خاتم الأوصياء المجلد 2

اشارة

سرشناسه : مومن، مهدی

عنوان و نام پديدآور : خاتم الاوصیاء/ محمدمهدی المؤمن.

مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلامیه، 1424ق-= 1382-

فروست : بنیاد معارف اسلامی؛ 148، 154.

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج.1 (چاپ دوم: 1426ق.= 1384).

يادداشت : ج.3 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : محمدبن حسن (عج)، امام دوازدهم، 255ق -

موضوع : امامت

شناسه افزوده : بنیاد معارف اسلامی

رده بندی کنگره : BP51/35/م 84خ 21382

رده بندی دیویی : 297/959

شماره کتابشناسی ملی : م 82-14025

خیراندیش دیجیتالی : انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

تم طباعة هذا الكتاب على نفقة

السيدة العلوية انتصار زلزلة

جزاها الله خيرا

دارالفقه للطباعة والنشر

اسم الكتاب : خاتم الأوصياء (الحلقة الثانية)

المؤلف:محمد مهدي المؤمن

الطباع:السيد أبوعلاء الموسوي

تاريخ الطبع : الأولى 1426ه. ق - 2005 م

عدد المطبوع: 1000 نسخة

المطبعة : برهان

السعر : 1000 تومان

شابك:9_012_499_964 ISBN964-499-012_9

ص.ب.3663-58173

تلفن:7736873 - 251-98+

مرکز توزيع: قم - شارع معلم - مركز الإمام السجاد عليه السلام

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

اَلُلهم وَصَلِّ عَلى وَلِىِّ اَمْرِكَ الْقائِمِ الْمُؤَمَّلِ ،وَالْعَدْلِ الْمُنْتَظَرِ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبينَ ،وَاَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ يا رَبَّ الْعالَمينَ

عن مولانا صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه :

أَنَا خَاتَمُ الْأَوْصِيَاءِ وَ بِي يَدْفَعُ اللَّهُ الْبَلَاءَ عَنْ أَهْلِي وَ شِيعَتِي.

غيبة الطوسی:264.كمال الدين : 441. بحار الأنوار52/30

ص: 5

ص: 6

الاهداء

بما أن من حسن الصدف أن حالفنا الحظ والتوفيق إذ صادف طباعة الكتاب أيام الفاطمية الأليمة فإني أهديته إلى الصديقة الطاهرة ، سيدة نساء العالمين

فاطمه الزهرا علیها السلام

أم أبيها،وروحه التي بين جنبيه،

وأم السبطين والقائم المنتظر الموعود

صلوات الله وسلامه عليها وعليهم أجمعين

محمد مهدي

غرة جمادی الثانية /1426ه ق

ص: 7

ص: 8

الدرس الأول: شبهات وردود

بسم الله الرحمن الرحیم

لقد فاتتنا الإجابة في الحلقة الٱولى على بعض الشبهات والإشكاليات التي قد ترد على الحكاية المروية عن كيفية سبي السيدة نرجس أم الإمام المهدي علیه السلام،وعن شرائها،وزواج الإمام العسكري علیه السلام منها،وهكذا الأخبار المروية عن ولادة مولانا الحجة بن الحسن علیهما السلام ،حيث نقلناها هناك ولم نبحث وجوه الإشكال المحتملة فيها، فلنشرع في هذه الحلقة بسردها والإجابة عنها

لقد أوردت ثلاثة أخبار في الدرس الخامس والعشرين من

ص: 9

الحلقة الأولى من هذا الكتاب ،جاء في الخبر الأول (1) أنها كانت ملكا للإمام علي الهادي علیه السلام،وفي الثاني(2) أنها ملکا لبعض أخوات الإمام الهادي علیه السلام،وفي الثالث (3)أنها كانت ملكا للسيدة حكيمة ٱخت الإمام الهادي علیه السلام طی،فكيف نوفق بينها؟

وجه الجمع بينها أن الإمام الهادي علیه السلام هو الذي اشتراها بتلك الكيفية الخاصة التي وردت في الخبر الأول مفصلة،ثم أهداها لٱخته حكيمة کی تباشر تربيتها وتعليمها وتعريفها بالإسلام ٱصولا وفروعا، وعقيدة وعملا، فيكون المراد من بعض أخواته كما في الخبر الثاني - هي السيدة حكيمة رضی الله عنها، فاعتنت بها السيدة الحكيمة خير عناية،كما هو عادة بني هاشم مع العبيد والإماء فبقيت السيدة نرجس علیها السلام عندها طيلة تلك الفترة ، وهي قرابة الثلاث سنوات، حتى اشتهر بأنها جارية السيدة حكيمة رضی الله عنها، ويكون بذلك قد أخفي خبرها وخبر المولود الذي

ص: 10


1- کما فی روایة الصدوق و دلائل الإمامة و غیبة الطوسی علیهم الرحمة
2- کما فی روایة المسعودی رحمه الله
3- کما فی روایة الصدوق علیه الرحمة

سيولد منها عن عيون السلطة الحاكمة آنذاك ، الذين كانوا يتربصون الدوائر به، ويترصدون أنباءه ليل نهار،ويترقبون ولادته، يريدون القضاء عليه ، حتى يأتي اليوم المعهود ويزور الإمام العسكري علیه السلام عمته فيري تلك الجارية ويحد النظر إليها،ويخبر عمته عن ذلك السر المكنون في تلك الجارية،وما الآخر الله لها من الشرف العظيم؛لتكون أم المهدي المنقذ،بشارة الأنبياء،ويتم إرسالها إليه علیه السلام.

ولكن في الخبر الثاني،وهو خبر المسعودي ،أنها ولدت في دار السيدة حكيمة،وقد رواه عن الثقات من مشايخه، ولعلهم توهموا ذلك،أو لعلهم إنا نسبوها إلى السيدة حكيمة رضی الله عنها من جهة الخوف والتقية،والعلم عند الله تعالى.

وكيف كان،فسواءكانت جارية السيدة حكيمة - كما في خبر المسعودي والصدوق عن المطهري - أو كانت جارية مولانا الإمام الهادي علیه السلام واشتراها على الوصف الذي ورد في خبر بشر النخاس ، فإنها السيدة نرجس ٱم الحجة صاحب الأمر أروحنا له الفداء،فربما يكون هذا الاضطراب والتشویش نابعة من الظروف المعقدة التي أحاطت في تلك الحقبة بالبيت العلوي،والحصار الشائك الذي كان يحول دون اتصال الشيعة بإمام زمانهم، أضف إلى ذلك

ص: 11

اضطرار الإمام الهادي والعسكري علیهماالسلام في تلك الظروف إلى اللجوء إلى الكتمان ، واستعمال التقنية في أكثر الأحيان ، تفادية للأخطار التي كانت تحدق بهم وبشيعتهم ومواليهم،فلا غرابة إن اضطربت حينئذ بعض الأخبار المتعلقة بهم، والمنسوبة إليهم ، أو تضاربت فيما بينها، على أن خبر المسعودي هذا لم يرو عن أهل البيت ؛ إذ ليس مرویا عن أحد الإمامين الهادی والعسكري عليهماالسلام ،ولا عن السيدة حكيمة رضی الله عنهابخلاف الخبرين الأول المروي عن الإمام الهادي علیه السلام،والثالث المروي عن السيدة رضی الله عنها، فلا مانع من حمله على توهم الرواة، كما فعلنا آنفا،فراجع وربماعاضدنا ما في ذيل هذا الخبر من أن الإمام العسكري علیه السلام أمر عمته أن تستأذن أباه الإمام الهادي علیه السلام في دفعها إليه، مما يدل على أنها كانت ملكة للإمام الهادي علیه السلام.

في الخبر الأول أن الإمام الهادي علیه السلام زوجها ابنه العسكري علیه السلام وفی الثاني والثالث أن السيدة حكيمة رضی الله عنها أرسلته إلى الإمام العسكري علیه السلام،أي لم تكن زوجته ، فكيف التوفيق؟

لعل الإمام الهادي علیه السلام زوجها ابنه الإمام العسكري علیه السلام أول ما اشتراها،ثم أهداها إلى ٱخته السيدة حكيمة لتتكقل بتربيتها وتعليمها،وأخفي عليها ذلك،حتى يحين وقت الجمع بينها وبين

ص: 12

زوجها الإمام العسكري علیه السلام الإنجاز الوعد الإلهي.

ولعله لم يزوجها إياه في بدء وصولها،بل أهداها لٱخته حكيمة رضی الله عنها،وإنما زوجها ابنه العسكري علیه السلام بعد زيارته لعمته في دارها،وتحديق النظر إليها، وإخبار عمته عن السر الذي يكمن ورائها، وليس في الخبرين ما يعارض أحد هذين الاحتمالين .

ولكن يرد على هذا الاحتمال:

أولا:ما جاء في ذيل الخبر الأول،فقال لها أبو الحسن:«یا بنت رسول الله ،خذيها إلى منزلك، وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمد، وأم القائم علیه السلام».

وثانيا:ما في الخبر الثالث أن السيدة حكيمة تقول:«فزينتها،ووهبتها لأبي محمد عليه السلام»؛ إذ لو كانت زوجته علیه السلام،لم يكن معنی لأن تهبها عمته ایاه، ولو کانت جاریتها أو جاریة أخیها الإمام الهادی علیه السلام ولم تکن زوجة للإمام العسکری علیه السلام -کما فی الخبرین الثانی والثالث-فکیف نوفق بینه وبین ماذکرناه مما فی ذیل الخبر الأول؟!

وعلیه حينئذ فلا بد من طرح أحد الخبرين الثاني أو الأول،وبما أن الأول أوفق لما عليه المشهور، أولا من جهة ما اشتهر لدى الأعلام أن السيدة نرجس بنت ابن ملك الروم، وٱمها من

ص: 13

سلالة شمعون الصفا وصي المسيح على نبينا وآله وعليه السلام ، ولرواية جملة من الأصحاب له، ثانيا،بالإضافة إلى انفراد المسعودي في الرواية للخبر الثاني، ثالثا،لهذه الأسباب والقرائن الثلاث يمكن طرح الخبر الثاني؛ليبقی الأول والثالث،ولا تنافي بینها، فتكون السيدة نرجس رضی الله عنها زوجة الإمام العسكري علیه السلام كانت عند عمته السيدة حكيمة رضی الله عنها.

هذا إن اخترنا التمسك والأخذ بما اشتهر لدى الجمهور من الأعلام ، غير أن التحقيق يقتضي الإعراض عن الخبر الأول والأخذ بالثاني للقرائن التالية:

أولا:لموافقة الخبر الثاني للخبر الثالث من وجوه:

1- أن في كليهما تصريحا بكون السيدة نرجس جارية للسيدة حكيمة رضی الله عنهما.

2- أن في كلا الخبرين دخول الإمام العسكري علیه السلام على عمته السيدة حكيمة ، والنظر إلى جاريتها -السيدة نرجس -

3- أن في كلیهما طلب الإمام العسكری علیه السلام من عمته الاستئذان من أبيه الإمام الهادي علیه السلام لإرسالها إليه.

4- في كليهما أن السيدة حكيمة وهبت تلك الجارية إلى ابن أخيها لإمام العسكري علیه السلام.

ص: 14

ثانيا:رواية الصدوق أعلى الله مقامه للخبر الثالث مسندا، كما روى الأول مرسلا ، وإذ كان الثالث الذي رواه الصدوق رحمة الله و مسندا ، موافقا للخبر الأول الذي رواه المسعودي عن الثقات من مشايخه، ربما كان بالإمكان طرح الخبر الأول لاحتمال تعارضه للخبر الثالث والثاني من وجوه:

1- كونها زوجة للإمام العسكري علیه السلام في الأول،وموهوبة له من عمتهالسيدة حكيمة في الثاني والثالث.

2- کونها جارية للإمام الهادي علیه السلام في الأول،وجارية للسيدة حكيمة في الثاني والثالث.

ثالثا:أن ما في الخبرين الثاني والثالث من كتمان أمرها ، وعدم اطلاع أحد على سرها، وأنها من تكون ، ومن سيولد منها سوى الإمامين الهادي والعسكري علیهماالسلام، والسيدة حكيمة ليلة زفافها أوفق لما نحن بصدده،وأنسب لحالها وحال مولودها، خلافا للخبر الأول الصريح في معرفة بشر النخاس لتلك الحقيقة واطلاعه على ذلك السر فالكتمان والسرية المستفادة من الرواية الثانية والثالثة أنسب من المكاشفة،وإن كان الظاهر من ال بشر الناس كما هو صريح الحبر الأول وكونه من خواص الأصحاب يدفع هذا الاحتمال؛لجواز اطلاع الخواض على مثل هذه الأسرار

ص: 15

رابعا:ربما استفيد من الخبرين الثاني والثالث بمعاضدة القرينة التي ستأتي إن شاء الله تعالى، أن الله تعالى أطلع وليه الإمام العسكري ، وهكذا أباه الإمام الهادي علیهما السلام على اختياره للسيدة نرجس جارية السيدة حكيمة رضی الله عنها کی تكون ٱما للقائم صاحب الزمان صلوات الله عليه،قبل ذهاب الإمام العسكري علیه السلام إلى دار عمته،ولم يكن قبل ذلك قد أطلع وليه على هذه الحقيقة ، أو لم يكن قد اختارها قبل ذلك أصلا ، على نحو قوله تعالى :« يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(1) فيكون الأمر أنسب لحال مولانا الحجة علیه السلام وشأنه ومقامه ، والقرينة في ذلك:أنا لا نشك في دخول الإمام العسكري علیه السلام دار عمته السيدة حكيمة قبل ذلك مرارا وتكرارا، وبناء على اختيارنا للروايتين الثانية والثالثة الصريحة بكون السيدة نرجس جارية للسيدة حكيمة ووجودها في دارها منذ أمد بعيد، ومعرفة الإمام علی السلام ورؤيته لها، فلم ينظر إليها ولم يحدق النظر إليها بتلك الحال ، ولو كان عالما باختيار الله تعالى لها، الصنع ما صنع قبل ذلك ، بل لو كان الله سبحانه وتعالى قد اختارها لذلك لأطلع وليه عليه ، ولصنع ما صنع من التحديق والنظر قبل

ص: 16


1- سورة الرعد : الآية 39

بني هاشم يومئذ، وتربيتها في دارها و في كنفها ، أوفق وأنسب الشأنها ؛ لوضوح حالها حينئذ منذ نشأتها حتى وقوع الاختيارعليها،وخروج القرعة لهذا المقام العظيم باسمها.

سادسا:أن ما في الخبرين الثاني والثالث أنسب لخفاء حالها وحال مولودها.

سابعا:خلو الخبرين الثاني والثالث من تلك القصة والتفاصيل التي لا حاجة إليها -كما في الخبر الأول - وإن لم تكن بعيدة فضلا عن استحالتها ، فما في الخبر الأول وإن لم يكن به بأس ولا يقدح فيه حالته القصصية ، غير أن الأخذ بما يخلو تماما من كل تلك الشوائب، واحتمال ورود الشبهة ممن لا حظ له من العلم والمعرفة أوفق ،وتقديمه على مايخالفه من هذه الجهة أنسب وأفضل.

ثامنا:أن ما جاء في الخبر الأول من حديث السيدة نرجس وما بثته من أسرار إلى بشر النخاس بتلك التفاصيل لا يناسب شأن السيدة نرجس رضی الله عنها،خلافا لما في الخبرين الأخيرين المصرحين بولادتها ونشأتها في بيت السيدة حكيمة ، الذي يناسب شأنها ومقامها تماما.

تاسعا: كما أن بعض ما في الخبر الأول من إخراجها لكتاب الإمام الهادي علیه السلام وهي تلثمه وتجعله على خدها وجفنها وتمسحه

ص: 17

ببدنها أمام رجل أجنبي كبشر - قد ينافي أيضا شأنها ومقامها،بخلاف ما في الخبرين الأخيرين،إلا إذا حملنا فعلها هذا على ٱمور:

1- إرسال رسالة إلى بشر وغيره وإلينا أنها كانت عالمة بحال صاحب الكتاب و مقامه ومؤمنة بإمامته من قبل أن يأتيها كتابه علیه السلام.

2-تعليم بشر وغيره أنه كيف يجب التعامل والتصرف حيال كتاب الإمام علیه السلام وما ينسب إليه وتعظيمه،فضلا عن الإمام ذاته علیه السلام.

3-أن نعرف فضلها ومقامها؛ذلك أن مقياس منازل التاس ومقاماتهم بمدى معرفتهم بمن منه الوجود،و من له الوجود، ومن إليه الوجود،ومن به الوجود،أعني الله تبارك وتعالى ونبته وإمامه.

عاشرا:بل ما في الخبر الأول من بیان تفاصيل حياتها قد لا يناسب مقامها،خلافا لما في ذينكما الخبرين،وبناء على اختيارهما فلا يبقى مجال لما سيأتي من وجوه الشبهة والإشكال التي أوردناها فيما مضى، وفيما يأتي إن شاء الله تعالى،وإن أجبنا عنها جميعا.

وأهم من ذلك كله ما يعترض الخبر الأول من ضعف السند الجهالة رواته، مما يقوي ما ذهبنا إليه من اختيار الخبرين الثاني والثالث ، والله العالم.

والحاصل:فالله تعالى أعلم بحقيقة الأمر، ونحن له مسلمون

ص: 18

غير أنا حيث استعرضنا تلك القرائن والوجوه فقلبنا يميل إلى الخبرين الثاني والثالث ، وإلى الحصيلة التالية، والنتائج الآتية المستفادة منها، خلافا لما عليه المشهور، والنتائج هي:

1- أن السيدة نرجس رضی الله عنها كانت جارية للسيدة حكيمة رضی الله عنها.

2- أنها ولدت في دار السيدة حكيمة ونشأت في حجرها.

3- أن الله تعالى أطلع ولیيه الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام على اختياره لها قبل ليلة زفافها .

4- أن الإمام العسكري علیه السلام بعدما اطلع على ذلك خرج إلى دار عمته السيدة حكيمة؛ ليخبرها بذلك؛إذ قد أينعت وحان وقت حصادها.

5- أن السيدة حكيمة رضی الله عنها إلا استأذنت أخاهاالإمام الهادي علیه السلام ، ثم زينتها وأرسلتها إلى الإمام العسكري صلوات الله عليه ؛ لأن عرسه علیه السلام بها كان في غاية الخفاء والسرية الظروف التقية.

6-ولم يثبت - بناء على الخبرين الثاني والثالث -أنها من سلالة شمعون وصي المسيح على نبينا وآله وعليه السلام، ولا أنها ابنة ابن الملك قيصر الروم، وإن لم يرد نفي لهذه المقولة ، فلا منافاة بين كونها بهذه الأوصاف ، وعلى تلك الأحوال من النسب والحسب ، وبين كونها جارية ولدت في دار السيدة حكيمة رضی الله عنها؛إذ لعل أمها

ص: 19

كانت على تلك الصفة،وقد ٱسرت، فاشترتها السيدة حكيمة ، وولدت السيدة نرجس

وكيف كان فالله ورسوله وأولياؤه أعلم بواقع الأمر ، وسواء أخذنا بالخبر الأول الذي عليه المشهور،أو أخذنا بالأخيرين،كما هو مختارنا ،فالنتيجة واحدة أن السيدة نرجس سلام الله عليها ٱم الإمام القائم صاحب الأمر والزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف.

وبذا نكون قد أجبنا عن إشكال أو استفهام آخر، وهو وجه تحديق الإمام العسكري علیه السلام النظر إليها وهي جارية عمته؟فعلى الأول أنها كانت زوجته ، وعلى الثانية أنه علیه السلام جاء إلى دار عمته متعمدا يريد أن يطلب يدها ويتزوجها ، وقد أجمع المسلمون على جواز تحديق النظر إلى من يريد الرجل الزواج منها قبل أن يعقد عليها ، بل استحباب ذلك عندنا ، كما بيناه مفصلا في الحلقة الٱولى من كتابنا(الزواج بين سنن التكوين وسنن التشريع).

وحتى بناء على عدم قبول الاحتمالين ، فلربما يعود الأمر إلى أن السيدة حكيمة كانت قد أباحت لابن أخيها النظر إلى تلك الجارية من قبل،وبناء على احتمال بقائها في ملكية الإمام الهادي عليه السلام، وأن وجودها في دار السيدة حكيمة إنما جاء بغرض تعليمها وتربيتها لا إهدائه عليه السلام لتلك الجارية إليها، ولا نقل ملكيتها إلى ٱخته

ص: 20

فبناء على هذا الاحتمال، یرد احتمال إجازة الإمام الهادي عليه السلام النظر إلى تلك الجارية لابنه الإمام العسكري عليه السلام؛لجواز أن يهب المالك النظر إلى جاريته لمن شاء ، بل له أن يهب لمن شاء فرجها،وكيف كان فالإمام علیه السلام أدرى بتكليفه، وهو حجة الله، وفعله حجة علينا ، وإنما أوردنا كل تلك الاحتمالات لنبرهن أن لا تهافت في ما ورد من الأخبار.

لقد نسبت السيدة نرجس في الأخبار تارة إلى ملك الروم،وتارة إلى يشوعاء، وتارة إلى شمعون الصفا وصي السيد المسيح عليه السلام فكيف الجمع بينها؟

وجه الجمع بينها في غاية الوضوح،أنها مليكة بنت یشوعاء بن قیصر ملك الروم ، وأمها من ولد أحد الحواريين المنتهي نسبه إلى شمعون وصي سيدنا المسيح على نبينا وآله وعليه السلام، ولا يوجد أي منافاة بين تلك الأخبار.

ما الذي نستفيده من هذه الأخبار؟

نستفيد منها عدة ٱمور هامة هي كالتالي:

أولا:أن هذه السيدة جليلة القدر،عظيمة المنزلة، ومن أشرف لسلالات.

ثانيا:لهذا السبب جاء اختيارها لتكون وعاء يحمل أعظم ولي

ص: 21

من أولياء الله تعالى ، الذي يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا،وليس هذا الشرف مما يناله كل أحد.

ثالثا:أنها كانت تنطق العربية الفصحى بطلاقة ،وهذا مما يسهل عليها كثيراالتعرف على حقيقة الإسلام وأحكامه.

رابعا:أنها عليها السلام كانت تختلف في سلوكها عن سائر الجاريات ، فليس من عادة الجارية أن تمتنع عن السفور والمكاشفة والملامسة عمن يريد شرائها فضلا عن يملكها، وليس من عادتهن اختیار مواليهن ومن يريد شرائهن

خامسا:أن زواج الإمام العسكري عليه السلام بالسيدة نرجس رضي الله عنها كان في حياة الإمام الهادي عليه السلام عام 254ه ،أو قبل ذلك عند أول قدومها.

سادسا:أن ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه کانت بعد وفاة جده الإمام الهادي عليه السلام عام 255.

سابعا:أنه لا مانع أن يكون زواج الإمام العسكري عليه السلام من السيدة نرجس قد وقع في المنام بواسطة رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، وأن علقة الزوجية بينها تمت منذ تلك الرؤية ؛ إذ لرسول اللهصلی عليه و آله و سلم الولاية التامة على جميع الخلق في اليقظة والمنام، وفي حياته وبعد وفاته :

ص: 22

«النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم»(1)، ولقوله صلی الله علیه و آله و سلم:«من رآني في منامه فقد رآني ،فإن الشيطان لا يتمثل بی»،(2)436أي من رآني في المنام فقد رآني في اليقظة ، أو كمن رآني في اليقظة ، فما أنطق به في المنام حجة كما لو نطقت به في اليقظة ، طبعا بعد التوكيد من أنه هو بعينه صلي الله علیه و آله و سلم.

نعم،أجمع أعلام الطائفة وعلمائها على عدم حجية المنامات،والظاهر أن عدم حجيتها يختص بالإخبار عن الأحكام الشرعية،أي ليست حجة في البرهنة والاستدلال على استنباط أو بيان حكم فقهي،ويعضد ما قلناه،ما روي عن الإمام العسكري علیه السلام لبعض أصحابه:« واعلم أن كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة» (3)

ولم يكتف الإمام الهادي علیه السلام بما جاء في منام السيدة نرجس حتى أجرى عقد الزواج والنكاح بين ابنه العسكري علیه السلام وأمته السيدة نرجس عليها السلام،عملا بسنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

وأما زيارة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام للسيدة نرجس في المنام قبل إسلامها ، فما المانع منها؟وما المحذور

ص: 23


1- سوره الأحزاب الآیة 6
2- سوره الأحزاب الآیة 6.رسائل المرتضی2/12.الأمالی/الصدوق:121.وسائل الشیعه :10/
3- المناقب:3/534

الذي يترتب عليها؟بعد أن ثبت وجه الحكمة في هذه الزيارة وأهميتها، والغرض منها؛ذلك أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يأتي المشركين والكفار في حياته الشريفة لأسباب عديدة، أهمها:الإبلاغ والدعوة إلى اعتناق الإسلام،وهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور،فإذا كان ذلك سائغا،بل فرضا عليه صلی الله علیه و آله و سلم في اليقظة ، كان حضوره صلی الله علیه و آله و سلم مع الصديقة الطاهرة في المنام لهداية من شاء الله هدایته بذلك ، أمرا طبيعيا ممكنا لا يحول دون احتال وقوعه شيء، لا سيما إذا كان الأمر من قبيل ما نحن فيه.

ألا ترى تهافتا واضحا وتنافیا صریحا بين صدر الخبر الأول وذيله؟حيث ينص في أوله على أن الكتاب الذي جاء به بشر الناس إلى السيدة نرجس عند إرادة شرائها كان للإمام الهادي علیه السلام ،وأنه هو الذي كتبه، بينما دل في آخره أنه كان للإمام العسكري علیه السلام، فكيف التوفيق؟

وجدت هذه الشبهة في بعض الكتب، ولعله توهم المؤلف ذلك ، وليس الأمر كما توهم. نعم ، جاء في صدر هذا الخبر أن الإمام الهادي صلوات الله عليه : «کتب کتابا ملصقا بخط رومي ، ولغة رومية،وطبع عليه بخاته ، ثم دفعه إلى بشر الناس»، ثم دفعه إن بشرة لما أراد شرائها دفع الكتاب إلى بائعها ليدفعه إليها

ص: 24

حتى إذا نظرت في الكتاب : «بكت بكاء شديدا وقالت له : بعني من صاحب هذا الكتاب ...»، ولما أخذها بشر إلى داره: «أخرجت الكتاب وهي تلثمه ، وتطبقة على جفنها، وتضعه على خدها ، وتمسحه على بدنها»، حتى أثار ذلك حفيظة بشر الذي سألها : « تلثمين کتاب لا تعرفين صاحبه ؟»، فأخبرته عن معرفتها له خير معرفة ، فالكتاب للإمام الهادي عليه السلام ، وأما الظاهر من فعلها وقولهاالمفيد بأن الكتاب للإمام العسكري عليه السلام فيمكن الجمع بينهما بوجوه:

الأول: لأن ما يكتبه الإمام الهادي علیه السلام يصح نسبته إلى الإمام العسكري عليه السلام ، لا سيما إذا كان عما يخص الأخير.

الثاني:لاحتمال أن الإمام الهادي علیه السلام إنما كتب الكتاب باسم ولده العسکری صلوات الله عليه.

الثالث:لاحتمال أنه عليه السلام إنما شراها أو طلب شرائها في الكتاب لابنه العسكري عليه السلام.

الرابع:لاحتمال أنها علمت من مضمون الكتاب أن ابتياعها سيكون للإمام العسكري عليه السلام.

كيف ولماذا أخفى الله تعالى ولادة وله القائم المنتظر صلوات الله عليه؟

أما كيف؟فالأمر ليس بغريب على الله تعالى؛إذ تعلقت مشيئته

ص: 25

بولادة وليه في ظروف خارقة للقوانين الطبيعية بسبب ما تحيط بولادته من تحديات وصعوبات،وكان لا محيص دون تحقيق الإرادة الالهية بقانون المعجزات ،كما فعل الله تعالى بموسي عليه السلام الذي مرت ولادته بنفس هذه الظروف أو مشابهاتها،وقد أوردنا تفاصيل في مواضيع عديدة من هذا الكتاب وروايات عديدة تعلل ذلك.

هناك أربع روایات تخبر عن الكلام الذي نطق به مولانا الحجة صلوات الله عليه ، في إحداها أنه علیه السلام تلا قوله تعالی:«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ» (1) وفي ٱخرى :أنه قال:«أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن جدي محمدا رسول الله ، وأن أبي أمير المؤمنين، ثم عدد إماما إمامة إلى أن بلغ إلى نفسه، ثم قال : اللهم أنجز لي ما وعدتني، وأتمم لي أمري وثبت وطأتی... الخ»، وفي رواية ثالثة:أنه تلا قوله تعالی:«وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ»(2) وفی رابعة انه علیه السلام قال:«الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.

ص: 26


1- سوره آل عمران:الآیة18
2- وسوره القصص الآیة 5

الطاهرین، زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة، ولو ٱذن لنا في الكلام لزال الشك».

أقول:أليس هذا تناقضاوتهافتا في ما تكلم ونطق به علیه السلام ؟

:كلا،ليس كما ظننت،بل الظاهر والله العالم - أنه علیه السلام قال کلاما واحدا يتضمن ما تقدم في الروايات الأربع، فكل مانقل إنما صدر منه علیه السلام في مجلس واحد لدى ولادته، غير أن الرواة قطعوه إربا إربافنقل كل واحد مقطعا من كلامه علیه السلام ، وهو مما يحدث كثيرا في النقل ، خصوصا إذا كان الراوي بصدد الاستشهاد بكلارم المعصوم في مطلب خاص و موضوع بعينه،إذ لا معنى حينئذ من الإتيان بتمام ما نطق به المعصوم صلوات الله عليه، ويكتفي بذكر موضع الشاهد لاغير.

وإن لم يمتنع من احتمال کونه علیه السلام تكلم في أكثر من موضع،فتكلم في كل مجلس بشيء مما نقل، وإن كان ينافي هذا الاحتمال تصريح بعضها أنه مما نطق به علیه السلام لحظة ولادته ، وعليه فيبق محصورا في الوجه الأول. كما يحتمل أيضا أنه علیه السلام تكلم بعد ولادته مباشرة بكلام،ثم أعقبه بكلام وهكذا، فكان الكل في مجلس واحد لكن مع شيء من الفصل والتعقيب،وقد تكلم عیسی علیه السلام في المهد ساعة ولادته

ص: 27

حينما استنطقه بنو إسرائيل:«قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا»(1)وقد ثبت بالأدلة القاطعة أن في المهدي علیه السلام خصلة من كل نبي من الأنبياء ، ليكون جامعا لأفضل خصال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وورث هذه الخصلة والمنقبة من السيد المسيح على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام.

ص: 28


1- سورة مریم: الآیة 30

الدرس الثاني: إمامة الإمام المهدي - 2

بسم الله الرحمن الرحیم

بعد أن قضى الإمام العسكري علیه السلام نحبه مسموما شهیدا دب الخلاف وظهر النزاع، واشتعل فتيل النزاع في تحديد الإمام الذي يليه،ومن يستخلفه من بعده،ولذلك أسباب عديدة أهمها:

1- عزل الإمام العسكري علیه السلام عن شيعته بفرض الحصار الشائك عليه والإقامة الجبرية في سجیش العساكر بين معسكرات الجيش العباسي ، والحيلولة بينه وبين اتصال شیعته به ووصولهم إليه ، حتى تفرقوا في البلاد دون ارتباطهم بإمام زمانهم علیه السلام ، مما کان له أثر بالغ في زعزعة عقائدهم في حياته وبعد وفاته علیه السلام.

2- خفاء ولادة الإمام المهدي صلوات الله عليه ، وصعوبة إبلاغ كل أحد من الشيعة بخبره وخبر ولادته ؛ لقساوة الظروف وملاحقة

ص: 29

النظام الحاكم، وتجسسه الذي يفوق الوصف والخيال، ومتابعته لكل إشارة تدل عليه أو على ولادته ، أسهم إسهاما فاعلا في ظهور تلك الخلافات والارتداد عن العقيدة الحقة.

3- التضليل الإعلامي الذي مارسه النظام بحنكة وتجربة ودراسة متأنية وأساليب خبيثة ، واستعانته بعلماء السوء والبلاط الحاكم وأبواق السلطان من أعداء الفضيلة وأهل البيت،حيث وجهوا كل طاقاتهم،ودفعوا بجميع قواهم للنيل من عقائد الإمامية، والتفريق بين صفوفهم بنسبة الخرافة إليهم،والسخرية من عقائدهم،مما أسفر عن كتان الشيعة لعقائدهم وانحراف جملة منهم.

4-الممارسات الوحشية وملاحقة الشيعة،والتضييق عليهم في ممارسة شعائرهم وعقائدهم، وحتى منعهم من إبراز هويتهم والتظاهر بتشيعهم طوال فترة حكم الأمويين والعباسيين - إلا ما خرج بالدليل،وهي فترات قصيرة جدا-لا سیما في عصر الإمامين العسكريين علیهماالسلام بالقمع والسجن والقتل والاغتيال والترهيب والتشريد والتعذيب،حالت دون اتصال الشيعة بإمام زمانهم، بل دون تعرفهم عليه(1)

ص: 30


1- ولا أبشع ولا أكذب وأبغض مما قرأته لبعض هؤلاء النواصب والحاقدين،حيث ٱنهم غدوا ينكرون مثل هذه الممارسات الوحشية والتضليل الإعلامي طيلة القرون المتمادية جملة وتفصيلا،بل تمادوا فيغيهم،وتولوا في أوحال بغيهم وضغائنهم حتی نسبوا ذلك إلى الشيعة،واتهموهم وافتروا عليهم أنهم مارسوا القتل والتشريد و الغيلة في حق العامة والجماعة بالاستغاثة بالسلاطين والاستعانة بأعداء الدين. والجواب لهؤلاء سهل للغاية،وشواهده القديمة والحديثة لكثرتها تنوء من حملها العصبة،ولا تسعها أوراق الأشجار ولا بياض مافي الصفحات على وجه الأرض.

5-ولعل أعظم مصيبة حلت بالشيعة تلك الفتنة التي خرجت من البيت الشيعي، وكانت أشد قساوة ووبالا على المذهب و معتنقيه،كما هو المعتاد،أن الجسد الواحد لا تفتت أوصاله،ولا تمزق أواصره ،ولا تنهك قواه،إلا إذا استفحل به المرض،وعصفت به الجرثومة من الداخل لتقضي على ما تمون به كريات الدم الحمراء من الحصانة،و تخرق حواجزها وحریم قدسيتها لتنال من صاحبها،و تخترق كل حرمة له، وتنتهك قدسيته،فتنال منه ومن صحته وتسلمه جثة هامدة إلى مغتسله ومثواه الأخير، أو تسوقه إلى غرف العلميات والانعاش.

فهي الفتنة التي أخبر عنها أئمة أهل البيت علیهم السلام قبل وقوعها

ص: 31

بزمن طويل،فقد قال مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه:«...لا بد من فتنة صماء صیلم،يسقط فيها كل وليجة وبطانة،وذلك بعد فقدان الشيعة الثالث من ولدي»(1)

من هنا جاءت الفتنة المدبرة المخطط لها مسبقا من قبل النظام الحاكم واندلعت أجيج نيرانها في داخل البيت الشيعي حينذاك لزعزعة عقائدهم والنيل من وحدتهم و تفریق شملهم إلى مجموعات و مذاهب متعددة مختلفة متنافرة متناحرة،من واقع الدهاليز السياسية القائلة:«فرق تسد»،والفلسفة الأرسطوئية الميكافلية القائلة:«الغاية تبرر الوسيلة»؛ذلك أنهم وجدوا في جعفر الكذاب أخ الإمام العسكري علیه السلام، وعم مولانا الحجة صلوات الله عليه ، وهو الفرع الخبيث المستثنى من تلك الشجرة الطيبة:«إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ»(2)وجدوا فيه أداة طيعة،وخير وسيلة تحقق أهدافهم لتفريق الجموع الشيعية،وتمزيق وحدة الصف الشيعي المجتمع على إمامة الحسن العسكري علیه السلام، بالتشكيك في الإمام من.

ص: 32


1- کتاب الغيبة/النعماني«:180.کمال الدين: 370.سفينة البحار :2/703.
2- سورة هود:الآیة 46

بعده،وادعائه الإمامة بعد أخيه الإمام العسكري علیه السلام، وهو يلاقي دعما وحماية من النظام الحاكم آنذاك، مما فسح المجال وعبد الطريق أمام كل النفعيين والانتهازيين وضعاف النفوس المتحنين للفرصة للتكشير عن أنيابهم،والتكالب على هذا المنصب الإلهي والمقام السماوي،حيث كثرت المزاعم،وازداد عدد الذين ادعوا الإمامة في الفترة ذاتها،فانقسموا إلى مذاهب شتى،ودب الخلاف فيهم حتى ظهرت أربع عشرة فرقة كما ذكر المؤرخون وجماعة من أعلام الطائفة(1)-وقد عدها المسعودي في تاريخه عشرين فرقة.(2)وإن بدأت تتلاشى بعد أن مات جعفر الكذاب عام 271ه.ق،وبفضل جهود الأصحاب وأعلام الطائفة وسعيهم الحثيث،لا سيما الذين كانوا قد نالوا شرف اللقاء بإمام عصرهم علیه السلام في دار أبيه الإمام العسكري علیه السلام،وبايعوه بمحضر من أبيه وامتثالا لأمره علیه السلام،وشهدوا بإمامته،فاضمحلت تلك الفرق والأحزاب رويدا رويدا حتى لم يبق لها أثر على أرض الواقع،ولا بقي لها وجود في الوسط الشيعي

ص: 33


1- فرق الشیعه/النوبختی:139.المقامات والفرق/عبدالله الأشعری:102
2- مروج الذهب 4/199بحارالأنوار 50/336.

كما صرح بذلك شيخ مشايخ الطائفة زعيمها بلا منازع في عصره الشيخ المفيد أعلى الله مقامه،الذي أسهم في كشف هذه الغمة،وكان له قصب السبق،والكأس الأوفي في نزع فتيل الخلاف و الشقاق والتفرقةوالنزاع،وإعادة المياه إلى مجاريها،وتطهير الجسد الشيعي،ووضع البلسم على تلك الجراح،حين تصدی هو والمخلصون من أمثاله الأعلام لإلحاق الهزيمة بأهل الباطل ،وإحقاق الحق،بالبيان والبنان المستندين إلى الدليل والبرهان،فتلاشت واضمحلت تلك المزاعم والدعاوى الجزافية الواهية،حتى قال أعلى الله مقامه في العليين عن تلك الحقبة الأليمة، والفترة العصيبة التي فارق فيها الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه الدنيا في الثامن من ربيع الثاني عام 260ه بمدينة سامراء:«فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأي ضجة واحدة،عطلت الأسواق،وركب بنو هاشم والقواد وسائر الناس إلى جنازته،فكانت سر من رأى يومئذ كأنها قيامة،فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عیسی ابن المتوكل يأمره بالصلاة عليه» (1)

وفي رواية الصدوق رحمة الله: ...فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن

ص: 34


1- الإرشاد:3/324.

علي علیه السلام على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه،فلما هم بالتكبير خرج صبي...فجبذ برداء جعفر بن علي،وقال:«تأخر یا عم،فأنا أحق بالصلاة على أبي»،فتأخر جعفر وقد أربد وجهه واصفر...»(1)

ووجه الجمع بين مقولة الشيخ المفيد ورواية الصدوق عليهما الرحمة أن الصلاة ٱقيمت على إمامنا العسكري علیه السلام مرتين،مرة بإمامة مولاناالحجة عجل الله تعالى فرجه،في داره مع خاصة أصحابه،ومرة بإمامة أبي عیسی بن المتوكل بأمر الخليفة العباسي المقتدر في الملأ العام.

ولعل الحق أن نقول:أمر السلطان ابن المتوكل للصلاة عليه،وبعث ابن المتوكل جعفر الكذاب ليقيم الصلاة نيابة عنه،فلما أراد جعفر الصلاة، تقدم مولانا الحجة صلوات الله عليه نحاه ليقيم هو الصلاة على أبيه،وبذلك تكون صلاة الميت ٱقیمت على الإمام العسكري علیه السلام مرة واحدة من غير تكرار.

ويبدو أن القول بالتكرار أوجه وأنسب؛ذلك أن الظاهر من قول شيخنا المفيد أن هناك صلاة أقيمت على الإمام علیه السلام في ملأ من

ص: 35


1- کمال الذین:475

الناس خارج دار الإمام علیه السلام،ومن عادة السلاطين والحكام أن ينتهزوا مثل هذه المناسبات العظيمة لا سيما في تلك الأزمنة - ليحققوا بها مكاسب سياسية،ولم يكن للقواد وبني هاشم وعامة الناس أن يخرجوا في مثل هذه المناسبات،إلا أن يدعوهم السلطان إلى ذلك ، كما أن صلاة خاصة قبل هذه الصلاة العامة ٱقيمت في داره علیه السلام بالتأكيد حضرها جعفر الكذاب،وبعض الموالي والخواص من شيعة الإمام وأصحابه،أم المصلين فيها ابنه القائم أرواحنا فداه، وهي التي نطقت بها الأخبار والأقوال،كما في رواية شيخنا الصدوق الآنفة.

فانتقلت الإمامة بمون مولانا العسکری علیه السلام إلی اینه صاحب الأمر صلوات الله علیه،و هو فی الخامسة من عمره،بعد ما علمنا أن الله تعالی یجتبنی من یشاء من عباده،«وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»(1)

كما أن التطبيقات والمصادیق والشواهد القرآنية صريحة في الوقوع،و تتجلى تلك الحقيقة في قصة يحيى على نبيناوآله وعليه السلام،قال تعالى:«يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ

ص: 36


1- سورة القصص:الآیة 68

صَبِيًّا (1)وهكذا في قصة سيدنا المسيح على نبينا وآله وعليه السلام.قال تعالى: «فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا،قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا...»(2)على أن بعض أئمتنا الأطهار علیهم السلام أيضا تقلدوا الإمامة في الصبي ، كالإمام الجواد علیه السلام الذي تقلدها الإمامة في الثامنة،والإمام الهادي علیه السلام الذي تقلدها في العاشرة من عمره الشريف.

وبدأت الغيبة الصغرى منذ ذلك الحين،وسيأتي الكلام فيها بعدهذا الفصل إن شاء الله تعالى.

وقال الشيخ الصدوق رضی الله عنه:«وكل من سألنا من المخالفين عن القائم علیه السلام لم يخل من أن يكون قائلا بإمامة الأئمة الأحد عشر من آبائه علیهم السلام أو غير قائل بإمامتهم،فإن كان قائلا بإمامتهم لزمه القول بإمامة الإمام الثاني عشر النصوص الأئمة علیهم السلام عليه باسمه ونسبه وإجماع شيعتهم على القول بإمامته، وأنه القائم الذي يظهر بعد غيبة طويلة فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما،وإن لم يكن السائل من القائلين بالأئمة الأحد عشر علیهم السلام لم يكن له

ص: 37


1- سورة مریم:الآیة 12.
2- سورة مریم الآیتان29و30

علينا جواب في القائم الثاني عشر من الأئمه علیهم السلام، وكان الكلام بيننا وبينه في إثبات إمامة آبائه الأئمة الأحد عشر علیهم السلام، وهكذا لو سألنا يهودي فقال لنا: لم صارت الظهر أربعا والعصر أربعا ،والعتمة أربعا،والغداة ركعتين والمغرب ثلاثا؟ لم يكن له علينا في ذلك جواب،بل لنا أن نقول له:

إنك منكر لنبوة النبي الذي أتى بهذه الصلوات وعدد ركعاتها،فكلمنا في نبوته وإثباتها، فإن بطلت بطلت هذه الصلوات وسقط السؤال عنها،وإن ثبتت نبوته صلی الله علیه وآله لزمك الإقرار بفرض هذه الصلوات على عدد ركعاتها لحصة مجيئها عنه واجتماع أمته عليها، عرفت علتها أم لم تعرفها ، وهكذا الجواب لمن سأل عن القائم علیه السلام في حذو النعل بالنعل»(1)

ثم أعقب قائلا:«و مما سأل عنه جهال المعاندين للحق أن قالوا:أخبرونا عن الإمام في هذا الوقت يدعي الإمامة أم لا يدعيها، ونحن نصير إليه فنسأله عن معالم الدين، فإن كان يجيبنا ويدعي الإمامة علمنا أنه الإمام،وإن كان لا يدعي الإمامة ولا يجيبنا إذا صرنا إليه فهو ومن ليس بإمام سواء

ص: 38


1- کمال الدین/الشیخ الصدوق:45.

فقيل لهم:قد دل على إمام زماننا الصادق الذي قبله ولیست به حاجة إلى أن يدعي هو أنه إمام إلا أن يقول ذلك على سبيل الإذكاروالتأكيد ،فأما على سبيل الدعوى التي تحتاج إلى برهان فلا؛لأن الصادق الذي قبله قد نص عليه وبين أمره وكفاه مؤونة الادعاء،والقول في ذلك نظير قولنا في علي بن أبي طالب علیه السلام في نص النبي صلی الله علیه و آله وسلم واستغنائه عن أن يدعي هو لنفسه أنه إمام ، فأما إجابته إياكم عن معالم الدين فإن جئتموه مسترشدین متعلمين عارفين بموضعه ،مقرين بإمامته عرفكم وعلمكم، وإن جئتموه أعداء له ، مرصدين بالسعاية إلى أعدائه ، منطوين على مكروهه عند أعداء الحق، متعرفين مستور أمور الدين لتذيعوه لم يجبكم؛لأنه يخاف على نفسه منكم ، فمن لم يقنعه هذا الجواب قلبنا عليه السؤال في النبي صلی الله علیه و آله و سلم وهو في الغار أن لو أراد الناس أن يسألوه عن معالم الدين هل كانوا يلقونه ويصلون إليه أم لا ، فإن كانوا يصلون إليه فقد بطل أن يكون استتاره في الغار،وإن كانوا لا يصلون إليه،فسواء وجوده في العالم وعدمه على علتكم.

فإن قلتم:إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان متوقيا،قيل:وكذلك الإمام علیه السلام في هذا الوقت متوق.

فإن قلتم:إن النبي صلی الله علیه وآله و سلم بعد ذلك قد ظهر ودعا إلى نفسه.

ص: 39

قلنا:وما في ذلك من الفرق أليس قد كان نبيا قبل أن يخرج من الغار؟!ويظهر وهو في الغار مستتر ولم ينقض ذلك نبؤته،وكذلك الإمام يكون إماما وإن كان يستتر بإمامته من يخافه على نفسه،ويقال لهم:ما تقولون في أفاضل أصحاب محمد صلی الله علیه وآله و سلم؟والمتقدم في الصدق منهم لو لقيتهم كتيبة المشركين يطلبون نفس النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، فلم يعرفوه فسألوهم عنه هل هو هذا؟وهو بين أيديهم،أو كيف أخفي؟وأين هو؟ فقالوا:ليس نعرف موضعه،أو ليس هو هذا ؟ هل كانوا في ذلك كاذبين مذمومين غير صادقین ولامحمودين أم لا؟ فإن قلتم:كاذبين خرجتم من دين الإسلام بتكذيبكم أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم،وإن قلتم:لا يكون ذلك كذلك لأنهم يكونون قد حرفوا كلامهم وأضمروا معنى أخرجهم من الكذب ، وإن كان ظاهره ظاهر كذب،فلا يكونون مذمومين بل محمودين؛لأنهم دفعوا عن نفس النبي صلی الله علیه و آله و سلم القتل.

قيل لهم:وكذلك الإمام إذا قال: لست بإمام، ولم يجب أعداءه عما يسألونه عنه لا يزيل ذلك إمامته ؛ لأنه خائف على نفسه ، وإن أبطل جحده لأعدائه أنه إمام في حال الخوف إمامته ، أبطل على أصحاب النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكونوا صادقين في إجابتهم المشركين بخلاف ما علموه عند الخوف ،وإن لم يزل ذلك صدق الصحابة لم يزل أيضا

ص: 40

ستر الإمام نفسه إمامته،ولا فرق في ذلك،ولو أن رجلا مسلما وقع في أيدي الکفار وكانوا يقتلون المسلمين إذا ظفروا بهم فسألوه هل أنت مسلم ؟ فقال : لا ، لم يكن ذلك بمخرج له من الإسلام ، فكذلك الإمام إذا جحد عند أعدائه ومن يخافه على نفسه أنه إمام لم يخرجه ذلك من الامامة.

فإن قالوا : إن المسلم لم يجعل في العالم ليعلم الناس ويقيم الحدود، فلذلك افترق حکماهما ووجب أن لايسترالإمام نفسه.

قيل لهم:لم نقل إن الإمام يستر نفسه عن جميع الناس؛ لأن الله عز وجل قد نصبه وعرف الخلق مكانه بقول الصادق الذي قبله فيه ونصبه له، وإنماقلنا:إن الإمام لا یقر عند أعدائه بذلك خوفا منهم أن يقتلوه،فأما أن يكون مستورا عن جميع الخلائق فلا؛ لأن الناس جميعا لو سألوا عن إمام الإمامية من هو؟ لقالوا: فلان ابن فلان مشهور عند جميع الأمة،وإنما تكلمنا في أنه هل يقر عند أعدائه أم لا يقر ،وعارضناكم باستتار النبی صلی الله علیه و آله و سلم في الغار،وهو مبعوث معه المعجزات،وقد أتى بشرع مبتدع،و نسخ كل شرع قبله ، وأريناكم أنه إذا خاف كان له أن يجحد عند أعدائه أنه إمام،ولا يجيبهم إذا سألوه، ولا يخرجه ذلك من أن يكون إماما،ولا فرق في ذلك.

ص: 41

فإن قالوا:فإذا جوزتهم للإمام أن يجحد إمامته أعداءه عند الخوف فهل يجوز للنبي صلی الله علیه و آله أن يجحد نبوته عند الخوف من أعدائه ؟قيل لهم:قد فرق قوم من أهل الحق بين النبي صلی الله علیه و آله وبين الإمام ، بأن قالوا:إن النبي صلی الله علیه وآله هو الداعي إلى رسالته والمبين للناس ذلك بنفسه ، فإذاجحد ذلك وأنكره للتقية بطلت الحجة ، ولم يكن أحد يبين عنه ، والإمام قد قام له النبي صلی الله علیه و آله بحجته ، وأبان أمره ، فإذا سكت أو جحد كان النبي قد كفاه ذلك.

وليس هذا جوابنا،ولكنا نقول:إن حكم النبي صلی الله علیه و آله وسلم حكم الإمام سیان في التقية إذا كان قد صدع بأمر الله عز وجل،وبلغ رسالته ، وأقام المعجزات، فأما قبل ذلك فلا ، وقد محى النبی صلی الله علیه و آله و سلم اسمه من الصحيفة في صلح الحديبية حين أنكر سهيل بن عمرو ، وحفص بن الأحنف نبؤته ، فقال لعلي:امحه واكتب:هذا ماصالح عليه محمد بن عبدالله ، فلم يضر ذلك نبوته إذا كانت الأعلام في البراهين قد قامت له بذلك من قبل، وقد قبل الله عز وجل عذر عمار حين حمله المشركون على سب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأرادوا قتله فسبه، فلما رجع إلى النبيصلی االه علیه وآله وسلم، قال:قد أفلح الوجه ياعمار ، قال: ما أفلح وقد سببتك يا رسول الله ، فقال علیه السلام:أليس قلبك مطمئنا بالإيمان ؟ قال :بلى يا رسول الله،فأنزل الله تبارك وتعالى:

ص: 42

«إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ»(1)

والقول في ذلك ينافي الشريعة من إجازة ذلك في وقت وحظره في وقت آخر، وإذا جاز للإمام أن يجحد إمامته ويستر أمره جاز أن يستر شخصه متى أوجبت الحكمة غيبته ، وإذا جاز أن يغيب يوما لعلة موجبة جاز سنة ، وإذا جاز سنة ، جاز مائة سنة ، وإذا جاز مائة سنة جاز أكثر من ذلك إلى الوقت الذي توجب الحكمة ظهوره كما أوجبت غيبته ، ولا قوة إلا بالله ، ونحن نقول في ذلك : إن الإمام لا يأتي جميع ما يأتيه من اختفاء وظهور وغيرهما إلا بعهد معهود إليه من رسول الله صلی الله علیه و آله، كماقد ورد به الأخبار عن أئمتنا علیهم السلام:

حدثنا محمد بن موسی بن المتوكل رضی الله عنه،قال: حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه، عن آبائه،عن علي علیهم السلام، قال:قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم:

« والذي بعثني بالحق بشيرا ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس : ما الله في آل محمد حاجة ، ويشك

ص: 43


1- سوره النحل:الٱیه 106

آخرون في ولادته،فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه،ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا بشکه ، فيزيله عن ملتي ، ويخرجه من دیني ، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل، وإن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لايؤمنون (1)

ص: 44


1- کمال الذین:48_51.

الدرس الثالث: علماء السنة والمهدي عليه السلام-1

بسم الله الرحمن الرحیم

تلخص مما تقدم في الحلقة الٱولی من هذا الكتاب أن معرفة شخص المهدي بعينه صلوات الله عليه ، حسبا ونسبا، يعد القدر المتيقن الذي يجب الاعتقاد به ، وهو الحجر الأساس الذي تدور عليه رحی کافة ما يتعلق ببحوث کتابنا هذا الذي بين يديك ، ولا معنى للبحث عن المهدي عجل الله تعالى فرجه سوى التوصل إلى هذه الحقيقة واعتناق هذه العقيدة بأنه :

أولا : من هذه الٱمة ، فلا يلتفت إلى ما يزعمه بعض العامة وما يروونه بطريق الآحاد أنه عیسی بن مريم علیهما السلام،وأنه ثانية من أهل بيت النبوة ، فلا يصغي لمارواه بعض العامة - بطريق الآحاد - أنه من ولد العباس بن عبدالمطلب زاعمين أن أباه عبدالله؛

ص: 45

القوله صلی الله علیه و آله و سلم فی الخبر المفترى على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم:«اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي »،وقد فتدناه في محله(1)

كما لا مستند ولا دليل يعتمد عليه لما ادعاه وذهب إليه بعض من لا أثر له في الوجود في عصرنا هذا من شراذم العصور الغابرة والأزمنة القديمة من أنه من ولد محمد بن الحنفية (ابن علي أمير المؤمنين علیه السلام ، فلا يعتني بذلك كله؛ لأنه من ولد علي وفاطمة صلوات الله عليها، ثم إنه من ولد الحسن والحسين كما في الروايات الصحيحة ، لكن لا كما فهم القوم وذهب إليه جماعة غير قليلة ، بل هو من ذرية الحسين ، ومن صلب الحسن ، أعني أنه من صلب أبي محمد الحسن العسكري صلوات الله عليها، وإذا أمكن الجمع بين الروايات فلا معنى لطرح بعضها أو تأويل بعضها الآخر، والقوم من أصحابنا إنما طرحوا روایات ابن الحسن وأعرضوا عنهالحملهم الحسن على الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه ، وتوهمهم ذلك ، وأما بعد تصحيح المراد منه فلا مجال لطرح شيء منها.

ولقد وافقنا في أن المهدي صلوات الله عليه من هذه السلالة الطاهرة ، ومن هذه الشجرة العلوية الفاطمية،والدوحة الهاشمية

ص: 46


1- راجع الحلقة الٱولی من هذا السلسة(شبهات وردود)235

وأنه ابن الإمام الحسن العسكري،وأنه مولود عام 255ه. ق، فهو حي موجود غائب عن الأبصار ، وافقنا في هذه العقيدة جمع غفير من علماء العامة يربو عددهم على ثمانين عالما سنیا،وهم على النحو التالي:

1_كمال الدين بن طلحة الشافعي.

2_محمد بن يوسف الكنجي الشافعي .

3- ابن الصباغ المالكي .

4- سبط ابن الجوزي .

5- محيي الدين بن عربي .

6-الشيخ عبد الوهاب الشعراني

7- الشيخ حسن العراقي.

8- الشيخ علي الخواص.

9-الشيخ عبدالرحمن الجامي.

10-الحافظ محمد البخاري .

11-ابن أبي الفوارس الرازي

12-الشيخ عبد الحق الدهلوي.

13-السيد جمال الدین المحدث.

14-الحافظ أحمد البلاذري.

ص: 47

15-ابن الخشاب البغدادي

16-ملك العلماء الدولت آبادي .

17-الشيخ علي المتقي الهندي .

18-ابن روزبهان الشيرازي.

19-الناصر لدين الله العباسي.

20-الشيخ سليمان القندوزي.

21 - الشيخ أحمد الجامي .

22 - صلاح الدين الصفدي .

23 - الشيخ عبدالرحمن البسطامی .

24 -الشيخ علي أكبر المؤودي

25- الشيخ عبدالرحمن (صاحب مرآة الأسرار).

26-الشيخ قطب مدار.

27-الشيخ جواد الساباطي.

28-الشيخ سعد الدين الحموي .

29-الشيخ عامر البصري .

30-الشيخ صدرالدین القونوي.

31-الشيخ جلال الدين الرومي.

32-الشيخ العطار النيسابوري.

ص: 48

33-الشيخ شمس الدين التبريزي.

34-الشيخ نعمة الله ولي.

35-السيد النسيمي.

36-السيد علي الهمداني.

37-الشيخ عبدالله المطيري.

38-السيد سراج الدين الرفاعي.

39-الشيخ محمد الصبان المصري.

40-رشيد الدين الدهلوي.

41-الشيخ ولي الله الدهلوي

42-الحافظ عبدالرحمن السيوطي الشافعي.

43-الحافظ شمس الدين ابن الجزري الشافعي.

44-الحافظ محمد بن مسعود البغوي.

45-شهاب الدین ابن حجر المكي.

46-الشيخ محمد بدرالدين الرومي الحنفي.

47-السيد مؤمن الشبلنجي.

48-الحافظ أبو بكر البيهقي.

49-المؤرخ ابن الأزرق.

50-الشيخ عمر بن الوردي.

ص: 49

51-الشيخ علي القاري الهندي.

52-الحسين بن معین الدین الميبدي.

53-ابن خلكان الشافعي(المؤرخ).

54-القرماني(المؤرخ).

55-الزرندي(صاحب نظم درر السمطين).

56-الشيخ يوسف بن يحيى بن علي الشافعي .

57-الشيخ حسن العدوي الحمزاوي.

58-الشيخ شمس الدین ابن طولون.

59-أبو عبدالله زين الكافي.

60-الشيخ حسن العجيمي.

61-الحافظ جمال الدین الباهلي.

62-الشيخ محمد الحجازي الواعظ.

63-الحافظ أبو نعيم رضوان العقبي.

64-الإمام جمال الدین محمد بن محمد الجمال.

65-الشيخ إسماعيل بن مظفر الشيرازي.

66-الشيخ عبدالسلام بن أبي الربيع الحنفي.

67-الشيخ أبو بكر عبدالله بن شابور القلانسي.

68-الحافظ محب الدين ابن النجار.

ص: 50

69-علي بن الحسين المسعودي (المؤرخ).

70-یحیی بن سلامة الحصكفي

71-ابن الأثير الجزري (المؤرخ).

72-أبو الفداء الأيوبي( المؤرخ).

73-علاء الدين السمناني.

74-أبو الوليد محمد بن شحنة الحنفي (المؤرخ).

75-محمد خواند أمير (صاحب روضة الصفا).

76-خواند أمير(صاحب حبيب السير).

77-الحسين بن محمد الدياربكري ( المؤرخ).

78-الشيخ ابن العماد الحنبلي.

79-الشيخ عبدالله بن محمد الشبراوي.

80-الشيخ عبدالعزيز الدهلوي.

81-الشيخ عبدالكريم اليماني.

82-القاضي بهلول بهجت أفندي.

هلم معي نجوب بين كلماتهم، ونتصفح كتبهم ، ونتأمل في أقوالهم کشفا عن الحقيقة ، وإزاحة للحجاب عن وجه المشرق بشمس الضحی.

قال المحدث المحقق النوري قدس الله روحه:«نعم،بين أهل

ص: 51

السنة والإمامية خلاف معروف في موضعين:الأول:أنه حسني أو حسيني ؟».

ذهب إلى الأول من أهل السنة وجماعة أخرى منهم،وكافة الإمامية ذهبوا إلى الثاني، وأوضحوا فساد القول الأول بما لا مزيد عليه ، وبسط القول فيه الحافظ الكنجي الشافعي في كتاب (البيان) من أراده راجعه.

والثاني:أنه ولد وغاب ثم يظهر في وقت أراد الله تعالى إنفاذ أمره، أو أنه ما ولد وسيولد من بعد ويظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا...؟

ذهب إلى الأول کافةالإمامية ، وعينوا شخصه ، وأنه الحجة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب علیهم السلام، وأنه المهدي الموعود،ولد ثم غاب بأمر الله تعالى مدة ، كان يصل إليه نوابه وبعض خواصه، ثم غاب غيبته الكبرى ، فلا يظهر إلا في وقت يؤمر بالخروج وتطهير الأرض عن أرجاس الكافرين والملحدين حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها، وأثبتوا ذلك بالنصوص عن جده النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وعن كل واحد من آبائه الذين أقوالهم عندهم حجة ، خصوصا في مثل هذا المقام المقترنة أقوالهم فيه بالإخبار عما يأتي ، فكان الأمر

ص: 52

كما قالوا بالمعجزات،وقد وافقهم على هذا القول جماعة من أعيان علماء المذاهب الأربعة ، بل رووا نصوصا ومعاجز ، وتصدوا لدفع شبهات ربما تورد في المقام».

ثم شرع بذكر أسماء هؤلاء ، وأورد أقوالهم من مصادرها ، وقدم في ذلك بحثا وافيا، فجزاه الله عن الحجة صلوات الله عليه ، وعن شيعته ، خير، وقد حققت ذلك ثم لخصته هنا لما تترتب عليه من الفوائد الجسيمة ولمناسبة المقام.

1- أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي النصيبي.

ماذا قال عنه أهل الجرح والتعديل ؟

أ- تقي الدين أحمد بن قاضي شهبة ، المعروف بابن جماعة الدمشقي الأسدي في طبقات فقهاء الشافعية أنه:«كان أحد الصدور والرؤساء المعظمين»(1)

ب-قال عبد الغفار بن إبراهيم العكي الشافعي:«إنه أحد العلماءالمشهورين» (2)

ج-ذکره و بالغ في مدحه جمال الدین عبدالرحيم حسن بن علي

ص: 53


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار

الأسنوي الشافعي في طبقات فقهاء الشافعية.(1)

قال هذا العالم الجليل في كتابه مطالب السؤول:«الباب الثاني عشر في أبي القاسم محمد ابن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدین ، بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب،المهدي الحجة الحلف الصالح المنتظر علیهم السلام ورحمته وبرکاته».

ثم أورد قصيدة تظمت فيه صلوات الله علیه مطلعها:

فهذا الخلف الحجة قد أیده الله***هدانا منهج الحق و آتاه سجایاه

وأما کون الکتاب المذكور من مؤلفاته فهو من الوضوح بمكان لم يقدر ابن تيمية على إنكاره مع إنكاره جملة من الأحاديث المستفيضة المشهورة ، فصرح في كتابه (منهاج السنة) بأنه له. (2)

2-الحافظ أبو عبدالله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي الشافعي(المتوفى سنة 658ه).

قال عنه أهل الجرح والتعديل:

ص: 54


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار

أ.عبر عنه ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة بقوله:

«الإمام الحافظ».

ب-وقال البارع الخبير الكاتب الچلبي في كشف الظنون:

« البيان في أخبار صاحب الزمان للشيخ أبي عبدالله محمد بن يوسف الكنجي ، المتوفى سنة 858ه»(1)

وقال أيضا:«كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للشيخ الحافظ أبي عبدالله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي...»(2)

ج . وقال أبو المواهب عبد الوهاب الشعراني في اللواقح في ترجمة السيوطي: «وكان الحافظ ابن حجر يقول : الشروط التي إذا اجتمعت في الإنسان سمي حافظة: الشهرة بالطلب ، والأخذ من أفواه الرجال ، والمعرفة بالجرح والتعدیل لطبقات الرواة ومراتبهم ،وتميز الصحيح من السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره ، مع استحفاظ الكثير من المتون ، فهذه الشروط من جمعها فهو حافظ»(3)انتهى،ومنه يعلم جلالة قدر الكنجي.

ص: 55


1- کشف الظنون:1/263.
2- کشف الظنون: 2/1497.
3- خلاصة عبقات الأنوار8/217

قال في الباب الثامن من الأبواب التي ألحقها بأبواب الفضائل من كتابه الكفاية-بعد ذكر الأمة من ولد أمير االمؤمنين علیه السلام - ما لفظه:«وخلف-يعني علي الهادي طلا - من الولد أبا محمد الحسن ابنه...»،ثم قال:« ابنه،وهو الإمام المنتظر ونختم الكتاب بذكره مفردا» (1) انتهی.(2)

وكتابه البيان في أخبارصاحب الزمان مشتمل على بابا، والباب الأخير منه في الدلالة على جواز بقاء المهدي منذ غيبته ، وذكر فيه مطالب مهمة جدا، منها قوله:«ولا امتناع في بقائه كبقاء عیسی بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله تعالى،وبقاء الأعور الدجال ، وإبليس اللعين من أعداء الله، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة» (3)

3-الشيخ نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي، الذي ذكروه في التراجم بكل وصف جمیل:

أ-فقال شمس الدین محمد بن عبدالرحمن السخاوي المصري

ص: 56


1- جاء ذلك في آخر کتاب المناقب.
2- الصراط المستقیم: 2/219.
3- كتاب الأربعين /الماحوزي: 218.

تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني فيكتابه الضوء اللامع في أحوال القرن التاسع : « علي بن محمد بن أحمد بن عبدالله نورالدين الأسفاتي، الغزي الأصل ، المكي المالكي ، ويعرف بابن الصباغ،ولد في العشر الأول من ذي الحجة سنة أربع وثمانين وسبعباءة بمكة ونشأ بها ، فحفظ القرآن والرسالة في الفقه و...» (1)

ب - وذكره أيضا أحمد بن عبدالقادر العجيلي الشافعي في ذخيرة المال في مسألة الخنثی (2)

ج-وقال عنه إسماعيل باشاباشا العبر فیمن سفه النظر ، والفصول المهمة في معرفة الأئمة وفضلهم ومعرفة أولادهم ونسلهم» .(3)

قال في الفصول المهمة: الفصل الثاني عشر في ذكر أبي القاسم الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص ، وهو الإمام الثاني عشر ، وتاريخ ولادته ، ودلائل إمامته ، وذكر طرف من أخباره وغيبته ، ومدة قيام دولته، وذكر نسبه وكنيته ولقبه، وغير ذلك.

وقال في ذيل ترجمة والد الحجة صلوات الله عليه:«وخلف

ص: 57


1- الضوء اللامع:5/283.
2- کشف الأستار
3- هديةالعارفين:1/732

أبو محمد الحسن رضی الله عنه في من الولد ابنه الحجة القائم المنتظر لدولة الحق، وكان قد أخفي مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وخوف السلطان وتطلبه للشيعة وحبسهم والقبض عليهم»(1)

4-الفقيه الواعظ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاغلي بن عبدالله البغدادي الحنفي سبط العالم الواعظ أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي.

أ- قال سبطه ابن خلكان في ترجمته: «وكان سبطه شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاغلي الواعظ المشهور الحنفي المذهب ، وله صیت وسمعة في مجالس وعظه وقبوله عند الملوك وغيرهم ...». (2)

ب.وقال محمود بن سلیمان الكفوي في أعلام الأخبار- بعدذکر نسبه وولادته-:

« وتفقه وبرع وسمع من جده لٱمه، وكان حنبليا في صغره التربية جدة ...»إلى أن قال: «وكان إماما عالما فقيها جيدا نبيها يلتقط الدرر من كلمه ، ويتناثر الجوهر من حكمه»(3)،وبالغ

ص: 58


1- کشف الأستار
2- خلاصة عبقات الأنوار 9/203 .كشف الأستار.
3- خلاصة عبقات الأنوار :9/204.كشف الأستار

في مدحه(1)

ج - وذكره اليافعي في المرآة ، وابن شحنة في روضة الناظر ، و تاج الدين في كفاية المتطلع ، وغيرهم.

قال في آخر كتابه الموسوم بتذكرة خواص الٱمة - بعد ترجمة العسكري علیه السلام - :«ذكر أولاده:منهم محمد الإمام ، فصل هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسی بن جعفر ، بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وكنيته أبو عبدالله ، وأبو القاسم ، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي ، وهو آخر الأئمة علیهم السلام ...»، فأورد روایات بهذا الشأن ثم قال:«ويقال له ذو الاسمين ، قالوا:ٱمه ٱم ولد يقال لها صقيل ».(2)

ه-الشيخ الأكبر محيي الدين أبو عبدالله محمد بن علي بن (3)

ص: 59


1- معجم المطبوعات العربیة:1/68.
2- ذكر إلياس سرکسين في معجم المطبوعات1/68، وأيضا ذكر الزركاني في الأعلام :8/248 ، وأيضا جاء في البداية والنهاية / ابن کثیر : 13/226.
3- کشف الأستار.

عربي الحاتم الطائي الأندلسي (1)

قال عنه الشعراني في لواقح الأخبار ما لفظه: «هو الشيخ الإمام المحقق رأس أجلاء العارفين والمقربين ، صاحب الإشارات الملكوتية ، والنفحات القدسية ، والأنفاس الروحانية ، والفتح الموقق ، والكشف المشرق ، والبصائر الخارقة،والحقائق الزاهرة...» (2)، وبالغ في مدحه والثناء عليه ، وذكر مقاماته.وقد أوردنا جملة من كلامه ، واستشهدناه بها في الحلقة الأولى.

6- الشيخ العارف الخبير أبو المواهب عبدالوهاب بن أحمد بن على الشعراني،(3) له کتاب الیواقیت ، وهو شرح المغلقات الفتوحات المكية ، ذكر فيه المهدي صلوات الله عليه بشخصه وعينه و تفاصيل ٱخری عنه(4)

ص: 60


1- البداية والنهاية: 13/182.
2- کشف الأستار
3- معجم المؤلفين :6/218 ، وأخذ الشعراني علمه من السيوطي وعلي الخواص، من علماء الباطن ، وسلك طريق التصوف بعد علوم الشريعة ، وكان يكثر من الصوم، ولا يكتسي إلا ثياب بالية ، توفي سنة 983ه ( الكني والألقاب:2/364).
4- في كتابه الیواقیت والجواهر: 2/128، في المبحث الخامس

هذا المؤلف العظيم الشأن...»

د-وقال الشيخ محمد البرهمتوشي: «وبعد، فقد وقف العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد البرهمتوشي الحنفي على اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر لسيدنا ومولانا الإمام العالم العامل المحقق المدقق الفهامة ، خاتمة المحققين ، وارث علوم الأنبياء والمرسلين ، شیخ الحقيقة والشريعة ...» وبالغ جدا في مدحه وبيان فضائله وكمالاته.قال في المبحث الخامس والستين من جملة ما قال: «قال الشيخ تقي الدين بن أبي منصور في عقيدته ...» إلى أن قال:« فهناك يترقب خروج المهدي علیه السلام ، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري علیه السلام، ومولده علیه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وهو بات إلى أن يجتمع بعیسی بن مريم علیه السلام، فيكون عمره إلى وقتنا هذاوهو سنة ثمان وخمسين وسبعماءة - تسعماءة سنة وست سنين ، هكذاأخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة رطلي بمصر المحروسة عن الإمام المهدي علیه السلام حين اجتمع به، ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما الله تعالى (1)

ص: 61


1- ينابيع المودة لذوي القربی:3/345

الدرس الرابع: علماء السنة والمهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

7-الشيخ حسن العراقي المذكور آنفا.

قال الشيخ عبدالوهاب الشعراني في الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخبار في الجزء الثاني من النسخة المطبوعة بمصر سنة 1305ه. ق: «ومنهم الشيخ العارف بالله تعالی سید حسن العراقي رحمه الله تعالى ...» إلى أن قال:«ترددت إليه مع سيدي أبي العباس المريئي ، وقال:ٱريد أن أحكي لك حكايتي من مبتدأ أمري إلى وقتي هذا، كأنك كنت رفيقي من الصغر ، فقلت له:نعم ، فقال: كنت شابا من دمشق ، وكنت صانعا، وكنا نجتمع يوم الجمعة على اللهو واللعب والخمر، فجاء لي التنبيه من الله تعالى يوما:ألهذا خلقت؟ فتركت ماهم

ص: 62

فيه وهربت منهم،فتبعوا ورائي فلم يدركوني ، فدخلت جامع بني ٱمیه فوجدت شخصا يتكلم على الكرسي في شأن المهدي علیه السلام، فاشتقت إلى لقائه ، فصرت لا أسجد سجدة إلا وسألت الله تعالى أن يجمعني عليه ، فبينما أنا ليلة بعد صلاة المغرب أصلي صلاة الشتة إذا بشخص جلس خلفي على كتفي وقال لي : قد استجاب الله دعاءك يا ولدي ، مالك ، أنا المهدي ، فقلت : تذهب معي إلى الدار ؟ فقال : نعم ، وذهب معي ، فقال لي: أخل لي مکانا أنفرد فيه ، فأخليت له مکانا، فأقام عندي سبعة أيام بلياليها...» إلى أن قال: «وسألت المهدي عن عمره؟فقال:يا ولدي ، عمري الآن ستماءة سنةوعشرون سنة، ولي عنه الآن ماءة سنة،فقلت: ذلك لسيدي علي الخواص، فوافقه على عمر المهدي رضی الله عنه»(1)

8-الشيخ العارف على الخواص.

مدحه الشعراني كثيرا،وأثنى عليه طويلا في طبقاته المسماة باللواقح،وذكر شرحا طويلا في كراماته ومقاماته وحالاته.

وقد عرفت تصريع الشعراني في اليواقيت وفي الطبقات بأنه

ص: 63


1- مجموعة الرسائل/ الشيخ لطف الله الصافي: 2/213

صدق الحسن العراقي فيما أخبره به من عمر المهدي علیه السلام،على ما نقله عنه.(1)

9- نورالدین عبدالرحمن بن أحمد بن قوام الدين الدشتي الجامي الحنفي،الشاعر المعروف ، صاحب شرح الكافية الدائر في أيدي المشتغلين بطلب العلم.(2)

أ- قال محمود بن سلیمان الكفوي في أعلام الأخیار من فقهاء مذهب النعمان المختار: «الشيخ العارف بالله، والمتوجه بالكلية إلى الله،دليل الطريقة،ترجمان الحقيقة ...»،ومدحه مدحا طويلا.

وله من المؤلفات کتاب شواهد النبوة.

ب-قال الحلبي في كشف الظنون: «شواهد النبوة فارسي لمولانا

نور الدين عبدالرحمن بن أحمد الجامي...الخ»(3)

ج.وقال العالم العلامة القاضي حسين الدياربكري في أول كتابه الموسوم بتاريخ الخميس:«هذه مجموعة من سيرة سيد المرسلين

ص: 64


1- جاء ذلك في كتاب العهود المحمدية /عبدالوهاب الشعراني
2- الشيخ نور الدين المولود(817ھ)، والمتوفی (898ھ)،له:دیوان جامي ، وشواهد النبوة،وشرح الكافية.
3- کشف الظنون / حاجي خليفة:2/1066

وشمائل خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وأصحابه أجمعين، انتخبها من الكتب المعتبرة ،وهي التفسير الكبير والكشاف...» إلى أن قال:«و شواهد النبوة ...الخ.(1)

وفي هذا الكتاب جعل الحجة بن الحسن علیهم السلام الإمام الثاني عشر ، وذكر غرائب حالات ولادته وبعض معاجزه، وأنه الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا،وروى عن حكيمة عمة أبي محمد الزكي علیه السلام قصة ولادة المهدي صلوات الله عليه ، وروي عن آخر قصة خروج الإمام أبي محمد العسكري علیه السلام حاملا الإمام المهدي علیه السلام وهو ابن ثلاث سنين.

كما روى حكاية بعض من رآه في دار أبيه الإمام أبي محمد العسكري علیه السلام ، وروى حكايات ٱخری عن لقائه صلوات الله علیه.(2)

10-الحافظ محمد بن محمد بن محمود البخاری، المعروف خواجه پارسا ، من أعيان علماء الحنفية وأكابر مشايخ النقشبندية .

أ- قال عنه الكفوي في أعلام الأخبار:«قرأ على علماء عصره،وکان مقدماعلى أقرانه في دهره، وحصل الفروع والأصول،وبرع في المعقول والمنقول،وكان شابا،ثم ذكر سلسلة مشايخه في

ص: 65


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار

العلوم ،وأنهاها إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة ...الخ»(1)

ب-ومن مؤلفات عبدالرحمن الجامي الآنف الذكر،شرح کلمات خواجه پارسا،فقال في كتابه فصل الخطاب:«وهو کتاب معروف. قال في كشف الظنون:فصل الخطاب في المحاضرات للحافظ الزاهد محمد بن محمد الحافظي من أولاد عبیدالله نقشبندي...الخ» (2)

فقال ما لفظه:«ولما زعم أبو عبدالله جعفر بن أبي الحسن علي الهادي رضی الله عنه أنه لا ولد لأخيه أبي محمد الحسن العسكري رضی الله عنه، وادعى أن أخاه الحسن العسكري رضی الله عنه جعل الإمامة فيه شي الكذاب، وهو معروف بذلك ، والعقب من ولد جعفر بن علي هذا في علي بن جعفر ،وعقب على هذا في ثلاثة:عبدالله وجعفر وإسماعيل» (3)

«وأبو محمد الحسن العسكري ولده م ح م د رضی الله عنهما عند خاصة خواص أصحابه،و ثقات أهله. ثم ذكر قصة حكيمة أخت الإمام علي الهادي صلوات الله عليه عمة أبي محمد الحسن

ص: 66


1- خلاصة عبقات الأنوار: 4/74.
2- کشف الظنون 2/126.
3- خاتمة المستدرك: 4/487

العسكري صلوات الله عليه، وأورد حكاية ولادة الإمام الحجةصلوات الله وسلامه عليه»(1)

ذكر في حاشية الكتاب كلاما طويلا في تضعیف ما نقله في المتن من حديث منسوب إلى ابن مسعود من أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال عن المهدي علیه السلام:« يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي » ، كما تطرق أيضا في الكتاب إلى كلام مفصل عن المهدي صلوات الله عليه ،ودولته،وعلامات ظهوره، وأنصاره، وصلاة عیسی خلفه ، وغيره من الأخبار (2).

