المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 20

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ‫، 1419ق . ‫ = -1377.

مشخصات ظاهری : ‫ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : ‫دوره ‫ 964-444-179-6 : ؛ ‫دوره ‫ 978-964-444-179-0: ؛ ‫1430000 ریال (دوره، چاپ دوم)‮ ؛ ‫25000 ریال ‫: ج. 1 ‫ 964-444-180-X : ؛ ‫30000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-444-256-3 : ؛ ‫32000 ریال ‫: ج. 3 ‫ 964-444-371-3 : ؛ ‫67000 ریال (ج. 10) ؛ ‫ج.12 ‫ 978-964-971-136-2 : ؛ ‫ج.19 ‫ 978-600-06-0028-0 : ؛ ‫ج.21 ‫ 978-964-971-484-4 : ؛ ‫ج.28 ‫978-964-971-991-7 : ؛ ‫ج.30 ‫ 978-600-06-0059-4 : ؛ ‫1280000 ریال ‫: ج.36 ‫ 978-600-06-0267-3 : ؛ ‫950000 ریال ‫: ج.37 ‫ 978-600-06-0309-0 : ؛ ‫1050000 ریال ‫: ج.39 ‫ 978-600-06-0444-8 : ؛ ‫1000000 ریال ‫: ج.40 ‫ 978-600-06-0479-0 : ؛ ‫ج.41 ‫ 978-600-06-0496-7 : ؛ ‫ج.43 ‫ 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).

يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، ‫1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، ‫1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ BP66/4 ‫ ‮ /م57 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

الجزء العشرون

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الموسوعة القرآنيّة الكبرى

المعجم فى فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته

المجلّد العشرون

تأليف و تحقيق

قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلاميّة

بإشراف مدير القسم الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانىّ

ص: 2

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 3

كتاب نخبة

مؤتمر تكريم خدمة القرآن الكريم في ميدان الأدب المصنّف.1421 ق

الكتاب النّخبة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.1422 ق

مؤتمر الكتاب المنتخب الثّالث للحوزة العلميّة في قم.1422 ق

الدّورة الثّانية لانتخاب و عرض الكتب و المقالات الممتازة في حقل القرآن.1426 ق

الملتقى الثّاني للكتاب النّخبة الّذي يعقد كلّ سنتين في محافظة خراسان الرّضويّة.1426 ق

ملتقى تكريم نخبة الحوزة العلميّة في خراسان الرّضويّة.1431 ق

ص: 4

المحتويات

تصدير 7

دم دم 9

د م ر 17

د م ع 45

د م غ 53

د م ي 63

د ن ر 81

د ن و 89

د ه ر 171

د ه ق 191

د ه م 199

د ه ن 211

د ه ي 241

د و ر 247

د و ل 311

د و م 335

د و ن 383

د ي ن 405

حرف الذّال 491

ذ ء ب 493

ذ ء م 513

ذ ب ب 521

ذ ب ح 545

ذ خ ر 569

ذ ر ء 581

ذ ر ر 595

ذ ر ع 695

ذ ر و 721

ذ ع ن 747

ذ ق ن 753

الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 763

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 773

ص: 5

ص: 6

تصدير

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه ربّ العالمين،و الصّلاة و السّلام على خير خلقه و أفضل بريّته،سيّد الأنبياء و المرسلين مولانا و نبيّنا محمّد المصطفى خاتم النّبيّين،و على آله الطّيّبين الطّاهرين و صحبه الميامين المنتجبين،و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.

و بعد،نشكر اللّه تبارك و تعالى شكرا كثيرا على أن سهّل لنا الطّريق،و وسّع لنا التّوفيق لإكمال المجلّد العشرين من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى المسمّى:«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»الحاوي للنّصوص اللّغويّة و التّفسيريّة،و الدّراسات البلاغيّة،و الأسرار القرآنيّة؛إهداء و تبشيرا للّذين يتابعون بشوق وافر و جدّ بالغ مجلّدات هذا المعجم مسارعين إلى الوقوف عليها مجلّدا بعد مجلّد،راغبين في الاستئناس بكتاب ربّهم،و معرفة أسراره و رموزه و فقه لغته،و مدى بلاغته و إعجازه.أولئك الّذين هم روّاد العلوم القرآنيّة في العالم الإسلاميّ من داخل البلاد و خارجها ممّن يبدون لنا رغبتهم في هذا الكتاب مشافهة و كتابة،ممّا يستوجب منّا شكرهم شكرا جميلا و تكريمهم تكريما كبيرا.

ص: 7

و قد احتوى هذا المجلّد 17 مادّة من حرف«الدّال»ابتداء من«دم دم»و انتهاء ب«د ي ن»،و 11 مادّة من حرف«الذّال»ابتداء من«ذ أ ب»،و انتهاء ب«ذ ق ن».

و أطول موادّ المجموعة الأولى في هذا المجلّد:«د ي ن»،و موادّ المجموعة الثّانية:

«ذ ر ر».

نسأل اللّه تعالى دوام التّوفيق و التّسديد لإكمال العمل و إنجاز الأمل.

و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين،و سلام على المرسلين.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

في الآستانة الرّضويّة المقدّسة

19 ربيع الأوّل عام 1432 ه.ق

ص: 8

تتمة حرف الدال

دم دم

اشارة

دمدم

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة.

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الدّمدمة:الهلاك المتأصّل.(8:15)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الدّمادم شيء شبيه القطران يسيل من السّمر و السّلم؛أحمر.و الواحد:دمدم،و هو حيضة أمّ أسلم.[شجرة](1:252)

الدّمدم:ما يبس من الكلإ.

الدّمدم:أصول الصّلّيان المحيل،في لغة بني أسد؛ و هو في لغة بني تميم:الدّندن.(الأزهريّ 14:82)

قال أبو الخرقاء:تقول للشّيء يدفن:قد دمدمت عليه أي سوّيت عليه.(الأزهريّ 14:82)

ابن الأعرابيّ:دمدم،إذا عذّب عذابا تامّا، و مدمد،إذا هرب.(الأزهريّ 14:83)

الدّينوريّ:و الدّمدامة،عشبة تسطّح،لها ورقة خضراء مدوّرة صغيرة،و لها عرق مثل الجزرة،أبيض شديد الحلاوة،يأكله النّاس،و ترتفع من وسطها قصبة قدر الشّبر،في رأسها برعومة مثل برعومة البصل،فيها حبّ،و جمعها:دمدام.(ابن سيده 9:278)

الحربيّ:الدّمدم:ما يبس من الكلإ و الشّجر، و الدّمادم شيء يشبه القطران،يسيل من السّلم و السّمر؛أحمر؛الواحد:دمدم،و هو جيّد،و هو حيضة أمّ أسلم،يعنى شجرة.

و الدّمدمة:الهلاك، فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ الشّمس:14.(3:1148)

ابن دريد:الدّمدمة:الاستئصال.(1:142)

الأزهريّ:يقال:دمدمت على الشّيء،أي أطبقت عليه،و كذلك دمدمت عليه القبر و ما أشبهه، لذلك يقول:ناقة مدمومة،أي قد ألبسها الشّحم،فإذا كرّرت الإطباق:دمدمت عليه.

أخبرني المنذريّ عن إبراهيم الحربيّ عن عمرو عن أبيه قال:الدّمدم ما يبس من الكلإ.

قلت:هو الدّندن.(14:81)

الصّاحب:و الدّمدم:داء معروف.

ص: 9

و الدّمدمة:الهلاك المستأصل.(9:271)

الجوهريّ:الدّمادم من الأرض:رواب سهلة.

و دمدمت الشّيء،إذا الزقته بالأرض و طحطحته.

و دمدم اللّه سبحانه عليهم،أي أهلكهم.

(5:1921)

ابن فارس:الدّمدمة:الإهلاك،قال اللّه تعالى:

فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ و ذلك لما غشّاهم به من العذاب و الإهلاك.

و الدّمادم من الأرض:رواب سهلة.(2:260)

ابن سيده:و دمّهم يدمّهم دمّا:طحنهم فأهلكهم، و كذلك دمدمهم،و دمدم عليهم.و في التّنزيل:

فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ.

و الدّمدمة:الغضب،و دمدم عليه:كلّمه مغضبا.

(9:278)

الرّاغب: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ، أي أهلكهم و أزعجهم.

و قيل:الدّمدمة:حكاية صوت الهرّة، (1)و منه دمدم فلان في كلامه.(171)

الفيروزآباديّ:و الدّمدمة:الغضب.

و دمدم عليه:كلّمه مغضبا.

و الدّمدامة:عشبة لها عرق كالجزر،يؤكل،حلوّ جدّا،جمعه:دمدام.

و الدّمادم كعلابط:صنفان:أحمر قاني،و الثّاني أحمر أيضا إلاّ أنّ في رأسه سوادا،و هما قاطعان للّعاب،و شرب نصف دانق منهما مقوّ لأدمغة الصّبيان.

و الدّمدم بالكسر:يبيس الكلإ و أصول الصّلّيان المحيل.

و كجعفر:موضع.(4:115)

مجمع اللّغة:دمدمهم:و دمدم عليهم:طحنهم فأهلكهم.

و دمدم عليه:غضب عليه أشدّ الغضب.

و بالمعنيين فسّرت الآية.(1:403)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(190)

محمود شيت:دمدم عليه:غضب،و القوم و عليهم:طحنهم فأهلكهم،و الشّيء:أهلكه مستأصلا.

تدمدم الجرح:برأ.

الدّمدم:يبيس الكلأ.

دمدم الجيش العدوّ:طحنهم و أهلكهم مستأصلا.

الدّمدم:يقال:عتاد دمدم:الّذي ينفجر في داخل الهدف فيدمّره و يهلكه.(1:249)

المصطفويّ:الأصل الواحد في هذه المادّة«د م م» هو الإطباق و الغشي بطلي أو مسّ أو شبهه،و يضاف إلى هذا المفهوم في دمدم:التّكرّر،و تحقّق الفعل و جريانه بدفعات؛و ذلك بسبب التّضاعف في اللّفظ.

و أمّا مفهوم التّعذيب و الإهلاك،فقد يستفاد بالقرينة الكلاميّة و المقاميّة،كالاستعمال بحرف «على»،فيقال:دمّ و دمدم عليه.).

ص: 10


1- الظّاهر:«الهدّة»كما ذكره القاسميّ(17:6171).

و أمّا إطلاق«الدّميم»في مورد العيوب العارضة في الظّاهر،فإنّ إطباق أمور و غشيها على شخص من الخارج،يلازم ذلك المعنى،لكونها خارجة عن الطّبيعة و حادثة في الفطرة،فتوجب تغييرها،كالذّمائم الّتي تحدث في النّفس و تزيل صفاءها و جلاءها.

فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها، فأطبق عليهم ما يتمّ بضررهم و عذابهم حتّى أهلكوا،فسوّى ثمود و لم يبق منهم متشخّص طاغ.و ضمير التّأنيث يرجع إلى ثمود. كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها.

فظهر لطف التّعبير بهذه المادّة دون كلمات الإهلاك و الإفناء و التّعذيب و غيرها،فإنّ تعذيبهم كان بمرّات و بالمرّات و بالتّدريج.(3:241)

النّصوص التّفسيريّة

دمدم

فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها. الشّمس:14

ابن عبّاس:أهلكهم ربّهم بذنبهم،بقتلهم النّاقة، و تكذيبهم صالحا.(512)

عطاء:أي فدمّر عليهم ربّهم.

مثله مقاتل.(الطّبرسيّ 5:499)

الفرّاء:أرجف بهم.(3:269)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره:فدمّر عليهم ربّهم بذنبهم ذلك،و كفرهم به،و تكذيبهم رسوله صالحا، و عقرهم ناقته. فَسَوّاها يقول:فسوّى الدّمدمة عليهم جميعهم،فلم يفلت منهم أحد.(12:606)

نحوه الثّعلبيّ.(10:215)

الزّجّاج:معناه دمدم عليهم:أطبق عليهم العذاب.يقال:دمدمت على الشّيء إذا أطبقت عليه، و كذلك ذممت عليه القبر و ما أشبهه،و كذلك ناقة مدمومة،أي قد ألبسها الشّحم،فإذا كرّرت الإطباق، قلت:دمدمت عليه.(5:333)

نحوه البروسويّ(10:446)،و الآلوسيّ(30:

146)،و مغنيّة(7:571).

السّجستانيّ:أي أرجف بهم الأرض،أي حرّكها فسوّاها عليهم.و قيل: فَسَوّاها: فسوّى الأمّة بإنزال العذاب بصغيرها و كبيرها،بمعنى سوّى بينهم.(220)

الماورديّ:فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:معناه:فغضب عليهم.

الثّاني:معناه:فأطبق عليهم.

الثّالث:معناه:فدمّر عليهم،و هو مثل دمدم،كلمة بالحبشيّة نطقت بها العرب.(6:285)

الطّوسيّ:معناه:أهلكهم اللّه تعالى عقوبة على ذنوبهم،من تكذيب صالح و عقر النّاقة.

و قيل:معنى(دمدم عليهم:)دمّر عليهم،و قيل:

معناه:أطبق عليهم بالعذاب.يقال:دمدمت على الشّيء،إذا ضيّقت عليه،و ناقة مدمدمة قد ألبسها الشّحم،فإذا كرّرت الإطباق قلت:دمدمت.

و قيل:(دمدم عليهم،)أي غضب عليهم، فالدّمدمة:ترديد الحال المتكرّهة،و هي مضاعفة ما فيه المشقّة،فضاعف اللّه تعالى على ثمود العذاب بما ارتكبوا من الطّغيان.(10:360)

ص: 11

الزّمخشريّ:فأطبق عليهم العذاب،و هو من تكرير قولهم:ناقة مدمومة،إذا ألبسها الشّجم، بِذَنْبِهِمْ بسبب ذنبهم.و فيه إنذار عظيم بعاقبة الذّنب،فعلى كلّ مذنب أن يعتبر و يحذر. فَسَوّاها الضّمير للدّمدمة،أى فسوّاها بينهم لم يفلت منها صغيرهم و لا كبيرهم.(4:260)

نحوه البيضاويّ(2:562)،و الخازن(7:211)، و الشّربينيّ(4:544)،و أبو السّعود(6:434).

ابن عطيّة:معناه:أنزل العقاب مقلقا لهم مكرّرا ذلك و هي الدّمدمة و في بعض المصاحف(فدهدم) و هي قراءة ابن الزّبير بالهاء بين الدّالين،و في بعضهم (فدمّر)و في مصحف ابن مسعود(فدمّاها عليهم)

(5:489)

نحوه أبو حيّان.(8:482)

الطّبرسيّ:و قيل:أطبق عليهم بالعذاب و أهلكهم بِذَنْبِهِمْ لأنّهم رضوا جميعا به و حثّوا عليه،و كانوا قد اقترحوا تلك الآية فاستحقّوا بما ارتكبوه من العصيان و الطّغيان عذاب الاستئصال.

(5:499)

نحوه الطّريحيّ.(6:63)

الفخر الرّازيّ:فاعلم أنّ في الدّمدمة وجوها:

أحدها:[قول الزّجّاج و أضاف:]

قال الواحديّ:الدّم في اللّغة:اللّطخ،و يقال للشّيء السّمين:كأنّما دمّ بالشّحم دما،فجعل الزّجّاج (دمدم)من هذا الحرف على التّضعيف،نحو كبكبوا و بابه،فعلى هذا معنى(دمدم عليهم:)أطبق عليهم العذاب و عمّهم،كالشّيء الّذي يلطخ به من جميع الجوانب.

الوجه الثّاني:تقول للشّيء يدفن:دمدمت عليه، أي سوّيت عليه،فيجوز أن يكون معنى فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ: فسوّى عليهم الأرض،بأن أهلكهم فجعلهم تحت التّراب.

الوجه الثّالث:قال ابن الأنباريّ:دمدم:

غضب،و الدّمدمة الكلام الّذي يزعج الرّجل.

و رابعها:دمدم عليهم:أرجف الأرض بهم، و هو قول الفرّاء.(31:196)

النّسفيّ:أهلكهم هلاك استئصال.(4:361)

ابن كثير:أي غضب عليهم فدمّر عليهم.

(7:303)

القاسميّ:أي أهلكهم و أزعجهم بسبب كفرهم به و تكذيبهم رسوله و عقرهم ناقته،استهانة به و استخفافا بما بعث به.

و قيل:(دمدم)أطبق عليهم العذاب.

و قيل:الدّمدمة حكاية صوت الهدّة.

(17:6171)

المراغيّ:أي فأطبق عليهم العذاب،و أهلكهم هلاك استئصال،و لم يبق منهم ديّارا و لا نافخ نار،كما أشار إلى ذلك بقوله: فَسَوّاها، أي فسوّى القبيلة فى العقوبة،و لم يفلت منها أحد،بل أخذ بها كبيرهم و صغيرهم،ذكرهم و أنثاهم.(30:171)

سيّد قطب:و الدّمدمة:الغضب و ما يتّبعه من تنكيل.و اللّفظ ذاته«دمدم»يوحي بما وراءه،

ص: 12

و يصوّر معناه بجرسه،و يكاد يرسم مشهدا مروعا مخيفا!و قد سوّى اللّه أرضهم عاليها بسافلها،و هو المشهد الّذي يرتسم بعد الدّمار العنيف الشّديد.

(6:3919)

ابن عاشور:أي صاح عليهم ربّهم صيحة غضب.و المراد بهذه الدّمدمة صوت الصّاعقة و الرّجفة الّتي أهلكوا بها،قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ الحجر:73.و إسناد ذلك إلى اللّه مجاز عقليّ،لأنّ اللّه هو خالق الصّيحة و كيفيّاتها؛فوزن 0دمدم)«فعلل).و قال أكثر المفسّرين:(دمدم عليهم:)أطبق عليهم الأرض،يقال:دمّم عليه القبر، إذا أطبقه،و دمدم مكرّر«دمم»للمبالغة،مثل كبكب؛و عليه فوزن دمدم«فعلل».

و فرع على(دمدم عليهم) فَسَوّاها أي فاستووا في إصابتها لهم،فضمير النّصب عائد إلى الدّمدمة المأخوذة من(«دمدم عليهم.)

و من فسّروا(دمدم)بمعنى أطبق عليهم الأرض، قالوا:معنى فَسَوّاها: جعل الأرض مستوية عليهم، لا تظهر فيها أجسادهم و لا بلادهم،و جعلوا ضمير المؤنث عائدا إلى الأرض المفهومة من فعل(دمدم،) فيكون كقوله تعالى: لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الْأَرْضُ النّساء:42.(30:331)

الطّباطبائيّ:و الدّمدمة على الشّيء:الإطباق عليه.يقال:دمدم عليه القبر،أي أطبقه عليه،و المراد:

شمولهم بعذاب يقطع دابرهم و يمحو أثرهم بسبب ذنبهم.(20:299)

عبد الكريم الخطيب:أي أخذهم اللّه جميعا بالعذاب،فلم يبق منهم باقية بسبب هذا الجرم الغليظ الّذي كان منهم.

و الدّمدمة:الإهلاك الجماعيّ الّذي لا يبقى و لا يذر.(15:1588)

مكارم الشّيرازيّ:(دمدم)تعني أهلك، و تأتي أحيانا بمعنى عذّب و عاقب،و أحيانا بمعنى سحق و استأصل،و بمعنى سخط أو أحاط.(20:225)

فضل اللّه:أي فأطلق عليهم غضبه،في ما يوحي به من تنكيل و عذاب صارخ،بسبب هذا الذّنب الكبير.و إذا كان بعضهم قد قام بالعقر،فإنّ البعض الآخر قد قام بالإعداد و التّأييد و الرّضى،الأمر الّذي جعل التّبعة الاجتماعيّة مشتركة بينهم،لأنّهم أعطوا الجريمة قوّتها و فعّاليّتها من خلال هذا الشّمول في الموقف العمليّ المتحرّك.و هذا ما تؤكّده هذه الآية الّتي اعتبرت العقر عملا منسوبا إليهم جميعا،و أكّدت شموليّة الذّنب لهم.

و هذا ما عبّر عنه الإمام علي عليه السّلام في قوله المرويّ عنه في نهج البلاغة:«إنّما يجمع النّاس الرّضى و السّخط،و إنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم اللّه بالعذاب لما عمّوه بالرّضى»

و قال:«الرّاضي بفعل قوم كالدّاخل فيه معهم، و على كلّ داخل في باطل إثمان:إثم العمل به،و إثم الرّضى به».و هكذا أطلق اللّه عليهم العذاب،الّذي عبّر عنه بالدّمدمة الّتي توحي بالرّعب في إثارة الغضب.(24:287)

ص: 13

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّمدمة،أي الإطباق على الشّيء؛يقال:دمدمت عليه القبر،أي أطبقته عليه.و يقال للشّيء يدفن:قد دمدمت عليه،أي سوّيته عليه،و دمدمت الشّيء،إذا ألزقته بالأرض و طحطحته.

و الدّمدمة:الهلاك المتأصّل؛يقال:دمدمهم و دمدم عليهم،أي طحنهم فأهلكهم،و دمدم:عذّب عذابا تامّا.

و الدّمدمة:الغضب.يقال:دمدم عليه،أي كلّمه مغضبا،و كأنّه همّ بالإطباق عليه.

و الدّمدامة:عشبة تسطّح،لها عرق كالجزرة شديد الحلاوة،يأكله النّاس؛و جمعها:دمدام،لأنّها من تسطّحها مطبقة على الأرض،ملزقة بها.

و الدّمدم:ما يبس من الكلإ و الشّجر،لأنّه كالمطبق عليه.

و الدّمادم من الأرض:رواب سهلة،لأنّها لاطئة بالأرض.

و الدّمادم:شيء يشبه القطران يسيل من السّلم و السّمر؛الواحد:دمدم،كأنّه يطبق على ما يسيل عليه.

2-و قد يقال:دمدم الرّجل،إذا تكلّم بكلام خفيّ،أو سمعت منه نغمة و ما فهمت ما قال،و هو إبدال نادر سماعا،شائع قياسا،لأنّ أصله:الدّندنة، غير أنّه لم يرد بلفظ الدّمدمة في الفصيح من الكلام، رغم أنّه إبدال شائع،فعدّه صاحب«محيط المحيط»من كلام المولّدين.و من أمثلة هذا الضرب من الإبدال قولهم:ماء آجن و آجم،و امتقع لونه و انتقع،و أسود قاتم و قاتن.

و استعمل بعض الشّعراء المعاصرين الدّمدمة في دويّ الرّعد و قعقعته؛قال:

دمدم الرّعد و هزّتنا الرّياح

حطّموا الأغلال و امضوا للسّلاح

حطّموها و اهتفوا ملأ الأثير

يا فرنسا اشهدي اليوم الأخير

و هو معنى مولّد،و لعلّه أراد زمزمة الرّعد أو همهمته،أي صوته،فعدل عنه إلى الدّمدمة سهوا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الماضي الرّباعيّ:(دمدم)مرّة في آية:

فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها الشّمس:14

يلاحظ أوّلا:أنّ هذه المادّة«دمدم»وحيدة الجذر في القرآن،و هي رباعيّة،تحكي عن وجود تكرار في معناها،كغيرها من اللّغات الرّباعيّة.و هي من جملة ما جاء في سورة الشّمس من قصّة ثمود:11-15.

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها* إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها* فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ناقَةَ اللّهِ وَ سُقْياها* فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها* وَ لا يَخافُ عُقْباها.

و قد جاء قصّة ثمود أو اسمه في:26،سورة،واحدة منها و هي التّوبة مدنيّة،و واحدة الحجّ مختلف فيها، و الباقي و هي:24،سور،مكّيّة.

ص: 14

و من جملة قصص ثمود حكاية النّاقة-و كانت معجزة له-و قد جاءت 8 مرّات،في:7،سور مكّيّة، و هي الأعراف:73 و 77،و هود:64،و الإسراء:

59،و الشّعراء:155،و القمر:27،و الشّمس:13.

لاحظ:ث م د:«ثمود».و:ن و ق:«النّاقة».و في الآية بحوث:

1-قالوا في معنى فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ: أهلكهم ربّهم بذنبهم،أهلكهم هلاك استئصال،أزعجهم،صاح عليهم ربّهم صيحة غضب،سوّى عليهم الأرض بأن أهلكهم فجعلهم تحت التّراب،فدمّر عليهم ربّهم، أرجف بهم.يقال:أرجف بهم الأرض،أي حرّكها فسوّاها عليهم،أطبق عليهم العذاب.يقال:دمدمت على الشّيء:إذا أطبقت عليه،و كذلك ذممت عليه القبر و ما أشبهه،و كذلك ناقة مذمومة،أي قد ألبسها الشّحم.فإذا كرّرت الإطباق قلت:دمدمت عليه فغضب عليهم،فالدّمدمة:ترديد الحال المتكرّهة، و هي مضاعفة ما فيه المشقّة،أنزل العقاب مقلقا لهم مكرّرا ذلك،و نحوها.

و قد جمعها الفخر الرّازيّ و شرحها،و نقل عن الواحديّ:«الدّم في اللّغة:اللّطخ،و يقال:للشّيء السّمين،كأنّما دمّ و بالشّحم دما،فجعل الزّجّاج (دمدم)من هذا الحرف على التّضعيف،نحو كبكبوا و بابه،فعلى هذا معنى(دمدم عليهم،)أطبق عليهم العذاب و عمّهم،كالشّيء الّذي يلطخ به من جميع الجوانب».و الظّاهر أنّ أكثرها تفسير باللّوازم دون اللّغة،فلاحظ.

2-و لهم كلمات في توصيف الدّمدمة:فعن الماورديّ:(«دمدم،)كلمة بالحبشيّة نطقت بها العرب».و عن ابن الأنباريّ:«الدّمدمة:الكلام الّذي يزعج الرّجل».و عن القاسمي:«الدّمدمة:حكاية صوت الهدّة».و عن سيّد قطب:«و اللّفظ ذاته.

(دمدم)يوحي بما وراءه،و يصوّر معناه بجرسه، و يكاد يرسم مشهدا مروعا مخيفا!و قد سوّى اللّه أرضهم عاليها بسافلها،و هو المشهد الّذي يرتسم بعد الدّمار العنيف الشّديد».

و عن ابن عاشور:«و المراد بهذه الدّمدمة صوت الصّاعقة و الرّجفة الّتي أهلكوا بها،قال تعالى:

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ الحجر:73.و إسناد ذلك إلى اللّه مجاز عقليّ،لأنّ اللّه هو خالق الصّيحة و كيفيّاتها؛ فوزن دمدم«فعلل»،و قال أكثر المفسّرين:(دمدم عليهم:)أطبق عليهم الأرض،يقال:دمّم عليه القبر، إذا أطبقه،و دمدم مكرّر«دمم»للمبالغة،مثل «كبكب».

و عن الخطيب:«أي أخذهم اللّه جميعا بالعذاب، فلم يبق منهم باقية بسبب هذا الجرم الغليظ الّذي كان منهم.و الدّمدمة:الإهلاك الجماعيّ الّذي لا يبقي و لا يذر».

و عن فضل اللّه:«أي فأطلق عليهم غضبه،في ما يوحي به من تنكيل و عذاب صارخ،بسبب هذا الذّنب الكبير.و إذا كان بعضهم قد قام بالعقر،فإنّ البعض الآخر قد قام بالإعداد و التّأييد و الرّضى، الأمر الّذي جعل التّبعة الاجتماعيّة مشتركة بينهم،

ص: 15

لأنّهم أعطوا الجريمة قوّتها و فعّاليّتها من خلال هذا الشّمول في الموقف العمليّ المتحرّك.و هذا ما تؤكّده هذه الآية الّتي اعتبرت العقر عملا منسوبا إليهم جميعا،و أكّدت شموليّة الذّنب لهم».ثمّ نقل كلام عليّ عليه السّلام:«إنّما يجمع النّاس الرّضى و السّخط...».

3-قال ابن عطيّة:«و في مصحف ابن مسعود (فدمّاها عليهم)».

و ثانيا:الآية و هي قصّة،و قد سبق أنّ أكثر القصص مكّيّة.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الإماتة: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ... البقرة:259

الإهلاك: أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ... الأنعام:6

التّوفّي: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ... النّساء:97

المنون: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطّور:30

الرّدى: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى طه:16

التّدمير: أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ لِلْكافِرِينَ أَمْثالُها محمّد:10

البوار: قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَ لكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ آباءَهُمْ حَتّى نَسُوا الذِّكْرَ وَ كانُوا قَوْماً بُوراً الفرقان:18

التّباب: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ اللّهب:1

الزّهوق: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ التّوبة:55

النّحب: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً الأحزاب:23

ص: 16

د م ر

اشارة

6 ألفاظ،10 مرّات:9 مكّيّة،1 مدنيّة في 8 سور:7 مكّيّة 1 مدنيّة

دمّر 1:-1

دمّرنا 3:3

دمّرناها 1:1

دمّرناهم 2:2

تدمّر 1:1

تدميرا 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الدّمار:استئصال الهلاك.يقال:دمر القوم يدمرون دمارا أي هلكوا.

و دمّر عليهم:مقتهم.و دمّرهم اللّه تدميرا.و قال اللّه عزّ و جلّ: فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً الفرقان:36، يعني فرعون و قومه الّذين مسخوا قردة و خنازير.

و المدمّر:اسم الصّيّاد.

و تدمر:اسم مدينة بناها الشّياطين بإذن سليمان ابن داود عليه السّلام،قال:

يبنون تدمر بالصّفّاح و العمد

و التّدمريّ من اليرابيع:ضرب لئيم الخلقة علب اللّحم،أي عضل.

يقال:هو من معزى اليرابيع،و أمّا ضأنها فهو شفاريّها.و علامة الضّأن فيها أنّ له في وسط ساقه ظفرا في موضع صيصة الدّيك،و يوصف به الرّجل اللّئيم.

و الدّمور:الدّخول على القوم بلا إذن،و دمر

يدمر دمرا و دمورا.(8:39)

الكسائيّ:في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«من اطّلع في بيت بغير إذن فقد دمر»يعني دخل.يقول:لأنّ الاستئذان إنّما هو من البصر،يقال منه:قد دمرت على القوم أدمر عليهم دمورا.(أبو عبيد 1:91)

أبو عمرو الشّيبانيّ:ما بها تدمريّ،أي أحد.

و ما رأيت تدمريّا أحسن منه.(1:258)

و التّدمير،تقول:ما دمّرت الشّاة بشيء،أي ما

ص: 17

خرج لها ضرع و قد أتمّت.(1:266)

المدمّر:الدّاخل في القترة.و يقال دمر القنفذ،إذا دخل جحره.(ابن فارس 2:300)

مثله الأصمعيّ.(ابن فارس 2:300)

الفرّاء:عن الدّبيريّة،يقال:ما في الدّار عين و لا عيّن،و لا تدمريّ و لا تاموريّ،و لا دبّيّ و لا دبيّ، بمعنى واحد،و اللّه أعلم.(الأزهريّ 14:123)

اللّحيانيّ:يقال:فلان خاسر دامر دابر،و خسر دمر دبر،و ما رأيت من خسارته و دمارته و دبارته.

(الأزهريّ 14:123)

أبو عبيد:[ذكر قول الكسائيّ في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم المتقدّم ثمّ قال:]

و لا يكون الدّمور إلاّ أن يدخل عليهم بغير إذن، فإن دخل بإذن فليس بدمور.(1:91)

المدمّر بالدّال:الصّائد يدخّن في قترته للصّيد بأوبار الإبل،لكيلا يجد الوحش ريحه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:122)

ابن دريد:و الدّمر:هجوم الرّجل على القوم، دمر على القوم يدمر دمرا و دمورا و في الحديث:«من نظر في دار قوم بغير إذنهم فقد دمر».

و الدّامر:الهالك.

و رجل هالك دامر،إذا لم يكن فيه خير.

و دمّره اللّه تدميرا،إذا أهلكه.

و المدمّر:الصّائد يدخّن في ناموسه لئلاّ تشمّ الوحش رائحته فتنفر.

و الهلاك و الدّمار قريبان في المعنى.(2:256)

القاليّ:و يقولون:خاسر دابر و خاسر دامر، و خسر دمر و خسر دبر.فالدّابر يمكن أن يكون لغة في الدّامر،و هو الهالك.(2:218)

الأزهريّ:في الحديث:«من نظر من صير باب فقد دمر».قال أبو عبيد و غيره:«دمر»أي دخل بغير إذن،و هو الدّمور،و قد دمر يدمر دمورا،و دمق دمقا و دموقا.(14:122)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و ما بها تدمريّ،أي أحد.و ما رأيت تدمريّا أحسن منها:للمرأة الجميلة.

و أذن تدمريّة:صغيرة جدّا.

و دمرت الدّار:دخلتها.

و التّدمير:تدخين الصّائد ناموسه لئلاّ يجد الصّيد رائحته.و هو خاسر دامر،و خسر دمر.

و تمر دامر:فاسد.

و دامر فلان اللّيل:سهره و كابده.و إنّه لديمريّ أي حديد غلق. (1)

و شاة دمراء:قليلة اللّبن،و شياه دمر.(9:309)

الجوهريّ:الدّمار:الهلاك.يقال:دمّره تدميرا، و دمّر عليه بمعنى.

و تدمير الصّائد:أن يدخّن قترته بالوبر لئلاّ يجد الوحش ريحه فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و دمر يدمر دمورا:دخل بغير إذن.و في الحديث:ة.

ص: 18


1- و جاء عند الفيروزآباديّ:حديد علق...بالعين غير المعجمة.

«من سبق طرفه استئذانه فقد دمر».

و يربوع تدمريّ،إذا كان صغيرا قصيرا.

(2:659)

ابن فارس:الدّال و الميم و الرّاء أصل واحد يدلّ على الدّخول في البيت و غيره.يقال دمر الرّجل بيته،إذا دخله.و فرّق ناس بين أن يكون دخوله بإذن أو غير إذن.[ثمّ نقل قول أبي عبيد و قال:]

و هذا تفسير شرعيّ،و أمّا قياس الكلمة فما ذكرناه أوّلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ناس:المدمّر:الصّائد يدخّن بأوبار الإبل و غيرها حتّى لا يجد الصّيد ريحه.و الّذي عندنا أنّ المدمّر هو الدّاخل قترته،فإذا دخلها دخّن.و ليس المدمّر من نعت المدخّن،و القياس لا يقتضيه.

و قال اللّه تعالى: دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ لِلْكافِرِينَ أَمْثالُها محمّد:10.

و الدّمار:الهلاك.

و يقال:إنّ التّدمريّ:ضرب من اليرابيع.فإن كان صحيحا فهو القياس،لأنّه يدمّر في جحرته.(2:300)

الهرويّ:يقال:دمر القوم يدمرون دمورا و دمارا.

و يكون«الدّمور»أيضا الدّخول بغير إذن،و منه الحديث:«من نظر في صير باب فكأنّما دمر».أي دخل بغير إذن.و دمر و دمق،سواء.(2:651)

ابن سيده:دمر القوم يدمرون دمارا:هلكوا.

دمرهم اللّه،و دمّرهم،و في التّنزيل: فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً الفرقان:36،و دمّر عليهم كذلك.

و رجل دامر:هالك لا خير فيه.يقال:رجل خاسر دامر؛عن يعقوب:كدابر.و حكى اللّحيانيّ أنّه على البدل،و قال:خسر و دمر و دبر،فأتبعوهما خسرا.

و عندي أنّ خسرا على فعله،و دمرا و دبرا على النّسب.

و قيل:دمر عليهم يدمر دمرا،و دمورا:دخل بغير إذن.و قيل:هجم،و هو نحو ذلك.و منه قوله:«من نظر فقد دمر».

و المدمّر:الصّائد يدخّن في قترته بأوبار الإبل كيلا تجد الوحش ريحه.

و الدّماريّ،و التّدمريّ،و التّدمريّ من اليرابيع:

اللّئيم الخلقة،المكسوّ البراثن.

و قيل:و هو الماعز منها،و فيه قصر و صغر، و لا أظفار في ساقيه،و لا يدرك سريعا،و هو أصغر من الشّفاريّ.

و التّدمريّ:اللّئيم من الرّجال.

و التّدمريّة من الكلاب:الّتي ليست بسلوقيّة و لا كرديّة.

و تدمر:مدينة بالشّام.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(9:326)

الرّاغب:[ذكر الآيات ثمّ قال:]

و التّدمير:إدخال الهلاك على الشّيء.

و يقال:ما بالدّار تدمريّ.

و قوله تعالى: دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ محمّد:10،فإنّ مفعول دَمَّرَ محذوف.(172)

الزّمخشريّ:حلّ بهم الدّمار،و قد دمروا يدمرون،و هو خاسر دامر.

ص: 19

و دمّرهم اللّه و دمّر عليهم،و هو إهلاك مستأصل.

و دمرت على القوم:هجمت عليهم بغير استئذان، دمورا.

تقول:إذا دخلت الدّور فإيّاك و الدّمور.

و ما بالدّار تدمريّ،أي أحد من الدّمور.

و من المجاز:هو يدامر اللّيل كلّه:يكابده،و معناه:

يفنيه بالسّهر.

و فلان مدمّر:للصّائد الماهر،لأنّه يدمّر على الصّيود.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:هو الّذي يدخّن بالوبر لئلاّ يجد الوحش ريحه،لأنّه يهجم عليه من غير أن يحسّ به،من الدّمور.(أساس البلاغة:135)

ابن الأثير:فيه:«من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد دمر».و في رواية«من سبق طرفه استئذانه فقد دمر عليهم»أي هجم و دخل بغير إذن،و هو من الدّمار:الهلاك،لأنّه هجوم بما يكره.و المعنى:أنّ إساءة المطّلع مثل إساءة الدّامر.

و منه حديث ابن عمر:«فدحا السّيل بالبطحاء حتّى دمّر المكان الّذي كان يصلّى فيه»أي أهلكه.

يقال:دمّره تدميرا،و دمّر عليه بمعنى.

و يروى«حتّى دفن المكان»و المراد منهما دروس الموضع و ذهاب أثره.و قد تكرّر في الحديث.

(2:132)

الفيّوميّ:دمر:الشّيء يدمر،من باب«قتل» و الاسم:الدّمار مثل الهلاك وزنا و معنى.و يعدّى بالتّضعيف فيقال:دمّره اللّه و دمّر عليه.(1:199)

الفيروزآباديّ:الدّمور و الدّمار و الدّمارة:

الإهلاك،كالتّدمير.

و دمر دمورا:دخل بغير إذن،و هجم هجوم الشّرّ.

و تدمر،كتنصر:بنت حسّان بن أذينة،بها سمّيت مدينتها.

و التّدمريّ:اللّئيم.

و ما به تدمريّ،و يضمّ،أي أحد.

و يقال للجميلة:ما رأيت تدمريّا أحسن منها.

و أذن تدمريّة:صغيرة.

و الدّمراء:الشّاة القليلة اللّبن،و الهجوم من النّساء،و غيرهنّ.

و دمّر،كسكّر:عقبة بدمشق.

و تدمير الصّائد:أن يدخّن قترته بالوبر،لئلاّ يجد الوحش ريحه.

و دامرت اللّيل:كابدته و سهرته.

و إنّه لديمريّ:حديد علق.(2:31)

مجمع اللّغة:دمر يدمر دمارا:هلك.

و دمره يدمره،و دمّره تدميرا:أهلكه.

و دمّر عليه تدميرا:أهلك ما اختصّ به من نفسه و أمواله و أولاده.(1:403)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:190)

محمود شيت:دمّر الشّيء:أباده،و القوم و عليهم:

أهلكهم.

دمر:هجم هجوم الشّرّ.

دمّر الجيش العدوّ:أباده.و الطّائرات أهدافها:

أهلكتها.(1:249)

ص: 20

المصطفويّ:و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الورود على خلاف الجريان العاديّ و الطّبيعيّ مخلاّ للنّظم.و هذا المعنى يلازم غالبا الدّخول بغير إذن،أو الهجوم،أو المقت،أو نيّة الشّرّ.

و أمّا التّدمير:فهو جعل شيء كذلك،أي دامرا و واردا على خلاف النّظم و الجريان،و هذا المفهوم مرجعه إلى الإخلال في نظمه و إخراج الشّيء عن جريانه الطّبيعيّ.و أمّا الإهلاك و الإفناء و التّعذيب و الاستئصال،و أمثالها:فليست من الحقيقة،بل من لوازمها.

فظهر الفرق بين المادّة و بين موادّ الدّم و الدّمق و الدّقّ و الدّكّ و الحطم و القرع و الطّرق و غيرها؛ راجع:الدّكّ و الحطم و القرع...(3:243)

النّصوص التّفسيريّة

دمّر

أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ لِلْكافِرِينَ أَمْثالُها.

محمّد:10

ابن عبّاس:أهلكهم اللّه.(428)

نحوه الزّجّاج(5:8)،و البغويّ(4:211)، و الطّبرسيّ(5:99)و ابن الجوزيّ(7:400).

مجاهد:و للكافرين التّدمير وعيدا من اللّه.

(النّحّاس 6:468)

الفرّاء:يقول لأهل مكّة-أمثال ما أصاب قوم لوط و عاد و ثمود-:وعيد من اللّه.(3:59)

الطّبريّ:أ فلم يسر هؤلاء المشركون سفرا في البلاد،فينظروا كيف كان عاقبة تكذيب الّذين من قبلهم من الأمم المكذّبة رسلها الرّادّة نصائحها؟ أ لم نهلكها فندمّر عليها منازلها و نخرّبها،فيتّعظوا بذلك،و يحذروا أن يفعل اللّه ذلك بهم في تكذيبهم إيّاه، فينيبوا إلى طاعة اللّه في تصديقك؟ثمّ توعّدهم جلّ ثناؤه،و أخبرهم أنّهم أقاموا على تكذيبهم رسوله، أنّه محلّ بهم من العذاب ما أحلّ بالّذين كانوا من قبلهم من الأمم.(11:311)

القمّيّ:أي أهلكهم و عذّبهم.(2:302)

النّحّاس:[ذكر قول مجاهد ثمّ قال:]

و قال غيره:فقتل منهم من قتل بالسّيف.

(6:468)

الثّعلبيّ:أي أهلكهم و دمّر عليهم منازلهم،ثمّ توعّد مشركي قريش.(9:31)

الطّوسيّ: دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مثل ما فعل بعاد و ثمود و قوم لوط،و أشباههم.(9:294)

الزّمخشريّ:دمّره:أهلكه،و دمّر عليه:أهلك عليه ما يختصّ به.و المعنى دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ما اختصّ بهم من أنفسهم و أموالهم و أولادهم،و كلّ ما كان لهم.

(3:532)

نحوه أبو حيّان(8:76)،و أبو السّعود(6:85)، و المراغيّ(26:54).

ابن عطيّة:و الدّمار:الإفساد،و هدم البناء، و إذهاب العمران،و قوله: دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ من ذلك.

(5:113)

ص: 21

الفخر الرّازيّ:أي أهلك عليهم متاع الدّنيا،من الأموال و الأولاد و الأزواج و الأجساد.(28:50)

نحوه مغنيّة.(7:66)

القرطبيّ:أي أهلكهم و استأصلهم.يقال:دمّره تدميرا،و دمّر عليه بمعنى.(16:234)

البيضاويّ:استأصل عليهم ما اختصّ بهم من أنفسهم و أهليهم و أموالهم.(2:394)

نحوه النّسفيّ(4:151)،و النّيسابوريّ(26:

24)،و الخازن(6:147)،و الشّوكانيّ(5:40).

السّمين:قوله: دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ يجوز أن يكون حذف مفعوله،أي أهلك اللّه بيوتهم و خرّ بها عليهم.أو تضمّن دَمَّرَ معنى سخط اللّه عليهم بالتّدمير.

(6:149)

الشّربينيّ:أي أوقع الملك الأعظم الهلاك عَلَيْهِمْ بما عمّ أهاليهم و أموالهم،و كلّ من رضي أفعالهم أو مقالهم.(4:25)

البروسويّ:استئناف مبنيّ على سؤال نشأ من الكلام،كأنّه قيل:كيف كان عاقبتهم؟فقيل:استأصل اللّه عليهم ما اختصّ بهم من أنفسهم و أهليهم و أموالهم يقال:دمّره:أهلكه،و دمّر عليه:أهلك عليه ما يختصّ به.قال الطّيّبيّ:كأنّ في دمّر عليهم تضمين معنى أطبق، فعدّي ب-«على»فاذا أطبق عليهم دمارا لم يخلص ممّا يختصّ بهم أحد.و في حواشي سعدي المفتي: دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ أي أوقع التّدمير عليهم.8:502)

الآلوسيّ:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

يقال:دمّر عليه:أهلك ما يختصّ به ف«دمّر عليه» أبلغ من«دمّره».و جاءت المبالغة من حذف المفعول، و جعله نسيا منسيّا.و الإتيان بكلمة الاستعلاء،و هي لتضمّن التّدمير معنى الإيقاع أو الهجوم أو نحوه.

(26:45)

نحوه القاسميّ.(15:5379)

ابن عاشور:و جملة: دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ استئناف بيانيّ،و هذا تعريض بالتّهديد.و التّدمير:الإهلاك و الدّمار،و هو الهلك.و فعل دَمَّرَ متعدّ إلى المدمّر بنفسه،يقال:دمّرهم اللّه.و إنّما عدّي في الآية بحرف الاستعلاء للمبالغة في قوّة التّدمير،فحذف مفعول دَمَّرَ لقصد العموم،ثمّ جعل التّدمير واقعا عليهم، فأفاد معنى دَمَّرَ كلّ ما يختصّ بهم،و هو المفعول المحذوف،و أنّ التّدمير واقع عليهم فهم من مشموله.

(26:74)

الطّباطبائيّ:التّدمير:الإهلاك.يقال:دمّره اللّه، أي أهلكه.و يقال:دمّر اللّه عليه،أي أهلك ما يخصّه، من نفس و أهل و دار و عقار.ف«دمّر»عليه أبلغ من «دمّره»،كما قيل.(18:230)

نحوه فضل اللّه.(21:57)

عبد الكريم الخطيب:و في قوله تعالى: دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ، و في تعدية الفعل بحرف الاستعلاء «على»إشارة إلى أنّ هذا التّدمير،قد وقع عليهم من جهة عالية،متمكّنة،منهم؛بحيث يكونون تحت رمياتها الّتي لا تخطّئ الهدف أبدا.(13:323)

المصطفويّ:أي دمّر أموالا أو أراضي أو نفوسا، من أقاربهم و قبائلهم و أهالي بلادهم و زمانهم.

ص: 22

و التّعبير بكلمة عَلَيْهِمْ، فإنّ متعلّق التّدمير ليس مطلق من كان قبلهم أجمع.

فظهر أنّ التّدمير نحو خاصّ من البلاء،و هو أعمّ من الإهلاك،و إن كان الغالب فيه هو الانتهاء اليه، و هذا المعنى لطف التّعبير بالمادّة.

ثمّ إنّ اللّه يقول في آخر الآية: وَ لِلْكافِرِينَ أَمْثالُها إشارة إلى أنّ التّدمير و التّعذيب و الاستئصال لأمّة،ليست من دون مقدّمة و بلا جهة داعية،و بدون علّة موجبة،و مرجعها إلى الكفر المطلق.(3:243)

مكارم الشّيرازيّ:و الجدير بالانتباه أنّ دَمَّرَ من مادّة«تدمير»،و هي من الأصل بمعنى الإهلاك و الإفناء.أمّا إذا أتت مع«على»فإنّها تعني إهلاك كلّ شيء حتّى الأولاد و الأهل و العشيرة و الأموال الخاصّة بالإنسان.

و على هذا فإنّ هذا التّعبير بيان لمصيبة أليمة، خاصّة بملاحظة لفظ«على»الّذي يستعمل عادة في مورد التّسلّط،و بذلك يصبح معنى الجملة:أنّ اللّه عزّ و جلّ قد صبّ عذابه على رءوس هؤلاء الأقوام، و أموالهم و كلّ ما يتعلّق بهم فأفناها جميعا.(16:321)

دمّرنا

1- ...وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ. الأعراف:137

مقاتل:يعني و أهلكنا عمل فرعون و قومه القبط في مصر.(2:60)

الطّبريّ:يقول:و أهلكنا ما كان فرعون و قومه يصنعونه من العمارات و المزارع.(6:44)

نحوه ابن الجوزيّ(3:253)،و الشّربينيّ(1:

510)،و الشّوكانيّ(2:301).

الطّوسيّ:معناه:أهلكنا ما كان عمله فرعون و قومه،ممّا كانوا يستعبدونهم و يسعون في إفساد أمر موسى و يستعينون به في أمرهم.(4:559)

الطّبرسيّ:أي أهلكنا ما كانوا يبنون من الأبنية و القصور و الدّيار.(2:471)

نحوه الطّباطبائيّ.(8:229)

الرّازيّ:فإن قيل:كيف الجمع بين قوله تعالى:

وَ دَمَّرْنا... أي أهلكنا،و قوله تعالى: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* وَ كُنُوزٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ* كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ ؟ الشّعراء:57-59.

قلنا:معناه وَ دَمَّرْنا، أي أبطلنا ما كان يصنع فرعون و قومه من المكر و المكيدة في حقّ موسى عليه السّلام وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ أي يبنون من الصّرح الّذي أمر فرعون هامان ببنائه،ليصعد بواسطته إلى السّماء.

و قيل:هو على ظاهره،لأنّ اللّه تعالى أورث ذلك بني إسرائيل مدّة،ثمّ دمّره جميعه.(مسائل الرّازيّ:98)

البيضاويّ:أي خرّبنا.(1:366)

نحوه أبو السّعود(3:23)،و الكاشانيّ(2:231)، و البروسويّ(3:224)،و شبّر(2:409)،و الآلوسيّ (9:39)،و القاسميّ(7:2845)،و حجازي(9:17).

أبو حيّان:أي خرّبنا قصورهم و أبنيتهم بالهلاك.

ص: 23

و التّدمير:الإهلاك و إخراب الأبنية.

و قيل:ما كان يصنع من التّدمير في أمر موسى عليه السّلام و إخماد كلمته.

و قيل:المراد إهلاك أهل القصور و المواضع المنيعة،و إذا هلك السّاكن هلك المسكون.(4:377)

رشيد رضا:التّدمير:إدخال الهلاك على السّالم، و الخراب على العامر.

و أمّا أسباب هذا التّدمير لذلك الصّنع و العروش، فأوّلها:الآيات الّتي أيّد اللّه تعالى بها موسى عليه السّلام من الطّوفان و الجراد و غيرهما،و تسمّى في التّوراة:

الضّربات.و فيها من المبالغة في ضررها و تخريبها،ما أشرنا إليه،و ذكرنا بعضه.و يليها إنجاء بني إسرائيل، و حرمان فرعون و قومه من استعبادهم في أعمالهم.

و ثالثها:هلاك من غرق من قوم فرعون،و حرمان البلاد و سائر الأمّة من ثمرات أعمالهم في العمران،هذا هو المعروف منها.و ما ظلمهم اللّه تعالى بذلك و لكنّهم ظلموا أنفسهم،فقد أنذرهم موسى عليه السّلام كلّ ذلك ليتّقوا سوء عاقبته،فكذّبوا بالآيات،و أصرّوا على الجحود و الإعنات.(9:101)

نحوه المراغيّ.(9:49)

ابن عاشور:و التّدمير:التّخريب الشّديد،و هو مصدر دمّر الشّيء،إذا جعله دامرا للتّعدية،متصرّف من الدّمار بفتح الدّال و هو مصدر قاصر.يقال:دمر القوم بفتح الميم،يدمرون بضمّ الميم،دمارا،إذا هلكوا جميعا،فهم دامرون.

و الظّاهر:أنّ إطلاق التّدمير على إهلاك المصنوع مجازيّ،علاقته الإطلاق،لأنّ الظّاهر أنّ التّدمير حقيقته إهلاك الإنسان.(8:262)

عبد الكريم الخطيب:و قوله تعالى: وَ دَمَّرْنا إشارة إلى ما حلّ بدولة فرعون،و ما وقع فيها من اضطراب و فساد بعد أن هلك،و هلك رءوس القوم معه.فقد صار أمر النّاس إلى فوضى و اضطراب، ففسد كلّ شيء كان صالحا،و خرب كلّ مكان كان عامرا،من ديار و زروع معروشات و غير معروشات.

(5:470)

المصطفويّ:أي أوجب اختلال نظامهم و فساد أمورهم،و يجعل عاليهم سافلهم،و يستأصلهم و ما يصنعون.(3:243)

مكارم الشّيرازيّ: وَ دَمَّرْنا من مادّة التّدمير،بمعنى الإهلاك و الإبادة.

و هنا يطرح السّؤال التّالي،و هو:كيف ابيدت هذه القصور و البساتين،و لما ذا؟

و نقول في الجواب:لا يبعد أنّ ذلك حدث بسبب زلازل و طوفانات جديدة،و أمّا الضّرورة الّتي قضت بهذا الفعل،فهي أنّ جميع الفرعونيّين لم يغرقوا في النّيل، بل غرق فرعون و جماعة من خواصّه و عسكره الّذين كانوا يلاحقون موسى عليه السّلام.و من المسلّم أنّه لو بقيت تلك الثّروات العظيمة،و الإمكانيّات الاقتصاديّة الهائلة بيد من بقي من الفراعنة الّذين كان عدد نفوسهم في شتّى نواحي مصر كثيرا جدّا لاستعادوا بها شوكتهم،و لقدروا على تحطيم بني إسرائيل،أو إلحاق الأذى بهم على الأقلّ.أمّا الإمكانيّات و الوسائل،فإنّ

ص: 24

من شأنه أن يجرّدهم من أسباب الطّغيان إلى الأبد، و ينهي تجبّرهم و طغيانهم بالمرّة.(5:172)

2- فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ* ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ. الشّعراء:170-172

ابن عبّاس:أهلكنا الباقين من قومه.(313)

مقاتل:يعني أهلكنا الآخرين بالخسف و الحصب.(3:277)

مثله ابن الجوزيّ(6:140)،و القرطبيّ(13:

133)،و الشّوكانيّ(4:144).

الطّبريّ:ثمّ أهلكنا الآخرين من قوم لوط بالتّدمير.(9:471)

الطّوسيّ: ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ فالتّدمير هو الإهلاك بأهوال الأمور،دمّره تدميرا،و مثله تبّره تتبيرا.و دمر عليه يدمر دمرا،إذا هجم عليه بالمكروه، و الدّامر:الهالك.(8:55)

الميبديّ:الدّمار:الهلاك على وجه هائل عجيب.

و اختلفوا في سبب إهلاكهم،فقال بعضهم:إنّ اللّه تعالى خسف بهم الارض.و قال بعضهم:إنّ جبرئيل رفعهم ببلادهم على قوادمه.

و قيل:على ريشة واحدة حملهم بأمر اللّه إلى السّماء،حتّى سمع أهل السّماء صوت الطّير و نباح الكلاب،ثمّ نكسهم على رءوسهم،كما قال: فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها الحجر:74.(7:146)

الزّمخشريّ:و المراد بتدميرهم:الائتفاك بهم.

(3:126)

الطّبرسيّ:أهلكناهم بالخسف،و قيل:بالائتفاك و هو الانقلاب.(4:201)

البروسويّ:أهلكناهم أشدّ الإهلاك و أفظعه بقلب بلدتهم.و التّدمير:إدخال الهلاك على الشّيء، و الدّمار:الهلاك على وجه عجيب هائل.(6:302)

نحوه أبو السّعود(5:57)،و القاسميّ(13:4640).

الآلوسيّ:[نحو البروسويّ و أضاف:]

و كان ذلك الائتفاك.و الظّاهر العطف على (نجيناه،)و التّدمير متراخ عن التّنجية من مطلق العذاب،فلا حاجة إلى القول بأنّ المراد:أردنا تنجيته، أو حكمنا بها.أو معنى فَنَجَّيْناهُ، فاستجبنا دعاءه في تنجيته،و كلّ ذلك خلاف الظّاهر.

و جوّز الطّيّبيّ كون(ثمّ)للتّراخيّ في الرّتبة.

(19:117)

ابن عاشور(ثمّ)للتّراخيّ الرّتبيّ،لأنّ إهلاك المكذّبين أجدر بأن يذكر في مقام الموعظة،من ذكر إنجاء لوط المؤمنين. (1)

و التّدمير:الإصابة بالدّمار و هو الهلاك؛و ذلك أنّهم استؤصلوا بالخسف و إمطار الحجارة عليهم.

(19:187)

المصطفويّ: ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ فخرجوا عن النّظم في الحياة،و اختلّ جريان معاشهم،و استأصل أمورهم،و جعل عاليهم سافلهم.(3:243)

3- ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ. الصّافّات:136ن.

ص: 25


1- كذا،و الظّاهر:إنجاء لوط و المؤمنين.

ابن عبّاس:أهلكنا من بقي بعد لوط و ابنتيه.

(378)

الطّبريّ:يقول:ثمّ قذفناهم بالحجارة من فوقهم، فأهلكناهم بذلك.(10:525)

الطّوسيّ:و التّدمير:الإهلاك على وجه التّنكيل، دمّر عليهم إذا غيّر حالهم إلى حال التّشويه،فاللّه تعالى أهلك قوم لوط بما أرسل عليهم من الحجارة،و بما فعل بهم من انقلاب قراهم.(8:527)

القرطبيّ:أي بالعقوبة.(15:120)

عبد الكريم الخطيب:إشارة إلى قوم لوط الّذين أهلكهم اللّه بعد أن نجّى لوطا و أهله إلاّ امرأته، الّتي هلكت مع الهالكين.(12:1026)

فضل اللّه:و أهلكناهم بالعذاب الشّديد النّازل عليهم بالحجارة الملقاة عليهم من السّماء،و بالخسف الّذي احتواهم في الأرض.(19:217)

دمّرناها-تدميرا

وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً. الإسراء:16

ابن عبّاس:فأهلكناها إهلاكا.(234)

الطّبريّ:يقول:فخرّبناها عند ذلك تخريبا، و أهلكنا من كان فيها من أهلها إهلاكا.[ثمّ استشهد بشعر](8:53)

الثّعلبيّ:فجزيناهم و أهلكناهم إهلاكا بأمر فيه أعجوبة.(6:90)

نحوه الطّبرسيّ.(3:406)

الواحديّ:أهلكناها إهلاك الاستئصال.

(3:101).

نحوه الفخر الرّازيّ(20:175)،و الخازن(4:

124).

الميبديّ:أي أهلكنا النّاس و خرّبنا الدّيار.يقال:

دمر يدمر دمارا،إذا هلك،و دمّر:أهلك.(5:531)

نحوه الشّربينيّ.(2:291)

ابن عطيّة:و التّدمير:الإهلاك،مع طمس الآثار و هدم البناء.[ثمّ استشهد بشعر](3:445)

نحوه أبو حيّان(6:20)،و البروسويّ(5:143)، و حسنين مخلوف(1:453).

القرطبيّ:أي استأصلناها بالهلاك. تَدْمِيراً ذكر المصدر للمبالغة في العذاب الواقع بهم.

(10:234)

أبو السّعود:بتدمير أهلها تَدْمِيراً لا يكتنه كنهه و لا يوصف.(4:118)

نحوه الشّوكانيّ.(3:270)

الآلوسيّ:لا يكتنه كنهه و لا يوصف،و التّدمير هو الإهلاك مع طمس الأثر و هدم البناء.(15:44)

القاسميّ:أي فخرّبناها تخريبا لا يكتنه كنهه و لا يوصف.و أهلكنا من كان فيها من أهلها إهلاكا هائلا،كما جرى لبيت المقدس لمّا انحرف اليهود عن شرعتهم،على ما قدّمنا بيانه.(10:3914)

طنطاويّ:فأهلكناها إهلاكا،و ليس ذلك خاصّا ببني إسرائيل المذكورين بل هذا قانون عامّ يعمّ الأمم السّابقة و اللاّحقة،و هذا قوله تعالى: وَ كَمْ

ص: 26

أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ بيان لكم مِنْ بَعْدِ نُوحٍ كعاد و ثمود و غيرهما.و هذا الإهلاك بالسّبب المتقدّم،و هو التّنعّم و التّرف،فيكون الجبن من جهة و الظّلم من جهة أخرى،ليسدّوا جشعهم.(9:8)

دمّرناهم-تدميرا

1- فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً الفرقان:36

ابن عبّاس:أهلكناهم إهلاكا بالغرق.(303)

نحوه الثّعلبيّ(7:133)،و الواحديّ(3:340)، و شبّر(4:358)،و حجازي(19:19).

الطّبريّ:في الكلام متروك استغني بدلالة ما ذكر من ذكره،و هو:فذهبا فكذّبوهما،فدمّرناهم حينئذ.

(9:389)

نحوه البغويّ(3:445)،و القرطبيّ(13:31)، و الخازن(5:83)،و ابن جزيّ(3:78).

الزّجّاج:يعني به فرعون و قومه،و الّذين مسخوا قردة و خنازير.(4:67)

الطّوسيّ:و التّدمير:الإهلاك بأمر عجيب، و مثله التّنكيل.يقال:دمّر على فلان،إذا هجم عليه بالمكروه.(7:490)

الميبديّ: فَدَمَّرْناهُمْ هاهنا إضمار،أي فكذّبوهما فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً أهلكناهم أشدّ الهلاك،و الدّمار:استئصال بالهلاك،و الدّمور:الدّخول بالمكروه.(7:32)

نحوه أبو الفتوح.(14:220)

الزّمخشري:و المعنى:فذهبا إليهم فكذّبوهما فدمّرناهم،كقوله اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ الشّعراء:63،أي فضرب فانفلق.أراد اختصار القصّة، فذكر حاشيتيها أوّلها و آخرها،لأنّهما المقصود من القصّة بطولها،أعني إلزام الحجّة ببعثه الرّسل و استحقاق التّدمير بتكذيبهم.و عن عليّ رضي اللّه عنه(فدمّرتهم)و عنه(فدمّراهم)و قرئ:(فدمّرانّهم) على التّأكيد بالنّون الثّقيلة.(3:92)

نحوه البيضاويّ(2:144)،و النّسفيّ(3:167)، و أبو حيّان(6:498).

ابن عطيّة:و اَلْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا هم فرعون و ملؤه من القبط،ثمّ حذف من الكلام كثير دلّ عليه ما بقي،و تقدير المحذوف:فأدّيا الرّسالة فكذّبوهما فَدَمَّرْناهُمْ. و قرأ عليّ بن أبي طالب و مسلمة بن محارب(فدمّرانّهم)أي كوّنا سبب ذلك.قال أبو الفتح:ألحق نون التّوكيد ألف التّثنية،كما تقول:

اضربان زيدا.

و روي عن عليّ رضي اللّه عنه(فدمّراهم)، و حكى عنهم أبو عمرو الدّانيّ(فدمرناهم)بكسر الميم خفيفة،قال:و روي عنه(فدمّروا بهم)على الأمر لجماعة و زيادة باء.و الّذي فسّر أبو الفتح وهم،و إنّما القراءة(فدمّرا بهم)بالباء،و كذلك المهدويّ.(4:210)

نحوه السّمين.(5:254)

الطّبرسيّ:و في الكلام حذف،أي فذهبا إليهم فلم يقبلوا منهما،و جحدوا نبوّتهما، فَدَمَّرْناهُمْ

ص: 27

تَدْمِيراً أي أهلكناهم إهلاكا بأمر فيه أعجوبة.

(4:170)

الفخر الرّازيّ: فَدَمَّرْناهُمْ: أهلكناهم إهلاكا.

فإن قيل:الفاء للتّعقيب و الإهلاك لم يحصل عقيب ذهاب موسى و هارون إليهم بل بعد مدّة مديدة؟

قلنا:التّعقيب محمول هاهنا على الحكم لا على الوقوع.(24:81)

نحوه الشّربينيّ.(3:661)

أبو السّعود: فَدَمَّرْناهُمْ التّكذيب إثر ذلك التّكذيب المستمرّ تَدْمِيراً عجيبا هائلا،لا يقادر قدره و لا يدرك كنهه،فاقتصر على حاشيتي القصّة اكتفاء بما هو المقصود.

و حمل قوله تعالى: فَدَمَّرْناهُمْ على معنى:

فحكمنا بتدميرهم،مع كونه تعسّفا ظاهرا ممّا لا وجه له؛إذ لا فائدة يعتدّ بها في حكاية الحكم بتدميرهم قد وقع و انقضى.و التّعرّض في مطلع القصّة لإيتاء الكتاب-مع أنّه كان بعد مهلك القوم،و لم يكن له مدخل في هلاكهم كسائر الآيات-للإيذان من أوّل الأمر ببلوغه عليه الصّلاة و السّلام غاية الكمال، و نيله نهاية الآمال الّتي هي إنجاء بني إسرائيل من ملكة فرعون،و إرشادهم إلى الطّريق الحقّ بما في التّوراة من الأحكام؛إذ به يحصل تأكيد الوعد بالهداية،على الوجه الّذي مرّ بيانه.(5:11)

نحوه الآلوسيّ.(19:18)

البروسويّ:التّدمير:إدخال الهلاك على الشّيء، و الدّمار:الاستئصال بالهلاك،و الدّمور:الدّخول بالمكروه.و تقدير الكلام:فذهبا إليهم فأرياهم آياتنا كلّها فكذّبوهما تكذيبا مستمرّا،فأهلكناهم إثر ذلك التّكذيب المستمرّ إهلاكا عجيبا هائلا،لا يدرك كنهه.

فاقتصر على حاشيتي القصّة،أي أوّلها و آخرها، اكتفاء بما هو المقصود منها،و هو إلزام الحجّة ببعثة الرّسل،و التّدمير بالتّكذيب.

و الفاء للتّعقيب باعتبار نهاية التّكذيب،أي باعتبار استمراره،و إلاّ فالتّدمير متأخّر عن التّكذيب بأزمنة متطاولة.(6:211)

نحوه الشّوكانيّ.(4:96)

القاسميّ:أي بالإغراق في البحر.(12:4577)

المراغي:و التّدمير:كسر الشّيء على وجه لا يمكن معه إصلاحه.[إلى أن قال:]

...فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً أي فقلنا لهما اذهبا إلى فرعون و قومه الّذين كذّبوا بدلائل التّوحيد المودعة في الأنفس و الآفاق،فلمّا ذهبا إليهم كذّبوهما، فأهلكناهم أشدّ إهلاك.

و نحو الآية قوله: دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ لِلْكافِرِينَ أَمْثالُها محمّد:10.

و في ذلك تسلية لرسوله،و أنّه ليس أوّل من كذّب من الرّسل،فله أسوة بمن سلف منهم،قصّة نوح عليه السّلام.(19:15)

ابن عاشور:...و قد حصل بهذا النّظم إيجاز عجيب اختصرت به القصّة،فذكر منها حاشيتاها:

أوّلها و آخرها،لأنّهما المقصود بالقصّة،و هو استحقاق

ص: 28

الأمم التّدمير بتكذيبهم رسلهم.و التّدمير:الإهلاك، و الهلاك:دمور.

و إتباع الفعل بالمفعول المطلق لما في تنكير المصدر من تعظيم التّدمير،و هو الإغراق في اليمّ.(19:50)

مكارم الشّيرازيّ:كلمة«تدمير»من مادّة دمار بمعنى الإهلاك بأسلوب يثير العجب؛حيث كان هلاك قوم فرعون في أمواج النّيل المتلاطمة بتلك الكيفيّة المعروفة،من عجائب التّاريخ حقا.(11:224)

2- فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ. النّمل:51

ابن عبّاس:أهلكناهم بالحجارة.(319)

نحوه الشّربينيّ.(3:66)

أرسل سبحانه الملائكة فامتلأت بهم دار صالح، فأتى التّسعة الدّار شاهرين سيوفهم فرمتهم الملائكة بالحجارة،من حيث يرون الحجارة و لا يرون الملائكة، فقتلتهم.(الثّعلبيّ 7:217)

قتادة:خرجوا مسرعين إلى صالح،فسلّط اللّه عليهم صخرة فدمغتهم.(الثّعلبيّ 7:217)

السّدّيّ:خرجوا ليأتوا صالحا فنزلوا خرقا من الأرض يتمكّنون فيه،فانهار عليهم(الثّعلبيّ 7:217)

مقاتل:يعني التّسعة،يعني أهلكناهم بالجبل حين جثم عليهم، دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ بصيحة جبريل عليه السّلام،فلم نبق منهم أحدا.(3:312)

الفرّاء:قوله: أَنّا دَمَّرْناهُمْ... تقرأ بالكسر على الاستئناف،مثل قوله: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ* أَنّا صَبَبْنَا الْماءَ عبس:24،25،يستأنف، و هو يفسّر به ما قبله،و إن ردّه على إعراب ما قبله قال: أَنّا بالفتح،فتكون أَنّا في موضع رفع، تجعلها تابعة للعاقبة.

و إن شئت جعلتها نصبا من جهتين:إحداهما:أن تردّها في موضع كَيْفَ و الأخرى أن تكرّ (1)كانَ كأنّك قلت:كان عاقبة مكرهم تدميرنا إيّاهم.

و إن شئت جعلتها كلمة واحدة فجعلت أَنّا في موضع نصب كأنّك قلت:فانظر كيف كان عاقبة مكرهم تدميرنا إيّاهم.(2:296)

الطّبريّ:يقول:(انا دمرنا)التّسعة الرّهط الّذين يفسدون في الأرض،من قوم صالح و قومهم من ثمود أجمعين،فلم نبق منهم أحدا.

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: أَنّا فقرأ بكسرها عامّة قرّاء الحجاز،و البصرة على الابتداء، و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة: أَنّا دَمَّرْناهُمْ بفتح الألف.[ثمّ قال:نحو الفرّاء و أضاف:]

و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال:

إنّهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار،متقاربتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.(9:534)

نحوه الزّجّاج(4:124)،و الثّعلبيّ(7:217)، و البغويّ(3:509)،و أبو الفتوح(15:60).

الفارسيّ:(انّا دمّرناهم)فيمن كسر استئناف، و هو تفسير للعاقبة،كما أنّ قوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌا.

ص: 29


1- أي تنوي تكرارها.

عَظِيمٌ المائدة:9،تفسير للوعد[أي في وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ المائدة:9]،فكذلك قوله: (أَنّا دَمَّرْناهُمْ) تفسير.

و من قرأ أَنّا دَمَّرْناهُمْ جاز أن يكون كانَ على ضربيها،فإذا حملتها على«وقع»كان كَيْفَ في موضع حال،و جاز في قوله:(انّا دمّرناهم)أمران:

أحدهما:أن يكون بدلا من قوله: عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ، و جاز أن يكون محمولا على مبتدإ مضمر،كأنّه هو أَنّا دَمَّرْناهُمْ أو ذاك أَنّا دَمَّرْناهُمْ.

فإذا حملتها على المقتضية للخبر جاز في قوله:(انّا دمّرناهم)أيضا أمران:أن يكون بدلا من اسم كانَ الّذي هو«العاقبة»،فإذا حملته على ذلك كان كَيْفَ في موضع خبر كان.

و الآخر:أن يكون خبر كانَ و يكون موضعه نصبا بأنّه خبر،كأنّه:كان عاقبة مكرهم تدميرهم، و يكون كَيْفَ في موضع حال.و يجوز أن يكون العامل في كَيْفَ أحد شيئين:

أحدهما:أن يكون كانَ لأنّه فعل،كما كان العامل في الظّرف في قوله سبحانه: أَ كانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا يونس:2، كانَ أ لا ترى أنّه لا يجوز أن يتّصل قوله: لِلنّاسِ بواحد من المصدرين،إلاّ أن تجعله صفة ل عَجَباً، فتقدّمه،فيصير في موضع حال،و العامل فيه على هذا أيضا كانَ.

و يجوز أن يكون العامل فيه ما في الكلام من الدّلالة على الفعل،لأنّ قوله:(انّا دمّرناهم)بمنزلة تدميرنا،و تدميرنا يدلّ على دَمَّرْناهُمْ، فيصير العامل فيه هذا المعنى الّذي دلّ عليه ما في الكلام من معنى الفعل.

و زعموا أنّ في حرف أبيّ:(ان دمّرناهم و قومهم) فهذا يقوّي الفتح في أَنّا. (3:241)

نحوه أبو زرعة(532)،و القيسيّ(2:151)، و ابن عطيّة(4:264)،و الطّبرسيّ(4:226)،و أبو البركات(2:224)،و ابن الجوزيّ(6:182).

الطّوسيّ:[نحو الفارسيّ و أضاف:]

يقول اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم انظر يا محمّد و فكّر كيف كان عاقبة مكرهم،أي هؤلاء الكفّار الّذين كفروا و دمّرناهم؟!(8:104)

الزّمخشريّ:(انّا دمّرناهم)استئناف،و من قرأ بالفتح رفعه بدلا من«العاقبة»أو خبر مبتدإ محذوف، تقديره:هي تدميرهم.أو نصبه على معنى:لأنّا،أو على أنّه خبر كانَ أي كان عاقبة مكرهم الدّمار.

(3:153)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:203)،و البيضاويّ(2:

179)،و النّسفيّ(3:216).

العكبريّ:في كانَ وجهان:

أحدهما:هي النّاقصة،و عاقِبَةُ مرفوعة على أنّها اسمها،و في الخبر وجهان:أحدهما: كَيْفَ و أَنّا دَمَّرْناهُمْ إن كسرت كان مستأنفا،و هو مفسّر لمعنى الكلام،و إن فتحت فيه أوجه:

أحدها:أن يكون بدلا من«العاقبة.».

و الثّاني:خبر مبتدإ محذوف،أي هي أَنّا

ص: 30

دَمَّرْناهُمْ.

و الثّالث:أن يكون بدلا من كَيْفَ عند بعضهم.

و قال آخرون:لا يجوز ذلك،لأنّ البدل من الاستفهام يلزم فيه إعادة حرفه،كقولك:كيف زيد أ صحيح أم مريض؟

و الرّابع:هو في موضع نصب،أي بأنّا أو لأنّا.

و الوجه الثّاني:أن يكون خبر كانَ أَنّا دَمَّرْناهُمْ، إذا فتحت،و إذا كسرت لم يجز،لأنّه ليس في الجملة ضمير يعود على عاقِبَةُ، و كَيْفَ على هذا حال،و العامل فيها كانَ، أو ما يدلّ عليه الخبر.

و الوجه الثّاني من وجهي كانَ أن تكون التّامّة،و كَيْفَ على هذا حال لا غير.و(انّا دمّرنا) بالكسر مستأنف،و بالفتح على ما تقدّم إلاّ في كونها خبرا.(2:1010)

القرطبيّ:أي بالصّيحة الّتي أهلكتهم.و قد قيل:

إنّ هلاك الكلّ كان بصيحة جبريل.و الأظهر أنّ التّسعة هلكوا بعذاب مفرد،ثمّ هلك الباقون بالصّيحة و الدّمدمة.[ثمّ ذكر القراءات و توجيهها](13:217)

نحوه أبو السّعود(5:90)،و الشّوكانيّ(4:

180)،و الآلوسيّ(19:214).

أبو حيّان:روي أنّ صالحا،بعد عقر النّاقة، أخبرهم بمجيء العذاب بعد ثلاثة أيّام،فاتّفق هؤلاء التّسعة على قتل صالح و أهله ليلا و قالوا:إن كان كاذبا في وعيده كنّا قد أوقعنا به ما يستحقّ،و إن كان صادقا كنّا قد عجّلناه قبلنا و شفينا نفوسنا.و اختفوا في غار،و أهلكهم اللّه،كما تقدّم ذكره،و أهلك قومهم، و لم يشعر كلّ فريق بهلاك الآخر.[ثمّ أدام الكلام في القراءات و توجيهها](7:85)

السّمين:قوله: أَنّا دَمَّرْناهُمْ قرأ الكوفيّون بالفتح،و الباقون بالكسر،فالفتح من أوجه:

أحدها:أن يكون على حذف حرف الجرّ،أي لأنّنا دمّرناهم.و كانَ تامّة،و عاقِبَةُ فاعل بها، و كَيْفَ حال.

الثّاني:أن يكون بدلا من عاقِبَةُ، أي كيف كان تدميرنا إيّاهم،بمعنى كيف حدّث.

الثّالث:أن يكون خبر مبتدإ محذوف،أي هي أَنّا دَمَّرْناهُمْ أي العاقبة تدميرنا إيّاهم.و يجوز مع هذه الأوجه الثّلاثة أن تكون ناقصة،و يجعل كَيْفَ خبرها،فتصير الأوجه ستّة:ثلاثة مع تمام كانَ و ثلاثة مع نقصانها.و يزيد مع النّاقصة وجها آخر:

و هو أن يجعل عاقِبَةُ اسمها و أَنّا دَمَّرْناهُمْ خبرها،و كَيْفَ حال.فهذه سبعة أوجه.

و الثّامن:أن تكون كانَ زائدة،و عاقِبَةُ مبتدأ،و خبره كَيْفَ و أَنّا دَمَّرْناهُمْ بدل من عاقِبَةُ أو خبر مبتدإ مضمر.و فيه تعسّف.

التّاسع:أنّها على حذف الجارّ أيضا،إلاّ أنّه الباء أي(بانّا دمّرناهم)،ذكره أبو البقاء،و ليس بالقويّ.

العاشر:أنّها بدل من كَيْفَ. و هذا وهم من قائليه،لأنّ المبدل من اسم الاستفهام يلزم معه إعادة حرف الاستفهام نحو:كم مالك؟أ عشرون أم ثلاثون؟

و قال مكّيّ:و يجوز في الكلام نصب(عاقبة)

ص: 31

و يجعل أَنّا دَمَّرْناهُمْ اسم كانَ انتهى.بل كان هذا هو الأرجح،كما كان النّصب في قوله: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا العنكبوت:24،و نحوه أرجح لما تقدّم من شبهه بالمضمر لتأويله بالمصدر.

و قرأ أبيّ(ان دمّرناهم)و هي«أن»المصدريّة الّتي يجوز أن تنصب المضارع،و الكلام فيها كالكلام على أَنّا دَمَّرْناهُمْ.

و أمّا قراءة الباقين فعلى الاستئناف،و هو تفسير للعاقبة.و كانَ يجوز فيها التّمام و النّقصان و الزّيادة،و كَيْفَ و ما في خبرها في محلّ نصب على إسقاط الخافض،لأنّه معلّق للنّظر،و أَجْمَعِينَ تأكيد للمعطوف و المعطوف عليه معا.(5:320)

البروسويّ:التّدمير استئصال الشّيء بالهلاك.

(6:357)

المراغيّ:أي ففكّر كيف آل أمرهم،و كيف كانت عاقبة مكرهم،فقد أهلكناهم و قومهم الّذين لم يؤمنوا على وجه يقتضي النّظر،و يسترعى الاعتبار،و يكون عظة لمن غدر كغدرهم فى جميع الأزمان.

روي أنّه كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلّي فيه،فقالوا:زعم صالح أنّه يفرغ منّا إلى ثلاث، فنحن نفرغ منه و من أهله قبل الثّلاث،فذهبوا إلى الشّعب ليقتلوه،فوقعت عليهم صخرة من جبالهم طبّقت عليهم الشّعب فهلكوا و هلك الباقون في أماكنهم بالصّيحة،و نجّى اللّه صالحا و من آمن معه.

(19:148)

ابن عاشور:[نقل القراءات و قال:]

و ضمير الغيبة في دَمَّرْناهُمْ للرّهط،و عطف قَوْمَهُمْ عليهم لموافقة الجزاء للمجزيّ عليه،لأنّهم مكروا بصالح و أهله،فدمّرهم اللّه و قومهم.

و التّدمير:الإهلاك الشّديد،و تقدّم غير مرّة منها في سورة الشّعراء.(19:276)

مغنيّة:أرادوا أن يهلكوا صالحا فأهلكهم اللّه، و في ذلك عبرة و عظة لمن يبيت الإساءة للآخرين.

(6:27)

الطّباطبائيّ:التّدمير:الإهلاك،و ضمائر الجمع للرّهط،و كون عاقبة مكرهم هو إهلاكهم و قومهم، من جهة أنّ مكرهم استدعى المكر الإلهيّ على سبيل المجازاة،و استوجب ذلك إهلاكهم و قومهم.

(15:375)

تدمّر

تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ.

الأحقاف:25

ابن عبّاس:تهلك كلّ شيء بإذن ربّها.(425)

ما أرسل اللّه على عاد من الرّيح إلاّ قدر خاتمي هذا،فنزع خاتمه.(الطّبريّ 11:294)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره:تخرّب كلّ شيء، و ترمي بعضه على بعض فتهلكه.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما عني بقوله: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها ممّا أرسلت بهلاكه،لأنّها لم تدمّر هودا و من كان آمن به.(11:294)

ص: 32

نحوه ابن كثير.(6:287)

الثّعلبيّ:مرّت به من رجال عاد و أموالها بإذن ربّها...عن عائشة قالت:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا رأى الرّيح فزع،و قال:«اللّهمّ إنّي أسألك خيرها و خير ما فيها،و خير ما أرسلت به،و أعوذ بك من شرّها و شرّ ما فيها،و شرّ ما أرسلت به».(9:17)

نحوه البغويّ(4:200)،و المراغيّ(26:30).

الميبديّ:يعني تدمّر كلّ شيء مرّت به من رجال عاد و أموالها كقوله: ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ الذّاريات:42.

و التّدمير:إهلاك استئصال.(9:161)

الزّمخشريّ:تهلك من نفوس عاد و أموالهم الجمّ الكثير،فعبّر عن الكثرة بالكلّيّة.و قرئ(يدمر كلّ شىء)من دمر دمارا إذا هلك.(3:524)

نحوه البيضاويّ(2:389)،و النّسفيّ(4:145)، و القاسمي(15:5354).

الطّبرسيّ:أي تهلك كلّ شيء مرّت به من النّاس و الدّوابّ و الأموال.

و اعتزل هود و من معه في حظيرة لم يصبهم من تلك الرّيح إلاّ ما تلين على الجلود و تلتذّ به الأنفس، و أنّها لتمرّ من عاد بالظّعن ما بين السّماء و الأرض حتّى نرى الظّعينة كأنّها جرادة.(5:90)

نحوه ابن الجوزيّ.(7:384)

الفخر الرّازيّ:أي تهلك كلّ شيء من النّاس و الحيوان و النّبات بِأَمْرِ رَبِّها و المعنى:أنّ هذا ليس من باب تأثيرات الكواكب و القرانات،بل هو أمر حدث ابتداء بقدرة اللّه تعالى لأجل تعذيبكم.(28:28)

نحوه الخازن.(6:137)

القرطبيّ:أي كلّ شيء مرّت عليه من رجال عاد و أموالها.قال ابن عبّاس:أي كلّ شيء بعثت إليه.

و التّدمير:الهلاك،و كذلك الدّمار.

و قرئ(يدمر كلّ شيء)من دمر دمارا.يقال:

دمّره تدميرا و دمارا و دمّر عليه بمعنى.

و دمر يدمر دمورا:دخل بغير إذن.و في الحديث:

«من سبق طرفه استئذانه فقد دمّر»مخفّف الميم.

(16:206)

أبو حيّان: تُدَمِّرُ أي تهلك،و الدّمار:الهلاك.

و قرأ زيد بن عليّ:(تدمر)بفتح التّاء و سكون الدّال و ضمّ الميم.و قرئ كذلك إلاّ أنّه بالياء و رفع (كلّ)،أي يهلك كلّ شيء،و كلّ شيء عامّ مخصوص، أي من نفوسهم و أموالهم،أو من أمرت بتدميره.

(8:64)

نحوه السّمين(6:141)،و الشّوكانيّ(5:29).

الشّربينيّ: تُدَمِّرُ أي تهلك إهلاكا عظيما شديدا كُلَّ شَيْءٍ أي أتت عليه من الحيوان و النّاس و غيرهما.هذا شأنها،فمن سلم منها ك«هود»عليه السّلام و من آمن به،فسلامته أمر خارق للعادة،كما أنّ أمرها في إهلاك كلّما مرّت عليه أمر خارق للعادة.(4:14)

أبو السّعود:قوله تعالى: تُدَمِّرُ أي تهلك كُلَّ شَيْءٍ من نفوسهم و أموالهم بِأَمْرِ رَبِّها.

و قرئ(يدمر كلّ شىء)من دمر دمارا،إذا هلك،

ص: 33

فالعائد إلى الموصوف محذوف،أو هو الهاء في رَبِّها.

و يجوز أن يكون استئنافا و أراد البيان أنّ لكلّ ممكن فناء مقضيّا منوطا بأمر بارئه،و تكون الهاء ل كُلَّ شَيْءٍ لكونه بمعنى الأشياء.و في ذكر الأمر و الرّبّ و الإضافة إلى الرّيح من الدّلالة على عظمة شأنه عزّ و جلّ ما لا يخفى.(6:76)

نحوه البروسويّ(8:482)،و الآلوسيّ(26:

26).

ابن عاشور:و المعنى تُدَمِّرُ ما من شأنه أن تدمّره الرّيح من الإنسان و الحيوان و الدّيار.

و قوله: بِأَمْرِ رَبِّها حال من ضمير تُدَمِّرُ.

و فائدة هذه الحال تقريب كيفيّة تدميرها كُلَّ شَيْءٍ أي تدميرا عجيبا بسبب أمر ربّها،أي تسخيره الأشياء لها،فالباء للسّببيّة.و أضيف الرّبّ إلى ضمير الرّيح لأنّها مسخّرة لأمر التّكوين الإلهيّ،فالأمر هنا هو أمر التّكوين.(26:43)

الطّباطبائيّ:التّدمير:الإهلاك،و تعلّقه ب كُلَّ شَيْءٍ و إن كان يفيد عموم التّدمير،لكنّ السّياق يخصّصه بنحو الإنسان و الدّوابّ و الأموال،فالمعنى:

إنّ تلك الرّيح ريح تهلك كلّ ما مرّت عليه من إنسان و دوابّ و أموال.(18:212)

عبد الكريم الخطيب:أي أنّ هذه الرّيح لا تمرّ على شيء إلاّ دمّرته،و ذهبت بمعالم الحياة و الخير فيه.

إنّها آية من عند اللّه،مسلّطة على أعداء اللّه،ترميهم بالهلاك و الدّمار.(13:284)

فضل اللّه: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فقد استعجلتم العذاب ظنّا منكم أنّه لن يجيء،و ها هو أمامكم،فكيف تواجهونه؟و كيف تثبتون أمام التّحدّي؟ فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ فقد هلك كلّ شيء فيها من النّاس و الدّوابّ و الأموال.

(21:35)

مكارم الشّيرازيّ:قال بعض المفسّرين:إنّ المراد من كُلَّ شَيْءٍ البشر و دوابّهم و أموالهم،لأنّ الجملة التالية تقول: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ و هذا يوحي بأنّ مساكنهم كانت سالمة،أمّا هم فقد هلكوا،و ألقت الرّياح القويّة أجسادهم في الصّحاري البعيدة،أو في البحر.

و قال البعض:إنّهم لم يلتفتوا إلى أنّ هذه السّحب السّوداء هي رياح قويّة مغبرة،إلاّ عند ما وصلت قريبا من ديارهم،و رفعت دوابّهم و رعاتهم-الّذين كانوا في الصّحاري المحيطة بهم-من الأرض و رمتهم في الهواء، و رأوا أنّها تقتلع الخيام من مكانها و تلقيها في الهواء حتّى كانت تبدو كالجراد!عند ما رأوا ذلك المشهد، فرّوا و التجئوا إلى دورهم،و أغلقوا الأبواب عليهم.

إلاّ أنّ الأعاصير اقتلعت الأبواب و ألقتها على الأرض -أو حملتها معها-و رمت أجساد هؤلاء بالأحقاف، و هي الرّمال المتحرّكة.(16:265).

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّمر:الهجوم.يقال:

دمر الرّجل على القوم يدمر دمرا و دمورا،أي هجم

ص: 34

عليهم.و في الحديث:«من اطّلع في بيت بغير إذن فقد دمر»،أي هجم على أهله.

و المدمّر:اسم الصّيّاد،لأنّه يدخل القترة مستترا لينقضّ على الصّيد و يهجم عليه.

و الدّمار:الهلاك،لأنّه ملازم للهجوم.يقال:دمر القوم يدمرون دمارا،أي هلكوا،و دمرهم اللّه و دمّرهم و دمّر عليهم.

و الدّامر:الهالك.يقال:رجل هالك دامر،إذا لم يكن فيه خير،و دمّره اللّه تدميرا:أهلكه.قال الإمام عليّ عليه السّلام:«قاهر من عازّه،و مدمّر من شاقّه» (1)،أي قاهر من غالبه،و مهلك من نازعه.

و يقال أيضا:فلان خاسر دامر دابر،و خسر دمر دبر،و ما رأيت من خسارته و دمارته و دبارته.

و التّدمريّ من اليرابيع:ضرب لئيم الخلقة،علب اللّحم،أي عضل،و يوصف به الرّجل اللئيم،كأنّه يدمر على جحره،أي يهجم عليه.

2-و يستعمل العامّة«الدّمار»اليوم في معنى:

هدم البناء و تقويضه،و في تبديد القوم و تلاشيهم، و انحلال أمرهم.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مزيدا من التّفعيل«الماضي»8 مرّات، و«المضارع»،و المصدر«تدمير»مرّتين،في 8 آيات:

دمّر تدميرا

1- دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ لِلْكافِرِينَ أَمْثالُها

محمّد:10

2- وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً

الإسراء:16

3- ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ* وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ الشّعراء:172،173

4- ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ* وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ الصّافّات:136،137

5- فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ النّمل:51

6- فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً الفرقان:36

7- ...وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ الأعراف:137

تدمّر

8- تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ

الأحقاف:25

و يلاحظ أوّلا:فيما يرتبط بكلّ هذه الآيات جاءت بشأن عذاب و هلاك الأمم السّابقة قبل أمّة الإسلام.و كلّها مكّيّ سوى(1)فمدنيّة،فهي شاملة لكلّ الأمم الغابرة الكافرة دون قوم خاصّ: أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ لِلْكافِرِينَ أَمْثالُها* ذلِكَ

ص: 35


1- -نهج البلاغة-الخطبة:90.

بِأَنَّ اللّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ محمّد:10،11.

و مثلها آية الإسراء(2)فهي تحدّث عن سنّة اللّه في هلاك الأمم و القرى الفاسقة المترفة حتّى أمّة الإسلام دون قوم خاصّ: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً

و أمّا ما يختصّ بكلّ آية منها:

1-ففي(1)التّدمير تعدّى بحرف«على» دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ، و في الباقي قد تعدّى بنفسه،و«على» تفيد الاستعلاء،فالتّدمير فيها أشدّ و أقوى من غيرها.

قال السّمين:«يجوز أن يكون حذف مفعوله،أي أهلك اللّه بيوتهم و خرّبها عليهم،أو تضمّن دَمَّرَ معنى سخط اللّه عليهم بالتّدمير».

و قال الطّيّبيّ:«كأنّ في«دمّر عليهم»تضمين معنى أطبق،فعدّي ب«على»فإذا أطبق عليهم دمارا لم يخلص ممّا يختصّ بهم أحد.و في حواشي سعدي المفتي: دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ، أي أوقع التّدمير عليهم».

و قال الآلوسيّ:«يقال دمّر عليه:أهلك ما يختصّ به،فدمّر عليه،أبلغ من دمّره،و جاءت المبالغة من حذف المفعول و جعله نسيا منسيّا،و الإتيان بكلمة الاستعلاء و هي لتضمّن التّدمير معنى الإيقاع أو الهجوم أو نحوه».

و قال ابن عاشور:«و جملة دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ استئناف بيانيّ،و هذا تعريض بالتّهديد.و التّدمير:

الإهلاك و الدّمار و هو الهلك،و فعل دَمَّرَ متعدّ إلى المدمّر بنفسه.يقال:دمّرهم اللّه،و إنّما عدّي في الآية بحرف الاستعلاء للمبالغة في قوّة التّدمير،فحذف مفعول دَمَّرَ لقصد العموم،ثمّ جعل التّدمير واقعا عليهم،فأفاد معنى دَمَّرَ كلّ ما يختصّ بهم،و هو المفعول المحذوف،و أنّ التّدمير واقع عليهم فهم من مشموله».

و قال الطّباطبائيّ:«يقال:دمّره اللّه،أي أهلكه.

و يقال:دمّر اللّه عليه،أي أهلك ما يخصّه من نفس و أهل و دار و عقار،فدمّر عليه،أبلغ من دمّره،كما قيل».

و قال الخطيب:«و في تعدية الفعل بحرف الاستعلاء«على»إشارة إلى أنّ هذا التّدمير،قد وقع عليهم من جهة عالية،متمكّنة منهم؛بحيث يكونون تحت رمياتها الّتي لا تخطّئ الهدف أبدا».

و قال مكارم الشّيرازيّ:«و هي من الأصل بمعنى الإهلاك و الإفناء،أمّا إذا أتت مع«على»فإنّها تعني إهلاك كلّ شيء حتّى الأولاد و الأهل و العشيرة و الأموال الخاصّة بالإنسان.و على هذا فإنّ هذا التّعبير بيان لمصيبة أليمة،خاصّة بملاحظة لفظ «على»الّذي يستعمل عادة في مورد التّسلّط،و بذلك يصبح معنى الجملة:إنّ اللّه عزّ و جلّ قد صبّ عذابه على رءوس هؤلاء الأقوام.و أموالهم و كلّ ما يتعلّق بهم فأفناها جميعا».

2-و التّدمير في(2)واقع على القرية،و في(7) واقع على ما كان يصنع فرعون و قومه من الأبنية و القصور،و في(8)واقع على كلّ شيء من قوم عاد،

ص: 36

أمّا في الباقي فالتّدمير تعلّق بالأقوام أنفسهم دون المباني و القرى،و لكنّها مرادة فيها.

3-الهدف منها جميعا عبرة أمّة الإسلام و سائر الأمم الباقية بها،كما قال في(1): أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.

4-و التّدمير في الآيات كلّها بمعنى واحد و هو في اللّغة-كما سبق في الأصول اللّغويّة-بمعنى«الهجوم» و لكنّه يستعمل مجازا أو حقيقة بالملازمة في الهلاك و العذاب و نحوهما،و لهذا اختلفت كلماتهم في معناها ذيل الآيات مثل قولهم في(1): دَمَّرَ اللّهُ عَلَيْهِمْ:

أهلكهم اللّه و عذّبهم،أ لم نهلكهما فندمّر منازلها و نخرّبها،إنّه محلّ بهم من العذاب ما أحلّ بالّذين كانوا من قبلهم،أهلك عليهم متاع الدّنيا من الأموال، و الأولاد،و الأزواج،و الأجساد.و الدّمار:الإفساد، و هدم البناء،و إذهاب العمران،استأصلهم،أوقع الملك الأعظم الهلاك بما عمّ أهاليهم و أموالهم،و كلّ من رضي أفعالهم أو مقالهم.

و في(2) فَدَمَّرْناها: أهلكناها إهلاكا، فخرّبناها عند ذلك تخريبا،و أهلكنا من كان فيها من أهلها إهلاكا،فجزيناهم و أهلكناهم بأمر فيه أعجوبة،أهلكناها إهلاك الاستئصال،التّدمير:هو الإهلاك مع طمس الآثار و هدم البناء،فخرّبها تخريبا لا يكتنه كنهه و لا يوصف.

و في(3)التّدمير:إدخال الهلاك على الشّيء و الدّمار:الهلاك على وجه عجيب هائل.و التّدمير:

هو الإهلاك بأهوال الأمور،دمّره تدميرا،و مثله تبّره تتبيرا،و دمر عليه يدمر دمرا إذا هجم عليه بالمكروه، و الدّامر:الهالك.

و في(4)التّدمير:الإهلاك على وجه التّنكيل،دمّر عليهم،إذا غيّر حالهم إلى حال التّشويه.

و في(5)-كما يأتي-«دمّرناهم:أهلكناهم بالحجارة».

و في(6)التّدمير:كسر الشّيء على وجه لا يمكن معه إصلاحه.

و في(7)التّدمير:إدخال الهلاك على السّالم و الخراب على العامر و نحوها،فلاحظ.

و في(2) فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً:

1-قال القرطبيّ:«ذكر المصدر للمبالغة في العذاب الواقع بهم».و قال غيره في المصدر:«لا يكتنه كنهه و لا يوصف».

2-قال طنطاوي:«و ليس ذلك خاصّا ببني إسرائيل لا المذكورين،بل هذا قانون عامّ يعمّ الأمم السّابقة و اللاّحقة...».و ما قاله من الشّمول صحيح، و لكن لا يناسب ذكر بني إسرائيل هنا،فإنّ الحديث عن بني إسرائيل في الآيات:2-8،من هذه السّورة قد انتهى،و بدأ الحديث بعدها بشأن القرآن و التّوحيد و البعث و الإنذار،حتّى انتهى الإنذار إلى هذه الآية:

16، وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً... .بل هذه الآية تمهيد لما بعدها وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ.

3-و قال طنطاوي أيضا:«و هذا الإهلاك بالسّبب المتقدّم و هو التّنعّم و التّرف،فيكون الجبن من

ص: 37

جهة و الظّلم من جهة أخرى ليسدّوا جشعهم»، و كأنّه أشار بذلك إلى مُتْرَفِيها في الآية قبلها، لكن لا موجب لقوله ذيلها:فيكون الجبن....

و في(3 و 4)-و كلاهما في لوط و قومه- ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ:

1-قالوا:«الآخرين من قوم لوط»،و لم يذكر في(4)كيف دمّرهم،و ذكرها فيما بعد(3): وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ.

و قال مقاتل:«يعني أهلكنا الآخرين بالخسف و الحصب».و ذكر الميبديّ اختلافهم في سبب إهلاكهم من الخسف،أو رفع جبرئيل ببلادهم على قوادمه أو على ريشة واحدة حملهم بأمر اللّه إلى السّماء،حتّى سمع أهل السّماء صوت الطّير و نباح الكلاب،ثمّ نكسهم على رءوسهم،كما قال: فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها الحجر:74.

و قال الطّبرسيّ:«أهلكناهم بالخسف،و قيل:

بالائتفاك و هو الانقلاب».

و نقول:جملة ما ذكر في القرآن في عذابهم الصّيحة و الحاصب،و إمطار الحجارة،و قلب عاليها سافلها في سور:ففي هود:82،83، فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.

و في سورة الحجر:73،74، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ* فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ.

و في سورة النّمل:58، وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ.

و جاء في سورة القمر:34، إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً. و الحاصب-كما قال الطّبرسيّ(ج 5:

192)-«ريح حصبتهم،أي رمتهم بالحجارة و الحصباء».

2-قال الآلوسيّ في(3): فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ* ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ. «الظّاهر العطف على(نجينا)و التّدمير متراخ عن التّنجية من مطلق العذاب،فلا حاجة إلى القول بأنّ المراد أردنا تنجيته أو حكمنا بها،أو معنى فَنَجَّيْناهُ فاستجبنا دعاءه في تنجيته،و كلّ ذلك خلاف الظّاهر».و بناء على قوله تأخّر التّدمير عن التّنجية زمانا.و جوّز الطّيّبيّ كون(ثمّ)للتّراخيّ في الرّتبة.و اختاره ابن عاشور،و قال:«لأنّ إهلاك المكذّبين أجدر بأن يذكر في مقام الموعظة من ذكر إنجاء لوط المؤمنين».

و نقول:الآيات في الشّعراء:168-172،هكذا حكاية عن لوط في جواب قومه: قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ* رَبِّ نَجِّنِي وَ أَهْلِي مِمّا يَعْمَلُونَ* فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ* ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ فيكون قوله: فَنَجَّيْناهُ استجابة لدعاء لوط متّصلا به اهتماما بدعائه ثمّ ذكر تدمير قومه.

و كذلك آيات 133-136 من الصّافّات: وَ إِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ نَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلاّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ* ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ هذا

ص: 38

مضافا إلى أنّ النّجاة من العذاب مقدّم دائما على العذاب و عليه فالحقّ هو ما قاله الآلوسيّ:«التّدمير متراخ عن التّنجية»و أنّ(ثمّ)جاءت بمعناها للتّرتيب.

فهذه الآية نظير الآية(7)في تقديم نجاة بني إسرائيل على عذاب فرعون و قومه حيث قال اللّه:

وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ الأعراف:

137.و كذلك قدّم النّجاة على العذاب في الآيات 114-122 من الصّافّات: وَ لَقَدْ مَنَنّا عَلى مُوسى وَ هارُونَ* وَ نَجَّيْناهُما وَ قَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ* وَ نَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ* وَ آتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ* وَ هَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* وَ تَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى مُوسى وَ هارُونَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ و في الآيتين 65 و 66 من الشّعراء:

وَ أَنْجَيْنا مُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ* ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ.

4-و قال المصطفويّ في دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ:

«فخرجوا عن النّظم في الحياة،و اختلّ جريان معاشهم،و استأصل أمورهم».و هذا تفسير باللاّزم كما سبق في معنى«التّدمير».

و في(5)-و هي في ثمود قوم صالح- أَنّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ:

1-قالوا في دَمَّرْناهُمْ: أهلكناهم بالحجارة، فرمتهم الملائكة بالحجارة،من حيث يرون الحجارة و لا يرون الملائكة،فسلّط اللّه عليهم صخرة فدمغتهم، فنزلوا خرقا من الأرض يتمكّنون فيه فانهار عليهم، أهلكناهم بالجبل حين جثم عليهم...بصيحة جبريل عليه السّلام فلم نبق منهم أحدا،بالصّيحة الّتي أهلكتهم.و قد قيل:إنّ هلاك الكلّ كان بصيحة جبريل،و الأظهر أنّ التّسعة هلكوا بعذاب مفرد،ثمّ هلك الباقون بالصّيحة و الدّمدمة،و نحوها.

و ليس شيء من ذلك في الآية سوى أَنّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ* فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا...، و ما ذكروه من الصّيحة و غيرها مستفاد من الرّوايات.

2-و الجدير بالذّكر هذا التّفاوت بين لوط و صالح و قومهما في الآيات(3 و 4 و 5)بتقديم الإنجاء على العذاب،و تعميم الإنجاء للأهل أجمعين في(3 و 4) تكريما للوط: فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* ... ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ، و تأخير الإنجاء عن العذاب و تعميم العذاب في(5): ...أَنّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ* ... وَ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ. و أيضا الفرق بينهما بتعليق الإنجاء ب«لوط و أهله»في(3 و 4)، و تعليق الإنجاء في(5)ب اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ إشارة إلى أنّ لوط و قومه أيضا كانوا مؤمنين و متّقين،و كان ذلك بيّنا فيهم،فلا حاجة إلى ذكره.

3-و قد قرئت أَنّا دَمَّرْناهُمْ بتشديد النّون في أَنّا مع فتح الهمزة-كما في المصحف-و كسرها.

و قد قال الطّبريّ:«إنّهما قراءتان مشهورتان في قراءة

ص: 39

الأمصار،متقاربتا المعنى...»،و أيضا بتخفيف النّون في قراءة أبيّ،و لم يذكره الطّبريّ.

4-و لهم كلام طويل في توجيه فتح الهمزة و كسرها بلا موجب سوى التّظاهر بالتّبحّر في الإعراب،و كذا خلافهم في موضع كَيْفَ في:

فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ، و أكثرهم قالوا:في الكسر استئناف و هو تفسير عاقِبَةُ، و في الفتح وجوه أنهاها«السّمين»إلى العشرة:منها أنّ أَنّا في موضع رفع بدلا عن عاقِبَةُ، فلاحظ.

و في(6 و 7)-و قد جاءتا بشأن فرعون و قومه إيجازا و تفصيلا-ففي(6)الفرقان:35 و 36: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ جَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً* فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً.

و في(7)جاءت قصّة فرعون و موسى في:35 آية من الأعراف،ابتداء من:103، ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ... و انتهاء ب:137، وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ.

و فيهما بحوث:

1-و قد بدأت الآيات في السّورتين بما منح اللّه موسى و بني إسرائيل من الكتاب و الآيات و إيراث الأرض الّتي بارك فيها،و إتمام الكلمة،و ختمت بعذاب فرعون و قومه تدميرا مع تفاوت:

ففي(6): فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً، و في(7): وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ، فقد اعتمد في(6)على التّدمير تأكيدا بالمصدر:

فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً، و في(7)اعتمد على ما كان يصنع فرعون و قومه: وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ مع أنّ اللّه ذكر في غير هذه الآيات أنواعا من العذاب لهم و أشدّها و أوعاها الغرق،كما قال ابن عبّاس و غيره في(6)أهلكناهم بالغرق.و قال الزّجّاج فيها:«الّذين مسخوا قردة».

2-قالوا في(6):في الكلام حذف بين فَقُلْنَا اذْهَبا... و بين: فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً، أي فذهبا فكذّبوا فدمّرناهم،كقوله: اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ الشّعراء:63،أي فضرب فانفلق.

قال الزّمخشريّ-و نحوه أبو السّعود و غيره-:

«أراد اختصار القصّة،فذكر حاشيتيها أوّلها و آخرها، لأنّهما المقصود من القصّة بطولها،أعني إلزام الحجّة ببعثه الرّسل و استحقاق التّدمير بتكذيبهم».

و قال ابن عاشور:«و قد حصل بهذا النّظم إيجاز عجيب اختصرت به القصّة،فذكر منها حاشيتاها...».

3-و حكوا عن عليّ عليه السّلام و غيره أنّه قرأ فَدَمَّرْناهُمْ، و(فدمّراهم)،و(فدمّروا بهم)، و يحتمل كونها تفسيرا و لم تكن قراءة.

4-قال الفخر الرّازيّ:«فإن قيل:الفاء للتّعقيب و الإهلاك لم يحصل عقيب ذهاب موسى و هارون إليهم بل بعد مدّة مديدة؟قلنا:التّعقيب محمول هاهنا

ص: 40

على الحكم لا على الوقوع».

و قال أبو السّعود:«و حمل قوله تعالى:

فَدَمَّرْناهُمْ على معنى:فحكمنا بتدميرهم،مع كونه تعسّفا ظاهرا ممّا لا وجه له؛إذ لا فائدة يعتدّ بها في حكاية الحكم بتدميرهم قد وقع و انقضى».

و قال البروسويّ:«و الفاء للتّعقيب باعتبار نهاية التّكذيب،أي باعتبار استمراره،و إلاّ فالتّدمير متأخّر عن التّكذيب بأزمنة متطاولة».

5-و قال أبو السّعود أيضا:«و التّعرّض في مطلع القصّة لإيتاء الكتاب-مع أنّه كان بعد مهلك القوم و لم يكن له مدخل في هلاكهم كسائر الآيات- للإيذان من أوّل الأمر ببلوغه عليه الصّلاة و السّلام غاية الكمال،و نيله نهاية الآمال الّتي هي إنجاء بني إسرائيل من ملكة فرعون و إرشادهم إلى الطّريق الحقّ،بما في التّوراة من الأحكام؛إذ به يحصل تأكيد الوعد بالهداية على الوجه الّذي مرّ بيانه».

6-و قالوا في(7): وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ...: و أهلكنا عمل فرعون و قومه القبط في مصر،من العمارات و المزارع و الأبنية و القصور و الدّيار،ممّا كانوا يستعبدونهم و يسعون في إفساد أمر موسى،و يستعينون به في أمرهم.

7-قال الرّازيّ:«فإن قيل:كيف الجمع بين قوله تعالى: وَ دَمَّرْنا -أي أهلكنا-و بين قوله في الشّعراء:57-59: فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ * وَ كُنُوزٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ* كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ فإنّ دَمَّرْنا دلّت على إفنائها، و أَوْرَثْناها دلّت على بقائها؟قلنا:معناه و دمّرنا، أي أبطلنا ما كان يصنع فرعون و قومه من المكر و المكيدة في حقّ موسى عليه السّلام، وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ أي يبنون من الصّرح الّذي أمر فرعون هامان ببنائه، ليصعد بواسطته إلى السّماء.

و قيل:هو على ظاهره،لأنّ اللّه تعالى أورث ذلك بني إسرائيل مدّة ثمّ دمّر جميعه».

و نقول:لا تضادّ بين الآيات،فإنّ وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ يراد بها القصور و الأبنية و نحوها،و فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* وَ كُنُوزٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ* كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ، يراد بها الجنّات و العيون و الكنوز و مقام كريم.و يحتمل بقاء شيء من القصور و الأبنية أيضا،فأورثها بني إسرائيل مع الجنّات و العيون.

8-و قد ذكر رشيد رضا من أسباب هذا التّدمير أوّلها:ما جاء في الآيات من الطّوفان و الجراد و غيرهما،و قال:«و تسمّى في التّوراة:الضّربات، و فيها من المبالغة في ضررها و تخريبها ما أشرنا إليه و ذكرنا بعضه».و ثانيها:إنجاه بني إسرائيل و حرمان فرعون و قومه من استعبادهم في أعمالهم.و ثالثها:

هلاك من غرق من قوم فرعون...فلاحظ.

و قال الخطيب:«إشارة إلى ما حلّ بدولة فرعون، و ما وقع فيها من اضطراب و فساد بعد أن هلك، و هلك رءوس القوم معه،فقد صار أمر النّاس إلى فوضى و اضطراب،ففسد كلّ شيء كان صالحا،

ص: 41

و خرب كلّ مكان كان عامرا،من ديار و زروع معروشات و غير معروشات».

و ذكر مكارم الشّيرازيّ:«لا يبعد أنّ ذلك حدث بسبب زلازل و طوفانات جديدة،و أمّا الضّرورة الّتي قضت بهذا الفعل فهي أنّ جميع الفرعونيّين لم يغرقوا في النّيل،بل غرق فرعون و جماعة من خواصّه و عسكره الّذين كانوا يلاحقون موسى عليه السّلام،و من المسلّم أنّه لو بقيت تلك الثّروات العظيمة،و الإمكانيّات الاقتصاديّة الهائلة بيد من بقي من الفراعنة-الّذين كان عدد نفوسهم في شتّى نواحي مصر كثيرا جدّا- لاستعادوا بها شوكتهم،و لقدروا على تحطيم بني إسرائيل...».

و في(8)و قد جاءت بشأن هود و قوم عاد في الآيات:21-26،من سورة الأحقاف،ابتداء من:

وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ...، و اختتاما ب: وَ لَقَدْ مَكَّنّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنّاكُمْ فِيهِ...

ففي الآيتين 24 و 25 منها بشأن عذابهم: فَلَمّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ* تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ. و فيها بحوث:

1-المراد ب أَخا عادٍ نبيّهم هود عليه السّلام.و قد جاء اسمه في القرآن 10 مرّات في سورة هود-و هي أكثرها-و البقرة،و الأعراف،و الشّعراء.و جاء اسم (عاد)24 مرّة في 18 سورة،و كلّها مكّيّ سوى واحدة مدنيّة:التّوبة.و واحدة مختلف فيها:الحجّ.و جاء(عاد و ثمود)معا 9 مرّات مرتّبا لتقدّم عاد على ثمود زمانا.

و إنّما أخّرنا هذه الآية(8)لأنّها وحيدة في صيغة المضارع: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ. و جاءت في الآيات صيغة الماضي بإضافة المصدر تأكيدا في اثنتين منها (2 و 6): فَدَمَّرْناهُمْ أو فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً، تعميما للتّأكيد في العامّ:«كلّ قرية»في(2)،و في الخاصّ:«قوم فرعون»في(6).

2-قالوا في تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها: تهلك كلّ شيء بإذن ربّها،و تخرب كلّ شيء و ترمي بعضه على بعض فتهلكه،و إنّما عنى بكلّ شيء ممّا أرسلت بهلاكه،لأنّها لم تدمّر هودا و من كان آمن به،مرّت به من رجال عاد و أموالها بإذن ربّها.تدمّر كلّ شىء مرّت به من رجال عاد و أموالها،كقوله: ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ الذّاريات:42، تهلك من نفوس عاد و أموالهم الجمّ الكثير،فعبّر عن الكثرة ب«الكلّيّة».تهلك كلّ شيء مرّت به من النّاس و الدّوابّ و الأموال،و اعتزل هود و من معه في حظيرة لم يصبهم من تلك الرّيح إلاّ ما تلين على الجلود و تلتذّ به الأنفس،و أنّها لتمرّ من عاد بالظّعن ما بين السّماء و الأرض،حتّى نرى الظّعينة كأنّها جرادة.تهلك كلّ شيء من النّاس و الحيوان و النّبات بِأَمْرِ رَبِّها، و المعنى أنّ هذا ليس من باب تأثيرات الكواكب و القرانات بل هو أمر حدث ابتداء بقدرة اللّه تعالى لأجل تعذيبكم و نحوها.

و أضاف الشّربينيّ:«فمن سلم منها ك«هود»عليه السّلام و من آمن به فسلامته أمر خارق للعادة،كما أنّ أمرها

ص: 42

في إهلاك كلّما مرّت عليه،أمر خارق للعادة».

و قال الطّباطبائيّ:«تعلّقه بكلّ شيء و إن كان يفيد عموم التّدمير،لكنّ السّياق يخصّصه بنحو الإنسان و الدّوابّ و الأموال،فالمعنى:أنّ تلك الرّيح ريح تهلك كلّ ما مرّت عليه من إنسان و دوابّ و أموال».

و قال الخطيب:«أي أنّ هذه الرّيح لا تمرّ على شيء إلاّ دمّرته،و ذهبت بمعالم الحياة و الخير فيه.إنّها آية من عند اللّه مسلّطة على أعداء اللّه ترميهم بالهلاك و الدّمار».

و قد ذكر مكارم الشّيرازيّ الخلاف في اختصاص كُلَّ شَيْءٍ بالبشر و الدّوابّ و الأموال دون المساكن،و شرحها،فلاحظ.

و قال فضل اللّه:«فقد استعجلتم العذاب ظنّا منكم أنّه لن يجيء،و ها هو أمامكم،فكيف تواجهونه...».

3-و قرئ(يدمر كلّ شىء)و(تدمر كلّ شىء) و عليه،فيكون(كلّ شىء)مرفوعا فاعلا للفعل.

قال أبو السّعود:«فالعائد إلى الموصوف محذوف، أو هو الهاء في رَبِّها. و يجوز أن يكون استئنافا و أراد البيان أنّ لكلّ ممكن فناء مقضيّا منوطا بأمر بارئه، و تكون الهاء ل كُلَّ شَيْءٍ لكونه بمعنى الأشياء».

4-و قال أيضا:«و في ذكر الأمر و الرّبّ و الإضافة إلى الرّيح من الدّلالة على عظمة شأنه عزّ و جلّ ما لا يخفى».

و يلاحظ ثانيا:أنّ كلّ هذه الآيات قصص الأنبياء و الأمم الماضية،و هي مكّيّة إلاّ(1)و هي أيضا قصّة، فلاحظ.

ثالثا:لهذه المادّة نظائر كثيرة في القرآن،ذكرناها في«دم دم».

ص: 43

ص: 44

د م ع

اشارة

الدّمع

لفظ واحد،مرّتان،في سورتين مدنيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل:دمعت العين تدمع دمعا و دمعا و دموعا.

من قال:دمعت قال:دمعا،و من قال:دمعت قال:

دمعا.

و عين دامعة،و الدّمع:ماؤها.

و الدّمعة:القطرة.

و المدمع:مجتمع الدّمع في نواحيها.يقال:فاضت مدامعي و مدامع عيني.

و الماقيان:من المدامع،و كذلك المؤخران.

و امرأة دمعة:سريعة الدّمعة و البكاء.

و إذا قلت:ما أكثر دمعتها!خفّفت،لأنّ ذلك تأنيث الدّمع.

و يقال للماء الصّافي:كأنّه دمعة.

و الدّماع:من الثّرى:ما تراه يتحلّب عنه النّدى، أو يكاد.

و دمّاع الكرم:ما يسيل منه أيّام الرّبيع.

و الدّمّاع:ما تحرّك من رأس الصّبيّ إذا ولد ما لم يشتدّ،و هي اللّمّاعة و الغاذية أيضا.

و شجّة دامعة:تسيل دما.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:63)

الكسائيّ:دمعت عينه،بفتح الميم لا غير.

مثله أبو زيد.(الأزهريّ 2:257)

الأحمر:من سمات الإبل:الدّمع،و هي في مجرى الدّمع.و بعير مدموع.

و جفنة دامعة:ممتلئة،و قد دمعت،و رزمت.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 2:257)

ابن شميّل:الدّماع:ميسم في المناظر سائل إلى

ص: 45

المنحر (1)،و ربما كان عليه دماعان.

و الدمّاع:دمّاع الكرم،و هو ما سال منه أيّام الرّبيع.(الأزهريّ 2:257)

الأصمعيّ:دمعت عينه،بكسر الميم.

(الأزهريّ 2:256)

اللّحيانيّ:و امرأة دمعة و دميع،بغير هاء كلتاهما:

سريعة البكاء،كثيرة دمع العين.من نسوة دمعى و دمائع.(ابن سيده 2:42)

أبو عبيد:من الشّجاج:الدّامعة،و هو أن يسيل منه دم.

و ثرى دامع و مكان دامع و دماع،إذا كان نديّا.

و قدح دمعان،إذا امتلأ فجعل يسيل من جوانبه.

(الأزهريّ 2:257)

الدّامية:هي الّتي تدمى من غير أن يسيل منها دم، فإذا سال منها دم فهي الدّامعة بالعين غير معجمة.

(الجوهريّ 3:1209)

ابن الأعرابيّ:يقال:أدمع مشقّرك،أي قدحك.

(الأزهريّ 2:257)

الحربيّ:عن الأصمعيّ:الباضعة:الّتي تقطع اللّحم بعد الجلد.

[قلت]و هذه تسمّى الدّامية،لأنّها شقّت الجلد فظهر الدّم،و تسمّى الدّامعة لأنّها تدمع بدم قليل.

و تكون بازلة لتبزّل الدّم منها،و تكون الدّامية لظهور الدّم.(1:31)

ابن دريد:و الدّمع:دمع العين؛و الجمع:دموع.

و دمعت عينه تدمع دمعا،مفتوح.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال قوم:دمعت عينه.و مجاري الدّمع:المدامع.

و الدّماع:ميسم في مجرى الدّمع.

و يوم دماع:ذو رذاذ.

و ثرى دمّاع:يرشّح بالنّدى.

و الدّمّاع:نبت،زعموا،و لا أحقّه.(2:281)

الأزهريّ:قال أبو عدنان:من المياه المدامع،و هي ما قطر من عرض جبل.[ثمّ استشهد بشعر] و قال الغنويّ:إذا عطشت الدّوابّ ذرفت عيونها و سالت مناخرها.

و الدّمع:السّيلان من الرّاووق،و هو مصفاة الصّبّاغ.قال:و الإدماع:ملء الإناء.(2:256)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و في المثل:أصفى من الدّمع.

و ثرى دمّاع:ند.

و أدمعت الإناء:أفضته،و إناء دمعان.

و الدّماع:ميسم سائل من النّاظر إلى المنخر.

(1:434)

الجوهريّ:الدّمع:دمع العين.و الدّمعة:القطرة منه.و دمعت العين تدمع دمعا،و دمعت بالكسر دمعا:

لغة حكاها أبو عبيدة.

و امرأة دمعة:سريعة الدّمعة.

و الدّامعة من الشّجاج بعد الدّامية.

و المدامع:المآقي،و هي أطراف العين.و الدّماعل.

ص: 46


1- الظّاهر:المنخر...كما جاء في«اللّسان»عن ابن شميّل.

بالضّمّ:ماء العين من علّة أو كبر،ليس الدّمع.[ثمّ استشهد بشعر]

و دمّاع الكرم:ما يسيل منه أيّام الرّبيع.

(3:1209)

ابن فارس:الدّال و الميم و العين أصل واحد يدلّ على ماء أو عبرة،فمن ذلك الدّمع:ماء العين،و القطرة دمعة.و الفعل دمعت العين دمعا و دمعت دمعا و دمعت دموعا أيضا،و عين دامعة.و جمع الدّمع:دموع.[ثمّ نقل قول الخليل في الشّجّة و قال:]

و الأصحّ من هذا أنّ الّتي تسيل دما هي الدّامية، فأمّا الدّامعة،فأمرها دون ذلك،لأنّها الّتي كأنّها يخرج منها ماء أحمر رقيق.و ذكر اليزيديّ أنّ الدّماع أثر الدّمع على الخدّ.[ثمّ استشهد بشعر] و الدّماع مخفّف و مثقّل:ما يسيل من الكرم أيّام الرّبيع.(2:301)

الهرويّ:في الشّجاج:الدّامعة،و هي أن يسيل منها دم.

