

أمّا أوّلاً : فلإعراض الأصحاب عنه ، فإنّه لم ينقل جواز ارتكاب الجميع إلاّ

عن شرذمة من المتأخّرين(3) ، والكلام هاهنا في مطلق المعلوم بالإجمال ، لا خصوص الجوائز ، وسيأتي الكلام فيها .

وأمّا ثانياً : فلأنّ العقل وإن لا يأبى عن تجويز ارتكاب جميع الأطراف لماتقدّم(4) لكنّ العرف والعقلاء يأبون عنه بعد ما لا يحتمل تخصيص الواقع ؛ لأنّ

ص: 396


1- الكافي 6 : 339 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 1 .
2- المحاسن : 495 / 597 ؛ وسائل الشيعة 25 : 119 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 5 .
3- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 177 .
4- تقدّم في الصفحة 372 .

الحكم الظاهري لا يخصّص الأحكام الواقعية حتّى يحتمل في مورد التخصيص عدم الاقتضاء في الموضوع .

ولا يحتمل أن يكون عروض الشبهة موجباً لتغيير مفسدته ، فلا محالة يكون الموضوع باقياً على مفسدته ، لكن في الشبهة البدوية يكون التحليل الظاهري لمصلحة في التوسعة أو مفسدة في التضييق تكون في نظر الشارع الأقدس مراعاتها أهمّ من المفسدة المبتلى بها في بعض الأحيان ، بخلاف أطراف العلم الإجمالي ، فإنّ ترك العقول بحالها من إلزام الاجتناب لا يوجب مفسدة غالبة على مفسدة الواقع ولا يكون في ترك الأطراف مضيقة وحرج .

وإن شئت قلت : إنّ ما ذكرناه سابقاً (1) من عدم كون الترخيص في جميع الأطراف ترخيصاً في المعصية، إنّما هو بنظر العقل الدقيق المخالف لنظر العرف ، وأمّا بهذا النظر فيكون الترخيص في جميع الأطراف مستبعداً أو قبيحاً ، فتكون مثل تلك الرواية قاصرة عن إثباته .

فلو صحّ ذلك فلا بدّ من الالتزام بجواز إيقاع المكلّف نفسه في الشبهة فيخلط الحرام بالحلال عمداً فيرتكب الجميع ، وهو كما ترى .

وتوهّم أنّ الرواية متعرّضة لحال ما كان مشتبهاً بطبعه وبلا اختيار تحكّم .

وبالجملة : أنّ الرواية في محيط العرف مخصّصة أو منصرفة عن أطراف العلم الإجمالي .

وأمّا موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سمعته يقول : «كلّ

ص: 397


1- تقدّم في الصفحة 372.

شيء هو لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك . والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة»(1) .

ففي كونها من أدلّة أصالة الحلّ إشكال منشؤه عدم انطباق شيء من الأمثلة المذكورة فيها على أصالة الحلّ ؛ لأنّ احتمال السرقة في المال الذي اشتراه من الغير مدفوع باليد الحاكمة عليها ، وكذا الحال في المملوك . واحتمال اُختية امرأة تحته وكذا احتمال كونها رضيعته مدفوع ببناء العقلاء على عدم الاعتناء بتلك الاحتمالات فيما بأيديهم .

ولعلّ منشأه قاعدة اليد ، فإنّها لا تنحصر على مورد الشكّ في ملكية الأعيان ، بل الاستيلاء واليد على كلّ شيء أمارة عقلائية على ملكيته له بالمعنى الأعمّ .

فمن استولى على موقوفة بعنوان التولية عليها ويعمل عملها معها يبني العقلاء على ولايته وأنّ يده واستيلاءه أمارة عليها . ومن استولى على امرأة استيلاء زواج يحكم العقلاء بكونها زوجته ويعمل معها معاملة زوجيته الواقعية من غير اعتناء باحتمال أ نّها اُخته أو رضيعته .

هذا بالنسبة إلى استيلاء الغير واضح .

والظاهر أ نّه كذلك لو شكّ المستولي بعد استيلائه ، سيّما مع معاملته مع

ص: 398


1- الكافي 5 : 313 / 40 ؛ وسائل الشيعة 17 : 89 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 4 .

المستولى عليه معاملة الملكية أو الزوجية ، فمن كانت تحته امرأة يعامل معها معاملة الزواج ثمّ شكّ في أ نّها اُخته أو رضيعته لا يعتني به ؛ لأنّ الاستيلاء الزواجي كاشف عن زوجيته ، ولو اعتنى بشكّه يعدّ مخالفاً لطريقة العقلاء ، كما أنّ الأمر كذلك فيما استولى عليه من الأموال .

ولعلّ قوله : «من استولى على شيء منه فهو له»(1) ، يعمّ مطلق الاستيلاء ، فيعمّ كونه له لمطلق الاختصاص الأعمّ من الاختصاص الملكي ، ولو استشكل فيه فلا ينبغي الإشكال في بناء العرف .

مع أنّ مقتضى الاستصحاب عدم كونها رضيعته . وأمّا استصحاب عدم كونها اُخته النسبية فجريانه مبنيّ على جريان الأصل في الأعدام الأزلية .

وكيف كان ليس شيء من الأمثلة مورد جريان أصالة الحلّ .

فلا بدّ من دفع الإشكال :

إمّا بأن يقال : إنّ الأمثلة المذكورة لم تذكر مثالاً لقوله : «كلّ شيء هو لك . . .» ، بل ذكرت على سبيل التنظير باُمور عقلائية للتشابه بينها وبين أصالة الحلّ بوجه ، فكأ نّه قال : كما أنّ في الموارد المذكورة يبنى على الحلّ كذلك يبنى عليه في مطلق ما شكّ فيه من غير نظر إلى وجه البناء عليه ، فتكون الرواية بصدد بيان أصالة الحلّ والأمثلة تقريب بالأذهان بوجه .

أو يقال : إنّ قوله : «هو لك» جملة وصفية لقوله : «كلّ شيء» و«حلال» خبره ، فكأ نّه قال : كلّ شيء استوليت عليه حلال حتّى تعلم خلافه . بدعوى أنّ

ص: 399


1- تهذيب الأحكام 9 : 302 / 1079 ؛ وسائل الشيعة 26 : 216 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ، الباب 8 ، الحديث 3 .

الأمثلة قرينة عليه ، وفي ضمير الفصل إشعار به ، فتكون الرواية بصدد بيان جواز

ترتيب آثار الحلّية على ما استولى عليه تأسيساً أو إرشاداً إن قلنا بموافقته لبناء العقلاء .

أو يقال : إنّ المراد بقوله : «كلّ شيء هو لك حلال» ليس أصالة الحلّ بقرينة الأمثلة بل المراد بيان الحلّية المنكشفة بتلك الأمارات تأسيساً أو إرشاداً ، والمراد بالمعرفة هي الوجدانية ، أو الأعمّ منها ومن البيّنة المقدّمة عليها ، كما جعل في ذيلها الاستبانة وقيام البيّنة غاية للحلّ .

أو يقال : إنّ المراد بالحلال معنىً عامّ بنحو الجمع في التعبير يشمل مورد الأصل والأمارة لا خصوص واحد منهما .

فقد ظهر أ نّها من أدلّة أصالة الحلّ على بعض الاحتمالات .

والإنصاف أنّ الاتّكال عليها لأصالة الحلّ وإجراءها في أطراف العلم مشكل في مشكل ، ولو سلّم ذاك وذلك يأتي فيها ما قلناه في صحيحة ابن سنان .

تمسّك السيّد الطباطبائي بالروايات الواردة في شراء السرقة والربا

ثمّ إنّ السيّد الطباطبائي تمسّك بروايات لعدم لحوق حكم الشبهة المحصورة في المقام بل مطلقاً ؛ أي في غير الجوائز وغير السلطان وعامله في الجملة وفي جميع الأطراف(1) :

منها : ما وردت في شراء السرقة والخيانة ، كصحيحة أبي بصير ، قال : سألت

ص: 400


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي : 172 - 174 .

أحدهما عن شراء الخيانة والسرقة ؟ قال : «لا ، إلاّ أن يكون قد اختلط معه غيره ، فأمّا السرقة بعينها فلا ، إلاّ أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك»(1) .

ورواية الجرّاح المدائني عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «لا يصلح شراء السرقة

والخيانة إذا عرفت»(2) .

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن شراء الخيانة والسرقة ؟ فقال : «إذا عرفت أ نّه كذلك فلا ، إلاّ أن يكون شيئاً اشتريته من العامل»(3) .

أقول : أمّا الكلام في السلطان وعامله فسيأتي إن شاء اللّه .

وأمّا في غيرهما فمحصّل الكلام فيه : أنّ الروايتين الأخيرتين مساقهما كمساق سائر ما وردت في شراء السرقة والخيانة ، كقوله في حديث المناهي : «ومن اشترى خيانة وهو يعلم فهو كالذي خانها»(4) .

وقوله : «من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها وإثمها»(5) .

ص: 401


1- تهذيب الأحكام 6 : 374 / 1088 ؛ وسائل الشيعة 17 : 335 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 374 / 1089 ؛ وسائل الشيعة 17 : 336 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 934 ؛ وسائل الشيعة 17 : 336 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 6 .
4- الفقيه 4 : 9 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 333 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 1 .
5- الكافي 5 : 229 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 337 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 9 .

وقوله في بيع الجارية المسروقة : «إذا أنبأهم أ نّها سرقة فلا يحلّ ، وإن لم يعلم فلا بأس»(1) .

هو التفصيل بين العلم والجهل ، لا العلم الإجمالي والتفصيلي ، فلا دلالة فيها على مطلوبه .

مع أنّ توهّم نفي البأس عن بعض الأطراف بالخصوص بلا مرجّح ، كما ترى ، تأمّل . وعن كليهما دفعة أو تدريجاً مخالف للروايات المذكورة ؛ ضرورة أنّ من اشترى مجموع أمرين يعلم كون أحدهما سرقة ، أو اشترى مخلوطاً من المسروق وغيره فقد اشترى السرقة وهو يعلم وصدق أ نّه اشترى السرقة مع معرفته بأ نّها سرقة .

مضافاً إلى أنّ الظاهر من مرسلة ابن أبي نجران عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها وإثمها»(2) أنّ الشركة في العار أمر عقلائي لا تعبّدي . ومن الواضح أنّ شراء أطراف ما علم كون بعضها سرقة دفعةً أو تدريجاً عار وعيب لدى العقلاء ويعدّ مشتريها آكل مال السرقة . والظاهر أنّ شراء بعض الأطراف أيضاً لا يخلو من عار وعيب ، بخلاف مورد الشكّ البدوي مع قيام الطرق العقلائية على ملك البائع .

وبالجملة : إنّ الظاهر من تلك الروايات هو تجويز المجهول لا المعلوم بالإجمال .

ص: 402


1- قرب الإسناد : 267 / 1064 ؛ وسائل الشيعة 17 : 338 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1، الحديث 12 .
2- تقدّم تخريجها في الصفحة السابقة ، الهامش 5 .

وتوهّم الإطلاق غير وجيه ، وعلى فرض التسليم فلا شبهة في الانصراف .

وأمّا صحيحة أبي بصير(1) فيمكن أن يقال فيها : إنّ الاختلاط مع غيره في مقابل السرقة بعينها هو الاشتباه بغيره ، فإنّ قوله : «بعينها» تأكيد للسرقة ، كأ نّه قال : السرقة نفس السرقة ، ولا شبهة في أنّ المختلط بمعنى الامتزاج إذا اشترى يقع الاشتراء بالسرقة بعينها ونفسها ، وكذا إذا اشترى المعلوم بالإجمال بأطرافه يصدق أ نّه اشترى السرقة بعينها .

فتلك الجملة قرينة على أنّ الاختلاط ليس هو الامتزاج ليلزم التناقض بين الجملتين ، بل يراد به الاشتباه شبهة بدوية .

ولو سلّم دلالتها على جواز شراء المختلط بالحرام فالظاهر أنّ السؤال عن الحكم الوضعي ؛ أي صحّة الشراء ، كما هو كذلك في جميع الأسئلة الواردة في الأسباب الشرعية والعقلائية . فالمراد أنّ شراء السرقة غير جائز ، وأمّا إذا اختلط بغيره فيصحّ شراؤه ؛ لأ نّه مال يمكن تطهيره بإخراج خمسه أو التصالح أو الصدقة ، فلا ربط لها بعدم اعتبار العلم الإجمالي .

وبالجملة : إنّ تصحيح شراء المختلط لا يدلّ على جواز أكل المشتري إيّاه ؛ لعدم كونها في مقام بيان غير صحّته ، ولو فرض إطلاقه فلا محالة وجب إخراج خمسه بأدلّة ثبوته في المال المختلط بالحرام .

ولو اُغمض عن ذلك فلا بدّ وأن يقال : إنّ الاختلاط موجب للتحليل واقعاً وخروج الملك عن ملكية صاحبه ودخوله في ملك الغاصب ليصحّ الشراء ، وهو

ص: 403


1- تقدّمت في الصفحة 400 .

- بعد الغضّ عن مخالفته للقواعد المحكّمة وعدم إمكان تركها إلاّ بأدلّة قاطعة صريحة معمول عليها ، وهذه الرواية مع الاحتمال المتقدّم لا تصلح لذلك - موجب لوقوع التعارض بينها وبين سائر الروايات المتقدّمة ؛ لأنّ سلب العلم ولو إجمالاً عن الطريقية والحجّية غير ممكن ، فلا بدّ من التصرّف في المعلوم . فلا

بدّ وأن يقال : إنّ موضوع الحكم في الصحيحة هو المال المختلط ، علم به أم لا . فشراء المال المختلط بالسرقة صحيح واقعاً ، علم بها أم لا .

ومضمون تلك الروايات أنّ شراء المعلوم باطل ، إجمالاً كان العلم أم تفصيلاً ، مختلطاً كان المعلوم أم لا .

فتتعارض الطائفتان تعارض العموم من وجه ، والترجيح مع سائر الروايات بوجوه لو قلنا بعمل العلاج في تعارض العامّين من وجه ، ومع القول بالتساقط فمقتضى القواعد العامّة عدم الجواز .

ومنها : ما وردت في باب الربا :

كصحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «أتى رجل أبي فقال : إنّي ورثت مالاً ، وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي ، وقد أعرف أنّ فيه رباً وأستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه ، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا : لا يحلّ أكله . فقال أبو جعفر علیه السلام : «إن كنت تعلم بأنّ فيه مالاً معروفاً رباً وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك ، وإن كان مختلطاً فكلْه هنيئاً ، فإنّ المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فإنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قد وضع ما مضى من الربا وحرّم عليهم ما بقي ، فمن جهل وسع له جهله حتّى يعرفه ، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ووجب عليه فيه

ص: 404

العقوبة إذا ركبه كما يجب على من يأكل الربا»(1) .

وقريب منها صحيحته الاُخرى(2) ، ورواية أبي الربيع الشامي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل أربى بجهالة ثمّ أراد أن يتركه ؟ قال : «أمّا ما مضى فله ، وليتركه فيما يستقبل» . ثمّ قال : «إنّ رجلاً أتى أبا جعفر علیه السلام . . . »(3) وذكر الحديث المتقدّم .

وأنت خبير : بأنّ مورد بحثنا بعد الفراغ عن الحكم الواقعي ، وعدم الفرق بحسب إطلاق الأدلّة والطرق الاجتهادية بين المعلوم والمجهول ؛ أي كان الحكم متعلّقاً بنفس الطبيعة من غير قيد وإنّما العلم كان طريقاً محضاً إلى الواقع .

وأمّا إذا اختلف الحكم الواقعي بحسب حال العلم والجهل فهو خارج عن محطّ البحث .

ونحن وإن لم نكن بصدد تنقيح المسألة المعنونة عند الفقهاء في باب الربا لكن من الواضح للمراجع أنّ المبحوث عنه عندهم في المال الربوي الحاصل بجهالة والمال المورّث ممّن كان يربي هو الحكم الواقعي ، فذهب ابن الجنيد إلى التفصيل بين المختلط والمعزول في الربا بجهالة وفي المورّث ممّن يربي(4) ،

ص: 405


1- الكافي5 : 145 / 5 ؛ وسائل الشيعة 18 : 129 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 5 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 15 / 66 ؛ وسائل الشيعة 18 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 5 ، الحديث 6 .
3- الكافي 5 : 146 / 9 ؛ وسائل الشيعة 18 : 130 ، كتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 5 ، الحديث 4 .
4- اُنظر مختلف الشيعة 5 : 109 .

وقوّاه بعض المتأخّرين استناداً إلى تلك الروايات(1) ، فيظهر أنّ مورد كلامهم غير ما نحن بصدده .

وأمّا صحيحة الحلبي المتقدّمة فالظاهر من قوله فيها : «فإنّ المال مالك» أنّ المختلط ماله واقعاً ، ولمّا كان احتمال كون الاختلاط من النواقل بعيداً جدّاً لا يبعد أن يقال : إنّ الأمر بردّ الربا المعروف إلى صاحبه إن كان معروفاً محمول على الاستحباب .

بل يمكن أن يقال : إنّ الأمر بالردّ لمّا تعلّق بصورة واحدة ، وهي معروفية المال وصاحبه ، تكون سائر الصور ؛ أي صورة اختلاطه مع معروفية الصاحب وعدمها ، وصورة كون الصاحب غير معلوم مع معروفية المال وعدمها ، داخلة في عدم لزوم الردّ ، وذكر أحد مصاديق المفهوم غير عزيز ، ويكون التعليل للجميع ، لا لخصوص صورة الاختلاط ، فيكون الحمل على الاستحباب حينئذٍ أقرب .

وعليه يمكن أن يكون المفروض في السؤال والجواب صورة جهالة المورّث بحكم الربا ، بالقرينة المذكورة وبمحفوفية الرواية بما لا يبعد أن تكون قرينة عليه زائدة على ما ذكرناه وهو قوله : «فإنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قد وضع ما مضى . . .» . فإنّ الظاهر أنّ التناسب بينه وما تقدّم هو مفروضية جهالة المورّث .

ويؤيّده أيضاً رواية أبي الربيع المتقدّمة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، حيث

استشهد علیه السلام بعد بيان حكم الربا بجهالة بقول أبيه علیه السلام ، وهو ما في رواية الحلبي بعينها ، وهو شاهد على أنّ مورد قول أبي جعفر علیه السلام أيضاً هو الربا بجهالة .

ص: 406


1- رياض المسائل 8 : 287 .

ويحتمل أن يكون مورد السؤال فيها هو الربا مع عدم العلم بكونه بجهالة أو لا ، فحينئذٍ لا يبعد القول بأمارية يد المورّث لما في يده ؛ لإطلاق قوله : «من استولى على شيء منه فهو له»(1) ، ولبناء العقلاء ، فحينئذٍ يكون قوله : «فإنّ المال مالك» لأجل انتقاله إليه ممّن يكون ماله بأمارة شرعية فيحمل الأمر بردّ الربا المعروف على الاستحباب ، بل لو قلنا في تلك المسألة بالتفصيل كما قال به ابن الجنيد يكون ذلك في الحكم الواقعي كما أشرنا إليه .

وقريب ممّا ذكرناه يقع الكلام في صحيحة الحلبي الاُخرى .

وكيف كان إثبات ما رامه السيّد رحمه الله علیه بهذه الروايات مشكل بل ممنوع .

هذا كلّه في غير روايات الباب .

في التمسّك بالروايات الواردة في جوائز السلطان وعمّاله

وأمّا الروايات الخاصّة بجوائز السلطان وعمّاله :

فمنها : صحيحة أبي ولاّد ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلاّ من أعمالهم ، وأنا أمرّ به فأنزل عليه فيضيّفني ويحسن إليّ وربّما أمر لي بالدراهم والكسوة ، وقد ضاق صدري من ذلك ؟ فقال لي : «كل وخذ منه ، فلك المهنأ (الحظّ - خ . ل) وعليه الوزر»(2) .

ص: 407


1- تهذيب الأحكام 9 : 302 / 1079 ؛ وسائل الشيعة 26 : 216 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الأزواج ، الباب 8 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 940 ؛ وسائل الشيعة 17 : 213 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 1 .

والظاهر أنّ الرجل المسؤول عنه من هو داخل في ديوان السلطان نحو الوزير والمستوفي والوالي . وبالجملة المراد منه أهل الديوان لا من يعمل للسلطان شخصه كالخيّاط ونحوه ، ولا غير الديواني كمن يعمل للسلطان كالسرّاج والصيقل .

ويظهر من الجواب أنّ المراد منه غير الشيعي المجاز من قبل الأئمّة علیهم السلام في الدخول في أعمالهم ، وهو واضح .

ويراد بقوله : «ليس له مكسب» ، أن لا معيشة له إلاّ من أعمالهم ، وليس المراد الكسب المساوق للتجارة ظاهراً حتّى يقال : إنّ المراد منه الأجير للسلطان في عمل .

والظاهر أنّ تقييد مورد السؤال بما ذكر ليس لمجرّد بيان الواقعة من غير نظر

إلى احتمال دخالته في الحكم ، بل هو لأمر ارتكازي عقلائي ، وهو أنّ من لا مكسب له ولا طريق لمعيشته إلاّ الحرام لا يعتني العقلاء بيده ولا يعملون مع ما في يده معاملة ملكه ، نظير ما مرّ في رواية «الاحتجاج»(1) في قضيّة وكيل الوقف ، حيث قيّد فيها جواز أخذ برّه بكون معاش ومال له غير الوقف ، وقد قلنا : إنّ الجواب موافق ظاهراً لبناء العقلاء في اعتبار اليد(2) .

وعلى ذلك يكون التقييد لاحتمال دخالته في الحكم ، فكأ نّه قال : من لا معاش له إلاّ من عمل السلطان يجوز أخذ جائزته والأكل من طعامه ؟ لا للعلم

ص: 408


1- تقدّمت في الصفحة 367 .
2- تقدّم في الصفحة 368 .

التفصيلي بحرمة ما في يده ؛ فإنّ العلم به ممنوع نوعاً ؛ لاحتمال كون ما أعطاه من غير الحرام كإرث أو هديّة ونحوهما ، وقلّما يتّفق للوارد على الوالي والعامل العلم التفصيلي بحرمة عطيّته ونحوها ، مضافاً إلى أنّ السؤال معه بعيد جدّاً .

وقوله : «ولك المهنأ وعليه الوزر» لا يراد به ظاهراً أنّ الوزر في ذلك المال محقّق معلوم حتّى نحتاج في توجيهه(1) إلى أنّ المفروض في السؤال معلومية حرمته على العامل ، سواء كان من الخراج ونحوه أو من صلب مال السلطان أو من الظلم على العباد ، وكان قوله : «لا مكسب له غير أعمالهم» لإفادة ذلك ، وإن احتمل الحلّية للآخذ ؛ لاحتمال جواز بعضها للشيعة .

بل الظاهر أنّ ذلك تعبير عرفي يقال في مورد المشتبه عند السائل ، فيقال لمن يأكل من طعام المضيف : إنّ حظّه لك ووزره عليه ؛ أي إن كان فيه وزر . فالتعبير جارٍ على ما تعارف عند الناس ، وليس له ظهور في فرض الوزر الفعلي المحقّق .

وبالجملة : ليس ذيل الرواية قرينة على فرض العلم التفصيلي ، بل الصدر قرينة على الذيل لو سلّم ظهور ما له .

نعم ، الظاهر في مفروض السؤال هو مورد العلم الإجمالي مع خصوصية زائدة هي قوّة احتمال كون الجائزة من الحاصل في أعمالهم ؛ إذ لا مكسب له غيره .

ومن ترك الاستفصال يستفاد أنّ الحكم جارٍ فيما إذا علم إجمالاً باشتمال

ص: 409


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 178 - 179 .

أموال العامل على محرّم غير نحو الخراج والزكاة ، سيّما مع كثرة الظلم في ديوانهم وأخذهم مال الناس زائداً على الأموال المفروضة في الإسلام .

ثمّ الظاهر أنّ مورد الرواية هو كون الجائزة والضيافة من أطراف المعلوم بالإجمال ، وسائر الصور خارجة عنه حتّى مورد العلم الإجمالي باشتمالهما على محرّم ؛ لغاية بُعد حصول العلم لمن ورد على العامل وصار ضيفاً له بغتة على اشتمال ضيافته أو جائزته على العين المحرّمة .

فمورد السؤال والجواب هو الصورة التي قلنا فيها بحرمة التصرّف بحكم الاستصحاب ؛ أي ما إذا كان بعض الأطراف مجازاً أو جائزة دون سائر ما في يد المجيز ، فالصورة التي فرضها الشيخ الأنصاري في ذيل الصورة الثانية(1) خارجة عن مورد الرواية ، وإنّما موردها هو الصورة الثانية . وقد عرفت(2) حال اليد وأصالة الصحّة والخروج عن محلّ الابتلاء .

فصحيحة أبي ولاّد مخالفة لاستصحاب حرمة التصرّف في المال ، وللعلم الإجمالي الموجب لسقوط اليد عن الاعتبار ؛ لما عرفت من سقوطها ولو لم تكن الأطراف أو بعضها جائزة التصرّف له .

إلاّ أن يقال : إنّ جريان الاستصحاب وسقوط اليد عن الاعتبار إنّما هو في موردٍ علم إجمالاً أنّ هذا المجاز أو الجائزة من مال الغير أو ذاك الذي تحت يد المجيز ، ويلحق به ما إذا لم يكن للمجيز معيشة إلاّ من الحرام كالسرقة وقطّاع

ص: 410


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 174 .
2- تقدّم في الصفحة 388 وما بعدها .

الطريق وغيرهما ممّن كان طريق معاشه منحصراً في غير المشروع . وأمّا من كان

له طرق مشروعة لمعاشه فيده معتبرة ولو علم إجمالاً بأنّ في أمواله مغصوباً أو محرّماً ؛ لما مرّ(1) أنّ بناء العقلاء وسيرة المتشرّعة على معاملة الملكية مع ما في يد التاجر وغيره ولو مع العلم بأنّ في أمواله محرّماً ، وتدلّ عليه الرواية المتقدّمة

في متولّي مال الوقف(2) .

فيمكن أن يقال في المقام : إنّ مورد السؤال هو جائزة من يلي عمل السلطان ولا مكسب له غيره . والظاهر أنّ ضيق صدره لأجل اعتقاده بأنّ ما في يد العامل حرام نوعاً ولو كان من قبيل الخراج والمقاسمة والزكاة ؛ لعدم أهليتهم لأخذها ، ولعلّه الظاهر من تقييده بأن لا مكسب له غير أعمالهم ، وقد قلنا (3) بسقوط اليد لدى العقلاء إذا كان ذو اليد ممّن لا شغل له إلاّ الحرام .

والجواب بالحلّ لعلّه لأجل كون نوع ما في يد العمّال من الخراج والمقاسمة والزكاة ، ممّا أخذها السلطان بدعوى ولايته الشرعية حلالاً أخذه وشراؤه وكان الزارع المأخوذ منه فارغ الذمّة منها شرعاً كما يأتي الكلام فيه .

فحينئذٍ يكون يد العامل الذي لا شغل له إلاّ عمل السلطان على الجوائز والأموال الاُخر كيد التاجر الذي لا شغل له إلاّ التجارة وإن علم أنّ في تجارة هذا وما في يد ذاك محرّماً ، فكما أنّ يد التاجر كاشفة عن ملكيته ومعتبرة لدى العقلاء والمتشرّعة كذلك يد العامل على الأموال التي تحت استيلائه كاشفة عن

ص: 411


1- تقدّم في الصفحة 393 .
2- تقدّمت في الصفحة 367 .
3- تقدّم في الصفحة 408 .

