موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 13 المکاسب المحرمة المجلد 1

هویة الکتاب

عنوان واسم المؤلف: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلد 13 المکاسب المحرمة المجلد 1/ [روح الله الامام الخمیني قدس سرة].

مواصفات النشر : طهران : موسسة تنظیم و نشر آثارالامام الخمیني قدس سرة، 1401.

مواصفات المظهر: 625ص.

الصقيع: موسوعة الامام الخمیني قدس سرة

ISBN: 9789642123568

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.

عنوان : الخميني، روح الله، قائد الثورة ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، 1279 - 1368.

عنوان : الفقه والأحكام

المعرف المضاف: معهد الإمام الخميني للتحرير والنشر (س)

ترتيب الكونجرس: BP183/9/خ8الف47 1396

تصنيف ديوي : 297/3422

رقم الببليوغرافيا الوطنية : 3421059

عنوان الإنترنت للمؤسسة: https://www.icpikw.ir

ص: 1

اشارة

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

كتاب «المكاسب المحرّمة» حصيلة تدريس الإمام الخميني قدّس سرّه للفقه على مستوى ما يسمّى بالخارج في الحوزة العلمية، بقم المقدّسة، من عام 1377 ق إلى عام 1380 ق بعد إكمال مباحث «كتاب الطهارة».

ثمّ إنّ البحث حول المكاسب المحرّمة وإن كان مطروحاً في أوّل كتاب «البيع» أو «التجارة» من تأليفات الفقهاء، ولكنّه لا يختصّ بالبيع المحرّم، بل يشمل عامّة المعاملات المحرّمة حرمةً تكليفية ومن هذا المنظار يعتبر هذا البحث من الأبحاث الخطيرة في الفقه، ومن خلاله يتعرّض الفقهاء للبحث عن محرّماتٍ شرعية اُخرى لا صلة لها بالمعاملات إلاّ قليلاً كالغيبة والكذب.

بعد أن ألّف اُستاذ الفقهاء والمجتهدين والعلاّمة المرحوم الشيخ مرتضى الأنصاري قدّس سرّه (1214 - 1281 ق) كتاب «المكاسب المحرّمة» وطرح هذه الأبحاث بصورة تفصيلية، صار هذا الكتاب محوراً رئيسيّاً للتدريس والتحقيق، وكتَب الفقهاء من بعده تعليقات وشروحاً على كتابه.

أمّا كتاب «المكاسب المحرّمة» للإمام الخميني قدّس سرّه فلم ينظّم كشرح ولا

ص: 5

تعليقة لكتاب الشيخ الأعظم قدّس سرّه ولكنّه من حيث ترتيب الأبواب والفصول يحاكي تماماً نظيره في الاسم كما يتعرّض لأدلّة الشيخ والمحشّين على كتابه وما طرح كلّ منهم من النقد والإشكال، ولكنّ الإمام الخميني قدّس سرّه سلك مسلكاً مستقلاًّ في الدخول إلى المباحث والخروج منها وانتخاب الأدلّة بحيث لا يمكن التطرّق إلى كتاب الشيخ قدّس سرّه وأبحاثه بالرجوع إلى هذا الكتاب، بل هناك صعوبات يواجهها كلّ من حاول هذا الأمر. كما أنّ بعضاً من الأبحاث كالتنجيم والسحر لم يرد منه شيء في الكتاب.

ممّا يمتاز به هذا الكتاب عن نظائره، اهتمام بالغ من الإمام قدّس سرّه بفقه الحديث وفهم الروايات ولذلك نشاهد كثيراً في المباحث إبداعاً للاحتمالات والبحث حولها والترجيح للمعنى المختار اعتماداً على الفهم العرفي واُسلوب الكلام وكذلك الجمع بين الأخبار المتعارضة ظاهراً.

دار البحث في هذا الكتاب عن مسائل اُصولية وقواعد فقهيّة في مواضع اقتضت المناسبة ذاك الأمر ومن جملتها: مباحث العلم الإجمالي والاستصحاب، والسرّ في عدم التعارض بين أدلّة المندوبات والمحرّمات ورفع الإكراه والاضطرار، وفروعات من أصالة الصحّة وأصالة الحلّية، وقاعدة التقيّة، والملازمة بين حكم العقل والشرع.

انتهى تأليف هذا الكتاب في الثامن من جمادى الاُولى 1380 ق / 1339 ش ونُشر لأوّل مرّة في عام 1381 ق برعاية من المرحوم آية اللّه الشيخ مجتبى الطهراني قدّس سرّه من تلاميذ سماحته.

ثمّ نشرت مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني هذا الكتاب في عام

ص: 6

1415 ق مع مقابلة بالنسخة المخطوطة الأصلية وتحقيق جديد إضافة إلى مصادر الأقوال والإتيان بالعناوين والتحرير والفهارس الفنية العديدة ومقدّمة مفصّلة حول منهج الإمام قدّس سرّه الفقهي.

منهجنا في التحقيق

وما قمنا به في طريق تحقيق هذا الكتاب عبارة عن الاُمور التالية:

1 - المقابلة بالنسخة الخطّية بقلم الإمام قدّس سرّه وهي النسخة الأصلية.

2 - تخريج الآيات والأحاديث الواردة في هذا الكتاب من مصادرها الأصلية، وكان همّنا انطباق المصادر الحديثية مع ما في النسخة الخطّية التي كانت بخط الإمام الراحل قدر المستطاع.

وفي صورة الاختلاف كانت تلحظ الطبعات المختلفة (القديمة والحديثة) وإذا كانت النسخة الخطّية تطابق أيّ واحد من تلك الطبعات ذكرت تلك الطبعة أوّلاً واُشير إلى الطبعات الاُخرى ثانياً.

3 - تخريج أقوال الفقهاء والعلماء الذين ذكرت أسماؤهم في أثناء الكتاب وأبحاثه ممّن اُشير إليهم بالصراحة، أو بعنوان: «قيل» أو «يقال» أو بصورة «الدعوى» وذلك من مصادرها الأصلية. وعبّرنا بلفظ «اُنظر» فيما لو لم نتمكّن من تحديد صاحب القول الأصلي، أو لم نعثر على القول في كتابه، أو لم يكن المنقول مطابقاً للموجود في الكتاب.

على أنّ الإمام قدّس سرّه ربّما ذكر احتمالاً أو اعتراضاً، أو إشكالاً في بعض المواضع من البحث من دون أن يكون له قائل أو محتمل ظاهراً، وإنّما هو احتمال بدر إلى ذهنه الشريف، وجال في خاطره المبارك.

ص: 7

4 - تقويم نصّ الكتاب وتقطيع عباراته وجعل علائم الترقيم.

5 - حيث إنّ كتاب «المكاسب المحرّمة» كان مليئاً بالموضوعات الفقهية المتنوعة، وقد تعرّض الإمام لهذه الموضوعات تحت عنوان كلّي في الغالب، ولم يبوّبها أو لم يفتح لها عنواناً خاصّاً، لذلك سعينا إلى أن نضع لهذه الموضوعات عناوين مستقلّة بصورة أصلية أو فرعية، ولهذا فإنّ أكثر العناوين الموجودة في هذا الكتاب قد جُعلت من قبلنا من باب التيسير والتسهيل، وقد أضفناها إلى الكتاب اقتباساً من أبحاث الإمام المؤلّف الجليل.

6 - حيث كانت طبعات بعض مصادر التحقيق مختلفة، لهذا عمدنا - مضافاً إلى ترتيب فهرس للمواضيع - ترتيب فهرس لمصادر التحقيق مشيرين إلى طبعة تلك المصادر.

7 - في المواضع التي كان سند الرواية في نصّ الكتاب ضعيفاً حسب نظر الإمام، أشرنا إلى سبب التضعيف بمراجعة الكتب الرجالية، في الهامش.

الآن نقدّم الكتاب إلى المشتاقين مع تصحيح من جديد وإكمال وإصلاح للتحقيقات السابقة والإتيان بالمصادر وفقاً للطبعات الجديدة من الكتب ضمن موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

ختاماً نتقدّم بالشكر الجزيل والثناء الجميل لجميع الأفاضل الذين ساهموا في هذا المشروع المبارك لنشر هذه الموسوعة ، ونسأل الباري أن يوفّقهم جميعاً ويثيبهم من فضله .

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه

فرع قم المقدّسة

ص: 8

مقدّمة بقلم آیة الله السیّد محمّد الهاشمي

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي جعل الكمال كلَّه في التفقّه

في الدين، وجعل التفقّه في الدين طريقاً إلى امتثال

أوامره ونواهيه، ومفتاحاً للدخول إلى جنّة رضاه، ونيل مثوباته ومواعيده.

والصلاة والسلام على الهادي إلى الطريقة المثلي، والمبشّر بالسعادة العظمى، الداعي إلى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة، وآله مصابيح الدجى، والحجج الواضحة لأهل الحجى، وسلّم تسليماً.

أمّا بعد؛ فهذا الكتاب الفقهيّ القيّم «المكاسب المحرّمة» هو من تآليف المرجع الديني آية اللّه العظمى الإمام السيّد روح اللّه الخميني - قدّس اللّه نفسه الزكيّة - مفجّر الثورة الدينيّة المظفّرة، ومؤسّس الحكومة الإسلاميّة المباركة.

وقد أ لّفه سماحته على نهج اُستاذ الفقهاء والمجتهدين، الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري في كتابه «المكاسب» مع إضافات نافعة، وتحقيقات رائعة.

وقبل أن نستعرض منهج الكتاب واُسلوب مؤلّفه العظيم، ونقف على ما فيه من جهات القوّة والعمق ينبغي أن نسلّط الضوء على شخصية مؤلّفه الجليل، وأبرز الجوانب في حياته الفكرية والعلمية، جرياً على ما هو المتعارف في تقديم

ص: 9

المؤ لّفات والكتب وإن كان رحمه الله علیه غنيّاً عن التعريف، مستغنياً عن التوصيف.

لمحاتٌ عن المؤلّف وحياته العلمية

وُلِدَ الإمام الخميني قدّس سرّه في العشرين من شهر جمادي الثانية عام 1320 ق،وتلقّى دروسه الابتدائية في العلوم الإسلامية، حتّى كتاب «شرح اللمعة الدمشقية»، وشيء من «كتاب المطوّل» في مسقط رأسه «خمين».

وفي سنة 1239 ق، هاجر إلى مدينة «أراك» وواصل دراسته العلمية هناك مدّة تقارب السنة.

وفي سنة 1340 ق، وفي أعقاب هجرة آية اللّه العظمى الحائري اليزدي إلى مدينة قم المقدّسة هاجر الإمام (المترجم له) إلى هذه المدينة المقدّسة، وتلقّى السطوح على آية اللّه المرحوم الحاج السيّد محمّد تقي الخونساري، والقسم الأكبر منها على آية اللّه المرحوم السيّد علي اليثربي.

كما وتلقّى دروس الفلسفة والرياضيات على السيّد ميرزا علي أكبر اليزدي والسيّد أبو الحسن الرفيعي القزويني، وأخذ عمدة العلوم العرفانية والمعنوية على العارف الكامل المرحوم آية اللّه الميرزا محمّد علي شاه آبادي، وكان أكثر استفادته في مجال الدراسات العليا (وما يسمّى بالخارج) في الفقه والاُصول من دروس آية اللّه العظمى الحائري اليزدي مؤسّس الحوزة العلمية بقم المقدّسة، وإن استفاد قدّس سرّه من علماء آخرين من الأساطين كالشيخ محمّد رضا مسجد شاهي - صاحب كتاب «وقاية الأذهان» في علم الاُصول - والسيّد مير محمّد صادق الأصفهاني وهو جدّ الشهيد المظلوم آية اللّه البهشتي رحمه الله علیه .

ص: 10

وبعد رحيل المرحوم آية اللّه العظمى اليزدي مؤسّس الحوزة العلمية والتحاقه بالرفيق الأعلى وهجرة آية اللّه العظمى البروجردي إلى قم باستدعاء جماعة من الأعلام وفي طليعتهم الإمام (المترجم له) حيث كان له حظّ كبير في هذا المجال، وكان سماحة الإمام (المترجم له) يحضر درس آية اللّه البروجردي ترويجاً له، ودعماً لمرجعيّته، وقد بدأ في نفس الوقت تدريس الفقه والاُصول على مستوى ما يسمّى حسب الاصطلاح الحوزوي بدرس الخارج، حيث استمرّ تدريسه هذا، وفي هذا المستوى إلى آخر يوم من أيّام إقامته في النجف الأشرف في العراق.

والجدير بالذكر أنّه كان لسماحته رحمه الله علیه ، حلقة درس في الأخلاق كان يحضرها النخبة من أهل الفضل والعلم، وكان لهذا الدرس أثر كبير في تربية من كانوا يرتادونه ويواظبون عليه وهم كثير، وتهذيب نفوسهم.

مصنّفاته ورسائله

إنّ لسماحة الإمام الراحل - مؤ لّف هذا الكتاب القيّم والسفر الثمين - مؤ لّفات قيّمة في موضوعات شتّى من الفقه والاُصول والفلسفة والعرفان والأخلاق، يزيّن ما طبع منها رفوف المكتبات العامّة والخاصّة وينتظر ما لم يطبع منها فرصة الظهور إلى عالم المطبوعات والكتب.

ونحن نذكر هنا طائفة من تلكم المؤ لّفات مشيرين إلى بعض ما لها من خصوصيّات:

1 - كتاب «الطهارة» في أربعة مجلّدات.

ص: 11

2 - كتاب «البيع» في خمسة مجلّدات، ولنا أن ندّعي - بكلّ يقين - أنّ الأبحاث الواردة في هذا الكتاب تعتبر دائرة معارف في الأحكام الحقوقية الإسلامية، وأ نّه لم يكتب إلى الآن نظيرها في الدقّة والعمق، بالإضافة إلى التتبّع.

3 - كتاب «الخَلَل في الصلاة».

4 - كتاب «الرسائل في اُصول الفقه» وهو يضمّ رسائل في موضوعات متنوّعة مثل: لا ضرر، والاستصحاب، والتعادل والترجيح.

5 - «تعليقة على كفاية الاُصول» وهي جزءان وقد طبعتهما مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام تحت عنوان «أنوار الهداية».

6 - مجلّدان في مباحث الألفاظ من الاُصول وقد طبع المجلّدان تحت عنوان «مناهج الوصول» مع تعليقات وتذييلات من «مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام».

7 - «تحرير الوسيلة» وقد كان أصل هذا الكتاب هو كتاب «وسيلة النجاة» لآية اللّه العظمى والمرجع الفقيد المرحوم السيّد أبو الحسن الأصفهاني، وقد علّق عليها الإمام قدّس سرّه ثمّ جمع بين المتن والتعليقة وأضاف إليها الكتب والأبواب التي لم تكن في «وسيلة النجاة»، ككتاب الحجّ والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحدود والقصاص والديات، وكان ذلك أثناء إقامته في منفاه بتركية، حيث اُقصي إليها من وطنه ظلماً من قبل الطاغوت المباد.

8 - «تهذيب الاُصول» وهي تقريرات لأبحاثه العليا في الاُصول من أوّله إلى آخره.

ص: 12

9 - «المكاسب المحرّمة» في مجلّدين - وهو هذا الكتاب - وسنشير إلى منهجه فيه عند بيان منهج الإمام واُسلوبه العلمي.

10 - وكتب في العرفان والأخلاق والفلسفة ك- «مصباح الهداية» و«سرّ الصلاة» و«آداب الصلاة» و«شرح الأربعين حديثاً»، التي طُبعَ أكثرها بواسطة المؤسّسة المذكورة.

وغير ذلك من عشرات الكتب والمؤ لّفات التي تتضمّن أبحاثاً معمّقة وتحقيقات دقيقة في موضوعات متنوّعة من الحديث والفلسفة والعرفان والأخلاق والعقائد والتفسير وغيرها تنوف على خمسة وثمانين كتاباً، تركنا ذكر أسمائها وخصوصيّاتها في هذه المقدّمة رعاية للاختصار.

منهجه العلمي واُسلوبه الاجتهادي

لقد تميّز الإمام الخميني من بين الفقهاء باُسلوبه العلمي ومنهجه الخاصّ به في العملية الاجتهادية، وهو أمر لو أراد أحد الوقوف عليه لزم أن يستعرض عطاؤه العلمي برمّته ويطالع بإمعان آثاره الفقهية والاُصولية والفلسفية.

ونحن نشير - هنا - إلى ملامح من اُسلوبه العلمي ومنهجه في التحقيق، والعملية الاجتهادية:

1 - إنّ ما يُعتبر من أبرز ملامح الاُسلوب العلمي الذي تميَّز به الإمام الراحل هو التفكير الكثير في كلّ مسألة من المسائل.

فقد كان رحمه الله علیه يولّي أقوال الفقهاء اهتماماً خاصّاً، إلاّ أ نّه كان يسعى دائماً إلى أن يحصل بنفسه على مطلب جديد ونكتة خاصّة من الروايات، وكان يتّقي بشدّة

ص: 13

أن يكون مقلّداً للشخصيات العلمية، وإن كانت من أصحاب المنزلة الفقهية والعلمية الرفيعة.

2 - كان رحمه الله علیه يتجنّب بشدّة إدخال العلوم العقلية وإقحامها في الفقه والعلوم النقلية، فهو قدّس سرّه رغم أ نّه كان من أصحاب النظر والرأي في العلوم العقلية والفلسفية، بل كان من المبتكرين في هذه المجالات، إلاّ أ نّك لاتجد أدنى أثر لدخالة أمثال هذه المسائل في اُسلوبه الاجتهادي، وتحقيقاته الفقهية.

وهذا - هو بالذات - من الامتيازات البارزة، أعني: أن يعرف المرء الحدود المعيّنة لكلّ علم فلا يتجاوزها ولا يتعدّاها.

وإنّنا لنشاهد كيف أنّ بعض العظام من الفقهاء لم يراع هذه الناحية، إلى درجة أنّ آراءهم الفقهية أصبحت معزولة لا يلتفت إليها الآخرون، ولا يعبأون بها كما ينبغي.

3 - إنّ من الاُمور الضرورية في عملية الاستنباط والاجتهاد هو العناية المطلقة بالكتاب والسُنّة.

وقد كان هذا بعينه من مميّزات الإمام الراحل، وخصوصية بارزة في اُسلوبه العلمي الاجتهادي.

فهو - بفضل ما كان له من تبحّر، وتضلّع في علم الرجال - كان يدرس الرواية من حيث سندها أوّلاً ويدقّق في رجالها أيّما تدقيق، وكان يسعى - قدر المستطاع - أن لا يُخرج روايةً من إطار الحجّية، ولا يسقطها من الاستدلال من دون علّة واضحة وسبب وجيه.

وبعد اتّضاح حال السند من حيث الصحّة وعدم الصحّة، والإرسال وعدم

ص: 14

الإرسال وربّما الضعف والقوّة، كان يخوض في متن الرواية ويدرس النصّ نفسه بكلّ ما اُوتي من قدرة على التحقيق، وموهبة في التدقيق.

ولقد كان بفضل ما اُوتي من معرفة عميقة بفقه الحديث - وقد كان هذا من خصائصه - ربّما استفاد من الأحاديث والروايات فوائد لم يتوصّل إليها غيره، ولم يستفدها سواه.

ونحن توضيحاً لهذا المنهج، وهذه الخصوصية التي ينبغي أن تكون نهجاً للعاملين في هذا الصعيد نذكر نماذج تطبيقيّة حيّة فيما يلي:

نماذج بارزة من منهجه العلمي

ونرجّح أن تكون هذه النماذج من كتابه الحاضر ليقف القارئ الكريم على جانب من عمق نظره الفقهي الذي قلّما نجد له نظيراً.

وإليك بعض النماذج في هذا المجال:

النموذج الأوّل من اُسلوب الإمام الراحل (المترجم له) في تحقيق المسائل هو البحث الذي عالج فيه مسألة بيع الأسلحة لأعداء الدين، وهو بحث علمي وتحقيقي دقيق لا نجد له مثيلاً في الدقّة والمنهجيّة، لدى أيّ واحد من الفقهاء، وللّه درّه من فقيه عظيم.

ونحن - توضيحاً لاُسلوبه الفقهي - نطرح هنا مختصراً من ذلك البحث.

قال الشيخ الأعظم الأنصاري في «المكاسب»:

القسم الثالث: ما يحرم لتحريم ما يُقصد منه شأناً، بمعنى أنّ من شأنه أن

ص: 15

يُقصد منه الحرام(1).

وقد أشكل الإمام قدّس سرّه على طرح المسألة بهذا النمط، وبهذا النوع من العنوان

إذ يقول:

والأقوى بحسب القواعد عدم حرمته بهذا العنوان، وصحّة المعاملة عليه(2).

وكان لا يعتبر البيع لأعداء الدين من مستثنيات هذا العنوان فقال:

بل له عنوان خاصّ ينبغي البحث عنه مستقلاًّ(3).

وقبل استعراض الأقوال في هذه المسألة ونقل مختار الإمام قدّس سرّه وأهمّية هذا القول (المختار) وامتيازه، ينبغي أن نذكر من الإمام مطلبين مفيدين جدّاً في المقام.

الأوّل هو: هل موضوع البحث هو مطلق ما ينطبق عليه عنوان السلاح كائناً ما كان، أو ما هو سلاح الحرب فعلاً؟

إنّ رأي الإمام هو الثاني إذ يقول:

بل الموضوع ما كان سلاح الحرب فعلاً وهو يختلف بحسب الأزمان فربّما كان شيء في زمان ومكان سلاح الحرب دون آخر... فالمراد من السلاح في موضوع البحث سلاح اليوم الذي يستعمل في الحروب لا ما انقرضت أيّامه وخرجت عن الاستعمال فيها(4).

ثمّ إنّه رحمه الله علیه يقول بعنوان نتيجة البحث:

ص: 16


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14: 147.
2- راجع الصفحة 254.
3- راجع الصفحة 254.
4- راجع الصفحة 255.

فإن أراد بعض أعداء الدين وأهل الحرب حفظ الأسلحة القديمة لقدمتها وكونها عتيقة لا مانع من بيعها وهو خارج عن موضوع بحث بيع السلاح من أهل الحرب بلا ريب كما لا يخفى(1).

وأمّا المطلب الآخر الذي عنونه الإمام الراحل فهو أنّ المراد من أعداء الدين ما هو؟ ومن هم أعداء الدين؟

هل هم مطلق الذين يخالفوننا في الدين أو أ نّه أخصّ موضوعاً من مطلق المخالف لنا في الدين؟

والثاني هو رأي الإمام إذ يقول:

وكذا ليس المراد مطلق أعداء الدين فإنّ كلّ مخالف لنا في ديننا فهو عدوّنا في الدين، لكن موضوع البحث أخصّ منه، وهو الدولة المخالفة للإسلام أو الطائفة الكذائية، فلا ينبغي الكلام في جواز بيعه من يهودي في بلد المسلمين تابع لهم لولا جهات اُخر(2).

هذا وقبل ذكر وبيان الرأي الكلّي للإمام قدّس سرّه في شأن بيع السلاح لأعداء الدين ننقل هنا نقداً لبعض الأعاظم قدّس سرّه لمطلب ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري في «مكاسبه» حيث قال:

فصّل [الشيخ] بين حالتي الحرب والصلح فذهب إلى الحرمة في الاُولى، وإلى الجواز في الثانية، وملخّص كلامه: أنّ الروايات الواردة في المقام على طوائف:

ص: 17


1- راجع الصفحة 255.
2- راجع الصفحة 255.

الاُولى: ما دلّ على جواز بيعه من أعداء الدين في حال الهدنة.

الثانية: ما دلّ على جواز بيعه منهم مطلقاً.

الثالثة: ما دلّ على حرمة بيعه منهم كذلك(1).

والمنقول هنا روايتان هما منشأ القول بالتفصيل إحداهما رواية الحضرمي التي حسَّنها الإمام أو صحَّحها، خلافاً لبعض الأعاظم الذي ضعّفها لمكان الحضرمي، حيث قال الإمام قدّس سرّه :

فمن الأخبار حسنة أبي بكر الحضرمي، أو صحيحته قال... فقال: «لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه، إنّكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليك أن تحملوا إليهم السروج والسلاح»، ورواية هند السرّاج: قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام أصلحك اللّه إني كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم... فقال: «إحمل إليهم فإنّ اللّه يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم، يعني الروم، وبعهم، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا...»

وهاتان الروايتان صارتا منشئاً للقول بالتفصيل تارة بين زمان الهدنة وغيره مطلقاً واُخرى التفصيل كذلك في خصوص البيع من المخالفين والأخذ بإطلاق ما تأتي للمنع عن البيع من الكفّار(2).

ثمّ يبدي الإمام رحمه الله علیه احتمالاً في المقام ويعتبر الرواية قاصرة عن إثبات التفصيل، ويمكن اعتبار هذا الاحتمال أحد المصاديق الكلّية لنظر الإمام، الكلّي من مسألة الزمان والمكان وهما العنصران المؤثّران في العملية الاجتهادية

ص: 18


1- مصباح الفقاهة 1: 186 و 187.
2- راجع الصفحة 257.

الاستنباطية، قال:

والتحقيق أنّ الروايتين قاصرتان عن إثبات هذا التفصيل في المقامين(1).

ثمّ يأتي بالدليل قائلاً:

لأنّ السؤال فيهما عن حمل السلاح إلى الشام في عصر الصادقين علیهما السلام وهو عصر لم يكن للشيعة الإمامية مملكة مستقلّة وحكومة على حدة، بل كان المسلمون كافّة تحت حكومة واحدة هي سلطنة خلفاء الجور - لعنهم اللّه - فلم يكن في حمل السلاح إلى الشام خوف على حوزة الشيعة وبلادهم، لعدم الموضوع لهما، ولهذا نزّلهم منزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حيث إنّ كلّهم جمعية واحدة تديرهم حكومة واحدة لم تكن في تقويتها تقوية على خلاف حوزة الشيعة الإمامية وحكومتها لعدم تشكيلهما، بل كانت تقوية للمسلمين مقابل الكافرين كما أشار إليه في الرواية الثانية، فلا يجوز التعدّي عن مثل تلك الهدنة التي كانت كهدنة في عصر أصحاب الرسول صلی الله علیه و آله وسلم إلى مطلق الهدنة والسكون، كما إذا كانت لنا سلطنة مستقلّة ودولة على حدة، ولهم كذلك وكانت بيننا هدنة وتعاقد، ومع ذلك يكون في تقويتهم، فساد أو مظنّته بل احتماله بحيث خيف على دولة التشيّع وحكومته من ذلك(2).

ثمّ يرى - بعد ذلك - أنّ جواز بيع الأسلحة وعدم الجواز يرتبط بمقتضيات الزمان ومصلحة المسلمين ولا يمكن القول بالجواز وعدم الجواز بمجرّد ملاك الصلح والحرب، حيث قال قدّس سرّه ما هذا نصّه:

ص: 19


1- راجع الصفحة 257.
2- راجع الصفحة 258.

وكيف كان لا يمكن القول بجواز بيع السلاح ونحوه من الكفّار أو المسلمين المخالفين بمجرّد عدم الحرب والهدنة، بل لابدّ من النظر إلى مقتضيات اليوم وصلاح المسلمين والملّة، كما أنّ في عصر الصادقين علیهما السلام كان من مقتضيات الزمان جواز دفع السلاح إلى حكومة الإسلام(1).

ويمكن أن يحمل أحدٌ هذا الاستنباط الصحيح المعقول جدّاً، الذي انتهى إليه الإمام قدّس سرّه على كونه حصيلة سليقة شخصيّة لا يمكن حملها على الروايات، وأنّ ما هو حجّة علينا هو لسان الروايات لا غير.

وقد دفع الإمام هذا التوهّم بعبارة صريحة إذ قال:

فلا يستفاد منهما أمر زائد عمّا هو مقتضى حكم العقل كما تقدّم(2).

ثمّ يقول في موضع آخر من البحث أيضاً:

وبالجملة أنّ هذا الأمر من شؤون الحكومة والدولة وليس أمراً مضبوطاً، بل تابع لمصلحة اليوم ومقتضيات الوقت، فلا الهدنة مطلقاً موضوع حكم لدى العقل، ولا المشرك والكافر كذلك، والتمسّك بالاُصول والقواعد الظاهرية في مثل المقام في غير محلّه، والظاهر عدم استفادة شيء زائد ممّا ذكرناه من الأخبار(3).

والجدير بالذكر أنّ الإمام قدّس سرّه يرى في هذا المجال أنّ ما ذكره في بيع السلاح

لأعداء الدين هو لحن الروايات والأحاديث مع ملاحظة زمان صدور هذه

ص: 20


1- راجع الصفحة 258.
2- راجع الصفحة 258.
3- راجع الصفحة 256.

الرواية وكيفية سؤال الراوي وأ نّه لم يُدْلِ بما هو خارج عن حدود الروايات

ونطاقها.

فما أبداه واستنبطه متقن ومحكم وفي غاية الإحكام والإتقان إلى درجة أ نّه إذا فرض إطلاق للرواية وجب - لدى التعارض بين الأخبار - تقييدها أو ردّها.

قال قدّس سرّه :

بل لو فرض إطلاق لبعضها يقتضي خلاف ذلك؛ أي يقتضي جواز البيع فيما خيف الفساد، وهدم أركان الإسلام أو التشيّع، أو نحو ذلك، لا مناص عن تقييده أو طرحه أو دلّ على عدم الجواز فيما يخاف في تركه عليهما كذلك لا بدّ من تقييده وذلك واضح(1).

إنّ ما يثير الإعجاب بمؤ لّفنا العظيم لدى مراجعته لبحث بيع السلاح لأعداء الدين هو أنّ الإمام قدّس سرّه لم يبحث هذه المسألة الهامّة من زاوية البيع والشراء العاديين فقط (وهو الحقّ) لأ نّنا نرى في الزمان الحاضر أنّ ما يرتبط بمصير الشعوب والمجتمعات الإنسانية هو المقدرة العسكرية وعدم المقدرة، إذ ما أكثر الدول التي تتساقط وتتهاوى في زماننا الحاضر مع أ نّها في القمة من الناحية الاقتصادية والثقافية.

بل أ نّه رحمه الله علیه يعتبر هذه المسألة من شؤون الحكومة الإسلامية، وبهذا يخرج هذه المسألة من نطاق ضيق فردي إلى إطاره الطبيعي الواسع في عصرنا الحاضر، ويبحث في هذه المسألة في مستوىً رفيع يرتبط بمصير الاُمّة بعد أن كانت

ص: 21


1- راجع الصفحة 256.

تُبحث في مستوىً محدود لا يهمّ إلاّ الأفراد والأشخاص لا الدول والجماعات. قال قدّس سرّه :

ثمّ اعلم: أنّ هذا الأمر - أي بيع السلاح من أعداء الدين - من الاُمور السياسية التابعة لمصالح اليوم، فربّما تقتضي مصالح المسلمين بيع السلاح بل إعطاؤه مجّاناً لطائفة من الكفّار. وذلك مثل ما إذا هجم على حوزة الإسلام عدوّ قويٌّ لا يمكن دفعه إلاّ بتسليح هذه الطائفة وكان المسلمون في أمن منهم، فيجب دفع الأسلحة إليهم للدفاع عن حوزة الإسلام وعلى والي المسلمين أن يؤيّد هذه الطائفة المشركة المدافعة عن حوزة الإسلام بأيّة وسيلة ممكنة.

ثمّ يعنون مطلباً أعلى من ذلك إذ يقول:

بل لو كان المهاجم على دولة الشيعة دولة المخالفين مريدين قتلهم وأسرهم وهدم مذهبهم يجب عليهم دفعهم ولو بوسيلة تلك الطائفة المأمونة، وكذا لو كانت الكفّار من تبعة حكومة الإسلام، ومن مستملكاتها وأراد الوالي دفع أعدائه بهم، إلى غير ذلك ممّا تقتضي المصالح(1).

هذا هو جملة ما أفاده - قدّس سرّه الشريف - في هذا البحث الهام.

* * *

النموزج الثاني من اُسلوب الإمام هي مسألة الغناء التي بحثها بصورة مبسوطة وحقّقها بنحو لا نجد له مثيلاً، لحدّ الآن من حيث السعة والشمولية والعمق حيث تناولها رحمه الله علیه في 70 صفحة من الدراسة والمناقشة والبحث فهو قدّس سرّه تعرض أوّلاً للتحقيق في ماهيّة الغناء ومفهومه، وأعلن عن مختاره وهذا هو في

ص: 22


1- راجع الصفحة 255.

نظرنا أفضل اُسلوب للبحث والمعالجة، ونعني أن ينقَّح الموضوع أوّلاً ويتبيّن قبل إصدار الحكم عليه، لأنّ الموضوع ما لم يتّضح، لم يتبيّن حول ماذا يدور البحث، وعلى ماذا سيصدر الحكم، وأيّ موضوع وشيء هو المقصود به.

من هنا يتوجّه إشكالٌ على بعض الأعاظم كالشيخ الأعظم الأنصاري قدّس سرّه .

لقد اعتنى الإمام الراحل (المترجم له) عند دراسة مفهوم الغناء بأقوال جميع الفقهاء، واللغويين، وذكر ما ينوف على عشرين تعريفاً للغناء فقد قال:

المسألة الثانية في الغناء: فقد اختلفت الكلمات في ماهيّته وحكمه، ففسّر بالسماع، وبالصوت، وبالصوت المطرب، وبالصوت المشتمل على الترجيع، أو مع الإطراب، وبالترجيع، وبالتطريب، وبه مع الترجيع، وبرفع الصوت مع الترجيع، وبمدّه، وبمدّه مع الترجيع والتطريب، أو أحدهما، وبتحسين الصوت، وبحسنه ذاتاً، وبمدّه وموالاته، وبالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب، وبمدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، أو ما يسمّى في العرف غناءً وإن لم يطرب، وبالصوت اللهويّ، وبألحان أهل المعاصي والكبائر، وبما كان مناسباً لبعض آلات اللهو والرقص، وبالصوت المعدّ لمجالس اللهو، وبالصوت المثير لشهوة النكاح، إلى غير ذلك. وعن المشهور أ نّه مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب(1).

ثمّ عَمَدَ رحمه الله علیه إلى دراسة ومناقشة رأي المرحوم الشيخ محمّد رضا الأصفهاني النجفي ونقده فقال:

وقد تصدّى العَلَم الفقيه الشيخ محمّد رضا آل الشيخ العلاّمة محمّد

ص: 23


1- راجع الصفحة 334.

تقي رحمهما اللّه لتفسيره في رسالة لطيفة مستقلّة فقال: الغناء صوت الإنسان الذي من شأنه إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس، والطرب هو الخفّة التي تعتري الإنسان فتكاد أن تذهب بالعقل وتفعل فعل المسكر لمتعارف الناس أيضاً(1).

وواصل نقل كلام المرحوم الشيخ محمّد رضا الأصفهاني فنقل عنه هذه الجملة أيضاً إذ قال:

ثمّ قال: وفذلكة القول إنّ الغناء هو الصوت المتناسب الذي من شأنه بما هو متناسب أن يوجد الطرب، أعني: الخفّة بالحدّ الذي مرّ(2).

ثمّ يضيف قائلاً:

وإنّما نقلناه بتفصيل أداءً لبعض حقوقه ولاشتماله على تحقيق وفوائد.

والإنصاف أنّ ما ذكره وحقّقه أحسن ما قيل في الباب وأقرب بإصابة الواقع، وإن كان في بعض ما أفاده مجال المناقشة كانتهائه حدّ الإطراب بما كاد أن يزيل بالعقل، وأنّ العلّة في الغناء عين العلّة في المسكر وذلك لعدم الشاهد عليه في العرف واللغة لصدق الغناء على ما لم يبلغ الإطراب ذلك الحدّ(3).

إنّ ما ذكر - إلى هنا - كان نظر الفقهاء واللغويين وعباراتهم في تعريف الغناء،

ولكن الإمام قدّس سرّه يعرّف الغناء بالبيان التالي:

فالأولى تعريف الغناء بأ نّه صوت الإنسان الذي له رقّة وحسن ذاتي ولو في

ص: 24


1- راجع الصفحة 335.
2- راجع الصفحة 337.
3- راجع الصفحة 338.

الجملة، وله شأنية إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس فخرج بقيد الرقّة والحسن صوت الأبح الرديء الصوت، وإنّما قلنا له شأنيّة الإطراب لعدم اعتبار الفعلية بلا شبهة فإنّ حصول الطرب تدريجي قد لا يحصل بشعر وشعرين، فتلك الماهيّة ولو بتكرار أفرادها لها شأنيّة الإطراب(1).

ثمّ قال بعد ذكر القيود في التعريف:

وبما ذكرناه تظهر الخدشة في الحدّ المنتسب إلى المشهور وهو «مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب» فإنّ الغناء لا يتقوّم بالمدّ ولا الترجيع ففي كثير من أقسامه لا يكون مدّ ولا ترجيع.

ولعلّ القيدين في كلماتهم لأجل كون المتعارف من الغناء في أعصارهم هو ما يكون مشتملاً عليهما فظنّ أ نّه متقوّم بهما كما أنّ المطربية الفعلية غير معتبرة فيه بما مرّ، وأنّ الصوت ما لم يكن فيه رخامة وصفاء ليس بغناء(2).

ثمّ يشير إلى نكتة جديرة بالاهتمام في المقام وهي هل أنّ هذا الغناء هو موضوع الحكم الشرعي أو أ نّه يمكن أن يكون موضوع الحكم الشرعي شيء أعمّ ممّا ذكر أو أخصّ منه فقال:

ثمّ إنّ ما ذكرناه في المقام هو تحصيل ماهيّة الغناء من غير نظر إلى ما كان موضوعاً للحكم الشرعي، ولعلّ موضوعه أعمّ أو أخصّ، وسيأتي الكلام فيه.

فتحصّل من ذلك أنّ الغناء ليس مساوقاً للصوت اللهوي والباطل ولا لألحان أهل الفسوق والكبائر، بل كثير من الألحان اللهوية وأهل الفسوق والأباطيل

ص: 25


1- راجع الصفحة 341.
2- راجع الصفحة 342.

خارج عن حدّه ولا يكون في العرف والعادة غناءً(1).

ثمّ إنّ من المسائل المثيرة للبحث والجدل والمناقشة الحادة في مسألة الغناء هو الرأي الذي نسب إلى المرحوم الفيض الكاشاني، ولتوضيح القضيّة ينبغي أوّلاً نقل رأيه هنا ثمّ نقل ما قاله بعض الأعاظم في نقده، ثمّ نقل استنباط الإمام قدّس سرّه

وما فهمه من كلام الفيض، وتنزيهه لذلك العالم الجليل والفقيه العظيم ممّا نسب إليه من خرق الإجماع.

قال الشيخ الأنصاري في «المكاسب»:

وربّما يجري على هذا عروض الشبهة في الأزمنة المتأخّرة في هذه المسألة تارة من حيث أصل الحكم، واُخرى من حيث الموضوع، وثالثة من اختصاص الحكم ببعض الموضوع.

أمّا الأوّل فلأ نّه حكي عن المحدّث الكاشاني أ نّه خصّ الحرام منه بما اشتمل على محرّم من خارج، مثل اللعب بآلات اللهو ودخول الرجال والكلام بالباطل، وإلاّ فهو في نفسه غير محرّم.

والمحكيّ من كلامه في «الوافي» أ نّه بعد حكاية الأخبار التي يأبى بعضها قال: الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة اختصاص حرمة الغناء وما يتعلّق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلّها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن الخلفاء من دخول الرجال عليهنّ وتكلّمهنّ بالباطل ولعبهنّ بالملاهي من العيدان والقصب وغيرهما دون ما سوى ذلك من أنواعه كما يشعر به قوله علیه السلام: ليست بالتي تدخل عليها الرجال - إلى أن قال -: وعلى هذا فلا

ص: 26


1- راجع الصفحة 342.

بأس بالتغنّي بالأشعار المتضمّنة لذكر الجنّة والنار والتشويق إلى دار القرار

ووصف نعم اللّه الملك الجبّار...(1).

ثمّ ينقل المرحوم الشيخ حاصل كلام الفيض الكاشاني ويردّه، وها نحن ننقل ذلك بعينه:

وثانيهما: أن يقال، وحاصل ما قال: حمل الأخبار المانعة على الفرد الشائع في ذلك الزمان، قال: والشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجواري وغيرهنّ في مجالس الفجور والخمور والعمل بالملاهي والتكلّم بالباطل وإسماعهنّ الرجال، فحمل المفرد المعرّف يعني لفظ الغناء على تلك الأفراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد...

وقوله: «ليست بالتي يدخل عليها الرجال». مؤيّداً لهذا الحمل، قال: إنّ فيه إشعاراً بأنّ منشأ المنع في الغناء هو بعض الاُمور المحرَّمة المقترنة به كالالتهاء وغيره...(2).

ثمّ يواصل نقل كلام الفيض:

فإذاً لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو والاقتران بالملاهي ونحوهما، ثمّ إن ثبت إجماع في غيره وإلاّ بقي حكمه على الإباحة وطريق الاحتياط واضح، انتهى(3).

على كلّ حال يُفهم من خلال كلام الشيخ الأنصاري خصوصاً عبارة: لولا

ص: 27


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14: 298.
2- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14: 301.
3- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14: 301 - 302.

استشهاده بقوله: «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» أنّ الغناء المحرّم هو ما كان على سبيل اللهو والاقتران بالملاهي، أمّا غير ذلك فإن علمنا فيه إجماعاً فبه، وإلاّ فحكمه الإباحة.

ثمّ يرى الشيخ في مقام الجواب على كلام الفيض أنّ الغناء نفسه بناء على ما يستفاد من الأخبار وقول اللغويين من الملاهي، ولا حاجة لحرمته إلى محرّمات اُخر، وعبارة الشيخ هي:

أقول: لا يخفى أنّ الغناء على ما استفدنا من الأخبار، بل فتاوى الأصحاب وقول أهل اللغة هو من الملاهي، نظير ضرب الأوتار والنفخ في القصب والمزمار، وقد تقدّم التصريح بذلك في رواية الأعمش الواردة في الكبائر فلايحتاج في حرمته إلى أن يقترن بالمحرّمات الاُخر، كما هو ظاهر بعض ما تقدَّم من المحدّثين المذكورين(1).

قال بعض الأساطين:

أقول: يرد عليه اُمور:

الأوّل: أنّ الظاهر من الروايات المتضافرة، بل المتواترة (من حيث المعنى) الناهية عن الغناء وعن جميع ما يتعلّق به هو تحريمه بنفسه مع قطع النظر عن اقترانه بسائر العناوين المحرّمة...

الثاني: أ نّه إذا كان تحريم الغناء إنّما هو للعوارض المحرّمة كان الاهتمام بالمنع عنه في هذه الروايات لغواً محضاً لورود النهي عن سائر المحرّمات بأنفسها...

ص: 28


1- المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14: 302.

ويضاف إلى ذلك كلّه أنّ ما ذهب إليه المحدّث المذكور مخالف للإجماع، بل الضرورة من مذهب الشيعة(1).

ويفسِّر الإمام الخميني قدّس سرّه كلام الفيض والفاضل السبزواري صاحب «كفاية الأحكام» على النحو التالي:

ثمّ ربّما نسب إلى المحدّث الكاشاني وصاحب «الكفاية» الفاضل الخراساني إنكار حرمة الغناء واختصاص الحرمة بلواحقه ومقارناته من دخول الرجال على الناس، واللعب بالملاهي، ونحوهما، ثمّ طعنوا عليهما بما لا ينبغي، وهو خلاف ظاهر كلام الأوّل في «الوافي» ومحكيّ «المفاتيح» والمحكيّ عن الثاني، بل الظاهر منهما أنّ الغناء على قسمين: حقّ وباطل، فالحقّ هو التغنّي بالأشعار المتضمّنة لذكر الجنّة والنار والتشويق إلى دار القرار، والباطل ما هو متعارف في مجالس أهل اللهو كمجالس بني اُميّة وبني العبّاس.

قال في «الوافي» ما محصّله: إنّ الظاهر من مجموع الأخبار اختصاص حرمة الغناء وما يتعلّق به من الأجر والتعلّم والاستماع والبيع والشراء كلّها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني اُميّة وبني العبّاس من دخول الرجال عليهنّ... انتهى(2).

ثمّ أضاف قدّس سرّه قائلاً:

وأنت خبير بأنّ ظاهر هذه العبارة بل صريحها صدراً وذيلاً أنّ الغناء على قسمين: قسم محرّم وهو ما قارن تلك الخصوصيّات بمعنى أنّ الغناء المقارن لها

ص: 29


1- مصباح الفقاهة 1: 308 و 309.
2- راجع الصفحة 353.

حرام لا أنّ المقارنات حرام فقط ، ولهذا حرّم أجرهنّ وتعليمهنّ والاستماع منهنّ، ولولا ذهابه إلى تحريمه ذاتاً لا وجه لتحريم ما ذكر، وقسم محلّل وهو ما يتغنّى بالمواعظ ونحوها، فقد استثنى من حرمة الغناء قسماً هو التغنّي بذكر اللّه تعالى، كما استثنى بعضهم التغنّي بالمراثي، وبعضهم التغنّي بالقرآن، وبعضهم الحدي، وبعضهم في العرائس وهذا أمر لم يثبت أ نّه خلاف الإجماع أو خلاف المذهب حتّى يستوجب صاحبه الطعن والنسبة إلى الخرافة والأراجيف، وقد اختاره النراقي في «المستند» وبعض من تأخّر عنه، كما لا يستوجبه من استثنى القرآن وغيره، فالصواب أن يجاب عنه بالبرهان كما صنع الشيخ الأنصاري(1).

وكأ نّه قدّس سرّه يريد من كلامه «فالصواب أن يجاب عنه بالبرهان» أن يقول: إنّ الاجتهاد أمر مقدّس ولا يحقّ لأحد أن يخطّئ اجتهاد شخص آخر، وأمّا إذا وجد الإنسان أنّ رأي الطرف الآخر يخالف ما ذهب إليه لا يستوجب صاحبه الطعن والنسبة إلى الخرافة والأراجيف، ولهذا يرتضي اُسلوب الشيخ الأنصاري رحمه الله علیه في ردّه على كلام الفيض الكاشاني.

هذه هي زاوية من النهج الاجتهادي والاُسلوب العلمي الذي امتاز به الإمام الخميني صاحب هذا السفر الفقهي القيّم، ونماذج من طريقته في الاستدلال والاجتهاد في المسائل الفقهية، نرى فيها كيف أ نّه رحمه الله علیه كان يراعي جميع الجوانب عند بحثه في كلّ مسألة، ويلاحظ جميع أطرافها، فهو قدّس سرّه :

1 - كان يدافع - قدر المستطاع - عن الرواية بالدفاع عن سندها، ورجاله،

ص: 30


1- راجع الصفحة 355.

حتّى لا يخرج الحديث عن إطار الحجّية، ولا يسقط عن الاعتبار والاستدلال من دون مبرّر مقبول أو تُخدش شخصيّة راوٍ معيّن من دون سبب وجيه لا سمح اللّه.

2 - كان يعتني أكثر من المتعارف بفقه الحديث عند تناوله، ويولي اهتماماً كبيراً بالاحتمالات المختلفة والاستنتاجات المناسبة لكلّ احتمال.

3 - كان يولي اهتماماً بالغاً بالنقول المختلفة والصور الاُخرى للحديث، إذا كانت في المجاميع الحديثية، والكتب الروائية، إذ يمكن أن يتغيّر المعنى، والمراد، في ضوء النقول، والصور المختلفة فيكون هناك معنى خاصّ هو المراد في الحديث توجب الغفلةُ عنه الغفلةَ عن الهدف المنشود والغاية المطلوبة.

4 - كان يتميّز بالعناية البالغة بظواهر الكلمات في الأحاديث والروايات والدقّة الكاملة في أقوال الفقهاء، والابتعاد عن الاستفادات البعيدة وغير المأنوسة وغير المناسبة لظواهر الكلمات والعبارات في الأحاديث والروايات وأقوال الفقهاء.

كلّ هذا إلى جانب تثمينه لعملية الاجتهاد، ودفاعه عن الرأي القائم على الاستدلال العلمي النابع عن الاجتهاد مهما كان - كما عرفنا ذلك في مسألة الغناء، وما واجه به من هاجم الفيض رحمه الله علیه - .

إنّ الاستعراض الكامل للمنهج العلمي الذي اتّسم به العمل الاجتهادي عند الإمام الراحل قدّس سرّه يحتاج إلى وقت أوسع، وإلى المزيد من التعمّق والمطالعة في ما كتبه هذا الفقيه الفريد وهذا العلم العليم في شتى مجالات الفقه والاُصول والفلسفة والعرفان.

ص: 31

وما أوقفنا عليه القارئ الكريم هنا ليس إلاّ نماذج وشذرات معدودة وأطراف وزوايا محدودة من هذا النهج، أتينا بها في هذه المقدّمة على أمل أن تكون بداية لأصحاب الرأي وطلاّب التحقيق تحدوهم على دراسة أوسع لمنهجه، واُسلوبه - طيّب اللّه ثراه -. وخاصّة لدراسة ما طلع به من رؤية في صعيد الحكومة والدولة ليفتحوا بذلك فصلاً جديداً في فقه الشيعة.

وفي الختام يجدر بنا أن نشكر حجج الإسلام، أصحاب الفضيلة الذين حقّقوا هذا الكتاب وهذا الأثر العلمي النفيس للإمام الراحل وأخرجوه بهذه الحلّة القشيبة والهيئة البديعة، جزاهم اللّه خير الجزاء وتقبّل منهم ومنّا هذا العمل بفضله

ومنّه وكرمه إنّه نعم المولى ونعم المثيب.

السيّد محمّد الهاشمي

الحوزة العلميّة - قم المقدّسة، ربيع المولود 1415 ه- . ق

ص: 32

صورة

صورة الصفحة الاُولى من الأصل

ص: 33

صورة

صورة الصفحة الثانية من الأصل

ص: 34

صورة

صورة صفحة من الأصل في مبحث الغيبة

ص: 35

صورة

صورة صفحة اُخرى من الأصل في مبحث الغيبة

ص: 36

المکاسب المحرمة

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين

وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين

ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

ص: 1

ص: 2

في

المكاسب

ص: 3

ص: 4

تقسيم المكاسب و بیان المراد من المکاسب المحرّمة

وبيان المراد من المكاسب المحرّمة

قد اختلف كلمات الأعيان في تقسيمها في المقام :

فقسّمها المحقّق إلى محرّم ومكروه ومباح(1) ، لكن جعل المقسم ما يكتسب به ، مع عدّه ما لا ينتفع به وما يجب على الإنسان فعله من الأقسام ؛ وهما ليسا من أقسام ما جعله مقسماً ، وكذا ما ذكرها في المكروهات ، كبيع الصرف والأكفان وغيرهما ممّا هي من أنواع المكاسب المكروهة ، لا ما يكتسب به المكروه .

والظاهر أنّ مراده ما يكون الاكتساب به محرّماً أو مكروهاً أو مباحاً .

وفي «المراسم» قسّم المكاسب على خمسة أضرب حسب الأحكام الخمسة ، ثمّ المعايش على ثلاثة أضرب(2) .

وكذا العلاّمة جعل المقسم المتاجر ، وقال : تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة ، ومثّل للواجب بما يحتاج الإنسان إليه لقوته وقوت عياله مع انحصار الوجه

ص: 5


1- شرائع الإسلام 2 : 3 .
2- المراسم : 169 .

بالمتجر - كما صنعه ابن حمزة(1) - وللمكروه بالصرف ونحوه ، وللمحظور بأقسام عدّ منها ما لا ينتفع به ، كالحشرات ونحوها (2) .

والظاهر منه أنّ الأقسام للتجارة ، وأنّ الأحكام الخمسة هي التكليفية لا مع الوضعية .

فيرد عليه أوّلاً : بأنّ ما عدّ واجباً غير وجيه ؛ لأنّ التجارة لا تصير واجبة شرعاً ، ولو كان الطريق في تحصيل قوت العيال منحصراً بها ؛ لما حقّق في محلّه من عدم وجوب ما يتوقّف عليه الواجب حتّى المقدّمات الوجودية(3) ، وعلى فرض وجوب ما يتوقّف عليه ، يتعلّق الوجوب بعنوان آخر غير عنوان ذوات الموقوف عليها . وما ربّما يقال : إنّها صارت واجبة بالعرض ، ليس وجيهاً ، والتفصيل يطلب من مظانّه .

وثانياً : أنّ الحرمة في كثير ممّا ذكره غير ثابتة أو ثابتة العدم ، كالتجارة بما لا ينتفع به ؛ فإنّها من حيث هي تجارة ونقل وانتقال ليست محرّمة ، والتصرّف في مال الغير بعد بطلان المعاملة وإن كان محرّماً لكنّه غير مربوط بالتجارة ، وكذا التجارة بالأعيان النجسة غير ثابتة الحرمة ، على ما يأتي الكلام فيها (4) إن شاء اللّه .

ص: 6


1- هذا سهو من قلمه الشريف والصحيح هو حمزة بن عبد العزيز الديلمي المعروف ب- «سلاّر» صاحب المراسم ، لا ابن حمزة صاحب الوسيلة . والدليل على ذلك مضافاً إلى ذكر «المراسم» سابقاً ، وجود هذا القيد في «المراسم» . راجع المراسم : 169 .
2- قواعد الأحكام 2 : 5 - 7 .
3- مناهج الوصول 1 : 342 .
4- يأتي في الصفحة 11 .

وثالثاً : أنّ المقسم في التجارة الواجبة والمستحبّة والمكروهة هو الكسب المنتهي إلى النقل والانتقال العقلائي الممضى ؛ أعني النقل والانتقال الواقعي الذي يوصل المكلّف إلى حفظ النظام مثلاً ، بناءً على ما هو التحقيق من وجوب المقدّمة الموصلة لا المطلقة (1) - على فرض تسليم وجوب المقدّمة - وفي المحرّمة لو كان كذلك يلزم صحّة المعاملة وهي خلاف الواقع المسلّم عندهم ، فلا بدّ وأن يكون المراد فيها المعاملة العقلائية التي زعم العقلاء النقل فيها ، فلا يكون المقسم واحداً ، إلاّ أن يقال : إنّ المقسم نفس طبيعة المعاملة الجامعة بين الصحيحة والفاسدة ، وحيثية الإيصال من خصوصيات القسم .

في متعلّق الحرمة

ثمّ إنّ المحرّم على فرض ثبوته هو المعاملة العقلائية ؛ أي إنشاء السبب جدّاً لغرض التسبيب إلى النقل والانتقال ، لا النقل والانتقال ، ولا هو بقصد ترتّب الأثر(2) ، ولا تبديل المال أو المنفعة(3) ؛ لأنّ الظاهر أنّ المعاملات هي الأسباب التي قد تنتهي إلى المسبّبات وقد لا تنتهي إليها ؛ ولهذا صحّ تقسيمها إلى الصحيحة والفاسدة بلا تأوّل ، فلو كانت عبارة عن النقل والتبديل لكان أمرها دائراً بين الوجود والعدم ، لا الصحّة والفساد .

ولا يعقل أن يكون المحرّم النقل وما يتلوه ؛ لأ نّهما غير ممكن التحقّق بعد

ص: 7


1- مناهج الوصول 1 : 333 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 13 .
3- منية الطالب 1 : 17 .

وضوح بطلان تلك المعاملات نصّاً وفتوى ، وإرادة النقل العقلائي مع قطع النظر عن حكم الشرع ولو لعدم الإنفاذ ، لا ترجع إلى محصّل ؛ لعدم الوجود للنقل اللولائي ، كما لا وجود للنقل الوهمي .

فما يمكن أن يتّصف بالحرمة هو المعاملة السببية ؛ أي الإنشاء الجدّي بقصد حصول المسبّبات ، لا بمعنى كون القصد جزء الموضوع ، بل بمعنى أنّ موضوع الحرمة الإنشاء الجدّي الملازم له .

ثمّ إنّ ما ذكرناه هاهنا ، لا ينافي ما اخترناه من دلالة النهي المتعلّق بمعاملة

على صحّتها ؛ وفاقاً لبعض أهل الخلاف(1) ؛ لأنّ الكلام هناك في الدلالة العرفية أو العقلية ، وفي المقام في تصوير متعلّق الحرمة بعد الفراغ عن بطلان المعاملة وحرمتها ، مع أنّ ما ذكرناه هناك لا يخلو من كلام .

فلنرجع إلى أقسام المعاملات المحرّمة أو ما قيل بتحريمها :

ص: 8


1- مناهج الوصول 2 : 146 .

القسم الأوّل في الاكتساب بالأعيان النجسة

اشارة

وفيه جهات من البحث :

ص: 9

ص: 10

الجهة الاُولى : في الحرمة التكليفية للاكتساب بالأعيان النجسة

وفیه جهات من البحث :

اشارة

الجهة الاُولى: - وهي المهمّ في المقام - في حرمته شرعاً ؛ بمعنى أنّ إيقاع المعاملة عليها محرّم وإن لم يترتّب عليها المسبّب ولا يحصل النقل .

والاستدلال عليها بحرمتها ونجاستها وعدم المنفعة المعتدّ بها لها (1) ، ليس على ما ينبغي ؛ لأنّها لا تقتضي الحرمة الشرعية لنفس المعاملة ، إلاّ أن يراد بالأوّلين بيان تحقّق موضوع الروايات ، كرواية «تحف العقول» وغيرها ، فالأولى صرف الكلام إليها، فنقول :

إنّ ما دلّت أو يتوهّم دلالتها على عموم المدّعى ، روايات ضعيفة الأسناد ، بل في كون بعضها رواية تأمّل ونظر . ودعوى جبر أسنادها غير وجيهة ؛ لعدم إحراز استناد الأصحاب إليها .

إلاّ أن يدّعى الجزم على أن لا مستند لهم غيرها ، وهو محلّ كلام ؛ لاحتمال

ص: 11


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 17 .

استفادتهم الحكم الكلّي من الموارد الخاصّة ولو بإلغاء الخصوصية ، كما يظهر ذلك من بعضهم .

فمنها : رواية «تحف العقول» ، وهي أخفى سنداً وأوضح دلالة من غيرها ، وفيها بعد ذكر وجوه الحلال من وجه التجارات :

«فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته ، وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء ، فكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه - لبسه . ظ - أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته ، أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع بالربا أو البيع للميتة ، أو الدم ، أو لحم الخنزير،أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش والطير ، أو جلودها ، أو الخمر ، أو شيء من وجوه النجس ؛ فهذا كلّه حرام ومحرّم ؛ لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه فجميع تقلّبه في ذلك حرام»(1) .

ولا ينبغي الإشكال في دلالتها على عموم المدّعى .

وحمل الحرام على الوضعي ؛ بدعوى عدم ظهوره في التكليفي ، سيّما في زمان الصدور ، غير صحيح ، كما يتّضح بالنظر إلى فقرات الرواية ، سيّما مع ذكر شاللبس والإمساك وسائر التقلّبات فيها .

فقوله : «جميع التقلّب في ذلك حرام» نتيجة لما تقدّم ، فكأ نّه قال : كما أنّ الأكل والشرب واللبس وغيرها حرام ، كذلك سائر التقلّبات كالبيع والشراء

ص: 12


1- تحف العقول : 333 ؛ وسائل الشيعة 17 : 83 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .

والصلح والعارية وغيرها أيضاً حرام ، فهي كالنصّ في الحرمة التكليفية .

ومنها : رواية «الفقه الرضوي» ، وفيها : «وكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله وشربه ولبسه ونكاحه وإمساكه ، لوجه الفساد ، ومثل الميتة والدم ولحم الخنزير والربا وجمي-ع الفواحش ولحوم السباع والخمر وما أشبه ذلك ، فحرام ضارّ للجسم وفساد للنفس»(1) .

ودلالتها دون السابقة ؛ لاحتمال إرادة الحرمة الوضعية ، ولا قرينة على التكليفية ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ قوله : «فحرام» في مقابل «حلال بيعه . . . » ، وقوله :

«ضارّ للجسم» إشارة إلى نكتة لتحريم الأكل والشرب وغيرهما .

فيمكن الخدشة في دلالتها وإن كان الأرجح أيضاً إرادة الحرمة الشرعية فيها .

ومنها : رواية «دعائم الإسلام» عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «الحلال من البيوع ، كلّ ما هو حلال من المأكول والمشروب وغير ذلك ؛ ممّا هو قوام للناس وصلاح ومباح لهم الانتفاع به ، وما كان محرّماً أصله ، منهيّاً عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه»(2) .

وهي ضعيفة الدلالة ؛ لأنّ الظاهر من جواز البيع وعدم جوازه ، هو الجواز الوضعي ؛ لأنّ الأوامر والنواهي وكذا الجواز وعدمه إذا تعلّقت بالعناوين الآلية التوصّلية تكون ظاهرة في الإرشاد إلى عدم إمكان التوصّل بها إلى ما يتوقّع

ص: 13


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 250 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 64 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- دعائم الإسلام 2 : 18 / 23 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 65 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 2 .

منها . فقوله : «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل» كقوله : «لا يجوز الصلاة في وبره»(1) ، ظاهران في عدم صحّتها معه . وكذا قوله : «لا تبع ما ليس عندك»(2) و)أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ((3) بل «وحرّم بيع كذا» يدلّ على الحكم الوضعي . والسرّ فيه عدم النفسية لتلك العناوين وعدم كونها منظوراً فيها ، بل هي عناوين آلية للتوصّل إلى ما هو المقصود من النقل والانتقال . فاستفادة الحرمة النفسية لعنوان البيع منها ، تحتاج إلى قيام قرينة .

ومنها : رواية «الجعفريات» بإسناده عن علي بن أبي طالب - سلام اللّه عليه - قال : «بائع الخبيثات ومشتريها في الإثم سواء»(4) .

وفي دلالتها تأمّل ؛ لعدم ظهورها في أنّ الإثم لنفس البيع والشراء ، فإنّها في مقام بيان حكم آخر بعد فرض إثم لهما ، فلا يظهر منها أنّ الإثم المفروض لأجل نفس عنوان البيع والشراء ، أو لأخذ الثمن والتصرّف فيه وأخذ الخمر وشربه ، وإن لا تخل من إشعار على أنّ المحرّم البيع والشراء .

وأمّا الروايات الخاصّة :

فمنها : ما وردت في العذرة ، كرواية سماعة بن مهران -

ولا يبعد أن تكون

ص: 14


1- راجع وسائل الشيعة 4 : 347 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 7 .
2- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 18 : 48 ، كتاب التجارة ، أبواب أحكام العقود ، الباب 7 ، الحديث 5 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 5 : 339 .
3- البقرة (2) : 275 .
4- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 172 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 64 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 1 ، الحديث 4 .

موثّقة - قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر ، قال : إنّي رجل أبيع العذرة فما تقول ؟ قال : «حرام بيعها وثمنها» وقال : «لا بأس ببيع العذرة»(1) .

ويحتمل أن يكون قوله : «وقال» رواية مستقلّة صدرت في مورد آخر ، جمعها مع ما قبلها سماعة في كلام واحد ، كما يؤيّده قوله : «وقال» وذكر العذرة بالاسم الظاهر .

وكيف كان : لا يبعد أن يقال في مقام الجمع : إنّ المراد ب- «حرام بيعها وثمنها» الجامع بين الوضعي والتكليفي ، وبقوله : «لا بأس ببيع العذرة» نفي الحرمة التكليفية .

ويؤيّده ما تقدّم من أنّ الحرمة إذا تعلّقت بالعناوين التوصّلية الآلية ظاهرة في الوضعية ، وإذا تعلّقت بالعناوين النفسية ظاهرة في التكليفية .

وفي المقام لولا قوله : «ولا بأس . . . » يكون الظاهر من قوله : «حرام . . . » التكليفية ؛ لعدم معنىً للوضعية بالنسبة إلى الثمن إلاّ بتكلّف بعيد ، والحمل على الجامع خلاف الظاهر ، والحمل على التكليفية بالنسبة إلى البيع وإن كان خلاف الظاهر أيضاً ، لكنّه أرجح من الحمل على الجامع .

لكن قوله : «لا بأس ببيع العذرة» قرينة على أنّ المراد من الحرمة المعنى الأعمّ ، سيّما إذا كانت تلك الفقرة في ذيل الاُولى ، فكأ نّه قال : يحرم بيعها وضعاً ، ولا بأس به تكليفاً .

وما ذكرناه وإن لا يخلو من التكلّف ، لكنّه أرجح من سائر ما قيل في

ص: 15


1- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1081 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 2 .

وجه الجمع(1) ، بل لا يبعد أن يكون مقبولاً مع ملاحظة أنّ في الشريعة بيعاً لا بأس به بعنوانه ، وما هو حرام كذلك ، مع بطلانهما ، تأمّل .

فتدلّ على عدم حرمة بيعها ذاتاً وإن كان باطلاً ، وأنّ مساقها ليس مساق الخمر الحرام بيعها بعنوانه على ما هو ظاهر جملة من الروايات الآتية .

ثمّ إنّه على فرض عدم مقبولية الجمع المذكور ولا سائر ما قيل في وجهه ، فالظاهر لزوم العمل على أدلّة العلاج ، خلافاً للشيخ الأعظم ، قال : «إنّ الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب واحد ، يدلّ على أنّ تعارض الأوّلين ليس إلاّ من حيث الدلالة ، فلا يرجع فيه إلى المرجّحات السندية أو الخارجية»(2) انتهى ، ويريد بالأوّلين ، رواية يعقوب بن شعيب ومحمّد بن مضارب(3) .

وفيه أوّلاً : أنّ رفع اليد عن قواعد باب التعارض لا يجوز إلاّ بعد إحراز كون رواية سماعة صادرة في مجلس واحد لمخاطب واحد ، وهو غير مسلّم ؛ لاحتمال جمعهما في نقل واحد ، خصوصاً مع إشعار نفس الرواية بذلك كما تقدّم ، وبُعد صدور مثلها في كلام واحد . مضافاً إلى أنّ الراوي سماعة الذي قيل في مضمراته(4) : إنّها جمع روايات مستقلاّت في نقل واحد ،

وقد سمّى المرويّ عنه في صدرها ، وأضمر في البقيّة ، فيظهر منه أنّ دأبه

ص: 16


1- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 23 - 25 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 24 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1080 و1079 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 1 و3 .
4- راجع مقباس الهداية 1 : 333 .

الجمع في النقل عن روايات مستقلّة متفرّقة .

وثانياً : أنّ كون تعارض الأوّلين من حيث الدلالة ، لا يوجب رفع اليد عن أدلّة العلاج ، بل هو محقّق موضوعها .

نعم ، لو كشف ذلك عن وجه الجمع بينهما ، كان لما ذكر وجه ، لكنّه كما ترى ؛ لأنّ الميزان في جمع الروايتين هو الجمع المقبول العقلائي ؛ وهو أمر لا يكاد يخفى على العرف ، وليس أمراً تعبّدياً يبنى عليه تعبّداً ، ومع عدم وجه الجمع بينهما عرفاً ، يحرز موضوع أدلّة التعارض .

وعدم العمل بأدلّة التعارض في رواية واحدة مشتملة على حكمين متنافيين ، لا يوجب عدم العمل بها في الحديثين المختلفين المستقلّين ، كما في المقام . مع أنّ عدم الرجوع إلى المرجّحات في رواية مشتملة على حكمين متنافيين ، غير مسلّم ؛ لإمكان أن يقال بصدق قوله : «يأتي عنكم الخبران المختلفان»(1) وقوله : «يروى عن أبي عبداللّه علیه السلام شيء ويروى عنه خلاف ذلك فبأيّهما آخذ . . .»(2) على مثلها . ودعوى الانصراف إلى النقلين المنفصلين ممنوعة جدّاً ، بل مناسبات الحكم والموضوع تقتضي عموم الحكم للمتّصلين أيضاً .

ثمّ إنّه على فرض تسليم دلالة الرواية على حرمة بيع العذرة تكليفاً ، بتسليم

ص: 17


1- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 303 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 2 .
2- وسائل الشيعة 27 : 118 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 31 .

جمع شيخ الطائفة(1) وحمل حرمة البيع على التكليفية ، فهل يمكن إسراء الحكم إلى سائر النجاسات ، كالبول والدم وغيرهما ، بدعوى إلغاء الخصوصية ، واستفادة أنّ حرمة بيع العذرة لقذارتها ونجاستها ، أم لا ؟ لمنع إلغاء الخصوصية عرفاً ؛ فإنّ الطباع تتنفّر عن العذرة ما لا تتنفّر عن غيرها ، وأنّ في بيعها نحو مهانة للنفوس الآبية ، لعلّ الشارع الأقدس لم يرض للمؤمن تلك المهانة والدناءة ، فحرّم بيعها تكليفاً ، بخلاف سائر النجاسات ، كالخمر والخنزير والكلب حتّى البول ، فلا يمكن إسراء الحكم إليها ، وهو الأرجح .

وأمّا خرء سائر الحيوانات الغير المأكولة فالظاهر صدق العذرة عليها . ولو سلّم عدم الصدق ، فإلغاء الخصوصية عن عذرة الإنسان وإسراء الحكم إلى سائر العذرات النجسة ، غير بعيد وإن لا يخلو عن إشكال .

ومنها : ما وردت في الخمر ، وهي روايات مستفيضة متقاربة المضمون ، مرويّة عن «الكافي»(2) و«الفقي-ه»(3) و«المقنع»(4) و«جامع الأخبار»(5) و«عقاب الأعمال»(6) و«دعائم الإسلام»(7) و«فقه الرضا»(8) و«لبّ اللباب»

ص: 18


1- تهذيب الأحكام 6: 372، ذيل الحديث 1080؛ الاستبصار 3: 56، ذيل الحديث 182.
2- الكافي 5 : 230 ، باب بيع العصير والخمر .
3- الفقيه 3 : 105 / 435 .
4- المقنع : 451 .
5- جامع الأخبار : 421 ، الفصل 113 .
6- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 289 .
7- دعائم الإسلام 2 : 18 / 22 - 26 .
8- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 279 .

للراوندي(1) و«عوالي اللآلي»(2) . وأسنادها وإن لا تخلو عن خدشة ، لكن يمكن دعوى الوثوق والاطمئنان بالصدور إجمالاً .

ففي رواية جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في الخمر عشرة : غارسها ، وحارسها ، وعاصرها ، وشاربها ، وساقيها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وبائعها ، ومشتريها ، وآكل ثمنها»(3) . وقريب منها غيرها (4) .

ولا شبهة في دلالتها على المدّعى في خصوص الخمر ؛ فإنّ الظاهر من لعن البائع والمشتري في مقابل آكل الثمن ، أ نّهما بما لهما من العنوان ملعونان ، فيظهر

منه أنّ البيع والاشتراء محرّمان وإن لم يترتّب عليهما أثرهما المطلوب شرعاً ؛ أي النقل والانتقال .

وأمّا إسراء الحكم إلى سائر النجاسات فغير جائز ؛ لخصوصية في الخمر ليست في غيرها .

نعم ، الظاهر كون سائر أنواع المسكرات بحكمها ؛ لاحتمال صدقها عليها ولو ببعض المناسبات ، ولعموم التنزيل في روايات عديدة :

ص: 19


1- اُنظر مستدرك الوسائل 13 : 182 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 47 ، الحديث 3 .
2- عوالي اللآلي 3 : 562 / 62 .
3- الكافي 6 : 429 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ،الباب 55 ، الحديث 4 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 3 و5 .

كرواية أبي الجارود ، وفيها : «أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر»(1) .

ورواية عطاء بن يسار عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ

مسكر حرام وكلّ مسكر خمر»(2) .

وصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي علیه السلام قال : «إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»(3) . . . إلى غير ذلك .

فإنّ دلالتها على المطلوب لا تكاد تخفى ؛ لإطلاق التنزيل ولأنّ الحمل يقتضي الاتّحاد، وبعد عدم كونه تكويناً لا بدّ من تصحيحه ، وتصحيح الدعوى كونهما واحداً من جميع الجهات في التشريع .

والحمل على بعض الآثار غير وجيه ؛ لعدم وجاهة الحمل وصحّته ، مع اختلافهما في جميع الآثار إلاّ في حرمة الشرب مثلاً ، إلاّ أن تكون سائر الآثار بحكم العدم ، فيحتاج إلى دعوى اُخرى ، وهي خلاف الظاهر ، بل الحمل مع موافقتهما في جملة من الآثار يعدّ غير وجيه عرفاً .

ص: 20


1- تفسير القمّي 1 : 180 ؛ وسائل الشيعة 25 : 280 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- الكافي 6 : 408 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 326 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، الباب 15 ،الحديث 5 .
3- الكافي 6 : 412 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 342 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 19 ، الحديث 1 .

وإن شئت قلت : إنّ مقتضى تحكيم تلك الروايات على الروايات المشتملة على لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وبائعها . . . ، أنّ ما ثبت لها في تلك الروايات ، ثبت لسائر المسكرات ، فإنّ هذه الروايات منقّحة لموضوعها ، ومعه لا مجال للتشكيك في الدلالة .

وخصوص ما ورد في الفقّاع في رواية سليمان بن جعفر قال: قلت لأبي الحسن الرضا علیه السلام ما تقول في شرب الفقّاع ؟ فقال: «خمر مجهول يا سليمان فلا تشربه، أما يا سليمان لو كان الحكم لي والدار لي لجلدت شاربه ولقتلت بائعه»(1) .

ورواية الوشّاء التي لا يبعد أن تكون صحيحة ، المحكيّة عن رسالة تحريم الفقّاع للشيخ الطوسي قدّس سرّه ، قال: كتبت إليه - يعني الرضا علیه السلام - أسأله عن الفقّاع ، فكتب : «حرام ، وهو خمر ، ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر» قال : وقال لي أبو الحسن علیه السلام : «لو أنّ الدار لي لقتلت بائعه ولجلدت شاربه»(2) .

ثمّ إنّ هاهنا جملة من الروايات في بيع الخنزير والكلب والميتة وغيرها (3) ، وفي دلالتها إشكال ومنع .

كما أنّ التمسّك بقوله تعالى : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَاْلأَنْصَابُ وَاْلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ((4) بدعوى أنّ وجوب الاجتناب متفرّع على

ص: 21


1- الكافي 6 : 432 / 10 ؛ وسائل الشيعة 17 : 225 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 56 ، الحديث 1 .
2- الرسائل العشر للشيخ الطوسي ، رسالة تحريم الفقّاع : 262 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 92 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 .
4- المائدة (5) : 90 .

الرجس ، فيدلّ على علّية الرجس لذلك ، وأنّ المذكورات واجبة الاجتناب ؛ لكونها رجساً ، فتدلّ الآية على وجوب الاجتناب عن كلّ رجس ، ومقتضى إطلاق وجوب التجنّب عنه ، الاجتناب عن جميع التقلّبات ، ومنها البيع والشراء(1) .

غير وجيه ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ وجوب الاجتناب متفرّع على الرجس الذي هو من عمل الشيطان ، وكون الشيء من عمله بأيّ معنىً كان ، لا يمكن لنا إحرازه إلاّ ببيان من الشارع ، ومع الشكّ في كون شيء من عمله ، كالبيع والشراء ، لا يمكن التمسّك بها لإثبات وجوب الاجتناب . هذا ، مع أنّ نفس الخمر ليست من عمله ، وإن كانت رجساً فلا بدّ من تقدير ، ولعلّ المقدّر الشرب ، لا مطلق التقلّبات .

إلاّ أن يقال : إنّ جعل الخمر من عمله - وهي من الأعيان - مبنيّ على ادّعاء ، و المصحّح له هو كون جميع تقلّباتها من عمله ، ومع حرمة شربها فقط ، لا يصحّ أن يقال : إنّها من عمله بنحو الإطلاق .

والمجاز في الحذف قد فرغنا عن تهجينه في محلّه(2) .

ثمّ إنّ الرجس مطلقاً أو في خصوص المورد بمناسبة ذكر الميسر والأنصاب والأزلام ، يشكل أن يكون بمعنى النجاسة المعهودة ، وإن كان له وجه صحّة لو ثبتت إرادته ، لكن استظهار كونه بمعناها مشكل بل ممنوع .

ويتلوها في عدم صحّة التمسّك بها للمطلوب قوله تعالى : )وَالرُّجْزَ

ص: 22


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 97 - 98 .
2- مناهج الوصول 1 : 62 .

فَاهْجُرْ((1) (2) فإنّ كونه بمعنى النجاسة المعهودة غير ظاهر ، كما لم يحتمله الطبرسي في تفسيره ،(3) ولم ينقل احتماله من المفسّرين .

وعلى فرضه لا يبعد أن يكون المراد من هجره ، الهجر في الصلاة ، كما لعلّه الظاهر من قوله تعالى قبلها : )وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ( فيكون من قبيل ذكر العامّ عقيب الخاصّ .

وكيف كان : فالاستدلال للمطلوب بها محلّ إشكال ومنع .

الجهة الثانية : في حرمة الأثمان المأخوذة بعنوان ثمن النجس أو الحرام

الجهة الثانية - وهي أيضاً مهمّة أصيلة في المقام - : هي أنّ الأثمان المأخوذة في مقابل الأعيان النجسة ، هل هي محرّمة بعنوان ثمن النجس أو الحرام ، أو ثمن الخمر والخنزير وغيرهما ؟

وبعبارة اُخرى : أنّ المكسب - بمعنى ما يكتسب

- حرام ، وهذا غير حرمة التصرّف في مال الغير .

ويدلّ عليه النبوي المعروف : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»(4) .

ص: 23


1- المدّثّر (74) : 5 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 98 .
3- مجمع البيان 9 : 581 .
4- الخلاف 3 : 184 ؛ عوالي اللآلي 2 : 110 / 301 ؛ سنن الدار قطني 3 : 7 / 20 ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 3 : 301 / 2964 .

وقريب منه ما عن «عوالي اللآلي» عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه تعالى إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه»(1) .

وعن «نوادر الراوندي» ، عن موسى بن جعفر علیه السلام ، عن آبائه ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ أخوف ما أخاف على اُمّتي من بعدي ، هذه المكاسب المحرّمة والشهوة الخفيّة والربا»(2) .

وفي «الكافي» عن البرقي مرسلة نحوها (3) .

بناءً على أنّ المكاسب جمع المكسب - بمعنى ما يكتسب - وهو ثمن المحرّمات ، تأمّل .

وفي صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ رجلاً من ثقيف

أهدى إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راويتين من خمر ، فأمر بهما رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

فاُهريقتا ، وقال : إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها»(4) .

وهي تشعر أو تدلّ على ملازمة حرمة الشيء شرباً أو أكلاً أو انتفاعاً لحرمة ثمنه .

ص: 24


1- عوالي اللآلي 1 : 181 / 240 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 73 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 8 .
2- النوادر، الراوندي : 130 / 160 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 66 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 3 ، الحديث 3 .
3- الكافي 5 : 124 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 81 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 1 ، الحديث 1 .
4- الكافي 5 : 230 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 1 .

وفي رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن ثمن الخمر ؟ قال : «اُهدي إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راوية خمر بعد ما حرّمت الخمر فأمر بها (1) أن تباع ، فلمّا أن مرّ بها الذي يبيعها ، ناداه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من خلفه : يا صاحب الراوية إنّ الذي حرّم شربها فقد حرّم ثمنها ، فأمر بها فصبّت في الصعيد ، فقال : ثمن الخمر ومهر البغيّ وثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت»(2) .

ولعلّها أوضح في التعميم؛ لمكان إرداف الخمر بمهر البغيّ وثمن الكلب، تأمّل.

ويمكن استفادة العموم من الموارد الخاصّة الواردة فيها الروايات ، كثمن الخمر والنبيذ والمسكر والميتة والكلب والعذرة ومهر البغيّ وأجر الكاهن وأجر الزانية واُجور الفواحش والرشوة وغيرها (3) ، المستفاد من مجموعها ولو بالمناسبات وإلغاء الخصوصية ، أنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه .

والظاهر منها : أنّ الثمن محرّم بعنوان ثمن الحرام أو ثمن النجس ؛ لأنّ الظاهر من تعلّق حكم على عنوانٍ موضوعيته ، فالحمل على حرمته باعتبار التصرّف في مال الغير بلا إذنه ، خلاف ظواهر الأدلّة .

ويشهد له : أنّ الظاهر أنّ ذلك التعبير لم يرد في شيء من المعاملات الباطلة من جهة فقد ما يعتبر فيها .

ص: 25


1- الظاهر أ نّه على صيغة المجهول والآمر أحد الحضّار . [ منه قدس سره]
2- تهذيب الأحكام 7 : 135 / 599 ؛ وسائل الشيعة 17 : 225 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 6 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 92 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5، و : 175 ، الباب 40، و : 223 ، الباب 55 - 57 .
الجهة الثالثة : في الحرمة الوضعية للاكتساب بالأعيان النجسة

ثمّ إنّ الظاهر استفادة جهة اُخرى من تلك الروايات غير أصيلة في البحث عنها في المقام ، وهي بطلان المعاملة ؛ لأنّ تحريم الثمن لا يجتمع عرفاً مع الصحّة وإيجاب الوفاء بالعقود ، فلازمه العرفي بطلانها وإن كان الثمن بعنوانه محرّماً . مضافاً إلى الإجماع على البطلان ، بل يستفاد ذلك من بعض الروايات الظاهرة في الإرشاد عليه :

كرواية «دعائم الإسلام» عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من اكترى دابّة أو سفينة فحمل عليها المكتري خمراً أو خنازير أو ما يحرم ، لم يكن على صاحب الدابّة شيء . وإن تعاقدا على حمل ذلك فالعقد فاسد ، والكري على ذلك حرام»(1) .

وعنه علیه السلام : «وما كان محرّماً أصله منهيّاً عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه»(2) .

وعنه علیه السلام عن آبائه : «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن بيع الأحرار ، وعن بيع الميتة والخنزير والأصنام ، وعن عسب الفحل ، وعن ثمن الخمر ، وعن بيع العذرة ، وقال : هي ميتة»(3) .

ص: 26


1- دعائم الإسلام 2 : 78 / 229 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 32 ، الحديث 1 .
2- دعائم الإسلام 2 : 18 / 23 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 65 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 2 .
3- دعائم الإسلام 2 : 18 / 22 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 71 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 5 .

وعن علي بن جعفر في «قرب الإسناد» عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن الماشية تكون للرجل ، فيموت بعضها ، يصلح له بيع جلودها ودباغها ولبسها ؟ قال : «لا ، ولو لبسها فلا يصلّ فيها»(1) .

وفي جامع البزنطي ، كما عن «السرائر» عن الرضا علیه السلام في أليات الأغنام ، قال : «لا يأكلها ولا يبيعها»(2) .

وفي مرسلة ابن أبي نجران أو ابن أبي عمير عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن نصراني أسلم وعنده خمر وخنازير وعليه دين، هل يبيع خمره وخنازيره ويقضي دينه ؟ قال : «لا»(3) .

وفي رواية يونس : أسلم رجل وله خمر أو خنازير ، ثمّ مات ، وهي في ملكه ، وعليه دين ، قال : «يبيع ديّانه أو وليّ له غير مسلم خمره وخنازيره ويقضى دينه ، وليس له أن يبيعه وهو حيّ ، ولا يمسكه»(4) .

ولا يضرّ بها لو فرض عدم العمل على الجزء الأوّل منها .

وفي صحيحة ابن اُذينة قال : كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام ، أسأله عن رجل له

ص: 27


1- قرب الإسناد : 268 / 1067 ؛ وسائل الشيعة 17 : 96 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 17 .
2- السرائر 3 : 573 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 6 .
3- الكافي 5 : 232 / 14 ؛ وسائل الشيعة 17 : 226 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 57 ، الحديث 1 .
4- الكافي 5 : 232 / 13 ؛ وسائل الشيعة 17 : 227 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 57 ، الحديث 2 .

كرم أيبيع العنب والتمر ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً أو سكراً ؟ فقال : «إنّما باعه حلالاً في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه»(1) .

حيث تشعر بأنّ حلّية الشرب والأكل موجب لعدم البأس ، فما كان حراماً لا يحلّ بيعه ، تأمّل .

وقريب منها غيرها (2) . والإنصاف أنّ المناقشة في بعض ما ذكر سنداً أو دلالة لا تضرّ بالوثوق على ثبوت الحكم من جميعها ، فلا ينبغي التأمّل في البطلان .

هذا حال الأدلّة اللفظية في المقامات الثلاثة .

حول كلمات الفقهاء في المقامات الثلاثة

وأمّا كلمات الفقهاء من دعاوي الإجماع وغيره فمختلفة :

فمنها : ما تعرّضت للحكم الوضعي أو ظاهرها ذلك ، كعبارات «الخلاف» و«الوسيلة» و«الغنية» و«التذكرة» .

فالشيخ في «الخلاف» ادّعى الإجماع على عدم جواز بيع ما كان نجساً ، وعدم جواز بيع السرجين النجس والخمر والمنيّ وغيرها (3) .

ص: 28


1- الكافي 5 : 231 / 8 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 5 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 2 ، 4 ، 6 و10 .
3- الخلاف 3 : 166 ، مسألة 270، و : 185 ، مسألة 310 و311 .

وهو ظاهر في عدم الجواز الوضعي . ويؤيّده تعبيره بعدم الجواز في كثير من الموارد التي لا تكون التجارة بعنوانها محرّمة :

كقوله : «لا يجوز بيع العبد الآبق منفرداً» وقوله : «لا يجوز بيع الصوف على

ظهور الغنم منفرداً»(1) وقوله : «لا يجوز السلم في اللحوم»(2) و«لا يجوز أن يؤجّل السلم إلى الحصاد والدياس»(3) . . . إلى غير ذلك .

فالجواز واللاجواز في المقامات ظاهران في الوضعي ، كما مرّ .

وأمّا السيّد ابن زهرة والعلاّمة في «التذكرة» فقد ذكرا في شرائط العوضين الطهارة أو الإباحة .

ففي «التذكرة» : «يشترط في المعقود عليه الطهارة الأصلية» إلى أن قال : «ولو باع نجس العين كالخمر والميتة والخنزير لم يصحّ إجماعاً»(4) ، ثمّ تمسّك بالآيتين . فمورد دعوى الإجماع هو عدم الصحّة .

ثمّ قال : «لا يجوز بيع السرجين النجس إجماعاً منّا، وبه قال مالك والشافعي

وأحمد ؛ للإجماع على نجاسته فيحرم بيعه» إلى أن قال : «ولأ نّه رجيع نجس فلم يصحّ بيعه كرجيع الآدمي»(5) .

والظاهر من الحرمة ، الوضعية ولو بالقرائن ، مع أنّ مورد دعواه الإجماع ،

ص: 29


1- الخلاف 3 : 168 ، مسألة 274 و276 .
2- الخلاف 3 : 204 ، مسألة 12 .
3- الخلاف 3 : 201 ، مسألة 7 .
4- تذكرة الفقهاء 10 : 25 .
5- تذكرة الفقهاء 10 : 31 .

عدم الجواز الظاهر في الوضعي ؛ وكذا الحال في سائر كلماته ولو بملاحظة عنوان البحث وملاحظة استدلالاته المناسبة للبطلان ، لا حرمة البيع بعنوانه ؛ أعني الإنشاء عن جدّ ، كما لا يخفى .

وقال ابن زهرة في جملة من كلامه : «واشترطنا أن يكون منتفعاً به ؛ تحرّزاً ممّا لا منفعة فيه كالحشرات وغيرها ، وقيّدنا بكونها مباحة ؛ تحفّظاً من المنافع المحرّمة ، ويدخل في ذلك كلّ نجس لا يمكن تطهيره إلاّ ما أخرجه الدليل»(1) . ثمّ تمسّك بإجماع الطائفة .

وأمّا ابن حمزة فقد ذكر ما لا يجوز تملّكه في شريعة الإسلام من أقسام البيع

الفاسد(2) .

ثمّ إنّ جملة من الإجماعات المدّعاة في الموارد الخاصّة أيضاً ، موردها الحكم الوضعي ، كمحكيّ إجماع «التذكرة» على عدم صحّة بيع الخمر والميتة(3) ، وكذا ما عن «المنتهى» و«التنقيح» في الميتة(4) ، وإجماع «الخلاف» على عدم جواز بيع أشياء منها الكلب(5) .

وعن «المنتهى» الإجماع على عدم صحّة بيعه(6) .

ص: 30


1- غنية النزوع 1 : 213 .
2- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 254 .
3- تذكرة الفقهاء 10 : 25 .
4- منتهى المطلب 15 : 349 و352 ؛ التنقيح الرائع 2 : 5 .
5- الخلاف 3 : 181 .
6- منتهى المطلب 15 : 354 .

وعن إجارة «الخلاف» الإجماع على عدم صحّة جعل جلد الميتة اُجرة(1) .

وعن «المبسوط» : «لا يصحّ بيع الخنزير ولا إجارته ولا الانتفاع به إجماعاً»(2) .

ومنها : ما تعرّضت لحرمة مطلق الانتفاع أو خصوص التكسّب به ؛ بمعنى أنّ ما يكتسب بالأعيان النجسة حرام ، كالإجماعين المحكيّين عن «شرح الإرشاد» و«التنقيح» قالا في بيان حرمة بيع الأعيان النجسة : «إنّما يحرم بيعها ؛ لأ نّها محرّمة الانتفاع ، وكلّ محرّم الانتفاع لا يصحّ بيعه ، أمّا الصغرى فإجماعية»(3) ، انتهى .

فإنّ أخذ الثمن من أوضح الانتفاعات بها ، وأمّا أصل إيقاع البيع فليس انتفاعاً ، كما هو ظاهر .

وفي «المنتهى» جعل عنوان البحث كذلك : «في ضروب الاكتساب ، وفيه مباحث : البحث الأوّل : فيما يحرم التكسّب به ، وهو أنواع : الأوّل : الأعيان النجسة»(4) ، انتهى .

وهو كما ترى ظاهر في أنّ محطّ البحث اُمور يحرم التكسّب بها ؛ أي كسب المال بها ، ولهذا يشكل في دعاويه الإجماع على حرمة بيع الاُمور المذكورة في

ص: 31


1- الخلاف 3 : 511 .
2- المبسوط 2 : 165 - 166 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 75 .
3- حاشية إرشاد الأذهان ، فخر المحقّقين : 44 / السطر 12 (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم 2474) ؛ التنقيح الرائع 2 : 5 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 44 .
4- منتهى المطلب 15 : 347 - 348 .

خلال بحثه ، أن يكون مراده حرمة عنوان البيع ، مع أنّ في استدلالاته ما ينافي ذلك ، فراجع .

وعن «التحرير» : «يحرم التكسّب فيما عدا الكلاب الأربعة إجماعاً منّا»(1) ، انتهى .

والظاهر أ نّه ليس معنى التكسّب نفس المعاملة ، بل تعاطي الثمن في مقابل الأعيان .

وفي «المراسم» تقسيم المكاسب على خمسة أضرب - حسب الأحكام الخمسة - ومراده المتاجر ، ثمّ قسّم المعايش إلى ثلاثة أضرب : مباح ومحظور ومكروه(2) .

ولعلّ مراده بالمعايش مقابل المكاسب ، وهو ما يكتسب وما هو معيشته بالاكتساب وإن كانت عبارته مشوّشة .

ولعلّ ذلك هو المراد من عبارة المحقّق(3) ؛ حيث جعل المقسم ما يكتسب به ، وقسّمه إلى أقسام ؛ لعدم صحّة العبارة إلاّ بالحمل على أنّ التقسيم لما يكتسب ؛ أي ما يتعاطى في مقابل المذكورات ، فكأ نّه قال : ثمن الأعيان النجسة حرام ، وكذا باقي الأقسام ، ولا يضرّ كون بعض الأقسام حراماً بعنوان الثمن وبعضها بعنوان كونه مال الغير .

وهذا وإن كان خلاف ظاهر قوله: ما يكتسب به ، وكذا يستشكل في المكاسب المكروهة ؛ حيث إنّ ذات المعاملة مكروهة ، لكن لا يبعد أن يكون

ص: 32


1- تحرير الأحكام 2 : 258 .
2- المراسم : 169 .
3- شرائع الإسلام 2 : 3 .

لفظة «به» زائدة من قلم النسّاخ ، وإلاّ فالكلام في المكاسب المحرّمة ، وهي جمع مكسب بمعنى ما يكسب ، لا ما يكتسب به ، وأمّا في المكروهات ، فلعلّه قائل بكراهة ما يكسب فيها أيضاً ، ككراهة أصل العمل ، كما لا يبعد .

ومنها : ما هي ظاهرة في الحرمة التكليفية لأصل المعاملة ، أو يدّعى ظهورها فيها ، كعبارة «نهاية» شيخ الطائفة(1) .

وفي «الانتصار» : «وممّا انفردت به الإمامية القول بتحريم بيع الفقّاع وابتياعه» إلى أن قال : «وإن شئت أن تبني هذه المسألة على تحريمه ، فتقول : قد ثبت حظر شربه ، وكلّ ما حظر شربه حظر ابتياعه وبيعه ، والتفرقة بين الأمرين خروج عن إجماع الاُمّة»(2) ، انتهى .

وهو دعوى الإجماع في خصوص الفقّاع لو سلّم ظهوره في الحرمة التكليفية ، ولا ريب في حرمة البيع والشراء في الخمر والفقّاع وكلّ مسكر ، إنّما الكلام في سائر أنواع النجاسات والمحرّمات .

وعن «نهاية الإحكام» : «بيع الدم وشراؤه حرام إجماعاً ؛ لنجاسته وعدم الانتفاع به»(3) .

ويحتمل بملاحظة التعليل بعدم الانتفاع به أن يكون المراد بالحرمة ، الوضعية منها ، ويحتمل أن يكون هذا الإجماع مستنقذاً من الإجماع على عدم الانتفاع به ، بتوهّم أنّ نفس البيع والشراء من الانتفاعات .

ص: 33


1- النهاية : 363 .
2- الانتصار : 437 .
3- نهاية الإحكام 2 : 463 .

وعنه أيضاً : «الإجماع على تحريم بيع العذرة وشرائها»(1) . ويأتي فيه ما تقدّم ، مع قرب احتمال الخلط بين المقامات الثلاثة المتقدّمة فتوهّم من الإجماع على عدم جواز البيع ، الإجماع على حرمته نفساً .

هذا، مع ما تقدّم من ظهور حرمة البيع في الوضعية ، ولا بدّ في بيان الحرمة التكليفية في نفس إيقاع المعاملة من بيان أوضح ممّا ذكر .

فتحصّل ممّا مرّ : عدم دليل معتدّ به معتمد [عليه] في غير المسكرات على حرمة عنوان المعاملة شرعاً ، إلاّ أن يدّعى أنّ اعتماد الأصحاب على خبر «تحف العقول» أو كفاية مطابقة فتواهم لمضمونها في جبر سندها .

وفي كلتا الدعويين منع ، بل لم يثبت مطابقة فتوى المشهور لمضمونها ، كما ظهر ممّا تقدّم من الإجماعات المنقولة .

بقيت فروع :

ص: 34


1- نهاية الإحكام 2: 463.

بقیت فروع:

الفرع الأوّل : في إلحاق المائعات المتنجّسة بالأعيان النجسة

هل يلحق بالأعيان النجسة ، المائعات المتنجّسة بها إذا لم تكن قابلة للتطهير ، أو مطلقاً ، أو لا تلحق بها مطلقاً ، أو تلحق في بعض الأحكام ؟ وجوه .

يمكن أن يستشهد بإلحاق كلّ متنجّس بما تنجّس به في الحكم - بمعنى أنّ ما تنجّس بالخمر أو سائر المسكرات يلحق بها في الأحكام الثلاثة المتقدّمة ؛ أي حرمة عنوان البيع وحرمة ثمنه بما هو ثمنه وبطلان المعاملة ، وفي غيرها فيما له من الحكم - برواية جابر عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : أتاه رجل ، فقال : وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت ، فما ترى في أكله ، قال : فقال أبو جعفر علیه السلام : «لا تأكله» ، فقال له الرجل : الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها ، قال : فقال له أبو جعفر علیه السلام : «إنّك لم تستخفّ بالفأرة ، وإنّما استخففت بدينك ، إنّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء»(1) .

بتقريب أنّ التمسّك بالكبرى مع عدم انطباقها على المورد المسؤول عنه وهو الطعام ، لا يتمّ إلاّ بتنزيل المتنجّس بالميتة منزلتها ، فيظهر منه أنّ المتنجّس بالميتة ميتة حكماً ، فيتعدّى إلى غيرها بإلغاء الخصوصية ، أو عدم القول بالفصل .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الظاهر أ نّه لم يتمسّك بالكبرى لإثبات حرمة الزيت

ص: 35


1- تهذيب الأحك-ام 1 : 420 / 1327 ؛ وسائل الشيع-ة 1 : 206 ، كتاب الطهارة ، أبواب ماء المضاف ، الباب 5 ، الحديث 2 .

والسمن، بل بعد بيان حرمتهما بقوله: «لا تأكله» لمّا قال الرجل ما قال، أراد بيان أنّ الميتة من الفأرة وغيرها حرام بحكم اللّه تعالى ، والاستخفاف إنّما هو بحكمه تعالى لا بها ، مع احتمال تفسّخ الفأرة وإرادة الرجل أكل الزيت بما فيه ، تأمّل .

مضافاً إلى عدم دلالة الرواية بوجه على إرادة التنزيل ؛ فإنّ إرادته من تلك العبارة في غاية البعد ، بل لا تخلو من استهجان ، فضلاً عن استفادة عموم التنزيل وعن إسراء الحكم إلى سائر المتنجّسات - كلّ بحسبه - فيقال : بإسراء حكم كلّ نجس إلى ما تنجّس به .

ويتلوه في الضعف ، التشبّث بقوله : نجّسه أو ينجّسه في المتنجّسات ، كالمفهوم من قوله : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء»(1) وقوله في النبيذ : «ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء»(2) .

بتقريب أنّ قوله : «ينجّسه الشيء الفلاني» أي يجعله نجساً ، وبعد عدم صيرورته نجساً عيناً بحسب الواقع ، لا محالة ينزّل على التنزيل ، ومقتضى إطلاق التنزيل ، ثبوت مطلق حكم كلّ نجس له ، فإذا تنجّس بالخمر ينزّل منزلتها ، وتثبت له أحكامها وهكذا .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ مقابلة النجس والمتنجّس من اصطلاح الفقهاء ، ولا يبعد القول بأنّ المتنجّس نجس كسائر النجاسات ، تأمّل - أ نّه بعد

ص: 36


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 1 ، 2 ، 5 و6 .
2- الكافي 6 : 413 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 6 .

تسليم التنزيل ، لا يكون ذلك إلاّ في النجاسة لا في حيثيات اُخر ، وغايته لزوم

غسل ما تنجّس بملاقي كلّ نجس بنحو ما تنجّس به ، فيكون ملاقي الولوغ كالولوغ في نجاسته ، وملاقي الخمر كالخمر فيها وهكذا ، لا في سائر الآثار .

وبعبارة اُخرى : فرق بين تنزيل شيء منزلة الخمر ، كما ورد في الفقّاع أ نّه خمر ، وبين تنزيله منزلتها في النجاسة ، كما يقال : إنّ الشيء الفلاني نجس كالخمر ، أو أنّ الخمر صيّرتها نجساً نحو نجاستها .

هذا ، مضافاً إلى أنّ استفادة التنزيل من تلك الروايات مشكلة ، بل ممنوعة مطلقاً حتّى في النجاسة ، فضلاً عن سائر الآثار ، كما لا يخفى .

فلا دليل على كون كلّ متنجّس بحكم ما تنجّس به مطلقاً .

كما لا دليل على حرمة عنوان التجارة ، كالبيع وغيره في المائعات المتنجّسة الغير القابلة للتطهير ، كالدبس والسمن ، فضلاً عمّا تقبله .

عدا رواية «تحف العقول» و«الرضوي»(1) ، على إشكال في الثانية .

وهما غير صالحتين لإثبات حكم ؛ لضعفهما ، بل عدم إحراز كون الثانية رواية ؛ لقرب احتمال كونه كتاب فتوى لفقيه جمع بين الروايات ، إلاّ فيما نسبه إلى المعصوم ؛ فيكون مرسلة غير معتمدة .

وعدا ما عن «الجعفريات» عن علي بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه - قال : «بائع الخبيثات ومشتريها في الإثم سواء»(2) .

ص: 37


1- تقدّمتا في الصفحة 12 و13 .
2- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 172 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 64 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 1 ، الحديث 4 .

وفيه : ما مرّ من الإشكال في دلالته(1) ؛ لكونه في مقام بيان الحكم بالتسوية ، فلا يستفاد منه أنّ الإثم لنفس البيع والشراء ، مضافاً إلى أنّ في سنده إشكالاً بجهالة بعض رواته .

وأمّا إجماعات «الغنية» و«المنتهى» و«المسالك» فليس شيء منها على هذا العنوان ؛ أي حرمة البيع ، كما يأتي(2) .

كما أ نّه ليس دليل على أنّ ثمن المتنجّس المائع سحت :

إلاّ النبوي المتقدّم من طرق العامّة : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»(3) .

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند ، إمكان الخدشة في الدلالة ، بدعوى انصرافه إلى المحرّمات الأصلية ، لا ما صار حراماً بتبع الغير ، ولو نوقش فيه وقيل بإطلاقه ، فلا دافع لضعفه .

وقد يتوهّم جبر سنده باستناد(4) الشيخ وابن زهرة والحلّي والعلاّمة وغيرهم به .

وفيه : أنّ بناء شيخ الطائفة وابن زهرة بل والعلاّمة ، كالسيّد المرتضى في إيراد الروايات التي من طرق العامّة على إلزام فقهائهم ، لا على الاستناد بها في الفتوى ، كما لا يخفى على الناظر في تلك الكتب .

ص: 38


1- تقدّم في الصفحة 14 .
2- يأتي في الصفحة 41 - 42 .
3- تقدّم في الصفحة 23 .
4- الخلاف 3 : 184 ، مسأل-ة 308 و310 ؛ غني-ة النزوع 1 : 213 ؛ السرائر 3 : 113 ؛ مختلف الشيعة 8 : 337 .

ولهذا ترى : أنّ الشيخ استند في عدم جواز بيع الخمر بإجماع الفرقة ، ثمّ أورد

روايات من العامّة عليه ، ولم يستند بواحد من روايات أصحابنا (1) ، مع كثرتها .

وأنّ ابن زهرة بعد الاستدلال على اشتراط كون المنفعة مباحة بالإجماع ، قال : ويحتجّ على من قال من المخالفين بجواز بيع الكلاب مطلقاً ، وبيع سرقين ما لا يؤكل لحمه ، وبيع الخمر بوكالة الذمّي على بيعها ، بما رووه من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»(2) ، انتهى .

والغفلة عن هذه الدقيقة ، أوجبت توهّم جبر سند بعض الأخبار التي ليست من طرقنا ، مع أنّ الجابر هو الاستناد في الفتوى ، بحيث يحرز أنّ الفتوى الكذائية من المشهور مستندة إلى رواية كذائية ، وهذا غير ثابت بذكر الرواية في تلك الكتب المعدّة لبيان الاستدلال على مذهب الإمامية والردّ على مخالفيهم ، ككتابي «الانتصار» و«الناصريات» وكتاب مسائل «الخلاف» وكتابي «المنتهى» و«التذكرة» .

وقد اقتفى ابن زهرة إثر علم الهدى في «غنيته» كثيراً (3) ، بل يشعر أو يدلّ كلامه المتقدّم على عدم اعتبار الرواية المتقدّمة عند أصحابنا ، وإنّما احتجّ بها إلزاماً عليهم ، وليس عندي كتاب «السرائر» مع الأسف .

وكيف كان : فلا يمكن الاستناد بمثل النبوي في الحكم ، كما لم يستندوا عليه أصحابنا المتقدّمون ، اعتماداً وفتوى .

ص: 39


1- الخلاف 3 : 185 .
2- غنية النزوع 1 : 213 .
3- راجع غنية النزوع 1 : 37 و121 ؛ الانتصار : 30 و85 - 86 .

وإلاّ النبوي المتقدّم عن «عوالي اللآلي» : «إنّ اللّه إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه»(1) .

وسنده أوهن من سابقه مع أ نّه في المأكول ، وإلغاء الخصوصية منه وإسراء الحكم إلى المشروب المحرّم أصلاً وتبعاً محلّ تأمّل ، ومرّ حال رواية «التحف» و«الرضوي»(2) .

وإلغاء الخصوصية من الروايات الكثيرة الواردة في نجاسات ومحرّمات خاصّة ، بأنّ ثمنها سحت ، مشكل بالنسبة إلى المتنجّسات ؛ لاحتمال أن تكون لأعيان النجاسات خصوصية توجب غلظة في الحكم لا تكون في المتنجّس بها .

والاستدلال على المطلوب بما وردت في العصير(3) غير وجيه .

وأوهن منه الاستدلال(4) بروايات اُمر فيها بإهراق الماء والمرق المتنجّسين(5) ؛ فإنّ الاستدلال بها لبطلان المعاملة بها محلّ إشكال ، فضلاً عن الاستدلال لحرمة البيع أو حرمة الثمن ؛ لأنّ الانتفاع بصاع من الماء ليس إلاّ للتوضّي أو الشرب عادة ، وهما غير جائزين بالماء النجس أو المشتبه به ، وليس

ص: 40


1- تقدّم في الصفحة 23 .
2- تقدّم في الصفحة 12 و13 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب2 .
4- مستند الشيعة 14 : 70 .
5- راجع وسائل الشيعة 1 : 151 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 2 ، 4 ، 7 ، 11 و14 ؛ و25 : 358 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 26 ، الحديث 1 .

لهما نفع آخر ، ولعلّ الأمر بالإراقة كناية عن عدم نفع له ، وكذا المرق لا نفع له إلاّ الأكل الممنوع منه ، فلا تدلّ تلك الروايات على إلغاء مالية الملاقي للنجس ، وإن كان الاحتياط حسناً ، بل لا ينبغي تركه .

وأمّا بطلان المعاملة به ، فالظاهر تسلّمه لدى الأصحاب في الجملة ، كما هو مقتضى دعوى إجماع «الغنية» و«المنتهى» :

قال في الأوّل : «وقيّدنا بكونها مباحة ؛ تحفّظاً من المنافع المحرّمة ، ويدخل

في ذلك كلّ نجس لا يمكن تطهيره ، إلاّ ما أخرجه الدليل من بيع الكلب المعلّم للصيد ، والزيت النجس للاستصباح به تحت السماء ، وهو إجماع الطائفة»(1) .

ثمّ استدلّ على المخالف في بعض الفروع بالنبوي المتقدّم(2) .

ودعوى الإجماع بملاحظة ذيل العبارة وصدرها تعمّ المتنجّس ، والظاهر دعواه على البطلان .

إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر من العبارة أنّ الإجماع هو الدليل المخرج للكلب وتاليه ، لا على الكلّية المتقدّمة ، تأمّل .

وقال في الثاني بعد تقسيم المتنجّسات بالجامد والمائع : «والثاني : أن يكون مائعاً ، فحينئذٍ : إمّا أن لا يطهر كالخلّ والدبس ، فهذا لا يجوز بيعه إجماعاً ؛ لأ نّه نجس لا يمكن تطهيره من النجاسة فلم يجز بيعه كالأعيان النجسة ، وإمّا أن يطهر كالماء ، ففيه للشافعي وجهان : أحدهما : أ نّه لا يجوز بيعه ؛ لأ نّه نجس

ص: 41


1- غنية النزوع 1 : 213 .
2- تقدّم في الصفحة 38 .

لا يمكن غسله ، ولا يطهر بالغسل، فلا يجوز بيعه كالخمر»(1) ، انتهى .

وهذا التقسيم وإن كان في ذيل البحث عمّا تحرم التكسّب به ، لكن ظاهر كلامه دعوى الإجماع على الحكم الوضعي ، ولعلّه استفاد حرمة التكسّب به من الحكم الوضعي ، ولو كانت الحرمة لأجل عدم انتقال المال إلى البائع ، فيكون مراده من حرمة التكسّب أعمّ ممّا حرم بعنوان التكسّب أو بعنوان التصرّف في مال الغير .

وكيف كان : إنّ ظاهره الإجماع على بطلان المعاملة ، لا حرمة الثمن بعنوانه .

ويمكن التشبّث للبطلان بنقل «الخلاف» الإجماع كراراً على أنّ ما كان نجساً لا يجوز بيعه في بيع القرد والسرجين النجس والمنيّ(2) على إشكال . وحكي عدم جواز بيع ما لا يقبل التطهير عن جملة من كتب القدماء والمتأخّرين(3) .

والإنصاف أنّ بطلانها في الجملة مفروغ عنه لدى الأصحاب ، فلا ينبغي الخدشة فيه .

ص: 42


1- منتهى المطلب 15 : 360 - 361 .
2- الخلاف 3 : 183 - 185 ، مسألة 306 ، 308 ، 310 ، و : 166 ، مسألة 270 .
3- راجع مفتاح الكرامة 12 : 38 - 41 ؛ الحدائق الناضرة 18 : 83 ؛ مستند الشيعة 14 : 69 - 70 .
الفرع الثاني : حول ما هو موضوع الحرمة في الأحكام الثلاثة

يمكن بحسب التصوّر أن يكون موضوع الحكمين المتقدّمين في غير المسكرات ، والأحكام الثلاثة فيها :

ما كان محرّم الانتفاع من جميع الجهات ، بحيث لو كان فيه جهة حلّية لم تترتّب عليه الأحكام أو بعضها .

أو يكون الموضوع ما كان محرّم الانتفاع ولو بجهة من الجهات ولو كان محلّل الانتفاع بجهات اُخر ، فيكون جلد الميتة مثلاً موضوع الحكمين ؛ أي البطلان وحرمة الثمن ولو جاز الاستقاء به للبساتين وبيع لأجله ، بمجرّد كونه محرّم اللبس مثلاً .

أو يكون الموضوع ما كان فيه جهة حرمة إذا اتّجر به لأجلها ، دون ما كان فيه جهة حلّية واتّجر به لأجلها ، فالعناوين المشتملة على جهتين يكون حكم الاتّجار والتكسّب بها تابعاً لوقوعهما لتلك الجهة ، فالعصير المغليّ يحلّ بيعه للتخليل ، ولا يحلّ للتخمير أو الشرب .

ثمّ على هذا الاحتمال يمكن أن يكون شرط الحرمة ، الاتّجار لأجل جهة الفساد ، فمع عدم قصد جهة من الجهات يكون محلّلاً ، أو يكون شرط الحلّية قصد جهة الصلاح فلا يحلّ إلاّ معه ، ويكون الاتّجار به على نحو الإطلاق وبلا قصد جهة محرّماً .

ص: 43

وهنا احتمالات اُخر : كاحتمال أن يكون المحرّم بيعه لمن يعلم أ نّه يستعمله في الحرام ، والمحلّل بيعه لمن يعلم أ نّه يستعمله في المحلّل . . . إلى غير ذلك .

فالأولى صرف الكلام إلى مفاد الروايات ؛ ليتّضح مقدار دلالتها في العناوين النجسة ، ثمّ البحث عن مستثنياتها على فرض عموم فيها .

مفاد الروايات في المقام

فنقول : المستفاد من فقرات من رواية «تحف العقول» هو الاحتمال الثالث .

قال : «وأمّا تفسير التجارات في جميع البيوع ووجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع ممّا لا يجوز له ، وكذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه ممّا لا يجوز ، فكلّ مأمور به ممّا هو غذاء للعباد وقوامهم به في اُمورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره ، ممّا يأكلون ويشربون» إلى أن قال : «وكلّ شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات ، فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته .

وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء ، فكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهيّ عنه من جهة أكله» إلى أن قال : «أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع بالربا ، أو البيع للميتة» ، إلى أن قال : «فهذا كلّه حرام ومحرّم ؛ لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه بوجه من الوجوه ؛ لما فيه من الفساد ، فجميع تقلّبه في ذلك حرام . . .»(1) .

ص: 44


1- تحف العقول : 332 ؛ وسائل الشيعة 17 : 83 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .

فإنّ مقتضى إطلاق صدرها ، أنّ كلّ شيء يكون فيه وجه من وجوه الصلاح ، جاز الاتّجار والتكسّب به مطلقاً وإن كان فيه وجه أو وجوه من الفساد ، ومقتضى إطلاق ذيلها - مع قطع النظر عن الصدر وعن جهة تأتي الإشارة إليها - أنّ كلّ ما فيه جهة من جهات الفساد ، يحرم الاتّجار به . ومقتضى الجمع بينهما عرفاً ، أنّ ما فيه جهة صلاح وفساد ، إذا كان التقلّب لأجل الصلاح يكون حلالاً ، وإن كان لجهة الفساد يكون حراماً ، بل مقتضى مناسبة الحكم والموضوع وفهم العرف والعقلاء من الرواية من أنّ جهة الفساد أوجبت حرمة المعاملة لأجل ترتّب الفساد عليها ، أنّ التقلّبات بهذه الجهة محرّمة ، فلا إشكال في استفادة ذلك عرفاً .

مضافاً إلى ظهور قوله : «فجميع تقلّبه في ذلك حرام» في أنّ تقلّب هذا الشيء في ذلك الوجه الحرام حرام . واحتمال أن يكون المراد أنّ تقلّب الإنسان في ذلك الشيء المشتمل على الفساد حرام ، بعيد مخالف للظاهر ، سيّما مع ما مرّ من مناسبة الحكم والموضوع ومقابلة الصدر والذيل ، مضافاً إلى ظهور بعض فقراتها الاُخر ، مثل ما ذكر في تفسير الإجارات في ذلك أيضاً .

فلو كانت الرواية معتمدة ، صارت موجبةً للتصرّف في سائر روايات الأبواب ؛ لحكومتها عليها لو فرض لها إطلاق .

ونحوها رواية «فقه الرضا علیه السلام » و«الدعائم»(1) ، فإنّ مقتضى الجمع العقلائي بين صدرهما وذيلهما ، والمناسبة بين الحكم والموضوع ، أنّ الحلّية والحرمة

ص: 45


1- تقدّمتا في الصفحة 13 .

تابعتان للاستعمال في جهة الصلاح والفساد ، على نحو ما تقدّم في رواية «التحف» .

نعم ، يمكن استفادة عدم الجواز فيما إذا علم أ نّه يستعمله في جهة الفساد ، من رواية «التحف» وما يتلوها أيضاً .

هذا حال العمومات في الباب .

وأمّا غيرها فالروايات الواردة في الخمر على طائفتين :

إحداهما : المستفيضة المشتملة على لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وغارسها وحارسها . . . إلى غير ذلك :

كرواية جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في الخمر

عشرة : غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها»(1) . وقريب منها غيرها من الروايات الكثيرة من الفريقين(2) .

وهذه الطائفة قاصرة عن إثبات الحرمة لمطلق بيع الخمر ، كما لو باع للتخليل لو فرض إمكانه ، أو باع للتداوي إن قلنا بجوازه في مورد الاضطرار ، لا لأدلّة رفع ما اضطرّوا إليه ، بل لقصور الروايات عن إثبات الحكم لغير البيع

ص: 46


1- الكافي 6 : 429 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 4 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الح-ديث 3 و5 ؛ المسن-د ، أحم-د ب-ن حنبل 3 : 277 / 2899 و5 : 201 / 5716 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 5 : 327، و8 : 287 .

والشراء المتداولين في سوق الفسّاق .

فلو فرض أنّ العصير المغليّ بنفسه صار خمراً ، ثمّ صار خلاًّ ، فعصره عاصر للتخليل فهل يمكن أن يقال : إنّه ملعون بلسان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؛ لأ نّه عصر ما يصير خمراً ولو صار خلاًّ بعده ، وكان عصره للخلّ ؟ لا أظنّ بأحد احتماله ، وذلك لأنّ الظاهر المستفاد من تلك الروايات ، أنّ الشرب المعمول به ، وكلّ ما هو من مقدّماته أو مربوط به حرام ، لا لحرمة المقدّمة ؛ فإنّها ليست بحرام جزماً ، بل لجعل الحرمة عليها سياسة لقلع ؛ الفساد .

وكيف كان : لا شبهة في عدم دلالة تلك الطائفة على حرمة المعاملة ، ولا الثمن ولا بطلانها في غير ما قلناه .

والطائفة الاُخرى : ما دلّت على حرمة ثمنها :

كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل ترك غلاماً له في كرم له يبيعه عنباً أو عصيراً ، فانطلق الغلام فعصر خمراً ثمّ باعه ، قال : «لا يصلح ثمنه» . ثمّ قال : «إنّ رجلاً من ثقيف أهدى إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راويتين من خمر ، فأمر بهما رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فاُهريقتا ، وقال : إنّ الذي حرّم شربها حرّم

ثمنها . . .»(1) وقريب منها غيرها (2) .

وهذه الطائفة أيضاً قاصرة عن إثبات الحكم بنحو الإطلاق ؛ لأنّ المتعارف

ص: 47


1- الكافي 5 : 230 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 6 و7 .

في بيع الخمر - بحيث كان غيره نادراً جدّاً سيّما في تلك الأزمنة - هو البيع للشرب الحرام .

وأمّا التخليل فالظاهر عدم انقلاب الخمر خلاًّ . وما وردت في بعض الروايات من تخليلها بالعلاج(1) ، لعلّها التي كانت في حال الغليان ، واختمرت في الجملة ، دون ما صارت خمراً ، ولهذا أمر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بإهراقها وإهراق جميع ما في المدينة من الخمر ، على ما في بعض الروايات(2) .

فلو كان انقلابها إلى الخلّ ممكناً ، لكان من البعيد الأمر بإهراقها ، ولهذا لا يجوز إراقة العصير المغليّ بنفسه أو بالنار ولو اُحرز كونهما خمراً ، إذا أراد صاحبه أن يعمل به خلاًّ أو دبساً .

نعم ، لا يمكن حمل ما دلّت على جعل الخمر العتيقة خلاًّ(3) على ما ذكرناه ، فلا بدّ من تأويل آخر فيها ، لو ثبت عدم إمكان جعلها خلاًّ بالعلاج . ولو فرض إمكانه ، لكن لا شبهة في عدم تعارفه ، وعدم كونه من المنافع المطلوبة لها ، ولعلّ الأمر بإراقتها - بعد فرض إمكان التخليل - كان من الأحكام السياسية لقلع مادّة الفساد وقطع عذر الشاربين للخمر ؛ حيث يمكن لهم الاعتذار باتّخاذها للتخمير .

وكيف كان : فلا شبهة في أنّ المنفعة المتعارفة لها الشرب ، والأدلّة منصرفة

ص: 48


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 524 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 77 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 280 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 524 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 77 ، الحديث 1 .

عن غيره ، والتداوي بها - لو جوّزناه في بعض الموارد النادرة - ليس بحيث يدفع الانصراف أو يمنع عن الإراقة .

وبالجملة : إنّ صاحب الراوية - في الرواية المتقدّمة - إنّما أهدى الخمر لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؛ لكونها من أحبّ الأشياء عندهم ، وقوله : «إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها» ، لا يستفاد منه إلاّ الثمن في بيع الخمر ، حسب تعارفه عندهم ، وكان صاحب الراوية يريد بيعها كذلك ، لا المورد النادر الذي يجب أو يجوز شربها .

فلو فرض في مورد صار العصير في غليانه خمراً يمكن تخليلها ، فبيعت لذلك ، لا تدلّ مثل تلك الروايات على منعه ، كما لا يخفى .

ونحوها ما دلّت على أنّ ثمن الخمر سحت ، من الروايات المستفيضة(1) ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ التكسّب بها في التجارة المتعارفة كذلك .

وإن شئت قلت : إنّ الأدلّة منصرفة إلى ما هو المعهود الشائع ، والنادر بهذه المثابة منسيّ عن الأذهان ، سيّما مع المناسبات المغروسة فيها .

هذا حال ما يمكن ، أو يتوهّم استفادة حرمة أصل المعاملة بعنوانها منها .

وأمّا ما دلّت على حرمة الثمن أو بطلان المعاملة ، فمضافاً إلى بعض ما مرّ ، النبوي المتقدّم : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»(2) .

وفيه احتمالات :

منها : أن يراد به أنّ التحريم إذا تعلّق بذات شيء - بأن يقال : حرّمت عليكم

ص: 49


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 92 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 .
2- تقدّم في الصفحة 23 .

الميتة مثلاً - حرّم ثمنه ؛ لأنّ تحريم الذات تحريم جميع منافعها ، ومنها الثمن ، فيكون بياناً لحدود ما شرّع اللّه تعالى ، لا لأصل التشريع .

أو يراد الإخبار بالملازمة بين ما إذا تعلّق الحرمة بذات شيء ، وبين حرمة ثمنه :

إمّا لأنّ حرمة ذات شيء حرمة جميع الانتفاعات منها بلا وسط ، كالشرب والأكل وهكذا ، وهي ملازمة لحرمة ثمنه ؛ لأجل إسقاط ماليته فلا يجوز معاملته ، أو لحرمة ثمنه بما هو ثمنه نظير ما مرّ .

وإمّا لأنّ حرمة ذاته بحرمة الانتفاعات المقصودة منه ، ومع سلبها لا يصحّ بيعه ؛ لأ نّه مسلوب المنفعة عرفاً بهذا اللحاظ وفي محيط القانون ، فيكون ثمنه حراماً؛ لعدم وقوع المعاملة ، أو مع سلبها يحرم ثمنه بحكم الشرع وبعنوان كونه ثمنه ، نظير ما تقدّم .

أو يراد أنّ اللّه إذا حرّم شيئاً في الجملة بأيّ نحو ، سواء تعلّقت الحرمة بذاته ، أو نهى عن شربه أو أكله أو لبسه أو غير ذلك ، حرّم ثمنه ؛ لإسقاط ماليته شرعاً ، أو لتحريم ثمنه بما هو .

أو يراد أ نّه إذا حرّمت منافعه المقصودة ، سواء حرّمها بتعليق الحكم على ذاته ، أو على تلك المنفعة المقصودة ، حرّم ثمنه .

ولعلّ الأظهر من بينها هو ما قبل الأخير ؛ لاقتضاء الإطلاق وللتفاهم العرفي .

واحتمال أن يكون نظره في ذلك إلى ما تعلّق التحريم بذات الشيء ، فبعيد جدّاً على جميع احتمالاته سيّما الأوّل .

ويؤيّد الاحتمال المذكور ، النبوي المتقدّم عن «عوالي اللآلي» : «إنّ اللّه إذا

ص: 50

حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه»(1) وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام المتقدّمة ، وفيها : «إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها»(2) .

وتؤيّده أيضاً الروايات الواردة في موارد كثيرة على تحريم الثمن ، مع عدم تحريم جميع المنافع(3) ، سنشير إلى جملة منها .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النبوي وإن كان حرمة ثمن ما حرّم ، سواء بيع لاستفادة المنفعة المحرّمة أو المحلّلة ، وسواء بيع لمن يستفيد منه المحرّم أو لا ، لكن لا يبعد دعوى دلالتها على التحريم في القسم الأوّل من الشقّين ؛ لمناسبة الحكم والموضوع ، والوثوق بأنّ التحريم إنّما هو للفساد المترتّب عليه .

فلا يشمل ما إذا بيع لصلاح حال الناس ، وللجهة المحلّلة ، سيّما مع ما تقدّم من دلالة رواية «تحف العقول» و«الرضوي» و«الدعائم» على ذلك .

وسيّما مع ما ورد في الموارد العديدة من تجويز بيع المحرّم لاستفادة المحلّل ، والغرض العقلائي المباح :

كروايات وردت في تجويز بيع الكلب الصيود(4) .

ورواية أبي القاسم الصيقل ، الدالّة على جواز بيع غلاف السيوف من جلود الميتة(5) .

ص: 51


1- تقدّم في الصفحة 24 .
2- تقدّمت في الصفحة 47 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 92 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 118 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 .
5- تهذيب الأحكام 6 : 376 / 1100 ؛ وسائل الشيعة 17 : 173 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 38 ، الحديث 4 .

وما وردت في تجويز بيع الزيت المتنجّس للاستصباح تحت السماء ، وممّن يعمل صابوناً (1) .

وما دلّت على جواز بيع المغنّية إذا كان الاشتراء لتذكّر الجنّة لا للتغنّي(2) .

وما دلّت على جواز عمل الحمائل وغيرها بشعر الخنزير(3) ، الظاهر منها جواز بيعها ؛ ضرورة أنّ عملها إنّما هو للمعيشة والتكسّب ، كما يظهر من الروايات .

وما وردت في جواز بيع العجين من الماء النجس ، ممّن يستحلّ الميتة(4) ، تأمّل .

بل بعض الروايات في الخمر شاهد أيضاً :

كصحيحة جميل ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمراً ، فقال : «خذها ثمّ أفسدها» قال علي : «واجعلها خلاًّ»(5) .

ويحتمل أن يكون المراد بعلي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، واستشهد أبو عبداللّه علیه السلام بقوله ، ويحتمل أن يكون المراد علي بن الحديد ، أحد رواة السند ؛

ص: 52


1- راج-ع وسائل الشيع-ة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب م-ا يكتسب به ، الباب 6 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 73 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 122 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 227 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 100 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 3 .
5- تهذيب الأحكام 9 : 118 / 508 ؛ وسائل الشيعة 25 : 371 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 6 .

نقل عنه بعض الرواة المتأخّر منه تفسيره للإفساد .

والظاهر منها : جواز أخذها في مقابل الدين ، ووقوعها عوضه إذا أخذها للتخليل .

وعن عبيد بن زرارة في الموثّق ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلاًّ ، قال : «لا بأس»(1) .

والظاهر منه الأخذ من الغير ؛ لعدم تعارف جعل العصير خمراً ثمّ خلاًّ ، وليس المراد من الخمر العصير المغليّ جزماً ، ومقتضى إطلاقه جواز الأخذ ولو بشراء ، تأمّل .

بل الظاهر من ذيل صحيحة أبي بصير : أنّ الحكم بحرمة التقلّب في الخمر لأجل إرادة الفساد .

وفيها : قلت : إنّي عالجتها وطيّنت رأسها ثمّ كشفت عنها ، فنظرت إليها قبل الوقت ، فوجدتها خمراً ، أيحلّ لي إمساكها قال : «لا بأس بذلك ، إنّما إرادتك أن يتحوّل الخمر خلاًّ ؛ وليس إرادتك الفساد»(2) .

والإنصاف أنّ الناظر فيما تقدّم ، يستظهر من قوله : «إذا حرّم اللّه . . .» أنّ تحريم الثمن فيما إذا بيع في مورد الفساد لا مطلقاً ، ولا أقلّ من قصوره عن الإطلاق .

ص: 53


1- الكافي 6 : 428 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 525 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 77 ، الحديث 2 .
2- السرائر ، المستطرفات 3 : 577 ؛ وسائل الشيعة 25 : 372 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 11 .
كلمات الفقهاء في المقام

ثمّ لا يبعد أن تكون كلمات الفقهاء أو جملة منها أيضاً موافقة لما ذكرناه :

قال في «الخلاف» في جملة من أدلّته على جواز بيع الزيت النجس ممّن يستصبح به تحت السماء : «وروى أبو علي بن أبي هريرة في «الإفصاح» أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أذن في الاستصباح بالزيت النجس . وهذا يدلّ على جواز بيعه ، وأنّ لغيره لا يجوز إذا قلنا بدليل الخطاب»(1) .

وقد جعل ابن زهرة(2) إباحة المنفعة من شرائط العوض ؛ تحفّظاً من المنافع

المحرّمة ، وأدخل كلّ نجس لا يمكن تطهيره فيها . فيظهر منه دوران الصحّة والفساد مدار جواز الانتفاع وعدمه .

وقد استدلّ العلاّمة في «المنتهى» غير مرّة على جواز البيع والإجارة بجواز الانتفاع بالشيء .

قال : «يجوز إجارة الكلب ، وهو قول بعض الشافعية ، وقال بعضهم : لا يجوز . لنا أ نّها منفعة مباحة فجازت المعاوضة عنها»(3) . وقريب منه في «التذكرة»(4) .

وقال في ما ليس بنجس من العذرات : «أ نّها طاهرة ينتفع بها ، فجاز بيعها»(5) تأمّل .

ص: 54


1- الخلاف 3 : 187 .
2- غنية النزوع 1 : 213 .
3- منتهى المطلب 15 : 357 .
4- تذكرة الفقهاء 10 : 28 .
5- منتهى المطلب 15 : 351 .

واستدلّ على صحّة بيع الكلب بصحّة الانتفاع به في «المنتهى» و«التذكرة» .

وقال في «التذكرة» : «إن سوّغنا بيع كلب الصيد ، صحّ بيع كلب الماشية والزرع والحائط ؛ لأنّ المقتضي - وهو النفع - حاصل»(1) .

واستدلّ على عدم جواز إجارة الخنزير وبيعه بأن لا منفعة فيه(2) .

وقال : «يجوز بيع كلّ ما فيه منفعة ؛ لأنّ الملك سبب لإطلاق التصرّف ، والمنفعة المباحة كما يجوز استيفاؤها ، يجوز أخذ العوض عنها ، فيباح لغيره بذل ماله فيها»(3) . . . إلى غير ذلك من كلماته .

وقد مرّ عن «شرح الإرشاد» للفخر ، و«التنقيح» للمقداد ، في الأعيان النجسة : «إنّما يحرم بيعها ؛ لأ نّها محرّمة الانتفاع ، وك-لّ محرّم الانتفاع

لا يصحّ بيعه»(4) .

هذا ، مع أنّ تحصيل الإجماع أو الشهرة المعتمدة في مثل هذه المسألة التي تراكمت فيها الأدلّة ، وللاجتهاد فيها قدم راسخ ، غير ممكن ، سيّما مع تمسّك جملة من الأعيان بالأدلّة اللفظية .

هذا حال الكبرى الكلّية ، ولا بدّ في الاستنتاج من البحث الكلّي عن صغراها ، ثمّ البحث عن جزئيات المسائل .

ص: 55


1- تذكرة الفقهاء 10 : 27 .
2- تذكرة الفقهاء 10 : 28 .
3- تذكرة الفقهاء 10 : 33 .
4- تقدّم في الصفحة 31 .
البحث الكلّي حول الانتفاع بالأعيان النجسة وبالمتنجّسات

فنقول : لا شبهة في أنّ الأصل الأوّلي - كأصالتي الحلّ والإباحة ، وعموم خلق ما في الأرض جميعاً لنا (1) - جواز الانتفاع بكلّ شيء من كلّ وجه ، إلاّ ما قام الدليل على التحريم .

وقد ادّعي الأصل الثانوي على حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة وبالمتنجّسات مستدلاًّ بالكتاب والسنّة والإجماع(2) .