و يقال:ثرى دامع،أي ثرى.

و دماع الكرم:ما تجري منه من الماء عند القصاب.

(2:651)

الثّعالبيّ:الدّمع:في مجاري الدّمع.(109)

أبو سهل الهرويّ:دمعت عيني تدمع،إذا خرج دمعها،و هو ماؤها عند البكاء و غيره.(4)

ابن سيده:الدّمع:ماء العين؛و الجمع:أدمع و دموع،و القطرة منه:دمعة.

و ذو الدّمعة:الحسين بن زيد بن عليّ،لقّب بذلك لكثرة دمعه،و عوتب على ذلك،فقال:و هل تركت النّار و السّهمان لي مضحكا؟يريد السّهمين اللّذين أصابا زيد بن عليّ و يحيى بن زيد،و قتلا بخراسان.

و دمعت العين و دمعت تدمع فيهما،دمعا و دمعانا و دموعا.

و رجل دميع من قوم دمعاء و دمعى.

و عين دموع:كثيرة الدّمعة أو سريعتها.

و المدمع:مسيل الدّمع.

و الدّمع و الدّماع كلاهما:سمة في مجرى الدّمع.

و دمع المطر:سال،على المثل

و يوم دمّاع:ذو رذاذ.

و ثرى دموع و دمّاع:يتحلّب منه الماء أو يكاد.

و قد دمع.

و شجّة دامعة:تسيل دما.

و دمّاع الكرم:ما يسيل منه أيّام الرّبيع.

و أدمع الإناء،إذا ملأه حتّى يفيض.

و الدّمّاع:نبت،و ليس بثبت.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:42)

الرّاغب:قال تعالى: تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً التّوبة:92،فالدّمع يكون اسما للسّائل من العين،و مصدر:دمعت العين دمعا و دمعانا.

(172)

الزّمخشريّ:أصفى من الدّمعة.

و له عين دامعة و دموع و دمّاعة،و لهم عيون دوامع.

و سالت على خدودهم الدّموع و الأدمع.

ص: 47

و اغرورقت مدامعه،و هي مآقيه و أطراف عينه المقدّمان و المؤخّران؛الواحد:مدمع.

و امرأة دمعة:سريعة الدّمع بكّاءة.

و عينه دمعة.و ما أكثر دمعتها!و قد دمعت عينه دمعا و دمعا كقولك:حلبا و حلبا.

و بوجهه دماع،و هو أثر الدّمع.

و تقول:ذرفت عيناه و جعل يستدمع.

و من المجاز:بكت السّماء و دمع السّحاب.

و ثرى دامع:ند.

و مكان دامع الثّرى.

و أدمع إناءه:ملأه حتّى يفيض.

و دمع إناؤه.

و قدح دمعان و جفنة دامعة:ملأى،و قد دمعت الجفنة.

و شجّة دامعة:تسيل دما قليلا.

و دمع الجرح.

و شرب دمعة الكرم،و هي الخمر.

و سال دمّاع الكرم،و هو ما يسيل منه أيّام الرّبيع.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:136)

ابن الأثير:في ذكر الشّجاج«الدّامعة»هو أن يسيل الدّم منها قطرا كالدّمع،و ليست«الدّامغة» بالغين المعجمة.(2:133)

الصّغانيّ:و قدح دمعان،أي ممتلئ سيّال من شدّة الامتلاء.[إلى أن قال:]

و دمع داود:من الأدوية معروف.

الدّمعانة:ماء لبني بحر من بني زهير ابن جناب الكلبيّ.(4:251)

الفيّوميّ:الدّمع:ماء العين،و هو مصدر في الأصل.يقال دمعت العين دمعا،من باب«نفع» و دمعت دمعا،من باب«تعب»لغة فيه.

و عين دامعة،أي سائل دمعها.و دمعت الشّجّة:

جرى دمها،فهي دامعة.(1:199)

الفيروزآباديّ:الدّمع:ماء العين من حزن أو سرور؛جمعه:دموع.

و الدّمعة:القطرة منه.

و ذو الدّمعة:الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين.

و دمعت العين،كمنع و فرح.

و امرأة دمعة،كفرحة:سريعة الدّمعة.

و الدّامعة:من الشّجاج بعد الدّامية.

و كشدّاد:من الثّرى:ما يتحلّب ندى،كالدّامع، و يوم فيه رذاذ.

و كرمّان:ما يسيل من الكرم في الرّبيع،و ما تحرّك من رأس الصّبيّ إذا ولد.

و ككتاب:ميسم في المناظر سائل إلى المنخر.

و كغراب:نبت.

و الدّمع،بضمّتين:سمة في مجرى الدّمع،و بعير مدموع:موسوم بها.

و دمع داود:دواء معروف.

و قدح دمعان:ممتلئ سيّال.

و الدّمعانة:ماءة لبني بحر.

و الإدماع:ملء الإناء.(3:22)

الطّريحيّ:الدّمع:دمع العين.

ص: 48

و الدّمعة:القطرة منه.

و دمعت عينه تدمع،من باب«تعب»لغة.

و في الدّعاء:«و أعوذ بك من عين لا تدمع»يريد بها الجامدة عن البكاء من خشية اللّه تعالى.

و الدّامعة:من الشّجاج بالعين المهملة،هي الّتي تدمى و تسيل الدّم منها قطرا كالدّمع،بخلاف الدّامية و هي الّتى تدمى و لا تسيل.

و المدامع:المآقي،و هي أطراف العين.(4:326)

مجمع اللّغة:الدّمع:ماء يسيل من العين من حزن أو سرور.

و الدّمعة:القطرة منه.

دمعت العين و دمعت تدمع دمعا و دمعانا.

(1:403)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دمعت العين:سال دمعها من حزن أو فرح.و الدّمع:ماء العين؛و الجمع:

أدمع و دموع.و القطرة منه دمعة.(1:191)

المصطفويّ:و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو سيلان ضعيف من نقطة معيّنة،و عبرة العين من إحدى مصاديق الأصل.

و منها جريان الدّم من شجّة،و سيلان ضعيف من السّحاب،و فيضان من الإناء و القدح،و قطرات سائلة من الكرم،و النّداوة المترشّحة من الثّرى

تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ المائدة:83،و لا يبعد أن يكون الأصل في المادّة:هو العبرة من العين،و هذا يناسب الآية الكريمة، و كذا في آية وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ التّوبة:92، فإنّ الظّاهر كون حرف(من)لبيان ما سبق عن فيضان الأعين،فينطبق على العبرة.و إرادة مطلق ما يسيل من نقطة في الموردين،غير لطيف.

فعلى هذا يكون استعمالها في سائر المعاني المذكورة مجازا،كما مرّ من أساس اللّغة.

و في اللّغة العبريّة أيضا كذلك،ففي«قاموس العبريّ»:دامع:ذرف الدّمع:بكى.(3:244)

النّصوص التّفسيريّة

الدّمع

وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ... المائدة:83

الطّبريّ:فيض العين من الدّمع:امتلاؤها منه، ثمّ سيلانه منها،كفيض النّهر من الماء،و فيض الإناء، و ذلك سيلانه عن شدّة امتلائه.(5:6)

القرطبيّ:أي بالدّمع في موضع الحال.[ثمّ استشهد بشعر](6:258)

البروسويّ:أي تملأ بالدّمع،فاستعير له الفيض الّذي هو الانصباب من الامتلاء مبالغة،و مِنَ الدَّمْعِ متعلّق ب تَفِيضُ، و(من)لابتداء الغاية، و المعنى:تفيض من كثرة الدّمع.(2:429)

الآلوسيّ:و الفيض:انصباب عن امتلاء، و وضع هنا موضع الامتلاء بإقامة المسبّب مقام السّبب أي تمتلئ من الدّمع،أو قصد المبالغة فجعلت أعينهم

ص: 49

بأنفسها تفيض من أجل الدّمع.قاله (1)في«الكشّاف»، و أراد على ما في«الكشف»أنّ الدّمع على الأوّل هو الماء المخصوص،و على الثّاني الحدث،و هو على الأوّل مبدأ مادّيّ،و على الثّاني سببيّ.

و في«الانتصاف»أنّ هذه العبارة أبلغ العبارات، و هي ثلاث مراتب:

فالأولى فاض دمع عينه،و هذا هو الأصل.

و الثّانية:محوّلة من هذه،و هي فاضت عينه دمعا، فإنّه قد حوّل فيها الفعل إلى العين مجازا و مبالغة.ثمّ نبّه على الأصل و الحقيقة بنصب ما كان فاعلا على التّمييز.

و الثّالثة:ما في النّظم الكريم،و فيها التّحويل المذكور إلاّ أنّها أبلغ من الثّانية بإطراح التّنبيه على الأصل،و عدم نصب التّمييز و إبرازه في صورة التّعليل.(7:4)

لاحظ:ف ي ض:«تفيض».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّمع:ماء العين، و الجمع:أدمع و دموع،و القطرة منه دمعة،و لقّب الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السّلام:ذا الدّمعة لكثرة دمعه.يقال:دمعت العين تدمع دمعا، و دمعت تدمع دمعا،و دمعانا و دموعا فيهما أيضا.

و عين دموع:كثيرة الدّمعة أو سريعتها،و جفنة دامعة:ممتلئة،و قد دمعت و رذمت،استعير الدّمع في الجفنة.

و المدمع:مسيل الدّمع،أو مجتمعه في نواحي العين، و الجمع:مدامع؛يقال:فاضت مدامعه.و المدامع:

المآقي،و هي أطراف العين.و المدامع:ما قطر من عرض جبل من المياه،على التّشبيه.

و رجل دميع:سريع البكاء كثير الدّمع،من قوم دمعاء و دمعى،و امرأة دمعة و دميع،من نسوة دمعي و دمائع.

و الدّمع:السّيلان من الرّاووق،و هو مصفاة الصّبّاغ.

و شجّة دامعة:تسيل دما،و هي بعد الدّامية.

و ثرى دموع و دامع و دمّاع،و مكان كذلك،إذا كان نديّا يتحلّب منه الماء أو يكاد،و قد دمع.

و الدّمع و الدّماع:سمة من سمات الإبل في مجرى الدّمع:يقال:بعير مدموع.

و الدّماع:ماء العين من علّة أو كبر،ليس الدّمع.

و الدّماع أيضا:ما يسيل من الكرم أيّام الرّبيع.

و يقال على المثل:دمع المطر،أي سال،و يوم دمّاع:ذو رذاذ.

و الإدماع:ملأ الإناء؛يقال:أدمع الإناء،إذا ملأه حتّى يفيض،و أدمع مشقّرك:املأ قدحك،و قدح دمعان:امتلأ فجعل يسيل من جوانبه.

2-يستعمل المعاصرون لفظ«دموع الفرح»في العيون المنهملة عند السّرور و الطّرب،و لفظ«دموع التّماسيح»في العيون المنهملة مكرا و خداعا.و هما

ص: 50


1- قاله الزّمخشريّ في التّوبة:92.

لفظان دخيلان استعيرا من اللّغات اللاّتينيّة، و استعملا في العربيّة حديثا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم(الدّمع)مرّتين،في آيتين:

1- وَ إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ... المائدة:83

2- ...وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ التّوبة:92

و يلاحظ أوّلا:1-أنّه قد جاء اَلدَّمْعِ فيهما مفردا،و«الأعين»جمعا،بتفاوت في الإعراب نصبا مفعولا في: تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ، و رفعا مبتدأ في وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ.

و فاعل تَفِيضُ فيهما ضمير التّأنيث الرّاجع إلى أَعْيُنَهُمْ.

فالأعين تفيض من الدّمع،و ليس الدّمع يفيض، و(من)ناشئة،أي تفيض ناشئة من الدّمع،فلا ينسب الدّمع إلى العين و إن كان ناشئا منه،كما أنّ البكاء يصدر من العين،و لكن ينسب إلى صاحب العين.

و هذا بخلاف«الرّؤية»فإنّها نسبت إلى العين و إلى صاحبها في يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ آل عمران:

13،و كذلك أضيفت«قرّة»إلى العين في وَ قالَتِ اِمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ القصص:9.

و نظير العين«البصر»فإنّ الرّؤية ناشئة من البصر،و لكن تنسب إلى صاحب البصر.و الضّمير في ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى* لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى النّجم:17،18 راجع إلى النّبيّ،كما يشهد به ما قبلها من الآيات 11-13: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى* أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى* وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى... .لاحظ:ع ي ن،و:رأي،و:ب ص ر.

2-و الآية الأولى نزلت مدحا للنّصارى إذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول تفيض أعينهم من الدّمع فرحا، و الثّانية نزلت مدحا لجماعة من المؤمنين لم يجدوا ما ينفقونه في الهجرة إلى الجهاد في غزوة تبوك،تفيض أعينهم من الدّمع حزنا و الآية تامّة: وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ التّوبة:29،فالأعين تفيض فرحا و حزنا،تختلف حسب الأحوال.

و ثانيا:الآيتان مدنيّتان مدحا للنّصارى الّذين اعترفوا بنزول القرآن من عند اللّه،و بجماعة من المؤمنين الشّائقين إلى الجهاد في سبيل اللّه و لم يوفّقوا.

و ثالثا:ليس لهذه المادّة نظائر في القرآن.

ص: 51

ص: 52

د م غ

اشارة

يدمغه

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة.

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الدّمع:كسر الصّاقورة عن الدّماغ، و القهر.و الأخذ من فوق:دمغ أيضا،كما يدمغ الحقّ الباطل.

و الدّامغة:طلعة تخرج من بين شظيّات قلب النّخلة،طويلة صلبة،إن تركت أفسدت النّخلة،فإذا علم بها امتصخت أي قلعت و نزعت.

و الدّامغة:حديدة يشدّ بها أعلى أخرة الرّحل.

(4:396)

ابن شميّل:الدّوامغ على حاقّ رءوس الأحناء من فوقها؛واحدتها:دامغة،و ربّما كانت من خشب، و تؤسر بالقدّ أسرا شديدا و هي الخذاريف واحدها:

خذروف،و قد دمغت المرأة حويّتها تدمغ دمغا.

(الأزهريّ 8:80)

أبو عمرو الشّيبانيّ:يقال:أحوجته إلى كذا و أحرجته و أدغمته و أدمغته و أجلدته و أزأمته بمعنى واحد.(الأزهريّ 8:80)

الأصمعي:الدّامغة:الحديدة الّتي فوق الآخرة.

و يقال:هي الغاشية.(الحربيّ 1:21)

ابن الأعرابيّ:دمغت الأرض:أكلت.

(ابن سيده 5:474)

ابن السّكّيت:الدّامغة:الّتي تخسف الدّماغ و لا بقيّة لها.(98)

و صخدته الشّمس.و صهرته.و صقرته.

و صمحته.و صهدته.و دمغته بحرّها.و فنخته و وغرته و وغره الحرّ و ذلك إذا ما اشتدّ

ص: 53

وقعه عليه.(384)

الحربيّ:و الدّمغ:كسر عظم الرّأس عن الدّماغ، و الدّمغ:القهر،كما يدمغ الحقّ الباطل.(1:21)

ابن دريد:و الدّمغ:مصدر دمغته أدمغه دمغا،إذا ضربت دماغه.

و دمغته الشّمس،إذا آلمت دماغه.

و رجل دميغ و مدموغ،إذا ضرب على دماغه.

و دميغ الشّيطان:نبز رجل من العرب.

و أمّ الدّماغ:الجلدة الرّقيقة الّتي تشتمل على الدّماغ.(2:288)

الأزهريّ:أبو عبيد عن الأصمعيّ،يقال للحديدة الّتي فوق مؤخّرة الرّحل:الغاشية،و قال بعضهم:هي الدّامغة.[ثمّ نقل قول ابن شميّل و أضاف:]

قلت:إذا كانت الدّامغة من حديد عرّضت فوق طرفي الحنوين و سمّرت بمسمارين،و الخذاريف تشدّ على رءوس العوارض لئلاّ تنفكّ.(8:80)

الصّاحب:الدّمغ:كسر الصّاقورة عن الدّماغ، و القهر.و الأخذ من فوق:دمغ.

و الدّاموغة:الشّديد الدّمغ و الهشم.

و الدّامغة:شجّة تبلغ الدّماغ.

و الدّامغة:طلعة تفسد النّخلة،و حديدة يشدّ بها آخر الرّحل،و خشبة معروضة بين عمودين،يعلّق عليهما السّقاء.

و دمّغت الثّريد بالدّسم،إذا لبّقته.

و دمغهم بمطفئة الرّضف،أي ذبح لهم شاة مهزولة، و يقال:سمينة.(5:46)

الجوهريّ:الدّماغ:واحد الأدمغة.و قد دمغه دمغا:شجّه حتّى بلغت الشّجّة الدّماغ؛و اسمها:

الدّامغة،لأنّ الشّجاج عشرة:أوّلها القاشرة و هي الحارصة،ثمّ الباضعة،ثمّ الدّامية،ثمّ المتلاحمة،ثمّ السّمحاق،ثمّ الموضحة،ثمّ الهاشمة،ثمّ المنقّلة،ثمّ الآمّة، ثمّ الدّامغة.

و زاد أبو عبيدة:«الدّامعة»بعين غير معجمة بعد الدّامية.

و الدّامغة:طلعة تخرج من بين شظيّات القلب طويلة صلبة إن تركت أفسدت النّخلة.(4:1318)

ابن فارس:الدّال و الميم و الغين كلمة واحدة لا تتفرّع،و لا يقاس عليها.فالدّماغ:معروف.و دمغته:

ضربته على رأسه حتّى وصلت إلى الدّماغ.و هي الدّامغة.(2:302)

الهرويّ:و في حديث عليّ يصف رسول اللّه فيقول:«دامغ جيشات الأباطيل»أي المهلك.يقال:

دمغه يدمغه دمغا إذا أصاب الدّماغ فقتله.(2:651)

ابن سيده:الدّماغ:حشو الرّأس؛و الجمع:

أدمغة،و دمغ.

و أمّ الدّماغ:الهامّة.و قيل:الجلدة الرّقيقة المشتملة عليه.

و الدّمغ:كسر الصّاقورة عن الدّماغ.

و دمغه يدمغه دمغا،فهو مدموغ و دميغ،و الجمع:

دمغى.

ص: 54

و كذلك مرة (1)دميغ،من نسوة دمغى،عن أبي زيد.

و الدّامغة،من الشّجاج:الّتي تهشم الدّماغ حتّى لا تبقي شيئا.

و دمغته الشّمس دمغا:آلمت دماغه.

و دميغ الشّيطان:نبز رجل من العرب،كان الشّيطان دمغه.

و الدّامغة:حديدة تشدّ بها آخرة الرّحل.

و الدّامغة:طلعة طويلة صلبة،تخرج من بين شظيّات قلب النّخلة فتفسدها،فإذا علم بها امتصخت.

و دمغه يدمغه دمغا:غلبه و أخذه من فوق.و في التّنزيل: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ الأنبياء:18،أي يعلوه و يغلبه.

و أدمغ الرّجل طعامه:ابتلعه بعد المضغ،و قيل:

قبله،و هو أشبه.

و حكى اللّحيانيّ:دمغهم بمطفئة الرّضف،يعني بمطفئة الرّضف:الشّاة المهزولة.و لم يفسّر«دمغهم»إلاّ أن يعني غلبهم.(5:474)

الرّاغب: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ، أي يكسر دماغه،و حجّة دامغة كذلك.

و يقال للطّلعة تخرج من أصل النّخلة فتفسده إذا لم تقطع:دامغة،و للحديدة الّتي تشدّ على آخر الرّحل:

دامغة.و كلّ ذلك استعارة من الدّمغ الّذي هو كسر الدّماغ.(172)

الزّمخشريّ:دمغ رأسه:ضربه حتّى وصلت الضّربة إلى دماغه.

و شجّة دامغة.

و دمغته الشّمس:آلمت دماغه.

و من المجاز:دمغ الحقّ الباطل،إذا علاه و قهره بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ الأنبياء:

18.

و يقال:دمغهم بمطفئة الرّضف،إذا ذبح لهم ذبيحة سمينة.

و دمغ الثّريد بالدّسم:لبّقه.(أساس البلاغة:136)

ابن الأثير:في حديث عليّ:«دامغ جيشات الأباطيل»أي مهلكها.يقال:دمغه يدمغه دمغا،إذا أصاب دماغه فقتله.

و منه ذكر الشّجاج الدّامغة،أي الّتي انتهت إلى الدّماغ.

و منه حديث عليّ:«رأيت عينيه عيني دميغ» يقال:رجل دميغ و مدموغ،إذا خرج دماغه.(2:133)

الفيّوميّ:الدّماغ:معروف؛و الجمع:أدمغة مثل:

سلاح و أسلحة.

و دمغته دمغا،من باب«نفع»:كسرت عظم دماغه،فالشّجّة دامغة،و هي الّتي تخسف الدّماغ، و لا حياة معها.(1:199)

الفيروزآباديّ:الدّماغ ككتاب:مخّ الرّأس،أو أمّ الهام،أو أمّ الرّأس،أو أمّ الدّماغ:جليدة رقيقة كخريطة هو فيها؛جمعه:أدمغة،و دمغة.كمنعه، و نصره:شجّه حتّى بلغت الشّجّة الدّماغ،و فلانا:ة.

ص: 55


1- أي مرأة.

ضرب دماغه،فهو دميغ و مدموغ.

و الشّمس فلانا:آلمت دماغه.

و الدّامغة:شجّة تبلغ الدّماغ،و هي آخرة الشّجاج،و هي عشرة مرتّبة:قاشرة،حارصة،باضعة، دامية،متلاحمة،سمحاق،موضحة،هاشمة،منقّلة، آمّة،دامغة.

و زاد أبو عبيد قبل دامية:دامعة،بالمهملة،و وهم الجوهريّ فقال:بعد الدّامية.

و:طلعة من شظيّات القلب طويلة صلبة،إن تركت أفسدت النّخلة.

و حديدة فوق مؤخّرة الرّحل.

و خشبة معروضة بين عمودين يعلّق عليها السّقاء.

و دميغ الشّيطان:لقب رجل معروف.

و دمغهم بمطفئة الرّضف:ذبح لهم شاة مهزولة، و يقال:سمينة.

و الدّاموغ:الّذي يدمغ و يهشم.و حجر داموغة، الهاء للمبالغة.

و أدمغه إلى كذا:أحوجه.

و دمّغ الثّريدة بالدّسم تدميغا:لبّقها به.

و المدمّغ:الأحمق،من لحن العوامّ،و صوابه:الدّميغ أو المدموغ.(3:108)

الطّريحيّ:قوله تعالى: فَيَدْمَغُهُ، أي يكسره، و أصله أن يصيب الدّماغ بالضّرب،و هو مثل.

و الدّامغ:المهلك،من دمغه دمغا،أي شجّه بحيث يبلغ الدّماغ فيهلكه.

و دمغته دمغا،من باب«نفع»:كسرت عظم دماغه في الشّجّة.

و الدّماغ بالكسر:واحد الأدمغة كسلاح و أسلحة.و فيه على ما حكاه جالينوس ثلاث مساكن:التّخيّل في مقدّمه،و التّفكّر في وسطه،و الذّكر في مؤخّره.

و في الحديث:«الدّبّاء يزيد في الدّماغ أي يقوّيه.

و الدّامغة:أحد أصناف الشّجاج العشرة.(5:8)

مجمع اللّغة:دمغه يدمغه و يدمغه:شجّه حتّى بلغت الشّجّة الدّماغ،و هو مخّ الرّأس،و هو مقتل.

و يقال:دمغه:غلبه و قهره.

و دمغه:أبطله،كأنّما أصاب دماغه.

و من ذلك يقال:دمغ الحقّ الباطل،أي أبطله و أهدره.(1:404)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:191)

المصطفويّ:و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الضّرب على قمّة الرّأس،و بمناسبة هذا المفهوم يطلق الدّماغ على المخّ في وسط جمجمة الرّأس،لكونه أصلا في الرّأس،و مبدأ للحواسّ:

السّمع و البصر و الشّمّ و النّظر و التّعقّل.

فإطلاق الضّرب على الدّماغ و الشّجّ و الكسر و الإهلاك و الإيلام و القتل و غيرها:كلّها من مصاديق الأصل،و يختلف مفهوم الحقيقة باختلاف خصوصيّات الضّرب و متعلّقه و كيفيّته و آثاره.

ثمّ إنّ هذا المفهوم يعمّ الرّأس المحسوس المعروف، و رأس كلّ شيء قابل للضّرب،و الضّرب المحسوس

ص: 56

المعروف،و المعنويّ.

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ، فالضّرب هنا بطريق القذف و بالحقّ،و هو أمر معنويّ،و كذلك متعلّقه و هو الباطل.

و رأس الباطل يلاحظ باعتباره،و هو أعلاه و محوره.

و أمّا التّعبير بالدّمغ دون الضّرب و الإزالة و المحو و الإعدام و غيرها:إشارة إلى أنّ إزالة الباطل و إهلاكه بالحقّ،يكون بطريق ضرب الحقّ على محور الباطل،و مخّه و أصل وجوده و رأس ظهوره.فالحقّ يذهب بمحور الباطل،و يمحو بأصله و مبدإ ظهوره و تظاهره.

و لا يخفى أنّ الضّرب الشّديد على المخّ و أعلى الرّأس،يلازم الهلاك و الإزالة و المحو بالكلّيّة.

و من هذه الآية الكريمة يستفاد أنّ اللاّزم هو إبداء الحقّ و إظهاره و إعلانه،و تفسيره و توضيحه و تبيينه، حتّى يمحق الباطل و يزول بنفسه بظهور الحقّ، و ليس لنا أن نظهر الباطل و نبيّنه و ننشره،ثمّ نردّه و نجيب عنه.

فكلّ باطل في أيّ موضوع إنّما يمحق و يدمغ بظهور الحقّ فقط.و هذا المعنى هو المنظور الملحوظ في هذا الكتاب،و قد أزيلت ألوف من الاعتراضات الباطلة بحول اللّه و قوّته و تأييده،بتبيين المعاني الحقيقيّة،و تعيين الأصول في الكلمات الواردة،في كلام اللّه العزيز المتعال،فلا تغفل.(3:246)

النّصوص التّفسيريّة

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ... الأنبياء:18

ابن عبّاس:فيهلكه.(270)

ابن قتيبة:أي يكسره.و أصل هذا إصابة الرّأس و الدّماغ بالضّرب،و هو مقتل.(285)

نحوه السّجستانيّ.(124)

الطّبريّ:فيهلكه كما يدمغ الرّجل الرّجل بأن يشجّه على رأسه شجّة تبلغ الدّماغ،و إذا بلغت الشّجّة ذلك من المشجوج،لم يكن له بعدها حياة.

(9:12)

نحوه البغويّ.(3:285)

الزّجّاج:فيذهبه ذهاب الصّغار و الإذلال.

(3:387)

الماورديّ:و معنى(يدمغه،)أي يذهبه و يهلكه كالمشجوج،تكون دامغة في أمّ رأسه،تؤدّي لهلاكه.(3:440)

الطّوسيّ:معناه:إنّا نلقي الحقّ على الباطل فيهلكه.و المراد به أنّ حجج اللّه تعالى الدّالّة على الحقّ تبطل شبهات الباطل.و يقال:دمغ الرّجل،إذا شجّ شجّة تبلغ أمّ الدّماغ،فلا يحيا صاحبها بعدها.

(7:237)

الواحديّ:فيهلكه و يكسره.(3:233)

الميبديّ:فيكسره فيبلغ أمّ دماغه،فلا يحيا و لا يبقى بعده.(6:217)

الزّمخشريّ:(بل)إضراب عن اتّخاذ اللّهو

ص: 57

و اللّعب،و تنزيه منه لذاته،كأنّه قال:سبحاننا أن نتّخذ اللّهو و اللّعب،بل من عادتنا و موجب حكمتنا و استغنائنا عن القبيح أن نغلب اللّهو بالجدّ،و ندحض الباطل بالحقّ.

و استعار لذلك:القذف و الدّمغ،تصويرا لإبطاله و إهداره و محقه،فجعله كأنّه جرم صلب كالصّخرة مثلا،قذف به على جرم رخو أجوف فدمغه.

و قرئ:(فيدمغه)بالنّصب،و هو في ضعف قوله:

سأترك منزلي لبني تميم

و ألحق بالحجاز فأستريحا

(2:565)

نحوه الفخر الرّازيّ(22:148)،و أبو السّعود(4:

328).

الطّبرسيّ:أي يعلوه و يبطله.(4:42)

السّكّاكيّ:فأصل استعمال القذف و الدّمغ في الأجسام،ثمّ استعير القذف لإيراد الحقّ على الباطل، و الدّمغ لإذهاب الباطل؛فالمستعار منه حسّيّ، و المستعار له عقليّ.(165)

القرطبيّ:أي يقهره و يهلكه.(11:277)

البيضاويّ:فيمحقه،و إنّما استعار لذلك «القذف»و هو الرّمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى، و الدّمغ الّذي هو كسر الدّماغ بحيث يشقّ غشاءه المؤدّي إلى زهوق الرّوح،تصويرا لإبطاله،و مبالغة فيه.و قرئ(فيدمغه)بالنّصب.[ثمّ استشهد بشعر] و وجهه-مع بعده-الحمل على المعنى،و العطف على الحقّ.(2:69)

النّسفيّ:فيكسره و يدحض الحقّ الباطل.و هذه استعارة لطيفة،لأنّ أصل استعمال القذف و الدّمغ في الأجسام،ثمّ استعير القذف لإيراد الحقّ على الباطل، و الدّمغ لإذهاب الباطل؛فالمستعار منه حسّي، و المستعار له عقليّ،فكأنّه قيل:بل نورد الحقّ الشّبيه بالجسم القويّ على الباطل الشّبيه بالجسم الضّعيف، فيبطله إبطال الجسم القويّ الضّعيف.(3:74)

نحوه النّيسابوريّ(17:10)،و الشّربينيّ(2:

499).

البروسويّ:فيهلكه و يعدمه.قال أهل التّفسير:

إنّما استعار لذلك،أي للتّغليب و التّسليط.و إيراد الحقّ على الباطل القذف،و هو الرّمي الشّديد المستلزم لصلابة المرمى،و لمحوه و إعدامه الباطل.

و[الدّمغ]هو كسر الشّيء الرّخو الأجوف و هو الدّماغ؛بحيث يشقّ غشاء المؤدّي إلى زهوق الرّوح، تصويرا لإبطاله به،فشبّه الحقّ بجرم صلب كألماس أو الياقوت مثلا قذف به على جرم رخو أجوف،من قزاز (1)و تراب فمحقه و أعدمه.

[ثمّ نقل كلام السّكّاكيّ و قال:]

أي ففيه تشبيه المعقول بالمحسوس،عبّر عن الصّورة المعقولة بما يدلّ على الهيئة المحسوسة،لتتمكّن تلك الهيئة المعقولة في ذهن السّامع فضل تمكن.

(5:461)

شبّر:فيعلوه،و استعير لذلك«القذف»و هوء.

ص: 58


1- القزاز:كلّما سقط من الشّيء.

الرّمي بنحو الحجر،و الدّمغ (1)و هو إصابة الدّماغ بالشّجّة،تصويرا لإذهاب الباطل بالحقّ للمبالغة.(4:189)

الآلوسيّ:أي يمحقه بالكلّيّة،كما فعلنا بأهل القرى المحكمة.و أصل الدّمغ:كسر الشّيء الرّخو الأجوف،و قد استعير للمحق.

و جوّز أن يكون هناك تمثيل لغلبة الحقّ على الباطل حتّى يذهبه،برمي جرم صلب على رأس دماغه رخو ليشقّه.و فيه إيماء إلى علوّ الحقّ و تسفّل الباطل،و أنّ جانب الأوّل باق و الثّاني فان.

و جوّز أيضا أن يكون استعارة مكنيّة بتشبيه الحقّ بشيء صلب يجيء من مكان عال،و الباطل بجرم رخو أجوف سافل.و لعلّ القول بالتّمثيل أمثل.

و قرأ عيسى بن عمر(فيدمغه)بالنّصب،و ضعّف بأنّ ما بعد الفاء إنّما ينتصب بإضمار«أن»لا بالفاء، خلافا للكوفيّين في جواب الأشياء السّتّة،و ما هنا ليس منها و لم ير مثله إلاّ في الشّعر،كقوله:

سأترك منزلي لبني تميم

و ألحق بالحجاز فأستريحا

على أنّه قد قيل في هذا:إنّ«أستريحا»ليس منصوبا بل مرفوع مؤكّد بالنّون الخفيفة،موقوف عليه بالألف.و وجّه بأنّ النّصب في جواب المضارع المستقبل،و هو يشبه التّمنّي في التّرقّب.و لا يخفى أنّ المعنى في الآية ليس على خصوص المستقبل.و قد قالوا:إنّ هذا التّوجيه في البيت ضعيف،فيكون ما في الآية أضعف منه مأخذا.و العطف-على هذه القراءة- على الحقّ عند أبي البقاء،و المعنى:بل نقذف بالحقّ فندمغه على الباطل،أي نرمي بالحقّ فإبطاله به.

و ذكر بعض الأفاضل أنّه لو جعل من قبيل «علفتها تبنا و ماء باردا»صحّ،و استظهر أنّ العطف على المعنى،أي نفعل القذف فالدّمغ،و قرئ(فيدمغه) بضمّ الميم و الغين.(17:20)

نحوه القاسميّ.(11:4255)

ابن عاشور:و الدّمغ:كسر الجسم الصّلب الأجوف،و هو هنا ترشيح لاستعارة القذف لإيراد ما يبطل،و هو استعارة أيضا؛حيث استعير الدّمغ لمحق الباطل و إزالته،كما يزيل القذف الجسم المقذوف، فالاستعارتان من استعارة المحسوسين للمعقولين.

(17:26)

مكارم الشّيرازيّ:[بحث في غلبة الحقّ على الباطل و قال:]

و جملة(يدمغه)على قول الرّاغب «كسر الجمجمة و الدّماغ»و تعتبر أكثر نقطة في بدن الإنسان حسّاسيّة،و هو تعبير بليغ عن غلبة جند الحقّ غلبة واضحة قاطعة.

و التّعبير ب(اذا)توحي بأنّا حتّى في الموارد الّتي لا ينتظر و لا يتوقّع انتصار الحقّ فيها،فإنّنا سنجزي هذه السّنّة.و التّعبير ب زاهِقٌ و الّذي يعني الشّيء المضمحلّ،تأكيد على هذا المقصود.

و أمّا أنّ جملتي نَقْذِفُ و(يدمغ)قد جاءتاف.

ص: 59


1- في الأصل:الدّفع...و هو تصحيف.

بصيغة الفعل المضارع،فهو دليل على استمرار هذه.

(10:123)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّماغ،و هو حشو الرّأس؛و الجمع:أدمغة و دمغ.

و أمّ الدّماغ:الهامّة،أو الجلدة الرّقيقة المشتملة عليه.يقال:دمغه يدمغه دمغا،إذا شجّه حتّى بلغت الشّجّة الدّماغ؛و اسمها الدّامغة.

و الدّمغ:كسر عظم الرّأس عن الدّماغ.يقال:

دمغه يدمغه دمغا،فهو مدموغ و دميغ؛و الجمع:دمغى، و هي دميغ؛و الجمع:دمغى أيضا.و منه:حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«رأيت عينيه عيني دميغ».

و يقال مجازا:دمغته الشّمس دمغا:آلمت دماغه.

و دميغ الشّيطان:نبز رجل من العرب كان الشّيطان دمغه.

و الدّامغة:حديدة يشدّ بها أعلى أخرة الرّحل؛ و الجمع:دوامغ،و قد دمغت المرأة حويّتها تدمغ دمغا.

و الدّامغة:طلعة طويلة صلبة،تخرج من بين شظيّات قلب النّخلة،فتفسدها إن تركت،فإذا علم بها امتصخت،أي اجتذبت.

و الدّمغ:القهر،و الأخذ من فوق،و كأنّه استيلاء على الدّماغ.يقال:دمغه يدمغه دمغا،أي غلبه و أخذه من فوق.

و من المجاز:دمغ الحقّ الباطل،إذا علاه و قهره.

و أدمغ الرّجل طعامه:ابتلعه بعد المضغ،لأنّه هشمه كما تهشم الدّامغة من الشّجاج الدّماغ.و قال ابن سيده:«و قيل:قبله،و هو أشبه»،و لكنّ وجه الشّبه في ابتلاع الطّعام بعد مضغه أقيس من ابتلاعه قبل مضغه.

و دمغت الأرض:أكلت.

2-و الدّمغة:ضريبة تفرضها الدّولة على بعض الخدمات الّتي تؤدّيها،أو على الملك و الدّخل و العمل و غير ذلك،كالطّوابع البريديّة و الماليّة.

و هو معرّب لفظ«تمغا»التّركيّ،و يلفظه أهل العراق بالطّاء«الطّمغة»،و يطلقونه اليوم على الأختام الرّسميّة و غير الرّسميّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل المضارع:(يدمغه)مرّة،في آية:

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ الأنبياء:18

و يلاحظ أوّلا:

1-قالوا في معنى فَيَدْمَغُهُ: فيهلكه،يكسره، و أصل هذا إصابة الرّأس و الدّماغ بالضّرب،و هو مقتل.يهلكه كما يدمغ الرّجل الرّجل بأن يشجّه على رأسه شجّة تبلغ الدّماغ...فيذهبه ذهاب الصّغار و الإذلال.يذهبه و يهلكه كالمشجوج،تكون دامغة في أمّ رأسه تؤدّي لهلاكه.يقال:دمغ الرّجل،إذا شجّ شجّة تبلغ أمّ الدّماغ،فلا يحيا صاحبها بعدها.يعلوه و يبطله.

يقهره و يهلكه.فيكسره و يدحض الحقّ الباطل.

فيهلكه و يعدمه.فيعلوه يمحقه بالكلّيّة.و أصل الدّمغ:

ص: 60

كسر الشّيء الرّخو الأجوف.و الدّمغ:كسر الجسم الصّلب الأجوف،و نحوها.و أكثرها تفسير بالملازمات.

2-و أكثرهم اعتبروه استعارة:

فقال الزّمخشريّ:«و استعار لذلك القذف و الدّمغ تصويرا لإبطاله و إهداره و محقه،فجعله كأنّه جرم صلب كالصّخرة مثلا قذف به على جرم رخو أجوف فدمغه».

و قال السّكّاكيّ-و نحوه النّسفيّ و غيره-:

«فأصل استعمال القذف و الدّمغ في الأجسام،ثمّ استعير القذف لإيراد الحقّ على الباطل،و الدّمغ لإذهاب الباطل؛فالمستعار منه حسّيّ،و المستعار له عقليّ».

و قال البيضاويّ:«فيمحقه و إنّما استعار لذلك القذف،و هو الرّمي البعيد المستلزم لصلابة المرميّ، و الدّمغ الّذي هو كسر الدّماغ؛بحيث يشقّ غشاءه المؤدّي إلى زهوق الرّوح تصويرا لإبطاله».

و قال البروسويّ:«قال أهل التّفسير:إنّما استعار لذلك،أي للتّغليب و التّسليط،و إيراد الحقّ»،و ذكر نحو السّكّاكيّ.

و قال الآلوسيّ:«و أصل الدّمغ:كسر الشّيء الرّخو الأجوف،و قد استعير للمحق.و جوّز أن يكون هناك تمثيل لغلبة الحقّ على الباطل حتّى يذهبه برمي جرم صلب على رأس دماغه رخو ليشقّه،و فيه إيماء إلى علوّ الحقّ و تسفّل الباطل،و أنّ جانب الأوّل باق و الثّاني فإن.و جوّز أيضا أن يكون استعارة مكنيّة بتشبيه الحقّ بشيء صلب يجيء من مكان عال، و الباطل بجرم رخو أجوف سافل.و لعلّ القول بالتّمثيل أمثل».

و قال ابن عاشور:«...و هو هنا ترشيح لاستعارة القذف لإيراد ما يبطل.و هو استعارة أيضا؛حيث استعير الدّمغ لمحق الباطل و إزالته،كما يزيل القذف الجسم المقذوف،فالاستعارتان من استعارة المحسوسين للمعقولين».

و قال مكارم الشّيرازيّ:«و هو تعبير بليغ عن غلبة جند الحقّ غلبة واضحة قاطعة».

3-و قال أيضا في: فَإِذا هُوَ زاهِقٌ: «و التّعبير ب(اذا)توحي بأنّا حتّى في الموارد الّتي لا ينتظر و لا يتوقّع انتصار الحقّ فيها،فإنّنا سنجزي هذه السّنّة.

و التّعبير ب زاهِقٌ و الّذي يعني الشّيء المضمحلّ، تأكيد على هذا المقصود.و أنّ جملتي نَقْذِفُ و(يدمغ)قد جاءتا بصيغة الفعل المضارع،فهو دليل على استمرار هذه».

4-و قبلها: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا إِنْ كُنّا فاعِلِينَ* بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ.

قال الزّمخشريّ:«(بل)إضراب عن اتّخاذ اللّهو،و اللّعب،و تنزيه منه لذاته،كأنّه قال:سبحاننا أن نتّخذ اللّهو و اللّعب،بل من عادتنا و موجب حكمتنا و استغنائنا عن القبيح،أن نغلب اللّهو بالجدّ و ندحض الباطل بالحقّ».

5-و قرئ(فيدمغه)بالنّصب.قال البيضاويّ:

«و وجهه-مع بعده-الحمل على المعنى،و العطف

ص: 61

على الحقّ».و قال الآلوسيّ:«و ضعّف بأنّ ما بعد الفاء إنّما ينتصب بإضمار«أن»لا بالفاء،خلافا للكوفيّين في جواب الأشياء السّتّة،و ما هنا ليس منها، و لم ير مثله إلاّ في الشّعر كقوله:

سأترك منزلي لبني تميم

و ألحق بالحجاز فأستريحا

[و قد بحث حول الشّعر إلى أن قال:]

و ذكر بعض الأفاضل أنّه لو جعل من قبيل:

«علّفتها تبنا و ماء باردا»صحّ،و استظهر أنّ العطف على المعنى،أي نفعل القذف فالدّمغ-ثمّ قال:-و قرئ (فيدمغه)بضمّ الميم و الغين.

و يلاحظ ثانيا:و الآية مكّيّة من جملة آيات الإنذار و الإرشاد إلى غلبة الحقّ على الباطل.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

القذف: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ... طه:39

الرّمي: تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ الفيل:4

الرّجم: قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّا تَقُولُ وَ إِنّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَ لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَ ما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ هود:91

الدّحض: وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً

الكهف:56

ص: 62

د م ي

اشارة

6 ألفاظ،10 مرّات:5 مكّيّة،5 مدنيّة

في 7 سور:4 مكّيّة،3 مدنيّة

دم 2:2

الدّم 4:2-2

دما 1:1

الدّماء 1:-1

دماءها 1:-1

دماءكم 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الدّم:معروف،و القطعة منه:دمة واحدة، و كأنّ أصله:دمي،لأنّك تقول:دميت يده.

و المدمّى من الخيل:الأشقر الشّديد الحمرة،شبه لون الدّم.

و كلّ شيء فيه سواد و حمرة فهو مدمّى.

و بقلة لها زهرة يقال لها:دمية (1)الغزلان.

و الدّمية:الصّنم و الصّورة المنقّشة.

و شجّة دامية:دميت و لمّا تسل،و قيل:إذا سالت.و الأوّل أصوب،لأنّ الدّامعة سائلة،و الدّامية الّتي تدمى و لم تدمع بعد.(8:89)

سيبويه:باب ما ذهبت لامه،فمن ذلك:دم.

تقول:دميّ،يدلّك دماء،على أنّه من الياء،أو من الواو.(3:451)

الدّم أصله:دميّ،على«فعل»بالتّسكين،لأنّه يجمع على:دماء و دميّ،مثل ظبي و ظباء و ظبيّ، و دلو و دلاء و دليّ.و لو كان مثل قفا و عصا،لما جمع على ذلك.(الجوهريّ 6:2340)

الكسائيّ:لا أعرف أحدا يثقّل الدّم.

(ابن سيده 9:409)

أبو عمرو الشّيبانيّ:أحمر مدمّى،للجمل؛ و التّدمية:أن يكون أحمّ السّراة.(1:245)

المدمّى من الثّياب:الأحمر.(الأزهريّ 14:217)

ص: 63


1- الظّاهر:دمية الغزلان...كما ذكره الصّاحب.

أبو زيد:يقال:دمّ فلان رأسك بحجر يدمّه دمّا، إذا شجّه،أو ضربه فشدخه،أو لم يشدخه.[ثمّ استشهد بشعر](250)

الأصمعيّ:المستدمي:الّذي يستخرج من غريمه دينه بالرّفق.

و المستدمي أيضا:الّذى يقطر من أنفه الدّم، المطأطئ رأسه.(الجوهريّ 6:2341)

أبو عبيد:في حديث النّبيّ عليه السّلام حين قال لسعد يوم أحد:«ارم فداك أبي و أمّي.قال سعد:فأخذت سهما من كنانتي فرميت (1)به رجلا بسهم فقتلته،ثمّ رميت بذلك السّهم فأخذته أعرفه،حتّى فعلت ذلك و فعلوه ثلاث مرّات،فقلت:هذا سهم مبارك مدمى، فجعلته في كنانتي،و كان عنده حتّى مات رحمه اللّه».

و يروى تفسير هذا الحرف في الحديث نفسه،قال:

المدمّى هو الّذي يرمي به الرّجل العدوّ،ثمّ يرميه العدوّ بذلك السّهم بعينه.و لم أسمع هذا التّفسير إلاّ في هذا الحديث.

و أمّا المدمّى في الكلام،هو من الألوان الّتي فيها سواد و حمرة.(1:420)

كميت مدمّى،إذا كانت سراته شديدة الحمرة إلى مراقّه،و الأشقر المدمّى الّذي لون أعلى شعرته تعلوها صفرة،كلون الكميت الأصفر.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:217)

الدّاميّة من الشّجاج هي الّتي تدمى من غير أن يسيل منها دم و منها دم و منها الدّامعة،و هي الّتي يسيل منها الدّم.(الأزهريّ 14:217)

ابن الأعرابيّ:يقال للمرأة:الدّمية،يكنى عن المرأة بها.(الأزهريّ 14:217)

شمر:المدمّى:الّذي يرميه الرّجل العدوّ ثمّ يرميه العدوّ بذلك السّهم بعينه،كأنّه دمّي بالدّم،حتّى وقع بالمرميّ.(الأزهريّ 14:217)

أبو الهيثم:الدّم:اسم على حرفين،فقال بعضهم:

في تثنيته:الدّميان،و في جمعه:الدّماء.

و قال بعضهم:الدّمان (2).[ثمّ استشهد بشعر]فثنّاه بالياء.و يقال في تصريفه:دميت يدي تدمي دما فيظهرون في دميت و تدمي الياء و الألف اللّتين لم يجدوهما في دم.و مثله«يد»أصلها:يدي.

(الأزهريّ 14:216)

ثعلب:و خذ ما دمّى لك،أي ظهر لك.

و دمى له في كذا و كذا،إذا قرّب.

(ابن سيده 9:411)

الزّجّاج:[دم]أصله:دمى،و دليل ذلك قوله:

*جرى الدّميان بالخبر اليقين*

و قال قوم:أصله دمي،إلاّ أنّه لمّا حذف و ردّ إليه ما حذف منه،حرّكت الميم لتدلّ الحركة على أنّه استعمل محذوفا.(ابن سيده 9:410)

ابن دريد:و دمي الإنسان يدمى،و الأصل فين»

ص: 64


1- في الأصل:رفيت.
2- كذا،و الظّاهر:الدّميان كما جاء في الشّعر: «جرى الدّميان بالخبر اليقين»

دم:دمي.[ثمّ استشهد بشعر](2:303)

أملى علينا أبو حاتم قال:قال أبو زيد:ما بني عليه الكلام ثلاثة أحرف،فما زاد،ردّوه إلى ثلاثة،و ما نقص رفعوه إلى ثلاثة،مثل أب،و أخ،و دم،و فم، و يد،فإذا ثنّوا قالوا:أبان و أخان و دمان و فمان،فإذا رجعوا إلى التّمام قالوا:أبوان و أخوان و دميان و فميان،و قد قالوا:فموان و دموان،و هو أعلى، و يديان،فإذا جاء الجمع قالوا:آباء و إخوة و دماء و أفمام و أيد.

لا أدري ما معنى قوله:«فما زاد ردّوه إلى ثلاثة» و هكذا أملأه علينا أبو حاتم عن أبي زيد و لا أغيّره.[ثمّ استشهد بشعر](3:484)

الأزهريّ:و يقال:سمّي مدمّى،لأنّه احمرّ من الدّم.

و سهم مدمّى قد دمّي به مرّة و قد جاء في بعض الأحاديث.و جمع الدّمية:دمى.(14:217)

الصّاحب:الدّم:معروف،و القطعة:دمة.و أصله:

دمي،و يقال:دمى،على وزن رحى.

و يقولون:الدّم الدّم،أي أحالفك على أنّ دمي في دمك.

و فلان دامي الشّفة:و هو أن يتعرّض للمعروف.

و دمي فوه من الحرص.

و يقال للخمر:دم الزّقّ.

و المستدمي:المطأطئ رأسه يقطر منه الدّم.

و المدمّاة من الخيل:أشقر شديد الحمرة.

و سهم مدمّى:مبارك يتيمّن به؛في الحديث.و لعلّه أخذ من الدّامياء،و هي البركة.

و قدح مدمّى:كثير الفوز.

و بقلة لها زهرة يقال لها:دمية الغزلان.

و بنات الدّم:نبت أحمر.

و الدّمية:الصّنم.و الصّورة.

و المدمّى من السّهام:الّذي في طرف الرّيش الأسفل منه عقبة يقال لها:الدّمية.و دمّيت السّهم.

و الدّامياء:البركة و الخير،و تركتهم في دامياء.

و استدم صاحبك ما دمي لك،أي خذ منه ما أعطاك شيئا بعد شيء.

و لتستدمينّ من هذا الأمر خيرا أو شرّا.

و كلمة:يقال أبشر دامي خير،إذا أصابه خدش.

و دمّيت للرّجل،أي طرّقت له سبيلا.(9:381)

الجوهريّ:الدّم أصله:دمو بالتّحريك،و إنّما قالوا:دمي يدمى لحال الكسرة الّتي قبل الياء،كما قالوا:رضى يرضى،و هو من الرّضوان.

و بعض العرب يقول في تثنيته دموان.

و قال المبرّد:أصله«فعل»بالتّحريك و إن جاء جمعه مخالفا لنظائره.و الذّاهب منه الياء،و الدّليل عليها قولهم في تثنيته:دميان؛أ لا ترى أنّ الشّاعر لمّا اضطرّ أخرجه على أصله،فقال:

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

و لكن على أقدامنا تقطر الدّما

فأخرجه على الأصل.و لا يلزم على هذا قولهم:

يديان،و إن اتّفقوا على أنّ تقدير«يد»فعل ساكنة العين،لأنّه إنّما ثنّي على لغة من يقول لليد:يدا.

ص: 65

و هذا القول أصحّ.

و تصغير الدّم:دميّ؛و الجمع:دماء،و النّسبة إليه:

دميّ،و إن شئت:دمويّ.

و يقال:دمي الشّيء يدمى دمى و دميّا فهو دم، مثل فرق يفرق فرقا فهو فرق.و المصدر متّفق عليه،أنّه بالتّحريك،و إنّما اختلفوا في الاسم.

و الدّمية:الصّنم؛و الجمع:الدّمى،و هي الصّورة من العاج و نحوه.

و ساتي دما:اسم جبل،يقال:سمّي بذلك،لأنّه ليس من يوم إلاّ و يسفك عليه دم،كأنّهما اسمان جعلا واحدا.

و المدمّى:السّهم الّذي عليه حمرة الدّم و قد جسد به حتّى يضرب إلى السّواد.و كان الرّجل إذا رمى العدوّ بسهم فأصاب،ثمّ رماه به العدوّ و عليه دم،جعله في كنانته تبرّكا به.

و يقال:المدمّى:الشّديد الحمرة من الخيل و غيره.

و كلّ أحمر شديد الحمرة فهو مدمّى،يقال:كميت مدمّى.

و يقال:المدمّى:السّهم الّذي يتعاوره الرّماة بينهم، و هو راجع إلى ما ذكرناه.

و أدميته أنا و دمّيته تدمية،إذا ضربته حتّى خرج منه دم.

و الدّامية:الشّجّة الّتي تدمى و لا تسيل.

و دم الأخوين:العندم.

و الدّمة أخصّ من الدّم،كما قالوا:بياض و بياضة.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](6:2340)

الهرويّ:في صفته صلّى اللّه عليه و سلّم،«كان عنقه جيد دمية».

الدّمية:الصّورة المصوّرة؛و جمعها:دمي.(2:654)

الثّعالبيّ:في ترتيب الشّجاج:...فإذا بضعت اللّحم و أسالت الدّم،فهي الدّامية.(242)

ابن سيده:الدّم:من الأخلاط،معروف.قال الكسائيّ:لا أعرف أحدا يثقّل الدّم.

و تثنيته:دمان،و دميان.

تزعم العرب أنّ الرّجلين المتعاديين إذا ذبحا لم تختلط دماؤهما.و قد يقال:دموان على المعاقبة، و هي قليلة،لأنّ حكم أكثر المعاقبة إنّما هو قلب الواو إلى الياء،لأنّهم إنّما يطلبون الأخفّ؛و الجمع:دماء، و دمىّ،و القطعة منه:دمة.و حكى ابن جنّيّ:دم و دمة،مع كوكب و كوكبة،فأشعر أنّهما لغتان.

و قد دمي دما،و أدميته دمّيته.

و في المثل«ولدك من دمّى عقبيك».

و الدّامية من الشّجاج:الّتي دميت و لم تسل بعد.

و استدمى الرّجل:طأطأ رأسه يقطر منه الدّم.

و المدمّى:الثّوب الأحمر.

و المدمّى من الخيل:الشّديد الشّقرة.

و المدمّى من الألوان:ما كان فيه سواد.

و المدمّى من السّهام:الّذي ترمي به عدوّك ثمّ يرميك به.

و الدّم:السّنّور،حكاه النّضر في كتاب الوحوش.

و رجل دامى الشّفة:فقير،عن أبى العميثل الأعرابيّ.

ص: 66

و دم الغزلان:بقلة لها زهرة حسنة.

و بنات دم:نبت.

و الدّمية:الصّورة المنقّشة من الرّخام.و قال كراع:

هي الصّورة؛.فعمّ بها.

و دمّى الرّعي الماشية:جعلها كالدّمى.

و إنّما قضينا على هاتين الكلمتين بالياء،لكونها «لاما»مع كثرة«د م ي»و قلّة«د م و».[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](9:409)

الرّاغب:أصل الدّم:دمي،و هو معروف،قال اللّه تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ المائدة:3.

و جمعه:دماء،و قال: لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ البقرة:84،و قد دميت الجراحة.

و فرس مدمى:شديد الشّقرة كالدّم في اللّون.

و الدّمية:صورة حسنة.

و شجّة دامية.(171)

الزّمخشريّ:دميت يده و أدميتها و دمّيتها.

و شجّة دامية.

و إذا ترشّش على الرّجل دم قالوا:دامي خير إن شاء اللّه تعالى.

و استدمى الرّجل:طأطأ رأسه يقطر منه الدّم.

و جارية كدمية القصر.

و جوار الدّمى،و هي الصّورة المنقّشة و فيها حمرة كالدّم.

و من المجاز:لا يلائم دمي دمك.

و كميت مدمّى:شديد الحمرة كأنّما دمّي.

و سهم مدمّى،و سهم أسود مبارك:رمي به الصّيد مرارا حتّى اسودّ من الدّم.

و منه تركتهم في الدّامياء أي في البركة و النّعمة.

و استدم من غريمك ما دمّى لك،أي خذ منه ما طفّ لك.

و فلان دامي الشّفة:حريص على الطّلب.

و دمى فوه من الحرص،كما يقال:ضبّ فوه و ضبت لثاته.(أساس البلاغة:136)

المدينيّ:في حديث زيد بن ثابت رضي اللّه عنه:

«في الدّاميّة بعير».

الدّامية:شجّة تشقّ الجلد حتّى يظهر منه الدّم، و تسمّى:دامعة أيضا،لأنّها تدمع بقليل دم.

في حديث الوليد بن المغيرة:«و الدّم ما هو بشاعر» هذه يمين كانوا يحلفون بها في الجاهليّة.(1:674)

ابن الأثير:في صفته عليه الصّلاة و السّلام:

«كأنّ عنقه جيد دمية».الدّمية:الصّورة المصوّرة؛ و جمعها:دمى،لأنّها يتنوّق في صنعتها و يبالغ في تحسينها.

و فيه:«إنّ رجلا جاء معه أرنب فوضعها بين يدي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ثم قال:إنّي وجدتها تدمى»،أي أنّها ترمي الدّم؛و ذلك أنّ الأرنب تحيض كما تحيض المرأة.

و في حديث بيعة الأنصار و العقبة:«بل الدّم الدّم، و الهدم الهدم»،أي أنّكم تطلبون بدمي و أطلب بدمكم،و دمي و دمكم شيء واحد.

و في حديث عمر أنّه قال لأبي مريم الحنفيّ:«لأنّا

ص: 67

أشدّ بغضا لك من الأرض للدّم»يعني أنّ الدّم لا تشربه الأرض و لا يغوص فيها،فجعل امتناعها منه بغضا مجازا.و يقال:إنّ أبا مريم كان قتل أخاه زيدا يوم اليمامة.

و في حديث ثمامة بن أثال:«إن تقتل تقتل ذا دم»، أي من هو مطالب بدم،أو صاحب دم مطلوب.

و يروى ذا ذمّ بالذّال المعجمة،أي ذا ذمام و حرمة في قومه،و إذا عقد ذمّة وفّي له.

و منه حديث قتل كعب بن الأشرف«إنّي لأسمع صوتا كأنّه صوت دم»،أي صوت طالب دم يستشفي بقتله.

و منه الحديث:«لا و الدّماء»أي دماء الذّبائح، و يروى:«لا و الدّمى»جمع:دمية،و هي الصّورة، و يريد بها:الأصنام.(2:135)

الفيّوميّ:دمي الجرح دمى،من باب«تعب» و دميا أيضا على التّصحيح:خرج منه الدّم،فهو دم على النّقص،و يتعدّى بالألف و التّشديد.

و شجّة دامية:للّتي يخرج دمها و لا يسيل،فإن سال فهي الدّامعة.

و يقال:أصل الدّم:دمي بسكون الميم،لكن حذفت اللاّم و جعلت الميم حرف إعراب.و قيل:

الأصل بفتح الميم و يثنّى بالياء،فيقال دميان.و قيل:

أصله واو،و لهذا يقال:دموان.و قد يثنّى على لفظ الواحد،فيقال:دمان.(1:200)

الفيروزآباديّ:الدّم:معروف،أصله:دمي، تثنيته:دمان و دميان؛جمعه:دماء و دميّ،و قطعته:

دمة،أو هي لغة في الدّم.و قد دمي كرضي دمى، و أدميته و دمّيته.

و هو دامي الشّفة:فقير.

و بنات دم:نبت معروف.

و الدّم:السّنّور.

و دم الغزلان:بقلة.

و دم الأخوين:معروف،و فارسيّته:«خون سياوشان».

و الدّمية بالضّمّ:الصّورة المنقّشة من الرّخام أو عامّ،و الصّنم؛جمعه:دمى.

و المدمّى:السّهم عليه حمرة الدّم،و الشّديد الحمرة من الخيل و غيره.

و المستدمي:من يستخرج من غريمه دينه بالرّفق، و من يقطر من أنفه الدّم و هو متطأطئ.

و الدّامية:شجّة تدمى و لا تسيل.

و الدّامياء:الخير و البركة.

و دمّيت له تدمية:سهّلت له سبيلا،و طرّقته، و قرّبت له،و ظهرت.(4:330)

الطّريحيّ:و في الحديث:«كلّما ليس له دم فلا بأس به»،أي نفس سائلة كالعقارب و الخنافس و الدّيدان و نحوها.

و في الخبر«نهى عن الدّم»،أي لا يجوز بيعه.

و قيل:يعني أجرة الحجّام.

و فيه:«ثمّ ائت مقام جبرئيل بالمدينة،ثمّ تدعو بدعاء الدّم»و هو مقام لا تدعو فيه الحائض-يعني المستحاضة-فتستقبل القبلة،إلاّ رأت الطّهر و هو

ص: 68

دعاء مشهور،مذكور في«الفقيه».

و فيه:«لا يبطل دم امرئ مسلم»،أي لا يذهب دمه هدرا.[إلى أن قال:]

و في الحديث:«و تغتسل المرأة الدّميّة بين كلّ صلاة».هي في كثير من النّسخ بالدّال المهملة،يعني صاحبة الدّم،و في بعضها-بل ربّما كان أغلب- بالذّال المعجمة،و فسّرت بمن اشتغلت ذمّتها بالصّلاة.

و كونها نسبة إلى أهل الذّمة،غير مناسب،كما لا يخفى.(1:146)

مجمع اللّغة:الدّم:السّائل الأحمر الّذي يملأ الشّرايين و الأوردة.و أصله:دمي؛و جمعه:دماء و دميّ.(1:404)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(191)

المصطفويّ:و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّلوّن بالدّم،و أنّ هذه الكلمة إنّما اشتقّت من كلمة«الدّم»مشدّدة،و قد مرّ أنّ الأصل فيها:هو الغشي و الإطباق بطلي أو مسّ أو غيره،و الدّمام:كلّ شيء يطلى به على آخر،من صبغ أو دواء.

فالدّم مخفّفا مشتقّ من الدّم مشدّدا،و قد يبدل حرف التّضعيف ياء أو واوا فيقال:دمي يدمى و الدّميان.و التّناسب في المعنى ظاهر،فإنّ الدّم يغشى البدن،و قد يطلى و يصبغ البدن أو عضو منه به.

و يدلّ عليه قول الهذليّ:

*و تشرق من تهمالها العين بالدّم*

و يدلّ عليه أيضا:أنّ الجمع و الصّفة من«دام» عبريّة،على صيغة«داميم»سفّاح،الدّماء.كما في قاموس عبريّ.

فيكون مفهوم دمي يدمى دمى:من أحد مصاديق الدّم.

و الميزان الكلّيّ في الإبدال:هو التّخفيف في الكلمة و جريانها على اللّسان و عدم كونها ثقيلة في التّلفّظ.

و هذا أمر طبيعىّ جار في جميع اللّغات.

إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ البقرة:173، فالميتة و الدّم و لحم الخنزير و ما أهلّ لغير اللّه،ممّا حرّم أكله.

وَ قالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ* فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ الأعراف:132، 133،لمّا كانت هذه الحياة الدّنيا دار أسباب ظاهريّة، و وسائل و مقدّمات و علل مادّيّة،فالظّاهر أن يكون إيجاد هذه الأمور بإيجاد أسبابها و عللها في الظّاهر.

كما في الرّوايات الشّريفة:أنّهم مطروا ثمانية أيّام،ثمّ ظهر في أثرها الطّوفان،ثمّ الجراد،ثمّ القمّل،ثمّ الضّفادع،ثمّ ابتلوا بخروج الدّم من أبدانهم مستمرّا.

و لا يخفى أنّ صدق كلّ عنوان على مصاديقه، يتوقّف على تحقّق حقيقة ذلك العنوان فيها،و لا ينظر إلى الشّرائط و المقدّمات و العلل،و إلى خصوصيّات تكوّنها،و كيفيّة تحقّقها و وجودها،بأيّ وسيلة،و بأيّ مقدّمة تكوّنت.

فالدّم و العسل و اللّبن و العنب و النّخيل إذا تحقّقت في الخارج و تكوّنت على حقائقها،فهي مصاديق حقيقيّة،بأيّ علّة و بأيّ سبب و مقدّمة،

ص: 69

و بأيّ شرط،و في أيّ زمان أو مكان تكوّنت،في هذا العالم أو في الآخرة.(3:248)

النّصوص التّفسيريّة

دم

1- وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. يوسف:18

ابن عبّاس:بدم سخلة.(الطّبريّ 7:160)

لمّا أتي يعقوب بقميص يوسف،فلم ير فيه خرقا، قال:كذبتم،لو أكله السّبع لخرق قميصه!

(الطّبريّ 7:161)

الشّعبيّ:ذبحوا جديا و لطخوه من دمه،فلمّا نظر يعقوب إلى القميص صحيحا،عرف أنّ القوم كذبوه، فقال لهم:إن كان هذا الذّئب لحليما؛حيث رحم القميص و لم يرحم ابني،فعرف أنّهم قد كذبوه.

(الطّبريّ 7:161)

مجاهد:كان ذلك الدّم كذبا،لم يكن دم يوسف.

دم سخلة يعني شاة.(الطّبريّ 7:160)

الحسن:جيء بقميص يوسف إلى يعقوب،فجعل ينظر إليه فيرى أثر الدّم،و لا يرى فيه خرقا،قال:

يا بنيّ ما كنت أعهد الذّئب حليما؟.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 7:161)

السّدّيّ:ذبحوا جديا من الغنم،ثمّ لطخوا القميص بدمه،ثمّ أقبلوا إلى أبيهم،فقال يعقوب:إن كان هذا الذّئب لرحيما كيف أكل لحمه و لم يخرق قميصه؟يا بنيّ يا يوسف ما فعل بك بنو الإماء؟

(309)

الطّبريّ:سمّاه اللّه كذبا،لأنّ الّذين جاءوا بالقميص و هو فيه كذبوا،فقالوا ليعقوب:هو دم يوسف،و لم يكن دمه،و إنّما كان دم سخلة،فيما قيل.

فإن قال قائل:كيف قيل: بِدَمٍ كَذِبٍ و قد علمت أنّه كان دما لا شكّ فيه،و إن لم يكن كان دم يوسف؟

قيل:في ذلك من القول وجهان:

أحدهما:أن يكون قيل: بِدَمٍ كَذِبٍ لأنّه كذب فيه،كما يقال:اللّيلة الهلال،و كما قيل: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ البقرة:16،و ذلك قول كان بعض نحويّي البصرة يقوله.

و الوجه الآخر:و هو أن يقال:هو مصدر بمعنى مفعول،و تأويله:و جاءوا على قميصه بدم مكذوب، كما يقال:ما له عقل و لا معقول،و لا له جلد و لا له مجلود.و العرب تفعل ذلك كثيرا،تضع مفعولا في موضع المصدر،و المصدر في موضع مفعول،كما قال الرّاعيّ:

حتّى إذا لم يتركوا لعظامه

لحما و لا لفؤاده معقولا

و ذلك كان يقوله بعض نحويّي الكوفة.(7:160)

النّحّاس:و المعنى:بدم ذي كذب،أي مكذوب فيه.(3:404)

نحوه الميبديّ(5:24)،و الخازن(3:220).

الشّريف الرّضيّ:هذه استعارة.لأنّ الدّم

ص: 70

لا يوصف بالكذب على الحقيقة.و المراد بذلك-و اللّه أعلم-بدم مكذوب فيه،و التّقدير:بدم ذي كذب.

و إنّما يوصف الدّم بالمصدر الّذي هو كَذِبٍ على طريق المبالغة.لأنّ الدّعوى الّذي علّقت بذلك الدّم كانت غاية في الكذب.

و قال بعضهم:قد يجوز أيضا أن يكون كَذِبٍ هاهنا صفة لقول محذوف يدلّ عليه الحال،فكأنّ التّقدير:و جاءوا على قميصه بدم،و جاءوا بقول كذب؛إذ كانت إشارتهم إلى آثار الدّم في القميص قد صحبها قول منهم يؤكّد تلك الحال،و هو قولهم: إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ يوسف:17؛و القول الأوّل أصوب.

و من غرائب التّفسير ما روي عن أبي عمرو بن العلاء أنّه قال:سمعت بعض الرّواة يقرأ(بدم كدب) بالإضافة من الدّال.و قال:هو الجدي في كلام الكنعانيّين،و أنشد لبعضهم:

ظلّت دماء بني عوف كأنّهم

عند الهياج رعاة بين أكداب

و قيل:إنّهم لطخوا قميص يوسف عليه السّلام بدم ظبي ذبحوه.(58)

الثّعلبيّ:أي بدم كذب.[و ذكر فيه الوجهين نحو الطّبريّ،و قال:]

و قرأت عائشة(بدم كدب)بالدّال غير المعجمة، أي طريّ.(5:203)

نحوه البغويّ.(2:480)

الماورديّ:و معنى قوله: بِدَمٍ كَذِبٍ أي مكذوب فيه،و لكن وصفه بالمصدر،فصار تقديره:

بدم ذي كذب.(3:15)

نحوه الواحديّ.(2:603)

الزّمخشريّ:ذي كذب،أو وصف بالمصدر مبالغة،كأنّه نفس الكذب و عينه،كما يقال للكذّاب:

هو الكذب بعينه و الزّور بذاته،و نحوه:

*فهنّ به جود و أنتم به بخل*

و قرئ، كذبا نصبا على الحال،بمعنى:جاءوا به كاذبين.و يجوز أن يكون مفعولا له.

و قرأت عائشة رضي اللّه عنها:(كدب)بالدّال غير المعجمة،أي كدر،و قيل:طريّ.و قال ابن جنّيّ:

أصله من الكدب،و هو الفوف البياض الّذي يخرج على أظفار الأحداث،كأنّه دم قد أثر في قميصه.

(2:308)

نحوه النّيسابوريّ(12:87)،و أبو السّعود(3:

372)،و البروسويّ(4:226)،و القاسميّ(9:

3520).

ابن عطيّة:و وصف الدّم ب كَذِبٍ إمّا على معنى بدم ذي كذب،و إمّا أن يكون بمعنى مكذوب عليه،كما قد جاء المعقول بدل العقل،في قول الشّاعر:

حتّى إذا لم يتركوا لعظامه

لحما و لا لفؤاده معقولا

فكذلك يجيء التّكذيب مكان المكذوب.

هذا كلام الطّبريّ و لا شاهد له فيه عندي،لأنّ نفي المعقول يقتضي نفي العقل و لا يحتاج إلى بدل.

و إنّما الدّم الكذب عندي وصف بالمصدر على جهة

ص: 71

المبالغة.و قرأ الحسن(بدم كدب)بدال غير معجمة، و معناه:الطّريّ و نحوه و ليست هذه القراءة قويّة.

(3:227)

الطّبرسيّ:معناه:أنّ إخوة يوسف جاءوا أباهم و معهم قميص يوسف ملطّخا بدم،فقالوا له:هذا دم يوسف حين أكله الذّئب.(3:218)

نحوه فضل اللّه.(12:176)

الفخر الرّازيّ:فيه مسائل:

المسألة الأولى:إنّما جاءوا بهذا القميص الملطّخ بالدّم،ليوهم كونهم صادقين في مقالتهم...

المسألة الثّانية:قوله: وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ أي و جاءوا فوق قميصه بدم،كما يقال:جاءوا على جمالهم بأحمال.

المسألة الثّالثة:قال أصحاب العربيّة،و هم:الفرّاء و المبرّد و الزّجّاج و ابن الأنباريّ: بِدَمٍ كَذِبٍ أي مكذوب فيه،إلاّ أنّه وصف بالمصدر على تقدير:دم ذي كذب،و لكنّه جعل نفسه كذبا للمبالغة.قالوا:و المفعول و الفاعل يسمّيان بالمصدر،كما يقال:ماء سكب،أي مسكوب و درهم ضرب الأمير،و ثوب نسج اليمن،و الفاعل كقوله: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً الملك:30،و رجل عدل و صوم،و نساء نوح،و لمّا سمّيا بالمصدر،سمّي المصدر أيضا بهما،فقالوا:للعقل المعقول،و للجلد المجلود،و منه قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ القلم:6،و قوله: إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ سبأ:7.(18:101)

أبو حيّان:و قرأ الجمهور: كَذِبٍ وصف ل(دم)على سبيل المبالغة،أو على حذف مضاف، أي ذي كذب،لمّا كان دالاّ على الكذب وصف به، و إن كان الكذب صادرا من غيره.و قرأ زيد بن عليّ:

(كذبا)بالنّصب،فاحتمل أن يكون مصدرا في موضع الحال،و أن يكون مفعولا من أجله.

و قال صاحب«اللّوامح»:و معناه:ذي كذب، أي أثر لأنّ الكذب هو بياض يخرج في أظافير الشّبّان و يؤثّر فيها،فهو كالنّقش،و يسمّى ذلك البياض:

الفوف،فيكون هذا استعارة لتأثيره في القميص، كتأثير ذلك في الأظافير.(5:289)

ابن كثير:أي مكذوب مفترى.و هذا من الأفعال الّتي يؤكّدون بها ما تمالئوا عليه من المكيدة،و هو أنّهم عمدوا إلى سخلة-فيما ذكره مجاهد و السّدّيّ و غير واحد-فذبحوها و لطخوا ثوب يوسف بدمها،موهمين أنّ هذا قميصه الّذي أكله فيه الذّئب و قد أصابه من دمه،و لكنّهم نسوا أن يخرقوه،فلهذا لم يرج هذا الصّنيع على نبيّ اللّه يعقوب.(4:14)

الآلوسيّ:و قوله سبحانه: بِدَمٍ حال من القميص،و جعل المعنى:استولوا على القميص ملتبسا بدم جائين،و هو على ما قيل:أولى من:جاءوا مستولين،لما تقرّر في التّضمين.و الأمر في ذلك سهل، فإن جعل المضمّن أصلا و المذكور حالا و بالعكس، كلّ منهما جائز،و إذا اقتضى المقام أحدهما رجّح، و استظهر كونه ظرفا للمجيء المتعدّي.و المعنى:أتوا بدم كذب فوق قميصه،و لا يخفى استقامته.

(12:200)

ص: 72

رشيد رضا:المراد من هذه الجملة الفذّة في بلاغتها:أنّهم جاءوا بقميصه ملطّخا ظاهره بدم غير دم يوسف،يدّعون أنّه دمه ليشهد لهم بصدقهم،فكان دليلا على كذبهم.فنكّر«الدّم»و وصفه باسم الكذب مبالغة في ظهور كذبهم في دعوى أنّه دمه،حتّى كأنّه هو الكذب بعينه،فالعرب تضع المصدر موضع الصّفة للمبالغة،كما يقولون:شاهد عدل.(12:267)

ابن عاشور:و جملة وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ في موضع الحال.و لمّا كان الدّم ملطّخا به القميص و كانوا قد جاءوا مصاحبين للقميص،فقد جاءوا بالدّم على القميص.

و وصف الدّم بالكذب:وصف بالمصدر،و المصدر هنا بمعنى المفعول،كالخلق بمعنى المخلوق،أي مكذوب كونه دم يوسف عليه السّلام؛إذ هو دم جدي،فهو دم حقّا لكنّه ليس الدّم المزعوم.

و لا شكّ في أنّهم لم يتركوا كيفيّة من كيفيّات تمويه الدّم و حالة القميص بحال قميص من يأكله الذّئب، من آثار تخريق و تمزيق،ممّا لا تخلو عنه حالة افتراس الذّئب،و أنّهم أفطن من أن يفوتهم ذلك و هم عصبة لا يعزب عن مجموعهم مثل ذلك.

فما قاله بعض أصحاب التّفسير من أنّ يعقوب عليه السّلام قال لأبنائه:ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا، أكل ابني و لم يمزّق قميصه،فذلك من تظرّفات القصص.(12:36)

عبد الكريم الخطيب:و الدّم الّذي جاءوا به،هو دليل رابع على أنّ القصّة ملفّقة،فما ذا يحملهم على حمل هذا الدّم إلى أبيهم؟أ ليسوا هم أولياء هذا الدّم و أهله؟و هل يجد وليّ الدّم قدرة من نفسه على حمل إصبع،أو عين،أو رأس،من ابنه أو أخيه المقتول،ثمّ يطوف بها،و يقلبها بين يديه،و يعرضها على الأنظار؟ ذلك ما لا يكون،لو أنّ الذّئب كان حقّا هو الّذي عدا على يوسف و أكله!

و إذا كان لا بدّ من مجيء شاهد من هذا القتيل،فإنّ الدّم لا يقوم شاهدا أبدا؛إذ ما أيسر أن يحصل الإنسان على الدّم الّذي يريد من إنسان،أو حيوان بل و من نفسه أيضا.فليكن الشّاهد إذن:رأسه،أو رجله،أو يده؛إذ من غير المعقول أن يأتي الذّئب على كلّ أجزاء ضحيّته.و خاصّة إذا كان غلاما في سنّ يوسف،الّذي قيل:إنّه كان في العاشرة أو أكثر من عمره و يقرّر علم الإجرام،أنّ المجرم،مهما كان ذكيّا حذرا،لا بدّ من أن يترك أثرا يدلّ عليه،و أن يقع في تدبيره خلل ما، يكون مفتاحا للكشف عنه.

قيل إنّ القميص الّذي جاءوا به ملطّخا بالدّم، كان سليما لم يمسّه الذّئب المزعوم،بظفر أو ناب!!قالوا:

و لهذا عجب يعقوب من هذا،و قال متهكّما:تا اللّه ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا،أكل ابني و لم يمزّق قميصه!!(6:1246)

مكارم الشّيرازيّ:و من أجل أن يبرهنوا على صحّة كلامهم فقد جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ إذ لطّخوا الثّوب بدم الغزال أو الخروف أو التّيس.

و لكن حيث إنّ الكاذب لا يمتلك حافظة قويّة، و حيث إنّ أيّة حقيقة فيها علائق مختلفة و كيفيّات

ص: 73

و مسائل،يقلّ أن تجتمع منظّمة في الكذب،فقد غفل إخوة يوسف عن هذه المسألة الدّقيقة.و هي-على الأقلّ-أن يخرقوا قميص يوسف الملطّخ بالدّم ليدلّ على هجوم الذّئب.فقد قدّموا القميص سالما غير مخرق فأحسّ الأب بمؤامرتهم،فما إن وقعت عيناه على القميص حتّى فهم كلّ شيء.(7:143)

2- وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ.

النّحل:66

لاحظ:ل ب ن:«لبنا خالصا».

الدّم

1- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. البقرة:173

ابن عاشور:و أمّا الدّم فإنّما نصّ اللّه على تحريمه،لأنّ العرب كانت تأكل الدّم،كانوا يأخذون المباعر فيملئونها دما،ثمّ يشوونها بالنّار و يأكلونها.

و حكمة تحريم الدّم أنّ شربه يورث ضراوة في الإنسان،فتغلظ طباعه و يصير كالحيوان المفترس، و هذا مناف لمقصد الشّريعة،لأنّها جاءت لإتمام مكارم الأخلاق،و إبعاد الإنسان عن التّهوّر و الهمجيّة، و لذلك قيّد في بعض الآيات بالمسفوح،أي المهراق، لأنّه كثير لو تناوله الإنسان اعتاده،و لو اعتاده أورثه ضراوة،و لذا عفت الشّريعة عمّا يبقى في العروق بعد خروج الدّم المسفوح بالذّبح أو النّحر.و قاس كثير من الفقهاء نجاسة الدّم على تحريم أكله،و هو مذهب مالك،و مداركهم في ذلك ضعيفة،و لعلّهم رأوا مع ذلك أنّ فيه قذارة.

و الدّم:معروف مدلوله في اللّغة،و هو إفراز من المفرزات النّاشئة عن الغذاء،و به الحياة.و أصل خلقته في الجسد آت من انقلاب دم الحيض في رحم الحامل إلى جسد الجنين بواسطة المصران المتّصل بين الرّحم و جسد الجنين،و هو الّذي يقطع حين الولادة،و تجدّده في جسد الحيوان بعد بروزه من بطن أمّه يكون من الأغذية،بواسطة هضم الكبد للغذاء المنحدر إليها من المعدة بعد هضمه في المعدة،و يخرج من الكبد مع عرق فيها،فيصعد إلى القلب الّذي يدفعه إلى الشّرايين -و هي العروق الغليظة-و إلى العروق الرّقيقة،بقوّة حركة القلب بالفتح و الإغلاق-حركة ماكينيّة هوائيّة-ثمّ يدور الدّم في العروق،منتقلا من بعضها إلى بعض بواسطة حركات القلب و تنفّس الرّئة،و بذلك الدّوران يسلم من التّعفّن،فلذلك إذا تعطّلت دورته حصّة طويلة مات الحيوان.(2:117)

مكارم الشّيرازيّ:و المحرّم الثّاني في هذه الآية (الدم)و شرب الدّم له مفاسد أخلاقيّة و جسميّة، فهو وسط مستعدّ تماما لتكاثر أنواع الميكروبات.

الميكروبات الّتي تدخل البدن تتّجه أوّل ما تتّجه إلى الدّم،و تتّخذه مركزا لنشاطهم،و لذلك اتّخذت الكريات البيضاء مواقعها في الدّم،للوقوف بوجه توغّل هذه الأحياء المجهريّة في الدّم،المرتبط بكلّ

ص: 74

أجزاء الجسم.

و حين يتوقّف الدّم عن الحركة و تنعدم الحياة فيه، يتوقّف نشاط الكريات البيض أيضا،و يصبح الدّم بذلك وسطا صالحا لتكاثر الميكروبات دون أن تواجه عقبة في التّكاثر.و لذلك نستطيع القول:إنّ الدّم -حين يتوقّف عن الحركة-يكون أكثر أجزاء جسم الإنسان و الحيوان تلوّثا.

و من جهة أخرى ثبت اليوم في علم الأغذية،أنّ الأغذية لها تأثير على الأخلاق و المعنويّات عن طريق التّأثير في الغدد و إيجاد الهورمونات.و منذ القديم ثبت تأثير شرب الدّم على تشديد قسوة الإنسان،و أصبح ذلك مضرب الأمثال.لذلك نرى الرّواية عن الإمام جعفر بن محمّد عليهما السّلام تقول:«أمّا الدّم فإنّه يورث القسوة في القلب و قلّة الرأفة و الرّحمة،حتّى لا يؤمن أن يقتل ولده و والديه، و لا يؤمن على حميمه،و لا يؤمن على من يصحبه».

(1:427)

2- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ... المائدة:3

الطّباطبائيّ:هذه الأربعة مذكورة فيما نزل من القرآن،قبل هذه السّورة كسورتي الأنعام و النّحل و هما مكّيتان،و سورة البقرة و هي أوّل سورة مفصّلة نازلة بالمدينة،قال تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام:145،و قال تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ البقرة:173.

و الآيات جميعا-كما ترى-تحرّم هذه الأربعة المذكورة في صدر هذه الآية.(5:163)

3- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ. الأعراف:133

لاحظ:أ ي ي:«آيات»و هذه الموادّ.

4- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. النّحل:115

لاحظ:ح ر م:«حرّم».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّم:السّائل المعروف؛ و جمعه:دماء و دميّ،و تصغيره:دميّ،و النّسبة إليه دميّ،و الدّمة:القطعة منه؛يقال:دمي الشّيء يدمى دمى و دميّا فهو دم،و أدميته و دميته تدمية،إذا ضربته حتّى خرج منه دم.و من أمثال بني أسد:«ولدك من

ص: 75

دمى عقبيك»،أي من ولدته،إذا كان الخطاب للمذكّر، أو من نفست به،إذا كان الخطاب للمؤنّث.

و الدّامية من الشّجاج:الّتي دميت و لم يسل بعد منها دم،و الدّامعة:هي الّتي يسيل منها الدّم،كما تقدّم في«د م ع».

و المستدمي:الّذي يقطر من أنفه الدّم،يقال:

استدمى الرّجل،أي طأطأ رأسه يقطر منه الدّم.

و يقال للّذي يستخرج من غريمه دينه بالرّفق:

المستدمي،على المجاز.

و المدمّى:كلّ شيء في لونه سواد و حمرة.يقال:

كميت مدمّى،إذا كان سواده شديد الحمرة إلى مراقّه.

و الأشقر المدمّى:الّذي لون أعلى شعرته يعلوها صفرة كلون الكميت الأصفر.

و المدمّى من السّهام:السّهم الّذي يتعاوره الرّماة بينهم،كأنّه دمّي بالدّم حين وقع بالمرميّ.و هو الّذي عليه حمرة الدّم،و قد جسد به حتّى يضرب إلى السّواد.

و الدّمية:الصّنم،لأنّ الجاهليّين كانوا يذبحون عليه الذّبائح،و يسفكون عليه دماءها؛و الجمع:دمى.

و يكنّى بالدّمية:عن المرأة.و قال كراع:هي الصّورة، فعمّ بها.و منه:دمّى الرّاعي الماشية:جعلها كالدّمى، كأنّه سمّنها حتّى كادت تنضح بالدّم.

2-و يطلق المولّدون في هذه الأيّام لفظ «الدّمويّ»على من يقتّل النّاس و يسفك دماءهم، و هي نسبة إلى الدّم كما تقدّم،و ليس إلى من أراقه أو أريق منه كما يتوهّمون،و كأنّهم لا يرون فيه إلاّ الدّم، فنسبوه إليه،فيقولون:نظام دمويّ،و حاكم دمويّ.

و أشهر من عرف بهذا الاسم من الحكّام في العصر الحديث صدّام حسين و نظامه المقرف.

و ممّا اصطلحوا عليه أيضا قولهم:معركة دامية، يريدون به كثرة من قتل و سفح فيها دمه،و هذا مثل قولهم:معركة حامية،أي شديدة،و كلاهما غير فصيح.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم مفردا(الدّم و(دم)7 مرّات، و جمعا:(الدّماء)3 مرّات في 10 آيات:

1-الدّم و دم:

1 و 2- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ...

البقرة:173،و النّحل:115

3- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ... الأنعام:145

4- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ... المائدة:3

5- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ الأعراف:133

6- وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً... يوسف:18

7- وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً

ص: 76

لِلشّارِبِينَ النّحل:66

2-الدّماء و دماءكم و دماءها:

8- وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ البقرة:30

9- وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ... البقرة:84

10- لَنْ يَنالَ اللّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ... الحجّ:37

و يلاحظ أوّلا:أنّ الأربع الأولى من هذه الآيات تشريع،و الباقي إمّا قصّة أو موعظة،و عقيدة و إنذار.

و جاء«الدّم»في السّبع الأولى مفردا،و في الثّلاث الباقية جمعا،ففيها محوران:

المحور الأوّل في«المفرد»و في كلّ من آياته بحوث:

1-الآيتان(1 و 2)جاءتا بلفظ واحد مع تفاوت قليل،ففي(1): وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، و في (2): وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، بمجيء(به)قبل لِغَيْرِ اللّهِ في (1)،و بعده في(2)،و بزيادة فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ في(1)، زيادة بيان في التّشريع المدنيّ.

2-و كلاهما بدء ب إِنَّما حصرا و استثناء ممّا جاء قبلهما من حلّيّة الطّيّبات،فقبل(1): يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ اشْكُرُوا لِلّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ، و قبل(2): فَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَ اشْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ، و أضيفت بعد(2): وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ.

3-و هذا الحكم تشريع مكّيّ و مدنيّ معا،في سورتي:النّحل المكّيّة،و البقرة المدنيّة،و في سورتي الأنعام المكّيّة،و المائدة المدنيّة تأكيدا له،لتجتنب العرب ممّا اعتادوا به في مآكلهم ليل نهار،لأنّ مشركي العرب في مكّة و غيرها من جزيرة العرب كانوا يحرّمون كثيرا من الطّيّبات،افتراء على اللّه تعالى،كما هو مذكور في الآيات.

قال ابن عاشور:«و أمّا الدّم فإنّما نصّ اللّه على تحريمه،لأنّ العرب كانت تأكل الدّم،كانوا يأخذون المباعر فيملئونها دما ثمّ يشوونها بالنّار و يأكلونها».

4-و قد حكى اللّه عقيب كلّ من الآيتين ما حرّم على أهل الكتاب،كاستثناء ممّا أحلّ من الطّيّبات للمسلمين،فقال عقيب(2): وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

و أشار عقيب(1)إلى ما حرّم عليهم و كتموه و أكلوه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ...

5-و قد بيّن كلّ من ابن عاشور و مكارم

ص: 77

الشّيرازيّ حكمة تحريم الدّم تفصيلا،و كذا نشوؤه من الأغذية،و سريانه في العروق،و تجدّده،و نحوها، فلاحظ.

و في(3)و(4)-و الأولى مكّيّة،و الثّانية مدنيّة- جاء ما ذكر في(1 و 2)من المحرّمات الأربعة بزيادة محرّمات أخرى في(4)المدنيّة-و كلّها من مصاديق الميتة-كالمنخنقة،و الموقوذة،و المتردّية،و النّطيحة، و ما أكل السّبع و ما ذبح على النّصب...،و بتفاوت في سياقهما.فجاء في(3): قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

و جاء في(4): حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ...، فسياقها صدرا أقرب إلى سياق(1 و 2)لكن لم يذكر فيها: فَمَنِ اضْطُرَّ... .و ذكرت في(3)بإضافة: دَماً مَسْفُوحاً و فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ، كما أنّ صدرها متفاوت عنهما كثيرا.لاحظ:س ف ح:«مسفوحا».

و:ف س ق:«فسقا».

و في(5)-و هي من جملة ما أصاب آل فرعون من البلايا كالطّوفان،و الجراد،و القمّل،و الضّفادع، و الدّم-لاحظ موادّ هذه المفردات-و قد بسطها الطّبرسيّ(2:469)في قصّة طويلة،و من جملتها قال في«الدّم»:«فلمّا كانت السّنة الخامسة أرسل اللّه عليهم الدّم،فسال ماء النّيل عليهم دما،فكان القبطيّ يراه دما،و الإسرائيليّ يراه ماء فإذا شربه الإسرائيليّ كان ماء و إذا شربه القبطيّ كان دما،و كان القبطيّ يقول للإسرائيليّ خذ الماء في فيك و صبّه في فيّ،فكان إذا صبّه في فم القبطيّ تحوّل دما،و إنّ فرعون اعتراه العطش حتّى أنّه ليضطرّ إلى مضغ الأشجار الرّطبة، فإذا مضغها يصير ماؤها في فيه دما،فمكثوا في ذلك سبعة أيّام لا يأكلون إلاّ الدّم و لا يشربون إلاّ الدّم.قال زيد بن أسلم:الدّم الّذي سلّط عليهم كان الرّعاف...».

و في(6)-و هي من جملة قصّة يوسف الطّويلة-:

1-قالوا:ذبحوا جديا من الغنم،ثمّ لطخوا القميص بدمه،ثمّ أقبلوا إلى أبيهم.فقال يعقوب:إن كان هذا الذّئب لرحيما كيف أكل لحمه و لم يخرق قميصه!!

2-و لهم كلام طويل في(دم كذب)حيث وصف(دم)بالمصدر: اَلْكَذِبَ فوجّهوه بصور شتّى،مثل بدم ذي كذب،أو وصف بالمصدر مبالغة، كأنّه نفس الكذب و عينه،كما يقال للكذّاب:هو الكذب بعينه و الزّور بذاته.

و قال الطّبريّ:«سمّاه اللّه كذبا لأنّ الّذين جاءوا بالقميص و هو فيه كذبوا،فقالوا ليعقوب:هو دم يوسف،و لم يكن دمه،و إنّما كان دم سخلة».

و قال الشّريف الرّضي:«هذه استعارة،لأنّ الدّم لا يوصف بالكذب على الحقيقة.و المراد بذلك-و اللّه أعلم-بدم مكذوب فيه،و التّقدير:بدم ذى كذب».ثمّ ذكر المبالغة فيه.

و قال رشيد رضا:«المراد من هذه الجملة الفذّة في بلاغتها:أنّهم جاءوا بقميصه ملطّخا ظاهره بدم غير دم

ص: 78

يوسف،يدّعون أنّه دمه،ليشهد لهم بصدقهم،فكان دليلا على كذبهم،فنكّر الدّم و وصفه باسم الكذب مبالغة في ظهور كذبهم في دعوى أنّه دمه،حتّى كأنّه هو الكذب بعينه،فالعرب تضع المصدر موضع الصّفة للمبالغة كما يقولون:شاهد عدل».

و للخطيب و مكارم الشّيرازيّ تفصيل في أنّ الدّم لا يقوم شاهدا أبدا،و أنّ الكاذب لا يمتلك حافظة قويّة،فلاحظ.

3-و ربّما يستفاد من كلمة(على)في: عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ أنّ الدّم كان فوق القميص،و هو شاهد آخر على كذبهم؛إذ لو أكله الذّئب لكان دمه في جوف القميص المتّصل ببدنه،لا فوقه.

و في(7)-و هي من آيات اللّه على توحيده-نبّه اللّه تعالى على نعمة الأنعام في خصوص لبنها الخالص السّائغ للشّاربين،و قد خرج من بين فرث و دم،و لم يختلط بهما.لاحظ:ل ب ن:«لبنا».

4-و قرئ(بدم كدب)بالدّال و الإضافة:

و الكذب:الجدي في كلام الكنعانيّين،أو معنى كدب:

طريّ.

و قرئ أيضا(كذبا)نصبا على الحال أي جاءوا به كاذبين،أو مفعولا له.و قال:ابن جنّي:«أصلها من الكذب،و هو الفوف البياض الّذي يخرج على أظفار الأحداث كأنّه دم قد أثر في قميصه»

المحور الثّاني:في(8 و 9 و 10)جاء«الدّماء»جمعا اهتماما بكثرتها،و الأوليان مدنيّتان،من جملة آيات حرمة سفك الدّماء في القرآن،لاحظ:س ف ك:

«يسفك،لا تسفكوا».

و الأخيرة-من سورة الحجّ المختلف فيها-جاءت في البدن الّتي تذبح في الحجّ،فنبّه اللّه تعالى على أنّ لحومها و دماءها لن تنال اللّه،فإنّ اللّه غنيّ عنها،بل هي سبب للتّقوى الّذي يناله،أي يجعل اللّه لتقواكم أجرا لكم: وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ. فقد جعل اللّه هذا الذّبح الشّامل لإهراق الدماء-و هو عمل جسمانيّ-وسيلة إلى التّقوى،و هي تكامل روحانيّ،كما هو في أكثر أعمال الخير،فإنّها تبتدأ من الجسمانيّات و تنتهي إلى الرّوحانيّات،لاحظ:و ق ي:

«التّقوى».

و ثانيا:هذه الآيات العشر أربع منها مدنيّة، و خمس مكّيّة،و واحدة مختلف فيها.

و قد أكّد اللّه حرمة الميتة،و الدّم،و لحم الخنزير، و ما أهلّ لغير اللّه به في أربع سور:اثنتان مكّيّتان، و اثنتان مدنيّتان اهتماما بها،كما أكّد حرمة سفك الدّماء مرّتين في أوّل سورة مدنيّة-و هي سورة البقرة-و اثنتان منها:(5 و 6)مكّيّتان قصّة،و واحدة (7)مكّيّة عقيدة،و واحدة(10)مختلف فيها تشريع.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

العلق: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ العلق:2

ص: 79

ص: 80

د ن ر

اشارة

دينار

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل:دنّر وجه فلان،إذا أشرق و تلألأ.

و دينار مدنّر،أي مضروب دينارا.

و برذون مدنّر اللّون،أي أشهب،على متنيه و عجزه سواد مستدير،يخالطه شهبة.(8:22)

أبو عبيد:المدنّر من الخيل الّذي به نكت فوق البرش.(الأزهريّ 14:93)

أبو الهيثم:أصل دينار:دنّار،فقلبت إحدى النّونين ياء،و لذلك جمع على:دنانير،مثل قيراط أصله:قرّاط،و ديباج أصله:دبّاج.

(الأزهريّ 14:93)

ابن دريد:و الدّينار فارسيّ معرّب،و أصله:

دنّار.

و رجل مدنّر:كثير الدّنانير.

و برذون مدنّر أشهب مستدير النّقش ببياض و سواد.و الدّينار إن كان معرّبا فليس له اسم غير الدّينار،فقد صار كالعربيّ،و لذلك ذكره اللّه تعالى في كتابه،لأنّه خاطبهم بما عرفوا.(2:258)

الأزهريّ:يقال:دنّر الرّجل فهو مدنّر،إذا كثرت دنانيره.(14:93)

الصّاحب:[نحو الخليل إلاّ أنّه أضاف:]

و برود مدنّرات.(9:289)

الجوهريّ:الدّينار أصله:دنّار بالتّشديد،فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء،لئلاّ يلتبس بالمصادر الّتي تجيء على«فعّال»،كقوله تعالى: وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً النّبأ:28،إلاّ أن يكون بالهاء فيخرج على أصله،مثل الصّنّارة و الدّنّامة،لأنّه أمن الآن من الالتباس.

و المدنّر من الخيل:الّذي يكون فيه نكت فوق البرش.(2:659)

ص: 81

ابن فارس:الدّال و النّون و الرّاء كلمة واحدة، و هي الدّينار.

و يقولون:دنّر وجه فلان،إذا تلألأ و أشرق، و اللّه أعلم.(2:305)

الثّعلبيّ:و الدّينار أصله:دنّار،فعوّض من إحدى النّونين ياء،طلبا للخفّة لكثرة استعماله،يدلّ عليه أنّك تجمعه:دنانير.(3:95)

ابن سيده:الدّينار:فارسيّ معرّب،و أصله:دنّار، بدليل قولهم:دنانير،و دنينير.

و رجل مدنّر:كثير الدّنانير.

و دينار مدنّر:مضروب.

و فرس مدنّر:فيه تدنير؛سواد يخالطه شهبة.

و دنّر وجهه:أشرق و تلألأ كالدّينار.و دينار:

اسم.(9:299)

الرّاغب:أصله:دنّار،فأبدل من إحدى النّونين ياء.و قيل:أصله بالفارسيّة:دين آر،أي الشّريعة جاءت به.(172)

الزّمخشريّ:وجه كأنّه الدّينار الهرقليّ.

و ذهب مدنّر:مضروب.

و من المجاز:ثوب مدنّر:وشيه كالدّينار،نحو مسهّم و مرحّل.

و برذون مدنّر اللّون:أشهب مفلّس بسواد.

و كلّمته فدنّر وجهه،إذا أشرق.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:137)

الطّبرسيّ:و الدّينار أصله:دنّار بنونين،فقلبت إحدى النّونين ياء لكثرة الاستعمال،طلبا للخفّة؛ و جمعه:دنانير.(1:462)

الصّغانيّ:الدّيناريّ:فرس معروف من خيل العرب.و دينار:من الأعلام.و الدّينور:بلد.

و دنّر وجه الرّجل تدنيرا،إذا تلألأ.

و دينار مدنّر:أي مضروب.(2:518)

القرطبيّ:الدّينار:أربعة و عشرون قيراطا، القيراط:ثلاث حبّات من وسط الشّعير،فمجموعه:

اثنتان و سبعون حبّة،و هو مجمع عليه.(4:116)

أبو حيّان:[مثل القرطبيّ و أضاف:]

و فاؤه بدل من نون،يدلّ على ذلك الجمع،قالوا:

دنانير.و أصله:دنّار،أبدل من أوّل المثلين،كما أبدلوا من النّون في ثالث الأمثال ياء في:تظنّيت،أصله:

تظنّنت،لأنّه من الظّنّ،و هو بدل مسموع.و الدّينار:

لفظ أعجميّ،تصرّفت فيه العرب،و ألحقته بمفردات كلامها.(2:498)

الفيّوميّ:الدّينار:معروف،و المشهور في الكتب أنّ أصله:دنّار بالتّضعيف،فأبدل حرف علّة للتّخفيف،و لهذا يردّ في الجمع إلى أصله،فيقال:دنانير.

و بعضهم يقول:هو«فيعال»و هو مردود بأنّه لو كان كذلك لوجدت الياء في الجمع،كما ثبتت في ديماس و دياميس و ديباج و ديابيج و شبهه.

و الدّينار وزن إحدى و سبعين شعيرة و نصف شعيرة تقريبا،بناء على أنّ الدّانق ثماني حبّات و خمسا حبّة.و إن قيل:الدّانق ثماني حبّات فالدّينار ثمان و ستّون و أربعة أسباع حبّة.و الدّينار هو المثقال.

(1:200)

ص: 82

الفيروزآباديّ:الدّينار:معرّب،أصله:دنّار، فأبدل من إحداهما ياء،لئلاّ يلتبس بالمصادر، ك«كذّاب»،و تفسيره في«ح ب ب».

و الدّيناريّ:فرس.و دينار الأنصاريّ:صحابيّ.

و عمرو بن دينار:تابعيّ،و أبوه قيل:صحابيّ.

و الدّينور،بكسر الدّال:بلدة.

و المدنّر:فرس فيه نكت فوق البرش.

و دنّر وجهه تدنيرا:تلألأ.

و دينار مدنّر:مضروب.

و دنر،بالضّمّ،فهو مدنّر:كثر دنانيره.(2:31)

الطّريحيّ:تكرّر في الحديث ذكر الدّينار بالكسر،و هو واحد الدّنانير الّذي هو مثقال من الذّهب.

و عن ابن الأثير:إنّ المثقال في العرف يطلق على الدّينار خاصّة.و أصله:دنّار بالتّشديد،فأبدل.

و الدّينور،قرية ما بين همذان و بغداد،و هي إلى همذان أقرب.(3:303)

النّراقيّ:الدّينار قد ينسب إلى المثقال الصّيرفيّ، فيعرف به،و قد ينسب إلى الدّرهم.

أمّا على الأوّل،فهو ثلاثة أرباع مثقال الصّيرفيّ، كما صرّح به جماعة،منهم:صاحب الوافي،و المحدّث المجلسيّ في رسالته في الأوزان،نافيا عنه الشّكّ،و والده في روضة المتّقين،و ابن الأثير في نهايته، و غيرهم.و يثبته إطلاق الدّينار عرفا على هذه الذّهب المعمولة في بلاد الرّوم و الإفرنج المسمّاة ب«دوبتي و باج أغلو»و كلّ منهما ثلاثة أرباع الصّيرفيّ.بل يظهر من«المجمع»أنّ الدّينار في الأزمنة الماضية أيضا كانت اسما لهذين الذّهبين،قال في مادّة الدّرهم:و أمّا الدّنانير فكانت تحمل إلى العرب من الرّوم،إلى أن ضرب عبد الملك بن مروان الدّينار في أيّامه،انتهى.

و الظّاهر عدم التّغيّر في مسكوكات الرّوم،بل هي ما يحمل منها الآن أيضا و هو الذّهبان المذكوران،بل صرّح في«النّهاية الأثيريّة»بأنّ الدّينار هو ذلك؛ حيث قال:المثقال يطلق في العرف على الدّينار خاصّة،و هو الذّهب الصّنمي عن ثلاثة أرباع المثقال الصّيرفيّ انتهى.

و به صرّح في«المجمع»في مادّة«الثّقل»،حيث قال:فالمثقال الشّرعيّ يكون على هذا الحساب عبارة عن الذّهب الصّنميّ،انتهى.

و الذّهب الصّنميّ هو الذّهبان المذكوران،حيث إنّ فيهما شكل الصّنم،فما يكون الصّنم في أحد طرفيه يقال له:«باج أغلو»و ما في طرفيه يسمّى ب«دوبتي»،أي ذو الصّنمين.

و بما ذكرنا يعلم أنّ الدّينار هو الذّهب الّذي هو ثلاثة أرباع المثقال الصّيرفيّ،أو هذان الذّهبان،و كلّ منهما أيضا ثلاثة أرباعه،و لا أقلّ من استعماله في ذلك.

و الأصل في الاستعمال الحقيقة؛إذ لم يعلم له في عرف العرب استعمال في غيره أصلا،و بضميمة أصالة عدم النّقل يثبت ذلك في عرف الشّرع أيضا.

مع أنّه صرّح جماعة،منهم:العلاّمة في«النّهاية»،

ص: 83

و الرّافعيّ في«شرح الوجيز»:أنّ الدّينار لم يختلف في جاهليّة و لا إسلام.

و قال في«الحدائق»:لا خلاف بين الأصحاب بل و غيرهم أيضا،أنّ الدّنانير لم يتغيّر وزنها عمّا هي عليه الآن في جاهليّة و لا إسلام،صرّح بذلك جماعة من علماء الطّرفين،انتهى.

و قال جدّي قدّس سرّه،في بعض ما ذكر:إنّه لا اختلاف فيه بين العلماء.ثمّ إنّ المثقال الصّيرفيّ -على ما اعتبرناه مرارا و وزّنّاه،و أمرنا جمعا من المدقّقين باعتباره-يساوي تقريبا ثلاث و تسعين حبّة من حبّات الشّعير المتوسّطات،فيكون الدّينار على ذلك سبعين حبّة تقريبا،و هو يطابق حبّات الذّهب الصّنميّ المذكور،فإنّا وزّنّاه مرارا فكان سبعين حبّة.

و أمّا على الثّاني،فصرّح الأصحاب،منهم:المحقّق في«الشّرائع»،و«المعتبر»،و الفاضل في«المنتهى»، و«التّذكرة»و«التّحرير»،و الشّهيدان في«البيان» و«الرّوضة»،و غيرهم:بأنّ الدّينار درهم و ثلاثة أسباع درهم.(مستند الشّيعة 9:145)

الآلوسيّ:و الدّينار:لفظ أعجميّ،و ياؤه بدل عن نون،و أصله:دنّار،فأبدل أوّل المثلين ياء،لوقوعه بعد كسرة،و يدلّ على الأصل جمعه على:دنانير،فإنّ الجمع يردّ الشّيء إلى أصله.و هو في المشهور أربعة و عشرون قيراطا،و القيراط:ثلاث حبّات من وسط الشّعير،فمجموعه:اثنتان و سبعون حبّة.قالوا:

و لم يختلف جاهليّة و لا إسلاما.

و من الغريب ما أخرجه ابن أبي حاتم عن مالك ابن دينار أنّه قال:إنّما سمّي الدّينار دينارا،لأنّه دين و نار،و معناه:أنّ من أخذه بحقّه فهو دينه،و من أخذه بغير حقّه فله النّار.و لعلّه إبداء إشارة من هذا اللّفظ، لا أنّه في نفس الأمر كذلك،كما لا يخفى على مالك درهم من عقل،فضلا عن مالك دينار.(3:202)

هوتسما:دينار:من الكلمة اليونانيّة اللاّتينيّة «ديناريوس»،اسم وحدة من وحدات العملة الذّهبيّة الّتي كانت متداولة في الإسلام.و لا نستطيع أن نتبيّن بجلاء من الكتابات اليونانيّة أو اللاّتينيّة و المصادر الأدبيّة السّبب الّذي حدا بالعرب إلى إطلاق كلمة دينار على العملة الذّهبيّة،فقد أطلق پنيناس«التّاريخ الطّبيعيّ،الكتاب الثّالث و العشرون،فصل 13»:مرّة لفظ أوريوس على ديناريوس،كما أنّنا نجد العبارة ديناريوس أوريوس مستعملة بكثرة في المشرق،على أنّ الاسم العربيّ السّريانيّ«دينار»يشير فيما يظهر إلى أنّ العملة الذّهبيّة قد غلب عليها في الشّام الاسم فحسب،أي بعد إصلاح العملة على يد قسطنطين الأوّل،من سنة:309-319.

و عرف العرب هذه العملة الذّهبيّة الرّومانيّة، و استعملوها قبل الإسلام«القرآن سورة آل عمران الآية:68.»و قد أجمع المحدّثون على أنّ الإصلاح الّذي أدخله عبد الملك على العملة سنة:77 ه 696 م لم يمسّ معيار العملة الذّهبيّة.

و يمكن أن نتثبّت على الفور من الوزن المضبوط لهذه العملة،من الدّقّة المتناهية الّتي روعيت في ضرب أقدم الدّنانير إلى أن تناولها الإصلاح.و من ثمّ نجد أنّ

ص: 84

الدّينار يزن 4/25 من الجرامات:66 حبّة،و ينطبق هذا انطباقا تامّا على الوزن الفعليّ للصّولذيوس البوزنطيّ الّذي كان معاصرا له في الزّمن،و الّذي سكّه البوزنطيّون على أساس الدّراخمة الأتيكيّة المتأخّرة،الّتي كانت تزن 4/24 من الجرامات، و يمكننا التّحقيق من ذلك بالاستعانة بالموازين المصريّة الزّجاجيّة.

و كان المعوّل عليه في الشّرق دائما فيما يختصّ بالعملة الذّهبيّة،هو وزنها لا قيمتها الاسميّة،و من ثمّ اختلف وزن الدّينار اختلافا كبيرا عن وزنه الرّسميّ و هو 4/25 من الجرامات.أمّا ما جاء في«المقدسيّ، طبعة ذي غوى،ص:240»من توكيد يخالف ذلك، فصحيح على غير قياس.

و أقدم دينار مؤرّخ فيما نعلم يرجع إلى سنة:67 ه 965 م،و كان هذا الدّينار لا يزال يحمل الطّابع البوزنطيّ صورة الخليفة،و ثمّة دينار آخر مشابه له يرجع تاريخه إلى عام:77،ه.و في السّنة نفسها ظهرت الدّنانير الّتي تناولها إصلاح عبد الملك.و كانت هذه الدّنانير على خلاف الدّراهم.[ثمّ ذكر سير تحوّل ضرب الدّراهم في عصور مختلفة إلى أن قال:]

و كانت مضاعفات الدّينار و كسوره مستعملة في جميع العهود.و شاهد ذلك أنّ عبد الملك أدخل فيما يظهر الثّلث و وزنه 1/40 من الجرامات،22 حبّة،كما يتّضح من القطعة الذّهبيّة الّتي تحمل سنة:92 ه، و كان ربع الدّينار 1 جرام تقريبا،15/5 من الحبّات عملة شائعة.و قد اقتصر على ضرب هذه العملة دون سواها تقريبا في صقليّة،و استمرّت إلى العهد الحديث باسم orod irat .

و كان معيار الدّينار مرتفعا جدّا دائما،و كان يراعى أن يكون الذّهب خالصا من الشّوائب،ما استطاعت العمليّات الفنّيّة إلى ذلك سبيلا.

و كان للدّينار شأن هامّ في تاريخ التّجارة في البحر المتوسّط،و قد قلّده كثير من الحكّام النّصارى.

و ما زال الشّرع ينصّ على أنّ الدّينار الرّسميّ يكون وزنه 4/25 من الجرامات،66 حبّة،و نحن إذ نلتمس تقويم قيمة الدّينار الّذي ذكره كتّاب العرب لتقتضينا الحال دائما أن نعدّه قطعة من الذّهب الخالص،وزنها 4/25 من الجرامات،«66 م (1)»إلاّ إذا نصّ صراحة على أنّ قيمته تخالف ذلك.

(دائرة المعارف الإسلاميّة 9:369)

مجمع اللّغة:الدّينار:معرّب،قيل:أصله:دنّار، فأبدل من إحدى النّونين ياء و وزنه في المشهور أربعة و عشرون قيراطا،و القيراط:ثلاث حبّات من وسط الشّعير،فوزنه اثنتان و سبعون حبّة.

و في«المصباح»:وزان إحدى و سبعين شعيرة و نصف شعيرة تقريبا،بناء على أنّ الدّانق ثماني حبّات و خمسا حبّة.و إن قيل:الدّانق ثماني حبّات،فالدّينار ثمان و ستّون و أربعة أسباع حبّة.

و الدّينار هو المثقال.و قيل:إنّ أصله روميّ:دينار يوس،أي ذو العشرة.(1:404)ن.

ص: 85


1- هكذا الأصل،و الظّاهر:«66 حبّة»لأنّه وزن.

محمّد إسماعيل إبراهيم:الدّينار:نوع قديم من النّقود الذّهبيّة؛و الجمع:دنانير.و قيمة الدّينار عند العرب كانت نحو خمسين قرشا بالعملة المصريّة.

و الكلمة يونانيّة الأصل:ديناريوس،ثمّ عرّبت حين انتقلت من الفارسيّة الّتي أخذتها عن اليونانيّة.

(1:191)

المصطفويّ:ظهر أنّ الدّينار كان نقدا معيّنا في الأزمنة الأوّليّة من الإسلام،من جهة الوزن و القيمة، و هو ثلاثة أرباع المثقال الصّيرفيّ،و الصّيرف بمعنى الصّراف،و المثقال الصّيرفي يعادل أربعة و عشرين حمّصا متوسّطا،فيكون المثقال الشّرعيّ يعادل ثمانية عشر حمّصا.

ثمّ إنّ الدّينار كلمة عربيّة،و التّشابه بين اللّغتين أو كون أحدهما مأخوذا من الآخر لا يوجب الخروج من دائرة تلك اللّغة و كونها مستعربة،إذا استعملت على القواعد الجارية في تلك اللّغة،و إلاّ فإنّ مرجع جميع اللّغات إلى أصل واحد،و التّشابه بين الكلمات المترادفة في لغة أو لغات و ألسنة مختلفة ممّا لا بدّ منه، و لا سيّما على المختار من قرب الدّلالات من الذّاتيّة.

و أمّا المشتقّات المستعملة في هذه المادّة،فالظّاهر أن تكون انتزاعيّة بمناسبة مفهوم الدّينار و مفهوم الذّهب،و لونه و صفاؤه و قيمته،فيقال:دنّر وجهه، و المدنّر. وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ آل عمران:75،التّعبير بالدّينار فإنّه واحد العملة و النّقود.و أمّا اختياره على الدّرهم فإنّ الدّرهم شيء حقير لا يعتنى به حتّى يؤمن به عند شخص أمين، فالدّينار أقلّ نقد و أحقر ما يقع في مقام الاستئمان.

(3:252)

النّصوص التّفسيريّة

وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ...

آل عمران:75

الطّبريّ:و منهم الّذي إن تأمنه على دينار يخنك فيه،فلا يؤدّه إليك إلاّ أن تلحّ عليه بالتّقاضي و المطالبة.(3:315)

الماورديّ:اختلفوا في دخول الباء على القنطار و الدّينار على قولين:

أحدهما:أنّها دخلت لإلصاق الأمانة،كما دخلت في قوله تعالى: وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحجّ:29.

و الثّاني:أنّها بمعنى«على»و تقديره:و من أهل الكتاب من إن تأمنه على قنطار.(1:402)

الطّبرسيّ:أي على ثمن دينار،و المراد:تجعله أمينا على قليل من المال.(1:462)

البروسويّ:و المراد بالدّينار هاهنا:العدد القليل.(2:51)

الأصول اللّغويّة

1-الدّينار-كالدّرهم-لفظ أعجميّ.قال ابن دريد و ابن سيده:«لفظ أعجميّ معرّب»،و كذا قال ابن معصوم من المتأخّرين.

و قال أغلب اللّغويين:أصله«دنّار»،و لذلك جمع على دنانير،و صغّر على دنينير.و قلبت إحدى نونيه ياء لئلاّ يلتبس بالمصادر الّتي تجيء على«فعّال»

ص: 86

كما قال الجوهريّ،أو للخفّة لكثرة استعماله،كما قال الثّعلبيّ،و هو الأظهر.

و قال بعض:هو على وزن«فيعال»،و ليس بشيء،لأنّه ينبغي على هذا أن يجمع على«ديانير» و يصغّر على«ديينير»،و هو خلاف السّماع.

و اشتقّوا منه فعلا،فقالوا:دنّر الرّجل،أي كثرت دنانيره،فهو مدنّر،و دينار مدنّر:مضروب.

و شبّهوا به أشياء،فقالوا:فرس مدنّر،أي فيه تدنير؛سواد يخالطه شهبة.

و برذون مدنّر اللّون:أشهب،على متنه و عجزه سواد مستدير يخالطه شهبة.

و دنّر وجهه:أشرق و تلألأ كالدّينار.

2-و الدّينار:لفظ يونانيّ،و أصله في اليونانيّة القديمة«ديناريوس»،أي ذو العشرة،و كذا سائر المسكوكات و النّقود،فهي يونانيّة المنشأ كالفلس، و أصله:«فوليس»،و القرش و أصله«جروشن»، و الدّرهم و أصله«دراخمة»كما تقدّم في(د ر ه م).

و يصنع الدّينار اليوم من الورق،و يتداول في بعض الدّول العربيّة،و هي:العراق و الكويت و البحرين و الأردن و اليمن و ليبيا و الجزائر و تونس.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم:(دينار)مرّة في آية:

وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ...

آل عمران:75

و يلاحظ أوّلا:أنّ(دينار)وحيدة الجذر في القرآن،و ليست عربيّة كما تقدّم في الأصول اللّغويّة.

و فيها بحوث:

1-المراد بها-كما قال البروسويّ-العدد القليل.

و عليه فالمراد بالقنطار:العدد الكثير.

و عندنا أنّ هذين اللّفظين استعملا في معناهما نموذجا للقليل و الكثير،و لم يستعملا بمعنى القليل و الكثير.

2-و قد جاء في النّصوص اللّغويّة مقدار الدّينار و القنطار،فلاحظ.

3-و المراد بالآية بيان أمانة بعض أهل الكتاب، و عدم أمانة بعضهم.و هذا نموذج من رعاية القرآن للحقّ و العدل بشأن أهل الكتاب.

4-و في وجه دخول الباء على«القنطار» و«الدّينار»خلاف أنّها للإلصاق،مثل: وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحجّ:29،أو هي بمعنى«على»، و تقديره:من إن تأمنه على قنطار أو على دينار.

و قال الطّبرسيّ:«أي على ثمن دينار،و المراد تجعله أمينا على قليل من المال».

و ثانيا:الآية مدنيّة تتحدّث بشأن أهل الكتاب القاطنين بالمدينة.

و ثالثا:جاء بعض نظائر هذه المادّة في القرآن انظر:

«د ر ه م»

ص: 87

ص: 88

د ن و

اشارة

7 ألفاظ،133 مرّة:68 مكّيّة،65 مدنيّة

في 45 سور:31 مكّيّة،14 مدنيّة

دنا 1:1

يدنين 1:-1

دان 1:-1

دانيّة 3:2-1

ادنى 10:3-7

الادنى 2:2

الدّنيا 115:62-53

النّصوص اللّغويّة

الخليل:دنؤ يدنؤ دناءة فهو دنيء،أي حقير، قريب من اللّؤم.

و الدّنوّ،غير مهموز،دنا فهو دان و دنيّ.

و سمّيت الدّنيا،لأنّها دنت،و تأخّرت الآخرة، و كذلك السّماء الدّنيا،هي القربى إلينا.

و رجل دنياويّ،و كذلك النّسبة إلى كلّ ياء مؤنّثة،نحو:حبلى و دهنا،و أشباه ذلك.

و المدنّي من النّاس:الضّعيف الّذي إذا آواه اللّيل لم يبرح ضعفا.

و قد دني فلان في نخله و منبته.

و دانيت بين الشّيئين:قاربت بينهما.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](8:75)

سيبويه:و أمّا ما كان عدّة حروفه أربعة أحرف و كان«فعلى أفعل»فإنّك تكسّره على«فعل»و ذلك قولك:الصّغرى و الصّغر،و الكبرى و الكبر،و الأولى و الأوّل.و قال تعالى جدّه: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ المدّثّر:35.

و مثله من بنات الياء و الواو:الدّنيا و الدّنى و القصوى و القصى و العليا و العلى.

و إنّما صيّروا«الفعلى»هاهنا بمنزلة«الفعلة» لأنّها على بنائها،و لأنّ فيها علامة التّأنيث،و ليفرقوا بينها و بين ما لم يكن«فعلى أفعل».(3:608)

ص: 89

الكسائيّ:هو ابن عمّه دنيا مقصور،و دنية و دنيا، منوّن و غير منوّن،كلّ هذا إذا كان ابن عمّه لحّا.

(الأزهريّ 14:189)

أبو عمرو الشّيبانيّ:قال العقيليّ:هو ابن عمّه دنيا.(1:242)

أدنى دنيّ،أي أدنى شيء.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:249)

رجل أحنأ و أدنأ و أقعس،بمعنى واحد.

(الأزهريّ 14:187)

أبو زيد:رجل دنيء من قوم أدنياء،و قد دنؤ دناءة،و هو الخبيث البطن و الفرج.

و رجل دنيّ من قوم أدنياء،و قد دني يدنى،و دنو يدنو دنوّا،و هو الضّعيف الخسيس الّذي لا غناء عنده،المقصّر في كلّ ما أخذ فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

دنأ الرّجل يدنأ دناءة و دنؤ يدنؤ إذا كان دنيئا لا خير فيه.(الأزهريّ 14:188)

من أمثالهم:«كلّ دنيّ دونه دني»يقول:كلّ قريب دونه قريب،و كلّ خلصان دونه خلصان.