كونها مأخوذة خراجاً ومقاسمة ونحوهما لا ظلماً وعدواناً ، فهذه اليد معتبرة لدى العقلاء والمتشرّعة بعد حلّية ما ذكر وإن علم إجمالاً أنّ في جملة الأموال التي تحت يدهم مالاً مغصوباً .

فلا يبعد أن تكون الروايات الواردة في حلّ الجوائز موافقة للقاعدة بعد البناء على حلّية الخراج ونحوه وجواز أخذها وشرائها من السلاطين وعمّالهم .

ولو نوقش في كاشفيتها عن كون المأخوذ خراجاً ونحوه فلا أقلّ من اعتبارها لدى العقلاء وعدم الاعتناء بكونه مأخوذاً ظلماً وعدواناً .

وإن شئت قلت : كما أنّ ما في يد عامل الصدقات من قبل السلطان العادل يعامل معه معاملة ملكيته الأعمّ من الملكية الشخصية والسلطنة على جهة الولاية فيشتري العقلاء والمتشرّعة منه ما في يده وإن علم أنّ في جملة الأموال التي تحت يده حراماً ولا يعتنى باحتمال كون المحرّم هذا المبيع ، كذلك في المقام بعد الفرض المتقدّم .

وبعبارة اُخرى : إنّ وجه التوقّف عن الأخذ والمعاملة معه إمّا احتمال كونه من مال الصدقة فالمفروض أ نّه أجاز وليّ الأمر الحقيقي لذلك ، أو العلم الإجمالي باشتمال ما في يده على المظلمة فقد عرفت عدم اعتناء العقلاء بذلك في الأشباه والنظائر .

وإن أبيت عن كلّ ما ذكر فلا ينبغي الإشكال في أنّ الروايات الواردة في الباب على كثرتها لا تدلّ على الحلّ في غير المورد المتقدّم ؛ أي مورد العلم الإجمالي بأنّ في أموال العامل محرّماً واحتمل كون المأخوذ منه .

وأمّا سائر الصور الأربع وكذا الصورة التي تعرّض لها الشيخ الأنصاري في

ص: 412

ذيل الصورة الثانية(1) فلا دلالة لها عليه ؛ لأنّ قوله : «جوائز السلطان لا بأس به»(2) ، وقوله : أمرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها ؟ قال : «نعم» ، قلت : وأحجّ بها ؟ قال : «نعم»(3) ، ونحوهما (4) ، منصرفة إلى ما هو المعمول المتعارف المعهود من جائزة السلاطين وعمّالهم من غير علمهم بأ نّها محرّمة أو فيها محرّم ، بل من غير العلم بأنّ هذا أو ذاك محرّم .

وبالجملة : ليست الروايات بصدد تحليل مال الغير على الآخذ بمجرّد كون المأخوذ منه سلطاناً أو عاملاً له .

وإن شئت قلت : إنّ الروايات بصدد بيان جواز أخذ جائزتهم ، لا تحليل المحرّم المعلوم بالتفصيل أو الإجمال ، فلا إطلاق لها من هذه الجهة .

نعم ، لمّا كانت الصورة الثانية كالملازم لجوائزهم ؛ بمعنى أنّ العلم بكون بعض أموالهم محرّماً حاصل لنوع الناس ، فلا محالة تكون هذه الصورة مشمولة للحكم .

وتشهد لما ذكرناه روايات :

ص: 413


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 174 .
2- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 163 ؛ وسائل الشيعة 17 : 218 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 16 ، وفي المصدر : «لا بأس بجوائز السلطان» .
3- تهذيب الأحكام 6 : 338 / 942 ؛ وسائل الشيعة 17 : 213 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 2 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 214 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 3 و5 .

منها : صحيحة معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام أشتري من العامل الشيء وأنا أعلم أ نّه يظلم ؟ قال : «اشتر منه»(1) .

وقريب منها رواية عبد الرحمان بن أبي عبداللّه عنه علیه السلام (2) .

ومنها : موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم ؟ قال : «يشتري منه ما لم يعلم أ نّه ظلم فيه أحداً»(3) .

وهي كالنصّ فيما ذكرناه ، فإنّه استثنى فيها صورة العلم تفصيلاً أو إجمالاً بأنّ فيه الحرام .

ومنها : صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو يعلم أ نّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم ؟ قال : فقال : «ما الإبل إلاّ مثل الحنطة والشعير وغير ذلك ؛ لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه»(4) .

وليس المراد بقوله ذلك العلم التفصيلي وتجويز شراء ما علم إجمالاً أنّ فيه حراماً ، بل المراد به ما هو المتعارف من شراء الصدقات ، حيث لا يعلم بأنّ في

ص: 414


1- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 938 ؛ وسائل الشيعة 17 : 219 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 132 / 582 ؛ وسائل الشيعة 17 : 221 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 53 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 375 / 1093 ؛ وسائل الشيعة 17 : 221 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 53 ، الحديث 2 .
4- الكافي5 : 228 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 219 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 5 .

مورد الشراء محرّماً وإن علم بأنّ في أموال العامل محرّماً . ويمكن أن يكون

«بعينه» تأكيداً للحرام فيعمّ العلم الإجمالي أيضاً .

وبالجملة : ليس المراد تجويز شراء أموال المظلوم إلاّ إذا علم تفصيلاً وهو واضح .

نعم ، هنا روايات ربّما يتوهّم تنافيها لما ذكرناه ومعارضتها لتلك الروايات :

منها : صحيحة أبي بصير ، قال : سألت أحدهما عن شراء الخيانة والسرقة ؟ قال : «لا ، إلاّ أن يكون قد اختلط معه غيره ، فأمّا السرقة بعينها فلا ، إلاّ أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك»(1) .

ومنها : موثّقة سماعة ، قال : سألته عن شراء الخيانة والسرقة ؟ فقال : «إذا عرفت أ نّه كذلك فلا ، إلاّ أن يكون شيئاً اشتريته من العامل»(2) .

وقريب منها رواية أحمد بن محمّد بن عيسى في «نوادره» ، عن أبيه(3) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، حيث دلّت على جواز شراء الخيانة والسرقة المعروفة

بعينها من السلطان وعمّاله .

وأنت خبير بأنّ في الصحيحة احتمالات :

ص: 415


1- تهذيب الأحكام 6 : 374 / 1088 ؛ وسائل الشيعة 17 : 335 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 934 ؛ وسائل الشيعة 17 : 336 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 6 .
3- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 162 ؛ وسائل الشيعة 17 : 220 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 6 .

أحدها : أن يراد بالمسروق من متاع السلطان ما كان لشخصه ، ولعلّ نفي البأس لكونه ناصباً ، وقد ورد فيه : «خذ ماله أينما وجدت»(1) .

وعلى هذا الاحتمال لا تنافي بينها وبين ما تقدّمت ، لكنّه بعيد عن مذاق الشارع ، سيّما بالنسبة إلى السلطان الذي تقتضي التقيّة المداراة معه للمصالح العامّة ويكون في تركها مظنّة الفتن العظيمة . والظاهر أنّ سيرة الأئمّة علیهم السلام

المعاملة معهم في أملاكهم وأموالهم معاملة الملاّك .

ولا ينافي ذلك أن يكون الحكم الأَوّلي هدر دمهم ومالهم ، كما أنّ الزواج معهم أيضاً صحيح واقعاً في دار التقيّة ؛ لأنّ أحكامها واقع ثانوي .

ثانيها : أن يراد به ما سرق من السلطان بما هو سلطان ؛ أي يجوز شراء ما سرق من بيت المال ، باعتبار أنّ بيت المال من المسلمين وليس للسلطان الجائر ولاية عليه .

وهو أيضاً بعيد ؛ لما تقدّم في الوجه الأوّل .

ثالثها : أن يراد به متاع السلطان المسروق من الناس والمأخوذ منهم خيانة ، فيراد تجويز شراء المسروق إذا كان السلطان وعمّاله سارقاً ، فيراد به التفصيل بين السلطان الجائر وغيره فأجاز شراء مال المظلوم سرقة من السلطان لا من غيره .

وهو أبعد الوجوه ، بل ينبغي القطع بفساده ؛ لمخالفته للقواعد المحكمة العقلية والشرعية وللأخبار المتقدّمة ولظاهر الرواية .

ص: 416


1- تهذيب الأحكام 4 : 122 / 350 ؛ وسائل الشيعة 9 : 487 ، كتاب الخمس ، أبواب ما يجب فيه ، الباب 2 ، الحديث 6 .

رابعها : أن يراد بمتاع السلطان ما أخذه بعنوان السلطنة الشرعية من الخراج وغيره خيانة على الإسلام وعلى أئمّة الحقّ الولاة للأمر ، ولا بأس بتسمية هذا سرقة .

وهو أقرب الاحتمالات من حيث موافقته للعقل ولسائر الروايات ولسيرة الأئمّة وأصحابهم ، فلا بدّ من حملها عليه وإن لا يخلو من مخالفة ظاهر .

ولو نوقش فيه فلا أقلّ من عدم ظهورها في الاحتمال الثالث حتّى يتوهّم مخالفتها لما تقدّم .

وعليه تحمل الروايتان الاُخريان ، فيراد من «شيء اشتريته من العامل» هو ما يكون العامل بما هو عامل كفيلاً لبيعه .

وأمّا احتمال تجويز شراء المال المسروق من الناس إن كان السارق عاملاً فينبغي القطع بفساده ، فلا يراد بتلك الروايات إثبات مزيّة للسلطان أو العامل زائدةً على تجويز الشراء من بيت المال منهم .

بل لا أظنّ ممّا وردت في الروايات السابقة من تحليل جوائز السلطان وعمّاله وإن علم أ نّهم يظلمون الناس ويأخذون منهم زائداً عن الحقّ المقرّر عليهم إرادة إثبات مزيّة لهم على ولاة الحقّ . بل الظاهر أ نّه اُريد بها تجويز الأخذ منهم على نحو الأخذ من الوالي العادل ، لا إثبات الجواز فيما لا يجوز لو كان المعطي السلطان العادل وعمّاله .

ولهذا قلنا : إنّ تلك الروايات موافقة للقواعد بعد جواز شراء الصدقات والخرائج . وعليه يلحق به كلّ مورد يكون من قبيل المقام ، لا لإلغاء الخصوصية من الروايات ، فإنّه ممنوع ، بل لاقتضاء القواعد ذلك .

ص: 417

ثمّ بما ذكرناه في مفاد الروايات يتّضح عدم معارضتها لرواية «الاحتجاج» المتقدّمة الواردة في بعض وكلاء الوقف المستحلّ لما في يده وفيها : «الجواب : إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل برّه وإلاّ فلا»(1) . فإنّ موردها - وهو عدم ممرّ يحلّ لنا الأخذ منه - غير مورد الروايات ، حيث كان في أيديهم من الصدقات والخرائج وهي حلال لنا .

ص: 418


1- تقدّمت في الصفحة 367 .

الصورة الثالثة العلم التفصيلي بحرمة المأخوذ من السلطان الجائر

اشارة

ومنها : أن يعلم تفصيلاً حرمة ما يأخذه . فحينئذٍ تارة : يعلم بإمكان ردّه إلى مالكه أو من بحكمه ، واُخرى : يعلم بعدم إمكانه ، وثالثة : يشكّ في ذلك . وعلى التقادير قد يعلم برضا مالكه بأخذه ، وقد يعلم بعدم رضاه ، وقد يشكّ فيه . وعلى التقادير قد يحصل العلم بالحرمة قبل وقوعه في يده ، وقد يحصل بعده .

الإشارة إلى مفاد الأدلّة الاجتهادية

وقبل التعرّض لحال الصور لا بأس بالإشارة إلى مفاد الأدلّة الاجتهادية وحدود دلالتها :

فنقول : منها : موثّقة سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث «أنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قال : من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها ، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفس منه»(1) .

والظاهر من نفي الحلّية في مقابل الحلّية بطيب نفسه هي الواقعية ، لا الأعمّ منها ومن الظاهرية حتّى يقال(2) باستفادة حكمين منها؛ أحدهما: نفي الحلّ

ص: 419


1- الكافي 7 : 274 / 5 ؛ الفقيه 4 : 66 / 195 ؛ وسائل الشيعة 29 : 10 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- اُنظر حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 177 - 178 .

الواقعي وإثباته لدى طيب نفسه، وثانيهما: نفي الحلّية الظاهرية الذي بمنزلة

جعل الاحتياط عند الشكّ في طيب نفسه ، فكأ نّه قال : لا يحلّ ماله مطلقاً واقعاً وظاهراً إلاّ مع طيب نفسه فيحلّ معه واقعاً ، فيكون الاستثناء من قسم من المستثنى منه .

فإنّ هذا الاحتمال مخالف للظاهر وموجب للتفكيك بين الصدر والذيل وإن لا يمتنع الجمع بينهما بجعل واحد .

وعلى ما استظهرناه ربّما يقال بجواز التصرّف في أموال المسلم مع الشكّ في رضاه لو لم يحرز عدم رضاه بالأصل ، وهو مخالف فتوى العلماء وسيرة العرف على ما حكي وادّعي(1) وهو غير بعيد . ويمكن الاستشهاد له بموثّقة أبي بصير في باب حرمة سبّ المؤمن عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه معصية ، وحرمة ماله كحرمة دمه»(2) .

بدعوى كونه بصدد بيان الكيفية في حرمة المال لا أصل الحرمة ، بدليل تغيير اُسلوب البيان فيها ، ومقتضى إطلاق التشبيه وجوب الاحتياط لدى الشكّ كما وجب في الدم ، ولذا اشتهر بينهم وجوبه فيه كما يجب في الدم .

وربما يقال : إنّ الظاهر عرفاً في مثل المورد الذي جعل الطيب سبباً

ص: 420


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 182 .
2- الكافي2 : 359 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 297 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 158 ، الحديث 3 .

لجواز التصرّف هو عدم جوازه إلاّ بإحراز السبب وقيام الحجّة(1) .

وفيه : أنّ الظاهر أ نّه بصدد بيان الحكم الواقعي في المستثنى والمستثنى منه .

فإن اُريد بما ذكر أنّ الإحراز غاية للحكم الواقعي فمع كونه خلاف ظاهر استثناء عنوان الطيب الظاهر في الواقعي منه لا إحرازه كما في جميع العناوين المأخوذة في الأحكام ، يلزم الالتزام بحرمة التصرّف واقعاً مع طيب نفس صاحب المال واقعاً ما لم يحرز ، وهو كما ترى ، ولا أظنّ التزامهم به .

وإن جعل إحراز الطيب استثناءً من الحكم الظاهري فلا حكم ظاهري مجعول إلاّ أن يجعل نفي الحلّ أعمّ من الظاهري والواقعي والاستثناء لخصوص الظاهري .

أو قيل بعموم المستثنى والمستثنى منه ، فيراد منه لا يحلّ المال واقعاً وظاهراً إلاّ مع طيب نفسه واقعاً فيحلّ واقعاً ، وإلاّ مع إحرازه فيحلّ ظاهراً .

وكلّ ذلك تعسّفات لا ينبغي التقوّل بها .

ثمّ الظاهر أنّ انتساب عدم الحلّ إلى ذات المال مبنيّ على ادّعاء وتنزيل ، كما في الأشباه والنظائر على ما هو التحقيق ، لا على حذف المضاف كما قيل(2) ، فيكون مقتضى إطلاق التنزيل ونفي حلّية الذات نفي حلّية مطلق التصرّفات .

ودعوى الانصراف إلى التصرّفات الراجعة إلى نفع المتصرّف لا ما يرجع إلى نفع صاحب المال(3) ، غير وجيهة ، بل الظاهر منه تحديد حمى المالكية وتثبيت

ص: 421


1- اُنظر حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب، قسم المحرّمة: 182.
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 183 .
3- نفس المصدر .

سلطنة المالك والمنع عن دخالة الغير في سلطانه ، فلا وجه لدعوى الانصراف عن التصرّف النافع له برغم أنفه المخالف لسلطنته ، من غير فرق بين كون منعه لذلك لغرض عقلائي أو لا .

وأبعد منها دعوى كونه القدر المتيقّن منه ، خصوصاً مع عدم عموم لفظي إلاّ باعتبار حذف المتعلّق الراجع في تشخيصه إلى العرف(1) .

فإنّ القدر المتيقّن لا يضرّ بالإطلاق ، وإلاّ لما سلم إطلاق في الفقه ، وحذف المتعلّق ممنوع كما أشرنا إليه .

وبالجملة : دعوى عدم حلّية الذات إنّما تحسن إذا كان جميع التصرّفات غير حلال ، أو نزّل حلالها منزلة العدم ، وهو يحتاج إلى دلالة .

نعم ، يمكن دعوى الانصراف عن مورد لم يكن في نفس المالك رضاً ولا كراهة فعلاً ولو ارتكازاً إذا كان التصرّف لمجرّد الإيصال إليه .

بل يمكن الاستئناس للحكم في هذه الصورة بل وصورة الشكّ في الرضا بأخبار اللقطة(2) ؛ إذ إطلاقها يقتضي جواز الالتقاط مع الشكّ في رضا صاحبه ومع العلم بخلوّ نفسه من الطرفين .

نعم ، الظاهر عدم إطلاقها لحال العلم بعدم الرضا .

فأدلّة حرمة التصرّف وكذا دليل جعل الاحتياط في الأموال مع الشكّ على فرض وجوده منصرفة عن مثل المقام ، فعليه يجوز أخذ المال للردّ إلى صاحبه مع العلم بخلوّ ذهنه ومع الشكّ في رضاه .

ص: 422


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 183 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 441 ، كتاب اللقطة ، الباب 2 .

ثمّ الظاهر من طيب نفسه هو الفعلي منه ولو بنحو الارتكاز والاختزان في النفس وإن كان غافلاً عنه ، فلا يعتبر الالتفات إلى طيب نفسه ، بل يكفي ما هو المخزون فيها .

كما لا يكفي التقديري منه مع عدم تحقّقه فعلاً ، وإلاّ لزم الالتزام بجواز التصرّف مع كراهته الفعلية إذا أحرز أ نّه على تقدير التفاته بجهة كعلمه وورعه يصير راضياً وتطيب نفسه به ، وهو كما ترى .

ثمّ إنّ الكلام في هذه الرواية جارٍ في سائر ما بمضمونها أو قريب منها .

حال الصور المتصوّرة في المقام من حيث الحكم التكليفي

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى حال الصور المتقدّمة من حيث الحكم التكليفي والوضعي .

فنقول : أمّا لو علم برضا صاحب المال فلا إشكال في جوازه في جميع الموارد .

كما لو علم عدم رضاه ولو بأخذه وردّه إليه ، فلا ينبغي أيضاً التأمّل في حرمته ؛ لإطلاق الأدلّة ، سواء كان عدم الرضا أو المنع بجهة عقلائي أم لا . ودعوى الانصراف وعدم الإطلاق قد عرفت ما فيهما .

وقد يقال بتعارض الرواية مع نحو قوله : عون الضعيف صدقة ، كموثّقة السكوني عن أبي عبداللّه علیه السلام : «عونك الضعيف من أفضل الصدقات»(1) .

ص: 423


1- الكافي 5 : 55 / 2 ؛ وسائل الشيعة 15 : 141 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 59 ، الحديث 2 .

بدعوى : أنّ أخذ المال من الغاصب والردّ إلى صاحبه من العون عليه .

ومع نحو قوله : «كلّ معروف صدقة» كما في صحيحة معاوية بن وهب(1) . فإنّ ذلك معروف فيكون مستحبّاً كالصدقة .

بل مع نحو قوله : )ما عَلَى المُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ((2) . فإنّ ما ذكر إحسان على صاحبه .

فمع عدم رضاه أو منعه يمكن أن يقال بسقوطهما بالتعارض والرجوع إلى أصالة الحلّ ، بل يمكن أن يقال بحكومتها عليها . نعم ، لو كان المنع لغرض عقلائي فالظاهر عدم جوازه ؛ لعدم صدق الإحسان ونحوه ، أو مع صدقه يكون مشوباً بالإساءة فيقدّم جانب الحرمة(3) .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ سنخ تلك الروايات الواردة في المستحبّات لا إطلاق لها حتّى يزاحم المحرّمات - أنّ التصرّف في مال الغير بلا إذنه أو مع منعه ظلم عليه لا إعانة وإحسان ، ومنكر لا معروف ، فيكون خارجاً عن مفادها موضوعاً . ولو سلّم فلا شبهة في انصرافها عن مثل المورد ، فلا وجه للتعارض بينها وبين ما تقدّم .

بل لقائل أن يقول : إنّ تنزيل العون والمعروف منزلة الصدقة يستشعر منه عدم

ص: 424


1- الكافي 4 : 26 / 2 ؛ وسائل الشيعة 16 : 285 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 1 ، الحديث 2 .
2- التوبة (9) : 91 .
3- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 181 و183 .

جواز التصرّف بغير إذن صاحبه ، كما أنّ الصدقة لا تصحّ ولا تجوز بجهة محرّمة . فكما لا تجوز الصدقة بمال الغير أو بماله إذا تعلّق به حقّ الغير، كذلك لا يجوز العون والإحسان مع كون مورده التصرّف في مال الغير بلا إذنه أو مع منعه .

نعم ، قد عرفت جواز الأخذ لمجرّد الإيصال إلى صاحبه في مورد خلوّ ذهنه عن الرضا والكراهة ولو ارتكازاً ، وإن لا يجوز سائر التصرّفات لتعليقها على طيب نفسه الظاهر في الفعلية . وكذا يجوز في مورد الشكّ في طيب نفسه ؛ لكونه من الشبهة المصداقية للأدلّة ، ولانصراف دليل جعل الاحتياط في مورد الشكّ عنه على فرض وجود دليل لفظي كما أشرنا إليه(1) . ولو كان الحكم إجماعياً يكون المتيقّن منه غير المورد .

هذا إذا لم يلحق مورد الشكّ في عدم الرضا بالعلم به بالأصل ، فلا بدّ من بيان حال الاستصحاب ومورد جريانه ولا جريانه .

بيان حال الاستصحاب ومورد جريانه

فنقول مقدّمة : إنّ المحتمل في قوله : «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفس منه»(2) :

أن يكون بصدد بيان حكم المستثنى ؛ أي الحلّية مع الطيب ، فيكون المراد من قوله : «لا يحلّ ماله إلاّ بالطيب» أ نّه لا يتحقّق الحلّ إلاّ بالطيب الذي سببه ، ومع فقده ينتفي المسبّب ، لا بصدد جعل عدم الحلّ على موضوعه . فحاصل المراد أنّ

ص: 425


1- تقدّم في الصفحة 422 .
2- تقدّم في الصفحة 419 .

الحلّ مسبّب عن الطيب وينتفي بانتفائه ، وهو أمر عقلي لا مجعول شرعي .

وأن يكون بصدد بيان حكم المستثنى منه ؛ أي جعل عدم الحلّ مع فقد الطيب .

وأن يكون بصدد بيان حكمهما فيكون المجعول عدم الحلّ مع فقد طيب نفسه والحلّ مع تحقّقه . وتظهر الثمرة عند الشكّ في بعض الموارد .

ثمّ إنّ قوله : «لا يحلّ» يمكن أن يكون بصدد بيان مجعولية هذا الأمر العدمي

بنفسه وإن فرض استلزامه للحرمة . ويمكن أن يكون كناية عن مجعولية الحرمة ، نظير قوله : «إنّ الخبر الكذائي لا يوافق القرآن» أو «إنّ فلاناً لا يوافق الفلان في

كذا» حيث يراد به المخالفة ،وقوله : «فلان لا يرضى بذلك» ويراد به كراهته لا نفي رضاه ، وهو الأظهر .

والأظهر أ نّها بصدد بيان حكم المستثنى منه ، كما يظهر من صدرها ؛ أي قوله :

«فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم . . .»(1) ، أو بصدد بيان الجملتين لا بيان خصوص المستثنى .

ثمّ إنّه على القول بجعل السببية في مثل المقام(2) ؛ أي جعل سببية الطيب للحلّ ، أو عدمه لعدمه ، لا يفيد الاستصحاب على جميع الاحتمالات ؛ لأنّ نفي المسبّب بنفي سببه عقلي وإن كان جعل السببية شرعياً ، كما أنّ ترتّب المسبّب على سببه عقلي لا شرعي .

فلو قلنا بجعل سببية الطيب للحلّ فاستصحاب عدم الطيب لنفي الحلّ عقلي ،

ص: 426


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 419 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 180 .

بل نفي الحلّ على الفرض الأوّل ممّا تقدّم عبارة عن سلب الحكم الشرعي ، لا إثبات الحكم ؛ أي عدم الحلّ . فإثباته بهذا السلب أيضاً عقلي ، ولو اُغمض عنه فإثبات الحرمة بسلب الحلّ أيضاً عقلي .

وأمّا على القول بجعل المسبّب عقيب السبب في مثل المقام ، فإثبات المسبّب باستصحاب سببه لا مانع منه ، وأمّا نفيه بنفيه لا يخلو من كلام .

هذا على الاحتمال الأوّل ، وأمّا على غيره فإن قلنا بجعل المسبّب عقيب السبب فلا إشكال في أنّ استصحاب عدم الطيب لعدم الحلّ غير مثبت وإن كان إثبات الحرمة به مثبتاً ، إلاّ أن يكون المجعول حرمة التصرّف .

فالأصل إنّما يجري إن كان المجعول المسبّب عقيب السبب وقلنا بأ نّه الحرمة عقيب عدم طيب نفسه .

ثمّ إنّ جريان الاستصحاب موقوف على إحراز موضوع الدليل الاجتهادي به ، وهو إنّما يحرز وينقّح إذا كان الموضوع بقيوده مجرى الأصل .

ففي المقام موضوع عدم الحلّ - أي الحرمة - مال امرئ مسلم بلا طيب نفسه ، فلا بدّ من تنقيحه بالأصل حتّى يترتّب عليه الحكم ، فإن كان ذلك بقيوده مسبوقاً بالتحقّق يجري الأصل .

فلو علم أنّ صاحب المال الكذائي كان لا يطيب بالتصرّف فيه وشكّ في تبديله يستصحب ويحكم بالحرمة من غير فرق بين اعتبار طيبه سابقاً أو لا .

كما لو كان صاحب المال غير بالغ واحتمل عند بلوغه حصول طيب نفسه ، فاستصحاب عدم طيب نفسه قبل البلوغ كافٍ لإثبات الحرمة حال البلوغ ؛ لكفاية كون الموضوع ذا أثر حال الشكّ .

ص: 427

إلاّ أن يناقش في المثال بأنّ موضوع الحكم هو امرؤ كذا وهو رجل بالغ ، وبإلغاء الخصوصية تدخل المرأة فيه ، لا غير البالغ ، فيأتي فيه الإشكال الذي في الفرض الآتي ، فتدبّر .

وأمّا إن علم بعدم طيب نفسه قبل انتقال المال إليه فاستصحاب عدم طيب نفس صاحب المال الذي هو موضوع الحكم لا يجري ؛ لعدم الحالة السابقة اليقينية للمستصحب ، وما هو مسبوق بالتيقّن هو عدم طيب نفسه بهذا المال لا بما هو مضاف إليه ، وهو مع قطع الإضافة ليس موضوعاً للحكم ، وإثبات الإضافة بعد الجرّ إلى زمان الملكية عقلي وليس الموضوع مركّباً بل بسيط مقيّد .

وبهذا يظهر عدم جريان استصحاب عدم الطيب بعدم المغصوب منه أو بعدم المغصوب ، فتدبّر .

