خاتم الأوصياء المجلد 3

اشارة

سرشناسه : مومن، مهدی

عنوان و نام پديدآور : خاتم الاوصیاء/ محمدمهدی المؤمن.

مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلامیه، 1424ق-= 1382-

فروست : بنیاد معارف اسلامی؛ 148، 154.

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج.1 (چاپ دوم: 1426ق.= 1384).

يادداشت : ج.3 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : محمدبن حسن (عج)، امام دوازدهم، 255ق -

موضوع : امامت

شناسه افزوده : بنیاد معارف اسلامی

رده بندی کنگره : BP51/35/م 84خ 21382

رده بندی دیویی : 297/959

شماره کتابشناسی ملی : م 82-14025

خیراندیش دیجیتالی : انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

مؤمن ، مهدي -

خاتم الأوصياء / محمد مهدي المؤمن - قم . مؤسسة المعارف

الإسلامية. 1426 ق.= 1384. عربي

ج.- بنیاد معارف اسلامی ؛ 154 8 -55 - 7777 - 964 :ISBN

فهرستنویسی بر اساس اطلاعات فیپا . شابك دورة : x-54-777-964

1۔ محمد بن حسن ( عج ) إمام دوازدهم، 255 ق . خاتمیت.

2-إمامت-خاتميت.الف.بنیاد معارف إسلامي.ب.عنوان

2خ 84 م 51/35 BP 297/462

کتابخانه ملي ايران 14025 - 12 م

هویه الکتاب:

اسم الكتاب :...خاتم الأوصياء/3

تأليف :... محمد مهدي المؤمن

الناشر :... مؤسسة المعارف الإسلامية

الطبعة:...الأولي 1426 ه

المطبعة :... عترت

العدد :...1000

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة

المؤسسة المعارف الإسلامية

إيران - قم

ص . ب 37185/768 تلفون 7732009- فاکس 7743701

E-mail:info@maaref islami.COM

ص: 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

ص: 3

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

اللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى وَلِيِّ أَمْرِكَ الْقَائِمِ الْمُؤَمَّلِ، وَ الْعَدْلِ الْمُنْتَظَرِ وَ حُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ وَ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

عن مولانا صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه:

أنا خاتم الأوصياء ، بي يدفع االله البلاء عن أهلي وشيعتي

غيبة الطوسي: 246. كمال الدين : 441. بحار الأنوار : 30/52

ص: 4

الاهداء

«أَينَ الطالِبُ بِدَمِ المَقتُول بِكَربَلَاءَ؟ »

مع إطلالة شهر شعبان المعظم، شهر المواليد والعبادات، ومع إشراقة مولد السبط الشهيد، ريحانة رسول االله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه و مهجة قلبه، سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي عَلَيهِ السَّلَامُ لا أرى سعادة أعظم، ولا شرفا أسمى من إهداء هذا المجهود المتواضع إلى ساحته المقدسة، أرجو من الله تعالى القبول، والزلفي لديه

محمد مهدی

غرة شعبان المعظّم / 1426ه. ق

ص: 5

كلمة الناشر

لا عجب أنَّنا أخَّرنا كلمتنا هذه إلى هذا الموضع والحلقة الأخيرة من هذه المجموعة المباركة المتكاملة - والكمال لأهله -، ذلك انَّنا كنّا ننتظر بفارغ الصبر هذا الختام المسك لنثري به مكتبتنا الإسلامية الشيعية و نضيف إليها بحوثاً محقّقة منقّحة مدقّقة، تفيد الباحث والطالب والقاريء على اختلاف المشارب والمستويات.

والحديث عن أئمة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ لا ينتهي ولا ينضب، لأنه بحر عميق لا ساحل له، مهما قيل عنهم وفيهم، ومهما قدمت من دراسات و تحقیقات فإنها لاتفيٍ بحقّهم، ولا تقوى على التعريف بهم، ولا تُحصي ما يحقّ لهم، ولا معشاراً من فضائلهم وأسرار حياتهم، لأنها إنما تعبّر عن وجهة نظر مؤلفيها ومصتّفيها، ولا تكفي إلّا للدلالة على مستوى معرفتهم بالأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، لا للتعريف بحقائق هذه الأنوار الزاهرة، لأنهم شمس الحقيقة بعينها، والعين أعجز من أن تبصر کنه الشمس، ولا تدرك مدى عظمتها، لا سيما إذا كان الحديث عن خاتم الأوصياء، وآخر الحجج الالهية بين الأرض والسّماء (عج) ، فإنّه أقرب إلى حمل الجبال الرّاسيات.

وقد بذل المؤلف القدير العلامة الشيخ مهدي المؤمن حفظه الله قصاری جهده لیقرّب هذه المعاني والحقائق إلى القارىء الكريم فجزاه الله خيراً وعلى الله أجره.

وتفخر مؤسسة المعارف الإسلامية بالتوفيق الذي نالته منذ تأسيسها للقيام بمهمة طباعة ونشر تراث أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ وأعلام الطائفة ومنها هذه الحلقات الثلاث التي عنت عناية فائقة بجملة من الحقائق والشؤون المتعلقة بولي نعمتنا وصاحب أمرنا الحجة المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه والحمد لله رب العالمین.

ص: 6

الدرس الأول: أهداف اللقاء

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

قد عرفت في الحلقة الثانية أنّ الغرض قد تحقّق من رؤية الإمام المنتظر صلوات الله عليه في عصر أبيه الإمام العسكري عَلَيهِ السَّلَامُ، و تجدّد أيضاً في عصر الغيبة الصغرى، إذ كان الغرض من رؤيته عَلَيهِ السَّلَامُ ونيل شرف لقائه هو إثبات وجوده الخارجي، وإثبات حياته عَلَيهِ السَّلَامُ لإقامة الحجّة على النّاس في الدنيا والآخرة، لئلا يكون للنّلاس حجة على الله تعالى، بل لتكون الحجّة لله تعالى على العباد جميعاً، وهذا الغرض قد تحقّق في فترة من الزمان، وثبوته ولو آن يكفي لإتمام الحجة وإقامة البرهان على النّاس، ولا يلزم لإتمام الحجية ظهوره الدائم، كما لا يحتاج المؤمن الصادق والعبد المسلم إلى أكثر من ذلك لتطمئنّ نفسه وتسلم عقيدته، إذ البراهين العقليّة أقوى

ص: 7

من كلّ حجّة وبرهان لإثبات الشيء ونفيه، ألا ترى أنّ الله تعالى الذي هو خالق الكائنات، وأشرف ما في الوجود، الذي عَنَت له الوجوه، لا يستدلّ عليه أوّلاً وبالذات، إلّا بالفطرة والعقل السليمَين؟! وإنّما هذه الآثار الحسّيّة آياته وبیّناته بحكم العقل السليم لا بشيء سواه، ولولاه لم تكن هذه الآثار المحسوسة تجدي نفعاً للدلالة عليه جلّت قدرته، فدليل العقل وبرهانه يأتيان قبل كلّ شيء، ويسبقان في إثبات الأشياء ونفيها كلّ دليل وبرهان، وهذا ممّا لا يختلف عليه اثنان من أولي الألباب، والأدلّة العقليّة والنقليّة كافية للدلالة على وجوده وحياته عَلَيهِ السَّلَامُ؛ لأنّها تكفي المولى للاحتجاج على العبد ، کما تكفي العبد للاعتذار لدى المولى ، ولا حاجة إلى المزيد.

ولكنّ الله جلّ وعلا كما عوّدنا من جلیل فضله وعظيم إحسانه وامتنانه، وشديد لطفه وحسن عنايته بعباده، وزادنا منّاً وإحساناً أن أطلعنا عليه في حياة أبيه العسكري صلوات الله عليهما، وهكذا في عصر الغيبة الصغرى، وكان ذلك زيادة في الحجّية علينا، وتضاعفاً للإحسان إلينا، ولا حجّة للمنکر بعد ما ثبت ذلك كلّه، وأثبتناه في الحلقتين السابقتين.

ثمّ إنّه كما لا يحتاج الاعتقاد بحياته عَلَيهِ السَّلَامُ إلى ظهوره الدائم فكذلك لا يحتاج ذلك إلى رؤية كل أحډ له، ولا تشرّف النّاس كلّهم بلقائه،

ص: 8

إذ يكفي في تمامیّة الحجّة وقيام البرهان على وجوده المقدّس وحياته المباركة تشرّف جماعة من النّاس بلقائه، وفوز بعضهم برؤيته، لا سيمّا إن كانوا أهل ورع و تقوی وصدق وأمانة وإخلاص، كما هو الحال بالنسبة إلى من نالوا هذا الشرف العظيم وأخبرونا بذلك وهم من الأخبار وأخصّ الخواصّ لدى الأئّمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.

فإخبار هؤلاء الخواصّ والثقات الذين لا يطرأ على إخبارهم ذرّة شکًّ ولا ارتياب، بالإضافة إلى أدلّة العقل والنقل من قبل لا يترك مجالاً لوسوسة النفس الأمّارة والشيطان، ولا يداخل أهل الإيمان والإنصاف شکّ بعد ذاوذي، ولكن هيهات هيهات أن يدرك ذلك الأفّاكون والخرّاصون، والنائون عن جادّة الحقّ والصواب بسوء اختيارهم، وبملا إرادتهم، ﴿كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ﴾ (1)، و ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ (2)

فالأدلّة العقليّة القطعيّة التي لا تقبل الشكّ ولا يداخلها الريب بالإضافة إلى أدلّة النقل والحديث التي سقناها إليك وعرضناها

ص: 9


1- سورة المطففين : الآية 14.
2- سورة البقرة: الآية 88.

مفصّلة عليك في مواضع شتّى من الحلقتين الأوليين، بالإضافة إلى أدلّة الرؤية الحسّيّة في الفترتين الأوليين من حياته الشريفة المباركة لم تترك مجالاً لمقولة المتقولين، ولا عذراً أمام كل افّاکٍ أثيم، وإنّما لزمتهم بذلك الحجّة، وكانت الحجّة حينئذٍ أبلغ، والنعمة أنتمّ، إذ كان من سيرة العقلاء أن يختاروا من بينهم أخبارهم وثقاتهم للتحقّق من أمر يمتنع حصوله لكلّ واحدمنهم، أو يصعب عليهم بأجمعهم، على نحو قوله تعالى : ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (1) وعلى نحو مفهوم الشرط المستفاد من قوله تعالى : ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا...﴾ (2) الدالّتين على حجّية قول الثقة والعدل وحجّية ما يخبران به ، حتّى وجدنا ذلك في أفعال الرسل والأنبياء وأقوامهم، کما صنع موسی عَلَيهِ السَّلَامُ بناء على طلب قدّمه إليه قومه بنو إسرائيل حيث قال تعالى: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا... ۖ﴾(3)

ص: 10


1- سورة التوبة : الآية 122.
2- سورة الحجرات : الآية 6.
3- سورة المائدة : الآية 155.

ولم يطلب بنو إسرائيل الرؤية لهم جميعاً، ولا اعترضوا على اختیار موسی عَلَيهِ السَّلَامُ لأولئك الصفوة، لأنّهم كانوا الثقات في بني إسرائيل وكان إخبارهم حجّة عليهم، تطمئنّ إليه نفوسهم.

فلا حاجة للرؤية الدائمة، ولا حاجة إلى رؤية الجميع، وإلا فهذا رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه كان بين أظهر النّاس ، وما آمن به کلّهم، بل حاربه أكثرهم، وما أكثر النّاس ولو حرصت بمؤمنين، وهكذا قس عليه حال سائر الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين، وأحوال الأئمة الطاهرين عَلَيهِم السَّلَامُ، وهم آباء مولانا صاحب الأمر والزمان صلوات الله عليه، ولا أوضح من حياة سيدنا نوح عَلَيهِ السَّلَامُ الذي دعا الناس قرابة ألف عام: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا*فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ (1)

﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (2)، و ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ (3) ولو كانت الرؤية الحسّيّة شرط الإيمان والاعتقاد کان على النّاس أن يكفروا بالله تعالى جميعاً،

ص: 11


1- سورة نوح : الآيتان 5 و 6.
2- سورة الكهف : الآية 29.
3- سورة الإنسان : الآية 3.

ولم تكن الحجّة قائمة على من لم يروا الأنبياء والرسل عَلَيهِم السَّلَامُ، وكانوا معذورین جميعاً إذا أنكروا تلك النبوّات وجحدوا بالله العليّ العظيم جلّت عظمته ، بل كان المؤمنون منهم ملومين مذمومين عند العقلاء ، لأنّهم التزموا مشروطاً قبل تحقّق شرطه ، وآمنوا بالمشروط ولمّا يأت أوان شرطه.

ولمّا تحقّق الغرض من رؤيته عَلَيهِ السَّلَامُ في تلك الآونة لم تكن الحاجة ماسّة إلى رؤيته بعد ذلك إلّا على نحو التجديد والتأكيد وأمور أخرى لطفأ و تفضلا وإحساناً من الله عزّ وجلّ، وأمّا الأسباب والأمور التي من أجلها وقعت و تقع الرؤية في الغيبة الكبرى فإنّها على النحو التالي:

1- إمّا إثبات وجوده في زمن الغيبة الكبرى، فقد تمّ أيضاً لكي يطمئنّ الرائي ثمّ يرجع فيروي ما رآه في تلك المقابلات التي حفّت بقرائن قطعيّة دالّة على أنّ المرئي هو صاحب الأمر أرواحنا فداه، فيطمئنّ غيره طبقا لإخباره وبناء على شهادته وثقة بكلامه فيزداد المؤمنون إيماناً، ويهتدي من كتب الله تعالى له الهداية.

فقد أورد العلّامة المجلسي نوّر الله ضريحه أنّ أبا محمّد عیسی بن مهدي الجوهري خرج في سنة 268ه إلى الحجّ والتقي بالإمام في قصّة مفصّلة ننقل موضع الشاهد منها: يقول عيسى ، فقال

ص: 12

-أي صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ- لي:«یا عیسی ، ما كان لك أن تراني لولا المكذّبون القائلون بأين هو؟ ومتى كان؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأي شيءٍ نبّأكم؟ وأي معجزٍ أتاكم؟ أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين مع ما رووه، وقدّموا عليه، وکادوه وقتلوه، وكذلك آبائي عَلَيهِم السَّلَامُ، ولم يصدّقوهم، ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجن إلى ما تبين.

یا عیسی، فخبّر أوليائنا ما رأيت، وإيّاك أن تخبر عدوّنا فتسلبه» ، فقلت : يا مولاي، أدعُ لي بالثبات، فقال:«لو لم يثبّتك الله مارأيتني، وامض بنجحك راشداً» ، فخرجت أكثر حمدا لله و شکراً (1).

ومن ذلك قوله عَلَيهِ السَّلَامُ للآودي حين أعطاه حصاةً فتحوّلت في يده إلى ذهب : « أنا قائم الزمان، أنا الذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا يبقى النّاس في فترة، فهذه أمانة في رقبتك، فحدّث بها أشقّائك من أهل الحق » (2).

وهذه من حكايات الرؤية في عصر الغيبة الصغرى ، لكنّها تفي بالغرض و في مقام الاستشهاد، وكيف أنّ الإمام صلوات الله عليه

ص: 13


1- بحار الأنوار :19/02 و 70.
2- الغيبة / الطوسي: 254، وقريب منه في كمال الدين : 445.

يهتمّ بدفع الأوهام و عدم سراية الشكّ بإلقاءات المخالفين والمنحرفين إلى قلوب المؤمنين، يحرص غاية الحرص على تثبيت قلوبهم وإيمانهم وترسيخ دعائم معتقداتهم، وإنّما يتمّ ذلك بإخباره َعَلَيهِ السَّلَامُ عن بعض الغيببّات على غرار إخبار الأنبياء عَلَيهِم السَّلَامُ، أو بحدوث إعجاز وكرامة منه عَلَيهِ السَّلَامُ ليتحقّق بذلك تثبيت الإيمان والعقائد، وهما أمران ملحوظان في جميع اللقاءات المرويّة من غير استثناء (1).

2- بیان الأسباب التي من أجلها وقعت الغيبة وطالت، والرد على أسئلة المؤمنين في مجال العقائد، والإجابة عن أسئلتهم الشرعيّة في مجال الأحكام الفقهيّة (2).

3- الإجابة عن الأسئلة العامّة، وقضاء حوائجهم، والدعاء والاستغفار لهم، وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم، و تكليفهم بالإبلاغ والتبليغ (3).

4- سعياً إلى تهذيبهم وتربيتهم، وتعليمهم من الأدعية ما يعينهم على تزكية نفوسهم واكتساب مدارج الكمال (4).

ص: 14


1- راجع البحار: في مواضع عديدة من الجزء 52، و : 202/03 إلى آخر الكتاب.
2- راجع حکایات اللقاء في كمال الدين، وغيبة الطوسي، والجزئين الثاني والخمسين والثالث والخمسين (52 و 53) من بحار الأنوار.
3- راجع حکایات اللقاء في كمال الدين، وغيبة الطوسي، والجزئين الثاني والخمسين والثالث والخمسين ( 52 و 53) من بحار الأنوار.
4- راجع حکایات اللقاء في كمال الدين، وغيبة الطوسي، والجزئين الثاني والخمسين والثالث والخمسين ( 52 و 53) من بحار الأنوار .

وكلّ ذلك بالنتيجة يعود إلى السبب الأوّل، والغاية الأولى من لقاءاته صلوات الله عليه بشيعته ومواليه، وهي إثبات وجوده وحياته و تردّده بين النّاس، واتّصاله بهم، وإلمامه بمجريات الأحداث، تثبيتاً لعقائدهم، وصوناً لإيمانهم.

بقي أن نقول: إنّ الإمام صلوات الله عليه كان له في لقاءاته رأيٌ صریحٌ بيّنٌ إزاء ما يسمّى بالحقوق الشرعيّة، من الأخماس والأنفال والخراج وغيرها کالموقوفات والنذورات، لاسيمّا ما اختصّ به صلوات الله عليه من سهم الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، وكان موقفه صارماً إزاء من وقعت بأيديهم تلك الأموال والحقوق، أو اشتغلت ذممهم ورقابهم بها ، من ذلك أنه عَلَيهِ السَّلَامُ كتب إلى سفيره الخاصّ الشيخ محمّد بن عثمان العمري رَضِی اللهُ عَنه: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين على من استحلّ من أموالنا درهماً»(1).

كما جاء في توقيع آخر في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب الذي رواه صاحب الاحتجاج عن المرحوم الكليني قدّس الله أسرارهما : « وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ شيئاً منها فأكله

ص: 15


1- کمال الدین : 522. الخرائج والجرائح : 1118/3.

فإنّما يأكل النيران »(1).

وجاء في جواب مسائل أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي رَضِی اللهُ عَنه: «وأمّا ما سألتَ عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا، ويتصرَف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا ، فمن فعل ذلك فهو ملعون ، ونحن خصماؤه يوم القيامة ...»(2).

وهذا الإمام الرؤوف رغم حسم المواقف إزاء ما يرجع إليه من أموال، ورغم قراره الصارم بعدم السماح بالعبث في تلك الأموال التي خصّصت لنشر معالم الدين، وتوسيع نطاق الأنشطة الدينيّة، و تقوية الحوزات العلميّة، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وصرفها في ما يتعلّق بشؤون المؤمنين الدينيّة أولاً، والدنيويّة بعد ذلك.

أقول: رغم ذلك كلّه فإنّه عَلَيهِ السَّلَامُ عفي عن كثيرين وأجاز لهم التصرّف حين كانت تتعلّق المصلحة الاجتماعيّة بالعفو وعدم المطالبة بها، حتّى يدرك الجميع أنّ الغرض من المطالبة هو الوصول إلى المصلحة الإسلاميّة العامة، والوفاء بالعهد ، وعدم الاستهانة بحقّ الله تعالى وأوليائه عَلَيهِم السَّلَامُ، وأن ليس الغرض من المطالبة هو الحرص وجمع

ص: 16


1- کمال الدين : 485. الغيبة / الطوسي : 292. الاحتجاج : 283/2.
2- کمال الدين : 520. الاحتجاج : 299/2.

الأموال ، ولا الدافع منها الصرف في الترف والتلهّي والشهوات، كما هو عادة الأغنياء وأصحاب الأموال، ألا ترى أنّ شيئاً من ذلك لا يصل إليه منذ الغيبة الكبرى، وإنّما يصرفها نوّابه الفقهاء الأمناء على شؤون المذهب؟ وألا ترى أنّ الإمام صلوات الله عليه لا سلطان له على النّاس في الظاهر - كما هو شأن آبائه عَلَيهِم السَّلَامُ- لكي يرغمهم على أخذ هذه الحقوق والأموال؟ فليس هو أرواحنا فداه بحاجة إلى هذه الأموال، ولا هو مرغم أحداً على إيصالها، ولا هو قابض ممّن يفي بها ويدفعها إلى أهلها - کالمجتهدين – شيئاً، فمتى اقتضت المصلحة أن يعفو ويغضّ الطرف عنها، غضّ وعفي عنها، وإليك الشواهد التالية على سبيل المثال:

قوله َعَلَيهِ السَّلَامُ في مقام الرد على أسئلة إسحاق بن يعقوب رَضِی اللهُ عَنه: «وأمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حِلًّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث »(1).

و واضح من التعليل ، ومن مناسبة الحكم والموضوع في مقام الردّ على السؤال المحدّد، أنّ الذي وقع عليه حكم التحليل وجری علیه

ص: 17


1- کمال الدين : 485. الغيبة / الطوسي : 292. الخرائج والجرائح: 1114/3

حكم الإباحة لشيعتهم - على وجه الخصوص - هو خصوص خمس الجواري المملوكات اللائي يتمّ شراؤهنّ عن طريق الفتوحات الإسلاميّة و يجلبن من بلاد الحرب بعد اندلاع الحرب بين أهلها و بين المسلمين، وليس هذا الحكم عاماً شاملاً لكلّ ما وقع موضوعاً لحكم الخمس، بل حكم الخمس لا يزال سارياً على حاله، لم يطرأ عليه تعديل، وهو ما أجمع عليه فقهاؤنا بلا خلاف.

ومثل قوله َعَلَيهِ السَّلَامُ في توقيع آخر لأبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي رَضِی اللهُ عَنه: «وأما ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها، وأداء الخراج منها، و صرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتساباً للأجر، وتقرباً إليكم، فلا يحل لأحدٍ أن يتصرّف من مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك من مالنا، و من فعل ذلك بغير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرّم عليه، ومن أكل من أموالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلي سعيراٌ...».

إلى قوله عَلَيهِ السَّلَامُ: «و أمّا ما سألت عنه من الثمار من أموالنا يمرّ به المارّ فيتناول منه ويأكل، هل يحل لّه ذلك؟ فإنّه يحلّ له أكله ويحرم علیه حمله »(1).

ص: 18


1- كمال الدين : 521. الاحتجاج : 299/2

هذا إضافة إلى أنه َعَلَيهِ السَّلَامُ كثيراٌ ما كان يدفع ولا يزال يوصل إلى مواليه وشیعته من معونات ماليّة ومساعدات، لا شكّ فيها ولا شبهة معها، ويدلّ على ذلك على سبيل المثال والتمثيل لا الحصر، حکایات السيّد ابن طاووس والسيّد بحر العلوم رضوان الله تعالى عليها، وللمزيد راجع الجزئين (52 و 53) من بحار الأنوار - قسم الحكايات.

وكيف كان فإنّ هناك أدلّة عامّة تدلّ على حجّية قول الثقة، ولزوم الأخذ والاحتجاج بقوله، کالسيرة العقلائية الممضاة من قِبل الشارع المقدّس، من ذلك قول مولانا الرضا َعَلَيهِ السَّلَامُ: «نعم»، في جواب من سألة: «أفيونس بن عبد الرحمن ثقة أخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني»(1).

و من هنا قال صاحب الوسائل رَحْمَةِ اللَّهِ في الفائدة الثامنة:«و منها: کون الراوي ثقة يؤمن منه الكذب عادة، وذلك قرينة واضحة على صحّة الحديث بمعنى ثبوته، وكثيراٌ ما يحصل العلم بذلك حتّى لا يبقى شكّ أصلاٌ، و إن كان ثقة فاسد المذهب، كما صرّح به الشيخ وغيره، و خصوصاٌ إذا انضمّ إلى ذلك جلالته في العلم والفضل والصلاح،

ص: 19


1- وسائل الشيعة : 147/27.

و قد صرّح بذلك صاحب المدارك كما يأتي نقله، و هذا أمر وجداني تساعده الأحاديث المتواترة في الأمر بالعمل بخبر الثقة، والنهي عن العمل بالظنّ، و معلوم أنّ النسبة بين الثقة، والعدل العموم و الخصوص من وجه کما ذكره الشهيد الثاني ...»(1).

كما أنّ سيرة العقلاء قامت على حجّية قول العدل وحاز ذلك على إمضاء الشارع المقدّس في قوله تعالى :﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾(2)، الدالّة بمفهوم الشرط على عدم لزوم التبيّن والتثبت من قول العدل، و على حجّية إخباره و قوله.

كما أنّ هناك أدلّة في خصوص من يدّعي المشاهدة في عصير الغيبة الكبرى ناصة على امتناع الرؤية والمشاهدة، بل منها ما ينصّ على كاذبيّة مدّعيها أو كذّابیّته المستلزمة لوجوب تكذیب كلّ من يدّعي المشاهدة في هذا العصر، كالتوقيع الشريف الذي أسهبنا البحث فيه وأشبعناه تحقيقاٌ إلى جانب سائر أدلّة نفي إمكان الرؤية في الحلقة السابقة.

و طريق الجمع بين هاتين الطائفتين من الأدلّة - أدلّة نفي إمكان

ص: 20


1- وسائل الشيعة : 244/30.
2- سورة الحجرات: الآية 6.

المشاهدة التي تقدّمت في الحلقة الثانية - وأدلّة حجيّة قول الثقة يكون على النحو التالي:

1- حمل الطائفة الثانية منها - وهي أدلّة نفي إمكان الرؤية و المشاهدة على كونها مخصَّصة لعمومات الأدلّة المحاكية عن إمضاء السيرة العقلائيّة، أي كون الطائفة الأولى مخصَّصة بالطائفة الثانية، فيكون إخبار الثقة والعدل حجّة إلّا في مورد ادّعاء المشاهدة، فإنّه لا عبرة بقول العدل والثقة ، ولا حجّية لقولهما.

وهذا في غاية البعد لأنّ أدلّة حجّية قول الثقة والعدل غير قابلة للتخصيص شأنها شأن أحكام العقل غير قابلة للتخصيص.

2- ولم يبقَ طريق للجمع بينها إلّا بحمل الطائفة الثانية على كاذبيّة مدّعي المشاهدة أو كذّابيّته إن لم يكن عدلاٌ ولا ثقة، والحكم بوجوب تكذيبه حينئذٍ، وحصر التكذيب في غير العدل والثقة بردّ ادّعائهم وعدم الاكتراث ولا الاعتناء به.

وعليه فالحكايات المرويّة عن العدول أو الثقات، لاسيمَا أعلام الطائفة وأوتادها لا يجوز الإعراض عنها، بل يجب قبولها وترتیب الأثر عليها للزوم تصديقهم بالسيرة القطعيّة غير القابلة للتخصيص، والتي نالت شرف إمضاء الشارع المقدّس ، ولا نصّ أوضح ممّا جاء في التوقيع الشريف الذي ورد على القاسم بن العلاء من الناحية المقدّسة:

ص: 21

«فإنّه لا عذر لأحدٍ من موالينا في التشكيك فيما يرويه - يؤديه - عتّا ثقاتنا، قد عرفوا بأنّا نفاوضهم سرّنا، ونحملهم إيّاه إليهم »(1).

ونحن أيضاٌ نختار ما ذهب إليه جملة من أعلامنا على دلالة قوله َعَلَيهِ السَّلَامُ: «ثقاتنا» على كون الراوي الثقة من أهل الولاية للأئمّة الأطهار َعَلَيهِم السَّلَامُ، لا مطلق الثقة، لاسیّما في خصوص دعوى المشاهدة، ولهذا نرى لزوم تصديق دعاة المشاهدة إن كانوا عدولاٌ، أو ثقاتٍ إماميّين ، لا سيمَا إن كانوا من أعلام الطائفة وأساطينها وأوتادها.

نعم، قد يقال : إنّ كاذبيّة دعاة المشاهدة من غير الثقات والعدول ثابتة بأدلَة عامَة أخرى، وهي عدم اكتراث العقلاء باخبار غير الثقة، وعدم قيام السيرة، ولا دليل قطعي آخر على حجّية إخبار غير الثقة وأقوالهم ، وتأكيد الكتاب والسنة على عدم حجية مطلق الظنون، كقوله تعالى:﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾(2)، و قوله تعالى:﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾(3)، وقوله تعالى:﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ

ص: 22


1- وسائل الشيعة : 150/27 و : 38/1.
2- سورة النجم: الآية 28.
3- سورة يونس : الآية 36.

فَتَبَيَّنُوا﴾(1)، فلا حاجة إلى بيان خاص من الإمام َعَلَيهِ السَّلَامُ، هذا أولا، وأمّا ثانياٌ: فهو يقتضي تخصيص الأكثر، وإخراجهم من تحت العموم حتّى لا يبقى إلّاالنفر اليسير الذي لا يعتدّ به عادة ، ذلك أنّ أكثر دعاة المشاهدة من العدول والثقات ، فإذا استثنيناهم لم يبق فرد يعتدّ به تحت عموم أدلّة النفي وامتناع المشاهد.

وثالثاٌ: أنّ أدلّة النفي وامتناع المشاهدة لاسيمَا التوقيع الشريف مطلقة. تنفي إمكان المشاهدة مطلقاٌ، كما يكذّب التوقيع الشريف مطلق من يدّعي المشاهدة، ممّا لا يدع مجالاٌ لاحتمال التخصيص أو التقييد.

والجواب عن الأوَل: أنه لا مانع من التوكيد كما هو دأب الشارع المقدّس ، وهو ليس غريباٌ في الشريعة الغرّاء.

وأمَا عن الثاني : فإنّا نعتقد أوَلاٌ، بأنه لولا الأدلّة النافية والتوقيع الشريف لكثر دعاة المشاهدة من عامة النّاس وغير الثقات أضعافاٌ مضاعفة، ولعلّ هذه الأخبار حالت دون وقوع مثل هذه الكارثة والأزمة. و ثانياٌ: أنا لا نقبل بهذه الدعوى؛ لأنها دعوی بلا دلیل، بل الدليل على خلافها؛ إذ المتتبع يجد أنّ دعاة المشاهدة من غير العدول والثقات أضعاف مضاعفة من دعاتها من العدول

ص: 23


1- سورة الحجرات : الآية 1.

والثقات، لا سيمَا في زماننا هذا، وعدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود، والاستشهاد بما يرويه أعلامنا من الحكايات في كتبهم لا يعدّ دليلاٌ على صدق المدّعي وصحّته؛ لأنّه ليس من عادة هؤلاء الأعلام تدوین کلّ خبر، ولا الاعتماد على كلّ مخبر، أو نقل دعاویه ومزاعمه، بل دأبوا على رواية ما يثقون بصدقه أو بصدق راویه، وعادتهم الاقتصار على نقل ما یسمعونه عن طريق العدول أو الثقات. وثالثاٌ: أنّ العبرة في تخصيص الأكثر بالعناوين لا بالأفراد، کما عليه أكثر أعلامنا من المعاصرين.

وأمّا الإجابة عن الثالث : فإنّ هذا خلاف القاعدة المعتمدة المتّفق عليها، القائلة: «ما من عامّ إلّا وقد خصّ »، أو «ما من مطلق إلّا وقد قيّد-أو ورد عليه التقیید-»، وقد ذكرنا أن لا مجال لتخصيص ولا تقييد الطائفة الأولى من الأخبار، وهي الأخبار والأدلة الناصّة على لزوم قبول قول العدل والثقة، فتبقى على عمومها وإطلاقها، وهي تقتضي حينئذٍ المنجزیَة والمعذريَة، ولا محيص دون حمل التوقيع الشريف على إرادة غير العدول والثقات من دعاة المشاهدة، وعلى وجوب تكذيبهم خاصة، دون العدول والثقات ممّن قامت السيرة القطعیَة على حجّية قولهم، ولزوم الأخذ به، وترتيب الأثر على إخبارهم، والعلم عند الله تعالى، فتأمّل.

ص: 24

الدرس الثاني: حياته الزوجية - 1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

بعد ما تمّ استعراض الحياة السياسيَة للإمام المهدي صلوات الله عليه من خلال عرضنا لمجالات عديدة من حياته المباركة، والتحقيق في جوانب مختلفة من حياته الشخصيّة والاجتماعيّة، ومنطلقاته، ومحاور عديدة من حيثيّاته الخاصّة والعامّة، فإنّا لابدّ أن نتعرّض لما بقي من حياته الاجتماعيّة الخاصّة َبه عَلَيهِ السَّلَامُ ليلا من جهة النكاح والتناسل والتكاثر والمسكن، بمقدار الحاجة وبما تسمح به الأدلّة الخاصَة والعامّة، بعيداٌ عن الإطالة والإطناب، والخوض فيا لا يعنينا، ممّا سكتت عنه الأحاديث والأخبار ، وأعرض عن خوضها أعلام الطائفة أعلى الله شأنهم، ولم يقحموا أنفسهم فيها، لئلّا يقتحموا المهالك، ولكي يجنّبوا أنفسهم المزالق والعثار، فالحديث عن

ص: 25

خاتم الوصیّین صلوات الله عليه، لا عن هذا وذاك حتّى يطلق المرء عنان اليراع ، ويطير بقوّة خياله أينما شاء، فيكتب وتسطّر یده ما يمليه عليه خياله الموّاج، أو يثرثر ويردّد لسانه ما یوحیه إليه خياله من الأوهام.

ولنشرع بمسكن الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ ومحلّ إقامته، وحيث أننا نعتقد، كما اعتقد أعلام الطائفة قدّس الله أسرارهم، بالغيبة الشخصيَة والعنوانيَة لمولانا صاحبالزمان عَلَيهِ السَّلَامُ(1)، خلافاٌ لمن زعم أنه غائب بعنوانه لا بعينه وشخصه، ولا نعني أنّه غائب بشخصه فلا يظهر لأحد أبداٌ، إذ لا ملازمة بينهما أصلاٌ، خلافاٌ لمن توهّم ذلك، فتصوّر للإمام عَلَيهِ السَّلَامُ حياةٌ عادية تخالف النصوص الصريحة(2)، والعقل السليم، فوقع في تناقض واضح ، وأكثر على نفسه الشبهات، فتخبط خبط عشواء، يميناٌ تارةً، وتارة إلى الشمال؛ لأنها كانت من نسج خياله وأوهامه ، يريد بها إقناع طائفة لا یُعجبهم الإيمان بالغيب والمعجزة.

أقول: وحيث أنَنا نعتقد بغيبته صلوات الله عليه على وجه الحقيقة كما نصت عليه الأحاديث والأخبار، نائين عن الحمل على المجاز

ص: 26


1- راجع الحلقة الأولى من كتابنا : 156.
2- الحلقة الأولى : 155-159.

المخالف للنصوص الصحيحة والمتواترة ، فالذي صرّحت به الأدلّة أنّ محلّ سكناه و موضع إقامته عَلَيهِ السَّلَامُ:

أوَلاٌ: يجب أن يكون في أوعر الجبال ، وفي البراري النائية، والأماكن الخالية من السكّان، ويدلّ عليه خبر محمّد بن إبراهيم بن مهزیار رَضِی اللهُ عَنه: « یابن المازيار أبي - أبو محمّد - عهد إليَّ أن لا أجاور قوماٌ غضب الله عليهم ولعنهم، ولهم الخزي في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب أليم، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلّا وعرها، ومن البلاد إلّا عفرها ...»(1).

ويستفاد من هذا الخبر:

1- أنّ المدن والقرى والأماكن الآهلة بالسكّان لا تخلو من بعض العصاة الذين غضب الله عليهم ولعنهم ولهم عذاب أليم، ولا يدلّ على أنّ كلّ الناس مغضوب عليهم وملعونون ، ويؤيّده الوجدان والواقع ، من دون أدنى شكّ.

2- وهو عهد من أبيه عَلَيهِ السَّلَامُ عن آبائه، عن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، عن الله عزّ وجلّ؛ لأَنه لا ينطق عن الهوى.

3- وأنه َعَلَيهِ السَّلَامُ مأمور بالسكن والإقامة في الجبال الوعرة والبراري

ص: 27


1- الغيبة / الطوسی: 266.

القاحلة البعيدة عن السكان والخالية من العمران.

ثانياٌ: ويجب أن يكون موضع سكناه و محلّ إقامته لا يتعدّى حدود مكّة والمدينة أو بينها ، فيسكن ويقيم في الصحاري و بين الجبال المحيطة بها أو الواقعة بينهما، يدلّ عليه ما ورد عن الامام أبي بصير عن الإمام أبي جعفر الباقر َعَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : «لا بد لصاحب هذا الأمر من عزلة ، ولا بدّ في عزلته من قوة ، وما بثلاثين من وحشة ، ونعم المنزل طيبة ، والطيبة هي المدينة المنوّرة » ، وهناك أدلة أخرى:

منها: لقاء ابن المهزیار ، ووقع كثير من أخبار وأحداث الرؤية هناك (1)، وفي تلك المواضع ، ومنها ما رواه الكليني رَضِی اللهُ عَنه عن أبي هاشم الجعفري، عن الإمام العسكري عَلَيهِ السَّلَامُ، وفيه: «قلت : يا سيدي، هل لك من ولد ؟ فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: نعم ، فقلت : فإن حدث حدث فأين أسأل عنه ؟ قال عَلَيهِ السَّلَامُ: بالمدينة»(2).

ومنها: قول الإمام الجواد َعَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّها ستكون حيرة » ، قلت: فإذا كان ذلك فإلى أين ؟ فسكت عَلَيهِ السَّلَامُ، ثم قال : «لا أين » حتّى قالها ثلاثاٌ، فأعدت عليه ، فقال : « إلى المدينة» ، فقلت : أي المدن ؟

ص: 28


1- بحار الأنوار : 52 و 53.
2- الكافي : 328/1.

فقال:« مدينتنا هذه، وهل مدينة غيرها؟» (1).

ومنها: ما نصّ عليه في دعاء الندبة الشهير:«لَيتَ شِعْري اَينَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّويٰ؟ بَلْ اَي اَرْضٍ تُقِلُّكَ اَوْ ثَريٰ؟ اَبِرَضْويٰ اَوْ غَيرِها اَمْ ذي طُويٰ؟ عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ أَرَي الْخَلْقَ وَ لا تُريٰ، وَ لا اَسْمَعَ لَكَ حَسيساً وَ لانَجْوي...» (2)، والرضوى هي المدينة المنورَة ، أو أطرافها، كما أنّ ذي طوى جبال على أطراف مكّة على جهة المدينة المنورة.

ومنها: ما ورد في جملة من أخبار علامات الظهور أنّ الشمس تخرج من المغرب، والمدينة المنوّرة تقع في الجانب الغربي من مكّة وبيت الله الحرام، فيكون ظهوره وخروجه عَلَيهِ السَّلَامُ من ناحية المدينة المنورّة، كما تدلّ على ذلك أخبار أخرى أيضاٌ.

ثالثاٌ: إنّ الله عزّ وجلّ يكره لوليّه أن يجاور أهل المعاصي والذنوب ، وهو الذي ينئی بوليّه عن جوارهم وجيرتهم ، يؤيّده رواية مروان الأنباري ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه : « إنّ الله

ص: 29


1- الغيبة / النعمانی : 185.
2- مفاتیح الجنان وكتب الأدعية والزيارات .

إذا كره لنا جوار قومِ نَزَعَنا من بين أظهرهم »(1).

فلا تعارض ولا منافاة بين الطائفة الأولى من الأخبار -أعني الناصّة أو الدالَة على سكنه وإقامته عَلَيهِ السَّلَامُ في الجبال والصحاري - والطائفة الثانية منها -أعني الناصّة على إقامته في المدينة المنوّرة - وأنت تعلم أنّ تلك المنطقة الواقعة بين مكّة والمدينة قاحلة وعرة وصحراويّة جبليّة.

كما لا تنافي أيضاٌ بين هاتين الطائفتين من الأخبار، وبين ما ينصّ أو يدلّ على حدوث الرؤية ووقوع اللقاء في منازل أو خیام أو أماكن في مختلف بقاع الأرض، كالعراق وإيران وبلاد الشام والحجاز وغيرها؛ لأنّ الطائفتين الأوليين تعبّران عن موضع الإقامة الدائمة، و تنصَان عليه، بينا هذه الأخبار دالة على أن له عَلَيهِ السَّلَامُ بيوت ومساكن عديدة يتردَد عليها بين الفينة والأخرى، وأنه رَبما تواجد في أي موضع من هذه المعمورة، ونحن بالأحاديث القطعيَة نؤكد هذا المعنى؛ إذ الإمام سلام الله عليه غير محبوس في بقعة معيَنة، ولا في دائرة بعينها، بل ينطلق من موضع إلى موضع متى شاء، وكيفما شاء، ومتى ما اقتضت الحكمة، لكنّها لا تعد مسكنه الدائم، ولكن كيف

ص: 30


1- بحار الأنوار: 90/52 .

يسير ويسافر وينتقل من بلد إلى آخر، وكيف يسيح في الأرض، فهو ممّا سكتت عنه الأدلّة والأخبار، ولا يعنينا أمره، بل هو شأن الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، وهو أدرى بوظيفته وشؤونه، لا داعي للتخرّص، ولا حاجة إلى تصوّرات القصّاصين، و تنبّوات الخرّاصين.

ثمَ إنّ بعض هذه الروايات، وهي أكثرها، وردت في عصر الغيبة الصغرى، فلا يتوهّم أنّ إقامته في الصحاري والجبال بين مكّة والمدينة ربّما كان خاصاٌ بعصير الغيبة الصغرى؛ لأنَ سائر روایات الإقامة مطلقة لم تقيد أصلاٌ، وهذه الطائفة من الروايات لا تصلح للتقبيد؛ لأنَ مجرّد صدور خبر أو أخبار في زمن الغيبة الصغرى لا ينهض للصارفيّة، ولا يصلح للقيدة ، فانتبه.

ثمّ إنّ مكان إقامته عَلَيهِ السَّلَامُ بين مكّة والمدينة یعدّ استراتيجيّة إلهيّة حتميَة؛ لأنّه بين أشرف بقاع الأرض وأكرمه وأفضله بحسب الموازين السماويّة؛ لأنّه بين الكعبة الشريفة وقبر جدّه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وهو بين أهمّ المواضع من الناحية الجغرافية، وبحسب الموازين والقواعد السياسية والاجتماعيّة والماديّة والعسكريّة؛ لأن قلب الأمّة الإسلاميّة بل الكرة الأرضيّة والعالم بأسره ينبض من هذا الموضع، والأنظار كلّها تتّجه إليه، وذلك الموضع يزخر بالثروة بل الثروات، بالثروة الماديّة والثروة المعنوية. فهو بين ثراء مادي وثراء معنوي،

ص: 31

يراقب العالم من هذا الموضع، ويتّصل بشيعته وأوليائه من هذا المكان، يحجّ المواسم ويحضر المواقف كلّها، كما يحضر لزيارة قبر جدّه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه على الدوام، وهكذا لزيارة قبور أجداده والصالحين والشهداء والصدّرياليقين، لاسيمَا قبر جدته الصدَيقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، فهو عاكف على زيارة قبرها الذي في خفائه وغيابه يضاهي ويشاكل غياب الصّاحب صلوات الله عليه وخفائه، وإذا كان غائباٌ منذ ما يربو على ألفٍ ومائتي عام، فإنّ قبر جدّته عَلَيهِا السَّلَامُ قد خفي علينا منذ ما يربو على ألف وأربعمائة عام، فهما متشابهان، ووجه الشبه بينهما الغيبة الطويلة والخفاء، وسيكون ظهور قبرها عَلَيهِا السَّلَامُ بظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، ويقترن الظهوران: ظهور المظلوم المقهور المغصوب المهضوم حقّه، وظهور الثائر المنتقم الذي لا يبقي ظالماٌ وكافراٌ ، ولا يذر.

فالموضع بين مكَة والمدينة أفضل ما يمكن للقائد الإلهي الفذّ وإمام المسلمين أن يتّخذه مقاماٌ و مسكناٌ، لجلالة المكان وشرفه، وأهمّيته واستراتيجيّته، ومن أجل تيسير اتّصاله بالمسلمين، ومراقبة شؤونهم، ومتابعة أخبارهم عن حضور عينيّ، ومباشرة شخصيّة، وعن کَثَب، وهو إضافة إلى دلالة الأحاديث الصحيحة عليه يعضده دليل العقل وسيرة العقلاء والمنطق السليم، وأنّه لولا الظروف القهريّة

ص: 32

وما فرضته الأنظمة الحاكمة الظالمة المعادية لأهل البيت عَلَيهِ السَّلَامُ لما خرج من المدينة واحد منهم، وما أقام في غيرها أحدهم قطّ، بل اتّخذوها موطناٌ بأجمعهم، فهي مواطن جدّهم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه في حياته وموضع قبره بعد وفاته إلى أن تقوم الساعة.

وحينئذٍ فلا عبرة بما رواه الأنباري (1) والمازندراني(2) بأنّ مسكنه وموطنه وموضع إقامته وعياله عَلَيهِ السَّلَامُ في بعض الجزر المجهولة في بعض البحار، بسبب الإرسال وضعف السند، ومخالفة النصوص الصحيحة أو الموثّقة، ومخالفة السيرة والذوق العامّ، والله العالم.

كما أنَه لا عبرة بالأكاذيب والافتراءات والقصص التي اختلقها أعداء الإماميَة والنواصب ثمَ نسبوها إلى أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ وإلى شيعتهم من قصّة السرداب الشريف الذي ولد فيه مولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه، وكان في دارأبيه الإمام العسكري عَلَيهِ السَّلَامُ في سامرّاء، حيث افتروا على الشيعة عامَة وعلى الإماميّة خاصّة أكاذيب لا أثر لها في كتبهم ومصادرهم، وأشاعوها حتّى ظنّ بها كثير من جهلة العوام، وصدَقها مشايخ السُّتة وعلماء المخالفين، بل سلّطوا عليها

ص: 33


1- النجم الثاقب: 217.
2- المصدر المتقدم : 284.

الأضواء، وسخّروا من أجل شيوعها الإعلام قديماٌ وحديثاٌ حتّى جعلوه من ضروريّات المذهب و مسلّمات عقائد الإماميَة، وما زالوا يصرّون على عنادهم وغيّهم، ولا عجب في ذلك إذا كان أسلافهم يضعون الرواية على رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ويكذبون بصريع القول عليه وعلى الأجلّة من أصحابه، وكان الكذب والافتراء والدسيسة دیدنهم، بل دينهم الذي يدينون به ، ومن يكذب على رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يكذب على غيره بطريق أولى، ومن اعتاد الكذب والافتراء لا يتورّع عن جريمة قطّ، ولا عن نسبة الأباطيل والأكاذيب إلى خصومه، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوّة إلّت بالله العليّ العظيم، والعاقبة لأهل التقوى واليقين.

فهؤلاء النواصب الحاقدون نسبوا إلينا أنَنا نعتقد بأنّ المهدي المنتظر عَلَيهِ السَّلَامُ دخل هذا السرداب وغاب هناك، وهو يعيش مستتراٌ فيه لا يأكل ولا يشرب ولا يتّصل بأحدٍ حتّى يأذن الله له في الظهور، فما هي حقيقة هذه الفريَة؟ وما هي حكاية السرداب الشريف و غيبة المهدي المنتظر عَلَيهِ السَّلَامُ فيه؟

أولا: لم ترد هذه الفريَة في أي مصدر من مصادرنا الروائيَة، ولا في جوامعنا الحديثيَة، بل هذه الحكاية لم ترد في كتاب من کتب أعلامنا منذ أن غاب عَلَيهِ السَّلَامُ إلى يومنا هذا، ولا في كتب الأعلام قبل

ص: 34

الغيبة، ولا في كتاب معتبر من كتبنا ، فما أدري لماذا الإصرار؟ وليس ذلك إلّا من شدّة الحقد والعصبيّة والعناد.

ثانياٌ: بل لم يرد ذكر لهذا السرداب في شيء من كتبنا المعتبرة، ومصادرنا الروائية.

ثالثاٌ: لم نجد لهذا السرداب وهذه الحكاية المختلقة الكاذبة ذكراٌ سوى في كتب الستّة والنواصب؛ لأنهم واضعوها وصانعوها، بل أكثروا من سردها ونقلها وتسليط الأضواء عليها، وإشاعتها، سعياٌ منهم في تثبيت هذه الفرية على الإماميّة والشيعة ، على نحو المقولةالشهيرة: إكذب ثمّ اكذب حتى يصدّقك النّاس، محاولين دسّ هذه الكذبة في عقائدهم، وبثّها في نفوسهم، لعلّها تجد طريقاٌ في كتبهم، وصدیٌ عند عوامهم وخواصهم، ونفرةٌ في نفوس النّاس منهم ومن مذهبهم بنسبة الخرافة إليهم ، وعلّهم يجنون ثمار الطعن في عقيدتهم بالقضاء التامّ على مذهب الحقّ الذي هو مذهبهم، ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (1)

رابعاٌ: نعم، كلّ الذي جاء في بعض كتب الشيعة، ونقله بعض رواتهم ومحدّثيهم، هو عبارة عن حكاية الجند والجيش الذين داهموا

ص: 35


1- سورة التوبة : الآية 32.

دار الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ بأمر من المعتضد العبّاسي، وكان هجومهم هذا يهدف إلى القبض على المهدي صلوات الله عليه، بناءٌ على دسائس وأخبار بلغت الخليفة من عيون النظام وجواسيسه تفيد بوجودالمهدي هناك، ورغم أنّهم رأوه وحاولوا الوصول إليه، إلّا أنّهم عجزوا عن ذلك الحيلولة الماء بينهم وبينه.

فليس في هذا الخبر ذكر للسرداب، ولا ورد فيه اسم السرداب، أو ما يدلّ عليه، بل هذا الخبر يفيد خلاف مايزعمه السنّیّون والنواصب؛ لأنّ فيه أنّ الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ بعد ذلك غادر المكان، وخرج من أمام أعينهم، من غير أن يروه، أو يشعروا به، بينما يزعم أعداؤنا أنّا نعتقد بوجوده وبقائه وغيابه في السرداب إلى أن يحين أوان ظهوره فيخرج منه.

خامساٌ: لعل منشأ هذه الدعاوى الكاذبة ، وهذه الفری والأقاويل، يكون تعظيم الشيعة للسرداب الخاصّ بالإمام العسكري صلوات الله عليه، الذي كان في داره، وعاش مولانا صاحب الزمانَ عَلَيهِ السَّلَامُ فترة من حياته في كنف أبيهَ عَلَيهِ السَّلَامُ فيه، ولعلّه قضى شطراٌ من حياته هناك في الغيبة الصغرى بعد وفاة أبيه عَلَيهِ السَّلَامُ، حيث ربّما عاش مع أمّه وجدّته رضي الله عنها فيه.

لكن تعظيم الشيعة لهذا السرداب، بل لدار أبي محمّد العسكري َعَلَيهِ السَّلَامُ،

ص: 36

وزيارتهم له، ليس نابعاٌ من اعتقادهم بوجوده فيه، أبداٌ، ولا يدلّ تعظيمهم لذلك المكان وتقديسهم له وزيارتهم فيه على مثل هذا الاعتقاد؛ لأنّهم يعتقدون أنّه من شعائر الله تعالى، وقد أمروا بتعظيم هذه الشعائر، ولا مانع من أن يقصدوا فيه زیارة إمام زمانهم المهدي المنتظر َعَلَيهِ السَّلَامُ؛ لأنّه ولد فيه ، وعاش فيه ردحاٌ من عمره، وفترة من حياته، كما يصنعون ذلك في كلّ مكان نسب إلى النبيّ محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأهل بيته الكرام َعَلَيهِ السَّلَامُ، فهل إذا زاروا دار عليّ وفاطمة َعَلَيهِا السَّلَامُ في المدينة المنوّرة ، أو زاروهما في تلك الدار ، كانت زيارتهم لاعتقادهم بوجودهما في ذلك الموضع؟ وهل زيارتهم لدار الإمام علي عَلَيهِ السَّلَامُ في الكوفة، أو زيارة عليّ َعَلَيهِ السَّلَامُ هناك، نابع من اعتقادهم بوجوده فيه؟ وهل زيارة سلمان وأبي ذر في مسجدهما المنسوب إليها يعدّ اعتقاداٌ بوجودهما فيها؟ أو يدّل على ذلك ؟ وهل زيارة مسجد السهلة في الكوفة، وزيارة الإمام المهدي َعَلَيهِ السَّلَامُ فيه، دالّ على اعتقاد الشيعة بوجوده فيه؟ أو نابع عن اعتقادهم بذلك؟ بل هناك مئات الشواهد والأدلّة التي ترفع هذا التوهّم والتصوّر الباطل الذي لا أصل له، ونحن بما نعرفه من حقد هؤلاء الأعمى، ونصبهم العداء الصارخ الصريح لأهل البيت َعَلَيهِم السَّلَامُ ولشيعتهم، لانظنّ أن شيئاٌ من هذه الأسباب والعوامل لها مدخليّة ولا هي منشأ في هذا التصوّر الباطل والفرية

ص: 37

الفاضحة على شيعة أهل البيت َعَلَيهِم السَّلَامُ، ولا نرى لذلك منشئاٌ سوى الحقدالأعمى، والعصبيّة الجاهليّة، وكفاهما دحراٌ بصاحبها نحو الهاوية، والرذيلة والهلاك، كما هو حال هؤلاء القوم في كلّ حقلٍ من الحقول، إذ لم تقتصر أكاذيبهم على موضع السرداب بل افتروا علينا في كلّ شيء، ولا نظنّهم يرتدعون عن غيّهم ولا يرشدون. بل نتوخّى منهم كلّ شرّ ونتأمّل أن يصيبنا منهم كلّ سوء، وهم ماضون وسيستمرّون على هذا المنوال الذي أسّسه لهم أسلافهم من نهج باطل، ومسلك الغواية والضلال.

ص: 38

الدرس الثالث: حياته الزوجية - 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأما زواج الإمام َعَلَيهِ السَّلَامُ:

فالقواعد الفقهيّة والأصول المسلّمة في الإسلام تقتضي زواج الإمام َعَلَيهِ السَّلَامُ ونكاحه؛ لأنّه من أهمّ السنن في الإسلام، وهو سنّة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه من تركه فليس منه، وليس من أمّته، والإمام َعَلَيهِ السَّلَامُ أولى بستة جدّهَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فكيف يعقل أن يعرض عنها؟

كما أنّ من الأخبار الخاصّة ما يعضد هذا المعنى ويؤيّده، فمنها ما رواه الشيخان الجليلان النعماني والطوسي أعلى الله مقامهما بطريق معتبر عن المفضّل بن عمر، قال : سمعت أبا عبدالله َعَلَيهِ السَّلَامُ يقول:«إّنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم: مات ، وبعضهم يقول: قُتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على

ص: 39

أمره من أصحابه إلّا نفر يسير لا يطّلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره ، إلّا المولى الذي يلي أمره»(1).

فالأصول والأحكام الفقهيّة العامة المقتضية للعمل بالسنّة يكفي في تحقّقها وصدق وقوعها مجرّد الزواج والنكاح ولو مرّة واحدة في العمر، وإن كانت بعض أدلّة استحباب النكاح تنصّ أو تدلّ على استحباب أن يكون الرجل على نكاح طيلة حياته وعلى الدوام مع الإمكان، وأن لا يرضى بالعزوبة ولو ليلة واحدة، إلّا أنّ العمل بالسنّة يتحقّق بمجرّد الزواج ولو لمرّة واحدة، أو لليلة واحدة، على الظاهر، وهذا سهل للغاية بالنسبة للإمام المهدي صلوات الله عليه، لا يحتاج إلى مزيد بحث وعناء وتخرّص وثرثرة. ولكن هل يجب أو ينبغي أن تكون له زوجة على الدوام؟ إذ لو سلّمنا بهذا الفرض لزم أن نبحث له عن وجهٍ؛ معقول، وإذ سكتت الأخبار والأحاديث عن بیان هذا الأمر وامتنعت عن خوض تفاصيله، و تعبد بها أعلام الطائفة رضي الله تعالى عنهم، فإنّا نكتفي بالفرض الأوّل، ونسكت عمّا سكتوا عنه، وإن كنّا لانرى أي امتناعٍ واستحالةٍ عن كونه على نکاح دائم، وبما أنّ بقاء زوجة واحدة على ذمّته لهذا الزمن الطويل أمر

ص: 40


1- الغيبة / الطوسی: 102.

في غاية الاستبعاد، إن لم نقل أنّه محال وقوعاٌ، ولم يرد على ذلك دلیل قطّ، فإن بإمكانه عَلَيهِ السَّلَامُ أن يجدّد فراش الزوجيّة كلّما ماتت زوجته، واستبعاد حصول امرأة في غاية الإيمان والورع في كلّ زمان يقترن بها الإمام صلوات الله عليه و تحفظ سرّه عن كلّ أحد، استبعاد في غير محلّه، والواقع لا يستبعد هذه الحقيقة فضلاٌ عن امتناعها، بل لا نمنع أبداٌ، بل لانرى غرابة في وجود امرأة على هذا المستوى من الفضيلة والكمال تستحقّ السير في ركب الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ في كلّ زمان، وإن كنّا نری اکتفاء أن تكون للإمام عَلَيهِ السَّلَامُ زوجة بين فينة وفينة، بل بين حقبة وحقبة، ولا نرى لزوم الزوجيّة المتّصلة، بحيث يبادر إلى الزواج كلّما فقدَ زوجته بسبب الوفاة مثلاٌ، ليكون دائم النكاح ويصدق الاتّصال، و تنتفي العزوبة؛ لأنه عَلَيهِ السَّلَامُ لو تزوّج مرة واحدة كلّ مائة عام لكني في تحقّق العمل بالاستحباب قطعاٌ، وكان عاملاٌ بالسنّة على الفرض الثاني أيضاٌ، ولا غرابة من وجود هذا العدد من المؤمنات الفاضلات.

وحينئذٍ فهو أعرف كيف يخفي زوجته عن الأنظار بالوسائل والسبل الطبيعيّة تارة، وليس هذا ببعيد ولا غریب، وبالوسائل الماورائيّة ويد الغيب الإلهيّة تارة أخرى، إن استلزم الأمر، ولا يستغني الإمام صلوات الله عليه عن الرعاية الإلهيّة والعناية

ص: 41

الربّانيّة واليد الغيبيّة، طرفة عينٍ، ولا لمحة بصر، ولا دون ذلك قطّ، ولولاها لم يكن قادراٌ على حفظ نفسه بالعوامل الطبيعيّة مها أوتي من حنكةوذكاء و معرفة و علم ودراية، خلافاٌ لمن حاول تفسير ذلك كلّه تفسيراٌ ظاهریّاٌ مادياٌ، فوقع في هذه الورطة، وتجشّم عناء التدبيرات والتوجيهات، فخاض غمار الأوهام.

وأمّا الأولاد

فالأدلّة التي يمكن الاستناد إليها والتعويل عليها ثلاثة:

أوّلها: رواية المفضّل بن عمر المتقدّمة عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يطّلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره».

ويرد عليه: أنّه لاتصريح فيه على وجود أولادٍ للإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، نعم يمكن الاستفادة من دلالته، لإفادته وجود الأولاد له عَلَيهِ السَّلَامُ، وإلّا لزم منه اللَّغوية.

ويمكن دفع دعوی احتمال اللَّغوية بحمل كلامه عَلَيهِ السَّلَامُ على التمثيل والقياس بالأولويّة، بمعنى أنّه لو كان له أولاد لامتنع عليهم الاطّلاع على موضعه أيضاٌ، فضلاٌ عن غيرهم؛ إذ لو ثبت امتناع ذلك على أولاده عَلَيهِ السَّلَامُ الذي هو خلاف المألوف والمعتاد، لامتنع على غيرهم بطريق أولى، وبالأولويّة القطعيّة.

ص: 42

أضف إلى ذلك اختلاف النسخ، فبينا نجد في رواية الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه كلمة «ولده»، فإنّا نجد المرحوم النعماني رواه بلفظة «وليّ»، وهذا تهافت بين النسختين، ومع تهافت النسخ فيها هو محلّ الشاهد لايمكن الاستدلال بها، لوقوع الإجمال فيها، والله العالم.

ثانيها: رواية الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ، وآخرها: «ثم يرجع إلى الكوفة، فيكون منزله بها »(1).

علّنا نستظهر من هذه الرواية أنّ الإمام يأتي بأهله وأولاده إلى الكوفة و يتّخذ فيها منزلاٌ لإسكانهم.

ويرد عليه أولاٌ: أنّ هذا ممّا يختصّ ببعد ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، وبعد قیام دولته. و ثانياٌ: أنّه لا ينصّ على وجود الأولاد، ولا يصرّح بذلك.

وربّما قيل: إنّه لا معنى لوجود المنزل إلّا لإسكان الأهل والأولاد. لكنّه غير وارد؛ لأنّ المنزل لا يختصّ بحال وجودهم، فالأعزب كذلك يحتاج إليه، نعم يمكن تصديق ذلك بملاحظة الرواية التالية.

وثالثها: رواية الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، أنّه ذكر مسجد السهلة، فقال: «أما إنّه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله»، وهو صريح في وجود أهله، ولكن يرد عليه أيضا أولاٌ: أنّ الأهل قد يطلق على الزوجة والأزواج

ص: 43


1- كمال الدين : 329، 378. كفاية الأثر: 282.

فحسب، ولا دلالة له على وجود الأولاد.

ثانياً: أنه قد لا يراد بلفظ «صاحبنا» الإمام المهدي أرواحنا فداه، بل يقصد غيره.

وهذا الثاني غير وارد؛ لأنّ الحديث عن صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ واضح في الرواية بقرائن قطعيّة عديدة منها خصوصيّة الموضوع ، و منها ذکر مسجد السهلة الذي اقترن باسم الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ.

وأمّا الإيراد الأوّل فغير وارد أيضاً، لإطلاق لفظة الأهل على الأعمّ من الأزواج والأولاد، ويعضد هذا المعنى ما جاء في الدعاء المأثور عن يونس بن عبد الرحمن، عن الإمام عليّ بن موسی الرضا عَلَيهِما السَّلَامُ في أعمال يوم الجمعة، أنّه كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ بهذا الدعاء:

«اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنْ وَلِيِّكَ وَ خَلِيفَتِكَ وَ حُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ،...إلى قوله: اللَّهُمَّ أَعْطِهِ فِی نَفْسِهِ وَ أَهْلِهِ وَ وَلَدِهِ وَ ذُرِّیَّتِهِ وَ أُمَّتِهِ وَ جَمِیعِ رَعِیَّتِهِ» ، فإنّه وإن فصل بين الأهل والأولاد غير أنّه نصّ على الأولاد، أو الولد الواحد الذي يتمّ به الغرض وإن لم يتعدّد ولم يزد، وبناء على تلك الرواية الأولى « رواية المفضّل بن عمر»، وهذه الرواية، يكون له ولد واحد، وإن كان حمله على إرادة النوع لاخصوص العدد الواحد أقوى، وأقرب إلى الصواب.

ص: 44

لكن يرد عليه: أنّه ربّما كان هذا تعلياً من الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ للشيعة أن يدعوا للإمام الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ ولأهله ولولده وذرّيّته الذين سوف يأتون ويلدون في عصر ظهوره، ولا دلالة له على وجود زوجة وأولاد وذرّيّة له في الوقت الحاضر، فالشيعة مأمورون في جميع العصور بالدعاء للإمام الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ، ثم الدعاء لأزواجه اللائي يتزوّج بهنّ -أو زوجته- ولأولاده، وأحفاده وذرّيّته الذين سوف يولدون في دولته الكريمة، وهذا أمر مألوف جدّاً نجد في الأخبار كيف كان رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يدعوا لذرّيته قبل ولادتهم بقليل أو كثير، وهكذا دأب الأئّمة عَلَيهِ السَّلَامُ، وعلّموا أصحابهم، فاستُحبَّ الدعاء للولد وولد الولد -أي للأولاد والذراري والأحفاد قبل أن يولدوا، ولم يشترطوا في الدعاء حياة المدعو له ، كما أنّ في القرآن الكريم تصريح بذلك، فهذا نوح عَلَيهِ السَّلَامُ يدعو للمؤمنين وذرّياتهم ، كما يدعو على الكافرين وذراريهم(1)، وهذا إبراهيم الخليل عَلَيهِ السَّلَامُ يدعوا لذرّيّته ولمن سيولد من المؤمنين (2)، وهلمّ جرّاً(3).

ص: 45


1- راجع الآيات التي تحكي قصّتي نوح وإبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ وقومهما، وتكفيك سورتي نوح وإبراهيم عَلَيهِما السَّلَامُ خاصة.
2- راجع الآيات التي تحكي قصّتي نوح وإبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ وقومهما، وتكفيك سورتي نوح وإبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ خاصة.
3- راجع قصص الأنبياء َعَلَيهِم السَّلَامُ في القرآن الكريم ، وهكذا أدعية وأحاديث أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ في هذا الخصوص.

والحاصل: أنّه لا يمكن الجزم بشيء من ذلك نفياً ولا إثباتاً، فلا دليل قطعي على وجود الأولاد للمهدي عَلَيهِ السَّلَام وعدمهم، لكن الأدلّة تارة تميل إلى هذا، وتارةتميل إلى ذاك، وكما أنّه لا استبعاد ولا استحالة من وجود الأولاد له َعَلَيهِ السَّلَام، بل هو احتمال وارد تحفّ به قرائن عديدة عامة وخاصّة، فإنّه لا ضرورة من وجود الأولاداً في عصير الغيبة الكبرى، للظرف الخاصّ الذي يحيط بالإمام صلوات الله وسلامه عليه، ولا يعدّ انعدامهم منقصة، ولا يمكن أن ينعت بالأبتر وهو خلف حجاب الغيب؛ لأنّه سيظهر ويرزقه الله تعالى أولاداً وذراري إن شاء، كما يظهر من بعض الأحاديث، لا سيمَا إذا اقتضت ظروفه الخاصّة ذلك، وتوقّفت عليه المهمَة الأهمَ التي أسندت إليه، و اقتضاه أداء الرسالة الإلهيَة.

فلايمكن البتّ ولا القطع بهاتين القضيّتين، قضيَة زواجه، وقضيَة أولاده َعَلَيهِ السَّلَام، لاحتالهما النفي والإيجاب؛ ذلك أنّ لمولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه حسابات و موازین فوق حدود إدراكاتنا، وفوق طاقاتنا فلانحيط بها علماً، والله العالم.

ص: 46

الدرس الرابع: انتظار الفرج - 1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

ليس مفهوم الانتظار ممّا أوجدته ظروف غيبة الإمام الثاني عشر في المعتقد الشيعي، ولا هو وليد الديانة الإسلاميّة، فضلاً عن كونه مجرّد وهمٍ فرضته ظروف الحياة، كما زعم بعض من يجهلون حقائق التأريخ، بل هو حقيقة ضاربة بجذورها في عمق التأريخ لتمتدّ إلى أعماق الفكر الإنساني والمعتقد الديني، حتّى أصبح انتظار المنقذ السماوي ملازماً للفكر الديني ومن أبجديّاته، لا تكاد تنفكّ عن أذهان المتديّنين بالأديان السماويَة ولا عن عقائدهم؛ ذلك أنّ المتديّنين بالأديان والمؤمنين بالشرائع السماويَة ما انفكّوا يوماً ما من مطاردة وظلم واضطها, لحقتهم من الأنظمة المستبدّة الجائرة، وأذنابهم من أهل الكفر والعصيان، لا سيمّا في ظروف غياب الأنبياء والأوصياء،

ص: 47

والحجج الإلهيَة، حيث لم يجدوا بدّاً من الانتظار على أمل أن تتحقّق بشارات السماء بظهور نبيّ يحمل إليهم تباشير الخير والنجاة من براثن أهل الكفر والضلال . أو خروج مصلح ينقذهم من حياةالشقاء والعناء.

وهكذا وعلى هذه الوتيرة ظلّت مسيرة الانتظار ممتدّة ورایتها ترفرف، لتبقى بارقة الأمل تحيا في نفوس المؤمنين جيلاً بعد جيل، على مّر القرون والأعصار المتمادية، و تنبض لها قلوبهم. كي لا تخمد فيها حرارة الإيمانرغم طول الانتظار؛ إذ لولا الانتظار لانخمدت حرارة الإيمان، و تكوّر وميضها، ولم يجد المؤمنون بعد نوح عَلَيهِ السَّلَامُ سبيلاً إلى التمسّك بشريعته ومبادئ دينه، ولا بصیص نور يضيء لهم درب الصبر والاستقامة، لكن الأمل في تحقّق البشائر، وانتظار النبيّ تلو النبيّ، لا سيمَا انتظار ظهور إبراهيم الخليل عَلَيهِ السَّلَامُ كان الوقود الذي يشعل فتيل الإيمان في نفوس المؤمنين، ويحفظ حرارته في صدورهم، ولولا الانتظار لم تكن حال المؤمنين بعد إبراهيم الخليل عَلَيهِ السَّلَامُ بأفضل ممّا كان عليه حال المؤمنين بعد نوح عَلَيهِ السَّلَامُ، وهكذا لم تكن حال المؤمنين بعد موسی وعیسی ونبيّنا محمد صلى الله عليه وآله وعليها السلام بأفضل ممّا كانت عليه حال المؤمنين بعد إبراهيم الخليل عَلَيهِ السَّلَامُ، وإنّما هو الأمل والانتظار بظهور موسی عَلَيهِ السَّلَامُ هما اللذان أجّجا نار الإيمان

ص: 48

وحرارة اليقين في قلوب بني إسرائيل، وزيّنا لها الصبر على النوائب والمحن، حتّى كافح المؤمنون منهم فراعنة الزمان، ليظلّ مشعل الإيمان وقاداً لا يخمد باليأس لطول الفراق، ولا تطاله رياح القنوط العاتية، وجرى الحال واستمرّت هذه السيرة فيهم بعد موسی عَلَيهِ السَّلَامُ بانتظار عيسى المسيح صلوات الله عليه، حتّى غدا أهل الكتاب وأحبارهم و قساوستهم مزّمّلین برداء الصبر والانتظار، ينتظرون ظهور النبيّ الخاتم المسمّى عندهم في التوراة والإنجيل بأحمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، والمبشّر به من جهة أنبيائهم، ومن أجل ذلك رحل المؤمنون وطالبوا الحقيقة منهم من أوطانهم، وهاجروها إلى أرض الجزيرة، يتّخذون من مكّة والمدينة المنوّرة -یثرب- لهم أوطاناً يقطنونها، وينزلون في وديانها وسهولها وجبالها ينتظرون، بل يجادلون الكقّار والمشركين ، ويتوعّدونهم بهذا النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚفَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾(1).

عن إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ عن قول الله تبارك و تعالى :﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ

ص: 49


1- سورة البقرة: الآية 89.

مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ﴾(1)، قال : «كان قوم فيما بين محمّد وعیسی صلّى الله عليهما، وكانوا يتوعَدون أهل الأصنام بالنبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ويقولون: ليخرجنّ نبيّ فليكسرنّ أصنامهم، وليفعلنّ بكم -وليفعلن- فلما خرج رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه كفروا به »(2).

و انتظار الفرج بالمهدي الموعود في أمة محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه جعل من الشيعة طائفة لا تأخذها في الله لومة لائم، تتحدّى طواغیت بني اُميَة وجبابرة بني العبّاس، ومن حذى حذوهم، كالجبال الراسخة لا تهزّها العواصف والأعاصير، فلا تنحني أمام الباطل، ولا تركع للظالم، بل لا تداهن الباطل وأهله طرفة عين ولا لمحة بصر، لترفع لواء الحقّ، و تحمل مشعل الهداية في ظلمات بعضها فوق بعض، وفي أوحال جاهليّة دونها كلّ الجاهليّات.

نعم، إنّه الانتظار الذي سار بسفينة التشيّع إلى برّ الأمان، ورسی بها على شاطئ السلام، وبالانتظار شعشع ضیاء الحقّ من هذا المذهب ليملأ الخافقين، وأضحت شمس الحقيقة مشرقة لا تحجبها غيوم العصبيّة العمياء، وبالانتظار غدى المؤمن الشيعي أشدّ من زبر

ص: 50


1- سورة البقرة : الآية 89.
2- الكافي : 310/8، ومثله باختلاف يسير: 308/8.

الحديد؛ إذ الحديد يتغيّر ويتأثّر بالنّار، والمؤمن لا يغيّره شيء، وظلّ وقوراً عند الهزاهز، صبوراً عند نزول البلاء، والتاريخ الذي دوّنه العدوّ قبل الصديق خير شاهد ودليل، من هنا سقطت رایات عديدة لمن زعموا البطولات وتبجّحوا بها، في أحضان السلاطين وتهاوت ألويتهم في قبضة أعداء الإسلام، حين أنكروا وجود المهدي الموعود عجّل الله فرجه، إرضاءً لرغباتهم، ونزولا عند أهوائهم، فكانت عاقبتهم الرضوخ والاستسلام لطواغيت لا يدينون بدینٍ، ولا يلتزمون بشرعٍ، بل لا يرقبون في بشرٍ إلّا ولا ذمّة، يشاركونهم جرائمهم ويعينونهم على ظلمهم.

لا شكّ أنّ للانتظار في أذهان المنتظرين وعقائدهم معانٍ متفاوتة تختلف باختلاف رؤية كلّ منهم وفهمه لمفهوم الانتظار، والغايةالتي تسعى إليها في هذا الدرس بلورة حقيقة الانتظار من منظار أهل البيت صلوات الله عليهم، وأصحابهم وأعلام الطائفة، سواء من خلال دراسة سيرهم أو التحقّق في أقوالهم، لتّتضح الرؤية وينجلي غبار الأوهام من عقول السذّج والعوامّ ممّن أساؤوا الفهم، أو ساء إدراكهم لحقيقة الانتظار في زمن الغيبة، وهو الزمان الذي أدركناه، ولعلّنا نعيش أهمّ فتراته.

في القرنين الرابع والخامس الهجريّين ظهرت حركة مناهضة

ص: 51

للاعتقاد بحياة الإمام المنتظر عجّل الله فرجه وغيبته، أطلقها جماعة من علماء الفرق الإسلاميّة -السُّنّية- فكانت سبباً في بروز حركة علميّة شيعيّة ناشطة في التصدّي لها والذود عن هذه الحقيقة التي كانت ولا تزال أوضح من الشمس في رابعة النهار، وما ذنب الشمس إذا عجز الأعمى عن أن يبصر بها وأن يراها؟ وكيف كان فقد انطلق أعلام المذهب من واقع الاحساس بالمسؤولية الجسيمة التي تعلّقت في أعناقهم لإحقاق الحقّ ودحض الباطل، إلى تثبيت دعائم الإيمان بحياة حجّة الله وخليفته في أرضه، وإثبات غيبته سلام الله علیه، فوقعت مناظرات عديدة، وصُنَّفت في ذلك كتب كثيرة، أهمّها: الغيبة للنعماني، والغيبة للطوسي (المتوفّي 460ه)، وكمال الدين للصدوق (المتوفّی 381ھ)، والإرشاد للمفيد (المتوفّي 413ھ)، وغيرهم من الأعلام طيّب الله ثراهم، لكنّ محاولات هؤلاء الصفوة من الأعلام لم تمنع من ظهور أفكار خاطئة وآراء باطلة تفسّر الغيبة والانتظار بتفاسير لا علاقة لها بالواقع ولا تمتّ إليه بصلة، وهي لا تزال تجد لها صدىً لدى فئة من السُّذّج والجهلة.

وتتجلّى أهميَة مسألة الانتظار للفرج والظهور، في الأحاديث التي تحدّثنا عن أحوال آخر الزمان، وترصد بیان ما يؤول إليه حال الدین والمتديّنين، والأحداث التي تجري و تدور في بلاد المسلمين قبل

ص: 52

الظهور، كما أنّ هذه الأهمّية تتجلّى وتظهر أيضاً للناقد البصير، والمتأمّل في هذه الظروف والأحداث والأحوال على أرض الواقع، من غير حاجة إلى معرفة تلك الأحاديث والاطّلاع عليها، فإنّ العاقل اللبيب تغنيه بصيرته في مثل هذه الأمور عن بیان الشارع المقدّس، ويبني النتائج ويستخلصها من خلال تأمّله في المقدّمات والحقائق التي يراها من حوله ، ومن أهمّها:

أ- غلبة السياسة على الدين، وسيطرة رجالها على أزِمّة الدين، و تحويل الدين إلى حلبة صراع للنزاعات الحزبيّة والطائفيّة بل والفرديّة أيضاً، وهذا من خصائص هذا الزمان في مذهبنا، لم نعهد له مثيلاً في سائر الأزمنة، ولا سمعنا به أو مثله في السلف الصالح من علمائنا الأخيار ، رضي الله عنهم جميعاً.

ب- ظهور أوّل طائفة من علماء السلطة والبلاط، ووعّاظ السلاطين في مذهبنا الحقّ، وهي أيضاً حالة غريبة عن اُصول مذهبنا، تتنافي بل تتناقض مع أبسط وأوضح معالم مذهبنا ودينناالحنيف، ممّا يزيد من خطر التحريف والتضليل في المذهب الحقّ، وقد بدأت بعض معالمه وآثاره تظهر للعيان، وهو حقّاً من علامات قرب الظهور، ممّا يحتّم علينا وعلى كلّ الغيارى من أبناء الطائفة شحذالهمم والإعداد للظهور، ومواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، بما آتاهم

ص: 53

الله تعالى من قوّة الإيمان، قبل أن يستفحل هذا السرطان الذي غدا قاب قوسين أو أدنى من قلب هذا الدين ونبعه الصافي و العذب المعين.

ج- اختلال الموازين في المرجعيّة الدينيّة، وزعامة المذهب الحقّ، وإلغاء القوانين العقليّة والعقلائيّة والشرعيّة، وإحلال الفوضى، والمصالح السياسيّة الآنيّة، والأهواء والرغبات الفرديّة أو الجماعيّة والفئويّة والحزبيّة محلّها في تعيين المرجع الأعلى وزعيم الطائفة الذي يليق بمنصب النيابة العامّة لصاحب العصر والزمان صلوات الله عليه، وهذا أيضاً من خصائص هذا الزمان لم يسبق له مثيل ولا نظير في تأريخ مذهب الحقّ، فبعد أن تعوّدنا طيلة الأزمنة الماضية من تاريخناالمجيد وماضينا التليد العريق أن نرى المرجعيّة العليا والزعامة الدينيّة تتصدّى الصدارة، وترقى سلّم الأولويّة في الكمالات العلميّةاللازمة في عمليّة الاستنباط، والكمالات الأخلاقيّة اللازمة في سموّ الذات، فإنّا نأسف أن نرى كلّ ذلك فداءً لأهواء ثلّة من هواة السلطة وطالبي الرئاسة الدنيويّة، يسحقون المعايير والقوانين والأنظمة والموازين کافّة في سبيل أن ينالوا شهواتهم، ويحقّقوا رغباتهم، ليصبح المذهب أداة طيّعة لأهداف مشئومة لئيمة، وتصبح الزعامة الدينيّة عنواناً مجرداً من الحقائق، ومفهوماً عارياً من الفضيلة تتقاذفه أيدي السياسيّين، وتتلاعب به أهواء الحزبيّين، وتقدّم للمؤمنين نماذج

ص: 54

من المرجعيّات السياسيّة، والزعامات الحزبيّة، أو الوراثيّة المتقوقعة في بعض الأسر والعناوين الفضفاضة التي هي أخطر على سلامة هذا المذهب من القنابل الذريّة والصواريخ النوويّة؛ لأنّهم يفتون النّاس بغير علم ولا طبقاً للموازين والقواعد، وإنّما يفتونهم حسب أهوائهم ورغباتهم، وإلى هذه المأساة أشارت وعليها نصّت كثير من الأحاديث.

قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «لا يقبض العلم انتزاعاً من النّاس ، ولكنّه يقبض العلماء، حتّى إذا لم يبقَ عالم اتّخذ النّاس رؤساء جهالاً، استفتوا فأفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا»(1).

وروي عن أبي جعفر عَلَیهِ السَّلَامُ أنه قال: «من أفتى الناس بغير علمٍ ولا هدئ لعنته ملائكة الرضا وملائكة العذاب فيلحقه وزره ، ووزر من يعمل بفتياه»(2).

د- ظهور طائفة من علماء السوء والسياسة، أو بالأحرى ممّن تقمَصوا رداء الفقاهة، وادّعوا العلم وانتسبوا إليه زوراً وبهتاناً، بفضل سلاح القوّة والبطش والإعلام الزائف ، والترهيب والترغيب،

ص: 55


1- تحف العقول: 37.
2- الكافي / الحلبي : 426. الكافي / الكليني : 42/1 و : 409/7.

وتصدّيهم للزعامة الدينيّة، ثمّ دعوته التّاس صراحةً وعلناً وجهراً إلى تقليده واتّباعه، وهو بدعة اُخرى ابتلينا بها في زماننا هذا، أعاذ لله المذهب، وأعاذنا من شروره و شراره، وهو قطعاً من دلائل قرب الظهور إن شاء الله تعالى، وشاهد حيُّ على أهمية الانتظار والاستعداد لفرج الله تعالى، وإلى مثل هذه الحقيقة المرّة، أو الظاهرةالخطيرة أشارت النصوص الشرعيّة، لتثبت لأصحابها معجزة حين المصدّقون صلوات الله عليهم أجمعين.

روی عليّ بن بابویه القمّي -الصدوق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، بسنده عن العالم -أي الإمام الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ - أنّه قال: «من دعا النّاس إلى نفسه، وفيهم من هو أعلم منه، فهو مبتدع ضال »(1).

وقال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « إنّ من تعلّم العلم ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو يصرف وجوه النّاس إليه ليعظّموه ، فليتبوأ مقعده من النّار ، فإنّ الرئاسة لاتصلح إلّا لله ولأهلها، ومن وضع نفسه في غير الموضع الذي وضعه الله فيه مقته الله، ومن دعا إلى نفسه فقال: أنا رئيسكم، وليس هو كذلك لم ينظر الله إليه حتّى يرجع عمّا قال

ص: 56


1- فقه الرضا عليلا : 383.

ويتوب إلى الله ممّا ادعى »(1).

وهل بعد الحقّ إلّا الضلال ، فما لكم كيف تحكمون ، وأنّى تصرفون، وإلى متى ترضون بطبع النعامة، تدسُّون رؤوسكم في التراب ظنّاً منكم أن لا يراكم أحد، ألا تستيقظون من هذا السبات المرير؟! هذا لعمري في الفعال بديع، وليس من شيمة أهل مذهب الحقّ، وأتباع الصادق جعفر بن محمّد صلّى الله عليه وآله، ولا هكذا علّمنا هو وأجداده الأطهار وأبناؤه الأخيار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فهل أنتم منتهون؟ اللّهمّ هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهد.

هذه جملة من الشواهد على أهميّة الانتظار، وهو تحذير لمن ادّعى العلم أو الفقاهة و تقلّد منصب الإفتاء وهو ليس من أهله ، وهو تحذير أيضاً لأتباعهم الذين يتّبعونهم على ضلالتهم، فبئس المقلَّد وبئس المقلَّد هؤلاء الضالّون والمضلّون، كما هو تحذير لكلّ من يقول بغير علم ويتكلّم بغير هدى لقوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « مَن أفتى الناس بغير علم فليتبوأ مقعده من النار»(2)، والذين لا تطابق بين أقوالهم وأفعالهم ، كقوله تعالى:﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ*كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا

ص: 57


1- تحف العقول : 43. مستدرك الوسائل : 243/17. الاختصاص : 251.
2- وسائل الشيعة : 19/18.

مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾(1) و قوله تعالى:﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُول-ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾(2) وبما أنّ هذه الفئة من دعاة العلم الذين يفتون بغير علم، ويقولون في الدين بالجهل كثيرة، منذ الصدر الأوّل للإسلام وإلى يومنا هذا، ولم يخل منهم زمان دون زمان ولا مكان دون مكان، فإنّهم أحدثوا كثيراً في الإسلام، فضلّوا وأضلّوا النّاس معهم، ولهذا ففي الخبر المروي عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يصنع (المهدي) كما صَنَعَ رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه أمر الجاهليّة، ويستأنف الإسلام جديدة »(3).

وفي كثير من الأحاديث أنّه سيأتي بدين جديد ، إشارة إلى تجدیدالدين وتصحيحه من الانحرافات والتحريفات التي أدخلت فيه، وإظهار ما خفي منه بعد تغييب دور المعصومين عَلَيهِم السَّلَامُ، وبيان الأحكام الواقعيّة وما شابه ذلك، وكلّ ذلك يؤيّد وقوع التحريف في الدين أصولاً وفروعاً؛ لقول أمير البيان عَلَيهِ السَّلَامُ في وصف المهدي : « يعطف

ص: 58


1- سورة الصف: الآيتان 2 و 3.
2- سورة الإسراء : الآية 36.
3- الغيبة / النعمانی : 231. بحار الأنوار : 352/52.

-أي المهدي- الهوى على الهدى، إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي »(1)، فالأهواء تسيطر على الفكر الديني، وتزيد الغواية قبل ظهور الحجّة عَلَيهِ السَّلَامُ، ولهذا قال عليّ أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « ويُحيي ميّت الكتاب والسُّنَة»(2)؛ إذ لا يبقى حينئذ من القرآن إلا رسمه ، ولا من الإسلام إلا اسمه ، كما في الحديث الشريف(3).

وسيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى (4) جملة كبيرة من الأخبار والأحاديث المؤكّدة لأحوال الدين والمسلمين قبل الظهور ، وكيف يستشري الانحراف العقائدي والفساد الفكري والانحطاط الأخلاقي، حتّى يبقى المؤمن أعزّ من الكبريت الأحمر (5).

قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «لأحدهم أشدّ بقيّةً على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا »(6).

وقال أبو عبدالله الصادق صلوات الله عليه : « ورأيت أهل الباطل

ص: 59


1- نهج البلاغة : الخطبة 138.
2- نهج البلاغة : الخطبة 138.
3- الكافي : 308/8. ثواب الأعمال: 253. كمال الدين: 66.
4- الغيبة / النعماني: 231.
5- بحار الأنوار: 128/52.
6- بحار الأنوار: 124/52.