(الأزهريّ 14:189)

الأصمعيّ:فإذا دنا نتاج النّاقة قيل:قد أدنت، فهي مدنية،و هنّ مدان.(الكنز اللّغويّ:140)

اللّحيانيّ:رجل دنيء و دانئ،هو الخبيث البطن و الفرج،الماجن،من قوم أدنياء،اللاّم مهموزة،و قد دنأ يدنأ دناءة و دنؤ يدنؤ دناءة.

و يقال للخسيس:إنّه لدنيّ من قوم أدنياء بغير همز،و ما كان دنيّا و لقد دني يدنى دنى و دناية.

و يقال للرّجل إذا طلب أمرا خسيسا:قد دنّى يدنّي تدنية.(الأزهريّ 14:188)

و الدّنيّ من الرّجال:السّاقط الضّعيف الّذي إذا آواه اللّيل لم يبرح ضعفا؛و الجمع:أدنياء.و ما كان دنيّا،و لقد دني دنا،و دناية،الياء فيه منقلبة عن الواو، لقرب الكسرة.

و دنّى فلان:طلب أمرا خسيسا.

(ابن سيده 9:433)

ابن الأعرابيّ:الدّنى ما قرب من خير أو شرّ.

(الأزهريّ 14:189)

ما له دنيا و لا آخرة،فنوّن«دنيا»تشبيها لها ب«فعلل»،و الأصل ألاّ تصرف،لأنّها«فعلى».

(ابن سيده 9:432)

ابن السّكّيت:و يقال:قد دنوت من فلان أدنو منه دنوّا،و ما كنت يا فلان دنيّا،و لقد دنوت،غير مهموز،تدنو دناوة.و يقال:ما تزداد منّا إلاّ قربا و دناوة.

و يقال:ما كنت دانئا،و لقد دنأت تدنأ،أي مجنت.(إصلاح المنطق:187)

يقال:دنوت من فلان أدنو دنوّا.و يقال:ما كنت يا فلان دنيئا و لقد دنؤت تدنؤ دناءة،مصدره مهموز، و يقال:ما تزداد منّا إلاّ قربا و دناءة.فرق بين مصدر «دنا»و بين مصدر«دنؤ»فجعل مصدر دنا دناوة، و مصدر دنؤ دناءة كما ترى.

و يقال:لقد دنأت تدنأ،مهموز.أي سفلت في فعلك و مجنت.(الأزهريّ 14:187)

ص: 90

أبو الهيثم:المدنّي:المقصّر عمّا ينبغي أن يفعله.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:188)

ابن دريد:دنا يدنو دنوّا،و الدّون:خلاف الجيّد.(2:303)

هذا ابن عمّه دنيا و دنيا،أي قريب النّسب.

و الدّنيا:معروفة.(2:305)

و دنت الشّمس للغروب و أدنت.(3:436)

و تقول العرب:ادن دونك،أي ادن منّي.

(3:494)

الأزهريّ:دنأ و دنؤ،مهموزا و غير مهموز.[ثمّ ذكر قول الفرّاء و ابن السّكّيت و أضاف:]

و قال الزّجّاج:في معنى قوله: أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى البقرة:61،«أدنى»غير مهموز،أي أقرب،و معنى أقرب أقلّ قيمة،كما يقال:ثوب مقارب.فأمّا الخسيس فاللّغة فيه:دنؤ دناءة،و هو دنيء بالهمز،و هو أدنأ منه.

قلت:أهل اللّغة لا يهمزون«دنو»في باب الخسّة، و إنّما يهمزونه في باب المجون و الخبث.[ثمّ قال:]

قلت:و الّذي قاله أبو زيد و اللّحيانيّ و ابن السّكّيت هو الصّحيح،و الّذي قاله الزّجّاج غير محفوظ.

و في الحديث:«إذا طعمتم فسمّوا و دنّوا».معنى قوله:«دنّوا»،أي كلوا ممّا يليكم.و يقال:دنا و أدنى و دنّى:إذا قرب،و أدنى إذا عاش عيشا ضيقا بعد سعة، و الأدنى:السّفل.(14:187)

الصّاحب:دنا يدنو،فهو دان:قرب.

و سمّيت الدّنيا لأنّها دنت؛و النّسبة إليها:دنياويّ و دنييّ و دنيويّ.

و هو ابن عمّه دنيا و دنيا و دنية،أي لحّا؛و دنيا غير منوّن.

و هو في دنيا دانية،أي في نعمة.

و أدنيت لذاك بالألف،أي دنوت.

و أدنت الشّمس للغروب و دنت.

و الدّناوة:القرابة.

و أدنت النّاقة فهي مدن،و نوق مدان:دنا نتاجها و استرخى بطنها.

و دانيت بين الشّيئين:قاربت بينهما.

و المدنّي:الضّعيف الدّنيّ.

و دنّى فلان في محلّه و مبيته.

و في الحديث:«إذا أكلتم فدنّوا»أي كلوا ممّا يليكم و من أدنى الطّعام إليكم.

و بنو فلان يتدنّون بني فلان أي يأخذون الأدنى فالأدنى في ثارهم.

و دنى فلان تدنية:طلب أمرا دانيا خسيسا،و هو مدنّ.

و الدّنيّ:السّاقط،دني يدنى و دنا يدنو،و قوم أدنياء،دنا و دناية.

و نفسه تتدنّاه،أي تحمله على الدّناءة؛و الدّنيّة:

مثلها.و في المثل:«المنيّة و لا الدّنيّة».

و دنّى يدنّي،إذا قصّر عمّا أراد.(9:362)

الجوهريّ:دنوت منه دنوّا،و أدنيت غيري.

و سمّيت الدّنيا لدنوّها؛و الجمع:دنى،مثل الكبرى

ص: 91

و الكبر،و الصّغرى و الصّغر.و النّسبة إليها:دنياويّ، و يقال:دنيويّ و دنييّ.

و يقال:أدنت النّاقة،إذا دنا نتاجها.

و دانيت بين الأمرين،أي قاربت.و بينهما دناوة، أي قرابة.

يقال:ما تزداد منّا إلاّ قربا و دناوة.

و الدّنيّ:القريب،غير مهموز.

و قولهم:لقيته أدنى دنيّ،أي أوّل شيء.

و أمّا الدّنيّ بمعنى:الدّون،فهو مهموز.

و يقال:إنّه ليدنّي في الأمور تدنية،أي يتتبّع صغيرها و خسيسها...

و المدنّي من الرّجال:الضّعيف.

و تدنّى فلان،أي دنا قليلا قليلا.

و تدانوا،أي دنا بعضهم من بعض.

و تقول:هو ابن عمّ دني و دنيا و دنيا و دنية، إذا ضممت الدّال لم تجر،و إذا كسرت إن شئت أجريت و أن شئت لم تجر.فأمّا إذا أضفت العمّ إلى معرفة لم يجز الخفض في دني،كقولك:هو ابن عمّه دنيا و دنية،أي لحّا،لأنّ دنيا نكرة فلا تكون نعتا لمعرفة.

(6:2341)

ابن فارس:الدّال و النّون و الحرف المعتلّ أصل واحد،يقاس بعضه على بعض،و هو المقاربة.و من ذلك الدّنيّ،و هو القريب،من دنا يدنو.و سمّيت الدّنيا لدنوّها؛و النّسبة إليها:دنياويّ.

و الدّنيّ من الرّجال:الضّعيف الدّون،و هو من ذاك،لأنّه قريب المأخذ و المنزلة.و دانيت بين الأمرين:قاربت بينهما.و هو ابن عمّه دنيا و دنية.

و الدّنيّ:الدّون،مهموز.يقال رجل دنيء،و قد دنؤ يدنؤ دناءة.و هو من الباب أيضا،لأنّه قريب المنزلة.

و الأدنأ من الرّجال:الّذي فيه انكباب على صدره.و هو من الباب،لأنّ أعلاه دان من وسطه.

و أدنت الفرس و غيرها،إذا دنا نتاجها.و الدّنيّة:

النّقيصة...

و يقال لقيته أدنى دنيّ،أي أوّل كلّ شيء.

(2:303)

أبو هلال:الفرق بين الدّنيا و العالم:أنّ الدّنيا صفة و العالم اسم.تقول:العالم السّفليّ و العالم العلويّ، فتجعل العالم اسما،و تجعل العلويّ و السّفليّ صفة، و ليس في هذا إشكال.فأمّا قوله تعالى: وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ الأنعام:32،ففيه حذف،أي دار السّاعة الآخرة،و ما أشبه ذلك.(228)

الفرق بين الدّنوّ و القرب:أنّ الدّنوّ لا يكون إلاّ في المسافة بين شيئين،تقول:داره دانية و مزاره دان، و القرب عامّ في ذلك و في غيره،تقول:قلوبنا تتقارب، و لا تقول:تتدانى،و تقول:هو قريب بقلبه،و لا يقال:

دان بقلبه إلاّ على بعد.(253)

الهرويّ:و في الحديث:«سمّوا اللّه و دنّوا»و هو «فعّلوا»من دنا يدنوا.و يقال:رجل دني و قد دنا يدنو،و دنى يدني،و دنوا يدنوا.و أمّا الدّنيء مهموز، فهو الماجن،و قد دنؤ و دنأ،إذا مجن.(2:655)

ابن سيده:دنا الشّيء من الشّيء دنوّا و دناوة:

قرب.

ص: 92

و أدنيته و دنّيته،و في الحديث:«سمّوا و سمّتوا، و دنّوا»أي قاربوا بين الكلمة و الكلمة في التّسبيح...

و استدناه:طلب منه الدّنوّ.

و الدّناوة:القرابة و القربى.

و دنت الشّمس للغروب،و أدنت.

و الدّنيا:نقيض الآخرة،انقلبت الواو فيها ياء،لأنّ «فعلى»إذا كانت اسما من ذوات الواو أبدلت واوه ياء،كما أبدلت الواو مكان الياء في«فعلى» فأدخلوها عليها في«فعلى»ليتكافأ في التّغيير.هذا قول سيبويه،و زدته أنا بيانا.

و قالوا:هو ابن عمّي دنية،و دنيا،و دنيا،و دنيا، إذا كان ابن عمّه لحّا.-أي بلا واسطة-.

قال اللّحيانيّ:و تقال هذه الحروف أيضا في ابن الخال و الخالة،و تقال في ابن العمّة أيضا.

قال:و قال أبو صفوان:هو ابن أخيه و ابن أخته دنيا،مثل ما قيل في ابن العمّ و ابن الخال.

قال:و لم يعرفها الكسائيّ و لا الأصمعيّ إلاّ في العمّ و الخال،و إنّما انقلبت الواو في دنية و دنيا لمجاورة الكسرة و ضعف الحاجز،و نظيره فتية و علية،و كان أصل ذلك كلّه:دنيا،أي رحما أدنى إليّ من غيرها، و إنّما قلبوا ليدلّ ذلك على أنّه ياء تأنيث الأدنى، و دنيا داخلة عليها.

و دانيت الأمر:قاربته.

و دانيت بينهما:جمعت.

و دانيت القيد للبعير:ضيّقته عليه،و كذلك دانى القيد قيني البعير.

و ناقة مدنية و مدن:دنا نتاجها،و كذلك المرأة.

و تدانت إبل الرّجل:قلّت و ضعفت.

و الدّنا:أرض لكلب.

[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات.](9:430)

الرّاغب:الدّنوّ:القرب بالذّات،أو بالحكم، و يستعمل في المكان و الزّمان و المنزلة.قال تعالى:

وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ الأنعام:99، و قال تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى النّجم:8،هذا بالحكم.

و يعبّر بالأدنى تارة عن الأصغر،فيقابل بالأكبر، نحو: وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ المجادلة:7،و تارة عن الأرذل فيقابل بالخير،نحو: أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ البقرة:61،و عن الأوّل فيقابل بالآخر،نحو: خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ الحجّ:11، و قوله: وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ النّحل:122،و تارة عن الأقرب، فيقابل بالأقصى،نحو: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى الأنفال:42.

و جمع الدّنيا:الدّنى،نحو الكبرى و الكبر، و الصّغرى و الصّغر.

و قوله تعالى: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ المائدة:108،أي أقرب لنفوسهم أن تتحرّى العدالة في إقامة الشّهادة؛و على ذلك قوله تعالى: ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ الأحزاب:51،و قوله تعالى:

لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ... البقرة:

219،220،متناول للأحوال الّتي في النّشأة الأولى،

ص: 93

و ما يكون في النّشأة الآخرة.

و يقال:دانيت بين الأمرين،و أدنيت أحدهما من الآخر.قال تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ الأحزاب:59،و أدنت الفرس:دنا نتاجها.

و خصّ الدّنيء بالحقير القدر،و يقابل به السّيّئ.

يقال:دنيء بيّن الدّناءة...(172)

الزّمخشريّ:دنا منه و إليه و له،و دنا دنوة، و أدناه.

و دخلت على الأمير فرحّب بي و أدنى مجلسي.

و أدنت المرأة ثوبها،و دنّته.

و استدناه و داناه و تدانوا،و بينهم تقارب و تدان.

و دانيت بين الشّيئين:قاربت بينهما.و هو يتدنّى:

يدنو قليلا قليلا.

و أدنت الفرس فهي مدن:دنا نتاجها.

و هو ابن عمّي دنيا و لحّا.

و بعيد يدني خير من قريب يبتعد.

و هم أدانيه و عشيرته الأدنون.

و«إذا أكلتم فدنّوا».

و من المجاز:دانى له القيد ساقيه.

و فلان في دنيا دانية ناعمة:يأخذ ما يريد من قرب.[ثمّ استشهد بالشّعر مرّتين]

(أساس البلاغة:137)

المدينيّ:في الحديث:«سمّوا و دنّوا و سمّتوا»أي كلوا ممّا دنا.(1:676)

ابن الأثير:فيه:«سمّوا اللّه و دنّوا و سمّتوا»،أي إذا بدأتم بالأكل كلوا ممّا بين أيديكم و قرب منكم، و هو«فعّلوا»من دنا يدنو.و سمّتوا،أي ادعوا للمطعم بالبركة.

و في حديث الحديبيّة:«علام نعطي الدّنيّة في ديننا»أي الخصلة المذمومة،و الأصل فيه الهمز،و قد تخفّف،و هو غير مهموز أيضا،بمعنى الضّعيف الخسيس.

و في حديث الحجّ:«الجمرة الدّنيا»،أي القريبة إلى منى،و هي«فعلى»من الدّنوّ،و الدّنيا أيضا اسم لهذه الحياة،لبعد الآخرة عنها.و السّماء الدّنيا،لقربها من ساكني الأرض.و يقال:سماء الدّنيا على الإضافة.

و في حديث حبس الشّمس:«فادّنى من القرية»، هكذا جاء في مسلم،و هو«افتعل»من الدّنوّ.و أصله:

ادتنا،فأدغمت التّاء في الدّال.

و في حديث الأيمان«ادنه»هو أمر بالدّنوّ:

القرب،و الهاء فيه للسّكت جيء بها لبيان الحركة، و قد تكرّرت في الحديث.(2:137)

الفيّوميّ:دنا منه و دنا إليه يدنو دنوّا:قرب،فهو دان.

و أدنيت السّتر:أرخيته.

و دانيت بين الأمرين:قاربت بينهما.

و دنأ بالهمز يدنأ بفتحتين،و دنؤ يدنؤ مثل:قرب يقرب دناءة فهو دنيء،على«فعيل»كلّه مهموز.و في لغة يخفّف من غير همز،فيقال:دنا يدنو دناوة فهو دنيّ.

قال السّرقسطيّ:«دنا إذا لؤم فعله و خبث».

و منهم من يفرق بينهما بجعل المهموز للّئيم،و المخفّف للخسيس.(1:201)

ص: 94

الفيروزآباديّ:دنا دنوّا و دناوة:قرب كأدنى.

و دنّاه تدنية و أدناه:قرّبه.

و استدناه:طلب منه الدّنوّ.

و الدّناوة:القرابة و القربى.

و الدّنيا:نقيض الآخرة،و قد تنوّن؛جمعه:دنّى.

و هو ابن عمّي أو ابن خالي أو عمّتي أو خالتي أو ابن أخي أو أختي دنية و دنيا و دنيا و دنيا:لحّا.

و دانيت القيد:ضيّقته.

و ناقة مدنية و مدن:دنا نتاجها.

و الدّنيّ كغنيّ:السّاقط الضّعيف.

و ما كان دنيّا و لقد دني دنا و دناية.

و الدّنا:عين.و الأدنيان:واديان.

و لقيته أدنى دنيّ كغنيّ و أدنى دنا:أوّل شيء.

و أدنى إدناء:عاش عيشا ضيّقا.

و دنّى في الأمور تدنية:تتبّع صغيرها و كبيرها.

و تدنّى:دنا قليلا.

و تدانوا:دنا بعضهم من بعض.

و دانية:بلد بالمغرب،منه جماعة علماء،منهم أبو عمرو المقرئ.(4:330)

الطّريحيّ:و في الخبر:«علام تعطى الدّنيا»أي الخصلة المذمومة المحقورة.

و منه:«إنّ المنيّة قبل الدّنيّة»،يعني الموت خير للإنسان من الإتيان بخصلة مذمومة.و الأصل فيه الهمز فخفّف.

و الدّنيّة أيضا النّقيصة،و منه يقال:«نفس فلان تدنئه»أي تحمله على الدّناءة.

و الجمرة الدّنيا:القريبة،و كذا السّماء الدّنيا:

لقربها و دنوّها؛و الجمع:الدّنى،مثل الكبرى و الكبر.

و الدّنيا مقابل الآخرة،سمّيت بذلك لقربها.

و في الحديث:«الدّنيا دنييان:دنيا بلاغ،و دنيا ملعونة»البلاغ:ما يتبلّغ به لآخرته،و الملعونة بخلافه.

و قد جاء في ذمّ الدّنيا الكتاب و الأحاديث المتواترة،قال تعالى: أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ الحديد:20،و ذلك ممّا يندرج تحته جميع المهلكات الباطنة،من:الغلّ و الحسد و الرّياء و النّفاق و التّفاخر و حبّ الدّنيا و حبّ النّساء.قال عليه السّلام:«حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة».

قال بعض العارفين:و ليس الدّنيا عبارة عن الجاه و المال فقط،بل هما حظّان من حظوظهما،و إنّما الدّنيا عبارة عن حالتك قبل الموت،كما أنّ الآخرة عبارة عن حالتك بعد الموت،و كلّما لك فيه حظّ قبل الموت فهو دنياك.و ليعلم النّاظر إنّما الدّنيا خلقت للمرور منها إلى الآخرة،و إنّها مزرعة الآخرة في حقّ من عرفها:إذ يعرف أنّها من منازل السّائرين إلى اللّه، و هي كرباط بني على طريق أعدّ فيها العلف و الزّاد و أسباب السّفر،فمن تزوّد لآخرته فاقتصر منها على قدر الضّرورة من المطعم و الملبس و المنكح و سائر الضّروريّات فقد حرث و بذر،و سيحصد في الآخرة ما زرع.و من عرج عليها و اشتغل بلذّاتها و حظوظها هلك،قال تعالى: زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ آل عمران:14،و قد عبّر العزيز عن حظّك منها

ص: 95

بالهوى فقال: وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:40،41،انتهى.

و في الحديث:«كانت الدّنيا بأسرها لآدم و لأبرار ولده،فما غلب عليه الأعداء ثمّ رجع إليهم بالحرب و الغلبة فهو فيء،و ما رجع إليهم بغير ذلك سمّي أنفالا،و هو للّه و لرسوله».

و فيه:«لروحة أو غدوة في سبيل اللّه خير من الدّنيا و ما فيها»،أي من إنفاقها لو ملكها،أو من نفسها لو ملكها،أو تصوّر تعميرها،لأنّه زائل لا محالة، و هما عبارة عن وقت و ساعة.

و أدنوه منّي بفتح همزة أي قرّبوه منّي.

و التّداني إلى الشّيء:التّقرّب منه.

و أدناهما من فيه:قرّبهما.

و أدنى من صداقها،أي أقلّ من مهرها.

و أدنى خيبر،أي أسفلها و طرفها ممّا يلي المدينة.

و في حديث أهل الجنّة:«ما فيه دنيّ»أي دون أو خسيس،«و إنّما فيهم أدنى»أي أقلّ رتبة.

و الدّنيء:الخسيس من الرّجال.

و الدّنيّ:القريب غير مهموز.

و دنا يدنو مثل قرب يقرب.

و دانيت بين الأمرين:قاربت بينهما.و ادن بضمّ الهمزة و سكون الدّال:أمر المخاطب،و ربما لحقته الهاء فيقال:أدنه،و قد تكرّر في الحديث.

و في حديث عليّ عليه السّلام:«قطعتم الأدنى من أهل بدر،و وصلتم الأبعد من أبناء الحرب لرسول اللّه» يعني تركتم بيعة الحقّ و بايعتم أولاد العبّاس (1).

(1:148)

مجمع اللّغة:دنا منه يدنو دنوّا:قرب.

و يستعمل في المكان و الزّمان،و المنزلة،فهو دان و هي دانية.

و أدنى:أكثر دنوّا و هو اسم تفضيل.و يكون بمعنى أقرب،و بمعنى أقلّ.

الدّنيا:مؤنّث الأدنى،و الدّنيا:صفة الحياة،و هي الّتي تسبق الأخرى،و قد يحذف الموصوف.

و جاء لفظ«الدّنيا»مرادا بها مؤنّث:أدنى،بمعنى أقرب،في:الأنفال:42،و الصّافّات:6،و فصّلت:

12،و الملك:5.

و جاءت بمعنى«الحياة»الّتي تسبق الأخرى.[ثمّ ذكر فهرس الآيات،فراجع](1:405)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دنا من الشّيء أو إليه:

قرب منه فهو دان الأدنون:جمع دان:أقرب العشيرة نسبا.و الدّنيا:الحياة الحاضرة،نقيض الآخرة.

و الدّانية:القريبة التّناول.

و أدنى عليه جلبابه:أرخاه و أسبله عليه.

أدنى:أفعل تفضيل،بمعنى أقرب أو أقلّ أو أردأ.

(1:192)

المصطفويّ:إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو القرب على سبيل التّسفّل و الانحطاط مادّيّا أو معنويّا، كما سبق في مادّة«د ل ي»..!

ص: 96


1- كذا و لم يباع المهاجرون و الأنصار أولاد العبّاس.!

فهذان القيدان منظوران في موارد استعمال المادّة جميعها،و بهذا يظهر لطف التّعبير بها دون نظائرها في مواردها في القرآن الكريم.

و أمّا الدّنأ مهموزا،فهو بمعنى التّسفّل و الانحطاط فقط.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

فظهر أنّ القرب و النّزول المستفادين من المادّة:

أعمّ من المادّي المحسوس و المعنويّ المعقول.

و أمّا كلمة«دنّوا»في الحديث:فإمّا أمر من دنّ يدنّ،أو من التّدنية.(3:253)

النّصوص التّفسيريّة

دنا

ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى.

النّجم:8،9

ابن عبّاس: ثُمَّ دَنا جبريل إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(446)

نحوه قتادة.(الماورديّ 5:392)

دَنا الرّبّ.(الماورديّ 5:392)

الفرّاء:يعني جبريل صلّى اللّه عليه،دنا من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى كان قاب قوسين عربيّتين أو أدنى.(3:95)

ابن قتيبة:و من المقلوب:أن يقدّم ما يوضّحه التّأخير،و يؤخّر ما يوضّحه التّقديم،كقوله تعالى:

ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى أي تدلّى فدنا،لأنّه تدلّى للدّنوّ، و دنا بالتّدلّي.(تأويل مشكل القرآن:193)

الجرجانيّ:التّداني:معراج المقرّبين و معراجهم الغائيّ بالأصالة،أي بدون الوراثة،ينتهي إلى حضرة قاب قوسين،و بحكم الوراثة المحمّديّة ينتهي إلى حضرة أو أدنى،و هذه الحضرة هي مبدأ رقيقة التّداني.(24)

المصطفويّ:أى تبعّد عن التّشخّص و تنزّل عن الأنانيّة و حطّ مقام نفسه حتّى تقرّب من اللّه العزيز المتعال،سبق في«د ل ي».(3:255)

الشّيخ جلال الحنفيّ:و الدّنوّ و التّدلّي يعنيان فرط القرب من الخالق العظيم،و هو أمر حين يوصف بالحسّيّة،فإنّ المراد بذلك قوّة التّوكيد،علما أنّ شيئا حدث للنّبيّ من اقتراب مكانته من ربّه.(45)

و فيه أقوال،راجع:د ل و:«فتدلّى».

ادنى

فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. النّجم:9

الزّجّاج:[له كلام سيأتي في:ق و س:«قوسين»]

(5:71)

الثّعلبيّ:بل أقرب.و قال بعض:إنّما قال: أَوْ أَدْنى لأنّه لم يرد أن يجعل لذلك حدّا محصورا.

(9:139)

الزّمخشريّ:أي على تقدير«كم»كقوله تعالى: أَوْ يَزِيدُونَ الصّافّات:147.(4:29)

مثله أبو حيّان.(8:158)

ابن عطيّة:معناه:على مقتضى نظر البشر،أي لو رآه أحدكم لقال:في ذلك قوسان أو أدنى من ذلك.

(5:198)

ص: 97

القرطبيّ:[ذكر الأقوال إلى أن قال:]

قال القاضي عياض:اعلم أنّ ما وقع من إضافة الدّنوّ و القرب من اللّه أو إلى اللّه،فليس بدنوّ مكان و لا قرب مدى،و إنّما دنوّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من ربّه و قربه منه:

إبانة عظيم منزلته،و تشريف رتبته،و إشراق أنوار معرفته،و مشاهدة أسرار غيبه و قدرته.و من اللّه تعالى له:مبرّة و تأنيس و بسط و إكرام.و يتأوّل في قوله عليه السّلام:«ينزل ربّنا إلى سماء الدّنيا»على أحد الوجوه:

نزول إجمال و قبول و إحسان.

و قوله: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فمن جعل الضّمير عائدا إلى اللّه تعالى لا إلى جبريل كان عبارة عن نهاية القرب،و لطف المحلّ،و إيضاح المعرفة، و الإشراف على الحقيقة من محمّد عليه السّلام،و عبارة عن إجابة الرّغبة،و قضاء المطالب،و إظهار التّحفّي، و إنافة المنزلة و القرب من اللّه؛و يتأوّل فيه ما يتأوّل في قوله عليه السّلام:«من تقرّب منّي شبرا تقرّبت منه ذراعا، و من أتاني يمشي أتيته هرولة»،قرب بالإجابة و القبول،و إتيان بالإحسان و تعجيل المأمول.

(17:90)

البيضاويّ:على تقدير«كم»،كقوله: أَوْ يَزِيدُونَ الصّافّات:147،و المقصود تمثيل ملكة الاتّصال و تحقيق استماعه،لما أوحي إليه بنفي البعد الملبس.(2:429)

مثله أبو السّعود.(6:153)

النّسفيّ:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هذا لأنّهم خوطبوا على لغتهم و مقدار فهمهم، و هم يقولون هذا قدر رمحين أو أنقص.(4:195)

الآلوسيّ:أي أو أقرب من ذلك،و(أو)للشّكّ من جهة العباد،على معنى إذا رآه الرّائي يقول:هو قاب قوسين أو أدنى،و المراد إفادة شدّة القرب.

(27:48)

راجع:ق و ب:«قاب قوسين».

يدنين-ادنى

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ... الأحزاب:59

ابن عبّاس:يرخين عليهنّ على نحورهنّ و جيوبهنّ.(357)

أمر اللّه نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهنّ في حاجة أن يغطّين وجوههنّ من فوق رءوسهنّ بالجلابيب و يبدين عينا واحدة.

إدناء الجلباب:أن تقنّع (1)و تشدّ على جبينها.

(الطّبريّ 10:332)

مجاهد:يتجلببن فيعلم أنّهن حرائر،فلا يعرض لهنّ فاسق بأذى من قول أو ريبة.(الطّبريّ 10:332)

الحسن:تغطّي نصف وجهها.(النّحّاس 5:378)

قتادة:أخذ اللّه عليهنّ إذا خرجن أن يقنّعن على الحواجب.(الطّبريّ 10:332)

تلويه فوق الجبين،و تشدّه،ثمّ تعطفه على الأنف،ع.

ص: 98


1- أي تتقنّع.

و إن ظهرت عيناها،لكنّه يستر الصّدر،و معظم الوجه.(الشّوكانيّ 4:381)

ابن سيرين:سألت عبيدة[توفّي قبل سنة سبعين]،عن قوله: ...يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ فقال:بثوبه،فغطّى رأسه و وجهه،و أبرز ثوبه عن إحدى عينيه.(الطّبريّ 10:332)

سألت عبيدة عن قوله تعالى[الآية]فقال:تغطّي حاجبها بالرّداء ثمّ تردّه على أنفها حتّى تغطّي رأسها و وجهها و إحدى عينيها(النّحّاس 5:379)

ابن قتيبة:يلبسن الأردية.

(ابن الجوزيّ 6:422)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين:

لا تتشبّهن بالإماء في لباسهنّ إذا هنّ خرجن من بيوتهنّ لحاجتهنّ،فكشفن شعورهنّ و وجوههنّ، و لكن ليدنين عليهنّ من جلابيبهنّ،لئلاّ يعرض لهنّ فاسق،إذا علم أنّهنّ حرائر بأذى من قول.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في صفة الإدناء الّذي أمرهنّ اللّه به،فقال بعضهم:هو أن يغطّين وجوههنّ و رءوسهنّ،فلا يبدين منهنّ إلاّ عينا واحدة.

و قال آخرون:بل أمرن أن يشدّدن جلابيبهنّ على جباههنّ.[إلى أن قال:]

إدناؤهنّ جلابيبهنّ:إذا أدنينها عليهنّ،أقرب و أحرى أن يعرفن ممّن مررن به،و يعلموا أنّهنّ لسن بإماء،فيتنكّبوا عن أذاهنّ بقول مكروه،أو تعرّض بريبة.و كان اللّه غفورا لما سلف منهنّ من تركهنّ إدناءهنّ الجلابيب عليهنّ،رحيما بهنّ أن يعاقبهنّ بعد توبتهنّ بإدناء الجلابيب عليهنّ.(10:331)

الجصّاص:في هذه الآية دلالة على أنّ المرأة الشّابّة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيّين،و إظهار السّتر و العفاف عند الخروج،لئلاّ يطمع أهل الرّيب فيهنّ.و فيها دلالة على أنّ الأمة ليس عليها ستر وجهها و شعرها،لأنّ قوله تعالى: وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ ظاهره أنّه أراد الحرائر،و كذا روي في التّفسير، لئلاّ يكن مثل الإماء اللاّتي هنّ غير مأمورات بستر الرّأس و الوجه،فجعل السّتر فرقا يعرف به الحرائر من الإماء.و قد روي عن عمر أنّه كان يضرب الإماء، و يقول:اكشفن رءوسكنّ و لا تشبّهنّ بالحرائر.

(3:486)

الواحديّ:قال المفسّرون:يغطّين رءوسهنّ و وجوههنّ،إلاّ عينا واحدة،فيعلم أنّهنّ حرائر، فلا يعرض لهنّ بأذى،و هو قوله: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ. (3:482)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:422)

الميبديّ:يعني يرخين أرديتهنّ و ملاحفهنّ، فيتقنّعن بها و يغطّين رءوسهنّ و وجوههنّ إلاّ عينا واحدة.(8:89)

الطّبرسيّ: يُدْنِينَ: في موضع جزم بأنّه جواب شرط مقدّر،و تقديره:قل لأزواجك:أدنين عليكنّ من جلابيبكنّ،فإنّك إن تقل ذلك يدنين.[إلى أن قال:]

أي قل لهؤلاء:فليسترن موضع الجيب بالجلباب،

ص: 99

و هو الملاءة الّتي تشتمل بها المرأة،عن الحسن.و قيل:

الجلباب مقنعة المرأة،أي يغطّين جباههنّ و رءوسهنّ إذا خرجن لحاجة،بخلاف الإماء اللاّتي يخرجن مكشّفات الرّءوس،و الجباه،عن ابن عبّاس، و مجاهد.(4:369)

القرطبيّ:أمّ سلمة[في حديث:]أنّها سئلت:ما ذا تصلّي فيه المرأة من الثّياب؟فقالت:تصلّي في الدّرع و الخمار السّابغ الّذي يغيّب ظهور قدميها.(7:183)

البيضاويّ:يغطّين وجوههنّ و أبدانهنّ بملاحفهنّ إذا برزن لحاجة.و(من)للتّبعيض،فإنّ المرأة ترخي بعض جلبابها و تتلفّع ببعض.(2:252)

مثله الكاشانيّ.(4:203)

الطّريحيّ:أي يرخينها و يغطّين بها وجوههنّ أو أعطافهنّ،ليعلم أنّهنّ حرائر.(1:148)

القاسميّ:يرخينها عليهنّ و يغطّين بها وجوههنّ و أعطافهنّ.يقال إذا زلّ عن وجه المرأة:أدني ثوبك على وجهك.و ذلك أنّ النّساء كنّ في أوّل الإسلام على هجّيراهنّ في الجاهليّة مبتذلات، تبرز المرأة في درع و خمار،لا فصل بين الحرّة و الأمة.

و كان الفتيان و أهل الشّطارة يتعرّضون للإماء إذا خرجن باللّيل،إلى مقاضي حوائجهنّ في النّخيل و الغيطان.و ربّما تعرّضوا للحرّة بعلّة الأمة،يقولون حسبناها أمة.فأمرن أن يخالفن بزيّهنّ عن زيّ الإماء،بلبس الأردية و الملاحف و ستر الرّءوس و الوجوه،ليحتشمن و يهبن،فلا يطمع فيهنّ طامع؛ و ذلك قوله: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ، أي أولى و أجدر بأن يعرفن أنّهنّ حرائر،فلا يتعرّض لهنّ،و لا يلقين ما يكرهن.(13:4908)

الطّباطبائيّ:أي يتستّرن بها،فلا تظهر جيوبهنّ و صدورهنّ للنّاظرين.

و قوله: ذلِكَ أَدْنى أي ستر جميع البدن أقرب.

(16:339)

المصطفويّ:يقرّبن الجلابيب منهنّ،و ينزلن إليهنّ.(3:255)

راجع:ع ر ف:«يعرفن».و:ج ل ب:«جلابيبهنّ».

دان

...وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ. الرّحمن:54

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:و الّذي نفسي بيده،لا يقطع رجل ثمرة من الجنّة،فتصل إلى فيه حتّى يبدّل اللّه مكانها خيرا منها.(الطّبريّ 11:606)

ابن عبّاس:قريب،يناله القاعد و القائم.(452)

تدنو الشّجرة حتّى يجتنيها وليّ اللّه،إن شاء قائما، و إن شاء قاعدا.(الواحديّ 4:227)

مجاهد: دانٍ لا يبعد على قائم و لا على قائد.

(الماورديّ 5:439)

ثمار الجنّتين دانية إلى أفواه أربابها فيتناولونها متّكئين،فإذا اضطجعوا نزلت بإزاء أفواههم فيتناولونها مضطجعين،لا يردّ أيديهم عنها بعد و لا شوك.(الطّبرسيّ 5:208)

قتادة:ثمارهم دانية،لا يردّ أيديهم عنه بعد و لا شوك.[ثمّ استشهد بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]

(الطّبريّ 11:606)

ص: 100

أبو عبيدة:ما يجتنى قريب،لا يعنى الجاني.

(2:245)

الطّبريّ:يقول:و ثمر الجنّتين الّذي يجتنى قريب منهم،لأنّهم لا يتعبون بصعود نخلها و شجرها،لاجتناء ثمرها،و لكنّهم يجتنونها من قعود بغير عناء.(11:605)

الماورديّ:فيه وجهان.[ثمّ ذكر قول مجاهد و قتادة](5:439)

البغويّ:قريب،يناله القائم و القاعد و النّائم.

(4:341)

مثله الميبديّ(9:427)،و الزّمخشريّ(4:49)، و البيضاويّ(2:444)،و أبو السّعود(6:181)، و الكاشانيّ(5:113)،و نحوه الآلوسيّ(27:118).

الفخر الرّازيّ:فيه إشارة إلى مخالفتها لجنّة دار الدّنيا،من ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّ الثّمرة في الدّنيا على رءوس الشّجرة، و الإنسان عند الاتّكاء يبعد عن رءوسها،و في الآخرة هو متّكئ و الثّمرة تنزل إليه.

ثانيها:في الدّنيا من قرب من ثمرة شجرة بعد عن الأخرى،و في الآخرة كلّها دان في وقت واحد و مكان واحد،و في الآخرة المستقرّ في جنّة عنده جنّة أخرى.

ثالثها:أنّ العجائب كلّها من خواصّ الجنّة،فكان أشجارها دائرة عليهم ساترة إليهم و هم ساكنون، على خلاف ما كان في الدّنيا و جنّاتها،و في الدّنيا الإنسان متحرّك و مطلوبه ساكن.

و فيه الحقيقة،و هي أنّ من لم يكسل و لم يتقاعد عن عبادة اللّه تعالى،و سعى في الدّنيا في الخيرات، انتهى أمره إلى سكون لا يحوجه شيء إلى حركة، فأهل الجنّة إن تحرّكوا تحرّكوا لا لحاجة و طلب،و إن سكنوا سكنوا،لا،لاستراحة بعد التّعب.ثمّ إنّ الوليّ قد تصير له الدّنيا أنموذجا من الجنّة،فإنّه يكون ساكنا في بيته و يأتيه الرّزق متحرّكا إليه دائرا حواليه،يدلّك عليه قوله تعالى: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً آل عمران:37.(29:127)

ابن عربيّ:قريب،كلّما شاءوا،حيث كانوا على أيّ وضع كانوا،قياما أو قعودا،أو على جنوبهم، أدركوها،و اجتنوها.و نبت في الحال مكانها أخرى من جنسها،كما ذكر في وصفها.(2:581)

القرطبيّ:قريب.[ثمّ ذكر بعض الأقوال]

(17:180)

نحوه الشّربينيّ.(4:172)

النّسفيّ:قريب،يناله القائم و القاعد و المتّكئ.

(4:212)

السّمين:و دانٍ أصله:دانو،مثل غاز،فأعلّ كإعلاله.(6:247)

البروسويّ:[نحو الزّمخشريّ](9:307)

ابن عاشور:و المعنى:أنّ ثمر الجنّة دان منهم و هم على فرشهم،فمتى شاءوا اقتطفوا منه.(27:250)

مكارم الشّيرازيّ:و من المسلّم أنّ الهبات الإلهيّة في عالم الآخرة لا نستطيع وصفها بالألفاظ، و لا حتّى أيضا نصوّرها،إلاّ أنّ الآيات الكريمة تعكس لنا سبحا عنها من خلال ألفاظها المعبّرة.[إلى أن قال:]

و أخيرا،و في خامس نعمة يشير سبحانه إلى

ص: 101

كيفيّة هذه النّعم العظيمة؛حيث يقول: وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ.

نعم لا توجد صعوبة في قطف ثمار الجنّة كالصّعوبة الّتي نواجهها في عالمنا هذا.(17:289)

فضل اللّه:أي أنّ الثّمر قريب من متناول أيديهم فلا يحتاجون إلى جهد للحصول عليه.(21:319)

و بهذا المعنى جاء كلمة دانِيَةٌ في ما يأتي.

دانية

1- ...وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَ جَنّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّانَ مُشْتَبِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ...

الأنعام:99

راجع:ق ن و:«قنوان».

2- فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ* قُطُوفُها دانِيَةٌ. الحاقّة:22،23

راجع:ق ط ف:«قطوفها».

3- دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً.

الدّهر:14

ابن عبّاس:قريبة.(495)

نحوه مقاتل.(الواحديّ 4:403)

الفرّاء:قوله جلّ ذكره: وَ دانِيَةً... يكون نصبا على:ذلك جزاؤهم جنّة متّكئين فيها،و دانية ظلالها.

و إن شئت جعلت:«الدّانية»تابعة ل«المتّكئين»على سبيل القطع الّذي قد يكون رفعا على الاستئناف.

فيجوز مثل قوله: وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72، و(شيخ)،و هي في قراءة أبيّ(و دان عليهم ظلالها) فهذا مستأنف في موضع رفع،و في قراءة عبد اللّه:

(و دانيا عليهم ظلالها).و تذكير الدّاني و تأنيثه، كقوله:(خاشعا ابصارهم)في موضع،و في موضع:

خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ. القلم:43.

و قد تكون الدّانية منصوبة على مثل قول العرب:

عند فلان جارية جميلة،و شابّة بعد طريّة،يعترضون بالمدح اعتراضا،فلا ينوون به النّسق على ما قبله، و كأنّهم يضمرون مع هذه الواو فعلا تكون به النّصب، في إحدى القراءتين:(و حورا عينا).[ثمّ استشهد بشعر]

و الخفض أكثر.(3:216)

الأخفش: وَ دانِيَةً على الحال أو على المدح، إنّما انتصابه بفعل مضمر.و قد يجوز في قوله: وَ دانِيَةً أن يكون على وجهين:على:و جزاهم دانية ظلالها تقول:أعطيتك جيدا طرفاه،و رأينا حسنا وجهه.

(2:723)

الطّبريّ:و قربت منهم ظلال أشجارها.

و لنصب دانِيَةٌ أوجه:

أحدها:العطف به على قوله: مُتَّكِئِينَ فِيها.

و الثّاني:العطف به على موضع قوله: لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً الدّهر:13،لأنّ موضعه نصب،و ذلك أنّ معناه:متّكئين فيها على الأرائك،غير رائين فيها شمسا.

و الثّالث:نصبه على المدح،كأنّه قيل:متّكئين فيها على الأرائك،و دانية بعد عليهم ظلالها،كما يقال:

عند فلان جارية جميلة،و شابّة بعد طريّة،تضمر مع هذه الواو فعلا ناصبا للشّابّة،إذا أريد به المدح،

ص: 102

و لم يرد به النّسق؛و أنّثت دانِيَةً لأنّ الظّلال جمع.

و ذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه بالتّذكير(و دانيا عليهم ظلالها)و إنّما ذكّر لأنّه فعل متقدّم،و هي في قراءة فيما بلغني(و دان)رفع على الاستئناف.

(12:364)

نحوه ملخّصا الثّعلبيّ(10:102)،و الطّوسيّ (10:213)،و البغويّ(5:193).

الزّجّاج:و نصب مُتَّكِئِينَ على الحال،المعنى:

و جزاهم جنّة في حال اتّكائهم فيها،و كذلك:

وَ دانِيَةً... .

و جائز أن يكون دانِيَةً نعتا ل«الجنّة»،المعنى:

و جزاهم جنّة دانية عليهم ظلالها.(5:259)

الفارسيّ:يجوز في قوله: وَ دانِيَةً... أمران:

أحدهما:ما ذكرنا من الانتصاب على الحال [ل مُتَّكِئِينَ ]،و الآخر:أن يكون الانتصاب على أنّه مفعول بها،و يكون المعنى:و جزاهم جنّة و حريرا، أي لبس حرير،و دخول جنّة دانية عليهم ظلاله، فيكون على هذا التّقدير،كقوله: لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46.و إن لم تحمله على هذا و قلت:

إنّه يعترض فيه إقامة الصّفة مقام الموصوف،فإنّ ذلك ليس بالمطّرح في كلامهم.و إن شئت حملته على ما ذكروا من الحال،ليكون مثل ما عطفته عليه،من قوله:

مُتَّكِئِينَ فِيها و دانِيَةً. (4:84)

ابن سيده:و قوله تعالى: وَ دانِيَةً... إنّما هو على حذف الموصوف،كأنّه قال:و جزاهم جنّة دانية عليهم،فحذف جنّة و أقام دانِيَةً مقامها،و مثله ما أنشده سيبويه من قول الشّاعر:

كأنّك من جمال بني أقيش

يقعقع خلف رجليه بشنّ

أراد جمل من جمال بني أقيش.

و قال ابن جنّيّ: دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها منصوبة على الحال،معطوفة على قوله: مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ و هذا هو القول الّذي لا ضرورة فيه.قال:

و أمّا قوله:

*كأنّك من جمال بني أقيش*

فإنّما جاز ذلك في ضرورة الشّعر،و لو جاز لنا أن نجد من قد جعلت في بعض المواضع اسما لجعلناها اسما، و لم نحمل الكلام على حذف الموصوف،و إقامة الصّفة مقامه،لأنّه نوع من الضّرورة،و كتاب اللّه يجلّ عن ذلك.فأمّا قول الأعشى:

أ تنتهون و لن ينهى ذوي شطط

كالظّعن يذهب فيه الزّيت و الفتل

فلو حملته على إقامة الصّفة مقام الموصوف،لكان أقبح من تأوّل قوله تعالى: وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها على حذف الموصوف،لأنّ الكاف في بيت الأعشى هي الفاعلة في المعنى،و دانِيَةً في هذا القول إنّما هي مفعول بها،و المفعول قد يكون غير اسم صريح،نحو:

ظننت زيدا يقوم،و الفاعل لا يكون إلاّ اسما صريحا محضا،فهم على إمحاضه اسما أشدّ محافظة من جميع الأسماء.أ لا ترى أنّ المبتدأ قد يقع غير اسم محض،و هو قوله:«تسمع بالمعيدي خير من أن تراه»ف«تسمع» -كما ترى-فعل،و تقديره:أن تسمع،فحذفهم«أن»

ص: 103

و رفعهم«تسمع»يدلّ على أنّ المبتدأ قد يمكن أن يكون عندهم غير اسم صريح،و إذا جاز هذا في المبتدإ على قوّة شبهه بالفاعل،فهو في المفعول الّذي يبعد عنهما أجوز،فمن أجل ذلك ارتفع الفعل-في قول طرفة:-

*ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى*

عند كثير من النّاس،لأنّه أراد أن أحضر.و أجاز سيبويه في قوله:«مره يحفرها».أن يكون الرّفع على قوله:أن يحفرها،فلمّا حذفت«أن»ارتفع الفعل بعدها.و قد حملهم كثرة حذف«أن»مع غير الفاعل على أن استجازوا ذلك في غير ما لم يسمّ فاعله،و إن كان ذلك جاريا مجرى الفاعل،و قائما مقامه؛و ذلك نحو قول جميل:

جزعت حذار البين يوم تحمّلوا

و حقّ لمثلي يا بثينة يجزع

أراد أن يجزع،على أنّ هذا قليل شاذّ،على أنّ حذف«أن»قد كثر في الكلام حتّى صار كلا حذف.

أ لا ترى أنّ أصحابنا استقبحوا نصب(غير)من قوله:

عزّ اسمه: قُلْ أَ فَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ الزّمر:64، ب أَعْبُدُ، فلولا أنّهم أنسوا بحذف«أن»من الكلام و إرادتها،لما استقبحوا انتصاب(غير)ب أَعْبُدُ.

(9:430)

الزّمخشريّ:فإن قلت: وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها علام عطفت؟

قلت:على الجملة الّتي قبلها،لأنّها في موضع الحال من المجزيّين،و هذه حال مثلها عنهم لرجوع الضّمير منها إليهم في عَلَيْهِمْ إلاّ أنّها اسم مفرد، و تلك جملة في حكم مفرد،تقديره:غير رائين فيها شمسا و لا زمهريرا،و دانية عليهم ظلالها.و دخلت الواو للدّلالة على أنّ الأمرين مجتمعان لهم،كأنّه قيل:

و جزاهم جنّة جامعين فيها بين البعد عن الحرّ و القرّ و دنوّ الظّلال عليهم.

و قرئ(و دانية)بالرّفع على أنّ ظِلالُها مبتدأ و(دانية)خبر،و الجملة في موضع الحال.و المعنى:

لا يرون فيها شمسا و لا زمهريرا،و الحال أنّ ظلالها دانية عليهم.و يجوز أن تجعل مُتَّكِئِينَ و لا يَرَوْنَ و وَ دانِيَةً كلّها صفات ل جَنَّةً.

و يجوز أن يكون وَ دانِيَةً، معطوفة على جَنَّةً أي و جنّة أخرى دانية عليهم ظلالها،على أنّهم وعدوا جنّتين،كقوله: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46،لأنّهم وصفوا بالخوف: إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا الدّهر:10.(4:197)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:248)،و البيضاويّ ملخّصا(2:526)،و النّيسابوريّ(29:123)،و ابن جزيّ(4:168)،و أبو السّعود(6:343).

ابن عطيّة:[ذكر قول الزّجّاج و قال:]

و قرأ جمهور النّاس دانِيَةً، و قرأ الأعمش (و دانيا عليهم)،و قرأ أبو جعفر(و دانية)بالرّفع، و قرأ أبيّ بن كعب(و دان)مفرد مرفوع في الإعراب.

و دنوّ الظّلال بتوسّط أنعم لها،لأنّ الشّيء المظلّ إذا بعد فترة ظلّه،-لا سيّما من الأشجار و التّذليل أن تطيب الثّمرة،-فتتدلّى و تنعكس نحو الأرض،

ص: 104

و التّذليل في الجنّة هو بحسب إرادة ساكنيها.(5:411)

العكبريّ:أمّا دانِيَةً ففيه أوجه:

أحدها:أن يكون معطوفا على لا يَرَوْنَ أو على مُتَّكِئِينَ؛ فيكون فيه من الوجوه ما في المعطوف عليه.

و الثّاني:أن يكون صفة لمحذوف،تقديره:و جنّة دانية.

و قرئ(و دانية)بالرّفع على أنّه خبر،و المبتدأ ظِلالُها.

و حكي بالجرّ،أي في جنّة دانية،و هو ضعيف، لأنّه عطف على المجرور من غير إعادة الجارّ.

(2:1259)

القرطبيّ:و انتصب دانِيَةً على الحال عطفا على مُتَّكِئِينَ، كما تقول:في الدّار عبد اللّه متّكئا و مرسلة عليه الحجال.[ثمّ ذكر الوجوه المتقدّمة]

(19:137)

النّسفيّ:قريبة منهم ظلال أشجارها،عطفت على جَنَّةً، أي و جنّة أخرى دانية عليهم ظلالها، كأنّهم وعدوا بجنّتين،لأنّهم وصفوا بالخوف بقوله:

إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا الدّهر:10، وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46.(4:319)

أبو حيّان:[ذكر بعض الأقوال و قال:]

و قرأ أبو حيوة(و دانية)بالرّفع،و استدلّ به الأخفش على جواز رفع اسم الفاعل من غير أن يعتمد،نحو قولك:قائم الزّيدون،و لا حجّة فيه،لأنّ الأظهر أن يكون ظِلالُها مبتدأ(و دانية)خبر له.

و قرأ الأعمش:(و دانيا عليهم)،و هو كقوله: خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ القلم:43،و قرأ أبيّ:و(دان)مرفوع، فهذا يمكن أن يستدلّ به الأخفش.(8:396)

السّمين:[نحو أبي حيّان إلاّ أنّه قال:]

و قال أبو البقاء:و حكي بالجرّ،أي في جنّة دانية.

و هو ضعيف،لأنّه عطف على الضّمير المجرور من غير إعادة الجارّ.

قلت:يعني أنّه قرئ شاذّا،و(دانية)بالجرّ،على أنّها صفة لمحذوف،و تكون حينئذ نسقا على الضّمير المجرور بالجرّ،من قوله: لا يَرَوْنَ فِيها أي و لا في جنّة دانية.و هو رأي الكوفيّين حيث يجوّزون العطف على الضّمير المجرور من غير إعادة الجارّ،و لذلك ضعّفه،و قد تقدّم الكلام في ذلك مشبعا في«البقرة».

[إلى أن قال:]

و قرأ الأعمش(و دانيا)بالتّذكير للفصل بين الوصف و بين مرفوعه ب عَلَيْهِمْ، أو لأنّ الجمع مذكّر.و قرأ أبيّ(و دان عليهم)بالتّذكير مرفوعا، و هي شاهدة لمذهب الأخفش؛حيث يرفع باسم الفاعل؛و إن لم يعتمد.و لا جائز أن يعربا مبتدأ و خبرا مقدّما،لعدم المطابقة.

و قال مكّيّ:و قرئ(دانيا)ثمّ قال:و يجوز (و دانية)بالرّفع،و يجوز(دان)بالرّفع و التّذكير.

و لم يصرّح بأنّهما قرئا،و قد تقدّم أنّهما مقروء بهما، فكأنّه لم يطّلع على ذلك.(6:443)

الشّربينيّ:أي قريبة مع الارتفاع، عَلَيْهِمْ ظِلالُها أي شجرها من غير أن يحصل منها ما يزيل

ص: 105

الاعتدال.و اختلف في نصب دانِيَةً، فقال البغويّ:

عطف على مُتَّكِئِينَ. و قال الجلال المحليّ:عطف على محلّ لا يَرَوْنَ، و ذكره البغويّ بعد الأوّل بصيغة قيل.قال البيضاويّ:أو عطف على جَنَّةً، أي و جنّة أخرى دانية،لأنّهم وعدوا جنّتين،لقوله تعالى: لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46.

(4:454)

البروسويّ: وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها عطف على ما قبلها حال مثلها... دانِيَةً من الدّنوّ بمعنى القرب:إمّا بحسب الجانب،أو بحسب السّمك، و الضّمير[في ظِلالُها ]إلى الجنّة أو أشجارها، و معناه:أنّ ظلال الأشجار في الجنّة قربت من الأبرار من جوانبهم حتّى صارت الأشجار بمنزلة المظلّة عليهم،و إن كان لا شمس فيها مؤذية لتظلّهم منها.ففيه بيان لزيادة نعيمهم و كمال راحتهم،فإنّ الظّلّ في الدّنيا للرّاحة.(10:270)

الآلوسيّ:عطف على الجملة و حالها حالها،أو صفة لمحذوف معطوف على جَنَّةً فيما سبق،أي و جنّة أخرى دانية عليهم ظلالها.على أنّهم وعدوا جنّتين،كما في قوله تعالى: لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46.

و قرأ أبو حيوة(دانية)بالرّفع،و خرّج على أنّ (دانية)خبر مقدّم ل ظِلالُها، و الجملة في حيز الحال،على أنّ الواو عاطفة،أو حاليّة،أو في حيّز الصّفة على أنّ الواو عاطفة أيضا،أو للإلصاق على ما يراه الزّمخشريّ.

و قال الأخفش: ظِلالُها مرفوع ب(دانية) على الفاعليّة،و استدلّ بذلك على جواز عمل اسم الفاعل من غير اعتماد،نحو:قائم الزّيدون.و قد علمت أنّه لا يصلح للاستدلال لقيام ذلك الاحتمال، على أنّه يجوز أن يكون خبر المبتدإ مقدّر فيعتمد،أي و هي دانية عليهم ظلالها،و قرأ أبيّ(و دان)كقاض، و لا يتمّ الاستدلال به للأخفش أيضا و إن كان بينه و بين ما تقدّم فرق ما.(29:159)

ابن عاشور:انتصب دانِيَةً عطفا على مُتَّكِئِينَ، لأنّ هذا حال سببيّ من أحوال المتّكئين، أي ظلال شجر الجنّة قريبة منهم.و ظِلالُها فاعل دانِيَةً، و ضمير ظِلالُها عائد إلى جَنَّةً.

و دنوّ الظّلال:قربها منهم؛و إذ لم يعهد وصف الظّلّ بالقرب يظهر أنّ دنوّ الظّلال كناية عن تدلّي الأدواح الّتي من شأنها أن تظلّل الجنّات في معتاد الدّنيا.و لكنّ الجنّة لا شمس فيها فيستظلّ من حرّها، فتعيّن أنّ تركيب وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها مثل يطلق على تدلّي أفنان الجنّة،لأنّ الظّلّ المظلّل للشّخص لا يتفاوت بدنوّ و لا بعد،و قد يكون ظِلالُها مجازا مرسلا عن الأفنان،بعلاقة اللّزوم.

و المعنى:أنّ أدواح الجنّة قريبة من مجالسهم، و ذلك ممّا يزيدها بهجة و حسنا،و هو في معنى قوله تعالى: قُطُوفُها دانِيَةٌ الحاقّة:23.

و لذلك عطف عليه جملة: وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً .(29:361)

الطّباطبائيّ:و دنوّ الظّلال عليهم قربها منهم؛

ص: 106

بحيث تنبسط عليهم،فكأنّ الدّنوّ مضمّن معنى الانبساط.(20:129)

فضل اللّه: وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها بحيث تنبسط عليهم في رقّة و حنان،كأنّها تقترب إليهم لتمسح على رءوسهم مسحة اللّطف و العطف، و لتضمّهم إلى أحضانها.(23:274)

ادنى

1- ...قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ... البقرة:61

ابن عبّاس:أردأ:الثّوم و البصل.(10)

مجاهد:أردأ.(الطّبريّ 1:353)

قتادة:أ تستبدلون الّذي هو شرّ بالّذي هو خير منه.(الطّبريّ 1:353)

الفرّاء:أي الّذي هو أقرب،من الدّنوّ،و يقال:

من الدّناءة.و العرب تقول:إنّه لدنيء،و لا يهمزون «يدنّي»في الأمور،أي يتّبع خسيسها و أصاغرها.

و قد كان زهير الفرقبيّ يهمز(ادنأ)و لم نر العرب تهمز «أدنى»إذا كان من الخسّة،و هم في ذلك يقولون:إنّه لدانئ خبيث،إذا كان ماجنا،فيهمزون.و أنشدني بعض بني كلاب:

باسلة الوقع سرابيلها

بيض إلى دانئها الظّاهر

يعني الدّروع على خاصّتها،يعني الكتيبة إلى الخسيس منها،فقال:«دانئها»يريد الخسيس.و قد كنّا نسمع المشيخة يقولون:ما كنت دانئا،و لقد دنأت،و العرب تترك الهمزة.و لا أراهم رووه إلاّ و قد سمعوه.(1:42)

الطّبريّ:و معنى قوله: أَدْنى: أخسّ و أوضع و أصغر قدرا و خطرا.و أصله من قولهم:هذا رجل دنيّ بيّن الدّناءة،و إنّه ليدنّي في الأمور بغير همز،إذا كان يتتبّع خسيسها.و قد ذكر الهمز عن بعض العرب في ذلك،سماعا منهم،يقولون:ما كنت دانئا،و لقد دنأت.[ثمّ ذكر قول الفرّاء في همزه و عدم همزه، و قال:]

فإن كان ذلك عنهم صحيحا،فالهمز فيه لغة، و تركه أخرى.

و لا شكّ أنّ من استبدل بالمنّ و السّلوى البقل و القثّاء و العدس و البصل و الثّوم،فقد استبدل الوضيع من العيش بالرّفيع منه.

و قد تأوّل بعضهم بمعنى:الّذي هو أقرب،و وجّه قوله: أَدْنى، إلى أنّه«أفعل»من الدّنوّ الّذي هو بمعنى القرب.(1:352)

الزّجّاج:يعني أنّ المنّ و السّلوى أرفع من الّذي طلبتم.و أَدْنى القراءة فيه بغير الهمز،و قد قرأ بعضهم(ادنأ بالّذى هو خير)،و كلاهما له وجه في اللّغة إلاّ أنّ ترك الهمزة أولى بالاتّباع.أمّا أَدْنى غير مهموز،فمعناه:الّذي هو أقرب و أقلّ قيمة،كما تقول:هذا ثوب مقارب،فأمّا الخسيس فاللّغة فيه أنّه مهموز،يقال:دنؤ،دناءة،و هو دنيء بالهمزة،و يقال:

هذا أدنأ منه بالهمز.(1:143)

الثّعلبيّ:أخسّ و أردى.

ص: 107

حكى الفرّاء عن زهير العرقيّ (1)إنّه قرأ(ادنأ) بالهمزة،و العامّة على ترك الهمزة.و قال بعض النّحاة:

هو«أدون»فقدّمت النّون و حوّلت الواو ياء كقولهم:

أولى من الويل.(1:205)

القيسيّ:الألف في أَدْنى قيل:إنّها بدل من همزة،لأنّه من الدّناءة،فالألف على هذا في أَدْنى بدل من همزة.

و قيل:هو من«الدّون»،و أصله:أدون،ثمّ قلب.

و قيل:هو من«الدّنوّ»،أي أقرب،فيكون من:دنا يدنو.(1:50)

الطّوسيّ:قيل فيه قولان:

أحدهما:الّذي هو أدنى الطّعامين بدلا من أجودهما.

و الثّاني:الّذي تتبدّلون في زراعته و صناعته بما أعطاكم اللّه،عفوا من المنّ و السّلوى.

و قرأ بعضهم:(ادنأ)مهموزا.و قال بعض المفسّرين:لو لا الرّواية لكان هو الوجه،لأنّه من قولك:رجل دنيء من الدّناءة.و ما كنت دنيئا و لكنّك دنئت،أي خسست.و إذا قرئ بلا همز فمعناه:القرب.

و ليس هذا موضعه،و لكنّه موضع الخساسة.و لو كان ما سألوه أقرب إليهم لما سألوه،و لا التمسوه.

و يجوز أن يجعل أدنى و أقرب بمعنى:أدون،كما تقول:هذا شيء مقارب،أي دون.و حكى الأزهريّ عن أبي زيد«الدّاني»بلا همز:الخسيس.و الدّنيء بالهمز:الماجن.الخبيث البطن و الفرج.(1:276)

الواحديّ:أي أقرب و أسهل متناولا بالرّفيع الجليل الّذي خصّكم اللّه به؟

و يجوز أن يكون معنى الدّنوّ في قرب القيمة،يقول:

أ تأخذون ما هو أقلّ قيمة بدلا بالّذي هو خير في القيمة.

و يجوز أن يكون أَدْنى من الدّناءة،و هي الخسّة،و ترك همزها،و المعنى:أ تستبدلون ما هو أوضع و أخسّ بالّذي هو خير،و هذا اختيار الفرّاء.

(1:146)

نحوه الميبديّ.(1:207)

الزّمخشريّ:الّذي هو أقرب منزلة و أدون مقدارا.

و الدّنوّ و القرب يعبّر بهما عن قلّة المقدار،فيقال:

هو داني المحلّ و قريب المنزلة،كما يعبّر بالبعد عن عكس ذلك،فيقال:هو بعيد المحلّ و بعيد الهمّة، يريدون الرّفعة و العلوّ.(1:285)

نحوه النّسفيّ ملخّصا(1:51)،و النّيسابوريّ (1:329)،و الشّربيني(1:64)،و القاسميّ(2:138)، و رشيد رضا(1:331)،و المراغيّ ملخّصا(1:130).

ابن عطيّة:و أَدْنى مأخوذ عند أبي إسحاق الزّجّاج من الدّنوّ،أي القرب في القيمة.

و قال عليّ بن سليمان:هو مهموز من الدّنيء البيّن الدّناءة،بمعنى الأخسّ،إلاّ أنّه خفّفت همزته.

و قال غيره:هو مأخوذ من«الدّون»أي الأحطّ، فأصله:أدون،أفعل،قلب،فجاء أفلع،و قلبت الواوّ.

ص: 108


1- في كلام الفرّاء:زهير الفرقبيّ.

ألفا لتطرّفها.

و قرأ زهير للكسائيّ(ادنأ)و معنى الآية:

أ تستبدلون البقل و القثّاء و الفوم و العدس و البصل الّتي هي أدنى بالمنّ و السّلوى الّذي هو خير.

و الوجه الّذي يوجب فضل المنّ و السّلوى على الشّىء الّذي طلبوه،يحتمل أن يكون تفاضلها في القيمة،لأنّ هذه البقول لا خطر لها،و هذا قول الزّجاج.

و يحتمل أن يفضل المنّ و السّلوى،لأنّه الطّعام الّذي منّ اللّه به و أمرهم بأكله.و في استدامة أمر اللّه تعالى و شكر نعمته،أجر و ذخر في الآخرة،و الّذي طلبوا عار من هذه الخصال،فكأنّ أدنى من هذا الوجه.

و يحتمل أن يفضل في الطّيب و اللّذّة به،فالبقول لا محالة أدنى من هذا الوجه.و يحتمل أن يفضل في حسن الغذاء و نفعه،فالمنّ و السّلوى خير لا محالة في هذا الوجه.و يحتمل أن يفضل من جهة أنّه لا كلفة فيه و لا تعب و الّذي طلبوا لا يجيء إلاّ بالحرث و الزّراعة و التّعب،فهو أدنى في هذا الوجه.و يحتمل أن يفضل في أنّه لا مرية في حلّه و خلوصه لنزوله من عند اللّه.

و الحبوب و الأرض يتخلّلها البيوع و الغصوب و تدخلها الشّبه،فهي أدنى في هذا الوجه.و يترتّب الفضل للمنّ و السّلوى بهذه الوجوه كلّها.(1:153)

نحوه القرطبيّ.(1:428)

الطّبرسيّ:أي أقرب و أدون،كما تقول:هذا شيء مقارب أو دون.[ثمّ ذكر نحو ما اختاره الفرّاء إلى أن قال:]

و قوله: قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ معناه:قال لهم موسى.و قيل:بل قال اللّه لهم:

أ تتركون ما اختار اللّه لكم،و تؤثرون ما هو أدون و أردى على ذلك.

و قيل:إنّه أراد أ تستبدلون ما تتبذّلون في زراعته و صناعته بما أعطاه اللّه إيّاكم عفوا من المنّ و السّلوى.

و قيل:المراد تختارون الّذي هو أقرب،أي أقلّ قيمة،على الّذي هو أكثر قيمة و ألذّ.

و اختلف في سؤالهم هذا:هل كان معصية؟فقيل:

لم يكن معصية،لأنّ الأوّل كان مباحا،فسألوا مباحا آخر.و قيل:بل كان معصية،لأنّهم لم يرضوا بما اختاره اللّه لهم،و لذلك ذمّهم على ذلك،و هو أوجه.(1:122)

أبو الفتوح:أ تستبدل ما هو أقلّ و أخسّ بالّذي هو أفضل؟ أَدْنى من الدّناءة و الخساسة.و قرئ بالهمز شذوذا.و قال بعض النّحاة:إنّ المراد:«أدون» فقلبوا،كما قلنا في:«عثا و عاث»،و الأدون:يعني كلّ ما كان من الطّعام تتركه و تختار الأخسّ.و يجوز أن يكون المراد:ما اختاره اللّه لهم،و ما اختاروا لأنفسهم.

(1:310)

أبو البركات:فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون«أفعل»من الدّنوّ،و هو القرب،أي أقرب في القيمة،كقولك:هذا ثوب قريب، إذا أردت تقليل قيمته.

و الثّاني:أن يكون من«الدّون»،كما تقول:هذا دون ذاك،و أصله:أدون،فقدّمت اللاّم إلى موضع العين فصار:أدنو،فتحرّكت الواو و انفتح ما قبلها فقلبت ألفا،فصار:أدنى.و وزنه«أفلع»،لتقدّم اللاّم

ص: 109

على العين،فصار أدنى.

و لا يجوز أن يكون أَدْنى أفعل من الدّناءة،لأنّ ذلك يوجب أن يكون مهموزا،و لم يهمزه أحد من القرّاء.و قلب الهمزة ألفا إنّما يجوز إذا سكّنت و انفتح ما قبلها،و لم يوجد هاهنا.و إذا لم يوجد ما يقتضي جواز القلب،فكيف يدّعى وجود ما يقتضي وجوبه.

(1:86)

ابن الجوزيّ:أي أردأ.يريد:أنّ المنّ و السّلوى أعلى ما طلبتم.(1:89)

الفخر الرّازيّ:و اختلفوا في المراد ب«الأدنى» و ضبط القول فيه أنّ المراد:إمّا أن يكون كونه أدنى في المصلحة في الدّين،أو في المنفعة في الدّنيا.و الأوّل غير مراد،لأنّ الّذي كانوا عليه لو كان أنفع في باب الدّين من الّذي طلبوه،لما جاز أن يجيبهم إليه،لكنّه قد أجابهم إليه بقوله: اِهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ، فبقي أن يكون المراد منه:المنفعة في الدّنيا.ثمّ لا يجوز أن يكون المراد أنّ هذا النّوع الّذي أنتم عليه أفضل من الّذي تطلبونه،لما بيّنّا أنّ الطّعام الّذي يكون ألذّ الأطعمة عند قوم قد يكون أخسّها عند آخرين.بل المراد:ما بيّنّا:أنّ المنّ و السّلوى متيقّن الحصول،و ما يطلبونه مشكوك الحصول،و المتيقّن خير من المشكوك أو لأنّ هذا يحصل من غير كدّ و لا تعب،و ذلك لا يحصل إلاّ مع الكدّ و التّعب،فيكون الأوّل أولى.

فإن قيل:كان لهم أن يقولوا:هذا الّذي يحصل عفوا صفوا لما كرهناه بطباعنا،كان تناوله أشقّ من الّذي لا يحصل إلاّ مع الكدّ إذا اشتهته طباعنا.

قلنا:هب أنّه وقع التّعارض من هذه الجهة،لكنّه وقع التّرجيح بما أنّ الحاضر المتيقّن راجح على الغائب المشكوك.(3:100)

العكبريّ: أَدْنى ألفه منقلبة عن واو،لأنّه من دنا يدنو،إذا قرب،و له معنيان:

أحدهما:أن يكون المعنى:ما تقرب قيمته لخساسته،و يسهل تحصيله.

و الثّاني:أن يكون بمعنى القريب منكم،لكونه في الدّنيا.

و(الذي هو خير:)ما كان من امتثال أمر اللّه، لأنّ نفعه متأخّر إلى الآخرة.[ثمّ ذكر الوجهين في أصله:دنؤ،و دون،كما تقدّم عن أبي البركات]

(1:68)

البيضاويّ:أقرب منزلة،و أدون قدرا.(1:59)

مثله البروسويّ.(1:150)

الخازن:أي الّذي هو أخسّ و أردأ و هو الّذي طلبوه.(1:56)

ابن جزيّ: أَدْنى من الدّنيء الحقير.(1:48)

أبو حيّان: أَدْنى أفعل التّفضيل من الدّنوّ، و هو القرب،يقال منه:دنا يدنو دنوّا.[إلى أن قال:]

و اَلَّذِي مفعول أَ تَسْتَبْدِلُونَ، و هو الحاصل،و اَلَّذِي دخلت عليه الباء هو الزّائل،كما قرّرناه في غير مكان. هُوَ أَدْنى: صلة اَلَّذِي، و(هو)هنا واجب الإثبات على مذهب البصريّين؛إذ لا طول في الصّلة.و أَدْنى خبر عن(هو)،و هو أفعل التّفضيل،و«من و ما»دخلت عليه حذفا للعلم.

ص: 110

و حسن حذفهما كون أفعل التّفضيل خبرا،فإن وقع غير خبر مثل كونه حالا أو صفة،قلّ الحذف، و تقديره:أدنى من ذلك الطّعام الواحد.و حسن حذفهما أيضا كون المفضّل عليه مذكورا بعد ذلك، و هو قوله: بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ.

و أفرد اَلَّذِي هُوَ أَدْنى لأنّه أحال به على المأكول الّذي هو مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ، و على(ما) من قوله: مِمّا تُنْبِتُ، فيكون قد راعى المبدّل منه؛ إذ لو راعى البدل لقال:أ تستبدلون اللاّتي هي أدنى، و قد تقدّم القول في أدنى.

و قرأ زهير الفرقبيّ،و يقال له:زهير الكسائيّ (أدنأ)بالهمز.و وقع لبعض من جمع في التّفسير وهم في نسبة هذه القراءة للكسائيّ،فقال:و قرأ زهير و الكسائيّ شاذّا(ادنأ)،فظنّ أنّ هذه قراءة الكسائيّ، و جعل زهيرا و الكسائيّ شخصين،و إنّما هو زهير الكسائيّ يعرف بذلك و بالفرقبيّ،فهو رجل واحد.

فأمّا تفسير:«الأدنى»و«الخير»هنا،ففيه أقاويل:أحدها:[ثمّ نقل قول الزّجّاج و الزّمخشريّ و قال:]

و الثّاني:أنّ المنّ و السّلوى هو الّذي منّ اللّه به و أمرهم بأكله،و في استدامة ما أمر اللّه به و شكر نعمته أجر و دخر في الآخرة،و الّذي طلبوه عار من هذه الخصال،فكان أدنى من هذا الوجه.

الثّالث:أنّ التّفضيل يقع من جهة الطّيب و اللّذّة، و المنّ و السّلوى لا شكّ أنّهما أطيب من البقول الّتي طلبوها.

الرّابع:أنّ المنّ و السّلوى لا كلفة في تحصيله و لا تعب و لا مشقّة،و البقول لا تحصل إلاّ بعد مشقّة الحرث و الزّرع و الخدمة و السّقي،و ما حصل بلا مشقّة خير ممّا حصل بمشقّة.

الخامس:أنّ المنّ و السّلوى لا شكّ في حلّه و خلوصه،لنزوله من عند اللّه،و الحبوب و الأرض يتخلّلها العيوب و الغصوب و يدخلها الحرام و الشّبهة، و ما كان حلاّ خالصا أفضل ممّا يدخله الحرام و الشّبهة.

السّادس:أنّ المنّ و السّلوى يفضلان ما سألوه من جنس الغذاء و نفعه.

و ملخّص هذه الأقوال:هل الأدنويّة و الخيريّة بالنّسبة إلى القيمة،أو امتثال الأمر و ما يترتّب عليه، أو اللّذّة،أو الكلفة،أو الحلّ،أو الجنس؟أقوال ستّة.

و أمّا قراءة زهير،فهي من«الدّناءة»،و قد تقدّم أنّ أَدْنى غير المهموز قيل:إنّ أصلها الهمز،فسهل كهذه القراءة.و من قال بالقلب،و أنّ أصله:أدون، فالدّناءة و الدّون راجعان إلى معنى واحد،و هو الخسّة،و هو من جهة المعنى أحسن مقابلة،لقوله:

بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ.

و من جعل أَدْنى بمعنى أقرب،لأنّ الأدون و الأدنى يقابلهما الخير،و الأدنى بمعنى الأقرب يقابله الأبعد،و حذف«من»و معمولها بعد قوله: هُوَ خَيْرٌ، لما ذكرناه في قوله: هُوَ أَدْنى، من وقوع أفعل التّفضيل خبرا،و تقديره:منه،أي من الّذي هو أدنى، و كانت هاتان الصّلتان جملتين اسميّتين،لثبوت الجملة

ص: 111

الاسميّة،و كان«الخير»أفعل التّفضيل،لأنّه لا دلالة فيها على تعيين زمان،بل في ذلك إثبات الأدنويّة و الخيريّة من غير تقييد بزمان،بخلاف الجملة الفعليّة، فإنّه كان يتعيّن الزّمان،أو يتجوّز في ذلك،إن لم يقصد التّعيين،فكان الوصل بما هو حقيقة في عدم الدّلالة على التّعيين أفصح،و كانت صلة(ما)في قوله: مِمّا تُنْبِتُ، جملة فعليّة،لأنّ الفعل عندهم يشعر بالتّجدّد و الحدوث،و الإنبات متجدّد دائما،فناسب كلّ مكان ما يليق به من الصّلة.(1:219-233)

السّمين:[نقل بعض الأقوال،و استظهر قول الزّجّاج.](1:241)

أبو السّعود:أقرب منزلة،و أدون قدرا،سهل المنال و هيّن الحصول،لعدم كونه مرغوبا فيه،تافها مرذولا قليل القيمة.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ]

(1:140)

صدر المتألّهين:أي أقرب و أدون،فيكون من الدّنوّ.و يجوز أن يكون من الدّناءة بمعنى الخسّة.

(3:443)

الطّريحيّ:أي الّذي هو أخسّ.(1:148)

الآلوسيّ: اَلَّذِي مفعول تَسْتَبْدِلُونَ و هو الحاصل،و اَلَّذِي دخلت عليه الباء هو الزّائل،و هو أَدْنى صلة اَلَّذِي، و(هو)هنا واجب الإثبات عند البصريّين؛إذ لا طول.و أَدْنى إمّا من الدّنوّ،أو مقلوب من الدّون،و هو على الثّاني ظاهر،و على الأوّل مجاز،استعير فيه الدّنوّ بمعنى القرب المكانيّ للخسّة،كما استعير البعد للشّرف، فقيل:بعيد المحلّ،بعيد الهمّة.

و يحتمل أن يكون مهموزا من الدّناءة،و أبدلت فيه الهمزة ألفا،و يؤيّده قراءة زهير و الكسائيّ(ادنأ) بالهمزة.(1:275)

سيّد قطب:أ تريدون الدّنيّة و قد أراد اللّه لكم العليّة.(1:74)

مغنيّة:و«الأدنى»:الأقرب،و المراد به هنا:

الخسيس من الدّناءة.(1:115)

الطّالقانيّ:الهمزة للإنكار و التّعجّب،و اَلَّذِي وصف بأنّه أدنى،أي الحياة الوضيعة و الخسيسة الّتي ترفل بالشّهوات و التّرف في المأكولات.و وصف اَلَّذِي بأنّه الّذي هو خير،أي يذكّرهم بالحياة البسيطة و الرّفيعة الّتي كانت مفعمة بالخير.

و هذا من بلاغة القرآن؛إذ قابل الخير بالأدنى، فكلاهما وصف صريح و نقيض،أي الأدنى شرّ و ضيع، و الخير حسن رفيع.(1:175)

المصطفويّ:أي يبدّلون الخير بما هو أدنى و أنزل و أحطّ منه.(3:255)

مكارم الشّيرازيّ:أي أ تختارون الأدنى و تتركون الأفضل؟!و يبدو أنّ المقصود بالأفضل هنا هو ما لديهم من طعام متمثّل بالمنّ و السّلوى.غير أنّ التّفضيل الّذي يطرحه القرآن هنا يعود إلى الحياة بكلّ أبعادها،و التّقريع يتّجه إلى بني إسرائيل لرغبتهم في التّنويع،مع ما قد يكشف هذا التّنويع من ذلّ و هوان.

و على صعيد القيمة الغذائيّة،فإنّ الأطعمة النّباتيّة الّتي طلبها بنو إسرائيل لها قيمتها الغذائيّة طبعا،غير أنّ

ص: 112

مقدار الموارد الغذائيّة النّافعة الموجودة في«المنّ» -و هو العسل أو مادّة سكّريّة مقوّية-و كذلك في لحوم السّلوى يفوق ما في الأطعمة النّباتيّة المذكورة، كما أنّ المنّ و السّلوى أسهل هضما من الحبوب المذكورة.(1:215)

فضل اللّه:أقلّ مرتبة في الخصائص و العناصر الشّهيّة ممّا تطلبونه بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ و هو المنّ و السّلوى،فلا ترتفعون في مزاجكم الغذائيّ إلى المستوى الأفضل؟الأمر الّذي قد يوحي بالجمود الذّاتيّ في عاداتكم و تقاليدكم الّذي يمتدّ إلى أفكاركم، فلا تتحرّك نحو التّطوّر في اكتشاف الجديد في خصائصه،أو الجديد لدى الشّعوب الأخرى،الّذي قد يتميّز عن القديم المألوف للنّاس،حتّى لو كان الجديد طيّبا و القديم خبيثا؛بحيث يتعقّد الإنسان من الطّيّب و يرفضه لمصلحة الخبيث الّذي يطلبه،و لكنّ المسألة مهما كانت طبيعتها في ما تطلبون،فإنّ هناك فرصة للحصول على ذلك في البلد الّذي تتوفّر فيه هذه المآكل،لأنّ الصّحراء الّتي تتيهون فيها لا توفّر لكم ذلك.(2:61)

2- ...وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا... البقرة:282

ابن عبّاس:أحرى لكم.(1:41)

الطّبريّ:و أقرب،من الدّنوّ،و هو القرب.

(3:131)

نحوه أكثر التّفاسير،و إن شئت راجع:ر ي ب:

«ترتابوا».

3- وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا. النّساء:3

عزّة دروزة:هذا أحرى أن يمنعكم من الجور و الحيف.(9:9)

بنت الشّاطئ و سأل نافع عن معنى قوله تعالى:

أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا فقال ابن عبّاس:أجدر ألاّ تميلوا،...

و يأتي«الدّنوّ»في القرآن فعلا ماضيا و مضارعا، و اسم فاعل:«دان»و«دانية»و معنى الجدارة في أَدْنى يأتي من دلالة الدّنوّ على القرب.و الكلمات الثّلاث:أدنى،و أجدر،و أقرب،قرآنيّة.و هي متقاربة، و إن كان اختلاف ألفاظها يؤذن باختلاف في المعنى.

و لعلّ الأصل في الأقرب أنّه يقابل الأبعد،و في الأدنى أنّه مقابل الأنأى،و لا يكون الأجدر إلاّ بمعنى الأولى.

(الإعجاز البيانيّ:331)

راجع:ع و ل:«تعولوا».

4- ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اسْمَعُوا وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ. المائدة:108

راجع:ش ه د:«الشّهادة».

ص: 113

5- الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. الرّوم:1-3

الطّبريّ:و معنى قوله: أَدْنى: أقرب،و هو «أفعل»من الدّنوّ و القرب.(10:167)

الطّوسيّ:و الأدنى:الأقرب،و نقيض الأدنى:

الأقصى،و نقيض الأقرب:الأبعد.(8:229)

البروسويّ:و أَدْنى ألفه منقلبة عن واو، لأنّه من دنا يدنو.و هو يتصرّف على وجوه،فتارة يعبّر به عن الأقلّ و الأصغر،فيقابل بالأكثر و الأكبر، و تارة عن الأحقر و الأذلّ،فيقابل بالأعلى و الأفضل، و تارة عن الأوّل فيقابل بالآخر،و تارة عن الأقرب فيقابل بالأبعد،و هو المراد في هذا المقام.(7:4)

الآلوسيّ:أي أقربها...و قرأ الكلبيّ:(فى ادانى الارض).(21:17)

راجع:أرض:«ادنى الارض».

6- تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَ لا يَحْزَنَّ وَ يَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَلِيماً. الأحزاب:51

ابن عبّاس:أي أحرى.(356)

معناه:إنّهنّ إذا علمن أنّ له ردّهنّ إلى فراشه بعد ما اعتزلهنّ،قرّت أعينهنّ،و لم يحزنّ،و يرضين بما يفعله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من التّسوية و التّفضيل،لأنّهنّ يعلمن أنّهنّ لم يطلّقن.

مثله مجاهد.(الطّبرسيّ 4:367)

قتادة:إذا علمن أنّ هذا جاء من اللّه لرخصة،كان أطيب لأنفسهنّ،و أقلّ لحزنهنّ.(الطّبريّ 10:317)

معناه:ذلك أطيب لنفوسهنّ،و أقلّ لحزنهنّ،إذا علمن أنّ لك الرّخصة بذلك من اللّه تعالى،و يرضين بما يفعله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من التّسوية و التّفضيل.

(الطّبرسيّ 4:367)

الجبّائيّ:ذلك المعرفة منهنّ بأنّك إذا عزلت واحدة،كان لك أن تؤويها بعد،ذلك أدنى بسرورهنّ، و قرّة أعينهنّ.(الطّبرسيّ 4:367)

الطّبريّ:يقول:هذا الّذي جعلت لك يا محمّد من إذني لك أن ترجي من تشاء من النّساء اللّواتي جعلت لك إرجاءهنّ،و تؤوي من تشاء منهنّ،و وضعي عنك الحرج في ابتغائك إصابة من ابتغيت إصابته من نسائك،و عزلك عن ذلك من عزلت منهنّ،أقرب لنسائك أن تقرّ أعينهنّ به و لا يحزنّ،و يرضين بما آتيتهنّ كلّهنّ من تفضيل من فضّلت من قسم،أو نفقة، و إيثار من آثرت منهم بذلك على غيره من نسائك،إذا هنّ علمن أنّه من رضائي منك بذلك،و إذني لك به، و إطلاق منّي لا من قبلك.(10:315)

الثّعلبيّ: ذلِكَ الّذي ذكرت، أَدْنى...

أطيب لأنفسهنّ و أقلّ لحزنهنّ،إذا علمن أنّ ذلك من اللّه و بأمره،و أنّ الرّخصة جاءت من قبله.(8:55)

الطّوسيّ:أي أقرب.[ثمّ ذكر قول قتادة و أضاف:]

و قيل:إذا طمعت في ردّها إلى فراشها بعد عزلها.

(8:355)

ص: 114

الواحديّ: ذلِكَ التّخيير الّذي خيّرناك في صحبتهنّ أَدْنى إلى رضاهنّ؛إذ كان منزلا من اللّه عليك.(3:478)

نحوه البغويّ(3:653)،و ابن الجوزيّ(6:408) ،و الخازن(5:222).

الزّمخشريّ: ذلِكَ التّفويض إلى مشيئتك أَدْنى إلى قرّة عيونهنّ،و قلّة حزنهنّ و رضاهنّ جميعا،لأنّه إذا سوّى بينهنّ في الإيواء و الإرجاء و العزل و الابتغاء،و ارتفع التّفاضل و لم يكن لإحداهنّ ممّا تريد و ممّا لا تريد إلاّ مثل ما للأخرى، و علمن أنّ هذا التّفويض من عند اللّه و بوحيه، اطمأنّت نفوسهنّ و ذهب التّنافس و التّغاير،و حصل الرّضا و قرّت العيون و سلّت القلوب.(3:269)

نحوه النّسفيّ(3:309)،و أبو حيّان(7:243)، و السّمين(5:422)،و الشّربينيّ(3:262)، و البروسويّ(7:208)،و شبّر(5:156)، و الشّوكانيّ ملخّصا(4:367).

الطّبرسيّ: ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ تقديره:من أن تقرّ،أو إلى أن تقرّ أعينهنّ.[إلى أن نقل قول ابن عبّاس و قتادة و الجبّائيّ و أضاف:]و قيل:معناه نزول الرّخصة من اللّه تعالى أقرّ لأعينهنّ،و أدنى إلى رضاهنّ بذلك،لعلمهنّ بما لهنّ في ذلك من الثّواب في طاعة اللّه تعالى،و لو كان ذلك من قبلك،لحزنّ و حملن ذلك على ميلك إلى بعضهنّ.(4:366)

الفخر الرّازيّ:يعني إذا لم يجب عليك القسم و أنت لا تترك القسم تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ لتسويتك بينهنّ وَ لا يَحْزَنَّ، بخلاف ما لو وجب عليك ذلك؛فليلة تكون عند إحداهنّ تقول:ما جاءني لهوى قلبه،إنّما جاءني لأمر اللّه و إيجابه عليه. يَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ من الإرجاء و الإيواء؛إذ ليس لهنّ عليك شيء حتّى لا يرضين.(25:221)

نحوه النّيسابوريّ.(22:25)

القرطبيّ:[ذكر قول قتادة،و غيره إلى أن قال:]

أي ذلك أقرب أن لا يحزنّ إذا لم يجمع إحداهنّ مع الأخرى،و يعاين الأثرة و الميل.(14:216،218)

البيضاويّ:[نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه أضاف:]

ثمّ إن سوّيت بينهنّ وجدن ذلك تفضّلا منك،و إن رجّحت بعضهنّ علمن أنّه بحكم اللّه تعالى،فتطمئنّ به نفوسهنّ.(2:250)

مثله أبو السّعود(5:234)،و الكاشانيّ(4:197)، و المشهديّ(8:200)،و القاسميّ(13:4888).

ابن جزيّ:أي إذا علمن أنّ هذا حكم اللّه قرّت به أعينهنّ و رضين به،و زال ما كان بهنّ من الغيرة.فإنّ سبب نزول هذه الآية ما وقع لأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من غيرة بعضهنّ على بعض.(3:141)

الآلوسيّ:أي تفويض الأمر إلى مشيئتك أقرب إلى قرّة عيونهنّ و سرورهنّ و رضاهنّ جميعا،لأنّه حكم كلّهنّ فيه سواء.ثمّ إن سوّيت بينهنّ وجدن ذلك تفضّلا منك،و إن رجّحت بعضهنّ علمن أنّه بحكم اللّه تعالى،فتطمئنّ به نفوسهنّ.و روي هذا عن قتادة.

و المراد ب بِما آتَيْتَهُنَّ عليه ما صنعت معهنّ، فيتناول ترك المضاجعة و القسم.و عن ابن عبّاس

ص: 115

و مجاهد:أنّ المعنى أنّهنّ إذا علمن أنّ لك ردّهنّ إلى فراشك بعد ما اعتزلتهنّ قرّت أعينهنّ و لم يحزنّ، و يرضين بما تفعله من التّسوية و التّفضيل،لأنّهنّ يعلمن أنّك لم تطلّقهنّ،و ظاهره جعل المشار إليه العلم بأنّ له صلّى اللّه عليه و سلّم الإيواء،و أظهر منه في ذلك قول الجبّائيّ:

ذلك العلم منهنّ بأنّك إذا عزلت واحدة كان لك أن تؤويها بعد ذلك أدنى لسرورهنّ و قرّة أعينهنّ.

و قال بعض الأجلّة:كون الإشارة إلى التّفويض أنسب لفظا،لأنّ ذلك للبعيد،و كونها إلى الإيواء أنسب معنى،لأنّ قرّة عيونهنّ بالذّات إنّما هي بالإيواء، فلا تغفل.(22:63)

ابن عاشور:الإشارة إلى شيء ممّا تقدّم و هو أقربه،فيجوز أن تكون الإشارة إلى معنى التّفويض المستفاد من قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ.

و يجوز أن تكون الإشارة إلى الابتغاء المتضمّن له فعل اِبْتَغَيْتَ، أي فلا جناح عليك في ابتغائهنّ بعد عزلهنّ،ذلك أدنى لأن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ...

فعلى الأوّل يكون المعنى أنّ في هذا التّفويض جعل الحقّ في اختيار أحد الأمرين بيد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و لم يبق حقّا لهنّ،فإذا عيّن لإحداهنّ حالة من الحالين رضيته (1)به،لأنّه يجعل اللّه تعالى على حكم قوله:

وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ الأحزاب:36، فقرّت أعين جميعهنّ بما عيّنت لكلّ واحدة،لأنّ الّذي يعلم أنّه لا حقّ له في شيء كان راضيا بما أوتي منه، و إن علم أنّ له حقّا حسب أنّ ما يؤتاه أقلّ من حقّه و بالغ في استيفائه.

و هذا التّفسير مرويّ عن قتادة،و تبعه الزّمخشريّ،و ابن العربيّ و القرطبيّ،و ابن عطيّة، و هذا يلائم قوله: وَ يَرْضَيْنَ و لا يلائم قوله: أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ لأنّ قرّة العين إنّما تكون بالأمر المحبوب.

و قوله: وَ لا يَحْزَنَّ لأنّ الحزن من الأمر المكدّر ليس باختياريّ كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«فلا تلمني فيما لا أملك».

و على الوجه الثّاني يكون المعنى ذلك الابتغاء بعد العزل،أقرب لأن تقرّ أعين اللاّتي كنت عزلتهنّ.ففي هذا الوجه ترغيب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في اختيار عدم عزلهنّ عن القسم،و هو المناسب لقوله: أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَ لا يَحْزَنَّ كما علمت آنفا،و لقوله: وَ يَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ، و لما فيما ذكر من الحسنات الوافرة الّتي يرغّب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في تحصيلها لا محالة،و هي إدخال المسرّة على المسلم،و حصول الرّضى بين المسلمين، و هو ممّا يعزّز الأخوّة الإسلاميّة المرغّب فيها.

و نقل قريب من هذا المعنى عن ابن عبّاس و مجاهد،و اختاره أبو عليّ الجبّائيّ،و هو الأرجح، لأنّ قرّة العين لا تحصل على مضض،و لأنّ الحطّ في الحقّ يوجب الكدر،و يؤيّده أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يأخذ إلاّ به.و لم يحفظ عنه أنّه آثر إحدى أزواجه بليلة سوى ليلة سودة الّتي وهبتها لعائشة،استمرّ ذلك إلىه.

ص: 116


1- كذا،و الصّحيح:رضيت به.

وفاته صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قد جاء في«الصّحيح»أنّه كان في مرضه الّذي توفّي فيه يطاف به كلّ يوم على بيوت أزواجه،و كان مبدأ شكواه في بيت ميمونة إلى أن جاءت نوبة ليلة عائشة فأذن له أزواجه أن يمرض في بيتها رفقا به.

و روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال حين قسم لهنّ:«اللّهمّ هذه قسمتي فيما أملك،فلا تلمني فيما لا أملك»و لعلّ ذلك كان قبل نزول التّفويض إليه بهذه الآية.

(21:300)

مغنيّة:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و مع ذلك فقد كان النّبيّ يساوي بين أزواجه.

(6:232)

الطّباطبائيّ:و يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ له صلّى اللّه عليه و آله أن يقسم بين نسائه،و أن يترك القسم،فيؤخّر من يشاء منهنّ،و يقدّم من يشاء،و يعزل بعضهنّ من القسم فلا يقسم لها أو يبتغيها فيقسم لها بعد العزل، و هو أوفق لقوله بعده: وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ، ذلِكَ أَدْنى، أي أقرب أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ، أي يسررن وَ لا يَحْزَنَّ وَ يَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ و ذلك لسرور المتقدّمة بما قسمت له،و رجاء المتأخّرة أن تتقدّم بعد.

(16:336)

عبد الكريم الخطيب: ذلِكَ إشارة إلى أنّ هذا التّدبير الّذي من شأنه أن يجعل نساء النّبيّ كلّهنّ إلى يده،عن قرب أو بعد،فيه إرضاء لهنّ جميعا،القريبة منهنّ لقربها،و البعيدة لصلتها بالرّسول،و انتسابها إليه،و عدّها من أمّهات المؤمنين،و حسبها بهذا قرّة عين،و روح روح،و سكن فؤاد.(11:739)

مكارم الشّيرازيّ:و من أجل أن تعلم نساء النّبيّ بأنّهنّ إن أذعنّ لأمر اللّه تعالى في مسألة تقسيم أوقات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّه يعتبر و سام فخر لهنّ،يضاف إلى الفخر بكونهنّ أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛إذ أنّ هذا التّسليم نوع من التّضحية و الإيثار،و ليس فيه أيّ عيب و انتقاص، و لذلك يضيف سبحانه: ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ، أي يسررن وَ لا يَحْزَنَّ وَ يَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ.

و ذلك أوّلا:لأنّ هذا الحكم عامّ يشملهنّ جميعا و لا يتفاوتن فيه.و ثانيا:إنّ الحكم الّذي يشرع من جانب اللّه سبحانه إنّما يشرع لمصلحة مهمّة،و بناء على هذا فيجب الإذعان له برغبة و رضا،فينبغي مضافا إلى عدم القلق و التّأثّر أن يفرحن لذلك.

لكن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله-و كما أشرنا إلى ذلك-كان يراعي تقسيم أوقاته بينهنّ بعدالة قدر المستطاع،إلاّ في الظّروف الخاصّة الّتي كانت توجب عدم التّسوية و تحتّمه،و كان هذا بحدّ ذاته مطلبا آخر يبعث على ارتياحهنّ،لأنّهنّ كنّ يرين أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يسعى للتّسوية بينهنّ مع كونه مخيّرا.(13:291)

فضل اللّه: ذلِكَ أَدْنى... لأنّهنّ يشعرن بأنّ اللّه عند ما جعل الأمر إليك،فإنّه جعل لهنّ ضمانة كبيرة في الحصول على الحياة الكريمة الرّحيمة،و المعاملة الحسنة،و الميزان العادل الّذي لن تختار فيه إلاّ ما يحقّق لهنّ الرّضا و الطّمأنينة و قرّة العين،لأنّ إنسانيّة الرّسالة في عمق شخصيّتك،و روحانيّة الشّعور

ص: 117

الرّحيم في قلبك،لا تتحرّكان إلاّ بالخير كلّه، و الإحسان كلّه،و العدل كلّه.(18:335)

7- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

الأحزاب:59

راجع:ع ر ف:«يعرفن».

8- ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى.

النّجم:8،9

راجع:د ن و:«دنا».

9- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ... المجادلة:7

ابن عبّاس:و لا أقلّ.(461)

الطّبريّ: وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ يقول:و لا أقلّ من ثلاثة وَ لا أَكْثَرَ من خمسة.(12:13)

و هكذا أكثر التّفاسير.

الزّمخشريّ: لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ فدلّ على الاثنين و الأربعة،و قال: وَ لا أَكْثَرَ فدلّ على ما يلي هذا العدد و يقاربه.(4:74)

نحوه النّسفيّ.(4:233)

أبو السّعود: لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ أي ممّا ذكر كالواحد و الاثنين، وَ لا أَكْثَرَ كالسّتّة و ما فوقها.

(6:217)

نحوه الآلوسيّ.(28:24)

البروسويّ:أي أقلّ ممّا ذكر كالاثنين و الواحد، فإنّ الواحد أيضا يناجي نفسه وَ لا أَكْثَرَ كالسّتّة و ما فوقها.(9:399)

الطّباطبائيّ:أي و لا أقلّ ممّا ذكر من العدد، و لا أكثر ممّا ذكر.و بهاتين الكلمتين يشمل الكلام عدد أهل النّجوى أيّا ما كان.أمّا الأدنى من ذلك،فالأدنى من الثّلاثة الاثنان،و الأدنى من الخمسة الأربعة.و أمّا الأكثر فالأكثر من خمسة السّتّة فما فوقها.(19:184)

عبد الكريم الخطيب:و في قوله تعالى: وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ هو استيفاء لجميع أعداد المجتمعين للنّجوى من واحد يناجي نفسه،إلى ما لا نهاية له من الّذين يتناجون فيما بينهم.

و على هذا،فلا محلّ للتّساؤل عن الحكمة في ذكر هذين العددين:ثلاثة و خمسة،إذ لو ذكر أيّ عدد غيرهما،لكان هذا التّساؤل واردا عليه أيضا.

و لا يقطع هذا التّساؤل إلاّ إذا ذكرت الأعداد جميعها،ابتداء من الواحد إلى ما لا نهاية،و هذا ما لا يكون في كتاب غايته تقويم الأخلاق،و تهذيب النّفوس،لا تربية الملكات الذّهنيّة،و تدريب العقول الرّياضيّة.(14:824)

مكارم الشّيرازيّ:يرى البعض أنّ«النّجوى» يجب أن تكون بين ثلاثة أشخاص أو أكثر،و إذا كانت بين شخصين،فيقال لها«سرار»على وزن«ستار».

ص: 118

إلاّ أنّ هذا خلاف ظاهر الآية،لأنّ الجملة: وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ تشير إلى أقلّ من ثلاثة أشخاص-أي شخصين-و من الطّبيعيّ أنّه إذا تناجى شخصان فلا بدّ من أن يكون شخص ثالث قريب منهما،و إلاّ فلا ضرورة للنّجوى.إلاّ أنّ ذلك لا يرتبط بما ذكرنا.

(18:111)

و راجع:ك ث ر:«اكثر»،و:ن ج و:«نجوى».

10- إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ... المزّمّل:20

ابن عبّاس:أقلّ.(491)

مثله أكثر التّفاسير.

الزّمخشريّ: أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ أقلّ منهما، و إنّما استعير«الأدنى»و هو الأقرب للأقلّ،لأنّ المسافة بين الشّيئين إذا دنت قلّ ما بينهما من الأحياز، و إذا بعدت كثر ذلك.(4:178)

مثله الفخر الرّازيّ(30:186)،و النّسفيّ(4:

306)،و النّيسابوريّ(29:80)،و أبو السّعود(6:

323).

الشّربينيّ:أي:زمانا أقلّ.و«الأدنى»مشترك بين الأقرب و الأدون:الأنزل رتبة،لأنّ كلاّ منهما يلزم عنه قلّة المسافة.(4:421)

البروسويّ:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

مجاز مرسل من قبيل إطلاق الملزوم على اللاّزم.(10:218)

الآلوسيّ:أي زمانا أقلّ منهما،استعمل فيه «الأدنى»و هو اسم تفضيل من:دنا،إذا قرب،لما أنّ المسافة بين الشّيئين إذا دنت قلّ ما بينهما من الأحياز، فهو مجاز مرسل،لأنّ القرب يقتضي قلّة الأحياز بين الشّيئين،فاستعمل في لازمه أو في مطلق القلّة،و جوّز اعتبار التّشبيه بين القرب و القلّة،ليكون هناك استعارة؛و الإرسال أقرب.(29:110)

ابن عاشور:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو منصوب على الظّرفيّة لفعل تَقُومُ، أي تقوم في زمان يقدّر أقلّ من ثلثي اللّيل؛و ذلك ما يزيد على نصف اللّيل،و هو ما اقتضاه قوله تعالى: أَوْ زِدْ عَلَيْهِ المزّمّل:4.(29:262)

الطّباطبائيّ: أَدْنى اسم تفضيل من الدّنوّ بمعنى القرب،و قد جرى العرف على استعمال«أدنى» فيما يقرب من الشّيء،و هو أقلّ،فيقال:إنّ عدّتهم أدنى من عشرة،إذا كانوا تسعة مثلا،دون ما لو كانوا أحد عشر،فمعنى قوله: أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ أقرب من ثلثيه و أقلّ بقليل.(20:74)

مثله فضل اللّه.(23:190)

الادنى

1- فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَ إِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ... الأعراف:169

الطّوسيّ:هذا العاجل.(5:25)

مثله الطّبرسيّ.(2:495)

الواحديّ:أراد ب اَلْأَدْنى العالم الأدنى،

ص: 119

و هو الدّار الفانيّة.(2:422)

البغويّ:[مثل الواحديّ و أضاف:]

فهو تذكير الدّنيا.(2:244)

الميبديّ: اَلْأَدْنى: تذكير الدّنيا،يعني عرض هذه الدّنيا.(3:775)

الزّمخشريّ: هذَا الشّيء اَلْأَدْنى، يريد الدّنيا،و ما يتمتّع به منها،و في قوله: هذَا الْأَدْنى تخسيس و تحقير.

و اَلْأَدْنى إمّا من الدّنوّ بمعنى القرب،لأنّه عاجل قريب،و إمّا من دنوّ الحال و سقوطها و قلّتها.

(2:128)

مثله الفخر الرّازيّ(15:44)،و نحوه البيضاويّ (1:375)،النّسفيّ(2:84)،و أبو السّعود ملخّصا(3 :47)،و الطّريحيّ(1:148)،و البروسويّ(3:269).

ابن عطيّة: اَلْأَدْنى: إشارة إلى عيش الدّنيا.

(2:472)

ابن الجوزيّ:أي هذه الدّنيا...و في وصفه ب اَلْأَدْنى قولان:أحدهما:أنّه من الدّنوّ،و الثّاني:

أنّه من الدّناءة.(3:281)

الآلوسيّ:[نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و كونها من الدّناءة خلاف الظّاهر و إن كان ذلك ظاهرا فيها،لأنّه مهموز.(9:96)

راجع:ع ر ض:«عرض هذا الادنى».

2- وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. السّجدة:21

الطّريحيّ:و اَلْأَدْنى يصرف على وجوه:

فتارة يعبّر به عن الأقلّ،فيقابل بالأكثر و الأكبر، و تارة على الأذلّ و الأحقر فيقابل بالأعلى و الأفضل، و تارة عن الأقرب فيقابل بالأقصى،و تارة عن الأوّل فيقابل بالآخر،و بجميع ذلك ورد التّنزيل.(1:148)

الطّباطبائيّ:قيل:سمّي عذاب الدّنيا أدنى و لم يقل:الأصغر،حتّى يقابل الأكبر،لأنّ المقام مقام الإنذار و التّخويف،و لا يناسبه عدّ العذاب أصغر.

و كذا لم يقل:دون العذاب الأبعد،حتّى يقابل العذاب الأدنى،لعدم ملاءمته مقام التّخويف.(16:264)

راجع:ع ذ ب:«العذاب الادنى».

الدّنيا

1- ...فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... البقرة:85

الطّبريّ:يعني في عاجل الدّنيا قبل الآخرة.

(1:445)

أبو حيّان: اَلدُّنْيا: تأنيث الأدنى،و يرجع إلى الدّنوّ،بمعنى القرب.و الألف فيه للتّأنيث،و لا تحذف منها الألف و اللاّم إلاّ في شعر،نحو قوله:

*في سعي دنيا طالما قد مدّت*

و اَلدُّنْيا تارة تستعمل صفة،و تارة تستعمل استعمال الأسماء.فإذا كانت صفة،فالياء مبدلة من واو؛إذ هي مشتقّة من الدّنوّ،و ذلك نحو:العليا.

و لذلك جرت صفة على اَلْحَياةِ في قوله: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ، فأمّا

ص: 120

القصوى و الحلوى فشاذّ.و إذا استعملت استعمال الأسماء،فكذلك.

و قال أبو بكر بن السّرّاج:في«المقصور و الممدود» له،الدّنيا مؤنّثة مقصورة،تكتب بالألف،هذه لغة نجد و تميم خاصّة،إلاّ أنّ أهل الحجاز و بني أسد يلحقونها و نظائرها بالمصادر ذوات الواو،فيقولون:دنوى،مثل:

شروى،و كذلك يفعلون بكلّ«فعلى»موضع لامها واو،و يفتحون أوّلها و يقلبون الواو ياء،لأنّهم يستثقلون الضّمّة و الواو.(1:282)

الآلوسيّ: اَلدُّنْيا مأخوذة من دنا يدنو، و ياؤها منقلبة عن واو،و لا يحذف منها الألف و اللاّم إلاّ قليلا.و خصّه أبو حيّان في الشّعر.(1:314)

لاحظ:خ ز ي:«خزى».

2- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ... البقرة:86

الطّبريّ:استحبّوا قليل الدّنيا على كثير الآخرة.

(1:447)

لاحظ:ش ري:«اشتروا».

3- وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ... لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. البقرة:114

أبو السّعود:و تقديم الظّرف في الموضعين للتّشويق إلى ما يذكر بعده من الخزي و العذاب،لما مرّ من أنّ تأخير ما حقّه التّقديم موجب لتوجّه النّفس إليه،فيتمكّن فيها عند وروده فضل تمكّن،كما في قوله تعالى: أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ الانشراح:1، و وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ الزّمر:6، إلى غير ذلك.(1:186)

لاحظ:خ ز ي:«خزي».

4- ...فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ. البقرة:200

ابن عبّاس: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا: أعطنا في الدّنيا إبلا و بقرا و غنما و عبيدا و إماء و مالا.(28)

أبو وائل:هب لنا غنما!هب لنا إبلا!

نحوه أبو بكر بن عيّاش.(الطّبريّ 2:311)

كانت عادتهم في الجاهليّة أن يدعوا في مصالح الدّنيا فقط؛إذ كانوا لا يعرفون الآخرة.

مثله السّدّيّ،و ابن زيد.(ابن عطيّة 1:276)

أنس بن مالك:كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون،فيقولون:«اللّهمّ اسقنا المطر،و أعطنا على عدوّنا الظّفر،و ردّنا صالحين إلى صالحين».

(الطّبريّ 2:311)

مجاهد:نصرا و رزقا،و لا يسألون لآخرتهم شيئا.(الطّبريّ 2:311)

قتادة:فهذا عبد نوى الدّنيا،لها عمل،و لها نصب.

(الطّبريّ 2:311)

هذا عبد نوى الدّنيا،لها أنفق،و لها عمل،و لها قضت،فهي همّه و أمنيّته و طلبته.(الثّعلبيّ 2:115)

السّدّيّ:كانت العرب إذا قدمت مناسكها

ص: 121

و أقاموا بمنى،يقوم الرّجل فيسأل اللّه و يقول:«اللّهمّ إنّ أبي كان عظيم الجفنة،كثير المال،فأعطني مثل ما أعطيت أبي»،لا يذكر اللّه،إنّما يذكر أباه،فيسأل أن يعطى في الدّنيا.(146)

ابن زيد:إنّما حجّوا للدّنيا و المسألة،لا يريدون الآخرة،و لا يؤمنون بها.(الطّبريّ 2:311)

نحوه ابن جزيّ.(1:75)

الطّبريّ:...و لا تكونوا كمن اشترى الحياة الدّنيا بالآخرة،فكانت أعمالهم للدّنيا و زينتها،فلا يسألون ربّهم إلاّ متاعها.(2:311)

الزّجّاج:هؤلاء مشركو العرب كانوا يسألون التّوسعة عليهم في الدّنيا،و لا يسألون حظّا من الآخرة، لأنّهم كانوا غير مؤمنين بالآخرة.(1:274)

نحوه الخازن.(1:158)

الثّعلبيّ:أي أعطنا إبلا و غنما و بقرا و عبيدا و إماء،فحذف المفعول.(2:115)

القشيريّ:خطاب لو قاله مخلوق لك كان شاكيا،و لو أنّه شكا منك كما شكا إليك لساءت الحالة،و لكن بفضله أحلّك محلّ أن يشكو إليك، فقال:من النّاس من لا يجنح قلبه إلينا،و يرضى بدوننا عنّا،فلا يبصر غير نفسه و حظّه،و لا يمكن إيمان له بربّه و حقّه.(1:180)

البغويّ:[نحو ابن عبّاس و السّدّيّ](1:257)

الزّمخشريّ:اجعل إيتائنا،أي إعطائنا في الدّنيا خاصّة.(1:350)

نحوه البيضاويّ(1:110)،و أبو السّعود(1:

252)،و الكاشانيّ(1:217)،و المشهديّ(1:489) و شبّر(1:205).

ابن عطيّة:[نقل قول أبي وائل و السّدّيّ و ابن زيد و أضاف:]

فنهوا عن ذلك الدّعاء المخصوص بأمر الدّنيا، و جاء النّهي في صيغة الخبر عنهم.(1:276)

الفخر الرّازيّ:في الآية مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّ اللّه تعالى بيّن أوّلا تفصيل مناسك الحجّ،ثمّ أمر بعدها بالذّكر،فقال: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ البقرة:198،ثمّ بيّن أنّ الأولى أن يترك ذكر غيره،و أن يقتصر على ذكره فقال: فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً، ثمّ بيّن بعد ذلك الذّكر كيفيّة الدّعاء،فقال: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا. و ما أحسن هذا التّرتيب،فإنّه لا بدّ من تقديم العبادة لكسر النّفس و إزالة ظلماتها،ثمّ بعد العبادة لا بدّ من الاشتغال بذكر اللّه تعالى،لتنوير القلب و تجلّي نور جلاله،ثمّ بعد ذلك الذّكر يشتغل الرّجل بالدّعاء،فإنّ الدّعاء إنّما يكمل إذا كان مسبوقا بالذّكر،كما حكي عن إبراهيم عليه السّلام أنّه قدّم الذّكر فقال: اَلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ الشّعراء:78،ثمّ قال: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ فقدّم الذّكر على الدّعاء.

إذا عرفت هذا فنقول:بيّن اللّه تعالى أنّ الّذين يدعون اللّه فريقان؛أحدهما:أن يكون دعاؤهم مقصورا على طلب الدّنيا.و الثّاني:الّذين يجمعون في

ص: 122

الدّعاء بين طلب الدّنيا و طلب الآخرة.و قد كان في التّقسيم قسم ثالث،و هو من يكون دعاؤه مقصورا على طلب الآخرة،و اختلفوا في أنّ هذا القسم هل هو مشروع أوّلا؟و الأكثرون على أنّه غير مشروع؛ و ذلك أنّ الإنسان خلق محتاجا ضعيفا لا طاقة له بآلام الدّنيا و لا بمشاقّ الآخرة،فالأولى له أن يستعيذ بربّه من كلّ شرور الدّنيا و الآخرة.

روى القفّال في تفسيره عن أنس:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم دخل على رجل يعوده و قد أنهكه المرض،فقال:ما كنت تدعو اللّه به قبل هذا؟قال:كنت أقول:اللّهمّ ما كنت تعاقبني به في الآخرة فعجّل به في الدّنيا،فقال النّبيّ عليه السّلام:سبحان اللّه إنّك لا تطيق ذلك،أ لا قلت:

رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ قال:فدعا له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فشفي».

و اعلم أنّه سبحانه لو سلّط الألم على عرق واحد في البدن،أو على منبت شعرة واحدة،لشوّش الأمر على الإنسان و صار بسببه محروما عن طاعة اللّه تعالى و عن الاشتغال بذكره،فمن ذا الّذي يستغني عن إمداد رحمة اللّه تعالى في أولاه و عقباه،فثبت أنّ الاقتصار في الدّعاء على طلب الآخرة غير جائز.و في الآية إشارة إليه حيث ذكر القسمين الأوّلين،و أهمل هذا القسم الثّالث.

المسألة الثّانية:اختلفوا في أنّ الّذين حكى اللّه عنهم أنّهم يقتصرون في الدّعاء على طلب الدّنيا من هم؟فقال قوم:هم الكفّار،روي عن ابن عبّاس أنّ المشركين كانوا يقولون إذا وقفوا:اللّهمّ ارزقنا إبلا و بقرا و غنما و عبيدا و إماء،و ما كانوا يطلبون التّوبة و المغفرة؛و ذلك لأنّهم كانوا منكرين للبعث و المعاد.

و عن أنس كانوا يقولون:اسقنا المطر و أعطنا على عدوّنا الظّفر،فأخبر اللّه تعالى أنّ من كان من هذا الفريق فلا خلاق له في الآخرة،أي لا نصيب له فيها من كرامة و نعيم و ثواب.

نقل عن الشّيخ أبي عليّ الدّقّاق رحمه اللّه أنّه قال:

أهل النّار يستغيثون ثمّ يقولون:أفيضوا علينا من الماء، أو ممّا رزقكم اللّه في الدّنيا،طلبا للمأكول و المشروب، فلمّا غلبتهم شهواتهم افتضحوا في الدّنيا و الآخرة.

و قال آخرون:هؤلاء قد يكونون مؤمنين و لكنّهم يسألون اللّه لدنياهم،لا لأخراهم،و يكون سؤالهم هذا من جملة الذّنوب حيث سألوا اللّه تعالى في أعظم المواقف،و أشرف المشاهد حطام الدّنيا و عرضها الفانيّ،معرضين عن سؤال النّعيم الدّائم في الآخرة.

و قد يقال لمن فعل ذلك:إنّه لا خلاق له في الآخرة، و إن كان الفاعل مسلما،كما روي في قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ آل عمران:77،أنّها نزلت فيمن أخذ مالا بيمين فاجرة،روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّ اللّه يؤيّد هذا الدّين بأقوام لا خلاق لهم.

ثمّ معنى ذلك على وجوه:أحدها:أنّه لا خلاق له في الآخرة إلاّ أن يتوب.و الثّاني:لا خلاق له في الآخرة إلاّ أن يعفو اللّه عنه.و الثّالث:لا خلاق له في الآخرة كخلاق من سأل اللّه لآخرته،و كذلك لا خلاق لمن أخذ مالا بيمين فاجرة كخلاق من تورّع

ص: 123

عن ذلك.و اللّه أعلم.

المسألة الثّالثة:قوله تعالى: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حذف مفعول آتِنا من الكلام لأنّه كالمعلوم.و اعلم أنّ مراتب السّعادات ثلاث:

روحانيّة،و بدنيّة،و خارجيّة.أمّا الرّوحانيّة فاثنان:

تكميل القوّة النّظريّة بالعلم،و تكميل القوّة العمليّة بالأخلاق الفاضلة.و أمّا البدنيّة فاثنان:الصّحّة و الجمال.و أمّا الخارجيّة فاثنان:المال و الجاه،فقوله:

فِي الدُّنْيا حَسَنَةً يتناول كلّ هذه الأقسام،فإنّ العلم إذا كان يراد للتّزيّن به في الدّنيا و التّرفّع به على الأقران كان من الدّنيا،و الأخلاق الفاضلة إذا كانت تراد للرّئاسة في الدّنيا و ضبط مصالحها كانت من الدّنيا.و كلّ من لا يؤمن بالبعث و المعاد فإنّه لا يطلب فضيلة،لا روحانيّة و لا جسمانيّة إلاّ لأجل الدّنيا،ثمّ قال تعالى في حقّ هذا الفريق: ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أي ليس له نصيب في نعيم الآخرة.و نظير هذه الآية قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ الشّورى:20.

ثمّ إنّه تعالى لم يذكر في هذه الآية أنّ الّذي طلبه في الدّنيا هل أجيب له أم لا؟قال بعضهم:إنّ مثل هذا الإنسان ليس بأهل للإجابة،لأنّ كون الإنسان مجاب الدّعوة صفة مدح فلا تثبت إلاّ لمن كان وليّا للّه تعالى، مستحقّا للكرامة،لكنّه و إن لم يجب فإنّه ما دام مكلّفا حيّا فاللّه تعالى يعطيه رزقه،على ما قال: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُها هود:6.و قال آخرون؛إنّ مثل هذا الإنسان قد يكون مجابا،لكن تلك الإجابة قد تكون مكرا و استدراجا.(5:205)

نحوه ملخّصا،النّيسابوريّ.(2:189)

العكبريّ:قوله تعالى فِي الدُّنْيا حَسَنَةً يجوز أن تكون(في)متعلّقة ب آتِنا، و أن تكون صفة ل حَسَنَةً قدّمت فصارت حالا.(1:165)

ابن عربيّ: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا أي لا يطلب إلاّ متاع الدّنيا،و لا يشتغل إلاّ بذكرها، و لا يعبد اللّه إلاّ لأجلها. وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ فإنّ توجّهه إلى الأخسّ يمنعه عن قبول الأشرف،لعدم نهوض همّته إليه،و اكتساب الظّلمة المنافية للنّور. وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ... أي يطلب خير كلّ من الدّارين،و يحترز عن الاحتجاب بالظّلمة، و التّعذّب بنيران الطّبيعة،و الحرمان عن أنوار الرّحمة.

(1:125)

القرطبيّ:(من)في موضع رفع بالابتداء و إن شئت بالصّفة،يقول: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا صلة (من)،و المراد:المشركون.[ثمّ قال نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و يجوز أن يتناول هذا الوعيد المؤمن أيضا إذا قصر دعواته في الدّنيا،و على هذا ف ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ أي كخلاق الّذي يسأل الآخرة.

(2:432)

النّسفيّ:اجعل إيتائنا،أي إعطائنا في الدّنيا خاصّة،يعني الجاه و الغنى.(1:103)

أبو حيّان:قالوا:بيّن تعالى حال الذّاكرين له قبل

ص: 124

مبعثه،و حال المؤمنين بعد مبعثه،و علّمهم بالثّواب و العقاب.و الّذي يظهر أنّ هذا تقسيم للمأمورين بالذّكر بعد الفراغ من المناسك،و أنّهم ينقسمون في السّؤال إلى من يغلب عليه حبّ الدّنيا،فلا يدع إلاّ بها، و منهم من يدعو بصلاح حاله في الدّنيا و الآخرة،و أنّ هذا من الالتفات.و لو جاء على الخطاب لكان:

فمنكم من يقول و منكم.و حكمة هذا الالتفات أنّهم ما وجّهوا بهذا الّذي لا ينبغي أن يسلكه عاقل،و هو الاقتصار على الدّنيا،فأبرزوا في صورة أنّهم غير المخاطبين بذكر اللّه،بأن جعلوا في صورة الغائبين.

و هذا من التّقسيم الّذي هو من جملة ضروب البيان،و هو تقسيم بديع يحصره المقسم إلى هذين النّوعين،لا على ما يذهب إليه الصّوفيّة من أنّ ثمّ قسما ثالثا لم يذكر لهم تعالى،قالوا:و هم الرّاضون بقضائه،المستسلمون لأمره،السّاكتون عن كلّ دعاء، و افتشاء.و مفعول آتِنا الثّاني محذوف،تقديره:ما تريد،أو مطلوبنا،أو ما أشبه هذا.و جعل(فى)زائدة، و تكون اَلدُّنْيا المفعول الثّاني،قول ساقط، و كذلك جعل(فى)بمعنى«من»حتّى يكون في موضع المفعول،و حذف مفعولي«آتي»،و أحدهما جائز اختصارا و اقتصارا،لأنّ هذا باب:«أعطى»و ذلك جائز فيه.(2:104)

السّمين:قوله: مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا، (من) مبتدأ،و خبره في الجارّ قبله،و يجوز أن تكون فاعلة عند الأخفش،و أن تكون نكرة موصوفة.و في هذا الكلام التفات؛إذ لو جرى على النّسق الأوّل لقيل:

فمنكم،و حمل على معنى(من)إذ جاء جمعا في قوله:

رَبَّنا آتِنا، و لو حمل على لفظها لقال:ربّ آتني.