هذا حال الحكم التكليفي ، وأمّا الوضعي منه فنقول :

حال صور المتصوّرة في المقام من حيث الحكم الوضعي

إنّ الأخذ إمّا أن يكون بعد العلم بالحرمة أو قبله ، وعلى التقديرين قد يكون مع العلم برضاه ، وقد يكون مع العلم بعدمه ، أو مع العلم بخلوّ ذهنه منهما ، أو مع الشكّ في رضاه وعدمه ، أو خلوّ ذهنه وعدمه .

وعلى أيّ تقدير تارة : يكون الأخذ بإكراه واضطرار تقيّة ، وتارة : يكون باختيار .

فإذا كان بعد العلم به ومع الاختيار فالضمان وإن لم يثبت ظاهراً لكن ثبوته واقعاً تابع لعدم رضاه واقعاً ، كما أنّ عدمه تابع لرضاه واقعاً ، ولا دخل للعلم

ص: 428

والجهل فيهما ، فمع العلم برضاه جاز الأخذ ظاهراً لكنّه موجب لضمان اليد ، ومع العلم بعدمه لا يجوز ظاهراً ومتجرٍّ فيه وإن لم يضمن واقعاً ، وفي صورة الشكّ أيضاً يكون الضمان الواقعي تابعاً لعدم رضاه .

نعم ، مع إحراز عدم طيب نفسه بالأصل كما في بعض الصور يحكم بضمانه ، ومع عدم جريانه فالحكم به تابع لمقدار دلالة دليل الاحتياط في الأموال ، فإن دلّ على لزومه في الحكم الوضعي أيضاً يحكم بالضمان احتياطاً ، وإن قلنا باختصاص دليله بالتكليف وعدم دليل على الوضعي كما لا يبعد فلا يحكم به ؛ لكون الشبهة مصداقية لأدلّته .

ومع العلم بعدم كراهته ورضاه فعلاً لو أخذه بقصد الردّ إليه يكون محسناً ولا ضمان عليه .

نعم ، هنا كلام وهو أنّ نفي السبيل عن المحسن هل يختصّ بمن كان محسناً فعلاً وفاعلاً ، أو بمن كان محسناً فعلاً ، أو بمن كان محسناً فاعلاً وإن لم يكن كذلك واقعاً ؟

فمن أخذ ضالّة ليردّها إلى شخص بتخيّل أ نّه صاحبها وكان غيره لم يضمن على الأخير دون غيره ، ومن أخذها ليردّها إلى شخص بتخيّل أ نّه غير صاحبها وكان صاحبها فتلف قبل الردّ لم يضمن على الثاني .

مقتضى الاشتقاق وإن كان الاختصاص بالثاني لكن مقتضى المناسبة بين الحكم والموضوع الاختصاص بالثالث .

ولو كان مكرهاً أو مضطرّاً لأجل التقيّة في أخذه فمع رضاه لا إشكال فيه ، ومع عدمه يمكن أن يقال : إنّ الأخذ الإكراهي والاضطراري كلا أخذ بمقتضى

ص: 429

دليل الرفع(1) ، الرافع لذات ما اُكرهوا عليه وما اضطرّوا إليه ، ومقتضى رفع الذات رفع جميع آثاره وضعاً وتكليفاً ، وهو حاكم على دليل ضمان اليد والإتلاف ؛ لأنّ موضوعهما الأخذ والاستيلاء والإتلاف ، ودليل الرفع يرفعهما ويجعلهما بمنزلة العدم .

نعم ، لابدّ للآخذ من ارتكاب ما هو أقلّ محذوراً ، فيقصد الردّ إلى صاحبه ، ومع قصد التملّك يضمن ، وكذا مع عدم قصد ردّه إليه ؛ لإطلاق دليل اليد .

ودعوى عدم إطلاقه(2) غير وجيهة ، كدعوى أنّ الأخذ بمنزلة عدمه(3) مطلقاً ، فإنّه لا يضطرّ إلى أخذه بلا قصد ردّه ولا يكره عليه كذلك ، بل هو مضطرّ إلى مهملة الأخذ لا مطلقه ولا قسم خاصّ منه .

إن قلت : إنّ دليل الرفع ينفي ما يضطرّ إليه وهو لا يضطرّ إلى الأخذ بلا ضمان ، ومقتضاه نفي الحكم التكليفي لا الوضعي .

قلت : لا يعقل تقييد الموضوع بحكمه ، فالرفع إنّما يتعلّق بالأخذ الذي هو موضوع ضمان اليد لا بالأخذ الضماني . وبعبارة اُخرى : إنّ موضوع الضمان هو الأخذ والاستيلاء ولا يعقل أن يكون الأخذ الضماني ، ودليل الرفع يرفع الموضوع .

ص: 430


1- التوحيد ، الصدوق : 353 / 24 ؛ الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .
2- منية الطالب 1 : 62 .
3- نفس المصدر .

إن قلت : لازم ذلك عدم الضمان في الأكل في المخمصة وهم لا يلتزمون به .

قلت : فرق بين المقامين ، فإنّ في المخمصة لا يضطرّ إلاّ إلى سدّ الرمق وهو يحصل بنفس المال ، لا بمال الغير ، ولا بالمال المجّان . وفي المقام يضطرّ إلى أخذ مال الغير ، لا أخذ ذات المال وهو مرفوع ، تأمّل . مع أنّ مقتضى امتنانية دليل الرفع عدم المجّانية في الأكل ، وأمّا في المقام فلمّا كان الضمان على الجائر لا يكون نفي الضمان عن الآخذ منافياً للامتنان .

هذا كلّه إذا كان الأخذ بعد العلم بالحرمة .

وأمّا إذا كان قبله فلا يخلو إمّا أن يكون شاكّاً ملتفتاً أو غافلاً ، أو قاطعاً بأ نّه مال الجائر .

فعلى الأوّل إمّا أن يكون يد الجائر معتبرة عنده وأمارة على ملكيته أو لا .

فعلى الثاني يستصحب عدم طيب نفس صاحب المال إن كان المال مسبوقاً بكونه للغير مع عدم طيب نفسه ، بأن يكون هذا المعنى الموضوع للحكم بجميع قيوده مسبوقاً باليقين ، وأمّا إذا كان بعض قيوده مسبوقاً به وبعض آخر حاصلاً بالوجدان فلا يجري الأصل ولا يحرز به الربط ؛ لكونه مثبتاً .

وهذا نظير ما لو كان موضوع جواز التقليد الفقيه إذا كان عادلاً أو الفقيه العادل ، فإنّه إذا كان الموضوع مسبوقاً باليقين بقيوده يجري الاستصحاب ، بخلاف ما لو كان فقاهته مسبوقة بالتحقّق دون عدالته وكانت عدالته محرزة بالوجدان حال الشكّ في فقاهته ، فإنّ إجراء استصحاب كونه فقيهاً لإحراز موضوع الدليل بالأصل والوجدان غير صحيح ؛ لعدم إثبات الكون الرابط أو التوصيف به إلاّ بالأصل المثبت .

ص: 431

نعم ، لو كان الموضوع مركّباً ، كأن دلّ الدليل على أنّ التقليد يصحّ من رجل عالم وعادل ، يمكن إحرازه بالأصل والوجدان وإن لا يخلو من كلام .

والمقام من قبيل الأوّل ، فلا يجري الأصل ، وفي صورة عدم جريانه لا يجوز الأخذ مع الاختيار إلاّ للإيصال إلى صاحبه مع الإمكان ولإجراء حكم مجهول المالك مع عدمه .

ومع الاضطرار والإكراه يأتي فيه الكلام المتقدّم .

وأمّا مع القطع بكونه مال الجائر ، أو الغفلة أو الالتفات وبنائه على اعتبار يده وأخذه بعنوان التملّك فيقع الكلام فيه في مقامين :

أحدهما : في أ نّه هل يكون الأخذ بنيّة التملّك مع الجهل بكونه للغير موجباً للضمان أو لا ؟

الثاني : بناءً على الضمان هل يبقى حكمه مع نيّة الحفظ بعد العلم بالحال أو لا ؟

في أنّ الأخذ بنيّة التملّك مع الجهل بكونه للغير موجب للضمان

أمّا الأوّل : فعن الشهيد والطباطبائي عدم الضمان مع الجهل(1) .

واستدلّ الأوّل بأنّ يده يد أمانة فيستصحب .

ولعلّ مراده أ نّه بحكم الأمانة في عدم الضمان ، ولعلّ موضوع كلامه هو القسم الشائع من المأخوذ ، وهو مورد جهله بأ نّه مال الغير مع الالتفات والاتّكال على يده ، لا مطلق الجهل .

ص: 432


1- مسالك الأفهام 3 : 142 ؛ المصابيح في الفقه ، قسم التجارة : 55 (مخطوط) .

ولعلّ وجهه أ نّه مع الاتّكال بالأمارة الشرعية في الأخذ بعنوان التملّك يرفع الضمان ، ويكون حاله حال الأمانة ، بتخيّل أنّ الأمر بالعمل بالأمارة أو الإذن به ينافي التضمين ، وهو كما ترى .

ولعلّ موضوع كلامه مطلق الجهل ، ووجه عدم الضمان أنّ «رفع ما لا يعلمون»(1) أعمّ من الوضعي كسائر فقراته .

وفيه : أنّ دليل جعل الاحتياط حاكم على «ما لا يعلمون» ، تأمّل . مع أنّ شموله لمورد قيام الأمارة على الخلاف ومورد القطع به غير ظاهر ، مضافاً إلى عدم التزام الأصحاب بذلك .

وقد يقال : إنّ دليل اليد لا يشمل مورد الجهل ؛ لأنّ ظاهره الاختصاص بما إذا

أخذ المال قهراً على المالك(2) .

وفيه ما لا يخفى ؛ ضرورة إطلاقه لجميع أنحاء الأخذ ، فالأوفق بالقواعد هو الضمان .

في بقاء الضمان مع نيّة الحفظ بعد العلم بالحال

المقام الثاني : وينبغي تعميم البحث إلى كلّ ما كان أخذه موجباً للضمان سواء علم بالواقعة حال الأخذ أم لا .

قد يقال : إنّه إذا نوى الحفظ والردّ إلى صاحبه زال الضمان ، وذلك لدخوله

ص: 433


1- التوحيد ، الصدوق : 353 / 24 ؛ الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .
2- منية الطالب 1 : 63 .

تحت عنوان الإحسان الموجب لعدم الضمان المخصّص لعموم على اليد في الابتداء والأثناء . والحاصل: أ نّه إذا انقلبت اليد من العدوان والخيانة إلى الإحسان والأمانة ينقلب الحكم(1) .

وربّما يردّ ذلك بأنّ يد الإحسان غير مقتضٍ للضمان وهو لا يزاحم اليد المقتضية للضمان .

وفيه : أنّ مدّعاه تخصيص دليل اليد بدليل الإحسان ، وليس المقام من قبيل تزاحم المقتضي مع اللامقتضي ؛ إذ لازمه الضمان حتّى إذا كان محسناً من أوّل الأمر ، وهو كما ترى .

فالجواب عن القائل بالانقلاب أنّ مقتضى دليل الإحسان هو نفي السبيل عن المحسن بما هو محسن ، لا نفيه ولو عمّا يقتضي إساءته أو غير إحسانه ، ومقتضى دليل اليد أنّ حدوثها على الشيء موجب للضمان مستمرّاً إلى زمان التأدية ، فموجب الضمان حدوث اليد غير الإحسانية فقط ، وليس للاستيلاء الإحساني أثر في الضمان حتّى يرفع بدليل الإحسان .

وبعبارة اُخرى : إنّ الموجب للضمان اليد العدوانية ، وهي غير مرفوعة بدليل الإحسان ، وما صدر عنه إحساناً ليست موجبة للضمان حتّى يرفع .

فتحصّل منه أنّ مقتضى القواعد عدم الانقلاب ، ولهذا لا يلتزمون به في يد الغاصب .

ص: 434


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 181 .
في وجوب ردّ المأخوذ إلى صاحبه

وعلى أيّ تقدير يجب على الآخذ ردّ المأخوذ إلى صاحبه بعد العلم بالقضيّة مع العلم بعدم رضا صاحبه بقاءه عنده ، بل مع الشكّ أيضاً ، بدليل الاستصحاب فيما جرى فيه والاحتياط في الأموال .

ودليله في صورة عدم رضاه - مضافاً إلى حكم العقل وإلى أ نّه ظلم وعدوان - إطلاق الأدلّة ، فإنّ إطلاق قوله في مثل صحيحة الشحّام : «لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه»(1) عدم حلّ حفظه وحبسه وغيرهما وإن فرض عدم صدق التصرّف عليها ؛ لأنّ مفادها أعمّ منه . ودعوى تقدير التصرّف قد مرّ بطلانها (2) .

ولازم عدم الحلّ التخلّص عنه بأقرب ما يمكن التخلّص كالمتوسّط في الأرض المغصوبة وذلك بحكم العقل .

وأمّا التشبّث بأدلّة وجوب ردّ الأمانات(3) فغير سديد ؛ لأنّ المورد ليس من قبيل الأمانات ، بل من الغصب أو نظيره ، إلاّ أن يدّعى الأولوية وهي غير ظاهرة ، فالدليل عليه ما عرفت .

ويدلّ عليه في الغاصب صحيحة الحذّاء عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال

ص: 435


1- الكافي 7 : 273 / 12 ؛ وسائل الشيعة 29 : 10 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 421 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 184 .

رسول اللّه رحمهما اللّه : من اقتطع مال مؤمن غصباً بغير حقّه لم يزل اللّه معرضاً عنه ، ماقتاً لأعماله التي يعملها من البرّ والخير ، لا يثبتها في حسناته حتّى يردّ المال

الذي أخذه إلى صاحبه»(1) . ونحوها مرسلةً رواية اُخرى(2) .

وعن النبي رحمهما اللّه : «من أخذ عصا أخيه فليردّها»(3) .

والصحيحة تدلّ على وجوب الردّ فوراً ولو كان وجوباً عقلياً ؛ للتخلّص عن غضب اللّه .

والظاهر من الردّ الإيصال إلى صاحبه وإيقاعه تحت سلطانه ويده ، ولا يكفي مجرّد التخلية بينه وبين صاحبه ، وهو موافق لحكم العرف والعقلاء ، بخلاف باب الوديعة ، حيث إنّ ارتكاز العقلاء والمناسبات تقتضي صرف ظواهر الأدلّة لو دلّت على وجوب الردّ ، كما عليه الفقهاء أيضاً (4) .

وما ذكرناه مناسب لأخذ الغاصب بأشقّ الأحوال ، بل الظاهر لزوم الردّ والإيصال وإن كان ضررياً أو حرجياً ؛ لما ذكر من أخذه بالأشقّ ، ولانصراف دليلهما عنه .

وهل المأخوذ بغير عدوان وغصب وإن كان على وجه الضمان كالأخذ مع

ص: 436


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 322 / 9 ؛ وسائل الشيعة 16 : 53 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 78 ، الحديث 6 .
2- مستدرك الوسائل 17 : 89 ، كتاب الغصب ، الباب 1 ، الحديث 8 .
3- عوالي اللآلي 3 : 473 / 5 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 88 ، كتاب الغصب ، الباب 1 ، الحديث 6 .
4- الحدائق الناضرة 21 : 426 ؛ رياض المسائل 9 : 162 ؛ اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 184 - 185 .

الجهل أو الجبر يلحق بالغصب ، أو بالوديعة فلا يجب إلاّ التخلية ؟

الأقرب إلحاقه بالغصب في وجوب إيصاله إلى صاحبه والتخلّص عنه بأقرب الطرق ؛ لعدم حلّ الأموال إلاّ بطيب نفس صاحبها . نعم ، لو كان الإيصال حرجياً يمكن رفعه بدليله .

في وجوب الفحص عن المالك لو كان مجهولاً

ثمّ لو كان المالك مجهولاً فهل يجب الفحص عنه أو لا ؟

اختار الشيخ الأعظم الثاني(1) ، تمسّكاً بإطلاق جملة من الروايات :

كرواية علي بن أبي حمزة ، قال : كان لي صديق من كُتّاب بني اُميّة ، فقال لي : استأذن لي على أبي عبداللّه علیه السلام ، فاستأذنت له ، فأذن له ، فلمّا أن دخل سلّم

وجلس ، ثمّ قال : جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً وأغمضت في مطالبه ، إلى أن قال : فقال الفتى : جعلت فداك فهل لي مخرج منه ؟ قال : «إن قلت لك تفعل ؟» قال : أفعل . قال له : «فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدّقت به . . .»(2) الحديث .

فإنّ مقتضى إطلاقها جواز التصدّق بلا فحص . والحمل على مورد اليأس عن معرفة صاحبه كالحمل على عدم معرفته بعد الفحص خلاف الظاهر .

ص: 437


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 185 .
2- الكافي 5 : 106 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 199 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 47 ، الحديث 1 .

نعم ، لا يبعد انصرافه عن مورد يعلم بالعثور عليه بالفحص ، سيّما إذا علم بمعرفته بالفحص قليلاً .

وبالجملة : إنّ ترك الاستفصال دليل العموم ، بل ذيلها دالّ على عدم لزوم الفحص ؛ إذ من البعيد بل غير الممكن أ نّه كان تفحّص عن صاحب الأموال الكثيرة والأشخاص المتفرّقة ويئس عن معرفتهم في أشهر قلائل ، مع أنّ عدم ذكره الفحص دليل العدم .

والعمدة هي ترك الاستفصال والإطلاق ، وإلاّ فمن الممكن المناقشة في حجّية قول الراوي في بقائه أشهراً قلائل . والإنصاف تمامية دلالتها لولا ضعف سندها .

إلاّ أن يقال : لا معنى للإطلاق وترك الاستفصال في المقام ؛ لأ نّه قضيّة شخصية يحتمل علم الإمام علیه السلام بالواقعة ، وأنّ المورد لا يجب فيه الفحص، فتدبّر .

وأمّا سائر الروايات ففي إطلاقها إشكال :

كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام في رجل ترك غلاماً له في كرم له يبيعه عنباً أو عصيراً ، فانطلق الغلام فعصر خمراً ثمّ باعه ؟ قال : «لا يصلح ثمنه» إلى أن قال : ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدّق بثمنها»(1) .

فإنّ الظاهر أ نّه بصدد بيان أفضلية هذه الخصلة من غيرها ، فكأنّ له خصالاً

ص: 438


1- الكافي 5 : 230 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 1 .

معهودة هي أفضلها ، لا بصدد بيان وجوب التصدّق . وكيف كان لا إطلاق فيها ، كما لا يخفى .

ومنه يظهر الكلام في رواية أبي أيّوب(1) .

وكرواية أبي علي بن راشد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام قلت : جعلت فداك اشتريت أرضاً إلى جنب ضيعتي بألفي درهم ، فلمّا وفيت المال خبّرت أنّ الأرض وقف ؟ فقال : «لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلّة في مالك ، وادفعها إلى من وقفت عليه» . قلت : لا أعرف لها ربّاً ؟ قال : «تصدّق بغلّتها»(2) .

فإنّ الظاهر من قوله : «لا أعرف لها ربّاً» أنّ من المحتمل عنده أن لا يكون له ربّ رأساً وأن وقفت الأرض لمطلق الخيرات ، وإلاّ كان حقّ التعبير في مجهول المالك أن يقول : لا أعرف ربّه .

والحاصل أنّ الظاهر أنّ الوقف كان مجهول المصرف لا مجهول المالك ، مع أنّ في متنها أيضاً كلاماً .

وكرواية علي بن ميمون الصائغ ، قال سألت أبا عبداللّه علیه السلام عمّا يكنس من التراب فأبيعه ، فما أصنع به ؟ قال : «تصدّق به؛ فإمّا لك وإمّا لأهله»(3) .

ص: 439


1- الكافي 5 : 231 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 2 .
2- الكافي 7 : 37 / 35 ؛ وسائل الشيعة 17 : 364 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 17 ، الحديث 1 .
3- الكافي 5 : 250 / 24 ؛ وسائل الشيعة 18 : 202 ، كتاب التجارة ، أبواب الصرف ، الباب 16 ، الحديث 1 .

فإنّ الظاهر من قوله : «إمّا لك وإمّا لأهله» أنّ كون الذرّات للغير غير معلوم ، وكان نظره التخلّص من المحتمل . ويحتمل أن تكون الذرّات معرضاً عنها ، ويراد بما ذكر التخيير بين التملّك والتصدّق لنفسه أو التصدّق عن أهله ، تأمّل .

وأمّا روايته الاُخرى(1) ففي معلوم المالك ، فلا يمكن العمل بظاهرها .

وكيف كان ليس في الروايات ما يمكن الاستناد إليها لترك الفحص الواجب عقلاً والمؤيّد بما دلّت على وجوب الفحص في عدّة موارد ، فالأقوى وجوبه عقلاً .

وقد يقال : إنّ من بيده المال المجهول مالكه إن علم بعثوره على مالكه بالفحص يجب عليه .

ولو شكّ فيه فإمّا أن يكون التردّد بين من يقدر على إيصال المال إليه ومن لا يقدر ، أو بين من يقدر على الإيصال إلى كلّ منهم . وعلى الأوّل يجب الفحص إذا كان تردّده بعد العلم بكونه محصوراً بين المقدورين ، وبدونه لا يجب الفحص ؛ لأنّ خروج بعض الأطراف المعيّن من العلم الإجمالي عن مورد التكليف يوجب عدم وجوب الاحتياط بالنسبة إلى البعض الآخر ، بل يرجع فيها إلى أصالة البراءة ، ومع سقوط التكليف فلا مقتضى للفحص(2) ، انتهى .

لازم ما ذكره إجراء البراءة في الشكّ في القدرة على الإيصال ابتداء ، ومبناه على ما يظهر من كلامه أنّ القدرة من القيود الشرعية المستكشفة بالعقل .

ص: 440


1- تهذيب الأحكام 6 : 383 / 1131 ؛ وسائل الشيعة 18 : 202 ، كتاب التجارة ، أبواب الصرف ، الباب 16 ، الحديث 2 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 187 .

ويرد عليه - بعد الإشكال في مبناه بما قرّر في محلّه(1) من أنّ القدرة ونحوها من الأعذار العقلية لامتثال التكاليف ، لا قيودها شرعاً أو عقلاً ، وأنّ التكاليف الكلّية القانونية فعليات على موضوعاتها من غير تقييد بالعلم والقدرة والالتفات وغيرها ، فحينئذٍ يجب الاحتياط عقلاً مع الشكّ في القدرة ، ويجب الفحص - أنّ ما ذكر إنّما يتمّ لو قلنا بأنّ الواجب على الغاصب ونحوه الإيصال إلى صاحب المال وجوباً شرعياً ، وأمّا إن قلنا بعدم وجوبه شرعاً ، بل ليس في المال المغصوب ونحوه إلاّ حرمة الاستيلاء على أموال الناس عدواناً وبلا حقّ وحرمة التصرّف فيها ونحوه كالحفظ والحبس ، وإنّما يجب الإيصال تخلّصاً عن المحرّم المعلوم عقلاً ، فلا شبهة في وجوب الفحص عقلاً ولو عند الشكّ في القدرة . ونحوه ما إذا قلنا بتكليفين : وجوب الإيصال وحرمة التصرّف والاستيلاء ونحوهما .

والإنصاف أ نّه لا يمكن مساعدة القائل المدقّق التقيّ في المبنى ولا البناء .

ثمّ إنّه هل يتعيّن عليه الفحص ، أو يتعيّن الردّ إلى الحاكم ، فإنّه وليّ الغائب ،

والردّ إليه بمنزلة الردّ إلى صاحبه ، أو يتخيّر بينهما ، بأن يقال : يجب عليه التخلّص من الحرام وهو يحصل بأحدهما ؟

الظاهر عدم تعيّن الردّ إلى الحاكم ، وعدم التخيير ؛ لأنّ ولاية الحاكم على الغائب ليس على نحو الإطلاق ؛ إذ لا دليل عليه ، وإنّما هي ثابتة فيما إذا لم يمكن الردّ إلى صاحبه الغائب أو المفقود حسبة ، وليس للغاصب ومن بحكمه

ص: 441


1- مناهج الوصول 2 : 20 .

ترك الفحص ، والردّ إلى الحاكم ، بل وليس للحاكم القبول إلاّ في بعض الموارد حفظاً للتضي-يع . ومؤونة الحفظ وغيره على الغاصب .

نعم ، يمكن نفي وجوبها على غير الغاصب ولو كانت يده يد ضمان ؛ لنفي الحرج والضرر بناءً على ثبوت نفي الضرر كنفي الحرج ، كما هو المعروف عند المتأخّرين .

فالأقوى وجوب الفحص وتعيّنه عليه ، إلاّ أن يقال بدلالة حسنة داود بن أبي يزيد أو صحيحته على تعيّن الردّ إلى الحاكم :

روى عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قال رجل : إنّي قد أصبت مالاً ، وإنّي قد خفت فيه على نفسي ، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه . قال : فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «واللّه إن لو أصبته كنت تدفعه إليه ؟» قال : إي واللّه . قال : «فأنا واللّه ، ما له صاحب غيري» . قال : فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره . قال : فحلف . فقال : «فاذهب فاقسمه في إخوانك ، ولك الأمن ممّا خفت منه» . قال : فقسّمته بين إخواني(1) .

بدعوى إطلاقها لكلّ مال مجهول ، غصباً كان أو غيره ، وأنّ المراد بكون المال

له علیه السلام أ نّه وليّ أمره ، لا مالكه الخاصّ كما في الأشباه والنظائر حتّى في سهم الإمام علیه السلام على احتمال غير بعيد ، فيكون الفقيه قائماً مقامه ، فإطلاقها يقتضي وجوب إرجاع كلّ مجهول مالكه إلى الحاكم إلاّ ما خرج كاللقطة .

وفيه : منع إطلاقها ؛ لقوّة احتمال أن يكون المراد به اللقطة ، بل لا يبعد ظهور

ص: 442


1- الكافي 5 : 138 / 7 ؛ وسائل الشيعة 25 : 450 ، كتاب اللقطة ، الباب 7 ، الحديث 1 .

قوله : «أصبت مالاً» في الإصابة والعثور عليه فجأة ومن باب الاتّفاق كاللقطة دون المأخوذ جائزة أو غصباً .

مضافاً إلى احتمال أن يكون السؤال بعد الفحص واليأس ، أو الفحص سنة كما عن الصدوق(1) ، وربّما يشعر به قوله : «ولو أصبت صاحبه . . .» مضافاً إلى أنّ الأمر بالتصدّق مع عدم اليأس عن صاحبه وإمكان العثور عليه بعيد جدّاً ، بل مقطوع الخلاف .

مع أ نّها قضيّة شخصية يشكل فهم الحكم الكلّي منها . فتحصّل من ذلك تعيّن الفحص عليه .

تعيين مقدار الفحص

ثمّ إنّ مقتضى القواعد لزوم الفحص إلى أن حصل اليأس ، سواء حصل قبل تمام السنة أم لا . ولو لم يحصل إلى الزائد عن السنة يجب ، إلاّ أن يقال : مقتضى إطلاق أدلّة اللقطة ثبوت أحكامها ولو أخذها غصباً وعدواناً أو ضماناً .

ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه علیه السلام - في حديث - قال : واللقطة يجدها الرجل ويأخذها ؟ قال : «يعرّفها سنة فإن جاء لها طالب ، وإلاّ فهي كسبيل ماله»(2) . ونحوها غيرها (3) .

ص: 443


1- الفقيه 3 : 189 ، ذيل الحديث 17 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 389 / 1163 ؛ وسائل الشيعة 25 : 441 ، كتاب اللقطة ، الباب 2 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 441 ، كتاب اللقطة ، الباب 2 .