فمن الأوّل ، قوله تعالى : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَاْلأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ((3) بدعوى رجوع الضمير إلى الرجس ، وأنّ وجوب الاجتناب عن المذكورات لانسلاكها فيه ؛ إمّا حقيقةً كالخمر ، أو ادّعاءً كغيرها ، وأنّ الرجس هو النجس المعهود ، ووجوب الاجتناب عن الشيء يقتضي عدم الانتفاع بشيء منه ، وإلاّ لم يناسب التعبير بالاجتناب والتباعد عنه ، فتدلّ على حرمة الانتفاع مطلقاً عن كلّ رجس ونجس .

وفيه أوّلاً : ممنوعية رجوع الضمير إلى الرجس ؛ إذ من المحتمل رجوعه إلى عمل الشيطان ، بل لعلّه الأنسب في مقام التأكيد عن لزوم التجنّب عن المذكورات . ولو سلّم رجوعه إليه ، لا يسلّم الرجوع إليه مطلقاً ، بل مع قيد كونه من عمل الشيطان ، وإلاّ فلو كانت علّة وجوب الاجتناب كون الشيء رجساً ،

ص: 56


1- وهو قوله تعالى : )هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى اْلأَرْضِ جَمِيعاً( ، البقرة (2) : 29 .
2- راجع مستند الشيعة 15 : 12 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 97 .
3- المائدة (5) : 90 .

لم يكن ذكر عمل الشيطان مناسباً ، والرجوع إلى كلّ منهما مستقلاًّ لو فرض إمكانه خلاف الظاهر .

فيمكن أن يقال : - بعد رجوع الضمير إلى الرجس الذي من عمل الشيطان - إنّ الرجس على نوعين : ما هو من عمله يجب الاجتناب عنه ، وما ليس كذلك لا يجب ، فتدلّ أو تشعر على جواز الانتفاع في الجملة بالنجاسات .

وثانياً : أنّ الظاهر منها ولو بمناسبة قوله : )مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ( ، وبقرينة قوله متّصلاً به : )إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَعَنِ الصَّلَوةِ((1) أنّ شرب الخمر والمقامرة وعبادة الأوثان رجس من عمله ، لا بنحو المجاز في الحذف ، بل بادّعاء أن لا خاصّية للخمر إلاّ شربها ، ولا للميسر إلاّ اللعب ، إذا كان المراد به آلاته ، وأمّا

إن كان المراد ، اللعب بالآلة فلا دعوى فيه ، ويكون قرينةً على أنّ المراد بالخمر أيضاً شربه ، وبالأنصاب عبادتها ، بنحو ما مرّ من الدعوى .

فإنّ إيقاع العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر اللّه وعن الصلاة ، إنّما هو بشرب الخمر والمقامرة . وإمساكها للتخليل ليس من عمل الشيطان ، ولا آلة له لإيقاع العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر اللّه .

هذا ، مع أنّ في كون الرجس بمعنى النجس المعهود إشكالاً ؛ فإنّه - على ما في كتب اللغة(2) - جاء بمعانٍ ، منها : العمل القبيح . فدار الأمر بين حمله على

ص: 57


1- المائدة (5) : 91 .
2- راجع لسان العرب 5 : 147 ؛ مجمع البحرين 4 : 73 .

الرجس بمعنى القذر المعهود ، وارتكاب التجوّز في الآية زائداً على الدعوى المتقدّمة ، أو حمله على القبيح وحفظ ظهورها من هذه الحيثية ، والثاني أولى .

مع أنّ في تنزيل عبادة الأوثان - التي هي كفر باللّه العظيم - منزلة القذارة ، أو تنزيل نفسها منزلتها - أي منزلة القذارة الصورية في وجوب الاجتناب - ما لا يخفى من الوهن ؛ فإنّه من تنزيل العظيم ، منزلة الحقير في مورد يقتضي التعظيم ، تأمّل .

ومنه : آية تحريم الخبائث ، بتقريب أنّ النجاسات والمتنجّسات من الخبيثات وأنّ الحرمة إذا تعلّقت بذات الشيء تفيد حرمة مطلق الانتفاعات ؛ لأنّ التعلّق بها مبنيّ على الدعوى ، وهي أنسب لها .

ويظهر النظر فيه بعد ذكر الآية الكريمة ، قال تعالى : )فَسَأَكْتُبُهَا( ؛ أي الرحمة )لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤتُونَ الزَّكَوةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤمِنُونَ* الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالاْءِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ . . . ((1) .

فإنّ مبنى الاستدلال على دعوى تعلّق الحرمة على عنوان الخبيثات .

وأنت خبير : بأنّ الآية ليست بصدد بيان تحريم الخبائث ، بل بصدد الإخبار عن أوصاف النبي صلی الله علیه و آله وسلم بأ نّه يأمرهم بالمعروف . . . وليس المراد أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم يحرّم عنوان الخبائث أو ذاتها ، ويحلّ عنوان الطيّبات أو ذاتها ، بل بصدد بيان أ نّه

ص: 58


1- الأعراف (7) : 156 - 157 .

يحلّ كلّ ما كان طيّباً ويحرّم كلّ ما كان خبيثاً بالحمل الشائع ولو بالنهي عن أكله وشربه ، فإذا نهى عن شرب الخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير وهكذا ، يصدق أ نّه حرّم الخبائث ، فلا دلالة للآية على تحريم عنوان الخبائث ، وهو ظاهر .

ومن ذلك يظهر : أنّ الاستدلال بمفهوم قوله تعالى : )يَسْئَلُونَكَ مَا ذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ((1) ، ليس على ما ينبغي ؛ فإنّ المراد من حلّية الطيّبات ، حلّية ما كان طيّباً بالحمل الشائع ، لا أنّ الحلّية متعلّقة بعنوان الطيّب أو

ذاته .

وإن شئت قلت : إنّ هذا جمع للتعبير عمّا هو حلال ، لا أنّ الحلال في الشريعة شيء واحد هو عنوان الطيّب ، والحرام شيء واحد هو عنوان الخبيث المقابل له .

هذا ، مضافاً إلى أنّ الظاهر - بقرينة صدرها وذيلها - حلّية الأكل ، كما تأتي الإشارة إليه .

مع أنّ المفهوم على فرضه «لم يحلّ لكم غير الطيّبات» لا «حرّم عليكم الخبائث» ، فلا ينتج لما نحن بصدده . مضافاً إلى إمكان إنكار المفهوم ولو كان بصدد التحديد .

ومنه : قوله تعالى : )وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ((2) ، بنحو ما تقدّم من التقريب .

وفيه : أ نّه لم يتّضح أنّ المراد بالرجز، الرجس؛ فإنّه بمعانٍ ، منها : عبادة الأوثان ، وفي «المجمع» : «أ نّه بالضمّ اسم صنم فيما زعموا . وقال قتادة : هما صنمان : أساف ونائلة»(3) ، انتهى .

ص: 59


1- المائدة (5) : 4 .
2- المدّثّر (74) : 5 .
3- مجمع البيان 10 : 578 .

ولعلّ الأقرب أن يكون الأمر ، بهجر الأوثان أو عبادتها ، وأمّا النجس المعهود ، فمن البعيد إرادته في أوّل سورة نزلت عليه صلی الله علیه و آله وسلم - على ما قيل(1) - أو بعد إقرأ ، قبل تأسيس الشريعة اُصولاً وفروعاً ، على ما يشهد به الذوق السليم ، ولهذا لا يبعد أن يكون المراد بقوله : )وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ((2) ، غير تطهير اللباس ، بل تنزيه نسائه أو أقربائه عن دنس الشرك - على ما قيل(3) - أو غير ذلك ممّا فسّر .

هذا حال الآيات .

وأمّا الأخبار : فقد استدلّ على حرمة مطلق الانتفاع بالنجس بل والمتنجّس برواية «تحف العقول» .

وقد مرّ أنّ المستفاد من موارد منها ، جواز التقليب في وجوه الصلاح ، وإنّما عدم الجواز فيما إذا قلّبها في وجه الفساد . فهي كغيرها من الروايات المتقدّمة تدلّ على خلاف المطلوب ، فراجع(4) .

وربّما يتوهّم إمكان استنقاذ الكلّية من الموارد الجزئية ، كقوله تعالى : )حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ((5) فإنّ تعلّق الحرمة بذات العناوين المذكورة فيها ، يدلّ على حرمة جميع الانتفاعات(6) ، فإنّها أولى في تصحيح

ص: 60


1- راجع التبيان في تفسير القرآن 10 : 171 ؛ مجمع البيان 10 : 579 .
2- المدّثّر (74) : 4 .
3- راجع مجمع البيان 10 : 580 - 581 .
4- تقدّم في الصفحة 45 .
5- المائدة (5) : 3 .
6- جواهر الكلام 22 : 11 .

الدعوى. ونحوها قوله تعالى: )إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ((1).

وكالروايات الكثيرة الدالّة على وجوب إهراق الماء المتنجّس(2) ، والمرق المتنجّس(3) ، وإلقاء ما حول النجس في الدهن الجامد(4) .

وقوله في صحيحة الكاهلي - عبداللّه بن يحيى - أو حسنته عن أبي عبداللّه علیه السلام في مورد قطع أليات الغنم : «إنّ في كتاب علي علیه السلام أنّ ما قطع منها ميّت لا ينتفع به»(5) .

وفيه : منع استفادة حرمة مطلق الانتفاعات في الموارد المذكورة ، فضلاً عن الإسراء إلى غيرها .

أمّا الآيتان ، فلقرائن فيهما وفيما قبلهما وبعدهما ، تدلّ على أنّ المراد بتحريم العناوين ، تحريم أكلها :

منها : ذكر لحم الخنزير ؛ للجزم بعدم إرادة جواز الانتفاع بغير لحمه ، وعدم الجواز في الميتة .

ومنها : عدم ذكر الكلب ؛ لعدم كونه ممّا يتعارف أكله .

ص: 61


1- البقرة (2) : 173 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 151 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 2 ، 4 ، 7 ، 10 ، 11 و14 .
3- وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 8 ، و24 : 196 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 44 ، الحديث 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 .
5- الكافي 6 : 254 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 71 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 30 ، الحديث 1 .

ومنها : استثناء الاضطرار في المجاعة ؛ فإنّ المراد منه جواز أكلها في المخمصة .

ومنها : قوله تعالى قبل الآية الثانية : )كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للّه ِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ* إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ . . .( .

وتعقيب الاُولى بقوله تعالى : )يَسْئَلُونَكَ مَا ذَا أُحِلَّ لَهُمْ( إلى قوله : )فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ( وقوله : )وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ( فاحتفافهما بما ذكر ، يوجب ظهورهما في إرادة الأكل ، لا الانتفاعات الاُخر .

مع أنّ الشائع من المنافع منها ، سيّما الدم ولحم الخنزير ، هو الأكل .

هذا مع ورود روايات يظهر منها ما ذكرناه : كرواية المفضّل بن عمر المرويّة عن أبي عبداللّه علیه السلام بطرق لا يبعد حسن بعضها ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام لم حرّم اللّه الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير ؟ إلى أن قال : «ولكنّه خلق الخلق ، فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحلّه لهم وأباحه تفضّلاً» إلى أن قال : «أمّا الميتة فإنّه لا يدمنها أحد إلاّ ضعف بدنه ، ونحل جسمه ، وذهبت قوّته ، وانقطع نسله ، ولا يموت آكل الميتة إلاّ فجأة»(1) ثمّ ذكر مفاسد أكل الدم ، وأكل لحم الخنزير ، وشرب الخمر . ويظهر منها أنّ متعلّق الحرمة في الآية الأكل والشرب لا غير .

وقريب منها روايات اُخر(2) ، يظهر منها ما ذكر .

ص: 62


1- الكافي 6 : 242 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 99 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- وسائل الشيعة 24 : 102 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 1 .

وأمّا الروايات الآمرة بإهراق الماء المتنجّس ، فلأنّ الماء القليل الذي بقي في الإناء من فضل الكلب ونحوه ، لا فائدة له نوعاً سوى الشرب ، أو الوضوء ، أو غسل شيء به ؛ ومع عدم جوازها لا بدّ من إهراقه ، فلا تدلّ تلك الروايات على حرمة مطلق الانتفاع به لو فرض له انتفاع ، كصبّه على أصل شجر ونحوه .

مضافاً إلى أنّ الروايات الواردة فيه ، إنّما هي في مقام بيان أحكام اُخر .

فقوله في الكلب : «إنّه رجس نجس لا يتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب»(1) ، في مقام بيان عدم جواز التوضّي به ، وطريق تطهير الإناء ، لا عدم جواز سائر الانتفاعات ، سيّما مثل تطيين التراب به ، وكذا حال سائر الروايات .

وأمّا ما فيها الأمر بإهراق المرق ، مضافاً إلى عدم نفع له إلاّ الأكل الممنوع ، فالأمر بإهراقه في رواية السكوني(2) لذلك ، والظاهر أ نّه كناية عن حرمة أكله ، كما يدلّ عليه قوله : «ويغسل اللحم ويؤكل» ، أنّ في رواية زكريّا بن آدم : «يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة ، أو الكلب ، واللحم اغسله وكله»(3) . وإطعامهما نحو انتفاع به ، سيّما إذا كان الذمّي ضيفاً له ، والكلب لماشيته

ص: 63


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 261 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 196 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 44 ، الحديث 1 .
3- الكافي 6 : 422 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 358 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 26 ، الحديث 1 .

وحراسته . وفيها أيضاً تجويز بيع العجين النجس من المستحلّ ، وكذا في مرسلة

ابن أبي عمير(1) .

وأمّا روايات إلقاء ما حول الجامد من الدهن وغيره ، فتدلّ على جواز الانتفاع : ففي موثّقة أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفأرة تقع في السمن ، أو في الزيت ، فتموت فيه ، فقال : «إن كان جامداً فتطرحها وما حولها ، ويؤكل ما بقي ، وإن كان ذائباً فاسرج به ، وأعلمهم إذا بعته»(2) .

والظاهر منها جواز الإسراج ولو بالجامد الذي حولها ، وإنّما قال : «تطرحها» ؛ لعدم كونه معتدّاً به ؛ مع قوّة احتمال أن يكون كناية عن عدم أكله . ونحوها غيرها .

فتحصّل ممّا ذكرناه : جواز الانتفاع بصنوف النجاسات ، ولا دليل عامّ على حرمة جميع الانتفاعات بها ، كما لا دليل كذلك على حرمة بيعها ، بل مقتضى إطلاق الأدلّة جوازه فيما ينتفع به ، فلا بدّ من التماس دليل على الخروج من الكلّيتين المتقدّمتين ، ففي كلّ مورد ليس الدليل إلاّ الأدلّة العامّة ، يحكم بجواز

الانتفاع به ، وجواز البيع في ما ينتفع به ، كالبول ممّا لا يؤكل لحمه ، والمنيّ ؛ لعدم الدليل فيهما بالخصوص ، فيجوز الانتفاع بهما في غير الشرب والأكل وبيعهما لو فرض لهما منفعة عقلائية ، كمنيّ الحيوانات للتلقيح المتعارف في هذا العصر .

ص: 64


1- تهذيب الأحكام 1 : 414 / 1305 ؛ وسائل الشيعة 17 : 100 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 129 / 562 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 3 .
البحث في الانتفاع ببعض الأعيان النجسة الواردة فيها روايات بالخصوص

بقي الكلام في موارد خاصّة ، وردت فيها روايات ، يجب التعرّض لها بالخصوص :

حكم الانتفاع بالدم وبيعه

منها : الدم . والأظهر فيه جواز الانتفاع به في غير الأكل ، وجواز بيعه لذلك ؛ فإنّ ما وردت فيه من الآية والرواية لا تدلّ على حرمة الانتفاع به مطلقاً :

فقد تقدّم الكلام في الآية الكريمة(1) ، مع أ نّه لم يكن في تلك الأعصار للدم نفع غير الأكل ، فالتحريم منصرف إليه .

ومنه يظهر حال الروايات الدالّة على حرمة سبعة أشياء من الذبيحة ، منها : الدم ؛ فإنّ الظاهر منها حرمة الأكل ، كما تشهد به نفس الروايات ؛ فإنّ في جملة منها : «لا يؤكل من الشاة كذا وكذا ، ومنها : الدم»(2) ، وهي قرينة على أنّ المراد من قوله : «حرم من الشاة سبعة أشياء : الدم والخصيتان . . .»(3) هو حرمة الأكل ،

ص: 65


1- تقدّم في الصفحة 60 - 61 .
2- الكافي 6 : 254 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 172 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 4 .
3- الكافي 6 : 253 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 171 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 1 .

مع أنّ المذكورات لم يكن لها نفع في تلك الأعصار إلاّ الأكل .

فلا شبهة في قصور الأدلّة عن إثبات حرمة سائر الانتفاعات من الدم .

ويتّضح ممّا ذكر : أنّ النهي عن بيع سبعة أشياء منها الدم في مرفوعة أبي يحيى الواسطي(1) ، يراد به البيع للأكل ؛ لتعارف أكله في تلك الأمكنة

والأزمنة ، كما يشهد به الروايات .

فالأشبه جواز بيعه إذا كان له نفع عقلائي في هذا العصر .

والظاهر من شتات كلمات الفقهاء أيضاً دوران حرمة التكسّب بالنجاسات مدار عدم جواز الانتفاع ، كما مرّت جملة من كلماتهم(2) .

وبهذا يظهر لزوم إرجاع محكيّ إجماع «النهاية»(3) في الدم على ذلك ، سيّما مع تعليله بعدم الانتفاع به .

حكم الانتفاع بالعذرة وبيعها

ومنها : العذرة . لا ينبغي الإشكال في جواز الانتفاع بأرواث مأكول اللحم ، وكذا جواز بيعها ، وسائر التقلّب فيها ، عدا الأكل ؛ للسيرة المستمرّة بين المسلمين

في الأعصار والأمصار .

قال الشيخ : «سرجين ما يؤكل لحمه يجوز بيعه» إلى أن قال : «ويدلّ على

ص: 66


1- الكافي 6 : 253 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 171 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 2 .
2- تقدّم في الصفحة 28 - 34 و54 - 55 .
3- تقدّم في الصفحة 33 .

ذلك بيع أهل الأمصار في جميع الأعصار لزروعهم وثمارهم ، ولم نجد أحداً كره ذلك ، ولا خلاف فيه ، فوجب أن يكون جائزاً»(1) .

وعن السيّد الإجماع على جواز الانتفاع بها (2) .

والإنصاف : أ نّه لا ينبغي إطالة الكلام في مثل المسألة ، بل لا بدّ من تأويل

ظاهر المفيد وسلاّر(3) والشيخ في «النهاية»(4) ، مع تشويش عبارة «النهاية» ، واحتمال كون مراد سلاّر من العذرة عذرة الإنسان أو مع عذرة غير المأكول ، ومن الأبوال مطلقها واستثنى منها بول الإبل ، وإنّما حرم بول غيره ؛ لعدم منفعة حتّى في الطاهر منه ، فيكون ممّا لا يجوز بيعه لذلك ، بل ما ذكرناه محتمل كلام «النهاية» أيضاً ، ولم يحضرني كلام المفيد رحمه الله علیه .

كما لا ينبغي التأمّل في جواز الانتفاع بالعذرة النجسة ، سيّما عذرة الإنسان ؛ للسيرة المستمرّة في الأعصار على الانتفاع بها في التسميد .

فعن «المبسوط» : «أنّ سرجين ما لا يؤكل لحمه ، وعذرة الإنسان ، وخرء الكلاب ، لا يجوز بيعها ، ويجوز الانتفاع بها في الزروع والكروم واُصول الشجر بلا خلاف»(5) .

ويظهر من العلاّمة وغيره ، أنّ جوازه للتسميد مفروغ عنه .

ص: 67


1- الخلاف 3 : 185 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 68 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 26 .
3- المقنعة : 587 ؛ المراسم : 170 .
4- النهاية : 364 .
5- المبسوط 2 : 167 .

إنّما الكلام في جواز بيعها وصحّته : فهل يجوز مطلقاً ، كانت من الإنسان أو غيره من الحيوانات الغير المأكولة ، أو لا مطلقاً ، أو جاز في غير الإنسان ، أو العكس ؟ وجوه .

يتّضح الأوجه منها بعد النظر في الأخبار وكلمات الأصحاب :

الأخبار الواردة في المقام

فنقول : إنّ الروايات الواردة في المقام - كما تقدّم بعضها (1) - قد علّق فيها الحكم على عنوان العذرة :

ففي رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ثمن العذرة من السحت»(2) .

وفي رواية محمّد بن مضارب عنه علیه السلام قال : «لا بأس ببيع العذرة»(3) . وفي موثّقة سماعة قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر ، قال : إنّي رجل أبيع العذرة فما تقول ، قال : «حرام بيعها وثمنها» وقال : «لا بأس ببيع العذرة»(4) .

ص: 68


1- تقدّم في الصفحة 14 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1080 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1079 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 3 .
4- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1081 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 2 .

وعن «دعائم الإسلام» عنه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام : «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن بيع الأحرار» إلى أن قال : «وعن بيع العذرة ، وقال : هي ميتة»(1) .

ويظهر من رواية المفضّل بن عمر عنه علیه السلام جواز الانتفاع بها ، بل تشعر أو تدلّ على جواز بيعها (2) .

في بيان المراد من العذرة

ثمّ إنّ العذرة هل هي خرء مطلق الحيوان ، كما لعلّه الظاهر من اللغويين ، أو خصوص الإنسان ، كما عن بعض أهل اللغة(3) ؟

فعلى الأوّل : يشكل الأخذ بما دلّت على أنّ ثمنها سحت ، على فرض تعارض الروايات ، وعدم مقبولية الجمع المتقدّم منّا (4) ، ولا سائر ما قيل في وجهه(5) ؛ لأنّ ما يباع من العذرات النجسة ليس إلاّ عذرة الإنسان ، وأمّا عذرة الكلب والسنّور ونحوهما فلا تباع ، ولم يكن بيعها معهوداً قطّ .

وما في بعض الروايات الضعيفة؛ من النهي عن الصلاة في خفّ يتّخذ من

ص: 69


1- دعائم الإسلام 2 : 18 / 22 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 71 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 5 .
2- التوحيد ، المفضّل : 107 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 33 ، الحديث 1 .
3- النهاية ، ابن الأثير 3 : 199 ؛ لسان العرب 9 : 108 ؛ أقرب الموارد 2 : 757 ؛ المنجد : 494 .
4- تقدّم في الصفحة 15 - 16 .
5- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 23 - 25 .

جلود الدارش ، معلّلاً بأ نّه يدبغ بخرء الكلاب(1) ، لا يدلّ على أنّ خرءها كان يباع ويشترى . فمن المقطوع عدم معهودية بيعه ، بل المتعارف بيع عذرة الإنسان التي يحتاج إليها الناس للتسميد ، وكذا عذرة الحيوانات المأكولة اللحم . فلم يكن مورد السؤال في موثّقة سماعة ، ومورد سائر الروايات إلاّ عمّا كان مورد البيع والشراء ، لا مطلقاً .

وعليه : يكون تقييد ما دلّت على أنّ ثمن العذرة سحت ، وبيعها حرام بالإجماع والسيرة على صحّة بيع عذرة المأكول اللحم ، مستهجناً ؛ للزوم إخراج ما هو أكثر تداولاً - أي ما هو لجميع صنوف الحيوانات المحلّلة اللحم - للزرع والطبخ والحمّامات وسائر احتياجات الناس ، وبقاء عنوان واحد هو عذرة الإنسان للزرع فقط ، ولا فرق في الاستهجان بين التخصيص الكثير والتقييد كذلك .

ووضوح حكم عذرة ما يؤكل لحمه بالإجماع والسيرة في عصرنا ، لا يلازم وضوحه في تلك الأزمنة ؛ ضرورة أنّ الأحكام الواضحة في الأعصار المتأخّرة كانت غالباً نظرية ، بل مجهولة سابقاً وفي أوائل الإسلام ونشر الأحكام ، حتّى عصر الأئمّة علیهم السلام ، ولهذا خالف فيها المسلمون .

فدعوى انصرافها إلى عذرة الإنسان ؛ لوضوح حكم خرء ما يؤكل لحمه ، غير وجيهة .

ولو منع الاستهجان - ولو بدعوى عدم محذور لإطلاق الحكم بالنسبة إلى

ص: 70


1- الكافي 3 : 403 / 25 ؛ وسائل الشيعة 3 : 516 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 71 ، الحديث 1 .

سائر أنواع غير المأكول لغرض المنع عن الموارد النادرة أو احتمال شيوع الاستفادة في الأزمنة اللاحقة - يمكن الجمع بين الروايات ، بتقييد روايات المنع بالإجماع والسيرة فيما يؤكل لحمه ، فتنقلب النسبة بين الطائفتين المتباينتين إلى الأعمّ والأخصّ المطلق ، فيقيّد الأعمّ بالأخصّ ، فصارت النتيجة عدم الجواز في عذرة غير المأكول .

وعلى الثاني : - أي كونها مختصّة بفضلات الإنسان، كما نقل عن بعض أهل اللغة - يقع التعارض بينها لو كانت حجّة في نفسها ، لكن ليس فيها ما يعتمد عليه ، عدا موثّقة سماعة(1) .

فحينئذٍ : فإن أحرزنا أنّ ذيلها رواية منفصلة جمعهما سماعة في النقل - كما يقال في مضمراته(2) - أو قلنا بجريان عمل التعارض وإعمال العلاج في رواية واحدة مشتملة على حكمين متعارضين - كما هو الأقوى - فلا بدّ من إعمال قواعد التعارض فيها ؛ من الأخذ بما هو الموافق للكتاب أوّلاً ، ومع فقده الأخذ بما يخالف العامّة ، وهذان الترجيحان للمجوّز على ما حكي من كون المنع مذهب أكثر العامّة(3) .

لكن الرجوع إلى المرجّح ، إنّما هو بعد عدم إحراز الشهرة الفتوائية على أحد

الطرفين - كما قرّر في محلّه من أ نّها لتميّز الحجّة عن غيرها (4) - بل ولو قلنا بأ نّها من المرجّحات أيضاً ، يقدّم الترجيح بها على سائرها .

ص: 71


1- تقدّمت في الصفحة 68 .
2- راجع مقباس الهداية 1 : 333 .
3- تذكرة الفقهاء 10 : 31 .
4- راجع التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 123 .

فلا بدّ من عطف النظر إلى الإجماعات المنقولة وكلمات القوم ؛ فنقول :

قال الشيخ في «الخلاف» : «سرجين ما يؤكل لحمه يجوز بيعه - إلى أن قال :

- دليلنا على جواز ذلك أ نّه طاهر عندنا - إلى أن قال : - وأمّا النجس منه فلدلالة إجماع الفرقة» ثمّ استدلّ بالنبوي(1) .

وهو - كما ترى - دعوى الإجماع على أنّ السرجين النجس لا يجوز بيعه ، والسرجين معرّب سرگين لا يطلق على عذرة الإنسان . والشاهد على أنّ المراد منه غيرها ، قوله في محكيّ «المبسوط» : «إنّ سرجين ما لا يؤكل لحمه وعذرة الإنسان وخرء الكلاب ، لا يجوز بيعها ، ويجوز الانتفاع بها في الزروع والكروم واُصول الشجر بلا خلاف»(2).

وعن «المبسوط» أيضاً : «أمّا نجس العين فلا يجوز بيعه ، كجلود الميتة -

إلى أن قال : - والعذرة والسرقين»(3) لكن لم يدّع الإجماع عليه .

وقال العلاّمة في «التذكرة» : «لا يجوز بيع السرجين النجس إجماعاً منّا - إلى أن قال : - ولأ نّه رجيع نجس ، فلم يصحّ بيعه كرجيع الآدمي»(4) . والظاهر منه إلزام الخصم بما هو مورد تسلّمه .

فتحصّل أنّ المراد به غير ما للآدمي .

فإن قلت : هب ذلك ، لكن يكفي ما في «المبسوط» من دعوى

ص: 72


1- الخلاف 3 : 185 .
2- المبسوط 2 : 167 .
3- المبسوط 2 : 166 - 167 .
4- تذكرة الفقهاء 10 : 31 .

عدم الخلاف في عذرة الإنسان مستقلاًّ(1) .

قلت : لم يتّضح رجوع نفي الخلاف إلى عدم جواز البيع وإلى جواز الانتفاع كليهما ، والمتيقّن الثاني ، ويكفي الشكّ فيه في عدم ثبوت الإجماع أو دعواه ، فاتّضح بطلان نسبة حكاية الإجماع إلى الشيخ ، والعلاّمة في «التذكرة» ، وأوضح بطلاناً نسبته إلى الثاني في «المنتهى» . قال فيه : «لا يجوز بيع السرجين النجس ، وبه قال الشافعي وأحمد . وقال أبو حنيفة : يجوز . لنا : أ نّه مجمع على نجاسته فلم يجز بيعه كالميتة» . ثمّ استدلّ بالروايات(2) .

وهو - كما ترى - لم يدّع الإجماع إلاّ على نجاسته . واستنتاج عدم جواز بيعه اجتهاد منه ، بل لو كان بيعه مورد الإجماع ، لم يدّع كذلك ، إلاّ أن يقال : إنّه

لإلزامهم والإجماع من الفريقين على النجاسة .

ثمّ إنّ من الممكن الخدشة في دعوى العلاّمة في «التذكرة» الإجماع على عدم جواز بيع السرجين النجس ؛ لأ نّه معلّل بقوله: «للإجماع على نجاسته فيحرم بيعه» وفي مثله يشكل إثبات الإجماع على الحكم الأوّل .

وقال ابن زهرة في «الغنية» : «وقيّدنا بكونها مباحة ؛ تحفّظاً عن المنافع المحرّمة ، ويدخل في ذلك كلّ نجس لا يمكن تطهيره ، إلاّ ما أخرجه الدليل ، من بيع الكلب المعلّم للصيد ، والزيت النجس للاستصباح به تحت السماء ، وهو إجماع الطائفة»(3) ، انتهى .

ص: 73


1- المبسوط 2 : 167 .
2- منتهى المطلب 15 : 350 .
3- غنية النزوع 1 : 213 .

والظاهر منه أنّ قوله : «وهو» بيان للدليل ، فكان مورد الإجماع جواز بيع الكلب المعلّم والزيت . ولو فرض رجوعه إلى جميع ما تقدّم ، لكن يكون محطّ كلامه عدم جواز بيع ما حرّمت منافعه ، دون ما حلّت ، وقد تقدّم أنّ الانتفاع بالعذرات جائز قطعاً .

وقد تقدّم(1) : أنّ دعوى الفخر والمقداد الإجماع في محكيّ «شرح الإرشاد» و«التنقيح» إنّما هي على حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة ، وقد تقدّم(2) أيضاً ما فيها ، بل يظهر منهما : أنّ عدم جواز البيع لعدم جواز الانتفاع ، ومع جواز الثاني يجوز الأوّل أيضاً .

ومن بعض ما تقدّم يظهر الكلام في قول الشهيد ، قال في «المسالك» في خلال كلام منه : «وتحريم ذلك - أي بيع الأرواث والأبوال ممّا لا يؤكل لحمه - فإنّه موضع وفاق»(3) .

نعم ، عن «نهاية الإحكام» الإجماع على تحريم بيع العذرة وشرائها (4) ، ولم يحضرني عبارتها ، لكن إثبات الحكم به مشكل ؛ لاحتمال أنّ دعواه مبنيّة على اجتهاده في كلام القوم ، كدعوى شيخ الطائفة في «الخلاف» و«المبسوط» ، ودعوى ابن زهرة ، مع أ نّه قد تقدّم أنّ دعوى الإجماع في هذه المسألة التي تراكمت فيها الأخبار والأدلّة مشكلة(5) .

ص: 74


1- تقدّم في الصفحة 31 و55 .
2- تقدّم في الصفحة 56 - 64 .
3- مسالك الأفهام 3 : 122 .
4- نهاية الإحكام 2 : 463 .
5- تقدّم في الصفحة 55 .

وكيف كان : يشكل إثبات شهرة في بيع عذرة الإنسان للمنافع المحلّلة ، بحيث يرجّح بها الرواية على عدم الجواز ، أو تترك بها ما دلّت على الجواز .

وأمّا ما قيل في وجه عدم الجواز : بندرة الانتفاع بها فلا تكون متموّلة لدى

العقلاء ، أو بإسقاط الشارع ماليتها ، فلا يجوز بيعها (1) .

فلا يخفى ما فيهما ، فإنّه بعد ما نرى أ نّها ذات منفعة عقلائية متداولة شائعة ، كيف يقال : إنّها نادرة ، أو غير متموّلة لدى العقلاء ؟ ومالية الشيء تبع للخواصّ والمنافع المترتّبة عليه ، ولم يدلّ دليل على إسقاط الشارع ماليتها .

فالأشبه بالقواعد الجواز وإن كان الحكم به مشكلاً من حيث عدم العثور على استثناء أحد عذرة الإنسان من عدم جواز بيع الأعيان النجسة ، وظهور كلماتهم في مطلق العذرات النجسة ، كعبارات المتون الفقهية وغيرها ، واحتمال أن يكون مرادهم بالسرجين النجس مطلق العذرات ، ومظنونية رجوع قيد عدم الخلاف في محكيّ «المبسوط» إلى الحكمين جميعاً (2) ، وخصوص إجماع «النهاية»(3) الكاشف لا أقلّ - ولو ظنّاً - عن اشتهار الحكم بينهم ، وفهم المتأخّرين عن عبارة الشيخ دعوى الإجماع على المطلق(4) ، بل لعلّهم أرسلوا الحكم في عذرة الإنسان إرسال المسلّمات يستدلّ بها على غيرها ، كما تقدّم عن العلاّمة(5) ، وعن

ص: 75


1- جواهر الكلام 22 : 17 .
2- المبسوط 2 : 167 .
3- نهاية الإحكام 2 : 463 .
4- راجع مفتاح الكرامة 12 : 67 ؛ جواهر الكلام 22 : 17 .
5- تقدّم في الصفحة 72 .

الشيخ في «الاستبصار» ، في مقام جمع الأخبار ، حمل أخبار المنع على عذرة الإنسان ، . . .(1) إلى غير ذلك ممّا يعثرعليه المتتبّع .

فالحكم بعدم الجواز أحوط ، بل لا يخلو من رجحان ، سيّما مع احتمال كون العذرة اسماً للأعمّ ، كما لعلّه تشهد به صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع في أحكام البئر ، وفيها : «أو يسقط فيها شيء من عذرة كالبعرة ونحوها»(2) ، واقتضاء انقلاب النسبة - بالتقريب المتقدّم(3) - عدم جواز بيع عذرة غير المأكول مطلقاً .

وليست لعذرة الإنسان منفعة غير التسميد المحلّل ، فلا يحتمل أن يكون مرادهم نفي الجواز في غير مورد المنفعة المحلّلة .

واحتمال أن يكون مرادهم سلب المالية العقلائية ، فكان حكمهم بعدم الجواز لأجله - كما قالوا في الحشرات ونحوها - بعيد جدّاً .

فإذن فرق بين المقام وبين مثل الدم الذي كان نفعه المتداول محرّماً؛ لاحتمال أن يكون حكمهم بعدم الجواز فيه لفقدان نفع محلّل ، بخلاف العذرة التي نفعها المتعارف هو المحلّل .

والإنصاف أنّ كلّ واحد ممّا ذكر وإن أمكن النظر فيه ، لكن يرجّح في النظر عدم الجواز من مجموع هذه الوجوه ، سيّما عدم احتمال أحد استثناءها على الظاهر .

ص: 76


1- الاستبصار 3 : 56 ، ذيل الحديث 182 .
2- الكافي 3 : 5 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 176 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 21 .
3- تقدّم في الصفحة 71 .
حكم الانتفاع بالميتة وبيعها

ومنها : الميتة وأجزاؤها التي تحلّها الحياة من ذي النفس السائلة ، فيقع الكلام فيها :

تارة : في الحكم التكليفي ، وهو حرمة الانتفاع بها وعدمها ، بحيث يكون المحرّم الانتفاع لبساً وافتراشاً ونحوهما وإن لم يحصل منه محذور آخر ، كتنجيس ما يلاقيه من المائعات المشروبة والانتفاع منها ، وبعبارة اُخرى : تكون نفس الانتفاع بها عنواناً مستقلاًّ محرّماً .

واُخرى: في الحكم الوضعي ؛ أي بطلان المعاملة . وهنا كلام آخر يظهر في خلال البحث ، وهو حرمة ثمنه بعنوانه ، كما تقدّم المقصود منه(1) .

فممّا تدلّ على حرمة الانتفاع بها - بعد الآية الكريمة التي تقدّم الكلام فيها (2) - روايات :

الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها على حرمة الانتفاع بالميتة

منها : موثّقة سماعة قال : سألته عن جلود السباع ، أينتفع بها ؟ قال : «إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة ، فلا»(3) .

ص: 77


1- تقدّم في الصفحة 26 .
2- تقدّم في الصفحة 60 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 79 / 339 ؛ وسائل الشيعة 24 : 185 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 4 .

والظاهر منها ولو بإلغاء الخصوصية عرفاً ، حرمة الانتفاع بالميتة مطلقاً ، سواء كان الانتفاع في الجامدات أو المائعات ، لزم منه محذور أو لا . والحمل على انتفاع خاصّ - كجعل جلدها محلاًّ للدبس ونحوه - يحتاج إلى دليل .

ومنها : رواية علي بن أبي المغيرة ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك، الميتة ينتفع منها بشيء ؟ فقال : «لا» . قلت : بلغنا أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم مرّ بشاة ميتة ، فقال : «ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها ، أن ينتفعوا بإهابها ؟ !» قال : «تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها ، فتركوها حتّى ماتت ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها ، أن ينتفعوا بإهابها أن تذكّى» وفي نسخة : «أي تذكّى»(1) .

ودلالتها واضحة ، سيّما إذا كان قوله «منها» متعلّقاً بالفعل ، ويكون المراد : هل ينتفع منها بوجه من الوجوه .

لكن في سندها ضعف بعلي بن أبي المغيرة ؛ للوثوق بأنّ توثيق العلاّمة تبع للنجاشي في ابنه الحسن بن علي بن أبي المغيرة ، وظاهر كلام النجاشي توثيق ابنه(2) ، فتعبير السيّد صاحب «الرياض» عنها بالصحيحة(3) غير وجيه ظاهراً .

ص: 78


1- الكافي 6 : 259 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 502 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 2 .
2- خلاصة الأقوال : 106 / 29 ؛ رجال النجاشي : 49 / 106 .
3- رياض المسائل 8 : 48 .

ومنها : حسنة أبي مريم(1) . وفيها نقل قضيّة اُخرى شبيهة بها ، لكن ليس لها

إطلاق بالنسبة إلى جميع الانتفاعات ، بل نقل قضيّة يظهر منها عدم جواز الانتفاع بها في الجملة .

ومنها : صحيحة عبداللّه بن يحيى الكاهلي على طريق الصدوق ، بل الكليني أيضاً - بناءً على وثاقة سهل بن زياد - قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا عنده عن قطع أليات الغنم ، فقال : «لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك» . ثمّ قال : «إنّ في كتاب علي علیه السلام : أنّ ما قطع منها ميّت لا ينتفع به»(2) .

يظهر منها أنّ عدم جواز الانتفاع بالميتة ، كان مفروغاً منه ، وإنّما لا ينتفع بالمقطوع لكونه ميتة حكماً وتنزيلاً ، أو حقيقة .

ومقتضى إطلاق عدم الانتفاع بالأليات ، عدم الانتفاع بالميتة أيضاً ، إلاّ أن يناقش في الإطلاق ، بأن يقال : إنّ حكم الميتة لمّا كان مفروغاً منه ، لم تكن الرواية إلاّ بصدد تنزيل الجزء المقطوع منزلة الميتة في عدم الانتفاع . فيكون الجزء تبعاً في الحكم الثابت للميتة ، فيكون مقدار عدم الانتفاع به كمقداره فيها ؛ ولم يتّضح فيها ؛ وليست بصدد بيانه . وبعبارة اُخرى : إنّها ليست بصدد بيان عدم الانتفاع به ابتداءً ، بل بصدد بيان تشبيهه بها في الحكم الثابت ؛ فلا إطلاق فيها .

ص: 79


1- تهذيب الأحكام 9 : 79 / 335 ؛ وسائل الشيعة 24 : 185 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 2 .
2- الفقيه 3 : 209 / 967 ؛ الكافي 6 : 254 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 71 ، كتاب الصيد والذبائح ، الباب 30 ، الحديث 1 .

ومنها : رواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن علیه السلام ، قال : كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيّاً ، فكتب : «لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ؛ وكلّ ما كان من السخال : الصوف إن جزّ ، والوبر والأنفحة والقرن ، ولا يتعدّى إلى غيرها»(1) . وفي نسخة «من الصوف» .

والظاهر وقوع سقط فيها ، ويحتمل أن يكون الأصل : «إلاّ الصوف» . وكان قوله : «وكلّ» عطفاً على «بإهاب» . ويحتمل أن يكون قوله : «وكلّ» مبتدأً محذوف الخبر هو ينتفع به .

وكيف كان : فالظاهر إطلاقها ، ولا يبعد فهم المثالية من المذكور ، سيّما مع ذيلها ، فتدلّ على عدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقاً ، لكنّها ضعيفة السند .

ومنها : رواية علي بن جعفر علیه السلام عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن لبس السمور والسنجاب والفنك ، فقال : «لا يلبس ولا يصلّى فيه ، إلاّ أن يكون ذكيّاً»(2) .

لكنّها مع ضعفها مخصوصة باللباس .

ومنها : رواية «تحف العقول» عن الصادق علیه السلام في حديث ، قال : «وكلّ ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه والصلاة فيه ، وكلّ شيء يحلّ أكله فلا بأس بلبس جلده الذكيّ منه ، وصوفه وشعره ووبره ، وإن كان الصوف والشعر والريش

ص: 80


1- الكافي 6 : 258 / 6 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 7 .
2- قرب الإسناد : 282 / 1116 ؛ وسائل الشيعة 4 : 352 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 4 ، الحديث 6 .

والوبر من الميتة وغير الميتة ذكيّاً فلا بأس بلبس ذلك ، والصلاة فيه»(1) .

ويمكن الخدشة في دلالتها بعد الغضّ عن سندها ؛ بأنّ الظاهر من قوله : «فلا بأس بلبسه والصلاة فيه» أ نّه بصدد بيان حكم اللبس في الصلاة ، فقوله : «فلا بأس بلبسه» كالأمر المقدّمي المذكور توطئة ، كقوله : «لا بأس بلبس الحرير والحرب فيه» ، و«لا بأس بالجلوس في المسجد والقضاء فيه» و«لا بأس بأخذ الماء من الدجلة والشرب منه» . . . إلى غير ذلك .

فحينئذٍ يكون قوله : «وكلّ شيء يحلّ أكله . . .» بصدد بيان اللبس في الصلاة أيضاً ، وكذا الفقرة الأخيرة ، فلا يستفاد منها حكمان : تكليفي مربوط بأصل اللبس ووضعي مربوط بالصلاة ، كما هو ظاهر عند العارف بأساليب الكلام ، ولا أقلّ من أن يكون احتمالاً مانعاً عن الاستدلال .

ومنها : رواية علي بن جعفر عن أخيه علیه السلام ، قال : سألته عن الماشية تكون للرجل ، فيموت بعضها ، يصلح له بيع جلودها ودباغها ولبسها ؟ قال : «لا ، ولو لبسها فلا يصلّي فيها»(2) .

وهي أيضاً - مع ضعفها واختصاصها باللبس - يمكن التأمّل في دلالتها على الحرمة؛ لضعف دلالة «لا يصلح» عليها، لو لم نقل بإشعاره أو دلالته على الكراهة، سيّما مع قوله : «ولو لبسها» ؛ فإنّ فرض اللبس في ما هو محرّم لا يخلو من بعد .

ص: 81


1- تحف العقول : 338 ؛ وسائل الشيعة 4 : 347 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 8 .
2- قرب الإسناد : 268 / 1067 ؛ وسائل الشيعة 24 : 186 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 6 .

ومنها : موثّقة سماعة ، قال : سألته عن أكل الجبن وتقليد السيف وفيه الكيمخت والغراء ؟ فقال : «لا بأس ما لم يعلم أ نّه ميتة»(1) .

وفيه : أ نّه لا إطلاق في مفهومها ، فإنّه بصدد بيان حكم المنطوق لا المفهوم ، فلا يستفاد منها إلاّ ثبوت البأس مع العلم في الجملة .

بل التحقيق : أنّ المفهوم قضيّة مهملة ، حتّى في مثل قوله : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء» .

هذا إذا قلنا بإلغاء الخصوصية عن المنطوق ، وإلاّ فلا يثبت الحكم في المفهوم إلاّ بالنسبة إلى أكل الجبن وتقليد السيف ، مع أنّ إثبات البأس أعمّ من الحرمة ، مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ الحكم في الجبن محمول على التقيّة ، لو كان الجواب عن السؤالين .

ومنها : ما عن «عوالي اللآلي» : قد صحّ عنه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب» وقال في شاة ميمونة : «ألاّ انتفعوا بجلدها ؟»(2).

وعن ابن أبي ليلى عن عبداللّه بن حكيم ، قال : قرأ علينا كتاب

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في أرض جهينة وأنا غلام شابّ : «أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب»(3) .

ص: 82


1- تهذيب الأحكام 9 : 78 / 331 ؛ وسائل الشيعة 24 : 90 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 38 ، الحديث 1 .
2- عوالي اللآلي 1 : 42 / 47 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 191 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 1 .
3- عوالي اللآلي 1 : 97 / 12 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 591 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 39 ، الحديث 3 .

وعن «دعائم الإسلام» عن علي علیه السلام أ نّه قال : «سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عظم ولا عصب»(1) . . . إلى غير ذلك .

ثمّ إنّ هذه الروايات على طوائف :

منها : ما دلّت على عدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقاً ولو بإلغاء الخصوصية عرفاً ، كموثّقة سماعة ورواية الجرجاني وعلي بن أبي المغيرة .

ومنها : ما دلّت على عدم جواز اللبس ، كروايتي علي بن جعفر ورواية «تحف العقول» على إشكال مرّ الكلام فيها .

ومنها : ما دلّت على عدم جواز الانتفاع بإهاب ولا عصب . ويمكن جعلها من الطائفة الاُولى ، بدعوى إلغاء الخصوصية .

ومنها : ما دلّت على عدم جواز تقليد السيف إذا كان جلده من الميتة ، وهي موثّقة سماعة .

الروايات الدالّة على جواز الانتفاع بالميتة في موارد خاصّة

وبإزاء تلك الروايات روايات اُخر يستفاد منها جواز الانتفاع في موارد خاصّة:

منها : رواية زرارة ، قال : قد سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به الماء ؟ قال : «لا بأس»(2) .

ص: 83


1- دعائم الإسلام 1 : 126 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 192 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 413 / 1301 ؛ وسائل الشيعة 1 : 175 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 16 .

والظاهر أنّ السؤال عن الانتفاع بجلده ، لا عن طهارة الماء ونجاسته بملاقاته ، بل الظاهر أنّ مثل جلد الخنزير يجعل دلواً لسقي الزراعات والأشجار ، لا لشرب الآدمي . ويظهر منها بإلغاء الخصوصية جواز الانتفاع بجلده لو لم يؤدّ إلى محذور ، كتنجّس ملاقيه ، وكذا جواز الانتفاع بجلود سائر الميتات .

ومنها : صحيحة محمّد بن عيسى بن عبيد عن أبي القاسم الصيقل وولده ، قال : كتبوا إلى الرجل علیه السلام : جعلنا اللّه فداك ، إنّا قوم نعمل السيوف ، ليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ، ونحن مضطرّون إليها ، وإنّما علاجنا جلود الميتة والبغال والحمير الأهلية ، لا يجوز في أعمالنا غيرها ، فيحلّ لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسّها بأيدينا وثيابنا ، ونحن نصلّي في ثيابنا ، ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيّدنا ؛ لضرورتنا . فكتب علیه السلام : «اجعل ثوباً للصلاة» . وكتب إليه : جعلت فداك ، وقوائم السيوف التي تسمّى السفن ، نتّخذها من جلود السمك ، فهل يجوز لي العمل بها ، ولسنا نأكل لحومها ؟ فكتب : «لا بأس»(1) .

والرواية صحيحة ، ولا يضرّ بها جهالة أبي القاسم ؛ لأنّ الراوي للكتابة والجواب هو محمّد بن عيسى . وقوله : قال : كتبوا ؛ أي قال محمّد بن عيسى : كتب الصيقل وولده . فهو مخبر لا الصيقل وولده ، وإلاّ لقال : كتبنا . واحتمال كون الراوي الصيقل ، مخالف للظاهر جدّاً ، سيّما مع قوله في ذيلها : وكتب إليه . فلو كان الراوي الصيقل ، لقال : وكتبت إليه .

ص: 84


1- تهذيب الأحكام 6 : 376 / 1100 ؛ وسائل الشيعة 17 : 173 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 38 ، الحديث 4 .

وليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد ، ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، وهما ثقتان على الأقوى .

والمظنون لولا المقطوع به ، أنّ قوله : «نعمل السيوف» مصحّف عن قوله «نغمد السيوف» فإنّهما شبيهتان كتابة في العربية .

والشاهد عليه أوّلاً : رواية القاسم الصيقل - الظاهر أ نّه ابن أبي القاسم - قال: كتبت إلى الرضا علیه السلام : إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة ، فتصيب ثيابي فاُصلّي فيها ؟ فكتب إليّ : «اتّخذ ثوباً لصلاتك» . فكتبت إلى أبي جعفر الثاني : إنّي كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا ، فصعب ذلك عليّ فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكيّة ، فكتب علیه السلام إليّ : «كلّ أعمال البرّ بالصبر - يرحمك اللّه - فإن كان ما تعمل وحشياً ذكيّاً ، فلا بأس»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ المكاتبة المشار إليها في هذه الرواية ، هي المكاتبة المتقدّمة ؛ حيث كان ولد أبي القاسم من جملة المكاتبين ، واحتمال كون القاسم الصيقل غير ابن أبي القاسم الصيقل بعيد .

وثانياً : أنّ عمل السيوف بمعنى صنعتها - كما هو الظاهر من عملها - أو بمعنى تصقيلها ، عمل مستقلّ كان في تلك الأزمنة في غاية الأهمّية ؛ وهو غير عمل تغميدها الذي كان مبايناً لهما ، ومن البعيد قيام شخص بعملهما معاً في ذلك العصر .

ويشهد له قوله : «ليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ، ونحن مضطرّون إليها»

ص: 85


1- الكافي 3 : 407 / 16 ؛ وسائل الشيعة 3 : 462 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 4 .

فأيّة معيشة وتجارة أعظم من صنعة السيوف في تلك الأزمنة ؛ أزمنة الحروب السيفية ، عصر السيف ؟ وأيّ احتياج لصانع السيف إلى عمل الجلود ؟

فلا شبهة في أنّ أبا القاسم وولده بحسب هذه الرواية كان عملهم أغماد السيف ، وإنّما سألوا عن بيع الميتة وشرائها وعملها ومسّها .

وحملها على بيع السيوف لا بيع الجلود - كما صنع شيخنا الأنصاري(1) - طرح للرواية الصحيحة الصريحة .

نعم ، في رواية عن أبي القاسم الصيقل قال : كتبت إليه : إنّي رجل صيقل ، أشتري السيوف وأبيعها من السلطان . . . (2) ، يظهر منها أيضاً أنّ شغله لم يكن عمل السيف بل كان صيقلاً ، وبمقتضى الروايتين أ نّه كان يشتري السيوف ، ويغمدها ويبيع من السلطان ، ولعلّه كان شغله مختلفاً بحسب الأزمان ، ولعلّه كان تاجراً وله عمّال اشتغلوا بتغميد السيوف ، وعمّال بالصيقل ، تأمّل .

وكيف كان : لا شبهة في بيعه الأغماد ، ولا معنى لإعطائها بلا ثمن وبنحو المجّانية .

وأمّا قوله : «ونحن مضطرّون إليها» فليس المراد من الاضطرار هو الذي يحلّ المحظورات ، سيّما في مثل رجل صيقل كان يبيع من السلطان ، بل المراد الاضطرار والاحتياج في التجارة . ولهذا ترك القاسم العمل بالميتة بمجرّد صعوبة اتّخاذ ثوب للصلاة .

ص: 86


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 32 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 382 / 1128 ؛ وسائل الشيعة 17 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 5 .

بل لا وجه للاضطرار المبيح للمحظور إلى عمل خصوص الميتة في بلد المسلمين الشائع فيها الجلود الذكيّة في عصر الرضا والجواد علیهما السلام ، مع حلّية ذبائح العامّة واعتبار سوقهم .

وكون الصيقل الذي يشتري السيوف ويبيعها من السلطان مضطرّاً إلى عمل الميتة ولم يمكن له اشتراء الجلود الذكيّة ، مقطوع الفساد ، كما هو واضح . مضافاً إلى أنّ الظاهر من الرواية أ نّهم كانوا مضطرّين إلى عمل السيوف أو أغمادها ، لا إلى عمل خصوص الميتة . وقوله : «لا يجوز في أعمالنا غيرها» ، لا يراد منه أنّ عملهم خصوص الميتة ، بل المراد أ نّه لا يجوز عملهم ، ولا تدور تجارتهم ، إلاّ مع الابتلاء بها ، فلا يكون المراد الاضطرار بخصوصها .

هذا بناءً على نسخة «الوسائل» ، وفي «الحدائق» : «إنّما علاجنا من جلود الميتة من البغال والحمير»(1) ، وعلى هذه النسخة أيضاً لا يراد بالاضطرار هو المبيح للمحظورات ، سيّما مع ملاحظة رواية القاسم الصيقل .

ولم يظهر منها أنّ مراده من قوله : «صعب ذلك عليّ» أ نّه صعب عليه من جهة احتمال التقيّة في صدور الحكم من أبيه علیه السلام ، ولعلّ مراده صعوبة غسل البدن واللباس وتعويضه للصلوات . وقوله : «كلّ أعمال البرّ بالصبر» ، لم يظهر منه بوجه عدم جواز العمل بغير المذكّى .

والإنصاف : أنّ الرواية ظاهرة الدلالة على جواز بيع جلد الميتة وشرائه وسائر الاستفادات منه ، بل يظهر من ذيل الثانية ؛ أي قوله : «كلّ أعمال البرّ

ص: 87


1- الحدائق الناضرة 18 : 73 .

بالصبر» أنّ الأرجح ترك العمل بالميتة ، فيكون شاهد جمع بينها وبين ما دلّت على أنّ الميتة لا ينتفع بها ، أو جلد الميتة لا ينتفع به ، وهو الحمل على الكراهة في ما لا محذور في الانتفاع بها ، مع أ نّها أخصّ مطلقاً من روايات المنع مطلقاً .

ومنها : موثّقة سماعة ، قال : سألته عن جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت ، فرخّص فيه ، وقال : «إن لم تمسّه فهو أفضل»(1) .

وهي ، مع دلالتها على جواز الانتفاع بجلد الميتة ، يظهر منها أيضاً وجه الجمع المتقدّم .

ومن تفسير الكيمخت فيها ، يظهر جواز التمسّك بما دلّ على جواز لبسه ، على جواز الانتفاع بجلد الميتة ، كصحيحة الريّان بن الصلت ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن لبس الفراء والسمّور - إلى أن قال - والكيمخت - إلى أن قال - «لا بأس بهذا كلّه إلاّ بالثعالب»(2) .

نعم ، هذا التفسير ينافي ما في رواية علي بن أبي حمزة(3) ؛ حيث فسّر فيها الكيمخت بجلود دوابّ ، منه ما يكون ذكيّاً ومنه ما يكون ميتة .

وتشهد للحمل المتقدّم أيضاً ، رواية الحسن بن علي ، قال : سألت

ص: 88


1- تهذيب الأحكام 9 : 78 / 333 ؛ وسائل الشيعة 24 : 186 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 8 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 369 / 1533 ؛ وسائل الشيعة 4 : 352 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 5 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1530 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 4 .

أبا الحسن علیه السلامفقلت : جعلت فداك ، إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم

فيقطعونها ؟ قال : «هي حرام». قلت : فيستصبح بها ؟ قال : «أما تعلم أ نّه يصيب اليد والثوب وهو حرام ؟»(1) .

حيث يظهر منها أنّ وجه المنع هو تنجّس الثوب واليد به ، فتدلّ على كراهة الاستعمال . ويحتمل أن يكون إرشاداً إلى أولوية الترك ، لئلاّ يبتلي بالنجاسة .

ومنها : صحيحة البزنطي صاحب الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون له الغنم ، يقطع من ألياتها وهي أحياء ؛ أيصلح أن ينتفع بما قطع ؟ قال : «نعم يذيبها ويسرج بها ، ولا يأكلها ولا يبيعها»(2) .

والظاهر منها أنّ الممنوع من الانتفاعات هو الأكل والبيع ونحوه. فقوله: «نعم» تجويز الانتفاعات. وقوله: «يذيبها»، من باب المثال، ولهذا قال بعده: «ولا يأكلها ولا يبيعها» ، ولم ينه عن غيرهما ، فتدلّ على جواز مطلق الانتفاع بها غيرهما .

وبضميمة ما دلّت على أنّ الأليات ميتة ولو تنزيلاً ، يفهم أن لا حكم لها مستقلاًّ غير ما للميتة، فتدلّ على جواز الانتفاع بالميتة في ما سوى الأكل والبيع.

ومنها : رواية «دعائم الإسلام» عن علي علیه السلام ، قال : «سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عظم ولا عصب ، فلمّا كان من الغد ، خرجت معه ، فإذا سخلة مطروحة على الطريق ، فقال : ما كان على

ص: 89


1- الكافي 6 : 255 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 71 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 30 ، الحديث 2 .
2- السرائر ، المستطرفات 3 : 573 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 6 .

أهل هذه لو انتفعوا بإهابها ؟» قال : «قلت : يا رسول اللّه ، فأين قولك بالأمس ؟ قال : ينتفع منها بالإهاب الذي لا يلصق»(1) .

وهي - كما ترى - حاكمة على كلّ ما دلّت على عدم جواز الانتفاع بجلد الميتة ؛ بل بها مطلقاً ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ الانتفاع بالميتة لا محذور فيه ، وإنّما

المحذور من جهة السراية ، ولعلّ الإلصاق كناية عنها ، ويحتمل أن يكون المراد بالجلد الذي لا يلصق ، هو ما عولج بالملح والدباغ ، فدلّت على عدم جواز الانتفاع قبله ، لكنّها ضعيفة السند .

وقد تقدّم في ذيل رواية «اللآلي» أ نّه قال في شاة ميمونة : «ألاّ انتفعتم بجلدها ؟»(2) .

وهاهنا عدّة روايات تدلّ على جواز اللبس :

كرواية محمّد بن [سليمان عن علي بن] أبي حمزة ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام أو أبا الحسن علیه السلام عن لباس الفراء، والصلاة فيها ، فقال : «لا تصلّ فيها إلاّ ما كان منه ذكيّاً»(3) .

فإنّ السكوت عن حرمة لبسها دليل على جوازه ، وإنّما الممنوع الصلاة فيها ، تأمّل .

ص: 90


1- دعائم الإسلام 1 : 126 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 192 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 2 . وفيهما «فإذا نحن بسخلة» بدل «فإذا سخلة» .
2- تقدّمت في الصفحة 82 .
3- الكافي 3 : 397 / 3 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 2 .

وكصحيحة الريّان بن الصلت المتقدّمة(1) عن الرضا علیه السلام ، وفيها نفي البأس عن لبس أشياء ، منها : الكيمخت .

ورواية علي بن أبي حمزة، أنّ رجلاً سأل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا عنده عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه ، قال : «نعم» . فقال الرجل : إنّ فيه الكيمخت ، قال : «وما الكيمخت ؟» فقال : جلود دوابّ ؛ منه ما يكون ذكيّاً ومنه ما يكون ميتة . فقال : «ما علمت أ نّه ميتة فلا تصلِّ فيه»(2) .

وهي تدلّ على جواز تقليده ، وإنّما لا يجوز الصلاة فيه .

وعن «الجعفريات» عن الصادق ، عن أبيه : «إنّ عليّاً علیه السلام كان يصلّي في سيفه وعليه الكيمخت»(3) .

فإنّ قوله ذلك يدلّ على أنّ الكيمخت ميتة ، وإلاّ فلا وجه لنقله ، تأمّل . إلى غير ذلك .

والإنصاف أن لا معارضة بين الروايات ، بل لِما دلّت على الجواز نحو حكومة على غيرها ، كما تقدّم . فحمل أخبار الجواز على التقيّة فرع المعارضة ، ومع الجمع العقلائي لا مصير لذلك .

ص: 91


1- تقدّمت في الصفحة 88 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1530 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 4 .
3- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 52 ؛ مستدرك الوسائل 3 : 229 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 39 ، الحديث 1 .
دعاوي الإجماع والشهرة على حرمة الانتفاع بالميتة

نعم، ما يمنعنا عن الجرأة إلى الذهاب إلى الجواز ، هو دعاوي الإجماع، وعدم الخلاف ، وعدم وجدانه ، والشهرة في المسألة ؛ أهمّها ما حكي عن الحلّي أ نّه قال - بعد نقل صحيحة البزنطي المتقدّمة(1) الدالّة على جواز الانتفاع بأليات الغنم - بهذه العبارة : «لا يلتفت إلى هذا الحديث ، فإنّه من نوادر الأخبار ، والإجماع منعقد على تحريم الميتة والتصرّف فيها بكلّ حال إلاّ أكلها للمضطرّ»(2) ، انتهى .

ويظهر من «المسالك»(3) أيضاً أنّ عدم جواز الانتفاع بأليات الميتة ، والمبانة من الحيّ ، موضع وفاق .

وفي «مفتاح الكرامة» - بعد حكاية عدم جواز الانتفاع عن المحقّق والعلاّمة ،

والشهيدين ، والفاضل الهندي - قال : «وهو قضيّة كلام الباقين قطعاً لوجهين : أحدهما : أنّ مفهوم اللقب معتبر إجماعاً في عبارات الفقهاء ، وبه يثبت الوفاق والخلاف . الثاني : ملاحظة السوق والقرائن»(4) ، انتهى .

لكن يظهر منه عدم تحصيل الإجماع أو الشهرة من كلمات الفقهاء ، وإنّما الاستفادة من اجتهاده ؛ ولا يخفى ما فيه . كما أنّ صريح المحقّق الأردبيلي(5) ،

ص: 92


1- تقدّمت في الصفحة 89 .
2- السرائر ، المستطرفات 3 : 574 .
3- مسالك الأفهام 3 : 120 .
4- مفتاح الكرامة 12 : 90 ؛ شرائع الإسلام 3 : 175 ؛ إرشاد الأذهان 2 : 113 ؛ الروضة البهيّة 2 : 172 و4 : 122 ؛ كشف اللثام 9 : 271 و276 .
5- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 35 .

والمحدّث المجلسي(1) منع الإجماع، ويظهر من السيّد «الرياض» عدم عثوره

على اتّفاق الأصحاب ، حيث قال : «مع أنّ ظاهرهم الاتّفاق عليه، كما قيل»(2) . والمحكيّ عن «الروضة»(3) جواز الاستصباح به ، وتبعه جملة من متأخّري المتأخّرين(4) .

وعن الشيخ في ذيل حديث زرارة المتقدّم(5) في الاستقاء بجلد الخنزير ، أ نّه قال : الوجه أ نّه لا بأس أن يستقى به ، لكن يستعمل ذلك في سقي الدوابّ والأشجار ونحو ذلك(6) .

وهذا منه ، وإن يحتمل أن يكون في مقام جمع الروايات ودفع التناقض عنها ، لكن لو لم يجز ذلك لسقي الدوابّ والأشجار أيضاً ، يكون من قبيل الفرار من المطر إلى الميزاب .

وعنه في «النهاية»(7) ، وعن ابن البرّاج(8) والمحقّق في «الشرائع» و«النافع» ،

ص: 93


1- بحار الأنوار 77 : 77 .
2- رياض المسائل 8 : 49 .
3- هكذا في رياض المسائل 1 : 499 / السطر 27 من الطبع الحجري ، لكن في الطبع الجديد من الرياض 8 : 49 ، صحّحوها ب «العلاّمة» وهو الصحيح .
4- راجع مجمع الفائدة والبرهان 8 : 35 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 422 - 424 ، و2 : 608 - 609 ؛ الحدائق الناضرة 18 : 84 .
5- تقدّم في الصفحة 83 .
6- اُنظر وسائل الشيعة 1 : 175 ، ذيل الحديث 16 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 413 ، ذيل الحديث 1301 .
7- النهاية : 587 .
8- اُنظر جواهر الكلام 36 : 401 ؛ المهذّب 2 : 443 .

وتلميذه كاشف الرموز والعلاّمة في «الإرشاد»(1) ، جواز الاستقاء بجلودها لغير الصلاة والشرب . وعن صاحب «التنقيح» ميله إليه(2) .

وعن «السرائر» أ نّه مرويّ(3) ، ولعلّه يشعر بميله إليه ، تأمّل .

وصرّح في «القواعد» بجواز الوضوء بحوض اتّخذ من جلد الميتة إذا كان كرّاً (4) .

وعن ابن الجنيد و«فقه الرضا» أنّ جلد الميتة يطهر بالدباغ(5) ؛ فلا محالة يجوز الانتفاع به حينئذٍ عندهما ، بل هو محتمل الصدوق ، بل الصدوقين ؛ لموافقة فتواهما له نوعاً ، ولنقل الأوّل رواية عن الصادق علیه السلام تدلّ على جواز جعل اللبن والماء ونحوهما في جلد الميتة(6) ، مع قوله قبيل ذلك في حقّ كتابه : «لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما اُفتي به ، وأحكم بصحّته ، وأعتقد فيه أ نّه حجّة بيني وبين ربّي»(7) ، انتهى .

وهو وإن لم يف بهذا العهد في كتابه كما يظهر للمراجع به ، لكن رجوعه عنه في أوّل الكتاب في غاية البعد .

ص: 94


1- شرائع الإسلام 3 : 179 ؛ المختصر النافع : 254 ؛ كشف الرموز 2 : 374 ؛ إرشاد الأذهان 2 : 113 .
2- التنقيح الرائع 4 : 56 .
3- السرائر 3 : 115 .
4- قواعد الأحكام 1 : 192 .
5- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 342 ؛ الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 303 .
6- الفقيه 1 : 9 / 15 .
7- الفقيه 1 : 3 .

وقال في «المقنع» : «لا بأس أن تتوضّأ من الماء إذا كان في زقّ من جلدة ميتة ، ولا بأس بأن تشربه»(1) .

وتجويز ابن الجنيد ومن بعده ، وإن كان مبنيّاً على طهارة جلدها بالدباغ ، أو عدم تنجّس المائع به - على احتمال في كلام الصدوق - لكن مع ذلك تكون استفادة الإجماع من كلام القوم مشكلاً ، فإنّ الإجماع التقديري ليس بشيء ، هذا مع عدم وضوح مسلك ابن إدريس في باب الإجماع(2) .

فالأشبه الجواز ، والأحوط الترك ، هذا حال جواز الانتفاع .

جواز البيع فيما جاز الانتفاع

وهل يجوز البيع وسائر الانتقالات في ما جاز الانتفاع به ؟ الأقوى هو الجواز ؛ لعدم دليل على المنع سوى رواية «دعائم الإسلام» المتقدّمة(3) ، وهي ضعيفة السند .

وسوى روايات دلّت على أنّ ثمن الميتة سحت :

كرواية السكوني الموثّقة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «السحت ثمن الميتة»(4) .

ص: 95


1- المقنع : 18 .
2- راجع السرائر 1 : 51 .
3- تقدّمت في الصفحة 89 .
4- الكافي 5 : 126 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 93 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 5 .

ومرسلة الصدوق ، قال : قال : «أجر الزانية سحت» - إلى أن قال - «وثمن الميتة سحت»(1) .

ورواية حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد عن أبيه ، جميعاً عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه علیهم السلام في وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي ، قال : «يا علي ، من السحت ثمن الميتة»(2) .

وسوى صحيحة البزنطي صاحب الرضا عنه في أليات مقطوعة ، وفيها : «يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها»(3) . ورواها الحميري بإسناده عن موسى بن جعفر علیه السلام(4) .

وما عدا الأخيرة مخصّصة بصحيحة محمّد بن عيسى المتقدّمة عن الصيقل(5) التي يظهر منها جواز الانتفاع بجلد الميتة ، وجواز بيعها لذلك .

والظاهر أنّ العرف مساعد لإلغاء الخصوصية ، والجمع بينها وبين ما تقدّم ؛ بأنّ كلّ مورد يجوز الانتفاع بها يجوز بيعها لذلك ، وإنّما يحرم بيعها ويكون ثمنها سحتاً إذا بيعت للأكل ونحوه ممّا لا يجوز الانتفاع بها .

ص: 96


1- الفقيه 3 : 105 / 435 ؛ وسائل الشيعة 17 : 94 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 8 .
2- الفقيه 4 : 262 / 824 ؛ وسائل الشيعة 17 : 94 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 9 .
3- السرائر ، المستطرفات 3 : 573 .
4- قرب الإسناد : 268 / 1066 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 6 .
5- تقدّمت في الصفحة 84.

ويؤيّد ذلك ، رواية أبي مخلّد السراج ، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل

عليه معتب(1) ، فقال : بالباب رجلان ، فقال : «أدخلهما» ، فدخلا ، فقال أحدهما : إنّي رجل سرّاج أبيع جلود النمر ، فقال : «مدبوغة ؟» قال : نعم . قال : «لا بأس»(2) .

لقوّة احتمال أن تكون جلود النمر للميتة ، لبعد تذكيته ، وإشعار قوله : «مدبوغة ؟» بذلك ، أو دلالته عليه .

وذكر الدباغ لا يدلّ على صدورها تقيّة ؛ لعدم الحكم بطهارتها أو صحّة الصلاة فيها ، ولعلّ الدباغة دخيلة في الحكم ، أو في رفع الكراهة .

وتؤيّده صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفراء أشتريه من الرجل الذي لعلّي لا أثق به ، فيبيعني على أ نّها ذكيّة ، أبيعها على

ذلك ؟ فقال : «إن كنت لا تثق به فلا تبعها على أ نّها ذكيّة ، إلاّ أن تقول : قد قيل لي : إنّها ذكيّة»(3) .

فإنّ مقتضى إطلاقها جواز الاشتراء والبيع ، وإن كان الرجل مجهول الحال ولم يكن في سوق المسلمين ، إلاّ أن يقال بكونه بصدد بيان حكم آخر ، وهو جواز الشهادة بمجرّد قول البائع مع عدم وثاقته ، فإطلاقها مشكل بل ممنوع .

ص: 97


1- هو مولى أبي عبداللّه عليه السلام. [ منه قدس سره]
2- تهذيب الأحكام 7 : 135 / 595 ؛ وسائل الشيعة 17 : 172 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 38 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 133 / 586 ؛ وسائل الشيعة 17 : 172 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 38 ، الحديث 2 .

وكيف كان : فلا بأس بالجمع المذكور ، ولا يبعد حمل الأخيرة على ذلك أيضاً ؛ لأنّ الانتفاع المتعارف من الأليات هو الأكل ، وأمّا الإذابة للإسراج فمن المنافع النادرة الغير المتداولة ، فالنهي عن بيعها لعلّه لأجل المنفعة المتعارفة التي

كانت البيوع لها .

وإن شئت قلت : إنّها منصرفة عن البيع للمنفعة النادرة ، فالجواز مطلقاً للمنافع المحلّلة لا يخلو من قوّة ، وقد استقصينا سابقاً كلمات القوم ، وقلنا بأنّ الظاهر منهم جواز البيع وسائر الانتقالات مع جواز الانتفاع ، إذا كان النفع عقلائياً موجباً

لمالية الشيء ، فراجع(1) .

فرع: حكم الانتفاع بالمشتبه بالمذكّى وبيعه

كما لا يجوز بيع الميتة للمنفعة المحرّمة -

كالأكل - منفرداً ، لا يجوز بيعها في ضمن المشتبه بالمذكّى . وكذا لا يجوز بيع المذكّى الواقعي بينهما ؛ لعدم جواز الانتفاع بواحد منهما عقلاً ؛ للعلم الإجمالي المنجّز للواقع ، فيكون أخذ المال في مقابل المذكّى الذي سقط الانتفاع به مطلقاً ، أكلاً للمال بالباطل .

هذا مع كون المشتري مسلماً ، وكذا لو كان كافراً وقلنا : إنّ الكفّار مكلّفون بالفروع ، كما هو الأقوى .

وأمّا لو قلنا بعدم كونهم مكلّفين بها ، وجاز لهم أكل الميتة والتصرّف فيها ،

ص: 98


1- تقدّم في الصفحة 54 - 55 و64 .

فالظاهر جواز بيع الواقعي المذكّى منه ؛ لأنّ المسلم جاز له الانتفاع بالمذكّى الواقعي مع الإمكان ، وأخذ المال في مقابله انتفاع به ، والكافر جاز له الانتفاع بالمشتبهين فرضاً ، ولا دليل على لزوم كون المبيع بشخصه ممكن الانتفاع للبائع .

ولهذا لو كان البائع والمشتري مسلمين ، واشتبه المذكّى بالميتة لدى البائع دون المشتري ، صحّ بيع المذكّى الواقعي من المسلم العالم بالواقع ، وليس أخذ المال بإزائه أكلاً له بالباطل .

نعم ، مع جهل المشتري أيضاً لا يجوز البيع بقصد المذكّى الواقعي ، كما مرّ . إلاّ أن يقال بعدم جريان أصالة عدم التذكية في المشتبهين ولو لم يلزم من جريانهما مخالفة عملية كما فيما نحن فيه ، وقلنا بجريان أصالة الحلّ في أحدهما تخييراً ، فحينئذٍ يمكن أن يقال بجواز البيع بالقصد المذكور ، كما اختاره الشيخ الأنصاري(1) ويأتي الكلام فيه .

ويمكن أن يقال بجواز بيع أحدهما مخيّراً ؛ فللبائع أن يختار أحدهما ، ويبيعه من مسلم وغيره بمقتضى أصالة الحلّ .

وقال بعض المدقّقين : «إنّ أصالة الحلّ لا يثبت بها إلاّ جواز الأكل ولا يحرز بها المذكّى الواقعي ، والمفروض عدم جواز بيع الميتة الواقعية ، فمع الشكّ في تحقّق الموضوع القابل للنقل والانتقال ، يحكم بأصالة عدم الانتقال وإن لم يكن هناك أصل يثبت به عدم كونه مذكّى ، وذلك نظير المال المردّد بين كونه مال

ص: 99


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 37 .

الشخص ، أو مال غيره ، فإنّه وإن قلنا بجواز أكله إذا لم يكن مسبوقاً بكونه ملكاً لغيره ، لكن لا نقول بجواز بيعه ، للشكّ في الملكية المترتّب عليها جواز البيع ونفوذه»(1) .

وفيه : أنّ مفاد أصالة الحلّ ، ليس حلّية الأكل فقط ، بل مقتضى إطلاق أدلّتها جواز ترتيب جميع آثار الحلّية على المشكوك فيه ظاهراً ، ومن آثارها جواز البيع وصحّته .

بل الظاهر أنّ مفاد أصالة الحلّ أعمّ من التكليفية والوضعية ، فإذا شكّ في نفوذ بيع المشكوك فيه ، يحكم بنفوذه بأصالة الحلّ الوضعي .

بل يمكن أن يقال : إنّ جواز الأكل وسائر الانتفاعات ، كاشف عن ملكيته لدى الشارع ولو ظاهراً ، كما أنّ النهي عن جميع التصرّفات ، كاشف عن سقوطها لديه .

أو يقال : إنّ ملكية الميتة المعلومة وماليتها عقلائية ، لا بدّ في نفيهما من ردع الشارع ، ولا دليل على الردع في مورد المشتبه ، مع تجويز الشارع الانتفاعات بها . فمع ثبوت ماليته وملكيته وجواز التصرّف فيه ، يصحّ بيعه بإطلاق أدلّة تنفيذه .

فقوله - بعد ذلك - بأ نّه «لا دليل على ترتيب جميع أحكام عدم الحرمة الواقعية على الحلّية الثابتة بأصالة الحلّ في مشتبه الحكم»(2) .

ص: 100


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 10 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 11 .

جوابه : أنّ الدليل عليه إطلاق أدلّة أصالة الحلّ ؛ فإنّ قوله في صحيحة ابن سنان : «كلّ شيء فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام بعينه ، فتدعه»(1) لا قصور فيه لإثبات جميع آثار الحلّية الواقعية عليه ؛ لأنّ الحلّية لمّا لم تكن واقعية ، تحمل على الظاهرية وبحسب ترتيب الآثار بلسان جعل الموضوع ، وإطلاقه يقتضي ترتيب جميع الآثار .

وأوضح منها موثّقة مسعدة بن صدقة(2) لو قلنا : بأ نّها من أدلّة أصالة الحلّ ، وإن لا يخلو من مناقشة ذكرناها في محلّه(3) .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الحكم على صحّة البيع ، لا يتوقّف على إحراز كونه مذكّى بأمارة معتبرة ، أو إحراز عدم كونه ميتة كذلك .

هذا ، مضافاً إلى إمكان استصحاب كون المشتبه قابلاً للنقل والانتقال ، ومملوكاً يجوز فيه أنحاء التصرّفات ، فتكون تلك الاستصحابات ، حاكمة على استصحاب عدم الانتقال .

وتوهّم عدم بقاء الموضوع لعروض الموت على الحيوان ، قد فرغنا عن جوابه في محلّه(4) .

ص: 101


1- الفقيه 3 : 216 / 1002 ؛ وسائل الشيعة 17 : 87 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- الكافي 5 : 313 / 40 ؛ وسائل الشيعة 17 : 89 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 4 .
3- راجع أنوار الهداية 2 : 60 .
4- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 251 .

فمع عدم ثبوت المنع الشرعي، يكون البيع عقلائياً، منسلكاً تحت أدلّة تنفيذه.

فتحصّل ممّا ذكر : أ نّه بعد قصور أدلّة عدم جواز بيع الميتة الواقعية لإثبات الحكم في المشتبه ، وبعد البناء على عدم جريان أصالة عدم التذكية ، والبناء على جريان أصالة الحلّ وسائر الاُصول الشرعية في أحد الطرفين تخييراً ، إنّ مقتضى الاُصول صحّة بيعه وإن قلنا بأنّ أصالة الحلّ لا تفي بذلك ، بل الاستصحابات المذكورة مقدّمة عليها .

وقد يقال : إنّه يعتبر في صحّة البيع ، الملكية ، وكذا صحّة الانتفاع بما هو ملك ، وفي المقام إن باع المذكّى الواقعي ، فقد أوقع البيع على ملكه ، لكن صحّة الانتفاع به مشكوك فيها ؛ لاحتمال أن يكون مختاره غير مملوكه ، وإن أوقع البيع على المشتبه ، يكون ملكيته له مشكوكاً فيها ، فلا يمكن إحراز الشرطين(1) .

والجواب : أ نّا نختار بيع أحد المشتبهين ، ونحرز الملكية بالاستصحاب ، كما تقدّم ؛ لأنّ المفروض جريان الاُصول في أحد الأطراف تخييراً .

وقد يجاب عن الإشكال - بعد اختيار بيع المذكّى الواقعي - بأنّ جواز الانتفاع بكلّ من المشتبهين تخييراً من آثار ملك المذكّى الواقعي الموجود يقيناً في المشتبهين ومن منافعه ، وهذا القدر كافٍ في تحقّق الانتفاع المعتبر في صحّة البيع ؛ فإنّه ليس من أكل المال بالباطل ، بعد تسليمهما للمشتري ، وجواز انتفاعه بأحدهما الذي هو نتيجة ملكية المذكّى الواقعي المردّد بينهما (2) .

ص: 102


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 11 .
2- نفس المصدر.

وفيه : أنّ جواز الانتفاع بأحدهما المردّد ، لا يعقل أن يكون من آثار ملكيته الواقعية لأحد الطرفين ، فإنّ أثر الملكية الواقعية جواز التصرّف في خصوص الملك ، لا في غيره ، ولا في المردّد بينه وبين غيره .

مع أنّ الحلّية التي من أحكام الملك واقعاً هي الحلّية الواقعية ، لا الظاهرية ، ولا الأعمّ .

والتحقيق : أنّ ملكية المذكّى الواقعي محقّقة لموضوع الاشتباه ، كما أنّ الميتة الواقعية أيضاً دخيلة في ذلك ، وكذلك الاختلاط بينهما .

وأمّا الحلّية الظاهرية فهي مجعولة على المشتبه بما هو كذلك ، لا من آثار الواقع؛ ضرورة عدم إمكان تعدّي الحكم والأثر من موضوعه إلى موضوع آخر.

فلو قيل : إنّ جواز الانتفاع الظاهري كافٍ في صحّة البيع ، فالأولى حينئذٍ أن يختار صحّة بيع أحد الطرفين .

لكنّ القائل المحقّق ، استشكل في ذلك بأ نّه يمكن أن يقال : إنّ المانع للبيع

هو حرمة الانتفاع واقعاً الذي هو غير معلوم الارتفاع ، فراجع كلامه ، زيد في علوّ مقامه(1) .

هذا كلّه على المباني الغير المسلّمة .

والتحقيق : - حسب اقتضاء العلم الإجمالي - عدم جواز الانتفاع بواحد منهما ، لا أكلاً ولا بيعاً ، من مسلم ولا من كافر ، بناءً على تكليفهم بالفروع .

لكن هاهنا نكتة يجب التنبيه عليها وهي :

ص: 103


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 11 .

أنّ العلم الإجمالي قد يتعلّق بالحكم الفعلي والإرادة الفعلية الجازمة ، وفي مثله لا يمكن احتمال الترخيص لأحد الطرفين ، فضلاً عنهما ، بل مع العلم بالإرادة الفعلية للمولى لا يمكن احتمال صدور الترخيص منه في الشبهة البدوية أيضاً ؛ لعدم إمكان احتمال وقوع التناقض في إرادته ، فالعلم الإجمالي كذلك علّة تامّة لوجوب الموافقة وحرمة المخالفة، ومع هذا العلم تطرح أدلّة الاُصول حتّى في الشبهات البدوية .

وقد يتعلّق العلم بحجّة شرعية لأجل إطلاق دليل أو عمومه لمورد المشتبه ، كما في قوله تعالى : )حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ((1) ؛ فإنّ إطلاق-ه يقتضي حرمة الميتة واقعاً ، سواء كان الموضوع معلوماً ، أو لا ، وفي مثله يمكن احتمال الترخيص في ارتكاب جميع أطراف المعلوم بالإجمال ، فضلاً عن بعضه ، فمع ورود الترخيص يستكشف عن عدم فعلية إرادة المولى في المورد المشتبه ، إمّا بتقييد الإطلاق ، أو بأنحاء اُخر من التصوّرات التي في الاُصول بيانها (2) .

وكيف كان : إذا كان العلم الإجمالي من قبيل الثاني - كما في نوع الموارد - لايجوز ترك ظاهر دليل معتمد دلّ على الترخيص في بعض الأطراف أو جميعها ؛ لعدم حكم للعقل في مثله ، وعدم كون الترخيص مخالفاً للقواعد والعقول . ولعلّ الخلط بين المقامين صار موجباً لطرح بعض الروايات

ص: 104


1- المائدة (5) : 3 .
2- راجع أنوار الهداية 2 : 186 .

الصحيحة الدالّة على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي(1) .

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ الكلام في المقام :

تارة : في جواز الانتفاع بأطراف المشتبه أكلاً وغيره ، فيظهر من الأردبيلي الميل إليه في مطلق المشتبهات(2) ، وتمسّك في المقام بصحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «كلّ شيء فيه حلال وحرام، فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه»(3) وصحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر علیه السلام(4) ، وهناك روايات اُخر ربّما يأتي الكلام فيها مستقصىً في باب المال المختلط بالحرام ، إن شاء اللّه .

لكنّ الأقوى في المقام عدم جواز الانتفاع بهما ، لا لطرح الأدلّة بتوهّم كونها خلاف العقل والقواعد ؛ لما عرفت ، بل لظهور صحيحتي الحلبي الآتيتين(5) عرفاً في عدم جواز أكلهما ، أو أكل أحدهما ، وعدم جواز انتفاع آخر بهما إلاّ بيعهما للمستحلّ ، وأنّ الطريق المنحصر في الاستفادة هو ذلك .

ص: 105


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 87 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 ، 2 ، 4 ، و25 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 11 : 271 - 272 .
3- الفقيه 3 : 216 / 1002 ؛ وسائل الشيعة 17 : 87 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 24 : 235 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 64 ، الحديث 1 .
5- تأتيان في الصفحة 107.

وبهما يخصّص كلّ ما دلّت على تجويز ارتكاب أطراف الشبهة ، لو سلّمت دلالتها .

وبهذا يظهر عدم جواز تعرّف حالهما بالعرض على النار بالانبساط والانقباض، كما حكي عن «الدروس» الميل إليه(1) ؛ فإنّ ذلك لو كان أمارة مطلقاً لكان على أبي عبداللّه علیه السلام بيانه لكشف الواقع وعدم ارتكاب خلاف القواعد ، فلا يتعدّى عن مورد رواية شعيب(2) في اللحم المطروحة، لو قلنا بجواز العمل بها في موردها.

واُخرى : في صحّة بيعهما ممّن يستحلّ الميتة ، ولا شبهة في أ نّه كما يلزم من بيعهما جميعاً رفع اليد عن أدلّة حرمة بيع الميتة وأنّ ثمنها سحت ، وعن دليل حرمة إقباض الميتة للأكل ممّن تحرم عليه ؛ فإنّ الكفّار أيضاً مكلّفون ، كذلك يلزم من بيع المذكّى الواقعي خلاف القواعد ، سواء بيّن الواقعة للمشتري ، واشترى هو أيضاً المذكّى أو لا ، فعلى الأوّل يلزم الجهالة والغرر في بعض الأحيان ، كما لو كان أحدهما مهزولاً والآخر سميناً ، واختلف قيمتهما ، إن قلنا بأ نّه غير مطلق الجهالة ، وأ نّها مفسدة كالغرر ، وتسليط الكافر على الأكل والانتفاع المحرّم عليه واستحلاله لا يوجب حلّيته عليه . وعلى الثاني يلزم مضافاً إلى ما ذكر ، عدم مطابقة الإيجاب للقبول ؛ فإنّه يبيع المذكّى بدرهم ، والمشتري يقبلهما به ، فلا مطاوعة بينهما .

وليس هذا نظير بيع ما يملك وما لا يملك ، حيث يقال فيه بالانحلال والصحّة

ص: 106


1- الدروس الشرعية 3 : 14 .
2- الكافي 6 : 261 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 188 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 1 .

فيما يملك ، دون غيره ؛ فإنّ المطاوعة هناك حاصلة ، والانحلال عقلائي أو تعبّدي ، ولا معنى للانحلال هاهنا ؛ لعدم مقابلة مال بالميتة ؛ لعدم إيجاب البيع بالنسبة إليها ، بل لا يجوز له في هذه الصورة أخذ مقدار ثمن المذكّى ؛ لأ نّه مأخوذ بالبيع الفاسد ، فضلاً عن جميعه .

فالتخلّص من بيع المجموع إلى بيع المذكّى الواقعي - كما استحسنه المحقّق(1) ، واختاره العلاّمة(2) - فرار من المطر إلى الميزاب ، لو كان نظرهما إلى

الفرار عن بيع الميتة ، لا الاستظهار من صحيحتي الحلبي وعلي بن جعفر :

ففي صحيحة الحلبي قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «إذا اختلط الذكيّ والميتة ، باعه ممّن يستحلّ الميتة ، وأكل ثمنه»(3) ، وفي صحيحته الاُخرى عنه علیه السلام ، أ نّه سئل عن رجل كان له غنم وبقر ، وكان يدرك الذكيّ منها فيعزله ويعزل الميتة ، ثمّ إنّ الميتة والذكيّ اختلطا كيف يصنع به ؟ قال : «يبيعه ممّن يستحلّ الميتة ، ويأكل ثمنه ، فإنّه لا بأس به»(4) .

وعن علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى علیه السلام نحوها (5) .

ص: 107


1- شرائع الإسلام 3 : 175 .
2- تحرير الأحكام 4 : 639 ؛ قواعد الأحكام 3 : 328 .
3- الكافي 6 : 260 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 99 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، الحديث 1 .
4- الكافي 6 : 260 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 99 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، الحديث 2 .
5- مسائل علي بن جعفر : 109 / 20 ؛ وسائل الشيعة 17 : 100 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، ذيل الحديث 2 .

وجه الاستظهار : دعوى رجوع الضمير في قوله : «باعه» أو «يبيعه» إلى المذكّى .

ثمّ إن أراد البائع وقوع البيع على المذكّى ، لا بدّ من إخبار المشتري للواقعة ، حتّى يقع البيع صحيحاً .

فيستفاد منها بنحو من اللزوم لزوم إخبار الطرف بالواقعة قبل إيقاع البيع عليه ، وإن يظهر من المحقّق والعلاّمة(1) - ولو من إطلاق كلامهما - عدم لزوم الإخبار .

وفي الاستظهار نظر ؛ لأنّ المتفاهم العرفي منها أنّ الضمير راجع إلى المختلط ، وأنّ السؤال في الثانية عن حال المال المختلط الخارجي ، وقوله : «ما يصنع به ؟» ، أي : ما يصنع بهذا الموجود المختلط ، وقوله : «يبيعه» ، أي : يبيع ذلك المختلط ، لا خصوص المذكّى .

والحمل على بيع خصوص المذكّى ، وتسليم المجموع من باب المقدّمة ، بعيد عن الأذهان العرفية .

والشاهد على أنّ المراد بيع المجموع ، قوله : «يبيعه ممّن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه» ؛ فإنّ الظاهر منه أنّ الاستحلال موجب لجواز بيع الميتة وأكل ثمنها ؛ وليس النظر إلى مقام التسليم . فقوله : «يأكل ثمنه» إشارة ظاهرة إلى ما هو مرويّ عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم والوصيّ علیه السلام بأنّ «ثمن الميتة سحت»(2) . فكأ نّه

ص: 108


1- شرائع الإسلام 3 : 175 ؛ تحرير الأحكام 4 : 639 ؛ قواعد الأحكام 3 : 328 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 93 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 5 و8 و9 .

قال : إذا اشتبه الميتة والمذكّى يحلّ ثمن الميتة ، وليس بسحت في هذه الصورة .

فالأقوى جواز بيعهما بل تعيّنه ، وعدم جواز بيع المذكّى الواقعي ؛لما عرفت من مخالفته للقواعد ، واللازم الاقتصار على ظاهر الروايات فيبيعهما ، كما هو ظاهر الشيخ وابن حمزة(1) . والاحتمال المتقدّم بعيد عن كلامهما جدّاً . وهو ظاهر الأردبيلي مشفوعاً بدعوى الشهرة عليه :

قال بعد استبعاد حمل الخبرين على بيع الواقع المذكّى : «أو تخصيص عدم الانتفاع بالميتة ، وعدم جواز أكل ثمنه إلاّ في هذه الصورة ، وكذا تسليط الكافر على أكل الميتة ، للنصّ والشهرة . ومن لم يعمل بالخبر الواحد مثل ابن إدريس يطرحهما ، ولم يجوّز بيعه»(2) ، انتهى .

والظاهر منه اختيار هذا الوجه ، وهو الأقوى .

وأمّا حملهما على جواز استنقاذ مال المستحلّ للميتة بذلك برضاه ، وعدم البيع الحقيقي ، كما عن العلاّمة(3) واستجوده الأردبيلي(4) ؛ ففيه ما لا يخفى من البعد .

وأبعد منه ما احتمله شيخنا الأنصاري من حملهما على صورة قصد البائع المسلم أجزاءها التي لا تحلّها الحياة ؛ من الصوف والوبر ونحوهما . قال : «وتخصيص المشتري بالمستحلّ ؛ لأنّ الداعي له على الاشتراء اللحم أيضاً ،

ص: 109


1- النهاية : 586 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 362 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 11 : 274 .
3- مختلف الشيعة 8 : 337 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 11 : 273 .

ولا يوجب ذلك فساد البيع ، ما لم يقع العقد عليه»(1) ، انتهى .

وأنت خبير بأنّ طرحهما خير من هذا الحمل المقطوع الخلاف ، مع ورود بعض الإشكالات المتقدّمة عليه ، على فرض قصد البائع الأجزاء دون المشتري ، كما هو ظاهر كلامه .

ثمّ إنّ الميتة من غير ذي النفس السائلة تجوز المعاوضة عليها وعلى أجزائها القابلة للانتفاع العقلائي ؛ لقصور الأدلّة عن إثبات منعها ، واختصاصها أو انصرافها إلى غيرها .

حكم الانتفاع بالكلب وبيعه

ومنها : الكلب البرّي . وهو على أقسام :

منها: الكلب السلوقي الذي يستعمل في الصيد غالباً ، وهو من أحسن الكلاب وأخفّها ، ويقال له بالفارسية : «تازي» . ولعلّ التسمية به لأجل كونه من بلاد العرب ، كما في «القاموس» وغيره: «أنّ السلوق كصبور قرية باليمن تنسب إليها تلك الكلاب»(2) .

ومنها: غير السلوقي ، وهو إمّا ينتفع به انتفاعاً عقلائياً للتصيّد ، أو لحراسة الماشية أو الحائط ؛ أي البستان ، أو الزرع أو الدور ونحوها ، أو لمنافع اُخر كما يستعمل بعض الأنواع منه في كشف الجرائم والتفتيشات . وقد يتّخذ لصرف

ص: 110


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 38 .
2- القاموس المحيط 3 : 254 ؛ أقرب الموارد 1 : 534 ؛ لسان العرب 6 : 336 .

اللعب والتفريح والاُنس به ، كما هو المتعارف عند أقوام .

أو لا ينتفع به : إمّا لصيرورته عقوراً هراشاً ، أو مجنوناً خارجاً عن طاعة البشر بعروض داء الكَلَب عليه ؛ وهو داء يشبه الجنون يعرض الكلاب فتعضّ الناس ، فيسري إليه فيكلب أيضاً ، وإمّا لذهاب ملكة التكالب عنه ، أو صيرورتها ضعيفة فيه ، كالكلاب المهملة التي تعيش في الأزقّة والشوارع ، وهي غير صالحة للتصيّد ، وغير قابلة نوعاً للتربية لسائر المنافع .

لا إشكال في جواز المعاوضة على القسم الأوّل إذا كان صيوداً ، وهو المتيقّن من الأخبار وكلمات الأصحاب ومعاقد الإجماعات .

كما لا إشكال في عدم الجواز في الأخير ؛ أي ما لا ينتفع به ، وهو المتيقّن من الأخبار ومعاقد الإجماعات على عدم الجواز .

إنّما الكلام في سائر الأقسام ، والأولى صرف الكلام إلى أخبار الباب .

الأخبار الواردة في المقام

وهي على طائفتين :

الاُولى : ما لم يذكر فيها قيد الصيد والاصطياد ونحوهما ممّا يمكن دعوى الإطلاق فيها :

كموثّقة السكوني عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «السحت ثمن الميتة وثمن

الكلب وثمن الخمر ومهر البغيّ والرشوة في الحكم وأجر الكاهن»(1) .

ص: 111


1- الكافي 5 : 126 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 93 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 5 .

ورواية حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد ، عن أبيه جميعاً ، عن جعفر بن محمّد علیهما السلام عن آبائه علیهم السلام في وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام قال : «يا علي ، من السحت ثمن الميتة ، وثمن الكلب وثمن الخمر»(1) .

ويمكن إنكار الإطلاق فيهما وما يشبه بهما ممّا هي في مقام عدّ جملة من السحت أو من المنهيّ عنه ، بأن يقال : إنّها ليست بصدد بيان حكم كلّ عنوان ، حتّى يؤخذ بإطلاقها ، بل بصدد بيان عدّ ما هو سحت ، نظير أن يقال : إنّ في الشرع محرّمات : الكذب والغيبة والتهمة والربا . . . إلى غير ذلك ، أو في الشرع واجبات : الصلاة والزكاة والحجّ . . . ، أو قوله : «بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة . . . »(2) ؛ فإنّه لا يصحّ الأخذ بالإطلاق فيها ، فيقال إنّ الكذب مطلقاً حرام ، ولا بإطلاق وجوب الصلاة لرفع ما شكّ في جزئيته أو شرطيته فيها .

والمقام من هذا القبيل ؛ فإنّ قوله : من السحت كذا وكذا ، في مقام عدّ أقسام السحت إجمالاً، لا بيان حكم الكلب والميتة، فالأخذ بالإطلاق في نحوه مشكل.

وكحسنة الحسن بن علي الوشّا ، قال سئل أبو الحسن الرضا علیه السلام عن شراء

المغنّية ، قال : «قد تكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها إلاّ ثمن كلب ، وثمن الكلب سحت ، والسحت في النار»(3) .

ص: 112


1- الفقيه 4 : 262 / 824 ؛ وسائل الشيعة 17 : 94 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 ، الحديث 9 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 13 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 1 .
3- الكافي 5 : 120 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 124 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 6 .

وقد أوردها في «الوسائل» ، في باب تحريم بيع الكلاب أيضاً ، مع تقطيع وتوصيف الحسن بن علي بالقاساني(1) ، وهو من اشتباه النسخة أو قلمه الشريف ، والصحيح : الوشّا ؛ لعدم رواية لغير الوشّا في المقام في «الكافي» الشريف ، وعدم ذكر من الحسن بن علي القاساني في الرجال .

فهي عين الرواية المتقدّمة ، كما أنّ ما عن العيّاشي(2) في ذلك الباب عينها ، وتمامها ما نقلناه .

وكيف كان : يمكن إنكار الإطلاق فيها أيضاً ، بدعوى أ نّها بصدد بيان حكم شراء المغنّية وثمنها ، لا شراء الكلب وثمنه ، بل الظاهر كون ثمن الكلب مفروض الحكم وقد شبّه ثمن المغنّية به فلم تكن بصدد بيان حكم الكلب فلا إطلاق فيها ، تأمّل .

ومن هذا القبيل ، صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل علیه السلام : جعلت فداك ، إنّ رجلاً من مواليك عنده جوارٍ مغنّيات ، قيمتهنّ أربعة عشر ألف دينار ، وقد جعل لك ثلثها ، فقال : «لا حاجة لي فيها ؛ إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت»(3) .

فإنّ الظاهر أنّ ذكر الكلب مع عدم كونه مورد الكلام ، لذكر التسوية بينهما . وكأ نّه علیه السلام بصدد بيان نحو تحقير عن ثمن المغنّيات وشرائها ، بأنّ ثمنها وثمن

ص: 113


1- وسائل الشيعة 17 : 118 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 2 .
2- تفسير العيّاشي 1 : 321 / 111 .
3- قرب الإسناد : 305 / 1195 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 4 .

الكلب سواء ، لا بصدد بيان حكم الكلب ، من غير سبق سؤال وبمجرّد الاقتراح .

بقيت رواية جرّاح المدائني ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «من أكل السحت ثمن الخمر» ونهى عن ثمن الكلب(1) .

وهي مع ضعفها ، ووهن متنها لفظاً - بحيث ربّما لا يليق ذلك التركيب بالفصيح - لا تصلح لإثبات حكم لو سلّم إطلاقها .

والطائفة الثانية : ما ذكر فيها ذلك :

كموثّقة محمّد بن مسلم وعبد الرحمان بن أبي عبداللّه - التي هي كالصحيح - عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» . ثمّ قال : «ولا بأس بثمن الهرّ»(2) .

ورواية أبي عبداللّه العامري ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد ، فقال : «سحت ، وأمّا الصَيود فلا بأس»(3) .

ولا يبعد أن يكون الوليد العمّاري الراوي لذلك المتن بعينه عن أبي عبداللّه علیه السلام كما في «الوسائل»(4) هو الوليد العامري ، واشتبه في النسخة ، ومن المحتمل أ نّه أبو عبداللّه العامري ، والروايتان واحدة .

ص: 114


1- تهذيب الأحكام 7 : 136 / 600 ؛ وسائل الشيعة 17 : 119 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 356 / 1017 ؛ وسائل الشيعة 17 : 119 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 3 .
3- الكافي 5 : 127 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 118 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 1 .
4- وسائل الشيعة 17 : 119 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 7 .

ورواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث: «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : ثمن الخمر ، ومهر البغيّ ، وثمن الكلب الذي لا يصطاد ، من السحت»(1) .

المحتملات في عنوان الصَيود ونحوه والمقصود منها

وفي هذه الروايات - بعد وضوح عدم كون المراد من قوله : «لا يصيد» و «لا يصطاد» و«الصَيود» هو عدم الاشتغال الخارجي فعلاً ، أو الاشتغال كذلك - وجوه من الاحتمال :

أحدها : أن يكون قوله : «الذي لا يصيد» إشارة إلى أقسام ما عدا الكلب السلوقي ، وقوله : «والصيود» أو «كلب الصيد» كما في بعض الروايات(2) ، إشارة إلى السلوقي ؛ بمعنى أنّ ذكر الموصول وصلته ، لمحض معرّفية موضوع الحكم ، من غير دخالة للوصف فيه ، فيكون ذات السلوقي موضوعاً لعدم الحرمة ، سواء كان صيوداً أو لا ، وغيره موضوعاً للحرمة ، صيوداً كان أو لا .

لكن هذا الاحتمال بعيد عن ظواهر الأخبار ؛ لأنّ التوصيف والتقييد ظاهران في الموضوعية ، أو الدخالة ؛ سيّما مثل قوله : «وأمّا الصيود» .

ثانيها : أن يكون العنوان دخيلاً ، لكن يكون المراد من «الصيود» و «الذي يصيد» هو الكلب المعلّم ، كان سلوقياً أو لا ، ومن «الذي لا يصيد» أو

ص: 115


1- تهذيب الأحكام 7 : 135 / 599 ؛ وسائل الشيعة 17 : 119 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 119 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 14 ، الحديث 5 .

«لا يصطاد» غير المعلّم ، بدعوى انصراف الأخبار إليهما .

وفيها: منع الانصراف ، سيّما مثل قوله : «لا يصيد» و«لا يصطاد» فإنّ الظاهر منهما سلب الوصف ، لا سلب القيد مع ثبوت أصل الوصف ، فحينئذٍ يكون «الصيود» الذي في مقابله ، هو ما ثبت له الوصف .

ويتلوه في الضعف احتمال الانصراف إلى السلوقي المعلّم .

نعم ، لا يبعد انصراف قوله : «كلب الصيد» إلى المعلّم ، بل إلى السلوقي منه ، ويأتي الكلام فيه .

ثالثها : أن يكون المراد من «الصيود» ما يتّخذ للصيد ، وفي مقابله ما لا يتّخذ له .

وهو بعيد أيضاً ؛ لأنّ الظاهر من العناوين ما هي ثابتة للكلاب ، من غير دخالة اتّخاذها لها ، أو عدمه .

رابعها : أن يكون المراد ما ثبت له نفس العناوين ، من غير دخالة للتعليم وعدمه ، ولا للاتّخاذ وعدمه . فما ثبت له أ نّه الذي لا يصيد ، يكون ثمنه سحتاً ، وما يصطاد أو كان صيوداً ، ثمنه محلّل .

ثمّ الوصف يحتمل أن يكون بمعنى الشغل الفعلي ، فيكون المراد من «الذي لا يصيد» ما لا يكون شغله الفعلي الاصطياد ، حتّى لا يشمل كلب الصيد الذي جعل صاحبه شغله الحراسة مثلاً ، ومقابله ما يكون شغله ذلك ، فينطبق غالباً على الاحتمال الثالث .

ويحتمل أن يكون بمعنى زوال ملكة الصيد عنه ، وثبوتها له ، فيكون معنى قوله : «الذي لا يصيد» الذي سلب عنه وصف كونه صيوداً وصائداً ، وزالت

ص: 116

ملكته ، وفي مقابله ما ثبت له الوصف والملكة .

ولا يبعد أن يكون الأقرب بين الاحتمالين الأخيرين هذا الاحتمال ، بعد أظهريتهما من سائرها .

ويشهد لما قلنا : من أنّ الموضوع في هذا الباب نفس العنوان ، من غير دخالة للتعليم فيه - بعد إطلاق الأدلّة - أنّ الأخبار الواردة في حكم الصيد وجواز أكله - في أبواب الصيد والذبائح(1) - مشحونة بذكر الكلب المعلّم ، وكثر فيها التقييد بذلك العنوان ، وأمّا في المقام فلم يرد خبر مشعر بكون الكلب المذكور هو المعلّم ، وذلك لأنّ الموضوع للحكم هناك هو الكلب المعلّم ، بخلافه هاهنا .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ الأظهر في قوله : «الكلب الذي لا يصيد» أو «لا يصطاد» هو ما سلب عنه هذا الوصف وهذه الملكة .

وإنّما قلنا هذا الاحتمال أقرب من سابقه ؛ لأنّ الكلب الذي له ملكة الاصطياد بحيث لو استعمل في الصيد يصطاد ، يصدق عليه أ نّه صيود ، ولا يصحّ سلب العنوان عنه ، وليس المراد من «لا يصيد» عدم العمل الخارجي ، مقابل العمل كذلك ، ولهذا قابله بالصيود ، فالمراد منه ما ليس بصيود ، والكلب الذي لو ترك يصيد ، لا يقال : إنّه لا يصيد ، أو ليس بصيود ، بمجرّد منع صاحبه عنه . ولهذا لا ريب في أنّ الكلب المعلّم صيود وصائد ، ويصدق عليه أ نّه يصيد ويصطاد ، ولو لم يستعمله صاحبه في الصيد ، ومنعه عنه .

ثمّ بعد ما علم من قوّة هذا الاحتمال ، يقال : إنّ الصيود والصائد وسائر

ص: 117


1- راجع وسائل الشيعة 23 : 331 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 1 ، 2 ، 5 ، 7 ، 10 و15 .

المشتقّات منه ، عناوين وصفية صادقة على مطلق الاصطياد ؛ كان الصيد من قبيل الغزال ، أو غيره من الحيوانات الممتنعة الوحشية من غير اعتبار قيد الحلّية فيها ، بحسب اللغة والعرف جزماً ، فإذا كان الكلب يصيد الذئب ، أو ابن آوى ، أو الثعلب ، يصدق عليه أ نّه صيود ، وصائد عرفاً ولغةً ، فالكلب الصيود ما كان يصيد الحيوان الممتنع ، من غير دخالة خصوصية حيوان فيه .

شمول عنوان الصيود ونحوه لمطلق الكلاب عدا المهملات منها

فيمكن أن يقال : إنّ مطلق الكلاب عدا الكلاب المهملة التي في الأزقّة والأسواق ممّا زالت عنها ملكة الاصطياد والتكالب ، داخل في عنوان الكلب الذي يصطاد والصيود . ولا يصحّ أن يقال : إنّها لا يصطاد أو ليست بصيود ، وإن كانت للماشية والحراسة ونحوهما ، والكلب ما لم تكن له ملكة الاصطياد لا يتّخذ للماشية وحفظ الأغنام ونحوهما .

فالكلاب على صنفين : أحدهما : ما زالت عنها صفة التصيّد ، وهي التي صارت مهملة ولم يكن لها التكالب ، وهي الكلاب الدائرة في الأزقّة مهملة ، أو العائشة على صدر صاحبها العيّاش الملاعب بها والمؤانس معها ، على تأمّل في الثانية .

وثانيهما : ما بقيت على صفتها وملكتها السبُعية ، وهي صيود وسبع بطبعها ، وصادق عليها أ نّها تصيد وتصطاد ، سواء اتّخذت للاصطياد ، أو لحفظ الأغنام ، أو لحراسة البلد أو القرية أو المزارع ونحوها .

فالميزان في جواز البيع هو صدق الوصف عليها لا استعمالها في الصيد أو

ص: 118

اشتغالها به ، والظاهر صدق العناوين على جميع الأنواع ؛ فكلاب الأغنام والمواشي صيود ، تصيد الذئب والغزال وغيرهما . ولو فرض بعيداً سلب صفة الاصطياد عن بعض ما يتّخذ للحراسة ، يمكن الحكم بصحّة معاملته بعدم القول بالفصل بل وبالاستصحاب ، تأمّل .

إن قلت : لو فرض صدق العناوين لغة وعرفاً لكن الأخبار منصرفة إلى الكلاب المستعملة للتصيّد .

قلت : نمنع انصراف ذلك الوصف العنواني سيّما مع مقابلة الصيود للذي لا يصيد ؛ فإنّ الثاني أعمّ من الكلاب المتّخذة للصيد وزالت عنها صفتها وليس منحصراً بقسم منها ، وكذا الأوّل . مع أنّ الميزان الانصراف في زمان الصدور ولم يتّضح الانصراف فيه ، تأمّل .

نعم، «كلب الصيد» عبارة عن الكلب الذي اتّخذ له ، ويكون شغله ذلك ؛ إذ هو منصرف إليه أو منصرف إلى خصوص السلوقي منه ، بخلاف «الذي يصيد» .

وإن شئت قلت : إنّ العناوين والمشتقّات مختلفة في إفادة المعنى عرفاً ؛ ألا ترى أنّ الماء الجاري لا يصدق عرفاً إلاّ على ما يكون جريانه عن منبع تحت أرضي ونحوه ، ولا يصدق على الماء الذي جرى من كوز وجرّة ونحوهما ، مع صدق «جري الماء» و«يجري منه» وهكذا في كثير من المشتقّات .

وفي المقام فرق بين عنوان «كلب الصيد» الذي لا يصدق على كلب الماشية والزرع ونحوهما ؛ لأنّ شغل الحراسة غير شغل الصيد ، وبين «الكلب الذي يصيد والذي لا يصيد» فإنّ صدق عنوان «الذي لا يصيد» يتوقّف عرفاً على عدم اقتدار الكلب على الاصطياد ، أو على عدم اقتضائه فيه . والكلب الذي لو اُغري

ص: 119

على الصيد يصيده ، لا يقال : إنّه لا يصيد أو هو الذي لا يصطاد ، بمجرّد عدم استعمال صاحبه له أو عدم إغرائه ، سيّما مع كون القضيّة موجبة سالبة المحمول ، وفي مثلها يكون صدق ثبوت الصفة السلبية متوقّفاً على سلب الملكة بنظر العرف .

ثمّ إنّ بين عنوان «كلب الصيد» وبين عنوان «الكلب الذي لا يصيد» وكذا عنوان «الكلب الذي يصيد» عموماً من وجه ، إن كان المراد بكلب الصيد هو الكلب السلوقي ؛ أي هذا الصنف .

وإن كان المراد ، السلوقي المتّخذ للصيد ، يكون بين العنوان المقابل له ؛ أي غير السلوقي المتّخذ له ، مع عنوان «الكلب الذي يصيد» المفهوم من الروايات ، أو «الكلب الصيود» بالمعنى المتقدّم ، عموم من وجه أيضاً .

وإن كان المراد به مطلق كلب الصيد ؛ أي الذي شغله ذلك ، سلوقياً كان أو لا ، يكون بين المفهوم المقابل له ؛ أي الكلب الآخر الذي لا يكون شغله ذلك وهو الكلب الذي ليس بكلب الصيد ، وبين الكلب الذي يصيد عموم من وجه أيضاً .

فإن قلنا بعدم جريان العلاج في التعارض بالعموم من وجه وأ نّهما متساقطان في جميع المفاد ، يكون المرجع عمومات حلّ البيع والتجارة عن تراضٍ .

وإن قلنا بجريانه فيه وأنّ المرجّح للرواية بجميع مفادها ، كان الترجيح مع أخبار جواز البيع وحلّية أكل الثمن ؛ لكونها موافقة للكتاب لو لم نقل بموافقتها للشهرة أيضاً .

وإن قلنا بأنّ التساقط والترجيح منحصران بمورد الاجتماع يحلّ في مورد

ص: 120

التعارض أكل الثمن ويجوز البيع ؛ إمّا لمرجعية العمومات أو مرجّحيتها ، وتلحق سائر الموارد به بعدم القول بالفصل .

جواز بيع جميع الكلاب النافعة

فتصير النتيجة - على جميع الصور والتقادير - جواز بيع جميع الكلاب النافعة ، وينحصر البطلان بغيرها .

وتوهّم لزوم تخصيص الأكثر المستهجن في أدلّة المنع فاسد ؛ لأكثرية الداخل فيها من الخارج ، وأغلبية الكلاب المهملة التي لا تصيد ولا تنفع عن غيرها .

وتؤيّد ما ذكرناه الروايات العامّة المتقدّمة(1) ؛ أي رواية «تحف العقول» و«دعائم الإسلام» و«فقه الرضا علیه السلام » ، بل ومفهوم النبوي صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» ؛ فإنّ بينها وبين روايات الباب وإن كان عموماً من وجه ، لكن مفاد تلك الروايات أو بعضها حاكم على روايات الباب نحو حكومة .

وما قد يقال : إنّ هذه الروايات تكون أفرادها قليلة جدّاً بالنسبة إلى مثل رواية «التحف» ، وهي توجب تقديمها عليها للأظهرية(2) .

ليس بوجيه ؛ لأنّ قلّة الأفراد وكثرتها لا دخل لهما بمقام الظهور والدلالة ، فإنّ مقام انطباق العناوين على الأفراد غير مقام الظهور والدلالة . نعم، لو بلغ الإخراج الكثير إلى حدّ الاستهجان، فهو أمر آخر غير مقام الظهور، كما لا يخفى.

هذا ، مضافاً إلى ما عرفت من حكومتها عليها ، فلا ينظر إلى أقلّية الأفراد

ص: 121


1- تقدّمت في الصفحة 12 - 13 و23 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 13 .

إلاّ إذا استلزم التحكيم للاستهجان .

ويؤيّده أيضاً اشتهار الحكم بين الأصحاب ، من لدن زمن شيخ الطائفة بل قبله إلى الأعصار المتأخّرة(1) . والمفتي بالخلاف قليل ربّما يقال منحصر بالمفيد وابن سعيد(2) ، وإلاّ فالمفتي بالخلاف في كتاب ، رجع عنه في باب آخر أو كتاب آخر(3) ، أو تردّد فيه(4) .

بل ظاهر «التذكرة» في كتاب الإجارة : أنّ جواز بيع الكلاب التي لها منفعة محلّلة ، مثل كلب الصيد والماشية والزرع والحائط ، إجماعي(5) .

ويمكن استظهار الإجماع عليه من عبارة «الغنية» المتقدّمة في بعض المسائل الماضية(6) .

بل يمكن استظهاره من إجارة «الخلاف» ، قال : «يصحّ إجارة كلب الصيد للصيد ، وحفظ الماشية ، والزرع - إلى أن قال - دليلنا أنّ الأصل جوازه ، والمنع يحتاج إلى دليل ، ولأنّ بيع هذه الكلاب يجوز عندنا ، وما يصحّ بيعه يصحّ إجارته بلا خلاف»(7) .

ص: 122


1- راجع مفتاح الكرامة 12 : 92 - 95 ؛ جواهر الكلام 22 : 137 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 13 .
3- راجع الخ-لاف 3 : 181 ، كتاب البيوع ، مسألة 302 ، و : 511 ، كتاب الإجارة ، مسألة 43 ؛ المبسوط 3 : 250 .
4- راجع شرائع الإسلام 2 : 5 - 6 ؛ المختصر النافع 2 : 295 .
5- تذكرة الفقهاء 15 : 52 .
6- تقدّمت في الصفحة 73 .
7- الخلاف 3 : 511 .

فإنّ الظاهر من قوله : «هذه الكلاب» كلاب الصيد والماشية والزرع ، لا كلب الصيد فقط ، وإلاّ لقال : «هذا الكلب» . وقوله : «كلب الصيد للصيد . . .» مشعر بما أسلفناه من أنّ الكلب الذي لحفظ الماشية وغيرها ، من الكلاب الذي يصيد ؛ إذ ليس مراده - ولو بقرينة الذيل - استثناء كلب الصيد فقط ، وإن جعل للحفظ .

هذا ، مع أنّ بناء المسلمين ظاهراً على بيع هذه الكلاب النافعة ، والظاهر أنّ هذا البناء والعمل متّصل إلى الأعصار المتقدّمة ، حتّى عصر النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقبله ؛ لأ نّها أموال عقلائية لها منافع عقلائية ، سيّما في محيط الحجاز محيط تربية الأغنام والأجمال ، وما كان كذلك لا بدّ من مقابلته بالمال في الأعصار والأمصار ، إلاّ أن يمنع مانع منه .

مضافاً إلى ما قالوا : من ترتيب آثار الملكية والمالية على تلك الكلاب ؛ من إجارتها وهبتها ووقفها والوصيّة بها وجعلها مهراً للنكاح وعوضاً للخلع وغرامة قيمتها وإن قدّرها الشارع ، والتقدير لا يدلّ على عدم الملكية والمالية ؛ لأ نّه يكون في كلب الصيد أيضاً .

ودعوى اشتهار عدم الجواز بين المتقدّمين(1) ، في غير محلّها ؛ فإنّ مجرّد إيراد المحدّثين كالكليني وغيره تلك الأخبار في كتبهم(2) ، لا يدلّ على أنّ

ص: 123


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 54 ؛ مستند الشيعة 14 : 85 ؛ المناهل : 276 / السطر 14 .
2- راجع الكافي 5 : 126 / 2 و5 ؛ الفقيه 3 : 105 / 434 و435 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 135 / 599 و560 .

فتواهم على المنع في غير كلب الصيد ، سيّما مع ما تقدّم من الاستظهار عن مثل

صحيحة ابن مسلم(1) .

وتخيّل دعوى شيخ الطائفة الإجماع على عدم الجواز في الكلاب غير الكلب المعلّم(2) - وهي تدلّ لا أقلّ على اشتهار الحكم في تلك الأعصار - وهم ؛ فإنّه قال في «الخلاف» : «مسألة 302 : يجوز بيع كلاب الصيد ، ويجب على قاتلها قيمتها ، إذا كانت معلّمة . ولا يجوز بيع غير الكلب المعلّم على حال . وقال أبو حنيفة ومالك : يجوز بيع الكلاب مطلقاً ، إلاّ أ نّه مكروه - إلى أن قال - وقال الشافعي : لا يجوز بيع الكلاب معلّمة كانت أو غير معلّمة ، ولا يجب على قاتلها القيمة . دليلنا : إجماع الفرقة ، فإنّهم لا يختلفون فيه . ويدلّ على ذلك

أيضاً قوله تعالى : )وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ( وقوله : )إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ( ، ولم يفصّل . وروى جابر : أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنّور ، إلاّ كلب الصيد ، وهذا نصّ»(3) ، انتهى .

وهو - كما ترى - ادّعى الإجماع على جواز بيع الكلاب المعلّمة ، ولهذا قال : ويدلّ عليه أيضاً - أي مضافاً إلى الإجماع - قوله تعالى ، وتمسّك بدليل النفوذ .

بل يمكن استظهار عدم إجماعية حكم سائر الكلاب من كلامه ، بأن يقال : لو كان الحكمان إجماعيين لأشار إليهما ، ولم يدّع في خصوص كلب الصيد .

ص: 124


1- تقدّم في الصفحة 114 و117 .
2- راجع مفتاح الكرامة 12 : 96 ؛ جواهر الكلام 22 : 138 .
3- الخلاف 3 : 181 .

وتشهد بعدم إجماعيته بل إجماعية خلافه عبارته المتقدّمة عن إجارة «الخلاف»(1) .

فيمكن دعوى اشتهار الجواز بين المتقدّمين والمتأخّرين ، فسقطت الروايات الدالّة على عدم الجواز - لو سلّمت دلالتها - عن الحجّية رأساً .

حكم الانتفاع بالخنزير وبيعه

ومنها : الخنزير البرّي . لا شبهة في حرمة بيعه ؛ بمعنى عدم صحّته ، وحرمة ثمنه ؛ بمعنى كونه من المأخوذ بالبيع الفاسد إذا بيع للانتفاع المحرّم ، وهو المتيقّن من الإجماع .

وما دلّت على صحّته وجواز أخذ ثمنه عوض الدين ، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام في رجل كان له على رجل دراهم ، فباع خمراً وخنازير ، وهو ينظر فقضاه ، فقال : «لا بأس ، أمّا للمقتضي فحلال ، وأمّا للبائع فحرام»(2) .

وصحيحة زرارة عن أبي عبداللّه علیه السلام في الرجل يكون لي عليه الدراهم ، فيبيع خمراً أو خنزيراً ، ثمّ يقضي منها ، قال : «لا بأس» أو قال : «خذها»(3) ،

ص: 125


1- تقدّمت في الصفحة 122 .
2- الكافي 5 : 231 / 9 ؛ وسائل الشيعة 17 : 232 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 60 ، الحديث 2 .
3- الكافي 5 : 232 / 11 ؛ وسائل الشيعة 17 : 233 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 60 ، الحديث 3 .

ونحوهما غيرهما (1) .

محمولة على كون المتبايعين ذمّيين ، أو مطروحة سيّما مع اشتمالها على بيع الخمر ، مع أنّ بطلانه وحرمة ثمنها ضروريان .

وأمّا الحمل على المنفعة المحلّلة ، كالتخليل في الخمر وكالانتفاع بالخنزير في تربية الدوابّ ، فكما ترى .

وهل يجوز الانتفاع به في مثل ما أشرنا إليه ؛ أعني تربية الدوابّ ؛ فإنّ المسموع بل لعلّه المعروف بين أهله أنّ اُنس الخنزير بالخيل موجب لسمنها أو كمالها ، وكذا البيع لذلك ؟

مقتضى القواعد جوازهما ، لكن عن «المبسوط» : «الحيوان الذي هو نجس العين كالكلب والخنزير وما توالد منهما ، وجميع المسوخ وما توالد من ذلك ، أو من أحدهما ، فلا يجوز بيعه ولا إجارته ولا الانتفاع به ولا اقتناؤه بحال إجماعاً ، إلاّ الكلب» . ثمّ قال : «وأمّا الطاهر غير مأكول اللحم . . .»(2) .

وهذه الدعوى منه مبنيّة ظاهراً على نجاسة المسوخ . والظاهر أ نّها ليست مستقلّة ، قبال دعوى عدم جواز بيع الأعيان النجسة والانتفاع بها ، وليست على عنوان الكلب والخنزير مستقلّة ، ولا على الحيوان كذلك .

وقد مرّ الكلام في كلام الأعلام سابقاً (3) ، بأنّ مسألة عدم جواز الانتفاع

ص: 126


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 233 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 60 ، الحديث 4 و5 .
2- المبسوط 2 : 165 - 166 .
3- تقدّم في الصفحة 54 - 55.

بالنجاسات مطلقاً حتّى فيما لا يلزم منه محذور وكذا بيعها ، عدا ما استثني منها ، ليست إجماعية بل مسألة اجتهادية محلّ خلاف بين الأصحاب .

والمتيقّن من الإجماع - لو كانت المسألة من المسائل الإجماعية - هو حرمة بعض الانتفاعات كالأكل والشرب والبيع لهما أو لما يلزم منه محذور.

وأمّا الانتفاعات الاُخر ، كالانتفاع المتقدّم من الخنزير ، أو تخليل الخمر ونحو ذلك ، فلم يثبت إجماعية حرمتها ، سيّما في مثل هذه المسألة الاجتهادية وسيّما مع مخالفة ابن إدريس(1) ومن تأخّر عنه - على ما حكي - في بعض أقسام المسوخ(2) .

فالأشبه كأ نّه جواز هذا الانتفاع به ؛ للأصل وعدم دليل معتمد على خلافه .

فإنّ دعوى الإجماع قد عرفت حالها .

ومرسلة ابن أبي نجران ، عن بعض أصحابنا ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن نصراني أسلم وعنده خمر وخنازير وعليه دين ، هل يبيع خمره وخنازيره ، فيقضي دينه ؟ قال : «لا»(3) .

ورواية يونس في مجوسي باع خمراً أو خنازير إلى أجل مسمّى ثمّ أسلم قبل أن يحلّ المال ، قال : «له دراهمه» . وقال : أسلم رجل وله خمر أو خنازير ثمّ مات وهي في ملكه وعليه دين ، قال : «يبيع ديّانه ، أو وليّ له غير مسلم خمره

ص: 127


1- السرائر 2 : 218 - 220 .
2- شرائع الإسلام 2 : 4 ؛ جواهر الكلام 22 : 35 - 36 .
3- الكافي 5 : 232 / 14 ؛ وسائل الشيعة 17 : 226 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 57 ، الحديث 1 .

وخنازيره ، ويقضي دينه ، وليس له أن يبيعه وهو حيّ ، ولا يمسكه»(1) .

وهما - مع ضعف الاُولى بالإرسال ، والظاهر أنّ المراد ببعض الأصحاب فيها هو محمّد بن مسكان عن معاوية بن سعيد وهما ضعيفان(2) ، والتأمّل في الثانية بإسماعيل بن مرار(3) ، وعدم انتساب الحكم فيها إلى المعصوم ولعلّه فتوى

يونس ، وإن كان بعيداً ، واشتمالها على مالكية المسلم الخمر والخنازير للمنفعة الرائجة المحرّمة - منصرفتان إلى بيعهما للمنفعة المحرّمة الرائجة فيهما ؛ فإنّ غيرها منفعة مغفول عنها نادرة جدّاً .

لكن مع ذلك ، الأحوط عدم الانتفاع به وترك بيعه ؛ لدعوى الإجماع المتقدّمة ودعواه في «الخلاف» أيضاً على عدم جواز بيعه(4) ، وعدم العثور على فتوى أحد بجوازه ، أو جواز الانتفاع به ، وإن أمكن أن يقال : إنّ عدم التعرّض لهذه المنفعة النادرة المغفول عنها غالباً لا يدلّ على عدم الجواز عندهم .

جواز الانتفاع بأجزاء الخنزير والكلب

نعم ، الأقوى في أجزائه بل أجزاء الكلب أيضاً - نحو جلدهما وشعرهما - جواز الانتفاع ، بل جواز البيع للانتفاع المحلّل ؛ للأصل وعموم حلّية البيع

ص: 128


1- الكافي 5 : 232 / 13 ؛ وسائل الشيعة 17 : 227 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 57 ، الحديث 2 .
2- راجع تنقيح المقال 3 : 184 / السطر 2 ، و : 223 / السطر 34 (أبواب الميم) .
3- راجع تنقيح المقال 1 : 144/ السطر 38 (أبواب الهمزة) .
4- الخلاف 3 : 184 .

والوفاء بالعقود ، وجملة من الروايات الواردة في الخنزير ممّا يمكن إلغاء الخصوصية وإسراء الحكم إلى أخيه ؛ ضرورة أنّ المانع لو كان ، هو النجاسة العينية ، أو هي مع كونه ميتة :

كرواية زرارة - ولا يبعد أن تكون صحيحة وأن يكون سيف بن التمّار هو سيف بن سليمان التمّار الثقة - عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير ، قال : «إذا فرغ فليغسل يده»(1) .

ورواية برد الإسكاف ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي رجل خرّاز ولا يستقيم عملنا إلاّ بشعر الخنزير نخرز به ، قال : «خذ منه وبره ، فاجعلها في فخّارة ، ثمّ أوقد تحتها حتّى يذهب دسمها ، ثمّ اعمل به»(2) .

وقريب منهما روايتان اُخريتان منه(3) ، ورواية عن سليمان الإسكاف(4) .

والظاهر منها - مضافاً إلى جواز العمل - جواز البيع أيضاً ؛ ضرورة أنّ العامل للحمائل وكذا الخرّاز ، إنّما يعملان للتجارة ، ومعلوم أنّ صنعتهما ذلك ، فصحّة التجارة وجوازها مستفادة منها .

نعم ، روايات برد وسليمان الإسكاف ضعاف . والعجب أنّ المحقّق الأردبيلي

ص: 129


1- تهذيب الأحكام 6 : 382 / 1129 ؛ وسائل الشيعة 17 : 227 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 3 : 220 / 1018 ؛ وسائل الشيعة 17 : 228 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 3 .
3- وسائل الشيعة 17 : 228 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 2 و4 .
4- وسائل الشيعة 3 : 418 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 3 .

- مع كثرة مناقشته في أسناد الروايات - بنى على عدم ضعفها (1) ، مع أنّ مجرّد نقل ابن أبي عمير كتاباً لا يدلّ على صحّته .

وكصحيحة زرارة عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضّأ من ذلك الماء ؟ فقال : «لا بأس به»(2) .

وهي وإن كانت بصدد بيان التوضّي من الماء ، والظاهر أنّ شبهته من جهة تنجّس الماء ، أو احتماله لذلك ، لكن نفي البأس عن الوضوء - مع أ نّه نحو انتفاع بالحبل ، سيّما أنّ مقتضى إطلاقها جوازه لو كان المتوضّي هو الذي يستقي الماء به - دليل على عدم حرمة الانتفاع به .

وتوهّم أنّ الوضوء ليس انتفاعاً بالحبل ، بل انتفاع بالماء ، والانتفاع بالحبل إنّما هو إخراج الماء به ، لا الوضوء من الماء الخارج ، فاسد ؛ ضرورة أنّ الانتفاع بالحبل هو رفع نحو حاجة به ، وشدّ الحبل بالدلو وإلقاؤه في البئر وإخراج الماء منه ، مقدّمات الانتفاع ، وإنّما الانتفاع هو شرب الماء والتوضّي به ونحوهما .

ففرق بين حرمة التصرّف في الشيء ، وحرمة الانتفاع به ؛ فلو حرم الانتفاع بشجر مثلاً ، لا يجوز الاستظلال به والتوقّف تحت ظلّه توقّياً عن الحرّ والمطر ، مع أ نّه ليس تصرّفاً فيه ، فلو حرم الانتفاع بالوادي لا يجوز شرب مائه ، ولو بعد

ص: 130


1- مجمع الفائدة والبرهان 11 : 304 .
2- الكافي 3 : 6 / 10 ؛ وسائل الشيعة 1 : 170 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 2 .

أخذه في قربة ، ولا يجوز سقي الزرع والأشجار بمائه ، ولو بعد جريانه في الأنهار والسواقي ؛ لصدق الانتفاع به .

وفي المقام لو أخرج الماء بالحبل من البئر ، واُهريق قهراً ، لا يصدق أ نّه انتفع بالبئر ، ولا بالدلو والحبل ، بخلاف ما لو استعمله في الحوائج .

وقريب منها موثّقته عن أبي عبداللّه علیه السلام(1) .

وكروايته الاُخرى ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به الماء ، قال : «لا بأس»(2) .

وفي «الفقيه» : وسئل الصادق علیه السلام عن جلد الخنزير ، ثمّ ساق الحديث نحوها (3) .

وهي من المرسلات التي نسب الحكم جزماً إلى المعصوم علیه السلام ، ولا تقصر عن مرسلات ابن أبي عمير .

ولو كانت هي عين خبر زرارة لكان قوله ذلك دليلاً على جزمه بصدور الرواية من القرائن ، لو لم يكن توثيقاً للنهدي الواقع في رجال الحديث .