11-الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس.

أ-ذكره الذهبي في دول الإسلام وأنه مات سنة 412ه.

ب - وكذلك جاء ذكره في كامل ابن الأثير في حوادث السنة ذاتها.

ج_وقد وصفه السيد نعمان الآلوسي زاده في بعض مکاتیبه المطبوع مع كتابه الموسوم بجلاء العينين بقوله:«عالم الملوك ، وملك العلماء ، ومرجع الغني والصعلوك ، و مستند الفضلاء ، وارث علوم السلف الصالح، وناشر لواء الحق من كل قول راجح ، کشاف غوامض التأويل ...الخ»، وبالغ في وصفه والثناء عليه.(3)

ص: 67


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار
3- کشف الأستار

د-قال عنه الخطیب:«كان ذا حفظ ومعرفة وأمانة وثقة،مشهورا بالصلاح ...»(1)

قال في أول أربعینه: «أخرج الرجال الثقات من قول النبي: من حفظ من أمتي أربعين حديثا کنت له شفيعا ثم نسب إلى محمد بن إدريس الشافعي _إمام الشافعية - أنه قال : هي مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ونسب إلى أحمد بن حنبل – إمام الحنابلة - تأییدا قاطعا لمقولة الشافعي هذه ، إلى أن قال:الحديث الرابع، وذكر سلسلةالسند،وفيها الأئمة من الرضا إلى مولاناأمير المؤمنين علي عليه وعليهم الصلاة والسلام،وأنه قال:«قال لي أخي رسول الله صلی الله علیه و آله:من أحب أن يلقى الله عزوجل وهو مقبل عليه،غير معرض عنه،فليوال عليا علیه السلام...»، وعدد الأئمة واحدا واحدا إلى أن قال:«ومن أحب أن يلقى الله عز وجل وقد كمل إيمانه ، حسن إسلامه ، فلیوال ابنه صاحب الزمان المهدي ، فهؤلاء مصابيح الدجى ، وأئمة الهدى ، وأعلام التقى ، فمن أحبهم وتولاهم كنت ضامنا له على الله الجنة»،انتهی.(2)

ص: 68


1- تاریخ بغداد:1/370. سؤالات مزة:32، في مقدمة المحقق.
2- عبقات الأنوار: 12/253و254

ولولا اعتقاده بصحة الخبر ومضمونه لما أودعه في أربعينه.

12-أبو المجد عبدالحق الدهلوي البخاري (المتوئی 1052ه)(1)

العارف ، المحدث ،الفقيه، صاحب التصانيف الشائعة الكثيرة.

أ- قال العالم المعاصر الصدیق حسن خان الهندي في كتابه أمجد العلوم ، المطبوع سنة 1295ه:« الشيخ عبد الحق الدهلوي وهو المتضلع من الكمال السوري والمعنوي ، رزق الشهرة قسطا جزيلا،وأثبت المؤرخون ذكره إجمالا وتفصيلا، حفظ القرآن، وجلس على مسند الإفادة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ... الخ»،وزاد في وصفه هناك.

ب - وذكره الشيخ عبد القادر البدایوني المعاصر له في منتخب التواريخ وبالغ في مدحه، وذكر فضائله. وكذا مؤلف منتخب اللباب المطبوع في كلكتا. وكذا السيد الممجد حسان الهند المولى غلام علي آزاد البلكرامي في مآثر الكرام في كلام طويل.وبالغ في

ص: 69


1- الغدیر1/140،وجاء في كتاب (هدية العارفين )/ إسماعيل باشا البغدادي: 503: « عبدالحق الدهلوي المحدث الحنفي ، بلغت تصانيفه مائة مجلد ، منها : أخبار الأخبار ، زبدة الآثار في أخبار قطب الأخيار

الإطراء عليه أيضا في سبحة المرجان.

قال الصدیق حسن خان في أبجد العلوم : «السید غلام علي آزاد ابن السيدنوح ، الحسيني نسبا ، الواسطي حسبا ، البلكرامي مولدا و منشئا، والحنفي مذهبا، الجشی طريقة ، والملقب بحسان الهند ، وذكر شرحا طويلا في ترجمته ، إلى أن قال : وله مصنفات جليلة ممتعة مقبولة ، منها: ضوء الدراري شرح صحيح البخاري ،وعد منها سبحة المرجان وهو في آثار هندوستان ومآثر الكرام تاریخ بلکرام... الخ».

ومن مؤلفاته جذب القلوب إلى ديار المحبوب ، وهو تأريخ المدينة الطيبة . فقال في رسالة له في المناقب وأحوال الأئمة الأطهار عليهم السلام وهي مذكورة في فهرست مؤلفاته وأشار إليها في کتاب تحصيل الكمال على ما نقله عنه بعض الثقات الأعلام من المعاصرين رحمة الله، فقال فيه بعد ذكر أمير المؤمنين والحسنين والسجاد والباقر والصادق علیهم السلام : وهؤلاء من أئمة أهل البيت ، وقع لهم ذكر في الكتاب ، إلى أن قال : ولقد تشرفنا بذكرهم جميعا في رسالة منفردة ... إلى آخره ، فقال في تلك الرسالة :

« وأبو محمد الحسن العسكري ولده م ح م د رضی الله عنهما معلوم عند خواص أصحابه وثقاته»، ثم نقل قصة الولادة بالفارسية

ص: 70

على طبق ما مر عن فصل الخطاب للخواجة محمد پارسا.(1)

13-السيد جمال الدین عطاء الله ابن السيد غیاث الدین فضل الله ابن السيد عبدالرحمن الشيرازي، المحدث المعروف ، صاحب کتاب روضة الأحباب الدائر بين ٱولي الألباب ، الذي عده القاضي حسين الدياربكري في أول تاريخ الخميس من الكتب المعتمدة، وفي كشف الظنون: «روضة الأحباب في سيرةالنبي والأصحاب » ، فارسي، لجلال الدین عطاء الله بن فضل الله الشيرازي النيسابوري ، المتوفى سنة ألف في مجلدين ... الخ»(2)

فإنه ذكر الإمام الثاني عشر صلوات الله عليه وتأريخ ولادته ومكانها ، واسم أمه ، كما ذكر السرداب الشريف ، وكلاما طويلا عنه علیه السلام باللغة الفارسية ، إليك نص كلامه:

«کلام در بیان امام دوازدهم م ح م د ابن الحسن علیهما السلام،تولد همایون آن در درج ولایت و جوهر معدن هدایت به قول اکثر اهل روایت در منتصف شعبان سنه دویست و پنجاه در سامره اتفاق افتاد، و گفته شده در بیست و سیم از شهر رمضان دویست

ص: 71


1- ينابيع المودة لذي القربي/ القندوزي :3/304.
2- هدية العارفين 1/664.معجم المؤلفين|عمر كحالة: 6/385

و پنجاه و هشت.و ما در آن عالی گهر ٱم ولد بود،و مسماة بصیقل یا سوسن ، وقيل:نرجس و قیل حکیمه.وآن امام ذوى الاحترام در کنیت و نام با حضرت خير الأنام عليه و آله تحف الصلاة والسلام موافقت دارد، ومهدی منتظر و الخلف الصالح و صاحب الزمان در القاب او منتظم است... الخ»(1)

أقول:وهذه الكلمات صريحة جدا في موافقة عقيدته بالإمام المهدي علیه السلام لعقائد الإمامية.

14 - الحافظ أبو محمد أحمد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البلاذری - بفتح الباء الموحدة وبعدها الألف وضم الذال وفي آخرها الراء- وهذه النسبة إلى البلاذر.

أ- قال السمعاني في الأنساب الكبير:«المشهور بهذا الانتساب أبو محمد أحمد بن إبراهيم بن هاشم المذكور الطوسي البلاذري الحافظ من أهل طوس ، كان حافظ،فها، عارفا بالحديث ، سمع بطوس... الح»،حتى قال:

«وأبو محمد البلاذري الواعظ الطوسي كان واحد عصره في الحفظ والوعظ،ومن أحسن الناس عشرة،وأكثرهم فائدة ،وكان يكثر

ص: 72


1- کشف الأستار

المقام بنيسابور...»،إلى أن قال:«وكان أبو علي المحافظ ومشايخنا يحضرون مجالسه ، ويفرحون بما يذكره على الملأ من الأسانيد ، ولم أرهم غمزوه قط في إسناد أو اسم أو حديث ، وكتب بمكة عن إمام أهل البيت علیهم السلام أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی الرضا علیهم السلام»(1)

ب-وذكره أبو الوليد الفقيه قائلا:«كان أبو محمد البلاذري يسمع كتاب الجهاد من محمد بن محمد بن إسحاق،وأمه عليلة بطوس ...»(2)،إلى أن قال: «قال الحاكم: استشهد بالطاهران سنة 339ه. فقال علامة عصره الشاه ولي الله الدهلوي -والد عبدالعزيز المعروف بشاه صاحب التحفة الاثنا عشرية في الرد على الإمامية - الذي وصفه ولده بقوله:خاتم العارفين، وقاصم المخالفين ، سید المحدثين ، وسند المتكلمين ، حجة الله على العالمين ...الخ.

ج- في كتاب النزهة أن الوالد روي في كتاب المسلسلات المشهور بالفضل المبين: «قلت شافهني ابن عقلة بإجازة جميع ما يجوز له روايته ووجدت في مسلسلاته حديثا مسلسلا بانفراد كل راو من رواته بصفة عظيمة تفرد بها.

ص: 73


1- الأنساب /السمعاني:1/423
2- الأنساب /السمعاني:1/423

قال رحمة الله:«أخبرني فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجمي...فأورد رواية مسلسلة»، إلى أن قال:«ثنا محمد بن الحسن بن علي المحجوب ، إمام عصره ، ثنا الحسن بن علي ، عن أبيه، عن جده ، عن أبي جده علي بن موسى الرضا علیهم السلام ، ثنا موسى الكاظم ، قال ثنا أبي جعفر الصادق ، ثنا محمد الباقر بن علي، ثنا أبي علي بن الحسين زين العابدين السجاد ، ثنا أبي الحسين سيد الشهداء، ثنا أبي علي بن أبي طالب علیهم السلام سيد الأولياء ، قال: أخبرنا سيد الأنبياء محمد بن عبدالله صلی الله علیه و آله و سلم قال :أخبرني سيدالملائكة جبرئيل، قال:قال الله تعالی سید السادات»(1)وهي الرواية المعروفة عندنا بحديث السلسلة الذهبية.

د-وقال الشاه ولي الله المذكور أيضا في رسالة النوادر من حديث سيد الأوائل والأواخر ما لفظه:«حديث م ح م د بن الحسن الذي يعتقد الشيعة أنه المهدي عن آبائه الكرام ، وجدت في مسلسلات الشيخ محمد بن عقلة المكي عن الحسن العجيمي(ح)أخبرنا أبو طاهر أقوى أهل عصره سندا إجازة لجميع ما تصح له روايته،قال:أخبرنا فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجيمي...

ص: 74


1- الجواهر السنية/ الحرالعاملي:147

إلى آخر ما تقدم باختلاف يسير في تقديم بعض الألقاب وتأخيره على الأسلمي. وعن السيوطي في رسالة التدريب ، قال:وذكر في شرح النخبة أن المسلسل بالحفاظ مما يفيد العلم القطعي ...الخ.

وقد عرفت ما ذكره السمعاني في حق البلاذري فلا موقع لما ذكره الجزري.

أقول:وروايته حديث السلسلة الذهبية عن الإمام الحجة صلوات الله عليه دليل بين على اعتقاده بولادته وحياته.

ص: 75

الدرس الخامس: علماء السنة والمهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

15-الشيخ العالم الأديب الأوحد حجة الإسلام أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن الخشاب ،المذكور في تاريخ ابن خلکان.

أ- قال ابن خلكان بعد ترجمته له«المعروف بابن الخشاب البغدادي العالم المشهور في الأدب والنحو والتفسير والحديث والنسب والفرائض والحساب وحفظ القرآن العزيز بالقراءات الكثيرة ، وكان متضلعا من العلوم ، وله فيها اليد الطولى ..الخ»(1)

ب-وقال عنه اليان سركيس: «... بن الخشاب البغدادي

ص: 76


1- کشف الأستار

اللغوي النحوي المحدث الإمام أبو محمد...الخ.»(1)

ج_وکذا ذكره السيوطي في طبقات النحاة ، وبالغ في الثناء عليه في كتابه في تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم علیهم السلام ، وهو كتاب صغير معروف ينقل عنه ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ، وعلي بن عيسى الأربلي الموثق المعتمد عند أهل السنة في كتابه الموسوم بکشف الغمة ، روی حدیث مسندة عن الرضا عنه أنه قال:« الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي، وهو صاحب الزمان ، وهو المهدي»(2)

وروى حديثا آخر عن الإمام جعفر بن محمد الصادق علیهماالسلام:«الخلف الصالح من ولدي هو المهدي م ح م د ، وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان يقال لأمه صیقل »(3)

وقال:«وفي رواية ٱخرى:بل ٱمه حكيمة ، وفي رواية ٱخرى ثالثة يقال لها نرجس،ويقال:بل سوسن،والله أعلم بذلك.

ص: 77


1- معجم المطبوعات العربية : 2/2026.
2- تاریخ مواليد الأئمة ( المجموعة ) / ابن الخشاب البغداد:44.بحار الأنوار:51/43.کشف الغمة :3/375.
3- ينابيع المودة لذوي القربي /القندوزي :3/392. کشف الغمة / الإربلي: 3/375. بحار الأنوار:51/24

يكنى بأبي القاسم ، وهو ذو الاسمين ، خلف م ح م د يظهر في آخر الزمان على رأسه غمامة تظله من الشمس ، تدور معه حيث ما دار، تنادي بصوت فصيح: هذا هو المهدي»(1)

16- شهاب الدین بن شمس الدين بن عمر الهندي المعروف ملك العلاء ، صاحب التفسير الموسوم بالبحر المواج. قال في سبحة المرجان: مولانا القاضي شهاب الدین بن شمس الدين بن عمر الزاولي الدولت آبادي ، ولدالقاضي بدولة آباد دهلي، وتلمذ على القاضي عبدالمقتدر الدهلوي ، ومولانا خواجكي الدهلوي ، ففاق أقرانه ، وسبق إخوانه ، وكان القاضي عبدالمقتدر يقول في حقه: يأتيني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه الحم... إلى أن ذكر هجرته إلى جورنفور ، ولقبه سلطانه بملك العلماء... وأطال في الثناء عليه. (2)

قال في كتاب المناقب - الموسوم بهداية السعداء -: «يقول أهل السنة أن خلافة الخلفاءالأربعة ثابت بالنص، كذا في عقيدة الحافظیه.

ص: 78


1- بحار الأنوار: 51/24.ينابيع المودة لذوي القربی :3/392 . مستدرك سفينة النجاة :8/20
2- معجم المطبوعات العربية/إليان سرکیس: 1/190.

قال النبی صلی الله علیه واله خلافتی ثلاثون سنة و قد تمت بعلی وکذلک خلافة الائمة الاثنی عشر ، اولهم : الامام علی کرم الله وجهه ، وفی خلافته ورد حدیث الخلافة ثلاثون سنة والثانی : الشاه حسن رضی الله عنه قال صلی الله علیه واله : هذا ابنی سید سیصلح بین المسلمین ، الثالث : الشاه حسین رضی الله عنه قال صلی الله علیه واله : ابنی سید ستقتله الباغیة و تسعة من ولد الشاه حسین رضی الله عنه ، قال صلی الله علیه واله : بعد الحسین بن علی کانوا من ابناءه تسعة ائمة آخرهم القائم علیهم السلام » (1).

و روی حدیث اللوح المعروف عن جابر بن عبدالله الانصاری.

ثم تکلم عن سبب ترک الامام زین العابدین صلوات الله علیه للخلافة و عدم المطالبة بها بکلام طویل ثم ذکر الائمة التسعة من ولد الحسین علیه السلام واحدا واحدا ، الی ان قال :« والتاسع الامام حجة الله القائم الامام المهدی ابنه ، وهو غائب ، وله عمر طویل ، کما بین المومنین عیسی والیاس وخضر ، وفی الکافرین الدجال والسامری ... الخ » (2).

17- الشیخ العالم المحدث علی المتقی بن حسام الدین بن القاضی عبدالملک بن قاضی خان القرشی ، من کبار العلماء ،

ص: 79


1- کشف الاستار.
2- کشف الاستار.

و قد مدحوه فی التراجم و و صفوه بکل جمیل .

أ-قال الشیخ عبدالقادر ابن الشیخ عبدالله فی النور السافر هم أخبار القرن العاشر:«فی لیلة الثلاثاء وقت السحر توفی العالم الصالح الولی الشهید العارف بالله تعالی علی المتقی...إلی أن قالب:وکان من العلماء العاملین و عبادالله الصالحین علی جانب عظیم من الورع و التقوی و الاجتهاد فی العبادة و رقص السوی ،و له مصنفات عدیدة.وذکر شرحا فی ریاضتة فی الأکل و النوم و عزلته عن الماس...إلی أن قال:و مؤلفاته کثیرة نحو مائه مؤلف ما بین صغیر و کبیر و محاسنه جمة و مناقبه ضخمة،و قد أفردها العلامة عبدالقادر بن أحمد الفاکهی،فی تألیف لطیف سماه القول النقی فی منتقل المتقی، و نقل (1)عنه فال:مااجتمع به أحد من العارفين أو العلماء العاملين إلا أثنوا عليه ثناء بليغا كشيخنا تاج العارفين أبي الحسن العسكري ، وشيخنا الفقيه العارف الزاهد الوجيه العمودي وشيخنا إمام الحرمين الشهاب ابن حجر الشافعي، وصاحبنا فقيه مصر شمس الدين الرملي الأنصاري، وشيخنا فصیح علماء عصره شمس البكري ،ولكل من هؤلاء الجلة عندي ما دل على كمال مدحه شيخنا المتقي بحسن

ص: 80


1- الغدیر 1/135.کشف الأستار.

استقامته...الخ».(1)

ب- وذكره الشعراني في الواقع الأخيار بالثناء والتجليل.

ج - وبالغ في مدحه أيضأ محمد طاهر الكجراتي في خطبة كتابه مجمع البحار.

د- وذكره حسان الهندي غلام علی آزاد في سبحة المرجان ،وأطال الكلام فيه ، وقال: وكان الشيخ ابن حجر صاحب الصواعق المحرقة ٱستاذا للمتقي، وفي الآخر تلمذ على المتقي ولبس الخرقة منه... الخ.

ه-وذكره أيضا الشيخ عبدالحق ابن سيف الدين الدهلوي البخاري،وأثنى عليه ثناءا بليغا.

ومن مؤلفاته المعروفة كنز العمال ، وتبويب جامع الصغير للسيوطي على أبواب الفقه،ورتب جامع الجوامع أيضا ... الخ.(2)

قال في المرقاة شرح المشكاة بعد ذکر حدیث اثني عشرية الخلفاء،قلت:وقد حمل الشيعة الاثني عشرية على أنهم من أهل النبوة متوالية ، أعم من أن لهم خلافة حقيقية يعني ظاهرا ، أو استحقاقا،فأولهم علي...،وذكرالأئمة إلى القائم صلوات الله عليهم أجمعين،

ص: 81


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار

ثم قال:على ما ذكرهم زبدة الأولياء خواجه محمد پارسا في كتاب فصل الخطاب مفضلة، وتبعه مولانا نور الدين عبد الرحمن الجامي في أواخر شواهد النبوة،وذكرا فضائلهم ، ومناقبهم وكراماتهم مجملة ، وفيه رد على الروافض ، حيث يظنون بأهل الشتة أنهم يبغضون أهل البيت باعتقادهم الفاسد،ووهمهم الكاسد، انتهی.(1)

وقال أيضا في كتابه:البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: عن أبي عبدالله الحسين بن علي علیهما السلام،قال:«لصاحب هذاالأمر -يعني المهدي - غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم:مات،وبعضهم:ذهب ،لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره، إلا المولى الذي يلي أمره»(2)

وأورد رواية ٱخرى في الإمام المهدي صلوات الله عليه عن الإمام الباقر علیه السلام.

18-العالم المعروف أبو الخير فضل الله بن أبي محمد روزبهان بن محمد بن فضل الله بن محمد بن إسماعيل بن علي،الأنصاري أصلا وتبارا،الخنجي محتدا، الشيرازي مولدا،

ص: 82


1- کشف الأستار
2- الغنية / الشيخ الطوسي:161.بحار الأنوار:52/152و53/32

الأصبهاني دارا،المدني موتا وإقبارا، على ما في مقدمة شرح الشمائل وقد اشتهر بفضل بن روزبهان،شارح الشمائل للترمذي.

وهو الذي تصدى للرد على كتاب نهج الحق للعلامة الحلي حسن بن يوسف بن المطهر،وسماه:« إبطال الباطل»،الذي برز القاضي الشهيد التستري نور الله مضجعه بنقضه بكتاب سماه إحقاق الحق.

قال بعد قول العلامة أعلى الله مقامه الشريف:المطلب الثاني في زوجته وأولاده علیه السلام: كانت فاطمة سيدة نساء العالمين علیها السلام زوجته ، وبعد أن ساق بعض فضائلها وفضائل الأئمة من ولدها عليها علیهم السلام، أقول:«والقول للفضل بن رزوبهان»:ما ذكر من فضائل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها وعلى سائر آل محمد والسلام ، أمر لا ينكر ، فإن الإنكار على البحر برحمته، وعلي البر بسعته،وعلى الشمس بنورها،وعلى الأنوار بظهورها، وعلى السحاب بجوده،وعلى الملك بسجوده،إنكار لا يزيد المنكر إلا الاستهزاء به،ومن هو قادر على أن ينكر جماعة هم أهل السداد ، وخزان معدن النبوة ، وحفاظ آداب الفتوة صلوات الله وسلامه عليهم،ونعم ما قلت فيهم منظوما:

سلام على المصطفى المجتبي*** سلام على السيد المرتضی

سلام على ستنا فاطمة***من اختارها الله خير النسا

ص: 83

سلام على المسك أنفاسه ***على الحسن الألمعي الرضا

سلام على الأورعي الحسين*** شهید برى جسمه کربلا

سلام على سيد العابدين*** علي بن الحسين المجتبی

سلام على الباقر المهتدی***سلام على الصادق المقتدی

سلام على الكاظم الممتحن***رضي السجايا إمام التقي

سلام على الثامن المؤتمن***علي الرضا سيد الأصفيا

سلام علی المتقی النقی ***محمد الطيب المرتجی

سلام على الأريحي النقي ***علي المكرم هادي الوری

سلام على السيدالعسكري ***إمام يجهز جيش الصفا

سلام على القائم المنتظر***أبي القاسم العرم نور الهدى

سيطلع كالشمس في غاسق*** ينجيه من سيفه المنتقی

ترى يملأ الأرض من عدله***كما ملئت جور أهل الهوى

سلام عليه وآبائه***وأنصاره ما تدوم السما(1)

فنص في هذه الأبيات من غير تردد أن المهدي الموعود هو الثاني عشر من هؤلاء الأئمة عليهم السلام.

19-الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بنور الله من خلفاء.

ص: 84


1- مقالات وگفتارها(مسجد انگجی تبریز): 249. كشف الأستار

العباسيين،وهو الذي أمر بعمارة السرداب وجعله على الصفة التي فيه شباكا من خشب ساج منقوش عليه:«بسم الله الرحمن الرحيم «قُل لا أَسئَلُكُم عَلَیهِ أَجراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِی القُربى حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ»(1)

هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبو العباس أحمد الناصر لدین الله أمير المؤمنين ، وخليفة رب العالمين ، الذي طبق البلاد إحسانه وعدله ، وعم البلاد رأفته وفضله ، قرب الله أوامره الشريفة باستمرار الجح والنشر، وناطها بالتأیید والنصر ،...» إلى أن قال :« بتوتي المملوك معد بن الحسين بن معد موسوي ...»إلى قوله : « من سنة ستة وستمائة الهلالية ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلى الله على سيدنا خاتم النبيين ، وعلى آله الطاهرين وعترته وسلم تسليما.»

و نقش أيضا في الخشب الساج داخل الصفة في دابر الحائط :«بسم الله الرحمن الرحيم، محمد رسول الله ، أمير المؤمنين علي ولي الله ، فاطمة ، الحسن بن علي ، الحسين بن علي ، علي بن الحسين ، محمد بن علي، جعفر بن محمد ، موسی بن جعفر ، علي بن موسی ، محمد بن

ص: 85


1- سورة الشوری:الآية23

علي ، علي بن محمد ، الحسن بن علي، القائم بالحق علیهم السلام، هذا عمل علي بن محمد ولي آل محمد رحمه الله»(1)

ولولا اعتقاد الناصر بانتساب السرداب إلى المهدي علیه السلام بكونه محل ولادته أو موضع غيبته أو مقام بروز کرامته ، لا مكان إقامته في طول غيبته كما نسبه بعض من لا خبرة له إلى الإمامية،وليس في كتبهم قديما وحديثا منه أثر أصلا، لما أمر بعمارته وتزیینه،ولو كانت كلمات علماء عصره متفقة على نفيه وعدم ولادته لكان إقدامه بحسب العادة صعبة ممتنعا ، فلا محالة فيهم من وافقه في معتقده الموافق لمعتقد جملة ممن سبقت إليهم الإشارة،وهو المطلوب ، وإنما أدخلنا الناصر في سلك هؤلاء لاختياره عن أقرانه بالفضل والعلم، وعداده من المحدثين ، فقد روى عنه ابن سكينة وابن الأخضر وابن النجار وابن الدامغاني.

20-العالم العابد العارف الورع البارع الألمعي الشيخ سليمان ابن خواجة كلان الحسين القندوزي البلخي ، صاحب کتاب ینابیع المودة ، فقد بالغ فيه في إثبات كون المهدي هو الحجة بن الحسن العسكري عليهم السلام ، وعقد لذلك أبوابا،وكان حنفي المذهب

ص: 86


1- الكنى والألقاب / الشيخ عباس القمي :3/235و236کشف الأستار

صوفي المشرب. جامعا للشريعة والطريقة،مدرسا مرشدافي المدرسة والخانقاه. (1)

21-العارف المشهور شيخ الإسلام أحمد الجامي.

ذكره صاحب الينابيع،ونسب إلى عبد الرحمن الجامی في كتابه النفحات مدحا طويلا له ،وثناء جزيلا عليه..،ثم قال في الينابيع:ومن كلماته قدس الله أسراره ، ووهب لنا من فيوضاته وبرکاته بالفارسية:

من ز مهر حیدرم هر لحظه اندر دل صفاست***همچو یک مهدی سپهسالار در عالم کجاست(2)

22۔صلاح الدين الصفدي.

قال في الينابيع : قال الشيخ الكبير العارف بأسرار الحروف ، صلاح الدين الصفدي في شرح الدائرة:«إن المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر من الأئمة ، أولهم سيدنا علي، وآخرهم المهدي رضی الله عنهم و نفعنا الله بهم.(3).

ص: 87


1- جاء ذلك في كتابه ينابيع المودة لذوي القربی:3/225 إلى آخر الكتاب.
2- ينابيع المودة:3/349.
3- المصدر المتقدم:347

23_ بعض المصريين من مشايخ الشيخ العارف الشيخ إبراهيم القادري الحلبي.

قال في ينابيع المودة : وكان الشيخ إبراهيم في طريقةالقادرية

ومن كبار مشايخ حلب الشهباء المحروسة ، نفعنا الله من فيضه.

وقال صاحب الينابيع : قال لي الشيخ عبد اللطيف الحلبي سنة ألف ومائتين وثلاث وسبعين أن أبي الشيخ إبراهيم رحمة الله قال : سمعت بعض مشايخي من مشايخ مصر يقول: بايعنا الإمام المهدي علیه السلام،انتهى.(1)

26-الشيخ عبدالرحمن البسطامي.(2)

قال في الينابيع:قال الشيخ الكبير عبد الرحمن البسطامي صاحب

ص: 88


1- ینابیع المودة:346.
2- عبدالرحمن بن محمد بن علي بن أحمد بن محمد ، الأنطاكي ، الحنفي ، نزيل بروسه ، عالم مشارك في أنواع من العلوم في الحديث والتفسير والفقه والتاريخ، وخواص الحروف والتصوف. ولد بانطاكية، وأقام بالقاهرة وببروسه إلى أن توفي.من مؤلفاته الكثيرة:نظم السلوك في تواریخ الخلفاء والملوك، لوامع أنوار القلوب وجوامع أسرار الغيوب في علم الحروف ،الفوائح المسكية في الفواتح المكية،در الأفكار في معرفة أوقات الليل والنهار ، وغيرها من الكتب ، توفي سنة 858ه - معجم المؤلفين: 5/184.

کتاب درة المعارف قدس الله سره،وأفاض علينا فتوحه وغوامض علومه:

ويظهر ميم المجد من آل محمد ***ويظهر عدل الله في الناس أولا

كما قد روينا عن علي الرضا ***وفي كنز علم الحرف أضحى محصلا.(1)

وقال أيضا:

ويخرج حرف الميم من بعد شینه ***بمكة نحو البيت بالنصر قد علا

فهذا هو المهدي بالملحق ظاهر***سيأتي من الرحمن مرسلا

أشار بقوله:روينا،إلى ما رواه الشيخ المحدث الفقيه محمد بن إبراهيم الجويني الحمويني الشافعي في كتابه فرائد السمطين بإسناده عن أحمد بن زیاد ، عن دعبل بن علي الخزاعي،قال:أنشدت قصيدتي لمولاي الإمام علي الرضا رضي الله عنه أولها: مدارس آیات خلت من تلاوة*** ومنزل وحي مقفر العرصات

ص: 89


1- ينابيع المودة: 3/337.

إلى أن قال دعبل:ثم قرأت بواقي القصيدة عنده ، فلما انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة واقع ***يقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كل حق وباطل***ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا بكاءا شديداً،ثم قال:يا دعبل ، نطق روح القدس بلسانك،أتعرف من هذا الإمام ؟قلت:لا،إلا إني سمعت بخروج إمام منكم يملأ الأرض قسطا وعدلا ، فقال:إن الإمام بعدي ابني محمد ، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم،وهو المنتظر في غيبته،المطاع في ظهوره...،الخ.(1)

ص: 90


1- شرح الأخبار|القاضي النعمان المغربي :3/352.مدينة المعاجز :7/189

ص: 91

الدرس السادس: علماء السنة والمهدي عليه السلام - 4

بسم الله الرحمن الرحیم

25-المولوي على أكبر بن أسد الله المؤؤدي من متأخري علماء الهند،قال في كتاب المكاشفات الذي جعله كالحواشي على کتاب النفحات للمولى عبدالرحمن الجامي قال في حاشية ترجمة علي بن سهل بن الأزهر الإصبهاني:

«ولقد قالوا إن عدم الخطأ في الحكم مخصوص بالأنبياء آکد الخصوصية والشيخ لا يخالفهم في ذلك الحديث ورد في شأن الإمام المهدي الموعود على جده وعليه الصلاة والسلام ، كما ذكر ذلك صاحب الیواقیت عنه حيث قال:صرح الشيخ رضی الله عنه في الفتوحات بأن الإمام المهدي يحكم بما ألقي عليه ملك الإلهام من الشريعة ، وذلك أنه يلهمه الشرع المحمدي فيحكم به كما أشار إليه حديث

ص: 92

المهدي علیه السلام أنه يقفو أثري ولا يخطئ ، فعرفناصلی الله علیه و آله و سلم أنه متبع لا مبتدع،وأنه معصوم في حكمه؛ إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ ، وحكم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لا يخطئ،فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وقد أخبر عن المهدي أنه لا يخطئ وجعله ملحق بالأنبياء في ذلك الحكم... الخ».

ثم تكلم عن عصمة الأنبياءعلیهم السلام في المبحث الحادي والثلاثين، حتى تكلم في المبحث الخامس والثلاثين عن القطب وعلاماته ، وعدها خمس عشرة علامة ، وهي أن يمتد يمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات ...الخ».

إلى أن قال:«فبهذا صح مذهب من ذهب إلى كون غير النبي صلی الله علیه و آله معصوما...»إلى أن قال:

«فإن الحكم بكون المهدي الموعودرضی الله عنه موجودا، وهو كان قطبا بعد أبيه الحسن العسكري عليهما السلام كما كان قطبا بعد أبيه إلى الإمام علي بن أبي طالب كرمنا الله بوجوههم يشير صحة حصر تلك الرتبة في وجوداتهم من حين كان القطبية في وجود جده علي بن أبي طالب علیه السلام إلى أن تتم فيه،لا قبل ذلك، فكل قطب فرد يكون على تلك الرتبة نيابة عنه لغيبوبته من أعين العوام

ص: 93

والخواص،لا عن أعين أخص الخواص...الخ»(1)

قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في المبحث الخامس والستين:قال الشيخ تقي الدين بن أبي المنصور في عقيدته بعد ذکر تعيين السنين للقيامة:

«فهناك يترقب خروج المهدي علیه السلام،وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري علیه السلام ...الخ»

26-العارف عبدالرحمن من مشايخ الصوفية صاحب کتاب مرآة الأسرار الذي ينقل عنه الشاه ولي الله الدهلوي والد الشاه صاحب عبد العزيز، صاحب التحفة الاثني عشرية في كتاب الانتباه في سلاسل أولياء الله وأسانید وارثي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم،قال في الكتاب الذي ألفه بالفارسية المذكور:

ذکر آن آفتاب دین و دولت آن هادی جمیع ملت و دولت آن قائم مقام پاک احمدی امام بر حق ابوالقاسم م ح م د بن الحسن المهدی رضی الله عنه وی امام دوازدهم است از ائمه اهل بیت ، مادرش ام ولد بود ، نرجس نام داشت ، ولادتش شب جمعه پانزدهم ماه رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين ، و به روایت شواهد النبوه

ص: 94


1- کشف الأستار

بتاريخ ثلاث و عشرین شهر رمضان سنة ثمان و خمسين در سر من رأی عرف سامره واقع شد...»(1)

ثم ذكر جملة من أوصافه علیه السلام، وأنه تقلد الإمامة في الخامسة من عمره ، كما بعث يحيی علیه السلام بالنبوة في طفولته و عیسی بن مریم علیهماالسلام في المهد صبيا ...الخ.

ثم نقل أقوالا مفصلة عن ابن عربي وعبدالرحمن الجامي في شأن الامام المهدي علیه السلام وقيامه ودولته وغيبته مؤيدا ذلك كله.

27-القطب المدار الذي كتب عبد الرحمن الصوفي کتاب مرآة الأسرار لأجله، وذكر أحواله فيه، فمدحه وأثنى عليه مفصلا ، وذكر رؤيته ورياضته بالنجف الأشرف عند قبر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ولقاءه بالإمام الحجة بن الحسن

ص: 95


1- ترجمة نصية لكلامه:«ذکر شمس الدين والدولة ، ذلك الهادي لكافة الملة والدولة ، ذلك القائم مقام الطهر الأحمدي، الإمام بالحق أبي القاسم م ح م د بن الحسن المهديرضی الله عنه ، هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت ، ٱمه ٱم ولډ، اسمها نرجس ، كانت ولادته ليلة الجمعة الخامس عشر من شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وبرواية شواهد النبوة بتاريخ ثلاث وعشرين من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين في سر من رأى الذي عرف بسامراء ... الخ»

المهدي صلوات الله علیه.(1)

28-الفاضل القاضي جواد الساباطي.

وكان نصرانيا فأسلم ، وهو من أهل السنة والجماعة ، وألف كتابا في إثبات حقية الإسلام سماه البراهين الساباطية ،وهو رد على النصرانيةوالنصارى ، ونقل فيه من کتاب شعیا: انذر برشل کم فورت اراداوات آن ذی ستم آن جیسی اندرا برن شل کرداوت آن هر زوقس اندزی سیرت آف و زدم اند اندر ستیزنک اندژی ... الخ». وترجمته بالعربية:«وستخرج من قنس الأسى ينبت من عروقه غصن وستستقر علیه روح الرب ، أعني روح المحكمة والمعرفة ، وروح الشورى والعدل وروح العلم وخشية الله، ويجعله ذا فكرة وقادة مستقيا في خشية الرب فلا يقضي كذا بلجامات الوجوه ولا يدين بالسمع»(2)

ثم ذكر تأويل اليهود والنصارى هذا الكلام ، ورده ، وقال:« فيكون المنصوص عليه هو المهدي رضی الله عنه بعينه بصريح قوله ، ولا يدين بمجرد السمع؛ لأن المسلمين أجمعوا على أنه رضی الله عنه لا يحكم بمجرد السمع والحاضر، بل لا يلاحظ إلا الباطن، ولم يتفق ذلك لأحد

ص: 96


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار

من الأنبياء والأوصياء».

إلى أن قال:«وقد اختلف المسلمون في المهدي رضی الله عنه،فقال أصحابنا من أهل السنة والجماعة أنه رجل من أولاد فاطمة يكون اسمه محمدا واسم أبيه عبدالله ، وأمه آمنة ،وقال الإمامیون:بل إنه هو محمد بن الحسن العسكري رضی الله عنهما ، وكان قد تولد سنة 255 من فتاة للحسن العسكري رضی الله عنه اسمها نرجس في سر من رآی بزمن المعتمد ثم غاب سنة ثم ظهر ، ثم غاب ، وهي الغيبة الكبرى ، ولا يؤب بعدها إلا إذا شاء الله ، ولما كان قولهم أقرب لتناول هذا النص ، وكان غرضي الذب عن ملة محمد صلی الله علیه وآله مع قطع النظر عن التعصب في المذهب ذكرت لك مطابقة ما يدعيه الإماميون مع هذا النص»انتهی.

29-الشيخ العارف سعدالدین محمد بن المؤيد بن أبي الحسين بن محمد بن حمويه، المعروف بالشيخ سعد الدين الحموي خليفة نجم الدين الكبرى ، وقد ألف كتابا مفردا في حالاته وصفاته علیه السلام، ووافق الإمامية كما نقله عنه عبد الرحمن الصوفي في مرآةالأسرار.

وقال المولى عزیز الدین عمر بن محمد بن أحمد النسفي المعروف،

ص: 97

صاحب کتاب العقائد المعروف بالعقائد النسفية في رسالته في تحقيق النبوة والولاية: قال الشيخ سعد الدين الحموي :«إنه لم يكن الولي قبل محمد صلی الله علیه و آله و سلم في الأديان السابقة ، ولا إسم الولي، وإن كان في كل دین صاحب شريعة ، والذين كانوا يدعون الناس إلى دينه كانوا يسمون بالنبي، فكان في دين آدم أنبياء يدعون الخلائق إلى دينه ، وكذا في دين موسى وفي دین عیسی وفي دين إبراهيم علیهم السلام ، ولما بلغت النوبة إلى نبينا صلی الله علیه و آله ، قال:لا نبي بعدي يدعو الناس إلى ديني والذين يأتون بعدي ويتبعوني يسمون بالأولياء ، وهؤلاء الأولياء يدعون الخلق إلى ديني ، واسم الولي ظهر في ديني ، والله تعالى جعل اثني عشر نفسا في دين محمدصلی الله علیه و آله و سلم نوابه ، والعلماء ورثة الأنبياء قال في حقه ...الخ»

30-الشيخ العارف المتأله عامر بن عامر البصري، المتوطن في سواين الروم ، صاحب القصيدة التائية الطويلة المسماة بذات الأنوار ، التي باري بها أبا حفص عمر بن الفارض المغربي الأندلسي في قصيدته التائية ، وهي في المعارف والأسرار والحكم والآداب،

ص: 98

مشتملة على اثني عشر نورا، فقال في النور التاسع في معرفة صاحب الوقت ذاته وقت ظهوره:

إمام الهدى حتى متى أنت غائب ***فن علينا يا أبانا بأوبة

تراءت لنا رايات جيشك قادما*** ففاحت لنا منها روايح مسكة

وبشرت الدنيا بذلك فاغتدت*** مباسمها سفرة عن مسرة

مللنا وطال الانتظار فجدلنا***بربك يا قطب الوجود بلقية

إلى أن قال:

فعجل لنا حتى نراك فلذة***المحب لقا محبوبه بعد غيبة

زرعت بذور العلم في مريرة***فجاءتت كما تهوى بأينع خضرة

وریع منها كلما كان راكبا*** فقد عطشت فامدد قواها بسقية

ولم يروها إلا لقاك فجذبه*** ولو شربت ماء الفرات ودجلة

31- الشيخ الفاضل العارف أبو المعالي صدرالدین القونوي،المستغني عن نقل مناقبه وفضائله بما في التراجم ، نقل عنه صاحب ينابيع المودة قصيدة في مدح الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه:

يقوم بأمر الله في الأرض ظاهرا***على رغم شيطانين يمحق للكفر

يؤيد شرع المصطفى وهو ختمه*** ويمتد من ميم بأحكامها يدري

ص: 99

ومدته ميقات موسي وجنده ***خیار الورى في الوقت يخلو عن الحصر

على يده محق اللئام جميعهم*** لسيف قوي المتن علك أن تدري

الخ تلك القصيدة:

ثم قال:وقد قال الشيخ صدرالدین لتلاميذه في وصاياه: إن الكتب التي كانتلي من كتب الطب وكتب الحكماء وكتب الفلاسفة بيعوها وتصدقوا ثمنها للفقراء ، وأما كتب التفاسير والأحاديث والتصوف فاحفظوها في دار الكتب، واقرأوا كلمة التوحيد«لا إله إلا الله » سبعين ألف مرة ليلة الأولى بحضور القلب ، وبلغوا مني سلامة إلى المهدي علیه السلام،انتهی.

ويعضده أنه كان على طريقة الشيخ محيي الدين ومتبعا آثاره،وفي النفحات لعبد الرحمن المحامي في ترجمته: أنه كان نقاد كلام الشيخ.

32 - شيخ مشايخ الصوفية المولى جلال الدين الرومي، صاحب کتاب المثنوي المعروف ،وهو ديوان شعر عرفاني أخلاقي مفصل باللغة الفارسية ، قال في قصيدة عن أئمة أهل البيت علیهم السلام أولها:

ای سرور مردان على*** مستان سلامت میکنند

ص: 100

وعد الأئمة من ولده عليه وعلیهم السلام إلى أن قال:

به امير دين هادی بگو***با عسکری مهدی بگو

با آن ولی مهدی بگو***مستان سلامت میکنند

33-الشيخ العارف محمد، الشهير بشیخ عطار، صاحب الدواوين المعروفة ، وقد صرح المولوي عبدالعزيز الدهلوي المعروف بشاه صاحب في الباب الحادي عشر من كتابه الموسوم بالتحفة الاثني عشرية: أن الشيخ العطار من الأكابر المقبولين عند أهل السنة ، ومن الأعاظم الذين بناء عملهم في الشريعة والطريقة على مذهب أهل السنة من القرن إلى القدم. وقد جاء في نفحات الجامي شيء كثير من مناقبه.

قال في قصيدة له في كتابه مظهر الصفات ، على ما نقله عنه صاحب ينابيع المودة:

صد هزاران اولیا روی زمین ***از خدا خواهند مهدی را يقين

یا الهی مهدیم از غیب آر*** تا جهان عدل گردد آشکار

34-شمس الدين التبریزی،على ما نسبه إليه صاحب ينابيع المودة،وقال:«ذكره في أشعاره»،ولم يذكر شيئا منها.

35-السيد نعمة الله الولي ،على ما نسبه إليه صاحب الينابيع.

ص: 101

36- السيد النسيمې

قال في الينابيع بعد ذکر هؤلاء وغيرهم من أهل العرفان: ذکروا في أشعارهم في مدائح أئمة أهل البيت الطيبين رضی الله عنهم مدح المهدي في آخرهم متصلا بهم ، فهذه أدلة على أن المهدي علیه السلام ولد أولا رضی الله عنه ومن تتبع آثار هؤلاء الكاملين العارفين يجد الأمر واضحاعينا.

37- العالم العارف الكامل السيد علي بن شهاب الدين الهمداني،الذي ذكروا في ترجمته أنه وصل إلى خدمة أربعباءة من الأولياء ، وبالغ في مدحه عبدالرحمن الجامي في كتابه نفحات الأنس ، ومحمد بن سلمان الكفوي في أعلام الأخيار ، وحسين بن معين الدين المبيدي في الفواتح، وغيرهم ، صرح بذلك في المودة العاشرة من كتابه الموسوم بالمودة في القربي.

38-الفاضل البارع عبدالله بن محمد المطيري شهرة المدني حالا ، الشافعي مذهبا، الأشعري اعتقادا، والنقشبندي طريقة،في كتابه الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم، صدر كتابه هذا بذكر تمام رسالة:إحياء الميت بفضائل أهل البيت علیهم السلام للإمام جلال الدين السيوطي،

ص: 102

وهي تشتمل على ستين حديثا فتتمها وأنهاها إلى مائة وواحد وخمسين،وروى في الحديث الأخير:إن من ذرية الحسين بن علي المهدي رضی الله عنه المبعوث في آخر الزمان.

ثم ذكر شيئا عن نسل الحسين وذریته صلوات الله عليه وفضائلهم.. الخ ، وساق أسامي الأئمة ، ثم قال:الحادي عشر ابنه الحسن العسكري رضی الله عنه، الثاني عشر ابنه محمد القائم المهدي رضی الله عنه، وقد سبق النص عليه في ملة الإسلام من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وكذا من جده علي بن أبي طالب رضی الله عنه،ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب ، وهو صاحب السيف القائم المنتظر كما ورد ذلك في صحيح الخبر، وله قبل قيامه غیبتان ... الخ.

39-شيخ الإسلام والبحر الطمطام، ومرجع الأولياء الكرام،أبو المعالي محمد سراج الدين الرفاعي، ثم المخزومي الشريف الكبير، فقد ذكر في كتاب صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار في ترجمة أبي الحسن الهادي علیه السلام ما لفظه:

«أما الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد عليهما السلام،ولقبه النقي، والعالم، والفقيه ، والأمير، والدليل ، والعسكري، والنجيب ، ولد في المدينة سنة اثني عشر ومائتين من الهجرة، وتوفي شهیدا بالسم

ص: 103

فی خلافة المعتز العباسي يوم الاثنين...إلى أن قال:فأما الحسن العسكري فأعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر ولي الله الإمام محمد المهدي علیه السلام، فأما محمد فلم يذكر له ذيل ...الخ».

40- علامة زمانه،وفريد أوانه الشيخ محمد الصبان المصري، كذا وصفه في الينابيع ، صرح بذلك في إسعاف الراغبين المطبوع بمصر.

أضف إلى ذلك أخطب خطباء خوارزم، فإنه ذكر في مناقبه من الأحاديث ما هو صريح في الدلالة على هذا القول،ومجرد ذكرالخبر في الكتاب وإن لم يكن دالا على كون مؤلفه معتقدا بمضمونه إلا أن بعض القرائن تشهد عليه كمطابقته لعنوان الباب الذي هو فيه ، فإن العلماء لا زالوا يستنبطون مذاهب صاحب الكتاب مما ذكره في عناوين الأبواب أو بنى على جمع ما هو معتبر عنده مما رواه الأئمة الثقات عنده وغير ذلك،فينبغي مراجعة كتابه المناقب للوقوف على هذه الحقيقة.

كما قال الإمام أبوبكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي المعروف بالإمام أبي بكر البيهقي ،وهو من أعظام علماء الشافعية وكبار أصحاب الحاكم أبي عبدالله بن البيع، وفي تاريخ بن خلکان

ص: 104

قال إمام الحرمين:ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة، إلا أحمد البيهقي ،فإنه له على الشافعي منة، في كتابه شعب الإيمان:اختلف الناس في أمر المهدي، فتوقف جماعة وأحالوا العلم إلى عالمه،واعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يخلقه الله متى شاء يبعثه نصرة لدينه،وطائفة يقولون إن المهدي الموعود ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو الملقب بالحجة القائم المنتظر محمد بن الحسن العسكري ، وأنه دخل السرداب بسر من رآی، وهو حي مختف عن أعين الناس ، منتظر خروجه ، وسيظهر ويملأ الأرض عدلا وقسطا ، كما ملئت جورا وظلما، ولا امتناع في طوال عمره وامتداد أيامه لعیسی بن مریم والخضر علیهماالسلام ، وهؤلاء الشيعة خصوصا الإمامية ، ووافقهم عليه جماعة من أهل الكشف ،انتهى.

ومراده من جماعة أهل الكشف غير الشيخ محيي الدين ومن تقدمت أسماؤهم لتقدم البيهقي عليهم بسنين ذلك أنه توفي سنة ثمان وخمسين وأربعأة على ما في تاريخ ابن خلکان،ومن ذكرناهم جاؤوا بعده بسنين كثيرة،فأراد بأهل الكشف جماعة أخرى من علاء أهل السنة ،وأشهرهم في هذه الطبقة :الحلاج والجنيد وأبوالحسن الوارف وأبو بكرالشبلي ،وأبو علي الرودباري،وسهل بن عبدالله

ص: 105

التستري ، وأضرابهم.

وهو أيضأ ظاهرالشيخ المتبحر عبدالملك العصامي في تأريخه ، فإنه ساق ولادة الحجة بن العسكري عليهما السلام وقال: وألقابه الحجة،والخلف، والصالح... ثم ذكر أوصافه ...إلى أن قال:ولما توفي أبوه كان عمره خمس سنين ، والشيعة يقولون إنه دخل السرداب ...الخ.

ص: 106

ص: 107

الدرس السابع: غيبة الإمام المهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

للمهدي عجل الله فرجه غیبتان:صغرى وكبرى،كما جاءت بذلك الأخبار عن أئمة أهل البيت علیهم السلام،ويقال: قصری و طولی.

(أما الغيبة الصغرى )فهاهنا قولان:قول إنها بدأت من مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته ، هكذا ذكر المفيد وغيره ، فجعلوا ابتداءالغيبة من مولده لا من ابتداء إمامته؛لأنها كانت كذلك ، وقيل: لاوجه لجعلها من ابتداء إمامته ، ولذلك كانت أربعة وسبعين سنة،هذا بناء على أن وفاة السمري سنة ثلمائة وتسع وعشرين ،أما بناء على أن وفاته سنة ثمان وعشرين [328]،كما في أعلام الوری ، فتنقص سنة مع أنه ذكر أن مدة الغيبة الصغرى أربع وسبعون سنة،بوفاة السفراء وعدم نصب غيرهم،وهي أربع

ص: 108

وسبعون سنة،والقول الثاني: أنها بدأت منذ وفاة أبيه العسكري علیه السلام، وهو المشهور عند أعلام الطائفة، وانتهت بوفاة آخر سفرائه، كما هو المتفق عليه،فتكون بين عامي 260 و 328ه،أي ثمان وستين سنة تقريبا، وفي الرواية ما يؤيد هذا القول:

عن أم هاني،قالت:سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهماالسلام عن قول الله تعالی:« فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْکُنَّسِ»(1)،قالت:فقال:« إمام يخنس -أي يغيب - سنة ستين ومائتين ، ثم يظهر كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء،فإن أدركت زمانه قرت عينك. (2)

وقد عاصر هذه الفترة أربعة من خلفاء بني العباس أولهم المعتمد(المتوفى سنة 279ه)، ثم المعتضد (المتوفى سنة 289ھ)، ثم المقتدر (المتوفى سنة 320ه)،وأخيرا الراضي بالله (المتوفى سنة 329ه).

ففي هذه المدة كان السفراء يرونه وربما رآه غيرهم ويصلون إلى خدمته،وتخرج على أيديهم توقيعات منه إلى شيعته في أجوبة مسائل وفي أمور شتى،وهو ممالا يكاد يختلف عليه اثنان من أعلام الطائفة.(وأما الغيبة الكبرى) فهي بعدالٱولى، بالإجماع والاتفاق

ص: 109


1- سورة التكوير:الآيتان 15و 16.
2- الكافي: 1/341

وضرورة المذهب ، وفي آخرها يقوم بالسيف ،وقد جاء في بعض التوقيعات أنه بعد الغيبة الكبرى لا يراه أحد، وإن من ادعى الرؤية قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب ، وجاء في عدة أخبار أنه يحضر المواسم كل سنة فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه ، وسيأتي في مبحث اللقاءوالمشاهدة مفصلا إن شاء الله تعالى.

وقد وردت أحاديث كثيرة في مصادرنا الروائية بأسانید صحيحة،بل لا شك في تواترها، تؤكد الغيبتين ، كما قام الإجماع عليها، بل غدى الأمر من ضروريات المذهب. وإليك جملة من هذه الروايات:

1- عن یمان التمار،قال: كنا عند أبي عبدالله علیه السلام

جلوسا،فقال لنا:«إن لصاحب هذا الأمر غيبة،المتمسك فيها بدینه کالخارط للقتاد » ثم قال هكذا بیده_« فأيكم يمسك شوك القتاد بيده؟»،ثم أطرق مليا،ثم قال:«إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، فليتق الله عبد، وليتمسك بدینه.(1)

2- عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسی بن جعفر علیهماالسلام، قال:«إذا فقدالخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لايزيلكم

ص: 110


1- الکافی:1/335

عنها أحد. یابني،إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ...)(1)،وسنوردها كاملة في البحث عن فلسفة الغيبة،إن شاء الله تعالى.

2_عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسی بن جعفر علیه السلام: في قول الله عزوجل:«قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ»(2)قال:«إذاغاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جدید» (3)

4- وعن المفضل بن عمر،قال: سمعت أباعبدالله علیه السلام يقول:«إياكم والتنويه_أي التشهير. أما والله ليغيبن إمامكم سنينا من دهركم، ولتمحصن)(4)، وسنوردها كاملة في البحث عن فلسفة الغيبة، إن شاء الله تعالى.

5. وعن زرارة،قال:سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: «إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال:قلت:ولم؟ قال: «يخاف... الخ)(5)،وستأتي كاملة في مبحث فلسفة الغيبة،إن شاء الله تعالى.

6-وعن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد الله علیه السلام قال:( «للقائم

ص: 111


1- الکافی:1/336.
2- سوره الملك:الآیة30.
3- الکافی1/336.
4- الکافی1/336.
5- الکافی1/337

غیبتان:يشهد في إحداهما الموسم،يرى الناس ولا يرونه). (1)

7- وعن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام ،يقول:إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها. (2)

8- وعن المفضل بن عمر،قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام

يقول :(لصاحب هذاالأمر غيبتان :إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال:هلك،في أي واد سلك...الخ. (3)

9- وعن المفضل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول :وإن لصاحب هذا الأمر غيبتين :إحداهما تطول ، حتى يقول بعضهم مات ، ويقول بعضهم قتل ، ويقول بعضهم ذهب ، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه ،إلا نفر يسير ، لا يطلع على موضعه أحد من ولده ،ولا غيره، إلا المولى الذي يلي أمره» (4)

10-عن إسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبدالله علیه السلام:«للقائم

ص: 112


1- الکافی :1/399.
2- الکافی:1/338.
3- الکافی:1/340
4- الغیبة/الطوسی:102

غیبتان:إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة ، ...) (1)،وستأتي مفضلة في مبحث الرؤية ولقائه علیه السلام،إن شاء الله تعالى.

11 - وعن أبي بصير عن أبي عبدالله علیه السلام،قال:«إن لصاحب هذاالأمر فيه غيبتين: واحدة قصيرة، والأخرى طويلة. (2)

12-عن سدير الصيرفي،قال: دخلت أنا،والمفضل بن عمر،و داود بن كثير الرقي،وأبو بصير،وأبان بن تغلب على مولانا الصادق علیه السلام، فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خیبري مطرف بلا جیب مقصرالكمين ،وهو يبكي بكاءالوالهةالثكلى ذات الكبد الحري،قد نال الحزن من وجنتيه،وشاع التغير في عارضيه،وأبلى الدمع محجريه، وهو يقول:«سيدي،غيبتك نفت رقادي ، وضيقت علي مهادي، وابتزت مني راحة فؤادي.سيدي،أوصلت مصائبي بفجائع الأبد،وفقد الواحد بعد الواحد بفناءالجمع والعدد،فما ٱحس بدمعة ترقأ من عيني،وأنين يفشا من صدري»

قال سدير:فاستطارت عقولنا ولها،وتصدعت قلوبنا جزعامن ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل،فظنناأنه سمت لمكروهة

ص: 113


1- الكافي:1/340.
2- الغيبة/ الطوسي: 103

قارعة،أو حلت به من الدهر بائقة،فقلنا:لاأبكى الله عينيك یابن خيرالورى ، من أي حادثة تستذرف دمعتك، وتستمطر عبرتك؟وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟

قال:فزفر الصادق علیه السلام زفرة انفتح منها جوفه،واشتد منها خوفه،فقال:«ويحكم إني نظرت صبيحة هذا اليوم في كتاب الجفر المشتمل على علم البلايا والمنايا،وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة،الذي خص الله تقدس اسمه به محمدا والأئمة من بعده علیهم السلام ،وتأملت فيه مولد قائمنا علیه السلام وغيبته،وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين بعده في ذلك الزمان ، وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينه، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله عز وجل:« وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِه»(1)یعنی الولاية، فأخذتني الرقة، واستولت علي الأحزان ... الخ. (2)

أقول:وهو حديث طويل فيه الكثير من الفائدة،فلينظر هناك.

هذا غيض من فيض ، والروايات عن غيبته علیه السلام،كما قدمنا

ص: 114


1- سورة الإسراء:الآية 13.
2- الغيبة/الطوسی: 167،الحدیث 129.

كثيرة للغاية،بل أكثر الروايات الواردة عنه صلوات الله عليه ، صرحت بغيبته، ولعلك لا تجد بابا من أبواب هذاالكتاب وفصلا تطرقنا إليه عنه علیه السلام وعن حياته الشريفة إلا وفيه ما يصرح بهذه الحقيقة،سواء هذه الحلقة أو في الحلقة السابقة ،أو في اللاحقة منها،فهي تدل على الغيبتين الصغرى والكبرى بالدلالة القطعية ، إضافة إلى أن ما في أخبار الانتظاروالمنتظرين،وأخبار المشاهدة وأخبار التمحيص ، وأخبار علامات الظهور وما قبل الظهور،من دلالة التزامية على حقيقة الغيبة هذه،أضف إلى ذلك أن أخبار السفراء الأربعة،والوكلاء والمعارضين والمنحرفين،والتوقيعات الصادرة عن ناحيته المقدسة ،وأخبار من نالوا شرف لقائه ومشاهدته علیه السلام، سواء في حياة أبيه العسكري علیه السلام، أو بعد ذلك،تدل على خصوص الغيبة الصغرى بالدلالة القطعية المطابقية تارة، والالتزامية تارة ٱخرى.

ص: 115

الدرس الثامن: سفراء الإمام المهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

أما السفراء في زمن الغيبة الصغرى بينه وبين شيعته فهم أربعة :

الأول:أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري بفتح العين وسكون الميم ، وكان أسديا فنسب إلى جده أبي أمه جعفر العمري ، وقيل:إن أبا محمد الحسن العسكري علیه السلام أمر بکسر کنیته، فقيل العمري (1)

،ويقال له العسكري؛لأنه كان يسكن عسکر سر من رأى ، ويقال له السمان؛لأنه كان يتجر بالسمن تغطية للأمر،وكان الشيعة إذا حملوا إلى الإمام الحسن العسكري علیه السلام ما يجب عليهم من المال جعله أبو عمرو في زقاق السمن وحمله

ص: 116


1- الغیبة/الطوسی:214

إليه تقنية وخوفا (1) وكان علي الهادي علیه السلام نصبه وكيلا،(2)

ثم ابنه الحسن العسكري علیه السلام، ثم كان سفيرة للمهدي علیه السلام. قال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة في حقه:«أنه الشيخ الموثوق به»، وقال الإمام علي الهادي في حقه:«هذاأبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعني يقوله ، وما أداه إليكم فعنی يؤديه.(3)وسأله بعض أصحابه: لمن ٱعامل ، وعمن آخذ ، وقول من أقبل؟فقال:«العمري ثقتي،فما أدى إليك فعنی يؤدي،وما قال لك فعني يقول ،فاسمع له وأطع،فإنه الثقة المأمون.

وقال الإمام الحسن العسكري علیه السلام في حقه بعد مضي أبيه:هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضي ، وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعنی يقوله ، وما أداه إليكم فعني يؤديه». (4)وجاءه أربعون رجلا من أصحابه يسألونه عن الحجة من بعده، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد، فقال:« هذا إمامكم من بعدي،وخليفتي عليكم،أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا

ص: 117


1- الغيبة / الطوسي: 214
2- الغيبة / الطوسي:215.
3- الغيبة / الطوسي: 215
4- الغيبة / الطوسي: 215

في أديانكم،ألا وأنكم لا ترونه بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان بن سعيد ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم ، والأمر إليه. (1) وعثمان بن سعيد هو الذي حضر تغسيل الإمام الحسن العسكري علیه السلام ، وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه ودفنه مأمورة بذلك.(2).

قال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة:«وكانت توقيعات صاحب الأمر علیه السلام تخرج على يده ويدابنه محمد إلى شيعته وخواص أبيه بالأمر والنهي وأجوبة المسائل بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن العسكري علیه السلام ، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتها إلى أن توقي عثمان بن سعيد رحمه الله ورضي عنه، وغسله ابنه أبو جعفر ، وتولى القيام به ، وحصل الأمر كله مردودا إليه، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ... الخ ».(3)

لم يتيسر لنا الاطلاع على تاریخ وفاته. وغسله ابنه محمد ، ونقل عن أبي نصر هبة الله بن محمد أنه دفن بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في قبلة مسجد الذرب ، يمنة الداخل إليه،والقبر في نفس قبلةالمسجد،

ص: 118


1- الغيبة / الطوسي: 217.
2- الغيبة/الطوسي: 217
3- الغيبة/الطوسي: 356.

قال الشيخ الطوسي رحمة الله:«رأيت قبره في الموضع الذي ذكره،وكان بني في وجهه حائط به محراب،وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم ، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة من وقت دخولي إلى بغداد سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة ، ثم عمره الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى برا وعمل عليه صندوق وهو تحت سقف ، يدخل إليه من أراده ، يزوره ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح، وربما قالوا هو ابن داية الحسين علیه السلام،ولا يعرفون حقيقة الحال فيه،وهوكذلك إلى يومنا هذا، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة»(1)

ولكن قبره الآن معروف بمدينة بغداد.

قال فيه:أبو العباس الحميري على ما نقله شيخ الطائفة أعلى الله مقامه:«فكنا كثيرا ما نتذاكر هذا القول - ويعني مدح الإمام العسكري له ونتواصف جلالة محل أبي عمرو» (2)

وقال وفد اليمن الذي حضر لزيارة الإمام العسكري علیه السلام، حين سمع من الإمام مدحه:«یا سیدنا،إن عثمان لمن خیار شيعتك،

ص: 119


1- الغيبة/الطوسي: 221.
2- الغيبة/الطوسي: 215.

ولقد زدتناعلمابموضعه من خدمتك،وإنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى»(1)،وقولهم له: «امض یا عثمان ، فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله ...الخ. (2)

وحين ولد مولاناالقائم عجل الله تعالى فرجه أرسل إليه الإمام العسكري علیه السلام يأمره أن يشتري عشرة آلاف رطل خبز و عشرةآلاف رطل لحم ويفرقه على بني هاشم،وأن يعق عنه بكذاوكذاشاة.(3)

لما توفي ووافاه الأجل للقاء ربه عزوجل خرج التوقيع التالي من الناحية المقدسة لمولانا صاحب الأمر يعزي ولده محمد بن عثمان،وفيه:«إنا لله وإنا إليه راجعون ، تسليما لأمره، ورضاء بقضائه،عاش أبوك سعيدا ومات حميدا، فرحمه الله،وألحقه بأوليائه ومواليه علیهم السلام،فلم يزل مجتهدا في أمرهم ، ساعيا فيما يقربه إلى الله عز وجل واليهم،نصر الله وجه ،وأقال عثرته»(4)

وجاء في موضع آخر من التوقيع الشريف:«أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء،رزیت ورزينا ،وأوحشك فراقه،وأوحشنا،

ص: 120


1- الغيبة/الطوسي: 216.
2- الغيبة/الطوسي: 216.
3- كمال الدين: 431.
4- الغيبة/الطوسي: 221.

فسره الله في منقلبه ، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالی ولدا مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره،ويترحم عليه،وأقول فإن الأنفس طيبة بمكانك،وما جعله الله تعالى فيك وعندك،أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك،وكان لك وليا وحافظاوراعياوكافيا. (1)

والظاهرأن مدة توليه للسفارة كانت نحوا من خمس سنين.

الثاني:أبوجعفرمحمد بن عثمان بن سعيد العمري روى الشيخ في كتاب الغيبة عن هبة الله بن محمد عن شيوخه قالوا:«لم تزل الشيعة مجمعة على عدالته وثقته وأمانته للنص عليه بالأمانة والعدالة ،وأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن العسكري علیه السلام، وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد لا يختلف في عدالته ولا يرتاب بإمامته، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهات طول حياته بالخط الذي كانت تخرج به في حياة أبيه عثمان» (2)

وقال الشيخ أيضا:«لما مضى أبو عمروعثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه بن أبي محمد الحسن االعسكري علیه السلام،

ص: 121


1- الغيبة/الطوسی:220.
2- الغيبة / الطوسی: 363.

ونص أبيه عثمان عليه بأمر القائم علیه السلام.(1)

قال الإمام الحسن العسكري علیه السلام:«اشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي ،وأن ابنه محمد وكيل ابني مهديكم.(2)

وقال علیه السلام لبعض أصحابه :«العمري وابنه ثقتان،فما أديا إليك فعنی يؤديان،وما قالا لك فعني يقولان،فاسمع لهماوأطعهما،فإنهماالثقتان (3)وقدأوردنا التوقيع الشريف الذي يعزیه مولانا الحجة علیه السلام بوفاة أبيه ويمدحه ويثني عليه، ونضيف هنا ما جاء فيه أيضا من مدحه وتنصيبه مكان أبيه:«لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضی الله عنه وأرضاه وأنضر وجهه يجري عندنا مجراه، ویسد مسده ، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل ...الخ) (4)

(وکانت)لأبي جعفر محمد بن عثمان كتب في الفقه مما سمعه من أبی محمد الحسن علیه السلام، ومن الصاحب علیه السلام، ومن أبيه عثمان عن أبي محمد ، وعن أبيه علي بن محمد منها كتب الأشربة. (5)

ص: 122


1- الغيبة / الطوسی: 218و 221.
2- الغيبة/الطوسی: 216.
3- الغيبة/الطوسي: 219.
4- الغيبة / الطوسی: 220.
5- الغيبة / الطوسي: 221.

(وروي)عنه أنه قال:«والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم

كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه»(1)

(وقيل)له رأيت صاحب هذا الأمر؟قال:نعم،وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام،وهو يقول :«اللهم أنجز لي ما وعدتني»(2)

(وقال)رأيته علیه السلام متعلقا بأستارالكعبة في المستجار وهو يقول:«اللهم انتقم بي من أعدائك»(3)

(ودخل)على محمد بن عثمان بعض أصحابه فرآه وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها آيا من القرآن وأسماء الأمة علیهم السلام على حواشيها،فقال: هذه لقبري أوضع عليها أو قال أسند إليها،وقد فرغت منه،وأنا كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءا من القرآن، فإذا كان يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا صرت إلى الله ودفنت فيه ، وهذه الساجة معي، فكان كما قال»(4)

(وفي رواية:)«أنه حفر قبراوقال ٱمرت أن أجمع أمري ،فمات بعد شهرين»(5)

ص: 123


1- الغيبة /الطوسی: 363.
2- الغيبة/الطوسی: 251.
3- الغيبة /الطوسي:251
4- الغيبة /الطوسی: 363.
5- الغيبة /الطوسی: 222.

(وكانت وفاته)في آخر جمادى الأولى خمس وثلثمائة. (1)أو أربع وثلثمائة (2)وتولى هذاالأمر نحوا من خمسين سنة. هكذا حكاه الشيخ محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الغيبة عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري. (3)،ولا يخفى أن هذه المدة هي من حين ولادة الصاحب علیه السلام، وهي سنة 255ه إلى وقت وفاة محمد بن عثمان،وهي سنة 305ه، مع أن محمد بن عثمان لم يتول السفارة من حين ولادة الصاحب علیه السلام،بل بعد وفاة أبيه عثمان،فلا بدأن ينقص من هذه المدة خمس سنين من ولادة الحجة علیه السلام إلى حين وفاة العسكري علیه السلام، وينقص منها مدة سفارة عثمان بن سعيد إلى حين وفاته ، وتولى ولده السفارة بعده ، ودفن عندوالدته بشارع الكوفة في بغداد.قيل:وهوالآن في وسط الصحراء.لكن قبره في عصرنا هذا معروف مبني مشيد،وهو بمكان يسمى «الخلاني»،فعليه الرحمة والرضوان.

ص: 124


1- الغيبة/الطوسي : 223. الكامل في التاريخ : 6/159. ابن الوردي:1/255.
2- الغيبة/ الطوسي : 223.إعلام الوری:416.
3- الغيبة/الطوسي:223.

ص: 125

الدرس التاسع: سفراء الإمام المهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

الثالث:الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي

أقامه أبوجعفرمحمدبن عثمان مقامه قبل وفاته بسنتين أو ثلاث سنين،فجمع وجوه الشيعة وشيوخها وقال لهم:إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم بن روح النوبختي ، فقدأمرت أن أجعله في موضعي بعدي،فارجعوا إليه وعولوا في ٱموركم عليه. (1)

وفي رواية:أن جماعة من وجو الشيعة منهم أبو علي بن همام،وأبوعبدالله بن محمد الكاتب،وأبو عبد الله الياقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي،وأبو عبدالله بن الوجناء، وغيرهم من.

ص: 126


1- الغیبة/الطوسی:225

الوجوه،اجتمعوا عنده وأنهم سألوه إن حدث أمر فمن یکون مكانك؟فقال لهم:هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحرالنوبختي القائم مقامي ،ظوالسفير بينكم وبين صاحب الأمر ، والوكيل له والثقة الأمين ،فارجعوا إليه في أموركم،وعولوا عليه في مهماتكم، فبذلك أمرت وقد بلغت.(1)

وكان محمد بن عثمان العمري له من يتصرف له ببغداد نحوا من عشرة أنفس منهم الحسين بن روح، وكلهم كان أخص به من الحسين بن روح ، وكان مشايخ الشيعة لا يشكون في أن الذي يقوم مقام محمد بن عثمان هو جعفر بن أحمد بن مثيل أوأبوه لما رأوه من الخصوصية به وكثرة وجوده في منزله حتى إنه كان في آخر عمره لا يأكل طعاما إلا ما أصلح في منزل جعفر أو أبيه بسبب وقع له ويأكله في منزل أحدهما ، فلما وقع الاختيار على أبي القاسم سلموا ولم ينكروا وكانوا معه وبين يديه كما كانوا مع أبي جعفر محمد بن عثمان ، ومنهم جعفر بن أحمد بن مثيل ، قال جعفر: لما حضرت محمد بن عثمان الوفاة كنت جالسا عند رأسه أسائله وٱحدثه وأبو القاسم بن روح عندرجليه،فقال لي: ٱمرت أن أوصي إلى

ص: 127


1- الغيبة/الطوسی: 224

أبي القاسم الحسين بن روح فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني و تحولت إلى عند رجليه.(1)

وفي رواية:أن الحسين بن روح کان وكيلا لمحمد بن عثمان سنين كثيرة ينظر له في أملاكه ، وكان خصيصا به، وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين دينارا رزقا له غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم فتمهدت له الحال في طول حياة محمد بن عثمان إلى أن أوصى إليه. (2)

وقال الشيخ الطوسي رحمة الله في كتاب الغيبة:كان أبو القاسم رحمة الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق ،ويستعمل التقية.وتوفي أبو القاسم الحسين بن روح في شعبان سنة ست وعشرين وثلثمائة، فتكون مدة سفارته حوالي الواحدة والعشرين سنة ، وبإضافة العامين أو الثلاث التي أمر فيهاأبو جعفر العمري قبل موته بتسليم الأموال إليه،ونص عليه بالوكالة في حياته،وأمكننا القول إن السفارة كانت حينئذ مسندة إلى شخصين ، فتكون مدة سفارته ثلاثة وعشرين سنة أو أكثر ، أو أن يكون قبل توليه السفارة وكيلا،

ص: 128


1- الغیبة/ الطوسي:225_226
2- الغیبة/الطوسی: 225.

وهو الحق،لعدم ثبوت تعدد السفراء في زمن واحد، والتعدد يحتاج إلى دليل. ودفن في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى درب الآجر وإلى قنطرة الشوك (1)، لكن قبره في عصرنا هذا معروف بمدينة بغداد.

وكان أول كتاب تلقاه من الناحية المقدسة توقيعا مؤرخا بيوم الأحد 6 شوال سنة 305ه يشتمل على الثناء عليه ،جاء فيه:«عرفه الله الخير كله ورضوانه،وأسعده بالتوفيق، وقفنا على كتابه،وثقتنا بما هو عليه،وإنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه،زاد الله في إحسانه إليه،إنه ولي قدير ، والحمد لله لا شريك له،وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.)

وقد كشف العالم الجليل أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي عليه الرحمة عن سر اختياره ،وإحدى الخصائص التي تميز بها ليستحق منصب السفارة الخاصة،وذلك حين اعترض عليه بعض الشيعةلمعرفتهم بمكانته وجلالة قدره،وتوقع السفارة له:« فقيل له:كيف صار هذا الأمر أي السفارة - إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك ؟!فقال:«هم أعلم وما اختاروه،ولكن أنا رجل ألقي الخصوم

ص: 129


1- رجال الطوسي: 432، کشف الغمة :3/207

وٱناظرهم،ولوعلم بمكانه - يعني المهدي علیه السلام- كماعلم أبوالقاسم،وضغطتني الحجة،لعلي كنت ٱدل على مكانه،وأبو القاسم،فلو كان الحجة تحت ذیله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه »(1)

وكان رحمة الله شديد التقية، كثيرالمداراة، حتى ظن العامة أنه منهم ويعتنق مذهبهم. يقول الراوي:لأنه كان يجارينا من فضل الصحابة ما رويناه، ومالم نروه،فنكتبه نحن عنه رضی الله عنه (2)،ونحن نعلم أنه لم يفعل ذلك إلا بأمر من الإمام صاحب الأمر أرواحنا فداه، وبتوجيه منه صلوات الله عليه ؛ لقساوة الظروف ،والحاجة الماسة إلى التقية.

وكان عالماجليلا،ومتكلما بارعا، له مناظرات قيمة أفحم بهاالخصوم ،وأدهش بها الأعلام،أوردهاالأعلام في كتبهم، لا سيماالشيخ في الغيبة.

الرابع:أبو الحسين علي بن محمد السمري

أوصى إليه الشيخ الحسين بن روح،فقام بما كان إليه.روى الشيخ

ص: 130


1- الغيبة/الطوسي: 391.
2- الغيبة/الطوسي: 228.

الطوسي رحمة الله في كتاب الغيبة بسنده عن أحمد بن إبراهيم بن مخلد،قال:حضرت بغداد عند المشايخ رحمة الله الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الشمري قدس الله روحه ابتداء منه رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القتي (وهو والد الصدوق) فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم، فورد الخبر إنه توفي في ذلك اليوم.(1)

وفي رواية أنه كان يسألهم عن خبر علي بن الحسين بن بابویه فيقولون قد ورد الكتاب باستقلاله حتى كان اليوم الذي قبض فيه ، فسألهم فذكروا مثل ذلك ، فقال لهم : آجركم الله فيه، فقد قبض في هذه الساعة ، فأثبتوا التأريخ ، فلما كان بعد سبعة عشر يوما أو ثمانية عشر ورد الخبر بوفاته في تلك الساعة. (2)

ولم يذكرعام ميلاده،ولا تاریخ فجر حياته ، وإنما ذكر أولا

كواحد من أصحاب الإمام العسكري علیه السلام.(3)

وروى الشيخ في كتاب الغيبة أيضأ بسنده أن السمري أخرج قبل وفاته بأيام إلى الناس توقيعا(نسخته):« بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 131


1- الغيبة/الطوسي: 394.
2- الغيبة / الطوسی: 396
3- رجال الطوسي: 432.

يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك،فأنت میت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طولالأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورة ، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتړ ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».

قال الراوي:فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيك من بعدك؟فقال:الله أمر هو بالغه وقضى ، فهذا آخر كلام سمع منه رضی الله عنه وأرضاه.(1)

وكانت وفاته في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين أو تسع وعشرين وثلثمائة ، ودفن في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريبة من شاطئ نهر أبي عتاب.

وقبره في عصرنا الحاضر معروف يقصده المؤمنون بمدينة بغداد.

ويكون بذلك قد تولى السفارة مدة ثلاثة أعوام تقريبا.

وإنما وقع اختيار الإمام أرواحنا فداه على هؤلاء الأربعة لأسباب

ص: 132


1- الغیبة/ الطوسي: 243.

وأوصاف اجتمعت فيهم واختصوا بها في عصورهم حينذاك،هي:

أولا:التقوى والورع والعدالة في أعلى مدارجها وأنتم مراتبها.

ثانيا:شدة الإخلاص والمثابرة في القيام بوظائفهم. ثالثا:الصبر والتضحية والإيثار التي اتسموا بها في حياتهم.

رابعا:الشجاعة والقدرة على التقنية والكتان في أحلك الظروف،بشهادة الجميع، ومنهم العالم الجليل أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي حين اعترض عليه بعض الشيعة ، وقد أسردنا خبره إذ قال: «وأبو القاسم فلو كان الحجة تحت ذیله وقرض بالمقاريض ما کشف الذيل عنه».

خامسا:الزهد في الدنيا الذي كان مانعة لهم عن طلب الرئاسة والمال،فلا يزعمون ما ليس لهم.

سادسا:العلم بمسائل الشريعة وأحكامهاعقائد وأحكاما، وكثرة مناظراتهم مع الخصوم ، ومحاولاتهم لدفع الأوهام والمعرفة بمقام الإمام ، من ذلك مناظرة الحسين بن روح لبعض المتكلمين الذي أثبت فيها فضل الصديقة الطاهرة صلوات الله عليها،أعجب بها الجمهور (1)

ص: 133


1- الغيبة / الطوسي : 239.

سابعا:الفطنة والفراسة وحدة النظر،والإحاطة بظروف الزمان والمكان.