و في مفعول آتِنا الثّاني-لأنّه يتعدّى لاثنين ثانيهما غير الأوّل-ثلاثة أقوال؛

أظهرها:أنّه محذوف اختصارا أو اقتصارا،لأنّه من باب«أعطى»،أي آتنا ما نريد أو مطلوبنا.

و الثّاني:أنّ(فى)بمعنى«من»أي من الدّنيا.و الثّالث:

أنّها زائدة،أي آتنا الدّنيا،و ليسا بشيء.(1:500)

ابن كثير:ثمّ إنّه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره فإنّه مظنّة الإجابة،و ذمّ من لا يسأله إلاّ في أمر دنياه و هو معرض عن أخراه،فقال: فَمِنَ النّاسِ...

...و تضمّن هذا الذّمّ و التّنفير عن التّشبيه بمن هو كذلك.(1:432)

الشّربينيّ: آتِنا نصيبنا فِي الدُّنْيا، و هم المشركون.[ثمّ قال نحو أبي وائل و السّدّيّ](1:133)

البروسويّ:[نحو الزّمخشريّ و الشّربينيّ]

(1:319)

الآلوسيّ:أي اجعل كلّ إيتائنا و منحتنا فيها.

فالمفعول الثّاني متروك،و نزّل الفعل بالقياس منزلة اللاّزم ذهابا إلى عموم الفعل،للإشارة إلى أنّ همّته مقصورة على مطالب الدّنيا.(2:90)

القاسميّ: آتِنا أي مرغوباتنا، فِي الدُّنْيا، لا نطلب غيرها.(3:501)

رشيد رضا:ذكر تعالى أنّ هذا الفريق يطلب حظّ الدّنيا مطلقا،و لم يقل:إنّه يطلب حسنة فيها،لأنّ من كانت الدّنيا كلّ همّه،لا يبالي أ كانت شهواته

ص: 125

و حظوظه حسنة أم سيّئة،فهو يطلب الدّنيا من كلّ باب،و يسلك إليها كلّ طريق،لا يميّز بين نافع لغيره و لا ضارّ،فباستيلاء حبّ الدّنيا عليه لم يكن للآخرة -و ما أعدّه اللّه فيها للمتّقين من الرّضوان-موضع من نفسه يرجوه و يدعو اللّه فيه،كما أنّه لا يخاف ما توعّد اللّه بالمجرمين فيها،فيلجأ إليه تعالى بأن يقيه شرّه.

فحرمان هذا الفريق من خلاق الآخرة هو أثر كسبه و سوء اختياره،و تفضيله حظوظ الدّنيا الفانية على سعادة الآخرة الباقية،لأنّه يعمل للأولى كلّ ما يستطيع من أسباب الحلال و الحرام،حتّى أنّه لا يسأل ربّه إلاّ المزيد من حظوظها و شهواتها،و قد ينالها كثير من النّاس بدون همّ كبير في العمل لها،و لا يعمل للآخرة،و قد اشترط لسعادتها خير العمل،فقال تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً الإسراء:17،18.

و يا للّه ما أبلغ حذف مفعول آتِنا في هذا المقام؟ فهو من دقائق الإيجاز الّتي تحار فيها الأفهام،و تعجز عنها قرائح الأنام،فإنّه بدلالته على العموم يشمل كلّ ما يعني أفراد هؤلاء النّاس المتفاوتي الهمم المختلفي الأهواء،من الحظوظ و الشّهوات،حسنها و قبيحها، خيرها و شرّها،كبيرها و خسيسها،و ما لا يليق ذكره منها.

و قد اختلف المفسّرون في تعيين هذا الفريق...

[ثمّ ذكر نحو ما نقلناه عن الفخر الرّازيّ في المسألة الثّانية](2:236)

نحوه ملخّصا المراغيّ.(2:106)

عزّة دروزة:الجملة الّتي نحن في صددها منطوية على تنديد عامّ بمن لا يهتمّ لمصيره الأخرويّ،و يجعل الدّنيا أكبر همّه،أو همّه الوحيد.(7:315)

سيّد قطب:إنّ هناك فريقين:فريقا همّه الدّنيا، فهو حريص عليها،مشغول بها.و قد كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف في الحجّ،فيقولون:اللّهمّ اجعله عام غيث و عام خصب و عام ولاد حسن، لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا.

و ورد عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:أنّ الآية نزلت في هذا الفريق من النّاس،و لكن مدلول الآية أعمّ و أدوم.فهذا نموذج من النّاس مكرور في الأجيال و البقاع.النّموذج الّذي همّه الدّنيا وحدها،يذكرها حتّى حين يتوجّه إلى اللّه بالدّعاء،لأنّها هي الّتي تشغله،و تملأ فراغ نفسه،و تحيط عالمه و تغلقه عليه، هؤلاء قد يعطيهم اللّه نصيبهم في الدّنيا-إذا قدّر العطاء-و لا نصيب لهم في الآخرة على الإطلاق.

و فريقا أفسح أفقا،و أكبر نفسا،لأنّه موصول باللّه،يريد الحسنة في الدّنيا و لكنّه لا ينسى نصيبه في الآخرة،فهو يقول: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً...

البقرة:201.(1:201)

ابن عاشور:...و المقسم إلى الفريقين جميع النّاس من المسلمين و المشركين،لأنّ الآية نزلت قبل تحجير الحجّ على المشركين بآية براءة،فيتعيّن أنّ المراد بمن ليس له في الآخرة من خلاق هم المشركون،لأنّ

ص: 126

المسلمين لا يهملون الدّعاء لخير الآخرة ما بلغت بهم الغفلة،فالمقصود من الآية:التّعريض بذمّ حالة المشركين،فإنّهم لا يؤمنون بالحياة الآخرة.

و قوله: آتِنا ترك المفعول الثّاني لتنزيل الفعل منزلة ما لا يتعدّى إلى المفعول الثّاني،لعدم تعلّق الغرض ببيانه،أي أعطنا عطاء في الدّنيا،أو يقدّر المفعول بأنّه الإنعام،أو الجائزة،أو محذوف لقرينة قوله: حَسَنَةً فيما بعد،أي آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً. (2:243)

مغنيّة:النّاس في حجّهم نوعان:نوع لا يطلب إلاّ متاع الدّنيا،و لا همّ له إلاّ همّها،و إذا عبد اللّه فإنّما يعبده من أجلها،و هذا النّوع محروم من نعيم الآخرة.

و نوع يطلب خير الدّارين...(1:306)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(1:225)

الطّالقانيّ: فِي الدُّنْيا ظرف الطّلب،و لعلّه لم يذكر مفعول آتِنا لهذه الغاية؛إذ كانوا يطلبون شيئا مجهولا و غير معروف،أو كانوا لا يحفلون في طلبهم بالخير و الشّرّ و الصّلاح و الفساد،فيطلبون متاع الدّنيا و ما فيها.

و هناك أناس قابعون في مكمنهم،قاصرون عن النّظر دونهم،لا يتأثّرون بحوادث الدّنيا،و لا يبلغ طرفهم محيط دنياهم،و لا تتجاوز أمانيّهم مرمى أبصارهم-رغم أدائهم مناسك الحجّ-إذ لم يتأثّروا بها، و لم ينشدوا وجه اللّه فيها،و لم يذكروه عندها،بل ينشدون كلّ شيء لهم،فهم يحسبون دين اللّه و المناسك و العبادة وسيلة لضمان معيشتهم و دنياهم.إنّ اللّه ما وعد هذه الفئة الإجابة في الدّنيا في قوله: آتِنا، لأنّ نيل مبتغاها منوط بسعيها،و ليس لها في الآخرة نصيب أيضا،لتثاقلها في طلب حياة أفضل،أي الآخرة:

وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (2:95)

الطّباطبائيّ:قوله تعالى: فَمِنَ النّاسِ...

تفريع على قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ، و اَلنّاسِ مطلق،فالمراد به أفراد الإنسان أعمّ من الكافر الّذي لا يذكر إلاّ آبائه،أي لا يبتغي إلاّ المفاخر الدّنيويّة و لا يطلب إلاّ الدّنيا،و لا شغل له بالآخرة،و من المؤمن الّذي لا يريد إلاّ ما عند اللّه سبحانه،و لو أراد من الدّنيا شيئا لم يرد إلاّ ما يرتضيه له ربّه.و على هذا فالمراد بالقول و الدّعاء ما هو سؤال بلسان الحال دون المقال.و يكون معنى الآية:أنّ من النّاس من لا يريد إلاّ الدّنيا و لا نصيب له في الآخرة، و منهم من لا يريد إلاّ ما يرتضيه له ربّه سواء في الدّنيا أو في الآخرة،و لهؤلاء نصيب في الآخرة.

و من هنا يظهر وجه ذكر«الحسنة»في قول أهل الآخرة دون أهل الدّنيا؛و ذلك أنّ من يريد الدّنيا لا يقيّده بأن يكون حسنا عند اللّه سبحانه،بل الدّنيا و ما هو يتمتّع به في الحياة الأرضيّة كلّها حسنة عنده، موافقة لهوى نفسه.و هذا بخلاف من يريد ما عند اللّه سبحانه،فإنّ ما في الدّنيا و ما في الآخرة ينقسم عنده إلى حسنة و سيّئة،و لا يريد و لا يسأل ربّه إلاّ الحسنة دون السّيّئة.

و المقابلة بين قوله: وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ، و قوله: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا،

ص: 127

تعطي أنّ أعمال الطّائفة الأولى باطلة حابطة،بخلاف الثّانية،كما قال تعالى: وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً الفرقان:23،و قال تعالى:

وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها الأحقاف:

20،و قال تعالى: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً الكهف:105.(2:80)

مكارم الشّيرازيّ:يوضّح القرآن طبيعة مجموعتين من النّاس و طريقة تفكيرهم:مجموعة لا تفكّر إلاّ بمصالحها المادّيّة و لا تتّجه في الدّعاء إلى اللّه إلاّ من هذه المنطلقات المادّيّة فتقول: فَمِنَ النّاسِ...، و المجموعة الثّانية تتحدّث عنهم الآية بقولها: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً... البقرة:201.

و هذه الفقرات من الآيات محلّ البحث تشير إلى هاتين الطّائفتين،و أنّ اَلنّاسِ في هذه العبادة العظيمة على نوعين،فبعض لا يفكّر إلاّ بالمنافع المادّيّة الدّنيويّة و لا يريد من اللّه سواها،فمن البديهيّ أنّه لا يبقى له شيء في الآخرة.

و لكنّ الطّائفة الثّانية اتّسعت آفاقهم الفكريّة، فاتّجهوا إلى طلب السّعادة في الدّنيا باعتبارها مقدّمة لتكاملهم المعنويّ،و طلب السّعادة في الآخرة،فهذه الآية الكريمة توضّح في الحقيقة منطق الإسلام في المسائل المادّيّة و المعنويّة،و تدين الغارقين في المادّيّات،كما تدين المنعزلين عن الحياة.(2:39)

فضل اللّه:نقف-في هذا المجال-على نموذجين من النّاس:أحدهما:الّذي يصدق عليه قوله تعالى:

فَمِنَ النّاسِ... ،النّموذج الّذي إذا ذكر اللّه و أراد أن يدعوه في موقفه هذا،لم يذكر إلاّ حياته الدّنيا، و شهواته فيها،و مطامعه و مطامحه،من دون أن يفكّر في الآخرة من قريب أو من بعيد.فهو يطلب من اللّه أن يؤتيه الدّنيا و يقف عندها جامد الإحساس،جائع الأحلام،ظامئ المشاعر.و لا نصيب لهذا في الآخرة، لأنّها ليست واردة في حسابه على كلّ حال،و لذلك فإنّ اللّه لا يحسب حسابه في ثوابه و رضوانه.

ثانيهما:هو مصداق قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً... البقرة:201.

(4:111)

5- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ.

البقرة:204.

الطّالقانيّ: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ظرف للفظ قَوْلُهُ، نحو رأيك أو قولك في فلان.و الحياة الدّنيا محفوفة بالغرائز و الشّهوات و التّمتّع بها: فَأَمّا مَنْ طَغى* وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا النّازعات:37،38، فريق من النّاس يخوضون في الحياة الدّنيا فحسب، فيعجبك قوله و يستهويك،يكشف لك نمط قائله حول آمال و نزعات و عقد العموم.إنّ الرّؤية و المعرفة في هذه الحدود ليس غير-أي معرفة الكمال و المواهب و الأهداف الإنسانيّة-يصطلح عليه العامّة:«معرفة النّاس».(2:97)

لاحظ:ح ي ي:«الحياة الدّنيا».

ص: 128

6- زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا... البقرة:212

مغنيّة:لا فرق إطلاقا بين من يكفر بوجود اللّه، و بين من يؤمن به نظريّا،و يؤثر دنياه على آخرته عمليّا،لا فرق أبدا بين الاثنين من حيث إنّ كلاّ منهما قد فتن بالدّنيا و زخرفها،و آثر العاجلة على الآجلة، و قاس الخير و الفضيلة بمقياس منفعته الشّخصيّة، و لم يقم وزنا لحرمات اللّه،و لا للقيم الإنسانيّة.و إنّي كلّما تقدّمت و توغّلت في تفسير القرآن،و تعمّقت في تدبّر آياته،ازددت يقينا بأنّ الإيمان باللّه بلا تقوى ليس بشيء،و أنّ من جعل الدّنيا كلّ همّه،ينصرف كلّيّة عن شريعة الحقّ و الدّين من حيث يريد،أو لا يريد، و النّتيجة الحتميّة لهاتين المقدّمتين أنّ من كفر باللّه و آمن به سواء،ما دام هذا«المؤمن»يؤثر دنياه على دينه،و لا يقيم له وزنا في شيء من أقواله و أفعاله.

و قد تواتر عن الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله:«الدّنيا و الآخرة ضرّتان»،أي إنّ الاهتمام بإحداهما يصرف الإنسان عن الأخرى قهرا.و قال الإمام عليّ عليه السّلام :«إنّ الدّنيا و الآخرة عدوّتان متفاوتتان و سبيلان مختلفتان،فمن أحبّ الدّنيا و تولاّها أبغض الآخرة و عاداها،و هما بمنزلة المشرق و المغرب،و ماش بينهما،كلّما اقترب من واحدة ابتعد عن الأخرى».

(1:314)

الطّالقانيّ:ازدانت الحياة الدّنيا في أعين الّذين أعرضوا عن الآيات و كفروا بها،و انبهروا بها.

(2:107)

راجع:ز ي ن:«زيّن».

7- وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ.

آل عمران:185

عبد الرّزّاق نوفل:لقد تكرّرت اَلدُّنْيا في القرآن الكريم 115 مرّة،و ذلك بمثل النّصّ الشّريف:

[الآية]...

و تكرّرت بِالْآخِرَةِ نفس العدد،أي 115 مرّة، و ذلك بمثل النّصّ الشّريف: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ هود:103،رغم أنّهما لم يجتمعا في أكثر من حوالي 50 آية،في مثل النّصّ الكريم:

وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّهُ الدّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا القصص:77.

و انفردت اَلدُّنْيا في آيات و بِالْآخِرَةِ في آيات أخرى،و رغم ذلك يتساوى عدد مرّات ورود كلّ منهما 115 مرّة الدّنيا،و 115 الآخرة،في كلّ آيات القرآن الكريم.(1:15)

راجع:م ت ع:«متاع».

8- أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ. آل عمران:22

الطّالقانيّ: فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ ظرف حَبِطَتْ، فالّذين يكفرون بآيات اللّه و يقتلون النّبيّين و الآمرين بالقسط،تبطل أعمالهم في الدّنيا و الآخرة،و تذهب هباء منثورا.(3:63)

راجع:ح ب ط:«حبطت».و:ع م ل:

«اعمالهم».

ص: 129

9- مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ... آل عمران:117

الآلوسيّ: هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا و الإشارة للتّحقير.(4:36)

الطّباطبائيّ:و إنّما قيّد الممثّل بقوله: فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا؛ ليدلّ على أنّهم منقطعون عن الدّار الآخرة فلا يتعلّق،إنفاقهم إلاّ بهذه الحياة.(3:386)

راجع:ن ف ق:«ينفقون».

10- ...مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ... آل عمران:152

ابن مسعود:ما علمنا أنّ أحدا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يريد الدّنيا و عرضها،حتّى كان يومئذ.

ما كنت أظنّ في أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يومئذ أحدا يريد الدّنيا،حتّى قال اللّه ما قال.

(الطّبريّ 3:474)

أي منكم من قصده الغنيمة في حربكم. وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ أي بثبوته في موضعه بقصده بجهاده إلى ما عند اللّه.

مثله ابن عبّاس و الرّبيع.(الطّوسيّ 3:19)

ابن عبّاس: مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا بجهاده و وقوفه، و هم الّذين تركوا المركز لقبل الغنيمة. وَ مِنْكُمْ من الرّماة مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ بجهاده و وقوفه،و هو عبد اللّه بن جبير و أصحابه الّذين ثبتوا مكانهم حتّى قتلوا.

(58)

نحوه الثّعلبيّ(3:184)،و الواحديّ(1:504)، و البغويّ(1:522)،و الزّمخشريّ(1:470)، و ابن الجوزيّ(1:476)،و البيضاويّ(1:186)،و النّسفيّ(1:187)،و الخازن(1:364)،و الشّربينيّ (1:255)،و أبو السّعود(2:49)،و البروسويّ(2:

110)،و الآلوسيّ(4:89)،و مغنيّة(2:178).

فالّذين انطلقوا يريدون الغنيمة هم أصحاب الدّنيا،و الّذين بقوا و قالوا:لا نخالف قول رسول اللّه، أرادوا الآخرة.

مثله السّدّيّ.(الطّبريّ 3:473)

إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعث ناسا من النّاس-يعني يوم أحد-فكانوا من ورائهم،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:كونوا هاهنا،فردّوا وجه من فرّ منّا،و كونوا حرسا لنا من قبل ظهورنا.و إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا هزم القوم هو و أصحابه،قال الّذين كانوا جعلوا من ورائهم،بعضهم لبعض،لما رأوا النّساء مصعدات في الجبل و رأوا الغنائم،قالوا:انطلقوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فأدركوا الغنيمة قبل أن تسبقوا إليها.

و قالت طائفة أخرى:بل نطيع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فنثبت مكاننا،فذلك قوله: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا للّذين أرادوا الغنيمة، وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ للّذين قالوا:نطيع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و نثبت مكاننا.

(الطّبريّ 3:472)

الحسن: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا هؤلاء الّذين يجترّون الغنائم، وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ الّذين يتّبعونهم يقتلونهم.(الطّبريّ 3:474)

ص: 130

ابن إسحاق:أي الّذين أرادوا النّهب رغبة في الدّنيا و ترك ما أمروا به من الطّاعة الّتي عليها ثواب الآخرة، وَ مِنْكُمْ أي الّذين جاهدوا في اللّه لم يخالفوا إلى ما نهوا عنه لعرض من الدّنيا رغبة فيها،رجاء ما عند اللّه من حسن ثوابه في الآخرة.(الطّبريّ 3:474)

نحوه الطّبرسيّ.(1:520)

الطّبريّ:يعني جلّ ثناؤه بقوله: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا: الّذين تركوا مقعدهم الّذي أقعدهم فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في الشّعب من أحد لخيل المشركين، و لحقوا بعسكر المسلمين طلب النّهب إذ رأوا هزيمة المشركين، وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يعني بذلك:

الّذين ثبتوا من الرّماة في مقاعدهم الّتي أقعدهم فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و اتّبعوا أمره،محافظة على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و ابتغاء ما عند اللّه من الثّواب بذلك من فعلهم، و الدّار الآخرة.(3:473)

الزّجّاج:أي منكم من قصده الغنيمة في حربه، وَ مِنْكُمْ أي يقصد بحربه إلى ما عند اللّه.(1:478)

القمّيّ: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا يعني أصحاب عبد اللّه بن جبير الّذين تركوا مركزهم و مرّوا للغنيمة.

وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يعني عبد اللّه بن جبير و أصحابه الّذين بقوا حتّى قتلوا.(1:120)

ابن عطيّة:قوله تعالى: وَ مِنْكُمْ... إخبار عن الّذين حرصوا على الغنيمة،و كان المال همّهم،قاله ابن عبّاس و سائر المفسّرين...و قوله تعالى:

وَ مِنْكُمْ... إخبار عن ثبوت من الرّماة مع عبد اللّه بن جبير،امتثالا للأمر حتّى قتلوا،و يدخل في هذا أنس بن النّضر و كلّ من جدّ و لم يضطرب من المؤمنين.(1:525)

أبو حيّان:قال ابن عبّاس و جمهور المفسّرين:

اَلدُّنْيا: الغنيمة.[إلى أن قال:]

و الّذين أرادوا الآخرة هم الّذين ثبتوا في مركزهم مع أميرهم عبد اللّه بن جبير،في نفر دون العشرة،قتلوا جميعا،و كانت الرّماة خمسين،ذهب منهم نيّف على أربعين للنّهب،و عصوا الأمر.و ممّن أراد الآخرة من ثبت بعد تخلخل المسلمين،فقاتل حتّى قتل كأنس بن النّضر و غيره ممّن لم يضطرب في قتاله و لا في دينه.

و هاتان الجملتان اعتراض بين المعطوف عليه و المعطوف.(3:79)

ابن كثير:هم الّذين رغبوا في المغنم حين رأوا الهزيمة.(2:127)

الكاشانيّ:و هم التّاركون المركز لحيازة الغنيمة، وَ مِنْكُمْ... و هم الثّابتون محافظة على أمر الرّسول صلّى اللّه عليه و آله.(1:361)

نحوه شبّر.(1:384)

الشّوكانيّ:يعني الغنيمة، وَ مِنْكُمْ...، أي الأجر بالبقاء في مراكزهم امتثالا لأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(1:494)

نحوه القاسميّ.(4:996)

المراغيّ:[نحو أبي حيّان إلاّ أنّه أضاف:]

و الّذين ثبتوا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هم ثلاثون رجلا.

(4:101)

نحوه رشيد رضا.(4:182)

ص: 131

سيّد قطب:فكانوا فريقين:فريقا يريد غنيمة الدّنيا و فريقا يريد ثواب الآخرة.[إلى أن قال:]

و القرآن يسلّط الأضواء على خفايا القلوب الّتي ما كان المسلمون أنفسهم يعرفون وجودها في قلوبهم.

عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال:ما كنت أرى أنّ أحدا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يريد الدّنيا،حتّى نزل فينا يوم أحد: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ. و بذلك يضع قلوبهم أمامهم مكشوفة بما فيها،و يعرّفهم من أين جاءتهم الهزيمة ليتّقوها.

و في الوقت ذاته يكشف لهم عن طرف من حكمة اللّه و تدبيره،وراء هذه الآلام الّتي تعرّضوا لها،و وراء هذه الأحداث الّتي وقعت بأسبابها الظّاهرة، ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ. (1:493،494)

ابن عاشور:و قوله: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا...

تفصيل ل تَنازَعْتُمْ، و تبيين ل عَصَيْتُمْ، و تخصيص له بأنّ العاصين بعض المخاطبين المتنازعين؛إذ الّذين أرادوا الآخرة ليسوا بعاصين، و لذلك أخّرت هاته الجملة إلى بعد الفعلين،و كان مقتضى الظّاهر أن يعقّب بها قوله: وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ. و في هذا الموضع للجملة ما أغنى عن ذكر ثلاث جمل،و هذا من أبدع وجوه الإعجاز،و القرينة واضحة.

و المراد بقوله: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا إرادة نعمة الدّنيا و خيرها،و هي الغنيمة،لأنّ من أراد الغنيمة لم يحرص على ثواب الامتثال لأمر الرّسول بدون تأويل،و ليس هو مفرّطا في الآخرة مطلقا،و لا حاسبا تحصيل خير الدّنيا في فعله ذلك،مفيتا عليه ثواب الآخرة في غير ذلك الفعل.فليس في هذا الكلام ما يدلّ على أنّ الفريق الّذين أرادوا ثواب الدّنيا قد ارتدّوا عن الإيمان حينئذ؛إذ ليس الحرص على تحصيل فائدة دنيويّة من فعل من الأفعال،مع عدم الحرص على تحصيل ثواب الآخرة من ذلك الفعل بدالّ على استخفاف بالآخرة و إنكار لها،كما هو بيّن، و لا حاجة إلى تقدير:منكم من يريد الدّنيا،فقط.

(3:253)

مكارم الشّيرازيّ:ففي الوقت الّذي كان البعض-و هم الأغلب،كما قلنا-يفكّرون في الغنائم، و قد سال لعابهم لها حتّى أنّهم تركوا موقعهم الخطير في الجبل،بينما بقيت جماعة أخرى قليلة مثل عبد اللّه بن جبير و بعض الرّماة ثابتين في مكانهم،يذبّون عنه الأعداء و يطلبون الآخرة و الثّواب الإلهيّ العظيم.

(2:568)

فضل اللّه:فرقة كانت ترفض النّزول إلى ساحة المعركة من أجل الحصول على الغنائم،و فرقة كانت تصرّ على ذلك...و تغلّب الفريق المصرّ على المعصية الّذي يريد الدّنيا على الفريق الّذي يريد السّير على خطّ الانضباط،لأنّه يريد الحياة الآخرة،و ابتعد المسلمون عن خطّ النّصر عند ما ابتعدوا عن روحه و إرادته و أجوائه.(6:315)

11- فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ... النّساء:74

ص: 132

الطّوسيّ:في الآية حذف،و التّقدير:يشرون الحياة الدّنيا بالحياة الآخرة،كأنّه قال:يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية.و يجوز:يبيعون الحياة الدّنيا بنعيم الآخرة.(3:257)

نحوه الطّبرسيّ.(2:75)

مكارم الشّيرازيّ:و توضّح الآية في بدايتها أنّ أعباء الجهاد يجب أن تكون على عاتق أولئك النّفر الّذين باعوا حياتهم الدّنيويّة المادّيّة الزّائلة،مقابل فوزهم بالحياة الأخرويّة الخالدة. فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ، أي أنّ المجاهدين الحقيقيّين هم وحدهم المستعدّون للدّخول في هذه الصّفقة،بعد أن انكشفت لهم دناءة الحياة المادّيّة-و هو ما يفهم من لفظ اَلدُّنْيا -فهؤلاء أدركوا أنّ هذه الحياة لا قيمة لها تجاه الحياة الأبديّة الخالدة.أمّا الّذين يرون الأصالة في الحياة المادّيّة الدّنيئة،و يعتبرونها أرفع و أكبر من الأهداف الإلهيّة المقدّسة و الأهداف الإنسانيّة السّامية،فلا يمكن أن يكونوا أبدا مجاهدين صالحين.(3:287)

راجع:ش ري:«يشرون».

12- اَلَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا... الأعراف:51

الطّوسيّ:و اَلدُّنْيا هي النّشأة الأولى، و«الآخرة»:النّشأة الأخرى،و سمّيت الدّنيا دنيا لدنوّها من الحال،و هما كرتان،فالكرة الأولى:الدّنيا، و الكرة الثّانية هي الآخرة.(4:447)

راجع:غ ر ر:«غرّتهم».

13- وَ اكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ... الأعراف:156

الآلوسيّ:الّتي عرانا فيها ما عرانا.(9:75)

ابن عاشور:الحسنة:الحالة الحسنة،و هي في الدّنيا المرضيّة للنّاس و للّه تعالى،فتجمع خير الدّنيا و الدّين.(8:310)

راجع:ك ت ب:«اكتب»،و:ح س ن:«حسنة».

14- إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ... الأنفال:42

الطّوسيّ:و اَلدُّنْيا بمعنى الأدنى إلى المدينة...

و أصل الدّنيا:الدّنوّ بالواو،بدلالة قولهم:دنوت إلى الشّيء أدنو دنوّا،فقلبت الواو ياء.و لم تقلب مثل ذلك في القصوى،لأنّه ذهب بالدّنيا مذهب الاسم،في قولهم:الدّنيا و الآخرة،و إن كان أصلها صفة، فخفّفت،لأنّ الاسم أحقّ بالتّخفيف.

و تقول:أدناه إدناء،و استدناه استدناء،و تدانوا تدانيا،و داناه مداناة.(5:148)

رشيد رضا: اَلدُّنْيا مؤنّث الأدنى،و هو أقرب.(10:18)

الطّباطبائيّ:و اَلدُّنْيا مؤنّث الأدنى،كما أنّ القصوى-و قد يقال:القصيا-مؤنّث أقصى.(9:91)

راجع:ع د و:«العدوة».

15- فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ

ص: 133

كافِرُونَ. التّوبة:55

الإسكافيّ:للسّائل أن يسأل في الآيتين:[التّوبة :55 و 85]عن أربع مسائل،...المسألة الرّابعة:قوله:

فِي الْحَياةِ الدُّنْيا في الآية الأولى،و في الآخرة:

(فى الدنيا)،من غير ذكر الحياة الموصوفة بها؟

و الجواب عن المسألة الرّابعة:و هي قوله في الأولى: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فجعل اَلدُّنْيا صفة للحياة،و قوله في الأخيرة:(فى الدنيا)فأغنى بذكر الصّفة عن ذكر الموصوف،هو أنّ الثّانية لمّا كانت بعد الأولى و قد نبّه فيها على الموصوف،كان في ذكره هناك غنى عن ذكره في هذا المكان،لا سيّما و اَلدُّنْيا كاسم علم للحياة الأولى و الدّار الدّنيا،فأغنى كلّ ذلك عن ذكر الحياة و الإتيان بالموصوف،و هذه حال الصّفة.(198-200)

الكرمانيّ:قوله: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و في الآية الأخرى: فِي الدُّنْيا التّوبة:85،لأنّ اَلدُّنْيا صفة اَلْحَياةِ في الآيتين،فأثبت الموصوف و الصّفة في الأولى،و حذف الموصوف في الثّانية اكتفاء بذكره في الأولى،و ليس الآيتان مكرّرتين،لأنّ الأولى في قوم،و الثّانية في آخرين.و قيل:الأولى في اليهود و الثّانية في المنافقين.(88)

16- وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ. التّوبة:85

الفخر الرّازيّ:ذكر في الآية الأولى: فِي اَلْحَياةِ الدُّنْيا التّوبة:55،و هاهنا ذكر فِي الدُّنْيا و أسقط لفظ الحياة،تنبيها على أنّ الحياة الدّنيا بلغت في الخسّة إلى أنّها لا تستحقّ أن تسمّى حياة،بل يجب الاقتصار عند ذكرها على لفظ اَلدُّنْيا تنبيها على كمال دناءتها.(16:155)

نحوه الخازن.(3:109)

راجع:ع ذ ب:«يعذّبهم».

17- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَ الْأَنْعامُ... يونس:24

الزّمخشريّ:هذا من التّشبيه المركّب شبّهت حال الدّنيا-في سرعة تقضّيها و انقراض نعيمها بعد الإقبال-بحال نبات الأرض في جفافه و ذهابه حطاما، بعد ما التفّ و تكاثف،و زيّن الأرض بخضرته و رفيفه.

(2:233)

راجع:م ث ل:«مثل».

18- ...كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... يونس:18

ابن عاشور:و فِي الْحَياةِ الدُّنْيا صفة ل عَذابَ الْخِزْيِ للإشارة إلى أنّ العذاب الّذي يحلّ بالأمم الكافرة هو عقاب في الدّنيا و بعده عقاب في الآخرة،و أنّ الأمم الّتي لم تعذّب في الدّنيا قد ادّخر لها عذاب الآخرة.(11:181)

لاحظ:ع ذ ب:«عذاب الخزي».

ص: 134

19- وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ. هود:60

الإسكافيّ:قوله تعالى:في قصّة هود عليه السّلام و ذكر قومه: وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً... هود:99،و قال في قصّة موسى عليه السّلام في هذه السّورة،و إرساله إلى فرعون و ملئه: وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً...

للسّائل أن يسأل عن حذف اَلدُّنْيا من الآية الثّانية،و إثباتها في الأولى،و هل كان يجوز في الاختيار عكس ذلك؟

الجواب:أنّ الأولى أتى فيها بالموصوف و الصّفة جميعا،و هو الأصل الأوّل،ثمّ الاكتفاء بالصّفة عن الموصوف بعده لقيام الدّلالة على الموصوف،فيجوز لذلك حذفه و إقامة الصّفة مقامه.و لمّا جاءت الآيتان في سورة واحدة وفّيت الأولى ما هو أولى بها من الإجراء على الأصل و الإتيان بالموصوف و الوصف، فقال تعالى: فِي هذِهِ الدُّنْيا، و اكتفى في الثّانية لما قامت الدّلالة على الموصوف بالصّفة وحدها،فقال:

وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً... .(221)

راجع:ت ب ع:«اتبعوا».

20- وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ. النّحل:30

قتادة: أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا، أي آمنوا باللّه و أمروا بطاعة اللّه،و حثّوا أهل طاعة اللّه على الخير، و دعوهم إليه.(الطّبريّ 7:580)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره:للّذين آمنوا باللّه في هذه الدّنيا و رسوله،و أطاعوه فيها،و دعوا عباد اللّه إلى الإيمان و العمل بما أمر اللّه به حسنة...(7:579)

الزّجّاج:جائز أن يكون هذا الكلام ذكر ليدلّ على أنّ الّذي قالوه اكتسبوا به حسنة،و جائز أن يكون تفسيرا لقولهم: خَيْراً، و حَسَنَةٌ بالرّفع، القراءة.و يجوز(للّذين احسنوا فى هذه الدّنيا حسنة)، و لا تقر أن بها،و جوازها أنّ معناها أنّ«أنزل خيرا» جعل للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة،أي جعل لهم مكافأة في الدّنيا قبل الآخرة.(3:196)

الثّعلبيّ: حَسَنَةٌ كرامة من اللّه.(6:15)

الطّوسيّ:و قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا يحتمل أن يكون من كلام من قال خَيْراً، و يحتمل أن يكون إخبارا من اللّه تعالى،و هو الأقوى،لأنّه أبلغ في باب الدّعاء إلى الإحسان.فأجاز الحسن و الزّجّاج كلا الوجهين،و المعنى:أنّ للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة مكافأة لهم في الدّنيا قبل الآخرة خيرا.

(6:376)

الزّمخشريّ:و قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا و ما بعده بدل من خَيْراً حكاية لقوله: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا، أي قالوا هذا القول،فقدّم عليه تسميته خَيْراً ثمّ حكاه.و يجوز أن يكون كلاما مبتدأ،عدة للقائلين.

و يجعل قولهم من جملة إحسانهم،و يحمدوا عليه حَسَنَةٌ مكافأة في الدّنيا بإحسانهم،و لهم في الآخرة ما هو خير منها،كقوله: فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ آل عمران:148.(2:407)

ص: 135

ابن عطيّة:و اختلف المتأوّلون في قوله تعالى:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا إلى آخر الآية،فقالت فرقة:هو ابتداء كلام من اللّه،مقطوع ممّا قبله،لكنّه بالمعنى،وعد متّصل بذكر إحسان المتّقين في مقالتهم.

و قالت فرقة:هو من كلام الّذين قالوا: خَيْراً و هو تفسير للخير الّذي أنزل اللّه في الوحي على نبيّنا خبرا،أنّ من أحسن في الدّنيا بطاعة فله حسنة في الدّنيا،و نعيم في الآخرة بدخول الجنّة.

و روى أنس بن مالك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إنّ اللّه لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرّزق في الدّنيا و يجزي بها في الآخرة».(3:390)

ابن الجوزيّ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا قالوا:لا إله إلاّ اللّه،و أحسنوا العمل حَسَنَةٌ أي كرامة من اللّه تعالى في الآخرة،و هي الجنّة.و قيل:

فِي هذِهِ الدُّنْيا: في الدّنيا،و هي ما رزقهم من خيرها و طاعته فيها، وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يعني الجنّة خَيْرٌ من الدّنيا.(4:443)

الفخر الرّازيّ:المسألة الرّابعة:قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا و ما بعده بدل من قوله: خَيْراً، و هو حكاية لقول(الذين اتقوا)أي قالوا هذا القول.

و يجوز أيضا أن يكون قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا إخبارا عن اللّه،و التّقدير:إنّ المتّقين لمّا قيل لهم: ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً، ثمّ إنّه تعالى أكّد قولهم و قال:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ.

و في المراد بقوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا قولان:أمّا الّذين يقولون:إنّ أهل«لا إله إلاّ اللّه»يخرجون من النّار،فإنّهم يحملونه على قول:«لا إله إلاّ اللّه»مع الاعتقاد الحقّ.و أمّا المعتزلة-الّذين يقولون:إنّ فسّاق أهل الصّلاة لا يخرجون من النّار-يحملون قوله: أَحْسَنُوا على من أتى بالإيمان و جميع الواجبات،و احترز عن كلّ المحرّمات.

و أمّا قوله: فِي هذِهِ الدُّنْيا ففيه قولان:

القول الأوّل:أنّه متعلّق بقوله: أَحْسَنُوا، و التّقدير:للّذين اتّقوا بعمل الحسنة في الدّنيا فلهم في الآخرة حسنة،و تلك الحسنة هي الثّواب العظيم.

و قيل:تلك الحسنة هو أنّ ثوابها يضاعف بعشر مرّات، و بسبعمائة،و إلى ما لا نهاية له.

و القول الثّاني:أنّ قوله: فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلّق بقوله: حَسَنَةٌ، و التّقدير:للّذين أحسنوا أن تحصل لهم الحسنة في الدّنيا.و هذا القول أولى،لأنّه قال بعده:

وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ، و على هذا التّقدير ففي تفسير هذه الحسنة الحاصلة في الدّنيا وجوه:

الأوّل:يحتمل أن يكون المراد ما يستحقّونه من المدح و التّعظيم و الثّناء و الرّفعة،و جميع ذلك جزاء على ما عملوه.

و الثّاني:يحتمل أن يكون المراد به الظّفر على أعداء الدّين بالحجّة و بالغلبة لهم،و باستغنام أموالهم و فتح بلادهم،كما جرى ببدر و عند فتح مكّة،و قد أجلوهم عنها و أخرجوهم إلى الهجرة،و إخلاء الوطن،و مفارقة الأهل و الولد،و كلّ ذلك ممّا يعظم موقعه.

و الثّالث:يحتمل أن يكون المراد أنّهم لمّا

ص: 136

أحسنوا،بمعنى أنّهم أتوا بالطّاعات،فتح اللّه عليهم أبواب المكاشفات و المشاهدات و الألطاف،كقوله تعالى: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً محمّد:17.

(20:24)

القرطبيّ:قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا... قيل:

هو من كلام اللّه عزّ و جلّ.و قيل:هو من جملة كلام (الذين اتقوا)و«الحسنة»هنا:الجنّة،أي من أطاع اللّه فله الجنّة غدا.(10:100)

البيضاويّ: فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ مكافأة في الدّنيا.(1:554)

أبو حيّان:[ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و قالت فرقة:هو ابتداء كلام من اللّه تعالى،مقطوع ممّا قبله،و هو بالمعنى وعد متّصل بذكر إحسان المتّقين في مقالتهم.و معنى حَسَنَةٌ: مكافأة في الدّنيا بإحسانهم،و لهم في الآخرة ما هو خير منها.(5:488)

السّمين:قوله: لِلَّذِينَ... هذه الجملة يجوز فيها أوجه:[و ذكرها نحو الفخر الرّازيّ ثمّ قال:]

و قوله: فِي هذِهِ الدُّنْيا الظّاهر تعلّقه ب أَحْسَنُوا، أي أوقعوا الحسنة في دار الدّنيا.و يجوز أن يكون متعلّقا بمحذوف على أنّه حال من حَسَنَةٌ؛ إذ لو تأخّر لكان صفة لها،و يضعف تعلّقه بها نفسها لتقدّمه عليها.(4:324)

الشّربينيّ: حَسَنَةٌ أي حياة طيّبة،أو أنّ للّذين أتوا بالأعمال الصّالحات الحسنة لهم ثوابها حسنة مضاعفة من الواحدة إلى العشرة إلى السّبعمائة إلى أضعاف كثيرة،أو أنّه تعالى بيّن أنّ اعترافهم بذلك الإحسان في هذه الدّنيا حسنة،أي جزاء لهم على إحسانهم هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:50.(2:228)

أبو السّعود: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أي أعمالهم،أو فعلوا الإحسان في هذه الدّار الدّنيا حَسَنَةٌ أي مثوبة حسنة مكافأة فيها.(4:57)

البروسويّ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أعمالهم، و قالوا:«لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه»فإنّه أحسن الحسنات،و هو كلام مستأنف جيء به لمدح المتّقين فِي هذِهِ الدّار اَلدُّنْيا حَسَنَةٌ، أي مثوبة حسنة مكافأة فيها بإحسانهم،و هي عصمة الدّماء و الأموال، و استحقاق المدح و الثّناء،و الظّفر على الأعداء،و فتح أبواب المكاشفات و المشاهدات الّذي من أوتيه فقد فاز بالقدح المعلّى.

و في«التّأويلات النّجميّة»يشير إلى أنّ من أحسن أعماله بالصّالحات و أخلاقه بالحميدات، و أحواله بالانقلاب عن الخلق إلى الحقّ،فله حسنة من اللّه،و هو أن ينزله منازل الواصلين الكاملين في الدّنيا...(5:29)

شبّر: حَسَنَةٌ: كرامة معجّلة،و هي الثّناء و المدح على ألسنة المؤمنين،و الهدى و التّوفيق للإحسان.(3:410)

الآلوسيّ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أتوا بالأعمال الحسنة الصّالحة في هذه الدّار الدّنيا حَسَنَةٌ: مثوبة حسنة جزاء إحسانهم.و الجارّ و المجرور متعلّق بما بعده،على معنى أنّ تلك الحسنة لهم في الدّنيا،و المراد

ص: 137

بها على ما روي عن الضّحّاك:النّصر و الفتح.و قيل:

المدح و الثّناء منه تعالى.

و قال الإمام:يحتمل أن يكون فتح باب المكاشفات و المشاهدات و الألطاف،كقوله تعالى:

وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً محمّد:17.

و قيل:متعلّق بما قبله،و حينئذ يحتمل أن يكون الكلام على تقدير مثله متعلّقا بما بعد أوّلا،بل تكون هذه الحسنة الواقعة مثوبة لإحسانهم في الدّنيا في الآخرة،و اقتصر بعضهم على هذا الاحتمال.و المراد ب«الحسنة»حينئذ:إمّا الثّواب العظيم الّذي أعدّه اللّه تعالى يوم القيامة للمحسنين،و إمّا التّضعيف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف،إلى ما لا يعلمه غيره جلّ و علا.و اختير كونه متعلّقا بما بعد،لأنّه الأوفق بقوله سبحانه: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ. (14:131)

سيّد قطب: فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ: حياة حسنة،و متعة حسنة،و مكانة حسنة.(4:2169)

ابن عاشور:مستأنفة ابتدائيّة،و هي كلام من اللّه تعالى مثل نظيرها في آية: قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةٌ الزّمر:10،و ليست من حكاية قول:

(الذين اتقوا)و اَلَّذِينَ أَحْسَنُوا: هم المتّقون،فهو من الإظهار في مقام الإضمار،توصّلا بالإتيان بالموصول إلى الإيماء،إلى وجه بناء الخبر،أي جزاؤهم حسنة،لأنّهم أحسنوا.

و قوله تعالى: فِي هذِهِ الدُّنْيا يجوز أن يتعلّق بفعل أَحْسَنُوا، و يجوز أن يكون ظرفا مستقرّا حالا من حَسَنَةٌ. و انظر ما يأتي في نظير هذه الآية من سورة الزّمر من نكتة هذا التّوسيط.(13:114)

الطّباطبائيّ:ظاهر السّياق أنّه بيان لقولهم:

خَيْراً. و هل هو تتمّة قولهم،أو بيان منه تعالى؟ ظاهر قوله: وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ، جَنّاتُ عَدْنٍ إلى آخر الآية أنّه كلام منه تعالى يبيّن به وجه الخيريّة فيما أنزله إليهم،فإنّه أشبه بكلام الرّبّ تعالى منه بكلام المربوب،و خاصّة المتّقين الّذين لا يجترءون على أمثال هذه الاقتراحات.

و المراد ب«الحسنة»المثوبة الحسنة؛و ذلك لأنّهم بالإحسان الّذي هو العمل بما يتضمّنه الكتاب، يرزقون مجتمعا صالحا يحكم فيه العدل و الإحسان و عيشة طيّبة مبنيّة على الرّشد و السّعادة،ينالون ذلك جزاء دنيويّا لإحسانهم،لقوله:لهم في الدّنيا، و لدار الحياة الآخرة خير جزاء،لأنّ فيها بقاء بلا فناء، و نعمة من غير نقمة،و سعادة ليس معها شقاء.

(12:235)

عبد الكريم الخطيب:فما يتزوّده المؤمن من الإيمان و التّقوى،كلّه طيّب،و الجزاء عليه حسن في الدّنيا.و لكن ما يجده المؤمن في الآخرة من ثواب اللّه و نعيمه،هو الّذي يعتدّ به؛إذ كان خالدا باقيا، لا يقاس بالقليل منه ما في الدّنيا كلّها من متاع.

(7:290)

مكارم الشّيرازيّ:و تبيّن الآية مورد البحث نتيجة و عاقبة ما أظهره المؤمنون من اعتقاد،كما عرضت الآيات السّابقة عاقبة ما قاله المشركون من

ص: 138

عقاب دنيويّ و أخرويّ،و مادّيّ و معنويّ مضاعف:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ.

و قد أطلق الجزاء ب«الحسنة»كما أطلقوا القول خَيْراً، ليشمل كلّ أنواع الحسنات و النّعم في الحياة الدّنيا،بالإضافة إلى: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ.

و تشارك عبارة لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ الإطلاق مرّة أخرى و كلمة خَيْراً، لأنّ الجزاء بمقدار العمل كمّا و كيفا.

فيتّضح لنا-ممّا قلنا-إنّ الآية: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا إلى آخرها،تعبّر عن كلام اللّه عزّ و جلّ،و يقوّي هذا المعنى عند مقابلتها مع الآيات السّابقة.

و احتمل بعض المفسّرين أنّ الظّاهر من الكلام يتضمّن احتمالين:

الأوّل:أنّه كلام اللّه،الثّاني:أنّه استمرار لقول المتّقين.(8:160)

21- ...وَ الَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا. طه:72

ابن عبّاس:تحكم علينا في الدّنيا،و ليس لك علينا سلطان في الآخرة.(264)

نحوه وهب من منبّه(الطّبريّ 8:437)،و الثّعلبيّ (6:254)،و الطّوسيّ(7:190).

الفرّاء: إِنَّما حرف واحد،لذلك نصبت اَلْحَياةَ و لو قرأ قارئ برفع اَلْحَياةِ لجاز،يجعل (ما)في مذهب«الّذي»كأنّه قال:إنّ الّذي تقضيه هذه الدّنيا.(2:187)

الطّبريّ:يقول:إنّما تقدر أن تعذّبنا في هذه الحياة الدّنيا الّتي تفنى.و نصب اَلْحَياةَ الدُّنْيا على الوقت،و جعلت إِنَّما حرفا واحدا.(8:436)

الزّجّاج:القراءة بالنّصب اَلْحَياةَ الدُّنْيا.

و يجوز(انّما تقضي هذه الحياة الدّنيا)بالرّفع.

تأويله:أنّ الّذي تقضيه متاع الحياة الدّنيا.و لا أعلم أحدا قرأها بالرّفع.(3:369)

الماورديّ:يحتمل وجهين:

أحدهما:إنّما سلطانك و عذابك في هذه الحياة الدّنيا دون الآخرة.

الثّاني:أنّ الّتي تنقضي و تذهب هذه الحياة الدّنيا، و تبقى الآخرة.(3:415)

البغويّ:أي أمرك و سلطانك في الدّنيا،و سيزول عن قريب.(3:268)

مثله الخازن(4:222)،و نحوه البروسويّ(5:

407).

الزّمخشريّ:قرئ:(تقضى هذه الحياة الدّنيا)، و وجهها أنّ اَلْحَياةَ في القراءة المشهورة منتصبة على الظّرف،فاتّسع في الظّرف بإجرائه مجرى المفعول به،كقولك في:«صمت يوم الجمعة»:صيم يوم الجمعة.

(2:546)

ابن عطيّة:قضاؤك في هذه الحياة الدّنيا، و الآخرة من وراء ذلك،لنا بالنّعيم،و لك بالعذاب.

(4:53)

نحوه شبّر.(4:160)

ص: 139

ابن الجوزيّ:[ذكر قول الفرّاء و أضاف:]

و قرأ ابن أبي عبلة و أبو المتوكّل:(انّما تقضى) بضمّ التّاء على ما لم يسمّ فاعله،(الحياة)برفع التّاء.

قال المفسّرون:و المعنى:إنّما سلطانك و ملكك في هذه الدّنيا،لا في الآخرة.(5:307)

الفخر الرّازيّ:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و المعنى:أنّ قضاءك و حكمك إنّما يكون في هذه الحياة الدّنيا،و هي كيف كانت فانية،و إنّما مطلبنا سعادة الآخرة و هي باقية،و العقل يقتضي تحمّل الضّرر الفاني المتوصّل به إلى السّعادة الباقية.

(22:89)

العكبريّ: هذِهِ الْحَياةَ هو منصوب ب تَقْضِي، و(ما)كافّة،أي تقضي أمور الحياة الدّنيا.

و يجوز أن يكون ظرفا،و المفعول محذوف.فإن كان قرئ بالرّفع فهو خبر(انّ).(2:897)

القرطبيّ:أي إنّما ينفذ أمرك فيها،و هي منصوبة على الظّرف،و المعنى:إنّما تقضي في متاع هذه الحياة الدّنيا،أو وقت هذه الحياة الدّنيا،فتقدّر حذف المفعول.

و يجوز أن يكون التّقدير:إنّما تقضي أمور هذه الحياة الدّنيا،فتنتصب انتصاب المفعول،و(ما)كافة ل(انّ).

(11:226)

البيضاويّ:إنّما تصنع ما تهواه،أو تحكم ما تراه في هذه الدّنيا،و الآخرة خير و أبقى.فهو كالتّعليل لما قبله،و التّمهيد لما بعده.(2:54)

النّسفيّ:أي في هذه الحياة الدّنيا،فانتصب على الظّرف،أي إنّما تحكم فينا مدّة حياتنا.(3:60)

النّيسابوريّ:أي في مدّة الحياة العاجلة.[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ](16:141)

أبو حيّان:و انتصب هذِهِ الْحَياةَ على الظّرف،و(ما)مهيّئة،و يحتمل أن تكون مصدريّة،أي إنّ قضاءك كائن في هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا لا في الآخرة،بل في الآخرة لنا النّعيم،و لك العذاب.(6:262)

السّمين:قوله: إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ يجوز في(ما)هذه وجهان:

أحدهما:أن تكون المهيّئة لدخول(انّ)على الفعل و اَلْحَياةَ الدُّنْيا ظرف ل تَقْضِي، و مفعوله محذوف،أي تقضي عرضك و أمرك.و يجوز أن تكون اَلْحَياةَ مفعولا به على الاتّساع،و يدلّ لذلك قراءة أبي حيوة(تقضى هذه الحياة)ببناء الفعل للمفعول و رفع(الحياة)لقيامها مقام الفاعل؛و ذلك أنّه اتّسع فيه فقام مقام الفاعل،فرفع.

و الثّاني:أن تكون(ما)مصدريّة،هي اسم(انّ)، و الخبر الظّرف،و التّقدير:إنّ قضاءك في هذه الحياة الدّنيا،يعني إنّ لك الدّنيا فقط،و لنا الآخرة.

و قال أبو البقاء:فإن كان قد قرئ بالرّفع فهو خبر (انّ)،يعني لو قرئ برفع(الحياة)لكان خبرا ل(انّ)، و يكون اسمها حينئذ(ما)،و هي موصولة بمعنى «الّذي»و عائدها محذوف،تقديره:إنّ الّذي تقضيه هذه الحياة لا غيرها.(5:42)

الشّربينيّ:النّصب على الاتّساع،أي إنّما حكمك فيها على الجسد خاصّة،فهي ساعة تعقبها

ص: 140

راحة،و نحن لا نخاف إلاّ ممّن يحكم على الرّوح،و إن فني الجسد فذاك هو العذاب الشّديد الدّائم.(2:474)

أبو السّعود:قوله تعالى: إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا مع ما بعده تعليل لعدم المبالاة المستفاد ممّا سبق من الأمر بالقضاء،أي إنّما تصنع ما تهواه أو تحكم بما تراه في هذه الحياة الدّنيا فحسب،و ما لنا من رغبة في عذبها و لا رهبة من عذابها.(4:295)

الآلوسيّ:[نحو أبي السّعود إلاّ أنّه أضاف:]

و(ما)كافّة،و هذِهِ الْحَياةَ منصوب محلاّ على الظّرفيّة ل تَقْضِي، و القضاء على ما مرّ،و مفعوله محذوف...

و جوّز أن تكون(ما)مصدريّة،فهي و ما في حيّزها في تأويل مصدر اسم(انّ)و خبرها هذِهِ الْحَياةَ أي إنّ قضاءك كائن في هذه الحياة.و جوّز أن ينزل الفعل في منزلة اللاّزم،فلا حذف.(16:233)

سيّد قطب:فسلطانك مقيّد بها،و ما لك من سلطان علينا في غيرها.و ما أقصر الحياة الدّنيا،و ما أهون الحياة الدّنيا.و ما تملكه لنا من عذاب أيسر من أن يخشاه قلب يتّصل باللّه،و يأمل في الحياة الخالدة أبدا.(4:2343)

ابن عاشور:و انتصب هذِهِ الْحَياةَ على النّيابة عن المفعول فيه،لأنّ المراد ب اَلْحَياةَ:

مدّتها.

و القصر المستفاد من إِنَّما قصر موصوف على صفة،أي إنّك مقصور على القضاء في هذه الحياة الدّنيا،لا يتجاوزه إلى القضاء في الآخرة،فهو قصر حقيقيّ.(16:154)

مغنيّة: إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا حلوة كانت أو مرّة،و ما نحن من أبنائها،و إنّما نحن من أبناء الآخرة،و هي باقية ببقاء اللّه تعالى،و لا سلطان لك فيها حتّى على نفسك.(5:229)

فضل اللّه:هل تريد أن تقتلنا؟هل عندك أكثر من التّمثيل و الصّلب و القتل؟إنّنا لن نخسر الكثير،إنّها حياتنا الدّنيا نفقدها،و نفقد شهواتها،و منافعها و ملذّاتها،و نخسرها،و لكنّها لن تكون الخسارة الكبيرة،فهناك الدّار الآخرة الّتي تنتظر المؤمنين،لهم فيها رحمة اللّه في ما أعدّ لهم من نعيم الجنّة و سعادة الرّضوان.(15:136)

راجع:ق ض ي:«تقضى».

22- ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ. الحجّ:9

الآلوسيّ: لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ جملة مستأنفة لبيان نتيجة ما سلكه من الطّريق.و جوّز أبو البقاء أن تكون حالا مقدّرة أو مقارنة،على معنى استحقاق ذلك؛و الأوّل أظهر،أي ثابت له في الدّنيا بسبب ما فعله ذلّ و هوان.و المراد به عند القائلين بأنّ هذا المجادل النّضر أو أبو جهل ما أصابه يوم بدر،و من عمّم و هو الأولى حمله على ذمّ المؤمنين إيّاه و إفحامهم له عند البحث،و عدم إدلائه بحجّة أصلا،أو على هذا مع ما يناله من النّكال كالقتل،لكن بالنّسبة إلى بعض الأفراد.(17:122)

راجع:خ ز ي:«خزى».

ص: 141

23- وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ...

العنكبوت:64

ابن عبّاس:ما في الحياة الدّنيا من الزّهرة و النّعيم.(337)

الواحديّ:يعني الحياة في هذه الدّار.(3:425)

الزّمخشريّ: هذِهِ فيها ازدراء للدّنيا، و تصغير لأمرها،و كيف لا يصغّرها و هي لا تزن عنده جناح بعوضة.يريد ما هي لسرعة زوالها عن أهلها و موتهم عنها إلاّ كما يلعب الصّبيان ساعة ثمّ يتفرّقون.

(3:211)

مثله أبو حيّان(7:158)،و نحوه البيضاويّ(2:

214)،و النّسفيّ(3:263)،و أبو السّعود(5:160).

الفخر الرّازيّ:قال اللّه تعالى: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا الأنعام:32،و لم يقل:و ما هذه الحياة،و قال هاهنا: وَ ما هذِهِ ؟ فنقول:لأنّ المذكور من قبل هاهنا أمر الدّنيا؛حيث قال تعالى: فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها البقرة:164،فقال: هذِهِ و المذكور قبلها هناك الآخرة؛حيث قال: قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ الأنعام:31،فلم تكن الدّنيا في ذلك الوقت في خاطرهم،فقال: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا. (25:91)

الشّربينيّ: وَ ما هذِهِ الْحَياةُ، فحقّرها بالإشارة،و لفظ الدّناءة مع الإشارة إلى هذا الاعتراف،فهذا الاسم كاف في الإلزام بالاعتراف بالأخرى.(3:152)

الآلوسيّ:إشارة تحقير،و كيف لا و الدّنيا لا تزن عند اللّه تعالى جناح بعوضة.[ثمّ ذكر رواية و أضاف:]

و قال بعض العارفين:الدّنيا أحقر من ذراع خنزير ميّت،بال عليها كلب بيد مجزوم.و يعلم ممّا ذكر حقارة ما فيها من الحياة بالطّريق الأولى.(21:12)

ابن عاشور:و قد زادت هذه الآية بتوجيه اسم الإشارة إلى الحياة،و هي إشارة تحقير و قلّة اكتراث، كقول قيس بن الخطيم مشيرا إلى الموت:

متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة

لنفسي إلاّ قد قضيت قضاءها

و لم توجّه الإشارة إلى«الحياة»في سورة الأنعام.

و وجه ذلك أنّ هذه الآية لم يتقدّم فيها ما يقتضي تحقير الحياة،فجيء باسم الإشارة لإفادة تحقيرها،و أمّا آية سورة الأنعام:31،فتقدّم قوله: حَتّى إِذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها فذكر لهم في تلك الآية ما سيظهر لهم إذا جاءتهم السّاعة من ذهاب حياتهم الدّنيا سدى.و أمر تقديم ذكر«اللّهو»هنا و ذكر«اللّعب»في سورة الأنعام، فلأنّ آية سورة الأنعام لم تشتمل على اسم إشارة يقصد منه تحقير الحياة الدّنيا،فكان الابتداء بأنّها لعب مشيرا إلى تحقيرها،لأنّ اللّعب أعرق في قلّة الجدوى من اللّهو.(20:202)

الطّباطبائيّ:و في الآية-كما ترى-قصر الحياة الدّنيا في اللّهو و اللّعب،و الإشارة إليها ب هذِهِ المفيدة للتّحقير...(16:150)

المصطفويّ:أي الحياة المنحطّة المحدودة المادّيّة

ص: 142

القريبة منّا،و يقابلها الحياة التّالية الّتي واقعة بعدها و متأخّرة عنها،و هي ثابتة حقّة وسيعة و فيها حقيقة الحياة،راجع:مادّة:«ح ي ي».

و التّعبير بالحياة دون العالم و أمثاله:إشارة إلى الحقيقة،فإنّ حقيقة العالم هي ظهور الحياة،و للحياة مراتب و ظهورات،و هذا العالم المادّيّ فيه ظهور ضعيف من الحياة،و يشار إلى هذه الحقيقة:بالحياة الدّنيا.

و يؤيّد هذه الحقيقة ما في بعض الآيات الكريمة، بقوله تعالى: فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا الأحقاف:20، إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا الأنعام:29،و قد اتّصفت الحياة بالدّنيا في:67،موردا.

و قد استعملت مطلقة في:44،موردا،فالنّظر فيها إلى مطلق العالم و المحيط و الدّار و المحدودة،و الحياة و أمثالها.[ثمّ ذكر بعض الآيات و قال:]

و يؤيّد هذا المعنى ذكرها في قبال الآخرة،فإنّ الآخرة بمعنى المتأخّرة،أي المتحقّقة الواقعة في المرتبة التّالية الثّانية.(3:254)

راجع:ل ه و:«لهو»،و:ح ي ي:«الحياة الدّنيا».

24- وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً...

لقمان:15

الصّابونيّ:ذكر اَلدُّنْيا في الآية الكريمة،فيه إشارة إلى تهوين أمر الصّحبة،و تقليل مدّتها،لأنّها في أيّام قلائل،و شيكة الزّوال و الانقضاء،فلا يصعب على الانسان تحمّلها.[ثمّ استشهد بشعر](2:241)

راجع:ع ر ف:«معروفا».

25- ...فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ. لقمان:33

الإمام عليّ عليه السّلام:[من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام لرجل سمعه يذمّ الدّنيا من غير معرفة بما يجب أن يقول في معناها:]

«الدّنيا (1)دار صدق لمن صدقها،و دار عافية لمن فهم عنها،و دار غنى لمن تزوّد منها،مسجد أنبياء اللّه و مهبط وحيه،و مصلّى ملائكته،و متجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرّحمة و ربحوا فيها الجنّة،فمن ذا يذمّها و قد آذنت ببينها،و نادت بفراقها،و نعت نفسها فشوّقت بسرورها إلى السّرور،و ببلائها إلى البلاء، تخويفا و تحذيرا و ترغيبا و ترهيبا،فيا أيّها الذّامّ للدّنيا و المغترّ بتغريرها متى غرّتك؟أ بمصارع آبائك في البلى؟ أم بمصارع أمّهاتك تحت الثّرى؟كم علّلت بكفّيك، و مرّضت بيديك،تبتغي لهم الشّفاء و تستوصف لهم الأطبّاء،و تلتمس لهم الدّواء،لم تنفعهم بطلبك، و لم تشفّعهم بشفاعتك،مثّلت لهم الدّنيا مصرعك و مضجعك حيث لا ينفعك بكاؤك،و لا يغني عنك أحبّاؤك».(العروسيّ 4:217)

راجع:غ ر ر:«لا تغرّنّكم».1.

ص: 143


1- نهج البلاغة:كلمات قصار:131.

26- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ... الزّمر:10

ابن عبّاس: أَحْسَنُوا: وحّدوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ لهم جنّة يوم القيامة.(386)

نحوه الواحديّ.(3:574)

السّدّيّ: حَسَنَةٌ: العافية و الصّحّة.

(الطّبريّ 10:622)

مقاتل:أي آمنوا و أحسنوا العمل، حَسَنَةٌ يعني الجنّة.(البغويّ 4:81)

مثله الخازن.(6:58)

الطّبريّ:اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:معناه:للّذين أطاعوا اللّه حسنة في هذه الدّنيا،و قال:(فى)من صلة حَسَنَةٌ، و جعل معنى الحسنة:الصّحّة و العافية.

و قال آخرون:(فى)من صلة أَحْسَنُوا، و معنى «الحسنة»:الجنّة.(10:622)

النّحّاس:قيل:الحسنة:الجنّة.و قيل:المعنى:لهم حسنة في الدّنيا،أي ثناء حسن،و طمأنينة بما لهم.

(6:160)

القيسيّ: حَسَنَةٌ ابتداء،و لِلَّذِينَ الخبر، و فِي هذِهِ متعلّقة ب أَحْسَنُوا، على أنّ حَسَنَةٌ هي الجنّة،و الجزاء في الآخرة.أو متعلّقة ب حَسَنَةٌ على أنّ«الحسنة»ما يعطى العبد في الدّنيا ممّا يستحبّ فيها.

و قيل:هي ما يعطى من موالاة اللّه تعالى إيّاه و محبّته له،و الجزاء في الدّنيا.

و الأوّل أحسن،لأنّ الدّنيا ليس بدار جزاء.

(2:258)

نحوه ابن عطيّة(4:523)،و ابن جزيّ(3:192)، و الثّعالبيّ(3:76).

الطّوسيّ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا، يعني فعلوا الأفعال الحسنة،و أحسنوا إلى غيرهم جزاء لهم على ذلك، فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ يعني ثناء حسن و ذكر جميل،و مدح و شكر.(9:13)

مثله الطّبرسيّ.(4:492)

القشيريّ: أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا بأداء الطّاعات.و الإحسان:هو الإتيان بجميع وجوه الإمكان.(5:272)

الميبديّ:الصّحّة و العافية و الثّناء الجميل،و نور القلب و سيماء الصّالحين.(8:400)

الزّمخشريّ: فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلّق ب أَحْسَنُوا لا ب حَسَنَةٌ، معناه:الّذين أحسنوا في هذه الدّنيا فلهم حسنة في الآخرة،و هي دخول الجنّة،أي حسنة غير مكتنهة بالوصف.

و قد علّقه السّدّيّ ب حَسَنَةٌ، ففسّر حَسَنَةٌ بالصّحّة و العافية.

فإن قلت:إذا علّق الظّرف ب أَحْسَنُوا فإعرابه ظاهر،فما معنى تعليقه ب حَسَنَةٌ و لا يصحّ أن يقع صفة لها لتقدّمه؟

قلت:هو صفة لها إذا تأخّر،فإذا تقدّم كان بيانا لمكانها،فلم يخلّ التّقدّم بالتّعلّق و إن لم يكن التّعلّق وصفا.(3:390)

ص: 144

نحوه النّسفيّ.(4:52)

الفخر الرّازيّ:قوله: فِي هذِهِ الدُّنْيا يحتمل أن يكون صلة لقوله: أَحْسَنُوا أو ل حَسَنَةٌ، فعلى التّقدير الأوّل معناه:للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا كلّهم حسنة في الآخرة،و هي دخول الجنّة، و التّنكير في قوله: حَسَنَةٌ للتّعظيم يعني حسنة لا يصل العقل إلى كنه كمالها.

و أمّا على التّقدير الثّاني،فمعناه:الّذين أحسنوا فلهم في هذه الدّنيا حسنة.و القائلون بهذا القول قالوا:

هذه الحسنة هي الصّحّة و العافية.و أقول:الأولى أن تحمل على الثّلاثة المذكورة في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«ثلاثة ليس لها نهاية:الأمن و الصّحّة و الكفاية».

و من النّاس من قال:القول الأوّل أولى،و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّ التّنكير في قوله: حَسَنَةٌ يدلّ على النّهاية و الجلالة و الرّفعة؛و ذلك لا يليق بأحوال الدّنيا،فإنّها خسيسة و منقطعة،و إنّما يليق بأحوال الآخرة،فإنّها شريفة و آمنة من الانقضاء و الانقراض.

و الثّاني:أنّ ثواب المحسن بالتّوحيد و الأعمال الصّالحة إنّما يحصل في الآخرة،قال تعالى: اَلْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، المؤمن:17،و أيضا فنعمة الدّنيا من الصّحّة و الأمن و الكفاية حاصلة للكفّار،و أيضا فحصولها للكافر أكثر و أتمّ من حصولها للمؤمن،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«الدّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر»و قال تعالى: لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ الزّخرف:33.

الثّالث:أنّ قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ يفيد الحصر،بمعنى أنّه يفيد أنّ حسنة هذه الدّنيا لا تحصل إلاّ للّذين أحسنوا،و هذا باطل.

أمّا لو حملنا هذه الحسنة على حسنة الآخرة،صحّ هذا الحصر،فكأنّ حمله على حسنة الآخرة أولى.

(26:252)

ابن عربيّ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أي اتّصفوا بالصّفات الإلهيّة،فعبدوه على المشاهدة، فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ لا يكتنه كنهها في الآخرة،و هي شهود الوجه الباقي،و جماله الكريم.(2:374)

القرطبيّ:يعني ب«الحسنة»الأولى:الطّاعة، و بالثّانية:الثّواب في الجنّة.

و قيل:المعنى للّذين أحسنوا في الدّنيا حسنة في الدّنيا،يكون ذلك زيادة على ثواب الآخرة،و الحسنة الزّائدة في الدّنيا:الصّحّة و العافية و الظّفر و الغنيمة.

قال القشيريّ:و الأوّل أصحّ،لأنّ الكافر قد نال نعم الدّنيا.

قلت:و ينالها معه المؤمن،و يزاد الجنّة إذا شكر تلك النّعم.و قد تكون الحسنة في الدّنيا الثّناء الحسن، و في الآخرة الجزاء.(15:240)

البيضاويّ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا بالطّاعة حَسَنَةٌ مكافأة في الدّنيا.(2:318)

النّيسابوريّ:[نحو الفخر الرّازيّ ملخّصا و أضاف:]

و قيل:هي[الحسنة]الثّناء الجميل،و قيل:الظّفر

ص: 145

و الغنيمة،و قيل:نور القلب و بهاء الوجه.(23:119)

أبو حيّان:و الظّاهر تعلّق فِي هذِهِ ب أَحْسَنُوا و أنّ المحسنين في الدّنيا،لهم في الآخرة حسنة،أي حسنة عظيمة،و هي الجنّة،قاله مقاتل.و الصّفة محذوفة يدلّ عليها المعنى،لأنّ من أحسن في الدّنيا لا يوعد أن يكون له في الآخرة مطلق حسنة.

و قال السّدّيّ: فِي هذِهِ من تمام حَسَنَةٌ، أي و لو تأخّر لكان صفة،أي الّذين يحسنون لهم حسنة كائنة في الدّنيا.فلمّا تقدّم انتصب على الحال، و الحسنة الّتي لهم في الدّنيا هي العافية،و الظّهور، و ولاية اللّه تعالى.(7:419)

ابن كثير:أي لمن أحسن العمل في هذه الدّنيا حسنة في دنياهم و أخراهم.(6:83)

الشّربينيّ:أي[احسنوا]بالطّاعة حَسَنَةٌ أي في الآخرة،و هي الجنّة.و التّنكير في حَسَنَةٌ للتّعظيم،أي حسنة لا يصل العقل إلى كنه كمالها، فقوله تعالى: فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ متعلّق:

ب أَحْسَنُوا.

قال الرّازيّ:الأولى أن يحمل على الثّلاثة المذكورة في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«ثلاثة ليس لها نهاية:الأمن و الصّحّة و الكفاية»،انتهى.و ردّ بأنّه يتعيّن حمله على حسنة الآخرة،لأنّ ذلك حاصل للكفّار أكثر من حصوله للمؤمنين،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«الدّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر».(3:436)

أبو السّعود:و قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا تعليل للأمر،أو لوجوب الامتثال به.و إيراد الإحسان في حيّز الصّلة دون التّقوى للإيذان بأنّه من باب الإحسان،و أنّهما متلازمان،و كذا الصّبر،كما مرّ في قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، و في قوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:90.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](5:383)

الكاشانيّ:الظّرف إمّا متعلّق ب أَحْسَنُوا أو ب حَسَنَةٌ، و على الأوّل:تشمل الحسنة حسنة الدّارين.و على الثّاني:لا ينافي نيل حسنة الآخرة أيضا،و الحسنة في الدّنيا كالصّحّة و العافية.

في«الأمالي»عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«إنّ المؤمن يعمل لثلاث من الثّواب:إمّا لخير،فإنّ اللّه يثيبه بعمله في دنياه»ثمّ تلا هذه الآية،ثمّ قال:«فمن أعطاهم اللّه في الدّنيا لم يحاسبهم به في الآخرة».(4:316)

البروسويّ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أي عملوا الأعمال الحسنة في هذه الدّنيا على وجه الإخلاص، و رأسها كلمة الشّهادة،فإنّها أحسن الحسنات.

حَسَنَةٌ مبتدأ،و خبره لِلَّذِينَ، و فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلّق ب أَحْسَنُوا.

و فيه إشارة إلى قوله:«الدّنيا مزرعة الآخرة»، أي حسنة و مثوبة عظيمة في الآخرة،لا يعرف كنهها و هى الجنّة و الشّهود،لأنّ جزاء الإحسان الإحسان، و الإحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه،فإن لم تكن تراه فإنّه يراك،فالمحسن هو المشاهد و بمشاهدة اللّه يغيب ما سوى اللّه،فلا يبقى إلاّ هو،و ذلك حقيقة الإخلاص، و أمّا غير المحسن فعلى خطر لبقائه مع ما سوى اللّه

ص: 146

تعالى،فلا يأمن من الشّرك و الرّياء القبيح،و من كان عمله قبيحا لم يكن جزاؤه حسنا.

و في«التّأويلات النّجميّة» لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا في طلبي فِي هذِهِ الدُّنْيا و لا يطلبون منّي غيري حَسَنَةٌ، أي لهم حسنة وجدانيّ،يعني حسن الوجدان مودع في حسن الطّلب.(8:84)

شبّر: حَسَنَةٌ: في الآخرة هي الجنّة.(5:305)

الآلوسيّ:و قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا إلى آخره تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به،و الجارّ و المجرور متعلّق بمحذوف هو خبر مقدّم،و قوله سبحانه: فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلّق ب أَحْسَنُوا، و اسم الإشارة للإحضار،و قوله تبارك و تعالى:

حَسَنَةٌ مبتدأ،و تنويه للتّفخيم،أي للمحسنين في الدّنيا حسنة في الآخرة أي حسنة،و المراد بها:الجنّة.

(23:248)

سيّد قطب:و ما أجزل الجزاء!حسنة في الدّنيا القصيرة الأيّام الهزيلة المقام.تقابلها حسنة في الآخرة دار البقاء و الدّوام.و لكنّه فضل اللّه على هذا الإنسان الّذي يعرف منه ضعفه و عجزه و ضآلة جهده،فيكرمه و يرعاه!(5:3043)

ابن عاشور:و جملة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا... و ما عطف عليها استئناف بيانيّ،لأنّ إيراد الأمر بالتّقوى للمتّصفين بها،يثير سؤال سائل عن المقصود من ذلك الأمر،فأريد بيانه بقوله: أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً، و لكن جعل قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا... تمهيدا له لقصد تعجيل التّكفّل لهم،بموافقة الحسنى في هجرتهم.

و يجوز أن تكون جملة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا...

مسوقة مساق التّعليل للأمر بالتّقوى الواقع بعدها.

و المراد ب لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا: الّذين اتّقوا اللّه، و هم المؤمنون الموصوفون بما تقدّم من قوله: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ الزّمر:9،لأنّ تلك الخصال تدلّ على الإحسان المفسّر بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أن تعبد اللّه كأنّك تراه،فإن لم تكن تراه فإنّه يراك»،فعدل عن التّعبير بضمير الخطاب،بأن يقال:لكم في الدّنيا حسنة،إلى الإتيان باسم الموصول الظّاهر،و هو: اَلَّذِينَ أَحْسَنُوا ليشمل المخاطبين و غيرهم ممّن ثبتت له هذه الصّلة.و ذلك في معنى اِتَّقُوا رَبَّكُمُ لتكونوا محسنين،فإنّ للّذين أحسنوا حسنة عظيمة فكونوا منهم،و تقديم المسند في لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا... للاهتمام بالمحسن إليهم،و أنّهم أحرياء بالإحسان.

و المراد ب«الحسنة»:الحالة الحسنة،و استغني بالوصف عن الموصوف على حدّ قوله: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً البقرة:201، و قوله في عكسه: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40.و توسيط قوله: فِي هذِهِ الدُّنْيا بين لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا... و بين حَسَنَةٌ نظم ممّا اختصّ به القرآن في مواقع الكلم،لإكثار المعاني الّتي يسمح بها النّظم،و هذا من طرق إعجاز القرآن.فيجوز أن يكون قوله: فِي هذِهِ الدُّنْيا حالا من حَسَنَةٌ قدّم على صاحب الحال للتّنبيه من أوّل الكلام،على أنّها جزاؤهم في الدّنيا،لقلّة خطور ذلك في بالهم.ضمّن اللّه لهم تعجيل الجزاء الحسن في الدّنيا قبل ثواب الآخرة،

ص: 147

على نحو ما أثنى على من يقول: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً.

و قد جاء في نظير هذه الجملة في قوله: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ النّحل:30،أي خير من أمور الدّنيا، و يكون الاقتصار على حسنة الدّنيا في هذه الآية، لأنّها مسوقة لتثبيت المسلمين على ما يلاقونه من الأذى،و لأمرهم بالهجرة عن دار الشّرك و الفتنة في الدّين.فأمّا ثواب الآخرة فأمر مقرّر عندهم من قبل، و مومى إليه بقوله بعده: إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ، أي يوفّون أجرهم في الآخرة...

و يجوز أن يكون قوله: فِي الدُّنْيا متعلّقا بفعل أَحْسَنُوا على أنّه ظرف لغويّ،أي فعلوا الحسنات في الدّنيا،فيكون المقصود التّنبيه على المبادرة بالحسنات في الحياة الدّنيا قبل الفوات و التّنبيه على عدم التّقصير في ذلك.

و تنوين حَسَنَةٌ للتّعظيم،و هو بالنّسبة لحسنة الآخرة للتّعظيم الذّاتيّ،و بالنّسبة لحسنة الدّنيا تعظيم وصفيّ،أي حسنة أعظم من المتعارف،و أيّا ما كان فاسم الإشارة في قوله: فِي هذِهِ الدُّنْيا لتمييز المشار إليه و إحضاره في الأذهان.و عليه فالمراد ب حَسَنَةٌ يحتمل حسنة الآخرة،و يحتمل حسنة الدّنيا،كما في قوله تعالى: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً البقرة:201.و قد تقدّم نظير هذه الآية قوله تعالى: وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ النّحل:30،فألحق بها ما قرّر هنا.(24:40)

مغنيّة: لِلَّذِينَ... هذا كلام مستأنف،و منقطع عن سابقه،و معناه:و من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره.

(6:400)

عبد الكريم الخطيب:قوله تعالى: لِلَّذِينَ...

إشارة إلى أنّ الأعمال الحسنة تعطي ثمرة حسنة معجّلة في هذه الدّنيا إلى ما تعطيه من حسنات كثيرة في الآخرة.فالعمل الحسن هو حسن في ذاته،لا يجيء منه إلاّ ما هو حسن.و هذا من شأنه أن يضمن للمحسنين حياة طيّبة معه في الدّنيا...(12:1130)

27- يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ...

المؤمن:39

ابن عاشور:جملة إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ مبيّنة لجملة: أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ المؤمن:

38...

و القصر المستفاد من قوله: إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ قصر موصوف على صفة،أي لا صفة للدّنيا إلاّ أنّها نفع موقّت،و هو قصر قلب لتنزيل قومه في تهالكهم على منافع الدّنيا منزلة من يحسبها منافع خالدة.(24:200)

الطّباطبائيّ:قوله تعالى: يا قَوْمِ... هذا هو السّناد الّذي يستند إليه سلوك سبيل الرّشاد و التّدين بدين الحقّ،لا غنى عنه بحال،و هو الاعتقاد بأنّ للإنسان حياة خالدة مؤبّدة هي الحياة الآخرة،و أنّ هذه الحياة الدّنيا متاع في الآخرة،و مقدّمة مقصودة

ص: 148

لأجلها،و لذلك بدأ به،في بيان سبيل الرّشاد.

(17:332)

راجع:م ت ع:«متاع».

28- اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ ... وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ.

الحديد:20

جوادي الآمليّ:قسّم القرآن الدّنيا خمس مراحل،سمّاها-كما تقدّم-فتنة و غرورا،و قال في موضع آخر: اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا.لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ... الحديد:20،و خلاصة هذه المراحل:أنّ الإنسان من حيث الجسم و القوّة المادّيّة طفل و حدث،أو شابّ،أو كهل،أو شيخ.و هو في مرحلة الطّفولة ينكبّ على اللّعب،و في مرحلة الحداثة ينكبّ على اللّهو،و في مرحلة الشّباب و الفتوّة ينكبّ على زينة الدّنيا و زخرفها،و في مرحلة الكهولة ينكبّ على التّفاخر و المباهات،و في مرحلة الشّيخوخة ينكبّ على التّكاثر،فالدّنيا في كلّ هذه المراحل ليست إلاّ غرورا و فتنة: إِنِ الْكافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ الملك:20.[إلى أن قال:]

و المراد بالدّنيا-كما تقدّم-المراحل الخمس و نظائرها،و ليست السّماء و الأرض و البحر و الصّحراء و نظائرها،لأنّها آيات اللّه،و القرآن الكريم يذكر هذه الموجودات التّكوينيّة بإجلال و إكرام،و يدعو الإنسان إلى التّدبّر فيها،حتّى يتدبّر حين ذكرها في مخلوقات الدّنيا و ما فيها: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ. (5:314)

الدّنيا كلّ ما يلهي الإنسان و يصدّه عن اللّه، و تتلوّن بألوان من الفتنة و الجمال،و كلّ ما هو باطل، و أنّى تظهر فهي مظهر الباطل،فلا يشكّ أولياء اللّه في بطلانها: اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا... الحديد:20.

و قال في الكافرين: إِنِ الْكافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ الملك:20،لأنّهم منكبّون على الدّنيا،و ما هي إلاّ غرور.(7:238)

راجع:ل ع ب:«لعب».

29- وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ. الملك:5

الزّمخشريّ:القربى،لأنّها أقرب السّماوات إلى النّاس،و معناه:السّماء الدّنيا منكم.(4:135)

الطّبرسيّ:يعني الّتي هي أدنى إلى الأرض،و هي الّتي يراها النّاس.(5:323)

أبو حيّان: اَلسَّماءَ الدُّنْيا هي الّتي نشاهدها، و الدّنوّ أمر نسبيّ و إلاّ فليست قريبة.(8:299)

عزّة دروزة: اَلدُّنْيا: هنا بمعنى القريبة،أو المواجهة للنّاس.(6:244)

راجع:س م و:«السّماء».

و في بقيّة آيات(الدّنيا)لاحظ:ما جاء فيها من موادّ:أجر،بوء،بشر،تبع،ترف،توبة،ثواب،آخرة، جدل،حبط،حسن،حياة،حرث،خزي،خسر،

ص: 149

خلص،دعاء،ذلّ،ذوق،ذهاب،رحم،رضي،رود، زهر،زينة،سماء،صفي عذاب،عرض،عيش،غرور، فكر،فرح،فرعون،قول،كره،لعب،لعن،متاع،مثل، نصب،نصر،وجه،ودّ،،ولي.

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير أَدْنى على أربعة وجوه:

فوجه منها: أَدْنى يعني أجدر،فذلك قوله:

وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا البقرة:282، يقول:و أجدر أن لا تشكّوا.و قال: ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا النّساء:3،يعني أجدر أن لا تعولوا.و كقوله:

ذلِكَ أَدْنى يعني أجدر أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها المائدة:108.

و الوجه الثّاني: أَدْنى يعني أقرب،فذلك قوله:

وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى يعني الأقرب، [و هو]الجوع في الدّنيا، دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ السّجدة:21،يعني النّار في الآخرة،كقوله: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى النّجم:9،يعني بل أقرب.

و الوجه الثّالث: أَدْنى يعني أقلّ،فذلك قوله:

ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ يعني و لا أقلّ من ذلك، وَ لا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ المجادلة:7،يعني إلاّ و علم اللّه معهم.

و الوجه الرّابع: أَدْنى يعني دون،فذلك قوله لبني إسرائيل؛حيث سألوا نبات الأرض،من البقل و نحوه،مكان المنّ و السّلوى: قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى يعني الّذي هو دون المنّ و السّلوى،من نبات الأرض،فذلك قوله: بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ البقرة:61.(130)

نحوه ملخّصا الحيريّ.(93)

هارون الأعور:[نحو مقاتل،إلاّ أنّه قال:]

الوجه الرّابع: أَدْنى يعني الشّرّ.(115)

الدّامغانيّ:[نحو مقاتل إلاّ أنّه أضاف في الثّالثة:]

كقوله تعالى: أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ، أي أقلّ من ثلثي اللّيل.(103)

الفيروزآباديّ:[نحو مقاتل إلاّ أنّه قال:]

الأوّل:بمعنى الأجدر الأحرى...

الثّاني:بمعنى القلّة...

الثّالث:بمعنى القرب...

الرّابع:بمعنى الأدون الأخسّ...(2:179)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّنوّ،أي القرب.يقال:

دنا الشّيء من الشّيء يدنو دنوّا و دناوة،أي قرب فهو دان،و استدناه:طلب منه الدّنوّ،و أدنيته و دنّيته:

قرّبته.و في الحديث:«إذا أكلتم فسمّوا و دنّوا و سمّتوا»، أي كلوا ممّا يليكم و ما دنا منكم و قرب.

و دنا و أدنى و دنّى:قرب.يقال:دنت الشّمس للغروب و أدنت،أي قربت،و أدنت النّاقة،إذا دنا نتاجها،و هي ناقة مدنية و مدن،و كذلك المرأة.

و تدنّى فلان:دنا قليلا،و تدانى القوم:دنا بعضهم من بعض،و دانيت بين الشّيئين:قرّبت بينهما،و دانيت

ص: 150

بينهما:جمعت،و دانيت الأمر:قاربته.

و الدّناوة:القرابة و القربى،يقال:بينهما دناوة،أي قرابة،و ما تزداد منّا إلاّ قربا و دناوة.

و الدّنيا و الدّنيا و الدّني و الدّنية:القرابة و اللّحمة.يقال:هو ابن عمّي دنية و دنيا و دنيا،إذا كان ابن عمّك لحّا،أي قربا و لصوقا.

و الدّنيا:نقيض الآخرة.يقال:ما له دنيا و لا آخرة، و النّسبة إليها:دنياويّ و دنيويّ و دنييّ؛و الجمع:دنى.

و سمّيت الدّنيا لدنوّها،و لأنّها دنت و تأخّرت الآخرة و كذلك السّماء الدّنيا،لقربها من ساكني الأرض، و يقال أيضا:سماء الدّنيا،على الإضافة.

و الدّنيّ:القريب،و في المثل:«كلّ دنيّ دونه دنيّ» أي كلّ قريب و كلّ خلصان دونه خلصان.

و الأدنى:الأقرب و الأسفل،و قولهم:لقيتهم أدنى دنيّ،أي أوّل شيء.

و أدنى،إذا عاش عيشا ضيّقا بعد سعة،و كأنّه قرب إلى السّفل.و منه:دانيت القيد في البعير أو للبعير، أي ضيّقته عليه.

2-يقال للخسيس:إنّه لدنيّ من أدنياء،و ما كان دنيا،و لقد دني يدنى دنى و دناية.و هو من«د ن أ» على الأرجح،لأنّ أصله:دنؤ يدنؤ دناءة،و لمّا سهّل صار دني يدني دناوة،ثمّ قلبت الضّمّة في الماضي كسرة لمجاراة الياء،و قلبت في الحال فتحة لمجاراة الألف،و أبدلت الهمزة من الواو أو الياء في المصدر، فقيل:دني يدنى دناوة و دناية.

و لعلّ علّة ترك الهمز فيه للتّفريق بينه و بين معنى آخر،كما يظهر من قول الأزهريّ:«أهل اللّغة لا يهمزون دنو في باب الخسّة،و هم في ذلك يقولون:

إنّه لدانئ خبيث،فيهمزون».

و هذا رأي الفرّاء في قوله: أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى، فقال:«هو من الدّناءة،و العرب تقول:إنّه لدنيّ في الأمور غير مهموز:يتّبع خساسها و أصاغرها و لم نر العرب تهمز أدنأ إذا كان من الخسّة،و هم في ذلك يقولون:إنّه لدانئ خبيث،فيهمزون».

و لكنّ بعض اللّغويّين همزوا معنى الخسّة و اللّؤم و منهم:الخليل و الجوهريّ و ابن سيده.

و قال الزّجّاج في قوله: أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى: «أي أقرب،و معنى أقرب:أقلّ قيمة،كما يقال:

ثوب مقارب،فأمّا الخسيس فاللّغة فيه:دنؤ دناءة، و هو دنيء بالهمز،و هو أدنأ منه».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا«الماضي»مرّة،و«الفاعل» مذكّرا مرّة،و مؤنّثا 3 مرّات،و«التّفضيل»مذكّرا:

(ادنى)12 مرّة،و مؤنّثا:(الدّنيا)115 مرّة،و مزيدا من الإفعال«المضارع»مرّة،في 114 آية:

1-3:دنا،دان،دانية 6 آيات:

1 و 2- ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى النّجم:8،9

3- مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ الرّحمن:54

4- ...وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ

ص: 151

وَ جَنّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ... الأنعام:99

5- فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ* قُطُوفُها دانِيَةٌ

الحاقّة:22،23

6- وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً الدّهر:14

4-ادنى 12 آية:

7- وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ السّجدة:21

8- فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى... الأعراف:169

9- ...قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ... البقرة:61

10- إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ... المزّمّل:20

11- غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. الرّوم:2،3

12- ...ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا... البقرة:282

13- ...ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا النّساء:3

14- ...ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَ لا يَحْزَنَّ وَ يَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ... الأحزاب:51

15- ...ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ...

الأحزاب:59

16- ...وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا... المجادلة:7

17- ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها... المائدة:108

5-الدّنيا 115 آية،و هي 4 أقسام:

أ-العدوة الدّنيا آية واحدة:

18- إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ... الأنفال:42

ب-السّماء الدّنيا 3 آيات:

19- إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ

الصّافّات:6

20- ...وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ حِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فصّلت:12

21- وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ... الملك:5

ج-الدّنيا و الآخرة 39 آية،بإضافة أكثر من 20 آية مع(الحياة الدّنيا).

22-24- ...أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ...

البقرة:217،آل عمران:22،التّوبة:69.

25- ...تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ...

البقرة:219،220

26- ...اِسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ آل عمران:45

27- ...فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ... يوسف:101

28- ...وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ... الحجّ:11

ص: 152

29- مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ... الحجّ:15

30- وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ

النّور:14

31- لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ... المؤمن:43

32- ...وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ البقرة:130

33- ...فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ البقرة:200

34- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ البقرة:201

35- وَ اكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ... الأعراف:156

36- وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ النّحل:30

37- وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ النّحل:41

38- وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ النّحل:122

39- قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ الزّمر:10

40- ...وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ

آل عمران:145

41- فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران:148

42- مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً النّساء:134

43- ...مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ... آل عمران:152

44- مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ الشّورى:20

45- ...تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال:67

46- وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّهُ الدّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا... القصص:77

47- وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ العنكبوت:27

48- ...وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لقمان:15

49- مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ يونس:70

50- إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ النّور:19

ص: 153

51- وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النّارِ الحشر:3

52- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ النّور:23

53- وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ... هود:60

54- وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ القصص:42

55- إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً

الأحزاب:57

56،57- ...لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ البقرة:114،المائدة:41

58- ...لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ الحجّ:9

59- ...لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ المائدة:33

60- فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ

آل عمران:56

61- ...وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ التّوبة:74

62- وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ التّوبة:85

د-الحياة الدّنيا 65 آية:

63- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ البقرة:85

64- فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ يونس:98

65- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ

البقرة:86

66- فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ... النّساء:74

67- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ

البقرة:204

68- مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ... آل عمران:117

69- ...تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ... النّساء:94

70- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ

ص: 154

عَلَيْهِمْ وَكِيلاً النّساء:109

71- وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ الأنعام:29

72- إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ المؤمنون:37

73- وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ... الجاثية:24

74- وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ

الأنعام:32

75- وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ

العنكبوت:64

76- إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ... محمّد:36

77- اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ ... وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ الحديد:20

78- ...قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ الأعراف:32

79- إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ الأعراف:152

80- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ يونس:7

81،82- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ...

يونس:24،الكهف:45

83- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يونس:63،64

84- وَ قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... يونس:88

85- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ هود:15

86- ...وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً الكهف:28

87- اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً

الكهف:46

88- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً الأحزاب:28

89- اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ إبراهيم:3

90- ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ أَنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ

النّحل:107

ص: 155

91- يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ إبراهيم:27

92- اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:104

93- ...فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا طه:72

94- وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا... طه:131

95- ...قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ

القصص:79

96- وَ قالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ... العنكبوت:25

97- يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ الرّوم:7

98- إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ المؤمن:51

99- نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ فصّلت:31

100- أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... الزّخرف:32

101- وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا... الأحقاف:20

102- فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا النّجم:29

103- وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:38،39

104- بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا* وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى الأعلى:16،17

105- ...أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ التّوبة:38

106- زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران:14

107- فَلَمّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يونس:23

108-و 109 وَ ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ زِينَتُها وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى أَ فَلا تَعْقِلُونَ* أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ القصص:60،61

110- فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ ما عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الشّورى:36

111- وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ الزّخرف:35

ص: 156

112- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ

آل عمران:185

113- اَللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ وَ فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ مَتاعٌ الرّعد:26

114- يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَ إِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ المؤمن:39

و يلاحظ أوّلا أنّ هذه المادّة جاءت في 6 صيغ:

1-3:دنا،دان،دانية 5 آيات:

الآية(1) ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى و فيها بحوث:

1-قالوا:دنا جبرئيل إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله.و هذا هو الظّاهر من الآيات قبلها و بعدها،فإنّ الضّمائر فيها ترجع إمّا إلى النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله أو إلى جبرائيل،إلاّ ضمير فَاعْبُدْهُ فيرجع إلى«اللّه»تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى* وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى، أي علّم محمّدا جبرئيل، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى* وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى* ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، أي دنا جبرائيل إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله كقاب قوسين أو أدنى، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى، أي فأوحى جبرائيل إلى محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما أوحى أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى* وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى.

قال الماورديّ: «دَنا الرّبّ»،و عن غيره دنا محمّد من ربّه،و كلاهما خلاف سياق الآيات.و فيه خلاف كثير،فلاحظ النّصوص.

و للقرطبيّ نقلا عن القاضي عياض كلام طويل، في أنّ الدّنوّ و القرب من اللّه أو إلى اللّه،ليس دنوّ مكان،و إنّما هو إبانة عظيم منزلة النّبيّ عليه السّلام،فلاحظ.

*2-و قد سبق البحث فيها في د ل و:«تدلّى» فلاحظ.

3-قيل في أَوْ أَدْنى: لأنّه لم يرد أن يجعل لذلك حدّا محصورا،أي على تقدير كم و على مقتضى نظر البشر،أي لو رآه أحدكم لقال:في ذلك قوسان أو أدنى من ذلك.

قال البيضاويّ:«و المقصود تمثيل ملكة الاتّصال و تحقيق استماعه لما أوحي إليه بنفي البعد الملبس».

و قال النّسفيّ:«و هذا لأنّهم خوطبوا على لغتهم و مقدار فهمهم و هم يقولون هذا قدر رمحين أو أنقص».

و قال الآلوسيّ:«و(او)للشّكّ من جهة العباد، على معنى إذا رآه الرّائي يقول:هو قاب قوسين أو أدنى،و المراد إفادة شدّة القرب».لاحظ ق و ب:

«قاب قوسين».

الآية(3): وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ هذه من جملة آيات سورة الرّحمن في وصف نعيم أهل الجنّة و هذه السّورة تبدأ بتوصيف نعم اللّه في الدّنيا و عجائب مخلوقاته إلى الآية 26،ثمّ بتذكار فناء العالم إلى الآية 34،ثمّ بعذاب الآخرة للمكذّبين إلى الآية:45،ثمّ بتوصيف نعم الآخرة للمؤمنين ابتداء بقوله:46 وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ، و تستمرّ إلى آخر

ص: 157

السّورة.

و من خلال هذه الآيات يقول في وصف الجنّتين:

وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ و فيها بحوث:

1-لفظ دانٍ أصله«دانو»على وزن«فاعل» اسم فاعل من«د ن و»و يبدل«الواو»ياء،فيقال:

داني،حذفت في حالة الرّفع،و حفظا لفواصل الآيات جميعها في هذه السّورة.و جملة وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ مبتدأ و خبر،و جَنَى بمعنى الثّمرة.

2-قالوا في معناها:ثمارها دانية إلى أفواه أربابها فيتناولونها متّكئين،أو ثمارها دانية لا يردّ أيديهم عنه بعد و لا شوك.و نقول:الآية صريحة في المعنى الأوّل؛ حيث تقول: مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ، أي ثمرة الجنّتين دان لهم،و هم متّكئون،و هكذا فسّروها.قال ابن عاشور:«و المعنى أنّ ثمر الجنّة دان منهم و هم على فرشهم فمتى شاءوا اقتطفوا منه».

3-و قال الفخر الرّازيّ:«فيه إشارة إلى مخالفتها لجنّة دار الدّنيا من ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّ الثّمرة في الدّنيا على رءوس الشّجرة و الإنسان عند الاتّكاء يبعد عن رءوسها و في الآخرة هو متّكئ و الثّمرة تنزل إليه.

ثانيها:في الدّنيا من قرب من ثمرة شجرة بعد عن الأخرى،و في الآخرة كلّها دان في وقت واحد و مكان واحد،و في الآخرة المستقرّ في جنّة عنده جنّة أخرى.

ثالثها:أنّ العجائب كلّها من خواصّ الجنّة فكان أشجارها دائرة عليهم سائرة إليهم و هم ساكنون، على خلاف ما كان في الدّنيا و جنّاتها،و في الدّنيا الإنسان متحرّك و مطلوبه ساكن».

4-و قال:«و فيه الحقيقة،و هي أنّ من لم يكسل و لم يتقاعد عن عبادة اللّه تعالى،و سعى في الدّنيا في الخيرات،انتهى أمره إلى سكون لا يحوجه شيء إلى حركة،فأهل الجنّة إن تحرّكوا تحرّكوا لا لحاجة و طلب،و إن سكنوا سكنوا،لا،لاستراحة بعد التّعب.

ثمّ إنّ الوليّ قد تصير له الدّنيا أنموذجا من الجنّة،فإنّه يكون ساكنا في بيته،و يأتيه الرّزق متحرّكا إليه دائرا حواليه،يدلّك عليه قوله تعالى: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً آل عمران:37».

الآية(4): مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ و تمامها:

وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَ جَنّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّانَ مُشْتَبِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

لاحظ:ق ن و:«قنوان».

الآية(5): قُطُوفُها دانِيَةٌ هذه ذيل توصيف أصحاب اليمين من سورة الحاقّة:19-24: فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ* قُطُوفُها دانِيَةٌ* كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّامِ الْخالِيَةِ، لاحظ:ق ط ف:

«قطوفها».

الآية(6): وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها هذه من جملة

ص: 158

آيات سورة الدّهر في توصيف الأبرار،ابتداء من الآية 5: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً و اختتاما بالآية 22: إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً، و قبلها: مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً* وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ... و فيها بحوث:

1-و قد أطالوا الكلام في وجه نصب دانِيَةً عَلَيْهِمْ و اختلفوا فيه-كما قال الطّبريّ-في ثلاثة أوجه:

«أوّلها:العطف به على قوله: مُتَّكِئِينَ فِيها و هو منصوب حالا-و هو الأظهر،و به قال أكثرهم- و المعنى:و جزاهم جنّة في حال اتّكائهم فيها،و كذلك:

وَ دانِيَةً.

ثانيها:العطف به على موضع قوله: لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً الدّهر:13،لأنّ موضعه نصب،و ذلك أنّ معناه:متّكئين فيها على الأرائك،غير رائين فيها شمسا.

و ثالثها:نصبه على المدح،كأنّه قيل:متّكئين فيها على الأرائك،و دانية بعد عليهم ظلالها،كما يقال:عند فلان جارية جميلة،و شابّة بعد طريّة،تضمر مع هذه الواو فعلا ناصبا للشّابّة،إذا أريد به المدح،و لم يرد به النّسق».

و أضاف غيره وجها رابعا،و هو كون دانِيَةً نعتا ل«الجنّة»،و المعنى:و جزاهم جنّة دانية عليهم ظلالها.

و قال الزّمخشريّ في هذا الوجه:«أي و جنّة أخرى دانية عليهم ظلالها،على أنّهم وعدوا جنّتين، كقوله: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46، لأنّهم وصفوا بالخوف إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا الدّهر:10».

و قال ابن جنّيّ-كما حكاه عنه ابن سيده-:

«و لم نحمل الكلام على حذف الموصوف،و إقامة الصّفة مقامه،لأنّه نوع من الضّرورة،و كتاب اللّه يجلّ عن ذلك».

2-و قرئ و(دان)و(دانية)بالرّفع و(دانيا).

و قال بعضهم:و يكون تذكير الدّاني و تأنيثه،كقوله:

خاشعا ابصارهم -و لم يأت في القرآن- خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ المعارج:44.

و قرئ(دانية)بالرّفع على أنّها خبر مقدّم، و ظِلالُها مبتدأ مؤخّر.و قرئ شاذّا(دانية)بالجرّ، على أنّها صفة لمحذوف هو«جنّة»معطوف على الضّمير المجرور في(فيها)،أي لا يرون فيها و لا في جنّة دانية.و هذا موقوف على جواز العطف على الضّمير، و هو رأي الكوفيّين.

3-و أمّا المعنى:فقال ابن عطيّة:«و دنوّ الظّلال بتوسّط أنعم لها،لأنّ الشّيء المظلّ إذا بعد فترة ظلّه -لا سيّما من الأشجار و التّذليل أن تطيب الثّمرة- فتتدلّى و تنعكس نحو الأرض.و«التّذليل»في الجنّة هو بحسب إرادة ساكنيها».

و قال الشّربينيّ:«أي قريبة مع الارتفاع عَلَيْهِمْ ظِلالُها، أي شجرها من غير أن يحصل منها ما يزيل الاعتدال».

و قال ابن عاشور:«و دنوّ الظّلال:قربها منهم؛

ص: 159

و إذ لم يعهد وصف الظّلّ بالقرب يظهر أنّ دنوّ الظّلال كناية عن تدلّي الأدواح-جمع دوحة و هي الشّجرة العظيمة-الّتي من شأنها أن تظلّل الجنّات في معتاد الدّنيا،و لكنّ الجنّة لا شمس فيها فيستظلّ من حرّها، فتعيّن أنّ تركيب وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها مثل يطلق على تدلّي أفنان الجنّة،لأنّ الظّلّ المظلّل للشّخص لا يتفاوت بدنوّ و لا بعد،و قد يكون ظِلالُها مجازا مرسلا عن الأفنان بعلاقة اللّزوم.

و المعنى:أنّ أدواح الجنّة قريبة من مجالسهم، و ذلك ممّا يزيدها بهجة و حسنا،و هو في معنى قوله تعالى: قُطُوفُها دانِيَةٌ الحاقّة:23،و لذلك عطف عليه جملة: وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً».

و قال الطّباطبائيّ:«و دنوّ الظّلال عليهم قربها منهم بحيث تنبسط عليهم،فكأنّ الدّنوّ مضمّن معنى الانبساط».

و قال فضل اللّه:«بحيث تنبسط عليهم في رقّة و حنان،كأنّها تقترب إليهم لتمسح على رءوسهم مسحة اللّطف و العطف،و لتضمّهم إلى أحضانها».

فيستفاد منهم أنّ جملتي وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً بلغتا بلاغة عالية.لاحظ:

ظ ل ل:«ظلالها»و:ذ ل ل:«ذلّلت»،و:ق ط ف:

«قطوفها».

4-ادنى 12 آية:الآيات 2 و 7-17،و فيها بحوث:

1-كلمة أَدْنى -و هي التّفضيل-في هذه الآيات ليست بمعنى واحد،و لا من مادّة واحدة،فإن كانت بمعنى«الأقرب»فهي من د ن و:«الدّنوّ»،و إن كانت بمعنى«الأدون»و«الأخسّ»فهي من د ن ء:

«الدّناءة».

2-و المناسب للسّياق في خمس منها هو الدّناءة و القلّة،و في الباقي هو الدّنوّ.و الخمس هي:

7- وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.

8- فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى... .

9- أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ... .

10- إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ... .

11- ...وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ.

3-و عندنا أنّ ثلاثا منها:و هي(2 و 7 و 8)بمعنى الأخسّ و اثنتان:(10 و 11)بمعنى الأقلّ،إلاّ أنّ المفسّرين اختلفوا في جملة من الآيات فقال الفرّاء مثلا في(11):«أي الّذي هو أقرب من الدّنوّ،و يقال:من الدّناءة...».

و قال الطّبرسيّ فيها:«أي أقرب و أدون،كما تقول:هذا شيء مقارب،أو دون».و احتمل أبو البركات و غيره أيضا فيها الوجهين.

و قال الشّربينيّ فيها:«أي زمانا أقلّ،و الأدنى، مشترك بين الأقرب و الأدون الأنزل رتبة،لأنّ كلاّ منهما يلزم عنه قلّة المسافة».

و قال الطّباطبائيّ-و مثله فضل اللّه-فيها«من

ص: 160

الدّنوّ بمعنى القرب،و قد جرى العرف على استعمال «أدنى»فيما يقرب من الشّيء،و هو أقلّ.فيقال:إنّ عدّتهم أدنى من عشرة،إذا كانوا تسعة مثلا،دون ما لو كانوا أحد عشر،فمعنى قوله: أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ أقرب من ثلثيه و أقلّ بقليل».

و قال الطّباطبائيّ في(7):«قيل:سمّي عذاب الدّنيا أدنى و لم يقل:الأصغر،حتّى يقابل الأكبر،لأنّ المقام مقام الإنذار و التّخويف،و لا يناسبه عدّ العذاب أصغر،و كذا لم يقل:دون العذاب الأبعد،حتّى يقابل العذاب الأدنى لعدم ملاءمته مقام التّخويف».

و قال الطّوسيّ في(8):«هذا العاجل».و قال الزّمخشريّ فيها:«و اَلْأَدْنى إمّا من الدّنوّ بمعنى القرب،لأنّه عاجل قريب،و إمّا من دنوّ الحال و سقوطها و قلّتها».

و قال ابن الجوزيّ فيها:«و في وصفه ب اَلْأَدْنى قولان:أحدهما:أنّه من الدّنوّ،و الثّاني:أنّه من الدّناءة».

و قال الآلوسيّ فيها:«و كونها من الدّناءة خلاف الظّاهر،و إن كان ذلك ظاهرا فيها،لأنّه مهموز».

4-بقي الكلام في الآية رقم:(15): يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ و نقول:

أ-كلمة يُدْنِينَ جمع مؤنّث للمضارع الغائب من الدّنوّ باب«الإفعال»و قالوا في معناها:يرخين عليهنّ على نحورهنّ و جيوبهنّ.يغطّين وجوههنّ من فوق رءوسهنّ بالجلابيب و يبدين عينا واحدة.إدناء الجلباب:أن تقنّع و تشدّ على جبينها-و كلاهما مرويّ عن ابن عبّاس-يتجلببن فيعلم أنّهن حرائر، فلا يعرض لهنّ فاسق بأذى من قول أو ريبة.أن يقنّعن على الحواجب.تلويه فوق الجبين،و تشدّه،ثمّ تعطفه على الأنف،و إن ظهرت عيناها،لكنّه يستر الصّدر، و معظم الوجه.غطّى رأسه و وجهه،و أبرز ثوبه عن إحدى عينيه.تغطّي حاجبها بالرّداء ثمّ تردّه على أنفها حتّى تغطّي رأسها و وجهها و إحدى عينيها.تغطّي:

يلبسن الأردية،و نحوها.و قد جمع الطّبريّ أكثرها ذيل الآية.

ب-و نقول:ليست في الآية سوى يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ، و إدناء الجلابيب ليس فيه تلك القيود الّتي ذكروها،فهي مأخوذة من السّنّة،أو من المعتاد عند النّاس.

و الجلباب:-كما في كتب اللّغة-القميص و ما يستر البدن دون ما يستر الوجه،فلا تدلّ الآية على وجوب ستر الوجه بل هي ساكتة عنه،و الآية الّتي ترتبط بستر الرّأس و الوجه هي قوله تعالى:

...وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ... النّور:31،فإنّ«الخمر»جمع خمار،و هو المقنعة و ما يستر الرّأس،و في دلالتها على وجوب ستر الوجه أيضا كلام.لاحظ:خ م ر:«خمرهنّ».

و قد قال الجصّاص:«في هذه الآية دلالة على أنّ المرأة الشّابّة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيّين، و إظهار السّتر و العفاف عند الخروج،لئلاّ يطمع أهل الرّيب فيهنّ».و قد استثنى الأمة من وجوب السّتر،

ص: 161

بحجّة أنّ ظاهر لفظ اَلْمُؤْمِنِينَ الحرائر،و أنّ السّتر فارق بين الحرائر و الإماء.

ج-قال الطّبرسيّ: «يُدْنِينَ في موضع جزم بأنّه جواب شرط مقدّر،و تقديره:قل لأزواجك أدنين عليكنّ من جلابيبكنّ،فإنّك إن تقل ذلك يدنين.

د-قل لهؤلاء فليسترن موضع الجيب بالجلباب، و هو الملاءة الّتي تشتمل بها المرأة،عن الحسن.و قيل:

الجلباب:مقنعة المرأة،أي يغطّين جباههنّ و رءوسهنّ إذا خرجن لحاجة...».

لاحظ:ج ل ب ب:«جلابيبهنّ»،و:ح ج ب:

«من وراء حجاب»،و:خ م ر:«خمرهنّ»،و:ع ر ف:

«يعرفن».

ه-و قال البيضاويّ:«و(من)للتّبعيض،فإنّ المرأة ترخي بعض جلبابها و تتلفّع ببعض».

و:و ذكر القاسميّ أنّ النّساء كنّ في أوّل الإسلام على هجّيراهنّ في الجاهليّة مبتذلات،كما كنّ في الجاهليّة من غير فرق بين الحرائر و الإماء،ثمّ ذكر الفرق بين الفريقين في الإسلام.

ز-و قال الطّباطبائيّ:«و قوله: ذلِكَ أَدْنى، أي ستر جميع البدن أقرب».

و البحث التّفصيليّ في كلّ واحدة من هذه الآيات مختصّ بما يناسبها من لغاتها،مثل:ع ذ ب:«العذاب» في(7)،و:ع ر ض:«عرض»في(8)،و:ب د ل:

«تستبدلوا»في(9)،و:ق و م:«تقوم»في(10)، و:غ ل ب:«غلبهم»في(11)،و:ق س ط:«اقسط» في(12)،و:ع و ل:«تعولوا»في(13)،و:ق ر ر:«تقرّ» في(14)،و:ع ر ف:«يعرفن»في(15)،و:ك ث ر:

«اكثر»في(16)،و:ش ه د:«الشّهادة»في(17)، فلاحظ.

5-آيات الدّنيا:115 آية،و هي أربعة أصناف:

أ-العدوة الدّنيا:

(18) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا... .لاحظ:ع د و:

«العدوة».

ب-السّماء الدّنيا:3 آيات(19-21)لاحظ:

س م و:«السّماء»،و:ص ب ح:«مصابيح»،و:ش طن :«الشّيطان».

ج-الدّنيا و الآخرة:39 آية(22-63) بإضافة أكثر من 20 آية من آيات(الحياة الدّنيا).

لاحظ:س م و:«السّماء»،و:ص ب ح:«مصابيح» و:ش طن:«الشّيطان».و ح ي ي:«الحياة»و غيرها ممّا ذكرت ذيل نصوص«الدّنيا».

د-الحياة الدّنيا:46 آية(63-109).

و يلاحظ أوّلا:أنّ اَلدُّنْيا تأنيث الأدنى- و في الأصل تفيد التّفضيل-جاءت في القرآن من الدّنوّ بمعنى القرب،و يراد بها:عالم الدّنيا،مع الألف و اللاّم.

قال أبو حيّان:«و لا تحذف منها الألف و اللاّم إلاّ في شعر،نحو قوله:

*في سعي دنيا طالما قد مدّت*

و قد جاءت بمعنى القريب من دون تفضيل،كاسم لهذا العالم قبال العالم الآخرة في 61 آية،و كصفة لهذه الحياة قبال تلك العالم في 65 آية،من دون أن تذكر

ص: 162

«الحياة الآخرة»بل جاءت بِالْآخِرَةِ في أكثر الآيات و اَلدّارُ الْآخِرَةُ في 9 آيات.لاحظ:دور:

«الدّار».و ثلاث منها جاءت مع اَلْحَياةُ الدُّنْيا:

لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ يونس :64،و وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ الأنعام:32، وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64،أو بالإضافة إلى الآخرة مثل:«عذاب الآخرة»،و«أجر الآخرة»،و«ثواب الآخرة»،و قد يذكر بدل الآخرة «يوم القيامة».

و فيها بحوث:

1-سياق كثير من آيات صنف«ج»«الدّنيا و الآخرة»تعميم الأمر المذكور فيها للعالمين:الدّنيا و الآخرة من دون ذمّ للدّنيا،مثل(25): تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ، و(26): وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ، و(27): أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ، و نحوها من بعدها إلى(33)،و من(34):

رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً إلى (60).

و سياق بعضها ذمّ الدّنيا مثل(45): تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، أو مدحها مثل (46): وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا، و(47):

وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا، و(48): وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً، و نحوها.

2-أمّا سياق آيات صنف«د»«الحياة الدّنيا» فأكثرها ذمّ،إمّا تلويحا مثل(67): وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، أو تصريحا-و هما عمدتها-مثل(74): وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ، و نحوها ما بعدها إلى(77).

3-و قد ذمّت الحياة الدّنيا فيها بأشياء:

أ-اشتراؤها بالآخرة مثل(65): أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ، و(66): اَلَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ.

ب-تمجيدهم حياة الدّنيا(67): وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.

ج-إنفاقهم فيها(68): مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ... .

د-ابتغاء عرض الدّنيا(69): تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا.

ه-الجدال حماية عن جماعة فيها(70): ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.

و-حصر الحياة بالدّنيا و نفي الآخرة(71):

وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ و نحوها(72،73).

ز-إنّها لهو و لعب(74): وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ و مثلها:(75 و 76 و 77).

ح-زينتها و أموالها مثل(84): رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، و نحوها إلى(87).

ط:استحبابها على الآخرة،مثل(89): اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ و نحوه(90).

ي-رضاهم و اطمئنانهم بالحياة الدّنيا عن الآخرة،مثل(80): وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا

ص: 163

بِها، و(105): أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ.

ك-إيثارهم الدّنيا على الآخرة،مثل(103):

وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا، و(104): بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا.

ل-إرادتهم الحياة الدّنيا،مثل(85): مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها، و(95): قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا، و(102): وَ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا.

م-علمهم ظاهرا من الحياة الدّنيا،مثل(97):

يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا.

ن-زهرة حياة الدّنيا،مثل(94): زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا.

س-المودّة بينهم في الحياة الدّنيا،مثل(96):

مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، و أيضا(62):

وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ.

4-و قد نصّت الآيات على جزاء أعمال السّوء بعقوبات في الدّنيا و الآخرة،و بأوصاف للحياة.

أ-الخزي في الدّنيا مثل(63): فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، و نحوها آيات من صنف«ج»(56): لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ إلى(59).

ب-العذاب في الدّنيا و الآخرة مثل(60): فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ، و نحوها(61)مكرّر،و آيات من صنف «د».

ج-غضب من ربّهم و ذلّة في الحياة الدّنيا،مثل (79): سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.

د-ضلالة سعيهم في الدّنيا(92): اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.

ه-إنّها كماء مختلط(81 و 82): إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ.

و-متاع الغرور،مثل(77)و(111): وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ.

ز-إنّها متاع قليل،مثل(105): فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ، و نحوها إلى 111.

5-و قد جاءت آيات منها في مدح الحياة الدّنيا جزاء للإيمان و التّقوى،أو لأنّ اللّه قسّم الأرزاق فيها، مثل(64): إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، و(78): قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا...، و(83): اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا...، و(91): يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا...، و(98): إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، و(99):

نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. و مثل(100):

نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.

6-و قد ذكرنا كلّيّات في أصناف «الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ» ،و آيات «الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ» ، و التّفصيل فيها جاء بعضه في النّصوص التّفسيريّة هنا،

ص: 164

و ترى أكثرها ذيل لغات ذكرت هنا في الأرقام(3 و 4 و 5)كالاشتراء،و الإعجاب،و الذّلّة،و الزّنية، و الجدال،و المتاع،و الخزي،و اللّهو،و اللّعب، و الغرور،و غيرها،فلاحظها في مواضعها حسب موادّها.

و يلاحظ ثانيا:أنّ حوالي 46 آية منها مدنيّة تحتوي التّشريع،أو ما يرتبط بالتّشريع من الثّواب و العقاب،و الباقي-و ثلاث منها في سورة الحجّ المختلف فيها-إمّا قصص أو إنذار للمشركين و العصاة،فلاحظ.

7-و في جملة من آيات«الدنيا»بحوث:

ففي الآية(33)، ...فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ.

1-صدر الآية: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النّاسِ...، و بعدها: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ* أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ* وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ... .

و هذه الآيات من تتمّة آيات جاءت في سورة البقرة بشأن أحكام الحجّ و المسجد الحرام،ابتداء من الآية:189، يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ...، إلى الآية:199، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، ثمّ قال: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ... .

فيبدو أنّ مصبّ الآيات بيان أعمال الحجّ و ما يذكر في المشعر الحرام و سائر المواقف،ثمّ بعد المناسك بقوله: فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً و تكون الآية: فَمِنَ النّاسِ، و ما بعدها،كجمل معترضة بين آيات الذّكر في الحجّ.و الهدف منها التّنبيه على أنّ النّاس في ذكرهم فريقان:فمنهم من يدعو لدنياه فحسب،و منهم من يدعو لدنياه و آخرته معا، فالفاء في فَمِنَ النّاسِ، كالتّفريع المعكوس لما قبلها فلاحظ.

و قد نبّه الفخر الرّازيّ بذلك؛حيث قال:«اعلم أنّ اللّه تعالى بيّن أوّلا تفصيل مناسك الحجّ،ثمّ أمر بعدها بالذّكر،فقال: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ البقرة:

198،ثمّ بيّن أنّ الأولى أن يترك ذكر غيره،و أن يقتصر على ذكره فقال: فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً، ثمّ بيّن بعد ذلك الذّكر كيفيّة الدّعاء فقال:

فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا. و ما أحسن هذا التّرتيب،فإنّه لا بدّ من تقديم العبادة لكسر النّفس و إزالة ظلماتها،ثمّ بعد العبادة لا بدّ من الاشتغال بذكر اللّه تعالى،لتنوير القلب و تجلّي نور جلاله،ثمّ بعد ذلك الذّكر يشتغل الرّجل بالدّعاء،فإنّ الدّعاء إنّما يكمل إذا كان مسبوقا بالذّكر...».

و قال الطّباطبائيّ: «فَمِنَ النّاسِ... تفريع على قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ، و اَلنّاسِ مطلق،فالمراد به:أفراد الإنسان أعمّ من الكافر الّذي لا يذكر إلاّ آباءه،أي لا يبتغي إلاّ المفاخر الدّنيويّة و لا يطلب إلاّ الدّنيا،و لا شغل له

ص: 165

بالآخرة...».

2-جاء في النّصوص:أنّ المشركين كانوا يحجّون لدنياهم،و لا يسألون في دعواتهم إلاّ متاع الدّنيا من الإبل،و البقر،و الغنم،و العبيد،و الإماء،و غيرها من مصالح الدّنيا،و لا يسألون لآخرتهم شيئا،و احتمل الفخر الرّازيّ شمول الآية للمؤمنين الّذين يسألون اللّه لدنياهم لا لآخرتهم في الحجّ،و قال:«سؤالهم هذا من جملة الذّنوب؛حيث سألوا اللّه تعالى في أعظم المواقف، و أشرف المشاهد حطام الدّنيا و عرضها الفانيّ، معرضين عن سؤال النّعيم الدّائم في الآخرة،و قد يقال لمن فعل ذلك:إنّه لا خلاق له في الآخرة،و إن كان الفاعل مسلما...».

و قد خصّها أبو حيّان بالذّاكرين بعد الفراغ عن المناسك،فلاحظ.

و قال ابن عاشور:«و المقسم إلى الفريقين جميع النّاس من المسلمين و المشركين،لأنّ الآية نزلت قبل تحجير الحجّ على المشركين بآية براءة،فيتعيّن أنّ المراد بمن ليس له في الآخرة من خلاق هم المشركون،لأنّ المسلمين لا يهملون الدّعاء لخير الآخرة ما بلغت بهم الغفلة،فالمقصود من الآية التّعريض بذمّ حالة المشركين،فإنّهم لا يؤمنون بالحياة الآخرة».