ولا ينبغي الإشكال في إطلاقها للأخذ الإحساني والغصبي وغيرهما .

وتوهّم أنّ الحكم بأ نّه كسبيل ماله بعد تعريف السنة حكم إرفاقي لا يناسب الغاصب ، مدفوع بأنّ الحكم الإرفاقي يناسب أيضاً الغاصب التائب الذي أراد إيصال المال إلى صاحبه بتعريف السنة ، فإذا كان مقتضى الإطلاق إسراء الحكم إلى الغاصب ومن بحكمه لا مانع من إسرائه إلى مطلق المأخوذ غصباً أو ضماناً .

إلاّ أن يقال - مضافاً إلى أنّ الالتزام بالحكم في الملتقط غصباً وعدواناً مشكل ، ولعلّ الفقهاء لا يلتزمون به - إنّه لو فرض جواز الأخذ بالإطلاق لكن لا يصحّ إسراء الحكم من اللقطة إلى غيرها . ودعوى إلغاء الخصوصية باطلة ؛ لعدم مساعدة العرف معه .

كما أنّ إسراء الحكم إلى المقام من النصّ الوارد في إيداع اللصّ غير ممكن :

فعن حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً ، واللصّ مسلم ، هل يردّ عليه ؟ فقال : «لا يردّه ، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل ، وإلاّ كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها . . .»(1) .

فإنّ إسراء الحكم إلى غير الوديعة لا يصحّ وإن لا يبعد الإسراء إلى مطلق الغاصب كما عن الفقهاء(2) .

ثمّ إنّ الظاهر من صدر الرواية أ نّه سأل عن حكم ما في يد اللصّ مع الشكّ

ص: 444


1- تهذيب الأحكام 6 : 396 / 1191 ؛ وسائل الشيعة 25 : 463 ، كتاب اللقطة ، الباب 18 ، الحديث 1 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 187 .

في كونه منه ، سيّما بلحاظ قوله : «واللصّ مسلم» الظاهر أو المشعر بأنّ السؤال

عن اعتبار يد اللصّ المسلم ، وإن كان الجواب ظاهراً في مفروغية كون ما أودعه للغير ، فيمكن أن يجعل الحكم قرينة على أنّ الموضوع المال المسروق .

إلاّ أن يقال بإمكان أن تكون يد اللصّ لدى الشارع الأقدس أمارة على كون ما في يده للغير ، فيجب ترتيب آثار ملكية غيره ، فيؤخذ بظاهر الصدر ويحمل الحكم على مفروغية كونه للغير ؛ لقيام الأمارة عليه وهي يد اللصّ الذي شغله ذلك ؛ لحصول الغلبة التي يمكن أن تكون مبنى حجّية اليد .

لكن الإنصاف أنّ ذلك بعيد عن فهم العرف من الرواية . وكيف كان لا يمكن فهم حكم المقام منها .

مقتضى القواعد في مصرف مجهول المالك

ثمّ بعد الفحص واليأس يقع الكلام في تكليفه على حسب القواعد .

قال السيّد الطباطبائي : «مع قطع النظر عن النصوص الاحتمالات عديدة : وجوب التصدّق ، ووجوب الإمساك والوصيّة به حين الموت ، ووجوب الدفع إلى الحاكم ، والتخي-ير بين اثنين منها أو الثلاثة» . ثمّ قال : «وجه الثالث : أنّ الحاكم وليّ الغائب ، فيجب الدفع إليه ؛ لأ نّه بمنزلة الدفع إليه ، ولا بأس به وإن

كان في تعيّنه نظر ، إلاّ أن يقال : إذا جاز وجب ؛ لأ نّه القدر المتيقّن حينئذٍ ، لكنّه

مشكل ؛ لإمكان تعيّن الأوّلين أيضاً .

نعم ، الوجه الأوّل يمكن دفعه بما ذكره المصنّف من أ نّه مع الشكّ يكون الأصل الفساد . لكن يمكن أن يقال : إنّ الأصل المذكور لا يقتضي حرمة التصدّق

ص: 445

حتّى يتعيّن الآخر ؛ لأنّ المفروض احتمال وجوبه كما يحتمل وجوب غيره ، والعقل حاكم بالتخيير في مثل ذلك ، فيجوز التصدّق بمعنى الدفع إلى الفقير ، وإن كان لا يجوز له أخذه ولا للمتصدّق ترتيب آثار الملك ، والثمر هو جواز الدفع بدون الإعلام ، فيجوز له التصرّف حينئذٍ»(1) ، انتهى .

وفيه : أنّ مقتضى عدم حلّية مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفسه وحرمة إبقاء التسلّط والاستيلاء عليه عدواناً وبلا حقّ ، حرمة التصرّف فيه بالتصدّق وحرمة الإمساك ، فيندفع احتمالهما تعييناً أو تخييراً ، فيبقى احتمال وجوب الردّ إلى الحاكم ، ولا يدفع بما ذكر ، بل مقتضى ولاية الحاكم وكونه بمنزلة صاحبه وجوب الردّ إليه تخلّصاً عن الإمساك المحرّم ، أو توسّلاً إلى الواجب إن قلنا بوجوب الردّ والإيصال شرعاً ؛ لحكومة دليل ولايته على دليل عدم حلّ مال المسلم ودليل وجوب ردّ المغصوب .

فتحصّل منه أنّ غير احتمال الردّ إلى الحاكم مدفوع بالدليل .

مضافاً إلى أ نّه مع فرض جريان أصالة فساد الصدقة وأصالة عدم وقوعه صدقة لا يبقى مجال للردّ إلى الفقير بغير جهة الصدقة ؛ لعدم احتمال جواز إتلاف مال الغير وإعطائه بالفقير بغير وجه الصدقة فضلاً عن احتمال وجوبه . فالمحتمل مدفوع بالأصل ، وغير الصدقة لا يحتمل .

فمقتضى القواعد مع الغضّ عن النصوص الخاصّة وجوب الإرجاع إلى الحاكم .

ص: 446


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 194 .
مقتضى الأخبار في مصرف مجهول المالك

وأمّا الأخبار فمنها المطلقات المتقدّمة(1) . وفي دلالتها على وجوب التصدّق تعييناً أو تخييراً إشكال .

أمّا رواية علي بن أبي حمزة(2) في قضيّة بعض كتّاب بني اُميّة - لعنهم اللّه - فلاحتمال أن يكون أمر أبي عبداللّه علیه السلام إذناً له في التصدّق ، وكان أمر المجهول بيد الإمام علیه السلام ، ولا إطلاق فيها يدفع هذا الاحتمال .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم(3) ورواية أبي أيّوب(4) فلاحتمال أن يكون قوله : «يتصدّق بثمنه» على صيغة المجهول . فعليه لا يكون بصدد بيان

فاعل الصدقة ، وإن كان المظنون كونه على صيغة المعلوم لكن الظنّ غير حجّة .

وتوهّم أنّ السائل سأل عن وظيفته فلا بدّ من كون الجواب عنها مدفوع بأنّ جوابه في الصحيحة قوله : «لا يصلح ثمنه» . وأمّا قوله : «إنّ أفضل خصال . . .» فكلام مستأنف .

نعم ، لا يبعد ذلك في رواية أبي أيّوب ، وإن احتمل مع قراءة «أن يتصدّق» بصيغة المجهول أنّ الصدقة أحبّ ، ففهم الراوي عدم جواز أكل ثمنه ، تأمّل .

ص: 447


1- تقدّمت في الصفحة 437 - 439 .
2- تقدّمت في الصفحة 437 .
3- تقدّمت في الصفحة 438 .
4- الكافي 5 : 231 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 2 .

مضافاً إلى ما تقدّم من عدم إطلاق فيها (1) ، نظير قوله : «أحبّ الأشياء عندي صلاة الليل» ، حيث لا إطلاق فيه يدفع الشكّ في شرط أو مانع .

وأمّا رواية أبي علي بن راشد(2) فموردها غير المورد ؛ لما تقدّم(3) أنّ ظاهرها عدم معرفة ربّ للموقوفة رأساً ، وهو غير مجهول المالك المعلوم ملكيته لشخص ، كما أنّ رواية [ علي بن ] ميمون الصائغ(4) أيضاً غير موردنا .

وأمّا موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا إبراهيم علیه السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة ، فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة ، كيف يصنع ؟ قال : «يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» . قلت : فإن لم يعرفوها ؟ قال : «يتصدّق بها»(5) .

فلا يبعد دلالتها على المقصود بأن يقال : إنّ موردها يد ضمان بل عدوان وغصب ، فإنّ إخراج المال من مكّة إلى الكوفة بغير حقّ ولا فحص عن صاحبه يوجب الضمان ويكون عدواناً ، ومقتضى إطلاق الذيل وجوب الصدقة عليه عند اليأس عن صاحبه .

وتوهّم أنّ الأمر بالصدقة بعد التعريف عند صاحب البيت دليل على وجوب

ص: 448


1- تقدّم في الصفحة 439 .
2- تقدّمت في الصفحة 439 .
3- تقدّم في الصفحة 439 .
4- تقدّمت في الصفحة 439 .
5- تهذيب الأحكام 6 : 391 / 1171 ؛ وسائل الشيعة 25 : 448 ، كتاب اللقطة ، الباب 5 ، الحديث 3 .

الصدقة قبل الفحص ، مدفوع بأنّ الفحص إنّما يجب توصّلاً ومقدّمة ، لا تعبّداً ونفساً ، ولا شبهة في أنّ وجدان دراهم مدفونة في بيوت مكّة التي هي محلّ ورود الحجّاج من البلاد المتفرّقة النائية في سنين كثيرة يوجب اليأس عن معرفة صاحبها كما هو واضح ، فالأمر بالتصدّق في مورد اليد الغاصبة والضامنة مع إلغاء الخصوصية عن المورد موجب لفهم عموم الحكم إلى كلّ يد غصب وضمان ، ولا يحتمل عرفاً خصوصية الدفن ولا بيوت مكّة ولا الدراهم .

إلاّ أن يقال : إنّ في مورد الرواية خصوصية لا يمكن إلغاؤها ، وهي احتمال كون الدراهم المدفونة لا ربّ لها ؛ لاحتمال أ نّها من السنين القديمة التي انقرض أربابها ، فلايكون من مجهول المالك المعلوم أنّ له مالكاً . ولو فرض وجود مورد في المقام كذلك يمكن التفصيل بينه وبين غيره لهذه الرواية وللرواية الواردة في الوقف كما تقدّمت(1) .

والتمسّك باستصحاب بقاء مالكها ، أو أنّ لها ربّاً لإلحاق غيرها بها محلّ إشكال من وجوه . مع أنّ احتمال خصوصية الدفن حاصل ولا يصحّ إلغاؤها ، كما نرى اختلاف الأحكام مع اختلاف خصوصية في الموضوع نظير المقام ، كالدار يوجد فيها الورق ، والدابّة يوجد في جوفها الشيء ، والسمكة يوجد في جوفها المال(2) .

وأمّا صحيحة يونس بن عبد الرحمان ، قال سئل أبو الحسن الرضا علیه السلام وأنا

حاضر ، إلى أن قال : فقال : رفيق كان لنا بمكّة فرحل منها إلى منزله ورحلنا إلى

ص: 449


1- تقدّمت في الصفحة 439 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 447 ، كتاب اللقطة ، الباب 5 و9 و10 .

منازلنا ، فلمّا أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا ، فأيّ شيء نصنع به ؟ قال : «تحملونه حتّى تحملوه إلى الكوفة» . قال : لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع ؟ قال : «إذا كان كذا فبعه وتصدّق بثمنه» . قال له : على مَن جعلت فداك ؟ قال : «على أهل الولاية»(1) .

فغير مربوطة بالمقام ؛ لأنّ وجود المتاع من الرفقة عند بعضهم كان برضا صاحبه وإذنه ، ثمّ نسي فبقي عنده ، فلا تكون يده غاصبة أو ضامنة . مضافاً إلى احتمال أن يكون أمره بالتصدّق إذناً منه علیه السلام . فاستفادة حكم المورد منها في غير محلّها .

ومنه يظهر الكلام في موثّقة هشام بن سالم الراجعة إلى أجير يقوم في الرحى ، ففيها الأمر بالدفع إلى المساكين(2) . ونحوها احتمالاً صحيحة منه أيضاً (3) . ويعلم الحال أيضاً في رواية نصر صاحب الخان(4) ، ورواية حفص بن غياث(5) .

ص: 450


1- تهذيب الأحكام 6 : 395 / 1189 ؛ وسائل الشيعة 25 : 450 ، كتاب اللقطة ، الباب 7 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 177 / 781 ؛ وسائل الشيعة 18 : 362 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ، الباب 22 ، الحديث 3 .
3- الكافي 7 : 153 / 1 ؛ وسائل الشيعة 26 : 296 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخنثى ، الباب 6 ، الحديث 1 .
4- الكافي7 : 153 / 3 ؛ وسائل الشيعة 26 : 297 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخنثى ، الباب 6 ، الحديث 3 .
5- تقدّمت في الصفحة 444 .

وبالجملة : يشكل استفادة حكم المورد من الروايات الآمرة بالتصدّق .

وأمّا مرسلة الحلّي في «السرائر»(1) فغير حجّة . ودعوى جبرها بالشهرة المحقّقة(2) غير ظاهرة ؛ لعدم معلومية استناد المشهور على فرض ثبوت الشهرة بها . ونفس الشهرة على فرضها غير حجّة في المقام ؛ لقرب استنادهم بالأخبار الكثيرة المتقدّمة وغيرها وتخلّل الاجتهاد فيها .

ثمّ إنّ جملة من الروايات الدالّة على لزوم حفظه والوصيّة به كصحيحة هشام ابن سالم ، وذيل موثّقته ، وصحيحة معاوية بن وهب(3) ، ورواية الهيثم(4) فموردها عدم اليأس عن معرفة صاحبه ؛ ضرورة أنّ الأمر بالطلب لا يحسن إلاّ في مورد الاحتمال العقلائي بالمعرفة ؛ إذ الطلب بدونه لغو ، فالأمر فيها محمول على مورد الرجاء وعدم اليأس ، مع أنّ في نفسها شواهد على ذلك . ولو فرض الإطلاق في بعضها يجب تقييده بمثل صحيحة يونس بن عبدالرحمان المتقدّمة . فالقول بالتخيير بين التصدّق والحفظ(5) في غير محلّه ، بعد كون الحكمين في موردين ورتبتين ؛ إذ مع الرجاء يجب الفحص ولا يجوز التصدّق ، ومع اليأس مورد التصدّق لو قلنا به .

ص: 451


1- السرائر 2 : 204 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 188 .
3- الكافي7 : 153 / 3 ؛ وسائل الشيعة 26 : 297 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخنثى ، الباب 6 ، الحديث 2 .
4- الكافي7 : 154 / 4 ؛ وسائل الشيعة 26 : 298 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخنثى ، الباب 6 ، الحديث 4 .
5- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 196 .

فتحصّل من جميع ذلك أنّ مقتضى الأدلّة والقواعد وجوب الفحص، ومع اليأس الرجوع إلى الحاكم ، ولكن مؤونة الحفظ وغيره على الآخذ كمؤونة الفحص .

هذا كلّه لو لم نقل بإطلاق حسنة داود بن أبي يزيد أو صحيحته(1) وقلنا باختصاصها باللقطة ، وإلاّ فالأمر أوضح ؛ لحكومتها على الأدلّة الآمرة بالتصدّق ، فيكشف منها أنّ الأمر به من قبيل الإذن .

نعم ، لو قيل بدلالة الروايات على الإذن الكلّي لا يبقى مجال للبحث ولا ثمرة له ؛ لعدم لزوم الرجوع إلى النوّاب بعد إذنهم العامّ .

إلاّ أن يقال : إذن كلّ إمام معتبر حال حياته كإذن النوّاب ، لكنّه غير وجيه ، بل لعلّه خلاف اُصول المذهب . فالأحوط بل الأقوى وجوب الرجوع إلى الحاكم ؛ للإشكال في رواية ابن أبي يزيد كما تقدّم(2) وعدم إطلاق في الباب ، ولا اعتماد على الشهرة المحكيّة بما مرّ .

لكن مع ذلك لا يبعد عدم لزوم الإرجاع إلى الحاكم ؛ لكثرة موارد الأمر بالتصدّق في مجهول المالك مع السكوت عن الإرجاع إلى الحاكم ، وقوّة احتمال الإطلاق في بعض الروايات ، كصحيحة ابن مسلم(3) وأوضح منها رواية أبي أيّوب(4) ، مؤيّدة بالشهرة المنقولة(5) ، لكن الأحوط التصدّق بإذن الحاكم وتوكيله .

ص: 452


1- تقدّمت في الصفحة 442 .
2- تقدّم في الصفحة 442 - 443 .
3- تقدّمت في الصفحة 438 .
4- تقدّمت تخريجها في الصفحة 447، الهامش 4 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 188 .

ولا ينبغي الريب في أنّ مصرف المال التصدّق بعد اليأس ، كما هو مفاد الأدلّة ومقتضى قاعدة لزوم إيصال المال إلى صاحبه حتّى الإمكان ، فإنّ الحفظ مع اليأس يعدّ لغواً ، وتؤيّده الروايات الواردة في مجهول المالك وإن اختلفت مواردها .

في ضمان المتصدّق إذا لم يرض به صاحبه

ثمّ لو قلنا بتعيّن التصدّق عليه فتصدّق فجاء صاحبه ولم يرض به فهل يضمن مطلقاً أو لا كذلك ، أو يفصّل بين يد الضمان وغيره ؟

اختار الشيخ الأعظم الضمان(1) بعد الإشكال في أدلّة الضمان وفي إطلاق ما دلّت على وجوب التصدّق ، بدعوى تحكيم استصحاب الضمان فيما تقتضي اليد الضمان على البراءة في اليد غير المقتضية له بعد عدم القول بالفصل .

وردّ ذلك بأنّ التحقيق جريان استصحاب عدم الشغل بالبدل حتّى في مورد يد الضمان ؛ لأنّ معنى ضمان اليد أ نّه إذا تلف يضمن ، فما لم يتلف لا ضمان فيستصحب .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ مقتضى ظاهر دليل ضمان اليد أنّ الاشتغال بالعين تنجيزي لا تعليقي ويأتي في محلّه تحقيقه(2) - أ نّه لو بنينا على التعليق يجري الاستصحاب التعليقي ، فإنّ الإتلاف ولو بالتصدّق قبل الفحص موجب للضمان

ص: 453


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 194 - 195 .
2- راجع البيع ، الإمام الخميني قدس سره 1 : 377 - 378 .

ويكون التعليق شرعياً فرضاً ، والاستصحاب التعليقي حاكم على الاستصحاب التنجيزي كما قرّر في محلّه(1) ، فلا إشكال من هذه الجهة ، وإنّما الإشكال من جهة تحكيمه الاستصحاب على البراءة في المقام ؛ لأنّ الإجماع على عدم الفصل غايته إثبات التلازم بين الحكمين الواقعيين ، وإثبات أحد المتلازمين باستصحاب الآخر مثبت ولو كان التلازم شرعياً ، فإنّ تحقّق الملازم بتحقّق ملازمه عقلي .

هذا إن ادّعى عدم الفصل بين الحكمين الواقعيين كما هو ظاهره من دعوى التحكيم ، وإن ادّعى التلازم بين الحكمين الظاهريين فلا وجه للتحكيم بل الوجه التعارض .

هذا ، مضافاً إلى جريان استصحاب عدم الضمان في الطرف الآخر أيضاً ، فمع عدم القول بالفصل وإجدائه يتعارض الأصلان . فالأقوى بحسب الأصل التفصيل .

كما أنّ الأقوى بحسب قاعدة اليد والإتلاف الضمان مطلقاً ، ودعوى انصراف دليله إلى ما كان الإتلاف عليه لا له(2) في غير محلّها . كدعوى ظهور الإتلاف في العلّية التامّة(3) وهي في المقام مفقودة ؛ لأنّ الضمان موقوف على عدم إجازة المالك بما ذكره الشيخ من ضمانه أوّلاً ورفعه بالرضا بالصدقة ، وإن أمر بالتأمّل لكنّه أوجه ؛ لأنّ التصدّق بعد فرض عدم جواز الرجوع إلى الفقير - وقد ادّعى

ص: 454


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 161 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 195 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 194 .

الشيخ الأعظم عدم القول بجوازه - إتلاف لماله عرفاً ومقتضٍ للضمان ، فلا وجه

لكونه مراعىً بأمر متأخّر غير دخيل في الإتلاف .

وربّما يقال : لا دليل على ضمان الإتلاف يؤخذ بإطلاقه ، وما اشتهر أنّ «من أتلف مال الغير فهو ضامن» مستنقذ من الموارد الجزئية(1) .

وفيه : أنّ دليله موثّقة أبي بصير في باب حرمة سباب المؤمن عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه رحمهما اللّه : سباب المؤمن فسوق» إلى قوله : «وحرمة ماله كحرمة دمه»(2) . فإنّه في قوّة قوله : «من أتلف مال الغير فهو

ضامن» ؛ لأنّ معنى حرمة ماله أ نّه لا يذهب هدراً بل هو محترم لابدّ من جبره ، كدمه فإنّه لا يطلّ دم رجل مسلم ؛ أي لا يهدر .

وبالجملة : التصدّق بمال الغير موجب للضمان ولو كان يده يد أمانة وإحسان . وتوهّم أنّ التصدّق إحسان(3) في غير محلّه .

هذا مع الغضّ عن أخبار وجوب التصدّق ، وأمّا بالنظر إليها فالظاهر استفادة عدم الضمان منها ؛ للملازمة العرفية بين إلزامه على التصدّق والإتلاف وعدم الضمان . وأمّا في باب اللقطة فلم يكن التصدّق متعيّناً عليه ، بل هو مختار بين الأخذ لنفسه ، والحفظ لصاحبه ، والتصدّق بالضمان .

ص: 455


1- مصباح الفقاهة 1 : 721 .
2- الكافي 2 : 360 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 297 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 158 ، الحديث 3 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 195 .

مضافاً إلى دلالة رواية داود بن أبي يزيد(1) عليه ، بناءً على أنّ المراد بالإصابة أعمّ من اللقطة . وكذا رواية علي بن أبي حمزة(2) .

هذا حال الصورة الثالثة .

وأمّا الصورة الرابعة فقد أحال الشيخ الأعظم تحقيقها على كتاب الخمس(3) ، ونحن نقفوا أثره .

ص: 456


1- تقدّمت في الصفحة 442 .
2- تقدّمت في الصفحة 437 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 198 ؛ الخمس ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 11 : 243 .

المسألة الثانية حكم الخراج والمقاسمة إذا أخذهما السلطان الجائر

اشارة

مقتضى القواعد أنّ ما أخذه السلطان الجائر المستحلّ لأخذ الخراج والمقاسمة باسمهما ، ومن الغلاّت وغيرها بعنوان الزكاة ، عدم وقوعها خراجاً وزكاة ، وبقاؤها على ملك صاحبها ، وعدم نفوذ تصرّفاته من البيع ونحوه ، وبقاء الخراج والزكاة على ذمّة المالك أو في أمواله . هذا ممّا لا إشكال فيه .

كما لا إشكال عقلاً في جواز إنفاذ ما أخذه كذلك أخذاً وإعطاءً ، وإنفاذ معاملاته على المأخوذ ، وعدم قبح شيء من ذلك عقلاً بل هو مستحسن ؛ لرفع الحرج والضرر عن صاحب الزكاة والخراج وعن سائر المسلمين ، بل قد يلزم عقلاً إذا توقّف نظام الممالك الإسلامية عليه ، فلا بدّ في ذلك من اتّباع الأدلّة ولا يجوز طرح ظاهر دليل معتمد بتوهّم مخالفته للعقل .

ولا يخفى : أ نّه لا ملازمة بين إنفاذ المأخوذ زكاة وخراجاً ووقوعهما كذلك وإنفاذ المعاملة عليها وضعاً ، وبين حلّية الأخذ وحلّية التصرّفات في المأخوذ على الجائر ؛ لإمكان صحّة شيء وضعاً وحرمته تكليفاً ، فلا مانع

ص: 457

من حرمة البيع وقت النداء وصحّته .

فلو دلّ دليل على نفوذ أعمال السلاطين في أخذ المذكورات والمعاملة عليها لا يكشف منه حلّية تصرّفاتهم وأخذهم وإعطائهم تكليفاً ؛ لأنّ كلّ ذلك تصرّف في سلطان الوالي العادل ، فله المنع عن تصرّفاتهم والإنفاذ على فرض وقوعها .

وقد استفيض نقل الإجماع وعدم الخلاف والشهرة(1) على جواز الشراء من السلطان الجائر ، وتدلّ على جوازه بل جواز مطلق المعاملة جملة من الروايات :

الاستدلال بالروايات على جواز الشراء من الجائر

منها : صحيحة الحذّاء عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو يعلم أ نّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم ؟ قال : فقال : «ما الإبل إلاّ مثل الحنطة والشعير وغير ذلك ، لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه» . قيل له : فما ترى في مصدّق يجيئنا فيأخذ منّا صدقات أغنامنا ، فنقول : بعناها ، فيبيعناها ، فما تقول في شرائها منه ؟

فقال : «إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس» . قيل له : فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا ويأخذ حظّه فيعزله بكيل ، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه ؟ فقال : «إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل»(2) .

ص: 458


1- اُنظر جواهر الكلام 22 : 180 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 201 .
2- الكافي 5 : 228 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 219 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 5 .

وهي بفقراتها الثلاث تدلّ على المطلوب ؛ أي نفوذ أخذ الجائر ؛ بمعنى وقوع ما أخذه صدقة ، وجواز الشراء منه ونفوذه بل جواز سائر المعاملات عليه .

أمّا الفقرة الاُولى فدلالتها ظاهرة ، سيّما مع تسمية ما زاد عن الحقّ الواجب حراماً ومفروضية كون المأخوذ حقّاً واجباً عليهم .

والمناقشة فيها (1) تارة : بأنّ السائل في مقام السؤال عن حكم آخر ، وليس بصدد السؤال عن السلطان الجائر ، فلا إطلاق فيها من هذه الجهة ، وقوله : «يأخذون منهم أكثر . . .» لا يدلّ على كون السلطان جائراً ؛ لأنّ عمّال السلطان العادل يمكن أن يصدر منهم الظلم أحياناً بلا اطّلاع من السلطان عليه ، وضمير الجمع لا يرجع إلى السلطان بل إلى عمّاله الذين يأخذون الصدقات ، ومعلوم أنّ السلطان لا يأخذ بنفسه ، بل لعلّ مفروضية كون الأخذ حقّاً قرينة على أنّ السؤال عن السلطان العدل .

واُخرى : بأنّ الالتزام بمضمونها غير ممكن ؛ لأ نّه مخالف للقواعد ؛ لتجويزه الشراء في غير مورد واحد ، وهو العلم التفصيلي بالحرام ، ومقتضاه جوازه مع العلم الإجمالي حتّى اشتراء جميع أطرافه دفعة ؛ لصدق عدم معرفته بالحرام بعينه ومفصّلاً ، وهذا موهن لها فيشكل العمل بها .

مدفوعة : بأنّ الظاهر الذي كالنصّ أنّ السؤال عن السلطان الجائر الذي كانت صدقاتهم محلّ الابتلاء . والسؤال عن كلّي لم يكن محلّ الابتلاء رأساً ولا متوقّعاً لذلك مقطوع الخلاف . ويشهد له أيضاً قوله : «الرجل منّا يشتري من السلطان» ؛

ص: 459


1- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 101 ؛ رياض المسائل 8 : 96 .