فقد روي أن الحسين بن روح رضی الله عنه طرد بوابا له ومن شيعته،كان قد لعن معاوية وشتمه ، فبقي البواب مدة طويلة يسأل في أمره، فلا والله ما رده إلى خدمته (1)،وذلك حرصا منه على سيرالعمل،وحفظا للدماء والأنفس.

ثامنا:القدرة على الإدارة وتدبيرٱمورالشيعة في أقصى البلادوأدناها.

إذن لم تأت غيبة الإمام المهدي صلوات الله عليه دفعة، وإنما قدر الله سبحانه وتعالى لتلك الغيبة مراحل،بدأت باحتجاب الإمام الهادي علیه السلام،ثم ابنه الإمام العسكري علیه السلام عن شيعتها، احتجابا قهريا،في معسكرات الجيش،فرضته السلطة الحاكمة حينذاك،فكانا يتصلان بشیعتها عبر وكلائها والخواص من أصحابها،من هنا كانت غيبة القائم عجل الله تعالى فرجه أمراهینا على الشيعة،لاسیما أنه علیه السلام من بدأ غيبته التامة المطلقة بغيبة قصيرة يتصل خلالها بشيعته عبر قنواته الخاصة،وهم وكلاؤه الخواص وسفراؤه، تمهيدا

ص: 134


1- الغيبة | الطوسي: 237.

للغيبة التامة التي سيأتي الحديث عنهاإن شاء الله تعالى ،حيث يرجع فيها شيعته إلى عامة نوابه من الفقهاء الجامعين للشروط التي صرح بهاهووآباؤه الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين .

ثم إنه لم يرد شيء في كتب السيرة والحديث ، لا تصريحا ولا تلويحا،عن طريقة اتصال السفراء به علیه السلام خلال تلك الفترة،ونحن مأمورون بالسكوت عما سكتواعنه،ولا معنى حينئيذ لخوض مالا يعنينا،والتخرص بمالا يغنينا،في حقل ليس من حقولنا ، فلا يسمن ولا يغني من جوع، خلافا لمن أطلقوا عنان الخيال والظنون في هذاالمجال، منقبين عن تفاسیر مادية لماتوهموه،وما هي سوى فرضیات واحتمالات لا تجدي نفعا،ولا تغني من الحق شيئا.

ص: 135

الدرس العاشر: شبهات وردود

بسم الله الرحمن الرحیم

ذكرتم أن السفراء كانوا يشكلون حلقة الوصل، وواسطة الفيض والارتباط بين الشيعة وإمام زمانهم علیه السلام، أفهل كان ذلك خافياعلى الخليفةوأزلامه؟وكيف يمكن أن يخفی عليهم مثل هذا الأمر طيلة السبعين عاما؟وعلى فرض معرفتهم بواقع الحال، كيف التزمواالصمت ولم يجابهوهم بفرض الإقامة الجبرية عليهم،أوإلقائهم في السجون،كما صنعوا بالأئمة أنفسهم، لاسيما الإمامين الهادي والعسكري علیهماالسلام،أو بقتلهم أو مطاردتهم وما شابه ذلك؟بل كان أحرى بهم أن يعرضوهم لصنوف التعذيب لإزاحة الستار عن مكان الإمام الغائب صلوات الله عليه، والكشف

ص: 136

عن موضع إقامته والدلالة على شخصه، ما داموا يخشونه ويبحثون عن أي خيط يدلهم عليه،والسفراء أدل من يدل عليه،وأعرف بمكانه وموضعه وشخصه علیه السلام ؟!

الذي يقتضيه ظاهرالحال، والمستفادمن كتب السيرة والأخبارأن الخليفة وأزلامه كانوا على علم ودراية بحال السفراء،ولكن شاءت الأقدار واقتضت الظروف أن تختلف أساليب المواجهة من السلطة الحاكمة،وأن يتغير على أثر ذلك حال الشيعة عموما في تلك الآونة عما كانت عليه في عصر حضور الأئمة وظهورهم، ويحصلوا على فسحة من الحريات ولو في حدود ضيقة،وذلك للعوامل والأسباب التالية:

أولا:عجز الخليفة ورجاله عن مطاردة الشيعة وملاحقتهم، فضلا عن ملاحقة ومطاردة قادتهم وعلمائهم،أي لا سيما على المستوى الرفيع وعلى صعيد السفراء والقياديين ؛ لضعف الدولة المركزية وخواء نفوذ الخليفة ، وعدم بسط سيطرته ،كما يتضح جليا للمحقق،بل المتصفح لكتب السيرة والتأريخ.

ثانيا: تصدع أركان الدولة والخلافة بانشغالها بالحروب الطاحنة التي توالت هنا وهناك في أرجاء عديدة وأطراف مختلفة من البلاد الإسلامية المتخمة حينذاك بصنوف المتمردين والغزاة والخارجين

ص: 137

على القانون ،كصاحب الزنج، ثم القرامطة ، ثم الخوارج، ثم قادةالأطراف وٱمراء الماليك.

ثالثا:فسادالحاشية، وانحراف الوزراءوالقادة العسكريين والعال عن الخليفة و مسلکه ، وتمردهم أحيانا.

رابعا:ضعف الخليفة ووهنه ،وعجزه عن إدارة شؤون البلاد

وتسليم مقاليد الٱمور إلى الأتراك الذين أذلوا رقاب العرب خاصة والمسلمين عامة منذ عهد المعتصم، حيث بدأ نجم الخلافة العباسية بالأفول حتى ذلك العصر الذي شهد ديمومة ذلك الٱفول واستمراريته.

خامسا:أن المقتدر العباسي الذي تولى الخلافة في حياة الإمام العسكري علیه السلام، وامتدت خلافته طويلا حتى أدرك أول سفيرين من السفراء الأربعة رضی الله عنهم، قد بذل جهدا مضنيا في العثور على صاحب الأمر أرواحنا له الفداء ، والقضاء عليه ، ولم يأل جهدا في مطاردته ومطاردة من نسب إليه من الخاصة والعامة ،وكانت السفارة في عهده خافية عنه وعن أزلامه،وكان السفير الأول يعمل في غاية السرية والخفاء،فلم ينفضح أمره ولا انکشف سره للخليفة المقتدر،وحين علم بسفارة الحسين بن روح، وهو ثالث السفراء،ألقي عليه القبض وأودعه السجن ، فحبسه فترة ، ولما لم يعثر على

ص: 138

مستمسك يدله على الحجة صاحب الأمر صلوات الله عليه أطلق سراحه،فاستترالحسين بن روح عن الأعين مدة من الزمان، كما صرح بذلك شيخ الطائفة في كتابه الغيبة،وأوقف نشاطه ليصرف عنه الأنظار،وأما من جاء بعد المقتدر من الخلفاء فسهل أمرهم،ويتجلى ذلك في العوامل التالية:

سادسا:أن غيبة الإمام علیه السلام خففت الوطأة على خلفاء بني العباس ، وأنستهم طول غيبته ، ومرور السنين عليها بمرور الأيام ذلك الهاجس والهم الذي كان يعيشه أسلافهم من الخلفاء ، لمعاصرة الإمام المعصوم لهم عيانا ، مما كان يشكل تحديا صارخا لملكهم وخلافتهم المزعومة، ورؤيتهم من ينافسهم جهارا، وهو أحق بالخلافة منهم،وإن كان لا يطالب بها لقلة الناصر والمعين،وشدة الظروف المحيطة به ، وغياب المنافس والمعارض المتصف بتلك النعوت ، والمهدد لتلك العروش ، فترة طويلة عن الظهور ، وإن كان لعله لا يجدي في نسيان أصل الغائب وتهديده ، لكنه جدير بأن یهون الخطب على شيعته وأنصاره ، سيما إذا انقطعوا عنه في الظاهر؛إذ لا يرى الحاكم فيهم ما كان يراه من البأس في قائدهم لدى حضوره واتصاله بهم مباشرة،ولا يشعر بذات الخطر الذي كان يهدده ويهدد ملکه آنذاك.

ص: 139

سابعا:أن الخليفة وأزلامه سئموا من طول مطاردتهم وملاحقتهم الشيعة أهل البيت علیهم السلام، وفضلوا في ظل تلك الظروف رفع تلك القيود ولو بعض الشيء عنهم ،و تخفيف الوطأة ولو قليلا عنهم،لاسيما بعد غيبة إمامهم ، ولو من أجل مكاسب سياسية وإعلامية، ومن باب سياسة فرق تسد.

ثامنا:تمزق الصف الشيعي و تفرقه بظهور طوائف وانقسامات ومکاتب كل يجر القرص إلى ناره، ويدعي أنه على الحق، بعد استشهاد الإمام العسكري صلوات الله عليه ، وقد ذكرنا في محله أن الشيخ المفيد رحمة الله أحصى أربع عشرة فرقة منها ، وأما المسعودي فقد عدها عشرین فرقة ، ولا نشك أن للنظام السياسي الحاكم والفرق الإسلامية الٱخرى تواطئا واضحا ودسيسة فاضحة في ظهورها ودعمها،بل في إيجادها و تأسيسها، ولهايد إجرامية طولى في إلقاء الشبهات واصطناع الظروف وتذليل السبل من أجل ذلك ،وكيف كان ، فإن هذا الانقسام والتشرذم وهذه التفرقة وإن مثلت كارثة في العمق الشيعي ، وتفريقا في صفوفه، بانحراف جماعة منهم وضلالتهم، غير أنها ربما كانت من العوامل التي ساعدت على تخفيف معاناة الشيعة،لاسيماالأخیار والقادة منهم،عملا بقوله تعالى:« مَن یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن یُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِیّاً

ص: 140

مُّرْشِداً»(1) قوله تعالى:« إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ»(2)

فرب ضارة نافعة :« وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(3)خاصة إذا علمنا أن هذه الفرق والجماعات والطوائف انقرضت وعاد أهلها إلى رشدهم،ولم يبق لهم ذكر إلا في طيات الكتب وعلى صفحاتها،ويعود الفضل في ذلك إلى علمائنا الأعلام ومتكلمينا الأجلاء،كالنوبختي وأبي عبدالله الياقطاني،وأبي عبدالله محمد الكاتب،وابن الوجناء، والصدوق ، والمفيد ، والطوسي ، والسيد المرتضى ، والكراجكي ، والنعماني ، وسلار بن عبدالعزیز ، وغيرهم من الأعلام والأوتاد ؛ لهذا كثرت في تلك الفترة بمجالس المناظرة بينهم وبين أصحاب البدع المغرر بهم من الشيعة من جهة،و بينهم وبين علماء الطوائف والمذاهب الٱخری من جهة ٱخرى، وكثرت مصنفاتهم وتأليفاتهم في هذا المجال، فأثروا

ص: 141


1- سورة الكهف : الآية 17.
2- سورة القصص : الآية 56.
3- سورة البقرة: الآية 216

المكتبات الإسلامية بما لا غنى عنه ، ولا مثيل له ، بل لا مزيد عليه،وكل من جاء بعدهم إنما حذى حذوهم ، وسار على أثرهم ، ونشأ على موائدهم ، وأكل من زادهم ، أو أكمل مسيرتهم ، وأتم خطاهم إلى يومنا هذا، فرحمة الله ورضوانه وبركاته وسلامه عليهم جميعا ، وحشرهم في أعلى منازل العليين،وأظلهم يوم لا ظل إلا ظله،وأفاض علينا بفضله وكرمه من نمير جودهم و برکات وجودهم.

تاسعا:لم تر الخلافة جدوى من سجنهم واعتقالهم وقتلهم والتنكيل بهم ؛ إذ كانت تعلم أن يد الغيب الإلهية ترعاهم ، إن لم يكن لهم بديل في القوم ، وكانت تعلم أنهم لم يتقلدوا هذا المنصب ولم يستحقوه إلا بعد علم صاحب الأمر علیه السلام بشجاعتهم وصمودهم ومثابرتهم وقدرتهم على كتمان سره،ولو قرضوابالمقاريض ، وتفديتهم إياه بالنفس والنفيس، وإمكان تبديلهم بغيرهم إن قتلوا وكان في القوم لهم مثيل ، حتى يتم وعد الله ، وكان عهد الله مفعولا.

عاشرا:ولعلها تركتهم يمارسون مهمتهم بحرية واسترخاء ، وهي تبث بينهم و تدس في صفوفهم جواسيس علهم يعثروا على دليل يهديهم ويرشدهم إلى صاحب الأمر صلوات الله عليه ، وأنت تعلم أن السلطات حين تقف حائرة عاجزة عن كشف الحقيقة وتحقيق مآربها بالممارسات القمعية والقتل والتعذيب والحبس والتشريد،

ص: 142

لاجرم تلين في سياستها ، وتعدل عن نهجها ، وتغير من استراتيجيتها ، لا سيما في مثل تلك الظروف ، أملا في أن تحصد بهذا الٱسلوب الجديد زرعا وتجني ثمارا طالما أخفقت من نيلها عن طريق الترهيب ، واستخدام ٱسلوبي الترهيب والترغيب كل بحسبه وفي ظروفه الملائمة له ، أو الأخذ بها معا في آن واحد إن اقتضى الأمر مما دأبت عليه الأنظمة السياسية على مر التاريخ ، بل لعله من سنة الحياة ، وعليه جرت سيرة العقلاء حتى في دائرة مجتمعاتهم ومحيطهم الٱسري.

الحادي عشر:وهو القطب الذي تدور عليه رحى الرسالات السماوية ، وبيت القصيد الذي تتلخص فيه أبيات القصيدة ، وتنتهي إليه كلماتها ومفرداتها،أعني العلة الغيبية ، والسبب الماورائي ، ونحن نؤمن أن الحجة يجب أن تتم على الخلائق ، واللطف يقتضي إيجاد السبل الكفيلة بإتمام نور الحجية عليهم ، فإذا اختار سبيلا لدوامه وإتمامه ، أو انحصرت لديه الوسيلة في سبيل ما لقصور ونقص في قابلية القابل لا لقصور ونقص في فاعليته ، تبارك وتعالى عن النقص والعجز والقصور - وجب أن يهيء له الظروف الملائمة الخارجةعن إرادته وقدرته لأداء رسالته ، وأن يحفظه حيث يعجز عن حفظ نفسه ، كما هو حال الأنبياء والأئمة علیهم السلام، حيث هم مکلفون

ص: 143

بأداء رسالتهم طبقا للموازين الطبيعية ، كما هم مكلفون بحفظ أنفسهم بالطرق والوسائل العادية ، فإذاٱحيط بهم وعجزوا عن القيام بذلك سقط عنهم التكليفان ، إلا أن يأتي الإمداد من عالم الغيب ، والنصرة باليد الماورائية ، وهذا الأمر لا يختص بالأنبياء والأوصياء، بل أعم من ذلك وأوسع دائرة ؛ إذ يشمل المؤمنين كافة:«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».(1)

ذكرت أن هناك جماعة ادعوا البابية والسفارة وانتحلوها كذبا وزورا، سواء أثناء الغيبة الصغرى أو بعد ذلك، فكيف كان الناس يعرفونهم، ويميزون الصادق من الكاذب؟

أن هناك دلائل وقرائن عامة واضحة الدلالة لا تختص بزمان دون زمان ترفع عنهم الملابسات والأوهام،وهناك دلائل وبراهين خاصة قاطعة اللجاج تمنع من اعتبر بها والتزمها من خطر الانجراف والانحراف،أما العامة منها فهي كالتالي:

1- حسن السيرة والسلوك والاشتهار به عند العامة والخاصة.

2-الصدق في الحديث والأمانة.

3-الورع والإخلاص والتقوی.

ص: 144


1- کشف المحجة : 39. عوالي اللثالي: 1/129 بحار الأنوار: 72/38

4- كمال العقيدة وسلامة العمل.

5- قیامه بالوظيفة المنوطة إليه،من الواسطة بين الإمام علیه السلام وشیعته ، وقضاء حوائجهم من هذه الجهة.

وأما العلامات الخاصة فهي:

1- نص الإمام علیه السلام على سفارته ، وتنصيبه له، وتعيين من قبله ، كما صنع الإمام العسكري ، بل الهادي علیهم السلام ، من تنصيب وتعيين السفير الأول في حياتهما،أي قبل زمن الغيبة، تمهيدا وتهيئة لنفوس الشيعة ، وسوقا لهم نحو ما سيؤول إليه الأمر ، كي لا يفاجأوا، ولا يتحروا فيها، من باب توصيف العلاج قبل وقوع الحدث ، وترقب الحدث قبل وقوعه، والإعداد والاستعداد له قبل حلوله ، وأيضا ما ورد في توقيع مولانا الحجة صلوات الله عليه من تنصيبهم جميعا.

2- أن يتم تعيين اللاحق وتنصيبه والإشهاد على ذلك من قبل سلفه ، فيكون السابق قد عين اللاحق وأشهد الخواص على ذلك.

3- أن يظهر ارتباطه واتصاله الصادق بالإمام علیه السلام، وظهور ذلك يتبين من خلال التوقيعات والمراسلات التي يتم استلامها وإيصالها، فالناقد البصير، وحتى الساذج من العوام ، لا جرم یکشف الصادق عن الكاذب، وييز بينها ولو بعد حين؛ إذ حبل الكذب قصير

ص: 145

مهما طال وطالت الأيام.

4_ظهور بعض الكرامات والمعجزات على يديه ، بأن يجيب السائل أحيانا قبل أن يسأل ، أو يخبره عما أخفاه عن كل أحد من الناس ، أو غير ذلك ؛ لتقوم الحجة على من شاء الله تعالى منهم ، وليس هذا على الله ببعيد ، بعد ما فضلناه من أهمية الغيبة وضرورتها، ولزوم إقامة الحجة لمن ينوب مقام صاحب الغيبة علیه السلام، ودرءا للشبهات التي قد تخلفها تلك المزاعم الباطلة الصادرة من ذوي الأهواء بين شيعتهم.

فإنا نجد أمثال هذه الكرامات والمعجزات والأخبار بالغيبيات الكثير فيما نقله المحدثون في كتبهم وآثارهم ، فمن ذلك ما قاله الحسين بن روح رضی الله عنه للراوي الذي شک فيما قاله ، هل هو من عنده أم من الإمام علیه السلام،فابتدأه الحسين بن روح قائلا:«یا محمد بن إبراهيم ، لأن أخر من السماء فتخطفني الطير، أو تهوي بي الريح في مكان سحيق ، أحب إلي من أن أقول في دين الله برأيي ، ومن عند نفسي ، بل ذلك من الأصل ، مسموع من الحجة صلوات الله عليه»(1)

ومن ذلك أيضا ما ورد في الخبر: أن ابن روح رضی الله عنه تكلم مع امرأة.

ص: 146


1- الغيبة / الطوسي: 199.

من أهل آبة بلغة قومها ، فإنها جاءت تحمل معها ثلاثماءة دینارلكي تستمها إلى السفير ، واستصحبت معها مترجما ليترجم لها،لعلمها أو ظنها أن السفير لا يعرف لغتها ، لكنه كلمها بلغتها ، بل بدأ بالسؤال عنها وعن حال صبيانها وأولادها وتفاصيل ٱخرى (1)،وهي لا تعرفه،والمظنون أيضا أنه لا يعرفها.

وكذلك إخبار السمري ، وهو أحد السفراء ، بوفاة علي بن الحسين بن بابويه القمی، والأول في بغداد والثاني بقم ، وبينها مئات الفراسخ، فكتب المشايخ تأريخ ذلك اليوم ، حتى ورد الخبر بعد أيام أنه توفي في ذات اليوم والتأريخ الذي أخبر به السفير.(2)

ومن ذلك أن أبا جعفر العمري رضی الله عنه وصله رسول من قم إلى بغداد يحمل أموالا للإمام علیه السلام،وعندما دفعها إليه وأراد الانصراف ، قال له أبو جعفر : قد بقي شيء مما استودعته ، فأين هو؟ فقال له الرجل: لم يبق شيء يا سيدي في يدي إلا سلمته، فقال له أبو جعفر:بلى قد بقي شيء فارجع إلى ما معك، وفتشه و تذكر ما دفع إليك، فضي الرجل واجتهد في البحث حتى يئس وعاد إلى أبي جعفر ،فقال له أبو جعفر:

ص: 147


1- الغيبة / الطوسی: 195.
2- الغيبة / الطوسي : 242، منتخب الأثر: 399

فإنه يقال لك:«الثوبان السردانیان اللذان دفعها إليك فلان بن فلان ، ما فعلا» ، فقال له الرجل: إي والله يا سيدي لقد نسيتها حتى ذهبا عن عقلي ، ولست أدري الآن أين وضعتها.

ثم بحث عنها حتى أعياه البحث ،فعاد إلى أبي جعفر الذي قال له هذه المرة:يقال لك امض إلى فلان بن فلان القطان الذي حملت إليه عدلي القطن ،في دارالقطن ،فافتق أحدهما ،وهو الذي مكتوب عليه كذا وكذا، فإنها في جانبه ... الخ.(1)

ومن ذلك:أن الشلمغاني لما انحرف وادعي السفارة،أرسل إلى الشيخ الحسين بن روح عليه الرحمة ،يسأله أن يباهله ، وقال : أنا صاحب الرجل - يعني الإمام المهدي علیه السلام _وقدٱمرت بإظهار العلم ، وقد أظهرته باطنا وظاهرا، فباهلني ، فأنفذ إليه الشيخ رضی الله عنه في جواب ذلك: أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم ،فتقدم العزاقري، فقتل وصلب ،وأخذ معه ابن أبي عون وذلك في سنة 323ه.(2)

وهناك الكثير من التوقيعات والمراسلات المكتوبة والمشافهة التي خرجت من ناحية االإمام علیه السلام، وفيها المعجزات والأخبار بالغيبيات

ص: 148


1- الغيبة/الطوسي: 179.
2- الغيبة/الطوسي: 187

وكانوا يبلغونها أصحابها، وبالتالي فإنها وإن كانت من قبل الإمام علیه السلام ،إلا أن في تبليغهم ووساطتهم ثم ظهور صحة ما نقلوه من مکتوب أو مقول أمكن نسبة هذه المعجزات والكرامات إليهم أيضا؛ لتكون أدلة صارمة وبراهين ساطعة على صدق ادعائهم.

ص: 149

الدرس الحادي عشر: تواقيع الإمام المهدي عليه السلام و مکاتباته -1

بسم الله الرحمن الرحیم

وامتازت فترة الغيبة الصغرى بالإضافة إلى السفراءالأربعة،

بأمور منها إمكان الارتباط والمشاهدة في حدود ضيقة للخواص من شيعته،ومنها خروج التوقيعات والمكاتبات من ناحيته المقدسة إلى شيعته عبر سفرائه والإجابة على أسئلتهم ورسائلهم.

فيجب أن نعلم أن ما خرج من التوقيعات في تلك الفترة -أعني الغيبة الصغری - كانت تمتاز بٱمور:

أولا:أنها كانت جميعا بخط واحد،هو خط مولانا الإمام الحسن العسكري علیه السلام، والسر في ذلك أن الإمام علیه السلام لما كان غائبا عن شيعته فكان من الضروري جدا أن یکاتبهم بطريقة مألوفة عندهم،معروفة في أوساطهم، وأفضل طريق يثق به شیعتهم لاعتيادهم عليه خلال

ص: 150

فترة إمامة الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام،حيث بدأت طريقة المكاتبة والمراسلة بين الإمامين عليهم السلام وشيعتهم؛ لانقطاع الشيعة عنها وحيلولة النظام الحاكم بينهم وبين إمامهم.

أقول:أفضل طريق لاطمئنان قلوب الشيعة بأن ما يخرج إليهم إنما هو من إمام زمانهم،هو ما صنعه مولانا القائم صلوات الله عليه في اتخاذ خط أبيه الذي اشتهر لدى الشيعة حينذاك للاتصال بشيعته ، وبث الاطمئنان في قلوبهم، ليقطعوا بأن ما يخرج إليهم إنما هو صادر من إمام زمانهم، ولا يسري الشك إليهم فيما نسب إليه علیه السلام(1)وهذا التعمد من الإمام صاحب الأمر علیه السلام جاء لمصلحة شیعته بترسيخ روح الإيمان واليقين فيهم،إذن كانت التوقيعات والمراسلات جميعها بخط واحد طيلة الغيبة الصغرى حتى نسب الخط إليه علیه السلام ، فكان يقال:إن هذا التوقيع بخط مولانا صاحب الدار.(2)

ثانيا:أنها كانت عبارة عن کلمات قصار مختصرة مفيدة تخبر عن حقائق،أو تأمر بأشياء، أو تجيب عن سؤال، أو جملة من الأسئلة الواردة عليه في أي حقل من الحقول الفقهية أو الاجتماعية أو السياسية أو غيرها،وستتضح هذه الأقسام عند استعراضنا

ص: 151


1- الغيبة/الطوسي: 216.
2- الغيبة/الطوسي: 216.

تلك البيانات إن شاء الله تعالى في هذا الفصل.

ثالثا:أنها لم تخرج إلى أصحابها مباشرة ، بل كانت تخرج بواسطة السفيرالذي يتولى النيابة الخاصة عنه علیه السلام، فكان خروجها من مهام السفراء الأربعة كل من موقعه وخلال فترة سفارته.

رابعا:أنها عندما كانت عبارة عن ردوإجابة على أسئلة شیعته ، كانت تصدر أحيانا في اليوم ذاته الذي تم تسليم الكتاب فيه إلى السفير ، بل ربما جاء الرد والمداد رطب لم يجفت به،أو جاء الجواب مكتوبا كالبرق الخاطف،فيرى الجواب مكتوبا على الورقة قبل أن يسلم الكتاب إلى السفير،وكانت الردود والإجابات في العادة تستغرق يومين أو ثلاثة أو حتى أياما، وسيتضح ذلك في هذا الفصل إن شاء الله تعالى.

خامسا:أن التوقيع وإن كان عادة يطلق على المكاتبات الخطية والرسائل المكتوبة، إلا أنها كانت تخرج أحيانا شفوية يبلغها السفير لأصحابها ، وكان يطلق عليها التوقيع أيضا، فالتوقيعات المشار إليها هنا أعم من المراسلات الشفوية والخطية.

سادسا: سيأتي إن شاء الله تعالى أن السفير ربما دون جملة من الأسئلة في ورقة واحدة وأوصلها إلى الإمام، أو كانت الإجابة

ص: 152

علی الأسئلة المتفرقة ترد من الناحية المقدسة دفعة واحدة وفي ورقة موحدة.

ولا ننسى أخيرا أن نحيط القارئ الكريم علما بأنه علیه السلام ماکان يجيب عن كل ما يرد عليه من الأسئلة ، وما كان يرد على جميع ما یرده من مراسلات ، بل هناك رسائل وأسئلة وجهت إليه أرواحنا فداه ما استلم أصحابها الرد والجواب ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى بتصريع أولئك وإقرارهم.

ويمكن تلخيص تلك التوقيعات تحت العناوين التالية:

1- تعيين السفير،أو تأییده.

2- تنبيه السفراء وتحذيرهم من المؤامرات والدسائس التي

تحاك ضدهم، سواء من الأنظمة والخلفاء أو من غيرهم.

3- الدعاء لمن سأله قضاء حاجته بالدعاء وإخبارهم عن قضاء حوائجهم.

4-عدم الإذن لمن استئذنه بالسفر.

5-منع عازم للسفر إلى الحج وإخباره بأنه سيحج من قابل

6- الدعاء للمريض بالشفاء. 7-الدعاء لجمع شمل الزوجين.

ص: 153

8- طلب الولد لمن سأله ذلك 9-اخبار السفير بدنو أجله. 10- تعزية السفير عند فقد أبيه.

11-تعزية الشيعة ببعض خواصه 12_إخبارالسفير بانقطاع السفارة من بعده، وبدء الغيبةالكبرى،ونهيه عن تنصيب من ينوب عنه.

13_الإخبار بامتناع المشاهدة قبل الصيحة وخروج السفياني. 14 - الأمر بتكذيب من يدعي المشاهدة في الغيبة الكبرى.

وستتضح هذه العناوين عند استعراضنا لتلك التواقيع ، وهي كالتالي:

1- توقيعه علیه السلام في العفو عن عمه جعفر،والتجاوز عن تقصيره، وقد خرج على يد السفير الثاني، وفيه: «وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف علیه السلام... الخ).(1)

2-توقيعه علیه السلام إلى سفيره الثاني - محمد بن عثمان بن سعيد_يعزیه بأبيه السفير الأول _عثمان بن سعيد – رضی الله عنهما:«إنا لله وإنا إليه راجعون

ص: 154


1- الغيبة/الطوسي: 290. الاحتجاج:2/283

تسليما لأمره، ورضى بقضائه ،عاش أبوك سعيدا ومات حميدا ،فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه علیهم السلام، فلم يزل مجتهدا في أمرهم، ساعيا فيما يقربه إلى الله عز وجل وإليهم، نضر الله وجهه وأقال عثرته.(1)

وجاء فيه أيضا:«أجزل الله لك الثواب ، وأحسن لك العزاء، رزیت ورزينا ، وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسره الله في منقلبه ، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولدة مثلك ، يخلفه من بعده ، ويقوم مقامه بأمره، ويترحم عليه ، وأقول: الحمد لله ، فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله تعالى فيك وعندك ، أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك ، وكان لك وليا وحافظا وراعیا وكافيا. (2)

3- توقيعه علیه السلام عن السفير الثاني رضی الله عنه،وفيه: «لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضی الله عنه وأرضاه وأنضر وجهه ، يجري عندنا مجراه، ويسد مسده ، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل ...)(3)

4-التوقيع الذي أثنى فيه صلوات الله عليه على سفيره الثالث

ص: 155


1- الغيبة/الطوسی: 220 - 221.
2- الغيبة / الطوسی: 220 - 221.
3- الغيبة/الطوسی: 220.

الحسين بن روح رضی الله عنه، وفيه:«عرفه الله الخير كله ورضوانه، وأسعده بالتوفيق ، وقفنا على كتابه ، وثقتنا بما هو عليه ، وإنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه ، زاد الله في إحسانه إليه،إنه ولي قدير، والحمد لله لا شريك له ، وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.(1)

5- التوقيع الذي خرج ابتداء من غير سؤال،وفيه:«أما السكوت والجنة ، وأما الكلام والنار ، فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه ، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه. (2)

6- التوقيع الذي خرج من ناحيته المقدسة ردا على طلب الدعاء من زوج فارقته زوجته ، وكانت بينها الكثير من المشكلات ، وفيه:والزوج والزوجة فأصلح الله ذات بينهما ، فسهل الله له نقل زوجته بأيسر كلفة،وأقامت معه سنین كثيرة ، وأنجبت منه أولادا. (3)

7- وأن شخصا خرج به ناسور، فعرضه على الأطباء وأنفق في التداوي عليه مالا،فلم يجد فيه شيئا، فكتب رقعة إلى الإمام علیه السلام

ص: 156


1- الغيبة/الطوسی: 228.
2- الغيبة / الطوسی: 222.
3- الغيبة / الطوسی:197,186.

يسأل فيها الدعاء ، فخرج التوقيع إليه قائلا:«ألبسك الله العافية،وجعلك معنا في الدنيا والآخرة.(1)

8-ومن ذلك أن القاسم بن العلا، وهو من الوكلاء في آذربيجان ولد له عدة بنين ، فكان يكتب إلى المهدي علیه السلام يسأل الدعاء لهم، فلا يجاب بشيء في أمرهم ، فماتوا كلهم،فلماولد له ولده الحسين ، كتب يسأل الدعاء له،فٱجيب إلى ذلك ، وبقي ابنه في الحياة. (2)

9-ومنه أن رجلا يمانیا كان في بغداد،فأراد الخروج مع قافلة إلى اليمن،فكتب إلى الإمام علیه السلام يستأذنه في الخروج،فخرج التوقيع قائلا:«لا تخرج معهم،فليس لك في الخروج معهم خيرة،وأقم بالكوفة. (3)

10-توقيعه علیه السلام فی أحمد بن هلال الكرخي الذي ادعى السفارة ، جاء فيه: «قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنع ابن هلال _لا رحمه الله – بما قد علمت ، ولم يزل - لا غفر الله ذنبه ولا أقال عثرته - بداخلنا في أمرنا بلا إذن منا ، ولا رضى يستبد برأيه فتحامی دیوننا، لا يمضي من أمرنا إياه إلا بما يهواه ويريده، أرداه الله في

ص: 157


1- الإرشاد: 332.
2- الإرشاد: 331.
3- الإرشاد: 332.

ذلك في نار جهنم ، فصبرنا عليه حتى بتر الله بدعوتنا عمره، وكنا قد عرفنا خبره قوما من موالينا في أيام - لا رحمه الله - وأمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخاص من موالينا ، ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال ، لا رحمه الله ولا ممن لا يبرأ منه ، وأعلم الإسحاقي سلمه الله وأهل بيته بما أعلمناك من حال هذا الفاجر ، وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده والخارجي ، ومن كان يستحق أن يطلع على ذلك ، فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما روی عنا ثقاتنا، قد عرفوا بأننا نفاوضهم بسرنا ونحمله إياه إليهم ، وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء الله تعالی.(1)

11-وخرج في مذمته توقيع آخر يقول:«لا شكر الله قدره ، لم يدع المرزعة بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه ، وأن يجعل ما من به عليه مستقرة، ولا يجعله مستودعا، وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان لعنه الله وخدمته وطول صحبته ، فأبدله الله بالإيمان كفرا، حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة،ولم يمهله،والحمد لله لا شريك له ،وصلى الله على محمد وآله وسلم.(2)

12-وتوقيع خرج يذم الشلمغاني ،جاء فيه:«إن محمد بن علي

ص: 158


1- رجال الكشي: 450
2- رجال الكشي: 450

المعروف بالشلمغاني،وهو ممن عجل الله له النقمة،ولا أمهله،قد ارتد عن الإسلام وفارق ، وألحد في دين الله،وادعی ما کفر معه بالخالق جل وعلا،وافتری كذبا وزورا،وقال بهتانا وإثماعظيمة،كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا، وخسروا خسرانا مبينا،وإننا قد برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله وآله صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم ، منه، ولعناه،عليه لعائن الله تترى من الظاهر والباطن في السر والعلن ، وفي كل وقت ، وعلى كل حال ، وعلى من شایعه وتابعه أو بلغه هذا القول منا ، وأقام على توليه بعده ، وأعلمهم أننا من التوقي والمحاذرة منه على ما كنا عليه من تقدمه من نظرائه من الشريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم،وعادة الله عندنا جميلة،وبه نثق،وإياه نستعین ، وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل. (1)

13-وحين ظهر انحراف الشلمغاني وشك الناس في التوقيعات التي كانت قد خرجت إليهم وكاتبوا الإمام علیه السلام يسألونه عن حالها،خرج إليهم التوقيع التالي:«بسم الله الرحمن الرحيم،قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمنته،فجميعه جوابنا،ولا مدخل للمخذول

ص: 159


1- الغيبة/الطوسي:252 – 254

الضال المضل المعروف بالعزاقري لعنه الله ، في حرف منه ، وقد كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن بلال وغيره من نظرائه،وكان من ارتدادهم عن الإسلام مثل ما كان من هذا عليهم لعنة الله(1)

ص: 160


1- الغيبة / الطوسي : 228

ص: 161

الدرس الثاني عشر: تواقيع الإمام المهدي عليه السلام و مکاتباته-2

بسم الله الرحمن الرحیم

14-وهذا توقيع خرج إلى بعض شیعته حين اختلفوا وتنازعوا في ولادته وحياته علیه السلام:

«بسمم الله الرحمن الرحيم

عافانا الله وإياكم من الضلالة والفتن،ووهب لنا ولكم روح اليقين،وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب أنه ٱنهي إلى ارتياب جماعة منكم في الدين ،وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة ٱمورهم، فعمنا ذلك لكم لا لنا ، وساءنا فيكم لا فينا؛لأن الله معنا ولا فاقة بنا إلى غيره ، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا،ونحن صنائع ربنا،والخلق بعد صنائعنا.

یاهؤلاء،ما لكم في الريب تترددون،وفي الحيرة تنعكسون ؟

ص: 162

أو ما سمعتم الله عز وجل يقول :«یاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(1) أوما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم عن الماضين والباقين منهم علیهم السلام؟أوما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها ، وأعلاما تهتدون بها من الدن آدم علیه السلام إلى أن ظهر الماضي علیه السلام ، كلما غاب علم بدا علم،وإذا أفل نجم طلع نجم؟ فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله تعالى أبطل دينه،وقطع السبب بينه وبين خلقه،كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة،ويظهر أمر الله سبحانه وهم کارهون.

وإن الماضي علیه السلام مضي سعيدا فقيداعلى منهاج آبائه علیهم السلام حذوالنعل بالنعل،وفينا وصيته وعلمه، ومن هو خلفه ومن هو يس مسده ، لا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا جاحد کافر ، ولولا أن أمر الله تعالى لا يغلب ، وسره لا يظهر ولا يعلن،لظهر لكم من حقنا ما تبين منه عقولكم،ويزيل شكوکكم،لكنه ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب.

فاتقوا الله وسلموا لنا،وردوا الأمر إلينا ، فعلينا الإصدار كما كان مناالإيراد،ولا تحاولوا كشف ما غطی عنكم ولا تميلواعن

ص: 163


1- سورة النساء:الآية 59.

اليمين ،وتعدلوا إلى الشمال ، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة ، فقد نصحت لكم ، والله شاهد علي وعليكم ، ولولا ما عندنا من محبة صلاحکم ورحمتكم ، والإشفاق عليكم ، لكنا عن مخاطبتكم في شغل فيما قد امتحنا به من منازعة الظالم العتل الضال المتتابع في غيه،المضاد لربه،الداعي ما ليس له،الجاحد حق من افترض الله طاعت،الظالم الغاصب.

وفي ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ٱسوة حسنة وسیردي الجاهل رداءة عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار ، عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء ، والآفات والعاهات كلها برحمته ، فإنه ولي ذلك والقادر على ما يشاء ، وكان لنا ولكم وليا وحافظا ، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته،وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما. (1)

15-وكتب صلوات الله عليه في الرد على ادعاء عمه جعفر الإمامة بعد أخيه الإمام العسكري علیه السلام:

« بسم الله الرحمن الرحيم

أتاني كتابك أبقاك الله، والكتاب الذي أنفذته درجه وأحاطت

ص: 164


1- الغيبة/الطوسي: 285- 287.

معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه، وتكرر الخطأ فيه،ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه ، والحمد لله رب العالمين حمدة لا شريك له على إحسانه إلينا ، وفضله علينا،أبي الله عز وجل للحق إلا إتماما ، وللباطل إلا زهوقا ، وهو شاهد علي بما أذكره ، ولي عليكم بما أقوله ، إذا اجتمعنا ليوم لا ريب فيه ويسألنا عما نحن فيه مختلفون ، إنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعة إمامة مفترضة ، ولا طاعة ولا ذمة ، وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله تعالی.

ياهذا، يرحمك الله إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ، ولا أهملهم سدی ، بل خلقهم بقدرته ، وجعل لهم أسماعاوأبصارأ وقلوبا وألبابا ، ثم بعث إليهم النبيين علیهم السلام مبشرين ومنذرين ، يأمرونهم بطاعته ، وينهونهم عن معصيته ، ويعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم ، وأنزل عليهم كتابة ، وبعث إليهم ملائكة يأتين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم ، وما آتاهم من الدلائل الظاهرة ، والبراهين الباهرة ، والآيات الغالبة.

فمنهم من جعل النار عليه بردا وسلاما واتخذه خليلا ، ومنهم من کلمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا، ومنه من أحيي الموتى

ص: 165

بإذن الله ، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ، ومنهم من علمه منطق الطير وٱوتي من كل شيء ، ثم بعث محمدا صلی الله علیه و آله رحمة للعالمين ، وتمم به نعمته ، وختم به أنبياءه ، وأرسله إلى الناس كائة ، وأظهر من صدقه ما أظهر ، وبين من آیاته وعلاماته ما بين .

ثم قبضه صلی الله علیه و آله و سلم حمیدا فقیدا سعیدا، وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب علیه السلام، ثم إلى الأوصياء من ولده واحدا واحدا ، أحيی بهم دينه ، وأتم بهم دينه ، وأتم بهم نوره ، وجعل بينهم وبين إخوانهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقان بينا يعرف به الحجة من المحجوج ، والإمام من المأموم.

بأن عصمهم من الذنوب ، وبرأهم من العيوب ، وطهرهم من الدنس، ونزههم من اللبس ، وجعلهم څزان علمه ، ومستودع حكمته ، وموضع سره، وأيدهم بالدلائل ، ولولا ذلك لكان الناس على سواء ولادعى أمر الله عز وجل كل أحد، ولما عرف الحق من الباطل ، ولا العالم من الجاهل.

وقد ادعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادعاه ، فلا أدري بأية حالة هي له رجاء أن يتم دعواه ، أبفقه في دين الله ؟ فوالله ! ما يعرف حلالا من حرام،ولا يفرق بين خطأ وصواب،

ص: 166

أم بعلم فما يعلم حقا من باطل ، ولا محكما من متشابه ، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها،أم بورع فالله شهید علی ترکه الصلاة الفرض أربعين يوما، يزعم ذلك لطلب الشعوذة ، ولعل خبره قد تأذى إليكم ، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة ، وآثار عصيانه لله عز وجل مشهورة قائمة ، أم بأية فليأت بها،أم بحجة فليقمها ، أم بدلالة فليذكرها.

قال الله عز وجل في كتابه:

بسم الله الرحمن الرحیم

«حم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ .قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ(1)

فالتمس تولی الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك، وامتحنه

ص: 167


1- سورة الأحقاف :الآيات 1-6

وسله عن آية من كتاب الله يفسرها أو صلاة فريضة يبين حدودها وما يجب فيها ،لتعلم حاله ومقداره،ويظهر لك عواره ونقصانه،والله حسيبه.

حفظ الله الحق على أهله،وأقره في مستقره،وقد أبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين علیهما السلام، وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق ، واضمحل الباطل ، وانحسرعنكم،وإلى الله أرغب في الكفاية،وجميل الصنع والولاية،وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلى الله على محمد وآل محمد.(1)

16-وحين سأله إسحاق بن يعقوب عن مسائل ، ورد الجواب بخط مولانا صاحب الدارعلیه السلام: «أما ما سألت عنه أرشدك الله ، وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا ، فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني ، وسبيله سبيل ابن نوح علیه السلام.

وأما سبيل عمي جعفر وولده ، فسبيل إخوة يوسف على نبينا وآله وعليه السلام.

وأماالفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب.

ص: 168


1- الغيبة/ الطوسي: 287 - 290.

وأماأموالكم فما نقبلها إلا لتطهروا فمن شاء فليصل،ومن شاء فليقطع ، فما آتانا الله خير مما آتاكم.

وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله عز وجل،كذب الوقاتون.

وأما قول من زعم أن الحسین علیه السلام لم يقتل،فكفر وتكذيب وضلال.

وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليكم.

وأما محمد بن عثمان العمري رضی الله عنه، وعن أبيه من قبل،فإنه ثقتي وكتابه کتابي.

وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شه.

وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر،وثمن المغنية حرام.

وأما محمد بن شاذان بن نعيم فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت.

وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فإنه ملعون وأصحابه ملعونون ، فلا تجالس أهل مقالتهم وائي منهم بريء وآبائي علیهم السلام منهم براء.

وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما

ص: 169

يأكل النيران.

وأما الخمس فقد ٱبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهورأمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.

وأماندامة قوم قد شكوا في دين الله على ما وصلونا به،فقد أقلنامن استقال ولا حاجة لنا في صلة الشاکین.

وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول :« یا أَیهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْیاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(1)إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.

وأما وجه الانتفاع في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غبتها عن الأبصار السحاب ، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، فاغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإن ذلك فرجكم ، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب ، وعلی من اتبع الهدی).(2)

17-وجاء في توقيع آخر ردا على ما اختلف عليه بعض الشيعة

ص: 170


1- سورة المائدة: الآية 101.
2- الغيبة/الطوسي: 290 – 293

في الخلق والرزق:«إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام ، وقسم الأرزاق ؛ لأنه ليس بجسم ، ولا حال في جسم ، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، وأما الأئمة علیهم السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألونه فيرزق ، إيجابا لمسألتهم ، وإعظاما لحقهم».(1)

18-وكتب إلى علي بن الحسين بن بابويه الصدوق ، والد الصدوقين ، حين سأله الدعاء أن يرزقه الله أولادا فقهاء:« إنك لا ترزق من هذه،وستملك جارية ديلمية،وترزق منها ولدین فقيهين ».(2)

وقد رزقه الله تعالى بعد ذلك الصدوقين عليها الرحمة .

ص: 171


1- الغيبة / الطوسی: 293 - 294.
2- الغيبة/الطوسي : 308، الحديث 261.

الدرس الثالث عشر: دعاة السفارة - 1

بسم الله الرحمن الرحیم

« کَذَلِکَ جَعَلْنَا لِکُلِّ نَبِىٍّ عَدُوّاً شَیَطِینَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ«(1)

ما مضت السنون طويلا على الغيبة الصغرى حتى برزت ظاهرة جديدة للعيان ، وظهرت حركة الانتهازيين من أئمة الضلال ، المصطادين في الماء العكر ، لتبتلي الطائفة الملحقة بجملة من طالبي الزعامة باسم الدين ، والرئاسة على العوام ، ممن غرتهم الدنيا وحب الجاه والمقام ، ومن كانت لهم أهداف مشؤومة، وغايات شيطانية أخرى ، كالتآمر لبت الفرقة والخلاف والشقاق بين صفوف أهل الحق ، كما هو المعتاد من صراع الحق والباطل،وخصومة أهل

ص: 172


1- سورة الانعام:112.

الباطل لأهل الحق،للنيل منهم ،ومن مبادئهم الحقة،وهي ظاهرة دعاة السفارة،وحركة تزوير النيابة الخاصة ممن حاولوا التلبس بهذا المنصب الشريف كذبا وزورا ، و ممن سعوا إلى تقمص هذا المقام الرفيع،منافسين بدعاواهم الباطلة ، ومزاعمهم الزائفة ، أصحاب السفارة الملحقة،والمحقين من سفراء مولانا بقية الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه،وهو ليس غريبا إذ علمنا أنه ما من حق إلا وفي وجهه باطل يعاديه ويصد عنه ، ومن الملفت أن مثل هذه الدعاوى لم يكن لها أثر في عهد السفير الأول - الشيخ عثمان العمري رحمة الله - وإنما ظهرت منذ عهد ثاني السفراء وهو ابنه الشيخ محمد بن عثمان العمري رحمة الله، كما حدثتنا كتب التاريخ والسيرة والحديث،وذلك للأسباب التالية:

1-كون أصل موضوع السفارة بهذه الكيفية الخاصة في غياب المعصوم عليه السلام ظاهرة جديدة،وفكرة مستحدثة لم يسبق لها مثيل ، وعدم اعتیاد الناس عليه.

2-قوة شخصية السفير الأول وارتباطه الوثيق بالإمامين الهادي والعسكري علیهم السلام.

3- معرفة الشيعة بمكانته الرفيعة عند الإمامين العسكريين علیهما السلام.

4-قرب عهده بزمن الحضور.

5-قصر مدة سفارته.

ص: 173

6-جدية السلطة في البحث عن المهدي علیه السلام،ومطاردته ومطاردة كل من يمت إليه بصلة.

7-عدم وجود الإغراءات الدنيوية في تلك الفترة حول السفارة کي يسيل لعاب الطامعين.

8- حاجة مدعي السفارة إلى قاعدة شعبية ينطلق منها،وإعدادها يفتقر إلى فترة من الزمان و ملائمة الظروف.

فوجود تلك الموانع،بالإضافة إلى عدم وجود ما يقتضي دعوى السفارة ؛ لعدم وضوح الرؤية ، وما تترتب عليه من منافع و مصالح حالت دون ظهور تلك المزاعم على عهد السفير الأول.

ونحن نستعرض أسماء من ادعوا السفارة عبر التاريخ ، وموجزا عن حياتهم بناء على ما أثبتته كتب التاريخ والسيرة والحديث ، وهم على النحو التالي:

1-أبو محمد الحسن الشريعي:

كان من أصحاب أبي الحسن الإمام الهادي علیه السلام، ثم أصبح من أصحاب الإمام أبي محمد الحسن العسكري علیه السلام، وهو أول من انحرف من الأصحاب عن جادة الصواب ، واخذ سئم التزوير ليدعي ما ليس له ، ويبتدع طريقة البابية المزورة کذبا ودجلا، ظنا منه أنه المؤهل المنصب السفارة بالأولوية،وافترى على أئمة

ص: 174

الهدی علیهم السلام،لا سیما على صاحب الأمر صلوات الله عليه ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم، ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد، فخرجت ضده التواقيع من الناحية المقدسة تلعنه وتتبرأ منه، وتأمر الشيعة بلعنه والبراءة منه ، فعلنته الشيعة وتبرات منه.(1)

2-محمد بن نصير النميري (2)و الفهری:(3)

وكان من أصحاب الإمام االعسكری علیه السلام ، فانحرف أيضا، وادعي السفارة زورا وبهتانا ، فكتب الإمام العسكري علیه السلام كتابا ضده وضد شخص آخر يدعى ابن بابا القمی واسمه الحسن بن محمد ، يكشف فيه انحرافها ، ويظهر البراءة منها، قائلا لأحد أصحابه:«أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمی فابرأ منهما،فإني محذرك وجميع موالي، وإني ألعنها ، عليها لعنة الله ، مستأكلين ، يأكلان بنا الناس ...الخ»(4)

وكان يدعي أنه رسول نبي ، وأن علي بن محمد الهادي علیه السلام أرسله،وكان يغلو في أبي الحسن الهادي علیه السلام، ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بالتناسخ ، وإباحة المحارم،و تحلیل نکاح الرجال للرجال. وتبعه

ص: 175


1- الغيبة / الطوسی: 244.
2- الغيبة / الطوسی: 244.
3- رجال الكشي: 438
4- رجال الكشي: 438

في ذلك جماعة ستموا بالنميرية(1)

أحمد بن هلال الكرخي 180 المبرتائي (2)،180_267ه:

وقد عاصر الإمام الرضا والجواد والعسكريين صلوات الله عليهم، وعاصر الغيبة الصغرى لسبع سنين ،ادعى السفارة خلالها ، له كتاب يوم وليلة ، وكتاب النوادر (3) اتخذ مسلك التصوف ، وحجة أربعة وخمسين حجة ، عشرون منها على قدميه ،لقيه أصحابنا بالعراق وكتبوا عنه.(4)

كان صالحا ولم يدع السفارة في عهد السفير الأول ، وإنما ادعاها في زمن السفير الثاني ، وأنكر النص عليه بالسفارة ، وإن اعترف بالنص على أبيه عثمان بن سعيد عليهما الرحمة والرضوان.(5)

ذمه الإمام العسكري علیه السلام على ما روي عنه(6)، ومن بعده ذمه مولانا صاحب الأمر علیه السلام،فكتب إلى وكلائه بالعراق:

ص: 176


1- انظر: غيبة الطوسي: 244. رجال الكشي : 438. فرق الشيعة : 93.مروج الذهب 4/213.3-
2- رجال النجاشي :65. رجال الكشي : 449.
3- رجال النجاشي: 65.
4- رجال الكشي: 449.
5- الغيبة/ الطوسي: 245
6- رجال النجاشي: 65.

«احذروا الصوفي المتصنع»، وورد على القاسم بن العلاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال،ولما أنكر رواة أصحابنا بالعراق ذلك لروايتهم عنه،خرج التوقيع التالي من ناحيته المقدسة:«قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنعابن هلال لا رحمه الله بما قد علمت ، ولم يزل - لا غفر الله ذنبه، ولا أقال عثرته ...الخ(1)،وتقدم في قسم التواقيع بحمد الله تعالى ، ولما عاد جماعة منهم إلى إنكارهم ذلك على القاسم بن العلاء، خرج إليهم توقيع آخر من الناحية المقدسة بما نصه:«لا شكر الله قدره ... الخ ، وتقدم أيضا في قسم التواقيع بحمد الله تعالى.(2)

وحين لم يكف أتباعه عن الاعتقاد به والدعوة إليه خرج توقيع ثالث ضده على يد الشيخ أبي القاسم بن روح رحمةالله بلعنه والبراءة منه. (3)

4-محمد بن علي بن بلال، المعروف بأبي طاهر البلالي: (4)وهو أيضا كان من أصحاب الإمام العسكري علیه السلام،وعده ابن طاووس رحمة الله من السفراء الموجودين في الغيبة الصغرى ،والأبواب المعروفين،وظاهره کونه بمنزلة القاسم بن العلاء والأشعري.

ص: 177


1- رجال الكشي: 450.
2- رجال آلکسی:450.
3- الغيبة/ الطوسي: 245
4- الغيبة/ الطوسي: 245

والأسدي ونحوهم من الوكلاء في الوثاقة والجلالة(1)غير أن الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه ذكره في المذمومين متن ادعوا البابية والسفارة الخاصة ، ولهذا توقف العلامة الحلي و عن مروياته.(2)

قال شيخ الطائفة طيب الله ثراه:«وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري نظر الله وجهه ، وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام ، وامتناعه من تسليمها، وادعاؤه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه ، وخرج فيه من صاحب الزمان ما هو معروف ، ثم أورد قصته مع العمري رضی الله عنه و مفضلا».ولم تفلح محاولات أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رضی الله عنه في ردعه و تقویم انحرافه. (3)

5-ومنهم أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان،المعروف بالبغدادي:

وهو ابن أخي جعفر العمري - السفير الثاني – رضی الله عنه ، وحفيد السفير الأول عثمان بن سعيد العمري ، قال شيخ الطائفة قدس الله سره

ص: 178


1- جامع الرواة: 1/153.الخلاصة: 69.
2- الخلاصة:69.
3- الغيبة/ الطوسي:400

في الغيبة:«وأمره في قلة العلم والمروة أشهر من أن يذكر»(1)، وقال عنه:«كان معروفا لدى عمه أبي جعفر العمري بالانحراف ، ولم يكن معروفا لدى بعض أصحابه، ولهذا حين دخل على أبي جعفر وبعض أصحابه وهم يتذاكرون أحاديث أهل البيت عطار علیهم السلام ،بصر به أبو جعفررضی الله عنه،وقال للجماعة مشيرا إليه:«أمسكوا، فإن هذا الجائي ليس من أصحابكم. (2)

ممن صحبه وتبعه في دعواه المزعومة:أبو دلف محمد بن المظفر الكاتب ، وقد كان في ابتداء أمره مخمسا مشهورا بذلك ، والخمسة جماعة من الغلاة ذهبوا إلى القول بأن الخمسة:سلمان وأبا ذروالمقداد وعمار وعمرو بن ٱمية هم الموکلون بمصالح العالم من قبل الرب جل وعلا، لأنه كان تربية الكرخیین وتلميذهم وصنيعهم،وكان الكرخيون مخمسة.

وكان يقول:نقلني سيدنا الشيخ الصالح قدس الله روحه ونور ضريحه عن مذهب أبي جعفر الكرخي إلى المذهب الصحيح،يعني أبابكر البغدادي.(3)

ص: 179


1- الغيبة/الطوسي: 255.
2- الغيبة / الطوسي: 256
3- الغيبة/الطوسي: 256.

6- الباقطاني:

وكان شيخا مهيبا ذا أموال وغلمان وفرس کثیر.(1)

7-إسحاق الأحمر:

وكان شابا نظيفا،أكثر مالا وفرسا و غلمانا من الباقطاني. (2)

ص: 180


1- بحار االأنوار13/79و51/301
2- بحار االأنوار13/79و51/301

ص: 181

الدرس الرابع عشر: دعاة السفارة_2

بسم الله الرحمن الرحیم

8- محمد بن علي الشلمغاني:

نسبة إلى قرية شلمغان بنواحي واسط(1)،المعروف بابن أبي االعزاقری،أو العزاقري،وكنيته أبو جعفر،قال عنه الشيخ والنجاشي:كان شيخا مستقيم العقيدة والسلوك، صالحا (2)،متقدما في أصحابنا(3)،وكان وكيلا عن الشيخ أبي القاسم بن روح رضی الله عنه عند استتار الشيخ من المقتدر العباسي وأزلامه،

ص: 182


1- الکامل فی التاریخ:6/241
2- الغيبة/الطوسي : 183. رجال النجاشي: 293. فهرست الشيخ : 173.
3- رجال النجاشی:293.

وكان الناس يقصدونه ، ويلقونه في حوائجهم ومهماتهم ، وكانت تخرج على يده التوقيعات من صاحب الأمر صلوات الله عليه عن طريق ابن روح الی رضی الله عنه(1)، وله كتب عديدة حال استقامته،منها:کتاب التكليف (2)ومنها كتاب التأديب(3) وكتاب الغيبة(4)،وكتاب االأوصيا(5)، وله كتب أخرى ذكرها النجاشي في رجاله (6)لم يعلم هل كتبها حال استقامته أو بعد انحرافه.

ولكن أخرج الشيخ في الغيبة عن أبي علي محمد بن همام،أنه وزع توقيع مولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه في لعن الشلمغاني على المشايخ،وأنه قال:إن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط بابا وکيلا- إلى أبي القاسم، ولا طريقا له ، ولا نصبه أبو القاسم لشيء من ذلك على وجه،ولا سبب ، ومن قال بذلك فقد أبطل

ص: 183


1- الغيبة/الطوسی: 183 - 184.
2- الفهرست: 173.
3- الغیبة/الطوسی:240
4- .الغيبة / الطوسی: 208.
5- .الغيبة / الطوسی: 294.
6- راجع،رجال النجاشي : 293. فهرست الشيخ : 173. رجال الشيخ: 512.الكامل في التاريخ :6/241.

-أي قال بالباطل-وإنما كان فقيها من فقهائنا ،خلط ، وظهر عنه ما ظهر ، وانتشر الكفر والإلحاد عنه ، فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة ممن تابعه و شایعه وقال بقوله.

ولعله توهم بن همام ذلك،أولا :لعدم المنافاة بين الوكالة حال الاستقامة،وبين الانحراف المتأخر.(1)

ثانيا:وأن النقل بثبوت الوكالة له أكثر،وعند الأصحاب أشهر.قالوا:ثم إنه حمله الحسد لأبي القاسم بن روح على ترك المذهب ،والدخول في المذاهب الرديئة، وظهرت منه مقالات منكرة،وأصبح غاليا، يعتقد بالتناسخ وحلول الٱلوهية فيه(2)410،وله دعاوی أخر باطلة.

فلما بلغ ذلك أبا القاسم رضی الله عنه كتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه و ممن تابعه على قوله وأقام على توليته...الخ.(3)

كما كتب رضی الله عنه إلى بني نوبخت يأمرهم بلعن أبي جعفر الشلمغاني،والبراءة منه وممن تولاه ورضي بقوله أو كلمه،ثم ظهر توقيع

ص: 184


1- الغيبة/الطوسي: 250.
2- الغيبة /الطوسي : 405،397 -
3- الغيبة/ الطوسي : 249

من مولانا صاحب الأمر علیه السلام يلعن فيه أبا جعفر الشلمغاني ويتبرأ منه وممن تابعه وشایعه ، ورضي بقوله ، وأقام على توليه ، بعد المعرفة بهذا التوقيع(1)و تقدم في قسم التوقيعات بحمد الله تعالى.

ثم إنه بلغ به الأمر حتى طالب أن يباهل الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح رضی الله عنه قال الشيخ:«فبلغ ذلك إلى الخليفة الراضي العباسي فأمر بالقبض عليه وقتله ، فقتل عام 322ه،وٱحرق بالنار وجماعة من أتباعه،واستراحت الشيعة منه»(2)

9- الحسين بن منصور الحلاج:

وهو صوفي مشهور،فإنه حاول أن يستغوي أبا سهل بن إسماعيل بن علي النوبختي رضی الله عنه، ظنا منه أنه ممن تنطلي عليه هذه الأباطيل، وقد فضحه النوبختي رحمة الله في بغداد،والشيخ ابن بابویه القمی رحمة الله في قم، على رؤوس الأشهاد، وهكذا كشف عن ضلاله وكفره أعلام الطائفة رحمة الله، وخرجت فتاوی صريحة بكفره.

وقال شيخ الطائفة طيب الله ثراه:«أخبرنا الحسين بن إبراهيم،عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح،عن أبي نصر هبة الله بن

ص: 185


1- الغيبة / الطوسي : 248 - 254.
2- الغيبة/الطوسي: 250، 183، 187.الكامل في التاريخ : 6/241.

محمد الكاتب ابن بنت ٱم كلثوم بنت أبي جعفر العمري ،قال:

لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له أن أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي رضی الله عنه ممن تجوز عليه مخرقته،وتتم علیه حيلته،فوجه إليه يستدعيه،وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله،وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق به،ويتسوف بانقياده على غيره ، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة ؛ لقدر أبي سهل في أنفس الناس و محله من العلم والأدب أيضا عندهم، ويقول له في مراسلته إياه:إني وکیل صاحب الزمان علیه السلام - وبهذا أولا كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره.وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوى نفسك،ولا ترتاب بهذاالأمر.

فأرسل إليه أبو سهل رضی الله عنه يقول له:إني أسألك أمرا يسيرا يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين ، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن،ولي منهن عدة أتحظاهن والشيب يبعدني عنهن ويبغضني إليهن ،واحتاج أن ٱخضبه في كل جمعة،وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك،وإلا انكشف أمري عندهن،فصار القرب عدة ،والوصال هجرا،وٱريد أن تغنيني عن الخضاب، وتكفيني مؤنته،وتجعل لحيتي سوداء،فإني

ص: 186

طوع يديك،وصائر إليك،وقائل بقولك،وداع إلى مذهبك،مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة ، فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه،وأمسك عنه ولم يرد إليه جوابا،ولم يرسل إليه رسولا ، وصيره أبو سهل رضی الله عنه ٱحدوثة وضحكة ويطنز به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير ، وكان هذا الفعل سببا لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه ، وأخبرني جماعة ، عن أبي عبدالله الحسين بن علي بن الحسين بن موسی بن بابویه أن ابن الحلاج صار إلى قم، وكاتب قرابة أبي الحسن يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضا،ويقول:أنا رسول الإمام ووكيله ، قال: فلما وقعت المكاتبة في يد أبي رضی الله عنه خرقها وقال الموصلها إليه:ما أفرغك للجهالات ؟ فقال له الرجل - وأظن أنه قال:إنه ابن عمته أوابن عمه - فإن الرجل قد استدعانا فلم خرقت مکاتبته وضحكوا منه وهزؤا به؟ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه.

قال:فلما دخل إلى الدار التي كان فيها دكانه نهض له من كان هناك جالسا غير رجل رآه جالسا في الموضع ، فلم ينهض له ولم يعرفه أبي ، فلما جلس وأخرج حسابه ودواته كما يكون التجار أقبل على بعض من كان حاضرا،فسأله عنه فأخبره فسمعه

ص: 187

الرجل يسأل عنه، فأقبل عليه وقال له:تسأل عني وأنا حاضر؟

فقال له أبي:أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك ،فقال له:تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها ؟ فقال له أبي:فأنت الرجل إذا.

ثم قال:يا غلام برجله وبقفاه ، فخرج من الدار العدولله ولرسوله ، ثم قال له : أتدعي المعجزات عليك لعنة الله؟أو كما قال:فأخرج بقفاه فما رأيناه بعدها بقم. (1)

فلم يكن الحلاج لعنه الله شيعيا خلافا لمازعم بعض المؤرخين وغيرهم،كما لم يخرج فيه توقيع من الناحية المقدسة ؛ وذلك لانكشاف أمره سريعا ووضوح كفره،ولما رأى الخليفة المقتدر فتاوی علماء المسلمين وإجماعهم على كفره وارتداده وإباحة دمه سارع إلى القبض عليه ، وأمر بضربه ألف سوط ، وقطعت يده ، ثم رجله ، ثم يده الٱخرى ، ثم رجله الٱخرى ، ثم قتل ، ثم أحرق بالنار،وٱلقي رماده في دجلة،ونصب الرأس ببغداد، وأرسل إلى خراسان؛لأنه كان له بها أصحاب.(2)

ص: 188


1- الغيبة/الطوسي: 403.401.
2- الكامل في التاريخ :6/168-169.

أبو دلف محمد بن المظفر الكاتب:

كان من الخمسة،ثم آمن بأبي بكر البغدادي ، واعتبر مذهبه هو الحق (1)، وكان يقدمه على الحسين بن روح رضی الله عنه(2) حتى أوصى له البغدادي بعد وفاته (3)فادعى بذلك السفارة بعد السمري الذي كان آخر السفراء،يخبره فيه عن قرب موته وشروع الغيبة التامة ، ويأمره أن لا يوصي بالسفارة إلى أحد لانقطاع السفارة بموته، وعدم إمكان المشاهدة حتى تسمع الصيحة ويخرج السفياني.

وكان أبو دلف هذا معروفا بالإلحاد ، ثم أظهر الغلو، ثم جن وسلسل ، ثم مفضةمفوضا -أي قال بالتفويض - حتى استخف به كل الناس ، ولا عرفته الشيعة إلا مدة يسيرة، والجماعة تتبرأ منه ومن يوصي إليه وينمس له وأمره في الجنون أكثر من أن يحصى. (4)

فهذا حال خط الانحراف الذي تمثل فيمن ادعوا السفارة زورا ليصدوا عامة الناس عن جادة الصواب ،ويطعنوا المذهب الحق في

ص: 189


1- الغيبة/الطوسی:256.
2- الغيبة/الطوسی:250.
3- الغيبة/الطوسی:255.
4- الغيبة/الطوسی:254-256.

خاصرته بخناجر الحقد والحسد ، ويتضح من ذلك أن حال الفقهاء الصادقين النائبين عنه علیه السلام في الغيبة الكبرى - مثل زماننا هذا _كحال السفراء الصادقين في الغيبة الصغرى ، وهكذا حال المذهب وأهله ، من جهة ابتلائهم بطائفة من عبيد الدنيا وطالبي الرئاسة ممن نصبوا أنفسهم فقهاء بفضل الظروف السياسية ، وبقوة القهر والغلبة وسلاح الإعلام ، فجلسوا مجلس الفتيا، واحتكروا الزعامة الدينية وهم ليسوا من أهله ، وصرفوا وجوه المقلدين من العوام ،والمغرر بهم ،عن الأعلام من النواب الصادقين والفقهاء الجامعين لشرائط التقليد ، مما ضاعف المسؤولية الملقاة على عواتق أهل الخبرة والعلماء في التصدي لهذه الظاهرة السيئة التي عصفت بالمذهب الحق ، وضاعفت مسؤولیةالمقلدين في البحث والتحري عن الفقيه الأعلم الجامع الشرائط التقليد ، بعد تمييز الغث من السمين ، بعيدا عن التأثر والانفعال بالإعلام الكاذب المنادي بالشعارات البراقة التي لا شأن لها بالفقاهة والأعلمية من قريب أو بعيد ، قال تعالى :« فَأَمَّا الزَّبَدُ فَیَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا یَنفَعُ النَّاسَ فَیَمْکُثُ فِى الْأَرْضِ«(1)

ص: 190


1- سورة الرعد:الآية 17.

ص: 191

الدرس الخامس عشر: وكلاءالإمام عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

ومما امتازت به هذه الفترة أعني الغيبة الصغرى - أيضا وجود وكلاء تم تنصيبهم من قبل السفراءالأربعة،بأمر من مولانا صاحب الزمان علیه السلام،يقومون بالوعظ والإرشاد لعامة الناس بالإضافة إلى استلام الحقوق المالية والمكاتبات لإرسالها إلى السفراءرضی الله عنه، وقد أورد أعلامنا المؤرخون والمحدثون أسماء هؤلاء في كتبهم ونحن ننقلها عنهم زيادة للفائدة ؛لأنهم قاموا بأدوار جيدة ساهمت في تسهيل مهمة السفراء ، وشكلوا حلقة الوصل بين الناس وبين السفراء المتصلين مباشرة بالإمام علیه السلام مما ساعد كثيرا في توعية الشيعة، لا سيما في البلاد والمناطق النائية التي كان يصعب فيها الاتصال بالسفراء ، كما ساعدوا بدورهم في تخفيف الأعباء والمسؤوليات

ص: 192

التي كانت تثقل كاهل السفراء ،ممهدين لهم سبيل التفرغ لما هو الأهم من القضايا والشؤون التي كانت تحيط بالأمة يومذاك.

1-حاجز بن يزيد الملقب بالوشا:(1)

فقد روى الشيخ المفيد أعلى الله مقامه بإسناده عن الحسن بن عبدالحميد ، قال:شككت في أمر حاجز ، فجمعت شيئا ثم صرت إلى العسكر - يعني سامراء- فخرج إلي:«ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، تردما معك إلى حاجز بن یزید.(2)

وروى الكليني بسنده عن محمد بن الحسن الكاتب المحروزي ،أنه قال:وجهت إلى حاجزالوشاء مائتي دينار ،وكتبت إلى الغريم بذلك ، فخرج الوصول ، وذكر أنه كان قبلي ألف دينار،وإنی وجهت إليه مائتي دينار،وقال:إن أردت أن تعامل أحدافعليك بأبي الحسين الأسدي بالري ، فوردالخبر بوفاة حاجز رضی الله عنه بعد يومين أو ثلاثة ... الخ.(3)

2-أبو طاهر محمد بن على بن بلال البلالي:

وقد عده ابن طاووس رحمة الله من السفراء-أي الوكلاء-المعروفين

ص: 193


1- منتهى المقال:1/241.
2- الإرشاد:333.
3- الغیبة/الطوسی:257.

في الغيبة الصغرى ،وخرج فيه التوقيع التالي:«أنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه»(1)

وعده الشيخ الصدوق رحمة الله من الوكلاء في القائمة التي أوردها بأسمائهم(2)لكن الشيخ رحمة الله ذكره في المذمومين (3)وروى فيه أحاديث تدل على انحرافه بعد ذلك وادعائه السفارة زورا.

3-العطار:(4)

وهو اسم مشترك بين كثيرين، أهمهم:محمد بن يحيى العطار ، وابنه أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، ويحیی بن المثنى العطار ، والحسن بن زیاد العطار ، وإبراهيم بن خالد العطار ، وعلي بن عبدالله ،أبو الحسن العطار،وعلي بن محمد بن عمر العطار،ومحمد بن عبدالحميد العطار،ومحمد بن أحمد بن جعفر القمی العطار،وداود بن يزيد العطار ، وغيرهم...

ص: 194


1- رجال الكشي: 485.
2- کمال الدین:442.
3- الفیبة /الطوسی :353.
4- کمال الدين : 8 و 17 و 33 و 73 و 346 و 666 و 442.

4-العاصمی (1)

وهو مشترك أيضا بين شخصين:عیسی بن جعفر بن عاصم،وهو الذي دعا له الإمام الهادي علیه السلام(2)وأحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة، وكنيته أبو عبدالله،قال النجاشي :كان ثقة في الحديث ، سالما، خيرا،أصله كوفي ، سكن بغداد ، وروي عن الشيوخ الكوفيين ، له کتب منها: کتاب النجوم وكتاب مواليد الأمة وأعمارهم (3)إلا أنهما لم يشتهرا بالوكالة ولم يعرف معاصرتها للغيبة الصغرى ، ولعل الشيخ الصدوق رحمة الله أراد شخصا ثالثا لم نعرفه، ولم يروله ذكر في كتب الرجال.

5- محمد بن إبراهيم بن مهزیار(4)

روى الشيخ في الغيبة بسنده إلى الكليني رحمة الله مرفوعا إلى محمد بن إبراهيم بن مهزیار،قال:شككت عند مضي أبي محمد الحسن العسكري علیه السلام.وكان اجتمع عند أبي مال جليل ، فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيعة له ،فوعك وعكا شديدا،فقال:

ص: 195


1- كمال الدين: 442.
2- رجال اکشی:502
3- رجال النجاشی:73.
4- جامع الرواة :1/44

يا بني، ردني ردني فهو الموت ، واتق الله في هذا المال ، وأوصى إلي ومات، فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح ، أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري دارا على الشط، ولا ٱخبرأحدا، فإن وضح لي شيء کوضوحه أيام أبي محمد علیه السلام أنفذته،وإلا تصدقت به.

فقدمت العراق واكتریت دارا على الشط ، وبقيت أياما، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها:« يا محمد،معك كذا وكذا في جوف كذا وكذا»،حتى قص على جميع ما معي ، مما لم أحط به علما، فسلمت المال إلى الرسول ، وبقيت أياما لا يرفع لي رأس، فاغتممت ،فخرج إلى:«قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله.(1)

وأما ما نسب إليه في رواية الإرشاد أنه قال: «وإلا أنفقته في ملاذي وشهواتي »(2)،أو ما نسب إليه في رواية الطبرسي أنه قال:«وإلا قصفت به(3)

، فلا يناسب شأن هذا الرجل ولا يروق لمقامه الشامخ فهو قطعا موضوع مدسوس.

ص: 196


1- الغيبة / الطوسي: 171.
2- الإرشاد: 331.
3- إعلام الوری : 418.

6-أحمد بن إسحاق بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري،أبو علي القمي.(1)

وكان وافد القميين،روي عن الإمامين أبي جعفر الثاني الجواد وأبي الحسن الهادي علیهماالسلام، وكان من خاصة أبي محمد العسكري علیه السلام.(2)

وعد له الشيخ في الفهرست کتبا،منها: کتاب علل الصلاة،و مسائل الرجال لأبي الحسن الثالث علیه السلام(3)،وعاش بعد أبي محمد العسكري علیه السلام ، (4) وعده الشيخ من الثقات المحمودين الذين كانت ترد عليهم التوقيعات من قبل السفراء، وممن خرج التوقيع في مدحهم وتوثيقهم(5)،وكان من خواص أبي محمد العسكري علیه السلام ممن بشرهم بولادة الإمام صاحب الزمان علیه السلام؛إذ أرسل إليه كتابا يقول فيه:«ولد لنا مولود فليكن عندك مستورا،وعن جميع الناس مكتوما،فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته، والمولی لولايته،

ص: 197


1- كمال الدين: 442.
2- رجال النجاشي: 71.
3- الفهرست:50.
4- رجال الكشي : 467.
5- الغيبة/ الطوسي:258

أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به،والسلام»(1) وكان متن نالوا شرف رؤية الحجة صلوات الله عليه بعد ولادته بأيام.

7- محمد بن صالح بن محمد، الهمداني،الدهقان:

من أصحاب الإمام العسكري علیه السلام،وكيل الناحية. (2)

جاء في التوقيع الذي خرج لإسحاق بن إسماعيل:«فإذا وردت بغداد ،فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا،والذي يقبض من موالینا.(3)

ثم إنه غلا في آخر عمره(4)،وانحرف ،وخرج فيه توقيع يلعنه. (5)

8_الشامي(6)

لم نعرف نسبه،كان من أهل الري، وكان من وكلاء القائم عجل الله تعالی فرجه.

9-محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي،الرازي:

كان أحد الأبواب(7)يكنى أباالحسين،له کتاب الرد على

ص: 198


1- كمال الدين : 442.
2- جامع الرواة:1/131.
3- رجال الكشي: 485.
4- جامع الرواة:1/131.
5- جامع الرواة : 2/447
6- كمال الدين : 442.
7- جامع الرواة: 2/83

أهل الاستطاعة(1)وهو كوفي سكن الري ،يقال له:محمد بن أبي عبدالله،كان ثقة صحيح الحديث،إلا أنه روي عن الضعفاء،وكان يقول بالجبر والتشبيه،وكان أبوه وجها،روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى،ومات ليلة الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.(2)

قال عنه الشيخ رحمة الله:«وكان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل ، منهم: أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمة الله، وخرج فيه توقيع يمدحه ويوثقه(3)وبعد هذا فلا معنى لما نسب إليه في قول النجاشي من القول بالجبر والتشبيه

10-القاسم بن العلا:

وهو من أصل أذربيجان،قال ابو طاووس:إنه من وكلاء الناحية،ويكنى بأبي محمد. (4)

قال الشيخ طيب الله ثراه:عمر مائة وسبع عشرة سنة ، منها ثمانون

ص: 199


1- الفهرست / الشيخ الطوسي: 179.
2- رجال النجاشی: 289.
3- الغيبة / الشيخ الطوسي : 257 - 258.
4- جامع الرواة : 2/19

سنة صحيح العينين ، لقي الإمامين الهادی والعسكري عليهماالسلام، وٱصيب بالعمى بعد الثمانين ، وكان مقيقابمدينة الان من آذربيجان، وكانت لا تنقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان إليه ،على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ، وبعده على أبي القاسم بن روح، قدس الله روحهما،وقد أورد الشيخ والراوندي»حديثا مفصلا وتوقيعا إلى ولده،يدلان على جلالة قدره وعظمة شأنه. (1)

11-محمد بن شاذان بن نعيم النعيمي النيسابوري.(2)

عده ابن طاووس من وكلاء الناحية ،وممن وقف على معجزات مولانا صاحب الزمان ورآه عليه الصلاة والسلام. (3)

جاء في التوقيع الشريف:«وأما محمد بن شاذان بن نعيم،فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت.(4)

12-إبراهيم بن مهزیار،أبو إسحاق الأهوازی:(5)

والد محمد بن إبراهيم بن مهزیار،جاء في التوقيع الشريف:

ص: 200


1- الغيبة/الشيخ الطوسي: 188 - 189.الخرائج والجرائح: 69.
2- کمال الدين: 442.
3- جامع الرواة :2/130.
4- إعلام الوری:424
5- رجال النجاشی:13.

«قدأقمناك مقام أبيك فاحمد الله.»(1)

روی آلکسی رحمة الله حكاية عن ولده محمد تدل على صحة وكالته عن الإمام صاحب الأمر أرواحنا فداه(2) وهكذا عده ابن طاووس من السفراء والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الإثنا عشرية فيهم.(3).

وذكر النجاشي رحمة الله أن له کتاب البشارات.(4)

13-الحسين بن على بن سفيان بن خالد بن سفيان،أبوعبدالله البزوفري.

قال عنه النجاشي:«شيخ جليل من أصحابنا، له کتب »(5)،وروى الشيخ في الغيبة له خبرا يدل على جلالة قدره واعتماد السفراء عليه(6)،وعلق العلامة المجلسي رحمة الله فی البحار على هذا الخبر قائلا:«يظهر منه أن البزوفري كان من السفراء،ولم ينقل،ويمكن أن يكون وصل ذلك إليه بتوسط السفراء، أو بدون توسطهم

ص: 201


1- الغيبة/الطوسي: 282. الإرشاد: 2/356.الكافي: 1/518.
2- رجال الكشي: 447.
3- جامع الرواة: 1/35
4- رجال النجاشی:13.
5- رجال النجاشی:53-54.
6- الغیبة/الشیخ الطوسی:187.