قد استعملوا على أهل الحقّ، ورأيت الشرّ ظاهراً لا يُنهى عنه، ويعذّر أصحابه ... ورأيت الفاسق فيما لا يحبّ الله قوياً محموداً، ورأيت أصحاب الآيات يحقّرون ، ويحتقر من يحبّهم»(1).

من هنا تتابعت كلمات المعصومين عَلَيهِم السَّلَامُ في التأكيد تلو التأكيد، والخثّ بعد الحثّ على انتظار الفرج، وتحديد مفهوم الانتظار، و توصیف المنتظرين؛ لتزول جميع وجوه الالتباس بإنارة الطريق والإفصاح عن حقيقة الانتظار والمنتظرین، فما أهمّية الانتظار؟ وماذا يعني الانتظار؟ ومن هم المنتظرون؟ أسئلة وجيهة نُرجع الإجابة عنها إلى قادة الإسلام رسول الله وأهل بيته الكرام صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه.

قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله عزّ وجلّ»(2).

وانتظار الفرج وإن كان أعمّ من الفرج بظهور القائم صلوات الله علیه الذي هو الفرج المطلق - ومن مطلق الفرج، والانتظار للفرج من أفضل الأعمال مطلقاً أكان مطلق الفرج أو الفرج المطلق، إلا أنّ الفرج المطلق أتمّ مصادیقه ، فانتظاره أعظم وأفضل عند

ص: 60


1- بحار الأنوار: 124/52
2- کمال الدين : 644.

الله تعالى، أضف إلى ذلك أنّ هذا الانتظار فُسّر في أحاديث أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ بالانتظار المطلق الذي هو انتظار ظهور القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، فلا معنى لحمله على إطلاقه، والأخذ بذلك الإطلاق بعد ورود المقيَّد، ولا معنى لحمله على العامّ بعد ورود الدليل المخصّص.

لهذا قال مولانا أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «ألا أخبركم بما لا يقبل لله عزّ وجلّ من العباد عملاً إلّا به؟ » ، فقلت : بلى ، فقال : «شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ...، والانتظار للقائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

فانتظار الفرج وترقّب زوال العوائق والنوائب والبلايا والمصائب بالصبر والتصبّر وتحمّل المشاقّ أولاً: قضيّة فطريّة وطبيعيّة، تقتضيها طبيعة البشر، بل فطرتهم التي فطروا عليها ، ثانياً: قضيّة عقليّة مسلّمة، أي ممّا يرشد إليه العقل البشري بل يستلزمه ويؤكّد عليه، وثالثاً: هو مسألة عقلائيّة، أجمع عليها كاقّة العقلاء ولم يختلف عليها اثنان، وأخيراً: فهو الحلّ الوحيد، والطريق الأوحد الأسلم الذي لامحيص عنه للتخلّص من ألم المصيبة ومشقّة النوائب والبلايا.

وانتظار الفرج حاجة طبيعيّة من حوائج الإنسان دعا إليه الشارع

ص: 61


1- الغيبة / النعماني : 200. إثبات الهداة : 536/3 و 537.

المقدّس في كافّة الأديان، وأرشد إليه لأنّه لا يمكن للشارع الحكيم أن يخالف أمراً فطر عباده عليه، وجعله من أحكام العقل ومسلّماته، وأجراه في شرايين النفس الإنسانيّة مجرى الدم من شرایین بدنه، ولهذا لم يقع الخلاف في ذلك بين شرائع السماء، بل وقع الاتّفاق بینها کافّة.

ثمّ إنّ الفرج الذي يعني -تلقائيّاً وبصورة طبيعيّة- ارتفاع البلاء، وزوال المصيبة والنائبة، وحلول العافية والرخاء محلّه، أي تبديل المصيبة والبليّة بالعافية، هذا الفرج يكون تارة فرجاً خاصّاً، أعني انتظار ارتفاع بليّة أو مصيبة خاصّة لفرد خاصّ، ويكون تارةً فرجاً أعمّ من هذا القسم، ليكون عبارة عن طلب ذهاب بليّة أو مصيبة عن جماعة أو جماعات، أو طلب ذهاب بلایا و مصائب عديدة عن جماعة أو جماعات.

وقد يكون انتظاراً للفرج العامّ الأعمّ الذي لا أعمّ فوقه، وهو الأعمّ على الإطلاق، أعني أن ينتظر المرء فرجاً يستلزم ويقتضي ارتفاع المصائب والبلايا كلّها، وزوال اُمّهات النوائب واقتلاعها من أسسها وجذورها ، ليكون العلاج من المصدر والأصول والأسس، حتّى إذا عولج الشقاء من جذوره، حلّ محلّه الرخاء والعافية والسعادة الحقيقيّة التي يتمنّاها كلّ ذي لُبّ من أبناء البشر ، وكلّ من

ص: 62

وطئت قدماه سطح هذه المعمورة، ويسعى إليها كلّ النّاس، فلا يكون للبؤس والحرمان والشقاء والجهل والعناء والظلم والاضطهاد والشرّ والفقر والفاقة والطغيان و ... من صنوف الشرور والنوائب والبلايا محلّ، ولا مكان، ولا مجال.

ص: 63

ص: 64

الدرس الخامس: انتظار الفرج - 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

ولكن السؤال الذي يكاد يطرح نفسه هنا:

أنّ الفرج بقسميه وشطريه الأوّلين، وانتظار الفرج لها أمر معقول مقبول في هذه الدار الفانية الزائلة، ولا غرابة فيها أصلاً، بل يدلّ عليها الوجدان، والوجدان خير دلیل و برهان ، لكن الذي يصعب هضمه، ولا يسهل انقياد العقل واستسلامه له، ما جاء في القسم الأخير من أقسام الفرج وانتظاره، فهل:

أولاً- يعقل إمكان هذا النوع من الفرج؟ أعني هل يمكن الفرج بالتفصيل الذي قدّمتموه ثبوتاً؟ ألا يستحيل مثل هذا الفرج في دارالدنيا؟ أليس هذا من خصائص الجنّة ونعيمها الأخروي؟

أليس في القرآن الكريم قال تعالى:﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا

ص: 65

لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖوَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُالدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾(1).

ص: 66


1- سورة الحديد: الآية 20. ومثلها قوله تعالى في سورة يونس : الآية 24:﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ وأيضأ قوله تعالى في سورة آل عمران : الآية 185:﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ وكذلك قوله تعالى في سورة العنكبوت: الآية 64:﴿وَما هٰذِهِ الحَياةُ الدُّنيا إِلّا لَهوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوانُ ۚ لَو كانوا يَعلَمونَ﴾وقوله تعالى في سورة النساء: الآية 77:﴿قُل مَتاعُ الدُّنيا قَليلٌ وَالآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقىٰ وَلا تُظلَمونَ فَتيلًا﴾ وقوله تعالى في سورة الأنعام: الآية 32: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗأَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. وقوله تعالى في سورة التوبة: الآية 38:﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌوقما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل﴾. وهكذا في سورة الكهف : الآية 45:﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾

وأليس هو القائل في محكم آیاته: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُالدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ۘ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗوَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(1).

فذمّ الكفّار لأنّهم عكفوا على حبّ الدنيا ، وذمّ الدنيا لأنّها مطلوبة الكفار ومرادة لهم.

وقال عزّ من قائل في مذمّة الدنيا وأهلها:

﴿ومن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها و إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا ينسون﴾(2).

أليس بين هذه الآيات وبين مقولتكم في الشطر الأخير من أقسام الفرج والانتظار تهافتة وعدم انسجام؟

ص: 67


1- سورة البقرة: الآية 212.
2- سورة هود: الآية 15.

وهذا نبيه المكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يقول:

«الدنيا سجن المؤمن ، والقبر بيته ، والجنّة مأواه، والدنيا جنّة الكافر، والقبر سجنه، والنار مأواه »(1).

ثمّ أليس هذا أمير المؤمنين وأمير الكلام والبيان صلوات الله وسلامه عليه قد طلّق الدنياً ثلاثا وقال عنها:

«و من أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا»(2).

وقال عَلَيهِ السَّلَامُ:« فمن حمد الدنيا ذم الآخرة »(3).

وقال عَلَيهِ السَّلَامُ أيضاً:

«و ليعلم المرء منكم أنّ الدنيا دار بلاء وفناء»(4)

وهو القائل : « الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمّروها»(5).

فكيف تكون الدنيا مكاناً مكيناً لدولة و ملکٍ لا يعصي فيها الباري جلّ وعلا ؟! وأنّى لها أن تكون موطناً للعدل الإلهي حتّى تمتلأ عدلاً

ص: 68


1- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 339.
2- شرح النهج / ابن أبي الحديد: 130/1.
3- المصدر المتقدم : 150/5.
4- المصدر المتقدم : 66/6.
5- وهو مما نسب إلى السيد المسيح عَلَيهِ السَّلَامُ. شرح النهج : 231/6.

و قسطاً، وتعرى وتَطهُر من كلّ ظلم وجور؟! كيف يمكن الجمع بين الدنيا وبين العدل المطلق والخير المطلق والطاعة المطلقة لله تعالى؟

ثانياً- وعلى فرض التسليم بالإمكان الثبوتي ، وعدم استحالة ذلك_: كيف نتعقّل وقوع مثل هذه الاُمنية وتحقيقها على أرض الواقع، وبعد القول بإمكانه العقلي كيف يعقل إمكانه الإثباتي و تحقّقه في دار الدنيا؟!

والجواب: أمّا الفرض الأوّل وهو الإمكان الذاتي فإنّه لاتهافت ولا تنافي ولا تضادّ ولا تناقض بين شيء منها؛ إذ كلّ ذلك الذمّ متوجّه إلى الاغترار بالدنيا وزخارفها ومباهجها والعكوف عليها حتّى تُنسي الآخرة، وتحمل طالبها إلى أن يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة، ويبيع آخرته بدنياه أو بدنيا غيره، فيأتي بكل منكر، و يرتكب كلّ إثم ومعصية وظلم واعتداء على الخليقة ، طلباً في الفوز بلذّة الدنيا، و تحقيقاً لما تمليه عليه شهواته وأهواؤه ليعمّر دنياه على حساب دينه، ويصلحها على حسابخراب دنیا غيره وآخرتهم، نعم هذا الذي ذمّته كافّة شرائع السماء، و ذمّه جميع العقلاء، واتّفق على ذمّه اُولوا الألباب، وصبغت على ذمّه فطرتهم، بل قامت عليها غرائزهم وطبائعهم.

وكيف لا تكون الدنيا قابلة لتقام على متنها دولة الحقّ الكريمة،

ص: 69

و ترفرف على قممها وفي أرجائها راية العدل؟ وتمتلي ربوعها بالخير والسعادة؟! ألم تكن الدنيا قد خلقت لتكون قنطرة إلى الآخرة، وتكون مزرعة الآخرة؟!

أليست الدنيا وما فيها وما عليها من الله تبارك و تعالى؟ ويكون مالها إليه ، هو خالقها وبارئها؟

خلقها ليسعد عليها النّاس بل الخلائق بأجمعها، ولا سعادةإلّا بالعدل المطلق، وهذا يستلزم بالضرورة كونها خلقت للطاعة والخير والسعادة والعدالة أولاً وبالذات، كما هو شأن كلّ مخلوقاته تبارك و تعالى، و إنّما عاث فيها شرار الخلق فساداً، ورفعوا فيها ألوية الباطل والضلال، فلم تكن الدنيا ولا خُلقت إلّا للعبادة والطاعة والسعادة، ولا تجتمع هذه إلا تحت لواء التوحيد، ولواء التوحيد عين العدل والقسط، فأينا رفع لواء التوحيد كان العدل والقسط ملازماً له، فالأرض لاجرم خلقت لهذا الغرض، ولهذا كانت دولة الحقّ التي بشّرت بها كافّة الشرائع السماويّة وانتظرهاالأنبياء والأولياء والصدّيقون والصالحون ، واُريقت من أجلها دماءالشهداء، وقدّموافي سبيلها كلّ غالٍ ونفيس من التضحيات، هذه الدولة الكريمة الحاملة للواء الحمد، والقائمة تحت راية التوحيد، كانت وستظلّ أملاً يضيء دروب الحياة أما مهم، وتستنير به قلوبهم حتّى

ص: 70

يحين وقت الظهور، ويأتي صاحب الراية المنصورة المظفرة التي طالما تمنى الأنبياء لو عاشوا وأدركوها، ليقاتلوا تحتها، وينالوا شرف العيش في كنف دولة الحق التي هي جنة تضاهي بعظمتها جنة الآخرة، و ما الجنة إلا بإقامة العدل المطلق وطاعة الخالق وعبادته المطلقة، وأينا وجد ذلك كانت الجنة حق، وكلما زال الشرك والكفر والنفاق والمعصية، وحل محلها الإيمانوالطاعة والعمل الصالح، حلت البركة والخير والسعادة، وما الجنة إلا هذه الحقائق والنعيم، فأينما حلت ونزلت و تحققت كان ذلك المكان جتة، سواء في الدنيا أم في الآخرة، فالأرض في دولة المهدي صلوات الله عليه هي الجنة التي يتمنى أهل جنة الآخرة لو عاصروها وأدركوها؛ لأنها حينئذ أفضل مزرعة يطلب فيها الآخرة، يزرع فيها ويحصد ثمارها بعد الموت، وأعظم قنطرة يسهل العبور من خلالها إلى أعلى درجات الجنة و قمها حيث النعيم الدائم المقيم.

إذن لامانع ثبوت من قيام مثل هذه الجنّة و تحقیق مثل هذا النعيم في دار الدنيا، بل خلقت الدنيا لكي يعمّرها الإنسان، ولا عمران في الأرض إذا فقدت العدالة، وغاب قانون السماء، ولا تفسير للإعمار والعمران سوى ضمان العيش الكريم والسعادة الحقيقية للإنسان، حتى يتفرغ باله فيسخر كل طاقاته لعبادة الله تعالى وطاعته،

ص: 71

وحینئذٍ:﴿حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّه﴾(1)، و يتحقق قوله تعالى :﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾(2)، هذا كلّه بالنسبة للفرض الأوّل، ويؤيّده قوله تعالى :﴿وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ﴾(3)، وليس القصد من الذين ﴿استُضعِفوا﴾ به سوى الأنبياء والأوصياء والأمة وأولادهم وشيعتهم، وما جعلهم أئمة وحكاما على الأرض إلا لإعمارها وجعلها جنة العدل والسعادة والطاعة والإيمان والرخاء والسلام.

وأمّا الفرض الثاني، وهو الإمكان الوقوعي، وإثبات مثل هذه الجنة، و تحقّقها على أرض الواقع، حتّى لا يبقى حلماً تتمنّاه الأجيال إلى يوم القيامة، ويحرمون تحقيقها، فالأدلّة على صدقه و تحقّقه كثيرة، يكفي التأمّل في ثقافة الأمم الماضية منها والجارية، والتدبّر في عقائدها وأفكارها، سیمّا الأديان والشرائع السماويّة؛ لأنّها كانت ولا تزال تعيش هذا الأمل، و تنتظر يوم الخلاص بفارغ الصبر،

ص: 72


1- سورة البقرة: الآية 193. سورة الأنفال : الآية 39.
2- سورة يس : الآية 61.
3- سورة القصص : الآية 5.

وتترقب قدوم المصلح الأعظم، و تستعدّ لاستقباله ليل نهار.

أضف إلى ذلك شواهد واضحة صريحة من القرآن الكريم كآية المستضعفين المتقدمة، وأحاديث كثيرة، لا تكاد تحصى لكثرتها، يتعلّق أكثرها بالإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالی فرجه، تطرّقنا لأكثرها في الحلقتين السابقتين وهذه الحلقة، يكفيك الإمعان فيها ومراجعتها، لتطمئن و يطمئن قلبك، وتصدّق بهذه الحقيقة التي جرت على ألسنة أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة، وأكدوها بأشد التوكيد.

و عليه، فإن المنتظر المرتقب الذي ارتدی کفن التضحية والإيثار، واشتغل بالاستعداد ليل نهار، كان حريا أن ينال ذلك الإطراء وتلك المنقبة، وأن يرقي به انتظاره تلك المراتب والدرجات، ويستحق بطول عنائه وصبرهالجميل منازل العليين؛ لأن انتظار هذا الفرج بالصبر على النوائب التي تفوق قوة الأشداء من الرجال،الذي يقبل الاستخفاف والاستهانة، ولا عجب إن عد هذا الانتظار جهاداً مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ضد مشركي صدر الإسلام، وكفاره، ولا عجب إن عد أعظم الجهاد وأفضل العبادة وأحسن الصبر، کما سيأتي إن شاء الله تعالى، وفقنا الله تعالى له، وجعلنا من أهله، ولهذا جاء في الحديث والرواية:

ص: 73

1- قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «مَن انتظر العاقبة صبر »(1).

و هو إشارة واضحة إلى أن الانتظار لا يقوم ولا يتحقق إلا بالصبر، وأن الصبر من دعائم الانتظار ، وكل منهما يلازم الآخر؛ إذ لا انتظار إلا بالصبر ، ولا يصبر المرء إلا أن ينتظر عاقبة أمر و يترقّبه.

2- و قال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « انتظار الفرج بالصبر عبادة »(2).

وهذا دليل على أن انتظار الفرج إنما يكون عبادة إذا تحلى بالصبر الجميل، لا بالتصبر والتشكي والتضجر والغضب وإيذاء الأبرياء من الناس، ولهذا جاء أيضا في الخبر:

3- عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : « سمعته يقول: ما أحسن الصبر انتظار الفرج، أما سمعت قول العبد الصالح:انتظروا إني معكم من المنتظرين؟»(3).

بل انتظار الفرج من أفضل العبادات ، وأفضل الجهاد ، وأفضلالأعمال ، وأحب الأعمال عند الله تعالى.

ص: 74


1- عيون الحكم والمواعظ : 446، ومثله في الصفحة 452: «من انتظر العواقب صبر ».
2- بحار الأنوار : 145/52، عن دعوات الراوندي.
3- شرح الأخبار : 559/3

4- عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: أفضل العبادة انتظار الفرج »(1).

5- قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج »(2).

6- عن أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « أفضل العبادة بعد المعرفة،انتظار الفرج»(3).

وأنت تعلم أن المعرفة قبل كل شيء ، فلا عمل ولا جهاد ولا عبادةإلا بمعرفة ، وقيمة كل شيء بمقدار ما تحفت به من المعرفة ، وقد فصلنا ذلك في بداية الحلقة الأولى من هذا الكتاب ، فارجع إليه.

7- و عن الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : « أفضل أعمال شیعتنا انتظار الفرج »(4).

8- وفي الحديث :« أفضل أعمال المرء انتظار الفرج »(5).

9- ومن وصايا أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه الشيخ

ص: 75


1- کمال الدين : 287.
2- تحف العقول: 37. بحار الأنوار : 141/74.
3- تحف العقول : 403 : بحار الأنوار : 326/75.
4- كمال الدين : 377. كفاية الأثر : 280. بحار الأنوار: 156/51.
5- الخصال : 621.

الشامي:« ... قال : فأي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال عَلَيهِ السَّلَامُ:انتظار الفرج »(1).

10- كما روى الصدوق رضي الله تعالى عنه ضمن الوصية الأربعماة:«...انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله ، فإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج، ما دام عليه العبد المؤمن»(2).

بل عد انتظار الفرج من الفرج، ومن أعظم الفرج:

11- عنه، عن ابن أسباط، عن الحسن بن الجهم، قال:« سألت أبا الحسن عَلَيهِ السَّلَامُ شيء من الفرج، فقال: أوَلَستَ تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟ قلت: لا أدري إلا أن تعلمني، فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: نعم انتظار الفرج من الفرج»(3)

12- وقال علي بن الحسین زین العابدین عَلَيهِما السَّلَامُ:«انتظار الفرج من أعظم الفرج »(4).

ذلك أن انتظار الفرج في حد ذاته يرفع من معنويات صاحبه،

ص: 76


1- من لا يحضره الفقيه : 383/4. معاني الأخبار : 199.
2- الخصال : 616. ونظيره في تحف العقول : 106.
3- الغيبة / الطوسی: 459، الحديث 471.
4- كمال الدين : 320. الاحتجاج: 50/2 . بحار الأنوار : 387/36.

ويعينه على الحياة، وعلى تحمل المشاق، وعلى التمسك بالآداب والأحكام، وعلى الطاعة ونبذ المعصية، وعلى التجمل بمكارم الأخلاق ومحاسنه، ويصد المرء عن الوقوع في الرذيلة وعن السقوط في هاوية الانحراف الحلقي والعقائدي والمملوكي والعملي.

13- فعن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « إن محبنا ينتظر الروح والفرج»(1).

ولكن ما الذي ينتظره المؤمن لينال هذا الشرف العظيم؟ فهذا الذي بحثناه ، وإليك أدلته:

14- قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « فأصبح محبنا ينتظر الرحمة ...»(2).

15- عن أبي الحسن عن آبائه عَلَيهِ السَّلَامُ: « أن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه قال: أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عز وجل »(3).

16- عنه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: «أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله» (4).

ص: 77


1- الغارات: 912/2.
2- الغارات : 911/2.
3- کمال الدين :644.
4- المحاسن : 291/1، الحديث .44.

فالواجب انتظار فرج الله تعالى ورحمته، وهما اللذان أشارت إليها الأحاديث التالية:

17- ورد في الدعاء: «... واجعلني أنتظر أمرهم ... الخ »(1).

18- وعن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:«ألا تعلم أن من انتظر أمرنا، و صبر على ما يرى من الأذى والخوف ، هو غدا في زمرتنا...»(2).

19- روى الطبري رَحْمَةِ اللَّهِ- الشيعي - بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال : « كا مع علي عَلَيهِ السَّلَامُ بالبصيرة، و هو على بغلة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، و قد اجتمع حوله أصحاب محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فقال: ألا أخبركم بأفضل خلق لله عند الله يوم يجمع الرُّسل؟

قلنا: بلى يا أمير المؤمنين .

قال : أفضل الوسل محمد ، وإن أفضل الخلق بعدهم الأوصياء، وأفضل الأوصياء أنا، وأفضل الناس بعد الرسل والأوصياء، الأسباط، وإن خير الأسباط سبطا نبيكم - الحسن والحسين -وإن أفضل الخلق بعد الأسباط: الشهداء، وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، قال ذلك النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وجعفربن أبي طالب

ص: 78


1- إقبال الأعمال : 348/1.
2- بحار الأنوار: 254/52.

ذو الجناحين ، مختصان بكرامة خط الله عز وجل بها نبيكم، والمهدي ما في آخر الزمان، لم يكن في أمة من الأمم مهدي ينتظر غيره»(1).

20- وقال محمد بن علي الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ لعبد العظيم الحسني: «المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، وإن الله ليصلح أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسى عَلَيهِ السَّلَامُ، حيث ذهب ليقتبس لأهله نارا»(2).

21- وبالإسناد يرفعه إلى أبي بصير، عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: «إن القائم ينتظر من يومه ذي طوى ، في عدة أهل بدر ... الخ»(3).

22- وجاء في توقيع مولانا الإمام العسكري صلوات الله عليه: « ومن وصايا رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه لعلي عَلَيهِ السَّلَامُ: وعليك بالصبر وانتظار الفرج، فإن النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه قال : أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج ، ولا يزال شیعتنا في حزني حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي ، وأنه يملأ الأرض

ص: 79


1- دلائل الإمامة : 479. الكافي: 374/1. إثبات الهداة : 148/7، 720. شرح الأخبار: 1/ 124.
2- الخرائج والجرائح: 1171/3 . بحار الأنوار : 156/51. کمال الدین : 377. كفاية الأثر : 276. إثبات الهداة : 420.
3- بحار الأنوار : 307/52، الحديث 80.

عدلاً وقسطا، كما ملئت ظلما وجوراً»(1).

23- روى الشيخ المفيد رَحْمَةِ اللَّهِ بسند صحيح عن حنش بن المعتمر، قال: « دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيهِ السَّلَامُ و هو في الرحبة متكئا، فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، كيف أصبحت؟

قال: فرفع رأسه ورد علي، وقال: أصبحت محبا لمحبنا، صابراً على بعض من يبغضنا ، إن محبنا ينتظر الروح والفرج في كل ليلة ...»(2).

وأما عن مفهوم الانتظار، فليس الانتظار سلوك سلبيا، ولا يعني الجمود والعزلة السلبية قطعا، ولا الكسل والتكاسل عن أداء المهام الاجتماعية والتكاليف الدينية، ولا التهرّب من تحمّل عناء المسؤولية، ولا التقاعس والتأقّف والتحسّر والأسى والتأسّف على الماضي و لا اليأس والقنوط من الحال والمستقبل، كلا ليس هذا ما أراده قادة هذا الدين، وليس هذا ما عناه رسول الله وأهل بيته المكرمون صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه من الانتظار، بل تتجلى حقيقة الانتظار في الأمل والمواجهة والصمود

ص: 80


1- الإمامة والتبصرة : 163. بحار الأنوار : 318/50 .
2- الأمالي : 233.

في وجه زخارف الدنيا وأهواء النفس الأمارة، وطغيان الحياة المادية و ملهياتها وملذاتها التي حرمها الله تعالى، وذلك تمسكاً بالكتاب الكريم والعترة الهادية، فالانتظار أمل وتفاؤل وحسن تفكير و تدبير، وإصلاح للنفس ودعوة إلى الصلاح، وكفاح وجهاد مع النفس، وصدود عما حرم الله تعالى وإقبال على الدين، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وجدال بالتي هي أحسن، وإعداد واستعداد للنهوض بالأعباء، وحمل الأمانة، وأداء الفرائض و تربيةالنفس وتهذيبها، والصعود بها نحو الكمال ، والتزين بمكارم الأخلاق وأجمل الخصال، ليكون صاحبه أسوة يشار إليه بالبنان ، فالانتظار(1) توحید و اعتقاد وصدق وإيان وعمل وإخلاص وأمانة وصبر على النوائب وإعانة للغير وكظم غيض، و تعقل و تدبر و تفکر و بحث عن الحق و تسلیم بالحق، وامتثال للحقيقة، ونبذ لكل صفة مذمومة، وهو سخاء وجود و کرم وشجاعة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وتسليم للقضاء والقدر، واستعداد تام للتضحية والإيثار في أحلك الظروف وبأعلى المستويات بالغالي والنفيس.

ولهذا قال مولانا الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «من عرف إمامه ثم مات قبل أن

ص: 81


1- الغيبة / النعمانی: 200.

يقوم صاحب هذا الأمر ، كان بمنزلة من كان قاعدة في عسكره »(1).

أي كان بمنزلة المرابط في سبيل الله المستعد للذود عن دينه و شریعته وولیه.

و قال سيد الكائنات صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:« انتظار الفرج بالصبر عبادة »(2).

وقال أبو عبدالله الصادق صلوات الله عليه في جواب أبي بصير رضوان الله عليه: جعلت فداك، متى الفرج؟ فقال:« يا أبا بصير، وأنت ممن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فرج عنه لانتظاره »(3).

وحاشا لأبي بصير أن يكون ممن يريد الدنيا، ولكنها كلمة المعلم الخبير، والإمام الصادق البصير الذي أراد بذلك أن ينته شيعته أن لا يطلبوا الفرج من أجل الدنيا وحطامها العاجل الزائل والرئاسة على الناس، وأن يجعلوا نصب أعينهم المعرفة بمقام الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ؛ إذ المعرفة -كما تقدّم منّا في الحلقة الماضية من هذا الكتاب- لبّ لباب الدين، ولو عرف النّاس إمامهم حقّ المعرفة أو بالمعرفة اللحقّة

ص: 82


1- أصول الكافي: 371/1.
2- بحار الأنوار: 141/52.
3- بحار الأنوار : 145/52.

-على أقل تقدير- وعرفوا مقامه ومقام الإمامة والولاية الإلهية لسارعوا إلى نهرته في حينه، ولطلبوا الفرج لإقامة شرع الله تعالى مهما كلفهم ذلك من ثمن، خالصا لوجهه تعالى، لا يريدون بذلك جزاء ولا شكوراً ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾(1)، وكانت قرة أعينهم في إحقاق الحق وإزهاق الباطل وإقامة العدل لإعمار الأرض وتطهيرها حتى لا يعبد على وجه البسيطة سوى الله عز وجل، ولا يذكر غيره ، ولا يطاع إلا هو وأولياؤه، وفي ذلك قال تعالى :﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه﴾(2)، ولا يشرك به شيء.

ص: 83


1- سورة الإنسان : الآية 9.
2- سورة البقرة: الآية 193.

ص: 84

الدرس السادس: المنتظرون

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأما المنتظر لظهوره أرواح العالمين له الفداء فلا بد أن يستعدّ ويتحلى بالفضائل والمكارم وشحذ الهمة والتضحية والإيثار.

1- قال باقر آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه في جواب من قال له: إنهم يقولون إنّ المهديّ لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يهریق محجمة دمٍ، فقال : «كلا، والذي نفسي بيده، لو استقامت لأحد عفوا، لاستقامت الرسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه حين أدميت رباعيته، وشج في وجهه، كلا، والذي نفسي بيده، حتى تمسح نحن وأنتم العرق والقلق»(1).

2- وقال أبو عبدالله الصادق صلوات الله عليه في حديث:

ص: 85


1- بحار الأنوار: 358/52. الغيبة / النعماني : 284.

«ليعدن أحدكم لخروج القائم ولو سهماً، فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نیّته رجوث لأن ينسى في عمره حتى يدركه ويكون من أعوانه وأنصاره»(1).

فللمنتظر مقام محمود عند الله تعالى وقدم صدق.

3- قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : «المنتظر لأمرنا کالمتشط بدمه في سبيل الله»(2).

4- وقال أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه»، قال : ثم مكث هنيئة ثم قال:«لا ، بل كان كمن قارع معه بسيفه » ، ثم قال : « لا والله! إلا كمن استشهد مع رسول الله»(3).

5- وقال عَلَيهِ السَّلَامُ:«رجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها»(4).

6- وقال النبي الأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « يا علي ، واعلم أن أعظم الناس يقينا

ص: 86


1- بحار الأنوار: 366/52. الغيبة / النعماني : 320.
2- بحار الأنوار : 123/52.
3- مکیال المکارم: 210/2.
4- بحار الأنوار : 308/52.

قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي، و حُجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد في بياض» (1).

7- وقال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «ولكن إخواني الذين يأتون من بعدكم، يؤمنون بي ويحبوني وينصروني ويصدقوني، وما رأوني »(2).

8- وقال زین العابدین صلوات الله عليه : « إن أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان؛ لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ... أولئك المخلصون حقا»(3).

9- وقال الرسول الأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:«سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم»، قالوا: يا رسول الله، نحن كتا معك ببدر وأحد وحنين، ونزل فينا القرآن، فقال :«إنكم لو تحملوا لما څملوا لم تصبروا صبرهم »(4).

10- وقال سید الساجدين عَلَيهِ السَّلَامُ: «إن أهل زمان غيبته، القائلين

ص: 87


1- بحار الأنوار : 125/52.
2- بحار الأنوار : 132/52.
3- كمال الدين : 320/1.
4- بحار الأنوار : 130/52.

بإمامته والمنتظرين لظهوره .. الدعاة إلى دين الله عز وجل سرّاً وجهراً» (1).

11- عنه، عن السندي، عن جده، قال: قلت لأبي عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ:«ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظراً له؟ قال : هو بمنزلة من كان معالقائم عَلَيهِ السَّلَامُ في فسطاطه، ثم سكت هنيئة، ثم قال: هو کمن كان مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه» (2).

12- عنه، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن موسى النميري، عن علاء بن سابة، قال: قال أبو عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: «من مات منكم على هذا الأمر منتظرة له كان كمن كان في فسطاط القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(3).

13- عنه، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن عمر بن أبان الكلبي، عن عبد الحميد الواسطي، قال: «قلت لأبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ:أصلحك الله، والله لقد تركنا أسواقنا انتظار هذا الأمر حتى أوشك الرجل منّا يسأل في يديه، فقال : يا عبد الحميد، أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجا؟ بلى والله ليجعل الله له مخرجاً،

ص: 88


1- کمال الدين : 320.
2- المحاسن: 173/1، الحديث 146.
3- المصدر المتقدم: الحديث 147.

رحم الله عبدا حبس نفسه علينا ، رحم الله عبدا أحيي أمرنا.

قال: فقلت : فإن مث قبل أن أدرك القائم؟ فقال : القائل منکم إن أدركت القائم من آل محمد نصرته کالمقارع معه بسيفه، والشهيد معه له شهادتان »(1).

14- عنه، عن ابن فضال، عن علي بن شجرة، عن أبيه، عن أبي عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ، أو عن رجل، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « من مات على هذاالأمر كان بمنزلة من حضر مع القائم وشهد مع القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

15- عنه: عن أبيه، عن حمزة بن عبد الله، عن حسان بن درّاج، عن مالك بن أعين ، قال : قال أبو عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: «من مات منكم على أمرنا هذا كان من استشهد مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه»(3).

16- عنه: عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن مالك بن أعين الجهني، قال : « قال لي أبو عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ: إن الميت منكم على هذا الأمر بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله »(4).

ص: 89


1- المحاسن : 173/1، الحديث 148.
2- المصدر المتقدم : الحديث 149.
3- المصدر المتقدم : الحديث 144.
4- المحاسن: 174/1، الحديث 150.

17- عنه: عن عثمان بن عيسى، عن أبي الجارود ، عن قنوة ابنة رشيد الهجري، قالت: «قلت لأب : ما أشد اجتهادك ! فقال: یا بنية، سيجيء قوم بعدنا بصائرهم في دينهم أفضل من اجتهادأوليهم»(1).

18- عنه: عن...عن الحكم بن عيينة، قال: «لّما قتل أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ الخوارج يوم النهروان قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، طوبى لنا إذ شهدنا معك هذا الموقف وقتلنا معك هؤلاءالخوارج، فقال أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لقد شهدنا في هذا الموقف أناس لم يخلق الله آبائهم ولا أجدادهم بعد، فقال الرجل: وكيف شهدنا قوم لم يخلقوا؟ قال: بلى، قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه وهم يسلمون لنا، فأولئك شركاؤنا فيما كنا حقاً حقاً» (2).

19- وعن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « من حبس نفسه لداعينا، وكان منتظراً لقائمنا، كان كالمتشحط -بدمه- بين سيفه وترسه في سبيل الله»(3).

ص: 90


1- المحاسن: 251/1، الحديث 267.
2- المحاسن: 262/1، الحدیث 322.
3- شرح الأخبار: 357/3.

20- عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين َعَلَيهِ السَّلَامُ، قال: « تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه والأئمة من بعده. یا أبا خالد، إن أهل زمان غیبته القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره، أفضل أهل كل زمان؛ لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه بالسيف، أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقة، والدعاة إلى دين الله سرا وجهراً»(1).

21- وفي حديث مفصل عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، روى النعماني بسنده أنه قال: « ... المنتظر للثاني عشر - الشاهر سيفه بين يديه-كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يذب عنه »(2).

22- وروى النعماني رَحْمَهُ اللَّهِ أيضا بسنده عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال:«إعرف إمامك، فإذا عرفته لم يضرك تقدم أم تأخر، فإن الله عز وجل يقول:﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِ﴾(3)، فمن عرف إمامه كان

ص: 91


1- بحار الأنوار : 122/52، الحديث 4.
2- الغيبة / النعماني : 91.
3- سورة الإسراء: الآية 71.

کمن هو في فسطاط القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

23- وفي رواية الراوندي عن الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال:«... وسمي المنتظر أن له غيبة يطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويهلك المستعجلون»(2).

24- وبإسناده -أي الطبرسي رَحْمَهُ اللَّهِ - أيضا، عن الحارث بن المغيرة، قال : «کنّا عند أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ، فقال: العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه الخير، كمن جاهد والله مع قائم آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه بسيفه، ثم قال: بل والله كمن جاهد مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه فسطاطه...»(3).

25- و عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال ذات يوم: «ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل عن العباد عم إلا به ؟ فقلت: بلى ، فقال :... - إلى أن قال : – والطمأنينة والانتظار للقائم»، ثم قال: إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء، ثم قال : من سر أن يكون من

ص: 92


1- الغيبة / النعماني: 331.
2- الخرائج والجرائح : 1172/3.
3- بحارالأنوار : 38/24.

ص: 93

العبادة مع الإمام منكم المستتر في السر في دولة الباطل أفضل؟ أم العبادة في ظهور الملحق ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟

فقال: يا عمار، الصدقة في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل، لخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة ممن يعبد الله في ظهور الحق مع الإمام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق.

إعلموا أنّ من صلّى منكم صلاة فريضة وحداناً مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمها، كتب الله عز وجل له بها خمسة وعشرين صلاة وحدانية، ومن صلى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمّها، كتب الله عزّ وجلّ له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله تعالی حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان الله بالتقنية على دينه، وعلى إمامه وعلى نفسه، وأمسك من لسانه، أضعافا مضاعفة كثيرة، إن الله عزّ وجلّ كريم».

قال: فقلت: جعلت فداك، حثثتني عليه، ولكنّي أحبّ أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام منکم، الظاهر في دولة الحق، ونحن وهم على دينٍ واحدٍ، وهو دين الله عزّ وجلّ؟

ص: 94

فقال: إنةّكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله، وإلى الصلاة والصوم والحج، وإلى كل فقير وخير، وإلى عبادة الله سرّاً من عدوّكم مع الإمام المستتر، مطیعون له، صابرون معه، منتظرون لدولة الحق، خائفون على إمامكم، وعلى أنفسكم من الملوك، تنظرون إلى حقّ إمامكم وحقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك، واضطروكم إلى جذب الدنيا وطلب المعاش، مع الصبر على دینکم، وعبادتكم، وطاعة ربّكم، والخوف من عدوّكم، فبذلك ضاعف الله أعمالكم فهنيئاً لكم هنيئاً.

قال: فقلت: جعلت فداك، فما نتمنّى إذاً أن نكون من أصحاب القائم عَلَيهِ السَّلَامُ في ظهور الحق، ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحق.

فقال: سبحان الله! أما تحبون أن يظهر الله عز وجل الحق والعدل في البلاد، ويحسن حال عامة الناس، ويجمع الله الكلمة، ويؤلف بين القلوب المختلفة، ولا يعصى الله في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه، ورد الحق إلى أهله، فيظهره حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق؟

أما والله يا عمار، لا يموت منکم مت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله عزّ وجلّ من كثير ممّن شهدوا بدراً

ص: 95

وأحدة، فأبشروا»(1).

30- عن أبان بن تغلب عن أبي عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: «كيف أنتم إذا وقعت السبطة بين المسجدين؟ تأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها، واختلفت الشيعة بينهم، وسمي بعضهم بعضا كذابين، ويتفل بعضهم في وجوه بعض؟

فقلت: ما عند ذلك من خير، قال: الخير كله عند ذلك، يقوله ثلاثاً: وقد قرب الفرج »(2).

31- وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: «قال لي أبي عَلَيهِ السَّلَامُ لا بد لنا من أذربيجان لا يقوم لها شيء، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم وألبدوا ما ألبدنا، فإذا تحرك متحركنا فاسمعوا إليه ولو حبوا، والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على کتاب جدید، على العرب شديد، وقال: ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب »(3).

32- عن أبي المرهف ، قال : «قال أبو عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: هلکت

ص: 96


1- بحار الأنوار: 128/52. الكافي: 1/ 334.
2- بحار الأنوار: 134/52.
3- بحار الأنوار: 135/52.

المحاضير، قلت: وما المحاضير؟ قال: المستعجلون، ونجا المقربون، وثبت الحصن على أوتادها، كونوا أحلاس بيوتكم، فإن الفتنة على من أثارها، وإنهم لا يريدونكم بحاجة إلا أتاهم الله بشاغل لأمر يعرض لهم»(1).

33- وعن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: «كفوا ألسنتكم، والزموا بيوتكم، فإنه لا يصيبكم أمر تخصون به أبدا، ولا يصيب العامة، ولا تزال الزيدية وقاء لكم أبدأ»(2).

34- عن جابر، عن أبي جعفر، محمد بن علي الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: « مثل من خرج منا أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار ووقع في كوة فتلاعبت به الصبيان »(3).

35- عن أبي جعفر، محمد بن علي الباقر عَلَيهِما السَّلَامُ أنّه قال : « اسكنوا ما سكنت السماوات والأرض، أي لا تخرجوا على أحد، فإن أمركم ليس به خفاء، ألا إنها آية من الله عز وجل، ليست من الناس، ألا إنها أضوء من الشمس، لا يخفى على بر ولا فاجر، أتعرفون الصبح؟ فإنه كالصبح ليس به خفاء»(4).

ص: 97


1- بحار الأنوار : 138/52.
2- بحار الأنوار : 139/52.
3- بحار الأنوار : 139/52.
4- بحار الأنوار : 139/52.

36- وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : «كلّ راية ترفع قبل قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل »(1).

37- وقال مولى المتقين و أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه:«الزموا الأرض، واصبروا على البلاء، ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم وهوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يجعله الله لكم، فإنّه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة ربّه، وحق رسوله وأهل بيته، مات شهيدا أوقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته بسيفه، فإن لكل شيء مدة وأجلا»(2).

خلاصة القول:

يمكن تلخيص ما ورد في الروايات المحاكية عن أحوال المنتظرین و أوصافهم ومقامهم وثوابهم والتي اخترنا شطر منها، لاكلها، و قطفنا من كل غصن زهرة لا الزهور بأجمعها - أقول: يمكن تلخيص ما جاء فيها من منطق أهل العصمة وقادة الإسلام المطهرين في النقاط التالية:

ص: 98


1- بحار الأنوار : 143/52.
2- بحار الأنوار : 144/52.

1- الردّ على النظريّة الباطلة المفتراة على أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ التي تزعم أنّ الأمور تستقيم لصاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ عفواً، من دون إراقة قطرة دم على الإطلاق.

2- أنّ صاحب الأمر صلوات الله عليه وأصحابه يخوضون معارك دامية تدور على قدم وساق حتّى يحرزوا النصر في معركة الحقّ على الباطل.

3- يجب على المنتظرين من أهل الإيمان أن يكونوا على أهبة الاستعداد لخروج قائدهم ومولاهم صاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ، ولو بإعداد سهم لنصرته عَلَيهِ السَّلَامُ.

4- لعلّ الله تعالى تقضي مشيّته أن يوفّق الرجل منّا لإدراك ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ إذا رآه يعد العدة للخروج ولنصرته عَلَيهِ السَّلَامُ.

5- أن المنتظر لظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ مفعم قلبه بالإيمان حتى يكون أشدّ من زبر الحديد، ومن الجبال الراسيات.

6- المنتظرون لظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ إخوان رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأنصاره وأحباؤه.

7- إنّهم أفضل أهل كلّ زمان.

8- إنّهم أعقل الناس وأفهمهم.

9- أنّ الغيب بمنزلة الشهود عندهم.

ص: 99

10- أنّهم المخلصون حقّاً.

11- هم الدعاة إلى الله تعالى سراً وجهراً.

12- أن من مات منهم قبل ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ فهو بمنزلة من كان مع القائم عَلَيهِ السَّلَامُ في فسطاطه.

13- بل هو كمن كان مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه.

14- إن الله تعالى يجعل لهم مخرجاً و فرجاً.

15- وهم کالمقارع معه بسيفه.

16- الشهيد مع صاحب الأمر أرواحنا فداه، له أجر شهیدین، أو تكتب شهادته شهادتين.

17- من مات منهم قبل الظهور كان كمن استشهد مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه

18- وهم بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله.

19- إنّهم كمن شهد القتال بين يدي أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ.

20- وإنّهم كالمتشحط بدمه في سبيل الله.

21- هم الشيعة صدقاً.

22- وهم كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه.

23- من عرف إمامه كان كمن هو في فسطاط المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ يقاتل بين يديه.

24- لا يقبل عمل إلّا بالانتظار للقائم عَلَيهِ السَّلَامُ.

ص: 100

25- من انتظر وعمل بالورع ومحاسن الأخلاق كتب من أصحاب القائم عَلَيهِ السَّلَامُ.

26- المنتظرون هم أعظم الناس يقيناً.

27- للمنتظر أجر ألف شهيد.

28- يجب على المؤمنين المنتظرين أن يكونوا أحلاس بيوتهم، لا يخرجون مع من دعاهم إلى الخروج، ولا يقاتلون تحت راية قطّ، ولا يستجيبون لكلّ نداء، ولا يتبعون كل ناعق حتى يظهر صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه. إلّا للدفاع عن بيضة الإسلام، وهي عبارة عن تعرض مبادئ الإسلام وأصوله لخطر الزوال والانقراض والقضاء على شهادة «أنّ محمّداً رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه»، أو للدفاع عن النفس، والدفاع عن بيضة الإسلام لا يكون ولا يجوز إلّا بإذن الفقيه الجامع للشرائط، و تحت لوائه وقيادته.

عن الإمام أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «خمس علامات قبل قیام القائم ... فقلت: جعلت فداك، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: لا، فلما كان من الغد تلوت هذه الآية ...»(1).

ص: 101


1- الكافي : 310/8. الغيبة / النعماني : 252. کمال الدين : 649.الخصال : 303. دلائل الإمامة : 261. الغيبة / الطوسی: 267. إعلام الوری : 426. عقد الدرر: 111.

29- العبادة والعمل والطاعة والتقوى في دولة الباطل -أي في غياب الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ -أفضل من الطاعة والعبادة والتقوى والعمل الصالح في دولة الحق.

30- يمر الشيعة المنتظرون بظروف صعبة للغاية من قتل وحبس وتشريد و مطاردة وما شابه ذلك ، هذا من الخارج ومن جهة العدو.

31- وتمر عليهم بلایا ومصائب واختبارات من الداخل، حيث يكذّب بعضهم بعضاً، ويتفل بعضهم في وجه البعض الآخر، ويتّهم بعضهم بعضاً في آخر الزمان وقرب الظهور.

32- إنّ الحقّ كالشمس لاتبلّدها الغيوم إلّا لفترة قصيرة، ولا يخفى عن قلوب من أبصر وتبصّر واستبصر، بل هو كالشمس في رابعة النهار ، سواء كان في غيبة الحجة أو في ظهوره.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من المنتظرين لظهوره، والنائلين شرف الصابرين المرابطين بين يديه.

والدعوة إلى الله تقوم على أسس من العلم والمعرفة والشجاعة والإخلاص والتضحية والإيثار، لا سيا في زمان يقل فيه المخلصون

ص: 102

والغيورون على الدين، ويكثر فيه أهل اللهو والغواية، والمناهضون للفكر الديني، والمتلاعبون بالدين، والانتهازيّون الذين يتّخذون من الدین جسراً للوصول إلى غاياتهم وتحقيق مصالحهم الشخصيّةوالحزبيّة والسياسيّة.

كما أنّ الدعوة يجب أن تكون وفقاً للموازين الشرعيّة والقواعد العقلية طبقاً لمقتضى الزمان والمكان، فتكون بالكلمة الطيّبة والجدال بالتي هي أحسن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأفضل أنواعها، بل رأسها وعمادها إحياء ذكر أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ:

قال الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«رحم الله من أحيا أمرنا »(1).

وقال تعالى:﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم﴾(2).

وإقامة مآتم سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه ، فقد قال مولانا الرضا صلوات الله عليه : « إن لقتل الحسين حرارة في قلوب

ص: 103


1- بحار الانوار: 282/44 و: 343/71 و: 100/107. وسائل الشیعة: 20/12 و: 21/12 و: 22/12 و: 501/14 و 587/14 و: 92/27 و: 141/27.
2- سورة الأنفال : الآية 24.

المؤمنين لا تبرد أبدا»(1).

وقال إمامنا وسيّدنا الحسن المجتبى صلوات الله عليه:« لكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله»(2).

وإذا كنّا جميعاً رعاةً ومسؤولين عن الدين الحنيف لقوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»(3)، فكلّ مؤمن منتظر وداعية من الدعاة الذين ينبغي أن يكونوا مرابطين، يحمون ثغور هذاالدين، ويذودون عن المذهب الحق بالبنان والبيان والقلم واللسان.

قال مولانا أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « فكن على حَذَرٍ، واطلب من االله عز وجل النجاة .. فكن مترقبا، واجتهد، ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم علي »(4).

إشارة إلى ما عليه عامة الناس وأكثرهم من إهمال بأمور دينهم، وغفلة عن آخرتهم، وانشغالهم بزخارف هذه الدنيا الفانية، مآلهم إلى السقوط في هاوية الانحراف والضلال.

ص: 104


1- مستدرك الوسائل : 318/10.
2- أمالي الصدوق: 177. العوالم : 154/17. بحار الأنوار : 218/45.
3- کشف المحجة : 39. عوالي اللئالي : 129/1. بحار الأنوار : 38/72.
4- بحار الأنوار : 260/52.

ولهذا قال مولانا الصادق صلوات الله عليه:« ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، ويقتدون بأهل الشرور، ورأيت مسلك الخير و طريقه خالية لا يسلكه أحد»(1).

تحت وطأة هذه الظروف الحالكة التي ينظر فيها بعضهم إلى بعض أي يتنافسون على الماديات، ويتولون في الشهوات، ويتسابقون إلى الملذات والمحرمات، ويتغافلون عن الكمالات؛ لاقتدائهم بأهل الشرور، تجد طائفة مؤمنة مخلصة يذوقون حلاوة الإيمان والعمل الصالح ويقومون بحمل الأمانة الإلهيّة، وينهضون بأعباء الذود عن دينهم، فيكون لذلك كلّه حلاوة لا يعادلها شيء، وتأتي الأهمّية من جهة أنّهم يتمسّكون بدينهم الحقّ، ويتزيّنون بفضائل الأخلاق و مکارمه ويسابقون إلى الخير في زمن يخلو طريق الخير ومسلك الحقّ من سالكيه، أو يقلّ فيه سالکوه.

فإذا حلّ الفساد، و عمت الشرور، وانفضّ النّاس عن طريق الخير، وسلكوا دروب الباطل حتّى ظلّت الفضائل في غياهب النسيان، وغدى الدين غريباً، وأهله منبوذين، وضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، ظهرت أهمّية التديّن والصمود بوجه التحدّيات،

ص: 105


1- بحار الأنوار : 259/52.

والتمسك بشريعة السماء، و سلوك الطريق إلى الله تعالى، واتّباع طريق الحقّ والالتزام بالصراط القويم، وكان الملتزم بذلك في أعلى مراتب الجهاد، معدوداً من خيرة الأولياء، ولا شكّ أنّ أدنى مراتب التنديّن في مثل هذه الظروف تفوق أعلى درجاته في زمن الرخاء والرفاه.

قال الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ في الرد على بعض أصحابه: «کلا، إنكم مؤمنون ولكن لا تكملون إيمانكم حتّى يخرج قائمنا، فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنین کاملین ...»(1)

ص: 106


1- الأصول الستة عشر :6. بحار الأنوار: 350/67.

الدرس السابع: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه - 1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

قال تعالى :﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطينَ الإِنسِ وَالجِنِّ﴾(1) فما من نبيّ ولا إمام ولا مصلح إلّا تظاهر علیه طائفة من شرار الخلق وطواغيتها، وكلما كان هذا النبيّ أو الوليّ أعلى مقاماً وأعظم درجة كان أعداؤه أشد كفراً وزندقة وطغياناً.

وفي الآية الكريمة نكات لطيفة ، ودقائق ظريفة كقوله تعالى: ﴿جَعَلنَا﴾ الذي هو إشارة إلى الجعل التكويني والتقدير الإلهي، أي قدّرنا له عدوّاً، فأينا يوجد الخير لا بدّ أن يقابله شرّ، وأينا حلّ الحقّ، فلا عجب إن عانده الباطل و تصدّى له أهل الغواية؛ إذ المقابلة

ص: 107


1- سورة الأنعام : الآية 112.

بينها تقابل الضدين، والضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان؛ ذلك أنّ الحقّ ليس أمراً نسبياً، والتنافي بين الحقّ المطلق والباطل المطلق ذاتي، كلّ ما وجد الحقّ المتجلّي في الأنبياء والأولياء قابله الباطل المتجلّي في أعداء الله وأعداء الأنبياء والأولياء؛ إذ تعرف الأشياء بأضدادها، كما قال أهل المعقول، وقال الشاعر: «والضدّ يظهر حسنه الضدّ»، وإنّما قال تعالى : ﴿جَعَلنَا﴾ و ليعلم أنّ المجعول ابتداء هو المجعول استمراراً، وأنّ المجاعل له ابتداءً هو الجاعل والمقدّر له استمراراً، لكي لا يظن أحد أن هذا العدو الذي يجهر بعداءه لله عز وجل ولأولياءه بالكفر الصريح، والتصدي الشنيع، أو يخفيه بالنفاق، أنّه خارج عن قبضة القادر المتعال، مهما طال به الأمد وممد له الأجل، ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾(1)؛ ذلك أن الله يمهل ولا يهمل ، وسيأخذهم في حينه أخذ عزيز مقتدر ، ففي الدعاء: «وَإنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ»(2).

ص: 108


1- سورة إبراهيم: الآية 42.
2- مصباح المتهجد: 563. وسائل الشيعة : 13/ 280. المزار / المشهدي : 471. إقبال الأعمال : 181/2.

وقوله تعالى : ﴿عَدُوّاً﴾ إشارة إلى نوع العدوّ وجنسه دون العدد، فليس المراد أنّ له عدواً واحداً، بل له أعداء كثيرون، ولعلّه إشارة إلى أنّ لكلّ واحد منهم عدوّاً واحداً يتزعّم جيشاً من الأعداء، فهو الزعيم الذي يقود جموعاً لمواجهة نبي عصره کما في حكاية إبراهيم الخليل عَلَيهِ السَّلَامُ، ونمرود، وموسى عَلَيهِ السَّلَامُ وفرعون و نبینا محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأبي جهل ... وهكذا.

وعليه فللمهدي صلوات الله عليه أعداء كثيرون ؛ لأنّه يهدّد ملكهم وسلطانهم ومعتقداتهم، فله أعداء من الحكام والسلاطين، وله أعداء من علماء المذاهب والحل والأديان الباطلة والضالّة، ومن أصحاب المصالح الشخصيّة والحزبيّة، كلّ يرى في ظهوره أرواحنا فداه خطر يهدد مصالحه وكيانه، وتجتمع كلمتهم على مواجهة الحقّ، وإن كنت تراهم جميعاً وقلوبهم شتّى، ومآلهم إلى الخيبة والخسران لقوله تعالى : ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾(1).

و لهذا جاء في الحديث : « إن صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي من

ص: 109


1- سورة الصف : الآية 8.

الناس مثل ما لقي رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأكثر »(1).

فمن هم أعداء صاحب الأمر أرواحنا فداه؟ وما هي الملاكات العامّة الكلّية التي يتمّ من خلالها تصنيف أعدائه عليه الصلاة والسلام؟ وما هي أوصافهم ونعوتهم؟ ومن هم أعداؤه المحاربون له، البارزون لقتاله عند ظهوره؟ وكيف تكون مواجهته صلوات الله عليه لهذه الفئة الكافرة، والضالة عند ذاك؟

1- المتدينون المترفون والمصلحيّون من الحكّام ورجال السياسة الذين يمتطون صهوة الدين ما دام يخدم أغراضهم ولا يعارض شيئاً من مصالحهم، ولا يتعارض مع أهدافهم وأفكارهم، ولا يعرّض دنیاهم إلى المخاطرة والمجازفة، ممّن وصفهم مولانا أبو عبدالله الحسین صلوات الله عليه بقوله : « الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدیّانون»(2).

ولهذا تجدهم حينئذ بين محارب للدين وأهله، وبين منتحل سبيل التأويل والتحريف تبريراً لخنوعهم وتقاعسهم تحت ستار التقنيّة

ص: 110


1- الغيبة / النعمانی : 297.
2- تحف العقول : 245. بحار الأنوار : 195/44، 383.

تارة، وخلف قناع التورية تارة أخرى، وعن هؤلاء قال: قال مولانا أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنما جعلت التقنية ليحقن بها الدماء، فإذا بلغت التقنية الدم فلا تقية، وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لانفعل، إنما نتقي، ولكانت التقنية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مسائلتكم عن ذلك، ولأقام في كثير منكم من أهل النفاق حدود الله »(1).

وفي الحديث: «لو قد قام قائمنا بدأ بالذين ينتحلون حبنا فيضرب أعناقهم»(2).

لأنّهم لم يكونوا يتّقون، بل كانوا ينافقون، وكم فرقاً بين التقيّة والنفاق، أو لعل شدة تمسّكهم بالتقيّة وطول المدّة جرفاهم إلى النفاق، وصنعا منهم أناس منافقين، إذ خلت قلوبهم من الإيمان.

2- فئة الجهلة والقشريّین والمتحجّرين ممّن جهلوا مقام الإمام صلوات الله عليه، والنّاس أعداء ما جهلوا، فتوقّفوا عند ظواهر النصوص والآيات، وأخذوا من الدين قشوره، معرضين عن لبابه، يعارضون كلّ تطوير وتحديث وتنمية وإصلاح وتغيير،

ص: 111


1- وسائل الشيعة : 483/11.
2- الإيضاح : 208 - 209.

وإن جاءت من المعصوم عَلَيهِ السَّلَامُ، لمجرد الجمود والتقليد؛ لأنّهم سیندهشون حينيكشف لهم الإمام أرواحنا فداه حقائق وأسراراً كانت خافية عليهم ولم تف الظروف ولا سنحت الفرصة لرسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم كي يكشفوا عنها الحجاب، ويبيّنوها للنّاس بالإفصاح عنها، وإزاحة الستار عن مكنونها، ومن جهةأنّه صلوات الله عليه حجّة الله، ووليّه بالولايتين التكوينيّة والتشريعيّة، فهو مشرّع يحيي من الشريعة ما حرّفته الأيدي الآثمة، وغيّبها طول الزمان، بل هو عَلَيهِ السَّلَامُ يأتي بتشريعات تناسب ظروف الزمان لكن ليس ممّا يخالف ما ثبت بالنصّ القرآني الجليّ والمتواتر من الحديث ممّا غدى من مسلّمات الدين.

قال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم استأنف دعاء جديداً كما دعا رسول الله»(1)، وهذا ممّا لا يروق لأهل الجمود والمتحجّرين والجهلة.

قال صادق آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « إنّ قائمنا إذا قام استقبل من جهلةالناس أشدّ ممّا استقبله رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه من جهال الجاهلية، فقلت : وكيف ذاك؟ قال: إن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإنّ قائمنا إذا قام أتی

ص: 112


1- الغيبة / النعماني : 322.

النّاس وكلّهم يتأوّل عليه كتاب الله ويحتجّ عليه وبه، ثمّ قال: أما والله ليدخلنّ عليهم العدل جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ والقرّ»(1).

وقال عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّه أوّل قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم»(2).

3- الكفّار والمنافقون واليهود والنصار

قال مولانا الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم ولا کافر، إلا كره خروجه»(3).

وعن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « ثم يخرج عن الكوفة مائة ألف بين مشرکٍ ومنافق حتى يضربوا دمشق لايصدهم عنها صاد، وهي إرَمَ ذات العماد»(4).

وفي رواية مفصلة:«... فيقتل يومئذ فيما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف من اليهود والنصارى، يقتل بعضهم بعضا، تأويل هذه

ص: 113


1- الغيبة / النعماني : 297.
2- بحار الأنوار : 375/52.
3- البرهان في تفسير القرآن / السيد هاشم البحراني : 121/2.
4- مختصر بصائر الدرجات : 195. بحار الأنوار : 83/53 - 84.

الآية: ﴿فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾ (1) بالسيف وتحت ظل السيف »(2).

4- أهل العناد والعصبيات القومية والجاهلية والاجتماعية والمذهبية والطائفية والدينيّة

وهذه الطائفة لم تخضع لأية داعية حق وإصلاح، بل كذّبت الأنبياء والرسل بأجمعهم، وفي القرآن الكريم والأحاديث ما يكفي للدلالة على عدائهم للحق.

ه- الأغنياء والمترفون

عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ في تفسير قوله تعالى : ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ*لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ (3) «يعني القائم يسأل عن بني فلان عن كنوز بني أمية والكنوز التي كنز وها»(4).

ص: 114


1- سورة الأنبياء: الآية 15.
2- مختصر البصائر : 199 و 200.
3- سورة الأنبياء : الآيتان 12 و 13.
4- دلائل الإمامة :250. تفسير القمي : 68/2.

6- الزعماء والرؤساء والزعماء السياسيّون المتكالبون على مناصبهم والحريصون على حفظ كراسيّهم

وهذه الطائفة لا ترضى بالقليل، ولا ترضى إلّا بما تهواه أنفسها، وما خضعت أعناقها للحق قطّ، ولن تخضع أبدأ، والشواهد في الكتاب والسنّة والوجدان لا تحصى ، وقد اشتهر أنّ الملك عقيم.

7- بنو أمية وشيعتهم

عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : « إذا قام القائم وبعث إلى بني أمية بالشام فهربوا إلى الروم ، فيقول لهم الروم : لاندخلنكم حتى تتنصروا، فيعلقون في أعناقهم اللبان، فيدخلونهم»(1).

وسيأتي في علامات الظهور عن السفياني الناصبي الكافر الذي يحمل راية العداء له عَلَيهِ السَّلَامُ، وهي راية أمويّة.

ولكنّ مكر أعدائه عَلَيهِ السَّلَامُ وغدرهم وفجورهم لايجد له صدىً في الآفاق، ولا يحيق المكر السيّئ إلّا بأهله، فقد قال صادق آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « إنّ مكرهم لتزول منه الجبال، إن كان مكر بني برهان -العباس - بالقائم لتزول منه قلوب الرجال »(2)

ص: 115


1- الكافي : 51/8.
2- تفسير العياشي : 235/2.

وأمّا عذاب أعدائه عَلَيهِ السَّلَامُ في الدنيا قبل الآخرة فهو الخسف والقذف والمسخ، فيومئذٍ تأويل هذه الآية : ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾(1)»(2)

وأخيرا فإنه عَلَيهِ السَّلَامُ يقتل رأس كل الشرور والفتن والمعاصي والجرائم، أعني إبليس لعنه الله، وهو زعيم كلّ الأشرار وقائد أعداء الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، ففي الحديث عن الإمام زين العابدین عَلَيهِ السَّلَامُ في تفسير قوله تعالى : ﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلی یوْمِ یبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّک مِنَ الْمُنْظَرِینَ * إِلی یوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (3)« إن الوقت المعلوم يوم قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، فيقول : ويلاه من هذا اليوم ، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه ، فذلك يوم الوقت المعلوم، منتهى أجله»(4)، وكثرت الأحاديث بهذا المعنى.

وكما أنّ لكلّ نبيّ ووليّ عدواً، فإنّ لكلّ واحد منهم جملة من الأنصار والأصحاب، کالطوائف الاثنتي عشرة التي يطلق عليها الأسباط، وهم من سلالة أبناء سيدنا يعقوب عَلَيهِ السَّلَامُ الإثني عشر،

ص: 116


1- سورة هود: الآية 83.
2- مختصر البصائر : 200.
3- سورة الحجر : الآيات 31- 38.
4- بحار الأنوار: 376/52، عن الأنوار المضيئة.

الذين ناصروا سيدنا موسى عَلَيهِ السَّلَامُ، والحواريّين من أصحاب سيّدنا عیسی عَلَيهِ السَّلَامُ، وهكذا المهاجرين والأنصار الذين آمنوا برسولناالأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وآزروه ونصروه، كذلك لإمامنا ولي الأمر عجل الله فرجه الشریف جملة من الأنصار، فنهم الخواص من الأصحاب المدخرون لنصرته، المأمونون على سره، وهم قادة جيشه عند القيام والخروج، وولاة أمره على أقطار الأرض وأطرافها، بعد أن يظهره االله تعالى على أهل الأرض، ويظهر الإسلام على الدين كلّه، تقوم على يديه الكريتين دولة الحقّ في مشارق الأرض ومغاربها.

ص: 117

ص: 118

الدرس الثامن: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه - 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

قال أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ في موثقة مفضل بن عمر:

1- «كأني أنظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا على عدة أهل بدر »(1).

وقد جاءت الروايات مستفيضة بهذا المعنى، منها رواية محمّد بن الحنفيّة عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.

وأمّا الأنصار فقد تظافرت الروايات من طرق الخاصة أنّ عددهم عشرة آلاف، ويبدو جليّاً أنّ ذلك يكون في أوّل قيامه وخروجه عَلَيهِ السَّلَامُ، ولا شكّ أن هذا العدد سيتضاعف فيما بعد .

ص: 119


1- كمال الدين : 672.

2- ففي صحيحة أبي بصير عن مولانا أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«لا يخرج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ حتى يكون تكملة الحلقة»، قلت : كم تكملة الحلقة ؟ قال : «عشرة آلاف»(1).

3- عن أبي بصير، قال : «سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: كم يخرج مع القائم عَلَيهِ السَّلَامُ؟ فإنهم يقولون إنّه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجل، قال: وما يخرج إلّا في أولو القوّة، وما يكون أولي القوة أقلّ من عشرة آلاف»(2).

4- وفي بعض الأخبار عبّر عنهم بكلمة «العقد»، وفي غيرها بتكملة «الفئة».

5- وفي رواية ابن زريق الغافقي عن مولانا أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

6- وفي رواية ابن مسعود(4).

7- وفي روايات أخرى لم يذكر العدد وإنّما وردت الإشارة إلى جموع غفيرة، لاسيما من جهة المشرق ، يخرجون ويلتحقون

ص: 120


1- الغيبة / النعمانی : 307.
2- کمال الدین: 654/2.
3- الملاحم والفتن / السيد ابن طاووس : 65.
4- الحاوي للفتاوي : 153/2.

بالإمام عَلَيهِ السَّلَامُ لنصرته كرواية(1).

8- وقد جاءت رواية الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ التالية موضحة بعض ما وقع في تلك الروايات من اختلاف في عدد الأنصار، قال صلوات الله عليه(2).

9- وجاء عن هؤلاء الأنصار ، وعلى رأسهم أولئك الأصحاب، قول مولانا الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « رجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله ... کالمصابیح، كأنّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة يتمنون أن يقتلوا في سبيل الله »(3).

وقال عنهم أيضا(4).

10- وعن مولانا الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «حتّى إذا صعد النجف قال لأصحابه: تعبّدوا ليلتكم، فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلى الله »(5).

ص: 121


1- بحار الأنوار :316/60.
2- الإرشاد : 383/2.
3- بحار الأنوار : 308/52.
4- كمال الدين : 356. الملاحم والفتن : 149. منتخب الأثر: 311.
5- بحار الأنوار : 308/52.

11- وقال عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأني أنظر إليهم مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، كأن قلوبهم زبر الحديد ... يسير الرعب أمامه شهرة وخلفه شهراً»(1).

وقال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه عنهم: «كدادون مجدون في طاعته »(2).

13- وقال أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « وكأن خيولهم العقبان، يتمسحون بسرج الإمام، يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به، ويقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد منهم»(3).

14- وقال عنهم مولانا الإمام الحسن العسكري عَلَيهِ السَّلَامُ في حديث لابنه القائم المنتظر عجّل الله تعالى فرجه (4)

15- وتشير الأخبار إلى شدّة ألفتهم ومحبّتهم فيما بينهم، فعن الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأنما رباهم أب واحد، وأم واحد، قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة»(5).

16- وقال عنهم مولانا أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأني أنظر إليهم

ص: 122


1- بحار الأنوار: 343/52.
2- کشف الغمة : 271/3.
3- الغيبة / النعماني : 316.
4- بحار الأنوار : 35/52.
5- إلزام الناصب: 20/2.

والزّيُّ واحد، والقد واحد، والجمال واحدٌ، واللباس واحد»(1).

17- والمروي کما مرّ-: «أنّ عدّة من يخرج معه أوّلاً ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدّة أهل بدر يجتمعون من أقاصي الأرض على غیر میعاد لا يعرف بعضهم بعضاً»(2).

18- وفي رواية: « يجمعهم الله بمكّة قزعاً(3) فيهم خمسون من أهل الكوفة »(4).

19- ويروى:« أربعة عشر والباقي من سائر النّاس»(5).

20- وروي:«أنّ بينهم خمسين امرأة، وهؤلاء هم خواص أصحابه »(6).

ص: 123


1- الملاحم والفتن : 148. بحار الأنوار :35/52.
2- بحار الأنوار : 306/52.
3- القزع - محركة - قطع السحاب الواحدة بهاء، ونسبته إلى الخريف، إما لسرعة اجتماعه، أو لتجمعه قطع صغيرة من أماكن شتی ، كما يؤمي إلي قوله : « يتبع بعضهم بعضا » كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضا ؛ لأن سحب الخريف عادة تكون متفرقة وعبارة عن قطع صغيرة مشتتة هنا وهناك، بخلاف سحب الشتاء التي تكون مجتمعة قطعة واحدة ، أو قطعة كبيرة.
4- بحار الأنوار : 342/52، 306.
5- دلائل الإمامة : 314 - 320.
6- تفسير العياشي: 64/1. الغيبة / النعمانی : 279.

21- وروي: « أنّهم حكّام الأرض وعماله عليها، وبهم يفتح شرق الأرض وغربها »(1).

22- وروي: « أنّه يقبل أوّلاً في خمسة وأربعين رجلا من تسعة أحياء من حيّ رجل ومن حيّ رجلان وهكذا إلى التسعة، ولا يزالون كذلك حتى يجتمع العدد »(2).

23- وروي: «أنّ معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وبلدانهم وطبائعهم وحلاهم وكناهم كدّادون مجدّون في طاعته، وما من بلد إلّا ويخرج معه منهم طائفة إلّا البصرة، فلا يخرج منها معه أحد»(3).

24- وروي : « أنّه يخرج منها رجلان، فإذا تم له هذا العدد، وهو ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، أظهر أمره، ثم يزيدون حتى يبلغوا عشرة آلاف، فإذا بلغوا هذا العدد خرج بهم من مكّة، ويسمّى هذا الجيش جیش الغضب»(4).

ص: 124


1- الخصال : 541. الغيبة / النعمانی : 244.
2- الخصال : 424.
3- عيون أخبار الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 64/2 و 65. الصراط المستقیم: 155/2. بحار الأنوار: 311/52 و : 208/36.
4- ملاحم ابن طاووس: 145. كمال الدين : 378. الغيبة / النعماني: 31، 311 و 312.

25- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يخرج مع القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلا، خمسة عشر من قوم موسي عَلَيهِ السَّلَامُ الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون وسليمان [سلمان] وأبو دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا وحكاماً»(1).

26- وفي غاية المرام: عن أبي جعفر محمFد بن جرير الطبري في مسند فاطمة بإسناده عن مسعدة بن صدقة، عن أبي بصير، عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ و ذکرحديثا فيه: «أن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ كان يعلم أصحاب القائم عَلَيهِ السَّلَامُ وعدتهم ويعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم وحلائلهم ومنازلهم ومراتبهم، وكذلك سائر الأئمة عَلَيهِم السَّلَامُ، وأنه أملي على الكاتب: هذا ما أملی رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه على أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، وأودعه إياه من تسمية المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، وعدد من يوافيه من المفقودين عن فرشهم وقبائلهم السائرين في ليلهم ونهارهم إلى مكّة عند استماع الصوت وهم النجباء القضاة الحكام على النّاس»(2).

ص: 125


1- الإرشاد : 365. مجمع البيان : 489/2.
2- دلائل الإمامة : 307، 311 - 314. ملاحم ابن طاووس: 201 - 205.

27- في الحديث بعد بيان كيفيّة قيامه عَلَيهِ السَّلَامُ:

«... فيقومون إليه ليقتلوه، فيقوم ثلاثمائة ونيف على الثلاثمائة فيمنعونه منهم، خمسون من أهل الكوفة، وسائرهم من أفناء النّاس، لا يعرف بعضهم بعضا ، اجتمعوا على غير ميعاد »(1).

28- عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا ظهر القائم ودخل الكوفة بعث الله تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صديق، فيكونون في أصحابه وأنصاره ...»(2).

29- عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «الأبدال من أهل الشام ، والنجباء من أهل الكوفة ، يجمعهم الله لشر يوم لعدونا » ، فقال جعفر الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يرحمكم الله ، بنا يبدأ البلاء ، ثم بكم، وبنا يبدأ الرخاء ، ثم بكم، رحم الله من حبّبنا إلى النّاس، ولم يكرهنا إليهم»(3).

30- في الرواية: « أصحاب القائم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، أولاد العجم، بعضهم يحمل في السحاب نهاراً، ويعرف باسمه وباسمه أبيه ونسبه وحليته، وبعضهم نائم على فراشه، فيوافيه

ص: 126


1- بحار الأنوار : 306/52.
2- بحار الأنوار: 390/52.
3- أمالي المفيد : 30 و 31.

في مكّة على غير ميعاد »(1).

31- وعن ابن أبي يعفور، قال : «سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: ويل لطغاة العرب من شرّ قد اقترب، قلت : جعلت فداك، كم مع القائم من العرب؟ قال: نفرٌ يسير، قلت: والله إنّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير، قال: لا بدّ للناس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا، ويستخرج في الغربال خلق كثير»(2).

32- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ :« اتق العرب، فإن لهم خبر سوء، أما إنّه لا يخرج مع القائم منهم واحد»(3).

كان ممّا تآمر به بنو أمية على أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، من خلال التآمر على شیعتهم، أن صادروا الحقيقة بمصادرتهم للعروبة، ونسبة شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ إلى الأصول غير العربية تنقيصة منهم ، وطعنة فيهم، واحتكار الأصول العربية لشيعتهم، نافين أن يكون شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ عرباً، لتكون حرب إعلامية وفكرية ضدهم، واتّهامهم حينئيذٍ بالأجانب عن معرفة الإسلام تارة، وبالدخلاء المتآمرين على

ص: 127


1- الغيبة / النعماني : 315.
2- الكافی: 370/1.
3- الغيبة / الطوسی: 284.

الإسلام تارة أخرى، وعملت أبواقهم الإعلامية جاهدة لبثّ هذه الكذبة في أوساط الشعوب الإسلاميّة، ولاسيمّا العربيّة منها، لشحنها بالعنصرية والشعوبية من جهة، وتأليبها على شيعة أهل البيت من جهة أخرى، و تخویف النّاس -المسلمين- من اعتناق مذهبهم، أو محاولة الاتّصال بأئمّتهم، فسرعان ما كان يتّهم بعدائه للعرب والإسلام، وكان ينسب إلى العجم -والأعاجم- ليحطوا من قدره، ويستصغروا شأنه، ليسهل عليهم اتهامه بما يسوقه إلى حتفه.

ولهذا وقعت التهمة على خيرة أصحاب الإمام علي عَلَيهِ السَّلَامُ بأنّهم من غير العرب ومن الأعاجم، وإن كان أكثرهم -إن لم نقل كلهم- من أصول عربيّة، ومن أشهر القبائل العربيّة، و يكفيك شاهداً على ذلك القائد العربي الفذّ، أسد الله وأسد رسوله وأسد أمير المؤمنين، الذي لم تردّ له راية قطّ، ولا خاض معركة إلّا وخرج منها منتصراً منصوراً مظفراً، وكانت تهابه أشجع الفرسان والأبطال، أعني مالك الأشتر النخعي رضوان الله تعالى عليه، فهذا البطل العربي لم يشتهر في مصر وبين المسلمين بالشيخ الأعجمي إلّا من جهة هذه المؤامرة الخبيثة التي لم يذعن لها أكثر الناس. وهكذا استمرّت المؤامرة حتّى تلاشت جموع الطائفة الشيعيّة هنا وهناك، وشرّدوا فلجأوا إلى بلاد العجم المجاورة، وما سلم من بقي منهم من البطش الأموي، وحقد النواصب لا في

ص: 128

بلادهم و لا فی بلاد العجم، لكنّهم في الغربة كانوا أحسن حالاً منهم في أوطانهم، وكان من بركات هذه المصائب التي نزلت بهم أن مالت إليهم قلوب هذه الشعوب، وأقبلوا على اعتناق مذهبهم الحقّ، حتّى جاء بنو العبّاس واستغلّوا حبّ هذه الشعوب وولائهم لأهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ للإطاحة بالدولة الأموية، لكنّ بني العبّاس لم يختلفوا عن أسلافهم الأمويّين، وما تخلّوا عن مبادئهم المشؤومة في ديموميّة الحرب على شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، بل مضوا على السيرة ذاتها، بل زادوا النّار حطباً و وقوداً، فعدّ الشيعي منذ ذلك اليوم أعجمياً، واقترن اسمه بالأعاجم، کما صودرت هويّته على هذا الأساس ، وإن كان من أعرق القبائل والأصول العربيّة، و عُدّ شيعة بني أميّة وبني العبّاس عرباً، وإن لم يكونوا من العرب قطّ، والتأريخ مليء بهذه الشواهد.

ومع نجاح تلك المؤامرة أصبح الأمر في عصرنا هذا في غاية الوضوح، حيث غدی پر می كلّ شيعي بالعجمة وينسب إلى الأعاجم في البلاد العربية وإن كان عربياً أباً عن جدّ، بل وإن كان من أشهر قبائلهم ، حتى أنّ أناساً من بعض سكان الدول العربيّة تشيّعوا في زماننا هذا ، فنسبوهم إلى العجم ونفوا عروبتهم ، بعد أن كانوا قبل ذلك ينعتونهم بالعروبة ، ويحسبونهم من العرب.

وقد فضحهم الله حين أعلن صدّام الكافر في بداية التسعينيات:

ص: 129

«أن لا شيعة بعد اليوم في العراق، لأنّهم جميعاً من الفرس العجم»، والعالم يدري أنّ شيعة العراق هم من أعرق الشيعة، ومن أشهر القبائل العربيّة، ولم يكن هذا ممّا انفرد به صدّام العروبة الأمويةالناصبيّة وحامي حماها، وبطل أبطالها في جحور الزحائف والفئران، بل امتدّ ذلك إلى النواصب والشعوبيّين في كافِة هذه البلاد، وقد فضحهم الله جلّ وعلا في زماننا هذا حيث ما زال الشعوبي القومي العلماني الذي لا يعترف بالمبادئ والأديان يقف هو والناصبي الذي يدّعي التطرّف في تديّنه وشدّة التمسّك بمبادئه جنباً إلى جنب، ویداً بید، هذا يحارب الشيعي من منطق الحقد الأموي الدفين، وذاك من منطلق الشعوبيّة البغيضة. وكفتك وسائل إعلامهم المسموعة والمرئيّة والمطبوعة مؤونة الجهد والتحقيق، وتكفيك دلي صارخاًعلى هذه المؤامرة المستديمة المستمرّة، فالشيعة في العراق ليس من حقّهم أن يحكموا لأنّهم في منطق النواصب على غير ملّتهم، وفي منطق الشعوبيّين والشوفينيّين ليسوا بعرب، ولهذا لا تريد مصر وجامعة الدول العربيّة وأمينها العنصري مسؤولاً شيعية على مستوی رئیس الجمهوريّة أو رئيس الوزراء يشاركهم في اجتماعاتهم، بل ولا يعترفون بدولة عربية شيعية على الإطلاق؛ لأنّهم تآمروا منذ ألف وأربعمائة عام على أن يقرنوا وصف التشيع بالأعاجم،

ص: 130

ولا يفسحوا مجالأ لعربيًّ قاده عقله السليم، وحرصه على طلب الهداية إلى واحة التشيّع ومعينه الدائم الذي لا ينضب، ليروي غليله من عذب مائه الفرات عقائد وأحكاماً، أن يدنو منهم ومن هذاالماء المعين، والويل لمن تخلّف عن هذه الأوامر، وتمرّد على هذه القرارات الجائرة الحاقدة.

ألا ترى أنّ وسائل الإعلام العربيّة والإسلاميّة الأمويّة قد نجحت في تحقيق هذه الغاية الشيطانيّة؟! ألا ترى أنّهم أوجدوا ملازمة عفوية لا إرادية أحياناً لدى الشعوب بين الشيعي والأعجمي ؟! وأقنعوهم أن التشيع مذهب الأعاجم ؟! وشيعة لبنان رغم كلّ تضحياتهم وبطولاتهم ودحضهم لألدّ أعداء العرب فإنّهم فرسٌ وإيرانيون و عجم في منطق النواصب والشعوبييّن، وهكذا قس عليهم شيعة مصر والسعودية والأردن وسوريا والدول العربيّة كاقّة، إنّهم عجم لأنّهم شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، وغيرهم عربي لأنه شيعة بني أميّة.

وهذه النعوت لم تثن شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ من التمسك بمبادئهم، بل زادتهم إصراراً وبصيرة و خلوصاً، لأنّهم إنّما يفخرون بمبادئهم وقيمهم السامية ، ويتبعون قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (1)،

ص: 131


1- سورة الحجرات : الاية 13.

وهم على سنّة رسولهم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه القائل: «لا فضل لعربيّ على أعجميّ، ولا أعجميّ على عربيّ إلا بالتقوى».

إذا عرفت ذلك وتحقّقت منه، وشواهده من حواليك لا تكاد تحصى، وما خفي أعظم وأعتی، فإنّك حينئذٍ تعرف ما عناه أهل البيت عَلَيهِ السَّلَامُ في هذا الحديثوأضرابه التي أعربوا فيها عن قلّة من ينصر الإمام المهدي صلوات الله عليه من العرب، وكثرة من ينصره من العجم، ألا ترى أنّ أكثر أصحابه وأنصاره من شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ وفيهم من أهل الكتاب أيضاً، وأكثر أعدائه من هؤلاء العرب، أعني شیعة بني أمية؟! وليس فيهم من يتبعه ويخرج لنصرته إلّا القليل، بل أقلّ القليل. أليس طغاة الأمس كالحجّاج وابن زیاد وصلاح الدين أبطالاً عربا ومسلمين في منطق النواصب وشيعة بني أمية، وكذلك طغاة اليوم كصدّام الكافر، وفرعون الزمان، أليسوا أبطالاً مؤمنين في هذا المنطق الأخرق؛ لأنّهم أجرموا بحقّ الشيعةإجراماً لا تفي أقلام الدنيا ودواتها لتسطيرها، وها قد امتلئت كتبهم منها، رغم أنهم مارسوا التعتيم على أضعافها وأضعافها، فهل يعجب المرء بعد ذا كله أن شيعة بني أمية هم أعداء المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ الحقيقيّون، وأنّ هؤلاء العرب هم أقلّ جميع الطوائف اتباعاً للمهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، ووقوف إلى جانبه ؟!

ص: 132

الدرس التاسع: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه -3

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

33- في الرواية : « يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف، عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخبار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم »(1).

34- وعن أبي بصير عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: «وما يخرج إلا في أولي قوة، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف»(2).

35- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « يقبل القائم عَلَيهِ السَّلَامُ في خمسة وأربعين من تسعة أحياء: من حي رجل، ومن حي رجلان، ومن حي ثلاثة، ومن حي

ص: 133


1- الغيبة / الطوسي: 284. تاج المواليد : 151.
2- کمال الدين : 654.

أربعة، ومن حي خمسة، ومن حي ستّة، ومن حيّ سبعة، ومن حيّ ثمانية، ومن حيّ تسعة، ولا يزال كذلك حتّى يجتمع له العدد»(1).

36- في الحديث :«كأنّي بأصحاب القائم عَلَيهِ السَّلَامُ وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلّا وهو مطيع لهم، حتّى سباع الأرض، وسباع الطير، يطلب رضاهم في كل شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول : مرّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

37- وفي حديث آخر عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: «إن الله تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرعب، فإذا قام قائمنا وظهر مهديّنا كان الرجل أجرأ من ليث، وأمضى من سنان »(3).

38- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ أيضا: «ألقي الرعب في قلوب شيعتنا من عدوّنا، فإذا أوقع أمرنا، وخرج مهدیّنا كان أحدهم أجرأ من الليث، أمضى من السنان، يطأ عدوّنا بقدميه، ويقتله بكفيه»(4).

39- وفي الحديث :«إنّ الملائكة الذين نصروا محمدا صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يوم

ص: 134


1- الخصال : 424.
2- کمال الدین: 673
3- حلية الأولياء : 184/3.
4- الاختصاص: 26. مثله باختلاف: بصائر الدرجات : 24.

بدر في الأرض، ما صعدوا بعد، ولا يصعدون حتّى ينصروا صاحب هذا الأمر، وهم خمسة آلاف»(1).

.4- وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « وكلّ الله تعالی بالحسين عَلَيهِ السَّلَامُ سبعين ألف ملك يصلون عليه كلّ يوم، شعثا غبراً منذ يوم قتل إلى ما شاء الله، يعني بذلك قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

41- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّ عدد الملائكة الذين ينزلون لنصرته عَلَيهِ السَّلَامُ ثلاثة عشر ألفاً وثلاثمائة وثلاثة عشر ...»(3).

42- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّ عددهم أربعة آلاف ملك يريدون القتال مع الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ»(4).

43- وفي رواية النعماني : « تسعة آلاف ملك »(5).

44- وفي رواية أخرى: « إنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر »(6).

45- وفي الحديث عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « بینا شباب الشيعة على

ص: 135


1- تفسير العياشي: 197/1.
2- کامل الزيارات: 84. ومثله باختلاف يسير : المصدر المتقدم: 119.
3- کامل الزيارات : 119 - 120.
4- كامل الزيارات : 192.
5- الغيبة / النعماني : 309.
6- الغيبة / النعمانی: 128.

ظهور سطوحهم نيام إذ توافوا -إلى صاحبهم- في ليلة واحدة على غیر میعاد ، فيصبحون بمكة»(1).

46- وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد عَلَيهِ السَّلَامُ:

« يكون من شيعتنا في دولة القائم سنام الأرض وحكامها ، يعطى كل رجل منهم قوة أربعين رجلا »(2).

47- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنما ذلك إذا قام القائم ، وجب عليهم أن يجهّزوا إخوانهم، وأن يقوّوهم»(3).

48- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ أيضا: «أما لو كملت العدّة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر، كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، ولا شحناؤه بدنه، ولا يمدح بنا معلناً، ولا يخاصم بنا قالياً، ولا يجالس لنا عائباً، ولا يحدث لنا ثالباً، ولا يحبّ لنا مبغضاً، ولا يبعض لنا محباً.

فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون: إنهم يتشيعون؟ فقال: فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل،

ص: 136


1- الغيبة / النعماني:316.
2- الاختصاص :8
3- مصادقة الإخوان :20

يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم ، واختلاف يبدّدهم، إنّما شیعتنا من لايهّر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفه»(1).

49- وفي رواية المفضّل بن عمر، قال : «سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: يكن -يكون- مع القائم ثلاث عشرة امرأة، قلت: وما يصنع بهن؟ قال: يداوين الجرحى، ويقمن على المرضى، كما كان مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، قلت: فسته لي، قال: القنواء بنت رشید، وأم أيمن، وحبابة الوالبية، وسمية أم عمار بن یاسر...»(2).

ملاحظة: لا يلتبس عليك أنّ سؤال السائل كان عن طلب أسماء اللواتي كنّ يداوين الجرحى مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وليس عن أسماء من يخرجن ويكن مع الحجة صلوات الله عليه، ولهذا كانت الإجابة بتسمية أولئك النسوة، ولا مانع أن يحيي الله تعالى ويعيد هؤلاء النسوة اللواتي سياه الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، إلى الحياة، ليكنّ من أصحاب الإمام صاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ، ولهذا سآهن بأسمائهن.

50- عن المفضل بن عمر، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: «كأنّي أنظر

ص: 137


1- الكافی: 238/2. التمحيص: 70. دعائم الإسلام: 64/1.
2- دلائل الإمامة : 259 و 260.

إلى القائم عَلَيهِ السَّلَامُ على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه على خلقه ...»(1).

في تتمّة هذا الحديث أنّ القائم صلوات الله عليه يحدّثهم بكلام لا يتحمّلونه فيهربون من عنده ويكفرون به، إلّا الوزير وأحد عشر نقیبأ، ثمّ يعودون إليه ويتوبون.

والظاهر أنّه يحدّثهم بذلك لكي يختبرهم ويمتحنهم للمرحلة القادمة التي هي مرحلة أصعب، أو يخبرهم عن حقائق غيبيّة لا يتحملونها، وقد ورد عنهم أن كلامهم صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيَّ مرسل أو عبدٌ امتحن الله قلبه للإيمان. والله العالم.

51- وفي رواية السيد عبد العظيم الحسني عن مولانا الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ: « يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عزّ وجلّ :﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(2)، فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره،

ص: 138


1- كمال الدين : 167/8.
2- سورة البقرة: الآية 148.

فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزّ وجلّ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضى» (1).

52- عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأني أنظر إلى القائم عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه في نجفالكوفة كأن على رؤوسهم الطير، فنيت أزوادهم، وخلقت ثيابهم، قد أثر السجود بجباههم، ليوث بالنهار، رهبان بالليل، كأن قلوبهم زبر الحديد، يعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلا، ويعطيهم صاحبهم التوسُّم، لا يقتل أحد منهم إلّا كافراً أو منافقاً، فقد وصفهم ااالله بالتوشم في كتابه: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾(2)»(3).

عن أبي خالد الكابلي ، عن علي بن الحسين -أو عن محمّد بن عليّ عَلَيهِم السَّلَامُ- أنّه قال : « القداء قوم يفقدون في فرشهم فيصبحون بمكة، وهو قول الله عز وجل: ﴿أَیْنَ ما تَکُونُوا یَأْتِ بِکُمُ اللَّهُ جَمیعاً﴾(4).

ومنها: رواية عبد الأعلى عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَام(5).

ص: 139


1- کمال الدين : 378.
2- سورة الحجر : الآية 75.
3- منتخب الأنوار المضيئة : 195. بحار الأنوار : 386/52.
4- الغيبة / النعماني : 313.
5- بحار الأنوار : 341/52.

ومنها: رواية أبي الجارود عن الإمام الباقر َعَلَيهِ السَّلَامُ(1).

ومنها أيضاً: رواية أبي بصير عن الإمام الباقر َعَلَيهِ السَّلَامُ(2).

وهكذا رواية أبي خالد عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

ورواية ابن الحضرمي عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ(4).

ورواية أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ(5).

ورواية مفضّل بن عمرو عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ(6).

ولم يقتصر ذكر هذا العدد على روايات أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، ولا المصادر الحديثية الشيعية، بل نجد ذلك عن طرق العامّة وفي كتبهم أيضاً، کرواية أمّ سلمة عن النبيّ الأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه(7).

ورواية السيوطي عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ(8).

يمكننا تلخيص هذه الأحاديث والأخبار في الموارد التالية:

ص: 140


1- الغيبة / النعمانی : 315.
2- الغيبة / النعمانی : 315.
3- بحار الأنوار : 56/52.
4- كفاية الأثر / ابن خزار القمی : 263.
5- الغيبة / النعماني : 315.
6- کمال الدين : 672.
7- مجمع الزوائد / الهيثمي: 119.
8- الحاوي للفتاوي : 2/ 150.

1- أنّ خواصّ أصحاب الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ ثلاثمائة وثلاثة عشر، هم القادة، والنقباء والنجباء والحكام على الأرض.

2- أنّهم يجتمعون من أقاصي الأرض، على غير ميعاد واتّفاق، ولا يعرف بعضهم بعضا.

3- فيهم من أهل الكوفة خمسون أو أربعة عشر نفراً.

4- أنّ بينهم خمسين امرأة يداوين الجرحى، أو أربع عشرة امرأة.

ه- أنّ اوّل مجموعة من أصحابه خمسة وأربعون رجلاً من تسعة أحياء، أو سبعة وعشرون.

6- أنه عَلَيهِ السَّلَامُ يعرف أصحابه قبل أن يجتمعوا بأسمائهم وأعيانهم و تفاصيل حياتهم.

7- أنّهم كدّادون مجدّون في طاعته.

8- أنّ له في البدء عشرة آلاف من الأنصار، حتّى يخرج بهم وينطلق في حركته، ویسمّی جیش الغضب.

9- أنّ من جملة أصحابه وخواصّه جماعة من الأقوام الماضية من أمة موسي عَلَيهِ السَّلَامُ وأهل الكهف ومن صحابة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ومن أصحاب أمير المؤمنين وسائر الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

10- أن بعد دخوله عَلَيهِ السَّلَامُ الكوفة يبعث الله تعالى سبعين ألف صدیق

ص: 141

من ظهر الكوفة فيكونون من أصحابه وأنصاره، والظاهر أنّ هذه المجموعة الكبيرة من الصدّيقين يحشرهم الله تعالى من قبورهم في وادي السلام المليئة بقبور الأخبار والأبرار والأولياء والصالحين، بدليل أنّ ظهر الكوفة هو النجف، والبعث هنا بمعنى الحشر والنشر من القبور، وهي الرجعة الأولى إن شاء الله تعالى.

11- أن في أصحابه عَلَيهِ السَّلَامُ جماعة من الأبدال وهم من الشام، وليس غريباً إذا عرفنا أن أصعب ما يكون المؤمن حالاً، وأشد ما يكون عليه، لاسيمّا قرب الظهور إذا كان من أهل الشام لكثرة النواصب فيها، وشدّة ما يلاقيه المؤمنمن إيذائهم، فمن ثبت على إيمانه هناك كان حقيقاً بأن يكون من الأبدال.

12- والنجباء من أهل الكوفة لأنّ فيها من أشرف القبائل وأعلاها حسباً و نسباً ممّن نصروا وآزروا أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، وهؤلاء من سلالتهم.

13- أنّ في الأصحاب جماعة من غير العرب، لعل أكثرهم من العجم، وليس فيهم إلا قلة من العرب. ولا ريب أن المراد هنا من العجم شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، والمراد من العرب من عداهم من المسلمين، كما فسرناه في محله ، فارجع إليه.

14- يجتمعون بادئ الأمر في مكة المكرمة.

ص: 142

15- أنه عَلَيهِ السَّلَامُ بعد ذلك يختبر خيار أصحابه بأشياء لا يتحملونها

فيولّون عنه مدبرین ثمّ يعودون إليه تائبين.

16- أنّ كلّ شيء مطيع لأصحابه عَلَيهِ السَّلَامُ.

17- أنّ جماعة من الملائكة ينزلون لنصرته، وهم خمسة آلاف الذيننزلوا لنصرة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، والمسلمين، وسبعين ألفاً الذين وكّلوا بقبر الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ، و ثلاثة عشر وثلاثمائة وثلاثة عشر آخرين، وهكذا فوج من الملائكة عددهم أربعة آلاف ملك كانوا قد استأذنوا سید الشهداء الحسين بن علي عَلَيهِما السَّلَامُ يوم عاشوراء ليقاتلوا بين يديه وينصروه، وهكذا فوج من تسعة آلاف، وأخيرة ثلاثمائة وثلاثة عشر ملكا.

18- هذا، وإنهم أهل شجاعة وبطولة وتضحية وإيثار، وأهل علم وفضل وکال وجود وسخاء، وهم أهل طاعة وعبادة واجتهاد.

ص: 143

ص: 144

الدرس العاشر: الخروج بالسيف -1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الخروج عبارة عن القيام والانتفاضة بوجه الحاكم أوالملك أو الخليفة، وضد نظام الحكم، والتمرّد على القوانين والوضع السائد في بلد من البلدان، أو بقعة من بقاع الأرض، إمّا من أجل إحداث الفوضى، أو من أجل إقامة العدل والقسط، أو لمجرد تغيير نظام الحكم والإطاحة به، وكيف كان فمن أجل ذلك وبحسب تناسب الحكم والموضوع أطلق على الحركات والثورات والانتفاضات الشعبية والانقلابات العسكرية تسميات تناسبها حقيقة، وتطابقها واقعاً، أو يراد بها التشويه لسمعتها ، والنيل منها أحياناً، والأمثلة في التأريخ عموماً، والتأريخ الإسلامي على وجه الخصوص، لا تعد ولا تحصى، بين حرکات و ثورات وانتفاضات حقّة أريد بها وجه الحقّ والعدالة،

ص: 145

و حرکات و ثورات وانتفاضات أريد بها الباطل، وكانت حينئذٍ إمّا عبارة عن قيام راية باطلة ضد راية باطلة أخرى، أو قيام راية الباطل بوجه راية الحق، أو قيام راية الحق بوجه الباطل، ولا رابع لها، هذا هو الواقع في عالم الإمكان، وهكذا في عالم الوقوع والإثبات.

ثمّ إنّ التسميات وإن كانت كثيراً ما تطلق جزافاً، من غير التزام من قبل الإعلاميّين المرتزقة للأنظمة الحاكمة في جميع العصور بواقع ما تصوره المسميات من حقيقة، وما تمثّله على أرض الواقع، ومن غير التفات إلى دلالاتها المطابقية، وانطباق التسميات لمسمّياتها أو عدم انطباقها لها، بل خضوع ذلك كلّه لمزاج الحاكم وحاشيته، وما تمليه مصلحة الأنظمة الحاكمة، من دون التفات ولا اكتراث بالحقيقة وتمثيل للواقع، فتسمى الانتفاضة الحقّة تمرّداً و تخریباً وإرهاباً وإجراماً، كما تطلق على المجاهد المناضل في سبيل الله وإحقاق الحقّ تسمية المجرم والإرهابي وما شابه ذلك ، كما فعل بأصحاب أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ وشیعته كسعید بن جبير ، وميثم التمار ، ورشيد الهجري ، وأبي ذر الغفاري ، والشهيد الصديق مالك بن نويرة رضي الله تعالى عنهم جميعا.

أجل، وإن كان الإعلام كثيراً ما يضلّل العوام، ويلبس الحقّ

ص: 146

بالباطل، ويطلق التسميات جزافاً، وعلى خلاف ما هي عليه، لأنّه يمثّل وجهة نظر الحاكم وحاشيته، وهو أداته الخاضعة لسلطته، إلّا أنّ الله جلّ وعلا ورسوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه لأجل تفويت الفرصة على الأنظمة الغاشمةوأبواق الباطل، ولكي يوصدوا باب العبث والتحريف، ويصدوا عن التلاعب والتزييف، ويفوتوا الفرصة على أهلها، بادرواإلى إطلاق التسمية على كلّ حركة مواجهة للحقّ المتمثّل في شخص مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، وسميا تلك الأعمال قبل وقوع مسمّياتها، وقبل بلوغ أوانها بعشرات من السنين، حتّى تظلّ شمس الحقيقة دائمة الإشراق تضيء الدروب لباحثي الحقيقة، وتتمّريال الحجّية على أعداء الحق وأصحاب الباطل وجنوده.

من هنا جاءت التسمية لأهل الباطل وراياته الضالّة المضلّة قبل خروجها وبروزها، فستی الله تعالى ورسوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه أصحاب الجمل الخارجين على الحق والمحاربين لرايته، والحاملين لراية الباطل المناهضة لإمام الحق الفاروق الأعظم، والصديق الأكبر، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، بالناكثين؛ لأنهم الذين بايعوه قبل كل أحد، ثم نكثوا بيعتهم، وخرجوا يقاتلونه صلوات الله وسلامه عليه، ولعنة الله عليهم.

کما سمّى الله تعالى معاوية وجنده الشاميّين الخارجين على إمام

ص: 147

الحقّ والمحاربين لراية الحق براية الباطل و تحت لوائه، بالقاسطين الظالمين الطاغين.

وأخيراً أطلقا على راية الباطل وأصحاب النهروان تسمية الخوارج لخروجهم ومروقهم عن الدين، فهم المارقون والخارجون على لسان رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه.

وعلى عكس ما تقدّم أيضاً نجد خروج الحقّ المطلق وإمام الحقّ المتمثّل في سيّد شباب أهل الجنّة، براية الحقّ ولوائه الخفّاق، ضدّ الباطل المطلق المتمثل في يزيد الكافر وزمرة اليزيديّين براية الباطل ولوائه المنكوس، حيث سجلت تلك القلة من المتقين الأبرار والصفوة من الأخبار والأطهار أروع ملحمة دموية بطولية على صفحات التأريخ وفوق جبين الإنسانية، وخلدت مجدأ أنست كل محبي تتغنى بها الشعوب والأمم، فغدت دونها الأمجاد، ووصمت أهل الباطل بوصمة العار إلى قيام الساعة ويوم الجزاء.

وكيف كان فخروج الإمام القائم بالحق، الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف يكون على غرار خروج الأنبياء، سیمّا جده الخاتم الأنبياء صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وكخروج جده سید الشهداء الحسين بن علي عليها الصلاة والسلام، الغاية واحدة والهدف واحد بينه وبين الأنبياء وأجداده الأمة كافّة، غير أنّه يمتاز عنهم جميعاً بخصائص

ص: 148

تقتضيه مهمته المناسبة الحكم والموضوع، فهو تجلي الرحمة الرحمانيّة للخواصّ من شیعته ومن تبعه على دعوته، واتّبع سنّة جدّه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وهو أيضاً تجلَّي غضب الجبّار وقهر المنتقم القهّار، بصولة شديد العقاب، الذي لا يبقي ولايذر، فلا يبقي للكافرين على الأرض دیاراً، استجابةً لدعاء نوح أبي الأنبياء على نبيّنا وآله وعليه السلام، حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين الله عز وجل، بعد اجتثاث أصولهم وقلع جذورهم وطمس آثارهم.

وحيث أنّ الشواهد والأدلّة والقرائن والوجدان كلّها تمعن بحقيقة أنّ النّاس لا يطأطئون رؤوسهم للحقّ والعدل في الأعمّ الأغلب، وفي التأريخ ما يكفي شاهداً على المدّعي، بل ويزيد، لمن ألقى السمع وهو شهید، وليس أجدى في الإمعان بهذه الحقائق من التمسّك بالوجدان والرجوع إلى الضمير، فالنفس الإنسانيّة مجبولة على النسيان حتّى صرّحت بذلك الشريعة الغرّاء، ونطق به الكتاب العزيز:

﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾(1).

﴿وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾(2).

ص: 149


1- سورة الأنعام: الآية 28.
2- سورة العصر : الآيتان 1 و 2

﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ*لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾(1).

﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾(2)، والنسيان آفة بعد كفران النعمة أو قبلها لم يسلم من شرورها أبونا آدم عَلَيهِ السَّلَامُ:﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عزْمًا﴾(3)، كلّ هذه الدلائل بإمضاء وإرشاد وتأكيد من الشارع المقدّس والخالق الحكيم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، لهي جديرة بأن نذعن بحقيقة أنلا محيص لتحقيق غاية السماء، وإنجاز ما کافح من أجله الرسل والأنبياء، وأريقت في سبيل نجاحه وتحقيقه أطهر الدماء ، بل سالت لأجله أودية من دماء الأولياء والشهداء، أن لامحيص دون تطهير الأرض، بتصفية كلّ من لا يطأطئ رأساً، ولا يطلق عنان الطاعة والانقياد أمام الحقّ والقسط والعدل، وكلّ من لا يرضى بحقّه، بل تقوده النفس الأمارة بالسوء إلى التجاوز والتعدي على حقّ الخالق العظيم والمخلوقين، بتسليل سیف الملحق على رؤوسهم، وإشهاره في وجوههم ، وتسليطه على

ص: 150


1- سورة المؤمنون: الآيتان 99 و 100.
2- سورة عبس : الآية 17.
3- سورة طه : الآية 115.

رقابهم، لكيلا يرتفع لهم رأس أمام الحقّ، بل لا يبقى على وجه الثرى والبسيطة رأس عفن ضالّ يوجس منه خيفة أن يرتفع يوماً بوجه الحقّ.

إذن لا مجال ولا محيص ولا إمكان لتحقيق دولة الحقّ والخير والعدل والفضيلة والكمال، و تحقیق آمال الأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين، إلّا بتطهير الأرض، ودون اجتثاث أصول الكفر والجور والعدوان، وقطع دابر الكفر والنفاق، وحصد الكافرين والمنافقين والخارجين على حكم الله تعالى ورسوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وما أكثر هؤلاء عدّة وعدداً، لغلبتهم على مدى التاريخ ، بل طيلة حياة البشريّة على وجه الصعيد بكثرة العدة والعدد وقلة أهل الدين والحق واليقين عدة وعدداً، وقد أنزل الله تعالى الحديد فيه بأس شديد ومنافع للنّاس بعدما أرسل الرسل وبعث الأنبياء، ليقوم النّاس بالقسط، فإذا عاند النّاس لكثرة غالبة من الأشرار وأهل الزيغ والأهواء، ولم يقيموا الحقّ بينهم، ولم يدينوا بدين الحقّ، أخرج الله تعالى إليهم وليه المدّخر القائم بالقسط، المنتقم لله تعالى ولأنبيائه وأوليائه وعباده الصالحين، من تلك الأمم والطوائف الخارجة على الحق، والمتبعة للباطل، أخرجه إليهم بالسيف الذي ما أصاب أحداً إلّا ألحقه بالدرك الأسفل من الجحيم، وما صوّبه إلى باطل وزيغ وضلال إلّا هدم بنيانه وجعله

ص: 151

رکاماً وقاعاً صفصفاً، ألا وهو دون أدنى شكّ سيف النبوّة الصمصام، والولاية القمقام، وهو ذو الفقار الذي لا سيف إلّا هو، ولا فتى سوی حامله، الذي به ضربت وستضرب خراطيم الجاهليّة والكفر والنفاق، الذي أنزله جبريل من السماء على الرسول الأمين صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ولم يجد قبضه ويداً إلهيّة تحمله سوى يد أمير المؤمنين قالع باب خیبر، وفاتح حصونها، فورثهالمهدي القائم المنتظر صلوات ااالله وسلامه عليه أباً عن جدّ.

هذا السيف الصارم، وذو الفقار الحيدر الكرار، الذي ما قام الإسلام ولا استقام إلا به، فكان قيامه به، وسيكون قوامه وإعادته وتطبيقه به أيضاً، ولا محيص عنه، وإليه أشارت بالبنان أحاديث خروجه عليه الصلاة والسلام، فهو عجّل الله تعالی فرجه يخرج بالسيف قطعاً من دون أدنى شكّ، ولا يكون ذلك السيف سوی ذو الفقار جدّه، لتصريع الأخبار والأحاديث و توكيدها على هذه الحقيقة بكلّ صراحة ووضوح، وكلّ تأویل و تفسير مخالفٍ للظاهر المصرّح به عبث بالواقع وتزييف للحقيقة التي نطقت به النصوص المستفيضة، بل المتواترة والصريحة، إمّا عن جهل أو تجاهل، وكلاهما مستقبح منفور لدى العقلاء، والحكيم العليم الذي هو خالق العقل والعقلاء؛ إذ قال تعالى في محكم كتابه:

ص: 152

﴿وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ ۚ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولً﴾(1).

فلا ينبغي للعاقل أن يتكلم بما لا يعلم، وأن يدلو بدلوه فيا يجهل، فلعله علم شيئا وغابت عنه أشياء ، فإذا أعياه تفسير شيء من أقوالهم عَلَيهِم السَّلَامُ، وعجز عن معرفة مقاصدهم فيا جرى من أحاديثهم صلوات الله عليهم لزمه بحكم العقل وسيرة العقلاء وإرشاد الشارع الحكيم وإمضائه أن يرجع إلى أهل العلم ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون ﴾(2)، لاسيمّا إن كان لا يتقن فنّ الحديث، ولا يحسن فقه الحديث، وليس من أهله؛ أو لقلّة علمه، ورداءة بضاعته، وعدم ضلوعه برادات الأئمة عَلَيهِم السَّلَامُ وبألسنتهم؛ لقلّة تحصيله واطّلاعه، فإذا أعياه شيء عن ذلك للأسباب الآنفة، أو لغيرها من العلل والأسباب، وجب أن يلتزم الصمت والسكوت، ويتّقي الله في تفسير كلامهم و تأويله، وعليه أن لا يستعجل الأمور، فيهوي ويهلك ضالّاً ويهلك الآخرين، حتّى يتفحّص ويفتّش عن الحقيقة ويجتهد في ذلك.

فليس كلامهم عَلَيهِم السَّلَامُ موطئاً سهلاً ناصياً يطؤه كلّ من هبّ ودبّ،

ص: 153


1- سورة الإسراء : الآية 36.
2- سورة النحل : الآية 43.

بل هو السهل الممتنع الذي لا يحتمله إلّا كلّ ذي عقل ودين وراسخ في العلوم، وكلّ فقيه ضليع «لا يكون الرجل منكم فقيهاً حتّى يعرف معاريض كلامنا »(1).

وهذا ما لا يكون إلّا لذي حظّ عظيم ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾(2)، فإذا عجزت فارم بالقلم ولا تطلق عنانه للخوض عن جهالة في أحاديثهم عَلَيهِم السَّلَامُ، وكف لسانك عن الخوض فيها عبطة، والتمس الصمت حتى يأتيك اليقين، والتمس العلم من أهله، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت »(3)، وخير لك الاحتياط ، بالتوقف على ما ظهر من أقوالهم، والوقوف عند ظواهرها، وعدم التمادي بالتعدي عليها وتجاوزها، فالظواهر حجة يحتج بها المولى عليك. فالإمام أرواحنا له الفداء يخرج إن عاجلا أم آجلا براية الحق ليدحض كل باطل ويمحو آثاره، ويقيم دولة الحق والعدل، ولا يخرج بغير السيف، وما قيل وما يقال عن خروجه عَلَيهِ السَّلَامُ بالأسلحة الأخرى سوى سلاح السيف ليس بشيء،

ص: 154


1- جواهر الكلام : 102/13. معاني الأخبار : 2.
2- سورة البقرة: الآية 269.
3- الكافي : 667/2. وسائل الشيعة : 126/12.

وهي مجرّد تأویلات و تفسیرات نردها بالأدلّة والقرائن في تحقيقنا هذا، إن شاء الله تعالى. وعليه فإنّا سنسعى ونبذل قصارى الجهد في إثبات حقیقتين كثر فيهااللغط والكلام في عصرنا الحديث، منذ أن اختلط حابل الدين بنابل السياسة، وظهرت طائفة من المستأكلين بالدين، الجاهلين لحقائقه الثابتة، المتلبسين بعباءة العلم، فاتّصلوا بجيل المثقّفين وطائفة من روّاد الفكر الحديث ومقلّدیهم الذين بهرتهم التكنولوجيا الحديثة والتطور العلمي والصناعي في بلاد الغرب والكفر، فأرخوا عنان اللسان والقلم أمامهم تحت تأثير السياسة أحيانا، و تحت تأثير الغزو الفكري والإعلامي المناهض لمذهب الحقّ، سواء الصادر من الطوائف الإسلاميّة الأخرى أو الوافد من بلاد الغرب، ومن يدينون بدينها، حيناً آخر، فأنكروا جملة من الحقائق المسلمة في تراثنا الإسلامي، وأوّلوا بعضها الآخر الذي كانت الحرب فيها بيننا وبين تلك المذاهب والطوائف والملل والأديان سجالاً حامية الوطيس لا تنقشع عنها الغبار، إمّا جهلاً منهم أو إرضاءً لأولئك المشكّكين، أو رغبة في مكاسب سياسيّة آنيّة أو حزبيّة متدنّية، وليس في هذا المختصر بمجال التعرّض لها جميعاً، ولا تسع هذه الوريقات لاستعراضها وتناولها بالبحث والتحقيق من ألفها إلى يائها، ولكن نشير إلى مجموعة منها بعناوينها الإجمالية الكلّية،

ص: 155

ولا نتعرّض لتفاصيلها هنا، وإن عقدنا هذا الفصل للتفصيل والتحقيق في حقيقتين من هذه الحقائق التي منها ما هو من أصول العقائد الحقّة، کالعدل والإمامة، ومنها ما هو من فروع العقائد، كالعصمة والتوسّل والشفاعة والبكاء على سيّد الشهداء عَلَيهِ السَّلَامُ وزيارة قبره وقبور الشهداء وغير ذلك ...، ومنها ما هو من حصون العقائد والحقائق التاريخيّة وشعائر الدين، كمظلوميّة الصدّيقة الطاهرة، ومظلوميّة بعلها الأمير صلوات الله عليها، و مظلوميّة أولادهما عَلَيهِم السَّلَامُ، وما جرى عليهم جميعاً من هضم للحقوق، وقتل وتشريد، وما أصابهم من سوء، وما لحقهم من أذى في عصير الخلافة الإسلاميّة، وعلى أيدي المسلمين ... وما شابه ذلك، وما هو من أحكام الدین و مسائله الفرعيّة وما يتعلّق بها، لاسیمّا ما يتعلّق بشؤون المرأة وما يسمّي بحقوق المرأة السياسيّة والاجتماعيّة التي ما انفكّت تشغل حيزاً كبيراً من أنشطة المؤسسات الرسميّة وغير الرسميّة، وفعاليّات الحكومات، وممارسات وسائل الإعلام، وأبواقها الدعائيّة، حتّى لقد استفحل هذا الداء في جسد الأمة الإسلاميّة وظلّ شغله الشاغل، وبات فوق همومه جميعاً، وهو لا يستحقّ كلّ هذا العناء، بعد أن حُسم الأمر في الشريعة الغرّاء، ورسمت الحدود، وبانت الحقوق -وقد أشبعناها بحثاً في الحلقة الأولى من كتابنا (الزواج بين سنن التكوين وسنن التشريع)- فالشريعة التي

ص: 156

لم تتجاهل حقّ الحيوان والنبات والجاد حاشاها أن تتجاهل حقوق نصف المجتمع، ومن عليه تدور عجلات الحياة، أو أنّ تغضّ الطرف عنها، أو تهمّش دورها، لكنّه العناد والعمى، أو الجهالة بالدين، أو التقليد للغرباء والجري الأعمى وراء سرابهم الذي لا يظمأ صاحبه، بل لا تزيده كثرة الجري إلا عطشاً وإرهاقاً.

ص: 157

ص: 158

الدرس الحادي عشر: الخروج بالسيف - 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأمّا عوداً على بدء ، وبالعودة إلى صلب الموضوع الذي عقد هذا الكتاب لأجله، فإنّا نقول: إن الحقیقتين اللتين لا يجوز الإغماض عنهما، ولا بدّ من إشباعها بحثاً و تحقيقاً، وهو ما صنعناه في هذا الفصل من الكتاب هما:

أولّاً: خروج مولانا صاحب الأمر أرواحنا له الفداء بالسيف.

وثانياً: الإطاحة بكلّ دین و مذهب وعقيدة، واجتثاث جذورها، واستئصالها من عروقها، وإزالة آثارها عن الوجود، والقضاء عليها، سوى مذهب الحقّ الذي هو الإسلام المحمّدي ؛ إذ لا دين في دولة المهدي يدان به سواه:﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّه﴾، ولا عبرة بما يزعمه بعض من لاحظ له من

ص: 159

العلم، أو من لم يوفّق للتحقيق والتأمّل في كلمات أهل البيت صلوات لله عليهم، ممّن زعموا أنّ الإمام المهدي أرواحنا فداه سيبق على تلك الأديان والمذاهب الإسلاميّة وغير الإسلاميّة ويعاملها بما حکم عليهم في الكتاب والسنة من أخذ الجزية وما شابه ذلك، ولا يخالف في ذلك الكتاب والسنّة وسيرة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، الذي أبقاهم في دولته الكريمة، بحجة أنّها حالة أقرّ بها القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وحاشا وليّ العصر صلوات الله عليه أن يخالف سيرة جدّه ونصّ الكتاب والسنّة، وردّنا على هذه المزعمة أيضاً سيكون حاسماً بإذن ااالله تعالى.

فأقول مستعيناً بالله تعالى : إنّ دليلنا على خروجه عَلَيهِ السَّلَامُ بالسيف، وقتاله لأعدائه بالسيف دون غيره من أنواع السلاح يكون على النحو التالي:

أولاً: أنّ السيف سلاح الأنبياء جميعاً، لاسيمّا سلاح رسول ااالله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، به قام الإسلام، وبه سيعود حتماً بإذن الله تعالى .

ثانياً: أن السيف سلاح جميع الأمم، والذي يناسب جميع العصور والأزمنة والظروف، بينما الأسلحة الحديثة لا تنفع إلّا في ظلّ ظروفها المناسبة وعصير الطاقة والتكنولوجيا، ولا تنفع في كلّ زمان ومکان.

ثالثا: أنّ السيف سلاح الأبطال والشجعان والمقاتلين وجهاً

ص: 160

لوجه، به لا بغيره تظهر البطولات والشجاعة والجرأة على منازلة الأبطال، خلافاً للأسلحة الحديثة التي لا تعدّ ملاكاً يعوّل عليه في البطولة والشجاعة، بل قد يفتك الجبان بصاروخ أو رشّاش أو مسدس بسربٍ من الأبطال والشجعان، فلا تعدّ أدواتٍ تميز بين الشجاع والجبان.

رابعاً: أنّ السيف سلاح قليل المؤونة والتكاليف، سهل الحمل والنقل، خلافاً لغيره من الأسلحة الحديثة، وهو ما يناسب طريقة الأنبياء والأولياء في التزام الاقتصاد في تكاليف الحروب؛ لأنّها وسيلة وطريق وما هي بغاية، ولا أنسب لها من قلّة المؤونة والتكاليف.

خامساً: أنّ السيف أنسب بالغاية والشعارات والأهداف التي تحملها راية المهدي صلوات الله وسلامه عليه.

بيان ذلك: أن المهدي - كما تقدّم مفصلاً في الحلقة الأولى من هذا الكتاب وفي غيرها من الحلقات -ذخيرة الله تعالى في الأرض، والمدّخر لإقامة الأمني والعوج، و تحقیق آمال الأنبياء وأهدافهم بتطهير الأرض من الكفر والشرك والنفاق وإقامة العدل في دولة الحقّ تحت راية التوحيد، وهذه الأهداف التي تتلخّص في بسط العدل والقسط على أرجاء المعمورة التي هي محور المنظومة الشمسية

ص: 161

وقلبها، وهي قطب رحاها ، تستقيم المنظومة هذه باستقامتها و تفسد بفسادها، فهذه الأهداف المقدّسة تستلزم وسائل وسبل مقدِسة أيضاً، إذ لا ينتصر الحقّ من حيث ينتصر الباطل، ولا تتحقّق الأهداف المقدّسة بوسائل رخيصة غير مقدّسة؛ ذلك أنّ مبدأ الحقّ يرفض أباطيل من قبيل : « الغاية تبرر الوسيلة»، كلّا فالغاية في منطق أهل الحق وفي شريعتهم لا تبرّر الوسيلة قطّ، بل الوسائل الشريفة المقدسة للأهداف المقدّسة، هو الشعار الذي تعتمده شرائع السماء، وهو المبدأ الذي تتبنّاه و تقرّه قوانين أهل الحق وأعرافهم.

وإذا كان الأمر كذلك، أعني إذا كانت الغاية لا تبرّر الوسيلة، كما هو الحقّ، وكانت حركة المهدي المنتظر أوراحنا له الفداء تهدف إلى أسمى الغايات وأشرفها على الإطلاق، وهي إقامة العدل في دولةالحقّ، تحت لواء الحقّ،إذا كان الأمر هكذا -كما هو الحقّ- فالذي تمليه علينا هذه الحقيقة ضرورة أنّ كافّة السبل والطرق والأساليب والوسائل والاستراتيجيّات والأسباب والعدّة وحتّى الجند والمقاتلين، يجب أن تكون جميعاً وفق المعايير الإلهيّة، مطابقة للعدل الإلهي طبق القذّة بالقذّة، وأن يراعى فيها جانب العدل والإنصاف والبناء والإصلاح، ويمنع فيها كلّ ما من شأنه أن يؤدّي إلى الخراب والدمار وإزهاق الأرواح البريئة.

ص: 162

وبتعبير آخر: إنّ كلّ وسيلة وأداة يستخدمها ويسخّرها المهدي المنتظر صلوات الله عليه يجب أن تكون موافقة الأهدافه، فلا يستعين بأنصار وقادة وجنود لا يرتقون إلى مستوى المسؤوليّة، ودون مستوى الإيمان والعلم بتلك الأهداف السامية، ولهذا كان أنصاره من خيرة الأنصار، جاء وصفهم عظيمة على لسان رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه کما بحثناه في محلّه من هذه الحلقات، وكان الثناء عليهم فوق حدود الوصف والتصوّر، ويكفي أنّهم فضلوا على أصحاب بدر وأحد، بل وعلى أصحاب سيّد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه -كما يستفاد من بعض الأخبار- ومن هنا يذعن المرء إلى هذه الحقيقة: أنّه لماذا اختار ااالله خيرة عباده الصالحين لإنجاز هذه المهمّة، ولا غرابة في ذلك إذا علم المرء أنّ الإنجازات العظيمة لا سبيل إلى تحقيقها إلّا بأيدي الأكفّاء وسادة التّاس وأشرافهم وعظمائهم.

فإذا تمّ الإذعان بهذه الحقيقة علم واعتقد جزماً أنّ في سبيل إقامة دولة المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشریف و تشیید بنیانها ووضع أسسها ينبغي أن لا يقع الضرر على مظلوم قطُ، ولا يصاب نبات أو حيوان أو جماد، يجب أن لا توطأ نملة تحت أقدام سليمان الزمان و جنده الأبرار، فلا يلحقوا الأذى إلّا من يستحقّ، وأن لا يؤخذ مظلوم بذنب ظالم قطّ.

ص: 163

وعلى كلّ حال، من ينال شرف الجهاد والقتال أن يكون على مستوى المسؤوليّة بل فوقه؛ ذلك أنّ الله تعالى من أجل ذلك محّصهم تمحيصاً، وامتحنهم في أشدّ الميادين، واختارهم بعد ذلك لما تمتّعوا به من علم راسخ، وصلابة في الإيمان، و ثبات قدم في اليقين، وشدّة التزام في مقام العمل، وإذا كان هذا حال أصحابه وأنصاره عليه وعليهم الصلاة والسلام، فالقاعدة ذاتها تقتضي توسيع النطاق وتعديه إلى سائر الوسائل والأسباب والعدّة التي ذلّلت له أرواحنا فداه، والسلاح من أهمّها إن لم يكن الأهمّ على الإطلاق، ولهذا كان السيف هو السلاح الذي وقع عليه الاختيار؛ لأنّه سلاح الشجعان والأبطال والفرسان في ساحة القتال والمنازلة، وهو السلاح الذي لا يلحق الأذى إلّا من يستحقّ، ولا يصيب بشرره ولظاه إلّا من لا يستحقّ الحياة، يخضع لسيطرة صاحبه ليذيق بحرّ ناره من کتب على جبينه اليأس من الاهتداء، ويكتوي بحدّه القاطع الحاسم جنوب الأشرار وظهورهم، من غير أن يدمّر عناصر الطبيعة و شریان الحياة، أو أن يحرق الأخضر واليابس، أو أن يهلك الحرث والنسل، ويختلّف من ورائه ركاماً من الدمار لا تصلح بعد مئات من السنين التلحق أضراراً جسيمة بالطبيعة وما حولها، ومن يعيش على خيراتها من الأجيال.

ص: 164

نعم، ليس غريباً إذا جاء التوكيد بعد التوكيد، والتصريح بعد التصريح، على لسان الشارع المقدس -أعني رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه والأمة الأطهار من ذرّيّته صلوات الله عليهم -في السنّة الشريفة أنّ المهدي صلوات الله عليه يخرج بالسيف، وأنّ سلاحه السيف -كما سيأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى بالتفصيل- لا غرابة في ذلك بعد أن عرفنا السبب، و « وإذا عرف السبب بطل العجب »؛ لأنّ هذه الأسلحة الحديثة لا ترحم الأبرياء، ولا تعرف البريء، بل لا تميز بين من هو البريء ومن هو المذنب، ومن يستحقّ الموت والهلاك ممّن لا يستحقّ، فتفتك بالنساء والحوامل منهنّ والأطفال حتّى الرضّع ومن في بطون أمّهاتهم وبالشيوخ والعجزة والمقعدين والخوالف من غير رحمة ولا رأفة، ولا ترحم حيوانأ أو نباتاً أو جماداً، بل يكفي الكبس على زناد السلاح، بندقيّة كان أو مسدساً أو رشاشاً أو صاروخاً أو مدفعيّة أو ما شابه ذلك، حتّى تحمل إلى آلاف الأبرياء، ولعلّ الملايين منهم، رسالة الهلاك والدمار والوحشيّة، و تقضي بحكم جائر جبان بهلاك الحرث والنسل والطبيعة والحيوان، وهذا بعيد كل البعد عن شيمة المصلحين والأولياء الصالحين .

هیهات .. هيهات.. هیهات لمن يرفع لواء التوحيد، وراية العدل، ويسير بخطى الأنبياء عَلَيهِم السَّلَامُ أن يكون سلاحه هذا الذي لا يكاد يسلم

ص: 165

من آفته وبطشه وفتكه الطبيعة الآمنة المطمئنّة والبريء الذي لا ذنب له، وحاشاه أن يطأ نملة أو بيت نملة وإن كان خارجأ في جنده إلى أعظم الجيوش وأشدٌ المعارك، ولا يحطمنّ نملة فضلاً عن غيرها من الحيوان والنبات والجاد والطير والحشرات؛ لأنّه رحمة للعالمين، جاء ليكون رحمة لمن يستحقّ الرحمة، وغضباً على من يستحقّ الغضب، من دون أن يخطئ الهدف، ولا عجب إذا عرفنا من هو القائم المنتظر عجل الله تعالى فرجه، وما هي أهدافه، ومن هم أنصاره؟! فلا يلتفت إلى ما يزعمه جاهل لبساطة جهله أو آخر لجهله المركّب أو ثالث يسعى وراء مکاسب دنيوية أو سياسيّة، فيحلو له أن يفسّر كلّ شيء في الدين بما يحلو لزمرة من المثقّفين وغيرهم ممّن لا تعجبهم حجّية الظواهر، بل النصوص الصريحة، حتّى تطابق أهوائهم ورغباتهم، أو ما يطلق عليه بمواكبة العصر الحديث والتكنولوجيا الحديثة، ويعيشيون عقدة التطوّر العلمي المذهل، ويعيش أولئك السفهاء عقدة إرضاء هؤلاء، فإنا لله وإنّا إليه راجعون.

سادساً: أنّ الأخبار والأحاديث نصّت على السيف، ولم نعثر على مورد واحد فيه لفظ السلاح حتّى يمكن حمله على مطلق السلاح، و تأويل السيف بالقوّة والشدّة كما يحلو للبعض أن يفسّره -أو مطلق السلاح -كما زعم البعض الآخر- خلاف للواقع؛ إذ لو كان المراه

ص: 166

بالسيف مطلق ما يدلّ على القوّة أو السلاح لنطق به المعصوم عَلَيهِ السَّلَامُ ولو في رواية واحدة، واستعان بلفظ السلاح، ولو كان لبان، وإليك جملة من هذه الأحاديث والأخبار:

1- قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الخطبة (93) بعد وصفه لفتنة بني أمية، وما يجري على الشيعة من بعده:

«نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاةٍ وَ لَسْنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ، ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللَّهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الْأَدِيمِ بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً، وَ يَسُوقُهُمْ عُنْفاً، وَ يَسْقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصَبَّرَةٍ، لَا يُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ، وَلَا يُحْلِسُهُمْ إِلَّا الْخَوْفَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ -بِالدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا- لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً، وَ لَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُورٍ، لِأَقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَوْمَ بَعْضَهُ فَلَا [يُعْطُونَنِيهِ] يُعْطُونِيهِ!»(1).

2- وذكر أيضا لأبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّكم إن فقدتموني لم تجدوا أحدأ يحدّثكم مثل حديثي حتّى يقوم صاحب السيف»(2).

3- عنه: عن الوليد بن صبيح، قال : «سأل المعلّى بن خنیس

ص: 167


1- نهج البلاغة : الخطبة 93.
2- الأصول الستة عشر : 76.

أبا عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ، فقال : جعلت فداك، حدثني عن القائم إذا قام يسير بخلاف سیرة علي عَلَيهِ السَّلَامُ؟ فقال له: نعم، فأعظم ذلك معى وقال: جعلت فداك، من ذاك؟ قال : لأن علياً عَلَيهِ السَّلَامُ سار بالنّاس سيرة وهو يعلم أنّ عدوّه سيظهر على وليّه من بعده، وإنّ القائم إذا قام ليس إلّا السيف، فعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم ...»(1).

4- وبإسناده عن الحسين بن أبي العلاء، قال: «سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: عندي الجفر ... قلنا: جعلت فداك، وأيّ شيء في الجفر الأحمر؟ قال: السّلاح؛ وذلك أنّها تفتح للدم، يفتحها صاحب السيف للقتل ...»(2).

5- عدّة من أصحابنا ... عن الحكم بن أبي نعيم، قال : « أتيت أبا جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ وهو بالمدينة ... فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: سل عن حاجتك، فقلت: إنّي جعلت لله علَىَّ نذرأ وصياماً وصدقةً بين الركن والمقام، إن أنا لقيتك، أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد أم لا؟ فإن كنت أنت رابطتك، وإن لم تكن أنتُ سر في الأرض فطلبت المعاش، فقال : يا حكم، كلّنا قائم بأمر الله، قلت : فأنت المهدي؟ قال : كلنا

ص: 168


1- الأصول الستة عشر : 164.
2- بصائر الدرجات : 171. الكافي : 240/1.

نهدي إلى الله، قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال :كلّنا صاحب السيف، ووارث السيف، قلت: فأنت الذي تقتل أعداء الله، ويظهر بك دين الله؟ فقال: يا حكم، كيف أكون أنا وقد بلغت خمساً وأربعين -سنة- ؟ وإنّ صاحب هذا الأمر أقرب عهدة باللبن منّي، وأخفّ على ظهر الدابة »(1).

6- وبسنده عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، أنه سئل عن القائم؟ فقال : «كلنا قائم بأمر الله واحداً بعد واحد، حتى يجيئ صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان »(2).

7- عن يعقوب السرّاج، قال : « قلت لأبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: متى فرج شيعتكم؟ قال: فقال : إذا اختلف ولد العباس، ووهی سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم، وخلعت العرب أعنّتها، ورفع كلّ ذي صيصيةٍ صيصيته، وظهر الشامي، وأقبل اليماني، وتحرك الحسني، وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فقلت: ما تراث رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه؟ قال: سيف رسول ااالله، ودرعه، وعمامته، وبرده، وقضيبه، ورايته، ولامته، وسرجه،

ص: 169


1- الكافي: 536/1.
2- الكافي: 536/1.

حتّى ينزل مكّة فيخرج السيف من غمده، ويلبس الدرع ...»(1).

8- وفيالحديث الشريف، قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه عن صاحب الأمر صلوات الله عليه: «... له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم ...» إلى أن قال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «وله سيف، فإذا حان وقت خروجه اختلع ذلك السيف من غمده، وأنطقه الله عز وجل فناداه السيف : اخرج یا ولي الله ...»(2).

9- وفي حكاية الرجل الهمداني الذي نال شرف لقاء مولانا الحجّة أرواحنا له الفداء: «... ثمّ قال لي: أتدري من أنا؟ فقلت: لا والله، فقال: أنا القائم من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف وأشار إليه ... الخ»(3).

10- وعن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «... فإذا كان وقت خروجه يكون له سيف مغمود ، ناداه السيف : قم يا ولي الله فاقتل أعداء الله »(4).

11- وقال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في حديث طویل : « ... إذا قام القائم سار إلى

ص: 170


1- الكافي : 225/8
2- عیون أخبار الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 65/2. كمال الدين : 156.
3- كمال الدين : 454.
4- كفاية الأثر: 267.

الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف يدعون التبرئة -أو البترية- فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع السيف حتّى يأتي على آخرهم...»(1).

12- وفي حديث طويل آخر عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ : «... ولا يعطيهم ولا يقبل منهم إلّا السيف، هرجاً هرجاً، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر ...»(2).

13- عن محمّد بن مسلم، قال: «سمعت أبا جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ يقول : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من النّاس، أما إنّه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتّى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمّد، ولو كان من آل محمد لرحم»(3).

14- عن أبي بصير، قال : قال أبو جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: « يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جدید، على العرب شديد، ليس شأنه إلا السيف، لا يستتيب أحداً، ولا يأخذه في الله لومة لائم»(4).

ص: 171


1- روضة الواعظين : 265.
2- کتاب سلیم بن قیس : 258. الغارات : 12/1.
3- الغيبة / النعماني : 233.
4- الغيبة / النعماني : 233.

15- وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، أنه قال: «ما تستعجلون بخروج القائم، فوالله ما لباسه إلّا الغليظ، ولا طعامه إلّا الجشب ، وما هو إلا السيف ، والموت تحت ظلّ السيف »(1).

16- وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: « إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين قريش إلّا السيف، ما يأخذ منها إلّا السيف...»(2).

17- وعن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: «... فإذا قام قائمنا سقطت التقية ، وجُرّدالسيف، ولم يأخذ من الناس ولم يعطهم إلّا بالسيف»(3).

18- حتّى أنّه عليه الصلاة والسلام قد لقّب « بالسيف الشاهر»: «السَّلامُ عَلَى السَّيفِ الشّاهر، وَالقَمَرِ الزّاهِرِ، وَالنَّورِ الباهِرِ ...»(4).

19- ولقّب أيضاً « بصاحب السيف »(5).

ص: 172


1- الغيبة / النعماني : 233.
2- الغيبة / النعماني : 234.
3- بحار الأنوار : 47/24.
4- المزار/الشهيد الأول : 208.
5- الإرشاد : 340/2. الأصول الستة عشر: 76. بصائر الدرجات : 171. الكافي: 240/1 و 536. كمال الدين : 46. الهداية الكبرى : 243. تاج المواليد: 65. الفضائل : 33، وفيه: «السلام عليك يا صاحب السيف القاطع ...».

20- عن سلمان بن خالد، قال:«سمعت أبا عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: قدام القائم موتان: موت أحمر، وموت أبيض، حتّى يذهب من كلّ سبعة خمسة، الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون»(1).

21- وعن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، قالا: «سمعنا أبا عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب ثلث النّاس، فقيل له : إذا ذهب ثلث النّاس فايبقى؟ فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي؟»(2).

ص: 173


1- کمال الدين : 655.
2- کمال الدين : 655.

ص: 174

الدرس الثاني عشر: الخروج بالسيف -3

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وقيل عن السيف الكثير من الكلام على سبيل المثال :

1- قال إمام المتقين عليّ بن أبي طالب عَلَيهِ السَّلَامُ: « بقية السيف أبقى عدداً وأكثر ولدأ »(1).

2- عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: الخير كله في السيف، وتحت ظلّ السيف، ولا يقيم النّاس إلّا السيف، والسيوف مقاليد الجنّة والنّار»(2).

3- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ، قال:« إنّ الله عزّ وجلّ بعث رسوله بالإسلام إلى

ص: 175


1- نهج البلاغة : الرقم 84.
2- الكافي : 2/5. أمالي الصدوق: 674. ثواب الأعمال : 190.

الناس عشر سنين، فأبوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال، فالخير كلّه في السيف، وتحت السيف، والأمر يعود كما بدأ»(1).

4- عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: « الخير كله في السيف، وتحت السيف، وفي ظل السيف »، وقال -أي الراوي -: «سمعته يقول: إن الخير كلّ الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة »(2).

5- وفي الخبر: «أن رسول الله بعث بخسمة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد حتى تضع الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها -أي عند ظهور المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ- وسيف مكفوف ، وسيف منها مغمود »(3).

6- وفي الحديث : « السيف عزة الله تبارك وتعالى »(4).

7- وكان من نعت رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « نبي السيف »(5).

8- و قيل في حقه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « يعطي السيف حقه »(6).

ص: 176


1- الكافي : 7/2.
2- الكافي : 9/5.
3- الكافي : 10/5. الخصال : 275.
4- عیون أخبار الرضا : 2/ 32.
5- كمال الدين : 188، 197، 200.
6- کمال الدین:191.

وأمّا عن سلاح أصحابه رضي الله تعالى عنهم فيكفيك هذا الحديث:

عن البطائني، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ نزلت سيوف القتال، على كلّ سیف اسم الرجل، واسم أبيه »(1).

سابعاً: ولو سلّمنا نزولاً عند رغبة البعض من دعاة التنویر والاستنارة، ونوّرنا عقولنا وفتحناها على العصرنة لتواكب العلم الحديث وعصير الفضاء والتكنولوجيا العسكريّة المبهرة للعقول والمرعبة لأشجع القلوب، لو سلّمنا ونزلنا عند رغبتهم بأنّ هناك رواية أو روایات ربّمالم نعثر عليها -وعدم الوجدان لايدلّ على عدم الوجود -تنصّ على كلمة السلاح، وأنّه عليه الصلاة والسلام يخرج بالسلاح، فإنّا وبحسب مقتضى الأدلّة والقواعد الأصولية يجب أن نحمل المطلق على المقيّد والعامّ على الخاصّ، والسلاح لفظ مطلق وروايات السيف مقيّدة لإطلاقه، فيحمل على أنّ المراد بالسلاح هناك هو السيف الذي نصّت عليه أكثر الأخبار، بل لعلّ كلّها، كما أنّ هذا السيف بإطلاقه يحمل على إرادة « ذو الفقار»، أي يقيّد بالأخبار الناصّة على أنّه يخرج بسيف جدّه أمير المؤمنين صلوات الله عليه،

ص: 177


1- بحار الأنوار : 356/52. الغيبة / النعماني : 244.

وهو ذو الفقار، مصرحاً به.

لو سلمنا أنّ خروجه صلوات الله عليه يكون بالسيف، على ما في الأخبار والأحاديث، فما الدليل على أنّ سلاح أصحابه يكون السيف أيضا؟ إذ لعلّه يخرج بالسيف أي إحدی علائمه الدالّة عليه أن يحمل سيف ذو الفقار عند خروجه، وإنّما نصّ عليه للدلالة على صاحب الأمر أرواحنا فداه، فلا یدلّ أنّه يقاتل بالسيف، بقرينة إهمال الروايات وإعراضها عن ذكر سلاح أصحابه؟

والجواب عن هذا الإشكال يكون كالتالي :

أولاً: جرت السيرة على أنّ أمير الجيش وقائدهم لا يختلف سلاحه عن سلاح جنده.

ثانياً: جرت السيرة أيضا على أنّ المؤرّخين يستدلّون على سلاح الجيش بمجرّد سلاح القائد، وأنّهم إذا أوردوا سلاح القائد كفي للدلالة على نوع سلاحهم.

ثالثاً: أنّ النّاس عادة يستدلون على سلاح الجيش بسلاح قائد الجيش.

رابعاً: أنّ الأحاديث نصت في جملة منها أنّه يقاتل بالسيف، ويذيق أعدائهالهوان والموت الأحمر بالسيف، وهذا يكفي للدلالة

ص: 178

أيضاً على أنّ أصحابه يقاتلون بالسيف وما جرى مجرى السيف، کالسهام والنبال والرماح -كما هو الحال في المعارك القديمة-، لاستحالة التخالف بين القائد وجنده في السلاح، بل لزوم توافقها في ذلك، هذا إن لم ندّع -كما هو الحقّ- أنّ هذه الأحاديث دالّة بالدلالة الالتزاميّة القطعيّة أنّ جوّ تلك الحروب والمعارك وظروف القتال حينذاك تعتمد على القتال بالسيف، ولا مجال لاستعمال غيره من السلاح، لعلّه لاحتمال وقوع حرب عالمية ثالثة تدمّر الحرث والنسل، ولا تبقي إلّا القليل من النّاس، و تقضي على الآلة العسكريّة والمعدّات الحربيّة بأسرها، وتدمّر ترسانات الأسلحة ومصانعها، بل تقضي على التكنولوجيا العسكريّة والصناعات والعلوم بعد القضاء على الجامعات العلميّة ومراكز التعليم ومؤسساتها، وإزهاق نفوس المفكّرين وخبراء التصنيع وعلمائها لتعود الحياة بدائيّة بعد أن تستنفد تلك الحرب المدمّرة العارمة طاقات الأرض وخيراتها وطاقات البشريّة جمعاء، فلا يجدي هنالك إلّا السيف، بل لا سلاح يومئذ إلّا السيف، لاسيمّا إن تأمّلنا الأحاديث وأمعنّا فيها النظر، فإنّ جملة منها تنصّ على وقوع الحروب والفوضى والقتال والجوع والهرج والمرج في أرجاء الأرض من مشرقها إلى مغربها قبل قيام المهدي عجل الله تعالى فرجه، وما يسفر عنها من الموت الأحمر والأبيض

ص: 179

حتّى يقتل أو يموت ثلثا أهل الأرض، راجع بحثنا في علامات الظهور.

ولو أضفنا إلى تلك الأحاديث الواردة في الملاحم والفتن و علائم الظهور تصريحات بعض رجال السياسة والأعلام وما تخرج علينا بين الحين والآخر من تقريرات لمؤسّسات علميّة أو إنسانية أو بيئية وما شابه ذلك المحذّرة من وقوع حرب عالمية ثالثة تحرق كلّ شيء أتت عليه، و تخلّف الدمار والفوضى والهلاك والطاعون والأمراض القاتلة والفقر والهرج والمرج، و تعيد الإنسان إلى حياته البدائيّة الأولى، وترجع بالإنسانيّة إلى الحضيض، و تجعل الحياة لا تطاق، لو أضفنا هذه التوقّعات والأحاسيس إلى تلك الأحاديث لزالت الغشاوة عن أبصارنا، وتجلّت الحقيقة للعيان أكثر فأكثر.

ولو أضفنا إحساسنا وأحاسيس الشعوب بأجمعها بالأمر ذاته، وأنّ نهاية البشريّة تكون على أيدي قراصنة السياسة و تجّار الأسلحة إلى ذينكما الدليلين لانقشعت الغبرة عن وجه الحقيقة، و تجلت شمس الحقيقة أكثر فأكثر.

ولو أضفنا حقيقة أن هذا الإنسان لا يعود إلى رشده، ولا يصدع للحقّ، ولا يرعوي، ولا يرتدع، عن متابعة الهوى، والرقص على حلبة الباطل، إلّا بوقوع كارثة في حياته، وانفجار بركاني في أعماق

ص: 180

وجوده، بمشاهدة القتل والدمار والخراب، ورؤية ما کسبته يداه، وكيف جنى على نفسه وعلى حياته، وأنّه لا سبيل إلى النجاة إلّا بالتوبة النصوح الصادقة، والتمسك بحبل الله المتين، و التماس النجاة من الدين الخالص، لو أضفنا هذه إلى تلك الظهر الحقّ وانجلت الغبرة أكثر فأكثر.

ولو أضفنا إليها جميعاً حقيقة أنّ المهدي عجل الله تعالى فرجه لا يظهر حتّى ييأس النّاس من كلّ شخص تأمّلوا فيه الخير، ويقنطوا من كلّ حزب و نظام وداعية ومؤسسة، فيغسلوا أيديهم من الجميع، ويتوجّهوا بفطرتهم الصادقة، وعقولهم السليمة، بعد العودة إلى رشدها، نحو بارئهم وخالقهم ويلتمسوا منه النجاة والفرج، ويعقدوا العزم على الوفاء بعهدهم هذا، وهو لا يكون إلّا بعد أن يحلّ بهم البؤس والشقاء والفقر والحاجة والموت والدمار.

إذا أضفنا هذه إلى تلك العلل والأسباب والأدلّة والقرائن والشواهد، لزال كلّ التباس، وظهرت الحقيقة كالشمس في رابعة النهار.

ولعلّ مولانا صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه يخمد الطاقات الأرضية بأسرها، ويقطع فتيلها ، فيوقف نبض الحياة عنها، ويحول بيده الموسويّة البيضاء دون وقوع التأثير فيها، وبأنفاسه

ص: 181

المحمّديّة كن فيكون يبطل كلّ مفعول لها، ويمنع كلّ دمار قد ينجم عنها، فيكون بذلك قد حال دون وقوع كارثة إنسانيّة بل طبيعيّة، ثمّ يبادر إلى علاج الواقعة بالقضاء على الأنظمة الكافرة الفاسدة المستبدّة وإبادتها، وإهلاك من لا ينحني أمام العدل والقانون الإلهي الحقّ کائناً من كان، حتّى يطهّر الأرضبشرع الله تعالى وحكمه.

ولعلّه -طبقأ لبعض التوقّعات - يستنفد الإنسان طاقات الأرض ومعادنها حتّى تأتي على نهايتها وتنتهي عن بكرة أبيها، فلا يجد الإنسان بدّأ دون الرجوع إلى الحياة البدائيّة، والاستعانة بركوب الخيل والبغال والحمير والإبل والقتال بالسيوف والنبال.

ومهما كان الأمر، وكيفما وقع التقدير الإلهي، وأياً كان الاحتمال الصائب من هذه الوجوه والتوقّعات، فإنّها جميعاً تؤيّد مقولة الخروج بالسيف، وهو المطلوب.

ولم تكن هذه الاحتمالات والتوقّعات بعيدة المنال والوقوع إذا أبحنا هنا عن حقيقتين صارختين وكشفنا الغطاء عنهما، وهما:

أولاً: بذل العناية والاهتمام في بعض من دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكيّة وبريطانيا بتشكيل قوّات عسكريّة نظاميّة تقاتل بالسيوف والنبال، وتمارس ركوب الخيل، وتعتني كذلك بإنشاء معسكرات للتدريب على ذلك، وإقامة مراكز تعلّمهم

ص: 182

فنون القتال بالسيف و غيره من الأدوات والأسلحة القديمة؛ ذلك أنّهم يتوقّعون نفاد الطاقة والمعادن وعودة الإنسان إلى عصر الحجر أو ما شابه ذلك، ولهذا كعادتهم لم يستهينوا بهذه التوقّعات مهما كانت ضعيفة، بل نهضوا واستنهضوا الهمم و کشفوا عن ساعد الجدّ ليستعدّوا للواقعة قبل وقوعها، ويعدّوا العدّة لذلك اليوم، إن أصاب المتوقّعون في توقّعاتهم، ونحن في غفلةعن ذلك، وفي سبات مرير.

ثانياً: سيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى أنّ مولانا الإمام المهدي صلوات الله عليه حين يخرج بإذن الله تعالى، وينزل سیّدنا عیسی بن مريم على نبيّنا وآله وعليها السلام يوجّهه بلواء الحقّ نحو بیت المقدّس فيدعو النصارى إلى اعتناق الإسلام، واتّباع المهدي المنتظر أرواحنافداه، ويظهر لهم المعجزات، ويخرج لهم الإنجيل، ويقيم عليهم الحجّة البالغة، فيتبعه كثير منهم.

ويذهب المهدي صلوات الله عليه إلى اليهود فيخرج لهم التوراة و تابوت السكينة، و تركة آل موسى وهارون وبني إسرائيل، وغير ذلك من الآيات والبیّنات، ثمّ يهتدي على يديه نفر قليل منهم ويتّبعونه، ثمّ يقاتل مع سيّدنا المسيح عَلَيهِ السَّلَامُ من بقي منهم وتمادى في غيّه، ومن تمسك بضلاله من أهل العناد، فلا يبقي لهم أثراً.

وترتكز جلّ اهتماماته وحروبه على الجزيرة العربيّة من اليمن إلى

ص: 183

العراق إلى الشام وما بينها وما حولها، وهي في الأغلب دول عربيّة، يقود هذه الجيوش رجل سفياني يريد حرب إبادة طائفيّة، فيأمر بقتل كلّ من انتسب إلى بني هاشم، وكلّ من كان من شيعتهم.

و بكلمة واحدة: السفياني ناصبي بغيض يحمل لواء آل أبي سفيان يريد بها القضاء على كلّ من انتسب إلى أهل البيت بصلة، حتّى يقتل بالشبهة والظنّة ولا يرحم أحداً، معقله الشام من الأكوار الخمسة، مسقط رأسه كما يبدو فلسطين، وجهته العراق والجزيرة العربيّة، يقصد انتهاز فرصة الهرج والمرج والفوضى العارمة في هذه البلاد ليستولي عليها، فيوحّد بلاد الشام أوّلاً تحت لوائه ثمّ يتّجه صوب العراق ومنه إلى الحجاز، وليس في جيشه سوىأولاد الزنا من النواصب المبغضين لعليّ وأهل بيته وشیعته .

بعد هذه المقدمة أقول: إنّ أكثر من يخرج عن طاعة المهدي المنتظر أرواحنا له الفداء، وينصب له العداء، ويشهر السیف بوجهه، ويتصدّى لقتاله، هم من الجزيرة العربيّة وما حولها من بلاد الشام وبلاد عربيّة مجاورة، وقد انكشف اللثام عن وجه هؤلاء البغيض في السنوات الأخيرة، حيث أذيعت عنهم تقارير مصوّرة وغير مصوّرة أوضحت عن معسكرات لهم خاصّة في بعض البلاد للتدريب على القتال بالسيف وركوب الخيل واستخدامهم السيف الحرّ الرؤوس

ص: 184

وقطع الأوداج، وظهور قادتهم على ظهور الخيل حاملين السيوف، ممّا يؤكّد إيمانهم وتمسّكهم بأنّ الحرب القادمة تكون ضدّ لواء المهدي المنتظر صلوات الله عليه ولا تكون إلّا بالسيف والدواب.

وبملاحظة وجه الشبه بين هؤلاء النواصب وأولئك أسيادهم من الأميركان والبريطانيّين يظهر للعيان كيف أنّ الكفر ملّة واحدة، وكيف أنّهم أجمعوا على الاستعداد لمواجهة لواء الحقّ والتوحيد، ماضين في إعداد العدّة لذلك اليوم العصيب.

وكيف كان فالأرض لا يتم تطهيرها إلّا بالسيف، والعدل لا يمكن بسطه ونشره إلّا بالسيف، ولواء الحقّ والتوحيد لا ينتصر إلّا بالسيف، ودولة الحقّ لا تقوم إلّا بالسيف.

ص: 185

ص: 186

الدرس الثالث عشر: تطهير الأرض - 1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأمّا الحقيقة الثانية: التي يزعم هؤلاء المساكين أن لا أصل لها، ولا أساس لها من الصحّة، بدعوى أنّ صاحب الأمر أرواحنا فداه کجدّه المصطفى صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه رحمة للعالمين، وأنّ دعوته إلى الحقّ سلميّة إعلاميّة علميّة جدليّة برهانيّة كلاميّة، ليس فيها لغة العنف والقتل، ولا الإكراه لقوله تعالى :﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾(1)، وإنّما تعتمد على الإرشاد والموعظة، فيتبعه النّاس کافّة في عدله، ويبقى أهل الكتاب على دينهم بدفع الجزية للمسلمين، وتبقى المذاهب الإسلاميّة على حالها في دولة المهدي صلوات الله عليه، لا يمسّ أحداً منها بسوء،

ص: 187


1- سورة البقرة : الآية 256.

يحكم بينهم بمذاهبهم وأديانهم ويقيم العدل والقسط بينهم من منطلق أحكامهم وقوانينهم وشرائعهم.

وهي نظرة باطلة لا أدري أيّ شیطان جنّي ألقاها في روع بعض شياطين الإنس وبعض جهّالهم، فعمد إلى تدوينها في كتابه، ثمّ قام بنشرها وترويجها مبرهناً إيّاها، زاعماً أنّها من الحقائق الثابتة، ليضلّ بها العباد، ولو حكّم عقله القاصر، أو رجع إلى بعض أهل العلم، أو استمع لنصائحهم لما زلّ وضلّ وأضلّ، وكذب على الله تعالى ورسوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ثم أتى الحزبيّون والسفهاء من هذه الأمّة وتلقّوا سخافاته وأباطيله المبثوثة في كتابه تلقي المسلّمات، وأخذوها أخذ الضروريّات، بتقليد أعمى لا ترتضيه أبسط العقول، ولا يقرّبها ذوو الألباب، وأدهى من ذلك أن خرج كبيرهم الذي علّمهم السحر على منصّة صلاة الجمعة يلقي هذه الطامات على مسامع النّاس في خطبتها، وكأنّه جاء بالفتح المبين وفتح الفتوح، يتبجّح بسخافات كتبها جاهل بالحقائق قبل ما يربو على عشرين عاماً بقليل أو كثير، ومن سوء حظّه و جهالته أنّه لم ينسبها إلى صاحبها بل عدّها من رشحات فکره و تأمّلات ذهنه و تحقیق و تفحّصه بين الأدلّة، والأدلّة من هذه الخزعبلات براء، بل الأدلّة والبراهين بأجمعها على خلاف هذه المزاعم، فأقول وبالله التوفيق:

ص: 188

أولاً: أنّ نظرة فاحصة دقيقة، وحتّى عابرة صادقة، في أحاديث أهل البیت عَلَيهِم السَّلَامُ تکفي لتدلّ دلالة جزمٍ و یقین علی بطلان هذه امقولات والمزاعم، وهاك جملة من هذه الأخبار والأحاديث:

1- عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ من عرض الإيمان على كلّ ناصبٍ، فإن دخل فيه بحقيقته، وإلّا ضرب عنقه ، أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمّة ...»(1).

وعلّق عليه المرحوم المازندراني قائلاً: «إلّا أنّه ضعيف » ، فهو رَحْمَةِ اللَّهِ أوّلاً ضعّف الحديث، وثانياً: قال بعد ذلك : « و على تقدير العمل به فلعلّ الجمع بينه وبين ما روي من أنّه يضع الجزية عند ظهوره، أنّه يضعها عن أهل الكتاب ، فإنّهم حينئيذٍ بمنزلة الحربي لا يرفع عنهم السيف حتّى يؤمنوا، أو يقتلوا، والله أعلم»(2).

فهو رَحْمَةِ اللَّهِ الخبير بالأحاديث والأخبار روايةً و درايةً، وخرّيت هذا الفنّ، أوّلاً: ضعّف الحديث من حيث السند، وكذا الدلالة، لمعارضتها الأخبار والأحاديث الصحيحة أو المعتبرة.

ثانياً: والظاهر أنّه رَحْمَةِ اللَّهِ لكي يجمع بين الطائفتين من الأخبار

ص: 189


1- الکافی : 227/8
2- شرح أصول الكافي : 303/12.

ذهب إلى رفع الجزية عن أهل الكتاب ، ووضعها على النواصب.

ونحن وإن وافقناه على تضعيف الرواية، وعلى تقديم روایات رفع الجزية عنأهل الكتاب وتخييرهم بين القتل بالسيف والدخول في الإسلام بحقيقة الإيمان، من غير نفاق باطن، و تظاهر کاذب بالإيمان، غير أنّنا من غير الممكن أن نوافقه على وجه الجمع بوضع الجزية على النواصب، وهم كلّ المسلمين من أتباع المذاهب الباطلة وغير المسلمين من النّاس عند ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ بعد إتمام الحجة عليهم وعنادهم في قبول الحقّ، عدا شیعته، ومن تاب ورجع عن غيّه، وعاد إلى رشده فصار من شيعته، إذن لا نقبل أنّه صلوات الله علیه سیخيّر أتباع هذه المذاهب الإسلاميّة بين دفع الجزية مع البقاء على عقائدهم وأعمالهم الباطلة، وبين القتل بالسيف؛ لأسباب عديدة أهمّها:

أ- بطلان حكم الجزية وانتفاؤه موضوعاً عند ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ.

ب- لاخيار لأحد سوى التشيّع واعتناق المذهب الحقّ، أو القتل بالسيف .

ج- النواصب أشدّ من أهل الكتاب، وأخطر منهم على الدين، وكيف يمكن إبقاؤهم والاكتفاء بأخذ الجزية منهم إن اختاروا دفع الجزية، بينما ترفع الجزية عن أهل الكتاب.

د- الإسلام لا يتعدد، ودين الحق في كل زمان واحد ليس إلّا،

ص: 190

ولا معنى حينئيذٍ لإبقاء مذاهب باطلة إلى جنب الحقّ الأبلج باسم الدين الإسلامي.

ه- حكم الجزية كان من الاستثناءات التي منّ الله تعالى بها على أتباع شريعتي موسى وعيسى على نبيّنا وآله وعليها السلام، وعلى أهل التوراة والإنجيل حتّى تتمّ عليهم كلّ الحجج إلى ظهور صاحب الأمر صلوات الله عليه، ولا يجوز أخذ الجزية من أهل الشهادتين، ولو كانوا مسلمين في ظاهر الحال، وبظاهر المقال.

و- ولو جاز أخذ الجزية من النواصب لعنهم الله، از من کلّ ذي نحلة ودين ، بل من الكفّار والمشركين؛ لأنّهم أهون حالاً من النواصب المخالفين له عَلَيهِ السَّلَامُ عند ظهوره، أو هم والنواصب المنافقين عل حدّ سواء، كما قال تعالى في محكم آیاته :

﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾(1).

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾(2).

ص: 191


1- سورة النساء : الآية 145.
2- سورة التوبة : الآية 73.

وقال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾(1).

فلا يقبل الجزية من أهل الكتاب، ولا يضعها على النواصب والمخالفين مطلقاً.

2- قال أبو جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: « أول ما يبدأ القائم عَلَيهِ السَّلَامُ بأنطاكية فيستخرج منها التوراة من غار فيه عصی موسی وخاتم سليمان ...»(2).

3- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ أيضا في تفسير قوله تعالى:﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾(3)، قال : « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ ذهبت دولة الباطل »(4).

4- وقال عَلَيهِ السَّلَامُ في حديث طویل: « إذا قام القائم ... ولا يترك بدعة إلّا أزالها، ولا شئة إلّا أقامها ...»(5).

ليت شعري كيف يمكن إزالة البدع والقضاء عليها مع ترك أهلها يمرحون ويسرحون؟! وهل إزالة شيء من الأفكار والعقائد الباطلة والبدع إلّا بإزالة أهلها والمروّجين لها؟! أليس معنى قوله عَلَيهِ السَّلَامُ هذا،

ص: 192


1- سورة النساء : الآية .14.
2- بحار الأنوار : 390/52.
3- سورة الإسراء : الآية 81.
4- الكافي : 287/8.
5- روضة الواعظين: 264.

أنّه يخيّر أهل جميع الملل والمذاهب والنَّحل والأديان بين القتل بالسيف وبين الإيمان بحقيقة الإيمان؟!

5- عن رفاعة بن موسى ، قال: «سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَکرْهاً﴾(1)، قال: إذا قام القائم لا يبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله»(2).

6- وروى عليّ بن عقبة، عن أبيه، قال : « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ حکم بالعدل ... ولم يبقَ أهل دين حتّى يظهروا الإسلام، ويعرفوا بالإيمان »(3).

وعن مولانا أبي الحسن الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ، أنه قال في تفسير قوله تعالى: «﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَکرْهاً﴾ نزلت في القائم عَلَيهِ السَّلَامُ إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفّار في شرق الأرض وغربها، فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب الله عليه،

ص: 193


1- سورة آل عمران : الآية 83.
2- بحار الانوار: 340/52
3- الإرشاد : 364. روضة الواعظين: 265/2. إعلام الوری : 432. إثبات الهداة : 528/3. کشف الغمة : 255/3.

ومن لم يُسلم ضرب عنقه حتّى لا يبقى في المشارق والمغارب أحدٌ إلّا وحدّ الله، قلت : جعلت فداك، إنّ الخلق أكثر من ذلك، فقال : إنّ الله إذا أراد أمرة قتل الكثير، وكثّر القليل»(1).

8- وأيضاً عنه عَلَيهِ السَّلَامُ في تفسير قوله تعالى : ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾(2)... قلت : ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾(3)، قال : يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم»(4).

9- وفي تفسير القمّي رَحْمَةِ اللَّهِ: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ قال : بالقائم من آل محمّد عَلَيهِم السَّلَامُ حتّى إذا خرج يظهره الله على الدين كلّه، حتّى لا يعبد غير الله، وهو قوله : يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(5).

ثانياً: أنه لمّا اختلق من هوى نفسه قواعد يستند إليها في رفضه للاستدلال بهذه الأحاديث، و عدّ كلّ خبر وحدیث مخالف لتلك

ص: 194


1- العياشي: 1/ 183. إثبات الهداة : 549/3. المحجة : 50.
2- سورة الصف : الآية 8.
3- سورة الصف : الآية 9.
4- الكافي: 432/1
5- تفسير القمي : 365/2. بحار الأنوار : 49/51.

القواعد خبراً مخالفاً للكتاب والسنّة، فضرب بهذه الأخبار جميعاً عرض الجدار، ليحقّق أهدافه وأهداف من كتب من أجلهم والتي أخفاها وراء تلك السطور والصفحات المسوّدة، لما عمد إلى هذا التصرّف والسلوك لزمنا الاستناد إلى حكم العقل والأدلّة القطعيّة التي تدحض مزاعمه و تقطع الحجّة عليه وتردّ عليه الصاع صاعين، فأقول مستعيناً بالله تعالى:

زعم الرجل تارة: أنّ هذه الأحاديث تخالف الكتاب والسنّة، فالستّة والكتاب نصّا على الجزية وإبقاء أهل الكتاب وعدم إكراههم على اعتناق الإسلام، وأجمع المسلمون على ذلك وجرت عليه سيرتهم حتّى عدّ من ضروريات الدين عندهم.

لكنّه لم يلتفت إلى هذه الحقيقة وغَفَل عنها، وهي أنّ حكم الجزية لم يكن حكماً أوّليّاً مطلوباً بذاته، بل كان حكماً ثانوياً مؤقتاً، وقد تمّ توقيته بظهور صاحب الأمر صلوات الله عليه، أي أمهلهم كما أمهل إيليس، حيث دعاقائ:﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ*إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾(1)، فهل يعني هذا أنّ المهدي صلوات الله عليه سينظر إبليس ويمهله أيضاً؛

ص: 195


1- سورة الحجر : الآيات 36 - 38.

لأنّ الله أمهله، وأمهله جميع الأنبياء والرسل؟!

فحكم الجزية ينتهي بظهور بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه، ولا يمهل أهل الكتاب بعد ذلك، وإلّا كان الحقّ أن يرميهم الله تعالى بصاعقة من السماء تحرقهم إلى يوم القيامة حين جنحوا إلى الكفر والعناد ورضوا بمباهلة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ولولا أرسل رحمة للعالمين، ولولا قضاء الله تعالی برفع العذاب عن أمّته صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه إكراماً وإعظاماً له، لما وجدنا اليوم واحداً يدين بدين أهل الكتاب، أي لم يبق لهم أثراً على الأرض، ولا ذكراً في الوجود، فليس حكم الجزية والإبقاء، حكماً أوّليّاض سارياً إلى يوم القيامة، بل سينتهي بانتهاء أمده، وهو ظهور الإمام صاحب الزمان أرواحنا له الفداء.

ثالثاً: لو كان الأمر كما زعم هذا العبقري ومن تبعه من العميان، لم تكن حاجة إلى نزول عیسی بن مریم عَلَيهِما السَّلَامُ حاملا لواء الحجة صلوات الله عليه.

بيان ذلك: أنّ الله تعالى قد الآدّخر عیسی عَلَيهِ السَّلَامُ ورفعه إلى السماء ليكون شاهداً على النصارى وناصراً لصاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ، ولو كان قاضیاً بإبقائهم وقبول الجزية منهم في دولته الكريمة، لكان عمله هذا -والعياذ بالله - عبثاً نقضاً للغرض وخلفاً وخلافاً للحكمة، والحكيم تبارك وتعالى أجلّ وأنزه من أن يعبث بالجزاف.

ص: 196

رابعاً: لو أريد لأهل الكتاب البقاء بدفع الجزية، لم يكن حاجة القتال اليهود منهم في بيت المقدّس حتّى القضاء على آخر يهودي على وجه الأرض، إلّا من جنح إلى الحقّ، ولم تكن حاجة لإقامة الحجّة عليهم بالكيفية الواردة في الأحاديث -كما أسردناها في محلّه- وهي الكيفيّة التي لا يمهل بعده المحجوج ولا ينظر أو يعذّر، لأنّه آخر ما يحتجّ به الأنبياء على أمهم وأقوامهم.

خامساً: ولو صحّ ما زعمه لم يكن بدّ ولا ضرورة لادّخار المهدي صلوات الله عليه وأصحابه المنتجبين الأخيار، وستره و حفظه خلف ستائر الغيب وتحتل شيعته كلّ هذا العناء، فهل يعقل أن يفعل الحكيم هذا كلّه ويغيّب وليه ويأمر شيعته بالصبر عشرات القرون، ثمّ يعيد المياه إلى مجاريها ويحكم على الشرائع المنسوخة والمحرّفة غاية التحريف بالحياة وديموميّة البقاء، فيحيى الشرك من جديد ويحكم على المشركين بمواصلة الحياة على شركهم، وهو الذي يقول : ﴿لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكونَ﴾(1)، ويقول : ﴿حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّ﴾(2)، ويقول :﴿فَقَاتِلُوا

ص: 197


1- سورة التوبة : الآية 33.
2- سورة البقرة: الآية 193. سورة الأنفال : الآية 39.

أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾(1)، ويقول على لسان نبّيه نوح عَلَيهِ السَّلَامُ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾(2)، وغيرها من الآيات التي دلت الأحاديث على تحقيقها في زمن المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، و تحققها بيديه المبارکتين.

فهل يبقى معنىً لقوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول اللّه ُ ذلكَ اليومَ حتّى يَبعَثَ فيهِ رجُلاً مِن وُلدي...»(3)، او هل يبقى معنىً لقوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه : «فيملؤها عدة وقسطأ كما ملئت جورة وظلماً»(4)؟

هل يبقى لها معنىً إذا قلنا إنّ النصرانيّة واليهوديّة باقيتان في دولة المهدي أرواحنا فداه، وأنّ أهل الديانتين باقون على ديانتهم بحكم الجزية؟! وما الجدوى من كلّ هذا الوعد والوعيد والإعداد والاستعداد والتمهيد والدعوة إلى الانتظار وتسليط الأضواء على ظهور الحجّة المنتظر صلوات الله وسلامه عليه، إذا كان لا يغيّر شيئاً، بل يقرّ للشرك الصريح بالبقاء والحياة، هذا ما لا تقرّه الشريعة الغرّاء،

ص: 198


1- سورة النساء : الآية 76.
2- سورة نوح: الآية 26.
3- کمال الدین: 318
4- کمال الدین: 318

ولا تنحني له جباه العقول السليمة.

كيف يجوز ذلك وقد نصّت الأحاديث على خصوصيّات امتاز بها المهدي أرواحنا فداه، وميّزت حركته ودولته عن رسالات جميع الأنبياء والمرسلين، وذكرت له خصائص ما منحت لأحد من قبل حتّى سلمان على نبينا وآله وعليه السلام، وإن كان هذا الأخير أشبه في حكمه بالمهدي صلوات الله عليه، ومن هذه الخصائص أنّه يحكم بعلمه لا بالشهود والأمان والبينات ، وعلمه من علم الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فيحكم بالواقع ولا يلتفت إلى ظاهر الحال، ولهذا لامجال للنفاق في دولته، وحدودها السماوات والأرضون، ولا حياة للمنافق على وجه الأرض، هذا حال المنافق الذي غضّ الله تعالى الطرف عنه في عهد رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فماذا يكون حال المشركين؟! أليس من الغريب أن ندعو إلى هذه السخافات؟! أم أنّ هذا ومن على شاكلته بناءً على قواعده الزائفة يزعمون أن لانهاية للنفاق والمنافقين في دولة المهدي عجل الله تعالى فرجه، وأنّه يأويهم ويغضّ الطرف عنهم كما صنع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه؟

ص: 199

ص: 200

الدرس الرابع عشر: تطهير الأرض - 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وماذا يقول هذا وإخوته في الغي ، عن كثير من الأمور والأحكام الظاهریّة التي نصّت الأحاديث على تغييرها على يدي مولانا القائم المنتظر عجّل الله تعالی فرجه، لاسيمّا في القضاء حيث يقضي كما كان يقضي جدّه أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسليمان النبِّي على نبيّنا وآله وعليه السلام، وهكذا تغييره لجملة من الموضوعات والتي تعرّضنا لها في محلّها.

فهل يريد هؤلاء إنكار هذه الحقائق المسلّمة كلّها ؟!

وهل يسعون إلى إنكار كل ما ورد في الأحاديث الصحيحة من إحداث التغيير في الأحكام والموضوعات حتّى يقول النّاس والسفهاء

ص: 201

عنه: « إنّه جاء بدین جدید »(1)، أو يقال عنه: «إنّه يأتي بدين جدید »(2)؟! وأنّى لهم ذلك ، ولهذا ظهر التهافت في كلامه حين أنكر البعض دون بعض، وداس برجليه على قواعده، وبرزت منه حقيقة أنّه إنّما ذهب إلى هذه الأباطيل، وبني تلك الأسس والقواعد ليستخلص منها ويستنتج عنها ما يرضي بعض الطوائف وتجني له مکاسب آنيّة.

فلو سلّمنا لهذا الفرض المحال، لنقضنا الغرض من وجود صاحب الأمر أرواحنا فداه ، كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، وكان الأحرى أن تعتقد كأكثر العامّة من أهل السنة بأنّ المهدي المنتظر سیولد وسيخرج وما هو سوی مصلح يصلح الله به امّة نبيه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ويعيدها إلى رشدها وصوابها.

سادساً: إبقاء هذه الأديان والمذاهب الباطلة إقرار بها في دولة ينبغي أن لا تذعن إلا للحق، ولا يستقرّ بين جنباتها ولا يسير على ثراها سوى أهل الحقّ، وإلّا لم تختلف عن سائر الدول والأنظمة.

سابعاً: وأمّا قياس المذاهب الإسلاميّة الباطلة باليهوديّة والنصرانيّة فهو قياس مع الفارق و قیاس باطل ، وليس من قیاس

ص: 202


1- مصباح الأصول / البهسودي : 271/2.
2- مصباح الأصول / البهسودي : 271/2.

الأولويّة القطعيّة حتماً.

بيان ذلك: أنّ هذا ومن على شاكلته زعموا طبقاً لقواعدهم المزعومة أنّ النصرانية واليهوديّة تبق ويحكم على أهلها بالجزية،وإذا تمّ ذلك -وهو الصحيح على حدّ زعمهم- فإنّ إبقاء المذاهب الإسلاميّة الأخرى، سواء الكلامية منها أو الفقهيّة، أمر مفروغ عنه بالأولويّة القطعيّة؛ إذ لا يعقل -عند هؤلاء- أن يسمح للأديان المنافية للإسلام بالبقاء، ويحكم على المذاهب الإسلاميّة -وإن كانت باطلة ضالّة -بالفناء.

ليت شعري كم يحطّ الجهل من شأن صاحبه، ولو سكت الجاهل لكان خيراً له، وأحفظ لدينه ودين النّاس، ولكن هو الجهل الذي لا يأتي على شيء إلّا شانه و حطّ من قدره وأهلك صاحبه، وليته تعلّم الفقه وأصوله حتّى لا يتحفنا بعواهن الكلام، أليس في الفقه أحكام النصارى أخفّ من أحكام المسلمين؟! أليس من اهتدى من غير المسلمين عفا الله تعالى عمّا فاته من تكاليف وواجبات والعقوبات المترتّبة على اقترافه للمحرّمات، سوى القصاص والديات وحقوق النّاس؟ بينما لم يعف عن المسلم إذا تاب، بل كلّفه بالقضاء، أليس كذلك؟ وهلمّ جرّاً، قس علیه ما شئت ... فبالله دلّني أين الملازمة بين هذا وذاك؟ وما وجه الملازمة بينها؟! أليس بناءً على قواعده

ص: 203

المزعومة يجب سقوط هذه الأحكام عن المسلمين بالأولويّة المزعومة؟!

وعليه، فإنّا أولّاً: لانسلّم بالملزوم، وهو إبقاء أهل الكتاب بأخذ الجزية منهم، حتى نسلّم باللازم، وهو إبقاء المذاهب الإسلاميّة الباطلة. ولو سلّمنا بفرضالمحال، فإنّا لانسلّم بالملازمة بينهما، فلا ملازمة ولا أولويّة بين هذا وذاك، ودعوى الملازمة والأولويّة خالية من الدليل، ونحن أبناء الدليل أينا ما نميل.

وثانياً: لو صحّ ما زعموه لم يستقرّ حجر على حجر، وكان ذلك إقراراً بجميع هذه المذاهب وعوناً لاستشراء الباطل ونفوذه واستفحاله في جسد الأمّة، وكان عذراً لمن يدين بها إن تمسّك بمذهبه.