وتوهّم أنّ جزمه باجتهاده لا يفيد لنا ، ولعلّ القرائن التي عنده لا تفيدنا

ص: 131


1- لم نعثر على موثّقة زرارة ، بل ما عثرنا عليه هي رواية الحسين بن زرارة . راجع الكافي 6 : 258 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 171 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 413 / 1301 ؛ وسائل الشيعة 1 : 175 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 16 .
3- الفقيه 1 : 9 / 14 .

الجزم ، في غير محلّه ؛ لأنّ الظاهر من مسلكه أ نّه لم يكن أهل الاجتهادات المتعارفة عند الاُصوليين ، سيّما المتأخّرين منهم ، فالقرائن التي عنده لا محالة تكون قرائن ظاهرة توجب الاطمئنان لنا أيضاً . وكيف كان : ردّ تلك المرسلات جرأة على المولى .

ثمّ إنّ دلالتها على جواز الانتفاع به ظاهرة . وتوهّم أنّ نظر السائل إنّما هو حيث انفعال الماء(1) ، وسوسة .

والظاهر عدم الفرق بين الجلد والشعر ، وإطلاقها شامل لحال الضرورة وغيرها .

ولا مخصّص لها إلاّ الشهرة المدّعاة بعدم جواز الاستعمال اختياراً (2) ، والإجماعات المتقدّمة على عدم جواز الانتفاع بالنجس والميتة(3) ، خرج حال الضرورة ، للشهرة بالجواز ، أو بالروايات المجبورة في هذا المقدار .

أقول : أمّا الشهرة أو الإجماع على عدم جواز الانتفاع بالأعيان النجسة ، فقد مرّ الكلام فيهما (4) فلا نعيده ، وقد ظهر هناك عدم ثبوت شهرة أو إجماع

على الحكم . والمتيقّن منهما - لو ثبت أصلهما - هو الاستعمالات والانتفاعات الخاصّة ، لا مطلقاً .

ولا أظنّ قيام إجماع أو شهرة مستقلّة في المقام غير ما ادّعي هناك ، كما يظهر

ص: 132


1- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 210 .
2- مفتاح الكرامة 12 : 77 .
3- تقدّم في الصفحة 31 و92 .
4- تقدّم في الصفحة 95 .

من دعوى الشيخ في «الخلاف»(1) ومحكيّ «المبسوط» في الخنزير(2) ، مع أنّ علم الهدى رحمه الله علیه لا يرى نجاسة ما لا تحلّه الحياة من نجس العين(3) ، فلا محالة يقول بجواز الانتفاع به .

وقد مرّ كلام شيخ الطائفة في ذيل رواية زرارة المتقدّمة ، قال : «الوجه أ نّه

لابأس أن يستقى به لكن يستعمل ذلك في سقي الدوابّ والأشجار ونحو ذلك»(4) .

ولو كان المنع ثابتاً بإجماع ونحوه ، لما قال ذلك . ولا يجوز حمله على صرف الجمع بين الأخبار ودفع التناقض عنها ؛ لما مرّ ولعدم ورود خبر على عدم جواز الانتفاع بشعر الخنزير إلاّ أن يقال : هذا لأجل الجمع بين الخبر وأدلّة انفعال الماء القليل ، لكن لو كان المراد صرف ذكر الوجه لكان الأوجه أن يقول : إنّه أخصّ من روايات الانفعال . وكيف كان : الظاهر منه جوازه .

وعن «مقنع» الصدوق جواز الاستقاء بجلده(5) ، وظاهر «المراسم» جواز الانتفاع بغير اللحم والشحم منه(6) ، وعن مطاعم «القواعد»(7) نحو «المقنع» ، وعن «المختلف» جواز استعمال شعر الخنزير مطلقاً (8) ، اضطرّ إلى استعماله

ص: 133


1- الخلاف 3 : 183 ، مسألة 308 .
2- المبسوط 2 : 165 .
3- مسائل الناصريات : 100 .
4- تقدّم في الصفحة 93 .
5- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 61 ؛ مختلف الشيعة 8 : 342 ؛ المقنع : 419 .
6- المراسم : 170 .
7- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 62 ؛ قواعد الأحكام 3 : 333 .
8- مختلف الشيعة 8 : 340 .

أم لا ، وعن كاشف اللثام موافقته(1) ، وقال الأردبيلي : «والعقل يجوّز استعماله ؛ أي شعر الخنزير ، فيما لا يشترط فيه الطهارة»(2) .

وقد يستدلّ للحرمة في شعره بما عن «السرائر» : أنّ الأخبار به متواترة(3) ، قال في «مفتاح الكرامة» : «وليس ما يحكيه إلاّ كما يرويه ، والشهرة تجبرها أو تعضدها ، وإنكار من أنكر الظفر بخبر واحد لا يعتبر»(4) ، انتهى .

وفيه : ما لا يخفى ؛ ضرورة عدم إمكان عثور الحلّي على أخبار متواترة لم يعثر على واحد منها أحد من المحدّثين والفقهاء المتقدّمين منه والمتأخّرين عنه ، فلعلّه وقع اشتباه في نسخ «السرائر» ، ولعلّه قال : الأخبار بالجواز متواترة ، فإنّ له وجهاً ؛ لما تقدّم من الأخبار الكثيرة على الجواز ، أو أراد الأخبار الواردة في نجاسة الخنزير ، بدعوى استفادة حرمة الانتفاع منها ، وهو بعيد .

فقول صاحب «مفتاح الكرامة» : إنكار من أنكر لا يعتبر ، كان له وجه لو ادّعى الحلّي ورود خبر واحد؛ لإمكان اطّلاعه عليه والخفاء عن غيره ، لا الأخبار المتواترة أو المستفيضة .

فلو فرض أنّ الأخبار بالجواز كانت متواترة فلا يمكن عدم اطّلاع الأصحاب عليها ، ومع اطّلاعهم عليها وترك نقلها والاكتفاء بنقل أخبار الجواز

ص: 134


1- كشف اللثام 9 : 309 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 31 .
3- السرائر 3 : 114 .
4- مفتاح الكرامة 12 : 77 .

يكشف ذلك عن معلّلية تلك الأخبار ، بل هو من أدلّ الدليل على الجواز .

لكن الإنصاف وقوع اشتباه في البين ، وعدم أخبار متواترة لم يطّلع عليها غيره ، أو تركوا نقلها .

ثمّ إنّ التفصيل بين صورة تحقّق الدسومة وعدمه ، والقول بالمنع في الاُولى دون الثانية(1) ، ضعيف ؛ لأنّ الروايات المقيّدة لا تصلح لتقييد المطلقات ، بل ولا للخروج عن الأصل مع الغمض عن المطلقات . ولا يبعد حملها على الإرشاد ، كما قيل(2) .

كما أنّ الأقوى عدم الفرق بين الاضطرار وغيره كما مرّ، وعن «كشف اللثام»: «أ نّه إذا اضطرّ استعمل إجماعاً ، ولعلّه يكفي في الاضطرار عدم كمال العمل بدونه»(3) ، انتهى .

فلو كان ذلك شرحاً لمقصود المجمعين يرجع في الحقيقة إلى جوازه مطلقاً ؛ لأنّ الاضطرار بهذا المعنى مرجعه الاختيار ، فيمكن استشعار الجواز مطلقاً منه ، لكن في كون كلامه تفسيراً لكلامهم ، أو كون مرادهم ذلك تأمّل وإشكال .

ثمّ إنّه بناءً على جواز الانتفاع بأجزائه ، يجوز بيعها والمعاوضة عليها ؛ لظهور الروايات المتقدّمة ، ولعمومات حلّ البيع والتجارة .

ص: 135


1- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 77 .
2- جواهر الكلام 36 : 401 .
3- كشف اللثام 9 : 310 .
حكم الانتفاع بالخمر والفقّاع وكلّ مسكر مائع

ومنها : الخمر والفقّاع وكلّ مسكر مائع . ولا شبهة إجمالاً في حرمة بيعها وثمنها وسقوط ماليتها ، إنّما الكلام في أنّ الأحكام ثابتة للخمر مطلقاً ، حتّى ما اتّخذت للتخليل ونحوه ، أو لا .

وقد مرّ الكلام فيه مستقصىً سابقاً (1) ، وقلنا : إنّ الأخبار قاصرة عن إثبات الأحكام لنحو ذلك ، لا ما اشتملت على لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وساقيها وبائعها . . .(2) ، وهو ظاهر ، ولا م-ا دلّت على أنّ ثمنها سحت(3) ؛ فإنّها أيضاً منصرفة إلى ما تعارف وشاع في بيع الخمر وسائر المسكرات ممّا توجب الفساد ، لا المتّخذ للإصلاح . وقد مرّت شواهد على المطلوب ، فراجع(4) .

وعليه : فلا دليل على سقوط ماليتها مطلقاً ، أمّا الأخبار المتقدّمة فظاهرة .

وأمّا ما اشتملت على ا لأمر بإه-راقها كرواية أبي ا لجارود الحاكي-ة لفعل النبي صلی الله علیه و آله وسلم وإهراق ما في المدينة من الخمر(5) ، ورواية

ص: 136


1- تقدّم في الصفحة 46 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 3 ، 4 و5 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 92 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 5 .
4- تقدّمت في الصفحة 46 - 49 .
5- تفسير القمّي 1 : 180 ؛ وسائل الشيعة 25 : 280 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

أبي بصير(1) وصحيحة محمّد بن مسلم(2) الواردتين في إهداء راوية أو راويتين من الخمر إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فأمر بصبّها وقال : «إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها» أو قال : «ثمنها سحت» .

فمع ضعف الاُوليين وورود الجميع في قضيّة شخصية ، ومن المحتمل عدم قابلية ما أمر بصبّها للتخليل ، لا تدلّ على عدم ملكيتها وماليتها ولو مع إمكان التخليل والأمن من الفساد ؛ لإمكان أن يكون الأمر بالصبّ لمصلحة قاهرة ، كما أنّ الأمر كذلك في أوّل تحريم الخمر ، ولعلّ الأمر به أمر سلطاني لقلع الفساد ، ولعلّه لم يكن قلعه ممكناً إلاّ بذلك ، كما هو موافق للاعتبار ، كالأمر بقلع عذق سمرة بن جندب(3) .

فلا دليل على إسقاط الشارع مالية جميع أقسام الخمر ، أو ملكيتها ، سيّما مثل

العصير المغليّ بنفسه إذا قيل بأ نّه خمر ومسكر ، بل المتيقّن من إجماع «الخلاف» و«المنتهى» و«التذكرة»(4) وغيرها ، غير ما ذكر .

والإنصاف أ نّه لا دليل على إطلاق الحكم ، بل ظاهر بعض الروايات على

ص: 137


1- تهذيب الأحكام 7 : 135 / 599 ؛ وسائل الشيعة 17 : 225 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 6 ، وقد تقدّمت في الصفحة 25 .
2- الكافي 5 : 230 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 1 ، وقد تقدّمت في الصفحة 24 و47 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 427 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 12 .
4- ا لخلاف 3 : 185 ، مسألة 311 ؛ منتهى ا لمطلب 15 : 351 ؛ تذكرة ا لفقهاء 10 : 25 .

خلافه ، كصحيحة جميل المتقدّمة(1) وغيرها ، ولا داعي إلى صرفها عن ظاهرها . نعم ، هي محمولة على أنّ الدائن لا بدّ أن يؤدّي الخمر للإفساد، ومعه لا دليل على عدم صحّة وقوعه ، لكن مع ذلك أنّ المسألة مشكلة في غير العصير الذي يأتي الكلام فيه ، وطريق الاحتياط ظاهر .

حكم العصير

ثمّ إنّه وردت روايات في خصوص العصير لا بدّ من التعرّض لها وحدود دلالتها .

وقد نفى الريب صاحب «مفتاح الكرامة» عن عدم جواز بيعه إذا نشّ وغلى من قبل نفسه ؛ لأ نّه يصير حينئذٍ خمراً ولا يطهر إلاّ بانقلابه خلاًّ ، قال : وقد نصّ

عليه الأكثر من المتقدّمين والمصنّف في رهن «التذكرة» والمحقّق في رهن «جامع المقاصد» .

ولعلّ مراده تنصيصهم على خمريته ، أو على عدم جواز المعاوضة عليه ؛ لصيرورته خمراً ، وهو الأقرب .

واختار هو عدم الجواز فيما إذا غلى بالنار ولم يذهب ثلثاه ؛ لأ نّه خمر أو كالخمر ، قال : «وهو الذي تقضي به قواعد الباب» . ثمّ استدلّ ببعض الروايات الآتية ، ونسب ذلك إلى «نهاية» الشيخ عند قوله بكراهة إسلافه(2) .

وفيه إشكال ؛ فإنّه قال : «ويكره الاستسلاف في العصير ، فإنّه لا يؤمن

ص: 138


1- تقدّم في الصفحة 52 .
2- مفتاح الكرامة 12 : 40 - 41 .

أن يطلبه صاحبه ويكون قد تغيّر إلى حال الخمر»(1) .

فإنّ مراده من التغيّر إلى حال الخمر غير الغليان بالنار ، كما هو ظاهر .

بل يظهر من عبارته قبيل ذلك ، التفصيل في صحّة البيع بين ما غلى بنفسه وما غلى بالنار ، قال : «والعصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغل . وحدّ الغليان الذي يحرّم ذلك ، هو أن يصير أسفله أعلاه ، فإذا غلى حرم شربه وبيعه إلى أن يعود إلى كونه خلاًّ، وإذا غلى العصير على النار لم يجز شربه إلى أن يذهب ثلثاه»(2)، انتهى.

وهي - كما ترى - ظاهرة في أ نّه مع الغليان بنفسه لا يجوز شربه وبيعه ، ومع الغليان على النار يحرم شربه فقط . ولعلّ نظره إلى أنّ الغليان بنفسه موجب لخمريته ، دون الغليان على النار .

وعن الحلّي(3) نحوه تقريباً إلى قوله : «وإذا غلى على النار» . وعليه يكون الحلّي محرِّماً مطلقاً .

ولعلّ الظاهر من عنوان شيخنا الأنصاري التفصيل(4) على تأمّل .

وكيف كان : الأقوى جوازه مطلقاً : غلى بنفسه أم لا ، اُحرزت خمريته أم لا ، قلنا بنجاسته أم لا ؛ لماليته وملكيته عرفاً ، وعدم دليل على سقوطهما .

أمّا الروايات العامّة فقد مرّ الكلام فيها (5) .

ص: 139


1- النهاية : 591 .
2- نفس المصدر.
3- السرائر 3 : 129 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 61 .
5- تقدّم في الصفحة 11 - 14 .

وأمّا ما وردت في خصوصه :

فمنها : رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلامعن ثمن العصير قبل أن يغلي ، لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمراً ؟ قال : «إذا بعته قبل أن يكون خمراً وهو حلال فلا بأس»(1) .

وهي مع قصور سندها واغتشاش ما في متنها قاصرة الدلالة ؛ لأنّ الشرطية لا مفهوم لها ؛ لأ نّها سيقت لبيان تحقّق الموضوع ، فإنّ مفهوم «إذا بعته كذا» هو إذا لم تبعه وأمّا مفهوم القيد فهو من مفهوم اللقب الذي لا يقال به ولو قيل به في الشرط ، وعلى فرض المفهوم فإن قلنا بأنّ قوله : «إذا بعته قبل أن يكون خمراً» جملة مستقلّة ولها مفهوم مستقلّ ، وقوله : «وهو حلال» عطف على قوله : «قبل . . . » فيكون جملة اُخرى مستقلّة ؛ أي إذا بعته وهو حلال ، وقوله : «فلا بأس» جزاؤهما ، فتكون حالهما حال قوله : «إذا خفي الأذان ، فقصِّر ، وإذا خفي الجدران فقصِّر» . فإنّ العنوانين بينهما عموم من وجه لو لوحظ حال الاضطرار أيضاً ، فإنّ قبل الخمرية أعمّ من كونه حلالاً ، كما إذا لم يغل ، أو حراماً

إذا غلى على النار ، بل بنفسه أيضاً على احتمال ، والحلال أعمّ من كونه قبل الخمرية أو بعدها حال الاضطرار .

وعليه : إنّ الكلام فيهما هو الكلام فيما إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء من

الاحتمالات. وقد رجّحنا في محلّه إجمال الدليل والرجوع إلى الاُصول العملية(2).

ص: 140


1- الكافي 5 : 231 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ،الباب 59 ، الحديث 2 .
2- راجع مناهج الوصول 2 : 165 .

وإن لم يلحظ حال الاضطرار يكون منطوق الثانية أخصّ من الاُولى فتقيّد به ، فيقع إشكال في المتن ؛ لأنّ ذكر الجملة الاُولى يقع بلا وجه ، بل الموضوع الحلّية ، فكان عليه أن يقول : «إذا كان حلالاً فلا بأس» .

وإن قلنا بعدم تعدّد المنطوق ، بل الثانية قيد الاُولى ، والشرطية جملة واحدة مركّبة ، فقد يقال - بناءً على تحقّق مورد الاجتماع والافتراق لهما - بأنّ المفهوم ثابت مع رفع كلّ قيد ، فيدلّ على أنّ العصير إذا حرم ففيه بأس ، سواء قلنا بنجاسته أم لا ، وسواء صار خمراً أم لا ، وسواء باعه ممّن يجعله خمراً أم لا ، والمراد بالبأس هنا الحرمة جزماً ؛ لأنّ الثابت لحال كونه خمراً هو الحرمة ، ففي غيرها كذلك .

هذا غاية تقريب دلالتها على حرمة بيع العصير المغليّ مطلقاً .

وفيه: - مضافاً إلى أ نّها بصدد بيان المنطوق لا المفهوم ، فلا إطلاق فيه ، والمتيقّن منه ما إذا باعه ممّن يجعله خمراً ، أو يطبخه ويجعله بختجاً ، فإنّ البختج

على ما يظهر من الروايات مسكر يصطنعه الفسّاق وأهل الأشربة المسكرة(1) ، وهو على ما قيل ما يسمّى «مى پخته»(2) أو «باده» . وكيف كان : لا إطلاق في المفهوم يثبت به المدّعى ، بل من المحتمل أن يكون المراد بقوله ليطبخه ؛ أي يجعله بختجاً ، لبعد السؤال عن بيع العصير للشيرج ، سيّما من مثل أبي بصير - أنّ في المنطوق نفي البأس عن بيعه ليطبخه أو يجعله خمراً ، فإنّه المتفاهم من

ص: 141


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 292 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 .
2- لسان العرب 1 : 328 ؛ النهاية ، ابن الأثير 1 : 101 .

جواب السائل ، ولا يثبت في المفهوم إلاّ نفي البأس المطلق ، وهو صادق مع ثبوت البأس لأحد طرفي الترديد .

وبعبارة اُخرى : لا يدلّ المفهوم إلاّ على سلب التسوية بين طرفي الترديد ، لا ثبوت التسوية في الحكم المخالف ، مع أنّ ثبوت البأس أعمّ من الحرمة ، وكون بعض موارده حراماً لا يوجب كون البقيّة كذلك ، فدعوى الجزم أو الظهور في سائر الموارد في غير محلّها .

هذا، مضافاً إلى حكاية الرواية عن نسخة من «التهذيب»(1) وعن «الوافي»(2) عنه وعن «الكافي» : «فهو حلال» ، بدل : «وهو حلال» ، فتدلّ على جواز بيع العصير المغليّ بالنار بل وبنفسه ؛ فإنّ الظاهر عدم كونه خمراً بمجرّد الغليان وإن فرض كونه مسكراً ، مع أ نّه أيضاً غير معلوم ، ومع الشكّ في خمريته ينسلك بالاستصحاب في موضوع الحكم ، بناءً على عدم دخالة عنوان القبلية في موضوعه ، حتّى يلزم المثبتية كما هو المتفاهم من المفهوم عرفاً .

ومنها : صحيحة الحلبي ، قال سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن بيع العصير ممّن يجعله حراماً ، قال : «لا بأس ببيعه(3) حلالاً ليجعله حراماً ، فأبعده اللّه وأسحقه»(4) .

ص: 142


1- تهذيب الأحكام 7 : 136 / 602 .
2- الوافي 17 : 250 / 17208 .
3- وفي المصادر «لا بأس به تبيعه» . وتأتي هكذا في الصفحة 244 .
4- الكافي 5 : 231 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 4 .

وصحيحة عمر بن اُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام أسأله عن رجل له كرم ، أيبيع العنب والتمر ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً أو سكراً ؟ فقال : «إنّما باعه حلالاً في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله ، فلا بأس ببيعه»(1) .

ورواية أبي كهمس قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام عن العصير ، فقال : لي كرم وأنا أعصره كلّ سنة ، وأجعله في الدنان وأبيعه قبل أن يغلي ، قال : «لا بأس به ، وإن غلى فلا يحلّ بيعه» ، ثمّ قال : «هو ذا ، نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أ نّه يصنعه خمراً» (2) . . . إلى غير ذلك .

وأنت خبير : بأنّ تلك الروايات متعرّضة لمسألة اُخرى سيأتي الكلام فيها إن شاء اللّه ، وهي بيع العصير ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً ، وهي غير ما نحن بصدده ؛ وهو أنّ العصير بما أ نّه حرام أو نجس هل يجوز بيعه أو لا ، باع ممّن يجعله خمراً أو خلاًّ ودبساً .

فهذه الروايات أجنبيّة عن مسألتنا ، فإنّ قوله في صحيحة الحلبي: «لا بأس ببيعه حلالاً» ، أي بيعه ممّن يجعله حراماً ، فالتفصيل، بين زمان الحلّية وبعده في موضوع خاصّ ، وهو البيع ممّن يجعله حراماً وخمراً ، فلا يبعد هذا التفصيل ؛ أي جواز البيع ممّن يجعله خمراً ، في الإبّان الذي يحلّ شربه ، وحرمته في حال عروض الحرمة عليه ، لو عملنا بهذه الروايات .

ص: 143


1- الكافي 5 : 231 / 8 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ،الباب 59 ، الحديث 5 .
2- الكافي 5 : 232 / 12 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 6 .

بل رواية أبي كهمس أيضاً راجعة إلى سائر الروايات بملاحظة ذيلها : «هو ذا ، نحن نبيع . . .» فإنّ الظاهر منها أنّ السؤال كان عن بيع العصير ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام على ما فيها : «هو ذا» ؛ أي عملك نحو عملنا ، نحن أيضاً نفعل ذلك . ولعلّ بيع العصير ممّن يجعله خمراً كان معهوداً متعارفاً ، فحمل عليه السؤال .

وأمّا نحو مرسلة [ابن] الهيثم(1) ، ورواية أبي بصير(2) عن أبي عبداللّه علیه السلام - واللفظ من الاُولى - قال : سألته عن العصير يطبخ بالنار حتّى يغلي من ساعته ، أيشربه صاحبه ؟ فقال : «إذا تغيّر عن حاله وغلى فلا خير فيه ، حتّى يذهب ثلثاه» .

فلا يخفى ما فيه من الوهن في دلالتها على المقصود . وأوهن منها ما دلّت على أنّ الثلثين من العصير أو من الكرم حظّ الإبليس(3) .

فمقتضى الاُصول والقواعد جواز بيع العصير المغليّ مطلقاً . نعم ، بيعه ممّن يجعله خمراً أمر آخر ، يأتي الكلام فيه . والاحتياط فيما يغلي بنفسه لا ينبغي تركه .

ص: 144


1- الكافي 6 : 419 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 7 .
2- الكافي 6 : 420 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 6 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 .
تتميم : حكم الانتفاع بالمتنجّسات وبيعها

قد تقدّم جواز الانتفاع بالمتنجّسات في غير ما تشترط فيه الطهارة(1) ، فيجوز الانتفاع بالزيت والسمن النجسين ونحوهما في الاستصباح وغيره ، إلاّ أن يدلّ دليل بالخصوص على المنع ، كما يجوز بيعها للمنفعة المحلّلة .

وقد وردت في الزيت والسمن والعسل روايات :

منها : صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : جرذ مات في زيت أو سمن أو عسل ، فقال : «أمّا السمن والعسل ، فيؤخذ الجرذ وما حوله ، والزيت يستصبح به»(2) .

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه ، فإن كان جامداً فألقها وما يليها وكُل ما بقي ، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به ، والزيت مثل ذلك»(3) .

وموثّقة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفأرة تقع في السمن - إلى

ص: 145


1- تقدّم في الصفحة 64 .
2- الكافي 6 : 261 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 ، الحديث 1 .
3- الكافي 6 : 261 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 ، الحديث 2 .

أن قال - «وإن كان ذائباً فأسرج به ، وأعلمهم إذا بعته»(1) .

وموثّقة معاوية بن وهب وغيره - بناءً على كون الميثمي في السند أحمد بن الحسن بن إسماعيل الثقة - عن أبي عبداللّه علیه السلام في جرذ مات في زيت ، ما تقول في بيع ذلك ؟ فقال : «بعه وبيِّنه لمن اشتراه ، ليستصبح به»(2) .

ورواية إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : «أمّا الزيت فلا تبعه إلاّ لمن تبيّن له ، فيبتاع للسراج ، وأمّا الأكل فلا ، وأمّا السمن فإن كان ذائباً فهو كذلك . . .»(3) .

ثمّ إنّ الكلام يقع في مواضع :

الکلام یق في مواضع

الموضع الأوّل : في كون صحّة بيع الدهن مشروطة باشتراط الاستصباح به

هل صحّة بيع هذا الدهن مشروطة باشتراط الاستصباح به ، أو يكفي قصدهما لذلك ، أو لا يشترط شيء منهما ؟

والأولى بسط الكلام في مطلق المبيع الذي حرّمت منافعه كلاًّ أو بعضاً .

ص: 146


1- تهذيب الأحكام 7 : 129 / 562 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 129 / 563 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 4 .
3- قرب الإسناد : 128 / 448 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 5 .
حكم المبيع الذي حرّمت منافعه كلاًّ أو بعضاً

فنقول : قد لا يكون له سوى المنفعة المحرّمة ، وقد تكون له سواها منفعة محلّلة لكن لا يبذل بلحاظها مال ، كما لو حرّمت منافع الخمر إلاّ سقي الشجر بها ، وقد تكون له منفعة مباحة يبذل بإزائها مال لكن تكون في جنب المنفعة المحرّمة مستهلكة مغفولاً عنها ؛ بحيث لا تعدّ له مالية لأجلها ، كما لو كانت آلة قمار عتيقة مرغوباً فيها لدى طائفة يبذل بإزائها عشرة آلاف جنيه ، وكانت مادّتها من خشبة تساوي قرانين .

وقد تكون منفعته المباحة مرغوباً فيها ، لكن لا بمقدار المنفعة المحرّمة ، وقد تتساويان ، أو تكون المنفعة المحلّلة غالبة . . . إلى غير ذلك .

لا إشكال في بطلان المعاملة في الصورتين الاُوليين ؛ لسقوط ماليتهما في الشرع ، فيكون دليل إسقاط المنافع حاكماً على أدلّة حلّية البيع والتجارة ؛ فإنّ مبادلة ما لا يكون مالاً ليست بيعاً ولا تجارة ولا عقداً ، ولا كلام فيهما .

وأمّا سائر الصور فالظاهر عدم اشتراط صحّة البيع فيها باشتراط الانتفاع بالمحلّل في ضمن العقد ؛ لعدم دليل عليه ، ولعموم أدلّة الوفاء بالعقود ، وحلّية البيع .

وقد استظهر شيخنا الأعظم عن «السرائر» الاشتراط ، قال : «ظاهر الحلّي في «السرائر» الأوّل ، فإنّه بعد ذكر جواز الاستصباح بالأدهان المتنجّسة أجمع ، قال : ويجوز بيعه بهذا الشرط عندنا»(1) .

ص: 147


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 68 .

وفي الاستظهار كلام ؛ لاحتمال أن يكون نظره إلى أنّ الجواز مع الاشتراط إجماعي ، كما يظهر من قوله : عندنا ، ولم يحرز الإجماع على الصحّة في غير الصورة ، ولم يدلّ ذلك على أنّ مختاره لزوم الاشتراط ، بل لا يدلّ على وجود القائل بالاشتراط ؛ لأنّ دعوى الإجماع على جوازه مع الاشتراط لا تدلّ على وجود الخلاف في غيره ، ولعلّ الأصحاب لم يتعرّضوا له ، فلم يحرز الإجماع ولا الخلاف ، تدبّر .

وهل يعتبر في صحّة البيع قصد المنفعة المحلّلة بنحو لا يرجع إلى الاشتراط وإلى كون العقد مبنيّاً عليه ، بل كان من قبيل القصد الخارجي نظير الدواعي ، أو يعتبر عدم قصد المنفعة المحرّمة ، أو لا يعتبر ذلك أيضاً مطلقاً ، أو يفصّل بين الصور ؟

مقتضى القواعد عدم اعتبار شيء في صحّته ؛ فإنّ قصد الانتفاع بالشيء سواء كان محرّماً أو محلّلاً ، لا دخل له في ماهية البيع ، كما أنّ المنافع لا تقابل بالأثمان فيه ، بل وجود المنفعة موجب لصيرورته مالاً يبذل بإزائه المال ، فإذا فرض وجود منفعة فيه موجب للرغبة والمالية فيه يقع البيع لأجلها صحيحاً ، سواء قصدها أو قصد المنفعة المحرّمة .

ودعوى(1) : أنّ قصد المنفعة المحرّمة موجب للبطلان ؛ لكون أكل المال حينئذٍ من الأكل بالباطل ؛ لأنّ صدقه لا يتوقّف على تحقّق المبادلة الحقيقية بين المال والمنفعة المحرّمة ، بل يكفي فيه كون الغرض من المعاملة فاسداً ،

ص: 148


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 69 .

ونتيجتها فاسدة كتحصيل المنفعة المحرّمة .

غير وجيهة ؛ لأنّ الدعوى ترجع إلى التمسّك بقوله تعالى : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ((1) .

وفيها ما لا يخفى ؛ لأنّ المراد بالباطل والتجارة وسائر العناوين المأخوذة في الكريمة هو العناوين العرفية ، لا ما هو باطل بحكم الشرع ، أو تجارة صحيحة بحكمه ، ولهذا ترى أنّ الفقهاء تمسّكوا بها لصحّة التجارة في الموارد المشكوك فيها من جهة احتمال اعتبار شرط أو مانع . ولو كان المراد بالآية ما ذكر لما صحّ الاستدلال بها في شيء من الموارد .

فالمراد بالباطل في مقابل التجارة عن تراض ، نحو السرقة والخيانة والبخس والقمار والظلم ، كما عن أبي جعفر علیه السلام تفسيره ببعضها (2) . ومن التجارة هي التجارة العرفية .

فعليه يصحّ الاستدلال بها لصحّة البيع ولو مع قصد المنفعة المحرّمة بعد ما كان للمبيع مالية عرفية بلحاظ المنفعة المحلّلة ؛ لعدم إسقاط الشارع ماليته حتّى يقال بتحكيم دليل الإسقاط على أدلّة حلّية البيع والتجارة والوفاء بالعقود .

فإنّ الشيء إذا كان ذا منفعة محرّمة ومنفعة محلّلة لا تسقط ماليته بإسقاط بعضها ، بل تقلّ ماليته في محيط التشريع والملتزمين بالشريعة والقانون ، فيصير

ص: 149


1- النساء (4) : 29 .
2- راجع مجمع البيان 3 : 59 .

كأ نّه لا منفعة له إلاّ المحلّلة ، فيكون مالاً في الشرع والعرف ، والتجارة به تجارة كذلك .

وقصد الانتفاع بالمحرّم لا دخل له بماليته ، ولا بماهية التجارة ، بل الانتفاع به من متفرّعات التجارة ومتأخّر عنها .

فلو اشترى أحد سكّيناً بقصد قتل المؤمن وباع البائع لذلك لا يوجب ذلك فساد المعاوضة وصيرورة أخذ المال بإزائه أكلاً له بالباطل ، بل يصحّ بيعهما ويحرم على المشتري الإقدام على القتل . وسيأتي الكلام في الإعانة على الإثم(1) .

فما يظهر من الشيخ الأعظم في خلال البحث من التمسّك بالآية الشريفة للبطلان(2) ، كأ نّه غير وجيه .

نعم ، إذا كانت المنفعة المحلّلة في جنب المحرّمة مستهلكة لا تلاحظ مالية الشيء باعتبارها ، كما مرّ مثاله ، فلا يصحّ بيعه بنحو الإطلاق أو بلحاظ المنفعة المحلّلة بقيمة ملحوظة لأجل المنفعة المحرّمة ؛ لإسقاط الشارع ماليته من هذه الجهة ، وكون المعاملة سفهية غير عقلائية بالقيمة الكذائية ، فإنّ إعطاء مليون تومان في مقابل خشب آلة عتيقة لهوية أسقط الشارع ماليتها بلحاظ صورتها ، معاملة سفهية غير عقلائية ، ولا مشمولة لأدلّة تنفيذ المعاملات .

نعم ، صحّ بلحاظ مادّتها وبقيمة الخشب ؛ لأنّ سقوط المنفعة القاهرة صار

ص: 150


1- يأتي في الصفحة 218 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 69 .

سبباً لملحوظية المنفعة المقهورة ، كما لو فرض السقوط تكويناً ، فاللوح المنقوش العتيق البالغ سعره الآلاف ، لا تلحظ قيمة خشبه وقرطاسه في ماليته لدى العقلاء ، لكن بعد محو النقش وسقوطه عن خاصّيته وماليته يلاحظ الخشب والقرطاس ، والبيع بلحاظهما صحيح عقلائي بالقيمة الملحوظة لأجلهما .

ولعلّ مراد شيخنا الأعظم غير هذه الصورة . ولا يخلو كلامه في المقام من نوع تشويش .

وهل يصحّ البيع مع اشتراط الانتفاع بالمحرّم في ضمن العقد ؟

التحقيق : أ نّه إن رجع الشرط إلى الإلزام بالانتفاع بالمحرّم ، لا عدم الانتفاع بالمحلّل ، وكان للعين انتفاع محلّل أيضاً ، يفسد الشرط ، وفساد البيع مبنيّ على كون شرط الفاسد مفسداً ؛ لأنّ المعاوضة وقعت على العينين ، وشرط انتفاع خاصّ محرّم خارج عن حقيقة المعاوضة ، فالقائل بالصحّة يمكن أن يقول بالتحليل .

وإن رجع إلى ترك الانتفاع بالمحلّل وحصر الانتفاع بالمحرّم ، أو شرط ما يوجب عدم إمكان الانتفاع بالمحلّل ، كما لو شرط أكل الزيت النجس مثلاً ، فالوجه عدم الصحّة ؛ لأنّ مثله يرجع إلى الشرط المخالف لمقتضى العقد ، فإنّ الانتفاع بالمحرّم ممنوع شرعاً ، والمالك شرط عدم الانتفاع بالمحلّل فرضاً ، فكأ نّه باع بإسقاط جميع المنافع مطلقاً ، وفي مثله لا تقع مبادلة مال بمال ، فإنّ المالية في الأشياء متقوّمة بالانتفاع ، ومع سلبه مطلقاً لم تقع صحيحة ، فتدبّر وتأمّل .

هذا حال القواعد .

ص: 151

وأمّا روايات الباب ، فالظاهر من موثّقة أبي بصير(1) هو إعلام المشتري بعد وقوع البيع . والحمل على إرادة البيع خلاف الظاهر . فتدلّ ولو بحسب الإطلاق على جواز الاشتراء بقصد الانتفاع بالمحرّم مع الجهل بالواقعة ، ويستفاد منه عدم اشتراط قصد النفع بالمحلّل ، وعدم مانعية قصد المحرّم مع الجهل ولو من البائع بإلغاء الخصوصية ، من غير دلالة على الاشتراط بعدم قصد المحرّم مع العلم بالواقعة ، وحرمته غير اشتراط البيع بعدمه .

بل الظاهر من موثّقة معاوية بن وهب(2) ذلك أيضاً ، ولا أقلّ من أنّ إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الإعلام السابق واللاحق عن البيع .

نعم ، قد يقال بدلالة رواية إسماعيل بن عبد الخالق(3) على اشتراط قصد الإسراج ، بل اشتراط شرطه(4) . وهو ضعيف سيّما الثانية ؛ فإنّ المتفاهم منها عرفاً

أنّ المقصود بالإعلام عدم ابتلاء المشتري بالحرام فيبتاع ويسرج به ، لا أنّ الابتياع للإسراج من شرائطه ، أو قصده من الشرائط . هذا مع ضعفها سنداً ومعارضتها للموثّقتين المتقدّمتين لو سلّم ظهورها في الاشتراط . والجمع العقلائي بينها - ولو بمناسبة المورد والحكم والموضوع - هو الحمل على لزوم الإعلام حتّى يحترز عنه ، كان الإعلام قبل المعاوضة أو بعدها ، كما لا يخفى ، أو حمل النهي على الكراهة جمعاً بينها وبين ما دلّت على جواز الإعلام بعدها .

ص: 152


1- تقدّمت في الصفحة 145 - 146 .
2- تقدّمت في الصفحة 146 .
3- تقدّمت في الصفحة 146 .
4- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 71 .

وهما أولى وأقرب من حمل البيع على إرادته .

والإنصاف أنّ الروايات متوافقة المضمون ، والظاهر من جميعها بقرينة المقام أنّ لزوم التبيين لمحض التحرّز ، والبيع لغاية غير الأكل كالاستصباح ، من غير دخالة فيه أو في قصد الاستصباح للصحّة ، وهو ظاهر .

ويمكن الاستشهاد لعدم جواز البيع مع قصد الانتفاع بالمحرّم:

برواية «تحف العقول»(1) و«دعائم الإسلام»(2) بل بالرضوي(3) والنبوي : «إنّ

اللّه إذا حرّم . . .»(4) وقوله : «إنّ الذي حرّم شربه حرّم ثمنه»(5) ، وقوله : «إنّ اللّه إذا حرّم أكل شيء حرّم ثمنه»(6) المحمولة بأجمعها على التحريم مع قصد الفساد .

وبالروايات الواردة في العصير(7) الدالّة على أ نّه إذا غلى لا يجوز بيعه ممّن يجعله حراماً .

وروايات حرمة بيع الخمر(8) المحمولة على ما إذا كان البيع لأجل الفساد .

و بعض الروايات الواردة في الجارية المغنّية(9) . . . إلى غير ذلك .

ص: 153


1- تقدّمت في الصفحة 12 .
2- تقدّمت في الصفحة 13 .
3- تقدّم في الصفحة 13 .
4- تقدّم في الصفحة 23 .
5- تقدّم في الصفحة 24 .
6- تقدّم في الصفحة 24 .
7- راجع وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 .
8- راجع وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 .
9- راجع وسائل الشيعة 17 : 122 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 .

وهي وإن لم تبلغ حدّ استفادة الحكم جزماً في المقام ؛ لضعف ما دلّت وقصور غير الضعيف عن إثبات الحكم للمتنجّس ، لكن الحكم بالصحّة جرأة ، سيّما مع الظنّ بمخالفته لمذاق الشرع ، تأمّل ، فلا يترك الاحتياط فيه .

الموضع الثاني : في اشتراط الإعلام بالنجاسة وعدمه

لا شبهة في وجوب الإعلام شرطاً لو قلنا باشتراط البيع به ، أو به وبقصد الاستصباح ، أو شرطه .

كما لا ينبغي الإشكال في عدم وجوبه شرطاً ولا شرعاً لو قلنا باشتراط البيع باشتراط الاستصباح فباع بالشرط .

أمّا عدم الوجوب الشرطي فواضح ، وأمّا الشرعي فلأنّ المفروض عدم استفادته من روايات الباب ، ومع اشتراط الاستصباح به يرفع احتمال التسبيب إلى الارتكاب أو تحصيل شرطه أو رفع مانعه ، فإنّه باشتراطه بشرط لازم الوفاء لدى العقلاء وبحكم الشرع ، منعه عن الأكل وسائر التصرّفات غير الإسراج ، ومعه لا يكون سبباً أو نحوه للأكل .

نعم ، يقع الإشكال في تسبيبه لتنجّس ظروفه ومعرضية ابتلائه بالنجس في المأكول والمشروب ، ويأتي الكلام فيه .

وإن قلنا بعدم الوجوب شرطاً فهل يستفاد من الروايات الوجوب النفسي لمصلحة في الإعلام أم لا ؟

والتحقيق : أنّ الظاهر منها أنّ الوجوب شرعي لغاية التحفّظ عن وقوع

ص: 154

المشتري في الحرام والابتلاء بالنجس ، فعليه لا يجب ذلك إذا علم بعدم ابتلائه

به من الشرب والملاقاة ونحوهما ، بل لا يجب مع علمه بعدم تأثير الإعلام فيه ؛ لكونه ممّن لا يبالي بالدين .

وليس الكلام هاهنا في جواز البيع منه أو جواز تسليطه عليه في الفرض ، فلو فرض أ نّه باعه مع الغفلة عن عدم مبالاته وأراد أن يعلمه بعد تحويل الزيت ثمّ بعده علم بأ نّه لا يبالي بالنجس ولا تأثير لإعلامه ، لم يجب عليه ذلك ؛ لأنّ وجوب الإعلام نظير وجوب الاحتياط لا نفسية له ؛ بمعنى أ نّه لا يكون الإعلام ذا مصلحة في نفسه وإن كان الوجوب نفسياً بمعنىً آخر .

وبالجملة : وجوبه للتوصّل إلى أمر آخر ، ومع حصوله على أيّ حال أو عدم حصوله كذلك ، لا يجب ، نظير وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنّهما مع عدم احتمال التأثير لا يجبان ، كما هو واضح .

حول كلام الشيخ في أقسام إلقاء الغير في الحرمة الواقعية

ثمّ إنّي بنيت على قصر البحث في هذا الأمر على ما ذكر ممّا هو مربوط بجوهر المسألة ، لكن جمع من أصحاب البحث أمروني بالتعرّض لما أفاده الشيخ الأعظم من العناوين الأربعة ، فنقتصر على البحث حول بعض ما أفاده وحقّقه رحمه الله علیه .

منها : كون فعل الشخص علّة تامّة لوقوع الحرام

قال : «هنا اُمور أربعة : أحدها : أن يكون فعل الشخص علّة تامّة لوقوع الحرام في الخارج ، كما إذا أكره غيره على المحرّم ، ولا إشكال في حرمته

ص: 155

وكون وزر الحرام عليه ، بل أشدّ ، لظلمه»(1) .

أقول : هنا جهات من البحث :

الاُولى : الظاهر أنّ مراده بصيرورة فعل الشخص علّة تامّة لتحقّق الحرام ، أن يكون فعله علّة تامّة لتحقّق الحرام من الغير ، كما هو مقتضى عنوان البحث والمثال بالمكره .

وفيه : أنّ العلّة التامّة ما لا تكون لغيرها في تحقّق المعلول دخالة ، ويكون تمام التأثير في إيجاده مستنداً إليها ، وإلاّ لا تكون تامّة ، وفي المقام لا يمكن تصوّر كون العلّة التامّة هو المكره - بالكسر - لعدم دخالته في الإيجاد إلاّ تحصيل مورد ترجيح الفاعل المباشر بين ارتكاب الفعل وتحمّل ما أوعده المكره عليه ، وبعدُ فهو باقٍ على اختياره واصطفائه أحد طرفي الفعل .

فالمكرِه لا يسلب اختيار المكرَه ، فإنّه عبارة عن اصطفاء ما هو خير له ، وهو باقٍ على قوّة التمييز وترجيح أحد طرفي الفعل واصطفائه على الآخر ، من غير فرق بين الطرف المكره عليه والطرف الآخر وإن يرجِّح غالباً أوّلهما ؛ لكونه أقلّ محذوراً ، لا لكونه مسلوب الاختيار والإرادة . ولهذا يحرم عليه مع الإكراه الإقدام على القتل ، ويعاقب عليه ويقتل قصاصاً .

فالفرق بين الفاعل المكرَه وبين المختار الاصطلاحي ، ليس في وجود الاختيار وعدمه ، بل في أمر مقدّم على الاختيار الواقعي ، وهو تحقّق مورد الترجيح العقلي لأحد الطرفين ، فإنّه قد يحصل بعلل غير إكراه المكره ، كمن دار

ص: 156


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 75 .

أمره لأجل مرض بين الموت وقطع اليد ؛ فلا يقال : إنّه مكره عليه ، بل هو مضطرّ فيه ؛ أي يلجئه العقل بترجيح المصلحة الغالبة على المفسدة ، أو بالفرار من المحذور الكثير إلى القليل من غير سلب قوّة التمييز والاختيار والإرادة عنه ، وقد يحصل بإكراه مكره ، فدار أمره بين تحمّل ما أوعده عليه من القتل وغيره ، وبين إتيان ما أمره به ، وفي هذه الصورة أيضاً لم تسلب عنه المبادئ المتقدّمة بل يرجّح أقلّ المحذورين ويختاره ويريده ، وما هو كذلك شأنه كيف يمكن أن يكون علّة تامّة للفعل الصادر من المكرَه ؟

بل قلنا في محلّه(1) : إنّ إرادة الفاعل المباشر أيضاً ليست علّة تامّة لوجود الفعل وتحقّقه خارجاً ؛ ضرورة توسّط مبادٍ اُخر بينها وبين وجود الفعل الخارجي ، كالقوى المنبثّة في الأوتار والأعصاب ونفس الأوتار والأعصاب والعضلات ، فالنفس في العالم الطبيعي فاعلة بالآلة ، وما هي شأنها لا تكون إرادتها علّة تامّة للفعل الخارجي فضلاً عن كونها بالنسبة إلى الفعل المكره عليه كذلك ، ولهذا كثيراً ما تتخلّف الإرادة عن المراد .

نعم ، قد يمكن أن يقهر بعض النفوس القويّة قوى الفاعل وآلاته وسخّرها تحت إرادته ؛ بحيث تسلب الإرادة والاختيار والفاعلية عنه ويصير متحرّكاً وفاعلاً بإرادته وتكون قوى الفاعل كالآلة للنفس المسخِّرة إيّاه ، وفي مثله لا يكون الفعل صادراً عن المسخّر - بالفتح - بل عن المسخِّر القاهر ، وهو خارج عن البحث .

ص: 157


1- راجع مناهج الوصول 1 : 294 .

الجهة الثانية : إنّ الفعل الصادر من المكرَه بإكراه مكرِه :

تارة : لا يخرج بواسطة الإكراه عن الحرمة الفعلية ، كالإكراه على القتل ، فإنّه محرّم فعلي على المكره - بالفتح - ولو أوعده على القتل .

واُخرى : يخرج عن الحرمة الفعلية بالإكراه ، ولولاه يكون محرّماً فعلياً .

وثالثة : يكون الفعل قبل تحقّق الإكراه خارجاً عن الحرمة الفعلية ، كما لو اضطرّ إليه ولم يفعله فاُكره عليه .

لا إشكال في حرمة الإكراه في الصورة الاُولى ؛ للقبح عقلاً في تحريك الغير على معصية المولى ، فضلاً عن إكراهه عليها ، مع أنّ النصّ والفتوى متوافقان عليه .

كما أ نّه لا إشكال في عدم الحرمة من حيث الإكراه على الفعل في الأخيرة ؛ ضرورة أ نّه مع الضرورة صار مباحاً ومرخّصاً فيه بل قد يكون الأمر برفع الاضطرار به أو الإكراه عليه واجباً ، كما لو ترك المضطرّ المشرف على الموت أكل الميتة أو مال الغير .

نعم ، فيما يكون الحكم على نحو الترخيص لا يجوز للغير إكراهه عليه؛ لكونه ظلماً .

إنّما الكلام في الصورة الثانية ؛ أي فيما صار الإكراه موجباً لرفع الحرمة عن المباشر .

والتحقيق أنّ العناوين مختلفة :

فقد يكون تبديل العنوان الذي يتبدّل به الحكم من قبيل عنوان عرضي مقابل للآخر، كالمسافر والحاضر، فتكون لكلّ عنوان مصلحة خاصّة به مستتبعة لحكم.

فلا إشكال في مثله في جواز تبديل أحدهما بالآخر للفاعل ولا يحرم من

ص: 158

هذه الجهة على المكرِه وإن حرم عليه الظلم ، فلو أكره غيرَه على السفر لا يعاقب على إلزامه بترك الصلاة التامّة ، فإنّها في السفر محرّمة لا مصلحة فيها ، ومن قبيل تبديل عنوان بعنوان آخر في عرضه .

وقد لا يكون كذلك ، بأن يكون العنوان المتعلّق للحكم مبغوضاً بنحو الإطلاق وإنّما أجاز المولى في بعض الأحيان إتيان مبغوضه إلجاءً ، كمن أجاز قطع يده لحفظ نفسه ، فإنّ قطعها مبغوض مطلقاً ، لكن ربّما يختار الإنسان مبغوضه الفعلي لدفع محذور أشدّ منه فيتأسّف على وقوع تلك الواقعة التي ألزمته على التسليم على المبغوض .

وفي مثله تحصيل هذا العنوان قبيح ، والإكراه على تحصيله كذلك .

ثمّ إنّ الظاهر من أخذ العناوين العذرية في موضوع الترخيص هو كونه من قبيل الصورة الثانية ، إلاّ أن دلّ دليل على خلافه ، ولهذا قلنا بعدم جواز إهراق الماء وتحصيل العذر والفقدان اختياراً ، واستثنى الشارع الأقدس الباغي والعادي من المضطرّ في أكل الميتة ، بل لو اضطرّ الفاعل نفسه بارتكاب محرّم قد يجب عليه إتيانه ومع ذلك يعاقب على الفعل بحكم العقل كالمتوسّط في الأرض المغصوبة .

والحاصل : أنّ مثل المورد تفويت لغرض المولى ، وإلقاء للنفس أو الغير في ارتكاب مبغوضه وهو قبيح عقلاً ، حرام شرعاً ، وإن لم يكن مخالفة للأمر .

الجهة الثالثة : كلّ مورد يكون الإكراه على محرّم مع بقائه على ما هو عليه من الحرمة على المباشر كالإكراه على القتل ، يكون وزره على المباشر ، قصاصاً كان أو عقاباً ، وعلى المكره استحقاق العقاب ، وربّما يجعل له جزاءً

ص: 159

في الدنيا ، كما وردت رواية صحيحة بأنّ الآمر بالقتل يحبس حتّى يموت(1) .

والمكره - بالفتح - في الصورة الثالثة من الصور المتقدّمة ، فلا وزر عليه في الارتكاب حتّى يكون وزره على غيره .

والمكره - بالكسر - ربّما لا يكون عليه وزر بل له أجر كما تقدّم ، وقد يكون عليه وزر الظلم .

وفي الصورة الثانية لا وزر على المأمور ، وعلى المكرِه وزر الظلم والإكراه بإيجاد المبغوض وتفويت المصلحة ، ولا دليل على كونه بمقدار وزر الفاعل لو كان مختاراً .

نعم ، ورد في باب إكراه الزوجة على الجماع نهاراً في شهر رمضان أنّ على المكرِه كفّارتين وضرب خمسين سوطاً ، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة وضرب خمسة وعشرين سوطاً ، وعليها مثل ذلك(2) .

ووردت روايات بأنّ من اغتصب امرأة فرجها ، يقتل ، محصناً كان أو غير محصن(3) ، مع أنّ غير المحصن لا يقتل .

وقد ذكر الفقهاء بلا نقل خلاف أنّ ضمان التلف على المكره - بالكسر - دون المكرَه(4) ، والمقام لا يسع تحقيقه .

ص: 160


1- الكافي 7 : 285 / 1 ؛ وسائل الشيعة 29 : 45 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 13 .
2- الكافي 4 : 103 / 9 ؛ وسائل الشيعة 10 : 56 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الباب 12 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 28 : 108 ، كتاب الحدود ، أبواب حدّ الزنا ، الباب 17 .
4- راجع شرائع الإسلام 3 : 186 ؛ مسالك الأفهام 12 : 165 ؛ جواهر الكلام 37 : 57 .
منها : كون فعل الشخص سبباً للحرام

قال الشيخ : «وثانيها : أن يكون فعله سبباً للحرام ، كمن قدّم إلى غيره محرّماً ، ومثله ما نحن فيه . وقد ذكرنا أنّ الأقوى فيه التحريم ؛ لأنّ استناد الفعل إلى السبب أقوى ، فنسبة فعل الحرام إليه أولى ، ولذا يستقرّ الضمان على السبب دون المباشر الجاهل ، بل قيل : إنّه لا ضمان ابتداءً إلاّ عليه»(1) .

أقول : إن كان فعله سبباً للحرام الفعلي وحصول المعصية فلا إشكال في قبحه عقلاً وحرمته ، لا لقوّة السبب ، بل لأنّ مطلق تحريك الغير وأمره بالمنكر محرّم قبيح . فمن قدّم الحرام إلى العالم به ليأكله ، ارتكب محرّماً .

وأمّا مع جهل الفاعل المباشر بالواقعة : فإن قلنا بأنّ المجهول موضوعاً بقي على مبغوضيته ، كما قلنا في الاضطرار والاستكراه ، فلا يجوز التسبيب وغيره ، لا لقوّة السبب وضعف المباشر بل هو نظير المحرّم الفعلي بلا افتراق بينهما من هذه الجهة .

وإن قلنا بعدم بقائه على مبغوضيته «وإنّ اللّه يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه» كما في رواية(2) ، ويظهر من بعض الروايات جواز إيجاد الجهل ومرجوحية السؤال لرفعه(3) ، فالتسبيب إليه جائز ؛ لأ نّه تسبيب

ص: 161


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 75 .
2- رسالة المحكم والمتشابه (تفسير النعماني) : 29 - 30 ؛ وسائل الشيعة 1 : 107 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 25 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 487 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 47 و50 .

إلى الحلال الغير المبغوض .

هذا على القواعد ، لكن يظهر من جملة من الروايات عدم جواز ذلك .

منها : الروايات المتقدّمة الدالّة على وجوب الإعلام(1) . ويظهر منها بإلغاء الخصوصية عدم جواز التسبيب ونحوه في سائر المحرّمات .

ومنها : ما وردت في العجين النجس من الأمر ببيعه ممّن يستحلّ(2) . وفي رواية ، الأمر بدفنه والنهي عن بيعه(3) .

وما وردت في الميتة المختلطة بالمذكّى من الأمر ببيعه من المستحلّ دون المسلم(4) .

وما وردت في إراقة المرق الكثير ، أو إطعامه الكلب أو الكافر(5) .

ثمّ إنّ ما نحن فيه ؛ أي بيع المتنجّس مع عدم الإعلام ، ليس من قبيل السبب ؛ لعدم اشتراط الأكل ولا التواطؤ عليه . وصرف إمكان أن يأكل منه ، لا يوجب السببية .

ولا يبعد أن يكون مراد الشيخ من كون فعل الشخص سبباً للحرام ،

ص: 162


1- تقدّمت في الصفحة 146 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 100 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، الحديث 3 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 100 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 ، الحديث 4 .
4- راجع وسائل الشيعة 24 : 187 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 36 .
5- راجع وسائل الشيعة 25 : 358 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 26 ، الحديث 1 .

وقوّة السبب وضعف المباشر، ما أشرنا إليه من أنّ الفعل المجهول بقي على مبغوضيته ، ومعه لا يجوز التسبيب إلى ارتكاب الجاهل ، وأنّ وجود المبغوض مستند إلى السبب بنحو أقوى .

وليس مراده صدق آكل النجس وشاربه على السبب ، حتّى يستشكل عليه بأنّ عنوان المحرّم إذا كان اختيار مباشرة الفعل ، كما هو ظاهر أدلّة المحرّمات ، لا ينسب إلى السبب ، بل ولا إلى العلّة التامّة ، فمن أوجر الخمر في حلق الغير قهراً لا يصدق عليه أ نّه شرب الخمر ، بل في مثله لا يتحقّق عنوان المحرّم رأساً ؛ فإنّ الشارب غير مختار ، والعلّة غير شارب . نعم ، إذا كان عنوان المحرّم ما هو أعمّ صادق على السبب والمباشر كعنوان الإتلاف ، صحّ ما ذكر . ووجه أقوائية السبب ، أنّ عنوان الإتلاف صادق على فعلهما ، مع زيادة الاختيار في السبب(1) ، انتهى .

وفيه : أنّ نظر الشيخ ظاهراً إلى ما ذكرناه ، فالسبب موجب لوجود المبغوض في الخارج ، وهو أقوى في ذلك من المباشر الجاهل . مضافاً إلى أنّ التفريق بين المقامين بما ذكره كأ نّه في غير محلّه ، فإنّ الإتلاف لا يصدق حقيقةً إلاّ على فعل المباشر، والانتساب إلى السبب مجاز بلا شبهة .

فمن قدّم مال الغير إلى جاهل فأكله ، لا يكون ممّن أتلف ماله حقيقة ، بل الآكل هو المتلف ، ولا فرق بين آكل المال ومتلفه ؛ فإنّه أتلفه بأكله . فكما لا يصدق الآكل حقيقة على القادم ، لا يصدق المتلف عليه أيضاً على الحقيقة .

ص: 163


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 21 - 22 .

نعم ، يصحّ الانتساب المجازي في الثاني دون الأوّل ، وهو الفارق بينهما .

فإذا كان دليل الضمان نحو : من أتلف مال الغير فهو ضامن ، لا يصحّ الحكم بالضمان في الصورتين .

لكنّ المستفاد من الأخبار المختلفة كقوله : «من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن»(1) وغيره(2) ، أنّ الضمان لا يدور مدار صدق الإتلاف ، بل يترتّب على التسبيب والمباشرة ، والمراد من التسبيب ليس معناه المصطلح بل أعمّ من ذلك . وللكلام محلّ آخر(3) .

ثمّ إنّ المثال الذي ذكره المستشكل للعلّة التامّة مورد مناقشة ، والأمر سهل .

ثمّ إنّ الشيخ تعرّض لصورتين اُخري-ين(4) لا فائدة في التعرّض لهما .

حول كلام الشيخ فيما يدلّ على قاعدة التغرير

لكن لا بأس بالتنبيه على أمر : وهو أ نّه قدّس سرّه جعل المورد تارة : من مصاديق قاعدة التغرير ، واُخرى : من باب التسبيب ، وثالثة : من باب عدم المانع ، واختار الحرمة في العنوانين الأوّلين ، وفصّل في الثالث .

وقد تقدّم حال العنوانين ، لكن نقول في المقام : إنّ المورد إن كان منطبق العناوين الثلاثة ، فإن دلّ دليل على حرمتها أو حرمة عنوانين منها نفسياً ،

ص: 164


1- تهذيب الأحكام 10 : 230 / 905 ؛ وسائل الشيعة 29 : 241 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ، الباب 8 ، الحديث 2 .
2- راجع وسائل الشيعة 29 : 241 ، كتاب الديات ، أبواب موجبات الضمان ، الباب 8 و9 .
3- راجع البيع ، الإمام الخميني قدس سره 2 : 487 و493 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 75 - 76 .

فمقتضاه عدم التداخل وبقاء كلّ عنوان على حرمته وكون المصداق الخارجي منطبق المحرّمات بلا تداخل ، كسائر موارد انطباق العناوين الواجبة أو المحرّمة على شيء .

لكن لا تدلّ الروايات التي في الباب ولا غيرها ممّا تمسّك بها ، على قاعدة تغرير الجاهل .

أمّا الاُولى فلعدم دلالتها إلاّ على وجوب الإعلام لئلاّ يقع المشتري في الحرام الواقعي .

لكن وجوبه ذلك هل للزوم تركه للتغرير ، أو لكون تركه مستلزماً لتحقّق التسبيب بتسليط المشتري على شيء يتداول أكله وكان ذلك منفعته الشائعة فهو تسبيب ، أو نظيره ممّا هو زائد على عنوان التغرير ؟ فغير معلوم . بل احتمال أن يكون للتسبيب أو نحوه أقرب إلى مفادها ؛ إذ من المحتمل أن يكون وجوب الإعلام مختصّاً بمورد البيع والتسليط ، فيكون له دخالة فيه بنحو جزء السبب ، فكأ نّه قال : إذا بعته وسلّطته على المبيع الذي في مظنّة الأكل عادة ، يجب عليك إعلامه لئلاّ تصير سبباً لوقوعه في الحرام الواقعي .

وبهذا يظهر عدم دلالتها على وجوب الإعلام بنحو الإطلاق ولو علم بابتلاء المكلّف بالحرام ؛ لقصورها عن الدلالة عليه كذلك ، ولا على قاعدة التغرير .

ولو نوقش في دلالتها على حرمة التسبيب فلا أقلّ من عدم دلالتها على شيء من العناوين المنطبقة على المورد .

وأمّا ما دلّت على حرمة الفتوى بغير علم ، كصحيحة أبي عبيدة ، قال : قال أبو جعفر علیه السلام : «من أفتى الناس بغير علم ولا هدىً من اللّه ، لعنته

ص: 165

ملائكة الرحمة ، وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه»(1) ، فلا تدلّ على قاعدة الغرور ؛ لاحتمال أن يكون المراد بها الطعن على من أفتى بالقياس والاستحسان ، وعمل الناس بفتياه مع علمهم بذلك .

فيكون المقصود أنّ للعامل المرتكب للحرام وزراً ونظير وزره على المفتي بغير علم ولا هدى من اللّه تعالى ، نظير قوله : «من سنّ سنّة حسنة فله أجر من عمل بها ، ومن سنّ سنّة سيّئة فله وزر من عمل بها»(2) . فإنّ المراد من تحميل وزره عليه بقرينة مقابله ، أنّ وزره عليه من غير نقصان عن وزره . وعليه فلا ربط لها بقاعدة التغرير.

ويحتمل بعيداً أن يكون المراد التشديد على المفتي المذكور بأن لعنته ملائكة الرحمة والعذاب ، وعليه أوزار من عمل بفتياه ؛ كان الوزر من العمل بهذه الفتيا أو غيره ، نظير أن يقال : من عمل كذا كان عليه وزر الأوّلين والآخرين .

ولو سلّمت دلالتها على أنّ من أفتى كذلك كان عليه وزر العامل بفتياه ، لا تدلّ على القاعدة ؛ لأنّ فتيا من التزم الناس بالعمل بقوله عقلاً وشرعاً سبب لوقوعهم في الحرام ، وليس ذلك من حيث التغرير .

ص: 166


1- الكافي 7 : 409 / 2 ؛ وسائل الشيعة 27 : 20 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- لم نجد رواية بهذه الألفاظ ، ولكن في كتب الأحاديث روايات يمكن استفادة هذا المضمون منها ، فراجع وسائل الشيعة 16 : 173 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 16 ، الحديث 5 و7 ؛ مستدرك الوسائل 12 : 228 ، كتاب الأمر بالمعروف ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 15 ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 14 : 410 / 19100 و19102 ؛ سنن ابن ماجة 1 : 74 .

ولا يخفى : أ نّه ليس المراد بالوزر على هذا الاحتمال وزر عمل الجاهل المعذور؛ ضرورة أ نّه لا وزر له بل يكون مثاباً؛ لانقياده بل ربّما يكون فعله طاعة.

فلا بدّ أن يحمل على الوزر التقديري ؛ أي وزر العمل على فرض عدم معذوريته ، أو حمله على نحو الضمانات ، وأمّا فعل الحرام الواقعي فلا قبح له ولا وزر على الفاعل المعذور في ارتكابه .

وممّا ذكرناه يظهر النظر في دلالة روايات دلّت على أنّ تقصير صلاة المأمومين على الإمام(1) .

فإنّها مع ضعفها ومخالفتها لجملة اُخرى دالّة على عدم ضمان على الإمام(2) - تأمّل - لا تدلّ على أ نّه لصرف التغرير ؛ فإنّ إمام الجماعة الذي التزم قوم بالصلاة معه إذا صلّى بهم ، يكون حاله حال من قدّم إلى غيره محرّماً ، فيكون لفعله نحو تسبيب أو نظيره زائداً على التغرير .

وأمّا ما جعله مؤيّداً (3) : فلا يخفى ما فيه ، فإنّه لو فرض تحريم سقي المكلّف

الجاهل الحرام ، لا يدلّ ذلك على القاعدة كما مرّ(4) ، فضلاً عمّا هو مفاد رواية أبي بصير(5) . وأضعف منه تأييده الثاني .

ص: 167


1- راجع تحف العقول : 179 ؛ بحار الأنوار 85 : 92 / 58 .
2- راجع وسائل الشيعة 8 : 371 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة الجماعة ، الباب 36 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 74 .
4- تقدّم في الصفحة 165 .
5- تهذيب الأحكام 9: 114 / 497؛ وسائل الشيعة 25 : 309 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 10 ، الحديث 5 .

فتحصّل ممّا ذكر : أ نّه لا دليل معتمد على قاعدة التغرير. وقد مرّ أنّ العقل حاكم بجواز التسبيب إلى ما كان مباحاً ظاهراً (1) فضلاً عن تغرير الجاهل به إلاّ إذا اُحرزت مبغوضيته ولو في حال الجهل .

وليعلم ، أنّ قاعدة التغرير في الباب غير ما في باب الضمان ؛ فإنّ لها فيه مدركاً معتمداً .

الموضع الثالث في وجوب كون الاستصباح تحت السماء

حكى غير واحد الشهرة على وجوب كون الاستصباح تحت السماء(2) . وعن «السرائر» نفي الخلاف عن عدم جوازه تحت الظلال(3) . وعن «المبسوط» أ نّه روى أصحابنا أ نّه يستصبح به تحت السماء دون السقف(4) .

وسيأتي الكلام في حال الشهرة ، لكن لو سلّم وجود شهرة جابرة للرواية أو فرضت صحّتها ، كان مقتضى الجمع العقلائي بينها وبين الروايات المتضافرة التي في مقام البيان(5) ، حملها على الاستحباب .

ص: 168


1- تقدّم في الصفحة 161 - 162 .
2- راجع مفتاح الكرامة 12 : 81 - 83 ؛ جواهر الكلام 22 : 15 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 78 .
3- السرائر 3 : 122 .
4- المبسوط 6 : 283 .
5- راجع وسائل الشيعة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، و24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 .

بيانه يحتاج إلى مقدّمة : وهي أنّ طهارة دخان المتنجّس التي أفتى بها الفقهاء ليست لدليل تعبّدي ، بل لقصور دليل نجاسة الدهن المتنجّس - مثلاً - عن شموله للدخان والبخار ، وعدم دليل على نجاستهما ، وعدم جريان استصحاب النجاسة ، فمقتضى الأصل الطهارة .

فلو فرض في مورد علم بعدم الاستحالة وبقاء أجزاء الدهن اللطيفة وتصاعدها مع الدخان ، يحكم بكونه نجساً ؛ لفرض عدم تحقّق الاستحالة الرافعة للموضوع .

نعم ، لو كانت الأجزاء صغيرة جدّاً ؛ بحيث يحتاج في دركها إلى المكبّرات ، لا تكون موضوعة للنجاسة . وأمّا لو اجتمعت وصارت مقداراً محسوساً ولو قليلاً وصغيراً ، تكون نجسة ؛ لعدم الاستحالة وعدم احتمال صيرورة الصغر موجباً للطهارة .

هذا إذا علم عدم الاستحالة . ولو شكّ في ذلك كان الدخان محكوماً بالطهارة ؛ لقصور الأدلّة الاجتهادية عن إثبات نجاستها ، وعدم جريان الاستصحاب ؛ لاختلاف القضيّة المتيقّنة مع المشكوك فيها ، أو الشكّ في وحدتهما .

لكن مع ذلك كان الاحتياط حسناً ، سيّما إذا كانت الأدخنة كثيفة والدهن غليظاً وكثيفاً تصير معرضية الأجزاء الدهنية للتصاعد قويّة وربّما صار مظنوناً ومعه يحسن الاحتياط عنها لما يشترط فيه الطهارة .

ثمّ إنّ التدخين تحت الظلال والسقف إذا كان مدّة معتدّاً بها كالساعة والساعتين ، يوجب ذلك تراكم الأدخنة وورودها في منافذ البدن كالاُذن والأنف

ص: 169

والحلق ، وتراكمها فيها ربّما يكون مظنّة اجتماع الأجزاء اللطيفة الدهنية الغير المستحيلة ولا أقلّ من احتماله ، سيّما إذا كانت البيوت ضيّقة وسقوفها منخفضة ، كما كانت كذلك نوعاً في تلك الأعصار ، وسيّما مثل الأدهان التي مورد السؤال .

فإذا ورد نهي عن الاستصباح بها تحت السقف ، والأمر بالاستصباح تحت السماء لا ينقدح في ذهن العقلاء منهما التعبّد المحض الغير المرتبط بالنجاسة ، بل المفهوم منهما بمناسبة الحكم والموضوع أنّ النجاسة صارت موجبة للحكم بذلك ، فيفهم أهل العرف نجاسته إن كان حكم الشارع بالتحرّز إلزامياً .

ولهذا يظهر من شيخ الطائفة رحمه الله علیه في عبارته الآتية(1) : أنّ قوماً من أصحابنا قالوا بنجاسة دخان المتنجّس ، للرواية المرسلة المتقدّمة(2) .

وهو حقّ لو علمنا بلزوم الاجتناب . فيفهم من دليله تخطئة الشارع العرف في وقوع الاستحالة ، أو حكم بلزوم الاحتياط في هذه الشبهة؛ لمعرضية عدم الاستحالة .

لكن مع ورود روايات كثيرة مطلقة(3) في مقام البيان لم يكن فيها أثر من هذا القيد في مقابل رواية واحدة ناهية عن الإسراج تحت السقف ، يكون الجمع العقلائي بينها حملها على الاحتياط الاستحبابي المطلوب في مثل المقام ، سيّما مع كونها مخالفة للاُصول .

ص: 170


1- يأتي في الصفحة 174 .
2- تقدّمت في الصفحة 168.
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، و24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 .

والحمل على التعبّد المحض الغير المربوط بالنجس الاحتمالي أو المظنون ، غير مساعد لفهم العرف والعقلاء ومناسبات الحكم والموضوع .

كما أنّ الحمل على لزوم الاحتياط ورفع اليد عن الاُصول والقواعد والإطلاقات الكثيرة الواردة في الباب ، بعيد جدّاً ، ومخالف لارتكاز العقلاء في مقام جمع الأدلّة .

فما ربّما يقال : إنّ مقتضى تعلّق الحكم على العنوان وإطلاقه عدم جواز الاستصباح به ولو لحظة بل ولو كان السقف مرتفعاً إلى الثريّا ، ناشٍ من عدم التأمّل في الرواية وارتكاز العقلاء ، فإنّ العناوين مختلفة ؛ فربّما لا تكون لها نفسية حتّى يأتي فيها ما ذكر ، نظير قوله في روايات الباب : «وأعلمهم إذا بعته»(1) ، فإنّ الإعلام بحسب حكم العرف ليس إلاّ للتحفّظ عن الابتلاء ، فمع العلم بعدمه لا يجب كما مرّ(2) . وليس لأحد أن يقول : إنّ مقتضى الإطلاق وجوبه ولو مع لغوية الإعلام ؛ ضرورة عدم الإطلاق لمثله ، والمقام من قبيله ، فإنّ أهل العرف لا يفهمون من النهي عن الاستصباح تحت السقف إلاّ للتنزّه عن النجس المحتمل أو المظنون ، فلا إطلاق له يشمل ما ذكر .

والإنصاف : أنّ الجمع بينها وبين المطلقات المتقدّمة بما ذكرناه وأشار إليه

شيخنا الأعظم(3) ، من أجمل الجموع وأوهن التصرّفات .

ص: 171


1- تهذيب الأحكام 7 : 129 / 562 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 154 - 155 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 79 .

ثمّ إنّا لا نقول بأنّ النهي لمراعاة عدم تنجّس السقف حتّى يقال : إنّ تنجّسه لا مانع منه ، بل نقول : إنّ ذلك لمراعاة حال المكلّف المبتلى بالدخان تحت السقف ، لا لكون تنجّس بدنه ممنوعاً شرعاً ونفساً ، بل لما يشترط فيه الطهارة ، فالأجزاء الدخانية المجتمعة في الفم يحتمل فيها النجاسة ويحسن معه الاحتراز ؛ لمراعاة عدم الابتلاء بأكل النجس المحتمل ، وكذا ما اجتمع منه في منفذ الاُذن والأنف ، بل وما اجتمع منه في السقف ربّما يوجب التنجيس ، فيحسن التنزّه منه للصلاة وغيرها .

حال الشهرة والإجماع في المسألة

هذا ، مع أ نّها رواية مرسلة(1) غير مجبورة ؛ لعدم ثبوت الشهرة في المسألة عند قدماء أصحابنا ، فضلاً عن ثبوت الشهرة بالعمل بها .

بل لو ثبتت الشهرة واحتمل استنادهم إليها ، تصير معلّلة لا يجوز الاتّكال عليها ؛ لاحتمال أن يكون نظرهم إلى جمع الروايات بتقييد المطلقات بها ، سيّما وهو جمع عقلائي معروف لولا التنبّه بما قدّمناه .

كما أ نّه لو ثبتت ولم يحتمل استنادهم إليها ، كانت حجّة بلا إشكال في مثل تلك المسألة التي وردت فيها روايات مطلقة في مقام البيان وترك الأصحاب العمل بإطلاقها ، فلا يجوز مع ذلك العمل بالإطلاق وترك الشهرة في المسألة المخالفة للقواعد .

ص: 172


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 168 ، الهامش 4 .

إلاّ أن يقال باحتمال أن يكون مستندهم في الحكم : قاعدة عدم جواز الانتفاع بالنجاسات ، ولم يعملوا بتلك الروايات ؛ للخدشة في إطلاقها ، وهو كما ترى .

وكيف كان : فثبوت الشهرة محلّ إشكال بل منع لو لم نقل بثبوت الشهرة أو الإجماع على الجواز ، كما ربّما يظهر من الشيخ في «الخلاف» قال في الأطعمة : «مسألة 19 : إذا ماتت الفأرة في سمن أو زيت أو شيرج أو بزر نجس كلّه ، وجاز الاستصباح به ، ولا يجوز أكله ولا الانتفاع به لغير الاستصباح ، وبه قال الشافعي» . ثمّ نقل أقوال القوم ثمّ قال : «دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم» ثمّ قال :

«وروى أبو سعيد الخدري أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم سئل عن الفأرة تقع في السمن والزيت ، فقال : «استصبحوا به ولا تأكلوه» . وهو إجماع الصحابة ، وروي ذلك عن علي علیه السلام وابن عمر» .

ثمّ قال : «مسألة 20 : إذا جاز الاستصباح به فإنّ دخانه يكون طاهراً ولا يكون نجساً» ثمّ تمسّك بالأصل وعدم الدليل على النجاسة(1) .

أقول : إطلاق المسألة الاُولى يقتضي جواز الاستصباح تحت السقف ، سيّما مع التمسّك بأخبار الطائفة ، فإنّ الأخبار المشار إليها هي ما تقدّمت من المطلقات التي في مقام البيان الدالّة على الجواز مطلقاً ، وسيّما مع تمسّكه في مقابل من قال بعدم جواز الانتفاع برواية أبي سعيد المطلقة .

وتؤكّد الإطلاق بل كون نظره إلى الاستصباح تحت السقف ، المسألة الاُخرى التي ذكرها بعد الاُولى ؛ فإنّ جواز الاستصباح به مع طهارة الدخان لا ربط بينهما

ص: 173


1- الخلاف 6 : 91 - 93 .

إلاّ من جهة أ نّه إذا لم يجز بحكم الشارع الاستصباح تحت السقف ، يدلّ ذلك على نجاسته ؛ لما قدّمنا ذكره من فهم أهل العرف والعقلاء(1) فيدلّ ذلك على أنّ عمدة نظر الشيخ إلى الاستصباح تحت السقف في المسألة الاُولى وقد ادّعى الإجماع على جوازه .

وعن «المبسوط» : «الأدهان إذا ماتت فيها فأرة ، نجس (نجسة - ظ) ويجوز عندنا وعند جماعة الاستصباح به في السراج ، ولا يؤكل ، ولا ينتفع به في غير الاستصباح ، وفيه خلاف . وروى أصحابنا أ نّه يستصبح به تحت السماء دون السقف . وهذا يدلّ على أنّ دخانه نجس ، غير أنّ عندي أنّ هذا مكروه ، وأمّا دخانه ودخان كلّ نجس عندنا ليس بنجس . وأمّا ما قطع بنجاسته ، قال قوم : دخانه نجس ، وهو الذي قدّمناه من رواية أصحابنا . وقال آخرون وهو الأقوى : إنّه ليس بنجس»(2) ، انتهى .

وهذه العبارة أيضاً شاهدة بأنّ مراده في «الخلاف» من الاستصباح ، أعمّ ممّا تحت السماء .

والخلاف الذي أشار إليه يحتمل أن يكون من العامّة ، ورواية الأصحاب تلك الرواية غير فتواهم بها . ويحتمل أن يكون خلاف بين أصحابنا ، لكنّه غير معتدّ به عنده ، فأفتى بخلافه مع وجود رواية الأصحاب . وكيف كان : يظهر من «الخلاف» أنّ الجواز مطلقاً إجماعية .

ص: 174


1- تقدّم في الصفحة 170 .
2- المبسوط 6 : 283 .

ولو قيل بظهور عبارة «المبسوط» في أنّ المسألة خلافية عند أصحابنا ، فلا أقلّ من عدم الشهرة الجابرة أو المعتبرة في عصر شيخ الطائفة وقبله .

ولهذا قال العلاّمة في محكيّ «المختلف» في جواب ابن إدريس المدّعي بأنّ : ما ذهب أحد من أصحابنا إلى أنّ الاستصباح به تحت الظلال مكروه ، بل محظور بلا خلاف منهم : «إنّ هذا الردّ على شيخنا جهل وسخف ؛ فإنّ الشيخ أعرف بأقوال علمائنا والمسائل الإجماعية والخلافية»(1) ، انتهى .

وهو كذلك ، فالشيخ ادّعى الإجماع على الجواز أو أخبر بخلافية المسألة ، فلا يمكن تصديق الحلّي فيما ذكره .

وقد يتوهّم من عبارة «الخلاف» في البيوع بأنّ الشيخ ادّعى الإجماع على لزوم كون الاستصباح تحت الظلال .

وهو خطأ ؛ لأ نّه ادّعى ذلك على جواز البيع لمن يستصبح تحت السماء ، لا على عدم جوازه تحت الظلال .

قال : «يجوز بيع زيت (الزيت ظ) النجس لمن يستصبح به تحت السماء . وقال أبو حنيفة : يجوز بيعه مطلقاً . وقال مالك والشافعي : لا يجوز بيعه بحال . دليلنا : إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضاً قوله تعالى : )وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا( ، وقوله : )إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ( . وهذا بيع وتجارة ، وأيضاً دلالة الأصل . والمنع يحتاج إلى دليل» . ثمّ تمسّك عليهم بما روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه أذن في الاستصباح بالزيت النجس ، وهو دليل على جواز بيعه

ص: 175


1- مختلف الشيعة 8 : 349 .

للاستصباح ، وأنّ لغيره لا يجوز إذا قلنا بدليل الخطاب(1) ، انتهى .

وهو - كما ترى - ادّعى الإجماع وورود الأخبار على جوازه للاستصباح تحت السماء مقابل مالك والشافعي ، ولهذا تمسّك بالآية والأصل والرواية من طريقهم ، وإنّما تمسّك بدليل الخطاب إذا قلنا به وعلى نحو التعليق .

فلو كانت المسألة بشقّيها؛ أي الجواز للاستصباح تحت السماء وعدمه له تحت الظلّ إجماعية ، لتمسّك به فيهما ولا يدّعيه في خصوص الاُولى ، ولا يبعد دعوى ظهور عبارته في جوازه مطلقاً .

فتحصّل من جميع ما تقدّم أنّ المسألة ليست مشهورة ولا إجماعية لو لم نقل بقيام الشهرة على الجواز ، فمقتضى إطلاق الأدلّة والقواعد الجواز .

الموضع الرابع الانتفاع بالدهن المتنجّس لغير الاستصباح

الأقوى جواز الانتفاع بهذا الدهن لغير الاستصباح ، كعمل الصابون وطلي الأجرب والسفن ، وكذا يجوز بيعه لذلك ؛ للأصل وعموم أدلّة تنفيذ البيع ، وقد سبق الكلام في أنّ الأصل جوازهما بما لا مزيد عليه(2) . مضافاً إلى أنّ الظاهر من أخبار الباب الجواز ، فإنّ قوله في صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «وإن

ص: 176


1- الخلاف 3 : 187 .
2- تقدّم في الصفحة 145 و148 .

كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به، والزيت مثل ذلك»(1) ، ظاهر في أنّ المقصود عدم الأكل وجواز الانتفاع بسائر الجهات ، وإنّما خصّ الاستصباح بالذكر لمجرّد المثال ، وأ نّه أوضح المنافع بعد الأكل ، بل المنافع الاُخر غير معتدّ بها .

فاختصاصه بالذكر وإن وقع في روايات عديدة(2) لكن ظاهر جعله مقابل الأكل في الصحيحة ورواية إسماعيل حيث قال فيها : «وأمّا الزيت فلا تبعه إلاّ لمن تبيّن له فيبتاع للسراج ، وأمّا الأكل فلا»(3) ، أنّ سائر الانتفاعات غير الأكل جائز ، وإلاّ لقال : وأمّا غيره فلا .

بل المتفاهم من سائر الروايات أيضاً ذلك ؛ لمساعدة أهل العرف مع إلغاء الخصوصية .

فيمكن أن يقال : إنّه لو فرض إطلاق دليل على عدم جواز الانتفاع بالنجس لجاز تقييده بها ، فيقال بجواز الانتفاع في المتنجّسات دون النجاسات .

ص: 177


1- الكافي 6 : 261 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 2 .
2- راج-ع وس-ائل الشيعة 17 : 97 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، و24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 .
3- قرب الإسناد : 128 / 448 ؛ وسائل الشيعة 17 : 98 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 5 .

ص: 178

القسم الثاني في الاكتساب بما يكون المقصود منه حراماً ولو شأناً

اشارة

وهو على أنواع :

اشارة

ص: 179

ص: 180

النوع الأوّل : ما لا تكون له منفعة مقصودة إلاّ الحرام

وهو اُمور ، منها :

هياكل العبادات المخترعة مثل الأصنام

ويأتي فيها ما تقدّم في القسم الأوّل(1) من البحث عن حرمة بيعها والمعاوضة عليها بعنوانهما ، وعن حرمة ثمنها بعنوانه ، وعن بطلان المعاملة بها المترتّب عليه كون ثمنها مقبوضاً بالمعاملة الفاسدة .

ثمّ إنّ المعاملة كالبيع مثلاً قد تقع بها للغاية المحرّمة ، كمن باع الصنم للعبادة بنحو التواطي عليها أو بنحو الاشتراط في ضمن العقد .

وقد يبيع ممّن يصدر منه الحرام كبيعها ممّن يعبدها ، أو ممّن يبيعها ممّن يعبدها كبيع الصنم من مسلم يبيعه من الوثني .

ص: 181


1- تقدّم في الصفحة 11 و23 و26 .

وقد تقع المعاملة مع العلم بعدم ترتّب الحرام عليها : إمّا للعلم بأنّ المسلم المشتري لا يسلّمها إلى الوثني ، أو لانقراض الطائفة التي تعبدها ، كما لو اُخرج صنم من الحفريات عن الآثار القديمة البائدة الهالك أهلها وانقرضت الطائفة التي تعبدها ، وإنّما يشتريها قوم لحفظ الآثار العتيقة ، كما تعلّق به أغراض العقلاء أحياناً ، وإنّما تشتريها لهيئتها وصورتها الصنمية بما أ نّها من الآثار القديمة .

وقد تباع لغرض كسرها ، وهو تارةً : يرجع إلى المشتري ، كمن أراد أن يشتهر بين الناس بأ نّه كاسر الأصنام ، أو أراد الثواب الاُخروي ، واُخرى : إلى البائع كمن عجز عن كسرها أو كان له مؤنة أراد تحميلها على المشتري ، إلى غيرها من الصور .

لا ينبغي الإشكال في حرمة بيعها وبطلانه في الصور التي يترتّب عليها الحرام ؛ لاستقلال العقل بقبح ما يترتّب عليه عبادة الأوثان ومبغوضيته ، بل قبح تنفيذ البيع وإيجاب الوفاء بالعقد المترتّب عليه عبادة غير اللّه تعالى . بل لو ادّعى

أحد القطع بأنّ الشارع الأقدس الذي لا يرضى ببيع الخمر وشرائها وعصرها ولعن بائعها ومشتريها وحرّم ثمنها وجعله سحتاً ، لا يرضى بذلك في الصنم ولا يرضى ببيعه وشرائه ونحوهما .

بل يستفاد من الأدلّة أنّ تحريم ثمن الخمر وسائر المسكرات وتحريم بيعها وشرائها ، للفساد المترتّب عليها ، ومعلوم أنّ الفساد المترتّب على الأوثان وبيعها وشرائها ، اُمّ جميع المفاسد ، وليس وراء عبّادان قرية .

بل يظهر من الروايات المنقولة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأبي جعفر علیه السلام

ص: 182

وأبي عبداللّه علیه السلام مستفيضة(1) ، أنّ مدمن الخمر كعابد وثن ، أنّ عبادته شرّ منه

يترتّب عليها فوق ما يترتّب عليه ، فكيف يمكن ذلك التشديد في الخمر لقلع الفساد دون الأوثان ؟ !

مضافاً إلى دلالة الروايات العامّة المتقدّمة كرواية «التحف» وغيرها (2) على بعض المقصود ، وإشعار بعض ما وردت في الخمر ، كقوله علیه السلام : «إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها»(3) على بعض ، وخصوص صحيحة ابن اُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلامأسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه برابط ؟ فقال : «لا بأس به» ، وعن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه صلباناً ؟ قال : «لا»(4) ، ورواية عمرو بن حريث ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن التوت أبيعه يصنع للصليب والصنم ؟ قال : «لا»(5) ، يدلّ على بعضه .

نعم ، الظاهر أنّ دلالة الاُولى بالفحوى ؛ لأنّ الصلبان شعار التنصّر وليست كالصنم .

ص: 183


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 317 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 13 .
2- تقدّمت في الصفحة 12 - 14 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 223 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 1 و6 .
4- الكافي 5 : 226 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 176 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 41 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 6 : 373 / 1084 ؛ وسائل الشيعة 17 : 176 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 41 ، الحديث 2 .

وفي وجوب كسرها وعدم الضمان ، شهادة على عدم ماليتها لدى الشارع ، فلا يصحّ بيعها وشراؤها ؛ لتقوّمهما بها ، فخرجت بذلك عن شمول أدلّة تنفيذ البيع تحكيماً .

هذا، مع دعاوي عدم الخلاف والإجماع على اُمور : منها التكسّب بهياكل العبادة كالصنم(1) .

بل عن «الرياض» الاستدلال على حرمة التكسّب بها بالإجماع المستفيض النقل في كلام جماعة(2) ، وإن أنكر الاستفاضة صاحب «مفتاح الكرامة»(3) .

وعن «المنتهى»(4) حكاية عدم الخلاف على حرمة عملها المستلزمة لحرمة

التكسّب بها على ما قيل(5) . وعن «مجمع البرهان» الإجماع عليها (6) .

وفي «مفتاح الكرامة» بعد نقل الإجماع وعدم الخلاف عن بعض ، قال : «والأمر سهل؛ إذ الإجماع معلوم»(7) .

وفي «الجواهر» : «بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه»(8) .

ص: 184


1- راج-ع مستند الشيعة 14 : 88 ؛ جواهر الكلام 22 : 25 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 111 .
2- رياض المسائل 8 : 49 .
3- مفتاح الكرامة 12 : 105 .
4- منتهى المطلب 15 : 370 .
5- مفتاح الكرامة 12 : 104 .
6- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 41 .
7- مفتاح الكرامة 12 : 105 .
8- جواهر الكلام 22 : 25 .

هذا حال ما علم ترتّب الحرام عليه ، ولا يبعد إلحاق ما يكون مظنّة لذلك به ، بل صورة احتمال ترتّبه أيضاً احتياطاً ؛ لأهمّية الموضوع وشدّة الاهتمام به ، فلا يقصر عن الأعراض والنفوس ، بل أولى منهما في إيجاب الاحتياط .

بعض الصور المستثناة من حرمة بيع الأصنام

نعم ، الأدلّة قاصرة عن إثبات الحكم للصورة التي يعلم بعدم ترتّب الحرام عليها ، سيّما في صورة انقراض الطائفة الخبيثة العابدة لها وعدم احتمال عابد لها ولو في الاستقبال احتمالاً عقلائياً ؛ ضرورة عدم شمول الأدلّة اللفظية ولا معقد عدم الخلاف والإجماع لها وانصرافها عنها .

بل لا يبعد عدم شمولهما لما إذا بيع الصنم الذي مورد العبادة ممّن يخرجه عن تحت يد عابديه ويحفظه بعنوان الآثار العتيقة في المحالّ المعدّة لها ، فينقطع بذلك عن أيدي عبدته ، وإن لا يخلو عن إشكال في هذه الصورة .

بل يمكن إجراء استصحاب وجوب الكسر وحرمة البيع ونفي المالية وبطلان المعاملة وسحتية الثمن فيها ، على إشكال ناشٍ من الإشكال في جريان الاستصحاب في الأحكام المستكشفة عن حكم العقل ، لا لما ذكره شيخنا الأعظم(1) ؛ فإنّا قد فرغنا عن تصوير جريانها ودفع إشكاله ، بل لما ذكرناه في محلّه : من عدم جريان استصحاب الحكم الجزئي ؛ لأنّ الحكم المستكشف من مناط عقلي لا يمكن أوسعيته عن موضوعه ومناطه ، ولا استصحاب الكلّي ؛ لأنّ

ص: 185


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 215 .

الجامع بين الحكمين انتزاعي عقلي لا حكم شرعي ، ولا موضوع ذو حكم كذلك ، والتفصيل يطلب من مظانّه(1) .

وبهذا يستشكل جريانه في بعض صور اُخر ، كما إذا وجد صنم يعلم بأ نّه كان معبوداً في عصر الإسلام ، ثمّ انقرض عبدته ولا يحتمل عودهم ، فإنّ الأدلّة كما مرّت قاصرة عن إثبات الأحكام لها لو بيعت لغرض حفظ العتيقة ، وقد عرفت حال الاستصحاب .

إلاّ أن يقال : إنّ تلك الأحكام سيّما وجوب الكسر وسلب المالية غير مستكشفة من حكم العقل محضاً حتّى يأتي فيها ما ذكر ، بل حكمه من مؤيّدات ثبوت أحكامها شرعاً ، والأدلّة الشرعية نحو الإجماع والأخبار المتفرّقة في الأبواب غير قاصرة عن إثباتها ، ومعه يمكن ثبوت تلك الأحكام بمناطات أعمّ ممّا أدركها العقل ، ومعه يجري الاستصحاب . والمسألة تحتاج إلى مزيد غور .

ثمّ إنّ الاستصحابات المشار إليها إنّما تجري لو اُحرز تعلّق الأحكام بصنم ولو من باب التطبيق وشكّ في بقائها ، وأمّا إذا احتمل عدم التعلّق فلا . وذلك مثل صنم يحتمل صنعته بعد انقراض عابديه لأغراض اُخر .

بل لا يجري فيما إذا علم كونه مصنوعاً في أعصار قبل الإسلام مع انقراض عبدته في تلك الأعصار ولو علم بعبادتهم له ؛ لعدم جريان استصحاب أحكام الشرائع السابقة .

بل يمكن منع جريان الاستصحابات المتقدّمة بأن يقال : إنّ حرمة البيع غير

ص: 186


1- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 12 .

ثابتة للصنم رأساً في صورة بيعه للإخراج عن يد عابديه ، وفيما لا يترتّب عليه الحرام ، فلا قضيّة متيقّنة حتّى تستصحب ، وكذا حال سائر العناوين المتقدّمة حتّى وجوب الكسر . وبالجملة : ليس الشكّ في بقاء الأحكام المذكورة .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ الأشبه بالقواعد عدم المنع عن البيع في الصور الأخيرة سيّما مثل ما خرج من حفريات باد أهلها وانقرض عبدته ولم يرج عودهم .

حكم بيع الأصنام لأغراض صحيحة

وممّا ذكرناه تظهر قوّة صحّة البيع لغرض إدراك ثواب الكسر ، أو غرض آخر في كسره موجب لماليته ومرغوبية اشترائه .

إلاّ أن يقال باستلزام ذلك لبعض الإشكالات العقلية :

منها : أنّ الفساد المترتّب على هياكل العبادة ، علّة لإسقاط ماليتها وإيجاب كسرها ، وإيجاب الكسر سبب لترتّب الثواب عليه لإيجابه ، فلو صار ذلك علّة لماليتها ، يلزم أن يكون الشيء علّة لثبوت نقيض معلول علّة علّته ، وذلك مستلزم لنفي علّة علّته المستلزم لعدم ذاته .

ومنها : أنّ إيجاب الكسر مضادّ لماليته ، فلو ثبتت المالية به يلزم إيجاد الشيء مضادّه المستلزم لعدم ذاته .

ومنها : أنّ إيجاب الكسر لو صار سبباً للمالية يلزم منه عدم إيجابه ، بل عدم جوازه ؛ لأ نّه مال محترم ، فيلزم من إيجاب الكسر عدمه .

والجواب عنها : أنّ الفساد لا يمكن أن يصير علّة لإسقاط المالية الآتية من قبل معلوله ؛ أي إيجاب الكسر ؛ للزوم كون الشيء علّة لعدم معلول معلوله ، وهو

ص: 187

مستلزم لعدم معلوله المستلزم لعدمه ، فهو علّة لسلب المالية الثابتة لها من

غير ناحية الكسر .

وأيضاً أنّ إيجاب الكسر على فرض مضادّته للمالية لا يمكن أن يكون مضادّاً للمالية الآتية من قبله ؛ لاستلزام أن يكون الشيء ضدّ معلوله ، فيكون ضدّاً للمالية التي من غير ناحية الكسر .

وأيضاً أنّ المالية الآتية من قبل وجوب الكسر لا يمكن أن تكون مانعة عن وجوبه ، فالمالية من غير تلك الناحية مانعة عنه .

ثمّ إنّ صحّة البيع لغاية الكسر تتوقّف على إحراز أنّ المشتري يشتريه لتلك الغاية ؛ لأنّ ماليته تتوقّف على هذه الغاية ، ومع الشكّ في كونه لها ، يشكّ في ماليته ، فلا تصحّ المعاوضة عليه ، بل صحّة صلحه وهبته ونحوهما أيضاً تتوقّف على ذلك الإحراز ؛ لعدم جوازها إلاّ لتلك الغاية .

وهذا الفرع غير ما تعرّض له العلاّمة في محكيّ «التذكرة» : «أ نّه إذا كان لمكسورها قيمة وباعها صحيحة ليكسر وكان المشتري ممّن يوثق بديانته فإنّه يجوز بيعها على الأقوى»(1) ، انتهى .

فإنّ الظاهر من اعتبار القيمة للمكسور ، أنّ مصحّح البيع قيمة المادّة وماليتها ، فلو قلنا في الفرع الذي تعرّضه بعدم اعتبار الوثوق في صحّته لا نقول به في هذا الفرع المتوقّف ماليتها وصحّة المعاوضة عليها على كون الاشتراء للكسر ، كما لا يخفى .

ص: 188


1- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 108 ؛ تذكرة الفقهاء 10 : 36 .

وليس الثواب المترتّب على الكسر وكذا سائر فوائد الكسر ، نظير الفوائد المترتّبة على الأشياء ، الموجبة لماليتها وصحّة بيعها ، كان المشتري يشتريها لتلك الفائدة أم لا ؛ لأنّ تلك الفوائد موجبة للمالية مطلقاً من غيرتوقّف على قصد انتفاع المشتري ، وكذا صحّة المعاملة لا تتوقّف عليه ، بخلاف فائدة الكسر ، فإنّها ليست موجبة للمالية المطلقة بحيث يقال بصحّة البيع معها مطلقاً ، فتدبّر .

فلا بدّ فيه من البيع ممّن يطمئنّ ويوثق به ، أو قامت القرائن على أ نّه يبتاع لتلك الغاية ولو بالتسبيب إن لم يضرّ بالفورية ، لو قلنا بوجوب الكسر فوراً .

ثمّ إنّ بيع الصنم وابتياعه تارة : يكونان بداعي هيئته كابتياع الوثني مثلاً ، واُخرى : بداعي مادّته كما كانت من الأحجار الكريمة ، وثالثة : بداعيهما ؛ بأن تكون لهما مرغوبية صارت داعية إلى ابتياعه .

وهذه الصور من صور بيع الأصنام يأتي فيها ما تقدّم .

وليس المراد من بيع الصنم بيع هيئته ؛ فإنّها ليست بصنم ولا متعلّقة للمعاملة لدى العقلاء ، بل الصنم عبارة عن الموجود المتهيّئ بتلك الهيئة الخاصّة ، والهيئة ليست طرفاً لإضافة المعاملة في مورد من الموارد ، بل طرفها هو الموجود المتصوّر بحيثية تقييدية ، أو الموجود لأجل الصورة بالحيثية التعليلية .

فبيع الصنم محرّم باطل في الصور المتقدّمة التي قلنا بهما ، سواء بيع بداعي الهيئة أو المادّة أو بداعيهما .

ثمّ إنّ الظاهر أنّ الفرع المتقدّم المحكيّ عن «التذكرة» كان المفروض فيه بيع الصنم الخارجي لا بيع مادّته . فعليه تصحّ الشرائط التي اعتبرها : من كون المادّة ذات قيمة ، وكون البيع للكسر ، وكون المشتري موثوقاً به ؛ فإنّ البيع إذا تعلّق

ص: 189

بالصنم الخارجي ولم تكن لمادّته قيمة ، يبطل ؛ لعدم اعتبار قيمة الهيئة ، والفرض

عدم قيمة للمادّة ، فلا يكون مالاً يبذل بإزائه المال . ومفروض العلاّمة ليس ما كان الكسر موجباً للمالية كما فرضناه سابقاً ؛ فإنّ ذلك الفرض مغفول عنه نادر الاتّفاق .

وأمّا اشتراط كونه للكسر ؛ لأ نّه مع عدمه يصير مشمولاً لأدلّة بطلان بيع الصنم ، وهو وإن كان بإطلاقه محلّ إشكال كما تقدّم ، لكنّ الظاهر أنّ المفروض في كلامه غير تلك الصور النادرة المتقدّمة .

وأمّا اشتراط كون المشتري موثوقاً به فهو شرط ظاهري لإحراز شرط المعاملة ، وهو كون الابتياع للكسر ، ومع عدم الوثوق به لا يحرز غالباً .

فالشرائط وقعت في محلّها ، على ما هو ظاهر عبارة «التذكرة» ، وهو وقوع البيع على الهياكل الصحيحة للكسر .

وقد حملها الشيخ الأنصاري على خلاف ظاهرها ، ثمّ تنظّر فيها (1) .

نعم ، ما أورده على العلاّمة وارد على المحقّق الثاني ، على ما في العبارة المنقولة عن «جامع المقاصد» ؛ فإنّ المفروض فيها وقوع البيع على المكسور ، لا على الصحيح ، قال : «لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها قبل أن يكسرها ، وكان المشتري موثوقاً به وأ نّه يكسرها ، أمكن القول بصحّة البيع»(2) ، انتهى .

أقول : تأتي قوّة صحّته ولو لم يكن المشتري موثوقاً به ، بل ولو مع العلم بعدم الكسر .

ص: 190


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 115 .
2- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 116 ؛ جامع المقاصد 4 : 16 .
فرع : حكم بيع مادّة الأصنام

ما تقدّم هي صور بيع الأصنام ، وأمّا بيع مادّتها ، فالتحقيق عدم الصحّة لو لم تكن لها قيمة رأساً ، أو كانت لها قيمة بلحاظ الصورة ، كما قد يتّفق أن تصير مادّة بلحاظ تصوّرها بصورة ذات قيمة ، أو تصير قيمتها زائدة عن قيمتها الأصلية ، وهذا غير فرض كون قيمة الصنم الخارجي بلحاظ الهيئة .

أو كانت لها قيمة لكن لا يمكن محو الصورة عنها إلاّ بإبطالها عن المالية .

أو كانت لها قيمة لكن لا يمكن إبطال الصورة رأساً .

ففي جميع الصور بطل البيع على الأقوى :

أمّا الاُولى فظاهرة . وأمّا الثانية فلأنّ المالية الآتية من قبل الصورة ساقطة لدى الشارع الأقدس ؛ إذ الحكم بإبطال الهيئة الموجب لإبطال مالية المادّة ، لا يجتمع مع اعتبار ماليتها ، فلا ضمان على كسرها الموجب لإبطال ماليتها ومالية مكسورها .

ومنه يظهر الحال في الثالثة ، فإنّ إيجاب الكسر بلا ضمان ، ملازم لإسقاط مالية المادّة .

وفي الرابعة يجب غرقها أو دفنها حسماً لمادّة الفساد . فلا مالية لها على جميع التقادير ، فلا يصحّ بيعها .

وكذا لا يصحّ لو كانت لها قيمة مستهلكة في قيمة الصورة لو باعها بالقيمة المساوية لقيمة الصورة ؛ لأنّ البيع كذلك مع سقوط الصورة عن المالية ، وفي محيط التشريع ، سفهي غير عقلائي ، فلا تشمله أدلّة تنفيذ المعاملات ، ولا يمكن

ص: 191

كشف رضا الشارع فيها، ومعه تقع باطلة .

وأمّا إذا كانت للمادّة قيمة مستهلكة فبلحاظ سقوط قيمة الصورة يكون بيع المادّة بلحاظ قيمتها عقلائياً مورداً لإمضاء الشارع وتنفيذه المعاملات . فلو باع المادّة بقيمتها يصحّ .

وكذا لو كانت للمادّة قيمة ملحوظة غير مستهلكة فباعها بقيمتها أو أكثر ما لم يصل إلى حدّ السفه .

ثمّ إنّ في تلك الصور يصحّ البيع ولو مع شرط إبقاء الصورة فضلاً عن عدم الاشتراط ، أو اشتراط الكسر ، كان المشتري موثوقاً بديانته أم لا .

بل مقتضى القاعدة صحّته ولو باعه من وثني يبتاعه للعبادة وشرط على البائع عدم الكسر ، بناءً على عدم كون الشرط الفاسد مفسداً ؛ لأنّ ما وقعت عليه المعاملة هي المادّة ، ولا مانع من بيعها لكونها غير الصنم . وكون الشرط فاسداً والتسليم إعانةً على الإثم ، لا يوجبان بطلان المعاملة .

ولو قيل : إنّ البيع المذكور موجب لإشاعة الفساد ، بل يمكن بهذه الحيلة ترويج سوق بيع الأصنام وآلات الملاهي والقمار ، والمقطوع من مذاق الشارع عدم إمضاء تلك المعاملات .

يقال : إنّ المقطوع به من مذاق الشارع عدم تصحيح الشرط الكذائي ، وتحريم تسليم المبيع مع الهيئة الموجبة للفساد ، لا بطلان المعاملة على المادّة ؛ أي الخشب والحجر ونحوهما ، أو حرمة بيعها وثمنها . ولا فرق بين ما ذكر وبين بيع شيء كالفرس والشرط على البائع بتسليم صنم إليه ، أو صنع آلة لهو له ، فإنّ الشرط فاسد ، والتسليم والصنع محرّمان ، دون المعاملة على الشيء المباح .

ص: 192

ولا يلزم منه تشي-يع الفساد وترويج الباطل ، كما هو واضح .

فتحصّل ممّا مرّ : أنّ بيع المادّة في الفرض مطلقاً ، صحيح من غير توقّف على اشتراط الكسر وكون المشتري موثوقاً به ، كما قال به المحقّق الثاني في عبارته المحكيّة(1) .

آلات القمار واللهو ونحوها

ثمّ إنّ البحث عن آلات القمار وآلات اللهو وأواني الذهب والفضّة والدراهم المغشوشة ، نظير البحث عن هياكل العبادات ، فلا داعي إلى التكرار .

نعم ، لا يأتي فيها ما قلناه في الهياكل من الوجه العقلي على البطلان ، ولا ما ذكرناه من فحوى أدلّة حرمة الخمر .

وإن أمكن دعوى الجزم بعدم تنفيذ الشارع المعاملات الواقعة على آلات القمار واللهو التي لا يقصد منها إلاّ الفساد والحرام .

هذا ، مع دعوى عدم الخلاف والإجماع عليه(2) ، بل ادّعى السيّد صاحب «الرياض» الإجماع المستفيض عليه(3) ، مضافاً إلى الأدلّة العامّة المؤيّدة ، وإن ضعفت أسنادها .

ص: 193


1- تقدّمت في الصفحة 190 .
2- راجع مستند الشيعة 14 : 88 ؛ جواهر الكلام 22 : 25 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 116 .
3- رياض المسائل 8 : 49 .
الأخبار الواردة في خصوص آلات القمار

وتدلّ في خصوص آلات القمار رواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلامفي قوله تعالى : )إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .( . وفيها : «وأمّا الميسر : فالنرد

والشطرنج . وكلّ قمار ميسر» إلى أن قال : «كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه محرّم»(1) .

ورواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت . . .»(2) .

وفي رواية المناهي : «ونهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن بيع النرد»(3) .

ويمكن إسراء الحكم لسائر آلاته بإلغاء الخصوصية على إشكال .

نعم ، في صحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن علیه السلام قال : «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(4) .

ولعلّ عموم التنزيل وعدم الفصل بين أربعة عشر وغيرها وإلغاء الخصوصية عنها ، كافٍ في المطلوب .

ص: 194


1- تفسير القمّي 1 : 181 ؛ وسائل الشيعة 17 : 321 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 12 .
2- السرائر ، المستطرفات 3 : 577 ؛ وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 103 ، الحديث 4 .
3- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 325 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 6 .
4- الكافي 6 : 435 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 1 .

وعن تفسير أبي الفتوح عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم رواية ، وفيها : «وأمرني أن أمحو المزامير والمعازف والأوتار واُمور الجاهلية» إلى أن قال : «إنّ آلات المزامير شراؤها وبيعها وثمنها والتجارة بها حرام»(1) .

تدلّ على المطلوب في آلات اللهو ، ولا تخلو من إشعار أو دلالة بالنسبة إلى سائر آلات الفساد . فلا إشكال في الحكم إجمالاً .

نعم ، لو كانت لبعض الآلات منفعة محلّلة ، تنسلك في القسم الآتي . كما أنّ أواني الذهب والفضّة كذلك ؛ لعدم حرمة اقتنائها بل وتزيين الرفوف بها على الأقوى .

وكذا لو قلنا بجواز الانتفاع بالسكّة المغشوشة كالتزيين وغيره ، تنسلك في القسم الآتي .

ص: 195


1- روض الجنان وروح الجنان 15 : 281 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 219 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 79 ، الحديث 16 .
النوع الثاني : ما يقصد منه المنفعة المحرّمة

النوع الثاني : ما يقصد منه المنفعة المحرّمة ، فيما إذا كان لشيء منفعة محرّمة ومحلّلة ، كأواني الذهب والفضّة .

وهو على أقسام :

منها : أن يكون المبيع كلّياً مقيّداً

بنحو لا ينطبق إلاّ على المحرّم ، كبيع العنب الذي ينتهي إلى التخمير ، فيكون المبيع حصّة من العنب كسائر الكلّيات المقيّدة ؛ بأن يقال : كما أنّ العنب الأحمر لا ينطبق إلاّ على مصاديق خاصّة ، فإذا تعلّق به البيع يكون المبيع حصّة من الكلّي لا تنطبق إلاّ على مصاديقها ، يصحّ تقييد الكلّي بأيّ قيد تراضى عليه المتعاقدان . فإذا باع العنب المنتهي إلى التخمير كان مصداق المبيع ، هو العنب المتعقّب به ، لا العنب المطلق . فإذا تسلّمه المشتري ولم يستعمله في التخمير ، يكشف عن عدم كونه مصداقاً للمبيع .

منها : أن يكون المبيع جزئياً خارجياً

ومنها : أن يكون المبيع جزئياً خارجياً

مع توصيفه بالوصف المتقدّم ، فيكون المبيع ، الموجود المنتهي إلى التخمير . فلو لم ينته إليه يكشف عن عدم كونه مبيعاً ، أو عن تخلّف الوصف .

ص: 196

منها : أن يكون القيد على نحو الشرط المتأخّر

ومنها : أن يكون القيد على نحو الشرط المتأخّر ، كان المبيع كلّياً أو جزئياً ، بحيث يكشف عدم الانتهاء عن عدم كونه مصداقاً للمبيع ، أو عدم كونه مبيعاً .

والظاهر بطلان البيع في هذه الصور ؛ لعدم عقلائية الملك الحيثي .

والفرق بين هذا القيد وقيد كون العنب أحمر أو أصفر ، أنّ مصداق الأحمر بعد تسليمه يكون ملكاً طلقاً للمشتري ، وأمّا العنب المنتهي إلى التخمير فليس ملكاً له إلاّ من حيث التخمير دون سائر الحيثيات ، ولم يعهد لدى العقلاء هذا النحو من الملكية ، وإلاّ لجاز بيع الرداء الذي تحت السقف مثلاً ، فلا يكون ملكه إلاّ حصّة من الرداء ، أو حيثية منه ، فإذا خرج عن تحت السقف خرج عن ملكيته ، وأنت خبير بأنّ هذا النحو من الملكية غير عقلائية ولا معهودة .

فالعنب المنتهي إلى التخمير لو صار ملكاً ، لازمه عدم ملكية العنب بنحو الإطلاق وبجميع الحيثيات ، بل حصّة أو حيثية خاصّة منه ، فلا يكون بما أ نّه مأكول أو غير ذلك مبيعاً ، ولا ملكاً للمشتري ، وهو مخالف لاعتبار العقلاء ، وكذا الحال في التعليق والشرط .

نعم ، يمكن المناقشة في الإشكال في الصورة التي يكون المبيع شخصياً ، بأن يقال : إنّ المبيع هو الموجود الخارجي ، والقيد من قبيل الوصف الذي يكون تخلّفه غير مبطل ، لكن يأتي فيها الإشكال الآتي في الصورة الآتية ؛ أي اشتراط عدم الانتفاع إلاّ بالمحرّم .

منها : أن يبيع الشيء واشترط على المشتري بأن لا يتصرّف فيه إلاّ في المحرّم.

ومنها : أن يبيع الشيء واشترط على المشتري بأن لا يتصرّف فيه إلاّ في المحرّم .

ص: 197

وهو قد يرجع إلى شرطين : أحدهما : أن لا يتصرّف في المحلّل ، وثانيهما : أن يصرفه في المحرّم .

وقد يشترط عليه شرطاً واحداً ، وهو عدم التصرّف في المحلّل من دون شرط الصرف في المحرّم .

ومن هذا القبيل ما إذا تواطئا عليه ؛ بحيث يقع العقد مبنيّاً عليه ، وأمّا مع التواطي عليه بحيث لا يرجع إلى بناء العقد عليه فهو خارج عن الفرض .

والأقوى بطلان البيع في تلك الصور ؛ سواء رجع الاشتراط إلى شرطين أم لا ، وسواء كان الشرط في ضمن العقد أم بحكمه كما أشرنا إليه ؛ لأنّ مثل هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد . فإنّ اعتبار الملكية موقوف على كون الشيء ذا منفعة - ولو في الجملة - يصحّ للمالك الانتفاع به ، فلو فرض كون شيء مسلوب الانتفاع مطلقاً لا يعتبره العقلاء مالاً ولا ملكاً .

لا أقول : إنّ الملكية والمالية نفس الانتفاعات ، بل أقول : إنّ مناط اعتبارهما لدى العقلاء صحّة الانتفاع ولو في الجملة ، فمسلوب الانتفاع بقول مطلق ليس ملكاً ولا مالاً .

كما أ نّه لو سلب مطلق الانتفاعات عن شيء بالنسبة إلى شخص لا يعتبره العقلاء ملكاً ومالاً له في بعض الأحيان .

فحينئذٍ نقول : إذا شرط البائع على المشتري أن لا ينتفع بالمبيع مطلقاً ، فهو في قوّة بيع شيء بشرط عدم صيرورته ملكاً للمشتري ، فيكون مخالفاً لمقتضى العقد وموجباً لبطلانه ؛ سواء قلنا بأنّ الشرط الفاسد مفسد أم لا ؛ لأنّ الخلاف في الشرط الفاسد إنّما هو في الشروط التي لا يضرّ اشتراطها بقوام المعاملة ، وأمّا

ص: 198

الشروط المنافية لماهيتها وقوامها ، فلا ينبغي الكلام في مفسديتها ؛ لرجوعها إلى التناقض في الجعل والتنافي في الإنشاء .

والمقام من قبيل ذلك ؛ فإنّ العنب مثلاً مسلوب المنفعة بحسب قانون الشرع من حيث التخمير ، فإذا كان مفاد الشرط تحريم الانتفاع بالمحلّل ، يرجع إلى انتقال شيء مسلوب المنفعة مطلقاً ، فلا تعتبر معه الملكية للمشتري ، فيكون الشرط في قوّة البيع بشرط عدم الملكية ، وإن لم يكن بعينه هو .

لا يقال : إنّ هذا الشرط لا ينافي مقتضى العقد في محيط العقلاء وبحسب نظرهم ، والبطلان الشرعي غير المنافاة لمقتضى العقد .

فإنّه يقال : يكفي في مخالفته لمقتضى العقد مخالفته له في محيط القانون اللازم الإجراء عقلاً ، ولهذا لا يصحّ بيع الخمر؛ لإسقاط الشارع ماليتها ، فلا تكون معاملتها مبادلة مال بمال بلحاظ القانون الإلهي .

وإن شئت قلت : إسقاط الشارع مالية شيء تخطئة العقلاء في حكمهم ، ففي المقام إنّ شرط عدم الانتفاع بالمحلّل في حكم شرط سلب المنفعة مطلقاً ولو بلحاظ الشرع ، فيكون مخالفاً لمقتضاه .

أو قلت : إنّ اشتراط عدم الانتفاع بالخمر إلاّ في المحرّم ، ينحلّ إلى شرطين كما تقدّم : أحدهما : شرط عدم الانتفاعات المحلّلة ، وهو من الشروط السائغة ؛ لعدم كونه مخالفاً للشرع . والثاني : شرط الانتفاع بالمحرّم ، وهو باطل . فلا محالة يكون المشتري محروماً عن الانتفاع بالمبيع مطلقاً شرعاً وشرطاً ، وهو المنظور من المخالفة لمقتضى العقد لدى العقلاء ، فإنّ الشيء المسلوب المنفعة مطلقاً لا يعدّ ملكاً ولا مالاً .

ص: 199

ويمكن الاستدلال على المطلوب بوجه آخر ، وهو أنّ مالية الأشياء - كما تقدّم - إنّما هي بلحاظ المنافع المترتّبة عليها ، فما لا منفعة له مطلقاً ليس بمال ، فإذا اشترط على المشتري أن لا ينتفع من العنب مثلاً إلاّ الانتفاع بالمحرّم ، فلا محالة يكون البيع بلحاظ الانتفاع بالمحرّم والمالية الآتية من قبله ، مع أنّ هذه المالية ساقطة شرعاً .

فمالية العنب الآتية من قبل المنافع المحلّلة ساقطة فرضاً حسب اشتراط البائع ، فلا يمكن أن يكون البيع صحيحاً بلحاظ المالية الآتية من قبلها ، والمالية الساقطة شرعاً لا تصلح للمبادلة ، فيكون دليل إسقاطها حاكماً على أدلّة تنفيذ البيع بإخراج المعاملة عن موضوع أدلّته وإدخالها في أكل المال بالباطل .

ولك أن تجعل هذا الأخير وجهاً ثالثاً للبطلان ، وهو الاستدلال بالآية الكريمة(1) بعد تحكيم ما دلّت على سقوط المالية الآتية من قبل المنفعة المحرّمة على الآية صدراً وذيلاً ، كما أشرنا إليه .

ولا يعتبر في الحكومة أن يؤخذ في الدليل الحاكم عين العنوان الذي اُخذ في المحكوم ، فكما أنّ قوله : الخمر ليست بمال ، حاكم على الآية إخراجاً وإدخالاً ، كذلك ما دلّت على إهراقها وإتلافها بلا ضمان ، الظاهر منها إسقاط ماليتها ، حاكمة عليها .

بل لا يبعد تحكيم الدليل اللبّي على الدليل اللفظي ، فإذا قام الإجماع على عدم مالية الخمر يكون منقّحاً لموضوع أكل المال بالباطل ، فإنّ أكل الثمن

ص: 200


1- النساء (4) : 29 .

في مقابل ما ليس بمال أكل له بالباطل ، ومخرجاً عن التجارة تعبّداً ولو لم يطلق على مثله الحكومة كما قوّيناه في الاُصول(1) ، فلا مشاحّة فيه بعد كون الإنتاج واحداً .

وهنا تقريب رابع للبطلان بأن يقال : إنّ الثمن واقع في مقابل العنب بشرط الانتفاع الخاصّ ، وهذا الانتفاع لم يحصل للمشتري ، فيكون المال المأخوذ بلحاظه ، أو بلحاظ المالية الآتية من قبله ، مأخوذاً بلا حصول العوض ، ومثله ليس بمعاملة ؛ لأ نّها متقوّمة بتبادل الانتقالين ، ومع فقده لا تتحقّق ، تأمّل .

وقد ظهر ممّا ذكر : أنّ القول بالبطلان هاهنا غير مبنيّ على القول بمفسدية الشرط الفاسد .

ولهذا قلنا بالبطلان ولو مع شرط عدم الاستفادة بالمحلّل ، والسكوت عن الاستفادة بالمحرّم ، فإنّه شرط سائغ لكن يبطل البيع لا لفساد الشرط بل للوجوه المتقدّمة .

وتؤيّده الروايتان الواردتان في النهي عن بيع الخشب ممّن يتّخذه صلباناً ، والتوت ممّن يصنع الصليب أو الصنم(2) ، بل وما وردت في لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وغارسها وحارسها وبائعها . . .(3) ، المستفاد منها أنّ بائع العنب للخمر أيضاً ملعون ، ومعلوم أنّ ملعونيته لأجل عمله ، فعمله مبغوض .

ص: 201


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 269 .
2- تقدّمتا في الصفحة 183 .
3- تقدّمت في الصفحة 46 .

بل يمكن أن يقال : لا يجتمع مبغوضية البيع بعنوانه مع تنفيذه والإلزام بالعمل على وفقه .

نعم ، لو كانت المبغوضية بعنوان آخر كالإعانة على الإثم ، كما هو محتمل في المقام ، لا تدلّ على البطلان . فلو نوقش في هذا ففي ما تقدّم غنىً وكفاية .

لكن يمكن المناقشة في أساس التقريبات المتقدّمة بأن يقال : إنّ الشيء تارةً : يكون بلا منفعة واقعاً وتكويناً ، واُخرى : يكون ذا منفعة ، لكن المالك أفرز جميع منافعه بصلح ونحوه ، وأراد بيعه بلا منفعة مطلقاً حتّى الانتفاع ببيع ونحوه ، أو أراد بيعه بلا منفعة بإفراز منافعه لنفسه .

ففيها تأتي التقريبات المتقدّمة ، حتّى تقريب المخالفة لمقتضى العقد ، أو كونه في قوّتها .

وأمّا إذا باع وشرط على المشتري أن لا ينتفع به مطلقاً ، أو بغير المنفعة المحرّمة ، فلا يكون مخالفاً لمقتضاه ولا في قوّتها ؛ لأنّ البيع إنّما تعلّق بذات الشيء ، وموجب لانتقال منافعه إلى المشتري ، لكن دليل الشرط صار موجباً لحرمانه عن التصرّف في ماله ، ولا يكون مفاد الشرط عدم الانتقال حتّى يقال بمخالفته لمقتضاه ، بل الشرط في الرتبة المتأخّرة عن اعتبار ملكية المبيع بمنافعه وانتقاله كذلك إلى المشتري ، فلا يمكن أن يكون الشرط رافعاً لموضوعه ، أو دافعاً له ، فلا يعقل أن يكون مخالفاً لمقتضى العقد الذي هو موضوع الشرط وتأثيره ، غاية الأمر أن يكون غير سائغ ؛ للزوم تضييع مال محترم به ، ففساد العقد مبنيّ على مفسدية الشرط .

وإن شئت قلت : إنّ هذا الشرط نظير نذر عدم التصرّف في ماله لو قلنا

ص: 202

بصحّته ؛ فإنّه لا يوجب خروج الملك عن الاعتبار لصاحبه أو سلب ماليته عنه ؛ لأنّ الملكية مفروضة في موضوعه ولا يعقل رفعها بدليله .

ويمكن دفعها بأن يقال : إنّ مالية الأشياء متقوّمة بوجود منفعة لها وإمكان الانتفاع بها ، فكما أنّ الشيء إذا كان مسلوب المنفعة مطلقاً تكويناً لا يعتبره العقلاء مالاً ولا ملكاً ، فكذلك إذا كان له منفعة غير ممكن الاستيفاء مطلقاً ولو عادةً ، كدرّة غرقت في البحر بحيث لا يرجى عودها إلى الأبد ، فإنّها لا تعتبر مالاً وملكاً لمالكه السابق .

هذا حال التكوين ، ومحيط التشريع والتقنين كذلك عند الملتزمين به ، ولهذا تزيد وتنقص المالية بواسطة الشروط ، فلو شرط على المشتري عدم الانتفاع بالفرو في الشتاء ، وعدم انتقاله إلى الغير ، تحطّ قيمته من خمسين إلى خمس .

بل الشروط لدى العقلاء أيضاً معتبرة لازم الوفاء عقلاً ووجداناً ، فشرط عدم الانتفاع بالشيء في محيط القانون والشرع ، بل عند العقلاء الملتزمين بأحكام العقل والوجدان والمجتنبين عن الخيانة والعدوان ، منافٍ لمبادلة المال بالمال ، وموجب لسقوط الشيء عن المالية من غير أن يلاحظ بطلان الشرط وصحّة المعاملة ، بل لولا بطلان الشرط ببطلان أصل المعاملة يمكن التأمّل في بطلانه .

وبالجملة : إنّ العقلاء لا يعدّون تلك المعاملة معتبرة ، وكذلك الأمر في محيط التقنين ، وليس ذلك من دفع الشرط لموضوعه ، أو رفعه له ، بل مثله يعدّ منافياً لمقتضى العقود لدى العقلاء ، نظير بيع الشيء مسلوب المنفعة أو بشرط مسلوبيتها.

ص: 203

فلا يكون ذلك الشرط من الشروط الغير السائغة ، بل هو من المنافية لنفس المعاملة ولو بنحو من اللزوم .

إلاّ أن يقال : إنّ تخلّف الشروط لا يوجب شيئاً إلاّ العصيان والخيار ، فمع التخلّف يصحّ المعاوضة ، فحينئذٍ يكون مالاً لدى العقلاء والشرع ، فلا يكون الشرط الكذائي مخالفاً لمقتضى العقد ولا في قوّتها ، ولا مخالفته موجباً للعصيان بل ولا الخيار في بعض الصور .

وفيه : أنّ المالية الآتية من قبل تخلّف الشرط والشرع أو المقارنة لذلك ، غير معتبرة لدى العقلاء ، وكذا لدى الشارع .

إن قيل : إنّ المالية لا تأتي من قبل تخلّفه ، بل صحّة المعاملة شرعاً في صورة مخالفة الشرط ، دليل على اعتبار الشرع مالية المبيع ، ففي المقام لو شرط على المشتري عدم التصرّفات المحلّلة وخالف وباعه ، صحّ بيعه وهو كاشف عن اعتبار الشارع ماليته .

يقال : إنّ صحّة بيع المشتري في الفرض متوقّفة على صحّة ابتياعه مع الشرط المتقدّم ، فلو كانت صحّة ابتياعه متوقّفة على صحّة بيعه ، لزم المحال ولا تفيد الصحّة في سائر الموارد لتصحيح ما نحن فيه ، فلو باع شيئاً وشرط على المشتري عدم بيعه من شخص ، فباعه منه صحّ ؛ لأنّ صحّة بيع الأوّل وشرطه معلومتان ، وتخلّف الشرط لا يوجب بطلان المعاملة فرضاً .

وأمّا في المقام تكون صحّة المعاملة مع الشرط المذكور مشكوكاً فيها ، فكيف يمكن الحكم بصحّة بيع المشتري والكشف بها عن صحّة البيع الأوّل .

فتوهّم أنّ صحّة البيع الثاني كاشفة عن صحّة الأوّل لا موجبة لها فلا دور ، في

ص: 204

غير محلّه ؛ لعدم إمكان كشفها عنها أيضاً بعد توقّف صحّتها على صحّة العقد الأوّل مع الشرط ، فتدبّر .

منها : أن يشترط عليه الانتفاع بالمحرّم من غير الحصر فيه

ومنها : أن يشترط عليه الانتفاع بالمحرّم من غير الحصر فيه ، فحينئذٍ : قد يكون الشرط بحيث لا يعتبر بلحاظه شيء وفي مقابله ولو لبّاً ، فيكون من قبيل التزام في التزام محضاً ، فلا شبهة في أ نّه من صغريات أنّ الشرط الفاسد مفسد أم لا .

وقد يعتبر بلحاظه شيء ، كما لو باع ما قيمته مائة بخمسين وشرط عليه أن يستفيد منه المنفعة المحرّمة لغرض منه فيه ، كأن يكون بيته في جوار المشتري وأراد الاستفادة المحرّمة منه .

ففي مثله يمكن أن يقال : إنّه أيضاً من صغريات كون الشرط الفاسد مفسداً ؛ لأنّ الميزان في باب المعاملات ملاحظة محطّ الإنشاءات لا اللبّيات ، والمفروض أنّ إنشاء المعاملة وقع بين العينين ، والشرط خارج عن محطّها ، ولهذا لا يقسّط عليه الثمن أو المثمن ، ومجرّد كون زيادة ونقيصة فيهما بلحاظه ، لا يوجب دخوله في ماهية المعاوضة ، ومع عدم الدخول تكون المبادلة بين العينين ، والشرط زائد وباطل فيأتي فيه ما يأتي في الشروط الفاسدة .

ويمكن أن يقال : إنّ المالية الملحوظة من قبل الشرط ، إذا لم تحصل للطرف مع خروج شيء بلحاظها من كيسه ، يكون أخذه بلا عوض لبّاً ومن قبيل أكل المال بالباطل حقيقة .

فإذا باع ما قيمته مائة بخمسين وشرط عليه شيئاً يوازي خمسين ولم يحصل

ص: 205

له ذلك ، يكون مقدار المالية الواردة في كيس الطرف بلا حصول ما بلحاظه له من أكل المال بلا عوض وبباطل ، ولا شبهة في أنّ البائع في المعاملة المفروضة لم يسقط مالية ماله ولم يجعله للمشتري مجّاناً ، بل جعله بلحاظ الشرط الذي بنظره مال وذو قيمة .

وبعبارة اُخرى : إنّ العقلاء لا ينظرون إلى ألفاظ المعاملات بل عمدة نظرهم إلى واقعها ، وفي اللبّ تكون المقابلة بين العين مع لحاظ الشرط ، ومع عدم حصول الشرط له يكون ما بلحاظه بلا عوض واقعاً ، وهذا من أكل المال بالباطل .

لا يقال : يأتي ما ذكر في الشروط الصحيحة أيضاً في صورة تخلّفها ، كما لو شرط عربية فرس خارجي فبان عدمها ، مع أنّ في تخلّفه الخيار بلا إشكال .

فإنّه يقال : لو قام دليل من إجماع أو غيره على الصحّة في موارد تخلّف الشرط والوصف ، نقول بمقتضاهما في موردهما على خلاف القواعد دون غيره ، فمورد النقض نظير ما نحن فيه .

والأقرب في النظر العاجل هو الوجه الأوّل ، وإن لا يخلو من كلام . ويأتي الكلام فيهما في أبواب الشروط إن شاء اللّه وساعدنا التوفيق منه تعالى .

ثمّ إنّ الكلام في الإجارة نظيره في المقام ، مع أوضحية البطلان فيها في بعض الفروع . كما لو آجر بيتاً ليباع فيه الخمر أو آلات القمار ، فإنّ البطلان فيه واضح . ويظهر حال سائر الصور ممّا تقدّم .

ثمّ إنّ هنا روايات لا بأس بالتعرّض لها ، كرواية صابر ، أو جابر ، قال سألت

ص: 206

أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ، قال : «حرام أجره»(1) .

وأنت خبير بأ نّها مع ضعفها سنداً ولو كان الراوي صابراً (2) ، مخالفة للقواعد العقلائية والشرعية المحكّمة ؛ ضرورة أنّ إجارة البيت إذا لم تكن للانتفاع المحرّم لم تكن اُجرته حراماً .

ومجرّد بيع المستأجر فيه الخمر لا يوجب حرمة الاُجرة ، وإلاّ لزم حرمة اُجرة الدكاكين والبيوت التي يقع فيها عمل محرّم ، أو بيع حرام ، وهو كما ترى .

فلا محيص عن حملها على ما إذا آجره لذلك . والمظنون أن يكون «فيباع» مصحّف «ليباع» .

وربّما تشهد له رواية «دعائم الإسلام» عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «من اكترى دابّة أو سفينة ، فحمل عليها المكتري خمراً أو خنازير أو ما يحرم ، لم يكن على صاحب الدابّة شيء ، وإن تعاقدا على حمل ذلك فالعقد فاسد ، والكري على ذلك حرام»(3) .

وصحيحة ابن اُذينة ، قال كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام أسأله عن الرجل

ص: 207


1- تهذيب الأحكام 7 : 134 / 593 ؛ وسائل الشيعة 17 : 174 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمّد ، عن عبد المؤمن ، عن صابر (جابر) . ضعف سندها باعتبار جابر ، أو باعتبار صابر مولى بسّام ، فراجع تنقيح المقال 1 : 201 / السطر 29 (أبواب الجيم) ؛ و2 : 90 / السطر 9 (أبواب الصاد) .
3- دعائم الإسلام 2 : 78 / 229 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 32 ، الحديث 1 .

يؤاجر سفينته ودابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير ؟ قال : «لا بأس»(1) .

فإنّ التفصيل في رواية «الدعائم» ونفي البأس في الصحيحة ، موافقان للقاعدة المحكّمة بناءً على عدم كون المراد بالصحيحة إجارتهما لذلك ، كما هو الظاهر منها أيضاً .

منها : المعاوضة على عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام.

ومنها : المعاوضة على عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام .

ولها صور ؛ لأ نّه تارةً : تقصد المعاوضة بين العين الموصوفة مع لحاظ زيادة القيمة لأجل الصفة ، كمن باع الجارية المغنّية المعدّة للتغنّي ولاحظ لصفة تغنّيها زيادة قيمة .

واُخرى : تقصد المعاوضة على الموصوفة بلا لحاظ قيمة لأجلها .