في خصوص الواقعة»(1)

إبراهيم بن محمدالهمداني:

قال عنه ابن طاووس طيب الله ثراه:«وكيل الناحية،كان حج أربعين حجة.(2)

وقال الكشی رحمة الله:« روي عنه أنه قال:وكتب إلي -يعني الجواد علیه السلام أو الإمام صاحب الأمر علیه السلام:«وقد وصل الحساب،تقبل الله منك ورضي عنهم، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة ، وقد كتبت إلى النضر،أمرته أن ينتهي عنك وعن التعرض لك ولخلافك، وأعلمته موضعك عندي ، وكتبت إلى أيوب أمرته بذلك أيضا ،وكتبت إلى موالي بهمدان كتابا أمرتهم بطاعتك والمصير إليك ، وأن لا وكيل لي سواك. (3)

كما ورد توثيقه عن الإمام صاحب الزمان أرواحنا فداه أيضا.(4)

15-أحمد بن اليسع بن عبدالله القمي:

قال عنه النجاشي:«روی أبوه عن الرضا علیه السلام،ثقة ثقة،له کتاب

ص: 202


1- بحار الأنوار:13/86.
2- جامع الرواة: 1/32.
3- رجال الكشي:508 - 509.
4- رجال الكشي: 467.الغيبة/الطوسي : 258.

نوادر»(1)وروى الشيخ والكشی توثيقه عن الإمام صاحب الأمرعلیه السلام.الغيبة/ الطوسي : 258. رجال الكي : 467.

16-أيوب بن نوح بن دراج النخعي، أبو الحسين:

كان وكيلا لأبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري علیهماالسلام، عظيم المنزلة عندهما، مأمونا، وكان شديد الورع، كثير العبادة ، ثقة في رواياته ، وأبوه نوح بن دراج كان قاضيا بالكوفة، وكان صحيح الاعتقاد، له کتاب نوادر (2)، وروایات و مسائل عن أبي الحسن الثالث الهادي علیه السلام.(3)

وروى الشيخ عن عمر بن سعيد المدائني أنه كان عند أبي الحسن العسكري علیه السلام؛إذ دخل أيوب بن نوح... فلما انصرف التفت إليه أبو الحسن علیه السلام وقال:«یا عمرإن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا(4)

ص: 203


1- رجال النجاشي: 71.
2- رجال النجاشي:80
3- الفهرست / الطوسي: 40.
4- الغيبة/الطوسي: 80.

الدرس السادس عشر: فلسفة الغیبة-1

بسم الله الرحمن الرحیم

كان الاعتقاد بالمهدي الموعود سائدا منذ الصدر الأول للإسلام،حيث عبر عنه الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله قائلا:«المهدي منا أهل البيت يصلح الله له أمره في ليلة(1)،أو قال:«المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في لليله.(2)

وقد بلغت هذه الأحاديث من التواتر حدا حتى لم ينكر المهدي أحد من الشيعة والسنة ، سوى أن السنة أنكروا حياته وخصوها بآخر الزمان،واختلافات ٱخرى جوهرية بذلناها في محلها،

ص: 204


1- بحارالأنوار:52/280.
2- کمال الدین:152.دلائل الإمامة:464.بحارالأنوار:26/396و51/86و52/281

أما الشيعة فقد عقدوا حكمة وجودهم بفلسفة الغيبة وضرورة انتظار المهدي ، وبناء على هذه العقيدة أرسخوا دعائم نظرتهم الغيبية ، وبالإيمان بحياته استطاعوا أن يتجاوزوا المخاطر والعثار ، لئلايكونوا هدفا في مرمى السهام السياسية ، ولا صيدا سهل التناول في شرائك المفاسد الاجتماعية،ولا لقمة سائغة لآراء الزنادقة والعقائد الباطلة،بل كان الإيمان بحياته حصنا حصينا، ودرعا واقيا، وسدا منیعا يحمي ثغور العقيدة من زلازل الفتن،وعبث المغرضين،فيعيش الشيعي ببصيرة نافذة،ونظرة ثاقبة يحدوها الأمل المنبثق من الإيمان بالغد المشرق، والحياة الطيبة في الدولة الكريمة المرتقبة،من واقع اعتقاده بأن إمامه حي يراه ويعيش في جنبه ، ومطلع على حاله ، ليكون قد تمسك بالغاية ليعود إلى نفسه ويجد ضالته ، فيؤثر الحياة العقبي ولا يبيع الآخرة بالٱولى ، بل يكون على نفسه رقیبا ، يصده عن الانسياق وراء أهوائه وشهواته إيمانه بالغيب ، فلا ينخرط في سلك الظالمين ، ولا ينضوي تحت لوائهم ، بل كان الشيعي على مدى القرون والأعصار وعلى مر التاريخ متمسكا بٱصول مذهبه الحق ، والثوابت التي لا تتزلزل ولا يطرأ عليها التغيير ، فكان ولا يزال خصما للظالم وعونا للمظلوم،طالبا للحق والعلم والمعرفة،صلب الإيمان، داعيا إلى الخير ،نابذا مناهضاللشر ؛ذلك أنه تمسك

ص: 205

بالغاية،على نحو المقولة الشهيرة«خذ بالغايات ودع المبادي».

وانطلاقامن قوله صلی الله علیه و آله و سلم:«إن الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه إلى يوم القيامة،وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. (1)

ومن لوازم معرفة الإمام المختار من السماء والمنصوب من قبل النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يبايعه ويتولاه ، ومن لوازم تلك البيعة وذلك الولاء أن لا يركن إلى غيره ،من واقع قوله تعالى:« وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ».(2)،ولا تكون لغير الإمام المعصوم بيعة في عنقه،ولا ولاء في قلبه و قرارة نفسه ، ولم يكن ليرضخ لحكومة سوى حكم الإسلام وشريعة القرآن ، فغدى منذ الصدر الأول للإسلام منتظرا صابرا محتسبا للمهدي الموعود،و مرتقبالدولته الكريمة ،التي ستملأ الأرض قسطاوعدلا، ولهذا كان المهدي علیه السلام في جذور التشيع وأعماقه،وفي ضمير كل شيعي هو الإنسان الكامل الذي سيحقق للعالمين أسمى وأجلى سمات العدل والفضيلة،

ص: 206


1- كمال الدين : 409، كفاية الأثر / الخزار القمي: 296. وسائل الشيعة :16/246
2- سورة هود:الاية 113.

و تتحقق به وعلى يديه الإرادة الإلهية « وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ»(1)،فلا يعبد ولا يطاع في الأرض غير الله سبحانه وتعالى،بعد تحطم للأصنام الجامدة الحجرية والأصنام المتحركة البشرية،وبعد ما يتم القضاء على القوانين والدساتير الوضعية التي تعبد بها الناس بدلا من التعبد بشرع الله تبارك وتقدس ، وذلك بعد أن تتهاوى مجالس التشريع التي أضحت تناهض التشريع الإلهي وتتحداه؛إذ لا حكم في دولة المهدي علیه السلام سوى حكم الله تعالى:« إِنِ الْحُکْمُ اِلاّ لله»(2)وحلال محمد حلال إلى يوم القيامة (3)، وحرامه حرام إلى يوم القيامة؛إذ قال تعالى:«لكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً»(4)وقال تعالى:«أَطِيعُوا الله و أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (5)وقال تعالى:« وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ

ص: 207


1- سورة القصص : الآية 5.
2- سورة الأنعام: الآية 57. سورة يوسف : الآيتان 40 و67
3- بصائر الدرجات: 168. مستدرك الوسائل:18/11.ومثله انظر الكافي:1/58
4- سورة المائدة :الآية 48.
5- سورة النساء:الآية 59.

عَنْهُ فَانْتَهُوا»(1)،وقال تعالى:« مَنْ لَمْ یحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ». (2) «هُمُ الظَّالِمُونَ».(3)،«هُمُ الْفَاسِقُونَ»(4)

ولهذا جاء بعد التوكيد بعد التوكيد،والتذكير تلو التذكير ، على ضرورة انتظار الفرج ، ودوام التأمل والتعمق في فلسفة الغيبة ، من أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم،وتجلى ذلك في أقوالهم بمنتهی الفصاحة والبلاغة، فقد روي عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالإسناد الصحيح:«أفضل العبادة انتظار الفرج» (5)،حتى أصبح طول الغيبة أكثر إيجابيا بعدما كان المتوقع أن يكون أمرا سلبيا، وكلما طالت الغيبة وطال انتظار الفرج تعمق معهما مفهوم الانتظار، وتجلت حقیقته،فضرب بجذوره في أعماق النفوس، وترسخت قواعده في عقيدة الناس، وكلماتجذرت هذه الحقيقة وترسخت تلك القواعد والأسس في العقائد والنفوس، أضحت فلسفة الغيبة أجلى،وغدت أقرب

ص: 208


1- سورة الحشر:الآية 7.
2- سورة المائدة: الآية44
3- سورة المائدة :الآية45
4- سورة المائدة:الآية 47.
5- الفرج بعدالشدة/ التنوخي:1/27.بحار الأنوار:52/125. الأنوارالبهية:368، ينابيع المودة:3/397

للعقول،وٱشدٱلفة لدى النفوس،حيث كانت النفوس تنفرمنها بطبيعتها،وكان من آثار هذا التجذر والتعميق تمسك الشيعي و تقيده بآداب الانتظار وسعيه الدؤوب وراء الإصلاحين:الإصلاح النفسي والإصلاح الاجتماعي،ومن ثم ظهرت الدعاوى والمزاعم الباطلة،وكثر دعاة المهدوية من ضلوا وأضلوا معهم خلقا من الناس،ولا عجب في ذلك ؛ إذ ما من حق إلا وفي وجهه باطل يتربص به ويصد عنه،وقد حدثنا التاريخ عن خلق كثير هلكوا في الحق وضلوا في سبيله،وإليك مقولة أميرالكلام عليه الصلاة والسلام:«فليس من طلب الحق فأخطأه،کمن طلب الباطل فأدركه»(1)،ويكفيك المأثورمن تعقيبات فريضةالصبح:

«اللهم صل على محمد وآل محمد،واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك،إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقیم» (2)

ويزيدك تصديقا و تحقيقا قوله علیه السلام:

«اللهم صل على محمد وآل محمد،وأرني الحق حقا فأتبعه،

ص: 209


1- الفرج بعد الشدة/التنوخي:1/27. بحارالأنوار:52/125.الأنوارالبهية: 368. ينابيع المودة:3/397.
2- مصباح المتهجد: 54 و 111 و 200.

والباطل باطلا فأجتنبه»(1)ولاغرو في ذلك إذاكان أهل الباطل يلبسون الحق بالباطل ، فیضلون ویضلون.

ولهذا جاء في كتاب الغيبة للنعماني في بيان فلسفة الغيبة وعلتها عن أمير البيان عليه الصلاة والسلام أنه قال:«وليبعثن الله رجلا من ولدي في آخرالزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة...الخ». (2)

وفي خبرآخرعنه علیه السلام:« واعلمواأن الأرض لا تخلو من حجة لله عزوجل،ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم..» (3)،« ذَلِکَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ یَکُ مُغَیِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى یُغَیِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ» (4)

وقد بذل الإمامان الباقر والصادق عليها الصلاة وا (5)جهودامضنية،واهتاما بالغا في بيان الفلسفة التي من أجلها وقعت الغيبة دفاعا منهماعن الغيبة المرتقبةللحجة الثاني عشر،

ص: 210


1- بخارالأنوار:33/434.نهج البلاغة:1/108
2- الغيبة/النعمانی :141.
3- الغيبة/النعمانی:141.
4- سورة الأنفال:الآية 53.
5- .منذ عام 95ه.ق حتى عام 148ه.ق.

ودفعا منهما لمزاعم المنکرین لغيبة المهدي عجل الله تعالى فرجه، وتصديا للعقائد الباطلة من الكيسانية والزيدية والغلاة والإسماعيلية وأضرابها ،ومن أجل ذلك تظافرت الروايات عنهماعلیهما السلام بهذا الشأن، وسنذكر جملة منها في محله إن شاء الله تعالى على سبيل التمثيل لا الحصر.

وقد تبين من تلك الأحاديث أن بين فلسفة الغيبة وانتظار الفرج ارتباطا وثيقا وعلقة حتمية ضرورية، وأنهما مرهونان بعمل الناس وإرادتهم ؛ إذ مصيرهم مرهون بها،ولا يحدد مصير الشعوب إلا ما كسبت أيديهم،فعلة الغيبة تكمن في إرادة الناس، وانتظار الفرج سر تكشف عنه سلوكياتهم وأفعالهم ؛ذلك«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»(1)،« ذلِکَ بِما قَدَّمت ايديكُم وَ اَنَّ اللهَ لَيسَ بِظَلاّمٍ لِلعَبيد»(2)؛لأن الظهور فرج ونجاة وسعادة للناس،ولا يكون ذلك إلا إذا شاء الناس وتعلقت بها إرادتهم وبذلوا في سبيلها النفس والنفيس،ومزقوا حجب الجهل والعصيان لتطل عليهم إشراقة شمس الحريةوالسعادة، ولهذا كان

ص: 211


1- سورة الرعد : الآية 11.
2- سورة آل عمران:الآية 182. سورة الأنفال:الآية 51

من وصايا الإمام الصادق علیه السلام لشيعته:«إن لصاحب هذا الأمرغيبة،فليتق الله عبد وليتمسك بدينه»(1)، وسنورد مثل هذه الوصايا عن أئمة أهل البيت علیهم السلام مفصلة عند البحث عن الانتظار والمنتظرین إن شاء الله تعالى.

وقال علیه السلام لإسحاق بن عمار الساباطي ، وهو من أجلة أصحابه:«للقائم غیبتان:إحداهما قصيرة والٱخرى طويلة،الغيبة الٱولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والٱخرى لا يعلم بمكانه فيهاإلا خاصة مواليه.(2)

كان لوفاة الإمام الصادق علیه السلام وقساوة الظروف التي حلت بشیعته من بعده من ظلم وقتل وتشريد ، ونفي الإمام الكاظم علیه السلام إلى بغداد ثم إيداعه السجن فترة تربو على أربعة عشر عاما -وهو أول إمام من أئمة أهل البيت علیهم السلام تعرض للسجن في بغداد بعد النفي من المدينة المنورة،وطالت إلى ساحته المقدسة يد الخلافةالعباسية الجائرة بأبشع صور الغدروالتوهين-أدى إلى انقطاعهم عن إمام زمانهم،وكان لتلك الأسباب أسوأ الأثر على نفوس

ص: 212


1- الکافی1/396.
2- الكافي :1/40

الشيعة وعقائدهم،لا سيما على اعتقادهم بالغيبة وانتظار الفرج، حتى أصبح عنصر الانتظار سيفا ذا حدين استخدمته الأنظمة السياسية والانتهازينون لإغواء الناس وتحقيق مآربهم بمصادرة حقيقة الانتظار تارة، وتحريفها تارة ٱخرى، في مثل هذه الظروف الشائكة ظهرت فرق شيعية جديدة ٱطلق عليهاالإسماعيلية والفطحية والناووسية وغيرها،حيث ادعت الناووسية تبعا الزعيمهم عجلان بن ناووس أن الإمام الصادق علیه السلام هو المهدي الموعود،وأنه لم تدركه المنية،بل غاب عن الأنظار .

وأما الإسماعيلية فإنها زعمت أن إسماعيل ابن الإمام الصادق علیه السلام هو الإمام المهدي الغائب عن الأنظار - رغم أن إسماعيل قد توقي في حياة أبيه الإمام الصادق علیه السلام، وأكد على موته الإمام علیه السلام،وباشر غسله وتكفينه ودفنه، وأشهد كثيرا من شيعته وأصحابه على ذلك.ثم زعموا أن محمد بن إسماعيل،المتوفی 198ه.ق،هوالمهدي الموعود،كما أن الزيدية ادعت المهدوية لزيد بن علي بن الحسين علیهم السلام،وأنه رفع إلى السماء وسيظهر في آخر الزمان، ثم اشتد بهم التهافت حتى زعموا أن المهدوية هي الإمامة التي تتحقق في كل من قام بالسيف وخرج على الظلم والفساد ودعی

ص: 213

إلى الإصلاح.@لمزيد من التفصيل راجع الفصول المختارة : 305 – 307@

ومع استشهاد الإمام الكاظم علیه السلام ظهرت فرقة جديدة في الوسط الشيعي سميت بالواقفية؛لأنهم وقفوا على إمامته علیه السلام،وأنكروا إمامة ابنه علي الرضا علیه السلام، وسائر الأئمة علیهم السلام بتبع ذلك ،زاعمين أنه حي غاب عن الأنظار،وهو المهدي الذي سيخرج في آخر الزمان،ثم تفرقت هذه الفرقة إلى مجموعات أربع،ذهبت كل مجموعة إلى طريق وسلكت مسلكا عقائديا وعملیا خاصا بها حتى تلاشت جميعا، واندثرت آثارها وأخبارها،ولم يعد لها ذكرإلا بين طيات الكتب ،وعلى صفحات التأريخ ،وفي ألسن المؤرخين والمتكلمين،وكان ظهور هذه الفرق الضالة جرس إنذار وناقوس خطر لذوي الاهتمام من علمائنا الغيارى وأصحاب الأئمة علیهم السلام،ودفعهم للنهوض بأعباء المسؤولية من خلالجمعهم للأحاديث، وتدوينهم للجوامع الروائيةالخاصة بالإمام المهدي علیه السلام وما يتعلق بغيبته الصغرى والكبرى،قصدا منهم إلى توعية العامة وحفظهم من المزالق والانحراف.

قال الشيخ أيده الله:«ثم لم تزل الإمامية بعدمن ذكرنا على نظام الإمامة حتى قبض موسی بن جعفر علیه السلام، فافترقت بعد وفاته

ص: 214

فرقا،قال جمهورهم بإمامة أبي الحسن الرضا علیه السلام، ودانوا بالنص عليه، وسلكوا الطريقة المثلى في ذلك.

وقال جماعة منهم:بالوقف على أبي الحسن موسى علیه السلام، وادعواحياته، وزعمواأنه هوالمهدي المنتظر.

وقال فريق منهم:إنه قد مات وسيبعث،وهو القائم بعده.واختلفت الواقفة في الرضا علیه السلام ومن قام من آل محمد بعد أبي الحسن موسى علیه السلام فقال بعضهم: هؤلاء خلفاء أبي الحسن علا وأمراؤه وقضاته إلى أوان خروجه، وإنهم ليسوا بأئمة وماادعوا إمامة قط، وقال االباقو:إنهم ضالمون مخطئون ظالمون ، وقالوا في الرضا علیه السلام خاصة قولا عظيما،وأطلقوا تكفيره وتكفير من قام بعده من ولده.و شذت فرقة من كان على الحق إلى قول سخيف جدا، فأنكرواموت أبي الحسن علیه السلام وحبسه، وزعموا أن ذلك كان تخييلا للاس،وادعوا أنه حي غائب،وأنه هو المهدي،وزعمواأنه استخلف على الأمر محمد بن بشر مولى بني أسد، وذهبوا إلى الغلو والقول بالإباحةودانوا بالتناسخ. واعتلت الواقفية فيما ذهبوا إليه بأحادیث رووها عن أبي عبدالله علیه السلام منها أنهم حكوا عنه أنه لما ولد موسی بن جعفر علیه السلام دخل أبو عبدالله علیه السلام على حميدة البربرية ٱم موسی علیه السلام فقال لها:«یا حميدة، بخ بخ حل الملك في بيتك»، قالوا:

ص: 215

وسئل عن اسم القائم فقال :اسمه اسم حديدة الحلاق.

قال الشيخ أيده الله:ثم إن الإمامية استمرت على القول بٱصول الإمامة طول أيام أبي الحسن الرضا عليه السلام،فلما توفي وخلف ابنه أبا جعفر علیه السلام وله عند وفاة أبيه سبع سنين،اختلفوا و تفرقوا ثلاث فرق:فرقة مضت على سنن القول فی الإمامية، ودانت بإمامة أبي جعفر علیه السلام،ونقلت النص عليه وهم أكثرالفرق عددا. وفرقة ارتدت إلى قول الواقفة ورجعواعماكانوا عليه من إمامة الرضا علیه السلام، وفرقة قالت بإمامة أحمدبن موسی طلا وزعموا أن الرضا علیه السلام وصى إليه ونص بالإمامة ععلي.واعتل الفريقان الشاذان عن أصل الإمامة بصغر سن أبي جعفر علیه السلام.

قال الشيخ أيده الله:ثم ثبتت الإمامية القائلون بإمامة أبي جعفر علیه السلام بأسرها على القول بإمامة أبي الحسن علي بن محمد من بعد أبيه علیهماالسلام،ونقل النص عليه إلا فرقة قليلة العدد شذوا عن جماعتهم،فقالوا بإمامة موسی بن محمد أخي أبي الحسن علي بن محمد،ثم إنهم لم يثبتوا على هذا القول إلا قليلا حتى رجعوا إلى الملحق، ودانوا بإمامة علي بن محمد، ورفضوا القول بإمامة موسی بن محمد، وأقاموا جميعا على إمامة أبي الحسن علیه السلام،فلما توفي تفرقوا بعد ذلك،فقال الجمهور منهم بإمامة أبي محمد الحسن بن

ص: 216

علي علیه السلام،ونقلواالنص عليه وأثبتوه.وقال فريق منهم:إن الإمام بعد أبي الحسن محمد بن علي أخو أبي محمد علیه السلام،وزعموا أن أباه عليا علیه السلام نص عليه في حياته، وهذا محمد كان قد توفي في حياة أبيه، فدفعت هذه الفرقة وفاته،وزعموا أنه لم يمت،وأنه حي،وهو الإمام المنتظر،وقال نفر من الجماعة شذوا أيضا عن الأصل:إن الإمام بعد محمد بن علي بن محمد بن علي بن موسی علیهم السلام أخوه جعفر بن علي، وزعموا أن أباه نصت عليه بعد مضي محمد، وأنه القائم بعد أبيه.

فهذا الحسن بن محبوب الزراد صاحب کتاب المشيخة من أشهر الٱصول الحديثية الشيعيةوالجوامع الروائية الذي سبق عصرالغيبة بما يربو على مائة عام جمع شطرا من هذه الأحاديث ،وهكذا علي بن الحسن بن محمد الطائي الطاطري من أصحاب الإمام الكاظم علیه السلام ألف كتابا في الغيبة،(1)وأيضا فإن علي بن عمر الأعرج الكوفي ،وإبراهيم بن صالح الأنماطي الكوفي،وهما من أصحاب الإمام الكاظم علیه السلام الفا كتبا في الموضوع ذاته،وعلى خطاهم سار جملة من أصحاب الإمام الرضا علیه السلام، کالفضل بن شاذان الأزدي النيشابوري، المتوفي عام 260ه.ق، وحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني الكوفي

ص: 217


1- رجال النجاشي:193

إذ كتبوا جميعا في غيبة الإمام المهدي علیه السلام.

وفي عصر الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم ،زادت محن الشيعة واشتدت بهم الفتن بعدما اشتد الخناق على أئمة الهدى علیهم السلام،وزج بهم في السجون والمعسكرات، وحيل بينهم وبين شيعتهم،حتى وقع استشهادالإمام العسكري علیه السلام سنة 260ه.ق،فتشتت شمل الشيعة من جديد، وتفرقت جماعتهم،حيث كان موته علیه السلام إعلانا عن ظهور فرق جديدة في المذهب الشيعي وشق عصاهم الذي انجبته الظروف العصيبة التي أحدقت بهم من الفقر والظلم والتقنيةوانقطاعهم عن إمامهم وشدة الخوف من التجاهر بعقائدهم، وأهمها فقدان المراكز والمساجدالعلمية الحرة التي تتبنى الفكر الشيعي وتعمل جاهرة على تعليمهم وتسعى إلى توعيتهم، أضف إلى ذلك الدسائس والحيل التي كانت أجهزة الأمن ومراكز التجسس في البلاط الحاكم تبتها في الوسط الشيعي،من خلال تسخیر بعض عملائهم للتجاهروالتظاهر بأنه شيعي مخلص يتحرك في أوساطهم حتى إذا ذاع صيته بين الشيعة وصار وجيها عندهم(1)بادر إلى ابتداع مذهب وإغواء جمع منهم

ص: 218


1- کمال الدین: 1/101. الإرشاد:2/9.

وتفریق شملهم،أو نقبوا في أوساط الشيعة،فإذاوجدوا فيهم من ضعفاء النفوس والمقصرين في العقيدة من يمكن التعويل عليه والتهويل له بالترغيب او الترهيب لينفذوا من خلاله وعبر بوابته في الجسد الشيعي ويطعنوا التشيع في خاصرته غدراوخديعة وخيانة،استخدموه واشتروه في التفريق والتشتيت.

ص: 219

الدرس السابع عشر: فلسفة الغيبة - 2

بسم الله الرحمن الرحیم

قال الشيخ أيده الله: ولما توفي أبو محمد الحسن بن علي بن محمد علیهم السلام افترق أصحابه بعده على ما حكاه أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي رضی الله عنه أربع عشرة فرقه،فقال الجمهور منهم بإمامة ابنه القائم المنتظر علیه السلام،وأثبتوا ولادته، وصححوا النص عليه، وقالوا:هو سمی رسول الله ومهدي الأنام،واعتقدوا أن له غيبتين؛إحداهماأطول من الٱخری،والٱولى منهما هي القصري،وله فيها الأبواب والسفراء، وروواعن جماعة من شيوخهم وثقاتهم أن أبا محمد الحسن علیه السلام أظهره لهم وأراهم شخصه،واختلفوا في سته عند وفاة أبيه،فقال كثير منهم:كان سنه إذ ذاك خمس سنين؛لأن أباه توفي سنة ستين ومائتين،وكان مولد القائم علیه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين،

ص: 220

وقال بعضهم:بل كان مولده سنة اثنتين وخمسين ومائتين،وكان سنه عند وفاة أبيه ثماني سنين، وقالوا:إن أباه لم يمت حتى أكمل الله عقله وعلمه الحكمة وفصل الخطاب، وأبانه من سائر الخلق بهذه الصفة ؛إذ كان خاتم الحجج ووصي الأوصياء وقائم االزمان.واحتجوا في جواز ذلك بدليل العقل من حيث ارتفعت إحالته ودخل تحت القدرة، وبقوله تعالى في قصة عيسی علیه السلام:« وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ»(1)،وفي قصة يحيى علیه السلام:«وَآتَیْنَاهُ الْحُکْمَ صَبِیّاً» (2)و قالوا:إن صاحب الأمر علیه السلام حي لم يمت، ولا يموت،ولو بقي ألف عام حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا،وأنه يكون عند ظهوره شابا قويا في صورة ابن نيف وثلاثين سنة، وأثبتوا ذلك في معجزاته،وجعلوه من جملة دلائله وآياته علیه السلام، وقالت:فرقة ممن دانت بإمامة الحسن علیه السلام مات وعاش بعد موته،وهو القائم المهدي واعتلوا في ذلك بخبر رووه أن القائم إنما سمي بذلك؛لأنه يقوم بعد الموت.وقالت فرقة ٱخرى إن أبا محمد علیه السلام قد توفي لا محالة،وإن الإمام من بعده أخوه جعفر بن علي واعتلوا في ذلك

ص: 221


1- سورة آل عمران:الآية 46.
2- سورة مريم: الآية 12.

بالرواية عن أبي عبدالله علیه السلام،إن الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ إلا إليه،قالوا:فلما لم نر للحسن علیه السلام ولدا ظاهراالتجأنا إلى القول بإمامة جعفرأخيه.ورجعت فرقة ممن كانت تقول بإمامة الحسن علیه السلام عن إمامته عند وفاته وقالوا لم يكن إماما، وكان مدعيا مبطلا، وأنكروا إمامة أخيه محمد،وقالوا الإمام جعفر بن علي بنص أبيه عليه، قالوا:إنما قلنا بذلك لأن محمدا مات في حياة أبيه، والإمام لا يموت في حياة أبيه،وأما الحسن علیه السلام فلم يكن له عقب، والإمام لا يخرج من الدنيا حتى يكون له عقب.وقالت فرقة ٱخرى:إن الإمام محمد بن علي أخو الحسن بن علي علیه السلام،ورجعوا عن إمامة الحسن علیه السلام وادعوا حياة محمد بعد أن كانوا ينكرون ذلك.وقالت فرقة ٱخرى:إن الإمام بعد الحسن علیه السلام ابنه المنتظر وأنه علي بن الحسن،وليس كما تقول القطعية إنه محمد بن الحسن،وقالوا بعد ذلك بمقالة القطعية في الغيبة والانتظار حرفا بحرف. وقالت فرقة ٱخرى إن القائم محمد بن الحسن علیه السلام ولد بعد أبيه بثمانية أشهر وهو المنتظر، وأكذبوا من زعم أنه ولد في حياة أبيه. وقالت فرقة أخرى إن أبا محمد علیه السلام مات عن غير ولد ظاهر ولكن عن حبل من بعض جواريه والقائم من بعد الحسن محمول به، وما ولدته ٱمه بعد وإنه يجوز أنها تبقى مائة سنة حاملا به،فإذا ولدته أظهرت ولادته، وقالت فرقة ٱخرى :

ص: 222

إن الإمامة قد بطلت بعد الحسن علیه السلام فارتفعت الأئمة وليس في الأرض حجة من آل محمد علیهم السلام،وإنما الحجة الأخبار الواردة عن الأئمة المتقدمين علیهم السلام، وزعموا أن ذلك سائغ إذا غضب الله على العباد فجعله عقوبة لهم.

وقالت فرقة ٱخرى:إن محمد بن علي أخا الحسن بن علي علیه السلام،كان في الحقيقة مع أبيه علي علیه السلام، وأنه لما حضرته الوفاة وصی إلى غلام له يقال له: نفيس،وكان ثقة أيضا،ودفع إليه الكتب والسلاح، ووصاه أن يسلمها إلى أخيه جعفر، فسلمها إليه، وكانت الإمامة في جعفر بعد محمد، على هذا الترتيب.

وقالت فرقة ٱخری:وقد علمنا أن الحسن علیه السلام كان إماما،فلما قبض التبس الأمر علينا،فلاندري أجعفر كان الإمام بٱخر،أم غيره؟ والذي يجب علينا أن نقطع على أنه لابد من إمام،ولا نقدم على القول بإمامة أحد بعينه حتى يتبين لنا ذلك.

وقالت فرقة ٱخرى: بل الإمام بعد الحسن ابنه محمد وهو المنتظر،غير أنه قد مات،وسيجيء ويقوم بالسيف،فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

وقالت الفرقة الرابع عشرة منهم،أن أبا محمد علیه السلام كان الإمام من بعد أبيه،وإنه لما حضرته الوفاة نص على أخيه جعفر بن علي بن

ص: 223

محمد بن علي،وكان الإمام من بعده بالنص عليه بالوراثة له،وزعموا أن الذي دعاهم إلى ذلك ما يجب في العقل من وجوب الإمامة مع فقدهم لولد الحسن علیه السلام،وبطلان دعوی من ادعى وجوده فيما زعموا من الإمامية.

وقال الشيخ أيده الله:ليس من هؤلاء الفرق التي ذكرناها فرقة موجودة في زماننا هذا،وهو من سنة ثلاث وسبعين وثلاثماءة،إلا الإمامية الاثنا عشرية القائلة بإمامة ابن الحسن المسمى باسم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم،القاطعة على حياته وبقائه إلى وقت قيامه بالسيف ، حسبما شرحناه فيما تقدم عنهم، وهم أكثر فرق الشيعة عددا وعلماء ومتكلمين ونظارا وصالحين، وعبادا ومتفقهة وأصحاب حدیث وٱدباء وشعراء، وهم وجه الإمامية، ورؤساء جماعتهم،والمعتمد عليهم في الديانة».

وكيف كان فإن شدة الحال وقساوة الظروف حالت دون أن يفصح الإمام العسكري علیه السلام عن ولادة الحجة المنتظر علیه السلام لعامة شيعته؛إذ لم يطلع على أمره سوى الخاصة من أصحابه(1)، بل اضطر إلى إخفائه عن الأنظار وستره عن عيون النظام وجواسيسه،

ص: 224


1- الغيبة / الشيخ الطوسي: 167و 275.

فهذا الخليفة المعتمد بعث بجنده يفتشون عن أي مولود ذكر في داره علیه السلام،ويبحثون عن أية امرأة حامل من نسائه وجواريه،وقد أخفي الله تعالى حمله كما أخفي ولادته،وقد كتم أبوه العسكري عليهما السلام أمره خوفا عليه كما كتمت أم موسي علیه السلام أمر ابنها عن كل قریب وبعيد ،ولهذا لم يعرفوا وصية للإمام العسكري علیه السلام لشدة كتمانه على سره،وقسموا إرثه بعد سبعة أعوام في ٱمه وأخيه جعفر الملقب بالكذاب الذي ادعى الإمامة لنفسه ، وكان يشي بالإمام العسكري علیه السلام عند الخليفة وأزلامه،حيث لم يعثروا على الوريث الشرعي الذي يكون من صلبه.وقد غاب عن الأنظار بعد استشهاد أبيه الإمام العسكري علیه السلام. (1)

ثم إن جعفرالكذاب أثار الكثير من الشبهات وأجج كثيرا من الفتن العقائدية في صفوف الشيعة مؤيدا من الخليفة وأزلامه، منتهزا فرصة غياب الإمام المعصوم علیه السلام وحيرة الناس في أمر إمامهم علیه السلام، فصال في تلك الفترة أعداء الشيعة الاثني عشرية ، كالمعتزلة وأصحاب الحديث والمخالفون والزيدية والنظام الحاكم،وجالوا

ص: 225


1- انظر ترجمة جعفر الكذاب في كتب الرجال،وهكذا حياته في غيبة الشيخ والنعماني رحمهما الله تعالی

بأقلامهم وأفواههم ليزيدوا في معاناة الشيعة ويوسعوا الهوة عمقا، بإلقاء الشبهات في عقيدة الشيعة ، وينحوا بهم عن جادة الصواب،مما حدى بالشيعة أن ينقسموا إلى مذاهب شتى؛إذ ظهرت في تلك الآونة أربع عشرة فرقة،لم يعتقد بوجود الإمام المهدي علیه السلام سوی ثلاث فرق منها -كما تقدم عن الشيخ المفيد رحمة الله - على اختلاف منهم في تطبيق المهدي على المصداق ، وكان ذلك الشتات أمرا معيبا لكنه سرعان ما انقلب إلى عامل أساسي ودافع قوي كحركة علمية ناشطة في مجال التأليف والتصنيف ، والدفاع عن حقيقة المهدي علیه السلام،حيث برز من أعلام الطائفة وأفذاذها من حمل القلم مسطرا في إثبات هذه الحقيقة ما يدفع عنها أغمض الشبهات ،ويرفع عنها غبار الإبهام، ويرد أيدي المتقولين إلى أفواههم، وكان أبرز من صنف کتبا في الإمام المهدي علیه السلام وغيبته هم حسن بن حمزة بن عبدالله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي السجاد علیه السلام،وعبدالله بن جعفر بن حسن الحميري،وحسن بن محمد بن یحیی المعروف بابن أخي طاهر،ومحمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني،المعروف بابن أبي زينب المتولد في أوائل الغيبة الصغرى، وهو من تلامذة ثقة الإسلام الكليني رضوان الله عليهم جميعا، فقد كتب النعماني قدس سره:«وشكوا جميعا إلاالقليل في إمام زمانهم،وولي أمرهم،

ص: 226

وحجة ربهم التي اختارها لعلمه».(1)

كما أن محمد بن الحسن بن أحمد بن أبي الصامت القمي كان من العلماء الذين لم يسلموا من هذه الفتنة العمياء،وارتاب في أمر المهدي علیه السلام فعكف علی جمع الأحاديث المثبتة لوجود المهدي علیه السلام من الٱصول الأربعمأة.(2)

ولهذا تجد أخبارا وأحاديث رويت عن فلسفة الغيبة في الٱصول والجوامع الروائية قبل الغيبة الكبرى بما يربو على عشرين عاما،مما يدل بجلاء على مدى اهتمام أعلامنارضی الله عنهم بهذاالشأن،وعلى مستوى اليأس الذي منيت به الإمامية من عودة الإمام سلام الله عليه إلى الظهور في القريب العاجل،وأنهم كيف وقعوا في الحيرة من غيبة إمامهم معتقدين بطول تلك الغيبة، امتدت من نيسابور إلى بغداد،لا سيماأن علماء الطوائف الإسلامية الٱخرى كأبي القاسم البلخي المعتزلي، (3)وأبي زيد العلوي(4)،والصاحب بن عباد(5)

ص: 227


1- الغيبة/النعماني: 31.
2- کمال الدین:1/203.
3- المغني:2/176.
4- كمال الدين : 1/ 122، 126.
5- نصرة مذهب الزيدية: 211.

بدأوا يطعنون في غيبته علیه السلام ويسخرون من شیعته.

بدأت أهمية الاستدلال العقلي لفلسفة الغيبة تظهر للعيان منذ الوهلة الٱولى من غيبة الإمام علیه السلام،والتفت أعلام الطائفة إلى هذه الحقيقة التي كان من الضرورة بمكان بذل غاية ما في الوسع من أجلها،بتوطيد قواعدها وتثبيت أركانها، وكان أول تعليل نسب إلى الإمام المهدي علیه السلام في كتابه إلى إسحاق بن يعقوب هو قوله علیه السلام:«وأما علة ما وقع من الغيبة،فإن الله عز وجل يقول: «یا أَیهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْیاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(1)إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه،وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. (2)

وقد علل آباؤه صلوات الله عليهم من قبل- غيبته في مواضع عديدة أوردنا شيئا يسيرا منها،وستأتي البقية في محلها إن شاء الله تعالى.

1-فعن علي بن جعفر،عن الإمام موسی بن جعفر علیه السلام، قال:قال لي:«یا بني،إذا فقدالخامس من ولد السابع من الأئمة،فالله الله

ص: 228


1- سورة المائدة:الآية 101.
2- الغيبة/ الطوسي:292.كمال الدين: 485.

في أديانكم،فإنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة يغيبها،حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به.يا بني،إنما هي محنة من الله،امتحن الله بهاخلقه،لوعلم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذاالدين لاتبعوه...» (1)

2-وعن محمد بن منصور،عن أبيه،قال:كنا عند أبي عبدالله علیه السلام بلا جماعة نتحدث، فالتفت إلينا،فقال:«في أي شيءأنتم؟أيهات أيهات،لا والله لا يكون ما تمون إليه أعينكم،حتى تغربلوا،لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا(لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمځصوا)،لاوالله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد إياس، لاوالله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقی من شقي ويسعدمن سعد. . (2)

3-وعن المفضل بن عمر، قال:سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول:«إياكم والتنويه ،أماوالله ليغيب إمامكن سنین من دهركم،وليمخصئ حتى يقال: مات،قتل،(هلک)،بأي واد سلك، ولتدمع عليه عيون المؤمنين ،ولتكفأين كما تكفأ السفن بأمواج

ص: 229


1- الغيبة/الطوسی:الحديث 128
2- الغيبة/الطوسي: 336،الحديث 281.

البحر،فلا ينجوإلا من أخذالله میثاقه،وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه،ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أي من أي»،قال: فبكيت،وقلت:فكيف نصنع؟فقال:«ياأبا عبداللهونظر إلى الشمس داخلة إلى الصقة،قال:فترى هذه الشمس ؟»،قلت:نعم،قال:« والله لأمرناأبين من هذه الشمس».(1)

وفي حديث ابن عباس، عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ...إلى أن قال:فقام إليه جابر بن عبدالله الأنصاري فقال:يا رسول الله،وللقائم من ولدك غيبة؟قال:«إي وربي،وليمحصن الله الذين آمنوا،ويمحق الكافرين..الخ.(2)وقد نقلناه کاملا في الحلقة الٱولی من هذاالكتاب:الصفحة 207

5-ورواية عن أبي جعفر الثاني،عن آبائه،عن أمير المؤمنين علیهم السلام جميعا أنه قال: «للقائم منا غيبة أمدها طويل...»،ثم قال:«إن القائم ما إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة ،فلذلك تخفى ولادته،ويغيب شخصه».(3)وقد أوردناها كاملة في الحلقة الٱولى من

ص: 230


1- الغيبة/الطوسي: 337،الحديث 285.
2- کمال الدین: 287.
3- بحار الأنوار:15/109.مستدرك سفينة البحار:10/508

هذاالکراس: الصفحة 209

6-وعن مولانا الرضا صلوات الله عليه في رواية طويلة إلى أن قال:«لأن له غيبة تكثر أيامها ،ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون،وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقاتون،ويهلك فيها المستعجلون،وينجو فيها المسلمون»(1).وقد سردتها كاملة في الحلقة الٱولی:229فراجع.

7-وفي حديث عن أبي سعيد عقیصا،قال:لما صالح الحسن بن علي عليهما السلام العاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس ،فلامه بعضهم على بيعته، فقال علیه السلام:«ويحكم ما تدرون ماعملت،والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت...»إلى أن قال سلام الله عليه:«أما علمتم أنه ما منا إلا ويقع في عنقه بيعة الطاغية زمانه،إلا القائم الذي يصلي روح الله عیسی بن مریم علیه السلام علاخلفه؟ فإن الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه،لئلا يكون الأحد في عنقه بيعة إذا خرج،ذلك التاسع من ولد أخي الحسين،ابن سيدة الإماء،يطيل الله عمره في غيبته،ثم يظهره بقدرته في

ص: 231


1- كمال الدين: 378.بحار الأنوار:51/30.الأنوار البهية: 347

صورة شاب دون الأربعين سنة؛ ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدیر(1)

8-وعن محمد بن مسلم،قال:قال أبو جعفر علیه السلام:«ما أجاب رسول الله صلی الله علیه و آله أحد قبل علي بن أبي طالب وخديجة علیهماالسلام،ولقد مكث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بمكة ثلاث سنين مختفيا خائفا يترقب،ويخاف قومه والناس...الخ)(2)

9-وعن المفضل بن عمر،عن أبي عبدالله جعفربن محمد الصادق،عن أبيه أبي جعفر الباقر علیهماالسلام ،قال:«إذا قام القائم علیه السلام قال: فررت منكم لما خفتكم،فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين.(3)

10-وعن أبي بصير،قال:سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول:«في صاحب هذا الأمر سنة من موسى،وسنة من عیسی،وسنة من يوسف ،وسنة من محمد صلی الله علیه وآله وسلم، فأما سنته من موسى فخائف يترقب،وأما من عیسی فیقال فيه ما قد قيل في عیسی،وأما من يوسف

ص: 232


1- كمال الدين:316
2- کمال الدين: 328،الحديث 9.
3- كمال الدين: 328،الحديث 10.

فالسجن والغيبة،وأما من محمد صلى الله عليه وسلم قالقيام بسيرته، وتبين آثاره،ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر،فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل...الخ). (1)

11-وظعن المفضل بن عمر،عن أبي عبدالله علیه السلام،قال:«أقرب ما يكون العباد من الله عز وجل وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة الله عزوجل،فلم يظهر لهم،ولم يعلموا بمكانه،وهم في ذلك يعلمون أنه لم يبطل حجج الله عنهم وبيناته)،فعندها فتوقعواالفرج صباحا ومساء،وإن أشد ما يكون غضب الله تعالى على أعدائه إذا افتقدوا حجة الله ،فلم يظهر لهم، وقدعلم أن أولياءه لا يرتابون،ولو علم أنهم يرتابون لما غيب عنهم حجته طرفة عين،ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس.(2)

12-وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله علیه السلام،قال:سمعته يقول:منااثنا عشر مهديا مضي ستة، وبقي ستة ، يصنع الله بالسادس ما أحب.(3)

ص: 233


1- کمال الدين: 329،الحدیث 11.
2- کمال الدين:337،الحديث 10.
3- كمال الدين: 338،الحدیث 13

13-وعن يحيى بن أبي القاسم،قال:سألت الصادق علیه السلام عن قول الله عز وجل:«

الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب»(1)،فقال:«المتقون شيعة علي علیه السلام،والغيب فهو الحجة الغائب.(2)

14-وعن داود بن كثير الرقي،عن أبي عبدالله علیه السلام في قول الله عزوجل:« الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بالْغَیْبِ »،قال:«من أقر بقيام القائم أنه حق».(3)

15-وعن حنان بن سدير،عن أبيه،عن أبي عبدالله علیه السلام،قال:إن للقائم مناغيبة يطول أمدها»،فقلت له:يابن رسول الله،ولم ذلك؟قال:«لأن الله عزوجل أبي إلا أن تجري فيه سنن الأنبياء علیهم السلام فی غيباتهم،وإنه لا بد له- يا سدير- من استيفاء مدد غيباتهم،قال الله تعالى:« لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ»(4)،أي سنن من كان قبلكم).(5)

16-وعن زرارة،قال:قال أبو عبدالله علیه السلام:«یا زرارة،لابد

ص: 234


1- سورة البقرة : الآيات 1- 3.
2- کمال الدین: 340،الحديث 20.
3- كمال الدين: 340،الحديث 19.
4- سورة الانشقاق : الآية 19.
5- كمال الدين: 480،الحديث6.

للقائم من غيبة»، قلت:ولم؟قال:«يخاف على نفسه الذبح. (1)

17-وعن عبدالله بن الفضل الهاشمي ، قال:سمعت الصادق جعفر بن محمد علیهماالسلام يقول:«إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها،پرتاب فيها كل مبطل»،فقلت:ولم جعلت فداك؟ قال:«لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم»،قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟قال:«وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره،إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كمالم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر علیه السلام من خرق السفينة،وقتل الغلام ،وإقامة الجدار لموسى علیه السلام إلى وقت افتراقهما.

یابن الفضل،إن هذا الأمر أمر من (أمر ) الله تعالى،وسر من سر الله تعالى،وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة ،وإن كان وجهها غير منکشف. (2)

18-وعن مروان الأنباري،قال: خرج من أبي جعفر علیه السلام:

أن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم».(3)

ص: 235


1- كمال الدين :481، الحديث 10.
2- کمال الدين:481،الحديث 11.
3- بحار الأنوار:52/90

الدرس الثامن عشر: فلسفة الغیبة-3

بسم الله الرحمن الرحیم

ويمكن تلخيص وجوه الحكمة في غيبة مولانا القائم صلوات الله عليه،وأسبابها التي نطقت بها روايات أمة أهل البيت صلوات الله عليهم في النقاط التالية:

19-أنها محنة من الله تعالى لشيعته علیه السلام،حتى يفيئوا إلى أمر الله ويصلحوا أنفسه.

قال تعالى:«وَمَا ظَلَمْنَهُمْ وَلَکِن کَانُواْ أَنفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ«(1)

وقال تعالى:« وَمَا رَبُّکَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِیدِ» (2)

ص: 236


1- سورة النحل :الآیة 118
2- سورة فصلت:الآیة 46

وقال تعالى:« إِنَّ اللهَ لاَ یُغَیِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى یُغَیِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»(1)

2-امتحان واختبار منه تعالى لشيعته علیه السلام.

3- تمحيص وغربلة،حتى يميز الخبيث من الطيب،والصادق من الكاذب.

4_لئلا تكون في عنقه بيعة لأحد من الحكام والسلاطين.

5_ليحفظه الله تعالى من الأعداءخوفا عليه من القتل، كما خاف موسى علیه السلام وقال عنه القرآن الكريم: «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ»(2)،وقوله تعالى:« فَأَصْبَحَ فِى الْمَدِینَةِ خَآئِفاً یَتَرَقَّبُ...» (3)،وقوله تعالى:« فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (4)،قوله حكاية عن موسى علیه السلام:« قالَ رَبِّ إِنِّی قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ یَقْتُلُونِ »(5)

6-ليرضى عن عباده المؤمنين بعد طول انتظار وصبر على المكاره بعد غيبة إمامهم؛إذ آمنوا به ولم يروه،وهو من الإيمان بالغيب

ص: 237


1- سورة الرعد:11
2- سورة الشعراء:21
3- سورة القصص:الآية 18.
4- سورة القصص:الآية 21.
5- سورة القصص: الآية 33.

الذي مدح الله تعالى أهله،بل جعل الإيمان بالغيب أول علائم المتقين؛ لقوله تعالى:«هُدىً لِّلْمُتَّقِینَ. الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلَوةَ«(1)

7- ليشتد غضب الله تعالى على أعدائه المنکرین لحجته صلوات الله عليه بسبب جرائمهم ومروقهم عن الدين،واغتصابهم للخلافة الحلقة من أهلها.

8-التعبد المحض له ولشیعته بما اختار الله تعالى له ولهم من المصير في هذه الدنيا،« وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِیرُ» (2)؛لقول مولاناالصادق علیه السلام:«يصنع الله بالسادس ما أحب»،كما مضى هنا.

9-استيفاء لفترة غيبات الأنبياء علیهم السلام،حتى تجري سننهم فيه،ويغيب كما غاب أولئك الصفوة عن أقوامهم.

10-العلة خافية علينا لا يعلمها إلا الله تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم وأئمة الهدى علیهم السلام؛ لأنها سر من الأسرار،وهناك حكمة هي الأهم بين هذه الحكم والأسباب خافية علينا، وستنكشف بعد ظهوره علیه السلام؛إذ جميع أفعال الله سبحانه وتعالى مبنية على الحكمة.

فهذه أهم ما نطقت به الأخبار من الحكم والأسباب التي من أجلها

ص: 238


1- سورة البقرة: الآيتان 2 و 3.
2- سورة آل عمران : الآية 28.

وقعت غيبة مولانا وسيدنا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه.

بيد أن هذه التوجيهات للغيبة لم تكن لتقنع الخصم،ومع تطورالمباحث الكلامية وانتشار علم الكلام لم تف الجوامع الروائية التي جمعهاوصنفهاالمرحوم الكليني والنعماني والصدوق رضوان الله عليهم،وإن كان أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي من قبل قد صنف في القرن الثالث للهجرة كتابا في فلسفة الغيبة عندالمتكلمين وعلى ضوء علم الكلام،وهو السباق في هذا المضمار،وحذى حذوه كل من أبي الحسن محمد بن بشر السوسنجردي،وأبي الحسن علي بن وصيف النائي الأصغر، المتوفى365ه.ق وأبي الجيش مظفر بن محمد البلخي، المتوفى 367ه.ق،والشيخ المفيد أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان،المتوقى 413ه.ق،والسيد الأجل علم الهدی أبي القاسم علي بن الحسين المرتضى،المتوفی 436ه.ق،وشيخ الطائفة الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن، المتوفي 460ه.ق رضوان الله عليهم جميعا،فنقلوا عنه أي عن أبي سهل النوبختي- بالواسطة أو من غير واسطة وتلقوا علومهم عنه كذلك، وقد أورد الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه في كتابه كمال الدين (1)شطرا من كتابه

ص: 239


1- کمال الدين:53-55

التنبيه ونقل جملة من آرائه هناك.

وقد تصدى المرحوم النوبختي للرد على مزاعم الحسين بن منصور الحلاج البيضاوي، الصوفي الشهير،حين تعمد إلى بث البدع والأباطيل في المراكز الشيعية آنذاك،لا سيما مدينتي قم و بغداد، حيث ادعى البابية والنيابةالخاصة،وأنه رسول الإمام الغائب،ملحقا به هزيمة نكراء بإبطال حججه ودحض مزاعمه خلال مناظر تین بین عامي 298و 301ه. ق.

وقد صنف الشيخ أبو جعفر بن قبة الرازي من أعاظم متكلمي الشيعة كتاب سماه الإنصاف، اعتمد عليه الشيخ الصدوق رضی الله عنه في كتابه كمال الدين عند التعرض لفلسفة الغيبة،وكان ابن قبة معتزليا ستيا ثم اهتدى ،واعتنق المذهب الحق،ولم يأل جهدا في نصرته والذب عنه.فهذا الشيخ الصدوق رضی الله عنه، المولود بدعاء مولانا صاحب الزمان،والذي أطبقت تراجم الرجال على كمال عقله ، وجودة فهمه ، وشدة حفظه ، وحسن ذكائه ، وعلو همته، ووصفه علماء الرجال بكثرة الفضل وغزارة العلم،وأنه حامل راية الفقه،وإمام رواية الحديث ودرايته ، وابن بجدة علم الكلام،الذي أحرز قصب السبق من جميع أقرانه في الذود عن المذهب الحق،وليس لأحد معشار ما له نصيب من الذب عن أهل البيت صلوات الله عليهم

ص: 240

والقيام بفروض الخدمة، وأداء واجب الحق،ونشر ألوية المعارف،وترویج المذهب،إذ تصدى لدفع الشبه والأوهام التي كثرت في عصره،لا سيما دفاعه عن الغيبة حيث كانت ولا تزال مناظراته وتأليفاته ضربة على هامة الأعداء، وبلسما يشفي صدور المؤمنين ،فقد قال عن فلسفة الغيبة: «و في قول الله عز وجل:« وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(1) في غيبة الإمام علیه السلام؛وذلك أنه عز وجل لما قال:« إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً »أوجب بهذا اللفظ معنى،وهو أن يعتقدوا طاعته،فاعتقد عدوالله إبليس بهذه الكلمة تفاقا،وأضمره حتى صار به منافقا؛وذلك أنه أضمر أنه يخالفه متى استعبد بالطاعة له،فكان نفاقه أنكر النفاق ؛لأنه نفاق بظهر الغيب، ولهذا من الشأن صار أخزى المنافقين كلهم...»إلى أن قال رحمة الله: «فالطاعة والموالاة بظهر الغيب أبلغ في الثواب والمدح ؛لأنه أبعد من الشبهة والمغالطة،ولهذا روي عن النبي أنه قال:«من دعالأخيه بظهر الغيب ناداه ملك من السماء:ولك مثلاه» (2)وأن الله تبارك وتعالى أكد دینه بالإيمان بالغيب

ص: 241


1- سورة البقرة:الآية 30.
2- الفهرست/ابن الندیم: 178.

فقال:«هُدًى لِلْمُتَّقِينَ،الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»(1)فالإيمان بالغيب أعظم مثوبة لصاحبه؛لأنه ځل من كل عيب وريب؛لأن بيعة الخليفة وقت المشاهدة قد يتوهم على المبايع أنه مايطيع رغبة في خير أو مال ، أو رهبة من قتل أو غير ذلك مما هو عادات أبناء الدنيا في طاعة ملوكهم ،وإيمان الغيب مأمون من ذلك كله،ومحروس من معايبه بأصله،يدل على ذلك قول الله عز وجل:« فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ،فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا» (2)ولما حصل للمتعبد ما حصل من الإيمان بالغيب لم يحرم الله عز وجل ذلك ملائكته،فقد جاء في الخبر أن الله سبحانه قال هذه المقالة للملائكة.قبل خلق آدم بسبعمئة عام،وكان يحصل في هذه المدة الطاعة لملائكة الله على قدرها».

ثم قال له:«ولو أنكر منكر هذا الخبر والوقت والأعوام، لم يجد بدأ من القول بالغيبة ولو ساعة واحدة،والساعة الواحدة لا تتعرى من حكمة ما ،وما حصل من الحكمة في الساعة حصل في الساعتين حکمتان،وفي الساعات حکم، وما زاد في الوقت

ص: 242


1- سورة البقرة: الآيتان 2 و 3.
2- سورة غافر: الآیتان 84 و 85.

إلا زاد في المثوبة،وما زاد في المثوبة إلا كشف عن الرحمة، ودل على الجلالة ، فصح الخبر أن فيه تأييد الحكمة،و تبليغ الحجة».

ثم وضع النقاط على الحروف وفصل بعد إجمال قائلا:«وفي قول الله عز وجل:« وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَ-ٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ» حجة في غيبة الإمام علیه السلام من أوجه كثيرة:

أحدها:أن الغيبة قبل الوجود أبلغ الغيبات كلها؛وذلك أن الملائكة ما شهدوا قبل ذلك خليفة قط،وأما نحن فقد شاهدناخلفاء كثيرين غير واحد قد نطق به القرآن، وتواترت به الأخبار حتى صارت كالمشاهدة والملائكة لم يشهدوا واحدا منهم،فكانت تلك الغيبة أبلغ.

وآخر:أنها كانت غيبة من الله عز وجل،وهذه الغيبة التي للإمام علیه السلام هي من قبل أعداء الله تعالى،فإذا كان في الغيبة التي هي من الله عز وجل عبادة لملائكته فيما الظن بالغيبة التي هي من أعداء الله .وفي غيبة الإمام علیه السلام عبادة مخلصة لم تكن في تلك الغيبة؛وذلك أن الإمام الغائب علیه السلام مقموع مقهور مزاحم فيحقه،قد غلب قهرة، وجرى على شيعته قسرا من أعداء الله ما جرى من سفك الدماء،ونهب الأموال، وإبطال الأحكام ، والجور على الأيتام، و تبدیل الصدقات،وغير ذلك مما لا خفاء به،ومن اعتقد موالاته

ص: 243

شاركه في أجره وجهاده، وتبرأ من أعدائه،وكان له في براءة مواليه من أعدائه أجر،وفي ولاية أوليائه أجر يربو على أجر ملائكة الله عزوجل على الإيمان بالإمام المغيب في العدم،وإنما قص الله عزوجل نبأه قبل وجوده توقيرا وتعظيما له ليستعبد له الملائكة ويتشتروا لطاعته».(1)

ثم أردف قائلا:«فمثل من آمن بالقائم علیه السلام في غيبته مثل الملائكة الذين أطاعوا الله عز وجل في السجود لآدم،ومثل من أنكر القائم لا في غيبته مثل إبليس في امتناعه من السجود لآدم، وكذلك روي عن الصادق جعفر بن محمد علیهماالسلام:«أن الله تبارك وتعالى علم آدم علیه السلام أسماء حجج الله كلها، ثم عرضهم - وهم أرواح - على الملائكة فقال:« أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»(2)بأنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبیحکم و تقدیسكم من آدم علیه السلام،« قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (3)قال الله تعالی:«آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ»(4)

ص: 244


1- كمال الدين : 12.
2- سورة البقرة:الآية 31.
3- سورة البقرة: الآية 32،
4- سورة البقرة: الآية 33.

وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره، فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته،ثم غيبهم عن أبصارهم واستبعدهم بولايتهم ومحبتهم،وقال لهم: « أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ «(1)

ثم قال رحمة الله:«وهذا استعباد الله عز وجل للملائكة بالغيبة، والآية أولها في قصة الخليفة ،وإذا كان آخرها مثلها كان للكلام نظم،وفي النظم حجة ،ومنه يؤخذ وجه الإجماع الأمة محمد صلی الله علیه و آله و سلم و أولهم وآخرهم...». (2)

وقال رحمة الله عن الغيبة:«وذلك أن الأئمة علیهم السلام قد أخبروا بغيبته علیه السلام كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم،واستحفظ في الصحف ودون في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمة علیهم السلام إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودونه في مصفاته، وهي الكتب التي تعرف بالأصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد علیهم السلام من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين ،وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في

ص: 245


1- سورة البقرة: الآية 33.
2- کمال الدين : 13- 14.

هذا الكتاب في مواضعها ، فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة ، فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها،وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل،أو أن يكونوا قد أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق الأمر لهم كما ذكروا ، وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم، واختلاف آرائهم،وتباين أقطارهم ومحالهم،وهذا أيضا محال کسبیل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أمتهم المستحفظين للوصية علیهم السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من ذكر الغيبة ، وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم، والفوه في أصولهم ، وبذلك وشبهه فلج الحق وزهق الباطل ، إن الباطل کان زهوقا.(1)

وقال عليه الرحمة والرضوان في موضع آخر:«وان خصومنا ومخالفينا من أهل الأهواء المضلة قصدوا لدفع الحق وعناده بما وقع من غيبة صاحب زماننا القائم ، واحتجابه عن أبصار المشاهدين ليلبسوا بذلك على من لم تكن معرفته متقنة،ولا بصيرته مستحكمة»(2)

ص: 246


1- کمال الدین:19
2- کمال الدین:20

ص: 247

الدرس التاسع عشر: فلسفة الغیبة_4

بسم الله الرحمن الرحیم

وقال رحمة الله عن إثبات الغيبة والحكمة فيها:

فأقول وبالله التوفيق:إن الغيبة التي وقعت لصاحب زماننا علیه السلام قد لزمت حكمتها،وبان حقها،وفلجت حجتها للذي شاهدناوعرفناه من آثار حكمة الله عز وجل، واستقامة تدبيره في حججه المتقدمة في الأعصار السالفة مع أئمة الضلال،وتظاهر الطواغیت واستعلاء الفراعنة في الحقب الخالية،وما نحن بسببيله في زماننا هذا من تظاهر أئمة الكفر بمعونة أهل الإفك والعدوان والبهتان؛ وذلك أن خصومنا طالبونا بوجود صاحب زماننا علیه السلام کوجود من تقدمه من الأئمة علیه السلام، فقالوا:إنه قد مضى على قولكم من عصر وفاة نبينا علیه السلام أحد عشر إماما، كل منهم كان موجودا

ص: 248

معروفا باسمه وشخصه بين الخاص والعام، فإن لم يوجد كذلك فقد فسد عليكم أمر من تقدم من أئمتكم كفساد أمر صاحب زمانكم هذا في عدمه وتعذر وجوده.

فأقول وبالله التوفيق:إن خصومنا قد جهلوا آثار حكمة الله تعالى،وأغفلوا مواقع الحق ومناهج السبيل في مقامات حجج الله تعالى مع أئمة الضلال في دول الباطل في كل عصر وزمان؛إذ قد ثبت أن ظهور حجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل على سبيل الإمكان والتدبير لأهل الزمان،فإن كانت الحال ممكنة في استقامة تدبیرالأولياء لوجود الحجة بين الخاص والعام كان ظهور الحجة كذلك ، وإن كانت الحال غير ممكنة من استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجة بين الخاص والعام، وكان استتاره مما توجبه الحكمة ويقتضيه التدبير حجبه الله وستره إلى وقت بلوغ الكتاب أجله.

كما قد وجدنا من ذلك في حجج الله المتقدمة من عصر وفاة آدم علیه السلام إلى حين زماننا هذا،منهم المستخفون،ومنهم المستعلنون ، بذلك جاءت الآثار و نطق الكتاب ».

ثم أورد رواية الصادق صلوات الله عليه:«یا عبدالحميد، إن الله رسلا مستعلنین ورسلا مستخفين، فإذا سألته بحق المستعلنین فسله بحق المستخفين»، واستشهد رحمه الله علی هذه الرواية بقوله تعالى:

ص: 249

«وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ«(1) (2)

ثم ذكر أحوال جملة من الأنبياء في غيبتهم، فمنها أن الله تعالى ستر شخص إبراهيم علیه السلام وأخفي ولادته عن الناس؛لاستحالة ظهور الحجة،وتعذره في ذلك الزمان؛إذ كان مطلوبامن قبل السلطان وجنوده،وكان علیه السلام في سلطان نمرود مستترا لأمره وغير مظهر نفسه،وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمرها،ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجته وإكمال دينه.

وهكذا حال موسی علیه السلام الذي ستر الله تعالى ولادته وترعرع في حجر فرعون پریبه ويبحث عنه،وهو لا يعرفه،وقد قتل الكثير من أطفال بني إسرائيل في طلبه.وقد جرت هذه السنة في أوصياء إبراهيم وموسى علیهماالسلام،في النبي بعد النبي،والوصي تلو الوصي ، فكان منهم المستعلن،وكان منهم المستخفي،حتى ظهر نبينا محمد صلى الله عليه و آله وسلم فقال الله عز وجل له في الكتاب:« مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ«(3)

ص: 250


1- سورة النساء:الآية 164.
2- کمال الدین:21.
3- سورة فصلت:الآية 43.

ثم قال عز من قائل:«سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا»(1)

إلى أن قال رحمه الله:

«فكان مما قيل له،ولزم من سنته على إيجاب سنته من تقدمه من الرسل إقامة الأوصياء له،كإقامة من تقدمه لأوصيائهم،فأقام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أوصياء كذلك ، وأخبر بكون المهدي خاتم الأئمة علیهم السلام وأنهه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما،نقلت الٱمة ذلك بأجمعها عنه،وأن عيسى علیه السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلي خلفه، فحفظت ولادات الأوصياء ومقاماتهم في مقام بعد مقام إلى وقت ولادة صاحب زماننا علیه السلام المنتظر للقسط والعدل،كما أوجبت الحكمة باستقامة التدبير غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة بالوجود؛وذلك أن المعروف المتسام بين الخاص والعام من أهل هذه الملة أن الحسن بن على والد صاحب زماننا علیهماالسلام قد کان وكل به طاغية زمانه إلى وقت وفاته، فلما توفي علیه السلام وكل بحاشيته وأهله ،وحبست جواريه،وطلب مولوده هذا أشد الطلب،وكان أحد المتولين عليه عمه جعفر أخو الحسن بن علي بما ادعاه لنفسه من الامامة،ورجا أن يتم له ذلك بوجود ابن أخيه صاحب الزمان علیه السلام،فجرت السنة في

ص: 251


1- سورة الإسراء:الآية 77.

غیبته بما جرى من سنن غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة،ولزم من حكمة غيبته علیه السلام ما لزم من حكمة غيبتهم».(1)

ثم شرع طيب الله ثراه بالرد على جملة من الشبهات التي أوردها الخصوم،فقد رد على من زعم أنه لا يجوز تشبیه حال الأمة بالأنبياء علیهم السلام قائلا:

فأقول وبالله أهتدي:إن خصومنا قد جهلوا فيما عارضونا من ذلك،ولو أنهم كانوامن أهل التمييز والنظر والتفكروالتدبر باطراح العناد،وإزالة العصبية لرؤسائهم،ومن تقدم من أسلافهم لعلموا أن كل ما كان جائزا في الأنبياء فهو واجب لازم في الأئمة،حذو النعل بالنعل ،والقذة بالقذة؛وذلك أن الأنبياء هم أصول الأمة ومغيضهم،والأمة هم خلفاء الأنبياءوأوصياؤهم، والقائمون بحجة الله تعالى على من يكون بعدهم؛کیلا تبطل حجج الله وحدوده وشرائعه ما دام التكليف على العباد قائما،والأمر لهم لازما،ولو وجبت المعارضة الجاز لقائل أن يقول:إن الأنبياء هم حجج الله ، فغير جائز أن يكون الأمة حجج الله؛إذ ليسوا بالأنبياء ولا كالأنبياء،وله أن يقول أيضا،فغير جائز أن يسموا أئمة؛

ص: 252


1- کمال الدين: 22.

لأن الأنبياء كانوا أئمة وهؤلاء ليسوا بأنبياء فيكونوا أئمة كالأنبياء، وغير جائز أيضا أن يقوموا بما كان يقوم به الرسل من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،إلى غير ذلك من أبواب الشريعة؛إذ ليسوا کالرسول ولا هم برسل ،ثم يأتي بمثل هذا من المحال ممتا يكثر تعداده ،ويطول الكتاب بذكره، فلما فسد هذا كله كانت هذه المعارضة من خصومنا فاسدة كفساده».(1)

وأردف رضوان الله عليه قائلا:

ثم نحن نبين الآن ونوضح بعد هذا كله أن التشاكل بين الأنبياءوالأئمة بين واضح،فيلزمهم أنهم حجج الله على الخلق،كما كانت الأنبياء حججه على العباد ، وفرض طاعتهم لازم کلزوم فرض طاعة الأنبياء،وذلك قول الله عزوجل:« وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (2)وقوله تعالى:« وَلَوْ رُدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»(3)،فولاةالأمرهم الأوصياءوالأئمة بعد الرسول صلی الله علیه و آله و سلم،وقدقرن الله طاعتهم بطاعة

ص: 253


1- كمال الدين:23.
2- سورة النساء:الآية 59.
3- سورة النساء:الآية 83.

الرسول،وأوجب على العباد من فرضهم ما أوجبه من فرض الرسول،كماأوجب على العباد من طاعة الرسول ما أوجبه عليهم من طاعته عز وجل في قوله:«أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ «(1)

ثم قال:«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»وإذا كانت الأئمة علیهم السلام حجج الله على من لم يلحق بالرسول،ولم يشاهده ،وعلى من خلفه من بعده، كما كان الرسول حجة على من لم يشاهده في عصره لزم من طاعة الأئمة ما لزم من طاعة الرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم،فقد تشاکلوا واستقام القياس فيهم،وإن كان الرسول أفضل من الأئمة،فقد تشاکلوا في الحجة والاسم والفعل والفرض؛إذ كان الله جل ثناؤه قد سمى الإسل أئمة بقوله لإبراهيم:» إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» (2)،وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنه قد فضل الأنبياء والرسل بعضهم على بعض،فقال تبارك وتعالى:« تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ »(3)فتشاكل الأنبياء في النبوة،وإن كان بعضهم أفضل من بعض،وكذلك تشاكل الأنبياء والأوصياء،

ص: 254


1- سورة النساء: الآية 80
2- سورة البقرة: الآية 124.
3- سورة البقرة: الآية 253.

فمن قاس حال الأئمة بحال الأنبياء،واستشهد بفعل الأنبياء على فعل الأئمة،فقد أصاب في قياسه ، واستقام له استشهاده بالذي وصفناه من تشاكل الأنبياء والأوصياء علیهم السلام.

ووجه آخر من الدليل على حقيقة ما شرحنا من تشاكل الأئمة والأنبياء علي أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه:« لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (1)،وقال تعالى:« وَمَآ آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ »(2)،فأمرنا الله عزوجل أن نهتدي بهدي رسول الله،ونجري الٱمور الجارية على حد ما أجراها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من قول أو فعل، فكان من قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المحقق لما ذكرنا من تشاكل الأنبياء والأئمة أن قال:«منزلة علي علیه السلام مني كمنزلة هارون من موسى،إلا أنه لا نبي بعدي»،فأعلمنا رسول الله أن عليا ليس بني،وقد شبهه بهارون،وكان هارون نبيا ورسولا،وكذلك شبه بجماعة من الأنبياء علیهم السلام.

حدثنا محمد بن موسی بن المتوكل رحمه الله،قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي،قال:حدثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي،

ص: 255


1- سورة الأحزاب:الآية 21.
2- سورة الحشر:الآية 7.

عن أبيه محمد بن خالد، قال:حدثنا عبدالملك بن هارون بن عنترة الشيباني ،عن أبيه،عن جده،عن عبدالله بن عباس،قال:کناجلوسا عند رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم،فقال:«من أراد أن ينظرإلى آدم في علمه ،وإلى نوح في سلمه،وإلى إبراهيم في حلمه،وإلى موسى في فطانته،وإلى داود في زهده، فلينظرإلى هذا»، قال:فنظرنا فإذا علي بن أبي طالب قد أقبل كأنما ينحدر من صبب،فإذا استقام أن يشبه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أحدا من الأئمة علیهم السلام بالأنبياء والرسل استقام لنا أن نشبه جميع الأئمة بجميع الأنبياء والرسل، وهذا دليل مقنع،وقد ثبت شکل صاحب زماننا علیه السلام في غيبته بغيبة موسي علیه السلام و غیره ممن وقعت بهم الغيبة؛وذلك أن غيبة صاحب زمانناوقعت من جهة الطواغيت لعلة التدبير من الذي قدمنا ذكره فيالفصل الأول.ومما يفسد معارضة خصومنا في نفي تشاكل الأئمة والأنبياء أن الرسل الذين تقدموا قبل عصر نبينا صلی الله علیه و آله و سلم كان أوصياؤهم أنبياء،فكل وصي قام بوصية حجة تقدمه من وقت وفاة آدم علیه السلام إلی عصر نبينا صلی الله علیه و آله و سلم كان نبيا، وذلك مثل وصي آدم کان شیث ابنه، وهو هبة الله في علم آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم ،وكان نبيا،ومثل وصي نوح علیه السلام كان سام ابنه ،وكان نبيا،ومثل إبراهيم علیه السلام كان وصيه إسماعيل ابنه وكان نبيا ،ومثل موسی علیه السلام كان وصيه يوشع بن نون، وكان نبيا،ومثل

ص: 256

عیسی علیه السلام كان وصيه شمعون الصفا، وكان نبيا، ومثل داود علیه السلام كان وصيه سليمان علیه السلام ابنه،وكان نبيا، وأوصياء نبينا عليهم السلام لم يكونوا أنبياء؛لأن الله عز وجل جعل محمدا خاتما لهذه الٱمم كرامة له وتفضيلا، فقد تشاكلت الأئمة والأنبياء بالوصية،كما تشاکلوا فيما قدمنا ذكره من تشاکلهم، فالنبي وصي والإمام وصي،والوصي إمام والنبي إمام ، والنبي حجة والإمام حجة،فليس في الإشكال أشبه من تشاكل الأئمة والأنبياء،وكذلك أخبرنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بتشاكل أفعال الأوصياء فيمن تقدم و تأخر من قصة يوشع بن نون وصي موسي علیه السلام مع صفراء بنت شعیب زوجة موسى وقصة أمير المؤمنين علیه السلام وصي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مع عائشة بنت أبي بكر،وإيجاب غسل الأنبياء أوصياؤهم بعد وفاتهم».(1)

فساق رواية في هذا الخصوص ،ثم قال:«فهذاالشكل قد ثبت بين الأئمةوالأنبياء بالاسم والصفة والنعت والفعل،وكل ما كان جائزا في الأنبياء،فهو جائز في الأئمة حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة،ولو جاز أن تجحد إمامة صاحب زماننا هذا لغيبته بعد وجود من تقدمه من الأئمة علیهم السلام؛لوجب أن تدفع نبوة موسی بن عمران علیه السلام.

ص: 257


1- کمال الدين: 24-27.

لغيبته؛إذ لم يكن كل الأنبياء كذلك،فلما لم تسقط نبوة موسی الغيبته ،وصحت نبوته مع غيبته کما صحت نبوة الأنبياء الذين لم تقع بهم الغيبة،فكذلك صحت إمامة صاحب زماننا هذا مع غيبته كما صحت إمامة من تقدمه من الأئمة الذين لم تقع بهم الغيبة ...الخ»(1)

ص: 258


1- كمال الدين: 27- 28.

ص: 259

الدرس العشرون: فلسفة الغيبة - 5

بسم الله الرحمن الرحیم

ثم تعرض رحمه الله لإشكالل ققائل:«ردإشکال:

فكان من الزيادة لخصومنا أن قالوا:ماأنكرتم إذ قد ثبت لكم ما ادعيتم من الغيبة كغيبة موسی علیه السلام،و من حل محله من الأئمة الذين وقعت بهم الغيبة أن تكون حجة موسى لم تلزم أحداإلا من بعد أن أظهر دعوته ودل على نفسه ،وكذلك لا تلزم حجة إمامكم هذا الخفاء مكانه وشخصه حتى يظهر دعوته ويد على نفسه كذلك،فحينئذ تلزم حجته وتجب طاعته،وما بقي في الغيبة فلاتلزم حجته، ولا تجب طاعته.

فأقول وبالله أستعين:إن خصومنا غفلوا عما يلزم من حجة حجج الله في ظهورهم واستتارهم،وقد ألزمهم الله تعالى الحجة

ص: 260

البالغة في كتابه،ولم يتركهم سدى في جهلهم وتخبطهم،ولكنهم كما قال الله عزوجل:« أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»(1) الله عز وجل قد أخبرنا في قصة موسى عليه السلام أنه كان له شيعة ، وهم بأمره عارفون،وبولايته متمسكون،ولدعوته منتظرون قبل إظهار دعوته،ومن قبل دلالته على نفسه حيث يقول:« ودَخَلَ الْمَدِینَةَ عَلَى حِینِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِیهَا رَجُلَیْنِ یَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِیعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِن شِیعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ»(2)

وقال عز وجل حكاية عن شيعته:« قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا»(3)

فأعلمنا الله عزوجل في كتابه أنه قد كان لموسى علیه السلام شيعة من قبل أن يظهر من نفسه نبوة، وقبل أن يظهر له دعوة يعرفونه ويعرفهم بموالاة موسى صاحب الدعوة،ولم يكونوا يعرفون أن ذلك الشخص هو موسى بعينه؛ وذلك أن نبؤة موسى إنما ظهرت من بعد رجوعه من عند شعیب حين سار بأهله من بعد السنين التي رعى فيها لشعيب حتى استوجب بها أهله،

ص: 261


1- سورة محمد صلی الله علیه و آله و سلم:الآية 24.
2- سورة القصص:الآیة:15.
3- سورة الأعراف :الآية 129

فكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرجلين قبل مسيره إلى شعیب،وكذلك وجدنا مثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقد عرف أقوام أمره قبل ولادته وبعد ولادته،وعرفوا مكان خروجه ودار هجرته من قبل أن يظهر من نفسه نبوة، ومن قبل ظهور دعوته؛وذلك مثل سلمان الفارسي رحمه الله،ومثل قس بن ساعدة الأيادي،ومثل تبع الملك،ومثل عبدالمطلب ،وأبي طالب،ومثل سيف بن ذي يزن،ومثل بحيرى الراهب ،ومثل كبير الرهبان في طريق الشام،ومثل أبي مويهب الراهب ، ومثل سطيح الكاهن،ومثل يوسف اليهودي،ومثل ابن حواش الحبر المقبل من الشام،ومثل زید بن عمرو بن نفیل.