ثالثاً: وجب حينئيذٍ على الحاكم -وهو المهدي صلوات الله عليه في مفروض الكلام- أن يداهن ويراعي کافّة هذه المذاهب وينصب لهم الألوية والصلوات والمساجد ومجالس القضاء ويحكم بينهم بأباطيلهم المناوئة لحقيقة الإسلام الحنيف، وهذا الإشكال لا يرد على فرض القبول بالأديان السماويّة الأخرى -أعني اليهودية والنصرانيّة- إذ أنه عَلَيهِ السَّلَامُ لو أبقاهم لحكم بينهم بالتوراة والإنجيل اللذين أنزلها الله تبارك وتعالى، وهي بالنتيجة أحكام الله جلّ وعلا حتّى المنسوخ منها، بخلاف ما في المذاهب الإسلاميّة الباطلة من أحكام مخالفة

ص: 204

لمذهب الحقّ، فإنّها لا ترتبط بصلة بعيدة أو قريبة بشريعة السماء.

رابعاً: هذه الدعوى مخالفة لصريح النصوص وظواهر جملة منها، هاك على سبيل المثال لا الحصر:

في رواية طويلة عن أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «... فلا يبقى يهودي، ولا نصراني، ولا أحد ممّن يعبد غير الله إلّا آمن به وصدّقه، وتكون الملّة واحدة، ملّة الإسلام، وكلّما كان في الأرض من معبود سوى الله فينزل عليه ناراً، فيحرقه»(1).

وفي حديث طويل عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: «ثمّ ينطلق فيدعو النّاس إلى كتاب الله و سنّة نبيّه عليه وآله السلام، والولاية لعليّ بن أبي طالب عَلَيهِ السَّلَامُ، والبراءة من عدوّه...»(2).

عن الإمامين زین العابدين والباقر عَلَيهِما السَّلَامُ: «إنّ الإسلام قد يظهره لله على جميع الأديان عند قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(3).

10- وفي الحديث: « يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب قدّامه بالسيف، وهو قضاء آدم عَلَيهِ السَّلَامُ، فيقدّمهم فيضرب

ص: 205


1- الفصول المهمة : 302.
2- تفسير العياشي: 56/2، 40. تفسير القمي: 205/2. الكافي: 313/8. الغيبة / النعماني: 181.
3- ينابيع المودة : 423، عن المحجة.

أعناقهم، ثمّ يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدّامه بالسيف، وهو قضاء داوود عَلَيهِ السَّلَامُ، فيقدّمهم فيضرب أعناقهم، ثمّ يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممّن قد ضرب قدّامه بالسيف. وهو قضاء إبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ، فيقدّمهم فيضرب أعناقهم، ثمّ يقضي الرابعة وهو قضاء محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه فلا ينكرها أحد عليه»(1).

في الرواية: «... وإنما سمي المهدي مهديّاً لأنّه يهدي إلى أمرٍ خفيّ، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عزّ وجلّ من غار بأنطاكية. ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن...»(2).

خامساً: أنّ إبقائهم إمّا نابع من ضعف الدليل والبرهان، والعجز عن إقناع الخصوم، وإمّا نابع عن عنادهم وعجز مولانا المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ ردعهم بالقوّة والسيف، أو نابع عن عمله بسنّة جدّه أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في الإغماض عنهم، والمقدم كلّه باطل، فالتالي باطل مثله.

أمّا بطلان المقدَّم الأول والثاني فهو أبين من قرص الشمس في

ص: 206


1- بحار الأنوار: 389/52.
2- الغيبة / النعماني : 237. علل الشرائع : 161.

وضح النهار.

وأمّا بطلان المقدَّم الثالث فهو أوّلاً: أنّ سيرة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام لم تكن هذه، ولكنّ قلّة الأنصار وكثرة الأعداء منعته من محاربة هذه البدع والمذاهب الباطلة.

ثانياً: أنّ ضعف الدولة الإسلاميّة على عهده لكثرة المتمرّدين والخارجينوالمعاندين والمنشقّين والمائلين عن الحقّ إلى الباطل، وتربّص الكفّار والمشركين للنيل من الإسلام والقضاء على بيضته، هو الذي حال دون مواجهة الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ لتلك المذاهب الباطلة.

ثالثاً: انشغاله بحفظ الأمن الذي كانت تعبث به أيدي المخالفين، واشتغاله بتحسين حياة النّاس واقتصادهم، وتوفير سبل معاشهم، ومحاربته للفساد الإداري والاقتصادي الذي خلّفته الخلافات والأنظمة السابقة، حالت دون تفرّغه لإزالة هذه المذاهب الباطلة.

رابعاً: ثلاث حروب ومعارك دامية قادتها أيدي الخونة والمنافقين المحاربين الله ورسوله، كانت طعناً من الظهر في جسد الأمّة، حالت دون توجّه الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ للتصدّي لتلك المذاهب ودحض أباطيلها.

خامساً: يرد عليه كلّ ما ورد على السماح للنصرانيّة واليهوديّة ولأهل الكتاب بالبقاء.

وبعبارة أخرى: كلّ ما أوردناه من ردّ وإشكال على مزعمة

ص: 207

إبقاء الأديان السماويّة، يرد هنا على مزعمة إبقاء المذاهب الإسلاميّة الباطلة.

سادساً: لم يفتك بالإسلام شيء کا فتكت به هذه المذاهب الباطلة، وكلّ بلاء وفتنة وبدعة ومصيبة حلّت بالمسلمين كان السبب فيها هذه المذاهب الباطلة، التي لم تكن لتقوم وتبرز لولا مخترعوها من أقطاب المنافقين، فأيُّ مصيبة أعظم وأيُّ بلا أعمّ من إبقاء هذه المذاهب التي صنعتها واخترعتها أيدي النفاق وعقوله المتواطئة على الإسلام والمسلمين، وكانت سبياً وعلّة تامّة في انحطاط المسلمين، وسوء حظّهم، وذلّهم وخنوعهم؟!

فما لكم كيف تحكمون؟!

سابعاً: رغم ذلك كلّه فإنّ مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه لم يأل جهداً في التصدّي لها بالحكمة والموعظة الحسنة تارة، وبالمواجهة الإعلامية والكلاميّة الصارمة تارة أخرى، ولا ترك فرصة إلّا وشهر سيف الدليل والبرهان عليها وقطع عليها أنفاسها، وما يصنع إذا لم تُهيّأ له القدرة ولم تسنح له الفرصة في قتالها وتطهير الأمّة من دنسها و خلاصها من شرورها، لقلّة الأنصار وكثرة أهل العناد والضلال، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ثامناً: عتل الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ ذلك بصريح العبارة حين قال : «لأن عليّاً

ص: 208

سار بالنّاس سيرة وهو يعلم أنّ عدوّه سيظهر على وليه من بعده، و انّ القائم اذا قام لیس الّا السیف...»

وأخيراً كيف نجمع بين القائم المنتقم أرواحنا له الفداء، الطالب بدماء الأنبياء وأبناء الأنبياء، والطالب بدم المقتول بکربلاء، وبين أولئك القتلة المجرمين وأبنائهم ومن يدينون بدينهم ويتباهون باتباع نهجهم؟!

وكيف الجمع بين الثائر المنتقم لأمّه الصدّيقة الطاهرة ممّن ظلمها وغصب حقّها وتمادى في إيذائها وأسقط جنينها وأحرق باب دارها ولم يتوانّ في إيلامها لحظة عينٍ، كيف يمكن الجمع بين هذا المنتقم للمحسن الشهيد وعبدالله الرضيع وشهداء بني هاشم ومظلوميهم ومطارديهم ومسجونيهم، وبين أولئك الأوغاد وأبنائهم، ممّن ظلموها واغتصبوا حقّها وقتلوا أبنائها وسبوا بناتها، أو من رضي بفعلتهم هذه، وسار على نهجهم؟!

أم كيف يرضى بممارسة طائفة من المعاندین شعائر وطقوس باطلة، وبدع ضالّة مضلّة، وتتّخذ الشرك بالله ديناً في دولته الكريمة؟ بل كيف تكون دولة كريمة وفيها يصول ويجول المعاند والمشرك؟! أليس مأموراً بتطهير الأرض من دنسهم ودنس بدعهم وعقائدهم؟! وهل عناد أبين ومكابرة أعظم من التديّن بالأباطيل في دولة الحقّ

ص: 209

تحت لواء التوحيد؟!

لا أدري كيف تجاسروا على الإمام روحي فداه وعلى لواء الحمد والتوحيد حتّى جعلوه جنباً إلى جنب مع رايات الباطل وألوية الضلال وأعدائه في صفّ واحد مع الأباطيل والبدع؟ ونسوا أو تناسوا أنّ السكوت عن الحقّ مع القدرة المطلقة والمكنة التامة شيطنة، وأنّ الساكت عنه في مثل ظروفه صلوات الله علیه شیطان أخرس، وحاشاه ألف مرّة ومرّة عن أن ينعت بمثل هذه الكفریّات والأوهام، نعوذ بالله تعالى من ذلك ونستغفره ألف مرّة.

ثمّ إنّ هؤلاء السفهاء المتسكّعين تمادوا أكثر في غيّهم حتى زعموا أنّ رسالة المهدي صلوات الله وسلامه عليه ترتكز على التأليف بين قلوب الجماعات الإسلاميّة، ودیدنها التوحيد بين صفوفها، وإيجاد الوحدة و سبيل التعايش السلمي بين هذه الطوائف على اختلاف عقائدها وأحكامها، أصولها وفروعها، کُلّیّها و جزئيّها بعدم المساس بشيء منها، عقائد كانت أو أحکاماً، جاهلين أو متجاهلين، ناسين أو متناسين أنّ المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ هو الفاروق الذي ادّخره الله تعالى للتفريق بين الحقّ والباطل، وهو الفرقان وبیده لواء الفرقان، وفي رايته فصل الخطاب، وعنه قال تعالى:

ص: 210

﴿وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً﴾(1).

فهل يعقل أن يصافح الباطل ويحتضنه ويتّحد به أو يتعايش معه؟! وهل يمكن الجمع بين الحقّ والباطل؟ وأين وجه الشبه ونقطة الاشتراك بينهما حتّى يجد صيغة مشتركة للتعايش والتسالم بینها؟! إلّا أن تتمّ المداهنة بينها فيتنازل هذا عن شيء من حقّه ويتنازل ذاك عن شيء من باطله ، على حدّ قوله تعالى :﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ (2)، وهذا هو المستحيل بعينه.

والأحاديث تكذّب مثل هذه المزاعم والأساطير، بل صريحة تنصّ على عكسها، وتخالفها جملة وتفصيلاً، فهي تنصّ على أنّ صاحب الأمر صلوات الله عليه لا يخرج إلّا لقتالهم والقضاء عليهم، و تنکيس رايتهم، ودحض مذاهبهم ومعتقداتهم، بل تزيد حتّى يخرج لهم أسيادهم وأصنامهم التي يدعون من دون الله تعالى من قبورهم -أي يردّ عليهم ثوب الحياة ويدمدم فيهم الروح- ويصلبهم ويحرقهم ويذرو رمادهم ذرو الرياح وما شابه ذلك، فأين هذه الأحاديث من هذه الوحدة المزعومة، ودعوى التعايش السلمي

ص: 211


1- سورة الإسراء : الآية 81.
2- سورة القلم : الآية 9.

الذي لا أساس له من الصحّة، ولا صلة له بالواقع و شريعة السماء؟!

إذن دولة صاحب الأمر أرواحنا له الفداء دولة الحقّ المطلق، لا يحيا فيها عدا ما كان حقّاً وصدقاً؛ لأنّها دولة التوحيد لا دولة الوحدة الإسلاميّة، كلّا، هذه الوحدة المزعومة ثوب لا يليق إلّا بأهله من الأعيان والوجوه المحترفين للألعاب السياسيّة والممارسين المنافساتها و مسابقاتها، أمّا المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام فلا تليق به مثل هذه الأباطيل وهو منزّه عنها.

ص: 212

الدرس الخامس عشر: علامات الظهور -1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

ذكرنا في مقدّمة الحلقة الأولى من هذا الكتاب أنّ انتظار المصلح الأعظم، والاعتقاد بالمنقذ الأكبر على الإطلاق في آخر الزمان، أمر مسلّم لدى كافّة الأديان السماويّة، وأطبقت الأديان على ضرورة خروجه، رغم ما هي عليه من اختلافات فاحشة في الأمور العقائديّة والأحكام الفرعيّة، وهكذا اختلافها في شخص المنقذ بعينه، وفي خصائصه وأوصافه الذاتيّة، وسائر ما تحوم حوله من الخصائص الاجتماعيّة والسياسيّة، والحوادث والعوارض والأحداث والمعالم، فإنّ عموم هذه الحقيقة وكلّية هذا المعتقد في هذه المذاهب والأديان غدت أوضح ممّا يفتقر إثباتها إلى دليل وبرهان، ويجد الباحث التصريح بهذا المعتقد في العهد العتيق والعهد الجديد.

ص: 213

فليس الاعتقاد بالمنقذ الأعظم والمصلح الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً من خصائص الإسلام، وإن كان للإسلام نصيب الأسد والحظّ الأوفر، والرأي السديد الأقوم في حقيقة المهدويّة، وله القول الفصل في تبيين معالمه، وتحديد أوصافه وعلاماته ونعوته، بل تشخيصه بعينه، وهذا ما صنعه أئّمة أهل البيت صلوات الله عليهم، درءاً منهم لكلّ نزاع محتمل حوله، ودفعاً لكلّ لجاجة وعناد، فلا تشكيك ولا جدال في حقيقة الغائب عن الأنظار، وضرورة الاعتقاد بظهوره في آخر الزمان.

وإذا كان المنقذ الأعظم حقيقة كلّية قابلة للانطباق على كثيرين من غير تحديد -كما هو الحال في الديانات الأخرى- ثمّ تقلّصت هذه العموميّة، وضيّق ذلك الإطلاق لدى معظم الفرق الإسلاميّة، ليكون هو المهدي المنتظر من ذرّيّة الصدّيقة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، فلم يخرج عن كونه حقيقة كلّية أيضاً، وإن ضاقت دائرة انطباقه، فإنّ العترة الهاديّة أعرضت عن الكلّيات والعموميّات والاطلاقات، ولم تبال بها، وإنّما أشارت إلى الحقيقة العينية بالبنان، وصرّحت بشخصه المتشخّص المتعيّن في كلّ زمان، وأفصحت عنه بكلّ ما يتصف به من خصائص ونعوت تفصيليّة، وما تحيط به من ظروف وأحداث و علائم قريبة أو بعيدة، ليقطعوا بذلك دابر

ص: 214

ما قد يثار حوله من جدال، ويفوّتوا الفرصة على من أصيب بداء التخرّص والتشكيك.

وبذلك قد وضعوا حدّاً للفوضى العارمة التي قد تتيح مجال الزور والتزوير أمام دعاة المهدويّة، واختلاق الشخصيّات المقدّسة، وتقمّص أدوارها زوراً وبهتاناً، ومنعاً لعامّة النّاس عن الافتتان بالشعارات الإصلاحيّة الواهية، والرايات الباطلة الضالّة المنسوبة إلى من يزعمون الإصلاح، حتّى يكون عامّة الناس وهكذا خيارهم من طالبي الحقّ على بيّنة من أمرهم، لا يتيهون عن جادّة الحقّ والصواب، ولا يقعون فريسة لمآرب هذا وذاك ، ولئلا يزول الحق عن مقرّه، ويغلب الباطل على أهله، ولا يكون للنّاس على الله حجّة، بل لتكون الحجّة البالغة لله سبحانه وتعالى، لهذا بلغ اهتمامهم بشأن المهدي صاحب الأمر أرواحنا فداه ذروته، وما تركوا صغيرة ولا كبيرة تهدي إليه، وتفصح عن جمال وجهه الكروبي، وتزيح حجاب الجهل منّا عن أنوار وجوده المكلوتيّة، إلّا أحصوها، وأحاطونا بها علمأ، ليكون أمر صاحب الزمان أرواحنا له الفداء أبين من شمس الظهيرة، وأوضح منها في كبد السماء.

فما هي علائم الظهور التي يمكن الاعتماد عليها؟ ووضعها نصب أعيننا؟ وأخذها بعين الاعتبار ؟ لكي نبني قناعاتنا و تأملاتنا عليها؟

ص: 215

وكيف نميّز المهدي الموعود صلوات الله عليه عن دعاة المهدويّة المزيّفين؟ حتّى لا تلتبس علينا الأمور، ولا يلتبس الحقّ بالباطل، ولا نقع فريسة أهوائنا فنكون ممّن باع آخرته بدنياه، ولا أهواء الشخصيات المزوّرة الدخيلة على الدين، المتلبّسة برداء التقوى والصلاح من أهل الدنيا، وطالبي الرئاسة والزعامة تحت لواء الدين، فنكون ممّن باع آخرته بدنيا غيره.

ثمّ ما هو المحتوم المؤكّد المقطوع به من تلك العلائم؟ وما هو محتمل الوقوع وعدمه منها، الذي يخضع لقانون البداء في قوله تعالى: ﴿یمحوا الله ما یشاء ویثبت وعنده ام الکتاب﴾(1)؟ وماهي العلامات الصحيحة وغير الصحيحة؟ وما هي العلامات القريبة والبعيدة؟ وعلى كلّ حال، كيف يعرف المنتظر المتأهّب المشتاق إلى ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ و عجّل الله تعالی فرجه الشريف، أنّ وقت الظهور قد حان؟ بم يستدلّ العاشق الولهان على قرب ظهوره عجّل الله تعالى فرجه؟ وأخيراً، ما هي الشروط التي يجب توفّرها حتّى يحين ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، وما الفرق بينها وبين تلك العلامات الدالّة على ظهوره صلوات الله وسلامه عليه؟

ص: 216


1- سورة الرعد : الآية 39.

ولنبدأ في الإجابة من السؤال الأخير:

مقدّمة:

إعلم أنّ أظهور مولانا صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه شروطأ لا يتمّ حلقات ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ إلّا باكتمال تلك الحلقات المفقودة، وهي الشرائط التي تكون بمثابة العلل المعدّة، لا يتحقّق المشروط إلّا بعد تماميّة شروطه، ولا يتمّ المعلول إلّا بعد تحقق علله، لاسيمّا الجزء الأخير من علّته، ولا يختلف جریان وقانون العليّة والمعلوليّة هنا عن سائر موارده، ولا يقبل استثناءً قطّ، بحكم العقل القطعي الذي لا يقبل النقاش، فهو على إطلاقه لا يطرو عليه التقييد.

وكيف كان فإنّ الشرط عبارة عمّا لا يقع المشروط إلّا به، کالمعلول الذي لا يقع إلّا بوقوع علّته، ولا يوجد إلّا بوجودها، حتّى إذا تّمت العلّة وقع المعلول تلقائيّاً، من غير حالة انتظار، وليس الأمر هكذا على إطلاقه بالنسبة إلى الأمارات والعلامات؛ إذ الأمارة والعلامة ليس إلّا دليلاً يرشد إلى قرب الوقوع أو بعده، فلا يتوقّف الظهور على تحقّق العلامة الدالّة عليه، وبينها بون شاسع، نعم ربّما خلط البعض بين ما هو شرط للظهور ، وما هو علامة دالّة عليه، ولهذا السبب عمدت بإيجاز واختصار، وفي هذه العجالة، إلى التفريق بين ما هو شرط، وما هو علامة، حتّى يتبيّن لنا الخيط الأبيض من الخيط

ص: 217

الأسود من فجر الظهور، وإن كنّا لا نمنع أن يكون الشرط علامة في الوقت ذاته، فإذا صحّ أن تكون العلامة دليلاً دالاًّ على الشيء وعلى وقوعه، فالشرط دليل عليه بطريق أولى، ودلالته تثبت بالأولوية القطعيّة، ولهذا لا مانع من كون الشرط علامة أيضاً، أو قل: لا مانع من التعبير عن الشرط بالأماريّة والعلامیّة.

وبما أنّ تحديد هذه الشرائط والعلائم، والإخبار عنها يعدّ من الغيب الذي استأثر الله علمه بذاته المقدّسة، وأطلع صفوة عباده المعصومين من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام أجمعين، على ما شاء منه، متى شاء، فلا طريق للتخرّص والظنّ والتوهّم، بل علينا بالكتاب والسنّة الصحيحة، والمتواترةوالمستفيضة والمشهورة، لدى جمهور المحقّقين، وأعلام الطائفة الملحقّة، رضي الله تعالى عنهم.

ونحن نتدرّج في سرد العلائم، بدءاً بالعلائم العامّة، ثم الخاصّة، ثمّ نقسّم الخاصّة منها إلى قريبة وبعيدة، ثمّ نقسّم القريبة منها إلى الحتميّة وغيرها، ثمّ نختم بحثنا إن شاء الله تعالى ببيان الشروط اللازمة والعلل المعدّة والأسباب الممهّدة لظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ.

إذن يقع الكلام هنا عن:

أولا : علامات الظهور وأقسامه.

1- الحتمية وغير الحتمية.

ص: 218

2- القريبة والبعيدة.

3- المحتومة القريبة ، والمحتومة البعيدة.

4- غير المحتومة القريبة ، وغير المحتومة البعيدة.

ثانياً: ثمّ يجري الكلام في شرائط الظهور .

ثالثاً: الفرق بين شرط الظهور وعلامته.

رابعاً: أنّ بعض العلامات شرائط ، وكلّ ما هو شرط فهو علامة، فليس كلّ علامة شرطاٌ، أي بينها نسبة العموم و الخصوص مطلقاً.

خامساً: البحث في معنى المحتوم والبداء.

ولهذا كان الاهتمام من قادة الإسلام ببيان علامات الظهور في كلّ مناسبة من المناسبات ، وكان الاهتمام من قبل أصحابهم بالسؤال والاستفسار عن هذه العلائم، أمراً طبيعياً، لما في حقيقة الظهور من آيات وبیّنات و آثار و برکات، لا يرقى إلى مستوى إدراكها سوی من ذاق حلاوة الإيمان، وطابت نفسه به، ونزل به اللأواء، وتحمّل في سبيل إيمانه كلّ أنواع المشقّة والعناء، هذا الذي يدرك أهمّية الظهور، وعظمة الانتظار، ويقضي ليله ونهاره بحثاً و تفحّصاً عن علائم ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ.

من هنا وقع جلّ اهتمام أعلامنا الأخيار طيّب الله ثراهم وقدّس أسرارهم في التحقيق والتأليف والتصنيف في هذا المجال، وبذلوا أفضل

ص: 219

ساعات حياتهم، وفاء منهم بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم، وكرّسوا من أجله حياتهم وسعادتهم، أن يظهروا الحقّ ويفصحوا عنه، ولا يكتموا منه شيئاً.

فالعلامات المروية عن أئمّة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، وقد رواها أصحابنا رضوان الله عليهم بأسانيدهم المتّصلة، كالنعماني والشيخ الطوسي في كتابي : الغيبة(1)، والمفيد في الإرشاد(2)، وغيرهم(3).

منها: بعید ، مثل اختلاف بني العبّاس و زوال ملكهم، وغير ذلك.

ص: 220


1- الغيبة / الطوسي: 441 - 448. الغيبة / النعماني : 278، 278، 289، 250، 252.
2- الإرشاد : 368/2، 372، 375.
3- روضة الواعظين: 262 و 263. قرب الإسناد : 370. الإمامة والتبصرة: 129. الكافی: 310/8. الخصال : 303. كمال الدين : 146، 328، 649. شرح أصول الکافی : 252/6، 254، 268 و: 321/11 ، 412، و: 82/12 ، 281، 291، 367، 434، 435. وسائل الشيعة: 498/6 و 52/15-56. رسائل في الغيبة : 4/3. تاج المواليد: 70. الخرائج والجرائح : 1153/3، 1156، 1169.المستجاد من الإرشاد: 253، 259. الصراط المستقیم: 248/2، 250. مدينة المعاجز: 325/7. بحارالأنوار: 119/52، 181، 183، 184، 193، 202، 204، 211، 212، 219، 222، 237، 268، 269، 304.

ومنها: قريب، كخروج السفياني، وطلوع الشمس من مغربها، وغير ذلك.

ومنها: محتوم، كما نصّ عليه في الروايات، کالسفياني، واليماني، والصيحة من السماء، وغير ذلك.

ومنها: غير محتوم.

قال المفيد -بعد سرده لعلامات الظهور كما سيأتي -: «ومن جملة هذه الأحداث محتومة، ومنها مشترطة »(1).

أقول: ولعلّ المراد بالمحتوم ما لا بدّ من وقوعه ولا يمكن أن يلحقه البداء الذي هو إظهار بعد إخفاء لا ظهور بعد خفاء، والذي هو نسخ في التكوين، كما أنّ النسخ المعروف نسخ في التشريع وبغير المحتوم أو المشترط ما يمكن أن يلحقه البداء والمحو والنسخ في التكوين یمحو ااالله ما يشاء فهو مشترط بعدم لحوق ذلك.

قال المازندراني قدَّس سرُّه: عن الفضيل، قال : «سمعت أبا جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: من الأمور مور موقوفة عند الله »، الأمور قسمان:

ص: 221


1- الإرشاد: 370/2 . وهكذا قال النيسابوري في روضة الواعظين : 263، والطبرسي في تاج المواليد : 76، وغيرهم في كتبهم.

القسم الأوّل: أمور محتومة حتمها الله تعالى قبل أوان وجودها، وهو يوجدها في أوقاتها لا محالة، ولا يمحوها، ومن هذا القبيل ما مرّ من أنّ ما علّمه ملائكته ورسله فإنّه سيكون ، وما رواه الصدوق عن أبي الحسن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ حين قال له سلمان المروزي: ألا تخبرني عن ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ﴾ في أي شيء أنزلت ؟

قال : « یا سلیمان، ليلة القدر يقدّر الله تعالى فيها ما يكون من السنه الى السنه، من حیاه أو موت، أو خیر أو شرّ، أو رزق، فما قدّره ااالله في تلك الليلة فهو من المحتوم».

والقسم الثاني: أمور غير محتومة حتمها موقوف على مشيّةٍ وإرادةٍ حادثةٍ في أوقاتها « يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر منها ما يشاء»، فعلم من ذلك تجدّد إرادته تعالى في القسم الثاني، و هو معنى البداء.

وقيل: المراد بالأمور المحتومة: الأمور الماضية، وبالأمور الموقوفة: الأمور الآتية، ولا بداء في الأولى؛ إذ الماضي لا قدرة عليه بخلاف الآتي، وفيه أن الأمور الآتية قد تكون محتومة كما ذكرنا سابقاً، ودلّ عليه أيضاً حديث مولانا الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

أقول: إنّ الأشياء كلّها في علم الله تعالى الأزلي محتومة مقطوعة ،

ص: 222


1- شرح أصول الكافي : 244/4.

لا ترديد في علمه تعالى، وما من شيء في علمه تعالى إلّا مقطوع محتوم، إمّا محتوم الوقوع ومقطوعه، وإمّا مقطوع الانتفاء ومحتوم عدم وقوعه، ولا ثالث لهما.

نعم، شاءت المشيئة الإلهيّة بقضائه وقدره المحتومين، أن يترك بعض الأمور معلّقة على إرادة البشر وأفعالهم، ويشترط وقوعها وعدم وقوعها بحسن اختيارهم و تدبيرهم وأفعالهم، أو بسونها؛ لكونها في الحقيقة أموراً ترتبط بهم ارتباطاً مباشراً وصريحاٌ، لا ينفكّ تأثير إرادتهم عن وقوعها وعدم وقوعها، وإن كان وقوعها وعدم وقوعها بيد باریها جلّت قدرته ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾(1)، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾(2) ﴿یَمْحُو اللهُ مَا یَشَاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْکِتَابِ﴾(3).

وإن كان كلّ ذلك في علم الله عزّ وجلّ معلوماً محتوماً مقطوعاً، يعلم هل يوفّق خيرها فيقع المشروط بوقوع شرطه؟ أو لا يقع لعدم وقوع شرطه؟ وهكذا في جانب الشرّ، هل سيصدر منه ما يحقّق

ص: 223


1- سورة الإنسان : الآية 3.
2- سورة الكهف : الآية 29.
3- سورة الرعد : الآية 39.

شرط وقوع الشرّ عليه؟ فيقع المشروط بتبع وقوع شرطه؟ أم لا يصدر منه ذلك، فينتفي المشروط لانتفاء شرطه؟

مثلاً: قد يكون المقدّر لزيدٍ أن يعيش أربعين عاماً، ويترك بیده الاختيار تبعاً لإرادته، أن يصل رحمه ويتصدّق ويبرّ بوالديه، فيكتب له ثمانين عاماً، ويقدر له ذلك، فإن لم يصل ولا تصدّق ولا برّ بوالديه بقيت له الأربعون، وقد يقطع رحمه، ويؤذي الفقير والمسكين، ويعقّ والديه فيدنو أجله، ويقصر عمره، حتّى لا يعيش أكثر من ثلاثين سنة، مثلاً.

هذا هو التقدير القابل للتغيير تبعاً لأفعال المكلّفين والعباد، وأمّا بالنسبة إلى قضاء الله تعالى فهو محتوم مقطوع لاتردید فيه؛ لأنّه يعلم أنّ هذا سيكون أم لا؟ وأنّ أي الاختبارات ستقع عليه إرادة العبد.

وهذا هو الفارق بين القضاء والقدر على نحو الإجمال الشديد، وقد تعرّضنا لها بشيء من التفصيل في الحلقة الثانية من كتابنا (كيف نفهم الرسالة العمليّة).

وروى الكليني رَحْمَةِ اللَّهِ بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : «إنّ لله علمين؛ علم مکنون مخزون، لا يعلمه إلّا هو، من ذلك يكون

ص: 224

البداء، وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه، فنحن نعلمه »(1).

وفي معناه روايات أخرى مرويّة في البحار وغيره وهو حديث مستفیض مؤيّد بالعقل، وبه يضعف صحّة ما روي في بعض الأخبار، من أنّ بعض الأنبياء أو الأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ أخبروا بأشياء على البتّ والقطع والحتم، فلم يقع ما أخبروا به، أو لم يقع على الوجه الذي أخبروا به بسبب البداء ومن أجله.

وإنّما لا نقبل بهذا الكلام وإن نسب إليهم عَلَيهِم السَّلَامُ؛ لأنّ الثقة تتزلزل وتتزعزع، والاعتماد يرتفع ويسقط عن أخبار حجج الله تعالى عَلَيهِم السَّلَامُ، بل تسقط الحجّية عن أقوالهم وأحاديثهم وأخبارهم.

لكنّ العلّامة المجلسي طاب ثراه ومن قبله صدر المتأّلهين التزما بصحّة تلك الأخبار والأحاديث، وأنّ الأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ ربّما لم يطّلعوا على لوح المحو والإثبات، وأخبروا بشيء لم يقع على ما أخبروا.

قال العلّامة المجلسي: «أنّه يظهر من كثير من الأخبار المتقدمة أنّ البداء لا يقع فيها يصل علمه إلى الأنبياء والأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ، ويظهر من كثير منها وقوع البداء فيما وصل إليهم أيضاً، ويمكن الجمع بينها بوجوه ...الثاني: أن يكون المراد بالأولة الوحي، ويكون ما يخبرون به من جهة

ص: 225


1- بصائر الدرجات: 129. الكافي : 147/1.

الإلهام، واطّلاع نفوسهم على الصحف السماويّة»(1)، يعني يكون ما يخبرون به ويقع فيه البداء ممّا ألهموا به، لا من الله من اللوح المحفوظ، بل باطّلاع نفوسهم على الصحف السماويّة، فيكون إخبارهم بها من قبل أنفسهم، لا على وجه التبليغ، وأمّا ما أمروا بتبليغه فلا يقع فيه البداء.

والصحف السماويّه التي ذكرها صدر المتألّهين -كما سيأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى-.

والاشكال الذي يرد هنا هو الفرق بين الوحي والإلهام، وجواز الخطأ والتغيير في الثاني دون الأوّل، وهو غير سليم، إذ لو صحّ هذا لكان إخبارهم بخلاف الواقع قادحاً في عصمتهم فلا فرق بينهما.

ثمّ نقول: هل الأئمة عَلَيهِم السَّلَامُ يميزون بين ما ألهموا به، وبين ما أوحي إليهم ممّا لا يقبل التغيير؟ -هذا على فرض التسليم بأنّهم يوحى إليهم بهذا المعني -أو لا يميّزون بين هذا وذاك؟ وبعد التمييز ، هل يعلمون أنّ ما اطّلعوا عليه في الصحف السماويّة ربّما لا يكون موافقاً للواقع؟ أو لا يعلمون بذلك؟ وإن علموا، هل يخبرون بما رأوا على سبيل البتّ والقطع؟ أو لا يخبرون إلّا على وجه الاحتمال، ولا بدّ للعلّامة

ص: 226


1- بحار الأنوار : 133/4.

المجلسي رَحْمَةِ اللَّهِ أن يجيب بأنهم يميّزون ، وأنّهم لا يخبرون في ما رأوا إلّا على وجه الاحتمال ، فيرجع جوابه رَحْمَةِ اللَّهِ إلى الوجه الرابع الذي نقله الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه ، وهو : « أنّ الحجج عَلَيهِم السَّلَامُ لم يخبروا قطّ بشيء يقع فيه البداء على البتّ»، وهو الكلام القاطع لمادّة الإشكال.

وإن توهّم متوهّم أنّ نبيّاً أو وصيّاً التي في روعه شيء ولم يميّزبين کونه محتوماً أو غير محتوم، تطرّق -نعوذ بالله- إلى جميع أحكام الشرائع والمبدأ والمعاد احتمال الخطأ برفع العصمة.

ثمّ قال العلّامة المجلسي قدّس الله روحه: « الثالث - أن تكون الأوّلة -يعني عدم البداء- محمولة على الغالب فلا ينافي ما وقع على سبيل الندرة»(1)، وهو ضعيف جدّاً، إذ تطرّق الخطأ إلى الوحي والإلهام ولو مرّة واحدة يرفع الاعتاد ويضع الثقة عن أقوال الأنبياء والأئّمّة، ولا يجوز الغلوّ في تصحيح الروايات بحيث يلزم منه إبطال أصل الشريعة.

فنحن نعتقد اعتقاداً جازماً أنّ الحجج والأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ معصومون من كلّ عيب ظاهري و باطني، و من كلّ منقصة أدركتها عقولنا أو لم تدركها، ومعصومون ممّا لا تدرکه عقولنا القاصرة ولا فطرتنا

ص: 227


1- بحار الأنوار :133/4.

الناقصة، وممّا لا يقبل الوصف فضلاً عن إدراك غير أهل العصمة لها، فعصمتهم عَلَيهِم السَّلَامُ فوق حدود تعقّلاتنا غير المعصومة، وفوق حدود إدراكاتنا القاصرة، ونفوسنا الضعيفة، وفوق تصوّر الخلائق ولهذا قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه لعلي أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «يا عليّ، ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلّا الله وأنا»(1)، وحكم الصديقة الطاهرة في هذا الموضع وهذه المعرفة المطلقة -وحقّ المعرفة- هو عين حكم أبيها رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، كما أنّ حكم معرفة أئمّتنا الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين عين معرفة مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.

فإذن هم معصو مون جميعاً عن الاتّصال بالنفوس الجاهلة، وعن أن يغلطوا فيا يوحى إليهم، ولا يمكن أن يظنّوا ما ليس بحقًّ أنّه من عند الله تعالى وأنّه وحي مطابق للواقع.

وقال صدر المتألّهين رَحْمَةِ اللَّهِ: « إنّ القوى المنطبعة الفلكيّة لمّا حصل لها العلم بموت زید بمرض كذا، في ليلة كذا، لأسباب تقتضي ذلك، لم يحصل لها العلم بتصدّقه الذي سيأتي به قبل ذلك الوقت لعدم اطّلاعها على أسباب التصدّق بعد، ثمّ علمت به وكان موته بتلك

ص: 228


1- مختصر البصائر : 125. المحتضر: 38. مدينة المعاجز: 439/2.

الأسباب مشروطأ بأن لايتصدّق فتحكم أولاً: بالموت ، وثانياً: بالبرء، وإذا كانت الأسباب لوقوع أمرٍ ولا وقوعه متكافئة، ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد، لعدم مجيء أوان سبب ذلكالرجحان بعد، كان لها التردّد في وقوع ذلك الأمر.. فإذا اتّصلت بتلك القوى نفس النبيّ أو الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، وقرأ فيها بعض تلك الأمور فله أن يخبر بما رآه بعين قلبه، أو شاهده بنور بصيرته، أو سمع بأذن قلبه »(1)، انتهى كلامه.

ولعلّه أراد أنّ الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ يخبر بما رآه وسمعه لاعلى سبيل البتّ والقطع، بل على سبيل الاحتمال والترديد، ثمّ نقول: اطّلاع بعض والنفوس والقوى على الغائبات أمر ممكن صحيح، سواء قلنا بالفلك والنفوس المنطبعة، أو لم نقل بها؛ إذ لا ريب في وجود موجودات مجرّدة غيبيّة لهم علم بما سيأتي كما يظهر لنا في الرؤيا الصادقة، ونسمّيهم ملائكة، وإن سماّهم نفوساً فلكيّة، ولا يبعد عدم علم بعضهم بجميع الشرائط کا ذکره رَحْمَةِ اللَّهِ، وأما اطلاع الأئمة عَلَيهِم السَّلَامُ واتصال نفوسهم بتلك النفوس فهو ممكن أيضاً، لكن لا يشتبه عليهم الأمر بأن يظنّوا ما ليس بمحتوم محتوماً، وما ليس بمقطوع مقطوعاً، ويخبروا به

ص: 229


1- شرح اُصول الکافی: 245/4

على البتّ والقطع؛ إذ هذا محال.

ثمّ إنّ كلامه هذا مبني على خیالات العرفاء وأوهامهم، ليس في الأحاديث والأخبار ما يعضده ويؤيّده، بل على العكس من ذلك يعدّ هذا تنقيصاً لشأن الحجج الإلهية عَلَيهِم السَّلَامُ؛ ذلك أنّ الأدلّة تشير إلى أنّ علومهم حضوريّة لدنيّة، والعلم الحضوري لا يقبل احتمال الخطأً، وإلّا لم يكن علأ حضوريّا؛ إذ من ضروريات العلم الحضوري إصابته الواقع بعينه وعدم تخلّفه، وإلّا استلزم الخلف ، ولزم منه التناقض المحال، وحصول العلم بشيء دون شيء كما في مثاله رَحْمَةِ اللَّهِ يناسب أصحاب النفوس غير القدسيّة، ولا يناسب شأنهم، إذ تلك النفوس القدسيّة لها قابليّة الاتّصال بطلق المعلوم، ولا تخبر عمّا لم يمضه قلم المحتم الإلهي، إلّا ما شاء الله، وهو على كلّ شيء قدير، وحينئيذٍ فلا بدّ أن يؤكّد عدم حتميّتها بقرينة متّصلة أو منفصلة حتّى لايضرّ بحجّيّة إخباره وحديثه، والله تعالى هو العالم.

وعن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : «إن الله لم يبد له من جهل »(1)، أي لم ينشأ منه حكم بمحو الثابت من أجل الجهل برعاية جهات حسنه ومصالحه، واعتبار ما ينبغي له، ثمّ علم اشتماله على الخلل والفساد،

ص: 230


1- الكافي : 148/1.

فمحاه، كما هو شأن النافعين في العلم، وكذا لم ينشأ منه حكم بإيجاد المعلوم في الوقت المعلوم لا قبله، من أجل الجهل به قبله، لتعاليه عن الجهل، بل كلّ ذلك لأجل مصالح وشرائط لا يعلمها إلّا هو، وفي هذين الحديثين -السابقين- إشارة إلى أن بداءه تعالى ليس بداء ندامةٍ ولا بداء جهلٍ.

وعن مالك الجهني، قال : سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: «لو علم النّاس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه »(1)؛ لأنّ السعي في الشيء على قدر عظمته وزيادة أجره، وفي هذا الإبهام دلالة على عظمة الأجر في هذا القول. كيف لا وفيه اعتراف بتقديره تعالى وتدبيره وقدرته على إيجاد الحوادث، واختياره في إفاضة الوجود على ما تقتضيه الحكمة والمصالح، واقتداره على ما أراد عدمه، وإبقاء ما أراد بقاءه، وفيه أيضأ خروج عن قول اليهود القائلين بأنّه تعالى قد فرغ من الأمر فراغاً لا يريد، ولا يقدر ولا يدبّر بعده شيئاً، وعن قول الحكماء القائلين بأنّه واحد لا يصدر عنه إلّا الواحد، وينسبون ما زاد إلى العقل، وعن قول بعض المعتزلة القائلين بأنّه خلق الأشياء كلّها دفعة واحدة، ثمّ يظهر وجوداتها متعاقبة بحسب

ص: 231


1- الكافي: 148/1. التوحيد : 334.

تعاقب الأزمنة، وعن قول الدهريّة القائلين بأنّ الجالب للحوادث هوالدهر، وعن قول الملاحدة القائلين بأنّ المؤتر هو الطبائع.

والعلّامة المجلسي قدَّس سرُّه و بعد ما ذكر التوجيهات التي نقلها عن سائر العلماء قدّس الله أسرارهم- وزيفها جميعاً، قال : « ولنذكر ما ظهر لنا من الآيات والأخبار بحيث تدلّ عليه النصوص الصريحة ولا يأبي عنه العقول الصحيحة، فنقول وبالله التوفيق -أي الأئمّة الهداة صلوات الله عليهم -إنّهم إنّما بالغوا في البداء ردّاً على اليهود الذين يقولون : إنّ الله قد فرغ من الأمر وعلى النظام، وبعض المعتزلة الذين يقولون : إنّ لله خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادن ونباتاً وحيواناً وإنساناً، ولم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده، والتقدّم إنّما يقع في ظهورها لا في حدوثها ووجودها، وإنّما أخذوا هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة، وعلى بعض الفلاسفة القائلين بالعقول والنفوس الفلكيّة، وبأنّ الله تعالى لم يؤثر حقيقة إلّا في العقل الأوّل، فهم يعزلونه تعالى عن ملكه، وينسبون الحوادث إلى هؤلاء، فنفوا عَلَيهِم السَّلَامُ ذلك وأثبتوا أنّه تعالى كلّ يوم في شأن من إعدام شيء وإحداث آخر، وإماتة شخص، وإحياء آخر، إلى غير ذلك »(1).

ص: 232


1- بحار الأنوار : 130/4.

الدرس السادس عشر: علامات الظهور - 2

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

ثمّ اعلم أنّ بعض العلامات البعيدة تكون من المحتومات التي لابدّ من وقوعها، كما أن بعض العلامات القريبة عدّت من المحتومات، وهي خمسة كما سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى، ولهذا فقد وقع الخلاف بين جملة من الأخبار في ذكر المحتومات وعددها ؛ إذ في بعضها زوال ملك بني العبّاس واختلافهم وغير ذلك، وملاحظتها نعلم أنّ هذه الأحاديث إنّما كانت ناظرة إلى المحتوماتأعمّ من كونها قريبة من عهد الظهور أو كانت بعيدة منه، وأنّ تلك الأخبار الناصّية على الخمسة، والمعاصرة لها كذلك، إنّما هي ناظرة إلى العلامات المحتومة القريبة على وجه الخصوص، فلاتهافت ولا تداخل بين هذه الروايات.

ص: 233

وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ من هذه العلامات قسماً آخر هو العهد المعهود الذي لا يقبل نسخاً ولا بداءً، فلعلّ الذي لا يقبل التغيير هو هذا کا ورد في بعض الأحاديث، وأمّا البواقي فتقبل التغيير ويمكن ورود البداء عليها، ولحوق التغيير بها، حتّى المحتومة منها، وعلى ما يبدو ليس له إلّا فرد واحد، ومصداق واحد هو صاحب الأمر مولانا المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه، فهو الذي لا يخلف فيه الميعاد، وأمّا غيره عَلَيهِ السَّلَامُ فهو قابل للتغيير محتوماً كان أو غير محتوم، قريبا كان أو بعيداً.

فأمّا المحتوم، فقد اختلفت الروايات في تعداده زيادة ونقيصة، ففي بعضها: خمس علامات محتومات قبل قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ: السفياني، واليماني، والمنادي من السماء باسم المهدي، وخسف في البيداء، وقتل النفس الزكيّة(1).

وفي بعضها: قال من المحتوم وعدّ المذكورات أيضاً، إلّا أنّه ذكر طلوع الشمس من مغربها، واختلاف بني العبّاس في الدولة بدل

ص: 234


1- الكافی: 310/8 . كمال الدين : 650. الغيبة / النعمانی: 252، 289. بحار الأنوار: 204/52، 304. الإرشاد: 2/ 360، 289. الغيبة / الطوسی: 271، 267. الخصال : 303. دلائل الإمامة : 261.

اليماني والخسف، وعدّ معها قيام القائم من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه(1).

قال النعماني رَحْمَةِ اللَّهِ في غيبته: « هذه العلامات التي ذكرها الأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ من مع كثرتها، واتّصال الروايات بها، وتواترها، واتّفاقها موجبة أن لا يظهر القائم عَلَيهِ السَّلَامُ إلّا بعد مجيئها وكونها؛ إذ كانوا قد أخبروا أنّه لا بدّ منها وهم الصادقون حتّى إنّه قيل لهم نرجو أن يكون ما نؤمّل من أمر القائم ولا يكون قبله السفياني، فقالوا: «بلى والله ! إنّه لمن المحتوم الذي لا بدّ منه »، ثمّ حقّقوا كون العلامات الخمس (أي : اليماني، والسفياني والنداء من السماء، وخسف البيداء ، وقتل النفس الزكيّة) التي هي أعظم الدلائل على ظهور الحقّ بعدها كما أبطلوا أمر التوقيت وقالوا:« من روی لكم عنّا توقيتاً فلا تهابوا أن تكذّبوه کائناً ما كان، فإنّا لا نوقّت»، وهذا من أعدل الشواهد على بطلان أمر كلّ من ادّعى أو ادّعي له مرتبة القائم ومنزلته، و ظهر قبل مجيء هذه العلامات »(2)، انتهی.

وقال المفيد رَحْمَةِ اللَّهِ في الإرشاد:«قد جاءت الآثار بذكر علامات

ص: 235


1- شرح أصول الكافي: 254/6 و : 434/12. دلائل الإمامة : 487. الغيبة النعمانی: 290. بحار الأنوار: 119/52. الغيبة / الطوسی: 271.
2- الغيبة / النعماني : 282 و 383.

الزمان قيام القائم المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، وحوادث تكون أمام قيامه، و آیات ودلالات، فنها: خروج السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العبّاس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمشرق (1)، وخسف بالمغرب (2)، ورکود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكيّة يظهر [بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين وذبح رجلهاشمي بين الركن والمقام، وهدم حائط مسجد -سور - الكوفة، وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملّكه الشامات ، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، و طلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها ونار تظهر بالمشرق طولا، وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلع العرب أعنّتها(3)، وتملّكها البلاد، وخروجها

ص: 236


1- وهو الخسف ببغداد والبصرة، كما سيأتي
2- هو الخسف بالشام، كما سيأتي
3- خلع العرب أعنتها كناية عن خروجها عن الطاعة لغيرها تشبيها و بالفرس الذي خلع عنانه فلا يكون له عنان يقاد به، ويمسك منه، ومنه قولهم : خلع فلان عذاره، أي أصبح كالفرس المرسل الذي لا عذار في رأسه، يفعل ما يشاء ويذهب أين شاء، و مقابله قولهم ملك فلان زمام الأمر أو مقاليده، وغير ذلك.

عن سلطان العجم، وقتل أهل مصير أميرهم وخراب الشام واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر، ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتّى تربط بفناء الحيرة، وإقبال رايات سود من قبل المشرق نحوها، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة، وخروج ستين كذّاباً كلّهم يدّعي النبوّة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العبّاس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر ممّا يلي الكرخ بمدينة بغداد -السلام-، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار، والزلزلة حتّى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق وبغداد، وموت ذريع ونقص من الأنفس والأموال والثمرات و جراد يظهر في أوانه، و في غير أوانه حتّى أتي على الزرع والغلات، وقلّة ريع لمايزرعه النّاس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن

ص: 237

طاعة ساداتهم، وقتلهم مواليهم، ومسخ لقوم من أهل البدع حتّى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتّى يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتّى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون، ثمّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتّصل فتحيي بها الأرض بعد موتها، وتعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك كلّ عاهة عن معتقدي الحقّ من شيعة المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة ، فيتوجّهون نحوه لنصرته، كما جاءت بذلك الأخبار»(1).

قال: « ذكرناها على حسب ما ثبت في الأصول و تضمنتها الآثار المنقولة الأثر المنقول - بالله نستعين وإياه نسأل التوفيق »(2)، ثم أورد الشيخ المفيد رَحْمَةِ اللَّهِ عدة أحاديث مسندة في علامات الظهور ننقلها في تضاعيف ما يأتي إن شاءالله.

وعن كتاب العدد القوّية: «قد ظهر من العلامات عدّة كثيرة، مثل: خراب حائط مسجد الكوفة، وقتل أهل مصر أميرهم،

ص: 238


1- الإشاد : 368/2 - 371.
2- الإرشاد : 371/2.

وزوال ملك بني العبّاس على يد رجل خرج عليهم من حيث بدأ ملكهم ، وموت عبدالله آخر ملوك بني العبّاس ، وخراب الشامات، ومدّ جسر ممّا يلي الكرخ ببغداد ، كلّ ذلك في مدة يسيرة، وانشقاق الفرات ، وسيصل الماء إن شاء الله إلى أزقّة الكوفة»(1).

أقول: يمكن أن تكون هذه علامات بعيدة ، ويمكن كون العلامة غير ما حصل ، بل شيء يحصل فيما بعد ولنشرع في تفصيل تلك العلامات المستفادة من الروايات فنقول .

الأوّل

اختلاف بني العباس وذهاب ملكهم، واختلاف بني أمية وذهاب ملكهم

أمّا الأوّل : فقد جاء في كثير من الروايات جعله من علامات الظهور ، بل في بعضها أنّ اختلافهم من المحتوم ، وفي جملة منها التعبير ببني فلان تقيّة :

1- قال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا بد - لبني فلان من أن يملكوا - أن يملك

ص: 239


1- الغدد القوية : 77.

بنو العبّاس، فإذا ملكوا و -ثمّ- اختلفوا تفرّق ملكهم وتشتّت أمرهم خرج عليهمالخراساني والسفياني. هذا من المشرق، وهذا من المغرب يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان. هذا من هاهنا وهذا من هاهنا، حتّى يكون هلاكهم على أيديهما، أما أنّهما لا يبقون منهم أحدا»(1).

سيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى أنّ ملك بني العبّاس وبني أميّة ما زال باقيا وسيبقى إلى ظهور الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ، لأنّ أفكارهم وعقائدهم باقية ، بل سائدة ببقاء شيعتهم وأتباعهم.

2- ويأتي في بعض الروايات : « فعند ذلك زال ملك القوم وعند زواله خروج القائم، وأنّ آخر ملك بني فلان قتل النفس الزكيّة، وأنّه ما لهم ملك بعده غير خمس عشرة ليلة، وأن قدام القائم بلوى من الله أو علامات من الله » ، فقيل: ما هي فقرأ: ﴿ وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ...﴾ (2)، ثمّ قال: « الخوف من ملوك بني فلان ».

كان أئمّة الهدى عَلَيهِم السَّلَامُ كعادتهم يراعون مواضع التقنيّة، فإذا كانوا في

ص: 240


1- الغيبة / النعمانی : 255، 259. بحار الأنوار : 231/52، 235. الغيبة / الطوسی: 274.
2- سورة البقرة: الآية 155

عهد بني أميّة عبّروا عنهم ببني فلان، وإذا كان في العصر العبّاسي عبّروا عنهم ببني فلان.

3- عن محمّد بن مسلم، قال: «سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: إنّ قدّام القائم علامات تكون من الله عزّ وجلّ للمؤمنين، قلت: وما هي؟ جعلني الله فداك، قال: ذلك قول الله عزوجل ﴿ وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ...﴾، يعني المؤمنين قبل خروج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، قال: يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم ... ﴿وَبَشِّرِ الصَّابرِینَ﴾ عند ذلك بتعجيل خروج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ...»(1).

4- وعن صالح مولى بني العذراء، قال: «سمعت أبا عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: ليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكيّة إلّا خمس عشرة ليلة»(2).

ه- وقال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا اختلف بنو العباس - بنو فلان . فيما

ص: 241


1- الإمامة والتبصرة : 129. کمال الدين: 649. دلائل الإمامة : 483. الغيبة / النعمانی: 251. الإرشاد : 361.
2- کمال الدين: 649. الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسی: 271، ونظيره مع اختلاف : الغيبة / الطوسي: 266 و 267. الإرشاد: 358، و مصادر اخری.

بينهم فانتظروا الفرج، وليس فرجكم إلّا في اختلاف بني فلان، فإذا اختلفوا فتوقّعوا الصيحة في شهر رمضان، وخروج القائم، إنّ الله يفعل ما يشاء، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبّون حتّى يختلف بنو فلان فيما بينهم»(1).

لعلّ ما ورد في بعض الروايات من التصريح ببني العبّاس، يكون من تفسير بعض علمائنا رَحْمَةِ اللَّهِ، ولا يكون مراد الإمام من قوله : « بني فلان أو بنو فلان» إلّا جماعة أخرى يحكمون في آخر الزمان.

6- وقال عَلَيهِ السَّلَامُ:«إنّ ذهاب ملك بني فلان كقصع الفخار، وكرجل كانت في يده فخارة وهو يمشي إذ سقطت من يده وهو ساهٍ فانكسرت، فقال حين سقطت : هاه -شبه الفزع- فذهاب ملكهم هكذا أغفل ما كانوا عن ذهابه »(2).

الثانی

خروج ستين كذاباً كلهم يقول أنا نبي:

ص: 242


1- الغيبة / النعماني: 255. بحار الأنوار : 231/52. الغيبة / الطوسي : 274.
2- الغيبة / النعماني : 256. بحار الأنوار: 232/52.

7- المفيد : بسنده عن عبدالله بن عمر، عن النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «لا تقوم الساعة حتّى يخرج المهدي من ولدي ، ولا يخرج المهدي حتّى يخرج ستّون كذّاباً كلّهم يقول : أنا نبّي »(1).

كثر دعاة النبوة حتى الآن، ولم يتمّ إحصاؤهم لصعوبة الاستقراء.

الثالث

خروج اثني عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه

8- المفيد: بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يخرج القائم حتّى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلّهم يدعو إلى نفسه »(2).

إنّنا مأمورون باحترام بني هاشم لقرابتهم من رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، لا سیمّا ذرّيّة مولانا أمير المؤمنين والصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، لكن ليس على حساب الدین.

الرابع

قول اثني عشر رجلاً أنّهم رأوه

ص: 243


1- الإرشاد : 371/2. کشف الغمة : 257/3. إعلام الوری: 2/ 279.
2- الإرشاد : 358/2. الغيبة / الطوسي: 267. إلزام الناصب : 146/2.

9- النعماني: بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يقومالقائم حتّى يقوم اثنا عشر رجلا كلّهم يجمع على قول أنّهم قد رأوه فيكذّبونهم»(1).

أقول: لعلّهم صادقون في ادّعائهم، ويكون الذين يكذّبونهم من غير الشيعة، ولعلّ الشيعة يكذّبونهم، ولعلّهم يدّعون المشاهدة والشيعة مأمورون بتكذيبهم، وحينئيذٍ يصعب القول بأنّهم صادقون في ادّعائهم؛ لأنّه خلاف التوقيع الشريف - وقد بحثناه في محلّه من الحلقة الثانية مفضلاً-وقد يكونون صادقين بناءً على كونهم من الأخبار والصالحين الذين ذاع صيتهم واشتهر صدقهم وأمانتهم، وحينئيذٍ كان يجب تصديقهم؛ لأنّ التوقيع الشريف والأحاديث المانعة من الرؤية مقيّدة حتماً بالأدلّة العامّة الآمرة بتصديق الثقات والصالحين، وسيرة العقلاء هنا كافية للتخصيص والتقييد. والله تعالى هو العالم.

الخامس

خروج کاسر عينه بصنعاء

10- النعماني: بسنده عن عبيد بن زرارة، ذکر عند الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ

ص: 244


1- الغيبة / النعماني : 277. إثبات الهداة : 738/3 . بحارالأنوار: 244/52.

السفياني، فقال:«أنّي يخرج ذلك-ولمّا- يخرج کاسر عينه-عينيه- بصنعاء»(1).

ويحتمل أن يكون هو اليماني، والله أعلم.

السادس

خروج السفياني والخراساني واليماني وخسف بالبيداء

وقد استفاضت الروايات في أنّ السفياني من المحتوم الذي لا بدّ منه، وأنّه لا يكون قائم إلّا بسفياني ، ونحو ذلك:

11- وقال عبد الملك بن أعين: كنت عند أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ فجری ذكر القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلاً ولا يكون سفياني، فقال : « لا والله! إنه لمن المحتوم الذي لا بدّ منه »(2).

ومرّ في بعض الروايات أنّ اليماني أيضاً من المحتوم.

12- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ:«السفياني والقائم في سنة واحدة »(3).

13- وفي عدّة روایات:«أنّ خروج السفياني واليماني

ص: 245


1- الغيبة / النعمانی: 277. بحار الأنوار :245/52.
2- الغيبة / النعماني : 282، 201. بحار الأنوار : 249/52.
3- الغيبة / النعماني: 267. عقد الدرر : 78. بحار الأنوار : 239/52.

والخراساني يكون في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد»(1).

14- وفي رواية:« ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كلِّ وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدیً؛ لأنّه يدعو إلى صاحبكم»(2).

15- وتدلّ بعض الروايات على أنّ خروج اليماني قبل خروج السفياني (3).

16- وفي رواية: « خروج الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد فليس فيها راية بأهدی من راية اليماني، تهدي إلى الحقّ»(4)

17- وفي الحديث:« اليماني والسفياني كفرسي رهان(5).

18- أمّا اليماني فيكون خروجه من اليمن، والمروي: أنّه ليس في الرايات الثلاث راية أهدی من راية اليماني لأنّه يدعو إلى الحق،

ص: 246


1- الغيبة / النعماني: 253، الغيبة / الطوسي: 274. بحار الأنوار: 230/52. إثبات الهداة: 540/3.
2- الغيبة/ النعماني: 253، الغيبة/ الطوسي: 274. بحار الأنوار: 230/52. إثبات الهداة: 540/3.
3- الغيبة / الطوسی: 447.
4- الإرشاد: 360/2. الغيبة/ الطوسی: 271. الصراط المستقیم: 250/2. بحار الأنوار: 210/52.
5- الغيبة / النعماني : 305.

أو لأنّه يدعو إلى صاحبكم فإذا خرجحرم بيع السلاح، وإذا خرج فانهض إليه، فإن رأيته راية هدى ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه.

19- ولمّا خرج طالب الحقّ باليمن، وهو من رؤساء الخوارج، قيل للصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: نرجو أن يكون هذا اليماني، فقال : «لا، اليماني يتوالى عليّاً، وهذا يبرأ منه »(1).

فلينتبه بعض إخواننا المغفّلين الذين سارعوا كعادتهم إلى تطبيق اليماني على زعيم النواصب في عصرنا هذا، وهو أسامة بن لادن.

20- وفي الخبر: أنّ اليماني يخرج من قرية يقال لها كرعة أو كريمة من اليمن(2).

21- وفي الحديث : « وإذا خرج -أي اليماني- فانهض إليه، فإنّ رايته رايةهدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النّار؛ لأنّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم»(3).

22- وفي الحديث أيضاً: «ثمّ يرجع في قيس حتّى ينزل الجزيرة

ص: 247


1- بحار الأنوار : 297/47 و : 275/52.
2- الصراط المستقیم: 154/2. الفصول المهمة : 295. معجم أحاديث المهدي : 296/1.
3- الغيبة / النعماني : 253. مختصر بصائر الدرجات : 212 و 213. إعلام الوری : 428.

السفياني، فيسبق اليماني »(1).

23- وفي الحديث:« إنّ من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني ...»(2).

فاليماني على الظاهر من صنعاء اليمن، ربّما يكون من بني هاشم أو علويّاً، وربّما كان هو الحسني أو الحسيني ، وبالإجمال فالحسني والحسيني الواردان في بعض الأخبار قابلة للتطبيق في بعضها على اليماني، وبعضها على النفس الزكيّة، وثالثة على الخراساني، فانتبه ولا تختلط حتّى لا يلتبس عليك الأمر.

وأمّا الخراساني فيخرج من خراسان، وفي بعض الروايات من المشرق، وعن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ في ذكر العلامات:

24- « إذا قام القائم بخراسان، وغلب على أرض کرمان والملتان (3)، وحاز جزيرة بنی کاوان »(4).

ص: 248


1- الغيبة / الطوسي: 278. ملاحم ابن طاووس عن ابن حماد ، ومثله في الغيبة / الطوسی: 269.
2- کمال الدين: 327. إعلام الوری: 403. کشف الغمة : 313/3.
3- مدينة من الهند قرب غزنة، قال في المراصد: أهلها مسلمون منذ قدیم.
4- کاوان: جزيرة في بحر البصرة. قال صاحب المراصد: جزيرة عظيمة يقال لها: جزيرة لافت في بحر فارس بين عمان والبحرين، كان بها قرى و مزارع، وهي الآن خراب. وقال في معجم البلدان: 2/ 139 و : 7/5: «جزيرة كاوان، ويقال : جزيرة بني كاوان، وهي جزيرة عظيمة، وهي جزيرة لافت، وهي من بحر فارس بين عمان و بحرین، افتتحها عثمان بن أبي العاص الثقفي في أيام عمر بن الخطاب لما أراد غزو فارس في البحرين، مر بها في طريقه ، وكانت من أجل الجزائر عامرة آهلة، وفيها قرى ومزارع، وهي الآن خراب. ذكر المسعودي أنها كانت سنة 333ه عامرة آهلة.

توهّم البعض أنّ القائم عَلَيهِ السَّلَامُ يقوم من خراسان، أو أن له قياماً آخر من خراسان عملاً بهذه الرواية، وهو باطل قطعاً لأنّ القائم هنا يراد به الخراساني، لاستعماله وصفاً عامّاً، لا خصوص مسمّی الحجّة عَلَيهِ السَّلَامُ أو صفته.

25- وفي رواية طويلة عن مولانا أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: «لا بّد لبني فلان أن يملكوا، فإذا ملكوا ثمّ اختلفوا تفرّق كلّهم -أي جمعهم، أو كلمتهم -وتشتّت أمرهم، حتّى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا -أي الخراساني- من المشرق، وهذا -أي السفياني- من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان ...»(1).

ص: 249


1- بحار الأنوار : 232/52، 234.

ولم يرد أكثر من هذا عن الخراساني في جوامعنا الحديثیّة، وأمّا تخرّص البعض ونسبة أشياء إليه ما أنزل الله بها من سلطان، أو نسبته إلى بعض البلاد والأوطان ، ونعته بجملة من النعوت والأوصاف الواهية ، فما هي إلّا من نسيج خيالاتهم وأوهامهم. والعلم عند الله عزّ وجلّ.

نعم ، جری ذکره ملقّباً بالحسني كما هو ظاهر بعض الأحاديث وهي:

26- وفي رواية مفصلة طويلة عن الإمام أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، قال المفضل: ثمّ يكون ماذا يا سيّدي؟

فقال: ثمّ يخرج الفتى الحسني -أي بعد خراب الزوراء، ويبدو أنّها مدينة بغداد أو طهران -ليصيح من نحو الديلم، فيصيح بصوتٍ عال له: يا آل محمّد، أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح، فتجيبه کنوز الله بالطالقان، کنوز لا من ذهب ولا من فضّة، بل رجال كزبر الحديد، لكأنّي أنظر إليهم...».

وفيه كلام طویل حاصله أنّهم يأتون مسرعين لنصرته، وأميرهم فتى اسمه شعیب بن صالح من تميم، فيقبل الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ معهم حتّى يلتقي هو وجيشه بالمهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأنصاره، والحسين هذا يعرف المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ لكنّه رغم ذلك يسأله عن علامات صدقه، ثمّ يبايعه، وينضمِّ هو

ص: 250

وجماعته إلى أنصاره، ويقاتلون تحت لوائه ... الخ(1).

وهو يبدو خلط من الرواة أو تصحيف من الكتّاب، والرواية القادمة توضّح وتبيّن الحقيقة، والتعويل عليها أصوب، ولعلّ هذا القائد هو الحسني أو الحسيني فوقع التصحيف من الكتّاب، أو لعلّ اسمه « حسين »، فخلط الرواة والمحدّثون بينه وبين سيّد الشهداء الحسين بن عليّ عَلَيهِما السَّلَامُ، والله العالم.

27- وفي رواية البحار فيه اختلاف كبير، وهي على ما يبدو أثبت ممّا في مختصير البصائر، وأضبط منها، إليك مقتطفات منها:

«ثمّ يخرج الفتى الصبيح الذي نحو الديلم، يصيح بصوت له فصیح: یا آل محمد، أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح، فتجيبه کنوز الله بالطالقان، کنوژ وأيُّ كنوزٍ، ليست من فضّة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، على البراذين الشهب ...، ثمّ يطلب علامات إمامته عَلَيهِ السَّلَامُ فيبديها له، فيبايعه و یبایعه سائر العسكر الذي مع الحسنين عَلَيهِ السَّلَامُ، إلّا أربعين ألفا، فيقتلهم المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، ويذبح السفياني، ثمّ يظهر الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ في اثني عشر ألف صدّيق واثنين وسبعين رجلا أصحابه يوم كربلاء... ثمّ يخرج الصدّيق الأكبر

ص: 251


1- مختصر بصائر الدرجات : 188 و 189.

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيهِ السَّلَامُ... ثمّ يخرج السيد الأكبر محمد رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه في أنصاره والمهاجرين ... وأنّ رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ يكونان معه وبجانبه ينصرونه على أعدائه حتّى يقيم الدين على كلّ بقعة من الأرض ... وأنّ الأئمّة بين يدي رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، والصديقة فاطمة السَّلَامُ عَلَيهِا أوّل من تشتكي عنده ما نزل بها من القوم ، ثم تشتكي الأئمّة واحداً بعد واحد ... الخ »(1).

28- وفيه عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا رأيتم الرايات السود من قبل المشرق من أطراف الأستة إلى زجّ القناة صوف أحمر ، فتلك رايات الحسني التي لا تكذب»(2).

تشير هذه الرواية إلى الرجعة بعد مولانا صاحب العصر والزمان عليه الصلاة والسلام، حيث يخرج الأئمة الأطهار عَلَيهِم السَّلَامُ، يحييهم الله عزّ وجلّ هم وخيرة أصحابهم، كما يحيى أعدائهم ، فيقتصّ لهم من أعدائهم ، ويحكمون الأرض ما شاء الله تعالى.

29- وفي رواية طويلة يذكر فيها أخذ المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ البيعة من أصحابه وأموراً أخرى ... « ويلحقه هناك ابن عمه الحسني،

ص: 252


1- بحار الأنوار : 15/53-18.
2- الصراط المستقيم : 261/2.

في اثني عشر ألف فارس ، فيقول: يابن عمّ، أنا أحقّ بهذا الجيش منك، أنا الحسن وأنا المهدي، فيقول المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ: بل أنا المهدي، فيقول الحسني: هل لك من آية فنبايعك؟ فيظهر بعض آیاته، فيقول الحسني: يابن عمّ، هي لك، ويسلّم إليه جيشه، ويكون على مقدمتهم...»(1).

30 - وروى المحقّق النوري رَحْمَةِ اللَّهِ في كشف الأستار، عن عقد الدرر، وهكذا صاحب إلزام الناصب، رواية مفصلة جدّاً تشبه الرواية السابقة، وتسمّى بخطبة البيان ، وفيها: « فيقول الحسني : الأمر لك، فيسلم وتسلم جنوده»(2).

31- وفي ملاحم ابن طاووس رَضِی اللهُ عَنه، رواية طويلة:«... ويلحقه الحسني في اثني عشر ألفا، فيقول له أنا أحق منك ... الخ»(3).

32- عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ -في حديث طويل- قال:« وفيه يدخل

ص: 253


1- عقد الدرر: 90 - 99، رواها مرسلة عن الأمير صلوات الله عليه، ونحن الانعتمدها قط لأنها رواية عامية أولا، ولم نجد لها مثيلا في أخبارنا فيكتب الخاصة ولا عن طرقهم ثانية، وأخيرا : لأنها مرسلة. نعم، بعض مضامينها يوافق روایاتنا نكتفي بهذا القدر ، ليس إلا.
2- کشف الأستار : 178 - 183. إلزام الناصب: 178/2 - 213.
3- ملاحم ابن طاووس : 145، عن فتن السليلي.

المهدي الكوفة...قد اضطربت بينها... فيدخل...ويخطب، ولا يدري الناس ... وهو قول رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: كأنّي بالحسني والحسيني وقد قاداها ، فيسلّمها إلى الحسيني فيبايعونه ...»(1).

المراد بالحسيني في هذه الرواية هو الإمام المهدي صلوات الله عليه.

33– وفي رواية:« وهيهات ما لكم إلا السيف يأتيكم الحسيني الثائر فيحصدکم حصداً، والسفياني المرغم، والقائم المهدي، وعند القائم المهدي تحقن دماؤكم إلّا بحقها ...»(2).

فالخراساني على هذا إما حسني أو حسيني، وإمّا حسني من جهة، وحسيني من جهة أخرى، كأن يكون حسني الأب وحسيني الأمّ، أو العكس، وقد يكون أحد اللقبين تصحيفاٌ، وكيف كان فكونه حسنياً أشهر بملاحظة الأحاديث.

وهو كما يبدو قائد له من القوات والعساكر والجيوش ، ويأتي من خراسان ومن جهة دیلم على رأس جيش جرار، إثنا عشر ألفاً أو يزيدون، يقصد التصدّي للسفياني الملعون وجدّه الذي بدا

ص: 254


1- الغيبة / الطوسي : 380. روضة الواعظين : 263/2.
2- غاية المرام : 119، عن ندیم الفريد لابن مسکویه.

حينئيذٍ يفتك بشيعة آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وببني هاشم قاطبة، يقتلهم قتلاً ويذبحهم ذبحاً في الشامات والعراق وما حولها من المدن والبلاد، وأنّه يلتقي بالمهدي صلوات الله عليه فيبايعه ويسلّم إليه الراية، والله العالم.

ص: 255

ص: 256

الدرس السابع عشر: علامات الظهور - 3

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأما السفياني:

33ب- فيخرج من وادي اليابس مکان بفلسطين(1).

34- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « أن خروجه في رجب»(2).

35- وعن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة، وحش الوجه (3)، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان، وأبوه عنبسة،

ص: 257


1- والوادي اليابس يقع في هذا العصر في الأردن.
2- الغيبة / النعماني : 299. كمال الدين :651/2 - 652.
3- أي يستوحش من يراه لشدة قبحه وقساوة قلبه.

وهو من ولد أبي سفيان حتّى يأتي أرضاً ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها»(1).

والظاهر أنّها دمشق. كما تدلّ عليه رواية أخرى:

36- «أنّه يخرج من وادي اليابس حتّى يأتي دمشق فيستوي على منبرها»(2).

37- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنك لو رأيته رأيت أخبث الناس، أشقر أحمر أزرق ، يقول: يا ربّ يا ربّ يا ربّ، أو یا رب ثاري ثاري، ثمّ للنار، أو یا رب ثاري والنار، ولقد بلغ من خبثه أنه يدفن أم ولد له، وهي حيّة مخافة أن تدلّ عليه »(3).

38- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ:«السفياني أحمر، أشقر، أزرق، لم يعبد الله قطّ، ولم ير مكّة ولا المدينة قطّ»(4).

39- وعن زین العابدین عَلَيهِ السَّلَامُ:«أنّه من ولد عتبة بن أبي سفيان،

ص: 258


1- كمال الدين : 651. الخرائج والجرائح : 1150/3.
2- کتاب الفتن / المروزي : 425 و 426. الكشاف: 467/3 و 468. عقدالدرر: 74. غرف السيوطي / الحاوي: 81/2. جامع البيان / الطبري : 17/15.
3- كمال الدين: 651. بحار الأنوار: 206/52. إثبات الهداة: 721/3.
4- الغيبة / النعماني : 306. بحار الأنوار: 253/52 و 254.

وأنّه إذا ظهر اختفى المهدي، ثمّ يظهر ويخرج بعد ذلك »(1).

40- وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ:«إذا رأيتم أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان فألحقوا بمكّة (أي أنّ المهدي قد ظهر بها)، ويجتمع في الشام ثلاث رايات كلّهم يطلب الملك : راية السفياني وراية الأصهب وراية الأبقع، ثمّ إنّ السفياني يقتل الأصهب والأبقع »(2).

41- وقال الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:« السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة ثمّ قال أستغفر الله حمل جمل »(3).

قال العلّامة المجلسي رَحْمَةِ اللَّهِ معلّقاً على هذه الرواية:« يحتمل أن يكون بعض أخبار مدّة السفياني محمولاً على التقيّة لكونه مذكوراً في رواياتهم، أو على أنّه ممّا يحتمل أن يقع فيه البداء، فيحتمل هذه المقادير، أو يكون المراد مدّة استقرار دولته، وذلك ممّا يختلف بحسب الاعتبار.

42- ويومئ إليه خبر موسی بن أعين عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال:

ص: 259


1- الغيبة / الطوسی: 270. الخرائج والجرائح : 115/3.
2- تفسير العياشي: 64/1، 244. الغيبة / النعمانی : 279. الاختصاص : 255. الإرشاد : 359/2. الغيبة / الطوسی: 269.
3- الغيبة / الطوسي: 449.

«السفياني من المحتوم، وخروجه من أوّل خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوماً»(1).

43- وفي رواية : عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يملك تسعة أشهر كحمل المرأة»(2).

44- وفي رواية عنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا ملك كور الشام الخمس دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين فتوقّعوا عند ذلك الفرج»، قلت : يملك تسعةأشهر؟ قال: «لا، ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوما»(3).

45- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « أنّه من أوّل خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستّة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوما»، وبهذا يجمع بين الخمسة عشر شهراً والتسعة أشهر، واحتمل المجلسي حمل بعض أخبار مدّته على

ص: 260


1- الغيبة / الطوسي: 449. إثبات الهداة : 411/7. بحار الأنوار: 215/52 و 216.
2- الغيبة / النعماني: 30، 301، 299. الغيبة / الطوسي : 278.
3- الإمامة والتبصرة 130. كمال الدين: 651.

التقيّة لذكره في رواياتهم(1).

46- وروى هشام بن سالم، عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«إذا استولی السفياني على الكور الخمس فعدّوا له تسعة أشهر-وزعم هشام أنّ الكور الخمس دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب-، ثمّ إنّ السفياني بعد ما يقتل الأصهب والأبقع لا يكون له همة إلّا العراق»(2).

قوله: « وزعم هشام...الخ » ليس من كلام الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، بل هو من كلام الراوي، والمراد هنا هشام بن سالم.

47- وفي رواية:«إلّا آل محمّد وشيعتهم، فيبعث جیشین جیشاً إلى العراق، وآخر إلى المدينة، فأمّا جيش العراق، فروي أنّ عدّتهم سبعون ألفا »(3).

48- وعن النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة (يعني بغداد) فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفضحون أكثر من مائة امرأة، ويقتلون ثلاثمائة كبش من بني العباس، ثم ينحدرون

ص: 261


1- الغيبة / النعماني : 299 و 300. كمال الدين : 651 و 652.
2- الغيبة / النعمانی : 304. بحار الأنوار: 222/52، 252. تفسير العياشي : 64/1. الغيبة / الطوي: 279.
3- الغيبة / النعماني: 279. بحار الأنوار: 222/52.

إلى الكوفة فيخربون ما حولها» الحديث(1).

49- « ويصيبون من أهل الكوفة ، وفي رواية: «من شيعة آل محمّد بالكوفة قتلا وصلباً وسبياً، ويمرّ جيشه بقرقيسا (بلد على الفرات) فيقتتلون بها»(2).

50- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«إنّ لله مائدة أو مأدبة بقرقيسا يطلع مطلع من السماء فينادي: يا طير السماء، ويا سباع الأرض، هلمّوا إلى الشبع من لحوم الجبّارين، فبينما هم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل طيّاً حثيثاً، حتّى تنزل ساحل الدجلة ومعهم نفر من أصحاب القائم، ويخرج رجل من موالي أهل الكوفة ضعيف في ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بظهر الكوفة »(3).

ص: 262


1- بحار الأنوار : 186/52، عن القرطبي في تذكرته : 693/2. عقد الدرر : 74. تفسير الطبري : 72/22. تفسير الكشاف: 468/3. مجمع البيان : 398/4.
2- هكذا في الرواية ، وليس فيها تصريح بأن المقاتل الجيش السفياني من هو ، فيحتمل أن يكون بعض من يدعو لآل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ويحتمل أن يكون أهل قرقيسا وما جاورها ، فيقتل بها من الجبارين مائة ألف.
3- الغيبة / النعمانی : 278. إثبات الهداة : 739/3. بحار الأنوار : 222/52. تفسير العياشي: 64/1. إعلام الوری : 427.

أي رجل لا عشيرة له ولا أنصار أقوياء أشدّاء، لأنّه من الموالي والأعاجم، وليس من العرب، ومعه جماعة ضعفاء مثله.

51- وفي رواية:«بين الحيرة والكوفة »(1).

52- وقال الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني (2) قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى منادیه من جاء برأس شيعة عليّ فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره، ويقول هذا منهم فيضرب عنقه، ويأخذ ألف درهم، أما أنّ إمارتكم يومئير لا تكون إلّا لأولاد البغايا، وكأنّي أنظر إلى صاحب البرقع»، قلت : ومن صاحب البرقع؟ فقال:«رجل منكم يقول بقولكم، يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم ولا تعرفونه، فيغمز بكم رجلاً رجلاً أما إنّه لا يكون إلّا ابن بغي»(3).

ص: 263


1- الغيبة / النعماني : 280. الاختصاص : 255 و 256. الإرشاد: 359/2. الغيبة / الطوسي : 269-271.
2- الصحيح بالسفياني ، ولو قيل : بصاحب السفياني لكان المراد صاحبجيشه مجازة ؛ لأن المروي أن السفياني يظهر بالشام ويقتل بها ولا يدخل العراق.
3- الغيبة / الطوسي : 273. بشارة الإسلام: 20. إثبات الهداة : 729/3. بحار الأنوار : 215/52.

لهذا الحديث مصادیق كثيرة في التأريخ الإسلامي، ولكنّ أبرز مصادیقه حتّى الآن هو ما نسمع به ونراه عبر وسائل الإعلام كلّ يوم في زماننا هذا على الساحة العراقيّة ، من جرائم دوليّة وإقليميّة منظّمة ضد شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، لا شكّ أنّ ورائها فتاوی ناصبيّة محرّضة ، وأيدي إجراميّة محرّكة ومدبّرة ، وعقول أمنيّة مخطّطة ومساندة ، من تحالف النواصب الحاقدين مع القوميّين الشعوبيّن الملحدين .

53- وعن النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «ثمّ يخرجون (أي جیش السفياني) متوجّهين إلى الشام ، فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش ، فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر ، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم ، وأمّا الجيش الذي يبعثه السفياني إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ويؤخذ آل محمّد صغيرهم وكبيرهم فيحبسون وينهبون المدينة ثلاثة أيّام بلياليها ، ويكون المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ بالمدينة فيخرج منها إلى مكّة على سنّة موسی بن عمران عَلَيهِ السَّلَامُ خائفا يترقّب» (1).

54- وفي رواية : «أنّه يهرب من بالمدينة منأولاد علي عَلَيهِ السَّلَامُ

ص: 264


1- تفسير الطبري : 72/22. تفسير الثعلبي : 3 سورة سبأ ، تفسير الآية 51. تفسير العياشي: 64/1. الغيبة / النعمانی : 279. بحار الأنوار : 186/52. الاختصاص : 255. الإرشاد : 359/2. الغيبة / الطوسي: 269.

إلى مكّة فيلحقون بصاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ، فيبلغ ذلك أمير جيش السفياني، فيبعث جيشأ على أثره، فلا يدركه وينزل الجيش البيداء (وهي أرض بين مكة والمدينة لها ذکر کثير في الأخبار)، فينادي مناد من السماء: یا بیداء، بيدي بالقوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلّا مخبر».

55- وفي رواية:«إلّا ثلاثة نفر حتّى إذا كانوا بالبيداء يحوّل الله وجوههم إلى أقفيتهم، وهم من كلب »(1).

56- وفي رواية: عن النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « يبعث الله جبرئيل فيقول : يا جبرئیل، اذهب فأبدهم، فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم عندها، ولا يفلت منهم إلّا رجلان من جهينة، فلذلكجاء القول عند جهينة الخبر اليقين، فذلك قوله تعالى :﴿وَ لَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا﴾(2)» أورده الثعلبي في تفسيره ، والطبري: 72/22.

57- وروی صاحب الكشّاف أيضاً: أنّها نزلت في خسف البيداء(3).

ص: 265


1- الغيبة / النعماني : 280.
2- سورة سبأ : الآية 51.
3- تفسير الكشاف : 467/3.

58- وروى الطبرسي عن زین العابدین عَلَيهِ السَّلَامُ، قال:«هو جيش البيداء يؤخذون من تحت أقدامهم»(1).

59- وروى عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى:﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾(2)، قال : « من تحت أقدامهم خسف بهم »(3)، وفي قوله تعالى : ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾(4) قال: « هو الدجّال والصيحة»، ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾(5)« وهو الخسف(6)، والقائم يومئذٍ بمكة، فيجمع الله عليه أصحابه، وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا».

60- وفي رواية:«ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدد أهل بدر فيبايعونه بين الركن والمقام، ثمّ يخرج بهم من مكّة فينادي المنادي باسمه وأمره من السماءحتّى يسمعه أهل الأرض كلّهم، ثمّ يأتي الكوفة فيطيل بها المكث ما شاء الله أن يمكث حتّى يظهر عليها،

ص: 266


1- مجمع البيان: 397/4.
2- سورة سبأ: الآية 51.
3- تفسير القمی: 205/2 و 206.
4- سورة الأنعام: الآية 65.
5- سورة الأنعام: الآية 65.
6- تفسير القمي: 204/2.

ثمّ يسير إلى الشام».

61- وفي رواية:«ثمّ يسير حتّى يأتي العذراء(1)، والسفياني يومئنذٍ بوادي الرملة، حتّى إذا التقوا، وهو يوم الإبدال، يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ويخرج ناس كانوا مع آل محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه إلى السفياني، ويقتل يومئذٍ السفياني ومن معه، والخائب يومئذٍ من خاب من غنيمة كلب، ثمّ يقبل إلى الكوفة فيكون منزله بها»(2).

جاء في معجم أحاديث الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ:

«ملاحظة: يظهر للمتتبّع في تاريخ الثورات على العبّاسيّين، والصراع بينهم وبين الخطّ الأموي الذي بقي له وجود ما بعد انهيار حکم بني أميّة، وبقي له وجود سیاسي في دولة الأندلس، يظهر له أنّ حديث السفياني الموعود كان معروفاً عند المسلمين، وأنّ عدّة أشخاص ثاروا على العّباسيّين بهذا الاسم، ولعلّ الدافع الأساسيّ لدعواهم هذه أنّ السفياني الموعود على رغم مساوئه فهو يغلب بني العبّاس ويعيد مجد بني أميّة.

ص: 267


1- لعلها القرية التي شرقي دمشق، وإليها ينسب مرج عذراء.
2- تفسير العياشي: 64/1 و : 261/2. الغيبة / النعماني : 279.

وقد ذكر صاحب کتاب خطط الشام عدّة ثورات باسم السفياني، منها: (154/1) ثورة عليّ بن عبدالله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الذي خرج في الشام سنة 195ه في خلافة الأمين، وكان يعرف بأبي العبيطر، ومنها: ثورة سعيد بن خالد الأموي بعد أبي العميطر، ومنها: ما ذكره (ص 164) من ثورة المبرقع بالشام أيضاً سنة 227ه في خلافة المعتصم.

وذكر في (185/2): ثورة عثمان بن تقالة الذي ثار في عجلون بالأردن سنة 816ه، وادّعى أنّه السفياني الموعود، وذكر في (161/1) قول المأمون العبّاسي: وأمّا قضاعة فسادتها تنتظر السفياني وخروجه فتكون من أشياعه، إلى غير ذلك من أحداث ظاهرة ادّعاء السفيانيّة.

وقد أخطأ بعضهم كصاحب خطط الشام عندما فسّر ذلك بأنّ ملحمة السفياني وظهوره من الوادي اليابس من موضوعات أنصار الأموييّن، راجع (148/1)، فإنّ أحاديث السفياني يرويها أعداء الأمويّين قبل أصدقائهم، نعم لا يبعد أن تكون الروايات التي تمدح السفياني الموعود، أو تقول بتعدّده من وضعأنصارهم، كما أنّ الروايات التي تنفي وجود السفياني، كالرواية الأولى من هذه المجموعة يحتمل أن تكون من مقولات الأمويين للتبرّؤ من السفياني

ص: 268

المذموم، كما يحتمل أن تكون من مقولات العبّاسيّين لنفي أصل رواية السفياني، والتخلّص من الثورات الأمويّة باسمه، ونظراً لهذه الظروف التي أحاطت بمسألة السفياني من طرفي الصراع الأموي والعبّاسي تكون الروايات الواردة عنه من طرق الأئمّة من أهل البيت عَلَيهِ السَّلَامُ الي أبعد عن الشكّ ، وهي صريحة قاطعة في حتميّة أمره، وأسانيدها فيها الصحيح كما سيأتي إن شاء الله ... الخ »(1).

السابع

خسف الجابية، وكثرة الاختلاف والحروب، وخروج الأصهب والأبقع وخراب الشام

62- المفيد: بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ، قال:«ألزم الأرض ولا تحرّك بدأ ولا رجلا، حتّى ترى علامات أذكرها لك، وما أراك تدرك ذلك، اختلاف بني العبّاس، ومناد ينادي من السماء، وخسف قرية من قرى الشام تسمّى الجابيّة(2)، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم

ص: 269


1- معجم أحاديث المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ: 413/1.
2- هي قرية كانت قريبة من دمشق وخربت، وإليها ينسب باب الجابية، ولا يعرف الآن محلها، ويمكن أن يكون قد بني مكانها قرية تسمى بغیر هذا الاسم.