3-و قد حذف مفعول آتِنا تحقيرا لما كانوا يسألونه،أو تعميما لكلّ متاع الدّنيا،أو لأنّه معلوم، و(فى)متعلّق ب آتِنا أو صفة ل حَسَنَةً قدّمت حالا.و فيها التفات عن الخطاب إلى الغيبة،فلم يقل:

و(منكم)،لأنّه تعالى لم يرد أن يوجّههم بهذا،فأبرزوا في صورة غير المخاطبين.

و جاء النّهي عن ذلك في صيغة الخبر عنهم، و أصل الحجّ عمل عباديّ أخروي يدعى فيه للدّنيا أيضا.

و قال الطّالقانيّ: «فِي الدُّنْيا ظرف الطّلب، و لعلّه لم يذكر مفعول آتِنا لهذه الغاية؛إذ كانوا يطلبون شيئا مجهولا و غير معروف،أو كانوا لا يحفلون في طلبهم بالخير و الشّرّ و الصّلاح و الفساد،فيطلبون متاع الدّنيا و ما فيها...».

4-و الفخر الرّازيّ-بعد أن ذكر أنّ الّذين يدعون اللّه فريقان:من كان دعاؤه مقصورا على طلب الدّنيا، و من جمع بين الدّنيا و الآخرة-قال:«و قد كان في التّقسيم قسم ثالث،و هو من يكون دعاؤه مقصورا على طلب الآخرة،و اختلفوا في أنّ هذا القسم هل هو مشروع أو لا؟و الأكثرون على أنّه غير مشروع، و ذلك أنّ الإنسان خلق محتاجا ضعيفا،لا طاقة له بآلام الدّنيا و لا بمشاقّ الآخرة،فالأولى له أن يستعيذ بربّه من كلّ شرور الدّنيا و الآخرة».ثمّ ذكر رواية عن أنس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و استنتج أنّ الاقتصار على طلب الآخرة غير جائز.

و نقول:الدّعاء بنفسه عبادة للّه،لكونه اعترافا بالعبوديّة،و الحاجة إلى اللّه تعالى،فهو مطلوب في كلّ حال،و لو كان منحصرا للدّنيا أو للآخرة.و الآية تعريض على الّذين كانوا يمسكون عن الدّعاء للآخرة لعدم الإيمان بها.

5-و قال أيضا:«إنّ مراتب السّعادات ثلاث:

ص: 166

روحانيّة،و بدنيّة،و خارجيّة».ثمّ شرح كلاّ منها، و قال:«فقوله: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً يتناول كلّ هذه الأقسام،و نشرحها»فلاحظ.

6-ثمّ ذكر أنّ الآية لم تذكر أنّ الّذي طلبه للدّنيا هل أجيب له أم لا؟و ذكر اختلافهم فيه،فلاحظ.

7-قال القشيريّ كالإشارة في الآية:«خطاب لو قاله مخلوق لك كان شاكيا،و لو أنّه شكا منك كما شكا إليك لساءت الحالة،و لكن بفضله أحلّك محلّ أن يشكو إليك،فقال:من النّاس من لا يجنح قلبه إلينا، و يرضى بدوننا عنّا،فلا يبصر غير نفسه و حظّه، و لا يمكن إيمان له بربّه و حقّه».

8-و ذكر أبو حيّان:«أنّ هذا من التّقسيم الّذي هو من جملة ضروب البيان،و هو تقسيم بديع يحصره المقسم إلى هذين النّوعين،لا على ما يذهب إليه الصّوفيّة من أنّ ثمّ قسما ثالثا لم يذكر لهم تعالى،قالوا:

و هم الرّاضون بقضائه،المستسلمون لأمره،السّاكتون عن كلّ دعاء و افتشاء».

9-قال رشيد رضا:«إنّ هذا الفريق يطلب حظّ الدّنيا مطلقا،و لم يقل:إنّه يطلب حسنة فيها،لأنّ من كانت الدّنيا كلّ همّه،لا يبالي أ كانت شهواته و حظوظه حسنة أم سيّئة،فهو يطلب الدّنيا من كلّ باب،و يسلك إليها كلّ طريق،لا يميّز بين نافع لغيره و لا ضارّ، فباستيلاء حبّ الدّنيا عليه لم يكن للآخرة-و ما أعدّه اللّه فيها للمتّقين من الرّضوان-موضع من نفسه يرجوه و يدعو اللّه فيه...».و بسط القول فيه،فلاحظ.

و نقول:إنّه يطلب ما هو حسنة عنده لا في نفس الأمر و عند اللّه،و لا يطلب غيره.

و في الآية:(36)، وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ... .

هذه الآية رقم:30،من سورة النّحل،ابتداء في وصف المتّقين،و ما قبلها آيات في وصف المشركين، و جاء في الآية:24،منها وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، و كأنّ آية 30،عطف عليها،أي إذا قيل للمشركين:ما ذا أنزل ربّكم؟قالوا:

كذا.و إذا قيل للمتّقين:ما أنزل ربّكم؟قالوا:كذا.

و بعدها آيات في جزاء المتّقين-بإزاء ما كان من العقاب للمشركين قبلها-إلى الآية 32،فلاحظ.

و فيها بحوث:

1-قالوا في لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا: آمنوا باللّه،و أمروا بطاعة اللّه،و حثّوا أهل طاعته على الخير،و دعوهم إليه،و نحوها.

و قال ابن الجوزيّ:«قالوا:لا إله إلاّ اللّه، و أحسنوا العمل».

2-و في محلّها من الإعراب قالوا:يجوز أن يكون تفسيرا لقوله: خَيْراً، أو بدلا،أو حالا.و هو من كلام من قال: خَيْراً -و عدّه الطّباطبائيّ ظاهر السّياق-و يجوز أن يكون مستأنفا و إخبارا من اللّه تعالى بأنّهم اكتسبوا بما قالوه حسنة،و هو مقطوع ممّا قبله،لكنّه بالمعنى وعد متّصل يذكر إحسان المتّقين في مقالتهم.

قال الطّوسيّ:«و هو الأقوى،لأنّه أبلغ في باب

ص: 167

الدّعاء إلى الإحسان،فأجاز الحسن و الزّجّاج كلا الوجهين،و المعنى:إنّ للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة مكافأة لهم في الدّنيا قبل الآخرة خيرا».

و قال الزّمخشريّ في بيان الوجهين:«و قوله:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا و ما بعده بدل من خَيْراً حكاية لقوله: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا، أي قالوا هذا القول،فقدّم عليه تسميته خَيْراً ثمّ حكاه.و يجوز أن يكون كلاما مبتدأ،عدة للقائلين.و يجعل قولهم من جملة إحسانهم،و يحمدوا عليه حَسَنَةٌ مكافأة في الدّنيا بإحسانهم،و لهم في الآخرة ما هو خير منها،كقوله:

فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ آل عمران:148».

و قال ابن عاشور:«هم المتّقون،فهو من الإظهار في مقام الإضمار،توصّلا بالإتيان بالموصول إلى الإيماء،إلى وجه بناء الخبر،أي جزاؤهم حسنة،لأنّهم أحسنوا».

3-و قد تحدّث الفخر الرّازيّ في قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا من وجهة نظر كلاميّ،فقال:«أمّا الّذين يقولون:إنّ أهل لا إله إلاّ اللّه يخرجون من النّار، فإنّهم يحملونه على قول:لا إله إلاّ اللّه مع الاعتقاد الحقّ،و أمّا المعتزلة الّذين يقولون:إنّ فسّاق أهل الصّلاة لا يخرجون من النّار،يحملون قوله: أَحْسَنُوا على من أتى بالإيمان و جميع الواجبات،و احترز عن كلّ المحرّمات».

4-و في قوله: فِي هذِهِ الدُّنْيا وجهين ذكرهما الفخر الرّازيّ و غيره:

1-أنّه متعلّق بقوله: أَحْسَنُوا، أي للّذين اتّقوا بعمل الحسنة في الدّنيا لهم في الآخرة حسنة.

2-أنّه متعلّق بقوله: حَسَنَةٌ أي لهم حسنة في الدّنيا-قال:-و هذا أولى،لأنّه قال بعده: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ. و قد حمل«الحسنة»في القول الأوّل على الثّواب العظيم،أو أنّ ثوابها يتضاعف بعشر أو سبعمائة إلى ما لا نهاية له.و في الثّاني:على ما يستحقّونه من المدح،و التّعظيم،و الثّناء،و الرّفعة، و كلّها جزاء لما عملوا.أو على الظّفر على أعداء الدّين بالحجّة،و باستغناء أموالهم،و فتح بلادهم،كما جرى ببدر،و عند فتح مكّة.أو على فتح أبواب المكاشفات، و المشاهدات،و الألطاف عليهم،كقوله تعالى:

وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً محمّد:17.

و عندنا أنّ أَحْسَنُوا و حَسَنَةٌ كلاهما مطلق شامل لكلّ ما ذكر،و كلاهما راجعان إلى الدّنيا،سواء تعلّق(فى الدنيا)بالأوّل،أو بالثّاني.

و احتمل الشّربينيّ أنّ اعترافهم بذلك الإحسان في هذه الدّنيا حسنة،أي جزاء لهم على إحسانهم.

و قد حكى البروسويّ عن«التأويلات النّجميّة» أنّها تشير إلى أنّ من أحسن أعماله بالصّالحات، و أخلاقه بالحميدات،و أحواله بالانقلاب عن الخلق إلى الحقّ،فله حسنة من اللّه،و هو أن ينزله منازل الواصلين الكاملين في الدّنيا».

و ثالثا:نظائر هذه المادّة:

القرب: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ البقرة:35

ص: 168

الأزوف: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ النّجم:57

الزّلفة: فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ قِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ الملك:27

الرّذل: وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ هود:27

ص: 169

ص: 170

د ه ر

اشارة

الدّهر

لفظ واحد،مرّتان:1 مكّيّة،1 مدنيّة

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الدّهر:الأبد الممدود.

و رجل دهريّ:قديم.

و الدّهريّ:الّذي يقول ببقاء الدّهر،و لا يؤمن بالآخرة.

و دهوريّ الصّوت،أي صلب الصّوت.

و الدّهارير:أوّل الدّهر من الزّمان الماضي.يقال:

كان ذلك في دهر الدّهارير.و لا يفرد منه دهرير.

و الدّهر:النّازلة،دهرهم أمر،أي نزل بهم مكروه.

و ما دهري كذا و كذا،أي:ما همّتي.

و الدّهورة:جمع الشّيء،ثمّ قذفه في مهواة.

و قوله:«لا تسبّوا الدّهر،فإنّ اللّه هو الدّهر» يعني:ما أصابك من الدّهر فاللّه فاعله،ليس الدّهر، فإذا سببت الدّهر أردت به اللّه عزّ و جلّ.(4:23)

الشّافعيّ:الحين يقع على مدّة الدّنيا،و يوم.

و لا نعلم للحين غاية،و كذلك زمان،و دهر، و أحقاب.(الأزهريّ 6:193)

أبو عبيد:في حديث النّبيّ عليه السّلام:«لا تسبّوا الدّهر، فإنّ اللّه هو الدّهر».قوله:«فإنّ اللّه هو الدّهر»و هذا لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه.و ذلك أنّ أهل التّعطيل يحتجّون به على المسلمين،و قد رأيت بعض من يتّهم بالزّندقة و الدّهريّة يحتجّ بهذا الحديث، و يقول:أ لا تراه يقول:فإنّ اللّه هو الدّهر!فقلت:و هل كان أحد يسبّ اللّه في آباد الدّهر؟!

و إنّما تأويله عندي-و اللّه أعلم-أنّ العرب كان شأنها أن تذمّ الدّهر و تسبّه عند المصائب الّتي تنزل بهم،من موت أو هرم أو تلف مال،أو غير ذلك، فيقولون:أصابتهم قوارع الدّهر،و أبادهم الدّهر،

ص: 171

و أتى عليهم الدّهر،فيجعلونه الّذي يفعل ذلك فيذمّونه عليه،و قد ذكروه في أشعارهم.

فأخبر أنّ الدّهر فعل به ذلك نصف الهرم.و قد أخبر اللّه تعالى بذلك عنهم في كتابه الكريم،ثمّ كذّبهم بقولهم:فقال: وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ الجاثية:24،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ الجاثية:24،فقال النّبيّ عليه السّلام:«لا تسبّوا الدّهر»على تأويل:لا تسبّوا الّذي يفعل بكم هذه الأشياء، و يصيبكم بهذه المصائب،فإنّكم إذا سببتم فاعلها فإنّما يقع السّبّ على اللّه تعالى،لأنّه عزّ و جلّ هو الفاعل لها لا الدّهر.فهذا وجه الحديث إن شاء اللّه، لا أعرف له وجها غيره.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(1:285)

ابن السّكّيت:و رجل لهمّ أي كثير الأكل،و هو يدهور اللّقم إذا كبّره.(651)

ما طبّي كذا،أي ما دهري.(الأزهريّ 6:194)

ابن كيسان:و ممّا غيّرت حركاته في النّسبة قولهم:رجل سهليّ بضمّ السّين،في المنسوب إلى السّهل،و كذلك رجل دهريّ.و لهما أمثال كثيرة.

(الأزهريّ 6:193)

ابن دريد:الدّهر:معروف.و قال قوم:الدّهر:

مدّة بقاء الدّنيا من ابتدائها إلى انقضائها،و قال آخرون:

بل دهر كلّ قوم زمانهم.

و ينسب إلى الدّهر:دهريّ،على غير قياس.

و في حديث سفيان بن عيينة،أحسبه مرفوعا إن شاء اللّه تعالى:إنّ اللّه تبارك و تعالى قال:«تسبّون الدّهر و أنا الدّهر»أي أنا خالق اللّيل و النّهار،أو كما قال،و اللّه أعلم.

و يقال:مضت عليه دهور دهارير،أي مختلفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد سمّت العرب:دهرا و دهيرا و داهرا.

و في الحديث:«لا تسبّوا الدّهر فإنّ اللّه هو الدّهر».و هذا يجب على أهل التّوحيد معرفته،لأنّها حجّة يحتجّ بها من قال بالدّهر.و تفسير هذه الكلمة -و اللّه أعلم-أنّ الرّجل في الجاهليّة كان إذا أصيب بمعصية أو رزئ مالا أغري بذمّ الدّهر،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«لا تسبّوا الدّهر»فإنّ الّذي يفعل بكم هذا هو اللّه جلّ ثناؤه،و هو فعله لا فعل الدّهر،فالدّهر الّذي تذمّون لا فعل له.فهذا وجه الكلام إن شاء اللّه تعالى،و اللّه أعلم.(2:258)

ابن الأنباريّ:يقال في النّسبة إلى الرّجل القديم:دهريّ،و إن كان من بني دهر بن عامر قلت:

دهريّ لا غير بضمّ الدّال.(الأزهريّ 6:193)

الأزهريّ:[نقل قول أبي عبيد ثمّ قال:]

قلت:و قد قال الشّافعيّ في تفسير هذا الحديث نحوا ممّا قال أبو عبيد،و احتجّ بالأبيات الّتي ذكرها أبو عبيد،فظننت أبا عبيد عنه أخذ هذا التّفسير،لأنّه أوّل من فسّره.

و قال شمر:الزّمان و الدّهر واحد.

فعارض أبو الهيثم شمرا في مقالته،و خطّأه في قوله:«الزّمان و الدّهر واحد»و قال:الزّمان:زمان

ص: 172

الرّطب،و زمان الفاكهة،و زمان الحرّ،و زمان البرد، و يكون الزّمان شهرين إلى ستّة أشهر؛و الدّهر لا ينقطع.

قلت:و الدّهر عند العرب يقع على بعض الدّهر الأطول،و يقع على مدّة الدّنيا كلّها،و قد سمعت غير واحد من العرب يقول:أقمنا على ماء كذا و كذا دهرا، و دارنا الّتي حللنا بها دهرا.و إذا كان هذا هكذا جاز أن يقال:الزّمان و الدّهر واحد في معنى دون معنى و قد سمعت أعرابيّا فصيحا يقول:ماء كذا و كذا يحملنا الشّهر و الشّهرين،و لا يحملنا الدّهر الطّويل،أراد أنّ ما حوله من الكلإ ينفد سريعا فنحتاج إلى حضور ماء آخر،لأنّ الماء إذا أكلت الماشية ما حوله من الكلإ لم يكن لحضّاره بدّ من طلب ماء آخر يرعون ما حوله.

و يجوز أن تقول:كنّا أزمان ولاية فلان بموضع كذا و كذا،إن طالت مدّة ولايته،و السّنة عند العرب أربعة أزمنة:ربيع الكلإ،و القيظ،و الخريف،و الشّتاء.

و لا يجوز أن يقال:الدّهر أربعة أزمنة،فهما يفترقان في هذا الموضع.

عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«ألا إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم يوم خلق اللّه السّماوات و الأرض،السّنة اثنا عشر شهرا:أربعة منها حرم،ثلاثة منها متواليات:

ذو القعدة و ذو الحجّة و محرّم و رجب مفرد».

قلت:أراد بالزّمان الدّهر و سنيّه.

قال اللّيث:و رجل دهوريّ الصّوت،و هو الصّلب الصّوت.

قلت:و هذا خطأ عندي،و الصّواب رجل جهوريّ الصّوت بالجيم،أي رفيع الصّوت فخمه؛ فصحّف و قلبت الجيم دالا،و اللّه أعلم.

و الدّهورة:جمع الشّيء ثمّ قذفه في مهواة.و قال غير اللّيث:دهور فلان اللّقم،إذا أدارها ثمّ التهمها.

و في حديث:«فإنّ ذا الدّهر أطوار دهارير» الدّهر ذو حالين من بؤس و نعم.[و استشهد بأشعار]

(6:191)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

رجل دهريّ و دهريّون،أي يقولون:ما يهلكنا إلاّ الدّهر.

و الدّهارير:أوّل الدّهر.

و دهر دهير:طويل.

و كان ذلك في دهر النّجم،أي حين يطلع.

و إنّها لداهرة الطّول،أي طويلة جدّا.

و إنّه لدهوريّ الصّوت،بمعنى جهوريّ؛و جمعه:

دهوريّون.(3:440)

الخطّابيّ:يقال:دهره:أي نكبه الدّهر،و أصابه بمكروهه،فجزع لذلك.

يقال دهر فلانا أمر،أي نزل به مكروه من مكاره الدّهر.و كان أهل الجاهليّة يضيفون المصائب و النّوائب إلى الدّهر،و هم في ذلك فرقتان:

فرقة لا تؤمن باللّه،لا تعرف إلاّ الدّهر الّذي هو مرّ الزّمان،و اختلاف اللّيل و النّهار اللّذين هما محلّ الحوادث،و ظرف لمساقط الأقدار،فتنسب المكاره إليه على أنّها من فعله،و لا ترى أنّ له مدبّرا و مصرّفا.

و هؤلاء الدّهريّة الّذين حكى اللّه عنهم في كتابه:

ص: 173

وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ الجاثية:24.

و فرقة تعرف الخالق فتنزّهه أن تنسب إليه المكاره،فتضيفها إلى الدّهر و الزّمان.

و على هذين الوجهين كانوا يسبّون الدّهر و يذمّونه،فيقول القائل منهم:يا خيبة الدّهر و يا بؤس الدّهر،إلى ما أشبه هذا من قولهم،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مبطلا ذلك من مذهبهم:لا يسبّنّ أحدكم الدّهر فإنّ اللّه هو الدّهر»يريد-و اللّه أعلم-لا تسبّوا الدّهر على أنّه الفاعل لهذا الصّنيع بكم،فإنّ اللّه هو الفاعل له،فإذا سببتم الّذي أنزل بكم المكاره،رجع السّبّ إلى اللّه تعالى عن ذلك و انصرف إليه.

و معنى قوله:«أنا الدّهر»أي أنا مالك الدّهر و مصرّفه،فحذف اختصارا للّفظ و اتّساعا في المعنى، و بيان هذا في حديث أبي هريرة:

عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول اللّه تعالى:«أنا الدّهر لي اللّيل و النّهار أجدّه و أبليه و أذهب بالملوك و آتي بهم».

[و]عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه:صلّى اللّه عليه و سلّم«يقول اللّه تعالى:يؤذيني ابن آدم،يقول:يا خيبة الدّهر، فلا يقولنّ أحدكم:يا خيبة الدّهر،فإنّي أنا الدّهر أقلّبه ليله و نهاره،فإذا شئت قبضتهما».(1:489)

الجوهريّ:الدّهر:الزّمان.و يجمع على:دهور.

و يقال:الدّهر:الأبد.

و قولهم:دهر داهر،كقولهم:أبد أبيد.

و قولهم:دهر دهارير،أي شديد،كقولهم:ليلة ليلاء،و نهار أنهر،و يوم أيوم،و ساعة سوعاء.

و يقال:لا آتيك دهر الدّاهرين،أي أبدا.

و في الحديث:«لا تسبّوا الدّهر،فإنّ الدّهر هو اللّه»،لأنّهم كانوا يضيفون النّوازل إليه،فقيل لهم:

لا تسبّوا فاعل ذلك بكم،فإنّ ذلك هو اللّه تعالى.

و يقال:دهر بهم أمر،أي نزل بهم.

و ما ذاك بدهريّ،أي عادتي.

و ما دهري بكذا،أي همّتي.

و الدّهريّ بالضّمّ:المسنّ،و الدّهريّ بالفتح:

الملحد.قال ثعلب:هما جميعا منسوبان إلى الدّهر، و هم ربما غيّروا في النّسب،كما قالوا:سهليّ بالضّمّ، للمنسوب إلى الأرض السّهلة.

و دهورت الشّيء إذا جمعته ثمّ قذفته في مهواة.

يقال:هو يدهور اللّقم:إذا كبّرها.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:661)

ابن فارس:الدّال و الهاء و الرّاء أصل واحد، و هو الغلبة و القهر.و سمّي الدّهر دهرا،لأنّه يأتي على كلّ شيء و يغلبه.

فأمّا قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا تسبّوا الدّهر،فإنّ اللّه هو الدّهر»،فقال أبو عبيد:معناه:أنّ العرب كانوا إذا أصابتهم المصائب قالوا:أبادنا الدّهر و أتى علينا الدّهر،و قد ذكروا ذلك في أشعارهم.[ثمّ ذكر أشعارهم]

فأعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ الّذي يفعل ذلك بهم هو اللّه جلّ ثناؤه،و أنّ الدّهر لا فعل له،و أنّ من سبّ فاعل ذلك فكأنّه قد سبّ ربّه،تبارك و تعالى عمّا

ص: 174

يقول الظّالمون علوّا كبيرا.

و قد يحتمل قياسا أن يكون«الدّهر»اسما مأخوذا من الفعل،و هو الغلبة،كما يقال:رجل صوم و فطر، فمعنى:«لا تسبّوا الدّهر»،أي الغالب الّذي يقهركم و يغلبكم على أموركم.

و يقال:دهر دهير،كما يقال أبد أبيد.

و في كتاب«العين»:دهرهم أمر،أي نزل بهم.

و يقولون:ما دهري كذا،أي ما همّتي.و هذا توسّع في التّفسير،و معناه:ما أشغل دهري به.فأمّا الهمّة فما تسمّى دهرا.و الدّهورة:جمع الشّيء و قذفه في مهواة؛ و هو قياس الباب.(2:305)

أبو هلال:الفرق بين الدّهر و المدّة:أنّ الدّهر جمع أوقات متوالية،مختلفة كانت أو غير مختلفة،و لهذا يقال:الشّتاء مدّة،و لا يقال:دهر،لتساوي أوقاته في برد الهواء و غير ذلك من صفاته.و يقال للسّنين:دهر، لأنّ أوقاتها مختلفة في الحرّ و البرد و غير ذلك.

و أيضا من المدّة ما يكون أطول من الدّهر،أ لا تراهم يقولون:هذه الدّنيا دهور،و لا يقال:الدّنيا مدد.

و المدّة و الأجل متقاربان،فكما أنّ من الأجل ما يكون دهورا فكذلك المدّة.(223)

الفرق بين الدّهر و العصر:أنّ الدّهر هو ما ذكرناه، و العصر لكلّ مختلفين معناهما واحد،مثل الشّتاء و الصّيف و اللّيلة و اليوم و الغداة و السّحر،يقال لذلك كلّه:العصر.و قال المبرّد في تأويل قوله عزّ و جلّ: وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ العصر:

1،2،قال: اَلْعَصْرِ هاهنا:الوقت.قال:و يقولون:

أهل هذا العصر كما يقولون:أهل هذا الزّمان.

و العصر:اسم للسّنين الكثيرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:عاصرت فلانا،أي كنت في عصره،أي زمن حياته.(225)

الفرق بين الدّهر و الأبد:أنّ الدّهر أوقات متوالية مختلفة غير متناهية،و هو في المستقبل خلاف«قطّ»في الماضي.و قوله عزّ و جلّ: خالِدِينَ فِيها أَبَداً حقيقة، و قولك«افعل هذا»مجاز،و المراد:المبالغة في إيصال هذا الفعل.(226)

ابن سيده:الدّهر:الأبد الممدود.و قيل:الدّهر:

ألف سنة،و قد حكي فيه«الدّهر»بفتح الهاء.فإمّا أن يكون الدّهر و الدّهر لغتين،كما ذهب إليه البصريّون في هذا النّحو،فيقتصر على ما سمع منه،و إمّا أن يكون ذلك لمكان حرف الحلق،فيطّرد في كلّ شيء،كما ذهب إليه الكوفيّون.

و جمع الدّهر:أدهر و دهور،و كذلك جمع «الدّهر»،لأنّا لم نسمع أدهارا،و لا سمعنا فيه جمعا إلاّ ما قدّمنا من جمع دهر.

فأمّا قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا تسبّوا الدّهر فإنّ اللّه هو الدّهر»، فمعناه:أنّ ما أصابك من الدّهر فاللّه فاعله،ليس الدّهر،فإذا شتمت الدّهر فكأنّك أردت به اللّه.

و عامله مداهرة و دهارا،من الدّهر،الأخير عن اللّحيانيّ،و كذلك استأجره مداهرة و دهارا،عنه.

و رجل دهريّ:قديم،نسب إلى الدّهر،و هو نادر.

قال سيبويه:فإن سمّيت بدهر لم تقل إلاّ:دهريّ،على القياس.

ص: 175

و رجل دهريّ يقول ببقاء الدّهر،و هو مولّد.

و الدّهارير:أوّل الدّهر في الزّمان الماضي، و لا واحد له.

و دهور دهارير:مختلفة،على المبالغة.

و الدّهر:النّازلة.

و دهرهم أمر:نزل بهم مكروه.

و ما دهري كذا،أي ما همّتي و غايتي.

و الدّهورة:جمعك الشّيء و قذفك به في مهواة.

و دهور اللّقم،منه.

و قيل:دهور اللّقم:كبّرها.

و دهور:سلح.

و دهور كلامه:قحّم بعضه في إثر بعض.

و دهور الحائط:دفعه فسقط.

و تدهور اللّيل:أدبر.

و الدّهوريّ من الرّجال:الصّلب الضّرب.

و دهر،و دهير،و داهر:أسماء.

و دهر:اسم موضع.

و الدّواهر:ركايا معروفة.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](4:255)

الرّاغب:الدّهر في الأصل:اسم لمدّة العالم،من مبدإ وجوده إلى انقضائه،و على ذلك قوله تعالى:

هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ الدّهر:1،ثمّ يعبّر به عن كلّ مدّة كثيرة.و هو خلاف الزّمان،فإن الزّمان يقع على المدّة القليلة و الكثيرة.

و دهر فلان:مدّة حياته.و استعير للعادة الباقية مدّة الحياة،فقيل:ما دهري بكذا.

و يقال:دهر فلانا نائبة دهرا،أي نزلت به،حكاه الخليل.فالدّهر هاهنا مصدر.و قيل:دهدره دهدرة، و دهر داهر و دهير.

و قوله عليه الصّلاة و السّلام:«لا تسبّوا الدّهر، فإنّ اللّه هو الدّهر»قد قيل:معناه:أنّ اللّه فاعل ما يضاف إلى الدّهر من الخير و الشّرّ،و المسرّة و المساءة، فإذا سببتم الّذي تعتقدون أنّه فاعل ذلك فقد سببتموه تعالى عن ذلك.

و قال بعضهم الدّهر الثّاني في الخبر غير الدّهر الأوّل،و إنّما هو مصدر بمعنى الفاعل،و معناه:أنّ اللّه هو الدّاهر،أي المصرّف المدبّر المفيض لما يحدث،و الأوّل أظهر.

و قوله تعالى إخبارا عن مشركي العرب: ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ الجاثية:24،قيل:عنى به الزّمان.(173)

الزّمخشريّ:مضت عليه أدهر و دهور.

و كان ذلك دهر النّجم حين خلق اللّه النّجوم:

تريد في أوّل الزّمان،و في القديم.

و رأيت شيخا دهريّا دهريّا:مسنّا ملحدا،يقول بقدم الدّهر.

و دهرهم أمر:أصابهم به الدّهر.

و مضت دهور دهارير:طوال.

و رأيته يدهور اللّقم:يعظّمها و يتلقّمها.

و وقع في الدّهاريس،و هي الدّواهي.

و من المجاز:ما ذاك بدهري جعلوا دهره الفعل لكونه فيه.(أساس البلاغة:137)

ص: 176

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا تسبّوا الدّهر،فإنّ الدّهر هو اللّه».

و روي«فإنّ اللّه هو الدّهر».الدّهر:الزّمان الطّويل و كانوا يعتقدون فيه أنّه الطّارق بالنّوائب،و لذلك اشتقّوا من اسمه:دهر فلانا خطب إذا دهاه،و ما زالوا يشكونه و يذمّونه.

فنهاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن ذمّه،و بيّن لهم أنّ الطّوارق الّتي تنزل بهم منزلها اللّه عزّ سلطانه دون غيره،و أنّهم متى اعتقدوا في الدّهر أنّه هو المنزل ثمّ ذمّوه،كان مرجع المذمّة إلى العزيز الحكيم،تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.و الّذي يحقّق هذا الموضع و يفصل بين الرّوايتين،و هو أنّ قوله:«فإنّ الدّهر هو اللّه» حقيقته:فإنّ جالب الدّهر هو اللّه لا غيره،فوضع الدّهر موضع جالب الحوادث...

و معنى الرّواية الثّانية:«فإنّ اللّه هو الدّهر»فإنّ اللّه هو الجالب للحوادث لا غير الجالب ردّا لاعتقادهم أنّ اللّه ليس من جلبها في شيء و أن جالبها الدّهر كما لو قلت:إنّ أبا يوسف أبو حنيفة،كأنّ المعنى:أنّه النّهاية في الفقه لا المتقاصر.«هو»فصل،أو مبتدأ، خبره اسم اللّه أو الدّهر في الرّوايتين.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](الفائق 1:446)

المدينيّ:في حديث النّجاشيّ رضى اللّه عنه:«فلا دهورة اليوم على حزب إبراهيم عليه الصّلاة و السّلام».قال الجبّان:و الدّهورة:جمعك الشّيء و قذفك إيّاه في مهواة،كأنّه أراد:لا ضيعة عليهم،و لا يترك حفظهم و تعهّدهم.

و دهور اللّقم،و دهور:سلح أيضا.

في حديث أمّ سليم:«ما ذاك دهرك».يقال:ما ذاك دهري أي همّتي و إرادتي.(1:678)

ابن الأثير:في حديث موت أبي طالب:«لو لا أنّ قريشا تقول:دهره الجزع لفعلت».يقال:دهر فلانا أمر إذا أصابه مكروه.

و في حديث النّجاشيّ:«فلا دهورة اليوم على حرب (1)إبراهيم»الدّهورة:جمعك الشّيء و قذفك إيّاه فى مهواة،كأنّه أراد:لا ضيعة عليهم،و لا يترك حفظهم و تعهّدهم.و الواو زائدة.(2:144)

الصّغانيّ:الدّهر:الغلبة.

و يقال:دهر دهير،كما يقال:أبد أبيد.

و دهرهم أمر،فهم مدهورون.

و دهير بالفتح:من أجداد المقداد بن عمرو.

و دهير،مصغّرا:هو دهير الأقطع،من أتباع التّابعين.

و قد سمّوا:دهرا و داهرا.و داهر بفتح الهاء ملك الدّيبل،قتله محمّد بن القاسم الثّقفيّ...

و دهورت الحائط،إذا طرحته حتّى سقط.

دهران من قرى اليمن.

و دهر:واد دون حضرموت.(2:522)

الفيّوميّ:الدّهر:يطلق على الأبد،و قيل:هو الزّمان قلّ أو كثر.

قال الأزهريّ:و الدّهر عند العرب يطلق على الزّمان و على الفصل من فصول السّنة و أقلّ من ذلك،م.

ص: 177


1- و عند المدينيّ:على حزب إبراهيم.

و يقع على مدّة الدّنيا كلّها.

قال:و سمعت غير واحد من العرب يقول:أقمنا على ماء كذا دهرا،و هذا المرعى يكفينا دهرا و يحملنا دهرا.قال:لكن لا يقال:الدّهر أربعة أزمنة،و لا أربعة فصول،لأنّ إطلاقه على الزّمن القليل مجاز و اتّساع، فلا يخالف به المسموع.

و ينسب الرّجل الّذي يقول بقدم الدّهر و لا يؤمن بالبعث:دهريّ بالفتح،على القياس.

و أمّا الرّجل المسنّ إذا نسب إلى الدّهر،فيقال:

دهريّ بالضّمّ على غير قياس.

و تدهور تدهورا:سقط من أعلى إلى أسفل، مأخوذ من:تدهور الرّمل،إذا انهال و سقط أكثره، و تدهور اللّيل:ذهب أكثره.(1:201)

الفيروزآباديّ:الدّهر:قد يعدّ في الأسماء الحسنى،و الزّمان الطّويل،و الأمد الممدود،و ألف سنّة.

و تفتح الهاء؛جمعه:أدهر و دهور،و النّازلة، و الهمّة،و الغاية،و العادة،و الغلبة.

و الدّهارير:أوّل الدّهر في الزّمن الماضي، بلا واحد،و السّالف.

و دهور دهارير:مختلفة.

و دهر دهير و داهر:مبالغة.

و دهرهم أمر،كمنع:نزل بهم مكروه،و هم مدهور بهم و مدهورون.

و الدّهريّ،و يضمّ:القائل ببقاء الدّهر.

و عامله مداهرة و دهارا،كمشاهرة.

و دهوره:جمعه و قذفه في مهواة،و سلح،و الكلام:

فخّم بعضه في إثر بعض،و الحائط:دفعه فسقط.

و تدهور اللّيل:أدبر.

و الدّهوريّ:الرّجل الصّلب.

و دهر:واد دون حضرموت،و أبو قبيلة.

و الدّهريّ،بالضّمّ:نسبة إليها على غير قياس، و الرّجل المسنّ.

و داهر و دهير،كأمير:من الأعلام.

و إنّها لداهرة الطّول:طويلة جدّا.

و داهر،كهاجر:ملك للدّبيل،قتله محمّد بن القاسم الثّقفيّ.

و لا آتيه دهر الدّاهرين:أبدا.(2:33)

الطّريحيّ:الدّهر عبارة عن الزّمان و مرور السّنين و الأيّام؛و الجمع:دهور.

و قولهم:أصبحنا في دهر عنود أهله،من:عند يعند بالضّمّ عنودا.و العنود:الّذي يعدك عن طريق الحقّ.

و في الخبر«لا تسبّوا الدّهر،لأنّ الدّهر هو اللّه» لأنّهم كانوا يضيفون النّوازل إليه،فقيل لهم:لا تسبّوا فاعل ذلك،فإنّه هو اللّه.و قولهم:لا آتيك دهر الدّاهرين،أي أبدا.و الدّهريّ بالفتح:الملحد.

و الدّهريّة:قوم يقولون:لا ربّ و لا جنّة و لا نار، و يقولون:ما يهلكنا إلاّ الدّهر،و هو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان منهم على غير تثبّت.(3:305)

مجمع اللّغة:الدّهر في الأصل:اسم لمدّة العالم من بدء وجوده إلى انقضائه،ثمّ يعبّر به عن كلّ مدّة طويلة،و هو بخلاف الزّمان الّذي يقع على المدّة

ص: 178

القصيرة و الطّويلة.(1:406)

العدنانيّ:الدّهريّ،الدّهريّ

و يقولون:إنّ المسنّ الّذي عاش دهرا طويلا يسمّى الدّهريّ،و الصّواب:هو الدّهريّ كما يقول ثعلب،و الصّحاح،و الأساس،و المختار،و اللّسان، و المصباح على غير قياس،و القاموس،و همع الهوامع، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد شاذّ، و المتن،و عثرات الأقلام،و الوسيط.

أمّا الدّهريّ فهو الملحد الّذي لا يؤمن بالآخرة، و يقول ببقاء الدّهر كما يقول ثعلب،و الصّحاح، و الأساس،و المختار،و اللّسان،مولّد و المصباح، و القاموس،و التّاج،مولّد و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و عثرات الأقلام،و الوسيط.

و يقول القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط و المتن،و عثرات الأقلام:إنّ«دال»الدّهريّ بمعنى الملحد قد تأتي مضمومة.

و قال ثعلب:إنّ الدّهريّ،و الدّهريّ كليهما منسوبان إلى الدّهر،و هم ربما غيّروا في النّسب،كما قالوا:سهليّ.في المنسوب إلى الأرض السّهلة.

و قد تعني الدّهريّ:الحاذق.و أنا أرى مع ابن الأنباريّ أنّنا يجب أن نطلق على الّذي عاش دهرا طويلا اسم:الدّهريّ،و لا حاجة بنا إلى هذا الشّذوذ الّذي لا مسوّغ له في النّسب.(229)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الدّهر:مدّة الحياة الدّنيا كلّها،و هو كلّ مدّة طويلة،أو هو مرور الزّمن،و كان العرب ينسبون كلّ حادث إليه.

و الدّهريّون هم الّذين يعتقدون أنّ ما في العالم موجود أزلا،و لا خالق له،فهم ملحدون.(1:193)

المصطفويّ:و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة و الكلمة:هو مجموعة ما يمتدّ من الزّمان و ما فيها من الكائنات،و هذا المعنى عند الإطلاق يكون من بدء الزّمان و الخلقة إلى آخرها،و يطلق بالقرائن على مقدار ممتدّ منها مجازا،فيقال:دهر فلان.

و هذا المعنى هو الفارق بينها و بين الزّمان و المدّة و الأبد و غيرها.

و بهذا الاعتبار يقول الكفّار:و ما يهلكنا إلاّ الدّهر،فينسبون الحوادث و الجريانات الواقعة إلى الدّهر،و أمّا الزّمان من حيث هو أو امتداده أو الأبديّة و أمثالها:لا تصلح لأن تكون مؤثّرة في الحوادث،فإنّها معان اعتباريّة،و من الأعراض الّتي لا وجود لها في أنفسها.

و أمّا جملة«فإنّ الدّهر هو اللّه»،فإنّهم يتوجّهون إلى اللّه المتعال الّذي لا مؤثّر في العالم إلاّ هو،و يعبّرون عنه بالدّهر،فالاختلاف لفظيّ،و القدرة المؤثّرة و الحيّ العالم المحيط الأبديّ هو اللّه العزيز المتعال، و الدّهر ظهور من رحمته و قدرته،و نظم العالم أثر من علمه و تدبيره.

نعم كلّ فرد من أفراد الإنسان يتصوّر و يتعقّل للرّبّ تعالى مفهوما،على مقتضى فهمه و إدراكه، و على سعة معرفته و نورانيّته،عالما كان أو عارفا أو جاهلا أو محجوبا.فمن كان محجوبا بالكلّيّة عن نوره و كافرا بالحقّ فلا يتعقّل الاّ ما يشاهد و يرى،

ص: 179

و لا يصل فكره و نظره الاّ إلى ما يتراءى من العظمة و الإحاطة و النّظم العجيب و القدمة و الثّبوت للدّهر، غفلة عمّا فوقه و كافرا به.

ثمّ إنّ الطّبيعة المطلقة تعبير آخر عن الدّهر، و الفرق بينهما:أنّ الدّهر هو الزّمان الممتدّ مع ما فيها من التّكوينيّات،و الطّبيعة هي التّكوينيّات الموجودة المنظّمة في الزّمان الممتدّ،فالنّظر الأوّل في الطّبيعة إلى التّكوينيّات.

و بهذا اللّحاظ يطلق على الدّهريّة:عنوان:

الطّبيعيّة أيضا.

و نحن نستدلّ عليهم:بالنّظم و ما يتراءى من التّغيّر و الاختلاف و التّلوّن المتناسب المنتظم في الطّبيعة،فهي تدلّ دلالة قطعيّة على خالق عالم قادر مريد حيّ.

فظهر أنّ تفسير الدّهر بالزّمان و الأبد و نظائرهما:

تفسير ناقص.

و أمّا مفهوم القهر و الغلبة:فالظّاهر أن يكون الاشتقاق انتزاعيّا،و هذا المفهوم هو المتفاهم من حكومة الدّهر و سلطانه و إحاطته.

هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً الدّهر:1،أي مقدار معيّن محدود من مطلق الدّهر الممتدّ المحيط الأبديّ.فهذا القيد يدلّ على امتداد الدّهر،و كونه غير معيّن،و الاستفهام للتّقرير.

وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ فهم لا يتجاوز إدراكهم عن الحياة الدّنيا المادّيّة النّازلة القريبة المحسوسة،و إنّهم لغافلون عن الحياة الآخرة،و ينسبون التّأثير في هذه الحياة إلى الدّهر،غافلا عمّا فوقه و عمّن وراءه،من العزيز الحكيم.

و أجاب تعالى عن قولهم: وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ (3:257)

النّصوص التّفسيريّة

الدّهر

1- ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ. الجاثية:24

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:كان أهل الجاهليّة يقولون:إنّما يهلكنا اللّيل و النّهار،و هو الّذي يهلكنا و يميتنا و يحيينا،فقال اللّه في كتابه: وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ قال:

فيسبّون الدّهر،فقال اللّه تبارك و تعالى:يؤذيني ابن آدم يسبّ الدّهر و أنا الدّهر،يبدي الأمر،أقلّب اللّيل و النّهار.[و جاءت بهذا المعنى روايات أخرى]

(الطّبريّ 11:264)

مجاهد:الزّمان.(الطّبريّ 11:263)

عكرمة:و ما يهلكنا إلاّ اللّه.(الماورديّ 5:266)

قتادة:قال:ذلك مشركو قريش وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ: إلاّ العمر.(الطّبريّ 11:263)

مقاتل:يقول:و ما يميتنا إلاّ طول العمر،و طول اختلاف اللّيل و النّهار.(3:840)

نحوه الواحديّ(4:100)،و الطّبرسيّ(5:78)، و ابن الجوزيّ(7:363).

ص: 180

الفرّاء:يقولون:إلاّ طول الدّهر،و مرور الأيّام و اللّيالي و الشّهور و السّنين.و في قراءة عبد اللّه(و ما يهلكنا الاّ دهر)،كأنّه:إلاّ دهر يمرّ.(1:48)

قطرب:و ما يهلكنا إلاّ الموت.[ثمّ استشهد بشعر]

(الماورديّ 5:266)

ابن قتيبة:مرور السّنين و الأيّام.(405)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء المشركين:إنّهم قالوا:و ما يهلكنا فيفنينا إلاّ مرّ اللّيالي و الأيّام و طول العمر،إنكارا منهم أن يكون لهم ربّ يفنيهم و يهلكهم.

و قد ذكر أنّها في قراءة عبد اللّه(و ما يهلكنا الاّ دهر يمرّ)...

و ذكر أنّ هذه الآية نزلت من أجل أنّ أهل الشّرك كانوا يقولون:الّذي يهلكنا و يفنينا الدّهر و الزّمان،ثمّ يسبّون ما يفنيهم و يهلكهم،و هم يرون أنّهم يسبّون بذلك الدّهر و الزّمان،فقال اللّه عزّ و جلّ لهم:أنا الّذي أفنيكم و أهلككم،لا الدّهر و الزّمان، و لا علم لكم بذلك.(11:263)

نحوه الثّعلبيّ(8:364)،و البغويّ(4:187).

الطّوسيّ:يعنون:مرور اللّيل و النّهار و الشّهور و الأعوام.(9:260)

الزّمخشريّ:قرئ(إلاّ دهر يمرّ)ما يقولون ذلك عن علم،و لكن عن ظنّ و تخمين.كانوا يزعمون أنّ مرور الأيّام و اللّيالي هو المؤثّر في هلاك الأنفس و ينكرون ملك الموت و قبضه الأرواح بأمر اللّه، و كانوا يضيفون كلّ حادثة تحدث إلى الدّهر و الزّمان، و ترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزّمان.

و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«لا تسبّوا الدّهر،فإنّ اللّه هو الدّهر»أي فإنّ اللّه هو الآتي بالحوادث لا الدّهر.(3:512)

ابن عطيّة:أي طول الزّمان هو المهلك،لأنّ الآفات تستوي فيه كمالاتها،فنفى اللّه تعالى علمهم بهذا،و أعلم أنّها ظنون و تخرّص تفضي بهم إلى الإشراك باللّه تعالى.و الدّهر و الزّمان تستعمله العرب بمعنى واحد.

و روى أبو هريرة عن النّبيّ عليه السّلام أنّه قال:كان أهل الجاهليّة يقولون إنّما يهلكنا اللّيل و النّهار،و يفارق هذا الاستعمال قول النّبيّ عليه السّلام:«لا تسبّوا الدّهر،فإنّ اللّه تعالى هو الدّهر»و في حديث آخر:«قال اللّه تعالى يسبّ ابن آدم الدّهر و أنا الدّهر بيدي اللّيل و النّهار».

و معنى هذا الحديث،فإنّ اللّه تعالى يفعل ما تنسبونه إلى الدّهر و تسبّونه بسبّه.و إذا تأمّلت مثالات هذا في الكلام ظهرت إن شاء اللّه تعالى.(5:87)

الفخر الرّازيّ:يعني تولّد الأشخاص إنّما كان بسبب حركات الأفلاك الموجبة لامتزاجات الطّبائع، و إذا وقعت تلك الامتزاجات على وجه خاصّ حصلت الحياة،و إذا وقعت على وجه آخر حصل الموت،فالموجب للحياة و الموت تأثيرات الطّبائع و حركات الأفلاك،و لا حاجة في هذا الباب إلى إثبات الفاعل المختار،فهذه الطّائفة جمعوا بين إنكار الإله و بين إنكار البعث و القيامة.(27:269)

القرطبيّ:[نقل قول النّبيّ المتقدّم و قال:]

ص: 181

قلت:قوله قال اللّه إلى آخره نصّ البخاريّ و لفظه.و خرّجه مسلم أيضا و أبو داود.و في الموطّأ عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«لا يقولنّ أحدكم يا خيبة الدّهر،فإنّ اللّه هو الدّهر».و قد استدلّ بهذا الحديث من قال:«إنّ الدّهر من أسماء اللّه» و قال:من لم يجعله من العلماء اسما إنّما خرج ردّا على العرب في جاهليّتها،فإنّهم كانوا يعتقدون أنّ الدّهر هو الفاعل،كما أخبر اللّه عنهم في هذه الآية،فكانوا إذا أصابهم ضرّ أو ضيم أو مكروه نسبوا ذلك إلى الدّهر، فقيل لهم على ذلك:«لا تسبّوا الدّهر فإنّ اللّه هو الدّهر»،أي إنّ اللّه هو الفاعل لهذه الأمور الّتي تضيفونها إلى الدّهر،فيرجع السّبّ إليه سبحانه،فنهوا عن ذلك.

و دلّ على صحّة هذا ما ذكره من حديث أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:قال اللّه تبارك و تعالى:

«يؤذيني ابن آدم...».[ثمّ استشهد بأشعار](16:171)

البيضاويّ:إلاّ مرور الزّمان،و هو في الأصل مدّة بقاء العالم من دهره إذا غلبه.(2:382)

البروسويّ:أي مرور الزّمان،و هو مدّة بقاء العالم من مبدإ وجوده إلى انقضائه،ثمّ يعبّر به عن كلّ مدّة كبيرة،و هو خلاف الزّمان،فإنّ الزّمان يقع على المدّة القليلة و الكثيرة.

قال في«القاموس»:الدّهر:الزّمان الطّويل، و الأبد الممدود،و ألف سنة،و الدّهر عند الصّوفيّة هو الآن الدّائم الّذي هو امتداد الحضرة الإلهيّة،و هو باطن الزّمان،و به يتجدّد الأزل و الأبد.و كانوا يزعمون أنّ المؤثّر في هلاك الأنفس هو مرور الأيّام و اللّيالي،و ينكرون ملك الموت و قبضه للأرواح بأمر اللّه،و يضيفون الحوادث إلى الدّهر و الزّمان،و يسبّونه و يذمّونه و يشتكون منه،كما نطقت بذلك أشعارهم، فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن ذلك بقوله:«لا تسبّوا الدّهر، فإنّ اللّه هو الدّهر»أي فإنّ اللّه هو الآتي بالحوادث لا الدّهر.[ثمّ استشهد بأشعار]

و فى الحديث:«قال اللّه:لا يقل ابن آدم:يا خيبة الدّهر فإنّي أنا الدّهر أرسل اللّيل و النّهار،فإذا شئت قبضتهما».و هذا و الحديث الأوّل سهل على تفسير الصّوفيّة،كما سبق،فاعرف تفز.(8:449)

شبّر:إلاّ مرور الزّمان،ضمّوا إلى إنكار المعاد إنكار المبدإ.(5:457)

الآلوسيّ: اَلدَّهْرُ، أي طول الزّمان،فالدّهر أخصّ من الزّمان و هو الّذي ارتضاه السّعد،و لهم في ذلك كلام طويل...

و ذكر بعض الأجلّة أنّ اَلدَّهْرُ، بالمعنى السّابق منقول من المصدر،و أنّه يقال:دهره دهرا،أي غلبه.

و إسنادهم الإهلاك إلى الدّهر إنكار منهم لملك الموت و قبضه الأرواح بأمر اللّه عزّ و جلّ و كانوا يسندون الحوادث مطلقا إليه،لجهلهم أنّها مقدّرة من عند اللّه تعالى،و أشعارهم لذلك مملوءة من شكوى الدّهر، و هؤلاء معترفون بوجود اللّه تعالى،فهم غير الدّهريّة، فإنّهم مع إسنادهم الحوادث إلى الدّهر لا يقولون بوجوده سبحانه و تعالى عمّا يقولون علوّا كبيرا، و الكلّ يقول باستقلال الدّهر بالتّأثير.و لا يبعد أن

ص: 182

يكون الزّمان عندهم مقدار حركة الفلك،كما ذهب إليه معظم الفلاسفة.

و قد جاء النّهي عن سبّ الدّهر،أخرج مسلم:

«لا يسبّ أحدكم الدّهر،فإنّ اللّه هو الدّهر»،و أبو داود و الحاكم-و قال:صحيح على شرط مسلم-قال اللّه عزّ و جلّ:«يؤذيني ابن آدم يقول:يا خيبة الدّهر، فلا يقل أحدكم:يا خيبة الدّهر فإنّي أنا الدّهر أقلّب ليله و نهاره»و الحاكم-و قال:صحيح على شرط مسلم أيضا-يقول اللّه عزّ و جلّ:«استقرضت عبدي فلم يقرضني،و شتمني عبدي و هو لا يدري،يقول:

وا دهراه و أنا الدّهر».و البيهقيّ:«لا تسبّوا الدّهر»، قال اللّه عزّ و جلّ:«أنا الأيّام و اللّيالي أجدّدها و أبليها،و آتي بملوك بعد ملوك».و معنى ذلك أنّ اللّه تعالى هو الآتي بالحوادث،فإذا سببتم الدّهر على أنّه فاعل،وقع السّبّ على اللّه عزّ و جلّ.

و عدّ بعضهم سبّه كبيرة،لأنّه يؤدّي إلى سبّه تعالى،و هو كفر و ما أدّى إليه،فأدنى مراتبه أن يكون كفرا.و كلام الشّافعيّة صريح بأنّ ذلك مكروه لا حرام،فضلا عن كونه كبيرة.و الّذي يتّجه في ذلك تفصيل:و هو أنّ من سبّه،فإن أراد به الزّمن فلا كلام في الكراهة،أو اللّه عزّ و جلّ فلا كلام في الكفر.و مثله إذا أراد المؤثّر الحقيقيّ،فإنّه ليس إلاّ اللّه سبحانه،و إن أطلق فهذا محلّ التّردّد لاحتمال الكفر و غيره.و ظاهر كلامهم هنا أيضا الكراهة،لأنّ المتبادر منه الزّمن، و إطلاقه على اللّه تعالى-كما قال بعض الأجلّة-إنّما هو بطريق التّجوّز.

و من النّاس من قال:إنّ سبّه كبيرة إن اعتقد أنّ له تأثيرا فيما نزل به،كما كان يعتقد جهلة العرب.

و فيه نظر،لأنّ اعتقاد ذلك كفر،و ليس الكلام فيه.و أنكر بعضهم كون ما في حديث أبي داود و الحاكم«فإنّي أنا الدّهر»بضمّ الرّاء،و قال:لو كان كذلك كان الدّهر من أسمائه تعالى،و كان يرويه فإنّي أنا الدّهر بفتح الرّاء ظرفا ل«أقلّب»أي فإنّي أنا أقلّب اللّيل و النّهار الدّهر،أي على طول الزّمان و ممرّه.و فيه أنّ رواية مسلم«فإنّ اللّه هو الدّهر»تبطل ما زعمه.و من ثمّ كان الجمهور على ضمّ الرّاء و لا يلزم عليه أن يكون من أسمائه تعالى،لما سبق أنّ ذلك على التّجوّز.

و حكى الرّاغب عن بعضهم:أنّ الدّهر الثّاني في حديث مسلم غير الأوّل،و أنّه مصدر بمعنى الفاعل، و المعنى:أنّ اللّه تعالى هو الدّهر،أي المصرّف المدبّر المفيض لما يحدث.و فيه بعد.و قرأ عبد اللّه(إلاّ دهر) و تأويله إلاّ دهر يمرّ.(25:153)

ابن عاشور:أي لا علم لهم بأنّ الدّهر هو المميت؛ إذ لا دليل على ذلك،فإنّ الدّليل النّظريّ بيّن أنّ الدّهر -و هو الزّمان-ليس بمميت مباشرة-و هو ظاهر- و لا بواسطة في الإماتة؛إذ الزّمان أمر اعتباريّ لا يفعل و لا يؤثّر،و إنّما هو مقادير يقدّر بها النّاس الأبعاد بين الحوادث،مرجعه إلى تقدير حصّة النّهار و اللّيل و حصص الفصول الأربعة.و إنّما توهّم عامّة النّاس أنّ الزّمان متصرّف،و هي توهّمات شاعت حتّى استقرّت في الأذهان السّاذجة.(25:378)

ص: 183

مكارم الشّيرازيّ:عقائد الدّهريّين:

في هذه الآيات بحث آخر حول منكري التّوحيد، غاية ما هناك أنّه ذكر هنا اسم جماعة خاصّة منهم، و هم الدّهريّون الّذين ينكرون وجود صانع حكيم لعالم الوجود مطلقا،في حين أنّ أكثر المشركين كانوا يؤمنون ظاهرا باللّه،و كانوا يعتبرون الأصنام شفعاء عند اللّه،فتقول الآية أوّلا: وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا فكما يموت من يموت منّا،يولد من يولد منّا،و بذلك يستمرّ النّسل البشريّ وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ و بهذا فإنّهم ينكرون المعاد،كما ينكرون المبدأ.و الجملة الأولى ناظرة إلى إنكارهم المعاد،أمّا الجملة الثّانية فتشير إلى إنكار المبدإ.

و الجدير بالانتباه أنّ هذا التّعبير قد ورد في آيتين أخريين من آيات القرآن الأخرى،فنقرأ في الآية:

29،من سورة الأنعام: وَ قالُوا إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ.

و جاء في الآية:37،من سورة المؤمنون: إِنْ هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ إلاّ أنّ التّأكيد في الآيتين على إنكار المعاد و حسب،و لم يرد إنكار المبدإ و المعاد معا إلاّ في هذه الآية مورد البحث.

و من الواضح أنّ هؤلاء إنّما كانوا يؤكّدون المعاد أكثر من المبدإ،لخوفهم و اضطرابهم منه الّذي قد يغيّر مسير حياتهم المليئة بالشّهوات و الخاضعة لها.[ثمّ ذكر عدّة تفاسير لجملة: نَمُوتُ وَ نَحْيا و أضاف:]

و على أيّة حال،فإنّ جماعة من المادّيّين في العصور الخالية كانوا يعتقدون أنّ الدّهر هو الفاعل أو الزّمان في هذا العالم-أو بتعبير جماعة آخرين:إنّ الفاعل هو دوران الأفلاك و أوضاع الكواكب- و كانوا ينهون سلسلة الحوادث إلى الأفلاك، و يعتقدون أنّ كلّ ما يقع في هذا العالم بسببها، (1)حتّى أنّ جماعة من فلاسفة.الدّهريّين و أمثالهم كانوا يقولون بوجود عقل للأفلاك،و يعتقدون أنّ تدبير هذا العالم بيدها.

إنّ هذه العقائد الخرافيّة انقرضت بمرور الزّمان، خاصّة و قد ثبت بتقدّم علم الهيئة عدم وجود شيء باسم الأفلاك-الكرات المتداخلة الصّافية-في الوجود الخارجيّ أصلا،و أنّ لنجوم العالم العلويّ بناء كبناء الكرة الأرضيّة بتفاوت ما،غاية ما في الأمر أنّ بعضها مظلم و يكتسب نوره من الكرات الأخرى، و بعضها الآخر مشتعل و منير.

إنّ الدّهريّين كانوا يذمّون الدّهر و يسبّونه أحيانا عند ما تقع حوادث مرّة مؤلمة.غير أنّه ورد في الأحاديث الإسلاميّة عن النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله«لا تسبّوا الدّهر،فإنّ اللّه هو الدّهر»،و هو إشارة إلى أنّ الدّهر لفظ ليس إلاّ،فإنّ اللّه سبحانه هو مدبّر هذا العالمل!

ص: 184


1- احتمل بعض احتمالا خامسا في تفسير هذه الجملة، و هو أنّها إشارة إلى عقيدة التّناسخ الّتي كان يعتقد بها جمع من الوثنيّين؛حيث كانوا يقولون:إنّنا نموت دائما ثمّ نحيا في أبدان أخرى في هذا العالم.إلاّ أنّ هذا التّفسير لا ينسجم مع جملة: وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ و الّتي تتحدّث عن الهلاك و الفناء فقط،فتأمّل!

و مديره،فإنّكم إن أسأتم القول بحقّ مدبّر هذا العالم و مديره،فقد أسأتم بحقّ اللّه عزّ و جلّ،من حيث لا تشعرون.

و الشّاهد على هذا الكلام حديث آخر روي كحديث قدسيّ عن اللّه تعالى أنّه قال:«يؤذيني ابن آدم،يسبّ الدّهر،و أنا الدّهر!بيدي الأمر،أقلّب اللّيل و النّهار».

لكن قد استعمل الدّهر في بعض التّعبيرات بمعنى أبناء الأيّام،و أهل الزّمان الّذين شكا العظماء من عدم وفائهم،كما نقل في الشّعر المنقول عن الإمام الحسين عليه السّلام،حيث أنشد ليلة عاشوراء:

يا دهر أفّ لك من خليل

كم لك بالإشراق و الأصيل

من صاحب و طالب قتيل

و الدّهر لا يقنع بالقليل

و على هذا فللدّهر معنيان:الدّهر بمعنى الأفلاك و الأيّام،و الّذي كان محلّ اهتمام الدّهريّين؛حيث كانوا يظنّونه حاكما على نظام الوجود و حياة البشر.

و الدّهر بمعنى أهل العصر و الزّمان و أبناء الأيّام.

و من المسلّم أنّ«الدّهر»بالمعنى الأوّل أمر وهميّ،أو نقول:إنّه اشتباه في التّعبير؛حيث أطلق اسم الدّهر بدل اسم اللّه المتعالي الحاكم على كلّ عالم الوجود.أمّا«الدّهر»بالمعنى الثّاني فهو الشّيء الّذي ذمّه كثير من الأئمّة و العظماء،لأنّهم كانوا يرون أهل زمانهم مخادعين مذبذبين لا وفاء لهم.

على أيّة حال،فإنّ القرآن الكريم أجاب هؤلاء العبثيّين بجملة وجيزة عميقة،تلاحظ في موارد أخرى من القرآن الكريم أيضا،فقال: وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ.

و قد ورد نظير هذا المعنى في الآية:28،من سورة النّجم في من يظنّون أنّ الملائكة بنات اللّه سبحانه:

وَ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً.

و قد ورد هذا المعنى أيضا في القول بقتل المسيح، النّساء:157،و عقيدة مشركي العرب في الأصنام، يونس:66.

و هذا أبسط و أوضح دليل يلقى على هؤلاء بأنّكم لا تملكون أيّ شاهد أو دليل منطقيّ على مدّعاكم،بل تستندون في دعواكم إلى الظّنّ و التّخمين فقط. (1)(16:204)

فضل اللّه: وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ و هو الزّمن الّذي يترك في استمراره تأثيرا على عناصر الحياة و الموجودات،فيبلي كلّ جديد،و يهلك كلّ وجود، فهو الّذي يعطّل دور كلّ عضو من أعضائنا،و يفني الأجهزة المودعة في خلايانا.فنموت عند ما تستنفد الحياة طاقتها على البقاء،فلا غيب،و لا خفاء،بل هو الحسّ الّذي يتحرّك أمام الأعين في حركة الوجود و الفناء.و لكنّ القرآن يطرح موقفه من هذه المسألة، من خلال السّؤال عن مصدر هذه الأحكام.فهل هناك دليل على نفي الحياة الأخرى يحكم به العقل،أو تقودن.

ص: 185


1- أخذناه من شبكة اينترنت بتفاوت مع المتن.

إليه التّجربة؟!و كيف يفسّرون القوّة الخفيّة الّتي تمثّل مصدر الحياة؟و إذا كانوا يفسّرون نهاية الحياة،بتأثير الزّمن على الأجسام الحيّة،فكيف يفسّرون بداية حياة الأشياء الجامدة؟و كيف يفسّرون تحوّل الغذاء إلى دم، و الدّم إلى نطفة،و تحوّل النّطفة في تطوّر نوعيّ متقن، إلى إنسان؟إلى غير ذلك من الأمور الّتي ترصد الظّواهر الحياتيّة.و تلاحظ أن هناك شيئا غير المادّة ممّا لا يملكون علمه بالدّقّة و العمق و الشّمول.(20:330)

2- هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً. الدّهر:1

لاحظ:ح ي ن:«حين».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّهر:الأمد الممدود، و هو الدّهر بفتح الهاء أيضا؛و الجمع:أدهر و دهور؛ يقال:أبادهم الدّهر،و أصابتهم قوارع الدّهر و حوادثه،و استأجره مداهرة و دهارا،و عامله مداهرة و دهارا،و أقمنا على ماء كذا و كذا دهرا.

و الدّهر:الأبد.يقال:لا آتيك دهر الدّاهرين،أي أبدا.و دهر داهر:كقولهم:أبد أبيد.

و رجل دهريّ:قديم مسنّ،نسب إلى الدّهر.

و رجل دهريّ:ملحد لا يؤمن بالآخرة؛يقول ببقاء الدّهر،و هو مولّد.

و الدّهارير:أوّل الدّهر في الزّمان الماضي، و لا واحد له.

و دهر دهارير:شديد.

و دهور دهارير:مختلفة،على المبالغة.

و الدّهر:النّازلة،لأنّهم كانوا ينسبونها إليه فيسبّونه،فنهاهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك،قال:«لا تسبّوا الدّهر،فإنّ اللّه هو الدّهر».

و منه قولهم:دهر فلانا أمر،إذا أصابه مكروه، و دهر بهم أمر:نزل بهم.

و الدّهر:العادة،لأنّ صاحبها يقيم عليها مدّة حياته الدّنيا،يقال:ما ذاك بدهري،أي عادتي،و ما ذاك دهري،و ما دهري بكذا،و ما دهري كذا:ما همّتي و إرادتي و غايتي.قال ابن فارس:«و هذا توسّع في التّفسير،و معناه:ما أشغل دهري به».

و الدّهورة:«فعولة»من الدّهر،أي جمعك الشّيء و قذفك به في مهواة.يقال:دهورت الشّيء، و هو من هذا الباب،لأنّه مشبّه بالنّازلة.

و دهور الرّجل لقمه،إذا أدارها ثمّ التقمها،على التّشبيه.

و دهور:سلح.

و دهور الحائط:دفعه فسقط.

و الدّهوريّ من الرّجال:الصّلب الضّرب.

و من المجاز قولهم:دهور كلامه:قحّم بعضه في إثر بعض.

و تدهور اللّيل:أدبر،لأنّ النّهار نزل به فولّى.

و رجل دهوريّ الصّوت:صلب الصّوت.قال الأزهريّ:«و هذا خطأ عندي،و الصّواب:رجل

ص: 186

جهوريّ الصّوت بالجيم،أي رفيع الصّوت فخمه، فصحّف و قلب الجيم دالا»،و نحسبه كذلك أيضا.

2-و الدّهريّة:فرقة ضالّة يقول أتباعها بقدم الدّهر،و لا يؤمنون باللّه و الأنبياء و رسالاتهم و لا باليوم الآخر،و ينكرون خلق العالم و العناية الإلهيّة،دون تثبّت و تحقيق.

و هو مذهب قديم،يظهر و يختفي بأسماء مختلفة على مرّ العصور،و ظهر لأوّل مرّة في اليونان قبل ميلاد السّيّد المسيح عليه السّلام بقرون؛إذ يرجع إلى زمن طاليس و غيره من فلاسفة اليونان،و كان يطلق عليه آنذاك«المادّيّة»،و اعتقد أتباع المادّيّة أن لا وجود في الكون إلاّ للمادّة،و وضعوا لها قانونا،و هو قولهم:

المادّة لا تفنى و لا تخلق من العدم.و ذهب«أبيقور» إلى أنّ الرّوح جزء من الجسم،تفنى بفنائه.

و ظهرت الدّهريّة في فرنسا خلال القرن الثّامن عشر الميلاديّ،و أطلق على أتباعها اسم:الطّبيعيّين، و كانوا كالدّهريّة يذهبون إلى أنّ شئون النّاس تسير وفق قوانين طبيعيّة.

و سادت الدّهريّة شعوب أوربّا الشّرقيّة في بداية القرن العشرين باسم الاشتراكيّة و الشّيوعيّة تأثّرا بفلسفة الألمانيّين«كارل ماركس»و«فيدريك أنجلز» و امتدّ نفوذها إلى الصّين و بلدان جنوب شرقيّ آسيا و الشّرق الأوسط و مناطق أخرى.ثمّ تقوّض أثرها عن أوربّا الشّرقيّة،و انحسر ظلامها عن الشّرق الأدنى و الشّرق الأوسط أو كاد في نهاية القرن المذكور.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم(الدّهر)مرّتين في آيتين:

1- وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ الجاثية:24

2- هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً الدّهر:1

و يلاحظ أوّلا:أنّ في كلّ منهما بحوثا:

ففي(1):

1-فسّروا اَلدَّهْرُ بالزّمان،العمر،طول العمر، طول اختلاف اللّيل و النّهار،طول الدّهر،مرور الأيّام و اللّيالي و الشّهور و السّنين،طول الزّمان هو المهلك، لأنّ الآفات تستوي فيه كمالاتها،مرور الزّمان و هو مدّة بقاء العالم من مبدإ وجوده إلى انقضائه،طول الزّمان،و الدّهر أخصّ من الزّمان و نحوها.

و الاختلاف فيها لفظيّ و المعنى واحد.

2-و قد فسّره الفخر الرّازيّ بما عبّر عنه الفلاسفة، فقال:«يعني تولّد الأشخاص إنّما كان بسبب حركات الأفلاك الموجبة لامتزاجات الطّبائع،و إذا وقعت تلك الامتزاجات على وجه خاصّ حصلت الحياة،و إذا وقعت على وجه آخر حصل الموت، فالموجب للحياة و الموت تأثيرات الطّبائع و حركات الأفلاك،و لا حاجة في هذا الباب إلى إثبات الفاعل المختار».

و قد بيّن مكارم الشّيرازيّ اعتقاد الفرقة الدّهريّة في اليونان،و في أوربّا الجديدة،و تصدّى لبطلانها،

ص: 187

فلاحظ.

و عندنا أنّ العرب لم تكن تعرف أقوال الفلاسفة و الدّهريّة بل كانت لهم عقيدة بسيطة في الحياة و الموت.

3-و قال البروسويّ-بعد تفسير اَلدَّهْرُ بمرور الزّمان-«ثمّ يعبّر به عن كلّ مدّة كبيرة و هو خلاف الزّمان،فإنّ الزّمان يقع على المدّة القليلة و الكثيرة -إلى أن قال:-و الدّهر عند الصّوفيّة:هو الآن الدّائم الّذي هو امتداد الحضرة الإلهيّة،و هو باطن الزّمان، و به يتجدّد الأزل و الأبد،و كانوا يزعمون أنّ المؤثّر في هلاك الأنفس هو مرور الأيّام و اللّيالي،و ينكرون ملك الموت و قبضه للأرواح بأمر اللّه،و يضيفون الحوادث إلى الدّهر و الزّمان،و يسبّونه و يذمّونه، و يشتكون منه،كما نطقت به أشعارهم،فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن ذلك بقوله:«لا تسبّوا الدّهر،فإنّ اللّه هو الدّهر»،أي فإنّ اللّه هو الآتي بالحوادث لا الدّهر.

و استشهد بأشعار».

و نقول:الصّوفيّة مؤمنون لا ينكرون ما هو صريح القرآن،مثل ملك الموت،إلاّ أن يرجع الضّمير في (و كانوا يزعمون)و ما بعده إلى المشركين دون الصّوفيّة،و هو الظّاهر فيما بعده من الكلام.

4-و صريح الآية إنكارهم المعاد أوّلا،ثمّ إنكار إرادة اللّه في موت النّفوس،و أنّ الدّهر يهلكها.قال الآلوسيّ:«و إسنادهم الإهلاك إلى الدّهر إنكار منهم لملك الموت و قبضه الأرواح بأمر اللّه عزّ و جلّ،و كانوا يستندون الحوادث مطلقا إليه،لجهلهم أنّها مقدّرة من عند اللّه تعالى،و أشعارهم لذلك مملوءة من شكوى الدّهر،و هؤلاء معترفون بوجود اللّه تعالى،فهم غير الدّهريّة...».

و قال فضل اللّه-بعد بيان معتقد هؤلاء و إسنادهم الحوادث و منها الموت إلى الدّهر-«و لكنّ القرآن يطرح موقفه في هذه المسألة،من خلال السّؤال عن مصدر هذه الأحكام.فهل هناك دليل على نفي الحياة الأخرى،يحكم به العقل،أو تقود إليه التّجربة؟! و كيف يفسّرون القوّة الخفيّة الّتي تمثّل مصدر الحياة؟ و إذا كانوا يفسّرون نهاية الحياة،بتأثير الزّمن على الأجسام الحيّة،فكيف يفسّرون بداية حياة الأشياء الجامدة؟و كيف يفسّرون تحوّل الغذاء إلى دم،و الدّم إلى نطفة،و تحوّل النّطفة،في تطوّر نوعيّ متقن إلى إنسان؟إلى غير ذلك من الأمور الّتي ترصد الظّواهر الحياتيّة.و تلاحظ أنّ هناك شيئا غير المادّة ممّا لا يملكون علمه بالدّقّة و العمق و الشّمول».

و نقول:ليس في هذه الآية في ردّ تلك العقيدة الباطلة سوى أنّه لا علم لهم،و إنّما هم يظنّونه،أمّا السّؤال عن القوّة الخفيّة الّتي تمثّل مصدر الحياة و الموت،فهو مستفاد من آيات أخرى،و من دليل العقل.

5-و قال الآلوسيّ في حكم سبّ الدّهر:«و عدّ بعضهم سبّه كبيرة،لأنّه يؤدّي إلى سبّه تعالى و هو كفر و ما أدّى إليه،فأدنى مراتبه أن يكون كفرا و كلام الشّافعيّة صريح بأنّ ذلك مكروه و لا حرام،فضلا عن كونه كبيرة،و الّذي يتّجه في ذلك تفصيل:و هو أنّ من

ص: 188

سبّه،فإن أراد به الزّمن فلا كلام في الكراهة،أو اللّه عزّ و جلّ فلا كلام في الكفر،و مثله إذا أراد المؤثّر الحقيقيّ فإنّه ليس إلاّ اللّه سبحانه،و إن أطلق فهذا محلّ التّردّد لاحتمال الكفر و غيره...».

6-و قال ابن عاشور في: «وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ، أي لا علم لهم بأنّ الدّهر هو المميت؛إذ لا دليل على ذلك،فإنّ الدّليل النّظري بيّن أنّ الدّهر و هو الزّمان ليس بمميت مباشرة-و هو ظاهر-و لا بواسطة في الإماتة؛إذ الزّمان أمر اعتباريّ لا يفعل و لا يؤثّر و إنّما هو مقادير يقدّر بها النّاس الأبعاد بين الحوادث،مرجعه إلى تقدير حصّة النّهار و اللّيل و حصص الفصول الأربعة،و إنّما توهّم عامّة النّاس أنّ الزّمان متصرّف،و هي توهّمات شاعت حتّى استقرّت في الأذهان السّاذجة».

و في(2): هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ... لاحظ:ح ي ن:«حين».

و ثانيا:الآيتان من سورتين:إحداهما مكّيّة و الأخرى مختلف فيها،و هما راجعتان إلى بدء حياة الإنسان و موته،ممّا يحدّث القرآن عنه في السّور المكّيّة غالبا.و سياق السّورتين أيضا مكّيّ،إلاّ أنّ كثيرا من المفسّرين-و منهم الطّبرسيّ استنادا إلى ما نقل عن ابن عبّاس في السّور المكّيّة و المدنيّة-قالوا في سورة الدّهر:إنّها مدنيّة،استنادا إلى روايات وردت في تفسير آيات اَلْأَبْرارِ بأنّها نزلت بشأن الخمسة الطّاهرة:محمّد،و عليّ،و فاطمة،و الحسن،و الحسين عليهم السّلام،في واقعة معيّنة يمكن كونها تأويلا للآيات لا تنزيلا لها،أي إنّ تلك القصّة كانت مصداقا للأبرار المذكورين في هذه الآيات من السّورة و في غيرها على نحو العموم.و نظيرها كثير في الرّوايات الّتي ظاهرها تنزيل الآيات،و هي روايات تأويليّة،نظير ما ورد في رواية ذيل الآية هُدىً لِلْمُتَّقِينَ البقرة:2، «نحن المتّقون»أي نحن من مصاديق المتّقين،بل من أكملهم و أعلاهم.فلاحظ.

و ثالثا:من نظائر الدّهر و الأزمان الطّويلة في القرآن:

الأبد: خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً الأحزاب:65

الحين: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً الدّهر:1

الحقب: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً الكهف:60

العصر: وَ الْعَصْرِ... العصر:1

ص: 189

ص: 190

د ه ق

اشارة

دهاقا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الدّهق:خشبتان يغمز بهما السّاق، و ادّهقت الحجارة ادّهاقا،و هو شدّة تلازمها،و دخول بعضها في بعض.

و كأس دهاق:ملأى.و أدهقتها (1):شددت ملأها.

و الدّهدقة:دوران البضع الكثير في القدر إذا غلت،تراها تعلو مرّة و تسفل أخرى.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:364)

سيبويه:سألته عن رجل يسمّى:دهقان،فقال:

إن سمّيته من التّدهقن فهو مصروف،و كذلك:شيطان إن أخذته من التّشيطن،فالنّون عندنا في مثل هذا من نفس الحرف إذا كان له فعل يثبت فيه النّون.و إن جعلت دهقان من الدّهق،و شيطان من شيّط، لم تصرفه.(3:217)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الدّهق بالتّحريك:ضرب من العذاب،و هو بالفارسيّة«أشكنجه».

(الجوهريّ 4:1478)

أبو عبيدة:يقال دهقان و دهقان و قرطاس و قرطاس و قنّب و قنّب.(ابن دريد 2:295)

ابن الأعرابيّ:دهقت الشّيء:كسرته و قطعته، و كذلك دهدقته.[ثمّ استشهد بشعر]

(الجوهريّ 4:1478)

ابن دريد:دهقه يدهقه دهقا،إذا غمزه غمزا شديدا.

و ماء دهاق:كثير.

و أدهقت الماء إدهاقا،إذا أفرغته إفراغا شديدا.

و قالوا:دهقته أيضا،فهو مدهق و مدهوق.

ص: 191


1- في الأصل:أدقتها...و هو سهو،أو خطأ مطبعيّ و الصّواب:ما ذكره الأزهريّ و غيره.

و دهق لي دهقة من المال،أي أعطاني منه صدرا و أدهقت الإناء:ملأته.و في التّنزيل: وَ كَأْساً دِهاقاً، النّبأ:34،فسّروها:ملأى،و اللّه أعلم.

فأمّا الدّهقان ففارسيّ معرّب ليس من هذا.

و الدّهدقة:تقطّع اللّحم و تكسّر العظام،دهدقت اللّحم دهدقة و دهداقا.و إن قلت:دهداقا كان فصيحا.

(2:295)

الأزهريّ:[قيل:]أدهقت الكأس إلى أصبارها، أي ملأتها إلى أعاليها.(5:394)

الصّاحب:الدّهدقة:دوران البضعة الكبيرة في القدر إذا غلت،و للقدر دهداق.و هو أسوأ الضّحك، و في المشي:فوق العنق.

و دابّة دهداق:هملاج.

و كأس دهاق،و أدهقت الكأس:شددت ملأها.

و دهقني فلان:ضربني،و هم مدهوقون.

و دهقه المطر:اشتدّ في بدنه.(3:340)

الجوهريّ:أدهقت الكأس:ملأتها.و كأس دهاق،أي ممتلئة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أدهقت الماء،أي أفرغته إفراغا شديدا.

(4:1478)

ابن فارس:الدّال و الهاء و القاف يدلّ على امتلاء في مجيء و ذهاب و اضطراب.يقال أدهقت الكأس:ملأتها.قال اللّه تعالى: وَ كَأْساً دِهاقاً النّبأ 34.

و الدّهدقة:دوران البضعة الكبيرة في القدر،تعلو مرّة و تسفل أخرى.(2:307)

ابن سيده:الدّهق:شدّة الضّغط.و الدّهق أيضا:

متابعة الشّدّ.

و دهق الماء،و أدهقه:أفرغه.

و أدهق الكأس:ملأها.

و كأس دهاق:مترعة،و في التّنزيل: وَ كَأْساً دِهاقاً النّبأ:34.

و قيل:معنى قوله: دِهاقاً: متتابعة على شاربيها،من الدّهق الّذي هو متابعة الشّدّ،و الأولى أعرف.و قيل: دِهاقاً صافية.

فأمّا صفتهم الكأس بالدّهاق و هي أنثى و لفظه لفظ التّذكير،فمن باب عدل و رضا،أعني أنّه مصدر وصف به،و هو موضوع موضع إدهاق.و قد كان يجوز أن يكون من باب هجان و دلاص،إلاّ أنّا لم نسمع:

كأسان دهاقان،و إنّما حمل سيبويه أن يجعل دلاصا و هجانا في حدّ الجمع،تكسيرا لهجان و دلاص في حدّ الإفراد قولهم:هجانان و دلاصان،و لو لا ذلك لحمله على باب«رضا»،لأنّه أكثر،فافهمه.

و دهق لي من المال دهقة:أعطاني منه صدرا.

و الدّهق:خشبتان تغمز بهما السّاق.

و أدهقت الحجارة:اشتدّ تلازبها و دخل بعضها في بعض مع كثرة.

و الدّهقان و الدّهقان:التّاجر،فارسيّ معرّب.[ثمّ نقل قول سيبويه و أضاف:]

فلا أدري أقاله على أنّه مقول،أم هو تمثيل منه لا لفظ مقول،و الأغلب على ظنّي أنّه مقول،و هم الدّهاقنة و الدّهاقين.[ثمّ استشهد بشعر](4:120)

ص: 192

الرّاغب:قال تعالى: وَ كَأْساً دِهاقاً أي مفعمة.

و يقال أدهقت الكأس فدهق،و دهق لي من المال دهقة،كقولك:قبض قبضة.(173)

الزّمخشريّ:أدهق الكأس،و كأس دهاق.

و غمز ساقه بالدّهق.

و تقول:عنقه في وهق و رجله في دهق.

(أساس البلاغة:137)

[في حديث العبّاس]يقول:«اسقوني دهاقا».أي كأسا مترعة و كأنّها الّتي تدهق ما فيها،أي تفرغ لشدّة امتلائها.يقال:دهق الماء دهقا،إذا أفرغه.

و إنّما ذكر هذا ابن عبّاس استشهادا لقوله تعالى:

وَ كَأْساً دِهاقاً النّبأ:34.(الفائق 1:448)

سمع[عن الشّريح]على المنبر يقول:«ما أصبت منذ ولّيت عملي إلاّ هذه القويريرة أهداها إليّ الدّهقان»[إلى أن قال:]

المتعارف في الدّهقان الكسر،و جاءت الرّواية بالضّمّ في هذا الحديث،و نظيره قرطاس و قرطاس، لأنّ النّون أصليّة،بدليل تدهقن،و الدّهقنة.

(الفائق 3:180)

المدينيّ:في حديث عليّ:«نطفة دهاقا و علقة محاقا»أي نطفة قد أفرغت إفراغا شديدا،من قولهم:

أدهقت الماء،إذا أفرغته إفراغا شديدا،فهو إذا من الأضداد.

في حديث:«أهداها إليّ دهقان»بضمّ الدّال و كسرها،و هو معرّب،و نونه أصليّة بدليل:الدّهقنة.

(1:679)

ابن الأثير:في حديث حذيفة:«أنّه استسقى ماء فأتاه دهقان بماء في إناء من فضّة».الدّهقان بكسر الدّال و ضمّها:رئيس القرية و مقدّم التّنّاء و أصحاب الزّراعة،و هو معرّب،و نونه أصليّة،لقولهم:تدهقن الرّجل،و له دهقنة بموضع كذا.و قيل:النّون زائدة، و هو من الدّهق:الامتلاء.(2:145)

الفيّوميّ:الدّهقان:معرّب،يطلق على رئيس القرية و على التّاجر و على من له مال و عقار.و داله مكسورة،و في لغة تضمّ؛و الجمع:دهاقين.

و دهقن الرّجل و تدهقن:كثر ماله.(1:201)

الفيروزآباديّ:دهق الكأس،كجعله:ملأها، و الماء:أفرغه إفراغا شديدا،ضدّ،كأدهقه فيهما،و لي دهقة من المال:أعطاني منه صدرا،و الشّيء:كسره و قطعه،أو غمزه شديدا.و فلانا:ضربه.

و كأس دهاق،ككتاب:ممتلئة،أو متتابعة.

و ماء دهاق:كثير.

و الدّهقان،بالكسر،و بالضّمّ:في باب النّون.

و الدّهق محرّكة:خشبتان يغمز بهما السّاق، فارسيّته:«أشكنجه».

و أدهقه:أعجله.

و ادّهقت الحجارة،كافتعلت:تلازمت،و دخل بعضها في بعض.

و المدّهق،على«مفتعل»:المكسّر و المعتصر.

(3:241)

الطّريحيّ:و الدّهق محرّكة:خشبتان يغمز بهما السّاق،و منه:«حتّى وضع الدّهق على ساق ابن

ص: 193

الخضيب».

في الحديث:تكرّر ذكر«الدّهقان»بكسر الدّال و ضمّها:رئيس القرية،و هو اسم أعجميّ مركّب من «ده»و«قان»و معناه سلطان القرية.إذ«ده»اسم للقرية و«قان»اسم للسّلطان.

و نونه أصليّة،لقولهم:تدهقن الرّجل.و قيل:زائدة، و هو من الدّهق:الامتلاء.

و الدّهاقين الّذين يركبون البراذين،من هذا الباب.(5:164)

مجمع اللّغة:دهق الكأس يدهقها دهقا و أدهقها:ملأها.

و كأس دهاق:ممتلئة.(1:407)

المصطفويّ:و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّحميل زائدا على الحدّ،و من آثار هذا المعنى الضّغط و الغمز،و من مصاديقه:الشّدّة في الامتلاء،و الإفراغ الشّديد،و التّعذيب الخاصّ فوق الحدّ،و الكسر في أثر التّحميل الزّائد و الضّغط، و كذلك القطع،و شدّة التّلازب في الحجارة،و الكثرة فوق الحدّ في مورد يوجب الضّغط،و الخشبة الّتى بها يحصل الغمز.

فظهر الفرق بينها و بين الضّغط و الغمز.و أمّا الدّفق و الدّعّ و الدّفع و الدّلك،فراجع مادّة:«د ل ك».

و يدلّ على أصالة هذا المعنى:ما في قاموس عبريّ:

«دهق،دهاق»ضغط،كثافة،توتّر،فقر،بؤس، حاجة،ضرورة،إكراه.

وَ كَأْساً دِهاقاً* لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذّاباً النّبأ:34،35،الدّهاق مصدر إمّا من المجرّد أو من«المفاعلة»ليدلّ على الاستمرار،مضافا إلى المبالغة المفهومة من إطلاق المصدر في مورد الوصف،و الدّهاق هو الامتلاء زائدا على الحدّ في الكأس،و يعبّر عنه في اللّغة الفارسيّة بكلمة:«لبريز»، «سرشار».و يمكن أن يكون الكأس إشارة إلى كأس الخمر اللّذيذ للشّاربين،المشعر بالمحبّة و الجذبة الإلهيّة.

(3:260)

النّصوص التّفسيريّة

وَ كَأْساً دِهاقاً* لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذّاباً.

النّبأ:34،35

ابن عبّاس:ملأى متتابعة.(499)

داركا.(الطّبريّ 12:411)

الملأى المتتابعة.(الطّبريّ 12:413)

نحوه سعيد بن جبير و مجاهد و الحسن.

(الطّبريّ 12:411)

ممتلئا.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 12:411)

عكرمة:صافية.(الطّبريّ 12:411)

قتادة:الدّهاق:الملأى المترعة.

(الطّبري 12:411)

ابن زيد:الدّهاق:المملوءة.(الطّبريّ 12:411)

ابن وهب:الّذي يتبع بعضه بعضا.

(الطّبريّ 12:411)

ص: 194

الطّبريّ:يقول:و كأسا ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة و امتلاء.و أصله من:الدّهق،و هو متابعة الضّغط على الإنسان بشدّة و عنف،و كذلك الكأس الدّهاق:متابعتها على شاربيها بكثرة و امتلاء.

و قال آخرون:الدّهاق:الصّافية.

و قال آخرون:بل هي المتتابعة.(4:411)

الزّجّاج:معنى دِهاقاً: مليء،و جاء في التّفسير أيضا أنّها صافية.(5:275)

السّجستانيّ:مترعة،أي ملأى.(208)

الطّوسيّ:و الدّهاق:ملأى بشدّة الضّغط، و الدّهق:شدّة الضّغط في الكأس،ملأى مترعة ليس فيها فرجة،ليستوفي حال اللّذة.

و قال مجاهد:معناه:متتابعة على شاربها،مأخوذ من متابعة الشّدّ في الدّهن.(10:247)

الواحديّ:أصل هذا القول[أي المتتابعة]من قول العرب:أدهقت الحجارة إدهاقا،و هو شدّة تلازمها و دخول بعضها في بعض.(الفخر الرّازيّ 31:20)

الميبديّ:مترعة مملوءة متتابعة صافية.الدّهاق:

مصدر داهق مداهقة و دهاقا،أي تابع،و أدهقت الحوض أي ملأته.(10:357)

الزّمخشريّ:و الدّهاق:المترعة.و أدهق الحوض:ملأه حتّى قال قطني.(4:210)

نحوه الشّربينيّ(4:473)،و أبو السّعود(6:

361).

ابن عطيّة:الدّهاق:المترعة،فيما قال الجمهور.

(5:428)

نحوه أبو حيّان(8:415)،و الآلوسيّ(29:18).

الفخر الرّازيّ:و يروى عن عكرمة أنّه قال:

دِهاقاً أي صافية.

و الدّهاق على هذا القول يجوز أن يكون جمع:

داهق و هو خشبتان يعصر بهما.(31:20)

البروسويّ:أي مملوءة بالخمر ف دِهاقاً بمعنى مدهقة،وصفت به الكأس للمبالغة فى امتلائها،يقال:

أدهق الحوض و دهقه ملأه.(10:308)

الطّباطبائيّ:أي ممتلئة شرابا،مصدر بمعنى اسم الفاعل.(20:169)

نحوه فضل اللّه.(24:21)

مكارم الشّيرازيّ:بمعنى الامتلاء،عند أكثر المفسّرين و أهل اللّغة،لكنّ ابن منظور قد ذكر معنيين آخرين،هما:التّتابع على شاربيها،صافية.

و عليه.فيمكن حمل معنى الآية،على ضوء ما ذكر من معان،على أنّ لأهل الجنّة أقداح مملوءة بشراب زلال طاهر.(19:311)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّهق،أي الضّغط الشّديد.يقال:دهق الماء و أدهقه،أي أفرغه إفراغا شديدا،فهو مدهوق و مدهق.و منه:قول الإمام عليّ عليه السّلام في صفة خلق الإنسان:«نطفة دهاقا،و علقة محاقا» (1)أي نطفة أفرغت بقوّة،و علقة خفي فيها

ص: 195


1- نهج البلاغة-الخطبة:83.

الشّكل و الصّورة.

و يقال أيضا:أدهق الكأس،أي شدّ ملأها، و أدهقت الكأس إلى أصبارها:ملأتها إلى أعاليها، و كأس دهاق:مترعة ممتلئة،فهو ضدّ.

و ادّهقت الحجارة:اشتدّ تلازبها و دخل بعضها في بعض مع كثرة.

و يقال مجازا:دهق لي من المال دهقة،أي أعطاني منه صدرا.

و الدّهق:خشبتان يغمز بهما السّاق،و ضرب من العذاب؛يقال:دهقه يدهقه دهقا،إذا غمزه غمزا شديدا.

و دهقت الشّيء:كسرته و قطعته،و كذلك دهدقته.

2-و الدّهقان و الدّهقان:التّاجر،و الجمع:دهاقنة و دهاقين فارسيّ معرّب.و أصله في اللّغة الفارسيّة «ده كان»،فلفظ«ده»يعني القرية،و«كان»لاحقة في النّسبة،أي القرويّ.و كان الدّهقان يطلق على صاحب الملك و الأرض في الفارسيّة القديمة،سواء كان قرويّا أم حضريّا (1).

ثانيا:و زعم«آرثر جفري»أنّه قد عجز المفسّرون عن تعليل صياغة«دهاق»،لأنّ لفظ الكأس مؤنّث،فيجب-على زعمه-أن تكون صفته« دهاقة»و ليس«دهاقا»!

و ينبغي أن نعذره في قوله هذا و لا نلومه عليه، لأنّه لم يقف على أسرار العربيّة و فقهها،و نحيله إلى تعليل ابن سيده في هذا الصّدد؛حيث قال:«أمّا صفتهم الكأس بالدّهاق و هي أنثى و لفظه لفظ التّذكير،فمن باب عدل و رضا،أعني أنّه مصدر وصف به،و هو موضوع موضع إدهاق».

ثمّ نسب إلى سيبويه أنّه قال:لا يجوز جعل لفظ «دهاق»صفة للكأس،بل يجب أن يكون اسم فعل!

و لكنّ هذا تعسّف،إذ لم نعثر على هذا القول في «الكتاب»و لا في المظانّ الأخرى،سوى ما جاء على وزن«فعال من الصّفات و مفرده و جمعه واحد»، و مثّل له بقوله:درع دلاص و أدرع دلاص،ثمّ قال:

«و يدلّك على أنّ دلاصا و هجانا جمع لدلاص و هجان،و أنّه كجواد و جياد و ليس كجنب،قولهم:

هجانان و دلاصان». (2)

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مزيدا من«المفاعلة»المصدر(دهاقا) مرّة في آية:

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً* حَدائِقَ وَ أَعْناباً* وَ كَواعِبَ أَتْراباً* وَ كَأْساً دِهاقاً النّبأ:31-34

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها بحوثا:

1-قالوا في معنى دِهاقاً: ملأى متتابعة،داركا، ممتلئا،صافية،الّذي يتبع بعضه بعضا،الدّهاق:

ص: 196


1- معجم دهخدا.
2- الكتاب 3:639،و لسان العرب:«د ه ق».

المملوءة،ملأى و متتابعة على شاربيها بكثرة و امتلاء، مليء،ملأى مترعة ليس فيها فرجة ليستوفي حال اللّذّة،مملوءة بالخمر،ممتلئة شرابا.و بعضهم جمع بين هذه المعاني.

قال الميبديّ:«مترعة مملوءة متتابعة صافية».

و قال مكارم الشّيرازيّ:«يمكن حمل معنى الآية على ضوء ما ذكرنا من معان،على أنّ لأهل الجنّة أقداح مملوءة بشراب زلال طاهر».

2-و قال الطّبريّ:«أصله من الدّهق:و هو متابعة الضّغط على الإنسان بشدّة و عنف».و قال الطّوسيّ:«و الدّهاق:ملأى بشدّة الضّغط».و قال الواحديّ:«أصل هذا القول-أي المتتابعة-من قول العرب:أدهقت الحجارة إدهاقا،و هو شدّة تلازمها، و دخول بعضها في بعض».

و قال الزّمخشريّ:«و أدهق الحوض:ملأه حتّى قال:قطني».

و قال البروسويّ: «دِهاقاً بمعنى مدهقة،وصفت به الكأس للمبالغة في امتلائها.يقال:أدهق الحوض و دهقه:ملأه».

3-قال الميبديّ:«الدّهاق:مصدر داهق مداهقة و دهاقا:أي تابع».

و قال الطّباطبائيّ:«مصدر بمعنى اسم الفاعل».

لكنّ الفخر الرّازيّ-بعد أن حكى عن عكرمة أنّه بمعنى«صافية»-قال:«و الدّهاق على هذا القول يجوز أن يكون جمع داهق،و هو خشبتان يعصر بهما».

و نقول:صريح الآية: وَ كَواعِبَ أَتْراباً* وَ كَأْساً دِهاقاً أنّ دِهاقاً صفة كَأْساً فليس جمعا،بل هو مصدر جاء مكان الصّفة مبالغة مثل:«زيد عدل».

و ثانيا:جاءت دِهاقاً في سورة مكّيّة،في سياق آيات جزاء المتّقين،و لعلّها لغة مكّيّة.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الملأ: فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ

الصّافّات:66

التّسجير: وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ التّكوير:6

ص: 197

ص: 198

د ه م

اشارة

مدهامّتان

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة أو مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الأدهم:الأسود،و به دهمة شديدة.

و ادهام الزّرع،إذا علاه السّواد ريّا.

و الدّهم:الجماعة الكثيرة.

و دهمونا،أي جاءونا بمرّة جماعة.

و دهمهم أمر،أي غشيهم فاشيا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الدّهماء:سحنة الرّجل.و الدّهماء:القدر.

و الدّهماء:بقلة،و الدّهماء:الجماعة من النّاس.

و الدّهيم:الدّاهية.(4:31)

الكسائيّ:يقال:دخلت في خمر النّاس،أي في جماعتهم و كثرتهم،و في دهماء النّاس أيضا مثله.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 6:225)

ابن شميّل:الدّهماء:السّوداء من القدور،و قد دهمتها النّار.(الأزهريّ 6:225)

أبو عمرو الشّيبانيّ:أرض بها دهم:أثر كثير، و هي مدهومة.(1:247)

و الدّهمة:الضّائنة الحمراء.(1:272)

و الأدهم:الأثر.(1:274)

إذا كان القيد من خشب،فهو الأدهم و الفلق.

و المتدهّم،و المتدأّم و المتدثّر هو المحبوس المأبون.

و يقال:ادهامّ يدهامّ فهو مدهامّ،و ادهمّ يدهمّ فهو مدهمّ،و ادهوهم يدهوهم فهو مدهوهم،بمعنى واحد.

(الأزهريّ 6:227)

أبو عبيدة:دهمهم يدهمهم،لغة.

(الأزهريّ 6:225)

ص: 199

أبو زيد:النّعجة الدّهماء:هي الحمراء الخالصة الحمرة.(الأزهريّ 6:227)

الأصمعيّ:الوطأة الدّهماء:الجديدة،و الوطأة الغبراء:الدّراسة.[ثمّ استشهد بشعر]

إذا اشتدّت ورقة البعير لا يخالطها شيء من البياض فهو أدهم،و ناقة دهماء.

و فرس أدهم بهيم،إذا كان أسود بهيما لا شية فيه.

(الأزهريّ 6:227)

أثر أدهم:جديد،و أثر أغبر:قديم دارس.

(ابن سيده 4:274)

أبو عبيد:في حديث حذيفة...حين ذكر الفتنة، فقال:«أتتكم الدّهيماء ترمي بالنّشف ثمّ الّتي تليها ترمي بالرّضف».

قوله:«الدّهيماء»،نراه أراد:الدّهماء،ثمّ صغرها.

و بعض النّاس يذهب بها إلى الدّهيم،فإن كانت منه فإنّ الدّهيم:الدّاهية.و يقال:إنّ سببها أنّ ناقة كان يقال لها:الدّهيم،فغزا قوم قوما فقتل منهم سبعة إخوة،فحملوا على الدّهيم،فصارت مثلا في كلّ داهية و بليّة.(2:232)

ابن الأعرابيّ:الدّهم:الخلق الكثير.

(الخطّابيّ 1:198)

ابن السّكّيت:يقال:أتانا دهم من النّاس،أي عدّة من النّاس كثيرة.(35)

كيف جهراؤكم و دهماؤكم،أي جماعتكم.(40)

و يقال لليلة تسع و عشرين:الدّهماء.(403)

يقال:دهمهم الأمر يدهمهم،و دهمتهم الخيل.(الأزهريّ 6:225)

شمر:في حديث حذيفة حين ذكر الفتنة،فقال:

«أتتكم الدّهيماء ترمي بالنّشف ثمّ الّتي تليها ترمي بالرّضف»،أراد بالدّهماء:السّوداء المظلمة،مثله حديثه الآخر:«لتكوننّ فيكم أربع فتن:الرّقطاء، و المظلمة،و كذا و كذا،فالمظلمة مثل الدّهماء».

(الأزهريّ 6:225)

المبرّد:يقال للعامّة:الدّهماء.(الفائق 1:448)

ثعلب:دهمتهم الخيل تدهمهم إذا جاءتهم فجأة و لا يشعرون.(8)

و فعل به ما أدهمه،أي ساءه و أرغمه.

(ابن سيده 4:274)

ابن دريد:و الدّهم:العدد الكثير.عدد دهم،أي كثير.

و دهمهم الأمر يدهمهم،إذا غشيهم.

و فرس أدهم:حسن الدّهمة.و ادهامّ الفرس ادهيماما،إذا اشتدّ سواده.

و دهماء النّاس:جماعتهم.

و قد سمّت العرب دهيما و دهمان و دهاما.

و الدّهيم:اسم من أسماء الدّاهية،و أصل ذلك أنّ ناقة كانت تسمّى الدّهيم،فحمل عليها رءوس قوم، فقالوا:أثقل من حمل الدّهيم،فذهبت مثلا،و لها حديث.

و جاء فلان بالدّهيم،و هي الدّاهية؛و أصلها النّاقة.(2:302)

الأزهريّ:قال بعضهم:الدّهمة عند العرب:

ص: 200

السّواد،و إنّما قيل للجنّة:مدهامّة،لشدّة خضرتها.

يقال:اسودّت الخضرة،أي اشتدّت.

و لمّا نزل قوله عزّ و جلّ: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ المدّثّر:30،قال أبو جهل:ما تستطيعون يا معشر قريش و أنتم الدّهم أن يغلب كلّ عشرة منكم واحدا؟! أي و أنتم العدد الكثير.

و سبق بعض العرب إلى عرفة،فقال:«اللّهمّ اغفر لي قبل أن يدهمك النّاس».و في حديث آخر:«من أراد أهل المدينة بدهم»،أي بغائلة،و أمر عظيم، و جيش دهم،أي كثير.

و أتتكم الدّهماء،يقال:أراد الدّهماء:السّوداء المظلمة.و يقال:أراد بذلك الدّاهية يذهب إلى الدّهيم:

اسم ناقة.

و قال:غيره[الأصمعيّ]:ربع أدهم:حديث العهد بالحيّ النّازلين به،و أربع دهم.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:224)

الصّاحب:الأدهم:الأسود،و به دهمة شديدة، و ادهامّ الزّرع:علاه السّواد ريّا.و ادهامّت الرّوضة، و ادهمّت مثله.

و الدّهمة:النّعجة الحمراء.

و الدّهم:الجماعة الكثيرة،دهمونا.و ما أدري أيّ الدّهم هو،و أيّ دهم اللّه هو؟

و دهمهم أمر،أي غشيهم.

و الدّهيم:الدّاهية،و الدّهيماء مثله،و اسم ناقة حمل عليها إخوة قتلوا،فقيل:أشأم من الدّهيم.

و الوطأة الدّهماء:الجديدة،و الغبراء:الدّارسة.

و قيل:الدّهماء:الدّارسة،لأنّها ادهامّت بظلمة على من يطلبها.

و الدّهماء:سحنة الرّجل و هيئته،و القدر أيضا، و ليلة تسع و عشرين من الشّهر.

و الأدهم:القيد الثّقيل؛و جمعه:أداهم.

و تدهدم البناء:تهدّم.

و الدّهيم:الأحمق.

و الدّهماء من البقول و الأشجار:شجرة خضراء عريضة الورق،يدبغ بها.

و ضرب من الأغنام،يقال لها:دهم؛الواحدة:

دهمة.(3:452)

الخطّابيّ:في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ أبا جهل لم يشعر بعسكر رسول اللّه يوم بدر حتّى تصايح الفريقان،ففزع أبو الحكم فقال:ما الخبر؟فقيل:محمّد في الدّهم بهذا القوز،قال:فأخذته خوّة فلا ينطق» الدّهم:العدد الكثير،يقال:جيش دهم أي كثير.

و قال أعرابيّ و قد سبق النّاس إلى عرفة:«اللّهمّ اغفر لي قبل أن يدهمك النّاس».

و منه حديث سعد بن أبي وقّاص،قال:قال:

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«من أراد المدينة بدهم أذابه اللّه،كما يذوب الملح في الماء».[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(1:197)

الجوهريّ:دهمهم الأمر يدهمهم،و قد دهمتهم الخيل.قال أبو عبيدة:و دهمتهم بالفتح لغة.

و الدّهم:العدد الكثير؛و الجمع:الدّهوم.

و الدّهمة:السّواد.يقال:فرس أدهم،و بعير

ص: 201

أدهم،و ناقة دهماء،إذا اشتدّت ورقته حتّى ذهب البياض الّذي فيه.فإن زاد على ذلك حتّى اشتدّ السّواد،فهو جون.

و ادهمّ الفرس ادهماما،أي صار أدهم،و ادهامّ الشّيء ادهيماما،أي اسوادّ.قال تعالى: مُدْهامَّتانِ الرّحمن:64،أي سوداوان من شدّة الخضرة من الرّيّ.و العرب تقول لكلّ أخضر:أسود.

و سمّيت قرى العراق:سوادا،لكثرة خضرتها.

و الدّهماء:القدر.و الوطأة الدّهماء:القديمة، و الحمراء:الجديدة.

و الدّهماء:سحنة الرّجل.

و الشّاة الدّهماء:الحمراء الخالصة الحمرة.

و دهماء النّاس:جماعتهم.

و الدّهيماء:تصغير الدّهماء،و هي الدّاهية،سمّيت بذلك لإظلامها.

و يقال للقيد:الأدهم.

و الدّهيم و أمّ الدّهيم:من أسماء الدّواهي.

و أصل الدّهيم:اسم ناقة عمرو بن الرّيّان الذّهليّ، قتل هو و إخوته،و حملت رءوسهم عليها،فقيل:

«أثقل من حمل الدّهيم»،و«أشأم من الدّهيم».

(5:1924)

ابن فارس:الدّال و الهاء و الميم أصل يدلّ على غشيان الشّيء في ظلام،ثمّ يتفرّع فيستوي الظّلام و غيره.يقال:مرّ دهم من اللّيل،أي طائفة.

و الدّهمة:السّواد.

و الدّهيماء:تصغير:الدّهماء،و هي الدّاهية، سمّيت بذلك لإظلامها.

و من الباب الدّهم:العدد الكثير.

و ادهامّ الزّرع،إذا علاه السّواد ريّا.

قال اللّه جلّ ثناؤه في صفة الجنّتين: مُدْهامَّتانِ الرّحمن 64،أي سوداوان في رأي العين؛و ذلك للرّيّ و الخضرة.

و دهمتهم الخيل تدهمهم،إذا غشيتهم.

و الدّهماء:القدر.(2:307)

الهرويّ:[قال نحو الأزهريّ و أضاف:]

و في حديث آخر:«من أراد أهل المدينة بدهم»، أي بغائلة و أمر عظيم.و جيش دهم،أي كثير.

(2:662)

ابن سيده:الدّهمة:السّواد،و الأدهم:الأسود، يكون في الخيل و الإبل و غيرهما.

و العرب تقول:ملوك الخيل دهمها،و قد ادهامّ.

و ادهامّ الزّرع:علاه السّواد.

و حديقة دهماء:مدهامّة خضراء،تضرب إلى السّواد من نعمتها و ريّها،و في التّنزيل: مُدْهامَّتانِ

و الأدهم:القيد،لسواده،و هي الأداهم،كسّروه تكسير الأسماء،و إن كان في الأصل صفة،لأنّه غلب غلبة الاسم.

و الدّهمة من ألوان الإبل:أن تشتدّ الورقة حتّى يذهب البياض.

بعير أدهم،و ناقة دهماء.و قيل:الأدهم من الإبل نحو الأصفر إلاّ أنّه أقلّ سوادا.و قالوا:لا آتيك ما حنّت الدّهماء،عن اللّحيانيّ،و قال:هي النّاقة،لم يزد

ص: 202

على ذلك،و عندي أنّه من الدّهمة الّتي هي هذا اللّون.

و الوطأة الدّهماء:الجديد.

و قال الأصمعي:أثر أدهم:جديد،و أثر أغبر:

قديم دارس.و قال غيره:أثر أدهم:قديم دارس.فهو على هذا من الأضداد.

و الدّهماء:ليلة تسع و عشرين.

و الدّهم:ثلاث ليال من الشّهر،لأنّها دهم.

و الدّهماء من الضّأن:الخالصة الحمرة.

و جاءتهم دهم من النّاس،أي كثير.

و دهموهم و دهموهم يدهمونهم دهما:غشوهم.

و كلّ ما غشيك فقد دهمك و دهمك دهما.

و ما أدري أيّ الدّهم هو،و أيّ دهم اللّه هو،أي أيّ خلق اللّه.

و الدّهماء:العدد الكثير،و دهماء النّاس:

جماعتهم و كثرتهم.

و الدّهماء:سحنة الرّجل.

و الدّهيم،و أمّ الدّهيم:الدّاهية.

و الدّهماء:عشبة ذات ورق و قضب كأنّها القرنوة،و لها نورة حمراء يدبغ بها،و منبتها قفاف الرّمل.

و قد سمّوا:داهما،و دهيما،و دهمانا.

و الدّهيم:اسم ناقة.

و دهمان:بطن من هذيل.

و الأدهم فرس عنترة بن معاوية صفة غالبة.

[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](4:273)

الرّاغب:الدّهمة:سواد اللّيل،و يعبّر بها عن سواد الفرس،و قد يعبّر بها عن الخضرة الكاملة اللّون، كما يعبّر عن الدّهمة بالخضرة إذا لم تكن كاملة اللّون؛ و ذلك لتقاربهما باللّون.قال اللّه تعالى: مُدْهامَّتانِ الرّحمن:64،و بناؤهما من الفعل«مفعال»،يقال:

ادهامّ ادهيماما.[ثمّ استشهد بشعر](173)

الزّمخشريّ:جاء في عدد دهم كغمام دهم.

و دهمتهم الخيل:غشيتهم.

«و أشأم من الدّهيم».

و من المجاز:ادهامّت الرّوضة.

و أصابتهم الدّهيماء و هي الدّاهية لظلمتها.

و نصبوا الدّهماء و هي القدر.

و أصفقت على ذلك الدّهماء.كما قيل:السّواد الأعظم.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:137)

[في حديث]:«من أراد المدينة بدهم أذابه اللّه كما يذوب الملح في الماء».قال المبرّد:يقال للعامّة:

الدّهماء،يراد أنّهم قد غطّوا الأرض،كما يقال:عليك بالسّواد الأعظم،و على ذلك يقال في كثرة:جاءهم الدّهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و من«الدّهم»حديث بشير بن سعد رضي اللّه عنه:«إنّه خرج في سريّة إلى فدك،فأدركه الدّهم عند اللّيل،فأصيب أصحابه و ولّى منهم من ولّى،و قاتل قتالا شديدا حتّى ضرب كعبه»و قيل:قد مات.

[ذكر حديث أبي حذيفة كما تقدّم عن أبي عبيد و قال:]

هي تصغير الدّهماء و هي الفتنة المظلمة،و هو التّصغير الّذي يقصد بها التّعظيم.(الفائق 1:448)

ص: 203

ابن الأثير:الدّهم:العدد الكثير.و منه الحديث:

«محمّد في الدّهم بهذا القوز».

و منه حديث بشير بن سعد:«فأدركه الدّهم عند اللّيل».

و في حديث عليّ:«لم يمنع ضوء نورها ادهمام سجف اللّيل المظلم».الادهمام مصدر:ادهمّ،أي اسودّ،و الادهيمام:مصدر ادهامّ،كالاحمرار و الاحميرار في احمرّ و احمارّ.

و في حديث قسّ:«و روضة مدهامّة»أي شديدة الخضرة المتناهية فيها،كأنّها سوداء لشدّة خضرتها.

و فيه:«إنّه ذكر الفتن حتّى ذكر فتنة الأحلاس، ثمّ فتنة الدّهيماء».

[و قد تركنا بعض الأحاديث حذرا من التّكرار]

(2:145)

الفيّوميّ:دهمهم الأمر يدهمهم،من باب«تعب»، و في لغة من باب«نفع»:فاجأهم.

و الدّهمة:السّواد.يقال:فرس أدهم و بعير أدهم و ناقة دهماء،إذا اشتدّت ورقته حتّى ذهب بياضه.

و شاة دهماء:خالصة الحمرة.(1:202)

الفيروزآباديّ:الدّهمة بالضّمّ:السّواد.

و الأدهم:الأسود،و الجديد من الآثار،و القديم الدّارس؛ضدّ،و من البعير:الشّديد الورقة حتّى يذهب البياض،و هي دهماء.

و قد ادهمّ الفرس ادهماما:صار أدهم.و ادهامّ الشّيء ادهيماما:اسودّ و القيد جمعه:أداهم.

و كغراب:الأسود و فحل من الإبل.

و الدّهماء:القدر،و القديمة،و من الضّأن:الخالصة الحمرة،و العدد الكثير،و جماعة النّاس:و سحنة الرّجل،و عشبة عريضة يدبغ بها،و فرس معقل بن عامر و حباشة الكنانيّ،و ليلة تسع و عشرين.

و الدّهم بالضّمّ:ثلاث ليال من الشّهر.

و أدهمه:ساءه.

و دهمك كسمع و منع:غشيّك.

و أيّ الدّهم هو و أيّ دهم اللّه هو؟أي أيّ خلق اللّه هو؟

و كزبير:الدّاهية كأمّ الدّهيم و الأحمق،و ناقة عمرو بن الرّيّان الذّهليّ قتل هو و إخوته،و حملت رءوسهم عليها،فقيل:أشأم من الدّهيم.

و دهّمت النّار القدر تدهيما:سوّدتها.

و المتدهّم:المتدأّم.

و حديقة دهماء و مدهامّة:خضراء تضرب إلى السّواد نعمة و ريّا،و منه: مُدْهامَّتانِ الرّحمن:

64.(4:116)

الطّريحيّ:يقال:ادهامّ الشّيء ادهيماما،أي اسودّ.و منه قوله عليه السّلام:«و يدهامّ بذرى الآكام شجرها»أي يسودّ من خضرته.

و في الحديث:«خير الخيل الأدهم الأقرح الأرم».

الأدهم:الّذي يشتدّ سواده.و الأقرح:الّذي في وجهه القرحة،و هي ما دون الغرّة.و الأرثم:الّذي في جحفلته العليا بياض.(6:65)

مجمع اللّغة:ادهامّ يدهامّ ادهيماما فهو مدهامّ:

ضرب إلى السّواد،من الدّهمة،و هي سواد اللّيل،

ص: 204

و يعبّر بها عن الخضرة الكاملة.(1:407)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(193)

المصطفويّ:و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّدمّج و التّكاثف،و التّدمّج هو الالتفاف و التّداخل.و من لوازم هذا الأصل:السّواد و الظّلمة و الكثرة و الاشتداد و الغشيان.

فالمعاني المذكورة كلّها من مصاديق الأصل، و لازم أن يلاحظ في كلّ من هذه المفاهيم قيد التّدهّم و التّكاثف،فلا يصحّ إطلاق المادّة في مورد مطلق تلك المعاني،كالسّواد المطلق و الظّلمة المطلقة،و هكذا، و لا يبعد أن يكون قيد السّواد أيضا أو الظّلمة داخلا في مفهوم الأصل،أي التّدمّج و التّكاثف إلى الظّلام.

فظهر الفرق بينها و بين موادّ التّدمّج،التّكاثف، الظّلمة،الغلظة،الغشيان،الالتفاف،السّواد،الكثرة، و غيرها.

و لا يخفى أنّ الدّهم و الدّلك و الدّفق و الدّهق و الدّعّ و الدّفع و الدّمج و الدّقّ و الدّقع:يجمعها مفهوم الضّغط و المرس.(3:261)

النّصوص التّفسيريّة

مدهامّتان

وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * مُدْهامَّتانِ* الرّحمن:62-64

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:خضراوان.(الآلوسيّ 27:121)

ابن عبّاس:خضراوان يضرب لونهما إلى السّواد لكثرة ريّهما.(452)

نحوه الفرّاء(3:119)،و أبو عبيدة(12:246)، و ابن قتيبة(442).

سعيد بن جبير:علاهما الرّيّ من السّواد و الخضرة.(الطّبريّ 11:611)

مجاهد:مسوادّتان.(الطّبريّ 11:611)

الحسن:ناعمتان.(الطّبريّ 11:611)

قتادة:خضراوان من الرّيّ ناعمتان.

(الطّبريّ 11:611)

و نحوه سليمان السّلميّ،و ابن الزّبير،و العوفيّ.

(الطّبريّ 11:611)

أبو سنان:مسوادّتان من الرّيّ.

(الطّبريّ 11:611)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره:مسوادّتان من شدّة خضرتهما.(11:611)

الزّجّاج:يعني أنّهما خضراوان تضرب خضرتهما إلى السّواد،و كلّ نبت أخضر فتمام خضرته و ريّه أن يضرب إلى السّواد.(5:103)

الطّوسيّ:معناه خضراوتان تضرب خضرتهما إلى السّواد من الرّيّ،على أتمّ ما يكون من الحسن، لأنّ اللّه شوّق إليهما و وعد المطيعين في خوف مقامه بها،فناهيك بحسن صفتهما،و ما يقتضيه ذكرهما في موضعهما.(9:482)

نحوه الطّبرسيّ.(5:210)

القشيريّ:أي:خضراوان خضرة تضرب إلى السّواد.فالدّهمة:السّواد و الفعل منه:ادهامّ و الاسم؛ منه:مدهامّ،و للمؤنّث:مدهامّة،و لتثنية المؤنّث

ص: 205

مدهامّتان.(6:82)

البغويّ:ناعمتان سوداوان من ريّهما و شدّة خضرتهما،لأنّ الخضرة إذا اشتدّت ضربت إلى السّواد.يقال:ادهامّ الزّرع-إذا علاه السّواد ريّا- ادهيماما،فهو مدهامّ.(4:344)

نحوه الميبديّ(9:430)،و الخازن(7:11).

الزّمخشريّ:قد ادهامّتا من شدّة الخضرة.

(4:50)

ابن عطيّة:معناه:قد علا لونهما دهمة و سواد في النّضرة و الخضرة.(5:235)

الفخر الرّازيّ:أي مخضرّتان في غاية الخضرة، و ادهامّ الشّيء،أي اسودّ،لكن قد لا يستعمل في بعض الأشياء.و الأرض إذا اخضرّت غاية الخضرة تضرب إلى سواد.و يحتمل أن يقال:الأرض الخالية عن الزّرع يقال لها:بياض أرض،و إذا كانت معمورة يقال لها:

سواد أرض،كما يقال:سواد البلد.

و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«عليكم بالسّواد الأعظم،و من كثّر سواد قوم فهو منهم».

و التّحقيق فيه أنّ ابتداء الألوان هو البياض و انتهاءها هو السّواد،فإنّ الأبيض يقبل كلّ لون، و الأسود لا يقبل شيئا من الألوان،و لهذا يطلق «الكافر»على الأسود و لا يطلق على لون آخر، و لمّا كانت الخالية عن الزّرع متّصفة بالبياض و غير الخالية بالسّواد،فهذا يدلّ على أنّهما تحت الأوليين مكانا،فهم إذا نظروا إلى ما فوقهم،يرون الأفنان تظلّهم،و إذا نظروا إلى ما تحتهم يرون الأرض مخضرّة.(29:133)

القرطبيّ:أي خضراوان كأنّهما من شدّة خضرتهما سوداوان.و وصف الأوليين بكثرة الأغصان،و الأخريين بالخضرة وحدها،و في هذا كلّه تحقيق للمعنى الّذي قصدنا بقوله: وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ، و لعلّ ما لم يذكر من تفاوت ما بينهما أكثر ممّا ذكر.[إلى أن قال:]

قال اللّه تعالى: مُدْهامَّتانِ أي سوداوان من شدّة الخضرة من الرّيّ،و العرب تقول لكلّ أخضر:

أسود.[ثمّ استشهد بشعر](17:184)

البيضاويّ:خضراوان تضربان إلى السّواد من شدّة الخضرة.و فيه إشعار بأنّ الغالب على هاتين الجنّتين النّبات و الرّياحين المنبسطة على وجه الأرض،و على الأوليين الأشجار و الفواكه دلالة على ما بينهما من التّفاوت.(2:444)

النّسفيّ:سوداوان من شدّة الخضر.(4:213)

أبو السّعود:و قوله تعالى: مُدْهامَّتانِ صفة ل جَنَّتانِ وسّط بينهما الاعتراض لما ذكر،من التّنبيه على أنّ تكذيب كلّ من الموصوف و الصّفة حقيق بالإنكار و التّوبيخ.[ثمّ أدام نحو البيضاويّ]

(6:182)

البروسويّ:صفة ل جَنَّتانِ. يقال:ادهامّ الشّيء يدهامّ ادهيماما،فهو مدهامّ:اسودّ.و«في تاج المصادر»في باب الافعيلال:الادهيمام:الاسوداد،لأنّ الدّهمة بالضّمّ:السّواد،و الأدهم:الأسود،و منه قوله تعالى: مُدْهامَّتانِ، أي سوداوان،يعني علا لونها

ص: 206

دهمة و سواد من شدّة الخضرة و الرّيّ،و إن شئت قلت:خضراوان تضربان إلى السّواد من شدّة الخضرة.