ومثل هؤلاء كثير ممن قد عرف النبي صلی الله علیه و آله و سلم بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل مولده وبعد مولده،والأخبار في ذلك موجودة عند الخاص والعام،وقد أخرجتها مسندة في هذا الكتاب في مواضعها ،فليس من حجة الله عز وجل نبي ولا وصي إلا وقد حفظ المؤمنون وقت کونه وولادته ،وعرفوا أبويه ونسبه في كل عصر وزمان حتى لم يشتبه عليهم شيء من أمر حجج الله عز وجل في ظهورهم وحين استتارهم،وأغفل ذلك أهل الجحودوالضلال والكنود فلم يكن

ص: 262

عندهم علم شيء من أمرهم، وكذلك سبیل صاحب زماننا علیه السلام،حفظ أولياؤه المؤمنون من أهل المعرفة والعلم وقته وزمانه،وعرفوا علاماته وشواهد أيامه،وكونه ووقت ولادته ونسبه،فهم على يقين من أمره في حين غيبته ومشهده،وأغفل ذلك أهل الجحودوالإنكاروالعنود، وفي صاحب زماننا علیه السلام قال الله عز وجل:« يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» (1)،وسئل الصادق علیه السلام عن هذه الآية فقال:«الآيات هم الأئمة،والآية المنتظرة هو القائم المهدي عليه السلام ،فإذا قام لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدم من آبائه علیهم السلام...»(2)

كيف يمكن تأويل الآيات في قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ» (3)أو تفسيرها بأن المراد منها هم الأئمة علیهم السلام،بينما الظاهر أن المراد منها هي الأحداث والوقائع السماويةوالمعجزات الإلهية؟

قال الشيخ الصدوق رحمه الله:«وتصدیق ذلك»أي وتصديق أن المراد

ص: 263


1- سورة الأنعام: الآية 158
2- کمال الدين: 28 -30.
3- سورة الأنعام:الآية 158

بالآيات هنا هم حجج الله والأئمة علیهم السلام:«أن الآيات هم الحجج،من كتاب الله عزوجل قول الله تعالى:« وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْیَمَ وَأُمَّهُآيَةً» (1)يعني حجة،وقوله عز وجل لعزير حين أحياه الله من بعد ما أماته مائة سنة:« إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ»(2)،يعني حجة،فجعله الله عزوجل حجة على الخلق وسماه آیة.

لوكانت الغيبة بهذه الشهرة وهي جارية في الأنبياء علیهم السلام كما تزعمون فما بالها لم تكن مشهورة لدى الصحابة؟

أولا:كانت الغيبة مشهورة لدى الصحابة،إلا أن التعتيم الإعلامي والتضليل الذي أصاب الخلافة والإمامة من جراء السقيفة طال الغيبة أيضا، وقد سقنا لك بعض ما روي عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في ذلك.

ثانيا:قال الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه الشريف:«وإن الناس لما صح لهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الغيبة الواقعة بحجة الله تعالى ذكره على خلقه وضع كثير منهم الغيبةغير موضعها،أولهم عمربن الخطاب،فإنه قال لما قبض النبي صلی الله علیه و آله و سلم:والله ما مات محمد،

ص: 264


1- سورة المومنون:الآیة 50.
2- سورة البقرة:الآية 259

وإنما غاب كغيبة موسی عليه السلام عن قومه،وإنه سيظهر لكم بعد غيبته».(1)

وقد رواه الخاصة والعامة بألفاظ مختلفة عن عمر بن الخطاب في كتبهم،راجع كتب السيرة والتاريخ والحديث عند الفريقين. (2)

وقال قدس الله روحه:

«الكيسانية:ثم غلطت الكيسانية بعد ذلك حتى ادعت هذه الغيبة لمحمد بن الحنفية قدس الله روحه،حتى إن السيد ابن محمد الحميري رضی الله عنه اعتقد ذلك وقال فيه:

ألاإن الأمة من فریش ***ولاة الأمر أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه*** هم أسباطنا والأوصياء

فسبط سبط إيمان وبر***وسبط قد حوته کربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى***يقود الجيش يقدمه اللواء

ص: 265


1- كمال الدين:30.
2- صحيح البخاري:5/8 جامع الأصول/ ابن الأثير:4/470.فتح الباري:7/21.تاریخ ابن الأثير:2/323.الملل والنحل/الشهرستاني:1/29و 30.مسند إسحاق بن راهويه:3/728و991.کنز العمال:10/292.الطبقات الکبری:2/269_ 271. تاريخ الطبري:2/442.عيون الأثر: 433.عمر بن الخطاب/ البكري:80.

یغيب فلا يرى عتا زمانا*** برضوى عنده عسل وماء

وقال فيه السيد رحمة الله عليه أيضا:

أيا شعب رضوی ما لمن بك لا یری*** فحتى متى يخفي وأنت قريب

فلو غاب عنا عمر نوح لأيقنت ***منا النفوس بأنه سيؤوب

فلم يزل السيد ضالا في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنيفية حتى لقي الصادق جعفر بن محمد علیهماالسلام ورأى منه علامات الإمامة،وشاهد فيه دلالات الوصية،فسأله عن الغيبة،فذكر له أنها حق،ولكنها تقع في الثاني عشر من الأئمة علیهم السلام، وأخبره بموت محمد بن الحنفية،وأن أباه شاهد دفنه،فرجع السيد عن مقالته واستغفر من اعتقاده،ورجع إلى الحق عند اتضاحه له،ودان بالإمامة».(1)

ثم أورد رحمه الله رواية عن السيد الحميري عن الإمام الصادق علیه السلام التي اهتدى إلى الحق بعدها، ورجع عن الكيسانية إلى الحق الاثني عشرية،واعتنق مذهب الحق،ثم ذكر قصيدته الرائية التي أولها:

ص: 266


1- کمال الدين : 33.

فلما رأيت الناس في الدين قد غووا***|تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا

وسنوردها كاملة في فصل الأشعار إن شاء الله تعالى.

وهكذا ذكررضی الله عنه جملة من الطوائف والفرق الإسلامية التي زعمت الغيبة لبعض زعمائها غفلة وسهوا منهم،وانحرافاعن جادة الصواب،کالناووسية القائلين بغيبة الإمام الصادق علیه السلام، والواقفية الذاهبين إلى غيبة الإمام الكاظم علیه السلام،ومن زعموا غيبة الإمام العسكري صلوات الله عليه وتوقفوا على إمامته ،وإنا سنورد تفاصيل تلك الفرق والطوائف في محلها في الفصل الذي عقدناه لذكر آرائها ومعتقداتها.

ثم قال الصدوق رحمه الله في معرض الردعلى سائر الشبهات:

سؤال:وقد يعترض معترض جاهل بآثار الحكمة،غافل عن مستقيم التدبير لأهل الملة بأن يقول:ما بال الغيبة وقعت بصاحب زمانكم هذا دون من تقدم من آبائه الأمة بزعمكم،وقد نجد شيعة آل محمد علیهم السلام في زماننا هذا أحسن حالا، وأرغد عيشا منهم في زمن بني أمية ؛ إذ كانوا في ذلك الزمان مطالبين بالبراءة من أمير المؤمنين علیه السلام،إلى غير ذلك من أحوال القتل والتشريد،وهم في هذا الحال وادعون سالمون،قد كثرت شيعتهم،وتوافرت أنصارهم،وظهرت كلمتهم بموالاة كبراءأهل الدولة لهم وذوي

ص: 267

السلطان والنجدة منهم؟

فأقول-وبالله التوفيق-:إن الجهل غير معدوم من ذوي الغفلةوأهل التكذيب والحيرة،وقد تقدم من قولنا إن ظهور حجج الله علیهم السلام واستتارهم جرى في وزن الحكمة حسب الإمكان والتدبير لأهل الإيمان،وإذا كان كذلك فليقل ذوو النظر والتمييز:إن الأمر الآن-وإن كان الحال كما وصفت-أصعب ،والمحنة أشد مما تقدم من أزمنة الأمة السالفة علیهم السلام؛وذلك أن الأئمة الماضية أسروا في جميع مقاماتهم إلى شيعتهم والقائلين بولايتهم والمائلين من الناس إليهم حتى تظاهر ذلك بين أعدائهم أن صاحب السيف هو الثاني عشر من الأئمة علیهم السلام،وأنه علیه السلام لایقوم حتى تجيئ صيحة من السماء باسمه واسم أبيه والأنفس منيتة على نشر ما سمعت،وإذاعة ما أحست،فكان ذلك منتشرا بين شيعة آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم وعند مخالفيهم من الطواغیت وغيرهم،وعرفوا منزلة أئمتهم من الصدق ومحلهم من العلم والفضل،وكانوا يتوقفون عن التسرع إلى إتلافهم،ويتحامون القصد لإنزال المكروه بهم مع ما يلزم من حال التدبير في إيجاب ظهورهم ، كذلك ليصل كل امرء منهم إلى ما يستحقه من هداية أو ضلالة ،كما قال الله تعالى:«مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ

ص: 268

وَلِيًّا مُرْشِدًا»(1)،وقال الله عز وجل:« وَ لَیَزیدَنَّ کَثیراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ طُغْیاناً وَ کُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْکافِرینَ»(2) وهذا الزمان قد استوفي أهله كل إشارة من نص وآثار فتناهت بهم الأخبار ،واتصلت بهم الآثار إلى أن صاحب هذا الزمان علیه السلام هو صاحب السيف والأنفس منيتة على(ما وصفنا من) نشر ما سمعت، وذكر ما رأت وشاهدت،فلو كان صاحب هذا الزمان علیه السلام ظاهرا موجودا لنشر شيعته ذلك،ولتعداهم إلى مخالفيهم بحسن ظن بعضهم بمن يدخل فيهم،ويظهر الميل إليهم،وفي أوقات الجدال بالدلالة على شخصه والإشارة إلى مكانه،كفعل هشام بن الحكم مع الشامي ،وقد ناظره بحضرة الصادق علیه السلام،فقال الشامي هشام:من هذا الذي تشير إليه،وتصفه بهذه الصفات ؟ قال هشام:هو هذا،وأشار بيده إلى الصادق علیه السلام،فكان يكون ذلك منتشرا في مجالسهم کانتشاره بينهم مع إشارتهم إليه بوجود شخصه ونسبه ومكانه،ثم لم يكونواحينئذ يمهلون ولا ينظرون کفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل اللذي قد كان ذاع منهم وانتشر بينهم من کون موسي علیه السلام بينهم،

ص: 269


1- سورة الكهف:الآية 17.
2- سورةالمائدة:الآية 68.

وهلاك فرعون ومملكته على يديه،وكذلك كان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلب إبراهيم علیه السلام زمان انتشار الخبر بوقت ولادته ،وكون هلاك نمرود وأهل مملكته ودينه على يديه، كذلك طاغية زمان وفاة الحسن بن علي علیهماالسلام والد صاحب الزمان علیه السلام وطلب ولده والتوكيل بداره،وحبس جوارية، وانتظاره به وضع الحمل الذي كان بهن،فلولاأن إرادتهم كانت ما ذكرنا من حال إبراهيم وموسى علیهما السلام لما كان ذلك منهم،وقد خلف علیه السلام أهله وولده،وقد علموا من مذهبه ودينه أن لا يرث مع الولد والأبوين أحد إلا زوج أو زوجة،كلاما يتوهم غير هذا عاقل ولا فهم غير هذا مع ما وجب من التدبير والحكمة المستقيمة ببلوغ غاية المدة في الظهور والاستتار،فإذاكان ذلك كذلك وقعت الغيبة فاستتر عنهم شخصه،وضلوا عن معرفة مكانه،ثم نشر ناشر من شیعته شيئا من أمره بما وصفناه وصاحبكم في حال الاستتار فوردت عادية من طاغوت الزمان أو صاحب فتنة من العوام تفحص عا ورد من الاستتار،وذكر من الأخبار،فلم يجد حقيقة يشار إليها،ولا شبهة يتعلق بها،انكسرت العادية،وسكنت الفتنة،وتراجعت الحمية،فلا يكون حینئذ على شيعته ولا على شيء من أشيائهم لمخالفيهم متسلق،ولا إلى اصطلامهم سبيل متعلق،

ص: 270

وعندذلك تخمدالنائرة، وترتدع العادية،فتظاهر أحوالهم عند الناظر في شأنهم،ويتضح للمتأمل أمرهم،ويتحقق المؤمن المفكر في مذهبهم،فيلحق بأولياء الحجة من كان في حيرة الجهل ينكشف عنهم ران الظلمة عند مهلة التأمل بيناته وشواهد علاماته کحال اتضاحه وانکشافه عند من يتأمل كتابنا هذا مريد للنجاة، هاربا من سبل الضلالة، ملتحقا بمن سبقت لهم من الله الحسنى،فآثر على الضلالة الهدى».(1)

ثم بادرإلى الرد على شبهات ابن بشار قائلا:

«وقد تكلم علينا أبو الحسن علي بن أحمد بن بشار في الغيبة وأجابه أبو جعفر محمد بن عبدالرحمن بن قبة الرازي،وكان من کلام علي بن أحمد بن بشار علينا في ذلك أن قال في كتابه.

أقول:إن كل المبطلين أغنياء عن تثبيت إنية من يدعون له،وبه يتمسكون، وعليه يعكفون،ويعطفون لوجود أعيانهم وثبات إنياتهم وهؤلاءيعني أصحابنا۔فقراء إلى ما قد غني عنه كل مبطل سلف من تثبيت إتية من يدعون له وجوب الطاعة،فقدافتقروا إلى ما قد غني عنه سائر المبطلين،واختلفوا بخاصة ازدادوا بها بطلانا،

ص: 271


1- کمال الدین:45-48

وانحطوا بهاعن سائر المبطلين؛لأن الزيادة من الباطل تحط والزيادة من الخير تعلو،والحمد لله رب العالمين.

ثم قال:وأقول قولا تعلم فيه الزيادة على الإنصاف منا،وإن كان ذلك غير واجب علينا.

أقول:إنه معلوم أنه ليس كل مدع ومدعي له بحق،وإن كان سائل لمدع تصحیح دعواه بمنصف،وهؤلاء القوم ادعوا أن لهم من قد صح عندهم أمره ووجب له على الناس الانقياد والتسليم، وقد قدمنا أنه ليس كل مدع ومدعى له بواجب له التسليم،ونحن نسلم لهؤلاء القوم الدعوى ونقر على أنفسنا بالإبطال - وإن كان ذلك في غاية المحال-بعد أن يوجدوناإنية المدعى له ولا نسألهم تثبيت الدعوى،فإن كان معلوما أن في هذا أكثر من الإنصاف فقد و فينا بما قلنا،فإن قدروا عليه فقد أبطلوا، وإن عجزوا عنه فقد وضح ما قلناه من زيادة عجزهم عن تثبیت ما يدعون على عجز كل مبطل عن تثبیت دعواه، وأنهم مختصون من كل نوع من الباطل بخاصة يزدادون بها انحطاطا عن المبطلين أجمعين لقدرة كل مبطل سلف على تثبيت دعواه إنية من يدعون له،وعجز هؤلاء عما قدر عليه كل مبطل،إلا ما يرجعون إليه من قولهم:« إنه لا بد من تجب به حجة الله عز وجل»،وأجل لا بد من وجوده فضلا عن كونه،

ص: 272

فأوجدونا الإنية من دون ايجاد الدعوى ، ولقد خبرت عن أبي جعفر بن أبي غانم أنه قال لبعض من سأله فقال:يم تحاج الذين کنت تقول ويقولون:إنه لا بد من شخص قائم من أهل هذا البيت؟قال:أقول لهم هذا جعفر»(1)

ص: 273


1- كمال الدين: 51 - 53.

الدرس الحادي والعشرون: فلسفة الغيبة -6

بسم الله الرحمن الرحیم

فعلم الكلام الذي كان لهشام بن الحكم تلميذ الإمام الصادق علیه السلام قصب السبق فيه،استمر على أيدي مشايخ الطائفة علي بن منصور الكوفي،ويونس بن عبدالرحمن اليقطيني ، ومحمد بن أبي عميرة الأزدي البغدادي ، والحسن بن علي بن يقطين البغدادي ، وفضل بن شاذان النيسابوري ، وإسماعيل بن علي بن إسحاق ، وأبي سهل النوبختي البغدادي ، والحسن بن موسى النوبختي،وأبي الحسين السوسنجردي الحمدوني ،وأبي الحسن الناشي الأصغر ،ومظفر بن محمد بن أحمد البغدادي ، ولقي تطورا مذهلا خلال تلك الفترة ، لكن هذا العلم انتهى عند الشيخ المفيد وبلغ ذروته على يديه ؛إذ كان الشيخأعلى الله مقامه فارس میدان المناظرة والكلام،

ص: 274

لا ينافسه غيره، ولا يرقى إليه طيره،وقد تلمذ على أبي ياسر الطاهر تلميذ أبي الجيش الخراساني ، ومظفر بن محمد بن أحمد، وأبي الحسن النوبختي ، والحسن بن علي بن إبراهيم البصري ، وعلي بن عيسى بن علي بن عبدالله البغدادي ، وقد خرج من حلقات در سه أعلام الطائفة ، أمثال :المرحوم الكراجكي ، والسيد المرتضى ، وشيخ الطائفة الطوسي ، وغيرهم كثيرون.

وحين انتهت زعامة المذهب الحق إلى الشيخ المفيد و بين عامي 336ه.ق و 413ه.ق لم يكن بمعزل عن هذه الحقيقة، فقد وقف حياته على الدفاع عن حريم التشيع وحدوده، لاسيما الذب عن الغيبة الحقة وبيان أسرارها وأسبابها، ولهذا قال عنه ابن الندیم:

«ابن المعلم،أبو عبدالله .. في عصرناانتهت رئاسة متكلمي الشيعةإليه، مقدم في صناعةالكلام في مذاهب أصحابه،دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعا،وله من الكتب...». (1)

عاش الشيخ المفيد ذروة العصر الذهبي لعلم الكلام كما عاصر أحلك العصور وأعتمها ظلامة، حيث سهام النقد والتشكيك كانت

ص: 275


1- الفهرست : 226.

تتربص بمبادئ التشيع وٱصوله من كل حدب ومكان، فكشف عن ساعد الجد والاجتهاد متحديا إياها، متصديا لها،ذابا عن حرمات التشيع،لا تأخذه في الله لومة لائم،ناصبا نفسه درعا حصينا يذود عن المذهب وأهله بالقلم والبيان والحكمة والبرهان تحت ظل الدولة البويهيئة المظفرة إبان حكم الأمير عضد الدولة البويهي رضوان الله عليه ، وصنف في هذا المجال ما يربو على تسعين أثرا خالدا ، خص 33 مصنفا منها بموضوع الإمامة ، كما خصص ستة منها للبحث عن مسألة الغيبة ، فكانت له اليد الطولى،والكعب المعلی بين علماء الطائفة وزعمائها، وهي کتاب الغيبة(1) والمسائل العشرة في الغيبة، (2)والمختصر في الغيبة (3) ،والنقض على الطلحي في الغيبة(4)وجوابات الفارقين فی الغيبة (5) ، والجوابات في خروج الإمام المهدي علیه السلام.(6)

وقد تطرق إلى جملة من مسائل الغيبة في ستة من كتبه الٱخرى کالافصاح في الإمامة،والإيضاح في الإمامة ،والعمدة في الإمامة،والإرشاد في معرفة حجج الله على العباد،والعيون والمحاسن

ص: 276


1- النجاشی: 401.الذريعة:16/80.
2- النجاشی:339
3- النجاشی:339
4- النجاشی:400
5- النجاشی:400
6- النجاشی:401

والزاهر في المعجزات،علاوة على أربعين رسالة تركها، وهي عبارة عن مناظراته حول الغيبة وفلسفتها ، وفيها يناظر المعتزلة والزيدية والإسماعيلية والأشاعرة والمرجئة والجبرية وغيرهم، كلا على مسلکه وطبقا لمعتقداته،وهي عبارة عن أجوبة المسائل والشبهات التي كانت ترد عليه من البلاد الدانية والنائية ، من أهمها کتاب الفصول العشرة أو المسائل في الغيبة الذي يتضمن الرد على أسئلة وشبهات أبي العلاء ابن تاج الملك من علماء الشيعة آنذاك.

قال فيه:«فأما بعد انقراض من سميناه من أصحاب أبيه وأصحابه علیهم السلام ، فقد كانت الأخبار عن تقدم من أئمة آل محمد علیهم السلام متناصرة بأنه : لا بد للقائم المنتظر من غيبتين ؛ إحداهما أطول من الٱخرى ، يعرف خبره الخاص في القصري ، ولا يعرف العام له مستقر في الطولى،إلا من تولى خدمته منثقاة أوليائه،ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره.(1)

وأعقب ذلك قائلا:«والأخبار بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الإمامية قبل مولد أبي محمد وأبيه وجده علیهم السلام،وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم رحمه الله، وبان صدق رواتها

ص: 277


1- الفصول العشرة/المفيد: 82.

بالغيبة الطولى،فكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية،ودانت به في معناه.

وليس يمكن أن يخرج عن عادة أزماننا هذه غيبه بشر لله تعالى،في استتاره تدبير لمصالح خلقه لا يعلمها إلا هو،وامتحان لهم بذلك في عبادته،مع أنا لم نحط علما بأن كل غائب عن الخلق مستترا بأمر دينه لأمر يؤمه عنهم كما ادعاه الخصوم - يعرف جماعة من الناس مكانه ويخبرون عن مستقره ...» (1)

ثم أورد حكايات الأولياء والأنبياء ممن وقعت لهم الغيبة القصيرة أو الطويلة،كالخضر، وموسى ويوسف ويونس وأصحاب الكهف علیهم السلام جميعا،ثم قال:

«وليس من عادتنا مثل ذلك،ولا عرفناه،ولولا أن القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم ،وما ذكرناه من حالهم لتسرعت الناصبة إلى إنكار ذلك كما يتسرع إلى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون،ويحيلون صحة الخبر به...».(2)

وقال أيضارحمه الله:«فأي طريق للمقر بالإسلام إلى إنكار مذهبنا

ص: 278


1- الفصول المهمة: 82-83.
2- الفصول المهمة: 86.

في ذلك،لولا أنهم بعداء من التوفيق،مستمالون بالخذلان».(1) وقال في موضع آخر من الصفحة ذاتها:«و إن کنا نعرف من كثير من نفاقهم بذلك،ونتحقق استبطانهم بخلافه؛لعلمنا بإلحادهم في الدين،واستهزائهم به،وانهم كانوا ينحلون بظاهره خوفا من السيف ، وتصنعا أيضا، لاكتساب الحطام به من الدنيا ،ولولا ذلك لصرحوا بما ينتمون ، وظاهروا بمذاهب الزنادقة التي بها یدینون،ولها يعتقدون»(2)

فقد تعرض الشيخ المفيد رضی الله عنه في كتبه ومناظراته لمسائل عديدة تحوم حول الإمام المهدي علیه السلام منها فلسفة الغيبة وإنكار وجود الإمام علیه السلام،وادعاء أن الإمام العسكري علیه السلام لم يخلف من بعده وريثا ذکرا،وسبب إخفاء الولادة،وخروج دعاوى الإمامية في الغيبة عن المألوف والمعتاد،وطول عمر الإمام علیه السلام،ونظائرها، حتى إنه لم يترك شاردة ولا واردة من الشبهات إلا أجاب عنها بالدليل القاطع والبرهان الساطع،إليك مقاطع من كلامه في كتبه ومصنفاته:

وقال في الفصل السابع - ردا على من زعم بطلان الحاجة إلى

ص: 279


1- المسائل العشرة : 88.
2- المصدر المتقدم: 88 – 89.

الإمام الغائب عن الأنظار والأبصار؛إذ لم يتول إقامة الحدود ولا إنفاذ الأحكام،ولا الدعوة إلى الحق،وكان حينئيذ وجوده كعدمه:

«فإنا نقول فيه:إن الأمر بخلاف ما ظنوه؛وذلك أن غيبته لا تخل بماصدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع والملة، واستيداعها له ، و تكليفها التصرف في كل وقت لأحوال الٱمة ،وتمسكها بالديانة،أو فراقها لذلك إن فارقته،وهو الشيء الذي ينفرد به دون غيره من كافة رعيته.ألا ترى أن الدعوة إليه إنما يتولاها شيعته،وتقوم الحجة بهم في ذلك،ولا يحتاج هو إلى تولي ذلك بنفسه،كما كانت دعوة الأنبياء علیهم السلام تظهر نایبا عنهم،والمقرين بحقهم،وينقطع العذر بها فيما يتأتى عن علتهم ومستقرهم،ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم،وقد قامت أيضا نایبا عنهم بعد وفاتهم، وتثبت الحجة لهم في ثبوتهم ،بامتحانهم في حياتهم وبعد موتهم،وكذلك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام،وقد يتولاها أمراء الأمة وعمالهم دونهم، كما كان يتولى ذلك أمراء الأنبياء علیهم السلام وولاتهم، ولا يخرجونهم إلى تولي ذلك بأنفسهم،وكذلك القول في الجهاد،ألا ترى أنه يقوم به الولاة من قبل الأنبياء والأئمة دونهم،ويستغنون بذلك عن توليه بأنفسهم.

ص: 280

فعلم بما ذكرناه:أن الذي أحوج إلى وجود الإمام،ومنع من عدمه ما اختص به من حفظ الشرع،الذي لا يجوز ائتمان غيره عليه،ومراعاة الخلق في أداء ما كلفوه من أدائه.(1)

ثم ذكر وجها آخر لاستتاره علیه السلام قائلا:«وشيء آخر،وهو:أنه إذا غاب الإمام للخوف على نفسه من القوم الظالمين،فضاعت لذلك الحدود ،وانهملت به الأحكام،ووقع به في الأرض الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز اسمه،وكانوا المأخوذين بذلك،المطالبين به دونه...».(2)

وقال رضوان الله عليه - في معرض رده على شبهات القائلين بمساواة مذهبنا بالمذاهب الباطلة،كالسبائية والكيسانية والممطورة والإسماعيلية والزيدية وأشباهها القائلة باستتار أئمتها وقادتها،مما يستلزم بطلان مذهبنا على نحو بطلان تلك المذاهب:«فإنانقول:إن هذاتوهم من الخصوم،لو تيقظوا الفساد ما اعتمدوه في حجاج أهل الحق،وظنوه نظيرة للمقالتهم؛وذلك أن قتل من سموه قد كان محسوسا مدركا بالعيان...»إلى أن قال:«والإنكار للمحسوسات

ص: 281


1- المسائل العشرة/الشیخ المفید:105-107.
2- المسائل العشرة/الشیخ المفید:107

باطل عند كافة العقلاء، وشهادة الأئمة المعصومين بصحة موت الماضين منهم مزيلة لكل ريبة،فبطلت الشبهة فيه على ما بيناه، وليس كذلك قول الإمامية في دعوى صاحبهم علیه السلام؛لأن دعوى وجود صاحبهم علیه السلام لا تتضمن دفع المشاهد، ولا له إنكار المحسوس،ولا قام بعد الثاني عشر من أئمة الهدى علیهم السلام إمام عدل معصوم يشهد بفساد دعوى الإمامية،أو وجود إمامها وغيبته،فأي نسبة بين الأمرين لولا التحريف في الكلام ،والعمل على أول خاطر يخطر للإنسان من غير منكر فيه ولا إثبات».

ثم ختم ذلك بقوله رحمه الله:«ومن تأمل ما ذكرناه عرف الحق منه،ووضح له الفرق بيننا وبين الضالة من المنتسبين إلى الإمامية والزيدية،ولم يخف الفصل بين مذهبنا في صاحبنا علیه السلام،ومذاهبهم الفاسدة بما قدمناه،والمنة لله».(1)

ص: 282


1- المسائل العشرة / الشيخ المفيد: 109 – 112.

الدرس الثانی و العشرون: فلسفة الغیبة-7

بسم الله الرحمن الرحیم

وقال عليه الرحمة والرضوان في الفصل الأول:«أقول:إن استتار ولادة المهدي بن الحسن بن علي علیهم السلام عن جمهور أهله وغيرهم،وخفاء ذلك عليهم، واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف،ولا مخالفا لحكم العادات،بل العلم محيط بتهام مثله في أولاد الملوك والسوقة،لأسباب تقتضيه لا شبهة فيهاعلى العقلاء.

فمنها:أن يكون للإنسان ولد من جارية قد أستر تملكها من زوجته وأهله،فتحمل منه فيخفي ذلك عن كل من يشفق منه أن يذكره،ويستره عمن لا يأمن إذاعة الخبر به،لئلا يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها وأنصارها،ويتم الفساد به، ويترتب ضرر عليه يضعف عن دفاعه عنه،وينشؤ الولد وليس أحد من أهل الرجل

ص: 283

وبني عمه وإخوانه وأصدقائه يعرفه،ويمر على ذلك إلى أن يزول خوفه من الإخبار عنه، فيعرف به إذ ذاك،وربما تم ذلك إلى أن تحضره وفاته فيعرف به عند حضورها،تحرج من تضييع نسبه،وإيثارا لوصوله إلى مستحقه من ميراثه.

وقد يولد للملك ولد لا يؤذن به حتى ينشؤ ويترعرع،فإن رآه على الصورة التي تعجبه ...

ومن الناس من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم في حقه،وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد، فلا يزال مستورا حتى يتمكن من إظهاره على أمان منه عليه ممن سميناه.

ومنهم من يستر ذلك ليرغب في العقد له من لا يؤثر مناکحة صاحب الولد من الناس،فينم له في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره...واشتهر من الملوك من ستر ولد وإخفاء شخصه عن رعيته لضرب من التدبير، في إقامة خليفة له،وامتحان جنده بذلك في طاعته...

وغير ذلك مما يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد،وإظهار موتهم،واستتار الملوك أنفسهم،والإرجاف بوفاتهم، وامتحان رعاياهم بذلك...».

ثم قال:«وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة

ص: 284

أبي إبراهيم الخليل علیه السلام وٱمه لذلك،وتدبيرهم في إخفاء أمره عن ملك زمانه لخوفهم عليه منه،وبستر ولادة موسی بن عمران علیه السلام ... فما الذي ينكره خصوم الإمامية من قولهم في ستر الحسن علیه السلام ولادة ابنه المهدي عن أهله،وبني عمه،وغيرهم من الناس،وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عددناه وسميناه...»(1)

ورد على من زعم المناقضة في مذهبنا بين قولنا بوجوب الإمامة وشمول المصلحة للأنام بوجود الإمام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره،وبين قولنا :إن الله تعالى قد أباح للإمام الغيبة عن الخلق،وسوغ له الاستتار عنهم،وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد،قائلا:«وأقول:إن هذه الشبهة الداخلة على المخالف إنما استولت عليه لبعده عن سبيل الاعتبار،ووجوه الصلاح وأسباب الفساد؛وذلك أن المصالح تختلف باختلاف الأحوال،ولا تتفق مع تضادها ،بل يتغير تدبير الحكماء في حسن النظر والاستصلاح بتغير آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الأعمال...»،ثم ضرب مثالا بأفعال الحكماء من البشر وسيرة عقلائهم إلى أن قال:

«وعلى الوجه الذي بناه كان تدبير الله تعالى الخلقه، وإرادته

ص: 285


1- الرسالة الٱولی فی الغیبة:53-58.

عمومهم بالصلاح،ألا ترى أنه خلقهم فأكمل عقولهم وكلفهم الأعمال الصالحات؛ليكسبهم بذلك حالا في العاجلة،ومدحا وثناء حسنا وإكراما وإعظاما وثوابا في الآجل،ويدوم نعيمهم في دار المقام، فإن تمسكوا بأوامر الله ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه،وسهل عليهم سبيله، ويسره لهم،وإن خالفوا ذلك و عصوه تعالى،وارتكبوا نواهيه تغيرت الحال فيما يكون فيه استصلاحهم،وصواب التدبير لهم،يوجب قطع مواد التوفيق عنهم،وحسن منه ذمهم حربهم،ووجب عليهم به العقاب،وكان ذلك هو الأصلح لهم،والأصوب في تدبيرهم مما كان يجب في المحكمة لو أحسنوا ولزموا السداد،فليس ذلك بمتناقض في العقل ولا متضاد في قول أهل العدل،بل هو ملتئم على المناسب والاتفاق ».(1)

ثم قال طيب الله ثراه في فصل آخر:«ألا ترى أن الله تعالى دعا الخلق إلى الإقرار به وإظهار التوحيد،والإيمان برسله علیهم السلام لمصلحتهم،وأنه لا شيء أصوب في تدبيرهم من ذلك ، فمتى اضطروا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم ترك الإقرار بالله، والعدول عن إظهار

ص: 286


1- المسائل العشرة/الشيخ المفيد : 113.

التوحيد،والمظاهرة بالكفر بالرسل،وإنما تغيرت المصلحة بتغير الأحوال،وكان في تغيير التدبير الذي دبرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين ، وإن كان ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحامنهم و مفسدة يستحقون به العقاب الأليم.

وقد فرض الله تعالى الحج والجهاد وجعلهما صلاحا للعباد،فإذا تمكنوا منه عمت به المصلحة،وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم ترکه والكفت عنه،وكانوا في ذلك معذورین ،وكان المجرمون به ملومين، وهذا نظير لمصلحة الحلق بظهور الأئمة علیهم السلام وتدبيرهم إياهم متى أطاعوهم ،وانطووا على النصرة لهم والمعونة،وإن عصوهم وسعوا في سفك دمائهم تغيرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة له ولهم غيبته وتغييبه واستتاره، ولم يكن في ذلك عليه لوم، وكان الملوم هو المسبب له بإفساده و سوء اعتقاده».(1)

وفي معرض الرد على من زعم أنه إذا كان الإمام غائبا، ولم يكن رآه أحد إلا من مات قبل ظهوره،فليس للخلق طريق إلى معرفته بمشاهدة شخصه ولا التفرقة بينه وبين غيره بدعوته،

ص: 287


1- المسائل العشرة:116- 117.

ولو عرفوه بالمعجزات التي سوف تظهر على يديه وهي من خصائص الأنبياء،فلعل الناس ظنوه نبيا،وهذا نقض مذهبهم وخروج عن قول الٱمة كلها أنه لا نبي بعد نبينا عليه وعلى آله السلام.

قال في الفصل العاشر:«فإنا نقول:إن الأخبار قد جاءت عن أئمة الهدى من آباء الإمام المنتظر علیه السلام بعلامات تدل عليه قبل ظهوره،وتؤذن بقيامه بالسيف قبل سنته:منها،خروج السفياني،وظهورالدجال،وقتل رجل من ولد الحسن بن علي علیه السلام،يخرج بالمدينة داعيا إلى إمام الزمان،وخسف بالبيداء،وقد شاركت العامة الخاصة في الحديث عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم بأكثر هذه العلامات.

ثم قال رحمه الله:«مع أن ظهور الآيات على الأئمة علیهم السلام لا يوجب الحكم بالنبوة؛لأنها ليست بأدلة تختص بدعوة الأنبياء من حيث دعوا إلى نبوتهم،لكنها أدلة على صدق الداعي إلى ما دعى إلى تصديقه فيه على الجملة دون التفصيل...».

ثم ذكرأن الآيات والمعجزات ظهرت على أيدي من ليسوا بالأنبياء على مر العصور، وقد أشار القرآن الكريم إلى جملة من تلك الآيات الباهرات التي ظهرت على مريم و ٱم موسى وغيرهما.(1)

ص: 288


1- المسائل العشرة:121-124

قال الشيخ المفيد أعلى الله درجاته عن بعض الأسباب المؤدية إلى غيبة الإمام علیه السلام:«فقلت له:إن قلت:إن الإمام في تقية مني وفي تقية ممن خالفني ما يكون كلامك عليه؟

قال:أفتطلق أنه في تقية منك كماهو في تقية من خالفك؟

قلت:لا.قال:فما الفرق بين القولين؟

قلت:الفرق بينهما أنني إذا قلت إنه في تقية مني كما هو في تقية ممن خالفني،أوهمت أن خوفه مني على حد خوفه من عدوه،وأن الذي يحذره مني هو الذي يحذره منه،أو مثله في القبح،فإذا قلت:إنه يتقي مني وممن خالفني ارتفع هذا الإبهام.

قال:فمن أي وجه إتقی منك؟ومن أي وجه إتق من عدوه؟فصل لي الأمرين حتى أعرفهما.

فقلت له:تقيته من عدوه هي لأجل خوفه من ظلمه له،وقصده الإضرار به،وحذره من سعيه على دمه.وتقيته مني لأجل خوفه إذاعتي على سبيل السهو أو للتجمل والتشرف بمعرفته بالمشاهدة،أو على التقية مني بمن أوعزه إليه من إخواني في الظاهر فيعقبه ذلك ضررة عليه،فبان الفرق بين الأمرين».(1)

ص: 289


1- الفصول المختارة:115

و قد رد شيخنا المفيد أعلى الله مقامه على اعتراض من زعم: أنه إذا كان الخبر المروي: «من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » صحيحا،فكيف يصح قول الشيعة في إمام زمانهم أنه غائب مستتر عن جميع الناس لا يتصل به أحد، ولا يعلم بمكانه ومستقره،قائلا ما حاصله:«أن مدلول الخبرهو لزوم وجود الإمام ولزوم معرفة المسلم به)،ولم يتضمن (وجوب ظهوره وعدم غيبته)،فالاعتقاد بالغيبة لا ينافي مدلول الخبر،ثم إن المصلحة قد تتعلق بمجرد معرفة الشيء أو الشخص،ولا تتعلق بمشاهدته ومعرفة مكانه أو الاتصال به»

قال قدس الله نفسه الزكية:«لا مضادة بين المعرفة بالإمام وبين جميع ما ذكرت من أحواله ؛لأن العلم بوجوده في العالم لا يفتقر إلى العلم بمشاهدته لمعرفتنا ما لا يصح إدراكه بشيء من الحواس،فضلا عمن يجوز إدراكه وإحاطة العلم بما لا مكان له،فضلا عمن يخفي مكانه والظفر بمعرفة المعدوم والماضي والمنتظر، فضلا عن المستخفي المستتر... (1)

ص: 290


1- الرسالة الٱولى في الغيبة المطبوعة أخيرا في الجزء السابع من سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد أعلى الله مقامه

فإن قيل:فما ينفعنا من معرفته مع عدم الانتفاع به من الوجه الذي ذكرنا؟

قيل له:نفس معرفتنا بوجوده وإمامته وعصمته وكماله نفع لنا في اكتساب الثواب، وانتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب، ونؤدي بها فرضا ألزمناه ربنا المالك للرقاب،كما كانت المعرفة بمن عددناه من الأنبياء والملائكة من أجل النفع لنا في مصالحنا، واكتسابنا المثوبة في آجلنا ،وإن لم يصح المعرفة لهم على كل حال،وكما أن معرفة الٱمم الماضية نبينا قبل وجوده مع أنها كانت من أوكد فرائضهم لأجل منافعهم، ومعرفة الباري جل اسمه أصل الفرائض كلها،وهو أعظم من أن يدرك بشيء من الحواس. (1)

فإن قال:إذا كان الإمام عندكم غائبا،ومكانه مجهولا، فكيف يصنع المسترشد؟وعلى ماذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حكما، وإلى من يرجع المتنازعون ...؟

قيل له:هذا السؤال مستأنف لا نسبة له بما تقدم...وإنما الإمام نصب لأشياء كثيرة، أحدها:الفصل بين المختلفين.

الثاني:بيان الحكم للمسترشدین .

ص: 291


1- الهامش المتقدم في الصفحة السابقة.

ولم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا والدین، غير أنه إنما يجب عليه القيام فيما نصب له مع التمكن من ذلك والاختيار، وليس يجب عليه شيءلا يستطيعه، ولا يلزمه فعل الإيثار مع الاضطرار،ولم يؤت الإمام في التقية من قبل الله عز وجل،ولا من جهة نفسه وأوليائه المؤمنين،وإنما ٱتي ذلك من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه،ودفعوا نسبه،وأنكروا حقه،وحملواالجمهور على عداوته ومناصبة القائلين بإمامته...وأما الممتحن بحادث يحتاج إلى علم الحكم فقد وجب عليه أن يرجع في ذلك إلى العلماء من شيعة الإمام ... وكذلك القول في المتنازعين،يجب عليهم رد ما اختلفوا فيه إلى الكتاب والسنة عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين،ويستعينوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم...».(1)

« فإن قيل:فإذا كانت عبادتكم تتم بما وصفتموه مع غيبة الإمام فقد استغنيتم عن الإمام.

قيل له:ليس الأمر كما ظننت في ذلك؛لأن الحاجة إلى الشيء قد تكون قائمة مع فقد ما يسدها...ولو لزمنا ما ادعيتموه وتوهمتموه

ص: 292


1- تقدم الهامش في الصفحة 287.

للزم جميع المسلمين أن يقولوا:إن الناس كانوا في حال غيبة النبي صلی الله علیه و آله و سلم للهجرة وفي الغار أغنياء عنه،وكذلك كانت حالهم في وقت استتاره بشعب أبي طالب علیه السلام،وكان قوم موسى علیه السلام أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه، وكذلك أصحاب یونس علیه السلام....الخ»(1)

كما أجاب في الرسالة الثانية على جملة من الأسئلة والشبهات منها:

الدليل على وجود الإمام صاحب الغيبة علیه السلام؟فأجاب قدس الله نفسه ما حاصله:

«نقل الشيعة الإمامية نقلا متواترا،والأخبارالكثيرةعن غيبته علیه السلام»

ورد على من زعم احتمال تواطئ جماعة على وضع تلك النصوص والأخبار ونقل الشيعة لها، وهي غير عالمة بالأصل،بما حاصله:«أولا:إن هذا الاحتمال يأتي في جميع الأخبار المتواترة،وهوالطريق إلى إبطال الشرائع.وثانيا:لو كان أمر هذا الاحتمال صحيحا، وما ذكر فيه واقعا؛لظهر واشتهر على ألسن المعارضين للشيعة،وهم يطلبون نقض مذهبهم،ويتبعون عثرات عقيدتهم، وكان ذلك

ص: 293


1- رسائل في الغيبة/المفيد:1/16.

أظهر وأشهر من أن يخفي.

ورد على من ادعى لزوم هذه الأخبار من طريق غير الشيعة أيضا لو كانت ثابتة؟

بأن ذلك غير لازم ولا واجب،وإلا لوجب أن لا يصح خبر لا ينقله المؤالف والمخالف،ولبطلت الأخبار،ولم يتم الاحتجاج بشيء من الأخبار المروية من طائفة واحدة من المسلمين). (1)

وفي الرسالة الثالثة والرابعة أورد جملة من الإشكالات التي أوردها الخصوم ،منها:أنه إذا كان السبب في الغيبة هو كثرة الأعداء والخوف على نفسه منهم فقد كان الزمن الأول على الأمة من آبائه أصعب،وكان أعداؤهم أكثر،والخوف على أنفسهم أشد وأكثر،ومع ذلك كانوا ظاهرين ولم يستتروا.

ص: 294


1- الرسالة الثانية في الغيبة المطبوعة في الجزء السابع من سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد رحمه الله.

الدرس الثالث و العشرون: فلسفة الغیبة-8

بسم الله الرحمن الرحیم

ثم رد عليها قائلا بما حاصله: باختلاف الحالتين؛لإباحة التقية للأئمة عليهم السلام، وعدم تكليفهم بالقيام بالسيف حال الظهور لعدم مصلحة ذلك،ولم يكونوا ملزمين بالدعوة لاقتضاء المصلحة مداراة الأعداء ومخالطتهم،ولهذا أذاعوا تحريم إشهار السيوف عنهم، وحظر الدعوة إليها،لئلا يزاحم الأعداء ظهورهم ومخالطتهم للناس،بخلاف المهدي القائم المنتظر المنتقم الذي تعرف بأسمائه وألقابه تکاليفه ووظائفه،أي لا يخرج ولا يظهر إلا بالسيف ليكشف الله به الغمة،ويحيي به السنة،ويهدي به الٱمة،ولا تسعة التقية عند ظهوره، ولما عرف الظالمون منهم أن ليس فيهم من يقوم بذلك سوى مهدهم في آخر الزمان أمنوهم على أنفسهم،مطمئنين بذلك إلى ما يدبرونه من شئون

ص: 295

أنفسهم،بخلاف صاحب الأمر أرواحنا فداه،وحيث لم يكن أنصاره متهيئين إلى وقت ظهوره،لزمته التقنية،وفرضت عليه الغيبة حتى يتم له أولئك الأنصار،ولو أظهر نفسه في غير وقته لم يأل الأعداء جهدأفي استئصاله وجميع شیعته.

وأما كثرة شيعته وكون عدتهم في زماننا هذا أضعاف مضاعفة من أهل بدر،وفي الأخبار أنه يظهر لو تم له عدد أهل بدر من الأصحاب وهم ثلاثمائة وثلاثة عشرة رجلا، فإنه يجب أن يكون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعة،والصبر على اللقاء،والإخلاص في الجهاد ،وإيثارالآخرة على الدنيا، ونقاء السرائر من العيوب، وصحة العقول،وأنهم لا يهنون ولا ينتظرون عند اللقاء، ويكون العلم من الله تعالى بعموم المصلحة في ظهورهم بالسيف...ولو علم الله تعالى أن في جملتهم العدد المذكور على ما شرطناه لظهر الإمام علیه السلام لا محالة،ولم يغب بعد اجتماعهم طرفة عين ....».

ثم استشهد رحمه الله بسيرة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلى أن ختمه بقوله:«فلم لم يقاتل بمكة،وما باله صبر على الأذى ،ولم منع أصحابه عن الجهاد وقد بذلوا أنفسهم في نصرة الإسلام ، وما الذي اضطره إلى الاستجارة بالنجاشي وإخراج أصحابه من مكة إلى بلاد الحبشة خوفا على دمائهم من الأعداء،وماالذي دعاه إلى القتال حين

ص: 296

خذله أصحابه وتثاقلوا عليه ،فقاتل بهم مع قلة عددهم، وكيف لم يقاتل بالحديبية مع كثرة أنصاره وبيعتهم له على الموت،وما وجه اختلاف أفعاله في هذه الأحوال؟فما كان في ذلك جوابکم فهو جوابنا في ظهور السلف من آباء صاحب الزمان ، واستتاره وغيبته،فلا تجدون من ذلك مهربا».

ومنها رده أعلى الله درجاته على من زعم أنه:لم لا يظهر الإمام وإن أتى ظهوره إلى قتله، فيكون البرهان له،والحجة في إمامته أوضح،ويزول الشك في وجوده بلا ارتياب؟قائلا:

«فقلت:إنه لا يجب ذلك عليه علیه السلام،كما لا يجب على الله تعالى معالجة العصاة بالنقات،وإظهار الآيات في كل وقت متتابعات...ولو علم علیه السلام أن في ظهوره صلاحا في الدين مع مقامه في العالم أو هلاکه وهلاك جميع شیعته وأنصاره لما أبقاه طرفة عين، ولا فتر عن المسارعة إلى مرضاة الله جل اسمه».(1)

وبعد أن قضى الشيخ المفيد نحبه والتحق بالرفيق الأعلى ،انتهت الزعامة الدينية في المذهب الجعفري الحق إلى السيد المرتضی علم

ص: 297


1- الرسالة الثالثة والرابعة في الغيبة،وهما مطبوعتان في الجزء السابع من سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد عليه الرحمة والرضوان.

الهدی قدست نفسه الزكية تلميذ الشيخ المفيد،وكان عصره عصرا مزدهرا بالعلوم والمعارف والأدب والحريات الفكرية والعملية،حيث كانت المواجهة سجالا بين معسكري الكلام الشيعي والكلام المعتزلي،فنهض بأعباء المذهب خير نهوض،وكان ٱمة في نفسه لشدة تمحضه في العلوم العقلية والجدليات الفكرية العقائدية،وخالف أستاذه في جملة من أنظاره وآرائه،وقد نقل العلامة قطب الدين الراوندي قدس سره عن ابن طاووس رضی الله عنه أنه جمع المسائل الخلافية بينهما ودونها في رسالة،وهي تزيد على خمس وتسعين مسألة، وادعى الراوندي رحمه الله أنها أكثر من ذلك.

وقد تصدى للرد على آراء ٱستاذه القاضي عبدالجبار الهمداني المعتزلي،المتوفی 415ه.ق،الذي كان يتقلد منصب قاضي القضاة في عهد ركن الدولة البويهي،وكان قد ألف كتابا في عشرين مجلدا سماه «المغني في أبواب التوحيد والعدل»،تعرض في الجزء الأخير منه لمسألة الإمامة،حيث نسب منقولاته هناك إلى أمة المعتزلة، کالجاحظ وأبي عبدالله الجعل، وأبي علي الجبائي،وأبي هاشم الجبائي ،وأبي القاسم البلخي ، كما استعان في نقد الشيعة على نظريات الشيخ أبي محمد بن الحسن بن موسى النوبختي،وكيف كان فقد أظهر شدة تعصبه لأئمة المعتزلة وباشر الدفاع عنهم وعن آرائهم،

ص: 298

وجاءت الردود عليه من السيد المرتضى رضی الله عنه في كتاب أسماء الشافي في الٱمة كالصاعقة على هامة مذهب الاعتزال،مستشهدا في ذلك ببعض ما ورد في كتاب الإمامة لابن الراوندي مدافعاعن آرائه(1) وأنظاره، فاضطر أبو الحسن البصري تلميذ القاضي عبدالجبار أن ينهض للدفاع عن مذهب الاعتزال ويجتهد إلى تأليف كتاب أسماه نقض الشافي ردا على السيد المرتضی،فنهض إليه أبو يعلا سلار بن عبدالعزيز الديلمي تلميذ السيد المرتضى،وكتب ردا على ردا أسماه نقض نقض الشافي(2)ثم أودع السيد المرتضى نهايةأفكاره وآخر نظرياته حول الغيبة في كتابه المقنع في الغيبة،إليك نبذة من آراءه في الغيبة،انظر العناوين التالية:

رسائل المرتضی:1/83،و:1/310-322،و2/293...الخ،و:3/144...الخ.

وفي عصر زعامة شيخ الطائفة الطوسي رضی الله عنه بلغ الكلام الشيعي ذروة علم الكلام وارتقی أعلى قممة الشامخة، فلخص الشافي وسماه تلخيص الشافي الذي يتطرق إلى موضوع الغيبة و فلسفتها

ص: 299


1- الفهرست/منتجب الدين:85.
2- المقنع في الغيبة/الشيخ الطوسي:مجلة تراثنا-العدد27.

في أوائل المجلدالأول منه، وفي الفصل الأخير من الجزء الرابع منه،ثم صنف کتاب الغیبة،وقد استعان بقاعدة اللطف في إثبات الغيبة للإمام المهدي علیه السلام،وفسر اللطف بقوله:

«ذكر رحمه الله أولا ثلاثة ٱصول عقلية عامة لفلسفة الغيبة تعضدها وتدل عليها دلائل النقل وأدلته هي وجوب الرئاسة،ووجوب القطع على العصمة.

وأخيرا:أن الحق لا يخرج عن الٱمة،ثم استدل عليها بموجز من القول،قائلا:«والذي يدل على وجوب الرئاسة ما ثبت من كونها لطفا في الواجبات العقلية،فصارت واجبة، كالمعرفة التي لا يعرى مكلف من وجوبها عليه،ألا ترى أن من المعلوم أن من ليس بمعصوم من الخلق متى تملوا من رئيس مهيب يردع المعاند ويؤدب المجاني،ويأخذ على يد المتغلب،ويمنع القوي من الضعيف،وأمنوا ذلك وقع الفساد،وانتشرت الحيل،وكثر الفساد، وقل الصلاح،ومتى كان لهم رئيس هذه صفته كان الأمر بالعكس من ذلك،من شمول الصلاح وكثرته وقلة الفساد ونزارته،والعلم بذلك ضروري لايخفى على العقلاء،ومن دفعه لا يخش مکالمته...».(1)

ص: 300


1- الغيبة / الطوسي:3 – 5.

وقال عن فلسفة الغيبة: «فقال:الكلام في الغيبة والاعتراض عليها من ثلاثة أوجه:

أحدها:أنا نلزم الإمامية ثبوت وجه قبح فيهاأو في التكليف معها،فیلزمهم أن يثبتوا أن الغيبة ليس فيها وجه قبح؛لأن مع ثبوت وجه القبح تقبح الغيبة؛وإن ثبت فيها وجه حسن كما نقول في قبح تکلیف ما لا يطاق(أن فيه وجه قبح)وإن كان فيه وجه حسن بأن يكون لطفا لغيره.

والثاني:أن الغيبة تنقض طريق وجوب الإمامة في كل زمان ؛لأن كون الناس مع رئيس مهيب متصرف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفا واجبا في كل حال،وقبح التكليف مع فقده الانتقض بزمان الغيبة؛ لأنا في زمان الغيبة نكون مع رئيس هذه صفته أبعد من القبيح،وهو الدليل على وجوب هذه الرئاسة،ولم يجب وجود رئيس هذه صفته في زمان الغيبةولا قبح التكليف مع فقده،فقد وجد الدليل ولا مدلول،وهذا نقض الدليل.

والثالث:أن يقال:إن الفائدة بالإمامة هي كونه مبعدا من القبيح على قولكم،وذلك لا يحصل مع وجوده غائبا فلم ينفصل وجوده من عدمه،وإذا لم يختص وجوده غائبا بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتض دلیلکم وجوب وجوده مع الغيبة ،فدليلكم مع أنه منتقض

ص: 301

حيث وجد مع انبساط اليد، ولم يجب انبساط اليد مع الغيبة،فهو غير متعلق بوجود إمام غیر منبسط اليد ولا هو حاصل في هذه الحال.

والكلام عليه أن نقول:

أما الفصل الأول من قوله: «إنا نلزم الإمامية أن يكون في الغيبة وجه قبح»وعيد منه محض لا يقترن به حجة،فكان ينبغي أن يتبين وجه القبح الذي أراد إلزامه إياهم للننظر فيه ولم يفعل،فلا يتوجه وعیده.

وإن قال ذلك سائلا على وجه: «ماأنكرتم أن يكون فيها وجه قبح».فإنا نقول:وجوه القبح معقولة من كون الشيء ظلما وعبثا وكذبا ومفسدة وجهلا، وليس شيء من ذلك موجوداهاهنا،فعلمنا بذلك انتفاء وجوه القبح.

فإن قيل:وجه القبح أنه لم يزح علة المكلف على قولكم؛ لأن انبساط يده الذي هو لطف في الحقيقة والخوف من تأديبه لم يحصل،فصار ذلك إخلالا بلطف المكلف فقبح لأجله.

قلنا:قد بينا في باب وجوب الإمامة بحيث أشرنا إليه أن انبساط يده علیه السلام والخوف من تأديبه إما فات المكلفين لما يرجع إليهم؛لأنهم أحوجوه إلى الاستتار بأن أخافوه ولم يمكنوه فأتوا من قبل نفوسهم.

وجرى ذلك مجري أن يقول قائل :«من لم يحصل له معرفة الله تعالى

ص: 302

في تكليفه وجه قبح»؛لأنه لم يحصل ما هو لطف له من المعرفة،فينبغي أن يقبح تكليفه.

فما يقولونه هاهنا من أن الكافر ٱتی من قبل نفسه؛لأن الله قد نصب له الدلالة على معرفته ومكنه من الوصول إليها،فإذا لم ينظر ولم يعرف أتي في ذلك من قبل نفسه ولم يقبح ذلك تكليفه،فكذلك نقول:انبساط يد الإمام وإن فات المكلف فإنما أتي من قبل نفسه،ولو مكنه لظهر وانبسطت يده فحصل لطفه، فلم يقبح تكليفه؛لأن الحجة عليه لا له.

وقد استوفينا نظائر ذلك في الموضع الذي أشرنا إليه، وسنذكر فيما بعد إذا عرض ما يحتاج إلى ذكره.

وأما الكلام في الفصل الثاني :فهو مبني على المغالطة ولا نقول:إنه لم يفهم ما أورده؛لأن الرجل كان فوق ذلك لكن أراد التلبيس والتمويه في قوله:إن دلیل وجوب الرئاسة ينتقض بحال الغيبة؛لأن كون الناس مع رئيس مهيب متصرف أبعد من القبيح لو اقتضى کونه لطفا واجبا على كل حال وقبح التكليف مع فقده لانتقض بزمان الغيبة؛لأنا في زمان الغيبة فلم يقبح التكليف مع فقده، فقد وجد الدليل ولا مدلول وهذا نقض.

وإنما قلنا:إنه تمويه لأنه ظن أنا نقول:إن في حال الغيبة دليل

ص: 303

وجوب الإمامة قائم ولا إمام فكان نقضا،ولا نقول ذلك،بل دلیلنا في حال وجود الإمام بعينه هو دليل حال غيبته، في أن في الحالين الإمام لطف فلا نقول:إن زمان الغيبة خلا من وجوب رئیس،بل عندنا أن الرئيس حاصل،وإنما ارتفع انبساط يده لما يرجع إلى المكلفين على ما بيناه،لا لأن انبساط يده خرج من كونه لطفا بل وجه اللطف به قائم،وإنما لم يحصل لما يرجعإلى غيرالله.

فجری مجری أن يقول قائل: كيف يكون معرفة الله تعالى لطفا مع أن الكافر لا يعرف الله ،فلما كان التكليف على الكافر قائمة والمعرفة مرتفعة دل على أن المعرفة ليست لطفاعلى كل حال؛لأنها لوكانت كذلك لكان ذلك نقضا.

وجوابنا في الإمامة كجوابهم في المعرفة من أن الكافر لطفه قائم بالمعرفة،وإنما فوت نفسه بالتفريط في النظر المؤدي إليها فلم يقبح تكليفه،فكذلك نقول:الرئاسة لطف للمكلف في حال الغيبة، وما يتعلق بالله من إيجاده حاصل،وإنما ارتفع تصرفه و انبساط بده لأمر يرجع إلى المكلفين فاستوى الأمران، والكلام في هذاالمعنى مستوفي أيضأ بحيث ذكرناه.

وأما الكلام في الفصل الثالث :من قوله:«إن الفائدة بالإمامة هي كونه مبعدا من القبيح على قولكم»،وذلك لم يحصل مع غيبته،

ص: 304

فلم ينفصل وجوده من عدمه، فإذا لم يختص وجوده غائبابوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتض دلیلکم وجوب وجوده مع الغيبة،فدليلكم مع أنه منتقض حيث وجد مع انبساط اليد،ولم يجب انبساط اليد مع الغيبة،فهو غير متعلق بوجود إمام غیر منبسط اليد ولا هو حاصل في هذه الحال.

فإنانقول:إنه لم يفعل في هذا الفصل أكثر من تعقيد القول على طريقة المنطقيين من قلب المقدمات ورد بعضها على بعض،ولا شك أنه قصد بذلك التمويه والمغالطة،وإلا فالأمر أوضح من أن يخفي.

ومتى قالت الأمامية:إن انبساط يد الإمام لا يجب في حال الغيبة حتى يقول:دليلكم لا يدل على وجوب إمام غیر منبسط اليد؛لأن هذه حال الغيبة،بل الذي صرحنا به دفعة بعد ٱخرى أن انبساط يده واجب في الحالين في حال ظهوره وحال غيبته،غير أن حال ظهوره مكن منه فانبسطت يده وحال الغيبة لم يمكن فانقبضت يده،ججالا أن انبساط يده خرج من باب الوجوب،وبينا أن الحجة بذلك قائمة على المكلفين من حيث منعوه ولم ينوه فأتوا من قبل نفوسهم،و شبهنا ذلك بالمعرفة دفعة بعد ٱخرى.

وأيضا فإنا نعلم أن نصب الرئيس واجب بعد الشرع لما في نصبه من اللطف لتحمله للقيام بما لا يقوم به غيره ،ومع هذا فليس التمكين

ص: 305

واقعا لأهل الحل والعقد من نصب من يصلح لها خاصة على مذهب أهل العدل الذین کلامنا معهم،ومع هذا لا يقول أحد: إن وجوب نصب الرئيس سقط الآن من حيث لم يقع التمكين منه.

فجوابنا في غيبة الإمام جوابهم في منع أهل الحل والعقد من اختيار من يصلح للإمامة،ولا فرق بينهما فإنما الخلاف بيننا أنا قلنا: علمنا ذلك عقلا،وقالوا ذلك معلوم شرعا،وذلك فرق من غير موضع الجمع.

فإن قيل:أهل الحل والعقد إذا لم يمكنوا من اختيار من يصلح للإمامة،فإن الله يفعل ما يقوم مقام ذلك من الألطاف فلا يجب إسقاط التكليف،وفي الشيوخ من قال إن الإمام يجب نصبه في الشرع لمصالح دنیاوية،وذلك غير واجب أن يفعل لها اللطف

قلنا:أما من قال:نصب الإمام لمصالح دنیاوية قوله يفسد؛ لأنه لوكان كذلكلما وجبت إمامته،ولا خلاف بينهم في أنه يجب إقامة الإمام مع الاختيار.

علی أن ما يقوم به الإمام من الجهاد،وتولية الٱمراء، والقضاة،وقسمة الفيء، واستيفاء الحدود والقصاصات ٱمور دينية لا يجوز ترکها، ولو كان لمصلحة دنياوية لما وجب ذلك،فقوله ساقط بذلك.

وأما من قال:يفعل الله ما يقوم مقامه باطل؛لأنه لو كان كذلك

ص: 306

لما وجب عليه إقامة الإمام مطلقا على كل حال،ولکان یکون ذلك من باب التخيير، كما تقول في فروض الكفايات. وفي علمنا بتعيين ذلك ووجوبه على كل حال دليل على فساد ما قالوه.

على أنه يلزم على الوجهين جميعا المعرفة.

بأن يقال:الكافر إذا لم يحصل له المعرفة يفعل الله له مايقوم

مقامها،فلا يجب عليه المعرفة على كل حال.

أو يقال:إن ما يحصل من الانزجار عن فعل الظلم عند المعرفة أمر دنیاوي لا يجب لها المعرفة،فيجب من ذلك إسقاط وجوب المعرفة،ومتى قيل:إنه لا بدل للمعرفة،قلنا:وكذلك لا بدل للإمام على ما مضى وذكرناه في تلخيص الشافي - وكذلك إن بینوا أن الانزجار من القبيح عند المعرفة أمر ديني،قلنا:مثل ذلك في وجود الإمام سواء.

فإن قيل:لا يخلو وجود رئيس مطاع منبسط اليد من أن يجب على الله جميعذلك أو يجب علينا جميعه،أو يجب على الله إيجاده وعلينا بسط يده.

فإن قلتم:يجب جميع ذلك على الله،فإنه ينتقض بحال الغيبة لأنه،لم يوجد إمام منبسط اليد،وإن وجب علينا جميعه فذلك تکلیف ما لا يطاق؛لأنا لانقدر على إيجاده،وإن وجب عليه إيجاده

ص: 307

وعلينا بسط يده وتمكينه فما دليلكم عليه،مع أن فيه أنه يجب علينا أن نفعل ما هو لطف للغير،وكيف يجب على زيد بسط يد الإمام لتحصیل لطف عمرو،وهل ذلك إلا نقض الأصول.

قلنا:الذي نقوله إن وجود الإمام المنبسط اليد إذا ثبت أنه لطف لنا على ما دللنا عليه ولم يكن إيجاده في مقدورنا لم يحسن أن نكلف إيجاده؛لأنه تکلیف ما لا يطاق،وبسط يده وتقوية سلطانه قد يكون في مقدورنا وفي مقدور الله،فإذا لم يفعل الله تعالى علمنا أنه غير واجب عليه وأنه واجب علينا؛لأنه لا بد من أن يكون منبسط اليد ليتم الغرض بالتكليف،وبينا بذلك أن بسط يده لو كان من فعله تعالى لقهر الخلق عليه،والحيلولةبينه وبين أعدائه وتقوية أمره بالملائكة ربما أدى إلى سقوط الغرض بالتكليف،وحصول الإلجاء،فإذا يجب علينا بسط يده على كل حال وإذا لم تفعله ٱتينا من قبل نفوسنا.

ص: 308

الدرس الرابع والعشرون: فلسفة الغيبة -9

بسم الله الرحمن الرحیم

فأما قولهم:في ذلك إيجاب اللطف علينا للغير غير صحيح.

لأنانقول:إن كل من يجب عليه نصرة الإمام وتقوية سلطانه له في ذلك مصلحة تخصه،وإن كانت فيه مصلحة يرجع إلى غيره كمانقوله في أن الأنبياء يجب عليهم تحمل أعباء والأداء إلى الخلق ما هو مصلحة لهم؛لأن لهم في القيام بذلك مصلحة تخصهم وإن كانت فيها مصلحة لغيرهم.

ويلزم المخالف في أهل الحل والعقد بأن يقال:كيف يجب عليهم اختيار الإمام لمصلحة ترجع إلى جميع الٱمة،وهل ذلك إلا إيجاب الفعل عليهم لما يرجع إلى مصلحة غيرهم،فأی شيء أجابوا به فهو جوابنا بعينه سواء.

ص: 309

فإن قيل:لم زعمتم أنه يجب إيجاده في حال الغيبةوهلا جازأن يكون معدوما؟

قلنا:إنما أوجبنا ذلك من حيث إن تصرفه الذي هو لطفنا إذا لم يتم إلا بعد وجوده وإيجاده لم يكن في مقدورنا ،قلنا عند ذلك:أنه يجب على الله ذلك وإلا أدى إلى أن لا نكون ومزاحي العلة بفعل اللطف فنكون ٱتينا من قبله تعالى لامن قبلنا،وإذا أوجده ولم تمكنه من انبساط يده ٱتينا من قبل نفوسنا فحسن التكليف وفي الأول لم يحسن.

فإن قيل:ماالذي تريدون بتمكيننا إياه؟أتريدون أن نقصده ونشافهه وذلك لا يتم إلا مع وجوده.

قيل لكم:لا يصح جميع ذلك إلا مع ظهوره وعلمناأو علم بعضنا

بمكانه.

وإن قلتم:نريد بتمكيننا أن نبخع لطاعته والشد على يده ،ونكف عن نصرة الظالمين، ونقوم على نصرته متي دعانا إلى إمامته ودلنا عليها بمعجزته.

قلنالكم:فنحن يمكننا ذلك في زمان الغيبةوإن لم يكن الإمام موجودافيه،فكيف قلتم لا يته ما كلفناه من ذلك إلا مع وجودالإمام.

ص: 310

قلنا:الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى رحمه الله في الذخيرة وذكرناه في تلخيص الشافي أن الذي هو لطفنا من تصرف الإمام وانبساط يده لا يتم إلا بٱمور ثلاثة:

أحدها:يتعلق بالله وهوإيجاده. والثاني:يتعلق به من تحمل أعباء الإمامة والقيام بها.

والثالث:يتعلق بنا من العزم على نصرته،ومعاضدته، والانقياد له،فوجوب تحمله عليه فرع على وجوده؛لأنه لا يجوز أن يتناول التكليف المعدوم،فصار إيجاد الله إياه أصلا لوجوب قيامه،وصار وجوب نصرته علينا فرعا لهذين الأصلين لأنه إنما يجب علينا طاعته إذا وجد ، وتحمل أعباء الإمامة وقام بها، فحينئ يجب علينا طاعته،فمع هذا التحقيق كيف يقال:لم لا يكون معدوما.

فإن قيل:فما الفرق بين أن يكون موجودا مستترا(حتى إذا علم الله ما تمكينه أظهره، وبين أن يكون)معدوما حتى إذا علم ما العزم على تمكينه أوجده.

قلنا:لا يحسن من الله تعالى أن يوجب علينا تمكين من ليس بموجود لأنه تکلیف ما لا يطاق ،فإذا لا بد من وجوده.

ص: 311

فإن قيل:يوجده الله تعالى إذا علم أنا ننطوي على تمكينه بزمان واحد كما أنه يظهره عند مثل ذلك.

قلنا:وجوب تمكينه والانطواء على طاعته لازم في جميع أحوالنا،فيجب أن يكون التمكين من طاعته والمصير إلى أمره ممكنا في جميع الأحوال وإلا لم يحسن التكليف،وإنما كان يته ذلك لو لم نكن مكلفين في كل حال لوجوب طاعته والانقياد لأمره ،بل كان يجب علينا ذلك عند ظهوره والأمر عندنا بخلافه.

ثم يقال لمن خالفنا في ذلك وألزمنا عدمه على استتاره: لم لا يجوز أن يكلف الله تعالى المعرفة ولا ينصب عليها دلالة إذا علم أنا لا ننظر فيها، حتى إذا علم من حالنا أنا نقصد إلى النظر ونعزم على ذلك أوجد الأدلة ونصبها، فحينئذ نظرونقول:ماالفرق بين دلالة منصوبة لا ننظر فيها،وبين عدمها حتى إذا عزمنا على النظر فيها أوجدها الله تعالى .

ومتى قالوا:نصب الأدلة من جملة التمكين الذي لا يحسن التكليف من دونه کالقدرة والآلة.

قلنا:وكذلك وجود الإمام علیه السلام من جملة التمكين من وجوب طاعته،ومتى لم يكن موجودا لم تمكنا طاعته،كما أن الأدلة إذا لم تكن موجودة لم یمکناالنظر فيها فاستوى الأمران.

ص: 312

وبهذاالتحقيق يسقط جميع ما يورد في هذا الباب من عبارات لانرتضيها في الجواب وأسئلة المخالف عليها،وهذاالمعنى مستوفي في كتبي وخاصة في تلخيص الشافي فلا نطول بذكره. والمثال الذی ذكره من أنه لو أوجب الله علينا أن نتوضأ من ماء بئر معينة لم يكن لها حبل نستقي به،وقال لنا،إن دنوتم من البئر خلقت لكم حبلا تستقون به من الماء،فإنه يكون مزيحا لعلتنا،ومتى لم يدن من البئر کنا قد ٱتينا من قبل نفوسنا لا من قبله تعالى.

وكذلك لو قال السيد لعبده وهو بعيد منه:اشتر لي لحما من السوق،فقال:لا أتمكن من ذلك لأنه ليس معي ثمنه،فقال :إن دنوت أعطيتك ثمنه،فإنه يكون مزيحا لعلته،ومتى لم يدن لأخذ الثمن يكون قد أتي من قبل نفسه لا من قبل سيده ،وهذه حال ظهور الإمام مع تمكيننا،فيجب أن يكون عدم تمكينناهوالسبب في أن لم يظهر في هذه الأحوال لا عدمه ؛إذ كنا لو مكناه علیه السلام لوجدوظهر.

قلنا:هذاكلام من يظن أنه يجب علينا تمكينه إذا ظهر ولا يجب علينا ذلك في كل حال، ورضينا بالمثال الذي ذكره؛ لأنه تعالى لو أوجب علينا الاستقاء في الحال لوجوب أن يكون الحبل حاصلا في الحال؛ لأن به تزاح العلة،لكن إذا قال:متى دنوتم من البئر خلقت لكم الحبل إنما هو مكلف للدنؤ لا للاستقاء،

ص: 313

فيكفي القدرة على الدنو في هذه الحال؛لأنه ليس بمكلف للاستقاء منها،فإذا دنا من البئر صار حينئذ مكلفا للاستقاء،فيجب عند ذلك أن يخلق له الحبل،فنظير ذلك أن لا يجب علينا في كل حال طاعة الإمام وتمكينه فلا يجب عند ذلك وجوده،فلما كانت طاعته واجبة في الحال ولم نقف على شرطه،ولا وقت منتظر وجب أن يكون موجودة لتزاح العلةفي التكليف ويحسن.

والجواب:عن مثال السيد مع غلامه مثل ذلك؛لأنه إنما كلفه الدنو منه لا الشراء،فإذا دنا منه وكلفه الشراء وجب عليه إعطاء الثمن.

ولهذا قلنا:إن الله تعالى کلف من يأتي إلى يوم القيامة ولا يجب أن يكونوا موجودين مزاحي العلة لأنه لم يكلفهم الآن، فإذا أوجدهم وأزاح علتهم في التكليف بالقدرة والآلة ونصب الأدلة حينئذ تناولهم التكليف،فسقط بذلك هذه المغالطة.

على أن الإمام إذا كان مكلفا للقيام بالأمر و تحمل أعباء الإمامة كيف يجوز أن يكون معدوما،وهل يصح تكليف المعدوم عند عاقل،وليس تكليفه ذلك تعلق بتمكيننا أصلا ، بل وجوب التمكين علينا فرع على تحمله على ما مضى القول فيه،وهذا أوضح.

ثم يقال لهم:أليس النبي صلی الله علیه و آله و سلم اختفي في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد،واختفي في الغار ثلاثة أيام ولم يجز قياسا على ذلك أن يعدمه

ص: 314

الله تعالى تلك المدة مع بقاء التكليف على الخلق الذين بعثه لطفا لهم.

ومتى قالوا:إنما اختفى بعد ما دعا إلى نفسه وأظهر نبوته فلما أخافوه استتر.

قلنا:وكذلك الإمام لم يستتر إلا وقد أظهر آباؤه موضعه وصفته،ودلوا عليه،ثم لما خاف عليه أبوه الحسن بن علي عليه السلام أخفاه وستره، فالأمران إذا سواء.

ثم يقال لهم:خبرونا لو علم الله من حال شخص أن من مصلحته أن يبعث الله إليه نبيا معينا يؤدي إليه مصالحه،وعلم أنه لو بعثه لقتله هذا الشخص، ولو منع من قتله قهرا كان فيه مفسدة له أو لغيره،هل يحسن أن يكلف هذا الشخص ولا يبعث إليه ذلك النبي،أو لا يكلف.فإن قالوا:لا يكلف.

قلنا:وماالمانع منه،وله طريق إلى معرفة مصالحه بأن يمكن النبي من الأداءإليه.

وإن قلتم:يكلفه ولا يبعث إليه.

قلنا:وكيف يجوز أن يكلفه ولم يفعل به ما هو لطف له مقدور.

فإن قالوا:ٱتي في ذلك من قبل نفسه.

قلنا:هو لم يفعل شيئاوإنما علم أنه لا يمكنه،وبالعلم لا يحسن تكليفه مع ارتفاع اللطف،ولو جاز ذلك لجاز أن يكلف ما لا دليل

ص: 315

عليه إذا علم أنه لا ينظر فيه،وذلك باطل،ولا بد أن يقال :إنه يبعث إلى ذلك الشخص ويوجب عليه الانقياد له وليكون مزيحا لعلته،فإما أن يمنع منه بما لا ينافي التكليف،أو يجعله بحيث لا يتمكن من قتله،فيكون قد ٱتي من قبل نفسه في عدم الوصول إليه،وهذه حالنا مع الإمام في حال الغيبة سواء.

فإن قال:لا بد أن يعلمه أن له مصلحة في بعثة هذا الشخص إليه على لسان غيره ليعلم أنه قد أتي من قبل نفسه.

قلنا:وكذلك أعلمنا الله على لسان نبيه صلی الله علیه وآله و سلم والأئمة من آبائه علیهم السلام موضعه،وأوجب علينا طاعته،فإذا لم يظهر لنا علمنا أنا أتينا من قبل نفوسنا فاستوى الأمران.

وأما الذي يدل على الأصل الثاني وهو أن من شأن الإمام أن يكون مقطوعاعلى عصمته،فهو أن العلة التي لأجلها احتجنا إلى الإمام ارتفاع العصمة بدلالة أن الخلق متى كانوا معصومين لم يحتاجوا إلى إمام،وإذا خلوا من كونهم معصومين احتاجوا إليه، علمنا عند ذلك أن علة الحاجة هي ارتفاع العصمة،كما نقوله في علة حاجة الفعل إلى فاعل أنها الحدوث،بدلالة أن ما يص حدوثه يحتاج إلى فاعل في حدوثه،وما لا يصح حدوثه يستغني عن الفاعل،وحكمنا بذلك أن كل محدث يحتاج إلى محدث، فبمثل ذلك يجب الحكم

ص: 316

بحاجة كل من ليس بمعصوم إلى إمام وإلا انتقضت العلة،فلو كان الإمام غیر معصوم لكانت علة الحاجة فيه قائمة واحتاج إلى إمام آخر،والكلام في إمامه کالكلام فيه،فيؤدي إلى إيجاب أئمة لا نهاية لهم أو الانتهاء إلى معصوم وهو المراد.

وهذه الطريقة قد أحكمناها في كتبنا فلا نطول بالأسئلة عليهالأن الغرض بهذا الكتاب غير ذلك،وفي هذا القدر كفاية.

وأما الأصل الثالث وهو أن الحق لا يخرج عن الٱمة فهو متفق عليه بيننا وبين خصومنا،وإن اختلفنا في علة ذلك.

لأن عندنا أن الزمان لا يخلو من إمام معصوم لا يجوز عليه الغلط على ما قلناه،فإذا الحق لا يخرج عن الٱمة لكون المعصوم فيهم.

وعند المخالف لقيام أدلة يذكرونها دلت على أن الإجماع حجة،فلا وجه للتشاغل بذلك. فإذا ثبتت هذه الٱصول ثبت إمامة صاحب الزمان علیه السلام؛لأن كل من يقطع على ثبوت العصمة للإمام قطع على أنه الإمام،وليس فيهم من يقطع على عصمة الإمام ويخالف في إمامته إلا قوم دت الدليل على بطلان قولهم،کالكيسانية والناووسية والواقفة،فإذا أفسدنا أقوال هؤلاء ثبتت إمامته علیه السلام. (1)

ص: 317


1- الغيبة / الطوسي: 5 - 17.

قال في الفصل الأول منه:

«اعلم أن لنا في الكلام في غيبة صاحب الزمان علیه السلام طريقين :

أحدهما:أن نقول:إذا ثبت وجوب الإمامة في كل حال،وأن الخلق مع كونهم غير معصومين لا يجوز أن يخلوا من رئيس في وقت من الأوقات،وأن من شرط الرئيس أن يكون مقطوعا على عصمته،فلا يخلو ذلك الرئيس من أن يكون ظاهرا معلوما،أو غائبا مستورا، فإذا علمنا أن كل من يدعى له الإمامة ظاهرا ليس بمقطوع على عصمته ،بل ظاهر أفعالهم وأحوالهم ينافي العصمة، علمنا أن من يقطع على عصمته غائب مستور.

وإذا علمنا أن كل من يدعى له العصمة قطعا ممن هو غائب من الكيسانية والناووسية والفطحية والواقفة وغيرهم قولهم باطل علمنا بذلك صحة إمامة ابن الحسن علین السلام وصحة غيبته وولايته،ولا نحتاج إلى تكلف الكلام في إثبات ولادته،وسبب غيبته،مع ثبوت ما ذكرناه؛لأن الحق لا يجوز خروجه عن الٱمة.

والطريق الثاني:أن نقول: الكلام في غيبة ابن الحسن علیه السلام فرع على ثبوت إمامته،والمخالف لناإماأن يسلم لنا إمامته ويسأل عن سبب غيبته علیه السلام فتتكلف جوابه،أو لا يستم لنا إمامته،فلا معنى لسؤاله عن غيبة من لم يثبت إمامته.

ص: 318

ومتی نوزعنا في إثبات إمامته دللناعليها،بأن نقول:قد ثبت وجوب الإمامة مع بقاء التكليف على من ليس بمعصوم في جميع الأحوال والأعصار بالأدلة القاهرة،وثبت أيضا أن من شرط الإمام أن يكون مقطوعا على عصمته،وعلمنا -أيضا- أن الحق لايخرج عن الٱمة...الخ»(1)

ثم أسردرحمه الله جملة من الشبهات والإشكالات التي يلقيها خصومنا على مسألة الغيبة،وأجاب عنها بإجابات وافية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهید. انظر (2)

وقال في معرض نقضه لتلك الشبهات ورده عليها:

«فإن قيل:ما الذي تريدون بتمكينناإياه؟أتريدون أن نقصده ونشافهه،وذلك لا يتم إلا بوجوده.