وثالثة : تلاحظ الصفة من جهة أ نّها صفة كمال فتزاد لأجلها القيمة من غير نظر إلى عملها الخارجي ، فإنّ زيادة القيم فيما هو موصوف بصفة كمال ، وإن كانت غالباً للانتفاع بها لا لنفسها بما هي كمال ، لكن قد تتعلّق الأغراض بها بما هي ، فتزاد القيمة لأجلها .

ورابعة : هذه الصورة بلا ازدياد القيمة .

وخامسة : تلاحظ الصفة من حيث إنّها كمال قد يستفاد منها الحلال كالتغنّي

ص: 208


1- الكافي 5 : 227 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 174 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 2 .

في الأعراس ، وفي هذه الصورة تارةً تكون المنفعة المحلّلة نادرة ، واُخرى شائعة ، . . . إلى غير ذلك .

والكلام في وجه الصحّة في الصور المذكورة هو الكلام في الشروط بما مرّ(1) .

وكذا في وجه الفساد في الصور التي يبذل فيها المال بلحاظ الصفة ، سواء كان بلحاظ ظهور آثارها كما هو الشائع المتعارف في زيادة القيم أم بلحاظ نفسها من حيث هي صفة كمال .

إلاّ أنّ وجه البطلان في المقام لعلّه الأوضح منه في الشروط ؛ لأنّ الشروط من قبيل التزام في التزام ، وأمّا في المقام ، فالأوصاف من قيود المبيع ، فمقابلة المال لبّاً في مقابلها أوضح .

فيمكن أن يقال : كما أنّ الجارية المغنّية إذا لم تكن لها قيمة إلاّ بلحاظ وصف التغنّي فبيعت موصوفة بمائة دينار ، تكون المعاملة باطلة ؛ لأنّ ذاتها لا قيمة لها فرضاً وصفتها ساقطة القيمة شرعاً ، ففي محيط الشرع لا تكون لها قيمة ويكون أكل المال بهذا اللحاظ أكلاً بالباطل ؛ لتحكيم دليل إسقاط المالية عنها على الآية الكريمة بوجه أشرنا إليه(2) .

وكذا لو كانت لها قيمة في غاية القلّة - كدرهم

- مع قطع النظر عن صفة التغنّي فبيعت موصوفة بمائة دينار ، يكون أخذ المال بإزائها بلحاظ وصفها أكلاً له بالباطل ، وتكون المعاملة في محيط الشرع سفهية .

ص: 209


1- تقدّم في الصفحة 197 - 206 .
2- تقدّم في الصفحة 200 .

فكذلك لو بيعت موصوفة مع لحاظ مقدار من المالية لصفتها ، وأخذه بلحاظها مع سقوطها عن المالية في لحاظ الشارع ، فإنّ أكل المال في مقابل شيء بلحاظ ما لا مالية له ، أكل له بالباطل .

والأوجه بالنظر بحسب القواعد وإن كان الصحّة ؛ لما تقدّم في الشروط(1) ،

لكنّه غير خالٍ من المناقشة والتأمّل .

هذا حال ما يلاحظ بإزاء الصفة مال ، وأمّا مع عدم لحاظه فمقتضى القواعد صحّتها ؛ لإطلاق الأدلّة وعمومها وعدم وجه للفساد . ومجرّد توصيف المبيع بصفة يترتّب عليها الحرام لا يوجب بطلان المعاملة . ولو فرض صدق الإعانة على الإثم عليها في بعض الأحيان لا يقتضي ذلك بطلانها ، كما يأتي الكلام فيه(2) .

وبما ذكرناه يظهر التأمّل في كلام شيخنا الأعظم(3) ، حيث نفى الإشكال عمّا لو لوحظ من حيث إنّه صفة كمال قد تصرف إلى المحلّل ، فيزيد لأجلها الثمن ، وكانت المنفعة المحلّلة لتلك الصفة ممّا يعتدّ بها .

واختار الصحّة أيضاً فيما كانت المنفعة المحلّلة نادرة ، وزادت القيمة لأجل صفة الكمال التي قد تصرف إلى المحلّل .

وذلك لأنّ زيادة القيمة ليست لأجل صفة الكمال بما هي كذلك ، بل تفاوت القيم في الأشياء بلحاظ الانتفاع بها ، فصفة الكمال المنتفع بها توجب

ص: 210


1- راجع الصفحة 197 وما بعدها .
2- يأتي في الصفحة 218 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 128 .

زيادة القيمة بمقدار مرغوبية الانتفاع .

ولو فرض بذل بعض الأشخاص أحياناً مالاً بلحاظ نفس صفة الكمال ، فهو لا محالة لأجل بعض أغراض اُخر ، لا بواسطة مالية الصفة بذاتها من غير جهة انتفاع وإبراز .

فعليه إنّ بذل المال إن كان للصفة بلحاظ إبرازها المحلّل ، وتتقدّر القيمة بلحاظها بتلك الحيثية ، فلا إشكال في صحّة المعاملة بحسب القواعد ، كانت المنفعة نادرة أم لا . نعم ، لا بدّ في النادرة كونها ذات قيمة لدى العقلاء .

وإن زاد القيمة بمقدار الصفة بتمام الحيثيات المحلّلة والمحرّمة ولوحظت للمحلّلة فقط جزافاً ، يأتي فيه الإشكال المتقدّم من احتمال صدق أكل المال بالباطل عليه ، سيّما إذا كانت المنفعة النادرة ممّا لا قيمة لها ، فإنّ لحاظ

القيمة لما لا قيمة لها لا يجعلها ذات قيمة ، كما أنّ لحاظ زيادتها لا يجعلها زائدة ، فبذل المال بلحاظ ما لا مالية لها ، والزيادة بلحاظ ما لا زيادة لها ، بذل بلا حصول مقابله لبّاً ، وهو نظير ما تقدّم من احتمال كونه من قبيل أكل المال بالباطل .

هذا بحسب القواعد .

وأمّا بحسب الأخبار ، فالظاهر شمول مثل قوله في التوقيع : «وثمن المغنّية حرام»(1) ، وقوله في صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد : «إنّ ثمن الكلب والمغنّية

ص: 211


1- كمال الدين : 483 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 3 .

سحت»(1) ، وقوله في رواية الطاطري : «شراؤهنّ وبيعهنّ حرام»(2) للجارية المغنّية التي شغلها التغنّي وكانت معدّة لذلك ، سواء كان الثمن المجعول في مقابلها بلحاظ كونها مغنّية ومنشأً لهذا الأثر كلاًّ أو بعضاً ، أم جعل بلحاظ نفس ملكة التغنّي مقطوع النظر عن العمل ، أو مع النظر إلى الأثر المحلّل كالقراءة بحسن صوتها أو التغنّي لزفّ الأعراس ، أو بلحاظ ذاتها ، أو صفتها الاُخرى كالخياطة ؛ لصدق كون ثمنها ثمن المغنّية ، فإنّها عبارة عن الذات الموصوفة بالصفة المعدّة لذلك ، والثمن يجعل في مقابل الموجودة في الخارج وهي الجارية المغنّية .

ومجرّد عدم لحاظ كون الثمن لصفتها لم يخرجها عنها ولا يضرّ بصدق كون الثمن ثمن المغنّية .

نعم ، لو جعل الثمن بإزاء وصفها - أي الخياطة - لم يصدق أ نّه ثمن المغنّية ، أو باع الكلّي الموصوف بالخياطة وسلّم الخيّاطة المغنّية ، فكذلك ، لكنّ الأوّل مجرّد فرض لا واقعية له ، بل هو باطل بجهة اُخرى ، والثاني خروج عن الفرض والمسألة .

وبالجملة : إنّ المبيع هو الجارية الموجودة في الخارج التي هي المغنّية ، والثمن الذي بإزائها ثمن هذه الموجودة المغنّية .

ص: 212


1- قرب الإسناد : 305 / 1195 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 4 .
2- الكافي 5 : 120 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 124 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 7 .

وهذا نظير بيع المسكر الخارجي ويجعل الثمن بلحاظ كونه مادّة سيّالة لا بلحاظ مسكريته ؛ فإنّه من الواضح صدق كون الثمن بإزائه ثمن المسكر ، ومجرّد اللحاظ لا يوجب بطلان الصدق .

إن قلت : لعلّ نكتة تحريم ثمنها وجعله سحتاً ، هي سقوط مالية صفة التغنّي فيكون أكل المال بلحاظ الصفة الساقطة من قبيل أكل المال بالباطل ، فالحكم بالحرمة والسحتية دائر مدار لحاظ مالية لها ، كما تقدّم الكلام فيه(1) ، فإذا لم يجعل الثمن بلحاظها لم يكن أكلاً للمال بالباطل .

قلت : الظاهر المتفاهم عرفاً من الروايات(2) أنّ الحكم بحرمة ثمنها وبيعها وشرائها ، إنّما هو للفساد المترتّب عليها ، فأراد الشارع قلع الفساد ، أو تقليله ،

ولا ينقدح في الأذهان منها كون التحريم لأجل كونه أكلاً للمال بالباطل ، بل مع احتمال ذلك فالمرجع إطلاق الأدلّة .

فإذا كانت الجارية مغنّية ، وأراد المشتري منها التغنّي ، وتشبّث بحيلة لتصحيح المعاملة وتملّك الجارية ، وأراد البائع أيضاً تصحيحها وحلّية ثمنها بجعل الثمن بإزاء ذاتها مجرّدة عن الصفة ، أو بلحاظ سائر أوصافها دون صفة التغنّي ، أو بإزائها للأثر المحلّل؛ فراراً من الحرام إلى الحلال ، لا يمكن لهما ذلك ولا تصحّح تلك الحيلة البيع ؛ لصدق أنّ ثمنها ثمن المغنّية؛ لما عرفت .

وهذا نظير أن ينهى المولى عن ضرب الجارية المغنّية فضربها لكونها خيّاطة ، أو لذاتها؛ حيلة لعدم مخالفته .

ص: 213


1- تقدّم في الصفحة 200 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 122 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 .

إن قلت : إنّ الأخبار محمولة على الغالب ، وهو مورد بيع المغنّيات وتزييد القيمة لصنعتها .

قلت : لو سلّم أنّ الغلبة صارت موجبة للانصراف في موارد اُخر ، لا توجب ذلك في المقام ؛ لأنّ مناسبة الحكم والموضوع وفهم العرف من الروايات نكتة الجعل ، توجبان التعميم بل إلغاء الخصوصية لو كانت واردة في مورد خاصّ ، فالانصراف ممنوع والإطلاق محكّم .

نعم ، لو تابت المغنّية عن عملها وتركت الاشتغال به ، فالظاهر صحّة بيعها وإن قلنا بصدق المشتقّ ؛ لكون المبدأ هو الملكة العلمية لا الصنعة والعمل ؛ لانصراف الأخبار عن هذه الصورة . بل يقوى احتمال عدم صدق المشتقّ ؛ لاحتمال أن يكون المبدأ التغنّي الذي من قبيل الحرفة ، فيكون الصدق لاتّخاذه حرفة كالمكاري والتاجر ، فإذا تركت الحرفة وأعرضت عنها بطل الصدق ، كما أنّ الظاهر انصرافها عمّا إذا كان غرض المتعاملين حفظها عن التغنّي وكان البائع غير قادر عليه ، ولو كانت صفة التغنّي دخيلة في زيادة الثمن .

نعم ، يأتي فيه الإشكال المتقدّم وهو احتمال صدق أكل المال بالباطل .

وأمّا إذا كان غرض المشتري ذلك دون البائع ، فالظاهر بطلانه ؛ لشمول الأخبار له ، سواء علم قصد المشتري ، أم لا .

ثمّ لو قلنا باستفادة البطلان من قوله : «ثمن المغنّية سحت» أو «حرام» كما هو الأرجح بالنظر ، فهو ، وإلاّ صحّت المعاملة ، وإن حرّم ثمنها تكليفاً بعنوان كونه ثمنها .

ص: 214

هذا حال مثل قوله : «ثمن المغنّية حرام وسحت» مع قطع النظر عن مورد الروايات .

وأمّا بالنظر إليه فلا بدّ من نقلها وبيان مفادها :

فمنها : صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل علیه السلام :

جعلت فداك إنّ رجلاً من مواليك عنده جوارٍ مغنّيات قيمتهنّ أربعة عشر ألف دينار وقد جعل لك ثلثها . فقال : «لا حاجة لي فيها ، إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت»(1) .

والظاهر منها أنّ الجواري كانت موجودة عند بعض الموالي ، وجعل ثلث قيمتهنّ لأبي الحسن علیه السلام .

فالقاعدة تقتضي صحّة الوصيّة لو قلنا بأنّ للجواري المغنّيات قيمة بلحاظ سائر أوصافهنّ ، أو بلحاظ ذواتهنّ ، وإن زعم الموصي بأنّ لهنّ قيمة بلحاظ التغنّي ، وهذا الزعم الباطل لا يوجب بطلانها .

فلو فرض أنّ لهنّ قيمة واقعية ملحوظة لدى الشارع ، كان ثلثها لأبي الحسن علیه السلام .

فردّه الوصيّة دليل على أنّ بيعهنّ مطلقاً حرام ، وثمنهنّ سحت ، سواء تباع بلحاظ قيمة التغنّي ، أو بلحاظ غيره ، وإلاّ لقال : بعهنّ بلحاظ سائر أوصافهنّ .

واحتمال أن يكون ردّها لمنافاة القبول لمقام شرافته وتنزّهه ، مخالف للظاهر من قوله : «إنّ ثمنها سحت» فإنّ ظاهره أنّ ردّها لأجل حكم الشارع بأنّ ثمنهنّ

ص: 215


1- قرب الإسناد : 350 / 1195 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 4 .

سحت ، مع أنّ القبول بالنحو المتقدّم لا ينافي مقامه علیه السلام .

كما أنّ احتمال أن يكون الموصى به قيمتهنّ بلحاظ الصفة المحرّمة ، فجعل ثلث مالية تلك الجهة له علیه السلام ، فتكون الوصيّة باطلة ، بعيد عن ظاهر الرواية ، مع أنّ ترك الاستفصال دليل على الحرمة مطلقاً .

كما أنّ احتمال أن لا تكون لهنّ قيمة إلاّ بلحاظ صفة التغنّي بعيد غايته ، بل مقطوع الخلاف .

ومنها : رواية إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : أوصى إسحاق بن عمر بجوارٍ له مغنّيات أن نبيعهنّ ونحمل ثمنهنّ إلى أبي الحسن علیه السلام ، قال إبراهيم : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم وحملت الثمن إليه ، فقلت له : إنّ مولىً لك يقال له إسحاق بن عمر ، أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات وحمل الثمن إليك وقد بعتهنّ وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : «لا حاجة لي فيه ، إنّ هذا سحت ، وتعليمهنّ كفر ، والاستماع منهنّ نفاق ، وثمنهنّ سحت»(1) .

يمكن الاستدلال بها على البطلان مطلقاً ، بأن يقال : لو كان لبيع المغنّيات وجه صحّة ووجه فساد ، كان مقتضى القاعدة حمله على الصحّة لا الحكم بكون الثمن سحتاً ، فالحكم به وردّ الثمن دليل على أن لا وجه صحيح في بيعهنّ .

إلاّ أن يقال بظهورها في أنّ البيع وقع بلحاظ كونها مغنّية ولوحظت زيادة القيمة لأجلها ، كما هو الغالب الشائع من بيع المغنّيات .

ص: 216


1- الكافي 5 : 120 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 5 .

أو يقال بعدم جريان أصالة الصحّة فيما كان الغالب على خلافها كما في المقام .

ومع ذلك فترك الاستفصال لا يخلو من إشعار بالبطلان مطلقاً .

ومنها: صحيحة معمّر بن خلاّد عن أبي الحسن الرضا علیه السلام ، قال : «خرجت وأنا اُريد داود بن عيسى بن علي ، وكان ينزل بئر ميمون ، وعليّ ثوبان غليظان ، فلقيت امرأة عجوزاً ومعها جاريتان ، فقلت : يا عجوز ، أتباع هاتان الجاريتان ؟ فقالت : نعم ، ولكن لا يشتريهما مثلك . قلت : ولِمَ ؟ قالت : لأنّ إحداهما مغنّية والاُخرى زامرة . . .»(1) .

ويمكن الاستدلال بها للبطلان مطلقاً بأن يقال : لو كان الاشتراء بلحاظ سائر أوصافهنّ جائزاً ، لم يقرّرها عليه ، أو أشار إليه في نقله لمعمّر بن خلاّد .

إلاّ أن يقال : إنّ العجوز كانت لم تبعهما إلاّ بلحاظ قيمة وصفهما .

منها : حكم بيع شيء مباح ممّن يصرفه في الحرام

ومنها : بيع شيء مباح ممّن يصرفه في الحرام ، كبيع الخشب ممّن يعمل صنماً أو بربطاً ونحوهما ، وبيع العنب ممّن يعمل خمراً ، فتارة : يعلم البائع أ نّه يصرفه

في الحرام وأراد ذلك فعلاً ، واُخرى : يعلم بعدم إرادته الحرام ، لكن يعلم بتجدّد إرادته لذلك ، وعليه تارة : يكون البيع أو تسليم المبيع له موجباً لإرادته ، كما لو

ص: 217


1- الكافي 6 : 478 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 304 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 4 .

كان العنب جيّداً صالحاً للتخمير ، فإذا باعه صار موجباً لإرادته ، واُخرى : يكون تجدّدها لا لذلك ، وعلى أيّ حال تارةً : يكون البيع بداعي توصّله إلى الحرام أو برجاء ذلك ، واُخرى : لا يكون كذلك ، وعلى أيّ حال تارةً : يترك الحرام مع تركه البيع ، واُخرى : لا يترك لوجود بائع غيره .

والأولى صرف الكلام أوّلاً إلى الحكم الكلّي ، ثمّ الكلام في الروايات الخاصّة . فيقع الكلام في مقامين :

يقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : فيما يمكن أن يستدلّ به على الحكم

وهو اُمور :

1 - الاستدلال بحكم العقل بقبح إعانة الغير على المعصية

أحدها : حكم العقل بقبح إعانة الغير على معصية المولى وإتيان مبغوضه ، فكما أنّ إتيان المنكر قبيح عقلاً ، وكذا الأمر به والإغراء نحوه قبيح ، كذلك تهيئة

أسبابه والإعانة على فاعله قبيح عقلاً موجب لاستحقاق العقوبة .

ولهذا كانت القوانين العرفية متكفّلة لجعل الجزاء على معين الجرم وإن لم يكن شريكاً في أصله . فلو أعان أحد السارق على سرقته وهيّأ أسبابه وساعده في مقدّماته ، يكون مجرماً في نظر العقل والعقلاء وفي القوانين الجزائية .

وقد ورد نظيره في الشرع فيما لو أمسك أحد شخصاً وقتله الآخر وكان ثالث نظر لهما ، أنّ على القاتل القود ، وعلى الممسك الحبس حتّى يموت ،

ص: 218

وعلى الناظر أو الربيئة تسميل عينيه(1) .

ولا منافاة بين ذلك وبين ما حرّرناه في الاُصول من عدم حرمة مقدّمات الحرام مطلقاً (2) ؛ لأنّ ما ذكرناه في ذلك المقام هو إنكار الملازمة بين حرمة الشيء وحرمة مقدّماته ، وما أثبتناه هاهنا إدراك العقل قبح العون على المعصية والإثم لا لحرمة المقدّمة ، بل لاستقلال العقل على قبح الإعانة على ذي المقدّمة الحرام وإن لم تكن مقدّماته حراماً .

وهذا عنوان لا يصدق على إتيان الفاعل المقدّمات ، ولهذا لا يكون المجرم في إتيان مقدّماته مجرماً ، بل يكون مجرماً في إتيان نفس الجرم . نعم ، لو أتى بالمقدّمات ولم يوفّق بإتيان الحرام كان متجرّياً .

وبالجملة : يرى العقل فرقاً بين الآتي بالجرم بمقدّماته وبين المساعد له في الجرم ولو بتهيئة أسبابه ومقدّماته ، فلا يكون الأوّل مجرماً في إتيان المقدّمات زائداً عن إتيان الجرم ، وأمّا الثاني فيكون مجرماً في تهيئة المقدّمات ، فيكون في نظر العقل المساعد له كالشريك له في الجرم وإن تفاوتا في القبح .

والظاهر عدم الفرق في القبح بين ما إذا كان تهيئة المقدّمات بداعي توصّل الغير إلى الجرم وغيره ، فإذا علم بأنّ السارق يريد السرقة ويريد ابتياع السلَّم لذلك ، يكون تسليم السلّم إليه قبيحاً وإن لم يكن التسليم لذلك ، وإن كان الأوّل أقبح .

ص: 219


1- راجع وسائل الشيعة 29 : 50 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 17 ، الحديث 3 .
2- راجع مناهج الوصول 1 : 347 .

كما لا فرق في نظر العقل بين الإرادة الفعلية والعلم بتجدّدها ، سيّما إذا كان التسليم موجباً لتجدّدها .

كما لا فرق بين وجود بائع آخر وعدمه ، وإن تفاوتت الموارد في القبح لكنّها مشتركة في أصله .

ثمّ إنّ حكم العقل بالقبح في تلك الموارد ثابت ولو لم يصدق على بعضها عنوان الإعانة على الإثم والتعاون ونحوهما ، فإنّ العقل يدرك قبح تهيئة مقدّمات المعصية والجرم ، صدق عليها تلك العناوين أم لا .

ولعلّ ما ورد في الكتاب(1) والأخبار من النهي عن التعاون على الإثم والعدوان ، أو معونة الظالمين(2) ، أو لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في الخمر غارسها وحارسها وبائعها ومشتريها وحاملها وساقيها (3) ، وكذا ما وردت من حرمة بيع المغنّيات(4) ، وإجارة المساكن لبيع بعض المحرّمات(5) ، كلّها لذلك أو لنكتته .

ثمّ إنّه بعد إدراك العقل قبح ذلك - أي الإعانة على الإثم وتهيئة أسباب المنكر والمعصية - لا يمكن تخصيص حكمه وتجويز الإعانة عليها في مورد ، كما لا يمكن تجويز المعصية . كما يشكل التخصيص أيضاً لو كان الدليل عليه مثل

ص: 220


1- المائدة (5) : 2 .
2- راجع وسائل الشيعة 16 : 55 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 80 ، و17 : 177 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 .
3- تقدّمت في الصفحة 46 .
4- تقدّمت في الصفحة 211 - 212 .
5- راجع وسائل الشيعة 17 : 174 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .

قوله حكاية عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه لعن الخمر وغارسها . . . ، بناءً على إلغاء الخصوصية عن الطوائف العشر إلى كلّ معين لشربها ، أو إلى كلّ معين لمعصية ، لكن الثاني ممنوع ؛ لأ نّه مخصوص بالخمر ولا يتعدّى إلى غيرها ، ولا يجوز إلغاء الخصوصية عنها .

نعم ، لو كان الدليل مثل قوله : )وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( لا منع من تخصيصه .

2 - الاستدلال بآية حرمة التعاون على الإثم

ثانيها : قوله تعالى : )وَتَعاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالعُدْوَانِ((1) .

وربما استشكل عليه الفاضل الإيرواني تارة : بأنّ مؤدّاها الحكم التنزيهي بقرينة مقابلته للأمر بالإعانة على البرّ والتقوى الذي ليس للإلزام قطعاً . واُخرى :

بأنّ قضيّة باب التفاعل هو الاجتماع على إتيان المنكر ، كأن يجتمعوا على قتل النفوس ونهب الأموال ، لا إعانة الغير على إتيانه على أن يكون الغير مستقلاًّ وهذا معيناً له بإتيان بعض مقدّماته(2) .

ويرد على الأوّل : أ نّه لو سلِّمت في سائر الموارد قرينية بعض الفقرات على الاُخر بما ذكر ، لا يسلَّم في المقام ؛ لأنّ تناسب الحكم والموضوع وحكم العقل شاهدان على أنّ النهي للتحريم .

ص: 221


1- المائدة (5) : 2 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 97 .

مضافاً إلى أنّ مقارنة الإثم والعدوان الذي هو الظلم لم تبق مجالاً لحمل النهي على التنزيه ؛ ضرورة حرمة الإعانة على العدوان والظلم كما دلّت عليها الأخبار المستفيضة ، وحمل العدوان على غير الظلم كما ترى .

وعلى الثاني : أنّ ظاهر مادّة العون عرفاً وبنصّ اللغويين ، المساعدة على أمر ، والمعين هو الظهير والمساعد(1) ، وإنّما يصدق ذلك فيما إذا كان أحد أصيلاً في أمر وأعانه غيره عليه .

فيكون معنى )لاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( لا يكن بعضكم لبعض ظهيراً ومساعداً ومعاوناً فيهما ، ومعنى تعاضد المسلمين وتعاونهم أنّ كلاًّ منهم يكون عضداً ومعيناً لغيره ، لا أ نّهم مجتمعون على أمر .

ففي «القاموس» : «تعاونوا واعتونوا : أعان بعضهم بعضاً»(2) ونحوه في «المنجد»(3) .

وفي «مجمع البيان» في ذيل الآية قال : «أمر اللّه عباده بأن يعين بعضهم بعضاً

على البرّ والتقوى» إلى أن قال : «ونهاهم أن يعين بعضهم بعضاً على الإثم . . .»(4) .

وكون التعاون فعل الاثنين لا يوجب خروج مادّته عن معناها ، فمعنى تعاون زيد وعمرو ، أنّ كلاًّ منهما معين للآخر وظهير له ، فإذا هيّأ كلّ منهما مقدّمات عمل الآخر يصدق أ نّهما تعاونا .

ص: 222


1- المصباح المنير : 438 ؛ مجمع البحرين 6 : 285 ؛ لسان العرب 9 : 484 .
2- القاموس المحيط 4 : 252 .
3- المنجد : 539 .
4- مجمع البيان 3 : 240 .

وبالجملة : كون التفاعل بين الاثنين لا يلازم كونهما شريكاً في إيجاد فعل شخصي ، فالتعاون كالتكاذب والتراحم والتضامن ممّا هي فعل الاثنين من غير اشتراكهما في فعل شخصي .

ولو كان المراد من حرمة التعاون على الإثم هو الشركة فيه ، يكون مقتضى الجمود على ظاهر الآية هو حرمة شركة جميع المكلّفين في إتيان محرّم ، وهو كما ترى .

فالظاهر من قوله : )وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( عدم جواز إعانة بعضهم بعضاً في إثمه وعدوانه وهو مقتضى ظاهر المادّة والهيئة . ولو قلنا بصدق التعاون والتعاضد على الاشتراك في عمل فلا شبهة في عدم اختصاصه به .

ثمّ إنّ المحكيّ عن المحقّق الثاني الإيراد على التمسّك بآية حرمة التعاون على الإثم لتحريم بيع شيء ممّا يعلم عادةً التوصّل به إلى محرّم ، بأ نّه لو تمّ هذا

الاستدلال فيمنع معاملة أكثر الناس . والجواب عن الآية المنع من كون محلّ النزاع معاونة ، مع أنّ الأصل الإباحة وإنّما المعاونة مع بيعه لذلك(1) ، انتهى .

وفصّل هذا الإجمال في «مفتاح الكرامة» و«الجواهر» بأ نّه قامت السيرة على معاملة الملوك والاُمراء فيما يعلمون صرفه في تقوية الجند والعساكر المساعدين لهم على الظلم والباطل ، وإجارة الدور والمساكن والمراكب لهم لذلك ، وبيع المطاعم والمشارب للكفّار في نهار شهر رمضان مع علمهم بأكلهم فيه ، وبيعهم بساتين العنب منهم مع العلم العادي بجعل بعضه خمراً ، وبيع

ص: 223


1- حياة المحقّق الكركي وآثاره ، حاشية إرشاد الأذهان 9 : 318 .

القرطاس منهم مع العلم بأنّ منه ما يتّخذ كتب ضلال(1) .

أضف إليها ما ورد من جواز بيع المختلط بالمذكّى من المستحلّ ، وجواز بيع العجين النجس منه(2) ، وجواز إطعام المرق النجس لأهل الذمّة(3) ، وجواز سقيهم مع تنجّس الماء بملاقاتهم(4) . . . إلى غير ذلك .

أقول : أمّا صدق الإعانة فيما نحن فيه فسيأتي الكلام فيه(5) ، وقد عرفت أنّ حكم العقل بالقبح لا يتوقّف على صدق عنوان الإعانة(6) .

وأمّا الموارد التي ذكروها وادّعوا فيها السيرة :

فالجواب أمّا عن السيرة ببيع المطاعم من الكفّار وما هو نظير ذلك كبيع العنب لهم مع العلم بجعل بعضه خمراً ، فحكم العقل بالقبح وصدق الإعانة على الإثم فرع كون الإتيان بما ذكر إثماً وعصياناً ، وهو ممنوع ، لا لكون الكفّار غير مكلّفين بالفروع أو غير معاقبين عليها ، فإنّ الحقّ أ نّهم مكلّفون ومعاقبون عليها ، بل لأنّ أكثرهم - إلاّ ما قلّ وندر - جهّال قاصرون لا مقصّرون :

أمّا عوامّهم فظاهر ؛ لعدم انقداح خلاف ما هم عليه من المذاهب في أذهانهم ، بل هم قاطعون بصحّة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب ، نظير عوامّ المسلمين ؛

ص: 224


1- مفتاح الكرامة 12 : 128 ؛ جواهر الكلام 22 : 32 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 99 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 7 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 358 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 26 ، الحديث 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 9 : 409 ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، الباب 19 ، الحديث 3 .
5- يأتي في الصفحة 235 .
6- تقدّم في الصفحة 220 .

فكما أنّ عوامّنا عالمون بصحّة مذهبهم وبطلان سائر المذاهب ، من غير انقداح خلاف في أذهانهم لأجل التلقين والنشو في محيط الإسلام ، كذلك عوامّهم من غير فرق بينهما من هذه الجهة ، والقاطع معذور في متابعة قطعه ولا يكون عاصياً وآثماً ولا تصحّ عقوبته في متابعته .

وأمّا غير عوامّهم فالغالب فيهم أ نّه بواسطة التلقينات من أوّل الطفولية والنشوء في محيط الكفر صاروا جازمين ومعتقدين بمذاهبهم الباطلة ، بحيث كلّ ما ورد على خلافها ردّوها بعقولهم المجبولة على خلاف الحقّ من بدو نشوئهم .

فالعالم اليهودي والنصراني كالعالم المسلم لا يرى حجّة الغير صحيحة وصار بطلانها كالضروري له ؛ لكون صحّة مذهبه ضرورية لديه لا يحتمل خلافه .

نعم ، فيهم من يكون مقصّراً لو احتمل خلاف مذهبه وترك النظر إلى حجّته عناداً أو تعصّباً ، كما كان في بدو الإسلام في علماء اليهود والنصارى من كان كذلك .

وبالجملة : إنّ الكفّار كجهّال المسلمين منهم قاصر ، وهم الغالب ، ومنهم مقصّر . والتكاليف اُصولاً وفروعاً مشتركة بين جميع المكلّفين عالمهم وجاهلهم ، قاصرهم ومقصّرهم . والكفّار معاقبون على الاُصول والفروع لكن مع قيام الحجّة عليهم لا مطلقاً ، فكما أنّ كون المسلمين معاقبين على الفروع ليس معناه أ نّهم معاقبون عليها سواء كانوا قاصرين أم مقصّرين ، كذلك الكفّار طابق النعل بالنعل بحكم العقل واُصول العدلية .

فتحصّل ممّا ذكر أنّ ما ادّعي من السيرة على بيع الطعام في نهار شهر رمضان من الكفّار وسائر ما هو نظيره ، خارج عن عنوان الإعانة على الإثم أو تهيئة

ص: 225

أسباب المعصية ؛ لعدم الإثم والعصيان غالباً ، وعدم العلم ولو إجمالاً بوجود مقصّر فيمن يشتري الطعام وغيره . هذا مع غفلة جلّ أهل السوق لولا كلّهم عن هذا العلم الإجمالي وعدم انقداح ما ذكر في أذهانهم .

فدعوى وجود السيرة مع العلم التفصيلي أو الإجمالي والتوجّه والتذكّر لذلك ، غير وجيهة جدّاً .

وأمّا بيع القرطاس مع العلم باتّخاذ كتب الضلال من بعضه فمضافاً إلى ما تقدّم وعدم العلم الإجمالي رأساً ، إنّ دفع إضلال الناس من الاُمور التي يهتمّ به الشارع الأقدس ، فكيف يمكن القول بجواز بيع القرطاس ممّن يعلم أ نّه يكتب فيه ضدّ الإسلام وردّ القرآن الكريم - والعياذ باللّه - صدق عليه عنوان الإعانة على الإثم

أم لا ؟

وأمّا ما ذكر من السيرة على معاملة الملوك - لو سلّم حصول العلم الإجمالي المذكور ؛ أي حصول العلم بصرفه في الظلم والعدوان - فلا تكشف تلك السيرة عن رضا الشارع بعد ما وردت تلك الروايات الكثيرة في باب معونة الظالم(1) ؛ حيث يظهر منها حرمة إيجاد بعض مقدّمات الظلم ولو لم يقصد البائع ذلك .

وإن شئت قلت : إنّ السيرة ليست من المسلمين المبالين بالديانة ، وليست المعاملة معهم مع العلم بالصرف في الظلم إلاّ كبيع الخمر وآلات الطرب الذي هو رواج في سوق المسلمين . ولا يمكن عدّه من سيرتهم الكاشفة ولا من سيرتهم بما هم مسلمون .

ص: 226


1- راجع وسائل الشيعة 16 : 55 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 80 ، و17 : 177 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 .

أو قلت : إنّ تلك السيرة مردوعة بالروايات المستفيضة ، وإنّما الاتّكال عليها لكشفها عن رضا الشارع ، ومع تلك الروايات الصالحة للردع لا يمكن ذلك .

هذا ، مع أنّ ترك المعاملة مع عمّال الاُمراء والسلاطين كان مظنّة للضرر ومخالفاً للتقيّة ، سيّما في أعصار الأئمّة علیهم السلام ، ومعه لا يمكن الكشف

عن الحكم الواقعي .

3 - الاستدلال بأدلّة وجوب النهي عن المنكر

ثالثها : أدلّة وجوب النهي عن المنكر ، بأن يقال : دفع المنكر كرفعه واجب ، ولا يتمّ إلاّ بترك البيع .

وربّما نسب هذا الوجه إلى المحقّق الأردبيلي(1) ، لكن لا يظهر منه ذلك ، بل الظاهر منه استبعاد جواز بيع العنب ممّن يعلم أ نّه يصنع خمراً أو يظنّ ذلك ، مع وجوب النهي عن المنكر .

قال : «وممّا يستبعد الجواز وعدم البأس - وهو الباعث على تأويل كلامهم - أن يجوز للمسلم أن يحمل خمراً لأن يشرب والخنزير لأن يأكله من لا يجوز له أكله ، وباع الخشب وغيره ليصنع صنماً والدفوف والمزامير ، مع وجوب النهي عن المنكر ، وإيجاب كسر الهياكل وعدم جواز الحفظ ، وكسر آلات اللهو ، ومنع الشرب ، والحديث الدالّ على لعن حامل الخمر وعاصرها المذكور في «الكافي» وقد تقدّم ، وكذا ما تقدّم في منع بيع السلاح لأعداء الدين فإنّه

ص: 227


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 141 .

يحرم للإعانة على الإثم وهو ظاهر»(1) ، انتهى .

وهو في كمال الإتقان ، وحاصله : دعوى منافاة أدلّة النهي عن المنكر - المستفاد منها أنّ سبب تشريعه لو كان شرعياً، قلع مادّة الفساد والعصيان ، سيّما

مع تلك التأكيدات فيه والاهتمام به من وجوبه بالقلب واليد واللسان ، ودلالة بعض الأحاديث على إيعاد العذاب لطائفة من الأخيار؛ لمداهنتهم أهل المعاصي ، وعدم الغضب لغضب اللّه تعالى(2) ، والنهي عن الرضا بفعل المعاصي(3) ، والأمر بملاقاة أهلها بالوجوه المكفهرّة(4) ، وغيرها ، وكذا سائر ما ذكره - مع تجويز بيع العنب ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً ، والخشب ممّن يجعله صنماً وصليباً أو آلة لهو وطرب ، مع أنّ فيه إشاعة الفحشاء والمعاصي وترويج الإثم والعصيان وملازم للرضا بفعل العاصي . وليس مراد الأردبيلي من قوله : لأن يشرب الخمر ، ولأن يأكل لحم الخنزير ، وليصنع صنماً ، كون البيع لغاية ذلك ، كما هو موهم كلامه ، فراجع كلامه في «شرح الإرشاد» حتّى يتّضح مرامه .

وكيف كان : لا بأس بصرف الكلام في الاستدلال بأدلّة النهي عن المنكر بنحو ما قرّره شيخنا الأعظم قدّس سرّه ؛ توجيهاً لكلام المحقّق الأردبيلي .

فنقول : إنّ دفع المنكر كرفعه واجب بناءً على أنّ وجوب النهي عن المنكر

ص: 228


1- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 51 .
2- راجع وسائل الشيعة 16 : 146 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 8 .
3- راجع وسائل الشيعة 16 : 137 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 5 و7 و18 .
4- راجع وسائل الشيعة 16 : 143 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 6 .

عقلي ، كما صرّح به شيخنا الأعظم(1) . وحكي عن شيخ الطائفة وبعض كتب العلاّمة وعن الشهيدين والفاضل المقداد أ نّه عقلي(2) .

وعن جمهور المتكلّمين منهم المحقّق الطوسي عدم وجوبه عقلاً بل يجب شرعاً (3) .

والحقّ هو الأوّل ؛ لاستقلال العقل بوجوب منع تحقّق معصية المولى ومبغوضه وقبح التواني عنه ، سواء في ذلك التوصّل إلى النهي أو الاُمور الاُخر الممكنة .

فكما تسالموا ظاهراً على وجوب المنع من تحقّق ما هو مبغوض الوجود في الخارج ، سواء صدر من مكلّف أم لا؛ لمناط مبغوضية وجوده ، كذلك يجب المنع من تحقّق ما هو مبغوض صدوره من مكلّف ويرى العبد صدوره منه ، فإنّ المناط في كليهما واحد ، وهو تحقّق المبغوض وإن اختلفا في أنّ الأوّل نفس وجوده مبغوض ، والثاني صدوره من مكلّف مبغوض .

فإذا همّ حيوان بإراقة شيء يكون إراقته مبغوضة للمولى ويرى العبد ذلك وتقاعد عن منعه ، يكون ذلك قبيحاً منه ويستحقّ للعقوبة ، لا لأهمّيته بل لنفس مبغوضيته ، كذلك لو رأى مكلّفاً يأتي بما هو مبغوض مولاه ؛ لاشتراكهما في المناط ، والحاكم به العقل .

ص: 229


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 142 .
2- اُنظر جواهر الكلام 21 : 358 ؛ الاقتصاد ، الشيخ الطوسي : 146 ؛ قواعد الأحكام 1 : 524 ؛ الدروس الشرعية 2 : 47 ؛ الروضة البهيّة 2 : 33 ؛ نضد القواعد الفقهية : 264 .
3- تجريد الاعتقاد : 309 ؛ كشف المراد : 428 .

فإن قلت : على هذا لا يمكن تجويز الشارع ترك النهي عن المنكر .

قلت : هو كذلك لو كان المبغوض فعلياً ولم يكن للنهي مفسدة غالبة ، فلو ورد منه تجويز الترك يكشف عن مفسدة في النهي أو مصلحة في تركه لو كان ذلك متصوّراً في التروك والأعدام .

فدعوى الطباطبائي في تعليقته على «المكاسب» عدم قبح ترك النهي عن المنكر(1) ، في غير محلّها .

نعم ، ما أشار إليه الشيخ الأنصاري من الاستدلال عليه بوجوب اللطف(2) غير وجيه ؛ لما أشار إليه المحشّي المحقّق بكفاية ترهيب اللّه تعالى ونهيه في اللطف(3) .

ثمّ إنّ العقل لا يفرّق بين الرفع والدفع بل لا معنى لوجوب الرفع في نظر العقل ؛ فإنّ ما وقع لا ينقلب عمّا هو عليه ، فالواجب عقلاً هو المنع عن وقوع المبغوض ، سواء اشتغل به الفاعل ، أو همّ بالاشتغال به وعلم بكونه بصدده وكان في معرض التحقّق .

وما يدركه العقل قبحه هو هذا المقدار الذي ادّعاه شيخنا الأنصاري ، لا التعجيز بنحو مطلق حتّى يشمل مثل ترك التجارة والزراعة والنكاح . . . إلى غير ذلك .

نعم ، الظاهر عدم الفرق بين إرادته الفعلية وما علم بتجدّدها بعد البيع،

ص: 230


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 60 .
2- راجع المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 142 .
3- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 60 .

سيّما إذا كان البيع سبباً له ، كما مرّ(1) .

ولو بنينا على أنّ وجوب النهي عن المنكر شرعي فلا ينبغي الإشكال في شمول الأدلّة للدفع أيضاً لو لم نقل بأنّ الواجب هو الدفع ، بل يرجع الرفع إليه حقيقةً ؛ فإنّ النهي عبارة عن الزجر عن إتيان المنكر ، وهو لا يتعلّق بالموجود إلاّ

باعتبار ما لم يوجد ، فإنّ الزجر عن إيجاد الموجود محال عقلاً وعرفاً ، فإطلاق أدلّة النهي عن المنكر شامل للزجر عن أصل التحقّق واستمراره ، فلو علم من أحد إرادة إيجاد الحرام وهمّ به واشتغل بمقدّماته مثلاً ، وجب نهيه عنه ، فإنّ المراد بالمنكر الذي يجب النهي عنه طبيعته لا وجوده .

بل لو فرض عدم إطلاق فيها من هذه الجهة وكان مصبّها النهي عن المنكر بعد اشتغال الفاعل به ، لا شبهة في إلغاء العرف خصوصية التحقّق بمناسبات الحكم والموضوع .

فهل ترى من نفسك أ نّه لو أخذ أحد كأس الخمر ليشربها بمرئى ومنظر من المسلم يجوز له التماسك عن النهي حتّى يشرب جرعة منها ثمّ وجب عليه النهي ؟

وهل ترى عدم وجوب النهي عن المنكر في الدفعيات والوجودات الصرفة الدفعية ؟ ولعمري إنّ التشكيك فيه كالتشكيك في الواضحات .

ثمّ لو قلنا بوجوب دفع المنكر فتارةً : يكون بوجوده الساري منكراً كشرب الخمر وتخميرها ، واُخرى : بصرف وجوده .

ص: 231


1- تقدّم في الصفحة 220 .

وعلى الأوّل تارةً : يكون المشتري مريداً لتخمير كلّ عنب يشتريه ، واُخرى : لا يريد إلاّ تخمير مصداق واحد .

لا ينبغي الإشكال في الحرمة على الأوّل من الأوّل ؛ لأنّ دفع كلّ مصداق من المنكر واجب فرضاً ، والمفروض أنّ كلّ عنب يشتري الخمّار يجعله خمراً ، فترك كلّ بيع دفع عن منكر مستقلاًّ، فهو واجب .

وأمّا بناءً على أنّ المنكر صرف وجود التخمير مثلاً أو لا يخمّر المشتري إلاّ

مصداقاً واحداً من المبيع ، فهل يجوز بيعه إلاّ فيما إذا تركه غيره - فلو علم بناء غيره على البيع يجوز له ذلك ؛ لأنّ دفع المنكر غير مقدور عليه؛ لفرض وجود بائع آخر ، فهو كثقيل يجب على جمع رفعه ولا يمكن ذلك إلاّ باجتماع جميعهم ، فلو علم بعضهم عدم إقدام بعض على الرفع لا يجب عليه إعمال القوّة ، فإنّه لغو - أو لا يجوز ؟ لأنّ دفع المنكر واجب مطلق على كلّ مكلّف ، ولهذا يجب على كلّ منهم دفعه ولو بمنع الغير عن المخالفة ، ولو اجتمع الكلّ على بيع أعنابهم دفعة واحدة ممّن يعلم أ نّه يجعلها خمراً ، يكون الكلّ عاصياً ؛ لانتقاض الدفع الواجب بفعلهم .

فلو اجتمع القوم عدا واحد منهم كان ما عداه عاصياً ولو فرض تحقّق البيع منه لو كان الغير تاركاً ، وذلك لأنّ انتقاض الدفع الواجب غير جائز شرعاً أو قبيح عقلاً ؛ لكونه مخالفة للأمرعقلاً وعرفاً .

ومجرّد بناء الغير على الانتقاض لا يكون عذراً ، فالبائع الواحد وإن لا يقدر على الدفع لكنّه قادر على انتقاضه وعلى المخالفة ، وهذا كافٍ في تحقّق المعصية مع تحقّقه بفعله وانتقاض الدفع ببيعه .

ص: 232

فلو أمر المولى عبيده بدفع السارق عن سرقة ماله وكان متوقّفاً على بقاء الباب مسدوداً ، يجب على كلّ منهم دفعه بحفظ سدّ الباب ، فلو علم بعضهم أنّ بعض العبيد يريد فتح الباب وتمكين السارق ، لا يوجب ذلك البناء والعلم بفتحه على أيّ حال أن يكون معذوراً في فتح الباب وتمكين السارق ، فلو فتحه كان الفاتح عاصياً لا الباني على الفتح ، وهذا بوجه نظير أن يتعذّر قاتل مظلوم محقون الدم بأ نّه صار مقتولاً على أيّ تقدير ، فلو لم أقتله قتله غيري .

وتنظير المقام بحمل الثقيل غير وجيه ، فإنّ الواجب هناك هو الحمل وهو أمر بسيط لا يتحقّق إلاّ بالاجتماع ، ومع العلم بعدم اجتماعهم عليه ، لا يجب على العالم أن يعمل القوّة الغير المؤثّرة ؛ فإنّه لغو ، وأمّا في المقام فإنّ الواجب هو الدفع عن التخمير لأجل مبغوضية تحقّقه ، وكلّ واحد منهم مستقلّ في القدرة على نقضه ، فمن نقضه فهو عاصٍ ، لا من بنى على نقضه .

وبالجملة : عدم إمكان الدفع إنّما هو بعصيان الشركاء وعدم إمكان دفعهم عنه ، فكيف يمكن أن يكون ذلك موجباً لجواز نقضه وعصيانه قبل عصيانهم بمجرّد بنائهم عليه ؟ !

وإن شئت قلت : إنّ بيع الغير وتسليم العنب موجب لتعجيزه عن دفع المنكر ، لا بنائه عليه ، فما لم يتحقّق التسليم من الغير تكون القدرة على الدفع باقية له ؛ فإنّه قادر على إبقاء الدفع ونقضه ما دام الدفع لم ينتقض . فالانتقاض الموجب لتعجيز غيره محرّم وهو حاصل بفعل البائع فعلاً لا تقديراً وبناءً ، وهذا هو الأقوى .

وأمّا ما ذكره السيّد في تعليقته على المكاسب من أ نّه إذا أمر الشارع على

ص: 233

أمر بسيط غير مقدور على آحاد المكلّفين بل يتوقّف على اجتماع جماعة ، فلا محالة يكون الإيجاب راجعاً إلى المقدّمات بالنسبة إلى الآحاد، فتكون المقدّمات واجباً نفسياً وذلك العنوان البسيط الغير المقدور بالنسبة إلى الآحاد غرضاً في المطلوب لا مطلوباً أوّلياً ، ففي المقام يكون الواجب على كلّ مكلّف ترك بيع العنب لا عنوان دفع المنكر ؛ لعدم القدرة عليه ، ولا ترك بيع العنب الموصل إلى الدفع ؛ لأ نّه أيضاً غير مقدور عليه ، فترك بيعه واجب على كلّ منهم إلى أن وقع العصيان من أحدهم ، وأنّ البناء على العصيان لا يكون عصياناً (1) ، انتهى ملخّصاً .

ففيه أوّلاً : أنّ أوامر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تفي بما ذكره بعد ما كان وجوبهما شرعياً لا عقلياً كما هو مذهبه .

وذلك لأنّ تلك الأوامر كغيرها في سائر الأبواب ، متوجّهة إلى آحاد المكلّفين

ولو انحلالاً . فقوله تعالى : )وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ((2) نظير قوله تعالى : )فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ . . .((3) منحلّ إلى أوامر متوجّهة إلى آحاد المكلّفين لا مجموعهم ، ولا يعقل أن تكون متوجّهة إلى الآحاد مستقلاًّ وإلى المجموع بلفظ واحد ، ولو فرض إمكانه ثبوتاً لا يستفاد منه إثباتاً .

فحينئذٍ : يكون إيجاب الدفع على طبق الرفع أيضاً متوجّهاً إلى الآحاد ،

ص: 234


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 61 .
2- آل عمران (3) : 104 .
3- التوبة (9) : 122 .

فلم يكن أمر متوجّهاً إلى المجموع حتّى يقال : لا بدّ من إرجاعه إلى السبب .

وثانياً : أنّ متعلّق الأوامر هو الرفع المفهوم منها الدفع أو الدفع أيضاً ، ولا يكون الدفع غير مقدور مطلقاً حتّى يقال : إنّ الأمر بالمسبّب الغير المقدور راجع إلى سببه ، وكونه في بعض الأحيان غير مقدور ، لا يوجب إرجاع الأمر إلى السبب بالنسبة إليه حتّى يكون مفاد الأمر الواحد في المقدور شيء وفي غيره شيء آخر .

ولو فرض فهم ذاك وذلك من الأوامر بإلغاء الخصوصية - على إشكال فيه في كلا المقامين سيّما الثاني - فلا يلزم منه الإرجاع إلى السبب ؛ فإنّ الأمر كما يمكن أن يتعلّق بآحاد المكلّفين ، يمكن أن يتعلّق بمجموع منهم ، فيكون الأمر واحداً والمأمور واحداً هو المجموع ، ويشترط فيه عقلاً قدرة المجموع لا الآحاد ، فتكون الطاعة بإيجاد المجموع والعصيان بتركهم أو ترك بعضهم ، وعليه أيضاً يفترق المقام عن حمل الثقيل بما تقدّم بيانه .

مفهوم الإعانة على الإثم عرفاً

ثمّ إنّه قد تقدّم(1) أنّ المبنى للحرمة إن كان قبح تهيئة أسباب المعصية والإثم عقلاً ، فلا ينظر إلى صدق مفهوم الإعانة عرفاً ، فإنّ موضوع حكم العقل ليس عنوانها ، بل مطلق تهيئة أسباب المعصية قبيح عقلاً .

نعم ، لا يتجاوز الحكم من تحصيل الشرائط والأسباب إلى مطلق ما له دخل في تحقّق المعصية ، كتجارة التاجر العالم بأخذ العشر منه إذا لم تكن تجارته

ص: 235


1- تقدّم في الصفحة 220 .

لتقوية الظالم ؛ فإنّها ليست قبيحة عقلاً بلا ريب وليست من قبيل تهيئة الأسباب ، ولا فرق في نظر العقل بين الأقسام المتقدّمة في صدر البحث .

وكذا لو كان المستند حكم العقل بدفع المنكر ؛ فإنّ العقل لا يفرّق بين وجود إرادة المعصية فعلاً وبين تجدّدها ، ولا بين كون الداعي توصّل الغير إلى الحرام وغيره ، ولا وجود فاعل آخر وعدمه كما مرّ(1) .

وأمّا إن كان المستند هو الآية الكريمة الناهية عن التعاون على الإثم والعدوان ، فيقع البحث في مفهوم الإعانة على الإثم عرفاً ؛ أي في هذا العنوان التركيبي المتعلّق للنهي :

تارةً : في أ نّه هل يعتبر في صدق الإعانة على الإثم وقوع الإثم في الخارج ؟

واُخرى : في أ نّه هل يعتبر في صدقها قصد المعين لتوصّل الفاعل إلى الحرام ؟

وثالثة : في أ نّه هل يعتبر قصد المعان عليه الحرام ، أو يكفي تخيّل المعين أ نّه قصده ؟

ورابعة : في أ نّه هل يعتبر علم المعين أو ظنّه بترتّب الإثم على ما يوجده ؟

وخامسة : في أ نّه هل يعتبر العلم بتوقّف الإثم على خصوص هذه المقدّمة أو لا ؟

أمّا الأوّل : فقد يقال باعتباره(2) ؛ لأنّ الظاهر من قوله : )لاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ( أي على تحقّقه وهو لا يصدق إلاّ معه ، فإذا لم يتحقّق خارجاً وأوجد شخص بعض مقدّمات عمله لا يقال : إنّه أعانه على إثمه ؛ لعدم صدوره منه ، وما

ص: 236


1- تقدّم في الصفحة 230 .
2- عوائد الأيّام : 78 - 79 .

لا يصدر منه كيف يكون ذلك إعانة على إثمه ؟

وبالجملة : الإعانة على تحقّق الإثم موقوفة على تحقّقه وإلاّ يكون مِن توهّم الإعانة عليه لا نفسها ويكون تجرّياً لا إثماً ، ولهذا لو علم بعدم تحقّقه منه لا يكون إيجاد المقدّمة إعانة على الإثم بلا شبهة .

ولكن يمكن أن يقال : إنّ المفهوم العرفي من الإعانة على الإثم هو إيجاد مقدّمة إيجاد الإثم وإن لم يوجد ، فمن أعطى سلّماً لسارق بقصد توصّله إلى السرقة فقد أعانه على إيجادها ، فلو حيل بين السارق وسرقته شيء ولم تقع منه يصدق أنّ المعطي للسلّم أعانه على إيجاد سرقته وإن عجز السارق عن العمل ، فلو كان تحقّق السرقة دخيلاً في الصدق فلا بدّ وأن يقال : إنّ المعتبر في صدق الإعانة إيجاد المقدّمة الموصلة ، أو الالتزام بأنّ وجود السرقة من قبيل الشرط المتأخّر لصدق الإعانة . وكلاهما خلاف المتفاهم العرفي منها بل هما أمران عقليان .

أو يقال : لا يصدق عرفاً الإعانة على الإثم حتّى وجدت السرقة ، فالفعل المأتيّ به لتوصّل الغير إلى الحرام مراعىً حتّى يوجد ذو المقدّمة ، وبعده يقال : إنّه أعانه عليه . وهو أيضاً خلاف الواقع .

أو يقال : إنّ صدق الإعانة عليها فعلاً باعتبار قيام الطريق العقلائي على وجود الإثم ، وبعد التخلّف يكشف عن كونها تجرّياً لا إعانة . وهو أيضاً غير صحيح ؛ لأنّ الطريق العقلائي عليه لا يتّفق إلاّ أحياناً ، ومع عدم القيام أيضاً يقال : أعانه على إيجاده ، فمن أعطى جصّاً لتعمير مسجد يقال : إنّه أعان على تعميره قبل تحقّقه بل مع عروض مانع عنه ، ولهذا يصحّ أن يقال : إنّي أعنت فلاناً على

ص: 237

تعمير المسجد ولم يقع منه ذلك بلا شائبة تجوّز .

وإن شئت قلت : فرق بين كون الإثم بمعنى اسم المصدر وكونه بمعنى المصدر في صدق الإعانة ، فلو كان بمعنى اسمه يعتبر في صدقها الوجود ، بخلاف ما إذا كان بمعنى المصدر ، والمقام من قبيل الثاني .

وأمّا مورد النقض ؛ أي عدم الصدق مع العلم بعدم تحقّقه منه ، فعدم الصدق باعتبار فقد قيد آخر معتبر فيه كما يأتي الكلام فيه .

لكن مع ذلك كلّه لا يخلو الصدق من خفاء والمسألة من غموض وإن كان الصدق أظهر عرفاً .

وأمّا الثاني : فالأقرب اعتباره ؛ فإنّ الظاهر أنّ إعانة شخص على شيء عبارة عن مساعدته عليه وكونه ظهيراً للفاعل ، وهو إنّما يصدق إذا ساعده في توصّله إلى ذلك الشيء ، وهو يتوقّف على قصده لذلك .

فمن أراد بناء مسجد فكلّ من أوجد مقدّمة لأجل توصّله إلى ذلك المقصد يقال : ساعده عليه وأعانه على بناء المسجد .

وأمّا البائع للجصّ والآجر وسائر ما يتوقّف عليه البناء إذا كان بيعهم لمقاصدهم وبدواعي أنفسهم ، فليس واحد منهم معيناً ومساعداً على البناء ولو علموا أنّ الشراء لبنائه .

نعم ، لو اختار أحدهم من بين سائر المبتاعين الباني للمسجد لتوصّله إليه ، كان مساعداً بوجه ، دون ما إذا يفرق بينه وبين غيره؛ لعدم قصده إلاّ الوصول بمقصده .

فالبزّاز البائع لمقاصده ما يجعل ستراً للكعبة ليس معيناً على البرّ والتقوى ،

ص: 238

ولا البائع للعنب بمقصد نفسه ممّن يجعله خمراً معين على الإثم ومساعد له فيه .

بل لو أوجد ما يتوقّف عليه مجّاناً لغرض آخر غير توصّله إلى الموقوف لا يصدق أ نّه أعانه وساعده عليه .

والتشبّث ببعض الروايات والآيات لنفي اعتباره(1) مع أنّ الاستعمال فيها من قبيل الاستعارة ونحوها ، في غير محلّه .

وأمّا الصدق على إعطاء العصا والسكّين على مريد الظلم والقتل حينهما ، فلعلّه لعدم التفكيك في نظر العرف بين إعطائه في هذا الحال وقصد توصّله إلى مقصده ، ولهذا لو جهل بالواقعة لا يعدّ من المعاون على الظلم ، فلو أعطاه العصا لقتل حيّة واستعملها في قتل إنسان ، لا يكون معيناً على قتل الإنسان . وبالجملة : إنّ الصدق العرفي في المثال المتقدّم لعدم التفكيك عرفاً ، ولهذا لو اعتذر المعطي بعدم إعطائه للتوصّل إلى الظلم مع علمه بأ نّه أراده ، لا يقبل منه .

والظاهر اعتبار ثالث القيود ، فمع عدم قصد المعان عليه الإثم ، لا يكون الإعانة على فعله إلاّ إعانة على ما يتوهّم أ نّه إثم .

وعدم اعتبار رابعها وخامسها ، فمن أعصر خمراً برجاء أن يشرب منها شارب أو أعطى سكّيناً لظالم ليعمل به القتل لو احتاج إليه ، يعدّ عملهما الإعانة على الإثم سيّما إذا تحقّق في الخارج ، بل لا يبعد اعتبار التحقّق في الصدق فيهما .

ثمّ إنّه على القول باعتبار القصد وتحقّق الإثم في مفهومها ، لقائل أن يقول

ص: 239


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 134 - 135 .

بإلغاء القيدين حسب نظر العرف والعقلاء بالمناسبات المغروسة في الأذهان ، بأن يقال : إنّ الشارع الأقدس أراد بالنهي عن الإعانة على الإثم والعدوان قلع مادّة الفساد ، والمنع عن إشاعة الإثم والعدوان ، وعليه لا فرق بين قصده إلى توصّل الظالم بعمله وعدمه مع علمه بصرفه في الإثم والعدوان ، فالنهي عن الإعانة إنّما هو لحفظ غرضه الأقصى ، وهو القلع المذكور ، فيلغي العرف خصوصية قصد التوصّل .

وكذا يمكن أن يقال : إنّ الإعانة على الإثم والعدوان لما تصير عادة موجبة لتشويق العصاة على عملهم وجرأتهم على الإثم والعدوان ، نهى الشارع عن إعانة من همّ بمعصية ؛ سياسةً لأن يرى العامل بالمنكر نفسه وحيدةً في العمل لا معين له فيه ، والوحدة قد توجب الوحشة المؤدّية إلى الترك ، كما أنّ رؤية المعين على عمل موجبة للجرأة ، فالشارع نهى المسلمين عن تهيئة أسباب المعصية لمن أرادها ؛ لقلع مادّة الفساد وانصراف الناس عن الإثم والعدوان .

وإلى بعض ما ذكرناه أشارت رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبداللّه علیه السلام ،

وفيها : «لولا أنّ بني اُميّة وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا»(1) .

فتحصّل من ذلك أ نّه بعد إلغاء الخصوصية عرفاً تستفاد من الآية حرمة تهيئة أسباب المعصية لمن همّ بها ، سواء كانت التهيئة لأجل توصّله إليها أم لا ، وسواء تحقّق الإثم أم لا . ويؤيّده حكم العقل أيضاً بقبحها ، ولكن مع ذلك لا يخلو إلغاء

ص: 240


1- الكافي 5 : 106 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 199 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 47 ، الحديث 1 .

الخصوصية وفهم العرف من الآية ما ذكرناه من تأمّل وإن لا يخلو من وجه .

ثمّ إنّ هذا كلّه في كلّي المسألة .

حرمة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً

وأمّا في خصوص الخمر فالظاهر المتفاهم من المستفيضة الحاكية عن لعن الخمر وغارسها وحارسها وبائعها ومشتريها . . .(1) أنّ اشتراء العنب للتخمير حرام ، بل كلّ عمل يوصله إليه حرام ، لا لحرمة المقدّمة ، فإنّ التحقيق عدم حرمتها ، ولا لمبغوضية تلك الاُمور بعناوينها ، بل الظاهر أنّ التحريم نفسي سياسي لغاية قلع مادّة الفساد .

فإذا كان الاشتراء للتخمير حراماً ؛ سواء وصل المشتري إلى مقصوده أم لا ، تكون الإعانة عليه حراماً ؛ لكونها إعانة على الإثم بلا إشكال ؛ لأنّ قصد البائع وصول المشتري إلى اشترائه الحرام والفرض تحقّق الاشتراء أيضاً ، فبيع العنب ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً حرام وإعانة على الإثم .

هذا إذا قلنا بعدم استفادة حرمة إيجاد مقدّمات تحصيل الخمر من الروايات مطلقاً ؛ سواء كان بقصده أم لا ، فمن غرس العنب وعلم أ نّه سيجعل خمراً ، لا يحرم عليه إذا لم يكن غرسه لذلك .

وأمّا إن قلنا باستفادة الحرمة مطلقاً من تلك التشديدات والتضي-يقات الواردة فيها ، فيكون البيع كالاشتراء حراماً لا لمحض الإعانة على التخمير .

ص: 241


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 3 ، 4 ، 5 ، وقد تقدّمت في الصفحة 46 .
المقام الثاني : في حال الروايات الواردة في المقام

وهي على طائفتين :

إحداهما : ما يمكن توجيهها بوجه لا تنافي ما تقدّم من حكم العقل والنقل(1) ، كصحيحة البزنطي ، قال سألت أبا الحسن علیه السلام عن بيع العصير فيصير خمراً قبل أن يقبض الثمن ، فقال : «لو باع ثمرته ممّن يعلم أ نّه يجعله حراماً لم يكن بذلك بأس ، فأمّا إذا كان عصيراً فلا يباع إلاّ بالنقد»(2) .

بأن يقال : إنّ السؤال عن ثمن العصير ، والجواب أيضاً عن ثمن ما يعلم أ نّه يجعل حراماً وكذا عن ثمن العصير ، فلا تنافي بين نفي البأس عن ثمن العصير وبين حرمة الإعانة على الإثم المنطبق عنوانها على البيع .

نعم ، في قوله : «فأمّا إذا كان عصيراً» إشعار أو ظهور في الجملة في جواز بيع العصير ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً . لكن يمكن أن يقال : إنّ السؤال لمّا لم يكن في العصير عن ذلك ينزّل الجواب عليه ، وهو إثبات البأس ولو بنحو الكراهة بالنسبة إلى بيع العصير نسية ؛ لكونه في معرض الفساد .

وكيف كان : ليس لها ظهور معتدّ به في المنافاة لما تقدّم .

هذا، مع أنّ الضمير في قوله: «يجعله حراماً» يرجع إلى العصير لا إلى ثمرته ، فيمكن أن يقال : إنّه نفى البأس عن بيع ثمرته ممّن يعلم أ نّه يجعل العصير حراماً

ص: 242


1- تقدّم في الصفحة 218 وما بعدها .
2- الكافي 5 : 230 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 1 .

ولا يعلم بأ نّه يجعل هذه الثمرة حراماً .

وكرواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن ثمن العصير قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله حراماً (1) ، قال : «إذا بعته قبل أن يكون خمراً وهو حلال فلا بأس»(2) .

بأن يقال فيها أيضاً : إنّ السؤال إنّما هو عن ثمن العصير وكذا الجواب ، فلا ربط لهما بأصل المعاملة وحرمتها ، مع إمكان أن يقال : إنّ لفظة «أو» للترديد ،

فيكون الابتياع مردّداً بين كونه للحلال أو الحرام ومعه لا بأس ببيعه أيضاً .

والطائفة الثانية : ما لا يمكن توجيهها أو يكون بعيداً مخالفاً للظاهر .

كصحيحة رفاعة بن موسى ، قال سئل أبو عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر عن بيع العصير ممّن يخمّره، قال : «[حلال] ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شراباً خبيثاً ؟»(3).

ومكاتبة ابن اُذينة ، قال كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام أسأله عن رجل له كرم أيبيع العنب والتمر ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً أو سكراً ؟ فقال : «إنّما باعه حلالاً في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه»(4) .

ص: 243


1- الموجود في المصادر الروائية : «خمراً» بدل «حراماً» كما أورده المصنّف كذلك في الصفحة 140 .
2- الكافي 5 : 231 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 136 / 603 ؛ وسائل الشيعة 17 : 231 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 8 .
4- الكافي 5 : 231 / 8 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 5 .

ورواية أبي كهمس ، وفيها : ثمّ قال : «هو ذا ، نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أ نّه يصنعه خمراً»(1) .

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن بيع عصير العنب ممّن

يجعله حراماً ، قال : «لا بأس به ، تبيعه حلالاً فيجعله حراماً ، فأبعده اللّه وأسحقه»(2) . . . إلى غير ذلك .

فإنّ حملها على وهم البائع أنّ المشتري يعمل هذا المبيع خمراً ، أو احتمال أن يكون الضمير راجعاً إلى مطلق العصير كما احتمله الأردبيلي ، بعيد جدّاً ، كما يظهر منه أيضاً أنّ الحمل على خلاف الظاهر ؛ لعدم إمكان الالتزام بها (3) .

وهو كذلك ؛ فإنّها مخالفة للكتاب - أي آية النهي عن التعاون على الإثم - والسنّة المستفيضة وهي الحاكية للعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وغارسها . . . بالتقريب المتقدّم(4) .

ولا يصحّ القول بتقييد الآية والسنّة ؛ لإباء العقول عن ذلك، فإنّ الالتزام بحرمة التعاون على كلّ إثم إلاّ بيع التمر والعنب الذي يشترى للتخمير ، بأن يقال : إنّ الإعانة على غرسها وحرسها وحملها وغير ذلك كلّها محرّمة سوى خصوص

ص: 244


1- الكافي 5 : 232 / 12 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 6 .
2- الكافي 5 : 231 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 4 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 50 .
4- تقدّم في الصفحة 240 .

الاشتراء له ، أو الالتزام بأنّ الإعانة على كلّ إثم حرام إلاّ على شرب الخمر الذي هو من أعظم المحرّمات ، كما ترى .

وتوهّم : أنّ الإعانة على الاشتراء الحرام وهو ليس من المحرّمات المهتمّ بها ، مدفوع بأنّ المفهوم من الآية ولو بمؤونة حكم العقل أنّ مطلق تهيئة أسباب الإثم منهيّ عنه ، والبيع ممّن يعلم أ نّه يبتاع للتخمير من مقدّمات التخمير بل الشرب المهتمّ به ، مضافاً إلى أ نّه يظهر من بعض الروايات أنّ الإعانة على الإثم كنفس الإثم(1) .

كما أنّ الالتزام بعدم حرمة الإعانة على الإثم مطلقاً فراراً عن التفصيل المستبعد بل الغير الممكن ، غير ممكن ؛ إذ مقتضاه مخالفة الروايات للكتاب على نحو التباين ؛ لما تقدّم(2) من عدم إمكان حمل النهي في الآية على التنزيه ، وكذا

لا يصحّ تخصيص السنّة ؛ فإنّ لسانها آبية عنه .

فتلك الروايات بما أ نّها مخالفة للكتاب والسنّة المستفيضة ، وبما أ نّها مخالفة لحكم العقل كما تقدّم ، وبما أ نّها مخالفة لروايات النهي عن المنكر ، بل بما أ نّها مخالفة لاُصول المذهب ومخالفة لقداسة ساحة المعصوم علیه السلام ؛ حيث إنّ الظاهر منها أنّ الأئمّة علیهم السلام كانوا يبيعون تمرهم ممّن يجعله خمراً وشراباً خبيثاً ولم يبيعوه من غيره ، وهو ممّا لا يرضى به الشيعة الإمامية ، كيف ! ولو صدر هذا العمل من أواسط الناس كان يعاب عليه . فالمسلم بما هو مسلم والشيعي

ص: 245


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 177 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 42 .
2- تقدّم في الصفحة 221 .

بما هو كذلك ، يرى هذا العمل قبيحاً مخالفاً لرضا الشارع ، فكيف يمكن صدوره

من المعصوم علیه السلام ؟

واحتمال أن يكون البيع مشتملاً على مصلحة غالبة أو تركه على مفسدة كذلك توجب الجبران ومعه لا قبح فيه بل لعلّ القبح في تركه ، فاسد ؛ فإنّه مع كمال بعده في نفسه بل بطلانه - لأنّ في مثل تلك العناوين الاعتبارية ليست مصلحة ذاتية لا تصل إليها العقول ، نعم ، قد تكون في بعض الأحيان مصلحة التسهيل أو مفسدة التضييق موجبة لمثل ذلك ، لكنّهما في المقام غير محقّقة ؛ لأنّ في ترك البيع لخصوص الخمّار ليس تضييقاً ولا في تسهيله مصلحة جابرة لمثل مفسدة ترويج الخمر وتشييع تلك الفاحشة - إنّه مخالف لظاهر الأخبار ؛ فإنّ مفادها أنّ الجواز لأجل كون البيع في إبّان حلّيته ، وأ نّه إذا حلّ شربه وأكله

حلّ بيعه وأنّ الوزر على صانعه ، وهو مخالف لجميع ما تقدّم من العقل والنقل .

فنعم ما قال السيّد في «الرياض» ؛ حيث قال : «في مقاومة هذه النصوص - وإن كثرت واشتهرت وظهرت دلالتها بل وربّما كان في المطلب صريحاً بعضها ؛ لما مرّ من الاُصول والنصوص المعتضدة بالعقول - إشكال ، والمسألة لذلك محلّ إعضال ، فالاحتياط فيها لا يترك على حال»(1) ، انتهى .

وليته جزم بذلك وردّ تلك النصوص إلى أهلها ، فإنّا مأمورون بذلك .

ولك أن تقول أيضاً : إنّ تلك النصوص معارضة مع الرواية الواردة في المنع عن بيع الخشب للصنم والصليب :

ص: 246


1- رياض المسائل 8 : 55 .

كصحيحة عمر بن اُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه برابط ؟ فقال : «لا بأس به» . وعن رجل له خشب فباعه ممّن يتّخذه صلباناً ؟ قال : «لا»(1) .

ورواية عمرو بن حريث ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن التوت أبيعه يصنع للصليب والصنم ، قال : «لا»(2) .

ولرواية صابر ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ؟ قال : «حرام أجره»(3) .

بناءً على عدم الفصل بين تلك الموارد وعدم الفرق بين الإجارة وغيرها ، وأنّ المراد من الأخيرة إجارة البيت ممّن يعلم أ نّه يبيع فيه الخمر ، والترجيح لتلك الروايات بالوجوه المتقدّمة .

وممّا تقدّم يظهر حال صحيحة ابن اُذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبداللّه علیه السلام

أسأله عن الرجل يؤاجر سفينته ودابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير ؟ قال : «لا بأس»(4) .

ص: 247


1- الكافي 5 : 226 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 176 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 41 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 373 / 1084 ؛ وسائل الشيعة 17 : 176 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 41 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 134 / 593 ؛ وسائل الشيعة 17 : 174 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 1 .
4- الكافي 5 : 227 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 174 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 39 ، الحديث 2 .

مع احتمال أن تكون الإجارة لا لذلك وجهل المؤجر بالواقعة .

فقد ظهر ممّا ذكرناه النظر فيما أفاد الشيخ الأعظم : «من أنّ القول الفصل ، التفصيل بين الصليب والصنم وبين الخمر والبرابط ، والعمل بمضمون الروايات في مواردها لو لم يكن قولاً بالفصل»(1) ، انتهى .

مع أنّ التفصيل بين الصليب والخمر بعيد ، بعد كون الصليب ظاهراً هو ما يصنع شبيه ما صلب به المسيح علیه السلام على زعمهم ، وإنّما يكرمونه لذلك

ولا يعبدونه كما يعبد الصنم ، كما زعم .

قال في كتاب «المنجد» الذي مصنّفه منهم : «الصليب العود المكرّم الذي صلب عليه السيّد المسيح»(2) .

والظاهر منه أ نّه عين ذلك العود ، وهو بعيد ، ولعلّ مراده ذكر الأصل والمنشأ .

فما عن «المغرب» : «هو شيء مثلّث كالتمثال تعبده النصارى»(3) كأ نّه وهم .

فحينئذٍ : فالحكم بجواز بيع العنب والخشب ممّن يصنع الخمر والبرابط ، وعدم جواز بيع الخشب ممّن يعمل الصلبان ، لا يخلو من بعد ؛ فإنّ الظاهر أنّ الخمر أشدّ حرمة من تكريم عود يتخيّل كونه تكريماً للسيّد المسيح علیه السلام ، بل لو كان حراماً لا يبعد أن يكون لوجه التشريع ، أو لكونه شعار النصارى ، وإن يمكن أن يقال : صيرورته شعاراً لهم ، أوجبت الاهتمام به وتحريم التسبيب إليه زائداً على غيره .

ص: 248


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 131 - 132 .
2- المنجد : 431 .
3- المغرب في ترتيب المعرب 1 : 478 .
بيان الحكم الوضعي للبيع المحرّم في المقام

ثمّ لو قلنا بحرمة البيع فهل يقع صحيحاً أو لا ؟

والتفصيل أن يقال : إنّ المعاملة قد تقع معاطاة وقد تقع بالصيغة .

فالأقوى صحّتها على الأوّل ؛ لأنّ المحرّم عنوان آخر منطبق على المعاملة الخارجية ، سواء كان المستند حكم العقل بقبح تهيئة أسباب المحرّم أو وجوب دفع المنكر أو حكم الشرع بوجوب دفعه أو حرمة التعاون عليه ؛ لأنّ موضوعات تلك الأحكام عناوين غير نفس المعاملة وبينهما عموم من وجه ، والموضوعات الخارجية مجمع لهما ، ولكلّ منهما حكمه .

ومن ذلك يدفع استبعاد تنفيذ الشارع سبباً يؤدّي إلى مبغوضه ؛ لأنّ التنفيذ لم يقع إلاّ على عنوان البيع ونحوه وهو ليس بمبغوض ، وكون عنوان آخر منطبق على ما ينطبق عليه عنوان المعاملة مبغوضاً ، لا يوجب تنفيذ المبغوض .

وعلى الثاني تقع المزاحمة - بعد وقوع المعاوضة

- بين دليل حرمة التعاون على الإثم ودليل وجوب تسليم المثمن .

فإن قلنا بترجيح الثاني يجب عليه التسليم ويعاقب على الإعانة على الإثم . أمّا على ما رجّحناه في محلّه(1) : من بقاء الحكم في المتزاحمين على ما هو عليه من الفعلية ، فواضح ؛ لأ نّه خالف الحكم المحرّم الفعلي بلا عذر . وأمّا على القول بسقوط النهي فلارتكابه المبغوض بلا ع-ذر ، وه-و بوج-ه نظير المتوسّط في

ص: 249


1- راجع مناهج الوصول 2 : 22 .

أرض مغصوبة أو نظير إيقاع النفس في مهلكة العطش اختياراً ؛ فيجب عليه حفظ نفسه بشرب الخمر ويعاقب عليه .

وإن قلنا بترجيح الأوّل فلا يجوز له التسليم .

فحينئذٍ ربّما يقال : إنّ المعاوضة لدى العقلاء متقوّمة بإمكان التسليم والتسلّم ، ومع تعذّره شرعاً أو عقلاً لا تقع المعاوضة صحيحة ، ففي المقام يكون تسليم المبيع متعذّراً شرعاً ؛ لعدم جوازه فرضاً وعدم جواز إلزامه عليه لا من قبل المشتري ولا الوالي ، ومع عدم تسليمه يجوز للمشتري عدم تسليم الثمن ، والمعاوضة التي هو حالها ليست عقلائية ولا شرعية فتقع باطلة .

وفيه : أنّ ما يضرّ بصحّة المعاوضة هو العجز عن التسليم تكويناً ، أو نهي الشارع عن تسليم المبيع بعنوانه حيث يستفاد منه ردع المعاوضة ، والمقام ليس من قبيلهما ؛ لعدم العجز تكويناً ، وعدم تعلّق النهي عن تسليم المبيع بعنوانه ، بل النهي عن الإعانة على الإثم صار موجباً لعدم التسليم .

وبعبارة اُخرى : إنّ المانع العقلي أو الشرعي عن مقتضى المعاملة عرفاً الذي منه التسليم لو صار موجباً لبطلانها ، لا يوجب أن يكون مطلق المانع ولو بجهات خارجية كذلك . وهذا نظير ما لو كان أحد المتبايعين مديوناً للآخر ، ناكلاً عن أدائه ، فحبس الدائن متاعه المبتاع لاستيفاء دينه ، فإنّ جواز ذلك لا يوجب مضادّته لمقتضى المعاوضة ، بل هي صحيحة ووجب على المديون تسليم العوض وعدم النكول في مقابل نكول الآخر لاستيفاء دينه .

ففي المقام لا يكون ترك التسليم ولا حكم الشرع به ، منافياً لمقتضى المعاوضة بعد ما كان ذلك لغرض آخر خارج عن المعاملة ومقتضاها .

ص: 250

وإن شئت قلت : إنّ البائع قادر على التسليم وغير ممتنع عنه بشرط رجوع المشتري عن قصد التخمير ، فنكول البائع إنّما هو بتقصير من المشتري وتسبيب منه ، وفي مثله لا يكون النكول منافياً لمقتضى المبادلة ، بل يجب عليه تسليم الثمن ولا يجوز له النكول في مقابل نكوله المسبّب عن تقصيره .

نعم ، لا يبعد الاستناد إلى رواية «تحف العقول» على البطلان لولا ضعفها ، لا إلى الفقرة التي ذكرها شيخنا الأعظم في أوّل مكاسبه وفي المقام(1) ، بل إلى فقرة اُخرى ساقطة عن قلمه الشريف أو النسخة التي كانت عنده . فما هو الموجود في «التحف» هكذا :

«وكذلك كلّ بيع (مبيع . ظ) ملهوّ به ، وكلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير اللّه أو يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي أو باب من أبواب الضلالة ، أو باب من أبواب الباطل ، أو باب يوهن به الحقّ ، فهو حرام محرّم، حرام بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه . . .»(2) .

بأن يقال : إنّ أبواب الباطل تشمل مطلق المعاصي ، سيّما مع وقوعها في مقابل أبواب الضلالة ، وباب يوهن به الحقّ .

فالحديث متعرّض لما يوجب الضلالة ، ككتب الضلال وبيع القرطاس لذلك .

ولما يوجب الوهن في الإسلام ، كبيع السلاح لأعداء الدين ، ومنه بيع العنب مثلاً ممّن يجعله خمراً ويبيعه علناً في شوارع المسلمين ، أو جنب المشاهد

ص: 251


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 5 و145 .
2- تحف العقول : 333 .

المعظّمة ، ممّا يوجب الوهن في الإسلام .

ولما يكون باباً من أبواب الباطل وهو سائر المعاصي ، ولهذا اُطلق الباطل على كثير منها في الأخبار كالقمار والشطرنج والسماع ونحوها :

ففي رواية الفضيل قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن هذه الأشياء التي يلعب بها الناس : النرد والشطرنج حتّى انتهيت إلى السِدر(1) ، فقال : «إذا ميّز اللّه الحقّ من الباطل مع أيّهما يكون ؟» قلت : مع الباطل ، قال : «فما لك وللباطل ؟»(2).

وقد فسّر قوله تعالى : )لاَ تَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ((3) بالسرقة والقمار ونحوهما (4) .

وجه الدلالة على البطلان أنّ الظاهر كما قالوا أ نّها سيقت لإفادته ، مضافاً إلى أنّ العرف يرى التنافي بين تحريم المعاملة ومبغوضيتها ، وبين تنفيذها وإيجاب الوفاء بها . هذا في غير بيع الخمر والتمر ممّن يشتري للتخمير ، وأمّا فيه فالظاهر من الروايات المستفيضة الحاكية للعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الطوائف الدخيلة في شرب الخمر ، مبغوضية اشتراء العنب للتخميرولو بإلغاء الخصوصية عرفاً لو لم نقل بفهم العرف منها مبغوضية البيع ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً .

ومع مبغوضية الاشتراء ، أو هو مع البيع بعنوانهما ، يستبعد تنفيذ المبايعة ،

ص: 252


1- في المجمع : السِدَر كعِبَر لعبة للصبيان . :[منه قدس سره ] راجع مجمع البحرين 2 : 435 .
2- الكافي 6 : 436 / 9 ؛ وسائل الشيعة 17 : 324 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 3 .
3- النساء (4) : 29 .
4- مجمع البيان 3 : 59 ؛ تفسير جوامع الجامع 1 : 391 ؛ نور الثقلين 1 : 472 / 198 .

بل يكون الجمع بينهما من قبيل الجمع بين المتنافيين عرفاً ، وقد عرفت أنّ

الحرمة فيها ليست مقدّمية(1) .

والفرق بينه وبين ما تقدّم من تصحيح البيع المنطبق عليه عنوان محرّم ، واضح .

ودعوى : أنّ التحريم دليل على الصحّة ، في غير محلّها ؛ فإنّ المبغوض هو المعاملة العقلائية الرائجة بينهم من بيع الخمر والعنب للتخمير وأمثالهما ، ومع مبغوضيته لا محالة يتصدّى الشارع لدفعه في عالم التشريع وهو ملازم لردعه ، سيّما أنّ الردع موجب لتقليل مادّة الفساد ، والتنفيذ موجب لتكثيرها ؛ لأنّ كثيراً من الناس يرتكبون بعض المعاصي ويتنزّهون عن أكل مال الغير بغير حقّ واشتغال ذمّتهم به .

ص: 253


1- تقدّم في الصفحة 219 و241 .
النوع الثالث : ما يمكن أن يقصد به الحرام

النوع الثالث : ما يمكن أن يقصد به الحرام ؛ أي ما له شأنية ذلك .

والأقوى بحسب القواعد عدم حرمته بهذا العنوان وصحّة المعاملة عليه .

وبيع السلاح لأعداء الدين ليس من مستثنيات هذا العنوان ، بل له عنوان خاصّ ينبغي البحث عنه مستقلاًّ :

بيع السلاح من أعداء الدين

فنقول : ينبغي تقديم أمر قبل النظر إلى الأخبار ، وهو أنّ موضوع البحث ليس مطلق ما ينطبق عليه عنوان السلاح كائناً ما كان ، بل الموضوع ما كان سلاح الحرب فعلاً ، وهو يختلف بحسب الأزمان ، فربّما كان شيء في زمان ومكان سلاح الحرب دون آخر ، ففي الأزمنة القديمة كانت الأحجار الخاصّة والفلاخن والأخشاب آلة له ، ثمّ انقرض زمانها وخرجت تلك الآلات عن صلاحية السلاح فقامت مقامها أسلحة اُخرى كالسيف والرمح والعمود والنيزك والترس والدرع

ص: 254

ونحوها ، ثمّ انقرضت هي وقامت مقامها غيرها إلى هذه الأعصار .

فالمراد من السلاح في موضوع البحث سلاح اليوم ؛ أي الذي يستعمل في الحروب لا ما انقرضت أيّامه وخرجت عن الاستعمال فيها .

فإن أراد بعض أعداء الدين وأهل الحرب حفظ الأسلحة القديمة لقدمتها وكونها عتيقة ، لا مانع من بيعها وخارج عن موضوع بحث بيع السلاح من أهل الحرب بلا ريب ، كما لا يخفى .

وكذا ليس المراد مطلق أعداء الدين ، فإنّ كلّ مخالف لنا في ديننا فهو عدوّنا في الدين ، لكن موضوع البحث أخصّ منه وهو الدولة المخالفة للإسلام أو الطائفة الكذائية ، فلا ينبغي الكلام في جواز بيعه من يهودي في بلد المسلمين تابع لهم لولا جهات اُخر .

ثمّ اعلم : أنّ هذا الأمر - أي بيع السلاح من أعداء الدين - من الاُمور السياسية التابعة لمصالح اليوم ، فربّما تقتضي مصالح المسلمين بيع السلاح بل إعطاءه مجّاناً لطائفة من الكفّار .

وذلك مثل ما إذا هجم على حوزة الإسلام عدوّ قويّ لا يمكن دفعه إلاّ بتسليح هذه الطائفة ، وكان المسلمون في أمن منهم ، فيجب دفع الأسلحة إليهم للدفاع عن حوزة الإسلام ، وعلى والي المسلمين أن يؤيّد هذه الطائفة المشركة المدافعة عن حوزة الإسلام بأيّة وسيلة ممكنة .

بل لو كان المهاجم على دولة الشيعة دولة المخالفين مريدين قتلهم وأسرهم وهدم مذهبهم ، يجب عليهم دفعهم ولو بوسيلة تلك الطائفة المأمونة .

وكذا لو كانت الكفّار من تبعة حكومة الإسلام ومن مستملكاتها وأراد الوالي

ص: 255

دفع أعدائه بهم ، إلى غير ذلك ممّا تقتضي المصالح .

وربّما تقتضي المصالح ترك بيع السلاح وغيره ممّا يتقوّى به الكفّار مطلقاً ، سواء كان موقع قيام الحرب أو التهيّؤ له أم زمان الهدنة والصلح والمعاقدة .

أمّا في الأوّلين فواضح ، وأمّا في الأخيرة فحيث خيف على حوزة الإسلام ولو آجلاً ، بأن احتمل أنّ تقويتهم موجبة للهجمة على بلاد المسلمين والسلطة على نفوسهم وأعراضهم ، فنفس هذا الاحتمال منجّزة في هذا الأمر الخطير ، لا يجوز التخطّي عنه ، فضلاً عن كون تقويتهم مظنّة له أو في معرضه .

ولا فرق في ذلك بين الخوف على حوزة الإسلام من غير المسلمين ، أو على حوزة حكومة الشيعة من غيرها ، كانت المخافة عليها من الكفّار أم المخالفين .

فلو كانت للشيعة الإمامية حكومة مستقلّة ومملكة كذلك ، كما في هذه الأعصار بحمد اللّه تعالى ، وكانت للمخالف أيضاً حكومة مستقلّة ، وكان زمان هدنة ومعاقدة بين الدولتين ، لكن خيف على المذهب ودولته منهم ولو آجلاً ، لا يجوز تقويتهم ببيع السلاح ونحوه .

وبالجملة : إنّ هذا الأمر من شؤون الحكومة والدولة ، وليس أمراً مضبوطاً ، بل تابع لمصلحة اليوم ومقتضيات الوقت ، فلا الهدنة مطلقاً موضوع حكم لدى العقل ولا المشرك والكافر كذلك .

والتمسّك بالاُصول والقواعد الظاهرية في مثل المقام في غير محلّه .

والظاهر عدم استفادة شيء زائد ممّا ذكرناه من الأخبار . بل لو فرض إطلاق لبعضها يقتضي خلاف ذلك ؛ أي يقتضي جواز البيع فيما خيف الفساد وهدم أركان الإسلام أو التشيّع أو نحو ذلك ، لا مناص عن تقييده أو طرحه ، أو دلّ

ص: 256

على عدم الجواز فيما يخاف في تركه عليهما كذلك ، لا بدّ من تقييده وذلك واضح .

فمن الأخبار : حسنة أبي بكر الحضرمي ، أو صحيحته ، قال : دخلنا على أبي عبداللّه علیه السلام فقال له حكم السرّاج : ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج وأداتها ؟ فقال : «لا بأس ، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج والسلاح»(1) .

ورواية هند السرّاج ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : أصلحك اللّه ، إنّي كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم ، فلمّا عرّفني اللّه هذا الأمر ضقت بذلك ،

وقلت : لا أحمل إلى أعداء اللّه ، فقال : «احمل إليهم ، فإنّ اللّه يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم - يعني الروم - وبعهم . فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا ، فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك»(2) .

وهاتان الروايتان صارتا منشأً للقول بالتفصيل(3) ، تارةً : بين زمان الهدنة وغيره مطلقاً ، واُخرى : التفصيل كذلك في خصوص البيع من المخالفين والأخذ بإطلاق ما تأتي للمنع عن البيع من الكفّار .

والتحقيق : أنّ الروايتين قاصرتان عن إثبات هذا التفصيل في المقامين ؛ لأنّ

ص: 257


1- الكافي 5 : 112 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 101 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 1 .
2- الكافي 5 : 112 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 101 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 2 .
3- الحدائق الناضرة 18 : 208 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 148 .

السؤال فيهما عن حمل السلاح إلى الشام في عصر الصادقين علیهما السلام ، وهو عصر لم تكن للشيعة الإمامية مملكة مستقلّة وحكومة على حدة ، بل كان المسلمون كافّة تحت حكومة واحدة هي سلطنة خلفاء الجور - لعنهم اللّه - فلم يكن في حمل السلاح إلى الشام خوف على حوزة الشيعة وبلادهم ؛ لعدم الموضوع لهما ، ولهذا نزّلهم منزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؛ حيث إنّ كلّهم جمعيّة واحدة تديرهم حكومة واحدة لم تكن في تقويتها تقوية على خلاف حوزة الشيعة الإمامية وحكومتها ؛ لعدم تشكيلهما ، بل كانت تقوية للمسلمين مقابل الكفّار ، كما أشار إليه في الرواية الثانية .

فلا يجوز التعدّي عن مثل تلك الهدنة التي كانت كهدنة في عصر أصحاب الرسول صلی الله علیه و آله وسلم إلى مطلق الهدنة والسكون، كما إذا كانت لنا سلطنة مستقلّة ودولة على حدة ، ولهم كذلك ، وكانت بيننا هدنة وتعاقد ومع ذلك يكون في تقويتهم فساد أو مظنّته بل احتماله ؛ بحيث خيف على دولة التشيّع وحكومته من ذلك .

ويستفاد من تعليل الثانية أنّ كلّ مورد يدفع عدوّ قويّ بعدوّ مأمون منه ، يجوز بيع السلاح منه لدفعه .

وكيف كان : لا يمكن القول بجواز بيع السلاح ونحوه من الكفّار أو المسلمين المخالفين بمجرّد عدم الحرب والهدنة ، بل لا بدّ من النظر إلى مقتضيات اليوم وصلاح المسلمين والملّة . كما أنّ في عصر الصادقين علیهما السلام كان من مقتضيات الزمان جواز دفع السلاح إلى حكومة الإسلام وجنودها ؛ لمدافعة المشركين من غير ترقّب فساد عليه ، وكلّما كان كذلك يجوز بل قد يجب ، فلا يستفاد منهما أمر زائد عمّا هو مقتضى حكم العقل كما تقدّم .

ص: 258

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام ، قال : سألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة ؟ قال : «إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس»(1) .

ورواية الصدوق في وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام قال : «يا علي ، كفر باللّه

العظيم من هذه الاُمّة عشرة» إلى أن قال : «وبائع السلاح من أهل الحرب»(2) .

وهما صارتا منشأً لقول جمع بعدم جواز البيع منهم مطلقاً .

والتحقيق : عدم إطلاقهما لما تقدّم ، ولا لعدم الجواز فيما إذا لم يكن خوف منهم ولا في تقويتهم احتمال ضرر على المسلمين كما لو كانوا تحت سلطة الإسلام بحيث لا يخاف منهم أصلاً .

أمّا الثانية: فلأنّ الحكم فيها معلّق على أهل الحرب ، والظاهر المتفاهم منهم : الجماعة المستعدّون للحرب ولم تكونوا منقادين للمسلمين وتكون مباينة بينهم وبين المسلمين .

ومعلوم أنّ أهل الحرب ؛ أي الطغاة على المسلمين ، يخاف منهم على حوزة الإسلام أو على نفوس المسلمين أو طائفة منهم ، سيّما مع قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «كفر باللّه العظيم» الذي لا يقال ، إلاّ إذا كانت المعصية عظيمة .

واحتمال أن يكون المراد بأهل الحرب مطلق الخارج عن الذمّة كيهودي خرج عنها في بلد المسلمين ، مقطوع الفساد .

ص: 259


1- مسائل علي بن جعفر : 176 / 320 ؛ وسائل الشيعة 17 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 6 .
2- الفقيه 4 : 257 / 821 ؛ وسائل الشيعة 17 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 7 .

وأمّا الاُولى: فمع إمكان المناقشة في إطلاقها - بأن يقال : إنّها بصدد بيان جواز حمل مال التجارة غير السلاح ، لا بيان عدم جواز بيع السلاح حتّى يؤخذ بإطلاقها - أنّ موردها حمل السلاح إلى ممالك المشركين المباينين للمسلمين في الحكومة والسلطنة . والمشركون المجاورون للمسلمين في ذلك العصر ، وهم مورد السؤال بحسب الطبع ، من ألدّ أعداء المسلمين ، وكانت بينهما المخالفة والمباينة ، وفي مثله لا يجوز ؛ سواء كان الحمل إلى الكفّار أو إلى المخالفين .

والظاهر من المباينة التي ذكرت في رواية الحضرمي هي المقابلة للهدنة التي كانت بين أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؛ أي عدم الاجتماع تحت راية واحدة وتمايز الفريقين في الحكومة والسياسة .

وفي مثله لا يجوز حمل السلاح لا إلى الكفّار ولا إلى المخالفين .

كما أ نّه إذا كانت الهدنة بالمعنى المتقدّم المشار إليه في الرواية ؛ أي نحو هدنة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وكان بلاد المشركين تحت راية سلطان الإسلام وحكومة المسلمين ، وكانت في تقويتهم تقوية جنود الإسلام وحدوده ، يجوز البيع منهم ؛ لعدم دليل على المنع ، بل قيام الدليل على الجواز وهو قضيّة اقتضاء صلاح حوزة الإسلام والمسلمين ، بل لا تبعد استفادته من رواية الحضرمي وهند السرّاج(1) بدعوى : أنّ موضوع جواز حمل السلاح هو الهدنة وكون

المسلمين والكفّار بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم المخلوطين من المنافقين والمؤمنين ، فالميزان هو الهدنة بهذا المعنى من غير خصوصية للمخالفين .

ص: 260


1- تقدّمتا في الصفحة 257 .

فالمتحصّل من الروايات عدم الفرق بين المخالفين وغيرهم في الحكم ، وعدم التفصيل بين الهدنة والمحاربة ، كما نسب إلى المشهور(1) .

وفي زمان الهدنة بالمعنى المتقدّم يجوز البيع مطلقاً من مخالف ومشرك ، كما يجوز فيما إذا كان الطرف مدافعاً عن حوزة الإسلام أو التشيّع مع الأمن منه ، كما هو مفاد رواية السرّاج وموافق لحكم العقل .

ولا يجوز في زمان عدم الهدنة بالمعنى المتقدّم وهو زمان البينونة وامتياز الحكومات بعضها من بعض ؛ سواء كانت بينها تصالح وتعاقد أم لا ، من غير فرق بين أن تكون الهدنة كذلك بين أمير المؤمنين علیه السلام ومعاوية - عليه اللعنة - أو بينه وبين الكفّار .

وقد عرفت عدم إطلاق لرواية علي بن جعفر والرواية الحاكية عن وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم .

نعم ، مقتضى إطلاق رواية السرّاد عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قلت له : إنّي أبيع السلاح ، قال : فقال : «لا تبعه في فتنة»(2) ، ورواية الصيقل ، قال : كتبت إليه : إنّي رجل صيقل أشتري السيوف وأبيعها من السلطان ، أجائز لي بيعها ؟ فكتب : «لا بأس به»(3) ، جواز البيع في غير مورد الفتنة ، وجوازه من السلطان مطلقاً .

ص: 261


1- اُنظر الحدائق الناضرة 18 : 206 .
2- الكافي 5 : 113 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 102 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 17 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 382 / 1128 ؛ وسائل الشيعة 17 : 103 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 8 ، الحديث 5 .

لكنّهما إن سلّم إطلاقهما مقيّدتان بحكم العقل القطعي بما إذا لم يخف على حوزة الإسلام أو الشيعة ، وبرواية أبي بكر الحضرمي المفصّلة بين عصر الهدنة، والمباينة بالمعنى المتقدّم .

مع إمكان المناقشة في إطلاق الثانية بأنّ الظاهر منها أنّ المراد بالسلطان هو السلطان المخالف ، فموردها مورد الهدنة التي ذكرها في رواية الحضرمي .

وفي الاُولى بأنّ الظاهر منها السؤال عن تكليفه الشخصي في ذلك العصر ، ولم يكن البيع من الكفّار المستقلّين في الحكومة مورد ابتلائه ، بل كان بائعاً للسلاح في داخلة مملكة الإسلام ، والمراد بالفتنة هي الفتنة الحاصلة بين طائفتين من المسلمين لا بين المسلمين وغيرهم ، فإنّه لا معنى لعدم الجواز من المسلمين في الصورة ، مع أ نّه في رواية السرّاج صرّح بالجواز في صورة مدافعة المسلمين عن الكفّار .

وبالجملة : لا إطلاق فيها يشمل جوازه من المشركين المستقلّين في الحكومة أو المخالفين المستقلّين فيها .

والإنصاف أ نّه لا يستفاد من الروايات شيء وراء حكم العقل .

ثمّ إنّ الكلام في بطلان المعاملة كالكلام في بطلان معاملة بيع العنب للتخمير أو ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً . فالأرجح البطلان كما تقدّم(1) .

فلو قلنا في المقام بالصحّة فلوالي المسلمين نقض البيع حسب ما تناسب المصالح العامّة .

ص: 262


1- تقدّم في الصفحة 249 .

القسم الثالث في الاكتساب بما لا منفعة فيه معتدّاً بها عند العقلاء

اشارة

ص: 263

ص: 264

حرمة الاكتساب بما لا منفعة فيه معتدّاً بها عند العقلاء

وجه عدّ هذا القسم في عداد الأنواع المحرّمة

ولعلّ عدّ هذا القسم في عداد الأنواع المحرّمة ؛ لإمكان التمسّك لحرمة نفس المعاملة بقوله تعالى : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ((1) بدعوى شمول الأكل بالباطل لتملّك مال الغير بلا مال في قباله ، فيصدق على بيع البائع ونقله ما لا مالية له إلى غيره بعوض له مالية - باعتبار تضمّنه لنقل المال ؛ أي العوض إلى نفسه - أ نّه أكل مال المشتري - أعني تملّكه - بالباطل ، فيكون حراماً بمقتضى الآية .

وإمكان التمسّك بها لحرمة الثمن لا بعنوان التصرّف في مال الغير بل بعنوان أكل المال بالباطل ، بدعوى ظهورها في أ نّه محرّم بهذا العنوان .

ويمكن المناقشة في الاُولى : بأنّ الأكل بالباطل وإن كان كناية ولا يراد به

ص: 265


1- النساء (4) : 29 .

الأكل مقابل الشرب ، لكن لا يستفاد منه إلاّ سائر التصرّفات الخارجية نظير الشرب واللبس ، لا مثل إنشاء البيع والصلح ونحوهما ممّا لا يعدّ تصرّفاً عرفاً ، ولا أظنّ أن يلتزم أحد بحرمة إنشاء المعاملة على مال الغير مع عدم رضا صاحبه ، مع وضوح حرمة التصرّف في مال الغير بلا رضاه ، فشمول الآية لمثل التملّك الإنشائي ممنوع .

وفي الثانية : بأنّ الظاهر أنّ الباطل عنوان انتزاعي من العناوين المقابلة للتجارة التي هي حقّ ، مثل القمار والسرقة والخيانة ونحوها .

فأكل المال بالقمار حرام ؛ لكونه أكل مال الغير بلا سببية التجارة التي جعلها الشارع ولو بإمضاء ما لدى العقلاء سبباً للنقل ، فلا يكون حراماً تارةً : بعنوان كونه مال الغير الذي لم ينتقل إليه بسبب شرعي ، واُخرى : بعنوان كونه باطلاً ، بل الباطل عنوان مشير إلى العناوين الاُخر .

نعم ، نفس عنوان القمار حرام مستقلّ ، وأخذ الثمن في مقابل ما لا منفعة له حرام من جهة كونه تصرّفاً فيه بلا سبب ناقل ، لا لانطباق عنوان آخر عليه حتّى يكون محرّماً بعنوانين .

وربّما يتمسّك للتحريم برواية «تحف العقول» ؛ حيث إنّ ظاهر صدرها وهو قوله : «وأمّا تفسير التجارات في جميع البيوع ووجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع ممّا لا يجوز له ، وكذا المشتري الذي يجوز له شراؤه ممّا لا يجوز ، فكلّ مأمور به . . .»(1) .

ص: 266


1- تحف العقول : 332 .

حصر جميع الأقسام المحلّلة في الضابط الذي يذكره بعد ذلك للمحلّلات ، وما لا منفعة فيه خارج عنه؛ لعدم صلاح الناس فيه ، فإذا خرج منه دخل في المحرّم بمقتضى ما مرّ من ظهور صدرها في عدم خروج شيء من أقسام المحلّل عن الضابط(1) .

وفيه : أنّ الرواية متعرّضة لوجوه التجارات العقلائية المتعارفة بين الناس كالأمثلة المذكورة فيها في شقّي الصحّة والفساد ، وليست متعرّضة لما لا صلاح ولا فساد فيها ، كما هو مفروض المقام ؛ لعدم إقدام العقلاء على مثلها ، فلم تكن للتعرّض لها فائدة معتدّ بها . ويشهد له قوله في صدرها سأله سائل فقال : كم جهات معايش العباد التي فيها الاكتساب والتعامل بينهم ووجوه النفقات ؟ فقال : «جميع المعايش كلّها من وجوه المعاملات فيما بينهم ممّا يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات . . .»(2) .

فهي متعرّضة لما فيه الصلاح أو فيه الفساد محضاً أو من جهة من الجهات .

إن قلت : إنّ مقتضى إعطاء الضابط ذكر جميع المعاملات ، وإنّما ذكر ضابط المحلّل ، وما كان في مقابله هو محرّم ، والضابط المذكور في المحرّم مفهوم الضابط المتقدّم . وإنّما ذكر مصداق المتعارف للمفهوم وترك ما لا يتعارف من المعاملات وما لا منفعة فيه عرفاً أصلاً ؛ إذ عدم المنفعة يكفي في ردعهم عنها وعدم إقدامهم عليها ، فلم يكن كثير اهتمام في ذكرها والردع عنها ، بخلاف ما له

ص: 267


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 57 .
2- تحف العقول : 331 .

منفعة عرفية ولو محرّمة ؛ لإقدام الناس عليها (1) .

قلت : ليس في الرواية شيء يمكن أن يدّعى أنّ له مفهوماً ، بل ذكر فيها أوّلاً بنحو الإجمال أنّ المكاسب منها حرام ومنها حلال ، ثمّ ذكر تفسير التجارات بنحو الإجمال أيضاً بقوله : «وتفسير التجارات . . .» مقدّمة لبيان التفصيل ، وأشار إلى المحلّل والمحرّم بحيث فهم منه أ نّه بصدد بيان كلا الضابطين ، وفي مثله لم يكد أن يكون الكلام دالاًّ على المفهوم لو فرضت دلالته عليه في سائر الموارد .

مضافاً إلى أنّ النكتة التي صارت سبباً لترك ذكر ما لا منفعة له في قسم المحرّمات ، وهي كفاية عدم الداعي للناس في إيقاع هذا النحو من المعاملة في ردعهم عنها ، يمكن أن تكون نكتة لعدم التعرّض لها في الضابطين .

وإنّما تعرّضنا لما ذكر مع عدم صلوح الرواية لإثبات حكم ؛ لتعرّض بعض أعيان المدقّقين لها بما لا مزيد عليه(2) . وفي كلامه الشريف موارد نقض وإبرام تركناها مخافة التطويل .

فتحصّل ممّا ذكر أنّ عدّ هذا النوع في المقام لا يخلو من وجه ، وإن كان الأقوى ما عرفت .

صور ما لا منفعة فيه

ثمّ إنّ ما لا منفعة معتدّ بها لدى العقلاء على أنحاء :

منها : ما لا منفعة له مطلقاً لا عاجلاً ولا آجلاً ، ولا يرجى منه المنفعة كذلك ،

ص: 268


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 58 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 57 - 58 .

ولا يكون في نفس المعاملة به منفعة عقلائية ، أو غرض عقلائي نوعي أو شخصي ، كما لو توهّم المتعاملان منفعة فيما لا نفع له فأوقعا المعاملة ثمّ انكشف الخلاف .

ومنها : ما لا منفعة فيه مطلقاً ، لكن كان للمشتري غرض عقلائي نوعي أو شخصي في اشترائه ، كما لو هجمت الهوامّ المؤذية بالزراعات على مملكة فتعلّق غرض الوالي بدفعها من ناحية اشترائها بثمن غالٍ تشويقاً إلى جمعها ، أو على مزرعة شخصية فأراد صاحبها ذلك .

ومنها : ما له منفعة لا يعتدّ بها العقلاء ، فحينئذٍ تارةً : تكون بحيث يعدّ بلا منفعة لديهم ، واُخرى : تكون له منفعة لكنّها نادرة قلّما يتّفق الانتفاع بها .

ثمّ قد يكون عدم النفع لخسّته كالخنفساء مثلاً ، أو لقلّته كحبّة من الحنطة؛ فإنّ لها منفعة بمقدارها لكن لا تعدّ منفعة عقلائية .

وقد تكون له منفعة عقلائية لكن ابتذاله وكثرته جعله كما لا منفعة له ولا يقابل لذلك بالمال ، كماء الشطوط لسكّان سواحلها .

حكم الصورة الاُولى ممّا لا منفعة فيه

فعلى أوّل الفروض فإن كان عدم المنفعة لخسّته فلا ينبغي الإشكال في بطلانها ، وهو المتيقّن من معقد الإجماع المحكيّ عن «المبسوط» (1) وغيره .

ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك ، عدم صدق واحد من عناوين المعاملات عليها ؛ لأنّ حقيقة المعاوضة ونحوها كالهبة مجّاناً متقوّمة بتبديل الإضافات الخاصّة .

ص: 269


1- اُنظر مفتاح الكرامة 12 : 132 ؛ المبسوط 2 : 167 .

فالبيع عبارة عن مبادلة مال بمال ، أو عين بعين لا مطلقاً؛ فإنّ المبادلة المطلقة

لا معنى لها، ولا في ذاتهما أو أوصافهما الحقيقية ولا في مطلق الإضافات ، بل في إضافة خاصّة هي إضافة الملكية أو الأعمّ منها ومن إضافة الاختصاص . والهبة عبارة عن تمليك عين مجّاناً أو مقابل تمليك عين مثلاً ، وحقيقتها أيضاً نقل الإضافة الخاصّة أو تبديلها . وسيأتي التفصيل في مظانّه إن شاء اللّه تعالى(1) . ويأتي أيضاً بيان الحال في بيع الكلّي في الذمّة ممّا قد يقال : إنّه ليس من قبيل التبادل في إضافة الملكية(2) .

ولو قلنا بأنّ البيع تمليك عين بعوض وأمثال ذلك ، لا يوجب فرقاً فيما نحن بصدده .

وكيف كان : فمع عدم اعتبار العقلاء الملكية أو الاختصاص لشيء بالنسبة إلى شخص ، لا يمكن تحقّق العناوين المتقوّمة بهما وهو واضح ، ولا ريب في أنّ اعتبار الملكية وكذا الاختصاص لدى العقلاء ليس جزافاً وعبثاً بل للاعتبارات العقلائية كلّها مناشئ ومصالح نظامية ونحوها .

فاعتبار الملكية والاختصاص فيما لا ينتفع به ولا يرجى هي منه رأساً ولا يكون مورداً لغرض عقلائي نوعي أو شخصي ، لغو صرف وعبث محض .

فمثل البرغوث والقمّل ليس ملكاً لأحد ، ولا لأحد حقّ اختصاص متعلّق به .

فما ربّما يقال : إنّ للإنسان حقّ اختصاص بالنسبة إلى فضلاته ، ليس وجيهاً على إطلاقه .

ص: 270


1- راجع البيع ، الإمام الخميني قدس سره 1 : 13 .
2- البيع، الإمام الخميني قدس سره 1: 24.

فالنخامة الملقاة على الأرض ليست ملكاً لصاحبها ، ولا له حقّ اختصاص بها ، أعرض عنها أم لم يعرض .

وبالجملة : اعتبار الملكية وحقّ الاختصاص تابع لجهة من جهات المصالح ، وما لا نفع فيه مطلقاً ولا غرض لأحد في اقتنائه لا يعتبر ملكاً ولا مختصّاً بأحد .

فأساس المعاملات المتقوّمة بالإضافتين منهدم رأساً ، بل الظاهر عدم صدق شيء من عناوين المعاوضات والمعاملات مع فقد المالية مطلقاً ، فإعطاء قمّل وأخذ برغوث ليس بيعاً ولا معاقدة ولا تجارة لدى العرف والعقلاء ؛ لما عرفت من عدم مناط الاعتبار فيما لا نفع ولا مالية له .

فما قيل : من أنّ البيع عبارة عن تبديل عين بعين ، من غير اعتبار المالية فيهما (1) ، ساقط لا ينبغي أن يصغى إليه .

كما أنّ توهّم الافتراق بين البيع وبين العقد والتجارة بما قيل : إنّ البيع لو لم يصدق مع عدم المالية لكن صدق التجارة ، والعقد لا يتوقّف عليها فيكفي في تصحيح المعاملة التمسّك بدليل نفوذهما (2) ، غير وجيه ؛ لاشتراك الجميع في عدم الصدق وفي عدم المناط لاعتبار العقلاء ؛ ولأنّ المعاوضة بين العينين لو صدقت عليها عناوين البيع والصلح والإجارة ونحوها ، صدقت عليها التجارة والعقد ، ومع عدم صدق شيء من العناوين الخاصّة كيف تصدقان عليها ، بل عدم صدق التجارة ليس بأخفى من عدم صدق البيع ، بل لو فرض الشكّ في الصدق

ص: 271


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 86 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 158 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 112 .

كفى في عدم جواز التمسّك بالأدلّة أو ببناء العقلاء .

ومن هنا يظهر جواز التمسّك بقوله تعالى : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ . . .((1) فإنّ الظاهر منه أنّ الأكل بغير التجارة مطلقاً منهيّ عنه .

فالأمر دائر بين الأمرين لا ثالث لهما ، فإذا لم تصدق على موردٍ التجارة عن تراضٍ يدخل في مقابله .

بل لو شكّ في صدق أكل المال بالباطل في مورد لكن علم عدم صدق تجارة عن تراض فيه ، يرفع الشكّ عنه وينسلك في الأكل بالباطل . كما أ نّه لو فرض الشكّ في صدق التجارة وعلم أ نّه أكل المال بالباطل يرفع الشكّ عنه .

فالعلم بكلّ طرف إثباتاً ونفياً رافع للشكّ عن الآخر كذلك ، كما هو الشأن في المنفصلتين الحقيقيتين .

نعم ، لو فرض صدق الأكل بالباطل وصدق التجارة عن تراضٍ في مورد ، يقع التعارض بين صدر الآية وذيلها بناءً على دلالتهما على الحكم الوضعي ؛ أي بطلان المعاملة وصحّتها ، ولا ترجيح لأحدهما .

وأمّا الاستدلال على البطلان بسفهية المعاملة(2) فغير وجيه ؛ لأنّ البطلان من ناحيتها على فرض القول به ، إنّما هو بعد فرض صدق المعاملة ، وأمّا مع عدم الصدق كما في المقام فلا موضوع لها . وسيأتي الكلام في ذلك في بعض الأقسام الآتية .

ويلحق بما تقدّم في البطلان ما لا منفعة عقلائية له ولم يتعلّق به غرض

ص: 272


1- النساء (4) : 29 .
2- رياض المسائل 8 : 55 .

عقلائي ، كما لو اشترى الزيز لاستماع صوته والجُعَل لرؤية تلاعبه مع العذرة .

وذلك لأنّ المعاملة سفهية غير عقلائية، والأدلّة العامّة كقوله تعالى : )أَوْفُوا

بِالْعُقُودِ((1) و)أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ((2) و)تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ((3) غير شاملة لها ؛ إمّا لعدم صدق تلك العناوين عليها كما لا يبعد ومع الشكّ فالمرجع أصل الفساد ، أو لانصرافها عنها فإنّها أدلّة إمضائية لما لدى العقلاء وليست بصدد تأسيس أمر زائد على ذلك ، سيّما مثل الأعمال السفهية التي هي اُضحوكة العقلاء وتتنفّر عنها الطباع السليمة .

فتوهّم شمولها لها (4) فاسد جدّاً ، كتوهّم عدم الاحتياج إلى الدليل اللفظي في الإمضاء ، بل يكفي عدم الردع في الكشف عنه ، وذلك لأنّ المفروض أ نّها ليست عقلائية ، فلا تكون متعارفة ، ولم تكن كذلك بمرأى ومنظر من الشارع حتّى يستكشف الإمضاء من عدم الردع ، بل لو فرض تعارف أمر سفهي بين أراذل الناس لا يمكن كشف رضا الشارع عنه لو لم يصل إلينا الردع ؛ لغاية بُعد رضاه بما هو سفهي تنبو عنه الطباع والعقول السليمة وتتنفّرعنه العقلاء مع كونه مربّي العقول ومتمّم المكارم ، بل لا يبعد صدق الأكل بالباطل على مثلها .

ويلحق به أيضاً بيع ما لا مالية له لقلّته كحبّة من خردل ، أو لكثرته وشيوعه كالثلج في الشتاء مع عدم تعلّق غرض عقلائي بالمعاملة ، وذلك أيضاً لسفهيتها .

ص: 273


1- المائدة (5) : 1 .
2- البقرة (2) : 275 .
3- النساء (4) : 29 .
4- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 111 .

فلو عاوض منّاً من ثلج بمنّ منه في الشتاء ، أو منّاً من ماء بمنّ من تراب في

ساحل البحر مع عدم غرض عقلائي خارجي ، يعدّ سفهاً .

بل لا يبعد عدم صدق عنوان المعاملة عليها ولا أقلّ من الشكّ فيه ، ولو نوقش فيه فلا ريب في انصراف الأدلّة عنها بما تقدّم ذكره .

ويلحق به أيضاً ما له منفعة نادرة جدّاً بحيث تعدّ لدى العقلاء كلا منفعة لندوره ، كما لو سمع أحد أنّ في أقصى البلاد الإفريقية حيّة كان علاج لذعه لذع العقرب فاشترى عقرباً وحفظه لذلك مع عدم احتمال ابتلائه به ، فإنّ المعاملة سفهية باطلة .

فالميزان في الصحّة : عقلائية المعاملة والخروج عن السفهية ، سواء كانت متعلّقة لغرض شخص خاصّ - كمن ابتلي بمرض لا يبتلى به غيره وكان دواؤه شيئاً لا يرغب فيه أحد ، فإنّ اشتراءه لغرضه عقلائي، والمعاملة من أوضح مصاديق المعاملات العقلائية وتشملها الأدلّة - أو لأغراض عقلائية نادرة لا بمثل الأمثلة المتقدّمة .

حكم الصورة الثانية وبيان الضابط الكلّي

وأمّا الثانية من الصور المتقدّمة ؛ أي ما لا تكون له منفعة مطلقاً أو عقلائية لكن كان في المعاملة غرض عقلائي موجب لاشترائه كالمثال المتقدّم .

فالتحقيق صحّتها وعقلائيتها ؛ وذلك لأنّ مالية الشيء تابعة وجوداً ومرتبة للعرضة والتقاضا ، فما لا منفعة له مطلقاً لو تعلّق باشترائه وحفظه أو اشترائه وإعدامه غرض سياسي أو غيره من الأغراض العقلائية فصار ذلك منشأً للرغبة

ص: 274

إلى اشترائه ، أوجبت تلك الرغبة وذلك التقاضا حدوث المالية فيه . فلو تعلّق

غرض دولة باشتراء ما لا منفعة له من ناحية من النواحي لأغراض سياسية فأوجدت بقدرتها السوق لذلك المتاع ، صار ذا قيمة لدى العقلاء من غير لحاظ أنّ اشتراءه بأيّ غرض كان .

وبالجملة : الشيء صار متموّلاً بمجرّد حدوث التقاضا ، ويخرج المتموّل عن كونه كذلك بمعدوميته مطلقاً ، كما أنّ مراتب التموّل أيضاً تابعة لكثرة العرضة أو التقاضا .

فلا ينبغي الإشكال في صحّة تلك المعاملات ، وصدق البيع والتجارة والعقد عليها ، وكذا صدق مبادلة مال بمال . والحكم بالبطلان يحتاج إلى دليل هو مفقود .

ويمكن إدراجها ولو بإلغاء الخصوصية في صدر رواية «تحف العقول» ، فإنّها وإن تعرّضت للأشياء التي فيها صلاح العباد أو وجه من وجوه صلاحهم في معاشهم وحياتهم ، لكن يمكن أن يقال : الاشتراء لدفع المضارّ أو جلب منافع مشروعة غير كامنة في نفس المتعلّقات داخل فيها بإلغاء الخصوصية أو فهم العرف علّة الحكم . ولو نوقش فيه فالرواية ساكتة عنه ، ولا شبهة في عدم شمول ذيلها لمثل تلك المعاملة المترتّب عليها دفع مضارّ عن العباد أو جلب منافع لهم .

فتحصّل من جميع ما تقدّم ضابط الصحّة والفساد .

وأمّا القول(1) باعتبار كون المنفعة غير نادرة ، ولو مع كون الندرة بحيث

ص: 275


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 158 - 159 .

لم تخرج بها المعاملة عن العقلائية ، بدعوى اعتباره شرعاً ، إمّا لقيام الإجماع

عليه ، أو لدلالة بعض الروايات ، كما عن «عوالي اللآلي» عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «لعن اللّه اليهود حرّمت عليهم الشحوم فباعوها ، وأكلوا ثمنها ، وإنّ اللّه تعالى إذا حرّم على قوم أكل شيء ، حرّم عليهم ثمنه»(1) ، وعن «الدعائم» قريب منها (2) ، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم أيضاً في حديث : «قاتل اللّه اليهود ، إنّ اللّه لمّا حرّم عليهم شحومها جملوه - أي أذابوه - ثمّ باعوه وأكلوا ثمنه»(3) ، بناءً على أنّ للشحوم منفعة نادرة محلّلة على اليهود فيقال : لولا أنّ المنفعة النادرة كالمعدومة في نظر الشارع ، لما منعهم عن بيعه لأجلها ، ومثل رواية «التحف» .

ففيه ما لا يخفى : أمّا الإجماع فلأنّ العمدة هو الإجماع المحكيّ عن «المبسوط» : «كلّ ما ينفصل من الآدمي من شعر ومخاط ولعاب وظفر وغيره ، لا يجوز بيعه إجماعاً ؛ لأ نّه لا ثمن له ولا منفعة فيه»(4) .

وعن موضع آخر منه : «فإن كان ممّا لا ينتفع به فلا يجوز بيعه بلا خلاف مثل الأسد والذئب وسائر الحشرات»(5) .

وهما - كما ترى - دعوى الإجماع وعدم الخلاف على ما لا منفعة فيه

ص: 276


1- عوالي اللآلي 1 : 181 / 240 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 73 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 6 ، الحديث 8 .
2- دعائم الإسلام 1 : 122 .
3- الخلاف 3 : 186 ، مسألة 311 ؛ صحيح مسلم 3 : 394 / 71 ؛ صحيح البخاري 3 : 179 / 477 .
4- المبسوط 2 : 167 .
5- المبسوط 2 : 166 .

ولا ينتفع به حتّى الثانية ؛ لأنّ المذكورات من قبيل الأمثلة بنظره وتشخيصه

لا من معقد الإجماع ؛ ضرورة أ نّه لم يدّع الإجماع ولم يقم ذلك على عنوان الأسد والذئب وغيرهما ، والظاهر من معقدهما ما لا ينتفع به مطلقاً وما لا منفعة له كذلك . ولو حملا على عدم الانتفاع العقلائي كما تقدّم(1) لا بأس به ، لكن التعدّي إلى ما يكون له المنفعة العقلائية النادرة ممّا لا وجه له .

وأضعف منه التمسّك بالروايات ؛ فإنّها مع الغضّ عن سندها ظاهرة في أنّ اليهود باعوها للمنفعة المحرّمة كما يشعر به التعليل الوارد فيها ، مع عدم معلومية حلّية بعض المنافع لهم . ورواية «التحف» متعرّضة للمعاملات المتعارفة ، بل يمكن التمسّك بها لصحّة المعاملة في بعض الصور المتقدّمة ، فالأقوى هو ما تقدّم(2) .

ص: 277


1- تقدّم في الصفحة 274 .
2- تقدّم في الصفحة 274 .

ص: 278

القسم الرابع في الاكتساب بما هو حرام في نفسه

اشارة

ص: 279

ص: 280

حكم الاكتساب بما هو حرام في نفسه

والبحث فيه تارة : عن حرمة عنوان الكسب وأنّ الإجارة على المحرّم محرّمة أو لا ، واُخرى : عن حرمة الثمن بعنوان كونه ثمن الحرام ، وثالثة : عن حكمه الوضعي .

وقد تقدّم أنّ المقصود الأصلي بالبحث هاهنا هو العنوانان الأوّلان(1) ، وأنّ الثالث استطرادي يناسب البحث عنه في شرائط العوضين في الإجارة .

فنقول : يمكن الاستدلال على حرمة نفس الإجارة بقبح الاستئجار والإيجار على معصية اللّه - تبارك وتعالى - فكما أنّ نفس الاستئجار والإيجار للقبائح العقلية ، قبيحة بحكم العقل والعقلاء كإيجار شخص - والعياذ باللّه - نفسه أو من يتعلّق به من نواميسه لارتكاب الفاحشة ، كذلك هما قبيحتان لمعصية اللّه التي هي أيضاً من القبائح العقلية . فالمدّعى إدراك العقل قبح عنوان المعاملة على القبائح ، وأ نّها واسطة لثبوت القبح لنفس المعاملة .

ودعوى أنّ القبح فاعلي لا فعلي نظير التجرّي ، غير وجيهة ؛ ضرورة أنّ

ص: 281


1- تقدّم في الصفحة 11 و23 و26 .

عنوان إجارة النواميس قبيح عقلاً ، ولا ينافي ذلك كشفها عن دناءة الفاعل وسوء سريرته وفقدان الشرف والعزّ .

ويمكن الاستدلال على حرمة الاستئجار عليها بفحوى أدلّة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ بأن يقال : إنّ المستفاد عرفاً من تلك الأدلّة أو من فحواها ، أنّ الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف محرّمان ، بل مطلق ما يوجب الإغراء على المحرّم والترغيب إليه والتشويق إليه محرّم ، سواء ارتكب الطرف أم لا . ولا ريب في أنّ استئجار المغنّية للتغنّي والمصوّر للتصوير المحرّم ، دعوة لهما إلى إتيان الحرام وتشويق إليه وإغراء عليه ، بل قبول الإجارة أيضاً نحو ترغيب للمستأجر إليه .

مضافاً إلى إمكان الاستفادة من قوله تعالى : )الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ . . .((1) .

بدعوى أنّ العنوانين ليس لصرف معرّفيتهم ، بل الآية الكريمة في مقام تعييرهم وتقريعهم وذكر ما هو قبيح عقلاً ومحرّم شرعاً من أعمالهم .

وبدعوى أن لا خصوصية لعنوان الأمر بالمنكر ، بل المراد أعمّ ممّا يفيد فائدته من الترغيب والتشويق إليه .

وبدعوى أ نّه ليس المراد من الأمر بالمنكر ما يرجع إلى ردّ قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وإلى مخالفته في قوانينه ، بل الظاهر أنّ الأمر بالمنكر بالحمل الشائع والنهي عن المعروف كذلك ، من صفات المنافقين ويكون محرّماً ، سواء كان الغرض ردّ قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أم لا ، تأمّل . وتؤيّده رواية «التحف» .

ص: 282


1- التوبة (9) : 67 .

نعم ، بناءً على أنّ المستند فحوى أدلّة الأمر بالمعروف والآية الكريمة ، لا يستفاد منهما حرمة الاستئجار والإجارة بعنوانهما ، بل المحرّم ما ينطبق عليهما في الخارج ، بخلاف ما لو كان المستند الوجه الأوّل ورواية «التحف» .

وببعض ما تقدّم يمكن الاستئناس بحرمة الثمن أيضاً .

ويدلّ عليه قوله : «إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه»(1) .

بتقريب أن لا خصوصية لعنوان الثمن في نظر العرف بل الظاهر منه أنّ تحريم الشيء لا يلائم مع تحليل ما يقابله ، سواء صدق عليه عنوان الثمن أم كان عنوانه أجراً واُجرة ونحوهما .

وقد تقدّم أنّ الرواية وإن كانت ضعيفة لكن لا يبعد استنقاذ مضمونها من سائر

الروايات في الأبواب المتفرّقة(2) .

ويمكن الاستدلال على بطلانها ببعض ما تقدّم في بعض المسائل المتقدّمة(3)؛ بأن يقال : إنّ المحرّم ليس مالاً في نظر الشارع ، ولهذا لو منع شخص عن تغنّي جارية مغنّية أو العبد المغنّي ، لا يكون ضامناً بالنسبة إلى تلك المنفعة المحرّمة بلا إشكال وإن كانا أجيرين لذلك ، وما لا يكون مالاً في محيط التشريع لا تكون المعاملة عليه معاملة . وإن شئت قلت : إنّ سلب المالية عن شيء وإسقاطها ، دليل على ردع المعاملة به .

ويمكن الاستدلال عليه بوجه آخر ، وهو أنّ مقتضى ذات المعاملة لدى العقلاء

ص: 283


1- عوالي اللآلي 2 : 110 / 301 ؛ المسند ، أحمد بن حنبل 3 : 301 / 2964 .
2- تقدّم في الصفحة 25 و49 - 51 .
3- تقدّم في الصفحة 200.

إمكان التسليم والتسلّم ، ومع منع الشارع عن تسليم المنفعة المحرّمة وتسلّمها ، لا يعقل أن تكون المعاملة نافذة عنده ، فمنع التسليم والتسلّم دليل على ردع المعاملة ، فتقع باطلة .

والإشكال المتقدّم(1) في بيع العنب ممّن يعلم أ نّه يجعله خمراً ، غير وارد في المقام بما قرّرناه ؛ لأ نّه هناك لم يكن تسليم طرف المعاوضة بذاته محرّماً بل المحرّم عناوين اُخر منطبقة عليه ، وكان للبائع أن يقول : إنّي لا أمتنع عن التسليم

بشرط عدم جعله خمراً ، فالتقصير متوجّه إلى المشتري ، ولم يحرّم الشارع تسليم العنب المقابل في المعاوضة ، بخلاف المقام؛ فإنّ تسليم المنفعة التي مقابلة الثمن ومورد الإجارة ممنوع شرعاً .

وبوجه آخر ، وهو أنّ الآية الكريمة أعني : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ((2) وإن كان الموضوع فيها البطلان العرفي والعقلائي لا الشرعي ، لكن بتحكيم ما دلّ على نفي المالية أو نفي تسليم المنفعة ينسلك في مفاد الآية ؛ فإنّ أخذ مال الغير بلا انتقال منفعة إليه أكل المال بالباطل، ويؤيّده النبوي

ورواية «التحف» .

فائدة استطرادية في ذکر بعض المحرّمات ممّا من شأنها الاكتساب بها في ضمن مسائل:

قد جرت عادة القوم بذكر كثير من المحرّمات ممّا من شأنها الاكتساب بها ولو لم يتعارف ذلك ، ونحن نذكر منها ما هو المهمّ بنظر البحث إن شاء اللّه تعالى في ضمن مسائل :

ص: 284


1- تقدّم في الصفحة 250 - 251 .
2- النساء (4) : 29 .

المسألة الاُولى : في حرمة التصوير

في حرمة عمل ذوات الأرواح المجسّمات فقط

الظاهر عدم الخلاف والإشكال في حرمة التصوير في الجملة .

وعن بعض أنّ في المسألة أقوالاً أربعة(1) : حرمة التصوير مطلقاً من جهة التجسيم وغيره، وذوات الأرواح وغيرها . والتخصيص بالمجسّمة، والتعميم من الجهة الثانية . والتخصيص بذوات الأرواح، والتعميم من الجهة الاُولى . والتخصيص من الجهتين فيكون المحرّم عمل ذوات الأرواح المجسّمات .

والأقوى هو الأخير ، وهو المتيقّن من معقد الإجماع المحكيّ(2) . وتدلّ عليه مضافاً إليه الأخبار الآتية .

ص: 285


1- راجع الحدائق الناضرة 18 : 98 ؛ حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 63 .
2- راجع مفتاح الكرامة 12 : 161 ؛ جواهر الكلام 22 : 41 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 54 .

وأمّا سائر الصور فلا دليل على حرمتها ؛ فإنّ الأخبار على كثرتها تدور مدار

عنوانين هما التصوير والتمثيل باختلاف التعابير إلاّ رواية النواهي المذكور فيها النقش(1) .

ولا يبعد أن يكون الظاهر من تمثال الشيء وصورته بقول مطلق هو المشابه له في الهيئة مطلقاً ؛ أي من جميع الجوانب لا من جانب واحد .

وتمثال الوجه أو مقاديم البدن تمثاله بوجه لا مطلقاً ، كما أنّ تمثال خلفه كذلك . وإطلاق التمثال على تمثال الوجه أو المقاديم بنحو من المسامحة كإطلاقه على تمثال الخلف ، وإن صار في الأوّلين شائعاً حتّى على خصوص الوجه مع عدم كونه حقيقياً بلا إشكال .

وأمّا الصورة فهي بمعنى الشكل الذي هو الهيئة ، وهيئة الشيء - كتمثاله - ما يكون شبهه في جميع الجوانب . وإطلاقه على النقوش والتصاوير بنحو من المسامحة ، ولذا يطلق على تمثال الوجه فقط .

والإطلاق الشائع على النقش والرسم في الروايات(2) - على فرض تسليمه وعدم دعوى أنّ الوسائد وغيرها ممّا وردت فيها الروايات لعلّها كانت الصور والتماثيل فيها بنحو التجسيم كهيئة غزال مثلاً نائم أو قائم بحيث كان صدق عليه

ص: 286


1- الفقيه 4 : 3 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 297 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 4 : 436 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، و5 : 303 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 .