إذ من المعلوم أنّ المراد به هو الشيعة الإمامية ، قبال السلطان الذي ليس منّا . فالحمل على عمّال سلطان العدل وفرض ظلمهم لا ينبغي احتماله ، فلا إشكال من هذه الجهة . كما أ نّه من المحتمل في قوله : «حتّى تعرف الحرام بعينه» أن يكون قوله : «بعينه» تأكيداً للحرام لا قيداً للمعرفة ، ومعه لا تكون الرواية مخالفة للقواعد .

مضافاً إلى أنّ إطلاقها مخالفة لها ، فيتقيّد عقلاً ، فلا يصحّ طرحها . وليس في السؤال ما يدلّ على أنّ المعلوم بالإجمال في مورد الشراء ، بل الظاهر أنّ مراده أنّ السلطان إذا كان في أمواله مظلمة يجوز الشراء منه أم لا .

والإنصاف : أنّ الخدشة فيها في غير محلّها ، وقد تقدّم(1) أنّ الحكم ليس مخالفاً للعقل ، بل موافق للاعتبار والعقل لتنظيم أمر المسلمين والإسلام مع عدم بسط يد السلطان العادل وتسهيل الأمر على الاُمّة ، فلا معنى لردّها بعد الإقرار بظهورها وصحّتها واعتماد الأصحاب عليها والعمل بها .

وأمّا احتمال رجوع ضمير «لا بأس به» إلى الإبل المذكور أخيراً ويراد به : لا بأس بشراء الإبل إلاّ ما علم أ نّه حرام ، وقد علم أنّ إبل الصدقات حرام حسب القواعد وإنّما أجمل في الكلام تقيّة(2) ، فلا ينبغي الإصغاء إليه ؛ إذ هو في غاية السقوط ، كما لا يخفى .

كما أنّ الظاهر من الفقرتين الأخيرتين أنّ السائل أراد السؤال عن مسألتين مربوطتين بعمّال الصدقات ومقسّمها وشراء ما أخذوا بعد ما سأل الحذّاء مسألته .

ص: 460


1- تقدّم في الصفحة 457 .
2- اُنظر مستند الشيعة 14 : 206 .

والحمل على غيرها (1) خلاف ظاهر الكلام وسياقه وفهم العقلاء منه . واحتمال

كون الفقرتين مستقلّتين في مجلس غير مجلس سؤال الحذّاء ضعيف ، مع أنّ ظاهر المصدّق والقاسم هو عمّال السلطان . فلا إشكال فيها ، لا سنداً ، ولا دلالة ، ولا عملاً .

والظاهر أنّ تعليق نفي البأس في الفقرة الثانية بالأخذ والعزل لأجل أنّ قبلهما لا يتعيّن زكاة وصدقة ، ولا ولاية للجائر مطلقاً حتّى تصحّ معاملته للملك المشاع بناءً على إشاعة الزكاة كما هي الأرجح ، وإنّما نفذت تصرّفاته بعد الأخذ والعزل حفظاً للمصالح وتسهيلاً على العباد .

ثمّ إنّه لا دلالة في الرواية على سقوط الضمان من الجائر ؛ لأنّ مجرّد وقوع ما أخذه صدقة وصحّة الشراء من إبل الصدقات وغيره لا يلازم سقوط الضمان عنه ؛ لأنّ الزكاة بعد حصولها لابدّ في صرفها من تصرّف وليّ أمرها أو إذنه ، والظالم ليس بوليّ ، فلا بدّ من رفع ضمانه من دلالة دليل على صحّة صرفه في مصارفها الشرعية ، والصحيحة لا دلالة عليها ، وإن كان المظنون قويّاً وقوعها مصرفاً إذا صرفها في المصارف الشرعية ، والتفكيك بين الوقوع في الأخذ وبين الوقوع في الإعطاء في غاية البعد ، لكن مجرّد الاستبعاد ليس بحجّة .

نعم ، تدلّ على ذلك ، بل وعلى جميع المطالب المتقدّمة ، حسنة أبي بكر أو صحيحته ، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام وعنده إسماعيل ابنه ، فقال : «ما

يمنع ابن أبي السمّاك أن يخرج شباب الشيعة ، فيكفونه ما يكفيه الناس ،

ص: 461


1- السراج الوهّاج : 108 .

ويعطيهم ما يعطي الناس ؟» ثمّ قال لي : «لم تركت عطاءك ؟» قلت : مخافة على ديني . قال : «ما منع ابن أبي السمّاك أن يبعث إليك بعطائك ؟ أما علم أنّ لك في بيت المال نصيباً»(1) .

فإنّ الظاهر من صدرها وذيلها أنّ ما أعطى من بيت المال شباب الشيعة وكذا لو أعطى نصيبه ابن أبي السمّاك من بيت المال يقع على ما هو عليه ومصرفاً شرعياً ، كما أنّ التعبير ببيت المال وأنّ لأبي بكر فيه نصيباً دليل على أنّ المأخوذ

من الناس وقع خراجاً وزكاة .

فتدلّ الرواية مضافاً إلى ما دلّت عليه السابقة على خروج الغاصب من الضمان لو عمل في الصدقات على طبق الشرع .

والخدشة فيها بأنّ الدخول في أعمالهم محرّم وقد سوّغه فيها (2) في غير محلّها ؛ لإمكان أن يكون لدخول شباب الشيعة مصلحة مجوّزة لذلك .

كما أنّ احتمال كون نصيبه من بيت المال من وجوه اُخر غير ما هو المعهود من بيت المال(3) لا يصغى إليه . فالرواية ظاهرة الدلالة ، نقيّة السند ، معمول بها .

وتدلّ على المطلوب ؛ من وقوع المذكورات على ما هي عليها وسقوطها عن المأخوذ منه وصحّة شرائها ، جملة من الروايات التي وقع السؤال فيها عن الاشتراء عن العامل :

ص: 462


1- تهذيب الأحكام 6 : 336 / 933 ؛ وسائل الشيعة 17 : 214 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 51 ، الحديث 6 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي1 : 227 .
3- السراج الوهّاج : 105 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 104 .

كصحيحة معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أشتري من العامل الشيء وأنا أعلم أ نّه يظلم ؟ فقال : «اشتر منه»(1) .

ونحوها رواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه (2).

وكموثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم ؟ قال : «يشتري منه ما لم يعلم أ نّه ظلم فيه أحداً»(3) .

فإنّ اختصاص العامل بالذكر كراراً في الروايات يدلّ على أنّ السؤال ليس عن مطلق الظالم أو عن مطلق من بيده مال الغير ، بل يكون عن الصدقات التي في يد العامل .

فتكون تلك الروايات نظير رواية أبي عبيدة(4) ، فهي تدلّ على المقصود في الجملة ؛ إذ لا إطلاق لها فتكون في مقام بيان حكم آخر .

وتدلّ عليه أيضاً موثّقة سماعة ، قال : سألته عن شراء الخيانة والسرقة ؟ فقال : «إذا عرفت أ نّه كذلك فلا ، إلاّ أن يكون شيئاً اشتريته من العامل»(5) .

ص: 463


1- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 938 ؛ وسائل الشيعة 17 : 219 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 132 / 582 ؛ وسائل الشيعة 17 : 221 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 53 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 375 / 1093 ؛ وسائل الشيعة 17 : 221 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 53 ، الحديث 2 .
4- تقدّمت في الصفحة 458 .
5- تهذيب الأحكام 6 : 337 / 934 ؛ وسائل الشيعة 17 : 336 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 6 .

ونحوها رواية [أحمد بن] محمّد بن عيسى(1) مرسلة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، بل وصحيحته عن أبي بصير عن أحدهما علیهما السلام وفي ذيلها : «فأمّا السرقة بعينها فلا ، إلاّ أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك»(2) .

ضرورة أنّ المراد من السرقة والخيانة التي أجاز اشتراءها ونفي البأس عنه ليست إلاّ ما أخذها السلطان وعمّاله عن الناس باسم الخراج والزكاة بغير حقّ خيانة وسرقة أو كان بحكمها ؛ ضرورة عدم خصوصية للسلطان الجائر وعمّاله في ذلك ؛ أي في السرقة من أموال الناس .

والشاهد عليه مع وضوحه الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم جواز شراء ما يعلم أ نّه ظلم فيه أحداً ، وما عرف أ نّه حرام بعينه .

وكيف كان : لا ينبغي الإشكال في دلالتها على نفوذ المعاملات وسقوط الزكاة ونحوها عن ذمّة صاحبها .

نعم ، لا دلالة لها على سقوط الضمان على الوالي الجائر .

الاستدلال بالأخبار الواردة في تقبّل الخراج

وتدلّ عليه أيضاً ما دلّت على جواز تقبّل خراج الأراضي الخراجية وجزية الرؤوس ، بل ما دلّت على جواز تقبّل الأرض من السلطان :

ص: 464


1- النوادر ، أحمد بن محمّد بن عيسى : 162 ؛ وسائل الشيعة 17 : 220 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 52 ، الحديث 6 .
2- الكافي 5 : 228 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 335 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 1 ، الحديث 4 .

فمن الاُولى موثّقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي بطريق الصدوق عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل يتقبّل خراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر والآجام والمصائد والسمك والطير ، وهو لا يدري لعلّ هذا لا يكون أبداً أو يكون أيشتريه ؟ وفي أيّ زمان يشتريه ويتقبّل منه ؟ فقال : «إذا علمت أنّ من ذلك شيئاً واحداً قد أدرك فاشتره وتقبّل به»(1) .

ورواها الكليني باختلاف يسير(2) ، وفي روايته إرسال .

ومن الثانية رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى ، ثمّ آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، وله في الأرض بعد ذلك فضل أيصلح له ذلك ؟ قال : «نعم ، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك» . قال : وسألته عن الرجل استأجر أرضاً من أرض الخراج بدراهم مسمّاة ، إلى أن قال : «إذا استأجرت أرضاً فأنفقت فيها شيئاً أو رمّمت فيها فلا بأس بما ذكرت»(3) .

ورواية الفيض بن المختار ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ما تقول في الأرض أتقبّلها من السلطان ثمّ اُؤاجرها من آخرين على أنّ ما أخرج اللّه

ص: 465


1- الفقيه 3 : 141 / 621 ؛ وسائل الشيعة 17 : 355 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ، الباب 12 ، الحديث 4 .
2- الكافي 5 : 195 / 12 .
3- الكافي 5 : 272 / 2 ؛ وسائل الشيعة 19 : 127 ، كتاب الإجارة ، الباب 21 ، الحديث 3 .

منها من شيء كان لي من ذلك النصف أو الثلث أو أقلّ من ذلك أو أكثر ؟ قال : «لا بأس»(1) .

ويدلّ عليهما جميعاً صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : «لا بأس أن يتقبّل الأرض وأهلَها من السلطان»(2)؛ إذ الظاهر أنّ المراد بأهلها جزية رؤوسهم.

أمّا دلالة الاُولى والثالثة فظاهرة . وأمّا الثانية فلدلالتها على نفوذ عمل السلطان في استئجار الأراضي الخراجية ، فتدلّ على أنّ ما أخذه اُجرة وقعت كذلك ؛ لصحّة الإجارة ، فتدلّ على نفوذ عمله وصحّة إجارة الأراضي التي أمرها أصالة بيد الحاكم العدل .

وقد يورد على دلالتها بأ نّها بعد ما كانت في مقام بيان حكم آخر بعد الفراغ

عن أنّ السلطان آخذ لا محالة عن مستعملي الأرض الضريبة ، فلا دلالة على جواز أصل التقبّل ، بل جوازه مفروغ عنه . ولعلّ جوازه لأجل أنّ السلطان يأخذ ما يأخذه البتّة ، وبعد ذلك كلّ مستعملي الأراضي يرضون لا محالة أن يتقدّم واحد ويضمن للسلطان ما هوآخذ منهم ، ثمّ يدفعون ما هو عليهم لهذا المتقبّل ، فإنّ ذلك أمان لهم من جور الجائرين واعتداء المأمورين ، فهم يدفعون بطيب النفس لهذا ليدفع عنهم الظلامات(3) ، انتهى .

ص: 466


1- اختيار معرفة الرجال : 354 / 663 ؛ وسائل الشيعة 19 : 128 ، كتاب الإجارة ، الباب 21 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 201 / 888 ؛ وسائل الشيعة 19 : 59 ، كتاب المزارعة والمساقاة ، الباب 18 ، الحديث 3 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 354 .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ صحيحة الحلبي في مقام بيان جواز التقبّل من السلطان، كما لا يخفى - أنّ ما ذكره من طيب نفس مستعملي الأرض بما ذكره غريب ؛ ضرورة أنّ الفرار من الأفسد إلى الفاسد ومن الظلم الكثير إلى الظلم القليل بالنسبة لا يوجب طيب النفس بالفاسد وبالظلم ، ومعلوم أ نّهم لا يرضون بأداء الخراج وجزية الرؤوس ، وإنّما يطيب نفسهم بوقوع هذا الظلم بيد من لا يجوز فوق ذلك ، وهذا غير طيب النفس على أصل الأداء ، مع أنّ طيب نفسهم لا يفيد بعد كون الأمر بيد وليّ الأمر العادل .

ومن هنا يظهر فساد ما لو يقال : إنّ من المحتمل أن يكون مستعملي الأرض ممّن يعتقد بلزوم أداء الخراج إلى الوالي الجائر بتوهّم أ نّه على الحقّ ، فكان أداؤهم بطيب نفسهم ؛ لما عرفت من أنّ طيب نفسهم لا تأثير له . مضافاً إلى أنّ هذا الطيب المبنيّ على أمر فاسد لا يفيد ، فهو نظير طيب النفس في المعاملة الفاسدة مع أنّ المقبوض بها كالمقبوض غصباً .

وكيف كان : لا ينبغي الإشكال في دلالة الروايات على المقصود ، فلا ينبغي إطالة الكلام فيه .

وينبغي التنبيه على بعض الاُمور :

ص: 467

الأمر الأوّل حكم الشراء من السلطان قبل الأخذ

مقتضى القواعد اختصاص الحكم بما يأخذه السلطان ، فإنّه المتيقّن من نفوذ أمره ، ويحتاج في النفوذ على الذمم أو على المال المشاع قبل الأخذ إلى دليل ، وقد دلّ الدليل على نفوذه بالنسبة إلى تقبّل الخراج وجزية الرؤوس . بل لو فرض وجود دليل على جواز المعاملة مع ما أخذ من الخراج وجزية الرؤوس يستفاد منه جوازها بالنسبة إلى الذمم أيضاً ؛ لأنّ جعل الخراج والجزية بيد الوالي ، فإذا دلّ دليل على جواز المعاملة على المأخوذ يكون دالاًّ على صحّة جعله ونفوذه على الذمم ، ولازمه العرفي جواز الحوالة على ما جعله ونفوذها .

وأمّا الزكاة والخمس ممّا كان المجعول بجعل إلهي غير مربوط بالوالي فلا دليل على نفوذ أمره قبل أخذه ، بل ظاهر الفقرة الثانية من صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة(1) عدم نفوذه إلاّ بعد الأخذ والعزل ، كما أشرنا إليه سابقاً (2) .

واحتمال أن يكون ذلك لأجل كون الزكاة حقّاً لا ملكاً فلا ملكية إلاّ بعد الأخذ

والعزل(3) ضعيف ؛ لما قرّر في محلّه من كونها ملكاً بنحو الإشاعة والاشتراك(4) .

ص: 468


1- تقدّم في الصفحة 458.
2- تقدّم في الصفحة 461 .
3- مستند الشيعة 9 : 221 .
4- راجع العروة الوثقى 4: 84، الهامش 3.

كما أنّ احتمال كون زكاة الأغنام قبل العزل مجهولة فاسد بعد البناء على الإشاعة .

نعم ، لو كانت من قبيل الكلّي في المعيّن يمكن أن تكون النكتة ما ذكر ، لكنّه مع ضعفه يمكن توصيفه بما يخرجه عن الجهالة .

وكيف كان عدم الجواز لا يحتاج إلى دليل خاصّ ، بل يكفي عدم الدليل على النفوذ .

ودعوى إلغاء الخصوصية عن الخراج والجزية ، وإسراء الحكم إلى الزكاة والخمس في غير محلّها ؛ لاحتمال الفرق بين المجعول الإلهي وبين ما جعله الوالي .

كما أنّ التشبّث بعدم الفرق بين ما جعله اللّه تعالى وما جعله رسول اللّه رحمهما اللّه أو أمير المؤمنين علیه السلام ، ومقتضى ترك الاستفصال في الأدلّة جواز التقبّل حتّى فيما بقي الجعل من زمان رسول اللّه رحمهما اللّه وأمير المؤمنين علیه السلام ، فإذا نفذ فيما جعلا نفذ فيما جعله اللّه تعالى .

غير وجيه ؛ باحتمال الفرق وعدم الدليل على التسوية وكفى الاحتمال في عدم جواز الإسراء . مضافاً إلى عدم العلم ببقاء ما جعله رسول اللّه رحمهما اللّه

وأمير المؤمنين علیه السلام إلى ذلك الزمان ، ومجرّد الاحتمال غير كافٍ . ولعلّ ترك الاستفصال في مثل صحيحة الحلبي(1) لعدم بقاء مجعولهما .

فالأقوى بحسب القواعد والأخبار التفصيل بين المجعول الإلهي وما جعله الوالي .

ص: 469


1- تقدّمت في الصفحة 466.

ثمّ لا يخفى أنّ نقل الإجماع وعدم الخلاف في هذه المسألة التي ظاهر كلمات أكثر الفقهاء أو كلّهم على ما قال الشيخ الأعظم : اختصاصه بالمأخوذ(1) ، موهون لا يتّكل عليه ، كما أنّ إبداء القول الثالث ، كالتفصيل المتقدّم مع اقتضاء الدليل ، وعدم ثبوت الإجماع على عدم الفصل ، لا مانع منه .

ثمّ إنّ استشهاد الشيخ الأنصاري لعدم الفرق بين المأخوذ وغيره بظاهر الأصحاب في باب المساقاة ، حيث يذكرون أنّ خراج السلطان على المالك إلاّ أن يشترط خلافه(2) غير ظاهر ، فإنّه لو فرض توجّه ظلم إلى مالك الأشجار أو الأراضي فمع جعل المساقاة أو المزارعة لا معنى لتوجّهه وتعلّقه إلى المُزارع والساقي ، وأمّا إذا شرط عليهما أداء المظلمة فهو شرط سائغ يجب الوفاء به ، فلا تدلّ كلماتهم في المساقاة ولا في المزارعة على ما رامه .

الأمر الثاني حكم أداء الزكاة ونحوها إلى الجائر

مقتضى القواعد الأوّلية حرمة أداء الزكوات والأخماس ، وكذا الخراج والمقاسمة وجزية الرؤوس إلى حكّام الجور إذا أمكن ذلك ولم يكن مخالفاً للتقيّة فلا بدّ لحرمة منعهم ووجوب التأدية إليهم من قيام الدليل عليه .

ويمكن التفصيل في هذه المسألة أيضاً بالنظر إلى الأدلّة الخاصّة بين الخراج

ص: 470


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 211 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 212 .

وجزية الرؤوس ، ممّا يكون التعيين بجعل الوالي ، وبين الزكوات والأخماس ، ممّا هو بجعل اللّه تعالى بأن يقال : إنّ اللازم العرفي من تنفيذ جعل الوالي ما ضرب على الأرض خراجاً وعلى الرؤوس جزية لزوم أدائه ، فإنّ السلاطين عدولاً كانوا أو فسّاقاً إنّما جعلوا الخراج والجزية على الناس بأن يؤدّوا إليهم لا

إلى غيرهم ، وكان صرفها في مصارفها بيدهم من غير اختيار لأحد فيه ، فإذا دلّ الدليل على نفوذ جعل الوالي الجائر كان لازمه العرفي أو مدلوله المطابقي هو وجوب الردّ إليه وعدم جواز التخلّف والخيانة .

وهو نظير ما إذا ورد دليل على إنفاذ معاملة كان مفادها انتقال سلعة بثمن ، فإنّ لازم ذلك صيرورة كلّ من السلعة والثمن منتقلاً إلى من انتقل إليه بحسب الجعل ، ولازمه العرفي حرمة المنع والخيانة والسرقة .

فإذا ضرب الوالي على كلّ جريب من أرض درهماً بأن يؤدّى إليه ما ضرب عليها ليصرفه في المصارف المعهودة ، ودلّ دليل على نفوذ ذلك كان لازمه صيرورته مالك التصرّف شرعاً بحسب الوضع ولو حرم عليه تكليفاً كما مرّ(1) ، ولازم ذلك عرفاً حرمة منعه ووجوب أدائه إليه .

وتشعر بذلك أو تدلّ عليه صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم جميعاً عن أبي جعفر علیه السلام أ نّهما قالا له : هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها ؟ فقال : «كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر ، إنّما عليك العشر فيما

ص: 471


1- تقدّم في الصفحة 458 - 459 .

يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»(1) .

فإنّ الظاهر منه أنّ عليه ما قاطعه عليه السلطان أن يردّ عليه ، فإنّه المتفاهم عرفاً من نظائره لولا قرينة أو دليل على خلافه .

وأمّا الزكوات ونحوها فلا دلالة بل ولا إشعار في أدلّة إنفاذ المعاملات على المأخوذ منها على وجوب أدائها إلى السلطان ، وهو واضح . مضافاً إلى قيام الدليل على وجوب منعها عنهم :

وهو صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبداللّه علیه السلام في الزكاة ، قال : «ما أخذوا منكم بنو اُميّة فاحتسبوا به ، ولا تعطوهم شيئاً ما استطعتم ، فإنّ المال لا يبقى على هذا أن يزكّيه مرّتين»(2) .

ورواية أبي البختري عن جعفر علیه السلام ، عن أبيه علیه السلام : «أنّ علياً علیه السلام كان يقول : اعتدّ في زكاتك بما أخذ العشّار منك واخفها عنه ما استطعت»(3) .

فالتفصيل بينهما غير بعيد .

وأمّا رواية علي بن يقطين ، قال : قلت لأبي الحسن علیه السلام : ما تقول في أعمال هؤلاء ؟ قال : «إن كنت لابدّ فاعلاً فاتّق أموال الشيعة» قال : فأخبرني علي أ نّه

ص: 472


1- الكافي 3 : 513 / 4 ؛ وسائل الشيعة 9 : 188 ، كتاب الزكاة ، أبواب زكاة الغلاّت ، الباب 7 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 543 / 4 ؛ وسائل الشيعة 9 : 252 ، كتاب الزكاة ، أبواب المستحقّين للزكاة ، الباب 20 ، الحديث 3 .
3- قرب الإسناد : 153 / 562 ؛ وسائل الشيعة 9 : 254 ، كتاب الزكاة ، أبواب المستحقّين للزكاة ، الباب 20 ، الحديث 8 .

كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السرّ(1) .

فمع إرسالها وكونها في قضيّة شخصية راجعة إلى علي بن يقطين ، ولعلّ ما كان يتولّى أو في اُهبة تولّيه من الأراضي لم تكن أراضي الخراج المعهودة ، تأمّل ، أنّ الظاهر من قوله : «أموال الشيعة» أنّ ما أخذ منهم كان أموالهم وأخذ منهم جوراً وظلماً ، ولا بأس بإطلاق الجباية عليه بعد جعل السلطان ظلماً ، ولهذا كان يردّ عليهم خفاء وهم لا يؤدّون الخراج إلى وليّ المسلمين بحقّ مع أ نّه غير جائز .

ومن المحتمل أن يكون ذلك إذناً منه علیه السلام لعلي بن يقطين بأن يأخذ ما على الشيعة من الخراج وغيره ويردّ إلى مستحقّيهم ، فليس المراد من الردّ إليهم الردّ إلى من أخذ منهم .

ومنه يظهر الكلام في رواية أحمد بن زكريّا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهل بست وسجستان ، قال : وافقت أبا جعفر علیه السلام في السنة التي حجّ فيها ، ثمّ حكى قضيّة كتابة أبي جعفر علیه السلام إلى والي سجستان وإمحاء الوالي خراجه من ديوانه وقوله : لا تؤدّ خراجاً ما دام لي عمل(2) .

فإنّها أيضاً مع ضعفها واردة في قضيّة شخصية لا يعلم أنّ الخراج المأخوذ منه كان من الأراضي الخراجية أو من ملكه الشخصي .

ص: 473


1- الكافي 5 : 110 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 193 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 8 .
2- الكافي5 : 110 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 195 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 11 .

وأمّا رواية ابن جمهور المشتملة على كتابة أبي عبداللّه علیه السلام إلى النجاشي

والي الأهواز وفارس(1) فلا دلالة لها رأساً ؛ لأنّ الظاهر منها أ نّه أمر بأداء الخراج من ماله عنه ، فراجع .

ثمّ لا يبعد أن يكون التفصيل المذكور ظاهر جملة من الأصحاب ، وقد حكى عباراتهم شيخنا الأنصاري(2) ، وأوّلها بما هو خلاف ظاهرها ، فإنّهم تعرّضوا لخصوص الخراج والمقاسمة وأفتوا بحرمة الجحود والإنكار والمنع مع دعوى الاتّفاق عليه ، ولا أظنّ إسراءهم الحكم إلى الزكاة مع ورود رواية صحيحة(3) على وجوب المنع .

ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري تعرّض لفروع وتنبيهات اُخر سيأتي حكم بعضها إن شاء اللّه تعالى في خلال كتاب البيع . ونحن نختم الكلام هاهنا ، حامداً له تعالى ، شاكراً لنعمائه ، مصلّياً على محمّد وآله الطاهرين ، لاعناً على أعدائهم أجمعين .

وكان ذلك في يوم السبت ثامن شهر جمادى الاُولى سنة ثمانين وثلاثمائة

بعد الألف .

كتبها بيده الداثرة العبد المفتاق إلى اللّه الكريم

السيّد روح اللّه بن السيّد مصطفى الخميني

عفا اللّه عنهما .

ص: 474


1- تهذيب الأحكام 6 : 333 / 925 ؛ وسائل الشيعة 17 : 196 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 46 ، الحديث 13 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 214 .
3- تقدّمت في الصفحة 472، الهامش 2.