الرملة، واختلاف كثير عند ذلك في كلّ أرض حتّى تخرب الشام، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها راية الأصهب وراية الأبقع وراية السفياني »(1).

63- وفي رواية الشيخ في غيبته : « فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كلّ أرض من ناحية المغرب(2)، أو في كلّ أرض من أرض العرب، فأول أرض تخرب الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رایات ...الخ »(3).

64- وفي رواية : « راية حسنيّة وراية أمويّة وراية قيسية »(4).

65- غيبة الشيخ : بسنده عن عمّار بن یاسر ، وذكر جملة من العلامات -إلى أن قال:- « وتكثر الحروب في الأرض » إلى أن قال :-« ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلّهم يطلب الملك : رجل أبقع،

ص: 270


1- تفسير العياشي: 64/1 و : 261/2. الغيبة / النعمانی: 279. الاختصاص : 255. الإرشاد : 359/2. الخرائج والجرائح : 1156/3.
2- هي الشام وما يليها ، فإنها مغرب بالنسبة إلى العراق، وتدل عليه الروايات التي سمّت الشام مغرباً، والعراق مشرقا.
3- الغيبة / النعماني : 280. الاختصاص : 256. الغيبة / الطوسي: 442. الخرائج والجرائح: 1157/3.
4- بحار الانوار: 270/52.

ورجل أصهب، ورجل من أهل بيت أبي سفيان ، يخرج في كلب » - الحدیث (1).

66- وفي رواية العيّاشي: «مع بني ذنب الحمار مضر، ومع السفياني أخواله من كلب فيظهر السفياني ومن معه على بني ذنب الحمار حتّى يقتلوا قتلاً لم يقتله شيء قطّ، ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلاً لم يقتله شيء قطّ، وهو من بني ذنب الحمار»(2).

67- وفي رواية النعماني:« فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون، فيقتله السفياني ومن تبعه ثمّ يقتل الأصهب»(3).

ص: 271


1- الغيبة / الطوسي: 463. ملاحم ابن طاووس: 58.
2- تفسير العياشي: 1/ 64.
3- الغيبة / النعماني : 280.

ص: 272

الدرس الثامن عشر: علامات الظهور - 4

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الثامن

اختلاف رمحين بالشام ، ورجفة بها، وخسف بحرستا، وإقبال قوم من المغرب إليها

68- غيبة الشيخ : بالإسناد عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا اختلف رمحان بالشام فهو آية من آيات الله تعالى . قيل : ثمّ مه ؟ قال : ثمّ رجفة تكون بالشام يهلك فيها مائة ألف يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين ، فإذا كان ذلك فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب(1) والرايات الصفر تقبل من المغرب حتّى تحلّ بالشام،

ص: 273


1- قال في مجمع البحرين : «البرذون هو من الخيل الذي أبواه أعجمیان ، والأنثى برذونة ، والجمع : براذين ، والشهب كناية عن سرعتها كالشهاب.

فإذا كان ذلك فانتظروا خسفاً بقرية من قرى الشام يقال لها حرستا(1)، فإذا كان ذلك فانتظروا ابن آكلة الأكباد بوادي اليابس » (2).

69- غيبة النعماني: مثله، إلّا أنّه قال: «لم تنجل إلّا عن آية من آیات الله »، قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: « رجفة تكونپ بالشام يقتل فيها أكثر من مائة ألف، وقال: البراذين الشهب المحذوقة، وزاد بعد قوله: تحلّ بالشام وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر، وبعد قوله: حرستا: فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس حتّى يستوي على منبر دمشق، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي»(3).

70- النعماني: بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ:«انتظروا الفرج من ثلاث: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات السود من خراسان،

ص: 274


1- في نسخ الأصل: « خرشنا »، وهو بلد قرب مالطا من بلادالروم، وأما حسرتا - بالسين والحاء. فهي قرية كبيرة عامرة في وسط بساتين دمشق على طريق حمص ، بينها وبين دمشق أكثر من فرسخ ( مراصد الاطلاع ).
2- الغيبة / الطوسي: 461. الخرائج والجرائح : 1151/3.
3- الغيبة / النعماني : 305.

والفزعة في شهر رمضان » (1) -الحديث.

71- وبسنده: عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يظهر القائم حتّى يشمل الشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه»(2) - الحديث .

التاسع

سقوط طائفة من مسجد دمشق الأيمن

72- رواه جابر الجعفي، عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في جملة العلامات، قال: « وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن»(3) هكذا وجدناه، ولعلّ الصواب من الجانب الأيمن، أو من جانب مسجد دمشق الأيمن.

73- غيبة الشيخ: بسنده عن عمّار بن یاسر، قال في حديث: «ويخسف بغربي مسجد دمشق، حتّى يخدّ حائطه».

74- وفي رواية:« ويخرب حائط مسجدها »(4).

ص: 275


1- الغيبة / النعماني : 251.
2- الغيبة / النعماني : 279.
3- الغيبة / النعماني: 280.
4- الغيبة / الطوسي : 268.

العاشر

النداء على سور دمشق

75- غيبة الشيخ: بسنده عن عمّار بن یاسر -في حديث-: «وينادي منادٍ على سور دمشق ويل لأهل الأرض من شرّ قد اقترب»(1).

76- وفي رواية: « ويل لازم »(2).

77– وفي رواية أخرى عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ:«ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح »(3).

78- وفي رواية العياشي: «وتری منادياً ينادي بدمشق»(4).

79- النعماني: بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « توقّعوا الصوت يأتيكم بغتة من قبل دمشق، فيه لكم فرج عظيم»(5).

ص: 276


1- الغيبة/الطوسي: 463.
2- الغيبة/الطوسی: 441.
3- الغيبة / الطوسي: 269.
4- تفسير العياشي: 64/1.
5- الغيبة / النعمانی: 279.

الحادي عشر

خروج المرواني وعوف السلمي وشعيب بن صالح

80- غيبة النعماني: بسنده عن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: «قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا هذا»(1).

81- وبسنده: عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «أنّ لولد العبّاس والمرواني لوقعة بقرقيسياء يشيب فيها الغلام الحزور(2)، يرفع الله عنهم النصر، ويوحي إلى طير السماء وسباع الأرض : اشبعي من لحوم الجبّارين، ثمّ يخرج السفياني »(3).

أقول: ظاهر بعض الأخبار الواردة في السفياني أنّ وقعة قرقیسا أو قرقیسیاء مع جيشه والتعدد جائز ، والله أعلم.

ص: 277


1- الغيبة / النعماني : 253، أي كيف يقول هذا -وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل -المعروف بابن طباطبا ابن إبراهيم بن الحسن المثنى : إي القائم ، فكيف يقول هذا ، هذا الكلام، ويدعي المهدوية وأنه القائم؟!
2- الحزور -بالحاء المفتوحة والزاي، مخقفا ومشددا -بمعنى الغلامالقوي. ومن الغريب ضبط المجلسي له بالخاء المعجمة ، و تكلفه في تفسيره.
3- الغيبة / النعماني : 304.

82 - غيبة الشيخ: بسنده عن عليّ بن الحسين عَلَيهِم السَّلَامُ: « يكون قبل خروجه -المهدي- خروج رجل يقال له: عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تکریت(1)، وقتله بمسجد دمشق ، ثمّ يكون خروج شعیب بن صالح من سمرقند، ثمّ يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان ، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك »(2) - الحديث .

83- وبسنده: عن عمّار بن ياسر -في حديث-: «ثمّ يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح»(3).

الثاني عشر

خروج الحسني وقتله

وقد مرّ في الأمر الأول عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«إذا اختلف ولد العبّاس، وهي سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع، وخلعت

ص: 278


1- قال في مراصد الاطلاع: تکریت - بفتح التاء والعامة تكسرها -: بلدمشهور بين بغداد والموصل ، وفي الأصل تکریت ، وهو اسم لعدة مواضع.
2- الغيبة / الطوسي: 444. الخرائج والجرائح : 155/3.
3- الغيبة / الطوسي:464. بحار الأنوار : 208/52.

العرب أعنّتها، ورفع كلّ ذي صيصة صيصيته، وظهر السفياني، وأقبل اليماني، وتحرّك الحسني، خرج صاحب هذا الأمر»(1) - الحديث .

لعلّ المراد من الحسني هنا الخراساني، لأنّ خروجه و تحرّکه يقترنان مع خروج السفياني و اليماني، بل هو الذي تطمئنّ إليه النفس.

84- وفي رواية:«أنّ المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ حينما يريد الخروج يطلع على ذلك بعض مواليه، فيأتي الحسني فيخبره الخبر فيبتدره الحسني إلى الخروج فيثب عليه أهل مكّة فيقتلونه ويبعثون برأسه إلى الشامي (أي السفياني) فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر »(2) - الحديث.

لعلّ المراد من الحسني هنا هو النفس الزكيّة، وهو الأقرب، بل لعلّه المتعيّن، لكثرة القرائن المحفوفة به في الحديث.

الثالث عشر

خروج رايات من مصر إلى الشام وخروج المصري

85- المفيد: بسنده عن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأني برايات من مصر

ص: 279


1- بحار الأنوار: 242/52، عن النية / النعماني.
2- الغيبة / النعماني: 270.

مقبلات خضر مصبغات، حتّى تأتي الشامات فتهدي إلى ابن صاحب الوصيّات»(1).

86- وفي رواية عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال في جملة العلامات: «وقام أمير الأمراء بمصر »(2).

فهؤلاء أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ من بلاد النيل.

87- غيبة الشيخ : بسنده عن محمّد بن مسلم : « يخرج قبل السفياني مصري ويماني »(3).

الرابع عشر

رکز رایات قيس بمصر ورايات كندة بخراسان

88- المفيد: بسنده سأل رجل الحسن عَلَيهِ السَّلَامُ عن الفرج، فقال عَلَيهِ السَّلَامُ:

« تريد الإكثار أم أجمل لك ؟ » ، فقال : بل تجمل لي، قال : « إذا ركزت رايات قيس بمصر ورايات كندة بخراسان »(4).

ص: 280


1- الإرشاد: 376/2. الصراط المستقیم: 2/ 250.
2- بحار الأنوار: 210/52.
3- الغيبة / الطوسي: 447. إثبات الهداة : 728/3.
4- الإرشاد : 376/2. الغيبة / الطوسي : 272.

89- النعماني: بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:« قبل قيام القائم تحرّك حرب قیس »(1).

الخامس عشر

نزول الترك الجزيرة، والروم الرملة

90- وجاء ذلك في عدّة روايات مسندة عن جابر الجعفي عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « ألزم الأرض ولا تحرّك بدأ ولا رجلاً حتّى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها، وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدّث بهن بعدي عنّي، وذكر جملة منها (إلى أن قال:) ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة»(2).

91- وفي رواية:« وتنزل الروم فلسطين »(3).

92- وفي رواية:«ومارقة تمرق من ناحية الترك حتّى تنزل

ص: 281


1- الغيبة/النعمانی: 277. بحار الأنوار : 245/52.
2- بحار الأنوار: 219/52، عن الإرشاد . قال في المراصد: «الرملة واحدة الرمل ، مدينة بفلسطين ، كانت قصبتها ، وكانت رباطأ للمسلمين وبينها وبين بيت المقدس اثنا عشر ميلا ، وهي كورة منها».
3- الغيبة / الطوسي : 463.

الجزيرة وستقبل مارقة الروم حتّى ينزلوا الرملة»(1).

والظاهر أنّ المراد بالجزيرة، جزيرة العرب، والرملة بلدة بفلسطين.

93- وفي رواية:«إذا خالف الترك الروم أو يتخالف الترك والروم» (2)، والظاهر أنّه بمعنى نزول الترك الجزيرة والروم الرملة.

قد تكون الرواية «خالف الترك الروم، أو يتخالف الترك والروم» كما نقلناه، ومعناه وقوع النزاع بينهما على غرار النزاع الذي وقع بينهما، والحرب التي وقعت بين الدولة العثمانيّة الذين هم الترك، وبين بريطانيا العظمى التي كانت تمثّل الروم، وكان مآلها إلى سقوط الدولة العثمانيّة، ومن بعدها احتلالالأراضي الفلسطينيّة.

وقد تكون الرواية بلفظ «حالف الترك الروم، أو يتحالف...» بمعنی عقد تحالف واتّفاقيّة بين تركيا والدول الأوروبيّة، على غرار ما تسعى إليه تركيا وأوربا ، وقد قطع الفريقان شوطاً كبيراً في هذا الطريق حتّى الآن، والرواية التالية تؤيّد هذا المعنى.

94- وفي رواية:«فإذا استأثرت عليكم الروم والترك وجهّزت

ص: 282


1- الغيبة / النعماني : 280. الاختصاص: 256. الغيبة الطوسي : 442.
2- الغيبة/الطوسی: 441.

الجيوش»(1) - الحديث.

95- وفي رواية عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « وظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار والجنبات، وكانوا بين هنا وهنات»(2).

السادس عشر

حصار الكوفة، ولعله من جهة السفياني

السابع عشر

تخريق الروايا في سكك الكوفة

أي روايا الماء، والظاهر أنّه بغلبة أحد الفريقين المتحاربين على الآخر(3). وفي بعضها: تحریق الزوايا(4).

الثامن عشر

تعطيل المساجد أربعين ليلة، والظاهر أنه بالكوفة، أو العراق

ص: 283


1- الغيبة / الطوسي : 463.
2- الغيبة/النعماني : 275.
3- بحار الأنوار : 273/52.
4- مختصر بصائر الدرجات : 199.

كلّها، أو بعض مدنها(1)

التاسع عشر

کشف الهيكل، والمراد منه غير واضح

*کشف الهيكل، والمراد منه غير واضح(2)،فقد يكون المراد منه هيكل سليمان المزعوم، وقد يكون هيكل آخر، والله العالم.

العشرون

خفوق رايات حول المسجد الأكبر بالكوفة

*خفوق رايات حول المسجد الأكبر بالكوفة (3)

الحادي والعشرون

قتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين

*قتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين (4)

والذي ذكره المفيد رَحْمَةِ اللَّهِ كما مر قتل النفس الزكيّة في سبعين من الصالحين.

هناك اهتمام كبير بنبأ النفس الزكية في بجامعنا الروائيّة، وأحاديث العترة الهادية صلوات الله عليهم، لا سيمّا بقتله واستشهاده، وأكّدت

ص: 284


1- بحار الأنوار : 273/52.
2- بحار الأنوار : 273/52.
3- بحار الأنوار : 273/52.
4- مختصر بصائر الدرجات : 199.

على أنّ قتله آخر علامة من علامات الظهور، وأقربها، لكنّها قالت تارة يقتل بظهر الكوفة، وتارةً بمكّة، وللكشف عن هويّته وحقيقة أمره لا بدّ من التحقيق في هذه الأخبار:

96– ففي رواية طويلة عن عمّار بن یاسر رَضِی اللهُ عَنه: «وإذا رأي أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن سفيان فالحقوا بمكّة، فعند ذلك ثقتل النفس الزكيّة وأخوه بمكّة ضيعة، فينادي منابر من السماء: أيّها النّاس، إنّ أميركم فلان، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً...»(1).

97- «إنّ المهدي لا يخرج حتّى قتل النفس الزكيّة، فإذا قتلت النفس الزكيةّ غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، فأتی النّاس المهدي فزقّوه كما تزفّ العروس ...»(2).

98- «تستباح المدينة حينئير وتقتل النفس الزكيّة»(3).

99– «ويقتل أهل الحجاز النفس الزكيّة، وهو من أنصار المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ»(4).

ص: 285


1- الغيبة / الطوسي: 278. ملاحم ابن طاووس: 58.
2- ابن حماد: 93. ابن أبي شيبة: 199/15.
3- ابن حماد: 90. عقد الدرر : 66، عن ابن حماد.
4- معجم أحاديث الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ: 509/2.

100- وعن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه كان يقول: «... وقتل النفس الزكيّة من المحتوم...»(1).

101– « ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلا خمسة عشر -خمس عشرة- ليلة»(2).

102- يقول القائم عَلَيهِ السَّلَامُ لأصحابه:« يا قوم، إنّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسل إليهم لأحتجّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجّ عليهم، فيدعو رجلا من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكّة، فقل: يا أهل مكّة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرّية محمّد وسلالة النبّيين، وإنّا قد ظلمنا واضطهدنا، وقهرنا وابتزّ منّا حقّنا منذ قبض نبيّنا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصرکم فانصرونا.

فإذا تكلّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكيّة، فإذا بلغ ذلك الإمام، قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أنّ أهل مكّة لا يريدوننا، فلا يدعونه حتّى يخرج ...»(3).

ص: 286


1- کمال الدين : 652. الإرشاد : 358/2.
2- کمال الدین: 649. الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسی: 271.
3- بحار الأنوار : 307/52.

103- «نعم، وقتل النفس الزكية من المحتوم...»(1).

104- «من المحتوم الذي لا بد أن يكون من قبل قيام القائم خروج السفياني، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكيّة ...»(2).

105- « قال: بلى، قلت: وماهي؟ قال: هلاك العبّاسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكيّة ...»(3).

106- وعن أبي حمزة الثمالي ، قال : «قلت لأبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: إن أبا جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ كان يقول: إنّ خروج السفياني من الأمر المحتوم، قال: نعم، واختلاف ولد العبّاس من المحتوم، وقتل النفس الزكيّة من المحتوم...»(4).

107- وفي حديث آخر: «... وقتل النفس الزكيّة من المحتوم ...»(5).

108- وفي رواية:« يا أبا محمّد، إنّا أهل بيتي لانوقّت، وقد قال

ص: 287


1- الغيبة / النعمانی : 257.
2- الغيبة / النعماني : 264.
3- الغيبة / النعمانی : 262.
4- الغيبة / الطوسي : 266، ومثله في كمال الدين عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ
5- الغيبة / النعماني: 252.

محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: كذب الوقّاتون.

يا أبا محمّد، إن قدام هذا الأمر خمس علامات ...، وقتل النفس الزكيّة ...»(1).

109- وفي رواية طويلة:«... وقتل غلام من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه بين الركن والمقام اسمه محمّد بن الحسن، ولقبه النفس الزكيّة ...»(2).

110- «ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلّا خمس عشرة ليلة»(3).

111- «وقتل غلام من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكيّة...»(4).

112- وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في خطبة طويلة: «...وقتل النفس الزكيّة بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين

ص: 288


1- الغيبة / النعماني : 289.
2- إثبات الرجعة / الفضل بن شاذان على ما في إثبات الهداة. الغيبة / الفضل على ما في المستدرك.
3- کمال الدين: 649. الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسي: 271. إعلام الوری : 427.
4- كمال الدين: 330. کشف الغمة: 324/3

الركن والمقام...»(1).

113- وعن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «خمس علامات قبل قیام القائم... وقتل النفس الزكيّة، واليماني،...»(2).

114- عن يعقوب السرّاج -عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ- قال: «قلت: وطمع فيهم من لم يكن يطمع...و تحرّك الحسني ، و خرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكّة...»(3).

115- عن يعقوب السرّاج، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ في تتمّة الحديث السابق:«... ويستأذن -أي المهدي- الله في ظهوره، فيطّلع على ذلك بعض مواليه ، فيأتي - أي ذلك المولى وهو من خدم الحّجة عَلَيهِ السَّلَامُ- الحسني، فيخبره الخبر -أي يخبره بخروج المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ- فيبتدره -أي يسبق الحسني المهديّ في الخروج ، ويخرج قبل المهدي - إلى الخروج، فيثب عليه أهل مكّة، ويبعثون برأسه إلى الشامي -أي إلى السفياني- فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر...»(4).

نستنتج من هذه المجموعة من الروايات أموراً:

ص: 289


1- مختصر بصائر الدرجات : 199.
2- الکافي: 310/8. الغیبة / النعماني:252. کمال الدین:649
3- الكافی:310/8. الغيبة / النعمانی: 252. كمال الدين: 649.
4- الكافی: 225/8. الغيبة / النعمانی : 270.

1- أنّ النفس الزكيّة وصف مدحٍ وتعظيم، وأنّه قابل للانطباق على كلّ من كانت نفسه على هذا المستوى العالي من التزكية والتربية والتهذيب.

2- فيمكن ويصحّ إطلاقه على أكثر من شخص، لإمكان تطبيقه على مصادیق متعدّدة.

3- وعليه فلعلّ وجه الجمع بين خبري مقتله بمكّة وبظهر الكوفة باحتمال أن يكون المقصود شخصين متّصفین بهذه الصفة يقتل أحدهما هنا، والآخر هناك، ويكون كلاهما من علامات قرب الظهور، واحتمال کون المقتول بمكّة وهو الأهم والأقرب الذي بين مقتله والظهور خمس عشرة ليلة، يؤيّد ذلك ما في رواية الأمير صلوات الله عليه: أنّ المقتول بظهر الكوفة يقتل في سبعين من أصحابه، وأنّ هناك أخر يقتل بين الركن والمقام، راجع الرقم 112، واحتمال كونه محمّد بن الحسن، وربّما وقع خلط هنا، فليس المطلوب محمّد بن الحسن، ولا هو المراد من الموصوف بالنفس الزكيّة، وإنّما وقع الخلط من الرواة، خلطاً منهم بين المهدي المنتظر صاحب الزمان صلوات الله عليه، وبين النفس الزكيّة، فأطلقوا اسم مولانا صاحب الأمر عليه، ولعلّ خبر قتله بظهر الكوفة خلط والتباس وقع من الرواة، لقوّة واستفاضة أخبار المقتول بمكّة، وبين الركن والمقام.

ص: 290

ولا عبرة بالرواية رقم (98) ولا غيرها ممّا لم نتجشّم عناء نقلها والتي تنسب قتله إلى المدينة المنوّرة؛ لأنّها روايات عاميّة بحتة، تعارض أحاديثنا أوّلاً، ونحن لا نبالي بالخبر الذي ليس له ما يؤيّده في مجامعنا الروائيّة، وليس له طريق من الخاصّة، ونردّها ردّاً قاطعاً، فضلاً عمّا إذا كان مخالفاً لنصوصنا ، فإنّه يضرب به عرض الجدار، إذ الرشد في خلافهم.

4- أنّ للنفس الزكيّة أخاً يقتل معه بمكّة بين الركن والمقام.

ه- أنّ من عظيم شأنه وعلو مقامه عند الله تعالى وعند مولانا صاحب الأمر، أن لا يمهلهم الله، ويعجّل عقوبة قاتلیه وظالمي آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وغاصبي حقوقهم بالتعجيل في الإذن بخروجه عَلَيهِ السَّلَامُ.

6- أنّه المبعوث من قبل صاحب الأمر صلوات الله عليه إلى أهل مكّة، والمرسل من جهته إليهم لدعوتهم إلى نصرة المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، وأخذ البيعة منهم.

7- يغضب لقتله أهل السماء وهم الملائكة، وأهل الأرض من المؤمنين والمستضعفين.

8- أنّ قتله من العلامات المحتومة القريبة.

9- أنّ بين قتله وظهور الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ خمس عشرة ليلة، ممّا يوحي بأنّه إنّما يقتل في الليل.

ص: 291

10- أنّ قاتليه هم من أهل مكّة.

11- أنّ الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ كان يعلم بمقتله کاکان حال جدّه سیّد الشهداء عَلَيهِ السَّلَامُ وعمّه مسلم بن عقیل سلام الله عليه، يدلّ على ذلك قوله عَلَيهِ السَّلَامُ قبل إرساله:«لكنّي مرسل إليهم لأحتجّ عليهم ...»، فتأمّل جيّداً.

12- أنّه يقتل ذبحاً، كما هو عادة النواصب، وقد سقط القناع في عصرنا هذا عن وجوههم القبيحة في أفغانستان والعراق على وجه الخصوص ، وهو من فعال الطغاة والقساة كالأمويّين.

13- أنّ أهل مكّة والحجاز هم أوّل المناوئين والمعادين لدعوة المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ.

14- أنّه يقتل بعد خروج السفياني.

15- أن تعيين العلامات ليس من التوقيت.

16- أنّه غلام یافع، أي شاب في مقتبل العمر، وعليه فلا يتجاوز السادسة أو السابعة عشر من عمره.

17- أنّه من بني هاشم.

18- أنه كما في الرواية رقم (115)- يخرج قبل المهدي، ولا تدلّ الرواية على أنّ خروجه من غير إذن من الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، إذ ربّما كان قد أذن له الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، وهم بإرساله إلى مكّة، لكنّه كان ينتظر

ص: 292

القرار الأخير، والوقت الموعود الذي حصل ذلك بعد أن جاء الإذن من الله تعالى بخروجه عَلَيهِ السَّلَامُ، ووصل الخبر إلى الحسني من قبل بعض موالي الإمام، فبادر إلى تنفيذ أمره عَلَيهِ السَّلَامُ.

19- ومن الرواية رقم (102) يظهر أنه فتىً وليس بغلام، وهو لعلّه أنسب لهذه المهمّة، إذ يقتضى حينئيذٍ كونه بين الثامنة عشرة وبين الثلاثين من العمر، وللجمع بينها يمكن أن نقول: عبّر عنه بالغلام بلحاظ سنّه قبل خروجه، وربّما عبّر عنه بالغلام لأنّه وإن كان في سنّ الفتيان، إلّا أنّ شمائل وجهه أشبه بالغليان، ولعلّه خلط من الرواة، أو أحدهما خلط منهم، والاحتمال الثاني أقرب.

20- كما يطلق عليه النفس الزكيّة فكذلك ملقب أيضاً بالحسني لانتسابه إلى الإمام الحسن المجتبى عَلَيهِ السَّلَامُ.

21- ولا مانع من كون الخراساني حسينيّاً أيضاً، ويدلّ عليه بعض الأخبار، كما أنّه لا مانع من كون النفس الزكيّة حسنياً أو حسينيّاً، طبقأ لجملة أخرى من الأخبار، والعلم عند الله تعالى.

ص: 293

ص: 294

الدّرس التاسع عشر: علامات الظهور - 5

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الثاني والعشرون

قتل الأشفع صبرة في بيعة الأصنام

*قتل الأشفع صبرة في بيعة الأصنام(1)

والمراد بالأشقع غير ظاهر، ولعلّه مصحّف، ففي بعض المصادر: قتل الأسبغ المظفّر صبراً...(2)، وفي بعضها الآخر: «الأسقع » (3)، وبيعة الأصنام أي الكنيسة أو نحوها ذات الأصنام.

ص: 295


1- بحار الأنوار : 82/53.
2- مختصر بصائر الدرجات : 199.
3- بحار الأنوار: 273/52.

الثالث والعشرون

سبي سبعين ألف بكر من الكوفة

*سبي سبعين ألف بكر من الكوفة(1)

ويروى أنّ الكوفة تعظم كثيراً حتّى تتصل بكربلاء فلا يستبعد ذلك.

الرابع والعشرون

خروج مائة ألف من الكوفة إلى السفياني

الخامس والعشرون

خروج رامات من شرقي الأرض مع رجل من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه مختوم في رأس القناة بخاتم السيد الأكبر

*خروج رامات من شرقي الأرض مع رجل من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه مختوم في رأس القناة بخاتم السيد الأكبر(2)

السادس والعشرون

خروج رجل من نجران يستجيب للإمام عَلَيهِ السَّلَامُ

ص: 296


1- من الثالث والعشرين إلى الثامن والعشرين بحار الأنوار : 274/52.
2- قد ذكرنا في رواية سابقة أن المراد بالسيد الأكبر رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فانتبه ولا تذهب بعيدة ، ويدل على ذلك روايات أخرى ليس هنا محلها و یکفیک ما فی دعاء الندبة فراجع

السابع والعشرون

نداء من جهة المشرق يا أهل الهدی، اجتمعوا، ومن جهة المغرب: يا أهل الباطل، اجتمعوا

الثامن والعشرون

تلون الشمس

التاسع والعشرون

بعث أهل الكهف وخروجهم مع القائم عَلَيهِ السَّلَامُ

وهذه العلامات من السادس عشر إلى التاسع والعشرون مع غيرها منقولة عن کتاب سرور أهل الإيمان في جملة رواية عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: ولذلك علامات أوّلهنّ: حصار الكوفة بالرصد والخندق، وتخريق الروايا في سكك الكوفة، وتعطيل المساجد أربعين ليلة، وكشف الهيكل، وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتزّ، القاتل والمقتول في النار، وقتل سریع و موت ذريع، وقتل النفس الزكيّة بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين الركن والمقام (إشارة إلى النفس الزكيّة أو إلى الحسني)، وقتل الأسقع صبراً في بيعة الأصنام، وخروج السفياني براية حمراء أميرها رجل

ص: 297

من بني كلب، واثنا عشر ألف عنان من خيل السفياني تتوجّه إلى مكّة والمدينة أميرها رجل من بني أميّة يقال له خزيمة أطمس العين الشمال، على عينه ظفرة غليظه يمثّل بالرجال، لا تردّ له راية حتّى ينزل المدينة في دار يقال لها دار أبي الحسن الأموي، ويبعث خيلاً في طلب رجل من آل محمّد إلى مكّة أميرها رجل من غطفان -إلى أن قال : -ويبعث مائة وثلاثين ألفاً إلى الكوفة وينزلون الروحاء(1)، والفاروق (2)، والظاهر أنّه الفاروت قرية على شاطئ دجلة بين واسط والمذار، أمّا الفاروق فقرية من قرى اصطخر فارس وإرادتها لا تناسب المقام، فيسير منها ستّون ألفاً حتىينزلوا الكوفة موضع قبر هود عَلَيهِ السَّلَامُ النخيلة فيهجمون عليهم يوم الزينة وأمير الناس جبّار عنيد يقال له الكاهن الساحر، فيخرج من مدينة الزوراء إليهم أمير في خمسة آلاف من الكهنة ويقتل على جسرها (أي الكوفة) سبعين ألفاً حتّى تحتمي الناس من الفرات ثلاثة أيّام من الدماء ونتن الأجساد ويسبي من الكوفة سبعون ألف بكر لا يكفّ عنها كفّ

ص: 298


1- في بعض الروايات : ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها الروحاء قريبا من کوفتكم. وفي معجم البلدان : « الروحاء قرية من قرى بغداد ، وقرية بين مكة والمدينة.
2- كذا في النسخة.

ولا قناع حتّى يوضعن في المحامل ويذهب بهنّ إلى التوبة وهي الغري.

ثمّ يخرج من الكوفة مائة ألف ما بين مشرك ومنافق حتّى يقدموا دمشق لا يصدهم عنها صاد وهي ارم ذات العياد، وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلّمة ليست بقطن ولا كتّان ولا حریرها مختوم في رأس القنا بخاتم السيّد الأكبر يسوقها رجل من آل محمّد تظهر بالمشرق، وتوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر يسير الرعب أمامها شهراً حتّى ينزلوا الكوفة طالبين بدماء آبائهم فبينا هم على ذلك إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنّها فرسا رهان شعث غبر جرد ويخرج رجل من أهل نجران يستجيب للإمام فیکون أوّل النصارى إجابة فيهدم بيعته ويدقّ صليبه فيخرج بالموالي وضعفاء النّاس فيسيرون إلى النخيلة بأعلام الهدى، فيكون مجمع الناس جميعاً في الأرض كلّها بالفاروق فيقتل يومئيذٍ ما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف ألف وینادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر: يا أهل الهدى، اجتمعوا، وينادي منادٍ من قبل المغرب بعد ما يغيب الشفق: يا أهل الباطل، اجتمعوا، ومن الغد عند الظهر تتلوّن الشمس تصفرّ فتصير سوداء مظلمة، ويوم الثالث يفرّق الله بين الحقّ والباطل، و تخرج دابة الأرض وتقبل الروم عند ساحل البحر عند کهف الفتية فيبعث الله الفتية من كهفهم مع كلبهم

ص: 299

معهم رجل يقال له ملیخا، وآخر حملاها و هما الشاهدان المسلمان للقائم عَلَيهِ السَّلَامُ (1).

الثلاثون

ظهور نار بالكوفة

116- النعماني: بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾(2)، قال:«تأويلها فيما يأتي عذاب يقع في النوية يعني نار حتى ينتهي إلى الكناسة ، كناسة بني أسد حتى تمرّ بثقيف لا تدع وترأ لآل محمد إلّا أحرقته وذلك قبل خروج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ (النوية) موضع قرب الكوفة (والكناسة) محلة بالكوفة »(3).

الحادي والثلاثون

ظهور نار من المشرق

117- النعماني: بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ:«إذا رأيتم نارا من

ص: 300


1- بحار الأنوار: 272/52-275
2- سورة المعارج: الآية 1.
3- الغيبة / النعماني : 272، ومثله باختلاف عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ. الغيبة / النعماني : 272. تفسير القمی: 385/2.

المشرق شبه الهردي (1) العظيم تطلع ثلاثة أيّام أو سبعة فتوقّعوا فرج آل محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه»(2).

118- وبسنده عنه عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا رأيتم علامة في السماء ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي فعندما [ فعندها فرج الناس وهي قدّام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ بقليل »(3).

الثاني والثلاثون

النار والحمرة في السماء

119- المفيد : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يزجر النّاس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلّل السماء»(4) -الحديث.

ص: 301


1- الهردي : الثوب المصبوغ بالهرد - بالضم - وهو الكركم الأصفر وطين أحمر يصبغ به ، واسم لصبغ أصفر يسمى العروق، والمناسب هنا إرادة الطين الأحمر؛ لأن المصبوغ به هو الذي تشبه النار، وما في البحار من جعله بالواو لا بالدال اشتباه و تصحيف.
2- الغيبة / النعماني: 253.
3- الغيبة / النعماني : 267.
4- الإرشاد: 361. إعلام الوری : 429.

الثالث والثلاثون

انبثاق الفرات

120- المفيد : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل في أزقّة الكوفة »(1).

121- في الحديث : « إذا أراد الله أن يظهر آل محمّد ، بدأ الحرب من صَفَر إلى صَفَر ، وذلك أوان خروج المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، قال ابن عبّاس: يا أمير المؤمنين ، وما أقربُ الحوادث الدالّة على ظهوره ؟ فدمعت عيناه ، وقال : إذا فَتَق بثق في الفرات ، فبلغ أزقّة الكوفة ، فليتهيّأ شیعتنا للقاء القائم »(2).

122- وفي الخطبة المرويّة عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « أوّلها تحريف الرايات في أزقّة الكوفة ...»(3).

الرابع والثلاثون

كثرة القتل بين الحيرة والكوفة

ص: 302


1- الإرشاد : 361. الغيبة / الطوسی: 273 و 274.
2- الصراط المستقیم: 285/2
3- إثبات الهداة : 598/1. غاية المرام : 57. مدينة المعاجز : 154. بحار الانوار : 354/36.

123- المفيد: بسنده عن جابر ، قلت لأبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ متى يكون هذا الأمر ؟ فقال : « أنّى يكون ذلك يا جابر ولما يكثر القتل بین الحيرة والكوفة »(1).

124- النعماني : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يظهر القائم عَلَيهِ السَّلَامُ إلى أن قال : ويكون قتل بين الكوفة والحيرة قتلاهم على سواء»(2)۔ الحديث.

125- وفي البحار: « على سواء أي في وسط الطريق »(3). أقول : الظاهر أنّ المراد تساوي قتلاهم في العدد.

الخامس والثلاثون

قتل رجل من الموالي بين الحيرة والكوفة

126- النعماني : بأسانيده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ- في حديث -: « ثمّ يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة »(4).

ص: 303


1- الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسی: 271.
2- الغيبة / النعماني : 279.
3- بحار الأنوار : 271/52. وعن الغيبة / النعماني : 297/52 و 298.
4- الاختصاص:255. الإرشاد : 359. الغيبة / الطوسی: 269.

السادس والثلاثون

هدم حائط مسجد الكوفة

127- النعماني : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا هدم حائط مسجدالكوفة من مؤخّره ممّا يلي دار ابن مسعود ، فعند ذلك زال ملك بني فلان أما أنّ هادمه لا يبنيه »(1).

128- المفيد : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا هدم حائط مسجدالكوفة ممّا يلي دار عبدالله بن مسعود ، والقوم وبنو فلان عبارة عن بني العبّاس ، وقد مر في الأمر الأوّل أنّ زوال ملكهم من العلامات ومرّ الجواب عن قوله وعند زواله خروج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

السابع والثلاثون

خسف ببغداد ، والبصرة، وقتل بالبصرة ، وخراب وفناء وخوف بالعراق

129- المفيد: بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، وذكر بعض علامات المهدي إلى أن قال : - « وخسف ببغداد وخسف ببلد البصرة ودماء

ص: 304


1- الغيبة / النعمانی: 276 و 277. الإرشاد : 360. الغيبة الطوسي: 271.
2- الإرشاد : 375/2. الصراط المستقیم: 249/2.

تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار »(1).

الثامن والثلاثون

خراب البصرة

وهو مروي عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، وقد مرّ في الأمر السابق أنّ من العلامات خراب دورها.

التاسع والثلاثون

خراب الري

130- النعماني : بسنده عن كعب الأحبار ، قال : « وخراب الزوراء ، وهي الريّ، وخسف المزورة (2)، وهي بغداد »(3) الحديث.

ص: 305


1- الإرشاد: 361. کشف الغمة : 252/3.
2- المشهور أن بغداد تسمى الزوراء ، وقد جعله في الخبر اسمة للري ، وسمى بغداد المزورة».
3- الغيبة / النعمانی : 361. إثبات الهداة : 532 و 533. بحار الأنوار: 225/52.

الأربعون

خروج الرايات السود من خراسان

131- غيبة الشيخ : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة ، فإذا ظهر المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ بمكّة بعث إليه بالبيعة»(1).

132- النعماني : بسنده عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ، عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «انتظروا الفرج من ثلاث ، وعدّ منها الرايات السود من خراسان »(2).

133- وبسنده: عن معروف بن خربوذ ما دخلنا على أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ قطّ إلّا قال خراسان خراسان سجستان سجستان كأنّه يبشّرنا بذلك (3).

134- وفي الحديث: « تجيء الرايات السود من قبل المشرق كأنّ قلوبهم زبر الحديد ، فمن سمع بهم فليأت فيبايعهم ، ولو حبواً على الثلج »(4).

ص: 306


1- الغيبة / الطوسي: 274. الخرائج والجرائح : 1158/3.
2- الغيبة / النعماني : 251.
3- الغيبة / النعمانی: 273.
4- عقد الدرر: 129، ومصادره عامية.

تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار »(1).

الثامن والثلاثون

خراب البصرة

وهو مروي عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، وقد مرّ في الأمر السابق أنّ من العلامات خراب دورها.

التاسع والثلاثون

خراب الري

130- النعماني : بسنده عن كعب الأحبار ، قال : « وخراب الزوراء ، وهي الريّ، وخسف المزورة (2)، وهي بغداد »(3) الحديث.

ص: 307


1- الإرشاد: 361. کشف الغمة : 252/3.
2- المشهور أن بغداد تسمى الزوراء ، وقد جعله في الخبر اسمة للري ، وسمى بغداد المزورة».
3- الغيبة / النعمانی : 361. إثبات الهداة : 532 و 533. بحار الأنوار: 225/52.

الأربعون

خروج الرايات السود من خراسان

131- غيبة الشيخ : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة ، فإذا ظهر المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ بمكّة بعث إليه بالبيعة»(1).

132- النعماني : بسنده عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ، عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «انتظروا الفرج من ثلاث ، وعدّ منها الرايات السود من خراسان »(2).

133- وبسنده: عن معروف بن خربوذ ما دخلنا على أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ قطّ إلّا قال خراسان خراسان سجستان سجستان كأنّه يبشّرنا بذلك (3).

134- وفي الحديث: « تجيء الرايات السود من قبل المشرق كأنّ قلوبهم زبر الحديد ، فمن سمع بهم فليأت فيبايعهم ، ولو حبواً على الثلج »(4).

ص: 308


1- الغيبة / الطوسي: 274. الخرائج والجرائح : 1158/3.
2- الغيبة / النعماني : 251.
3- الغيبة / النعمانی: 273.
4- عقد الدرر: 129، ومصادره عامية.

135- وفي الحديث عن أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، ثمّ قام فقال أبو عبدالله : « إذا بلغ الوقت وصدق الوصف فهو صاحب الرايات السود من خراسان ...»(1).

لا شكّ أنّ المقصود بالرايات السود في هذا الحديث هم أصحاب أبي مسلم الخراساني وجنده ، ولا علاقة لها بالرايات السود قبل ظهور القائم صلوات الله عليه ، يتّضح ذلك من تتمّة الحديث وهو صريح في ما قلنا ، وهو أيضاً من إخبارات الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم بالأحداث المستقبلية والغيبيّات.

وحيث أنّ أكثر أحاديث الرايات السود موضوعة ، أو مشوبة بالأكاذيب في زمن العبّاسيّين ، واستغلّ العبّاسيّون ما صحّ من روايات الرايات السود شرّ استغلال في سبيل أهدافهم السياسيّة ، كما يصنع السياسيّون دائماً وأبداً، فتجد كتب العامة مليئة بهذه الأحاديث والأخبار، وتجد علمائهم لم يألوا جهداً في تثبيتها ونقلها وروايتها ، وتلاحظ اهتماماً خاصّاً منهم إزائها ، ولهذا فإنّا أعرضن عنها وعن روايتها، واكتفينا بهذا اليسير ، إذ الأصل عندنا الاعتماد على مصادرنا الخاصّة ، وما يروى عن طريق أصحابنا رَضِی اللهُ عَنهُم،

ص: 309


1- دلائل الإمامة : 140. إثبات الوصية : 158.

والإعراض عمّا انفرد به القوم فضلاً عمّا كان مخالفاً لروايات أصحابنا ، ولما ورد في جوامعنا الروائيّة .

وعليه ، فالمعتبر من أحاديث الرايات السود ما أوردناه وملخّصها: أنّها تخرج من خراسان ، ومن ناحية المشرق - فيظهر أنّ روايات المشرق التي ستأتي إن شاء الله تعالى تنطبق عليها . والمراد مشرق العراق أو الجزيرة العربيّة ، أو مشرق مكّة أو المدينة المنوّرة على الأرجح.

وأنّ قائدها الأعلى هو السيّد الحسني أو الحسيني الذي مضى ذكره ، وهو المعروف بالخراساني ، كما أنّ أميرها -أي قائدها الميداني - هو شعیب بن صالح التميمي ، وأنّها قد تكون من المحتومة، وأنّها توالي المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، و تخرج لنصرته ، ومواجهة جيش السفياني في العراق.

وأنّ أصحابها شجعان ، وأبطال أشدّاء ، وهي من علامات قرب الظهور ، وأنّها تبايع المهدي صلوات الله عليه و تقاتل بين يديه ، فهم من أنصاره أرواحنا فداه.

والكلام فيها وفيا بعدها -أعني خروج رايات من المشرق - حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة.

ص: 310

الحادي والأربعون

خروج قوم بالمشرق

136- النعماني : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ، ثمّ يطلبونه فلا يعطونه ، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتّى يقوموا ، ولا يدفعونها إلّا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء ، أما إنّي لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر»(1).

هذا الحديث صريح في وقوع حدثٍ هامّ في إيران أو بعض المناطق المجاورة لها ، قرب ظهور الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، وأنّ صاحب هذه الراية يعدّ من الصالحين الذين يدركون ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ ويسلّمون الراية إليه ، ويكون هو وجنده من أنصاره عَلَيهِ السَّلَامُ.

ولكنّ ما يلفت الانتباه ، وهو الأهم من ذلك ، بل الأهمّ على الإطلاق ما تحمله من رسالة في غاية الدقّة للشيعة عامّة ، وما تحويه من إشارات لطيفة وحقائق ظريفة ، يجب أخذها بعين الاعتبار ، وتسليط الأضواء عليها، وهو ما حاول ولا يزال يحاول القوم إخفائه ، بل إنكاره طيلة العقدين الماضيين ، ونتوقّع استمرار الأمر

ص: 311


1- الغيبة / النعماني : 273.

على هذه الوتيرة إلى ما شاء الله تعالى.

وكيف كان ففي ذيل هذا الحديث ، وهو قوله عَلَيهِ السَّلَامُ: «لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر»، تكمن أسرار يمكن إزاحة الستار عنها بأدني تأمل و تدقيق مع مراعاة الإنصاف.

فبملاحظة هذه المقولة التي هي في ذيل الحديث وتدقيق النظر فيها نستنتج الحقائق التالية :

1- أنّ الحدث المشار إليه هنا سيكون قريب العهد من عصر الظهور ، وزمن خروج الحجّة صلوات الله عليه.

2- أنّه حدث هام تترتب عليه آثار إيجابيّة عديدة في الجانب الديني والمعنوي لكافّة الشيعة ولأهله على وجه الخصوص.

3- أنّ هذا الحدث رغم أهميّته فليس أهمّ من انتظار الفرج ، بل انتظار الفرج واستبقاء النفس بترك المجازفة والمخاطرة ، رجاء إدراك الظهور ، هو أفضل بكثير من طلب الشهادة والقتل في سبيل الله تعالى في عصر الغيبة عموماً.

4- أنّ الأفضل الذي لا يقاس به شيء هو استبقاء النفس بالتماس الطرق الصحيحة انتظاراً للفرج و ظهور الصاحب عَلَيهِ السَّلَامُ، وأملاً في إدراك خروجه عَلَيهِ السَّلَامُ، وليست الشهادة في هذا العصر بأهمّ وأفضل من

ص: 312

استبقاء النفس انتظاراً للفرج.

ه- أنّ استبقاء النفس في إدراك الصاحب أرواحنا فداه أفضل من الجهاد والاستشهاد في سبيل الله في عصر الغيبة ، بل في كافّة العصور على الإطلاق ، إلّا أن يكون الخروج بأمر من أحد المعصومين صلوات لله عليهم ، وتحت لوائه.

6- لو كانت الشهادة حينذاك أفضل من الانتظار لما حثّ الإمام صلوات الله عليه على استبقاء النفس ، ولما استبقى الإمام نفسه -لو كان يدرك ذلك الزمان - لادراك ظهور الحجّة عَلَيهِ السَّلَامُ بهذه الصراحة ، فكيف يجوز له عَلَيهِ السَّلَامُ أن يحرض على استبقاء النفس إلّا إذا كان الاستبقاء على مستوى عالٍ من الفضيلة لا تقاس به الشهادة في سبيل الله تعالى ، التي قال عنها الرسول الأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « فوق كلّ ذي برًّ برّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ »(1).

7- واللافت للنظر أنّ استبقاء النفس ، ومجرّد استبقاء النفس للمهدي يعدّ انتظاراً الفرج ، وقد أفردنا باباً خاصّاً مفصّلاً لانتظار

ص: 313


1- الكافي : 348/2 و : 53/5.

الفرج وأهميّته في هذه الحلقة تؤيّد ما ذهبنا إليه هنا ، وانتظار الفرج أفضل حتّى من الشهادة.

8- ليس شهداء هذا العصر ، بل ليس شهداء عصير الغيبة على الإطلاق بأفضل من المنتظرين والمستبقين لأنفسهم.

9- لم يقل الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ لانتظرت الفرج حتّى يقبل التأويل والتصرّف ، فيحمل على أنّ طلب الشهادة من انتظار الفرج ، وأنّ الشهيد في عصر الغيبة يعدّ أبرز مصاديق المنتظر الفرج ، والشهادة من أبرز مصاديق الانتظار للفرج ، بل قال عَلَيهِ السَّلَامُ: « لاستبقيت نفسي » ، فمجرّد استبقاء النفس لصاحب هذا الأمر صلوات الله عليه أفضل من الشهادة على الإطلاق ، أعني وإن لم يقدّر له أن يدرك عصر ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، ولا نال شرف الشهادة بين يديه.

10- أنّ من استبق نفسه في الفترة التي تقع فيها الحدث المشار إليه كان أكثر أملا في إدراك ظهور مولانا المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، وازداد في ذلك رجاؤه ، بل كاد أن يدركه عَلَيهِ السَّلَامُ؛ لأنه حينئيذٍ قاب قوسين أو أدنى من الظهور ، كما يستفاد من هذا الحديث ومن غيره.

11- فالأفضل في عصر الغيبة لاسيمّا في هذا العصر دعوة المؤمنين إلى التقيّة واستبقاء النفس لصاحب الأمر صلوات الله عليه ، وعدم

ص: 314

زجّهم في الحروب ، وعدم تشجيعهم على المخاطرة بأنفسهم والمجازفة بأرواحهم ، خلافاً لما دعى إليه رجال السياسة وتجّار الحرب ، وما زالوا يدعون إليه المؤمنين لاسيمّا فئة الشباب المخلص الصادق.

12- يدلّ على حرص الإمام صلوات الله عليه وشدّة اهتامه بأمور الشيعة ، وحفظ أرواحهم وأنفسهم من الإبادة التي يتمنّاها ويسعى إليها الأعداء بكلّ ما أوتوا من قوّة ، وبما أنّ أحداث هذا العصر تهيّئ ظرفاً مناسباً، وأرضاً خصبة لإبراز الشيعة المقهورين المضطهدين طوال التأريخ، هويّتهم ، وإبراز بطولاتهم ، وما كتموه طيلة قرون متمادية ، وبما أنّها فرصة لينال أخيارهم ومتحمّسوهم ما تمنّوه طيلة حياتهم من أمر الجهاد والشهادة ، فإنّ مسؤولية المعصومين من العترة الهادية صلوات الله عليهم في حفظ دماء شيعتهم تجلّت في مثل هذه الظروف ، وجاءت أوامرهم وكلماتهم وأحاديثهم حكماً، و الحكيم يضع الأمور في نصابها ، ويضع كلّ شيء موضعه الذي يناسبه ، لا يُفرِط ولا يفرّط ، ولهذا كانت صفعة في وجوه رجال السياسة وتجّار الحروب الذين يستبقون أنفسهم دائماً ويزجّون بالأبرياء إلى ساحة القتال ، فهم كرماء وأجواد في التضحية بأرواح الآخرينمن أجل كراسيهم ومناصبهم ، وكم من شيعة أبرياء

ص: 315

ذهبوا أضاحي و قرابين لأهواء هؤلاء.

وأخيراً، فإن لنا شواهد أخرى عديدة من الأحاديث والأخبار الصريحة بالنصّ أو الدالة بالدلالة الالتزاميّة والأولويّة القطعيّة على كلّ ما ادّعيناه هنا ، قد امتلئت بها كتب الرواية ومجاميع الحديث . والعلم عند الله تعالى .

ص: 316

الدرس العشرون: علامات الظهور -6

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الثاني والأربعون

رفع اثنتي عشرة راية مشتبهة

137- عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « لترفع (يعني عند خروج المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ) اثنتا عشر راية مشتبهة ، ولا يدرى أي من أي » ، فبكى الراوي وقال: فكيف نصنع ؟ فنظر عَلَيهِ السَّلَامُ إلى شمس داخلة في الصفّة ، فقال : « والله لأمرنا أبين من هذه الشمس »(1).

ص: 317


1- بحار الأنوار: 281/52. الغيبة / الطوسي: 338. الغيبة / النعمانی : 153. كمال الدين: 347. الكافي: 336/1، مثله باختلاف يسير. الكافي : 339/1. الغيبة / النعمانی: 151 و 152. وأيضا : الغيبة / النعمانی: 152. الكافي : 1/ 339. وأيضا : الهداية الكبری: 361. الإمامة والتبصرة : 126.

الثالث والأربعون

قیام قائم من أهل البيت بجيلان

138- النعماني : بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ - في حديث -: « وقام قائم منّا بجيلان وأجابته الإبر والديلم(1)»(2).

الرابع والأربعون

حدث بين المسجدين ، وقتل خمسة عشر كبشاّ من العرب

139- المفيد : بسنده عن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ من علامات الفرج حدثا يكون بين المسجدين ، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشأ من العرب »(3).

140- والمراد بالمسجدين [و یقتل فلان من ولد فلان خمسه عشر کبشاً من العرب، و امراد بالمسجدین]مسجدا مكّة والمدينة بدلیل

ص: 318


1- الآبر: قرية قرب أسترآباد ، والديلم أو الديلمان من قری اصفهان بناحية جرجان - كما في المراصد . والمشهور في عصرنا هذا أن الديلم مدينة في شمال ایران من توابع محافظة جرجان ، ولا علاقة لها بإصفهان ، كما أنها ليست الديلم الشهيرة التي تقع في جنوبی ایران.
2- الغيبة / النعمانی: 275.
3- الإرشاد : 360/2. الغيبة / الطوسي :272.

قول الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ قدّام هذا الأمر علامات حدث يكون بين الحرمين » قيل : ما الحدث ؟ قال : « عصبة تكون ويقتل فلان من آل فلان خمسة عشر رجلا»(1).

والمراد بفلان وفلان رجل من ولد العبّاس؛ لأنّ المتعارف في ذلك الوقت التعبير عن بني العبّاس ببني فلان ، كما في كثير من الروايات تقیّه.

الخامس والأربعون

الاختلاف الشديد في الدين

141- غيبة الشيخ : بسنده عن الحسن بن عليّ عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتّى يبرأ بعضكم من بعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، ويتفل بعضكم في وجه بعض ، وحتّي يشهد بعضكم بالكفر على بعض » ، قلت : ما في ذلك خير ؟ قال : « الخير كلّه في ذلك ، عند ذلك يقوم قائمنا فيرفع ذلك كلّه »(2).

ص: 319


1- قرب الإسناد : 154، 164. الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسی: 272.
2- الغيبة / النعماني : 206، 109. إثبات الهداة : 537/3. الغيبة / الطوسي: 267.

142- عليّ بن إبراهيم في تفسيره: عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى : ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾(1)، قال : « هو الاختلاف في الدين وطعن بعضكم على بعض بعد ما ذكر الدجّال والصيحة والخسف »(2).

وقد ابتلينا في زماننا هذا بفئات عجيبة من عوام الشيعة وجهّالهم الذين قلبوا موازين المذهب رأساً على عقب باتّخاذ بعض العلماء أئمّة وجعلهم في عداد المعصومين عَلَيهِم السَّلَامُ بموالاة من يواليهم ومعاداة من يعاديهم ، فجعلوا الملاك في الإيمان والتديّن موالاتهم لا ولاية أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، حتّى لقد فتقوا كلّ من يخالفهم فضلاً عمّن يعاديهم ، وبصقوا في وجوه مخالفيهم ، وأباحوا غيبتهم، وصنعوا ما صنعوا من أجلهم، وأكثر هذه الفئات جهلاً و انحرافاً، وأشدّهم حماقة وضلالة وغواية هم فئةالتكفيريّين الشيعة الذين تفنّنوا وما زالوا يتفنون بتكفير الشيعة لأغراض وأهداف سیاسية ثوريّة ، لأنّ ملاك التديّن صار عندهم اتّباع طائفة من الساسة والقياديّين ، واتّباع نهجهم الخاصّ لا غير ، ثمّ إنّهم يقدّمون الناصبي على شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، وبينما يجاهدون بالنفس والنفيس في سبيل أن يكسبوا و دّهم بدعوی

ص: 320


1- سورة الأنعام : الآية 65.
2- تفسير القمي : 204/2.

الوحدة معهم ، فإنّهم يشهرون سلاح البغي علانية في وجوه إخوانهم من شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

السادس والأربعون

ظهور الفساد والمنكرات

143- إكمال الدين : بسنده عن محمّد بن مسلم ، عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ -في حديث -: قلت له : يابن رسول الله ، متى يخرج قائمكم ؟ قال : « إذا تشبّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، وركب ذوات الفروج السروج ، وقبلت شهادات الزور، وردّت شهادات العدول ، واستخفّ النّاس بالدماء، وارتكاب الزنا ، وأكل الربا ، اتّقي الأشرار مخافة ألسنتهم» إلى أن قال : - « وجاءت صيحة من السماء بأنّ الحق فيه(1) وفي شيعته فعند ذلك خروج قائمنا»(2) - الحديث .

144- وبسنده: أن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ قال : «إنّ علامة خروج

ص: 321


1- الظاهر رجوع الضمير إلى القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، ويحتمل رجوعه إلى علي عَلَيهِ السَّلَامُ، كما في بعض الروايات.
2- کمال الدين : 330. مثله باختلاف : تفسير القمي: 302/2 - 307. کمال الدین: 528-525. إثبات الهداة : 3/ 570.

الدجّال إذا أمات النّاس الصلاة ، وأضاعوا الأمانة ، واستحلّوا الكذب ، وأكلوا الربا ، وأخذوا الرشا، وشیّدوا البنيان ، وباعوا الدين بالدنيا ، واستعملوا السفهاء ، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتّبعوا الأهواء ، واستخفوا بالدماء ، وكان الحلم ضعفا ، والظلم فخراً، وكان الأمراء فجرة ، والوزراء ظلمة ، والعرفاء خونة ، والقرّاء فسقة، وظهرت شهادات الزور، واستعلن الفجور وقول البهتان والإثم والطغيان ، وحلّيت المصاحف وزخرفت المساجد، وطوّلت المنار ،وأكرم الأشرار ، وازدحمت الصفوف ، واختلفت الأهواء ، ونقضت العقود ، واقترب الموعود ، وشارك النساء أزواجهنّ في التجارة حرصاً على الدنيا ، وعلت أصوات الفسّاق ، واستمع منهم وكان زعيم القوم أرذلهم واتقي الفاجر مخافة شرّه ، وصدق الكاذب ، واؤتمن الخائن ، واتّخذت القيان والمعازف ، ولعن آخر هذه الأمّة أوّلها ، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبّه النساء بالرجال والرجال بالنساء ، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد ، وشهد الآخ قضاء الذمام بغير حقّ، وتفقّه لغير الدين ، وآثروا عمل الدنيا على الآخرة ، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرّ من الصبر ، فعند ذلك الوحا الوحا العجل العجل خير المساكن يومئذٍ بیت المقدس ليأتين على الناس زمان يتمنّى أحدكم

ص: 322

أنّه من سكّانه »(1). الحديث.

145- الكليني في روضة الكافي : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ- في حدیث - قال : «ألا تعلم أنّ من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غداً في زمرتنا ، فإذا رأيت الحقّ قد مات وذهب أهله ، والجور قد شمل البلاد ، والقرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ، ووجه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الإناء - الماء -، ورأيت أهلالباطل قد استعملوا على أهل الحقّ، ورأيت الشرّ ظاهراً لا ينهى عنه ، ويعذر أصحابه ، ورأيت الفسق قد ظهر ، واكتفى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله ، ورأيت الفاسق يكذب ولا يردّ عليه كذبه وفريته ، ورأيت الصغير يستحقر الكبير ، والأرحام قد تقطّعت ، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ، ولا يردّ عليه قوله ، والغلام يعطي ما تعطي المرأة ، ورأيت النساء يتزوّجن النساء ، ورأيت الثناء قد کثر ، ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله ، فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه ، ورأيت الناظر يتعوّذ بالله ممّا يرى المؤمن فيه من الاجتهاد ، والجار يؤذي جاره وليس له مانع ، ورأيت الكافر

ص: 323


1- كمال الدين : 528-525/2. الخرائج والجرائح : 113/3.

فرحاً لما يرى في المؤمن مرحاً، لما يرى في الأرض من الفساد، ورأيت الخمور تشرب علانية ، ويجتمع عليها من لا يخاف الله عزّ وجلّ ، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً ، ورأيت الفاسق فيما لا يحبّ لله قويّاً محموداً.

ورأيت أصحاب الآيات [الآثار خل] يحقّرون - يحتقرون - ويحتقر من يحبهم ، ورأيت سبيل الخير منقطعاً، وسبيل الشرّ مسلوكاً، ورأيت بيت الله قد عطّل ، ويؤمر بترکه ، ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله ، ورأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرجال ، ورأيت التأنيث في ولد العبّاس قد ظهر ، وأظهروا الخضاب ، وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها، وكان صاحب المال أعزّ من المؤمن ، وكان الربا ظاهرة لا يغيّر ، وكان الزنا يمتدح به النساء،ورأيت أكثر النّاس وخیر بیت من يساعد النساء على فسقهنّ ، ورأيت المؤمن محزوناً محتقرأ ذليلاً ، ورأيت البدع والزنا قد ظهر ، ورأيت النّاس يعتدون بشاهد الزور، ورأيت الحرام يحلّل ، ورأيت الحلال يحرّم، ورأيت الدين بالرأي ، وعطّل الكتاب وأحكامه ، ورأيتالليل لا يستخفي به من الجرأة على الله ، ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلّا بقلبه ، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عزّ وجلّ ، ورأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر ، ويباعدون

ص: 324

أهل الخير ، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد، ورأيت المرأة تقهر زوجها، وتعمل ما لا يشتهي ، وتنفق على زوجها، ورأيت القمار قد ظهر ، ورأيت الشراب يباع ظاهراً ليس له مانع ، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمرّ بها لا يمنعها أحد أحداً، ولا يجترئ أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذلّه الذي يخاف سلطانه ، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه ، ورأيت القرآن قد ثقل على النّاس استماعه ، وخفّ على النّاس استماع الباطل ، والجار یکرم الجارّ خوفاً من لسانه ، ورأيت الحدود قد عطّلت لعطلت، وعمل فيها بالأهواء ، ورأيت المساجد قد زخرفت ، ورأيت أصدق النّاس عند النّاس المفتري الكذب ، ورأيت الشرّ قد ظهر ، والسعي بالنميمة والبغي قد فشا، ورأيت الغيبة تستملح ويبشّر بها النّاس بعضهم بعضاً، ورأيت طلب الحجّ والجهاد لغير الله ، ورأيت السلطان بذل للكافر المؤمن ، ورأيت الخراب قد أديل من العمران ، ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان، ورأيت سفك الدماء يستخفّ بها ، ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ، ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتّقى وتسند إليه الأمور ، ورأيت الصلاة قد استخفّ بها ، ورأيت الرجل عنده المال الكثير ثمّ لم يزکّه منذ ملکه ، ورأيت الهرج قد كثر ، ورأيت الرجل

ص: 325

يمسي نشوان ويصبح سكران ، لا يهمّ بما النّاس فيه ، والبهائم تنکح ، ورأيت البهائم يفرس بعضا [بعضها بعضا، ورأيت الرجل يخرج إلى مصلّاه ويرجع ، وليس عليه شيء من ثيابه ، ورأيت قلوب النّاس قد قست ، وجمدت أعينهم ، وثقل الذكر عليهم ، ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه ، ورأيت المصلّي إنّما يصلّي ليراه النّاس ، ورأيت الفقّه يتفقه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة ، ورأيت النّاس مع من غلب ، ورأيت طالب الحلال يذمّ ويعيّر ، وطالب الحرام يمدح ويعظّم.

ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحبّ الله ، لا يمنعهم مانع ، ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد ، ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين ، ورأيت الرجل يتكلّم بشيء من الحقّ ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول هذا عنك موضوع ، ورأيت النّاس ينظر بعضهم إلى بعض ، ويقتدون بأهل الشرّ - الشرور -، ورأيت مسلك الخير ، وطريقه خالياً لا يسلكه أحد، ورأيت الميت يهزأ به فلا يفزع له أحد، ورأيت كلّ عام يحدث فيه من البدعة والشرّ أكثر ممّا كان ، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلّا الأغنياء ورأيت المحتاج يعطي على الضحك به ، ويرحم لغير وجه الله ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت النّاس

ص: 326

يتسافدون كما تتساند البهائم لا ينكر أحد منكرة تخوّفاً من النّاس ، ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله ، ويمنع اليسير في طاعة لله ، ورأيت العقوق قد ظهر ، واستخفّ بالوالدين ، وكانا من أسوأ النّاس حالاً عند الولد ، ويفرح بأن يفتري عليهما، ورأيت النساء قد لبن على الملك وغلبن على كلّ امر لا يؤتى إلّا ما لهنّ فيه هو.

ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ، ويدعو على والديه ، ويفرح بموتهما ، ورأيت الرجل إذا مرّ به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشیان حرام أو شرب مسكر پری کئيباً حزيناً يحسب أنّ ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره ، ورأيت السلطان يحتكر الطعام ، ورأيت أموال ذوي القربی تقسم في الزور ويتقامر بها ، ويشرب الخمور ، والخمر يتداوى بها ، وتوصف للمريض ويستشفي بها، ورأيت النّاس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وترك التديّن به، ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق قائمة ، ورياح أهل الحقّ لا تحرّك ، ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر ، ورأيت المساجد محتشية ممّن لا يخاف الله ، مجتمعون فيها للغيبة ، وأكل لحوم أهل الحقّ ويتواصفون فيها شراب المسكر والسكران يصلّي بالنّاس وهو لا يعقل ولا يشان بالسكر ، وإذا سكر أكرم واتّقي وخيف وترك

ص: 327

لا يعاقب ويعذر بسكره ، ورأيت من أكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه ، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله ، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع ، ورأيت الميراث قد وضعته الولاة الأهل الفسوق والجرأة على الله ، يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون ، ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر ، ورأيت الصلاة قد استخفّ بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله ، وتعطى لطلب النّاس ، ورأيت النّاس همّهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم ، ورأيت أعلام الحقّ قد درست فكن على حذر واطلب إلى الله عزّ وجلّ النجاة»(1)-الحديث.

السابع والأربعون

عضّ الزمان ، وجفاء الإخوان، وظلم السلطان، وخروج زندیق من قزوین

146- غيبة الشيخ : بسنده عن محمّد بن الحنفيّة قيل له : قد طال هذا الأمر حتّى متى ؟ فحرّك رأسه ، ثمّ قال : أنّى يكون ذلك

ص: 328


1- الكافی: 37/8. إثبات الهداة : 86/3.

ولم يعض الزمان ، ولم يجفوا الإخوان ولم يظلم السلطان، ولم يقم الزنديق من قزوین فيهتك ستورها، ويكفر صدورها، ويغيّر سورها، ويذهب بهجتها ؟ من فر منه أدركه ، ومن حاربه قتله ، ومن اعتزله افتقر ، ومن تابعه کفر ، حتّى يقوم باکیان باك يبسكي على دينه وباك يبكي على دنياه(1).

147- وقال : روي عن النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « يخرج بقزوين رجل اسمه اسم نبي يسرع النّاس إلى طاعته ، المشرك والمؤمن ، يملأ الجبال خوفاً»(2).

الثامن والأربعون

السنون الخداعة

148- النعماني : بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ بين يدي القائم سنین خدّاعة يكذًّب فيها الصادق ، ويصدًّق فيها الكاذب ، ويقرًّب فيها الماحل »(3).

ص: 329


1- الغيبة / الطوسی: 441.
2- الغيبة / الطوسي : 444. الخرائج والجرائح : 1148/3.
3- الغيبة / النعماني : 278. والماحل : هو المكار .

149- وفي حديث : « وينطق فيها الرويبضة »(1).

وعن النهاية: في حديث أشراط الساعة وأن ينطق الرويبضة في أمر العامّة ، قيل : وما الرويبضة يا رسول الله ، فقال الرجل : التافه ، هو تصغير الرابضة ، أي العاجز الرابض عن معالي الأمور القاعد عن طلبها والتاء فيه للمبالغة ، والتافه الخسيس الحقير ، وفسّر الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ الماحل بالمكّار من قوله تعالى : ﴿شَدِیدُ الْمِحالِ ﴾ (2)، يريد المكر (3).

ص: 330


1- الغيبة / النعمانی: 278.
2- سورة الرعد : الآية 13.
3- بحار الأنوار : 310/6 و : 245/52.

الدرس الحادي والعشرون: علامات الظهور -7

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

التاسع والأربعون

الجوع، والخوف ، والقحط ، والقتل ، والطاعون ، والجراد ، والزلازل ، والفتن ، ونقص الأموال والأنفس والثمرات

150- النعماني : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا بدّ أن يكون قدّام القائم سنة تجوع فيها النّاس ، ويصيبهم خوف شديد من القتل ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، فإنّ ذلك في كتاب الله لبيّن» .

ثمّ تلا هذه الآية : ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾(1).

ص: 331


1- الغيبة / النعماني : 250 و 251. والآية 155 من سورة البقرة.

151- وبسنده : « أنّ جابر الجعفي سأل الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ عن هذه الآية فقال : ذلك خاصّ وعامّ ، فأمّا الخاصّ من الجوع بالكوفة يخصّ الله به أعداء آل محمّد فيهلكهم ، وأمّا العامّ فبالشام يصيبهم خوف وجوع ماأصابهم به قطّ، وأمّا الجوع فقبل قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، وأمّا الخوف فبعد قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

152- قال المفيد : وفي حديث محمّد بن مسلم سمعت أبا عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: «إنّ قدّام القائم بلوی من الله » ، قلت: وما هي جعلت فداك ؟ ، فقرأ: ﴿ وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾و ولنبلونكم و الآية ، ثمّ قال : « الخوف من ملوك بني فلان ، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص الأموال من کساد التجارات ، وقلّة الفضل فيها ، ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلّة ريع الزرع، وقلّة بركة الثمار » ، ثمّ قال : « وبشّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

153- المفيد : بسنده عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «أنّ قدّام القائم السنة غيداقة(3) يفسد فيها الثمار والتمر في النخيل فلا تشکّوا

ص: 332


1- الغيبة / النعماني : 251.
2- کشف الغمة : 260/3. الإرشاد : 377/2.
3- الظاهر أن المراد بالغيداقة الكثيرة المطر الذي يسبب کثرته تفشد الثمار والتمر ؛ لأنه يوجب اجتماع المياه حول الأشجار وبقاءها مدة طويلة.

في ذلك »(1).

154- وقال أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « بين يدي القائم عَلَيهِ السَّلَامُ موت أحمر وموت أبيض وجراد في حينه وجراد في غير حينه ، كألوان الدم، فأمّاالموت الأحمر فالسيف ، وأمّا الموت الأبيض فالطاعون»(2).

155- وروي : « حتّى يذهب من كلّ سبعة خمسة »(3).

156- وروي : «حتّى يذهب ثلثا النّاس »(4)، ويمكن الجمع بوقوع ذلك كلّه على التدريج.

157- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب تسعة أعشار النّاس »(5).

158- وقال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يقوم عَلَيهِ السَّلَامُ القائم إلّا على خوف شديد ، وزلازل ، وفتنة ، وبلاء يصيب الناس ، وطاعون قبل ذلك ، وسيف قاطع بين العرب ، واختلاف شدید بين النّاس ، وتشتّت في دينهم ، وتغيّر من حالهم حتّى يتمنّى المتمنّي الموت صباحاً ومساءً من

ص: 333


1- الإرشاد : 361. الغيبة / الطوسی: 272.
2- الغيبة / النعمانی : 277. الإرشاد : 2/ 372. الغيبة / الطوسی: 438.
3- كمال الدين : 655. الغدد القوية : 66-69.
4- الغيبة / الطوسی: 339. الغدد القوية : 66.
5- الغيبة / النعماني : 274. حلية الأبرار : 682/2 و 683.

عظم ما يرى من كلب الناس ، وأكل بعضهم بعضاً،وخروجه إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجاً»(1).

الخمسون

اشتداد الحاجة والفاقة ، وإنكار النّاس بعضهم بعضاً

159- تفسير عليّ بن إبراهيم : عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا اشتدّت الحاجة والفاقة ، وأنكر النّاس بعضهم بعضاً ، فعند ذلك توقّعوا هذا الأمر صباحاً ومساءً» ، فقيل : الحاجة والفاقة قد عرفناها ، فما إنكار النّاس بعضهم بعضاً ؟ قال : « يأتي الرجل أخاه في حاجة فيلقاه بغير الوجه الذي كان يلقاه به ، ويكلّمه بغير الكلام الذي كان يكلمه به»(2).

الحادي والخمسون

تمييز أهل الحق وتمحيصهم

160- المفيد : بسنده عن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : «لا يكون ما تمدّنّ إليه

ص: 334


1- الغيبة / النعمانی: 235، 254.
2- بحار الأنوار : 185/52.

أعناقكم حتّى تميزوا وتمحصّوا ، فلا يبقى منكم إلّا القليل .

ثمّ قرأ:﴿الم*َحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾(1)»(2).

والظاهر أنّ المراد بذلك ارتداد الكثير عن الدين حتّى لا يبقى إلّا القليل ، وهم الخالصو الإيمان .

الثاني والخمسون

تمييز أولياء الله وتطهير الأرض من المنافقين

161- مجالس المفيد : بسنده عن حذيفة بن اليمان ، سمعت رسول لله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يقول :« يميز الله أولياءه وأصفياءه حتّى يطهر الأرض من المنافقين والضالين وأبناء الضالين ، وحتى تلتقي بالرجل يومئذِ خمسون امرأة هذه تقول : يا عبد الله ، اشترني ، وهذه تقول یا عبد الله ، آوني »(3).

ص: 335


1- سورة العنكبوت : الآيتان 1 و 2.
2- الغيبة / الطوسي: 272. الخرائج والجرائح : 1170/3.
3- هذا الحديث وإن لم يصرح فيه بأن ذلك من علامات المهدي إلا أن العلماء ذكروه في عدادها ، وسياقه يدل على ذلك.

الثالث والخمسون

الفتن والمسخ

162- المفيد : بسنده عن الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله عزّ وجلّ: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾(1)، قال : « الفتن في الآفاق ، والمسخ في أعداء الحقّ »(2).

163- النعماني : بسنده سئل الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ عن قوله تعالى :﴿عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾(3)، فقال : « أي خزي أخزى من أن يكون الرجل في بيته وسط عياله إذ شقّ أهله الجيوب عليه ، وصرخوا فيقول النّاس : ما هذا ؟ فيقال : مسخ فلان الساعة » ، قيل : قبل قيام القائم أو بعده ؟ قال : « بل قبله »(4).

الرابع والخمسون

خلع العرب أعتها

ص: 336


1- سورة فصلت : الآية 53.
2- الإرشاد : 373/2.
3- سورة يونس : الآية 98.
4- الغيبة / النعمانی: 269.

164- وهو كناية عن خروجها عن طاعة ملوكها وفعلها ما تشاء ، ومرّ فيالأمر الأوّل أنّه قيل للصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: متى فرج شیعتكم ، فعدّ أشياء ثمّ قال : « وخلعت العرب أعنّتها »(1).

الخامس والخمسون

بيعة الصبي ، ورفع كلّ ذي صيصيّة صيصيّته

الصيصيّة ما يمتنع به من قرن ونحوه ، وهو كناية عن أنّ كلّ من له أدني قوّة يطلب الملك والإمارة ، ويحتمل أن يراد رفع البناء وتعليته .

165- ومرّ في الأمر الأوّل أنّه قيل للصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: متى فرج شيعتكم ، فعدّ أشياء إلى أن قال : - «ورفع كلّ ذي صيصية صيصيّته »(2).

166- وروي : « إذا ظهرت بيعة الصبي قام كلّ ذي صيصيّة بصيصيتّه »(3).

ص: 337


1- الغيبة / النعماني: 270.
2- الكافي : 225/8. الغيبة / النعماني : 270.
3- الغيبة / النعماني : 274.

السادس والخمسون

كثرة التولية والعزل

167- النعماني : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « ما يكون هذا حتّى لا يبقى صنف من الناس إلّا وقد ولّوا على النّاس حتّى لا يقول قائل : إنّا لو وليّنا لعدلنا ، ثمّ يقوم القائم بالحقّ والعدل »(1).

السابع والخمسون

النداء من السماء باسم القائم

168- وقد جاءت به روایات كثيرة ، وعبّر عنه بالنداء وبالصيحة وبالفزعة ، ورواه المنصور الدوانيقي عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ وقال: «لا بدّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب من ولد فاطمة عَلَيهِما السَّلَامُ، فإذا كان فنحن أول من يجيبه لأنّه إلى رجل من بني عمّنا ولولا أنّي سمعته من أبي جعفر محمّد بن عليّ وحدّثني به أهل الأرض كلّهم ما قبلته منهم ، لكنّه محمّد بن علي »(2). والمستفاد من

ص: 338


1- الغيبة / النعماني : 274.
2- الكافي : 209/8 و 210. الإرشاد: 370/2، 358. الغيبة / الطوسی : 433، 265.

الأخبار أنّ هذا النداء يكون أربع مرّات:

169- المرّة الأولى : في رجب ، روى النعماني والطوسي في غيبتها بأسانيدهما عن الحميري وغيره ، عن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ- في حديث -: «لا بدّ من فتنة صمّاء صیلم يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة ؛ وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض ، كأنّي بهم أسرّ ما يكونون وقد نودوا نداء أسمعه من بعد كما يسمعه من قرب يكون رحمة للمؤمنين وعذابا على الكافرين ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء صوتاً منها : ألا لعنةالله على الظالمين ، والصوت الثاني أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين ، والصوت الثالث : يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس هذا أمير المؤمنين قد ذكر [کر] في هلاك الظالمين »(1).

170- وفي رواية الحميري : والصوت بدن يرى في قرن الشمس يقول : إنّ الله بعث فلاناً فاسمعوا له وأطيعوا ، فعند ذلك يأتي النّاس الفرج وتودّ النّاس لو كانوا أحياء ويشفي الله صدور قوم مؤمنين(2).

ص: 339


1- إثبات الوصية : 227. الغيبة / النعماني : 180. كمال الدين : 370. كفاية الأثر: 156.
2- الخرائج والجرائح : 1168/3. إثبات الهداة : 258/3.

171- المرّة الثانية : النداء بعد مبايعته بين الركن والمقام ، كما مرّ في الأمر السادس ، وهذا يكون في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين في ليلة جمعة ينادي جبرئيل من السماء باسم القائم واسم أبيه : أنّ فلان ابن فلان قائم آل محمّد ، فاسمعوا له وأطيعوه ، فلا يبق شيء خلق الله فيه الروح إلّا يسمع الصيحة ، فتوقظ القائم، ويخرج إلى صحن داره ... وهي صيحة جبرئیل عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

172- وفي رواية : « أيّها النّاس ، إنّ أميركم فلان وذلك هو المهدي »(2).

173- وروي باسمه واسم أبيه وأمّه بصوت يسمعه من بالمشرق والمغرب وأهل الأرض كلّهم ، كلّ قوم بلسانهم اسمه اسم نبيّ حتى تسمعه العذراء في خدرها ، فتحرّض أباها وأخاها على الخروج، ولا يبقي راقد إلّا استيقظ ، ولا قائم إلّا قعد، ولا قاعد إلّا قام على رجليه فزعاً من ذلك(3).

ص: 340


1- الغيبة / النعماني : 289.
2- ملاحم ابن طاووس : 58. الإيقاظ من الهجعة : 357. بحار الأنوار : 207/52. کشف الأستار: 174.
3- الغيبة / النعمانی: 253 و 254، 233، 234، 247، 259. الغيبة / الطوسي: 274.

174- وروی : « الفزعة في شهر رمضان أنه تخرج الفتاة من خدرها ، وتوقظ النائم ، وتفزع اليقظان »(1).

175- وفي رواية : « صيحة في شهر رمضان تفزع اليقظان ، وتوقظ النائم ، وتخرج الفتاة من خدرها »(2).

176- وقال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «الصيحة لا تكون إلّا في شهر رمضان ، وهي صيحة جبرئیل عَلَيهِ السَّلَامُ»(3).

177- وروی : « ينادي أن الأمر لفلان ابن فلان ، ففيم القتال ، أو فيم القتل ، أو فيم القتل والقتال ، صاحبكم فلان»، ولا يبعد أن يكون هذا نداء آخر كالذي يأتي بعده(4).

178- تفسير علي بن إبراهيم : بسنده عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى :﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا﴾(5)، قال : « من الصوت وذلك الصوت من السماء»(6)- الحديث .

ص: 341


1- الغيبة / النعمانی: 251.
2- بحار الأنوار : 285/52.
3- الغيبة / النعمانی: 253.
4- الغيبة / النعمانی : 266 و 267.
5- سورة سبأ: الآية 51.
6- بحار الأنوار : 185/52.

179- المرّة الثالثة : النداء باسم القائم یا فلان ابن فلان . رواه النعماني بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ(1)، والظاهر أنّه غير الندائين السابقين .

180- المرّة الرابعة : نداء جبرئیل ونداء إبليس.

181-روي : « أنه ينادي جبرئيل من السماء أول النهار : ألا أن الحق مع علي وشيعته ، ثم ينادي إبليس من الأرض في آخر النهار : ألا أن الحق مع فلان عثمان و شیعته »(2).

182- روي : «ألا أنّ الحقّ في السفياني وشيعته ، فعند ذلك پرتاب المبطلون كما نادي إبليس برسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ليلة العقبة »(3).

183- وروي : « بعد الخسوف ينادي منابر من السماء : إنّ الحقّ في آل محمد ، في أوّل النّهار ، ثمّ ينادي مناد في آخر النهار : إن الحق في ولد عیسی ، وذلك نخوة من الشيطان »(4).

184- وعن أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، أنّه قال : « ... وينادي منادٍ من السماء أوّل النهار : ألا إنّ علياً وشیعته هم الفائزون » ، قال : « وينادي

ص: 342


1- الغيبة / النعمانی : 279.
2- الإرشاد: 358/2، ومثله باختلاف : کمال الدین: 652. الغيبة / الطوسی: 266 و 267.
3- الخرائج والجرائح : 1160/3.
4- الصراط المستقیم: 259/2، عن أخبار المهدي / أبو العلاء الهمداني .

منادٍ في آخر النهار : ألا إنّ عثمان و شیعته هم الفائزون»(1).

185- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « ينادي مناد : ألا إن فلان ابن فلان وشیعته هم الفائزون ، أوّل النّهار ، وينادي آخر النهار : ألا إنّ فلان ابن فلان وشیعته هم الفائزون ، قال : وينادي أوّل النهار منادي آخر النهار .

فقال الرجل : فما يدرينا أيّما الصادق من الكاذب ؟

فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: يصدّقه عليها كلّ من كان يؤمن بها قبل أن ينادي ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ﴾(2)»(3).

186- وعن أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ المنادي ينادي : إنّ المهدي . من آل محمّد - فلان ابن فلان ، باسمه واسم أبيه ، فينادي الشيطان: إنّ فلاناً وشيعته على الحقّ ، يعني رجلاً من بني أميّة »(4).

187- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنب أمرنا أبيث من هذه الشمس » ، ثمّ قال : « ينادي منادٍ من السماء : فلان ابن فلان هو الإمام ، باسمه ، وينادي إبليس

ص: 343


1- الكافي : 310/8.
2- سورة يونس : الآية 35.
3- الکافی: 209/8. المحجة : 100.
4- الغيبة / النعماني : 246. بحار الأنوار : 294/52.

لعنه الله من الأرض كما نادى برسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ليلة العقبة »(1).

188- وروي هما صيحتان : « صيحة في أول النهار ، وصيحة في آخر الليلة الثانية»(2)، ويمكن الجمع بوقوع الندائين نداء في الليل ونداء في النهار.

189- وقال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « لا بدّ من هذين الصوتين قبل خروج القائمصوت جبرئيل من السماء، وصوت إبليس من الأرض ، فاتّبعوا الأوّل ، وإيّاكم أن تفتنوا به »(3).

190- وفي رواية – بعد ذكر العلامات -: «فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره»(4).

191- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « أشهد أني قد سمعت أبي عَلَيهِ السَّلَامُ يقول : والله إنّ ذلك (يعني النداء باسم القائم) في كتاب الله عزّ وجلّ لبيّن حيث يقول : إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين ، فلا يبقى يومئذٍ في الأرض أحد إلّا خضع وذلّت رقبته

ص: 344


1- کمال الدین: 650. الخرائج والجرائح: 1160/3، باختلاف يسير . منتخب الأنوار المضيئة : 34. إثبات الهداة : 720. بحار الأنوار : 204/52.
2- الغيبة / النعمانی: 265.
3- الغيبة / النعمانی: 254. كمال الدين : 652.
4- تفسير العياشي: 64/1 و : 261. الغيبة / النعماني : 279.

لها » - إلى أن قال : - « فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء ثمّ ينادي » (1) - الحديث .

192- وفي رواية : « إذا سمعوا الصوت أصبحوا وكأنّما على رؤوسهم الطير »(2)، وسأل زرارة الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ فقال : النداء خاصّ أو عام ؟ قال : « عام يسمعه كلّ قوم بلسانهم» ، فقال : فمن يخالف القائم وقد نودي باسمه ؟ فقال : «لا يدعهم إبليس حتّى ينادي - في آخرالليل - فيشكّك النّاس »(3)، وسأله أيضاً ، فقال : فمن يعرف الصادق من الكاذب ؟ فقال : « يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون : إنّه يكون قبل أن تكون ويعلمون أنّهم هم المحقّون الصادقون»(4)، وسأله هشام بن سالم ، فقال : وكيف تعرف هذه من هذه -أي الصيحتان - ؟ فقال : « يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون»(5).

زعم بعض المعاصرين أنّ هذه الصيحة أو النداء تكون من خلال وسائل الإعلام الطبيعيّة عبر الأقمار الصناعيّة والقنوات الفضائيّة ،

ص: 345


1- الغيبة / النعماني: 260.
2- الغيبة / النعماني: 263.
3- كمال الدين : 650. ومثله باختلاف : الغيبة / النعمانی: 274.
4- الغيبة / النعماني : 264. إثبات الهداة : 736/3 - 737.
5- الغيبة / النعماني : 265.

ومن خلال الأمواج الصوتيّة والتردّدات الهوائيّة ، وهي جميعاً تأتي من الفضاء ، والفضاء الذي فوقنا كلّه من السماء ، وعلّلوا ظهور صورة من الرأس إلى الصدر ، سواء كان لجبرئيل أو لمولانا الأمير عَلَيهِما السَّلَامُ، فإنّها تظهر على شاشات التلفاز ، ومن خلال الأقمار و مراکز بثّ هذه الوسائل ، فإنّ الحدث لشدّته وعظمته يشدّ إلى نفسه ، ويعطف الأنظار إليه بدهشة عظيمة حتّى تقوم ببثّه جميع أجهزة الإعلام المسموعة والمرئيّة ، ولا يبقى أحد إلّا رآه وسمع به ، واحتار من هوله ، فهو من مصادیق النبأ العظيم المدهش المحيّر. ولنا على هذه المقولة تحفّظات عديدة قد نبيّنها في محلّ آخر إن شاء الله تعالى ، ويكفيك لدحضها نوع تأمّل في تلك الأحاديث والأخبار ، فتأمّل.

الثامن والخمسون

قتل النفس

193- عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « أنّ المهدي حينمايخرج يبعث رجلاً من أصحابه إلى أهل مكّة يدعوهم إلى نصرته فيذبحونه بين الركن والمقام ، وهي النفس الزكيّة »(1). هذا مضمون الحديث ، وإلّا فالنصّ

ص: 346


1- بحار الأنوار : 307/52. إثبات الهداة : 570/3، 582 و 583 کمال الدین: 330. مختصر البصائر : 199.