الغزال المجسّم - كان لأجل القرائن ، ولهذا لو سئل عن العرف أنّ هذه الصورة أو المثال صورته من جميع الوجوه لأجاب بالنفي ، ولا أقلّ من كون الصدق الحقيقي محلاًّ للشكّ ، سيّما مع الشواهد المذكورة في الجواهر وغيره(1) ، وشواهد اُخر تأتي الإشارة إلى بعضها .

الروايات الواردة في المقام

ولو نوقش فيما ذكر وادّعي الصدق العرفي في المجسّم وغيره فنقول :

إنّ ظاهر طائفة من الأخبار بمناسبة الحكم والموضوع ، أنّ المراد بالتماثيل والصور فيها هي تماثيل الأصنام التي كانت مورد العبادة :

كقوله : «من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام»(2) .

وقوله : «من صوَّر التماثيل فقد ضادّ اللّه»(3) . وفيه احتمال آخر ينسلك به في الطائفة الثانية .

وقوله : «أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتل نبياً ، أو قتله نبي ، ورجل يضلّ الناس بغير علم أو مصوّر يصوّر التماثيل»(4) .

ص: 287


1- جواهر الكلام 22 : 41 - 42 ؛ مفتاح الكرامة 12 : 158 - 161 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 459 / 1497 ؛ وسائل الشيعة 3 : 208 ، كتاب الطهارة ، أبواب الدفن ، الباب 43 ، الحديث 1 .
3- مستدرك الوسائل 13 : 210 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 75 ، الحديث 3 .
4- منية المريد : 281 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 210 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 75 ، الحديث 4 .

وقوله : «إنّ من أشدّ الناس عذاباً عند اللّه يوم القيامة المصوّرون»(1) . . . وأمثالها .

فإنّ تلك التوعيدات والتشديدات لا تناسب مطلق عمل المجسّمة أو تنقيش الصور ؛ ضرورة أنّ عملها لا يكون أعظم من قتل النفس المحترمة أو الزنا أو اللواطة أو شرب الخمر وغيرها من الكبائر . والظاهر أنّ المراد منها تصوير التماثيل التي هم لها عاكفون .

مع احتمال آخر في الأخيرة وهو أنّ المراد بالمصوّرون: القائلون بالصورة والتخطيط في اللّه تعالى ، كما هو مذهب معروف في ذلك العصر(2) .

والمظنون الموافق للاعتبار وطباع الناس : أنّ جمعاً من الأعراب بعد هدم أساس كفرهم وكسر أصنامهم بيد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأمره ، كانت علقتهم بتلك الصور والتماثيل باقية في سرّ قلوبهم ، فصنعوا أمثالها حفظاً لآثار أسلافهم وحبّاً لبقائها ، كما نرى حتّى اليوم علاقة جمع بحفظ آثار المجوسية وعبدة النيران في هذه البلاد حفظاً لآثار أجدادهم ، فنهى النبي صلی الله علیه و آله وسلم عنه بتلك التشديدات والتوعيدات التي لا تناسب إلاّ للكفّار ومن يتلو تلوهم ؛ قمعاً لأساس الكفر ومادّة الزندقة ودفعاً عن حوزة التوحيد .

وعليه تكون تلك الروايات ظاهرة أو منصرفة إلى ما ذكر .

وعليه تحمل رواية ابن القدّاح عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «قال

ص: 288


1- صحيح مسلم 4 : 334 / 98 ؛ صحيح البخاري 7 : 307 / 835 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 7 : 268 .
2- راجع الكافي 1 : 100 / 1 .

أمير المؤمنين علیه السلام : بعثني رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في هدم القبور وكسر الصور»(1) .

ورواية السكوني عنه ، قال : «قال أمير المؤمنين علیه السلام : بعثني رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلى المدينة فقال : لا تدع صورة إلاّ محوتها ، ولا قبراً إلاّ سوّيته ، ولا كلباً إلاّ قتلته»(2) .

فإنّ بعث رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمير المؤمنين علیه السلام لذلك دليل على اهتمامه به ، والظاهر أنّ الصور كانت صور الهياكل والأصنام ومن بقايا آثار الكفر والجاهلية .

ولا يبعد أن يكون الكلب في الرواية الثانية بكسر اللام ، وهو الكلب الذي عرضه داء الكلب وهو داء شبه الجنون يعرضه فإذا عقر إنساناً عرضه ذلك الداء .

وما في بعض الروايات من نكتة نجاسة الكلب : أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتله(3) ، فهو سرّ التشريع على فرض ثبوت الرواية ، وإلاّ فلم يأمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم بقتل مطلق الكلاب حتّى كلاب الصيد والماشية ، بل جعل لها دية .

كما أنّ ما في رواية السكوني عن أمير المؤمنين علیه السلام : «الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده ؛ لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتله»(4) من سرّ التشريع ، فإنّ أمر

ص: 289


1- الكافي 6 : 528 / 11 ؛ وسائل الشيعة 5 : 305 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 7 .
2- الكافي 6 : 528 / 14 ؛ وسائل الشيعة 5 : 306 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 8 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 1 .
4- الكافي 6 : 206 / 20 ؛ وسائل الشيعة 23 : 398 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 45 ، الحديث 1 .

النبي صلی الله علیه و آله وسلم بقتل الكلاب الغير المؤذية بعيد جدّاً لا يمكن تصديقه .

وأمّا احتمال أن تكون الكلاب أو بعضها مورد تعظيم اُناس وعبوديتهم فبعيد ولم ينقل إلينا ، وإن لا يبعد شيء من جهّال الناس ، كما اتّخذوا البقر والشيطان معبوداً .

ولعلّ أمره بهدم القبور ، لأجل تعظيم الناس إيّاها بنحو العبادة للأصنام وكانوا يسجدون عليها ، كما يشعر به بعض الروايات الناهية عن اتّخاذ قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم قبلة ومسجداً :

فعن الصدوق ، قال : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا تتّخذوا قبري قبلة ولا مسجداً ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ لعن اليهود ؛ حيث اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(1) .

ويشهد له بُعد بعث رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمير المؤمنين علیه السلام لهدم القبور وكسر الصور لكراهة بقائهما، وسيأتي جواز اقتناء الصور المجسّمات(2) .

وأمّا على ما ذكرناه يكون الحكم على وجه الإلزام كما يساعده الاعتبار .

وتؤيّد ما ذكرناه صحيحة عبداللّه بن المغيرة ، قال : سمعت الرضا علیه السلام يقول : «قال قائل لأبي جعفر علیه السلام : يجلس الرجل على بساط فيه تماثيل ، فقال : الأعاجم تعظّمه وإنّا لنمتهنه»(3) ؛ أي نحتقره .

ص: 290


1- الفقيه 1 : 114 / 432 ؛ وسائل الشيعة 5 : 161 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 26 ، الحديث 3 .
2- يأتي في الصفحة 317 .
3- الكافي 6 : 477 / 7 ؛ وسائل الشيعة 5 : 308 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 ، الحديث 1 .

وما عن أبي الحسن علیه السلام ، قال : «دخل قوم على أبي جعفر علیه السلام وهو على بساط فيه تماثيل ، فسألوه ، فقال : أردت أن أهينه»(1) .

وفي رواية : «قال جبرئيل علیه السلام : إنّا لا ندخل بيتاً فيه تمثال لا يوطأ»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ التحقير والإهانة بالصور في مقابل تعظيم الأعاجم ؛ لأ نّهم كانوا يعبدون أصناماً وتماثيل وكانوا يعتقدون أ نّها مثال أرباب الأنواع التي يعتقدون أ نّها وسائل إلى اللّه تعالى .

وبالجملة : لا تستفاد من تلك الروايات حرمة مطلق المجسّمات فضلاً عن غيرها، بل هي مربوطة ظاهراً بعمل الأصنام وحفظ آثار الجاهلية وحفظ عظمتها الموهومة ، ولا يبعد القول بحرمتها مطلقاً وحرمة اقتنائها لذلك ووجوب محوها .

وأمّا الطائفة الاُخرى : فالظاهر منها حرمة عمل المجسّمات ، وهي ما دلّت على تكليف المصوِّر بالنفخ : كمرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من مثّل تمثالاً كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح»(3) . وقريب منها روايات اُخر مستفيضة(4) ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الأمر بالنفخ ليس لمطلق التعجيز

ص: 291


1- مكارم الأخلاق 1 : 286 / 889 ؛ وسائل الشيعة 5 : 310 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 ، الحديث 8 .
2- الكافي 6 : 528 / 13 ؛ وسائل الشيعة 5 : 309 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 ، الحديث 5 .
3- الكافي 6 : 527 / 4 ؛ وسائل الشيعة 5 : 304 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 2 .
4- راجع وسائل الشيعة 5 : 305 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الحديث 5 ، 12 ، و17 : 297 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 6 - 9 .

بلا تناسب ، بل كأ نّه لم يبق من صورة الحيوان شيء سوى النفخ ، فإذا نفخ فيه

صار حيواناً ، وهو ظاهر في المجسّمة ذات الروح .

وليس مراد من يدّعي(1) أ نّها ظاهرة فيها ، أنّ نفخ غير المجسّمة ؛ أي الأعراض محال ، حتّى يقال في جوابه تارةً : بأ نّه للتعجيز وهو مع الاستحالة أوقع ، واُخرى : بإمكان النفخ في الجواهر الموجودة في الصبغ ، وثالثةً : بإرادة تجسيم النقش مقدّمة للنفخ ، ورابعةً : بإمكان ذلك بملاحظة محلّه بل بدونها كأمر الإمام علیه السلام بالأسد المنقوش على ما حكي(2) . . . إلى غير ذلك(3) .

فإنّها أجنبيّة عن المدّعى ؛ لأنّ المراد أنّ الظاهر المتفاهم منها أنّ ما صنعه إذا نفخ فيه صار حيواناً معهوداً ، وهو لا يكون إلاّ في المجسّمات .

ويؤيّده أنّ المظنون بل الظاهر من بعض الروايات أنّ سرّ التحريم إنّما هو اختصاص المصوّرية باللّه تعالى ، وهو الذي يصوّر ما في الأرحام ، و)هُوَ اللّه ُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ((4) .

فإذا صوّر إنسان صورة ذي روح يقال له : انفخ فيها كما نفخ اللّه فيما صوّر ؛ إرغاماً لأنفه وتعجيزاً ، وهو أيضاً يناسب المجسّمة ، كما تشعر به أو تدلّ عليه الرواية المرسلة المحكيّة عن «لبّ اللباب» للراوندي ، وفيها : «ومن صوّر

ص: 292


1- جواهر الكلام 22 : 42 .
2- الأمالي ، الصدوق : 127 / 19 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 95 / 1 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 184 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 103 .
4- الحشر (59) : 24 .

التماثيل ، فقد ضادّ اللّه»(1) ، بناءً على كون المضادّة في مصوّريته ، فلا يكون في غيرها مضادّة له ؛ لأ نّه تعالى لم ينفخ روحاً في غير المجسّمات .

والحاصل : أنّ الظاهر من تلك الطائفة هو حرمة عمل المجسّمة من ذي الروح ، لا غيره من سائر الصور المتقدّمة ؛ لقصور الأدلّة عن إثبات حرمتها :

أمّا ما تقدّمت فلما عرفت .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ، فقال : «لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان»(2) - التي ادّعى الشيخ الأنصاري أ نّها أظهر من الكلّ(3) ، فلا ظهور فيها رأساً :

لعدم معلومية وجه السؤال أوّلاً ؛ لاحتمال أن يكون السؤال عن اللعب بها ، كما في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى علیه السلام أ نّه سأل أباه عن التماثيل ، فقال : «لا يصلح أن يلعب بها»(4) . سيّما مع ما ترى من حمل السؤال المطلق على الاستفتاء من اللعب بها ، أو عن اقتنائها ، أو عن تزويق البيوت بها ، أو عن

ص: 293


1- اُنظر مستدرك الوسائل 13 : 210 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 75 ، الحديث 3 .
2- المحاسن : 619 / 54 ؛ وسائل الشيعة 17 : 296 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 3 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 185 .
4- المحاسن : 618 / 52 ؛ وسائل الشيعة 5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 15 .

جعلها في البيت ، أو مقابل المصلّي كما في جملة من الروايات(1) .

ودعوى الانصراف إلى تصويرها (2) ممنوعة . بل يمكن أن يقال : إنّ السؤال عن التماثيل إنّما هو بعد الفراغ عن وجودها ، فيكون ظاهراً أو منصرفاً إلى سائر التصرّفات فيها .

وعدم ظهورها في الحرمة ثانياً . وما يقال : إنّ البأس هو الشدّة والعذاب المناسبان للحرمة(3) كما ترى ، فإنّ استعمال «لا بأس» في نفي المرجوحية

والكراهة شائع .

وعدم الإطلاق في ذيلها ثالثاً ؛ لأنّ تماثيل الشجر لو اختصّت بالمجسّمات فإثبات البأس في الحيوان أيضاً كذلك ، ولو شملت بالإطلاق النقوش والرسوم فلا يكون في عقد المستثنى إطلاق ؛ لكون الكلام مسوقاً لبيان الصدر وعقد المستثنى منه ، لا الذيل .

ودعوى اختصاص السؤال بالنقوش بمناسبة عدم تعارف تجسيم الشجر وتالييه(4) ، غير وجيهة ؛ لإمكان أن يقال : إنّ المتعارف في تلك الأزمنة هو عمل الحجّاري وتصوير الأشياء بالحجر والجصّ بنحو التجسيم ، وأمّا النقش والرسم

ص: 294


1- راجع وسائل الشيعة 4 : 436 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 1 ، و5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 17 ، و17 : 296 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 4 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 185 ؛ حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 105 - 106 .
3- مستند الشيعة 14 : 106 .
4- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 185 .

فتعارفهما غير معلوم ، ولا أقلّ من عدم إحراز تعارف ترسيم المذكورات دون تجسّمها بنحو يوجب الانصراف ، فإنكار الإطلاق ضعيف جدّاً .

ومن بعض ما تقدّم يظهر الكلام في رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام ،

قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أتاني جبرئيل ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك ينهى عن التماثيل»(1) ؛ لعدم معلومية متعلّق النهي كما تقدّم .

ويظهر من بعض ما تقدّم أيضاً الكلام في رواية «تحف العقول» ، حيث قال في الصناعات المحلّلة : «وصنعة صنوف التصاوير ما لم تكن مثل الروحاني»(2) .

فإنّه - مضافاً إلى ضعفها - في مقام بيان الصنوف المحلّلة لا المحرّمة ، فلا إطلاق في عقد المستثنى يشمل المجسّمات وغيرها ، وسيأتي بيان معنى المثل واحتمال أن يكون المراد بها الأصنام .

وقد يقال(3) : إنّ أظهر ما في الباب هو رواية الحسين بن زيد ، عن الصادق علیه السلام ، عن آبائه ، في حديث المناهي ، وفيها : «ونهى أن ينقش شيء من الحيوان على الخاتم»(4) .

ص: 295


1- المحاسن : 614 / 36 ؛ وسائل الشيعة 5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 11 .
2- تحف العقول : 335 ؛ وسائل الشيعة 17 : 85 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .
3- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 63 .
4- الفقيه 4 : 5 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 297 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 6 .

وفيه : - مضافاً إلى ضعف السند ، وعدم ذكر ألفاظ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في تلك

النواهي بل نقلت نواهيه بنحو الإجمال ، وهي مشتملة على المكروهات وغيرها ، فلا تدلّ على التحريم ، لا لأنّ السياق مانع عن استفادته حتّى يقال مضافاً إلى منع مانعيته إنّ نواهيه صلی الله علیه و آله وسلم كانت متفرّقة وإنّما جمعها أبو عبداللّه علیه السلام في رواية واحدة ، بل لأنّ أبا عبداللّه علیه السلام لم ينقل ألفاظ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وليس قوله : نهى عن كذا وكذا إلاّ إخباراً على سبيل الإجمال ، ومن الواضح أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لم يقل في تلك الموارد : إنّي أنهاكم

عن كذا وأنهاكم عن كذا إلى آخرها ، بل كان له صلی الله علیه و آله وسلم نواهي مختلفة بألفاظ مختلفة ، بعضها على سبيل التحريم وبعضها على سبيل التنزيه ، حكاها أبو عبداللّه علیه السلام من غير ذكر ألفاظه ، فلا دلالة فيها على التحريم إلاّ في بعض فقراتها - أنّ المنهيّ عنه هو النقش على الخاتم ، وهو أمر آخر غير التصوير الذي نحن بصدده ؛ لإمكان أن يكون النقش عليه محرّماً أو مكروهاً لا لحرمة التصوير بل لمبغوضية انتقاشه ، نظير النهي عن زخرفة المساجد مثلاً أو إنشاد الشعر فيها .

وبهذا يظهر الكلام في رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أتاني جبرئيل ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السلام ، وينهى عن تزويق البيوت» قال أبو بصير : فقلت : وما تزويق البيوت ؟ فقال : «تصاوير التماثيل»(1) .

ورواية جرّاح المدائني عنه علیه السلام ، قال : «لا تبنوا على القبور ، ولا تصوّروا

ص: 296


1- الكافي 6 : 526 / 1 ؛ وسائل الشيعة 5 : 303 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 1 .

سقوف البيوت ، فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كره ذلك»(1) .

فإنّ النهي عن تزويق البيوت وتصوير السقوف لا يدلّ على حرمة التصوير ، كما أنّ النهي عن البناء على القبور لا يدلّ على حرمة البناء أو كراهته ، وهذا واضح .

وربّما يستدلّ(2) على الإطلاق بموثّقة أبي العبّاس ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في

قول اللّه عزّ وجلّ : )يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ((3) فقال : «واللّه ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنّها الشجر وشبهه»(4) .

وفيه : أ نّها نقل قضيّة خارجية لم يتّضح أنّ التماثيل التي يعملون له هي المجسّمات أو غيرها ، ولا معنى لإطلاق قضيّة شخصية .

مضافاً إلى أنّ التماثيل المذكورة على ما يظهر من «مجمع البيان» هي المجسّمات المعمولة من نحاس وشبه ورخام ونحوها (5) . مع أنّ إنكار أبي عبداللّه علیه السلام لا يدلّ على كونها محرّمة على سليمان النبي علیه السلام، بل لعلّها كانت مكروهة عليه كراهة شديدة لا يليق ارتكابها بمثل النبي ، فالتمسّك بها لإثبات المطلوب ضعيف جدّاً .

ص: 297


1- تهذيب الأحكام 1 : 461 / 1505 ؛ وسائل الشيعة 5 : 306 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 9 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 187 .
3- سبأ (34) : 13 .
4- الكافي 6 : 527 / 7 ؛ وسائل الشيعة 17 : 295 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 1 .
5- مجمع البيان 8 : 599 .

وأمّا رواية عبداللّه بن طلحة عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «من أكل السحت

سبعة» ، إلى أن قال : «والذين يصوّرون التماثيل»(1) .

فمضافاً إلى ضعفها ، لا إطلاق فيها ؛ لأ نّها في مقام العدّ ولا إطلاق فيها في المعدود كما مرّ نظيره(2) . مع أنّ كون السحت راجعاً إلى بيعها أو عملها غير

متّضح ، كما أنّ سحتية أجر العمل لا تلازم حرمته ؛ لإمكان أن يكون عدم التقابل بالمال لجهة اُخرى ، تأمّل .

وليست الرواية عندي حتّى أرى تتمّتها . وكيف كان : لا يصلح مثلها لإثبات حكم .

كما لا تصلح لذلك رواية «الخصال» عن أمير المؤمنين علیه السلام : «إيّاكم وعمل الصور ، فإنّكم تسألون عنها يوم القيامة»(3) .

لضعف سندها ، بل لا يبعد ظهور قوله : «عمل الصور» في عمل المجسّمة وانصرافه عن ترسيمها ونقشها .

فتحصّل من جميع ذلك عدم قيام دليل صالح لإثبات حرمة غير المجسّمات من ذوات الأرواح .

بل لقائل أن يقول : إنّ الأدلّة على فرض إطلاقها وعمومها وشمول مثل قوله :

ص: 298


1- مستدرك الوسائل 13 : 210 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 75 ، الحديث 2 .
2- تقدّم في الصفحة 111 و112 .
3- الخصال : 635 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 210 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 75 ، الحديث 1 .

«من مثّل مثالاً فكذا ، ومن صوّر صورة فكذا» تماثيل جميع الموجودات ، وأنّ ذكر النفخ فيها لمجرّد التعجيز لا للتناسب ، يوجب ذلك وهناً على المطلقات والعمومات .

لأنّ عدم ذكر المتعلّق فيها يدلّ على العموم ، وهذه العناوين ؛ أي التصوير والصورة والتمثال ، تصحّ إضافتها إلى كلّ موجود جسماني بل وروحاني وكذا إلى أجزاء وأعضاء كلّ موجود بل بعض أعضائه فيصدق تمثال الرأس وصورة الرجل واليد والشجر وساقه وورقه وهكذا .

فحينئذٍ يكون إخراج جميع الموجودات كلاًّ وبعضاً عن العمومات والإطلاقات وإبقاء الصور التامّة للحيوان فقط تحتها من التخصيص الكثير المستهجن .

فيكشف ذلك عن قرائن حافّة بها حين الصدور خرجت بها عن الاستهجان ، والمتيقّن هو حرمة المجسّمات المدّعى عليها الإجماع(1) .

ودعوى الانصراف إلى خصوص الصور التامّة أو خصوص صور الحيوانات ، كما ترى .

نعم ، في رواية محمّد بن مروان : «من صوّر صورة من الحيوان يعذَّب حتّى ينفخ فيها وليس بنافخ فيها»(2) . لكنّها ضعيفة ؛ لاشتراك ابن مروان

ص: 299


1- راجع جامع المقاصد 4 : 23 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 54 و57 ؛ رياض المسائل 8 : 58 ؛ مفتاح الكرامة 12 : 161 ؛ جواهر الكلام 22 : 41 .
2- الخصال : 108 / 76 ؛ وسائل الشيعة 17 : 297 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 7 .

وعدم ثبوت وثاقته(1) فلا يمكن إثبات الحكم بها . لكن الإنصاف أنّ هذا الوجه قابل للمناقشة ، واللّه العالم .

فروع :

الأوّل : حرمة تصوير الأصنام

لا شبهة في حرمة تصوير الأصنام للعبادة بها أو لإبقاء آثار السلف الفاجر ، من غير فرق بين المجسّمة وغيرها ، ولا بين الإيجاد التسبيبي والمباشري ، ولا بين صور الروحانيين وغيرها ، ولا الحيوان وغيره .

فلو عمل صورة بعض أرباب الأنواع المتوهّمة التي كانت مورد تعبّدهم أو صورة شجرة كذائية كان حراماً مطلقاً ولا يجوز إبقاؤها واقتناؤها .

وذلك لما نعلم من مذاق الشارع الأقدس أ نّه لا يرضى ببقاء آثار الكفر والشرك للتعظيم أو لحبّ بقاء آثارهما والفخر بها ، كما ترى من بعض أولاد الفرس من الحرص على إبقاء الآثار القديمة المربوطة بالمجوس وعبدة النيران .

وقد مرّ أنّ جملة من الأخبار راجعة إلى هذه الناحية(2) . فالفروع الآتية إنّما هي في غير تلك الصور الخبيثة .

ولا ينافي ذلك لما قدّمناه سابقاً من تجويز بيع الصنم الذي انقرض عصر عابديه وإنّما يشتريه بعض الناس لحفظ الآثار العتيقة(3) ؛ لأنّ المنظور في ذلك

ص: 300


1- راجع تنقيح المقال 3 : 182 (أبواب الميم) .
2- تقدّمت في الصفحة 287 - 288 .
3- تقدّم في الصفحة 185 .

المقام جواز المعاوضة عليه إن كان المقصود مجرّد ذلك ، لا حفظ شعار الأجداد ، كما في المقام .

كما لا ينافيه بعض الروايات الواردة في الوسائد المنقوشة بالنقوش التي كانت

الأعاجم يعظّمها ، لو كان المراد منها صور أرباب الأنواع ونحوها ممّا كانت مورد تعظيمهم ، بعد ما لم يكن الحفظ للتعظيم بل للتحقير كما في الروايات أو لمجرّد استفادة التوسّد والافتراش(1) ، فإنّ الأحكام تختلف بالجهات والحيثيات . هذا، مع عدم معلومية كون النقوش من قبيلها أو من سلاطينهم أو غير ذلك .

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ الظاهر من الأدلّة هو حرمة تصوير الصور وتمثيل المثال ، وهما لا يشملان إلاّ للمصنوع بيد الفاعل مباشرة؛ بمعنى صدور عمل التصوير منه وبيده ، كما كانت صنعة الصور كذلك في عصر صدور الروايات، فلا يشملان لإيجاد الصور كيف ما كان .

فلو فرضت مكينة صنعت لإيجاد المجسّمات وباشر أحد لاتّصال القوّة الكهربائية بها فخرجت لأجلها الصور المجسّمة منها ، لم يفعل حراماً ولم تدلّ تلك الأدلّة على حرمته ؛ لعدم صدق تصوير الصور وتمثيل المثال عليه . فلو نسبا إليه كان بضرب من التأويل والتجوّز ، فإنّ ظاهر «من صوَّر صوراً» أو «مثّل مثالاً» سيّما في تلك الأعصار صدورهما من قوّته الفاعلة ، فيكون هو المباشر لتصويرها .

فكما أنّ قوله : «من كتب كتاباً» لا يشمل من أوجد الكتابة بالمطابع المتعارفة

ص: 301


1- راجع وسائل الشيعة 5 : 308 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 .

أو أخذ الصورة منه ، فمباشر عمل المطبعة وأخذ الصور ليس كاتباً ولا كتب شيئاً ، كذلك صاحب المكينة العاملة للصور وكذا المصوّر ليسا مصوّرين وممثّلين للصور والمثل إلاّ بضرب من التأويل والتجوّز ، ولا يصار إليه إلاّ بدليل وقرينة ، من غير فرق بين الصور المنطبعة في الزجاجة والمنعكسة منها إلى الصحائف ، وإن كان عدم الصدق في الأوّل أوضح .

نعم ، لو كان وجود شيء مبغوضاً في الخارج كان إيجاده بأيّ نحو كذلك ، لاتّحاد الإيجاد والوجود ذاتاً، وإنّما اختلافهما بالاعتبار ، تأمّل .

لكن لم يحرز في المقام ذلك ، بل سيأتي أنّ الأقوى جواز اقتناء الصور وعدم وجوب كسرها (1) ، فعليه لا دليل على حرمة إيجادها بأيّ نحو كان .

إلاّ أن يدّعى أنّ ذلك المدّعى لو تمّ في مثل قوله : «من صوّر صورة أو مثالاً» لا يتمّ في مثل قوله : «مثّل مثالاً» ، فإنّ الظاهر منه حرمة مثول المثال وهو شامل

للإيجاد ، أو مخصوص به ، أو يدّعى إلغاء الخصوصية عرفاً وفهم الإيجاد التسبيبي من الأدلّة بإلغائها .

وهما أيضاً محلّ إشكال ومنع ؛ لأنّ الظهور المدّعى إنّما هو لهيئة الفعل؛ فإنّها ظاهرة في الإيجاد المباشري إلاّ مع قيام قرينة من غير فرق بين الموارد ، بل الظاهر من قوله : «من مثّل صورة أو مثالاً» هو تصوير الصورة وتمثيلها بقدرته وعلمه بذلك الصنع ، والمباشر لاتّصال القوّة بالمكينة أو لإلقاء الجصّ في القالب ربّما لا يكون مصوّراً وعالماً بالتصوير ولا قادراً عليه .

ص: 302


1- يأتي في الصفحة 317 .

نعم ، في بعض الأحيان تقوم القرينة على التعميم ، أو على التخصيص بغير المباشرة ، وهو أمر آخر .

وأمّا في مثل المقام - الذي كان المتداول في التصوير والتمثيل تحصيلهما بمباشرة اليد وقدرة الصنع ، وربما يفعل بمثل المكائن والقوالب كما في هذا العصر ولم يكن ذلك أيضاً متداولاً في تلك الأعصار حتّى يكون التداول قرينة على إرادة الأعمّ - فالظاهر من الأدلّة هو النحو الأوّل ، والتعميم يحتاج إلى دليل

وهو مفقود .

ودعوى إلغاء الخصوصية أيضاً ممنوعة ، ولا أقلّ من الشكّ فيه . نعم، لو كان وجودها مبغوضاً كان الأمر كما ذكر ويأتي الكلام فيه ، ولكن الاحتياط بتركه مطلقاً لا ينبغي أن يترك .

الثاني : حكم تصوير الجنّ والشيطان والمَلَك

هل تلحق صورة الجنّ والشيطان والمَلَك بالصورة الحيوانية أو لا ؟

قد يقال : إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة ذلك(1) .

لكن يمكن إنكار إطلاقها بأن يقال : العمدة في الأدلّة هو المستفيضة المشتملة على قوله : «يكلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ»(2) ، وأمّا غيرها فقد تقدّم أنّ جملة

ص: 303


1- مفتاح الكرامة 12 : 166 ؛ جواهر الكلام 22 : 43 .
2- راجع وسائل الشيعة 5 : 304 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 2 ، 5 ، 12 ، و17 : 297 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 94 ، الحديث 6 ، 7 و9 .

منها مربوطة بعمل تماثيل الهياكل المعبودة(1) ، وجملة اُخرى لا إطلاق فيها ، ولو وجد فيها ما له إطلاق فضعيف سنداً (2) .

وأمّا المستفيضة المشار إليها ، فالظاهر منها أنّ المحرّم هو تمثال موجود يكون نحو إيجادها بالتصوير والنفخ كالإنسان وسائر الحيوانات ، فمع تصوير صورة حيوانية وتتميم تصويرها وبقاء نفخ الروح فيها ولو بنحو من المسامحة ، كأ نّه تشبّه بالخالق في مصوّريته ما في الأرحام ، فيقال له يوم القيامة : أيّها المصوّر ، انفخ فيها كما نفخ اللّه تعالى في الصور بعد تسويتها .

وأمّا مثل الجنّ والشيطان والملك - ممّا تكون كيفية إيجادها بغير التصوير والتخليق التدريجيين ، وبغير التسوية والنفخ ، بل إيجادها بدعية دفعية سواء قيل بكونها مجرّدة أم لا ، ولا يكون فيها نفخ روح كما في الحيوانات - فخارج عن مساق تلك الأخبار التي هي المعتمدة في حرمة عمل المجسّمات ، لاستفاضتها واعتبار أسناد بعضها كمرسلة ابن أبي عمير(3) .

هذا، مضافاً إلى أنّ المظنون بل الظاهر من مجموع الروايات أنّ وجه تحريم الصور والتماثيل هو التشبّه بالخالق جلّت قدرته في المصوّرية التي هي من صفاته الخاصّة ، والتصوير الخيالي من المذكورات ليس تشبّهاً به تعالى ؛ لأ نّه لم يصوّرها كذلك حتّى يكون التصوير تشبّهاً به .

إلاّ أن يقال : إنّه صار شبيهاً به في مطلق التصوير ، وهو كما ترى .

ص: 304


1- تقدّمت في الصفحة 287 .
2- تقدّمت في الصفحة 295 - 299 .
3- تقدّمت في الصفحة 291 .

ولا يلزم ممّا ذكرناه الالتزام بجواز تصوير حيوان غير موجود ، كالعنقاء مثلاً ، أو مخلوق ذي رؤوس عديدة ؛ لأ نّا لا نقول باختصاص الأدلّة بالحيوانات الموجودة في الخارج ، بل نقول باختصاصها بما يكون موجوديته كموجودية الحيوانات بالتخليق والتصوير ، والمذكورات ليست كذلك .

مع أنّ الالتزام بعدم الحرمة في بعض مصاديق مورد النقض ليس ببعيد وليس بتالي فاسد .

نعم ، يمكن التمسّك برواية «التحف» لحرمة صور الروحاني-ين من الملائكة وغيرها ، حيث قال فيها في تفسير الصناعات المحلّلة : «وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني»(1) .

بدعوى أنّ الظاهر منها حرمة مطلق مثل الروحاني ، بل الظاهر خروج الإنسان والحيوانات منها ، فإنّ الروحاني ظاهر في موجود غلبت جهة الروح فيه ، والألف والنون من زيادات النسب ، فالروحاني مقابل الجسماني .

ففي رواية عن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ اللّه خلق العقل ، وهو أوّل خلق من الروحانيين»(2) .

قال المحدّث المجلسي : «يطلق الروحاني على الأجسام اللطيفة وعلى الجواهر المجرّدة إن قيل بها» ، قال في «النهاية» : في الحديث : «الملائكة الروحانيون» . يروى بضمّ الراء وفتحها ، كأ نّه نسب إلى الرُوح والرَوح

ص: 305


1- تحف العقول : 335 ؛ وسائل الشيعة 17 : 85 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- الكافي 1 : 20 / 14 .

وهو نسيم الريح ، والألف والنون من زيادات النسب ، ويراد به أجسام لطيفة لا يدركها البصر(1) ، انتهى .

وفي «المجمع»(2) نحو ما عن «النهاية»(3) .

وعن الجوهري : زعم أبو الخطّاب أ نّه سمع من العرب من يقول في النسبة إلى الملائكة والجنّ : رُوحاني ، بضمّ الراء ، والجمع روحانيون . وزعم أبو عبيدة أنّ العرب تقوله لكلّ شيء فيه الروح(4) ، انتهى .

وكيف كان : فالمتفاهم منه ولو انصرافاً غير الحيوانات بل والإنسان ، وإنّما يطلق على علماء الشرائع بدعوى غلبة الجهات الروحية فيهم كأ نّهم ليسوا من عالم الأجسام .

فعليه تدلّ الرواية على حرمة تصوير الروحانيين الغائبين عن الحواسّ مطلقاً .

لكن يمكن المناقشة فيه بعد الغضّ عن سندها واغتشاش متنها ، بأنّ الظاهر من مجموعها صدراً وذيلاً في تفسير الصناعات أنّ المراد بمثل الروحاني مثل هياكل العبادة ؛ لأنّ المذكور في جميع فقرات الرواية من ملاك الحلّية والحرمة ، هو كون الشيء صلاحاً للعباد ، أو كان فيه وجه من وجوه الصلاح ، أو كون الشيء فساداً محضاً ، أو فيه جهة فساد ، وأنّ ما فيه جهة صلاح

ص: 306


1- مرآة العقول 1 : 66 .
2- مجمع البحرين 2 : 364 .
3- النهاية ، ابن الأثير 2 : 272 .
4- الصحاح 1 : 367 .

وجهة فساد لا يحرم إلاّ إذا صرف في الفساد .

فيستفاد منها أنّ مثل الروحانيين التي فيها الفساد من جهة عبادة الناس إيّاها وتعظيمها المنافية للتوحيد والتنزيه محرّم صنعتها ، وأمّا ما ينتفع الناس بها ولو في التزيين وسائر الأغراض العقلائية كتماثيل الموجودات كانت روحانيين أم لا فهي محلّلة .

وإن شئت قلت : إنّ سائر فقرات الرواية حاكمة على تلك الفقرة ومفسّرة إيّاها .

ويؤيّد هذا الاحتمال ذكر الأصنام والصلبان في الضابطة التي ذكرت مقابلة ضابط الحلّية ، فقال : «إنّما حرّم اللّه الصناعة التي حرام هي كلّها التي يجيء منها الفساد محضاً ، نظير البرابط والمزامير والشطرنج وكلّ ملهوّ به والصلبان والأصنام وما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام . . .»(1) إلى آخر فقراتها .

والإنصاف أ نّها قاصرة عن إثبات الحرمة لمطلق صور الروحاني-ين . وسيأتي تتمّة لفقه الحديث(2) .

ثمّ على فرض تسليم دلالتها على حرمة مطلق مثل الروحاني ، فلا شبهة في عدم شمولها للحيوان والإنسان كما تقدّم .

وعليه يكون مقتضى الجمع بين منطوقها وبين ذيل صحيحة ابن مسلم(3) أنّ تصاوير غير الروحاني مكروه ، ومقتضى الجمع بين مفهوم الرواية

ص: 307


1- تحف العقول : 335 ؛ وسائل الشيعة 17 : 85 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- يأتي في الصفحة 328 .
3- تقدّمت في الصفحة 293 .

ومنطوق الصحيحة حرمة تصوير الروحاني ؛ لأخصّية المفهوم منه .

لكنّ الالتزام بكراهة غير الروحاني مخالف للإجماع(1) والروايات المتضافرة .

ومقتضى الجمع بين الروايات ورواية «التحف» أنّ تصوير الروحاني-ين ومطلق الحيوان محرّم ؛ لأنّ مفهوم رواية «التحف» أخصّ من منطوق صحيحة ابن مسلم فيقيّده ، ومفاد الروايات المتقدّمة المخصوصة بالحيوانات أخصّ من منطوق رواية «التحف» التي عدّ فيها من المحلّلات جميع صنوف التصاوير عدا الروحاني فيقيّد بها .

فيصير حاصل المجموع حرمة تصاوير ذوات الأرواح من الروحاني وغيره .

لكن جميع ذلك فرع جواز الاعتماد على رواية «التحف» لإثبات حكم وهو ممنوع ، فعليه تكون حرمة تصوير الروحانيين بلا دليل ، بل دلّت صحيحة ابن مسلم على جوازه ، بل لا يبعد دلالة رواية محمّد بن مروان(2) عليه ، بناءً على حجّية مفهوم القيد في مثل المقام ؛ لأنّ الحيوان مخصوص أو منصرف إلى غير الملائكة والجنّ والشيطان بلا شبهة . بل لولا كون الحكم في تصوير الإنسان من المسلّمات لكان للمناقشة فيه أيضاً مجال ، لانصراف الحيوان عنه أيضاً .

والعلم بحرمة تصوير الإنسان وعدم الفصل بينه وبين الحيوانات ، لا يوجب كون المراد من الحيوان ما هو مصطلح قوم أو مطلق ذي الروح أو كون ذكره في

ص: 308


1- تقدّم في الصفحة 285 .
2- تقدّمت في الصفحة 299 .

الأخبار لمطلق التمثيل كما قرّبه السيّد رحمه الله علیه في حاشيته(1) .

وأمّا ما قال من أنّ المتعارف من تصوير الجنّ والملائكة ما هو بشكل واحد من الحيوانات ، فيحرم من هذه الجهة ، بناءً على عدم اعتبار قصد كونه حيواناً مع فرض العلم بكونه صورة له(2) .

ففيه : - مضافاً إلى ما اختاره من اعتبار القصد في صور المشتركات وليس ببعيد - أنّ الصور المتعارفة من تصويرهما ممتازة عرفاً عن صور الحيوانات وإن كانت شبيهة من بعض الوجوه بالإنسان ، لكن العرف يراها غير صورة الإنسان ، ففرق بين كون صورة للإنسان أو لموجود آخر شبيه به . والصور المعمولة من قبيل الثانية .

وأمّا التشبّث برواية أبي العبّاس ففيه ما لا يخفى ، وقد تقدّم الكلام فيها (3) .

فالأقوى عدم الحرمة وإن كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك ؛ لاحتمال إطلاق بعض الأخبار أو فهم المناط منها أو إلغاء الخصوصية أو كون المراد بالحيوان مطلق ذي الروح ولو لمناسبات ، أو غير ذلك .

نعم ، لو فرض ما صوّر يكون مثالاً لحيوان أو الإنسان فإن قلنا بحصول التميّز بينهما بالقصد كتميّز سائر المشتركات كما لا يبعد ، فيتبع الحكم القصد .

فلو قصدهما وقلنا بصدق العنوانين عليها ، أو قصد نفس الصورة الخارجية بلا قصد عنوان وقلنا بانطباقهما عليها ، أو قلنا بعدم اعتبار القصد والانطباق

ص: 309


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 109 .
2- نفس المصدر.
3- تقدّم في الصفحة 297 .

عليها قهري ، فالأقوى حرمتها من حيث انطباق عنوان الحيوان عليها في جميع الصور .

ولا يكون المورد من قبيل تزاحم المقتضيات ولا تعارض الأدلّة ؛ لأنّ الحكمين على عنوانين بينهما عموم من وجه ، أمّا على ما قلناه من امتياز الصور المتعارفة للملائكة والجنّ عن صورة الحيوان والإنسان ، فواضح ، وكذا على ما ذكره السيّد الطباطبائي(1) من أنّ الصور المتعارفة من قبيل صورة الإنسان ، لكنّه

تصوّر صورة غير حيواني للملائكة والجنّ ، وعلى أيّ تقدير بين العنوانين عموم من وجه .

فحينئذٍ لا منافاة ولا مزاحمة بين الدليلين ، فعنوان صورة الملائكة حلال ، وعنوان صورة الحيوان حرام ، وانطباق العنوانين بسوء اختيار المكلّف ، فالصورة الخارجية مجمع العنوانين ، ومحرّمة من حيث ، ومحلّلة من حيث أو حيثيات ، من غير تزاحم أو تعارض ، نظير شرب الماء المغصوب ، فإنّه من حيث شرب الماء ليس بمحرّم ، ومن حيث التصرّف في مال الغير أو إتلافه حرام ، كما أنّ شرب المائع النجس المغصوب محرّم من جهتين ، فما في حاشية السيّد المتقدّم لا يخلو من خلط وإشكال .

نعم ، لو كان بينهما تلازم؛ بمعنى عدم انفكاك صورة الملك عن صورة الحيوان في المقام ، ودلّ دليل بالخصوص على جواز تصوير الملائكة ، ودليل على حرمة تصوير الحيوان الذي يشترك معها في الصورة ، يقع التعارض بين

ص: 310


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 109 .

الدليلين وهو خارج عمّا نحن فيه ومجرّد فرض .

كما أ نّه لو فرض دليل على حرمة صورة مطلق الحيوان ، ودليل على جواز صورة الملك ولا تكون صورته إلاّ صورة حيوان خاصّ ، يخصّص دليل الحرمة بدليل الجواز الملازم لجواز تصوير الحيوان الذي تلازم صورته للملك .

الثالث : حكم ما لو اشترك اثنان أو أكثر في عمل صورة

لو اشترك اثنان أو أكثر في عمل صورة ، فالظاهر قصور الأدلّة عن إثبات الحرمة لفعل كلّ من الفاعلين أو أكثر بعد عدم صدق عنوان : «صوّر الصور» أو «مثّل المثال» على واحد منهما بلا ريب ؛ ضرورة أنّ التمثال والصورة عبارة عن مجموع الصورة الخارجية ، والأجزاء لا تكون تمثالاً لحيوان ولا صورة له ، والفاعل للجزء لا يكون مصوّراً للحيوان ، من غير فرق بين اشتغالهما بتصويره من الأوّل إلى الآخر أو تصوير أحدهما نصفه والآخر نصفه الآخر ، أو عمل واحد منهما الأجزاء وتركيب الآخر بينها ؛ لعدم الصدق في شيء منها ، فإنّ الظاهر من قوله : «من صوّر صورة» ، كون صدور الصورة ؛ أي هذا الموجود الخارجي الذي يقال له التمثال ، من فاعل ، والفرض عدم صدورها منه . وهو نظير قوله : من قال شعراً ، أو من كتب سطراً ، أو من مشى من بلده إلى مكّة .

واحتمال أن يكون المراد بهما ، أ نّه من أوجد هيئة الصورة أو هيئة المثال وهو صادق على من أتمّهما ، إمّا بإتيان النصف الباقي ، أو بتركيب الأجزاء ، بعيد عن ظاهر اللفظ ومخالف للمتفاهم من الأخبار .

فإن قلت : إنّ المراد من قوله : «من صوّر صورة» أو «مثّل مثالاً» ليس

ص: 311

الأشخاص الخارجية، بل المراد أشخاص الفاعلين ، وفي المفروض أنّ الصورة صادرة من فاعل مختار قاصد وهو مجموع الاثنين ، فهما فاعل واحد ومصوّر واحد ، وذلك كما في قوله : «من قتل نفساً ، ومن ردّ عبدي فله كذا» ، فإنّه صادق على الواحد والاثنين ، ولا يلزم منه استعمال اللفظ في أكثر من معنىً واحد بتوهّم أنّ المراد من لفظة «مَن» كلّ شخص وكلّ شخصين وهكذا ، وذلك لأنّ المراد كلّ شخص فاعل ، فكأ نّه قال : كلّ فاعل ، والفاعل يصدق على الاثنين والواحد ؛ بمعنى أنّ الاثنين فاعل واحد فلا يكون مستعملاً في الوحدات والاثنينات(1) .

قلت : إنّ الجمع بين العامّ الاستغراقي والمجموعي في كلام واحد وحكم واحد لا يمكن ؛ فإنّ الاستغراق الملازم للانحلال يتقوّم بعدم لحاظ الوحدة بين الأشخاص ، والعامّ المجموعي متقوّم بلحاظها ، ففي قوله : أكرم العلماء إن لم يلحظ في تعلّق الحكم وحدة الموضوع ولم يعتبر المجموع واحداً ، ينحلّ إلى أحكام عديدة حسب تعدّد الأفراد ، وإن لوحظت الوحدة والاجتماع يكون حكم واحد لموضوع واحد ، ولا يعقل الجمع بين المجموعي والاستغراقي ، أي لحاظ الوحدة وعدم لحاظها ، هذا في المتعلّق .

وكذا الحال في المكلّف ، ففي قوله : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ((2) إمّا أن لا يلاحظ كون المؤمنين نفساً واحدة ، فيكون كلّ مؤمن مكلّفاً بالوفاء ، وإمّا أن يلاحظ ذلك ، فلايمكن الانحلال إلى أحكام كثيرة حسب تعدّد المؤمنين ؛

ص: 312


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 114 .
2- المائدة 5 : 1.

لأنّ المكلّف حينئذٍ يكون عنواناً واحداً هو مجموع المؤمنين .

ففي ما نحن بصدده - بعد ما كان كلّ فاعل مستقلاًّ في فعله وفاعلاً لجزء من الصورة ، ولا يمكن أن يكون الاثنان أو أكثر واحداً إلاّ مع اعتبار الوحدة - إمّا أن تعتبر الوحدة في من يكون لفظة «مَن» كناية عنه أو لا ، فعلى الأوّل لا يعقل جعل الحكم استقلالاً ، وعلى الثاني لا يعقل جعله للمجموع ، والجمع بينهما جمع بين اللحاظين المتنافي-ين . ومجرّد توهّم جعل الحكم على الأشخاص الفاعلين أو على عنوان الفاعل لا يصحّح ذلك ، فلو قال : الفاعل للصورة كذا ، يأتي فيه ما ذكرناه من الإشكال . والمثالان المذكوران نقضاً أي قوله : «من قتل نفساً» ، وقوله : «من ردّ عبدي» نظير ما نحن فيه في عدم الإمكان . نعم، قد تقوم قرينة على عدم الفرق بينهما وقد يعلم بحصول المناط في الصورتين وهو أمر آخر .

ويمكن أن يناقش فيما ذكرناه ويقال : إنّ «من» منطبق على الأفراد والوحدات الحقيقية قهراً ، وإذا لوحظ الاجتماع في الوحدات ينطبق على الوحدات الاعتبارية لأجل الاعتبار ، كما في ادّعاء كون الشجاع أسداً وإطلاق الأسد على معناه ، فينطبق على الفرد الحقيقي والادّعائي ، ففي المقام لا يحتاج الانطباق على الأفراد الحقيقية إلى لحاظ ، والأفراد الاعتبارية إنّما تحتاج إليه ، ولا يضرّ لحاظ الاجتماع لتحقّق الأفراد الاعتبارية زائدة على الأفراد الحقيقية بالانحلال ، ففي الحقيقة يكون اللحاظ موجباً لتوسعة دائرة الانحلال لا للجمع بين اللحاظين المتنافي-ين .

لكنّه على فرض صحّته ثبوتاً يحتاج إلى تكلّف وتعسّف وقيام قرينة ، وهي مفقودة في المقام . مع أنّ كلمة «مَن» وأمثالها من قبيل المطلق لا العامّ ،

ص: 313

فلا يراد بها الأفراد حتّى يأتي فيها ما ذكر .

نعم ، يمكن جعل الحكم للعنوان وإيجاد أفراد اعتبارية له في التشريع بنحو الحكومة ، لكنّه يحتاج إلى اعتبار مستأنف زائداً على مفاد الأدلّة .

وهو وإن كان غير ممتنع لكنّه غير ثابت ؛ ضرورة أنّ الظاهر من الأخبار نحو قوله : «من صوّر» و «من مثّل» هو الأشخاص الحقيقية ، لا الأعمّ منها والاعتبارية ، كما اعترف به صاحب المقالة المتقدّمة لكنّه قال : «إنّ المناط موجود فيما نحن فيه أيضاً»(1) وهو كما ترى ؛ لأنّ المناط غير معلوم .

وما يمكن أن يستشعر من الروايات من أ نّه مضادّ للّه تعالى في مصوّريته ، فيمكن أن يقال فيه : إنّ كلّ واحد من الفاعلين لم يفعل ما يضادّ اللّه تعالى، فإنّه

تعالى مصوّر الصورة المنفوخة فيها ، وكلّ من الفاعلين لم يفعل ذلك والمجموع منهما ليسا شخصاً واحداً مضادّاً له تعالى ، مع أنّ في كون المناط ذلك بحيث يكون كالعلّة في التعميم والتخصيص منعاً . وأسوأ منه توهّم إلغاء الخصوصية عرفاً ، سيّما مع ما في الأخبار من أ نّه يؤمر بالنفخ ، الظاهر منه أنّ المصوّر شخص واحد بخصوصية كونه مصوّراً وهي منفيّة في المقام .

وأمّا التشبّث(2) ببعض الأخبار لإثبات الحكم بالنسبة إلى الاثنين وأكثر كقوله علیه السلام : «نهى عن تزويق البيوت»(3) ، بدعوى أ نّه أعمّ من أن يكون صادراً عن واحد وما زاد .

ص: 314


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 115 .
2- نفس المصدر.
3- تقدّم في الصفحة 296 .

وكقوله علیه السلام : «وصنعة صنوف التصاوير ما لم تكن مثل الروحاني»(1) .

وكقوله في صحيحة محمّد بن مسلم : «ما لم يكن من الحيوان»(2) .

وكقوله في تفسير قوله تعالى : )يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ . . .( : «واللّه ما هي تماثيل الرجال والنساء»(3) ، فإنّ ظاهره حرمة عملهم لها ولو كان بالاشتراك ، وبالجملة : يظهر منها مبغوضية الصورة ولو صدرت من أكثر من واحد .

ففيه : ما لا يخفى ؛ لما تقدّم(4) أنّ الرواية الاُولى راجعة إلى تزويق البيوت وأجنبيّة عمّا نحن بصدده ، مع إمكان المناقشة في إطلاقها من الجهة المنظورة ؛ لإمكان أن يكون تزويق البيوت محرّماً على صاحب البيوت ولو بالتسبيب وإن لم يكن بعض التصوير محرّماً على الفاعل ، تأمّل . وكيف كان : لا يصحّ الاستناد إليها للمقام .

والثانية أيضاً أجنبيّة عن المقام كما تقدّم(5) ويأتي بعض الكلام فيها إن شاء اللّه ، مع أ نّها بصدد بيان صنوف الحلال والحرام ولا إطلاق فيها من حيث الفاعل . وكذا صحيحة ابن مسلم ؛ لما تقدّم(6) ويأتي .

وأضعف منها التمسّك برواية أبي العبّاس ؛ ضرورة عدم معلومية الواقعة

ص: 315


1- تقدّم في الصفحة 305 .
2- تقدّم في الصفحة 293 .
3- تقدّم في الصفحة 297 .
4- تقدّم في الصفحة 297 .
5- تقدّم في الصفحة 306 .
6- تقدّم في الصفحة 262 .

الخارجية . ونفي تماثيل الرجال والنساء أجنبيّ عن الدلالة على حرمة عملهم ولو بالاشتراك . وعدم دلالتها على حرمة ذلك على سليمان النبي علیه السلام

كما تقدّم (1).

والإنصاف عدم نهوض الأدلّة لإثبات الحكم وإن كان الاحتياط في الدين يقتضي التجنّب عنه ولو بالاشتراك ؛ لذهاب بعض الأساطين إلى حرمته(2) ، ومظنونية تحقّق المناط ، وعدم رضا اللّه تعالى بكون الشخصين أيضاً مشابهاً له في مصوّريته ، واحتمال مساعدة العرف للتعدّي وإلغاء الخصوصية ، واحتمال شمول رواية أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أتاني جبرئيل فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك ينهى عن التماثيل»(3) للمقام ، بناءً على أ نّها غير الرواية المتقدّمة(4) ، كما هو الظاهر ، وبناءً على أنّ النهي عن تصوير

التماثيل . . . إلى غير ذلك .

حكم تصوير بعض الأجزاء

ثمّ إنّ الظاهر من حرمة تصوير الصور وتمثيل المثال حرمة الاشتغال بها إذا انتهى إلى تحقّق الصورة ، كما هو الظاهر من مثل قوله : لا تكتب سطراً ، ولا تقل

ص: 316


1- تقدّم في الصفحة 297 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 114 .
3- المحاسن : 614 / 36 ؛ وسائل الشيعة 5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 11 .
4- تقدّمت في الصفحة 296 و314 .

شعراً . فإذا اشتغل بالكتابة والإنشاء فعل حراماً واشتغل به مع إتمام السطر

والشعر . فلو بدا له فلم يتمّها أو منعه مانع ، لم يفعل الحرام وإن كان متجرّياً على المولى .

وبالجملة : ليس المحرّم تصوير الأجزاء ؛ لأنّ الحكم متعلّق بعنوان تصوير الصورة ، وتصوير بعض الأعضاء ولو بقصد الإتمام ليس تصوير الصورة ، وليس المحرّم هو الجزء الأخير فقط أو حصول الهيئة ؛ فإنّ الحكم لم يتعلّق بإحداث الهيئة حتّى يقال : إنّ الجزء الأخير محقّقها ، على تأمّل فيه أيضاً ، بل الحكم متعلّق بالتصوير المنطبق على تمام الأجزاء إلى حصول الصورة ، كما أنّ المحرّم في كتابة السطر تمام الأجزاء . وإن شئت قلت : إنّ المحرّم هو العنوان الذي لا ينطبق إلاّ على تمام الأجزاء ، تأمّل .

الرابع : حكم اقتناء الصور المحرّمة

هل يجوز اقتناء الصور المحرّمة أو يجب كسرها ؟

حول كلام المحقّق الأردبيلي في المقام

قال الشيخ الأنصاري : «المحكيّ عن «شرح الإرشاد» للمحقّق الأردبيلي أنّ المستفاد من الأخبار الصحيحة وأقوال الأصحاب ، عدم حرمة إبقاء الصور»(1) ، انتهى .

ص: 317


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 190 .

أقول : الحاكي صاحب «مفتاح الكرامة»(1) عن مبحث لباس المصلّي من «شرح الإرشاد» ، لكن فيه : «ويفهم من الأخبار الصحيحة عدم تحريم إبقاء الصورة ، وكذا الصورة في الخاتم»(2) .

وليس فيه ذكر من أقوال العلماء ، ولعلّه حكى عن نسخة اُخرى غير المطبوعة .

وما ذكره في ذلك المبحث لعلّه غير منافٍ لما ذكره في المقام ؛ حيث قال ما حاصله : تدلّ روايات كثيرة على جواز إبقاء الصور مطلقاً وهو يشعر بجوازه .

ثمّ نقل بعض الروايات فقال : «بعد ثبوت التحريم فيما ثبت يشكل جواز الإبقاء ؛ لأنّ الظاهر أنّ الغرض من التحريم عدم خلق شيء يشبه بخلق اللّه وبقائه لا مجرّد التصوير ، فيحمل ما يدلّ على جواز الإبقاء على ما يجوز منها ، فهي من أدلّة جواز التصوير في الجملة على البُسُط والستر والحيطان والثياب ، وهي التي تدلّ الأخبار على جواز إبقائها فيها ، لا ذو الروح التي لها ظلّ على حدتها التي هي حرام بالإجماع»(3) ، انتهى .

ويرجع كلامه إلى دعويين :

إحداهما : أنّ ما دلّت على تحريم التصوير تدلّ على تحريم الإبقاء . والثانية : أنّ ما دلّت على جواز الإبقاء تشعر بجواز التصوير . فصارتا موجبتين لحمل الأخبار المجوّزة للإبقاء على ما يجوز تصويره كتصوير

ص: 318


1- مفتاح الكرامة 12 : 163 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 2 : 93 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 56 .

غير ذي الظلّ من ذوات الأرواح على البسط ونحوها ، والأخبار المانعة عن التصوير على غيرها ممّا يحرم إبقاؤها أيضاً .

وتقريب دعواه الاُولى : أنّ ما يتعلّق به الأمر والنهي إن لم تكن من الماهيات التي لها بقاء بل حدوثها معانق لزوالها ، فلا محالة يكون النهي عن وجودها وإيجادها بالمعنى المصدري وهما متّحدان خارجاً مختلفان اعتباراً .

وإن كانت من الماهيات التي لها بقاء وثبات في الخارج ، فلا ينتقل ذهن العرف والعقلاء من النواهي مثلاً على أنّ المبغوض صرف هذا المعنى المصدري وحاصله ؛ أي الإيجاد والوجود ، بل المتفاهم العرفي من الأوامر والنواهي المتعلّقة بها أنّ تلك الماهية القارّة الذات محبوبة أو مبغوضة له، وإنّما أمر بإيجادها لمحبوبيتها بوجودها المستقرّ المستمرّ ونهى عنها لمبغوضيتها كذلك ، ولا تنتقل الأذهان إلى الإيجاد والوجود بنحو الاستقلال كما لا تتوجّه إلى احتمال أن يكون في نفس الأمر والنهي مصلحة ، وذلك لأنّ تلك العناوين التوسّلية والتوصّلية لا ينظر إليها استقلالاً إلاّ مع قيام قرينة أو مع لا بدّية .

فلو أمر المولى بإيجاد شيء له البقاء كبناء الأبنية وغرس الأشجار وكتابة الكتب ونحوها ، لا ينقدح في الأذهان منه أنّ نفس الإيجاد المصدري مطلوبة ، لا الماهية المستقرّة الوجود . وكذا لو نهى عن ماهية كذائية كعمل الأصنام والصور وآلات اللهو والقمار ، كما يظهر للمراجع إلى الأمثال والنظائر .

وعليه يكون المدّعى هو التفاهم العرفي لا الملازمة العقلية حتّى ينتقض ببعض الموارد ، كما توهّم الفاضل الإيرواني نقضه بمثل الزنا والنتيجة

ص: 319

الحاصلة منه ، فإنّه حرام مع وجوب حفظ حاصله(1) . ولا ينقضي تعجّبي من نقضه ومثاله الأجنبيّ عن المقام .

وأمّا إنكار الشيخ الأنصاري ذلك بقوله : «إنّ الممنوع هو إيجاد الصورة وليس

وجودها مبغوضاً حتّى يجب رفعه»(2) ، فإن رجع إلى نفي الملازمة عقلاً فلا ينافي التفاهم العرفي وهو كافٍ في المقام ، وإن رجع إلى إنكار فهم العرف فهو غير وجيه؛ لمساعدة العرف لما ذكر بالتقريب المتقدّم ، إلاّ أن قامت القرينة على خلافه . والإنصاف أنّ المدّعى بنحو ما قرّرناه متين لا محيص عنه .

لكن يرد عليه : بأنّ المقام ممّا قامت القرينة على أنّ المحرّم والمبغوض هو هذا المعنى المصدري ، لا الماهية بوجودها البقائي . وذلك لأنّ عمدة المستند في المسألة كما تقدّم هي المستفيضة المشتملة على الأمر بالنفخ(3) ، والظاهر منها بمناسبة الحكم والموضوع أنّ الأمر به لأجل تعجيزه عن تتميم ما خلق ، وكأ نّه يقال له : إذا كنت مصوّراً فكن نافخاً كما كان اللّه كذلك ، فيفهم منها أنّ الممنوع

والمبغوض هو التشبّه به تعالى في مصوّريته ، فهذا المعنى المصدري هو المنظور إليه .

وبعبارة اُخرى : إنّ المناسبة توجب عطف الأنظار إلى المعنى المصدري الذي لولاها لكان غير منظور فيه مستقلاًّ كما تقدّم .

وبما ذكرناه يظهر النظر في دعواه الاُخرى ، وهي أنّ جواز الإبقاء مشعر بجواز

ص: 320


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 136 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 193 .
3- تقدّم في الصفحة 303 .

التصوير ، فإنّها أيضاً موجّهة لولا القرينة على خلافها .

ثمّ إنّه على فرض تسليم ما ذكره المحقّق الأردبيلي لو دلّ دليل ولو بعمومه أو إطلاقه على جواز إبقاء المجسّمات ، لا يكون معارضاً للروايات الدالّة على حرمة التصوير المستفاد منها حرمة الإبقاء ؛ ضرورة أنّ حرمة الإبقاء المستفاد منها ليست بدلالة لفظية أو ملازمة عقلية حتّى ينافيها ، بل لانتقال ذهن العرف من النهي عن إيجاد تلك الماهية إلى أنّ الماهية بوجودها القارّ مبغوضة والنهي عن الإيجاد توصّلي ، لكن لو ورد ما دلّ على جواز إبقاء التماثيل تنعطف الأذهان إلى أنّ المبغوض والمنهيّ عنه هو العنوان المصدري .

وإن شئت قلت : إنّ بين الأدلّة جمع عقلائي ، أو قلت : إنّ تلك الاستفادة إنّما هي في صورة سكوت القائل ، فلا تنافي بين الأدلّة .

بيان الأخبار الدالّة على جواز الاقتناء

وأمّا الأخبار فعلى طائفتين :

إحداهما : ما تتعرّض للوسائد والستور والأثواب المصوّرات(1) وهي كثيرة ، أو تشتمل على نفي البأس إذا كانت التماثيل عن اليمين أو الشمال أو تحت الرجل حال الصلاة ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : اُصلّي والتماثيل قدّامي وأنا أنظر إليها ؟ قال : «لا ، اطرح عليها ثوباً ، ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك ، وإن كانت

ص: 321


1- راجع وسائل الشيعة 4 : 436 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، و5 : 170 ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 32 ، و : 308 ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 .

في القبلة فألقِ عليها ثوباً وصلّ»(1) . ونحوها غيرها (2) .

فلا يبعد أن يستظهر منها بمناسبات أنّ التماثيل غير المجسّمات وإن لا يبعد دعوى الإطلاق فيها أو في بعضها ؛ لاحتمال أن تكون المصوّرات فيها مختلفة من حيث التجسيم وغيره كما يتعارف في أعصارنا ، لكنّه لا يخلو من إشكال وإن كان الإطلاق أظهر في مثل الصحيحة ، تأمّل .

والطائفة الثانية : ما يمكن دعوى الإطلاق فيها أو دعوى ظهورها في المجسّمات :

فمنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما علیهما السلام عن التماثيل في البيت ، فقال : «لا بأس إذا كانت عن يمينك وعن شمالك وعن خلفك أو تحت رجليك ، وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوباً»(3) .

والظاهر أنّ السؤال عن وجودها في البيت ، فأجاب بعدم البأس إلاّ إذا كانت في القبلة فيلقى عليها الثوب ، وإلقاؤه لأجل الصلاة، ومقتضى عمومها عدم الفرق بين المجسّمات وغيرها .

وليس قوله : «أو تحت رجليك» قرينة على الاختصاص بغيرها ، ضرورة أنّ الطبيعة إذا كانت ذات أفراد مختلفة يمكن إلقاء بعضها تحت الرجل ، يصحّ

ص: 322


1- تهذيب الأحكام 2 : 226 / 891 ؛ وسائل الشيعة 4 : 438 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 4 : 436 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 .
3- الكافي 3 : 391 / 20 ؛ وسائل الشيعة 4 : 436 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 1 .

أن يقال فيها ما ذكر . ألا ترى عدم الشبهة في شمول العموم للصور المنقوشة على الجدران مع عدم إمكان إلقائها تحت الرجل ، فلا إشكال في عمومها .

وتوهّم أنّ التماثيل في تلك الأعصار كانت غير مجسّمات فالدليل منصرف عنها ، فاسد ، لعدم إحراز ذلك بل يمكن أن يقال : تلك الأعصار لأجل قربها بعصر صنعة الأصنام المجسّمات كانت فيها صنعة المجسّمات متعارفة ، مع أنّ قلّة الأفراد لا توجب الانصراف ، مضافاً إلى أنّ الدليل من قبيل العموم لا الإطلاق .

وأضعف منه توهّم كون الدليل في مقام بيان حكم آخر وهو الصلاة في البيت ، فلو قال : لو كان في البيت صنم أو آلة لهو هل يجوز الصلاة فيه ؟ فأجاب بعدم البأس ، لا يدلّ على جواز إبقائهما .

وذلك لأنّ السؤال كما تقدّم إنّما هو عن التماثيل في البيت ، والظاهر منه أنّ

السؤال عن وجودها فيه ، وقوله : «إذا كانت بحذاء القبلة ألق عليها الثوب» ، لا يدلّ على أنّ السؤال عن الصلاة، والظاهر أ نّه علیه السلام أجاب عن مسؤوله مع شيء

زائد ، فقال : «لا بأس» ؛ أي لا بأس بوجودها في البيت ، و«إذا كانت بحذاء القبلة ألق عليها الثوب» لمكان الصلاة . فالإنصاف أنّ المناقشة فيها في غير محلّها .

وأمّا توهّم أنّ تلك الرواية عين روايته المتقدّمة آنفاً فكما أ نّها في مقام بيان حكم آخر فكذلك هي ، ففيه ما لا يخفى بعد كون ألفاظهما مختلفة والمسؤول عنه في إحداهما أبو جعفر علیه السلام وفي الاُخرى أحدهما . وبالجملة : لا حجّة على وحدتهما بعد استفادة حكم زائد من إحداهما .

ومنها : رواية علي بن جعفر علیه السلام أو صحيحته عن أخيه موسى علیه السلام ، قال :

ص: 323

وسألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل ، أيصلّى فيها ؟ قال : «لا تصلّ فيها وشيء منها مستقبلك ، إلاّ أن لا تجد بدّاً فتقطع رؤوسها ، وإلاّ فلا تصلّ»(1) .

فإنّ عمومها شامل للمجسّمات لو لم نقل بأنّ الظاهر من قوله : «فتقطع رؤوسها» الاختصاص بها .

وهي كالصريحة في أنّ إبقاءها جائز في نفسه ، فإن أمكنه الصلاة في محلّ آخر أبقاها على حالها وإن لم يجد بدّاً فتقطع رؤوسها للصلاة .

ومنها : روايته الاُخرى أو صحيحته ، قال : وسألته عن البيت فيه صورة طير أو سمكة أو شبهه ، يلعب به أهل البيت ، هل تصلح الصلاة فيه ؟ قال : «لا ، حتّى يقطع رأسه أو يفسده . وإن كان قد صلّى ، فليس عليه الإعادة»(2) .

ولا يبعد ظهورها في المجسّمات ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ أهل البيت كانوا يلعبون بنفس الصورة لا بشيء فيه ذلك ، وهو يناسب المجسّمات ، بل الظاهر من قوله : «فيه صورة طير أو سمكة» أنّ الصورة بنفسها فيه ، لا أنّ فيه شيئاً عليه الصورة ، تأمّل . كما يشعر قوله : «ويقطع رأسه» بذلك أيضاً .

ولو نوقش فيما ذكر فلا شبهة في إطلاقها فتشمل المجسّمات .

كما لا شبهة في تقريره للعب أهل البيت بها وتجويزه ذلك ، فجواز الإبقاء واللعب بها مفروغ عنهما .

ص: 324


1- قرب الإسناد : 186 / 693 ؛ وسائل الشيعة 4 : 442 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 21 .
2- قرب الإسناد : 185 / 690 ؛ وسائل الشيعة 4 : 441 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 18 .

وعليها تحمل روايته الاُخرى أو صحيحته ، قال : وسألته عن رجل كان في بيته تماثيل أو في ستر ، ولم يعلم بها وهو يصلّي في ذلك البيت ، ثمّ علم ؛ ما عليه ؟ فقال : «ليس عليه فيما لا يعلم شيء ، فإذا علم فلينزع الستر وليكسر رؤوس التماثيل»(1) .

ضرورة أنّ المفروض أنّ الرجل يصلّي في ذلك البيت ، فالأمر بالنزع والكسر لمكان الصلاة كما في سائر الروايات ، لا للوجوب نفساً كما هو واضح سيّما مع اقتران الكسر بالنزع .

ومنها : رواية المثنّى عن أبي عبداللّه علیه السلام: «أنّ علياً علیه السلام كره الصور في البيوت»(2) ، ونحوها رواية حاتم بن إسماعيل عنه علیه السلام(3) ، ورواية يحيى بن أبي العلاء الموثّقة - بناءً على كونه يحيى بن العلاء كما قيل(4) - عن أبي عبداللّه علیه السلام : «أ نّه كره الصور في البيوت»(5) .

والظاهر منها أنّ الكراهة إنّما تعلّقت بخصوص كونها في البيوت ، فلو كان

ص: 325


1- قرب الإسناد : 186 / 692 ؛ وسائل الشيعة 4 : 441 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 20 .
2- الكافي 6 : 527 / 5 ؛ وسائل الشيعة 5 : 304 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 3 .
3- المحاسن : 617 / 47 ؛ وسائل الشيعة 5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 14 .
4- تنقيح المقال 3 : 319 / السطر 29 (أبواب الياء) .
5- المحاسن : 617 / 46 ؛ وسائل الشيعة 5 : 307 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 3 ، الحديث 13 .

إبقاؤها محرّماً لما يناسب ذلك التعبير كما هو واضح .

كما أنّ الظاهر أنّ الكراهة هي بالمعنى المعروف ، ولا يبعد أن تكون لأحد وجهين على سبيل منع الخلوّ : إمّا لأجل أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ، كما ورد في روايات متضافرة : «أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ولا بيتاً فيه كلب» ، وفي بعضها : «ولا بيتاً فيه بول مجموع في آنية» ، وفي بعضها : «ولا جنب»(1) .

أو لأجل أنّ البيت معدّ للصلاة فيه ويكره وجود الصورة في بيت يصلّى فيه مطلقاً ، أو إذا كانت بحذاء القبلة .

وكيف كان : يظهر من تلك الروايات جواز إبقائها وإن كانت مكروهة في خصوص البيوت ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المجسّمة وغيرها .

وممّا ذكرناه يظهر الكلام في صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «لا بأس بأن تكون التماثيل في البيوت ، إذا غيّرت رؤوسها منها وترك ما سوى ذلك»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ التقييد بالبيوت لما ذكرناه آنفاً ، فدالّة على أنّ البأس فيها بلا تغيير مختصّ بالبيوت ، فتشعر أو تدلّ على جواز الإبقاء والاقتناء .

وكذا في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن مسجد يكون فيه تصاوير وتماثيل ؛ يصلّى فيه ؟ فقال : «تكسر رؤوس التماثيل

ص: 326


1- راجع وسائل الشيعة 5 : 174 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 33 .
2- الكافي 6 : 527 / 8 ؛ وسائل الشيعة 5 : 308 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساكن ، الباب 4 ، الحديث 3 .

وتلطّخ رؤوس التصاوير ويصلّى فيه ولا بأس»(1) .

فإنّها أيضاً راجعة إلى الصلاة في مسجد فيه التصوير ، ولا ينافي جواز إبقائها في غير المسجد ، أو فيه في غير حال الصلاة ، فالأمر بالكسر والتلطيخ لرفع البأس عن الصلاة فيه ، لا لحرمة إبقائها ، كما هو واضح .

فاحتمال أن تكون تلك الرواية شاهدة جمع بين الروايات وشاهدة على دعوى المحقّق الأردبيلي - بأن يقال : إنّ الأمر بكسر رؤوس التماثيل لكونها مجسّمة ، وبتلطيخ رؤوس التصاوير لكونها غير مجسّمة ، وإنّما أمر بتلطيخها لأجل الصلاة ، فتشهد الرواية بأنّ ما دلّت على الكسر وقطع الرأس إنّما هي في المجسّمات ، وما دلّت على جواز الإبقاء وإلقاء ثوب مثلاً عليها فهي في غيرها - غير وجيه ؛ لما ذكرناه من أنّ الكسر واللطخ إنّما هما لرفع البأس عن الصلاة كما هو ظاهر الرواية ، لا لوجوبهما مطلقاً ، ومعه لا شهادة لها على المدّعى بل يستشعر منها جواز الإبقاء لو لم نقل بدلالتها عليه .

الأخبار المستدلّ بها على حرمة الاقتناء والجواب عنها

ثمّ إنّه قد تقدّم في خلال الكلمات المتقدّمة - من أوّل البحث إلى هاهنا

- الجواب عمّا استدلّ بها على حرمة الاقتناء ، كالتشبّث برواية أبي العبّاس(2) في تفسير قوله تعالى : )يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ . . .( .

ص: 327


1- قرب الإسناد : 205 / 793 ؛ وسائل الشيعة 5 : 172 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 32 ، الحديث 10 .
2- تقدّمت في الصفحة 297 .

ورواية القدّاح وغيرها من بعث رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمير المؤمنين في هدم القبور وكسر الصور(1) .

وصحيحة محمّد بن مسلم النافية للبأس عمّا لا يكون شيئاً من الحيوان(2) . . . إلى غير ذلك .

وقد يستدلّ عليها برواية «تحف العقول»(3) بوجهين :

أحدهما : أنّ المستفاد من الحصر فيها أنّ اللّه تعالى ما حرّم شيئاً إلاّ ما يكون فيه الفساد محضاً ، ولا شبهة في أنّ الانتفاع من الصورة الحاصلة بالتصوير كالاقتناء والبيع والشراء ونحوها من منافع التصوير عرفاً ، ولهذا صحّ بذل المال بإزاء التصوير بملاحظة الفوائد الحاصلة من الصورة الحاصلة ، فلو كانت تلك المنافع محلّلة لما حرّم اللّه تعالى التصوير بمقتضى الحصر .

وبعبارة اُخرى : إنّها تدلّ على أنّ ما حرّمه اللّه يكون فيه الفساد محضاً ، والفرض أنّ التصوير حرام فلا بدّ وأن لا يكون فيه منفعة محلّلة كالاقتناء ونحوه.

وثانيهما : أنّ المستفاد منها أنّ التصوير المحرّم فيه الفساد محضاً ، فيضمّ إلى قوله : «وكلّ ما منه وفيه الفساد محضاً فحرام تعليمه وتعلّمه وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات» . فيستنتج منهما حرمة جميع التقلّبات ، ومنها الاقتناء(4) .

ص: 328


1- تقدّمت في الصفحة 288 - 289 .
2- تقدّمت في الصفحة 293 .
3- تحف العقول : 335 .
4- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 66 .

وفيه : - مضافاً إلى إمكان أن يقال : إنّ التصوير أمر والصورة الحاصلة منه شيء آخر مستقلّ في الوجود ؛ فإذا كان التصوير محرّماً يكون فيه الفساد محضاً ولا يجوز تعليمه وتعلّمه وأخذ الأجر عليه وسائر التقلّبات فيه ، وهو غير مربوط بالصورة الحاصلة منه - أنّ الظاهر من الرواية ، من أوّل تعرّضها لتفسير الصناعات إلى آخرها بعد التأمّل الأكيد فيها ، أنّ ما كان فيه الفساد محضاً حرّم اللّه تعالى جميع وجوه التقلّب فيه كالبرابط والمزامير ونحوهما ممّا ذكر فيها ، فإنّ

قوله : «وذلك إنّما حرّم اللّه . . .» تعليل لكلامه السابق الدالّ على أنّ ما فيه مصلحة للعباد - كالأمثلة فيها - حلال جميع تقلّباته وإن كانت تلك الصناعة قد يستعان بها على وجوه الفساد والمعاصي وتكون معونة على الحقّ والباطل .

وذلك لأنّ المحرّم من جميع الجهات وجميع التقلّبات ما كان فيه الفساد محضاً .

والظاهر أنّ قوله : «وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ولا يكون فيه ولا منه شيء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه وتعلّمه والعمل به وأخذ الأجر عليه وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات كلّها» تفسير لما أجمل فيها ؛ أي قوله : «إنّما حرّم اللّه الصناعة التي حرام هي كلّها التي يجيء منه الفساد محضاً» ويكون المراد من هذه الفقرة مقابل الفقرات السابقة أنّ الصناعة التي هي حرام بجميع شؤونها هي التي يجيء منه الفساد محضاً كالأمثلة المذكورة .

فلا تدلّ الرواية على أنّ كلّ محرّم يجيء منه الفساد محضاً ، بل تدلّ على أنّ المحرّم بجميع شؤونه هو ما يجيء منه الفساد محضاً .

فالكاشف إنّاً من الفساد المحض هو المحرّم بجميع الشؤون لا المحرّم في

ص: 329

بعضها ، وعليه فلا تدلّ على مطلوبهم ولو كان الحصر حقيقياً .

هذا، مضافاً إلى أنّ الظاهر منها التعرّض للصنائع التي نشأت الحرمة فيها عن

الفساد الكائن في المصنوع كالبرابط والمزامير وسائر الأمثلة المذكورة فيها ، دون ما كانت الصنعة محرّمة لفساد فيها لا المصنوع كما في المقام حيث تكون الحرمة متعلّقة بالتصوير لفساد فيه ؛ لكونه تشبّهاً باللّه تعالى في مصوّريته ، وتشهد لما ذكرناه فقرات الرواية سيّما قوله : «وما يكون منه وفيه الفساد . . .» .

ولعلّه مراد الشيخ الأنصاري من أنّ الحصر إضافي(1) ، فلا يرد عليه ما في تعليقة الطباطبائي من : «أنّ الحصر الإضافي يكفي في المقام ؛ إذ يستفاد منه أنّ عمل الصور الذي هو حرام ليس داخلاً تحت ما فيه وجه الصلاح ووجه الفساد ؛ لأنّ ما كان كذلك ليس بمحرّم بمقتضى الحصر ، ومن المعلوم أ نّه ليس داخلاً فيما فيه الصلاح محضاً فلا يبقى إلاّ أن يكون داخلاً فيما فيه الفساد محضاً»(2) ، انتهى .

وذلك لأنّ الرواية ساكتة عن الصنعة التي ليس في متعلّقها فساد، فالحصر إنّما هو فيما تعرّضت له لا غيره ، فصنعة التصوير الذي يكون في نفسها فساد خارجة عنها موضوعاً .

لكنّ الظاهر أنّ مراد الشيخ ليس ما ذكرناه كما يشهد به قوله : «نعم، يمكن أن يقال : إنّ الحصر وارد في مساق التعليل وإعطاء الضابطة . . .»(3) . الظاهر منه

ص: 330


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 194 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 120 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 194 .

تصديقه بأنّ الحصر لو كان حقيقياً يدلّ على المطلوب ، مع أ نّه على ما ذكرناه

فالحصر حقيقي ولا يدلّ عليه ، فتدبّر .

حول كلام المحقّق الشيرازي

ومن بعض ما تقدّم ذكره في معنى حديث «تحف العقول» يظهر النظر في كلام المحقّق التقيّ في تعليقته ، وهو أنّ الحصر إن كان حقيقياً يكشف عن عدم تحقّق مصداق يكون محرّماً ويجوز اقتناؤه ، وذلك لأنّ العامّ لا يصير مجملاً بمجرّد احتمال وجود فرد للعامّ يعلم بخروجه عن الحكم على تقدير وجوده في الخارج ، فإذا قال : «أكرم جيراني» وعلم أ نّه على تقدير وجود عدوّ له في جيرانه إنّه لا يريد إكرامه ، فإنّه لا يوجب إجمال العامّ بل يحكم بوجوب إكرامه ويكشف حال الفرد بأ نّه ليس عدوّه . ففيما نحن فيه إذا ثبت حرمة الاكتساب بالتصوير ، لكن لا يعلم أ نّه يجوز سائر الانتفاعات به حتّى خرج عن العامّ المستفاد من الحصر تخصيصاً ؛ لأنّ ذلك إثبات لحرمة الاكتساب في غير ما يكون فيه الفساد محضاً ، فيكون تخصيصاً في العموم المستفاد من الحصر ، أو يكون ممّا يحرم جميع الانتفاعات به؛ لعدم كون جهة صلاح فيه ، فالمتعيّن الثاني عملاً بأصالة العموم السليم عمّا يصلح للمعارضة(1) ، انتهى ملخّصاً .

وذلك لما عرفت أنّ مفاد الرواية بعد التأمّل في مجموعها ، هو أنّ كلّ ما يحرم من جميع الوجوه ، ففيه الفساد محضاً ، وكلّ ما كان فيه الفساد محضاً ، فهو حرام من جميع الوجوه ، لا أنّ كلّ حرام ، ففيه الفساد محضاً ، فعليه يكون الحصر

ص: 331


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 67 .

حقيقياً ، ولا يستفاد منه الحكم المطلوب ، ولا يكون المورد من قبيل العامّ المذكور ، لو سلِّم في مورده جواز التمسّك به لكشف حال الفرد .

بل قد عرفت أ نّها كما يظهر من فقراتها ، متعرّضة لموضوعات فيها فساد محض أو صلاح كذلك ، أو فيها صلاح وإن تستعمل أحياناً في الفساد .

والحصر إن كان حقيقياً لا يوجب استفادة حكم خارج عن مدلول الكلام ، فكأ نّه قال : الحرمة الناشئة من الموضوعات منحصرة بما فيها الفساد ، والحرمة الناشئة من نفس العمل ، كما في المقام ، خارجة عن مفادها موضوعاً ، وهو لا يوجب إضافية الحصر .

في جواز بيع الصور وسائر التقلّبات فيها إذا كان اقتناؤها جائزاً

ثمّ بعد جواز اقتنائها يكون بيعها وسائر التقلّبات فيها جائزاً على مقتضى القواعد .

وتوهّم دلالة رواية «التحف» على عدم الجواز ، بدعوى أنّ المستفاد منها أنّ الصورة المحرّمة لا يجوز بيعها وشراؤها وسائر التقلّبات فيها، خرج منها الاقتناء وبقي الباقي ، فاسد ، أمّا على ما ذكرناه في معنى الرواية من الوجهين فواضح ، وأمّا على ما ذكروه فلأنّ موضوع الحكم على عدم جواز جميع التقلّبات هو ما يكون فيه الفساد محضاً ، والمفروض أنّ التصوير ليس كذلك ؛ لأنّ فيه جهة صلاح وهي الاقتناء .

وإن شئت قلت : إنّ المقام ليس من قبيل العامّ المخصّص حتّى يقال : إنّه حجّة فيما بقى ، بل الحكم في الموضوعات مستفاد من ضمّ صغرى هي أنّ التصوير

ص: 332

مثلاً محرّم ، إلى كبرى هي أنّ كلّ محرّم ففيه الفساد محضاً ، فيستنتج أنّ الصورة فيها الفساد محضاً ، فيجعل صغرى لكبرى اُخرى هي أنّ كلّ ما فيه الفساد محضاً فحرام تعليمه وتعلّمه وجميع التقلّبات فيه ، فالصورة كذلك .

فإذا دلّ الدليل على جواز الاقتناء خرج التصوير عن عنوان الصغرى ؛ ضرورة أ نّه بعد جواز الاقتناء لا يكون فيه الفساد محضاً ، فلا تنطبق عليها الكبرى ، فلا تستنتج النتيجة المطلوبة . ولعلّ ما ذكرناه هو مراد السيّد في تعليقته(1) .

وكيف كان : لا دليل على حرمة البيع وسائر التقلّبات فيها كيفما كانت .

عدم جواز أخذ الاُجرة على التصوير المحرّم

ثمّ إنّ أخذ الاُجرة على التصوير المحرّم غير جائز ؛ لأنّ الإجارة لذلك

حرام وفاسد ؛ لما ذكرناه فيما سلف من أنّ الفعل المحرّم الذي يجب على الناس منع الفاعل عنه بأدلّة النهي عن المنكر ، لا يكون محترماً ومالاً ، ولهذا لا يضمن المانع عنه اُجرة المثل للعمل بلا شبهة ، فلو منع مانع عبد غيره من عمل الصورة المجسّمة ، لا يكون ضامناً ، فلا يكون ذلك العمل مالاً لدى الشارع ، فلا يجوز أخذ الأجر عليه ، ويكون الأخذ أكلاً للمال بالباطل كما تقدّم تقريره ، فراجع(2) .

ص: 333


1- حاشية المكاسب ، المحقّق اليزدي 1 : 122 .
2- تقدّم في الصفحة 282 - 284.

المسألة الثانية : في الغناء

ماهية الغناء

فقد اختلف الكلمات في ماهيته وحكمه ، ففسِّر بالسماع ، وبالصوت ، وبالصوت المطرب ، وبالصوت المشتمل على الترجيع ؛ أو هو مع الإطراب ، وبالترجيع ، وبالتطريب ؛ وبه مع الترجيع ، وبرفع الصوت مع الترجيع ، وبمدّه ، وبمدّه مع الترجيع والتطريب ؛ أو أحدهما ، وبتحسين الصوت ، وبحسنه ذاتاً ، وبمدّه وموالاته ، وبالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب ، وبمدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، أو ما يسمّى في العرف غناءً وإن لم يطرب ، وبالصوت اللهوي ، وبألحان أهل المعاصي والكبائر ، وبما كان مناسباً لبعض آلات اللهو والرقص ، وبالصوت المعدّ لمجالس اللهو ، وبالصوت المثير لشهوة النكاح . . . إلى غير ذلك(1) . وعن المشهور أ نّه مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب(2) .

ص: 334


1- راجع مستند الشيعة 14 : 124 - 125 ؛ مفتاح الكرامة 12 : 167 - 169 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 291 - 296 .
2- مفاتيح الشرائع 2 : 20 ؛ مفتاح الكرامة 12 : 167 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 291 .

تفسير الشيخ محمّد رضا الأصفهاني للغناء

وقد تصدّى العلم الفقيه الشيخ محمّد رضا آل الشيخ العلاّمة الشيخ محمّد تقيّ رحمهما اللّه لتفسيره في رسالة لطيفة مستقلّة فقال :

«الغناء صوت الإنسان الذي من شأنه إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس ، والطرب هو الخفّة التي تعتري الإنسان فتكاد أن تذهب بالعقل وتفعل فعل المسكر لمتعارف الناس أيضاً» .

ثمّ تصدّى لتشييده بذكر مقدّمة حاصلها :

«أنّ الغناء من أظهر مظاهر الحسن ولأجله يطلبه من يطلبه ، فلا بدّ لبيان ناموس الحسن : فأقول :

الحسن وإن كان ممّا تحيّر فيه العقول ويدرك ولا يوصف ولكنّه في المركّبات لا يخرج عن حدّ التناسب ، فأينما وجد فالتناسب سببه ، فالخطّ الحسن ما تناسبت واواته وميماته ، والشعر الحسن ما تناسبت ألفاظه ومعانيه ، ولا يوصف الحيوان بالحسن إلاّ إذا تناسبت أعضاؤه ، ولا يقال للوجه : إنّه جميل إلاّ إذا تناسبت أجزاؤه ، وهكذا .

والصوت بين مظاهر الحسن من أكثرها قبولاً للتناسب ، فإذا كان الصوت متناسباً بمه ، وزيره ، ونبراته ، ومدّه ، وارتفاعه ، وانخفاضه ، واتّصاله ، وانفصاله ، سمّي بالغناء .

وقد وضع لبيان هذه النسب وأقسامها فنّ الموسيقى الذي هو أحد أقسام العلوم الرياضية .

ص: 335

ويخصّ فنّ تناسب الآلات باسم الإيقاع ، والعود بينها ميزان الغناء ، يعرف به صحيح الغناء من فاسده ، كما يعرف بالمنطق صحيح القضايا من فاسدها . وعلى أوتارها الأربعة وكيفية شدّها والإصبع التي يضرب بها يعرف أقسام الغناء .

ثمّ قال : وإذا اُنشد الشعر على طبق مقرّرات الفنّ ، أوجب لسامعه إذا كان من متعارف الناس ، الطرب الخارج عن المتعارف ، حتّى يكاد أن يفعل فعل المسكر فيصدر من الشريف الحكيم ما يأنف منه الأنذال من أقوال وأفعال يشبه أقوال السكارى وأفعالهم ، وفي كتب المحاضرات والتأريخ نجد حكايات إن تأمّلتها علمت أنّ ولع الغناء بالعقل لا يقصر عن الخمر بل يربو عليه .

ثمّ قال : تقييد الصوت بصوت الإنسان لمتابعة العرف ؛ فإنّ أصوات البلابل وإن تناسبت وأطربت لا يسمّى غناءً ، وبقيد التناسب يخرج ما أوجب الطرب بغيره من حسن الصوت اللغوي ذاتاً أو لحسن صاحبه ، أو لحسن ألفاظه ومعانيه ونحو ذلك ، وبقيد المتعارف يخرج الخارج عنه ، فلا اعتبار بمن هو كالجماد كما لا اعتبار بمن يطرب بأدنى سبب كما أنّ الحال كذلك في حدّ المسكر ، وبقولي : تكاد أن تذهب بالعقل يخرج الطرب الخفيف ، إذ لا اعتبار به كما لا اعتبار بالفرح والنشاط الحاصلين من بعض المشروبات المفرّحة ما لم يبلغ مرتبة يزيل العقل عن المتعارف .

وبالجملة : الطرب في الغناء كالسكر في الشراب ، والعلّة في تحريمه عين العلّة فيه وهو إزالة العقل .

ثمّ تصدّى لبيان عدم الاختلاف في كلمات علماء اللغة في ذلك وأنّ مغزى

ص: 336

الجميع واحد وإن اختلف التعبير .

ثمّ قال : وفذلكة القول أنّ الغناء هو الصوت المتناسب الذي من شأنه بما هو متناسب أن يوجد الطرب أعني الخفّة بالحدّ الذي مرّ .

فما خرج منه فليس من الغناء في شيء وإن كان الصائت رخيم الصوت حسن الأداء وأحسن كلّ الإحسان ، ووقع من سامعه أقصى مراتب الاستحسان .

كما أ نّه من الغناء الصوت المتناسب وإن كان من أبحٍّ رديّ الصوت ولم يطرب بل أوجب عكس الطرب كما قيل :

إذا غناني القرشي دعوت اللّه بالطرش

فبين كلّ من الغناء والصوت المستحسن عموم من وجه ، وهو محرّم أيضاً كالغناء الحسن؛ لعموم الأدلّة، إلاّ أن يدّعى انصرافها إلى ما أوجب الطرب الفعلي.

ولقد أحسن الشيخ قدّس سرّه في قوله : ما كان مناسباً لبعض آلات اللهو والرقص .

وكأ نّه تحاول ما ذكرناه ، فإنّ النسب الموسيقية تنطبق على النسب الإيقاعية ، ولذلك يطابق أهل اللهو بينهما .

وقد اعترض اُستاذ الصناعة على الرشيد بأنّ مغنّيك يغنّي بالثقيل وعوّادك يضرب بالخفيف ، فالصوت الخالي عن النسبة لا يكون غناءً وإن أوجب الطرب وقصد به اللهو ، كما أنّ مجرّد تحريك الأوتار لا يقال له ضرب ولا يكون محرّماً ، وكذلك مجرّد تحريك الأعضاء لا يكون رقصاً ما لم يكن على النسب المعيّنة»(1) انتهى ملخّصاً .

وإنّما نقلناه بتفصيل ؛ أداء لبعض حقوق-ه ولاشتمال-ه عل-ى تحقي-ق وفوائ-د .

ص: 337


1- الرسائل الأربعة عشرة ، الروضة الغنّاء في تحقيق معنى الغناء : 219 - 225 .

المناقشة في بعض ما ذكره الشيخ محمّد رضا الأصفهاني في الغناء

والإنصاف أنّ ما ذكره وحقّقه أحسن ما قيل في الباب ، وأقرب بإصابة الواقع وإن كان في بعض ما أفاده مجال المناقشة ، كانتهائه حدّ الإطراب بما يكاد أن يزيل بالعقل ، وأنّ العلّة في الغناء عين العلّة في المسكر ، وذلك لعدم الشاهد عليه في العرف واللغة :

لصدق الغناء على ما لم يبلغ الإطراب ذلك الحدّ ولم يكن من شأنه ذلك أيضاً .

فإنّ للغناء أقساماً كثيرة ومراتب كثيرة غاية الكثرة في الحسن والإطراب :

فربّما بلغ فيه غايته كما لو كان الصوت بذاته في كمال الرقّة والرخامة وكان

الصائت ماهراً في البحور الموسيقية ، وكان البحر مناسباً له كالبحر الخفيف مثلاً ، فحينئذٍ لا يبعد أن يكون مزيلاً للعقل ، ومهيّجاً للحليم ، وموجباً لصدور أعمال من الشريف الحكيم ما لا يصدر من الأنذال والأرذال ، وإن كانت القضايا المحكيّة عن بعض أهل الكبائر كبعض خلفاء الاُمويّين والعبّاسيّين لم يثبت كونها لمحض الغناء ، فإنّ مجالس تغنّيهم كانت مشحونة بأنواع الملاهي والمعاصي ، كشرب الخمور وأنواع آلات اللهو والترقّص وغيرها حتّى القضيّة المعروفة من وليد - لعنه اللّه - مع مغنّيه(1) لم يحرز كونها للغناء محضاً .

وربّما لا يكون بتلك المرتبة كما لعلّه كذلك غالباً .

ص: 338


1- راجع مروج الذهب 3 : 227 - 228 .

وكلمات اللغويّين أيضاً لا يساعده ؛ لعدم تقييد مهرة الفنّ بحصول تلك المرتبة ، بل هم بين من فسّره بخفّة تعتري الإنسان لشدّة حزن أو سرور(1) أو خفّة لسرور أو حزن(2) .

نعم ، في «المنجد» : «طرب: اهتزّ واضطرب فرحاً أو حزناً»(3) . ولعلّ مراده الاهتزاز والاضطراب في الروح ، كما عن الغزالي تفسيره بالصوت الموزون المفهم المحرّك للقلب(4) ، وأراد بالأوّل الخفّة الحاصلة من السرور ، وبالثاني

الخفّة الحاصلة من الحزن ، فيوافق غيره .

ويرد عليه أيضاً : أنّ الظاهر منه في مقدّمته وتحديده أنّ السبب الوحيد للحسن في المركّبات هو التناسب وأنّ الصوت بتناسبه موجب للطرب أو له شأنيته .

مع أ نّه - مضافاً إلى منافاته لما قال : إنّ من الغناء الصوت المتناسب وإن كان من أبحٍّ رديّ الصوت ولم يطرب بل أوجب عكس الطرب ، ثمّ تمثّل بقول الشاعر ، فإنّ صريح كلامه في الحدّ أنّ الغناء هو ما يكون مطرباً ، وصريحه هاهنا أنّ من الغناء ما لم يطرب بل أوجب العكس . وتوهّم أنّ المراد بالثاني عدم حصوله بالفعل وإن كان له شأنيته فاسد ؛ لأنّ صوت أبحٍّ رديّ الصوت لا شأنية له لإيجاد الطرب بالحدّ المذكور غالباً بل دائماً ، وأمّا صيرورته أحياناً موجباً

ص: 339


1- الصحاح 1 : 171 .
2- أساس البلاغة : 277 .
3- المنجد : 462 .
4- إحياء علوم الدين 2 : 391 .

للاُضحوكة والفرح ، فلا يوجب أن يكون مطرباً كالغناء ؛ لأنّ الطرب هو الخفّة والحال الخاصّ الذي يحصل بالتغنّي لا مطلق الفرح . مضافاً إلى أ نّه لا يعتبر في الغناء مطلقاً فعلية الطرب ، وعلى التوهّم المتقدّم يلزم اعتبار الفعلية في نوع منه - إنّ كون السبب الوحيد في المركّبات هو التناسب ، ممنوع .

ففي المقام لو لم يكن للصوت رقّة ورخامة ولطف وصفاء ولو في الجملة لا يصير بالتناسب حسناً ، كصوت القرشي المنكر الذي يدعو اللّه السامع بالطرش .

وبالجملة : الصوت المنكر الرديّ لا يكون غناءً عرفاً وإن كان صائته من مهرة الفنّ وأوجده بكمال التناسب ، والظاهر أنّ تسمية القائل صوت القرشي غناءً من باب التهكّم والاستهزاء ، كتسمية البخيل بحاتم ، والجبّان بالأسد .

بل لو كان صوت من أبحٍّ رديّ الصوت مع تناسب يعلم به بعض المطربين والمهرة ويكون موجباً للطرب والخفّة ، لا يكون غناءً، فإنّ بعض المطربين - على ما حكي - يكون بكيفية صوته مع رداءته موجباً لتفريح الحضّار وحصول الخفّة لهم بالحدّ الذي ذكر أكثر من المغنّي الذي يكون بغناه موجباً له ، إلاّ أن يقال : إنّ الطرب الحاصل من الغناء غير الفرح الحاصل من الصوت المذكور سنخاً ، كما لا يبعد . وكيف كان : ليس صوت مثل القرشي غناءً ؛ سواء حصل منه الطرب أم لا .

وأمّا دعواه بأنّ مرجع جميع التعاريف إلى ما ذكره ، ففيها ما لا يخفى بل يمكن أن يقال : إنّ ما ذكره غير موافق لواحد منها .

نعم ، الظاهر أنّ المراد بالسماع أو الصوت هو الاصطلاحي منهما لكنّهما ليسا

ص: 340

تعريفاً حقيقة ، كما لا يخفى . ورجوعهما إلى تعريفه محلّ إشكال يظهر ممّا ذكرناه ونذكره .

كما أنّ التوجيه الذي ارتكبه لكلام الشيخ الأنصاري ؛ أي قوله : ما كان مناسباً لبعض آلات اللهو والرقص ، فالظاهر بل المعلوم غير وجيه ؛ لعدم كون مراده من هذا الكلام هو بيان تناسب النسب الموسيقية والإيقاعية .

التحقيق في تعريف الغناء

فالأولى تعريف الغناء ب «أ نّه صوت الإنسان الذي له رقّة وحسن ذاتي ولو في الجملة ، وله شأنية إيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس» .

فخرج بقيد الرقّة والحسن صوت الأبحّ الرديّ الصوت .

وإنّما قلنا له شأنية الإطراب ؛ لعدم اعتبار الفعلية بلا شبهة ، فإنّ حصول الطرب تدريجي قد لا يحصل بشعر وشعرين فتلك الماهية ولو بتكرار أفرادها لها شأنية الإطراب .

وهذا بوجه نظير ما ورد في المسكر بأنّ ما كان كثيره مسكراً فقليله حرام(1) فإنّ الحكم تعلّق بالطبيعة التي من شأنها الإسكار ولا ينافي عدم مسكرية قليلها . وماهية الغناء كذلك ، فلا ينافي عدم مطربية بعض مصاديقه فعلاً .

وقيد التناسب لأجل أنّ الصوت الرقيق الرخيم إن لم يكن فيه التناسب الموسيقى لا يكون مطرباً ولا غناءً ، بل لا يتّصف بالحسن حقيقة . فالمدّ الطويل

ص: 341


1- راجع وسائل الشيعة 25: 336، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 17 .

لا يكون غناءً ولا مطرباً ولو كان في كمال الرقّة والرخامة . ولو قيل : إنّه حسن ، يراد به رقّته ورخامته وصفاؤه الذاتي .

والتقي-يد بشأنية الطرب لمعرّفية التناسب الخاصّ ؛ أي التناسب الذي من واحد من الألحان الموسيقية، فهو في الحقيقة من باب زيادة الحدّ على المحدود.

وبما ذكرناه : تظهر الخدشة في الحدّ المنتسب إلى المشهور ، وهو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ؛ فإنّ الغناء لا يتقوّم بالمدّ ولا الترجيع ، ففي كثير

من أقسامه لا يكون مدّ ولا ترجيع .

ولعلّ القيدين في كلماتهم لأجل كون المتعارف من الغناء في أعصارهم هو ما يكون مشتملاً عليهما ، فظنّ أ نّه متقوّم بهما .

كما أنّ المطربية الفعلية غير معتبرة فيه بما مرّ وأنّ الصوت ما لم يكن فيه رخامة وصفاء ليس بغناء .

ثمّ إنّ ما ذكرناه في المقام هو تحصيل ماهية الغناء من غير نظر إلى ما كان موضوعاً للحكم الشرعي ، ولعلّ موضوعه أعمّ أو أخصّ وسيأتي الكلام فيه .

فتحصّل من ذلك : أنّ الغناء ليس مساوقاً للصوت اللهي والباطل ، ولا لألحان أهل الفسوق والكبائر ، بل كثير من الألحان اللهوية وأهل الفسوق والأباطيل خارج عن حدّه ، ولا يكون في العرف والعادة غناءً ، ولكلّ طائفة من أهل اللهو والفسوق والتغنّي شغل خاصّ في عصرنا ، ومحالّ خاصّة معدّة له ، ولشغله وصنعته اسم خاصّ يعرفه أهل تلك الفنون .

ثمّ إنّ مقتضى كلمات كلّ من تصدّى لتحديد الغناء أ نّه من كيفية الصوت

أو الصوت نفسه ، وليست مادّة الكلام دخيلة فيه ، ولا فرق في حصوله بين

ص: 342

أن يكون الكلام باطلاً أو حقّاً وحكمة أو قرآناً أو رثاءً لمظلوم ، وهو واضح

لا ينبغي التأمّل فيه .

حكم الغناء

في الاستدلال بالأخبار على حرمة الغناء بذاته

وأمّا حكمه فقد وردت روايات مستفيضة أو متواترة على حرمته ، وه-ي على طوائف :

منها : ما وردت في تفسير قوله تعالى : )وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ((1) بأ نّه الغناء : كصحيحة هشام عن أبي عبداللّه علیه السلام في قوله تعالى : )فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ( ، قال : «الرجس من الأوثان : الشطرنج ، وقول الزور : الغناء»(2) .

وقد فسِّر به في رواية زيد الشحّام(3) ومهران بن محمّد(4) وأبي بصير(5)

ص: 343


1- الحجّ (22) : 30 .
2- تفسير القمّي 2 : 84 ؛ وسائل الشيعة 17 : 310 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 26 .
3- الكافي 6 : 435 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 303 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 2 .
4- الكافي 6 : 431 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 7 .
5- الكافي 6 : 431 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 9 .

وعبد الأعلى(1) وغيرهم(2) .

والظاهر المتفاهم من عنوان قول الزور هو القول الباطل باعتبار مدلوله كالكذب وشهادة الباطل والافتراء ، والغناء كما عرفت من كيفية الصوت ، أو الصوت بكيفية ، وهو عنوان مغاير لعنوان الكلام والقول .

وفسّرت الآية بقول القائل للمغنّي : «أحسنت» في صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبداللّه علیه السلام(3) ، مع أنّ قول «أحسنت» ليس بنفسه باطلاً وزوراً ، وإنّما اُطلق عليه باعتبار تحسين الغناء .

فيقع الكلام في كيفية إرادة الكلام الباطل باعتبار مدلوله والغناء الذي صوت أو كيفيته بكلام واحد ، وكذا كيفية إرادة قول القائل : «أحسنت» من قول الزور ، هل هي من قبيل المجاز اللغوي المشهور مع استعمال اللفظ في أكثر من معنىً واحد ؛ أي في معنىً حقيقي ومجازي بعلاقة كعلاقة الحالّ والمحلّ ؟

أو من قبيل الحقيقة الادّعائية على ما سلكناه في المجازات(4) تبعاً لبعض مشايخنا رحمه الله علیه (5) ؛ بمعنى استعمال قول الزور في معناه ، وادّعاء أنّ

ص: 344


1- معاني الأخبار : 349 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 308 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 20 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 8 و24 .
3- معاني الأخبار : 349 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 309 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 21 .
4- مناهج الوصول 1 : 62 .
5- راجع وقاية الأذهان : 103 .

الغناء منه ، وكذا قول القائل للمغنّي «أحسنت» ؟

أو من قبيل إطلاق قول الزور وإرادة مطلق الباطل بنحو من الادّعاء حتّى يدخل فيه المزامير والمعازف وغيرهما ؟

أو أراد من قول الزور القول المشتمل على الباطل مدلولاً وعلى الغناء جميعاً ، حتّى لا تدلّ الآية ولا الروايات المفسّرة لها على حرمة الغناء بنفسه ؟

أو أراد بقول الزور القول المشتمل على الباطل ، إمّا نحو اشتمال الكلام على مدلوله ، أو نحو اشتمال الموصوف على صفته . وإضافة القول إلى الزور لاتّحاده معه اتّحاد الصفة مع الموصوف ، فالقول زور باعتبار اشتمال مدلوله على الباطل وزور باعتبار صفته وهو الصوت الخاصّ ، فيكون الغناء مستقلاًّ محكوماً بوجوب الاجتناب ، والكلام المشتمل على الباطل بحسب مدلوله أيضاً محكوم به ؟

ولعلّ هذا الاحتمال الأخير أو ما يرجع إليه ممّا تقدّم أقرب الاحتمالات إلى ظواهر الأخبار المفسّرة كما اختاره بعض المدقّقين(1) ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ قول الزور هو الغناء أو هو من قول الزور ، ومع قيام القرينة العقلية بأ نّه ليس من مقولة

القول يدور الأمر بين رفع اليد عن ظاهر جميع الأخبار المفسّرة الدالّة على أنّ الغناء الذي هو صوت خاصّ هو قول الزور بتمام مصاديقه ، وحملها على قسم خاصّ متحقّق مع كلام خاصّ مدلوله الباطل والزور كما احتمله الشيخ واختاره(2) .

ص: 345


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 89 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 287 - 290 .

وبعبارة اُخرى : إنّ الظاهر من الأخبار هو أنّ الغناء تمام الموضوع لصدق قول الزور عليه ومستقلّ فيه ، فعلى الاحتمال الذي رجّحه الشيخ لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر مع عدم حفظ ظهور الآية أيضاً ، فإنّ ظاهرها حرمة قول الزور ، والحمل على الغناء بما ذكر ، حمل على غير مدلولها بحسب فهم العرف . بل هو حملها على قسم خاصّ منه ، تأمّل .

وبين حفظ ظهور الأخبار وحملها على الغناء بالمعنى الحقيقي المعروف مع حفظ ظاهر الآية من حيث تعميمها بالنسبة إلى جميع الأقوال الباطلة ، وإن نعمّمها لأمر آخر لم نعمّمها له لولا الأخبار ، وهو إرادة الزور باعتبار الوصف الحاصل له وهو الغناء .

والحاصل : أ نّه بناءً على ما رجّحه الشيخ في معنى الآية بضميمة الروايات إنّ الغناء ليس قول الزور ولا هو من قول الزور ، وأمّا على ما ذكرناه فإنّه هو ؛ لاتّحادهما خارجاً وصدق أحدهما على الآخر بالحمل الشائع .

ولو فرضت المناقشة فيما ذكرناه فلا أقلّ من دخول الغناء تعبّداً فيه ، ومقتضى إطلاق الأدلّة أ نّه بذاته وبلا قيد قول الزور .

نعم ، هنا إشكال آخر ، وهو أنّ قول الزور إن كان مطلق الباطل المقابل للحقّ - والمراد بالباطل ما لا يكون فيه غرض عقلائي وما لا دخالة له في المعاش والمعاد - فلا شبهة في عدم حرمته بهذا الإطلاق وبهذا العرض العريض .

فيدور الأمر بين حفظ ظهور هيئة الأمر في قوله : )وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(

في الوجوب ، وتقييد قول الزور بقسم خاصّ وهو المحرّمات الشرعية ، فتكون

ص: 346

الآية لبيان إجمال ما فصّل في الشريعة من المحرّمات ، كقوله تعالى : )وَيُحَرِّمُ

عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ((1) بناءً على أنّ المراد بها المحرّمات .

وبين حفظ إطلاق قول الزور وحمل الأمر على الرجحان المطلق .

ولا ترجيح للأوّل إن لم نقل أ نّه للثاني ؛ لشيوع استعمال الأمر في غير الوجوب وبُعد رفع اليد عن الإطلاق .

وعليه لا دلالة للآية الكريمة ولا للأخبار الدالّة على أنّ قول الزور الغناء على حرمته .

ويمكن أن يجاب عنه بأنّ سياق الآية وذكر قوله : )وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ( في تلو )فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ( يوجب قوّة ظهور في أنّ الأمر للوجوب سيّما مع إشعار مادّة الاجتناب بذلك ، فيصير قرينة على أنّ المراد من قول الزور ليس مطلق القول الباطل .

مضافاً إلى إمكان أن يقال : إنّ قول الزور ليس مطلق القول الباطل بالمعنى المتقدّم ، بل باطل خاصّ عرفاً كالكذب والافتراء والسخرية ونحوها ، فلا يقال عرفاً لمطلق القول الذي لا دخالة له في المعاد والمعاش إ نّه قول الزور بل لعلّه لا يكون باطلاً .

ويؤيّده تفسير الآية بالأقوال المحرّمة كالكذب وتلبية المشركين : «لبّيك لا شريك لك إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك» . وعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه

قام خطيباً فقال : «يا أيّها الناس ، عدلت شهادة الزور بالشرك باللّه» ثمّ قرأ :

ص: 347


1- الأعراف (7) : 157 .

)فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ((1) ، وهو مؤيّد لما ذكرناه من السياق .

فتحصّل من جميع ما تقدّم : أنّ الآية الكريمة بضمّ الروايات المفسّرة تدلّ على حرمة الغناء بذاته إذا كان مقروناً بقول ، وبإلغاء الخصوصية عرفاً يستفاد منها حرمته مطلقاً ولو وجد في مهمل لا يقال له قول أو وجد في الصوت بلا كلام .

بل يمكن أن يقال : إنّ الغناء المتحقّق في الكلام لا يقوم جميع قرعاته ورجعاته بالكلام بل يقع كثير منها في خلاله وقبله وبعده ، ولا شبهة في أنّ الصوت الكذائي بمطلق وجوده غناء ، فتدلّ الروايات على حرمته ولو بتلك القطعات الغير القائمة بالألفاظ ، ولا شبهة في عدم الفرق بين تلك القطعات المحرّمة والصوت المتحقّق بلا كلام إن كان غناءً .

وممّا ذكرناه يظهر الكلام في طائفة اُخرى من الروايات وهي المفسّرة لقوله تعالى : )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ((2) :

كرواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام - ولا يبعد أن تكون موثّقة

- قال : سمعته يقول : «الغناء ممّا وعد اللّه عليه النار» ، وتلا هذه الآية : )وَمِنَ

ص: 348


1- مجمع البيان 7 : 131 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 416 ، كتاب الشهادات ، الباب 6 ، الحديث 10 .
2- لقمان (31) : 6 .

النَّاسِ . . . ((1) وقريب منها روايات اُخر(2) .

ووجه دخوله في )لَهْوَ الْحَدِيثِ( هو الوجه في دخوله في قول الزور .

نعم ، هنا كلام آخر ، وهو أنّ الظاهر من الآية أنّ لهو الحديث قسمان ، والمحرّم منه هو ما يشترى وتكون الغاية به إضلال الناس عن سبيل اللّه ، وغاية ما تدلّ الروايات هو كون الغناء داخلاً فيها ، ومقتضاه أن يكون الغناء قسمين : محرّم هو ما يوجب الإضلال ومحلّل هو غيره .

ويمكن أن يقال : إنّ المراد بالإضلال عن سبيل اللّه ليس خصوص الإضلال عن العقائد ، بل جميع الواجبات فعلاً والمحرّمات تركاً من سبل اللّه ، وكلّ شيء يوجب ترك واجب أو فعل محرّم يكون صادّاً عن سبيل اللّه ومضلاًّ عنه . فلو تعلّم أحد أحاديث لهوية ليحدّثها على قوم يوجب تحديثها ولو اقتضاءً ترك معروف أو فعل منكر ، يصدق عليه أ نّه اشترى لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه .

فحينئذٍ نقول : لولا الروايات المفسّرة كان ظاهر الآية حرمة اشتراء لهو الحديث ؛ أي الأخبار الموجبة بمدلولها لإلهاء الناس وإضلالهم عن سبيل اللّه ، كما ورد في سبب نزولها أنّ النضر بن الحرث كان يخرج إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم ويحدّث قريشاً ويصرفهم عن استماع القرآن(3) ، فلم تكن شاملة

ص: 349


1- الكافي 6 : 431 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 304 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 7 ، 11 ، 16 ، 20 و25 .
3- مجمع البيان 8 : 490 ؛ أسباب النزول ، الواحدي : 244 .

للغناء الذي هو من كيفيات الصوت ولا دخل له بمدلول الحديث ومضمونه .

لكن بعد تفسيرها به وقلنا بدخوله فيها بالتقريب المتقدّم في الآية المتقدّمة

يصدق على من تعلّم الغناء للتغنّي أ نّه اشترى لهو الحديث ليضلّ عن سبيل اللّه ، إمّا لأ نّه بنفسه حرام وبإيجاده يخرج المغنّي والسامع عن سبيل اللّه ، وإمّا لأ نّه

بذاته مع تجريده عن معاني الألفاظ ومع سماعه وعدم فهم المعنى ممّا يترتّب عليه - ولو اقتضاءً - الصدّ عن سبيل اللّه والغفلة عن ذكر اللّه ، وربّما ينجرّ به إلى فعل الكبائر وترك الواجبات كما عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «الغناء رقية الزنا»(1) .

ومع العلم بأنّ ذلك من مقتضيات ذات الغناء وتعلّمه للتغنّي ، يصدق أ نّه تعلّم للإضلال ، أي تعلّم ما يترتّب عليه ذلك .

فلا يقال : إنّ التغنّي بالمواعظ والقرآن لا يترتّب عليه ذلك ؛ لأنّ هذا من مقتضيات نفس الغناء لو جرّد عن مداليل الألفاظ ، والمفروض أنّ الغناء بذاته داخل في الآية كما هو مفاد الأخبار .

مع أنّ مقتضى إطلاق الأخبار أنّ مطلق الغناء داخل في الآية وأوعد اللّه عليه النار .

مع أ نّه قلّما يتّفق لشخص أن يكون غاية تعلّمه للغناء أو تغنّيه ، الإضلال عن سبيل اللّه والصدّ عنه .

فعليه يكون عدّ الغناء من الآية بنحو الإطلاق على الاحتمال المتقدّم في الإشكال كحمل المطلق على الفرد النادر جدّاً . فقوله : «الغناء ممّا وعد اللّه

ص: 350


1- جامع الأخبار : 433 / 1212 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 214 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 78 ، الحديث 14 .

عليه النار»(1) في الآية مع عدم دخوله فيها إلاّ ما هو نادر كالمعدوم يعدّ مستهجناً قبيحاً .

فلا بدّ وأن تحمل اللام على النتيجة أعمّ من كونها غاية أو لا ، فلا ينافي ذلك

ما ورد في شأن نزولها ، كقوله تعالى : )فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً((2) وكقول الشاعر : «لدوا للموت وابنوا للخراب»(3) .

والإنصاف : أنّ دلالة الطائفتين المتقدّمتين على حرمة الغناء بذاته لا تأمّل فيها .

وأمّا ما دلّت على دخوله في قوله : )وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ((4) كصحيحة ابن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام في قوله : )وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ( قال : «هو الغناء»(5) ففي دلالتها على الحرمة تأمّل وإشكال .

ودلّت على حرمته بذاته أيضاً روايات كثيرة ربّما يدّعى تواترها وسيأتي الكلام في بعضها :

كصحيحة ريّان بن الصلت ، قال : سألت الرضا علیه السلام يوماً بخراسان عن الغناء وقلت : إنّ العبّاسي ذكر عنك أ نّك ترخّص في الغناء ، فقال : «كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء ، فقلت : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر علیه السلام فسأله عن

ص: 351


1- تقدّم في الصفحة 348 .
2- القصص (28) : 8 .
3- راجع نهج البلاغة : 493 ، الحكمة 132 .
4- الفرقان 25 : 72 .
5- الكافي 6 : 433 / 13 ؛ وسائل الشيعة 17 : 304 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 5 .

الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت»(1) .

والظاهر منها حرمته كما يشهد به نحو التعبير فيها .

ونحوها في الدلالة أو أظهر منها رواية عبد الأعلى الموثّقة على الأظهر ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الغناء وقلت : إنّهم يزعمون أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم رخّص في أن يقال : جئناكم جئناكم حيّونا حيّونا نحيّيكم ، فقال : «كذبوا ، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : )وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَاْلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا

لاَعِبِينَ(»(2) .

وكصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام ، قال : سألته عن الرجل يتعمّد الغناء يجلس إليه ؟ قال : «لا»(3) .

وفي رواية سعد بن محمّد الطاطري ، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات ؟ فقال : «شراؤهنّ وبيعهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر ، واستماعهنّ نفاق»(4) .

ص: 352


1- عيون أخبار الرضا 2 : 14 / 32 ؛ وسائل الشيعة 17 : 306 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 14 .
2- الكافي 6 : 433 / 12 ؛ وسائل الشيعة 17 : 307 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 15 .
3- مسائل علي بن جعفر : 148 / 186 ؛ وسائل الشيعة 17 : 312 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 32 .
4- الكافي 5 : 120 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 124 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 7 .

والرواية إلى سعد موثّقة بابن فضّال ، وعن الشيخ في «العدّة» أنّ الطائفة عملت بما رواه الطاطريّون(1) .

وكصحيحة إبراهيم بن أبي البلاد ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل علیه السلام : جعلت فداك ، إنّ رجلاً من مواليك عنده جوارٍ مغنّيات قيمتهنّ أربعة عشر ألف دينار ، وقد جعل لك ثلثها ، فقال : «لا حاجة لي فيها ، إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت»(2) .

وسحتية ثمنها لأجل صفة التغنّي وكون الغناء حراماً .

وكحسنة نضر بن قابوس ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «المغنّية ملعونة ، ملعون من أكل كسبها»(3) . . . إلى غير ذلك .

ما نسب إلى بعض الأعاظم من إنكار حرمة الغناء بذاته

ثمّ إنّه ربّما نسب إلى المحدّث الكاشاني وصاحب «الكفاية» الفاضل الخراساني إنكار حرمة الغناء واختصاص الحرمة بلواحقه ومقارناته من دخول الرجال على النساء واللعب بالملاهي ونحوهما ، ثمّ طعنوا عليهما بما لا ينبغي(4) .

ص: 353


1- العدّة في اُصول الفقه 1 : 150 .
2- قرب الإسناد : 305 / 1195 ؛ وسائل الشيعة 17 : 123 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 4 .
3- الكافي 5 : 120 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 4 .
4- مفتاح الكرامة 12 : 172 .

وهو خلاف ظاهر كلام الأوّل في «الوافي»(1) ومحكيّ «المفاتيح» والمحكيّ عن الثاني(2) ، بل الظاهر منهما أنّ الغناء على قسمين : حقّ وباطل ، فالحقّ هو التغنّي بالأشعار المتضمّنة لذكر الجنّة والنار والتشويق إلى دار القرار ، والباطل ما

هو متعارف في مجالس أهل اللهو كمجالس بني اُميّة وبني العبّاس .

قال في «الوافي» ما محصّله : إنّ الظاهر من مجموع الأخبار اختصاص حرمة الغناء وما يتعلّق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلّها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني اُميّة وبني العبّاس من دخول الرجال عليهنّ وتكلّمهنّ بالأباطيل ولعبهنّ بالملاهي من العيدان والقضيب وغيرها ، دون ما سوى ذلك كما يشعر به قوله علیه السلام : «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» .

ثمّ ذكر عبارة «الاستبصار» فقال : «يستفاد من كلامه أنّ تحريم الغناء إنّما هو لاشتماله على أفعال محرّمة ، فإن لم يتضمّن شيئاً من ذلك جاز . وحينئذٍ فلا وجه لتخصيص الجواز بزفّ العرائس ولا سيّما وقد ورد الرخصة به في غيره ، إلاّ أن يقال : إنّ بعض الأفعال لا يليق بذوي المروءات وإن كان مباحاً . فالميزان حديث «من أصغى إلى ناطق فقد عبده» وقول أبي جعفر علیه السلام : «إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء ؟» . وعلى هذا فلا بأس بسماع التغنّي بالأشعار المتضمّنة ذكر الجنّة والنار والتشويق إلى دار القرار - إلى أن قال : - وبالجملة : لا يخفى على ذوي الحجى بعد سماع هذه الأخبار تمييز حقّ الغناء من باطله ،

ص: 354


1- الوافي 17 : 218 .
2- اُنظر مستند الشيعة 14 : 128 - 129 ؛ مفاتيح الشرائع 2 : 21 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 428 - 432 .

وأنّ أكثر ما يتغنّى المتصوّفة في محافلهم من قبيل الباطل»(1) ، انتهى .

وأنت خبير : بأنّ ظاهر هذه العبارة بل صريحها صدراً وذيلاً أنّ الغناء على قسمين : قسم محرّم وهو ما قارن تلك الخصوصيات ؛ بمعنى أنّ الغناء المقارن لها حرام ، لا أنّ المقارنات حرام فقط ، ولهذا حرم أجرهنّ وتعليمهنّ والاستماع منهنّ ، ولولا ذهابه إلى تحريمه ذاتاً لا وجه لتحريم ما ذكر .

وقسم محلّل وهو ما يتغنّى بالمواعظ ونحوها . فقد استثنى من حرمة الغناء قسماً هو التغنّي بذكر اللّه تعالى ، كما استثنى بعضهم التغنّي بالمراثي(2) ، وبعضهم التغنّي بالقرآن(3) ، وبعضهم الحداء(4) ، وبعضهم في العرائس(5) .

وهذا أمر لم يثبت أ نّه خلاف الإجماع أو خلاف المذهب حتّى يستوجب صاحبه الطعن والنسبة إلى الخرافة والأراجيف(6) ، وقد اختاره النراقي في «المستند» وبعض من تأخّر عنه(7) ، كما لا يستوجبه من استثنى القرآن وغيره .

فالصواب أن يجاب عنه بالبرهان كما صنع الشيخ الأنصاري(8) .

فالأولى النظر إلى ما يمكن أن يستدلّ به على هذا التفصيل :

ص: 355


1- الوافي 17 : 218 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 61 .
3- مجمع البيان 1 : 86 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 428 - 432 .
4- شرائع الإسلام 4 : 117 ؛ قواعد الأحكام 3 : 495 ؛ الدروس الشرعية 2 : 126 .
5- النهاية : 367 ؛ المختصر النافع : 116 ؛ تحرير الأحكام 2 : 259 ؛ المهذّب 1 : 346 .
6- راجع مفتاح الكرامة 12 : 173 .
7- مستند الشيعة 14 : 141 و150 .
8- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 299 - 308 .

ما يمكن أن يستدلّ به على التفصيل في حرمة الغناء

فمنها : دعوى قصور الأدلّة عن إثبات حرمة مطلق الغناء(1) ؛ لعدم الإطلاق فيما تدلّ على الحرمة ، وعدم الدلالة عليها فيما يمكن دعوى الإطلاق فيها كقوله : «الغناء شرّ الأصوات»(2) و«الغناء غشّ(3) النفاق»(4) ونحوهما .

وفيه : أ نّه لا قصور في إطلاق كثير من الروايات :

كالروايات المفسّرة لقول الزور بالغناء(5) ، وقد تقدّم(6) كيفية دخوله في الآية .

والقول بمعارضة تلك الأخبار لما فسّره بقول «أحسنت» للمغنّي ، وبما فسّره بشهادة الزور ؛ لأنّ الحمل يقتضي وحدة معناهما وما عرفت يدلّ على أ نّه غيره .

قد عرفت الجواب عنه في بيان الأخبار المفسّرة لها . مضافاً إلى أنّ الحمل يقتضي الاتّحاد ولو وجوداً ، فلو كان الغناء من مصاديقها يصحّ الحمل ويقال : إنّه الغناء أو أنّ الغناء هو ، فلا تعارض بين الأدلّة المفسّرة .

ولا يجوز رفع اليد عن الإطلاق بعد إمكان أن يكون الكلّ مندرجاً فيه

ص: 356


1- مستند الشيعة 14 : 136 .
2- المقنع : 456 ؛ وسائل الشيعة 17 : 309 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 22 .
3- في أكثر المصادر «عشّ» بدل «غشّ» .
4- الكافي 6 : 431 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 10 .
5- تقدّمت في الصفحة 343 .
6- تقدّم في الصفحة 343 - 348 .

ولو لم نعلم وجهه . بل لا يجوز الغضّ عن الإطلاق ولو لم يندرج فيه أو لم نعلم اندراجه ؛ لإمكان الإلحاق حكماً .

وكالأخبار المفسّرة للهو الحديث(1) ، فإنّها أيضاً مطلقة بلا إشكال .

والقول بأنّ الغناء الخاصّ الذي يشتري ليضلّ عن سبيل اللّه ويتّخذها هزواً داخل فيها لا غير(2) .

قد عرفت الجواب عنه(3) ولزومه للاستهجان في الأخبار الدالّة على أنّ الغناء ممّا أوعد اللّه عليه النار بقوله : )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى . . .( .

فلا ينبغي الشبهة في إطلاقها .

وكالمحكيّ عن الرضا علیه السلام بطرق عديدة : منها : ما رواه الصدوق صحيحاً عن الريّان بن الصلت الثقة ، قال : سألت الرضا علیه السلام يوماً بخراسان عن الغناء وقلت : إنّ العبّاسي(4) ذكر عنك أ نّك ترخّص في الغناء ، فقال : «كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء فقلت : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر علیه السلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت»(5) .

ص: 357


1- تقدّم في الصفحة 348 .
2- مستند الشيعة 14 : 134 .
3- تقدّم في الصفحة 350 - 351 .
4- في مرآة العقول : «العيّاشي» ، وزاد بعد الزنديق «الديّوث» . [منه قدس سره] راجع مرآة العقول : 100 (المطبوع سنة 1325 ه- . ق).
5- عيون أخبار الرضا 2 : 14 / 32 ؛ وسائل الشيعة 17 : 306 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 14 .

وتقريب الدلالة : أنّ الظاهر من إنكار الرضا علیه السلام الترخيص أنّ قول أبي جعفر علیه السلام يدلّ على حرمته ، وإلاّ فلو دلّ مقالته مع السائل على أنّ الغناء من الباطل الجائز الارتكاب ولو مع حزازة ، فنقل السائل عنه تجويزه نقلاً بالمعنى ، فلم يمكن إنكاره عليه . فالإنكار دليل على عدم كون الغناء مرخّصاً فيه في كلام أبي جعفر علیه السلام ، وكان الرضا علیه السلام مستدلاًّ على حرمته بقوله ، وروى السائل خلافه كذباً عليه ، ولا شبهة في إطلاق الرواية .

ومنه يظهر الجواب عمّا يمكن أن يقال بأنّ التكذيب راجع إلى عدم ترخيص أبي الحسن علیه السلام أو عدم ترخيصه بقول مطلق .

فإنّ المراد بالترخيص ليس نحو قوله : أنت مرخّص فيه ، بل ما يستفاد من كلامه ، ولا شبهة في أ نّه لو لم يدلّ كلام أبي جعفر علیه السلام على التحريم لما قال الرضا علیه السلام : إنّه كذب ، والفرض أنّ كلامه مطلق .

والإنصاف أنّ إنكار دلالتها في غير محلّه .

والعجب من النراقي حيث قال : إنّ الباطل لا يفيد أزيد من الكراهة ، ومع ذلك

قال : إنّ تكذيبه ليس للمنع بل لذكره خلاف الواقع(1) .

وذلك لأنّ ذكر ما يدلّ على كراهته في مقام الجواب ترخيص له ، فأين خلاف الواقع حتّى يصحّ التكذيب سيّما مع هذا التعبير الشديد ؟ !

ومنها : رواية عبد الأعلى الحسنة الموثّقة - فإنّ عبد الأعلى هو ابن أعين ، وقد عدّه الشيخ المفيد من فقهاء أصحاب الصادقين والأعلام والرؤساء المأخوذ

ص: 358


1- مستند الشيعة 14 : 137 .

عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذمّ

واحد منهم(1) ، ولا إشكال في إفادته التوثيق ، كما عن المحقّق الداماد الجزم بصحّة رواياته(2) - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الغناء وقلت : إنّهم يزعمون أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم رخّص في أن يقال : جئناكم جئناكم حيّونا حيّونا (3) نحيّ-يكم ، فقال : «كذبوا ، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : )وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَاْلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا

لاَعِبِينَ* لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ* بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ((4) . ثمّ قال : «ويل لفلان ممّا يصف» رجل لم يحضر المجلس»(5) .

وهي تدلّ على حرمة الغناء بمثل تلك العبارة الغير اللهوية الغير الباطلة بل

الشريفة على نسخة حيّونا . ولو لم يكن محرّماً كان رخّصه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فلم ينكره أبو عبداللّه علیه السلام ذلك الإنكار مع التمسّك بالآية الدالّة على قذف اللّه الحقّ بالباطل ليدمغه وتعقيبه بقوله : «ويل لفلان ممّا يصف» . والظاهر أنّ المراد به رجل غائب كان ينسب إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الترخيص فيه .

فلا شبهة في دلالتها على الحرمة ولا في إطلاقها لقول حقّ أو باطل .

ص: 359


1- مصنّفات الشيخ المفيد ، جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية 9 : 25 .
2- اُنظر تنقيح المقال 2 : 132 / السطر 6 (أبواب العين) .
3- وفي مرآة العقول : «جيئونا جيئونا نجيئكم» والظاهر صحّة ما في الوسائل . [ منه قدس سره] راجع مرآة العقول 22 : 304 .
4- الأنبياء (21) : 16 - 18 .
5- الكافي 6 : 433 / 12 ؛ وسائل الشيعة 17 : 307 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 15 .

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل يتعمّد الغناء يجلس إليه ، قال : «لا»(1) .

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ، فلا مجال لإنكار إطلاقها .

ومنها : دعوى انصراف الأدلّة إلى الغناء المتعارف المعهود في زمن بني اُميّة وبني العبّاس ، كما هو من متمسّكات الكاشاني والخراساني في جملة من كلامهما (2) .

وفيه : - مضافاً إلى عدم مجال لهذه الدعوى في بعض الروايات ، كصحيحة علي بن جعفر الأخيرة الظاهرة في المنع عن الجلوس عند من يتغنّى من غير أن يكون هنا معاصٍ اُخر كالمزامير وغيرها كما هو ظاهرها ، وكحسنة عبد الأعلى الدالّة على أنّ التغنّي بمثل ألفاظ التحيّة أيضاً حرام ومن الباطل ، وهي مفسّرة لسائر الروايات أيضاً وشارحة للمقصود من كون الغناء باطلاً بأ نّه بذاته باطل ولهو وزور لا بملحقاته وبمدلول الكلام المعروض له ، بل يدفع بها توهّم الانصراف في سائر الروايات أيضاً ؛ لحكومتها على غيرها وتعميمها لو فرض الانصراف للحكومة ، كما لا يخفى على المتأمّل - أنّ كون غالب أفراد ما يتعارف في عصر الخبيثتين من اشتمالها على محرّمات اُخر ممنوعة . كيف ؟ وإنّ التغنّي بالأشعار عند الناس كان متعارفاً في كلّ عصر ، وربّما يتّفق معه سائر المحرّمات . وكون المتعارف عند سلاطين الطائفتين أو الاُمراء في عصرهم

ص: 360


1- مسائل علي بن جعفر : 148 / 186 ؛ وسائل الشيعة 17 : 312 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 32 .
2- تقدّم في الصفحة 353 .