قيل لكم:لا يصح جميع ذلك إلا مع ظهوره وعلمناأوعلم بعضنا بمكانه.

وإن قلتم:نريد بتمكينناأن نبخع لطاعته،والشد على يده ،ونكف عن نصرة الظالمين، ونقوم على نصرته متي دعانا إلى إمامته،

ص: 319


1- غيبة الطوسي:3و4.
2- غيبة الطوسي: 3 فما بعد.

ودلنا عليها بمعجزته.

قلنا لكم:فنحن يمكننا ذلك في زمان الغيبة وإن لم يكن الإمام موجودة فيه،فكيف قلتم لايتم ما كفناه من نوع إلا مع وجود الإمام.

قلنا:الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى رحمه الله في الذخيرة،وذكرناه في تلخيص الشافي (1/79-80)أن الذي هو لطفنا من تصرف الإمام وانبساط يده،لا يتم إلا بأمور ثلاثة:

أحدها:يتعلق بالله،وهو إيجاده.

والثاني:يتعلق به من تحمل أعباء الإمامة والقيام بها.

والثالث:يتعلق بنا من العزم على نصرته،ومعاضدته، والانقياد له،فوجوب تحمله فرع على وجوده؛لأنه لا يجوز أن يتناول التكيف المعدوم، فصار إيجاد الله إياه أصلا لوجوب قيامه،وصار وجوب نصرته علينا فرعا لهذين الأصلين؛ لأنه إنما يجب علينا طاعته إذا وجد،وتحمل أعباء الإمامة وقام بها،فحينئذ يجب علينا طاعته،فمع هذا التحقيق كيف يقال:لم لا يكون معدوما؟

فإن قيل:فما الفرق بين أن يكون موجودا مستترا(حتى إذا علم الله منا تمكينه أظهره، وبين أن يكون) معدوما حتى إذا علم ما العزم على تمكينه أوجده؟

ص: 320

قلنا:لا يحسن من الله تعالى أن يوجب علينا تمكين من ليس موجود؛لأنه تکلیف ما لا يطاق ،فإذا لا بد من وجوده.

فإن قيل:يوجده الله تعالى إذا علم أنا ننطوي على تمكينه بزمان واحد،كما أنه يظهره عند مثل ذلك.

قلنا:وجوب تمكينه والانطواء على طاعته لازم في جميع أحوالنا،فيجب أن يكون التمكين من طاعته والمصير إلى أمره ممكنا في جميع الأحوال،وإلا لم يحسن التكليف،وإنما كان يتم ذلك لو لم نكن مكلفين في كل حال لوجوب طاعته والانقياد لأمره،بل كان يجب علينا ذلك عند ظهوره،والأمر عندنا بخلافه».(1)

وإذ شبه رحمه الله غيبة صاحب الأمر واختفاءه باختفاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد،وهكذا في الغار،أجاب عن شبهة الخصوم قائلا:

ومتى قالوا:إنما اختفي-يعني النبي صلی الله علیه و آله و سلم- بعدما دعا إلى نفسه، وأظهر نبوته،فلما أخافوه استتر.

قلنا:وكذلك الإمام، لم يستتر إلا وقد أظهر آباؤه موضعه، وصفته،ودلوا عليه،ثم لما خاف عليه أبوه الحسن بن علي علیه السلام.

ص: 321


1- الغيبة / الشيخ الطوسي: 12-13.

أخافه وستره،فأمران إذا سواء»(1)

أقول:ولو قيل إن المشركين أجبروا النبي صلی الله علیه و آله و سلم علی الاختفاء والاستتار في شعب أبي طالب رضی الله عنه، وفي الغار.

قلنا:وهكذا إمامنا صاحب الزمان،فإن كثرة الأعداء وقلة الناصر أجبرته على الاختفاء والاستتار.

ولو قيل:لكن النبي صلی الله علیه و آله و سلم قد ظهر بعد ذلك،ولم يطل استتاره، خلافا لزعمكم في المهدي علیه السلام.

قلنا:أليست العلة في ظهوره صلی الله علیه و آله و سلم هی زوال العلة الموجبة لاختفائه؟ولولا ذلك لاستمر اختفاؤه واستتاره حتى تزول تلك العلة،و تتحقق علة الظهور،فإنما ظهر بعد أن أمن القتل،وتم له من الأنصار ،وما يلوذ به من المدينة والمكان ما يدفع به خطر الأعداء،وإلا لاستمر حاله في الاستتار حتى يتحقق له ذلك، أليس الأمر كذلك!

فهكذا حال مولانا القائم المنتظر صلوات الله عليه،طبق النعل بالنعل،غير أن علة اختفائه واستتاره مستمرة إلى يومنا هذا،وكل معلول مرهون بوجود علته بعد ضرورة التسليم بقانون العلية والمعلولية.

ص: 322


1- الغيبة/الشيخ الطوسي:15.

الدرس الخامس و العشرون: فلسفة الغیبة-10

بسم الله الرحمن الرحیم

ولو قيل:فليظهر وليباشر هداية العباد وإن تعرض للقتل،فكم من نبي ورسول قد قتل،فما يمنع من ذلك ؟

قلنا:أولا:لا يقاس حال صاحب الزمان أرواحنا فداه بغيره من الأنبياء والرسل والأئمة عليهم الصلاة والسلام؛ذلك أن النبوة والرسالة والإمامة ماكانت تنتهي بهم،بل كان الرسول يتلو الرسول،والنبي يتلوالنبي،والإمام يتلو الإمام.

ثانيا:مولانا صاحب الأمر علیه السلام خاتم الأوصياء،فحاله حال مولانا وسيدنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الذی كان خاتم الأنبياء،أما ترى لو كان يقتل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قبل إبلاغ رسالته وإتمام دینه لكان ذلك نقضا للغرض من بعثته صلی الله علیه و آله و سلم، ولكان عبثا تعالى الله علوا كبيرا؟!وهكذا

ص: 323

حال مولانا صاحب العصر علیه السلام،فإنه المدخر لاقامة العدل والشرع،وإحقاق الحق وإزهاق الباطل ،فوجب أن يوجد الأسباب لحفظه ،وأفضل هذه الأسباب أن يخفيه عن عيون الناس ويستره عن الأعداء، وإلا كان ځلفابعيداعن الحكمة،والحكيم لا يفعل عبثا.

ثالثا:أن الأرض يجب أن لا تخلو من حجة لله تعالى ظاهرا أو مستورا،وإذ كان لا مجال لظهوره وإعلانه،وجب إبقاؤه ولو خلف حجاب الغيبة،وقد أثبتنا في محله أنه ليس في عزلة بالكلية عن الناس،بل يخالطهم،ويطأ بسطهم،ويحضر مجالسهم،وينتفعون بوجوده من وجوه مختلفة بسطنا الحديث عنها في محله،فليراجع.

رابعا:أن الاستتار والاحتجاب اللذين حصلا لمولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه لم يكونا سببة لزوال بيضة الدين،ولا سببا لانحراف كافة المسلمين ،سيما أن الإسلام هو خاتمة الشرائع والأديان،وأن له علیه السلام في كلتا غیبتیه نوابة ينوبون عنه من السفراء والفقهاء،هم حججه على العباد،وهو حجة الله عليهم،فيقومون بحمل أعباء الشريعة،وحفظ أركانها،وسد ثغور المسلمين،ويذودون عن الإسلام في غيابه.

خامسا:أن الخوف ممدوح و مذموم،فالممدوح أن يخاف المرء على نفسه الهلاك إن كان مأمورا بحفظ نفسه من أجل حكمة وأداء

ص: 324

وظيفة،لا الخوف من الهلاك بذاته،ودليل ذلك أنه حين يؤمر ويلي عليه تكليفه باقتحام المهالك لا يمنعه من اقتحامها خوفه على نفسه،بل يبذل في ذلك النفس والنفيس ،وهذا هو حال مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه،كما هو حال سائر الأنبياء والأئمة علیهم السلام،ومن هذا القبيل حكاية القرآن الكريم في سورة القصص وغيرها عن خوف موسى علیه السلام من الأعداء، وهو من ٱولي العزم ،ولم يعاتبه الله تعالى على خوفه.

وأما المذموم أن يخاف على نفسه من القتل والهلاك لا لمحكمة،ولا لتكليف مأمور به،بل حبا للحياة،أو الخوف في غير محله وإن كان خوفا عقلائيا،كما حصل لموسی علیه السلام لما ألقى عصاه أول مرة فانقلبت ،فإذا هي حية تسعى،هنالك أوجس في نفسه وخاف،فجاءه الخطاب بالعتاب: لا تخف إنه لا يخاف لدي المرسلون،فالخوف هنا وإن كان عقلائيا منطقيا لكنه لا ينبغي لموسى علیه السلام ولا يليق بشأنه،وهو کلیم الله وفي حضرة الذات الإلهية المقدسة .وليس خوف مولانا القائم صلوات الله عليه من هذين القسمين،بل هو من الخوف الممدوح المأمور به الواجب عليه.

وإن قيل:هلا أعد الله تعالى له سبل حفظه ظاهرا.

قلنا:أولا:هو ظاهروإنما نحن المحجوبون عنه؛لأننا نراه ولانعرفه.

ص: 325

ثانيا:يأبى الله تعالى أن يجري الٱمور إلا بأسبابها،وطالما أن السبب الطبيعي ممكن ومتوقر لحفظه من الأعداء، وهو الغيبة والاستتار فلا ينتقل الأمر إلى خرق الأسباب والتوسل بعوامل الإعجاز.

ثالثا:نعم،هناك ظروف تستوجب الأخذ بالمعجزة وبسط اليد الغيبية لحفظه علیه السلام،وحينئذ فلا بد من خرق قوانين الطبيعة إذا توقف حفظه علیه السلام على ذلك،ولنا في هذا الأمر شواهد سطرها المؤرخون ودونتها كتب الحديث ،ذكرناها في محلها.

رابعا:إن الله تعالى لم يشأ في يوم من الأيام إرغام الناس على القبول بشيء،ولو شاء الله لهدى الناس جميعا؛إذ الواجب على العباد أن يسعوا في حفظ أولياء الله تعالى وحججه،وأن يقدموهم على أنفسهم«

ألنَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنفُسِهِمْ»(1)ولو أجبرهم بأن حال بينهم وبينه بالقهر والعجز عن ظلمه وعصيانه،فذلك لا يصح اجتماعه مع التكليف،فيجب أن يكون ساقطا.

قال الشيخ رحمه الله:«وأما النبي صلی الله علیه و آله و سلم فإنما يجب أن يمنع الله منه،حتى يؤدي الشرع؛لأنه لا يمكن أن يعلم ذلك إلا من جهته،

ص: 326


1- سورة الأحزاب:الآية 6.

فلذلك وجب المنع منه.

وليس كذلك الإمام؛لأن علة المكلفين مزاحمة فيما يتعلق بالشرع،والأدلة منصوبة على ما يحتاجون إليه،ولهم طريق إلى معرفتها من دون قوله،ولو فرضنا أنه ينتهي الحال إلى حد لا يعرف الحق من الشرعيات إلا بقوله؛لوجب أن يمنع الله تعالى منه،ويظهره بحيث لا يوصل إليه مثل النبي صلی الله علیه و آله و سلم.(1)

هذه فقرات أحببت أن ٱضيفها إلى مناظرة شيخ الطائفة أعلى الله مقامه تتميما للفائدة ،وردا لشبهات ٱخرى محتملة لم أعثر عليها في کلاته رضي الله تعالى عنه.

وقال رحمه الله بعد ما تعرض لإبطال مزاعم الفرق المخالفة للإمامية:«وإذا ثبتت إمامته بهذه السياقة ثم وجدناه غائب عن الأبصار،علمنا أنه لم يغب عن عصمته،وتعين فرض الإمامة فيه وعليه،إلا لسبب سؤغه ذلك،وضرورة ألجأته إليه، وإن لم يعلم على وجه التفصيل.

وجرى ذلك مجرى الكلام في إيلام الأطفال والبهائم وخلق المؤذيات والصور المشينات، و متشابه القرآن،إذا سألنا عن وجهها بأن نقول:إذا علمنا أن الله تعالى حكيم لا يجوز أن يفعل ما ليس

ص: 327


1- سورة الأحزاب:الآية 6.

بحكمة ولا صواب،علمنا أن هذه الأشياء لها وجه حكمة،وإن لم نعلمه معينا.

وكذلك نقول في صاحب الزمان علیه السلام،فإنا نعلم أنه لم يستترإلا لأمر حکمی يسوغه ذلك،وإن لم نعلمه مفصلا. (1)

وقال رحمه الله في موضع آخر:«ومتى قالوا:نحن لا نسلم إمامة ابن الحسن علیه السلام،كان الكلام معهم في ثبوت الإمامة دون الكلام في سبب الغيبة،وقد تقدمت الدلالة على إمامته علیه السلام بما لا يحتاج إلى إعادته.

وإنما قلنا ذلك لأن الكلام في سبب غيبة الإمام علیه السلام فرع على ثبوت إمامته،فأما قبل ثبوتها فلا وجه للكلام في غيبته،كما لا وجه للكلام في وجوه الآيات المتشابهات وإيلام الأطفال وحسن التعبد بالشرائع قبل ثبوت التوحيد والعدل.

فإن قيل:ألا كان السائل بالخيار بين الكلام في إمامة ابن الحسن علیه السلام ليعرف صحتها من فسادها،وبين أن يتكلم في سبب الغيبة ؟!

قلنا:لا خيار في ذلك؛لأن من شك في إمامة ابن الحسن علیه السلام يجب أن يكون الكلام معه في نص إمامته،والتشاغل بالدلالة عليها،

ص: 328


1- الغيبة/الشيخ الطوسي: 85.

ولا يجوز مع الشك فيها أن نتكلم في سبب الغيبة؛لأن الكلام في الفروع لا يسوغ إلا بعد إحكام الٱصول لها...

وإنما رجحنا الكلام في إمامته علیه السلام على الكلام في غيبته وسببها؛لأن الكلام في إمامته مبني على ٱمور عقلية لا يدخلها الاحتال،وسبب الغيبة ربما غمض واشتبه، فصار الكلام في الواضح الجلي أولى من الكلام في المشتبه الغامض...»(1)

وقال نور الله ضريحه:«فإن قيل :بينوا على كل حال- وإن لم يجب عليكم-وجه علة الاستتار، وما يمكن أن يكون علة،على وجه،ليكون أظهر في الحجة،وأبلغ في باب البرهان.

قلنا:مما يقطع على أنه سبب لغيبة الإمام هو خوفه على نفسه بالقتل،وبإخافة الظالمين إياه،ومنعهم إياه من التصرف فيما جعل إليه التدبير والتصرف فيه،فإذا حيل بينه وبين مراده،سقط فرض القيام بالإمامة،وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته، ولزم استتاره كما استتر النبي صلی الله علیه و آله و سلم تارة في الشعب،وٱخرى في الغار،ولا وجه لذلك إلا الخوف من المضار الواصلة إليه...». (2)

ص: 329


1- الغيبة/الشيخ الطوسي:87و 88.
2- الغيبة/الشيخ الطوسي: 90.

وقال أعلى الله مقامه في موضع آخر:

على أن أمر الله تعالى له بالاستتار بالشعب تارة،وفي الغارٱخرى،ضرب من المنع منه؛لأنه ليس كل المنع أن يحول بينهم وبينه بالعجز، أو بتقويته بالملائكة...» (1)

ثم قال رحمه الله:«وكذلك نقول في الإمام علیه السلام إن الله تعالى منع من قتله بأمره بالاستتار والغيبة،ولو علم أن المصلحة تتعلق بتقويته بالملائكة الفعل،فلما لم يفعل مع ثبوت حكمته،ووجوه إزاحة علة المكلفين في التكليف،علمنا أنه لم يتعلق به مصلحة،بل ربما كان فيه مفسدة»(2)

وقال رحمه الله أيضا:«فأما التفرقة بطول الغيبة وقصرها فغير صحيحة؛لأنه إذا لم يكن في الاستتار لائمة على المستتر إذا أحوجه إليها،بل اللائمة على من ٱحوج إليه،جاز أن يتطاول سبب الاستتار كما جاز أن يقصر زمانه»(3)

وقال رحمه الله:«فإن قيل:إذا كان الخوف أحوجه إلى الاستتار فقد كان آباؤه علیهم السلام عندكم على تقية وخوف من أعدائهم،فكيف لم يستتروا؟

ص: 330


1- الغيبة/الشيخ الطوسي: 091
2- الغيبة/الشيخ الطوسي: 92.
3- الغيبة/الشيخ الطوسي: 092

قلنا:ما كان على آبائه علیهم السلام خوف من أعدائهم،مع لزوم التقنية والعدول عن التظاهر بالإمامة ونفيها عن نفوسهم،وإمام الزمان علیه السلام كل الخوف عليه؛لأنه يظهر بالسيف،ويدعو إلى نفسه،ويجاهد من خالفه عليه،فأي نسبة بين خوفه من الأعداء وخوف آبائه علیهم السلام لولا قلة التأمل.

على أن آبائه علیهم السلام متى قتلوا أو ماتوا كان هناك من يقوم مقامهم،ويسد مسدهم يصلح للإمامة من أولاده،وصاحب الأمر علیه السلام بالعكس من ذلك لأن من المعلوم أنه لا بد أنه لا يقوم أحد مقامه،ولا يسد مسده،فبان الفرق بين الأمرين ...».(1)

وهكذااستمرت حركة المباحث الكلامية حول فلسفة الغيبة ولم تنقطع المناظرات والتأليفات بعد شیخ الطائفة ،بل غدت الغيبة حقيقة عقائدية في ضمير الشيعة الإمامية،وأصلا مسلما لا نزاع فيه إلى يومنا هذا.نعم،لا تخلوالحياة من دجالين ٱجراء يستخدمهم العدو بين فينة وٱخرى يجهدون أنفسهم وأسيادهم في محاولات فاشلة مفضوحة،ويلقون من خلالها ما يخيل إليهم أسيادهم من شياطين الإنس والجن،وتخيله إليهم أنفسهم المريضة أنها شبهات،وسرعان

ص: 331


1- الغيبة/الشيخ الطوسي: 92 و 93.

ماينكشف زيفهم وزيف إلقاءاتهم،وتنقشع كأنها سحابة صيف،ولا يجدون أنفسهم إلا في جري وراء سراب،فهذا أمين الإسلام الطبرسي صاحب التفسير الشهير مجمع البيان من أعلام القرن السادس الهجري كتب«إعلام الوری بأعلام الهدى»(1)،وكمال الدین میثم بن علي بن میثم البحراني ألف كتابه«قواعد المرام في علم الكلام»في فلسفة الغيبة ،وهما عبارة عن تلخيص وتهذیب لآراء الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي، وظهر الاهتمام بهذا الأمر في بعض كتب المحقق الشيخ خواجةنصير الدين المعروف بالمحقق الطوسي الفيلسوف والمتكلم الشهير، «کالتجرید»و«تلخيص المحصل» ،حيث يقول رحمه الله بما حاصله:

«أن الغيبة لم تكن بإرادة الله تعالى،ولا هي ناشئة عن إرادة الإمام علیه السلام،بل كانت بسبب أفعال المكلفين وأعمالهم،لخوفهم وعصيانهم وتمردهم،ولا يجب الظهور إلا بعد زوال أسبابه»(2)

وإن شئت الزيادة في البحث والتحقيق عن فلسفة الغيبة فعليك بكنز الفوائد للعلامة الكراجكي قدس الله روحه الطاهرة ،فإنه

ص: 332


1- رسالة الإمامة/الشيخ المحقق الطوسي: 433،طبع مع تلخیص المحصل.
2- رسالة الإمامة/الشيخ المحقق الطوسي: 433،طبع مع تلخیص المحصل.

لك خير معين.

قال السيد ابن طاووس رضي الله تعالى عنه في بعض وصاياه لولده في كشف المحجة لثمرة المهجة:«واعلم يا ولدي محمد ألهمك الله ما يريده منك،ويرضى به عنك،أن غيبة مولانا المهدي صلوات الله عليه التي حيرت المخالف وبعض المؤالف هي من جملة الحجج على ثبوت إمامته وإمامة آبائه الطاهرین صلوات الله على جده محمد وعليهم أجمعين؛لأنك إذاوقفت على كتب الشيعة وغيرهم،مثل کتاب الغيبة لابن بابویه،وكتاب الغيبة للنعماني،ومثل کتاب الشفاء والجلاء،ومثل كتاب أبي نعيم الحافظ،في أخبار المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته،والكتب التي أشرت إليها في الطرائف،وجدتها أو أكثرها تضمنت قبل ولادته أنه يغيب علیه السلام غيبة طويلة،حتى يرجع عن إمامته بعض من كان يقول بها،فلو لم يغب هذه الغيبة،كان طعنا في إمامة آبائه وفيه،وصحة غيبته،مع أنه علیه السلام حاضر مع الله على اليقين،وإنما غاب من لم يلقه عنهم لغيبتهم عن حضرة المتابعة له ولرب العالمين».(1)

وقال في موضع آخر:«وإن أدركت يا ولدي موافقة توفيقك

ص: 333


1- کشف المحجة لثمرة المهجة :304.

لكشف الأسرار عليك عرفتك من حديث المهدي صلوات الله عليه ما لا يشتبه عليك،وتستغني بذلك عن الحجج المعقولات ومن الروايات،فإنه صلى الله عليه وآله حسي موجود على التحقيق ، ومعذور عن كشف أمره إلى أن يأذن له تدبير الله الرحيم الشفیق،كما جرت عليه عادة كثيرمن الأغنياء والأوصياء...» (1)

وقال في موضع ثالث:«وقد احتجنا كم مرة عند حوادث حدثت لك،إليه،ورأيناه في عدة مقامات في مناجاة،وقد تولى قضاء حوائجك بإنعام عظيم في حقنا وحقك لا يبلغ وصفي إليه».(2)

كما تطرق إلى فلسفة الغيبة شراح الباب الحادي عشر بإيجاز واختصار،کالمقداد بن عبدالله السيوري المعروف بالفاضل المقداد(المتوفى سنة 836ه)،وأبي الفتح العربشاهي(المتوفى سنة 976ه)من أحفاد الميرسيد شريف الجرجاني من معاصري العلامة الحلي،والميرزا محمد علي الحسيني الشهرستاني في كتابه الجامع في ترجمة النافع في شرح الباب الحادي عشر ، بعد ما حسم الأمر أعلامنا المتكلمون في القرن الثالث والرابع والخامس للهجرة.

ص: 334


1- کشف المحجة لثمرة المهجة: 304-305
2- کشف المحجة لثمرة المهجة: 305.

وقد أجاد علمائنا في الرد على من زعم أن لا نفع في وجود

الإمام الغائب للٱمة بإجابات كثيرة أهمها يتلخص في محاور ستة:

1-لا نسلم أن الإمام غائب عن أنظار الجميع؛إذ لا نمنع من اتصال بعض الأولياء والخواص وارتباطهم بإمام زمانهم.

2-الاعتقاد بوجود الإمام علیه السلام وحضوره -ولو أحيانا- بیننا وفي أوساطنا يمنع المؤمنين ويصدهم عن ارتكاب المعاصي.

3-وجودالإمام لطف،وإنما غائب عن الأنظار لكثرة ماله من الأعداءالمتربصين به الدوائر،وحيث لا تجوز له التقنية فالظروف غيرملائمة لظهوره.

4-الاعتقادبوجودالإمام وحياته ينير الطريق أمام الأجيال ويضيء في نفوسهم بارقة أمل في الصمود للظلم والظالمين.

5-الاعتقاد بوجود الإمام علیه السلام يبث الرعب والخوف والهلع في صفوف العدو ومعسكره.

6-الاعتقاد بوجود الإمام علیه السلام وحیاته صفعة مؤلمة وضربة عنيفة على هامة العدو؛لأنه ينبئ عن عدم اعتراف المسلمين بمشروعية الأنظمة الجائرة المستبدة التي لا تحكم بشرع الله تعالى،ورفض صارخ لسيادتها.

ص: 335

وكيف كان فلا مجال للملامة على غيبة الإمام عليه الصلاة والسلام بعد ما ثبت أن التقصير مناوليس من الله تعالى ،ولا من وليه،فغيبة الإمام فرضت ما وليس من الله تعالى؛ وذلك بما كسبت أيدينا«ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ»(1)،«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»(2)

ص: 336


1- سورة آل عمران:الآية 182.
2- سورة الرعد: الآية 11.

الدرس السادس والعشرون: متکلمو الشيعة

بسم الله الرحمن الرحیم

كما ذكر ابن النديم طائفة من متكلمي الشيعة من تناولوا موضوع الغيبة بالبحث والتحقيق،بل أشبعوها استدلالا وبرهنة،وعد أولهم إسماعيل بن ميثم التمار رضی الله عنهما،وذكر له کتابين:كتاب الإمامة،وكتاب الاستحقاق. (1)

أبو محمد هشام بن الحكم رضی الله عنه،ووصفه قائلا:«ممن فتق الكلام في الإمامة،وهذب المذهب بالنظر،وكان حاذقا بصناعة الكلام،حاضر الجواب »،وذكر له عدة كتب منها:كتاب الإمامة،وكتاب الدلالات على حدث الأشياء،وكتابالرد على أصحاب

ص: 337


1- فهرست ابن الندیم: 223.

الطبايع،وكتاب الرد على الزنادقة ... فعدها خمسة وعشرين كتابا في العقائد والكلام. (1)

3-أبو جعفر الأحول،محمد بن النعمان،ويلقب بمؤمن الطاق رضی الله عنه،وذكرله أربعة كتب في العقائد والكلام(2)

4-محمد بن الجليل السكاك من أصحاب هشام بن الحكم رضی الله عنهما،وذكر لنا كتبا أربعة في العقائد والكلام.(3)

5-أبو جعفر محمد بن قبة، ذكر له كتابين في العقائد والكلام.

6-أبو سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت من كبار الشيعة، وذكر له اثنين وعشرين كتابافي العقائد والكلام. (4)

7-أبو محمدالحسن بن موسى، ابن ٱخت أبي سهل بن نوبخت، متکلم فیلسوف،وذكر له سبعة من الكتب في العقائد والكلام.(5)

8-أبو الحسين محمد بن بشر السوسنجردی،من غلمان أبي سهل النوبختي،وذكر له كتابا واحدا في العقائد والكلام.(6)

ص: 338


1- فهرست ابن الندیم: 223و 224
2- فهرست ابن النديم: 224.
3- فهرست ابن الندیم: 225.
4- فهرست ابن الندیم: 225.
5- الفهرست:225-226
6- الفرست:226

9-الطاطري،وذكر له كتابا واحدا.(1)

10-هشام الجواليقي.(2)

11-أبو ملك الحضرمي. (3)

12-ابن مملك الإصبهاني،وذكر له كتابين. (4)

13-أبوالجيش المظفر بن الخراساني،وذكر له عدة كتب.

14-الناشئ الصغير،أبو الحسين علي بن وصیف غلام أبي الجيش الخراساني،وذكرله كتبا في العقائد والكلام. (5)

وهناك جملة من هؤلاء النخبة من الأعلام من بذلوا عناية فائقة بشأن الإمام المهدي صلوات الله عليه،وألفوا أو صنفوا كتبا في هذا الخصوص يدفعون فيها الشبهات، ويذودون فيها عن حريم العقيدة،

ص: 339


1- الفهرست/ابن الندیم:226.
2- قال النجاشي:«هشام بن سالم الجوالیقی،مولی بشر بن مروان،أبوالحكم،كان من سبي الجوزجان،روي عن أبي عبدالله وأبي الحسن علیهماالسلام،ثقة ثقة،له کتاب پرویه جماعة»
3- الفهرست/ابن الندیم:226.
4- الفهرست/ابن الندیم:266. معجم رجال الحدیث:17/263.و:10/335.جامع الرواة:2/144.ثقة الرجال :3/42.رجال ابن داود: 177. رجال النجاشي: 236 و 380.
5- الفهرست/ابن الندیم: 226.

وهم على نحو الإجمال والاختصار لا الحصر والاستقراء التام:

1-أبوإسحاق إبراهيم بن إسحاق الأحمري النهاوندي، سمع منه أبو أحمد القاسم بن محمد الهمداني في سنة تسع وستين ومائتين،له كتاب الغيبة.(1)

2-أبو إسحاق إبراهيم بن صالح الأنماطي الكوفي الأسدي ،من أصحاب الإمام الكاظم علیه السلام،ثقة،له كتاب الغيبة،يرويه عنه جعفر بن قولویه بواسطة واحدة. (2)

3-أحمد بن الحسين بن عبدالله المهراني الآبي،له کتاب ترتیب الأدلة فيما يلزم خصوم الإمامية دفعة عن الغيبة والغائب. (3)

4-أبو بكر خيثمة أحمد بن زهير النسائي(المتوفى سنة 279ھ)،له جمع الأحاديث الواردة في المهدي(4)،وهو صاحب التاريخ الكبير.

ص: 340


1- رجال النجاشي:19/21. الفهرست/الشيخ الطوسي: 10. 11/11.الذريعة:16/74/371
2- النجاشي:15/13.الفهرست: 14/19.معالم العلماء/ابن شهرآشوب:5/5.الذريعة: 16/75/373.
3- المعالم:24/113.معالم العلماء:60.أمل الآمل: 3/12.معجم رجال الحدیث:3/104. الذريعة: 4/64.طرائف المقال:1/156.
4- مجلة تراثنا:العدد الأول. ويقال عنه ابن أبي خيثمة وأبو خيثمة.شرح الأخبار/القاضي النعماني:3/14،وقال عنه صاحب تاریخ بغداد:أخذ علم الحديث عن يحيى بن معين،توفي سنة 279ه. ق.المجروحين/ابن حبان:1/51،في الحاشية.الجرح والتعديل:3/52.

5-الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبدالله الإصبهاني(المتوفى سنة 430ه)،له كتاب الأربعين حديثا في ذكر المهدي.(1)

6-أبوالعباس(أبو علي)أحمد بن علي الرازي الخضيب(ابن الخضيب)الأيادي،له كتاب الشفاءوالجلاء في الغيبة. (2)

7-أبو العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيراني ، نزيل البصرة،كان ثقة في حديثه،متقنا لما يرويه، فقيها بصيرا بالملحديث والرواية،وهو ٱستاذالنجاشي وشيخه ومن استفاد منه،توفي حدود النيف والعشرة بعدالأربعاءة،له كتاب أخبار الوكلاء الأربعة.(3)

8-أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمران بن موسى المعروف بأبي الجندي،أستاذ النجاشي ،له کتاب الغيبة. (4)

ص: 341


1- مجلة تراثنا:العدد الأول والرابع .الأحاديث الطوال:6.الكفاية في علم الرواية:13
2- النجاشی:97/240.الفهرست:33/66.المعالم: 8/82.
3- النجاشی: 86و209/87.الذريعة: 1/353/1860.
4- النجاشی:85/206 .الذريعة:16/75/374

9-أبو عبدالله أحمد بن محمد بن عبيد الله بنالحسن بن عياش بن إبراهيم بن أيوب الجوهري، له کتاب مانزل من القرآن في صاحب الزمان علیه السلام وأخبار وكلاء الأئمة الأربعة. (1)

10-الحافظ النسابة،الواعظ الشاعر الأشرف بن الأغر بن هاشم،المعروف بتاج العلى العلوي الحسيني،المولود بالرملة سنة 482ه،والمتوفي بحلب سنة 610ه،عن 128 سنة، له كتاب الغيبة ما جاء فيها عن النبي والأئمة علیهم السلام،ووجوب الإيمان بها. (2)

11-الجلودي(المتوفى سنة 332)،له كتب أخبار المهدي. (3)

12-أبو محمد الحسن بن حمزة بن علي بن عبدالله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام،المعروف بالطبري والمرعش،كان من أجلاء هذه الطائفة وفقهائها،توفي سنة 308ه، له كتاب الغيبة. (4)

13-أبوعلي الحسن بن محمد بن أحمد الصفار البصري،

ص: 342


1- النجاشی:85-86/207. المعالم:20/90.
2- الذریعة:16/75/375.
3- الذریعة:1/352/1852
4- النجاشي:64/150.المعالم: 36/215.الذريعة:16/76/380.

شيخ من أصحابنا،ثقة،روى عنه الحسن بن سماعة،له کتاب دلائل خروج القائم علیه السلام(1)

14-أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبیدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام،المعروف بابن أخي طاهر،المتوفى في ربيع الأول سنة 358ھ،له كتاب الغيبة، وذكر القائم علیه السلام.(2)

15-أبوالحسن حنظلة بن زکریا بن حنظلة بن خالد بن العيار

التميمي القزويني،له كتاب الغيبة. (3)

16-أبو الحسن سلامة بن محمد بن إسماعيل(أسماء)بن عبدالله بن موسی بن أبي الأكرم الأزذني (الأزوني)،المتوفى سنة 339ھ، له کتاب الغيبة وكشف الحيرة. (4)

17-أبو سعيد عباد بن يعقوب الرواجني الأسدي الكوفي، المتوقى.سنة 250 أو 271ھ، له كتاب أخبار المهدي،ويسميه المسند. (5)

ص: 343


1- النجاشی:48/101.
2- النجاشي: 64/149.الذريعة:16/83/416.
3- النجاشی:147/380.الذريعة: 16/76/384.
4- النجاشی:192/ 514.الذريعة:16/83/419
5- الفهرست:176/374.المعالم:88/612.الذريعة: 1/352/1852

18-أبوالفضل عباس بن هشام الناشري الأسدي،من أصحاب الرضا علي،المتوفى سنة 220ه،له کتاب الغيبة. (1)

19-أبوالعباس عبدالله بن جعفر بن الحسين بن مالك الحميري القمي،ثقة،شیخ القميين ووجههم،له كتاب الغيبة والحيرة،وقرب الإسناد إلى صاحب الأمر علیه السلام،والتوقيعات. (2)

20-أبو محمدعبدالوهاب المادراني(البادراني )،له کتاب.(3)

21-أبو القاسم علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمي، المتوفى سنة 329ه،له كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة. (4)

22-أبو القاسم علي بن الحسين بن موسی بن محمد بن موسی بن إبراهيم بن موسی بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام،المعروف بالشريف المرتضی علم الهدى،ولد في رجب 355ه،قال النجاشي:مات خمس بقين من شهر ربيع الأول سنة 436ھ ،وصلى عليه ابنه،وتوليت غسله ومعي الشريف

ص: 344


1- النجاشی:380/741.الذريعة: 16/76/386.
2- الفهرست:189/407.النجاشی: 247/573.الذريعة:16/83/415
3- النجاشی:247/652. الذريعة:16/76/387.
4- الفهرست: 119.النجاشي: 261/684.

أبو يعلى...،له كتاب الغيبة،المقنع في الغيبة. (1)

23-أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان،المعروف بعلان والرازي الكليني،خال ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني،وأحد العدة الذين يروي عنهم سهل بن زياد في كتابه الكافي،له كتاب أخبار القائم علیه السلام. (2)

24-علي بن محمد بن علي بن سالم بن عمر بن رباح بن قیس

السواق القلا، له کتاب الغيبة(3)

25-أبوالحسن علي بن مهزيار الورقي الأهوازي،كان أبوه و نصرانيا،وقيل:إن عليا أيضا أسلم وهو صغير،ومن الله عليه بمعرفة هذاالأمر،وتفقه،وروي عن الرضا وأبي جعفر (الجواد) علیهماالسلام،واختص بأبي جعفر الثاني(الجواد)،له كتاب القائم.(4)

26-أبو موسی عیسی بن مهران المستعطف،له كتاب المهدي. (5)

ص: 345


1- الفهرست:218-220/472. النجاشی:270-708. المعالم69-70/477.الذريعة: 16/77/390.
2- الذريعة:1/345/1903
3- النجاشی:259/679. الذريعة:16/78/393.
4- النجاشي: 253_254/664
5- النجاشی:297/807الفهرست:249-250/549.المعالم:86/593.

27-أبو محمد الفضل بن شاذان بن جبرئيل(الخليل)الأزدي النيسابوري،المتوفى سنة 260ه، لقي علي بن محمد التقي علیه السلام،له کتاب إثبات الرجعة،والرجعة حديث،والقائم علیه السلام. (1)

28-أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن جعفرالنعماني،المعروف بابن أبي زينب الكاتب،تلميذ ثقة الإسلام الكليني،له كتاب الغيبة،ويعرف هذا الكتاب بملاء العيبة في طول الغيبة. (2)

29-أبو علي محمد بن أحمد بن الجنيد،قال النجاشي:سمعت بعض شيوخنا يذكر أنه كان عنده مال للصاحب علیه السلام وسيف أيضأ،و به إلى جاريته ،له كتاب إزالة الران عن قلوب الإخوان في الغيبة.(3)

30-أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال،المعروف بالصفواني،الشريك مع النعماني في القراءة على ثقة الإسلام الكليني،له كتاب الغيبة وكشف الحيرة. (4)

ص: 346


1- النجاشي: 306-307/840. الفهرست : 254 -255/559. المعالم:90-91/627. الذريعة:16/78/395.
2- النجاشی:383/1043.المعالم: 118/783.الذريعة:16/79/398
3- النجاشی:385/1048،الفهرست: 269-267/592.المعالم:97/665
4- الذريعة:16/37/157 و:16/84/420

31-أبو العنبس محمد بن إسحاق بن أبي العنبس الصيمري،له کتاب صاحب الزمان. (1)

32-أبو الحسين محمد بن بحر الرهني السجستاني (الشيباني)المتكلم،له كتاب الحجة في إبطاء القائم علیه السلام. (2)

33-محمدبن الحسن بن جمهورالعمي (القمي)البصري ،روی عن الرضاعلیه السلام،له كتاب صاحب الزمان علیه السلام،وكتاب وقت خروج القائم علیه السلام(3)

34-محمد بن زید بن علي الفارسي،له كتاب الغيبة. (4)

35-أبو جعفر محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، المتوقى سنة323ه،كان متقدما في أصحابنا و مستقيم الطريقة ،فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية،فظهرت منه مقالات منكرة،وخرج في لعنه التوقيع ،له کتاب الغيبة. (5)

ص: 347


1- الفهرست/ابن الندیم:216-217.
2- المعالم: 96/662.
3- الفهرست:284/617. المعالم:103-104/104/689
4- الذريعة:16/79-80،الرقم400.
5- النجاشي:378/1029.الذريعة: 16/80/401.

36-أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي،المتوفى سنة 449ھ،له کتاب:البرهان على طول عمر صاحب الزمان، والاستطراف في ذكر ما ورد في الغيبة في الإنصاف. (1)

37-أبو بكر محمد بن القاسم البغدادي،معاصر بن همام الذي توفي سنة 332ه،له کتاب الغيبة.(2)

38-أبو النضر محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي،المعروف بالعياشي ،كان في أول عمره عامي المذهب وسمع حديث العامة فأكثر منه،ثم تبصر وعاد إلينا،له كتاب الغيبة. (3)

39-أبو الفرج المظفر بن علي بن الحسين الحمداني،من السفراء،قرأ على المفيد، وحضر مجلس درس المرتضى والشيخ الطوسي،ولم يقرأ عليها،له كتاب الغيبة. (4)

ص: 348


1- الذريعة:3/92/292.کشف الحجب:43/194.
2- الذریعة: 16/80/403.
3- النجاشي:350-353/944.الفهرست: 317-320/690.المعالم:99-100/668.
4- الذریعة:16/82/406

الدرس السابع والعشرون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه -1

بسم الله الرحمن الرحیم

بعدما ثبت أن الاعتقاد بوجود الإمام المهدي صلوات الله عليه مخوبحياته الشريفة من ضروریات مذهب الإمامية،دلت عليه صرع الأحاديث والنصوص الروائية،وأطبق عليه علماؤهم منذ عصير الرسالة إلى يومنا هذا،وامتلئت بهكتبهم قديما وحديثا،فهل يمكن الارتباط المباشر بهذا الإمام الغائب عن الأنظار صلوات الله عليه،وهل لشيعته أو لغيرهم في مقام الثبوت والإثبات أن ينالوا شرف اللقاء به في عصر الغيبة - سواء الصغرى منها أو الكبری _؟وهل لهم أن ينتفعوا بمحضره الشريف؟

وليس الكلام عن إمكان الرؤية واللقاء إمكاناعقليا؛لضرورة هذا الإمكان وشدة بداهته؛إذ لايمنع العقل ذلك ولا يحيله،

ص: 349

بل يمنع خلافه ويحكم بضرورة إمكان الرؤية والمشاهدة لكل مخلوق ذي جانب مادي،وكافة الأجسام والطبیعیات،وهو صلوات الله عليه مخلوق روحاني نوراني في قالب مادي جسماني ،وإنما الكلام في الأدلة والموازين الشرعية، والشواهد والقرائن الخارجية ،فهل قامت أدلة من الأحاديث والروايات على إمكان ذلك ؟ وهل هناك شواهد و قرائن دالة على إمكانها،أووقوعها؟ وبناء على ثبوتها فما هي؟ وما مدى صحتها؟وما رأي أئمة أهل البيت علیهم السلام؟وما الفائدة من الرؤية والمشاهدة ؟وما الأضرار التي تترتب على امتناع رؤيته أو مشاهدته علیه السلام؟

وقع الخلاف بين أعلام الطائفة في هذا الخصوص،حيث نتج عن ذلك اعتقادان عن إمكانية الرؤية وجوازها،وعدم الإمكان وامتناع الرؤية في زمن غيبته علیه السلام،فمنهم من ذهب إلى عدم الإمكان وعدم الحاجة إلى رؤية الإمام علیه السلام واللقاء به قبل ظهوره،كالشيخ المفيد،والمولي الفيض الكاشاني،والشيخ جعفر کاشف الغطاء،والمرحوم النعماني أعلى الله مقاماتهم،وطيب ثراهم،واختارالمشهور من علماء الطائفة جواز ذلك،بل وقوعه،خلافا لهؤلاء الأعلام،فليست المسألة إجماعية،بل هي قضية خلافية منذ ابتداء الغيبة الكبرى، وأوان انطلاقتها الٱولى، فينبغي التحقيق في أقوالهم

ص: 350

ومناقشة آرائهم بعد سرد ما استندوا إليه من أدلة وأحاديث،والتأمل فيها بالنقض والإبرام،وليس من أنكر إمكان الرؤية وجوازها أثناء الغيبة منكرا لضرورة من ضروريات المذهب الحق، وليس خارجا عن ربقة الدين وداخلا في عداد المرتدین کما توهم بعض من لاحظ لهم من العلم والمعرفة،كلا بل كل طائفة من الطائفتين تستند إلى جملة من الأدلة والقرائن تستحق البحث والتدقيق،وإن غدى جواز اللقاء وإمكان الرؤية،بل وقوعها لكثير من الصلحاء والعلماء،من مسلمات مذهبنا في عصرنا الحاضر.

وكيف كان فأهمية طرح هذا البحث والتطرق لهذه المسألة تحتمها أسباب و علل تترتب عليها جملة من المفاسد والمحاسن ، ينبغي التلميح إليها وسردها هنا:

أولا:أن هناك كتبا و مقالات سطرت - لاسيما في عصرنا هذا۔ مشحونة بحكايات وقصص عمن يزعمون اللقاء بالإمام علیه السلام،لا شك في كذب بعضها والمبالغة في بعضها.

ثانيا:استغلال بعض السياسيين ممن ينتسبون إلى مذهب الإمامية لهذه القصص والحكايات من أجل تمرير مشاريعهم وتحقيق أهدافهم السلطوية على العامة من أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم.

ثالثا:ما يترتب من مفاسد عديدة على نقل مثل هذه الحكايات،

ص: 351

كالتدليس في الحقائق الثابتة بحيث ينطلي على من لا خبرة له،ويلتبس الحق بالباطل، فتشوب العقائد الحقة جملة من الخرافات والأباطيل التي لا تستند إلى برهان ولا دليل، فيختلط الصواب بالخطأ ليسفر عن ذلك مزاعم لا أساس لها، وأحداث خرافية لا قبل لها من زمرة الانتهازيين الضاحكين على ذقون العامة طلبا للرئاسة والدنيا أو جمعا للأموال.

رابعا:إن مثل هذه الكتابات والقصص الخرافية الموضوعة، لا سيما المبنية منها على المنامات الكاذبة، والمكاشفات المزعومة الباطلة،لتنقر أهل التعقل وأصحاب الفكر وذوي الألباب، وربماجعلتهم في حيرة من عقائدنا الحقة التي بات لا يختلف على صحتهااثنان من ذوي الإنصاف والرشاد، فتمهد و توقر بذلك سبل الانحراف وتعد طريق الضلال.

خامسا:إن العدو المتربص بنا لا يفرح بشيء کفرحه بنسبة الخرافات وعادات العوام إلى مذهبنا،والاحتجاج على أعلام الطائفة وزعمائها من العلماء بما دأب عليه الطائفة من العوام والجهلة ورجال السياسة والإعلام المنتسبين إليهم،فيفترون علينا وعلى مذهبنا وينسبون إلينا ما نحن منه براء،ليصدوا عن الحق ويحولوا دون انتشار العقائد الحقة ويطفئوا نور الله بأفواههم.

ص: 352

سادسا:تكمن الخطورة في جهة أن هذه المزاعم بعدما كانت تنطلق من أفواه العوام في الأزمنة الغابرة غدت في هذه الأيام والأعوام تجد لها صدى لدى بعض من يرتدي زي أهل العلم ويتشبه بهم ولدى جملة من الخواص من العوام، والعوام من الخواص ،وهو أمر يندى له الجبين،فلا حيلة ولا محيص دون أن نجابههم بمان عليه التوقيع الشريف الذي ورد من الناحية المقدسة، حيث أمرنا في قبال من يدعي ذلك بالتصدي والتكذيب واتهامه بأنه كذاب مفتر.

بما أن حياة الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه تنقسم إلى أربع فترات رئيسية: فترة الطفولة حتى الخامسة، حيث كان صلوات الله علیه معاصرا لأبيه الإمام الحسن العسكري وتحت كفالته وفي رعايته،ثم فترة الغيبة الصغرى التي دامت سبعين عاما تمهيدية وتربوية لأصحابه وشیعته استعدادا للغيبة الكبرى الطويلة،وهي الفترة الثالثة من حياته الشريفة التي طالت علينا كثيرا، ونسأل الله تعالى أن يعجل له ولنا الفرج في ظهوره علیه السلام بإقامةالعدل والقسط بعد امتلاء الأرض بالجور والظلم،حيث فترة ما بعد ظهوره أرواحنا فداه تمثل المحطة الأخيرة من حياته الشريفة المباركة،فإنا سنبحث إمكانية اللقاء به عليه الصلاة والسلام في الفترات الثلاث الٱولى؛الخروج عصر الظهور عن محل النزاع تخصصا لا تخصیصا.

ص: 353

نعم،وقع الخلاف بين أعلام الطائفة في حدود عصر الغيبة الصغرى،هل تبدأ بولادته صلوات الله عليه؟أم تبدأ باستشهاد أبیه علیهماالسلام؟

فاختار الشيخ المفيد أعلى الله مقامه وجملة من أعلام الطائفة قدس الله أسرارهم القول الأول، وذهبواإلى أن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه وهي الغيبة الصغرى أو الٱولى أو القصری - سمها ما شئت - بدأت بولادته وفي حياة أبيه علیهماالسلام،وانتهت بموت آخر سفرائه الأربعة رضوان الله عليهم(1)خلافا للمشهور لدى أكثر أعلامنا من أن الغيبة الصغرى بدأت بوفاة أبيه الإمام العسكري عليهما السلام،وهي بداية تقليده منصب الإمامة في عام مائتين وستين هجرية،أي في الخامسة من عمره الشريف،وهذا هو الحق كما يبدو.(2)

والدليل على ذلك:

أولا:أن غيبته علیه السلام ذات صلة وثيقة بإمامته،ولا معنى للغيبة.

ص: 354


1- الإرشاد: 2/340.
2- أعلام الوری: 416.مصنفات الشيخ المفيد -الجزء الثاني.کشف الغمة: 3/320.مرآة العقول: 4/52.

قبل هذه الفترة وقبل تقليده الإمامة والخلافة.

وثانيا:أن جل الروايات التي أشارت إلى الغيبة الصغرى ناظرة إلى فترة إمامته علیه السلام،ويكفي للبرهنة على ذلك مجرد نظرة وتأمل في تلك الروايات والأحاديث.

وثالثة:أن أعلام الطائفة ممن تقدموا على الشيخ المفيد طيب الله ثراه ومن أصحاب الأئمة علیهم السلام لم يعبروا عن تلك الفترة بالغيبة،وإنما عبروا بالغيبة عما تلتها من فترة زمنية،وأطلقوا الغيبة على فترة غيابه بعد أبيه علیهماالسلام،وهذالا يخفى على المحقق المدقق في كلات الأعلام والأصحاب رضوان الله عليهم، والحاصل أن الغيبة الصغرى على القول الأول وهو مذهب الشيخ المفيد وأصحابه قدس الله أسرارهم- دامت أربعة وسبعين عاما،وعلى القول الثاني وهو قول المشهور- دامت تسعة وستين عاما وأشهر.

1-اللقاء به في عهد أبيه علیهماالسلام

وكيف كان فقد ثبت بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن جمع غفيرا من أصحاب الإمام الحسن العسكري علیه السلام وخواص شيعته نالوا شرف اللقاء علیه السلام،وحازوا مرتبة التشريف بلقياه،والظفر برؤيته،وقدأسردنا جملة من الأخبار والروايات الدالة

ص: 355

على ذلك في الحلقة الٱولى من هذا الكراس.

وقد عقد كثير من علمائنا في كتبهم أبوابا عمن رأوا الإمام والتقوا به وشاهدوه في عهد أبيه العسكري صلوات الله عليها ،ومن هؤلاء الشيخ المفيد أعلى الله مقامه في الإرشاد، حيث قال:

1-أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد،عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد،عن محمد بن إسماعيل بن موسی بن جعفر-وكان أسن شیخ من ولد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالعراق - قال:رأيت ابن الحسن بن علي بن محمد علیهم السلام بين المسجدين وهو غلام.(1)

وهكذاذكرجملة من هذه الأخبار على النحو التالي:

2-وعن الحسين بن رزق الله أنه قال:حدثني موسی بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسی بن جعفر،قال:حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي وهي عمة الحسن علي:أنها رأت القائم علیه السلام ليلة مولده وبعد ذلك. (2)

3- عن حمدان القلانسي،قال: قلت لأبي عمرو العمري:

ص: 356


1- الكافي: 2/266.الإرشاد: 2/351.الغيبة:268،230.أعلام الوری:396.
2- الإرشاد: 2/351. الغيبة/الطوسي:205/237. الكافي: 3/266.کمال الدین: 1/424.

قد مضى أبو محمد؟فقال لي: قد مضى،ولكن قد خلف فيكم من رقبته مثل هذه،وأشار بيده. (1)

4-وعن فتح-مولى الزراري- قال:سمعت أبا علي بن مطهريذكر أنه رآه،ووصف له قه.(2)

5-وعن عمروالأهوازي،قال: أرانيه أبو محمد،وقال:«هذا صاحبكم»(3)

6-وعن أبي نصر طريف الخادم أنه رآه علیه السلام(4)

واكتفي بهذا المقدار قائلا: «وأمثال هذه الأخبار في معنى ما ذكرناه كثيرة،والذي اختصرناه منها كاف فيا قصدناه؛إذ العمدة في وجوده وإمامته علیه السلام،ما قدمناه،والذي من بعد ذلك زيادة في التأكيد،ولو لم نورده لكان غير مخل بما شرحناه،والمنة لله تعالى(5)

وقال شيخ الطائفة الطوسي أعلى الله مقامه:

ص: 357


1- الإرشاد: 2/351.الكافی:4/ 264و4/266.البحار:52/60و 45.
2- الكافي:5/266.الغيبة الطوسي: 269،233.بحار الأنوار:52/60.الإرشاد: 2/352.
3- الكافي:2/264.الغيبة/الطوسي: 203، 234.الإرشاد: 2/355.
4- الكافي: 2/267.الإرشاد:2/355
5- الارشاد: 2/ 355.

«فصل:فأما الكلام في ولادة صاحب الزمان وصحتها فأشياء اعتبارية وأشياء إخبارية، فأما الاعتبارية فهو أنه إذا ثبتت إمامته وعلمنا بذلك صممت ولادته وإن لم يرد فيه خبر أصلا.

وأيضا ما دللنا عليه من أن الأئمة اثنا عشر يدل على صحة ولادته؛لأن العدد لا يكون إلا لموجود،وما دللنا على أن صاحب الأمر لابد له من غيبتين يؤكد ذلك؛لأن كل ذلك مبني على صحة ولادته.

وأما تصحيح ولادته من جهة الأخبار فسنذكر في هذا الكتاب طرفا مما روي فيه جملة وتفصيلا، ونذكر بعد ذلك جملة من أخبار من شاهده ورآه؛لأن استيفاء ماروي في هذا المعنى يطول به الكتاب».(1)

ثم روى أخبارا في ذلك ، منها ما كانت الرؤية والمشاهدة في حياة أبيه العسكري صلوات الله عليهما:

1_.... حدثني أبو الفضل الحسين بن الحسن العلوي،قال:دخلت على أبي محمد علیه السلام بشر من رأى فهنا ته بسيدنا صاحب الزمان علیه السلام لماولد(2)

2-...عن أحمد بن محمد،قال:خرج عن أبي محمدعلیه السلام حين

ص: 358


1- الغيبة / الطوسي: 230.
2- الغيبة / الطوسي: 230.

قتل الزبيري...إلى أن قال: «وولد له ولد وسماه محمداسنة ست وخمسين ومائتين».(1)

3-وروی محمد بن یعقوب رفعه عن نسيم الخادم،وخادم أبي محمد علیه السلام،قال:دخلت على صاحب الزمان علیه السلام بعد مولده بعشر ليال فعطست عنده،فقال:«يرحمك الله،ففرحت بذلك،فقال:ألا أبشرك في العطاس؟هوأمان من الموت ثلاثة أيام»(2)

4-...عن رجل من أهل فارس - سماه - قال:«أتیت سر من رأی ولزمت باب أبي محمد علیه السلام...إلى أن قال:فدخلت عليه يوما وهو في دار الرجال ، فسمعت حركة في البيت وناداني:مكانك لا تبرح،فلم أجسر أخرج ولا أدخل ، فخرجت جارية معها شيء مغطى،ثم ناداني:أدخل،فدخلت،ثم نادى المجارية فرجعت،فقال لها:اكشفي عما معک،فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه،فكشف عن بطنه،فإذا شعرناب من لبته إلى شرته أخضر ليس بأسود،فقال: هذا صاحبكم...» (3)

ص: 359


1- الغيبة/الطوسي: 231.
2- الغيبة/الطوسي: 232.
3- الغيبة/الطوسي : 233.

5-قال حدثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب،وكان عاميا بحل من النصب لأهل البيت علیهم السلام يظهر ذلك ولا يكتمه،وكان صديقا لي...إلى أن قال:وقد كنت فقد جميع من خلفته من أهلي وقراباتي إلا عجوزا كانت ربتني،ولها بنت معها،وكانت من طبع الأول مستورة صائنة لا تحسن الكذب ...إلى أن قال نقلا؟عن العجوز أنها قالت له:فإني ٱحدثك بما رأيته بعيني بعد خروجك بسنتين...وساق الخبر الذي حاصله أنها رأت المولد الذي ولد لأبي محمد العسكري صلوات الله عليها،أعني صاحب الزمان أرواحنا فداه،وحضرت ولادته ،بل شاركت في تولیده - ولادته -الخ.(1)

6-عن السياري،قال:حدثني نسيم ومارية،قالت:لما خرج صاحب الزمان علیه السلام من بطن ٱمه سقط جاثيا على ركبتيه،رافعاستابته نحو السماء،ثم عطس فقال:«الحمد لله رب العالمين، وصلی الله على محمد وآله عبدا داخرا لله غير مستنكف ولا مستكبر»،ثم قال:«زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشك. (2)

ص: 360


1- الغيبة/الطوسي: 242.
2- الغيبة/الطوسی:244

7-وروی محمد بن علي الشلمغاني في كتاب الأوصياء ، قال:حدثني حمزة ابن نصر غلام أبي الحسن علیه السلام عن أبيه،قال:لما ولد السيد علیه السلام تباشر أهل الدار بذلك،فلما نشأ خرج إلي الأمر أن أبتاع في كل يوم مع اللحم قصب مخ ،وقيلل:إن هذا لمولانا الصغير علیه السلام.(1)

8-عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري ، قال:وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد علیه السلام،قال کامل:فقلت في نفسي:...إلى أن قال:فسلمت وجلست إلى باب عليه ستر مرخی،فجاءت الريح فكشفت طرفه،فإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها،فقال لي :ياکامل بن إبراهيم، فاقشعررت من ذلك وٱلهمت أن قلت: لبيك يا سيدي،فقال:جئت إلى ولي الله وحجته و بابه تسأله:هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟

فقلت:إي والله.

قال:إذن والله يقل داخلها،والله إنه ليدخلها قوم يقال لهم الحقية.قلت:يا سيدي،ومن هم؟

ص: 361


1- الغیبة /الطوسی:245

قال:قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه،ولا يدرون ما حقه وفضله.

ثم سكت صلوات الله عليه عني ساعة،ثم قال:وجئت تسأله عن مقالة المفوضة،كذبوا،بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء شئنا،والله يقول:« وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّا أَن یَشَآءَ اللَّهُ »

ثم رجع الستر إلى حالته، فلم أستطع كشفه،فنظر إلي أبو محمد علیه السلام مبتسما ،فقال:يا کامل،ما جلوسك؟وقدأنبأك بحاجتك الحجة من بعدي.

فقمت وخرجت ولم ٱعاینه بعد ذلك.(1)

ص: 362


1- الغيبة/الطوسي: 247.

الدرس الثامن و العشرون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-2

بسم الله الرحمن الرحیم

وهكذا نكتفي بهذا القدر، وهو غيض من فيض ، ولكن نقتصر على ذكر أسماء هذه الجماعات وهؤلاء الأفراد،وكيف كان، فالذين تشرفوا بلقاء مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ونالوا شرف رؤيته ومشاهدته في حياة أبيه علیه السلام، وأثناء ولايته وإمامته ليسوا بالعدد القليل كما يظن البعض،وإليك أسماؤهم مما تقدم من الأخبار،وما لم نذكره همان من سائر الأخبار التي سنشير إلى مصادرها إن شاء الله تعالى:

1-السيد محمد بن إسماعيل بن موسی بن جعفر علیه السلام،وتقدم خبره.

2-السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد،وأخت الإمام الهادي،وعمة الإمام العسكري علیهم السلام،كما تقدم خبرها.

ص: 363

3-أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري أول السفراء الأربعة رضی الله عنهم،كما تقدم خبره.

4-أبو علي بن مطهر،وقد تقدم خبره.

5-عمروالأهوازي،وقد تقدم خبره.

6-أبو الفضل الحسين بن الحسن العلوي،وقد تقدم خبره.

7-أحمد بن محمد،وقد تقدم خبره.

8- نسيم الخادم،وقد قدمنا خبره.

9-رجل منأهل فارس – ثقة. وقد قدمنا خبره.

10-العجوز التي حدثت أحمد بن بلال بن داود الكاتب،وقد تقدم خبرها.

11-مارية،خادمة أو جارية للإمام العسكري علیه السلام،وقد تقدم خبرها.

12-أبو نصر،غلام أبي الحسن العسكري علیه السلام،وقد قدمناخبره.

13-أبو نعيم محمد بن أحمد الأنصاري،وقد قدمنا خبره.

14-جعفر ابن الإمام الهادي الملقب «بالكذاب.(1)

ص: 364


1- الغيبة: 268.

15-أبو هارون-رجل من أصحابهم. (1)

16-أبو جعفر العمري محمد بن عثمان،ثاني السفراء الأربعة رضی الله عنهم(2)

17-جارية من جواري الإمام العسكري علیه السلام.(3)

18-أبو غانم الخادم.(4)

19-عقيد الخادم.(5)

20-يعقوب بن منفوس،أو منقوش.(6)

21- معاوية بن حكيم.(7)

22-محمد بن أيوب بن نوح.

وكيف كان فقد قال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه ونسب ذلك(8)

ص: 365


1- الغيبة/الطوسی:250
2- بحار الأنوار:52/25-26.
3- بحار الأنوار:51/5.
4- بحارألانوار:15/5
5- بحارالأنوار:51/16
6- بحارالأنوار:52/25
7- بحارالأنوار:25/25_26
8- بحارالأنوار:52/25_26

إلی الإمامية:«إن جماعة من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي بن محمد علیهم السلام قد شاهدوا خلفه في حياته،وكانوا أصحابه وخاصته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته دهرا طويلا في استتاره،ينقلون إليهم عن معالم الدين،ويخرجون إليهم أجوبة عن مسائلهم فيه،ويقبضون منهم حقوقهم لديهم.

وهم جماعة كان الحسن بن علي علیه السلام عدلهم في حياته، واختصهم ٱمناء له في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه والقيام بمآربه،معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأمثالهم.

كأبي عمرو عثمان بن سعيد السمآن،وابنه جعفر بن محمد بن عثمان،وبين الرحبا،وبني سعيد،وبني مهزیار، وبين الركولي وبني نوبخت،وجماعة من أهل قزوین،وقم وغيرها من الجبال مشهورون بذلك،وكانوا أهل عقل وأمانة وثقة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة...»

إلى أن قال رضی الله عنه:«وهذا يسقط دعوی الخصوم وفاق الإمامية لهم أن صاحبهم لم ير منذ ادعوا ولادته،ولا عرف له مكان،ولا خبر أحد بلقائه».(1)

وقد عد الشيخ الصدوق رضی الله عنه من رأوه في تلك الفترة فإنهم يزيدون

ص: 366


1- الفصول العشرة:82.

عن ذلك العدد بكثير(1)

والظاهر،بل التحقيق،أن شطرأ ممن ذكرهم لميقصد بهم أنهم رأوه في هذه الفترة،بل في الغيبة الصغرى،فجمع بين طائفتين:

1-من رآه علیه السلام في حياة أبيه علیه السلام

2-من رآه بعد وفاة أبيه علیه السلام،فهم مجموع من رآه في الغيبة الصغرى وقبلها،لاعلى نحو الحصر.

فلا ريب في الرؤية والمشاهدة له علیه السلام ثبوتاإثباتا،إمكاناووقوعا، خلال هذه الفترة ونيل ذلك في الفترة الٱولى من حياته الشريفة،وهي الفترة المعاصرة الحياة أبيه وإمامته علیه السلام،ولا خلاف بين أعلام الطائفة،وحتى عوامها،في ذلك،بل وقع الإجماع والإطباق حتى غد ذلك ضروريا من ضروریات مذهبنا.

2-لقاؤه علیه السلام في عصر الغيبة الصغرى.

لا شك أن الإمام علیه السلام کان في عصر الغيبة الصغرى على اتصال دائم بشیعته ولم ينقطع عنهم؛إذ كان يتقصى الشيعة ويتفقد أخبارهم،وهكذا يتفقدون أخباره عبر نوابه الأربعة الذين مثلوا حلقة الوصل

ص: 367


1- كمال الدين:442-443و:476- 479و:434-482.

بينه وبينهم،فكانت ترد عليه كتبهم ورسائلهم فيجيب عنها ويرد على أسئلتهم،و تخرج إليهم تواقيع من ناحيته المقدسة،وقد وردت في بعض كتب الأعلام ودونها الثقات ممن لا يرد أدنى شك أو شبهة في صدقهم وإخلاصهم،فقد أورد الشيخ الطوسي طيب الله ثراه تواقيع خرجت من الناحية المقدسة إلى جملة من الثقات الأخيار كأبي الحسين محمد بن جعفرالأسدی(1)،وأورد غيره من الأعلام تواقيع لآخرين خرجت من ناحيته المقدسة.

کما خرجت تواقيع ٱخر عديدة تلعن الذين ادعوا النيابة الخاصة كذبا وزورا،وتتبرأ منهم بأسمائهم وأشخاصهم کالشريعي،ومحمد بن نصير النميري،وأحمد بن هلال الكرخي،والشلمغاني الغيبة/ (2)،أوردناها في محلها بحمد الله تعالى.

کماوفق جماعة من خواص الشيعة وثقاتهم لفيض لقائه عليه الصلاة والسلام في مواطن عديدة ،بل كان الشيعة يشدون الرحال إلى العراق والحجاز -لا سيما في أيام الحج وعند أداء مناسكه - بحثا عنه وابتغاء الفوز بشرف لقائهعلیه السلام،فكم من هؤلاء قد أدركوا

ص: 368


1- الغيبة: 415-417.
2- الشيخ الطوسي: 397 - 412.

نوابه الخواص،وأيقنوا بوجوده وسلموهم الوجوه الشرعية وأدوا إليهم الحقوق التي كانت عليهم،وتلقوا إجابات وردودا على أسئلتهم التي بعثوها إلى ناحيته المقدسة،واشتهر ذلك عند الشيعة حتى غدى من المسلمات لديهم لا تعتريه شك ولا شبهة، حرصا منهم على تقضي أخبار إمامهم،وتفقدأحواله،وتثبيت عقائدهم،وترسيخ دعائم إيمانهم بأدلة قطعية من العلم والوجدان،وتطهير معتقداتهم من الخرافة والأوهام.

فقد أورد الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه أسماء جماعة من أدركواالمأمول،وتحققت لهم آمالهم وأمانيهم بمشاهدته والفوز بلقياه،وقرت أعينهم برؤية حسنه وجماله الملكوتي. (1)

وإليك جملة من أسماء هؤلاء من كتب الحديث وجوامعه ومصادره على نحو الإيجاز والتمثيل دون الإحصاء والاستقراء:

1-رشيق صاحب المادراي.

2-عثمان بن سعيد العمري، أول السفراء الأربعة.

3- محمد بن عثمان العمري، ثاني السفراء الأربعة.

4-الحسين بن روح،ثالث السفراء الأربعةمنها

ص: 369


1- کمال الدين:434

5-علي بن محمد السمري،السفير الرابع والأخير.

6-أبو جعفر أحمد بن الحسين بن عبدالملك الأزدي أو الأودي. 7-أحمد بن عبدالله الهاشمي من ولد العباس.

8-أبو نعيم محمد بن أحمد الأنصاري.

9- علي بن إبراهيم بن مهزیار.

10-محمد بن إسماعيل بن موسی بن جعفر علیه السلام.

11-أبي علي أحمد بن محمد بن مطهر.

12-محمد بن الحسن بن عبدالله التميمي-الزيدي-

13-الزهري.

14-أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي.(1)

15-يوسف بن أحمد الجعفري.

16-أحمد بن عبدالله الهاشمي.

17-إبراهيم بن عبدة النيسابوري.

18-إبراهيم بن إدريس.

19-حاجز-من وكلاء الإمام علیه السلام-

20-العاصمي وكيله في الكوفة

ص: 370


1- 1من (1- 14)الغيبة / الطوسي: 248 - 272.

21-محمد بن إبراهيم بن مهزیار-وكيله في الأهواز- 22-أحمد بن إسحاق -وكيله في قم-

23-محمد بن صالح-وکيله في همدان-

24-البسامي- وكيله في الري- 25-القاسم بن العلاء-وكيله في آذربيجان-

26-محمد بن شاذان -وکيله في نيسابور.

27-أبو القاسم بن أبي حابس –من بغداد-

28-أبو عبدالله الكندي-من بغداد-

29-أبو عبدالله الجنيدي-من بغداد-

30-هارون القزاز - من بغداد 31-النيلي-من بغداد-

32-أبوالقاسم بن دبیس-من بغداد-

33-أبوعبدالله بن فروخ-من بغداد-

34-مسرور الطباخ-مولى أبي الحسن علا

35-أحمد ومحمد ابنا الحسن وإسحاق الكاتب - من بني نوبخت.

36-صاحب الفراء - من بغداد

37-صاحب الصرة المختومة من بغداد–

38-محمد بن کشمرد-من همدان

ص: 371

39-جعفر بن حمدان-من همدان-

40-محمد بن هارون بن عمران - من همدان-

41- محمد بن هارون بن عمران -من الدينور-

42-أحمد بن أخيه وأبو الحسن - من الدينور-

43-ابن باداشاكة-من اصفهان

44-الحسن بن نضر-من قم-.

45- محمد بن محمد-من قم-.

46- علي بن محمد بن إسحاق - من قم-.

47- محمد بن إسحاق-من قم-

48- الحسن بن يعقوب-من قم-

49-القاسم بن موسی وابنه - من الری-.

50-أبو محمد بن هارون - من الري-

51- صاحب الحصاة -من الري-52-علي بن محمد-من الري. (1) وقد عد مولانا العلامة صاحب البحار طيب الله ثراه عددا كبيرا من هؤلاء في بحاره بأسمائهم وذكر مدتهم،فشكر الله سعيه وعليه

ص: 372


1- من(15-52) بحارالأنوار:52/5-32

أجره)(1)،وأورد قصص جملة منهم ،وفيهم من ادعى الرؤية أو المشاهدة أو الرؤيا المنامیة في زمن الغيبة الكبرى،وسيأتي الحديث عنها في الصفحات الآتية لدى الحديث عن حال الرؤية والمشاهدة،وحكم مدعيها في عصر الغيبة الكبرى إن شاء الله تعالى.

ص: 373


1- راجع بحار الأنوار: 52/32-31

ص: 374

الدرس الثامن و العشرون: اللقاءبالإمام المنتظر عجل الله تعالی فرجه_3

بسم الله الرحمن الرحیم

3-لقاؤه علیه السلام فی الغيبة الكبرى

لقد بذل الشيعة اهتماما خاصا بموضوع الإمكان الوقوعي الرؤية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، وشرف اللقاء به في عصر الغيبة الكبرى، وألفوا في ذلك كتبا استدلالية تبحث الإمكان وعدمه،فهل الرؤية ممكنة في هذا العصر أم لا؟وعلى فرض الإمكان فما حدود الرؤية الممكنة؟هل ممكنة لكل أحد أم للخواص والأوحدي من الشيعة؟وهل هي مختصة بظروف طارئة أم لا؟وهل يعرفه الرائي عند اللقاء أم لا يعرفه؟وهل يمكن أخذ معالم الدين والأحكام الشرعية عنهاوهل تطرح عليه الشبهات فيجيب عنها؟فما الذي نطقت به الأحاديث والأخبار في هذا الخصوص؟

ص: 375

وماذا قال علاء الطائفة في ذلك؟

وقع الخلاف في أصل الرؤية وإمكان اللقاء بالإمام علیه السلام في هذا العصر أعني عصر الغيبة الكبرى - بين أعلام الطائفة،فمنهم من قال بالإمكان،ومنهم من نفي ذلك من الأساس ، ثم إنهم اختلفوا في معنى الرؤية والمراد منها؟والذي يبدو لي-والعلم عند الله تعالى-أن اختلافهم في إمكان الرؤية وعدمه نابع من اختلافهم في معنى الرؤية وما يراد منها،فالنزا- كما يبدو-لفظي أكثر من كونه حقيقيا معنويا،ولهذا لزم أن نبحث أمرين:

أولا:معنى الرؤية،وما يترتب عليها من أقسام اللقاء والحضور والشهود التي هي من مراتبها.

ثانيا:نستعرض أدلة المثبتين للرؤية والنافين لها،لنقف على حقيقة هذا الأمر، ونكشف عن الإجابة على تلك الأسئلة التي لا زالت تشغل حيزا من بال أبناء الطائفة صغيرهم وكبيرهم، وشريحة واسعة من أهل العلم وعلماء الطائفة،رغم كثرة التأليف والتصنيف والتحقيق في هذا الباب.

فنقول من باب المقدمة:

أولا:الرؤية،وهي أعم من الرؤية مع المعرفة،والرؤية من غير معرفة به؛إذ الرؤية تطلق على ما رآه الإنسان بعينه مطلقا،

ص: 376

سواء كانت مقرونة بالمعرفة أي بمعرفة المرئي بشخصه وعينه وتميیزه عمن سواه بوجوه الامتياز-أو كانت خالية من المعرفة،أي لم يعرفه بعينه وشخصه.

وبعبارةٱخرى:الرؤية هي الإبصار أعم من كونها مع المعرفة الحالية أو المتأخرة،أو عدم المعرفة بالمبصر المرني أصلا،لافي الحال ولا في المستقبل.

بيان ذلك:أن المرء قد ينال شرف رؤية الإمام الغائب علیه السلام وهو لا يعرفه حينئيذ،بل يجهله ساعة رؤيته له علیه السلام،وهو ربما عرفه بعد ذلك،أي بعد ما غاب عنه وفارقه وغادر ذلك المكان؛لظهور قرائن قطعية دالة على أنه الإمام صاحب الأمر صلوات الله عليه،أو لشواهد و قرائن باعثة على الاطمئنان.

وقد يبقی جاهلا به طيلة حياته ،ويظل في جهله لا يعرفه دهرا بل دهورا.

وربما حالفه الحظ،وشمله التوفيق فنال شرف العلم، وحاز على مرتبة المعرفة بأنه هو الإمام أرواحنا فداه.

فالرؤية هي الإبصار مطلقا بغض النظر عن المعرفة وعدم المعرفة،وهي:

1-إما خالية من المعرفة أصلا، سواء المعرفة الحالية أو المستقبلية.

ص: 377

المتأخرة عن زمن الرؤية.

2-وإما ملحوقة بمعرفة بالمرئي والمبصر بعد ذهابه وغيابه ومغادرته المكان، وهي تسمى المعرفة اللاحقة أو المتأخرة.

3-وإما أن تكون مصحوبة بالعلم والمعرفة،فيكون الرائي حال رؤيته عارفا بالمرئي معرفة عينية خالية من كل شائبة،وتسمی المعرفة الحالية أو المتصلة أو المتزامنة،وتسمى هذه الرؤية بالمشاهدة.وهذاالنوع من الرؤية-أعني المشاهدة- على قسمين ووجهين أيضا:

أ_المشاهدة الخالية من المحادثة.

ب_المشاهدة التي ترافقها المحادثة والحوار والسؤال والجواب.

وهذا الأخير:

-إما مع الصحبة لساعات أو يوم أو أيام.

وإما من غير صحبة كذلك.

2-فالمشاهدة التي هي من أقسام الرؤية،لكنها الرؤية الخاصة،عبارة عن المعاينة مع الحضور الحقيقي الجسماني-والمعرفة العينية،بحيث يعرف المرئي بشخصه،ويميزه عمن سواه.

قال صاحب اللمعة البيضاء بیان:«الشهادة تجيء بمعنى الحضوروالمعاينة،يقال: شهده

ص: 378

متعديا بنفسه،أي حضره وعاينه،ومنه الشاهد يرى ما لا يراه الغائب،و« شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ ».(1)

وقال في البصائر -والكلام للمرحوم التبريزي الأنصاري -:«الشهود والشهادة حضور مع المعاينة والمشاهدة، سواء كان بالبصر أو البصيرة ،والثاني يرجع إلى معنى العلم،قال:والأولى أن يستعمل في الحضور المجد -الشهود- وفي الحضور مع المشاهدة- الشهادة - وإن الشهادة قد تطلق على القول الصادر من العلم الحاصل بالبصر أو البصيرة...إلى أن قال: ومنه المشاهدة بمعنى المعاينة،وهو أعم من الحضور لجواز الاطلاع من بعد بدون صفة الحضور...الخ» (2)

وقال الراغب الأصفهاني: «الشهود والشهادة،الحضور مع المشاهدة،إما بالبصر أو بالبصيرة،لكن الشهود بالحضور المجردأولى، والشهادة مع المشاهدة أولى ،ويقال للمحضر:مشهد».(3)

وقيل:المشاهدة:جمع مشهدي، وهو المنسوب إلى المشهد، وهو مفعل من الشهود،أي الحضور،فمعناه محضر الناس،ومشاهد مكة:

ص: 379


1- سورة البقرة:185.
2- اللمعة البيضاء:366
3- مفردات الراغب:267.

المواطن التي يحضرها الناس.(1)

وقال الفراهيدي رحمه الله:

«الشهد:العسل ما لم يعصير من شمعة،شهاد،والواحدة:شهدة وشهدة(2)

وقال الجوهري:«والمشاهدة: المعاينة،وشهده شهودا،أي: حضره،فهو شاهد،وقوم شهود، أي حضور،وهو في الأصل مصدر ...»(3)

وقال ابن منظور في لسان العرب:«والمشاهدة: المعاينة،وشهده شهودا،أي: حضره،فهو شاهد...الخ» (4)

ومن يدعي مشاهدة صاحب الأمر أرواحنا له الفداء،فهو يدعي رؤيته العينية مع العلم به ومعرفة شخصه علیه السلام،وقد يزيد عليها ادعاء المحادثة والمحاورة والمجالسة،قليلاأو كثيرا،وطويلا أو قصيرا.

وهذا القسم الأخير أعلى مراتب التوفيق،وأعظم درجات المعرفة والنعيم،حيث لا يناله إلا ذو حظ عظيم من الخواص،

ص: 380


1- حاشية شرح الشافية: 2/186
2- کتاب العيين: 3/397.
3- الصحاح: 2/294.
4- لسان العرب: 3/239

بل أخص الخواص.

3-الرؤيا المنامية:وهي ليست من الرؤية العينية؛ لأنها عبارة عن رؤية الشيء أو الشخص في المنام لا في اليقظة.

4-الكشف والشهود:وهو عبارة عن حصول العلم والمعرفة بوجود الإمام عليه السلام وحياته عن طريق السير والسلوك،وتهذیب النفس، والرياضات النفسانية، والمكاشفات،والاشراقات الروحانية،كأن يدرك أهل الكشف والشهود والعارفون الصادقون بما لهم من قوى إشراقية مدركة لحقائق العوالم العلوية والسفلية والأكوان والطبيعة وما وراء الطبيعة أنه لا بد من وجود هذا الإمام،ولا بد من حياته،ويعرفونه بعينه،وقد يزعمون رؤيته بالعين المجردة أيضا عن طريق المكاشفة الحضورية، والارتباط به علیه السلام كذلك.

فهذه أربعة أنواع أساسية من وجوه وطرق اللقاء والرؤية والتشرف بمحضر مولانا صاحب الأمر وقطب دائرة الإمكان صلوات الله وسلامه عليه.والكلام في مبحثنا هذا عن الرؤية بمعنى المشاهدة،والمشاهدةبجميع أقسامها ووجوهها لأنها موضع الشاهد والابتلاء ،وقد وقع النزاع في إمكان المشاهدة في عصر الغيبة الكبرى بين مثبت وناف،فيقع الكلام فيها،وفي المسألة قولان:

الأول:عدم إمكانها الوقوعي قطعا ومطلقا،أي لا تمكن المشاهدة

ص: 381

الأحد قبل الظهور،وهو امتناع وقوعي واستحالة وقوعية.