طويل ، بل عبارة عن نصوص عديدة.

194- إكمال الدين : بسنده عن محمّد بن مسلم أنّه قال للباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: متى يظهر قائمكم ؟ فذكر علامات إلى أن قال: «وقتل غلام من آل محمّد بين الركن والمقام اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكيّة »(1).

195- وبسنده عن إبراهيم الجريري: «النفس الزكيّة غلام منآل محمّد اسمه محمّد بن الحسن يقتل بلا جرم ولا ذنب ، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ، ولا في الأرض ناصر ، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد في عصبة لهم أدقّ في أعين النّاس من الكحل ، فإذا خرجوا بکی لهم النّاس لا يرون إلا أنّهم يختطفون يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها ، ألا وهم المؤمنون حقاً ، ألا إنّ خير الجهاد في آخر الزمان »(2).

196- غيبة الشيخ : بسنده عن عمّار بن یاسر وذکر علامات خروج المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ -إلى أن قال : - « فعند ذلك يقتل النفس الزكية وأخوه

ص: 347


1- مختصر إثبات الرجعة : 216 و 217. إثبات الهداة : 570/3. کمال الدين : 330. إعلام الوری : 433.
2- الغيبة / الطوسي : 464. بحار الأنوار : 217/52، عن الغيبة / الطوسي .

بمكّة ضيعة » (1) - الحديث .

197- المفيد : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «ليس بين قيام قائم آل محمّد عَلَيهِ السَّلَامُ وبين قتل النفس الزكيّة إلّا خمس عشرة ليلة»(2).

198 - غيبة النعماني : بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ - في حديث -:«ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان ؟ » ، قلنا: بلى يا أمير المؤمنين ، قال : « قتل نفس حرام في يوم حرام في بلد حرام ، عن قوم من قريش ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، ما لهم ملك بعده غير خمس عشرة ليلة»، قلنا: هل قبل هذا من شيء أو بعده من شيء ؟ فقال : « صيحة في شهر رمضان »(3)- الحديث .

التاسع والخمسون

كسوف الشمس والقمر في غير وقته

199- عن الإمام أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ. أنه قال : « آیتان تكونان قبل قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، لم تكونا منذ هبط آدم عَلَيهِ السَّلَامُ إلى الأرض : تنکسف الشمس في النصف من شهر رمضان ، والقمر في آخره».

ص: 348


1- الغيبة / الطوسی: 464. بحار الأنوار : 208/52، عن كمال الدين.
2- کمال الدين : 649. الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسي: 445.
3- الغيبة / النعماني : 258.

فقال رجل: يابن رسول الله ، تنکسف الشمس في آخر الشهر ، والقمر في النصف.

فقال أبو جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّي أعلم ما تقول ، ولكنّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

200- وفي رواية : « خسوف القمر لخمس». وفي أخرى : «انکساف القمر لخمس تبقى ، والشمس لخمس عشرة وذلك في شهر رمضان »(2).

201- وفي رواية : «کسوف الشمس في شهر رمضان في ثلاث عشرة وأربع عشرة منه »(3).

202- وفي رواية : «تنکسف الشمس لخمس مضين من شهر رمضان قبل قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(4).

ص: 349


1- الكافي : 212/8. الغيبة / النعمانی : 271. الإرشاد: 374. الغيبة / الطوسي: 444.
2- الغيبة / النعمانی: 271. كمال الدين : 655.
3- الغيبة / النعماني : 272.
4- كمال الدين : 655. إثبات الهداة : 723/3. بحار الأنوار : 207/52.

ص: 350

الدرس الثاني والعشرون: علامات الظهور - 8

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الستون

ركود الشمس ، وخروج صدر ، ووجه في عين الشمس

203- المفيد : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى : ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیهِمْ مِنَ السَّماءِ آیةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ﴾(1)، قال : « سيفعل الله ذلك بهم » ، قلت : ومن هم ؟ قال : « بنو أمية وشيعتهم»، قلت : وما الآية ؟

قال : « ركود الشمس ما بین زوال الشمس إلى وقت العصر ، وخروج صدر رجل ووجه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه

ص: 351


1- سورة الشعراء: الآية 4

وذلك في زمن السفياني ، وعندها يكون بواره وبوار قومه »(1).

204- غيبة الطوسي : بسنده عن عليّ بن عبدالله بن عبّاس : «لا يخرج المهدي حتّى تطلع مع الشمس آية »(2)، مرّ في الأمر السابع والخمسين : « يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس (3) أو يرون بدناً بارزاً مع قرن الشمس»(4).

الحادي والستّون

وجه يطلع في القمر ، كف من السماء

205- النعماني : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب » ، قلت : وما هي ؟ قال : « وجه يطلع في القمر ، ويد بارزة »(5).

وبسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه عدّ من المحتوم : النداء ، والسفياني ،

ص: 352


1- الإرشاد: 359. إعلام الوری : 428. کشف الغمة : 3/ 250.
2- الغيبة / الطوسي: 280.
3- مختصر البصائر : 38، 214. الغيبة / النعماني : 181. الغيبة / الطوسي : 440.
4- مختصر البصائر : 38. الغيبة النعماني : 180. كمال الدين : 370 و 371.
5- الغيبة / النعماني : 252.

وقتل النفس الزكيّة ، وكفُّ يطلع من السماء ، وفزعة في شهر رمضان(1)، ومرّ في الأمر الحادي عشر : « وكفّ يقول هذا وهذا »(2).

وقد فسّر بعض المعاصرين هذه العلامة وما قبلها بعين ما فسّر النداء ، وقد فصّلناه هناك ، فارجع إليه.

الثاني والستّون

طلوع کوکب مذنب

206- رواه صاحب كفاية النصوص بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، و مرّ في العلامات التي ذكرها المفيد : « وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ، ثمّ ينعطف حتّى يكاد يلتقي طرفاه » ،لكنّ الظاهر أنّه غيره (3).

الثالث والستون

اشتداد الحر

207- النعماني : بسنده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، سمعت

ص: 353


1- الغيبة / النعماني : 252. إثبات الهداة : 735/3.
2- الغيبة / النعماني : 253، وفي بعض النسخ : « فكيف يقول هذا هذا ».
3- روضة الواعظين : 262. الإرشاد: 368/2.

الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ يقول : « قبل هذا الأمر يبوح » ، فلم أدر ما اليبوح ، حتّى حججت ، فسمعت أعرابياً يقول : هذا يوم يبوح ، فقلت له : ما اليبوح ، فقال : الشديد الحرّ(1).

الرابع والستون

عدم بقاء صنف من الناس إلا قد ولوا

208- النعماني : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « ما يكون هذا الأمر حتّى لا يبقى صنف من الناس ، إلا قد ولّوا حتّى لا يقول قائل إنّا لو ولينا لعدلنا ، ثمّ يقوم القائم بالحقّ والعدل »(2).

209- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ دولتنا آخر الدول ، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلّا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء وهو قول الله عزّ وجلّ :﴿وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾(3)»(4).

ص: 354


1- الغيبة / النعماني : 271.
2- الغيبة / النعمانی : 274.
3- سورة الأعراف : الآية 128.
4- الإرشاد: 364. روضة الواعظين : 265/2. الغيبة / الطوسی: 282. منتخب الأنوار المضيئة : 194.

الخامس والستّون

موت خليفة

210- عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « بينا الناس وقوف بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة يكون عند موته فرج آل محمّد وفرج النّاس جميعاً »(1).

السادس والستّون

قتل خليفة ، وخلع خليفة ، واستخلاف ابن السبية

211- النعماني : بسنده عن حذيفة بن اليمان : « يقتل خليفة ما له في السماء عاذر ،ولا في الأرض ناصر ، ويخلع خليفة حتّى يمشي على وجه الأرض ليس له من الأمر شيء ويستخلف ابن السبيّة » - الحديث (2).

السابع والستّون

أربع وعشرون مطرة

ص: 355


1- الغيبة / النعماني : 267.
2- الغيبة / النعماني : 268.

212- المفيد : بسنده عن سعيد بن جبير ، قال : « إنّ السنة التي يقوم فيها المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة ترى آثارها وبركاتها »(1).

الثامن والستّون

المطر في جمادى الآخرة ورجب

213- المفيد : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا آن قیام القائم مطر النّاس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطرأ لم ير الخلائق مثله ، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ، فكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب »(2).

أقول: والظاهر أنّ هؤلاء أنصار القائم عَلَيهِ السَّلَامُ الذين يبعثون من قبورهم عند قيامه ليكونوا من أنصاره.

التاسع والستّون

خروج دابة الأرض ، والدجّال ، والدخّان

ص: 356


1- الإرشاد: 373/2. الغيبة / الطوسي : 443.
2- الإرشاد: 381/2. الغيبة / الطوسي: 283. روضة الواعظين: 364.

ونزول عيسى عَلَيهِ السَّلَامُ، وطلوع الشمس من مغربها

214- تفسير عليّ بن إبراهيم: عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى: ﴿إِنَّاللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً﴾(1): « وسیریکم في آخر الزمان آیات منها دابة الأرض ، والدجّال ، ونزول عیسی بن مریم ، وطلوع الشمس من مغربها »(2)، وفي قوله تعالى : ﴿هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ یَبْعَثَ عَلَیْکُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِکُمْ﴾، قال : «هو الدجّال والصيحة ، ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ وهو الخسف ، ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ وهو اختلاف في الدين وطعن بعضكم على بعض ﴿يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾، وهو أن يقتل بعضكم بعضاً ، وكلّ هذا في أهل القبلة»(3).

215- غيبة الشيخ : بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، عن النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « عشر قبل الساعة لا بّد منها : السفياني ، والدجّال ، والدخّان ، والدابة ، وخروج القائم ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عیسی عَلَيهِ السَّلَامُ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج

ص: 357


1- سورة الأنعام: الآية 37.
2- تفسير القمي: 198/1 . بحار الأنوار : 204/17.
3- بحار الأنوار : 205/9 و : 182/52، عن تفسير القمي .

من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر »(1).

216- إكمال الدين : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ- في حديث -: « وينزل روح الله عیسی بن مریم عَلَيهِ السَّلَامُ فيصلي خلفه أي خلف القائم» - الحديث (2).

217- وبسنده: أنّ أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ قال : « احفظ فإنّ علامة ذلك : إذا أمات النّاس الصلاة ...»، وذكر عدة أمور منكرة ، فقام إليه الأصبغ بن نباتة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، من الدجّال ؟ فقال : « ألّا إنّ الدجّال صائد بن الصيد ، فالشقيّ من صدّقه ، والسعيد من كذّبه، يخرج من بلدة بإصفهان من قرية تعرف باليهوديّة ، عينه اليمينی ممسوحة ، والأخرى في جبهته تضيء كأنّها كوكب الصبح فيها علقة كأنّها ممزوجة بالدم ، بين عينيه مكتوب کافر ، يقرؤه کلّ کاتب وأمّي يخوض البحار وتسير معه الشمس ، بين يديه جبل من دخان ، وخلفه جبل أبيض يرى الناس أنّه طعام ، يخرج حين يخرج في قحط شدید ، تحته حمار أقمر(3)، خطوة حماره میل ، تطوى له الأرض

ص: 358


1- الغيبة / الطوسي: 436. الخرائج والجرائح : 1148/3، الخصال : 446/2 و 447.
2- کمال الدين : 331. مختصر إثبات الرجعة : 216 و 217.
3- القمرة - بالضم -: لون يميل إلى الخضرة أو بياض فيه كدرة.

منلاً منهلاً، لا يمرّ بماء إلّا غار إلى يوم القيامة ، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجنّ والإنس والشياطين . يقول إليَّ أوليائي ، أنا الذي خلق فسوّى ، وقدّر فهدى ، أنا ربّكم الأعلى ، وكذب عدوّ الله ، إنّه لأعور يطعم الطعام ، ويمشي في الأسواق ، وإنّ ربكم عزّ وجلّ ليس بأعور ، ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول ، تعالی الله عن ذلك علوّاً كبيراً، ألا وأنّ أكثر أشياعه يومئني أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله عزّ وجلّ بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق (1) لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلّي المسیح عیسی بن مریم عَلَيهِما السَّلَامُ خلفه »(2)، (يعني المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ المهدي يظفر بالدجّال ويصلبه على كناسة الكوفة (3).

ويمكن الجمع بأنّه يقتله على عقبة أفيق ويصلب جثّته على كناسة الكوفة ، والله أعلم ، ثمّ قال أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «ألا أن بعد ذلك الطامة الكبرى » ، قيل : وما ذلك يا أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ قال : « خروج دابة من

ص: 359


1- في القاموس : أفيق : قرية بين حوران والغور، ومنه عقبة أفيق .
2- کمال الدين : 527.
3- المهذب البارع: 194/1 و 195. الوسائل : 288/5 و 289.

الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان بن داوود ، وعصی موسی : يضع الخاتم على وجه كلّ مؤمن فينطبع فيه هذا مؤمن حقّاً ، ويضعه على وجه كلّ كافر فينكتب هذا کافر حقّاً، حتى أنّ المؤمن لينادي : الويل لك يا كافر ، وإنّالكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن ، وددت أنّي اليوم كنت مثلك عظيماً، فأفوز فوزاً، ثمّ ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جلّ جلاله ، وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها ، فعند ذلك ترفع التوبة ، فلا توبة تقبل ، ولا عمل يرفع ، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً» - الخبر (1).

تحصّل ممّا تقدّم ، وممّا استعرضناه وعدّدناه من الأمور السابقة ، أنّ النتيجة النهائيّة يمكن حصرها في الموارد التالية:

1- أنّ اكتمال عدد الأصحاب والأنصار ، وخروج السفياني ، والنداء من السماء باسمه عَلَيهِ السَّلَامُ، إذا امتلأت الأرض ظلماً وجوراً، وظهرت المنكرات والمفاسد ، و عدم بقاء صنف من النّاس إلّا قد ولُّوا وحكموا ، ونزول عیسی عَلَيهِ السَّلَامُ.

ص: 360


1- كمال الدين : 526 و 527. ومثله باختلاف يسير : الخرائج والجرائح: 1136/3.

تعدّ من شرائط الظهور والعلل المعدّة لظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، وقد تقدّم أنّ كلّ شرطٍ علامةٌ، وليس كلُّ علامهٍ شرطاً، ومن خصائص الشرط أنّه حتميّ الوقوع؛ إذ يتوقّف وقوع المشروط على وقوع شرطه ، ولهذا كانت محتومة مقطوعةالحدوث قبل ظهور الحجّة صلوات الله عليه .

2- أنّ ما ذكرناه آنفاً من الشرائط هي الأهمّ التي ينبغي أن ينصبّ عليها اهتمام المتابع والمنتظر ، وأن يكرّس الباحث عليها جهوده ، اليقف على أدقّ تفاصيلها ، ويسعى جاهداً لمعرفة جزئيّاتها ، بل الإحاطة بها علماً إن أمكنه ذلك.

3- أنّ عمليّة التطبيق وادّعاء وقوع بعض العلامات في الأزمنة الغابرة أو القريبة والمحاضرة غاية في الصعوبة ، وضرب من المجازفة لا ينبغي الاستعجال والتسرّع في اتّخاذ القرار إزائها ، بل لابدّ من التأنّي والتريّث والتحقيق والتدقيق للبتّ فيها.

4- إنّ جملة من هذه العلامات قد وقعت قطعاً، لوجود قرائن و شواهد قطعيّة على وقوعها وهي كالآتي:

الأوّل : اختلاف بني العبّاس وذهاب ملكهم ، واختلاف بني أميّة وذهاب ملكهم ، إلّا إذا أريد به ملكهم المعنوي ، وتراثهم الفكري والعقائدي والديني ، فإنّه باقٍ، والقوم كلّهم أنصاره، وهو لا يزول

ص: 361

إلّا بظهور الإمام الحجّة صلوات الله عليه ، بل لعلّه آخر ما يتمّ القضاء عليه قضاءً تاماً، لأنّه حينئيذٍ لا يمكن إزالته إلّا بإزالة آخر نفسٍ من شيعة بني أميّة وبني العبّاس ، ولا أخطر من هذا الملك المعنوي ، والتراث العقائدي ، والأهمّية تكمن هنا وفي زوال ملكهم هذا، لا ذلك الملك الظاهري .

بل صحّ ادّعاء بقاء ملكهم الظاهري المادّي أيضاً؛ إذ لاتزال البلاد الإسلاميّة يحكمها أنصار هذا الفكر حكماً ظاهرياً سياسيّاً، إلى جنب حكمهم المعنويوالفكري ، فلك بني أميّة وبني العبّاس ما زال موجوداً على حاله وإن تغيّرت الأسماء والأعيان ، ويقع القضاء على هذا الملك العضوض من أولويات أهداف المهدي صلوات الله عليه ، وعلى رأس جدول أعماله.

وبناءً على كونها من العلامات البعيدة التي تحقّقت حتماً فهي إذن من علامات الفرج من القسم الثاني ، وهو الفرج الآنيّ المحدود ، لا هذا الفرج النهائي الذي لا فرج فوقه ، أعني فرج مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه .

إلّا إذا تمسّكنا بالروايات الناصّة على أنّ الفرج كاد أن يقع في عصر الأمويّين مرّة ، وفي عصر العبّاسيّين مرّة أخرى بظهور أحد أئمّتنا

ص: 362

وخروجه صلوات الله عليهم ، غير أنّه أجّل ووقع فيه البداء لما حدثمن الإفشاء ، لكنّه رغم ذلك فلا يمكن عدّه فرجاً للمهدي المنتظر سلام الله عليه .

ويرد عليه: أنّ الفرج لو كان يتمّ لأحدهم عَلَيهِم السَّلَامُ لكان فرجأ لهم جميعاً، وكان فرجاً مطلقاً أبديّاً؛ لأنّ كلاً منهم مهديٌ، وكلّهم يهدي إلى الحقّ.

لكنّ الأدلّة لا تفي بهذا المعنى ، بل تدلّ على اختصاص هذا الفرج المطلق الدائم حتّى قيام الساعة بالإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم جميعاً، وأنّ كلّ فرج كان يحصل لهم كان آنيّاً مقطعياًّ محدوداً، كما أنّ في زوال دولة بني أميّة وذهاب ملكهم کان فرج آنيَّ لهم ولشيعتهم ، وهكذا كان يحصل هذا القبيل من الفرج لأهل البيت وشيعتهم حتّى في العهد الأموي عند موت طاغية من بني أميّة ، وقيام آخر أقلّ بطشاً وطغياناً، وهكذا كان في العهد العبّاسي ، والله العالم بحقيقة الأمور.

الثاني: ادّعاء النبوّة ، فإنّ جملة من دعاة النبوّة قد ظهروا منذ الصدر الأوّل للإسلام إلى هذا اليوم ، وإن لم نعرف عددهم ولا أحصيناهم ، فقد تحقق ادّعاء بعض الستّين داعية قطعاً، وإن كنّا

ص: 363

لاندري هل تمّ عددهم واكتمل الستّون أم لا؟

الثالث: وأيضاً حدّثنا التاريخ أنّ بعض بني هاشم نهضوا وقاموا زاعمين المهدويّة ، وداعين النّاس إلى بيعتهم ، وإن كنّا لم نُخصِ عددهم جميعا ، إذن يكون بذلك قد تحقّق بعض الإثني عشر من بني هاشم قطعاً، هذا إن لم يكن قد ظهروا جميعاً ، فالعلم عند الله تبارك و تعالى .

الرابع: أنّ كثيرين قد ادّعوا الرؤية والمشاهدة لكننا لم نسمع أحداً من النّاس يكذّبهم ، ولا بلغنا ذلك ، ولا سمعنا أنّ صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ قد كذّبهم ، بل قصص المشاهير من أعلام الطائفة معروفة يتداولها النّاس في محافلهم ، ويستند إليها كثير من أعلامنا في مؤلّفاتهم ومصنّفاتهم(1).

ثمّ إنّه إن كان المراد أنّ المؤمنين يكذّبونهم فهو راجع حتماً إلى تمسّكهم بالتوقيع الشريف وغيره من الأحاديث التي بحثناها بالتفصيل في مبحث الرؤية والمشاهدة من الحلقة الثانية ؛ لأنّها تنفي إمكان المشاهدة و توصف مدّعيها بالكذّاب أو الكاذب .

وإن كان المراد تکذیب غير المؤمنين لهم من أهل المذاهب الباطلة

ص: 364


1- لاحظ : مبحث الرؤية والمشاهدة - الحلقة الثانية من هذه الحلقات

والنَّحل الضالّة ، فإنه يعود إلى فساد عقيدتهم

وكيف كان فعلى الأوّل ذمٌّ لهؤلاء الاثني عشر، وعلى الثاني فهو مدحٌ لهم، لكنّ الظاهر أنّه مدحٌ لهم على كلّ حال، وربّما كان ذمّاً لمكذّبيهم على كلّ حال أيضاً ، والله تعالى هو العالم.

الخامس: قد يكون منها خسف المجابية، وكثرة الحروب والاختلاف على مرّ التاريخ لعدم اختصاصها بقبل الظهور مباشرة، وهكذا خراب الشام.

نعم، في بعض الأحاديث دلالة واضحة على كثرة الحروب بصورة ملفتة جدّاً قبل الظهور مباشرة.

السادس: واحتمال کون اختلاف رمحين بالشام، والرجفة بها، والخسف بحرستا، منها أيضاً.

السابع: ويبدو أنّ منها سقوط طائفة من مسجد دمشق الأيمن .

الثامن: ولعلّ النداء من سور دمشق منها أيضاً.

التاسع: وقد يكون منها نزول الترك الجزيرة العربيّة ، وذلك ما حدث في العهد العناني ، ونزول الروم الرملة ، وهو نزول القوّات البريطانيّة والأجنبيّة بأرض فلسطين واحتلالها .

ص: 365

العاشر: حصار الكوفة ، لاحتمال كونه منها ؛ إذ تمّ حصارها مراراً من قبل النواصب وأذنابهم، وأخيراً من جهة القوّات الأمريكيّة الكافرة.

الحادي عشر: وربّما عدّ منها تخريق الروايا في سكك الكوفة ، أو تحریق الزوايا فيها.

الثاني عشر: واحتمال کون خفوق رايات حول المسجد الأكبر بالكوفة ، منها.

الثالث عشر: ولعلّ منها سبي سبعين ألف بكر من الكوفة ، حيث فعل الأمويّون والعبّاسيّون والعثمانيّون بها وبأهلها من الجرائم والمنكرات ، ما لا تحتمله أطنان من الأوراق ، ولا تكفيه محابر الدنيا وأقلامها.

الرابع عشر: ولعلّ منها خروج رايات من شرقي الأرض مع رجل من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وقد فسّرت بالثورة الإسلامية في ايران ، والله العالم.

الخامس عشر: وقد يكون منها ظهور نار بالكوفة ، إشارة إلى حرب ودمار وخراب شديد ، وما أكثر النيران والحروب التي ظهرت بالكوفة حتّى الآن.

ص: 366

السادس عشر: وقد يكون انبثاق الفرات أيضأ منها.

السابع عشر: وربّما تكون كثرة القتل بين الكوفة والحيرة منها، لكثرة المجازر التي وقعت حتّى الآن في هذه المنطقة.

الثامن عشر: وقد يكون هدم حائط مسجد الكوفة منها أيضاً، حيث تمّ تخريبه أكثر من مرّة.

التاسع عشر: ولعلّ منها الخسف ببغداد والبصرة، والقتل بالبصرة، والخراب والدمار والخوف بالعراق؛ ذلك أنّ العراق بلد الخسف والحروب والخراب والدمار والخوف منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا.

العشرون: ولعلّ منها خراب الري أيضاً، إذ وقع فيها التخريب من قبل، وإن كان احتمال إرادة تخریب أعظم سيأتي لاقدّر الله تعالى ، أقوى.

الحادي والعشرون: والاختلاف الشديد في الدين وقع مراراً، منذ عهد الأمويّين إلى زماننا هذا، لكنّ القرائن تشير إلى احتمال وقوع فتنة طائفيّة مذهبية عظيمة لا مثيل لها تدبّرها أصابع صهيونيّة أجنبيّة كافرة خفيّة ، وتنقذها أيدي ناصبيّة مجرمة عميلة.

الثاني والعشرون: ومنها ظهور الفساد والمنكرات ، فقد ظهرت

ص: 367

ظهوراً فاحشاً، وظهورها في تزايد مستمّر.

الثالث والعشرون: وهكذا عض الزمان وجفاء الإخوان ، فإنّها أخلاقيات هذا العصر.

الرابع والعشرون: ولعلّ خروج زندیق من قزوین يكون منها ، فيروى أنّ رضا شاه پهلوي حين تقلّد السلطان زعم أنّه زندیق قزوین ، وكانمن مدينة قزوین.

الخامس والعشرون: ولعلّ منها السنون الخدّاعة التي أصبحت من لوازم هذا الزمان.

السادس والعشرون: ولعلّ منها الجوع والخوف والقحط والقتل والطاعون والجراد؛ لأنّها أمور وقعت مراراً، وإن كانت الشواهد تدلّ على احتمال وقوع أعظم منها في المستقبل.

السابع والعشرون: ومنها اشتداد الحاجة والفاقة ، وإنكار الناس بعضهم بعضا.

الثامن والعشرون: ومنها تمحيص أهل الحق وتمييزهم .

التاسع والعشرون: ومنها بيع الصبي ، وقد أصبح من المعتاد المألوف الذي لا ينكره أحد.

الثلاثون: ومنها كثرة التولية والعزل في المناصب الوزاريّة

ص: 368

والإداريّة والقياديّة ، وحتّى الرئاسيّة ، حيث الرئيس يأتي عبر صناديق الاقتراع، وسرعان ما يتغيّر من خلالها أيضاً ، أو يتغيّرون بكثرة الانقلابات والثورات والحروب ، وهلم جرّاً.

الحادي والثلاثون: طلوع کوکب مذنّب أو نجم بالمشرق ، لعلّه حصل ، وقد لا يكون منها.

الثاني والثلاثون: ومنها اشتداد الحرّ، ونحن نلاحظ كيف تكون حرارة الأرض في ازدياد دائم ينذر بالخطر ، ويخيف ذوي الاختصاص.

الثالث والثلاثون: ومنها موت خليفة ، فكم من خليفة كان موته فرجاً وراحة لهم.

الرابع والثلاثون: ولعلّ منها خلع خليفة ، وقتل خليفة ، واستخلاف ابن سبيّة.

5- أنّ بعض ما جاء في الأحاديث وعبّر عنه بعلامة الفرج، لا يدلّ بالضرورة أنّ المراد منه الفرج المطلق الأخير وهو ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، بل لعلّه أريد بها أنّها علامة الفرج بمعناه وقسميه الأوّلين ، أعني الفرج المحدود الخاصّ ، أو الفرج الأوسع الأطول ، أي الأوسع دائرة شموله ، والأطول فترة امتداده ، و مدّة بقائه ، ويمكن الاستشهاد بالأمور التالية :

ص: 369

أ- اختلاف بني العبّاس وبني أميّة وزوال ملكهم على التفصيل الذي تقدّم في البند الأوّل من الرقم(4).

ب- ومثل: خسف المجابية وخراب الشام.

ج- ومثل: اختلاف الرمحين بالشام.

د- و مثل: نزول الترك الجزيرة، والروم الرملة.

ه- و مثل: تخريق الروايا في سكك الكوفة.

و- ومثل: حصار الكوفة.

ز- ومثل: خفوق رایات حول المسجد الأكبر بالكوفة.

ح- ومثل: خروج الرايات من المشرق.

ط- ومثل: ظهور نار بالكوفة.

ي- ومثل: انبثاق الفرات.

ك- ومثل: كثرة القتل بين الحيرة والكوفة .

ل- ومثل: هدم حائط مسجد الكوفة .

م- و مثل: الخسف ببغداد والبصرة ، والقتل بالبصرة وخراب وفناء وخوف بالعراق.

ن- ومثل : موت خليفة ، وكم من خليفة كان في موته فرجٌ آنيُّ لأهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ والشيعتهم.

ص: 370

6- أنّ العامّة أوردوا كثيراً من العلامات لقرب الظهور، بل أحاديث عن المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ في كتبهم الروائيّة، ونحن لا نعوّل على شيء ممّا انفردوا به من ذلك على الإطلاق، لا في هذا الباب ولا في غيره من الأبواب، وهي قاعدة أساسيّة لنا ننطلق منها في جميع ما كتبناه ونكتبه، في هذا الموضوع وغيره،إلّا إذا اقتضى الاحتجاج عليهم ذلك.

7- يبدو لي -والله العالم- أنّ جميع ما نطق به أهل البيت صلوات لله عليهم في أحاديثهم ، وكافّة ما جاء في مرويّاتهم من علامات الظهور ، إنّما يراد بها قرب الظهور ، ولا معنى لأن يقصدوا بشيء منها ما يخالف هذا المعنى؛ لأنّهم في صدد بیان علامات ودلائل تهدي الناس وترشدهم إلى قرب الظهور ، وشدّ الرحال ، والتأهّب والاستعداد ، وهم في مقام البيان والإرشاد والتوعية والتنبيه ، لا يمكن أن يحيّروا الناس بما هو بعيد العهد عن الظهور . نعم ، التأهّب والاستعداد على الدوام مطلوب دائماً، لكنّه لا يتوقّف على هذا الأسلوب من البيان الذي يزيد في حيرة النّاس في زمان ينبغي أن ينقذوا النّاس من الجهالة وحيرة الضلالة.

فالظاهر أنّ كلّ علامة تدلّ بظاهرها أنّها قد وقعت بزمن طويل کاختلاف بني أميّة وبني العبّاس وهلاكهم يجب أن يحمل على معنى

ص: 371

يناسب زمان الظهور ، كما صنعناه في الفقرات الماضية ، وأنّ ما له وجوه مشتركة وحالات وقوعيّة متعدّدة فيجب حمله على إرادة غير ما قد وقع ، وأنّه سيقع مثله بل أشدّ منه عند قرب الظهور وزمن الحضور.

ص: 372

الدّرس الثالث والعشرون: الظهور وما بعد الظهور

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

في ذكر السنة التي يخرج فيها المهدي، واليوم الذي يخرج فيه، والمكان الذي يخرج فيه، وما يفعله بعد خروجه، وأين يقيم، وهيئته بحسب السنّ، ومدّة ملكه، وما تكون عليه الأرض ومن عليها من النّاس، وسيرته عند قيامه، وطريقة أحكامه، وما يبيّنه الله تعالى من آیاته .

فأمّا السنة التي يخرج فيها :

1- فروى المفيد بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يخرج القائم إلّا في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع»(1).

ص: 373


1- روضة الواعظين : 263. الإرشاد: 378/2 و 379، وباختلاف ما يسير في : الغيبة / الطوسي: 453. الخرائج والجرائح : 1161/3.

2- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « يقوم القائم عَلَيهِ السَّلَامُ في وتر من السنين تسع، واحدة ، ثلاث ، خمس »(1).

وأمّا اليوم الذي يخرج فيه:

3- فروى المفيد بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « ينادي باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين (أي من شهر رمضان كما في الروايات الأخر)، ويقوم في يوم عاشوراء ، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عَلَيهِما السَّلَامُ، لكأنّي به في يوم السبت العاشر من المحرّم قائماً بين الركن والمقام ، جبرئیل عَلَيهِ السَّلَامُ على يده اليمنى ينادي البيعة لله فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طيّا حتّى يبايعوه فيملا الله به الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(2).

4- الخصال : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة» - الخبر (3).

ص: 374


1- الغيبة / النعمانی : 262. بحار الأنوار : 235/52.
2- الإرشاد: 379/2، وباختلاف يسير في: تاج المواليد: 73. روضة الواعظين : 263. المستجار في الإرشاد: 263. الصراط المستقیم : 250/2.
3- الخصال : 394/2. روضة الواعظين : 392/2.

5- وفي رواية : « يوم السبت »(1).

6- ويمكن الجمع بأنّ ابتداء خروجه يوم الجمعة ، وظهوره بین الركن والمقام ، ومبايعته يوم السبت كما يؤمي إليه قول الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأنّي بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام بين يديه جبرئیل بنادي البيعة لله » - الحديث(2).

7- مهذّب ابن فهد وغيره : بأسانيدهم عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت ، وولاة الأمر ويظفره الله تعالى بالدجّال فيصلبه على كناسة الكوفة »(3).

وأمّا المكان الذي يخرج فيه ، وما يفعله بعد خروجه ، ومحلّ إقامته ، وهيئته بحسب السنّ :

8- فالمروي كما مرّ في علامات الظهور : «أنّ السفياني بعد ما يخرج من وادي اليابس بفلسطين ويلك دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب وقنسرين ويخرج بالشام الأصهب والأبقع يطلبان الملك

ص: 375


1- كمال الدين : 653 و 654. الغيبة / الطوسي: 274.
2- الغيبة / الطوسی: 274. التهذيب : 4/ 333. الإرشاد: 361/2. روضة الواعظين : 263.
3- المهذب البارع: 194/1. بحار الأنوار: 119/56.

فيقتلها السفياني لا يكون له همّة إلّا آل محمّد و شیعتهم فيبعث جيشين أحدهما إلى المدينة ، والآخر إلى العراق(1).

أمّا جيش المدينة:

فيأتي إليها والمهدي بها وينهبها ثلاثاً ، فيخرج المهدي إلى مكّة فيبعث أمير جيش السفياني خلفه جيشاً إلى مكّة فيخسف بهم في البيداء(2).

وأمّا جيش العراق:

فيأتي الكوفة ويصيب من شيعة آل محمد قتلاً وصلباً و سبياً، ويخرج من الكوفة متوجّهاً إلى الشام فتلحقه راية هدى من الكوفة فتقتله كلّه وتستنقذ ما معه من السبي والغنائم(3).

أمّا المهدی عَلَيهِ السَّلَامُ:

فبعد أن يصل إلى مكة يجتمع عليه أصحابه وهم ثلثمائة وثلاثة

ص: 376


1- الغيبة / الطوسی: 270، 271، 278. دلائل الإمامة : 248 و 249، 253 و 254. ملاحم ابن طاووس: 145، 124. إلزام الناصب: 178/2 - 213. الصراط المستقیم: 2/260. إثبات الهداة : 615/3. بحار الأنوار: 217/52. الغيبة / النعمانی: 172 و 173، 302 - 304، للمزيد راجع مصادر علامات الظهور.
2- دعائم الإسلام: 301/1. الغيبة / النعماني : 280.
3- دعائم الإسلام: 301/1. الغيبة / النعماني : 280.

عشر رجلاً عدبة أهل البدر فإذا اجتمعت له هذه العدّة أظهر أمره فينتظر بهميومه بذي طوى ، ويبعث رجلاً من أصحابه إلى أهل مكّة يدعوهم فيذبحونه بين الركن والمقام ، وهو النفس الزكيّة ، فيبلغ ذلك المهدي فيهبط بأصحابه من عقبة ذي طوى حتّى يأتي المسجد الحرام ، فيصلّي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات ، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ، ويخطب في النّاس ، ويتكلّم بكلام لم يتكلّم به أحد(1).

9- وروي أنّ أوّل ما ينطق به هذه الآية ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾(2)، ثمّ يقول: «أنا بقيّة الله في أرضه »(3).

10- وفي رواية : « يقوم بين الركن والمقام ، فيصلّي وينصرف ومعه وزيره ، وقد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً، فينادي : يا أيّها الناس ، إنّا نستنصر الله ومن أجابنا من النّاس - أو وكلّ مسلم - على من ظلمنا، وإنا أهل بیت نبيّكم محمّد ، ونحن أولى النّاس بالله

ص: 377


1- ملاحم ابن طاووس: 63، 145. إلزام الناصب: 178/2 - 213. الصراط المستقیم: 260/2. إثبات الهداة : 615/3. بحار الأنوار : 305/52. إثبات الوصية : 226، للمزيد راجع مصادر علامات الظهور.
2- سورة هود : الآية 86.
3- مختصر إثبات الرجعة : 216 و 217. بحار الأنوار: 385/52. کمال الدين : 330. إعلام الوری : 433.

وبمحمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فمن حاجني في آدم فأنا أولى النّاس بآدم ، ومن حاجني في نوح ، فأنا أولى الناس بنوح ، ومن حاجّني في إبراهيم فأنا أولى النّاس بإبراهيم ، ومن حاجّني في محمّد فأنا أولى النّاس بمحمّد ، ومن حاجّني في النبيين فأنا أولى النّاس بالنبيين . أليس الله يقول في محكم كتابه :﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ*ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(1)، ألا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله ، ألا ومن حاجّني في سنّة رسول الله فأنا أولى النّاس بسنّة رسول لله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فيبايعه أصحابه الثلاثمائة وثلاثة عشر بين الركن والمقام ، فإذا كمل له العقد، وهو عشرة آلاف ، خرج بهم من مكّة»(2).

11- وروي : « أنّه إذا خرج لا يبقى في الأرض معبود دون الله عزّ وجلّ من صنم وغيره إلّا وقعت فيه نار فاحترق ؛ وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم الله من يطيعه بالغيب ، ويؤمن به »(3).

12- وروي : « أنّه يخرج من المدينة إلى مكّة بتراث رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه

ص: 378


1- سورة آل عمران : الآيتان 33 و 36.
2- تفسير العياشي: 64/1 و : 147/2. الغيبة / النعمانی : 279، 282. الغيبة / الطوسی: 269 و 274. الإرشاد : 361/2 و 362، 359.
3- كمال الدين : 330. إعلام الوری : 33. کشف الغمة : 324/3.

و درعه وعمامته وبرده ورايته وقضيبه وفرسه ولامته وسرجه فيتقلّد سيفه ذا الفقار ويلبس درعه السابغة وينشر رايته السحاب ، ويلبس البردة ، ويعتم بالعمامة ، ويتناول القضيب بيده ، ويستأذن الله في ظهوره »(1).

13- وروي أنّه : « له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه ، وأنطقه الله عزّ وجلّ ، ونادي اخرج یا ولي الله فاقتل أعداء لله ، وله سيف مغمد ، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عزّ وجلّ ، فناداه اخرج یا وليّ الله فلا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله ، ثمّ يستعمل على مكّة ويسير إلى المدينة ، فيبلغه أنّ عامله بمكّة قُتل ، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ، ثمّ يرجع إلىالمدينة فيقيم بها ما شاء »(2).

14- وفي رواية : « أنه يبعث جيشاً إلى المدينة فيأمر أهلها فيرجعون إليها ، ثمّ يخرج حتّى يأتي الكوفة فينزل علی نجفها ثمّ يفرّق الجنود منها في الأمصار»(3).

ص: 379


1- الکافی : 224/8 - 225. الغيبة / النعمانی : 270، 271.
2- العيون: 65/2. کمال الدين : 155، 268. الخرائج والجرائح: 551/2 و: 1167/3.
3- الغيبة / النعمانی: 270. الإرشاد : 379/2.

15- قال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأنّي بالقائم علی نجف الكوفة وقد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة : جبرائیل عن يمينه ،و میکائیل عن شماله ، والمؤمنون بين يديه ، وهو يفرّق الجنود في البلاد »(1).

16- وذكر عَلَيهِ السَّلَامُ المهدي ، فقال : « يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت ، وفتصفو له ، ويدخل حتّى يأتي المنبر ، فيخطب فلا يدري النّاس ما يقول من البكاء ، فإذا كانت الجمعة الثانية سألهالنّاس أن يصلّي بهم الجمعة ، فيأمر أن يخطّ له مسجد على الغري ويصلّي بهم هناك »(2).

17- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم سار إلى الكوفة ، فيخرج منها بضعة عشر ألف يدعون البتريّة عليهم السلاح ، فيقولون له : ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة ، فيضع فيهم السيف حتّى يأتي على آخرهم، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب ، ويهدم قصورها ويقتل مقاتلتها حتّى يرضى الله عز وعلا،ثمّ يسير من الكوفة إلى الشام والسفياني يومئذٍ بوادي الرملة فيلتقون ويقتل

ص: 380


1- الإرشاد : 379/2 . إعلام الوری : 287/2. الصراط المستقیم: 2/ 250.
2- الإرشاد: 380/2. الغيبة / الطوسی: 280.

السفياني ومن معه حتّى لا يدرك منهم مخبر »(1).

18- قال الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ: « ولا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضي الله » ، قيل : وكيف يعلم أنّ الله قد رضي ؟ قال : « يلقي الله عزّ وجلّ في قلبه الرحمة ويخرج اللّات والعزّى فيحرقهما ، ثمّ يرجع إلى الكوفة ، فيكون منزله بها »(2).

19- قال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «ثمّ يأمر من يحفر من ظهر مشهدالحسين عَلَيهِ السَّلَامُ نهرا يجري إلى الغريّين حتّى ينزل الماء في النجف ، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء ، فكأنّي بالعجوز على رأسها مكتل فيه برّ تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كراء»(3).

20- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه ذکر مسجد السهلة ، فقال : « أما أنّه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله»(4).

21- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام قائم آل محمد عَلَيهِ السَّلَامُ بني في ظهر الكوفة

ص: 381


1- الإرشاد : 384/2. روضة الواعظين : 265. تفسير العياشي: 64/1 و : 261/2. الغيبة / النعمانی : 279.
2- کمال الدین : 329، 378. كفاية الأثر: 282.
3- الإرشاد : 380/2. الغيبة / الطوسی: 280.
4- الإرشاد : 380/2. الغيبة / الطوسي : 471. الكافي : 495/3.

مسجدأ له ألف باب ، واتّصلت بيوت أهل الكوفة بنهري کربلاء»(1).

22- وعن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ:« أنّه إذا خرج يكون شيخ السنّ، شاب المنظر ، يحسبه الناظر ابن أربعين سنة أو دونها ، ولا يهرم بمرور الأيّام والليالي عليه ، حتى يأتي أجله، ويكون منزله بالكوفة ،فلا يترك عبدة مسلماً إلّا اشتراه وأعتقه ولا غارماً إلا قضى دينه ولا مظلمة لأحد من النّاس إلّا ردّها ولا يقتل منهم عبد إلّا أدّى ثمنه دية مسلّمة إلى أهله ، ولا يقتل قتيل إلّا قضي عنه دينه ، والحق عياله في العطاء حتّى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدوانأ ، ويسكن هو وأهل بيته الرحبة ، والرحبة إنّما كانت مسکن نوح ،وهي أرض طيّبة ولا يسكن الرجل من آل محمّد إلّا بأرض طيّبة زاكية فهم الأوصياء الطيّبون»(2).

ولكن ماذا يكون بعد القائم صلوات الله وسلامه عليه ؟ فإنّه أمر قد لا يعنينا كثيراً، واختلفت الأحاديث في بيان ذلك ، وما يصير إليه

ص: 382


1- الإرشاد: 2/ 380. الغيبة / الطوسي: 468. الخرائج والجرائح: 1176/3. روضة الواعظين: 263/2.
2- کمال الدين : 652. الخرائج والجرائح: 117/3. تفسير العياشي : 261/1. الغيبة / النعمانی : 279. الإرشاد : 359/2. الغيبة / الطوسی: 269.

أمر الخلائق بعد وفاة الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ؛ إذ بينما نجد طائفة منها تتحدّث عن عودة آبائه الأطهار عَلَيهِم السَّلَامُ ورجعتهم إلى هذه الدنيا ، وقيامهم بإدارة شؤون البلاد، ورئاستهم على العباد ، حيث أطلقت على تلك الحالة و تلك الفترة تسمية الرجعة ، أو الرجعة الثانية ، أو الرجعة الأخرى ، نظراً إلى أنّ ظهور الإمام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ هي الرجعةالأولى ، حيث يرجع طائفة من الصالحين إلى الدنيالينضمّوا إلى أصحابه أو أنصاره عَلَيهِ السَّلَامُ، فإننا نجد طائفة أخرى مثل هذه الرواية تحدّثنا عن اثني عشر مهديّاً يهدون إلى الحقّ بعد قيام القائم صلوات لله عليه ، وهي الرواية الصريحة:

عن أبي بصير ، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد عَلَيهِما السَّلَامُ: یابن رسول الله، إنّي سمعت من أبيك عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه قال: «يكون بعد القائم اثنا عشر مهديّاً» ، فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّما قال: اثنا عشر مهديّاً ، ولم يقل: إثنا عشر إماماً، ولكنّهم قوم من شيعتنا يدعون النّاس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا»(1).

والجمع بينهما في غاية السهولة إذ ربّما يكون الأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ هم الحكّام على الأرض ، ويكون هؤلاء الإثنا عشر المهديّين ولاةً في دولتهم

ص: 383


1- کمال الدين: 358.

الكريمة ، ولعلّهم يحكمون الأرض بعد مولانا الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، ثمّ يرجع الأئمّة الطاهرون ليحكموا، ولعلّ الأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ يرجعون ولكنّهم لا يحكمون ، وهذا الأخير في غاية البعد ، والأوّل أنسب للجمع ، والله العالم .

ص: 384

الدرس الرابع والعشرون: العلم بعد الظهور

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأمّا العلم ، فقد صرّحت بعض روایاتنا بأنّ ما بين أيدينا ما هو إلّا شيء يسير من العلم ، وأنّه عَلَيهِ السَّلَامُ سيفتق العلم فتقأ ، ويبقره بقرأ عند ظهوره، وينشره حتى لكأنّ عقل الرجل الواحد يساوي عقول أربعين رجلاً، وأنّ الطفل يصير عقله كعقل رجل في الأربعين من عمره بل أكثر ، وأنّ العلم سیکون مذهلاً في عصره وزمانه.

1- قال أبو جعفر -الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ -: « إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد ، فجمع بها عقولهم ، وكملت به أحلامهم »(1).

2- وقال أمير المؤمنين عليّ عليه الصلاة والسلام : « یا کمیل،

ص: 385


1- الكافي: 25/1.

ما من علم إلّا وأنا أفتحه ، وما من شيء [سر] إلّا والقائم يختمه »(1).

3- وعن أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « العلم سبعة وعشرونحرفاً ، فجميع ما جاء به الرسل حرفان ، فلم يعرف النّاس حتّى الیوم غیر الحرفين ، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً ، فبثّها في النّاس ، وضمّ إليها الحرفين حتّى يبتّها سبعة وعشرين حرفاً»(2).

4- وعن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : « إنّ العلم بكتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه الينبت في قلب مهديّنا كما ينبت الزرع على أحسن نباته ، فمن بقي منكم حتّى يراه ، فليقل حين يراه : السلام علیکم یا أهل بيت الرحمة والنبوّة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة»(3).

5- وفي رواية طويلة عن أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « ... قال أبو جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: لكأنّي أنظر إليهم -أي أصحاب المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ - مصعّدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، كأنّ قلوبهم زبر

ص: 386


1- بحار الأنوار: 269/77.
2- مختصر البصائر: 117. الخرائج والجرائح: 841/2. بحار الأنوار: 336/52.
3- کمال الدين: 635. إثبات الهداة: 491/3. العدد القوية: 65. حلية الأبرار: 639/2.

الحديد...»، ثمّ يمضي في كلامه عَلَيهِ السَّلَامُ حتّى يقول : «ثمّ يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا إلى الآفاق كلّها ، فيمسح بين أكتافهم ، وعلى صدورهم ، فلا يتعايون في قضاء ...»(1).

وهي رواية مفيدة جدّاً ، فيها الكثير من الحقائق والأسرار ، فينبغي مراجعتها والأخذ بها بعين الاعتبار.

6- وروی حمران بن أعين ، عن أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه قال : «كأنّني بدينكم هذا لا يزال متخضخضة يفحص بدمه ، ثمّ لا يردّه عليكم إلّا رجل منّا أهل البيت ، فيعطيكم في السنّة عطائين ، ويرزقكم في الشهر رزقين ، وتؤتون الحكمة في زمانه ، حتّى أنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى ، و سُنّة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه»(2).

7- و عنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد ، فجمع بها عقولهم ، وكملت به أحلامهم»(3).

8- وقال الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّ ذا القرنين كان عبدا صالحاً،

ص: 387


1- تفسيرالعياشي: 56/2، 140. تفسير القمي: 205/2. الكافي: 313/8. الغيبة / النعماني: 181.
2- الغيبة / النعمانی: 238. حلية الأبرار: 642/2.
3- الكافي: 25/1. كمال الدين: 675. الخرائج والجرائح: 840/2. مختصر البصائر: 117. حلية الأبرار: 625/2.

ناصح لله سبحانه فناصحه، وسخّر له السحاب، وطويت له الأرض، وبسّط له في النور، فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار، وإنّ أئمّة الحقّ كلّهم قد سخّر الله تعالى لهم السحاب ، وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ، ولإصلاح ذات البين ، وعلى هذا الحال المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، ولذلك يسمّى صاحب المرئي والمسمع ، فله نور یری به الأشياء من بعيد كما يرى من قريب ، ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب ، وإنّه يسيح في الدنيا كلّها على السحاب مرّة وعلى الريح أخرى ، وتطوى له الأرض مرّة ، فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقاً وغرباً »(1).

وهذا يدلّ على عظمة العلم الذي يحمله الإمام المهدي صلوات الله عليه، وإن كان يمكن تفسير كثير من الروايات المتقدّمة بما توصّل إليه العلم في عصرنا هذا، بل توصلت إليه البشريّة منذ قرين أو أكثر من الزمان ، كجهاز الهاتف والتلفاز والأقمار الصناعيّة - الاصطناعيّة - والطائرة والأجهزة الطبّيّة والعقاقير والعلاجات الحديثة ، وسائر موارد التكنولوجيا المتطوّرة التي بلغت قمّة الهرم، ولا تزال تسير بخطى سريعة نحو التطوّر والصعود ، حتّى أصبح فهم مثل هذه الأسرار

ص: 388


1- الخرائج والجرائح: 930/2 و 931.

والحقائق سهل التناول ، وغدى الإيمان بها في غاية اليسر ، بعدما كانت ألغازاً وطلاسم لا يفهمها ولا يدركها الإنسان ، بل يعجز عن تصوّرها وهضمها إلّا بالسبل الغيبيّة الإلهيّة ، والوسائل السماويّة ، الإعجاز ، ليس إلّا.

نعم ، قد تكون إشارة إلى حقائق أخرى من العلوم والتكنولوجيا التي لم ولن تخطر على قلب هذا البشر ، سيفجّرها الإمام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ بثورته الفكريّة ، ونهضته العلمية التي تعجز العباقرة ، وتحيّر عقول الألمعيّ من رجال العلم والفكر ، فتطأطئ له وتنحني أمامه رؤوس المفكّرين والجهابذة ، وتخرّ أمامه جباه العلماء والمخترعين والمكتشفين ، كما خرّ سحرة فرعون ساجدین عاجزين صاغرين مستسلمين أمام جبروت العصى الموسويّة المعجزة ، حين لم یکن ذلك يخطر ببال أحد قطّ.

9- وعن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه قال : « إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كلّ إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفّك ، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه ، فانظر إلى كفّك ، واعمل بما فيها »

قال : « ويبعث جنداً إلى القسطنطينيّة ، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون

ص: 389

على الماء قالوا : هؤلاء أصحابه يمشون على الماء ، فكيف هو ؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة ، فيدخلونها ، فيحكمون فيها ما يشاؤون »(1).

هذا هو العلم والتكنولوجيا الذي يحيّر العقول ، فهل هو من العلوم الطبيعيّة ، أو من وراء الطبيعيّات ؟ هل هو من العلوم المألوفة ، أم من العلوم الغريبة ؟

كلاهما جائزان ، وكلّ منهما ممكن ، قد يكون من هذا ، وقد يكون من ذاك ، إنّه العلم الذي لا يظهر إلّا في عصر الظهور ، عصر ظهور الخيرات والبركات كلّها ، بظهور القائم المنتظر صلوات الله عليه ، ولا يظهر إلّا بيده المباركة ، وكما أنّ آبائنا في العصور القديمة لم تقدر عقولهم على إدراك كيفيّة طيران الإنسان في الهواء وفوق السحاب ، ولم يدركوا كثيراً من رموز الأحاديث الرامية إلى بيان حال النّاس قبل الظهور ، وقرب الظهور ، فإنّا جميعاً . حتّى أكابر العلماء الطبيعيّين وأعاظم المخترعين وجهابذة الصناعة الحديثة في هذا العصر - لا ندرك معنى قوله عَلَيهِ السَّلَامُ: « یکتبون على أقدامهم شيئاً ويمشون على الماء،

ص: 390


1- الغيبة / النعماني: 319 و 320. دلائل الإمامة: 249. إثبات الهداة: 573/2. بحار الأنوار: 365/52.

وينظرون إلى أكفّهم فيرون تكاليفهم ووظائفهم، ويعملون بما ظهر في أكفّهم» ، إنّها تكنولوجيا دولة القائم صلوات الله عليه ، والعلم الذي توقّف على ظهوره، وعلماء هذا العصر صغار ، وجهّال أمام عظمتها وشموخهما ، وهم حيارى أمام تلك العظمة، رغم أنّ هذا الذي ذكر في الأحاديث أمثلة وإشارات فقط ، وإلّا فالظاهر أنّه في غاية التعقيد والتعظيم ، حتّى لا يطيق الصبر والمقاومة جهابذة الغرب وأعاظم علمائها وصنّاعها ، ورجال سياساتها وقادة عساکرها ، فيستسلمون له في حينه ، كما استسلم آباؤهم وأجدادهم من قبل لحامل لوائه روح الله المسيح عَلَيهِ السَّلَامُ، حين أحيا لهم الموتى ، وأخذ يشافي الأبرص والأكمه ، ويقضي على الأمراض التي عجز طبّ الرومان رغم تطوّره المدهش ونبوغه المذهل من القضاء عليها.

10- ومن هذا القبيل قول مولانا الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم أتی رحبة الكوفة فقال برجله هكذا ، وأومأ بيده إلى موضع .

ثمّ قال : احفروا هاهنا، فيحفرون ، فيستخرجون اثني عشر ألف درع، واثني عشر ألف سيف ، واثني عشر بيضة ، لكلّ بيضة وجهان ، ثمّ يدعو اثني عشر ألف رجل من الموالي من العرب والعجم ، فيلبسهم ذلك ، ثمّ يقول : من لم يكن عليه مثل

ص: 391

ما عليكم فاقتلوه »(1).

ونظير هذا المعنى ممّا يدلّ على غرابة العلم في عصر ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، وبلوغه القمّة التي لا يرقى إليها طير من طيور الفكر والعقل في زماننا هذا، وما جاء في الرواية التالية:

11- عن أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم استنزل المؤمن الطير من الهواء فيذبحه فيشويه ويأكل لحمه ولا يكسر عظمه ، ثمّ يقول له: إخي بإذن الله ، فيحيي ويطير ، وكذلك الظباء من الصحاري ويكون ضوء البلاد ونورها ، ولا يحتاجون إلى شمس ولا قمر ، ولا يكون على وجه الأرض مؤير ولا شر ، ولا سمُّ ، ولا فساد أصلا ؛ لأنّ الدعوة سماويّة ليست بأرضيّة ، ولا يكون للشيطان فيها وسوسهٌ ولا عملً، ولا حسدً، ولا شيء من الفساد، ولا تشوك الأرض والشجر ، وتبقى الأرض قائمة ، كلّما أخذ منها شيء نبت من وقته ، وعاد كحاله ، وإنّ الرجل ليكسو ابنه الثوب فيطول معه كلّما طال ، ويتلون عليه أيَّ لونِ أحبَّ وشاء ، ولو أنّ الرجل الكافر دخل جُحر ضَبًّ أو توارى خلف مَدَرةٍ ، أو حجرٍ ، أو شجرٍ لأنطق الله ذلك الشيء الذي يتوارى فيه ، حتّى يقول : يا مؤمن خلفي کافر فخذه ، فيؤخذ

ص: 392


1- الاختصاص: 334. إثبات الهداة: 558/3.

ويقتل ، ولا يكون لإبليس هیکل -أي بدن- يسكن فيه ، ويصافح المؤمنون الملائكة ، ويوحى إليهم - أي يلهمون - ويحيون ويجتمعون الموتى بإذن الله ، قالوا : يأتي على الناس زمان لا يكون المؤمن إلّا بالكوفة ، أو يحنّ إليها »(1).

12- وعن الإمام أبي الحسن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه قال : « إذا قام القائم يأمر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين ، والجلوس معهم في مجالسهم ، فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله ، فيحمله الملك حتّى يأتي القائم ، فيقضي حاجته ، ثمّ يرده ، ومن المؤمنين من يسير في السحاب ، ومنهم من يطير مع الملائكة ، ومنهم من يمشي مع الملائكة مشياً ، ومنهم من يسبق الملائكة ، ومنهم من يتحاكم الملائكة إليه، والمؤمن أكرم على الله من الملائكة، ومنهم من يصيّره القائم قاضياً بين مائة ألفٍ من الملائكة»(2).

13- وفي حديث طويل عن الرجعة وأحوال ما بعد الظهور يقول

ص: 393


1- دلائل الإمامة: 246. إثبات الهداة: 573/3. حلية الأبرار: 635/2، 681 و 682.
2- دلائل الإمامة: 241. إثبات الهداة: 573/3.

فيها -في آخرها- الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ:«... ثمّ إنّ الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض ، وما كان فيها ، حتّى أنّ الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته ، فيخبرهم بعلم ما يعلمون »(1).

14- وعن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ في حديث ، إلى أن قال : « ... ويقذف في قلوب المؤمنين العلم ، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم ، فيومئير تأويل هذه الآية : ﴿يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾(2)»(3).

هكذا تتدفّق عيون العلم والحكمة من معينها الزلال الصافي ، و تنفجر ينابيعها، وتعمّ البشريّة خيراتها وبرکاتها التي حرموا منها طيلة قرون وقرون ، صدّهم عن ذلك ومنعهم من بلوغ تلك النعم الجسام جشع الفئة الباغية التي تسلّقت عرش الخلافة الإلهيّة ، و تقمّصت ثوب الخلافة الحقة ، ونزت على منبر رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه جهرةً، تلعب وتعبث بمقدّرات هذه الأمّة.

وإذا عرف إنسان هذا العصر المغرور بما وصل إليه من العلم والصناعة - أنّه لم يبلغ معشار ما خفي عليه، وما سيظهره الإمام

ص: 394


1- الخرائج والجرائح: 2/ 850. مختصر البصائر: 50.
2- سورة النساء: الآية 130.
3- مختصر البصائر: 519 و 520.

القائم عَلَيهِ السَّلَامُ إن شاء الله تعالى ، فإنّه سيهبط عن صهوة جواد الغرور الذي يركبه ، ويمتطيه ، ويصبح إنساناً سويّاً كما ينبغی.

وباعتقادي أنّه عَلَيهِ السَّلَامُ سيأتي بقواعد وأصول وأسس للعلوم ، سواء العقليّة أو التجريبيّة والعمليّة منها ، تقلب الأمور وحسابات أهل الدنيا رأساً على عقب ، يملأ بها الدنيا بهجةً وسعادة وسروراً، علوم نافعة كاملة ، لا تخلف آثاراً سلبيّة على حياة الإنسان ، بل لا تترك من ورائها إلّا ما ينفع الناس ويفيدهم في شتّى حقول الحياة ، وفي كافّة جوانبها ، علوم يعلّمها النّاس ويكشف عنها الحجاب ، ويزيح عن أسرارها ستائر الجهل ، لم تكن خطرت على قلب إنسان ، ولا مرّت بباله ، وحرمت عن بركاتها وثمراتها ومنافعها البشريّة أیما حرمان ، بعد تقمّصها الخلافة من أهلها ، ومنع العلماء الربّانيّين الصادقين من ممارسة دورهم الرسالي ، وصرف أنظار النّاس عنهم إلى غيرهم ، وسيأتي بالعلوم من نبعها الزلال الصافي من غير أن تشوبه شائبة وهمٍ باطل ، أو كدورة خيال زائل، منقّحة نقيّة شافية وافية.

بيان ذلك: أنّ شأن العلوم التي كان فتقها ورتقها بيد الإنسان الناقص ، من غير إشرافٍ من الإنسان الكامل على مراحل نشأتها و تطوّرها وانبثاقها ، شأن التشريعات الأرضيّة وتسنين القوانين

ص: 395

ووضعها من قبل الإنسان للإنسان ذاته ، فكما أنّ وضع القوانين لم يكن ليرقى إليه عقل هذا الإنسان القاصر في الأزمنة الغابرة ، وبتبعها الأزمنة اللّاحقة حتّى المحاضرة ، إلّا بتقليد من الشرائع السماويّةودساتير الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم ، فكذلك نشأةالعلوم وتطورها على كافّة مستوياتها وأصعدتها ومجالاتها وتخصّصاتها ، فإنه لولا تعليم الأنبياء والرسل والأئمّة الهداة لهذا البشر القاصر الناقص ، ولولا تعاليمهم في هذا المجال لما التفتت إليها عقولهم ، ولا انفجر هذا البركان في وجودهم ووجدانهم، لكنّهم أخذوا أصل الفكرة وبعض الأصول والقواعد المسلّمة لجميع العلوم ومنها علم التشريع والتسنين من أولياء الله جلّ وعلا ، ثمّ بنوا عليها بنیاناً ، بل أبنية ، غير مستقيمة ، ظهر الخلل فيها كلّما تقدّموا في البناء ، ومهما طال المبني وكبر ، حتى غدى ما أسّس لأهداف سامية في نظرهم ، ولكي يحقّق السعادة للبشريّة والرفاه والرخاء والصلاح لهم ولذرّيّتهم ، غدى يهدّد حياتهم، ويكاد يقضي على وجودهم ؛ لأنّه يؤرّق ضميرهم ووجدانهم، ويسلب الراحة من أعينهم ، ويزيدهم توتراً وقنوطأ من مستقبلهم ومستقبل ذراريهم وأجيالهم ، فلم يعد الإنسان ينام قرير العين كما كان ينبغي ؛ لأنّ سلاح العلم الذي أسّس بنيانه على شفا جفٍ هار ، بدأ ينهار به في نار جهنّم ، صنعته يداه

ص: 396

بعقله غير المعصوم القاصر، فأصبحت حياته جحيماً لا تطاق ، ببركة علوم لم يشرف عليها الإمام المعصوم عَلَيهِ السَّلَامُ وإن وضع قوانينها وأصولها ، بل خاضها البشر بعقله القاصر ، ظانّاً أنّه سيبلغ شأوها و شاهقها ، وأنّه سيملأ بها الدنيا سعادة وبهجة ورفاهيّة ، وسيملك بها السماوات والأرض.

غير أنّه استخدم علم التشريع الذي امتدّ حبله من السماء ، في وضع تشريعات و تسنین قوانین مخالفة لإرادة باريها والخالق الحكيم جلّ وعلا ، فقطع الحبلالممدود من السماء ، وخطّ بيديه الملوّثتين بشتّى ضروب المعاصي والذنوب وبعقله المتكدّر بأصناف القصور وأنواع التقصير ، قوانين ليس مآلها إلّا الخيبة والخسران ، ولا تجني له سوی الشوكة والحنظل ، فتحيل حياته جحيماً ينذر بكارثة أخلاقيّة لا يعلم مداها إلّا الله عزّ وجلّ ، هذا في مجال وضع القوانين وتشريعها.

ولعلّ الكارثة في سائر العلوم واتّجاهاتها ، والجوانب الأخرى من الحياة وأصقاعها باتت أكبر ، وصارت تنذر بخطر أعظم ، وأنت ترى وتسمع كلّ يوم وليلة ، بل في كلّ ساعة من ساعات ليلك أو نهارك ، تقارير وأخباراً عمّا خلّفته و تخلّفه هذه العلوم والتكنولوجيا والصناعات من آثار مدمّرة مهدّدة لسلامة الإنسان وحياته ووجوده ، بل لسلامة الأحياء، الحيوان والنبات وغيرها قاطبة ،

ص: 397

ومضرّة بالكرة الأرضيّة ، وهذه المعمورة بأسرها ، تهدّد ما فيها وما عليها من حيًّ وجامدٍ ميّت على حدًّ سواء. تجوّل سریع و نظرة عابرة على تلك الأخبار والوثائق والمستندات والتقارير تضع المرء أمام حقيقة مخيفة مدهشة ، فإنّا لا نكاد نجد علاجاً أو عقاراً أو دواءً اكتشفه الأطباء وعلماء الطب ، ولا طريقة علاج اكتشفوها ، ولا أداة اخترعوها للعلاج إلّا وتأتينا الأنباء مسرعة على استحياء تارةً، وعلى حين غرّة تارةًأخرى ، أنّ كم من النّاس أصيبوا بداء عضال ، أو ماتوا وقضوا نحبهم ، بسبب هذا العقار أو الدواء أو طريقة العلاج أو أداته ، بل نسمع أحياناً تقارير عنها متناقضة ، حتًى أنً بعض هذه السلبيّات والنتائج السلبيّة المقيتة يتمّ الكشف عنها أو الإفصاح عنها بعد عشرات منالسنين ، وما استطاع علم الطب ولن يستطيع -لو استمرّ على هذا المنوال - أن يكتشف أو يخترع أو يصنع شيئاً خالياً من العوارض ، بحيث يعالج فقط ، من غير أن يخلّف آثاراً جانبيّة ، ولا يتسبّب في أمراض معضلة ، ولا يودي بحياة الإنسان ، ولا يهدّد سلامته وكيانه ، إذ شأن الطب التداوي والعلاج لا إصلاح جانب وإفساد جوانب أخرى.

وكذلك نظرة عابرة على الوثائق والمستندات تذهل العاقل حين يجد أنّ المصانع لم تصنع له وسيلة رفاهيّة قطّ ، وأداة سعادة وراحة

ص: 398

قطّ ، إلّا وهي تحمل معها و تخفي له في طيّاتها الخراب والدمار والشقاء له وللطبيعة من حوله ، فعلى سبيل المثال : هذه السيّارة التي لا يكاد يستغني عنها إنسان في عصرنا هذا، وكذلك الثلّاجة والغسّالة والمكيّف ومبردة الماء والطائرة والباخرة والمكائن الحديثة وآلات الحرث والزرع التي يستخدمها في حقوله الزراعيّة وأدوات البناء ، وكلّ ما يحيط به من صنائع يخالها في خدمته ، تذلّل له عقبات الحياة ، وتسهّل عليه سبل العيش ، كلّ ذلك وكلّ تلك الآلات والأدوات والصنائع والمصانع ما زادت الإنسان إلّا إرهاقاً فكريّاً، وقنوطاً من الحياة ، وعتمة وسوداويّة في نظرته إلى المستقبل وأمله في الحياة ، لم ترفع عنه عناءه لأنّها وإن ضمنت له راحة جسمانيّة آنيّة فإنّها حمّلته عناءً وأثقلت كاهله وزادته إرهاصات وأمراضأ وعقداً نفسانيّة ، وهدّدت حياته المعنويّة وروحانیّته الماورائيّة الميتافيزيقيّة إلى الخطر الجسيم ، بل هدّدت حياته الطبيعيّة أيضاً إلى الخطر ؛ لأنّها تترك من ورائها آثاراً، وإشعاعات ، وموادّ سامّة ، وغازاتکیمیاويّة ، وعشرات الأمور الأخرى المضّرة بالحياة على هذا الصعيد ، ولا يخفى على أحدٍ ما تعانيه الطبيعة من حولنا التي هي وسادة راحتنا ، وفيها نبض حياتنا - من الأخطار المحدقة بسلامتها ومستقبلها ، فارتفاع الحرارة أمر غدى يقلق الساسة والحكّام والمحكومين ، وذوبان الجليد

ص: 399

في القطبين، ومأساة ثقب طبقة الأوزون ، والفساد الذي خلّفه العلم والتكنولوجيا الحديثة المتطوّرة بعيداً عن إشراف المعصوم عَلَيهِ السَّلَامُ الخارجة عن سلطانه ، هذه المفاسد وتلك الآثار الهدّامة المخرّبة المدمّرة ملئت البرّ والبحر ، وطغت طغیاناً سافراً حتّى تجاوزت حدودالأرض وبلغت عنان السماء ، ﴿ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾(1).

ثمّ قس عليها ما شئت من العلوم التي خاضها البشر القاصر، واقتحم بحر لجّيها ، وجاب بين فجاجها ، إنك لا تجد شيئاً منها إلّا وكانت مساوئها ومضارّها على المدى القريب أو البعيد أكثر من نفعها وخيراتها ، أليس هذا ينذر بخطر عظيم ، ويدعو إلى التأمّل ويومئ إلى وجود خلل في سلوك الإنسان وطريقته في العيش والحياة عموماً، وفي منطلقاته و تأسیساته وأصوله العلمية والصناعيّة على وجه الخصوص ؟ ألا يكفي هذا التعثّر طيلة القرون المستادية في المكاسب والمكتسبات المرجوّة من العلم والصناعة ليكون عبرة يحول دون تمادي البشر في غيّه ومسارعته نحو مذبحه ويصدّه عن السباق نحو مدفنه ؟ أما حان للإنسان أن يستقيظ من هذا السبات ويثور على

ص: 400


1- سورة آل عمران: الآية 182. سورة الأنفال : الآية 51.

هذا النهج السقيم المرير الذي يسوقه حتّى أصبح قاب قوسين أو أدنى من هاوية السقوط ؟ هل العيب في العلم أم في من يخوضه ویسبر أغواره ويستعمله ويكشف عن أسراره ؟ وهل النقص في العلم أم في عقولنا القاصرة العاجزة عن الإحاطة بأسراره وحقائقه لكي نتجنّب مضارّه و شروره؟

حاشا وكلّا ، وهيهات أن يكون العيب والنقص في العلم ومنه ، فالعلم نور يمتنع أن يردي بصاحبه ، ويسوقه إلى منحره ويعتّم عليه الحياة ، والعلم هدىً واستقامة وهداية ، يستحيل أن يغوي صاحبه أو يضلّه ، فليس الخلل في العلم قطعاً، فأين العيب وأين الخلل یا أولي الألباب ؟

وكيف كان وعوداً على بدء ، نقول : هذا الخلل الذي حيّر عقول المبدعين والمفكّرين والعلماء والمخترعين والمكتشفين ، والصناعيّين والخبراء والسياسيّين والحكّام وصنّاع القرار ، بل والمحكومين من النّاس کافّة ، نابع بلا أدنى شكّ عن تحلّل الإنسان عن ربقة العبوديّة ، والتمرّد على وليّ نعمته وخالقه ، والعصيان لأوامره، وعدم الطاعة الأنبيائه ورسله وأوليائه الأئمّة الهادين المهديّين ، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين، وعدم متابعتهم ، وعدم الأخذ بتعاليمهم ، وعدم العمل تحت إشرافهم الدائم ، وعدم الأخذ من نبعهم الصافي ومعينهم

ص: 401

الزلال ، واستبدادهم في القرار، وانفرادهم في دروب العلم والمعرفة ، وإعراضهم عن تعاليم الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم.

فإذا ظهر المهدي المنتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه ، أظهر لهم حقائق العلوم جملة وتفصيلاً، وفتح لهم أبوابها شرّعاً، وأخرج لهم دفائنها وكنوزها ، وكشف لهم النقاب عن معینها ومنابعها ودقائقها ولطائفها ، وأماط اللثام عن أسرارها، وغاص بهم أعماق بحارها ، وجال بهم بين سهولها وجبالها ، وبرارها وصحارها ، وذللها وعثارها ، وجنانها ووديانها، وسقاهم من كأسها الأوفي ، وأطعمهم من أطيب ثمارها ، وحلّق بهم إلى ملكوتها وجبروتها ، وكساهم أجمل حلیّها وأفضل حریرها و دیباجها واستبرقها ، وأرقي كسوتها، حيث يؤتي العلم ثماره ولا يظلم منها شيئاً ، فتصحبه الخيرات والبركات ، وتكون الصناعات نافعة لا تشوبها الأضرار، ويصبح الطب منزّهاً صفواً من عوارض الأكدار ، ويغدو خلوّاً من ترتّب الأعراض والآثار السلبيّة على حياة الإنسان.

هكذا سيكون العلم ، وينبغي أن يكون ، و هكذا سينعم الإنسان ، كما ينبغي أن يعيش وينعم ، وهكذا تكون الحياة ، وينبغي أن تكون ، فلا استغراب ولا تعجّب إذا كان المهدي صلوات الله عليه خليفة الله في أرضه ، وحجّته على عباده ، وهو خلاصة أنبيائه وأوصيائه

ص: 402

وأوليائه ، والمأمول الذي ادّخر ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ويصلحها ويعمّرها ، وهو بشارة الله في كتابه الكريم ، وكتبه السابقة ، وبشارة أنبيائهورسله ، وأمل المستضعفين والمحرومين ، وهو الجامع لأفضل صفات الأنبياء، والمستجمع لكمالاتهم ، والمدّخر لتحقيق رسالاتهم وأهدافهم ، التي حال دون تحقّقها غلبة أهل الباطل وأعوان الطغاة والفراعنة على أهل الحقّ والفئة القليلة المؤمنة المهتدية في العصور والأزمنة كلّها ، فإنّا ننتظر بفارغ الصبر، وبعيون ساهرة، ونترقّب بما أوتينا من قوّة الإدراك وأدوات الحواسّ هذا اليوم ، ونتأمّل ظهور المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه.

ص: 403

ص: 404

الدرس الخامس والعشرون: دولة الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأمّا مّدة ملكه عَلَيهِ السَّلَامُ:

1- فالمروي من طريق أهل السنّة كما مرّ في تضاعيف الأخبار التي نقلناها من طرقهم فيا تقدّم أنّه يملك -أو يمكث- يلبث سبعاً أو ثمانیاً أو تسعاً أو خمساً(1).

2- وروي : « تسعاً أو عشراً».

وروي : « يملك سبعاً أو عشراً».

ص: 405


1- الحاكم: 465/4. عبدالرزاق : 371/11. إسعاف الراغبين : 145. تذكرة القرطبی: 700/2 . عقد الدرر: 16 و 17، 238. تذكرة الحفاظ : 838/3. العطر الوردي : 44. الترمذي : 506/4.

وروي: « يلبث ستّاً أو سبعاً أو ثماني أو تسع سنين »(1).

3- أمّا المروي من طريق الشيعة ، فعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « أنّه يملك سبع سنين تطول له الأيّام حتّى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيّكم ، فيكون سنو ملکه سبعين سنة من سنيكم هذه»(2).

4- و نحوه عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ، فقيل له : جعلت فداك ، فكيف تطول السنون ؟ قال : « يأمر الله الفلك باللبوث وقلّة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون». قيل له : إنّهم يقولون : إنّ الفلك إن تغيّر فسد ؟ قال : « ذلك قول الزنادقة ، فأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك ، وقد شقّ لله القمر لنبيّبه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وردّ الشمس من قبله ليوشع بن نون عَلَيهِ السَّلَامُ، وأخبر بطول يوم القيامة ، وأنه كألف سنة مما تعدّون»(3).

5- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « أن القائم عَلَيهِ السَّلَامُ يملك ثلثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم »(4).

6- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « والله ليملكن رجل منّا أهل البيت ثلاثمائة سنة

ص: 406


1- المصادر المتقدمة
2- الإرشاد: 381/2 ، 385. الغيبة / الطوسي : 283، 474. روضة الواعظين : 264/2.
3- الفقيه: 234/1. الإرشاد : 385/2. الغيبة / الطوسی: 283.
4- بحار الأنوار : 390/52. إثبات الهداة : 584/3.

وثلاث عشر سنة ، ويزداد تسعاً » قيل له : ومتى يكون ذلك ؟ قال : « بعد موت القائم» ، قيل : وكم يقوم القائم في عالمه حتّى يموت ؟ قال : « تسع عشرة سنة من يوم القيامة إلى يوم موته »(1).

7- وفي عدّة روايات : عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « ملك القائم منّا تسع عشرة سنة وأشهر »(2).

8- وعن الحسن بن عليّ ، عن أبيه عَلَيهِ السَّلَامُ: « يبعث الله رجلاً في آخر الزمان » - إلى أن قال : - « يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً ، فطوبی لمن أدرك أيّامه وسمع كلامه »(3).

9- قال المفيد عليه الرحمة - بعد ذكر رواية السبع سنين التي كلّ سنة مقدارها عشر سنين التي تقدّمت - ما لفظه : « وقد روي أنّ مدّة دولة القائم عَلَيهِ السَّلَامُ تسع عشرة سنة تطول أيّامها وشهورها ، على ما قدّمناه ، وهذا أمر مغيب عنّا، وإنما ألقي إلينا منه ما يفعله الله عزّ وجلّ بشرط يعلمه من المصالح المعلومة له جلّ اسمه ، فلسنا

ص: 407


1- مختصر البصائر : 39، 49، 214. الغيبة النعماني : 332. الاختصاص : 257. الغيبة / الطوسي : 478.
2- الغيبة / الطوسی: 331. إثبات الهداة : 547/3.
3- بحار الأنوار : 280/52. إثبات الهداة : 547/3.

نقطع على أحد الأمرين وإن كانت الرواية بذكر سبع سنين أظهر وأكثر »(1).

10- وفي البحار : الأخبار المختلفة الواردة في أيّام ملکه عَلَيهِ السَّلَامُ، بعضها محمول على جميع مدّة ملكه ، وبعضها على زمان استقرار دولته ، وبعضها على حساب ما عندنا من السنين والشهور ، وبعضها على سنیّه وشهوره الطويلة ، والله يعلم(2).

وأمّا ما تكون عليه الأرض وأهلها مدّة ملكه :

11- فعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنورها [بنور ربّها خل] واستغنى العباد عن ضوء الشمس ، وذهبت الظلمة ، ويعمّر الرجل في ملكه حتّى يولد له ألف ولد ذكر لا يولد فيهم أنثى ، وتظهر الأرض من كنوزها حتّى يراها الناس على وجهها ، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ، ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك ، استغنى النّاس بما رزقهم الله من فضله »(3).

ص: 408


1- الإرشاد : 386/2.
2- بحار الأنوار: 280/52.
3- روضة الواعظين: 264. دلائل الإمامة : 454، 486. الغيبة / الطوسي: 468. إعلام الوری: 293/2.

12- وعن الإمام عليّ بن موسى الرضا عَلَيهِما السَّلَامُ:

«... فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره - بنور ربّها - ووضع میزان العدل بين النّاس ، فلا يظلم أحد أحداً، وهو الذي تطوى له الأرض ، ولا يكون له ظلّ ، وهو الذي ينادي منادٍ من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه ، يقول : ألا إنّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه ، فإنّ الحقّ معه ، وفيه ، وهو قول الله عزّ وجلّ:﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیهِمْ مِنَ السَّماءِ آیةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ﴾(1)»(2).

وأمّا سيرته عند قيامه:

13- فعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«إذا أذن الله له في الخروج صعد المنبر فدعا النّاس إلى نفسه ، وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقّه ، وأن يسير فيهم بسنّة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ويعمل فيهم ، فيبعث الله جبرئيل حتّى يأتيه فينزل على الحطيم يقول : إلى أي شيء تدعو ؟ فيخبره ، فيقول : أنا أوّل من يبايعك أبسط يدك فيمسح على يده » - الحديث(3).

ص: 409


1- سورة الشعرا: الآیه 4.
2- کمال الدين : 371. كفاية الأثر: 275.
3- الإرشاد: 382/2 . روضة الواعظين : 265/2. إعلام الوری : 431. الصراط المستقیم: 253/2. بحار الأنوار: 337/52.

14- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ في دعا النّاس إلى الإسلام جديداً(1)، وهداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور ، وإنّما سمّي المهدي مهدية ؛ لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه ، وسمي القائم لقيامه بالحقّ»(2).

15- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ هدم المسجد الحرام حتّى پردّه إلى أساسه وحوّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه(3)، وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة ، وكتب عليها هؤلاء سرّاق الكعبة»(4).

16- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ جاء بأمر جديد (5)، كما دعا رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، في بدو الإسلام إلى أمر جديد »(6).

ص: 410


1- أي إلى الإقرار والعمل بما در من شرائع الإسلام ، والله العالم.
2- روضة الواعظين : 264. الإرشاد: 383/2.
3- المقام هو الصخرة التي كان يقوم عليها إبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ حين بناء الكعبة ، وعليها أثر قدمه ، وهي الآن بعيدة عن الكعبة مقابل الركن الذي فيه الحجر الأسود ، و عليها بناء من خشب ويصلي الناس خلفها ، والمروي أنها كانتبجنب الكعبة قريب الباب.
4- روضة الواعظين : 265. الإرشاد: 383/2 . کشف الغمة : 264/3.
5- وهو الإقرار والعمل بما در من شرائع الإسلام كما مر.
6- الإرشاد: 384/2. الغيبة/الطوسي: 282 و 283. إثبات الهداة : 448/3.

17- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ نحوه ، وزادوا: «أنّ الإسلام بدئ غريباً وسيعود غريباً كما بدئ ، فطوبى للغرباء»(1).

18- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا خرج يقوم بأمر جديد ، وکتاب جديد(2)، وسنّة جديدة ، وقضاء جديد على العرب شديد ، وليس شأنه إلّا القتل لا يستبقي أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم»(3).

قلنا: إنّ لفظة العرب يراد بها غير الشيعة من سائر فرق المسلمين ، راجع مبحث أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه في الدرس الثامن.

19- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ في حديث : « لكأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع له النّاس بأمر جديد وكتاب جديد وسلطان جديد من السماء أما أنّه لا تردّ له راية أبدا حتى يموت »(4).

20- وعن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : «سمعت رسول الله صلى الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه

ص: 411


1- کمال الدين: 201. عيون أخبار الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 281/1 و: 200/2. الإيقاظ من الهجعة : 107. تفسیر فرات الكوفي : 44. شرح الأخبار : 371/3. الغيبة / النعمانی : 321 و 322.
2- في تفسيره وبيان أحكامه.
3- مختصر البصائر : 231. الغيبة / النعماني : 233، 235، 255.
4- الغيبة / النعماني : 262.

يقول : ... وإنّ الله تبارك وتعالی سيجري سُنّته في القائم من ولدي فيبلغه شرق الأرض وغربها ، حتّى لا يبقي منهلاً ولا موضعاٌ من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلّا وطئه ، ويظهر الله عزّ وجلّ له كنوز الأرض ومعادنها ، وينصره بالرعب ، فيملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(1).

21- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ-في حديث-: «يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها ، ويقتل الناس حتّى لا يبقى إلّا دین محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، يسير بسيرة سليمان بن داوود عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

22- وفسّر في بعض الأخبار الآتية بأنّه لا يريد بيّنة ، وعن الحسن بن عليّ ، عن أبيه عَلَيهِم السَّلَامُ: « يبعث الله رجلا في آخر الزمان وكلب من الدهر ، وجهل من النّاس ، يؤيّده الله بملائكته ، ويعصم أنصاره ، وينصره بآياته ، ويظهره على الأرض حتّى يدينوا طوعاً أو كرهاً ، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً وبرهاناً ، يدين له عرض البلاد

ص: 412


1- كمال الدين : 394. إعلام الوری : 412 و 413. إثبات الهداة : 3/ 480.
2- دلائل الإمامة : 241. الغيبة / الطوسی: 283. بحار الأنوار: 390/52. الغيبة / النعماني : 320، مثله باختلاف : تفسير العياشي: 1/ 183.

وطولها لا يبقى کافر إلّا آمن ولا طالح إلّا صلح وتصطلح في ملکه السباع وتخرج الأرض نبتها ، وتنزل السماء بركتها ، وتظهر له الكنوز »(1).

23- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ حكم بالعدل ، وارتفع في أيّامه الجور ، وأمنت به السبل ، وأخرجت الأرض بركاتها ، وردّ كلّ حقّ إلى أهله ، ولم يبق أهل دين حتّى يظهروا الإسلام، ويعترفوا بالإيمان ، أما سمعت الله سبحانه يقول:﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾(2)، وحكم بين النّاس بحكم داود عَلَيهِ السَّلَامُ، وحكم محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فحينئذ ظهر الأرض کنوزها ، وتبدي بركاتها ، ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً الصدقته ولا لبره ، لشمول الغني جميع المؤمنين »(3).

24- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم سار إلى الكوفة ، فيهدم بها أربعة مساجد ، ولم يبق على وجه الأرض مسجد له شرف إلّا هدمها ، وجعلها جماء ، ووسع الطريق الأعظم ، وكسر كلّ جناح

ص: 413


1- الاحتجاج: 290/2. إثبات الهداة : 524/3. بحار الأنوار : 20/44.
2- سورة آل عمران : الآية 83.
3- الإرشاد : 384/2 و 385. روضة الواعظين : 265.

خارج في الطريق ، وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات ، ولا يترك بدعة إلّا أزالها ، ولا سنّة إلّا أقامها ، ويفتح قسطنطينيّة والصين وجبال الديلم» - الحديث(1).

25- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ القائم منّا منصور بالرعب ، مؤيّد بالنصر ، تطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرقوالمغرب، ويظهر الله عزّ وجلّ به دینه ، ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرضخراب إلّا غمّر » - الحديث(2).

26- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا قام قائم آل محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه حكم بين النّاس بحكم داود ، ولا يحتاج إلى بيّنة يلهمه الله تعالى ، فيحكم بعلمه ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه ، ويعرف وليّه من عدوه بالتوسّم . قال الله عزّ وجلّ:﴿إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَ إِنَّهٰا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾(3)»(4).

ص: 414


1- الإرشاد: 384/2. الغيبة / الطوسي : 475. بحار الأنوار: 91/55. روضة الواعظين : 265. الفقيه : 283 و 284.
2- مختصر إثبات الرجعة : 216 و 217. إثبات الهداه : 570/3. کشف الأستار: 222. كمال الدين : 331.
3- سورة الحجر : الآيتان 75 و 76.
4- روضة الواعظين : 266. الإرشاد: 386/2، ومثله باختلاف: الكافي : 397/1. الخرائج والجرائح : 861/2.

27- قال الشيخ المفيد: «ولیس بعد دولة القائم عَلَيهِ السَّلَامُ لأحد دولة إلّا ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك ، فلم يرد على القطع والثبات وأكثر الروايات أنّه لن يضي مهدي امّة إلّا قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الهرج والمرج وعلامات خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء ، والله أعلم بما يكون»(1).

ص: 415


1- الإرشاد: 387/2.