وسائر الأعصار ذلك ، لا يوجب أن يكون نوع التغنّيات كذلك حتّى يدّعى الانصراف .

مضافاً إلى أنّ كثرة أفراد طبيعة في قسم لا توجب الانصراف ؛ فإنّ الإطلاق عبارة عن الحكم على طبيعة من غير قيد ، فلا بدّ في دعوى الانصراف من دعوى كون الكثرة والتعارف واُنس الذهن بوجه تصير كقيد حافّ بالطبيعة ، وهو في المقام ممنوع سيّما في مثل مقارنات الطبيعة لا مصاديقها وأصنافها .

مضافاً إلى أنّ اللازم من دعوى الانصراف إلى أشباه ما تتعارف في عصر الاُمويين والعبّاسيين ، الالتزام بتخصيص تحريمه بما يكتنف بجميع ما يتعارف في مجالسهم الملعونة من دخول الرجال على النساء وشرب الخمور وارتكاب الأفعال القبيحة والفواحش وضرب أنواع الملاهي والتلهّي بالأشعار المهيّجة المورثة لإثارة الشهوات ورقص الجواري والغلمان إلى غير ذلك ، ومع فقد بعضها يقال بالجواز ، فلا وجه لتجويز خصوص ما يكون من قبيل التغنّي بالقرآن والفضائل ، لقصور الأدلّة - بناءً عليه - عن إثبات حرمته ولو مع الأشعار الملهيّة

والمهيّجة ؛ لكون المتعارف في عصرهم أخصّ منه ، ولا أظنّ التزامهم به .

فدعوى الانصراف كدعوى عدم الإطلاق في الضعف .

ومنها : التمسّك بروايات(1) عمدتها صحيحة أبي بصير ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس ، وليست بالتي يدخل عليها الرجال» .

ص: 361


1- مستند الشيعة 14 : 139 .

كذا في «الوسائل» عن المشايخ الثلاثة(1) وفي «الفقيه»(2) ، لكن في «مرآة العقول» : «ليست» بسقوط الواو(3) .

بدعوى : أنّ قوله : «وليست بالتي . . .» مشعر بالعلّية أو دالّ عليها ، فتدلّ على أنّ المحرّم قسم منه وهو المقارن للمعاصي كدخول الرجال على النساء .

وفيه : أنّ في الرواية على نسخة إثبات الواو احتمالات :

كاحتمال أن تكون الجملة حالية عن فاعل تزفّ ، والمعنى أنّ أجر المغنّية حلال إذا تزفّ العرائس ولم يدخل الرجال على النساء .

وأن تكون الجملة بمنزلة التعليل ، فتدلّ على عدم حرمة الغناء بذاته ويحرم أجر المغنّية لا للغناء ، بل لدخول الرجال وسماع صوتها ورؤية وجهها وسائر حركاتها الملازمة له .

وأن يكون المراد بها إفادة حرمة قسم من الغناء ، وهو المقارن لدخول الرجال عليهنّ .

فعلى الاحتمال الأوّل تدلّ على استثناء قسم خاصّ منه ، وهو الذي في العرائس مع الشرط المذكور .

وعلى الثاني تكون الرواية معارضة لجميع الأدلّة الدالّة على أنّ الغناء حرام

ومخالف مضمونها للإجماع(4) .

ص: 362


1- وسائل الشيعة 17 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 3 .
2- الفقيه 3 : 98 / 376 .
3- مرآة العقول 19 : 80 / 3 .
4- الخلاف 6 : 307 ، مسألة 55 ؛ جواهر الكلام 22 : 44 .

وعلى الثالث توافق كلام الكاشاني وموافقيه على إشكال ، وهو أنّ الظاهر من قوله : «وليست بالتي . . .» كون دخولهم عليهنّ بعنوانه موضوع الحكم ، لا عنواناً مشيراً إلى نوع خاصّ من الغناء أو مجالس خاصّة ، وهم لا يلتزمون بظاهر الرواية ، ولا وجه لحملها على خلاف ظاهرها .

ولا ترجيح ظاهر في أحد الاحتمالات المتقدّمة يمكن الاتّكال عليه لو لم نقل بترجيح الأوّل حتّى يلتئم بين الأدلّة ، أو الاحتمال الثاني في نفسه لو لا مخالفته لما ذكرناه ؛ لأنّ الظاهر من قوله : «لا بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال» أنّ الفساد مترتّب عليه وليس في الغناء بما هو فساد ولعلّ الحرمة في دخولهم لأجل كونهم أجنبيّاً يحرم التغنّي عندهم لا لذات الغناء .

والإنصاف أنّ طرح الأدلّة الظاهرة الدلالة بمثل هذه الرواية المشتبهة المراد مع اختلاف النسخ غير جائز ، سيّما مع مخالفة مضمونها لجميع الأقوال سواء في ذلك نسخة إثبات الواو وإسقاطها .

مع احتمال أن تكون هي عين رواية اُخرى لأبي بصير(1) ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن كسب المغنّيات ، فقال : «التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ( » التي يدّعى دلالتها على أنّ

ص: 363


1- الكافي 5 : 119 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 120 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 1 .

قسماً منه حرام ، وهو المقارن لدخول الرجال على النساء ، والتي تدعى إلى الأعراس فعدم حرمته ليس لخصوصية فيها بل لعدم دخولهم عليهنّ فيكون الحكم دائراً مداره .

وفيه : - مضافاً إلى ورود بعض ما تقدّم من الإشكالات عليها أيضاً ككون الظاهر أنّ الحكم دائر مدار عنوان دخول الرجال ومع عدمه يحلّ ولو بكلمات لهوية ومقارنات محرّمة ولم يلتزم به القائل - أنّ الظاهر منها التعرّض لقسمين من الغناء وعدم تعرّضها لسائر الأقسام ، وليس فيها مفهوم وإلاّ لتعارض بين مفهوم الصدر والذيل .

وجعل الجملة الثانية كناية عن عدم دخولهم عليهنّ خلاف الظاهر ، فلا تدلّ على مدّعاهم بوجه .

نعم ، فيها إشعار به لا يقاوم الروايات الدالّة على أ نّه بذاته حرام كصحيحة علي بن جعفر المتقدّمة وحسنة عبد الأعلى(1) بل وغيرها بعد تفسيره في رواية عبد الأعلى .

وقد يقال : إنّ الظاهر من رواية علي بن جعفر عن أخيه علیه السلام

- قال : سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح ؟ قال : «لا بأس به ما لم يعص به»(2) - والمرويّ عن تفسير الإمام عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم - في حديث طويل ، ذكرت فيه شجرة طوبى وشجرة الزقّوم والمتعلّقون بأغصان كلّ واحدة منهما ،

ص: 364


1- تقدّمتا في الصفحة 358 - 360 .
2- قرب الإسناد : 294 / 1158 ؛ وسائل الشيعة 17 : 122 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 5 .

قال : «ومن تغنّى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلّق بغصن منه»(1) ؛ أي من الزقّوم - أنّ الغناء على قسمين : محلّل ومحرّم ، فإن كان المراد من محرّمه هو ما يقترن بالمعاصي ثبت عدم حرمته بنحو الإطلاق ، وإن كان المراد منه غناءً نهى عنه الشارع يكون عنواناً مجملاً ، فيكون العمومات والإطلاقات مخصّصة ومقيّدة بالمجمل ، والعامّ المخصّص والمطلق المقيّد به ليس حجّة(2) .

وفيه : بعد تسليم المقدّمات أنّ ذلك مسلّم لو لم يعلم بأنّ الغناء على قسمين ولم يتبيّن قسم الحلال من الحرام ، وأمّا في المقام الذي علم أنّ له قسماً محلّلاً هو الغناء في العرائس كما يأتي(3) فلا يوجب قوله في تفسير الإمام إجمالاً ، هذا بالنسبة إليها مع ضعفها سنداً ويأتي الكلام في رواية علي بن جعفر .

وأمّا التشبّث بما اشتملت على كلمة «مجلس» أو «بيت»(4) - كرواية الحسن بن هارون ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله . . .»(5) ، وصحيحة زيد الشحّام ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة»(6) ، ورواية إبراهيم بن محمّد عمّن ذكره عنه علیه السلاموفيها :

ص: 365


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 648 .
2- مستند الشيعة 14 : 139 - 140 .
3- يأتي في الصفحة 390 .
4- مستند الشيعة 14 : 140 .
5- الكافي 6 : 433 / 16 ؛ وسائل الشيعة 17 : 307 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 16 .
6- الكافي 6 : 433 / 15 ؛ وسائل الشيعة 17 : 303 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 1 .

«لا تدخلوا بيوتاً اللّه معرض عن أهلها» ، بعد السؤال عن الغناء(1) - لتأييد اختصاص حرمته بنوع خاصّ منه .

ففيه ما لا يخفى من الوهن ؛ لعدم المفهوم فيها ، وعدم دلالتها على الاختصاص ، وعدم دلالتها على اقترانه بغيره من المحرّمات . نعم ، فيها إشعار به .

كما أنّ التشبّث بأنّ ظاهر الأدلّة دخول الغناء في اللهو والباطل ونحوهما وهي غير محرّمة بنحو الإطلاق ، فلا دليل على حرمته .

قد تقدّم الجواب عنه في خلال ما تقدّم الكلام في الأدلّة(2) .

فتحصّل من جميع ذلك حرمة الغناء بذاته ، فلا بدّ من التماس دليل على الاستثناء .

المستثنيات من الغناء

في استثناء أيّام العيد والفرح

ويمكن أن يقال باستثناء أيّام الفرح منه كعيد الفطر والأضحى وسائر الأعياد المذهبية والملّية ؛ لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى علیهما السلام ، قال : سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح ؟ قال : «لا بأس به ما لم يزمر به»(3) .

ص: 366


1- الكافي 6 : 434 / 18 ؛ وسائل الشيعة 17 : 306 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 12 .
2- تقدّم في الصفحة 348 - 350 .
3- مسائل علي بن جعفر : 156 / 219 .

والظاهر أ نّها عين الرواية المتقدّمة إلاّ أنّ فيها : «ما لم يعص به» . وربّما يحتمل أن يكون «ما لم يزمر به» في الاُولى مصحّفاً عن «ما لم يؤزر به» وهو غير بعيد ، فيكون إحداهما نقلاً بالمعنى ، وفي نسخة : «يؤمر به» ، وهي خطأ .

وكيف كان : فالظاهر أنّ علي بن جعفر كان عالماً بحرمة الغناء لكن لمّا كانت

أيّام العيد والفرح مناسبة للتلهّي والتفريح في الجملة صارت موجبة لشبهته . ويحتمل أن يكون وجه حصول الشبهة صحيحة أبي بصير المرويّة عن أبي عبداللّه علیه السلام في تجويز أجر المغنّية في الأعراس(1) ، فاحتمل أنّ سائر أيّام الفرح والأعياد كذلك فسأل عنه فيها ، فأجاب علیه السلام بعدم البأس ما لم يعص به ، أو ما لم يزمر به .

وبعد عدم جواز حمل «ما لم يعص به» على ظاهره - فإنّه من توضيح الواضح - فيه احتمالات : أبعدها ما احتمله الشيخ الأنصاري ، وهو أنّ المراد بالسؤال الصوت الحسن الأعمّ من الغناء المحرّم ، وبالجواب تجويز قسم منه وهو ما ليس بغناء ، وتحريم قسم وهو الغناء(2) .

والإنصاف أنّ هذا الحمل يساوق الطرح .

ولعلّ ما دعاه على هذا الحمل البعيد بناؤه على تعارضها مع الروايات الكثيرة المستفيضة أو المتواترة ، فرأى أنّ التصرّف فيها أوهن من رفع اليد عنها .

مع أنّ بينها وبين الروايات جمعاً عقلائياً وهو حمل المطلقات عليها

ص: 367


1- تقدّمت في الصفحة 361 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 305 - 306 .

وتجويز الغناء في أيّام الأعياد المقتضي-ة للسرور والفرح ، فقوله : «ما لم يعص به» أي ما لم

يكن سبباً لمعصية ، أو ما لم يقترن بها ، أو ما لم يتّحد معها ، كما لو كان التغنّي بالفحش والكذب ونحوهما من المحرّمات .

وبالجملة : الظاهر المتفاهم منها أنّ الغناء في الأعياد وأيّام الفرح لا بأس به بذاته ما لم يقترن بمعصية . وهو بوجه نظير ما ورد في بعض الروايات من رفع القلم في بعض الأعياد(1) ، والمراد به أيضاً على فرض صحّته ما يناسب أيّام العيد والسرور كالتغنّي والتلهّي لا مطلق المعاصي .

والظاهر أنّ المراد بقوله : «ما لم يزمر به» ما لم يتغنّ في المزمار ، من زمر أو زمَّر من التفعيل غنّى بالمزمار ، فتدلّ على جواز الغناء في الأعياد دون المزامير مع احتمال أن يكون «ما لم يؤزر» فتوافق الاُولى .

لكن يشكل العمل بها ؛ لعدم قائل ظاهراً باستثنائه فيها بل عدم نقل احتماله من أحد ، مع بعد تجويزه في العيدين الشريفين المعدَّين لطاعة اللّه تعالى والصلاة والانقطاع إليه تعالى كما يظهر من الأدعية والأذكار والعبادات الواردة فيهما وفي الأعياد المذهبية بل بعض الأعياد الملّية ، وضعف الرواية المشتملة على قوله : «ما لم يعص به» بعبداللّه بن الحسن المجهول وإن كان كثير الرواية عن علي بن جعفر ، والظاهر إتقان رواياته ، وعن «الكفاية» أ نّه مرويّ في «قرب الإسناد» للحميري بإسناد لا يبعد إلحاقه بالصحاح(2) وإن قال بعض

ص: 368


1- بحار الأنوار 95 : 353 .
2- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1: 433؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 304.

المدقّقين : ما رأيت ذلك في «الكفاية» في باب الغناء والمكاسب ، وفي كتاب القضاء والشهادات(1) .

وكيف كان : لم يصل الاعتماد عليها بحدّ يمكن تقييد الأدلّة سيّما تلك المطلقات المستفيضة بها .

والرواية الاُخرى صحيحة ، لكن قوله : «ما لم يزمر به» يحتمل وجوهاً : منها ما تقدّم ، ومنها ما احتمله الشيخ الأنصاري ، أي لم يرجع به ترجيع المزمار ، أو لم يتغنّ به على سبيل اللهو ، أو لم يقصد منه قصد المزمار(2) .

وليس ظهورها في الأوّل معتدّاً به أمكن معه تقييد المطلقات الكثيرة . فالأحوط بل الأقوى عدم استثناء أيّام العيد والفرح .

في استثناء المراثي والقراءة بالقرآن

وأمّا المراثي والقراءة بالقرآن فربّما يقال باستثنائهما . واستدلّ عليه بعمومات

أدلّة الإبكاء والرثاء وقراءة القرآن ، بدعوى أنّ التعارض بينها وبين أدلّة حرمة الغناء من وجه ، ومقتضى القاعدة تساقطهما والرجوع إلى الأصل(3) .

ومقتضى ذلك توسعة الجواز بكلّ مورد ينطبق عليه أو يلازمه عنوان مستحبّ كإكرام الضيف وإدخال السرور في قلب المؤمن وقضاء حاجته ، بل توسعة نطاقه إلى سائر أبواب الفقه فيقال بمعارضة كلّ دليل في المستحبّات مع

ص: 369


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 97 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 306 .
3- مستند الشيعة 14 : 144 - 147 .

أدلّة المحرّمات إذا كان بينهما عموم من وجه كالمقام ، بل يأتي الكلام في أدلّة المكروهات مع الواجبات والمحرّمات .

وأنت خبير بأ نّه مستلزم لفقه جديد واختلال فيه ، ولم يختلج ذلك التعارض والعلاج في ذهن فقهاء الشريعة ، وليس مبنى فقه الإسلام على نحوه ، وهو كافٍ في فساد هذا التوهّم .

نعم ، لا بأس ببيان سرّ عدم وقوع التعارض بين أدلّة المستحبّات والمحرّمات :

يظهر من الشيخ الأنصاري فيه وجوه(1) ، وإن يتراءى من تعبيراته أ نّه بصدد بيان وجه واحد :

منها : «أنّ مرجع أدلّة الاستحباب إلى إيجاده بسبب مباح لا المحرّم» .

ويحتمل أن يكون مراده منه انصراف أدلّته إلى إيجاده بطريق مباح وكيفية مباحة ، فلا تكون مقدّمته محرّمة ، ولا ينطبق عليه عنوان محرّم . وهذا التعميم يظهر من التأمّل في كلامه .

ويحتمل أن يكون مراده إهمال أدلّته ، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى مورد المحرّم .

ومنها : ما ذكره في مقام بيان السرّ . وحاصله : «أنّ أدلّة المستحبّات تفيد أحكاماً نحو الحكم الحيثي فلا ينافي طروّ عنوان آخر من الخارج يوجب لزوم فعله أو تركه» .

ص: 370


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 308 .

وبعبارة اُخرى : إنّ دليل المستحبّ يدلّ على استحباب شيء لو خلّي ونفسه؛ أي مع خلوّه عمّا يوجب لزوم أحد طرفيه .

ومنها : ما ذكره بقوله : «والحاصل أنّ جهات الأحكام الثلاثة ؛ أعني الإباحة والاستحباب والكراهة ، لا تزاحم جهة الحرمة والوجوب ، فالحكم لهما مع اجتماع جهتيهما مع إحدى الجهات الثلاث» .

وهذه الوجوه لا ترجع إلى واحد ؛ لأنّ مبنى تزاحم المقتضيات على إطلاق الأدلّة وفعليتها وهو ينافي الوجهين الأوّلين ، ومبنى انصراف الأدلّة أو إهمالها غير مبنى كون الحكم حيثياً غير فعلي .

فكأ نّه أجاب عن الاستدلال بواحد منها أو بأنّ حال أدلّة المستحبّات لا تخلو من واحد منها .

وفيه : أنّ دعوى إهمال جميع أدلّتها في غاية البعد بل مخالفة للواقع ولظواهر الأدلّة ، كما أنّ دعوى الانصراف في الجميع كذلك ، ولا يمكن إثباتها سيّما بعد كون متعلّق الأحكام في باب المطلقات نفس الطبائع من غير نظر إلى أفرادها فضلاً عن مزاحماتها .

فالحكم إن تعلّق بطبيعة كالغناء أو الرثاء أو القراءة ولم يقيّد الموضوع بقيد مع تمامية مقدّمات الحكمة يكون مطلقاً ؛ أعني أنّ الطبيعة بلا قيد موضوعه ، فلا تكون الأفراد بما هي موضوع الحكم فيها ، ولا ينقدح في ذهن السامع أفراد نفس الطبيعة ولا أفراد طبيعة اُخرى أو عنوانها حتّى يقال : ينصرف الحكم أو الموضوع إلى أفراد خاصّ أو صنف خاصّ من الطبيعة فضلاً عن الأفراد الغير المزاحمة لخصوص حكم آخر .

ص: 371

نعم ، ربّما يتّفق أن تكون الطبيعة مقارنة بحسب الوجود لشيء توجب اُنس الذهن أو تكون أفرادها من حيث الكثرة والمعهودية بوجه موجب للانصراف ، ولكن في مثل المقام لا وجه معتمد لدعواه .

ويتلوهما في الضعف دعوى كون الاستحباب حكماً حيثياً في جميع الموارد؛ ضرورة أنّ الظاهر من كثير من الأدلّة فعلية الحكم .

وأمّا قضيّة تزاحم المقتضيات ففرع عدم سقوط الأدلّة بالتعارض وإلاّ فلا طريق لإثبات المقتضي .

وقد يقال في توجيهه : بأنّ الحكم الاستحبابي معلّق على عدم تحقّق اقتضاء الحرام ، وأمّا التحريمي فلا تعليق فيه بالنسبة إلى اقتضاء الاستحباب ؛ لعدم مزاحمته معه ، فحينئذٍ لا يعارض المعلّق المنجّز(1) .

ويرد عليه : أ نّه مخالف لأدلّة الاستحباب الظاهرة في الحكم الفعلي ؛ فإنّ ظهورها في الفعلية كاشف عن عدم تحقّق مقتضى التحريم وتحقّق مقتضى الاستحباب ، فإطلاق دليله كاشف عن عدم الحرمة واقتضائها كالعكس ، فلا وجه للحكم بتعليقية أحدهما .

وقد يجاب عنه : بأنّ دليل الحرام قرينة على هذا التعليق ؛ فإنّه إذا تحقّق في أحد المتعارضين احتمال تصرّف مفقود في الآخر ، تعيّن التصرّف فيه وإبقاء الآخر على ظهوره وهو من الجمع المقبول .

ففي المقام حمل دليل الاستحباب على التعليق ممكن ؛ لأنّ فعلية

ص: 372


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 102 .

الاستحباب متوقّفة على عدم تحقّق مقتضى الحرمة ، بخلاف دليل الحرمة ، فإنّه غير قابل للتعليق على عدم تحقّق مقتضى الاستحباب ؛ لأنّ مقتضاه لا يزاحم مقتضى الحرام ، فالفعلية مع اجتماع المقتضي-ين للحرمة .

فإذا كان دليل الاستحباب قابلاً للحمل على التعليق دون دليل الحرمة ، تعيّن

حمله عليه وإبقاء دليلها على ظاهره(1) ، انتهى .

وفيه: - مضافاً إلى أنّ ذلك ليس من الجمع المقبول ؛ فإنّه هو الجمع العرفي العقلائي لا العقلي الدقيق العلمي الذي لا سبيل للعرف إلى نيله كما فيما ذكره ، ولا دليل على أنّ الجمع بأيّ وجه ممكن أولى من الطرح وأولى من عمل التعارض ، بل الميزان فيه عدم اندراج الدليلين في الخبرين المختلفين والمتعارضين الوارد في أدلّة العلاج بحسب نظر العرف ، وبالجملة : هذا الوجه ليس موجباً لإخراج الأدلّة عن التعارض على فرضه - : أنّ مقتضي الاستحباب يمكن أن يزاحم مقتضي الحرام في بعض ملاكه فيخرج الحرام عن كونه حراماً . فعليه يمكن أن يكون التعليق في دليل الحرام أيضاً ، ولا يتعيّن التصرّف في دليل الاستحباب لتحقّق احتمال التصرّف في كليهما فيبقى التعارض بحاله .

ويمكن أن يقال في المقام ونظائره : إنّ الأحكام في المطلقات لم تتعلّق إلاّ بنفس الطبائع دون أفرادها ، ولم تكن ناظرة إلى أحوال الأفراد فضلاً عن كونها ناظرة إلى طبيعة اُخرى وأفرادها أو حال المزاحمات بين الأفراد أو المقتضيات في حال انطباق العناوين على الموضوعات الخارجية .

ص: 373


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 103 .

وعليه يكون حكم كلّ عنوان عليه فعلياً من غير تعارض بين الدليلين ، فإنّ مصبّ التعارض بين الأدلّة هو مقام الدلالة والمدلول ، والفرض أنّ الحكم متعلّق بالطبائع، وكلّ طبيعة تغاير الاُخرى ، فلا مساس بين الدليلين ولا الحكمين المتعلّقين بالطبيعتين .

فلا تعارض بين قوله : البكاء والإبكاء - مثلاً

- مستحبّ وبين قوله : الغناء حرام في مقام الدلالات وتعلّق الأحكام بالموضوعات .

وأمّا مقام انطباق العناوين على الأفراد الخارجية ، فخارج عن باب تعارض الأدلّة والدلالات ؛ لعدم كون الأفراد من مداليل الأدلّة في المطلقات ، فالعناوين التي بينها عموم من وجه بحسب التصادق خارج عن باب التعارض .

فتحصّل من ذلك : أنّ حرمة الغناء على عنوانه باقية فعلية ، واستحباب قراءة القرآن والرثاء على أبي عبداللّه الحسين علیه السلام كذلك ، من غير تعارض بين

الدليلين أو تزاحم بين المقتضيين .

نعم ، العقل في مقام الامتثال يحكم بلزوم الاحتراز من باب حفظ الغرض الأهمّ ، فلو سمّي هذا عدم مزاحمة مقتضى المستحبّات لمقتضى المحرّمات فلا بأس به بعد وضوح المراد .

فالترجيح في مقام الامتثال بحكم العقل غير مرتبط بمقام جعل الأحكام على عناوين الموضوعات .

هذا بحسب القواعد ، وأمّا لو فرض مورد يكون بقاء الاستحباب مخالفاً لارتكاز المتشرّعة يكشف ذلك عن قيد في دليل الاستحباب .

كما لو فرض أنّ إكرام الضيف بالمحرّم لم يكن مستحبّاً بارتكاز المتشرّعة أو

ص: 374

بدليل آخر يكشف ذلك عن قيد في دليل استحبابه .

كما ورد في صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي عبداللّه علیه السلام : «لا تسخطوا اللّه برضا أحد من خلقه»(1) ، تأمّل .

ثمّ لو قلنا بتعارض الأدلّة فالترجيح لأدلّة حرمة الغناء بوجوه تأتي الإشارة إليها قريباً إن شاء اللّه ، بناءً على دخول العامّين من وجه على فرض تعارضهما في أدلّة العلاج ولو مناطاً أو بإلغاء الخصوصية أو باستفادته من روايات العلاج .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ التمسّك لجواز التغنّي بالقرآن والمراثي بالأصل بعد تعارض الأدلّة غير وجيه .

كما أنّ التشبّث بتعارف التغنّي في المراثي في بلاد المسلمين من زمن المشايخ إلى زماننا من غير نكير وهو يدلّ على الجواز غالباً كما قال به المحقّق الأردبيلي(2) غير وجيه :

لأنّ التمسّك؛ إمّا بسماع المشايخ وعدم منعهم وإنكارهم ، فلا حجّة فيه بعد اختلاف الاجتهادات ، مع ممنوعية كون عملهم عليه ، بل فيهم من منعه أو قام من مجلسه .

ولعلّ كثيراً منهم لا يمنعه لاشتباه في الموضوع والشكّ في تحقّقه ، كما أنّ الأمر كذلك غالباً بل الغالب عدم تحقّقه .

أو يكون باتّصال سيرتهم إلى زمن المعصومين علیهم السلام ، فهو ممنوع ؛ لأنّ تلك

ص: 375


1- الفقيه 4 : 288 / 864 ؛ وسائل الشيعة 16 : 154 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 11 ، الحديث 6 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 61 .

المجالس المرسومة في هذه الأعصار لم تكن معهودة قبل عصر الصفوية بهذا الرواج ، وأمّا في عصر الأئمّة علیهم السلام وبعده إلى مدّة مديدة فلا شكّ في عدم تعارف انعقادها رأساً ، فضلاً عن التغنّي فيها بمرأى ومنظر من المعصومين علیهم السلام حتّى يكشف عدم الردع عن الجواز أو الاستحباب .

وأمّا ما أيّد به مذهبه ؛ من أنّ التحريم للطرب على الظاهر ولهذا قيّد بالمطرب

وليس في المراثي الطرب بل ليس إلاّ الحزن(1) .

ففيه : منع كونه للطرب ، بل الممنوع بمقتضى إطلاق الأدلّة طبيعة الغناء الذي

عبارة عن صوت مطرب ولو اقتضاءً ، وقد تقدّم أنّ الموادّ غير دخيلة في حرمة الغناء وموضوعه(2) .

بل لو لم يحصل الطرب في المراثي فإنّما هو لمضامين الكلام ، وأمّا نفس الصوت بما هو ، مطرب مع كونه غناءً ، فموضوع المحرّم متحقّق ولو فرض منع موادّ الكلام عن حصول الطرب فعلاً .

مضافاً إلى ممنوعية عدم حصول الطرب أحياناً ، فإنّ الغناء قد يكون محزناً ، والطرب خفّة ربما تحصل من الحزن أو شدّته .

بقي الكلام في الأخبار التي تمسّك بها (3) :

كموثّقة حنّان بن سدير ، قال : كانت امرأة معنا في الحيّ ولها جارية نائحة فجاءت إلى أبي فقالت : يا عمّ ، أنت تعلم أنّ معيشتي من اللّه ثمّ من هذه الجارية ،

ص: 376


1- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 63 .
2- تقدّم في الصفحة 342 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 8 : 61 .

فاُحبّ أن تسأل أبا عبداللّه علیه السلام عن ذلك ، فإن كان حلالاً ، وإلاّ بعتها وأكلت من ثمنها حتّى يأتي اللّه بالفرج ، فقال لها أبي : واللّه إنّي لاُعظم أبا عبداللّه أن أسأله عن هذه المسألة ، قال : فلمّا قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام :

«أتشارط ؟» فقلت : واللّه ما أدري تشارط أم لا ، فقال : «قل لها : لا تشارط وتقبل ما اُعطيت»(1) .

وصحيحة أبي بصير ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميّت»(2) . . . إلى غير ذلك(3) .

بدعوى : أنّ النوح لا يكون إلاّ مع التغنّي ، أو أنّ مقتضى الإطلاق شمول الغناء .

وفيه : منع عدم كون النوح إلاّ معه ، بل الظاهر أنّ عنوان الغناء غيره وهما بحسب الحقيقة مختلفان بل متقابلان ، ففي «المنجد» : «ناحت المرأة الميّت وعلى الميّت : بكت عليه بصياح وعويل وجزع»(4) .

ولو فرض أ نّه نفس الصوت الخاصّ لا البكاء فخصوصيته مغايرة لخصوصية الغناء كما يشهد بها العرف ، وتشهد بها رواية «دعائم الإسلام» عن

ص: 377


1- الكافي 5 : 117 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 126 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 17 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 359 / 1028 ؛ وسائل الشيعة 17 : 127 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 17 ، الحديث 7 .
3- راجع وسائل الشيعة 17 : 125 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 17 .
4- المنجد : 845 .

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : «صوتان ملعونان يبغضهما اللّه : إعوال عند مصيبة ، وصوت عند نعمة» ؛ يعني النوح والغناء(1) . ورواية عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : اقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها ، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر ، فإنّه سيجيء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية ، لا يجوز تراقيهم ، قلوبهم مقلوبة ، وقلوب من يعجبه شأنهم»(2) . وعن القطب الراوندي في «دعواته» عن الحسن بن علي علیهما السلام ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم (3) ، وعن «جامع الأخبار» عن حذيفة اليمان عنه صلی الله علیه و آله وسلم نحوها (4) .

والظاهر من مقابلة ترجيع الغناء والنوح أ نّهما مغايران كما هو كذلك عرفاً وخارجاً ، فلا تكون تلك الروايات شاهدة على مذهبه .

فلو سلّم إطلاقها فلم يسلّم مساوقتهما وملازمتهما ، فحينئذٍ يأتي فيها ما تقدّم

في الجواب عن أخبار استحباب الإبكاء والرثاء(5) .

ص: 378


1- دعائم الإسلام 1 : 227 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 93 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 4 .
2- الكافي 2 : 614 / 3 ؛ وسائل الشيعة 6 : 210 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 24 ، الحديث 1 .
3- الدعوات : 24 ؛ مستدرك الوسائل 4 : 272 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 20 ، الحديث 1 .
4- جامع الأخبار : 130 / 260 ؛ مستدرك الوسائل 4 : 272 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 20 ، الحديث 4 .
5- تقدّم في الصفحة 370 وما بعدها .

ولو فرضت معارضتهما فلا ريب في ترجيح روايات حرمة الغناء عليها ؛ لموافقتها للمشهور ؛ فإنّ مقتضى إطلاق الأصحاب وعدم استثنائهم غير الأعراس والحداء قصره عليهما أو على أوّلهما كما يأتي الكلام فيه ، وإنّما حكى عن بعضهم استثناء مراثي أبي عبداللّه علیه السلام المحقّق الثاني في محكيّ

«جامع المقاصد»(1) فأخذه عنه بعض من تأخّر(2) . فالشهرة مع عدم الاستثناء ، وهي إمّا مرجّحة أو موهنة للأخبار المخالفة لها .

ومخالفتها للعامّة على ما حكي عن مذاهبهم أنّ التغنّي من حيث كونه ترديد الصوت بالألحان مباح لا شيء فيه ولكن قد يعرض له ما يجعله حراماً أو مكروهاً (3) .

وعن إحياء الغزالي عن الشافعي : «لا أعلم أحداً من علماء الحجاز كره السماع»(4) . وقد حكي حمل بعضهم ما عن أبي حنيفة أ نّه يكره الغناء ويجعل سماعه من الذنوب على النوح المحرّم(5) .

وموافقتها للكتاب بوجه لا يخلو من إشكال .

وربّما يستشهد(6) للجواز بما عن الصادق علیه السلام أ نّه قال لمن أنشد عنده

ص: 379


1- جامع المقاصد 4 : 23 .
2- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 434 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 61 ؛ مستند الشيعة 14 : 144 .
3- الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 42 .
4- إحياء علوم الدين 2 : 408 .
5- الفقه على المذاهب الأربعة 2 : 43 .
6- مستند الشيعة 2 : 144 .

مرثية : «اقرأ كما عندكم» أي بالعراق(1) .

ويتّضح الجواب عنه ممّا تقدّم ، مع عدم معلومية كيفية إنشاده عنده وكيفية القراءة بالعراق .

فالأقوى عدم استثناء المراثي والفضائل والأدعية ، وكذا عدم استثناء قراءة القرآن ، كما تدلّ عليه بالخصوص روايات :

منها : رواية عبداللّه بن سنان المتقدّمة . ويظهر منها أنّ ألحان العرب المأمور بقراءة نحوها غير ألحان أهل الفسوق والكبائر وغير الترجيع بالغناء كما أنّ الواقع كذلك وجداناً ؛ فإنّ القرّاء في العراق والحجاز وسائر الأقطار العربية يقرؤون القرآن بأصوات حسنة وألحان عربية لا تكون من سنخ التغنّي وأصوات أهل الفسوق .

ومنها : ما عن «عيون الأخبار» بأسانيده عن الرضا علیه السلام عن آبائه عن علي علیه السلام ، قال : «سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : إنّي أخاف عليكم استخفافاً بالدين ، وبيع الحكم ، وقطيعة الرحم ، وأن تتّخذوا القرآن مزامير ، وتقدّمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدين»(2) .

ومنها : ما عن تفسير علي بن إبراهيم بسنده ، عن عبداللّه بن عبّاس ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في حديث قال : «إنّ من أشراط الساعة إضاعة الصلوات ،

ص: 380


1- لم نعثر عليه فيما بأيدينا من الجوامع الروائية ، ولكن ورد مضمونه في بعض الروايات . اُنظر وسائل الشيعة 14 : 594 ، كتاب الحجّ ، أبواب المزار ، الباب 104 ، الحديث 3 .
2- عيون أخبار الرضا 2 : 42 / 140 ؛ مستدرك الوسائل 4 : 274 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 20 ، الحديث 12 .

واتّباع الشهوات، والميل إلى الأهواء» إلى أن قال: «فعندها يكون أقوام يتعلّمون القرآن لغير اللّه ، ويتّخذونه مزامير ، ويكون أقوام يتفقّهون لغير اللّه ، وتكثر

أولاد الزنا ، ويتغنّون بالقرآن» إلى أن قال : «ويستحسنون الكوبة والمعازف» إلى أن قال : «اُولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس»(1) .

والظاهر أنّ المراد باتّخاذ القرآن مزامير قراءته على نحو إيقاع المزامير فإنّ التصويت فيها ليس قرآناً وقراءة .

بيان المراد ممّا دلّت على استحباب القراءة بصوت حسن

ومنها يظهر المراد في روايات مستفيضة دالّة على استحباب قراءة القرآن بصوت حسن :

فعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «حسِّنوا القرآن بأصواتكم ، فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً»(2) .

وفي موثّقة أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : إذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشيطان فقال : إنّما ترائي بهذا أهلك والناس ، فقال : «يا أبا محمّد ، اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك ، ورجِّع بالقرآن صوتك ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يحبّ الصوت الحسن يرجّع فيه ترجيعاً»(3) .

ص: 381


1- تفسير القمّي 2 : 304 ؛ وسائل الشيعة 17 : 310 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 27 .
2- وسائل الشيعة 6 : 212 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 24 ، الحديث 6 .
3- الكافي 2 : 616 / 13 ؛ وسائل الشيعة 6 : 211 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 24 ، الحديث 5 .

وما حكي عن بعض الأئمّة من قراءته بصوت حسن ، كما عن علي بن الحسين علیه السلام أ نّه أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، وكان السقّاؤون يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته(1) .

فإنّ المراد بالصوت الحسن مقابل اتّخاذ القرآن مزامير والترجيع به ترجيع الغناء والتغنّي به ، كما في الروايات المتقدّمة .

وليس المراد بالصوت فيها ما هو المصطلح لأرباب السماع والموسيقى ، بل المراد ما هو المتفاهم منه عرفاً وما هو معناه لغة ولهذا وصفه بالحسن . ولا ملازمة بين الصوت الحسن والغناء وإن لم يتّصف الصوت بالحسن إلاّ بتناسب بين قرعاته ، لكن ليس كلّ صوت متناسب قرعاته غناءً ؛ ضرورة أنّ الألحان العربية متناسبة القرعات ومع ذلك لا تكون غناءً كما جعلت مقابله في الرواية المتقدّمة ويشهد به الوجدان .

والمراد بالترجيع في موثّقة أبي بصير ليس ترجيع الغناء كما تفسّره الرواية المتقدّمة ، ولو حمل على ترجيع الغناء صارت معارضة لجميع الروايات الدالّة على تحريم الغناء بل يصير مضمونها مخالفاً للإجماع(2) والضرورة ؛ فإنّ الظاهر من التعليل أنّ الصوت الحسن الذي يرجّع به ترجيعاً محبوب عند اللّه ، فلو كان المراد به الغناء لزم منه أن يكون الغناء كذلك ، وهو كما ترى .

ص: 382


1- الكافي 2 : 616 / 11 ؛ وسائل الشيعة 6 : 211 ، كتاب الصلاة ، أبواب قراءة القرآن ، الباب 24 ، الحديث 4 .
2- الخلاف 6 : 307 ، مسألة 55 ؛ جواهر الكلام 22 : 44 .

وحملها على الغناء في القرآن بتقييدها بالأدلّة المتقدّمة(1) غير وجيه ؛ لأ نّه مضافاً إلى منافاته للتعليل الظاهر في إلقاء الكبرى الكلّية مستلزم للتقييد الكثير

المستهجن وإن قلنا بجوازه في العرائس والحداء .

فلا شبهة في أنّ المراد بترجيع القرآن الصوت الحسن في مقابل ترجيع الغناء ، وهو الذي يحبّه اللّه تعالى وورد به ترغيب أكيد ، وهو الذي حكي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «لم تعط اُمّتي أقلّ من ثلاث : الجمال والصوت الحسن والحفظ»(2) فإنّ الغناء ليس من إعطاء اللّه تعالى ابتداءً ، بل لا بدّ فيه من التعلّم ، والظاهر من الرواية أ نّه كالجمال والحفظ .

وممّا ذكرناه يظهر الجواب عن مرسلة الصدوق ، قال : سأل رجل علي بن الحسين عن شراء جارية لها صوت ، فقال : «ما عليك لو اشتريتها فذكَّرتك الجنّة، يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء ، فأمّا الغناء فمحظور»(3) .

فإنّ التفسير لو كان للإمام علیه السلام فهي شاهدة جمع بين الأخبار كبعض ما تقدّم ، وإن كان من الصدوق - كما هو الأقرب - فالصوت في الرواية محمول على الصوت الحسن فتصير كسائر الروايات .

وأمّا الحمل على الغناء - بدعوى أنّ الصوت قد يراد به الغناء كما فسّره به

ص: 383


1- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 432 .
2- الكافي 2 : 615/ 7 .
3- الفقيه 4 : 42 / 139 ؛ وسائل الشيعة 17 : 122 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 16 ، الحديث 2 .

بعض اللغويين(1) ، وفي «المنجد» : «الصوت معروف ؛ كلّ ضرب من الغناء»(2) ، وفسّره به في رواية «دعائم الإسلام» المتقدّمة(3) - فبعيد عن الصواب سيّما مع تنكيره ، فإنّ الظاهر منه أنّ لها صوتاً حسناً لا أ نّها تعلم بعض المقامات الموسيقية وبحورها ، بل الظاهر أنّ هذا الاصطلاح على فرض ثبوته متأخّر عن زمن السجّاد علیه السلامولعلّه صار مصطلحاً في عصر الرشيد .

في استثناء الحداء

ثمّ إنّه يظهر من المحقّق في كتاب الشهادات استثناء الحداء من الغناء حكماً (4) ، وهو المحكيّ عن العلاّمة في «القواعد»(5) والشهيد في «الدروس»(6) والخراساني ، بل عنه دعوى الشهرة عليه(7) ، وفي «شرح الفقيه» للمجلسي الأوّل أنّ ظاهر أكثر الأصحاب استثناء الحداء(8) ، وفي «الرياض»(9) و«المستند»(10) : اشتهر استثناؤه .

ص: 384


1- أقرب الموارد 1 : 668 ؛ لسان العرب 7 : 436 .
2- المنجد : 439 .
3- تقدّمت في الصفحة 377 - 378 .
4- شرائع الإسلام 4 : 117 .
5- قواعد الأحكام 3 : 495 .
6- الدروس الشرعية 2: 126 .
7- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 434 .
8- لوامع صاحبقراني 7 : 345 .
9- رياض المسائل 8 : 63 .
10- مستند الشيعة 14 : 143 .

لكن تأمّل صاحب «مفتاح الكرامة» في الشهرة(1) ، وجزم في «الجواهر» بعدمها واحتمل تحقّقها على الخلاف(2) . ولعلّه لإطلاق الأصحاب وعدم استثنائهم ذلك ما عدا المحقّق ومن عرفت ممّن هو بعده .

والإنصاف عدم ثبوت الشهرة المعتمدة في طرفي القضيّة .

وقد يستدلّ(3) على الاستثناء - أو يؤيّده - بما روي أ نّه صلی الله علیه و آله وسلم قال لعبداللّه بن رواحة : «حرِّك بالنوق» فاندفع يرتجز . وكان عبداللّه جيّد الحداء وكان مع الرجال . وكان أنجشة(4) مع النساء ، فلمّا سمعه تبعه ، فقال صلی الله علیه و آله وسلم لأنجشة : «رويدك رفقاً بالقوارير ؛ يعني النساء»(5) .

وفيه : - مضافاً إلى ضعف السند - أنّ الظاهر منها أنّ ابن رواحة ارتجز لتحريك النوق . والإنشاد ببحر الرجز يخالف الغناء ، ولا يحصل به الخفّة والطرب الخاصّ بالغناء ، بل يحصل منه التهيّج الخاصّ بالحرب ونحوه .

فيمكن أن يقال : فيها إشعار بعدم جواز الحداء والتغنّي للإبل ، فإنّ تركه والأخذ بالرجز ، مع مناسبة الأوّل للسوق ، مشعر بممنوعيته .

وأمّا قوله : «وكان عبداللّه جيّد الحداء» إخبار من الراوي ، ولا يدلّ على حَدْوِه بالتغنّي .

ص: 385


1- مفتاح الكرامة 12 : 176 .
2- جواهر الكلام 22 : 50 - 51 .
3- راجع مسالك الأفهام 14 : 181 ؛ مفتاح الكرامة 12 : 177 .
4- أنجشة : مولىً للنبي صلى الله عليه و آله وسلم . القاموس [منه قدس سره] راجع القاموس المحيط 2 : 289 .
5- المغني ، ابن القدامة 12 : 43 ؛ المجموع 20 : 230 .

نعم ، في محكيّ «مناقب» محمّد بن علي بن شهر آشوب قال : وكان حادي بعض نسوته صلی الله علیه و آله وسلم خادمه أنجشة فقال لأنجشة : «ارفق بالقوارير» وفي رواية : «لا تكسر القوارير»(1) .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ صدره من كلام ابن شهر آشوب لا رواية عن المعصوم - أنّ المظنون أ نّه نقل بالمعنى حسب اجتهاده من قطعة من الرواية المتقدّمة مع أنّ في معنى الحادي كلاماً يأتي عن قريب .

واستدلّ عليه(2) بموثّقة السكوني بإسناده ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : زادُ المسافر الحداء والشعر ما كان منه ليس فيه خناً»(3) . وإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم .

وفي «شرح الفقيه» للمجلسي(4)، و«الفقيه» المطبوع في عصرنا سنة 1376(5)، وفي «الوافي»(6) : «الخنا» ، وكذا في «مجمع البحرين» في كلمة حداء ، وفسّره بالفحش، قال: وفي بعض النسخ : «جفاً» ، وذكر الحديث في مادّة «جفا» أيضاً (7)،

ص: 386


1- المناقب 1 : 147 ؛ مستدرك الوسائل 8 : 213 ، كتاب الحجّ ، أبواب آداب السفر ، الباب 28 ، الحديث 2 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 103 .
3- الفقيه 2 : 183 / 823 ؛ وسائل الشيعة 11 : 418 ، كتاب الحجّ ، أبواب آداب السفر ، الباب 37 ، الحديث 1 .
4- لوامع صاحبقراني 7 : 345 .
5- الفقيه 1 : 226 (طبع سنة 1376) .
6- الوافي 12 : 396 / 33 .
7- مجمع البحرين 1 : 96 و89 .

فالمظنون أن يكون الصحيح «الخنا» بمعنى الفحش .

لكن جعل في نسخة «الوسائل» «الجفا» في المتن ، و«الخنا» فوق السطر مع علامة النسخة ، وقال : «وفي نسخة : ليس فيه حنان» ثمّ قال : «والحنان من معانيه الطرب»(1) ، انتهى .

لكن لم أر شاهداً على ما ذكره . نعم ، الحنين من حنّ يحنّ جاء بمعنى الطرب(2) وهو غير الحنان .

ثمّ إنّ الرواية موثّقة لا إشكال فيها سنداً ؛ فإنّ إسماعيل بن أبي زياد السكوني كثير الرواية ومتقنها ، وعن الشيخ في مواضع من كتبه أنّ الإمامية مجمعة على العمل بروايته، وقد صرّح المحقّق في محكيّ «المسائل العزّية» بأ نّه من الثقات(3).

والإجماع على العمل برواياته إجماع على العمل بروايات الحسين بن يزيد النوفلي ، فإنّ رواية السكوني من غير طريقه نادرة جدّاً ، فيكون المنصرف من رواياته ما هي بطريقه مع أ نّه أيضاً ممدوح بل حسن .

ما هو معنى الحداء ؟

إنّما الإشكال في دلالتها ، منشؤه الشكّ في معنى الحداء ؛ هل هو بمعنى سوق الإبل مطلقاً بأيّة وسيلة كان كما هو ظاهر «القاموس» ، قال : «حدا الإبل وبها

ص: 387


1- وسائل الشيعة 2 : 188 ، الباب 37 من أبواب آداب السفر (ط - الحجري) ؛ وسائل الشيعة 11 : 418 ، الهامش 1 .
2- القاموس المحيط 4 : 218 ؛ أقرب الموارد 1 : 240 .
3- اُنظر تنقيح المقال 1 : 128 / السطر 2 (أبواب الهمزة) ؛ العدّة في اُصول الفقه 1 : 149 ؛ الرسائل التسع ، المسائل العزّية : 64 .

حدواً وحُداءً وحِداءً : زجرها وساقها»(1) . بناءً على أنّ «ساقها» معنىً آخر له مقابل «زجرها» .

أو سوقها بمطلق الصوت الأعمّ من الغناء ، كما يظهر منه في كلمة «دَي دَي» ،

قال : «ما كان للناس حداء ، فضرب أعرابي غلامه وعضّ أصابعه ، فمشى وهو يقول : «دَي دَي» أراد يا يَدَي ، فسارت الإبل على صوته ، فقال له : ألزمه ، وخلع عليه ، فهذا أصل الحداء»(2) انتهى ، تأمّل .

أو مشترك بين سوق الإبل مطلقاً والتغنّي لها كما هو محتمل «الصحاح» و«المنجد» و«مجمع البحرين»(3) ، ففي الأوّل : «الحدو : سوق الإبل والغناء لها»

وقريب منه في تالييه .

أو هو سوق الإبل بالغناء ، كما هو محتمل عبارة «الصحاح» وبعده وظاهر «الوافي» و«المسالك» و«شرح الفقيه» للمجلسي و«الرياض» و«المستند» و«مجمع البرهان»(4) وغيرها (5) ، ففي الأوّل : «هو سوق الإبل بالترنّم» ، وفي «المسالك» : «سوق الإبل بالغناء لها» ونحوه غيره . والظاهر منهم تفسيره مطلقاً لا ما هو موضوع الحكم الشرعي أو مورد استثناء الفقهاء .

ص: 388


1- القاموس المحيط 4 : 317 .
2- القاموس المحيط 4 : 331 .
3- راجع الصحاح 6 : 2309 ؛ المنجد : 122 ؛ مجمع البحرين 1 : 96 .
4- الوافي 12 : 396 ؛ مسالك الأفهام 3 : 126 ؛ لوام-ع صاحبقراني 7 : 345 ؛ رياض المسائل 8 : 63 ؛ مستند الشيعة 14 : 143 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 8 : 59 .
5- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 434 ؛ الحدائق الناضرة 18 : 116 .

أو هو مباين للغناء ، كما هو صريح «مفتاح الكرامة» تمسّكاً بشهادة العرف(1) ، وكأ نّه مال إليه في «الجواهر» (2) ؟

فإن كان عبارة عن التغنّي للإبل فتكون الرواية أخصّ مطلقاً من أدلّة التحريم ولا مانع من تقييدها لها سواء في ذلك النسخ المختلفة ؛ لأنّ كونه مطرباً من لوازم الغناء ، فلا يرجع إليه القيد ولو كان الحنان بمعنى الطرب .

إلاّ أن يقال : المأخوذ في الغناء هو المطربية الاقتضائية والمراد بالحنان هو المطربية الفعلية .

لكنّه مع بعده يفيد استثناء الغناء إلاّ إذا أثّر الطرب فعلاً .

وكذا لو كان أحد معنييه التغنّي لها والآخر السوق بغير صوت .

وأمّا لو كان أعمّ من التغنّي ؛ بمعنى كونه إمّا مطلق سوق الإبل بصوت أو غيره، بالتغنّي أو لا، أو بمعنى سوقها بمطلق الصوت ، فتصير الرواية أعمّ من وجه من روايات التحريم ، فيأتي فيها ما تقدّم من الكلام(3) . وعلى فرض عمل المعارضة تقدّم عليها روايات التحريم بوجوه .

مضافاً إلى أ نّه على فرض الأعمّية تصير مجملة ؛ لاحتمال رجوع القيد المجمل إليه ، وإن لا يبعد ظهوره في الرجوع إلى الشعر؛ لتأخّره وكون الضمير مفرداً وعدم احتمال رجوعه إلى المتقدّم فقط .

وكيف كان : فالمتحصّل ممّا ذكرعدم استثناء الحداء من الغناء .

ص: 389


1- مفتاح الكرامة 12 : 177 .
2- جواهر الكلام 22 : 51 .
3- تقدّم في الصفحة 369 .

في استثناء زفّ العرائس

نعم ، لا شبهة في استثناء زفّ العرائس منه في الجملة ؛ لرواية أبي بصير المحكيّة بطرق عديدة صحيحة ومعتمدة :

ففي صحيحته قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس ، وليست بالتي يدخل عليها الرجال»(1) .

وليس في سندها من يتأمّل فيه غير أبي بصير وهو يحيى بن أبي القاسم بقرينة علي بن أبي حمزة في روايته الاُخرى(2) ؛ فإنّ الظاهر أنّ الروايات الثلاث عنه(3) رواية واحدة .

وهو ثقة على الأظهر ، فالإشكال على سندها ضعيف .

وأضعف منه الإشكال على دلالتها ؛ ضرورة أنّ حلّية الأجر ملازمة عرفاً لحلّية العمل .

وفي روايته الاُخرى المعتمدة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن كسب المغنّيات ، فقال : «التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدع-ى إلى الأعراس ليس به بأس ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى

ص: 390


1- الكافي 5 : 120 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 3 .
2- الكافي 5 : 119 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 120 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 1 .
3- وسائل الشيعة 17 : 120 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 1 - 3 .

لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ(»(1) .

وفي روايته الثالثة الضعيفة بحَكَم الخيّاط(2) عنه علیه السلام قال : «المغنّية التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها»(3) . فالحُكم في الجملة ثابت لا إشكال فيه .

ودعوى(4) : أنّ تحريم الغناء بالأدلّة المتواترة ، وفيها ما لا تقبل التخصيص كما تقدّم ، بل لعلّ قبحه عقلي؛ لكونه موجباً للفجور والفسوق ، فلا يمكن تخصيصها سيّما بتلك الرواية الواحدة التي يمكن الخدشة في سندها ودلالتها .

غير وجيهة ؛ لمنع إبائها عن التقييد . ومجرّد انطباق عنوان الباطل والزور عليه لا يوجب ذلك سيّما في زفّ الأعراس الذي يناسب نحو ذلك .

وليس حرمته أشدّ من الربا ، ولا لسان أدلّته أشدّ وأغلظ من أدلّته وهي مخصّصة بموارد كالربا بين الوالد والولد، والزوج والزوجة، وغيرهما .

وليس ملازماً للدخول في المحرّمات والفجور والفسوق ، بل لا يتّفق في مجالس النساء إلاّ نادراً ، ولو فرض في مورد سببية له لا يحكم بالجواز ؛ لعدم إطلاق في دليل التجويز من هذه الحيثية .

نعم ، الظاهر اختصاص الجواز بالمغنّية لا المغنّي وبمجلس العرس المختصّ

ص: 391


1- الكافي 5 : 119 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 120 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 1 .
2- تنقيح المقال 1 : 356 / السطر 25 (أبواب الحاء) .
3- الكافي 5 : 120 / 2 ؛ وسائل الشيعة 17 : 121 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 15 ، الحديث 2 .
4- راجع مفتاح الكرامة 12 : 179 .

بالنساء لا غير ، بل الأحوط الاقتصار بزفّ العرائس لا غير ؛ لأ نّه مقتضى الرواية

الاُولى والثالثة .

وأمّا الثانية وإن كان مفادها أعمّ لكن الظاهر عدم كونها رواية مستقلّة ، مع أنّ مفهوم غيرها أخصّ من منطوقها فيقيّد به .

والظاهر من التقييد بزفّ العرائس في مثل المقام الاحتراز عن غيره ، فالأحوط الاقتصار عليه بل لا يخلو من قوّة ، لكن لا بذلك التضييق بل لا يبعد الجواز في مقدّمات الزفّ ومؤخّراته المتداولة .

نعم ، لا يستثنى المجالس الاُخر المستقلّة في أيّام الأعراس على الأحوط الأقوى .

كما أنّ الأحوط الاقتصار على خصوص حضور النساء ، وعدم التغنّي وأخذ الأجر مع حضور الرجال وإن كانت الروايات مشعرة بأنّ المراد بقوله : «ليست بالتي يدخل عليها الرجال» المجالس المعهودة التي تغنّت المغنّيات للرجال مقابل مجالس الأعراس ، لكن لا يكفي الإشعار لتقييد الروايات ؛ لاحتمال أن يكون المنع لمطلق دخول الأجنبيّ ؛ لكون صوتها بنحو التغنّي عورة وإن لم نقل بأنّ كلامها كذلك .

بل الأحوط عدم دخول المحرم أيضاً ؛ لأنّ إسماع الغناء واستماعه محرّم ولو كان الإسماع لمحرم ، وإنّما الخارج زفّ الأعراس مع عدم دخول الرجال ، ومع وجود الرجال ولو كانوا من المحارم يكون التغنّي حراماً وكذا أخذ الأجر عليه .

إلاّ أن يقال : إنّ زفّ الأعراس إلى بيت الأزواج وتجويز الغناء لذلك ملازم

ص: 392

لسماع الأجانب فضلاً عن بعض المحارم ، فالتجويز للزفّ ملازم لتجويز الإسماع .

لكن مقدار الملازمة هو الإسماع الاتّفاقي للعابر ونحوه ، ولا يلزم منه جوازه للداخل لتلك الغاية .

أو يقال : إنّ الرواية منصرفة عن المحارم . وهو ليس ببعيد وإن كان الأحوط ما ذكر .

كما أنّ الأحوط عدم جواز أخذ الأجر للتغنّي المتّحد خارجاً مع محرّم كالتغنّي بالكذب والفحش .

نعم ، لا بأس بأخذ الأجر للغناء وإن اقترنت معه المحرّمات الخارجية ، كما لو كان مقترناً بآلات اللهو . وإن كانت المغنّية ضاربة لها مع تغنّيها يجوز أخذه في مقابل تغنّيها لا العمل المحرّم المقارن له .

تنبيه

حكم سائر الأصوات اللهوية

بناءً على ما ذكرناه في موضوع الغناء من اعتبار الحسن الذاتي والرقّة في الصوت في الجملة ، لا يدخل فيه سائر الأصوات اللهوية كالتصنيفات المصطلحة بالألحان المعهودة عند أهل المعاصي والفسّاق .

فلا تكفي الأدلّة الدالّة على حرمة الغناء بعنوانه لإثباتها لها؛ لعدم صدقه عليها ، بل لا تكون موجبة للخفّة المعهودة المعتبرة في الغناء وإن يحصل به السرور ونحوه ، ولا تصحّ دعوى إلغاء الخصوصية عرفاً كما هو ظاهر .

ص: 393

نعم ، يمكن دعوى اندراجها في قول الزور ولهو الحديث بضميمة الأخبار المفسّرة لهما بالغناء ، بأن يقال : إنّ الظاهر من الروايات المفسّرة أنّ الغناء مندرج

تحت عنوانهما .

واحتمال الإلحاق الحكمي أو الموضوعي الراجع إلى الحكمي نتيجة بعيد جدّاً ، بل فاسد مخالف للروايات :

كقوله : «قول الزور الغناء»(1) ، وقوله في جواب السؤال عن قول الزور : «الغناء»(2) .

وكقوله : «الغناء ممّا قال اللّه عزّ وجلّ : )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى . . .(»(3) .

وأوضح منها قوله : «الغناء ممّا أوعد اللّه عليه النار» وتلا هذه الآية : )وَمِنَ

النَّاسِ . . .((4) .

إلى غير ذلك من الروايات الظاهرة في اندراجه في مفادها ، ولا شكّ في عدم اندراج عنوانه بما هو فيه .

وقد مرّ(5) أنّ الأقرب في وجه الاندراج أن يقال : إنّ إضافة القول إلى الزور

ص: 394


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 303 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 2 ، 8 و20 .
2- وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 9 .
3- الكافي 6 : 431 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 305 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 7 .
4- الكافي 6 : 431 / 4 ؛ وسائل الشيعة 17 : 304 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 6 .
5- تقدّم في الصفحة 344 .

تارةً تكون باعتبار بطلان مقوله ، واُخرى باعتبار بطلان كيفية الصوت أو الصوت

بالكيفية الباطلة .

ولولا قرينية الروايات لكانت الآية وكذا الآية الاُخرى ظاهرة في الاعتبار الأوّل ، لكن بعد قيام القرينة يكون مفادهما أعمّ ، فيكون معنى الآية - والعلم عنده تعالى - يجب الاجتناب عن قول هو زور بمقوله أو بعارضه الذي هو صوت باطل .

فاندراج الغناء فيه من قبيل اندراج مصاديق العناوين فيها ، فالحكم متعلّق بالصوت الزور والصوت اللهوي فيندرج فيه سائر الأصوات اللهوية .

ويؤيّده ما أرسل في «مجمع البحرين» ، قال : «وروي أ نّه يدخل في الزور الغناء وسائر الأقوال الملهيّة»(1) .

إلاّ أن يناقش فيه بأنّ غاية ما تدلّ الروايات اندراج الغناء في الآية ، ولم يظهر منها كيفيته ، ولا يكون الاندراج بالنحو المذكور للظهور المستند إلى الكلام ولو بمؤونة الأخبار ؛ لعدم قرينيتها لكيفية الاندراج .

فيمكن أن يكون ذلك بنحو من الكناية أو غيرها من أنحاء الدلالات الخفيّة التي لا يعلمها إلاّ المخاطب بالكتاب العزيز وأهل بيته الخاصّ به .

وبالجملة : لم يظهر من الروايات أنّ اندراج الغناء في الآيتين بعنوان اللهو من حيث الصوت حتّى يشمل سائر الأصوات اللهوية .

والحاصل أ نّه ليس نحو الاندراج بما تقدّم إلاّ مظنوناً بالظنّ الخارجي

ص: 395


1- مجمع البحرين 3 : 319 .

الغير الحجّة ، لا المستند إلى الظهور ولو بقرينة ، ولم يقم دليل على نحو الاندراج .

ويمكن الاستدلال على حرمتها بما دلّ على حرمة مطلق اللهو ، كما هي ظاهر جملة من الفقهاء كالمحكيّ عن «المبسوط» و«السرائر» و«المعتبر» و«القواعد» و«المختلف» وغيرها (1) ، وإن كان ظاهر جمع آخر خلافها ، ففي «المقنع»(2) و«الهداية»(3) و«الفقه الرضوي»(4) ومحكيّ «الغنية»(5) عطف سفر الصيد على سفر المعصية ب «أو» الظاهر في مغايرتهما . وظاهر «الخلاف»(6) و«النهاية»(7) أيضاً عدم كونه محرّماً :

قال في الأوّل : «سفر الطاعة واجبة كانت أو مندوباً إليها مثل الحجّ والعمرة والزيارات وما أشبه ذلك فيه التقصير بلا خلاف ، والمباح عندنا يجري مجراه في جواز التقصير ، وأمّا اللهو فلا تقصير فيه عندنا» .

ص: 396


1- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 41 ؛ المبسوط 1 : 136 ؛ السرائر 1 : 327 ؛ المعتبر 2 : 471 ؛ قواعد الأحكام 1 : 325 ؛ مختلف الشيعة 5 : 49 ، مسألة 13 ؛ رياض المسائل 9 : 408 .
2- المقنع : 126 .
3- الهداية ، الصدوق : 143 .
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 162 .
5- غنية النزوع 1 : 73 .
6- الخلاف 1: 567، مسألة 319 .
7- النهاية : 122 .

ما دلّت على حرمة اللهو من الآيات والروايات

وكيف كان : يمكن أن يستدلّ عليها برواية حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : )فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ((1) ، قال : «الباغي : باغي الصيد ، والعادي : السارق ، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها ، هي حرام عليهما ، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين ، وليس لهما أن يقصرا في الصلاة»(2) .

وقريب منها ما روي عن عبدالعظيم الحسني في أطعمة «الجواهر» و«المستند»(3) . وفيها : «والعادي : السارق ، والباغي : الذي يبغي الصيد بطراً ولهواً»(4) .

بتقريب أنّ المتفاهم عرفاً من تحريم الميتة ونحوها على من خرج لسفر الصيد ، لدى الاضطرار حتّى عند خوف الموت - سواء قلنا بعدم جواز أكله حتّى يموت ، أو قلنا بوجوب حفظ نفسه بأكل الميتة وهي محرّمة عليه ويعاقب على أكلها كالمتوسّط في أرض مغصوبة على بعض المباني - أنّ حرمة السفر صارت موجبة لذلك ، وأنّ الترخيص لدى الاضطرار منّة من المولى على عبيده ، ومع

ص: 397


1- البقرة (2) : 173 .
2- الكافي 3 : 438 / 7 ؛ وسائل الشيعة 8 : 476 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة المسافر ، الباب 8 ، الحديث 2 .
3- جواهر الكلام 36 : 429 ؛ مستند الشيعة 15 : 31 .
4- تهذيب الأحكام 9 : 83 / 354 ؛ وسائل الشيعة 24 : 214 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 56 ، الحديث 1 .

حصول الاضطرار بسبب أمر محرّم وبسبب طغيان العبد على مولاه منعه عن ذلك التشريف .

فبمناسبة الحكم والموضوع عرفاً أنّ المنع عند الاضطرار وهذا التضييق والتحريج إنّما هو لارتكاب العبد قبيحاً ومحرّماً ، ولو كان السفر مباحاً رخّصه اللّه تعالى وذهب العبد لترخيصه فلا يناسب المنع عنها عند الاضطرار لسدّ رمقه . ويشهد له مقارنته للسارق .

والظاهر أنّ ذكر الباغي والعادي مثال لمطلق العاصي المتجاوز الطاغي ، بل عنوانهما أعمّ لكلّ ذلك ، وأنّ التفسير لبيان بعض المصاديق .

كما فسّر الباغي بالخارج على الإمام العادل أيضاً في مرسلة البزنطي عن أبي عبداللّه علیه السلام(1) ، وفسّر العادي بالمعصية طريق المحقّين(2) .

وعن تفسير الإمام بالقوّال بالباطل في نبوّة من ليس بنبي وإمامة من ليس بإمام(3) .

وعن تفسير العيّاشي : «الباغي : الظالم ، والعادي : الغاصب»(4) .

ص: 398


1- الكافي 6 : 265 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 216 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 56 ، الحديث 5 .
2- مجمع البيان 1 : 467 ؛ وسائل الشيعة 24 : 216 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 56 ، الحديث 6 .
3- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 585 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 201 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 40 ، الحديث 5 .
4- تفسير العيّاشي 1 : 74 / 151 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 200 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 40 ، الحديث 1 .

ويشهد له أنّ الآية الكريمة نزلت في البقرة(1) والأنعام(2) والنحل(3) بمضمون واحد ، وفي المائدة : )فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِءِثْمٍ فَإِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيمٌ((4) .

ومن نظر في الآيات الأربع لا يشكّ في أ نّها بصدد بيان حكم واحد ويكون المراد من قوله : )غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ( هو المراد من قوله : )غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِءِثْمٍ(

أي غير متمايل له ، وتكون الآية الاُولى بصدد تفصيل ما أجمل في الأخيرة أو ذكر مصاديقها .

والظاهر من مجموعها أنّ الترخيص بما أ نّه للامتنان مقصور على من لم يكن اضطراره بسبب البغي والتمايل إلى الإثم .

والخارج على الإمام علیه السلام اضطرّه إليه تمايله إلى الإثم المنتهي إلى تحقّقه ، والخارج إلى التصيّد كذلك .

وحمل قوله : )غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِءِثْمٍ( على الميل إلى أكل الميتة واستحلالها ، وحمل الحال على المؤكّدة بعيد عن ظاهر الكلام وعن ظاهر سائر الآيات الموافقة لها في الحكم .

فتحصّل ممّا ذكرناه حرمة الخروج إلى الصيد .

فيضمّ إلى ذلك ما دلّت على أن ليس التقصير في سفر الصيد لكونه مسير

ص: 399


1- البقرة (2) : 173 .
2- الأنعام (6) : 145 .
3- النحل (16) : 115 .
4- المائدة (5) : 3 .

باطل وكونه لهواً : كرواية ابن بكير المعتمدة أو الصحيحة ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يتصيّد اليوم واليومين والثلاثة أيقصّر الصلاة ؟ قال : «لا ، إلاّ أن يشيّع الرجل أخاه في الدين ، فإنّ التصيّد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه»(1) .

وموثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : سألته عمّن يخرج عن أهله بالصقورة والبزاة والكلاب يتنزّه الليلة والليلتين والثلاثة هل يقصّر من صلاته أم لا ؟ قال :

«إنّما خرج في لهو ، لا يقصِّر . . .»(2) الحديث .

فينتج أنّ اللهو والباطل محرّم .

وبالجملة : يستفاد من رواية حمّاد بن عثمان المفسِّرة للآية حرمة سفر الصيد بالتقريب المتقدّم ، ومن الروايات المعلّلة لعدم التقصير بأنّ التصيّد مسير باطل وأ نّه خرج للّهو ، أنّ اللهو محرّم .

لكن إثبات حرمة سفره برواية حمّاد مشكل ؛ لضعفها بمعلّى بن محمّد ، فإنّه مضطرب الحديث والمذهب بنصّ النجاشي(3) والعلاّمة(4) ، ويعرف حديثه وينكر عن ابن الغضائري(5) . وقول النجاشي : كُتُبه قريبة ، لا يوجب الاعتماد عليها .

ص: 400


1- الكافي 3 : 437 / 4 ؛ وسائل الشيعة 8 : 480 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة المسافر ، الباب 9 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 3 : 218 / 540 ؛ وسائل الشيعة 8 : 478 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة المسافر ، الباب 9 ، الحديث 1 .
3- رجال النجاشي : 418 / 1117 .
4- خلاصة الأقوال : 409 / 2 .
5- الرجال ، ابن الغضائري : 96 / 141 .

ومجرّد كونه شيخ الإجازة لا يكفي في الاعتماد ؛ إذ لا دليل مقنع عليه مع عدم

ثبوت كونه شيخاً .

مضافاً إلى إمكان المناقشة في بعض ما تقدّم من استفادة الحرمة من الآيات وإمكان إرجاع سائر الآيات إلى الأخيرة ، وحملها على الاحتمال المتقدّم كما حملها عليه المفسّرون(1) .

بل في «الجواهر» : الاتّفاق ظاهراً على تفسير المتجانف للإثم بالميل إلى أكل

الميتة استحلالاً ؛ أي اقترافاً بالذنب(2) .

وغير ذلك كإمكان المناقشة في استفادة حرمة مطلق اللهو بنحو قوله : «إنّه مسير باطل» أو «إنّه خرج للّهو» لاحتمال دخالة خصوصيات سفر الصيد اللهوي في الحكم كالخروج مع البزاة والصقورة ونحوهما ، فإلغاء الخصوصية مشكل ، تأمّل .

فإثبات حرمة اللهو مطلقاً بما ذكر مشكل أو ممنوع .

ويمكن الاستدلال عليها بوجه آخر وهو إثبات كون اللهو باطلاً؛ إمّا باندراجه فيه أو مساوقته له ، فيجعل صغرى لكبرى حرمة كلّ باطل ، فينتج حرمة مطلق اللهو .

أمّا الصغرى : فتدلّ عليها رواية عبداللّه بن المغيرة -

رفعها - قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في حديث : «كلّ لهو المؤمن باطل إلاّ في ثلاث : في تأديبه

ص: 401


1- مجمع البيان 3 : 247 ؛ التبيان في تفسير القرآن 3 : 437 ؛ روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن 6 : 248 .
2- جواهر الكلام 36 : 430 .

الفرس ، ورميه عن قوسه ، وملاعبته امرأته ؛ فإنّهنّ حقّ»(1) .

والمستفاد منها - مضافاً إلى أنّ كلّ لهو باطل ما عدا الثلاث - أنّ أمثال المستثنى ممّا لها غاية عقلائية داخلة في اللهو ، وأنّ اللهو الحقّ منحصر في الثلاث .

وموثّقة عبد الأعلى ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الغناء وقلت : إنّهم يزعمون أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم رخّص في أن يقال : جئناكم جئناكم ، حيّونا حيّونا نحيّكم ، فقال : «كذبوا ، إنّ اللّه يقول : )وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ . . .((2)» .

بتقريب أنّ أبا عبداللّه علیه السلام استدلّ على بطلان زعمهم بالآيات الكريمة ، ولا يتمّ الاستدلال إلاّ باندراج الغناء في اللهو واندراج اللهو في الباطل الذي أزهقه اللّه بالحقّ ودمغه ، فلو كان اللهو مرخّصاً فيه وكان حقّاً ، أو كان على قسمين : منها ما رخّص فيه لم ينتج المطلوب ، فلا بدّ في تمامية الاستدلال أن يكون كلّ غناء لهواً وكلّ لهو باطلاً لينتج أنّ كلّ غناء باطل .

ثمّ جعل النتيجة صغرى لكبرى هي : كلّ باطل مزهق مدموغ ممنوع ، فينتج كلّ غناء ممنوع بحكم اللّه تعالى فأنتج منه : أ نّه كيف رخّص رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ما منعه تعالى .

فتحصّل منه مساوقة اللهو للباطل ، أو اندراجه فيه ، كما ظهرت كيفية دلالتها على حرمة الباطل أيضاً .

ص: 402


1- الكافي 5 : 50 / 13 ؛ وسائل الشيعة 19 : 250 ، كتاب السبق والرماية ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- تقدّم في الصفحة 352 .

ورواية محمّد بن أبي عبّاد - وكان مستهتراً بالسماع ويشرب النبيذ - قال :

سألت الرضا علیه السلام عن السماع ، فقال : «لأهل الحجاز فيه رأي وهو في حيّز الباطل واللهو ، أما سمعت اللّه يقول : )وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً(»(1) .

وظاهرها أنّ السماع منطبق عليه العناوين الثلاثة وإن لم يظهر منها مساوقة العناوين .

نعم ، لا تخلو من إشعار على مساوقة الباطل واللهو ، كما تشعر بها الروايات المتقدّمة التي في بعضها «أنّ التصيّد مسير باطل» وفي بعضها «إنّما خرج في لهو» . والعمدة في الباب موثّقة عبد الأعلى .

وأمّا الكبرى : فتدلّ عليها الموثّقة بالتقريب المتقدّم .

وصحيحة الريّان بن الصلت ، قال : سألت الرضا علیه السلام يوماً بخراسان وقلت : إنّ

العبّاسي ذكر عنك أ نّك ترخّص في الغناء ، فقال : «كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ؛ سألني عن الغناء فقلت إنّ رجلاً أتى أبا جعفر علیه السلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء ؟ قال : مع الباطل ،

فقال : قد حكمت»(2) .

وقد تقدّم(3) وجه دلالتها على حرمة الغناء . ويدلّ ذيلها على أنّ حرمة الباطل كانت مفروغاً عنها ، وإنّما ألزم أبو جعفر علیه السلام الرجل السائل بأنّ الغناء من الباطل

ص: 403


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 128 / 5 ؛ وسائل الشيعة 17 : 308 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 99 ، الحديث 19 .
2- تقدّمت في الصفحة 351 - 352 .
3- تقدّم في الصفحة 358 .

فيكون حراماً ؛ إذ لا شبهة في أنّ الرجل كان سؤاله عن جواز الغناء وعدمه ، فإنّ

جوازه كان معروفاً عند العامّة كما تقدّم(1) ، فصار موجباً للشبهة ، فأجاب بعدمه مستدلاًّ بأ نّه باطل .

وتدلّ عليها أيضاً جملة من الروايات الدالّة على أنّ الشطرنج وغيره من الباطل:

كموثّقة زرارة عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه سأل عن الشطرنج ، وعن لعبة شبيب التي يقال لها : لعبة الأمير ، وعن لعبة الثلاث ، فقال : «أرأيتك إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل مع أيّهما تكون ؟» قال : مع الباطل ، قال : «فلا خير فيه»(2) .

ولا ريب في أنّ قوله : «فلا خير فيه» يراد به الحرمة ؛ لقيام الضرورة على حرمة الشطرنج والقمار بأقسامه .

ومرسلة يعقوب بن يزيد عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «الشطرنج من الباطل»(3) . ونحوها غيرها (4) .

وظاهر تلك الطائفة أنّ الباطل معلوم الحرمة ولذا كان في مقام بيان حرمة المذكورات اكتفى باندراجها فيه، كما تقدّم في رواية الريّان من قوله : «قد حكمت» .

ص: 404


1- تقدّم في الصفحة 379 .
2- الكافي 6 : 436 / 6 ؛ وسائل الشيعة 17 : 319 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 5 .
3- تفسير العيّاشي 2 : 315 / 153 ؛ وسائل الشيعة 17 : 321 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 13 .
4- راجع وسائل الشيعة 17 : 318 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 2 .

لكن يمكن المناقشة فيما تقدّم بأن يقال : إنّ الاستشهاد بالآيات لا يكون من قبيل الاستدلال المنطقي والاستنتاج من صغرى وكبرى في مقابل الخصم الغير المعتقد بإمامته ؛ للزوم كون الاستدلال حينئذٍ بالظاهر المتفاهم عرفاً حتّى يجاب به الخصم . ولا ريب في أنّ الظاهر من الآية الاُولى المستشهد بها في الرواية : أ نّه تعالى لم يخلق شيئاً لعباً بل لغاية بما يليق بذاته المقدّسة .

ومن الثانية : أ نّه تعالى لم يتّخذ اللهو ، وقد فسِّر بالمرأة والولد والصاحب(1) ، ولو يراد أعمّ منها يكون المعنى أ نّه لم يتّخذ مطلق اللهو ، وبمناسبة السابقة أ نّه

تعالى غير لاهٍ كما أ نّه غير لاعب .

ومن الثالثة : أ نّه تعالى مضافاً إلى تنزّهه عمّا ذكر يجعل الحقّ غالباً وقاهراً

على الباطل بإقامة البيّنة عليه كما فسّرت بها ، ومن يكون كذلك لا يكون لاهياً ، وهو وجه المناسبة بينهما .

وفي «تفسير البرهان» عن يونس بن عبد الرحمان - رفعه - قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «ليس من باطل يقوم بإزاء الحقّ إلاّ غلب الحقّ الباطل ، وذلك قوله تعالى : )بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ(»(2) .

ولا يبعد أن تكون الرواية غير مرفوعة ؛ لأنّ يونس لاقى أبا عبداللّه علیه السلام

وإن قال النجاشي : «إنّه لم يرو عنه وإن لاقاه»(3) ، لكن مع ورود ما هو ظاهر في روايته عنه علیه السلام لا حجّة على كونها مرفوعة ، ولعلّ النجاشي لم يطّلع على

ص: 405


1- التبيان في تفسير القرآن 7 : 236 ؛ مجمع البيان 7 : 67 .
2- البرهان في تفسير القرآن 6 : 455 .
3- رجال النجاشي : 446 / 1208 .

روايته عنه لندرتها ، كما أنّ ظاهر النجاشي أ نّه رأى أبا عبداللّه علیه السلام مرّة واحدة بين الصفا والمروة(1) مع أ نّه في رواية العبيدي : سمعت يونس بن عبد الرحمان

يقول : رأيت أبا عبداللّه علیه السلام يصلّي في الروضة بين القبر والمنبر ولم يمكنني أن أسأله عن شيء(2) .

ولا دلالة فيها أيضاً أ نّه لم يرو عنه مطلقاً ، ولعلّ مستند النجاشي على عدم

روايته قول البرقي في الرواية المتقدّمة : رفعه(3) .

وفي «تفسير البرهان» عن أيّوب بن الحرّ ، قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : «يا أيّوب ، ما من أحد إلاّ وقد يرد عليه الحقّ حتّى يصدع قلْبه ، قَبِلَه أم تركه ، وذلك

قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : )بَلْ نَقْذِفُ . . .(»(4) .

فظهر أنّ الآيات الثلاث إخبار عن تنزّهه تعالى عن اللعب واللهو وأ نّه تعالى يقذف الحقّ والحجج الدالّة عليه على الباطل فيدمغه ، فلا يستفاد منها بحسب ظاهرها حرمة الغناء ولا اللهو والباطل .

مضافاً إلى أنّ اللعب واللهو والباطل عناوين مختلفة لعلّ بينها عموماً من وجه ومعه لا يمكن الاستنتاج القياسي ، كما لا يخفى .

وعليه يمكن أن يكون الاستشهاد لمجرّد مناسبة بين تنزيه اللّه تعالى عن عمل اللهو والباطل وتنزيه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن ترخيص الغناء ، فلا يصحّ

ص: 406


1- رجال النجاشي: 446 / 1208.
2- اختيار معرفة الرجال : 485 / 918 .
3- المحاسن : 226/ 152 .
4- البرهان في تفسير القرآن 6 : 456 .

الاستدلال بها على حرمة مطلق اللهو .

نعم ، فيها إشعار على عدم ترخيصه مطلقه ، أو أنّ الغناء غير مرخّص فيه لكونه لهواً ، لكنّه ليس بحيث يمكن الاستناد إليه على حرمة مطلقه ؛ لاحتمال أن يراد بها أنّ الذي يبطل الباطل لا يرخّص الغناء وما هو بمنزلته ، وليس كلّ لهو وباطل كذلك .

وأمّا رواية ابن المغيرة الدالّة على أنّ «كلّ لهو المؤمن باطل . . .»(1) ، فهي مع الغضّ عن سندها من أدلّ الدليل على أنّ مطلق الباطل ليس بحرام ؛ لأ نّها دلّت بواسطة استثناء المذكورات على أنّ ما يترتّب عليها الأغراض العقلائية كتأديب الفرس لهو باطل ما سوى الثلاثة ، والضرورة قائمة بعدم حرمة أمثالها .

ثمّ إنّه لا بدّ من حملها على أنّ كلّ لهو المؤمن باطل حكماً ، وإلاّ فما له غاية عقلائية ليس بباطل موضوعاً ولا يمكن الحكم بالحرمة؛ لما عرفت ، فيكشف منها أنّ الباطل منه ما يكون محرّماً ، ومنه غير محرّم بل مكروه .

وأمّا ما ذكرناه من دلالة الروايات على مفروغية حرمة الباطل ولهذا استشهد لحرمة الشطرنج وغيره من أنحاء القمار والغناء بكونها باطلاً ، فبعد فرض التسليم لا بدّ من حملها على معهودية حرمة قسم خاصّ من الباطل ، وإلاّ فمطلقه لم يكن معهوداً حرمته بل كثير منه معهود حلّيته بلا شبهة .

مضافاً إلى احتمال أن تكون الروايات الواردة في أنّ الشطرنج والسدَّر

ص: 407


1- تقدّم في الصفحة 401 .

ونحوهما باطل(1) إشارة إلى انسلاكها في قوله تعالى : )لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ((2) ، كما يشعر به قوله : «لا خير فيه»(3) ، وتشهد به جملة من الروايات المفسّرة للآية الكريمة بالقمار :

كصحيحة زياد بن عيسى الحذّاء ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قوله عزّ وجلّ : )وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ( فقال : «كانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله ، فنهاهم اللّه عزّ وجلّ عن ذلك»(4) .

وفي رواية اُخرى عنه علیه السلام : «يعني بذلك القمار»(5) . وقريب منها غيرها (6) .

وبالجملة : لا دلالة في تلك الروايات على حرمة مطلق الباطل أو اللهو بل تدلّ إمّا على حرمة أكل المال به ، أو على حرمة نوع خاصّ .

ثمّ لو فرض قيام الدليل على حرمة الباطل ، لكن كون الغناء والأصوات اللهوية منه عرفاً محلّ إشكال ؛ لأنّ الباطل بمعنى الفاسد الذي لا يترتّب عليه

ص: 408


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 318 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 102 ، الحديث 2 ، 5 ، 13 ، والباب 104 ، الحديث 3 .
2- النساء (4) : 29 .
3- تقدّم في الصفحة 404 .
4- الكافي 5 : 122 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 164 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 1 .
5- تفسير العيّاشي 1 : 235 / 98 ؛ وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 8 .
6- راجع وسائل الشيعة 17 : 166 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 35 ، الحديث 9 .

الأثر ، والذي لا مصرف له ، والذي لا غرض فيه ، وشيء منها لا ينطبق على الغناء ونحوه ممّا هو متعلّق الأغراض العقلائية ، ولولا منع الشارع الأقدس لما عدّ نحوه في الباطل والهزل واللغو ، فالاستدلال على حرمته بحرمة تلك العناوين على فرض ثبوتها غير وجيه .

واستدلّ(1) على حرمة مطلق اللهو بجملة من الروايات :

منها : رواية سماعة ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «لمّا مات آدم علیه السلام شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم علیه السلام ، فكلّ ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس فإنّما هو من ذلك»(2) .

ولا يخفى ما فيه : فإنّ قوله : «من هذا الضرب» إشارة إلى المعازف والملاهي ، فكأ نّه ضروب الملاهي والمعازف التي يتلذّذ بها الناس من ذلك ، والملاهي جمع الملهاة ، فلا تدلّ على حرمة مطلق اللهو ولا الغناء .

ومنها : ما عن «المجالس» للحسن بن محمّد الطوسي بسند ضعيف ، عن أبي الحسن علي بن موسى علیه السلام ، عن آبائه ، عن علي علیه السلام ، قال : «كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر»(3) .

ص: 409


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 15 : 43 - 46 .
2- الكافي 6 : 431 / 3 ؛ وسائل الشيعة 17 : 313 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 100 ، الحديث 5 .
3- الأمالي ، الطوسي : 336 / 681 ؛ وسائل الشيعة 17 : 315 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 100 ، الحديث 15 .

وفيه : - مضافاً إلى بُعد أن يراد بالكلّية جميع صنوف الملهيّات وإلحاقها بالميسر حكماً ؛ لأنّ الإلحاق الحكمي بلسان الإلحاق الموضوعي غير مناسب للبلاغة ، ومجرّد اشتراكها في الإلهاء لا يصحّح الدعوى ، فلا يبعد أن يكون المراد بالكلّية صنوف المقامرة كما ورد «كلّ ما قومر عليه فهو ميسر»(1) - أنّ المراد بالملهيّ عن ذكر اللّه ليس الغفلة عن التوجّه إليه تعالى بالضرورة .

فلا يبعد أن يكون المراد به ما يوجب الغفلة عنه تعالى بحيث لا يبالي بالدخول في المعاصي كما هو شأن المقامرات واستعمال الملاهي .

أو كان المراد غفلة خاصّة تحتاج إلى البيان من قبل اللّه تعالى .

وبهذا يظهر الكلام في رواية أعمش عن جعفر بن محمّد علیهما السلام في حديث شرائع الدين ، حيث عدّ فيها من جملة الكبائر الملاهي وقال : «والملاهي التي تصدّ عن ذكر اللّه عزّ وجلّ مكروهة كالغناء وضرب الأوتار»(2) .

وقوله : «مكروهة» يراد بها التحريم ، أو تكون بالنصب ويكون المراد أ نّها تصدّ عن ذكر اللّه كرهاً واستلزاماً بلا إرادة من الفاعل ، تأمّل .

وذلك لأنّ التمثيل بالغناء وضرب الأوتار لإفادة سنخ ما يكون صادّاً عن ذكر اللّه تعالى ، فإنّ ضرب الأوتار والغناء ونحوه توجب في النفس حالة غفلة عن اللّه تعالى وأحكامه ، ويكون الاشتغال بها موجباً للوقوع في المعاصي ، كما ورد في

ص: 410


1- الكافي 6 : 435 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 323 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 104 ، الحديث 1 .
2- الخصال : 610 ؛ وسائل الشيعة 15 : 331 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 36 .

الغناء أ نّه «رقية الزنا»(1) ، وفي البربط : «من ضرب في بيته أربعين صباحاً سلّط اللّه عليه شيطاناً» إلى أن قال: «نزع منه الحياء ولم يبال ما قال ولا ما قيل فيه»(2).

وفي رواية : «فلا يغار بعدها حتّى تؤتى نساؤه فلا يغار»(3) .

وقال اللّه تعالى : )إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَعَنِ الصَّلوةِ((4) . فلا دلالة فيها على حرمة مطلق اللهو .

ومنها : رواية الفضل بن شاذان المرويّة عن «العيون» ، وهي حسنة أو صحيحة ببعض طرقها (5) ، وفيها في عدّ الكبائر : «والاشتغال بالملاهي»(6) .

وفيه : أنّ الظاهر منها آلات اللهو لا مطلق الملهيّات .

إلى غير ذلك ممّا هي دونها في الدلالة .

فتحصّل من جميع ذلك عدم قيام دليل على حرمة مطلق اللهو ولا على مطلق الأصوات اللهوية .

ص: 411


1- تقدّم في الصفحة 350 .
2- دعائم الإسلام 2 : 208 / 760 ؛ مستدرك الوسائل 13 : 217 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 79 ، الحديث 8 .
3- الكافي 6 : 433 / 14 ؛ وسائل الشيعة 17 : 312 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 100 ، الحديث 1 .
4- المائدة (5) : 91 .
5- راجع ما يأتي في الجزء الثاني : 91 .
6- عيون أخبار الرضا 2 : 127 / 1 ؛ وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 .

نعم ، الأحوط الاجتناب عن بعض صنوف الأصوات اللهوية كالتصانيف الرائجة بألحان أهل الفسوق ؛ لاحتمال مساواتها مع الغناء في دخولها في الباطل الذي ورد فيه : «إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟» في صحيحة الريّان بن الصلت(1) ، واحتمال إلغاء الخصوصية من الغناء وإلحاقها به

ودخولها في التي تصدّ عن ذكر اللّه وألهت عنه ، وإن كان للمناقشة فيها مجال . واللّه العالم بالحال .

ص: 412


1- تقدّم في الصفحة 352 .

المسألة الثالثة : في حرمة الغيبة

في كون الغيبة من الكبائر

الغيبة حرام بالأدلّة الأربعة ، والظاهر أ نّها من الكبائر .

ويمكن الاستدلال على كونها كبيرة بقوله تعالى : )وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ((1) .

بناءً على أنّ ذيل الآية الكريمة تنبيه على تجسّم عمل المغتاب في الآخرة بصورة أكل لحم ميتة أخيه ، وهو إيعاد بالعذاب .

كما تدلّ على أصل تجسّمها الآيات والأخبار الكثيرة ، وفي المورد بعض الروايات :

مثل ما عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم إنّه نظر في النار ليلة الإسراء فإذا بقوم يأكلون

ص: 413


1- الحجرات (49) : 12 .

الجيف ، فقال : «يا جبرئيل ، من هؤلاء ؟» قال : «هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس»(1) .

وتشعر به أو تدلّ عليه ما عن «جامع الأخبار» عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «اجتنبوا الغيبة ، فإنّها إدام كلاب النار»(2) .

وبناءً على أ نّه تعرف الكبيرة بإيعاد اللّه العذاب عليها ولو لم يكن إيعاداً

بالنار صريحاً ، كما يظهر من صحيحة عبد العظيم الحسني المفصّلة التي فيها كثير من الكبائر(3) .

أو كان المراد من ذيلها التنزيل الحكمي ؛ بمعنى أنّ الغيبة بمنزلة أكل لحم ميتة

الأخ في الحكم ، بناءً على أنّ أكل الميتة من الكبائر ، كما تدلّ عليه حسنة الفضل ابن شاذان عن الرضا علیه السلام في كتابه إلى المأمون ، وفيها عدّ أكل الميتة من الكبائر(4) ، ومعلوم أنّ ميتة الآدمي إمّا داخلة في إطلاقها ، أو أكلها أعظم من ميتة غيرها .

ويدلّ على هذا الاحتمال بعض الروايات :

ص: 414


1- مستدرك الوسائل 9 : 125 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 43 .
2- جامع الأخبار : 413 / 1145 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 121 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 31 .
3- الكافي 2 : 285 / 24 ؛ وسائل الشيعة 15 : 318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .
4- عيون أخبار الرضا 2 : 127 / 1 ؛ وسائل الشيعة 15 : 329 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 33 .

مثل ما عن تفسير الإمام العسكري علیه السلام : «إعلموا أنّ غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة آل محمّد صلی الله علیه و آله وسلم أعظم في التحريم من الميتة ، قال اللّه عزّ وجلّ : )وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً . . .( »(1) .

والظاهر أنّ قوله : «أعظم في التحريم من الميتة» مبنيّ على ما قلناه من أعظمية حرمة ميتة الإنسان سيّما الأخ من غيرها في ارتكاز المتشرّعة .

وإن أمكنت المناقشة في الاستدلال بالآية على كونها كبيرةً ، بل على أصل تحريمها بأنّ من المحتمل أن يكون المراد بذيلها تنظير الغيبة والتفكّه بأعراض الناس بأكل لحم ميتة الأخ في تنفّر الطباع السليمة عنه وانتقاص أعراضهم كأكل لحومهم ، فيكون إرشاداً إلى حكم العقل ، فلا تدلّ على التحريم فضلاً عن كونها كبيرة .

وتدلّ على هذا الاحتمال ؛ أي كونه تنظيراً وتشبيهاً موضوعاً ، جملة من الروايات :

كما في «مجمع البيان» في شأن نزول الآية ، قال : نزلت في رجلين من أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم اغتابا رفيقهما وهو سلمان ، إلى أن قال : فقال لهما : «ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما ؟» قالا : يا رسول اللّه ، ما تناولنا يومنا هذا لحماً . قال : «ظللتم تأكلون لحم سلمان واُسامة»(2) .

وعن «جامع الأخبار» قال صلی الله علیه و آله وسلم : «كذب من زعم أ نّه ولد من حلال

ص: 415


1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : 586 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 113 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 1 .
2- مجمع البيان 9 : 203 .

وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة»(1) .

وعن القطب الراوندي: مرّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بناس من أصحابه فقال لهم : «تخلّلوا» فقالوا : ما أكلنا لحماً ، فقال : «بلى مرّ بكم فلان فوقعتم فيه»(2) .

وعن «العيون» و«معاني الأخبار» بإسناده عن الرضا علیه السلام ، عن أبيه ، عن الصادق علیه السلام قال : «إنّ اللّه يبغض البيت اللحم» إلى أن قال : «إنّما البيت اللحم البيت الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة»(3) .

ولا يبعد أن يكون الاحتمال الأخير أقرب إلى فهم العرف وإن كان إنكار دلالتها على أصل التحريم مكابرة ، فدلالتها على الحرمة غير قابلة للإنكار؛ لظهورها وسياقها وعدم فهم مجرّد الإرشاد منها .

نعم ، لا تدلّ على كونها كبيرة لما قلناه من أقربية الاحتمال الأخير ، ولا أقلّ في عدم ظهورها في أحد الأوّلين .

ويمكن الاستدلال على كونها كبيرة بقوله تعالى : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ((4) .

إمّا بدعوى أنّ الغيبة ملازمة لحبّ شيوعها ، تأمّل .

ص: 416


1- جامع الأخبار : 413 / 1145 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 121 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 31 .
2- مستدرك الوسائل 9 : 126 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 52 .
3- عيون أخبار الرضا 1 : 314 / 87 ؛ معاني الأخبار : 388 / 24 ؛ وسائل الشيعة 12 : 283 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 17 .
4- النور (24) : 19 .

أو بدعوى أنّ المراد من حبّ شيوعها ولو بملاحظة ورود الآية في ذيل قضيّة الإفك(1) ، هو نفس إشاعتها ، أو يقال : إنّ حبّ شيوعها إذا كان كذلك فنفس الإشاعة أولى به .

وبدعوى أنّ المراد بتشييع الفاحشة إظهارها وإفشاؤها .

واحتمال أن يكون المراد به حبّ شيوع نفس الفاحشة والمعصية بين المسلمين(2) ، بعيد عن ظاهر اللفظ وسياق الآية .

وإن كان الاستدلال بنفس الآية للمدّعى لا يخلو من تكلّف وتعسّف ، فالأولى الاستدلال بها بضميمة بعض الروايات :

كمرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اُذناه فهو من الذين قال اللّه عزّ وجلّ : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( »(3) .

ومرسلاته بحكم الصحاح ، لكن في محكيّ «أمالي» الصدوق روايتها عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عنه علیه السلام(4)، وهو إمّا النهدي(5) الثقة، وهو الأقرب بناءً على أنّ ابن أبي عمير لا يرسل إلاّ عن ثقة ، والظاهر أ نّها عين المرسلة .

ص: 417


1- راجع تفسير القمّي 2 : 99 .
2- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 104 .
3- الكافي 2 : 357 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 6 .
4- الأمالي ، الصدوق : 276 / 16 .
5- رجال النجاشي : 359 / 965 ؛ تنقيح المقال 3 : 110 / السطر 17 (أبواب الميم) .

أو من آل أعين ، وهو حسن لو لم يكن ثقة باعتبار عدّه ابن أبي عمير في محكيّ «الأمالي» بسند صحيح من مشايخه مع أبان بن عثمان وهشام بن سالم(1) .

بل يمكن الاستشهاد على وثاقته بإرسال ابن أبي عمير عنه على هذا الاحتمال .

لكن يحتمل أن يكون إرساله عن هشام كما في الرواية الآتية ولا بأس به بعد وثاقة هشام(2) .

وكيف كان : فالرواية صحيحة دالّة على أنّ مطلق الغيبة داخل في الآية الكريمة ، فتدلّ على أنّ المراد بالآية ليس الحبّ فقط ولا الشياع بمعناه المعروف ، بل مطلق الإظهار وكشف الستر .

ولو كان المراد به الإلحاق الحكمي بلسان الإلحاق الموضوعي كما سنشير إليه في استماع الغيبة(3) فلا يضرّ بالاستدلال على المطلوب .

وكما في «تفسير البرهان» عن تفسير علي بن إبراهيم ، قال : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من قال في مؤمن ما رأت عيناه وما سمعت اُذناه كان من الذين قال اللّه فيهم : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ( »(4) .

ص: 418


1- راجع تنقيح المقال 3 : 110 / السطر 11 (أبواب الميم) ؛ الأمالي ، الصدوق : 15 / 2 .
2- تنقيح المقال 3 : 301 / السطر 20 (أبواب الهاء) .
3- يأتي في الصفحة 498 - 499 .
4- البرهان في تفسير القرآن 7 : 66 / 7583 ؛ تفسير القمّي 2 : 100 .

وفي «مجمع البحرين» : وروي فيما صحّ عن هشام عن أبي عبداللّه علیه السلام(1) .

وعليه فلا شبهة في كونها من الكبائر ولو فسّرت بما أوعد اللّه تعالى عليه النار .

ويمكن الاستدلال على كونها كبيرة بالأخبار الكثيرة البالغة حدّ التواتر إجمالاً المشتملة على الإيعاد على النار والعذاب من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم والأئمّة

الطاهرين علیهم السلام(2) .

بناءً على أنّ إيعادهم عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كما دلّت عليه الروايات بل هو من الواضحات .

وبناءً على أنّ إيعاد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بالعذاب والنار يكشف عن كون المعصية كبيرة ، كما يظهر من صحيحة عبدالعظيم الحسني ، حيث استدلّ أبو عبداللّه علیه السلامفيها على كون ترك الصلاة متعمّداً كبيرة بقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «من ترك الصلاة متعمّداً من غير علّة فقد برئ من ذمّة اللّه وذمّة رسوله»(3) .

فالخدشة في كونها كبيرة في غير محلّها .

وما في رواية ضعيفة عن جابر قال : كنّا مع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في مسير فأتى

ص: 419


1- مجمع البحرين 4 : 355 .
2- راجع وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 113 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 .
3- عيون أخبار الرضا 1 : 285 / 33 ؛ وسائل الشيعة 15 : 318 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 46 ، الحديث 2 .

على قبرين يعذَّب صاحبهما فقال : «إنّهما لا يعذَّبان في كبيرة ، أمّا أحدهما فكان يغتاب الناس . . .»(1) غير صالحة لمعارضة ما تقدّم .

كما أنّ ما عن الصدوق(2) وغيره(3) بل عن الأصحاب كما في «مجمع البيان»(4) وعن الحلّي(5) أنّ الذنوب كلّها كبيرة وإنّما الصغر والكبر بالإضافة ، كأ نّه في غير محلّه ؛ لمخالفته للاعتبار والعقل والكتاب والروايات ، بل ما نسب إلى الأصحاب غير ثابت .

نعم ، للكبائر مراتب كما تشهد به الكتاب والسنّة والعقل ، وليس المقام محلّ تحقيق المسألة ، والعهدة على محلّه .

اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن

ثمّ إنّ الظاهر اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن ، فيجوز اغتياب المخالف إلاّ أن تقتضي التقيّة أو غيرها لزوم الكفّ عنها .

وذلك لا لما أصرّ عليه المحدّث البحراني بأ نّهم كفّار ومشركون(6) - اغتراراً بظواهر الأخبار ، وقد استقصينا البحث معه في كتاب «الطهارة» عند القول

ص: 420


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) 1 : 124 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 120 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 26 .
2- الخصال : 411 - 412 .
3- مصنّفات الشيخ المفيد ، أوائل المقالات 4 : 83 - 84 .
4- مجمع البيان 3 : 61 .
5- السرائر 2 : 118 .
6- الحدائق الناضرة 18 : 148 ، و5 : 175 .

بنجاسة المخالف(1) وقلنا : إنّ الإسلام ليس إلاّ الشهادة بأن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وذكرنا الوجه في الأخبار الكثيرة الدالّة على أ نّهم كفّار أو مشركون - بل لقصور أدلّة حرمة الغيبة عن إثباتها بالنسبة إليهم :

أمّا مثل الآيتين المتقدّمتين فلأنّ الحكم فيهما معلّق على المؤمنين والخطاب متوجّه إليهم .

وتوهّم أنّ اختلاف الإيمان والإسلام اصطلاح حادث في عصر الأئمّة علیهم السلام دون زمان نزول الآية الكريمة(2) ، فاسد جدّاً .

أمّا أوّلاً: فلأنّ الأئمّة لا يقولون بما لا يقول به اللّه تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم ، كما هو من اُصول المذهب وتدلّ عليه الروايات ، فلا يكون الإيمان عند اللّه - تعالى

- و رسوله صلی الله علیه و آله وسلم غير ما عند الأئمّة علیهم السلام .

وأمّا ثانياً: فلأنّ الإيمان كان قبل نصب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم علياً علیه السلام للولاية عبارة عن التصديق باللّه ورسوله ، ولم يكن قبل نصبه ، أو قبل وفاته على احتمال ، مورداً لتكليف الناس ومن الأركان المتوقّف على الاعتقاد بها الإيمان ؛ لعدم الموضوع له ، وأمّا بعد نصبه أو بعد وفاته صلی الله علیه و آله وسلم صارت الولاية والإمامة من أركانه .

فقوله تعالى : )إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ((3) هو جعل الاُخوّة بين المؤمنين الواقعيين ، غاية الأمر أنّ في زمان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان غير المنافق مؤمناً

ص: 421


1- الطهارة ، الإمام الخميني قدس سره 3 : 451 .
2- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 194 .
3- الحجرات (49) : 10 .

واقعاً ؛ لإيمانه باللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم ، وبعد ذلك كان المؤمن الواقعي من قبل الولاية وصدقها أيضاً .

فيكون خطاب «يا أيّها المؤمنون . . .» متوجّهاً إلى المؤمنين الواقعي-ين وإن اختلفت أركانه بحسب الأزمان ، من غير أن يكون الخطاب من أوّل الأمر متوجّهاً إلى الشيعة حتّى يستبعد سيّما إذا كان المراد بالمؤمن، الشيعة الإمامية الاثني عشرية .

وأمّا الأخبار فما اشتملت على المؤمن فكذلك .

وما اشتملت على الأخ لا تشملهم أيضاً ؛ لعدم الاُخوّة بيننا وبينهم بعد وجوب البراءة عنهم وعن مذهبهم وعن أئمّتهم ، كما تدلّ عليه الأخبار(1) واقتضته اُصول المذهب .

وما اشتملت على المسلم فالغالب منها مشتمل على ما يوجبه ظاهراً في المؤمن :

كرواية سليمان بن خالد عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم ، والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ، والمهاجر من هجر السيّئات وترك ما حرّم اللّه ، والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة»(2) .

ص: 422


1- راجع وسائل الشيعة 16 : 176 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 17 .
2- الكافي 2 : 235 / 19 ؛ وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 1 .

ورواية الحرث بن المغيرة ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «المسلم أخو المسلم هو عينه ومرآته ودليله ، لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يكذبه ولا يغتابه»(1) .

ورواية أبيذرّ عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في وصيّ-ته له ، وفيها قال : «يا أباذرّ ، سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه من معاصي اللّه ، وحرمة ماله كحرمة دمه» . قلت : يا رسول اللّه وما الغيبة ؟ قال : «ذكرك أخاك بما يكره»(2) .

ويمكن أن يقال : إنّ هذه الرواية كرواية عبداللّه بن سنان ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «الغيبة أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه»(3) وغيرهما ممّا فسّرت الغيبة ، حاكمة على سائر الروايات ، فإنّها في مقام تفسيرها اعتبرت الاُخوّة فيها ، فغيرنا ليسوا بإخواننا وإن كانوا مسلمين ، فتكون تلك الروايات مفسّرة للمسلم المأخوذ في سائرها بأنّ حرمة الغيبة مخصوصة بمسلم له اُخوّة إسلامية وإيمانية مع الآخر .

ومنه يظهر الكلام في رواية المناهي(4) وغيرها .

ص: 423


1- الكافي 2 : 166 / 5 ؛ وسائل الشيعة 12 : 279 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 3 .
2- الأمالي ، الطوسي : 537 / 1162 ؛ وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 9 .
3- تفسير العيّاشي 1 : 275 / 270 ؛ وسائل الشيعة 12 : 286 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 22 .
4- الفقيه 4 : 8 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 282 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 13 .

والإنصاف أنّ الناظر في الروايات لا ينبغي أن يرتاب في قصورها عن إثبات حرمة غيبتهم ، بل لا ينبغي أن يرتاب في أنّ الظاهر من مجموعها اختصاصها بغيبة المؤمن الموالي لأئمّة الحقّ علیهم السلام .

مضافاً إلى أ نّه لو سلّم إطلاق بعضها وغضّ النظر عن تحكيم الروايات التي في مقام التحديد عليها ، فلا شبهة في عدم احترامهم بل هو من ضروري المذهب كما قال المحقّقون(1) .

بل الناظر في الأخبار الكثيرة في الأبواب المتفرّقة لا يرتاب في جواز هتكهم والوقيعة فيهم ، بل الأئمّة المعصومون أكثروا في الطعن واللعن عليهم وذكر مساوئهم :

فعن أبي حمزة عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : قلت له : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم ، فقال : «الكفّ عنهم أجمل» ثمّ قال : «يا أبا حمزة ، إنّ الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا . . .»(2) .

والظاهر منها جواز الافتراء والقذف عليهم لكن الكفّ أحسن وأجمل ، لكنّه مشكل إلاّ في بعض الأحيان ، مع أنّ السيرة أيضاً قائمة على غيبتهم ، فنعم ما قال المحقّق صاحب «الجواهر» : إنّ طول الكلام في ذلك كما فعله في «الحدائق» من تضي-يع العمر في الواضحات(3) .

ص: 424


1- راجع جواهر الكلام 22 : 62 - 63 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 319 .
2- الكافي 8 : 285 / 431 ؛ وسائل الشيعة 16 : 37 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 73 ، الحديث 3 .
3- جواهر الكلام 22 : 63 .

حرمة غيبة الصبيّ المميّز

ثمّ إنّ الظاهر دخول الصبيّ المميّز المدرك للحسن والقبح المتأثّر عن ذكر معايبه فيها ؛ لإطلاق بعض الأدلّة وصدق الأخ عليه وكذا المؤمن والمسلم بعد كونه معتقداً بما اعتقد به المسلمون كما هو الغالب في المميّز المسلم .

مع اندراجه في الموضوع لو شكّ في الصدق بالآية الكريمة ، قال تعالى : )وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ((1) .

مع أنّ الشكّ في غير محلّه والآية نزلت على طبق العرف واللغة وليس فيها تنزيل وتأويل .

نعم ، الأدلّة منصرفة عن غير المميّز وعن المجنون ، واللّه العالم .

وينبغي التنبيه على اُمور :

ص: 425


1- البقرة (2) : 220 .

الأمر الأوّل : في تعريف الغيبة

قد عرّفت الغيبة بتعاريف في كتب اللغة والفقه وفي الأخبار :

ففي «الصحاح» : «اغتابه اغتياباً : إذا وقع فيه ، والاسم : الغيبة ، وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه ، فإن كان صدقاً سمّي غيبة ، وإن كان كذباً سمّي بهتاناً»(1) . ونحوه في «مجمع البحرين»(2) .

وفي «القاموس» : «وغابه : عابه وذكره بما فيه من السوء كاغتابه ، والغيبة فِعلة منه تكون حسنة أو قبيحة»(3) .

وفي «المنجد» : «غابه غيبة واغتابه اغتياباً : عابه وذكره بما فيه من السوء»(4) .

وعن «المصباح» : «اغتابه : إذا ذكره بما يكرهه من العيوب وهو حقّ . والاسم : الغيبة ، فإن كان باطلاً فهو الغيبة في بهت»(5) .

وعن «النهاية» : «هو أن يُذكر الإنسان في غيبته بسوء ممّا يكون فيه»(6) .

وفي «منتهى الإرب» ما ترجمته : «الغيبة : ذكر السوء خلف شخص وهي اسم

ص: 426


1- الصحاح 1 : 196 .
2- مجمع البحرين 2 : 135 .
3- القاموس المحيط 1 : 116 .
4- المنجد : 563 .
5- المصباح المنير : 458 .
6- النهاية ، ابن الأثير 3 : 399 .

الاغتياب إن كان صدقاً ، وإن كان كذباً سمّي بهتاناً»(1) .

وقريب منه في «معيار اللغة» ، وفيه : «وعن بعضهم اغتابه : ذكره في غيابه بما

فيه من حسن أو عيب»(2) .

وفي «مجمع البيان» : «الغيبة : ذكر العيب بظهر الغيب على وجه تمنع الحكمة»(3) .

هذه نبذة من كلمات اللغويين ، فقد ترى عدم توافقها واختلافها في جهات لا داعي في الخوض فيها .

وقال الشهيد الثاني في رسالته : «وأمّا بحسب الاصطلاح فلها تعريفان : أحدهما : المشهور ، وهو ذكر الإنسان حال غيبته بما يكره نسبته إليه ممّا يعدّ نقصاناً في العرف بقصد الانتقاص والذمّ ، والثاني التنبيه على ما يكره نسبته إليه . . .»(4) ، انتهى .

وعن «جامع المقاصد» : «أنّ حدّ الغيبة على ما في الأخبار أن يقول في أخيه ما يكرهه لو سمعه ممّا فيه»(5) .

وعن النراقي الأوّل في «جامع السعادات» : «الغيبة وهي أن يذكر الغير بما يكرهه لو بلغه»(6) . وعن «أربعين» البهائي : «قد عرّفت الغيبة بأ نّها التنبيه حال

ص: 427


1- منتهى الإرب 3 : 937 .
2- معيار اللغة 1 : 127 .
3- مجمع البيان 9 : 205 .
4- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 11 .
5- جامع المقاصد 4 : 27 .
6- جامع السعادات 2 : 293 .

غيبة الإنسان المعيّن أو بحكمه على ما يكره نسبته إليه ممّا هو حاصل فيه ويعدّ

نقصاناً بحسب العرف ، قولاً أو إشارة أو كناية ، تعريضاً أو تصريحاً»(1) ، انتهى .

وفي «المستند» : «هي أن يذكر الإنسان من خلفه بما فيه من السوء ، فلو لم يكن من خلفه لم يكن غيبة»(2) .

وحكى الشيخ عن بعض من قارب عصره وهو النراقي الأوّل ظاهراً : «أنّ الإجماع والأخبار متطابقان على أنّ حقيقة الغيبة أن يذكر الغير بما يكرهه لو سمعه»(3) .

وأنت خبير بأنّ تلك التعاريف أيضاً مختلفة لا ترجع إلى أمر واحد .

والظاهر أنّ كلمات الفقهاء بل اللغويين غالباً مشوبة بمضامين الأخبار ومستفادة منها .

ويشهد له ما في «المجمع» فإنّه بعد تعريفه بما في «الصحاح» قال : «وتصديق ذلك ما روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم » ثمّ حكى قوله : «أتدرون ما الغيبة . . .»(4) .

فيشكل الاستناد إليها في تشخيص اللغة والعرف الساذج ، مع أنّ اختلافها بما ترى يمنع عن الاستناد إلى شيء منها .

فالأولى عطف النظر إلى ما يستفاد من أدلّة الباب من تشخيص القيود المعتبرة

ص: 428


1- الأربعون حديثاً ، الشيخ البهائي : 378 .
2- مستند الشيعة 14 : 159 .
3- اُنظر المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 323 ؛ جامع السعادات 2 : 295 .
4- مجمع البحرين 2 : 136 .

في الموضوع المورد لتعلّق الحرمة عليه ، أو ما يمكن الاستناد إليه من فهم العرف

والعقلاء في مفهومها .

ولا شبهة في أنّ بعض القيود المأخوذة في الأخبار شرعية ، كاعتبار الاُخوّة الإيمانية بين المغتابين ، كما هو المذكور في جميع الروايات التي بصدد بيان حدّها وحقيقتها .

وتحتمل شرعية بعض آخر أيضاً كاعتبار تحقّق العيب فيه مقابل البهتان .

فإنّ الظاهر عدم اعتباره في معناه اللغوي والعرفي كما هو ظاهر كلام «المصباح» حيث قال : «وإن كان باطلاً فهو الغيبة في بهت» ، وظاهر كلام الطبرسي المتقدّم ، والتعريف المحكيّ عن الشهيد الذي نسبه إلى المشهور وكذا تعريفه الآخر ، والظاهر منه حصر معنى الغيبة لدى الفقهاء بهما وأنّ عدم هذا القيد مفروغ عنه لديهم بل لدى غيرهم ، وظاهر معقد الإجماع المتقدّم ، وظاهر عنوان «الوسائل» حيث قال : «باب تحريم اغتياب المؤمن ولو كان صدقاً»(1) .

بل لعلّه ظاهر جملة من كلمات اللغويين مثل الجوهري والطريحي ؛ فإنّ قوله : «والاسم الغيبة وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه» ظاهر في كونه بصدد بيان ماهية الغيبة ، فبعد بيان ماهيتها بذلك وبقوله قبله : «اغتابه اغتياباً : إذا وقع فيه» قسّمها إلى قسمين : قسم يقال له الغيبة ، وقسم يقال

له البهتان ، فالمقسم غيبة ، والقسم كذلك .

ص: 429


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 .

فالغيبة على ما هو ظاهر كلامه وكلام من عبّر بمثله لها معنىً عامّ مشترك بين البهتان والغيبة بالمعنى الخاصّ ، فيرجع كلامهم إلى كلام صاحب «المصباح» الذي كالصريح في ذلك ، بل يمكن الاستظهار من كلام الجماعة أنّ هذا التقسيم للغيبة أمر حادث اصطلاحي ، فلو نوقش في الظهور فلا أقلّ من الاحتمال القريب .

وما ذكرناه محتمل «القاموس» أيضاً ، حيث كان من دأبه ذكر المعاني المتعدّدة لشيء متعاقباً ، فقوله : «غابه : عابه وذكره بما فيه» لا يبعد أن يكون من

قبيل تعداد المعاني لا العطف التفسيري .

نعم ، ظاهر «المنجد» أنّ العطف تفسيري ؛ لعدم جعل علامة التعداد بينهما .

وما ذكرناه هو الظاهر من شأن نزول )لاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً . . .( على ما في «مجمع البيان» :

قال : «وقوله : )لاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً . . .( نزل في رجلين من أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، اغتابا رفيقهما ، وهو سلمان بعثاه إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ليأتي

لهما بطعام ، فبعثه إلى اُسامة بن زيد خازن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم على رحله ، فقال : ما عندي شيء فعاد إليهما فقالا : بخل اُسامة ، وقالا لسلمان : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ، ثمّ انطلقا يتجسّسان عند اُسامة ما أمر لهما به رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقال لهما : «ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما ؟» قالا : يا رسول اللّه ، ما تناولنا يومنا هذا لحماً ، قال : «ظللتم تأكلون لحم سلمان واُسامة» فنزلت الآية»(1) ، انتهى .

ص: 430


1- مجمع البيان 9 : 203 .

ومعلوم أنّ سلمان واُسامة لم يكونا على ما وصفاهما ، فقد نزلت الآية حسب هذا النقل في مورد التهمة .

وظاهر الطبرسي الجزم بكون النزول لذلك ، ولا يخلو هذا النحو من الإرسال من مثله من نحو اعتبار .

وهو مقتضى إطلاق صحيحة هشام(1) ومرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبداللّه علیه السلام : «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اُذناه فهو من الذين قال اللّه . . .»(2) ، فإنّ إطلاق «ما سمعته اُذناه» يشمل غير الموافق للواقع .

كما أنّ الآية الكريمة واردة في قضيّة الإفك ومربوطة بها ، فراجع الكتاب العزيز وإن كان إطلاقها يشمل البهت وغيره .

وهو الظاهر من بعض الروايات ، مثل ما عن «المجالس» بسنده عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : «ولقد حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنّة أبداً ، ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما وكان المغتاب في النار خالداً فيها وبئس المصير»(3) .

ورواية داود بن سرحان - التي لا يبعد الاعتماد عليها - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الغيبة ، قال : «هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل ، وتبثّ

ص: 431


1- تقدّمت في الصفحة 418 .
2- تقدّمت في الصفحة 417 .
3- الأمالي ، الصدوق : 91 / 3 ؛ وسائل الشيعة 12 : 285 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 20 .

عليه أمراً قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ»(1) .

بناءً على أنّ المراد من صدرها أن تنسب إليه ما لم يفعل ممّا كان مقتضى الديانة تركه ، كأن يقول : ظلم فلان ، مع أ نّه لم يفعل ذلك ، كما هو ظاهره .

والرواية المحكيّة عن «جامع الأخبار» عن سعيد بن جبير ، وفيها : «من اغتاب مؤمناً بما فيه»(2) ثمّ ساق كما في رواية «المجالس» المتقدّمة آنفاً .

وعن «مكارم الأخلاق» في رواية ، قلت : يا رسول اللّه ، وما الغيبة ؟ قال :

«ذكرك أخاك بما يكره»(3) .

وعن «سنن» البيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «أتدرون ما الغيبة ؟» قالوا : اللّه ورسوله أعلم ، قال : «ذكرك أخاك بما يكره»(4) .

فإنّ مقتضى كونه في مقام التحديد أن يكون مطلق ذكر الأخ بالمكروه غيبة ، كان فيه أم لا .

نعم ، هنا روايات لعلّها صارت منشأ توهّم اعتبار هذا القيد حتّى عند بعض أهل اللغة :

منها : رواية «مجالس» الشيخ وأخباره ، عن أبيذرّ في وصيّ-ته له : وفيها : «يا أباذرّ ، سباب المسلم فسوق» إلى أن قال : قلت : يا رسول اللّه ، وما الغيبة ؟

ص: 432


1- الكافي 2 : 357 / 3 ؛ وسائل الشيعة 12 : 288 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 1 .
2- جامع الأخبار : 412 / 1143 ؛ اُنظر مستدرك الوسائل 9 : 122 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 36 .
3- مكارم الأخلاق 2 : 378 / 2661 .
4- السنن الكبرى ، البيهقي 10 : 247 .

قال : «ذكرك أخاك بما يكره» قلت : يا رسول اللّه ، فإن كان فيه الذي يذكر به ؟ قال : «اعلم أ نّك إذا ذكرته بما فيه فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه»(1) .

بدعوى أنّ مقتضى المقابلة بينهما أن يكونا عنوانين متباينين .

وفيه : أنّ مقتضى جوابه عن السؤال عن ماهية الغيبة بأ نّها «ذكرك أخاك بما يكره» في مقام التحديد أنّ ماهيتها عبارة عمّا ذكر ، كان فيه أم لا ، وكان سكوته عن ذكر القيد دليلاً على عدم دخالته فيها ، وكان عند أبيذرّ أيضاً مفروغاً عنه أنّ ذكره بما ليس فيه غيبة ، وإنّما سأل عن القسم الآخر هل هو غيبة أو لا ، وهو شاهد على أنّ ذكر ما لا يكون فيه داخل فيها عرفاً ، بل يكون دخوله أظهر ولم يحتج إلى السؤال ، فحينئذٍ لا يبقى ظهور لذيلها في مقابلتهما تقابل التباين لو سلّم ظهوره في نفسه ، بل الظاهر من الصدر والذيل أنّ ماهية الغيبة مطلق ذكر السوء ، وإذا لم يكن فيه يكون مع ذلك بهتاناً ، فيرجع إلى قول صاحب «المصباح» : «فإن كان باطلاً فهو الغيبة في بهت» .

وإن شئت قلت : إنّ ظهور التحديد في الإطلاق أقوى من ظهور التقابل في كونه على نحو التباين ، مع أ نّه ليس بظهور بل إشعار لولا الاحتفاف بما ذكر .

ومنها : رواية عبد الرحمان بن سيابة - والسند إليه صحيح وهو لا يخلو من مدح وحسن(2) - قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «الغيبة أن تقول في أخيك

ص: 433


1- الأمالي ، الطوسي : 537 / 1162 ؛ وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 9 .
2- تنقيح المقال 2 : 144 / السطر 16 (أبواب العين) .

ما ستره اللّه عليه ، وأمّا الأمر الظاهر مثل الحدّة والعجلة فلا ، والبهتان أن تقول فيه ما ليس فيه»(1) .

وفيه : - مضافاً إلى احتمال أن تكون هي عين روايته الاُخرى عنه علیه السلام ، قال : «إنّ من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه ، وإنّ من البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه»(2) الظاهرة في أنّ التعريف لقسم منهما، ولهما قسم أو أقسام اُخر، فتشعر أو تدلّ على أعمّيتها - أنّ الظاهر منها أ نّه بصدد بيان أمر آخر وهو اعتبار كون ما يكره ممّا ستره اللّه عليه مقابل الأمر الظاهر كالحدّة ، لا بصدد

بيان ماهية الغيبة مطلقاً ، ومعه لا يستفاد منها اعتبار كونه فيه ، وذكر البهتان بما ذكر لا يدلّ على مقابلتهما بنحو التباين ، بل يصحّ ذلك ولو لاشتماله على زيادة هي الافتراء .

النسبة بين الغيبة والبهتان

بل التحقيق أنّ بين عنواني الغيبة والبهتان عموماً من وجه ، فإنّ الغيبة عرفاً ذكر السوء خلف المغتاب ، كان فيه أم لا ، والبهتان الافتراء عليه ، كان حاضراً أم غائباً ، فلا تقابل بينهما بالتباين ويصحّ التقابل بينهما لما ذكر .

فلا تدلّ الروايات على أنّ التقابل بالتباين ، فلا معارضة بينها وبين ما

ص: 434


1- الكافي 2 : 358 / 7 ؛ وسائل الشيعة 12 : 288 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 2 .
2- الأمالي ، الصدوق : 276 / 17 ؛ وسائل الشيعة 12 : 282 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 14 .

تقدّمت ممّا هي في مقام تحديد الغيبة ، كما لا يخفى .

وبه يدفع توهّم عدم إمكان تعلّق حكمين وإرادتين على عنواني الأخصّ والأعمّ ؛ فإنّه على فرض صحّته إنّما هو في الأخصّ المطلق ، لا من وجه ، بل ولا مطلق الأخصّ المطلق ، بل فيما إذا أخذ عنوان الأعمّ في الأخصّ كالرقبة والرقبة المؤمنة ، لا فيما كانا كذلك بحسب الانطباق .

وبما ذكر يظهر حال غيرها ممّا تشعر بذلك :

كرواية منسوبة إلى يحيى الأزرق - وهو مجهول(1) ، والرواية ضعيفة وإن كان الراوي عنه أبان وهو من أصحاب الإجماع ؛ لما قرّرناه في محلّه(2) من عدم تصحيح نقل أصحاب الإجماع من بعدهم . نعم ، رجّحنا العمل بخصوص مرسلات ابن أبي عمير دون غيره ودون مسنداته - قال : قال لي أبو الحسن علیه السلام :

«من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه ، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه الناس اغتابه ، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهتّه»(3) .

ورواية ابن سنان ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه ، وأمّا إذا قلت ما ليس فيه فذلك قول اللّه عزّ وجلّ : )فَقَدِ احْتَمَلَ

ص: 435


1- تنقيح المقال 3 : 312 / السطر 17 (أبواب الياء) .
2- راجع الطهارة ، الإمام الخميني قدس سره 3 : 350 .
3- الكافي 2 : 358 / 6 ؛ وسائل الشيعة 12 : 289 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 3 .

بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (»(1) .

بل مرسلة الحسين بن سعيد عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «من قال في مؤمن ما ليس فيه حبسه اللّه في طينة خبال حتّى يخرج ممّا قال فيه» . وقال : «إنّما الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه ممّا ستره اللّه عزّ وجلّ ، فإذا قلت فيه ما ليس

فيه فذلك قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه : )فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (»(2) .

فإنّها مع إرسالها محمولة - ولو جمعاً بينها وبين ما في مقام التحديد - على ما هو صِرف غيبته بلا انطباق عنوان آخر عليه ، وأمّا إذا لم يكن فيه فمشمول مع ذلك لقوله تعالى : )احْتَمَلَ بُهْتَاناً ( . مضافاً إلى احتمال أن يكون فيها بصدد بيان قسم من الغيبة وهو الذي ستره اللّه عليه وكان فيه ، لا بصدد بيان ماهيتها الكلّية .

فالأظهر عدم اعتبار هذا القيد في عنوان الغيبة ، فلو كان لعنوانها أثر خاصّ ، يترتّب على من اغتاب مؤمناً بما ليس فيه ، كما لو قلنا بوجوب الاستحلال منه أو الاستغفار له .

عدم اعتبار كراهة المغتاب في مفهوم الغيبة

والظاهر أنّ اعتبار كراهة المغتاب - كما هو ظاهر جملة من كتب اللغة ك «الصحاح» و«المصباح» و«معيار اللغة» و«مجمع البحرين»(3) وجملة من

ص: 436


1- تفسير العيّاشي 1 : 275 / 270 ؛ وسائل الشيعة 12 : 286 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 22 .
2- مستدرك الوسائل 9: 127، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 133، الحديث 2.
3- تقدّمت في الصفحة 426 - 427 .

تعاريف الفقهاء(1) كالتعريفين المتقدّمين عن رسالة الشهيد الثاني والمحكيّ عن «أربعين» البهائي وعن «جامع المقاصد» قائلاً : «إنّ حقيقة الغيبة على ما في الأخبار أن تقول في أخيك ما يكرهه ممّا هو فيه» والإجماع المنقول المتقدّم(2) الذي حكاه شيخنا الأنصاري عن بعض من قارب عصره ولعلّه أوّل النراقيين - أيضاً من تخلّل الاجتهاد ودعوى دلالة الروايات عليه ، كما صرّح به المحقّق الثاني في عبارته المتقدّمة ، وادّعى الشيخ الأنصاري دلالة جملة من الأخبار عليه ، قال : وعلى هذا التعريف دلّت جملة من الأخبار ، مثل قوله صلی الله علیه و آله وسلم - وقد سأله أبوذرّ عن الغيبة - أ نّها «ذكرك أخاك بما يكرهه» ، وفي نبوي آخر قال صلی الله علیه و آله وسلم : «أتدرون ما الغيبة ؟» قالوا : اللّه ورسوله أعلم . قال : «ذكرك أخاك بما يكرهه»(3) ، انتهى .

والأقوى عدم اعتباره في ماهية الغيبة كما هو ظاهر «القاموس» ، و«نهاية» ابن أثير ، و«منتهى الإرب» ، و«المنجد» ، و«مجمع البيان» ، وعن بعض أهل اللغة ، وهو صريح النراقي في «المستند»(4) .

ولا في مفهومها العرفي ، وهو واضح ؛ لصدقها على ذكر السوء ولو لم يكرهه صاحبه ، ولهذا يقال : إنّه غير كارهٍ لاغتيابه أو راضٍ به من غير تأوّل .

ولا بحسب الأخبار ؛ فإنّ مقتضى إطلاقها عدم اعتباره :

ص: 437


1- تقدّمت في الصفحة 427 - 428 .
2- تقدّم في الصفحة 428 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 321 .
4- تقدّمت أقوالهم في الصفحة 426 - 427 .

كرواية داود بن سرحان وروايتي عبد الرحمان بن سيابة ورواية يحيى الأزرق وعبداللّه بن سنان المتقدّمات(1) ، وغيرها ممّا في «الوسائل»(2) و«المستدرك»(3) ، بل ومرسلة ابن أبي عمير(4) ، وصحيحة هشام عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اُذناه فهو من الذين قال اللّه : )إنَّ الَّذِينَ . . .(»(5) .

بل ورواية «عقاب الأعمال» ، وفيها : «ومن مشى في عيب أخيه وكشف عورته كان أوّل خطوة خطاها وضعها في جهنّم ، وكشف اللّه عورته على رؤوس الخلائق»(6) .

فإنّ الظاهر أنّ المراد بما ذكر فيهما هو الغيبة ، لا عنوان آخر غيرها كما تمسّك بهما الفقهاء في حرمتها (7) .

وأمّا النبويان المتقدّمان في كلام الشيخ(8) ، فالنسخ التي عندنا من

ص: 438


1- تقدّمت الروايات في الصفحة 431 - 436 .
2- راجع وسائل الشيعة 12: 278، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 152 و154.
3- راجع مستدرك الوسائل 9 : 113 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 و133 .
4- تقدّمت في الصفحة 417 .
5- تقدّمت في الصفحة 418 .
6- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 340 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 285 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 21 .
7- راجع المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 15 ؛ المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 317 .
8- تقدّما في الصفحة 432 - 433 .

«الوسائل»(1) و«الوافي»(2) و«المستند»(3) حاكي-ين عن «مكارم الأخلاق» ، وفي «مجمع البحرين»(4) و«كشف الريبة» للشهيد قائلاً : «وقد جاء على المشهور قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم »، فساق الحديث(5) ، والمحكيّ عن «جامع السعادات»(6) للنراقي وعن «سنن» البيهقي : «ذكرك أخاك بما يكره»(7) لا «بما يكرهه» ، كما في نقل الشيخ(8) . ولعلّه رواهما عن «الجواهر»(9) وهو من غلط النسخة أو سهو قلمه الشريف ، والنسخة الصحيحة ما نقلناه .

والمظنون أن يكون لفظة «يكره» على صيغة المجهول، فتساوق مع ما في «منتهى الإرب» على ما تقدّم(10) .

ولو قيل باحتمال كونها على صيغة المعلوم محذوفاً مفعولها .

قلنا : مع بُعده في الجملة ، إنّ غاية الأمر تكون مجملة لا تصلح لتقييد المطلقات المتقدّمة .

ص: 439


1- وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 9 .
2- الوافي 26 : 198 .
3- مستند الشيعة 14 : 160 .
4- مجمع البحرين 2 : 136 .
5- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 11 - 12 .
6- جامع السعادات 2 : 293 .
7- السنن الكبرى ، البيهقي 10 : 247 .
8- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 321 - 322 .
9- راجع جواهر الكلام ، كتاب التجارة ، في بيان حرمة الغيبة ، طبع سنة 1325 ه . ق : 15 ؛ ولكن في الجواهر 22 : 63 (ط - دار الكتب الإسلامية) «بما يكره» .
10- تقدّم في الصفحة 426 .

واحتمال انصراف الأدلّة عمّا إذا رضي المغتاب أو لم يكرهه سيّما أنّ ترك الغيبة من حقوق الاُخوّة ومع عدم الكراهة أو الرضا بها يكون بمنزلة الإسقاط ، في غاية الوهن والضعف ؛ ضرورة أنّ إفشاء ما ستره اللّه تعالى على عباده من نحو المعاصي والقبائح والأعراض لا يجوز حتّى على الفاعل أو الموصوف - إذا أوجب هتكه وهتك عرضه - فضلاً عن غيره ، وهو ليس من الحقوق التي جاز إسقاطها ، وليس كلّ ما سمّي حقّاً بين الأخوين جائز الإسقاط ، فإنّ عدم الخيانة أيضاً عدّ من الحقوق .