الثاني:إمكانها،واختصاصها بالأولياء،وأخص الخواص،والأوحدي من التاس.

وأما الكلام في القسم الأول ،وهوالرؤية مع الجهل المطلق،والقسم الثاني من الرؤية،وهو الرؤية مع المعرفة المتأخرة فخارج عن محل الابتلاء بالتخصیص؛لعدم ترتب أثر على الرؤية مع الجهل المطلق به علیه السلام.

كما أن الكلام في القسمين الأخيرين،أعني الرؤية المنامة،والرؤية الكشفية الشهودية خارجان عن موضع البحث بالتخصص،لتأكيد النصوص على ضرورة وقوع الرؤية الخالية من المعرفة ،وهو ما لا نقاش فيه ولا جدال ، وقد سقنا إليك جملة من هذه النصوص في مطاوي المباحث السابقة في الحلقة الٱولى وهذه الحلقة؛ولأن الأدلة والنصوص إنما منعت وقوع المشاهدة،ولم تمنع إمكان وقوع الرؤية مع المعرفة اللاحقة،ولا وجه لرد مثل هذه الدعاوی إن كانت تستند إلى شواهد و دلائل و قرائن قطعية،و تتبعث من کرامات ومعجزات،و تعتمد عليها،تورث العلم واليقين ،أو على الأقل ظئية تفيد وتبعث على الاطمئنان.

وقد أورد الشيخ الطوسي- شيخ الطائفة-أعلى الله مقامه هذا

ص: 382

القسم،وذكر جملة من الأحداث والقصص الحقة التي وقعت في عصره وقبل زمانه،الدالة على وقوع الرؤية عن جهل بشخصه علیه السلام،ثم معرفته بعدغيابه علیه السلام عن الأنظار،وخص بابا من أبواب کتاب الغيبة من رأوه ثم عرفوه(1)).وسنوردها شواهد في محلها إن شاء الله تعالى.

كما أن الرؤية المنامية والكشفية ممكنة لأهلها، وهما غير ممتنعتين،ونحن وإن كنا نحترم المنامات الصادقة لكثرة ما تترتب عليها من آثار عملية أو علمية،ولكثرة ما فيها من بركات وفوائد جسام تنفع للهداية والإرشاد،وتساعد على الاستبصار،ولأنها جزء من سبعين جزءا أو من أربعين جزءا من الوحي والنبوة، وكذلك لسنا ننكر المكاشفة الحقيقية الحقة ولا نستنكر على أهلها الصادقين المستحقين لها دعاويهم،بل نحترم أقوالهم ونعظم شأنهم بعد اطمئناننا إلى وثاقتهم وعدالتهم وصحة أقوالهم،والحاصل بعد علمنا بأحوالهم وصلاح بواطنهم وخفاياهم،من غير اکتفاء بحسن ظواهرهم؛لأن الكشف والإشراق والشهود والعرفان والرؤى المنامة أثواب فضفاضة قد يستغلها الكثيرون من المحتالين إن لم تخضع لأصول ثابتة،وقواعد

ص: 383


1- الغيبة/الطوسي: 253.

حتمية،وٱسس راسخة من البرهان، وصلاح واقع الحال، و ثبوت الصدق والأمانة في المقال،لكنهما خارجان عما نحن فيه موضوعا و تخصصأ؛ لعدم العبرة بها شرعا،وعدم حجيتهما.

كما أن أعلامنا المتقدمين، كالشيخ الصدوق والشيخ المفيد والنعماني وشیخ الطائفة الطوسي،وهكذا من المتأخرين،كالعلامة النوري والعلامة المجلسي أعلى الله مقاماتهم،وطيب ثراهم، أوردوا في مجامعهم الروائية جملة من أسماء من نالوا شرف رؤية الإمام،وذكروا جملة من الأحداث والأخبار والقصص الحقة التي وقعت في عصر الغيبة الكبرى الدالة على إمكان وقوع الرؤية مع الجهل بشخص الإمام علیه السلام في الحال ،والمعرفة المتأخرة الحاصلة بعد غيابه عن الأنظار،وخصوا لذلك بابا أو فصلا من أبواب كتبهم أو فصولها،وهذا القسم تقدم منا أنه خارج بالتخصيص إذ لم يقل أحد باستحالته، ووقوعه في غاية الإمكان،إن كانت خاضعة لقواعد الرواية والاخبار من توثيق الراوي والرائي أو عدالتها، وعدم شمول الحكاية على ما ينافي ضرورة من ضرورات المذهب أو الدين أو حکما شرعيا أو عقليا أو عقلائيا أمضاه الشارع المقدس أو مخالفا لقواعد الأخلاق والقوانين والآداب وأمثال ذلك، ولا تشتمل على مفسدة اجتماعية أو أخلاقية وغير ذلك،نذكر بعضا منها على سبيل المثال:

ص: 384

1-حكاية أمير إسحاق الاسترابادي.(1)

2- حكاية رجل من أهل کاشان.(2)

3- حكاية أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري ومحمد بن القاسم العلوي(3)

4-محمد بن الحسن بن عبدالله التميمي عن أبيه،فالحكاية للحسن بن عبدالله التميمي. (4)

هذه بعض الأمثلة التي اكتفينا بسردها هنا رعاية للاختصار، وشاهدا على الدعوى،ولهذا قال شيخ الطائفة:«وأما ما روي من الأخبار المتضمنة لمن رآه علیه السلام وهو لا يعرفه ، أو عرفه فيما بعد،فأكثر من أن تحصى...»(5)

أماأدلة النانين:

وقد شرعنا في البحث هنا بذكر أدلة النافين.

ص: 385


1- بحار الأنوار:52/175
2- بحار الأنوار:52/176.
3- بحارالأنوار:52/6
4- بحارالأنوار:52/14.
5- الغيبة/ الطوسي: 253.

ذهب جمع غفير من الأعلام والمحققين إلى امتناع الاتصال بالإمام الحجة صلوات الله عليه مطلقا،لا بطريق الرؤية ولا اللقاء ولا الحضور ولا المشاهدة،وقالوا بوجوب تکذیب مدعي ذلك مطلقة،أيا كان وبأي نحو يكون،وهم:

1-محمد بن إبراهيم النعماني طيب الله ثراه،من علماء القرن الرابع الهجري ومؤلف كتاب الغيبة(1).

قال رحمه الله- بعد أن ساق جملة من روايات الغيبة:«هذه الروايات التي قد جاءت متواترة تشهد بصحة الغيبة وباختفاء العلم،والمراد بالعلم الحجة للعالم،وهي مشتملة على أمر الأئمة علیهم السلام للشيعة بأن يكونوا فيها على ما كانوا عليه،لا يزولون ولا ينتقلون،بل يثبتون ولا يتحولون،ويكونون متوقعين لما وعدوا به ، وهم معذورون في أن لا يعرفوه بعينه واسمه ونسبه، ومحظور عليهم الفحص والكشف عن صاحب الغيبة والمطالبة باسمه أو موضعه أو غيابه أو الإشادة بذكره، فضلا عن المطالبة بمعاينته، وقال لنا:«إياكم والتنويه، وكونوا على ما أنتم عليه، وإياكم والشك ، فأهل الجهل الذين لا علم لهم بما أتى عن الصادقين علیهم السلام من هذه الروايات الواردة للغيبة وصاحبها

ص: 386


1- الغيبة / النعماني: 160.

يطالبون بالإرشاد إلى شخصه والدلالة على موضعه ، يقترحون إظهاره لهم،وينكرون غيبته ؛لأنهم بمعزل عن العلم.

وأهل المعرفة مسلمون لما أمروا به،ممتثلون له، صابرون على ما ندبوا إلى الصبر عليه.وقد أوقفهم العلم والفقه مواقف الرضا عن الله ، والتصديق لأولياء الله،والامتثال لأمرهم،والانتهاء عم نهوا عنه،حذرون ما حذر الله في كتابه من مخالفة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة الذين هم في وجوب الطاعة بمنزلته لقوله:« فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(1)،ولقوله:« وَأَطِیعُواْ اللَّهَ وَأَطِیعُواْ الرَّسُوَل وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّیْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَغُ الْمُبِینُ«(2)

وفي قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل - حديث عبدالله بن سنان:«كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدئ، ولا علمأ يرى »،دلالة على ما جرى،وشهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الإمام علیه السلام وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم،وانقطاع نظامهم؛لأن السفير بين الإمام حال غیبته وبين شيعته

ص: 387


1- سورة النور:الآية 63.
2- سورة المائدة:الآية:92.

هو العلم،فلا تمت المحنة على الخلق ارتفعت الأعلام،ولا ترى حتى يظهر صاحب الحق علیه السلام،ووقعت الحيرة التي ذكرت ...الخ) (1).

2-الفيض الكاشاني قدس الله روحه في كتابه الوافي (2).

3-الشيخ الأكبر كاشف الغطاء طيب الله ثراه،في رسالة الحق المبين.(3)

4-الشيخ المفيد أعلى الله مقامه الشريف الذي خص ذلك كله بخدام الإمام علیه السلام (4)قال الشيخ المفيد قدس الله روحه:

«فأما بعد انقراض من سميناه من أصحاب أبيه وأصحابه علیهما السلام، فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد علیهم السلام متناصرة بأنه:لابد للقائم المنتظر من غيبتين،إحداهما أطول من الٱخرى،يعرف خبره الخاص في القصوى،ولا يعرف العام له مستقرا في الطولى،إلا من تولى خدمته من ثقاة أوليائه ،ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره»(5)

ص: 388


1- الغيبة/النعمانی:160
2- الوافي: 2/ 416.414
3- الحق المبين: 87.
4- المسائل العشرة في الغيبة: 92.الرسالة الٱولى في الغيبة:12
5- الفصول العشرة: 82.

وقد استدلوا بروايات كثيرة دالة على هذا المعنى نستعرضهاجميعا،وهي على أربعة أصناف:

1-التواقيع،كتوقيعه علیه السلام لعلي بن محمد السمري رضوان الله عليه.

2-الروايات الدالة على عدم معرفة الناس به علیه السلام وخفائه عليهم.

3-الروايات الدالة على عدم رؤية الناس له علیه السلام في موسم

الحج وعدم ظهوره لهم،أو عدم معرفتهم له وهم يرونه.

4-الروايات الدالة على امتحان الشيعة واختبارهم وغربلتهم في زمن الغيبة

ص: 389

ص: 390

الدرس الثلاثون: اللقاءبالإمام المنتظر عجل الله تعالی فرجه-4

بسم الله الرحمن الرحیم

1-التوقيع الشریف

أهم الأدلة القائمة على نفي المشاهدة في الغيبة الكبرى وأبرزها وأصحها سندا هو التوقيع الذي خرج من الناحية المقدسة على السفير الرابع من النواب الأربعة وهو علي بن محمد السمري رضي الله تعالى عنه.وقد رواه أكثر علمائنا في كتبهم الروائية كالشيخ الصدوق (1)،وشيخ الطائفة الطوسي(2)،وأمين الإسلام الطبرسي (3) ،والسيد

ص: 391


1- کمال الدین:516
2- الغیبة/الطوسی:395
3- إعلام آلوری بأعلام الهدی:417.الاحتجاج:2/478.

ابن طاووس (1)،والأربلی(2)،،والعلامة المجلسي(3)53والفيض الكاشاني(4)،والقطب الراوندی (5)،والحر العاملي (6)،أبو منصور الطبرسي(7) ،وغيرهم،وجميعهم نقل الرواية عن الشيخ الصدوق في كمال الدين.وهذا نص ما أورده الشيخ أعلى الله مقامه: حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب.

«بسم الله الرحمن الرحيم

يا علي بن محمد السمري... إلى قوله:فاجمع أمرك،ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك،فقد وقعت الغيبة التامة،فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره،وذلك بعد طول الأمد،وقسوة القلوب،وامتلاء الأرض جورا،وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة،ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني

ص: 392


1- مجمع الرجال/القهيائي:7/189،نقلا عن ربيع الشيعة/ابن طاووس.
2- کشف الغمة:3/320.
3- بحار الأنوار:51/361.مرآة العقول: 4/
4- نوادرالأخبار:233.
5- الخرائج والجرائح: 3/1128،الحديث 46.
6- إثبات الهداة: 3/693،الحديث 112.
7- الاحتجاج: 2/478.

والصيحة فهو كاذب مفتر... الخ»(1)

وفي غيبة الطوسي رحمه الله:« فهو كذاب مفتر»(2)

فيستفاد من هذا التوقيع ٱمور:

1-انقطاع السفارة والنيابة الخاصة بموت السمري.

2- تكذیب كل من يدعي السفارة والنيابة الخاصة بعد ذلك إلى ظهوره علیه السلام.ولهذا كان من دأب علماء الطائفة في تلك العصور تکذیب كل من ادعى السفارة حينذاك،فقد ذكر الشيخ الطوسي قدست روحه القدسية نقلا عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولویه رضی الله عنه و أنه قال في الرد على أبي بكر البغدادي حين ادعى السفارة:

«لأن عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السمري فهو كافرمنمس ضال مضل» (3)

وعليه،فالظاهر أن سائر ما ورد في تتمة التوقيع الشریف لايتعلق بأمرالسفارة والنيابة الخاصة؛ذلك أن ختم النيابة والسفارة

ص: 393


1- كمال الدين: 516،وقد أعرضنا عن نقله بكامله واكتفينا بإيراد الشاهد منه لأنا أوردناه مفصلا في الحلقة الأولى من هذه الحلقات،وعنداستعراضنا لتوقيعاته علیه السلام في هذه الحلقة.
2- الغيبة/الشيخ الطوسی:395.
3- الغيبة/الشيخ 412.بحار الأنوار:51/377

ثبت في صدر هذا التوقيع، أعني قوله علیه السلام:«ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك»،فلا علاقة لما سيأتي بأمر النيابة الخاصة،وهي ٱمور.

3-أن كل من ادعى أو يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني

والصيحة السماوية فهو«كذاب مفتر»،وعليه فيجب تكذيبه .

4-أن المدعي أعم ممن كان يطمئن إلى صدق ادعائه،أو كان كاذبا في ما يتعيه،أو التبس عليه الأمر فتوهم ذلك حقا،فسواء كان محقا في دعواه بالأدلة والبراهين أو كان كاذبا أو متوهما وجب تكذيبه ورد دعواه إليه،بعدم الاكتراث إليه ولا ترتيب الأثر على مزاعمه وتقولاته.أو تصديقه في الصورة الٱولى وتكذيبه إذا ادعى المشاهدة من غير دلیل ساطع وبرهان قاطع.

نقاش في التوقيع الشریف

لعل أول من أشكل على هذا التوقيع الشريف وطعن فيه دلالة وسندة هو المحلات النوري خاتمة المحدثين طيب الله ثراه، وتبعه في ذلك جميع غفير ممن عاصروه أو تخلفوا وتأخروا عنه،قال رحمه الله في كتابه جنة المأوى :

«إنه خبر واحد مرسل،غير موجب علما، فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها،بل ومن بعضها

ص: 394

المتضمن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها من غيره علیه السلام، فكيف يجوز الإعراض عنها لوجود خبر ضعیف لم يعمل به ناقله وهو الشيخ في الكتاب المذكور كما يأتي كلامه فيه،فكيف بغيره، والعلماء الأعلام تلقوها بالقبول وذكروها في زبرهم وتصانيفهم معولين عليها معتنين بها(1)

وقد أعادها بتفصيل أكبر في كتابه النجم الثاقب(2)

وقال رحمه الله في موضع آخر بعد أن أورد تسعا وخمسين حكاية،ثم ساق التوقيع الشريف في الفائدة الٱولى من أصل فائدتين مهمتين:«وهذا الخبر بظاهره ينافي الحكايات السابقة وغيرها مما هو مذكور في البحار،والجواب عنه من وجوه:

الأول:أنه خبر واحد مرسل غير موجب علما، فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها ، بل وبعضها المتضمن لكرامات ومفاخر لايمكن صدورها من غيره علیه السلام،فكيف يجوز الإعراض عنها لوجود خبر ضعیف لم يعمل به ناقله،وهو الشيخ في الكتاب المذكور،كما يأتي كلامه فيه،فكيف بغيره؟

ص: 395


1- جنة المأوى المطبوع في بحار الأنوار:53/318
2- النجم الثاقب: 484. بحار الأنوار:53/325-318.

والعلماء الأعلام تلقوها بالقبول-أي هذه القصص والحكايات - وذكروها في زبرهم وتصانيفهم معولين عليها،معتنين بها.

الثاني:ما ذكره في البحار بعدذكر الخبر المزبور ما لفظه:لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة، وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء...

الثالث:ما يظهر من قصة الجزيرة الخضراء،قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل المازندراني:فقلت للسيد شمس الدین محمد،وهوالعقب السادس من أولاده علیه السلام:يا سيدي ، قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر علیه السلام عنه أنه قال لما أمر بالغيبة الكبرى:«من رآني بعد غيبتي فقد كذب»، فكيف فيكم من يراه؟!فقال: صدقت إنه علیه السلام إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بیته،وغيرهم من فراعنة بني العباس، حتى أن الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء،وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم.

وعلق على ذلك قائلا:«وهذا الوجه كما ترى يجري في كثير

من بلاد أوليائه علیهم السلام ».

الرابع:ما ذكره العلامة السيد بحر العلوم الطباطبائي أعلى الله مقامه في رجاله في ترجمة الشيخ المفيد بعد ذكر التوقيعات المشهورة

ص: 396

الصادرة منه علیه السلام في حقه ما لفظه:«وقد يشكل أمر هذاالتوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى،مع جهالة المبلغ ودعواه المشاهدة المنافية بعد الغيبة الصغرى ،ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن، واشتمال التوقيع على الملاحم ،والإخبار عن الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله وأولياؤه، بإظهاره لهم ، وأن المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام علیه السلام ويعلم أنه الحجة علیه السلام حال مشاهدته له ،ولم يعلم من المبلغ ادعاؤه لذلك.

وقال رحمه الله في فوائده - في مسألة الإجماع بعد اشتراط دخول كل من لا نعرفه-:«وربما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام علیه السلام بعينه على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدة الغيبة،فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه لا فيبرزه في صورة الإجماع،جمعا بين الأمر بإظهار الحق والنهي عن إذاعة مثله بقول مطلق»،انتهى.

قال:ويمكن أن يكون نظره في هذا الكلام إلى الوجه الآتي.

الخامس: ما ذكره رحمه الله فيه أيضا بقوله:«وقد يمنع أيضا امتناعه في شأن الخواص وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار،ودلالة بعض الآثار.

وعلق عليه بقوله:«ولعل مراده بالآثار،الوقائع المذكورة هنا

ص: 397

وفي البحار،أو خصوص ما رواه الكليني في الكافي والنعماني في غيبته والشيخ في غيبته بأسانيدهم المعتبرة عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال:

«لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة،ولا بد له في غيبته من عزلة،وما بثلاثين من وحشة(1).

ثم قال:«وظاهر الخبر کماصرح به شراح غيبة الطوسي:أنه علیه السلام يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته،وقيل:إن المراد أنه على هيئة من سنة ثلاثون أبدا،وما في هذاالسن وحشة،وهذاالمعني بمكان من البعد والغرابة.

وهذه الثلاثون الذين يستأنس بهم الإمام علیه السلام في غيبته لابد أن يتبادلوا في كل قرين إذ لم يقدر لهم من العمر ما قدر لسيدهم علیه السلام،ففي كل عصر يوجد ثلاثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه.

واستمر قائلا:

وفي خبر علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي المروي في إكمال الدين وغيبة الشيخ ومسند فاطمة علیهما السلام لأبي جعفر محمد بن جریر الطبري،وفي لفظ الأخير:أنه قال له الفتى الذي لقيه عند باب

ص: 398


1- الكافي:1/340.الغيبة/النعماني:99.الغيبة/ الطوسي:111. بحار الأنوار:52/153-157.

الكعبة وأوصله إلى الإمام علیه السلام:ما الذي تريد يا أبا الحسن؟ قال:الإمام المحجوب عن العالم ،قال:ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه سوء أعمالكم»(1)

قال رحمه الله:وفيه إشارة إلى أن من ليس له عمل سوء فلاشيء يحجبه عن إمامه علیه السلام،وهو من الأوتاد أو من الأبدال،في الكلام المتقدم عن الكفعمي رحمه الله.

وقال المحقق الكاظمي في أقسام الإجماع الذي استخرجه من مطاوي كلمات العلماءو فحاوی عباراتهم،غير الإجماع المصطلح المعروف:وثالثها- أن يحصل لأحد من سفراء الإمام الغائب عجل الله فرجه،وصلى الله عليه،العلم بقوله إما بنقل مثله له سرا،أو بتوقيع أو مکاتبة،أو بالسماع منه شفاها،على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في زمن الغيبة ،ويحصل ذلك لبعض حملة أسرارهم،ولا يمكنهم التصريح بمااطلع عليه،والإعلان بنسبة القول إليه،والاتكال في إبراز المدعى على غير الإجماع من الأدلة الشرعية لفقدها.

وحينئذ فيجوز له إذا لم يكن مأمورا بالإخفاء،أو كان مأمورا بالإظهار لا على وجه الإفشاء أن يبرزه لغيره في مقام الاحتجاج

ص: 399


1- بحار الأنوار:52/9و32.

بصورة الإجماع خوفا من الضياع وجمعا بين امتثال الأمر بإظهار الحق بقدر الإمكان، وامتثال النهي عن إذاعة مثله لغير أهله من أبناء الزمان ، ولا ريب في كونه حجة،أما لنفسه فلعلمه بقول الإمام علیه السلام،وأما لغيره فلکشفه عن قول الإمام علیه السلام أيضا...الخ.

السادس:أن يكون المخفي على الأنام والمحجوب عنهم مكانه علیه السلام ومستقره الذي يقيم فيه ، فلا يصل إليه أحد، ولا يعرفه غيره حتى ولده،فلا ينافي لقاءه ومشاهدته في الأماكن والمقامات التي قد مر ذكر بعضها،وظهوره عندالمضطر المستغيث به الملتجئ إليه الذي انقطعت عنه الأسباب،وٱغلقت دونه الأبواب ...الخ.

ثم استشهد برواية المفضل بن عمر،قال:«سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول:إن لصاحب هذاالأمر غيبتين...»إلى قوله علیه السلام:«لا يطلع على موضعه أحد من ولده،ولا غيره إلا الذي يلي أمره»(1).

ورواية إسحاق بن عمار ، قال أبو عبدالله علیه السلام:«للقائم غیبتان ،إحداهما قصيرة والٱخرى طويلة،الغيبة الٱولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته،والٱخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاضة مواليه. (2)

ص: 400


1- الغيبة / الطوسي: 111.الغيبة / النعماني : 89. بحارالأنوار:52/153.الكافي :1/340.
2- الغيبة/النعماني: 89.

ثم قال رحمه الله تعالى:«وليس في تلك القصص ما يدل على أن أحدة لقيه علیه السلام في مقر سلطنته،ومحل إقامته،ثم لا يخفى على الجائس في خلال ديار الأخبار أنه علیه السلام ظهر في الغيبة الصغرى لغير خاضته ومواليه أيضا،فالذي انفرد به الخواص في الصغرى هو العلم بمستقره،وعض حوائجهم عليه علیه السلام فيه،فهو المنفي عنهم في الكبرى،فحالهم وحال غيرهم فيها كغير الخواصفي الصغرى ،والله العالم.

وهكذا تطرق لها صاحب منتخب الأثر على نحو آخر:(1)

والحاصل أنهم أوردوا على التوقيع الشريف إشكالات أربعه:

1-التوقيع خبر واحد لا يصح الاعتاد عليه.

2-خبر مرسل وضعيف لا يوجب علما.

3-الذي نقله وهو شيخ الطائفة الطوسي قدس الله نفسه لم يعمل به.

4-أعرض عنه الأصحاب؛لأنهم رووا ونقلوا أخبارا وقصصاو حکایات كثيرة عن الأخيار والصلحاء متن نالوا شرف لقائه علیه السلام.

ص: 401


1- منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر/آية الله الصافي الگلپایگاني:400.

الرد على المحدث النوري قدس سره وأتباعه:

ويرد على الإشكال الأول وهو الإشكال السندي أن التوقيع ليس مرسلا ولا ضعيفا،بل هو خبر واحد ينتهي إلى أبي محمد المكتب رضی الله عنه و مما ثبتت حجيته في مباحث الأصول، وأمكن الاستناد إليه، والاعتمادعليه،ولا معنى للخدش فيه،ولم يختلف علماء الٱصول-سیما المتأخرين ومتأخري المتأخرين إلى يومنا هذا- في حجيته، كما لم ينكر حجيته من المتقدمين سوى السيد المرتضی علم الهدی طیب الله ثراه،فهو حجة بلا أدنى شك ولا شبهة،ولعل المحدث النوري رحمه الله ظن أن الشيخ الطوسي قدس الله روحه قد تفرد بنقل التوقيع،ولهذا عده مرسلا ضعيفا أيضا.

والذي ثبت بالقطع واليقين أن التوقيع السالف الذكر مسند لیس بمرسل؛ذلك أن الشيخ الصدوق نور الله ضريحه قام بنقله عن سماع بالمباشرة عن الشيخ أبي محمد المكتب رحمه الله من غير إرسال،وأبو محمد هذا من مشايخ الصدوق عليه الرحمة،واستنسخه أبو محمد عن الأصل في دار السمري الذي خرج إليه التوقيع من الناحية المقدسة وكان هو المعني بها،فالصدوق رحمه الله نقله بواسطة واحدة لأنه لم يدرك السمري رضی الله عنه؛إذ كانت وفاة الشيخ الصدوق في العام 381 للهجرة بينما كانت وفاة السمري في عام 329 هجرية .

ص: 402

ولكن من هو أبو محمد المكتب مستنسخ هذا التوقيع وراويه؟

أورد القهيائي في خاتمة مجمع الرجال فوائد عدة، وقد ذكر في الفائدة الثانية، نقلا عن كتاب ربيع الشيعة للسيد ابن طاووس رحمه الله تعالى أسماء سفراء الإمام المهدي عجل الله فرجه ونوابه الأربعة،ثم عرج في الختام على التوقيع الشريف المروي عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب مما يدل بوضوح تلقي ابن طاووس لذلك التوقيع بالقبول والاعتماد،وكتب في حاشية كتابه مجمع الرجال:

«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب جاء في مشيخة

الفقيه».(1)

وذهب بذلك إلى احتمال كونه الحسين بن إبراهيم بن أحمد المكب بدلا من الحسن بن أحمد المكتب على ما في بعض المصادر،فهو من مشايخ الصدوق، وهو معتمد قطعا، وعليه فيكون التحقيق حول أبي محمد هذا على النحو التالي:

توهم بعضهم بناء على حاشية القهپائي أن الحسين بن إبراهيم هو جد أبي محمد المكتب ، حيث جعلوا التوقيع من مرويات أبي محمد

ص: 403


1- مجمع الرجال :7/190.

الحسن بن أحمد بن الحسن بن إبراهيم(1)،وهو ليس بشيء؛ذلك أن القهپائی رحمه الله احتمال کون الحسن بن أحمد هو الحسين بن إبراهيم الذي عد في مشيخة الفقيه من مشايخ الصدوق عليه الرحمة؛لاحتمال وقوع التصحيف والخطأ عند نقل التوقيع وتدوينه من قبل الكتاب ما أبدل الحسين حسنا.

غير أن المتأمل في كتب:الخصال،ومعاني الأخبار، وعيون الأخبار،و علل الشرائع ،وكمال الدين،وأمالي الصدوق ،ومشيخة الفقيه بعد الفحص والتدقيق يكاد يقطع بأن الحسن والحسين هنا شخص واحد ليسا متعددين،والحسين هو الحسن بعينه،وإنما حدث التصحيف بخطأ من الكتاب، وهذا ما نوافق فيه صاحب فوائد الرجال،بيد أنا نخالفه في زعمه تعدد المذكورين، فليس هناك شخصان أحدهما الحسن والآخر الحسين،بل شخص واحد کتب تارة هكذاوٱخرى هكذا.

دليل ذلك:

1-أن الشيخ الصدوق رحمه الله روي في كمال الدين عن أبي محمد الحسين بن إبراهيم بلا واسطة في موارد ثلاثة:

ص: 404


1- مجمع الرجال :2/507.

أولها:التوقيع الشريف. (1)

ثانيها:الحديث الذي رواه قبل التوقيع الشريف،وهو. (2)

«اللهم عرفنی نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك كم أغرف نبيك...»

وحينئذ يبدو التصحيف جليا" بتبديل لفظة الحسين حسنا في التوقيع الشريف الذي يتلو هذه الرواية .

ثالثها:التوقيع الآخر الذي صدر لأبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي الكوفي حيث ٱبدلت لفظة المكتب بالمؤدب ،وهو على ما يبدو لقبه الآخر الذي سيأتي في محله إن شاء الله تعالى،والتوقيع المزبور هو:

«49-...قالوا:حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي ...إلى قولهم:عن أبي جعفر محمد بن عثمان في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان علیه السلام:أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ...الخ»(3)

ص: 405


1- کمال الدین:516
2- کمال الدین:512.
3- کمال الدین:520

لايخفى على المتأمل في مرويات الشيخ الصدوق عن الحسين بن إبراهيم أن أكثرها مروي عن محمد بن أحمد الشيباني،وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق،والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب،وعلي بن عبدالله الوراق رضی الله عنهم،بالإضافة إلى محمد بن أحمد السناني، وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ممتا يشعر بإقامتها مدينتي الري وقم المقدسة.

2-كما أن الشيخ الصدوق روى في علل الشرائع عن الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب في ثمانية مواضع، وأضاف إليه نسبة الرازي في موضعين(1)،ويشترك معه في النقل والرواية عادة كل من ذكرناهم سلفاعدي محمد بن أحمد الشيباني،وهم يروون عن ثلاثة:

1-علي بن إبراهيم بن هاشم (في أربعة مواضع)(2)

2-أبي العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان (في موضع واحد)(3)

3-محمد بن أبي عبدالله الأسدي الكوفي (في موارد ثلاثة)(4)

ص: 406


1- علل الشرائع:403،69
2- علل الشرائع:403،240،132،69.
3- علل الشرائع:175
4- علل الشرائع:405،131،68

وقد روى الصدوق عليه الرحمة تسعة أحاديث في الخصال بالترتیب ذاته عن أولئك الرواة،جاء في أحدها:«حدثنا علي بن إبراهيم سنة 307...» (1)،وفي بعضها عبر عنه بلفظ:«المكتب،»(2)وفي بعضها الآخر بلقب «المؤدب »(3)،وقد علق عليها في الحاشية أن كلا اللقبين «المكتب والمؤدب» يرجعان إلى شخص واحد والمراد منها واحد.

3-وفي معاني الأخبار روی عنهم في مواضع خمسة،ورد في أحد المواضع-طبقا للمطبوعة- باسم الحسن بن إبراهيم بن أحمد بن المؤدب(4)،وجاء في الثاني مكنى بأبي عبدالله، وذکر جد أبيه هاشما دون هشام المعروف(5)وفي ثلاثة موارد عنون بهشام المكتب(6)وفي موضعين جاء بعنوان «المؤدب »(7)

ص: 407


1- الخصال:451
2- الخصال:543-451-330-314.
3- الخصال:650-652-603-572-451.
4- الخصال:345
5- الخصال:387
6- الخصال:387-250-291.
7- الخصال:285-345

ص: 408

الدرس الحادي والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه- 5

بسم الله الرحمن الرحیم

أما المرحوم المحقق والفقيه المدقق الإمام السيد أبو القاسم الخوئي أعلى الله مقامه الشريف فقد أشار إلى الموضع الذي ذكر فيه الحسن بن إبراهيم بن أحمد بن المؤدب ،على أنه من مشايخ الصدوق عليه الرحمة في معاني الأخبار (1)،ولم يتعرض لتصحيح السند ، ثم كتب في الصفحة التالية منه في ذيل الحسن بن إبراهيم بن هاشم

:«من مشايخ الصدوق قدس سره،ذكره الشيخ النوري قدس سره فی المستدرك،ولم نجده في كتبه».(2)

ص: 409


1- معجم رجال الحدیث:5/295.
2- معجم رجال الحدیث:5/260

وإن ذكر في بعض أحاديث معاني الأخبار باسم هاشم بدل هشام ،وهكذا في عيون أخبار الرضا علیه السلام،كما أسلفناه. لعل ما ذكرناه من الاختلاف في النسخ هو الذي أدخل الالتباس على المحدث النوري ليحسب الحسن بن إبراهيم بن هاشم من مشايخ الصدوق،وأوقعه في هذا الاشتباه إذ لم يرد لفظ أحمد أيضا في تلك النسخة،لا سيما إذا لاحظنا أن المحدث النوري طاب ثراه قد ارتكب خطأ فاحشا حين نقل في سند التوقيع بلفظ«المؤن»بدل «المؤدب)(1)

4-وروى الشيخ الصدوق رحمه الله سبعة عشر حديثا في عيون أخبار الرضاعلیه السلام،عن أبي محمد الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب بنفس تلك السلسلة من أصحابه ،وهم في العادة يروون عن علي بن إبراهيم،أو أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي الكوفي ،إلا في مورد واحد عن محمد بن يعقوب الكليني مع محمد بن موسى المتوكل،ومحمد بن محمد بن عصام الكليني،وعلي بن عبد الوراق،وعلي بن أحمد بن محمد بن عمر الدقاق حيث ذكر فيه بأبي محمد الحسن بن أحمد المؤدب(2)

ص: 410


1- مستدرك الوسائل:3/657
2- عیون أخبار الرضا علیه السلام:2/174.

وجاء في أحد هذه الموارد باسم الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم االمكتب،وأما في سائر الموارد ذکر باسم هاشم المكتب(1) أو هشام المؤدب (2)وفي بعض الموارد باسم الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب (3)،وأخيرا في موضع واحد جرى ذكره باسم الحسين بن إبراهيم بن هشام المكتب،والحاصل أن الراوي في جميع هذه الموارد واحد ليس إلا،ولا عبرة بما وقع من الاختلاف والتصحيف في نقل اسم الراوي.

5-وروى عنه الصدوق رحمه الله ،أيضا في أحد عشر موضعا من الأمالي ، ففي ثلاثة موارد منه باسم الحسين بن إبراهيم (4)وفي مورد أضاف إليه المؤدب (5)،وفي مورد آخر باسم الحسين بن أحمد(6)

ص: 411


1- عیون أخبار الرضا علیه السلام:2/230
2- عیون أخبار الرضا: 2/ 24، 174، 214، 230، 237، 259،255، 262، 259، 263، 272.:1/72، 120، 141 ،192 ،277.
3- عیون أخبا. اارضا علیه السلام:1/141و2/24
4- عیون أخبار الرضا علیه السلام:2/ 259
5- أمالي الصدوق: 60، 68، 123.
6- أمالي الصدوق: 38.

المؤدب(1)،وفي سائر الموارد بإضافةأحمد بن هشام المؤدب. (2)

6-وجاء الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب في مشيخة الفقيه في طريق الصدوق إلى محمد بن سنان(3)، ومحمد بن جعفر الأسدي ، ومحمد بن إسماعيل(4)،وهكذا جاء في الطريق إلى محمد بن قاسم بن فضيل وريان بن الصلت وأبي ثمامة (5)باسم الحسين بن إبراهيم ، وعرفه الإمام الخوئي طيب الله ثراه بأنه ابن هشام المكتب ذاته(6)، كما روى عنه شيخ الطائفة الطوسي قدس سره في التهذيب في باب الزيارة الجامعة لسائر الشهداء ملقبا إياه بالكاتب عوضا عن المكتب،وسماه الحسين بن إبراهيم بن أحمد الكاتب.(7)

النتيجة:

بناء على ما تقدم لا يبقى سوى القول الفصل بأن راوي التوقيع

ص: 412


1- أمالي الصدوق: 243.
2- أمالي الصدوق: 409، 552، 583، 657، 670.
3- من لا يحضره الفقيه:4/422، مستدرك الوسائل: 3/ 660.
4- من لا يحضره الفقيه:4/476.مستدرك الوسائل:3/657.
5- من لا يحضره الفقيه: 4/91، 19، 132.
6- معجم رجال الحديث : 5/173.
7- تهذیب الأحکام: 6/95

الشريف هو أبو محمد الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب المؤدب الرازي.والمكتب يعني الخطاط ومعلم الكتابة ، وهو يناسب ادعائه استنساخ التوقيع في دار علي بن محمد السمري خاتم السفراء رضی الله عنه، كان معاصرا لعلي بن عبدالله الوراق،ومحمد بن أحمد السناني بمدينة الري الشهيرة يشتغلون جميعا بالكتابة والرواية عن مشايخ الشيعة(1)،والمؤدب أي مربي القرآن ومعلمه ، وقد اشتهر عنه أنه كان كاتبا خطاطأ، معلما للقرآن ، ومربيا للصبیان ، فكل هذه الألقاب والأوصاف تناسب الشخص المزبور.

فممن روى عنهم أبو محمد هذا:

1-أبو علي محمد بن همام،ببغداد.

2-محمد بن يعقوب الكليني.

3-أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي، بمدينة الري.

4-علي بن إبراهيم بن هاشم،بمدينة قم ،الذي روى عنهعام 307ه.

5- أحمد بن يحيى بن زكريا القطان.

ص: 413


1- أمالي الصدوق:15.

ثم إن أبا محمد الحسين بن إبراهيم(1)،كان بالري ملازما لأبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي المتوفی 312ه،وكان ممدوحا مقربا لدى السفراء،يبدو أنه رحل إلى بغداد أملا في لقاء الحجة صلوات الله عليه حيث نزل عند أحد أكابر الشيعة،وهو أبو علي محمد بن همام المتوقى 336ه الذي علمه دعاء كان هذا الأخير قد تعلمه من العمري رضی الله عنه_أحد سفراء الإمام علیه السلام - وهو:

««اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبیك.اللهم عرفنی نبیك فإنك إن لم تعرفني نبیك كم أعرف حجتك.اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفنی ضللت عن ديني...»(2)

ثم إنه ذهب للقاء السمري رضی الله عنه ولازمه حتى ورد التوقيع الشريف قبل وفاة السمري بستة أيام،ولما كان المترجم له _أعني الحسين المكتب - خطاطا وكاتبا ماهرا تواقا إلى نقل آثار أهل البيت علیهم السلام أخذ التوقيع الشريف واستنسخه من على الأصل حتى عاد بعد ذلك.

ص: 414


1- الغيبة/الشيخ الطوسي:417.
2- کمال الدین:512

إلى الري ورواه للشيخ الصدوق،ورواه الصدوق عنه،وإن لم يسلم ذلك التوقيع من تصحيف الكتاب وخطأ المصنفین بعد ذلك .

وهذا ابن حجر العسقلاني قد ذكره باسم الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب،قال في لسان المیزان:

«الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب روي عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي وغيره،وقال علي بن الحكم من مشايخ الشيعة كان مقيمابقم،وله كتاب في الفرائض أجاد فيه،وأخذ عنه أبو جعفر بن علي بن بابویه،وكان يعظمه».(1)

وكيف كان فليس الخبر واحدا ضعيفا ولا مرسلا،بل الحق أنه خبر واحد مسند بسند صحيح أو مقبول أو معتبر لرواية الصدوق له عن مشايخه المعتمدين وما قيل خلاف ذلك فليس بشيء،سيما إذا علمنا أن الطاعنين في سنده بعد ما ذكرناه من اللبس الواقع عليهم إنما أثاروا ضعف السند وإرساله لغرض إثبات تلك القصص والحكايات الصادقة التي لا يطروها شك ولا شبهة - على حد زعمهم - والتصديق بها،إلا أنه كان الأحرى بهم أن يبحثوا عن مخرج آخر للجمع بين التوقيع الشريف وتلك الوقائع والدعاوى الصادقة.

ص: 415


1- لسان المیزان : 2/271

من غير حاجة أو توسل إلى إنكار المروي والإعراض عنه،لا سيما أن ذلك يعد من معاجز الإمام وكراماته عليه الصلاة والسلام؛إذ أخبره عن تأريخ وفاته، وإنكاره يستلزم إنكارا لمعجزة مسلمة،وهو إذن قبيح من وجهين وجهتين ،ولهذا أورده المحدث المعظم الحر العاملي طاب ثراه في باب معجزاته علیه السلام(1)

وأما ادعاء القوم-المحدث النوري على وجه الخصوص - بأن الشيخ الطوسي رحمه الله أعرض عنه ولم يعمل به ، فإنه لا يوافق الواقع، بل يجانب الحقيقة بوضوح ، فإنهم طرحوا هذا الإشكال بوجهين:

الأول:أن الشيخ أعلى الله مقامه أعرض عنه ونقضه ورده حين بادر إلى نقل تلك الحكايات والقصص الصادقة الدالة على إمكان المشاهدة بل وقوعها. (2)

ويرد عليه أن بملاحظة تلك الوقائع والرجوع إليها في كتاب الغيبة يتضح للمتأمل جليا أن تلك الأحداث والقصص إنما تختص بزمن الغيبة الصغرى،ولا علاقة لها بالغيبة الكبرى،والحال أن التوقيع الشريف ناظر إلى زمن الغيبة الكبرى وبالتالي فما قصد لم يقع

ص: 416


1- إثبات الهداة:3/693.
2- الكافي: 1/431.

وما وقع لم يقصد؛إذ لم يدع أحد امتناع المشاهدة في عصر الغيبة الصغرى،بل لم يناقش أحد في إمكانها ؛ذلك أن جملة منها ترتبط بمشاهدته أو لقائه ورؤيته حال صغره علیه السلام ،وعلى عهد أبيه العسكري علیه السلام،وذكر تواريخ بعض تلك الوقائع التي وقعت عام 264ه،293ه،306ه، 309ه (1)کما أن القسم الأخير منها يدل على وقوعها في الغيبة الصغرى بمعاضدة القرائن والشواهد المحيطة بها،فلا وجه لما أورده المحدث النوري طاب ثراه ولا صاحب منتخب الأثر دام عزه في هذا المجال،على أنه لا علاقة لجملة منها المشاهدة، بل هي من قبيل الرؤية مع جهل الرائي له في الحال، وهو خارج عنا نحن بصدد البحث فيه نفياوإثباتا.

الثاني:زعموا أن الشيخ أعلى الله مقامه صرح في الغيبة بإمكان المشاهدة في زمن الغيبة الكبرى قائلا.

«والذي ينبغي أن يجاب عن السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن نقول: إناأولا:لانقطع عن استتاره عن جميع أوليائه،بل يجوز أن يظهر لأكثرهم،ولا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه ، فإن كان

ص: 417


1- الغيبة/الشيخ الطوسي:253، 227، 224، 223، 225، 230،229،231 ،231 ،232.

ظاهراً له فعلته مزاحة.. الخ» (1)

ويجاب عنه:أن الشيخ رحمه الله إنما ذكر ذلك في مقام بیان احتمال المشاهدة للرد على المخالفين، وسنوضح ذلك في محله إن شاء الله تعالى ، على أنه ذكر التوقيع الشريف في الأبواب التالية بعد قوله السالف الذكر لتكذیب دعاة المشاهدة، وبيان عدم المنافاة بين التوقيع الشريف وبين إمكان تشرف بعض الأولياء وحصول التوفيق لهم للانتفاع غير المباشر بوجود الإمام صلوات الله عليه ، أو نيلهم شرف لقائه من غير ادعاء المشاهدة ، فهو طيب الله ثراه يرى إمكان الرؤية والمشاهدة غير أن من نالها لا يدعيها ولا يكشف عنها ولا يفشيها، ومن ادعاها وكشف عنها فهو كذاب مفتر.

وأما ادعاؤهم أن الأصحاب وأكابر القوم قد أعرضوا عنه وخالفوه،فباطل أيضا؛ذلك أن من أوردوا التوقيع الشريف من أعلام الطائفة ممن تأخروا عن الشيخ الصدوق لم يخدشوا ولم يطعنوا في سنده و دلالته،بل نقلوه وأخذوا به أخذ المستات كالشيخ الطوسي في الغيبة ، والطبرسي في إعلام الوری ، والإربلي في كشف الغمة ،وابن طاووس في ربيع الشيعة ، رغم أنهم ذكروا تلك الحكايات

ص: 418


1- الغيبة / الطوسي: 99.

والوقائع وتناقلوها في كتبهم،ولا دلالة على نقل تلك الحكايات على إعراضهم عن التوقيع ولا قرينة تدل على رفضهم وإنكارهم له سندا ولا دلالة.

فالعلامة المجلسي نور الله مرقده في مرآة العقول بعد أن نقل الروايات النافية لإمكان الرؤية والمشاهدة في الغيبة الكبرى والدالة على امتناعها بل المصرحة بالامتناع ، ذكر أسماء السفراء رضی الله عنهم، ثم أورد التوقيع الشريف كنتيجة حتمية ، كما نقل التوقيع في البحار أيضا وفي مقام الجمع بينه وبين تلك الحكايات الحقة.

فقد أول المشاهدة وحملها على ادعاء المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه علیه السلام؛إذ قال بعدما أورد التوقيع الشريف:

«بیان:لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه علیه السلام إلى الشيعة، على مثال السفراء ، لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه عليه السلام ، والله يعلم»(1)

وقال أعلى الله مقامه - بعد استعراضه لقول مولانا الصادق أبي عبدالله - صلوات الله عليه:«لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد

ص: 419


1- بحار الأنوار:52/151.

له في غيبته من عزلة،وما بثلاثين من وحشة»:

يدل على كونه علیه السلام غالبا في المدينة وحواليها، وعلى أن معه ثلاثين من مواليه وخواصه ، إن مات أحدهم قام آخر مقامه »(1).

مما يدل بوضوح على مدى اعتماده وثقته بالتوقيع الآنف الذكر ، حتى أن أعلاما وأوتادا كالعلامة السيد بحرالعلوم رضوان الله عليه الذي اشتهرت حکایات لقائه بالإمام صلوات الله عليه، اعتمادا على هذا التوقيع أشكل على تلك التواقيع التي أوردها الطبرسي في الاحتجاج وأسندها إلى الشيخ المفيد ٱعلى الله مقامه الشريف وصرح في رجاله. (2)

قال السيد السند العلامة بحر العلوم الطباطبائي رضی الله عنه عند ترجمته للشيخ المفيد طيب الله ثراه بعد ذكر التوقيعات المشهورة الصادرة منه علیه السلام في حقه - أي في حق الشيخ المفيد-:

«وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة المبلغ، ودعواه المشاهدة المنافية بعد الغيبة الصغرى ، ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن،واشتمال التوقيع على

ص: 420


1- بحارالأنوار:52/153و157
2- رجال السیدبحر العلوم :3/320

الملاحم والإخبار عن الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله وأولياؤه بإظهاره لهم ، وأن المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام علیه السلام ويعلم أنه الحجة علیه السلام حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلغ ادعاوه ذلك.وقد يمنع أيضا امتناعها في شأن الخواص، وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار، ودلالة بعض الآثار»(1)

قال الأربلي رحمه الله تعالى:

«إن قال قائل:كيف يقول الطبرسي رحمه الله تعالى:إنا لانقطع على أن الإمام لا يصل إليه أحد ... إلى آخره، ويلزمه القطع بذلك لأنه قال قبل هذا بقليل فيما حكاه عن توقيعاته علیه السلام:«فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر»، والذي أراه أنه إن كان يراه أحد فقد علم منه أنهم لا يدعون رؤيته ومشاهدته ، وأن الذي يدعيها كذاب، فلا مناقضة إذا،والله أعلم»(2)

ولهذا أيضا قال المرحوم الخاقاني بعد سرده للتوقيع الشريف:

«ولعل ما نفاه علیه السلام من دعوى المشاهدة، وأن المدعي كذاب مفتر،

ص: 421


1- الفوائد الرجالیة:3/321.
2- کشف الغمة : 3/347.

إنما هو دعوى المشاهدة متى شاء على الاستمرار ،كما كان للأبواب الأربعة، مخافة الانتحال الجمع الأموال ، لا ما قد يقع لبعض الصلحاء الأبرار أو المتحيرين في القفار من المشاهدة بعض الأحيان مع المعرفة له صلوات الله عليه وعلى آبائه أو بدونها»(1)

وقال محقق المستدرك:

«نقل لي العلامة المرجع الديني السيد محمود الشاهرودي أعلى الله مقامه في 10 صفر 1384ه:كان العالم الجليل، والثقة النبيل،الشيخ أسد الله من تلاميذ العلم الكامل الحاج میرزا حبیب الله الرشتي في النجف شاكا في الحديث المشهور...إلى أن رأى الإمام أمير المؤمنين علیه السلام في المنام فأجابه...»

« ثم سأله أي سأل مولانا أمير المؤمنين علیه السلام في المنام - عن الحديث المعروف:من ادعى الرؤية في زمن الغيبة فكبوه،وما نقل من حکایات في رؤيته ؟

فقال-أي أمير المؤمنين علیه السلام-: كل ذلك صحيح، لأن الأول محمول على الرؤية والمشاهدة مع العرفان - أي مع المعرفة الحالية - وفي الحكايات لم يعرفوه حين المشاهدة ، وبعده عرفوه،وعليه

ص: 422


1- رجال الخاقاني:178.

شواهد من الروايات الٱخر...الخ.» (1)

وهذا محقق کتاب الهداية للشيخ الصدوق أعلى الله مقامه ذکر الاسم الكامل للحسين بن إبراهيم المعني هنا مع ذكر ألقابه المختلفة ، وهو:

«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب (المؤدب)الرازي»(2)

ثم ذكر جماعة من قيل إنهم من مشايخ الصدوق -كما في مقدمة الأخبار - فكان الرقم (46 - الحسن بن إبراهيم بن أحمد (3)،وقال في حاشيته:( 4 - معاني الأخبار: 345، ولعله مصحف« الحسين» فيتحد مع من يأتي تحت الرقم 60)(4)

ص: 423


1- حاشية مستدرك سفينة البحار :4/18.
2- مقدمة الهداية: 59.
3- المؤدب مقدمة الهداية: 54.
4- حاشية مقدمة الهداية:55. تحقیق مؤسسة الإمام الهادي علیه السلام.

ص: 424

الدرس الثاني والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه -6

بسم الله الرحمن الرحیم

ثم قال في الصفحة 59:(الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب -المؤدب - الرازي(1)

وفي الصفحة 89 شرع بإيراد جملة من أسماء الذين ذكروا في بعض الكتب بانهم من مشايخ الصدوق رحمه الله، إلا أنهم غالبا يتحدون مع من تقدم ذكرهم ...

ثم قال:

(6-الحسن بن إبراهيم بن هاشم، المستدرك:3/714 وقال سیدنا مد ظله: الظاهر أن فيه سقطا وتصحيفاوالصواب:الحسين بن

ص: 425


1- مقدمة الهداية:59،تحقیق مؤسسة الإمام الهادي علیه السلام

إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب، المتقدم برقم60) (1).

بعد الغوروالتفحص في كتب القوم يتبلور نصب أعيننا قولان أو احتمالان:

الأول:احتمال تعدد الراويين واختلاف أعيانهما كما هو المستفاد من ظاهر الحال ، ومن أقوال جملة من كتب الرجال ، وعليه فراوي التوقيع كما هو المنصوص عليه يكون:

«أبا محمد الحسن بن أحمد المكتب »،ويبقي«أبو محمد الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب المكتب » شخصا آخر مغايرا له لا علاقة له بالتوقيع الشريف.

الثاني:اتحاد الراويين وكونهما شخصا واحدا،رغم تعدد أسمائها،فالإسم وإن تعدد في مواضع عديدة بيد أنه تم بحسب اختلاف الناقلين ، لا بحسب تعدد المسمی.

وعليه فلا مغايرة بين مسمى الإسمين ليكون كل من «أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب »أو«أبي محمد الحسين بن أحمد«أبو محمد الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب المكتب»أو«أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن أحمد المؤدب المكتب »،فلا تعدد

ص: 426


1- مقدمة الهداية:90،تحقیق مؤسسة الإمام الهادي علیه السلام

ولا مفارقة بينها.

نعم،يعزز ويؤيد كل واحير منها بعض القرائن والشواهد،فيؤيد الاحتمال الأول وهو التعدد -

1-أن الشيخ الصدوق رضی الله عنه هو الراوي للتوقيع ، ويبعد في حقه ارتکاب مثل هذا الخطأ الجسيم.

2- الاختلاف بين الاسمين ليس باليسير، حتى یرد احتمال الخطأ أو التصحيف.

3- روى الصدوق عن الشخصين- باعتبار الإسمين - ولم يتطرق إلى اتحادهما أصلا، وليس بين الإسمين نقطة اشتراك سوى الحسن ، وهو في الأول أكثر، وفي الحسين ، وهو الثاني أكثر، وفي أحمد والمكتب.

4-ما سيأتي بعد قليل إن شاء الله تعالى من أقوال بعض الرجاليين تصريحا أو تلويحا،كالإمام الخوئي أعلى الله مقامه.

ويؤيد الاحتمال الثاني ويعززه:

ما حققه بعض الرجاليين جازما مصرحا به ، كالسيدهاشم الأبطحي ، أو محتملا له بالكناية أو التصريح ، کالسيد هاشم البحراني ، والسيد علي البروجردي ، والخاقاني ، وغيرهم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى عند استعراض أقوالهم.

ص: 427

قال المحقق المدقق الإمام الخوئي أعلى الله مقامه:

«2726 - الحسن بن أحمد المكتب:

أبو محمد ، من مشايخ الصدوق قدس سره ترحم عليه ، کمال الدین :الباب 49، الحديث 41»(1)

وفي حاشية معاني الأخبار:

أبو محمد بن الحسن بن أحمد المكتب:

کمال الدين:284، وفي الصفحة 281: الحسين ، وفي العيون : الحسن بن أحمد المؤدب ، وفي أربعين الشهيد المطبوع في غيبة النعماني: 23: أحمد بن محمد المكتب ، و في الحرائج :أبو محمد بن الحسن بن محمد المكتب ، والظاهر أن لفظة(ابن ) في (أبو محمد بن الحسن)زائدة (2)

وأسند الخاقاني التوقيع إلى إبراهيم بن هشام(3)

أقول:لا شك أن مراده«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب».

قال السيد علي البروجردي رحمه الله:

ص: 428


1- معجم رجال الحديث : 5/272.
2- حاشية معاني الأخبار:46.
3- رجال الخاقاني: 176.

«865 - الحسن بن إبراهيم بن أحمد المؤدب المكتب،أكثر(ق) -أي الصدوق - من الرواية عنه مترضیا محترماً(تعق) فلا بأس لقبول روايته ، لكونه محلا للاعتماد ، والظاهر أنه ابن أحمد بن هشام ، وهو أيضا غير مذكور في كتب الرجال» (1)

روى البحراني رحمه الله:

«و حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المكتب رضی الله عنه...»

قال المحشي معلقا عليه:

كذا في المصدر والبحار، ولكنه في الأصل:«عن أحمد بن محمد المكتب»(2)

وقال في حاشية نقد الرجال:

«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام :المكتب رضی الله عنه ، من مشايخ الصدوق - ابن بابویه - راجع عیون أخبار الرضاعلیه السلام:2/143 و149و 172،وعلل الشرائع:1/69.» (3)

وقال فی جامع الرواة:

ص: 429


1- طرائف المقال:1/168.
2- مدینة المعاجز:3/277.حاشیتها
3- حاشیة نقد الرجال:2/71.

«الحسین بن إبراهیم المکتب رضی الله عنه روی عنه محمد بن علی بن الحسین بن بابویه عن...»(1)

«الحسین بن إبراهیم بن أحمد بن هشام المؤدب(المؤذن_خ) روی عنه محمد بن علی بن بابویه مترضیا»(2)

قال الأبطحی فی تهذیب المقال:

«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب المكتب ، ذكره ابن حجر في لسان المیزان:2/271قائلا:الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب،روي عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي وغيره، قال علي بن الحكم في مشايخ الشيعة: كان مقيما بقم،وله كتاب في الفرائض أجاد فيه،وأخذ عنه أبو جعفر بن علي بن بابویه،وكان يعظمه».

ثم قال المؤلف:«قلت:لم أقف على ترجمة في كتب أصحابنا غير علي بن الحكم على ما ذكره ابن حجر ، وكان الحسين من مشايخ الصدوق رحمه الله تعالى ، روى عنه في كتبه کثیرا مترضيا مترحما عليه . وقد كناه بأبي محمد كما في الإكال باب49/476.قائلا:حدثنا أبو محمد الحسين بن أحمد المكتب ، وصفحة 479:حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب رضی الله عنه،قال،كنت بمدينة السلام...

ص: 430


1- جامع الرواة:1/230
2- جامع الرواة:1/230

وذكر التوقيع الشریف.

الثانية:ورواه في الغيبة:242عن الصدوق نحوه.

ثم إن الموجود في كتب وروايات الصدوق رحمه الله(الحسين) مصغرا، إلا ما تقدم عن موضع من الإكمال والغيبة، وهو الأنسب لتكتيه بأبي محمد،إلا أنه بعد عدم الملازمة بين التسمية بالحسن ،والتكنية بأبي محمد ، فالأظهر ما علیه کتب الأصحاب ، ورواياته من الضبط بالحسين مصغرا.

ولقب بالمكتب كما تقدم عن مواضع من الخصال والعيون، وأيضا بالمؤدب كما في لسان المیزان،وفي الإكمال :484،وعيون أخبار الرضا علیه السلام: ج /72، و مواضع كثيرة ، والغيبة:180، ومشيخة الفقيه ، ومعاني الأخبار: 204، وغيره.

روى الصدوق رحمه الله عنه كثيرا في كتبه عن جماعة ، منهم علي بن إبراهيم بن هاشم:العيون: 1/72و 2/214و262وكثيرة،والخصال:1/148 ومعاني الأخبار: 285،وأبو علي محمد بن همام،الإكمال:479،وأبو العباس أحمد بن یحیی بن زکریا القطان، الخصال : 2/132،والمعاني: 204،وعلي بن محمد السمري السفير الرابع، الإكمال:479ومحمد بن جعفر أبي عبدالله الأسدي الأشعري الكوفي أبو الحسين، الخصال:2/114،والإكمال: 484،

ص: 431

والغيبة:180، ومشيخة الفقيه إليه رقم 194،و إلی محمد بن إسماعيل البرمكي ، ومعاني الأخبار:291،وعيون الأخبار:والأمالي: 34. ثم إن الاقتصار على اسم أبيه ، أو مع ذكر جده أحمد، أو ذكره كما تقدم في العنوان ، لا يدل على التعدد ، وذلك بقرينة من روی عنه،فلاحظ.(1)

قال المحقق المدقق الإمام الخوئي أعلى الله مقامه:

1-«3249-الحسين بن إبراهيم بن أحمد، روی عن...إلى أن قال رحمه الله:أقول:هو من مشايخ الصدوق ، وقد ترضى عليه في جميع هذه الموارد ، وهو متحد مع ما بعده(2)

2-«3250-الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام،ابن هاشم المؤدب ،روی عن ... إلى أن قال:وهذا أيضا متحد مع ما بعده»(3)

3-«3251-الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام:الحسين بن إبراهيم الكاتب، المكتب، روی عن... إلى أن قال:وهذا أيضا متحد مع ما بعده»(4)

ص: 432


1- تهذيب المقال: 2/ 372 – 273.
2- معجم رجال الحدیث: 6/189.
3- معجم رجال الحديث : 6/190.
4- معجم رجال الحديث : 6/190.

4-«3252 - الحسين بن إبراهيم بن أحمد الكاتب : روی عن... إلى أن قال :أقول:وهو متحد مع ما تقدم عليه»(1)

فالإمام الخوئي قدس الله أسراره يرى أن كل من ذكر تحت الأسماء الأربعة الماضية هم شخص واحد ليس إلا.

انتهى البحث في الرواية سنداومتنا.

وسواء كان الراوي هو الأول، أعني:«أبا محمد الحسن بن أحمد المكتب»أو كان الثاني ،أعني:«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام»،وسواء تعددا أو اتحدا،فالرواية مقبولة إن لم تكون موثقة؛إذ أن الراويين كما تقدم في كتب الرجال معروفين،وهكذا الصریح من كتب الصدوق رضی الله عنه،حيث ترضى وترحم عليهما، ويكفيهماجلاله وشأنا ترضيه وترحمه عليها،وعدهما من مشايخه.

وكيف كان فلا مجال لتضعيف التوقيع،ولا طريق إلى الأعراض عنه،بل لا بد من الاستناد إليه،والاستشهاد به والتعويل عليه ،لا سیما أنه لا يخالف شيئا من ٱصول المذهب وقواعده ،بل هو قوي المتن والدلالة ؛لموافقته لظروف الزمان في تلك الآونة،ولهذا تلقاه جل الأصحاب إلا من شد وندر- بالقبول من المتقدمين والمتأخرين

ص: 433


1- معجم رجال الحدیث:6/190.

ومتأخري المتأخرين،وحتى المعاصرين،ومن أول المشاهدة ،ومن صدق الحكايات،وحتى من ادعى المشاهدة أو ادعيت في حقه،وغيرهم.

ومناسبة الحكم والموضوع يحتم علينا قبول التوقيع، وأخذه بعين الاعتبار، والضرورة تلزمنا وتحتم علينا التصديق بصدور مثل هذا التوقيع،وإلا وقع الهرج والمرج ووقع الناس في حيص وبيص بعد الغيبة الصغرى، ومنذ اللحظة الٱولى من الغيبة الكبرى،وجهلوا تكليفهم حينئذ،بل لم يعرفواحتى تبدأ الغيبة الكبری.

فلولا التوقيع الشريف لجهلنا ٱمورا:

ٱولها:انتهاء الغيبة الصغرى وشروع الغيبة الكبرى. الثاني:انتهاء فترة السفراء ،وأن لاسفارة في الغيبة الكبرى.

الثالث:أن لا ظهور للإمام-أي لا يراه أحد قط بعلم ومعرفةحالية،وهي المشاهدة- أثناء فترة الغيبة الكبرى.

الرابع:والأخبار بالغيب الذي يعد معجزة له علیه السلام،بقوله:وسيأتي شيعتي أو سيأتي من شيعتي أو سيأتي إلى شيعتي- على اختلاف النسخ - من يدعي المشاهدة.

الخامس:حكم مدعي المشاهدة في هذه الفترة،أنه«کذاب مفتر»أو«کاذب مفتر».

ص: 434

السادس:أن الخروج والظهور سیکون بعد خروج السفياني والصيحة ، ولعله يرمز إلى خروجه وظهوره علیه السلام مرتين -كما في الأحاديث المتظافرة-أولها يكون بعد خروج السفياني ، ثم يعودعلیه السلام إلى حجاب الغيبة، ويكون خروجه الثاني بعدالصيحة،وهوالخروج الحاسم،وسيأتي بحث ذلك مفضلا في بيان علامات الظهور إن شاء الله تعالى.

السابع:قرب وفاة السمري رضی الله عنه،وهو أيضا ضرب من الكرامة،والأخبار بالغيبيات الدالة على صدق مدعيها وقائلها.

هذه الٱمور قد نص عليها التوقيع الشريف،لكن الأمر لم ينته عند هذاالحد،ولم يقتصر على ذلك،فالمستفاد من التوقيع الشریف أيضاٱمور:

أولا:أن السفير لا يتم تعيينه واختياره إلا بأمر وقرار ونص

واختيار من مولانا الصاحب صلوات الله عليه.

ثانيا:أن هذا التوقيع إرشاد و تبیین و تبصير للشيعة،و تكليف لهم بتحري الحقيقة في غياب امام زمانهم،وأن لا ينقادوا لكل متقولي،ولا يسوقهم طالبوا الدنيا والرئاسة.

ثالثا:أن السفير يجب أن يأتي بوصية السفير الذي سبقه ، فالتالي لابد أن يكون موصى إليه من قبل السابق ، وعلى السابق

ص: 435

أن يوصي إلى اللاحق،بأمره علیه السلام.

رابعا:أن لا يحق لأحد أن يدعي المشاهدة ، ولا يجوز له ذلك ،فلا يدعيها إلا كاذب أو كذاب ،وهذا لا ينفي وقوع الرؤية- كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى-

خامسا:أن من ينال شرف اللقاء به علیه السلام،ويتشرف بمشاهدة نورجماله،لا يتحدث عن ذلك إلى أحډ قط،ولا يحدث بها أحدا أبدا.

سادسا:أن من يدعي المشاهدة فهو حتما لم يرق إلى نيل هذا الشرف ، فيدعيها کذبا وزورا.

سابعا:أن على الشيعة أن يكذبوا مدعى المشاهدة كائنا من كان،ولا يوجد هنا استثناء متصل،کمالم نعثر على استثناء منفصل ، وإن ذهب بعض المتقدمين وأكثر المتأخرين والمعاصرين إلا أن قرائن الصدق ودلائل التصديق وعلامات ذلك كافية للدلالة والبرهنة على وجود الاستثناء ،ولهذا اختاروا المستثنى، وذهبوا إلى التفصيل بالاستثناء.

ثامنا:أن لا مجال للظهور والمشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة.وهاهنا يكمن سر عظيم ينبغي الالتفات إليه و عدم تجاهله،وهو:أنه عليه الصلاة والسلام قال: «فلاظهور إلا بعد إذن الله عز وجل».

ص: 436

وقال صلوات الله عليه:«ألا فمن ادعى المشاهدة .

أولا:إذ لا مشاهدة قبل الظهور ؛لارتباط المشاهدة بالظهور ارتباط العلة بالمعلول، لاتنفق المشاهدة عن الظهور لتوقفها

عليه ، فلا مشاهدة بلا ظهور، وكل ما لا ظهور له لا مشاهدة عينية له ، ولهذا قال مولانا سید الشهداء عليه الصلاة والسلام في دعاء يوم عرفة: «أيگو يترك من الظهور ما ليس لك»(1)

ثانيا:أن الظهور يرد بمعنى التجلي والبروز الظاهري، والتجلي والبروزالمعنوي الباطني ، والتجلي والبروز بمعنى السيطرة والانتصار والغلبة على الشيء، والمعنيان الأول والثالث أنسب بالمقام ، فلا تكن المشاهدة إلا بالظهور والبروز والخروج من خلف ستار الغيب ،أو به وبالغلبة على أعدائه ،والأقرب إلى الحكم من هذين المعنيين هو الأول ، أعني أن المشاهدة في التوقيع الشريف تناسب الظهور والخروج من خلف حجاب الغيب ، وعليه فالمشاهدة لأخص الخواص والأولياء الصالحين تكون في زمن الغيبة الكبرى بإزاحة حجاب المعصية والذنوب من أعينهم ، فإذا لم يتم ذلك لزم الانتظار حتى تنتهي فترة الغيبة الكبرى فيزيح حجاب الغيب ونقاب الستر

ص: 437


1- مفاتیح الجنان وكتب الأدعية المفضلة.

عن وجهه الملكوتي وجماله النوراني،فتتهيأ الفرصة لعموم الناس برؤيته ومشاهدته.

ثالثا:أنه عليه الصلاة والسلام لا يظهر خلال فترة الغيبة الكبرى الأحد قط،بل على الطالب والعاشق أن يعد أسباب الظهور ، أعني أن يزيح حجاب الذنوب والمعاصي عن عينه ، ويزيل بالتهذيب والتربية شوائب الأكدارعن نفسه،وينفض غبار الأوهام والخرافات والأباطيل عن عقله وذهنه وفكره وعقيدته.

فإذا تم له ذلك صار مستعدا للمشاهدة ، بعد صيرورة عقله ونفسه وروحه وبصره وبصيرته وعاء مستعدا لتلقي المشاهدة الخاصة،أعني المشاهدة في زمن الغيبة الكبرى؛إذ الوعاء الملوث المنکدر المتقذر لا يصلح لحمل ذلك،بل لا يعد حينئذ وعاء لتغاير الحكم والموضوع؛إذ لكل شيء وعاء يناسبه ، ووعاء كل شيء بحسبه.

والحاصل:أن لا مشاهدة إلا بالظهور،ولا ظهور في الغيبة الكبرى قط،فلا مشاهدة وقتئذ قط،ولا طريق حينئذ للجمع بين تلك الحكايات والقصص وبين هذا التوقيع الشريف إلا بما صنعه العلامة المجلسي طاب ثراه وغيره رحمهم الله تعالى من تأويل المشاهدة وحملها على إرادة السفارة والإخبار عن الإمام علیه السلام،وهو کماتری وسيأتي الكلام فيه.

ص: 438

أو بتضعیف الرواية التوقيع -وردالتوقيع ونفيه من الأساس،کما صنع المحدث النحرير والمحقق الأصيل الميرزا حسين النوري طاب ثراه،وسيأتي الكلام في كلا الوجهين،إن شاء الله تعالى.

2- خفاؤه علیه السلام

وأما الاستدلال بالأخبار الدالة على أن الإمام علیه السلام يحضر مجالسهم ويطأ فرشهم،ويشهد الموسم ويعرفهم ولا يعرفونه،على أنها دالة على نفي الرؤية مطلقا كرواية الإمام الصادق علیه السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه:

«ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة الله لساخت بأهلها ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه ،كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منکرون»(1)

ورواية مولانا أمير المؤمنين علیه السلام:

«إن حجتها عليها قائمة ماشية في طرقها،داخلة في دورها وقصورها،جوالة في شرق هذه الأرض وغربها،تسمع الكلام، وتسلم على الجماعة،ترى ولا ترى إلى الوقت والوعد ونداء

ص: 439


1- الغيبة/النعمانی:14

المنادي من السماء،ألا ذلك يوم فيه سرور ولد علي وشيعته(1)،وقد علق النعماني رحمه الله على الرواية بعد أن نقلها قائلا:

«وفي هذا الحديث عجائب وشواهد على حقية ما تعتقده الإمامية وتدين به،والحمد لله،فمن ذلك قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه:«حتى إذا غاب المتغيب من ولدي عن عيون الناس»،أليس هذا موجبا لهذه الغيبة وشاهدا على صحة قول من يعترف بهذا ويدين بإمامة صاحبها؟

ثم قوله علیه السلام:«وماج الناس بفقده أو بقتله أو بموته...وأجمعوا على أن الحجة ذاهبة،والإمامة باطلة»،أليس هذا موافقا لما عليه كافة الناس الآن من تکذیب قول الإمامية في وجود صاحب الغيبة؟وهي محققة في وجوده،وإن لم تره،وقوله علیه السلام:«ويحج الناس في تلك السنة للتجسس»،وقد فعلوا ذلك،ولم يرواله أثرا.

وقوله:«فعند ذلك سبت شيعة علي سبها أعداءها،وظهرت عليها الأشرار والفساق باحتجاجها»،يعني باحتجاجها عليها في الظاهر،وقولها: فأين إمامكم؟دلونا عليه، وسبهم لهم،ونسبتهم إياهم إلى النقص والعجز والجهل؛ لقولهم بالمفقود العين، وإحالتهم.

ص: 440


1- الغيبة/النعمانی:144.

على الغائب الشخص ، وهو السب ، وهذا القول من أمير المؤمنين علیه السلام في هذا الموضع شاهد لهم بالصدق، وعلى مخالفيهم بالجهل والعناد للحق...الخ».(1)

وقول الصادق علیه السلام عن الحجة المنتظرعلیه السلام:«فما تنكر هذه الٱمة أن يكون الله يفعل ما فعل بيوسف ،وأن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه صاحب هذا الأمر، يتردد بينهم،ويمشي في أسواقهم ، ويطأ فرشهم ولا يعرفونه ، حتى يأذن الله له أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف حين قال له إخوته:« أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ»(2)

وما روي عن مولانا الرضا صلوات الله عليه في معرض رده على السؤال عن القائم عجل الله فرجه حيث أجاب علیه السلام:«لا يرى جسمه ، ولا يسمى باسمه. (3)

وهكذا ما روي عن مولانا الإمام العسكري علیه السلام:«إنكم لا ترون

ص: 441


1- الغیبة /النعمانی:144
2- سورة یوسف:الآیة 90.الغیبة/النعمانی:146.
3- کمالدین:370.

شخصه،ولا يحل لكم ذكره باسمه. (1)

المستفاد من جملة هذه الروايات:

أولا:أن الأرض لا تبقى من غير حجة الله ولا تستقر.

ثانيا:أن الإمام صلوات الله عليه يعيش بيننا ويشاركنا همومنا وينتقل بين ظهرانينا وفي أسواقنا وطرقنا،بل يدخل بيوتنا فلا نعرفه،وهو يعرفنا کیوسف علیه السلام وإخوته.

ثالثا:أن الناس لا يرونه حتى يسمعوا النداء السماوي والصيحة الخبرة عن ظهوره علیه السلام.

رابعا:لا يذكر اسمه صلوات الله عليه،وقدبحثناه مفصلا في الحلقة الٱولى من هذه الحلقات.

ص: 442


1- الكافي: 1/322.الوافي:2/403.

الدرس الثالث والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه -7

بسم الله الرحمن الرحیم

3- نفي الرؤية والمشاهدة في الموسم

لا ريب أنه علیه السلام يحضر الموسم ويحج كل عام وهو أمير الحجيج والحاج،وقد نال توفيق لقاء جمع من الأخبار في الغيبة الصغرى عند استلام الحجر الأسود وفي مواطن ٱخرى من مكة المكرمة ، وأما الكلام في الغيبة الكبرى فهل يمكن مشاهدته علیه السلام في الموسم حينئذ؟

استدل النافون لإمكان المشاهدة بروايات الحج: كقول مولاناالصادق علیه السلام«للقائم غیبتان:يشهد في إحداهما المواسم،يرى الناس ولا يرونه. (1)

ص: 443


1- الكافي:1/339.

وقد رواه النعماني رحمه الله في الغيبة عن الكليني رضی الله عنه(1)

قال العلامة المجلسي طاب ثراه في مرآة العقول في شرح هذا الحديث ما حاصله:أن المراد من هذه الغيبة هي الغيبة الكبرى،والمراد من الرؤية في هذا الحديث هي الرؤية مع المعرفة-أي المشاهدة - أي يرونه ولا يعرفونه خلافا للغيبة الصغرى ،حيث كان يعرفه السفراء وبعض خواص مواليه وخدمه ممن يتشرفون بلقياه.

ثم أعرض عن ذلك واحتمل أن المراد من هذه الغيبة هي الغيبة الصغرى،والمعنى:« يرى الناس» أي يراه الناس، وهم الخواص والموالى،ولا يراه عموم الناس،أي لا يرونه رؤية عن معرفة ، فلا يشاهده إلا خاصة مواليه وأصحابه (2)

واستدلوا أيضا بقول مولانا الصادق عليه الصلاة والسلام: «يفقد الناس إمامهم،فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه (3)،وقد نقله النعماني بسند آخر عن أبي علي محمد بن همام عن الكليني رضی الله عنه(4)

ص: 444


1- الغيبة/النعماني:176
2- مرآة العقول:4/47.
3- الكافي: 1/337.الغيبة/الشيخ الطوسي: 251. كمال الدين:440.الوافي :2/413.
4- الغيبة/النعماني: 175.

من هنا حمل العلامة المجلسي طاب ثراه الرؤية هنا على الرؤية مع المعرفة مستدلا بما رواه الحميري عن محمد بن عثمان العمري أحد السفراء الأربعة(1)وهو:«والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه.»

وفي البحار:«...عن زرارة، قال:سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول:إن للقائم غیبتين، يرجع في إحداهما، والٱخرى لا يدري أين هو،يشهد المواسم،يرى الناس ولا يرونه.» (2)

وفي البحار بعد سرده للرواية علق عليها قائلا:

بیان:لعل المراد برجوعه، رجوعه إلى خواص مواليه و سفرائه،أو وصول خبره إلى الخلق»(3)

فقد يوفق كثير من الناس في الغيبة الكبرى لرؤيته في موسم الحج،لكنهم يرونه ولا يعرفونه،وأما في الغيبة الصغرى، فإن من كان يعرفه من الأخبار كان يراه مع الحجيج ويعرفه کما حصل لسفيره محمد بن عثمان العمري رضی الله عنه الذي قال مجيبا عن سؤال الحميري رحمه الله:

ص: 445


1- مرآة العقول:4/42.
2- کمال الدین: 440، الحديث 8. من لا يحضره الفقيه:2/520 الوافي :2/413.
3- بحار الأنوا:52/156

فقلت له:أرأيت صاحب هذا الأمر؟فقال:نعم،آخر عهدي به عند بيت الله الحرام،وهو يقول: «اللهم أنجز لي ما وعدتني»،وقوله رضی الله عنه:«رأيته صلوات الله علیه متعلقا بأستار الكعبة في المستجار،وهو يقول:اللهم انتقم لي من أعدائي»(1)

ويعود السبب في ذلك إلى أن أحدا من الناس لا يعرفه في زمن الغيبة الكبرى بخلاف الصغرى التي كان بعض الأخيار قد ارتبط به وعرفه إنما منذ صباه في دار أبيه الإمام العسكري علیه السلام،أو بنيل شرف لقائه في عصر السفراء.

4-تمحيص الشيعة

تمسك بعضهم لنفي إمكان الرؤية والمشاهدة بما جاء في روايات عديدة بلغت حد التواتر عن أئمة الهدی صلوات الله عليهم أن لطول غيبته حكمة تمحيص شيعته ليخرج الخبيث منهم ويميز الخبيث من الطيب حتى يخرج دعاة التشيع ويتميزوا عن الشيعة الصادقين بالقول والفعل ، فيرتد كثير منهم ولا يبقی إلا العسل الخالص المصقى ، قالوا:لو أمكنت المشاهدة لما بقي معني لإنكارهم

ص: 446


1- کمال الدين:440.

إياه علیه السلام و ارتدادهم عن الحق وسقوطهم في هاوية الاختبار؛إذ يمكنهم مشاهدته ،أو التصديق بوجوده المقدس من خلال إخبار من شاهده من الصالحين ، فلا يبقى مجال للغربلة والتمحيص،وقد أمروا أن يؤمنوا بالغيب،أي بكل آيات الله وحججه الغائبة عن الأنظار والمحجوبة عن الأبصار ،ولهذا عتل الشيخ محمد حسین کاشف الغطاء طاب مثواه في كتابه:«جنة المأوى» اختبار الناس بطول الغيبة ليميز المؤمنين المخلصين الصادقين(1)

والروايات الدالة على هذا المعنى:

ماروي عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون النعم في غيبته،يطلبون المرعى فلا يجدونه ،ألا فمن يثبت منهم على دينه لم يقش قلبه الطول أمد غيبة إمامه ،فهو معي في درجتي يوم القيامة(2)

وعنه صلوات الله عليه أيضا: «ولكن بعد غيبة وحيرة فلا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين (3)

ص: 447


1- جنةالمأوى:266.
2- کمال الدين:303،نوادر الأخبار:227.
3- كمال الدين:304.