[إلى أن قال:]

قال في«التّأويلات النّجميّة»:يشير به إلى غلبة القوّة النّباتيّة على أصحاب هاتين الجنّتين،و هم أصحاب اليمين،و إلى غلبة القوّة الرّوحانيّة على أصحاب الجنّتين الأوليين،لأنّ فيهما كثرة الأشجار و الفواكه،و هم المقرّبون.(9:311)

الآلوسيّ:صفة ل جَنَّتانِ وسّط بينها الاعتراض،لما تقدّم من التّنبيه،على أنّ تكذيب كلّ من الموصوف و الصّفة حقيق بالإنكار و التّوبيخ،أو خبر مبتدإ محذوف،أي هما مدهامّتان من الدّهمة، و هي في الأصل-على ما قال الرّاغب-سواد اللّيل و يعبّر بها عن سواد الفرس،و قد يعبّر بها عن الخضرة الكاملة اللّون،كما يعبّر عنها بالخضرة إذا لم تكن كاملة؛و ذلك لتقاربهما في اللّون.و يقال:ادهامّ ادهيماما فهو مدهامّ،على وزن«مفعال»إذا اسودّ أو اشتدّت خضرته.(27:121)

ابن عاشور:وصف مشتقّ من الدّهمة بضمّ الدّال،و هي لون السّواد.و وصف الجنّتين بالسّواد مبالغة في شدّة خضرة أشجارهما،حتّى تكونا بالتفاف أشجارها و قوّة خضرتها كالسّوداوين،لأنّ الشّجر إذا كان ريّان اشتدّت خضرة أوراقه حتّى تقرب من السّواد.(27:252)

الطّباطبائيّ: مُدْهامَّتانِ: الادهيمام من الدّهمة اشتداد الخضرة؛بحيث تضرب إلى السّواد، و هو ابتهاج الشّجرة.(19:111)

المصطفويّ:التّعبير بهذه الكلمة و بهذه الصّيغة لأمور:

1-للإشارة إلى كون الجنّتين:ملتفّين بالأشجار.

2-و إلى كونهما متكاثفين من كثرة النّباتات الجالبة.

3-و إلى كونهما خضراوين ذواتا طراوة و نضارة تضرب إلى الظّلام.

4-و إلى الشّدّة و الكمال في هذه الخصوصيّات و الصّفات،فإنّ باب«الافعيلال»للمبالغة و التّأكيد.

ثمّ إنّ الادهيمام بمعنى الالتفاف و النّضارة في الجنّة:مفهوم عامّ يشمل المصداق المادّيّ و المصداق المعنويّ الرّوحانيّ،فلا مانع من أن يراد من هاتين الجنّتين المدهامّتين:المصداق الرّوحانيّ،أو ما وراء هذه الجنّة الّتي ندركها و نتصوّرها بهذه الحواسّ الظّاهريّة.

(3:261)

مكارم الشّيرازيّ: مُدْهامَّتانِ: من مادّة «ادهيمام»و من أصل«دهمة»على وزن«تهمة» و معناها في الأصل السّواد و ظلمة اللّيل،ثمّ أطلقت على الخضرة الغامقة المعتمّة،و لأنّ مثل هذا اللّون يحكي عن غاية النّضرة للنّباتات و الأشجار،ممّا يعكس منتهى السّرور و الانشراح،لهذا فقد استعمل لهذا المعنى.(17:396)

فضل اللّه:أي مخضرتان خضرة تميل إلى السّواد، لما فيهما من أعشاب.(21:321)

ص: 207

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في المادّة:الدّهمة،و هي الخضرة الضّاربة إلى السّواد.يقال:فرس أدهم،و بعير أدهم، و قد ادهامّ،و به دهمة شديدة،و ادهمّ الفرس ادهماما:

صار أدهم،و ملوك الخيل:دهمها.

و الدّهمة من ألوان الإبل:أن تشتدّ الورقة حتّى يذهب البياض.يقال:بعير أدهم،و ناقة دهماء.

و قولهم:لا آتيك ما حنّت الدّهماء،أي النّاقة الّتي علاها هذا اللّون،و الدّهماء من الضّأن:الحمراء الخالصة الحمرة.

و ادهامّ الزّرع:علاه السّواد ريّا.يقال:حديقة دهماء مدهامّة،أي خضراء تضرب إلى السّواد من نعمتها و ريّها،و ادهامّ الشّيء ادهيماما:اسوادّ.

و الأدهم:القيد،لسواده،و هي الأداهم،و إذا كان القيد من خشب فهو الأدهم و الفلق.

و الدّهماء:القدر السّوداء،و قد دهمتها النّار.

و الدّهماء:سحنة الرّجل.

و الدّهماء:عشبة ذات ورق و قضب،و لها نورة حمراء يدبغ بها،و منبتها قفاف الرّمل.

و الدّهم:ثلاث ليال من الشّهر،لأنّها دهم، و الدّهماء:ليلة تسع و عشرين،و في حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«لم يمنع ضوءها ادهمام سجف اللّيل المظلم» الادهمام:مصدر ادهمّ أي اسودّ.

و الدّهم:الجماعة الكثيرة؛و الجمع:دهوم،و قد دهمونا:جاءونا بمرّة جماعة،و جاءهم دهم كثير من النّاس:كثير،و جيش دهم:كثير.و في حديث بعض العرب و قد سبق إلى عرفات:«اللّهمّ اغفر لي من قبل أن يدهمك النّاس»،أي يكثروا عليك.

و دهموهم و دهموهم يدهمونهم دهما:غشوهم، و دهمتهم الخيل:غشيتهم،و دهمهم الأمر و دهمهم يدهمهم:غشيهم.

و الدّهماء:الجماعة الكثيرة من النّاس.يقال:

دخلت في دهماء النّاس،أي في جماعتهم و كثرتهم،و ما أدري أيّ الدّهم هو؟و أيّ دهم اللّه هو؟أي خلق اللّه؟

و الدّهيماء:تصغير الدّهماء،و هي الدّاهية، سمّيت بذلك لإظلامها،و في حديث حذيفة:«أتتكم الدّهيماء»،يريد الفتنة السّوداء المظلمة،و التّصغير فيها للتّعظيم،و هي الدّهيم،و أمّ الدّهيم أيضا.

و الدّهيم:اسم ناقة،و في المثل:«أثقل من حمل الدّهيم»،و«أشأم من الدّهيم»،يضرب للشّرّ و الدّاهية.

2-و أبدلت الدّال من هذه المادّة ببعض الحروف من كلام العرب،فقالوا:اللّهيم،و أمّ اللّهيم،أي الدّاهية.

و جيش لهام:كثير.

و ما أدري أيّ الطّهم هو؟أيّ النّاس؟

و يقال للّيالي الثّلاث الّتي لا يطلع فيها القمر:بهم، و هي جمع بهمة.

و من إبدال الهاء من اللاّم:الدّلماء،و هي ليلة ثلاثين من الشّهر لسوادها،غير أنّ الدّهماء هي ليلة تسع و عشرين منه،و هما متقاربان،لسوادهما و وقوعهما في آخر الشّهر.

ص: 208

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مزيدا من«افعالّ»اسم المفعول مُدْهامَّتانِ مرّة،في آية:

مُدْهامَّتانِ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ

الرّحمن:64،65

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها بحوثا:

1-قالوا في معنى مُدْهامَّتانِ: خضراوان، خضراوان يضرب لونهما إلى السّواد لكثرة ريّهما، علاهما الرّيّ من السّواد و الخضرة،مسودّتان، ناعمتان،خضراوان من الرّيّ ناعمتان،مسودّتان من شدّة خضرتهما،خضراوان تضرب خضرتهما إلى السّواد،و كلّ نبت أخضر فتمام خضرته و ريّه أن يضرب إلى السّواد،قد ادهامّتا من شدّة الخضر،قد علا لونهما دهمة و سواد في النّضرة و الخضرة،مخضرتان في غاية الخضرة،و ادهامّ الشّيء أي اسودّ،لكن قد لا يستعمل في بعض الأشياء و الأرض إذا اخضرّت غاية الخضرة تضرب إلى السّواد.و يحتمل أن يقال:

الأرض الخالية عن الزّرع يقال لها:بياض أرض،و إذا كانت معمورة يقال لها:سواد أرض كما يقال:سواد البلد.

و قال الآلوسيّ: «مُدْهامَّتانِ من الدّهمة، و هي في الأصل-على ما قال الرّاغب-سواد اللّيل، و يعبّر بها عن سواد الفرس،و قد يعبّر بها عن الخضرة الكاملة اللّون،كما يعبّر عنها بالخضرة إذا لم تكن كاملة؛و ذلك لتقاربهما في اللّون...».

و قال ابن عاشور:«مشتقّ من الدّهمة بضمّ الدّال، و هي لون السّواد».

و قال المصطفويّ:«ثمّ إنّ الادهيمام بمعنى الالتفاف و النّضارة في الجنّة:مفهوم عامّ يشمل المصداق المادّيّ و المصداق المعنويّ الرّوحانيّ،فلا مانع من أن يراد من هاتين الجنّتين المدهامّتين:المصداق الرّوحانيّ،أو ما وراء هذه الجنّة الّتي ندركها و نتصوّرها بهذه الحواسّ الظّاهريّة»،و نحوها.و كلّها يرجع إلى معنى واحد،و إن اختلفت ألفاظها.

2-قال الفخر الرّازيّ:«و لمّا كانت الخالية عن الزّرع متّصفة بالبياض و غير الخالية بالسّواد،فهذا يدلّ على أنّهما تحت الأوليين مكانا،فهم إذا نظروا إلى ما فوقهم،يرون الأفنان تظلّهم،و إذا نظروا إلى ما تحتهم يرون الأرض مخضرّة».

و قال في«التّأويلات النّجميّة»:«يشير به إلى غلبة القوّة النّباتيّة على أصحاب هاتين الجنّتين و هم أصحاب اليمين،و إلى غلبة القوّة الرّوحانيّة على أصحاب الجنّتين الأوليين،لأنّ فيهما كثرة الأشجار و الفواكه،و هم المقرّبون».

3-و قد فرّق القرطبيّ بين الجنّتين الأوليين في قوله:54، وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ، و بين الأخيرتين في قوله:62، وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ. فقال:«و وصف الأوليين بكثرة الأغصان،و الأخريين بالخضرة وحدها،و في هذا كلّه تحقيق للمعنى الّذي قصدنا بقوله: وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ، و لعلّ ما لم يذكر من تفاوت ما بينهما أكثر ممّا ذكر».

و قال البيضاويّ:«و فيه إشعار بأنّ الغالب على

ص: 209

هاتين الجنّتين:النّبات و الرّياحين المنبسطة على وجه الأرض،و على الأوليين:الأشجار و الفواكه،دلالة على ما بينهما من التّفاوت».

4-و قال أبو السّعود-و مثله الآلوسيّ-:

«مُدْهامَّتانِ صفة ل جَنَّتانِ وسّط بينهما الاعتراض لما ذكر من التّنبيه على أنّ تكذيب كلّ من الموصوف و الصّفة حقيق بالإنكار و التّوبيخ».

و أضاف الآلوسيّ:«أو خبر مبتدإ محذوف،أي هما مدهامّتان...».

و ثانيا:و هذه المادّة وحيدة الجذر في القرآن في سورة تشبه المكّيّات،و إن قيل بمدنيّتها أيضا،و لعلّها لغة مكّيّة.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الحوّة: فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى الأعلى:5

ص: 210

د ه ن

اشارة

5 ألفاظ،5 مرّات:3 مكّيّة،2 مدنيّة

في 4 سور:2 مكّيّتان،2 مدنيّتان

فيدهنون 1:1

تدهن 1:1

مدهنون 1:-1

بالدّهن 1:1

كالدّهان 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الدّهن:الاسم،و الدّهن:الفعل المجاوز، و الادّهان:الفعل اللاّزم.

و ناقة دهين:قليلة اللّبن حدّا يمرى ضرعها فلا يدرّ قطرة.

و الدّهن من المطر:قدر ما يبلّ وجه الأرض.

و الإدهان:اللّين و المصانعة.قال اللّه تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ القلم:9،أي تلين لهم فيلينون.

و المداهن:المصانع الموارب.

و أصل المدهن:مدهن،فلمّا كثر على الألسن ضمّوه،مثل المنخل.

و كلّ موضع حفره سيل،أو ماء واكف في حجر فهو:مدهن.

و الدّهناء:موضع كلّه رمل؛و النّسبة إليها:

دهناويّ.[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات](4:27)

اللّيث:رجل دهين:ضعيف.و يقال:أتيت بأمر دهين.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 6:207)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الدّهين:الّتي ليست بها لبن و إن نتجت،و كانت محدثا،و إن كانت في الكلإ لا تجدها تحفل أبدا.(1:245)

الدّهين:اللّئيم من الرّجال و الأحمق.(1:256)

الدّهدنّ:العييّ الأحمق.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:262)

المداهن:نقر في رءوس الجبال يستنقع فيها الماء؛ واحدها:مدهن.(الأزهريّ 6:208)

الفرّاء:دهنه بالعصا يدهنه،إذا ضربه.و هذا كما

ص: 211

يقال:مسحه بالعصا و بالسّيف،إذا ضربه برفق.

(الأزهريّ 6:206)

و يقال:الدّهان:الأديم الأحمر.

(الأزهريّ 6:208)

ما كان على«مفعل»و«مفعلة»ممّا يعتمل به، فهو مكسور الميم،نحو:مخرز و مقطع و مسلّ و مخدّة، إلاّ أحرفا جاءت نوادر بضمّ الميم و العين،و هي:

مدهن و مسعط و منخل و مكحل و منصل،و القياس مدهن و منخل و مسعط و مكحلة.(الأزهريّ 6:208)

أبو زيد:الدّهين:النّاقة البكيئة القليلة اللّبن.

و قد دهنت تدهن دهانة.(الأزهريّ 6:205)

الدّهان:الأمطار الضّعيفة؛واحدها:دهن.يقال:

دهنها وليّ فهي مدهونة.(الأزهريّ 6:209)

اللّحيانيّ:يقال:ما أدهنت إلاّ على نفسك،أي ما أبقيت-بالدّال-و يقال:ما أرهيت ذاك،أي ما تركته ساكنا؛و الإرهاء:الإسكان.قال بعض أهل اللّغة:

معنى داهن و أدهن،أي أظهر خلاف ما أضمر،فكأنّه بيّن الكذب على نفسه.(الأزهريّ 6:207)

ابن الأعرابيّ:الدّهين من الجمال:الّذي لا يكاد يلقح،و المليح:الّذي لا يلقح أصلا و إذا ألقح في أوّل قرعة فهو قبيس.

و دهّن الرّجل الرّجل،إذا نافق.و دهّن غلامه،إذا ضربه.(الأزهريّ 6:206)

الدّهان في القرآن:الأديم الأحمر الصّرف.

(الأزهريّ 6:208)

ابن السّكّيت:يقال:دهنه دهنا؛و الدّهن:

الاسم.

و يقال:دهنه بالعصا يدهنه،إذا ضربه بها.

(إصلاح المنطق:128)

ناقة دهين:قليلة اللّبن،و الجمع:دهن.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 6:206)

أبو الهيثم:الإدهان:المقاربة في الكلام و التّليين في القول.(الأزهريّ 6:206)

المبرّد:الدّهناء:من بلاد بني تميم،و لم أسمع فيها إلاّ القصر من أهل العلم و العرب.و سمعت بعد (1)من يروي مدّها و لا أعرفه.[ثمّ استشهد بشعر](1:270)

الزّجّاج:دهنت النّاقة و دهنت،إذا قلّ لبنها.

(فعلت و أفعلت:56)

المدهن و المداهن:الكذّاب المنافق.

(الأزهريّ 6:207)

ابن دريد:الدّهن:معروف،و كلّ شيء دهنته، فهو مدهون و دهين.

و جمع الدّهن:أدهان.

و ناقة دهين،إذا قلّ لبنها.

و دهن المطر الأرض،إذا بلّها بلاّ يسيرا.

و بنو داهن و بنو دهن:حيّان من العرب.

و قد سمّت العرب:دهينا،و من بني دهن،عمّار الدّهني.

و المدهن:ما جعل فيه الدّهن،و هو أحد ما جاء على«مفعل»ممّا يستعمل باليد أوّله ميم.ض.

ص: 212


1- هكذا في الأصل...و لعلّه:بعض.

و المدهن:نقرة في صخرة،يجتمع فيه ماء السّماء.

و تقول:أدهنت الرّجل،إذا غششت إدهانا،فأنا مدهن.

و داهنت الرّجل مداهنة و دهانا،إذا داريته فأظهرت له خلاف ما تضمره.

و الدّهناء،يمدّ و يقصر:بلد معروف.

و قال بعض المفسّرين في قوله عزّ و جلّ: وَرْدَةً كَالدِّهانِ الرّحمن:37،أي حمراء شديدة الحمرة، لأنّهم يقولون:إنّ السّماء تصير نارا-و اللّه أعلم- كالدّهان في صفة الدّهن.(2:304)

ابن الأنباريّ:أصل الإدهان:الإبقاء.يقال:

لا تدهن عليه،أي لا تبق عليه.(الأزهريّ 6:207)

القاليّ:الدّهين:القليلة اللّبن.(1:146)

الأزهريّ:الدّهان:الأمطار اللّيّنة،واحدها:

دهن.[إلى أن قال:]

و الدّهناء:من ديار بني تميم معروفة،تقصر و تمدّ؛ و النّسبة إليها دهناويّ.و هي سبعة أجبل،في عرضها بين كلّ جبلين شقيقة،و طولها من حزن ينسوعة إلى رمل يبرين،و هي من أكثر بلاد اللّه كلأ مع قلّة أعداد المياه.

و إذا أخصبت الدّهناء ربّعت العرب جمعاء لسعيها و كثرة شجرها،و هي غداة مكرمة نزهة،من سكنها لم يعرف الحمىّ لطيب تربتها و هوائها...

و الدّهّان:الّذي يبيع الدّهن.(6:208)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الدّهدنّ:الباطل.

و دهن الرّجل دهنا أي ضعف.و الدّهن:الضّعف، و الحمق أيضا.

و دهنته بالعصا:ضربته بها.

و الدّهن:الدّوار يأخذ البعير،أدهن فهو مدهن.

و الدّهن من الشّجر:ما يقتل به السّباع و تصاد، و هو أيضا:الكبير من الأشجار.

و الدّهن من العيش:الشّفق القليل.

و أدهنت في أمره:قصّرت.

و فيه دهن،أي رخاوة و لين.

و الدّهين:الأديم الشّديد الحمرة.

و الدّهان:من الأنطاع،و المكان الزّلق.(3:445)

الجوهريّ:الدّهن:معروف.

و دهن:حيّ من اليمن،ينسب إليهم عمّار الدّهنيّ.

و الدّهان:الأديم الأحمر،و منه قوله تعالى:

فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ أي صارت حمراء كالأديم، من قولهم:فرس ورد؛و الأنثى:وردة.

و الدّهان أيضا:جمع دهن.يقال دهنته بالدّهان أدهنه.و تدهّن هو،و ادّهن أيضا،على«افتعل»إذا تطلّى بالدّهن.

و دهنته بالعصا:ضربته بها.

و دهن المطر الأرض،إذا بلّها بلاّ يسيرا.يقال:

دهنها وليّ،و هي مدهونة.

و قوم مدهنون،بتشديد الهاء:عليهم آثار النّعم.

و المدهن بالضّمّ لا غير:قارورة الدّهن،و هو أحد ما جاء على«مفعل»ممّا يستعمل من الأدوات.

ص: 213

و تمدهن الرّجل،إذا أخذ مدهنا.و الجمع:

مداهن.

و المدهن:نقرة في الجبل يستنقع فيها الماء.و منه حديث الزّهريّ:«نشف المدهن و يبس الجعثن».

و المداهنة كالمصانعة،و الإدهان مثله.قال اللّه تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ.

و قال قوم:داهنت،بمعنى واريت،و أدهنت،بمعنى غششت.

و ناقة دهين:قليلة اللّبن.

و الدّهناء:موضع ببلاد تميم،يمدّ و يقصر،و ينسب إليه دهناويّ.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](5:2115)

ابن فارس:الدّال و الهاء و النّون أصل واحد، يدلّ على لين و سهولة و قلّة؛من ذلك:الدّهن.و يقال:

دهنته أدهنه دهنا.

و الدّهان:ما يدهن به،قال اللّه عزّ و جلّ: فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ قالوا:هو درديّ الزّيت.

و يقال:دهنه بالعصا دهنا،إذا ضربه بها ضربا خفيفا.

و من الباب:الإدهان،من المداهنة،و هي المصانعة.داهنت الرّجل،إذا واريته و أظهرت له خلاف ما تضمر له،و هو من الباب،كأنّه إذا فعل ذلك فهو يدهنه و يسكّن منه.

و أدهنت إدهانا:غششت،و منه قوله جلّ ثناؤه:

وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ القلم:9.

و المدهن:ما يجعل فيه الدّهن،و هو أحد ما جاء على«مفعل»ممّا يعتمل،و أوّله ميم.و من التّشبيه به المدهن:نقرة في الجبل يستنقع فيها الماء؛و من ذلك حديث النّهديّ«نشف المدهن،و يبس الجعثن».

و الدّهين:النّاقة القليلة الدّرّ.

و دهن المطر الأرض:بلّها بلاّ يسيرا.

و بنو دهن:حيّ من العرب،و إليهم ينسب عمّار الدّهنيّ.

و الدّهناء:موضع،و هو رمل ليّن،و النّسبة إليها:

دهناويّ.(2:308)

ابن سيده:دهن رأسه و غيره يدهنه دهنا:بلّه، و الاسم:الدّهن،و الجمع:أدهان و دهان.

و الدّهنة:الطّائفة من الدّهن.

و المدهن:آلة الدّهن،و هو أحد ما شذّ من هذا الضّرب.

و لحية دهين:مدهونة.

و الدّهن و الدّهن من المطر:قدر ما يبلّ وجه الأرض؛و الجمع:دهان.

و دهن المطر الأرض:بلّها بلاّ يسيرا.

و الدّهين من الإبل:القليلة اللّبن الّتي يمرى ضرعها فلا يدرّ قطرة.

و قد دهنت و دهنت دهانة.

و فحل دهين:لا يكاد يلقح،كأنّ ذلك لقلّة مائه.

و المدهن:مستنقع الماء.و قيل:هو كلّ موضع حفره سيل أو ماء واكف في حجر.

و المداهنة و الإدهان:المصانعة و اللّين.

و قيل:المداهنة:إظهار خلاف ما تضمر، و الإدهان:الغشّ.

ص: 214

و دهنه بالعصا يدهنه دهنا:ضربه.

و الدّهان:الجلد الأحمر،و قيل:الأملس.

و قيل:الدّهان:الطّريق الأملس.

و ما أدهنت إلاّ على نفسك،أي ما أبقيت.

و الدّهناء:الفلاة،و الدّهناء:موضع كلّه رمل.

و قيل:الدّهناء:موضع من بلاد تميم،مسيرة ثلاثة أيّام لا ماء فيه،يمدّ و يقصر.

و الدّهناء،ممدود:عشبة حمراء،لها ورق عراض يدبغ به.

و الدّهن:شجر سوء كالدّفلى.

و بنو دهن و بنو داهن:حيّان.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](4:264)

الرّاغب:قال تعالى: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ المؤمنون:

20،و جمع الدّهن:أدهان.

و قوله تعالى: فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ قيل:هو درديّ الزّيت.

و المدهن:ما يجعل فيه الدّهن،و هو أحد ما جاء على«مفعل»من الآلة.

و قيل للمكان الّذي يستقرّ فيه ماء قليل:مدهن، تشبيها بذلك.

و من لفظ«الدّهن»استعير الدّهين:للنّاقة القليلة اللّبن،و هي«فعيل»في معنى«فاعل»أي تعطي بقدر ما تدهن به.و قيل:بمعنى«مفعول»كأنّه مدهون باللّبن،أي كأنّها دهنت باللّبن لقلّته.و الثّاني أقرب،من حيث لم يدخل فيه الهاء.

و دهن المطر الأرض:بلّها بللا يسيرا،كالدّهن الّذي يدهن به الرّأس.

و دهنه بالعصا:كناية عن الضّرب على سبيل التّهكّم،كقولهم:مسحته بالسّيف،و حيّيته بالرّمح.

و الإدهان في الأصل:مثل التّدهين،لكن جعل عبارة عن المداراة و الملاينة،و ترك الجدّ،كما جعل التّقريد-و هو نزع القراد عن البعير-عبارة عن ذلك، قال: أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ الواقعة:81.

[ثمّ استشهد بشعر]

و داهنت فلانا مداهنة،قال: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ. (173)

الزّمخشريّ:دهن رأسه،و دهّنه،و أدهن، و تدهّن.

و كأنّها مداهن الفضّة،جمع:مدهن،و هو الّذي يجعل فيه الدّهن.

و بتنا في ميثاء دهناويّة.و الدّهناء:أرض ذات رمال.

و من المجاز:أدهن في الأمر و داهن:صانع و لاين.

و دهن المطر الأرض:بلّها بلاّ يسيرا.

و ناقة دهين:قليلة اللّبن.

و ما وردنا إلاّ المداهن و هي نقر الماء.

و في الحديث«نشف المدهن و يبس الجعثن».

و دهن الأرض:دملها.

و دهنه بالعصا،كما تقول:مسحه بالعصا.

و مسحه بالسّيف:ضربه.

و ما أدهنت إلاّ على نفسك،أي ما أبقيت إلاّ عليك.(أساس البلاغة:137)

ص: 215

[و في حديث]:«..يدهّن بالعبير...»أي يمزج الدّهن بالعبير فيتمرّخ به.(الفائق 2:20)

[و في حديث عمر]:«...و هو مرجّل دهين...».

دهين،أي دهن رأسه.يقال:دهنه بالدّهان،و ادّهن هو بنفسه و تدهّن.(الفائق 2:271)

ابن الأثير:في حديث صفيّة و دحيبة:«إنّما هذه الدّهناء مقيّد الجمل».هو موضع معروف ببلاد تميم، و قد تكرّر في الحديث.

و في حديث سمرة:«فيخرجون منه كأنّما دهنوا بالدّهان»،هو جمع الدّهن.

و من حديث قتادة بن ملحان:«و كنت إذا رأيته كأنّ على وجهه الدّهان».

و في حديث هرقل:«و إلى جانبه صورة تشبهه إلاّ أنّه مدهانّ الرّأس»أي دهين الشّعر،كالمصفارّ و المحمارّ.

و في حديث طهفة:«نشف المدهن»:هو نقرة في الجبل،يجتمع فيها المطر.

و منه الحديث:«كأنّ وجهه مدهنة»هي تأنيث المدهن،شبّه وجهه لإشراق السّرور عليه بصفاء الماء المجتمع في الحجر.

و المدهن أيضا و المدهنة:ما يجعل فيه الدّهن، فيكون قد شبّهه بصفاء الدّهن.

و قد جاء في بعض نسخ مسلم:«كأنّ وجهه مذهبة»بالذّال المعجمة و الباء الموحّدة،و سيذكر في الذّال.(2:146)

الفيّوميّ:دهنت الشّعر و غيره دهنا،من باب «قتل».

و الدّهن بالضّمّ:ما يدهن به من زيت و غيره؛ و جمعه:دهان بالكسر.

و ادّهن على«افتعل»:تطلّى بالدّهن.

و أدهن على«أفعل»و داهن،و هي المسالمة و المصالحة.

و المدهن بضمّ الميم و الهاء:ما يجعل فيه الدّهن، و هو من النّوادر الّتي جاءت بالضّمّ،و قياسه الكسر.

(1:202)

الفيروزآباديّ:دهن:نافق،و رأسه و غيره دهنا و دهنة:بلّه؛و الاسم:الدّهن بالضّمّ،فلانا:ضربه بالعصا.

و الدّهنة بالضّمّ:الطّائفة من الدّهن،جمعه:أدهان و دهان.

و قد ادّهن به على«افتعل.».

و المدهن بالضّمّ:آلته و قارورته،شاذّ و مستنقع الماء،أو كلّ موضع حفره سيل،و منه حديث طهفة النّهديّ:«نشف المدهن»،و قول الجوهريّ:حديث الزّهريّ:تصحيف قبيح.

و لحية داهن و دهين:مدهونة.

و الدّهن و يضمّ:قدر ما يبلّ وجه الأرض من المطر؛جمعه:دهان.و قد دهن المطر الأرض.

و المداهنة:إظهار خلاف ما يضمر كالإدهان و الغشّ.

و الدّهناء:الفلاة،و موضع لتميم بنجد؛و يقصر، و اسم دار الإمارة بالبصرة،و موضع أمام ينبع؛

ص: 216

و النّسبة:دهنيّ و دهناويّ،و عشبة حمراء.

و بنو دهن بالضّمّ:حيّ،و بنو داهن كصاحب:

حيّ.

و دهنة بالكسر:بطن من الأزد.

و ناقة دهين كأمير:قليلة اللّبن،و قد دهنت دهانة و دهانا بالكسر كنصر و علم و كرم.و ككتاب:الأديم الأحمر،و المكان الزّلق.

و قوم مدهّنون كمعظّم:عليهم آثار النّعيم.

و الدّهن بالكسر من الشّجر:ما يقتل به السّباع؛ واحده:بهاء.

و دهنّى بضمّتين كغلبّى:موضع بالسّواد.

و الإدهان:الإنقاء.

و هو طيّب الدّهنة بالضّمّ،أي الرّائحة.(4:226)

الطّريحيّ:الإدهان:المصانعة كالمداهنة.و منه حديث الحقّ تعالى لعيسى عليه السّلام:«قل لمن تمرّد عليّ بالعصيان،و عمل بالإدهان،ليتوقّع عقوبتي».

و مثله في حديث الباقر عليه السّلام حيث قال:«أوحى اللّه تعالى إلى شعيب النّبيّ عليه السّلام أنّي معذّب من قومك مائة ألف:أربعين ألفا من شرارهم،و ستّين ألفا من خيارهم.فقال:يا ربّ هؤلاء الأشرار،فما بال الأخيار؟فأوحى اللّه إليه:داهنوا أهل المعاصي، و لم يغضبوا لغضبي».(6:249)

مجمع اللّغة:1-دهن في الأمر يدهن و أدهن فيه:لان فيه و تسمح،و لم يتشدّد.

2-و أدهن بالحديث:لم يجزم به و تهاون به،فشكّ فيه أو كذبه،فهو مدهن و هم مدهنون.

3-و الدّهن:عصارة ما فيه دسم كالزّيت.

4-و الدّهان:الأديم الأحمر،أو ما يدهن به،أو جمع دهن.(1:407)

العدنانيّ:الدّهن:المادّة الدّسمة في الحيوان و النّبات،و الّتي تكون جامدة في درجة الحرارة العاديّة،و تصبح زيتا سائلا في درجة الحرارة العالية يسمّونها دهنا،و هي في الحقيقة:دهن،كما يقول الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و المتن،و الوسيط الّذي ذكر أنّ مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة هو الّذي وضع تعريف الدّهن المذكور في صدر هذه المادّة.

و الدّهن هو أيضا:قدر ما يبلّ وجه الأرض من المطر.

و جمع الدّهن:أدهان و دهان.

و فعله هو:دهنه يدهنه دهانة و دهانا،و دهنا، و دهنة.

أمّا الدّهن،فهو شجر كالدّفلى يقتل السّباع، واحده:دهنة.(230)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دهن الشّيء:طلاه بالدّهان من زيت أو طيب أو لون.

و دهنه و داهنه:خدعه،و أظهر له غير ما يبطن.

و يدهن في الأمر:يلين جانبه و لا يتصلّب فيه مداراة و تهاونا،ليخفى إنكاره له.

و الدّهن:عصارة ما في الشّجر أو ورقه أو ثمره من دسم،كالزّيت الّذي يجمع بين كونه دهنا أو وقودا

ص: 217

يسرج به،أو إداما يغمس فيه الخبز.

و الدّهان:الجلد الأحمر،أو الزّيت المذاب.

(1:193)

المصطفويّ:التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو اللّينة و اللّطافة.و من مصاديقه:الدّهن و هو في المرتبة الأولى من اللّطافة؛و منها:الملاطفة في الكلام،و يقال لها:المصالحة و المداهنة و المصانعة.

و منها:الأديم الأحمر اللّيّن اللّطيف،من جهة لطافة جنسه و حسن دباغته.و منها:الضّرب الخفيف و التّأديب اللّيّن.و منها:نزول المطر الخفيف اللّطيف.

و منها:قلّة الدّرّ و لينه.

و يقال لصاحبه:الدّهين و المدهّن:من يجعل في مورد اللّطف،و يكون مشمولا للمرحمة و اللّينة.

ثمّ إنّ النّظر في«الدّهن»مصدرا إلى أصل حدوث الفعل،و في«الإدهان»إلى جهة صدور الحدث من الفاعل،و في«التّدهين»إلى جهة وقوعه و تعلّقه إلى المفعول،و في«المداهنة»إلى استدامة الحدث.

و لا يخفى أنّ في مادّة«الدّهن»أيضا شيء ما من الدّلك و الضّغط،كما في الموادّ القريبة منها لفظا:

الدّهم،الدّهق،الدّقع،الدّلك.

فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ* وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ القلم:8،9،أي يحبّون أن يكون منك اللّين و اللّطف في القول و الفعل بالنّسبة إليهم،و تترك الخلاف الشّديد و الخشونة و العداوة،حتّى يلائمون و يداهنون.

وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ المؤمنون:20،أي تنبت الشّجرة نباتا ملابسا بالدّهن، أو تنبته،و الباء للتّعدية،و دهن الزّيت يؤخذ من أثمار الزّيتون بالطّبخ أو بالضّغط.و الدّهن من المصاديق الجليّة للأصل.

أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ أي تداهنون و تكونون في لينة و وهن و تسامح بالنّسبة إلى نزول القرآن،و تظهرون الوفاق و القبول،و ليس لكم عقيدة و إيقان.

فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ الرّحمن:37،الانشقاق:التّفرّق و التّشعّب،و الوردة من الورود.يراد أنّ السّماء المتفرّقة المتشتّتة قد تجري و تسري و ترد على الأرض،و تكون ملائمة و ليّنة كالدّهان-راجع«الورد.».

و لا يبعد أن يكون المراد:انشقاق السّماء الرّوحانيّ و تصدّعها للمكذّبين عند الموت أو بعدها، و تراءى آثار السّماء و ظهورها و سريان لطف تلك العالم إلى جانبه نعيما أو جحيما،فإنّ الإنسان محجوب في الحياة الدّنيا،و الآخرة مستورة و مسدودة و مغلقة أبوابها،و تفتح بالموت وَ فُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً النّبأ:19.

ثمّ إنّ الدّهن و الدّهان يدلاّن على اللطافة و اللّينة الذّاتيّة في نفسها.و أمّا الإدهان فهو جعل شيء ذا دهن فيدلّ على التّصنّع و التّكلّف و التّظاهر.و بهذه الجهة قد عبّر في الآيتين الكريمتين بقوله: تُدْهِنُ، (يدهنون،) مُدْهِنُونَ.

ص: 218

و أمّا(الدهان:)فلا يبعد أن يكون مصدرا من «المفاعلة»كالقتال،فيدلّ على الاستمرار و إدامة المداهنة و الواردات.

و أمّا التّعبير بهذه المادّة في مواردها:فإنّ مصداقها الأجلى هو«الدّهن»،و قد أشربت باقي المعاني المذكورة بمفهومه،ففيها من اللّطافة و السّريان و النّفوذ و التّليين ما ليس في غيرها.

و إن شئت فقل:إنّ هذه المادّة تدلّ على شدّة اللّطافة و اللّينة،و بهذا القيد تفترق عنهما،و عن نظائرهما.(3:263)

النّصوص التّفسيريّة

فيدهنون-تدهن

وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ. القلم:9

ابن عبّاس:تلين لهم فيلينون لك.

و يقال:تطابقهم فيطابقونك،و تصانعهم فيصانعونك.(481)

لو تكفر فيكفرون.

مثله الضّحّاك،و سفيان.(الطّبريّ 12:182)، و نحوه العوفيّ(الثّعلبيّ 10:12)،و مقاتل(4:404).

لو ترخّص لهم فيرخّصون.(الطّبريّ 12:182)

مجاهد:لو تركن إلى آلهتهم،و تترك ما أنت عليه من الحقّ،فيمالئونك.(الطّبريّ 12:182)

الحسن:لو تصانعهم دينك فيصانعون في دينهم.

لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم.

(الثّعلبيّ 10:12)

العوفيّ:لو تكذّب فيكذّبون.(الثّعلبيّ 10:12)

مثله الرّبيع بن أنس.(الماورديّ 6:62)

قتادة:ودّوا يا محمّد لو أدهنت عن هذا الأمر، فأدهنوا معك.(الطّبريّ 12:182)

أن تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك.

(الماورديّ 6:62)

السّدّيّ:ودّوا لو تكفروا،فيتمادون على كفرهم.

(459)

أبو جعفر القارئ:ودّوا لو تضعف فيضعفون.

(الماورديّ 6:62)

زيد بن أسلم:لو تنافق و ترائي فينافقون، و يراءون.(البغويّ 5:136)

أبان بن تغلب:لو تحابّهم فيحابّوك.

(الثّعلبيّ 10:12)

الكلبيّ:لو تلن لهم فيلينون.(الثّعلبيّ 10:12)

نحوه ابن السّائب(ابن الجوزيّ 8:331)، و الواحديّ(4:335).

الفرّاء:يقال:ودّوا لو تلين في دينك،فيلينون في دينهم.و قال بعضهم:لو تكفر فيكفرون،أي فيتّبعونك على الكفر.(3:173)

ابن قتيبة:أي تداهن و تلين لهم في دينك، فَيُدْهِنُونَ فيلينون في أديانهم.

و كانوا أرادوه على أن يعبد آلهتهم مدّة،و يعبدوا اللّه مدّة.(478)

ابن كيسان:لو تقاربهم فيقاربوك.

(الثّعلبيّ 10:12)

ص: 219

الطّبريّ:اختلف أهل التّأويل في تأويله،فقال بعضهم:معنى ذلك:ودّ المكذّبون بآيات اللّه لو تكفر بآيات اللّه يا محمّد فيكفرون.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:ودّوا لو ترخّص لهم فيرخّصون،أو تلين في دينك فيلينون في دينهم.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال:

معنى ذلك:ودّ هؤلاء المشركون يا محمّد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إيّاهم إلى الرّكون إلى آلهتهم،فيلينون لك في عبادتك إلهك،كما قال جلّ ثناؤه: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً الإسراء:

74،و إنّما هو مأخوذ من الدّهن،شبّه التّليين في القول بتليين الدّهن.(12:182)

الزّجّاج:أي ودّوا لو تصانعهم في الدّين فيصانعونك.(5:205)

القمّيّ:أي أحبّوا أن تغشّ في عليّ فيغشّون معك.

[و هو تأويل](2:380)

السّجستانيّ:تنافق،و الإدهان النّفاق و ترك المناصحة و الصّدق.

و قيل:ودّوا لو تكفر فيكفرون.(195)

الماورديّ:في أصل المداهنة:وجهان:

أحدهما:مجاملة العدوّ و مما يلته.[ثمّ استشهد بشعر]

الثّاني:أنّها النّفاق و ترك المناصحة-قاله المفضّل- فهي على هذا الوجه مذمومة،و على الوجه الأوّل غير مذمومة.(6:62)

الطّوسيّ:قيل:معناه:ودّوا لو تركن إلى عبادة الأوثان فيمالئونك.و الإدهان:الجريان في ظاهر الحال على المقاربة مع إضمار العداوة،و هو مثل النّفاق.

و رفع فَيُدْهِنُونَ بالعطف على قوله: لَوْ تُدْهِنُ و لم يجعله جواب التّمنّي.(10:76)

القشيريّ:من أصبح عليلا تمنّى أن يكون النّاس كلّهم مرضى،و كذا من وسم بكيّ الهجران ودّ أن يشاركه فيه من عاداه.(6:186)

الزّمخشريّ:كانوا قد أرادوه على أن يعبد اللّه مدّة و آلهتهم مدّة،و يكفّوا عنه غوائلهم لَوْ تُدْهِنُ لو تلين و تصانع فَيُدْهِنُونَ.

فإن قلت:لم رفع فَيُدْهِنُونَ و لم ينصب بإضمار«أن»،و هو جواب التّمنّي؟

قلت:قد عدل به إلى طريق آخر،و هو أن جعل خبر مبتدإ محذوف،أي فهم يدهنون كقوله تعالى:

فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ الجنّ:13،على معنى:

ودّوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ.

أو ودّوا إدهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في إدهانك.

قال سيبويه:و زعم هارون أنّها في بعض المصاحف(ودّوا لو تدهن فيدهنوا).(4:142)

نحوه النّسفيّ.(4:280)

ابن العربيّ:فيها مسألتان:

المسألة الأولى:ذكر المفسّرون فيها نحو عشرة أقوال،كلّها دعاوى على اللّغة.و المعنى،أمثلها قولهم:

ودّوا لو تكذّب فيكذّبون.ودّوا لو تكفر فيكفرون.

و قال أهل اللّغة:الإدهان هو التّلبيس،معناه:

ص: 220

ودّوا لو تلبس إليهم في عملهم و عقدهم فيميلون إليك.

و حقيقة الإدهان:إظهار المقاربة مع الاعتقاد للعداوة.،فإن كانت المقاربة باللّين فهي مداهنة،و إن كانت مع سلامة الدّين فهي مداراة،أي مدافعة.

و قد ثبت في«الصّحيح»عن عائشة أنّه استأذن على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم رجل،فقال:«ائذنوا له،بئس أخو العشيرة هو،أو ابن العشيرة،فلمّا دخل ألان له الكلام،فقلت له:يا رسول اللّه،قلت ما قلت،ثمّ ألنت له في القول!فقال لي:يا عائشة،إنّ شرّ النّاس منزلة من تركه أو ودعه النّاس اتّقاء فحشه».

و قد ثبت أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:مثل المداهن في حدود اللّه و القائم عليها كمثل قوم استهموا في سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها،و أصاب بعضهم أسفلها، فأراد الّذين في أسفلها أن يستقوا الماء على الّذين في أعلاها فمنعوهم،فأرادوا أن يستقوا الماء في أسفل السّفينة،فإن منعوهم نجوا،و إن تركوهم هلكوا جميعا.».و قد قال اللّه تعالى: أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ الواقعة:81،قال المفسّرون:يعنى مكذّبون.

و حقيقته ما قدّمناه،أي أ فبهذا الحديث أنتم مقاربون في الظّاهر مع إضمار الخلاف في الباطن،يقولون:اللّه،اللّه.

ثمّ يقولون:مطرنا بنجم كذا،و نوء كذا،و لا ينزّل المطر إلاّ اللّه سبحانه،غير مرتبط بنجم و لا مقترن بنوء.و قد بيّنّاه في موضعه.

المسألة الثّانية:قال اللّه سبحانه: لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ، فساقه على العطف،و لو جاء به جواب التّمنّي لقال:فيدهنوا،و إنّما أراد أنّهم تمنّوا لو فعلت فيفعلون مثل فعلك عطفا،لا جزاء عليه،و لا مكافأة له،و إنّما هو تمثيل و تنظير.(4:1855)

ابن عطيّة:إنّهم قالوا في بعض الأوقات لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:لو عبدت آلهتنا و عظّمتها،لعبدنا إلهك و عظّمناه،و ودّوا أن يداهنهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و يميل إلى ما قالوا فيميلوا هم أيضا إلى قوله و دينه.و الإدهان:

الملاينة فيما لا يحلّ،و المداراة:الملاينة فيما يحلّ.

و قوله تعالى: فَيُدْهِنُونَ معطوف،و ليس بجواب،لأنّه كان ينصب.(5:347)

الفخر الرّازيّ:و المعنى:تترك بعض ما أنت عليه ممّا لا يرضونه مصانعة لهم فيفعلوا مثل ذلك،و يتركوا بعض ما لا ترضى فتلين لهم و يلينون لك.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](30:83)

القرطبيّ:[ذكر الأقوال في ذلك و أضاف:]

و كلّها إن شاء اللّه تعالى صحيحة على مقتضى اللّغة و المعنى،فإنّ الادّهان:اللّين و المصانعة.و قيل:

مجاملة العدوّ:مما يلته.و قيل:المقاربة في الكلام و التّليين في القول.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال المفضّل:النّفاق و ترك المناصحة.فهي على هذا الوجه مذمومة،و على الوجه الأوّل غير مذمومة، و كلّ شيء منها لم يكن...و قال: فَيُدْهِنُونَ فساقه على العطف،و لو جاء به جواب النّهي لقال:فيدهنوا، و إنّما أراد:إن تمنّوا لو فعلت فيفعلون مثل فعلك،عطفا لا جزاء عليه و لا مكافأة و إنّما هو تمثيل و تنظير.

(18:230)

ص: 221

البيضاويّ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ: تلاينهم بأن تدع نهيهم عن الشّرك،أو توافقهم فيه أحيانا فَيُدْهِنُونَ:

فيلاينونك بترك الطّعن و الموافقة.و الفاء للعطف،أي ودّوا التّداهن و تمنّوه،لكنّهم أخّروا إدهانهم حتّى تدهن.

أو للسّببيّة أي ودّوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ.

أو ودّوا إدهانك فهم الآن يدهنون طمعا فيه.

و في بعض المصاحف:(فيدهنوا)على أنّه جواب التّمنّي.(2:494)

النّيسابوريّ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ: تلين و تصانع، فَيُدْهِنُونَ أي فهم يدهنون حينئذ،لأنّ النّفاق يجرّ النّفاق،أي ودّوا إدهانك،فهم الآن يدهنون طمعا في إدهانك.(29:21)

أبو حيّان:[ذكر الأقوال في ذلك و أضاف:]

قال هارون:إنّه في بعض المصاحف(فيدهنوا) و لنصبه وجهان:

أحدهما:أنّه جواب وَدُّوا لتضمّنه معنى «ليت.».

و الثّاني:أنّه على توهّم أنّه نطق ب«ان»أي ودّوا أن تدهن فيدهنوا،فيكون عطفا على التّوهّم.

و لا يجيء هذا الوجه إلاّ على قول من جعل(لو) مصدريّة بمعنى«ان.».(8:309)

أبو السّعود: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ إنّه تعليل للنّهي أو للانتهاء،و إنّما عبّر عنها بالطّاعة للمبالغة في الزّجر و التّنفير،أي أحبّوا لو تلاينهم و تسامحهم في بعض الأمور فَيُدْهِنُونَ، أي فهم يدهنون حينئذ؛أو فهم الآن يدهنون طمعا في إدهانك.

و قيل:هو معطوف على تُدْهِنُ داخل في حيّز (لو)،و المعنى:ودّوا لو يدهنون عقيب إدهانك.و يأباه ما سيأتي من بدئهم بالإدهان،على أنّ إدهانهم أمر محقّق لا يناسب إدخاله تحت التّمنّي.

و أيّا ما كان فالمعتبر في جانبهم حقيقة الإدهان الّذي هو إظهار الملاينة و إضمار خلافها،و أمّا في جانبه عليه الصّلاة و السّلام،فالمعتبر بالنّسبة إلى ودادتهم هو إظهار الملاينة فقط.و أمّا إضمار خلافها فليس في حيّز الاعتبار،بل هم في غاية الكراهة له، و إنّما اعتباره بالنّسبة إليه عليه الصّلاة و السّلام.

و في بعض المصاحف:(فيدهنوا)على أنّه جواب التّمنّي المفهوم من وَدُّوا أو أنّ ما بعده حكاية لودادتهم.و قيل:على أنّه عطف على تُدْهِنُ بناء على أنّ(لو)بمنزلة«ان»النّاصبة،فلا يكون لها جواب،و ينسبك منها و ممّا بعدها مصدر يقع مفعولا ل وَدُّوا كأنّه قيل:ودّوا أن تدهن فيدهنوا.و قيل:

(لو)على حقيقتها،و جوابها محذوف،و كذا مفعول وَدُّوا، أي ودّوا إدهانك لو تدهن فيدهنوا لسرّوا بذلك.(6:285)

نحوه الآلوسيّ.(29:26)

البروسويّ:(لو)للتّمنّي و الإدهان في الأصل مثل التّدهين،و اشتقاقهما من الدّهن،لكن جعل عبارة عن الملاينة و ترك الجدّ.

و التّركيب يدلّ على لين و سهولة و قلّة،و المعنى:

أحبّوا لو تلاينهم و تسامحهم في بعض الأمور و ترك

ص: 222

الدّعوة فَيُدْهِنُونَ، أي فهم يداهنونك حينئذ بترك الطّعن...فالفاء للعطف على تُدْهِنُ فيكون (يدهنون)داخلا في حيّز(لو)و لذا لا ينصب (يدهنون)بسقوط النّون،جوابا للتّمنّي،و الفعل للاستقبال.أو الفاء للسّببيّة،فهو مسبّب عن تُدْهِنُ.

و يجوز أن يكون الفعل للحال على معنى:ودّوا إدهانك فهم الآن يدهنون طمعا في إدهانك،فالتّسبّب عن التّمنّي،و تقدير المبتدإ لأنّه لولاه لكان الفعل منصوبا،لاقتضاء التّسبّب عمّا في حيّز التّمنّي ذلك.

قال بعضهم:لا توافقهم في الظّاهر كما لا توافقهم في الباطن،فإنّ موافقة الظّاهر إثر موافقة الباطن،و كذا المخالفة و إلاّ كان نفاقا سريع الزّوال و مصانعة وشيكة الانقضاء.و أمّا هم فلانهماكهم في الرّذائل و تعمّقهم في التّلوّن و الاختلاف لتشعّب أهوائهم و تفرّق أمانيّهم،يصانعون و يضمّون تلك الرّذيلة إلى رذيلتهم،طمعا في مداهنتك معهم،و مصانعتك إيّاهم.

قال بعضهم:المداهنة:بيع الدّين بالدّنيا،فهي من السّيّئات،و المداراة:بيع الدّنيا بالدّين،فهي من الحسنات.و يقال:الإدهان:الملاينة لمن لا ينبغي له ذلك،و هو لا ينافي الأمر بالمداراة،كما قال عليه السّلام:

«أمرت بمداراة النّاس كما أمرت بالتّبليغ».

قال الإمام الغزالي رحمه اللّه في«الإحياء»:الفرق بين المداراة و المداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء، فإن أغضيت لسلامة دينك و لما ترى فيه من إصلاح أخيك بالإغضاء،فأنت مدار،و إن أغضيت لحظّ نفسك و اجتلاب شهواتك و سلامة جاهك،فأنت مداهن.

قال أبو الدّرداء رضى اللّه عنه:«إنّا لنبشّ في وجوه أقوام و إنّ قلوبنا لتلعنهم»،و هذا معنى المداراة و هو مع من يخاف شرّه.(10:109)

المراغيّ:أي ودّ المشركون لو تلين لهم في دينك بالرّكون إلى آلهتهم،فيدينون لك في عبادة إلهك.

روي أنّ رؤساء مكّة دعوه إلى دين آبائه،فنهاه عن طاعتهم.

و خلاصة ذلك:ودّوا لو تترك بعض ما أنت عليه ممّا لا يرضونه مصانعة لهم،فيفعلون مثل ذلك، و يتركون بعض ما لا ترضى،فتلين لهم و يلينون لك.

و ترك بعض الدّين كلّه كفر بواح.(29:31)

ابن عاشور:إنّ جملة وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ بيان لمتعلّق الطّاعة المنهيّ عنها،و لذلك فصّلت و لم تعطف.

و فعل تُدْهِنُ مشتقّ من الإدهان،و هو الملاينة و المصانعة.و حقيقة هذا الفعل أن يجعل لشيء دهنا:

إمّا لتليينه و إمّا لتلوينه،و من هذين المعنيين تفرّعت معاني الإدهان،-كما أشار إليه الرّاغب-،أي ودّوا منك أن تدهن لهم فيدهنوا لك،أي لو تواجههم بحسن المعاملة فيواجهونك بمثلها.

و الفاء في فَيُدْهِنُونَ للعطف،و التّسبّب عن جملة لَوْ تُدْهِنُ جوابا لمعنى التّمنّي المدلول عليه بفعل وَدُّوا بل قصد بيان سبب ودادتهم ذلك، فلذلك لم ينصب الفعل بعد الفاء بإضمار(ان)،لأنّ فاء المتسبّب كافية في إفادة ذلك،فالكلام بتقدير مبتدإ

ص: 223

محذوف،تقديره:فهم يدهنون.

و سلك هذا الأسلوب ليكون الاسم المقدّر مقدّما على الخبر الفعليّ،فيفيد معنى الاختصاص،أي فالإدهان منهم لا منك،أي فاترك الإدهان لهم و لا تتخلّق أنت به.و هذه طريقة في الاستعمال إذا أريد بالتّرتّبات أنّه ليس تعليق جواب،كقوله تعالى:

فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً الجنّ:

13،أي فهو لا يخاف بخسا و لا رهقا.

و حرف(لو)يحتمل أن يكون شرطيّا،و يكون فعل تُدْهِنُ شرطا،و أن يكون جواب الشّرط محذوفا،و يكون التّقدير:لو تدهن لحصل لهم ما يودّون.و يحتمل أن يكون(لو)حرفا مصدريّا،على رأي طائفة من علماء العربيّة أنّ(لو)يأتي حرفا مصدريّا،مثل(ان)،فقد قال بذلك الفرّاء و الفارسيّ و التّبريزيّ و ابن مالك،فيكون التّقدير:ودّوا إدهانك

و مفعول وَدُّوا محذوف دلّ عليه لَوْ تُدْهِنُ، أو هو المصدر بناء على أنّ(لو)تقع حرفا مصدريّا، و تقدّم في قوله تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ البقرة:96،و قد يفيد موقع الفاء تعليلا لمودّتهم منه أن يدهن،أي ودّوا ذلك منك لأنّهم مدهنون،و صاحب النّيّة السّيّئة يودّ أن يكون النّاس مثله.(29:65)

مغنيّة:تمنّى المشركون أن يتنازل الرّسول صلّى اللّه عليه و آله عن بعض ما يدعوهم إليه،و يستجيبوا بدورهم لبعض ما نهاهم عنه،و لو من باب المداهنة و المداراة، كي تنتهي المعركة بين الطّرفين،و يتمّ الصّلح على انصاف الحلول.(7:388)

الطّباطبائيّ:الإدهان:من الدّهن يراد به:

التّليين،أي ودّ و أحبّ هؤلاء المكذّبون أن تلينهم بالاقتراب منهم في دينك،فيلينوك بالاقتراب منك في دينهم.و محصّله أنّهم ودّوا أن تصالحهم و يصالحوك على أن يتسامح كلّ منكم بعض المسامحة في دين الآخر،كما قيل:إنّهم عرضوا عليه أن يكفّ عن ذكر آلهتهم فيكفّوا عنه و عن ربّه.

و بما تقدّم ظهر أنّ متعلّق مودّتهم مجموع لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ، و أنّ الفاء في فَيُدْهِنُونَ للتّفريع لا للسّببيّة.(19:371)

عبد الكريم الخطيب:أصل الإدهان:المداراة و الملاطفة،و طلاء الأمر بطلاء زائف،حتّى يقبل تحت هذا الزّيف.

و قوله تعالى: فَيُدْهِنُونَ خبر لمبتدإ محذوف، تقديره:فهم،أي فهم يدهنون.و المعنى:فلا تطع المكذّبين فهم يدهنون،و ودّوا لو تدهن،و هذا يعني أنّ المشركين المكذّبين هم على حال من الخديعة و الغشّ فيما يقولون.

فهم يدهنون مع أنفسهم،فيخادعونها بهذا الباطل الّذي يزيّنونه لها،و هم يدهنون مع النّاس فيما يحدّثونهم به،و هم يدهنون مع النّبيّ فيما يعرضون عليه من أمور.

و هذا شأن كلّ من يمسك بالباطل،إنّه غير مطمئنّ إليه،فهو يحاول دائما أن يلبسه أثوابا بعد أثواب،من التّمويه و الخداع،حتّى يداري ما به من علل.(15:1084)

ص: 224

فضل اللّه:تلين لهم في موقفك لتتنازل عن بعض ما تدعو إليه،مداهنة و مجاملة،على حساب الدّعوة، فيلينون لك،في إيقاف ضغوطهم عليك،و في التزامهم ظاهريّا ببعض ما أنت عليه،حتّى تظهر.أمام النّاس في موقف الرّسول الّذي لا يخلص لرسالته،و لا يثبت في موقفه،و لا يستقيم في طريقه،بل يعمل على أن يخضع للضّغوط،و يلعب على المواقف،و يجامل الآخرين على حساب اللّه.و حتّى يحصلوا على اعتراف بهم في بعض القضايا،و لا سيّما في مسألة التّوحيد،ممّا يدفع المؤمنين إلى الشّكّ و الاهتزاز في موقفهم مع الرّسالة و الرّسول،من دون أن يخسر المشركون شيئا،لأنّهم لا يملكون قاعدة فكريّة توحي بالاحترام،بل كانوا يتحرّكون من موقع المصالح الذّاتيّة في كلّ خطواتهم في مجال العبادة و العلاقات.

و في ضوء ذلك،فإنّ المسألة تمثّل جانبا كبيرا من الخطورة،و تدفع إلى الكثير من المشاكل الصّعبة الّتي تنعكس على حركة الرّسالة،ممّا يفرض على الرّسول و على الدّعاة من بعده الحذر كلّ الحذر من كلّ العروض الّتي يطرحها الكافرون و المشركون عليهم، في ما قد يوحي بالمهادنة و التّسويات و المرونة العمليّة، حتّى لا يقعوا في المهالك الّتي أعدّوها لهم،على صعيد الرّسالة،و على مستوى الواقع.(23:44)

مدهنون

أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. الواقعة:81

ابن عبّاس:مكذّبون أنّه ليس كما قال:من الجنّة، و النّار،و البعث،و الحساب.(455)

نحوه الضّحّاك(الطّبريّ 11:661)،و عطاء (القرطبيّ 17:227).

مجاهد:تريدون أن تمالئوهم فيه،و تركنوا إليهم.(الطّبريّ 11:661)

الضّحّاك:معرضون.(الماورديّ 5:464)

مقاتل:كافرون.(الثّعلبيّ 9:221)

مؤرّج السّدوسيّ:المدهن:المنافق الّذي ليّن جانبه ليخفي كفره.(الثّعلبيّ 9:221)

الفرّاء:مكذّبون و كافرون،كلّ قد سمعته.

(3:130)

ابن قتيبة:أي مداهنون،يقال:أدهن في دينه، و داهن.(451)

ابن كيسان:المدهن:الّذي لا يفعل ما يحقّ عليه، و يدفعه بالعلل.(الثّعلبيّ 9:221)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره:أ فبهذا القرآن الّذي أنبأتكم خبره،و قصصت عليكم أمره أيّها النّاس أنتم تلينون القول للمكذّبين به،ممالأة منكم لهم على التّكذيب به و الكفر.

و اختلف أهل التّأويل في تأويله،فقال بعضهم في ذلك نحو قولنا فيه.و قال آخرون:بل معناه:أ فبهذا الحديث أنتم مكذّبون.(11:661)

الزّجّاج:أي أ فبالقرآن تكذّبون.و المدهن:

المداهن و الكذّاب المنافق.(5:116)

الرّمّانيّ:منافقون في التّصديق به.

(الماورديّ 5:465)

ص: 225

الثّعلبيّ:قال بعض أئمّة اللّغة: مُدْهِنُونَ، أي تاركون للحزم في قبول هذا القرآن و التّهاون بأمره، و مداهنة العدوّ و ملاينته مكان ما يجب من مغالظته.

و أصله من اللّين و الضّعف.[ثمّ استشهد بشعر]

(9:221)

الطّوسيّ:المدهن:الّذي يجري في الباطل على خلاف الظّاهر،كالدّهن في سهولة ذلك عليه و الإسراع فيه؛أدهن يدهن إدهانا،و داهنه مداهنة مثل نافقه منافقة.و كلّ مدهن بصواب الحديث مذموم.

(9:511)

القشيريّ:أ بهذا القرآن أنتم تنافقون،و به تكذّبون؟(6:94)

الواحديّ:تكفرون و تكذّبون...و المدهن:

المداهن الكذّاب المنافق.و معنى المدهن:من الإدهان،و هو الجري في الباطن على خلاف الظّاهر.

هذا أصله،ثمّ قيل للمكذّب:مدهن،و إن صرّح بالتّكذيب و الكفر.(4:240)

نحوه البغويّ.(5:21)

الزّمخشريّ:أي متهاونون به كمن يدهن في الأمر،أي يلين جانبه و لا يتصلّب فيه تهاونا به.(4:59)

مثله البيضاويّ(2:450)،و النّسفيّ(4:220)، و أبو السّعود(6:195)،و نحوه النّيسابوريّ(27:84).

ابن عطيّة:معناه:يلاين بعضكم بعضا و يتبعه في الكفر،مأخوذ من«الدّهن»للينه و إملاسه.

(5:252)

الفخر الرّازيّ: أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ لأصحابكم، تعلمون خلافه و تقولونه،أم أنتم به جازمون،و على الإصرار عازمون؟و سنبيّن وجهه بتفسير«المدهن» و فيه وجهان:

أحدهما:أنّ المدهن المراد به:المكذّب،قال الزّجّاج:معناه:أ فبالقرآن أنتم تكذّبون؟و التّحقيق فيه:أنّ الإدهان تليين الكلام لاستمالة السّامع من غير اعتقاد صحّة الكلام من المتكلّم،كما أنّ العدوّ إذا عجز عن عدوّه يقول له:أنا داع لك و مثن عليك مداهنة،و هو كاذب،فصار استعمال المدهن في المكذّب استعمالا ثانيا،و هذا إذا قلنا:إنّ اَلْحَدِيثِ هو القرآن.

و الوجه الثّاني:المدهن هو الّذي يلين في الكلام و يوافق باللّسان،و هو مصرّ على الخلاف،فقال:

أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ، فمنهم من يقول:إنّ النّبيّ كاذب، و إنّ الحشر محال؛و ذلك لما هم عليه من حبّ الرّئاسة، و تخافون أنّكم إن صدّقتم و منعتم ضعفاءكم عن الكفر،يفوت عليكم من كسبكم ما تربحونه بسببهم، فتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون الرّسل.

و الأوّل عليه أكثر المفسّرين،لكن الثّاني مطابق لصريح اللّفظ،فإنّ اَلْحَدِيثِ بكلامهم أولى،و هو عبارة عن قولهم: أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ الواقعة:47، و المدهن يبقى على حقيقته،فإنّهم ما كانوا مدهنين بالقرآن،و قول الزّجّاج:مكذّبون جاء بعده صريحا.

(29:197)

ابن عربيّ:متهاونون و لا تبالون به،و لا تتصلّبون في القيام بحقّه،و فهم معناه،كمن يلين جانبه،و يداهن

ص: 226

في الأمر تساهلا و تهاونا به.(2:595)

الشّربينيّ:[مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

قال ابن برّجان:الإدهان و المداهنة:الملاينة في الأمور و التّغافل و الرّكون إلى التّجاوز،انتهى.

قال البقاعيّ:فهو على هذا إنكار على من سمع أحدا يتكلّم في القرآن بما لا يليق،ثمّ لا يجاهره بالعداوة،و أهل الاتّحاد كابن عربيّ الطّائيّ صاحب «الفصوص»و ابن الفارض صاحب«التّائيّة»أوّل من صوّبت إليه هذه الآية،فإنّهم تكلّموا في القرآن على وجه يبطل الدّين أصلا و رأسا،و يحلّه عروة عروة،فهم أضرّ النّاس على هذا الدّين و من يتأوّل لهم أو ينافح عنهم أو يعتذر لهم أو يحسن الظّنّ بهم، مخالف لإجماع الأمّة،أنجس حالا منهم،فإنّ مراده إبقاء كلامهم الّذي لا أفسد للإسلام منه من غير أن يكون لإبقائه مصلحة ما بوجه من الوجوه،انتهى.

و جرى ابن المقري في«روضه»:على كفر من شكّ في كفر طائفة ابن العربيّ الّذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الاتّحاد،و هو بحسب ما فهمه من ظاهر كلامهم،و لكن كلام هؤلاء جار على اصطلاحهم،إذا اللّفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحيّ مجاز في غيره،و المعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح.و أمّا من اعتقد ظاهره من جهلة الصّوفيّة الّذين لا علم عندهم بل أكثرهم يدّعي أنّ العلم حجاب،و مدّعي ذلك هو المحجوب،فإنّه يعرّف،فإن استمرّ على ذلك بعد معرفته صار كافرا.فنسأل اللّه تعالى التّوفيق و العصمة.(4:197)

البروسويّ:الإدهان في الأصل مثل التّدهين، لكن جعل عبارة عن المداراة و الملاينة و ترك الجدّ.

و المعنى متهاونون به و مستحقرون،كمن يدهن في الأمر،أي يلين جانبه و لا يتصلّب فيه تهاونا به.

(9:338)

الآلوسيّ:متهاونون به كمن يدهن في الأمر،أي يلين جانبه و لا يتصلّب فيه تهاونا به.

و أصل الإدهان-كما قيل-:جعل الأديم و نحوه مدهونا بشيء من الدّهن.و لمّا كان ذلك ليّنا محسوسا،يراد به اللّين المعنويّ على أنّه تجوّز به عن مطلق اللّين،أو استعير له،و لذا سمّيت المداراة مداهنة.

و هذا مجاز معروف،و لشهرته صار حقيقة عرفيّة، و لذا تجوّز به هنا التّهاون أيضا،لأنّ المتهاون بالأمر لا يتصلّب فيه.

و عن ابن عبّاس و الزّجّاج: مُدْهِنُونَ، أي مكذّبون،و تفسيره بذلك لأنّ التّكذيب من فروع التّهاون.

و عن مجاهد:أي منافقون في التّصديق به، تقولون للمؤمنين:آمنّا به،و إذا خلوتم إلى إخوانكم قلتم:إنّا معكم.و الخطاب عليه للمنافقين،و ما قدّمناه أولى،و الخطاب عليه للكفّار،كما يقتضيه السّياق.

(27:155)

المراغيّ:أي أ فبهذا القرآن تتهاونون،و تمالئون من يتكلّم منه،و لا تظهرون له المخالفة و عدم الرّضا؟ [ثمّ أدام نحو الشّربينيّ](27:152)

ابن عاشور:المدهن:الّذي يظهر خلاف ما

ص: 227

يبطن.يقال:أدهن،و يقال:داهن،و فسّر أيضا بالتّهاون و عدم الأخذ بالحزم،و فسّر بالتّكذيب.

و الاستفهام على كلّ التّفاسير مستعمل في التّوبيخ أي كلامكم لا ينبغي إلاّ أن يكون مداهنة،كما يقال لأحد قال كلاما باطلا:أ تهزأ؟أي قد نهض برهان صدق القرآن بحيث لا يكذّب به مكذّب إلا و هو لا يعتقد أنّه كذب،لأنّ حصول العلم بما قام عليه البرهان لا يستطيع صاحبه دفعه عن نفسه،فليس إصراركم على التّكذيب بعد ذلك إلاّ مداهنة لقومكم، تخشون إن صدّقتم بهذا الحديث أن تزول رئاستكم، فيكون في معنى قوله تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ الأنعام:33.

و على تفسير مُدْهِنُونَ بمعنى الإلانة،فالمعنى لا تتراخوا في هذا الحديث و تدبّروه،و خذوا بالفور في اتّباعه.

و إن فسّر مُدْهِنُونَ بمعنى:تكذّبون،فالمعنى واضح.

و تقديم المجرور للاهتمام،و صوغ الجملة الاسميّة في أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ لأنّ المقرّر عليه إدهان ثابت مستمرّ.(27:309)

مغنيّة:المراد ب اَلْحَدِيثِ: القرآن،و أَنْتُمْ خطاب للمنافقين الّذين داهنوا،فأظهروا الاعتراف بالقرآن،و أضمروا الجحود و الإنكار.(7:234)

الطّباطبائيّ:الإدهان به:التّهاون به،و أصله:

التّليين بالدّهن استعير للتّهاون،و الاستفهام للتّوبيخ،يوبّخهم تعالى على عدّهم أمر القرآن هيّنا لا يعتنى به.(19:138)

عبد الكريم الخطيب:الإشارة هنا إلى القرآن الكريم،و ما تحدّث به آياته عن قدرة اللّه سبحانه، و عن سلطانه القائم على هذا الوجود،و عن البعث و الحساب و الجزاء.

و الاستفهام تقريريّ،يراد به إقرار الكافرين بما عندهم من هذا الحديث الّذي سمعوه،ممّا يتلى عليهم من آيات اللّه،و هل هم مصغون إليه،واقفون منه موقف الجدّ،و طلب العلم و الفهم،أم أنّهم مستمعون استماع المجامل الّذي لا يعنيه شيء من مضامين هذا الحديث و مفاهيمه؟

و المدهن،هو المداهن،الّذي يصانع في الأمور، و يلقّاها بغير رأيه فيها،طلبا للسّلامة،و تجنّبا لما قد تجرّه إليه المكاشفة من متاعب و مكاره.

و هذا ضرب من النّفاق،و وجه من وجوهه.

(14:738)

مكارم الشّيرازيّ: مُدْهِنُونَ في الأصل من مادّة«دهن»بالمعنى المتعارف عليه،و لأنّ الدّهن يستعمل للبشرة و أمور أخرى،فإنّ كلمة«إدهان» جاءت بمعنى المداراة و المرونة،و في بعض الأحيان بمعنى الضّعف و عدم التّعامل بجدّيّة،و لأنّ المنافقين و الكاذبين غالبا ما يتّصفون بالمداراة و المصانعة،لذا استعمل هذا المصطلح أحيانا بمعنى التّكذيب و الإنكار.

و يحتمل أن يكون المعنيان مقصودان في الآية.

و الأصل في الإنسان أن يتعامل بجدّيّة مع الشّيء الّذي يؤمن به،و إذا لم يتعامل معه بجدّيّة فهذا دليل

ص: 228

على ضعف إيمانه به أو عدم تصديقه.(17:463)

فضل اللّه:استعير الإدهان هنا للتّهاون،كمن يدهن في الأمر،أي يلين جانبه و لا يتصلّب به.

و الظّاهر أنّ المراد به حالة اللاّمبالاة أو التّشكيك الّتي يمارسونها ضدّ القرآن أو اليوم الآخر،فلا يلقون إليه بالا،و لا يواجهونه بالاهتمام الّذي يوحي بالتّفكير و بالحوار فيه و في مفاهيمه.(21:345)

بالدّهن

وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ. المؤمنون:20

ابن عبّاس:هو الزّيت يؤكل و يدّهن به.

(الطّبريّ 9:209)

مجاهد:بثمره.(الطّبريّ 9:208)

السّدّىّ:هي شجرة الزّيتون تنبت بالزّيت،فهو دهن يدهن به.(359)

الطّبريّ:و معنى ذلك:تنبت هذه الشّجرة بثمر الدّهن.

و الدّهن الّذي هو من ثمره الزّيت.

(الطّبريّ 9:208)

الزّجّاج:أي تنبت و فيها دهن و معها دهن،كما تقول:جاءني زيد بالسّيف،تريد:جاءني و معه السّيف.(4:10)

السّجستانيّ:تأويله كأنّها تنبت و معها الدّهن، لا أنّها تغذّي بالدّهن.و قرئت(تنبت بالدّهن)،أي ما تنبته،كأنّه-و اللّه أعلم-يخرج ثمرها و معه الدّهن.

و قال قوم:الباء زائدة،إنّما يعني تنبت الدّهن،أي ما تعصرون فيكون دهنا.(130)

الماورديّ:اختلف في(الدهن)هنا على قولين:

أحدهما:أنّ(الدهن)هنا المطر اللّين،قاله محمّد ابن درستويه،و يكون دخول الباء تصحيحا للكلام.

الثّاني:أنّه الدّهن المعروف أي بثمر الدّهن.

و على هذا اختلفوا في دخول الباء على وجهين:

أحدهما:أنّها زائدة و أنّها تنبت الدّهن،قاله أبو عبيدة و أنشد:

*نضرب بالسّيف و نرجو بالفرج*

فكانت الباء في«بالفرج»زائدة،كذلك في (الدهن،)و هي قراءة ابن مسعود.

الثّاني:أنّ الباء أصل و ليست بزائدة.(4:50)

الطّوسيّ:أي تنبت ثمرها بالدّهن.(7:358)

الواحديّ:أي تنبته لأنّه يعصر من الزّيتون الزّيت،و الباء في بِالدُّهْنِ للتّعدّي.(3:287)

الزّمخشريّ: بِالدُّهْنِ في موضع الحال،أي تنبت و فيها الدّهن.(3:29)

نحوه الفخر الرّازيّ(23:89)،و النّسفيّ(3:

116)،و أبو السّعود(4:407).

ابن عطيّة:و المراد في هذه الآية:تعديد نعمة الزّيت على الإنسان،و هي من أركان النّعم الّتي لا غنى بالصّحّة عنها.(4:140)

نحوه القرطبيّ(12:115)،و أبو حيّان(6:401).

الطّبرسيّ:أي تنبت ثمرها بالدّهن،لأنّه يعصر

ص: 229

من الزّيتون الزّيت.(4:103)

البيضاويّ:أي تنبت ملتبسا بالدّهن و مستصحبا له.و يجوز أن تكون الباء صلة معدّية ل تَنْبُتُ كما في قولك:ذهبت بزيد.(2:104)

الشّربينيّ:قال المفسّرون:و إنّما أضافها اللّه تعالى إلى هذا الجبل،لأنّ منه تشعّبت في البلاد و انتشرت، و لأنّ معظمها هناك.

قال بعض المفسّرين:و إنّما عرّف(الدهن)لأنّه أجلّ الأدهان و أكملها،و هو في الأصل مائع لزج خفيف يتقطّع و لا يختلط بالماء الّذي هو أصله،فيسرج و يدهن به.(2:575)

الكاشانيّ:أي تنبت بالشّيء الجامع بين كونه دهنا يدّهن به و يسرج منه،و كونه إداما يصبغ فيه الخبز،أي يغمس فيه للائتدام.(3:397)

البروسويّ:صفة أخرى ل شَجَرَةً، و الباء متعلّقة بمحذوف وقع حالا منها،أي تنبت ملتبسة به و مستصحبة له،كما قال الرّاغب:معناه تنبت و الدّهن موجود فيها بالقوّة.و يجوز كونها صلة معدّية ل تَنْبُتُ كما في قولك:ذهبت بزيد،أي تنبته بمعنى تتضمّنه و تحصّله،فإنّ النّبات حقيقة صفة للشّجرة لا للدّهن.(6:76)

الآلوسيّ:مدحا لها باعتبار ما هي عليه في نفسها،و الباء للملابسة و المصاحبة،مثلها في قولك:

جاء بثياب السّفر،و هي متعلّقة بمحذوف وقع حالا من ضمير الشّجرة،أي تنبت ملتبسة بالدّهن و هو عصارة كلّ ما فيه دسم.و المراد به هنا:الزّيت و ملابستها به باعتبار ملابسة ثمرها،فإنّه الملابس له في الحقيقة.

و جوّز أن تكون الباء متعلّقة بالفعل معدّية له، كما في قولك:ذهبت بزيد،كأنّه قيل:تنبت الدّهن بمعنى تتضمّنه و تحصّله،و لا يخفى أنّ هذا و إن صحّ إلاّ أنّ إنبات الدّهن غير معروف في الاستعمال.(18:22)

ابن عاشور:معنى تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ أنّها تنبت ملابسة للدّهن،فالباء للملابسة.

و هذه الآية مثال لباء الملابسة،و الملابسة معنى واسع،فملابسة نبات شجرة الزّيتون للدّهن و الصّبغ، ملابسة بواسطة ملابسة ثمرتها للدّهن و الصّبغ،فإنّ ثمرتها تشتمل على الزّيت،و هو يكون دهنا و صبغا للآكلين.فأمّا كونه دهنا،فهو أنّه يدّهن به النّاس أجسادهم،و يرجّلون به شعورهم،و يجعلون فيه عطورا فيرجّلون به الشّعور،و قد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يدهن بالزّيت في رأسه.

و الدّهن بضمّ الدّال:اسم لما يدّهن به،أي يطلى به شيء،و يطلق الدّهن على الزّيت باعتبار أنّه يطلى به الجسد للتّداوي،و الشّعر للتّرجيل.(18:32)

الطّباطبائيّ:أي تثمر ثمرة فيها الدّهن و هو الزّيت،فهي تنبت بالدّهن.(15:23)

نحوه عبد الكريم الخطيب(9:1127)،و فضل اللّه(16:142).

كالدّهان

فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ .

الرّحمن:37

ابن عبّاس:كألوان الدّهن.

ص: 230

و يقال:وردة كألوان الورد.

و يقال:كأديم المغربيّ،أي حمرة مع السّواد.

(452)

يعني كلون غرس الورد،يكون في الرّبيع كميتا أصفر،فإذا ضربه أوّل الشّتاء يكون كميتا أحمر،فإذا اشتدّ الشّتاء يكون كميتا أغبر،فشبّه السّماء في تلوّنها عند انشقاقها بهذا الغرس في تلوّنه.

مثله الضّحّاك و قتادة و الرّبيع.(الثّعلبيّ 9:187)

سعيد بن جبير:المعنى:فكانت حمراء.

مثله قتادة.(القرطبيّ 17:173)

مجاهد:كالدّهن.(الطّبريّ(11:599)

مثله أبو العالية.(الثّعلبيّ 9:187)

الضّحّاك:يعني خالصة.(الطّبريّ 11:599)

الحسن:ذات ألوان.(الماورديّ 5:436)

كصبّ الدّهن،فإنّك إذا صببته ترى فيه ألوانا.

(القرطبيّ 17:173)

قتادة:الدّهان جمع الدّهن،و للدّهن ألوان،شبّه السّماء بألوانه.(الثّعلبيّ 9:187)

عطاء بن أبي رباح:كعصير الزّيت يتلوّن في السّاعة ألوانا.(الثّعلبيّ 9:187)

السّدّيّ:تكون كلون البغلة الوردة،و تكون كالمهل كدرديّ الزّيت.(447)

عطاء الخراسانيّ:صفراء كلون الدّهن.

مثله أبو الجوزاء.(الماورديّ 5:436)

زيد بن أسلم:المعنى أنّها تصير كعكر الزّيت.

(القرطبيّ 17:173)

الكلبيّ:كالأديم الأحمر،و جمعه:أدهنة.

(الثّعلبيّ 9:187)

ابن جريج:تذوب السّماء كالدّهن الذّائب، و ذلك حين يصيبها حرّ جهنّم.(الثّعلبيّ 9:187)

مقاتل:كدهن الورد الصّافي.(الثّعلبيّ 9:187)

مؤرّج السّدوسيّ:كالوردة الحمراء.

(الثّعلبيّ 9:187)

اليزيديّ:لونها كلون الورد، كَالدِّهانِ:

جماعة دهن،في اختلاف ألوان الدّهن بحمرة و صفرة و خضرة.

و قال بعضهم:(الدهان)واحد،و هو الأديم؛ و جمعه:أدهنة و دهن(361)

الفرّاء:أراد بالوردة:الفرس،الوردة تكون في الرّبيع وردة إلى الصّفرة،فإذا اشتدّ البرد كانت وردة حمراء،فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة،فشبّه تلوّن السّماء بتلوّن الوردة من الخيل،و شبّهت الوردة في اختلاف ألوانها بالدّهن و اختلاف ألوانه.

(3:117)

أبو عبيدة:من لونها؛جمع دهن،تمور كالدّهن صافية،وردة لونها كلون الورد و هو الجلّ.(2:245)

الأخفش:صافية.(الماورديّ 5:436)

ابن قتيبة:أي حمراء في لون الفرس الوردة.

و(الدهان:)جمع:دهن.و يقال:(الدهان:)الأديم الأحمر.(439)

حسين بن فضل:كصيب الدّهن يتلوّن.

(الثّعلبيّ 9:187)

ص: 231

الطّبريّ:اختلف أهل التّأويل في معنى قوله:

كَالدِّهانِ، فقال بعضهم:معناه:كالدّهن صافية الحمرة مشرقة.

و قال آخرون:عنى بذلك:فكانت وردة كالأديم، و قالوا:(الدهان:)جماع،واحدها:دهن.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال:

عنى به الدّهن في إشراق لونه،لأنّ ذلك هو المعروف في كلام العرب.(11:598)

الزّجّاج:معنى كَالدِّهانِ: تتلوّن،من الفزع الأكبر تلوّن الدّهان المختلفة.و الدّهان:جمع دهن، و دليل ذلك قوله: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ المعارج:8،أي كالزّيت الّذي قد أغلي.

و قيل: فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ، أي فكانت كلون فرس وردة و الكميت (1)الورد يتلوّن،فيكون في الشّتاء لونه خلاف لونه في الصّيف،و يكون في الفصل لونه غير لونه في الشّتاء و الصّيف.(5:101)

السّجستانيّ:أي صارت كلون الورد،و يقال:

معنى وردة،أي حمراء في لون الفرس الورد.

و(الدهان:)جمع:دهن أي تمور كالدّهن صافية.

و يقال:(الدهان:)الأديم الأحمر(184)

الماورديّ:[نقل الأقوال ثمّ قال:]

و زعم المتقدّمون:أنّ أصل لون السّماء الحمرة، و أنّها لكثرة الحوائل و بعد المسافة ترى بهذا اللّون الأزرق،و شبّهوا ذلك بعروق البدن،هي حمراء كحمرة الدّم و ترى بالحائل زرقاء.فإن كان هذا صحيحا فإنّ السّماء لقربها من النّواظر يوم القيامة و ارتفاع الحواجز ترى حمراء،لأنّه أصل لونها.(5:436)

الطّوسيّ:[نقل الأقوال في معنى الآية و أضاف:]

و قال قوم:إنّ السّماء تذوب يوم القيامة من حرّ نار جهنّم فتصير حمراء ذائبة كالدّهن.

قال الجبّائيّ:و روي أنّ السّماء الدّنيا من حديد.

و ليس في الآية ما يدلّ (2)ما قاله،لاحتمال ذلك ما قاله المفسّرون،و الأقوال الّتي ذكرناها.(9:476)

القشيريّ:ينفكّ بعضها عن بعض،و تصير في لون الورد الأحمر.و يقال:بها الفرش الموردة كالدّهان،و هو جمع:دهن.أي كدهن الزّيت،و هو درديّ الزّيت.

و يقال:كما أنّ الوردة يتلوّن لونها؛إذ تكون في الرّبيع إلى الصّفرة،فإذا اشتدّت الوردة كانت حمراء، و بعد ذلك إلى الغبرة،فكذلك حال السّماء تتلوّن من وصف إلى وصف في القيامة(6:78)

الزّمخشريّ: وَرْدَةً حمراء كَالدِّهانِ كدهن الزّيت،كما قال:(كالمهل)و هو درديّ الزّيت، و هو جمع:دهن.و اسم ما يدّهن به كالجزام و الإدام.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:(الدهان:)الأديم الأحمر.(4:48)

نحوه البيضاويّ(3:44)،و النّسفيّ(4:211)،ه.

ص: 232


1- الكميت:الّذي خالط حمرته قنوء،أي الأحمر الأقنى، و لون الأكمت:الكمتة.
2- كذا و الصّحيح:ما يدلّ على ما قالوه.

و النّيسابوريّ(27:67).

الفخر الرّازيّ: كَالدِّهانِ فيه وجهان:

أحدهما:جمع دهن.

و ثانيهما:أن(الدهان)هو الأديم الأحمر.

فإن قيل:الأديم الأحمر مناسب للوردة،فيكون معناه:كانت السّماء كالأديم الأحمر،و لكن ما المناسبة بين الوردة و بين الدّهان؟

نقول الجواب عنه من وجوه:

الأوّل:المراد من(الدهان)ما هو المراد من قوله تعالى: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ المعارج:8، و هو عكر الزّيت،و بينهما مناسبة،فإنّ الورد يطلق على الأسد،فيقال:أسد ورد،فليس الورد هو الأحمر القاني.

و الثّاني:أنّ التّشبيه بالدّهن ليس في اللّون،بل في الذّوبان.

و الثّالث:هو أنّ الدّهن المذابّ ينصبّ انصبابة واحدة و يذوب دفعة،و الحديد و الرّصاص لا يذوب غاية الذّوبان،فتكون حركة الدّهن بعد الذّوبان أسرع من حركة غيره،فكأنّه قال:حركتها تكون وردة واحدة كالدّهان المصبوبة صبّا،لا كالرّصاص الّذي يذوب منه ألطفه و ينتفع به و يبقى الباقي،و كذلك الحديد و النّحاس.

و جمع(الدهان)لعظمة السّماء،و كثرة ما يحصل من ذوبانها لاختلاف أجزائها،فإنّ الكواكب تخالف غيرها(29:117)

أبو السّعود: كَالدِّهانِ خبر ثان ل(كانت) أو نعت ل وَرْدَةً أو حال من اسم(كانت).[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](6:179)

البروسويّ: كَالدِّهانِ خبر ثان ل(كانت) أي كدهن الزّيت،فكانت في حمرة الوردة،و في جريان الدّهن،أي تذوب و تجري كذوبان الدّهن و جريه،فتصير حمراء من حرارة جهنّم،و تصير مثل الدّهن في رقّته و ذوبانه.و هو إمّا جمع:دهن،أو اسم لما يدّهن به كالإدام لما يؤتدم به،و جواب(اذا)محذوف، أي يكون من الأحوال و الأهوال ما لا يحيط به دائرة المقال.

قال سعدي المفتي:ناصب(اذا)محذوف،أي كان ما كان من الأمر الهائل الّذي لا يحيط به نطاق العبارة، أو رأيت أمرا عظيما هائلا.و بهذا الاعتبار تتسبّب هذه الجملة عمّا قبلها،لأنّ إرسال الشّواظ يكون سببا لحدوث الأمر الهائل،أو رؤيته في ذلك الوقت.

(9:302)

نحوه الآلوسيّ.(27:114)

المراغيّ:أي فإذا جاء يوم القيامة تصدّعت السّماوات و اختلّت نظمها،و تبعثرت أجرامها و كواكبها عن مداراتها،و احمرّ لونها و أذيبت حتّى صارت كأنّها الزّيت،و نحوه ممّا يدّهن به.

و نحو الآية قوله: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ* وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ الانفطار:1،2،و قوله: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ* وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ... الانشقاق:1،2 و قوله: وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ... الحاقّة:16.

و الخلاصة:أنّها تذوب كما يذوب درديّ الزّيت

ص: 233

و الفضّة حين السّبك،و تتلوّن كما تتلوّن الأصباغ الّتي يدّهن بها،فتارة تكون حمراء،و أخرى صفراء،و ثالثة زرقاء.(27:120)

ابن عاشور:(الدهان)بكسر الدّال:درديّ الزّيت.و هذا تشبيه ثان للسّماء في التّموّج و الاضطراب.(27:243)

الطّباطبائيّ:أي كانت حمراء كالدّهان،و هو الأديم الأحمر(19:107)

مكارم الشّيرازيّ:«دهان»على وزن «كتاب»،بمعنى الدّهن المذابّ،و تطلق أحيانا على الرّسوبات المتخلّفة للمادّة الدّهنيّة،و غالبا ما تكون لها ألوان متعدّدة.و من هنا ورد هذا التّشبيه؛حيث يصبح لون السّماء كالدّهن المذابّ بلون الورد الأحمر، أو إشارة إلى ذوبان الكرات السّماويّة أو اختلاف لونها.

و فسّر البعض(الدهان)بمعنى الجلد أو اللّون الأحمر،و على كلّ حال فإنّ هذه التّشبيهات تجسّد لنا صورة من مشهد ذلك اليوم العظيم؛حيث إنّ حقيقة الحوادث في ذلك اليوم ليس لها شبيه مع أيّة حوادث أخرى،من حوادث عالمنا هذا.إنّ هذه المشاهد لا نستطيع إدراكها إلاّ إذا رأيناها.(17:381)

فضل اللّه:بحيث سارت نحو الذّوبان بما يذوب فيها من كواكب،كما يذوب الدّهن على النّار، و يصبح لون هذا السّائل أحمر كالورد.و هذا الوصف وارد على سبيل الكناية،في خراب الكون و دماره.

(21:318)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ:«الدّهن»على وجهين:الجلد الأحمر الدّهن بعينه

فوجه منها:الدّهان يعني الجلد الأحمر،كقوله:

فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ الرّحمن:37،يعني كالجلد الأحمر،قاله مجاهد و أبو صالح.

الوجه الثّاني:الدّهن بعينه،قوله: وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ المؤمنون:20،يعني الزّيت.(331)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّهن،و هو ما يطلى به من زيت و غيره.يقال:دهن رأسه و غيره يدهنه دهنا، أي بلّه،و الاسم:الدّهن،و الجمع:أدهان و دهان.

و دهنته بالدّهان أدهنه:طليته بالدّهن،و هو مدهانّ الرّأس:دهين الشّعر،كالمصفارّ و المحمارّ،و لحية دهين:مدهونة.

و الدّهنة:الطّائفة من الدّهن،و قد ادّهن بالدّهن -على«افتعل»-إذا تطلّى بالدّهن.

و الدّهّان:الّذي يبيع الدّهن.

و المدهن:آلة الدّهن،و هو أحد ما شذّ من هذا الضّرب على«مفعل»ممّا يستعمل من الأدوات، و الجمع:مداهن.يقال:تمدهن الرّجل،إذا أخذ مدهنا.

و المدهن أيضا:نقرة في الجبل يستنقع فيها الماء؛ و الجمع:مداهن،و في الحديث:«كأنّ وجهه مدهنة»،

ص: 234

هي تأنيث المدهن،شبّه وجهه لإشراق السّرور عليه بصفاء الماء المجتمع في الحجر.و قال ابن الأثير:

«المدهن و المدهنة:ما يجعل فيه الدّهن،فيكون قد شبّهه بصفاء الدّهن».

و الدّهن و الدّهن من المطر:قدر ما يبلّ وجه الأرض؛و الجمع:دهان.يقال:دهن المطر الأرض،أي بلّها بلاّ يسيرا،و دهنها وليّ فهي مدهونة،و هو المطر يسقط بعد المطر،و الدّهان و الأدهان أيضا:الأمطار الضّعيفة اللّيّنة.

و قوم مدهّنون:عليهم آثار النّعم.

و الدّهين من الإبل:النّاقة البكيئة القليلة اللّبن الّتي يمرى ضرعها فلا يدرّ قطرة؛و الجمع:دهن،و قد دهنت و دهنت تدهن دهانة.

و فحل دهين:لا يكاد يلقح أصلا،كأنّ ذلك لقلّة مائه،و إذا ألقح في أوّل قرعه فهو قبيس.

و رجل دهين:ضعيف.يقال:أتيت بأمر دهين.

و الدّهان:الجلد الأحمر،أو الأملس.

و الدّهناء:عشبة حمراء،لها ورق عراض يدبغ به.

و الدّهناء:موضع كلّه رمل،و النّسبة إليه دهناويّ.

و الدّهن:شجرة سوء كالدّفلى.

و المداهنة و الإدهان:المصانعة و اللّين،و قيل:

المداهنة:المواراة،و الإدهان:الغشّ،و دهن الرّجل،إذا نافق.و في حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«لا تداهنوا فيهجم بكم الإدهان على المعصية». (1)

و دهن غلامه،إذا ضربه،و دهنه بالعصا يدهنه دهنا:ضربه بها.

2-و استعمل المولّدون«الدّهن»في معنى التّلوين فقالوا:دهن الجدار،أي لوّنه،و الأصل فيه-كما تقدّم- طلاء الشّيء بما يغطّيه و يستره من زيت أو لون أو قطران أو طين أو غير ذلك،فظنّوا أنّ الطّلاء هو اللّون.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا الاسم:(الدّهن)و(الدّهان)، و مزيدا من الإفعال المضارع:(تدهن)(يدهنون)، و اسم الفاعل:(مدهنون)كلّ منها مرّة،في 4 آيات:

أ-الإدهان:

1- فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ* وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ القلم:8،9

2- أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ الواقعة:81

ب-الدّهن و الدّهان:

3- وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ المؤمنون:20

4- فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ

الرّحمن:37

و يلاحظ أوّلا أنّ في كلّ منها بحوثا:

ففي(1):

1-قالوا في معنى تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ: تلين

ص: 235


1- نهج البلاغة:الخطبة:86.

لهم فيلينون لك،تطابقهم فيطابقونك،تصانعهم فيصانعونك،لو تكفر فيكفرون،ترخّص لهم فيرخّصون لك،لو تركن إلى آلهتهم و تترك ما أنت عليه من الحقّ فيمالئونك،تصانعهم في دينك فيصانعون في دينهم،ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم،لو تكذب فيكذبون،لو أدهنت عن هذا الأمر فأدهنوا معك،أن تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك،لو تكفروا فيتمادّون على كفرهم،لو تضعف فيضعفون،لو تنافق و ترائي فينافقون و يراءون،لو تحابّهم فيحابّوك،لو تداهن و تدين لهم في دينك فيلينون في أديانهم،لو تقاربهم فيقاربوك،لو تركن إلى عبادة الأوثان فيمالئونك،تترك بعض ما أنت عليه ممّا لا يرضونه مصانعة لهم فيفعلوا مثل ذلك،و يتركوا بعض ما لا ترضى فتلين لهم و يلينون لك،و نحوها.

و معلوم أنّها تفسير بالملازمات و المرادفات.و قد ذكر الطّبريّ منها التّكذيب و التّرخيص،ثمّ قال:

«و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال:معنى ذلك:ودّ هؤلاء المشركون يا محمّد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إيّاهم إلى الرّكون إلى آلهتهم فيلينونك في عبادتك إلهك كما قال جلّ ثناؤه: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً الإسراء:74...».

و قال ابن العربيّ:«ذكر المفسّرون فيها نحو عشرة أقوال كلّها دعاوى على اللّغة و المعنى،و أمثلها قولهم:

ودّوا لو تكذب فيكذبون،ودّوا لو تكفر فيكفرون...».

و القرطبيّ ذكر الأقوال،ثمّ قال:«و كلّها إن شاء اللّه صحيحة على مقتضى اللّغة،فإنّ الإدهان:اللّين و المصانعة،و قيل:مجاملة العدوّ:ممايلته،و قيل:

المقاربة في الكلام و التّليين في القول».

2-و ذكروا في مناسبتها للّغة و في الفرق بينها و بين«المداراة»ما يأتي:

فقال الطّبريّ:«و إنّما هو مأخوذ من الدّهن، و شبّه التّليين في القول بتليين الدّهن».

و قال ابن عطيّة:«و الإدهان:الملاينة فيما لا يحلّ، و المداراة:الملاينة فيما يحلّ».

و قال ابن العربيّ:«قال أهل اللّغة:الإدهان هو التّلبيس،معناه:ودّوا لو تلبّس إليهم في عملهم و عقدهم فيميلوا إليك.و حقيقة الإدهان:إظهار المقاربة مع الاعتقاد للعداوة،فإن كانت المقاربة باللّين فهي مداهنة،و إن كانت مع سلامة الدّين فهي مداراة، أي مدافعة».

و قال البروسويّ:«(لو)للتّمنّي،و الإدهان في الأصل مثل التّدهين،و اشتقاقهما من«الدّهن»لكن جعل عبارة عن الملاينة و ترك الجدّ.

و التّركيب يدلّ على لين و سهولة و قلّة،و المعنى أحبّوا لو تلاينهم و تسامحهم في بعض الأمور و ترك الدّعوة فَيُدْهِنُونَ، أي فهم يداهنونك حينئذ بترك الطّعن-إلى أن قال:-قال بعضهم:لا توافقهم في الظّاهر كما لا توافقهم في الباطن،فإنّ موافقة الظّاهر إثر موافقة الباطن و كذا المخالفة،و إلاّ كان نفاقا سريع الزّوال و مصانعة و شيكة الانفصال.و أمّا هم فلانهماكهم في الرّذائل و تعمّقهم في التّلوّن، و الاختلاف،لتشعّب أهوائهم و تفرّق أمانيّهم

ص: 236

يصانعون و يضمّون تلك الرّذيلة إلى رذيلتهم،طمعا في مداهنتك معهم و مصانعتك إيّاهم.

قال بعضهم:المداهنة بيع الدّين بالدّنيا فهي من السّيّئات،و المداراة بيع الدّنيا بالدّين فهي من الحسنات.و يقال:الإدهان:الملاينة لمن لا ينبغي له ذلك،و هو لا ينافي الأمر بالمداراة،كما قال عليه السّلام:

«أمرت بمداراة النّاس كما أمرت بالتّبليغ».

قال الإمام الغزاليّ في«الإحياء»:الفرق بين المداراة و المداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء،فإن أغضيت لسلامة دينك و لما ترى فيه من إصلاح أخيك بالإغضاء فأنت مدار،و إن أغضيت لحظّ نفسك و اجتلاب شهواتك و سلامة جاهك فأنت مداهن».

و قال الطّباطبائيّ:«الإدهان من الدّهن،يراد به التّليين،أي ودّ و أحبّ هؤلاء المكذّبون أن تلينهم بالاقتراب منهم في دينك فيلينوك بالاقتراب منك في دينهم.و محصّله أنّهم ودّوا أن تصالحهم و يصالحوك على أن يتسامح كلّ منكم بعض المسامحة في دين الآخر».

و قال ابن عاشور:«و فعل تُدْهِنُ مشتقّ من الإدهان،و هو الملاينة و المصانعة،و حقيقة هذا الفعل أن يجعل لشيء دهنا:إمّا لتليينه و إمّا لتلوينه،و من هذين المعنيين تفرّعت معاني الإدهان-كما أشار إليه الرّاغب-أي ودّوا منك أن تدهن لهم فيدهنوا لك،أي لو تواجههم بحسن المعاملة فيواجهونك بمثلها...».

و قال الخطيب:«أصل الإدهان:المداراة، و الملاطفة،و طلاء الأمر بطلاء زائف،حتّى يقبل تحت هذا الزّيف».

3-و في مناسبتها لما قبلها و ما بعدها: فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ* وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ* وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ، و في إعرابها و محتواها أيضا قال أبو السّعود-و نحوه الآلوسيّ-:«إنّه تعليل للنّهي أو للانتهاء،و إنّما عبّر عنها بالطّاعة للمبالغة في الزّجر و التّنفير،أي أحبّوا لو تلاينهم و تسامحهم في بعض الأمور. فَيُدْهِنُونَ، أي فهم يدهنون حينئذ،أو فهم الآن يدهنون طمعا في إدهانك.و قيل:هو معطوف على تُدْهِنُ داخل في حيّز(لو).و المعنى:ودّوا لو يدهنون عقيب إدهانك.و يأباه ما سيأتي من بدئهم بالإدهان،على أنّ إدهانهم أمر محقّق لا يناسب إدخاله تحت التّمنّي».ثمّ ذكر أنّ المعتبر من جانبهم حقيقة الإدهان،و من جانبه عليه السّلام إظهار الملاينة فقط-إلى أن قال:-و في بعض المصاحف(فيدهنوا)على أنّه جواب التّمنّي المفهوم من وَدُّوا، أو أنّ ما بعده حكاية لودادتهم.و قيل:على أنّه عطف على تُدْهِنُ بناء على أنّ(لو)بمنزلة«ان»النّاصبة فلا يكون لها جواب،و ينسبك منها و ممّا بعدها مصدر يقع مفعولا ل وَدُّوا كأنّه قيل:ودّوا أن تدهن فيدهنوا.و قيل:

(لو)على حقيقتها،و جوابها محذوف،و كذا مفعول وَدُّوا، أي ودّوا إدهانك لو تدهن فيدهنوا لسرّوا بذلك».

و قال ابن عاشور في الآية:«إنّها بيان لمتعلّق الطّاعة المنهيّ عنها،و لذلك فصلت و لم تعطف-إلى أن قال:-و الفاء في فَيُدْهِنُونَ للعطف،و التّسبّب عن

ص: 237

جملة لَوْ تُدْهِنُ جوابا لمعنى التّمنّي المدلول عليه بفعل وَدُّوا بل قصد بيان سبب ودادتهم ذلك، فلذلك لم ينصب الفعل بعد الفاء بإضمار(ان)،لأنّ فاء المتسبّب كافية في إفادة ذلك،فالكلام بتقدير مبتدإ محذوف،تقديره:فهم يدهنون».ثمّ أطال الكلام في إعرابها،و في حرف(لو)أنّها شرطيّة،أو تكون حرفا مصدريّا مثل(ان)،ثمّ في مفعول وَدُّوا فلاحظ.

و قبلهما قال ابن عطيّة:«و قوله تعالى:

فَيُدْهِنُونَ معطوف و ليس بجواب لأنّه كان ينصب».

و قال الزّمخشريّ:«فإن قلت:لم رفع فَيُدْهِنُونَ، و لم ينصب بإضمار(ان)و هو جواب التّمنّي؟

قلت:قد عدل به إلى طريق آخر،و هو أن جعل خبر مبتدإ محذوف،أي فهم يدهنون كقوله تعالى:

فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ الجنّ:13،على معنى:

ودّوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ.أو ودّوا إدهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في إدهانك.قال سيبويه:

و زعم هارون أنّها في بعض المصاحف(ودّوا لو تدهن فيدهنوا)».

و قال البيضاويّ:«و الفاء للسّببيّة أي ودّوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ-و ذكر مثل الزّمخشريّ ثمّ قال:-و في بعض المصاحف:(فيدهنوا)على أنّه جواب التّمنّي».

و قد حكى أبو حيّان عن هارون(فيدهنوا)ثمّ قال:

«و لنصبه وجهان:أحدهما:أنّه جواب(ودّوا)لتضمّنه معنى«ليت».و الثّاني:أنّه على توهّم أنّه نطق ب«أن»، أي ودّوا أن تدهن فيدهنوا فيكون عطفا على التّوهّم، و لا يجيء هذا الوجه إلاّ على قول من جعل(لو) مصدريّة بمعنى(أن)».

و قال الخطيب أيضا: «فَيُدْهِنُونَ خبر لمبتدإ محذوف،تقديره:فهم يدهنون...».

و قال الطّباطبائيّ بعد كلامه السّابق:«و بما تقدّم ظهر أنّ متعلّق مودّتهم مجموع لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ، و أنّ الفاء في فَيُدْهِنُونَ للتّفريع لا للسّببيّة».

و قد بسط فضل اللّه رضي اللّه عنه-فقد توفّي قبل أيّام-الكلام فيما يتمنّونه من النّبيّ بسطا،و قال بعده:

«و في ضوء ذلك فإنّ المسألة تمثّل جانبا كبيرا من الخطورة،و تدفع إلى الكثير من المشاكل الصّعبة الّتي تنعكس على حركة الرّسالة،ممّا يفرض على الرّسول و على الدّعاة من بعده الحذر كلّ الحذر من كلّ العروض الّتي يطرحها الكافرون و المشركون عليهم، في ما قد يوحي بالمهادنة و التّسويات و المرونة العمليّة، حتّى لا يقعوا في المهالك الّتي أعدّوها لهم،على صعيد الرّسالة،و على مستوى الواقع».

4-و ذكر القشيريّ كعادته في الإشارة:«من أصبح عليلا تمنّى أن يكون النّاس كلّهم مرضى،و كذا من وسم بكيّ الهجران ودّ أن يشاركه فيه من عاداه».

5-قال ابن عطيّة في سبب نزولها:«إنّهم قالوا في بعض الأوقات لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:لو عبدت آلهتنا و عظّمتها،لعبدنا إلهك و عظّمناه و ودّوا أن يداهنهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و يميل إلى ما قالوا فيميلوهم أيضا إلى قوله

ص: 238

و دينه».

6-و قد حكى ابن العربيّ أحاديث في جواز المداراة،فلاحظ.

و في(2)قالوا في معنى مُدْهِنُونَ: مكذّبون أنّه ليس كما قال من الجنّة،و النّار،و البعث،و الحساب.

تريدون أن تمالئوهم فيه و تركنوا إليهم.معرضون، كافرون،منافقون في التّصديق به،مداهنون،المدهن:

الّذي لا يفعل ما يحقّ عليه و يدفعه بالعلل.تلينون القول للمكذّبين به ممالأة منكم لهم على التّكذيب به و الكفر،تاركون للحزم في قبول هذا القرآن و التّهاون بأمره،و مداهنة العدوّ و ملاينته مكان ما يجب من مغالظته.و أصله من اللّين و الضّعف،المدهن:الّذي يجري في الباطل على خلاف الظّاهر،كالدّهن في سهولة ذلك عليه و الإسراع فيه...و نحوها.و كثير منها تفسير باللاّزم.

و في(3): وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ...

عطف على ما قبله: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ* فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ* وَ شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ، أي فأنشأنا لكم بالماء شجرة تخرج من طور سيناء...و المراد بهذه الشّجرة:شجرة الزّيتون.

و قال الطّبرسيّ(ج:4،ص:103):و خصّت بالذّكر لما فيها من العبرة بأنّه لا يتعاهدها إنسان بالسّقي،و هي تخرج الثّمرة الّتي يكون منها الدّهن الّذي تعظم به المنفعة-إلى أن قال:- تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ، أي تنبت ثمرها بالدّهن،لأنّه يعصر من الزّيتون الزّيت وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ. و الصّبغ ما يصطبغ به من الأدم؛و ذلك أنّ الخبز يلوّن بالصّبغ إذا غمس فيه...».

لاحظ:ن ب ت:«تنبت»،و:ص ب غ:«صبغ».

و في(4): فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ.

قال الطّبرسيّ(ج:5،ص:205):«يعني يوم القيامة إذا تصدّعت السّماء،و انفكّ بعضها من بعض، فَكانَتْ وَرْدَةً أي فصارت حمراء كلون الفرس الورد،و هو الأبيض الّذي يضرب إلى الحمرة أو الصّفرة،فيكون في الشّتاء أحمر،و في الرّبيع أصفر،و في اشتداد البرد أغبر،سبحان خالقها و المصرف لها كيف يشاء.و الوردة واحدة الورد فشبّه السّماء يوم القيامة في اختلاف ألوانها بذلك.و قيل:أراد به وردة النّبات و هي حمراء،و قد تختلف ألوانها و لكن الأغلب في ألوانها الحمرة فتصير السّماء كالوردة في الاحمرار،ثمّ تجري كَالدِّهانِ، و هو جمع:الدّهن عند انقضاء الأمر،و تناهي المدّة.

قال الحسن:هي كالدّهان الّتي يصبّ بعضها على بعض بألوان مختلفة.قال الفرّاء:شبّه تلوّن السّماء بتلوّن الوردة من الخيل.و شبّه الوردة في اختلاف ألوانها بالدّهن و اختلاف ألوانه.و هو قول مجاهد و الضّحّاك و قتادة.و قيل:(الدهان:)الأديم الأحمر؛ و جمعه:أدهنة،عن الكلبيّ.و قيل:هو عكر الزّيت يتلوّن ألوانا،عن عطاء بن أبي رباح».لاحظ:ش ق ق:

ص: 239

«انشقّت»،و:ورد:«وردة».

و يلاحظ ثانيا:أنّ الآيات كلّها مكّيّة،محتواها تكذيب المشركين القرآن في(1 و 2)،و أوصاف نعماء اللّه في(3)،و البعث في(4)،و كلّها مضامين مكّيّة و إن كرّرت في المدنيّات.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الزّيت: اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ... النّور:35

ص: 240

د ه ى

اشارة

أدهى

لفظ واحد،مرّة واحدة في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الدّهو و الدّهي:لغتان في الدّهاء.يقال:

دهوته و دهيته دهوا و دهيا،فهو مدهوّ و مدهيّ.

و دهوته و دهيته:نسبته إلى الدّهاء.

و رجل داهية:منكر بصير بالأمور.

و تدهّى فلان:فعل فعل الدّهاة.

و كلّما أصابك منكر من وجه المأمن،أو ختلت عن أمر،فقد دهيت.

و الدّهياء:الدّاهية من شدائد الدّهر.[ثمّ استشهد بشعر](4:76)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الدّهيّ:العاقل.و يقال:هو داه و ده،و دهيّ.

و ما دهاك،أي ما أصابك؟(الأزهريّ 6:386)

ابن بزرج:دهي الرّجل و دهى،و هو يدهى و يدهو،كلّ ذلك للرّجل الدّاهية.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:غرب دهي،أي ضخم.(الأزهريّ 6:386)

اللّحيانيّ:دها فلان يدها و يدهو دهاء و دهاءة، و دهي يدهى دهاء و دهيا،و إنّه لداه،و دهيّ و ده.

فمن قال:داه،قال:من قوم دهاة.و من قال:دهيّ، قال:من قوم أدهياء.و من قال:ده،قال:من قوم دهين،مثل عمين.(الأزهريّ 6:386)

ابن السّكّيت:يقال:داهية دهياء،و داهية دهواء.(إصلاح المنطق:139)

المبرّد:داهية،يعني حجّة داهى بها القوم.(1:64)

ثعلب:إنّ الدّاهية نفسها لم توضع للمدح خاصّة، و لكنّها تطلق على الخير و الشّرّ إذا جاوز الحدّ في الدّهي،كما قال اللّه عزّ و جلّ: ...وَ السّاعَةُ أَدْهى وَ أَمَرُّ القمر:46.(ابن الشّجريّ 2:49)

الزّجّاج:أدهيت فلانا:وجدته داهيا.

(فعلت و أفعلت:47)

ابن دريد:الدّهي:مصدر:دهي الرّجل يدهى دهيا و دهاء،إذا صار داهيا.

ص: 241

و قد سمّت العرب:دهيّا.

قال أبو زيد:دهيت الرّجل فأنا أدهاه دهيا،و ذلك أن تعيبه و تغتاله و تنقّصه.و أدهيت الرّجل،إذا وجدته داهيا.

و بنو دهيّ:بطن من العرب.(2:307)

الصّاحب:الدّهي و الدّهو:لغتان في الدّهاء، دهوته و دهيته،فهو مدهيّ و مدهوّ.

و رجل داهية:منكر.

و تدهّى الرّجل.

و دهيت،أي ختلت عن أمر.

و الدّهياء:الدّاهية من شدائد الدّهر.

و يقولون:دهى فلان يدهى دهيا،و يدهو دهاء و دهاة،و دهي يدهى،و دهو يدهو؛و إنّه لداه و دهيّ و ده

فجمع الدّاهي:دهاة،و جمع الدّهيّ:أدهياء، و جمع ده:دهون.

و أدهيت الرّجل:وجدته داهية.

و يقولون:إلاّ ده فلا ده،أي إن لم يكن هذا الأمر لم يكن غيره.

و داهية دهويّة،أي شديدة،و دهواء و دهياء.

و ما أدهيت إلاّ على نفسك بالدّال،أي ما أبقيت إلاّ عليها،و المعروف أرهيت.(4:46)

الخطّابيّ:أدهت،إذا جاء ولدها داهيا.(1:705)

الجوهريّ:الدّاهية:الأمر العظيم.

و دواهي الدّهر:ما يصيب النّاس من عظيم نوبه و حوادثه.

قال ابن السّكّيت:دهته داهية دهياء و دهواء، و هو توكيد لها.

و الدّهي،ساكنة الهاء:النّكر،و جودة الرّأي.

يقال:رجل داهية بيّن الدّهي.

و الدّهاء ممدود،و الهمزة فيه منقلبة من الياء لا من الواو،و هما دهياوان.

و ما دهاك،أي ما أصابك؟(6:2344)

ابن فارس:الدّال و الهاء و الحرف المعتلّ يدلّ على إصابة الشّيء بالشّيء بما لا يسرّ.يقال:ما دهاه، أي ما أصابه؟لا يقال ذلك إلاّ فيما يسوء.و دواهي الدّهر:ما أصاب الإنسان من عظائم نوبه.

و الدّهي:النّكر،و جودة الرّأي.و هو من الباب، لأنّه يصيب برأيه ما يريده(2:305)

الثّعالبيّ:إذا كان الرّجل ذا رأي و تجربة،فهو داهية.(164)

ابن سيده:الدّهي،و الدّهاء:الإرب.

و رجل داه و داهية،-الهاء للمبالغة-:عاقل.

و الدّاهية:الأمر المنكر،و قوله:هي الدّاهية الدّهياء،بالغوا بها.

و كلّ ما أصابك من منكر من وجه المأمن،فقد دهاك دهيا.و أمر ده:داه.

و دهي الرّجل دهيا و دهاء،و تدهّى:فعل فعل الدّهاة.

و دهاه دهيا و دهّاه:نسبه إلى الدّهاء.

و أدهى الرّجل:وجده داهية.

و دهاه يدهاه دهيا:عابه و تنقّصه.

ص: 242

و بنو دهي:بطن.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(4:376)

الزّمخشريّ:ما دهاك؟و فلان مدهيّ.

و كثرت دواهي الدّهر.

و داهية دهياء.

و من المجاز:هو داهية من الدّواهي،إذا كان بصيرا بالأمور منكرا.

و رجل داه و دهيّ و ده بوزن شج.

و قوم دهاة و أدهياء و دها و دهو و دهي.و فيه دهاء و دهي.(أساس البلاغة:138)

الفيّوميّ:الدّاهية:النّائبة و النّازلة،و الجمع:

الدّواهي،و هي اسم فاعل من:دهاه الأمر يدهاه،إذا نزل به.و داهية دهياء،و دهواء؛عن ابن السّكّيت.

(1:202)

الفيروزآباديّ:الدّهي و الدّهاء:النّكر،و جودة الرّأي،و الأدب.

و رجل داه و ده و داهية؛جمعه:دهاة و دهون،و قد دهي كرضي دهيا و دهاء و دهاءة.

و تدهّى:فعل فعل الدّهاة.و دهاه دهيا،و دهّاه:

نسبه إلى الدّهاء أو عابه و تنقّصه أو أصابه بداهية، و هي الأمر العظيم.

و الدّهيّ كغنيّ:العاقل؛جمعه:أدهية و دهواء.

و الدّاهي:الأسد.

و داهية دهواء و دهويّة بالضّمّ:شديدة جدّا.

و يوم دهو بالفتح:من أيّامهم(4:331)

الطّريحيّ:في الخبر«كان رجلا دهياء»،أي فطنا جيّد الرّأي.(1:152)

مجمع اللّغة:دهاه يدهاه دهيا:أصابه بشرّ.

و الدّاهيّة:النّازلة من الشّدائد،تصيب الإنسان.

و أدهى:اسم تفضيل من الدّهي أي أشدّ إصابة بالأذى،أو هو«أفعل»من الدّاهية،أي أبلغ في باب الدّواهي و الشّدائد(1:407)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دهى فلانا:عابه،أو أصابه بداهية.

و رجل داهية:شديد البصر بالأمور.

و أدهى:أفعل تفضيل بمعنى أشدّ إصابة بالأذى.

(193)

المصطفويّ:و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو حدوث أمر على خلاف الجريان الطّبيعيّ المتوقّع،و إن شئت فقل:تحوّل حادث على سبيل الاحتيال،و على خلاف الاعتدال.و من مصاديق هذا الأصل:النّكر و الاحتيال و المكر في الرّأي؛بحيث يظهر أثره و يحدث،و يتوجّه إلى جانب في الخارج.

و منها:حدوث تحوّل و حادثة خارقة خارجة عن الاعتدال،كالنّائبة و النّازلة العظيمة،و المصائب الواردة و ما يصيب الإنسان من النّؤب.

و أمّا العقل و البصائر و الرّأي الجيّد:فليست بإطلاقها بمفاهيم حقيقيّة للمادّة،بل بقيد الاحتيال و النّكر.

فالفرق بين هذه المادّة و الاحتيال و المكر و النّائبة:

أنّ قيد العظمة و الشّدّة مأخوذ فيها،و يلازمها الظّهور

ص: 243

و التّأثير في الخارج.و أيضا أنّ الدّهي أعمّ من أن ينسب إلى إنسان أو إلى أمر آخر.(3:266)

النّصوص التّفسيريّة

بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَ السّاعَةُ أَدْهى وَ أَمَرُّ.

القمر:46

ابن عبّاس:أعظم.(450)

مقاتل:يعنى أفظع.(4:184)

الفرّاء:أشدّ عليهم من عذاب يوم بدر.(3:110)

الزّجّاج:أي أشدّ،و كلّ داهية فمعناها الأمر الشّديد الّذي لا يهتدى لدوائه.(5:92)

القمّيّ:أي أشدّ و أغلظ و أمرّ.(2:342)

الثّعلبيّ:أعظم بليّة و أشدّ مرارة من عذاب يوم بدر.(9:170)

نحوه البغويّ(4:327)،و الميبديّ(9:395).

الطّوسيّ:الأدهى:الأعظم في الدّهاء.و الدّهاء:

عظم سبب الضّرر مع شدّة انزعاج النّفس،و هو من الدّاهيّة؛و جمعه:دواه.

و الدّاهية:البليّة الّتي ليس في إزالتها حيلة، و المراد ما يجري عليهم من القتل و الأسر عاجلا، لا يخلصهم من عذاب الآخرة،بل عذاب الآخرة أدهى و أمرّ.(9:459)

نحوه الطّبرسيّ.(5:194)

الواحديّ:أعظم في الضّرّ و أفظع من الدّهاء و هو النّكر و الفظاعة.(4:213)

الزّمخشريّ:أشدّ و أفظع.و الدّاهية:الأمر المنكر الّذي لا يهتدى لدوائه.(4:41)

نحوه البيضاويّ(2:439)،و النّسفيّ(4:206)، و القاسميّ(15:5605).

ابن عطيّة:«أفعل»من الدّاهية،و هي الرّزيّة العظمى تنزل بالمرء.(5:221)

الفخر الرّازيّ:أدهى من أيّ شيء؟

نقول:يحتمل وجهين:

أحدهما:ما مضى من أنواع عذاب الدّنيا.

ثانيهما:أدهى الدّواهي،فلا داهية مثلها.

(29:68)

القرطبيّ:من الدّاهية،و هي الأمر العظيم.يقال:

دهاه أمر كذا،أي أصابه دهوا و دهيا.(17:146)

الشّربينيّ:أي من كلّ ما يفرض وقوعه في الدّنيا.و أَدْهى أفعل تفضيل من الدّاهية،و هي أمر هائل لا يهتدى لدوائه،فهي أمر عظيم.يقال:دهاه أمر كذا،أي أصابه دهوا و دهيا.(4:153)

أبو السّعود:أي في أقصى غاية من الفظاعة و المرارة.و الدّاهية:الأمر الفظيع الّذي لا يهتدى إلى الخلاص عنه.(6:171)

نحوه البروسويّ(9:282)،و الآلوسيّ(27:

93)،و الطّباطبائيّ(19:84).

ابن عاشور: أَدْهى: اسم تفضيل،من دهاه إذا أصابه بداهية،أي السّاعة أشدّ إصابة بداهية الخلود في النّار،من داهية عذاب الدّنيا بالقتل و الأسر.(27:203)

المصطفويّ:أي حادثة عظيمة نازلة و نائبة

ص: 244

شديدة واردة خارقة،متوجّهة إلى النّاس.(3:266)

مكارم الشّيرازيّ: أَدْهى من مادّة«دهو» و«دهاء»بمعنى المصيبة و الكارثة العظيمة،و الّتي لا مخرج منها و لا نجاة،و لا علاج لها.و تأتي أيضا بمعنى الذّكاء الشّديد،إلاّ أنّ المقصود منها في الآية الكريمة هو المعنى الأوّل.(17:317)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّهاء:العقل،و هو الدّهي و الدّهو أيضا،و قد دهي فلان يدهى و يدهو دهاء و دهاءة و دهيا،فهو داه من قوم دهاة،و دهي يدهى دهى،فهو ده من قوم دهين،و دهو يدهو دهاءة، فهو دهيّ من قوم أدهياء و دهواء.

و رجل داه و داهية:عاقل؛الهاء للمبالغة،و دهيته دهيا،و دهوته دهوا:نسبته إلى الدّهاء،فهو مدهيّ و مدهوّ،و دهّاه:نسبه إلى الدّهاء أيضا،و أدهاه:

وجده داهيا و داهية.

و دهي الرّجل يدهى دهيا و دهاء،و تدهّى:فعل فعل الدّهاة و صار داهيا،و هو يدهى و يدهي و يدهو.

و الدّهي:النّكر و جودة الرّأي.يقال:رجل داهية بيّن الدّهي و الدّهاء،أي منكر بصير بالأمور،و هما دهياوان.و في حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«و اللّه ما معاوية بأدهى منّي،و لكنّه يغدر و يفجر،و لو لا كراهية الغدر،لكنت من أدهى النّاس». (1)

و الدّاهية:الأمر المنكر العظيم.يقال:داهية دهياء و دهواء،مبالغة فيها،و هي داهية دهويّة.و دواهي الدّهر:ما يصيب النّاس من عظيم نوبه.