ص: 416

الدّرس السادس والعشرون: الدعاء لصاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ وعنه

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

إذا كان الدعاء عبارة عن الطلب من الداني إلى العالي ، وسؤال الفقير المحتاج الضعيف من القويّ الغني على الإطلاق ، وكان عبارة عن الخشوع والخضوعوالتضرّع والتوسّل والرجاء، وغذاء الروح الذي لا يقوم مقامه غيره من أغذية الروح ، ولا يسدّ مسدّه شيء من الأطعمة المعنويّة ، وما أحوج النفس الإنسانيّة وروحه المجرّدة إلى هذا الغذاء ، حتّى أمرنا بالدعاء والقنوت - في كلّ صلاة فريضة ونافلة ، وبعد كلّ صلاة ، و في كلّ ساعة من الليل والنهار وفي جميع تقلّباتنا وأحوالنا ، إذا كان الأمر كما ذكرنا فما هي أهمّیتة الدعاء في الكتاب والسنّة ؟ وما الآداب التي ذكرت فيها وينبغي مراعاتها قبل أو أثناء الدعاء ؟

ص: 417

وللإجابة نقتصر على إيراد جملة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في هذا الخصوص :

قال تعالى في محكم كتابه : ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾(1).

وقال تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ﴾(2).

أما الأحاديث الشريفة في هذا الخصوص :

1- قال النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « ما من شيء أكرم على الله من الدعاء»(3).

2- وفي رواية عن العالم - موسی بن جعفر عَلَيهِما السَّلَامُ -: «... والتي بيني وبينك : فعليك الدعاء وعلى الإجابة »(4).

3- وقال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « أفضل عبادة أمتي بعد قراءة القرآن الدعاء»(5).

ص: 418


1- سورة البقرة: الآية 186.
2- سورة إبراهيم: الآية 39.
3- دعوات الراوندي
4- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 354. الفقيه: 290/4. معاني الأخبار: 137. أمالي الصدوق: 487. الكافي: 118/2.
5- دعوات الراوندي: 19.

4- وفي دعاء كميل الشهير: «یَا سَرِيعَ الرَّضا، إِغفِر لِمَن لَا يَملِكُ إِلَّا الدُّعَاءَ ...»(1).

ه- وعن العالم عَلَيهِ السَّلَامُ: « الدعاء أفضل من قراءة القرآن ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً﴾ (2)»(3).

6- وروى ابن بابویه رَضِی اللهُ عَنه: « وأفضل الدعاء الصلاة على رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، والدعاء لإخوانك المؤمنين ، ثمّ الدعاء لنفسك بما أحببت»(4).

7- وقال النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « ما من الذَّكر شيء أفضل من قول لا إله إلّا الله ، وما من الدعاء شيء أفضل من الاستغفار»، ثمّ تلا: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾(5).(6)

8- وقال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « الدعاء مخّ العبادة ، ولا يهلك مع الدعاء أحد»(7).

ص: 419


1- مصباح المتهجد: 850 ، وسائر كتب الأدعية.
2- سورة الفرقان: الآية 77.
3- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345.
4- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345.
5- سورة محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: الآية 19.
6- دعوات الراوندي: 20.
7- دعوات الراوندی: 18.

9- وقال النبيّ الأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « يا عليّ ، الداعي بلا عمل کالرامي بلا وتر»(1).

10- وقال النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «دعوة في السرّ تعدل سبعين دعوة في العلانية »(2).

11- وفي المأثور عنهم عَلَيهِم السَّلَامُ: « ... وَاغفِر لِىَ الذُّنُوبَ الَّتي تَرُدُّ الدُّعاء ...»(3).

12- وفي المأثور أيضاً: «... وَأَعِوذُ بِكَ مِنَ الذِّنُوب الَّتي تَرُدُّ تَحبِسُ الدُّعاءَ ...»(4).

13- وقال النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « تدعون ربّكم بالليل والنهار ، فإنّ سلاح المومن الدعاء»(5).

14- وعن الإمام الرضا صلوات الله عليه أنّه قال : «عليكم بسلاحالأنبياء » ، فقيل له : وما سلاح الأنبياء یابن رسول الله ؟ فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: « الدعاء»(6).

ص: 420


1- دعوات الراوندي: 19.
2- دعوات الراوندي: 18.
3- المقنعة: 321. مصباح المتهجد: 605.
4- مصباح المتهجد: 572، 844.
5- دعوات الراوندي: 18.
6- دعوات الراوندي: 18.

15- وقال النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:« إن الله تعالى يحبّ الملكين في الدعاء»(1).

16- روی شیخ الطائفة رَحْمَةِ اللَّهِ في الدعاء: «... يا من لا تزیده کثرة الدعاء إلا كرماً وجوداً، يا من لا يزداد على كثرة الدعاء إلّا كرماً وجوداً...»(2).

17- قال الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ الدعاء يردّ القضاء المبرم بعد ما أبرم إبراماً، فأكثروا من الدعاء ، فإنّه مفتاح كلّ رحمة ، ونجاح كلّ حاجة ، ولا ينال ما عند الله إلّا بالدعاء ، إنّه ليس من باب يكثر قرعه إلّا ويوشك أن يفتح لصاحبه»(3).

18- وقال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:«لا تعجزوا عن الدعاء ، فإنّه لم يهلك مع الدعاء أحد ، وليسأل أحدكم ربّه حتّى يسأله شسع نعله إذا انقطع ، واسألوا الله من فضله فإنّه يحبّ أن يُسأل »(4).

19 - قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « إذا قلّ الدعاء نزل البلاء»(5).

ص: 421


1- دعوات الراوندي: 20.
2- مصباح المتهجد: 114.
3- دعوات الراوندي: 17. الكافی: 470/2.
4- دعوات الراوندي: 19.
5- دعوات الراوندي: 20.

20- وقال أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ:« ادفعوا أمواج البلاء بالدعاء »(1).

21- ویروي الصدوق - ابن بابویه رَضِی اللهُ عَنه- عن العالم عَلَيهِ السَّلَامُ-أي الإمام الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ - أنّه قال : « « لكلّ داء دواء»، سألته عن ذلك ، فقال : «لكلّ داء دعاء ، فإذا اُلهِمَ العليل الدعاء ، فقد أذن في شفائه »(2).

22- وروى أيضاً: «أن الدعاء يدفع من البلاء ما قُدّر وما لم يقدّر» ، قيل : وكيف يدفع ما لم يقدَّر ؟ قال : « حتّى لا يكون »(3).

23- وقيل : «لا يذهب بالأدواء إلا الدعاء ، والصدقة ، والماء البارد»(4).

24- وروى ابن بابویه رَضِی اللهُ عَنه: «وطين قبر أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ شفاء من كلّ داء ، وأمان من كلّ خوف »(5).

25- وقال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « من سرّه أن يستجيب الله سبحانه له في الشدائد

ص: 422


1- دعوات الراوندي: 21. نهج البلاغة: 528، الحدیث 30.
2- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345.
3- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345. الكافي: 340/2، باختلاف يسير .
4- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 347.
5- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345. طب الأئمة: 52. الكافي: 266/6 باختلاف يسير . التهذيب: 89/9 . أمالي الطوسي: 326/1.

والكرب فليكثر الدعاء عند الرخاء»(1).

26- وقال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « ... وما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلّا أعطاه الله تعالى بها إحدى ثلاث: إمّا أن يعجّل له دعوته ، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة ، وإما أن يكفّ عنه من الشرّ مثلها » ، قالوا: يا رسول الله ، إذن نكثر ، قال : « الله أكثر »(2).

27- وقال الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّ الله تبارك وتعالى ليعلم ما يريد العبد إذا دعاه ، ولكن يجب أن تبثّ إليه الحوائج، وإذا دعوتَ فَسَمَّ حاجتك ، ما من شيء أحبَّ إلى الله سبحانه من أن يُسأل »(3).

28- عن الإمام الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ: « وإنّ الله يؤخّر إجابة المؤمن شوقاً إلى دعائه ، ويقول : صوت أحبّ أن أسمعه ، ويعجّل إجابة دعاء المنافق ، ويقول : صوت أكره سماعه»(4).

29- كان النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كا يستطعم المسكين ، وكان صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يتضرع عند الدعاء يكاد يسقط رداؤه(5).

ص: 423


1- دعوات الراوندي: 19.
2- دعوات الراوندي: 19.
3- دعوات الراوندي: 17.
4- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345.
5- دعوات الراوندی: 21.

30- وقال أبو عبدالله -الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ-: «إيّاكم أن يسأل أحد منكم ربّه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله عزّ وجلّ ، والمدحة له، والصلاة على النبي وآله ، ثمّ الاعتراف بالذنب ، ثمّ المسألة »(1).

31- قال أبو الحسن -الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ-: « من دعا لإخوانه من المؤمنين وكّل الله به عن كلّ مؤمن ملكاًٌ يدعو له ...»(2).

32- قال الصدوق رَضِی اللهُ عَنه: « اعلم أنّ أدني ما يجزي من الدعاء بعد المكتوبة . أي بعد الفرائض اليوميّة - أن تقول : اللّهمّ صلَّ على محمّد وآل محمّد ، اللّهمّ إنّا نسألك من كلّ خير أحاط به علمك ، ونعوذ بك من كلّ شرّ أحاط به علمك »(3).

33- وقد يجزيك عن الدعاء في القنوت أن تقول : « اللهمّ اغفر لنا ، وارحمنا، وعافنا، واعف عنا في الدنيا والآخرة»، ويجزيك ثلاث تسبیحات(4).

34- وقال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه : « ومن كانت له إلى الله

ص: 424


1- دعوات الراوندي: 23.
2- دعوات الراوندي:26.
3- المقنع: 98.
4- المقنع: 133، ومثله في النهاية / الطوسي: 72.

عزّجلّ حاجة فليسأله إيّاها في الأسحار بعد فراغه من صلاة الليل ، فإنّها الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، ووقت الزوال أيضاً يستحبّ فيه الدعاء ، وإن كان لا يكره في شيء من الأوقات ، إلّا أنّ هذين الوقتين أفضلها للدعاء ، لا سيّما في ليالي الجمع وأيّامها ، على ما جاءت به عن الصادقين عَلَيهِم السَّلَامُ الأخبار»(1).

35- وقال شيخ الطائفة أعلى الله مقامه : « ولا بأس أن يدعو الإنسان في الصلاة في حال القنوت و غیره بما يعرض له من الحوائج الدنياه وآخرته، ممّا أباحه الله تعالى له رغبهً فيه ، وإن كان ممّن لا يحسن الدعاء بالعربيّة جاز له أن يدعو بلغته ، أيَّ لغةٍ كانت ، ولا بأس بالرجل أن يبكي أو يتباكي في الصلاة خوفاً من الله ، وخشيةً من عقابه ، ولا يجوز له أن يبكي لشيءٍ من مصائب الدنيا -أي في حال الصلاة-»(2).

36- وقال أيضاً قدَّس سرُّه: «الصلاة في اللغة هي الدعاء ، لقوله تعالى : ﴿وَصَلِّ عَلَيهِم ۖإِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم ۗوَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾(3)»(4).

ص: 425


1- المقنعة: 145. الوسائل: 7/ 23، 25، 26، 30 من أبواب الدعاء.
2- النهاية / الطوسي: 74.
3- سورة التوبة: الآية 103.
4- المبسوط: 70/1.

ص: 426

الدرس السابع والعشرون: لماذا ندعوا للإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ؟

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وكان الأحرى بالعارف البصير أن يسأل : لماذا لا ندعوا لصاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه ؟ لا أن يسأل : لماذا ندعوا له ؟

فرعاية منّا لكافّة المستويات المعرفيّة والأنماط الفكريّة ، والادراكات العقليّة ، وجميع المراتب الثقافيّة والعقائديّة نجيب عن السؤال حتّى يبصر الكلّ طريقه ، ويتمّ الإفصاح عن هذه الحقيقة الخافية عن كثير من الأذهان ، فأقول مستعيناً بالله جلّ وعلا، إنّ الفائدة من هذه الزيارات والأدعية لصاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ تكون على النحو التالي :

1- حقّ الحياة والوجود ، إذ نحن مدينون له عَلَيهِ السَّلَامُ، ندين له بحياتنا ووجودنا ،وقد جاء في التوقيع الشريف: «نحن صنایع ربّنا ،

ص: 427

والخلق بَعدُ صنايعنا...»(1).

لأنّهم عَلَيهِم السَّلَامُ - كما في الخبر المروي عنهم - يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألونه فيرزق ، لا على نحو العلّيّة ، حاشا ، بل على نحو الطلب والسؤال والدعاء ، وهو في الواقع تعبير آخر عن ولايتهم التكوينيّة .

2- حقّ البقاء وديمومية الحياة ، ويظهر ذلك ويتجلّى في قوله عَلَيهِ السَّلَامُ: لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها»(2)، وأكثرها بلفظ: «لولا ذلك لساخت الأرض بأهلها»(3).

3- حقّ الوساطة والوسيليّة بيننا وبين الله تعالى إذا أعيتنا السُّبل ، وضاقت بنا الوسائل لكثرة ذنوبنا ومعاصينا ، فإنّا عند ذلك نتوجّه إلى أنبيائه ورسوله كما فعل إخوة يوسف حين لجأوا إلى أبيهم قائلين: ﴿يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ*قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(4)، وكما كان يصنع أصحاب رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه حين أمرهم الله تعالى قائلاً: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ

ص: 428


1- الاحتجاج: 278/2 .
2- مستدرك سفينة البحار: 277/5.
3- بحار الأنوار: 213/57 عن كتاب تاریخ قم، غنائم الأيام: 29/1.
4- سورة يوسف: الآيتان 97 و 98.

تَوَّابًا رَحِيمًا﴾(1).

وقال تعالى في ذمّ المنافقين : ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ.﴾(2)، فإنّا مأمورون بالتوسّل إليه عندما تضيق بنا السُّبل و تعيينا الأسباب ؛ إذ جاء في دعاء الندبة : «أَیْنَ السَّبَبُ الْمُتَّصِلُ بَیْنَ الْأَرْضِ وَالسَّماءِ؟ »(3).

4- حق القرابة والرحم من رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه؛ إذ قال تعالى : ﴿قُلْ لا اَسْئَلُکُمْ عَلَیْه اَجْراً اِلاَّ المَوَدَّهَ فی الْقُربی﴾(4).

5- حقّ المنعم على المتنعّم ، فهو وليّ نعمتنا كما في زيارة الجامعة : « وأولياء النعم»(5).

6- حقّ واسطة الفيض؛ إذ كلّ فيض إلهي على البشر لا يتحقّق إلّا بواسطته عَلَيهِ السَّلَامُ.

7- حق الأب على الولد -حق الأبوة-، كما قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:

ص: 429


1- سورة النساء: الآية 64.
2- سورة المنافقون: الآية 5.
3- دعاءالندبة: مفاتیح الجنان وكتب الأدعية جميعها .
4- سورة الشورى: الآية 23.
5- مفاتیح الجنان: زيارة الجامعة الكبيرة.

«یا على ّ، أنا وأنت أبوا هذه الأمّة»(1).

والإمام عَلَيهِ السَّلَامُ أبونا جميعاً لرواية مولانا الإمام الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: « الإمام ، الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق »(2).

8- حقّ المولى على عبده - حقّ المولويّة - فهم السادة ونحن العبيد ، و في زيارة الجامعة: «وَالسّادَةِ الْوُلاةِ»(3)، وقال تعالى : ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾(4)؛ لأنّهم الموالي والسادة الحقيقيّون في الدنيا وفي الآخرة ، فالإمام الحجّة صلوات الله عليه له حقّ المولويّة والسيادة علينا ، ومن حقّ المولى والسيّد على عبده أن يدعو له العبد ، وأن يزوره ويخدمه في كلّ آن ، أو يكون على أهبة الاستعداد لأداء حقّ السيادة والولاية.

9- حق العالم على المتعلّم ، والأستاذ على التلميذ - حقّ التعليم - قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(5)، وفي رواية: «نحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس

ص: 430


1- بحار الأنوار: 11/36.
2- أصول الكافي: 200/1.
3- مفاتیح الجنان: زيارة الجامعة الكبيرة.
4- سورة الأحزاب: الآية 6.
5- سورة النحل: الآية 16. سورة الأنبياء: الآية 7.

غثاء»(1)، وفي الزيارة الجامعة: «بكم علّمنا الله معالم ديننا ، وما فسد من دنيانا »(2).

10- حقّ الهادي والمرشد على المهتدي حقّ الهداية - فالإمام عَلَيهِ السَّلَامُ هو الحاي والمرشد إلى الحقّ ، والدالّ عليه ، ومن حقّه علينا الدعاء والزيارة له عَلَيهِ السَّلَامُ.

11- حقّ الإمام على الرعيّة - حقّ الإمامة - وهو من أعظم الحقوق ، بل هو الأعظم على الإطلاق بعد حقّ الله تبارك وتعالى.

بالإضافة إلى حقّ النصرة، وهو حقّ الناصر على المنصور ؛ لأنّه ناصرنا ومعينا في الشدائد بأمر الله عزّ وجلّ.

وحقّ الجيرة لأنّه يعيش بجوارنا ، ونحن نعيش في كنفه وجيرته. وحقّ الصُّحبة ؛ لأنّه صاحب زماننا ، وصاحب أمرنا ، وصاحب عصرنا ، فهو صاحبنا بالجنب ، بل أقرب أصحابنا منّا، وأخصّهم لدينا.

وحقّ الأخوّة في الدين ، فهو عَلَيهِ السَّلَامُ أفضل إخواننا وأصدقائنا في الدين ، وأكثرهم حقّاً علينا ؛ لأنّه يسهر على راحتنا ، ينشغل بحفظ

ص: 431


1- بصائر الدرجات: 29. وسائل الشيعة: 7/ أبواب صفات القاضي.
2- مفاتیح الجنان.

مصالحنا ، ومشغول بدعائنا. قال عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم »(1).

ونحن ندعوا له ونتشرّف بزيارته عليه الصلاة والسلام لما تترتّب على ذلك من منافع دنيويّة وأخرويّة عظيمة علينا وعلى أهل السماوات والأرض ، منها:

1- أنّ بزيارته والدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ بالا تتحقق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

2- أن بزيارته والدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ إنّما ندعوا إلى أمّهات الفضائل والكمالات ، و نسعى إلى نشرها وبسطها في أرجاء المعمورة .

3- أنّ بذلك نمهّد السبيل إلى إعمار الأرض وإصلاحها بالعدل والقسط.

4- إنّ ذلك يعيننا على الصبر وانتظار الفرج، ويساعدنا على تحمّل العناء والسير بخطى راسخة نحو الظهور إن شاء الله تعالى.

5- إنّ في ذلك استجابة دعائنا -أدعيتنا - والتعجيل في الاستجابة ببركة الدعاء والزيارة له عَلَيهِ السَّلَامُ.

6- وفي زيارته و الدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ قبول أعالنا و عباداتنا ، واستحقاق

ص: 432


1- الاحتجاج : 323/2. الخرائج والجرائح : 903/2.

المثوبة من الله عزّ وجلّ.

7- وفي ذلك نيل الزلفي لدى الله تعالى ، ولديه عَلَيهِ السَّلَامُ، ولدي آبائه عَلَيهِم السَّلَامُ، واستحقاق نيل الشفاعة في الدنيا والآخرة.

8- وفي ذلك استحقاق الإحسان من الله جلّ وعلا ومنه عَلَيهِ السَّلَامُ، فإنّا بزيارته عَلَيهِ السَّلَامُ والدعاء له نكتسب هذه المنفعة.

9- بزيارته ودعائه عَلَيهِ السَّلَامُ نستوجب عليه الردّ بالمثل ، فكما أنّ القطيعة والنسيان مآلها إلى القطيعة والنسيان ، كما قال تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾(1)، فكذلك الصلة الدائمة مالها التواصل والتآخي ، كما قال تعالى في مدح ذاکریه: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾(2)، وقال تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثيرًا*وَ سَبِّحوهُ بُکرَةً وَ اَصی-لًا﴾،(3) فالإمام عَلَيهِ السَّلَامُ قطعاً يدعو لداعیه ویزور زائريه ، ويذكر ذاکریه ، وحاشاه أن يخلف الوعد .

10- ندعوا له ونزوره لكي يغيثنا وينصرنا عند الشدّة ، وساعة

ص: 433


1- ورة الحشر: الآية 19.
2- سورة آل عمران: الآية 191.
3- سورة الأحزاب: الآيتان 41 و 42.

العسرة ، وإذا اشتدّ بنا البلاء.

11- وفي الدعاء له دعاء لكافّة أولياء الله تعالى ، ولجميع خلقه؛ إذ لولاه لساخت الأرض بأهلها ، كما تقدّم مراراً.

12- وندعوا له لأنّ في ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ يكون العدل والسلام ، والأمن والأمان ، وإحياء دین الله جلّ جلاله ، وإحياء الكتاب والسنّة ، وإحياء الفضيلة والكمال.

13- ندعوا له ؛ لأنّ في الدعاء له ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ وطمس آثار الباطل والضلال ، وطمس البدع والضلالات ، ونهاية الظلم والطغيان ، والقضاء التامّ على الشرك والنفاق.

14- ولأنّ في ظهوره تكمن الصولة الحيدريّة ، وشجاعة عليّ عَلَيهِ السَّلَامُ وبطولاته ، لينتقم من أعداء الله تعالى ، وأعداء الإنسانية ، وأعداء الفضيلة ، ويثأر للمظلومين ، سيمّا سادة المظلومين أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، والصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء السَّلَامُ عَلَيهِا، وسيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ، «أَيْنَ الطّالِبُ بِذُحُولِ الأَنْبِياءِ وَأَبْناءِ الأَنْبِياءِ؟ أَيْنَ الطَّالِبُ بِدَمِ المَقْتُولِ بِكَرْبَلاَء؟؟»(1).

15- ندعوا له لأنّه سيقيم الحدود الإلهيّة المعطّلة.

ص: 434


1- مفاتیح الجنان: دعاء الندبة.

16- ندعوا له لأنّه المضطرّ الذي يجاب إذا دعا ، وقد ابتلي بأشدّ ما ابتلي به أحدٌ من الأنبياء والأوصياء والأولياء.

17- ندعوا له رغبةً في عطائه ونواله.

18- ندعوا له رغبةً في الفوز بشرف لقائه ، ونیل مرادنا برؤية جمال وجهه و منظره صلوات الله عليه.

19- وندعوا له لأنّه جامع الكلمة على التقوى ، يجمع كلمتنا وشتاتنا وجمعنا على طاعة الله تعالى ، من بعد ما فرّق الأعداء شملنا.

20- ندعوا له ونزوره لكي نفوز برضاه ، ونستميل قلبه الشريف إلينا ، ونكسب ودّه.

21- ندعوا له ونزوره لكي يمنّ الله تعالى علينا بمعرفته - بحسن معرفته ، بل بحقّ معرفته - وأن ننال هذا الشرف ، ونفوز بهذه الكرامة ، التي ليس فوقها شرف ولا كرامة إلّا معرفة الله تعالى وتوحيده وطاعته وعبادته.

22- نزوره وندعوا له لأنّه الرحمة الرحمانية الإلهيّة .

23- ونزوره وندعوا له لأنّه خاتم العلوم ، به تختتم كلّها ، فنأمل منه أن يمنّ علينا بنمير هذا العلم ، وأن يتمم علينا هذه النعمة الجليلة .

24- ندعوا له ونزوره طلبأ في كسب العزّة منه لأنّه وليُّ الله تبارك

ص: 435

وتعالى ، وقد قال تعالى : ﴿وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلمُؤمِنینَ وَلٰكِنَّ المُنافِقينَ لا يَعلَمونَ﴾(1)، وقال تعالى : ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾(2)، وقال تعالى : ﴿فَاِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَميعا﴾(3)، وقال أيضا، ﴿فَلِلّهِ العِزَّةُ جَميعا﴾(4).

وفي الدعاء: «أين تمر الأولياء و الأعداء ؟»(5).

25- ندعوا له لأن في ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ النصر للمؤمنين ، وهزيمة الكافرين ، قال تعالى : ﴿قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾(6)، وقال تعالى : ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾(7)، وقال تعالى :﴿ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكونَ﴾(8).

26- ندعوا له عَلَيهِ السَّلَامُ لتعجيل فرجنا ، ففي التوقيع الشريف : « وأكثروا

ص: 436


1- سورة المنافقون: الآية 8.
2- سورة يونس: الآية 65.
3- سورة النساء: الآية 139.
4- سورة فاطر: الآية 10.
5- مفاتیح الجنان: دعاء الندبة
6- سورة التوبة: الآية 36.
7- سورة البقرة: الآية 193.
8- سورة التوبة:الآية 33. سورة الصف: الآية 9.

الدعاءَ بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجکم»(1).

وفي الدعاء: «هٰذَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَوْمُكَ الْمُتَوَقَّعُ فِيهِ ظُهُورُكَ، وَالْفَرَجُ فِيهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ يَدَيْكَ، وَقَتْلُ الْكافِرِينَ بِسَيْفِكَ»(2).

27- ندعوا له لأنّه عَلَيهِ السَّلَامُ بظهوره ينحر جميع الخبائث والرذائل والمعاصي والأرجاس ، أعني الشيطان اللعين الرجيم.

28- ندعوا له رغبة في قضائه بالحقّ ، وهو قضاء جدّه رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ من جهة ، وقضاؤه بقضاء داوود عَلَيهِ السَّلَامُ من جهة أخرى.

29- ندعوا له ونزوره لأنّه المرابط في سبيل الله ، المحامي والذائد عن حرم المسلمين ، ونفوسهم ومصالحهم ، ففي التوقيع الشريف الذي كتبه إلى الشيخ المفيد أعلى الله مقامه : « من عبد الله ، المرابط في سبيله ، إلى مُلهَمِ الحَقَّ ودليله ...»(3).

30- وندعوا له عَلَيهِ السَّلَامُ لأنّه منبع الخيرات ، ومعدن البركات ،

ص: 437


1- الاحتجاج: 284/2.
2- مفاتیح الجنان: أعمال يوم الجمعة.
3- بحار الأنوار: 176/53.

و تترتّب على زيارته والدعاء له آلاف ، بل ملايين المنافع المادّيّة والمعنويّة ، والدنيويّة والأخرويّة ، لنا ولسائر الخلائق والكائنات ، وعلى رأسها جميعاً لتكون زيارتنا ودعائنا له عَلَيهِ السَّلَامُ شكراً للواجب تبارك و تعالى على هذه النعمة العظيمة ، أعني نعمة وجود ولیّه الأعظم مولانا صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشریف.

وكيف كان فإنّا ندعوا لصاحب زماننا ، وإمام عصرنا، ووليّ أمرنا صلوات الله وسلامه عليه ، ونقوم بزيارته لأنا نقرأ ونعتقد بما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة: « وَمُقَدِّمُکُمْ أَمامَ طَلِبَتِی وَحَوائِجِی وَإِرادَتِی فِی کُلِ أَحْوالِی وَأُمُورِی»(1).

وعليه فلابدّ من الدعاء لصاحب الأمر صلوات الله عليه ، بل ينبغي للمؤمن أن يقدّمه في الدعاء ، ويبدأ بالدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ قبل الدعاء لنفسه ، كما قال تعالى : ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾(2)، الدالّة على وجوب تقديم أوصيائه أيضاً ، وكما وصى الفقيه العلّامة الحقّق السيّد ابن طاووس رَضِی اللهُ عَنه، وقد أوردنا وصيّته في الحلقة الثانية من هذا الكتاب.

ص: 438


1- مفاتیح الجنان: الزيارة الجامعة الكبيرة.
2- سورة الأحزاب: الآية 6.

وقال المحدّث القمّي رَحْمَةِ اللَّهِ: «وينبغي أن تكون نیّتك في صوم حاجتك ، وصلاتك لنازلتك ، أنّك تصوم صوم الحاجة، وتصلّى صلاة الحاجة للأهمّ فالأهمّ من حاجاتك الدينيّة ، وأهمّها حوائج من أنت في حفاوة هدايته وحمايته ، وهو إمام العصر صلوات الله وسلامه عليه ، فيكون صومك و صلاتك أوّلاً: لأجل قضاء حوائجه صلوات لله عليه ... وإنّما قلنا : تقدّم حوائج إمام عصرك لأنّ بقاء الدنيا وأهلها مسبَّبٌ عن وجوده ، فإذا كنت محفوظاً بواحدٍ فكيف تقدّم حوائجك على حوائجه ؟ بل يجب أن تقدّم حوائجه ومراده على حوائجك و مرادك ، واعلم أنّه صلوات الله عليه مستغنٍ عن صومك وصلاتك لحاجاته ، وإنّما تكون أنت إذا عملت بما قلناه أدّيت الأمانة...»(1).

ص: 439


1- مفاتیح الجنان: کتاب الباقيات الصالحات / آداب صلاة الحاجة.

ص: 440

الدرس الثامن والعشرون: الأدعية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

فكيف ندعو له ؟ وبماذا ندعو له ؟ وما هي أفضل الأوقات للدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ؟ هذا ما أجاب عنه هو وآباؤه صلوات الله عليهم أجمعين ، وإليك ما ورد عنهم :

1- صلوات الجمعة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُنْتَجَبِ فِي الْمِيثَاقِ، الْمُصْطَفَى فِي الظِّلالِ، الْمُطَهَّرِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ، الْبَرِيءِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، الْمُؤَمَّلِ لِلنَّجَاةِ، الْمُرْتَجَى لِلشَّفَاعَةِ، الْمُفَوَّضِ إِلَيْهِ دِينُ اللَّهِ.

ص: 441

اللَّهُمَّ شَرِّفْ بُنْيَانَهُ، وَ عَظِّمْ بُرْهَانَهُ، وَ أَفْلِجْ حُجَّتَهُ، وَ ارْفَعْ دَرَجَتَهُ، وَ أَضِئْ نُورَهُ، وَ بَيِّضْ وَجْهَهُ، وَ أَعْطِهِ الْفَضْلَ وَ الْفَضِيلَةَ وَ الدَّرَجَةَ وَ الْوَسِيلَةَ الرَّفِيعَة، وَ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَ الْآخِرُونَ.

وَ صَلِّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، وَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ سَيِّدِ الْعَابِدِين إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ص: 442

وَ صَلِّ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى الْخَلَفِ الصَّالِحِ الْهَادِي الْمَهْدِيِّ، إِمَامِ الْهُدَى وَ إِمَامِ الْمُؤْمِنِين وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ الْأَئِمَّةِ الْهَادِينَ، الْعُلَمَاءِ الصَّادِقِينَ، الْأَبْرَارِ الْمُتَّقِينَ، دَعَائِمِ دِينِكَ وَ أَرْكَانِ تَوْحِيدِكَ، وَ تَرَاجِمَةِ وَحْيِكَ، وَ حُجَجِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَ خُلَفَائِكَ فِي أَرْضِكَ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَ اصْطَفَيْتَهُمْ عَلَى عِبَادِكَ،

ص: 443

وَ ارْتَضَيْتَهُمْ لِدِينِكَ، وَ خَصَصْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ، وَ جَلَّلْتَهُمْ بِكَرَامَتِكَ، وَ غَشَّيْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَ رَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَ غَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَ أَلْبَسْتَهُمْ نُورَكَ، وَ رَفَعْتَهُمْ فِي مَلَكُوتِكَ، وَ حَفَفْتَهُمْ بِمَلائِكَتِكَ، وَ شَرَّفْتَهُمْ بِنَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ،

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ عَلَيْهِمْ صَلاةً كَثِيرَةً دَائِمَةً طَيِّبَةً، لَا يُحِيطُ بِهَا إِلّا أَنْتَ، وَ لَا يَسَعُهَا إِلّا عِلْمُكَ، وَ لَا يُحْصِيهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ.(1)

2- دعاء الحكمة:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«اَللّ-هُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد نَبِيِّ رَحْمَتِكَ وَكَلِمَةِ نُورِكَ، وَاَنْ تَمْلاََ قَلْبى نُورَ الْيَقينِ وَصَدْري نوُرَ الاْيمانِ وَفِكْري نُورَ النِّيّاتِ، وَعَزْمي نُورَ الْعِلْمِ، وَقُوَّتي نُورَ الْعَمَلِ، وَلِساني نُورَ الصِّدْقِ، وَديني نُورَ الْبَصائِرِ مِنْ عِنْدِكَ، وَبَصَري نُورَ الضِّياءِ، وَسَمْعي نُورَ الْحِكْمَةِ، وَمَوَدَّتي نُورَ الْمُوالاةِ لِمُحَمَّد

ص: 444


1- مفاتیح الجنان : أعمال يوم الجمعة.

وَآلِهِ عليهم السلام حَتّى اَلْقاكَ وَقَدْ وَفَيْتُ بِعَهْدِكَ وَميثاقِكَ فَتُغَشّيَنى رَحْمَتَكَ يا وَلِىُّ يا حَميدُ.

اَللّ-هُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد حُجَّتِكَ في اَرْضِكَ، وَخَليفَتِكَ في بِلادِكَ، وَالدّاعي اِلى سَبيلِكَ، وَالْقائِمِ بِقِسْطِكَ، وَالثّائِرِ بِاَمْرِكَ، وَلِيِّ الْمُؤْمِنينَ وَبَوارِ الْكافِرينَ، وَمُجَلِّي الظُّلْمَةِ، وَمُنيرِ الْحَقِّ، وَالنّاطِقِ بِالْحِكْمَةِ وَالصِّدْقِ، وَكَلِمَتِكَ التّآمَّةِ في اَرْضِكَ، الْمُرْتَقِبِ الْخآئِفِ وَالْوَلِيِّ النّاصِحِ، سَفينَةِ النَّجاةِ وَعَلَمِ الْهُدى وَنُورِ اَبْصارِ الْوَرى، وَخَيْرِ مَنْ تَقَمَّصَ وَارْتَدى، وَمُجَلِّي الْعَمَى الَّذي يَمْلاَ الاْرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ.

اَللّ-هُمَّ صَلِّ عَلى وَلِيِّكَ وَابْنِ اَوْلِيائِكَ الَّذينَ فَرَضْتَ طاعَتَهُمْ، وَاَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ، وَاَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهيراً،

اَللّ-هُمَّ انْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ لِدينِكَ وَانْصُرْ بِهِ اَوْلِياءِكَ وَاَوْلِياءِهِ وَشيعَتَهُ وَاَنْصارَهُ وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ.

اَللّ-هُمَّ اَعِذْهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ باغ وَطاغ وَمِنْ شَرِّ جَميعِ خَلْقِكَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمينِهِ وَعَنْ شَمالِهِ،

ص: 445

وَاحْرُسْهُ وَامْنَعْهُ مِنْ اَنْ يوُصَلَ اِلَيْهِ بِسُوء وَاحْفَظْ فيهِ رَسُولَكَ، وَآلِ رَسوُلِكَ وَاَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ وَاَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْ ناصِريهِ، وَاخْذُلْ خاذِليهِ، وَاقْصِمْ قاصِميهِ، وَاقْصِمْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ، وَاقْتُلْ بِهِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقينَ وَجَميعَ الْمُلْحِدينَ حَيْثُ كانُوا مِنْ مَشارِقِ الاْرْضِ وَمَغارِبِها بَرِّها وَبَحْرِها، وَامْلاَ بِهِ الاْرْضَ عَدْلاً وَاَظْهِرْ بِهِ دينَ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاجْعَلْنِي اللّهُمَّ مِنْ اَنْصارِهِ وَاَعْوانِهِ وَاَتْباعِهِ وَشيعَتِهِ، وَاَرِني في آلِ مُحَمَّد عليهم السلام ما يَأمُلُونَ وَفي عَدُوِّهِمْ ما يَحْذَرُونَ، اِل-هَ الْحَقِّ آمينَ، يا ذَا الْجَلالِ وَالاْاِكْرامِ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ.»(1)

3- الصلاة على الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ

«اَللّ-هُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ الْمحْيي سُنَّتَكَ الْقائِمِ بِاَمْرِكَ الدّاعي اِلَيْكَ الدَّليلِ عَلَيْكَ، حُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ وَخَليفَتِكَ في اَرْضِكَ وَشاهِدِكَ عَلى عِبادِكَ.

اَللّ-هُمَّ اَعِزَّ نَصْرَهُ وَمُدَّ في عُمْرِهِ وَزَيِّنِ الاْرْضَ بِطُولِ بَقائِهِ.

ص: 446


1- الاحتجاج: 317/2 و 318.

اَللّ-هُمَّ اكْفِهِ بَغْيَ الْحاسِدينَ وَاَعِذْهُ مِنْ شَرِّ الْكائِدينَ وَازْجُرْ اَنْهُ اِرادَةَ الظّالِمينَ وَخَلِّصْهُ مِنْ اَيْدِي الْجَبّارِينَ.

اَللّ-هُمَّ اَعْطِهِ في نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَشيعَتِهِ وَرَعِيَّتِهِ وَخاصَّتِهِ وَعامَّتِهِ وَعَدُوِّهِ وَجَميعِ اَهْلِ الدُّنْيا ما تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ وَبَلِّغْهِ اَفْضَلَ ما اَمَّلَهُ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْء قَديرٌ.

اَللّ-هُمَّ جَدِّدْ بِهِ مَا اْمَتَحى مِنْ دينِكَ واَحْيِ بِهِ ما بُدِّلَ مِنْ كِتابِكَ وَاَظْهِرْ بِهِ ما غُيِّرَ مِنْ حُكْمِكَ حَتّى يَعُودَ دينُكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ غَضّاً جَديداً خالِصاً مُخْلَصاً لا شَكَّ فيهِ وَلا شُبْهَةَ مَعَهُ وَلا باطِلَ عِنْدَهُ وَلا بِدْعَةَ لَدَيْهِ.

اَللّ-هُمَّ نَوِّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةِ وَهُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَة وَاهْدِمْ بِعِزِّهِ كُلَّ ضَلالَة وَاقْصِمْ بِهِ كُلَّ جَبّار وَاَخْمِدْ بِسَيْفِهِ كُلَّ نار وَاَهْلِكْ بِعَدْلِهِ جَوْرَ كُلِّ جائِر واجْرِ حُكْمَهُ عَلى كُلِّ حُكْم وَاَذِلَّ بِسُلْطانِهِ كُلَّ سُلْطان.

اَللّ-هُمَّ اَذِلَّ كُلَّ مَنْ ناواهُ وَاَهْلِكْ كُلَّ مَنْ عاداهُ وَامْكُرْ بِمَنْ كادَهْ وَاسْتَأصِلْ مَنْ جَحَدَهُ حَقَّهُ وَاسْتَهانَ بِاَمْرِهِ وَسَعى في

ص: 447

اِطْفاءِ نُورِهِ وَاَرادَ اِخْمادَ ذِكْرِهِ.

اَللّ-هُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد الْمُصْطَفى وَعَلِيٍّ الْمُرْتَضى وَفاطِمَةَ الزَّهْراءِ وَالْحَسَنِ الرِّضا وَالْحُسَيْنِ الْمُصَفَّى وَجَميعِ الاْوْصِياءِ مَصابيحِ الدُّجى وَاَعْلامِ الْهُدى وَمَنارِ التُّقى وَالْعُرْوَةِ الْوُثْقىوَالْحَبْلِ الْمَتينِ وَالصِّراطِ الْمُسْتَقيمِ، وَصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ وَوُلاةِ عَهْدِكَ وَالاْئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ وَمُدَّ في اَعْمارِهِمْ وَزِدْ في آجالِهِمْ وَبَلِّغْهُمْ اَقْصى آمالِهِمْ ديناً وَدُنْيا وَآخِرَةً اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ.»(1).

4- الدعاء الوعد

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَکْرِمْ أَوْلِيآئَکَ بِإِنْجازِ وَعْدِکَ وَ بَلِّغْهُمْ دَرْکَ ما يُأَمِّلُونَهُ مِنْ نَصْرِکَ، وَ اکْفُفْ عَنْهُمْ بَأْسَ مَنْ نَصَبَ الخِلافَ عَلَيْکَ وَ تَمَرَّدَ بِمَنْعِکَ عَلي رُکُوبِ مُخالَفَتِکَ وَ اسْتَعانَ بِرِفْدِکَ عَلي فَلِّ حَدِّکَ وَ قَصَدَ لِکَيْدِکَ بأَيْدِيکَ وَ وَسَعْتَهُ حِلْماً لِتَأْخُذَهُ عَلي جَهْرَةٍ أَوْ تَسْتَأْصِلَهُ عَلي غَرَّةٍ، فَإِنَّکَ اللَّهُمَّ

ص: 448


1- مصباح المتهجد: 409.

قُلتَ وَ قَوْلُکَ الحَقُّ: ﴿حَتّي إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً کَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَکَّرُونَ﴾(1).

وَ قُلْتَ: ﴿فَلَمّا آسَفُونا اِنْتَقَمْنا مِنْهُمْ﴾(2)، وَ إِنَّ الغايَةَ عِنْدَنَا قَدْ تَناهَتْ وَ إِنّا لِغَضَبِکَ غاضِبُونَ، وَ إِنّا عَلي نَصْرِ الحَقِّ مُتَعاضِبُونَ، وَ إِلي وُرُودِ أَمْرِکَ مُشْتاقُونَ، وَ لِاِنْجازِ وَعْدِکَ مُرْتَقِبُونَ، وَ لِحُلُولِ وَعِيدِکَ بِأَعْدآئِکَ مُتَوَقِّعُونَ.

اللَّهُمَّ فَأْذَنْ بِذلِکَ وَ افُتَحْ طُرُقاتِهِ وَ سَهِّلْ خُرُجَهُ وَ وَطِّئ مَسالِکَهُ وَ اشْرَعْ شَرايِعَهُ وَ أَيِّدْ جُنُودَهُ وَ أَعْوانَهُ وَ بَادِرْ بَأْسَکَ القَوْمَ الظّالِمِينَ، وَ ابْسُط سَيْفَ نَقِمَتِکَ عَلي أَعْدآئِکَ المُعانِدِينَ، وَ خُذْ بِالثّارِ إِنَّکَ جَوادٌ مَکّارٌ»(3).

ص: 449


1- سورة يونس: الآية 24.
2- سورة الزخرف: الآية 55.
3- مهج الدعوات : 67 و 68.

5- تسبيح صاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ في اليوم الثامن عشر إلى آخر الشهر:

«سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَرِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ و مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِکَ» (1).

6- دعاؤه عَلَيهِ السَّلَامُ:

يَا نُورَ اَلنُّورِ، يَا مُدَبِّرَ اَلْأُمُورِ، يَا بَاعِثَ مَنْ فِي اَلْقُبُورِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ اِجْعَلْ لِي وَ لِشِيعَتِي مِنَ اَلضِّيقِ فَرَجاً، وَ مِنَ اَلْهَمِّ مَخْرَجاً. وَ أَوْسِعْ لَنَا اَلْمَنْهَجَ وَ أَطْلِقْ لَنَا مِنْ عِنْدِكَ مَا يُفَرِّجُ وَ اِفْعَلْ بِنَا مَا أَنْتَ أَهْلُهُ يَا كَرِيمُ»(2).

7- حجابه عَلَيهِ السَّلَامُ:

«اللَّهُمَّ احْجُبْنِي عَنْ عُيُونِ أَعْدَائِي وَ اجْمَعْ بَيْنِي وَ بَيْنَ أَوْلِيَائِي وَ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي وَ احْفَظْنِي فِي غَيْبَتِي إِلَى أَنْ تَأْذَنَ لِي فِي ظُهُورِي وَ أَحْيِ بِي مَا دَرَسَ مِنْ فُرُوضِكَ وَ سُنَنِكَ

ص: 450


1- دعوات الراوندي : 94.
2- الجنة الواقية : الفصل السادس والعشرون.

وَ عَجِّلْ فَرَجِي وَ سَهِّلْ مَخْرَجِي- وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطٰاناً نَصِيراً وَ افْتَحْ لِي فَتْحاً مُبِيناً وَ اهْدِنِي صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَ قِنِي جَمِيعَ مَا أُحَاذِرُهُ مِنَ الظَّالِمِينَ وَ احْجُبْنِي عَنْ أَعْيُنِ الْبَاغِضِينَ النَّاصِبِينَ الْعَدَاوَةَ لِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ وَ لَا يَصِلُ إِلَيَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِسُوءٍ فَإِذَا أَذِنْتَ فِي ظُهُورِي فَأَيِّدْنِي بِجُنُودِكَ وَ اجْعَلْ مَنْ يَتْبَعُنِي لِنُصْرَةِ دِينِكَ مُؤَيِّدِينَ وَ فِي سَبِيلِكَ مُجَاهِدِينَ وَ عَلَى مَنْ أَرَادَنِي وَ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ مَنْصُورِينَ وَ وَفِّقْنِي لِإِقَامَةِ حُدُودِكَ، وَ انْصُرْنِي عَلَى مَنْ تَعَدَّى مَحْدُودَكَ وَ انْصُرِ الْحَقَّ وَ أَزْهِقِ الْبَاطِلَ إِنَّ الْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاً وَ أَوْرِدْ عَلَيَّ مِنْ شِيعَتِي وَ أَنْصَارِي مَنْ تَقَرُّ بِهِمُ الْعَيْنُ وَ يَشُدُّ بِهِمُ الْأَزْرُ وَ اجْعَلْهُمْ فِي حِرْزِكَ وَ أَمْنِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(1).

8- استخاراته عَلَيهِ السَّلَامُ:

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ لِعِلْمِكَ بِعَاقِبَةِ الْأُمُورِ وَأَسْتَشِيرُكَ لِحُسْنِ ظَنِّي بِكَ فِي الْمَأْمُولِ وَالْمَحْذُورِ

ص: 451


1- مهج الدعوات: 302.

اللّهُمَّ إنْ كانَ الاَمْرُ الفُلاني مِمّا قَدْ نيطَتْ بِالبَرَكَةِ أَعْجازُهُ وَبَواديهِ وَحُفَّتْ بِالكَرامَةِ أَيّامُهُ وَلَياليهِ فَخِرْ لي اللّهُمَّ فيهِ خيرَةً تَرُدُّ شَمُوسَهُ ذَلولاً وَتَقْعَضُ أَيَّامَهُ سُرُوراً، اللّهُمَّ إمَّا أمْرٌ فَأئْتَمِرُ وَإمَّا نَهيٌ فَأنْتَهِي، اللّهُمَّ إنّي أسْتَخِيرُكَ بِرَحْمَتِكَ خِيرَةً في عافِيَةٍ.»(1).

9- حرزه عَلَيهِ السَّلَامُ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يَا مالِكَ الرِّقابِ، وَيَا هازِمَ الْأَحْزابِ، يَا مُفَتِّحَ الْأَبْوابِ، يَا مُسَبِّبَ الْأَسْبابِ، سَبِّبْ لَنا سَبَباً لَا نَسْتَطِيعُ لَهُ طَلَباً، بِحَقِّ لَاإِلٰهَ إِلّا اللّٰهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ، صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ أَجْمَعِينَ(2).

10- حرز آخر له عَلَيهِ السَّلَامُ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ اِسْتَغْنَيْتُ فَأَغِثْنِي وَ لاَ تَكِلْنِي إِلَى

ص: 452


1- الذكري / الشهيد الأول : 253. الرسائل العشر / ابن فهد الحلي: 103. وسائل الشيعة : 82/8.
2- مهج الدعوات: 45.

نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً وَ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ(1).

11- دعاء المعرفة:

اَللّهُمَّ عَرِّفْنى نَفْسَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى نَفْسَكَ، لَمْ اَعْرِف رَسُولَکَ؛ اَللّهُمَّ عَرِّفْنى رَسُولَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى رَسُولَكَ، لَمْ اَعْرِفْ حُجَّتَكَ؛ اَللّهُمَّ عَرِّفْنى حُجَّتَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى حُجَّتَكَ، ضَلَلْتُ عَنْ دينى.

اللّٰهُمَّ لَاتُمِتْنِي مِيْتَةً جاهِلِيَّةً، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي.

اللّٰهُمَّ فَكَما هَدَيْتَنِي لِوِلايَةِ مَنْ فَرَضْتَ عَلَيَّ طاعَتَهُ مِنْ وِلايَةِ وُلاةِ أَمْرِكَ بَعْدَ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، حَتَّىٰ والَيْتُ وُلاةَ أَمْرِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَجَعْفَراً وَمُوسَىٰ وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَالْحَسَنَ وَالْحُجَّةَ الْقائِمَ الْمَهْدِيَّ صَلَواتُكَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

اللّٰهُمَّ فَثَبِّتْنِي عَلَىٰ دِينِكَ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِطاعَتِكَ، وَلَيِّنْ قَلْبِي لِوَلِيِّ أَمْرِكَ؛ وَعافِنِي مِمَّا امْتَحَنْتَ بِهِ خَلْقَكَ، وَثَبِّتْنِي عَلَىٰ طاعَةِ

ص: 453


1- مهج الدعوات : 5.

وَلِيِّ أَمْرِكَ الَّذِي سَتَرْتَهُ عَنْ خَلْقِكَ، وَبِإِذْنِكَ غابَ عَنْ بَرِيَّتِكَ، وَأَمْرَكَ يَنْتَظِرُ، وَأَنْتَ الْعالِمُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ بِالْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ صَلاحُ أَمْرِ وَلِيِّكَ فِي الْإِذْنِ لَهُ بِإِظْهارِ أَمْرِهِ، وَكَشْفِ سِتْرِهِ، فَصَبِّرْنِي عَلَىٰ ذٰلِكَ حَتَّىٰ لَاأُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ وَلَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ، وَلَا كَشْفَ مَا سَتَرْتَ، وَلَا الْبَحْثَ عَمَّا كَتَمْتَ، وَلَا أُنازِعَكَ فِي تَدْبِيرِكَ، وَلَا أَقُولَ لِمَ وَكَيْفَ وَما بالُ وَلِيِّ الْأَمْرِ لَايَظْهَرُ وَقَدِ امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْجَوْرِ ؟ وَأُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّها إِلَيْكَ.

اللّٰهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُرِيَنِي وَلِيَّ أَمْرِكَ ظاهِراً نافِذَ الْأَمْرِ، مَعَ عِلْمِي بِأَنَّ لَكَ السُّلْطانَ وَالْقُدْرَةَ وَالْبُرْهانَ وَالْحُجَّةَ وَالْمَشِيَّةَ وَالْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ، فَافْعَلْ ذٰلِكَ بِي وَبِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّىٰ نَنْظُرَ إِلَىٰ وَلِيِّ أَمْرِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ؛ ظاهِرَ الْمَقالَةِ، واضِحَ الدَّلالَةِ، هادِياً مِنَ الضَّلالَةِ، شافِياً مِنَ الْجَهالَةِ، أَبْرِزْ يَا رَبِّ مُشاهَدَتَهُ، وَثَبِّتْ قَواعِدَهُ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ تَقَِرُّ عَيْنُهُ بِرُؤْيَتِهِ، وَأَقِمْنا بِخِدْمَتِهِ، وَتَوَفَّنا عَلَىٰ مِلَّتِهِ، وَاحْشُرْنا فِي زُمْرَتِهِ.

اللّٰهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ مَا خَلَقْتَ وَذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ وَأَنْشَأْتَ وَصَوَّرْتَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ،

ص: 454

وَعَنْ شِمالِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ بِحِفْظِكَ الَّذِي لَايَضِيعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ، وَاحْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ، وَوَصِيَّ رَسُولِكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ.

اللّٰهُمَّ وَمُدَّ فِي عُمْرِهِ، وَزِدْ فِي أَجَلِهِ، وَأَعِنْهُ عَلَىٰ مَا وَلَّيْتَهُ وَاسْتَرْعَيْتَهُ، وَزِدْ فِي كَرامَتِكَ لَهُ فَإِنَّهُ الْهادِي الْمَهْدِيُّ، وَالْقائِمُ الْمُهْتَدِي وَالطَّاهِرُ التَّقِيُّ، الزَّكِيُّ النَّقِيُّ، الرَّضِيُّ الْمَرْضِيُّ،الصَّابِرُ الشَّكُورُ الْمُجْتَهِدُ.

اللّٰهُمَّ وَلَا تَسْلُبْنَا الْيَقِينَ لِطُولِ الْأَمَدِ فِي غَيْبَتِهِ وَانْقِطاعِ خَبَرِهِ عَنَّا، وَلَا تُنْسِنا ذِكْرَهُ وَانْتِظارَهُ، وَالْإِيمانَ بِهِ، وَقُوَّةَ الْيَقِينِ فِي ظُهُورِهِ، وَالدُّعاءَ لَهُ وَالصَّلاةَ عَلَيْهِ، حَتَّىٰ لَايُقَنِّطَنا طُولُ غَيْبَتِهِ مِنْ قِيامِهِ، وَيَكُونَ يَقِينُنا فِي ذٰلِكَ كَيَقِينِنا فِي قِيامِ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمَا جاءَ بِهِ مِنْ وَحْيِكَ وَتَنْزِيلِكَ، فَقَوِّ قُلُوبَنا عَلَى الْإِيمانِ بِهِ، حَتَّىٰ تَسْلُكَ بِنَا عَلَىٰ يَدَيْهِ مِنْهاجَ الْهُدَىٰ، وَالْمَحَجَّةَ الْعُظْمَىٰ، وَالطَّرِيقَةَ الْوُسْطَىٰ، وَقَوِّنا عَلَىٰ طاعَتِهِ، وَثَبِّتْنا عَلَىٰ مُتابَعَتِهِ، وَاجْعَلْنا فِي حِزْبِهِ وَأَعْوانِهِ وَأَنْصارِهِ وَالرَّاضِينَ بِفِعْلِهِ، وَلَا تَسْلُبْنا ذٰلِكَ فِي حَيَاتِنا وَلَا عِنْدَ وَفاتِنا، حَتَّىٰ تَتَوَفَّانا وَنَحْنُ

ص: 455

عَلَىٰ ذٰلِكَ، لَاشاكِّينَ وَلَا ناكِثِينَ وَلَا مُرْتابِينَ وَلَا مُكَذِّبِينَ.

اللّٰهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَهُ وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْ ناصِرِيهِ، وَاخْذُلْ خاذِلِيهِ، وَدَمْدِمْ عَلَىٰ مَنْ نَصَبَ لَهُ وَكَذَّبَ بِهِ، وَأَظْهِرْ بِهِ الْحَقَّ، وَأَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ، وَاسْتَنْقِذْ بِهِ عِبادَكَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الذُّلِّ، وَانْعَشْ بِهِ الْبِلادَ، وَاقْتُلْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ، وَاقْصِمْ بِهِ رُؤُوسَ الضَّلالَةِ، وَذَلِّلْ بِهِ الْجَبَّارِينَ وَالْكافِرِينَ، وَأَبِرْ بِهِ الْمُنافِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَجَمِيعَ الُمخالِفِينَ وَالْمُلْحِدِينَ فِي مَشارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِها، وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَسَهْلِها وَجَبَلِها، حَتَّىٰ لَاتَدَعَ مِنْهُمْ دَيَّاراً، وَلَا تُبْقِيَ لَهُمْ آثاراً، طَهِّرْ مِنْهُمْ بِلادَكَ، وَاشْفِ مِنْهُمْ صُدُورَ عِبادِكَ، وَجَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحىٰ مِنْ دِينِكَ، وَأَصْلِحْ بِهِ مَا بُدِّلَ مِنْ حُكْمِكَ وَغُيِّرَ مِنْ سُنَّتِكَ، حَتَّىٰ يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلَىٰ يَدَيْهِ غَضّاً جَدِيداً صَحِيحاً لَاعِوَجَ فِيهِ، وَلَا بِدْعَةَ مَعَهُ، حَتَّىٰ تُطْفِئَ بِعَدْلِهِ نِيرانَ الْكافِرِينَ، فَإِنَّهُ عَبْدُكَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَارْتَضَيْتَهُ لِنَصْرِ دِينِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُ بِعِلْمِكَ، وَعَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبَرَّأْتَهُ مِنَ الْعُيُوبِ، وَأَطْلَعْتَهُ عَلَى الْغُيُوبِ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ، وَطَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ، وَنَقَّيْتَهُ مِنَ الدَّنَسِ.

ص: 456

اللّٰهُمَّ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آبائِهِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَىٰ شِيعَتِهِ الْمُنْتَجَبِينَ، وَبَلِّغْهُمْ مِنْ آمالِهِمْ مَا يَأْمُلُونَ، وَاجْعَلْ ذٰلِكَ مِنَّا خالِصاً مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ وَرِياءٍ وَسُمْعَةٍ، حَتَّىٰ لَانُرِيدَ بِهِ غَيْرَكَ، وَلَا نَطْلُبَ بِهِ إِلّا وَجْهَكَ.

اللّٰهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا، وَغَيْبَةَ إِمامِنا، وَشِدَّةَ الزَّمانِ عَلَيْنا، وَوُقُوعَ الْفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الْأَعْداءِ عَلَيْنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا .

اللّٰهُمَّ فَافْرُجْ ذٰلِكَ عَنَّا بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَنَصْرٍ مِنْكَ تُعِزُّهُ، وَ إِمامِ عَدْلٍ تُظْهِرُهُ، إِلٰهَ الْحَقِّ آمِينَ .

اللّٰهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّكَ فِي إِظْهارِ عَدْلِكَ فِي عِبادِكَ، وَقَتْلِ أَعْدائِكَ فِي بِلادِكَ، حَتَّىٰ لَا تَدَعَ لِلْجَوْرِ يَا رَبِّ دِعامَةً إِلّا قَصَمْتَها، وَلَا بَقِيَّةً إِلّا أَفْنَيْتَها، وَلَا قُوَّةً إِلّا أَوْهَنْتَها، وَلَا رُكْناً إِلّا هَدَمْتَهُ، وَلَا حَدّاً إِلّا فَلَلْتَهُ، وَلَا سِلاحاً إِلّا أَكْلَلْتَهُ، وَلَا رايَةً إِلّا نَكَّسْتَها، وَلَا شُجاعاً إِلّا قَتَلْتَهُ، وَلَا جَيْشاً إِلّا خَذَلْتَهُ، وَارْمِهِمْ يَا رَبِّ بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ، وَاضْرِبْهُمْ بِسَيْفِكَ الْقاطِعِ وَبَأْسِكَ الَّذِي لَاتَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وَعَذِّبْ أَعْداءَكَ وَأَعْداءَ وَلِيِّكَ

ص: 457

وَأَعْداءَ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِيَدِ وَلِيِّكَ وَأَيْدِي عِبادِكَ الْمُؤْمِنِينَ.

اللّٰهُمَّ اكْفِ وَلِيَّكَ وَحُجَّتَكَ فِي أَرْضِكَ هَوْلَ عَدُوِّهِ، وَكَيْدَ مَنْ ارادَهُ، وَامْكُرْ بِمَنْ مَكَرَ بِهِ، وَاجْعَلْ دائِرَةَ السَّوْءِ عَلَىٰ مَنْ أَرادَ بِهِ سُوءاً، وَاقْطَعْ عَنْهُ مادَّتَهُمْ، وَأَرْعِبْ لَهُ قُلُوبَهُمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدامَهُمْ، وَخُذْهُمْ جَهْرَةً وَبَغْتَةً، وَشَدِّدْ عَلَيْهِمْ عَذابَكَ، وَأَخْزِهِمْ فِي عِبادِكَ، وَالْعَنْهُمْ فِي بِلادِكَ، وَأَسْكِنْهُمْ أَسْفَلَ نارِكَ، وَأَحِطْ بِهِمْ أَشَدَّ عَذابِكَ، وَأَصْلِهِمْ ناراً، وَاحْشُ قُبُورَ مَوْتاهُمْ ناراً، وَأَصْلِهِمْ حَرَّ نارِكَ، فَإِنَّهُمْ أَضاعُوا الصَّلاةَ، وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ، وَأَضَلُّوا عِبادَكَ، وَأَخْرَبُوا بِلادَكَ.

اللّٰهُمَّ وَأَحْيِ بِوَلِيِّكَ الْقُرْآنَ، وَأَرِنا نُورَهُ سَرْمَداً لَالَيْلَ فِيهِ، وَأَحْيِ بِهِ الْقُلُوبَ الْمَيِّتَةَ؛ وَاشْفِ بِهِ الصُّدُورَ الْوَغِرَةَ ، وَاجْمَعْ بِهِ الْأَهْواءَ الْمُخْتَلِفَةَعَلَى الْحَقِّ، وَأَقِمْ بِهِ الْحُدُودَ الْمُعَطَّلَةَ وَالْأَحْكامَ الْمُهْمَلَةَ، حَتَّىٰ لَايَبْقىٰ حَقٌّ إِلّا ظَهَرَ، وَلَا عَدْلٌ إِلّا زَهَرَ، وَاجْعَلْنا يَا رَبِّ مِنْ أَعْوانِهِ، وَمُقَوِّيَةِ سُلْطانِهِ، وَالْمُؤْتَمِرِينَ لِأَمْرِهِ، وَالرَّاضِينَ بِفِعْلِهِ، وَالْمُسَلِّمِينَ لِأَحْكامِهِ،

ص: 458

وَمِمَّنْ لَاحاجَةَ بِهِ إِلَى التَّقِيَّةِ مِنْ خَلْقِكَ، وَأَنْتَ يَا رَبِّ الَّذِي تَكْشِفُ الضُّرَّ، وَتُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاكَ، وَتُنْجِي مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، فَاكْشِفْ الضُّرَّ عَنْ وَلِيِّكَ، وَاجْعَلْهُ خَلِيفَةً فِي أَرْضِكَ كَما ضَمِنْتَ لَهُ.

اللّٰهُمَّ لَاتَجْعَلْنِي مِنْ خُصَماءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ،وَلَا تَجْعَلْنِي مِنْ أَعْداءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وَلَا تَجَعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الْحَنَقِ وَالْغَيْظِ عَلَىٰ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَإِنِّي أَعُوذُبِكَ مِنْ ذٰلِكَ فَأَعِذْنِي، وَأَسْتَجِيرُ بِكَ فَأَجِرْنِي .

اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْنِي بِهِمْ فائِزاً عِنْدَكَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ(1).

12- دعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ بعد الزيارة:

اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلىٰ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَئِمَّةِ الْهَادِينَ، الْعُلَماءِ الصَّادِقِينَ، الْأَبْرَارِ الْمُتَّقِينَ، دَعَائِمِ دِينِكَ، وَأَرْكَانِ تَوْحِيدِكَ، وَتَراجِمَةِ وَحْيِكَ، وَحُجَجِكَ عَلَىٰ خَلْقِكَ، وَخُلَفَائِكَ فِى

ص: 459


1- مصباح المتهجد: 411.

أَرْضِكَ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُمْ عَلَىٰ عِبَادِكَ، وَارْتَضَيْتَهُمْ لِدِينِكَ، وَخَصَصْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ، وَجَلَّلْتَهُمْ بِكَرَامَتِكَ، وَغَشَّيْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَرَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَغَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَأَلْبَسْتَهُمْ نُورَكَ، وَرَفَعْتَهُمْ فِى مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بِملائِكَتِكَ، وَشَرَّفْتَهُمْ بِنَبِيِّكَ، صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلىٰ مُحَمَّدٍ وَ عَلَيْهِمْ، صَلَاةً زَاكِيَةً نَامِيَةً كَثِيرَةً دَائِمَةً طَيِّبَةً، لَايُحِيطُ بِهَا إِلّا أَنْتَ، وَلَا يَسَعُهَا إِلّا عِلْمُكَ، وَلَا يُحْصِيهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ...الخ»(1)

13 - دعاء كل يوم بعد فريضة الصبح:

اللّٰهُمَّ بَلِّغْ مَوْلايَ صاحِبَ الزَّمانِ صَلَواتُ اللّٰهِ عَلَيْهِ عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، فِي مَشارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِها، وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَسَهْلِها وَجَبَلِها، حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ، وَعَنْ والِدَيَّوَوُلَدِي وَعَنِّي مِنَ الصَّلَواتِ وَالتَّحِيَّاتِ زِنَةَ عَرْشِ اللّٰهِ وَمِدادَ كَلِماتِهِ،

ص: 460


1- مصباح المتهجد: 407. مزار المفيد : 208. الغيبة / الطوسي: 279. جمال الأسبوع: 305.

وَمُنْتَهىٰ رِضاهُ، وَعَدَدَ مَا أَحْصاهُ كِتابُهُ، وَأَحاطَ بِهِ عِلْمُهُ .

اللّٰهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي هٰذَا الْيَوْمِ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً فِي رَقَبَتِي.

اللّٰهُمَّ كَمَا شَرَّفْتَنِي بِهٰذَا التَّشْرِيفِ، وَفَضَّلْتَنِي بِهٰذِهِ الْفَضِيلَةِ، وَخَصَصْتَنِي بِهٰذِهِ النِّعْمَةِ، فَصَلِّ عَلَىٰ مَوْلايَ وَسَيِّدِي صاحِبِ الزَّمانِ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَنْصارِهِ وَأَشْياعِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ طائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ فِي الصَّفِّ الَّذِي نَعَتَّ أَهْلَهُ فِي كِتابِكَ فَقُلْتَ: ﴿صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيٰانٌ مَرْصُوصٌ﴾(1) عَلَىٰ طاعَتِكَ وَطاعَةِ رَسُولِكَ وَآلِهِ عَلَيهِمُ السَّلامُ . اللّٰهُمَّ هٰذِهِ بَيْعَةٌ لَهُ فِي عُنُقِي إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ(2).

14- دعاء الإمام الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ للحجه عَلَيهِ السَّلَامُ:

اللّٰهُمَّ ادْفَعْ عَنْ وَلِيِّكَ وَخَلِيفَتِكَ وَحُجَّتِكَ عَلَىٰ خَلْقِكَ، وَ لِسانِكَ الْمُعَبِّرِ عَنْكَ، النَّاطِقِ بِحِكْمَتِكَ، وَعَيْنِكَ النَّاظِرَةِ

ص: 461


1- سورة الصف: الآية 4.
2- مصباح الزائر : 234. مفاتیح الجنان : بعد دعاء الندبة.

بِإِذْنِكَ، وَشاهِدِكَ عَلَىٰ عِبادِكَ، الْجَحْجاحِ الْمُجاهِدِ الْعائِذِ بِكَ الْعابِدِ عِنْدَكَ، وَأَعِذْهُ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ مَا خَلَقْتَ وَبَرَأْتَ وَأَنْشَأْتَ وَصَوَّرْتَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ، وَمِنْ تَحْتِهِ بِحِفْظِكَ الَّذِي لَايَضِيعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ، وَاحْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ وَآباءَهُ أَئِمَّتَكَ وَدَعائِمَ دِينِكَ، وَاجْعَلْهُ فِي وَدِيعَتِكَ الَّتِي لَا تَضِيعُ، وَفِي جِوارِكَ الَّذِي لَايُخْفَرُ، وَفِي مَنْعِكَ وَعِزِّكَ الَّذِي لَايُقْهَرُ، وَآمِنْهُ بِأَمانِكَ الْوَثِيقِ الَّذِي لَايُخْذَلُ مَنْ آمَنْتَهُ بِهِ، وَاجْعَلْهُ فِي كَنَفِكَ الَّذِي لاَ ٰ يُرامُ مَنْ كانَ فِيهِ، وَانْصُرْهُ بِنَصْرِكَ الْعَزِيزِ، وَأَيِّدْهُ بِجُنْدِكَ الْغالِبِ، وَقَوِّهِ بِقُوَّتِكَ، وَأَرْدِفْهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَوالِ مَنْ والاهُ، وَعادِ مَنْ عاداهُ، وَأَلْبِسْهُ دِرْعَكَ الْحَصِينَةَ، وَحُفَّهُ بِالْمَلائِكَةِ حَفّاً.

اللّٰهُمَّ اشْعَبْ بِهِ الصَّدْعَ، وَارْتُقْ بِهِ الْفَتْقَ، وَأَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ، وَأَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ، وَزَيِّنْ بِطُولِ بَقائِهِ الْأَرْضَ، وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْهُ بِالرُّعْبِ، وَقَوِّ ناصِرِيهِ، وَاخْذُلْ خاذِلِيهِ، وَدَمْدِمْ مَنْ نَصَبَ لَهُ، وَدَمِّرْ مَنْ غَشَّهُ، وَاقْتُلْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ وَعُمُدَهَ وَدَعائِمَهُ، وَاقْصِمْ بِهِ رُؤُوسَ الضَّلالَةِ، وَشارِعَةَ الْبِدَعِ، وَمُمِيتَةَ

ص: 462

السُّنَّةِ، وَمُقَوِّيَةَ الْباطِلِ، وَذَلِّلْ بِهِ الْجَبَّارِينَ، وَأبِرْ بِهِ الْكافِرِينَ وَجَمِيعَ الْمُلْحِدِينَ فِي مَشارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِها، وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَسَهْلِها وَجَبَلِها، حَتَّىٰ لَاتَدَعَ مِنْهُمْ دَيَّاراً، وَلَا تُبْقِيَ لَهُمْ آثاراً.

اللّٰهُمَّ طَهِّرْ مِنْهُمْ بِلادَكَ، وَاشْفِ مِنْهُمْ عِبادَكَ، وَأَعِزَّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَحْيِ بِهِ سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ، وَدارِسَ حُكْمِ النَّبِيِّينَ، وَجَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحَىٰ مِنْ دِينِكَ، وَبُدِّلَ مِنْ حُكْمِكَ، حَتَّىٰ تُعِيدَ دِينَكَ بِهِ وَعَلَىٰ يَدَيْهِ جَدِيداً غَضّاً مَحْضاً صَحِيحاً لَاعِوَجَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ مَعَهُ، وَحَتَّىٰ تُنِيرَ بِعَدْلِهِ ظُلَمَ الْجَوْرِ؛ وَتُطْفِئَ بِهِ نِيرانَ الْكُفْرِ، وَتُوضِحَ بِهِ مَعاقِدَ الْحَقِّ وَمَجْهُولَ الْعَدْلِ، فَإِنَّهُ عَبْدُكَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُ عَلَىٰ غَيْبِكَ، وَعَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبَرَّأْتَهُ مِنَ الْعُيُوبِ، وَطَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ، وَسَلَّمْتَهُ مِنَ الدَّنَسِ .

اللّٰهُمَّ فَإِنَّا نَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَوْمَ حُلُولِ الطَّامَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُذْنِبْ ذَنْباً، وَلَا أَتَىٰ حُوباً، وَلَمْ يَرْتَكِبْ مَعْصِيَةً، وَلَمْ يُضَيِّعْ لَكَ طاعَةً، وَلَمْ يَهْتِكْ لَكَ حُرْمَةً، وَلَمْ يُبَدِّلْ لَكَ فَرِيضَةً، وَلَمْ يُغَيِّرْ لَكَ شَرِيعَةً، وَأَنَّهُ الْهادِي الْمُهْتَدِي الطَّاهِرُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ.

ص: 463

اللّٰهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ وَجَمِيعِ رَعِيَّتِهِ مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَتَجْمَعُ لَهُ مُلْكَ الْمُمْلَكاتِ كُلِّها، قَرِيبِها وَبَعِيدِها، وَعَزِيزِها وَذَلِيلِها، حَتَّىٰ تُجْرِيَ حُكْمَهُ عَلَىٰ كُلِّ حُكْمٍ، وَتَغْلِبَ بِحَقِّهِ كُلَّ باطِلٍ.

اللّٰهُمَّ اسْلُكْ بِنا عَلَىٰ يَدَيْهِ مِنْهاجَ الْهُدَىٰ، وَالْمَحَجَّةَ الْعُظْمَىٰ، وَالطَّرِيقَةَ الْوُسْطَى الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا الْغالِي، وَيَلْحَقُ بِها التَّالِي، وَقَوِّنا عَلَىٰ طاعَتِهِ، وَثَبِّتْنا عَلَىٰ مُشايَعَتِهِ، وَامْنُنْ عَلَيْنا بِمُتابَعَتِهِ، وَاجْعَلْنا فِي حِزْبِهِ الْقَوَّامِينَ بِأَمْرِهِ، الصَّابِرِينَ مَعَهُ، الطَّالِبِينَ رِضاكَ بِمُناصَحَتِهِ، حَتَّىٰ تَحْشُرَنا يَوْمَ الْقِيامَةِ فِي أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ وَمُقَوِّيَةِ سُلْطانِهِ.

اللّٰهُمَّ وَاجْعَلْ ذٰلِكَ لَنا خالِصاً مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ وَرِياءٍ وَسُمْعَةٍ، حَتَّىٰ لَا نَعْتَمِدَ بِهِ غَيْرَكَ، وَلَا نَطْلُبَ بِهِ إِلّا وَجْهَكَ وَحَتَّىٰ تُحِلَّنا مَحَلَّهُ، وَتَجْعَلَنا فِي الْجَنَّةِ مَعَهُ؛ وَأَعِذْنا مِنَ السَّأْمَةِ وَالْكَسَلِ وَالْفَتْرَةِ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ تَنْتَصِرُ بِهِ لِدِينِكَ، وَتُعِزُّ بِهِ نَصْرَ وَلِيِّكَ، وَلَا تَسْتَبْدِلْ بِنا غَيْرَنا، فَإِنَّ اسْتِبْدالَكَ بِنا غَيْرَنا عَلَيْكَ يَسِيرٌ، وَهُوَ عَلَيْنا كَثِيرٌ.

ص: 464

اللَّهُمَّ نَوِّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةٍ، وَ هُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ، وَ اهْدِمْ بِغُرَّتِهِ كُلَّ ضَلالَةٍ، وَ اقْصِمْ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ، وَ أَخْمِدْ بِسَيْفِهِ كُلَّ نَارٍ، وَ أَهْلِكْ بِعَدْلِهِ كُلَّ جَبّارٍ، وَ أَجْرِ حُكْمَهُ عَلَى كُلِّ حُكْمٍ، وَ أَذِلَّ بِسُلْطَانِهِ كُلَّ سُلْطَانٍ.

اللَّهُمَّ أَذِلَّ كُلَّ مَنْ نَاوَاهُ، وَ أَهْلِكْ كُلَّ مَنْ عَادَاهُ، وَ امْكُرْ بِمَنْ كَادَهُ، وَ اسْتَأْصِلْ مَنْ جَحَدَ حَقَّهُ وَ اسْتَهَانَ بِأَمْرِهِ وَ سَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِهِ وَ أَرَادَ إِخْمَادَ ذِكْرِهِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى وَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ وَ الْحَسَنِ الرِّضَا وَ الْحُسَيْنِ الْمُصَفَّى، وَ جَمِيعِ الْأَوْصِيَاءِ مَصَابِيحِ الدُّجَى وَ أَعْلامِ الْهُدَى، وَ مَنَارِ التُّقَى وَ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَ الْحَبْلِ الْمَتِينِ وَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَ صَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ، وَ وُلاةِ عَهْدِكَ، وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَ زِدْ فِي أَعْمَارِهِمْ، وَ زِدْ فِي آجَالِهِمْ، وَ بَلِّغْهُمْ أَفْضَل آمَالِهِمْ دِينًا وَ دُنْيَا وَ آخِرَةً، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.»(1).

ص: 465


1- مصباح الزائر : 236.

15- دعاء ليلة النصف من شعبان:

الرابع: أن يدعو بهذا الدعاء الذي رواه الشيخ والسيد ، وهو بمثابة زيارة للإمام الغائب صلوات الله عليه:

اَللّ-هُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنا وَمَوْلُودِها، وَحُجَّتِكَ وَمَوْعُودِها، الَّتي قَرَنْتَ اِلى فَضْلِها، فَضْلاً فَتَمَّتْ كَلِمَتُكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ، وَلا مُعَقِّبَ لاِياتِكَ، نُورُكَ الْمُتَاَلِّقُ، وَضِياؤُكَ الْمُشْرِقُ، وَالْعَلَمُ النُّورُ في طَخْياءِ الدَّيْجُورِ، الْغائِبُ الْمَسْتُورُ، جَلَّ مَوْلِدُهُ وَكَرمَ مَحْتِدُهُ، وَالْمَلائِكَةُ شُهَّدُهُ، وَاللهُ ناصِرُهُ وَمُؤَيِّدُهُ، اِذا آن ميعادُهُ، وَالْمَلائِكَةُ اَمْدادُهُ، سَيْفُ الله الَّذي لا يَنْبُو، وَنُورُهُ الَّذي لا يَخْبُو، وَذُو الْحِلْمِ الَّذي لا يَصْبُو، مَدارُ الَّدهْرِ، وَنَواميسُ الْعَصْرِ، وَوُلاةُ الاَْمْرِ، وَالْمُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ ما يَتَنَزَّلُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَاَصْحابُ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، تَراجِمَةَ وَحْيِهِ، وَوُلاةُ اَمْرِهِ وَنَهْيِهِ.

اَللّ-هُمَّ فَصَلِّ عَلى خاتِمِهم وَقائِمِهِمْ الْمَسْتُورِ عَوالِمِهِمْ.

اَللّ-هُمَّ وَاَدْرِكَ بِنا أَيّامَهُ وَظُهُورَهُ وَقِيامَهُ، وَاجْعَلْنا مِنْ اَنْصارِهِ. وَاقْرِنْ ثارَنا بِثارِهِ، وَاكْتُبْنا في اَعْوانِهِ وَخُلَصائِهِ، وَاَحْيِنا في

ص: 466

دَوْلَتِهِ ناعِمينَ، وَبِصُحْبَتِهِ غانِمينَ وَبِحَقِّهِ قائِمينَ، وَمِنَ السُّوءِ سالِمينَ، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ وَصَلَواتُهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّد خاتَمِ النَّبِيّينَ وَالْمُرْسَلينَ، وَعَلى اَهْلِ بَيْتِهِ الصّادِقينَ وَعِتْرَتِهَ النّاطِقينَ، وَالْعَنْ جَميعَ الظّالِمينَ، واحْكُمْ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ يا اَحْكَمَ الْحاكِمينَ(1).

16- دعاء الافتتاح:

الحادي عشر : أن يدعو في كل ليلة من رمضان بهذا الدعاء:

اللّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النِّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَأَعْظَمُ المُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ.

اللّهُمَّ أَذِنْتَ لِي فِي دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ، فأَسْمَعْ ياسَمِيعُ مِدْحَتِي، وَأَجِبْ يارَحِيمُ دَعْوَتِي وَأَقِلْ ياغَفُورُ عَثْرَتِي، فَكَمْ يا الهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَها، وَهُمُومٍ قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَها،

ص: 467


1- مفاتیح الجنان: أعمال النصف من شعبان.

وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاٍ قَدْ فَكَكْتَها؟

الحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ مِنَ الذُّلِ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.

الحَمْدُ للهِ بِجَمِيِعِ مَحامِدِهِ كُلِّها عَلى جَمِيعِ نِعَمِهِ كُلِّها.

الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا مُضادَّ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلامُنازِعَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ وَلاشَبِيهَ لَهُ فِي عَظَمَتِهِ، الحَمْدُ للهِ الفاشِي فِي الخَلْقِ أَمْرُهُ وَحَمْدُهُ، الظاهِرِ بالكَرَمِ مَجْدُهُ، الباسِطِ بالجُودِ يَدَهُ، الَّذِي لاتَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلايَزِيدُهُ كَثرَةُ العَطاءِ إِلاّ جُوداً وَكَرَما، إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الوَهَّابُ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ، مَعَ حَاجَةٍ بِي إِلَيْهِ عَظِيمَةٍ وِغِناكَ عَنْهُ قَدْيمٌ، وَهُوَ عِنْدِي كَثِيرٌ وَهُوَ عَلَيْكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ. اللّهُمّ إِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْبِي، وَتَجاوُزَكَ عَنْ خَطِيئَتِي، وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمِي، وَستْرَكَ عَلَى قَبِيحِ عَمَلِي، وَحِلْمَكَ عَنْ كَثِيرِ جُرْمِي عِنْدَ ما كانَ مِنْ خَطَأي وَعَمْدِي، أَطْمَعَنِي فِي أَنْ أَسْأَلَكَ ما لا اسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ الَّذِي رَزَقْتَنِي مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأَرَيْتَنِي مِنْ قَدْرَتِكَ، وَعَرَّفْتَنِي مِنْ إِجابَتِكَ، فَصِرْتُ أَدْعُوكَ آمِناً، وَأَسْأَلُكَ مُسْتَأْنِساً، لاخائِفاً

ص: 468

وَلا وَجِلاً، مُدِلاً عَلَيْكَ فِيما قَصَدْتُ فِيهِ إِلَيْكَ، فَإنْ أَبْطاء عَنِّي عَتِبْتُ بِجَهْلِي عَلَيْكَ، وَلَعَلَّ الَّذِي أَبْطَاءَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُمُورِ، فَلَمْ أَرَ مَوْلىً كَرِيماً أَصْبَرَ عَلى عبْدٍ لَئِيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ يارَبِّ، إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلا أَقْبَلُ مِنْكَ، كَأَنَ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِي وَالاِحْسانِ إِلَيَّ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ، فَأرْحَمْ عَبْدَكَ الجاهِلَ، وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إِحْسانِكَ إِنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ.الحَمْدُ للهِ مالِكِ المُلْكِ، مُجْرِي الفُلْكِ، مُسَخِّرِ الرِّياحِ، فالِقِ الاِصْباحِ، دَيّانِ الدَّينِ، رَبِّ العالَمِينَ.

الحَمْدُ للهِ عَلى حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَالحَمْدُ للهِ عَلى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ، وَالحَمْدُ للهِ عَلى طُولِ أَناتِهِ فِي غَضَبِهِ، وَهُوَ قادِرٌ عَلى ما يُرِيدُ. الحَمْدُ للهِ خالِقِ الخَلْقِ باسِطِ الرِّزْقِ، فالِقِ الاِصْباحِ، ذِي الجَلالِ وَالاِكْرامِ، وَالفَضْلِ وَالاِنْعامِ، الَّذِي بَعُدَ فَلا يُرى، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوى، تَبارَكَ وَتَعالى.

الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ، وَلا شَبِيهٌ يُشاكِلُهُ، وَلاظَهِيرٌ يُعاضِدُهُ، قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الاَعِزَّاءَ، وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ

ص: 469

العُظَماءُ، فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ مايَشاءُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ، وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وأَنا أَعْصِيهِ، وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ عَلَيَّ فَلا اُجازِيهِ، فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنِيئَةٍ قَدْ أَعْطانِي، وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَة قَدْ كَفانِي، وَبَهْجَةٍ مونِقَةٍ قَدْ أَرانِي، فأُثْنِي عَلَيْهِ حامِداً وَأَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا يُهْتَكُ حِجابُهُ، وَلا يُغْلَقُ بابُهُ، وَلا يُرَدُّ سائِلُهُ، وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُؤْمِنُ الخائِفِينَ، وَيُنَجِّي الصَّالِحِينَ، وَيَرْفَعُ المُسْتَضْعَفِينَ، وَيَضَعُ المُسْتَكْبِرِينَ، وَيُهْلِكُ مُلُوكا وَيَسْتَخْلِفُ آخَرِينَ. الحَمْدُ للهِ قاصِمِ الجَبَّارينَ، مُبِيرِ الظَّالِمِينَ، مُدْرِكِ الهارِبِينَ، نَكالِ الظَّالِمِينَ، صَرِيخِ المُسْتصرِخِينَ، مَوْضِعِ حاجاتِ الطَّالِبِينَ، مُعْتَمَدِ المُؤْمِنِينَ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي مِنْ خَشْيَتِهِ تَرْعَدُ السَّماء وَسُكَّانُها، وَتَرْجُفُ الأَرْضُ وَعُمَّارُها، وَتَمُوجُ البِحارُ وَمَنْ يَسْبَحُ فِي غَمَراتِها.

الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدانا لِهذا، وَما كُنا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللهُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يَخْلُقُ وَلَمْ يُخْلَقْ، وَيَرْزُقُ وَلا يُرْزَقُ، وَيُطْعِمُ وَلايُطْعَمُ، وَيُمِيتُ الاَحْياءَ وَيُحْييَ المَوْتى وَهُوَ حَيٌ لايَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ص: 470

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَأَمِينِكَ وَصَفِيِّكَ وَحَبِيبِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَحافِظِ سِرِّكَ وَمُبَلِّغِ رِسالاتِكِ أَفْضَلَ وَأَحْسَنَ وَأَجْمَلَ وَأَكْمَلَ وَأَزْكى وَأَنْمى وَأَطْيَبَ وَأَطْهَرَ وَأَسْنى وَأَكْثَرَ ماصَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ عَلى أَحَدٍ مِنْ عِبادِكَ وَأَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَصَفْوَتِكَ وَأَهْلِ الكَرامَةِ عَلَيْكَ مِنْ خَلْقِكَ. اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى عَلِيٍّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ العالَمِينَ، عَبْدِكَ وَوَلِيِّكَ وَأَخِي رَسُولِكَ وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ وَآيَتِكَ الكُبْرى وَالنَّبَأ العَظِيمِ، وَصَلِّ عَلى الصِّدِّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمِينَ، وَصَلِّ عَلى سِبْطَي الرَّحْمَةِ وَإِمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَصَلِّ عَلى أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ وَمُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُوسى بْنِ جَعْفَرٍ وَعَلِيٍّ بْنِ مُوسى وَمُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ وَعَليٍّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَالخَلَفِ الهادِي المَهْدِي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ فِي بِلادِكِ، صَلاةً كَثِيرَةً دائِمَةً. اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِيِّ أَمْرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ، وَالعَدْلِ المُنْتَظَرِ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ، وَأَيِّدْهُ بِرُوحِ

ص: 471

القُدُسِ يارَبَّ العالَمِينَ.

اللّهُمَّ اجْعَلْهُ الدَّاعِيَ إِلى كِتابِكَ، وَالقائِمَ بِدِينِكَ، اسْتَخْلِفْهُ فِي الأَرْضِ كَما اسْتَخْلَفْتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ، مَكِّنْ لَهُ دِينَهُ الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ لَهُ، أَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ أَمْنا، يَعْبُدُكَ لايُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً. اللّهُمَّ أَعِزَّهُ وَأَعْزِزْ بِهِ، وَانْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ، وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزِيزاً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً. اللّهُمَّ أَظْهِرْ بِهِ دِينَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ، حَتَّى لا يَسْتَخْفِي بِشَيْءٍ مِنَ الحَقِّ مَخافَةَ أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ.