وما روي عنه صلوات الله عليه: «حتى إذا غاب المتغيب من ولدي عن عيون الناس وحاج الناس بفقده أو بقتله أو بموته اطلعت الفتنة،ونزلت البلية،والتحمت العصبية، وغلا الناس في دينهم،وأجمعوا أن الحجة ذاهبة،والإمامة باطلة،ويحج حجيج الناس في تلك السنة من شيعة علي ونواصبه للتحسس والتجسس عن خلف الخلف ، فلا يرى له أثر ولا يعرف له خبر ولا خلف) (1)

ولهذا أفرد النعماني رحمه الله فصلا من كتابه الغيبة للبحث عن امتناع المشاهدة في عصر الغيبة الكبرى مصرحا بذلك وبعدم جواز السعي إلى المشاهدة أيضا،وعذرهم عن حجبهم وامتناع الرؤية والمشاهدة عليهم قائلا:

«ومحظور عليهم الفحص والكشف عن صاحب الغيبة والمطالبة باسمه أو موضعه أو غيابه أو الإشارة بذكره فضلا عن المطالبة بمعاينته.» (2)

سیما إذا علمنا أن مثل هذا الكلام خرج ممن قطع الفيافي والبراري وانتقل من بلدإلى بلد ليصنف كتابه هذا بعد جهد جهيد وعناء شديد،

ص: 448


1- الغيبة/النعمانی:143-144.
2- الغيبة/النعماني: 160.

فهو رحل إلى شیراز وبغداد وطبرية والأردن ودمشق وحلب، كل ذلك سعيا وراء التفحص والتحقيق،وبناء على ما حققناه إلى هنا ثبت امتناع المشاهدة في عصر الغيبة الكبرى،إلا إذا عثرنا في تتمة هذا البحث على دلیل معتبر ينفي ذلك أو يقيده أو يصرفه عن ظاهره.

خلاصة القول:

1-أن الرؤية مع المعرفة ممتنعة.

2-أن مدعي المشاهدة كاذب مفتر أو كذاب مفتر يجب تكذيبه.

3-أن مشاهدة الإمام علیه السلام ممتنعة أيضا.

4-أنه علیه السلام بحضر بين الناس يرونه ولا يعرفونه.

5-أنه علیه السلام يشهد المواسم كلها،فبعض الخواص من شيعته كانوا يعرفونه في الغيبة الصغرى ، وأما في الغيبة الكبرى فإنهم يعجزون عن معرفته.

6-أن عجزهم عن معرفته ومشاهدته نابع عن الاختبار الإلهي

لهم بالغربلة والتمحيص.

7-وقد التبس الأمر على من طعن في سند التوقيع الشريف ،فلا عبرة بأقوالهم بعد ما حققناه مفصلا.

8-وأما من زعموا أن المشاهدة هنا بمعنى ادعاء السفارة والنيابة الخاصة،ليجمعوا بين هذا التوقيع وتلك الحكايات الصادقة عن

ص: 449

رؤيته ومشاهدته أرواحنا فداه فإنهم تصرفوا تصرفا بعيدا،وحملوا التوقيع ما لا يحتمل،لتنافي الصدر والذيل حینئذ؛إذ بان لنا أن الصدر قد حسم مسألة ادعاء السفارة ،وأن الذيل ناظر إلى غيرها وهو المشاهدة بمعنى الحضور الجسماني والرؤية الحسية مع المعرفة ولعل المحادثة والمحاورة أحيانا.

ثانيا:إمكان الرؤية والمشاهدة.

في قبال ذلك ذهب جمع غفير من أعلام الطائفة -لا سيما المتأخرين منهم-إلى إمكان المشاهدة،وأول من اختار هذا الرأي هو السيد المرتضی علم الهدى أعلى الله شأنه في كتبه تنزيه الأنبياء،ورسالة في الغيبة،والشافي،والمقنع ،فإنه قال في معرض الرد على من سأل عن فائدة إمام غائب عن الأنظار لا ينتفع به؟

الجواب:«قلنا:أول ما نقرله إنا غير قاطعين على أن الإمام علیه السلام لا يصل إليه أحد ولا يلقاه بشر،فهذا أمر غير معلوم،ولا سبيل إلى القطع عليه»(1)

وقال في موضع آخر:«نحن نجوز أن يصل إليه كثير من أوليائه

ص: 450


1- تنزيه الأنبياء: 182.

والقائلين بإمامته فينتفعون به»(1)

وقال أيضا:«...لسنا نقطع على أن الإمام لا يظهر لبعض أوليائه وشیعته،بل يجوز ذلك ،ويجوز أيضا أن لا يكون ظاهرا لأحد منهم،وليس يعرف كل واحد منا إلا حال نفسه، فأما حال غيره فغير معلوم له،ولأجل تجويزنا أن لا يظهر لبعضهم أو لجميعهم،ما ذكرنا العلة المانعة من الظهور»(2)

قال السيد المرتضی علم الهدی رضوان الله عليه:

«...ومع هذا فما نمنع من ظهوره علیه السلام لبعضهم إما لتقويم أو تأدیب أو وعظ وتنبيه وتعليم،غير أن ذلك كله واجب،فيطلب في فوته العلل،وتتمحل له الأسباب، وإنما يصعب الكلام ويشتبه إذا كان ظهوره للولي واجبا من حيث لا ينتفع أو يرتدع إلا مع الظهور.

وإذا كان الأمر على خلاف ذلك سقط وجوب الظهور للولي؛لما دللنا عليه من حصول الانتفاع والارتداع من دونه،فلم تبق شبهة»(3)

ص: 451


1- رسائل الشريف المرتضی: 2/297.
2- المقنع في الغيبة: 78.
3- المقنع في الغيبة:77

وقال أيضا في موضع آخر: «إنه غير ممتنع أن يكون الإمام يظهر لبعض أوليائه من لا يخشى من جهته شيئا من أسباب الخوف،وإن هذا مما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه،وإنما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه،ولا سبيل إلى العلم بحال غيره»(1)

ثم اشتهر بين الأعلام من المحققين كالشيخ الطوسي، والمحقق الكراجكي والمحدث النوري وغيرهم طيب الله ثراهم وأعلى درجاتهم،فالطبرسي رحمه الله أورد في إعلام الوری دعوى السيد المرتضی رحمه الله. (2)

وهكذا الإربلي في كشف الغمة (3)،واستعان سائر معاصريه بنقل قوله رحمه الله في الرد على نفس الشبيهة،كما صنع الكراجكي طاب ثراه،فإنه قال:«ولسنا مع ذلك نقطع على أن الإمام علیه السلام لا يعرفه أحد،ولا يصل إليه،بل قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه تستر اجتماعها به و تخفيه.» (4)

ص: 452


1- المقنع:323.
2- إعلام الوری: 440
3- کشف الغمة:3/328.
4- کنز الفوائد:2/218

ومنهم العلامة سديد الدين الحمصي في المنقذ من التقليد(1)،وشیخ الطائفة الطوسي في كتاب (2)

وكتاب الغيبة،قال أعلى الله مقامه في الغيبة:

أنا أولا:لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه،بل يجوز أن يظهرلأكثرهم،ولا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه،فإن كان ظاهرا له فعلته مزاحة،وإن لم يكن ظاهرا له علم أنه إنما لم يظهر له الأمر يرجع إليه،وإن لم يعلمه مفصلا لتقصير من جهته»(3)

ظهر مما تقدم أن احتمال المشاهدة وإمكان الرؤية كانت مسألة محسومة لدى البعض من أعلام المتقدمين حتى صارت قضية يقينية مسلما بها منذ عهد السيد ابن طاووس عليه الرحمة والرضوان، المتوقى 664ه،بعد ما نقلت عنه لقاءاته الشهيرة بالإمام علیه السلام،وإن سبقتها حكاية ابن قولویه عليه الرحمة عام 339ه،كما نقلها القطب الراوندي رحمه الله، المتوقى 573ه(4)،وهي قصة الحجر الأسود الذي رده القرامطة بعد أن سرقوه وأعاده الإمام علیه السلام إلى موضعه.

ص: 453


1- المنقذ من التقليد:2/378
2- تلخيص الشافي تلخيص الشافی:4/217،222،221
3- کتاب الغيبة:99.بحار الأنوار:51/196.
4- الخرائج والجرائح:1/475

يستفاد من هذه الأقوال ٱمور:

أولا:أن ما تقدم من أقوالهم أعلى الله شأنهم ناظر إلى دفع ما أورده المخالفون من الشبهات ، كما صنع الشريف المرتضى في الشافي عند رده على مزاعم القاضي عبدالجباربن أحمد الهمداني الأسدآبادي،المتوقى 415ه في كتابه المغني(1)،وأنت تعلم أن مجرد احتمال المشاهدة كاف للرد على الخصم.

ثانيا:لم يتطرق الشريف المرتضی وشیخ الطائفة الطوسي طيب الله ثراهما لموضوع الرؤية والمشاهدة إلا في حدود الاحتمال،ولم يظهر منها القطع بذلك والالتزام القائم على اليقين،فالاستدلال بمجرد جواز الرؤية واحتمال المشاهدة لا يستلزم القطع والاعتقاد والجزم بها،ففي تلخيص الشافي ما هذا نصه: «إنا لا نقطع على أنه مستتر عن جميع أوليائه،والتجويز في هذا الباب كاف»(2)

واستشهد الشيخ الطوسي رحمه الله بنفس عبارات الشريف المرتضى التي أوردها في تلخيص الشافي(3)

ص: 454


1- تلخيص الشافی:1/34.الأعلام/ الزركلي:2733
2- تلخيص الشافی: 4/217.
3- الغيبة/الشيخ الطوسي:93.

ثالثا:أن عبارة:«وليس يعرف كل واحد منا إلا حال نفسه،فأما حال غيره فغير معلوم له»الصادرة من العلمين الجليلين السيد والشيخ عليهما الرحمة،والتي نقلناها آنفاتدل على أنهما كانا يعتقدان بعدم جواز إظهار الرؤية والمشاهدة لمن أسعده حظه ونال شرف لقائه علیه السلام بناء على التوقيع السالف الذكر،أن مدعي المشاهدة كذاب مفتر،ويكونان بذلك قد جمعا بين التوقيع الشریف وحكايات الصالحين وهكذا صنع الإربلي رحمه الله حين قال:«الذي أراه إنه إن كان يراه أحد فقد علم منهم أنهم لا يدعون رؤيته ومشاهدته،وأن الذي يدعيها كذاب،فلا مناقضة إذن،والله أعلم. (1)

ومن خانه الحظ ولم يحظ بشرف اللقاء فليبحث عن العلة في نفسه ولا يلومن إلا نفسه ولا يلقين باللائمة على غيره، فعليه أن يرفع موانع التوفيق بالإصلاح والسداد،وإن خالفه في ذلك العلامة المجلسي رحمه الله وأشكل على هذا المقطع الأخير من كلامه بقول سدید يستحق الوقفة والتأمل(2)

رابعا:أن علمائنا الأعلام لم يقتصروا في ردهم على شبهة الانتفاع

ص: 455


1- کشف الغمة:3/328
2- بحار الأنوار:51/214

به صلوات الله عليه عند انقطاعهم عنه في الغيبة الكبرى بالجواب السابق وهو احتمال اتصال بعض الأولياء به وانتفاعهم بوجوده المقدس حتى يكون إمكان المشاهدة من معتقداتهم ، بل قدموا إجابات عديدة متنوعة ٱخرى،فالسيد المرتضی علم الهدی قدم إجابات ثلاث،إحداها الجواب الأنف الذكر(1)،وقال قدست نفسه أيضا:«لأنهم مع علمهم بوجوده بينهم،وقطعهم على وجوب طاعته عليهم ولزومها لهم لا بد من أن يخافوه ويهابوه في ارتكاب القبائح ويخشوا تأديبه و مؤاخذته فيقل منهم فعل القبيح ويكثر فعل الحسن ،أو يكون ذلك أقرب،وهذه جهة الحاجة العقلية إليه»(2)

كما أن الطبرسي في إعلام الوری قدم أربع إجابات عن تلك الشبهة(3)،وقد تعرضت الروايات إلى جملة من تلك المنافع ، فالانتفاع بالإمام علیه السلام لا يتوقف على مشاهدته علیه السلام؛إذ بيمنه رزق الوری وبوجوده استقرت الأرض والسماء، وامتناع اللقاء به لا ينفي سائر وجوه الانتفاع به والحاجة إليه،وهي كثيرة وضرورية للغاية،

ص: 456


1- الشافي في الإمامة:1/148-149
2- رسائل الشريف المرتضی: 2/299.
3- إعلام الوری: 440.

فسواء أمكنت الرؤية والمشاهدة أو امتنعتا بقیت الحاجة إليه ولو بقاعدة اللطف،ولهذا قال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه:« الدليل على ذلك أن كل زمان لا بد فيه من إمام معصوم، وإلا لحلا الزمان من إمام معصوم مع أنه لطف،واللطف واجب على الله تعالى في كل زمان»(1)

كماادعى آخرون(2)

أن الإمام علیه السلام تأثيرا معنويا على بواطن ونفوس المؤمنين وأرواحهم،وإن غاب عن أبصارهم الظاهرة،وهو حق أيضا لا شك فيه كما كان لموسى علیه السلام قبل خروجه تأثير معنوي على نفوس بني إسرائيل تحت وطأة فرعون والأقباط، وهكذا لسائر الأنبياء على أقوامهم عند غيابهم عنهم.

ثم إنا نجد الشيخ المفيد أعلى الله مقامه لا يتمسك باحتمال المشاهدة في معرض رده على شبهة الانتفاع،بل جعل نفس معرفة الإمام علیه السلام وانتظار فرجه الشريف من فوائد وجوده خلف حجاب الغيب،قال رحمه الله:

«الدليل على ذلك أن كل زمان لا بد فيه من إمام معصوم،

ص: 457


1- النكت الاعتقادية:44- 45.
2- أعنى العلامة الطباطبائی صاحب الميزان رحمه الله في كتاب الشيعة في الإسلام باللغة الفارسية:152.

وإلا لخلا الزمان من إمام معصوم مع أنه لطف،واللطف واجب على الله تعالى في كل زمان(1)

وقال المحقق الطوسي رحمه الله:«انحصار اللطف فيه معلوم للعقلاء،ووجوده لطف وتصرفه لطف آخر،وعدمه منا.» (2)

قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه:«إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإن علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون»(3)

والحاصل:أن غيبة الإمام لا تعني الانقطاع التام وعدم الانتفاع به ولا عدم الحاجة إليه،بل هو كالشمس إذا غبتها الغيوم،ولا يتوقف وجه الانتفاع به بمجرد المشاهدة حتى إذا امتنعت المشاهدة انتفي وجه الانتفاع به.

ص: 458


1- النكت الاعتقادية:44 - 45.
2- تجرید الاعتقاد:222.
3- كمال الدين:303.

الدرس الرابع والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه –8

بسم الله الرحمن الرحیم

أدلة القائلين بإمكان اللقاء والمشاهدة

وكيف كان فإن للمثبتين أدلة وشواهد على أصناف ثلاثة: الأول:الروايات الدالة على المشاهدة.

الثاني:الإجماع.

الثالث:القصص والحكايات والشواهد الصادقة.

أما الروايات:فإنها ثلاث روایات سنحققها سندا ودلالة إن شاء الله تعالى.

1- فعن الإمام الصادق علیه السلام،قال:«لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة،ولا بد له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيبة،

ص: 459

وما بثلاثين من وحشة(1)

وفي بعض نسخ المجلسي رحمه الله:«ولا له في غيبته من عزلة»، والسقوط واضح في النسخة؛إذ في الأصل:«ولا بد له...»

ثم علق قائلا:«وظاهر الخبر کما صرح به شراح الأحاديث أنه علیه السلام يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته،وقيل:إن المراد أنه على هيئة من سنه ثلاثون أبدا،وما في هذا السن وحشة،وهذا المعنى بمكان من البعد والغرابة،وهذه الثلاثون الذين يستأنس بهم الإمام علیه السلام فی غيبته لابد أن يتبادلوا في كل قرن؛إذ لم يقدر لهم من العمر ما قدر لسيدهم علیه السلام،ففي كل عصر يوجد ثلاثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه»(2)

واختار في مرآة العقول المعنى الأول،أعني:«لا بد له في غيبته من عزله»(3)،ونحن وإن حملنا اللفظ الثاني على التصحيف وسهو الكتاب وأنه في الأصل «لابد له»،لكننا لا يمنع من تقديم المعنى الثاني ،فيكون المراد:أنه علیه السلام رغم غيبته عن الأنظار غير أنه ليس في

ص: 460


1- الكافي:1/340.بحارالأنوار:52/157،153.الغيبة النعماني: 188
2- بحار الأنوار:52/320.
3- مرآة العقول:4/50

معزل عنهم،بل يراهم ولا يرونه ،ويطأ فرشهم،ويدخل مجالسهم،ويشاركهم همومهم ،ولا يعد هذا عزلة؛لأنه أوفق لجملة من الروايات المصرحة باختلاطه للناس وحضور مجالسهم ،وإن كانت روايات ٱخر تعضد المعنى الأول،وهي التي يقول في بعضها أنه مأمور بالعزلة ،وأن يتخذ مواطن معزولة عن الناس،ولا يشاركهم في الوطن والمسكن،وطريق الجمع أنه إن كانت العزلة بمعنى الانقطاع التام وعدم الاختلاط مطلقا فهي تنافي كثيرا من الروايات التي لا شك في سلامة أسانید بعضها، فالأوفقالأنسب هو الأخذ بالثاني وهو قوله علیه السلام:«ولا له في غيبته من عزلة»،وإن كانت بمعنى اعتزال الناس في الموطن والمقام، فالأوفق الأخذ بالأول،وهو قوله علیه السلام:«ولا بد له في غيبته من عزلة»،وعلى كلا المعنيين تدل سائر الروايات الواردة في هذا الخصوص.

وعلى كل حال،فنحن الذين نعيش حالة العزلة؛لأننا في عزلة من هذه النعمة والبركات ،وليس الإمام صلوات الله عليه.

وقد اختار المرحوم المولى صالح المازندراني المعنى الثاني لأنه حمل العزلة على الانقطاع التام،وهو لا يتفق مع جملة من الروايات

ص: 461

الدالة على حضوره علیه السلام ومعاشرته لللناس(1)،وأنت ترى مافيه،بعد الذي قدمناه آنفا.

ثم إن العلامة المجلسي طاب ثراه علق على الحديث المزبور قائلا«بیان:..والعزلة-بالضم -اسم الاعتزال،والطيبة اسم المدينة الطيبة،فيدل على كونه علیه السلام غالبا فيها وفي جوانبها،وعلى أن معه ثلاثين من مواليه وخواصه،إن مات أحدهم قام آخر مقامه» (2)

واستندالمحدث النوري لإثبات حكايات الرؤية والمشاهدة بهذا الحديث قائلا:«وهذه الثلاثون الذين يستأنس بهم الإمام علیه السلام في غيبته لا بد أن يتبادلوا في كل قرن؛ إذ لم يقدر لهم العمر ما قدر لسيدهم علیه السلام،ففي كل عصر يوجد ثلاثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه»(3)

نقد الرواية سنداودلالة

أولا:لا يمكن الاستناد إلى هذه الرواية لضعف سندها بعلي بن

ص: 462


1- شرح الكافي: 6/243
2- بحار الأنوار:52/158
3- جنة المأوى المطبوع ضمن بحار الأنوار:53/320

أبي حمزة البطائني زعيم الواقفة(1)،إلا أن يثبت أنه رواها قبل انحرافه وسقوط وثاقته،فهل هي من مروياته قبل الوقوف وإنكار إمامة مولانا الرضا صلوات الله عليه أم بعد ذلك؟

فتوقف العلامة المجلسي قدس سره في مرآة العقول عن التوثيق والتضعيف؛لاحتماله صدورها قبل ذلك أو بعده، ولهذا احتمل ضعفها کما احتمل وثاقتها أيضا،فلا يمكن الاستناد إليها.

وهو رحمه الله في البحار وإن روي لهذا الخبر عن غيبة النعماني سندا صحيحا(2)من غير أن ينقل الحديث،إلا أنه تدارك هذا الاشتباه في حاشيته مصرحا أن السند المزبور إنما هو للحديث الذي تلى هذا الحديث في غيبة النعماني (3)،وليس يرتبط بذات الحديث.

ثانيا یرد على المتن أن الوحشة غير معقولة في شأن الإمام علیه السلام كيف وهو مشغول بمهام الٱمور لا تخفى عليه ٱمور العباد والبلاد ويخالط الناس ويحضر المواسم وله مع الله تعالى وخلائقه شؤون تنفي معنى الاستيحاش،ولهذا حمل العلامة المجلسي رحمه الله هذه الوحشة

ص: 463


1- جامع الرواة:1/547.
2- بحار الأنوار:52/157
3- الغيبة/ النعماني: 188.

على معنى آخر هو ٱنس هؤلاء الثلاثين بعضهم ببعض،لا أدري وليت شعري ما علاقة غيبة الإمام صلوات الله عليه بعدم وحشة هؤلاء الثلاثين؟!وليتني علمت وجه العلاقة بين ذاوذا.

إلا أن نحمل الوحشة على معنى فوق إدراكاتنا الطبيعية، وهو كما ترى.نعم،الاستیناس بالأولياء وصحبتهم أمر مألوف لابد منه،وفي فقدان الإخوان وحشة للجميع حتى الأنبياء والأئمة علیهم السلام،وفي التاريخ والسيرة والحديث شواهد كثيرة.ولهذا جاء في الحديث:

وروى في البحار:

«المظفر العلوي عن...عن ابن فضال،عن الرضا علیه السلام، قال:«إن الخضر شرب من ماء الحياة، فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور...»إلى أن قال علیه السلام:« وسيؤنس الله به وحشة قائمنا علیه السلام في غيبته،ويصل به وحدته»(1)

ولكن فيه أن الخضر الذي هو أطول عمرة منه علیه السلام بمن يستأنس؟أليس هو أيضا يستأنس بكل نبي أو وصي أو ولي في كل زمان؟فالأفضل أن يقال:يستأنس كل احد منها بصاحبه،ولا نشك

ص: 464


1- بحار الأنوار:52/152

في ذلك،فتأمل.

ثالثا:أن شراح الكافي حملوا هذا الخبر على الغيبة الصغرى حيث كان يسكن المدينة المنورة،بينما يظهر من العلامة المجلسي عليه الرحمة اختصاصه بزمن الغيبة الكبرى(1)،كما صرح لدي شرحه الحديث التالي لهذا الحديث باختصاص هذا الحديث بزمن الغيبة الكبری(2)وهكذا صنع المولى صالح المازندراني قائلا:«لأنه يعتزل الناس جميعا(3)فأرادرحمه الله أن الإمام لاعتزاله الناس في الغيبة الكبرى خصه الله تعالى بثلاثين من الأخبار والخدم؛لدلالة الحديث القادم والتصريع فيه بخاصة مواليه،وسيأتي إن شاء الله تعالى.

أما الفيض الكاشاني رحمه الله فقد خص الرواية بالغيبة الصغرى حيث قال:«ومعه ثلاثون من شيعته يأنس بعضهم ببعض، فلا وحشة لهم ، كأنه أشار بذلك إلى غيبته القصيرة، فإن في الطويلة ليس لشيعته إليه سبيل»(4)

ص: 465


1- مرآة العقول:4/50
2- مرآة العقول:4/52
3- شرح الكافي: 6/243.
4- الوافي:2/412

وكيف كان فسواء حمل على إرادة الصغرى القصيرة أو الكبرى الطويلة فالوحشة غير متصورة في حقه علیه السلام، إلا أن يحمل على إرادة الوحشة لٱولئك الموالي والأصحاب،كما تقدم من بعضهم عليهم الرحمة ،وهو في غاية البعد؛إذ الكلام عن غيبة الإمام أرواحنا له الفداء ووحشته لا عن أولئك الثلاثين ، بل ظاهر الخبر أن الثلاثين ٱنس له علیه السلام،يأنس بهم،وهو رغم بعده ليس ببعيد إذا وجدنا له مخرجا ومعنى يدفع الإشكال السابق.

2-واستندوا أيضأ بموثقة عار عن مولانا الصادق صلوات الله عليه:«للقائم غیبتان: إحداهما قصيرة والٱخرى طويلة ،الغيبة الٱولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته،والٱخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه(1)

رواها النعماني عليه الرحمة عن ابن عقدة،والكليني رحمه الله باختلاف يسير في السند (2)وقال المجلسي طاب ثراه في شرح الرواية:«إلا خاصة مواليه»،أي خدمه وأهله وأولاده أو الثلاثين الذين مضى ذكرهم،وفي الغيبة الصغرى كان بعض خواص شیعته مطلعين

ص: 466


1- الكافي:1/340.
2- الغيبة/ النعماني: 170.

على مكانه کالسفراء وبعض الوكلاء»(1)،وقال المولى صالح المازندراني رحمه الله:«المراد من خاصة مواليه ، حواریوه علیه السلام(2)،وفسر الفيض الكاشاني «خاصة مواليه» بالخدم،قال رحمه الله:«كأنه پرید بخاصة الموالي الذين يخدمونه؛لأن سائر الشيعة ليس لهم فيها إليه سبيل»(3)

3-واستندوا أيضا لإمكان المشاهدة في زمن الغيبة الكبرى بخبر المفضل بن عمرو عن مولانا الصادق علیه السلام:«إن لصاحب هذا الأمر غيبتين ...»إلى قوله علیه السلام:«لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره،إلا المولى الذي يلي أمره» (4)

ورواه صاحب البحار بلفظ:« من ولده ولا غيره»بدل«من ولي ولا غيره»(5)عن غيبة الطوسي قدس سره،حيث نرى أن الشيخ أعلى الله مقامه رواه بلفظين،تارة بلفظ«من ولده »(6)كما في البحار،

ص: 467


1- مرآة العقول:4/52
2- شرح الكافی:6/245
3- الوافي:2/416
4- الغيبة/النعمانی:172،171
5- بحار الأنوار:52/153.
6- الفیبة/الشیخ الطوسی:162

وتارة ٱخرى خاليا من عبارتي « من ولده»و«من ولي) كلتيهما ،مكتفيا بلفظ«من غيره»(1)،وقد المتقي الهندي ما جاء في غيبة النعماني راوياإياه عن الإمام الحسین علیه السلام(2)

ويرد عليه:

أولا:ضعف السند.

ثانيا:أنه لا يعرف موضعه إلا الغلام والمولى الذي يخدمه ويقوم بشؤونه،وهو كما ترى ينافي الروايتين الآنفتين، وروايات ٱخر أعرضنا عن إعادتها هنا لئلا يطول بنا المقام.

خلاصة القول

إن هذه الأدلة الروائية لا تنهض بالغرض،ولا هي تقدر على معارضة التوقيع الشريف وأدلة امتناع المشاهدة، وعليه فلم يقدم العلمان الجليلان السيد المرتضى وشيخ الطائفة ولا من تبعهما دليلا روائيا يمكن الاستناد إليه بحسب قواعد علم الٱصول وعلم الرجال وعلم دراية الحديث على إمكان المشاهدة في عصر الغيبة الكبرى،بل إنا نجد الشيخ المفيد أعلى الله مقامه قال مستندا إلى الروايات

ص: 468


1- الغيبة/الشيخ الطوسی: 161.
2- كما في منتخب الأثر: 253،نقلا عن البرهان في علامات آخر الزمان.

الثلاثة المتقدمة:«بأنه لا بد للقائم المنتظر من غيبتين، إحداهما أطول من الٱخری، ويعرف خبره الخاص في القصری ،ولا يعرف العام له مستقرأ في الطولى،إلا من تولى خدمته من ثقاة أوليائه،ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره»(1)

نعم،حمل الملحدث النوري أعلى الله مقامه النفي الوارد في الأحاديث عن رؤيته،على إرادة مكان إقامته وموطنه وسكناه الخاصة بمن معه، مستندا في ذلك إلى بعض الأخبار والأحاديث التي قدمناها عند استعراضنا لنظر المحدث الجليل رحمه الله،فلتطلب من هناك،ونحن وإن وافقناه على صحة استتار موطنه الشريف،بيد أننا لا نقبل بحمل امتناع الرؤية على إرادة امتناع الاطلاع على موضعه وموطنه الخاص ، بل كل واحدة منهما-أعني المشاهدة ومعرفة المكان - ممتنعتان بدليلها الخاص بها، فهذا الحمل وأمثاله يحتاج إلى دليل ، كما أن استثناء البعض من هذا الحكم العام يحتاج إلى دليل من المعصوم علیه السلام وهو مفقود.

ص: 469


1- المسائل العشرة في الغيبة: 82.

ص: 470

الدرس الخامس والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه - 9

بسم الله الرحمن الرحیم

وأما الإجماع:

ومما استند إليه دعاة إمكان المشاهدة هو الإجماع،ومعناه أن يسمع بعض العلماء كلاما أو حكما فقهيا من الإمام الحجة أرواحنا فداه مباشرة لا بالواسطة أو بواسطة معتبرة غاية الاعتبار فينقله في قالب دعوى الإجماع خشية تكذيبه ورده إليه،قال المحقق التستري - المعروف بالمحقق الكاظمي - في كشف القناع في إثبات الإجماع وأقسامه ما حاصله وخلاصته:أن جماعة من حملة أسرار أهل البيت علیهم السلام يقطعون بكلام الإمام الغائب ، يعلمون به بواسطة نقل أحد السفراء،أو مواليه علیهم السلام لهم في السر بحيث يحصل من نقله القطع واليقين بصحة نسبته إليه علیه السلام أو أن يبلغه ذلك بتوقيع ومراسلة من

ص: 471

جهة الإمام علیه السلام،أو أن يسمع كلامه مباشرة من غير واسطة في البين،بحيث لا ينافي امتناع الرؤية في زمن الغيبة الكبری.

ولما كان مثل هذه الجماعة لايجرأون على التصريح بذلك وإيصال قول الإمام علیه السلام إلی شيعته لمحذور امتناع ادعاء المشاهدة،بل المشاهدة ذاتها،كما حققناه هنا، وليس له دليل من الكتاب والسنة أو العقل عليه... مضافا إلى عدم تكليفه الكتمان،فهو حينئذ لا يجد بدا من ادعاء الإجماع عليه للافصاح عنه والإدلاءبه.

ولعل هذا الأصل هو المسوغ الشرعي الذي تستند إليه الكثير من الزيارات والآداب والأعمال التي اشتهرت بين الإمامية،مما لا سند ظاهر لها من الأخبار وكتب السلف والماضين(1)

هذامضمون وحاصل وملخص قوله رحمه الله.

وهو بذلك عد ثبوت أكثر الزيارات والآداب والأعمال الشهيرة التي يتم تداولها بين الإمامية ولا مستند لها من الأحاديث والأخبار وكتب الأعلام،بدليل هذا النوع من الإجماع،ولهذا واستنادا إلى ما تقدم من كلام المرحوم التستري،وبلحاظ ما تقدم في كتابه کشف القناع أجاز المحدث النوري في جنة المأوى والنجم الثاقب

ص: 472


1- کشف القناع:230.

الرؤية والمشاهدة في هذا العصر.

مناقشة المرحوم التستري ويرد على ذلك بوجوه:

أولا:أنه ينافي أدلة الامتناع. ثانيا:لايصح التعبير بالسفير في الغيبة الكبرى.

ثالثا:أن خروج التوقيع والمراسلة ممتنعان في هذا العصر إلا بدليل خاص،والدليل مفقود حتى يظهر.

رابعا:أنه لا دليل على حجية هذا النوع من الإجماع.

خامسا:لا يرى العلماء- الفقهاء والٱصوليون -حجية لهذا النوع من الإجماع،حتى أنهم رفضوا الاستناد إلى الإجماع الدخولي والإجماع اللطفي ولم يروا لهما حجية في الشريعة.

قال السيد المرتضی علم الهدى رضی الله عنه بعدما استعرض جملة من آراء الطوائف وعلماء المذاهب الإسلامية في مسألة الإجماع وحكمه:

«والصحيح الذي نذهب إليه أن قولنا(إجماع):إما أن يكون واقعا على جميع الٱمة،أو على المؤمنين منهم،أو على العلماء فيما يراعى فيه إجماعهم،وعلى كل الأقسام لابد من أن يكون قول الإمام المعصوم داخلا فيه؛لأنه من الٱمة،ومن أجل المؤمنين، وأفضل العلماء،فالإسم مشتمل عليه،وما يقول به المعصوم لا يكون

ص: 473

إلاحجة وحقا...الخ (1)

وقال الفاضل التوني أعلى الله مقامه:«الإجماع لغة:الاتفاق.

واصطلاحا-عندنا-اتفاق جمع يعلم به أن المتفق عليه صادر عن رئيس الٱمة وسيدها وسنامها صلوات الله عليه، والحق إمكان وقوعه،والعلم به،وحجيته»(2)

ثم قال:«الإجماع يطلق على معنيين؛أحدهما:اتفاق جمع على أمر،يقطع بأن أحد المجمعين هو المعصوم،ولكن لا يتميز شخصه.وهذا القسم من الإجماع ما لا يكاد يتحقق؛لأن الإمام علیه السلام قبل وقوع الغيبة كان ظاهرا مشهورا عند الشيعة في كل عصر، يعرفه كل منهم ، وبعد الغيبة يمتنع حصول العلم بمثل هذا الاتفاق...

وثانيهما:اتفاق جماعة على أمرلايقطع بدخول الإمام علیه السلام فيهم،بل قد يقطع بخروجه عنهم،إلاأن هؤلاء المجمعين كانوا ممن لا يجوز العقل اجتماعهم على الإفتاء من دون سماعهم لتلك الفتوى عن قدوتهم وإمامهم علیه السلام»(3)

ص: 474


1- الذريعة:2/ 605
2- الوافية: 151.
3- الوافية: 153.

ثم قال في البحث الثالث:«الحق إمكان الإطلاع على الإجماع بالمعنى الثاني ..الخ.»(1)

ومن أراد المزيد والتفصيل فعليه بكتب الأصول، لاسيما فرائدالٱصول الرسائل - للشيخ الأعظم الأنصاري (2)

والمحقق الروحاني أعلى الله مقامه ذكر في مبحث الإجماع عند تعرضه لبيان طرق معرفة رأي الإمام صلوات الله عليه:

الخامس:التشرف بخدمة الإمام علیه السلام،ومعرفة رأيه، فينقل الحكم بعنوان الإجماع لبعض الأغراض»(3)

قال الآخوند الخراساني أعلى الله مقامه في التنبيه الأول من مبحث الإجماع:«...وإن احتمل تشرف بعض الأوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا...الخ»(4).فهما رحمها الله أیضا ممن یرون جواز التشرف واللقاء بحضرة الإمام صلوات الله عليه مع العلم والمعرفة به علیه السلام، أي:أنهما ذهبا إلى إمكان مشاهدته علیه السلام.

قال مؤسس حوزة قم ومجدد أمجادها الشيخ عبدالكريم الحائري

ص: 475


1- الوافية:154
2- الفرائد:1/184.
3- منتقى الٱصول:4/239
4- كفاية الأصول: 291.

طيب الله ثراه في معرض الرد على حجية الإجماع الدخولي والإجماع اللطفي:«إن الطريق الأول- يعني الإجماع الدخولي - مما لا يمكن تحصيله في عصر الغيبة ... والطريق الثاني - يعني الإجماع اللطيفي - ليس صحيحا لعدم تمامية البرهان الذي ٱقيم عليه،فإنه بعد غيبة الإمام علیه السلام بتقصير منا كل ما يفوتنا من الانتفاع بوجوده الشريف وبما يكون عندهمن الأحكام الواقعية قد فاتنا من قبل أنفسنا،فلا يجب عليه عقلا أن يظهر المخالفة عند اتفاق العلماء،إذا كان اتفاقهم على خلاف حکم الله الواقعي»(1)

وقال المرحوم المظفر في مبحث الإجماع:

«1-طريقة الحس،وبها يسمي الإجماع:الإجماع الدخولي، وتسمى الطريقة التضمنية، وهي الطريقة المعروفة عند قدماء الأصحاب التي اختارها السيد المرتضى وجماعة سلكوا مسلکه.

وحاصلها:أن يعلم بدخول الإمام في ضمن المجمعين على سبيل القطع من دون أن يعرف بشخصه من بينهم.

وهذه الطريقة إنما تتصور إذا استقصى الشخص المحصل للإجماع نفسه وتتبع أقوال العلماء،فعرف اتفاقهم ووجد من بينها أقوالا

ص: 476


1- درر الفوائد:372.

متميزة معلومة لأشخاص مجهولين حتى حصل له العلم بأن الإمام من جملة أولئك المتفقين،أو يتواتر لديهم النقل عن أهل بلد أو عصر، فعلم أن الإمام كان من جملتهم،ولم يعلم قوله بعينه من بينهم،فيكون من نوع الإجماع المنقول بالتواتر.

ومن الواضح أن هذه الطريقة لا تتحقق غالبا إلا لمن كان موجودا في عصر الإمام،أما بالنسبة إلى العصور المتأخرة فبعيدة التحقق،لاسيما في الصورةالٱولى وهي السماع من نفس الإمام ...الخ»(1)

وقال في موضع آخر:

«إذاعرفت ذلك ظهر لك أن الإجماع لا يستلزم القطع بقول المعصوم، عدا الإجماع الدخولي ،وهو بالنسبة إليها غير عملي»(2)

ثم قال رحمه الله:

«2-طريقة قاعدة اللطف،وهي أن يستكشف عقلا رأي المعصوم من اتفاق من عداه من العلماء الموجودين في عصره خاصة،أو في العصور المتأخرة،مع عدم ظهور ردع من قبله لهم بأحد وجوه الردع الممكنة،خفية أو ظاهرة،إما بظهوره نفسه،أو بإظهار من

ص: 477


1- ٱصول الفقه:2/95.
2- المصدر المتقدم: 100.

يبين الحق في المسألة،فإن قاعدة اللطف کما اقتضت نصب الإمام وعصمته تقتضي أيضا أن يظهر الإمام الحق في المسألة التي يتفق المفتون فيها على خلاف الملحق،وإلا لزم سقوط التكليف بذلك الحكم،أو إخلال الإمام بأعظم ما وجب عليه ونصب لأجله،وهو تبليغ الأحكام المنزلة.

وهذه الطريقة هي التي اختارها الشيخ الطوسي ومن تبعه،بل یری انحصار استكشاف قول الإمام من الإجماع فيها ...الخ»(1)

ورد على هذه الطريقة قائلا: «و لازم هذه الطريقة قدح المخالفة مطلقا،سواء كانت من معلوم النسب أو مجهوله، مع العلم بعدم کونه الإمام، ولم يكن معه برهان يدل على صحة فتواه.

ولازم هذه الطريقة أيضا عدم کشف الإجماع إذا كان هناك آية أو سنة قطعية على خلاف المجمعين،وإن لم يفهموا دلالتها على الخلاف» (2).

وقال رحمه الله فی حكم هذا النوع من الإجماع:

وأما القول بأن قاعدة اللطف تقتضي أن يكون الإمام موافقا لرأي المجمعين،وإن استند المجمعون إلى خبر الواحد الذي ربما لا تثبت

ص: 478


1- ٱصول الفقه:2/96.
2- ٱصول الفقه:2/97

لنا حجيته من جهة السند أو الدلالة لو اطلعنا عليه ، فإننا لم نتحقق جریان هذه القاعدة في المقام... لأن السبب الذي يدعو إلى اختفاء الإمام واحتجاب نفعه مع ما فيه من تفويت لأعظم المصالح النوعية للبشر هو نفسه قد يدعو إلى احتجاب حكم الله عند إجماع العلماء على حكم مخالف للواقع..الخ»(1)

ثم قال:«وعلى هذا فمن أين يحصل لنا القطع بأنه لابد للإمام من إظهاره حال غيبته عند حصول إجماع مخالف للواقع»(2)

واستنتج من ذلك كله : « وإذا جاء الاحتمال لا يبقى مجال لاستلزام الإجماع القطع بقول المعصوم من جهة قاعدة اللطف »(3)

اخترنا هذا القليل من أقوال علمائنا لتحرير موضع النزاع ، ولمجرد الاستشهاد ، وإلا فلكل واحد من أعلام الطائفة كلام مفصل وقول فصل بهذا الخصوص يمكن مراجعة أقوالهم في كتبهم الٱصولية التخصصية لذوي لاختصاص.

فإذا انتفت وظيفة الإمام علیه السلام في بيان ما يخالف حكم الله الواقعي

ص: 479


1- ٱصول الفقه.
2- ٱصول الفقه: 2/100.
3- المصدر المتقدم: 101.

فهو بالأولويةالقطعية ليس مكلفا بيان ما خفي علينا في أبواب الآداب والأدعية والزيارات،أضف إلى ذلك أنه علیه السلام وأبوه مولانا الإمام العسكري صلوات الله عليه ومن بعدهما وبلحاظ أوامرهما الممضية السيرة العقلاء وحكم العقل قد أرشدوا العامة إلى متابعة الفقهاء وأخذ الأحكام الشرعية عنهم، وتلقي تكاليفهم منهم بطریق التقليد(1)،فهذا العلامة الكراجكي طاب ثراه بعد بیان احتمال انتفاع بعض الأولياء من منبع الفيض الإلهي أرواحنا له الفداء قال :

«فأما الذي يجب أن يفعله اليوم المسترشدون ويعول عليه المستفيدون فهو الرجوع إلى الفقهاء من شيعة الأئمة، وسؤالهم في الحادثات عن الأحكام والأخذ بفتاويهم في الحلال والحرام ، فهم الوسائط بين الرعية وصاحب الزمان علیه السلام، والمستودعون أحكام الشريعة الإسلامية،ولم يكن الله تعالى يبيح لحجته صلى الله عليه الاستتار إلا وقد أوجد للٱمة من فقه آبائه ما تنقطع به الأعذار»(2)

ومن قبله صرح بذلك شيخ مشايخ الطائفة المفيد طاب ثراه قائلا:

ص: 480


1- ذكرنا ذلك مفضلا في محله من هذا الكتاب ، وقد فضلناه في الحلقة الثانية من كراسنا: «كيف نفهم الرسالة العملية
2- کنز الفوائد:2/218

ويستعينوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم ، وإن كان -والعياذ بالله - لم يوجد فيا اختلفوا فيه نص على حكم سمعي فليعلم أن ذلك مما كان في العقول و مفهوم أحكام العقول...الخ »(1)

سادسا : لعل ما أشار إليه المحقق الكاظمي قدس الله روحه من الآداب والزيارات والدعوات يكون ممتا تلقاه الشخص في المنام، أو عن طريق السماع، كما هو الحال بالنسبة للسيد ابن طاووس رضی الله عنه في مورد واحد أنه سمع صوت الحجة عجل الله تعالى فرجه في السرداب الشريف وهو مشغول بالدعاء (2)،ولم يرد عنه رضی الله عنه أنه ادعی الرؤية قط،وسيأتي البحث فيما يحكي عنه مفصلا في الأسطر القادمة إن شاء الله تعالى.

وقال السيد ابن طاووس رضی الله عنه في وصاياه لابنه في كتاب كشف المحجة لثمرة المهجة: «وقد احتجناكم مرة عند حوادث حدثت لك ، إليه ، ورأيناه في عدة مقامات في مناجاة ، وقد تولى قضاء حوائجك بإنعام عظيم في حقنا وحقك ، لا يبلغ وصفي إليه» (3)

ص: 481


1- الرسالة الأولى في الغیبة:15
2- مهج الدعوات: 380.بحار الأنوار:53/228
3- کشف المحجة: 304.

أقول : لعل ادعاء السيد أعلى الله مقامه هنا لمجرد الرؤية کما صرح بها: «ورأيناه » ، وعليه فما أراد المشاهدة وما ادعاها، بل ادعی الرؤية، ولم يناقش أحد في إمكان الرؤية وجواز ادعائها إن لم تصحبها المعرفة الحالية ، وإن کا لانمنع المشاهدة له ولأمثاله ونظائره من الأوتاد، فتأمل.

سابعا : أنا لو فرضنا صحة ما ادعاه التستري رحمه الله وسلمنا به جملة و تفصيلا، فإنه لا يثبت صحة تلك الحكايات التي أوردها المرحوم المحدث النوري ، ولا ينهض بالاستناد والاستدلال کما لا يقوى على معارضة أدلة نفي المشاهدة ؛ ذلك أن المحقق التستري عليه الرحمة إنما استند إلى دعوى الإجماع في إبلاغ تلك الآداب والأعمال لإثبات إمكان المشاهدة مع فرض امتناع الرائي والمشاهد عن ادعاء المشاهدة والرؤية ، وهو يوافق روایات تکذیب المدعي ، والحال أن المحدث النوري طاب مثواه نقل حکایات وقصصا عن ادعوا المشاهدة ، وقدأمرنا بتكذيبهم ؛ لأن مدعي المشاهدة ثبت بالدليل الصحيح أنه كذاب مفتر أو كاذب مفتر.

ص: 482

الدرس السادس و الثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-10

بسم الله الرحمن الرحیم

وأما القصص والحكايات:

فقد ورد في كثير من الكتب والمؤلفات قصص وحكايات جمة تدل على إمكان المشاهدة ووقوعها صراحة ممن ادعوا الرؤية والمشاهدة ، و عمن نسبت إليهم بعض تلك الحكايات ، وحكايات تدل على إمكان الرؤية والمشاهدة ضمنا لا صراحة . وأول هذه الحكايات على ما يبدو -والعلم عند الله تعالى - هي حكاية نصب الحجر الأسود عام 339ه المتعلقة والمنسوبة إلى ابن قولويه رحمت الله، التي لم نعثر لها على ناقل قبل القطب الراوندي ،المتوفی 573ه في كتابه الخرائج والجرائح،(1)

ص: 483


1- الخرائج والجرائح : 1/ 475. بحار الأنوار:52/56.

وبين ابن قولویه وهذا الأخير ما يربو على القرنين لتأخر الراوندي أعلى الله مقامه عن ابن قولویه بزمن طويل ، ثم وجدنا السيد ابن طاووس رحمه الله، المتوقى 644ه بذل اهتماما مضاعفا ليجمع ويروي جملة غفيرة من هذه القصص والحكايات(1)،وازدادت هذه الحكايات ورواتها ودعاتها يوما بعد يوم حتى غدى أمر الرؤية والمشاهدة ضروريا مسلما لا تكاد تطاله يد النقض والإبرام ، بل أضحت أدلة النافين للرؤية في غياهب النسيان تتطاولها سهام السنة الطاعنين .

فممن عنى بنقل هذه الحكايات محدثنا البارع المحدث النوري طاب ثراه، بعد ما أكد جواز المشاهدة ذكر إشكال امتناع الرؤية في زمن الغيبة الكبرى ، وإجابة السيد بحر العلوم ورده على الإشكال في خاتمة «مستدرك الوسائل»، ثم قال ردا على جواب السيد رضی الله عنه:«ونحن أوضحنا جواز الرؤية في الغيبة الكبرى بما لا مزيد عليه في رسالتنا « جنة المأوی» ، وفي كتاب « النجم الثاقب» ، وذكرنا شواهد و قرائن لا تبقي معها ريبة ، ونقلنا عن السيد المرتضی وشیخ الطائفة وابن طاووس التصريح بذلك ، وذكرنا لما ورد من تکذیب مدعي الرؤية ضروب من التأويل تستظهر من كلماتهم ، فلاحظ هذا».

ص: 484


1- فرج المهموم: 247.

ثم أضاف: «ومن أراد أن يجد – وجدا_مفاد قول الحجة علیه السلام فی حقه:«أیهاالولی الملهم »، فليمعن النظر في مجالس مناظراته مع أرباب المذاهب المختلفة ، وأجوبته المحاضرة المفعمة الملزمة ، كفاك في ذلك كتاب « الفصول» للسيد المرتضى رضی الله عنه ، الذي قد لخصه من کتاب « العيون والمحاسن» للشيخ ، ففيه ما قيل في مدح بعض الأشعار: یسکر بلا شراب ، ويطرب بلا سماع ، وقد عثرنا فيه على الأجوبة الممكنة التي يبعد عادة إعداده قبل المجلس ، ثم استطرف بذكر طريقة منه» (1)

ومن المعاصرين المرجع الديني سماحة الشيخ لطف الله الصافي الگلپایگانی دامت برکاته ، فإنه قال في مقام الرد على من زعم كذب الحكايات وقصص المشاهدة وادعی کونها موضوعة:

«أقول:ما نرى في هذه الحكايات ابتذالا لرؤيته علیه السلام، وهو علیه السلام يعرف من يليق برؤيته علیه السلام؛ لصلاحية في نفسه ، أو لحكمة ومناسبة تقتضي ذلك ، وأولياؤه والخواص من شیعته مخفيون في عباد الله تعالى يعرفهم علیه لإمام السلام »، ثم قال دام ظله:«... مضافا إلى أنه لو استظهر من هذا التوقيع حرمان الناس كلهم عن التشرف بلقائه،ينافي

ص: 485


1- رجال بحر العلوم: 3/519. الفوائد الرضوية: 630.

الحكايات المتواترة التي لا شك في صحتها ، سیما تشرف عدة من أكابر العلماء ، وهذه قرينة على أن المراد من کون من يدعيالمشاهدة كذابة مفترية ، من يدعيها ، كما كان متحققا للسفراء في عصر الغيبة الصغرى فيدعي بها النيابة والسفارة والوساطة بين الناس وبين الإمام عليه الصلاة والسلام ، والحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى»(1)

وقد تقدم الكلام في ما نسب إلى العلمين الجليلين: الشريف المرتضی وشیخ الطائفة عليهما الرحمة أنهما لم يجزما بالجواز والإمكان ، وإنما طرحا الأمر من جهة الاحتمال للرد على المخالفين ، كما أجبنا عن إشكال الإرسال وضعف السند اللذين أوردهما المحدث الجليل رحمه الله بخصوص التوقيع الشريف.

وأما العلامة المجلسي أعلى الله مقامه الشريف حيث سعى للجمع بين تلك الحكايات من جهة والتوقيع الشريف من جهة ٱخرى بتأويل المشاهدة إلى خلاف ظاهر اللفظ، قائلا:«لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة ، على مثال السفراء ، لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه»(2)

ص: 486


1- مجموعة الرسائل: 2/212.
2- بحار الأنوار:52/151.

وهو غير تام بوجوه:

أولا:أن صدر التوقيع قد تكفل بهذا المعنى - كما تقدم - ولا معنى للإعادة هنا ، إلا بغرض آخر.

ثانيا:أن ذیل الرواية في مقام نفي الرؤية والمشاهدة قبل الصيحة وخروج السفياني مطلق ، وهذا الإطلاق ينفي دعوى التقييد بخصوص المشاهدة مع ادعاء النيابة الخاصة ، بل يجب تكذیب كل من يدعي المشاهدة سواء أكان دعواه مرافقأ لادعاه النيابه أم لا ؟

ثالثا : أن التقييد يجب أن يكون متصلا ضمن التوقيع وهو مفقود هنا، أو منفصلا في توقيع صحيح أو رواية أخرى صحيحة السند وهو مفقود أيضا ، وأما القصص والحكايات فلا تسمن ولا تغني من جوع؛ لأنها لا تنهض لتخصيص الأخبار الصحيحة وهو ما ثبت في علم الٱصول - وإلا عمت الفوضى وكان مآله الهرج والمرج.

رابعا: أنا لا نسلم بهذا التأويل البعيد و المخالف للظاهر وللقواعد الٱصولية ، ولو سلمنا ، فإن التوقيع ينفي الجميع ويأمر بتكذيب كل من ادعى المشاهدة ، سواء كانت مع ادعاء السفارة ، أو لم تكن كذلك ، لا حمله على خصوص ادعاء المشاهدة مع السفارة ، وإلا اختلط الحابل بالنابل.

ص: 487

خامسا: جلالة قدر أصحاب هذه القصص والحكايات لا تغير من الواقع العلمي المبني على الدراسة والتحقيق شيئا.

نعم ، ربما يحصل من مجملها علم إجمالي بصدق ولو بعضها -كما سيأتي إنشاء الله تعالى - وبالتالي حصول علم إجمالي بإمكان المشاهدة ، حینئذ يجب النظر والتأمل بحثا عن التأويل السليم الموافق لإطلاق الدليل ، من غير حاجة إلى مخالفة الظاهر بالحمل على الفرد البعيد أو خلاف الظاهر ، فينبغي کون التأويل ملائما للإطلاق ليتم الانصراف ويصح التصرف في لسان الدليل.

سادسا : هذه التوجيهات والتأويلات جاءت متأخرة جدا، ولو كانت صحيحة لتفطن لها أعلام الطائفة ، كالشيخ والسيد وغيرهما ، الذين لم يدخروا وسعا في البحث عن المخارج لهذه المآزق کما اجتهدوا كثيرا في التصنيف والتأليف والرواية والتحقيق فيما يخص أمر الحجة صاحب الأمر أرواحنا فداه .

سابعا : أن انقطاع السفارة كان من ضروريات المذهب لدى أعلام الطائفة رضی الله عنها ، بل لدى الشيعة كافة ولم يستند أحد في تكذيب مدعيها في الغيبة الكبرى بهذا التوقيع ، بل كل من تكلم عن جواز مطلق المشاهدة أو عدم جوازه إنما كان باعثه إلى البحث ذیل هذا التوقيع

ص: 488

وسائر الأدلة النافية لإمكان الرؤية(1)

وأما استناد المحدث النوري طاب ثراه ومن تبعه ، بقصة الجزيرة الخضراء والرد على النافين لإمكان الرؤية والمشاهدة هناك (2)،بدعوى أن تكذیب مدعي المشاهدة يختص بعصر العباسيين والعصور التي يكثر فيها أعداء أهل البيت علیهم السلام ، وبسط نفوذهم على العباد وسلطانهم على البلاد، وأن في عصرنا هذا الذي بعدت الشقة بينهم وبين صاحب الأمر صلوات الله عليه ، فإنهم يئسوا من العثور عليه والنيل منه ، فلا امتناع ولا محذور في رؤيته ومشاهدته علیه السلام.

فيرد عليه:

أولا:أنه لم يرد لهذه الجزيرة ذكر ولا إشارة في الكتب الحديثية المعتبرة القديمة.

ثانيا:لم يرد لها ذكر على لسان المتقدمين إلى زمن المحدث النوري طاب ثراه.

ثالثا:ليس لهذه القصة برمتها مستند صحيح يمكن التعويل عليه.

ص: 489


1- الغيبة/الشيخ الطوسي: 412
2- جنة المأوى المطبوع في البحار :53/319و:52/171.

رابعاً:وعلى فرض وجود المستند الصحيح فلا تنهض لمعارضة إطلاقات التوقيع والأدلة النافية ، ولا تقيد الخبر الصحيح.

خامساً: لم يسلم بها كثير من الأعلام،بل رفضها جملة من الأكابر والأعاظم أو عدوها من خيال القصاصين ، كالعلامة المحقق الشيخ الآغا بزرك الطهراني (1)،والإمام الأكبر العلامة الشيخ جعفر کاشف الغطاء،والشهيد السعيد القاضي الطباطبائي أعلى الله شأنهم.

قال الإمام الأكبررحمه الله:« ومنها اعتمادهم على كل رواية حتى أن بعض فضلائهم رآی في بعض الكتب المهجورة الموضوعة لذكر ما يرويه القصاص من أن جزيرة في البحر تدعي الجزيرة الخضراء فيها دور لصاحب الزمان ، فيها عياله وأولاده ، فذهب في طلبها حتى وصل إلى مصر فبلغه أنها جزيرة فيها طوائف من النصارى ، وكأنه لم ير الأخبار الدالة على عدم وقوع الرؤية من أحد بعد الغيبة الكبرى ، ولا تتبع كلمات العلماء الدالة على ذلك »(2).

ومن الغريب أن المحدث الجليل نقل قصة في بعض كتبه مفادها

ص: 490


1- طبقات أعلام الشيعة -القرن الثامن:145
2- حق المبين: 87.الأنوار النعمانية/السيد نعمة الله الجزائري: 2/64

تکذیب قصة الجزيرة الخضراء، فراجعها هناك(1)

وقال الشهيد القاضي رحمه الله معلقا على مقولة المحدث النوري رحمه الله وروايته للقصص والحكايات ، لاسيما قصة الجزيرة الخضراء، ما هذا نصه:

«وأما حياة مولانا الإمام المهدي المنتظر أرواحنا فداه وإثباتها،فلا احتیاج لنا في إثباتها إلى هذه الحكايات والقصص وسردها في الكتب ، مع أن الله تعالى على كل شيء قدير ، ودلالة الآيات القرآنية والأخبار المتواترة بطرق الشنة والشيعة وضرورة مذهب الإمامية كافية في إثباتها مع إثبات العلم اليوم إمكان الخلود للإنسان في الدنيا ألفا من السنين، وكذا لا احتیاج إلى القول بأنه علیه السلام يعيش في الإقليم الثامن أو في جابلقا أو جابلسا،أو أنه يعيش ببدنه المثالي البرزخي،وأمثال هذه الأقاويل المنكرة المزخرفة المخالفة لضرورة مذهب الإمامية،فإنها من الدعاوى التي لا دليل عليها أصلا».(2)

سادسا:عموم ما في التوقيع الشريف ينافي تخصيص المشاهدة

ص: 491


1- النجم الثاقب: 349.
2- تعليقة الشهيد القاضي على الأنوار النعمانية:2/69.

بالعصر العباسي؛ذلك أنه وصف كل من ادعى المشاهدة بالكذاب أو الكاذب المفتري إلى قبل الصيحة السماوية وخروج السفياني،فهو أعم من كونه في عصر العباسيين أو في غير عصرهم،ولا مخصص من داخل التوقيع ولا من خارجه،ولا تخصیص لسائر أدلة النفي أيضا.

سابعا:أن المتأمل في حكاية الجزيرة الخضراء يرى أن صاحب الحكاية المزعومة الذي يدعي أن نسبه ينتهي إلى الإمام صاحب العصر صلوات الله عليه بست وسائط يصرح أنه لم ير الإمام ولم يشاهده مع ادعاء جيرته(1)ورغم ادعائه النيابة الخاصة،خلافا لنص التوقيع ولضرورة المذهب وإجماع أهل الحل والعقد، فكيف بمن يدعي السفارة والجيرة فضلا عن القرابة للإمام أرواحنا له الفداء ولا يدعي رؤيته ولقائه،بينما يراه الآخرون؟!أليس يبدو الأمر غريبة؟!

ثم إن الفيض الكاشاني طاب ثراه وهو من تلقى خبر الجزيرة بالقبول- كمايبدو(2)-ونقله في كتابه نوادر الأخبار،لا يرى

ص: 492


1- نوادرالأخبار:304.
2- الوافی: 2/402.

جواز رؤية الإمام ومشاهدته في زمن الغيبة الكبرى،بل يصرح بعدم إمكان ذلك ، قال رحمه الله،:«فإن في الطويلة ليس لشيعته إليه سبيل»(1)

فلا جدال في صحة التوقيع بعد ما قدمناه،حتى أن العلامة بحر العلوم طابت نفسه الزكية رغم تواتر ما يروى عن حكايات لقائه بالإمام أرواحنا فداه (2)لم يسلم بإمكان المشاهدة في عصير الغيبة الكبرى،وتردد في توقيعات الشيخ المفيد أعلى الله مقامه،فاجتهد في تأويلها وإيجاد المخرج منها، للجمع بينها وبين الأدلة النافية للرؤية(3)

ص: 493


1- الوافي:2/412.
2- قصص العلماء: 173. بحار الأنوار: 53/202-312وفيها 59 حكاية بعضها للسيد أعلى الله مقامه
3- رجال بحر العلوم:3/320.

ص: 494

الدرس السابع والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه - 11

بسم الله الرحمن الرحیم

توقيعات الشيخ المفيد رحمه الله

أماالتوقيعات التي نسبت للشيخ المفيد طاب ثراه-الذي ولد في ذي القعدة 336ه، وتوفي في 413ه الدالة على إمكان المشاهدةأو الارتباط به عليه الصلاة والسلام في الغيبة الكبرى،وهي ثلاثة تواقيع:

أولها خرج في شهر صفر المظفر من عام 410ه،والثاني في شوال عام412،والثالث في ذي الحجة من نفس العام،ففي صحتها کلام و تردید؛ذلك:

أولا:أن أول من نقلها الشيخ أبو منصور الطبرسي رحمه الله من أعلام

ص: 495

القرن السادس للهجرة في كتابه الاحتجاج (1)

ثانيا:رواها مرسلة غير مسندة.

ثالثا:يفصل بينه وبين الشيخ المفيد فترة زمنية تقرب من القرن؛التأخره عن الشيخ المفيد قرابة مائة عام،فلا يعقل سماعه لها منه رحمه الله؛ لأنه لم يدركه،ثم أشار إليها تلميذه ابن شهرآشوب، المتوقى 588ھ(2)،حتى جاء تلميذ هذا الأخير ابن بطريق، المتوفى 600ه(3)ونقلها عنه(4).

بينما لا نجد ذكرا لهذه التوقيعات قبل هذا الزمن، ولا تطرق إليها خواص تلامذة الشيخ المفيد رحمه الله كالسيد المرتضى والنجاشي وشیخ الطائفة الطوسي،وأبي يعلى الجعفري وأبي الفتح الكراجكي وسلار بن عبدالعزيز الديلمي وغيرهم أعلى الله مقاماتهم،مع كثرة تصانيفهم وتأليفاتهم واهتمامهم بهذه الآثار والمطالب والموضوعات،ولا نقلها غيرهم من أبناء الطائفة،ولو كان البان، وكان الأحرى

ص: 496


1- الاحتجاج:2/499،497،495.
2- معالم العلماء/ابن شهرآشوب: 101.
3- الذريعة: 15/334،
4- لؤلؤة البحرين/المحدث البحراني: 367.مستدرك الوسائل:3/518.

أن يرويها ٱولئك لو صح خبرها ،وإذانتفي نقلهم ولا حجة تقوى على إثباتها،فالاستدلال بها غير تام،ولا تنهض دليلا مقيدا ولا مخصصا للتوقيع الشريف وسائر أدلة النفي المسندة الصريحة.

على أن العلامة بحر العلوم في رجاله(1)،والزعيم المحقق سیدنا الخوني (2)طاب ثراهما ترددا في صحة هذه التوقيعات واستنادها إلى الشيخ المفيد طابت نفسه الزكية،ولا دلالة لما فيها من التنبؤات وأخبار الغيب على صحتها؛ذلك أن تلك التنبؤات والغيبيات كانت مما وقعت جميعا قبل نقل التوقيعات الثلاثة،وتقدمت عليها بزمان،وهذا كاف للكشف عن احتمال زيفها وجعلها.

وأخيرا:فلو صحت تلك التواقيع لأوردها الشيخ المفيد عليه الرحمة في بعض كتبه أو أملاها على أحد من أصحابه،والمقدم منتف،فالتالي مثله،وإذ احتمل بطلان الصغرى -وهي تواقيع المفيد رحمه الله - وعدم ثبوتها بالضرس القاطع،فقد احتمل بطلان الكبرى.وهي دعوى المشاهدة استنادا إلى تلك التواقيع-والنتيجة تتبع أخس المقدمتين،فلا معنى لإثبات إمكان المشاهدة بأدلة

ص: 497


1- رجال بحر العلوم:3/320.
2- معجم رجال الحدیث: 17/209

محتملة الوهن والبطلان.

لكن ذلك كله لا يمنع من صحة تلك التوقيعات وصحة استنادها إلى الناحية المقدسة،بل لعل ما عد منقصة وطعنا فيها يعد في الحقيقة دليلا على صحتها وقرينة على صدقها،فعدم ورودها في كتب المفيد رضی الله عنه وتلاميذه أو من عاصروه، وإرسالها يطابق التوقيع الشريف الداعي إلى تكذيب مدعي المشاهدة، الداعي إلى تكذيب مدعي خروج التوقيع بطريق أولى،وبالملازمة القطعية،ولهذا لعلها ظلت مخفية عن الأنظار مخافة إبراز ما يخالف التوقيع الشریف،حتى ظهرت بعض ما فيها أو كل ما فيها من التنبؤات الغيبية،فنهض الطبرسي رحمه الله وغيره من الأعلام بنقلها،حيث لا يرد حينئذ إشكال ادعاء المشاهدة، ولا مخالفة التوقيع الشريف، ولا مخالفة التنبؤات التي فيها للواقع،ومناسبة مضامينها لما كان يتمتع به من خصائل و فضائل،ولهذا تلقاها جل أعلامنا بالقبول.

فالحاصل أن حكايات الرؤية والمشاهدة والارتباط بالإمام علیه السلام ينبغي تقسيمها إلى أصناف:

1-ما يكون أصحابها من عامة الناس ولا طريق إلى إثبات صدقهم ووثاقتهم.

2-ما يكون أصحابها ممن ثبتت وثاقتهم،بل جلالة قدر بعضهم،

ص: 498

كالعلماء والصالحين.

3- ما يكون مصاحبا بالإعجاز ومرافقة له،ومالا يكون كذلك.

والصنف الأول لا ينهض للاحتجاج ولا يصح الاستناد إليه،فهو خارج عن مورد البحث تخصصا.

وأما الصنف الثاني والثالث فلم يرد عن أحدهم:

أولا:أنه ادعى الرؤية والمشاهدة وإنما نقلت عنهم ،إلا ما نقله المحدث النوري وغيره عن المرحوم السيد السند مولانا بحر العلوم، بأن الإمام ضمه إلى صدره،أو رأى الإمام في عزاءأهالي الطویریج يوم العاشر من المحرم(1)،وما قاله السيد ابن طاووس طاب ثراه في وصيته لابنه(2)

ثانيا:جملة من تلك الحكايات لا تنطبق على مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه ولا تطابق قدسيته.

ثالثا:نعم لو صح نسبة شيء منها إليهم،وسلمنا بصحة ما نسب إليهم،علمنا أن امتناعهم عن رواية تلك الأحداث والحكايات وعدم سردها و تسطيرها في كتبهم نابع من تسليمهم بما دلت علیه

ص: 499


1- راجع بحار الأنوار:ج 53،قسم حكايات الرؤية
2- راجع الصفحة: 484 من هذا الكتاب.

ضرورة المذهب وما جاء في التوقيع الشريف من لزوم تکذیب مدعى المشاهدة.

رابعا:جملة من هذه الحكايات لم تندرج في كتبناولاأوردها المصنفون فيعصر وقوعها،بل نقلت بعد كذا من الزمان مايثير الدهشة والاستغراب ويصعب التصديق بها.

منها:ما نسب إلى العلامة الحلي،المتوفی 726ه،أنه كان يلتقي بالإمام علیه السلام،فلا دليل يعضدها ليجزم بها سوى النقل عن الملاصفر علي في قصص العلماء(1)أو القاضي الشهيد نور الله التستري، المتوفی 1019ه في كتابه مجالس المؤمنين حيث كتب ما حاصله:أن العلامة كأنما رأى الإمام علیه السلام بين اليقظة والمنام-كالمكاشفة-وسأله العون على استنساخ کتاب لبعض االمخالفين(2)

فعلق عليه المحدث التوري طاب ثراه(3): «أن الأفضل أن نقول:وقعت المحادثة في المنام»،أي في الرؤيا المنامية.

وهكذا روی بعض علماء العامة المعتقدين بحياة الإمام المهدي

ص: 500


1- قصص العلماء/التنكابني:359
2- مجالس المؤمنين / القاضي التستري:1/573
3- جنة المأوی - بحارالأنوار:1/252،الحكاية: 22.النجم الثاقب:294،الحكاية:15.

أرواحنا فداه قصصا عمن شاهدوه علیه السلام(1)،استشهد بها بعض علمائنا للرد على المخالفين(2)،كما نقل السيد مهدي الشيوخي،المتوفى 1287ھ حکایات في أسفاره لا تناسب الحقيقة،والواقع وتنافي العقل السليم،يمكن مراجعتها هناك.(3)

وأما ما أورده محدثنا القدير المحدث النوري رحمه الله في بعض كتبه(4)عن تاریخ قم القديم نقلا عن کتاب مونس الحزين، فلا يبدو صحيحا،وفيه نظر و تأمل من وجوه:

أولا:لم نعثر على شيء من هذا الكلام في الكتب التي صنفت عن(5)

،إلا إذا كان له مصدر لم يصلنا.

ثانيا:لم نعثر على دليل قطعي يدل على وجود کتاب مونس

الحزين.

ص: 501


1- کالمتقي الهندي في کنز العمال
2- المهدي / السيد صدرالدین الصدر: 149.
3- بوارق الحقائق: 318.
4- الكلمة الطيبة :461.النجم الثاقب: 247، الحكاية الٱولى.جئة المأوی- بحار الأنوار:53/230، الحكاية الثامنة
5- تأريخ قم القديم تاریخ قم / محمد حسین ناصر الشريعة: 153.خلاصة البلدان صفي الدين محمد بن محمد بن هاشم الحسيني القمي:المقدمة.

ثالثا: لم يرد للشيخ الصدوق رحمه الله في كتب التأريخ ولا الرجال والأعلام ولا التصنيف كتاب يسمی«مونس الحزين»، ولم تثبت صحة استناده إليه.

رابعا:الحكاية المروية هناك تنافي أحداث التأريخ ولا تتفق معها،إلا إذا كانت في عصر الغيبة الصغرى،وهو خارج عما نحن فيه.

وقد كثرت القصص والحكايات عن اللقاء بالإمام علیه السلام أو مشاهدته أو رؤيته في عصرنا الحاضر على ألسنة العوام، بل كثير من المعممين ينسبون ذلك إلى بعض الأعلام، بل بلغ بهم الجهل حتى نسبوا قصصا منها إلى بعض العوام، وبلغت ببعضهم الجرأة والصلافة أن ادعاها لنفسه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

ورغم أننا عاصرنا كثيرا من أكابر القوم من نسبت إليهم تلك الحكايات وأدركناهم عن قرب في حوزة قم المقدسة وغيرها، فلم نسمع من أحدهم شيئا يؤيدها أو يدل على صحتها،وكثيرا ما يتناولها العامة من الناس في مجالسهم ،والخطباء على منابرهم، وينسبون إلى العلماء ما هم منه براء،بل يزعمون المشاهدة،ويضعون الحكايات، ويكيلون الكرامات جزافا لهذا وذاك،ولكل من هب ودب. نستجير بالله تعالى من شر ذلك ونعوذ به من المزاعم الباطلة.

ص: 502

خلاصة القول:

تلخص مما تقدم:

أولا:أن جماعة من خواص شيعة الإمام العسكري علیه السلام نالوا شرف لقاء الإمام الحجة صلوات الله عليه.

ثانيا:أن جملة من خيار الشيعة التقوا بالإمام علیه السلام في زمن الغيبة الصغرى.

ثالثا:أن مراسلات تمت بين بعض أعلام الشيعة وخيارهم وبين إمام زمانهم عجل الله تعالى فرجه،وخرجت إلى بعضهم تواقيع في عصير الغيبة الصغرى بوساطة من السفراء الأربعة رضی الله عنهم.

رابعا:أن التوقيع الشريف الذي هو آخر توقيع ثبت بالدليل القطعي نسبته إلى الإمام علیه السلام صحیح سندا أو لا أقل أنه مقبول،أو معتبر، وتام دلالة،فلا نقاش فيه.

خامسا:بناء على التوقيع الشريف يجب تكذيب كل من ادعی المشاهدة وبطريق أولى وجب تکذیب مدعي السفارة في زمن الغيبة الكبرى.

سادسا:لا مانع من الرؤية الخالية من المعرفة،بل الأدلة قاضية بلزومها في زمن الغيبة.

سابعا:أن الرؤية مع المعرفة المتأخرة -أعني أن يرى الإمام

ص: 503

ولا يعرفه في الحال ثم يلتفت بعد أن غاب عن أنظاره - لا بأس بها،إن كانت محفوفة بالشواهد والقرائن القطعية الدالة على أنه هو علیه السلام،دون الالتفات إلى ما تمليه أوهام العوام عليهم وتصوراتهم الباطلة وخيالاتهم الزائفة.

ثامنا:الظاهر أن ادعاء المشاهدة إن كان محفوفا بالمعجزة القطعية والقرائن اليقينية،لا ينافي التوقيع الشريف،فالمعجزةالقطعية دليل قطعي على صحة الادعاء ممن هو أصل لذلك،ولا يكفي ادعاء المعجز والإعجاز بل يجب ثبوته عینا،وإلا وجب تكذيب معي المشاهدة.

تاسعا:أن هناك أدلة ٱخرى سوى التوقيع الشريف تدل على نفي الرؤية مع المعرفة الحالية-دون المعرفة الاستقبالية - وهي على ثلاثة أصناف: منها روایات حضوره علیه السلام مواسم الحج، ومنها روایات حضوره صلوات الله علیه مجالس شیعته.

عاشرا:أنه علیه السلام يحشر بيننا،ويطأ فرشنا،ويحضر مجالسنا،يعرفناولا نعرفه.

الحادي عشر:أن ما نقل عن العلمين الجليلين السيد الشريف المرتضی وشيخ الطائفة الطوسي قدس الله أسرارهما،وما نسب إليها من القول بإمكان المشاهدة باطل؛لأنهما إنما ذكرا ذلك في مقام إبطال دعوی الخصم بإيراد الاحتمال؛إذ متى جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

ص: 504

الثاني عشر:أن المشاهدة والارتباط ممكنان غير أن كل من نال شرف اللقاء يكتم أمره ولا يبديه لأحد،ولا يدعيهما في عصر الغيبة الكبرى إلا كذاب مفتر.

الثاني عشر:أن بعض الأخبار تدل على إمكان الارتباط والمشاهدة الخواضه من الموالي والأبدال دون غيرهم مطلقا،وقد استند إليها الشيخ المفيد أعلى الله مقامه الشريف.

الثالث عشر:الحكايات والقصص المحاكية عن مشاهدة الإمام علیه السلام والاتصال به مخدوشة إما لجهالة حال أصحابها،أو لأنها مرسلة،أو لوجود بعض القرائن المنافية لإمكان صحتها والداحضة الدعاوى أصحابها،أو لأنها قاصرة عن إثبات دعوى المشاهدة والارتباط،أو لضعف رواتها.

الرابع عشر:أن كل ما نسب إلى الأخبار والأعلام،کالسید ابن طاووس والسيد بحرالعلوم وغيرهم إلى عصرنا هذا لم يرد شيء منه عنهم لا بالمباشرة ولا بالواسطة،فلم يدع أحد منهم شيئا لنفسه ولا ذكر شيئا مما نسب إليه في كتبه،ولا نقل عنهم أحد لا سماعا بالمباشرة ولا نقلا بالواسطة عمن يمكن الاستناد إليه.

ولهذا نؤيد،بل نجزم،بوقوع مثل هذه الحكايات المنسوبة إلى هذين العلمين الجليلين والوليين الناصحين وأضرابها،لا سیما في

ص: 505

الحكايات المنقولة عن الثقات،والحكايات المصحوبة بالإعجاز والكرامات،والتي لا يرد نقلها،ولا يتم إفشاؤها من قبل أصحابها،فإنا لا نحيل ذلك على أخص الخواص،بل نرى اللقاء والمشاهدة لهم جائزة ،بل واردا.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،

والحمد لله رب العالمين،

وصلى الله على محمد وآله الطاهرین،

واللعن الدائم الأبدي على أعدائهم أجمعين

من الآن إلى قيام يوم الدين

انتهينا من الحلقة الثانية من هذه المجموعة المباركة في العاشر من شعبان المعظم لعام 1425ه.ق بمدينة قم المقدسة على ساكنها ومشرفها،أعني سیدتنا فاطمة المعصومة وعلى آبائها وأخيها وأبناء أخيها آلاف الصلاة والسلام، والتحية والثناء،والحمد لله رب العالمين

ص: 506

«اللّهُمَّ کُنْ لِوَلِیِّکَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُکَ عَلَیْهِ وَ عَلى آبائِهِ فی هذِهِ السّاعَةِ وَ فی کُلِّ ساعَةٍ وَلِیّاً وَ حافِظاً وَ قائِدا وَ ناصِراً وَ دَلیلاً وَ عَیْناً حَتّى تُسْکِنَهُ أَرْضَک َطَوْعاً وَ تُمَتِّعَهُ فیها طَویلاً»

ص: 507

ص: 508

الدرس 1: شبهات وردود

الدرس 2:إمامة الإمام المهدي-2

الدرس 3: علماء السنة والمهدي عليه السلام -1

الدرس 4: علماء السنة والمهدي عليه السلام-2

الدرس 5: علماء السنة والمهدي عليه السلام-3

الدرس 6:علماء السنة والمهدي عليه السلام-4

الدرس 7: غيبة الإمام المهدي عليه السلام

الدرس 8: سفراء الإمام المهدي عليه السلام-1

الدرس 9: سفراء الإمام المهدي عليه السلام-2

الدرس 10:شبهات وردود

الدرس 11: تواقيع الإمام المهدي عليه السلام و مکاتباته-1

الدرس 12:تواقيع الإمام المهدي عليه السلام ومكاتباته – 2

الدرس 13:دعاة السفارة-1

الدرس 14: دعاة السفارة - 2

الدرس 15: وكلاء الإمام عليه السلام

الدرس 16: فلسفة الغيبة-1

ص: 509

الدرس 17: فلسفة الغيبة - 2

الدرس 18: فلسفة الغيبة -3

الدرس 19: فلسفة الغيبة - 4

الدرس 20: فلسفة الغيبة -5

الدرس 21: فلسفة الغيبة .6

الدرس 22: فلسفة الغيبة - 7

الدرس 23: فلسفة الغيبة-8

الدرس24: فلسفة الغيبة-9

الدرس 25: فلسفة الغيبة - 10

الدرس 26: متکلمو الشيعة

الدرس 27: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-1

الدرس 28:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-2

الدرس 29: اللقاء بالإمام المنتظر عجل اللفرجه-3

الدرس 30: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-4

الدرس 31: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-5

الدرس 32: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-6

الدرس 33:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-7

الدرس 34:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-8

الدرس 35:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-9

الدرس 36:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-10

الدرس 37:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه - 11

ص: 510

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.