ولعلّ الشارع لا يرضى بكشف ستر المؤمن مطلقاً ؛ رضي به أم لا .

وفي الحديث : «صونوا أعراضكم»(1) .

وظنّي ورود ما دلّت على عدم جواز هتك المؤمن عرضه ، وأنّ عرضه ليس بيده ، وفي الحديث : «ليس أن يذلّ نفسه»(2) و«إنّ اللّه تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن كلّ شيء إلاّ إذلال نفسه»(3) ، تأمّل .

وبالجملة : دعوى الانصراف لا وجه لها . وقلّة الوجود لا توجب الانصراف، بل المناسبات تقتضي قوّة الإطلاق .

والإنصاف أنّ رفع اليد عن إطلاق الآيات والروايات والتشديدات

ص: 440


1- مجمع البحرين 4 : 214 .
2- كتاب سليم بن قيس: 416؛ مستدرك الوسائل 12: 211، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 11 ، الحديث 3 ؛ المبسوط ، السرخسي 5 : 23 .
3- راجع وسائل الشيعة 16 : 156 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 12 ، الحديث 3 .

والاهتمامات الواردة في حرمة غيبة المؤمن وإذاعة سرّه وهتكه وتعييبه وغير ذلك ، غير ممكن .

فالأظهر الأقوى عدم اعتبار هذا القيد ، وليس الكلام هاهنا في المتجاهر والمتهتّك الذي لا يبالي بما قيل أو يقال فيه .

ثمّ على ما ذكرناه من عدم اعتبار كراهته يسقط البحث عن أنّ المراد بكراهته كراهة وجوده أو كراهة ظهوره أو كراهة ذكره ، وأنّ المراد بالموصول هل هو نفس النقيصة أو الكلام الذي يذكر الشخص به ، إلى آخر ما قاله الشيخ الأنصاري(1) .

فإنّها مبنيّة على ثبوت الرواية بنحو ما نقلها ، أو ترجيح احتمال البناء للفاعل ، وكلاهما غير سديد ؛ أمّا الأوّل فقد تقدّم . وأمّا الثاني فالأرجح بالنظر البناء للمفعول ، فتكون الرواية مطابقة لسائر الأدلّة المستدلّ بها لحرمة الغيبة . ولو نوقش فيه فلا ترجيح للاحتمال الآخر ، فتكون مجملة كما تقدّم .

عدم اعتبار مستورية العيب في مفهوم الغيبة

ثمّ إنّ قيد مستورية العيب أيضاً ليس من قيود موضوعها عرفاً ولغةً ، كما تشهد به جميع الكلمات المتقدّمة من اللغويين والتعاريف المتقدّمة من الفقهاء ، فإنّه ليس في واحد منها ذكر عن اعتباره .

نعم ، ربّما يقال بظهور كلام صاحب «الصحاح» و«المجمع» في اعتباره ؛

ص: 441


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 322 .

حيث قالا : «وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بما يغمّه لو سمعه»(1) فإنّه ظاهر في التكلّم بشيء مستور .

وأنت خبير بما فيه ؛ فإنّ المراد بالإنسان المستور هو العفيف .

قال في «الصحاح» : «ورجل مستور وستير ؛ أي عفيف والجارية ستيرة»(2) .

وفي «القاموس» : «الستير : العفيف كالمستور»(3) ونحوهما في «المنجد»(4) .

والظاهر أنّ هذا القيد في تعريف «الصحاح» و«المجمع» مأخوذ من الرواية المنقولة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له» . رواها في «المستدرك» عن القطب الراوندي(5) ، ورواها الشهيد عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم (6) ، وعن «سنن» البيهقي عنه صلی الله علیه و آله وسلم (7) ، وفي «المستدرك» عن «اختصاص» الشيخ المفيد عن أبي الحسن الرضا علیه السلام(8) .

فقد ظهر من كلمات اللغويين والفقهاء في مقام التحديد والتعريف

ص: 442


1- الصحاح 1 : 196 ؛ مجمع البحرين 2 : 135 .
2- الصحاح 2 : 677 .
3- القاموس المحيط 2 : 46 .
4- المنجد : 320 .
5- مستدرك الوسائل 9 : 129 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 134 ، الحديث 3 .
6- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 33 .
7- السنن الكبرى ، البيهقي 10 : 210 .
8- الاختصاص : 242 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 129 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 134 ، الحديث 3 .

عدم اعتباره في مفهوم الغيبة .

فحينئذٍ : تدلّ الآية أو الآيات والروايات بإطلاقها على حرمتها في عيب مستور وغيره ، ولا بدّ في استثنائه ومقدار ذلك من التماس دليل صالح لتقييدها وكان الأولى ذكره وكذا ذكر بعض ما تقدّم في المستثنيات ، والأمر سهل .

ومن الروايات التي يمكن الاستدلال بها على الاستثناء رواية عبداللّه بن سنان ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «الغيبة أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه»(1) . وقريب منها رواية عبدالرحمان بن سيابة(2) .

ويحتمل أن يكون المراد بما ستره اللّه عليه ما يكون مستوراً تكويناً مقابل المكشوف تكويناً ، فمثل العمى والبرص والعور وطول القامة وقصرها مكشوف ولو فرض ستره بساتر كالعمامة والقميص ونحوهما ، ومثل الجبن والبخل والحرص والطمع مستور ولو فرض كشفها بالآثار .

والظاهر ضعف هذا الاحتمال ولو بقرينة سائر الروايات الآتية .

والأقوى الأظهر أنّ المراد بها مستوريتها عن الناس مقابل مكشوفيتها بينهم . فالبرص المستور عن أعين الناس يكون ممّا ستره اللّه تعالى عليه ، والبخل المكشوف لديهم بآثاره ممّا كشفه اللّه تعالى وهو من العيب الظاهر .

وهذا هو الموافق لسائر الروايات :

ص: 443


1- تفسير العيّاشي 1 : 275 / 270 ؛ وسائل الشيعة 12 : 286 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 22 .
2- تقدّمت في الصفحة 433 - 434 .

كرواية داود بن سرحان ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الغيبة ، قال : «هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل وتبثّ عليه أمراً قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ»(1) .

ورواية عبد الرحمان بن سيابة ، حيث مثّل فيها للأمر الظاهر بمثل الحدّة والعجلة(2) .

وأوضح منهما رواية يحيى الأزرق ، قال : قال لي أبو الحسن علیه السلام : «من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه ، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه ممّا لا يعرفه الناس اغتابه»(3) .

فالميزان هو المستورية والمعروفية بين الناس .

ولا يخفى : أنّ المعروفية - في مقابل عدمها - ليست المعروفية بين جميع الناس ، بل المراد هو المعروفية العرفية ، كمن كان معروفاً في بلد أو طائفة وقبيلة بل عند جمع معتدّ به .

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ المعروفية في بلد مثلاً توجب جواز غيبته مطلقاً حتّى في بلد آخر ولدى أشخاص اُخر كان العيب مستوراً عنهم .

أو أنّ الجواز مقصور بغيبته لدى العارفين ، فإذا صار معروفاً لدى الناس جازت عندهم فقط .

ص: 444


1- تقدّمت في الصفحة 431 .
2- تقدّمت في الصفحة 433 - 434 .
3- الكافي 2 : 358 / 6 ؛ وسائل الشيعة 12 : 289 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 3 .

أو أنّ الجواز وعدمه دائر مدار علم السامع وعدمه ولو لم يكن معروفاً لدى الناس . وبعبارة اُخرى : المعروفية عند الناس عرفاً موضوعة للجواز مطلقاً ، أو لدى العارفين .

أو أنّ الموضوع للجواز معلوميته لدى المستمع ، فتكون الغيبة المحرّمة عبارة عن كشف ستر المؤمن ؛ فمع علم السامع لم يكن ذكره كشفاً لستره ، ومع جهله يكون كشفاً ولو كان مكشوفاً لدى غيره بل في بلده ولدى الناس .

لعلّ الأقرب بنظر العرف ولو بمناسبة الحكم والموضوع هو الأخير ؛ لصدق الستر عليه بالإضافة إلى هذا الشخص ، وليس المراد بالستر الستر من جميع الناس حتّى يكون الكشف عند واحد كافياً لجوازها .

إلاّ أن يقال : كما أ نّه ليس المراد به الستر من جميع الناس كذلك ليس المراد

بمثل قوله : «ممّا ستره اللّه عليه» ، الستر عن واحد واثنين مع مكشوفيته لدى أهل بلده ، ففي مثله لا يصدق أنّ ذلك ممّا ستره اللّه عليه .

كما أ نّه إن كان مستوراً لدى الناس وقد علم به واحد أو اثنان لا يقال : إنّ اللّه تعالى كشف عيبه .

فالستر والكشف وإن لم يكونا هو الكشف والستر لدى جميع الناس لكنّهما لدى العرف عبارة عن حصولهما بنحو معتدّ به ؛ بحيث يقال : إنّه معروف بذلك لدى الناس .

فحينئذٍ يقال : ستره اللّه عليه أو كشف اللّه ستره ، فلا يجوز ذكره حتّى لدى العارف به إلاّ مع معروفيته به .

إلاّ أن يقال : إنّ العرف ولو بمناسبات يفهم من مثل الرواية أ نّه ليس لأحد

ص: 445

كشف ما ستره اللّه على عبده ، ولا ذكره ولو لم يكن كشفاً ولم يكن مستوراً ، وأ نّه تعالى نهى عن بثّ الفاحشة وإشاعتها . وأمّا إذا لم يكن للذكر أثر في الطرف ويكون ذكره وعدم ذكره سواء بالنسبة إلى كشف الستر والعورة ، فالرواية قاصرة عن إثبات حرمته .

وبعبارة اُخرى : المفهوم منها أنّ العبد لا بدّ في ذلك أن يكون تابعاً للّه تعالى في أصل الستر ومقداره ؛ فإن ستره اللّه مطلقاً ستره كذلك وإن كشفه كشفه بمقداره ، لا أزيد .

لكنّه مشكل بعد إطلاق الكتاب والسنّة وبعد أخذ عناوين في الروايات المجوّزة ممّا يرى العرف عناية القائل بها ، نحو قوله : «قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ المراد بعدم قيام الحدّ - مقابل قيامه - هو بيان تحديد مقدار الانتشار ، وأ نّه إذا صار محدوداً يصير لا محالة معروفاً بذلك وانتشر عيبه فلا يكون ذكره غيبة . فالظاهر منه العناية بذكر التحديد ، وليس قيام الحدّ وعدمه موضوعاً ، كما لا يخفى ، سيّما مع قرينية سائر الروايات .

وكذا قوله : «وأمّا الأمر الظاهر مثل الحدّة والعجلة فلا»(2) ، ظاهر بمؤونة المثال في أنّ الميزان انتشار صفته كانتشار عجلته وحدّته ، فإنّهما لا يخفيان على نوع من عاشره .

ص: 446


1- تقدّم في الصفحة 444 .
2- تقدّم في الصفحة 434 .

وأوضح منهما رواية الأزرق التي علّق فيها الحكم على معرفة الناس(1) . فإلغاء الخصوصية من تلك الروايات مشكل بل ممنوع .

معنى الستر الوارد في رواية العيّاشي

وملخّص القول في مفادها : أنّ في رواية العيّاشي(2) - بعد الجزم بعدم كون المراد ممّا ستره اللّه عليه الستر التكويني كما تقدّم احتماله ، وبعد معلومية أنّ المراد المستورية أو المكشوفية لدى الناس - احتمالات :

منها : أن يكون الستر المطلق موضوعاً للحرمة مقابل الكشف في الجملة ؛ فإذا كان العيب مستوراً عن الناس مطلقاً يكون ذكره غيبة محرّمة ، وإذا لم يكن كذلك ولو بظهوره عند بعض الناس لا يكون ذكره غيبة مطلقاً .

ومنها : مقابل ذلك ، وهو أن يكون الستر في الجملة موضوعاً لها مقابل الكشف المطلق لا بمعنى كشفه لدى جميع الناس بل بمعنى كشفه عند من يعرف هذا الرجل ، بمعنى أنّ كلّ من يعرفه ، يعرفه بهذا العيب ، فإذا كان مستوراً عند بعض يكون ذكره غيبة .

ومنها : أن يكون المراد بالستر ومقابله ، الستر والكشف العرفي ؛ أي الستر بمقدار يقال عرفاً : إنّه مستور عن الناس ، والكشف كذلك ، فلا ينافي علم بعض ولا جهله .

ص: 447


1- تقدّمت في الصفحة 444 .
2- تفسير العيّاشي 1 : 275 / 270 ؛ وسائل الشيعة 12 : 286 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 22 .

وهذا الأخير أقرب الاحتمالات ، بل هو المتعيّن بملاحظة سائر الروايات :

فإنّ رواية داود بن سرحان(1) كالصريحة في هذا الاحتمال ؛ ضرورة أنّ قبل قيام الحدّ كان العيب معلوماً عند بعض كالقاضي والشهود بل ومأمور الإجراء ، فيظهر منها عدم الاكتفاء بهذا القدر من المعلومية ، بل لا بدّ من انتشار نحو انتشاره بجريان الحدّ ، كما أنّ هذا النحو من الانتشار ليس انتشاراً مطلقاً ولا مقابله مستورية مطلقة وكذا الحال في سائر الروايات .

وبالجملة : إنّ الظاهر منها هو الانتشار والاستتار العرفيان .

ثمّ المتيقّن منها أ نّه عند الانتشار والمعروفية عند الناس عرفاً لا يكون غيبة عند العارفين .

ويحتمل أن يكون مقتضى إطلاقها جوازها لدى غيرهم ، لكنّه لا يخلو من إشكال ؛ لعدم الإطلاق في مفهوم رواية عبداللّه بن سنان(2) إن قلنا بأصل المفهوم ؛ لكونها في مقام تحديد الغيبة . وأمّا إطلاقه بالنسبة إلى العارف وغيره فغير ظاهر .

وكذا الحال في رواية عبد الرحمان بن سيابة بطريق الحسن بن محبوب ، بل هي أولى بعدم المفهوم ؛ لقوله : «إنّ من الغيبة أن تقول . . .»(3) . وكذا في رواية داود بن سرحان(4) .

فلا إطلاق في مفاهيم هذه الروايات .

ص: 448


1- تقدّم في الصفحة 444 .
2- تقدّمت في الصفحة 443 .
3- تقدّم في الصفحة 433 - 434 .
4- تقدّمت في الصفحة 444 .

ورواية الأزرق(1) مع ضعفها لا يبعد أن يقال فيها : إنّ الظاهر من قوله : «من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس» ، ذكره عندهم ، كما أنّ المراد بالجملة الثانية أن يذكره عند غير العارفين . فإطلاقها أيضاً مشكل .

بقيت رواية واحدة هي رواية عبد الرحمان بن سيابة بطريق يونس(2) .

فمع تسليم إطلاقها وعدم القول بانصرافها إلى ذكره عند من يعرفه بذلك ، لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الآيات والروايات الكثيرة بها .

مع كون الراوي عن يونس بن عبد الرحمان ، محمّد بن عيسى ، وقد استثناه ابن الوليد من رجال يونس وتبعه الصدوق وضعّفه جمع(3) . ونحن وإن لم نقل بضعفه لكن العمل برواياته في خصوص مورد الاستثناء مشكل سيّما في مثل المسألة .

وعدم ورود توثيق ممّن يعتمد على توثيقاته في عبد الرحمان بن سيابة ، بل رماه صاحب «المدارك» - على ما حكي(4) - بالجهالة(5) ، وإن لا يخلو من مدحٍ ما .

وكيف كان : يشكل تقييد الإطلاقات بمثلها . فالمسألة مشكلة ، والأحوط ما ذكر بل لا يخلو من قوّة .

نعم ، ما هو المتيقّن من مضمون الروايات لا بأس بالعمل به .

ص: 449


1- تقدّمت في الصفحة 444 .
2- تقدّمت في الصفحة 433 - 434 .
3- تنقيح المقال 3 : 167 / السطر 26 (أبواب الميم) .
4- تنقيح المقال 2 : 144 / السطر 23 (أبواب العين) .
5- مدارك الأحكام 8 : 180 .

اعتبار قصد الانتقاص في مفهوم الغيبة

وأمّا قصد الانتقاص فالظاهر اعتباره في مفهومها عرفاً ؛ فمن ذكر عيب مريض عند الطبيب ليعالجه من غير قصد التعييب والانتقاص لا يقال : إنّه اغتابه في العرف .

وتشهد له كلمات كثير من اللغويين(1) ك «الصحاح» و«المجمع» ، حيث فيهما : «اغتابه اغتياباً : إذا وقع فيه» . فإنّ معنى وقع فيه وقيعة أن يذكره بسوء ؛

ففي «المنجد» : «وقع في فلان : سبّه وعابه واغتابه»(2) ، وك- «نهاية» ابن أثير و«منتهى الإرب» و«معيار اللغة» و«المنجد» وصدر كلام «القاموس» . وما في ذيله : «والغيبة فِعلة منه تكون حسنة أو قبيحة» لا ينافي صدره ؛ لاحتمال أن يكون مراده تقسيم الغيبة إليهما فتكون الحسنة غيبة المتجاهر بقصد المنع عن المنكر مثلاً . بل لا يبعد أن يكون هذا ظاهر كلامه . ولعلّه يرجع إلى كلام الطبرسي ؛ حيث قيّد ذكر العيب بقوله : «بوجه تمنع الحكمة» .

أو أن يكون مراده أنّ لها معني-ين : أحدهما تعييبه وذكره بالسوء ، وثانيهما ذكره بما فيه من الحسن .

أو يكون مراده أنّ الغيبة عبارة عن تعييب غيره سواء كان التعييب بشيء قبيح أو حسن ، فإذا عابه بشيء ولو كان حسناً واقعاً اغتابه .

بل لعلّ الاعتبار مقتضى كلام كلّ من قيّده ب «ما يكرهه» ؛ من حيث ملازمة

ص: 450


1- تقدّمت في الصفحة 426 - 427 .
2- المنجد : 913 .

الإكراه نوعاً للذكر في مقام الانتقاص ، وعدمه نوعاً في غيره كمقام التلطّف والترحّم ونحوهما .

وهو صريح التعريفين في رسالة الشهيد والمحكيّ عن البهائي(1) ، بل مقتضى سائر التعاريف بناءً على ظهور «ما يكرهه» في ذلك .

وكيف كان : المتبادر من الغيبة اعتبار هذا القيد في مفهومها ، فيكون جميع الأدلّة التي علّق فيها الحكم على عنوانها ظاهرة فيه .

مضافاً إلى ظهور جلّها لولا كلّها - مع الغضّ عمّا ذكر - في اعتباره ، كآية

تحريمها (2) بمناسبة ذيلها ؛ فإنّ الظاهر من أكل لحم الأخ هو ذكره على سبيل الانتقاص . وهو الظاهر من جميع الروايات الواردة بهذا المضمون .

كما هو الظاهر من قوله : )لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ((3) فإنّ ذكر السوء والجهر به عبارة اُخرى عن التعي-يب سيّما مع استثناء مَن ظلم ، وقوله تعالى : )وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ((4) ، كما عن أهل اللغة والتفسير(5) والمتفاهم منهما عرفاً ، وقوله : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ . . .((6) .

وهو المتفاهم من جلّ الروايات لفظاً وسياقاً وبمناسبات الحكم والموضوع ،

ص: 451


1- تقدّم في الصفحة 427 - 428 .
2- الحجرات (49) : 12 .
3- النساء (4) : 148 .
4- الهمزة (104) : 1 .
5- مجمع البيان 10 : 818 ؛ القاموس المحيط 2 : 198 .
6- النور (24) : 19 .

فراجع ما وردت في حرمتها وما وردت في وجوب ردّها تجد صدق ما ذكرناه(1).

نعم ، هنا بعض روايات يمكن أن يكون منشأ توهّم عدم اعتباره :

منها : رواية [محمّد بن] الفضيل عن أبي الحسن موسى علیه السلام، قال : قلت له : جعلت فداك ، الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه ، فأسأله عنه فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات . فقال لي : «يا محمّد ، كذِّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولاً فصدِّقه وكذِّبهم ، ولا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته ، فتكون من الذين قال اللّه : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ (»(2) .

بدعوى : أ نّها في صدد بيان حرمة الغيبة ، ومقتضى إطلاق صدرها أنّ مجرّد ما يوجب شياع الفاحشة حرام وداخل في مفاد الآية .

أو يقال : إن سلِّم عدم كونها في مقام بيان حرمة الغيبة لكنّها في مقام بيان حرمة إذاعة الفاحشة ، ومقتضى إطلاق صدرها حرمة ذكر عيب الغير سواء كان بقصد الانتقاص أم لا ، فيكشف من إطلاق الرواية إطلاق الآية والمعنى المراد منها ، وهو أنّ المراد بإشاعتها مطلق فعل ما يوجب شياعها ، سيّما مع ذكر الآية

ص: 452


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، 154 و156 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 113 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، 135 و136 .
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 295 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 295 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 157 ، الحديث 4 .

بنحو التفريع على الرواية، والمتفرّع على شيء يتبعه في الإطلاق والتقييد .

مع إمكان أن يقال بقيام قرينة عقلية على التعميم ، وهي أن لا فائدة في التنبيه

على دخول القاصد لإشاعة الفاحشة في عموم الآية ، وإنّما يحسن التنبيه على أنّ قاصد السبب - أي فعل ما يوجب إشاعة الفاحشة - قاصد لإشاعتها بالحمل الشائع وإن لم يكن قاصداً لها بالحمل الأوّلي . وكيف كان : فمطلق ذكر عيب الغير سواء كان بقصد الانتقاص أم لا بل ولو كان بقصد الترحّم والتلطّف داخل في إطلاق الصدر ، وإطلاقه كاشف عن معنى الآية ، سمّي غيبة أم لا(1) .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ ما رُمناه في المقام هو تحصيل مفهوم الغيبة عرفاً أو ما

يعتبر في عنوانها بدليل شرعي ليترتّب عليه أحكامها الخاصّة ، وقد علمت أنّ الرواية ولو مع استشهادها بالآية قاصرة عن إثبات عنوانها - أنّ إطلاق صدرها لما لم يقصد الانتقاص ممنوع ؛ فإنّ الظاهر من مجموع الرواية سيّما قوله علیه السلام :

«ولا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته» أنّ النهي متعلّق بذكر عيوبه لشينه وهدم مروءته ، ولا أقلّ من أن يكون ذكره ملازماً له ، ومعه لا ينفكّ قصده عن قصد التعييب ولو بالحمل الشائع .

فلا تشمل ما إذا كان قصده من ذكره عدم التعييب ، بل ذكره عند الطبيب لعلاجه ، وعند الغنيّ للترحّم عليه ، وعند الحاكم لدفع الظلم عنه ؛ لعدم صدق أ نّه شانه وهدم مروءته واغتابه وعابه .

وليس المراد من قصد الانتقاص قصد عنوانه ، ولا من حبّ شيوع الفاحشة

ص: 453


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 326 - 327 .

في الآية حبّ عنوانه جزماً ، بل المراد حبّ شيوع ما هو فاحشة بالحمل الشائع وقصد الانتقاص كذلك .

فلا ينبغي الإشكال في أنّ الظاهر من الرواية : أنّ من ذكر عيب الغير وأذاعه وشانه وهدم مروءته داخل في الآية ، كما لا شبهة في أنّ مفاد الآية ليس إلاّ حرمة إفشاء الفاحشة ، وهو الظاهر عرفاً من قوله : يحبّ أن تشيع الفاحشة في فلان أو في الذين آمنوا . فحينئذٍ يكون ما في الرواية داخلاً في الآية من غير تصرّف فيها .

وأمّا ما اُفيد من القرينة العقلية ومن تفريع الآية على الرواية وتبعيتها في الإطلاق(1) فغير وجيه ؛ لأنّ ذكر الآية إنّما هو لإخافة المكلّف عن العذاب الأليم الموعود لمن يشيع الفاحشة في المؤمن ، لا التنبيه على أنّ قاصد السبب قاصد للمسبّب ، وليس ذكر الآية تفريعاً على نحو سائر التفريعات حتّى يقال : تتبعها في الإطلاق ، بل الظاهر أنّ ذكرها لمجرّد التنبيه على إيعاد اللّه تعالى والتذكير بأنّ

إذاعة عيب الناس موجبة للعذاب الأليم .

والإنصاف أنّ الرواية بعيدة عن إفهام ما ذكر من الوجه العلمي والفنّي .

ومنها : مرسلة ابن أبي عمير(2) عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وصحيحة هشام(3) عنه علیه السلام ، قال : «من قال في مؤمن ما رأته عيناه أو سمعته اُذناه فهو من الذين

ص: 454


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 105 - 106 .
2- تقدّمت في الصفحة 417 .
3- تقدّمت في الصفحة 418 .

قال اللّه عزّ وجلّ : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ . . .(» بالتقريب المتقدّم(1) من أنّ ظاهر إطلاق الصدر شموله لكلّ قول في مؤمن ، ومن إطلاقه يكشف أنّ المراد بالآية معنىً أعمّ ممّا هو ظاهرها ؛ أي مطلق ذكر الغير بالعيب بأيّ قصد كان ، ولا يأتي في هذه الرواية ما في الرواية المتقدّمة وهو دعوى ظهورها في تعييب الناس .

وفيه : أنّ فيها احتمالين : أحدهما : أن يكون المراد بقوله ذلك إلحاق القائل في مؤمن بالآية موضوعاً ، كما هو ظاهر : «فهو من الذين قال اللّه . . .» .

فيدور الأمر حينئذٍ بين التصرّف في ظاهر الآية بما يشمل مطلق الذكر ولولا لحبّ شيوع الفاحشة ولو بالحمل الشائع وحفظ إطلاق الرواية .

وبين القول بقرينية الآية للمراد من قوله : «من قال في مؤمن . . .» بأنّ من اغتاب مؤمناً أو من عيّب مؤمناً فكذا .

ولا شبهة في رجحان الثاني ؛ فإنّه ظهور لفظي حافّ بالكلام مانع عن الإطلاق .

مع أنّ التصرّف في الآية بما ذكر من أبعد التصرّفات بل مناقض لظهورها بخلاف حمل الصدر على الاغتياب والتعييب ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ قوله : «من قال في مؤمن . . .» ظاهر في نفسه فيه فضلاً عن محفوفيته بالآية .

وثانيهما : أن يراد به الإلحاق الحكمي ، وعليه أيضاً لا يراد إلحاق مطلق القول في مؤمن بل بمقتضى المناسبة بين الملحق والملحق به يراد إلحاق اغتياب المؤمن وتعييبه به حكماً .

ص: 455


1- تقدّم في الصفحة 418 .

مضافاً إلى أنّ الإلحاق الحكمي خلاف ظاهر الرواية كما أشرنا إليه .

ومنها : الروايات الواردة في تفسير الغيبة ؛ كرواية عبد الرحمان بن سيابة(1) ، وداود بن سرحان(2) ، وعبداللّه بن سنان(3) ، ومرسلة أبان(4) .

فإنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين قصد الانتقاص وعدمه .

وفيه : أنّ ظاهرها أ نّها بصدد بيان أنّ المستور غيبة دون غير المستور ، لا بصدد بيان أنّ المستور كذلك مطلقاً ، وبعبارة اُخرى: إنّها بصدد بيان حكم آخر ، وهو أنّ ما ستره اللّه غيبة لا ما هو أمر ظاهر ، وأمّا أنّ ما ستره اللّه مطلقاً أو بقيد يكون كذلك فليست في مقام بيانه .

وإن شئت قلت : إنّها ليست بصدد بيان إدخال ما ليس بغيبة عرفاً ولغةً فيها تعبّداً ، بل بصدد بيان إخراج قسم منها عنها ، فلا إطلاق لها في الجهة المنظورة .

وأمّا ما عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّها «ذكرك أخاك بما يكره»(5) ؛ فالظاهر منه بناءً على البناء للمجهول أنّ الغيبة ذكر السوء ، والمتفاهم منه عرفاً هو تعييب الغير كما هو المتفاهم من قوله تعالى : )لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ((6) .

ص: 456


1- تقدّمت في الصفحة 433 .
2- تقدّمت في الصفحة 431 .
3- تقدّمت في الصفحة 435 .
4- تقدّمت في الصفحة 435 .
5- تقدّم في الصفحة 432 .
6- النساء (4) : 148 .

وعلى البناء للمعلوم منصرف إلى التعييب والانتقاص ؛ لأنّ ذكره على غير جهته كذكره عند الطبيب ونحوه لا يكون ممّا يكرهه . ولو فرض نادراً كراهته فالرواية منصرفة عنه .

والإنصاف أنّ اعتبار هذا القيد آيةً وروايةً وعرفاً ممّا لا ينبغي أن ينكر .

انصراف الأدلّة عن الذكر عند النفس بلا سامع

ثمّ إنّ الظاهر انصراف الأدلّة وكلمات الأصحاب واللغويين عن الذكر عند نفسه بلا مخاطب أو سامع .

ودعوى إطلاقها - بتقريب أنّ قوله في تفسير الغيبة : «ذكرك أخاك بما يكره» ، وقوله : «إذا ذكرته بما فيه فقد اغتبته» ونحوهما (1) ، من قبيل قوله : «ذكر اللّه حسن»(2) ؛ فكما لا يعتبر في ذكر اللّه أن يكون عند مخاطب كذلك في المقام، ودعوى أنّ نكتة حرمة الغيبة هي الفساد المترتّب عليها؛ من كشف ستر المؤمن ، وحصول العداوة بين الأحبّة ونحوهما، غير ثابتة؛ لإمكان النهي عنها مضافاً إلى ذلك لحفظ لسان المغتاب - بالكسر - وعدم اعتياده بالفحش والتعييب، وتنزيه نفسه عن التفكّه بأعراض الناس ، فلا مانع من إطلاقها - ممنوعة ؛ ضرورة أنّ المتفاهم من جميع الأدلّة بل وكلمات القوم هو الذكر عند الغير . والقياس

ص: 457


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 432 .
2- الكافي 2 : 497 / 6 ؛ وسائل الشيعة 1 : 310 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 7 ، الحديث 2 .

بذكر اللّه الذي بين العبد وخالقه مع الفارق ، كما لا يخفى .

والإنصاف أ نّه مع خلوّ الأذهان عن الاحتمالات العقلية والمناقشات العلمية لا ينقدح فيها من الأدلّة إلاّ التعييب عند الناس .

بل الظاهر اعتبار هذا القيد في مفهومها العرفي ؛ فلا يقال لمن ذكر غيره عند نفسه : اغتابه وعابه .

فما أفاده شيخنا الأنصاري : أنّ ظاهر الأكثر دخول ذكره عند نفسه في تعريف الغيبة ، وحكى عن بعض معاصريه التصريح به(1) ، غير ظاهر ؛ فإنّ التعاريف المتقدّمة وكلمات اللغويين منصرفة عنه ، بل بعضها ظاهر في عدم الدخول ، كما أنّ الأدلّة كذلك .

نعم ، مع الغضّ عن الانصراف أو الظهور المذكور فالظاهر الدخول ؛ لما تقدّم من عدم دليل على أ نّها عبارة عن هتك ستر مستور(2) .

أمّا غير رواية داود بن سرحان ؛ أي روايتي ابني سنان وسيابة ورواية يحيى الأزرق فلما تقدّم من أنّ الستر في مقابل الكشف النفسي المطلق لكن بنظر العرف(3) ، فعليه إذا قال في أخيه ما يكون مستوراً عند الناس يكون مشمولاً للموضوع المأخوذ فيها ؛ لصدق أ نّه قال في أخيه وذكر أخاه ، فإنّ الذكر والقول لا يتوقّف صدقهما على وجود سامع ومخاطب .

ص: 458


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 332 .
2- تقدّم في الصفحة 441 .
3- تقدّم في الصفحة 443 .

وأمّا رواية داود وإن اشتملت على البثّ وهو النشر والإذاعة الغير الصادقين على ذكره لدى نفسه ، فربّما يقال : بما أ نّها في مقام التحديد تدلّ على الحصر ، سيّما مع ضمير الفصل وتعريف المسند إليه(1) .

لكن الظاهر أ نّه ليس فيها العناية بعنوان البثّ والنشر ، بل العناية بعنوان ما قد ستره اللّه عليه ، ولهذا ذكر فيها مقدار الستر وهو ما لم يقم عليه حدّ .

وإلاّ كان اللازم منه أن يكون البثّ والإذاعة محرّماً ، وهو لا يصدق مع الذكر عند واحد أو اثنين أو ثلاثة .

وتوهّم أ نّه بدليل آخر ، كما ترى ؛ فإنّها لو كانت في مقام بيان حدّها بجميع جهاتها كانت حاكمة على سائر الأدلّة .

مضافاً إلى أ نّها متعرّضة للأفعال المحرّمة بل ما تكون موجبة للحدّ ، فلو كانت في مقام التحديد من جميع الجهات كان لازمه قصرها بها ومعارضتها لسائر الأدلّة ، وهو كما ترى .

مع إمكان أن يقال : إنّ صدر الرواية غير مذكور فلا يعلم أ نّه سأله ما الغيبة مثلاً ، أو كان سؤاله بنحو لم يفهم منه القصر المدّعى. ويؤيّده إرجاع الضمير المذكّر .

فالقول الفصل هو ما تقدّم من الانصراف والظهور .

ص: 459


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 107 - 108 .

في اعتبار تعيين المغتاب

فهل يعتبر فيها أن يكون المغتاب مذكوراً بنحو التعيين ، فلا يكون ذكر أحد الشخصين بنحو الإبهام غيبة ، فضلاً عن ذكر مبهم في غير محصور ؟

والتفصيل أنّ المذكور بنحو الإبهام كقوله : أحدهما كذا أو واحد من التجّار كذا ، إمّا أن يكون معيّناً بحسب الواقع أو لا ، وعلى الأوّل إمّا أن يكون معلوماً عند القائل أو عند المخاطب أو عندهما ، أو ليس معلوماً عند واحد منهما .

الظاهر شمول الأدلّة لجميع صور المعيّن واقعاً حتّى المجهول عندهما ؛ فإنّه لو قال : زيد كذا وكذا ، وكان مشتبهاً في غير محصور ، يصدق أ نّه ذكره أخاه بما يكره ؛ فإنّ صدق ذكره لا يتوقّف على عدم كونه من أطراف الشبهة ولا على علم المخاطب والمتكلّم به .

فكما أنّ قوله : لعن اللّه قاتل زيد، لعن عليه ؛ كان في أطراف المشتبه أم لا ، معلوماً لدى القائل أم لا ، كذلك لو ذكره بسوء .

ودعوى انصراف الأدلّة عن بعض الصور ، ناشئة من دعوى أنّ الغيبة عبارة عن هتك ستر مستور كما عليه شيخنا الأنصاري(1) .

فمع عدم مقبولية الدعوى الثانية تدفع الاُولى أيضاً ، وقد تقدّم ما في الثانية .

نعم ، لا شبهة في عدم حرمة غيبة من يكون مشتبهاً مطلقاً أو في غير محصور عند السامع ، فضلاً عن مجهوليته عندهما ، لا لقصور الإطلاقات أو كون الغيبة

ص: 460


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 324 - 325 .

بمعنى كشف الستر ، بل لقيام السيرة على عدم الاجتناب عنها وورود نحوها في الأخبار وآثار الأخيار .

والظاهر أنّ المراد بعدم الحصر ليس ما يقال في أطراف العلم الإجمالي بل الأمر في المقام أوسع .

وأمّا غير المعيّن واقعاً كما لو قال : أحدهما بخيل ، وكانا بخيلين أو كانا غير بخيلين - بناءً على عدم توقّف صدق الغيبة على اتّصاف المغتاب بالمذكور - فهل يكون غيبة بأن يقال : إنّ «أحدهما» صادق على كلّ واحد من المعيّنين بنحو ، ولهذا لو قال : اضرب أحدهما ، يكون ضرب كلّ واحد منهما امتثالاً ، فلو لم ينطبق عليه لما يكون كذلك ، فيصدق عليه أ نّه ذكر أخاه بما يكره ؛ لعدم الفرق بين ذكره تعييناً ، أو أخذ عنوان في موضوع الكلام منطبق عليه ، بل يكون مغتاباً لكلّ منهما لانطباق العنوان عليهما ، تأمّل ، أو لا يكون غيبة ؛ لعدم ذكر هذا بعينه ، ولا ذاك بعينه، بل اغتاب أحدهما لا بعينه وهو غير مشمول للأدلّة ؟

وجهان ، لا يبعد ترجيح عدم الجواز في المحصور ولو بإلغاء الخصوصيات والمناسبات .

ثمّ إنّ هنا مشكلة وهي أ نّه لا شبهة في شمول الأدلّة للاغتياب بنحو العامّ الاستغراقي ، كأن يقال : أهل بلد كذا ، أو طائفة كذائية كذا ، فإنّه ينحلّ إلى ذكر كلّ

واحد من أهل البلد والطائفة .

لكن ورد في روايات كثيرة في أبواب متفرّقة تعييب طوائف وأهل بلدان(1) ،

ص: 461


1- راجع بحار الأنوار 57 : 201 - 240 .

ممّا يكون ظاهرها الاستغراق والعموم والإطلاق .

ويمكن أن يقال : إنّها مع ضعف كثير منها محمولة على محامل ، ككون النظر إلى أهل بلدان وطوائف في تلك الأعصار التي كانت أهاليها من الكفّار أو المخالفين .

أو على أمر اقتضائي ، كقوله في بعض الطوائف : «إنّ لهم عرقاً يدعوهم إلى غير الوفاء»(1) .

أو كانت الصفة ظاهرة فيهم ، كما ورد في طائفة أ نّهم خلق مشوّه(2) . . . إلى غير ذلك من المحامل .

ص: 462


1- علل الشرائع : 393 / 4 ؛ وسائل الشيعة 20 : 83 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ،الباب 31 ، الحديث 4 .
2- الكافي 5 : 352 / 1 ؛ وسائل الشيعة 20 : 82 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح ، الباب 31 ، الحديث 1 .

الأمر الثاني : فيما استثني من الغيبة وحكم بجوازها بالمعنى الأعمّ

في عدم ضابط عامّ للاستثناء

قال الشهيد في «كشف الريبة» : «اعلم أنّ المرخِّص في ذكر مساءة الغير هو غرض صحيح في الشرع لا يمكن التوصّل إليه إلاّ به ، فيدفع ذلك إثم الغيبة»(1) .

وعن «جامع المقاصد» : «أنّ ضابط الغيبة المحرّمة كلّ فعل يقصد به هتك عرض المؤمن أو التفكّه به أو إضحاك الناس منه ، فأمّا ما كان لغرض صحيح فلا يحرم كنصح المستشير ، والتظلّم وسماعه ، والجرح والتعديل ، وردّ من ادّعى نسباً ليس له ، والقدح في مقالة أو دعوى باطلة خصوصاً في الدين»(2) ، انتهى .

فإن أرادا بما ذكرا من الضابط قصور إطلاق أدلّة الغيبة عن شمول مورد يكون للمغتاب غرض صحيح ، أو انصرافها عنه كما هو محتمل كلام الثاني وإن كان بعيداً عن ظاهر الأوّل .

ففيه منع ؛ لعدم قصور في الآية الكريمة بل سائر الآيات وكثير من الروايات(3) . فلها إطلاق من غير انصراف عن المورد المدّعى .

ص: 463


1- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 31 .
2- جامع المقاصد 4 : 27 .
3- تقدّمت في الصفحة 413 وما بعدها .

كما لا ينصرف أدلّة سائر المحرّمات نحو : )حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ . . .((1) و)إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ . . .((2) عن موارد الصلاح .

وإن أرادا أنّ مصلحة احترام المؤمن أو مفسدة حرمة الغيبة لا تزاحم سائر المصالح مطلقاً ؛ لكون مصلحة حرمة المؤمن ومفسدة الغيبة ضعيفة لا تقاوم سائر المصالح المزاحمة كما هو ظاهر الشهيد ومحتمل «جامع المقاصد» .

ففيه منع كلّية ذلك ؛ لأنّ الغيبة من كبائر الذنوب كما تقدّم(3) ، وقد علم اهتمام الشارع بتركها من أدلّة الباب والتعبيرات الواردة فيها وفي حرمة المؤمن ، كما هو أحد الطرق إلى كشف أهمّية الأحكام ، فلا شبهة في أنّ مفسدتها أهمّ من كثير من المصالح سواء رجعت إلى المغتاب - بالفتح أو بالكسر - أو غيرهما . نعم ، هو ثابت في الجملة ، فلا بدّ من النظر في الموارد الخاصّة .

وإن أرادا أنّ الدليل قائم على استثناء مطلق موارد يكون للمغتاب فيها غرض صحيح ، فالظاهر فقدان ذلك بهذا العنوان العامّ .

نعم ، وردت روايات وأدلّة في موارد خاصّة ، لكن لا يمكن إلغاء الخصوصية عنها إلى كلّ ذي مصلحة وملاك .

مع أنّ عمدة ما وردت فيها الأدلّة المرخِّصة ، المتجاهر بالفسق والمتظلّم ، والترخيص فيهما ليس للتزاحم وتقديم جانب المقتضى ظاهراً ، فلا وجه لاحتمال إلغاء الخصوصية .

ص: 464


1- المائدة 5: 3.
2- المائدة (5) : 90 .
3- تقدّم في الصفحة 413 .

فالأولى صرف الكلام إلى موارد الاستثناء ، وكذا موارد يقال أو يحتمل أن يقال بترجيح مقتضاها على مقتضى الغيبة بعد ما لم يكن في الباب ملاك كلّي وضابط عامّ ، كما يظهر من العلمين المتقدّمين من دعوى الكلّية .

الأوّل: فيما يستثنى بالأدلّة الخاصّة

استثناء غيبة المتجاهر بالفسق في الجملة

فمن الأوّل : ما إذا كان المغتاب متجاهراً بالفسق ، وهذا في الجملة لا إشكال فيه .

وتدلّ عليه روايات كثيرة ، كالمستفيضة المتقدّمة الدالّة على أنّ الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه(1) ، وأنّ ما يعرفه الناس والأمر الظاهر ممّا فيه فليس بغيبة ؛ فإنّها غير مختصّة بالعيوب الخلقية كالشلل والعور ، كما يظهر من رواية داود بن سرحان(2) ويدلّ عليه إطلاق غيرها .

والمراد بالمتجاهر بالفسق والفاسق المعلن بفسقه أن يتجاهر به بمرأى من الناس وعند جماعة معتدّ بها ، والجهر عند أخصّائه وأصحابه ليس مراداً إلاّ إذا كانوا عدداً كثيراً معتدّاً به .

كما أ نّه ليس المراد التجاهر عند جميع أهل البلد بل إذا جهر بملأ من الناس يصدق أ نّه معلن ومتجاهر ، فإذا شرب الخمر في السوق بمرأى من العابرين

ص: 465


1- تقدّمت في الصفحة 433 - 434 .
2- تقدّمت في الصفحة 431 .

يكون متجاهراً فتشمله الروايات :

كقوله : «إذا عرف الناس» و«إذا كان ظاهراً» ومفهوم «ما ستره اللّه عليه ، لم يقم عليه فيه حدّ»(1) .

وحسنة هارون بن الجهم بأحمد بن هارون عن الصادق جعفر بن محمّد علیهما السلام ، قال : «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة»(2) .

ورواية أبي البختري عنه عن أبيه علیهما السلام ، قال : «ثلاثة ليس لهم حرمة : صاحب هوىً مبتدع ، والإمام الجائر ، والفاسق المعلن بالفسق»(3) .

وما عن المفيد في «الاختصاص» عن الرضا علیه السلام ، قال : «من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له»(4) .

وعن القطب الراوندي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم مثله(5) .

وما عن السيّد فضل اللّه الراوندي بإسناده عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : «أربعة ليس غيبتهم غيبة : الفاسق المعلن بفسقه ، والإمام الكذّاب إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر ، والمتفكّهون بالاُمّهات ، والخارج من الجماعة

ص: 466


1- تقدّمت الروايات في الصفحة 435 و434 و432 .
2- الأمالي ، الصدوق : 42 / 7 ؛ وسائل الشيعة 12 : 289 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 4 .
3- قرب الإسناد : 176 / 645 ؛ وسائل الشيعة 12 : 289 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 5 .
4- الاختصاص : 242 .
5- راجع مستدرك الوسائل 9 : 129 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 134 ، الحديث 3 .

الطاعن على اُمّتي الشاهر عليها بسيفه»(1) .

وما عن علي علیه السلام : «من قال في أخيه المؤمن ممّا فيه ممّا قد استتر به عن الناس فقد اغتابه»(2) .

إلى غير ذلك ممّا له أدنى دلالة على المقصود :

كموثّقة سماعة بن مهران عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قال : «من عامل الناس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرمت غيبته وكملت مروءته وظهر عدله ووجبت اُخوّته»(3) .

فإنّ دلالتها على المقصود مبنيّة على أن يكون المفهوم من قوله : «من عامل الناس فلم يظلمهم» وسائر الفقرات ، هو الإيجاب الكلّي حتّى ينطبق على من لم يبال في دينه والمجاهر بالفسق .

وعلى أنّ الجزاء كلّ واحد من الفقرات الأربع مستقلاًّ حتّى يكون مفاد الرواية : «إنّ من جاهر بفسقه لا تحرم غيبته ولم تكمل مروءته . . .» .

وأمّا إن كان المفهوم منها الإيجاب الجزئي ، أو كان الجزاء مجموع الاُمور الأربعة حتّى يكون المفهوم سلب المجموع الصادق على ثبوت بعضها فلا دلالة لها عليه .

ص: 467


1- النوادر، الراوندي : 133 / 171 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 128 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 134 ، الحديث 2 .
2- مستدرك الوسائل 9: 114، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 132، الحديث 5.
3- الكافي 2 : 239 / 28 ؛ وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 2 .

ودفع الإشكال الأوّل بأنّ شمولها لمطلق الفاسق غير مضرّ بعد خروج غير المعلن بالأخبار والإجماع(1) ، مدفوع بأ نّه موجب لخروج الفرد الشائع الكثير وإبقاء النادر القليل ولو بالنسبة ، تأمّل .

وصحيحة ابن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام بما تعرف عدالة الرجل بين المسلمين إلى أن قال : «والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس . . .» .

كذا في «الفقيه»(2) و«الوسائل»(3) ، وفي «الوافي»(4) وعن غيره : «حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه» ، وكذا نقلها الشيخ الأنصاري أيضاً (5) .

وعلى هذه النسخة لا ربط لها بما نحن بصدده .

وأمّا على ما في «الفقيه» فيمكن أن يقال : إنّ المراد بحرمة عثراته وعيوبه على المسلمين حرمة إظهارهما وذكرهما كما يحرم عليهم تفتيش سائر عيوبه .

فإن كان مفهوم قوله : «ساتراً لجميع عيوبه» أ نّه كاشف بجميعها أو بعضها ينطبق على المتجاهر .

ص: 468


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 114 .
2- الفقيه 3 : 24 / 65 .
3- وسائل الشيعة 27 : 391 ، كتاب الشهادات ، الباب 41 ، الحديث 1 .
4- الوافي 16 : 1007 / 16586 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 344 .

لكن الأظهر أنّ المقابل للساتر لجميع عيوبه الذي لا يصدق إلاّ على الساتر عن جميع الناس ، عدم الساتر كذلك ، فينطبق على الأعمّ من المتجاهر . وتخصيصه بالمتجاهر بالدليل يأتي فيه الإشكال المتقدّم ، مع أنّ الالتزام بجواز تفتيش عثرات المتجاهر مشكل .

ورواية علقمة بن محمّد عن الصادق علیه السلام ، وفيها : «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر ، وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنباً ، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية اللّه تعالى ذكره داخل في ولاية الشيطان»(1) .

بناءً على ترتّب عدم جواز الاغتياب على كونه من أهل الستر ، فإذا لم يكن كذلك بل كان متجاهراً بذنبه يجوز غيبته .

لكن بعد تسليم كون «من اغتابه» عطفاً على الجزاء وتسليم ترتّب هذه الجملة على «أهل الستر» وتسليم أنّ مقابل أهل الستر المتجاهر بالفسق ، لا تدلّ على المقصود ؛ لأنّ مفادها أنّ من كان كذلك تكون غيبته موجبة للخروج عن ولاية اللّه والدخول في ولاية الشيطان وبانتفائه ينتفي هذا الحكم ؛ أي كون غيبته بهذا الحدّ من العظمة ؛ بحيث يخرج مغتابه عن ولاية اللّه ويدخل في ولاية الشيطان ، ومع انتفائه لا يلزم ثبوت جواز الغيبة .

فهو نظير أن يقال : من شتم فقيهاً يخرج عن ولاية اللّه ، حيث لا يدلّ على

ص: 469


1- الأمالي ، الصدوق : 91 / 3 ؛ وسائل الشيعة 27 : 395 ، كتاب الشهادات ، الباب 41 ، الحديث 13 .

جواز شتم غير الفقيه ، بل غاية ما يدلّ انتفاء هذه الخاصّة عند انتفاء الفقاهة .

ثمّ إن كان المستند في جواز غيبة المتجاهر بالفسق مثل حسنة هارون بن الجهم ورواية أبي البختري(1) وما بمضمونهما يشكل الحكم بالجواز بمجرّد الإجهار بفسق .

لاحتمال أن يكون المراد من قوله : «إذا جاهر الفاسق بفسقه» ، وقوله : «الفاسق المعلن بالفسق» هو الذي لم يستتر فجوره ولا يبالي بظهور كلّ فسق ، سيّما مع ما يقال : إنّ المصدر المضاف يفيد العموم بناءً على أنّ الفسق مصدر أو اسم مصدر وكان بحكمه فيه ، وما يقال : إنّ المفرد المحلّى أيضاً كذلك ، ولا أقلّ أن يكونا بحكم المطلق ، فيكونان مساوقين لقوله : «من ألقى جلباب الحياء عن وجهه» فإنّ ارتكاب فسق واحد علناً مع الاستحياء عن سائر الفسوق ، لا يوجب إلقاء جلباب الحياء .

وبالجملة : فرق عرفاً بين قوله : «إذا جاهر الفاسق بفسق» و«الفاسق المعلن بفسق» ، وبين ما في الروايتين ، فإنّ ذلك لا يصدق مع إجهار فسق ما .

لا أقول : إنّ الصدق يتوقّف على إجهار جميع فجوره بنحو الاستغراق وإن كان ذلك مقتضى ما تقدّم من العموم أو الإطلاق ، بل أقول : إنّه يتوقّف على أن لا يعتني بالناس في ذنوبه وألقى جلباب الحياء عن وجهه ، فحينئذٍ تصدق العناوين عليه عرفاً من غير توقّف على الإجهار بالجميع .

نعم ، إن كان المستند فيه المستفيضة المتقدّمة المفسّرة لها كقوله : «هو

ص: 470


1- تقدّمتا في الصفحة 466 .

أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، وتبثّ عليه أمراً قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ»(1) وغيره ممّا مرّ ، يكون الجهر بفسق ما موجباً لصدق عدم كونه مستوراً وكونه ممّا يعرفه الناس .

الجمع بين الروايات في المقام

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة مثل حسنة هارون بن الجهم وغيرها جواز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به ، لكنّها معارضة بالمستفيضة المتقدّمة تعارض العامّين من وجه .

فإنّ قوله : «الغيبة أن تقول لأخيك ما ستره اللّه عليه» بإطلاقه شامل لمن تجاهر في فسق آخر ، ومع تعارضهما فالترجيح للمستفيضة ؛ لكونها موافقة للكتاب والسنّة المعلومة .

بل يمكن أن يقال بعدم التعارض بينهما ؛ فإنّ العرف ولو بملاحظة ارتكازاته ومناسبات الحكم والموضوع يجمع بين الطائفتين بأنّ المتجاهر يجوز غيبته فيما تجاهر به دون ما استتر به ، ولا ينقدح في الأذهان التنافي بينهما وإن كانت النسبة العموم من وجه .

وإن شئت قلت : إنّ الروايات المفصّلة بين الأمر الظاهر والمستتر أقوى ظهوراً من المطلقات في الإطلاق ، بل لأحد إنكار إطلاقها ، أو دعوى انصرافها إلى الجواز فيما تجاهر به . بأن يقال : إنّ تجويزها كأ نّه معلول هتك عرض نفسه فإذا كان هاتكاً له لا يجب على غيره الكفّ عنه ، دون ما إذا كان مستتراً

ص: 471


1- تقدّم في الصفحة 432 - 433 .

غير هاتك فلا يجوز لغيره هتكه .

وكيف كان : فالأحوط الأظهر عدم جوازها فيما لم يجاهر به ، من غير فرق بين ما كان أدون ممّا جاهر به أو لا ، فما أفاده الشيخ الأنصاري(1) من إلحاق الأدون به غير ظاهر .

وهل تجوز فيما جاهر به في محيط لم يجاهر به وكان متستّراً عنه فيه ؟ الأحوط عدمه .

بل لا يبعد دعوى انصراف الأدلّة عنه ولو بمناسبات مغروسة في الأذهان ، وبملاحظة الروايات المستفيضة الواردة في الاهتمام بأعراض المسلمين وحرمتها وعدم جواز إذاعة سرّهم واحتقارهم وإهانتهم .

في المراد بالمتجاهر بالفسق

ثمّ المراد بالمتجاهر من كان متجاهراً بالفسق غير مبالٍ عن ظهوره لدى الناس ، فمن جاهر بفسق مع توجيهه لدى الناس بوجه يمكن صحّته ولو بعيداً ، لم يكن متجاهراً جائز الغيبة ولو علم كذبه في محمله ، فضلاً عمّا إذا احتملت صحّته ولو بعيداً .

فلا بدّ في الحكم بالجواز من إحراز كونه متجاهراً بالفسق بما هو فسق ، من غير احتمال الصحّة أو احتمال اعتذاره بعذر غير معلوم الفساد ؛ لما علم من طريق العقل والنقل احترام المسلم والاهتمام بشأنه وأنّ عرضه كدمه لا بدّ فيه من الاحتياط .

ص: 472


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 346 .

ولا يجوز التمسّك بالاُصول في جواز الوقيعة فيه ، بدعوى أ نّه مع احتمال كونه متجاهراً بالفسق تكون الشبهة في العمومات مصداقية ومعها يكون الأصل البراءة ؛ فإنّه مخالف لمذاق الشارع الأقدس ، ولما يستفاد من الأخبار الكثيرة من كثرة الاهتمام بأعراض المؤمنين .

مع أنّ الأصل عدم كونه متجاهراً ، أو عدم تحقّق موضوع الجواز ، فإنّ الجهر به حادث مسبوق بالعدم فيحرز به موضوع حرمتها . نعوذ باللّه من تسويلات الشياطين، وحفظنا وإيّاكم من الوقيعة في أعراض المسلمين .

حكم الفاسق الغير المتجاهر

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة آية ورواية حرمة غيبة الفاسق الغير المتجاهر ولو كان مصرّاً بفسقه ، خلافاً للطريحي في «مجمع البحرين» ، فجوّز غيبته متمسّكاً بعدم عموم في الغيبة من طرقنا، والعمومات كلّها من طرق العامّة ، وبجملة من الروايات الدالّة على اختصاص التحريم بمن يتّصف بصفات مخصوصة ، كصحيحة ابن أبي يعفور ، وموثّقة سماعة بن مهران المتقدّمتين(1) .

بل يظهر منه أنّ الحكم بالجواز معروف ؛ حيث قال : «وبما ذكرناه يظهر أنّ المنع من غيبة الفاسق المصرّ - كما يميل إليه كلام بعض من تأخّر - ليس بالوجه»(2) .

ص: 473


1- تقدّمتا في الصفحة 468 و467 .
2- مجمع البحرين 2 : 136 .

وربّما يؤيّد(1) كلامه ببعض الروايات الضعيفة ، كالمرويّ عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم :

«لا غيبة لفاسق» أو «في فاسق»(2) .

وعنه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «قولوا في الفاسق ما فيه كي تحذره الناس»(3) .

وفيه : ما لا يخفى ، سيّما في إنكاره العموم من طرقنا ؛ فإنّ الآيات الكريمة المتقدّمة لا قصور في إطلاقها ، فقوله : )لاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً((4) مطلق في مقام البيان بلا ريب ، كما أنّ جملة من الروايات التي من طرقنا مطلقة يظهر للمتأمّل المراجع ، ولا ضير في نفي العموم الاصطلاحي ، ومراده أعمّ من الإطلاق .

وأمّا صحيحة ابن أبي يعفور(5) فمع اختلاف النسخ في نقلها ولعلّ الأصحّ نسخة «الوافي» (6) لا تدلّ على جواز غيبته ، بل تدلّ على جواز تفتيش عثراته ، وهو عنوان آخر غيرها . مع أنّ الالتزام بجواز تفتيش عثرات المتجاهر في غاية الإشكال ، مضافاً إلى احتمال أن يكون مقابل ساتر عيوبه كاشف عيوبه أو كاشف بعضها ، وهو منطبق على المتجاهر لا الفاسق المصرّ.

ص: 474


1- مستند الشيعة 14 : 165 .
2- عوالي اللآلي 1 : 438 / 153 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 129 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 134 ، الحديث 6 .
3- لم نعثر عليها في المجامع الروائية ، راجع التبيان في تفسير القرآن 9 : 349 ؛ مستند الشيعة 14 : 165 .
4- الحجرات (49) : 12 .
5- تقدّم في الصفحة 468 .
6- تقدّم في الصفحة 468 .

ودلالة موثّقة سماعة(1) مبنيّة على أن يكون كلّ من الجمل الثلاث في الشرط مستقلاًّ ، ويكون المقابل لكلّ جملة إيجاباً جزئياً ، ويكون كلّ جملة من الجمل الأربع في الجزاء مستقلاًّ ولا يكون المجموع جزاءً واحداً، وكلّ ذلك محلّ إشكال.

مع أ نّه على فرض تمامية دلالتها معارضة بحسنة داود بن سرحان بل وروايتي عبد الرحمان بن سيابة(2) وغيرها ، والترجيح لهذه الطائفة لموافقتها للكتاب، أو المرجع إطلاقه .

وبهذا يظهر الكلام في سائر الروايات المتشبّث بها ، مضافاً إلى ضعفها .

فالأقوى عدم جواز غيبة الفاسق ولو كان مصرّاً بفسقه .

وربّما يتمسّك لجواز غيبة الفاسق أو المتجاهر برواية ابن أبي يعفور بطريق الشيخ وهو ضعيف ، وفيها : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «لا غيبة إلاّ لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه . . .»(3) .

وهي كما ترى أوجبت الغيبة في ترك المستحبّ أو فعل الحرام إن كان الإعراض حراماً .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ مفادها غير المطلوب ؛ لعدم التزامهم بوجوب غيبة الفاسق أو المتجاهر - أ نّها محمولة على المورد الذي كان الإعراض عن

ص: 475


1- تقدّمت في الصفحة 467 .
2- تقدّمت الروايات في الصفحة 431 و433 - 434 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 241 / 596 ؛ وسائل الشيعة 27 : 392 ، كتاب الشهادات ، الباب 41 ، الحديث 2 .

جماعة المسلمين مخالفة لإمام المسلمين أو في مظنّتها .

ولعلّ الحكم سياسي ؛ لأنّ الظاهر أنّ الإعراض عن جماعة المسلمين في عصر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أو ما قاربه كان إعراضاً عن والي المسلمين ومظنّة للتوطئة على ضدّ الإسلام ، وفي مثله يجب على المسلمين الوقيعة في المعرض وهجرانه ونحو ذلك .

وما ذكر وإن لا يلائم بعض فقرات الحديث لكن لا محيص عنه . هذا مع أ نّه منقول بطريق صحيح مع خلوّه عن هذه الزيادة(1) .

استثناء تظلّم المظلوم

ومنه تظلّم المظلوم وإظهار ما فعل به الظالم وإن كان متستّراً به . وهو في الجملة ممّا لا إشكال فيه بل جوازه في الجملة من الواضحات ؛ ضرورة أنّ نصب الوالي والقاضي في البلاد من قبل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام

للانتصاف من الظالم ورفع الظلم عن المظلوم وعدم تضييع حقوق الناس ، ولا زال رفع الناس أمرهم وشكواهم إلى ولاة الأمر والقضاة من غير نكير .

وقد رفع الأنصاري شكواه من سمرة بن جندب إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم واغتابه عنده في دخوله في داره بلا استئذان ومع كون نسوته على حال غير مناسب لدخوله عليهنّ ، ولم يمنعه عن اغتيابه وذكره بالسوء(2) ، تأمّل .

ص: 476


1- الفقيه 3 : 24 / 65 ؛ وسائل الشيعة 27 : 391 ، كتاب الشهادات ، الباب 41 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 425 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 12 ، الحديث 1 و3 .

ورفع الناس أمرهم وشكواهم إلى أمير المؤمنين علیه السلام إلى ما شاء اللّه (1) .

بل رفع الأمر إلى الولاة والقضاة في دفع الظلامة مستلزم غالباً لاطّلاع حواشيهما وأصحابهما عليه ولم يعهد المنع منه .

وقد أوجب اللّه تعالى أداء الشهادة وحرّم كتمانها (2) ، وهو مستلزم في كثير من الموارد لكشف ستر الناس واغتيابهم . وهذا القدر ممّا لا شبهة في جوازه .

إنّما الكلام والإشكال في جوازها مطلقاً عند الحاكم وغيره للانتصاف من الظالم أو لا ، وفي مورد الظلامة وغيره في سائر عيوبه ، إلى غير ذلك من الموارد المشتبهة التي لا بدّ من التماس دليل على تسويغها .

وقد استدلّ(3) على المطلوب بل على إطلاقه باُمور :

منها : قوله تعالى : )لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللّه ُ سَمِيعاً عَلِيماً((4) .

والاستدلال به لأصل المطلوب يتوقّف على كون الاستثناء متّصلاً وكون الاستثناء من الجهر بالسوء ، وكان تقديره: لا يحبّ اللّه الجهر إلاّ جهر من ظلم ، فيكون بقرينة الاستثناء في مقام بيان الجهر بالسوء ، فيؤخذ بإطلاقه لأنواع الجهر بالسوء ، كالشتم والدعاء بالسوء والغيبة .

ويتوقّف إطلاق المطلوب على إحراز كونه في مقام بيان عقد الاستثناء أيضاً .

ص: 477


1- راجع وسائل الشيعة 27 : 281 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 21 .
2- البقرة (2) : 283 ؛ المائدة (5) : 106 .
3- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 347 .
4- النساء (4) : 148 .

ويمكن الخدشة في جميع ذلك ؛ لعدم دافع لاحتمال كون الاستثناء منقطعاً ، سيّما مع عدم إمكان استثناء )مَنْ ظُلِمَ( من ظاهر الكلام فيحتاج إلى تقدير .

وما يقال : إنّ الأصل في الاستثناء الاتّصال، إن لم يرجع إلى ظهور في الكلام لا يتّبع .

ويشكل دعوى الظهور في المقام بعد كون الاتّصال متوقّفاً على التقدير وهو خلاف الأصل أيضاً .

وقد حكي عن ابن الجنّي أ نّه منقطع(1) ، وعن ابن عبّاس وجماعة اُخرى قراءة )مَنْ ظلمَ( معلوماً (2) وعليه يكون منقطعاً ويكون المعنى : لكن مَن ظَلَم

لا يخفى أمره على اللّه تعالى ، بقرينة )سَمِيعاً عَلِيماً( أو كان التقدير : لكن من ظلم جهر بظلامته ومن ظلم جهر بظلمه .

وعدم دليل على أنّ الاستثناء يكون من الجهر، والتقدير : إلاّ جهر من ظلم ؛ لاحتمال كون التقدير في المستثنى منه ويكون التقدير: لا يحبّ اللّه الجهر من أحد بالسوء إلاّ من ظلم ، أو جهر أحد إلاّ من ظلم ، فيكون في مقام بيان الأشخاص لا الأقوال كما هو ظاهر عبارة «تفسير القمّي»(3) .

فكأ نّه قال : لا يجوز من أحد الجهر إلاّ ممّن ظلم ، وأمّا أنّ كلّ جهر لا يجوز فلا إطلاق لإثباته ، بل في مقام الإهمال من هذه الجهة ، فلا تدلّ الآية على حرمة الغيبة حتّى يتشبّث بالاستثناء لتجويزها ، ولو سلّم الإطلاق في

ص: 478


1- اُنظر مجمع البيان 3 : 201 .
2- نفس المصدر .
3- تفسير القمّي 1 : 157 .

المستثنى منه كما لا تبعد دعوى الفهم العرفي على تأمّل ، فلا يسلّم في المستثنى ؛ لعدم إحراز كونه في مقام البيان فيه .

فلو دلّت على أنّ كلّ من ظلم يجوز له الجهر بالسوء لا تدلّ على جواز التقوّل بكلّ سوء والإجهار بكلّ قول وعند كلّ أحد ومع معلومية الظالم وذكره باسمه ؛ لعدم إطلاق في عقد الاستثناء .

كما لعلّه يشهد له ما روي في «مجمع البيان» عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «في معناه أقوال : أحدها : لا يحبّ اللّه الشتم في الانتصار إلاّ من ظلم ، فلا بأس له

أن ينتصر ممّن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين ، عن الحسن والسدي ، وهو المرويّ عن أبي جعفر علیه السلام . ونظيره : )وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا((1) . قال الحسن : ولا يجوز للرجل إذا قيل له يا زاني أن يقابل له بمثل ذلك من أنواع الشتم»(2) ، انتهى .

وهو مبنيّ على عدم إطلاق فيها لا في المستثنى منه ولا في المستثنى .

نعم ، ظاهر رواية العيّاشي عن أبي عبداللّه علیه السلام في قول اللّه : )لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ( قال : «من أضاف قوماً فأساء ضيافتهم

فهو ممّن ظلم ، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه»(3) .

ورواية الطبرسي في مجمعه عنه علیه السلام في قوله تعالى : «إنّ الضيف ينزل

ص: 479


1- الشعراء (26) : 227 .
2- مجمع البيان 3 : 201 .
3- تفسير العيّاشي 1 : 283 / 296 ؛ وسائل الشيعة 12 : 289 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 154 ، الحديث 6 .

بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء ما فعله»(1) .

إطلاق الآية وشمولها لأنواع الظلم وجواز غيبة الظالم مطلقاً .

لكنّهما مع ضعفهما معارضتان بما عن أبي جعفر علیه السلامآنفاً ، فإنّ الظاهر منها عدم جواز غيبة الظالم ، وإنّما يجوز الانتصار منه بما يجوز في الدين ، تأمّل .

ومنها : قوله تعالى : )وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى اْلأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ((2) .

وهو أوضح دلالة وأشمل مفاداً من الآية المتقدّمة ، سواء كان المراد من الانتصار طلب النصر كما هو أحد معانيه ؛ يقال : انتصر على خصمه إذا استظهر ، أو الانتقام من الظالم(3) .

أمّا على الأوّل فلأنّ مقتضى إطلاقه جواز الاستنصار وطلب النصر من كلّ من يرجو منه ذلك ، والياً كان أو غيره . ولازمه جواز ذكر مساءة الظالم وغيبته عند من يرجو منه النصر ، كان الظالم متجاهراً أم لا ، والسامع عالماً بمساءته أم لا .

وأمّا على الثاني فلأنّ جواز الانتقام من الظالم مستلزم لجواز الانتصار من الغير ، وإلاّ فقلّما يكون المظلوم بنفسه يمكنه الانتقام من ظالمه ، والانتصار ملازم

لذكر مساءة الظالم كما مرّ ، ولا أقلّ من أنّ إطلاق الانتصار يقتضي جواز انتقامه بمعاونة الغير كعشيرته وقبيلته إذا لم يمكنه بنفسه وهو ملازم للغيبة .

ص: 480


1- مجمع البيان 3 : 202 .
2- الشورى (42) : 41 - 42 .
3- المنجد : 812 .

ثمّ إنّ مقتضى ظاهر الآية جواز إعانة الغير إذا استعانه المظلوم لدفع ظلامته والانتقام من الظالم ، فإذا جاز للمظلوم الانتقام من الظالم وتوقّف نوعاً على الاستعانة بغيره كعشيرته وأحبّته وغيرهما جاز لهم نصره بظاهر الآية ولو بملازمة عرفية .

نعم ، لا يجوز لهم التعرّض للظالم بأغراضهم لا لكونهم آلة ووسيلة للانتقام للمظلوم . هذا على المعنى الثاني ، وأمّا على المعنى الأوّل فالأمر أوضح .

وربّما يقال : أن لا إطلاق في الآية من جهة كيفية الانتصار ، بل هي بصدد بيان أنّ لكلّ مظلوم يجوز الانتصار(1) ، والمتيقّن منه جواز الاستنصار من الوالي والقاضي .

وفيه : أنّ الآية سيقت لبيان جواز الانتصار بعد الظلم مقابل الظلم الابتدائي ، فلا إشكال في إطلاقها من هذه الحيثية .

إلاّ أن يقال : إنّها بصدد بيان عدم السبيل للمظلوم دون الظالم ، وبيان صرف مقابلتهما ، فلا إطلاق فيها من جهة كيفية الانتصار .

لكنّه أيضاً غير وجيه ؛ لأنّ الظاهر منها أ نّها بصدد بيان الجملة الاُولى كما تشهد به الآيات المتقدّمة عليها وإنّما ذكرت الجملة الثانية تطفّلاً .

وعلى ما قرّرناه يمكن الاستدلال عليه بمثل قوله : )فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ((2) ، وقوله : )وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ((3)

ص: 481


1- اُنظر حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 308 - 309 .
2- البقرة (2) : 194 .
3- الشورى 42 : 39 .

على كلام وتأمّل وإشكال .

وربّما يقال : إنّ تجويز الانتصار والانتقام للمظلوم بنفسه من الظالم يوجب الهرج والمرج ، وإنّما نصب الوالي والقاضي للانتصاف والانتصار وتنظيم اُمور الناس ، ومعه كيف يطلق ذلك للناس بأنفسهم ؟

لكنّه اعتبار ضعيف مخالف للإطلاق بل والاعتبار الصحيح ، وقد وقع نظيره في الشرع كتجويز التقاصّ للدائن(1) ، وتجويز الدفاع عن النفس والعرض والمال(2) ، ودفع المشرف على بيت الرجل(3) ، وقتل من سبّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أو أحد

الأئمّة علیهم السلام(4) . . . إلى غير ذلك .

فهل ترى من نفسك وجوب القعود عن دفع السارق المهاجم على عرض الرجل وماله وعدم جواز دفعه ثمّ بعد فعله ما فعل يقال للمظلوم : لك الرجوع إلى المحاكم الصالحة ؟ ! وبالجملة لا وجه للاستبعاد بعد قيام الدليل .

وأمّا المؤيّدات التي ذكرها الشيخ الأنصاري كدليل نفي الحرج ، وأنّ في تشريع الجواز مظنّة الردع ، وغيرهما (5) فلا يخفى ما فيها؛ من عدم صلاحيتها للخروج عن إطلاق أدلّة التحريم كما اعترف به .

ص: 482


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 272 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 83 .
2- راجع وسائل الشيعة 15 : 119 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 46 .
3- راجع وسائل الشيعة 29 : 66 ، كتاب القصاص ، أبواب القصاص في النفس ، الباب 25 .
4- راجع وسائل الشيعة 28 : 211 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ القذف ، الباب 25 و27 .
5- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 348 .

عدم استثناء غيبة تارك الأولى

كما لا يجوز غيبة من ترك الأولى بالنسبة إلى شخص ، كما لو ترك بعض مراتب الضيافة ما لم يصل إلى الهتك والتحقير والإهانة ، أو استقضى حقّه وكان الأولى تركه ، فضلاً عن تارك الأولى الذي غير مربوط به كالغيبة في ترك المستحبّ ونحوه .

وإن أمكن الاستدلال على الجواز بروايات :

منها : ما عن «تفسير العيّاشي» عن أبي عبداللّه علیه السلام في قول اللّه : )لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ( ، قال : «من أضاف قوماً فأساء

ضيافتهم فهو ممّن ظلم ، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه»(1) .

وقريب منها باختلافٍ مرسلة الطبرسي(2) .

بأن يقال : إنّ الأمر دائر بين أحد التصرّفين :

إمّا التصرّف في الرواية وحمل إطلاقها على ما إذا ظلم المضيف ضيفه، وحفظ ظهور عنوان الظلم في الآية ، فإنّ إساءة الضيافة أعمّ من وقوعها على نحو الظلم .

أو التصرّف في الآية وحمل الظلم فيها على الأعمّ ممّا هو المتفاهم عرفاً، وحفظ إطلاق الرواية .

والثاني أولى ؛ لأنّ ظهور المفسّر حاكم على المفسّر - بالفتح - بل الظاهر من

ص: 483


1- تقدّم في الصفحة 479 .
2- تقدّمت في الصفحة 479 - 480 .

قوله : «فهو ممّن ظلم» الإلحاق الحكمي بلسان الإلحاق الموضوعي ، وإلاّ فمفهوم الظلم غير محتاج إلى البيان ، فالرواية بلسانها مفسّرة للآية ومنقّحة للموضوع أو ملحقة لمطلق الإساءة في الضيافة بالظلم ، ويتمّ المطلوب بدعوى إلغاء الخصوصية عن الضيافة وإسراء الحكم إلى سائر ما يكون إساءة ولو بنحو ترك الأولى .

والحمل على مورد الظلم حتّى يكون قوله : «فهو ممّن ظلم» من توضيح الواضح فبعيد .

لكن الخروج عن الأدلّة المحكمة بمثل هذه المرسلة الضعيفة غير ممكن ، مع إمكان أن يقال : إساءة الضيافة أخصّ من ترك الأولى ، بل لعلّها لا تنطبق إلاّ على الضيافة بنحو توهين وتحقير، وهو ظلم وليس تطبيقه على ذلك توضيح الواضح.

ومنها : رواية حمّاد بن عثمان ، قال : دخل رجل على أبي عبداللّه علیه السلامفشكا

إليه رجلاً من أصحابه ، فلم يلبث أن جاء المشكوّ ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «ما لفلان يشكوك ؟» فقال : يشكوني أ نّي استقضيت منه حقّي . قال : فجلس أبو عبداللّه علیه السلام مغضباً ثمّ قال : «كأ نّك إذا استقضيت حقّك لم تسئ ؟ ! أرأيتك ما

حكى اللّه عزّ وجلّ : )وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ( أترى أ نّهم خافوا اللّه أن يجور عليهم ؟ لا واللّه ، ما خافوا إلاّ الاستقضاء فسمّاه اللّه عزّ وجلّ سوء الحساب ، فمن استقضى فقد أساء» .

كذا في «الوسائل»(1) ، و«الكافي» على نقل المجلسي في «مرآة العقول» ،

ص: 484


1- وسائل الشيعة 18: 348، كتاب التجارة، أبواب الدين والقرض، الباب 16 ، الحديث 1.

لكنّه قال : وفي بعض النسخ القديمة بالصاد المهملة في الموضعين(1) .

وفي «الوافي» عن «الكافي» و«التهذيب» بالصاد المهملة في جميع المواضع(2) .

أقول: وأظنّ كونه بالضاد المعجمة في الموضعين الأوّلين ؛ لأنّ الدائن في مقام الدفاع عن الشكوى لا يناسب أن يقرّ بالاستقصاء وسوء المطالبة ، بل المناسب أن يقول : إنّي استقضيت حقّي فلا وجه لشكواه، وقول أبي عبداللّه علیه السلام : «كأ نّك إذا استقضيت» يناسب المعجمة طبقاً لمقالة الدائن . ثمّ لمّا كان الاستقضاء على كيفيتين : إحداهما بلا استقصاء وثانيتهما معه ، قال أبو عبداللّه علیه السلام : لم يكن كلّ استقضاء غير سوء ، بل منه ما ينطبق عليه سوء الحساب وهو الاستقصاء فيه ، فمن استقصى فقد أساء . فالمناسب للموضع الأخير بل لما قبله المهملة ، ويؤيّده أنّ مطلق الاستقضاء ليس إساءة، كما هو واضح .

وكيف كان : لا دلالة للرواية على المقصود ؛ أي جواز الغيبة في ترك الأولى ؛

لأنّ الشكوى إن كان بمعنى تظلّم المظلوم وذكر سوء ما فعل به كما فسّر به في اللغة(3) ، فالظاهر منه كون المطالبة كانت مقرونة للظلم كالإهانة والتحقير وغيرهما ، فتدلّ على جواز غيبة الظالم عند مثل أبي عبداللّه علیه السلام الذي يرجى منه دفع الظالم وظلمه سيّما أنّ المشكوّ كان من أصحابه .

وإن كان أعمّ فلا دلالة فيها على أنّ الشاكي اغتابه ؛ لإمكان الشكوى

ص: 485


1- مرآة العقول 19 : 54 .
2- الوافي 18 : 801 / 18332 .
3- لسان العرب 7 : 180 ؛ المنجد : 399 .

عنه بما لا يرجع إلى الانتقاص والغيبة .

مضافاً إلى أنّ الظاهر من سياق الرواية وغضب أبي عبداللّه علیه السلام وتطبيق الآية أنّ مطالبته كانت بوجه منطبق عليه عنوان الظلم ، كالاستقصاء من الفاقد، الموجب لخجلته وهتكه .

وممّا ذكرناه من معنى الشكاية والاحتمالين فيها يظهر النظر في الاستدلال بمرسلة ثعلبة بن ميمون عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : كان عنده قوم يحدّثهم إذ ذكر رجل منهم رجلاً فوقع فيه وشكاه ، فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «وأ نّى لك بأخيك كلّه ؟ وأيّ الرجال المهذّب ؟»(1) .

نعم ، ظاهر «وقع فيه» أ نّه اغتابه ، فقوله : «شكاه» يصير ظاهراً حينئذٍ في تظلّمه وذكر سوء ما فعل به .

ولا يدلّ ذيله على أنّ شكواه كان في ترك الأولى ؛ لأنّ حقوق الاُخوّة بين واجبات ومستحبّات ، وترك شيء منهما مخالف للاُخوّة وكون الرجل مهذّباً .

نعم ، لا يخلو نحو تعبيره من إشعار بترك الأولى لكنّه لا يصل إلى حدّ الدلالة والظهور المتّبع .

مضافاً إلى عدم دليل على أنّ الرجل المذكور عنده كان معروفاً لدى الحضّار ،

فلعلّه شكا رجلاً مجهولاً للتشفّي أو لدعاء أبي عبداللّه علیه السلام له في دفع صنيعته به أو لعلّه كان متجاهراً بالفسق والظلم .

ص: 486


1- الكافي 2 : 651 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 85 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 56 ، الحديث 1 .

الثاني: فيما لا يكون من قبيل الاستثناء بل كان من باب التزاحم

ومن الثاني ؛ أي ما لا يكون من قبيل الاستثناء وكان من باب التزاحم أو يحتمل فيه ذلك ، موارد كثيرة ذكرها القوم .

وجملة القول فيها أ نّه لا بدّ في الحكم بالجواز في كلّ مورد من إحراز كونه من باب التزاحم بإحراز المقتضي والملاك في الطرفين ، وإحراز أهمّية مقتضي المقابل لعنوان الغيبة عن مقتضيها أو إحراز التساوي بينهما أو احتمال الأهمّية أو التساوي في مقتضي المقابل لها ، وعدم احتمال الأهمّية في الطرف؛ أي في مقتضي الغيبة مع فقد احتمالها في مقابلها .

فحينئذٍ يحكم العقل بجواز ارتكابها ، لا لما أفاده الشيخ الأنصاري ومن تبعه

من تبعية الحكم لأقوى المصلحتين وعدم حرمة الغيبة شرعاً في مورد أهمّية الغير(1) ، فإنّه خلاف التحقيق في باب التزاحم في مقام الامتثال .

والتحقيق : أنّ الحكمين المتزاحمين في مقامه بقيا على فعليتهما مطلقاً ، إلاّ أنّ العقل يحكم بمعذورية الفاعل والمكلّف عن ترك المهمّ بالاشتغال بالأهمّ أو ترك أحد المتساويين بالاشتغال بالآخر .

فترك الحكم الفعلي ومخالفته قد يكون لعذر ، فلا يعاقب عليه ، وقد يكون لا لعذر ، فيعاقب عليه . ولهذا لو ترك المتزاحمين فيما يمكن له تركهما استحقّ العقوبة على ترك كلّ واحد لمخالفته الحكم الفعلي بلا عذر مع قدرته على إتيانه.

ص: 487


1- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 351 و358 .

والتفصيل ورفع الإشكالات المتوهّمة يطلب من محلّه(1) .

وعلى ما ذكرناه من فعلية المتزاحمين لا بدّ في ارتكاب كلّ من إحراز العذر فيه ، ومع احتمال الأهمّية في أحدهما يكون ارتكابه بعذر محرز دون مقابله؛ لعدم إحرازه فيه .

ثمّ إنّ إحراز الأهمّية في الموارد الخاصّة أو احتمالها قد يكون بحكم العقل كأهمّية دم المؤمن من الوقيعة فيه ، وقد يكون بالنقل كما لو دلّت الأدلّة على أنّ فلاناً أشدّ من فلان ، أو يحرز من اهتمام الشارع بشيء أكثر من الآخر بحسب لسان الأدلّة وكيفية التعبير فيها أو بعدّه في الكبائر دون الآخر ، إلى غير ذلك .

جواز الغيبة في نصح المستشير

ثمّ إنّهم تعرّضوا لموارد لا بأس بذكر مورد منها؛ لورود روايات فيها ، وهو نصح المستشير .

وجوازها في مورده بنحو الإجمال والإيجاب الجزئي ثابت ، كما لو اُحرز في مورد أهمّية النصح من الوقيعة في المؤمن ، كما لو فرض أنّ في تركها يبتلى المؤمن بمفسدة عظيمة ، بل في بعض الموارد يجب النصح ولو لم يستشره، ولعلّه مراد الشيخ الأنصاري أيضاً (2) وإن أوهم ذيل كلامه بخلافه .

وكيف كان : لا بدّ في الحكم بجوازها في مطلق موارد النصح ، أو مطلق نصح المستشير من إحراز وجوب النصح مطلقاً ، أو مع الاستشارة وعدم جواز ردّ

ص: 488


1- راجع مناهج الوصول 2 : 15 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 352 .

الاستشارة وترك النصح ولو بالسكوت ، وإحراز كونهما من باب التزاحم وإحراز أهمّية النصح من الوقيعة في المؤمن أو احتمالها على نحو ما تقدّم .

وأمّا لو كان بين الدليلين التعارض فالظاهر عدم جواز الغيبة ، سواء قلنا باندراج العامّين من وجه في باب العلاج أم لا ؛ لأنّ عموم الكتاب مرجّح لأدلّة حرمة الغيبة على الأوّل ، ومرجع مع سقوط الدليلين على الثاني .

ولا تعارض الأخبار الكتاب وإن كان بينهما عموم من وجه ، ولا يسقط العامّ الكتابي بالمعارضة معها ؛ لأ نّه مع كونه مخالفاً لارتكاز المتشرّعة ولبناء الفقهاء

ظاهراً يمكن استفادته من أدلّة العلاج كرواية الميثمي(1) وغيرها .

وإن شئت قلت : إنّ الأخبار الواردة بأنّ «ما خالف قول ربّنا زخرف» أو «باطل» أو «لم نقله»(2) شاملة للعامّين من وجه في مورد تعارضهما ، وإنّما الخارج منها ما يكون بينهما جمع عرفي . ومعه يخرج موضوعاً عن مخالفته في محيط التشريع على ما ذكرناه في ميزان المعارضة ومحلّها ومحطّها (3) .

ولو قيل : إنّ الحكم في المتعارضين متعلّق بالطبائع والعناوين ، والتعارض بينهما بالعرض ، وهو خارج عن الأدلّة الدالّة على أنّ ما خالف قول ربّنا كذا .

قلنا : - مضافاً إلى أنّ الظاهر دخوله فيها ولو بإلغاء الخصوصية أو المناط القطعي - إنّه لو سلّم ذلك لكن المستفاد من الأدلّة - ولو بمناسبات - أنّ الخبر

ص: 489


1- وسائل الشيعة 27: 113، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 21.
2- راجع وسائل الشيعة 27 : 110 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 12 ، 14 ، 15 و48 .
3- راجع التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 7 .

لا يعارض الكتاب ولا يسقط عموم الكتاب بمعارضته ، فلاحظ .

نعم ، الظاهر أنّ المورد من باب تزاحم المقتضيين وتحقّقه في كلّ من العنوانين مطلقاً .

في وجوب نصح المستشير

لكن الشأن في أصل وجوب نصح المستشير أو نصح المؤمن مطلقاً ، وعلى فرض وجوبه في أهمّيته من الغيبة ، وفي كليهما نظر :

أمّا الأوّل فلعدم الدليل عليه إلاّ روايات قاصرة الدلالة عن إثباته :

كصحيحة عيسى بن أبي منصور عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه»(1) .

ونحوها صحيحة الحذّاء(2) ، وصحيحة معاوية بن وهب(3) .

والظاهر منها ثبوت حقّ للمؤمن على المؤمن ، فإنّ الظاهر من «يجب له عليه» ثبوته عليه .

وأمّا كون ذلك شرعاً على نحو الوجوب والإلزام فلا دلالة عليه ، فهو كسائر الحقوق الثابتة للمؤمن على المؤمن ، ومادّة الوجوب لو كانت ظاهرة في

ص: 490


1- الكافي 2 : 208 / 1 ؛ وسائل الشيعة 16 : 381 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 35 ، الحديث 1 .
2- وسائل الشيعة 16 : 381 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 35 ، الحديث 3 .
3- وسائل الشيعة 16 : 381 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 35 ، الحديث 2 .

الوجوب الاصطلاحي لكن في مثل هذا التركيب ظاهرة في الثبوت ، ففرق بين قوله : وجب عليه كذا، وقوله : وجب للمؤمن على المؤمن كذا ، فإنّ الثاني غير ظاهر في الإلزام ، مع أنّ ظهور المادّة في الوجوب مطلقاً محلّ كلام .

وكرواية جابر عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه»(1) .

وفي دلالتها على الوجوب بعد الغضّ عن ضعف سندها (2) نظر ؛ لأ نّها في مقام بيان مقدار النصيحة وكيفيتها بعد الفراغ عن حكمها فلا تدلّ على وجوبها .

ورواية تميم الداري الضعيفة ، قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «الدين نصيحة». قيل: لمن يا رسول اللّه، قال: «للّه ولرسوله ولأئمّة الدين ولجماعة المسلمين»(3).

وأنت خبير بعدم دلالتها على الوجوب بل سياقها سياق الاستحباب .

وهنا طائفة اُخرى بلسان آخر :

كموثّقة سماعة ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «أيّما مؤمن مشى في حاجة أخيه فلم يناصحه فقد خان اللّه ورسوله»(4) . ونحوها روايات(5) .

ص: 491


1- الكافي 2 : 208 / 4 ؛ وسائل الشيعة 16 : 382 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 35 ، الحديث 4 .
2- ضعيفة بعمرو بن شمر ، راجع تنقيح المقال 2 : 332 / السطر 22 (أبواب العين) .
3- الأمالي ، الطوسي : 84 / 125 ؛ وسائل الشيعة 16 : 382 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 35 ، الحديث 7 .
4- الكافي 2 : 362 / 2 ؛ وسائل الشيعة 16 : 383 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 36 ، الحديث 2 .
5- راجع وسائل الشيعة 16 : 383 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ، الباب 36 .

وهي لا تدلّ على وجوب النصيحة مطلقاً أو عند الاستشارة ، بل على أ نّه لو مشى في حاجته يجب عليه نصحه . وأمّا وجوب المشي في حاجته أو وجوب نصيحته فلا ، ولعلّه مع علمه بابتلائه بالمعصية كالغيبة لا يجوز له المشي فيها .

وكذا ما ورد في خصوص المستشير ، كقوله : «من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه اللّه لبّه»(1) .

فلا يدلّ على الوجوب بل ظاهره الاستحباب .

مع أنّ ما وردت في نحو هذا المساق ممّا لوحظ فيها حال جماعة المسلمين وجمعيتهم لا إطلاق فيها لحال وقوع ضرر أو حرج أو هتك ونحوها على بعض آخر من المسلمين .

فوجوب نصح المسلم على فرضه حكم حيثي لا إطلاق له لحال إيقاع هتك لمسلم آخر بعد كون الملحوظ فيه حال المؤمنين وعدم ترجيح بعض على بعض.

ثمّ لو سلّم دلالتها على الوجوب وإطلاقها ومزاحمة المقتضيين لكن الظاهر من أدلّة الغيبة ومثل التعبيرات الواردة فيها أنّ ملاكها أقوى من ملاك النصح ، ولا أقلّ من أنّ ذلك الاهتمام صار موجباً لاحتمال أهمّية ملاكها . فالأقوى ملاحظة الموارد ؛ ففي كلّ مورد تحرز أهمّية النصح أو تحتمل كما أشرنا إليه يحكم بجوازها دون مطلق الموارد .

وممّا ذكرناه وفصّلناه يظهر حال سائر الموارد التي استثني منها ، فلا داعي لتطويل الكلام بذكرها ، واللّه الهادي .

ص: 492


1- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 70 ؛ وسائل الشيعة 17 : 208 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 49 ، الحديث 1 .

الأمر الثالث حرمة استماع الغيبة

يحرم استماع الغيبة بلا خلاف ، كما في «الجواهر»(1) و«مكاسب» شيخنا المرتضى(2)، وإن قال في «مفتاح الكرامة»: «إنّ الأصحاب تركوا ذكره لظهوره»(3).

وتدلّ عليه جملة من الروايات :

كالنبوي المعروف المنقول عن تفسير أبي الفتوح الرازي أ نّه قال : «السامع للغيبة أحد المغتابين»(4) .

وقال الشهيد في «كشف الريبة» : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «المستمع أحد المغتابين» . وقال علي علیه السلام : «السامع للغيبة أحد المغتابين»(5) ، انتهى .

وعن الغزالي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «المستمع أحد المغتابين»(6) .

وفي خبر المناهي : «نهى عن الغيبة والاستماع إليها»(7) .

ص: 493


1- جواهر الكلام 22 : 71 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 359 .
3- مفتاح الكرامة 12 : 219 .
4- روض الجنان وروح الجنان 18 : 37 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 133 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 136 ، الحديث 7 .
5- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 21 .
6- إحياء علوم الدين 3 : 214 .
7- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 282 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 13 .

وعن «جامع الأخبار» : وقال صلی الله علیه و آله وسلم : «ما عمِر مجلس بالغيبة إلاّ خرب من الدين ، فتنزّهوا (1) أسماعكم من استماع الغيبة ، فإنّ القائل والمستمع لها شريكان في الإثم»(2) .

وهذه إن كانت من مرسلات الصدوق فلا تخلو من اعتبار ، ولكن من المحتمل بل الظاهر أن تكون عطفاً على قوله : عن سعيد بن جبير ، فتكون من غير المرسلات المعتمدة .

وعن كتاب «الروضة» عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «الغيبة كفر والمستمع لها والراضي بها مشرك»(3) .

وعن الشيخ المفيد في «الاختصاص» : وعن أمير المؤمنين علیه السلام أ نّه نظر إلى رجل يغتاب رجلاً عند الحسن علیه السلام ابنه ، فقال : «يا بنيّ ، نزِّه سمعك عن مثل هذا ، فإنّه نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك»(4) .

كذا في «المستدرك» في باب تحريم اغتياب المؤمن(5) ، ولكن فيه في باب

ص: 494


1- كذا في الطبعة الحجرية من المستدرك 2 : 106 ، الحديث 32 ، ولكن في الطبعة الجديدة ، فنزّهوا .
2- جامع الأخبار : 413 / 1146 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 121 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 32 .
3- مستدرك الوسائل 9 : 133 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 136 ، الحديث 6 .
4- الاختصاص : 225 .
5- مستدرك الوسائل 9 : 114 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 9 .

وجوب ردّ غيبة المؤمن : وفي «الاختصاص» : «قال :نظر أميرالمؤمنين علیه السلام . . .»(1) .

والظاهر أنّ أصل الرواية ما في باب الاغتياب وإنّما أسقط عنها في الباب المتأخّر ، فتكون مرسلة غير معتمدة ؛ لعدم انتسابه إلى الإمام علیه السلام

جزماً .

بل الظاهر أنّ إرسال المفيد جزماً غير إرسال الصدوق كذلك - حيث لا نستبعد الاعتماد على مرسلاته - لأنّ المفيد كان من أهل النظر والاجتهاد ، ولعلّ انتسابه جزماً مبنيّ على اجتهاده ، بخلاف طريقة الصدوق وأبيه .

وكيف كان : ليست المرسلة معتمدة . مع أنّ في متنها إشكالاً ؛ لأنّ نهيه علیه السلام

ابنه علیه السلام إن كان من استماع الغيبة المحرّمة - والعياذ باللّه - كانت الرواية

مخالفة لاُصول المذهب ؛ ضرورة أنّ الحسن بن علي علیه السلام لا يستمع إليها . وإن كان من الاستماع الجائز فلا تدلّ على المقصود ، فهي مطروحة أو غير دالّة .

وعن الشيخ ورّام بن أبي فراس عن جابر : ولمّا رجم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الرجل في الزنا قال رجل لصاحبه : هذا عقص كما يعقص الكلب ، فمرّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم معهما بجيفة فقال : «انهشا منها» قالا : يا رسول اللّه ننهش جيفة ! ؟ قال : «ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه»(2) .

ص: 495


1- مستدرك الوسائل 9 : 132 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 136 ، الحديث 5 .
2- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) : 124 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 120 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 27 .

وعن الشيخ أبي الفتوح في تفسيره عن ابن عمّ أبي هريرة نحوها بنحو أبسط(1) .

ولعلّ تلك الروايات مع كثرتها ومعروفية الحكم ودعوى المشايخ عدم الخلاف ووضوح الحكم، كافية في ثبوت أصل الحرمة .

مع إمكان الاستدلال عليها بجملة من الروايات الظاهرة - ولو بمناسبة الحكم والموضوع - في أنّ هتك ستر المؤمن وكشف عورته وسوءته وإذاعة سرّه محرّم و مبغوض ذاتاً ، وأنّ النهي عن الغيبة إنّما هو بلحاظ مراعاته وحفظ عرضه ومستوريته عن الكشف .

لا أقول : إنّ حرمتها مقصورة عليه ، بل أقول : إنّ المستفاد من جملة من الروايات ، كما وردت في تفسير الغيبة ب- : «أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه»(2) ، وكذا ممّا دلّت على حرمة إذاعة سرّه .

كصحيحة عبداللّه بن سنان ، قال : قلت له : عورة المؤمن على المؤمن حرام ؟ قال : «نعم» قلت : يعني سفلته ؟ قال : «ليس حيث تذهب ، إنّما هو إذاعة سرّه»(3) .

وحسنة منصور بن حازم ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

من أذاع الفاحشة كان كمبتدئها»(4) . . . إلى غير ذلك .

ص: 496


1- روض الجنان وروح الجنان 18 : 38 .
2- تقدّمت في الصفحة 443 .
3- الكافي 2 : 358 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 294 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 157 ، الحديث 1 .
4- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 295 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 296 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 157 ، الحديث 6 .

وما نرى من اهتمام الشارع الأقدس بشأن المؤمن وعرضه أكيداً .

أنّ هتكه وكشف سرّه مبغوض ذاتاً ، وأنّ النهي عن الغيبة وإذاعة السرّ لمبغوضيته الذاتية لا لصدوره من مكلّف ، فإذا كان كذلك كان الاستماع إليها محرّماً إذا لزم منه إذاعة سرّه وكشف ستره لدى المستمع ، فإنّ كشف السرّ كما يتقوّم بالذكر ونحوه يتقوّم بالاستماع ونحوه .

وبالجملة : إذا كان هتك ستره مبغوضاً ، وحفظ عرضه مطلوباً ذاتاً كحفظ دمه كما هو مستفاد من الروايات الواردة في الأبواب المختلفة(1) ، فهو ملازم لمبغوضية الذكر والسماع جميعاً ؛ لأنّ الكشف قائم بالتكلّم والاستماع .

فإذا علم السامع أنّ المتكلّم يريد كشف الستر المبغوض وجوده ذاتاً في الخارج ، وكان المبغوض قائماً بطرفين وأمكن له دفع تحقّقه وجب عليه ذلك وحرم عليه الاستماع ؛ لأنّ المفروض أنّ المبغوض ليس صدوره من المكلّف ، بل وجوده في الخارج نحو قتل النفس المحترمة .

بل لا يبعد الالتزام بوجوب منع المؤمن عن إفشاء سرّ نفسه وهتك عرضه ، ووجوب منع الطفل عن هتك ستر المؤمن وكشف سرّه .

نعم ، على هذا الوجه لا تثبت حرمة مطلق استماع الغيبة بناءً على ما تقدّم من أنّ حرمتها لا تختصّ بمورد كشف الستر ، إلاّ أنّ الظاه-ر ع-دم التفصيل بينهما ، تأمّل .

بل يمكن أن يقال : إنّ ما ذكر لا يكفي لإثبات الحرمة لعنوان الاستماع ، فإنّه

ص: 497


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 و156 - 158 .

سبب أو ملازم للمحرّم ، وما هو محرّم كشف الستر اختياراً .

إلاّ أن يقال : إنّ الكشف المبغوض صار سبباً لجعل الحكم على الغيبة والاستماع ، تأمّل .

أو يقال : إنّ ذلك التحليل والتجزئة عقلي ، والعرف يفهم من الأدلّة حرمة الاغتياب والاستماع المتّحدين مع الكشف ، تدبّر .

ويمكن الاستدلال للحرمة بل لكونه كبيرة بمرسلة ابن أبي عمير المنقولة مستندة أيضاً بسند صحيح ، وآخر حسن أو صحيح(1) عن أبي عبداللّه علیه السلام ،

قال : «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اُذناه فهو من الذين قال اللّه عزّ وجلّ : )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(»(2) .

بدعوى: أنّ الظاهر من قوله : «فهو من الذين . . .» هو أنّ المغتاب مصداق حقيقي للآية الكريمة ، والتنزيل الموضوعي بلحاظ الحكم خلاف ظاهره ؛ لأ نّه مجاز يحتاج إلى التأوّل والدعوى .

فتكون الرواية مفسّرة للآية بتعميم الحبّ للعمل الناشئ من الرضا والإرادة وتعميم الشياع لمطلق النشو والنشر الشاملين للذكر عند واحد كما هو مقتضى إطلاق الرواية .

فيصير مفاد الآية شاملاً لكلّ عمل اختياري موجب لنشو الفاحشة ورفع الستر عنها في الجملة ، فتشمل السامع كما تشمل المغتاب بلا افتراق بينهما ؛ لأنّ

ص: 498


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 417 - 418 .
2- تقدّم في الصفحة 417 .

السامع أيضاً عمل بفعله الاختياري وهو الاستماع ما هو موجب لنشو الفاحشة ورفع الستر عنها .

وليس مفاد الآية حرمة إشاعة الفاحشة حتّى يقال : إنّ الإشاعة عرفاً من فعل المغتاب ، بل مفادها حبّ شيوعها وهو أعمّ من الإشاعة .

وبالجملة : بعد تحكيم الرواية على الآية تفسيراً وتوضيحاً ، تدلّ الآية على حرمة الاستماع وكونه من الكبائر.

ويمكن أن يناقش فيه بأنّ الظاهر من الرواية وإن كان الاندراج الحقيقي لكن حمل الآية على ما ذكر والتصرّف في الحبّ والشياع بما ذكر خلاف ظاهر بل ظاهرين .

فدار الأمر بين ارتكاب خلاف ظاهر واحد شائع في الشرع والعرف وهو التنزيل الحكمي بلسان الاندراج الموضوعي مع قيام قرينة عقلية عليه وهو عدم كون الاغتياب داخلاً في مفادها وجداناً ، وبين ارتكاب خلاف ظاهرين بعيدين عن الأفهام غريبين عن الأذهان بلا قيام قرينة في نفس الآية الكريمة .

ولا شبهة في تعيّن الأوّل ، فعليه يكون مفاد الرواية تنزيل المغتاب منزلة الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة .

نعم، مقتضى إطلاقها كون الغيبة كبيرة دون استماعها .

حول كلام المحقّق الشيرازي في المقام

واستدلّ المحقّق التقيّ في تعليقته على «المكاسب» على حرمته بفحوى الأخبار الكثيرة الدالّة على حرمة الرضا بوقوع المحرّم وأنّ على الداخل إثمين :

ص: 499

إثم الرضا وإثم الدخول ، فإنّ المراد في المقام حرمة الاستماع على وجه الرضا

بفعل المغتاب(1) ، انتهى .

ولو تمّ ما أفاده أمكن الاستدلال عليها بكونه من الكبائر ؛ لأنّ قوله في صحيحة أبي الصلت الهروي عن الرضا علیه السلام : «ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه»(2) وما عن أمير المؤمنين علیه السلام : «الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه»(3) يدلاّن على كونه من الكبائر بإطلاق التنزيل .

لكن الشأن في دلالتها ، فإنّ الظاهر منها أنّ المحرّم عنوان الرضا بفعل محرّم ، وهو شامل للرضا الذي له مظهر كما فيما نحن فيه ، ولا تدلّ على حرمة عنوان آخر مغاير له وهو الاستماع ولو كان على وجه الرضا . فإنّ الاستماع كذلك ينحلّ إلى الرضا الذي هو أمر قلبي والاستماع الذي من عمل الجوارح ، ولا تقتضي حرمة العنوان الأوّل حرمة الثاني ، لا باللفظ ولا بالفحوى ، ولا ملازمة بين حرمة الرضا بالغيبة مع حرمة استماعها على وجه الرضا .

ولو تمّ ما ذكره يكون على الداخل ثلاثة آثام : إثم أصل الدخول والعمل ، وإثم نفس الرضا حسب الروايات ، وإثم الدخول على وجه الرضا بالفحوى المدّعى ، وهو كما ترى مخالف للروايات .

ص: 500


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 118 .
2- عيون أخبار الرضا 1: 273 / 5؛ وسائل الشيعة 16: 138، كتاب الأمر والنهي، أبواب الأمر والنهي، الباب 5، الحديث 4 .
3- نهج البلاغة : 499 ، الحكمة 154 ؛ وسائل الشيعة 16 : 141 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب الأمر والنهي ، الباب 5 ، الحديث 12 .

مع أنّ ما ذكره من أنّ المراد في المقام حرمة الاستماع على وجه الرضا بفعل المغتاب غير ظاهر .

بل المراد في المقام حرمة الاستماع مطلقاً ولو استمع مع انزجاره عن فعل المغتاب وكراهته به . فكما أنّ الغيبة محرّمة مطلقاً ولو مع التنفّر عنها ، كذلك الاستماع . وليس المراد بالرضا هو الإرادة والاختيار وغيرهما من مبادي الفعل الاختياري ، كما لا يخفى على المتأمّل .

وأمّا روايات وجوب ردّ الغيبة فهي أجنبيّة عن الدلالة على حرمة الاستماع ، كما هي أجنبيّة عن الدلالة على جوازها ، بل تدلّ على أ نّه لو سمع الغيبة يجب عليه الردّ . بل قلنا في بعض المسائل السابقة : إنّ مقتضى أدلّة النهي عن المنكر الدفع عن المنكر الذي علم بإشرافه على الوجود(1) ، فكيف يجوز تمكين المغتاب على الغيبة وكشف ستر المؤمن بعذر إرادة الردّ ؟ !

في كون استماع الغيبة من الكبائر

وقد استدلّ شيخنا الأنصاري على كونه من الكبائر بالنبوي : «السامع للغيبة أحد المغتابين» لولا ضعف سنده(2) .

وفيه نظر يظهر بعد ذكر محتملات الرواية :

فمنها : أن يكون المغتابين على صيغة الجمع ، وكأنّ القائل بصدد إدراج السامع في المغتابين حكماً بلسان الإدراج الموضوعي وتنزيله منزلة المغتاب ،

ص: 501


1- تقدّم في الصفحة 230 .
2- المكاسب ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 14 : 359 .

فيكون المراد أ نّه واحد منهم حكماً ، كما لو قال : زيد أحد العلماء مع فرض عدم كونه عالماً ، فكأ نّه قال : السامع بمنزلة المغتاب .

فعلى هذا الفرض تمّت دلالتها ؛ لإطلاق التنزيل ، إلاّ على إشكال مشترك بين الاحتمالات تأتي الإشارة إليه .

لكنّه بعيد؛ لعدم فائدة في ذكر الجمع لإفادة هذا المعنى ، بل لو قال : السامع

مغتاب كان أولى وأدلّ ، كقوله : «الفقّاع خمر»(1) ، و«الطواف بالبيت صلاة»(2) .

ومنها : أن يكون على صيغة التثنية ، ويراد به تنزيل السامع منزلة المتكلّم بالغيبة ، سواء اُريد به أ نّه بمنزلة القائل بتلك الغيبة التي سمعها ، أو اُريد أ نّه بمنزلة المتكلّم بها وأنّ السامع كأ نّه المتكلّم بها .

وعليه أيضاً تمّت الدلالة ، لكن هذا اللسان كأ نّه ينافي التنزيل بلسان إثبات الموضوع ؛ لأنّ لسان إثباته يقتضي أن يكون بإيقاع الهوهوية لا الاثنينية والتغاير، كما في الرواية .

ومنها : أن يراد به جعل العدل للمغتاب ، فكأ نّه قال : السامع مغتاب آخر عدل المغتاب .

وعليه أيضاً لا تبعد تمامية دلالته ، بأن يقال : إنّ إطلاق العدلية يقتضي الاشتراك في جميع الآثار والأحكام .

ومنها : أن يراد بهذا الكلام الحكاية عن تنزيل سابق عليه ، فإذا كان السامع

ص: 502


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 359 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 27 .
2- راجع مستدرك الوسائل 9 : 410 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 38 ، الحديث 2 .

منزّلاً منزلة المغتاب يصير المغتاب اثنين : الحقيقي والتنزيلي ، والسامع أحدهما ، وهو الفرد التنزيلي .

وعلى هذا الاحتمال يشكل الاستدلال ؛ لعدم وقوفنا على دليل التنزيل وكيفية دلالته حتّى نتمسّك بإطلاقه ، ويكفي في الحكاية التنزيل ببعض الآثار كأصل الحرمة .

إلاّ أن يقال : إنّ حكاية العدلية بقول مطلق كاشف عن التنزيل كذلك ، وهو لا يخلو من وجه ، كما لا يخلو من تأمّل .

ومنها : أن يراد به التنبيه على أنّ الغيبة كما يتوقّف تحقّقها على المغتاب يتوقّف على السامع وهو شريكه في الإثم ، وليس حال السامع حال المضروب المتوقّف تحقّق الضرب عليه ، بل هو دخيل في كشف ستر المؤمن وهتكه ، وهو أحد المغتابين بهذا الاعتبار .

وعليه لا يكون في مقام بيان التنزيل حتّى نتمسّك بإطلاقه على كونه من الكبائر .

إلاّ أن يقال : يكفي كونه في مقام بيان كونه شريكاً فيتمسّك بإطلاق الشركة في الإثم على المطلوب .

إلاّ أن يناقش بأ نّه ليس في مقام بيان الشركة في الإثم أيضاً ، بل بصدد بيان سرّ كونه مأثوماً بأ نّه باستماعه مأثوم ، والمغتاب بكلامه ، فهو في مقام بيان أصل المأثومية مقابل عدم الإثم .

وهذا الاحتمال غير بعيد عن ظاهر اللفظ والاعتبار .

فتحصّل ممّا ذكر عدم ظهور الرواية في التنزيل المطلق ، حتّى يستفاد

ص: 503

منها كون الاستماع من الكبائر .

هذا مضافاً إلى ورود إشكال آخر ، وهو أنّ عمدة ما دلّت على كون الغيبة كبيرة مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة(1) ، وقد عرفت أنّ الأظهر فيها تنزيل المغتاب منزلة الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة(2) ، ومقتضى التنزيل المذكور أ نّها كبيرة .

وعليه يمكن أن يناقش في دلالة ما يدلّ على تنزيل المستمع منزلة المغتاب على كون الاستماع معصية كبيرة ، بأن يقال : إنّ التنزيل في لسان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بأنّ المستمع أحد المغتابين يصحّ مع اشتراك المستمع للمغتاب في أحكام حال التنزيل ، ومقتضى إطلاقه اشتراكهما في جميع الأحكام في حال الدعوى والتنزيل . وهو لا يقتضي اشتراكهما في الأحكام النازلة المتعلّقة بالمغتاب بعد التنزيل والدعوى ، فإنّ صحّة الدعوى وإطلاق التنزيل لا تقتضيان أزيد من ثبوت جميع الأحكام حال التنزيل ، ومن المحتمل أن يكون تنزيل المغتاب منزلة الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة ، وإثبات حكم حبّ شياعها عليه بعد تنزيل المستمع منزلة المغتاب .

إلاّ أن يقال : إنّ الغيبة لو كانت كبيرة كانت كذلك من أوّل الأمر ، ولا يمكن انفكاك الكبيرة عن أصل المعصية .

لكنّه غير ثابت ؛ لأنّ الأحكام مجعولة وضعاً وتكليفاً ، ويمكن أن تكون الغيبة ذات مفسدة ضعيفة في أوّل البعثة ، فجعلت محرّمة ، ثمّ حدثت فيها مفاسد اُخرى

ص: 504


1- تقدّمت في الصفحة 498 .
2- تقدّم في الصفحة 498 .

شديدة ، كالمفاسد الاجتماعية ، فجعلت كبيرة واُوعد عليها النار الأليم ، فدعوى عدم إمكان التفكيك تحتاج إلى بيّنة مفقودة في المقام .

ودعوى : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم العالم بالأحكام الآتية لا محالة ينزّل الشيء منزلة الآخر في جميع الأحكام السابقة واللاحقة ، فالإطلاق يقتضي ترتّبها عليه مطلقاً ، غير سديدة ؛ لأنّ طريق علمه الوحي الإلهي ، والمفروض عدم الإيحاء إليه . ولو قلنا بأ نّه عالم بها لإحاطته باللوح المحفوظ فهو علم غير عادي ليس مناط جعل الأحكام في ظاهر الشريعة ، ولا شبهة في تدريجية الأحكام نزولاً وإجراءً وفعلية .

وبالجملة : الدعوى عدم الإطلاق بالنسبة إلى الأحكام المفقودة حال التنزيل وعدم ثبوته إلاّ في الأحكام المحرزة حاله .

وإن شئت قلت : إنّ غاية ما أثبتناه بحكم الإطلاق في قبال مدّعي كفاية التنزيل بلحاظ أظهر الآثار أنّ جميع الأحكام الثابتة للمنزّل عليه ثابت للمنزّل ، وأنّ أظهرية الآثار لا توجب رفع اليد عن الإطلاق إلاّ مع الانصراف .

وأمّا أنّ الإطلاق يقتضي ثبوت أحكام غير ثابتة للمنزّل عليه حال التنزيل للمنزّل في ظرف ثبوتها للمنزّل عليه فلا .

بل يمكن الإشكال في التنزيلات الواردة في لسان الأئمّة علیهم السلام بناءً على كشفها عن تنزيل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بعين ما تقدّم .

نعم لو كان التنزيل منهم ، والدعوى والمجاز منهم ، لا كاشفاً عن تنزيله صلی الله علیه و آله وسلم يؤخذ بإطلاقه ، ولا ينظر إلى كيفية ثبوت الأحكام للمنزّل عليه ، ووجهه واضح .

ص: 505

بل يمكن أن يقال : إنّ التنزيل بنحو الإطلاق في لسان الأئمّة المتأخّرين عن

عصر الوحي يكشف عن التنزيل المطلق في لسان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ولو قلنا بالكشف ؛ لأنّ التنزيل لو كان في بعض الأحكام لكان عليهم البيان بعد كون النقل لبيان الحكم الشرعي ، فمع تمامية مقدّمات الإطلاق يؤخذ بإطلاق الكاشف ويكشف إطلاق المنكشف .

فبقي الإشكال فيما إذا نقل تنزيل من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من غير طريقهم علیهم السلام .

فتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ الاست-دلال بالنبوي لكون الاستماع كبيرة غير وجيه بوجوه .

في تبعية حرمة الاستماع لحرمة الغيبة

ثمّ إنّ المحرّم هل هو استماع الغيبة المحرّمة ، فتكون حرمته تابعة لحرمتها ، أو هو محرّم مستقلّ في قبال الغيبة ، من غيرتبعية لها في الحكم ؟

يمكن الاستدلال على استقلاله وعدم تبعيته بأخبار :

منها : حديث المناهي ، وفيه: «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن الغيبة والاستماع إليها ، ونهى عن النميمة والاستماع إليها»(1) .

بأن يقال : إنّ الظاهر أنّ النهي متعلّق باستماع طبيعة الغيبة ، لا الغيبة

ص: 506


1- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 282 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 13 .

المنهيّ عنها كما أنّ النهي عن الغيبة لم يتعلّق بالغيبة المنهيّ عنها .

وإن شئت قلت : إنّ الظاهر أنّ متعلّق النهي في الأوّل ومتعلّق المتعلّق في الثاني شيء واحد ، وهو نفس طبيعتها ، وكما أنّ مقتضى الإطلاق في قوله : «نهى عن الغيبة» حرمتها سواء حرم استماعها على المستمع أم لا فكذلك مقتضى إطلاق قوله : «والاستماع إليها» حرمته سواء حرمت الغيبة على المغتاب أم لا . وبذلك يعلم عدم تبعيته لها في الحكم . إلاّ أن يناقش في إطلاق حديث المناهي بأن يقال : إنّ نفس مناهي الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ليست بأيدينا حتّى يمكن الأخذ بإطلاقها ، والرواية الحاكية عنها إنّما جمع فيها شتات الأحاديث والنواهي الواردة بألفاظ غير مذكورة فيها ، وإنّما هي في مقام عدّها بنحو الإجمال والإهمال ، وليس فيها إطلاق .

وبالجملة : لا إطلاق في الحاكي؛ لكونه في مقام عدّ أصل المناهي بنحو الإهمال ، ولا أقلّ من عدم إحراز كونه في مقام بيان كلّ عنوان بخصوصياتها ، ولا علم لنا بالمحكيّ عنه .

ومنها : ما عن «جامع الأخبار» عن سعيد بن جبير ، قال صلی الله علیه و آله وسلم : «ما عمر مجلس بالغيبة إلاّ خرب من الدين ، فتنزّهوا أسماعكم من استماع الغيبة ، فإنّ القائل والمستمع لها شريكان في الإثم»(1) .

بأن يقال : إنّ إطلاق قوله : «فتنزّهوا أسماعكم» يقتضي عدم جواز الاستماع مطلقاً .

ص: 507


1- تقدّم في الصفحة 494 .

وكونه تفريعاً على الجملة السابقة المذكورة فيها الغيبة المحرّمة لا يوجب التقييد أو الانصراف .

وأمّا قوله : «فإنّ القائل . . .» إنّما هو بصدد بيان أنّ طبيعة المغتاب والمستمع شريكتان في الإثم ، لا أنّ كلّ مستمع شريك مع من اغتاب عنده حتّى يقال : إنّ المفروض جواز اغتياب المغتاب ومعه لا إثم عليه حتّى يشترك السامع معه ، فتكون هذه الفقرة قاصرة عن إثبات الحرمة في الفرض لا دالّة على جوازها .

وإن شئت قلت : إنّ المراد بقوله ذلك دفع توهّم أنّ السامع لا يكون مغتاباً فلا إثم عليه فقال : إنّ الإثم كما هو ثابت للمغتاب ثابت للسامع أيضاً فهما شريكان في الإثم .

إلاّ أن يناقش ويقال : إنّ المتفاهم من صدرها وذيلها والتفريع المذكور أ نّها متعرّضة للغيبة المحرّمة ولا إطلاق لها يشمل المحلّلة .

وقوله : «إنّ القائل . . .» فيه احتمالان : أحدهما: ما ذكر ، وثانيهما: أنّ كلّ مغتاب شريك مع من يستمع غيبته في الإثم ، ولا ينافي ذلك تعلّق الحكم بالطبائع ؛ لأنّ من يستمع غيبة المغتاب أيضاً من الطبائع .

ثمّ على فرض أن تكون الرواية بصدد دفع التوهّم المتقدّم لا إطلاق فيها ، فإنّها حينئذٍ بصدد بيان ذلك ، لا حكم الموضوع حتّى يكون لها إطلاق .

ومنها : ما عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «الغيبة كفر والمستمع لها والراضي بها مشرك»(1) .

ص: 508


1- تقدّم في الصفحة 494.

بدعوى إطلاق المستمع للغيبة المحلّلة واختصاص الراضي بها بالغيبة المحرّمة لقيام القرينة ، ولم تقم في المستمع .

إلاّ أن يقال : إنّ عطف الراضي بها على المستمع لها وحمل محمول واحد عليهما قرينة على وحدة المراد منهما .

والإنصاف : عدم إطلاق في الروايات ؛ فإنّها بين مهملة ومنصرفة إلى المحرّمة .

وأمّا النبوي المتقدّم فقد عرفت أ نّه محتمل لمعانٍ(1) ، فعلى بعضها يدلّ على جواز الاستماع للغيبة المحلّلة ، وعلى بعضها يدلّ على عدم الجواز ، وعلى بعضها لا يدلّ على شيء منهما .

فإن قلنا بأنّ «المغتابين» على صيغة الجمع ، وقلنا بأنّ الظاهر منه عدم تنزيل

المستمع منزلة غيره بل تنزيل استماعه منزلة تكلّمه كما لا يبعد .

أو قلنا بأ نّه على صيغة التثنية لكن جعل السامع عدلاً للمغتاب ، والعدلية باعتبار أنّ استماعه بمنزلة تكلّمه .

أو قلنا بأ نّه كاشف عن تنزيل آخر وهو تنزيل استماعه منزلة تكلّمه ، تدلّ الرواية على حرمة الاستماع إلاّ في مورد جاز له الاغتياب .

وإن قلنا بتنزيل المستمع منزلة المغتاب وباقتضاء الإطلاق التنزيل في المحرّم والمحلّل ، تدلّ على جواز الاستماع إذا جاز للمغتاب الاغتياب .

وإن قلنا : إنّها بصدد بيان أصل الاشتراك ، ودفع توهّم اختصاص الحرمة

ص: 509


1- تقدّم في الصفحة 501 .

بالمغتاب ، فلا تدلّ على شيء منهما .

فهي مجملة من حيث اللفظ والمعنى ، وإن كان الأرجح تثنية الصيغة .

ويمكن أن يستدلّ على حرمة استماع الغيبة المحلّلة فيما إذا لزم منه كشف ستر المؤمن وإذاعة سرّه - بأن كان السامع جاهلاً بالعيب - بما تقدّم(1) من أنّ المستفاد من طوائف من الروايات حرمة عرض المؤمن ومبغوضية انهتاكه ذاتاً ، ولو كان مسلوب الإضافة عن الفاعل المختار والمكلّف العاقل ، وكما أنّ المغتاب لا يجوز عليه هتك المؤمن بقوله ، كذلك لا يجوز للسامع كشف ستره باستماعه .

فلو جاز ذلك على القائل لا يلزم أن يكون جائزاً على المستمع ؛ لعدم رفع احترام المؤمن بنحو الإطلاق ، ولهذا لا يجوز لسائر الناس اغتيابه بمجرّد جوازه لواحد منهم ، فالمرفوع احترامه بالإضافة لا مطلقاً .

ولو قيل : لازم تجويز الشارع اغتياب أحد للمغتاب ، تجويز استماعه وإلاّ كان ذلك لغواً .

يقال : لا ملازمة بينهما ؛ لإمكان أن يغتاب عند من جاز له استماع غيبته ، بل له إسماع الغير بغير اختياره كما يتّفق ذلك كثيراً ، فله أن يسمع غيره فجأة ، والمقصود في المقام إثبات جواز الاستماع اختياراً ، فلا ملازمة بين جواز الغيبة وجواز الاستماع الاختياري .

وهذا الأخير أوجه ما في المقام في حرمة استماعها مطلقاً ، لكنّه أيضاً لا يخلو من إشكال ؛ لعدم إحراز حرمة من أجاز الشارع غيبته ، والقدر المتيقّن

ص: 510


1- تقدّم في الصفحة 496 .

من الأخبار المشار إليها هو مبغوضية هتك غير من أجاز المولى هتكه ولو في الجملة ، ولا دليل على حرمة هتكه ذاتاً بنحو الإطلاق ، ولا يستفاد ذلك من الأخبار المتقدّمة ؛ لأنّ المستند لما ذكرناه ليس إطلاق دليل أو عمومه ، بل هو مستفاد من مجموع الأخبار استنقاذاً .

وأمّا عدم جواز غيبته لغير من اُجيز فلإطلاق أدلّة حرمة الغيبة من غير مقيّد ، لا لهذا الوجه .

فتحصّل ممّا ذكر: عدم دليل معتمد على حرمة استماع الغيبة المحلّلة .

حكم ما لو شكّ في أنّ الاغتياب كان على وجه الحلال أو الحرام

ثمّ لو شككنا في أنّ الاغتياب كان على وجه الحلال أو الحرام ، قد يقال : إنّ مقتضى أصالة الصحّة في قول المغتاب عدم جواز ردّه وردعه ، بل بمقتضى أماريتها تكشف عن جوازها واقعاً ، فيجوز للسامع استماعها ؛ لأنّ من آثار جوازها واقعاً جواز الاستماع أو من آثار عدم حرمتها واقعاً عدم حرمة استماعها .

هذا على فرض الترتّب بين الحكمين الواقعيين ، وعلى فرض عدم إحرازه تجري أصالة الصحّة ومعه لا تجري الاستصحابات الموضوعية أو الحكمية الحاكمة بعدم جواز الاستماع على فرض جريانها ؛ لحكومتها عليها ومعه لا مانع من جريان أصل البراءة عن الاستماع(1) .

ص: 511


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 214 .

حول جريان أصالة الصحّة في المقام

لكن في جريان أصالة الصحّة في مثل المقام إشكال ؛ لأنّ الدليل على الأصل المذكور ليس إلاّ بناء العقلاء أو هو مع سيرة المتشرّعة ، والقدر المتيقّن منهما هو

الأفعال التي لها وجهان : وجه صحّة وضعية ووجه فساد كذلك ، أعمّ من العقود والإيقاعات وسائر الأفعال كالصلاة والصوم وتجهيز الموتى وغيرها .

وأمّا في مطلق الأفعال كما لو دار الأمر بين كون الفعل الصادر مباحاً أو لا ، أو القول الكذائي مباحاً أو لا ، أو قبيحاً أو لا ، فلم يثبت بناء العقلاء أو المتشرّعة

على الحمل على الحلال الواقعي وترتيب آثاره عليه ، سيّما في مثل المقام الذي قد يستلزم الحمل على المباح الواقعي لحمل فعل مسلم آخر على الفساد والحرمة .

فإذا قال : ظلمني زيد أو جاهر بالفسق يكون حمل قوله على الصحّة واقعاً مستلزماً للبناء على ظلمه أو جهره به .

إلاّ أن يقال : إنّ الحمل على الصحّة في المقام حمل عليها باعتقاده ، لا على الصحّة الواقعية أو على الصحّة من حيث ، وهو لا ينافي البناء على صحّة عمل المغتاب - بالفتح - لجواز التفكيك بين اللوازم في الظاهر .

وهما كما ترى مخالفان لحجّية أصالة الصحّة ببناء العقلاء ؛ لعدم التفكيك في بنائهم .

ولا شبهة في أنّ بناءهم في العقود والإيقاعات ونحوهما ممّا لها وجه صحّة وفساد وضعاً على الحمل على الصحّة الواقعية لا الاعتقادية وترتيب الآثار

ص: 512

الواقعية لا الاعتقادية ، والحمل على الصحّة الاعتقادية في مورد والواقعية في آخر تفكيك في بنائهم بلا دليل .

والتفكيك في اللوازم وإن كان لا مانع منه ونحن بنينا على عدم حجّية مثبتات أصالة الصحّة(1) لكن التفكيك في المقام مشكل ، فإنّ البناء على صحّة قول من قال : «إنّ زيداً متجاهر بالفسق» واقعاً والبناء على عدم تجاهره واقعاً كأ نّهما لا يجتمعان ، تأمّل .

وبالجملة : إنّ بناء العقلاء أو سيرة المتشرّعة في مثل المورد غير محرزين وإن نفى الشيخ الأنصاري في الرسالة الإشكال عن جريانها في الأقوال ، واختار الجريان في الاعتقادات أيضاً :

قال في الأقوال : الصحّة فيها تكون من وجهين : الأوّل من حيث كونه حركة من حركات المكلّف فيكون الشكّ من حيث كونه مباحاً أو محرّماً ، ولا إشكال في الحمل على الصحّة من هذه الحيثية .

ثمّ ذكر الوجه الثاني والوجوه التي فيه وتمسّك في بعضها بأصالة الصحّة مع أنّ الظاهر عدم ابتنائه عليها ، فراجع .

وقال في الاعتقادات : إذا كان الشكّ في أنّ اعتقاده ناشٍ عن مدرك صحيح من دون تقصير عنه في مقدّماته أو من مدرك فاسد لتقصير منه في مقدّماته فالظاهر وجوب الحمل على الصحيح ؛ لظاهر بعض ما مرّ من وجوب حمل اُمور المسلمين على الحسن دون القبيح(2) ، انتهى ملخّصاً .

ص: 513


1- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 421 .
2- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 381 - 383 .

وأشار ببعض ما مرّ إلى أدلّة لفظية ناقش فيها رحمه الله علیه .

وقال المحقّق التقيّ في تعليقته على «المكاسب» : كما يظهر ممّا ذكروه في تصرّف بائع الأمة ذي الخيار في أمته المبيعة باللمس ونحوه من أ نّه يحمل على الفسخ حملاً لتصرّفه على المباح ، فإنّ التصرّف في المبيع مع عدم الفسخ محرّم ، بل يحكم بفسخه قبل اللمس آناً ما ؛ لأنّ إرادة الفسخ باللمس تقتضي وقوع الجزء الأوّل منه محرّماً وهو منافٍ لظهور حال المسلم في كون عمله سائغاً جائزاً مع أنّ الأصل عدم الفسخ ، فيعلم من ذلك كون أصالة الصحّة معتبرة عندهم من باب الأمارية المقتضي للتقدّم على الاُصول(1) ، انتهى .

وأنت خبير : بأنّ هذا النقل لا يصلح لإثبات حجّية أصالة الصحّة ؛ لعدم ثبوت إجماع أو شهرة به ، وقد عرفت حال بناء العقلاء والسيرة . مع أنّ حجّية هذا النحو من المثبتات كأ نّها مقطوعة الفساد ، وهذا نظير إثبات دخول الوقت بأصالة الصحّة إذا شكّ في صحّة صلاته لأجل الشكّ في دخوله .

نعم ، استدلّ المحقّق المذكور في مورد آخر على وجوب حمل فعل المسلم على السائغ بقوله تعالى في قضيّة الإفك : )لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤمِنُونَ وَالْمُؤمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ((2) .

قال رحمه الله علیه : «والضمير في )سَمِعْتُمُوهُ( راجع إلى ما عبّرعنه ب- )مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ((3) في الآية اللاحقة . دلّ بمقتضى كلمة )لَوْلاَ( الدالّة على التنديم

ص: 514


1- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 119 .
2- النور (24) : 12 .
3- النور (24) : 15 .

والتوبيخ على أنّ المساءة التي تنسب إلى الغير ممّا ليس للمخاطب به علم يجب

الحكم بكونه إفكاً وكذباً . وفيه دلالة على كون أصالة الصحّة في فعل المسلم من باب الظنّ النوعي .

وبقوله : )فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللّه ِ هُمُ الْكَاذِبُونَ((1) دلّ على أنّ المدّعين محكومون بالكذب ما لم يعلم صدقهم بإقامة الشهود .

وبقوله : )وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ((2) . والضمير في )إِذْ سَمِعْتُمُوهُ( أيضاً راجع إلى المرجع في الآية السابقة ، فيقتضي الحكم بكون ما ليس للإنسان به علم ممّا ينسب إلى غيره بهتاناً»(3) ، انتهى .

وأنت خبير : بأنّ الآيات الشريفة غير مربوطة بحمل فعل المسلم على الصحّة بناءً على ما هو المعروف من أ نّها واردة في عائشة(4) ، فإنّ مورد أصالة الصحّة ما إذا وقع فعل من فاعل ولم يعلم أ نّه وقع على وجه الصحيح أو الفاسد ، وفي المقام لم يقع فعل مردّد بينهما بل كان الانتساب إفكاً وكذباً وكان السامع شاكّاً في صدور الفعل منها لا في صحّة فعلها بعد صدوره .

فالتعيير والتوبيخ إنّما هو على انتساب فاحشة إلى الغير بلا علم ، بل لعلّ مجرّد انتساب قبيح إلى الغير بلا علم داخل في الافتراء والإفك أو ملحق به .

ص: 515


1- النور (24) : 13 .
2- النور (24) : 16 .
3- حاشية العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي على المكاسب ، قسم المحرّمة : 121 .
4- راجع مجمع البيان 7 : 204 ؛ أسباب النزول، الواحدي: 223.

فالآيات الكريمة واردة في توبيخ من أشاع الفاحشة في المسلم بلا حجّة وعلم ، فهي غير مربوطة بأصل الصحّة .

ولو كانت القضيّة مربوطة بمارية القبطية زوجة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وكانت عائشة آفكة(1) لم تدلّ الآيات على وجوب حمل فعل المسلم على الصحّة أيضاً ، بل واردة فيما ذكرناه ، إذ لم يصدر فعل منها مردّداً بين الصحيح والفاسد .

إلاّ أن يقال : إنّ الإفك في مارية راجع إلى مبدأ ولدها ، وهو مردّد بينهما ، والتوبيخ لأجل عدم حمل فعلها على الصحّة .

لكنّه - كماترى - بعيد عن ظاهر الآيات كما لا يخفى ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ القول بلا علم وحجّة افتراء وإفك ، وأنّ التوبيخ ورد لذلك ، لا على القول مع الحجّة والعلم على الخلاف .

بل يحتمل أن يكون مبنى التوبيخ قيام الاستصحاب العقلائي أو الشرعي على عدم صدور القبيح ، بناءً على أنّ البناء على العدم كافٍ في إثبات كون النسبة إفكاً ، تأمّل .

بل لقائل أن يقول : إنّ الآيات تدلّ على عدم حجّية أصالة الصحّة في الأقوال ، وإلاّ فمقتضى جريانها فيها وأماريتها على الواقع ثبوت الواقع بها ، فيخرج الموضوع عن الافتراء ، ولا وقع للتوبيخ مع حجّيتها .