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 475

ص: 476

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) 173 93

(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ

إِثْمَ عَلَيْهِ) 173 93

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) 183 326

(وَ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) 188 29

(فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى

الْحَجِّ) 197 249

(يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) 219 12

(يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ

فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) 219 47

(وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) 219 47

(وَلاَ تَجْعَلُوا اللّه َ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) 224 136

(فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ.) 275 93

ص: 477

الآية رقمها الصفحة

(آتَوُا الزَّكَوةَ) 277 338

(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى

مَيْسَرَةٍ) 280 94

(رَبَّنا لاَ تُؤاخِذْنَا) 286 232

آل عمران (3)

(للّه ِ عَلَى النَّاسِ) 97 331

(وَللّه ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) 97 325

النساء (4)

(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتامَى

ظُلْماً) 10 93

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ

بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) 29 30

(لاَ تَأْكُلُوا) 29 29

(لاَ تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) 29 41

(لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ

إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَراضٍ) 29 29

(أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِى

الْأَمْرِ مِنْكُمْ) 59 175

(إِنَّ الصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤمِنينَ

كِتَاباً مَوْقُوتاً) 103 326

ص: 478

الآية رقمها الصفحة

المائدة (5)

(يا أَ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا

بِالْعُقُودِ) 1 331

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) 1 283، 284،

286، 288

(لُعِنَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ

عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) 78 184

(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا

لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَ نْفُسُهُمْ) 80 184

(وَلكِنَّ كَثيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) 81 184

(إِنَّمَا الْخَمْرُ) 90 14

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) 90 12، 17، 28،

45، 48

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ

وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ) 90 114

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ

وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

فَاجْتَنِبُوهُ) 90 8، 11، 116

(رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) 90 14، 116

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ

الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) 91 28

ص: 479

الآية رقمها الصفحة

الأعراف (7)

(وَلاَ

يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ

فِى سَمِّ الْخِيَاطِ) 40 81

(أَ لَمْ يُؤخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ

لاَ يَقُولُوا عَلَى اللّه ِ إِلاَّ الْحَقِّ) 169 87

التوبة (9)

(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) 91 424

(خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً

عَسَى اللّه ُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّه َ

غَفُورٌ رَحيمٌ) 102 206

يونس (10)

(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا

يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) 39 87

هود (11)

(وَلاَ تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّى

أَرَيكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ

عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) 84 96

(إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) 114 204

ص: 480

الآية رقمها الصفحة

يوسف (12)

(أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ) 70 70، 72، 151

النحل (16)

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللّه ُ أَعْلَمُ

بِما يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) 101 230

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللّه ُ أَعْلَمُ

بِما يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ

أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) 101 111

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَ نَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ

بَشَرٌ) 103 111، 231

(إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ

يُؤمِنُونَ) 105 110، 111، 112

(إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ

بِآيَاتِ اللّه ِ وَاُولئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) 105 111

(إِنَّما يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤمِنُونَ

بِآياتِ اللّه ِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ * مَنْ

كَفَرَ بِاللّه ِ) 105 - 106 231

(الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِآيَاتِ اللّه ِ) 105 111

(واُولئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) 105 111

(مَنْ كَفَرَ) 106 231

(مَنْ كَفَرَ بِاللّه ِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ

أُكْرِهَ) 106 230

ص: 481

الآية رقمها الصفحة

(إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ) 106 230، 232، 233،

234، 246، 248

(وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاْءِيمانِ) 106 231

الإسراء (17)

(وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللّه ُ إِلاَّ

بِالْحَقِّ) 33 93

(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) 36 85

(أَقِمِ الصَّلَوةَ) 79 304

الأنبياء (21)

(قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ

إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) 63 69

(بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) 63 70، 72، 151

(بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَ لُوهُمْ إنْ

كَانُوا يَنْطِقُونَ) 63 70، 151

(فَاسْأَ لُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) 63 69

الحجّ (22)

(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ

وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) 30 22، 113،

114، 116

ص: 482

الآية رقمها الصفحة

(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ

وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفاءَ للّه ِ غَيْرَ

مُشْرِكِينَ بِهِ) 30 - 31 113

(ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ) 78 264

الروم (30)

(أَقِيمُوا الصَّلَوةَ) 31 338

لقمان (31)

(إِنَّ اللّه َ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) 18 162

الصافات (37)

(إِنِّى سَقِيمٌ) 89 72

غافر (40)

(وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) 52 96

النجم (53)

(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الاْءِثْمِ

وَالْفَواحِشَ) 32 94

القمر (54)

(سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) 26 121

ص: 483

الآية رقمها الصفحة

الزلزلة (99)

(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا

أَعْمَالَهُمْ) 6 304

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) 7 304

ص: 484

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك؟ 170

أتقلّد لهم عملاً ؟ 202

اتّقوا اللّه وصونوا دينكم بالورع ، وقوّوه بالتقيّة 376

أتى رجل أبي فقال : إنّي ورثت مالاً ، وقد علمت أنّ صاحبه . . . 404

اجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة فإنّ فيه الهلكة 67

أجروهم عليهم في ديوانهم ، وإيّاكم وظلم المؤمن 208

احلف لهم بما أرادوا إذا خفت 138

إذا استأجرت أرضاً فأنفقت فيها شيئاً أو رمّمت فيها فلا بأس بما ذكرت 465

إذا أنبأهم أ نّها سرقة فلا يحلّ ، وإن لم يعلم فلا بأس 402

إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء 142، 258

إذا بلغت التقيّة الدم . . . 237

إذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة 248

إذا حلف الرجل تقيّة . . . 142

إذا حلف الرجل تقيّة لم يضرّه إذا هو اُكره 139، 141

إذا حلف كاذباً لم تلزمه الكفّارة 137

إذا سئل الرجل منكم عمّا لا يعلم فليقل : لا أدري 88

ص: 485

إذا عرفت أ نّه كذلك فلا ، إلاّ أن يكون شيئاً اشتريته من العامل 401، 415، 463

إذا علمت أنّ من ذلك شيئاً واحداً قد أدرك فاشتره وتقبّل به 465

إذا كان كذا فبعه وتصدّق بثمنه 450

إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من السماء من قبل اللّه عزّ وجلّ : أين الظلمة ؟ 166

إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل مع أيّهما يكون ؟ 21، 40

إذا ولّوكم يدخلون عليكم المرفق وينفعونكم في حوائجكم ؟ 193

إذا هو اُكره أو اضطرّ إليه 142

أرأيتك إذا ميّز اللّه الحقّ والباطل مع أيّهما تكون ؟ 19

أربى الربا الكذب 117

الاستغفار وصلوات الخمس تغسل ذلك 130

الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين 107

أكبر الكبائر الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور 117

إكراؤك جمالك من هذا الرجل 170

ألا اُخبركم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك باللّه ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور 106

ألا اُنبّئكم بأكبر الكبائر ؟ 107

ألا فاصدقوا إنّ اللّه مع الصادقين ، وجانبوا الكذب فإنّه يجانب الإيمان 110

إلاّ لإعزاز مؤمن ، أو فكّ أسره 202

إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه 183، 193

الآن سلم لك دينك 186

ألا وقول الزور 107

أليس قد أجرى لهم الناس على ذلك 208

أمّا الميسر فالنرد والشطرنج ، وكلّ قمار ميسر 17

أما تغشى سلطان هؤلاء ؟ 186

ص: 486

إمّا لك وإمّا لأهله 440

أمّا ما مضى فله ، وليتركه فيما يستقبل 405

امض وأعزز إخوانك . . . 206

أمِنْ أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم في جميع الأرضين ؟ ! 396

إنّ إبراهيم إنّما قال : )بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا( إرادة الإصلاح 151

إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً . . . 377

إنّ أفضل خصال . . . 447

إنّ أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدّق بثمنها 438

إنّ التقيّة تُرس المؤمن ، ولا إيمان لمن لا تقيّة له 233، 248

إنّ الحسن والحسين علیهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية 379

أنّ الخبائث حطّت في بيت ومفتاحه الكذب 102

أنّ الرجس من الأوثان : الشطرنج 49

إنّ الرجل ليصدق على أخيه فيناله عنت من صدقه فيكون كذّاباً عند اللّه 71، 150

إنّ الشطرنج والنرد وأربعة عشر وكلّ ما قومر عليه منها فهو ميسر 11، 16

إنّ العبد ليكذب حتّى يكتب من الكذّابين 119

إنّ الكاذب على شفا مخزاةٍ وهلكةٍ 82

إنّ الكذّاب يكذب حتّى يجيء بالصدق فلا يُصدَّق 66

إنّ الكذب يهدي إلى الفجور 102

إنّ اللّه أحبّ . . . 131

إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه 313

إنّ اللّه تعالى أحبّ اثنين ، وأبغض اثنين : أحبّ الخطر فيما بين الصفّين . . . 70

إنّ اللّه تعالى جعل للشرّ أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب 97

إنّ اللّه تعالى خصّ عباده بآيتين من كتابه : أن لا يقولوا حتّى يعلموا . . . 87

ص: 487

إنّ اللّه جعل للشرّ أقفالاً 98

أنّ المصلح ليس بكذّاب 71

إنّ الملائكة تحضر الرهان في الخفّ والحافر والريش 27

إنّ الملائكة لتنفر . . . 34

إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان . . . 39

إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش 33

إنّ المؤمن إذا أظهر الإيمان . . . 244

إنّ المؤمن ينطبع على كلّ شيء إلاّ على الكذب والخيانة 122

أن تمضوا على ما مضى عليه عمّار بن ياسر 234

أنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة 105

إن خفت على مالك ودمك فاحلف تردّه بيمينك 139

إنّ رجلاً أتى أبا جعفر علیه السلام . . . 405

أنّ رسول اللّه رحمهما اللّه أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضّة 40

أنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قال : من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها 419

إنّ شهادة الزور تعادل الشرك باللّه تعالى 113

اُنظر ما أصبت ، فعد به على أصحابك 204

إن عادوا لك فعد لهم بما قلت 230

أنّ علياً علیه السلام كان يقول : اعتدّ في زكاتك بما أخذ العشّار منك 472

إن قلت لك تفعل ؟ 437

إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل 458

إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس 458

إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل برّه 368

إن كنت لا بدّ فاعلاً فاتّق أموال الشيعة 199، 472

ص: 488

أنّ للّه بأبواب الجبابرة من يدفع بهم عن أوليائه 224

إنّ للّه بأبواب الظالمين . . . 196

إنّ للّه تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه 197

إنّ للّه تعالى بأبواب الظالمين من نوّر اللّه له البرهان ومكّن له في البلاد . . . 195، 223

إنّما جعلت التقيّة . . . 236، 249، 256

إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم 229، 235، 245، 254

إنّما قال : ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثمّ تدعون إلى البراءة منّي . . . 232

إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم 217

إنّ ممّا أعان اللّه به على الكذّابين النسيان 66

إنّ من حقيقة الإيمان أن لا يجوز منطقك علمك 88

إن نطقوا فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئاً 69

إنّها فريضة تقام بها الفرائض 212

أ نّه يقضى عن الميّت الحجّ والصوم والعتق وفعاله الحسن 352

أن يقولوا ما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون 86

إنّي لا اُحبُّ . . . 163

إنّي لا أرى لك الخروج من عمل السلطان 196، 220

أوصاني رسول اللّه رحمهما اللّه حين زوّجني فاطمة فقال : إيّاك والكذب 132

اُولئك هم المؤمنون حقّاً 221

اُولئك هم المؤمنون حقّاً ، عليهم مغفرة من ربّهم ورحمة 194

أو لم ترني آكله ؟ 395

أهم الداخلون علينا ، أم نحن الداخلون عليهم ؟ 180

إيّاكم والكذب ، فإنّه من الفجور وإنّهما في النار 132

إيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين 171

ص: 489

أيّما مسلم سئل عن مسلم فصدق ، فأدخل على ذلك المسلم مضرّة . . . 150

أين الظلمة وأعوانهم ، حتّى من لاق لهم دواة . . . 164

بيع الشطرنج حرام وأكل ثمنه سحت واتّخاذها كفر واللعب بها شرك 24، 49

بيّن رشده ، وبيّن غيّه 375

تتّقي مال أخيك 138

تحملونه حتّى تحملوه إلى الكوفة 450

تصدّق بغلّتها 439

تصدّق به؛ فإمّا لك وإمّا لأهله 439

التفل من كلّ شيء 15، 32

التقيّة تُرس المؤمن وحرزه 264

التقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم 236، 258

التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم 247، 260

التقيّة في كلّ ضرورة 247

التقيّة في كلّ ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به 259

التقيّة من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين 267

تناول السماء أيسر عليك من ذلك 187

ثلاث خصال من علامات المنافق : إذا حدّث كذب ، وإذا ائتمن خان . . . 110

ثلاثة يحسن فيهنّ الكذب : المكيدة في الحرب ، وعِدَتك زوجتك . . . 73

ثمّ احتجّ اللّه على المؤمنين الموالين للكفّار . . . 184

جبّل المؤمن على كلّ طبيعة إلاّ الخيانة والكذب 122

جعلت الخبائث كلّها في بيت واحد وجعل مفتاحها الكذب 106

جوائز السلطان لا بأس به 413

جوائز العمّال ليس بها بأس 378

ص: 490

الجواب : إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه . . . 418

حتّى الكعاب والجوز 33

حتّى تعرف الحرام بعينه 460

حتّى يصيبوا من دينه مثله 186

حتّى يكتب من الكذّابين 120

حرّم اللّه الخمر لما فيها من الفساد ، ومن تغيير عقول شاربها 98

الحسنة التقيّة ، والسيّئة الإذاعة 246

خبّرني عن السلطان لنا أو لهم ؟ 180

دع ما يريبك 374، 380

دعوا المجوسية لأهلها لعنها اللّه 24

الرجس من الأوثان : الشطرنج 50

الرجس من الأوثان هو الشطرنج ، وقول الزور الغناء 23

رُفع ما اُكرهوا عليه 270

رفع ما لا يعلمون 433

سئل رسول اللّه رحمهما اللّه : يكون المؤمن جباناً ؟ قال : نعم 110

ساُخبرك عن الجبن وغيره : كلّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال 396

سبحان اللّه ، أما علمت أنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قال : إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان 34

شارب الخمر كعابد وثن 156

شرّ من الشراب 97

صدقت ، المسلم أخو المسلم 80

العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم 156

العبد إذا كذب كان أوّل من يكذّبه اللّه ، ونفسه تعلم أ نّه كاذب 82

عونك الضعيف من أفضل الصدقات 423

ص: 491

غيّبه ما استطعت، وضعه مواضعه 138

فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك ، فإنّما هو شيء دعاك اللّه إليه 379

فاحلف لهم ، فهو أحلّ (أحلى خ . ل) من التمر والزبد 128، 135

فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله 437

فإذا بلغت الدم فلا تقيّة 248

فاذهب فاقسمه في إخوانك ، ولك الأمن ممّا خفت منه 442

فالولاية له ، والعمل معه ، ومعونته في ولايته ، وتقويته حلال محلّل . . . 182

فأمّا الإثم في كتاب اللّه فهي الخمر والميسر ، وإثمهما كبير كما قال اللّه 47

فأمّا السرقة بعينها فلا ، إلاّ أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك 464

فأمّا اليمين التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذباً ولم تلزمه الكفّارة فهو . . . 128

فإنّ المال مالك 406، 407

فأنا واللّه ، ما له صاحب غيري 442

فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم . . . 426

فإنّ رسول اللّه رحمهما اللّه قد وضع ما مضى . . . 406

فإنّما هم قوم اضطرّوكم فدخلتم في بعض حقّكم . . . 180

فإن ولّيت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك 201

فإنّها تحضره الملائكة 34

فإن هو غلب على شيء . . . 376

فقد خرج من الإيمان 159

فكن منهم يا محمّد 195

فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم ، والكسب معهم إلاّ بجهة الضرورة 198

فلعنة اللّه على الكاذب وإن كان مازحاً 132

فما لك والباطل ؟ ! 21

ص: 492

فما لهم ؟ وما له ؟ ألم أنههم ؟ ألم أنههم ؟ ألم أنههم ؟ هم النار 188

فمن الزور أن يشهد الرجل بما لا يعلم ، أو ينكر ما يعلم 113

فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات 374

فنهى اللّه عزّ وجلّ أن يوالي المؤمن الكافر إلاّ عند التقيّة 199

فوجه الحلال من الولاية ، ولاية الوالي العادل الذي أمر اللّه بمعرفته 182

فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك 203

فهنيئاً لهم ، ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كلّه 195

فيه حلال وحرام 395

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : أين أعوان الظلمة 164

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : إنّ الأنبياء إنّما فضّلهم اللّه على خلقه أجمعين 266

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : ثلاث من كنّ فيه كان منافقاً ، وإن صام وصلّى 122

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : رفع عن اُمّتي أربع خصال : خطأُها ، ونسيانها . . . 231

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : سباب المؤمن فسوق 455

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه معصية 420

قال رسول اللّه رحمهما اللّه في حديث : والكذب كلّه إثم ، إلاّ ما نفعت به مؤمناً . . . 130

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : لا كذب على مصلح 70، 151

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : من تولّى عرافة قوم اُتي به يوم القيامة ويداه مغلولتان 197

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : من صلّى الخمس كفّر اللّه عنه من الذنوب 266

قال رسول اللّه رحمهما اللّه : م-ن نكث بيعة . . . فقد برئ من الإسلام 159

قد سابق رسول اللّه رحمهما اللّه اُسامة بن زيد وأجرى الخيل 39

قضى أمير المؤمنين علیه السلام في رجل أكل هو وأصحاب له شاة . . . 36

قلت : يا رسول اللّه ، الرجل يؤخذ يريدون عذابه ، قال : يتّقي عذابه . . . 234

قيل : يا رسول اللّه ، ما الميسر ؟ قال : كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز 11

ص: 493

الكاذب على شفا مخزاة وهلكة 66

كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول : إيّاكم والكذب 131

كانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله ، فنهاهم اللّه عزّ وجلّ عن ذلك 30

كان علي بن الحسين علیه السلام يقول لولده : اتّقوا الكذب ، الصغير منه والكبير 74، 127

كان ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن يؤكل 51

الكذب أقبح علّة 131

الكذب خراب الإيمان 110

الكذب على اللّه وعلى رسوله من الكبائر 123

الكذب كلّه إثم إلاّ ما نفعت به مؤمناً أو دفعت به عن دين المسلم 150

الكذب مذموم 131

الكذب يسوّد الوجه 67

الكذب يهدي إلى الفجور 121

كفّارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم 203

كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان 201

كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج اللّه . . . 472

الكلام ثلاثة : صدق ، وكذب ، وإصلاح بين الناس 71، 145، 149

كلّ شيء طاهر 353

كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه 394

كلّ شيء هو لك . . . 399

كلّ شيء هو لك حلال 400

كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه فتدعه 398

كلّفوهم الشرك باللّه العظيم ، فأظهروا لهم الشرك وأسرّوا الإيمان 247

كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلاّ كذباً في ثلاثة . . . 73، 130، 145

ص: 494

كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر 16

كلّ ما تقومر به حتّى الكعاب والجوز 32

كلّ ما قومر به فهو الميسر 13

كلّ ما قومر عليه . . . 27

كلّ ما قومر عليه فهو ميسر 32

كلّ معروف صدقة 424

كل وخذ منه ، فلك المهنأ (الحظّ - خ . ل) وعليه الوزر 407

كلّ هذا بيعه وشراؤه . . . 19

كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه محرّم 13، 18

لا آذن لك بالخروج من عملهم ، واتّق اللّه 197، 221، 224

لا ، إلاّ أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ، ولا يقدر على حيلة 198، 227

لا ، إلاّ أن يكون قد اختلط معه غيره ، فأمّا السرقة بعينها فلا 401، 415

لا بأس إذا لم يعرف بفسق 34

لا بأس ، إذا وصلت إخوانك ، وعضدت أهل ولايتك 194، 205

لا بأس أن يتقبّل الأرض وأهلَها من السلطان 466

لا بأس بجوائز السلطان 378

لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام 34، 40

لا بأس به إذا واسى إخوانه ، وأنصف المظلوم ، وأغاث الملهوف من أهل ولايته 194

لا بأس به ما لم يغيّر حكماً، ولم يبطل حدّاً ، وكفّارته قضاء حوائج إخوانكم 203

لا بأس ، ليس بكذب 78

لا تأكل منه ؛ فإنّه حرام 26

لا تبقي عليه من الذنوب شيئاً إلاّ الموبقات التي هي جحد النبوّة ، أو الإمامة 266

لا تعرّب بعد الهجرة ، ولا وصال في صيام 249

ص: 495

لا تعنهم على بناء مسجد 169

لا تلعنوها ، فإنّ اللّه - عزّ وجلّ - لعن لاعنها 36

لا دين لمن لا تقيّة له ، والتقيّة في كلّ شيء إلاّ في النبيذ والمسح على الخفّين 259

لا رضاع بعد فطام 249

لا سبق إلاّ في خفّ . . . 40

لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر 39

لا سوأة أسوء من الكذب 131

لا صلاة إلاّ بطهور 353

لا صلاة له حتّى يغسل يده 49

لا، قال اللّه تعالى : )إِنَّما يَفْتَرِى الكَذِبَ الّذينَ لاَ يُؤمِنُونَ( 110

لا كذب على مصلح 77

لا ، ما من أحد إلاّ يكون ذلك منه ، ولكنّ المطبوع على الكذب 121

لأنّ اللّه عزّ وجلّ نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان 49

لأنّ للتقيّة مواضع من أزالها عن مواضعها لم تستقم له 244

لا واللّه ما زعمت 80

لا ، ولا قطّة قلم ، إلاّ لإعزاز مؤمن ، أو فكّ أسره 203

لا يجد عبد طعم الإيمان حتّى يترك الكذب ، هزله وجدّه 74

لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلّة في مالك ، وادفعها إلى من وقفت عليه 439

لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه 435

لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيبة نفس منه 425

لا يحلّ ماله إلاّ بالطيب 425

لا يردّه ، فإن أمكنه أن يردّه على أصحابه فعل 444

لا يصلح ثمنه 438، 447

ص: 496

لا يصلح شراء السرقة والخيانة إذا عرفت 401

لا يصلح من الكذب جدّ ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيّه ثمّ لا يفي له 119

لا يمين في غضب 251

لا يمين في غضب . . . ولا في جبر ، ولا في إكراه 249

لا يمين لولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها 251

لعن رسول اللّه رحمهما اللّه ثلاثة : الآكل زاده وحده ، والنائم في بيت وحده . . . 36

لقد سألتني عن طعام يعجبني 395

لمّا مات آدم علیه السلام شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض . . . 43

لم تركت عطاءك ؟ 462

لو قلت : إنّ تارك التقيّة كتارك الصلاة لكنت صادقاً 236

لو كلّفكم قومكم ما كلّفهم قومهم 247

لولا أنّ بني اُميّة وجدوا لهم من يكتب . . . 181

اللهمّ اجدع عنهم سلطانهم 188

ليس شيء ممّا حرّم اللّه . . . 143

ليس شيء ممّا حرّم اللّه إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه 139، 141

ليس لك أن تتكلّم بما شئت ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : )وَلاَ تَقْفُ . . .( 85

ليس هم من الشيعة ولكنّهم من اُولئك 184

ما اُبالي حلفت لهم بالطلاق والعتاق أو أكلتها 138

ما اُحبّ أ نّي عقدت لهم عقدة . . . 162، 163

ما اُحبّ أ نّي عقدت لهم عقدة ، أو وكيت لهم وكاء وأنّ لي ما بين لابتيها . . . 160

ما أخذوا منكم بنو اُميّة فاحتسبوا به ، ولا تعطوهم شيئاً ما استطعتم 472

ما أسكتك ؟ قال: اُحبّ أَن أعرف الكبائر من كتاب اللّه 94

ما أكثر ما يكذب الناس على علي علیه السلام 232

ص: 497

ما الإبل إلاّ مثل الحنطة والشعير وغير ذلك . . . 414، 458

ما بلغت تقيّة أحد ما بلغت تقيّة أصحاب الكهف 247

ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقيّة فأنتم منه في سعة 139

ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : اللّه أعلم 86

ما عندكم فيها يا صيقل ؟ 70

ما فعل كبيرهم ، وما كذب إبراهيم علیه السلام 69

ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر ، فاللّه قابل العذر 192، 199

ما كذب إبراهيم ويوسف علیهما السلام 77

ما من جبّار إلاّ ومعه مؤمن يدفع اللّه عزّ وجلّ به من المؤمنين 208

ما من سلطان إلاّ ومعه من يدفع اللّه به عن المؤمنين 209

ما منع ابن أبي السمّاك أن يبعث إليك بعطائك ؟ 462

ما منع ميثم رحمه الله علیه من التقيّة ؟ فواللّه لقد علم أنّ هذه الآية نزلت في عمّار وأصحابه 246

ما يريد سالم منّي ، أيريد أن أجيء بالملائكة ؟ واللّه ما جاءت بهذا النبيّون 72

ما يمنع ابن أبي السمّاك أن يخرج شباب الشيعة ، فيكفونه ما يكفيه الناس 462

ما يمنعك من التعرّض للسلطان فتدخل في بعض أعماله ؟ 180

المصلح ليس بكذّاب 152

ممّا أعان اللّه به على الكذّابين النسيان 82

من أحبّ بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم كان ورد النار . . . 170

من أحللنا له شيئاً أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال 178، 180، 189

من أخذ عصا أخيه فليردّها 436

من استولى على شيء منه فهو له 389، 399، 407

من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها وإثمها 401، 402

من أعظم الخطايا ، اللسان الكذوب 118

ص: 498

من أعمال الظالمين 179

من اقتطع مال مؤمن غصباً بغير حقّه لم يزل اللّه معرضاً عنه 436

من ترك الشبهات نجا من المحرّمات 374

من تولّى خصومة ظالم 158

من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها . . . 157، 160

من خضع . . . 376

من سوّد اسمه . . . 168، 185

من سوّد اسمه في ديوان الجبّارين من ولد فلان حشره اللّه . . . 167

من سوّد اسمه في ديوان بني شيصبان حشره اللّه . . . 168، 194

من سوّد اسمه في ديوان ولد سابع ، حشره اللّه يوم القيامة خنزيراً 167

من علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر جعلها اللّه حيّة 167

من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراماً ، بل أجراً وثواباً 192، 201

من كثر كذبه ذهب بهاؤه 66

من لم يفعل ذلك منهم فابرأوا منه برئ اللّه منه 193

من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أ نّه ظالم فقد خرج من الإسلام 159

المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك 107، 131

الميسر هو القمار 11، 14

النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلةٍ واحدة 15، 25، 45

نعم ، إذا حفر لهم نهراً أو عمل لهم شيئاً يعينهم بذلك فله ذلك 465

نعم قد قلته، أما علمت أنّ كلّ زعم في القرآن كذب؟ 80

نهى رسول اللّه رحمهما اللّه عن اللعب بالشطرنج والنرد 24

نهى عن القمار وكانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله 30

نيّة المؤمن خير من عمله 348

ص: 499

وأبغضَ الكذب في غير الإصلاح 131

واجتنبوا الكذب وإن رأيتم فيه النجاة ، فإنّ فيه الهلكة 132

وأعوان الظلمة وأشباه الظلمة حتّى من برئ لهم قلماً . . . 164

والاُخرى على ثلاثة أوجه : فمنها : ما يؤجر الرجل عليه إذا حلف كاذباً 140

والتفل ما يخرج بين المتراهنين من الدرهم وغيره 15، 32

والتقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم ، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة 257

والكذب شرّ من الشراب 103، 104

واللّه إن لو أصبته كنت تدفعه إليه ؟ 442

واللّه لولا أ نّي أرى من اُزوّجه بها من عزّاب . . . 377

واللّه ما ذلك عليه ، وماله إلاّ ما مضى عليه عمّار بن ياسر 233

واللّه ما سرقوا وما كذب 70

واللّه ما فعلوا وما كذب 70

واللّه ما فعلوه وما كذب 70، 151

واللّه من وراء ذلك 205

والمعاصي حمى اللّه ، فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها 375

وأمّا التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم 140

وأمّا الميسر فالنرد والشطرنج . وكلّ قمار ميسر 14

وأمّا وجه الحرام من الولاية ، فولاية الوالي الجائر ، وولاية ولاته 182

وإيّاكم والكذب ، فإنّه لا يصلح إلاّ لأهله 131

وإيّاكم والكذب ، فإنّه من الفجور ، وإنّهما في النار 118

وتصون من عرف بذلك . . . 265

وتفسير ما يتّقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم . . . 242

وحرمة ماله كحرمة دمه 455

ص: 500

وددت أ نّي أقدر على أن اُجيز أموال المسلمين كلّها وأحلف عليها 143

وذلك إنّما حرّم اللّه الصناعة التي حرام هي كلّها التي يجيء منها الفساد 21

وشرب الخمر ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ نهى عنها ، كما نهى عن عبادة الأوثان 114