اللّهُمَّ إِنا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ، تُعِزُّ بِها الاِسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِها النِّفاقَ وَأَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فِيها مِنَ الدُّعاةِ إِلى طاعَتِكَ، وَالقادَةِ إِلى سَبِيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ. اللّهُمَّ ما عَرَّفْتَنا مِنَ الحَقِّ فَحَمِّلْناهُ، وَما قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ، اللّهُمَّ أَلْمُمْ بِهِ شَعْثَنا، وَأَشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا، وَأَرْتِقْ بِهِ فَتْقَنا، وَكَثِّرْ بِهِ قِلَّتَنا، وَأَعْزِزْ بِهِ ذِلَّتَنا، وَأَغْنِ بِهِ عائِلَنا، وَأَقْضِ بِهِ عَنْ مُغْرَمِنا، وَاجْبُرْ بِهِ فَقْرَنا، وَسُدَّ بِهِ خَلَّتَنا، وَيَسِّرْ بِهِ عُسْرَنا، وَبَيِّضْ بِهِ وُجُوهَنا، وَفُكَّ بِهِ أَسْرَنا، وَانْجِحْ بِهِ طَلَبَتِنَا، وَأَنْجِزْ بِهِ مَواعِيدَنا، وَاسْتَجِبْ بِهِ

ص: 472

دَعْوَتَنا، وَاعْطِنا بِهِ سُؤْلَنا، وَبَلِّغْنا بِهِ مِنَ الدُّنْيا وَالآخرةِ آمالَنا، وَاعْطِنا بِهِ فَوْقَ رَغْبَتِنا، يا خَيْرَ المَسْؤُولِينَ وَأَوْسَعَ المُعْطِينَ، اشْفِ بِهِ صُدُورَنا، وَأَذْهِبْ بِهِ غَيْظَ قُلُوبِنا، وَاهْدِنا بِهِ لِما اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَانْصُرْنا بِهِ عَلى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنا، إِلهَ الحَقِّ آمِينَ.

اللّهُمَّ إِنَّا نَشْكُوإِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدَّةَ الفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَعِنّا عَلى ذلِكَ بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَبِضُرٍ تَكْشِفُهُ، وَنَصْرٍ تُعِزُّهُ، وَسُلْطانِ حَقٍّ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَةٍ مِنْكَ تُجَلِّلُناها، وَعافِيَةٍ مِنْكَ تُلْبِسُناها، بِرَحْمَتِكَ ياأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ(1).

17- دعاء الفرج، يستحب بعد كل فريضة:

اَللّ-هُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً

ص: 473


1- مفاتیح الجنان : القسم الثاني / ما يستحب إتيانه في ليالي شهر رمضان.

وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فیها طویلا (1).

18- دعاء يوم دحو الأرض (25 ذي الحجة):

اللّهمّ داحِيَ الْكَعْبَةِ، وَفالِقَ الْحَبّةِ، وَصارِفَ اللّزْبَةِ، وَكاشِفَ كُلِّ كُرْبَة، اَسْاَلُكَ في هذَا الْيَوْمِ مِنْ اَيّامِكَ الّتي اَعْظَمْتَ حَقّها، وَاَقْدَمْتَ سَبْقَها، وَجَعَلْتَها عِنْدَ الْمُؤْمِنينَ وَديعَةً، وَاِلَيْكَ ذَريعَةً، وَبِرَحْمَتِكَ الْوَسيعَةِ، اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمّد عَبْدِكَ الْمُنْتَجَبِ فِى الْميثاقِ الْقَريبِ يَوْمَ التّلاقِ، فاتِقِ كُلِّ رَتْق، وَداع إِلى كُلِّ حَقِّ، وَعَلى اَهْلِ بَيْتِهِ الاَْطْهارِ الْهُداةِ الْمَنارِ دَعائِمِ الْجَبّارِ، وَوُلاةِ الْجَنّةِ وَالنّارِ، وَاَعْطِنا في يَوْمِنا هذا مِنْ عَطائِكَ المخزوُن غَيْرَ مَقْطوُع وَلا مَمْنوُع، تَجْمَعُ لَنا بِهِ التّوْبَةَ وَحُسْنَ الاَْوْبَةِ، يا خَيْرَ مَدْعُوٍّ، وَاَكْرَمُ مَرْجُوٍّ، يا كَفِيُّ يا وَفِيُّ، يا مَنْ لُطْفُهُ خَفِيٌّ اُلْطُفْ لي بِلُطْفِكَ، وَاَسْعِدْني بِعَفْوِكَ، وَاَيِّدْني بِنَصْرِكَ، وَلا تُنْسِني كَريمَ ذِكْرِكَ بِوُلاةِ اَمْرِكَ، وَحَفَظَةِ سِرِّكَ، وَاحْفَظْني مِنْ شَوائِبِ الدّهْرِ

ص: 474


1- مفاتیح الجنان : من أعمال ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان.

إِلى يَوْمِ الْحَشْرِ وَالنّشْرِ، وَاَشْهِدْني اَوْلِياءِكَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسي، وَحُلُولِ رَمْسي، وَانْقِطاعِ عَمَلي، وَانْقِضاءِ اَجَلي.

اللّهمّ وَاذْكُرْني عَلى طُولِ الْبِلى إِذا حَلَلْتُ بَيْنَ اَطْباقِ الثّرى، وَنَسِيَنِى النّاسُونَ مِنَ الْوَرى، وَاحْلِلْني دارَ الْمُقامَةِ، وَبَوِّئْني مَنْزِلَ الْكَرامَةِ، وَاجْعَلْني مِنْ مُرافِقي اَوْلِيائِكَ وَاَهْلِ اجْتِبائِكَ وَاصْطَفائِكَ، وَباركْ لي في لِقائِكَ، وَارْزُقْني حُسْنَ الْعَمَلِ قَبْلَ حُلُولِ الاَْجَلِ، بَريئاً مِنَ الزّلَلِ وَسوُءِ الْخَطَلِ.

اللّهمّ وَاَوْرِدْني حَوْضَ نَبِيِّكَ مُحَمّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاسْقِني مِنْهُ مَشْرَباً رَوِيّاً سائِغاً هَنيئاً لا اَظْمَأُ بَعْدَهُ وَلا اُحَلاّ وِرْدَهُ وَلا عَنْهُ اُذادُ، وَاجْعَلْهُ لي خَيْرَ زاد، وَاَوْفى ميعاد يَوْمَ يَقُومُ الاْشْهادُ.

اللّهمّ وَالْعَنْ جَبابِرَةَ الأوّلينَ وَالاْخِرينَ، وَبِحُقُوقِ اَوْلِيائِكَ الْمُسْتَأثِرِينَ.

اللّهمّ وَاقْصِمْ دَعائِمَهُمْ وَاَهْلِكْ اَشْياعَهُمْ وَعامِلَهُمْ، وَعَجِّلْ مَهالِكَهُمْ، وَاسْلُبْهُمْ مَمالِكَهُمْ، وَضَيِّقْ عَلَيْهِمْ مَسالِكَهُمْ، وَالْعَنْ

ص: 475

مُساهِمَهُمْ وَمُشارِكَهُمْ.

اللّهمّ وَعَجِّلْ فَرَجَ أَوْلِيائِكَ، وَارْدُدْ عَلَيْهِمْ مَظالِمَهُمْ، وَاَظْهِرْ بِالْحَقِّ قائِمَهُمْ، وَاجْعَلْهُ لِدينِكَ مُنْتَصِراً، وَبِاَمْرِكَ في اَعْدائِكَ مُؤْتَمِراً.

اللّهمّ احْفُفْهُ بِمَلائِكَةِ النّصْرِ وَبِما اَلْقَيْتَ اِلَيْهِ مِنَ الاْمْرِ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ، مُنْتَقِماً لَكَ حتّى تَرْضى وَيَعوُدَ دينُكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ جَديداً غَضّاً، وَيَمْحَضَ الْحَقّ مَحْضاً، وَيَرْفُضَ الْباطِلَ رَفْضاً.

اللّهمّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى جَميعِ آبائِهِ، وَاجْعَلْنا مِنْ صَحْبِهِ وَاُسْرَتِهِ، وَابْعَثْنا في كَرّتِهِ حتّى نَكُونَ في زَمانِهِ مِنْ اَعْوانِهِ.

اللّهمّ اَدْرِكْ بِنا قِيامَهُ، وَاَشْهِدْنا اَيّامَهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَارْدُدْ اِلَيْنا سَلامَهُ، وَالسّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ(1).

19- دعاء العهد:

يستحب كل يوم بعد صلاة الصبح:

ص: 476


1- مفاتیح الجنان : في أعمال شهر ذي القعدة / يوم دحو الأرض.

اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ وَ رَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ وَ رَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ وَ مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الزَّبُورِ وَ رَبَّ الظِّلِّ وَ الْحَرُورِ وَ مُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَ رَبَّ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ بِاسْمِكَ الْكَرِيمِ وَ بِنُورِ وَجْهِكَ الْمُنِيرِ وَ مُلْكِكَ الْقَدِيمِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرَضُونَ وَ بِاسْمِكَ الَّذِي يَصْلَحُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَ الْآخِرُونَ يَا حَيّاً قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ وَ يَا حَيّا بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ وَ يَا حَيّاً حِينَ لا حَيَّ يَا مُحْيِيَ الْمَوْتَى وَ مُمِيتَ الْأَحْيَاءِ يَا حَيُّ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ. اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا الْإِمَامَ الْهَادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ عَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرِينَ عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا سَهْلِهَا وَ جَبَلِهَا وَ بَرِّهَا وَ بَحْرِهَا وَ عَنِّي وَ عَنْ وَالِدَيَّ مِنَ الصَّلَوَاتِ زِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ وَ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ وَ مَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ كِتَابُهُ وَ أَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هَذَا وَ مَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي عَهْدا وَ عَقْدا وَ بَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي لا أَحُولُ عَنْهَا وَ لا أَزُولُ أَبَدا اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَ أَعْوَانِهِ وَ الذَّابِّينَ عَنْهُ وَ الْمُسَارِعِينَ

ص: 477

إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ [وَ الْمُمْتَثِلِينَ لِأَوَامِرِهِ ] وَ الْمُحَامِينَ عَنْهُ وَ السَّابِقِينَ إِلَى إِرَادَتِهِ وَ الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ اللَّهُمَّ إِنْ حَالَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ الْمَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي شَاهِراً سَيْفِي مُجَرِّداً قَنَاتِي مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الْحَاضِرِ وَ الْبَادِي اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَ الْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ وَ اكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُ وَ سَهِّلْ مَخْرَجَهُ وَ أَوْسِعْ مَنْهَجَهُ وَ اسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ وَ أَنْفِذْ أَمْرَهُ وَ اشْدُدْ أَزْرَهُ وَ اعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلادَكَ وَ أَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ فَإِنَّكَ قُلْتَ وَ قَوْلُكَ الْحَقُّ:﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾، فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِيَّكَ وَ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ الْمُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِكَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه حَتَّى لا يَظْفَرَ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْبَاطِلِ إِلا مَزَّقَهُ وَ يُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُحَقِّقَهُ وَ اجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبَادِكَ وَ نَاصِراً لِمَنْ لا يَجِدُ لَهُ نَاصِراً غَيْرَكَ وَ مُجَدِّداً لِمَا عُطِّلَ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِكَ وَ مُشَيِّداً لِمَا وَرَدَ مِنْ أَعْلامِ دِينِكَ وَ سُنَنِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ اجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مِمَّنْ حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ الْمُعْتَدِينَ اللَّهُمَّ وَ سُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 478

بِرُؤْيَتِهِ وَ مَنْ تَبِعَهُ عَلَى دَعْوَتِهِ وَ ارْحَمِ اسْتِكَانَتَنَا بَعْدَهُ اللَّهُمَّ اكْشِفْ هَذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحُضُورِهِ وَ عَجِّلْ لَنَا ظُهُورَهُ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدا وَ نَرَاهُ قَرِيبا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .

ثم تضرب على فخذك الأمن بيدك ثلاث مرات و تقول كل مرة:

الْعَجَلَ الْعَجَلَ يَا مَوْلايَ يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ(1).

20- دعاء الاستغاثة بالحجة عَلَيهِ السَّلَامُ:

سَلامُ اللّٰهِ الْكامِلُ التَّامُّ الشَّامِلُ الْعامُّ، وَصَلَواتُهُ الدَّائِمَةُ، وَبَرَكاتُهُ الْقائِمَةُ التَّامَّةُ عَلىٰ حُجَّةِ اللّٰهِ وَوَ لِيِّهِ فِى أَرْضِهِ وَبِلادِهِ، وَخَلِيفَتِهِ عَلىٰ خَلْقِهِ وَعِبادِهِ، وَسُلالَةِ النُّبُوَّةِ وَبَقِيَّةِ الْعِتْرَةِ وَالصَّفْوَةِ، صاحِبِ الزَّمانِ، وَمُظْهِرِ الْإِيمانِ، وَمُلَقِّنِ أَحْكامِ الْقُرْآنِ، وَمُطَهِّرِ الْأَرْضِ، وَناشِرِ الْعَدْلِ فِى الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَ الْحُجَّةِ الْقائِمِ الْمَهْدِيِّ، الْإِمامِ الْمُنْتَظَرِ الْمَرْضِيِّ ، وَابْنِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ، الْوَصِيِّ ابْنِ الْأَوْصِياءِ الْمَرْضِيِّينَ، الْهادِي الْمَعْصُومِ ابْنِ الْأَئِمَّةِ الْهُداةِ الْمَعْصُومِينَ.

ص: 479


1- مفاتیح الجنان : بعد دعاء الندبة وقبل زيارة الجامعة الكبيرة.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُعِزَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْكافِرِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ الظَّالِمِينَ؛ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلاىَ يَا صاحِبَ الزَّمانِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّٰهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ،

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الْأَئِمَّةِ الْحُجَجِ الْمَعْصُومِينَ وَالْإِمامِ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلاىَ سَلامَ مُخْلِصٍ لَكَ فِى الْوَلايَةِ،أَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمامُ الْمَهْدِىُّ قَوْلاً وَفِعْلاً، وَأَنْتَ الَّذِى تَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً بَعْدَ ما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، فَعَجَّلَ اللّٰهُ فَرَجَكَ، وَسَهَّلَ مَخْرَجَكَ؛ وَقَرَّبَ زَمانَكَ، وَكَثَّرَ أَنْصارَكَ وَأَعْوانَكَ، وَأَنْجَزَ لَكَ ما وَعَدَكَ، فَهُوَ أَصْدَقُ الْقائِلِينَ وَ ﴿نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ﴾.

يَا مَوْلاىَ يَا صاحِبَ الزَّمانِ، يَا ابْنَ رَسُولِ اللّٰهِ، حاجَتِى كَذا وَكَذا فَاشْفَعْ لِى فِى نَجاحِها، فَقَدْ تَوَجَّهْتُ إِلَيْكَ بِحاجَتِى لِعِلْمِى أَنَّ لَكَ عِنْدَ اللّٰهِ شَفاعَةً مَقْبُولَةً وَمَقاماً مَحْمُوداً، فَبِحَقِّ مَنِ

ص: 480

اخْتَصَّكُمْ بِأَمْرِهِ، وَارْتَضاكُمْ لِسِرِّهِ، وَبِالشَّأْنِ الَّذِى لَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، سَلِ اللّٰهَ تَعالىٰ فِى نُجْحِ طَلِبَتِى وَ إِجابَةِ دَعْوَتِى وَكَشْفِ كُرْبَتِى(1).

ومنها دعاء الندبة الشهير الذي يستحب أيام الجمعة والأعياد والمناسبات الدينية ، وهو مروي في جميع كتب الأدعية لجزیل مثبوته ، وعظمة شأنه ، تركناه لطوله.

21- وقال المحدث القمي رَحْمَةِ اللَّهِ: «الثالث: روي أن من قال بعد فريضة الظهر و فريضة الفجر في يوم الجمعة وغيره من الأيام :اللهم صل على محملي والي محم؛ وعجل فرجهم لم يمت حتى يدرك القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، وإن قاله مائة مرة قضى الله له ستين حاجة من حاجات الدنيا والآخرة(2)».

22- الصلاة على ولي الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ: « اَللّ-هُمَّ صَلِّ عَلى وَلِيِّكَ وَابْنِ اَوْلِيائِكَ الَّذينَ فَرَضْتَ طاعَتَهُمْ وَاَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ وَاَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهيراً.

ص: 481


1- مفاتیح الجنان : دعاء الاستغاثة بالحجة عَلَيهِ السَّلَامُ.
2- مفاتیح الجنان: أعمال يوم الجمعة.

اَللّ-هُمَّ انْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ لِدينِكَ وَانْصُرْ بِهِ اَوْلِياءَكَ وَاَوْلِياءَهُ وَشيعَتَهُ وَاَنْصارَهُ، وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ، اَللّ-هُمَّ اَعِذْهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ باغ وَطاغ وَمِنْ شَرِّ جَميعِ خَلْقِكَ، وَاحْفُظْهُ مِنْ بَيْنِ يَديهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمينِهِ وَعَنْ شِمالِهِ، وَاحْرُسْهُ وَامْنَعْهُ اَنْ يوُصَلَ اِلَيْهِ بِسوُء، وَاحْفَظْ فيهِ رَسُولَكَ، وَآلِ رَسوُلِكَ وَاَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ وَاَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْ ناصِريهِ وَاخْذُلْ خاذِليهِ، وَاقْصِمْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ وَاقْتُلْ بِهِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقينَ وَجَميعَ الْمُلْحِدينَ حيثُ كانُوا مِنْ مَشارِقِ الاَرْضَ وَمَغارِبِها وَبَرِّها وَبَحْرِها وَامْلاَ بِهِ الاَرْضِ عَدْلاً وَاَظْهِرْ بِهِ دينَ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ، وَاجْعَلْنِى اللّهُمَّ مِنْ اَنْصارِهِ وَاَعْوانِهِ وَاَتْباعِهِ وَشيعَتِهِ وَاَرِنى فى آلِ مُحَمَّد ما يَأمَلوُنَ وَفى عَدُوِّهُمْ ما يَحْذَرُونَ اِل-هَ الْحَقِّ آمينَ»(1).

23- وأن يدعو له عَلَيهِ السَّلَامُ بعد فريضة الظهر بدعاء الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «أَيْ سَامِعَ كُلِّ صَوْتٍ يَا جَامِعَ كُلِّ فَوْتٍ يَا بَارِئَ كُلِّ نَفْسٍ بَعْدَ الْمَوْتِ يَا بَاعِثُ يَا وَارِثُ يَا سَيِّدَ السَّادَةِ يَا إِلَهَ الْآلِهَةِ

ص: 482


1- مفاتیح الجنان: المقام الثالث في ذكر الصلوات على الحجج الطاهرين عَلَيهِم السَّلَامُ.

أَيْ جَبَّارَ الْجَبَابِرَةِ يَا مَلِكَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ يَا رَبَّ الْأَرْبَابِ أَيْ مَلِكَ الْمُلُوكِ يَا بَطَّاشُ يَا ذَا الْبَطْشِ الشَّدِيدِ يَا فَعَّالًا لِما يُرِيدُ أَيْ مُحْصِيَ عَدَدِ الْأَنْفَاسِ وَ نَقْلِ الْأَقْدَامِ يَا مَنِ السِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ أَيْ مُبْدِئُ يَا مُعِيدُ أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ عَلَى خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَ بِحَقِّهِمُ الَّذِي أَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَى نَفْسِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ، أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ السَّاعَةَ السَّاعَةَ بِفَكَاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ وَ أَنْجِزْ لِوَلِيِّكَ وَ ابْنِ نَبِيِّكَ الدَّاعِي إِلَيْكَ بِإِذْنِكَ وَ أَمِينِكَ فِي خَلْقِكَ وَ عَيْنِكَ فِي عِبَادِكَ وَ حُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ عَلَيْهِ صَلَوَاتُكَ وَ بَرَكَاتُكَ وَعْدَهُ.

اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِنَصْرِكَ وَ انْصُرْ عَبْدَكَ وَ قَوِّ أَصْحَابَهُ وَ صَبِّرْهُمْ وَ اجْعَلْ لَهُمْ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً وَ عَجِّلْ فَرَجَهُ وَ أَمْكِنْهُ مِنْ أَعْدَائِكَ وَ أَعْدَاءِ رَسُولِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(1).

24- وأن يدعو له عَلَيهِ السَّلَامُ بعد فريضة العصر بدعاء الإمام موسی بن جعفر الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ: « أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ الأَوَّلُ وَ الآخِرُ

ص: 483


1- بحار الأنوار: 62/86. فلاح السائل : 170.

وَ الظّاهِرُ وَ الباطِنُ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ إِلَيْکَ زِيادَةُ الأَشْيآءِ وَ نُقْصانُها، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ خَلَقْتَ الخَلْقَ بِغَيْرِ مَعُونَةٍ مِنْ غَيْرِکَ وَ لا حاجَةٍ إِلَيْهِمْ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ مِنْکَ المَشِيَّةُ وَ إِلَيْکَ البَدْءُ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ قَبْلَ القَبْلِ وَ خالِقَ القَبْلِ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ بَعْدَ البَعْدِ وَ خالِقَ البَعْدِ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ تَمْحُو ما تَشآءُ وَ تُثْبِتُ وَ عِنْدَکَ أُمُّ الکِتابِ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ غايَةُ کُلِّ شَيْ ءٍ وَ وارِثُهُ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ لايَعْزُبُ عَنْکَ الدَّقِيقُ وَ لَا الجَلِيلُ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ لاتَخْفي عَلَيْکَ اللُّغاتُ وَ لا تَتَشابَهُ عَلَيْکَ الأَصْواتُ، کُلَّ يَوْمٍ أَنْتَ فِي شَأْنٍ لا يَشْغَلُکَ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، عالِمُ الغَيْبِ وَ أَخْفي، دَيّانُ الدِّينِ، مُدَبِّرُ الأُمُورِ، باعِثُ مَنْ فِي القُبُورِ، مُحْيِي العِظامِ وَ هِيَ رَمِيمٌ. أَسْأَلُکَ بِاسْمِکَ المَکْنُونِ الَمخْزُونِ الحَيِّ القَيُّومِ الَّذِي لا يُخَيَّبُ مَنْ سَأَلَکَ بِهِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلي مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ المُنْتَقِمِ لَکَ مِنْ أَعْدآئِکَ وَ أَنْجِزْ لَهُ ما وَعَدْتَهُ، يا ذَاالجَلالِ وَ الإِکْرامِ»...الخ(1)»

ص: 484


1- فلاح السائل: 199.

25- وأن يدعو له عَلَيهِ السَّلَامُ بعد صلاة الصبح بدعاء العهد ، ويقول : « یا رب صل على محمد وآل محمد ، وعجل فرج آل محمد ، وأعتق رقبتي من النار»(1).

26- و ِإِن یدعو له عَلَيهِ السَّلَامُ بعد کلّ رکعتین من صلاة الیل بهذا الدعاء:

«اللّهم إِنّي أَسْأَلُكَ وَلَمْ يُسْأَلْ مِثْلُكَ، أَنْتَ مَوْضِعُ مَسْأَلَةِ السَّائِلينَ وَمُنْتَهى رَغْبَةِ الرَّاغِبينَ، أَدْعُوكَ وَلَمْ يُدْعَ مِثْلُكَ، وَأَرْغَبُ إِلَيْكَ وَلَمْ يُرْغَبْ إِلى مِثْلِكَ، أَنْتَ مُجيبُ دَعْوَةِ الْمُضْطَرّينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمينَ، أَسْأَلُكَ بِأَفْضَلِ الْمَسائِلِ وَأَنْجَحِها وَأَعْظَمِها، يا الله يا رَحْمانُ يا رَحيمُ وَبِأَسْمائِكَ الْحُسْنى، وَأَمْثالِكَ الْعُلْيا، وَنِعَمِكَ الَّتي لا تُحْصى. وَبِأَكْرَمِ أَسْمائِكَ عَلَيْكَ، وَأَحَبِّها إِلَيْكَ، وَأَقْرَبِها مِنْكَ وَسيلَةً، وَأَشْرَفِها عِنْدَكَ مَنْزِلَةً، وأَجْزَلِها لَدَيْكَ ثَواباً، وَأَسْرَعِها فِي الْاُمُورِ إِجابَةً، وَبِاسْمِكَ الْمَكْنُونِ الْأَكْبَرِ الْأَعَزِّ الْأَجَلِّ الْأَعْظَمِ الْأَكْرَمِ، اَلَّذي تُحِبُّهُ وَتَهْواهُ، وَتَرْضى بِهِ عَمَّنْ دَعاكَ، فَاسْتَجَبْتَ لَهُ دُعاءَهُ،

ص: 485


1- المقباس / المجلسي: تعقیبات صلاة الصبح .

وَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ لا تَحْرِمَ سائِلَكَ وَلا تَرُدَّهُ. وَبِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ وَالزَّبُورِ وَالْقُرْآنِ الْعَظيمِ، وَبِكُلِّ اسْمٍ دَعاكَ بِهِ حَمَلَةُ عَرْشِكَ وَمَلائِكَتُكَ، وَأَنْبِياؤُكَ وَرُسُلُكَ، وَأَهْلُ طاعَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ وَلِيِّكَ وَابْنِ وَلِيِّكَ، وَتُعَجِّلَ خِزْيَ أَعْدائِهِ»(1).

27- وهناك دعاء القنوت لمولانا أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ المروي في منهج الدعوات(2).

28- وهكذا دعاء القنوت الوارد عن الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

29- ودعاء القنوت المروي عن الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ أيضا(4).

30- ودعاء القنوت المروي عن الإمام الهادي عَلَيهِ السَّلَامُ(5).

31- ودعاء القنوت للإمام الحجة صلوات الله عليه(6).

ص: 486


1- جمال الصالحين . مهج الدعوات: 49.
2- مهج الدعوات: 51.
3- مهج الدعوات: 59.
4- بحار الأنوار: 225/58 - 226.
5- مهج الدعوات: 61-62.
6- مهج الدعوات: 67.

32- ودعاء القنوت لمولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: « اللهم إليك شخصين الأبصار ، وثقلت الأقدام .. إلخ »(1).

33- والدعاء المروي عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في قنوت صلاة يوم الجمعة(2).

34- والدعاء المروي عن الإمام الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ في قنوت صلاة الجمعة(3).

35- والدعاء المروي عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، ويستحب قرائته كل صباح ومساء: «اَللّٰهُمَّ إِنّیٖ أَصْبَحْتُ أَستَغْفِرُکَ فیٖ هٰذَا الصَّبٰاحِ وَ فیٖ هٰذَا الْیَوْمِ ...»(4).

36- وما يستحب أن يقرأ في آخر ساعة من النهار(5).

وهناك أدعية أخرى كثيرة مروية في كتب الأصحاب يستحب أن يدعو بها المؤمن لامام زمانه عَلَيهِ السَّلَامُ، بعضها يخص الأيام، وبعضها

ص: 487


1- مستدرك الوسائل: 319/1.
2- من لا يحضره الفقيه: 487/1. جمال الأسبوع: 415.
3- جمال الأسبوع: 413.
4- الكافي: 529/2. مصباح المتهجد: 213.
5- بحار الأنوار: 340/86.

يخصّ الليالي ، وبعضها يختص بالأزمنة الخاصة المباركة ، وبعضها خاصّ بأماكن مشرّفة ، لا سيمّا أنّ هناك أدعية خاصّة كثيرة للدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ بالفرج و تعجیل فرجه جمعها العلّامة النحرير آية الله السيد محمّد تقي الموسوي الإصفهاني في كتابه « مکیال المکارم» الذي يعدّ حقّاً من كنوز آل محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فجزاه الله عن مولانا صاحب الأمر عجل لله تعالى فرجه الشريف ، وعن شيعته خير جزاء الصالحين ، وجعله ذخرا لآخرته ، ليوم فقره و فاقته.

وأما الأدعية والصلوات المروية عنه، فهی:

1- صلاة الحجة القائم عجل الله تعالی فرجه الشريف ودعاؤه(1).

2- دعاء: « اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ... الخ »(2).

3- دعاء زمن الغيبة: اَللّهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَكَ، فَاِنَّك اِنْ لَمْ تُعَرِّفْني نَفْسَكَ َرَسُولَكَ...»(3).

4- دعاء السمات(4).

ص: 488


1- مفاتیح الجنان: بعد دعاء كميل.
2- مفاتیح الجنان: بعد دعاء كميل.
3- مفاتیح الجنان: أعمال يوم الجمعة.
4- مفاتیح الجنان: بعد دعاء العشرات.

ه- دعاء الفرج:«االلّهُمَ عَظُمَ الْبَلاءُ، وَ بَرِحَ الْخَفآءُ...الخ»(1).

6- دعاء الفرج: «اللّٰهُمَّ ارْزُقْنا تَوْفِيقَ الطّاعَةِ، وَبُعْدَالْمَعْصِيَةِ...الخ»(2).

7- دعاء الحجة عجل الله تعالی فرجه : «إِلٰهِى بِحَقِّ مَنْ نَاجَاكَ، وَبِحَقِّ مَنْ دَعَاكَ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ...»(3)

8- دعاء الاستغاثة بالحجة عَلَيهِ السَّلَامُ: «سَلامُ اللهِ الْكامِلُ التّامُّ الشّامِلُ الْعامُّ، وَصَلَواتُهُ...إلخ »(4).

9- دعاء التوحيد : «اللّهم إِنّي أَسْأَلُكَ بِمَعاني جَميعِ ما يَدْعُوكَ بِهِ وُلاةُ أَمْرِكَ، اَلْمَأْمُونُونَ عَلى سِرِّكَ... إلخ »(5).

10- دعاء المولودین : «اللهم اني إني أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب... إلخ »(6).

11- صلاة يوم المبعث ودعاؤها(7).

ص: 489


1- مفاتیح الجنان: دعاء الحجة.
2- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب.
3- مفاتیح الجنان: دعاء الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ.
4- مفاتیح الجنان: دعاء الاستغاثة بالحجة عَلَيهِ السَّلَامُ.
5- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب.
6- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب.
7- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب / يوم المبعث.

12- دعاء المولود: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ الْمَوْلُودِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلالِهِ وَ وِلادَتِهِ...إلخ »(1).

13- صلاة الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ في جامع جمکران(2).

14- حرز مولانا القائم عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

15- الاستخارة بالعدد(4).

16- دعاء العلوي المصري(5).

17- لقضاء الحوائج:«اَللّهُمَّ اِنْ اَطْعَتُكَ فَالْمَحْمِدَةُ لَكَ واِنْ عَصَيْتُكَ فَالْحُجَّةُ لَكَ ... إلخ »(6).

18- «اللهُمَّ أنجِز لی ما وَعَدتَنی.اللهُمَّ انتَقِم لی مِن أعدائی»(7).

ص: 490


1- مفاتیح الجنان: أعمال شعبان الخاصة / اليوم الثالث.
2- مفاتیح الجنان: کتاب الباقيات الصالحات / صلاة الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ
3- مفاتیح الجنان: کتاب الباقيات الصالحات: أحراز ودعوات موجزة .
4- مفاتیح الجنان: کتاب الباقيات الصالحات / الاستخارة بالعدد .
5- مهج الدعوات: 280 - 293.
6- مهج الدعوات: 294 - 295.
7- أمالي الصدوق.

19- دعاء المنن السابغة : «اَللّ-هُمَّ یا ذَا الْمِنَنِ السّابِغَةِ، وَالاْلاءِ الْوازِعَةِ، والرَّحْمَةِ الْواسِعَةِ...إلخ »(1).

20- دعاء يا من أظهر الجميل:«يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَ سَتَرَ الْقَبِيحَ يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَرِيرَةِ...إلخ »(2).

21- دعاء القنوت : «اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ... إلخ »(3).

22- دعاء القائم: «لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله إيمانا و تصديقا...إلخ »(4).

23- دعاء المعرفة والصابوني: «اَنَّکَ عَرَّفْتَنی نَفْسَک وَ عَرَّفْتَنی رَسُولَکَ... إلخ »(5).

24- دعاء المدد الروحاني: «رب أسألك مدداً روحانياً تقوي به قواى الكلية والجزئية... إلخ »(6).

ص: 491


1- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب و مسجد صعصعة.
2- بحار الأنوار: 304/51 و 305.
3- مهج الدعوات.
4- بحار الأنوار:: 391/52
5- مهج الدعوات.
6- الكلم الطيب /السيد علي خان الشيرازي.

25- دعاء المبدأ والمعيد : «لأنْتَ ٰلله إلٰهَ إلّا، مُبْ-دِئُ الْخَلْقِ وَمُعيدُهُمْ... إلخ »(1).

26- دعاء الشفاء : «بِسمِ اللّه دَواءٌ وَ الحَمدُللّه شِفاءٌ...إلخ »(2).

27- دعاء الزيارة : «اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُکَ بِاسْمِکَ الَّذِی خَلَقْتَهُ مِنْ کُلِّکَ، فَاسْتَقَرَّ فِیکَ... إلخ »(3).

28- دعاء القنوت المروي عنه عَلَيهِ السَّلَامُ(4).

ص: 492


1- الكلم الطيب / السيد علي خان الشيرازي.
2- البلد الأمين / الكفعمي.
3- بحار الأنوار: 39/94.
4- مهج الدعوات: 68.

الدرس التاسع والعشرون: ما روی له وعنه من الزيارات

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الزيارة صلة بين المرء ومن يحب، وتعبير عن حبّ الإنسان و مودّته لمن يزوره ، كما أنّ الدعاء للغير تواصل و توادد، و تعبير عن محبّة الفرد ومودّته لمن يدعو له بظهر الغيب ، وكلّما ازدادت المحبّة ، وتضاعفت المودّة، وتناهي الشوق ، كلّما زاد الدعاء وتضاعف الإصرار عليه للغير ،وهكذا زادت وتضاعفت و تناهت الزيارة للغير ، ومن هذا المنطلق أمرنا بزيارة الوالدين والأرحام والأقربين والمؤمنين ، ونبادر إلى عيادة المرضى ، ونعود الأيتام والمحتاجين ، الأنّا مأمورون بمحبّة هؤلاء، وزيارتهم والدعاء لهم تعبیر صادق عن محبّتهم وإظهار لمودّتهم.

لكنّ الزيارة والدعاء قد يأخذان مسالك أدقّ، ويدخلان فضاءاً

ص: 493

أوسع ، ویردان بمعانٍ أشمل وأعظم ، وذلك عندما ينطلق المرء في زیاراته وأدعيته علاوة على مفهوم المحبّة والمودّة والتراحم والتواصل وحقائقها ، من مفاهيم أعظم ، ومبادئ أسمى، وحقائق أجلى ، کالزيارة والدعاء من أجل مرضاة الله تبارك وتعالى ، وخالصةً الوجهه الكريم ، أضف إليها المودّة والمحبة ، والإحساس الصادق بالتكليف ، وأداء الواجب والوظيفة الإلهيّة ، و تقوية عرى الإيمان ، واكتساب الفضائل والمكارم ، وشفاء غليل النفس والروح بالعلوم والمعارف ، وتقوية القوى الرحمانيّة من الورع والتقوى ، والتخلّص من أكدار المعاصي ، وأرجاس الذنوب ، وسيّئات الأخلاق والأفعال ، وطلب التهذيب والتزكية والتكامل والتسامي ، وهي أمور تکسب و ترجى من زيارة المرء لأولياء الله تعالى وأصفيائه من الأنبياء والرسل والأئمّة والصالحين ؛ لأنّها تعبير صادق عن مدى حبّه وإخلاصه لهم ، ورغبته في طاعتهم والاقتداء والتأسّي بهم ، والإيثار والتضحية في سبيلهم وسبيل رسالاتهم ومبادئهم ومعالمهم التي يدعون إليها ، ولأنّها تعبير عن تمسّكه بتلك المعارف والمبادئ والشريعة والأحكام ، و تعبير عن العمل بها وتطبيقها في كلّ مفاصل الحياة ومجالاتها.

لهذا نجد هذه الزيارات والأدعية المأثورة مليئة بالمعارف والعلوم

ص: 494

الربّانيّة ، وطرق التعليم والتربية والتهذيب ، فيها ما نحن بأمسّ الحاجة إليه ، والبشريّة لا تستغني عنه ، فيها علاج ما تعاني منه البشريّة في عصرنا هذا، وفي كلّ العصور ، فيها دواء النفوس السقيمة والأرواح المريضة ، فيها دواء الأمراض والعلل النفسانيّة التي يعاني منها الإنسان، لا سيمّا في هذا العصر ، ففيها علاج أمراض الكآبة والعزلة ، وفيها علاج أمراض الكبر والتكبّر والتجبّر والطغيان والاستبداد ، وفيها علاج حبّ الدنيا وحبّ الرئاسة الذي هو رأس كلّ خطيئة ، والسبب في كلّ هذه الجرائم ، وفيها علاج أمراض الغرور وحبّ الذات و تحقير الغير ، وفيها علاج الجهل ، وفيها علاج الجبن والخنوع ، وفيها علاج حبّ الظلم والاعتداء ، وفيها علاج حبّ المعصية والذنوب ، وفيها علاج الغفلة والسهو والنسيان ، وفيها علاج کافّة الأمراض والعلل النفسية والروحية التي باتت معضلة تؤرّق ضمير الإنسانيّة و تسلب الراحة من عينيه.

وإنّما كانت كذلك لأنّها صلة بين العبد وبين مولاه وسيّده وربّه أوّلاً، وبين أنبيائه ورسله وأئمّة الهدى ثانياً، كما أنّها تشدّه إلى الله تعالى عن طريق اتّصاله بأوليائه ، و تعلّمه مقاماتهم ومنازلهم ، وكيف كانوا ، وكيف ينبغي أن يكون هو ، وما هي آداب الدعاء والزيارة ، كيف يزور أنبياء الله تعالى ورسله ، وكيف يزور الأئمّة الراشدين

ص: 495

الهادين المهديّين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وماذا تدرّ عليه هذه الزيارات ، وما تعود عليه من مفاتيح دنيويّة وأخرويّة. فعلينا توثيق عرى الارتباط والاتصال بأولياء الله تعالى الدالّين عليه والدعاة إليه ، بزيارتهم في حياتهم ، وبعد مماتهم ؛ إذ لم ينقطع هذا الارتباط بيننا وبينهم بعد وفاتهم ، وكان من عظيم مننه تعالى علينا وجزيل فضله وإحسانه إلينا أن ترك باب الاتّصال والارتباط بأوليائه مفتوحاً علينا ولنا بمصراعيه ، وأمكننا من زيارتهم ، ولم يحرمنا من هذه النعمة ، بل علّمنا بواسطتهم كيف نأخذ بحجزتهم بعد وفاتهم ، وكيف نستفيد ونتفع من فيض وجودهم في عالم الآخرة والبرزخ.

وإليك جملة من الزيارات التي وردت لمولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه ، مليئة بالمعارف الحجّة ، والتعاليم العظيمة ، تدلّك على معرفة مقاماته ومنازله ، وتعلّمك كيف تخاطبه ، وترشدك إلى سبل فضله ، وطرق کسب ودّه ورضاه ، والتقرّب منه ، وتأخذ بك إلى حيث التضحية والإيثار، والولاء الصادق بالعمل الدؤوب من أجل الانتظار في كلّ ساعات الليل والنهار ، وتهديك إلى طرق التهذيب والتركية والتربية ، ومكارم الأخلاق ، إنّها مدرسة خالدة تحوي كنوز العلم والأدب والمعرفة ، ورثناها من أبواب مدينة العلم ، الذين هم

ص: 496

ورثة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وأمناءِ الله تعالى على أسراره وحِکَمِهِ ، وقادة هذا الدين الحنيف ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فانظر إلى مضامینها ، ودقّق النظر وأمعن الفكر فيها ، و تأمّل في معانيها و كلماتها.

فأمّا الزيارات المأثورة عَلَيهِ السَّلَامُ، والتي نزوره بها من قريب أو بعيد فهي:

1- زيارة الإمام المهدي صلوات الله عليه(1).

بسم الله الرحمن الرحيم

لا لأمره تعقلون ، ولا من أوليائه تقبلون ، حكمة بالغة فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، إذا أردتم التوجّه بنا إلى الله تعالى وإلينا فقولوا كما قال الله تعالى : ﴿سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ﴾(2)

اَلسَّلامُ عَلَيکَ يا داعيَ اللهِ وَ ربّانيَّ آياتِه، اَلسَّلامُ عَلَيکَ يا بابَ اللهِ وَ ديّانَ دينِه، اَلسَّلامُ عَليکَ يا خَليفةَ اللهِ وَ ناصِرَ حَقِّه، اَلسَّلامُ عَليکَ يا حُجَّةَ اللهِ وَ دليلَ إرادَتِه، اَلسَّلامُ عَليکَ يا تاليَ کِتابِ اللهِ

ص: 497


1- الاحتجاج: 315/2-317.
2- سورة الصافات 130:37.

وَ تَرجُمانَه اَلسَّلامُ عَلَيکَ في آناءِ لَيلِکَ وَ أطرافِ نَهارِکُ اَلسَّلامُ عَلَيکَ يا بَقيَّةَ اللهِ في أرضِه اَلسَّلامُ عَلَيکَ يا ميثاقَ اللهِ الَّذي أخَذَهُ وَ وکَّدَه اَلسَّلامُ عَليکَ يا وَعدَ الله الَّذي ضَمِنَه اَلسَّلامُ عَلَيکَ أيُّهَا الْعَلَمُ الْمَنصوبُ وَ الْعِلمُ الْمَصبوب وَ الْغَوثُ وَ الرَّحمَةُ الواسِعَة وَعداً غَيرَ مَکذوب اَلسَّلامُ عَليکَ حينَ تَقوم السَّلامُ عَليکَ حينَ تَقعُد السَّلامُ عَليکَ حينَ تَقرءُ وَ تُبيِّن اَلسَّلامُ عَلَيکَ حينَ تُصَلّي وَ تَقنُت اَلسَّلامُ عَلَيکَ حينَ تَرکَعُ وَ تَسجُدَاَلسَّلامُ عَلَيکَ حينَ تُهَلِّلُ وَ تُکَبِّر اَلسَّلامُ عَلَيکَ حينَ تَحمَدُ وَ تَستَغفِر اَلسَّلامُ عَلَيکَ حينَ تُصبِحُ وَ تُمسي اَلسَّلامُ عَلَيکَ في الَّليلِ إذا يَغشي وَ النَّهارِ إذا تَجَلّي اَلسَّلامُ عَليکَ أيُّهَا الإمامُ المَأمون اَلسَّلامُ عَلَيکَ إيُّهَا الْمُقَدَّمُ الْمَأمول اَلسَّلامُ عَلَيکَ بِجَوامِعِ السَّلام.

اُشهِدُکَ يا مَولاي أنّي اَشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ الله وَحدَهُ لا شَريکَ لَهَ وَ اَشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَ رَسولُه لا حَبيبَ إلاّ هُوَ وَ أهلُه وَ اُشهِدُکَ يا مَولاي اَنَّ عليّاً أميرَ المُؤمِنينَ حُجَّتُه وَ الْحَسَن حُجَّتُه وَ الْحُسينَ حُجَّتُه وَ عَليَّ بنَ الْحُسينِ حُجَّتُه وَ مُحَمَّدَ بنَ عَليٍّ

ص: 498

حُجَّتُه وَ جَعفَر بنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُه، وَ موسَي بنَ جَعفَرٍ حُجَّتُه، وَ عَليَّ بنَ موسي حُجَّتُه، وَ مُحَمَّدَ بنَ عَليٍّ حُجَّتُه، وَ عَليٍّ بنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَالحَسَنش بنَ عَلِیًّ حُجَّتُه، وَ اَشهَدُ اَنَّکَ حُجَّةُ الله، أنتُم الاوَّلُ وَ الاخِر، وَ أنَّ رَجعَتَکُم حَقٌّ لا رَيبَ فيها يَومَ لايَنفَعُ نَفساً ايمانُها لَم تَکُن آمَنَت مِن قَبل، اَو کَسَبَت في ايمانِها خَيراً، وَ أنَّ الْمَوتَ حَقّ، وَ أنَّ ناکِراً وَ نکيراَ حَقّ، وَ اَشْهَدُ اَنَّ النَّشرَ حَقّ، وَ البَعثَ حَقِّ، وَ اَن الصِّراطَ حَقّ، وَ المِرصادَ حَقّ، وَ الميزانَ حَقّ، وَ الْحَشرَ حَقّ، وَ الحِسابَ حَقّ، وَ الْجَنَّةَ وَ النّارَ حَقّ، وَ الوَعدَ وَ الوَعيدَ بِهِما حَقّ.

يا مَولايَ، شَقِيَ مَن خالَفَکُم، وَ سَعِدَ مَن أطاعَکُم، فَاشْهَدْ ما أشهَدتُکَ عَلَيه، وَ أنَا وَليٌّ لَکَ، بَريءٌ مِن عَدُوِّک، فَالحَقُّ ما رَضيتُموه، وَ الباطِلُ ما أسخَطتُموهً، وَ الْمَعروفُ ما أمَرتُم بِه، وَ الْمُنکَرُ ما نَهَيتُم عَنه، فَنَفسي مُؤمِنَةٌ بِالله وَحدَهُ لا شَريکَ لَه وَ بِرَسولِه وَ بِأميرِالمُؤمِنينَ وَ بِکُم يا مَولاي، أوَّلِکُم وَ آخِرِکُم، وَ نُصرَتي مَعَدَّةٌ لَکُم وَ مَوَدَّتي خالِصَةٌ لَکُم، آمينَ آمين.

ص: 499

2- زيارة صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ(1):

3- زيارة الندبة(2).

4- زيارة صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

ه- زيارة لصاحب الأمر(4).

سَلامُ اللّٰهِ الْكامِلُ التَّامُّ الشَّامِلُ الْعامُّ، وَصَلَواتُهُ الدَّائِمَةُ وَبَرَكاتُهُ الْقائِمَةُ التَّامَّةُ عَلىٰ حُجَّةِ اللّٰهِ وَوَ لِيِّهِ فِى أَرْضِهِ وَبِلادِهِ، وَخَلِيفَتِهِ عَلىٰ خَلْقِهِ وَعِبادِهِ، وَسُلالَةِ النُّبُوَّةِ وَبَقِيَّةِ الْعِتْرَةِ وَالصَّفْوَةِ، صاحِبِ الزَّمانِ، وَمُظْهِرِ الْإِيمانِ، وَمُلَقِّنِ أَحْكامِ الْقُرْآنِ، وَمُطَهِّرِ الْأَرْضِ، وَناشِرِ الْعَدْلِ فِى الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَ الْحُجَّةِ الْقائِمِ الْمَهْدِيِّ، الْإِمامِ الْمُنْتَظَرِ الْمَرْضِيِّ ، وَابْنِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ، الْوَصِيِّ ابْنِ الْأَوْصِياءِ الْمَرْضِيِّينَ، الْهادِي الْمَعْصُومِ ابْنِ الْأَئِمَّةِ الْهُداةِ الْمَعْصُومِينَ .

ص: 500


1- بحار الأنوار: 36/94.
2- مصباح الزائر / ابن طاووس: 223 - 225.
3- المصدر المتقدم: 216.
4- المصدر المتقدم: 225.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُعِزَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْكافِرِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ الظَّالِمِينَ؛ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلاىَ يَا صاحِبَ الزَّمانِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّٰهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الْأَئِمَّةِ الْحُجَجِ الْمَعْصُومِينَ وَالْإِمامِ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلاىَ سَلامَ مُخْلِصٍ لَكَ فِى الْوَلايَةِ، أَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمامُ الْمَهْدِىُّ قَوْلاً وَفِعْلاً، وَأَنْتَ الَّذِى تَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً بَعْدَ ما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، فَعَجَّلَ اللّٰهُ فَرَجَكَ، وَسَهَّلَ مَخْرَجَكَ؛ وَقَرَّبَ زَمانَكَ، وَكَثَّرَ أَنْصارَكَ وَأَعْوانَكَ، وَأَنْجَزَ لَكَ ما وَعَدَكَ، فَهُوَ أَصْدَقُ الْقائِلِينَ وَ ﴿نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ﴾.

یا مولای یا صاحب الرمان ، يابن رشول الله ، حاجتی کذا وكذا فاشفع لي في تجاجها

ص: 501

6- زيارة صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ(1).

7- زيارة صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه(2).

8- زيارة صاحب الأمر صلوات الله عليه(3).

9- استئذان السرداب المقدس(4).

10- زيارة الإمام صاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ(5)

11- زيارته عَلَيهِ السَّلَامُ يوم الجمعة(6).

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ في اَرْضِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْنَ اللهِ في خَلْقِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ الَّذي يَهْتَدي بِهِ الْمُهْتَدُونَ وَيُفَرَّجُ بِهِ عَنِ الْمُؤْمِنينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْمُهَذَّبُ الْخائِفُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْوَلِيُّ النّاصِحُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَفينَةَ النَّجاةِ،

ص: 502


1- مصباح الزائر: 226.
2- المصدر المتقدم: 228.
3- المصدر المتقدم: 229.
4- بحار الأنوار: 115/102.
5- المزار / ابن المشهدي: 194،وفي کثیر من کتب الأدعية والزيارات كمزار الشهيد الأول: 2.
6- مفاتیح الجنان: الفصل الخامس .

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْنَ الْحَياةِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ عَجَّلَ اللهُ لَكَ ما وَعَدَكَ مِنَ النَّصْرِ وَظُهُورِ الْاَمْرِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ، اَنَا مَوْلاكَ عارِفٌ بِاُولاكَ وَاُخْراكَ اَتَقَرَّبُ اِلَى اللهِ تَعالى بِكَ وَبِآلِ بَيْتِكَ، وَاَنْتَظِرُ ظُهُورَكَ وَظُهُورَ الْحَقِّ عَلى يَدَيْكَ وَأَسْأَلُ اللهَ اَنْ يُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَاَنْ يَجْعَلَنى مِنَ الْمُنْتَظِرينَ لَكَ وَالتّابِعينَ وَالنّاصِرينَ لَكَ عَلى اَعْدائِكَ وَالْمُسْتَشْهَدينَ بَيْنَ يَدَيْكَ في جُمْلَةِ اَوْلِيائِكَ.

يا مَوْلايَ يا صاحِبَ الزَّمانِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ هذا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَوْمُكَ الْمُتَوَقَّعُ فيهِ ظُهُورُكَ وَالْفَرَجُ فيهِ لِلْمُؤْمِنينَ عَلى يَدَيْكَ وَقَتْلُ الْكافِرينَ بِسَيْفِكَ وَاَنَا يا مَوْلايَ فيهِ ضَيْفُكَ وَجارُكَ وَاَنْتَ يا مَوْلايَ كَريمٌ مِنْ اَوْلادِ الْكِرامِ وَمَأْمُورٌ بِالضِّيافَةِ وَالْاِجارَةِ فَاَضِفْني وَاَجِرْني صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ الطّاهِرينَ.

ص: 503

12- آداب السرداب الطاهر(1).

13- زيارة آل يس (2).

14- الصلاة على الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلي مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ صَلِّ عَلي وَلِيِّ الحَسَنِ وَ وَصِيِّهِ وَ وارِثهِ القآئِمِ بِأَمْرِکَ وَ الغآئِبِ فِي خَلْقِکَ وَ المُنْتَظِرِ لِإِذْنِکَ.

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَ قَرِّبْ بُعْدَهُ وَ أَنْجِزْ وَعْدَهُ وَ أَوْفِ عَهْدَهُ وَ اکْشِفْ عَنْ بَأْسِهِ حِجابَ الغَيْبَةِ وَ اظْهِرْ بِظُهُورِهِ صَحآئِفَ الِمحْنَةِ وَ قَدِّمْ أَمامَهُ الرُّعْبَ وَ ثَبِّتْ بِهِ القَلْبَ وَ أَقِمْ بِهِ الحَرْبَ وَ أَيِّدْهُ بِجُنْدٍ مِنَ المَلآئِکَةِ مُسَوِّمِينَ وَ سَلِّطْهُ عَلي أَعْدآءِ دِينِکَ أَجْمَعِينَ، وَ أَلْهِمْهُ أَنْ لا يَدَعَ مِنْهُم رُکْناً إِلّا هَدَّهُ وَ لا هاماً إِلّا قَدَّهُ وَ لا کَيْداً إِلّا رَدَّهُ وَ لا فاسِقاً إِلّا حَدَّهُ وَ لا فِرْعَوْنَ إِلّا حَدَّهُ وَ لا فِرْعَوْنَ إِلّا أَهْلَکَهُ وَ لا سَتْراً إِلّا هَتَکَهُ وَ لا عَلَمَاً إِلّا نَکَسَه وَ لا سُلْطاناً إِلّا کَبَتَهُ وَ لا شَيْطاناً إِلّا کَسَبَهُ

ص: 504


1- مفاتیح الجنان: المقام الثاني / في آداب السرداب الطاهر.
2- مفاتیح الجنان: بعد آداب السرداب الطاهر.
3- مفاتیح الجنان: قبل دعاء الندبة.

وَ لا رُمْحاً إِلّا قَصَفَهُ وَ لا مَطْرَداً إِلّا خَرَقَهُ، وَ لا جُنْداً إِلّا فَرَقَهُ وَ لا مِنْبَراً إِلّا أَحْرَقَهُ، وَ لا سَيْفاً إِلّا کَسَرَهُ وَ لا صَنَماً إِلّا رَضَّهُ، وَ لا دَماً إِلّا أَراقَهُ، وَ لا جَوْراً إِلّا أَبادَهُ وَ لا حِصْنَاً إِلّا هَدَمَهُ، وَ لا باباً إِلّا رَدَمَهُ، وَ لا قَصْراً إِلّا أَخَرَبَهُ، وَ لا مَسْکَناً إِلّا فَتَّشَهُ، وَ لا سَهْلاً إِلّا أَوْطَأَهُ، وَ لا جَبَلاً إِلّا صَعِدَهُ، وَ لا کَنْزاً إِلّا أَخْرَجَهُ، بِرَحْمَتِکَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ.

15- الأمر الثاني: ما يزار به مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه كل يوم بعد صلاة الفجر وهي:

اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلَايَ صَاحِبَ الزَّمَانِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ، فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا وَ بَرِّهَا وَ بَحْرِهَا وَ سَهْلِهَا وَ جَبَلِهَا، حَيِّهِمْ وَ مَيِّتِهِمْ، وَ عَنْ وَالِدَيَّ وَ وُلْدِي وَ عَنِّي، مِنَ الصَّلَوَاتِ وَ التَّحِيَّاتِ، زِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ وَ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ وَ مُنْتَهَى رِضَاهُ، وَ عَدَدَ مَا أَحْصَاهُ كِتَابُهُ، وَ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَهْدًا وَ عَقْدًا وَ بَيْعَةً لَهُ فِي رَقَبَتِي.

اللَّهُمَّ كَمَا شَرَّفْتَنِي بِهَذَا التَّشْرِيفِ وَ فَضَّلْتَنِي بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ

ص: 505

وَ خَصَصْتَنِي بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، فَصَلِّ عَلَى مَوْلَايَ وَ سَيِّدِي صَاحِبِ الزَّمَانِ، وَ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَ أَشْيَاعِهِ وَ الذَّابِّينَ عَنْهُ، وَ اجْعَلْنِي مِنَ الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ، فِي الصَّفِّ الَّذِي نَعَتَّ أَهْلَهُ فِي كِتَابِكَ، فَقُلْتَ:﴿صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ﴾(1) عَلَى طَاعَتِكَ وَ طَاعَةِ رَسُولِكَ وَ آلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، اللَّهُمَّ هَذِهِ بَيْعَةٌ لَهُ فِي عُنُقِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ(2).

16- وأفضل ما يزار به الأئمة جميعا، والإمام الحجة المنتظر صلوات الله عليه على وجه الخصوص ، هو زيارة الجامعة الكبيرة(3).

أما الزيارات التي رويت عنه وخرجت من ناحيته المقدسة ، ونزور بها الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم ، فهي:

1- زيارة الإمام أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ يوم الأحد: «السَّلامُ عَلى الشَّجَرَةِ النَّبَوِيَّةِ ، وَالدَّوْحَةِ الهاشِمِيَّةِ... إلخ»(4).

ص: 506


1- سورة الصف: الآية 4.
2- مفاتیح الجنان: بعد دعاء الندبة.
3- مفاتیح الجنان ، وأكثر كتب الأدعية والزيارات.
4- مفاتیح الجنان: الفصل الخامس في تعيين أسماء النبي والأئمة المعصومین عَلَيهِم السَّلَامُ بأيام الأسبوع، والزيارات لهم في كل يوم.

2- زيارة الشهداء - أعني شهداء کربلاء -: «إذا أردت زيارة الشهداء رضوان الله عليهم ، فقف عند رجلي الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ، وهو قبر علي بن الحسين صلوات الله عليها ... إلخ »(1).

3- زيارة المعصومين عَلَيهِم السَّلَامُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْهَدَنَا مَشْهَدَ أَوْلِيَائِهِ فِي رَجَبٍ... إلخ »(2).

4- زيارة الناحية المقدسة:السَّلامُ عَلى آدمَ صَفْوةِ اللهِ مِن خَليقَتِهِ، السَّلامُ عَلى شِيثَ وَليِّ اللهِ وخِيرَتِهِ... إلخ »(3).

5- السابع:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْهَدَنَا مَشْهَدَ أَوْلِيَائِهِ فِي رَجَبٍ، وَ أَوْجَبَ علَيْنَا مِنْ حَقِّهِمْ مَا قَدْ وَجَبَ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِ، وَ عَلَى أَوْصِيَائِهِ الْحُجُبِ.

اللَّهُمَّ فَكَمَا أَشْهَدْتَنَا مَشْهَدَهُمْ فَأَنْجِزْ لَنَا مَوْعِدَهُمْ وَ أَوْرِدْنَا مَوْرِدَهُمْ، غَيْرَ مُحَلَّئِينَ عَنْ وُرْدٍ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ وَ الْخُلْدِ وَ السَّلَامُ

ص: 507


1- إقبال الأعمال / ابن طاووس .
2- مصباح المتهجد: 572.
3- بحار الأنوار: 317/101 - 328.

عَلَيْكُمْ إِنِّي قَدْ قَصَدْتُكُمْ وَ اعْتَمَدْتُكُمْ بِمَسْأَلَتِي وَ حَاجَتِي وَ هِيَ فَكَاكُ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ وَ الْمَقَرُّ مَعَكُمْ فِي دَارِ الْقَرَارِ، مَعَ شِيعَتِكُمُ الْأَبْرَارُ، وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، أَنَا سَائِلُكُمْ وَ آمِلُكُمْ فِيمَا إِلَيْكُمُ التَّفْوِيضُ وَ عَلَيْكُمْ التَّعْوِيضُ، فَبِكُمْ يُجْبَرُ الْمَهِيضُ وَ يُشْفَى الْمَرِيضُ، وَ عِنْدَكُمْ مَا تَزْدَادُ الْأَرْحَامُ وَ مَا تَغِيضُ، إِنِّي بِسِرِّكُمْ مُؤْمِنٌ مُوقِنٌ وَ لِقَوْلِكُمْ مُسَلِّمٌ، وَ عَلَى اللَّهِ بِكُمْ مُقْسِمٌ فِي رَجْعَتِي بِحَوَائِجِي وَ قَضَائِهَا وَ إِمْضَائِهَا وَ إِنْجَاحِهَا وَ إِبْرَاحِهَا وَ بِشُئُونِي لَدَيْكُمْ وَ صَلَاحِهَا.

وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ سَلَامَ مُوَدِّعٍ وَ لَكُمْ حَوَائِجُهُ مُودِعٌ يَسْأَلُ اللَّهَ الَيْكُمُ الْمَرْجِعَ وَ سَعْيُهُ إِلَيْكُمْ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، وَ أَنْ يُرْجِعَنِي مِنْ حَضْرَتِكُمْ خَيْرَ مَرْجِعٍ إِلَى جَنَابٍ مُمْرِعٍ وَ خَفْضٍ مُوَسَّعٍ وَ دَعَةٍ وَ مَهَلٍ إِلَى حِينِ الْأَجَلِ وَ خَيْرِ مَصِيرٍ وَ مَحَلٍّ فِي النَّعِيمِ الْأَزَلِ، وَ الْعَيْشِ الْمُقْتَبَلِ وَ دَوَامِ الْأُكُلِ وَ شُرْبِ الرَّحِيقِ وَ السَّلْسَلِ، وَ عَلٍّ وَ نَهَلٍ لَا سَأَمَ مِنْهُ وَ لَا مَلَلَ، وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ وَ تَحِيَّاتُهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى الْعَوْدِ إِلَى حَضْرَتِكُمْ وَ الْفَوْزِ فِي كَرَّتِكُمْ وَ الْحَشْرِ فِي زُمْرَتِكُمْ وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ وَ صَلَوَاتُهُ وَ تَحِيَّاتُهُ وَ هُوَ

ص: 508

حَسْبُنَا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ (1).

6- زيارة النواب الأربعة(2).

7- زيارة أم القائم عَلَيهِا السَّلَامُ.

اَلسَّلامُ عَلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الصّادِقِ الاَمينِ،السَّلامُ عَلى مَوْلانا اَميرِ الْمُؤْمِنينَ، اَلسَّلامُ عَلَى الاَئِمَّةِ الطّاهِرينَ الْحُجَجِ الْمَيامينِ، اَلسَّلامُ عَلى والِدَةِ الاِمامِ وَالْمُودَعَةِ اَسْرارَ الْمَلِكِ الْعَلاّمِ، وَالْحامِلَةِ لاَِشْرَفِ الاَنامِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا الصِّدّيقَةُ الْمَرضِيَّةُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا شَبيهَةَ اُمِّ مُوسى وَابْنَةَ حَوارِيِّ عيسى، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا الرَّضِيَّةُ الْمَرْضِيَّةُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا اْلمَنْعُوتَةُ فِي الاِنْجيلِ الَمخْطُوبَةُ مِنْ رُوحِ اللهِ الاَمينِ، وَمَنْ رَغِبَ في وُصْلَتِها مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الْمُرْسَلينَ، وَالْمُسْتَوْدَعَةُ اَسْرارَ رَبِّ الْعالَمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ وَعَلى آبائِكِ الْحَوارِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ وَعَلى بَعْلِكِ وَوَلَدِكِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ وَعَلى رُوحِكِ وَبَدَنِكِ الطّاهِرِ.

ص: 509


1- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب.
2- مفاتیح الجنان: المطلب الثالث / في زيارة النواب الأربعة.

اَشْهَدُ اَنَّكِ اَحْسَنْتِ الْكَفالَةَ، وَاَدَّيْتِ الاَمانَةَ، وَاجْتَهَدْتِ في مَرْضاتِ اللهِ، وَصَبَرْتِ في ذاتِ اللهِ، وَحَفِظْتِ سِرَّ اللهِ، وَحَمَلْتِ وَلِىَّ اللهِ، وَبالَغْتِ في حِفْظِ حُجَّةِ اللهِ، وَرَغِبْتِ في وُصْلَةِ اَبْناءِ رَسُولِ اللهِ، عارِفَةً بِحَقِّهِمْ، مُؤْمِنَةً بِصِدْقِهِمْ، مُعْتَرِفَةً بِمَنْزِلَتِهِمْ، مُسْتَبْصِرَةً بِاَمْرِهِمْ، مُشْفِقَةً عَلَيْهِمْ، مُؤْثِرَةً هَواهُمْ، وَاَشْهَدُ اَنَّكِ مَضَيْتِ عَلى بَصيرَة مِنْ اَمْرِكِ، مُقْتَدِيَةً بِالصّالِحينَ، راضِيَةً مَرْضِيَّةً تَقِيَّةً نَقِيَّةً زَكِيَّةً، فَرَضِيَ اللهُ عَنْكِ وَاَرْضاكِ، وَجَعَلَ اْلجَنَّةَ مَنْزِلَكِ وَمَأواكِ فَلَقَدْ اَوْلاكِ مِنَ الْخَيْراتِ ما اَوْلاكِ، وَاَعْطاكِ مِنَ الشَّرَفِ ما بِهِ اَغْناكِ، فَهَنّاكِ اللهُ بِما مَنَحَكِ مِنَ الْكَرامَةِ وَأمْرَاَكِ.

اَللّ-هُمَّ اِيّاكَ اعْتَمَدْتُ، وَلِرِضاكَ طَلَبْتُ، وَبِاَوْلِيائِكَ اِلَيْكَ تَوَسَّلْتُ، وَعَلى غُفْرانِكَ وَحِلْمِكَ اتَّكَلْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ، وَبِقَبْرِ اُمِّ وَلِيِّكَ لُذْتُ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَانْفَعْني بِزِيارَتِها، وَثَبِّتْني عَلى مَحَبَّتِها، وَلا تَحْرِمْني شَفاعَتَها، وَشَفاعَةَ وَلَدِها، وَارْزُقْني مُرافَقَتَها، وَاحْشُرْني مَعَها وَمَعَ وَلَدِها كَما وَفَّقْتَني لِزِيارَةِ وَلَدِها وَزِيارَتِها.

اَللّ-هُمَّ اِنّي اَتَوَجَّهُ اِلَيْكَ بِالاَئِمَّةِ الطّاهِرينَ، وَاَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ

ص: 510

بِالْحُجَجِ الْمَيامينِ مِنْ آلِ طه وَيس، اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد الطَّيِّبينَ، وَاَنْ تَجْعَلَنى مِنَ الْمُطْمَئِنّينَ الْفائِزينَ الْفَرِحينَ الْمُسْتَبْشِرينَ، الَّذينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَاجْعَلْني مِمَّنْ قَبِلْتَ سَعْيَهُ، وَيَسَّرْتَ اَمْرَهُ، وَكَشَفْتَ ضُرَّهُ، وَآمَنْتَ خَوْفَهُ.

اَللّ-هُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَلا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتي اِيّاها، وَاْرزُقْني الْعَوْدَ اِلَيْها اَبَداً ما اَبْقَيْتَني، وَاِذا تَوَفَّيْتَني فَاحْشُرْني في زُمْرَتِها، وَاَدْخِلْني في شَفاعَةِ وَلَدِها وَشَفَاعَتِها، وَاغْفِرْ لي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ، وَآتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الاْخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا بِرَحْمَتِكَ عَذابَ النّارِ.

اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا ساداتي وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

ص: 511

ص: 512

الدرس الثلاثون: أقواله عليه السلام

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

من أقواله صلوات الله عليه التي لم ننقلها في شيء من هذه الحلقات ، وهي أقوال وكلمات ذات عبر ومفاهيم جليلة ، ومعانٍ سامية ، وفيها معارف وعلوم جمّة ، تستحقّ التأمّل والتدبّر کسائر ما ورد عنه وعن آبائه الطاهرین صلوات الله عليهم أجمعين :

1- مع ابن مهزیار :

«إنّ أبي صلّى الله عليه عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها ، إسرارة لأمري ، وتحصين المحلي من مكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم الضوال ، فنبذني إلى عالية الرمال ، وجبت صرائم الأرض ، تنظرني الغاية التي عندها يحل الأمر، وينجلي الهلع .

وكان صلوات الله عليه أنبط لي من خزائن الحكم، وكوامن العلوم

ص: 513

ما إن أشعت إليك منه جزاءً أغناك عن الجملة.

اعلم يا أبا إسحاق ، أنه قال صلوات الله عليه : يا بني ، إن الله جل ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه ، وأهل الجد في طاعته وعبادته ، بلا حجة يستعلی بها ، وإمام يؤتم به ، ويقتدي بسبل سننه ، ومنهج قصده ، وأرجو یا بني أن تكون أحد من أعده الله لنشر الحق ، وطي الباطل ، وإعلاء الدين، وإطفاء الضلال ، فعليك يا بني بلزوم خوافي الأرض ، وتتبع أقاصيها ، فإن لكل ولي من أولياءالله عز وجل عدو مقارعة ، وضداً منازعاً، افتراضا لمجاهدة أهل نفاقه وخلافه ، أولي الإلحاد والعناد ، فلا يوحشك ذلك.

واعلم أن قلوب أهل الطاعة والإخلاص .ع إليك مثل الطير إذا أمت أوكارها ، وهم معشر يطلعون بمخائل الذلة والاستكانة ، وهم عند الله ببرة أعزاء، يبرزون بأنفس مختلة محتاجة وهم أهل القناعة والاعتصام، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداد ، حقهم الله باحتمال الضيم في الدنيا ، ليشملهم باتساع العز في دار القرار ، وجبلهم على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى ، وكرامة حسن العقبي.

فاقتبس يا بني نور الصبر على موارد امورك ، تفز بدرك الصنع في مصادرها ، واستشعر العزة فيما ينوبك تحظ بما تحمد عليه إن شاء الله .

فكأنك يا بني بتأييد نصر الله قد آن ، وتيسير الفلج وعلو الكعب قد حان ، وكأنك بالرايات الصفر والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك

ص: 514

ما بين الحطيم وزمزم ، وكأنّك بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدرّ في مثاني العقود ، وتصافق الأكف على جنبات الحجر الأسود ، تلوذ بفنائك من ملأ برأهم الله من طهارة الولاء ، ونفاسة التربة ، مقدّسة قلوبهم من دنس النفاق ، مهذّية أفئدتهم من رجس الشقاق ، ليّنة عرائكهم للدين ، خشنة ضرائبهم عن العدوان ، واضحة بالقبول أوجههم ، نضرة بالفضل عیدانهم ، يدينون بدين الحق وأهله .

فإذا اشتدّت أركانهم ، وتقومت أعمادهم ، فذت بمكاتفتهم طبقات الأمم ، إذتبعتك في ضلال شجرة دوحة بسقت أفنان غصونها على حاقات بحيرة الطبرية . فعندها يتلألأ صبح الحقّ ، وينجلي ظلام الباطل ، ويقصم الله بك الطغيان ، ويعيد معالم الأمان ، ويظهر بك أسقام الآفاق ، وسلام الرفاق ، يودُّ الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضأ ، ونواشط الوحش لو تجد نحوك مجازاً . تهتر به أطراف الدنيا بهجة ، وتهزّ بك أغصان العزّ نضرة ، وتستقر بواني العزّ في قرارها ، وتؤوب شوارد الدين إلى أوكارها ، يتهاطل عليك سحائب الظفر فتخنق كلّ عدو ، وتنصر كلّ وليّ ، فلا يبقى على وجه الأرض جبّار قاسط ، ولا جاحد غامط ، ولا شانئ مبغض ، ولا معاند کاشح و﴿ مَن یَتَوَکَّل عَلَی اللهِ فَهُو حَسبُه إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمرِهِ ۚ قَد جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا﴾َ(1).

ص: 515


1- سورة الطلاق: الآية 3

ثمّ قال عَلَيهِ السَّلَامُ: يا أبا إسحاق ، لیکن مجلسي هذا عندك مكتوماً، إلا عن أهل الصدق والاخوة الصادقة في الدين ، إذا بدت لك أمارات الظهور والتمكين فلا تبطئ بإخوانك عنا ، وبأهل المسارعة إلى منار اليقين ، وضياء مصابيح الدین تلق رشدأ إن شاء الله.

قال إبراهيم بن مهزیار : ... فلمّا أزف ارتحالي ، وتهيّأ اعتزام نفسي ،غدوت عليه مودَّعاً و مجدّداً للعهد ، وعرضت عليه مالاً كان معي يزيد على خمسين ألف درهم ، وسألته أن يتفضّل بالأمر بقبوله منّي ، فابتسم عَلَيهِ السَّلَامُ وقال :

یا أبا إسحاق ، استعن به على منصرفك ، فإنّ الشقّة قذفة ، وفلوات الأرض أمامك جمة ، ولا تحزن لإعراضنا عنه ، فإنّا قد أحدثنا لك شكره ونشره ، وأربضناه عندنا بالتذكرة وقبول المنَّة ، فبارك الله لك فيما خولك ، وأدام لك ما نؤلك ، وكتب لك أحسن ثواب المحسنين ، وأكرم آثار الطائعين ، فإنّ الفضل له ومنه.

وأسأل الله أن يردك إلى أصحابك بأوفر الحظ من سلامة الأوبة، وأكناف الغبطة ، بلين المنصرف ، ولا أوعث الله لك سبيلاً ، ولا حیَّرك دليلاً ، واستودعه نفسك وديعة لا تضيع ولا تزول بمته ولطفه إن شاء لله.

يا أبا إسحاق ، إنّ الله قتعنا بعوائد إحسانه ، وفوائد إمتنانه ، وصان

ص: 516

أنفسنا عن معاونة أوليائه ، إلا عن الإخلاص في النية ، وإمحاض النصيحة ، والمحافظةعلى ما هو أتقى وأبقى وأرفع ذكرا».

قال إبراهيم بن مهزیار: فأقفلت عنه حامداً لله عزّ وجلّ على ما هداني وأرشدني(1).

2- مع أحمد بن إسحاق

فأخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيّ کسائه ، فوضعه بين يديه ، فنظر العسكري إلى الغلام وقال له :

يا بنيّ ، فضَّ الخاتم عن هدايا شيعتك.

فقال عجّل الله فرجه : يا مولاي ، أيجوز أن أمدّ يدأ طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة؟

فقال مولاي عَلَيهِ السَّلَامُ: یابن إسحاق ، استخرج ما في الجراب ليميز بين الحلال والحرام منها .

فأوّل صرّة بدأ أحمد بإخراجها .

قال الغلام عجّل الله فرجه : هذه لفلان بن فلان من محلّة (كذا) بقم تشتمل على اثنين وسبعين دينار ، فيها من ثمن حجرة باعها صاحبها ،

ص: 517


1- کمال الدین: 121/2 .

وكانت إرثاً له من أخيه خمسة وأربعون دیناراً، ومن عثمان تسعة أثواب أربعة عشر دیناراً، وفيها من أجرة حوانيت ثلاثة عشر دیناراً.

فقال مولانا عَلَيهِ السَّلَامُ: صدقت يا بنيّ ، دلّ الرجل على الحرام منها .

فقال عجّل الله فرجه : فتّش علی دینار رازي السكة تاريخه سنة كذا، قدانطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشة ، وقراضه آملية وزنها ربع دينار ، والعلة في تحريمها أنّ صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّاً، وربع مَنًّ فأتت على ذلك مدّة فسرق الغزل سارق ، فأخبر به الحائك صاحبه ، فكذّبه واستردَ منه بدل ذلك منّاً ونصف مَنًّ غزل أدقَ مما كان دفعه إليه واتّخذ من ذلك ثوباً كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه.

فلمّا فتح أحمد رأس الصرّة صادفته رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه ومقداره على حسب ماقال عجّل الله فرجه، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة ، ثمّ أخرج صرّة أخرى.

فقال الغلام عجّل الله فرجه : هذه لفلان بن فلان ، من محلة كذا بقم ، تشتمل على خمسين ديناراً لا يحلً لنا مسّها.

قال : وكيف ذلك ؟

قال عجّل الله فرجه : لأنّها ثمن حنطة خان صاحبها على أكاره في المقاسمة ، وذلك أنّه قبض حصّته منها بكيل وافي وكال ما خص الأكار

ص: 518

بكيل بخس .

فقال مولانا عَلَيهِ السَّلَامُ: صدقت يا بنيّ .

ثمّ قال عجّل الله فرجه : یابن إسحاق ، احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردها على أربابها ، فلا حاجة لنا في شيء منها ، وأتنا بثوب العجوز.

قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي نسيتها ، فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلىَّ مولاي أبو محمّد عَلَيهِ السَّلَامُ فقال :

ما جاء بك يا سعد؟

فقلت : شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا .

قال عَلَيهِ السَّلَامُ: فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟

قلت : على حالها يا مولاي.

قال عَلَيهِ السَّلَامُ: فسل قرّة عيني وأومأ إلى الغلام - عمّا بدا لك منها .

قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيّام عدّتها حلّ للزوج أن يخرجها من بيته.

قال عجّل الله فرجه : الفاحشة المبينة هي السحق وليست بالزنا ، فإنّ المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوج بها لأجل الحدّ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم ، والرجم خزي ، ومن قد أمر الله عزّ وجلّ برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد

ص: 519

أبعده ، فليس لأحد أن يقربه .

قلت : فأخبرني يابن رسول الله عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيّه موسی: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً﴾(1)، فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون: إنها كانت من إيهاب الميتة.

فقال عجّل الله فرجه: من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوّته؛ لأنّه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين ، إمّا أن تكون صلاة موسى فيهماجائزة أو غيره جائزة ، فإن كانت صلاتهجائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة.

وإن كانت مقدّسة مطهرة ، فليست بأقدس وطهر من الصلاة ، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنّهلم يعرف الحلال من الحرام ، ولم يعلم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز، وهذا کفر.

قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها.

قال عجّل الله فرجه: إنّ موسی ناجي ربه بالوادي المقدّس ، فقال: یا ربّ ، إنّي قد أخلعت لك المحبة منّي ، وغسلت قلبي عمّن سواك ، وكان شديد الحبّ لأهله ، فقال الله تعالى: اخلع نعليك ، أي انزع حبّ

ص: 520


1- سورة طه: الآية 12

أهلك عن قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة ، وقلبك من الميل من سواي مغسولاً.

قلت : فأخبرني يابن رسول الله عن تأویل ﴿کھیعص﴾؟

قال عجّل الله فرجه: هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عليها عبده زکريا ثمّ قصّها على محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وذلك أنّ زکریّا سأل ربّه إذا ذكر محمّداً وعليشباً وفاطمة والحسن سری عنه همّه ، وانجلی کربه ، وإذا ذكر اسم الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ خنقتهالعبرة ، ووقعت عليه البهرة ، فقال ذات يوم: إلهي ، ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسلیت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ تدمع عيني و تثور زفرتي؟

فأنباء الله تعالى عن قصته وقال: ﴿کھیعص﴾ ، فالكاف اسم کربلاء ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ، والعين عطشه ، والصاد صبره ، فلما سمع ذلك زکریا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيها للنّاس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت نديته: إلهي ، أتفجۓ خیر خلقك بولده؟ إلهي ، أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي ، أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي ، أتحلُّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟

ثمّ كان يقول: إلهي ، ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله لي وارثاً ووصيّاٌ ، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنًي

ص: 521

بحبّه ، ثمّ افجعني به كما تفجع محمداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه حبيبك بولده.

فرزقه الله بيحيى وفجعه به ، وكان حمل یحیی ستة أشهر وحمل الحسين كذلك.

قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام

قال عجّل الله فرجه : مصلح أو مفسد .

قلت : مصلح.

قال عجّل الله فرجه : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد.

قلت: بلی.

قال: فهي العلّة ، أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك .

قلت: نعم

قال: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله ، وأنزل الكتب عليهم ، وأيدهم بالوحي والعصمة ، وهم أعلى الأمم ، وأهدى إلى الاختيار منهم ، مثل موی وعیسی ، وهل يجوز مع وفور عقلهما ، وكال علمهما إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتها على المنافق و هما يظنان أنه مؤمن ؟

قال: فهذا موسی کلیم الله مع وفور عقله ، وكمال علمه ، ونزول

ص: 522

الوحي عليه اختار من أعيان قومه ، ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلاً ممن لا يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خیرته على المنافقين.

قال الله عزّ وجلّ:﴿وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾(1) إلى قوله:﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾(2)، فلمّا وجدنا اختیار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنَه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكنّ الضمائر، ويتصرّف عليه السرائر ، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفسادلما أرادوا أهل الصلاح»(3).

3- مع ابن مازيار أيضاً :

وسألني عن أهل العراق ، فقلت : سيّدي قد ألبسوا جلباب الذلّة، وهم بين القوم أذلّاء.

ص: 523


1- سورة الأعراف: الآية 155.
2- سورة البقرة: الآية 55.
3- الاحتجاج: 267/2-274.

فقال لي : يابن المازیار لتملكونهم كما ملكوكم وهم يومئذٍ أذلاء.

فقلت: سيّدي ، لقد بعد الوطن ، وطال المطلب .

فقال: يا بن المازیار ، أبي - أبو محمد - عهد إليَّ أن لا أجاور قومأ غضب الله عليهم ، ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم ، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلّا وعرها ، ومن البلاد إلّا قفرها ، والله - مولاكم - أظهر التقنية فوکَّلَهَا بي ، فأنا في التقنية لى يوم يؤذن لي فأخرج.

فقلت: يا سيّدي ، متى يكون هذا الأمر؟

فقال: إذا حيل بينكم وبين الكعبة ، واجتمع الشمس والقمر ، واستدار بهما الكواكب والنجوم .

فقلت: متی یابن رسول الله ؟

فقال لي: في سنة كذا وكذا تخرج دابّة الأرض من بين الصفا والمروة ، ومعه عصا موسى ، وخاتم سليمان ، تسوق الناس إلى المحشر»(1).

4- أنّا المهدي ، وأنا قائم الزمان ، وأنا الذي أملؤها عدلاً كما ملئت

ص: 524


1- الغيبة / الطوسي: 266.

جورأ، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا يبقى الناس من فترة، وهذه أمانة لا تحدّث بها إلّا إخوانك من أهل الحق(1).

ه- إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام، وقسم الأرزاق، لأنّه ليس بجسم، ولا حالّ في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.

وأما الأئمة عَلَيهِم السَّلَامُ فإنّهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق، إيجاباً لمسألتهم، وإعظاماً لحقَّهم.

6- أنا صاحب الحقّ، ليس هذا أوان ظهوري، وقد بقي مدّة من الزمان.

ثمّ قلت له: يا سيّدي، متى يظهر أمرك؟

قال: علامة ظهور أمري كثرة الهرج والمرج والفتن، واتي مكّة فأكون في المسجد الحرام.

فيقال: انصبوا لنا إماماً.

ويكثر الكلام حتّى يقدم رجل من النّاس فينظر في وجهي ثم يقول: يا معشر النّاس، هذا المهدي انظروا إليه(2).

ص: 525


1- كمال الدين : 445. الغيبة / الطوسي: 254.
2- بحار الأنوار: 230/51

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا خاتم الأنبياء والمرسلين، محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، واللعن الدائم الأبدي على أعدائهم أجمعين، من الآن إلى قيام يوم الدين

آمین

انتهينا من كتابة الحلقة الثالثة من هذه المجموعة المباركة في ليلة الخامس والعشرين من رجب المرجّب من عام 1426ه. ق، وهی ليلة استشهاد سيّدنا ومولانا الإمام موسی بن جعفر الكاظم باب الحوائج صلوات الله وسلامه عليه، ونحن بجوار ابنته كريمة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ سيّدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة عليها وعلى آبائها الطاهرين، وعلى أخيها وأبناء أخيها الأبرار آلاف التحيّة والثناء، والصلاة والسلام، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

قم المقدّسة

ص: 526

المحتویات

الدرس 1: أهداف اللقاء...7

الدرس 2: حياته الزوجية - 1...25

الدرس 3: حياته الزوجية - 2...39

الدرس 4: انتظار الفرج - 1...47

الدرس 5: انتظار الفرج - 2...65

الدرس 6: المنتظرون...85

الدرس 7: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه . 1...107

الدرس 8: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه . 2...119

الدرس 9: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه - 3...133

الدرس 10: الخروج بالسيف . 1...145

الدرس 11: الخروج بالسيف . 2...159

الدرس 12: الخروج بالسيف .3...175

الدرس 13: تطهير الأرض - 1...187

الدرس 14: تطهير الأرض - 2...201

الدرس 15: علامات الظهور - 1...213

الدرس 16 : علامات الظهور - 2...233

ص: 527

الدرس 17: علامات الظهور - 3...257

الدرس 18: علامات الظهور - 4...273

الدرس 19: علامات الظهور - ه...295

الدرس 20: علامات الظهور - 6...315

الدرس 21: علامات الظهور-7...329

الدرس 22: علامات الظهور-8...349

الدرس 23: الظهور وما بعد الظهور...371

الدرس 24: العلم بعد الظهور...383

الدرس 25: دولة الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ...403

الدرس 26: الدعاء لصاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ وعنه...415

الدرس 27: لماذا ندعوا للإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ؟...425

الدرس 28: الأدعية...439

الدرس 29: ما روي له وعنه من الزيارات...491

الدرس 30: أقواله عَلَيهِ السَّلَامُ...511

ص: 528

«اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِیِّكَ الحُجَةِ بنِ الحَسَن صَلَواتُکَ علَیهِ و عَلی آبائِهِ فِی هَذِهِ السَّاعَةِ وَ فِی كُلِّ سَاعَةٍ وَلِیّاً وَ حَافِظاً وَ قَائِداً وَ نَاصِراً وَ دَلِیلًا وَ عَیْناً حَتَّى تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً، وَ تُمَتعَهُ فِیهَا طَوِیلا»

ص: 529

بعض إصدارات مؤسسة المعارف الإسلامية باللغة العربية

1- معجم أحاديث الإمام المهدي

2- الأحاديث الغيبية 1-3

3- مدينة المعاجز 1-7

4- حلية الأبرار 1-10

5- کتاب الغيبة للشيخ الطوسي- مسالك الأفهام 1-19

7- الأنوار القدسية

8- زبدة التفاسير 1-7

9- ترتيب الأمالي 1-10

10- ينابيع المعاجز

11- تفسير الصراط المستقیم 1-5

12- تسلية المجالس 1-2

13- اقناع اللائم

14- أضواء على الصحيحين

15- الإمام علي في أراء الخلفاء

16- زبدة الأفكار (خلاصة المؤلفات الدكتور التيجاني )

17- رحلتي من الظلمات إلى النور

18- المزار

19- المستجاد من الإرشاد

20- شرح نهاية الحكمة 1-2

21- شرائع الإسلام 1-4

22- مذكرات المدرسة

23- عدة الداعي

24- رحال الشيعة في أسانيد السنة

25- المنطق - للمظفر

26- فرائد فوائد الفكر

27- حقيقة الشيعة الإثني عشرية

28- زاد المؤمنین

29- استجلاب ارتقاء الغرف

30- الصحيفة السجادية الثانية

31- أصول الصلاة

32- دروس في المنطق

33- فتاوى العلماء في تحريم تكفير المسلمين

34- الحقيقة الضائعة

35– مواعظ - فضائل - وصفات الشيعة

36- نصيحة لإخواننا علماء نجد

37- تفسير فاتحة الكتاب

38- أصالة المهدوية

39- الزواج بين السنن والتكوين

40- کشف الرمس عن حديث رد الشمس

41- مناظرة علمية

42- خاتم الأوصياء 1-3

43- المجالس الفاخرة

44- خلاصة المواجهة

45- الخلافة المغتصبة

ص: 530

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.