ثمّ لو قلنا بجريان أصالة الصحّة في الأقوال والأفعال مطلقاً ، فالقدر الثابت منها ومن بناء العقلاء هو البناء على الصحّة الواقعية وترتيب آثارها في خصوص

ص: 516


1- راجع تفسير القمّي 2 : 99 ؛ تفسير الصافي 3 : 423 .

مورد المشكوك فيه ومورد جريان الأصل ، فإذا شكّ في صحّة الصلاة وفسادها تحمل على الصحّة واقعاً ويترتّب عليها آثارها ، وأمّا لو كانت صحّتها ملازمة لعنوان آخر فلا يثبت بها ، فلو صلّى وشكّ في صحّتها من أجل دخول الوقت وعدمه تحمل على الصحّة الواقعية لكن لا يثبت بها دخوله ولا كون المصلّي على طهر أو لباسه من محلّل اللحم لو شكّ فيها .

فعليه لا يترتّب على صحّة قول المغتاب جواز الاستماع ؛ لأنّ جريان أصالة الصحّة في قوله بما أ نّه فعل صادر منه وحركة من حركاته ، فيحمل على أ نّه مباح من هذه الجهة . لكن لا يثبت بها أنّ مقوله موافق للواقع وأنّ المغتاب - بالفتح - جائز الغيبة أو متجاهر مثلاً . فإنّ جواز الاستماع مترتّب على كون المغتاب - بالفتح - جائز الغيبة أو على كون قوله كاشفاً عن كون غيبة المغتاب من مستثنيات حرمتها ، وليس مترتّباً على صحّة فعل المغتاب وليس من آثار صحّة فعله بما أ نّه حركة من حركاته .

وبالجملة : إنّ المستثنى من حرمة استماع الغيبة ولو لفقد الدليل على حرمته هو موارد الاستثناء من حرمة الاغتياب واقعاً ، وبجريان أصالة الصحّة لا يثبت الاستثناء الواقعي .

إلاّ أن يقال : إنّ جواز الاستماع مترتّب على جواز الاغتياب واقعاً، وأصالة الصحّة في قول المغتاب تثبت إباحة اغتيابه ؛ لأنّ مقتضى أصالة الصحّة فرضاً إباحة الاغتياب واقعاً، فيترتّب عليه جواز الاستماع .

لكنّه مدفوع أوّلاً : بأ نّه لا دليل على ترتّب جواز الاستماع على عنوان جواز الغيبة وإباحتها ، بل الثابت أنّ في موارد استثناء الغيبة يستثنى الاستماع بناءً على

ص: 517

أنّ المستمع بمنزلة المغتاب ، ومفاد التنزيل أنّ كلّ مورد جازت الغيبة للمغتاب

جاز استماعها ، لا أنّ جواز الاستماع مترتّب على عنوان الإباحة ، ولا تصلح أصالة الصحّة لإثبات كون المورد من موارد الاستثناء .

وأمّا قوله : «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة»(1) لا يدلّ على أنّ حرمة الاستماع مترتّبة على حرمة الغيبة ، بل ظاهرها أنّ المتجاهر لا غيبة له ولا يكون استماع ذمّه استماع الغيبة لو قلنا باستفادة ذلك منه أيضاً ، وأمّا استفادة

ترتّب حكم على حكم فلا .

وثانياً : أ نّه قد اتّضح فيما مرّ(2) أنّ الحكم بجواز الاستماع في موارد جواز الاغتياب إنّما هو لأجل عدم الدليل على حرمته فتجري أصالة البراءة والإباحة .

ومعلوم أنّ جريان أصالة الصحّة في فعل المغتاب لا يفيد في إحراز موضوع جريانهما ، وليس جريانهما من الآثار الشرعية للإباحة الواقعية، كما لا يخفى .

حول جريان الاستصحاب الموضوعي

ثمّ على فرض عدم جريان أصالة الصحّة أو معارضتها لأصالة الصحّة في فعل المغتاب - بالفتح - على القول بجريانها ، فالظاهر جريان الاستصحاب الموضوعي في بعض الأحيان كاستصحاب عدم كون المغتاب متجاهراً أو ظالماً ؛ لأنّ الاستثناءات من الغيبة اُمور مستقلّة غير مرتبط بعضها ببعض ، فمع معلومية عدم كون المغتاب - بالفتح - من موارد سائر المستثنيات وشكّ في كونه

ص: 518


1- تقدّم في الصفحة 466 .
2- تقدّم في الصفحة 506 - 511 .

من مورد منها كما لو شكّ في كونه متجاهراً وعلم بعدم كونه داخلاً في سائرها

يجري استصحاب عدم كونه متجاهراً ، ويحرز موضوع عدم جواز اغتيابه وسماع غيبته بالأصل والوجدان ، فيحكم بحرمتهما . فإن كان أثر مترتّباً على حرمته يترتّب عليها ، كوجوب الردّ إن قلنا إنّه مترتّب على الغيبة المحرّمة وقلنا بوجوبه ، فباستصحاب عدم كونه متجاهراً يحرز حرمة غيبته فيحكم بلزوم ردّها بالأدلّة الدالّة على لزوم ردّ الغيبة المحرّمة ؛ لترتّب الآثار الشرعية مع الواسطة

على الموضوع ، لا بالاستصحاب فقط ، بل به وبالأدلّة الاجتهادية المترتّبة بعضها على بعض كما قرّر في محلّه(1) .

وهل يجوز أو يجب نهيه عن الغيبة بأدلّة النهي عن المنكر باستصحاب عدم كون المغتاب - بالفتح - متجاهراً مثلاً أو لا ؟

لا إشكال في أنّ مجرّد استصحاب عدم كونه متجاهراً لا يترتّب عليه وجوب النهي عن المنكر ؛ لأنّ موضوعه صدور فعل منكر صادر عن فاعل على وجه المنكر عنده .

ولهذا لا يجب النهي في موارد اختلاف الاجتهادات أو الاختلاف في تشخيص الموضوعات .

فباستصحاب عدم كونه متجاهراً أو استصحاب كونها محرّمة عليه لا يثبت كونه منكراً عنده حتّى يترتّب عليه حكمه .

إلاّ أن يقال : يجري الاستصحاب التعليقي في القول الصادر منه بأ نّه: لو كان

ص: 519


1- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 177 .

صادراً منه قبل تجاهره بالفسق بنظر القائل وعدم مسوّغ آخر كان منكراً عنده والآن كذلك .

لكن جريان الاستصحاب التعليقي في غير التعليقات الشرعية ممنوع(1) .

ويمكن إجراء الاستصحاب التنجيزي بأن يقال : إنّ غيبة فلان كان منكراً لدى القائل في زمان والآن كذلك فيحرز به موضوع وجوب النهي عن المنكر ، بناءً على أنّ وجوب النهي عنه متعلّق بالعنوان الكلّي وأعمّ من الرفع والدفع .

نعم ، لو كان وجوبه مقصوراً على رفع المنكر الموجود لا يصحّ استصحاب العنوان الكلّي لإثبات منكرية الوجود الخاصّ إلاّ بالأصل المثبت .

وبالجملة : استصحاب كون الغيبة منكرة يفيد على فرض وجوب النهي عن طبيعة المنكر ، سواء صارت قطعة منها أو فرد منها موجودة أم كانت في معرض الوجود . فإذا جرى استصحاب كون الغيبة الكذائية منكرة ، وعلمنا بوجود طبيعة الغيبة أو بمعرضيتها للوجود ، يترتّب عليها وجوب النهي عن المنكر .

وهذا هو الأقوى ، كما ذكرناه فيما سبق .

هذا حال القواعد العامّة وإن لا يخلو الاستصحاب المذكور من كلام .

الروايات الواردة في المقام

لكن قد وردت في المقام جملة من الروايات لعلّ استفاضتها وكثرتها تغنينا عن النظر إلى أسنادها وضعف غالبها ، وهي على طائفتين :

ص: 520


1- راجع الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 147 .

إحداهما : ما اُخذ فيها عنوان نصر المؤمن وعونه ، وخذلانه وعدم نصره وعونه ، وهي الغالب منها :

كرواية وصيّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام ، وفيها : «يا علي ، من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذله اللّه في الدنيا والآخرة»(1) .

ورواية أبي الورد عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره اللّه وأعانه في الدنيا والآخرة ، ومن لم ينصره ولم يعنه ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه خفضه اللّه في الدنيا والآخرة»(2) . ونحوهما روايات اُخر(3) .

والإنصاف : أنّ هذه الطائفة قاصرة عن إثبات الوجوب والحرمة ، ولسانها يناسب الرجحان والكراهة كما في أشباهها ونظائرها ، فإنّ معنى الخذلان على ما في كتب اللغة(4) والمستفاد من موارد الاستعمال ومنها هذه الروايات هو ترك النصر والإعانة . فكأ نّه قال : فمن لم ينصر المؤمن لم ينصره اللّه في الدنيا والآخرة .

فكما أنّ من قوله : من نصره نصره اللّه في الدنيا والآخرة ، لا يستفاد

ص: 521


1- الفقيه 4 : 269 / 824 ؛ وسائل الشيعة 12 : 291 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 156 ، الحديث 1 .
2- المحاسن : 103 / 81 ؛ وسائل الشيعة 12 : 291 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 156 ، الحديث 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 12 : 292 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 156 ، الحديث 4 و8 .
4- لسان العرب 4 : 45 ؛ المنجد : 171 .

وجوب النصر كذلك من مقابله لا يستفاد الحرمة .

وقد وردت أمثال تلك التعبيرات أو أشدّ منها في مرتكب المكروه .

نعم ، هنا روايات علِّق الحكم فيها على الخذلان والنصر مطلقاً :

كرواية سليمان بن خالد - الصحيحة بأحد طريقيها (1) - عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : المؤمن من ائتمنه المؤمنون» إلى أن قال : «والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة»(2) .

وصحيحة الفضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله»(3) .

ومرسلة ربعي بن عبداللّه عنه علیه السلام ، قال : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يغشّه ولا يحرمه»(4) .

وصحيحة أبي المغرا عنه علیه السلام ، قال : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه . . .»(5) .

ص: 522


1- الكافي 2 : 233 / 12 .
2- الكافي 2 : 233 / 12 ، و : 235 / 19 ؛ وسائل الشيعة 12 : 278 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 1 .
3- الكافي 2 : 167 / 11 ؛ وسائل الشيعة 12 : 279 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 4 .
4- الكافي 2 : 167 ، ذيل الحديث 11 ؛ وسائل الشيعة 12 : 279 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 5 .
5- الكافي 2 : 174 / 15 ؛ وسائل الشيعة 12 : 203 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 2 .

ودلالتها على الحرمة لا تنكر ، لكن الخذلان بمعنى ترك النصر والإعانة على ما في اللغة ، وهو بهذا المعنى العامّ لا يمكن الالتزام بحرمة تركه ، كما لا يمكن الالتزام بوجوب الإعانة والنصر الشاملين لأنحائهما نفساً ومالاً ويداً وفي جميع الموارد ، فإنّ عدم وجوبهما بهذا المعنى الوسيع من الواضحات ، وبناء المسلمين من الصدر الأوّل إلى الآن على إهمال النصر بهذا المعنى الوسيع ، فلو كان واجباً لصار ضرورياً مع كثرة الابتلاء به .

فلا بدّ إمّا من التصرّف في النصر والخذلان بحملهما على مورد خاصّ كنصره في وقوع ظلم عليه وهو أيضاً محلّ إشكال أو منع ، أو حمل الروايات على الاستحباب والكراهة المهتمّ بهما ، والتعبير بما فيها لإفادة شدّة الاهتمام كما ورد

نظيره بل أشدّ منه في حقوق الاُخوّة المستحبّة .

ففي رواية المعلّى بن خنيس عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قلت له : ما حقّ المسلم على المسلم ؟ قال : «له سبع حقوق واجبات، ما منهنّ حقّ إلاّ وهو عليه واجب؛ إن ضيّع منها شيئاً خرج من ولاية اللّه وطاعته ولم يكن للّه فيه نصيب» قلت له : جعلت فداك وما هي ؟ قال : «يا معلّى ، إنّي عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل» قلت : لا قوّة إلاّ باللّه ، قال : «أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك . . .»(1) ثمّ عدّ حقوقاً لم يكن شيء منها واجباً بالضرورة كإرسال خادمه إلى منزله ليخدمه وعيادة مريضه

ص: 523


1- الكافي 2 : 169 / 2 ؛ وسائل الشيعة 12 : 205 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 7 .

وشهود جنازته وإعانته بنفسه وماله ولسانه ويده ورجله .

والإنصاف أنّ من تدبّر في هذا السنخ من الروايات ليطمئنّ بأنّ غلظة التعبيرات لإفادة الاهتمام لا لإفادة الوجوب أو الحرمة .

والطائفة الثانية : ما اُخذ فيها عنوان الردّ :

كالمرويّ عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال في خطبة له : «ومن ردّ عن أخيه غيبة سمعها في مجلس ردّ اللّه عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة ، فإن لم يردّ عنه وأعجبه كان عليه كوزر من اغتاب»(1) .

ورواية المناهي ، وفيها : «ألا ومن تطوّل على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردّها عنه ، ردّ اللّه عنه ألف باب من الشرّ في الدنيا والآخرة ، فإن هو لم يردّها وهو قادر على ردّها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرّة»(2) .

وفيهما دلالة على الوجوب ، لكن اُوليهما ظاهرة في أنّ ترك الردّ والإعجاب بالغيبة محرّم ولم يظهر منها أنّ تركه بنفسه محرّم أو الردّ واجب ، ولو كان المراد أنّ من ترك الردّ كان عليه وزر من اغتاب صارت مخالفة للرواية الثانية بل هما مخالفتان على أيّ تقدير ؛ لأنّ الظاهر من الاُولى أنّ وزره كالمغتاب ومن الثانية أ نّه كوزره سبعين مرّة ، ولا يصحّ حملها على الرادّ الغير المعجب ؛ ضرورة عدم إمكان زيادة وزر غير المعجب عليه مع اشتراكهما في ترك الردّ .

ص: 524


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 335 ؛ وسائل الشيعة 12 : 292 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 156 ، الحديث 5 .
2- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 12 : 282 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 13 .

إلاّ أن يقال : إنّ المراد بالمثل في الاُولى مشابهة وزرهما سنخاً وهو لا ينافي زيادة أحدهما على الآخر مقداراً ، وهو بعيد .

أو يقال : إنّهما متعارضتان في حدّ الوزر لا في أصله ، وهو أيضاً مشكل ، ومعاملة الإطلاق والتقييد أشكل .

والإنصاف : أنّ إثبات وجوب الردّ بهما مشكل متناً فضلاً عن ضعفهما سنداً ، سيّما مع بعد كون وزر غير الرادّ للغيبة أكثر من المغتاب سبعين مرّة .

وتؤيّد عدم وجوبه رواية أبي الدرداء ، قال : نال رجل من عرض رجل عند النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، فردّ رجل من القوم عليه ، فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من ردّ عن عرض أخيه كان له حجاباً من النار»(1) .

فإنّه لو كان الردّ واجباً على من سمعها كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم وسائر الحضّار يردّون عليه ، إلاّ أن يقال : إنّه واجب كفائي ، وهو - كماترى - مخالف لظاهر الروايات .

وأمّا عدم نهيهم عنه فلعلّه لعذر كعدم احتمال التأثير أو انتهائه بردّ الرجل .

ويؤيّده أيضاً عدّه في خلال الحقوق التي جلّها أو كلّها غير واجب في رواية محمّد بن جعفر العلوي عن آبائه عن علي علیه السلام ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً . . .» ثمّ عدّها (2) .

ص: 525


1- الأمالي ، المفيد : 337 / 2 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 132 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 136 ، الحديث 4 .
2- كنز الفوائد 1 : 306 ؛ وسائل الشيعة 12 : 212 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 24 .

فتحصّل ممّا ذكر : أ نّه لا دليل معتدّ به على وجوب النصر ولا على حرمة الخذلان ولا على وجوب الردّ أو حرمة تركه إن كان له عنوان آخر غير النهي عن المنكر .

وأمّا لو كان المراد النهي عن المنكر فلا شبهة في وجوبه مع شرائطه ، لكن حمله عليه خلاف الظاهر ظاهراً ، كما أنّ الانتصار والنصر عنوان آخر غير النهي عن المنكر وغير الردّ .

في مقتضى إطلاق الأدلّة

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة ، سواء قلنا بوجوب النصر والردّ أو قلنا باستحبابهما ، عدم الفرق بين العلم بوجود العيب في المغتاب - بالفتح - وصحّة كلام المغتاب والعلم بعدمه والشكّ فيه ، كان له حالة سابقة معلومة أم لا ، وكذا عدم الفرق بين العلم بجواز غيبته للمغتاب والعلم بعدمه والشكّ فيه ، كان له حالة سابقة أم لا .

إلاّ أنّ الظاهر انصرافها عمّا إذا علم جواز اغتيابه للمغتاب وبقي سائر الصور تحت إطلاقها .

وتوهّم أنّ خروج جائز الغيبة يوجب أن تصير الشبهة في مورد الشكّ مصداقية(1) ، يدفعه أنّ المدّعى إطلاق الأدلّة لموارد الشكّ ، والانصراف منحصر بصورة العلم بالجواز . وقيام الاستصحاب في مورد جريانه مقام العلم

ص: 526


1- حاشية المكاسب ، المحقّق الإيرواني 1 : 214 .

الموضوعي وإن لا يخلو من وجه لكنّه مشكل في المقام بل مطلقاً .

نعم ، ما ذكرناه إنّما هو في غير الحاكم والقاضي المعدّين للانتصاف ، فيجوز لهم سماعها ولو في موارد الشكّ ولا يجب عليهم الردّ لأنّ نصبهما لذلك .

ثمّ إنّ إطلاق الأخبار حاكم على أصالة الصحّة في قول المغتاب بناءً على جريانها وعلى الاستصحاب لو كان جريانه مقتضياً لجواز الغيبة .

نعم، يمكن أن يفرّق بين المتجاهر بالفسق وغيره بأن يقال : إنّ لسان أدلّة تجويز غيبته نفي الموضوع وهو حاكم على أدلّة وجوب النصر وحرمة ترك ردّ الغيبة ، فإذا شكّ في بقاء المتجاهر على صفته يستصحب الموضوع وينقّح به موضوع أدلّة لا غيبة له ، فيخرج عن موضوع أدلّة وجوب النصر والردّ .

ثمّ إنّ إطلاق الأخبار يقتضي وجوب النصر والردّ بأيّ نحو ممكن أو أيّ نحو شاء ولو بتكذيبه ومعارضته بالمثل . نعم ، في بعض الموارد تعارض تلك الأدلّة مع أدلّة اُخرى بالعموم من وجه ، فلا بدّ من العلاج ونحوه .

هذا بناءً على استفادة الحكم الإلزامي من الأدلّة .

وأمّا بناءً على استفادة الحكم الاستحبابي كما رجّحناه في أدلّة النصر(1) فلا يستفاد منه الإطلاق لصورة استلزام شيء موهن للمغتاب ، كتكذيبه وتحقيره ومعارضته بالمثل ؛ لأنّ تلك الأدلّة الواردة في شأن المؤمن واستحباب نصره وعونه لمّا وردت لمراعاة حال العموم لا إطلاق لها يشمل حال استلزام عون مؤمن لترك عون مؤمن آخر فضلاً عمّا استلزم تحقيره وتوهينه . فعليه تحمل

ص: 527


1- تقدّم في الصفحة 521 .

الروايات على نصر المؤمن بما لا ينافي المداراة مع المؤمن المغتاب بالنصيحة

والموعظة الحسنة واللسان الليّن لا التكذيب والتوهين .

وربما يتشبّث بالاستصحاب وحمل فعل المؤمن على السائغ لجواز تكذيب المغتاب أو وجوبه بأنّ كلامه إفك وبهتان ، بل حمل أخبار النصر والردّ عليه بالخصوص ، بل يتشبّث بالآيات الواردة في الإفك لذلك ، حيث إنّ مفادها توبيخ المستمعين الجاهلين بترك تكذيب القائل وانتسابه إلى الإفك والبهتان .

ويرد عليه : أنّ استصحاب عدم صدور الفعل عنه مع أ نّه ينفي موضوع أصالة الصحّة - لأنّ موضوعها الفعل الصادر عنه المردّد بين الصحيح والفاسد فلا ينبغي التمسّك بهما في مورد واحد - لا يثبت كون كلامه مخالفاً للواقع وأنّ المتكلّم به كاذب إلاّ بالأصل المثبت ، فإنّ بين عدم وقوع الفعل من الفاعل وكون كلام المخبر كذباً والمخبر كاذباً ملازمة عقلية .

نعم ، لا مانع من مقابلة المغتاب بنفي وقوع الفعل عنه بجريان الاستصحاب ، وهو غير تكذيبه . وكذا الحال في أصالة الصحّة على فرض جريانها ؛ لأ نّها ليست حجّة في اللوازم والملازمات ، بل غاية مفادها لزوم ترتيب آثار الواقع على المجري ، وفي المقام يجوز ترتيب آثار الصحّة الواقعية على فعل المغتاب - بالفتح - لكن ليس عدم موافقة كلام المغتاب للواقع وكونه كاذباً من آثارها .

وأمّا الآيات الكريمة فأجنبيّة عن أصالة الصحّة ومخصوصة بموردها؛ أي القذف ، ولهذا يحدّ الشهود إذا كانوا أقلّ من الأربعة؛ للقذف .

ولولا النصّ والفتوى لكان الشكّ في جواز الحكم بالكذب والبهت في

ص: 528

غير مورد نزولها وهو نساء النبي صلی الله علیه و آله وسلم لخصوصية في عرضه صلی الله علیه و آله وسلم ، ولا يمكن إلغاء الخصوصية عنه .

إلاّ أن يقال بإشعار قوله : )ظَنَّ الْمُؤمِنُونَ وَالْمُؤمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً((1) بعدم الاختصاص، أو دلالته عليه .

وعلى أيّ حال ؛ فإنّ الآيات غير مرتبطة بأصالة الصحّة ؛ لما ذكرناه من أنّ موضوعها الموجود بعد الفراغ عن وجوده لا المشكوك فيه سيّما المحكوم بالعدم بحكم الاستصحاب .

ص: 529


1- النور (24) : 12 .

الأمر الرابع في كفّارة الغيبة

مقتضى القواعد والاُصول

والأولى بيان مقتضى القواعد والاُصول والاحتمالات المتصوّرة مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة ومفادها تفصيلاً :

فنقول : يحتمل بحسب التصوّر أن يكون الاستحلال والاستغفار الواردان في بعض الروايات(1) واجبين نفسي-ين حتّى الأوّل منهما ، فكان المقصود

بالاستحلال هو إظهار ذلّة المغتاب لدى المغتاب - بالفتح - فكما أ نّه بغيبته أهانه وحقّره أراد الشارع أن يحقّر ويذلّل نفسه بالاعتذار لديه والاستحلال عنه إرغاماً لنفسه .

ويحتمل أن يكونا واجبين شرطيين لصحّة التوبة فتكون صحّتها موقوفة عليهما ، أو على أحدهما تخييراً أو تعييناً ، فتكون نفس الاستحلال شرطاً لا تحليل المغتاب ، بالفتح .

ويحتمل أن يكونا واجبين لتكفير الغيبة بهما أو بأحدهما مستقلاًّ من غير احتياج إلى الاستغفار والتوبة .

ويحتمل في الاستحلال أن يكون واجباً للتوسّل به إلى تحليل المغتاب

ص: 530


1- يأتي في الصفحة 533 .

فيكون تحليله مكفّراً للسيّئة أو شرطاً لصحّة التوبة أو مطلوباً نفسياً .

وأيضاً يحتمل في التحليل أن يكون من قبيل غفران الذنب لا إسقاط الحقّ ، ويحتمل أن يكون من قبيل إسقاطه .

فالتصوّرات المذكورة في الاستحلال لا يتقوّم على كون اغتياب المؤمن موجباً لثبوت حقّ على المغتاب .

ثمّ في الاستحلال والاستغفار على التقديرات المذكورة احتمالات اُخر؛ ككون الاستحلال فقط واجباً ، أو الاستغفار فقط ، أو كليهما ، أو واحد منهما ، أو التفصيل بين إمكان الاستحلال وعدمه ، أو وصول الغيبة إلى المغتاب وعدمه ، أو ترتّب فساد عليه وعدمه ، إلى غير ذلك .

ثمّ إنّه لا إشكال في جريان البراءة مع الشكّ في وجوبهما مستقلاًّ أو في كونهما شرطاً لصحّة التوبة ، بناءً على أنّ التوبة واجبة نفساً لا لتكفير السيّئة ،

وبناءً على جريان البراءة في الشكّ في الأقلّ والأكثر .

ولا في أنّ الأصل الاشتغال ، بناءً على أنّ التوبة لتكفير السيّئة ومحوها ، أو لإسقاط حقّ اللّه تعالى العقوبة بناءً على ثبوت حقّ من اللّه تعالى على العباد في

المعاصي ؛ لأنّ استحقاق العقوبة بارتكاب الغيبة صار ثابتاً على العبد ، أو أنّ حقّ اللّه ثابت بارتكابها على ذمّة العبد ولا بدّ في إسقاطه من اليقين به ، وكذا لا بدّ عقلاً من اليقين بالمؤمِّن من العقوبة .

لكن مقتضى إطلاق أدلّة التوبة والاستغفار آية ورواية - البالغة حدّ التواتر - أنّ تمام الموضوع لتكفير السيّئات هو التوبة عنها أو مع الاستغفار من غير دخالة شيء آخر فيه .

ص: 531

نعم ، الظاهر اعتبار عدم حقّ الناس على التائب كما يدلّ عليه بعض الأخبار(1) .

ومع الشكّ في كون الغيبة من حقّ الناس يجري استصحاب عدم تعلّق حقّ عليه ، فيحرز به موضوع صحّة التوبة من غير أن يكون مثبتاً ؛ لأنّ إطلاق الأدلّة يقتضي أن يكون توبة العبد مكفّرة لسيّئته ، والأدلّة الدالّة على اعتبار عدم حقّ الناس عليه لا توجب تقييداً في عنوان التوبة ، بل يكون عدم ثبوت الحقّ عليه بمقتضاها موضوعاً لصحّة التوبة .

بل هو أولى بالجريان من جريان استصحاب كون الشخص على وضوء لصحّة الصلاة كما هو مورد أدلّة الاستصحاب مع ورود : «لا صلاة إلاّ بطهور»(2) فيها .

وبالجملة : مقتضى الاستصحاب عدم ثبوت حقّ على المغتاب ، فتصحّ توبته بمقتضى إطلاق الأدلّة .

بل لا يبعد جواز التمسّك بدليل الرفع(3) مع الغضّ عن الاستصحاب فينقّح به الموضوع . والتفصيل يطلب من محلّه .

هذا حال القواعد .

ص: 532


1- يأتي في الصفحة 534 - 535 .
2- الفقيه 1: 35 / 129؛ وسائل الشيعة 1: 366، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 1، الحديث 6 .
3- التوحيد ، الصدوق : 353 / 24 ؛ الخصال : 417 / 9 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .

مقتضى الأخبار

وأمّا الأخبار : فمنها ما هي مربوطة بالاستحلال ، وهي على طوائف :

منها : ما تدلّ على أنّ عدم الاغتياب وستر عورة المؤمن حقّ للمؤمن على المؤمن ، وهي روايات أوضحها دلالةً رواية الكراجكي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : «للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً لا براء له منها إلاّ بالأداء أو العفو» . وفيها : «ويستر عورته» إلى أن قال : «ويحبّ له من الخير ما يحبّ لنفسه ويكره له من الشرّ ما يكره لنفسه» . ثمّ قال علیه السلام : «سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

يقول : إنّ أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له وعليه»(1) .

فإنّ الظاهر منها صدراً وذيلاً أنّ تضييع حقّ ستر العورة وعدم الغيبة موجب لنحو عهدة للمغتاب لا براء له إلاّ بالعفو وأنّ من يدع من حقوق أخيه شيئاً يكون مطالباً به فيحكم له عليه يوم القيامة . فهي صريحة في ثبوت حقّ له عليه بتضييع حقّه يحتاج إلى العفو .

ومنها: ما دلّت على أنّ اللّه لا يغفر ذنب المغتاب حتّى يغفر صاحب الغيبة له(2).

ص: 533


1- كنز الفوائد 1 : 306 ؛ وسائل الشيعة 12 : 212 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 122 ، الحديث 24 .
2- راجع وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 9 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 118 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 21 .

وفي بعضها : لا تغفر إلاّ أن يحلّله صاحبه(1) . وفي بعضها : «من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحلّها»(2) . وفي بعضها : «لا يعذّب اللّه مؤمناً بعد التوبة والاستغفار إلاّ بسوء ظنّه واغتيابه للمؤمنين»(3) .

ومقتضى تلك الروايات بعد قرينية بعضها لبعض أنّ بالغيبة يثبت حقّ للمؤمن على أخيه ، وتحليله شرط صحّة توبته أو قبولها وأنّ الاستحلال لأجل براءته من حقّه والبراء لأجل صحّة توبته وغفران اللّه جلّ ذكره له .

كما تشهد به ما عن أمير المؤمنين علیه السلام في «نهج البلاغة» أنّ قائلاً قال بحضرته : أستغفر اللّه ، فقال : «ثكلتك اُمّك ، أتدري ما الاستغفار ؟ والاستغفار درجة العلّي-ين وهو اسم واقع على ستّة معان : أوّلها الندم على ما مضى ، والثاني العزم على ترك العود إليه أبداً ، والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقي اللّه أملس ، ليس عليك تبعة . . .»(4) .

والظاهر أنّ الأوّلين عبارة عن حقيقة التوبة والأوسطين شرط صحّتها أو قبولها والأخيرين شرط كمالها .

والحاصل أنّ هذه الطائفة تدلّ من بين الاحتمالات المتقدّمة في صدر البحث

ص: 534


1- راجع وسائل الشيعة 12 : 284 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 18 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 130 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 135 ، الحديث 3 .
2- راجع إحياء علوم الدين 3 : 225 ؛ المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 60 .
3- راجع مستدرك الوسائل 9 : 115 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 11 .
4- نهج البلاغة : 549 ، الحكمة 417 .

على أنّ الاستحلال للتوسّل به إلى التحليل والبراءة من حقّ الغير وهي شرط صحّة التوبة أو قبولها .

ومنها : ما هي مربوطة بالاستغفار :

كرواية حفص بن عمر عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «سئل النبي صلی الله علیه و آله وسلم ما كفّارة الاغتياب ؟ قال : تستغفر اللّه لمن اغتبته كلّما ذكرته»(1) .

كذا في «الوسائل»(2) . وفي «مرآة العقول» عن نسخة : «كما ذكرته»(3) .

وعن «الجعفريات» : «من ظلم أحداً فعابه فليستغفر اللّه له كما ذكره؛ فإنّه كفّارة له»(4) .

وعن «أمالي» الشيخ المفيد بسنده عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «كفّارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته»(5) .

وعن «كشف الريبة» عنه صلی الله علیه و آله وسلم : «كفّارة من استغبته أن تستغفر له»(6) .

ولعلّ نسخة «الوسائل» في رواية حفص غير صحيحة وكانت مصحّفة عن «كما ذكرته» لتشابههما خطّاً . وعلى فرض صحّتها يمكن أن يراد به :

ص: 535


1- الكافي 2 : 357 / 4 .
2- وسائل الشيعة 12 : 290 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 155 ، الحديث 1 .
3- مرآة العقول 10 : 431 .
4- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 228 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 130 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 135 ، الحديث 1 .
5- الأمالي ، المفيد : 171 / 7 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 130 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 135 ، الحديث 3 .
6- المصنّفات الأربعة ، كشف الريبة : 60 .

كلّما اغتبته ، أي تستغفر اللّه له في كلّ مرّة اغتبته فتوافق سائر الروايات ، أو يراد به أنّ في كلّ ذكر من المغتاب والتوجّه إلى اغتيابه يستغفر اللّه له مرّة ، ولا يجب عليه تكراره إلاّ أن يغفل عنه ويتذكّر لاغتيابه مرّة اُخرى فيجب مرّة أيضاً .

وكيف كان : توهم تلك الروايات تكفير الذنب بالاستغفار له من غير احتياج إلى التوبة والاستغفار لنفسه ، لكن الظاهر المتفاهم منها أنّ الاستغفار له كفّارة وبراء ممّا عليه من حقّ أخيه وظلمه إيّاه ، وإن شئت قلت : إنّ تلك الروايات لا تصلح لمعارضة أدلّة وجوب التوبة أو تقييدها .

ثمّ إنّ هذه الروايات معارضة للروايات المتقدّمة ، فإنّ مقتضى ما تقدّمت توقّف صحّة التوبة على غفران المغتاب وتحليله ، ويؤكّدها ظهوراً قوله : «والغيبة أشدّ من الزنا»(1) . ومقتضى هذه الروايات تكفيرها بالاستغفار له وكونه

غير أشدّ من الزنا ، فلا شبهة في تعارضهما وعدم جمع مقبول بينهما .

نعم ، لا يبعد أن تكون موثّقة السكوني عن أبي عبداللّه علیه السلام شاهدة جمع بين الطائفتين ، قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من ظلم أحداً ففاته فليستغفر اللّه فإنّه كفّارة له»(2) .

فإنّ الظاهر منها ولو بقرينة سائر الروايات أنّ المراد الاستغفار لصاحبه

ص: 536


1- الأمالي ، الطوسي : 537 ؛ وسائل الشيعة 12 : 280 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 152 ، الحديث 9 .
2- الكافي 2 : 334 / 20 ؛ وسائل الشيعة 16 : 53 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 78 ، الحديث 5 .

لا لنفسه بل لعلّه المتفاهم من نفسها ولو بالارتكاز ؛ فإنّ الظاهر أ نّه مع فوت المظلوم يكون الاستغفار لمراعاة حاله نظير الصدقة من ماله إذا فاته ، فتكون الرواية موجبة لحمل ما دلّت على وجوب الاستحلال والاستغفار منه على صورة وجدانه وعدم فوته كما هو ظاهر سوقها أيضاً ، ومع فوته يكون الاستغفار له مرتبة من أداء حقّه ، ولا مانع منه ظاهراً .

نعم ، يمكن الإشكال على رواية السكوني بأنّ مقتضاها أنّ الاستغفار موجب للبراءة عن الحقوق المالية أيضاً عند فقد صاحب الحقّ ، وهو كما ترى .

ويمكن أن يجاب عنه : بأنّ الظاهر من كون الاستغفار كفّارة أ نّه كفّارة الظلم من حيث هو لا الضمان الحاصل باليد أو الإتلاف ، فلا تنافي بينها وبين ما دلّت على وجوب التصدّق في المال .

وبالجملة : إنّ تلك الرواية مع اعتبارها سنداً حاكمة على الطائفتين من الروايات ومفسّرة لها وقرينة على المراد منها .

وأمّا رواية «مصباح الشريعة»(1) الدالّة على التفصيل بين وصول الغيبة إلى صاحبها وعدمه ، فلا تصلح للاستناد إليها ؛ لعدم ثبوت كونها رواية فضلاً عن اعتبارها ، بل لا يبعد أن يكون كتابه من استنباط بعض أهل العلم والحال ومن إنشاءاته .

هذا كلّه مع الغضّ عن أسناد الروايات والقرائن القائمة في متونها ، وإلاّ

ص: 537


1- مصباح الشريعة : 204 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 117 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 132 ، الحديث 19 .

فأبواب المناقشة في الأسناد والدلالة في كثير منها مفتوحة ، حتّى في الصحيفة

المباركة السجّادية(1) ؛ فإنّ سندها ضعيف . وعلوّ مضمونها وفصاحتها وبلاغتها

وإن توجب نحو وثوق على صدورها لكن لا توجبه في جميع فقراتها واحدة بعد واحدة حتّى تكون حجّة يستدلّ بها في الفقه .

وتلقّي أصحابنا إيّاها بالقبول كتلقّيهم «نهج البلاغة» به لو ثبت في الفقه أيضاً ، إنّما هو على نحو الإجمال وهو غير ثابت في جميع الفقرات .

هذا، مع إمكان المناقشة في دلالتها أيضاً ؛ لأنّ ما يمكن أن يستدلّ به هو الفقرة الثانية المبدوءة بقوله : «اللهمّ وأيّما عبد من عبيدك أدركه منّي درك أو مسّه . . . » .

ولا شبهة في لزوم تأويلها وحملها على ترك الأولى ونحوه وإلاّ فظاهرها مخالف لاُصول المذهب . وحملها على التلقين بغيره أو على الشرطية مع عدم تحقّق تاليها بعيد ، ولا أقلّ من تساوي احتمال ذلك واحتمال إرادة الحقوق الغير اللازمة ، مع أنّ طلب إرضائه من اللّه تعالى لا يدلّ على لزومه ، مضافاً إلى عدم دلالتها على أنّ كلّ مظلمة لا بدّ فيها من الاسترضاء ، فإنّ غاية ما يدلّ عليه أنّ في الأذى والظلم ما يكون من قبيل الحقوق ويحتاج إلى الاسترضاء ، لا أنّ كلّ مظلمة كذلك .

فقوله : «أيّما عبد من عبيدك أدركه منّي درك» ظاهر في الضمانات المالية ، وقوله : «أو مسّه من ناحيتي أذىً» أعمّ ممّا يوجب القصاص وغيره ، وقوله :

ص: 538


1- الصحيفة السجّادية الجامعة : 188 / 101 .

«أو لحقه بي أو بسببي ظلم» أعمّ من الجميع . فحينئذٍ قوله : «ففتّه بحقّه أو سبقته بمظلمته» لا يدلّ على أنّ كلّ ذلك موجب لثبوت حقّ عليه ، بل يدلّ على أنّ ما فاته بحقّه - أي ما هو موجب لثبوت حقّ كالضمانات - يحتاج إلى الاسترضاء لا أنّ كلّ أذىً ومظلمة يحتاج إليه .

وعلى هذا سقط احتمال دلالة سائر الفقرات عليه أيضاً .

ومن بعض ما ذكر يظهر الكلام في دعاء يوم الاثنين(1) ، نعم لا يأتي فيه الاحتمال الأخير لذكر خصوص الغيبة فيه ، لكن احتمال الحقّ اللازم فيه أبعد ، بل غير صحيح لذكر بعض ما لا يكون كذلك جزماً فيه .

نعم ، لا تبعد دعوى العلم أو الوثوق والاطمينان بصدور بعض الروايات .

وعليه يمكن أن يقال : إنّ مقتضى العلم الإجمالي بصدوره لزوم الأخذ بأخصّها، ومع التباين بينها يجب الاحتياط .

لكن يمكن أن يقال : - مضافاً إلى أنّ كثرة الروايات في مثل المقام الذي يرجع جميعها إلى عدد معدود ، لا توجب الوثوق بالصدور فضلاً عن العلم به ؛ فعليك بالرجوع إليها حتّى ترى أنّ كثيراً منها مرسلات عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم يحتمل أخذ بعض الرواة عن بعض . ومضافاً إلى أنّ مضامين الروايات مختلفة وجوباً واستحباباً، ومعه لا علم بتكليف إلزامي - إنّ موثّقة السكوني(2) الحاكمة على جميعها تمنع عن تنجيز العلم الإجمالي .

ص: 539


1- الصحيفة السجّادية الجامعة : 544 / 238 .
2- تقدّمت في الصفحة 536 .

وأمّا الرواية المذكورة فلا مناص عن العمل بها ؛ لكونها معتمدة موثّقة ، لكن

في دلالتها على المطلوب إشكال ؛ لأنّ قوله : «ففاته» ، قرينة على أنّ الظلم الذي يجب الاستغفار لصاحبه هو ما يمكن جبرانه عند وجود المظلوم، وليس مطلق الظلم ممّا يكون له جبران، وكون الغيبة كذلك أوّل الكلام .

بل لا تدلّ على وجوب الجبران عند عدم فوت صاحب المظلمة ، لعدم تعرّضه له .

إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر وجوب الاستغفار له فيدلّ على وجوب أداء الحقّ .

ويمكن أن يقال : إنّ الأمر دائر بين الأخذ بإطلاق قوله : «من ظلم أحداً» وحمل الاستغفار له على الاستحباب ؛ لعدم قائل ظاهراً بوجوب الجبران في مطلق الظلم ، أو حمل الظلم على ما يكون له جبران وإبقاء الأمر على ظاهره .

وكيف كان : فلا دليل معتمد على وجوب الاستحلال أو الاستغفار للمغتاب فإنّ ما له دلالة قاصرة سنداً وغالبها قاصرة سنداً ودلالة ، وبعض ما هو معتمد كرواية السكوني قد عرفت حالها، مع احتمال أن يكون الاستغفار المذكور هو الاستغفار لنفسه عن ذنبه وإن كان المظنون أن يكون الاستغفار لصاحبه كما أشرنا إليه(1) لكنّه ظنّ خارجي لا حجّية فيه ، تأمّل .

نعم، لو كانت روايات الاستغفار له تامّ السند لكان احتمال قرينيتها على المراد فيها قريباً .

وهنا احتمال آخر في متن الرواية وهو احتمال كون «ففاته» تصحيف

ص: 540


1- تقدّم في الصفحة 536 - 537 .

«فعابه» ، كما في رواية «الجعفريات» المتقدّمة(1) ؛ لتشابههما كتباً ، واحتمال العكس أبعد . وعليه تخرج الرواية عن شهادة الجمع ولا يرد عليها الإشكال المتقدّم في الحقوق المالية بل لعلّه صار قرينة على غلط النسخة .

لكنّ الإنصاف أنّ هذه الاحتمالات لا يعتنى بها ، واللّه الهادي .

كتبها العبد المفتاق إلى اللّه الكريم

مؤلّف هذه الوجيزة

السيّد روح اللّه بن السيّد مصطفى الخميني

عفى اللّه عنهما.

ص: 541


1- تقدّمت في الصفحة 536 .

ص: 542

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 543

ص: 544

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ

وَاشْكُرُوا للّه ِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ *

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) 172 - 173 62

(إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ

الْخِنْزِيرِ) 173 61

(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ) 173 397

(غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ) 173 399

(فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى

عَلَيْكُمْ) 194 481

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ

لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) 220 425

(وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) 275 14، 124، 273

(وَأَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَوا) 275 175

ص: 545

الآية رقمها الصفحة

آل عمران (3)

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ

وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ

الْمُنْكَرِ) 104 234

النساء (4)

(لاَ تَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) 29 252، 265، 272،

284، 408

(لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ

إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) 29 149

(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) 29 124، 175

(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ) 29 273

(فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) 112 436

(احْتَمَلَ بُهْتَاناً) 112 436

(لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) 148 456

(لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ

إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ) 148 451، 479، 483

(لاَ يُحِبُّ اللّه ُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ

إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللّه ُ سَمِيعاً عَلِيماً) 148 477

(مَنْ ظُلِمَ) 148 478

(سَمِيعاً عَلِيماً) 148 478

ص: 546

الآية رقمها الصفحة

المائدة (5)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) 1 312

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) 1 273

(وَتَعاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ

تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالعُدْوَانِ) 2 221

(ولاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) 2 221، 222، 223

(لاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ) 2 236

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) 3 464

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ

الْخِنْزِيرِ) 3 60، 104

(فَمَنِ اضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ

مُتَجَانِفٍ لاِءِثْمٍ فَإِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيمٌ) 3 399

(غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِءِثْمٍ) 3 399

(يَسْئَلُونَكَ مَا ذَا أُحِلَّ لَهُمْ) 4 62

(يَسْئَلُونَكَ مَا ذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ

لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) 4 59

(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) 4 62

(وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ

لَكُمْ) 5 62

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) 90 194، 464

(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ

وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

فَاجْتَنِبُوهُ 90 21، 56

ص: 547

الآية رقمها الصفحة

(مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) 90 57

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ

الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ

وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَعَنِ الصَّلَوةِ) 91 57، 411

الأعراف (7)

(لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤتُونَ الزَّكَوةَ

وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤمِنُونَ * الَّذِينَ

يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ الَّذِى

يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ

وَالاْءِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ

وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ

الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) 156 - 157 58

(فَسَأَكْتُبُهَا) 156 58

(وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) 157 347

التوبة (9)

(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ

بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ

الْمَعْرُوفِ) 67 282

(فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) 122 234

ص: 548

الآية رقمها الصفحة

الرعد (13)

(وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) 21 484

الأنبياء (21)

(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ) 16 402

(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا

بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ) 16 352

(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا

بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ

لَهْواً لاَتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا

فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى

الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ

الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) 16 - 18 359

(بَلْ نَقْذِفُ) 18 406

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ

فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) 18 405

الحجّ (22)

(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ) 30 347

(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ اْلأَوْثَانِ

وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) 30 343، 348

(وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) 30 343، 346، 347

ص: 549

الآية رقمها الصفحة

النور (24)

(لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤمِنُونَ

وَالْمُؤمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا

إِفْكٌ مُبِينٌ) 12 514

(سَمِعْتُمُوهُ) 12 514

(ظَنَّ الْمُؤمِنُونَ وَالْمُؤمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ

خَيْراً) 12 529

(فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ

اللّه ِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) 13 515

(مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) 15 514

(وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ

لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ

عَظِيمٌ) 16 515

(إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) 16 515

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) 19 455

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ) 19 451

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ

فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) 19 416، 417، 498

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ

فِى الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى

الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ) 19 418، 452

ص: 550

الآية رقمها الصفحة

الفرقان (25)

(وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ) 72 351

(وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) 72 403

الشعراء (26)

(وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) 227 479

القصص (28)

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ

عَدُوّاً وَحَزَناً) 8 351

لقمان (31)

(وَمِنَ النَّاسِ) 6 349، 394

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى) 6 357، 394

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ

الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّه) 6 363، 391

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ

الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ بِغَيْرِ

عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ

مُهِينٌ) 6 348

(لَهْوَ الْحَدِيثِ) 6 349

ص: 551

الآية رقمها الصفحة

سبأ (34)

(يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ) 13 315، 237

(يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ

وَتَمَاثِيلَ) 13 297

الشورى (42)

(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ هُمْ

يَنْتَصِرُونَ) 39 481

(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا

عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى

الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى

اْلأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) 41 - 42 480

الحجرات (49)

(إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ) 10 421

(وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) 12 415، 430، 474

(وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ

أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً

فَكَرِهْتُمُوهُ) 12 413

الحشر (59)

(هُوَ اللّه ُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) 24 292

ص: 552

الآية رقمها الصفحة

المدّثّر (74)

(وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) 4 23، 60

(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) 5 23، 59

الهمزة (104)

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) 1 451

ص: 553

ص: 554

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

أتاني جبرئيل ، فقال : يا محمّد ، إنّ ربّك ينهى عن التماثيل 295، 316

اتّخذ ثوباً لصلاتك 85

أتدرون ما الغيبة؟ 428، 432، 437

اجتنبوا الغيبة ، فإنّها إدام كلاب النار 414

أجر الزانية سحت 96

أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس 361، 390

اجعل ثوباً للصلاة 84

احمل إليهم ، فإنّ اللّه يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم 257

إذا بعته قبل أن يكون خمراً وهو حلال فلا بأس 140، 243

إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء 36، 82

إذا تغيّر عن حاله وغلى فلا خير فيه ، حتّى يذهب ثلثاه 144

إذا جاهر الفاسق بفسق 470

إذا جاهر الفاسق بفسقه 470

إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة 466، 518

إذا ذكرته بما فيه فقد اغتبته 457

إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة ، فلا 77

ص: 555

إذا فرغ فليغسل يده 129

إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس 259

إذا ميّز اللّه الحقّ من الباطل مع أيّهما يكون ؟ 252

إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء ؟ 354، 412

إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه ، فإن كان جامداً فألقها وما يليها 145

أرأيتك إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل مع أيّهما تكون ؟ 404

أربعة ليس غيبتهم غيبة : الفاسق المعلن بفسقه ، والإمام الكذّاب . . . 466

ارفق بالقوارير 386

استصبحوا به ولا تأكلوه 173

أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجل قتل نبياً ، أو قتله نبي 287

أعظم في التحريم من الميتة 415

اعلم أ نّك إذا ذكرته بما فيه فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهتّه 433

اعلموا أنّ غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة آل محمّد صلی الله علیه و آله وسلم أعظم . . . 415

ألاّ انتفعتم بجلدها ؟ 90

ألاّ انتفعوا بجلدها ؟ 82

ألا ومن تطوّل على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردّها عنه . . . 524

التي يدخل عليها الرجال حرام ، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس 363

أمّا الخمر فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر 20

أمّا الزيت فلا تبعه إلاّ لمن تبيّن له ، فيبتاع للسراج ، وأمّا الأكل فلا 146

أمّا السمن والعسل ، فيؤخذ الجرذ وما حوله ، والزيت يستصبح به 145

أمّا الميتة فإنّه لا يدمنها أحد إلاّ ضعف بدنه ، ونحل جسمه ، وذهبت قوّته 62

أما تعلم أ نّه يصيب اليد والثوب وهو حرام ؟ 89

إنّ آلات المزامير شراؤها وبيعها وثمنها والتجارة بها حرام 195

ص: 556

إنّ أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له وعليه 533

إنّ أخوف ما أخاف على اُمّتي من بعدي ، هذه المكاسب المحرّمة 24

أنّ التصيّد مسير باطل 403

إنّ الذي حرّم شربها حرّم ثمنها 49، 51، 137، 183

إنّ الذي حرّم شربه حرّم ثمنه 153

إنّ الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه . . . 480

إنّ اللّه إذا حرّم أكل شيء حرّم ثمنه 153

إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه 23، 38، 39، 49، 124،

283

إنّ اللّه إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه 40، 51

إنّ اللّه تبارك وتعالى فوّض إلى المؤمن كلّ شيء إلاّ إذلال نفسه 440

إنّ اللّه تعالى إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه 24

إنّ اللّه خلق العقل ، وهو أوّل خلق من الروحانيين 305

إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها 20

إنّ اللّه يبغض البيت اللحم 416

أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ولا بيتاً فيه كلب 326

أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه 496

إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت 211

إنّ ثمنها سحت 215

إنّ رجلاً من ثقيف أهدى إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راويتين من خمر . . . 24، 47

أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن الغيبة والاستماع إليها 506

أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن بيع الأحرار 69

إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن بيع الأحرار ، وعن بيع الميتة والخنزير والأصنام 26

ص: 557

إنّ عليّاً علیه السلام كان يصلّي في سيفه وعليه الكيمخت 91

أنّ علياً علیه السلام كره الصور في البيوت 325

إنّ في كتاب علي علیه السلام أنّ ما قطع منها ميّت لا ينتفع به 61، 79

إن كان جامداً فتطرحها وما حولها ، ويؤكل ما بقي ، وإن كان ذائباً فاسرج به 64

إنّك لم تستخفّ بالفأرة ، وإنّما استخففت بدينك ، إنّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء 35

إن كنت لا تثق به فلا تبعها على أ نّها ذكيّة ، إلاّ أن تقول : قد قيل لي : إنّها ذكيّة 97

أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب 82

إن لم تمسّه فهو أفضل 88

إنّ لهم عرقاً يدعوهم إلى غير الوفاء 462

إنّما البيت اللحم البيت الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة 416

إنّما الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه ممّا ستره اللّه عزّ وجلّ 436

إنّما باعه حلالاً في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه 28، 143، 243

إنّما حرّم اللّه الصناعة التي حرام هي كلّها التي يجيء منها الفساد محضاً 307، 329

إنّما خرج في لهو 400، 403

إنّ من أشدّ الناس عذاباً عند اللّه يوم القيامة المصوّرون 288

إنّ من أشراط الساعة إضاعة الصلوات ، واتّباع الشهوات، والميل إلى الأهواء 380

إنّ من الغيبة أن تقول . . . 448

إنّ من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه 434

إنّه رجس نجس لا يتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب 63

انهشا منها 495

أ نّه كره الصور في البيوت 325

إنّهما لا يعذَّبان في كبيرة ، أمّا أحدهما فكان يغتاب الناس 420

أو تحت رجليك 322

ص: 558

أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع بالربا ، أو البيع للميتة 44

اُولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس 381

أو لحقه بي أو بسببي ظلم 539

أو مسّه من ناحيتي أذى 538

اُهدي إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راوية خمر بعد ما حرّمت الخمر . . . 25

إيّاكم وعمل الصور ، فإنّكم تسألون عنها يوم القيامة 298

أيسر حقّ منها أن تحبّ له ما تحبّ لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك . . . 523

أيّما عبد من عبيدك أدركه منّي درك 538

أيّما مؤمن مشى في حاجة أخيه فلم يناصحه فقد خان اللّه ورسوله 491

بائع الخبيثات ومشتريها في الإثم سواء 14، 37

الباغي : الظالم ، والعادي : الغاصب 398

الباغي : باغي الصيد ، والعادي : السارق ، ليس لهما أن يأكلا الميتة 397

بعه وبيِّنه لمن اشتراه ، ليستصبح به 146

بلى مرّ بكم فلان فوقعتم فيه 416

بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة . . . 112

بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة 365

بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت 194

تكسر رؤوس التماثيل وتلطّخ رؤوس التصاوير ويصلّى فيه ولا بأس 327

تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وكانت شاة مهزولة . . . 78

ثكلتك اُمّك ، أتدري ما الاستغفار ؟ والاستغفار درجة العلّي-ين 534

ثلاثة ليس لهم حرمة : صاحب هوى مبتدع ، والإمام الجائر . . . 466

ثمن الخمر ، ومهر البغي ، وثمن الكلب الذي لا يصطاد ، من السحت 115

ثمن العذرة من السحت 68

ص: 559

ثم-ن الكلب الذي لا يصيد سحت 114

ثمن المغنّية سحت 214

ثمن الميتة سحت 108

ثمنها سحت 137

جميع التقلّب في ذلك حرام 12

جميع المعايش كلّها من وجوه المعاملات فيما بينهم . . .أربع جهات 267

حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه 468

حرام أجره 207، 247

حرام بيعها وثمنها 15، 68

حرام ، وهو خمر ، ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر 21

حرِّك بالنوق 385

حرم من الشاة سبعة أشياء : الدم والخصيتان . . . 65

حسِّنوا القرآن بأصواتكم ، فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً 381

[حلال] ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شراباً خبيثاً ؟ 243

الحلال من البيوع ، كلّ ما هو حلال من المأكول والمشروب وغير ذلك 13

خذ منه وبره ، فاجعلها في فخّارة ، ثمّ أوقد تحتها حتّى يذهب دسمها 129

خذها ثمّ أفسدها 52

خرجت وأنا اُريد داود بن عيسى بن علي ، وكان ينزل بئر ميمون . . . 217

خمر مجهول يا سليمان فلا تشربه 21

دخل قوم على أبي جعفر علیه السلام وهو على بساط فيه تماثيل 291

الدين نصيحة 491

ذكر اللّه حسن 457

ذكرك أخاك بما يكره 423، 432، 433،

439، 456، 457

ص: 560

ذكرك أخاك بما يكرهه 437

الذي لا يصيد 115، 116

الذي يصيد 115

الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه 500

الرجس من الأوثان : الشطرنج ، وقول الزور : الغناء 343

رقية الزنا 411

رويدك رفقاً بالقوارير ؛ يعني النساء 385

سئل النبي صلی الله علیه و آله وسلم ما كفّارة الاغتياب ؟ قال : تستغفر اللّه لمن اغتبته 535

ساتراً لجميع عيوبه 468

السامع للغيبة أحد المغتابين 493، 501

السحت ثم-ن الميت-ة 95

السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر البغي 111

سحت ، وأمّا الصَيود فلا بأس 114

سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : إنّي أخاف عليكم استخفافاً بالدين 380

سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عظم 83، 89

شراؤهنّ وبيعهنّ حرام 212

شراؤهنّ وبيعهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر ، واستماعهنّ نفاق 352

الشطرنج من الباطل 404

صوتان ملعونان يبغضهما اللّه : إعوال عند مصيبة ، وصوت عند نعمة 378

صونوا أعراضكم 440

الطواف بالبيت صلاة 502

ظللتم تأكلون لحم سلمان واُسامة 415، 430

الغناء رقية الزنا 350

ص: 561

الغناء شرّ الأصوات 356

الغناء غشّ النفاق 356

الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله 365

الغناء ممّا أوعد اللّه عليه النار 394

الغناء ممّا وعد اللّه عليه النار 348، 351

الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه 434، 435

الغيبة أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه 423، 443

الغيبة أن تقول لأخيك ما ستره اللّه عليه 471

الغيبة كفر والمستمع لها والراضي بها مشرك 494، 508

الفاسق المعلن بالفسق . . . 470

فأمّا إذا كان عصيراً . . . 242

فتقطع رؤوسها 324

فتنزّهوا أسماعكم 507

فجميع تقلّبه في ذلك حرام 45

فعندها يكون أقوام يتعلّمون القرآن لغير اللّه ، ويتّخذونه مزامير 381

ففتّه بحقّه أو سبقته بمظلمته 539

الفقّاع خمر 502

فلا بأس بلبسه والصلاة فيه 81

فلا يغار بعدها حتّى تؤتى نساؤه فلا يغار 411

فما لك وللباطل ؟ 252

فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً . . . فهو من أهل العدالة والستر 469

فهذا كلّه حرام ومحرّم ؛ لأنّ ذلك كلّه منهيّ عن أكله وشربه ولبسه 44

فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته 12

ص: 562

فهو ممّن ظلم 484

فهو من الذين قال اللّه . . . 455

قاتل اللّه اليهود ، إنّ اللّه لمّا حرّم عليهم شحومها جملوه ثمّ باعوه 276

قال أمير المؤمنين علیه السلام : بعثني رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في هدم القبور وكسر الصور 289

قال جبرئيل علیه السلام : إنّا لا ندخل بيتاً فيه تمثال لا يوطأ 291

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : اقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها 378

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : المؤمن من ائتمنه المؤمنون 522

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : المؤمن من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم 422

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : زادُ المسافر الحداء والشعر ما كان منه ليس فيه خناً 386

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام وكلّ مسكر خمر 20

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً 525

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه 491

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من أذاع الفاحشة كان كمبتدئها 496

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من ظلم أحداً ففاته فليستغفر اللّه فإنّه كفّارة له 536

قال قائل لأبي جعفر علیه السلام : يجلس الرجل على بساط فيه تماثيل . . . 290

قد تكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها إلاّ ثمن كلب 112

قد حكمت 404

قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حدّ 446

قلت : يا رسول اللّه ، فأين قولك بالأمس ؟ قال : ينتفع منها بالإهاب 90

قل لها : لا تشارط وتقبل ما اُعطيت 377

قول الزور الغناء 394

قولوا في الفاسق ما فيه كي تحذره الناس 474

كانت قريش تقامر الرجل بأهله وماله ، فنهاهم اللّه عزّ وجلّ عن ذلك 408

ص: 563

كأ نّك إذا استقضيت . . . 485

كأ نّك إذا استقضيت حقّك لم تسئ ؟ ! 484

كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء . . . 352، 357، 403

كذب من زعم أ نّه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة 416

كذبوا ، إنّ اللّه يقول : )وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ . . .( 352، 402

كفّارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته 535

كفّارة من استغبته أن تستغفر له 535

كفر باللّه العظيم 259

الكفّ عنهم أجمل 424

كلّ أعمال البرّ بالصبر 87، 88

كلّ أعمال البرّ بالصبر - يرحمك اللّه - فإن كان ما تعمل وحشياً ذكيّاً ، فلا بأس 85

الكلب الأسود البهيم لا تأكل صيده ؛ لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتله 289

الكلب الذي لا يصيد 117

كلّ شيء فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام بعينه 101، 105

كلّ لهو المؤمن باطل 407

كلّ لهو المؤمن باطل إلاّ في ثلاث : في تأديبه الفرس ، ورميه عن قوسه . . . 402

كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه فهو من الميسر 409

كلّ ما قومر عليه فهو ميسر 410

كلّ هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه محرّم 194

لا ، اطرح عليها ثوباً ، ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك 322

لا ، إلاّ أن يشيّع الرجل أخاه في الدين ، فإنّ التصيّد مسير باطل 400

لا بأس إذا كانت عن يمينك وعن شمالك وعن خلفك أو تحت رجليك 322

لا بأس ، أمّا للمقتضي فح-لال ، وأمّا للبائع فحرام 125

ص: 564

لا بأس ، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، إنّكم في هدنة 257

لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميّت 377

لا بأس بأن تكون التماثيل في البيوت ، إذا غيّرت رؤوسها منها 326

لا بأس ببيع العذرة 15، 68

لا بأس ببيعه حلالاً 143

لا بأس ببيعه حلالاً ليجعله حراماً ، فأبعده اللّه وأسحقه 142

لا بأس بذلك ، إنّما إرادتك أن يتحوّل الخمر خلاًّ ؛ وليس إرادتك الفساد 53

لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك 79

لا بأس به ، تبيعه حلالاً فيجعله حراماً ، فأبعده اللّه وأسحقه 244

لا بأس بهذا كلّه إلاّ بالثعالب 88

لا بأس به ما لم يزمر به 366

لا بأس به ما لم يعص به 364

لا بأس به ، وإن غلى فلا يحلّ بيعه 143

لا بأس ما لم يعلم أ نّه ميتة 82

لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان 293

لا بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال 363

لا تبع ما ليس عندك 14

لا تبعه في فتنة 261

لا تبنوا على القبور ، ولا تصوّروا سقوف البيوت 297

لا تتّخذوا قبري قبلة ولا مسجداً 290

لا تدخلوا بيوتاً اللّه معرض عن أهلها 366

لا تدع صورة إلاّ محوتها ، ولا قبراً إلاّ سوّيته ، ولا كلباً إلاّ قتلته 289

لا تسخطوا اللّه برضا أحد من خلقه 375

ص: 565

لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل 14

لا تصلّ فيها إلاّ ما كان منه ذكيّاً 90

لا تصلّ فيها وشيء منها مستقبلك ، إلاّ أن لا تجد بدّاً فتقطع رؤوسها 324

لا تكسر القوارير 386

لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب 82

لا حاجة لي فيها ؛ إنّ ثمن الكلب والمغنّية سحت 113، 215، 353

لا حاجة لي فيه ، إنّ هذا سحت ، وتعليمهنّ كفر 216

لا ، حتّى يقطع رأسه أو يفسده . وإن كان قد صلّى ، فليس عليه الإعادة 324

لا صلاة إلاّ بطهور 532

لا غيبة إلاّ لمن صلّى في بيته ورغب عن جماعتنا 475

لا غيبة لفاسق 474

لا ، ولو لبسها فلا يصلّ فيها 27

لا ، ولو لبسها فلا يصلّي فيها 81

لأهل الحجاز فيه رأي وهو في حيّز الباطل واللهو 403

لا يأكلها ولا يبيعها 27

لا يجوز الصلاة في وبره 14

لا يصلح أن يلعب بها 293

لا يصلح ثمنه 47

لا يعذّب اللّه مؤمناً بعد التوبة والاستغفار إلاّ بسوء ظنّه واغتيابه للمؤمنين 534

لا يلبس ولا يصلّى فيه ، إلاّ أن يكون ذكيّاً 80

لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب 80

لعن اللّه اليهود حرّمت عليهم الشحوم فباعوها ، وأكلوا ثمنها 276

لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في الخمر عشرة : غارسها ، وحارسها . . . 19، 46

ص: 566

للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً لا براء له منها إلاّ بالأداء أو العفو 533

للّه ولرسوله ولأئمّة الدين ولجماعة المسلمين 491

لمّا مات آدم علیه السلام شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض . . . 409

لم تعط اُمّتي أقلّ من ثلاث : الجمال والصوت الحسن والحفظ 383

لو أنّ الدار لي لقتلت بائعه ولجلدت شاربه 21

لو باع ثمرته ممّن يعلم أ نّه يجعله حراماً لم يكن بذلك بأس 242

لولا أنّ بني اُميّة وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء . . . 240

له سبع حقوق واجبات، ما منهنّ حقّ إلاّ وهو عليه واجب 523

اللهمّ وأيّما عبد من عبيدك أدركه منّي درك أو مسّه . . . 538

ليس أن يذلّ نفسه 440

ليست بالتي يدخل عليها الرجال 354

ليست يدخل عليها الرجال 392

ليس حيث تذهب ، إنّما هو إذاعة سرّه 496

ليس عليه فيما لا يعلم شيء ، فإذا علم فلينزع الستر وليكسر رؤوس التماثيل 325

ليس من باطل يقوم بإزاء الحقّ إلاّ غلب الحقّ الباطل 405

ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه 495

ما خالف قول ربّنا زخرف 489

ما سمعته اُذناه 431

ما علمت أ نّه ميتة فلا تصلِّ فيه 91

ما عليك لو اشتريتها فذكَّرتك الجنّة، يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل 383

ما عمِر مجلس بالغيبة إلاّ خرب من الدين 494

ما عمر مجلس بالغيبة إلاّ خرب من الدين ، فتنزّهوا أسماعكم من استماع الغيبة 507

ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها ، أن ينتفعوا بإهابها ؟ ! 78

ص: 567

ما لفلان يشكوك ؟ 484

ما لم يزمر به 367، 368، 369

ما لم يعص به 367، 368

ما لم يكن من الحيوان 315

ما لم يؤزر به 367

ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما ؟ 415، 430

ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء 36

المستمع أحد المغتابين 493

المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يغشّه ولا يحرمه 522

المسلم أخ-و المسلم هو عينه ومرآته ودليله ، لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه 423

المغنّية التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها 391

المغنّية ملعونة ، ملعون من أكل كسبها 353

ممّا ستره اللّه عليه 445

من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه اللّه لبّه 492

من أصغى إلى ناطق فقد عبده 354

من أضاف قوماً فأساء ضيافتهم فهو ممّن ظلم 479، 483

من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن 164

من اغتاب مؤمناً بما فيه 432

من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنّة أبداً 431

من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره اللّه وأعانه 521

من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من اللّه ، لعنته ملائكة الرحمة 165

من اكترى دابّة أو سفينة ، فحمل عليها المكتري خمراً أو خنازير . . . 26، 207

من أكل السحت ثمن الخمر 114

ص: 568

من أكل السحت سبعة 298

من ألقى جلباب الحياء عن وجهه 470

من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له 442

من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له 466

من ترك الصلاة متعمّداً من غير علّة فقد برئ من ذمّة اللّه 419

من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام 287

من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس 449

من ذكر رجلاً من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه 435، 444

من ردّ عن عرض أخيه كان له حجاباً من النار 525

من صوَّر التماثيل فقد ضادّ اللّه 287

من صوّر صورة من الحيوان يعذَّب حتّى ينفخ فيها وليس بنافخ فيها 299

من ضرب في بيته أربعين صباحاً سلّط اللّه عليه شيطاناً 411

من ظلم أحداً . . . 540

من ظلم أحداً فعابه فليستغفر اللّه له كما ذكره؛ فإنّه كفّارة له 535

من عامل الناس فلم يظلمهم . . . كان ممّن حرمت غيبته 467

من قال في أخيه المؤمن ممّا فيه ممّا قد استتر به عن الناس فقد اغتابه 467

من قال في مؤمن . . . 455

من قال في مؤمن ما رأت عيناه وما سمعت اُذناه كان من الذين . . . 418

من قال في مؤمن ما رأته عيناه أو سمعته اُذناه فهو من الذين . . . 455، 417، 431،

438، 498

من قال في مؤمن ما ليس فيه حبسه اللّه في طينة خبال 436

من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحلّها 534

من مثّل تمثالاً كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح 291

ص: 569

النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة ، وكلّ ما قومر عليه فهو ميسر 194

نزع منه الحياء ولم يبال ما قال ولا ما قيل فيه 411

نعم يذيبها ويسرج بها ، ولا يأكلها ولا يبيعها 89

نهى عن الغيبة 507

نهى عن الغيبة والاستماع إليها 493

نهى عن تزويق البيوت 314

واجعلها خلاًّ 52

وأعلمهم إذا بعته 171

والاستماع إليها 507

والاشتغال بالملاهي 411

والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه 468

والذين يصوّرون التماثيل 298

والعادي : السارق ، والباغي : الذي يبغي الصيد بطراً ولهواً 397

والغيبة أشدّ من الزنا 536

واللّه ما هي تماثيل الرجال والنساء 315

واللّه ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنّها الشجر وشبهه 297

والملاهي التي تصدّ عن ذكر اللّه عزّ وجلّ مكروهة كالغناء وضرب الأوتار 410

والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة 522

وأمّا الأمر الظاهر مثل الحدّة والعجلة فلا 446

وأمّا الزيت فلا تبعه إلاّ لمن تبيّن له فيبتاع للسراج، وأمّا الأكل فلا 177

وأمّا الميسر : فالنرد والشطرنج . وكلّ قمار ميسر 194

وأمّا تفسير التجارات في جميع البيوع ووجوه الحلال من وجه التجارات . . . 44، 266

وأمرني أن أمحو المزامير والمعازف والأوتار واُمور الجاهلية 195

ص: 570

وإنّ اللّه يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه 161

وإن كان ذائباً فأسرج به ، وأعلمهم إذا بعته 146

وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به، والزيت مثل ذلك 177

وأ نّى لك بأخيك كلّه ؟ وأيّ الرجال المهذّب ؟ 486

وبائع السلاح من أهل الحرب 259

وثمن المغنّية حرام 211

وثمن الميتة سحت 96

وذلك إنّما حرّم اللّه . . . 329

وصنعة صنوف التصاوير ما لم تكن مثل الروحاني 295، 305، 315

وعن بيع العذرة ، وقال : هي ميتة 69

وكذلك كلّ بيع (مبيع . ظ) ملهوّ به ، وكلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير اللّه 251

وكلّ أمر يكون فيه الفساد ممّا قد نهي عنه من جهة أكله وشربه . . . 13

وكلّ شيء يحلّ أكله . . . 81

وكلّ شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات ، فهذا كلّه حلال بيعه 44

وكلّ ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه والصلاة فيه 80

وكلّ ما منه وفيه الفساد محضاً فحرام تعليمه وتعلّمه وجميع التقلّب فيه 328

ولا بأس بثمن الهرّ 114

ولا بيتاً فيه بول مجموع في آنية 326

ولا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته 453

ولا يأكلها ولا يبيعها 89

ولكنّه خلق الخلق ، فعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحلّه لهم 62

وما الكيمخت ؟ 91

وما كان محرّماً أصله منهيّاً عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه 26

ص: 571

وما يكون منه وفيه الفساد . . . 330

وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ولا يكون فيه ولا منه شيء . . . 329

ومن تغنّى بغناء حرام يبعث فيه على المعاصي فقد تعلّق بغصن منه 365

ومن ردّ عن أخيه غيبة سمعها في مجلس ردّ اللّه عنه ألف باب من الشرّ 524

ومن رضي شيئاً كان كمن أتاه 500

ومن صوّر التماثيل ، فقد ضادّ اللّه 293

ومن مشى في عيب أخيه . . . كان أوّل خطوة خطاها وضعها في جهنّم 438

ونهى أن ينقش شيء من الحيوان على الخاتم 295

ونهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن بيع النرد 194

ويحبّ له من الخير ما يحبّ لنفسه ويكره له من الشرّ ما يكره لنفسه . 533

ويستحسنون الكوبة والمعازف 381

ويستر عورته 533

ويغسل اللحم ويؤكل 63

ويل لفلان ممّا يصف 359

هذه لو انتفعوا بإهابها ؟ 90

هو الغناء 351

هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل 432، 444، 471

هو ذا ، نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أ نّه يصنعه خمراً 143، 144، 244

هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس 414

يا أبا حمزة ، إنّ الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا 424

يا أباذرّ ، سباب المسلم فسوق 432

يا أباذرّ ، سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ، وأكل لحمه من معاصي اللّه 423

يا أبا محمّد ، اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك 381

ص: 572

يا أيّوب ، ما من أحد إلاّ وقد يرد عليه الحقّ حتّى يصدع قلْبه 406

يا أيّها الناس ، عدلت شهادة الزور بالشرك باللّه 347

يا بنيّ ، نزِّه سمعك عن مثل هذا ، فإنّه نظر إلى أخبث ما في وعائه 494

يأتي عنكم الخبران المختلفان . . . 17

يا جبرئيل ، من هؤلاء ؟ 414

يا علي ، كفر باللّه العظيم من هذه الاُمّة عشرة 259

يا علي ، من اغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره فلم ينصره خذله اللّه 521

يا علي ، من السحت ثمن الميتة 96

يا علي ، من السحت ثمن الميتة ، وثمن الكلب وثمن الخمر 112

يأكل ثمنه 108

يا محمّد ، إنّ ربّك يقرئك السلام ، وينهى عن تزويق البيوت 296

يا محمّد ، كذِّب سمعك وبصرك عن أخيك 452

يا معلّى ، إنّي عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل 523

يبيع ديّانه أو وليّ له غير مسلم خمره وخنازيره ويقضى دينه 27، 127

يبيعه ممّن يستحلّ الميتة ويأكل ثمنه 107، 108

يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه 490

يجعله حراماً 242

يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها 96

يعني بذلك القمار 408

يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة ، أو الكلب ، واللحم اغسله وكله 63

ص: 573

ص: 574

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم = محمّد

بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 1،

19، 20، 21، 24، 25، 26، 46، 47،

48، 49، 54، 58، 69، 78، 82، 83،

89، 90، 96، 108، 112، 115،

123، 124، 136، 137، 173، 175،

182، 194، 195، 201، 220، 221،

244، 252، 257، 258، 259، 260،

261، 276، 282، 288، 289، 290،

295، 296، 297، 316، 328، 347،

350، 352، 359، 364، 378، 380،

381، 383، 386، 398، 401، 402،

406، 413، 414، 415، 416، 419،

421، 422، 423، 428، 430، 431،

432، 433، 437، 439، 442، 456،

466، 474، 475، 476، 482، 491،

493، 495، 496، 504، 505، 506،

507، 516، 521، 522، 524، 525،

529، 533، 535، 536، 539

أمير المؤمنين علیه السلام = علي بن أبي

طالب علیه السلام، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام، الإمام الأوّل 14،

37، 52، 61، 79، 83، 89، 91، 96،

112، 173، 259، 261، 289، 290،

298، 325، 328، 380، 409، 421،

467، 476، 477، 493، 494، 495،

500، 521، 525، 534

الحسن علیه السلام = الحسن بن علي علیه السلام،

الإمام الثاني

الحسن بن علي علیه السلام، الإمام الثاني 378،

494، 495

الحسين، أبو عبداللّه علیه السلام = الحسين بن

علي علیه السلام، الإمام الثالث

ص: 575

الحسين بن علي علیه السلام، الإمام الثالث 374،

379

السجّاد علیه السلام = علي بن الحسين علیه السلام،

الإمام الرابع

علي بن الحسين علیه السلام، الإمام الرابع 383،

384

الباقر، أبو جعفر علیه السلام = محمّد بن

علي علیه السلام، الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام، الإمام الخامس 19،

20، 35، 46، 85، 105، 125، 129،

145، 149، 165، 176، 182، 194،

252، 257، 290، 291، 321، 323،

326، 348، 351، 354، 357، 358،

381، 400، 403، 422، 424، 479،

480، 491، 521، 522

الصادق، أبو عبداللّه علیه السلام = جعفر بن

محمّد علیه السلام، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام، الإمام السادس 13،

15، 17، 24، 25، 26، 27، 47، 51،

52، 53، 61، 62، 64، 68، 78، 79،

80، 83، 90، 91، 94، 95، 96، 97،

105، 106، 107، 111، 112، 114،

115، 125، 129، 130، 131، 140،

142، 143، 144، 145، 146، 183،

194، 207، 240، 243، 244، 247،

257، 261، 288، 291، 293، 295،

296، 297، 298، 305، 316، 325،

343، 344، 351، 352، 353، 359،

361، 363، 365، 367، 375، 377،

378، 379، 386، 390، 397، 398،

400، 402، 404، 405، 406، 408،

409، 410، 416، 417، 418، 419،

423، 431، 433، 435، 436، 438،

443، 444، 454، 466، 467، 468،

469، 479، 483، 484، 485، 486،

490، 491، 494، 496، 498، 508،

522، 523، 535، 536

الصادقين علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام، الإمام

السادس)258، 358

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام، الإمام

السادس)322

الكاظم، أبو الحسن الماضي، أبو الحسن

الأوّل علیه السلام = موسى بن جعفر علیه السلام،

الإمام السابع

موسى بن جعفر علیه السلام، الإمام السابع 20،

24، 27، 80، 90، 96، 107، 113،

ص: 576

215، 216، 259، 293، 323، 326،

352، 353، 366، 435، 444، 452

الرضا، أبو الحسن علیه السلام = علي بن

موسى علیه السلام، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام، الإمام الثامن 18،

21، 27، 45، 80، 85، 87، 88، 89،

91، 94، 96، 112، 121، 127،

194، 217، 242، 290، 291، 351،

357، 358، 380، 403، 414، 416،

442، 466، 500

الجواد علیه السلام = محمّد بن علي علیه السلام، الإمام

التاسع

محمّد بن علي علیه السلام، الإمام التاسع 85، 87

الهادي، أبو الحسن علیه السلام = علي بن

محمّد علیه السلام، الإمام العاشر

علي بن محمد علیه السلام، الإمام العاشر 80

العسكري علیه السلام = الحسن بن علي علیه السلام،

الإمام الحادي عشر

الحسن بن علي علیه السلام، الإمام الحادي عشر

415

آدم 409

سليمان بن داود، النبي 297، 316

عيسى المسيح 248

ص: 577

ص: 578

4 - فهرس الأعلام

الآبي، الحسن بن أبي طالب 94

أبان بن عثمان 418، 435، 456

إبراهيم بن أبي البلاد 113، 211، 215،

216، 353

إبراهيم بن محمّد 365

ابن أبي القاسم الصيقل = الصيقل،

القاسم بن أبي القاسم

ابن أبي عمير، محمّد 27، 64، 130،

131، 291، 304، 417، 418، 431،

435، 438، 454، 498، 504

ابن أبي ليلى، محمّد بن عبدالرحمان 82

ابن أبي نجران = عبدالرحمان بن أبي

نجران

ابن أبي يعفور = عبداللّه بن أبي يعفور

ابن أثير = ابن الأثير

ابن إدريس، محمّد بن أحمد 38، 92،

95، 109، 127، 134، 139، 147،

175، 420

ابن اُذينة = عمر بن اُذينة

ابن الأثير 437، 450

ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 93

ابن الجنّي 478

ابن الجنيد = ابن الجنيد الإسكافي،

محمّد بن أحمد

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

94، 95

ابن الشيخ الطوسي = الطوسي، الحسن

بن محمّد

ابن الغضائري، أحمد بن الحسين

الغضائري 400

ابن القدّاح، عبداللّه بن ميمون القدّاح 288

ابن المغيرة = عبداللّه بن المغيرة

ص: 579

ابن الوليد 449

ابن الهيثم = محمّد بن الهيثم

ابن بابويه، محمّد بن علي 79، 94، 95،

96، 133، 259، 290، 357، 383،

417، 420، 449، 494، 495

ابن بكير، عبداللّه 400

ابن حمزة، محمّد بن علي 6، 30، 109

ابن حنبل، أحمد بن محمّد 29، 73

ابن زهرة، حمزة بن علي 29، 30، 38،

39، 54، 73، 74

ابن سعيد، يحيى بن أحمد 122

ابن سنان = عبداللّه بن سنان

ابن سيّابة = عبدالرحمان بن سيّابة

ابن شاذان، الفضل بن شاذان 411، 414

ابن شهر آشوب، محمّد بن علي 386

ابن عبّاس، عبداللّه بن عبّاس 478

ابن عمّ أبو هريرة 496

ابن عمر 173

ابن فضّال 353

ابن مروان = محمّد بن مروان

ابن مسلم = محمّد بن مسلم

أبو البختري 466، 470

أبو الجارود 20، 136، 194

أبو الخطّاب = محمّد بن الحسين بن أبي

الخطّاب

أبو الدرداء 525

أبو العبّاس = الفضل بن عبدالملك

البقباق

أبو الفتوح الرازي، الحسين بن علي 195،

493، 496

أبو الورد 521

أبو بصير 25، 53، 64، 115، 137، 140،

141، 144، 145، 152، 167، 194،

243، 295، 296، 316، 343، 361،

363، 367، 377، 381، 382، 390

أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار 424

أبو حنيفة 73، 124، 175، 379

أبو ذرّ 423، 432، 433، 437

أبو سعيد الخدري = الخدري، أبو سعيد

أبو عبيدة = الحذّاء، زياد بن عيسى

أبو عبيدة الحذّاء 408

أبو علي بن أبي هريرة 54

أبو كهمس، الهيثم بن عبيد 143، 144،

244

أبو محمّد = أبو بصير

أبو مخلّد السراج 97

أبو مريم 79

أبو هريرة، عبداللّه بن عامر 432

أحمد بن الحسن بن إسماعيل ‘

ص: 580

الميثمي، أحمد بن الحسن بن إسماعيل

أحمد بن حنبل = ابن حنبل، أحمد بن

محمّد

أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد 85

أحمد بن هارون 466

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 92، 105،

109، 129، 134، 227، 228، 244،

317، 321، 327، 375

اُسامة بن زيد 415، 430، 431

إسحاق بن عمر 216

إسماعيل بن عبد الخالق 146، 152،

177

إسماعيل بن مرار 128

الأصفهاني، محمّدرضا 335، 338، 344

الأعمش 410

الأقطع، سليمان بن خالد 422، 522

أنجشة 385، 386

أنس بن محمّد 96، 112

الأنصاري = الأنصاري، مرتضى بن

محمّد أمين

الأنصاري، مرتضى، بن محمّد أمين 15،

86، 99، 109، 139، 147، 150،

151، 155، 161، 162، 163، 164،

171، 185، 190، 210، 228، 229،

230، 248، 251، 293، 317، 320،

330، 337، 341، 345، 346، 355،

367، 369، 370، 428، 437، 439،

441، 458، 460، 468، 472، 482،

487، 488، 493، 501، 513

الأنصاري، جابر بن عبداللّه 124، 419،

495

الأهوازي، الحسين بن سعيد 436

الإيرواني، علي بن عبدالحسين 221،

319

أيّوب بن الحرّ = الجعفي، أيّوب بن الحرّ

البحراني، يوسف بن أحمد 420

برد الإسكاف 129

البرقي، أحمد بن محمّد بن خالد 24،

406

البزنطي، أحمد بن محمّد 27، 89، 92،

96، 242، 398

البصري، الحسن 479

البطائني، علي بن أبي حمزة 88، 90، 91،

240، 390

بعض أعيان المدقّقين = الشيرازي،

محمّد تقي بن محبعلي

بعض الأساطين = اليزدي، محمّد كاظم

بن عبدالعظيم

ص: 581

بعض المدقّقين = الشيرازي، محمّد تقي

بن محبعلي

بعض مشايخنا = الأصفهاني، محمّد

رضا

الشهيد = الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي

الشهيد = الشهيد الثاني، زين الدين بن

علي

البهائي = الشيخ البهائي، محمّد بن

الحسين

تميم الداري، أحمد 491

ثعلبة بن ميمون 486

جابر = الأنصاري، جابر بن عبداللّه

جابر = الجعفي، جابر بن يزيد

جرّاح المدائني 114، 296

الجرجاني، الفتح بن يزيد 80، 83

الجعفي، أيّوب الحرّ 406

الجعفي، جابر بن يزيد 19، 35، 46،

206، 491

جميل = جميل بن درّاج

جميل بن درّاج 52، 138

الجوهري، إسماعيل بن حمّاد 306،

429، 441

حاتم بن إسماعيل 325

الحارث بن مغيرة 423

الحذّاء، زياد بن عيسى 165، 306، 490

حذيفة اليمان = حذيفة بن اليمان

الصحابي

حذيفة بن اليمان الصحابي 378

الحرث بن المغيرة = الحارث بن مغيرة

الحسن = البصري، الحسن

الحسن بن علي = الوشّاء، الحسن بن

علي

الحسن بن علي بن أبي المغيرة 78

الحسن بن محبوب = السرّاد، الحسن بن

محبوب

الحسن بن هارون 365

الحسين بن زيد 295

الحسين بن سعيد = الأهوازي، الحسين

بن سعيد

الحسين بن يزيد 387

الحضرمي، أبو بكر 257، 260، 262

حفص بن عمر 535

حكم الخيّاط 391

حكم السرّاج 257، 262

الحلبي، عبيداللّه بن علي 105، 107،

142، 143، 244

الحلّي = ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عثمان 344، 397، 400، 484

ص: 582

حمّاد بن عمرو 96، 112

الحميري، عبداللّه بن جعفر 96، 368

حنّان بن سدير 376

الخدري، أبو سعيد 173

الخراساني = المحقّق السبزواري،

محمّد باقر بن محمّد مؤمن

الداماد، ميرمحمّد = الميرداماد، محمّد

باقر بن محمّد

داود بن سرحان 431، 438، 444، 448،

456، 458، 459، 465، 475

داود بن عيسى بن علي 217

الراوندي الكاشاني، فضل اللّه بن علي

24، 466

الراوندي = القطب الراوندي، سعيد بن

هبة اللّه

ربعي بن عبداللّه 522

الرشيد = هارون الرشيد

رفاعة بن موسى = النخّاس، رفاعة بن

موسى

الريّان بن الصلت 88، 91، 351، 357،

403، 404، 412

زرارة 83، 93، 125، 129، 130، 131،

133، 145، 176، 326، 400، 404

زكريّا بن آدم = القمّي، زكريّا بن آدم

زياد بن عيسى الحذّاء = أبو عبيدة

الحذّاء

زيد الشحّام 343، 365

السدي 479

السرّاج = هند السرّاج

السرّاد، الحسن بن محبوب 261، 448

سعد بن محمّد الطاطري = الطاطري،

سعد بن محمّد

سعيد بن جبير 432، 494، 507

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 63، 95،

111، 289، 386، 387، 536، 537،

539، 540

سلاّر = سلاّر الديلمي، حمزة بن

عبدالعزيز

سلاّر الديلمي، حمزة بن عبدالعزيز 67

سلمان 415، 430، 431

سليمان الإسكاف 129

سليمان بن جعفر 21

سليمان بن خالد = الأقطع، سليمان بن

خالد

سماعة بن مهران 14، 15، 16، 68، 70،

71، 77، 82، 83، 88، 409، 467،

473، 475، 491

سمرة بن جندب 137، 476

ص: 583

سودة بنت زمعة 78

سهل بن زياد الآدمي 79

السيّد المرتضى = علم الهدى، علي بن

الحسين

السيّد اليزدي = اليزدي، محمّد كاظم بن

عبدالعظيم

سيف بن التمّار 129

سيف بن سليمان التمّار 129

السيوري الحلّي، مقداد بن عبداللّه 94

الشافعي، محمّد بن إدريس 29، 41، 73،

124، 173، 175، 176، 379

شعيب 106

الشهيدان (الشهيد الأوّل، محمّد بن

مكّي / الشهيد الثاني، زين الدين بن

علي) 92، 229

الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي 384

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 74،

427، 429، 437، 439، 442، 451،

463، 464، 493

الشيخ = الأنصاري، مرتضى بن محمّد

أمين

الشيخ الأعظم = الأنصاري، مرتضى بن

محمّد أمين

الشيخ البهائي، محمّد بن الحسين 427،

437، 451

الشيخ = الطوسي، محمّد بن الحسن

شيخ الطائفة = الطوسي، محمّد بن

الحسن

الشيخ الطوسي = الطوسي، محمّد بن

الحسن

الشيخ المرتضى = الأنصاري، مرتضى

بن محمّد أمين

الشيرازي = الشيرازي، محمّدتقي بن

محبعلي

الشيرازي، محمّدتقي بن محبعلي 99،

268، 331، 335، 499، 514

صابر 206، 207، 247

صاحب التنقيح الرائع = السيوري

الحلّي، مقداد بن عبداللّه

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر

424

صاحب الرياض = الطباطبائي، علي بن

محمّد علي

صاحب الصحاح = الجوهري، إسماعيل

بن حمّاد

صاحب الكفاية (كفاية الفقه) = المحقّق

السبزواري، محمّد باقر بن محمّد

مؤمن

ص: 584

صاحب المجمع (مجمع البحرين) =

الطريحي، فخر الدين بن محمّد

صاحب المدارك = الموسوي العاملي،

محمّد بن علي

صاحب المصباح = الفيّومي، أحمد بن

محمّد

صاحب مفتاح الكرامة = العاملي،

الغروي، جواد بن محمّد

الصدوق = ابن بابويه، محمّد بن علي

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين /

ابن بابويه، محمّد بن علي) 79، 94،

95، 96، 133، 259، 290، 357،

383، 417، 420، 449، 494، 495

صفوان بن يحيى 375

الصيقل، أبو القاسم 51، 84، 85، 86،

96، 261

الصيقل، القاسم بن أبي القاسم 84، 85،

86، 87

ضريس الكناسي = الكناسي، ضريس

الطاطري، سعد بن محمّد 212، 352،

353

الطباطبائي = الطباطبائي، علي بن

محمّد علي

الطباطبائي، علي بن محمّد علي 78، 93،

193، 246

الطباطبائي = اليزدي، محمّد كاظم بن

عبدالعظيم

الطبرسي، فضل بن الحسن 23، 429،

431، 450، 479، 483

الطريحي، فخر الدين بن محمّد 429،

441، 473

الطوسي، الحسن بن محمّد 409

الطوسي (الخواجه نصير الدين) = نصير

الدين الطوسى، محمّد بن محمّد

الطوسي، محمّد بن الحسن 18، 21، 28،

33، 38، 39، 66، 67، 72، 73، 74،

75، 76، 93، 109، 122، 124،

133، 138، 170، 173، 174، 175،

229، 353، 387، 432، 438، 475

عائشة بنت أبي بكر 515، 516

العامري، أبو عبداللّه 114

العامري، الوليد 114

العاملي، الغروي، جواد بن محمّد 134،

138، 184، 318، 385

العبّاسي 351، 357، 403

عبدالأعلى = عبدالأعلى بن أعين مولى

آل سام

عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام 344،

ص: 585

352، 358، 360، 364، 402، 403

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 114

عبدالرحمان بن أبي نجران 27، 127

عبدالرحمان بن الحجّاج 97

عبدالرحمان بن سيابة 433، 438، 443،

444، 448، 449، 456، 458، 475

عبدالعظيم الحسني = عبدالعظيم بن

عبداللّه علیه السلام

عبدالعظيم بن عبداللّه علیه السلام 397، 414،

419

عبداللّه بن أبي يعفور 468، 473، 474،

475

عبداللّه بن الحسن 368

عبداللّه بن المغيرة 290، 401، 407

عبداللّه بن حكيم 82

عبداللّه بن رواحة 385

عبداللّه بن سنان 101، 105، 378، 380،

423، 435، 438، 443، 448، 456،

458، 496

عبداللّه بن طلحة 298

عبداللّه بن عبّاس 380

عبيد بن زرارة 53

العبيدي، محمّد بن عيسى 406

عطاء بن يسار 20

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 5، 29،

38، 54، 67، 72، 73، 75، 78، 92،

94، 107، 108، 109، 175، 188،

190، 229، 384، 400

علقمة بن محمّد 469

علم الهدى، علي بن الحسين 38، 39،

67، 133

العلوي، محمّد بن جعفر 525

علي 52

علي بن أبي المغيرة 78، 83

علي بن أبي حمزة = البطائني، علي بن

أبي حمزة

علي بن الحديد 52

علي بن جعفر 27، 80، 81، 83، 107،

259، 261، 293، 323، 326، 352،

360، 364، 365، 366، 367، 368

علي بن يقطين 20

العمّاري، الوليد 114

عمر بن اُذينة 27، 143، 183، 207،

243، 247

عمرو بن حريث 183، 247

العيّاشي، محمّد بن مسعود 113، 398،

447، 479، 483

عيسى بن أبي منصور 490

ص: 586

الغزالي، محمّد بن محمّد 339، 379،

493

الفاضل الخراساني = المحقّق

السبزواري، محمّد باقر بن محمّد

مؤمن

الفاضل المقداد، المقداد بن عبداللّه 55،

74، 94، 229

الفاضل الهندي، محمّد بن الحسن 92،

134

الفتح بن يزيد = الجرجاني، الفتح بن

يزيد

الفخر = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر الدين = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 55، 74

الفضل بن شاذان = ابن شاذان، الفضل

بن شاذان

الفضل بن عبدالملك البقباق 297، 309،

315، 327

الفضيل بن يسار 252، 522

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى

353، 360، 363

الفيّومي، أحمد بن محمّد 430، 433

قابيل 409

القاساني، الحسن بن علي 113

قتادة 59

القدّاح 328

القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه 19،

292، 378، 416، 442، 466

القمّي، زكريّا بن آدم 63

القمّي، علي بن إبراهيم 380، 418، 478

الكاشاني = الفيض الكاشاني، محمّد بن

شاه مرتضى

كاشف الرموز = الآبي، الحسن بن أبي

طالب

كاشف اللثام = الفاضل الهندي، محمّد

بن الحسن

الكاهلي، عبداللّه بن يحيى 61، 79

الكراجكي، محمّد بن علي 533

الكليني، محمّد بن يعقوب 79، 123

الكناسي، ضريس 105

مارية القبطية 516

مالك 29، 124، 175، 176

المأمون، خليفة العبّاسي 414

المثنّى = المثنّى بن الوليد

المثنّى بن الوليد 325

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي 93،

ص: 587

305، 384، 386، 388، 484

المحقّق التقي = الشيرازي، محمّد تقي

بن محبعلي

المحقّق الثاني = المحقّق الكركي، علي

بن الحسين

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 5، 32،

92، 93، 107، 108، 384، 385،

387

المحقّق السبزواري، محمّد باقر بن محمّد

مؤمن 353، 360، 384

المحقّق الكركي، علي بن الحسين 138،

190، 193، 223، 379، 437

محمّد بن أبي عبّاد 403

محمّد بن إسماعيل بن بزيع 76

محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب 306

محمّد بن الهيثم 144

محمّد بن حمران 417

محمّد بن سليمان 90

محمّد بن علي بن شهر آشوب = ابن

شهر آشوب، محمّد بن علي

محمّد بن عيسى بن عبيد 84، 85، 96،

449

محمّد بن فضيل 452

محمّد بن مروان 299، 308

محمّد بن مسكان 128

محمّد بن مسلم 24، 47، 51، 114،

124، 125، 137، 293، 307، 308،

315، 321، 322، 328، 348، 351

محمّد بن مضارب 16، 68

مسعدة بن صدقة 101

معاوية بن أبي سفيان، خليفة الاُموي 261

معاوية بن سعيد 128

معاوية بن وهب 145، 146، 152، 490

معتب 97

المعلّى بن خنيس 523

المعلّى بن محمّد 400

معمّر بن خلاّد 194، 217

المفضّل بن عمر 62، 69

المفيد، محمّد بن محمّد 67، 122، 358،

442، 466، 494، 495، 535

منصور بن حازم 496

الموسوي العاملي، محمّد بن علي 449

مهران بن محمّد بن أبي نصر 343

مهران بن محمّد = مهران بن محمّد بن

أبي نصر

الميثمي = الميثمي، أحمد بن الحسن بن

إسماعيل

الميثمي، أحمد بن الحسن بن إسماعيل

146، 489

ص: 588

الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد 359

ميمونة 82، 90

النجاشي = النجاشي، أحمد بن على

النجاشي، أحمد بن علي 78، 400، 405،

406

النخّاس، رفاعة بن موسى 243

النراقي، أحمد بن محمّد مهدي 355،

358، 437

النراقي الأوّل = النراقي، مهدي بن

أبي ذرّ

النراقي، مهدي بن أبي ذرّ 427، 428،

437، 439

نصير الدين الطوسي، محمّد بن محمّد

229

النضر بن الحرث 349

نضر بن قابوس 353

النهدي، محمّد بن حمران 131، 417

الواسطي، أبو يحيى 66

ورّام بن أبي فراس = ورّام، مسعود بن

عيسى

ورّام، مسعود بن عيسى 495

الوشّاء، الحسن بن علي 21، 88، 112،

113

وليد بن عبدالملك 338

هارون الرشيد 337، 384

هارون بن الجهم 466، 470، 471

الهروي، أبو الصلت 500

هشام 343، 418، 419، 431، 438،

454

هشام بن سالم 418

هند السرّاج 257، 260، 261

يحيى الأزرق 435، 438، 444، 447،

449، 458

يحيى بن أبي العلاء 325

يحيى بن أبي القاسم 390

يحيى بن العلاء 325

اليزدي، محمّد كاظم بن عبدالعظيم 230،

231، 233، 309، 310، 316، 330،

333

يعقوب بن شعيب 16، 68

يعقوب بن يزيد 404

يونس بن عبدالرحمان 27، 127، 128،

405، 406، 449

ص: 589

ص: 590

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 226، 343، 349، 350،

355، 361، 369، 374، 375، 378،

380، 381، 382، 383

إحياء علوم الدين 379

الاختصاص 442، 466، 494، 495

الأربعين للبهائي 427، 437

الإرشاد = إرشاد الأذهان

إرشاد الأذهان 94

الاستبصار 76، 354

الإفصاح 54

الأمالي للصدوق 417، 418

الأمالي للطوسي 409، 431، 432

الأمالي للمفيد 535

الانتصار 33، 39

الإنجيل 58

البرهان في تفسير القرآن 405، 406،

418

التحرير = تحرير الأحكام

تحرير الأحكام 32

تحف العقول 11، 12، 34، 37، 40، 44،

46، 51، 60، 80، 83، 121، 153،

183، 251، 266، 275، 276، 277،

282، 283، 284، 295، 305، 308،

328، 331، 332

التذكرة = تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 28، 29، 30، 39، 54، 55،

72، 73، 122، 137، 138، 188،

189، 190

تعليقة السيّد الطباطبائي على المكاسب

‘ حاشية المكاسب للمحقّق اليزدي

تعليقة العلاّمة الشيرازي على المكاسب

‘ حاشية المكاسب للمحقّق

الشيرازي

تفسير أبي الفتوح الرازي = روض

ص: 591

الجِنان ورَوح الجَنان

تفسير البرهان = البرهان في تفسير

القرآن

تفسير العيّاشي 398، 483

تفسير الطبرسي = مجمع البيان

تفسير علي بن إبراهيم القمّي = تفسير

القمّي

تفسير القمّي 380، 418، 478

التفسير المنسوب إلى الإمام

العسكري علیه السلام

التنقيح = التنقيح الرائع

التنقيح الرائع 30، 31، 55، 74، 94

التوراة 58

التهذيب = تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 142، 485

جامع الأخبار 18، 378، 414، 415،

432، 494، 507

جامع البزنطي 27

جامع السعادات 427، 439

جامع المقاصد 138، 190، 379، 427،

437، 463، 464

الجعفريات 14، 37، 91، 535، 541

الجواهر = جواهر الكلام

جواهر الكلام 184، 223، 287، 292،

385، 389، 397، 401، 424، 439،

493

حاشية المكاسب للمحقّق الشيرازي

331، 499، 514

حاشية المكاسب للمحقّق اليزدي 230،

233، 309، 310، 330، 333

الحدائق الناضرة 87، 424

الخصال 298

الخلاف 28، 30، 31، 39، 42، 54، 72،

74، 122، 124، 125، 128، 133،

137، 173، 174، 175، 396

الدروس الشرعية 106، 384

الدعائم = دعائم الإسلام

دعائم الإسلام 13، 18، 26، 45، 51،

69، 83، 89، 95، 121، 153، 207،

208، 276، 377، 384

الدعوات 378

رسالة الشهيد الثاني = كشف الريبة

رسالة الشيخ محمّدرضا الأصفهاني =

الروضة الغنّاء في تحقيق معنى الغناء

رسالة تحريم الفقّاع للشيخ الطوسي 21

الرسالة للشيخ الأنصاري = فرائد

الاُصول

ص: 592

روض الجنان و روح الجنان 195، 493،

496

فرائد الاُصول 513

الروضة الغنّاء في تحقيق معنى الغناء

335

الروضة 93، 494

الرياض = رياض المسائل

رياض المسائل 78، 93، 184، 193،

246، 384، 388

السرائر 27، 39، 94، 134، 147، 168،

396

سنن البيهقي 432، 439، 442

الشرائع = شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 93

شرح الإرشاد لفخر المحقّقين 31، 55،

74

شرح الإرشاد للمحقّق الأردبيلى =

مجمع الفائدة والبرهان

شرح الفقيه للمجلسي = لوامع

صاحبقراني

الصحاح 388، 426، 428، 436، 441،

442، 450

الصحيفة السجّادية 538

الطهارة للإمام الخميني(سلام اللّه عليه)

420

العدّة في اُصول الفقه 353

عقاب الأعمال 18، 438

عوالي اللآلي 19، 24، 40، 50، 82، 90،

276

العيون = عيون أخبار الرضا علیه السلام

عيون أخبار الرضا علیه السلام 380، 411، 416

الغنية = غنية النزوع

غنية النزوع 28، 38، 39، 41، 73، 122،

396

فقه الرضا علیه السلام = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه الرضوي = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 13، 18،

37، 40، 45، 51، 94، 121، 153،

396

الفقيه = من لا يحضره الفقيه

القاموس المحيط 110، 222، 387،

426، 430، 437، 442، 450

قرب الإسناد 27، 368

القواعد = قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 94، 133، 384، 396

الكافي 18، 24، 113، 142، 227،

484، 485

ص: 593

كتاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم 82

كتاب علي علیه السلام 61، 79

كتاب علي بن جعفر 107

كشف الريبة 427، 437، 439، 451،

463، 493، 535

كشف اللثام 135

الكفاية = كفاية الفقه

كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 353، 368،

369

لبّ اللباب 18، 292

لوامع صاحبقراني 384، 386، 388

المبسوط 31، 67، 72، 74، 75، 126،

133، 168، 174، 175، 269، 276،

396

المجالس = الأمالي للطوسي

مجمع البحرين 306، 386، 388، 395،

419، 426، 428، 436، 439، 441،

442، 450، 473

مجمع البرهان = مجمع الفائدة والبرهان

مجمع البيان 23، 59، 222، 297، 415،

420، 427، 430، 437، 479

مجمع الفائدة والبرهان 184، 228،

317، 318، 388

المختصر النافع 93

المختلف = مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 133، 175، 396

المدارك = مدارك الأحكام

مدارك الأحكام 449

مرآة العقول 362، 484، 535

المراسم 5، 32، 133

المسائل العزّية 387

المسالك = مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 38، 74، 92، 388

المستدرك = مستدرك الوسائل

مستدرك الوسائل 438، 442، 494

المستند = مستند الشيعة

مستند الشيعة 355، 384، 388، 397،

428، 437، 439

مصباح الشريعة 537

المصباح المنير 426، 429، 430، 433،

436

معاني الأخبار 416

المعتبر 396

معيار اللغة 427، 436، 450

المغرب في ترتيب المعرب 248

المفاتيح = مفاتيح الشرائع

مفاتيح الشرائع 354

مفتاح الكرامة 92، 134، 138، 184،

ص: 594

223، 318، 385، 389، 493

المقنع 18، 95، 133، 396

مكارم الأخلاق 432، 439

المكاسب للشيخ الأنصاري 230، 233،

251، 369، 493، 499، 514

المناقب = مناقب آل أبي طالب

مناقب آل أبي طالب 386

منتهى الإرب 426، 437، 439، 450

المنتهى = منتهى المطلب

منتهى المطلب 30، 31، 38، 39، 41،

54، 55، 73، 137، 184

المنجد 222، 248، 339، 377، 384،

388، 426، 430، 437، 442، 450

من لا يحضره الفقيه 18، 131، 362،

386، 468

الناصريات 39

النافع = المختصر النافع

نوادر الراوندي 24

النهاية = النهاية في مجرّد الفقه

والفتاوى

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 33، 66،

67، 93، 138، 396

نهاية الإحكام 33، 66، 74، 75

النهاية = النهاية في غريب الحديث

والأثر

النهاية في غريب الحديث والأثر 305،

306، 426، 437، 450

نهج البلاغة 534، 538

الوافي 142، 354، 386، 388، 439،

468، 474، 485

الوسائل = وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 87، 113، 114، 362،

387، 429، 438، 439، 468، 484،

535

الوسيلة إلى نيل الفضيلة 28

الهداية للصدوق 396

ص: 595

ص: 596

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - إحياء علوم الدين . أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي (م 505) ، الطبعة المحقّقة الاُولى ، 5 مجلّدات + الفهارس ، بيروت ، دار الهادي ، 1412 ق / 1992 م .

2 - الاختصاص . المنسوب إلى أبي عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

3 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

4 - الأربعون حديثاً . أبو الفضائل محمّد بن الشيخ حسين الجبعي العاملي المعروف ب- «الشيخ البهائي» (953 - 1031) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ،

قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

5 - إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق فارس الحسّون ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1410 ق .

ص: 597

6 - أساس البلاغة . أبو القاسم جاراللّه محمود بن عمر الزمخشري (467 - 538) ، تحقيق عبدالرحيم محمود ، بيروت ، دار المعرفة ، 1402 ق / 1982 م .

7 - أسباب النزول . أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (م 468) ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985 م .

8 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ق .

9 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

10 - الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، طهران ، مكتبة جامع چهلستون ، 1400 ق .

11 - أقرب الموارد . سعيد الخوري الشرتوني اللبناني ، 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

12 - الأمالي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الثقافة ، 1414 ق .

13 - الأمالي . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب ب «الشيخ المفيد» (336 - 413) ، تحقيق الحسين اُستاد ولي وعلي أكبر الغفّاري ، قم ، الطبعة الثانية ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 ق .

14 - الأمالي أو المجالس . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين القمّي المعروف ب «الشيخ الصدوق» (م 381) ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1400 ق .

15 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

16 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . =

موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

ص: 598

«ب»

17 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ ( إلاّ

6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

18 - البرهان في تفسير القرآن . السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبدالجواد الحسيني البحراني (م 1107) ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة البعثة ، 1419 ق / 1999 م .

19 - البيع ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ت»

20 - التبيان في تفسير القرآن . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي ، بيروت ، 10 مجلّدات ، دار إحياء التراث العربي .

21 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام، 1421 ق .

22 - تحف العقول عن آل الرسول . أبو محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

23 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى

الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

24 - التعادل والترجيح ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

ص: 599

25 - تفسير الصافي . محمّد بن مرتضى المولى محسن الفيض الكاشاني (1007 - 1091) ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، مشهد ، دار المرتضى للنشر ، 1402 ق .

26 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي ( أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

27 - تفسير القمّي . أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307) ، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري ، الطبعة الثالثة ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب ، 1404 ق .

28 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري علیه السلام . تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، الطبعة الاُولى ، قم ، مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1409 ق .

29 - تفسير جوامع الجامع . أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي السبزواري (م 548)، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1423 ق .

30 - تفسير نور الثقلين . الشيخ عبد عليّ بن جمعة العروسي الحويزي (م 1112) ، تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، 1412 ق / 1370 ش .

31 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام) . أبو الحسين ورّام بن أبي فرّاس المالكي الأشتري (م 605) ، الطبعة الثالثة ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1368 ش .

32 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع . جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوه كمري ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

33 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة

المرتضوية ، 1352 ق .

34 - التوحيد . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق

ص: 600

(م 381) ، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1398 ق .

35 - التوحيد . المفضّل بن عمر الجعفي (م 160) ، تعليق كاظم المظفّر ، الطبعة الثانية ، بيروت ، مؤسّسة الوفاء ، 1404 ق / 1984 م .

36 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

«ث»

37 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1391 ق .

«ج»

38 - جامع الأخبار . الشيخ محمّد بن محمّد السبزواري (من أعلام القرن السابع) ، تحقيق علاء آل جعفر ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

39 - جامع السعادات . المولى محمّد مهدي النراقي (م 1209) تصحيح السيّد محمّد كلانتر ، الطبعة الثالثة ، 3 مجلّدات ، النجف الأشرف ، مؤسسه مطبوعاتى إسماعيليان ، 1383 ق / 1963 م .

40 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي (868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

41 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .

42 - جوابات أهل الموصل ، ضمن «مصنّفات الشيخ المفيد» ج 9 . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد

ص: 601

ابن النعمان البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (336 - 413) ، الطبعة الاُولى ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ق .

43 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

44 - حاشية المكاسب . الحاج ميرزا علي الإيرواني الغروي ، تحقيق باقر الفخّار الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار ذوي القربى ، 1421 ق .

45 - حاشية المكاسب . العلاّمة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، تحقيق الشيخ عبّاس محمّد آل سباع القطيفي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، دار المصطفى

لإحياء التراث ، 1423 ق / 2002 م .

46 - حاشية المكاسب . العلاّمة الميرزا محمّد تقيّ الشيرازي (م 1338) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، انتشارات الشريف الرضي ، 1412 ق .

47 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

48 - حياة المحقّق الكركي وآثاره . المحقّق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي (868 - 940) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، 12 مجلّداً، قم ، منشورات الاحتجاج ، 1423 ق .

«خ»

49 - الخصال . أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ،

قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

50 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 602

المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

51 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1407 ق .

«د»

52 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1412 - 1414 ق .

53 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م .

54 - الدعوات . المولى أبو الحسين سعيد بن هبة اللّه المشهور ب «قطب الدين الراوندي» (م 573) ، تحقيق مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام، الطبعة الاُولى ، قم ، انتشارات مدرسة الإمام المهديّ علیه السلام ، 1407 ق .

«ر»

55 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

56 - الرجال لابن الغضائري . أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي ( القرن الخامس) ، تحقيق السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الحديث ، 1422 ق .

57 - الرسائل الأربعة عشر . جمع من العلماء الأعلام ، تحقيق رضا الاُستادي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

ص: 603

58 - الرسائل التسع . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق رضا الاُستادي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1413 ق / 1371 ش .

59 - الرسائل العشر. أبو العبّاس أحمد بن شمس الدين محمّد بن فهد الحلّي الأسدي (757 - 841) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1409 ق .

60 - رسالة المحكم والمتشابه (تفسير النعماني) . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي ابن الحسين الموسوي (355 - 436) قم، دار الشبستري للمطبوعات .

61 - روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن (تفسير أبي الفتوح رازي) . حسين بن علي بن محمّد بن أحمد الخزاعي النيسابوري المشهور ب- «أبوالفتوح الرازي» (م قرن ششم) ، تحقيق دكتر محمّد جعفر ياحقي ودكتر محمّد مهديّ ناصح ، چاپ دوم ، 20 جلد مشهد ، انتشارات آستان قدس رضوى ، 1377ش .

62 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .

63 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

والطبعة الحجرية من الرياض مجلّدان ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام ، للطباعة والنشر ، 1404 ق .

«س»

64 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

ص: 604

65 - سنن ابن ماجة . أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275) ، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية .

66 - سنن الدارقطني . علي بن عمر الدارقطني (306 - 385) ، 4 أجزاء في مجلّدين ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1413 ق / 1993 م .

67 - السنن الكبرى . أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 - 458) ، إعداد الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة ، 1413 ق / 1992 م .

«ش»

68 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

«ص»

69 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ،

1407 ق / 1987 م .

70 - صحيح البخاري . أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256) ، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي ، الطبعة الاُولى ، 9 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار القلم ، 1407 ق / 1987 م .

71 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

72 - الصحيفة السجّادية الجامعة . الإمام علي بن الحسين زين العابدين علیه السلام، تحقيق السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام المهدي(عج) ، 1411 ق .

ص: 605

«ط»

73 - الطهارة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ع»

74 - العدّة في اُصول الفقه . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ،

قم ، مطبعة ستارة ، 1417 ق .

75 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

76 - عوائد الأيّام . المولى أحمد بن محمّد مهدي بن أبي ذرّ النراقي (1185 - 1245) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1417 ق / 1375 ش .

77 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّدالشهداء ، 1403 ق .

78 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

«غ»

79 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

«ف»

80 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن

ص: 606

محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ،

الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

81 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام، 1406 ق .

82 - الفقه على المذاهب الأربعة . عبد الرحمان الجزيري ، الطبعة السابعة ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1986 م .

83 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

«ق»

84 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

85 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلاملإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلاملإحياء التراث ، 1413 ق .

86 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

«ك»

87 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

88 - كتاب سليم بن قيس الهلالي . سليم بن قيس الكوفي الهلالي (م 90) ، دار الكتب الإسلامية .

ص: 607

89 - كشف الرموز في شرح المختصر النافع . زين الدين أبو علي الحسن بن أبيطالب ابن أبي المجد اليوسفي المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي (م بعد 672) ، تحقيق علي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ،

1408 ق .

90 - كشف اللثام . محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062 - 1137) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1416 - 1424 .

91 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف ابن المطهّر ، تحقيق الشيخ حسن حسن زاده الآملي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

92 - كفاية الفقه المشتهر ب «كفاية الأحكام» . محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017 - 1090) ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1423 ق .

93 - كمال الدين وتمام النعمة . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق عليّ أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1390 ق .

94 - كنز الفوائد . أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي (م 449)، تحقيق الشيخ عبداللّه نعمة ، الطبعة الاُولى ، جزءان ، قم ، منشورات دار الذخائر ،

1410 ق .

«ل»

95 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

ص: 608

96 - لوامع صاحبقراني المشتهر ب- «شرح الفقيه» . المولى محمّد تقيّ المجلسي (1003 - 1070) ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، انتشارات دار التفسير (إسماعيليان) ، 1419 ق / 1377 ش .

97 - المبسوط . شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483) ، 30 جزءاً في 15 مجلّداً ، بيروت ، دار المعرفة ، 1409 ق / 1989 م .

«م»

98 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي، الطبعة الثانية، 8 أجزاء في 4 مجلّدات، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

99 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985م .

100 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، دار

المعرفة للطباعة والنشر .

101 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

102 - المجموع (شرح المهذّب) ويليه فتح العزيز ويليه التلخيص الحبير . أبو زكريّا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631 - 676) ، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

103 - المحاسن . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .

ص: 609

104 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

105 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

106 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام . السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م1009) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق .

107 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

108 - المراسم في فقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

109 - مروج الذهب ومعادن الجوهر . أبوالحسن علي بن الحسن بن علي المسعودي (م 346) ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد ، الطبعة الثانية ، 4 مجلّدات ، بيروت ، المكتبة

الإسلامية ، 1368 ق / 1948 م .

110 - مسائل الناصريات . أبوالقاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية ، قم ، مؤسّسة الهدى ، 1417 ق .

111 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق / 1990 م .

112 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

ص: 610

113 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي ، (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

والطبعة الحجرية من المستدرك ، 3 مجلّدات ، طهران ، منشورات المكتبة الإسلامية ، 1382 ق .

114 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

115 - المسند . أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241) ، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة أحمد الزين ، الطبعة الاُولى ، 20 مجلّداً ، القاهرة ، دار الحديث ، 1416 ق .

116 - مصباح الشريعة . المنسوب إلى الإمام الصادق علیه السلام ، الطبعة الثالثة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمى للمطبوعات ، 1413 ق / 1992 م .

117 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، 1405 ق .

118 - المصنّفات الأربعة ، (كشف الريبة ، مسكّن الفؤاد ، التنبيهات العلية ، حقيقة الإيمان) . الشيخ زين الدين بن علي العاملي المشهور ب- «الشهيد الثاني» (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاولى ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق / 1380 ش .

119 - مصنّفات الشيخ المفيد . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (336 - 413) ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1413 ق / 1371 ش .

120 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .

ص: 611

121 - المعتبر في شرح المختصر . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602 - 676) ، تحقيق عدّة من الأفاضل ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1364 ش .

122 - معيار اللّغة . الميرزا محمّد عليّ بن محمّد صادق الشيرازي ، الطبعة الحجرية ، ايران ، 1311 - 1316 ق .

123 - المغرب في ترتيب المعرب . أبو الفتح ناصر الدين بن عبدالسيّد بن علي المطرّزي (538 - 610) ، تحقيق محمود فاخوري وعبدالحميد مختار ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، حلب ، مكتبة اُسامة بن زيد ، 1979 م .

124 - المغني ويليه الشرح الكبير . أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541 - 620) ، وأبو الفرج عبدالرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (م 682) ، الطبعة الاُولى ، 21 مجلّداً ، بيروت ، دار الكتب العربي .

125 - مفاتيح الشرائع . المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة الخيّام ، 1401 ق .

126 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

127 - مقباس الهداية في علم الدراية . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، تحقيق محمّد رضا المامقاني ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1411 - 1413 ق .

128 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1415 ق .

129 - المقنعة . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ

ص: 612

المفيد (م 413) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 ق .

130 - مكارم الأخلاق . أبو نصر رضيّ الدين الحسن بن الفضل الطبرسي (القرن السادس الهجري) ، تحقيق علاء آل جعفر ، مجلّدان ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

131 - المكاسب ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 14 - 19 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1415 - 1420 ق .

132 - مناقب آل أبي طالب . أبو جعفر رشيد الدين محمّد علي بن شهر آشوب السروي المازندراني (م 588) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسه انتشارات علامه ، 1379 ق .

133 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

134 - المناهل . السيّد المجاهد محمّد الطباطبائي (م 1242) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

135 - منتهى الإرب في لغة العرب . عبدالرحيم بن عبدالكريم الصفيپور ، 4 أجزاء في مجلّدين ، طهران ، كتابخانه سنائي ، 1298 ق .

136 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .

137 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

138 - منية الطالب في شرح المكاسب (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ موسى بن محمّد النجفي الخوانساري (1254 - 1363) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة

ص: 613

الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1424 ق .

139 - منية المريد . زين الدين عليّ بن أحمد العاملي المعروف بالشهيد الثاني (911 - 965) ، تحقيق رضا المختاري ، قم ، مكتبة الإعلام الإسلامي ، 1409 ق .

140 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبع-ة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

141 - المهذّب . أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481) ، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

«ن»

142 - نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الإمامية . الفاضل المقداد بن عبداللّه السيوري (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوهكمري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه

العظمى المرعشى ، 1403 ق .

143 - النوادر . السيّد فضل اللّه بن علي الحسيني الراوندي (483 - 571) ، تحقيق سعيد رضا علي عسكري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة دار الحديث ، 1377 ش .

144 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ،

مؤسّسة إسماعيليان ، 1410 ق .

145 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364ش .

146 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

ص: 614

147 - نهج البلاغة ، من كلام مولانا أمير المؤمنين علیه السلام . جمعه الشريف الرضي ، محمّد بن الحسين (359 - 406) ، إعداد الدكتور صبحي صالح ، انتشارات الهجرة ، قم ، 1395 ق «بالاُفست عن طبعة بيروت 1387 ق » .

«و»

148 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام، 1412 ق .

149 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

والطبعة الحجرية منه ، 3 مجلّدات ، طهران ، دار الطباعة ، 1293 ق .

150 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية

اللّه المرعشي ، 1408 ق .

151 - وقاية الأذهان مع رسالتي سمطا اللآل في مسألتي الوضع والاستعمال وإماطة الغين عن استعمال العين في معنيين . الشيخ أبو المجد محمّد رضا بن محمّد حسين النجفي الأصفهاني ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلاملإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلاملإحياء التراث ، 1413 ق .

«ه-»

152 - الهداية [في الاُصول والفروع] . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام، الطبعة

الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام، 1418 ق .

ص: 615

ص: 616

7 - فهرس الموضوعات

مقدّمة التحقيق ··· ه-

مقدّمة بقلم آية اللّه السيّد محمّد الهاشمي ··· ط

المكاسب

تقسيم المكاسب وبيان المراد من المكاسب المحرّمة ··· 5

في متعلّق الحرمة ··· 7

أقسام المعاملات المحرّمة أو ما قيل بتحريمها :

القسم الأوّل

في الاكتساب بالأعيان النجسة

وفيه جهات من البحث :

الجهة الاُولى : في الحرمة التكليفية للاكتساب بالأعيان النجسة ··· 11

الجهة الثانية : في حرمة الأثمان المأخوذة بعنوان ثمن النجس أو الحرام ··· 23

الجهة الثالثة : في الحرمة الوضعية للاكتساب بالأعيان النجسة ··· 26

حول كلمات الفقهاء في المقامات الثلاثة ··· 28

بقيت فروع :

الفرع الأوّل : في إلحاق المائعات المتنجّسة بالأعيان النجسة ··· 35

ص: 617

الفرع الثاني : حول ما هو موضوع الحرمة في الأحكام الثلاثة ··· 43

مفاد الروايات في المقام ··· 44

كلمات الفقهاء في المقام ··· 54

البحث الكلّي حول الانتفاع بالأعيان النجسة وبالمتنجّسات ··· 56

البحث في الانتفاع ببعض الأعيان النجسة الواردة فيها روايات بالخصوص ··· 65

حكم الانتفاع بالدم وبيعه ··· 65

حكم الانتفاع بالعذرة وبيعها ··· 66

الأخبار الواردة في المقام ··· 68

في بيان المراد من العذرة ··· 69

حكم الانتفاع بالميتة وبيعها ··· 77

الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها على حرمة الانتفاع بالميتة ··· 77

الروايات الدالّة على جواز الانتفاع بالميتة في موارد خاصّة ··· 83

دعاوي الإجماع والشهرة على حرمة الانتفاع بالميتة ··· 92

جواز البيع فيما جاز الانتفاع ··· 95

فرع : حكم الانتفاع بالمشتبه بالمذكّى وبيعه ··· 98

حكم الانتفاع بالكلب وبيعه ··· 110

الأخبار الواردة في المقام ··· 111

المحتملات في عنوان الصَيود ونحوه والمقصود منها ··· 115

شمول عنوان الصيود ونحوه لمطلق الكلاب عدا المهملات منها ··· 118

جواز بيع جميع الكلاب النافعة ··· 121

حكم الانتفاع بالخنزير وبيعه ··· 125

جواز الانتفاع بأجزاء الخنزير والكلب ··· 128

حكم الانتفاع بالخمر والفقّاع وكلّ مسكر مائع ··· 136

ص: 618

حكم العصير ··· 138

تتميم : حكم الانتفاع بالمتنجّسات وبيعها ··· 145

الكلام يقع في مواضع :

الموضع الأوّل : في كون صحّة بيع الدهن مشروطة باشتراط الاستصباح به ··· 146

حكم المبيع الذي حرّمت منافعه كلاًّ أو بعضاً ··· 147

الموضع الثاني : في اشتراط الإعلام بالنجاسة وعدمه ··· 154

حول كلام الشيخ في أقسام إلقاء الغير في الحرمة الواقعية ··· 155

منها : كون فعل الشخص علّة تامّة لوقوع الحرام ··· 155

منها : كون فعل الشخص سبباً للحرام ··· 161

حول كلام الشيخ فيما يدلّ على قاعدة التغرير ··· 164

الموضع الثالث : في وجوب كون الاستصباح تحت السماء ··· 168

حال الشهرة والإجماع في المسألة ··· 172

الموضع الرابع : الانتفاع بالدهن المتنجّس لغير الاستصباح ··· 176

القسم الثاني

في الاكتساب بما يكون المقصود منه حراماً ولو شأناً

وهو على أنواع :

النوع الأوّل : ما لا تكون له منفعة مقصودة إلاّ الحرام ··· 181

هياكل العبادات المخترعة مثل الأصنام ··· 181

بعض الصور المستثناة من حرمة بيع الأصنام ··· 185

حكم بيع الأصنام لأغراض صحيحة ··· 187

فرع : حكم بيع مادّة الأصنام ··· 191

ص: 619

آلات القمار واللهو ونحوها ··· 193

الأخبار الواردة في خصوص آلات القمار ··· 194

النوع الثاني : ما يقصد منه المنفعة المحرّمة ··· 196

وهو على أقسام :

منها : أن يكون المبيع كلّياً مقيّداً ··· 196

منها : أن يكون المبيع جزئياً خارجياً ··· 196

منها : أن يكون القيد على نحو الشرط المتأخر ··· 197

منها : أن يبيع الشيء واشترط على المشتري بأن لا يتصرّف فيه إلاّ في الحرام ··· 197

منها : أن يشترط عليه الانتفاع بالمحرّم من غير الحصر فيه ··· 205

منها : المعاوضه على عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام كالمغنّية ··· 208

منها : بيع شيء مباح ممّن يصرفه في الحرام كبيع الخشب ممّن يعمل صنماً ··· 217

يقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : فيما يمكن أن يستدلّ به على الحكم ··· 218

1 - الاستدلال بحكم العقل بقبح إعانة الغير على المعصية ··· 218

2 - الاستدلال بآية حرمة التعاون على الإثم ··· 221

3 - الاستدلال بأدلّة وجوب النهي عن المنكر ··· 227

مفهوم الإعانة على الإثم عرفاً ··· 235

حرمة بيع العنب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً ··· 241

المقام الثاني : في حال الروايات الواردة في المقام ··· 242

بيان الحكم الوضعي للبيع المحرّم في المقام ··· 249

النوع الثالث : ما يمكن أن يقصد به الحرام ··· 254

بيع السلاح من أعداء الدين ··· 254

ص: 620

القسم الثالث

في الاكتساب بما لا منفعة فيه معتدّاً بها عند العقلاء

حرمة الاكتساب بما لا منفعة فيه معتدّاً بها عند العقلاء ··· 265

وجه عدّ هذا القسم في عداد الأنواع المحرّمة ··· 265

صور ما لا منفعة فيه ··· 268

حكم الصورة الاُولى ممّا لا منفعة فيه ··· 269

حكم الصورة الثانية وبيان الضابط الكلّي ··· 274

القسم الرابع

في الاكتساب بما هو حرام في نفسه

حكم الاكتساب بما هو حرام في نفسه ··· 281

فائدة استطرادية في ذكر بعض المحرّمات ممّا من شأنها الاكتساب بها في ضمن مسائل :

المسألة الاُولى : في حرمة التصوير

في حرمة عمل ذوات الأرواح المجسّمات فقط ··· 285

الروايات الواردة في المقام ··· 287

فروع :

الأوّل : حرمة تصوير الأصنام ··· 300

الثاني : حكم تصوير الجنّ والشيطان والمَلَك ··· 303

الثالث : حكم ما لو اشترك اثنان أو أكثر في عمل صورة ··· 311

حكم تصوير بعض الأجزاء ··· 316

الرابع : حكم اقتناء الصور المحرّمة ··· 317

ص: 621

حول كلام المحقّق الأردبيلي في المقام ··· 317

بيان الأخبار الدالّة على جواز الاقتناء ··· 321

الأخبار المستدلّ بها على حرمة الاقتناء والجواب عنها ··· 327

حول كلام المحقّق الشيرازي ··· 331

في جواز بيع الصور وسائر التقلّبات فيها إذا كان اقتناؤها جائزاً ··· 332

عدم جواز أخذ الاُجرة على التصوير المحرّم ··· 333

المسألة الثانية : في الغناء

ماهية الغناء ··· 334

تفسير الشيخ محمّد رضا الأصفهاني للغناء ··· 335

المناقشة في بعض ما ذكره الشيخ محمّد رضا الأصفهاني في الغناء ··· 338

التحقيق في تعريف الغناء ··· 341

حكم الغناء ··· 343

في الاستدلال بالأخبار على حرمة الغناء بذاته ··· 343

ما نسب إلى بعض الأعاظم من إنكار حرمة الغناء بذاته ··· 353

ما يمكن أن يستدلّ به على التفصيل في حرمة الغناء ··· 356

المستثنيات من الغناء ··· 366

في استثناء أيّام العيد والفرح ··· 366

في استثناء المراثي والقراءة بالقرآن ··· 369

بيان المراد ممّا دلّت على استحباب القراءة بصوت حسن ··· 381

في استثناء الحداء ··· 384

ما هو معنى الحداء ؟ ··· 387

في استثناء زفّ العرائس ··· 390

ص: 622

تنبيه : حكم سائر الأصوات اللهوية ··· 393

ما دلّت على حرمة اللهو من الآيات والروايات ··· 397

المسألة الثالثة في حرمة الغيبة

في كون الغيبة من الكبائر ··· 413

اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن ··· 420

حرمة غيبة الصبيّ المميّز ··· 425

ينبغي التنبيه على اُمور :

الأمر الأوّل : في تعريف الغيبة ··· 426

النسبة بين الغيبة والبهتان ··· 434

عدم اعتبار كراهة المغتاب في مفهوم الغيبة ··· 436

عدم اعتبار مستورية العيب في مفهوم الغيبة ··· 441

معنى الستر الوارد في رواية العيّاشي ··· 447

اعتبار قصد الانتقاص في مفهوم الغيبة ··· 450

انصراف الأدلّة عن الذكر عند النفس بلا سامع ··· 457

في اعتبار تعيين المغتاب ··· 460

الأمر الثاني : فيما استثني من الغيبة وحكم بجوازها بالمعنى الأعمّ ··· 463

في عدم ضابط عامّ للاستثناء ··· 463

الأولى صرف الكلام إلى المقامين :

الأوّل : فيما يستثنى بالأدلّة الخاصّة ··· 465

استثناء غيبة المتجاهر بالفسق في الجملة ··· 465

الجمع بين الروايات في المقام ··· 471

ص: 623

في المراد بالمتجاهر بالفسق ··· 472

حكم الفاسق الغير المتجاهر ··· 473

استثناء تظلّم المظلوم ··· 476

عدم استثناء غيبة تارك الأولى ··· 483

الثاني : فيما لا يكون من قبيل الاستثناء بل كان من باب التزاحم ··· 487

منها : جواز الغيبة في نصح المستشير ··· 488

في وجوب نصح المستشير ··· 490

الأمر الثالث : حرمة استماع الغيبة ··· 493

حول كلام المحقّق الشيرازي في المقام ··· 499

في كون استماع الغيبة من الكبائر ··· 501

في تبعية حرمة الاستماع لحرمة الغيبة ··· 506

حكم ما لو شكّ في أنّ الاغتياب كان على وجه الحلال أو الحرام ··· 511

حول جريان أصالة الصحّة في المقام ··· 512

حول جريان الاستصحاب الموضوعي ··· 518

الروايات الواردة في المقام ··· 520

في مقتضى إطلاق الأدلّة ··· 526

الأمر الرابع : في كفّارة الغيبة ··· 530

مقتضى القواعد والاُصول ··· 530

مقتضى الأخبار ··· 533

ص: 624

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ··· 545

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ··· 555

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ··· 575

4 - فهرس الأعلام ··· 579

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ··· 591

6 - فهرس مصادر التحقيق ··· 597

7 - فهرس الموضوعات ··· 617

ص: 625

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.