وشرّ من الشراب الكذب 97

وعلّة الكذب أقبح علّة 118

وقد عزمت على ذلك ؟ 186

وقرن اللّه الخمر والميسر مع الأوثان 48

وقطيعة الرحم ؛ لأنّ اللّه يقول : )وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّار( 96

وكذلك كلّ بيع ملهوّ به ، وكلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير اللّه 22

وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر 50

ولئن تبرَأْ منّا ساعة بلسانك وأنت موالٍ لنا بجنانك ، لتبقي على نفسك 264

ولا أن يعد أحدكم صبيّه ثمّ لا يفي له ، إنّ الكذب يهدي إلى الفجور 73

ولا تكن عوناً للظالمين 172

ولا سوأة أسوء من الكذب 118

ولا يخرجنّ من فيك كذبة أبداً 130

ولك المهنأ وعليه الوزر 409

ولو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق 392

وما لهم ؟ وما له ؟ 188

ومكّن له في البلاد . . . 196

ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم 127

ومن اشترى خيانة وهو يعلم فهو كالذي خانها 401

ومن خفّ لسلطان جائر 158

ومن دلّ سلطاناً على الجور 158

ص: 501

ومن سعى بأخيه إلى سلطان . . . 158

ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر 158

وهل التقيّة إلاّ هَذَا؟ 234، 248

وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار . . . 108، 109

ويكون الكذب عندهم ظرافة ، فلعنة اللّه على الكاذب وإن كان مازحاً 118

هم الداخلون عليكم ، أم أنتم الداخلون عليهم ؟ 181

هو بمنزلة الأجير ، إنّه إنّما يعطي اللّه العباد على نيّاتهم 170، 191، 216

يا أبا ذرّ ، من ملك ما بين فخذيه وما بين لحييه دخل الجنّة 108

يا أبا ذرّ ، ويل للّذي . . . 109

يا أبا ذرّ ، ويل للّذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم ، ويل له ، ويل له 83

يا أبا محمّد ، لا ، ولا مدّة قلم . إنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً . . . 186

يا زرارة ، إذا خفت فاحلف لهم ما شاؤوا 135

يا زياد ، إنّك لتعمل عمل السلطان ؟ 201

يا زياد! لئن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة ، أحبّ إليّ . . . 183، 193

يا زياد ، واللّه لئن أقع من السماء إلى الأرض فأنقطع قطعاً 202

يا سليمان ، الدخول في أعمالهم ، والعون لهم ، والسعي في حوائجهم . . . 171، 185

يا صفوان ، كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً 169

يا علي ، إنّ اللّه أحبّ الكذب في الصلاح ، وأبغض الصدق في الفساد 128، 151

يا علي ، ثلاث يحسن فيهنّ الكذب : المكيدة في الحرب . . . 127، 149

يا وليد ، أما تعجب من زرارة ؟ سألني عن أعمال هؤلاء . . . 187

يا وليد ، متى كانت الشيعة تسأل عن أعمالهم ؟ 187، 378

يا هذا ، إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجّة بما أنفق من ماله 358

يا هذا ، من أين معاشك ؟ 166

ص: 502

يبعثه اللّه على نيّته 191، 216، 217

يتصدّق بثمنه 447

يدخل على الميّت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والدعاء 355

يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها 448

يشتري منه ما لم يعلم أ نّه ظلم فيه أحداً 414، 463

يعرّفها سنة فإن جاء لها طالب ، وإلاّ فهي كسبيل ماله 443

يعني أقلّ المؤمنين حظّاً بصحبة الجبّار 209

يعني بذلك القمار 30

يعيد صلاته ويغسل ثوبه 249

يغفر اللّه في شهر رمضان إلاّ لثلاثة : صاحب مسكر . . . 23، 50

يكون معهم فيسرُّنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا 195، 223

يلعب بالحمام 40

اليمين على وجهين . . . 128، 140

ص: 503

ص: 504

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد رحمهما اللّه =محمّد بن

عبداللّه رحمهما اللّه ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه رحمهما اللّه ، نبي الإسلام 5،

11، 24، 32، 33، 34، 35، 39، 40،

70، 73، 77، 80، 85، 95، 98، 106،

107، 108، 109، 110، 113، 114،

115، 116، 117، 118، 119، 122،

123، 124، 125، 127، 130، 131،

132، 149، 150، 151، 152، 155،

157، 158، 159، 164، 166، 169،

171، 172، 174، 175، 197، 203،

213، 230، 231، 232، 233، 234،

242، 254، 266، 269، 305، 320،

321، 322، 362، 370، 404، 406،

419، 420، 436، 455، 469، 474

أمير المؤمنين علیه السلام =علي بن أبي

طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 16،

36، 37، 38، 74، 109، 118، 119،

127، 131، 149، 150، 174، 232،

234، 264، 267، 268، 304، 469،

472

فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها) 132

الحسن علیه السلام =الحسن بن علي علیه السلام ،

الإمام الثاني

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الثاني 266،

377، 379

الحسين علیه السلام =الحسين بن علي علیه السلام ،

الإمام الثالث

الحسين بن علي علیه السلام ، الإمام الثالث 377،

379

علي بن الحسين علیه السلام ، الإمام الرابع 74،

83، 127، 171، 187

الباقر، أبو جعفر علیه السلام =محمّد بن

ص: 505

علي علیه السلام ، الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 11،

13، 14، 17، 21، 32، 36، 37، 38،

70، 72، 74، 77، 80، 86، 97، 110،

113، 126، 128، 130، 135، 138،

143، 144، 150، 156، 178، 180،

186، 188، 194، 204، 235، 259،

395، 396، 404، 405، 406، 414،

420، 435، 455، 458، 471، 473

الصادق، أبو عبداللّه علیه السلام =جعفر بن

محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 19،

22، 23، 24، 26، 29، 30، 33، 34،

39، 43، 49، 50، 69، 70، 71، 73،

78، 79، 86، 87، 88، 90، 94، 96،

114، 116، 121، 122، 123، 127،

128، 130، 131، 135، 137، 139،

140، 141، 144، 145، 149، 150،

151، 152، 156، 160، 164، 166،

167، 169، 180، 181، 184، 185،

186، 187، 188، 191، 193، 194،

197، 198، 199، 201، 203، 208،

209، 215، 227، 231، 232، 233،

234، 235، 236، 242، 244، 246،

247، 259، 352، 358، 376، 378،

394، 397، 401، 402، 404، 405،

406، 407، 414، 415، 419، 423،

437، 438، 439، 442، 443، 444،

447، 461، 463، 464، 465، 466،

472، 474

الصادقين علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 266

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 464

الكاظم، أبو الحسن الأوّل، أبو إبراهيم علیه السلام

‘ موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع 35،

47، 85، 159، 164، 169، 183،

184، 193، 196، 197، 199، 201،

202، 203، 205، 208، 220، 221،

377، 448

الرضا، أبو الحسن علیه السلام =علي بن

موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 11،

14، 15، 25، 32، 45 50، 71، 90،

98، 110، 131، 134، 150، 171،

ص: 506

181، 185، 195، 203، 206، 223،

352، 449، 472

أبو الحسن، أبو الحسن علي بن محمّد علیه السلام

‘ علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر

علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر 12،

192، 439

العسكري علیه السلام =الحسن بن علي علیه السلام ،

الإمام الحادي عشر

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر

106

صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه

الشريف)، الإمام الثاني عشر 367

آدم 43

نوح، النبي 174

إبراهيم، النبي 69، 70، 72، 77، 80،

81، 151، 152

داود بن يسا، النبي 184

عيسى المسيح 184

يعقوب، النبي 152

يوسف، النبي 69، 70، 72، 77، 80،

151، 152

ص: 507

ص: 508

4 - فهرس الأعلام

إبراهيم بن عنبسة 12

ابن أبي السمّاك 461، 462

ابن أبي جمهور، محمّد بن زين الدين

107، 114

ابن أبي عمير، محمّد 22، 50، 167، 186

ابن أبي نجران=عبدالرحمان بن أبي

نجران

ابن أبي يزيد=داود بن أبي يزيد

ابن أبي يعفور=عبداللّه بن أبي يعفور

ابن إدريس، محمّد بن أحمد 78، 79،

199، 200، 204، 226، 243، 262،

451

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

405، 407

ابن الجنيد=ابن الجنيد الإسكافي،

محمّد بن أحمد

ابن العبّاس=ابن عبّاس، عبداللّه

ابن الوليد 92

ابن بابويه، محمّد بن علي 9، 33، 34،

41، 44، 79، 91، 92، 109، 117،

128، 137، 140، 141، 144، 146،

149، 150، 157، 191، 201، 206،

216، 219، 236، 243، 257، 443،

465

ابن بزيع=محمّد بن إسماعيل بن بزيع

ابن بكير، عبداللّه 78، 79

ابن بنت الكاهلي=ابن بنت الوليد بن

صبيح الكاهلي

ابن بنت الوليد بن صبيح الكاهلي 167،

185

ابن جمهور، محمّد 474

ابن حكيم=حديد بن حكيم الأزدي

ابن دريد، محمّد بن الحسن 10

ابن زياد، عبيداللّه 347

ص: 509

ابن سنان=عبداللّه بن سنان

ابن سيابة=العلاء بن سيابة

ابن شاذان، الفضل بن شاذان 48، 51،

90، 91، 118، 171

ابن عبّاس، عبداللّه 11، 230

ابن عميرة=سيف بن عميرة

ابن مسعود، عبداللّه 11

ابن مسلم=محمّد بن مسلم

أبو إسحاق الخراساني 131

أبو البختري 472

أبو الجارود 13، 14، 17، 48،

194،204، 219، 396

أبو الربيع الشامي=الشامي، أبو الربيع

أبو الصباح=أبو الصباح الكناني

أبو الصباح الكناني 139

أبو الفتوح الرازي، الحسين بن علي 113

أبو أيّوب=هود أبو أيّوب الأنصاري

أبو بصير 24، 49، 72، 80، 119، 120،

186، 377، 400، 403، 415، 420،

455، 464، 471

أبو جعفر=الدوانيقي، أبو جعفر منصور

أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار 171،

178، 180، 235، 243، 257

أبو حنيفة 262

أبو خديجة، سالم بن مكرم الجمّال 123

أبو ذرّ 83، 108، 109

أبو سلمة 206

أبو عبيدة=الحذّاء، زياد بن عيسى

أبو علي بن راشد 439، 448

أبو ولاّد=حفص بن سالم

أبو يعقوب إسحاق بن عبداللّه 87

أحمد بن الحسين 130

أحمد بن زكريّا الصيدلاني=

الصيدلاني، أحمد بن زكريّا

أحمد بن محمّد بن عيسى 415، 464

الأحمسي=مالك بن عطية

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 243

اُسامة بن زيد 33، 34، 35، 39، 40

أسباط بن سالم 30

الاُستاذ=كاشف الغطاء، جعفر بن خضر

إسحاق بن عمّار 26، 27، 181، 218،

414، 448، 463

إسماعيل، ابن الإمام الصادق علیه السلام 358،

461

الأشعري، إسماعيل بن سعد 134، 137،

141

الأصبغ بن نباتة 74، 83

الأصفهاني، محمّد حسين 273، 313،

ص: 510

340، 344

الأعجمي، أبو عمر 259، 260

الأعمش 48، 51، 90، 172

الأنباري، الحسن بن الحسين 181،

203، 206، 221

أنس 107، 131

أنس بن محمّد 127

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 18،

32، 36، 39، 48، 67، 83، 106،

115، 124، 133، 141، 144، 148،

162، 168، 169، 190، 208، 211،

241، 243، 256، 270، 271، 276،

287، 310، 313، 328، 329، 332،

339، 341، 344، 345، 346، 350،

357، 358، 359، 360، 361، 365،

366، 367، 369، 393، 410، 412،

437، 453، 454، 455، 456، 470،

474

الأهوازي، الحسين بن سعيد 79

الإيرواني، علي بن عبدالحسين 241،

308، 366

البزنطي، أحمد بن محمّد 49، 79، 352

البصري، الحسن 11

البطائني، علي بن أبي حمزة 181، 437،

447، 456

بعض الأساطين=كاشف الغطاء، جعفر

بن خضر

بعض الأعاظم=النائيني، محمّد حسين

بعض أعاظم العصر=النائيني، محمّد

حسين

بعض الأفاضل=الإيرواني، علي بن

عبدالحسين

بعض المحقّقين=الشيرازي، محمّد تقي

بن محبعلي

بعض المدقّقين=الشيرازي، محمّد تقي

بن محبعلي

بعض أهل التحقيق=الشيرازي، محمّد

تقي بن محبعلي

بعض أهل التحقيق=الأصفهاني، محمّد

حسين

بكر بن محمّد 233، 247

التفتازاني، سعد الدين=التفتازاني،

مسعود بن عمر

التفتازاني، مسعود بن عمر 52، 55

التقي=الشيرازي، محمّد تقي بن

محبعلي

جابر=الجعفي، جابر بن يزيد

الجرّاح المدائني 401

ص: 511

جعفر بن نعيم=الشاذاني، جعفر بن نعيم

الجعفري، سليمان 171، 172، 173،

185

الجعفي، إسماعيل 138

الجعفي، جابر بن يزيد 11، 12، 32، 46

الجوهري، إسماعيل بن حمّاد 26، 27

جهم بن حميد 186

الحائري، عبدالكريم 298، 359

الحارث الأعور 73، 83، 119

حديد بن حكيم الأزدي 376

حديد بن حكيم=حديد بن حكيم

الأزدي

الحذّاء، زياد بن عيسى 29، 414، 435،

458، 460، 461، 463، 468

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 84، 173

حريز=السجستاني، حريز بن عبداللّه

الحسن بن محبوب=السرّاد، الحسن بن

محبوب

الحسن=البصري، الحسن

الحسين 79

الحسين بن زيد 197

الحسين بن عمر بن يزيد 23، 50

الحضرمي، أبو بكر 461، 462

حفص بن سالم 407، 410

حفص بن غياث 392، 444، 450

الحلبي، عبيداللّه بن علي 135، 170،

172، 191، 196، 215، 217، 222،

404، 406، 407، 443، 466، 467،

469

الحلّي=ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عمرو 127

حمران بن أعين 220

الحميري، محمّد بن عبداللّه 367

الخثعمية 326، 359

الخطيب القزويني، محمّد بن عبدالرحمان

55

داود بن أبي يزيد 442، 452، 456

داود بن زربي 187

داود بن علي 187

درست بن منصور 247

الدوانيقي، أبو جعفر منصور 188

الراوندي=القطب الراوندي، سعيد بن

هبة اللّه

الراوندي الكاشاني، فضل اللّه بن علي

159، 160، 164

زرارة 19، 86، 88، 128، 135، 136،

138، 144، 187، 259، 378

زياد العبدي 204، 206

ص: 512

زياد بن أبي رجاء 86

زياد بن أبي سلمة 183، 193، 201،

204، 205، 206، 218

زياد بن عيسى=الحذّاء، زياد بن عيسى

زيد الشحّام 23، 50، 435

زينب الكبرى=زينب بنت علي بن أبي

طالب (سلام اللّه عليها)

زينب بنت علي بن أبي طالب (سلام اللّه

عليها) 112

الساباطي، عمّار بن موسى 198، 227

سالم بن أبي حفصة 72، 80

السجستاني، حريز بن عبداللّه 376، 379

سدير 219

السرّاد، الحسن بن محبوب 122

السكّاكي، يوسف بن أبي بكر 57

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 24، 50،

164، 165، 423

سماعة بن مهران 43، 139، 141، 143،

401، 415، 419، 463

سويد بن حنظلة 80

سهل بن زياد الآدمي 23، 376

السيّاري، أحمد بن محمّد 222، 223

السيّد اليزدي=اليزدي، محمّد كاظم بن

عبدالعظيم

السيّد=الطباطبائي، علي بن محمّد

علي

السيّد=علم الهدى، علي بن الحسين

سيف بن عميرة 74، 83، 126، 180

شاذان بن جبرئيل=شاذان القمّي

شاذان القمّي 172

الشاذاني، جعفر بن نعيم 92

شارح حكمة الإشراق=قطب الدين

الشيرازي، محمّد بن مسعود

الشافعي، محمّد بن إدريس 20، 262

الشامي، أبو الربيع 23، 405، 406

الشحّام=زيد الشحّام

الشرتوني، سعيد 26

شمر 347

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 91،

432

الشيخ=الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ=الأنصاري، مرتضى بن محمّد

أمين

الشيخ الأعظم=الأنصاري، مرتضى بن

محمّد أمين

الشيخ الأنصاري=الأنصاري، مرتضى

بن محمّد أمين

شيخ الطائفة=الطوسي، محمّد بن

الحسن

ص: 513

شيخنا العلاّمة=الحائري، عبدالكريم

الشيرازي=الشيرازي، محمّد تقي بن

محبعلي

الشيرازي، محمّد تقي بن محبعلي 83،

94، 252، 290، 291، 306، 343،

345، 382، 384، 441

الصائغ، علي بن ميمون 439، 448

صاحب أقرب الموارد=الشرتوني،

سعيد

صاحب التلخيص=الخطيب القزويني،

محمّد بن عبدالرحمان

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر

176، 211، 275، 366

صاحب الرياض=الطباطبائي، علي بن

محمّد علي

صاحب الصحاح=الجوهري، إسماعيل

بن حمّاد

صاحب القاموس=الفيروز آبادي

الشيرازي، محمّد بن يعقوب

صاحب المجمع (مجمع البحرين)=

الطريحي، فخر الدين بن محمّد

صاحب مفتاح الكرامة=العاملي

الغروي، جواد بن محمّد

صاحب المنجد=المعلوف، لويس

صاحب الوسائل=الحرّ العاملي، محمّد

بن الحسن

صاحب منتهى الإرب=الصفي پوري،

عبدالرحيم بن عبدالكريم

الصدوق=ابن بابويه، محمّد بن على

صفوان الجمّال 169، 172، 180، 202،

208، 218

صفوان بن مهران=صفوان الجمّال

صفوان بن يحيى 352

الصفي پوري، عبدالرحيم بن عبدالكريم

9، 26

الصيدلاني، أحمد بن زكريّا 473

الصيقل، الحسن 69، 70، 77، 131،

151

الصيقل، عمر بن يزيد 23، 50

الضحّاك 234

الطباطبائي=الطباطبائي، علي بن

محمّد علي

الطباطبائي، علي بن محمّد علي 282،

284

الطباطبائي=اليزدي، محمّد كاظم بن

عبدالعظيم

الطبرسي، علي بن الحسن 130، 149،

150، 152

ص: 514

الطريحي، فخر الدين بن محمّد 8

طلحة بن زيد 156

الطوسي، محمّد بن الحسن 12، 38، 92،

156، 225، 226، 260، 262، 365

الطيالسي، محمّد بن خالد 180

العاملي الغروي، جواد بن محمّد 226،

282

عبّاس بن هلال 110

عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام 79،

80

عبدالأعلى مولى آل سام=عبدالأعلى

بن أعين مولى آل سام

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 414، 463

عبدالرحمان بن أبي نجران 402

عبدالرحمان بن الحجّاج 121

عبدالعظيم الحسني=عبدالعظيم بن

عبداللّه علیه السلام

عبدالعظيم بن عبداللّه علیه السلام 49، 94، 109،

114، 116، 158

عبداللّه بن أبي يعفور 160، 165، 168،

352

عبداللّه بن العبّاس 118

عبداللّه بن بكير بن أعين=ابن بكير،

عبداللّه

عبداللّه بن سليمان 395

عبداللّه بن سنان 358، 394، 400

عبداللّه بن عجلان 234

عبداللّه بن يحيى 247

عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس=

العطّار النيسابوري، عبدالواحد بن

محمّد

عبدالواحد=العطّار النيسابوري،

عبدالواحد بن محمّد

العبدي، زياد بن مروان 202

عبيداللّه بن زياد 112

عذافر 379

العطّار النيسابوري، عبدالواحد بن محمّد

91، 92

عطاء 70، 77، 151

العلاّمة الحائري=الحائري، عبدالكريم

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 38،

91، 92، 138، 180، 225، 226،

243، 366

العلاء بن سيابة 26، 27، 33، 35، 36،

40

علم الهدى، علي بن الحسين 281، 326،

327

علي بن إبراهيم=القمّي، علي بن

إبراهيم

ص: 515

علي بن أبي حمزة=البطائني، علي بن

أبي حمزة

علي بن جعفر 85، 193، 221

علي بن رئاب 202، 206، 218

علي بن ميمون الصائغ=الصائغ، علي

بن ميمون

علي بن يقطين 47، 196، 197، 199،

208، 220، 224، 268، 472، 473

عمّار ياسر 148، 230، 233، 234،

236، 246، 254، 255

عمر (أخو عذافر) 379

عمر (الخليفة الثاني)=عمر بن الخطّاب

عمر بن الخطّاب 34

عمرو بن عبيد 94، 96

عمرو بن مروان 231

العيّاشي، محمّد بن مسعود 11، 14، 15،

30، 45، 110، 171، 172، 203،

206، 232

عيسى بن حسّان 73، 130، 144، 149،

152

العيص بن القاسم 472

الفضل بن شاذان=ابن شاذان، الفضل

بن شاذان

الفضل بن عبدالرحمان 203، 207

الفضيل بن يسار 21

الفيروز آبادي، محمّد بن يعقوب 8، 26

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى

33، 34

الفيض بن المختار 465

قابيل 43

قتادة 11، 230

قطب الدين الشيرازي، محمّد بن مسعود

61

القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه 110،

164، 226

القمّي=الميرزا القمّي، أبو القاسم بن

محمّد حسن

القمّي، جعفر بن أحمد 130، 150

القمّي، علي بن إبراهيم 48

قنبر بن علي بن شاذان 92

القندي، زياد بن مروان 206

الكابلي، الوليد بن صبيح 167، 187،

194، 218، 378

الكاشاني=الفيض الكاشاني، محمّد بن

شاه مرتضى

كاشف الغطاء، جعفر بن خضر 67، 298،

318

الكاهلي، عبداللّه بن يحيى 167

ص: 516

الكراجكي، محمّد بن علي 156، 159

الكشّي، محمّد بن عمر 92، 180، 195

الكليني، محمّد بن يعقوب 465

مالك 262

مالك بن عطيّة 171

المأمون، خليفة العبّاسي 171

مجاهد 11، 42

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي 138

المحاربي 73، 149

المحقّق التقي=الشيرازي، محمّد تقي

بن محبعلي

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 226،

365

المحقّق الطوسي=نصير الدين الطوسي،

محمّد بن محمّد

محمّد بن إسماعيل بن بزيع 195، 196،

204، 209، 210، 223، 224، 268

محمّد بن سنان 98، 156، 194، 219

محمّد بن علي 30

محمّد بن علي بن عيسى 192

محمّد بن عيسى 12، 23، 30، 46، 197

محمّد بن عيسى بن يقطين 196، 219،

220

محمّد بن قيس 36

محمّد بن مروان 246

محمّد بن مسلم 88، 97، 235، 243،

248، 257، 352، 438، 447، 452،

471

مسعدة بن زياد 24

مسعدة بن صدقة 184، 199، 201،

227، 230، 232، 242، 244، 246،

397

معاذ بيّاع الأكسية=معاذ بن كثير بيّاع

الأكسية

معاذ بن كثير بيّاع الأكسية 137

معاوية بن أبي سفيان، خليفة الاُموي

378، 379

معاوية بن حكيم 152

معاوية بن عمّار 71، 152، 153

معاوية بن وهب 414، 424، 451، 463

المعلوف، لويس 8

معمّر بن خلاّد 15، 25، 32، 45، 46،

50، 110

معمّر بن يحيى 143

المفضّل بن عمر 209، 210، 220

المفيد، محمّد بن محمّد 122، 137،

150، 167، 180، 193، 202

مهران بن محمّد بن أبي نصر 208، 209،

210، 220

ص: 517

ميثم 246

الميرزا القمّي، أبو القاسم بن محمّد حسن

307

النائيني، محمّد حسين 316، 334

النجاشي، أحمد بن علي 92

النجاشي (والي الأهواز) 208، 268،

474

النراقي، أحمد بن محمّد مهدي 323

نصر بن حبيب صاحب الخان 450

نصر صاحب الخان=نصر بن حبيب

صاحب الخان

نصير الدين طوسى، محمّد بن محمّد 60

النظّام 54

النوري (صاحب المستدرك)=النوري،

الحسين بن محمّد تقي

النوري، الحسين بن محمّد تقي 159،

164

النيسابوري، علي بن محمّد بن قتيبة 91،

92

وائل بن حجر 80

الواسطي، أبو يحيى 145، 149، 152

ورّام بن أبي فراس=ورّام، مسعود بن

عيسى

ورّام، مسعود بن عيسى 158، 164

الوشّاء، الحسن بن علي 14

الوليد بن صبيح=الكابلي، الوليد بن

صبيح

هارون الرشيد 170، 197، 221

الهاشمي، إسماعيل بن الفضل 465

هبة اللّه 180، 202

هشام بن سالم 86، 219، 450، 451

الهمداني، صالح بن سهل 150

هود أبو أيّوب الأنصاري 439، 447،

452

الهيثم بن أبي روح صاحب الخان 451

الهيثم=الهيثم بن أبي روح

صاحب الخان

ياسر الخادم 15، 32

يحيى بن إبراهيم 188

اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم 286،

320، 400، 407، 432، 445، 519

يونس بن حمّاد 193

يونس=يونس بن عبدالرحمان

يونس بن عبدالرحمان 139، 449، 451

يونس بن عمّار 193

يونس بن يعقوب 169

ص: 518

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 8، 36، 80، 86، 426

الاحتجاج 69، 70، 71، 72، 81، 264،

367، 408، 418

الاختصاص 122، 180، 181

الإخوان=مصادقة الإخوان

أقرب الموارد 26

بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر 306

الرياض=رياض المسائل

البيع للإمام الخميني (سلام اللّه عليه)

474

تحف العقول 21، 182، 198، 200

التذكرة=تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 38، 366

تعليقة السيّد الطباطبائي على

المكاسب=حاشية المكاسب

للمحقّق اليزدي

تعليقة العلاّمة الشيرازي على

المكاسب=حاشية المكاسب

للمحقّق الشيرازي

تعليقة المحقّق الإيرواني على

المكاسب=حاشية المكاسب

للمحقّق الإيرواني

تفسير أبي الفتوح=روض الجِنان

وَروح الجَنان

تفسير الإمام العسكري علیه السلام 266

تفسير العيّاشي 11، 14، 15، 110، 171،

173

تفسير علي بن إبراهيم=تفسير القمّي

تفسير القمّي 48

التلخيص=تلخيص المفتاح

تلخيص المفتاح 55

التهذيب=تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 12، 79، 193

جامع الأخبار 131، 159

ص: 519

جامع البزنطي 49

الجعفريات 149، 234

الجواهر=جواهر الكلام

جواهر الكلام 67، 176، 211، 243،

275، 282، 366

حاشية المكاسب للمحقّق الإيرواني 241

حاشية المكاسب للمحقّق الشيرازي 83،

306، 345

حاشية المكاسب للمحقّق اليزدي 286،

320

روض الجِنان وَروح الجَنان 113

الخصال 90

الخمس للشيخ الأنصاري 456

دعائم الإسلام 113

الدعوات 110

رجال الكشّي 180، 195

رسالة التقيّة للإمام الخميني (سلام اللّه

عليه) 241، 260

رسالة التيمّم=الطهارة للإمام الخميني

(سلام اللّه عليه)، التيمّم

رسالة القضاء للشيخ الأنصاري 362

رسالة لا ضرر للإمام الخميني (سلام اللّه

عليه)=بدائع الدرر في قاعدة نفي

الضرر

رياض المسائل 243، 256، 281، 282،

284

السرائر 226، 261، 451

الشرائع=شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 261، 366

شرح حكمة الإشراق 61

شرح القواعد لكاشف الغطاء 318

الصحاح 10، 26، 27، 42، 272

الصلاة للحائري 359

الطهارة للإمام الخميني (سلام اللّه عليه)،

التيمّم 276

العلل=علل الشرائع

علل الشرائع 377، 379

عوالي اللآلي 166

العيون=عيون أخبار الرضا علیه السلام

عيون أخبار الرضا علیه السلام 90، 91

الفصول الغروية 178

فقه الرضا علیه السلام =الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 131

الفقيه=من لا يحضره الفقيه

القاموس المحيط 8، 9، 26، 42، 168

القواعد=قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 318، 366

ص: 520

القوانين=قوانين الاُصول

قوانين الاُصول 307

الكافي 79، 376

كتاب البزنطي 49، 79

كتاب الراوندي=النوادر للسيّد فضل

اللّه الراوندي

كتاب طلحة 156

كتاب عبداللّه بن بكير بن أعين 78، 79

كتاب الغيبة لفضل بن شاذان 118

كتاب مسائل الرجال 192

كنز الكراجكي=كنز الفوائد

كنز الفوائد 156، 159

لسان العرب 9، 26

المبسوط 80

المجمع=مجمع البحرين

مجمع البحرين 8، 9، 11، 26، 272

مجمع البيان 11، 42، 86، 230

المختلف=مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 92

المراسم 261

المسالك=مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 281

المستدرك=مستدرك الوسائل

مستدرك الوسائل 84، 159، 202، 218

المستطرفات=مستطرفات السرائر

مستطرفات السرائر 24، 49، 78، 79،

192، 204

المستند=مستند الشيعة

مستند الشيعة 243

المشكاة=مشكاة الأنوار في غرر

الأخبار

مشكاة الأنوار في غرر الأخبار 150

مصادقة الإخوان 71

معيار اللغة 272

مفتاح الكرامة 226، 281، 282

المقنع 9، 41، 43، 44، 191، 219

المكاسب للشيخ الأنصاري 83، 241،

260، 270

منتهى الإرب 9، 26، 271

المنتهى=منتهى المطلب

منتهى المطلب 225، 226، 243، 261

المنجد 8، 9، 11، 26، 42، 54، 272

من لا يحضره الفقيه 33، 34، 39، 44،

140، 219

النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى 30،

415

النوادر للسيّد فضل اللّه الراوندي 159،

160

ص: 521

النهاية=النهاية في مجرّد الفقه

والفتاوى

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 226،

260، 365

الوافي 167

الوسائل=وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 15، 34، 84، 167، 173،

358

الهداية للصدوق 236

ص: 522

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - أجود التقريرات (تقريرات المحقّق النائيني) . السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1317 - 1413) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر(عج) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة ستارة ، 1419 ق .