و دهته داهية و دهواء،توكيد.يقال:ما دهاك،أي ما أصابك؟و قد دهيت.

و دهاه دهوا:ختله،و دهاه يدهاه دهيا:عابه و تنقّصه،و أمر ده:داه،كلّ ذلك على التّشبيه.

و غرب دهي:ضخم،تشبيها بالدّاهية.

2-تداخلت الواو و الياء في لام هذه المادّة،فتارة يقال:داهية دهياء،و دهي يدهى،و أخرى داهية دهواء،و دهي يدهو.

و حاول الزّبيديّ أن يميّز بعضها عن بعض،و لكنّه أخفق في ذلك؛إذ لفّق بينهما في«د ه ي»عند شرح قول الفيروزآباديّ:دهاه دهيا و دهاء:أصابه بداهية، و هي الأمر العظيم،فقال:«الدّهيّ:العاقل؛و الجمع:

أدهية و دهواء»!

و جعل الجوهريّ همزة الدّهاء ياء،و ثنّاه لإظهارها فقال:«هما دهياوان»،و لو كانت همزته واوا لظهرت،فيقال:هما دهوان،نحو:دلوان.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسم التّفضيل(ادهى)مرّة في آية:

بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَ السّاعَةُ أَدْهى وَ أَمَرُّ

القمر:46

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها بحوثا:

1-قالوا في معنى أَدْهى وَ أَمَرُّ: أعظم،أفظع،

ص: 245


1- -نهج البلاغة-الخطبة:200.

أشدّ عليهم من عذاب يوم بدر،فكلّ داهية فمعناها الأمرّ الشّديد الّذي لا يهتدى لدوائه،أشدّ و أغلظ و أمرّ،أعظم بليّة و أشدّ مرارة من عذاب يوم بدر، الأدهى:الأعظم في الدّهاء،و الدّهاء:عظم سبب الضّرر مع شدّة انزعاج النّفس،و هو من الدّاهية؛ و جمعه دواه،و الدّاهية البليّة الّتي ليس في إزالتها حيلة،و المراد ما يجري عليهم من القتل و الأسر عاجلا لا يخلصهم من عذاب الآخرة أدهى و أمرّ،أعظم في الضّرّ و أفظع من الدّهاء،و هو النّكر و الفظاعة،أفعل من الدّاهية،و هي الرّزيّة العظمى تنزل بالمرء،أدهى من أيّ شيء ممّا مضى من أنواع عذاب الدّنيا،أو أدهى الدّواهي فلا داعية مثلها،أي أدهى من كلّ ما يفرض وقوعه في الدّنيا،و أَدْهى أفعل تفضيل من الدّاهية، و هي أمر هائل لا يهتدى لدوامه فهي أمر عظيم،في أقصى غاية من الفظاعة و المرارة،السّاعة أشدّ إصابة بداهية الخلود في النّار من داهية عذاب الدّنيا بالقتل و الأسر و نحوهما،المصيبة و الكارثة العظيمة،و الّتي لا مخرج منها و لا نجاة و لا علاج لها،و نحوها.

2-قال مكارم الشّيرازيّ-بعد ما ذكر المصيبة الكارثة...-«و تأتي أيضا بمعنى الذّكاء الشّديد،إلاّ أنّ المقصود منها في الآية الكريمة هو المعنى الأوّل».

3-قال الطّبرسيّ(ج:5:ص:194)في تفسير الآية بعد بيان مفرداتها،كما سبق خلال تفسير أَدْهى وَ أَمَرُّ «و المعنى أنّ ما يجري عليهم من القتل و الأسر يوم بدر و غيره لا يخلصهم من عقاب الآخرة بل عذاب الآخرة،أعظم في الضّرر و أفظع و أَمَرُّ أي أشدّ مرارة من القتل و الأسر في الدّنيا.و قيل:«الأمرّ» الأشدّ في استمرار البلاء،لأنّ أصل«المرّ»النّفوذ».

4-و يبدو منه و من غيره أنّ اللّه شبّه أوّلا عذاب الآخرة بما هو أعظم مصيبة،و ثانيا بما هو أعظم مرارة.

و الأوّل ما يتحمّله الإنسان من الشّدائد في جسده و عمله،و الثّاني ما يتحمّله في مأكله و مشربه.

5-و قد ظهر بما ذكرنا أنّه لا وجه لتقييد الأشدّ بعذاب يوم بدر في كلام بعضهم لأنّ الآية مكّيّة،و لم تقع غزوة بدر قبل نزولها.

و ثانيا:الآية من عداد ما أنذر اللّه به المشركين من العذاب في مكّة،و هي كثيرة في السّور المكّيّة،و سورة القمر كلّها من هذا القبيل،و قد بدأت بذكر السّاعة اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ، و كرّرت اَلسّاعَةُ فيها ثلاث مرّات:مرّة في أوّلها،و مرّتين في آخرها:

46، بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَ السّاعَةُ أَدْهى وَ أَمَرُّ.

و ليس فيها آية تبشير سوى في آخرها:54 و 55، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ نَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

النّكر فَانْطَلَقا حَتّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً

الكهف:74

ص: 246

د و ر

اشارة

14 لفظا،55 مرّة:26 مكّيّة،29 مدنيّة

في 27 سورة:14 مكّيّة،13 مدنيّة.

تدور 1:-1

تديرونها 1:-1

دائرة 3:-3

الدّوائر 1:-1

دار 10:9-1

الدّار 16:9-7

داره 1:1

دارهم 4:3-1

داركم 1:1

الدّيار 1:1

ديارهم 10:2-8

دياركم 4:-4

ديارنا 1:-1

ديّارا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الدّوّاريّ:الدّهر الدّوّار بالنّاس.و يقال:

دار دورة واحدة،و هي المرّة الواحدة يدورها.

و الدّور قد يكون مصدرا في الشّعر،و يكون لوثا واحدا من دور العمامة،و دور الحبل بالشّيء.

و الدّوار:أن يأخذ الإنسان في رأسه كهيئة الدّوران،تقول:دير به،أي غشي عليه.

و الدّوار:صنم كانت العرب تنصبه،يجعلون موضعا حوله يدورون فيه؛و اسم ذلك الصّنم و الموضع:الدّوار.و يثقّل في لغة،فيقال:دوّار،و يقال:

دوار.

و المدار:موضع للشّيء الّذي تدير به،كالحبل تديره على شيء،و موضعه من ذلك الشّيء:مدار.

و المدار يكون كالدوران فيجعل اسما نحو مدار الفلك.

و الدّائرة:الحلقة،و الشّيء المستدير.

و الدّارة:دارة القمر.و كلّ موضع يدار به شيء يحجزه فاسمه:دارة،نحو الدّارات الّتي تتّخذ في المباطح و نحوها،يجعلون فيها الحمر و نحوها.

و الدّائرة:الدّولة.يقال:الدّوائر تدور،و الدّوائل

ص: 247

تدول.

و الدّار:كلّ موضع حلّ به قوم فهو دارهم.

و أمّا الدّار:فاسم جامع للعرصة و البناء و المحلّة؛ و ثلاث أدؤر.و جاءت الهمزة،لأنّ الألف الّتي كانت في الدّار صارت في«أفعل»في موضع تحرّك،فألقي عليها الصّرف بعينها،و لم تردّ إلى أصلها،فانهمزت.

و مداورة الشّئون:معالجتها.

و الدّوارة:من أدوات النّقّاش و النّجّار،لها شعبتان تنضمّان و تنفرجان،لتقدير الدّارات.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](8:56)

سيبويه:سألت الخليل عن تحقير الدّور، فقال:أردّه إلى بناء أقلّ العدد،لأنّي إنّما أريد تقليل العدد،فإذا أردت أن أقلّله و أحقّره صرت إلى بناء الأقلّ؛و ذلك قولك:أديئر،فإن لم تفعل فحقّرها على الواحد و ألحق تاء الجمع؛و ذلك لأنّك تردّه إلى الاسم الّذي هو لأقلّ العدد.(3:490)

اللّيث:و الدّير:دير النّصارى،و صاحبه الّذي يسكنه و يعمره:ديرانيّ و ديّار.

و يقال:ما بالدّار ديّار،أي ما بها أحد،و هو «فيعال»من دار يدور.

و مداورة الشّئون:معالجتها.

(الأزهريّ 14:154)

الكسائيّ:دير بالرّجل و أدير به،من دوار الرّأس.(الأزهريّ 14:155)

أبو عمرو الشّيبانيّ:يقال:ما لفلان دائرة،إذا لم يحكم أمره.(1:242)

الدّيّر:مستقرّ الرّجل إذا شالت.(1:247)

تديّرت المكان،إذا اتّخذته دائرا.(1:248)

المدورة،من الإبل:الّتي يدور فيها الرّاعي يحلبها.(1:252)

دورهم منّا رئاء؛أي منتهى الصّوت و مرأى العين.

(1:308)

الفرّاء:يقال:دار،و ديار،و دور.و في الجمع القليل:أدور و أدؤر،و ديران؛و يقال:آدر على القلب.

و يقال:دير و ديرة،و أديار،و ديران و دارات و ديرة، و دور،و دوران،و أدوار،و دوار،و أدورة.

(الأزهريّ 14:153)

أبو عبيدة:دوائر الخيل:ثماني عشرة دائرة.يكره منها الهقعة،و هي الّتي تكون في عرض زوره،و دائرة القالع هي الّتي تكون تحت اللّبد،و دائرة النّاخس هي الّتي تكون تحت الجاعرتين إلى الفائلتين،و دائرة اللّطاة في وسط الجبهة،و ليست تكره إذا كانت واحدة.

فإن كان هناك دائرتان،قالوا:فرس نطيح،و هي مكروهة،و ما سوى هذه الدّوائر غير مكروهة، و دائرة رأس الإنسان:الشّعر الّذي يستدير على القرن.(الأزهريّ 14:155)

أبو زيد:المفرق:مجرى فرق الشّعر من الجبين إلى الدّائرة.و تسمّى:الدّوّارة،و الدّوّارة الّتي وسط الرّأس.(الحربيّ 2:347)

الأصمعيّ:الدّارة:رمل مستدير وسطها فجوة، و هي الدّورة.(الأزهريّ 14:154)

الدّاريّ:الّذي لا يبرح،و لا يطلب معاشا.[ثمّ

ص: 248

استشهد بشعر](الأزهريّ 14:155)

ابن الأعرابيّ:الدّير:الدّارات في الرّمل.

(الأزهريّ 14:153)

يقال:دوّارة و قوّارة:لكلّ ما لم يتحرّك و لم يدر، فإذا تحرّك و دار فهو دوّارة و نوّارة.

و الدّائرة الّتي تحت الأنف يقال لها:دوّارة و دائرة و ديّرة.(الأزهريّ 14:155)

يقال للرّجل إذا رأس أصحابه:هو رأس الدّير.

(الجوهريّ 2:661)

ابن السّكيت:يقال:ديم به و دير به سواء،و أديم بي و أدير به،و هو الدّوام و الدّوار،إذا دار رأسه.

(115)

يقال:أنا أدوّر حول ذلك الأمر،و أنا أحوّط حول ذلك الأمر،و أنا أحوّض حول ذلك الأمر،كلّ ذلك سواء(إصلاح المنطق:423)

كراع النّمل:و الدّوّار،و الدّوّار:من أسماء البيت الحرام.(ابن سيده 9:418)

و دارة:من أسماء الدّاهية،معرفة،و لا تنصرف.

(ابن سيده 9:420)

ابن دريد:الدّور:مصدر دار يدور دورا و دورانا.

و الدّوار:نصب من أنصاب الجاهليّة،كانوا يدورون حوله كالطّواف.(2:258)

و الدّار معروفة،يقال:هذه دار القوم و دارتهم،و دار ماء بين البصرة و البحرين.

و بعض العرب يجمع الدّار:ديرانا،كما جمعوا النّار نيرانا،و الجار جيرانا،و الفار فيرانا.

و بنو الدّار:بطن من العرب.

و دارة جلجل:موضع،و هي خمس دارات،منه:

دارة جلجل،و دارة مأسل.

و الدّير:معروف و يجمع أديارا و ديرانا.

(3:241)

الأزهريّ:الأصمعيّ:الدّارة:رمل مستدير وسطها فجوة و هي الدّورة.

و قال غيره:هي الدّورة و الدّوارة و الدّيّرة،و ربّما قعدوا فيها و شربوا.و يقال للدّار:دارة.

و المدارات:أزر فيها دارات وشي.

و الدّاريّ:العطّار.يقال:إنّه نسب إلى«دارين».

يقال:اقشعرّت دائرته،و دائرة الحافر:ما أحاط به من الثّنن.

و يقال:أدرت فلانا على الأمر،و ألصته عليه،إذا حاولت إلزامه إيّاه،و أدرته عن الأمر إذا طلبت منه تركه،و منه قوله:

يديرونني عن سالم و أديرهم

و جلدة بين العين و الأنف سالم

و في الحديث:«أ لا أنبّئكم بخير دور الأنصار:دور بني النّجّار،ثمّ دور بني عبد الأشهل،و في كلّ دور الأنصار خير»،و الدّور هاهنا قبائل اجتمعت كلّ قبيلة في محلّة،فسمّيت المحلّة دارا.

و في حديث آخر:«ما بقيت دار إلاّ بني فيها مسجد»،أي ما بقيت قبيلة.(14:154)

الصّاحب:الدّوّاريّ:الدّهر يدور بالنّاس حالا عن حال.

ص: 249

و الدّوران:مصدر دار يدور؛و الدّورة:المرّة الواحدة.

و دور العمامة و الحبل و غيرهما،عامّ.

و المدار:يكون موضعا للشّيء الّذي تدير به شيئا، و يكون مصدرا كالدّوران،و اسما كمدار الفلك.

و استدار بالشّيء:أحاط به.

و الدّائرة:شكل مدوّر يحيط به قطع واحد؛و دائرة الرّأس:في وسطه.

يقال:ما تقشعرّ دائرته،إذا لم يجبن.

و الدّائرة:الشّعر الّذي يستدير على الرّأس.

و الدّائرة و الدّوّارة:موضع معظم الماء في البحر.

و الدّوّارة:من أدوات الصّنّاع.

و الدّوار:ما يأخذ الإنسان في رأسه كهيئة الدّوران؛يقال:دير به و أدير به.

و الدّارة:دارة القمر.و كلّ موضع يدار به شيء يحجزه،كدارة الرّمل.

و المدار من الغروب:أن يؤخذ جلد فتقوّر أكارعه ثمّ يدار،فلا يكون له طباب.

و المدارة من الدّلاء:العظيمة؛و جمعها:مدارات.

و هي أيضا:أزر فيها وشي مثل الدّارات.

و أمّا الدّار فاسم جامع للعرصة و المحلّة و البناء، و يقولون:دارة أيضا.

و كلّ بناء مرتفع:دارة.

و جمع الدّار:ديرة و دور و ديار.

و تديّرت:أي تبوّأت دارا.

و الدّار:القبيلة،يقولون:ما في بني فلان دار أفضل من دور بني فلان.و في الحديث:«أ لا أنبّئكم بخير دور الأنصار:دار بني النّجّار».

و مرّت بنا دار بني فلان أي جماعتهم.

و الدّوار:صنم كانت العرب تنصبه،و تثقّل الواو منه أيضا.

و المدوّر:صاحب الدّوّار للصّنم.

و التّدورة:قطعة من الرّمل مستديرة.

و الدّيّرة:المكان المستدير المرتفع،و كذلك الدّيّر و الدّوّارة و الدّورة.

و الدّائرة:ما استدار من الرّمل،و جمعها دوائر.

و الدّوّار:الحائط المبنيّ المستدير.

و دوّارة الورك:الّذي يدور فيه رأس الفخذ.

و الدّوّار:اسم واد.

و ذو دوران أيضا:واد.

و ما بها دوريّ،أي أحد،و داريّ.

و الدّاريّ:الّذي يقيم أكثر دهره في منزله.

و أصحاب الإبل:داريون.

و العطّار نسب إلى«دارين»و هي بلدة العطر.

و الملاّح أيضا.

و الدّور:فرجة تكون بين الكثبان.

و الدّوّارة:مكان يستنقع فيه الماء،و ينبت العضاه و يستدير.

و يقولون:هو شرّ ما أدارت يمين في شمال،أي ما جعلت.

و فلان يدور على أربع نسوة أي يرعاهنّ.

و داورت الرّجل على الأمر،أي زاولته.و أدرته

ص: 250

عليه،إذا حاولت إلزامه إيّاه.و داورت الأمور:طلبت وجوه مأتاها.

الدّير للنّصارى:معروف،و صاحبه الّذي يسكنه ديرانيّ و ديّار.و ما بها ديّار و لا ديّور،أي أحد.

و التّديّر:من قولك تديّرت دارا أي تبوّأتها.

(9:340)

الجوهريّ:الدّار:مؤنّثة،و إنّما قال اللّه تعالى:

وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ النّحل:30،فذكّر على معنى المثوى و الموضع،كما قال: نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً الكهف:31،فأنّث على المعنى.

و أدنى العدد:أدؤر،فالهمزة فيه مبدلة من واو مضمومة،و لك أن لا تهمز.

و الكثير:ديار مثل جبل و أجبل و جبال؛و دور أيضا،مثل أسد و أسد.

و الدّارة:أخصّ من الدّار.

و الدّارة:الّتي حول القمر،و هي الهالة.

و يقال:ما بها دوريّ و ما بها ديّار،أي أحد،و هو «فيعال»من درت.و أصله:ديوار،فالواو إذا وقعت بعد ياء ساكنة قبلها فتحة،قلبت ياء و أدغمت،مثل أيّام و قيّام.

و دار الشّيء يدور دورا و دورانا،و أداره غيره و دوّر به.

و تدوير الشّيء:جعله مدوّرا.

و المداورة كالمعالجة.

و الدّوّاريّ:الدّهر يدور بالإنسان أحوالا.

و الدّاريّ:العطّار،و هو منسوب إلى«دارين»:

فرضة بالبحرين فيها سوق،كان يحمل إليها مسك من ناحية الهند.و فى الحديث:«مثل الجليس الصّالح مثل الدّاريّ إن لم يحذك من عطره علقك من ريحه».

و الدّاريّ أيضا:ربّ النّعم،سمّي بذلك لأنّه مقيم في داره،فنسب إليها.

و الدّائرة:واحدة الدّوائر.يقال:في الفرس ثماني عشرة دائرة.

و الدّائرة:الهزيمة.يقال:عليهم دائرة السّوء.

و المدارة:جلد يدار و يخرز على هيئة الدّلو فيستقى بها.

و دوار بالضّمّ:صنم،و قد يفتح.

و الدّوار أيضا من دوار الرّأس.يقال:دير بالرّجل،و أدير به.

و دير النّصارى،أصله الواو؛و الجمع:أديار.

و الدّيرانيّ:صاحب الدّير.[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](2:659)

ابن فارس:الدّال و الواو و الرّاء أصل واحد، يدلّ على إحداق الشّيء بالشّيء من حواليه.يقال:

دار يدور دورانا.

و الدّوّاريّ:الدّهر،لأنّه يدور بالنّاس أحوالا.

و الدّوار،مثقّل و مخفّف:حجر كان يؤخذ من الحرم إلى ناحية و يطاف به،و يقولون:هو من جوار الكعبة الّتي يطاف بها.

و الدّوار في الرّأس،هو من الباب.يقال:دير به و أدير به،فهو مدور به و مدار به.

و الدّائرة في حلق الفرس:شعيرات تدور،و هي

ص: 251

معروفة.

و يقال:دارت بهم الدّوائر،أي الحالات المكروهة أحدقت بهم.

و الدّار:أصلها الواو،و الدّار:القبيلة.قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«أ لا أنبّئكم بخير دور الأنصار؟»أراد بذلك القبائل.و من ذلك الحديث الآخر:«فلم تبق دار إلاّ بني فيها مسجد»أي لم تبق قبيلة.

و الدّاريّ:العطّار.قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«مثل الجليس الصّالح كمثل الدّاريّ إن لم يحذك من عطره علقك من ريحه»أراد العطّار.و إنّما سمّي داريّا من الدّار،أي هو يسكن الدّار.

و الدّاريّ:الرّجل المقيم في داره،لا يكاد يبرح.

و الدّارة:أرض سهلة تدور بها جبال،و في بلاد العرب منها دارات كثيرة.

و أصل الدّار دارة.و قال في جمع دارة:دارات:

تربّص فإن تقو المروراة منهم

و داراتها لا تقو منهم إذا نخل

و دارات العرب المشهورة:دارة جلجل،و دارة السّلم،و دارة وشحى،و دارة صلصل،و دارة مأسل، و دارة خنزر،و دارة الدّور،و دارة الجأب،و دارة يمعون،و دارة مكمن،و دارة رهبى،و دارة جودات، و دارة الأرآم،و دارة الرّها،و دارة تيل،و دارة الصّفائح،و دارة هضب القليب،و دارة صارة،و دارة دمّون،و دارة رمح،و دارة الملكة،و دارة ملحوب، و دارة محصر،و دارة أهوى،و دارة الجمد،و دارة رمرم،و دارة قرح،و دارة اليعضيد،و دارة الخرج، و دارة ردم،و دارة جدّى،و دارة النّصاب.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](2:310)

الهرويّ:و في الحديث:«إنّ أسامة بن زيد قال له في حجّته:أين تنزل غدا؟قال:و هل ترك لنا عقيل من دار؟!»إنّما قال ذلك،لأنّ عقيلا كان باع دار بني عبد المطّلب،و ذلك لأنّه ورث أبا طالب و لم يرثه عليّ و جعفر،لتقدّم إسلامهما موت أبيهما،فلمّا ورثها باعها،و لم يكن لرسول اللّه فيها مورث،لأنّ أبا عبد اللّه ملك و أبوه عبد المطّلب حيّ و هلك أكبر أولاده، و لم يعقبوا،فحاز رباعه أبو طالب،و حاز ما بعده عقيل.[و فيه نظر]

و في الحديث:«إنّ الزّمان قد استدار كهيئة يوم خلق السّماوات و الأرض»أي دار،يقال:دار و استدار،بمعنى واحد.(2:657)

الثّعالبيّ:[في تفصيل أسماء الأمراض]

الدّوار:أن يكون الإنسان كأنّه يدار به،و تظلم عينه،و يهمّ بالسّقوط.(145)

ابن سيده:دار الشّيء دورا،و دورانا،و دءورا؛ و أدار،و استدار،و أدرته أنا،و دوّرته،و درت به.

و أدرت:استدرت.

و داوره مداورة و دوارا:دار معه.

و الدّهر دوّار بالإنسان،و دوّاريّ:أي دائر به، على إضافة الشّيء إلى نفسه،هذا قول اللّغويّين.قال الفارسيّ:هو على لفظ النّسب و ليس بنسب،و نظيره بختيّ و كرسيّ،و من الصّفات أعجميّ في معنى أعجم.

و الدّوار و الدّوّار:كالدّوران يأخذ في الرّأس.

ص: 252

و دير به و عليه؛و أدير به:أخذه الدّوار.

و دوّارة الرّأس،و دوّارته:طائفة مستديرة منه.

و دوّارة البطن،و دوّارته،عن ثعلب:ما تحوّى من أمعاء الشّاة.

و الدّائرة و الدّارة،كلاهما:ما أحاط بالشّيء.

و دارة الرّمل:ما استدار منه؛و الجمع:دارات و دور.

و الدّارة:كلّ أرض واسعة بين جبال؛و جمعها:

دور،و دارات.

قال أبو حنيفة:و هي تعدّ من بطون الأرض المنبتة.

و قال الأصمعيّ:هي الجوبة الواسعة تحفّها الجبال.

و للعرب دارات قد أبنت جميعها في«الكتاب المخصّص».

و الدّيّرة من الرّمل:كالدّارة؛و الجمع:ديّر، و كذلك التّدورة.

و التّدورة:المجلس،عن السّيرافيّ.

و الدّائرة:الحلقة.

و الدّائرة في العروض:هي الّتي حصر الخليل بها الشّطور،لأنّها على شكل الدّائرة الّتي هي الحلقة، و هي خمس دوائر:

الدّائرة الأولى:فيها ثلاثة أبواب:الطّويل، و المديد،و البسيط.

و الدّائرة الثّانية:فيها بابان:الوافر،و الكامل.

و الدّائرة الثّالثة:فيها ثلاثة أبواب:الهزج، و الرّجز،و الرّمل.

و الدّائرة الرّابعة:فيها ستّة أبواب:السّريع، و المنسرح،و الخفيف،و المضارع،و المقتضب،و المجتثّ.

و الخامسة:فيها المتقارب فقط.

و الدّائرة:الشّعر المستدير على قرن الإنسان،قال ابن الأعرابيّ:هو موضع الذّؤابة.

و من أمثالهم:«ما اقشعرّت له دائرتي»يضرب مثلا لمن يتهدّدك بالأمر لا يضرّك.

و في الفرس دوائر كثيرة:كدائرة القالع،و النّاطح، و قد أبنتها أيضا هنالك.

و دارت عليه الدّوائر،أي نزلت به الدّواهي.

و قوله تعالى: وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ التّوبة:

98،قيل:الموت،أو القتل.

و الدّوّار:مستدار رمل تدور حوله الوحش.

و الدّائرة:خشبة تركز في وسط الكدس تدور بها البقر.و الدّوّار،و الدّوّار و الدّوار:صنم كان يدار به، و يسمّى الموضع الّذي هو فيه:دوّارا.

و الدّار:المحلّ يجمع البناء و العرصة؛أنثى.قال ابن جنّيّ:هي من دار يدور،لكثرة حركات النّاس فيها؛ و الجمع:أدور،و أدؤر،الإتمام للفرق بينه و بين«أفعل» و الهمزة لكراهة الضّمّة على الواو.و آدر على القلب، حكاها الفارسيّ عن أبي الحسن.

و ديار،و ديارة،و ديارات،و ديران،و دور، و دورات،حكاها سيبويه في باب جمع الجمع في قسم السّلامة.

و الدّارة:لغة في الدّار.

و الدّار:البلد،حكى سيبويه:هذه الدّار نعمت البلد؛فأنّث البلد على معنى الدّار.و الدّار:اسم لمدينة

ص: 253

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و في التّنزيل: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ الحشر:9.

و ما بالدّار دوريّ،و لا ديّار،و لا ديّور،على إبدال الياء من الواو،أي ما بها أحد.لا يستعمل إلاّ في النّفي.

و جمع الدّيّار و الدّيّور-لو كسّر-دواور،صحّت الواو لبعدها من الطّرف.

و الدّاريّ:اللاّزم لداره،لا يبرح،و لا يطلب معاشا.

و بعير داريّ:متخلّف عن الإبل في مبركه، و كذلك الشّاة.

و الدّاريّ:الملاّح الّذي يلي الشّراع.

و أداره عن الأمر،و عليه،و داوره:لاوصه.

و دار:موضع.

و ابن دارة:رجل من فرسان العرب،و في المثل:

*محا السّيف ما قال ابن دارة أجمعا*

و عبد الدّار:بطن من قريش،النّسب إليه عبدريّ،قال سيبويه:هو من الإضافة الّتي أخذ فيها من لفظ الأوّل و الثّاني،كما أدخلت في السّبطر حروف السّبط.قال أبو الحسن:كأنّهم صاغوا من عبد الدّار اسما على صيغة جعفر،ثمّ وقعت الإضافة إليه.

و دارين:موضع ترفأ إليه السّفن الّتي فيها المسك و غير ذلك،فنسبوا المسك إليه.و سأل كسرى عن دارين متى كانت؟فلم يجد أحدا يخبره عنها،إلاّ أنّهم قالوا:هي عتيقة بالفارسيّة فسمّيت بها.

و داران:موضع.قال سيبويه:إنّما اعتلّت الواو فيه،لأنّهم جعلوا الزّيادة في آخره بمنزلة ما في آخره الهاء،و جعلوه معتلاّ كاعتلاله و لا زيادة فيه،و إلاّ فقد كان حكمه أن يصحّ كما صحّ الجولان.

و داراء:موضع.

و دارة الدّور:موضع،و أراهم إنّما بالغوا بها،كما تقول:رملة الرّمال.

و درنا:اسم موضع،سمّي على هذا بالجملة،و قد تقدّم أنّها«فعلى».[و استشهد بالشّعر 9 مرّات]

(9:416)

الرّاغب:الدّار:المنزل اعتبارا بدورانها الّذي لها بالحائط،و قيل:دارة؛و جمعها ديار.

ثمّ تسمّى البلدة دارا،و الصّقع دارا،و الدّنيا كما هي دارا.

و الدّار الدّنيا،و الدّار الآخرة،إشارة إلى المقرّين في النّشأة الأولى،و النّشأة الأخرى.و قيل:دار الدّنيا، و دار الآخرة.

قال تعالى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ الأنعام:

127،أي الجنّة،و دارَ الْبَوارِ إبراهيم:28،أي الجحيم.

قال تعالى: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ البقرة:94،و قال: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ - وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا البقرة:

243-246،و قال: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ الأعراف:145،أي الجحيم.

و قولهم:ما بها ديّار،أي ساكن و هو«فيعال» و لو كان«فعّالا»لقيل:دوّار،كقولهم:قوّال و جوّاز.

ص: 254

و الدّائرة:عبارة عن الخطّ المحيط،يقال:دار يدور دورانا،ثمّ عبّر بها عن المحادثة.

و الدّواري:الدّهر الدّائر بالإنسان؛من حيث إنّه يدور بالإنسان،و لذلك قال الشّاعر:

*و الدّهر بالإنسان دوّاري*

و الدّورة و الدّائرة في المكروه،كما يقال:دولة في المحبوب،و قوله تعالى: نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ المائدة:52،و الدّوّار:صنم كانوا يطوفون حوله.

و الدّاريّ:المنسوب إلى الدّار،و خصّص بالعطّار تخصيص الهالكيّ بالقين،قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«مثل الجليس الصّالح كمثل الدّاري».

و يقال للازم الدّار:داريّ.

و قوله تعالى: وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ التّوبة:98،أي يحيط بهم السّوء إحاطة الدّائرة بمن فيها،فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه.

و قوله تعالى: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ البقرة:282،أي تتداولونها و تتعاطونها من غير تأجيل.(174)

الزّمخشريّ:داروا حوله و استداروا.

و استدار القمر،و قمر مستدير:مستنير.

و أداره و دوّره.

و أدار العمامة على رأسه.

و انفسخ دور عمامته و أدوارها.

و دارت به دوائر الزّمان،و هي صروفه.

و يتربّص بكم الدّوائر.

و سوّى الدّائرة بالدّوارة و هي الفرجار.

و الفلك دوّار.

و الدّهر بالنّاس دوّاريّ:يدور بأحواله المختلفة.

و دار الفلك في مداره.

و دير به.و أدير:أصابه الدّوار و هو مدوّر به و مدار به.

و لا تخرج من دائرة الإسلام حتّى يخرج القمر من دارته،و هي هالته.

و تديّرت المكان:اتخذته دارا.

و ما بالدّار ديّار.

و رجل داريّ:لا يبرح داره.

و بعير داريّ و شاة دارية:لا زمان للدّار، لا يرعيان مع المواشي.

«و مثل الجليس الصّالح كمثل الدّاريّ»و هو العطّار نسب إلى«دارين».

و نزلنا في دارة من دارات العرب،و هي أرض سهلة تحيط بها جبال.

و كلّ موضع يدار به شيء يحجزه،فهو دارة.

و من المجاز:أدرته على هذا الأمر،أي حاولت منه أن يفعله.

و أدرته عنه:حاولت منه أن يتركه.

و داورت الرّجل على الأمر.

و داورت الأمور:طلبت وجوه مأتاها.

و فلان ما تقشعرّ دائرته و ما تقشعرّ شواته إذا لم يجبن،و هي الشّعر الّذي يستدير على الرّأس.

و استدار فلان بما في قلبي:أحاط به.

و فلان يدور على أربع نسوة و يطوف عليهنّ أي

ص: 255

يسوسهنّ و يرعاهنّ.

قال:واحدة أعضلكم أمرها،فكيف لو درت على أربع؟هو عبد سأل مواليه أن يزوّجوه،أي غلبكم أمر واحدة،فكيف لو سألتكم أن تزوّجوني أربعا.

و ما في بني فلان دار أفضل من دور قومك،و هي القبائل،كما قيل:البيوت.

و مرّت بنا دار بني فلان.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:138)

«أ لا أنبّئكم بخير دور الأنصار دور بنى النّجّار ثمّ...».

دور القوم و ديارهم:منازل إقامتهم،و منه قولهم:

ديار ربيعة و ديار مضر للبلاد الّتي أقاموا بها.

و أمّا قولهم:دور بني فلان يريدون:القبائل.

و مرّت بنا دار بني فلان،أي جماعتهم،و كذلك قولهم:بيوت العرب:بيوتاتها،و المراد أحياؤها،و هي في الأصل:الأخبية،فعلى أنّ أصله:أهل الدّور و أهل البيوت،فحذف المضاف و استمرّ على حذفه،كقولهم:

قريش و مضر.(الفائق 1:443)

[في حديث]:«تدور رحا الإسلام في ثلاث و ثلاثين سنة،أو أربع و ثلاثين سنة...».

يقال:دارت رحا الحرب،إذا قامت على ساقها، و المعنى:أنّ الإسلام يمتدّ قيام أمره على سنن الاستقامة،و البعد من أحد أثاث الظّلمة إلى تقضّي هذه المدّة.(الفائق 2:49)

المدينيّ:في حديث الزّيارة:«السّلام عليكم دار قوم مؤمنين».فدلّ على أنّ اسم الدّار من جهة اللّغة يقع على الرّبع العامر المسكون،و على الخراب غير المأهول.و يقال:للعرصة و المحلّة:دار و دارة،و هي من الاستدارة؛و ذلك أنّ الواحد منهم كان يخطّ بطرف رمحه قدر ما يتّخذه دارا،و دار حوله،و لذلك قيل:

الدّار دار و إن زالت حوائطه

و البيت ليس ببيت و هو مهدوم

و الدّار:اسم للمدينة في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ الحشر:9.(1:683)

ابن الأثير:فيه:«أ لا أخبركم بخير دور الأنصار؟ دور بني النّجّار،ثمّ كذا و كذا».الدّور:جمع دار،و هي المنازل المسكونة و المحالّ؛و تجمع أيضا على:ديار، و أراد بها هاهنا:القبائل.

و كلّ قبيلة اجتمعت في محلّة سمّيت تلك المحلّة:

دارا،و سمّي ساكنوها بها مجازا على حذف المضاف، أي أهل الدّور.

و منه الحديث:«ما بقيت دار إلاّ بني فيها مسجد» أي قبيلة.

فأمّا قوله عليه الصّلاة و السّلام:«و هل ترك لنا عقيل من دار»فإنّما يريد به المنزل لا القبيلة.

و منه حديث زيارة القبور:«سلام عليكم دار قوم مؤمنين»سمّى موضع القبور دارا،تشبيها بدار الأحياء لاجتماع الموتى فيها.

و في حديث الشّفاعة:«فأستأذن على ربّي في داره»،أي في حضرة قدسه.و قيل:في جنّته،فإنّ الجنّة تسمّى دار السّلام،و اللّه هو السّلام.

و في حديث أهل النّار:«يحترقون فيها إلاّ دارات

ص: 256

وجوههم».هي جمع دارة،و هو ما يحيط بالوجه من جوانبه،أراد أنّها لا تأكلها النّار،لأنّها محلّ السّجود.

و فيه:«إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّماوات و الأرض».يقال:دار يدور،و استدار يستدير،بمعنى إذا طاف حول الشّيء،و إذا عاد إلى الموضع الّذي ابتدأ منه.

و معنى الحديث:أنّ العرب كانوا يؤخّرون المحرّم إلى صفر،و هو النّسيء،ليقاتلوا فيه،و يفعلون ذلك سنة بعد سنة،فينتقل المحرّم من شهر إلى شهر حتّى يجعلوه في جميع شهور السّنة،فلمّا كانت تلك السّنة كان قد عاد إلى زمنه المخصوص به قبل النّقل،و دارت السّنة كهيئتها الأولى.

و في حديث الإسراء:«قال له موسى عليه السّلام:لقد داورت بني إسرائيل على أدنى من هذا فضعفوا»هو «فاعلت»،من:دار بالشّيء يدور به،إذا طاف حوله.

و يروى:راودت.

و فيه:«فيجعل الدّائرة عليهم»أي الدّولة بالغلبة و النّصر.

و فيه:«مثل الجليس الصّالح مثل الدّاريّ».

الدّاريّ بتشديد الياء:العطّار،قالوا:لأنّه نسب إلى «دارين»،و هو موضع في البحر يؤتى منه بالطّيب.

و منه كلام عليّ رضى اللّه عنه:«كأنّه قلع داريّ»أي شراع منسوب إلى هذا الموضع البحريّ.(2:139)

الفيّوميّ:دار حول البيت يدور دورا و دورانا:

طاف به.

و دوران الفلك:تواتر حركاته بعضها إثر بعض من غير ثبوت و لا استقرار،و منه قولهم:دارت المسألة، أي كلّما تعلّقت بمحلّ توقّف ثبوت الحكم على غيره فينقل إليه،ثمّ يتوقّف على الأوّل و هكذا.

و استدار بمعنى دار.

و الدّار:معروفة،و هي مؤنّثة؛و الجمع:أدور، مثل:أفلس،و تهمز الواو و لا تهمز،و تقلب فيقال:

آدر؛و تجمع أيضا على:ديار و دور.

و الأصل في إطلاق«الدّور»على المواضع،و قد تطلق على القبائل مجازا.

و الدّار:الصّنم،و به سمّي،فقيل:عبد الدّار.

و الدّارة:دارة القمر و غيره،سمّيت بذلك لاستدارتها؛و الجمع:دارات.و دوائر الدّابّة من ذلك؛ الواحدة:دائرة.

و دائرة السّوء:النّائبة تنزل و تهلك؛و الجمع:

الدّوائر أيضا.(1:202)

الفيروزآباديّ:الدّار:المحلّ،يجمع البناء و العرصة،كالدّارة،و قد تذكّر؛جمعه:أدؤر و أدور و آدر و ديار و ديارة و ديران و دوران و دورات و ديارات و أدوار و أدورة،و البلد،و مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و موضع،و القبيلة،كالدّارة.

و بهاء:كلّ أرض واسعة بين جبال،و ما أحاط بالشّيء،كالدّائرة،و من الرّمل:ما استدار منه كالدّيرة و التّدورة؛جمعه:دارات و دور،و بلدة بالخابور،و هالة القمر.

و دارات العرب تنيف على مائة و عشر،لم تجتمع لغيري،مع بحثهم و تنقيرهم عنها،و للّه الحمد.[ثمّ ذكر

ص: 257

الدّارات]

و دار دورا و دورانا و استدار،و أدرته و دوّرته و به،و أدرت:استدرت.

و داوره مداورة و دوارا:دار معه.

و الدّهر دوّار به و دوّاريّ:دائر.

و الدّوار،بالضّمّ و بالفتح:شبه الدّوران يأخذ في الرّأس.و دير به،و عليه،و أدير به:أخذه.

و دوّارة الرّأس كرمّانة،و يفتح:طائفة منه مستديرة،و من البطن:ما تحوّى من أمعاء الشّاة.

و الدّوّار،ككتّان و يضمّ:الكعبة،و صنم، و يخفّف.

و كجبّانة:الفرجار.و بالضّمّ:مستدار رمل يدور حوله الوحش.

و يقال لكلّ ما لم يتحرّك و لم يدر:دوّارة و فوّارة، بفتحهما،فإذا تحرّك أو دار،فهو دوّارة و فوّارة، بضمّهما.

و الدّائرة:الحلقة،و الشّعر المستدير على قرن الإنسان،أو موضع الذّؤابة،و الهزيمة،و الّتي تحت الأنف،كالدّوّارة.

و الدّاريّ:العطّار،منسوب إلى«دارين»،فرضة بالبحرين بها سوق يحمل المسك من الهند إليها،و ربّ النّعم،و الملاّح الّذي يلي الشّراع،و اللاّزم لداره كالدّاريّة،و من الإبل:المتخلّف في مبركه.

و المداورة،كالمعالجة،و كرمّان:موضع.و ككتّان:

سجن باليمامة.

و ابن دارة:من الفرسان.

و الدّار:صنم،به سمّي عبد الدّار...

و«دارين»:موضع بالشّام.

و ذو دوران كحوران:موضع بين قديد و الجحفة.

و دارا:بلدة بين نصيبين و ماردين،بناها دارا بن دار الملك،و قلعة بطبرستان،و واد بديار بني عامر، و ناحية بالبحرين.و يمدّ.

و دار البقر:قريتان بمصر.

و دار عمارة:محلّتان ببغداد شرقيّة و غربيّة.

و دار القطن محلّة بها،منها الإمام أبو الحسن عليّ بن عمر،و محلّة بحلب،منها عمر بن عليّ بن قشام،ذو التّصانيف الكثيرة المبسوطة في الفنون.

و درنى:موضع،و موضع ذكرها النّون.

و ما به داريّ و ديّار و دوّريّ و ديّور:أحد.

و أداره عن الأمر،و عليه،و داوره:لاوصه.

و دارة،معرفة:الدّاهية.

و المدارة:جلد يدار و يخرز،و يستقى به،و إزار موشّى.

و دوّره:جعله مدوّرا.

و الدّودرى،كضوطرى:الجارية القصيرة.

و الدّويرة:بلدة بالرّيف،و موضع سكنه حسّون بن الهيثم المقرئ الدّويّريّ.

و كصحيفة:قرية بنيسابور،منها محمّد بن عبد اللّه بن يوسف بن خرشيد.

و الدّور،بالضّمّ:قريتان بين سرّ من رأى و تكريت،عليا و سفلى،منها محمّد بن الفرّخان بن روزبه،و ناحية من دجيل،و محلّة قرب مشهد أبي

ص: 258

حنيفة،منها محمّد بن مخلد بن حفص،و محلّة بنيسابور،منها أبو عبد اللّه الدّوريّ،و بلدة بالأهواز، و موضع بالبادية.

و الدّورة بهاء:قرية بين القدس و الخليل،منها بنو الدّوريّ قوم بمصر.

و دوران:موضع،و بفتح الدّال و الواو مشدّدة:

قرية بالصّلح.و داريّا:قرية بالشّام،و النّسبة:دارانيّ، على غير قياس.

و تدورة:دارة بين جبال.

و المدورة من الإبل:الّتي يدور فيها الرّاعي و يحلبها،أخرجت على الأصل.(2:32)

مجمع اللّغة:دار يدور دورا و دورانا:تحوّل و جال مع التفات.

أداره و دوّره:جعله دائرا.

و الدّائرة:الهزيمة و الشّدّة من شدائد الدّهر،سمّيت بذلك لإحاطتها بمن تنزل به؛و جمعها:دوائر.

و الدّار:المنزل المبنيّ،و الموضع الّذي يسكنه النّاس،يقال:ديار بكر لبلادهم؛و جمع دار:ديار.

هذا،و يراد بالدّار الآخرة:محلّ الحياة الثّانية.

و دار الخلد و دار المقامة و دار السّلام:الجنّة.

و دار الفاسقين:أرض العمالقة بالشّام.

الدّيّار بتشديد الياء:من يسكن الدّار،أو من يتحرّك و يدور.(1:408)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دار يدور:تحرّك و عاد إلى حيث بدأ حركته.

و داوره:دار معه أو جادله.

و أدار الشّيء:تولّى إدارته و تنظيمه.

و الدّار:المحلّ و المسكن.

و دار السّلام:الجنّة،و الدّار الآخرة:دار القرار بعد الموت.

و الدّيّار:من يسكن الدّار،أو من يدور و يتحرّك في الأرض ذهابا و إيابا.

و يقال:ما بالدّار ديّار،أي لا أحد فيها.

و أصابته دائرة:نزلت به نائبة من صروف الدّهر، و هي ما يحيط بالنّاس إحاطة الدّائرة.

و دائرة السّوء:ما يسوء من صروف الأيّام.

و يتربّص بالعدوّ الدّوائر:ينتظر ما يدور به الزّمان من المصائب الّتي تحيط به،من هزائم و نكبات.(194)

العدنانيّ:أديار و ديورة

و يجمعون كلمة«دير»على:أديرة و ديور.

و الصّواب:أديار؛التّاج و مدّ القاموس و الوسيط؛ و ديورة:المصباح و مدّ القاموس و الوسيط.

و صاحبه الّذي يسكنه و يعمره:ديّار،و ديرانيّ،على غير قياس.(معجم الأخطاء الشّائعة:94)

محمود شيت:[نحو ما تقدّم و أضاف:]

الدّائرة:في علم الرّياضة شكل مستو محدود بخطّ منحن،جميع نقطه على أبعاد متساوية من نقطة داخليّة.

الدّائرة:ما أحاط بالشّيء،و الحلقة،و الهزيمة؛ جمعه:دوائر،و مقرّ تدار فيه شئون المزرعة.[إلى أن قال:]

الدّور:النّوبة؛جمعه:أدوار.

الدّورة في المكروه:الدّائرة.

ص: 259

و الدّورة الدّمويّة:دوران الدّم من الأوردة إلى الشّرايين،و من الشّرايين إلى الأوردة.

الدّورة:المجلس النّيابيّ:مدّة انعقاده في السّنة.

الدّوريّة:العسس يطوفون ليلا.

المدار:موضع الدّوران.

و مدار الأمر:ما يجري عليه غالبا.

المدير:من يتولّى تصريف أمر من الأمور.

المديريّة:الإقليم،على رأسه مدير.

داوره:عالج أمره بأساليب عدّة.

داور القائد الأعداء:عالجهم بخطط عدّة.

الدّائرة:المقرّ تدار فيه شئون العسكريّين.

و تستعمل«الدّائرة»غالبا في الجيش للمقرّات الإداريّة.يقال:دائرة مدير الميرة و التّموين،و دائرة العينة؛جمعه:دوائر.

دار الحرب:بلاد العدوّ.

الدّاريّ:الملاّح الّذي يلي الشّراع.

الدّور:النّوبة.يقال:قضى الجنديّ دوره:نوبته.

الدّورة:الدّفعة.يقال:دورة الهندسة.و دورة المدفعيّة.و دورة الكلّيّة العسكريّة،و دورة مدرسة المشاة.و دورة كلّيّة الأركان.

الدّوريّة:جماعة من العسكريّين واجبهم الحصول على المعلومات.يقال:دوريّة قتال،و دوريّة استطلاع.

المدير:من يتولّى إدارة القضايا الإداريّة في الجيش،يقال:مدير الميرة و التّموين،و مدير العينة، و مدير الإدارة.(1:251)

المصطفويّ:فظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الإحاطة.و توضيح ذلك أنّه قد مرّ في مادّة «حوط»:أنّ الإحاطة يلاحظ فيها جهة الاستيلاء بالرّعاية و التّوجّه،و في الأحداق:بالنّظر،و في الإطافة:جهة الطّواف،و في الاستيلاء:جهة الولاية.

و أمّا الدّور:فيلاحظ فيه:جهة الدّوران من حيث هو و في نفسه،من دون نظر إلى جهة نظر،أو طواف،أو ولاية.

فهذا المعنى مفهوم كلّيّ،له مصاديق خارجيّة و معنويّة،منها:الدّائرة،أي الخطّ الّذي على شكل الدّائرة الهندسيّة،و منها:ما يدور في حلق الفرس من الشّعيرات،و منها:المكاره الّتي تدور على الإنسان، و يقال لها:دائرة السّوء.و التّعبير بالدّائرة،لاتّصالها و عدم تكسّر و انقطاع فيها.

و الدّوّار مبالغة،و كذلك الدّوّاريّ بمعنى الدّهر الّذي يدور على الموجودات.و الدّيّار«فيعال»صفة كالقيدار و البيطار،بمعنى ما يدور،و هو أخصّ من الدّابّة.و الدّار:اسم لما فيه دور،أي محوّطة مخصوصة ظاهرا أو معنى أو اعتبارا،و الإدارة هو جعل أمر في دور و ذا دائرة،و هو كناية عن الاستحكام،و جعله في جريان متّصل.

إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ البقرة:282،أي تجعلونها دائرة و جارية بالدّوران بينكم.

وَ الدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ الأعراف:169، يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ يونس:25، دارُ الْمُتَّقِينَ النّحل:

30، دارُ الْخُلْدِ فصّلت:28، دارُ الْقَرارِ المؤمن:

ص: 260

39، فِي دارِهِمْ الأعراف:78، مِنْ دِيارِكُمْ البقرة:84، مِنْ دِيارِهِمْ البقرة:85، مِنْ دِيارِنا البقرة:246، دارَ الْفاسِقِينَ الأعراف:145، دارَ الْبَوارِ إبراهيم:28، دارَ الْمُقامَةِ فاطر:

35،فالوسع و الضّيق في«الدّار»مربوط على حدود متعلّقها و مقدار ما تنسب و تضاف إليه،و كذلك من جهة كونها محسوسة أو معقولة،دنيويّة أو أخرويّة،و يجمعها ما يدور و يحيط بأيّ عنوان كان:من دائرة الحياة الدّنيا،الحياة الآخرة،دائرة السّلامة،البوار، دائرة الحياة للمتّقين،للفاسقين،و غيرها.

عاقِبَةُ الدّارِ القصص:37، عُقْبَى الدّارِ الرّعد:22، ذِكْرَى الدّارِ ص:46، سُوءُ الدّارِ الرّعد:25-راجع:الخلّص.يراد ما ينتج من تلك الحياة الدّنيويّة و ما يتحصّل فيها و في عاقبتها من خير و سوء.و أمّا ذِكْرَى الدّارِ فمفعول لأجله.

أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ النّساء:66، وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ الممتحنة:9، فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ هود:67، وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ الأحزاب:27، كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ الأنفال:47، وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا البقرة:246، وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ البقرة:85،أي البيوت الخاصّة بهم،أو البلاد و القري الّتي يسكنون فيها،و يقيمون فيها توطّنا.

و أمّا التّعبير بالدّار و الدّيار في هذه الموارد،دون البيت و الحياة و البلد و أمثالها:فإنّ النّظر إلى مجرّد دائرة الحياة من حيث هي،من غير لحاظ جهة بيتوتة، أو حياة،أو غيرهما.(3:279)

النّصوص التّفسيريّة

تدور

أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ...

الأحزاب:19

ابن عبّاس:تتقلّب أعينهم في الجفون.(352)

قتادة:من الخوف.(الطّبريّ 10:275)

الزّجّاج:لأنّهم يحضرون على غير نيّة خير،إلاّ نيّة شرّ.(4:221)

الماورديّ:يحتمل وجهين:

أحدهما:تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتّى لا يصحّ منهم النّظر إلى جهة.

الثّاني:تدور أعينهم لشدّة خوفهم،حذرا أن يأتيهم القتل من كلّ جهة.(4:385)

القشيريّ:إذا جاء الخوف طاشت من الرّعب عقولهم،و طاحت بصائرهم،و تعطّلت عن النّصرة جميع أعضائهم.و إذا ذهب الخوف زيّنوا كلامهم، و قدّموا خداعهم،و احتالوا في أحقاد خسّتهم.أولئك هذه صفاتهم،لم يباشر الإيمان قلوبهم،و لا صدقوا فيما أظهروا من ادّعائهم و استسلامهم.(5:156)

ابن الجوزيّ:أي كدوران عين الّذي يغشى عليه من الموت،و هو الّذي دنا موته،و غشيته أسبابه،فإنّه يخاف و يذهل عقله،و يشخص بصره،فلا يطرف، فكذلك هؤلاء،لأنّهم يخافون القتل.(6:366)

ص: 261

القرطبيّ:وصفهم بالجبن،و كذا سبيل الجبان ينظر يمينا و شمالا محدّدا بصره،و ربّما غشي عليه...

تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتّى لا يصحّ منهم النّظر إلى جهة.و قيل:لشدّة خوفهم حذرا أن يأتيهم القتل من كلّ جهة.(14:153)

الخازن:أي في رءوسهم من الخوف و الجبن.

(5:202)

أبو حيّان: فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ من العدوّ،و توقّع أن يستأصل أهل المدينة،لاذ هؤلاء المنافقون بك، ينظرون نظر الهلوع المختلط النّظر،الّذي يغشى عليه من الموت.

و تَدُورُ في موضع الحال،أي دائرة أعينهم.

كَالَّذِي في موضع الصّفة لمصدر محذوف،و هو مصدر مشبّه،أي دورانا كدوران عين الّذي يغشى عليه،فبعد الكاف محذوفان،و هما:«دوران و عين».

و يجوز أن يكون في موضع الصّفة لمصدر من يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نظرا كنظر الّذي يغشى عليه.

و قيل:إذا جاء الخوف من القتال،و ظهر المسلمون على أعدائهم، رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ في رءوسهم،و تجول و تضطرب رجاء أن يلوح لهم.

(7:220)

الشّربينيّ:فهي إمّا حال ثانية،و إمّا حال من يَنْظُرُونَ يمينا و شمالا بإدارة الطّرف أَعْيُنُهُمْ، أي زائغا رعبا،ثمّ شبّهها في سرعة تقلّبها لغير قصد صحيح،بقوله تعالى: كَالَّذِي أي كدوران عين الّذي يُغْشى عَلَيْهِ مبتدأ غشيانه مِنَ الْمَوْتِ، أي من معالجة سكراته خوفا و لواذا بك؛و ذلك لأنّ قرب الموت و غشية أسبابه تذهب عقله،و تشخص بصره فلا يطرف.(3:232)

نحوه البروسويّ.(7:155)

أبو السّعود: تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ في أحداقهم كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ صفة لمصدر يَنْظُرُونَ أو حال من فاعله أو لمصدر تَدُورُ، أو حال من أَعْيُنُهُمْ أي ينظرون نظرا كائنا كنظر المغشيّ عليه من معالجة سكرات الموت،حذرا و خورا و لواذا بك،أو ينظرون كائنين كالّذي إلخ أو تدور أعينهم دورانا كائنا كدوران عينه،أو تدور أعينهم كائنة كعينه.(5:217)

نحوه الآلوسيّ.(21:165)

ابن عاشور:جملة تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ حال من ضمير يَنْظُرُونَ لتصوير هيئة نظرهم نظر الخائف المذعور الّذي يحدّق بعينيه إلى جهات يحذر أن تأتيه المصائب من إحداها.

و الدّور و الدّوران:حركة جسم رحويّة-أي كحركة الرّحى-منتقل من موضع إلى موضع،فينتهي إلى حيث ابتدأ.و أحسب أنّ هذا الفعل و ما تصرّف منه مشتقّات من اسم«الدّار»،و هي المكان المحدود المحيط بسكّانه؛بحيث يكون حولهم.و منه سمّيت «الدّارة»لكلّ أرض تحيط بها جبال،و قالوا:دارت الرّحى حول قطبها.و سمّوا الصّنم:دوارا-بضمّ الدّال و فتحها-لأنّه يدور به زائروه كالطّواف.و سمّيت الكعبة دوارا أيضا،و سمّوا ما يحيط بالقمر:دارة.

ص: 262

و سمّيت مصيبة الحرب دائرة،لأنّهم تخيّلوها محيطة بالّذي نزلت به،لا يجد منها مفرّا.[ثمّ استشهد بشعر]

فمعنى تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ أنّها تضطرب في أجفانها كحركة الجسم الدّائرة من سرعة تنقلها محملقة إلى الجهات المحيطة.و شبّه نظرهم بنظر الّذي يغشى عليه بسبب النّزع عند الموت،فإنّ عينيه تضطربان.

(21:219)

عبد الكريم الخطيب:تصوير للحال الّتي تستولي على هؤلاء المنافقين و من في قلوبهم مرض، حين تتحرّك أمامهم أشباح الحرب،و تلوح لهم جيوش العدوّ،فكيف يكون حالهم من الفزع و الرّعب،حين يلقون العدوّ،و تسلّ السّيوف و تشرع الرّماح؟إنّهم يموتون بصعقات الخوف،قبل أن يموتوا بضربات السّيوف،و طعنات الرّماح!!(11:674)

تديرونها

...إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها... البقرة:282

الضّحّاك:أمر اللّه أن لا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله،و أمر ما كان يدا بيد أن يشهد عليه صغيرا كان أو كبيرا،و رخّص لهم أن لا يكتبوه.

(الطّبريّ 3:133)

السّدّيّ:معكم بالبلد ترونها فتؤخذ و تعطى فليس على هؤلاء جناح أن لا يكتبوها.

(الطّبريّ 3:133)

الطّبريّ:في قوله: تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ وجهان:

أحدهما:أنّه في موضع صب على أنّه حلّ محل خبر «كان»،و التّجارة الحاضرة اسمها.

و الآخر:أنّه في موضع رفع على إتباع التّجارة الحاضرة،لأنّ خبر النّكرة يتبعها،فيكون تأويله:إلاّ أن تكون تجارة حاضرة دائرة بينكم.(3:132)

نحوه الثّعلبيّ.(2:296)

الماورديّ:يحتمل وجهين:

أحدهما:تتناقلونها من يد إلى يد.

و الثّاني:تكثرون تبايعها في كلّ وقت.(1:357)

البغويّ:معنى الآية:إلاّ أن تكون تجارة حاضرة يدا بيد تديرونها بينكم،ليس فيها أجل.(1:396)

نحوه الخازن.(1:259)

الزّمخشريّ:فإن قلت:ما معنى تِجارَةً حاضِرَةً و سواء أ كانت المبايعة بدين أو بعين فالتّجارة حاضرة؟و ما معنى إدارتها بينهم؟قلت.أريد بالتّجارة ما يتّجر فيه من الأبدال.و معنى إدارتها بينهم:

تعاطيهم إيّاها يدا بيد.

و المعنى:إلاّ أن تتبايعوا بيعا ناجزا يدا بيد،فلا بأس أن لا تكتبوه،لأنّه لا يتوهّم فيه ما يتوهّم في التّداين.

(1:404)

ابن عطيّة:قوله تعالى: تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ يقتضي التّقابض و البينونة بالمقبوض،و لمّا كانت الرّباع و الأرض و كثير من الحيوان لا تقوى البينونة به و لا يعاب عليه،حسن الكتب فيها،و لحقت في ذلك بمبايعة الدّين.(1:383)

نحوه القرطبيّ(3:402)،و أبو حيّان(2:353).

ص: 263

الطّبرسيّ:أي تتناقلونها من يد إلى يد نقدا لا نسيئة.(1:399)

نحوه مغنيّة.(1:449)

الفخر الرّازيّ:و معنى إدارتها بينهم:معاملتهم فيها يدا بيد.(7:127)

نحوه البيضاويّ(1:145)،و الشّربينيّ(1:188)، و أبو السّعود(1:321).

القاسميّ:أي تكثرون إدارتها.(3:722)

ابن عاشور:و قوله: تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ بيان لجملة أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً بل البيان في مثل هذا أقرب منه في قول الشّاعر ممّا أنشده ابن الأعرابي في نوادره.:

إلى اللّه أشكو بالمدينة حاجة

و بالشّام أخرى كيف يلتقيان

إذ جعل صاحب«الكشّاف»:«كيف يلتقيان» بيانا ل«حاجة»و«أخرى»،أو تجعل تُدِيرُونَها صفة ثانية ل تِجارَةً في معنى البيان.و لعلّ فائدة ذكره الإيماء إلى تعليل الرّخصة في ترك الكتابة،لأنّ إدارتها أغنت عن الكتابة.و قيل:الاستثناء متّصل، و المراد بالتّجارة الحاضرة:المؤجّلة إلى أجل قريب، فهي من جملة الدّيون،رخّص فيها ترك الكتابة بها، و هذا بعيد.(2:580)

عبد الكريم الخطيب:إشارة إلى فوريّة التّسليم و القبض،و تبادل البضاعة و ثمنها بين البائع و المشتري.(2:383)

مكارم الشّيرازيّ:«التّجارة الحاضرة»تعني التّعامل النّقدي،و تُدِيرُونَها، تعني الجارية في التّداول،لتوضيح معنى التّجارة الحاضرة.(2:256)

دائرة

1- فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ... المائدة:52

ابن عبّاس:شدّة،فلذلك فنتّخذهم أولياء.(96)

يقولون نخشى أن لا يدوم الأمر لمحمّد.

(النّحّاس 2:322)

مجاهد:نخشى أن تكون الدّائرة لليهود.

(الطّبريّ 4:619)

أي دولة تدور لأعداء المسلمين على المسلمين، فنحتاج إلى نصرتهم.

مثله السّدّيّ و قتادة.(الطّبرسيّ 2:207)

السّدّيّ:الدّائرة:ظهور المشركين عليهم.

(231)

الكلبيّ:نخشى أن يدور الدّهر علينا بمكروه، يعنون الجدب،فلا يميروننا.(الطّبرسيّ 2:207)

أبو عبيدة:أي دولة،و الدّوائر قد تدور،و هي الدّولة،و الدّوائل تدول،و يديل اللّه منه.(1:169)

ابن قتيبة:أي يدور علينا الدّهر بمكروه-يعنون الجدب-فلا يبايعوننا.و نمتار فيهم فلا يميروننا.(144)

نحوه الواحديّ.(2:197)

الطّبريّ:و الصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال:إنّ ذلك من اللّه خبر عن ناس من المنافقين،كانوا يوالون اليهود و النّصارى،و يغشّون المؤمنين،

ص: 264

و يقولون:نخشى أن تدور دوائر،إمّا لليهود و النّصارى،و إمّا لأهل الشّرك من عبدة الأوثان أو غيرهم على أهل الإسلام،أو تنزل بهؤلاء المنافقين نازلة،فيكون بنا إليهم حاجة.(4:619)

الزّجّاج:أي نخشى ألاّ يتمّ الأمر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و معنى دائِرَةٌ، أي يدور الأمر عن حاله الّتي يكون عليها.

(2:181)

النّحّاس:في معناه قولان:

أحدهما:[قول ابن عبّاس]

و القول الآخر:نخشى أن يصيبنا قحط فلا يفضلوا علينا.

و القول الأوّل أشبه بالمعنى،كأنّه من:دارت تدور،أي نخشى أن يدور أمر.و يدلّ عليه قوله جلّ و عزّ: فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ المائدة:52،لأنّ الفتح:النّصر.(2:322)

الثّعلبيّ:دولة،يعني أن يدور الدّهر فنحتاج إلى نصرهم إيّانا،فنحن نواليهم بذلك.(4:76)

نحوه البغويّ.(2:59)

الماورديّ:و الدّائرة:الدّولة،ترجع عمّن انتقلت إليه إلى من كانت له،سمّيت بذلك لأنّها تدور إليه بعد زوالها عنه.(2:47)

الطّوسيّ:و الدّائرة:الدّولة الّتي تحول إلى من كانت له عمّن هي في يديه.(3:551)

الزّمخشريّ:ينكمشون في موالاتهم و يرغبون فيها،و يعتذرون بأنّهم لا يأمنون أن تصيبهم دائرة من دوائر الزّمان،أي صرف من صروفه و دولة من دوله، فيحتاجون إليهم و إلى معونتهم.(1:620)

ابن عطيّة:معناه نازلة من الزّمان و حادثة من الحوادث،تحوجنا إلى موالينا من اليهود.و تسمّى هذه الأمور«دوائر»على قديم الزّمان،من حيث اللّيل و النّهار في دوران،فكأنّ الحادث يدور بدورانها حتّى ينزل فيمن نزل،و منه قول اللّه تعالى: دائِرَةُ السَّوْءِ التّوبة:98،و الفتح:6، وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ التّوبة:98.[ثمّ استشهد بشعر]

و يعضده قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ الزّمان قد استدار».

و فعل عبد اللّه بن أبيّ في هذه النّازلة لم يكن ظاهره مغالبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و لو فعل ذلك لحاربه رسول اللّه، و إنّما كان يظهر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يستبقيهم لنصرة محمّد، و لأنّ ذلك هو الرّأي.و قوله:«إنّي امرؤ أخشى الدّوائر»أي من العرب و ممّن يحارب المدينة و أهلها.

و كان يبطن في ذلك كلّه التّحرّز من النّبيّ و المؤمنين و الفتّ (1)في أعضادهم؛و ذلك هو الّذي أسرّ هو في نفسه،و من معه على نفاقه ممّن يفتضح بعضهم إلى بعض.(2:204)

القرطبيّ:أي يدور الدّهر علينا إمّا بقحط فلا يميروننا و لا يفضلوا علينا،و إمّا أن يظفر اليهود بالمسلمين فلا يدوم الأمر لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.و هذا القول أشبه بالمعنى،كأنّه من:دارت تدور،أي نخشى أن يدور الأمر،و يدلّ عليه قوله عزّ و جلّ: فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ. [ثمّ استشهد بشعر](6:217)!!

ص: 265


1- في الأصل:آلفت!!

النّسفيّ:أي حادثة تدور بالحال الّتي يكونون عليها.(1:288)

الخازن:الدّائرة:من دوائر الدّهر كالدّولة الّتي تدول،و المعنى:يقول المنافقون:إنّما نخالط اليهود لأنّا نخشى أن يدور علينا الدّهر بمكروه،و يعنون بذلك المكروه:الهزيمة في الحرب،و القحط و الجدب،و الحوادث المخوّفة.(2:52)

أبو حيّان:الدّائرة:واحدة الدّوائر،و هي صروف الدّهر و دوله و نوازله.[ثمّ استشهد بشعر](3:506)

الشّربينيّ:أي:مصيبة تحيط بنا،و يدور بها الدّهر علينا،من جدب أو غلبة،و لا يتمّ أمر محمّد، فلا يميرونا.(1:380)

أبو السّعود:و الدّائرة:من الصّفات الغالبة الّتي لا يذكر معها موصوفها،أي تدور علينا دائرة من دوائر الدّهر و دولة من دوله،بأن ينقلب الأمر،و تكون الدّولة للكفّار.و قيل:نخشى أن يصيبنا مكروه من مكاره الدّهر،كالجدب و القحط،فلا يعطونا الميرة و القرض.(2:285)

البروسويّ:[مثل أبي السّعود و أضاف:]

و لعلّهم كانوا يظهرون للمؤمنين أنّهم يريدون بالدّوائر المعنى الأخير،و يضمرون في أنفسهم المعنى الأوّل.(2:403)

الآلوسيّ:الدّائرة:من الصّفات الغالبة الّتي لا يذكر معها موصوفها،و أصلها:داورة،لأنّها من:دار يدور،و معناها لغة-على ما في القاموس-:ما أحاط بالشّيء.و في«شرح الملخّص»إنّ الدّائرة سطح مستو يحيط به خطّ مستدير.[و قد بسط فيه الكلام ثمّ قال:]

و كيفما كان فقد استعيرت لنوائب الزّمان بملاحظة إحاطتها.و قولهم:هذا كان اعتذارا عن الموالاة،أي نخشى أن تدور علينا دائرة من دوائر الدّهر و دولة من دولة،بأن ينقلب الأمر للكفّار و تكون الدّولة لهم على المسلمين،فنحتاج إليهم.قاله مجاهد و قتادة و السّدّيّ.

و عن الكلبيّ:أنّ المعنى:نخشى أن يدور الدّهر علينا بمكروه كالجدب و القحط فلا يميروننا و لا يقرضوننا.و لا يبعد من المنافقين أنّهم يظهرون للمؤمنين أنّهم يريدون«بالدّائرة»ما قاله الكلبيّ، و يضمرون في دوائر قلوبهم ما قاله الجماعة المنبئ عن الشّكّ في أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و قد ردّ اللّه تعالى عليهم عللهم الباطلة،و قطع أطماعهم الفارغة،و بشّر المؤمنين بحصول أمنيتهم،بقوله سبحانه: فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ. (6:158)

القاسميّ:أي:من دوائر الزّمان،و صرف من صروفه،فتكون الدّولة لهم فنحتاج إليهم،فنحن نتحفّظ عن شرّهم.و لا يتفكّرون في أنّ«الدّائرة»ربّما تصيب من يوالونهم.و الدّائرة من الصّفات الغالبة الّتي لا يذكر معها موصوفها.و أصلها:الخطّ المحيط بالسّطح،استعيرت لنوائب الزّمان،بملاحظة إحاطتها و استعمالها في المكروه.و الدّولة ضدّها،و قد ترد بمعنى الدّائرة أيضا،لكنّه قليل.(6:2025)

ابن عاشور:الدّائرة المخشيّة هي خشية انتقاض المسلمين على المنافقين،فيكون هذا القول من

ص: 266

المرض الّذي في قلوبهم.و عن السّدّيّ:أنّه لمّا وقع انهزام يوم أحد فزع المسلمون،و قال بعضهم:نأخذ من اليهود حلفا ليعاضدونا إن ألمّت بنا قاصمة من قريش.و قال رجل:إنّي ذاهب إلى اليهود فلان (1)فآوي إليه و أتهوّد معه.و قال آخر:إنّي ذاهب إلى فلان النّصرانيّ بالشّام فآوي إليه و أتنصّر معه،فنزلت الآية.فيكون المرض هنا ضعف الإيمان و قلّة الثّقة بنصر اللّه.و على هذا فهذه الآية تقدّم نزولها قبل نزول هذه السّورة،فإمّا أعيد نزولها،و إمّا أمر بوضعها في هذا الموضع.

و الظّاهر أنّ قوله: فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ يؤيّد الرّواية الأولى،و يؤيّد محملنا فيها:أنّ القول قول نفسيّ.

و الدّائرة:اسم فاعل من:دار إذا عكس سيره، فالدّائرة تغيّر الحال.و غلب إطلاقها على تغيّر الحال من خير إلى شرّ،و دوائر الدّهر:نوبه و دوله.قال تعالى: وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ التّوبة:98،أي تبدّل حالكم من نصر إلى هزيمة.(5:132)

مغنيّة:الدّائرة:ما أحاط بالشّيء،و المراد بها هنا:ما يدور به الزّمان من المصائب،يقال:دارت عليه الدّوائر،أي نزلت عليه النّوائب و الدّواهي.

كانوا يوالون اليهود الّذين يضمرون العداء للإسلام و المسلمين،و يخطبون ودّهم،و إذا عوتبوا على ذلك قالوا:ما يدرينا أن تدور الأيّام و يضعف الإسلام،و تصير القوّة و الشّوكة لليهود و المشركين على المسلمين،فإذا لم نحتط من الآن لأنفسنا و نتّخذ لنا يدا عندهم،خسرنا كلّ شيء،و دارت علينا دائرة السّوء،و هذا هو المعنى الظّاهر من قوله تعالى: يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ.

(3:71-74)

الطّباطبائيّ:و هي الدّولة تدور عليهم،و كما أنّ الدّائرة من الجائز أن تصيبهم من غير اليهود و النّصارى،فيتأيّدوا بنصرة الطّائفتين بأخذهما أولياء النّصرة،كذلك يجوز أن تصيبهم من نفس اليهود و النّصارى،فينجوا منها باتّخاذهما أولياء المحبّة و الخلطة.(5:369)

عبد الكريم الخطيب:هو ترجمة لهذه التّصوّرات المريضة الّتي يعيش فيها المنافقون.فهم أبدا على خوف و قلق،لا يسكنون إلى أمر،و لا يقيمون على رأي،بل تراهم و أعينهم تدور هنا و هناك،يريدون أن يجمعوا بين الشّيء و نقيضه،حتّى إذا فاتهم هذا لم يفتهم ذاك.

فهم مع المؤمنين،يخشون أن تكون الكرة لأهل الكتاب.و هم مع أهل الكتاب يخشون أن تكون الدّولة للمؤمنين.و لهذا فهم يلبسون الإيمان ظاهرا،ثمّ يوادّون أهل الكتاب باطنا.

و بهذا-كما تصوّر لهم نفوسهم المريضة-يحمون أنفسهم من أيّ أذى يصيبهم من أيّة جبهة غلبت،إذ سرعان ما يتحوّلون إلى الجبهة الأخرى الّتي كانوا قد احتفظوا بمكان لهم فيها.ن.

ص: 267


1- الظّاهر:إلى فلان اليهوديّ...أو إلى اليهوديّ فلان.

فهؤلاء الّذين يوادّون غير المؤمنين،و يلقون بأنفسهم في أهل الكتاب،و يوثّقون صلاتهم بهم،إنّما يفعلون هذا ليكون لهم منه شفيع عند أهل الكتاب،إذا كان لهم الغلب يوما على المؤمنين،فلا يصيبهم من الدّائرة-و هى الهزيمة و ما يلحق أصحابها من أذى- ما يصيب المؤمنين،إذا هم أصابتهم الدّائرة الّتي يتوقّعها المنافقون لهم.(3:1115)

مكارم الشّيرازيّ:و يذكر القرآن الكريم هؤلاء الضّعفاء ذوي النّفوس المريضة،ردّا على تعلّلهم في التّخلّي عن حلفهم مع الغرباء،فيبيّن لهم أنّهم حين يحتملون أن يمسك اليهود و النّصارى يوما بزمام القدرة و السّلطة،يجب أن يحتملوا أيضا أن ينصر اللّه المسلمين فتقع القدرة بأيديهم؛حيث يندم هؤلاء على ما أضمروه في أنفسهم.

إنّ كلمة دائِرَةٌ مشتقّة من المصدر«دور»أي الشّيء الّذي يكون في حالة دوران،و بما أنّ القدرات المادّيّة و الحكومات هي في حالة دوران دائم على طول التّأريخ،لذلك يقال لها:دائرة،كما تطلق هذه الكلمة أيضا على أحداث الحياة المختلفة الّتي تدور حول الأشخاص.(4:36)

فضل اللّه: دائِرَةٌ :الخطّ المحيط بالشّيء، و المراد بها:الدّولة الّتي تتحوّل إلى من كانت له عمّن في يده،و هي تطلق في المكروه باعتبار أنّه يحيط بالإنسان إحاطة الدّائرة بمن فيها،فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه.(8:211)

2- وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. التّوبة:98

ابن عبّاس:الموت و الهلاك عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ منقلبة السّوء و عاقبة السّوء.(165)

السّديّ:و يتربّص بكم الهلاك.(296)

الفرّاء:يعني الموت و القتل.(1:449)

نحوه الزّجّاج.(2:465)

ابن قتيبة:دوائر الزّمان بالمكروه،و دوائر الزّمان:صروفه الّتي تأتي مرّة بالخير و مرّة بالشّرّ.

(191)

نحوه النّحّاس.(3:245)

الطّبريّ:يقول:و ينتظرون بكم الدّوائر أن تدور بها الأيّام و اللّيالي إلى مكروه و مجيء محبوب،و غلبة عدوّ لكم.يقول اللّه تعالى ذكره: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ يقول:جعل اللّه دائرة السّوء عليهم،و نزول المكروه بهم لا عليكم أيّها المؤمنون،و لا بكم.(6:451)

الشّريف الرّضيّ:و هذه استعارة عليهم أيّام السّوء،لأنّ الأيّام و الشّهور قد تسمّى دوائر،على طريق الاستعارة.فليس لأنّها ترجع بأعيانها،و إنّما تعود أشباهها و أمثالها،فشهر كشهر،و يوم كيوم، و ساعة كساعة،و سنة كسنة.يقال:دارت السّنون، و دارت الشّهور،على هذا المعنى.إلاّ أنّ هذه اللّفظة،- أعنى الدّائرة و الدّوائر-قد اختصّ ذكرها بالمواضع المكروهة.فيقال:دارت عليهم الدّوائر،إذا أهلكتهم الأيّام،و أفنتهم الأعوام.

ص: 268

و يقال:دارت لهم الدّنيا،إذا وصفوا بمواتاة الإقبال،و انتظام الأحوال.فكأنّ التّمييز في الخير أو الشّرّ إنّما يقع بقولنا:دارت لهم،و دارت عليهم.(36)

الثّعلبيّ:قال عطا... وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ يعني صروف الزّمان الّتي تأتي مرّة بالخير و مرّة بالشّرّ.

قال:إنّ متى ينقلب الزّمان عليكم فيموت الرّسول و يظهر المشركون.(5:82)

الماورديّ: وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ جمع دائرة، و هي انقلاب النّعمة إلى ضدّها،مأخوذة من«الدّور» و يحتمل تربّصهم الدّوائر وجهين:

أحدهما:في إعلان الكفر و العصيان.

و الثّاني:في انتهاز الفرصة بالانتقام.

عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ ردّ لما أضمروا،و جزاء لما مكروا.(2:394)

الطّوسيّ:و إنّما أضاف«الدّائرة»إلى«السّوء» تأكيدا،كما يقال:عيني رأسه،و شمس النّهار.[إلى أن قال:]

و الدّائرة:جمعها دوائر،و هي العواقب المذمومة.

و قال الفرّاء و الزّجّاج:كانوا يتربّصون بهم الموت و القتل،و إنّما خصّ رفع النّعمة بالدّوائر دون رفع النّقمة،لأنّ النّعمة أغلب و أعمّ،لأنّ كلّ واحد لا يخلو من نعم اللّه،و ليس كذلك النّقمة،لأنّها خاصّة، و النّعمة عامّة.و قد قيل:دارت لهم الدّنيا بخلاف دارت عليهم،ثمّ قال تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ يعني على هؤلاء المنافقين دائرة العذاب و البلاء،في قراءة من قرأ بالضّمّ.(5:329)

نحوه الطّبرسيّ.(3:63)

القشيريّ:خبثت عقائدهم فانتظروا للمسلمين ما تعلّقت به مناهم من حلول المحن بهم،فأبى اللّه إلاّ أن يحيق بهم مكرهم،و لهذا قيل فى المثل:«إذا حفرت لأخيك فوسّع،فربّما يكون ذلك مقيلك».و يقال:من نظر إلى ورائه يوفّق في كثير من تدبيره و رأيه.(3:57)

الواحديّ:ينتظر أن تنقلب الأمور عليكم بموت أو قتل، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ يدور عليهم البلاء و الحزن،فلا يرون في محمّد و دينه إلاّ ما يسوؤهم.

و السّوء بالفتح:الرّداءة و الفساد،و بالضّمّ:الضّرر و المكروه.(2:519)

نحوه الطّباطبائيّ.(9:371)

البغويّ:يعني:صروف الزّمان الّتي تأتي مرّة بالخير و مرّة بالشّرّ.و قال يمان بن رباب:يعني ينقلب الزّمان عليكم فيموت الرّسول و يظهر المشركون، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ: عليهم يدور البلاء و الحزن، و لا يرون في محمّد و دينه إلاّ ما يكرهون و ما يسوءهم.

(2:380)

نحوه الخازن(3:113)،و الشّربينيّ(1:644).

الميبديّ:يقال:فلان يتربّص بي الدّوائر،أي يتمنّى موتي.يقول:ينتظر أن ينقلب الأمر عليكم بموت الرّسول و ظهور المشركين على المؤمنين.و الدّوائر:ما تدور به الأيّام من ألوانها إن شرّ فشرّ و إن خير فخير، فالخير لقوم شرّ.

*مصائب قوم عند قوم فوائد*

عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ، أي عليهم تدور المصائب

ص: 269

و الحروب الّتي يتوقّعون وقوعها في المسلمين.و قيل:

الدّائرة:انقلاب النّعمة إلى ضدّها،و قيل:هي الحاجة، و قيل:هي مصدر كالعاطفة و العافية و العاقبة،و قيل:

هي صفة،أي خلّة تدور و تحيط بالإنسان حتّى لا يكون له منها محيص.(4:195)

الزّمخشريّ:دوائر الزّمان:دوله و عقبه لتذهب غلبتكم عليه،ليتخلّص من إعطاء الصّدقة. عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ دعاء معترض،دعى عليهم بنحو ما دعوا به،كقوله عزّ و جلّ: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ المائدة:64.(2:209)

نحوه أبو السّعود(3:184)،و الآلوسيّ(11:5).

ابن عطيّة:و الدّوائر:المصائب الّتي لا مخلص للإنسان منها،فهي تحيط به كما تحيط الدّائرة.و قد يحتمل أن تشتقّ من:دور الزّمان،و المعنى:ينتظر بكم ما تأتي به الأيّام و تدور به،ثمّ قال على جهة الدّعاء:

عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ و كلّ ما كان بلفظ دعاء من جهة اللّه عزّ و جلّ فإنّما هو بمعنى إيجاب الشّيء،لأنّ اللّه لا يدعو على مخلوقاته و هي في قبضته.و من هذا:

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الهمزة:1،و للمطفّفين،فهي كلّها أحكام تامّة تضمّنها خبره تعالى.(3:73)

الفخر الرّازيّ:يعني الموت و القتل،أي ينتظر أن تنقلب الأمور عليكم بموت الرّسول،و يظهر عليكم المشركون.ثمّ إنّه أعاده إليهم،فقال: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ و الدّائرة يجوز أن تكون واحدة،و يجوز أن تكون صفة غالبة،و هي إنّما تستعمل في آفة تحيط بالإنسان كالدّائرة؛بحيث لا يكون له منها مخلص.(16:166)

القرطبيّ:و الدّوائر:جمع دائرة،و هي الحالة المنقلبة عن النّعمة إلى البليّة،أي يجمعون إلى الجهل بالإنفاق سوء الدّخلة و خبث القلب.(8:234)

البيضاويّ:دوائر الزّمان و نوبه لينقلب الأمر عليكم،فيتخلّص من الإنفاق. عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ اعتراض بالدّعاء عليهم بنحو ما يتربّصون،أو إخبار عن وقوع ما يتربّصون عليهم.و الدّائرة في الأصل مصدر أو اسم فاعل من:دار يدور،سمّي بها عقبة الزّمان.(1:429)

النّسفيّ:أي دوائر الزّمان،و تبدّل الأحوال بدور الأيّام،لتذهب غلبتكم عليه،فيتخلّص من إعطاء الصّدقة. عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ أي عليهم تدور المصائب و الحروب الّتي يتوقّعون وقوعها في المسلمين.

(2:142)

النّيسابوريّ:نوب الزّمان و تصاريفه و دوله، و كأنّها لا تستعمل إلاّ في المكروه،تشبيها بالدّائرة الّتي تحيط بما في ضمنها،بحيث لا يوجد منها مخلص.ثمّ خيّب اللّه ظنونهم بالإسلام و ذويه،بأن دعا عليهم بقوله: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ، و إنّها جملة معترضة، كقوله: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ و السّوء بالفتح:مصدر أضيف إليه الدّائرة للملابسة،كقولك رجل صدق.

(11:9)

أبو حيّان:و الدّوائر،هي المصائب الّتي لا مخلص منها،تحيط به كما تحيط الدّائرة.و قيل:تربّص الدّوائر هنا:موت الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و ظهور الشّرك.

ص: 270

و قوله: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ، دعا معترض، دعاء عليهم بنسبة ما أخبر به عنهم،كقوله: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ و الدّعاء من اللّه هو بمعنى إيجاب الشّيء،لأنّه تعالى لا يدعو على مخلوقاته و هي في قبضته.

و قال الكرمانيّ:عليهم تدور المصائب و الحروب الّتي يتوقّعونها على المسلمين،و هنا وعد للمسلمين و إخبار.و قيل:دعاء،أي قولوا:عليهم دائرة السّوء، أي المكروه.

و حقيقة الدّائرة:ما تدور به الأيّام،و قيل:يدور به الفلك في سيره.و الدّوائر:انقلاب النّعمة إلى ضدّها.

و في«الحجّة»يجوز أن تكون الدّائرة مصدرا كالعاقبة، و يجوز أن تكون صفة.(5:90)

ابن كثير:أي ينتظر بكم الحوادث و الآفات، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ أي هي منعكسة عليهم و السّوء دائر عليهم.(3:444)

البروسويّ:و الدّوائر:جمع دائرة،و هى ما يدور حول الإنسان من المصائب و الآفات.و معنى تربّص الدّوائر:انتظار المصائب بأن تنقلب دولة المسلمين بموت الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و غلبة الكفّار عليهم،فيتخلّصوا من الإنفاق.

يقول الفقير:و هذا النّفاق موجود الآن أ لا ترى إلى بعض المتّسمين بسمة الإسلام كيف يتمنّى ظهور الكفّار ليتخلّص من الإنفاق و التّكاليف السّلطانيّة، و لذا لا يتصدّق إلاّ كرها،خلّصه اللّه و إيّانا من كيد النّفس و الشّيطان،و جعله اللّه و إيّانا من المتحقّقين بحقيقة الإيمان.(3:490)

القاسميّ:أي ينتظر بكم دوائر الدّهر،جمع:دائرة، و هي النّكبة و المصيبة الّتي تحيط بالمرء،فتربّص الدّوائر:انتظار المصائب،لينقلب أمر المسلمين و يتبدّل، فيخلصوا ممّا عدّوه مغرما. عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ:

اعتراض بالدّعاء عليهم،بنحو ما يتربّصونه،أو إخبار عن وقوع ما يتربّصون عليهم.

قال الشّهاب:الدّائرة:اسم للنّائبة،و هي بحسب الأصل مصدر،كالعافية،و الكاذبة.أو اسم فاعل بمعنى:عقبة دائرة.و العقبة:أصلها اعتقاب الرّاكبين و تناوبهما.و يقال:للدّهر عقب و نوب و دول،أي مرّة لهم و مرّة عليهم.(8:3240)

ابن عاشور:و الدّوائر:جمع دائرة،و هي تغيّر الحالة من استقامة إلى اختلال.و تقدّم الكلام عليها، عند قوله تعالى: يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ في سورة العقود،[المائدة]:52.

و الباء للسّببية،كقوله تعالى: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطّور:30،و جعل المجرور بالباء ضمير المخاطبين على تقدير مضاف،و التّقدير:و يتربّص بسبب حالتكم الدّوائر عليكم،لظهور أنّ الدّوائر لا تكون سببا لانتظار الانقلاب،بل حالهم هي سبب تربّصهم أن تنقلب عليهم الحال،لأنّ حالتهم الحاضرة شديدة عليهم.

فالمعنى أنّهم ينتظرون ضعفكم و هزيمتكم،أو ينتظرون وفاة نبيّكم فيظهرون ما هو كامن فيهم من الكفر.و قد أنبأ اللّه بحالهم الّتي ظهرت عقب وفاة

ص: 271

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هم أهل الرّدّة من العرب.

و جملة: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ دعاء عليهم و تحقير،و لذلك فصّلت.و الدّعاء من اللّه على خلقه:

تكوين و تقدير مشوب بإهانة،لأنّه لا يعجزه شيء فلا يحتاج إلى تمنّي ما يريده.[إلى أن قال:]

و إضافة دائِرَةُ إلى«السّوء»من الإضافة إلى الوصف اللاّزم،كقولهم:عشاء الآخرة؛إذ الدّائرة لا تكون إلاّ في السّوء.

قال أبو علي الفارسيّ:لو لم تضف الدّائرة إلى السّوء عرف منها معنى السّوء،لأنّ دائرة الدّهر لا تستعمل إلاّ في المكروه.(10:188)

عبد الكريم الخطيب:يتربّصون بالمسلمين و بالمجاهدين الدّوائر،أي يتمنّون لهم الهزيمة و الضّياع، حتّى لا يكون للإسلام يد عليهم،تأخذ من أموالهم ما تأخذ من صدقات.

و الدّوائر:جمع دائرة،و هي خطّ أشبه بالحلقة، يدور حول نقطة ارتكاز في وسطه.و قد استعيرت للشّرّ يقع بالإنسان أو الجماعة،في مجال الصّراع مع قوّة أخرى معادية،فيقال:دارت عليهم الدّائرة،أي هزموا؛و ذلك يعني أنّهم قد أطبق عليهم العدوّ و أحكم عليهم إغلاق طريق الإفلات أو الفرار، فكانوا و كأنّ العدوّ دائرة عليهم.

و قد ردّ اللّه على المنافقين الّذين يتربّصون بالمؤمنين الدّائرة بقوله: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ فقضى اللّه عليهم هذا القضاء،و توعّدهم به،و هو أنّ الدّائرة الّتي ينتظرونها في المسلمين،لن تقع في المسلمين الّذين سيكتب اللّه لهم العزّة و الغلب،و إنّما ستحلّ الدّائرة بهؤلاء المنافقين،و سينزل بهم الخزي و السّوء.

(6:877)

مكارم الشّيرازيّ:الدّوائر:جمع دائرة،و معناها معروف،و لكنّ العرب يقولون للحادثة الصّعبة و الأليمة الّتي تحلّ بالإنسان:دائرة؛و جمعها:دوائر.

في الواقع أنّ هؤلاء أفراد ضيّقوا النّظر،و بخلاء و حسودون،و بسبب بخلهم فإنّهم يرون كلّ إنفاق في سبيل اللّه خسارة،و بسبب حسدهم فإنّهم ينتظرون دائما ظهور المشاكل و المشاغل و المصائب عند الآخرين.ثمّ تقول الآية-بعد ذلك-إنّ هؤلاء ينبغي أن لا يتربّصوا بكم،و ينتظروا حلول المصائب و الدّوائر بكم،لأنّها في النّهاية ستحلّ بهم فقط: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ. (6:165)

3- وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ الظّانِّينَ بِاللّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ... الفتح:6

ابن عبّاس:منقلبة السّوء و عاقبة السّوء.(431)

أبو عبيدة:تدور عليهم.(2:217)

الطّبريّ:يعني دائرة العذاب تدور عليهم به.

(11:336)

الزّجّاج:أي الفساد و الهلاك يقع عليهم بهم.

(5:21)

الماورديّ:يحتمل وجهين:

أحدهما:عليهم يدور سوء اعتقادهم.

ص: 272

الثّاني:عليهم يدور جزاء ما اعتقدوه في نبيّهم.

(5:312)

الطّوسيّ:فالدّائرة هي الرّاجعة بخير أو شرّ.

قال حميد بن ثور:

*و دائرات الدّهر أن تدورا*

(9:317)

نحوه الطّبرسيّ(5:112)

القشيريّ:عاقبته تدور عليهم و تحيق بهم.

(5:420)

الميبديّ:أي يدور عليهم و يعود إليهم ضرر ما دبّروا،و يقع الفساد و الهلاك بهم،هذا كقوله:

وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ التّوبة:98،و الدّوائر:ما يدور بالرّجل من حوادث الدّهر و نكباته.(9:209)

الزّمخشريّ:أي ما يظنّونه و يتربّصونه بالمؤمنين،فهو حائق بهم،و دائر عليهم.(3:542)

نحوه البيضاويّ(2:400)،و الآلوسيّ(26:95).

ابن عطيّة:و قوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ كأنّه يقوّي التّأويل الآخر،أي أصابهم ما أرادوه بكم.

[إلى أن قال:]

و سمّى المصيبة الّتي دعا بها عليهم دائِرَةُ من حيث يقال في الزّمان:إنّه يستدير؛أ لا ترى أنّ السّنة و الشّهر كأنّها مستديرات،تذهب على ترتيب، و تجيء من حيث هي تقديرات للحركة العظمى.و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّماوات و الأرض».فيقال:الأقدار و الحوادث الّتي هي في طيّ الزّمان:دائرة،لأنّها تدور بدوران الزّمان،كأنّك تقول:إنّ أمرا كذا يكون في يوم كذا من سنة كذا؛فمن حيث يدور ذلك اليوم حتّى يبرز إلى الوجود تدور هي أيضا فيه.و قد قالوا:أربعاء لا تدور.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يحسن أن تسمّى المصيبة:دائرة،من حيث كمالها أن تحيط بصاحبها،كما يحيط شكل الدّائرة على السّواء من النّقطة.(5:127)

الفخر الرّازيّ:أي دائرة الفساد،و حاق بهم الفساد بحيث لا خروج لهم.منه.(28:84)

البروسويّ:أي ما يظنّونه و يتربّصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم و دائر عليهم،لا يتجاوزهم إلى غيرهم.

فقد أكذب اللّه ظنّهم و قلب ما يظنّونه بالمؤمنين عليهم بحيث لا يتخطّاهم و لا يظفرون بالنّصرة أبدا.و هذا كقوله تعالى: وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ [ثمّ نقل كلام ابن مسعود في ذيل آية التّوبة، و أضاف:]

فإن قلت:كيف يحمل على الدّعاء و هو للعاجز عرفا،و اللّه منزّه عن العجز؟

قلت:هذا تعليم من اللّه لعباده أنّه يجوز الدّعاء عليهم،كقوله:قاتلهم اللّه و نحوه.[إلى أن قال:]

و الدّائرة عبارة عن الخطّ المحيط بالمركز،ثمّ استعملت في الحادثة و المصيبة المحيطة لمن وقعت هي عليه،فمعنى الآية يحيط بهم السّوء إحاطة الدّائرة بالشّيء،أو بمن فيها بحيث لا سبيل إلى الانفكاك عنها بوجه،إلاّ أنّ أكثر استعمالها-أي الدّائرة-في المكروه كما أنّ أكثر استعمال«الدّولة»في المحبوب الّذي يتداول،و يكون مرّة لهذا و مرّة لذاك.و الإضافة في

ص: 273

دائِرَةُ السَّوْءِ من إضافة العامّ إلى الخاصّ للبيان، كما في«خاتم فضّة»أي دائرة من شرّ لا من خير.

و قيل:معنى الدّائرة يقتضى معنى السّوء،لأنّ دائرة الدّهر لا تستعمل إلاّ في المكروه،قائما هو إضافة بيان و تأكيد،كما قالوا:شمس النّهار و لحيا رأسه.

(9:15)

مكارم الشّيرازيّ:«الدّائرة»في اللّغة هي الحوادث و ما ينجم عنها،أو ما يتّفق للإنسان في حياته،فهي أعمّ من أن تكون حسنة أو سيّئة،غير أنّها هنا بقرينة كلمة«السّوء»يراد منها الحوادث غير المطلوبة.(16:398)

فضل اللّه:الّتي تقع عليهم،و تحيط بهم،و تدفعهم إلى أن يعيشوا القبح الرّوحيّ في نفوسهم في الدّاخل، و القبح الماديّ في ما يتخبّطون به من خبائث الأقوال و الأفعال و الأوضاع العامّة و الخاصّة.(21:101)

الدّوائر

...وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ...

التّوبة:98

لاحظ:«دائرة».

دار

1- لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ هُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. الأنعام:127

السّدّيّ:اللّه هو السّلام،و الدّار هي الجنّة.(252)

نحوه ابن قتيبة.(160)

الطّبريّ:فهي دار اللّه الّتي أعدّها لأوليائه في الآخرة،جزاء لهم على ما أبلوا في الدّنيا في ذات اللّه، و هي جنّته.و اَلسَّلامِ: اسم من أسماء اللّه تعالى، كما قال السّدّيّ.(5:342)

الزّجّاج:أي للمؤمنين دار السّلام.و قال بعضهم:

اَلسَّلامِ: اسم من أسماء اللّه،و دليله: اَلسَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الحشر:23.و يجوز أن يكون سمّيت الجنّة دار السّلام،لأنّها دار السّلامة الدّائمة الّتي لا تنقطع.(2:291)

الشّريف الرّضيّ:و هي استعارة،و المراد:لهم محلّ الأمنة و السّلامة و المنجاة من المخافة،و تلك صفة الجنّة.و اَلسَّلامِ هاهنا:جمع سلامة.(29)

2- وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. يونس:25

راجع:س ل م:«دار السّلام».

3- سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ .الأعراف:145

ابن عبّاس:يعني دار العاصين،و هي جهنّم.

(137)

مجاهد:مصيرهم في الآخرة.(الطّبريّ 6:59)

الحسن:جهنّم.(الطّبريّ 6:60)

العوفيّ:معناه سأريكم دار فرعون و قومه و هي مصر.(الثّعلبيّ 4:283)

قتادة:منازلهم.(الطّبريّ 6:60)

هي منازل من هلك بالتّكذيب من عاد و ثمود و القرون الخالية،لتعتبروا بها،و بما صاروا إليه من النّكال.(الماورديّ 2:261)

ص: 274

الكلبيّ:دار الفاسقين ما مرّوا عليه إذا سافروا من منازل عاد و ثمود و القرون الّذين أهلكوا.

(الثّعلبيّ 4:283)

ابن زيد:يعني سنن الأوّلين.(الثّعلبيّ 4:283)

ابن كيسان:ما يصير قرارهم في الأرض.

(الثّعلبيّ 4:283)

الطّبريّ:و هي نار اللّه الّتي أعدّها لأعدائه.و إنّما قال: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ كما يقول القائل لمن يخاطبه:سأريك غدا إلام يصير إليه حال من خالف أمري،على وجه التّهدّد و الوعيد لمن عصاه و خالف أمره.

و قد اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك،فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك.

و قال آخرون:معنى ذلك:سأدخلكم أرض الشّام،فأريكم منازل الكافرين الّذين هم سكّانها من الجبابرة و العمالقة.

و قال آخرون:معنى ذلك:سأريكم دار قوم فرعون،و هي مصر.

و إنّما اخترنا القول الّذي اخترناه في تأويل ذلك، لأنّ الّذي قبل قوله جلّ ثناؤه: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ أمر من اللّه لموسى و قومه بالعمل بما في التّوراة،فأولى الأمور بحكمة اللّه تعالى أن يختم ذلك بالوعيد على من ضيّعه و فرّط في العمل للّه و حاد عن سبيله،دون الخبر عمّا قد انقطع الخبر عنه،أو عمّا لم يجر له ذكر.(6:59)

القمّيّ:أي يجيئكم قوم فسّاق،تكون الدّولة لهم.(1:240)

الثّعلبيّ:[نقل بعض الأقوال و أضاف:]

و قيل:الدّار:الهلاك؛و جمعه:أدوار.و ذلك أنّ اللّه تعالى لمّا أغرق فرعون أوحي إلى البحر أن يقذف أجسادهم إلى السّاحل ففعل،فنظر إليهم بنو إسرائيل، فأراهم هلاك الفاسقين.(4:283)

الطّوسيّ:و المراد به:فليكن منكم على ذكر لتحذروا أن تكونوا منهم.(4:573)

نحوه الطّبرسيّ.(2:477)

القشيريّ:يعني عليها غبرة العقوبة،خاوية على عروشها،ساقطة على سقوفها،منهدّ بنيانها،عليها قترة العقاب.

و الإشارة من دارَ الْفاسِقِينَ إلى النّفوس المتابعة للشّهوات،و القلوب الّتي هي معادن المنى و فاسد الخطرات،فإنّ الفسق يوجب خراب المحلّ الّذي يجري فيه،فمن جرى على نفسه فسق خربت نفسه.و آية خراب النّفوس انتفاء ما كان عليها و فيها من سكان الطّاعات،فكما تتعطّل المنازل عن قطّانها إذا تداعت للخراب،فكذلك إذا خربت النّفوس بعمل المعاصي،فتنتفي عنها لوازم الطّاعات و معتادها.فبعد ما كان العبد يتيسّر عليه فعل الطّاعات لو ارتكب شيئا من المحظورات يشقّ عليه فعل العبادة،حتّى لو خيّر بين ركعتي صلاة و بين مقاساة كثير من المشاقّ آثر تحمّل المشاقّ على الطّاعة.و على هذا النّحو ظلم القلوب و فسادها في إيجاب خراب محالّها.(2:264)

الواحديّ:[نحو الطّوسيّ و أضاف:]

ص: 275

و هذا تهديد لمن خالف أمر اللّه.(2:409)

الميبديّ:يعني سأورّثكم و أعطيكم أرض مصر.

(3:740)

الزّمخشريّ:يريد دار فرعون و قومه و هي مصر،كيف أقفرت منهم و دمّروا لفسقهم،لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم،فينكل بكم مثل نكالهم.

(2:117)

نحوه البيضاويّ(1:369)،و النّسفيّ(2:76)، و الشّربينيّ(1:516).

الفخر الرّازيّ:ففيه وجهان:

الأوّل:أنّ المراد التّهديد و الوعيد على مخالفة أمر اللّه تعالى،و على هذا التّقدير:فيه وجهان:

الأوّل:قال ابن عبّاس و الحسن و مجاهد: دارَ الْفاسِقِينَ هي جهنّم،أي فليكن ذكر جهنّم حاضرا في خاطركم،لتحذروا أن تكونوا منهم.

و الثّاني:قال قتادة:سأدخلكم الشّام و أريكم منازل الكافرين الّذين كانوا متوطّنين فيها من الجبابرة و العمالقة،لتعتبروا بها و ما صاروا إليه من النّكال.

و القول الثّاني:أنّ المراد:الوعد و البشارة بأنّه تعالى سيورّثهم أرض أعدائهم و ديارهم،و اللّه أعلم.

(14:238)

البروسويّ:دار فرعون و قومه بمصر خاوية على عروشها و منازل عاد و ثمود و أضرابهم،لتعتبروا فلا تفسقوا بمخالفة ما أمرتم به من العمل بأحكام التّوراة.أو أرض مصر و أرض الجبابرة و العمالقة بالشّام.

و في الآية إشارة إلى أنّ طلب الآخرة كان أحسن من طلب الدّنيا،كذلك طلب اللّه أحسن من طلب الآخرة،فعلى العاشق أن يختار الأحسن،و قوله:

سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ يعني الخارجين من طلب الآخرة فدارهم الجنّة،و دار الخارجين من طلب الآخرة إلى طلب اللّه في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

(3:240)

الآلوسيّ:توكيد لأمر القوم بالأخذ بالأحسن، و بعث عليه على نهج الوعيد و التّرهيب،بناء على ما روي عن قتادة و عطيّة العوفيّ من أنّ المراد ب دارَ الْفاسِقِينَ دار فرعون و قومه بمصر و«رأى»بصريّة، و جوّز أن تكون علميّة،و المفعول الثّالث محذوف،أي سأريكم إيّاها خاوية على عروشها،لتعتبروا و تجدوا و لا تهاونوا في امتثال الأمر،و لا تعملوا أعمال أهلها، ليحلّ بكم ما حلّ بهم.

و فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب،و حسن موقعه قصد المبالغة في الحثّ و في وضع الإراءة موضع الاعتبار إقامة السّبب مقام المسبّب مبالغة أيضا، كقوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ النّمل:69.و في وضع دارَ الْفاسِقِينَ موضع أرض مصر الإشعار بالعلّيّة، و التّنبيه على أن يحترزوا و لا يستنّوا بسنّتهم من الفسق.و السّين للاستقبال،لأنّ ذلك قبل الرّجوع إلى مصر،كما في«الكشف».

[ثمّ نقل قول الكلبيّ و أضاف:]

و أيّا ما كان فالكلام على النّهج الأوّل أيضا،

ص: 276

و يجوز أن يكون على نهج الوعد و التّرغيب،بناء على ما روي عن قتادة أيضا:من أنّ المراد ب دارَ الْفاسِقِينَ أرض الجبابرة و العمالقة بالشّام،فإنّها ممّا أبيح لبني إسرائيل و كتب لهم،حسبما ينطق به قوله عزّ و جلّ:

يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ المائدة:21،و معنى الإراءة:الإدخال بطريق الإيراث، و يؤيّده قراءة بعضهم(سأورّثكم).

و جوّز على هذا أن يراد بالدّار:مصر،و في الكلام على هذه القراءة و إرادة أرض مصر من«الدّار» تغليب،لأنّ المعنى سأورّثك و قومك أرض مصر، و لا يصحّ ذلك عليها إذا أريد من«الدّار»:أرض الجبابرة،بناء على أنّ موسى عليه السّلام لم يدخلها،و إنّما دخلها يوشع مع القوم بعد وفاته عليه السّلام،و يصحّ بناء على القول بأنّ موسى عليه السّلام دخلها و يوشع على مقدّمته، و جوّز اعتبار التّغليب على القراءة المشهورة أيضا.

(9:60)

القاسميّ:و هي الأرض الّتي وعدوا بها من فلسطين،فإنّهم لم يعطوها إلاّ بعد أربعين سنة من خروجهم من مصر،و بقائهم في البريّة.فإنّ موسى عليه السّلام،لمّا مات،خلفه يشوع بن نون،فحارب الأمم و الملوك الّذين كانوا يسكنون أرض كنعان،و فتح بلادهم،و صارت ملكا للإسرائيليّين.(7:2854)

ابن عاشور:و الدّار:المكان الّذي تسكنه العائلة،كما في قوله تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ في سورة القصص:81،و المكان الّذي يحلّه الجماعة من حيّ أو قبيلة،كما قال تعالى: فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ الأعراف:91،و قد تقدّم.و تطلق «الدّار»على ما يكون عليه النّاس أو المرء من حالة مستمرّة،و منه قوله تعالى: فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:24.و قد يراد بها مآل المرء و مصيره،لأنّه بمنزلة الدّار يأوي إليه في شأنه.و قد تقدّم قريب من هذا عند قوله تعالى: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ في سورة الأنعام:135.[إلى أن قال:]

و يجوز أن يكون سَأُرِيكُمْ خطابا لقوم موسى،فيكون فعل(اريكم)كناية عن الحلول في دارَ الْفاسِقِينَ. و الحلول في ديار قوم لا يكون إلاّ الفتح و الغلبة،فالإراءة رمز إلى الوعد بفتح بلاد الفاسقين.و المراد ب اَلْفاسِقِينَ: المشركون، فالكلام وعد لموسى و قومه بأن يفتحوا ديار الأمم الحالّة بالأرض المقدّسة الّتي وعدهم اللّه بها.و هم المذكورون في التّوراة في الإصحاح الثّالث و الثّلاثين من سفر الخروج خطابا للشّعب:«احفظ ما أنا موصيك به ها أنا طارد من قدّامك الأموريّين، و الكنعانيّين،و الحثيّين،و الفرزيّين،و الحويّين، و اليبوسيّين،احترز من أن تقطع عهدا مع سكّان الأرض الّتي أنت آت إليها،لئلاّ يصيروا فخّا في وسطك،بل تهدمون مذابحهم و تكسرون أنصابهم و تقطعون سواريهم فإنّك لا تسجد لإله آخر».

و يؤيّده ما روي عن قتادة أنّ دارَ الْفاسِقِينَ هي دار العمالقة و الجبابرة،و هي الشّام،فمن الخطإ تفسير من فسّروا دارَ الْفاسِقِينَ بأنّها أرض مصر، فإنّهم قد كانوا بها و خرجوا منها،و لم يرجعوا إليها.

ص: 277

و من البعيد تفسير دار دارَ الْفاسِقِينَ بجهتهم.و في الإصحاح 34 من سفر الخروج:«احترز من أن تقطع عهدا مع سكّان الأرض الّتي أنت آت إليها،فيزنون وراء آلهتهم و يذبحون لآلهتهم،فتدعى و تأكل من ذبيحتهم،و تأخذ من بناتهم لبنيك،فتزني بناتهم وراء آلهتهنّ،و يجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهنّ».و لا يخفى حسن مناسبة التّعبير عن أولئك الأقوام ب(الفاسقين) على هذا الوجه.

و قيل:المراد:ب دارَ الْفاسِقِينَ: ديار الأمم الخالية،مثل ديار ثمود و قوم لوط الّذين أهلكهم اللّه لكفرهم،أي ستمرّون عليهم فترون ديارهم فتتّعظون بسوء عاقبتهم لفسقهم.و فيه بعد،لأنّ بني إسرائيل لم يمرّوا مع موسى على هذه البلاد.(8:284)

مكارم الشّيرازيّ:الظّاهر أنّ المقصود منها هو جهنّم،و هي مستقرّ كلّ أولئك الّذين يخرجون من طاعة اللّه،و لا يقومون بوظائفهم الإلهيّة.(5:200)

فضل اللّه:الّذين ابتعدوا عن الحقّ،كيف يعيشون حياة الشّقاء و العناء المنتهية إلى الهزيمة،أمام قوّة الحقّ في كلّ المجالات،لتكون العاقبة لكم أيّها المؤمنون.

(10:242)

4- وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَ فَلا تَعْقِلُونَ.

يوسف:109

ابن عبّاس:الجنّة.(204)

الفرّاء:أضيفت الدّار إلى اَلْآخِرَةِ و هي الآخرة،و قد تضيف العرب الشّيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه،كقوله: إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ و الحقّ هو اليقين.و مثله أتيتك بارحة الأولى،و عام الأوّل و ليلة الأولى و يوم الخميس.و جميع الأيّام تضاف إلى أنفسها لاختلاف لفظها،و كذلك شهر ربيع.[ثمّ استشهد بشعر](2:55)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره:هذا فعلنا في الدّنيا بأهل ولايتنا و طاعتنا،إنّ عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا و الشّرك بنا أنجيناهم منها،و ما في الدّار الآخرة لهم خير.و ترك ذكر ما ذكرنا اكتفاء بدلالة قوله: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عليه.[ثمّ أدام نحو الفرّاء](7:316)

نحوه الثّعلبيّ(5:264)،و البغويّ(2:518)، و الطّبرسيّ(3:269)،و الخازن(3:262).

الزّجّاج:و في غير موضع وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ الأنعام:32،فمن قال: اَلدّارُ الْآخِرَةُ البقرة:94، ف اَلْآخِرَةُ نعت للدّار،لأنّ لجميع الخلق دارين:

الدّار الّتي خلقوا فيها و هي الدّنيا،و الدّار الآخرة الّتي يعادون فيها خلقا جديدا.و من قال(دار الآخرة) فكأنّه قال:و دار الحال الآخرة،لأنّ للنّاس حالين:

حال الدّنيا،و حال الآخرة.و مثل هذا في الكلام:

الصّلاة الأولى،و صلاة الأولى.فمن قال:«الصّلاة الأولى»جعل«الأولى»نعتا للصّلاة،و من قال:

«صلاة الأولى»،أراد:صلاة الفريضة الأولى، و السّاعة الأولى.(3:131)

الماورديّ:يعني بالدّار:الجنّة،و بالآخرة:

القيامة،فسمّى الجنّة دارا و إن كانت النّار دارا،لأنّ

ص: 278

الجنّة وطن اختيار،و النّار مسكن اضطرار.(3:88)

الزّمخشريّ:و لدار السّاعة،أو الحال الآخرة خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا للّذين خافوا اللّه،فلم يشركوا به و لم يعصوه.(2:347)

نحوه الشّربينيّ.(2:142)

ابن عطيّة:و قوله: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ زيادة في وصف إنعامه على المؤمنين،أي عذّب الكفّار و نجّى المؤمنين،و لدار الآخرة أحسن لهم.

و أمّا إضافة«الدّار»إلى اَلْآخِرَةِ فقال الفرّاء:

هي إضافة الشّيء إلى نفسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و كما يقال:مسجد الجامع،و نحو هذا.و قال البصريّون:هذه على حذف مضاف،تقديره:و لدار الحياة الآخرة،أو المدّة الآخرة.

و هذه الأسماء الّتي هي للأجناس كمسجد و ثوب و حقّ و جبل و نحو ذلك،إذا نطق بها النّاطق لم يدر ما يريد بها،فتضاف إلى معرّف مخصّص للمعنى المقصود، فقد تضاف إلى جنس آخر،كقولك:جبل أحد،و قد تضاف إلى صفة كقولك:مسجد الجامع و حقّ اليقين، و قد تضاف إلى اسم خاصّ،كقولك جبل أحد و نحوه.

(3:287)

الفخر الرّازيّ:و المعنى:دار الحالة الآخرة،لأنّ للنّاس حالتين:حال الدّنيا و حال الآخرة،و مثله قوله:صلاة الأولى أي صلاة الفريضة الأولى.

(18:226)

نحوه النّيسابوريّ.(13:56)

القرطبيّ: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ابتداء و خبره.

و زعم الفرّاء أنّ الدّار هي الآخرة،و أضيف الشّيء إلى نفسه لاختلاف اللّفظ،كيوم الخميس،و بارحة الأولى.[ثمّ استشهد بشعر]

و احتجّ الكسائيّ بقولهم:صلاة الأولى،و احتجّ الأخفش:بمسجد الجامع.قال النّحّاس:إضافة الشّيء إلى نفسه محال،لأنّه إنّما يضاف الشّيء إلى غيره ليتعرّف به،و الأجود:الصّلاة الأولى.و من قال:صلاة الأولى،فمعناه:عند صلاة الفريضة الأولى.و إنّما سمّيت«الأولى»لأنّها أوّل ما صلّي حين فرضت الصّلاة،و أوّل ما أظهر،فلذلك قيل لها أيضا:الظّهر.

و التّقدير:و لدار الحال الآخرة خير،و هذا قول البصريّين.و المراد بهذه الدّار:الجنّة،أي هي خير للمتّقين.

و قرئ:و(للدّار الآخرة).(9:275)

أبو حيّان:هذا حضّ على العمل لدار الآخرة و الاستعداد لها،و اتّقاء المهلكات.ففي هذه الإضافة تخريجان:

أحدهما:أنّها من إضافة الموصوف إلى صفته، و أصله:و لدار الآخرة.

و الثّاني:أن يكون من حذف الموصوف و إقامة صفته مقامه،و أصله:و لدار المدّة الآخرة أو النّشأة الآخرة.

و الأوّل:تخريج كوفيّ،و الثّاني:تخريج بصرىّ.

(5:353)

نحوه البروسويّ(4:332)،و الآلوسيّ(13:68).

ابن كثير:أي و كما نجّينا المؤمنين في الدّنيا،

ص: 279

كذلك كتبنا لهم النّجاة في الدّار الآخرة،و هي خير لهم من الدّنيا بكثير،كقوله: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ* يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ المؤمن:51،52.[ثمّ أدام نحو الفرّاء](4:60)

ابن عاشور:و جملة وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خبر معطوفة على الاعتراض،فلها حكمه.و هو اعتراض بالتّبشير و حسن العاقبة للرّسل عليهم السّلام،و من آمن بهم و هم الّذين اتّقوا.و هو تعريض بسلامة عاقبة المتّقين في الدّنيا،و تعريض أيضا بأنّ(دار الآخرة)أشدّ أيضا على الّذين من قبلهم من العاقبة الّتي كانت في الدّنيا،فحصل إيجاز بحذف جملتين.

و إضافة لَدارُ إلى اَلْآخِرَةِ من إضافة الموصوف إلى الصّفة،مثل«يا نساء المسلمات»في الحديث.(12:128)

مكارم الشّيرازيّ:لما ذا؟لأنّ الدّنيا دار مليئة بالمصائب و الآلام و غير باقية،أمّا الآخرة فدار خالدة و خالية من الآلام و العذاب.(7:283)

5- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ.

إبراهيم:28

الإمام عليّ عليه السّلام:إنّها يوم بدر.

و مثله مجاهد.(الماورديّ 3:136)

نحوه البغويّ.(3:41)

ابن عبّاس:دار الهلاك،يعني دار بدر.(214)

أبو عبيدة:أي الهلاك و الفناء.(1:340)

ابن قتيبة:دار الهلاك،و هي جهنّم.(233)

نحوه ابن زيد(الماورديّ 3:136)،و النّحّاس(3:

532)،و الزّمخشريّ(2:377).

الطّبريّ:يقول:و أنزلوا قومهم من مشركي قريش دار البوار،و هي دار الهلاك.يقال منه:بار الشّيء يبور بورا،إذا هلك و بطل.[ثمّ استشهد بشعر]

ثمّ ترجم عن دارَ الْبَوارِ و ما هي؟فقيل:

جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ يقول:و بئس المستقرّ هي جهنّم لمن صلاها.(7:452)

الزّجّاج:و البوار:الهلاك و الاستئصال. جَهَنَّمَ بدل من قوله: دارَ الْبَوارِ و مفسّرة.(3:162)

الطّوسيّ:أي أنزلوا قومهم دار الهلاك بدعائهم إيّاهم الى الكفر بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و إغوائهم إيّاهم و صدّهم عن الإيمان به.(6:294)

الواحديّ:أي الهلاك،يعني جهنّم؛أ لا ترى أنّه فسّرها،فقال: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها. (3:31)

الميبديّ:هي جهنّم،و اَلْبَوارِ: الهلاك و الاستئصال،و البور:الهلكى:رجل بور و رجال بور و امرأة بور و نساء بور.(5:258)

ابن عطيّة: اَلْبَوارِ: الهلاك.[ثمّ استشهد بشعر]

و يحتمل أن يريد ب اَلْبَوارِ: الهلاك في الآخرة، ففسّره حينئذ بقوله: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها: يحترقون في حرّها و يحتملونه.و يحتمل أن يريد ب اَلْبَوارِ:

الهلاك في الدّنيا بالقتل و الخزي،فتكون«الدّار»

ص: 280

قليب بدر و نحوه.(3:338)

الطّبرسيّ:أي أنزلوا قومهم دار الهلاك بأن أخرجوهم إلى بدر.و قيل:معناه:أنزلوهم دار الهلاك، و هي النّار بدعائهم إيّاهم إلى الكفر بالنّبيّ و إغوائهم إيّاهم جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ، و هذا تفسير ل دارَ الْبَوارِ يعني أنّ تلك الدّار هي جهنّم يدخلونها،و بئس القرار:قرار من قراره النّار.

(3:315)

نحوه ابن الجوزيّ(4:362)،و الفخر الرّازيّ(19 :123).

البيضاويّ:دار الهلاك بحملهم على الكفر، جَهَنَّمَ عطف بيان لها، يَصْلَوْنَها حال منها أو من القوم،أي داخلين فيها مقاسين لحرّها،أو مفسّر لفعل مقدّر ناصب ل جَهَنَّمَ. (1:531)

أبو السّعود: دارَ الْبَوارِ: دار الهلاك الّذي لا هلاك وراءه، جَهَنَّمَ عطف بيان لها،و في الإبهام ثمّ البيان ما لا يخفى من التّهويل. يَصْلَوْنَها حال منها أو من قومهم،أي داخلين فيها مقاسين لحرّها،أو استئناف لبيان كيفيّة الحلول،أو مفسّر لفعل يقدّر ناصبا ل جَهَنَّمَ. فالمراد بالإحلال المذكور حينئذ:

تعريضهم للهلاك بالقتل و الأسر،لكن قوله تعالى:

قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النّارِ إبراهيم:30، أنسب بالتّفسير الأوّل.(3:485)

نحوه البروسويّ.(4:418)

مكارم الشّيرازيّ: دارَ الْبَوارِ هذه هي مجموعة من الحروب الإقليميّة و العالميّة بكلّ آثارها التّخريبيّة،و كذلك عدم الأمن و الظّلم و الفساد و الاستعمار؛حيث يبتلي بها في النّهاية المؤسّسون لها أيضا،كما رأينا في السّابق،و نراه اليوم.

و ما ألطف تصوير القرآن؛حيث جعل مصير كلّ الأقوام و الأمم الّتي كفرت بأنعم اللّه إلى دار البوار.

(7:449)

6- وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ. النّحل:30

الحسن:الدّنيا.(الماورديّ 3:187)

الطّبريّ:يقول:و لدار الآخرة خير لهم من دار الدّنيا،و كرامة اللّه الّتي أعدّها لهم فيها أعظم من كرامته الّتي عجّلها لهم في الدّنيا. وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ يقول:و لنعم دار الّذين خافوا اللّه في الدّنيا-فاتّقوا عقابه بأداء فرائضه،و تجنّب معاصيه-دار الآخرة.

(7:579)

الزّجّاج:المعنى:و لنعم دار المتّقين دار الآخرة، و لكنّ المبيّن لقوله: دارُ الْمُتَّقِينَ هو قوله:

جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها النّحل:31.

و هي مرفوعة بإضمار«هي»كأنّك لمّا قلت:

وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ على جواب السّائل،أيّ دار هي هذه الممدوحة؟فقلت: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها، و إن شئت رفعت على الابتداء،و يكون المعنى:جنّات عدن نعم دار المتّقين.(3:196)

الماورديّ: وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ فيه وجهان:

أحدهما:و لنعم دار المتّقين:الآخرة.

ص: 281

الثّاني:و لنعم دار المتّقين:الدّنيا.قال الحسن:

لأنّهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة،و دخول الجنّة.

(3:187)

الطّوسيّ:يعني الجنّة الّتي يدخلها الّذين اتّقوا معاصي اللّه،و فعلوا طاعاته.(6:376)

البغويّ:أي و لدار الحال الآخرة خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ قال الحسن:و هي الدّنيا،لأنّ أهل التّقوى يتزوّدون فيها للآخرة.و قال أكثر المفسّرين:

هي الجنّة،ثمّ فسّرها،فقال: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ النّحل:31.(3:78)

نحوه الخازن.(4:72)

الزّمخشريّ: وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ دار الآخرة، فحذف المخصوص بالمدح لتقدّم ذكره.(2:408)

نحوه الشّربينيّ.(2:228)

ابن الجوزيّ:و في قوله تعالى: وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ قولان:

أحدهما:أنّها الجنّة،قاله الجمهور.