2 - الاحتجاج . أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ( القرن السادس) ، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات اُسوة ،

1413 ق .

3 - الاختصاص . المنسوب إلى أبي عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

4 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

5 - الارءشاد في معرفة حجج اللّه على العباد ، ضم-ن «مصنّفات الشيخ المفيد» ج 11 . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (336

- 413) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، جزءان في

ص: 523

مجلّد واحد ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ق .

6 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

7 - الإشارات والتنبيهات ، مع الشرح للمحقّق نصير الدين الطوسي وشرح الشرح للعلاّمة قطب الدين الرازي . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، طهران ، دفتر نشر كتاب ، 1403 ق .

8 - أقرب الموارد . سعيد الخوري الشرتوني اللبناني ، 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

9 - الاُمّ . أبو عبداللّه محمّد بن إدريس الشافعي (150 - 204) ، تصحيح محمّد زهري النجّار ، بيروت ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1408 ق .

10 - الأمالي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الثقافة ، 1414 ق .

11 - الأمالي أو المجالس . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1400 ق .

12 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

13 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=

موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ب»

14 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ (إلاّ 6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

15 - بحوث في الفقه ، (يحتوي على صلاة الجمعة، صلاة المسافر، الإجارة). الشيخ محمّد

ص: 524

حسين الأصفهانى (م 1361) ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1409 ق .

16 - بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

17 - البيع ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ».=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ت»

18 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن ابن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1421 ق .

19 - تحف العقول عن آل الرسول . أبو محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

20 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى

الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

21 - تفسير الصافي . محمّد بن مرتضى المولى محسن الفيض الكاشاني (1007 - 1091) ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، مشهد ، دار المرتضى للنشر ، 1402 ق .

22 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

23 - تفسير القمّي . أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307) ، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري ، الطبعة الثالثة ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب ، 1404 ق .

24 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السلام . تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، الطبعة الاُولى، قم، مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1409 ق .

ص: 525

25 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) . أبو الحسين ورّام بن أبي فرّاس المالكي الأشتري (م 605)، الطبعة الثالثة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1368 ش.

26 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة

المرتضوية ، 1352 ق .

27 - التوحيد . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1398 ق .

28 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385-460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

«ث»

29 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1391 ق .

«ج»

30 - جامع الأخبار . الشيخ محمّد بن محمّد السبزواري (من أعلام القرن السابع) ، تحقيق علاء آل جعفر ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

31 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد . محمّد بن علي الأردبيلي (م 1101) ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

32 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي (868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

ص: 526

33 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .

34 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

35 - الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف ابن المطهّر (648 - 726) ، قم ، انتشارات بيدار ، 1413 ق .

«ح»

36 - حاشية المكاسب . الحاج ميرزا علي الإيرواني الغروي ، تحقيق باقر الفخّار الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار ذوي القربى ، 1421 ق .

37 - حاشية المكاسب . الشيخ محمّد حسين الغروي الأصفهاني (1296 - 1361) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، ذوي القربى ، 1418 ق .

38 - حاشية المكاسب . العلاّمة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار المصطفى

لإحياء التراث ، 1423 ق / 2002 م .

39 - حاشية المكاسب . العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي (م 1338) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، انتشارات الشريف الرضي ، 1412 ق .

40 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

41 - الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة . صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) ، الطبعة الثانية ، 9 مجلّدات ، قم ، مكتبة المصطفوي .

ص: 527

«خ»

42 - الخصال . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ،

قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

43 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

44 - خلاصة عبقات الأنوار . السيّد حامد الحسيني النقوي (1246 - 1306)، تلخيص علي الحسيني الميلاني ، 9 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة البعثة ، 1406 ق .

45 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1407 ق .

46 - الخمس ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 11 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1415 ق .

«د»

47 - درر الفوائد . العلاّمة الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ، تعليق آية اللّه الشيخ محمّد علي الأراكي والمؤلّف ، تحقيق الشيخ محمّد المؤمن القمّي ، الطبعة الخامسة ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1408 ق .

48 - الدرر اللآلي . الشيخ محمّد بن عليّ الأحسائي ، مخطوط في المكتبة المرعشيّة ، تحت رقم 267 ، قم .

49 - الدرة الباهرة من الأصداف الطاهرة . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، المشهد الرضوي ، مؤسّسة الآستانة الرضوية ، 1365 ق .

ص: 528

50 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م .

51 - الدعوات . المولى أبو الحسين سعيد بن هبة اللّه المشهور ب- «قطب الدين الراوندي» (م 573) ، تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، الطبعة الاُولى ، قم ، انتشارات مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1407 ق .

«ر»

52 - رجال الطوسي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1415 ق .

53 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

54 - الرسالات الفقهية والاُصولية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

55 - رسائل فقهية ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 23 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1414 ق .

56 - روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن (تفسير أبي الفتوح رازي) . حسين بن علي بن محمّد بن أحمد الخزاعي النيسابوري المشهور ب- «أبو الفتوح الرازي» (م قرن ششم) ، تحقيق دكتر محمّد جعفر ياحقي ودكتر محمّد مهديّ ناصح ، چاپ دوم ، 20 جلد مشهد ، انتشارات آستان قدس رضوى ، 1377 ش .

57 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد

ص: 529

العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .

58 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

«ز»

59 - زبدة البيان في أحكام القرآن . مولانا أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق محمّد باقر البهبودي ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية .

«س»

60 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

61 - السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج ، المطبوع ضمن «الخراجيات» . الشيخ إبراهيم ابن سليمان المعروف ب- « الفاضل القطيفي» ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

62 - سنن ابن ماجة . أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275) ، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية .

63 - السنن الكبرى . أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 - 458) ، إعداد الدكتور يوسف عبدالرحمن المرعشلي ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة ، 1413 ق / 1992 م .

«ش»

64 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن

ص: 530

ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

65 - شرح المنظومة . المولى هادي بن مهديّ السبزواري (1212 - 1289) ، تصحيح وتعليق وتحقيق حسن حسن زاده الآملي ومسعود الطالبي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، طهران ، نشر ناب ، 1369 - 1379 ش .

66 - شرح حكمة الإشراق . محمّد بن مسعود بن مصلح المشهور بقطب الدين الشيرازي (م 710) ، قم ، انتشارات بيدار .

67 - شرح قواعد الأحكام . الشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناجي (كاشف الغطاء) (1156 - 1228) ، تحقيق السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، سعيد بن جبير ، 1422 ق / 2002 م .

68 - الشفاء. الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، تحقيق عدّة من الأساتذة ، 10 مجلّداً (الإلهيات + المنطق 4 مجلّدات + الطبيعيات 3 مجلّدات + الرياضيات مجلّدان) ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ق .

«ص»

69 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملاي-ين ،

1407 ق / 1987 م .

70 - الصلاة . المحقّق الحائري (م 1355) ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1362 ش .

«ط»

71 - الطهارة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ع»

72 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

ص: 531

73 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

74 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّدالشهداء ، 1403 ق .

75 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

«غ»

76 - غاية المرام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري البحراني ( القرن التاسع) ، تحقيق الشيخ جعفر الكوثراني العاملي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الهادي للطباعة والنشر ، 1420 ق / 1999 م .

77 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

«ف»

78 - الفصول الغروية في الاُصول الفقهية . محمّد حسين بن عبدالرحيم الطهراني الأصفهاني الحائري (م 1250) ، قم ، دار إحياء العلوم الإسلامية ، 1404 ق . «بالاُفست عن الطبعة الحجرية» .

79 - فقه القرآن . قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة اللّه الراوندي (م 573) ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ق .

80 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة

ص: 532

الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

81 - الفقه على المذاهب الأربعة . عبدالرحمن الجزيري ، الطبعة السابعة ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1986 م .

82 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

83 - الفهرست . أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

«ق»

84 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

85 - القبسات . السيّد محمّد باقر بن شمس الدين محمّد الحسيني الأسترآبادي المعروف ب«الميرداماد» (م 1041) ، تحقيق الدكتور مهدي المحقّق ، الطبعة الثانية ، طهران ، انتشارات و چاپ دانشگاه طهران ، 1374 ش .

86 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1413 ق .

87 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

88 - قوانين الاُصول . ميرزا أبو القاسم القمّي بن المولى محمّد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمّي (1151 - 1231) ، مجلّدان ، الطبعة الحجرية ، المجلّد الأوّل ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية ، 1378 ، والمجلّد الثاني ، طهران ، المستنسخة سنة 1310 ق .

ص: 533

«ك»

89 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

90 - كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء . الشيخ جعفر بن خضر المعروف بكاشف الغطاء (1156 - 1228) ، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّداً ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق / 1380 ش .

91 - كنز الفوائد . أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (م 449) ، تحقيق الشيخ عبداللّه نعمة ، الطبعة الاُولى ، جزءان ، قم ، منشورات دار الذخائر ، 1410 ق .

«ل»

92 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

«م»

93 - المبسوط . شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483) ، 30 جزءاً في 15 مجلّداً ، بيروت ، دار المعرفة ، 1409 ق / 1989 م .

94 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي، الطبعة الثانية، 8 أجزاء في 4

مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

95 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985 م .

ص: 534

96 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، دار

المعرفة للطباعة والنشر .

97 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

98 - المحاسن . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .

99 - مختصر المزني . إسماعيل بن يحيى المُزني (م 264) ، بيروت ، دار المعرفة للطباعة والنشر .

100 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

101 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

102 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي ، (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

103 - المراسم في فقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

104 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15

ص: 535

مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

105 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي ، (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

106 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

107 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار . أبو الفضل علي الطبرسي (م قرن هفتم) ، تحقيق مهدي هوشمند ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الحديث ، 1418 ق .

108 - المصابيح في الفقه . السيّد محمّد مهدي الطباطبائي الملقّب ب- «بحرالعلوم» (م 1212) ، قسم التجارة من مخطوطة مكتبة آية اللّه الگلپايگاني تحت الرقم 31 / 107 .

109 - مصادقة الإخوان . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق السيّد علي الخراساني ، قم ، ليتوغراف الكرماني ، 1402 ق / 1982 م (بالاُوفست عن طبع منشورات مكتبة الإمام صاحب الزمان العامّة ، الكاظمية - العراق ، 1366 ق ).

110 - مصباح الفقاهة (تقريرات المحقّق آية اللّه الخوئي) . محمّد عليّ التوحيديّ ، 7 مجلّدات ، انتشارات وجداني ، 1371 ش.

111 - المطوّل في شرح تلخيص المفتاح . سعد الدين التفتازاني الهروي مسعود بن عمر بن عبداللّه (م 792) ، وبهامشه حاشية المير سيّد شريف ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي

النجفى ، 1407 ق .

112 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .

ص: 536

113 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم . محمّد فؤاد عبدالباقي ، چاپ دوم ، طهران، انتشارات حرّ ، 1383 .

114 - معيار اللّغة . الميرزا محمّد علي بن محمّد صادق الشيرازي ، الطبعة الحجرية ، ايران ، 1311 - 1316 ق .

115 - مفتاح العلوم . أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمّد بن علي السكّاكي (م 626) ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1348 ق .

116 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

117 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1415 ق .

118 - المكاسب ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 14 - 19 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1415 - 1420 ق .

119 - الملهوف على قتلى الطفوف . أبو القاسم رضيّ الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني (م 664) ، تحقيق الشيخ فارس تبريزيان «الحسّون» ، الطبعة الثانية ، طهران ، دار الاُسوة للطباعة والنشر ، 1417 ق / 1375 ش .

120 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .=موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

121 - منتهى الإرب في لغة العرب . عبدالرحيم بن عبدالكريم الصفيپور ، 4 أجزاء في مجلّدين ، طهران ، كتابخانه سنائي ، 1298 ق .

122 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 537

المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .

123 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

124 - منية الطالب في شرح المكاسب (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ موسى بن محمّد النجفي الخوانساري (1254 - 1363) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1424 ق .

125 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

126 - الموطّأ . أبو عبداللّه مالك بن أنس بن مالك (93 - 179) ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1985 م .

127 - المهذّب . أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481) ، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

«ن»

128 - النوادر . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي ، تحقيق مؤسّسة الإمام المهدي(عج) ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام المهدي (عج) ، 1408 ق .

129 - النوادر . السيّد فضل اللّه بن علي الحسيني الراوندي (483 - 571) ، تحقيق سعيد رضا علي عسكري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة دار الحديث ، 1377 ش .

130 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

ص: 538

«و»

131 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1412 ق .

132 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

والطبعة الحجرية منه ، 3 مجلّدات ، طهران ، دارالطباعة ، 1293 ق .

«ه-»

133 - الهداية[في الاُصول والفروع] . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، الطبعة

الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1418 ق .

ص: 539

ص: 540

7 - فهرس الموضوعات

المسألة الرابعة : في حرمة القمار

حرمة اللعب بالآلات المعدّة للقمار مع رهان لصدق عنواني القمار والميسر عليه ··· 7

في عدم صدق عنواني القمار والميسر على اللعب بغير الآلات بلا رهان ··· 8

في عدم صدق عنواني القمار والميسر على اللعب بغير الآلات مع رهان ··· 8

في عدم صدق عنواني القمار والميسر على اللعب بالآلات بلا رهان ··· 8

في استفادة حرمة اللعب بالآلات بلا رهان من الكتاب ··· 12

في الاستدلال على حرمة اللعب بالآلات بلا رهان بالروايات ··· 17

حكم اللعب بغير آلات القمار مع رهان ··· 25

في الاستدلال على الحكم بدعوى صدق القمار عرفاً على مطلق اللعب برهن ··· 25

في الاستدلال على الحكم بآية )انما الخمر والميسر . . .( ··· 28

في الاستدلال على الحكم بآية التجارة ··· 29

في الاستدلال على الحكم بالروايات ··· 32

حكم المغالبة بغير عوض في غير ما استثني ··· 38

فرعان :

الأوّل : حرمة المال المأخوذ بالقمار بعنوانه ··· 45

الثاني : دلالة الكتاب والسنّة على أنّ القمار من الكبائر ··· 47

ص: 541

المسألة الخامسة : في الكذب

ماهية الصدق والكذب ··· 52

في عدم تقوّم الكذب بالقول واللفظ ··· 57

في عدم تقوّم الكذب على إفهام المخاطب ··· 60

الميزان في صدق المتكلّم وكذبه ··· 63

عدم كون التورية وخلف الوعد كذباً ··· 65

حرمة الكذب وما يلحق به ··· 65

انصراف أدلّة الحرمة عن الكذب عند نفسه ··· 66

حكم ما يفيد فائدة الكذب كالتورية والإنشاء والأفعال ··· 67

انصراف المطلقات عن الكذب في مقام الهزل ··· 82

حكم الإخبار عن قضيّة مشكوك فيها ··· 84

ينبغي التنبيه على أمرين :

الأمر الأوّل : في كون الكذب من الكبائر ··· 90

الاستدلال بالروايات على كون الكذب مطلقاً من الكبائر ··· 90

الاستدلال بروايتي العيون والخصال ··· 90

إشكال العلاّمة الشيرازي في المقام ··· 94

الاستدلال بموثّقة محمّد بن مسلم ··· 97

الاستدلال بالمرسلة التي ذكرها الشيخ الأعظم ··· 106

الاستدلال برواية أنس ··· 107

الاستدلال برواية أبي ذرّ ··· 108

الاستدلال بالروايات الدالّة على عدم اجتماع الكذب والإيمان ··· 109

الاستدلال بالروايات الدالّة على أنّ قول الزور عدل الشرك ··· 113

الاستدلال بمرسلة الصدوق ··· 117

ص: 542

الاستدلال بروايات ضعيفة سنداً أو دلالة ··· 118

في أنّ الكذب كبيرة في الجملة ··· 119

دفع كون تحريم الكذب باعتبار اللواحق ··· 123

حكم العقل بقبح الكذب ذاتاً ··· 123

مناط حكم الشرع في الكذب غير مناط حكم العقل ··· 125

مقتضى الروايات حرمة الكذب مطلقاً ··· 126

الأمر الثاني : في مسوّغات الكذب ··· 133

في أنَّ الضرورة من مسوّغات الكذب ··· 133

في أنّ إرادة الإصلاح من مسوّغات الكذب ··· 149

هل يجوز الكذب في الوعد مع الأهل أم لا ؟ ··· 153

المسألة السادسة : في معونة الظالم

هل تكون معونة الظالم من الكبائر مطلقاً أم لا ؟ ··· 155

أقسام الظالم ··· 155

معونة الظلمة الذين يتلبّسون بظلمٍ ما ··· 156

معونة الظلمة الذين يكون الظلم شغلاً لهم وغيرهم من الاُمراء والسلاطين والخلفاء ··· 160

المسألة السابعة : في الولاية من قبل الجائر

حرمة الولاية من قبل الجائر ··· 174

في الروايات الدالّة على أنّ حرمة الولاية لأجل حرمة التصرّف في سلطان الإمام ··· 178

في الروايات الدالّة على حرمة الولاية ذاتاً ··· 182

في الروايات الدالّة على أنّ الحرمة لأمر خارج ··· 186

في الروايات الظاهرة في الحرمة بلا عنوان ··· 187

ص: 543

عدم المنافاة بين الأخبار ··· 188

مسوّغات الولاية من قبل الجائر ··· 190

ثمّ إنّه يسوّغ الدخول في أعمالهم أمران :

الأمر الأوّل : القيام بمصالح العباد ··· 190

ذكر الروايات في المسألة ··· 191

عدم المعارضة بين الروايات لدى العرف والعقلاء ··· 200

كلام الشيخ الأعظم في الولاية المكروهة والمستحبّة ··· 208

في وجوب تصدّي الولاية فيما توقّف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه ··· 211

مقتضى القواعد مع قطع النظر عن الأخبار ··· 211

مقتضى الأخبار في المقام ··· 215

هل يمكن إلغاء الخصوصية من مورد الجواز أم لا ؟ ··· 222

المتيقّن من الأدلّة جواز الدخول لإصلاح حال الشيعة ··· 224

ذكر كلمات الأصحاب في المقام ··· 225

الأمر الثاني ممّا يسوّغ الولاية : العذر كالاضطرار أو التقيّة أو الإكراه ··· 227

وينبغي التنبيه على اُمور :

التنبيه الأوّل : شمول أدلّة الإكراه لمطلق المحرّمات ··· 228

ما استدلّ به على اختصاص أدلّة الإكراه بحقّ اللّه وردّه ··· 228

مستثنيات إطلاق أدلّة الإكراه ··· 241

استثناء ما يؤدّي إلى الفساد في الدين ··· 241

استثناء ما يؤدّي إلى الدم ··· 243

مفاد قوله علیه السلام : «فإذا بلغت الدم فلا تقيّة» ··· 248

في دوران الأمر بين مباشرة القتل وبين إيقاع النفس في الهلكة ··· 252

التنبيه الثاني : حكم سائر أقسام التقيّة ··· 257

ص: 544

حكم التقيّة إذا خاف على عرض مؤمن أو ماله ··· 264

التنبيه الثالث : الإشكال على ما ذكره الشيخ في معنى الإكراه ··· 270

بطلان تفسير الإرادة بالشوق المتأكّد ··· 273

التنبيه الرابع : فيما ذكره الشيخ من أنّ قبول الولاية مع الضرر المالي اليسير رخصة ··· 276

التفصيل بين ما إذا كان المورد من موارد التقيّة الواجبة وبين غيره ··· 276

القسم الخامس

الاكتساب بما يجب على الإنسان فعله

حرمة التكسّب بالواجبات ··· 281

في محطّ البحث ··· 281

حول إشكال منافاة وصف التعبّدية لأخذ الاُجرة ··· 282

في الجواب عن إشكال المنافاة بطولية داعي الامتثال ··· 289

في اعتبار الهية جميع الدواعي الطولية والعرضية في العبادة ··· 296

التحقيق : عدم اعتبار الإخلاص التامّ في العبادة ··· 298

إشكال العلاّمة الشيرازي في المقام والجواب عنه ··· 306

إبطال المحقّق الإيرواني الداعي على الداعي وردّه ··· 308

حول إشكال منافاة وصف الوجوب لأخذ الاُجرة ··· 310

الكلام في الواجب العيني التعييني ··· 310

استدلال الشيخ الأعظم على المنافاة وردّه ··· 310

ما أجاب به المحقّق الأصفهاني عن مقالة الشيخ وما فيه ··· 313

استدلال المحقّق النائيني على المنافاة وردّه ··· 316

استدلال كاشف الغطاء على المنافاة وردّه ··· 318

بيان السيّد الطباطبائي في عدم المنافاة وما فيه ··· 320

ص: 545

استدلال المحقّق النراقي في المقام وما فيه ··· 323

تقرير آخر للاستدلال على المنافاة ··· 325

أخذ الاُجرة في الواجب التخييري ··· 328

تصوير تعلّق الملكية بالواجب التخييري ··· 329

أخذ الاُجرة في الواجب الكفائي ··· 331

تنبيه : أخذ الاُجرة في الواجبات النظامية ··· 332

جواب المحقّق النائيني عن الإشكال في الواجبات النظامية ··· 334

جواب الشيخ الأعظم عن الإشكال في الواجبات النظامية ··· 339

تصحيح العبادات الاستئجارية ··· 346

في ماهية النيابة ··· 346

احتمال كون النيابة تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه ··· 346

احتمال كون النيابة تنزيل العمل لا تنزيل الشخص ··· 355

التحقيق في النيابة ··· 357

ما يرد على كلام العلاّمة الحائري والشيخ الأعظم في المقام ··· 359

خاتمة

فيها مسألتان :

المسألة الاُولى : في جوائز السلطان الجائر وعمّاله ··· 365

وفيها صور :

الصورة الاُولى : عدم العلم بوجود الحرام في جملة أموال الجائر ··· 365

الصورة الثانية : العلم الإجمالي بوجود الحرام في أموال السلطان الجائر ··· 370

وفيها صورتان :

الاُولى : فيما لو كان العلم الإجمالي غير منجّز كالشبهة غير المحصورة ··· 370

ص: 546

حول القول بكراهة أخذ الجوائز في المقام ··· 373

الثانية : فيما لو كان العلم الإجمالي منجّزاً كالشبهة المحصورة ··· 380

حول جريان أصالة الحلّ في المقام ··· 380

حول جريان قاعدة اليد في المقام ··· 388

حول جريان أصالة الصحّة في المقام ··· 390

صورة تنجيز العلم الإجمالي في جميع الأطراف ··· 393

تمسّك السيّد الطباطبائي بالروايات الواردة في شراء السرقة والربا ··· 400

في التمسّك بالروايات الواردة في جوائز السلطان وعمّاله ··· 407

الصورة الثالثة : العلم التفصيلي بحرمة المأخوذ من السلطان الجائر ··· 419

الإشارة إلى مفاد الأدلّة الاجتهادية ··· 419

حال الصور المتصوّرة في المقام من حيث الحكم التكليفي ··· 423

بيان حال الاستصحاب ومورد جريانه ··· 425

حال صور المتصوّرة في المقام من حيث الحكم الوضعي ··· 428

في أنّ الأخذ بنيّة التملّك مع الجهل بكونه للغير موجب للضمان ··· 432

في بقاء الضمان مع نيّة الحفظ بعد العلم بالحال ··· 433

في وجوب ردّ المأخوذ إلى صاحبه ··· 435

في وجوب الفحص عن المالك لو كان مجهولاً ··· 437

تعيين مقدار الفحص ··· 443

مقتضى القواعد في مصرف مجهول المالك ··· 445

مقتضى الأخبار في مصرف مجهول المالك ··· 447

في ضمان المتصدّق إذا لم يرض به صاحبه ··· 453

المسألة الثانية : حكم الخراج والمقاسمة إذا أخذهما السلطان الجائر ··· 457

الاستدلال بالروايات على جواز الشراء من الجائر ··· 458

ص: 547

الاستدلال بالأخبار الواردة في تقبّل الخراج ··· 464

ينبغي التنبيه على بعض الاُمور :

الأمر الأوّل : حكم الشراء من السلطان قبل الأخذ ··· 468

الأمر الثاني : حكم أداء الزكاة ونحوها إلى الجائر ··· 470

فهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ··· 477

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ··· 485

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ··· 505

4 - فهرس الأعلام ··· 509

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ··· 519

6 - فهرس مصادر التحقيق ··· 523

7 - فهرس الموضوعات ··· 541

ص: 548

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.