قال ابن الأنباريّ:في الكلام محذوف،تقديره:

و لنعم دار المتّقين الآخرة،غير أنّه لمّا ذكرت أوّلا، عرف معناها آخرا.و يجوز أن يكون المعنى:و لنعم دار المتّقين جنّات عدن.

و الثّاني:أنّها الدّنيا.(4:443)

الفخر الرّازيّ:أي لنعم دار المتّقين دار الآخرة، فحذفت لسبق ذكرها.هذا إذا لم تجعل هذه الآية متّصلة بما بعدها،فإن وصلتها بما بعدها قلت: وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ جَنّاتُ عَدْنٍ فترفع جَنّاتُ على أنّها اسم لَنِعْمَ، كما تقول:نعم الدّار دار ينزلها زيد.

(20:24)

القرطبيّ:فيه وجهان:قال الحسن:المعنى:و لنعم دار المتّقين الدّنيا،لأنّهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة،و دخول الجنّة.و قيل:المعنى:و لنعم دار المتّقين الآخرة،و هذا قول الجمهور.و على هذا تكون جَنّاتُ عَدْنٍ بدلا من«الدّار»فلذلك ارتفع.

و قيل:ارتفع على تقدير:هي جنّات،فهي مبيّنة لقوله:

دارُ الْمُتَّقِينَ. أو تكون مرفوعة بالابتداء،التّقدير:

جنّات عدن نعم دار المتّقين.(10:101)

الفيروزآباديّ:و الدّار مؤنّثة،و إنّما قال اللّه تعالى: وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ النّحل:30،و ذكّر على معنى المثوى و المنزل،كما قال تعالى: نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً الكهف:31،فأنّث على المعنى.

و أدنى العدد أدؤر،و الهمزة مبدلة من واو مضمومة، و لك أن تقول:أدور بالواو.و جمع الكثير:ديار و دور، كجبال و أسد.و يجمع أيضا على«آدر»مقلوب «أدور»و على دوران و ديران و أدورة.

(بصائر ذوي التّمييز 2:612)

أبو السّعود:أي مثوبتهم فيها خير ممّا أوتوا في الدّنيا من المثوبة،أو خير على الإطلاق،فيجوز إسناد «الخيريّة»إلى نفس(دار الآخرة،)و لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ أي دار الآخرة حذف لدلالة ما سبق عليه.

و هذا كلام مبتدأ مدح اللّه تعالى به المتّقين،و عدّ جوابهم المحكيّ من جملة إحسانهم،و وعدهم بذلك

ص: 282

ثوابي الدّنيا و الآخرة،فلا محلّ له من الإعراب،أو بدل من خَيْراً، أو تفسير له،أي أنزل خيرا،هو هذا الكلام الجامع،قالوه ترغيبا للسّائل.(4:57)

البروسويّ: وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ [نقل قول الحسن و أضاف:]

يقول الفقير:فيه مدح للدّنيا باعتبار أنّها متاع بلاغ،فإنّها باعتبار أنّها متاع الغرور مذمومة.(5:30)

7- اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ. فاطر:35

ابن عبّاس:يعني الجنّة.(367)

مثله ابن عطيّة.(4:440)

قتادة:أقاموا فلا يتحوّلون.(الطّبريّ 10:416)

مقاتل:يعني دار الخلود أقاموا فيها أبدا،لا يموتون و لا يتحوّلون عنها أبدا.(3:558)

نحوه الطّبرسيّ.(4:409)

ابن قتيبة: دارَ الْمُقامَةِ و دار المقام واحد، و هما بمعنى الإقامة.361)

الطّبريّ:أي ربّنا الّذي أنزلنا هذه الدّار،يعنون الجنّة،ف دارَ الْمُقامَةِ: دار الإقامة الّتي لا نقلة معها عنها،و لا تحوّل.و الميم إذا ضمّت من اَلْمُقامَةِ، فهي من الإقامة،فإذا فتحت فهي من المجلس،و المكان الّذي يقام فيه.[ثمّ استشهد بشعر](10:416)

الزّجّاج:مثل الإقامة،تقول:أقمت بالمكان إقامة و مقامة و مقاما،أي أحلنا دار الخلود من فضله،أي ذلك بتفضّله لا بأعمالنا.(4:271)

الماورديّ:أي دار الإقامة،و هي الجنّة.و في الفرق بين المقامة بالضّمّ و الفتح وجهان:

أحدهما:أنّها بالضّمّ:دار الإقامة،و بالفتح:موضع الإقامة.

الثّاني:أنّها بالضّمّ:المجلس الّذي يجتمع فيه للحديث.(4:475)

نحوه الطّوسيّ.(8:431)

القشيريّ:أي دار الإقامة،لا يبغون عنها حولا، و لا يتمنّون منها خروجا.(5:207)

الميبديّ:أي دار الإقامة،لا نبرح منها و لا نفارقها اَلْمُقامَةِ: المصدر،تقول:أقام يقيم،إقامة،و مقامة.

(8:188)

الفخر الرّازيّ:أي دار الإقامة،لمّا ذكر اللّه سرورهم و كرامتهم بتحليتهم و إدخالهم الجنّات،بيّن سرورهم ببقائهم فيها،و أعلمهم بدوامها؛حيث قالوا:

اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ أي الإقامة.و المفعول ربّما يجيء للمصدر من كلّ باب،يقال:ما له معقول،أي عقل،و قال تعالى: مُدْخَلَ صِدْقٍ الإسراء:80، و قال تعالى: وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ سبأ:19، و كذلك مستخرج للاستخراج،و ذلك لأنّ المصدر هو المفعول في الحقيقة،فإنّه هو الّذي فعل،فجاز إقامة المفعول مقامه.

و في قوله: دارَ الْمُقامَةِ إشارة إلى أنّ الدّنيا منزلة ينزلها المكلّف،و يرتحل عنها إلى منزلة القبور، و منها إلى منزلة العرصة الّتي فيها الجمع و منها التّفريق.و قد تكون النّار لبعضهم منزلة أخرى،

ص: 283

و الجنّة دار المقامة،و كذلك النّار لأهلها.(26:27)

أبو حيّان:و اَلْمُقامَةِ: هي الإقامة،أي الجنّة، لأنّها دار إقامة دائما،لا يرحل عنها.(7:314)

نحوه الآلوسيّ.(22:199)

الشّربينيّ:أي الإقامة،إشارة إلى أنّ الدّنيا منزلة ينزلها المكلّف،و يرتحل منها إلى منزلة القبور،و من القبور إلى منزلة العرصة الّتي فيها الجمع،و منها التّفريق إلى دار البقاء:إمّا إلى الجنّة،و إمّا إلى النّار.

أجارنا اللّه تعالى و محبّينا منها.(3:329)

البروسويّ: دارَ الْمُقامَةِ مفعول ثان ل «احلّ»و ليست بظرف،لأنّها محدودة.و اَلْمُقامَةِ بالضّمّ:مصدر تقول:أقام يقيم إقامة و مقامة،أي دار الإقامة الّتي لا انتقال عنها أبدا،فلا يريد النّازل بها ارتحالا منها.(7:353)

ابن عاشور:و اَلْمُقامَةِ: مصدر ميميّ،من أقام بالمكان،إذا قطنه،و المراد:دار الخلود.و انتصب دارَ الْمُقامَةِ على المفعول الثّاني ل أَحَلَّنا أي أسكننا.(22:169)

مكارم الشّيرازيّ:الدّار الآخرة هناك دار إقامة،لا كما في الدّنيا؛حيث إنّ الإنسان ما أن يألف محيطه و يتعلّق به حتّى يقرع له جرس الرّحيل هذا من جانب،و من جانب آخر فمع أنّ العمر هناك متّصل بالأبد،إلاّ أنّ الإنسان لا يصيبه الملل أو الكلل،أو التّعب أو النّصب مطلقا،لأنّهم في كلّ آن أمام نعمة جديدة،و جمال جديد.(14:89)

8- يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَ إِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ. المؤمن:39

ابن عبّاس:المقام الدّائم لا تحويل منها.(396)

قتادة:استقرّت الجنّة بأهلها،و استقرّت النّار بأهلها.(الطّبريّ 11:62)

الطّبريّ:يقول:و إنّ الدّار الآخرة،و هي دار القرار الّتي تستقرّون فيها،فلا تموتون و لا تزول عنكم.

يقول:فلها فاعملوا،و إيّاها فاطلبوا.(11:62)

الطّوسيّ:أي دار مقام،و سمّيت(دار قرار) لاستقرار الجنّة بأهلها،و استقرار النّار بأهلها.و القرار:

المكان الّذي يستقرّ فيه.(9:79)

الطّبرسيّ:أي دار الإقامة الّتي يستقرّ الخلائق فيها،فلا تغترّوا بالدّنيا الفانية،و لا تؤثروها على الدّار الباقية.(4:524)

الفخر الرّازيّ:أمّا الآخرة فهي دار القرار و البقاء و الدّوام.و حاصل الكلام:أنّ الآخرة باقية دائمة،و الدّنيا منقضية منقرضة،و الدّائم خير من المنقضي.و قال بعض العارفين:«لو كانت الدّنيا ذهبا فانيا،و الآخرة خزفا باقيا،لكانت الآخرة خيرا من الدّنيا،فكيف و الدّنيا خزف فان،و الآخرة ذهب باق؟».

و اعلم أنّ الآخرة كما أنّ النّعيم فيها دائم،فكذلك العذاب فيها دائم،و إنّ التّرغيب في النّعيم الدّائم و التّرهيب عن العذاب الدّائم،من أقوى وجوه التّرغيب و التّرهيب.(27:68)

نحوه الخازن.(6:80)،و الشّربينيّ(3:484)،

ص: 284

و البروسويّ(8:185).

القرطبيّ:أي الاستقرار و الخلود.و مراده بالدّار الآخرة:الجنّة و النّار،لأنّهما لا يفنيان.(15:317)

نحوه القاسميّ.(14:5168)

النّيسابوريّ:المنزل الّذي يستقرّ فيه.(24:43)

ابن كثير:أي الدّار الّتي لا زوال لها و لا انتقال منها و لا ظعن عنها إلى غيرها،بل إمّا نعيم و إمّا جحيم.(6:140)

أبو السّعود:لخلودها و دوام ما فيها.(5:420)

مثله الآلوسيّ.(24:70)

ابن عاشور:قصر قلب نظير القصر في قوله:

إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ: المؤمن:39.

(24:201)

9- ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللّهِ النّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ. فصّلت:28

الفرّاء:و هي النّار بعينها؛و ذلك صواب لو قلت:

لأهل الكوفة:منها دار صالحة،و الدّار هي الكوفة، و حسن حين قلت:بالدّار،و الكوفة هي و الدّار، فاختلف لفظاهما.و هي في قراءة عبد اللّه(ذلك جزاء اعداء اللّه النّار دار الخلد)فهذا بيّن لا شيء فيه،لأنّ الدّار هي النّار.(3:17)

الطّبريّ:يعني لهؤلاء المشركين باللّه في النّار دار الخلد،يعني دار المكث و اللّبث،إلى غير نهاية و لا أمد، و الدّار الّتي أخبر جلّ ثناؤه أنّها لهم في النّار هي النّار.

و حسن ذلك لاختلاف اللّفظين،كما يقال لك:من بلدتك دار صالحة،و من الكوفة:دار كريمة،و الدّار:

هي الكوفة و البلدة،فيحسن ذلك لاختلاف الألفاظ.

و قد ذكر لنا أنّها في قراءة ابن مسعود:(ذلك جزاء اعداء اللّه النّار دار الخلد).ففي ذلك تصحيح ما قلنا من التّأويل في ذلك؛و ذلك أنّه ترجم بالدّار عن النّار.(11:105)

الزّجّاج:أي لهم في النّار دار الخلد،و النّار هي الدّار،كما تقول:لك في هذه الدّار دار السّرور،و أنت تعني الدّار بعينها.[ثمّ استشهد بشعر](4:385)

نحوه النّسفيّ.(4:93)

الطّوسيّ:أي منزل دوام و تأبيد،جزاء لهم و عقوبة على كفرهم به تعالى في الدّنيا،و جحدهم لآياته.[ثمّ نقل كلام الفرّاء](9:122)

البغويّ:دار الإقامة لا انتقال منها.(4:131)

نحوه الميبديّ(8:523)،و الخازن(6:92).

الزّمخشريّ:فإن قلت:ما معنى قوله تعالى:

لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ؟

قلت:معناه:أنّ النّار في نفسها دار الخلد،كقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الأحزاب:21،و المعنى:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أسوة حسنة، و تقول:لك في هذه الدّار دار السّرور،و أنت تعني الدّار بعينها.(3:452)

ابن عطيّة:أي موضع البقاء و مسكن العذاب الدّائم،فالظّرفيّة في قوله:فيها متمكّنة على هذا التّأويل.و يحتمل أن يكون المعنى:هب لهم دار الخلد، ففي قوله:(فيها)معنى التّجريد.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:13)

ص: 285

ابن الجوزيّ:أي دار الإقامة.(7:252)

الفخر الرّازيّ:أي لهم في جملة النّار دار السّيّئات معيّنة،و هي دار العذاب المخلّد لهم.

(27:120)

القرطبيّ:فترجم بالدّار عن النّار،و هو مجاز الآية،و ذلِكَ ابتداء و جَزاءُ الخبر و اَلنّارُ بدل من جَزاءُ أو خبر مبتدإ مضمر،و الجملة في موضع بيان للجملة الأولى.(15:356)

البيضاويّ:فإنّها دار إقامتهم،و هو كقولك:في هذه الدّار دار سرور،و تعني بالدّار عينها على أنّ المقصود هو الصّفة.(2:348)

الشّربينيّ:أي فإنّها دار إقامة.[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و البيضاويّ و أضاف:]

قال ابن عادل:في هذا نظر؛إذ الظّاهر-و هو معنى صحيح منقول-أنّ في النّار دارا تسمّى دار الخلد و النّار محيطة بها،انتهى.و هذا أولى.(3:516)

أبو السّعود:قوله تعالى: لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جملة مستقلّة مقرّرة لما قبلها،أو اَلنّارُ مبتدأ هي خبره،أي هي بعينها دار إقامتهم،على أنّ«في» للتّجريد،و هو أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله،مبالغة لكماله فيها،كما يقال:في البيضة عشرون منّا حديد.و قيل-و هي على معناها-:و المراد أنّ لهم في النّار المشتملة على الدّركات دارا مخصوصة،هم فيها خالدون.(5:443)

نحوه البروسويّ.(8:253)

الآلوسيّ:و قوله تعالى: لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جملة مستقلّة مقرّرة لما قبلها.و جوّز أن يكون النّار مبتدأ،و هذه الجملة خبره،أي هي بعينها دار إقامتهم، على أنّ«في»للتّجريد،كما قيل:في قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الأحزاب:

21.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوّز أن يقال:المقصود ذكر الصّفة،و«الدّار» إنّما ذكرت توطئة،فكأنّه قيل:لهم فيها الخلود.و قيل:

الكلام على ظاهره و الظّرفيّة حقيقيّة،و المراد:أنّ لهم في النّار المشتملة على الدّركات دار مخصوصة هم فيها خالدون و الأوّل أبلغ.(24:119)

نحوه القاسميّ.(14:5201)

ابن عاشور:جاء بالظّرفيّة بتنزيل اَلنّارُ منزلة ظرف ل دارُ الْخُلْدِ، و ما دار الخلد إلاّ عين النّار.و هذا من أسلوب التّجريد ليفيد مبالغة معنى الخلد في النّار.و هو معدود من المحسّنات البديعيّة، و منه قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الأحزاب:21.[ثمّ استشهد بشعر](25:47)

الدّار

1- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

البقرة:94

ابن عبّاس:الجنّة.(14)

الفرّاء:يقول:إن كان الأمر على ما تقولون من أنّ الجنّة لا يدخلها إلاّ من كان يهوديّا أو نصرانيّا:

فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. (1:62)

ص: 286

الزّمخشريّ: خالِصَةً نصب على الحال من اَلدّارُ الْآخِرَةُ و المراد:الجنّة،أي سالمة لكم، خاصّة بكم،ليس لأحد سواكم فيها حقّ.(1:297)

لاحظ:م ن ي:«تمنّى».

2- وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ. الأنعام:32

ابن عبّاس:يعني الجنّة.(108)

الفرّاء:جعلت(الدار)هاهنا اسما،و جعلت اَلْآخِرَةُ من صفتها،و أضيفت في غير هذا الموضع.

و مثله ممّا يضاف إلى مثله في المعنى،قوله: إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ الواقعة:95،و الحقّ:هو اليقين،كما أنّ (الدار)هي اَلْآخِرَةُ، و كذلك:أتيتك بارحة الأولى،و البارحة الأولى.و منه:يوم الخميس،و ليلة الخميس.يضاف الشّيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه، كما اختلف الحقّ و اليقين،و الدّار و الآخرة،و اليوم و الخميس.

فإذا اتّفقا لم تقل العرب:هذا حقّ الحقّ،و لا يقين اليقين،لأنّهم يتوهّمون إذا اختلفا في اللّفظ أنّهما مختلفان في المعنى.(1:330)

الطّبريّ:يقول:و للعمل بطاعته و الاستعداد للدّار الآخرة بالصّالح من الأعمال الّتي تبقى منافعها لأهلها و يدوم سرور أهلها فيها،خير من الدّار الّتي تفنى وشيكا،فلا يبقى لعمّالها فيها سرور،و لا يدوم لهم فيها نعيم.(5:179)

الطّوسيّ:قرأ ابن عامر(و لدار الآخرة)بلام واحدة،مع تخفيف الدّال و خفض(الآخرة)على الإضافة،الباقون بلامين و تشديد الدّال،و ضمّ الآخرة.

و من قرأ بلامين و شدّد الدّال،جعل اَلْآخِرَةُ صفة لَلدّارُ، و أجراها في الإعراب مجراها.

و استدلّ على كونها صفة لَلدّارُ بقوله: وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى الضّحى:4،فإقامتها مقامها يدلّ على أنّها هي و ليس غيرها،فيجوز أن يضيف إليها.

و قوّوا ذلك بقوله: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ العنكبوت:64،و قوله: تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ القصص:83.

و من قرأ بلام واحدة و خفّف الدّال،فإنّه لم يجعل (الآخرة)صفة ل(لدار)،لأنّ الشّيء لا يضاف إلى نفسه،لكنّه جعلها صفة للسّاعة،و كأنّه قال:و لدار السّاعة الآخرة،و جاز وصف السّاعة ب(الآخرة) كما وصف اليوم بالآخر في قوله: وَ ارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ العنكبوت:36،و حسن إضافة(الدّار) إلى(الآخرة)و لم يقبح من حيث استقبح إقامة الصّفة مقام الموصوف،لأنّ(الآخرة)صارت كالأبطح و الأبرق؛أ لا ترى أنّه قد جاء: وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى الضّحى:4،و استعملت استعمال الأسماء، و لم تكن مثل الصّفات الّتي لم تستعمل استعمال الآخرة.

و مثل(الآخرة)في أنّها استعملت استعمال الأسماء قولهم:«الدّنيا»،لمّا استعملت استعمال الأسماء حسن أن لا تلحق لام التّعريف في نحو قول الشّاعر:

ص: 287

*في سعي دنيا طال ما قد مدّت*

[ثمّ نقل قول الفرّاء](4:124)

نحوه الطّبرسيّ.(2:291)

الزّمخشريّ:جعل أعمال الدّنيا لعبا و لهوا و اشتغالا،بما لا يعني و لا يعقب منفعة،كما تعقّب أعمال الآخرة المنافع العظيمة.(2:14)

ابن الجوزيّ:اللاّم:لام القسم،و(الدار الآخرة):الجنّة.(3:27)

الفخر الرّازيّ:في الآية مسائل:[إلى أن قال:]

المسألة الثّانية:قرأ ابن عامر(و لدار الآخرة) بإضافة«الدّار»إلى(الآخرة)،و الباقون وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ على جعل اَلْآخِرَةُ نعتا لَلدّارُ. أمّا وجه قراءة ابن عامر فهو أنّ الصّفة في الحقيقة مغايرة للموصوف،فصحّت الإضافة من هذا الوجه،و نظيره قولهم:بارحة الأولى،و يوم الخميس و حقّ اليقين.

و عند البصريّين لا تجوز هذه الإضافة،قالوا:لأنّ الصّفة نفس الموصوف،و إضافة الشّيء إلى نفسه ممتنعة.

و اعلم أنّ هذا بناء على أنّ الصّفة نفس الموصوف، و هو مشكل،لأنّه يعقل تصوّر الموصوف منفكّا عن الصّفة،و لو كان الموصوف عين الصّفة لكان ذلك محالا،و لقولهم وجه دقيق يمكن تقريره،إلاّ أنّه لا يليق بهذا المكان.

ثمّ إنّ البصريّين ذكروا في تصحيح قراءة ابن عامر وجها آخر،فقالوا:لم يجعل اَلْآخِرَةُ صفة لَلدّارُ، لكنّه جعلها صفة للسّاعة،فكأنّه قال:و لدار السّاعة الآخرة.

فإن قيل:فعلى هذا التّقدير الّذي ذكرتم تكون قد أقيمت(الآخرة)الّتي هي الصّفة مقام الموصوف الّذي هو«السّاعة»و ذلك قبيح.

قلنا:لا يقبح ذلك إذا كانت الصّفة قد استعملت استعمال الأسماء،و لفظ(الآخرة)قد استعمل استعمال الأسماء،و الدّليل عليه قوله: وَ لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى، و أمّا قراءة العامّة فهي ظاهرة،لأنّها تقتضي جعل اَلْآخِرَةُ صفة لَلدّارُ و ذلك هو الحقيقة،و متى أمكن إجراء الكلام على حقيقته، فلا حاجة إلى العدول عنه؛و اللّه أعلم.

المسألة الثّالثة:اختلفوا في المراد ب(الدار الآخرة) على وجوه:

قال ابن عبّاس:هي الجنّة،و إنّها خير لمن اتّقى الكفر و المعاصي.

و قال الحسن:المراد نفس الآخرة خير.

و قال الأصمّ:التّمسّك بعمل الآخرة خير.

و قال آخرون:نعيم الآخرة من نعيم الدّنيا؛من حيث إنّها كانت باقية دائمة مصونة عن الشّوائب، آمنة من الانقضاء و الانقراض.(12:201)

نحوه أبو حيّان.(4:109)

القرطبيّ:أي الجنّة لبقائها،و سمّيت آخرة لتأخّرها عنّا،و الدّنيا لدنوّها منّا.[ثمّ ذكر القراءتين و توجيهها،كما تقدّم عن الفخر الرّازيّ](6:415)

الخازن:يعنى:الجنّة،و اللاّم فيه لام القسم، تقديره و اللّه لدار الآخرة خير،يعني من الدّنيا و أفضل،

ص: 288

لأنّ الدّنيا سريعة الزّوال و الانقطاع.(3:107)

نحوه الشّربينيّ.(1:417)

ابن عاشور:فعلم منه أنّ أعمال المتّقين في الدّنيا هي ضدّ اللّعب و اللّهو،لأنّهم جعلت لهم دار أخرى هي خير،و قد علم أنّ الفوز فيها لا يكون إلاّ بعمل في الدّنيا فأنتج أنّ عملهم في الدّنيا ليس اللّهو و اللّعب، و أنّ حياة غيرهم هي المقصورة على اللّهو و اللّعب.

و الدّار:محلّ إقامة النّاس،و هي الأرض الّتي فيها بيوت النّاس،من بناء أو خيام أو قباب.و الآخرة:

مؤنّث وصف الآخر بكسر الخاء و هو ضدّ الأوّل،أي مقرّ النّاس الأخير الّذي لا تحوّل بعده.[ثمّ ذكر القراءتين،نحو ما تقدّم](6:70)

عبد الكريم الخطيب:إذ عملوا لها،و آثروها على الدّنيا،و قدّموا ما يبقى على ما يفنى،فكانت عاقبتهم السّلامة و العافية،و الخلود في جنّات النّعيم.

(4:158)

3- قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ.. الأنعام:135

ابن عبّاس:يعني الجنّة.(120)

مثله الثّعلبيّ.(4:193)

الزّمخشريّ:العاقبة:الحسنى الّتي خلق اللّه تعالى هذه الدّار لها.و هذا طريق من الإنذار لطيف المسلك،فيه إنصاف في المقال و أدب حسن،مع تضمّن شدّة الوعيد،و الوثوق بأنّ المنذر محقّ و المنذر مبطل.

(2:52)

ابن عطيّة:أي مآل الآخرة.و يحتمل أن يراد مآل الدّنيا بالنّصر و الظّهور.ففي الآية إعلام بغيب.

(2:348)

الطّبرسيّ:أي فستعلمون أيّنا تكون له العاقبة المحمودة في دار السّلام عند اللّه تعالى.و قيل:المراد عاقبة دار الدّنيا في النّصر عليكم.(2:369)

القرطبيّ:أي العاقبة المحمودة الّتي يحمد صاحبها عليها،أي من له النّصر في دار الإسلام،و من له وراثة الأرض،و من له الدّار الآخرة،أي الجنّة.(7:89)

أبو حيّان: عاقِبَةُ الدّارِ: مآلها و ما تنتهي إليه.

و اَلدّارِ يظهر منه:أنّها دار الآخرة.(4:226)

الآلوسيّ:و المراد ب اَلدّارِ: الدّنيا لا دار السّلام كما قيل،و ب«العاقبة»:العاقبة الحسنى،أي عاقبة الخير،لأنّها الأصل.فإنّه تعالى جعل الدّنيا مزرعة الآخرة،و قنطرة المجاز إليها،و أراد من عباده أعمال الخير،لينالوا أحسن الخاتمة.

و أمّا عاقبة الشّرّ فلا اعتداد بها،لأنّها من نتائج تحريف الفجّار،أي فسوف تعلمون أيّنا تكون له العاقبة الحسنى الّتي خلق اللّه تعالى هذه الدّار لها.

و يجوز أن تكون(من)موصولة فمحلّها النّصب على أنّها مفعول تَعْلَمُونَ أي فسوف تعلمون الّذي له عاقبة الدّار.و فيه مع الإنذار المستفاد من التّهديد إنصاف في المقال،و تنبيه على كمال وثوق المنذر بأمره.(8:31)

فضل اللّه:الّتي يعيش فيها النّتائج الطيّبة في رضوان اللّه و في نعيم الجنّة،و في سعادة الرّوح،و لن

ص: 289

ينتظر الآخرون كثيرا في معرفة هؤلاء الّذين تكون لهم عاقبة الدّار.إنّهم المطيعون للّه،المؤمنون به المجاهدون في سبيله.(9:333)

4- وَ قالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ.

القصص:37

ابن عبّاس:الجنّة في الآخرة.(326)

أبو عبيدة:عاقبة الأمر،أي آخره.(2:105)

الثّعلبيّ:أي العقبى المحمودة في الدّار الآخرة.

(7:250)

نحوه البغويّ(3:535)،و الخازن(5:144).

الطّوسيّ:يعني الجنّة و الثّواب في الآخرة.

(8:153)

الواحديّ:أي و هو أعلم بمن تكون له الجنّة.

(3:399)

الميبديّ:أي و هو أعلم بمن تصير له الجنّة دارا و مستقرّا في عاقبة أمره.(7:305)

الزّمخشريّ:هي العاقبة المحمودة،و الدّليل عليه قوله تعالى: أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ* جَنّاتُ عَدْنٍ... الرّعد:22،23 و قوله: وَ سَيَعْلَمُ الْكُفّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:42،و المراد ب اَلدّارِ:

الدّنيا،و عاقبتها و عقباها:أن يختم للعبد بالرّحمة و الرّضوان،و تلقّي الملائكة بالبشرى عند الموت.

فإن قلت:العاقبة المحمودة و المذمومة كلتاهما يصحّ أن تسمّى:عاقبة الدّار،لأنّ الدّنيا إمّا أن تكون خاتمتها بخير أو بشرّ،فلم اختصّت خاتمتها بالخير بهذه التّسمية دون خاتمتها بالشّرّ؟

قلت:قد وضع اللّه سبحانه الدّنيا مجازا إلى الآخرة،و أراد بعباده أن لا يعملوا فيها إلاّ الخير،و ما خلقهم إلاّ لأجله،ليتلقّوا خاتمة الخير و عاقبة الصّدق.

و من عمل فيها خلاف ما وضعها اللّه له فقد حرّف،فإذا عاقبتها الأصليّة هي عاقبة الخير.و أمّا عاقبة السّوء فلا اعتداد بها،لأنّها من نتائج تحريف الفجّار.

(3:177)

نحوه الفخر الرّازي(24:251)،و النّسفيّ(3:

236)،و الشّربينيّ(3:100)،و أبو السّعود(5:124) و القاسميّ(13:4707).

القرطبيّ:أي دار الجزاء.(13:288)

البيضاويّ:العاقبة المحمودة،فإنّ المراد بالدّار الدّنيا و عاقبتها الأصلية،هي الجنّة،لأنّها خلقت مجازا إلى الآخرة.و المقصود منها بالذّات:هو الثّواب و العقاب،إنّما قصد بالعرض.(2:194)

لاحظ:ع ق ب:«عاقبة».

5- وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللّهُ الدّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا... القصص:77

ابن عبّاس:يعني الجنّة.(330)

الطّبريّ:و التمس فيما آتاك اللّه من الأموال خيرات الآخرة،بالعمل فيها بطاعة اللّه في الدّنيا.

(10:105)

الواحديّ:و اطلب فيما أعطاك اللّه من الأموال

ص: 290

و النّعمة:الجنّة،و هو أن يقوم بشكر اللّه فيما أنعم عليه، و ينفقه في رضي اللّه.(3:407)

نحوه البغويّ(3:543)،و الخازن(5:150).

الميبديّ: اَلدّارَ الْآخِرَةَ يعني الجنّة و نعيمها، بأن تواسي بها الفقراء و تصل بها الرّحم،و تصرفها إلى أبواب الخير.(7:344)

الطّبرسيّ:معناه:اطلب فيما أعطاك اللّه من الأموال الدّار الآخرة،بأن تنفقها في سبيل الخير و وجوه الخير و البرّ.(4:266)

ابن الجوزيّ:و هي:الجنّة،و ذلك يكون بإنفاقه في رضي اللّه تعالى،و شكر المنعم به.(6:241)

الفخر الرّازيّ:و الظّاهر أنّه كان مقرّا بالآخرة، و المراد أن يصرف المال إلى ما يؤدّيه إلى الجنّة،و يسلك طريقة التّواضع.(25:15)

القرطبيّ:أي أطلب فيما أعطاك اللّه من الدّنيا الدّار الآخرة و هي الجنّة،فإنّ من حقّ المؤمن أن يصرف الدّنيا فيما ينفعه في الآخرة،لا في التجبّر و البغي.(13:314)

البروسويّ:أي ثواب اللّه فيها،بصرفه إلى ما يكون وسيلة إليه من مواساة الفقراء،و صلة الرّحم، و فكّ الأسير،و نحوها من أبواب الخير.(6:430)

الطّباطبائيّ:أي و اطلب فيما أعطاك اللّه من مال الدّنيا تعمير الدّار الآخرة،بإنفاقه في سبيل اللّه، و وضعه فيما فيه مرضاته تعالى.(16:76)

مكارم الشّيرازيّ:و هذا إشارة إلى أنّ المال و الثّروة ليس أمرا سيّئا كما يتصوّره بعض المتوهّمين، المهمّ أن تعرف فيم يستعمل المال،و في أيّ طريق ينفق، فإذا ابتغي به الدّار الآخرة فما أحسنه!أو كان وسيلة للّعب و الهوى و الظّلم و التّجاوز،فلا شيء أسوأ منه! و هذا هو المنطق الّذي ورد على لسان أمير المؤمنين عليه السّلام في كلام معروف:«من أبصر بها بصّرته و من أبصر إليها أعمته».

و كان قارون رجلا ذا قدرة على الأعمال الاجتماعيّة الكبيرة بسبب أمواله الطّائلة،و لكن ما الفائدة منها،و قد أعماه غروره عن النّظر إلى الحقائق.

(12:266)

6- تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.

القصص:83

القرطبيّ:يعني الجنّة.و قال ذلك على جهة التّعظيم لها و التّفخيم لشأنها،يعني تلك الّتي سمعت بذكرها،و بلغك وصفها نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ، أي رفعة و تكبّرا على الإيمان و المؤمنين.(13:320)

ابن عاشور:انتهت قصّة قارون بما فيها من العبر من خير و شرّ،فأعقبت باستئناف كلام عن الجزاء على الخير،و ضدّه في الحياة الأبديّة،و أنّها معدّة للّذين حالهم بضدّ حال قارون،مع مناسبة ذكر الجنّة بعنوان الدّار لذكر الخسف بدار قارون،للمقابلة بين دار زائلة و دار خالدة.(20:117)

ص: 291

7- وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ لَهْوٌ وَ لَعِبٌ وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.

العنكبوت:64

ابن عبّاس:يعني الجنّة.(338)

ابن قتيبة:يعني الجنّة هي دار الحياة،أي لا موت فيها.(339)

الطّبريّ:يقول: وَ إِنَّ الدّارَ الْآخِرَةَ لفيها الحياة الدّائمة الّتي لا زوال لها،و لا انقطاع و لا موت معها.(10:159)

لاحظ سائر الآيات(الدّار)في:ب و ء،و:خ س ف، و:خ ل ص،و:ع ق ب.

داركم

فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ. هود:65

ابن عبّاس:في مدينتكم.(188)

الطّبريّ:استمتعوا في دار الدّنيا بحياتكم ثلاثة أيّام.(7:63)

الطّوسيّ:أي تلذّذوا.و إنّما يريدون من المدركات الحسان من المناظر و الأصوات و غيرها ممّا يدرك بالحواسّ.و يقال للبلاد:دار،لأنّها تجمع أهلها كما تجمع الدّار.و منه قولهم:ديار ربيعة،و ديار مضر.

و قيل:معنى فِي دارِكُمْ أي في دار الدّنيا.

(6:19)

البغويّ:أي:في دياركم.(2:455)

الميبديّ:أي عيشوا في منازلكم.و قيل:المراد ب دارِكُمْ: دار الدّنيا.و قيل:إنّما وحّد،لأنّ المراد بها البلد.(4:411)

الزّمخشريّ:في بلدكم.و تسمّى البلاد:الدّيار، لأنّه يدار فيها،أي يتصرّف.يقال:ديار بكر،لبلادهم.

و تقول العرب الّذين حوالي مكّة:نحن من عرب الدّار،يريدون:من عرب البلد.و قيل:في دار الدّنيا.

(2:279)

نحوه النّسفيّ(2:197)،و أبو حيّان(5:239)، و البروسويّ(4:158).

ابن عطيّة:هي جمع:دارة،كما تقول:ساحة و ساح و سوح.[ثمّ استشهد بشعر]

و يمكن أن يسمّى جميع مسكن الحيّ دارا.

(3:185)

ابن الجوزيّ:أي استمتعوا بحياتكم.و عبّر عن الحياة بالتّمتّع،لأنّ الحيّ يكون متمتّعا بالحواسّ.

(4:125)

الفخر الرّازيّ:فيه وجهان:

الأوّل:أنّ المراد من«الدّار»:البلد،و تسمّى البلاد بالدّيار،لأنّه يدار فيها،أي يتصرّف.يقال:ديار بكر،أي بلادهم.

الثّاني:أنّ المراد بالدّيار:الدّنيا.(18:20)

نحوه الشّربينيّ.(2:67)

القرطبيّ:أي في بلدكم،و لو أراد المنزل لقال:في دوركم.و قيل:أي يتمتّع كلّ واحد منكم في داره و مسكنه،كقوله: يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً المؤمن:67،أي كلّ واحد طفلا.(9:60).

ص: 292

البيضاويّ:عيشوا في منازلكم،أو في داركم الدّنيا.(1:473)

نحوه أبو السّعود.(3:329)

الطّباطبائيّ:و«الدّار»هي المكان الّذي يبنيه الإنسان فيسكن فيه،و يأوي إليه هو و أهله،و المراد بها في الآية:المدينة،سمّيت دارا لأنّها تجمع أهلها كما تجمع الدّار أهلها.و قيل:المراد بالدّار:الدّنيا،و هو بعيد.(10:313)

ديارهم

وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً. الأحزاب:27

الطّبريّ:و مساكنهم.(10:287)

الماورديّ:يريد بالأرض:النّخل و المزارع،و بالدّيار:المنازل،و بالأموال:المنقولة.(4:393)

الميبديّ:أي بلادهم و حصونهم.(8:41)

البروسويّ:حصونهم و بيوتهم.(7:161)

دياركم

1- لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. الممتحنة:8

ابن عبّاس:مكّة و لم يعينوا أحدا على إخراجكم من مكّة.(467)

2- إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ.

الممتحنة:9

ابن عبّاس:من مكّة.(467)

الطّوسيّ:يعني منازلكم و أملاككم.(9:583)

الميبديّ:و هم كفّار مكّة الّذين ألجئوكم إلى الهجرة من مكّة.(10:72)

لاحظ:سائر الآيات(الدّار)و(دياركم)و (ديارنا)في:ج و س،و:خ ر ج.

ديّارا

وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً. نوح:26

ابن عبّاس:أحدا.(487)

السّدّيّ:أي الّذي يسكن الدّار.فاستجاب اللّه له،فأهلك جميع من على الأرض،حتّى ولد نوح لصلبه الّذي اعتزله.(462)

الفرّاء:و هو من درت،و لكنّه«فيعال»من الدّوران.(3:190)

أبو عبيدة:أحدا،يقولون:ليس بها ديّارا، و ليس بها عريب.(2:271)

ابن قتيبة:أي أحدا.و يقال:ما بالمنازل ديّار، أي ما بها أحد.و هو من«الدّار»،أي ليس بها نازل دار.(488)

نحوه الواحديّ.(4:360)

المبرّد: دَيّاراً لا تستعمل إلاّ في النّفي

ص: 293

العامّ.يقال:ما بالدّار ديّار،و لا تستعمل في جانب الإثبات.(الفخر الرّازيّ 30:146)

نحوه النّيسابوريّ.(29:59)

الطّبريّ:و يعني ب«الدّيّار»من يدور في الأرض،فيذهب و يجيء فيها،و هو«فيعال»من الدّوران:ديوارا،اجتمعت الياء و الواو،فسبقت الياء الواو و هي ساكنة،و أدغمت الواو فيها،و صيّرتا ياء مشدّدة،كما قيل:الحيّ القيّام من قمت،و إنّما هو «قيوام».و العرب تقول:ما بها ديّار و لا عريب، و لا دويّ و لا صافر،و لا نافخ ضرمة،يعني بذلك كلّه:

ما بها أحد.(12:255)

نحوه الزّجّاج(5:231)،و الثّعلبيّ(10:47)، و الطّوسيّ(10:142)،و الميبديّ(10:242)،و ابن عطيّة(5:377)،و الخازن:(7:130).

السّجستانيّ:أي أحدا و لا يتكلّم به إلاّ في الجحد،يقال:ما في الدّار أحد و لا ديّار.(199)

الزّمخشريّ: دَيّاراً من الأسماء المستعملة في النّفي العامّ.يقال:ما بالدّار ديّار و ديّور،كقيّام و قيّوم، و هو«فيعال»من الدّور،أو من الدّار.أصله:ديوار، ففعل به ما فعل بأصل سيّد و ميّت،و لو كان«فعّالا» لكان دوّارا.(4:165)

نحوه البيضاويّ(2:508)،و أبو حيّان(8:343)، و الشّربينيّ(4:395)،و أبو السّعود(6:311).

الطّبرسيّ:أي نازل دار،يعني لا تدع منهم أحدا إلاّ أهلكته.(5:365)

النّسفيّ:أي أحدا يدور في الأرض،و هو «فيعال»من الدّور و هو من الأسماء المستعملة في النّفي العامّ.(4:297)

البروسويّ: دَيّاراً: أحدا يدور فى الأرض، فيذهب و يجيء،أي فأهلكهم بالاستئصال.و الجملة عطف على نظيرها السّابق.(10:184)

الآلوسيّ:و الدّيّار:من الأسماء الّتي لا تستعمل إلاّ في النّفي العامّ،يقال:ما بالدّار ديّار أو ديّور كقيّام و قيّوم،أي ما بها أحد،و هو«فيعال»من الدّار أو من الدّور،كأنّه قيل لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً من يسكن دارا أو لا تذر عليها منهم من يدور و يتحرّك.و أصله:ديوار،اجتمعت الواو و الياء و سبقت إحداهما بالسّكون،فقلبت الواو ياء و أدغمت الياء في الياء،و ليس ب«فعّال»و إلاّ لكان دوّارا إذ لا داعي للقلب حينئذ.(29:79)

ابن عاشور:و دَيّاراً اسم مخصوص بالوقوع في النّفي،يعمّ كلّ إنسان،و هو اسم بوزن«فيعال» مشتق من اسم الدّار،فعينه واو،لأنّ عين دار مقدّرة واوا،فأصل ديّار:ديوار،فلمّا اجتمعت الواو و الياء و اتّصلتا،و سبقت إحداهما بالسّكون،قلبت الواو ياء، ثمّ أدغمت في الياء الزّائدة،كما فعل ب«سيّد و ميّت».

و معنى ديّار من يحلّ بدار القوم،كناية عن إنسان.

و نظير«ديّار»في العموم و الوقوع في النّفي أسماء كثيرة في كلام العرب،أبلغها ابن السّكّيت في«إصلاح المنطق»إلى خمسة و عشرين،و زاد كراع النّمل سبعة، فبلغت اثنين و ثلاثين اسما،و زاد ابن مالك في «التّسهيل»ستّة فصارت ثمانية و ثلاثين.

ص: 294

و من أشهرها:آحد،و ديّار،و عريب،و كلّها بمعنى الإنسان،و لفظ«بدّ»بضمّ الموحّدة و تشديد الدّال المهملة و هو المفارقة.(29:198)

الطّباطبائيّ:الدّيّار:نازل الدّار.(20:36)

عبد الكريم الخطيب:أي ساكن دار،و هو كناية عن القضاء على كلّ كافر،و ما يضمّ بيته من مال و متاع.(15:1205)

مكارم الشّيرازيّ:ديّار:على وزن سيّار،من أصل دار،و تعني من سكن الدّار.و هذه اللّفظة تأتي عادة في موارد النّفي المطلق،كقول:ما في الدّار ديّار، أي ليس في الدّار أحد.(19:66)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ:باب الدّار على ثمانية أوجه أحدها:الجنّة،كقوله: وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الأنعام:32،نظيرها في الأعراف:169، و يوسف:109،و النّحل:30.

و الثّاني:جهنّم،كقوله في الرّعد:25،و المؤمن:

52، وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ.

و الثّالث:مصر،كقوله: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ الأعراف:145،يعني مصر،و قيل:البحر و قيل:مكّة، و قيل:جهنّم.

و الرّابع:مكّة،كقوله: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ الرّعد:31.

و الخامس:المدينة،كقوله: فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ في الأعراف:78،91.

و السّادس:معسكرهم،كقوله في هود:68،94:

وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ.

و السّابع:البدر،كقوله: وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ إبراهيم:28،و قيل:جهنّم.

و الثّامن:الدّار بعينها،كقوله: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81.(248)

الدّامغانيّ:الدّار على أربعة أوجه:المنزل،المدينة، الجنّة،النّار.

فوجه منها:الدّار يعني المنزل،قوله في سورة الأعراف:78: فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ يعني في منازلهم و مساكنهم و نحوه كثير.

و الوجه الثّاني:الدّار يعني المدينة،كقوله في سورة الرّعد:32: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ أي مدينتهم.

و الوجه الثّالث:الدّار يعني الجنّة،قوله: وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ النّحل:30،جنّات.

و الوجه الرّابع:الدّار يعني جهنّم،قوله: دارَ الْبَوارِ إبراهيم:28،يعني جهنّم.(325)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّور،أي الطّواف.

يقال:دار الشّيء يدور دورا و دورانا و دءورا و استدار،أي طاف.و الدّورة:المرّة من الدّوران.يقال:

دار دورة واحدة.و أدرته أنا و دوّرته:جعلته يدور، و كذلك دوّر به.و أدرت:استدرت،و داوره مداورة

ص: 295

و دوارا:دار معه.

و المدار:«مفعل»يكون موضعا،و يكون مصدرا كالدّوران،و يجعل اسما،نحو مدار الفلك في مداره.و في حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«إنّما أنا قطب الرّحا،تدور عليّ و أنا بمكاني،فإذا فارقته استحار مدارها»، (1)و هو هنا بمعنى المصدر،أي اضطرب دورانها.

و الدّوّاريّ:الدّهر الدّائر بالإنسان أحوالا.يقال:

الدّهر دوّار بالإنسان و دوّاريّ،أي دائر به.

و الدّوار و الدّوار:هو كالدّوران يأخذ في الرّأس.

يقال:دير به،أي أخذه الدّوار.

و دوّارة الرّأس و دوّارته:طائفة منه.

و دوّارة البطن و دوّارته:ما تحوّى من أمعاء الشّاة.

و الدّوار و الدّوار و الدّوّار و الدّوّار:صنم كانت العرب تنصبه،يجعلون موضعا حوله يدورون به.

و الدّوّار و الدّوّار:من أسماء البيت الحرام،لأنّهم كانوا يدورون فيه حول الكعبة.

و الدّوّار:مستدار رمل تدور حوله الوحش.

و المدارة:جلد يدار و يخرز على هيئة الدّلو فيستقى بها.

و الدّارة:ما أحاط بالشّيء؛و الجمع:دارات و دور،و منه:دارة القمر،و هي الهالة،و دارة الرّمل:ما استدار منه،و هي الدّورة و الدّوّارة و الدّيّرة.و الدّارة أيضا:الدّار،و الدّائرة،و كلّ أرض واسعة بين الجبال.

و الدّيّرة من الرّمل:كالدّارة؛و الجمع:ديّر، و مثلها التّدورة.

و التّدورة:المجلس.

و الدّوّارة:من أدوات النّقّاش و النّجّار،لها شعبتان تنضمّان و تنفرجان لتقدير الدّارات.

و المدارات:أزر فيها دارات شتّى.

و الدّائرة:كالحلقة أو الشّيء المستدير؛و الجمع:

دوائر،و منه:دائرة رأس الإنسان:الشّعر الّذي يستدير على القرن.يقال:اقشعرّت دائرته،و في المثل:

«ما اقشعرّت له دائرتي»،يضرب لمن يتهدّد بالأمر لا يضرّك.و في الفرس دوائر كثيرة،فدائرة القالع و النّاطح و غيرهما.

و الدّائرة:الّتي تحت الأنف،و هي الدّوّارة، و الدّيرة أيضا.

و دائرة الحافر:ما أحاط به من التّبن.

و الدّائرة:خشبة تركز وسط الكدس تدور بها البقر.

و الدّائرة في العروض:هي الّتي حصر الخليل بها الشّطور،لأنّها على شكل الدّائرة الّتي هي الحلقة، و هي خمس دوائر.

و الدّائرة:الهزيمة و السّوء.و دارت عليهم الدّوائر:

نزلت بهم الدّواهي.

و ما لفلان دائرة،إذا لم يحكم أمره.

و الدّار:المحلّ بجمع البناء و العرصة،من:دار يدور،لكثرة حركات النّاس فيها؛و الجمع:أدور و أدؤر و آدر و ديارة و ديران و دور.9)

ص: 296


1- نهج البلاغة-الخطبة(119)

و منه:الدّار:اسم لمدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و البلد.يقال:

هذه الدّار نعمت البلد،و الدّنيا دار الفناء،و الآخرة دار القرار و دار السّلام.

و الدّاريّ:اللاّزم لداره،لا يبرح و لا يطلب معاشا و ربّ النّعم،سمّي بذلك لأنّه مقيم في داره،فنسب إليها.

و الدّاريّ:الملاّح الّذي يلي الشّراع،كأنّه مقيم في موضعه.

و أمّا الدّاريّ:العطّار،فمنسوب إلى«دارين» و هو من شواذّ النّسب،و القياس فيه دارينيّ،مثل:

قزوينيّ.

و بعير داريّ:متخلّف عن الإبل في مبركه،و كذلك الشّاة،على التّشبيه.

و ما بالدّار ديّار:ما بها أحد،و«فيعال»من:دار يدور.و يقال أيضا:ما بالدّار دوريّ و لا ديّار و ديّور؛ و جمع الدّيّار و الدّيّور:دواوير.

و منه أيضا:أدرت فلانا على الأمر،إذا حاولت إلزامه إيّاه،و أدرته عن الأمر،إذا طلبت منه تركه.

و أداره عن الأمر و عليه و داوره:لاوصه.

و مداورة الشّئون:معالجتها.

2-و الدّور عند المناطقة:توقّف الشّيء على ما يتوقّف عليه.

و الدّور عند المولّدين:جزء من المبني،يتكوّن من مسكن أو مساكن.يقولون:الدّور الأرضي،أو الدّور الثّاني،أو الدّور الثّالث و هلمّ جرّا.

و اشتقّوا هذا المعنى من دور العمامة.قال ابن معصوم:«الدّور:واحد أدوار العمامة و نحوها.تقول:

انفسخ دور عمامته،و انتقضت أدوارها». (1)

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها«المضارع»مجرّدا و مزيدا من «الإفعال»كلّ منهما مرّة،و الاسم مفردا(الدّائرة)3 مرّات،و جمعا(الدّوائر)مرّة،و المبالغة(ديّار)مرّة أيضا،و(الدّار)مفردا 33 مرّة،و جمعا(ديارا)15 مرّة،في 51 آية:

1-دور و أديار

1- أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ... الأحزاب:19

2- ...إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ... البقرة:282

2-دائرة و دوائر

3- فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ... المائدة:52

4- وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ الظّانِّينَ بِاللّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً الفتح:6

5- وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ

ص: 297


1- الطّراز الأوّل(7:447).

عَلِيمٌ التّوبة:98

3-ديّار

6- وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً نوح:26

4-دار و ديار

7-14-دار الآخرة:8 آيات،لاحظ:(الآخرة).

دار السّلام

15- لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ هُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام:127

16- وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يونس:25

عاقبة الدّار و عقبى الدّار

17- قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ الأنعام:135

18- وَ قالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ القصص:37

19- وَ الَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:22

20- سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:24

21- ...يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَ سَيَعْلَمُ الْكُفّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:42

سوء الدّار

22- وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ الرّعد:25

23- يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ المؤمن:52

دار القرار

24- يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَ إِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ المؤمن:39

دار الخلد

25- ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللّهِ النّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فصّلت:28

دار الفاسقين

26- ...وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ الأعراف:145

دار البوار

27- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ إبراهيم:28

دار المتّقين

28- وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ النّحل:30

دار المقامة

29- اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ فاطر:35

ص: 298

داركم،دارهم،داره

30- فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ هود:65

31-33- فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ العنكبوت:37،الأعراف:78 و 91.

34- ...أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ... الرّعد:31

35- فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ

القصص:81

الدّيار

36- ...بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً الإسراء:5

37- وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ البقرة:84

38- وَ لَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ...

النّساء:66

39 و 40- لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ ...

*إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ... الممتحنة:8 و 9

41- ...قالُوا وَ ما لَنا أَلاّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا... البقرة:246

42- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ... البقرة:243

43- وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النّاسِ... الأنفال:47

44- ...فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ... آل عمران:195

45- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ... البقرة:85

46- اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ... الحج:40

47- وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها... الأحزاب:270

48- لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً...

الحشر:8

49- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ... الحشر:2

50 و 51- وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ هود:67 و 94

و يلاحظ أوّلا:أنّه قد جاء الفعل منها مرّتين:

مجرّدا و مزيدا،و الوصف(دائرة)مفردا و جمعا 3 مرّات،و الباقي كلّها أسامي.

أمّا الفعل المجرّد،فقوله في(1): تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ و فيها بحوث:

1-هذه الآية من تتمّة آيات المنافقين من سورة

ص: 299

الأحزاب الّتي نزلت بشأن غزوة الأحزاب،و هي الّتي اشترك فيها مشركو قريش و من تبعهم من القبائل و الأحزاب.و قد بدأت هذه الآيات بقوله في الآية:

12، وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ إِلاّ غُرُوراً، و استدامت إلى قوله في الآية:18،فما بعدها إلى الآية 20 منها: قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً* أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً* يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَ لَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاّ قَلِيلاً.

2-و قالوا في معنى تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ: تتقلّب أعينهم في الجفون،من الخوف،تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتّى لا يصحّ منهم النّظر إلى جهة،تدور أعينهم لشدّة خوفهم،حذرا أن يأتيهم القتل من كلّ جهة،أي كدوران عين الّذي يغشى عليه من الموت، و هو الّذي دنا موته،و غشيته،تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتّى لا يصحّ منهم النّظر إلى جهة إذا جاء الخوف من العدوّ،و توقّع أن يستأصل أهل المدينة لاذ هؤلاء المنافقون بك،ينظرون نظر الهلوع المختلط النّظر الّذي يغشى عليه من الموت،تدور أعينهم في رءوسهم و تجول و تضطرب رجاء أن يلوح لهم،تضطرب في أجفانها كحركة الجسم الدّائرة من سرعة تنقّلها محملقة إلى الجهات المحيطة.و شبّه نظرهم بنظر الّذي يغشى عليه بسبب النّزع عند الموت،فإنّ عينيه تضطربان،و نحوها.و لا ريب أنّ أكثرها تفسير بالملازمات،و حاصلها أنّ أعينهم تدور خوفا كحالة من يموت،فإنّ عينيه تدوران و تضطربان.

3-و منها نعلم جملة من صفات المنافقين:منها تكذيب اللّه و رسوله فيما و عداه من النّصر،و تخويف المؤمنين في البأساء و الضّرّاء،و الفرار من الجهاد، و التّعويق في الأمور-و من الآيات الأخيرة بالذّات- شدّة خوفهم عند هجوم الأعداء،و شدّة فرحهم عند ذهابهم أشحّة على الشّرّ و الخير في الحالتين،و هذا كان آية نفاقهم.

قال القشيريّ:«إذا جاء الخوف طاشت من الرّعب عقولهم،و طاحت بصائرهم،و تعطّلت عن النّصرة جميع أعضائهم،و إذا ذهب الخوف زيّنوا كلامهم،و قدّموا خداعهم،و احتالوا في أحقاد خسّتهم.أولئك هذه صفاتهم،لم يباشر الإيمان قلوبهم، و لا صدقوا فيما أظهروا من ادّعائهم و استسلامهم».

و قال القرطبيّ:«وصفهم بالجبن،و كذا سبيل الجبان ينظر يمينا و شمالا محدّدا بصره،و ربّما غشي عليه...».

و قال الخطيب:«تصوير للحال الّتي تستولي على هؤلاء المنافقين،و من في قلوبهم مرض حين تتحرّك أمامهم أشباح الحرب،و تلوح لهم جيوش العدوّ، فكيف يكون حالهم من الفزع و الرّعب،حين يلقون

ص: 300

العدوّ،و تسلّ السّيوف و تشرع الرّماح؟إنّهم يموتون بصعقات الخوف،قبل أن يموتوا بضربات السّيوف، و طعنات الرّماح».

4-و في إعرابها قال أبو حيّان:«و تَدُورُ في موضع الحال،أي دائرة أعينهم. كَالَّذِي في موضع الصّفة لمصدر محذوف،و هو مصدر مشبّه،أي دورانا كدوران عين الّذي يغشى عليه.فبعد الكاف محذوفان، و هما:«دوران و عين».و يجوز أن يكون في موضع الصّفة لمصدر من يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نظرا كنظر الّذي يغشى عليه».

و قال الشّربينيّ:«فهي إمّا حال ثانية،و إمّا حال من ينظرون يمينا و شمالا بإدارة الطّرف أَعْيُنُهُمْ، أي زائغا رعبا.ثمّ شبّهها في سرعة تقلّبها لغير قصد صحيح،بقوله تعالى: كَالَّذِي أي كدوران عين الّذي يُغْشى عَلَيْهِ مبتدأ غشيانه مِنَ الْمَوْتِ، أي من معالجة سكراته خوفا و لواذا بك؛و ذلك لأنّ قرب الموت و غشية أسبابه تذهب عقله و تشخص بصره فلا يطرف».

و قال أبو السّعود في: «كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ: صفة لمصدر يَنْظُرُونَ أو حال من فاعله، أو لمصدر تَدُورُ، أو حال من أَعْيُنُهُمْ، أي ينظرون نظرا كائنا كنظر المغشيّ عليه من معالجة سكرات الموت،حذرا و خورا و لواذا بك،أو ينظرون كائنين كالّذي...،أو تدور أعينهم دورانا كائنا كدوران عينه،أو تدور أعينهم كائنة كعينه».

و قال ابن عاشور:«جملة تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ حال من ضمير يَنْظُرُونَ، لتصوير هيئة نظرهم نظر الخائف المذعور الّذي يحدّق بعينيه إلى جهات،يحذر أن تأتيه المصائب من إحداها».

و قال أيضا في لغة تَدُورُ: «و الدّور و الدّوران:

حركة جسم رحويّة-أي كحركة الرّحى-منتقل من موضع إلى موضع فينتهي إلى حيث ابتدأ.و أحسب أنّ هذا الفعل و ما تصرّف منه مشتقات من اسم الدّار، و هي المكان المحدود المحيط بسكّانه؛بحيث يكون حولهم.و منه سمّيت الدّارة لكلّ أرض تحيط بها جبال،و قالوا:دارت الرّحى حول قطبها...»فلاحظ.

و أمّا الفعل المزيد،فقوله في(2): ...إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ...، و فيها أيضا بحوث:

1-هذه الجملة قطعة من آية الدّين المطوّلة في آخر سورة البقرة،رقم:281،-و قد بحثنا فيها في مادّة د ي ن:«الدّين»-و قد أكّد اللّه في الآية كتابة الدّين، و الاستشهاد عليه،و استثنى من الدّين تجارة حاضرة -كاستثناء منقطع-في قوله: وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ... .

2-قالوا في معنى تُدِيرُونَها: فتؤخذ و تعطى تتناقلونها من يد إلى يد نقدا لا نسيئة،تكثرون تبايعها في كلّ وقت،تديرونها بينكم ليس فيها أجل،معنى

ص: 301

إدارتها بينهم:تعاطيهم إيّاها يدا بيد،إشارة إلى فوريّة التّسليم و القبض،و تبادل البضاعة و ثمنها بين البائع و المشتري،تتبايعوا بيعا ناجزا يدا بيد،و نحوها.

3-قال ابن عطيّة:«يقتضي التّقابض و البينونة بالمقبوض،و لمّا كانت الرّباع و الأرض و كثير من الحيوان لا تقوى البينونة به،و لا يعاب عليه،حسن الكتب فيها،و لحقت في ذلك بمبايعة الدّين».

4-و في إعراب تُدِيرُونَها قال الطّبريّ:«فيه وجهان:

أحدهما:أنّه في موضع نصب على أنّه حلّ محلّ خبر كان،و التّجارة الحاضرة اسمها.

و الآخر:أنّه في موضع رفع على اتّباع التّجارة الحاضرة،لأنّ خبر النّكرة يتبعها،فيكون تأويله:إلاّ أن تكون تجارة حاضرة دائرة بينكم».

و قال ابن عاشور: «تُدِيرُونَها بيان لجملة أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً -إلى أن قال:-أو تجعل تُدِيرُونَها صفة ثانية ل تِجارَةً في معنى البيان،و لعلّ فائدة ذكره الإيماء إلى تعليل الرّخصة في ترك الكتابة،لأنّ إدارتها أغنت عن الكتابة.و قيل:

الاستثناء متّصل،و المراد بالتّجارة الحاضرة:المؤجّلة إلى أجل قريب،فهي من جملة الدّيون،رخّص فيها ترك الكتابة بها،و هذا بعيد».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «تُدِيرُونَها تعني الجارية في التّداول لتوضيح معنى التّجارة الحاضرة».

لاحظ:ت ج ر:«تجارة»،و:ح ض ر:«حاضرة».

و أمّا الوصف المفرد:«دائرة»ففيها آيتان(3 و 4)، و جاء في(3) نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ، و فيها بحوث:

1-هذه من تتمّة الآية قبلها،و هي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ -ثمّ قال:- فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ.

و منها تعلم صفة أخرى للمنافقين،و هي موالاتهم لأهل الكتاب و لا سيّما اليهود في المدينة،فقد كان بينهم و بين اليهود صداقة راسخة،و كانوا يتأثّرون بهم في تعاملهم مع المؤمنين،كما ثبت في القرآن و ف ي السّيرة.و من جملتها:ما أعتقد أنا-و لم أقف إلى الآن على قول غيري به-من أنّ اجتماع الأنصار بعد رحيل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في«ثقيفة بني ساعدة»-موضع اجتماعهم الجاهليّ قبل الإسلام-لعقد الخلافة من عندهم وحدهم-منفردين عن المهاجرين-و رئيسهم:

«سعد بن عبادة»و لم يوفّقوا،لدخالة جماعة من المهاجرين في أمرهم،و عقد الخلافة على أبي بكر -معجّلين من دون اشتراك عامّة المؤمنين و المهاجرين إلاّ بعدها-هذا العمل من الأنصار كان توطئة من المنافقين استلهاما من اليهود،ليأخذوا أمر الإسلام بيدهم،و يوفّروا عليه من المصائب ما لم يوفّقوا عليه في حياة النّبيّ صلوات اللّه عليه و آله.و توجيه هذه

ص: 302

المسألة يحتاج إلى تأليف كتاب.

2-و قال أبو السّعود(ج 2 ص 284)في ربط هذه الآية: فَتَرَى الَّذِينَ... بما قبلها،و في إعرابها:

«بيان لكيفيّة تولّيهم،و إشعار بسببه و بما يؤول إليه أمرهم،و الفاء للإيذان بترتّبه على عدم الهداية، و الخطاب إمّا للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بطريق التّلوين،و إمّا لكلّ أحد ممّن له أهليّة له.و فيه مزيد تشنيع للتّشنيع،أي لا يهديهم بل يذرهم و شأنهم فتراهم-إلى آخرها-و إنّما وضع موضع الضّمير الموصول،ليشار بما في حيّز صلته إلى أنّ ما ارتكبوه من التّولّي بسبب ما في قلوبهم من مرض النّفاق،و رخاوة العقد في الدّين.

و قوله تعالى: يُسارِعُونَ فِيهِمْ حال من الموصول،و الرّؤية بصريّة.و قيل:مفعول ثان،و الرّؤية قلبيّة.و الأوّل هو الأنسب بظهور نفاقهم،أي تراهم مسارعين في موالاتهم.و إنّما قيل فيهم مبالغة في بيان رغبتهم فيها و تهالكهم عليها.و إيثار كلمة(في)على كلمة«إلى»للدّلالة على أنّهم مستقرّون في الموالاة، و إنّما مسارعتهم من بعض مراتبها إلى بعض آخر منها،كما في قوله تعالى: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ... المؤمنون:61،لا أنّهم خارجون عنها متوجّهون إليها،كما في قوله تعالى: وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ... آل عمران:133.و قرئ (فيرى)بياء الغيبة،على أنّ الضّمير للّه سبحانه، و قيل:لمن تصحّ منه الرّؤية،و قيل:الفاعل هو الموصول و المفعول هو الجملة على حذف«ان» المصدريّة،و الرّؤية قلبيّة،أي يرى القوم الّذين في قلوبهم مرض أن يسارعوا فيهم،فلمّا حذفت«ان» انقلب الفعل مرفوعا،كما في قول من قال:

ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى

و أن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي

و المراد بهم عبد اللّه بن أبيّ و أضرابه الّذين كانوا يسارعون في موادّة اليهود و نصارى نجران،و كانوا يعتذرون إلى المؤمنين بأنّهم لا يأمنون أن تصيبهم صروف الزّمان؛و ذلك قوله تعالى: يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ و هو حال من ضمير يُسارِعُونَ...

3-قالوا في معنى تُصِيبَنا دائِرَةٌ: تصيبنا شدّة، فلذلك فنتّخذهم أولياء،نخشى أن لا يدوم الأمر لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله،نخشى أنّ الدائرة لليهود دولة تدور لأعداء المسلمين على المسلمين فنحتاج إلى نصرتهم،الدّائرة:

ظهور المشركين عليهم،نخشى أن يدور الدّهر علينا بمكروه-يعنون الجدب-فلا يبايعوننا،و تمتار فيهم فلا يميروننا،أي دولة،و الدّوائر قد تدور و هي الدّولة، نخشى أن تدور دوائر إمّا لليهود و النّصارى،و إمّا لأهل الشّرك من عبدة الأوثان أو غيرهم على أهل الإسلام،أو تنزل بهؤلاء المنافقين نازلة فيكون بنا إليهم حاجة،نخشى ألاّ يتمّ الأمر للنّبيّ،و معنى دائِرَةٌ أي يدور الأمر عن حاله الّتي يكون عليها، أن يصيبنا قحط فلا يفضلوا علينا،من«دارت تدور» أي نخشى أن يدور أمر،أن يدور الدّهر فنحتاج إلى نصرهم إيّانا فنحن نواليهم بذلك،الدّولة ترجع عمّن انتقلت إليه إلى من كانت له سمّيت بذلك،لأنّها تدور إليه بعد زوالها عنه،يعتذرون بأنّهم لا يأمنون أن

ص: 303

تصيبهم دائرة من دوائر الزّمان أي صرف من صروفه، و دولة من دوله فيحتاجون إليهم و إلى معونتهم،نازلة من الزّمان و حادثة من الحوادث تحوجنا إلى موالينا من اليهود،و تسمّى هذه الأمور دوائر على قديم الزّمان من حيث اللّيل و النّهار في دوران،فكأنّ الحادث يدور بدورانها حتّى ينزل فيمن ينزل و يعضده قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ الزّمان قد استدار».

يدور الدّهر علينا إمّا بقحط فلا يميروننا و لا يفضلوا علينا،و إمّا أن يظفر اليهود بالمسلمين فلا يدوم الأمر لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله،أي مصيبة تحيط بنا و يدور بها الدّهر علينا من جدب أو غلبة،و لا يتمّ الأمر لمحمّد فلا يميرونا، و الدّائرة من الصّفات الغالبة الّتي لا يذكر معها موصوفها-و أصلها:داورة لأنّها من دار يدور-أي تدور علينا دائرة من دوائر الدّهر،و دولة من دوله، بأن ينقلب الأمر و تكون الدّولة للكفّار،أن يصيبنا مكروه من مكاره الدّهر و نحوها.و لا خلاف فيها إلاّ لفظا فقط.

4-و قد حكى الآلوسيّ نقلا عن«شرح الملخّص» المعنى المصطلح لها في العلم الرّياضيّ،و الاختلاف فيه، فلاحظ.

5-و يظهر من المفسّرين في سبب نزولها أنّ القائل بذلك القول كان عبد اللّه بن أبيّ و أصحابه،فقال ابن عطيّة:«و فعل عبد اللّه بن أبيّ في هذه النّازلة لم يكن ظاهره مغالبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و لو فعل ذلك لحاربه رسول اللّه،و إنّما كان يظهر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يستبقيهم لنصرة محمّد و لأنّ ذلك هو الرّأي.و قوله:إنّي امرؤ أخشى الدّوائر،أي من العرب و ممّن يحارب المدينة و أهلها،و كان يبطن في ذلك كلّه التّحرّز من النّبيّ و المؤمنين و الفتّ في أعضادهم؛و ذلك هو الّذي أسرّ هو في نفسه و من معه على نفاقه،ممّن يفتضح بعضهم إلى بعض».

و قال الآلوسيّ:«و قولهم هذا كان اعتذارا عن الموالاة-إلى أن قال:-و لا يبعد من المنافقين أنّهم يظهرون للمؤمنين أنّهم يريدون بالدّائرة ما قاله الكلبيّ،و يضمرون في دوائر قلوبهم ما قاله الجماعة المنبئ عن الشّكّ في أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و قد ردّ اللّه تعالى عليهم عللهم الباطلة و قطع أطماعهم الفارغة،و بشّر المؤمنين بحصول أمنيتهم،بقوله سبحانه: فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ».

و قال ابن عاشور:«الدّائرة المخشيّة هي خشية انتقاض المسلمين على المنافقين،فيكون هذا القول من المرض الّذي في قلوبهم.و عن السّدّيّ:أنّه لمّا وقع انهزام يوم أحد فزع المسلمون.و قال بعضهم:نأخذ من اليهود حلفا ليعاضدونا إن ألمّت بنا قاصمة من قريش.و قال رجل:إنّي ذاهب إلى اليهود فلان (1)فآوي إليه و أتهوّد معه،و قال آخر:إنّي ذاهب إلى فلان النّصرانيّ بالشّام فآوي إليه و أتنصّر معه،فنزلت الآية.فيكون المرض هنا ضعف الإيمان و قلّة الثّقة بنصر اللّه-ثمّ قال-و على هذا فهذه الآية تقدّم نزولها قبل نزول هذه السّورة-المائدة-فإمّا أعيد نزولها،ّ.

ص: 304


1- الظّاهر:إلى فلان اليهوديّ.

و إمّا أمر بوضعها في هذا الموضع.

و الظّاهر أنّ قوله: فَعَسَى اللّهُ... يؤيّد الرّواية الأولى،و يؤيّد محملنا فيها:أنّ القول قول نفسيّ...».

و نقول:كلا الاحتمالين بعيد.و لعلّ قول ابن أبيّ أو غيره كان في وقت متأخّر عن غزوة أحد قريب بنزول سورة المائدة.هذا كلّه في(3).

و في(4) عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ بحوث أيضا:

1-هذه الآية من تتمّة آيات قبلها،ابتداء من قوله 4: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً -إلى أن قال في 5- لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ كانَ ذلِكَ عِنْدَ اللّهِ فَوْزاً عَظِيماً -و في 6- وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ الظّانِّينَ بِاللّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً.

و هذه الآيات الثّلاث 4-6 جاءت بشأن ثلاث طوائف:المشركين و المشركات،و المؤمنين و المؤمنات، و المنافقين و المنافقات جزاء لأعمالهم الطّيّبة أو الخبيثة،بعد أن كانت الآيات الثّلاث الأولى من السّورة-و قد نزلت بعد الحديبيّة-خاصّة بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً* وَ يَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً.

و لو وازنّا بين ما اختصّت منها بالنّبيّ عليه السّلام،و ما اختصّت بالمؤمنين،و ما اختصّت بالمشركين و المنافقين جزاء لما صدر منهم،لوجدنا أنّ خمسة من الأجر الحسن أو العقاب خصّت بكلّ واحد من هؤلاء الأربعة:النّبيّ،و المؤمنين،و المشركين،و المنافقين.

فكان حظّ النّبيّ خمسا:الفتح،و النّصر،و الغفران، و إتمام النّعمة،و هداية صراط مستقيم.

و كان حظّ المؤمنين و المؤمنات خمسا أيضا:

السّكينة في قلوبهم،و ازدياد الإيمان مع إيمانهم، و إدخال الجنّة،و تكفير ذنوبهم.ثمّ قال فيها: وَ كانَ ذلِكَ عِنْدَ اللّهِ فَوْزاً عَظِيماً، فيجوز عدّها حسنة خامسة لهم.

أمّا عقوبة فريقي المشركين و المنافقين فخمس أيضا:التّعذيب،دائرة السّوء غضب اللّه،لعنه و إعداد جهنّم لهم مصيرا،و يمكن ضمّ أمر سادس إلى عقوبتهم، و هو كونهم ظانّين باللّه ظنّ السّوء الّذي عدّ في الآية عمل السّوء دون جزائه،كما كان«إنزال السّكينة في قلوب المؤمنين»بمنزّه عملهم دون جزائهم.

و في هذه الآيات رموز من البلاغة و الحكمة لمن له دراية في أسرار القرآن:منها تكرار قوله بدوا و ختما وَ لِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً مع تفاوت في ذيلها: وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً، و كرّرت هذه الجملة في الآية:19،منها أيضا.و تكرارها يشعر بأنّ ما وهبه المؤمنين من العطاء الكبير في هذه الآيات كان ناشئا من جنود اللّه-أو من جملتها-في السّماوات و الأرض،فلاحظ.

و في ختام السّورة-الآية:29،-قد جمع اللّه بين توصيف النّبيّ و المؤمنين بأحسن الأوصاف: مُحَمَّدٌ

ص: 305

رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ -إلى- وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً.

2-قالوا في دائِرَةُ السَّوْءِ: تدور عليهم،منقلبة السّوء و عاقبة السّوء،دائرة العذاب،الفساد و الهلاك يقع عليها بهم،عليهم يدور سوء اعتقادهم،عليهم، يدور جزاء ما اعتقدوه في نبيّهم،الدّائرة هي الرّاجعة بخير أو شرّ،و دائرات الدّهر أن تدورا،عاقبته تدور عليهم و تحيق بهم،يدور عليهم و يعود إليهم ضرر ما دبّروا و يقع الفساد و الهلاك بهم،كقوله: وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ التّوبة:98،ما يظنّونه و يتربّصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم و دائر عليهم،أصابهم ما أرادوه بكم دائرة الفساد،و حاق بهم الفساد بحيث لا خروج لهم منه،الّتي تقع عليهم و تحيط بهم و تدفعهم إلى أن يعيشوا القبح الرّوحيّ في نفوسهم في الدّاخل، و القبح المادّيّ في ما يتخبّطون به من خبائث الأقوال و الأفعال و الأوضاع العامّة و الخاصّة،و نحوها.

و الاختلاف فيها لفظيّ،و المعنى واحد.

3-و قالوا في معنى(الدائرة)لغة نظير ما تقدّم:

مثل أنّ الدّائرة عبارة عن الخطّ المحيط بالمركز،ثمّ استعملت في الحادثة و المصيبة المحيطة لمن وقعت هي عليه،و حقيقة الدّائرة:ما تدور به الأيّام.و قيل:يدور به الفلك سيره،و الدّوائر:انقلاب النّعمة إلى ضدّها.

و يجوز أن تكون(الدائرة)مصدرا كالعاقبة،و يجوز أن تكون صفة.

و أكثر استعمالها في المكروه،كما أنّ أكثر استعمال «الدّولة»في المحبوب الّذي يتداول،و يكون مرّة لهذا و مرّة لذاك،معنى الدّائرة يقتضي معنى السّوء،لأنّ دائرة الدّهر لا تستعمل إلاّ في المكروه،و لكنّ«مكارم الشّيرازيّ»اعتقد أنّها أعمّ من أن تكون حسنة أو سيّئة،غير أنّها هنا بقرينة كلمة اَلسَّوْءِ يراد منها الحوادث غير المطلوبة.و لعلّه في أصل اللّغة كذلك، و لكنّها تستعمل دائما في المكروه،و إنّ إضافتها هنا إلى اَلسَّوْءِ للبيان لا للتّقييد،فلاحظ.

4-و قالوا في إضافتها إلى اَلسَّوْءِ: إنّها من إضافة العامّ إلى الخاصّ للبيان،كما قالوا:شمس النّهار،و لحيا رأسه،و خاتم فضّة.أو أضيف إليه للملابسة،كقولك:«رجل صدق».

5-و جملة عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ: دعاء عليهم، فقال الزّمخشريّ:«فإن قلت:كيف يحمل على الدّعاء،و هو للعاجز عرفا،و اللّه منزّه عن العجز؟

قلت:هذا تعليم من اللّه لعباده أنّه يجوز الدّعاء عليهم،كقوله: قاتَلَهُمُ اللّهُ التّوبة:30،و نحوه.

و لكن لا نعتقد اختصاص الدّعاء على أحد بالعاجز،فقد دعا اللّه على الكفّار و المنافقين عقوبة عليهم و هو غير عاجز،و حملها على التّعليم خلاف الظّاهر.

و قال أبو حيّان:«و الدّعاء من اللّه هو بمعنى إيجاب الشّيء،لأنّه تعالى لا يدعو على مخلوقاته و هي في قبضته.و قال الكرمانيّ:و هنا وعد للمسلمين و إخبار.

و قيل:دعاء،أي قولوا عليهم دائرة السّوء...».

6-قال ابن عاشور في يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ:

ص: 306

«و الباء للسّببيّة،كقوله تعالى: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطّور:30،و جعل المجرور بالباء ضمير المخاطبين على تقدير مضاف،و التّقدير:و يتربّص بسبب حالتكم الدّوائر عليكم،لظهور أنّ الدّوائر لا تكون سببا لانتظار الانقلاب،بل حالهم هي سبب تربّصهم أن تنقلب عليهم الحال،لأنّ حالتهم الحاضرة شديدة عليهم...».

و نقول:الظّاهر أنّ«الباء»للملابسة،و ليست للسّببيّة،فلا يحتاج إلى تقدير مضاف.

و قالوا في معنى(5): عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ مثل ما تقدّم في(4):إلاّ أنّ تلك نزلت بشأن فريقين:

المشركين و المنافقين،و هذه كما تدلّ عليه الآيات قبلها-خاصّة بالمنافقين-فإنّ اللّه بدأ الكلام بشأن المنافقين في هذه السّورة بقوله في الآية:(38)، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ... .و استدام الكلام في من تخلّف من المسلمين-إمّا لضعف إيمانهم أو لنفاقهم -إلى آيتنا هذه،و لكنّه قد يشارك الكفّار و المنافقين في خلالها،مثل الآية:73، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ، و الآية:97، اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، إلاّ أنّ ذلك لحطّ منزلة المنافقين إلى حدّ الكفر،و تساويهم مع الكفّار عقوبة-ثمّ قال:- وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ...

و فرق آخر بين هذه الآية(5)و الآية(4)أن انضمّت اَلدَّوائِرَ في هذه إلى دائِرَةُ فسياق اَلدَّوائِرَ الإخبار عن عملهم السّيّئ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ، و سياق دائِرَةُ السَّوْءِ -كما سبق-الدّعاء عليهم،تناسقا بين عملهم و بين عقوبتهم،فكلاهما «دائرة».

أمّا«الدّيّار»فآية واحدة(6): وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً، و فيها بحوث:

1-هذه الآية من جملة دعاء نوح على قومه و على الظّالمين،و تبعها دعاؤه لنفسه و لوالديه، و لكلّ مؤمن دخل بيته و للمؤمنين و المؤمنات:

وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً* رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً.

2-و«الدّيّار»صيغة مبالغة مشتقّ من«الدّوران» أو من اسم«الدّار»،و أصله:«ديوار»على وزن «فيعال»فاجتمعت الياء و الواو،و سبقت الياء الواو و هي ساكنة،و أدغمت الواو فيها،و صيّرتا ياء مشدّدة ففعلت به،كما فعل ب«سيّد و ميّت»،كما قيل:الحيّ القيّام من«قمت»و إنّما هو قيوام.و ديّار و ديّور كقيّام و قيّوم.

و قال ابن عاشور:«و نظير«ديّار»في العموم و الوقوع في النّفي،أسماء كثيرة في كلام العرب،أبلغها

ص: 307

ابن السّكّيت في«إصلاح المنطق»إلى خمسة و عشرين»

أمّا معناه فقالوا:المراد به كل أحد يدور في الأرض،و العرب تقول:ما بها ديّار و لا عريب، و لا دويّ و لا صافر،و لا نافخ ضرمة،يعني بذلك كلّه:

ما بها أحد.و يقال:ما في المنازل ديّار،أي ليس بها نازل دار.

و قالوا:و لا تستعمل إلاّ في النّفي العامّ،و لا تستعمل في جانب الإثبات،و لا يتكلّم به إلاّ في الجحد.

3-و قال الخطيب:«و هو كناية عن القضاء على كلّ كافر،و ما يضمّ بيته من مال و متاع».

4-و لمّا كان مثل هذا الدّعاء العامّ على كلّ إنسان كفر باللّه لا يتوقّع من نبيّ كنوح عليه السّلام،ذيّله بذكر علّته إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً.

هذا تمام الكلام في المشتقّات من هذه المادّة،و بقي الكلام في الأسماء:«دار و ديار»،و الكلام فيها تفصيلا يلاحظ(7-14)«الدّار الآخرة»في«أ خ ر»،و(25) «دار الخلد»في«خ ل د»،و(27)«دار البوار»في «ب و ر»،و(28)«دار المتّقين»في«و ق ي»،و(36) «خلال الدّيار»في«خ ل ل»،و(37) وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ، و كلّ ما بعدها من(37-49) في«خ ر ج»،و(15)«لهم دار السّلام»في«س ل م»، و(17 و 18)«عاقبة الدّار»،و(19-21)«عقبى الدّار»في«ع ق ب»،و(26)«دار الفاسقين»في ف س ق،و(24)«دار القرار»في«ق ر ر»،و(29) أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ في«ق و م»،و(50 و 51) فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ في«ص ب ح»، و:«ج ث م».

و يلاحظ ثانيا:أنّ 17 آية منها مدنيّة،و واحدة (46)مختلف فيها،و الباقي و هي 33 آية مكّيّة.

و المدنيّات إمّا تشريع مثل(2)من آية الدّين،و إمّا توصيف للمنافقين و موطنهم المدينة.و المكّيّات إمّا قصّة مثل الآية(6)و(18)و(46)و(50 و 51)،أو عقيدة توحيدا و معادا،فلاحظ.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الدّوران:الإحاطة: وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّا أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها... الكهف:29

الحفّ: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الزّمر:75

الحول: اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... المؤمن:7

الطّوف: وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ الطّور:24

الدّار:المنزل: وَ قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ المؤمنون:29

البيت: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ... الإسراء:93

المسكن: ...وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ... التّوبة:24

ص: 308

المثوى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ مَأْواهُمُ النّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظّالِمِينَ آل عمران:151

القصر: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَ هِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ

الحجّ:45

الدّيّار:أحد: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ... النّور:28

ص: 309

ص: 310

د و ل

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مدنيّتين

نداولها 1:-1

دولة 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الدّولة و الدّولة:لغتان،و منه:الإدالة.

قال الحجّاج:إنّ الأرض ستدال منّا كما أدلنا منها،أي نكون في بطنها،كما كنّا على ظهرها.

و بنو الدّول:حيّ من بني حنيفة.(8:70)

الضّبّيّ:قال أبو عمر بن العلاء:الدّولة:في المال، و الدّولة في الحرب.و قال عيسى بن عمر:كلتاهما في الحرب سواء،و للّه ما أدري ما بينهما.

(الأزهريّ 14:175)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الدّائل:الدّارك لضيعته.

و يقال للثّواب:قد دال،إذا بلي يدول.و قد جعل ودّك يدول،أي يبلى.(1:252)

و الدّويل:النّبت العاميّ اليابس.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:175)

الفرّاء:جاء بالدّولة و التّولة،و هما من الدّواهي.

و يقال:تداولنا الأمر و العمل بيننا،بمعنى:تعاورناه فعمل هذا مرّة و هذا مرّة.(الأزهريّ 14:176)

أبو زيد:الكلأ:الدّويل الّذي أتت عليه سنتان، فهو لا خير فيه.(الأزهريّ 14:175)

دال الثّوب يدول،أي بلي.و قد جعل ودّه يدول أي يبلى.(الجوهريّ 4:1700)

أبو عبيد:الدّولة بالضّمّ:اسم الشّيء الّذي يتداول به بعينه،و الدّولة بالفتح:الفعل.

(الجوهريّ 4:1700)

ابن الأعرابيّ:الدّالة:الشّهرة.و يجمع:الدّال.

يقال:تركناهم دالة،أي شهرة،و قد دال يدول دالة و دولا إذا صار شهرة.

يقال:حجازيك و دواليك و هذاذيك.و هذه حروف خلقتها على هذا لا تغيّر.

و حجازيك:أمره أن يحجز بينهم؛و يحتمل أن

ص: 311

يكون معناه:كفّ نفسك.و أمّا هذاذيك فإنّه يأمره أن يقطع أمر القوم.و دواليك:من تداولوا الأمر بينهم، يأخذ هذا دولة و هذا دولة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:175)

الدّول:النّبل المتداول.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 9:428)

ابن السّكّيت:يقال:هي الدّولة و التّولة:

الدّاهية.يقال:جاءنا بدولاته و بتولاته.

(إصلاح المنطق:430)

الدّول في حنيفة ينسب إليهم:الدّولي،و الدّيل في عبد القيس ينسب إليهم:الدّيليّ.و هما ديلان:

أحدهما:الدّيل بن شنّ بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى،و الآخر:الدّيل بن عمرو بن وديعة بن أفصى بن عبد القيس،منهم أهل عمان.(الجوهريّ 4:1700)

المبرّد:الدّولة:اسم للشّيء الّذي يتداوله القوم بينهم،يكون كذا مرّة و كذا مرّة.

(الفخر الرّازيّ 29:285)

ابن دريد:و حجازيك:مثل حنانيك،أي احجز بين القوم.

و فلان كريم الحجز،أي كريم بني الأب.

و كذلك دواليك و هذاذيك و خباليك و حواليك من المداولة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:55)

و الدّول من قولهم:دال يدول دولا؛و هي الدّول.

و تداول القوم الشّيء بينهم،إذا صار من بعضهم إلى بعض.

و الدّول:أبو قبيلة من العرب من بني حنيفة، و الدّيل:من عبد القيس.و الدّؤل و الدّئل جميعا، منهم:أبو الأسود الدّؤليّ.(2:300)

باب حواليك و دواليك.

دواليك من المداولة،و أيضا:من التّداول.يقال:

تداول القوم فلانا،إذا تعاوروه بالضّرب.[ثمّ استشهد بشعر](3:449)

قال أبو مالك:يقال:جاءنا فلان بدولاته و تولاته و دولاه و تولاه،إذا جاء بالدّواهي.(3:453)

ابن بزرج:ربما أدخلوا الألف و اللاّم على «دواليك»فجعل كالاسم مع الكاف.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:176)

الأزهريّ:قال الحجّاج:«إنّ الأرض ستدال منّا كما أدلنا منها».

قلت:معناه:أنّها ستأكلنا كما نأكلها.(14:175)

الصّاحب:الدّولة و الدّولة:لغتان،و منه الإدالة.

و إنّ الخطوب دوال أي دول،و هو واحد دواليك.

و استدل الدّهر:أي استعطفه.

و بنو الدّول:حيّ من بني حنيفة.

و بنو الدّيل:حيّ من بكر بن عليّ.

و الدّول:رجل من بني حنيفة.

و الدّألان:مشية فيها ضعف و عجلة.

و الدّئل:النّشيط.و دأل دألانا:مشى مشي النّشيط.

و هو يدائله،أي يخاتله.و الذّئب يدأل للغراب.

و الدّألى:مشية بتبختر.

و دألان:الثّعلب يجمع:دءاليل.

ص: 312

و هو يدأل بكذا،أي يحتمله و ينقله.

و هو يداول بين قدميه،أي يراوح ليعتمد مرّة على هذه،و مرّة على هذه.

و الدّؤلول:داهية من دواهي الدّهر و شدائده؛ و الجميع:الدّآليل.

و اندال بطنه:عظم و استرخى من الشّحم.

و اندال الجرح،و هو مندال.

و الدّولة:الحوصلة،لانديالها.و شيء مثل المزادة ضيّقة الفم.

و ما أعظم دولة بطنه:أي سرّته.

و الدّولة و الدّولة:الدّاهية،جاءنا بالدّولات و الدّولات.

و الدّئل:دويبّة صغيرة شبيهة بابن عرس.

و الدّويل من النّبات:الّذي أتى عليه عام فجفّ.

و كلّ ما تكسّر من النّبت فهو دويل.

و دولان:موضع.(9:354)

الخطّابيّ:في حديث الحجّاج:«أنّه قال في خطبة له:يوشك أن تدال الأرض منّا...».

قوله:«تدال»من الدّولة،أي تكون لها الدّولة علينا إذا متنا،فتأكل أجسادنا و تبليها،شبّهها بالعدوّ يظفر بالإنسان،فينال منه ترته و يدرك ثأره.(3:174)

الجوهريّ:الدّولة في الحرب:أن تدال إحدى الفئتين على الأخرى.يقال:كانت لنا عليهم الدّولة؛ و الجمع:الدّول.

و الدّولة بالضّمّ في المال.يقال:صار الفيء دولة بينهم يتداولونه،يكون مرّة لهذا و مرّة لهذا؛و الجمع:

دولات و دول.

و قال بعضهم:الدّولة و الدّولة:لغتان بمعنى.

«و أدالنا اللّه من عدوّنا»من الدّولة.

و الإدالة:الغلبة.يقال:اللّهمّ أدلني على فلان، و انصرني عليه.

و دالت الأيّام،أي دارت.و اللّه يداولها بين النّاس.

و تداولته الأيدي،أي أخذته هذه مرّة و هذه مرّة.

و قولهم:دواليك أي تداول بعد تداول.[ثمّ استشهد بشعر]

و اندال بطنه أي استرخى،و اندال القوم:تحوّلوا من مكان إلى مكان.[ثمّ نقل قول ابن السّكّيت و أضاف:]

و أما الدّئل بهمزة مكسورة،فهم حيّ من كنانة، و قد ذكرناه من قبل.و ينسب إليهم أبو الأسود الدّؤليّ، فتفتح الهمزة استيحاشا لتوالي الكسرات.

و الدّويل:النّبت الّذي أتى عليه عام،و هو «فعيل».

و الدّولة:لغة في التّولة.يقال:جاء بدولاته،أي بدواهيه.(4:1699)

ابن فارس:الدّال و الواو و اللاّم أصلان:

أحدهما:يدلّ على تحوّل شيء من مكان إلى مكان.

و الآخر:يدلّ على ضعف و استرخاء.

فأمّا الأوّل فقال أهل اللّغة:اندال القوم،إذا تحوّلوا من مكان إلى مكان.

و من هذا الباب:تداول القوم الشّيء بينهم،إذا

ص: 313

صار من بعضهم إلى بعض.

و الدّولة و الدّولة لغتان.و يقال:بل الدّولة في المال و الدّولة في الحرب.و إنّما سمّيا بذلك من قياس الباب،لأنّه أمر يتداولونه،فيتحوّل من هذا إلى ذاك، و من ذاك إلى هذا.

و أمّا الأصل الآخر:فالدّويل من النّبت:ما يبس لعامه.

و قد جعل ودّه يدول،أي يبلى.و من هذا الباب:

اندال بطنه،أي استرخى.(2:314)

أبو هلال:الفرق بين الملك و الدّولة:أنّ الملك يفيد اتّساع المقدور على ما ذكرنا،و الدّولة انتقال حال سارة من قوم إلى قوم.و الدّولة:ما ينال من المال بالدّولة،فيتداوله القوم بينهم هذا مرّة و هذا مرّة.

و قال بعضهم:الدّولة فعل المنتهبين،و الدّولة الشّيء الّذي ينتهب،و مثلها غرفة لما في يدك و الغرفة فعلة من غرفت،و مثل ذلك خطوة للموضع و خطوة فعلة من خطوت.

و جمع الدّولة:دول مثل غرف،و من قال دول فهي لغة،و الأوّل الأصل.(154)

ابن سيده:الدّولة و الدّولة:العقبة،في المال و الحرب سواء.

و قيل:الدّولة بالضّمّ في المال،و الدّولة بالفتح في الحرب.و قيل:هما سواء فيهما،يضمّان و يفتحان.

و قيل:بالضّمّ في الآخرة،و بالفتح في الدّنيا؛ و الجمع:دول و دول.

قال ابن جنّيّ:مجيء فعلة على فعل يريك أنّها كأنّها إنّما جاءت عندهم من فعلة،فكأنّ دولة دولة، و إنّما ذلك لأنّ الواو ممّا سبيله أن يأتي تابعا للضّمّة.

قال:و هذا يؤكّد عندك ضعف حروف اللّين الثّلاثة.

و قد أداله.

و تداولنا الأمر:أخذناه بالدّول.

و قالوا:دواليك،أي مداولة على الأمر.قال سيبويه:و إن شئت حملته على أنّه وقع في هذه الحال.

و اندال ما في بطنه من معى أو صفاق (1):طعن فخرج ذلك.

و اندال بطنه أيضا:اتّسع و دنا من الأرض.

و اندال الشّيء:ناس و تعلّق.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاء بالدّولة،أي بالدّاهية.

و الدّويل:النّبت العامي اليابس،و خصّ بعضهم به يبيس النّصيّ و السّبط.

و الدّوالي:ضرب من العنب بالطّائف،أسود يضرب إلى الحمرة.

و الدّول:حيّ من حنيفة.

و دالان:من همدان غير مهموز.

و الدّال:حرف هجاء،و هو حرف مجهور،يكون في الكلام أصلا و بدلا.

و إنّما قضيت على ألفها أنّها منقلبة عن واو،لما قدّمت في أخواتها ممّا عينه ألف.(9:428)ن.

ص: 314


1- الجلدة الباطنيّة الّتي تلي سواد البطن.

الرّاغب:الدّولة و الدّولة:واحدة.و قيل:الدّولة في المال،و الدّولة في الحرب و الجاه.و قيل:الدّولة اسم الشّيء الّذي يتداول بعينه،و الدّولة:المصدر.قال تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ الحشر:7.

و تداول القوم كذا،أي تناولوه من حيث الدّولة، و داول اللّه كذا بينهم.قال تعالى: وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ آل عمران:140.

و الدّؤلول:الدّاهية؛و الجمع:الدّآليل و الدّؤلات.(174)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:614)

الزّمخشريّ:دالت له الدّولة،و دالت الأيّام بكذا.

و أدال اللّه بني فلان من عدوّهم:جعل الكرّة لهم عليه.

و عن الحجّاج:«إنّ الأرض ستدال منّا كما أدلنا منها».

و في مثل:«يدال من البقاع كما يدال من الرّجال».

و أديل المؤمنون على المشركين يوم بدر،و أديل المشركون على المسلمين يوم أحد.

و استدلت من فلان لأدال منه.

و استدل الأيّام:استعطفها.

و اللّه يداول الأيّام بين النّاس،مرّة لهم و مرّة عليهم.

و الدّهر دول و عقب و نوب.

و تداولوا الشّيء بينهم.

و الماشي يداول بين قدميه:يراوح بينهما.

و تقول:دواليك،أي دالت لك الدّولة كرّة بعد كرّة.

و فعلنا ذلك دواليك،أي كرّات بعضها في إثر بعض.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(أساس البلاغة:139)

[في حديث]الحجّاج:«يوشك أن تدال الأرض منّا...»،أي تجعل للأرض الكرّة علينا.تقول:أدال اللّه زيدا من عمرو مجازا:نزع اللّه الدّولة من عمرو فآتاها زيدا.

و في أمثالهم:«يدال من البقاع كما يدال من الرّجال»،أي تؤخذ منها الدّول.(الفائق 1:446)

الطّبرسيّ:و الدّولة:الكرّة لفريق بنيل المراد.

و أدال اللّه فلانا من فلان،إذا جعل الكرّة له عليه و تداول القوم الشّيء،إذا صار من بعضهم إلى بعض.

و ضمّ الدّال في الدّولة و فتحها:لغتان.و قيل:

الضّمّ في المال،و الفتح في الحرب.(1:508)

ابن الأثير:في حديث أشراط السّاعة:«إذا كان المغنم دولا»جمع«دولة»بالضّمّ،و هو ما يتداول من المال،فيكون لقوم دون قوم.

و منه حديث الدّعاء:«حدّثني بحديث سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لم تتداوله بينك و بينه الرّجال»،أي لم تتناقله الرّجال،و يرويه واحد عن واحد،إنّما ترويه أنت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

ص: 315

و في حديث وفد ثقيف«ندال عليهم و يدالون علينا».الإدالة:الغلبة.يقال:أديل لنا على أعدائنا، أي نصرنا عليهم،و كانت الدّولة لنا.و الدّولة:

الانتقال من حال الشّدّة إلى الرّخاء.

و منه حديث أبي سفيان و هرقل:«ندال عليه و يدال علينا»،أي نغلبه مرّة و يغلبنا أخرى.

و منه حديث الحجّاج:«يوشك أن تدال الأرض منّا»أي تجعل لها الكرّة و الدّولة علينا،فتأكل لحومنا كما أكلنا ثمارها،و تشرب دماءنا كما شربنا مياهها.

و في حديث أمّ منذر:«قالت:دخل علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و معه عليّ و هو ناقه،و لنا دوال معلّقة».

الدّوالي:جمع دالية،و هي العذق من البسر يعلّق،فإذا أرطب أكل،و الواو فيه منقلبة عن الألف.و ليس هذا موضعها،و إنّما ذكرناها لأجل لفظها.(2:140)

الفيّوميّ:تداول القوم الشّيء تداولا،و هو حصوله في يد هذا تارة و في يد هذا أخرى؛و الاسم:

الدّولة بفتح الدّال و ضمّها.

و جمع المفتوح:دول بالكسر،مثل:قصعة و قصع، و جمع المضموم:دول بالضّمّ،مثل غرفة و غرف.

و منهم من يقول:الدّولة بالضّمّ في المال،و بالفتح في الحرب.

و دالت الأيّام تدول،مثل دارت تدور،وزنا و معنى.(1:203)

الفيروزآباديّ:الدّولة:انقلاب الزّمان، و العقبة في المال،و يضمّ،أو الضّمّ فيه،و الفتح:في الحرب،أو هما سواء،أو الضّمّ:في الآخرة،و الفتح:في الدّنيا؛جمعه:دول،مثلّثة.

و قد أداله.

و تداولوه:أخذوه بالدّول.

و دواليك،أي مداولة على الأمر،أو تداول بعد تداول.و قد تدخله«أل»فيجعل اسما مع الكاف، يقال:الدّواليك،و أن يتحفّز في مشيته إذا جال.

و اندال ما في بطنه:خرج،و البطن:اتّسع و دنا من الأرض،و الشّيء:ناس و تعلّق.

و كهمزة:الدّاهية.

و الدّويل،كأمير:النّبت اليابس العاميّ،أو أتى عليه سنتان،أو يخصّ النّصيّ و السّبط.

و الدّوالي:عنب طائفيّ.

و الدّول بالضّمّ:رجل من بني حنيفة بن لجيم، و حيّ من بكر بن وائل،منهم:فروة بن نعامة الّذي ملك الشّام في الجاهليّة.

و الدّيل،بالكسر:حيّ من عبد القيس،أو هما ديلان:ديل بن شنّ بن أفصى بن عبد القيس،و ديل بن عمرو بن وديعة بن أفصى بن عبد القيس.

و بنو الدّيل أيضا:من بني بكر بن عبد مناة.

و بنو دالان:بطن بالكوفة.

و دالان بن سابقة:في همدان.

و الدّالة:الشّهرة؛جمعه:دال،دال يدول دولا و دالة:صار شهرة.

و الدّولة:الحوصلة لانديالها،و الشّقشقة،و شيء مثل المزادة ضيّقة الفم،و القانصة،و من البطن:جانبه.

و دال بطنه:استرخى،كاندال.

ص: 316

و دولان بالضّمّ:موضع.

و جاء بدولاه و تولاه،بضمّهما:بالدّواهي.

و أدالنا اللّه تعالى من عدوّنا:من الدّولة.

و الإدالة:الغلبة.

و دالت الأيّام:دارت،و اللّه تعالى يداولها بين النّاس.

و الدّول:لغة في الدّلو،و انقلاب الدّهر من حال إلى حال،و بالتّحريك:النّبل المتداول.(3:388)

الطّريحيّ:و في حديث علي عليه السّلام:«إنّي لصاحب الكرّات و دولة الدّول».لعلّه إشارة إلى مجيئه مع الأنبياء المتقدّمين،بحسب روحه،و إشارة إلى مجيئه مع القائم عليه السّلام.

و في الحديث:«قد أدال اللّه تعالى من فلان»،هو من الإدالة،أعني النّصرة و الغلبة.يقال:أديل لنا على أعدائنا،أي نصرنا عليهم،و كانت الدّولة لنا.

و الدّولة:الانتقال من حال الشّدّة إلى حال الرّخاء.

و من كلام الحقّ:«لا إله إلاّ أنا مديل المظلومين»، أي أجعل لهم الدّولة و الغلبة على من ظلمهم.

و قولهم:دواليك،أي تداول بعد تداول.

و دوالة كنخالة:من أسماء الثّعلب،و سمّي بذلك لنشاطه و خفّة مشيه.(5:373)

مجمع اللّغة:1-دال يدول دولا:دار.

و دالت الأيّام:دارت و تحوّلت من قوم إلى آخرين.

و دال الدّهر:تحوّل من حال إلى حال.

و الدّولة بضمّ الدّال:الشّيء المتداول.

2-داول الأمر يداوله:نقله من واحد لآخر.

(1:409)

العدنانيّ:شاوره في الأمر،لا داوله فيه

و يقولون:داولت فلانا في أمر كذا قبل الإقدام عليه،و الصّواب:شاورته في الأمر مشاورة و شوارا:

طلبت رأيه،أو استشرته فيه.

أمّا الفعل«داول»فمن معانيه:

أ-داول كذا بينهم:جعله متداولا،تارة لهؤلاء، و تارة لهؤلاء.

ب-داول اللّه الأيّام بين النّاس:أدارها و صرّفها.

قال اللّه تعالى في الآية:140،من سورة آل عمران:

وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ. (232)

محمّد إسماعيل إبراهيم:تداولت الأيدي الكتاب،إذا انتقل من يد إلى أخرى.

و تلك الأيّام نداولها بين النّاس:نصرّفها بينهم، فنجعلها لهؤلاء تارة،و لهؤلاء تارة أخرى.

و الدّولة:اسم لما يدور من الجدّ و الحظوظ،أو لما يتداول في أيد النّاس.

و دالت الأيّام:إذا دارت و انقلبت من حال إلى حال.(1:195)

المصطفويّ:و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الإرسال مع الانزال و الانحدار،و هذا الانحدار من أعلى إلى أسفل،أعمّ من أن يكون في الأمور الحسّيّة أو المعنويّة.يقال:أدلى الدّلو في البئر، و دلّى رجليه و تدلّى،و تدلّت الثّمرة من الشّجرة، و تدلّى من الجبل.و يقال في المعنويّة:تدلّى على الشّرّ.

ص: 317

و أمّا مفاهيم إدلاء الحجّة،و المداراة،و التّشفّع، و رفع المال إلى الحكّام،و الإسراع في السّير:فمرجعها جميعا إلى الإرسال من أعلى إلى أسفل.فهذه الخصوصيّة ملحوظة في جميع الموارد،و ليست هذه المفاهيم بأنفسها و من حيث هي منظورة،بل بلحاظ هذه الخصوصيّة.

ثمّ إنّ موادّ:دول،دنا،دون،دور،دلو،دلى:قريبة اللّفظ و المفهوم،فراجع إلى هذه الكلمات.

و الظّاهر أنّ الأصل في المادّة هو الاعتلال بالواو، و أمّا الياء:فإنّما تتحصّل بالقلب و التّبديل و الإعلال.

و أيضا:إنّ كلمة«الدّلو»مأخوذة من هذا المعنى، بمناسبة استعماله غالبا في مقام الإرسال و الانحدار إلى البئر،و إنّ مفهوم النّزع في«دلوته»باعتبار الاشتقاق الانتزاعيّ من تلك الكلمة.

وَ جاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ يوسف:19،أرسل الدّلو. وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ البقرة:

188،أي توصلوا و تلقوا و تنزلوا عندهم و عليهم، حتّى تستنصروا من حكمهم فيها.

و أصل تُدْلُوا: تدليوا،ففيه قلب الواو ياء،ثمّ الحذف.

فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ الأعراف :22،أي فجعلهما منهبطين و منحدرين من مقامهما الأعلى بسبب إغواء و إغرار.

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى* وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى* ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى النّجم:5-9،أي فهو مع هذه المرتبة العالية، و في حال كونه بالأفق الأعلى:تقرّب متواضعا و خاضعا،و انحدر عن مقامه،و فنى وجوده في قبال نور الجلال،و انطفأ بطلوع الصّبح فكان قاب قوسين.

فالتّدلّي مرتبة بعد الدّنوّ،و التّعبير ب«التّفعّل»:

إشارة إلى المطاوعة،و إلى أنّ الإدلاء من جانب اللّه المتعال،فهو يتدلّى.

فظهر لطف التّعبير بالمادّة في موارد استعمالاتها.

و ليعلم أنّ الدّنوّ:قرب مع نزول،و الدّلو:إرسال مع نزول.و يلاحظ في الدّور:قيد الإحداق،و في الدّول:التّحوّل،و في الدّون:القرب المطلق.(3:238)

النّصوص التّفسيريّة

نداولها

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ.

آل عمران:140

ابن عبّاس:بالدّولة نديل المؤمنين على الكافرين و الكافرين على المؤمنين.(57)

أدال المشركين على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يوم أحد.

[و في رواية]فإنّه كان يوم أحد بيوم بدر،قتل المؤمنون يوم أحد،اتّخذ اللّه منهم شهداء،و غلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم بدر المشركين،فجعل له الدّولة عليهم.(الطّبريّ 3:449)

الحسن:جعل اللّه الأيّام دولا،أدال الكفّار يوم

ص: 318

أحد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(الطّبريّ 3:449)

أي تكون مرّة لفرقة،و مرّة عليها.

مثله قتادة.(الماورديّ 1:426)

و نحوه ابن إسحاق،و السّدّيّ،و الرّبيع.

(الطّوسيّ 2:601)

قتادة:إنّه و اللّه لو لا الدّول ما أوذي المؤمنون، و لكن قد يدال للكافر من المؤمن،و يبتلي المؤمن بالكافر،ليعلم اللّه من يطيعه ممّن يعصيه،و يعلم الصّادق من الكاذب.(الطّبريّ 3:449)

السّدّيّ:يوم لكم،و يوم عليكم.(186)

الرّبيع:فأظهر اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه على المشركين يوم بدر،و أظهر عليهم عدوّهم يوم أحد.و قد يدال الكافر من المؤمن،و يبتلى المؤمن بالكافر،ليعلم اللّه من يطيعه ممّن يعصيه،و يعلم الصّادق من الكاذب.و أما من ابتلى منهم من المسلمين يوم أحد،فكان عقوبة بمعصيتهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(الطّبريّ 3:449)

نحوه مقاتل.(1:304)

الطّبريّ:يعني بقوله: نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ نجعلها دولا بين النّاس مصرّفة.

و يعني ب اَلنّاسِ المسلمين و المشركين؛ و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ أدال المسلمين من المشركين ببدر،فقتلوا منهم سبعين و أسروا سبعين.و أدال المشركين من المسلمين بأحد،فقتلوا منهم سبعين سوى من جرحوا منهم.

يقال منه:أدال اللّه فلانا من فلان،فهو يديله منه إدالة،إذا ظفر به فانتصر منه،ممّا كان نال منه المدال منه.(3:448)

الزّجّاج:أي نجعل الدّولة في وقت من الأوقات للكافرين على المؤمنين إذا عصوا فيما يؤمرون به،من محاربة الكفّار.فأمّا إذا أطاعوا فهم منصورون أبدا، كما قال اللّه عزّ و جلّ: أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:22.(1:470)

الثّعلبيّ:فيوما عليهم و يوما لهم؛و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ أدال المسلمين من المشركين يوم بدر حتّى قتلوا منهم سبعين و أسروا سبعين،و أدال المشركون من المسلمين يوم أحد حتّى جرحوا منهم سبعين و قتلوا منهم خمسة و سبعين.(3:173)

نحوه الواحديّ(1:497)،و البغويّ(1:514).

الماورديّ:و الدّولة:الكرّة.يقال:أدال اللّه فلانا من فلان،بأن جعل الكرّة له عليه.(2:426)

الطّوسيّ:و الدّولة:الكرّة لفرقة بنيل المحبّة، و أدال اللّه فلانا من فلان:إذا جعل الكرّة له عليه.

و قال الحجّاج:«إنّ الأرض ستدال منّا كما أدلنا منها»و نُداوِلُها إنّما هو بتخفيف المحنة تارة و تشديدها أخرى،بدليل:(ان الله لا يحب الظالمين) و لو كانت المداولة بالنّصر لا محالة للمؤمنين تارة و للكافرين تارة،لكان محبّهم من حيث هو ناصر لهم.

(2:601)

الزّمخشريّ: تِلْكَ مبتدأ،و اَلْأَيّامُ صفته،و نُداوِلُها خبره.

و يجوز أن يكون تِلْكَ الْأَيّامُ مبتدأ و خبرا،

ص: 319

كما تقول:«هي الأيّام تبلي كلّ جديد»و المراد ب اَلْأَيّامُ: أوقات الظّفر و الغلبة. نُداوِلُها نصرّفها بين النّاس،نديل تارة لهؤلاء و تارة لهؤلاء.[ثمّ استشهد بشعر](1:466)

ابن عطيّة:قال تعالى: نُداوِلُها فهي مفاعلة من جهة واحدة،و إنّما ساغ ذلك،لأنّ المداولة منه تعالى هي بين شيئين،فلمّا كان ذلك الفريقان يتداولان حسن ذلك:و الدّولة بضمّ الدّال:المصدر،و الدّولة بفتح الدّال:الفعلة الواحد من ذلك،فلذلك يقال:في دولة فلان،لأنّها مرّة في الدّهر.و سمع بعض العرب الأقحاح قارئا يقرأ هذه الآية،فقال:إنّما هو وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بين العرب،فقيل له:إنّما هو بين النّاس،فقال:إنّا للّه ذهب ملك العرب و ربّ الكعبة.

(1:514)

الطّبرسيّ:إنّما يصرف اللّه الأيّام بين المسلمين و بين الكفّار،بتخفيف المحنة عن المسلمين أحيانا، و تشديدها عليهم أحيانا،لا بنصرة الكفّار عليهم،لأنّ اللّه لا ينصر الكفّار على المسلمين،لأنّ النّصرة تدلّ على المحبّة،و اللّه تعالى لا يحبّ الكافرين.و إنّما جعل اللّه الدّنيا متقلّبة،لكيلا يطمئنّ المسلم إليها،و لتقلّ رغبته فيها،أو حرصه عليها؛إذ تفنى لذّاتها،و يظعن مقيمها،و يسعى للآخرة الّتي يدوم نعيمها.و إنّما جعل الدّولة مرّة للمؤمنين،و مرّة عليهم،ليدخل النّاس في الإيمان على الوجه الّذي يجب الدّخول فيه كذلك، و هو قيام الحجّة،فإنّه لو كانت الدّولة أبدا للمؤمنين، لكان النّاس يدخلون في الإيمان على سبيل اليمن و الفأل.على أنّ كلّ موضع حضره النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يخل من ظفر،إمّا في ابتداء الأمر،و إمّا في انتهائه،و إمّا لم يستمرّ ذلك لما بيّنّاه.(1:509)

الفخر الرّازيّ:فيه مسائل:

المسألة الأولى: تِلْكَ مبتدأ و اَلْأَيّامُ صفة، و نُداوِلُها خبره.و يجوز أن يقال:تلك الأيّام مبتدأ و خبر،كما تقول:هي الأيّام تبلي كلّ جديد،فقوله:

تِلْكَ الْأَيّامُ إشارة إلى جميع أيّام الوقائع العجيبة، فبيّن أنّها دول تكون على الرّجل حينا و له حينا و الحرب سجال.

المسألة الثّانية:قال القفّال:المداولة:نقل الشّيء من واحد إلى آخر.يقال:تداولته الأيدي إذا تناقلته، و منه قوله تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ الحشر:7،أي تتداولونها و لا تجعلون للفقراء منها نصيبا.و يقال:الدّنيا دول،أي تنتقل من قوم إلى آخرين،ثمّ عنهم إلى غيرهم.و يقال:دال له الدّهر بكذا،إذا انتقل إليه،و المعنى:أنّ أيّام الدّنيا هي دول بين النّاس لا يدوم مسارّها و لا مضارّها،فيوم يحصل فيه السّرور له و الغمّ لعدوّه،و يوم آخر بالعكس من ذلك،و لا يبقى شيء من أحوالها،و لا يستقرّ أثر من آثارها.

و اعلم أنّه ليس المراد من هذه المداولة أنّ اللّه تعالى تارة ينصر المؤمنين و أخرى ينصر الكافرين، و ذلك لأنّ نصرة اللّه منصب شريف و إعزاز عظيم، فلا يليق بالكافر،بل المراد من هذه المداولة أنّه تارة يشدّد المحنة على الكفّار،و أخرى على المؤمنين.

ص: 320

و الفائدة فيه من وجوه:

الأوّل:أنّه تعالى لو شدّد المحنة على الكفّار في جميع الأوقات و أزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات، لحصل العلم الاضطراريّ بأنّ الإيمان حقّ و ما سواه باطل،و لو كان كذلك لبطل التّكليف و الثّواب و العقاب،فلهذا المعنى تارة يسلّط اللّه المحنة على أهل الايمان،و أخرى على أهل الكفر،لتكون الشّبهات باقية،و المكلّف يدفعها بواسطة النّظر في الدّلائل الدّالّة على صحّة الإسلام،فيعظم ثوابه عند اللّه.

و الثّاني:أنّ المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي، فيكون عند اللّه تشديد المحنة عليه في الدّنيا أدبا له.

و أمّا تشديد المحنة على الكافر،فإنّه يكون غضبا من اللّه عليه.

و الثّالث:و هو أنّ لذّات الدّنيا و آلامها غير باقية و أحوالها غير مستمرّة،و إنّما تحصل السّعادات المستمرّة في دار الآخرة،و لذلك فإنّه تعالى يميت بعد الإحياء،و يسقم بعد الصّحّة،فإذا حسن ذلك فلم لا يحسن أن يبدل السّرّاء بالضّرّاء،و القدرة بالعجز.

(9:15)

القرطبيّ:قيل:هذا في الحرب،تكون مرّة للمؤمنين لينصر اللّه عزّ و جلّ دينه،و مرّة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتليهم و يمحّص ذنوبهم.فأمّا إذا لم يعصوا فإنّ حزب اللّه هم الغالبون.

و قيل:نداولها بين النّاس من فرح و غمّ و صحّة و سقم و غنى و فقر.و الدّولة:الكرّة.[ثمّ استشهد بشعر](4:218)

البيضاويّ:نصرّفها بينهم،نديل لهؤلاء تارة و لهؤلاء أخرى.[ثمّ استشهد بشعر]

و المداولة كالمعاودة،يقال:داولت الشّيء بينهم فتداولوه،و اَلْأَيّامُ تحتمل الوصف و الخبر، و نُداوِلُها يحتمل الخبر و الحال،و المراد بها أوقات النّصر و الغلبة.(1:183)

أبو حيّان:أخبر تعالى على سبيل التّسلية أنّ الأيّام على قديم الدّهر لا تبقى لناس على حالة واحدة.و المراد ب اَلْأَيّامُ: أوقات الغلبة و الظّفر، يصرّفها اللّه على ما أراد تارة لهؤلاء،و تارة لهؤلاء،كما جاء«الحرب سجال».[ثمّ استشهد بشعر]

و قرئ شاذّا.(يداولها)بالياء،و هو جار على الغيبة قبله و بعده.و قراءة النّون فيها التفات،و إخبار بنون العظمة المناسبة لمداولة الأيّام.و اَلْأَيّامُ: صفة ل تِلْكَ، أو بدل،أو عطف بيان،و الخبر نُداوِلُها أو خبر ل تِلْكَ، و نُداوِلُها جملة حاليّة.(3:62)

أبو السّعود:[نحو البيضاويّ و أضاف:]

و صيغة المضارع الدّالّة على التّجدّد و الاستمرار، للإيذان بأنّ تلك المداولة سنّة مسلوكة فيما بين الأمم قاطبة سابقتها و لاحقتها،و فيه ضرب من التّسلية.

(2:38)

الكاشانيّ:نديل لهؤلاء تارة و لهؤلاء أخرى،كما قيل:

فيوما علينا و يوما لنا

و يوما نساء و يوما نسر

(1:356)

ص: 321

البروسويّ:[نحو الكاشانيّ و أضاف:]

و المداولة:نقل الشّيء من واحد إلى واحد، و قالوا:تداولته الأيدي،أي تناقلته.و ليس المراد من هذه المداولة أنّ اللّه تعالى تارة ينصر المؤمنين و أخرى ينصر الكافرين،و ذلك لأنّ نصره تعالى منصب شريف فلا يليق بالكفّار،بل المراد أنّه تعالى تارة يشدّد المحنة على الكفّار و أخرى على المؤمنين،و أنّه لو شدّد المحنة على الكفّار في جميع الأوقات،و أزالها عن المؤمنين فى جميع الأوقات،لحصل العلم الضّروريّ و الاضطراريّ بأنّ الإيمان حقّ و ما سواه باطل.و لو كان كذلك لبطل التّكليف و الثّواب و العقاب،فلهذا المعنى تارة يسلّط اللّه المحنة على أهل الإيمان و أخرى على أهل الكفر،لتكون الشّبهات باقية،و المكلّف يدفعها بواسطة النّظر في الدّلائل الدّالّة على صحّة الإسلام،فيعظم ثوابه عند اللّه.و لأنّ المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي،فيكون إمّا تشديد المحنة عليه فى الدّنيا أدبا له،و إمّا تشديد المحنة على الكافر فإنّه يكون غضبا من اللّه.(2:100)

الآلوسيّ:نصرّفها بينهم،فنديل لهؤلاء مرّة و لهؤلاء أخرى،كما وقع ذلك يوم بدر و يوم أحد و المداولة:نقل الشّيء من واحد إلى آخر،يقال:

تداولته الأيدي،إذا انتقل من واحد إلى واحد.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود و أبي حيّان](4:68)

القاسميّ:نصرّفها بينهم،نديل تارة لهؤلاء و تارة لهؤلاء فهي عرض حاضر،يقسمها بين أوليائه و أعدائه.بخلاف الآخرة،.فإنّ عرضها و نصرها و رجاءها خالص للّذين آمنوا.(4:980)

رشيد رضا:و نداولها بينهم:نصرّفها،فنديل تارة لهؤلاء و تارة لهؤلاء.فالمداولة بمعنى المعاورة.

يقال:داولت الشّيء بينهم فتداولوا،تكون الدّولة فيه لهؤلاء مرّة و هؤلاء مرّة.و دالت الأيّام:دارت.

و المعنى:أنّ مداولة الأيّام سنّة من سنن اللّه في الاجتماع البشريّ،فلا غرو أن تكون الدّولة مرّة للمبطل و مرّة للمحقّ،و إنّما المضمون لصاحب الحقّ أن تكون العاقبة له،و إنّما الأعمال بالخواتيم.

قال الأستاذ الإمام:هذه قاعدة كقاعدة قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ آل عمران:137،أي هذه سنّة من تلك السّنن،و هي ظاهرة بين النّاس بصرف النّظر عن المحقّين و المبطلين.و المداولة في الواقع تكون مبنيّة على أعمال النّاس،فلا تكون الدّولة لفريق دون آخر جزافا،و إنّما تكون لمن عرف أسبابها و رعاها حقّ رعايتها،أي إذا علمتم أنّ ذلك سنّة فعليكم أن لا تهنوا و تضعفوا بما أصابكم،لأنّكم تعلمون أنّ الدّولة تدول.

و العبارة تومئ إلى شيء مطويّ كان معلوما لهم و هو أنّ لكلّ دولة سبب،فكأنّه قال:إذا كانت المداولة منوطة بالأعمال الّتي تفضي إليها كالاجتماع و الثّبات و صحّة النّظر و قوّة العزيمة و أخذ الأهبة و إعداد ما يستطاع من القوّة،فعليكم أن تقوموا بهذه الأعمال و تحكموها أتمّ الإحكام.و في الجملة من الإيجاز و جمع المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، ما لا يعهد مثله في غير القرآن.(4:147)

نحوه المراغيّ.(4:79)

ص: 322

ابن عاشور:الواو اعتراضيّة،و الإشارة ب تِلْكَ إلى ما سيذكر بعد،فالإشارة هنا بمنزلة ضمير الشّأن لقصد الاهتمام بالخبر.و هذا الخبر مكنّى به عن تعليل للجواب المحذوف المدلول عليه بجملة: فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ.

و اَلْأَيّامُ يجوز أن تكون جمع«يوم»مراد به:

يوم الحرب،كقولهم:يوم بدر و يوم بعاث و يوم الشّعثمين،و منه أيّام العرب.و يجوز أن يكون أطلق على الزّمان.[ثمّ استشهد بشعر]

و المداولة تصريفها غريب؛إذ هي مصدر:داول فلان فلانا الشّيء،إذا جعله عنده دولة و دولة عند الآخر،أي يدوله كلّ منهما،أي يلزمه حتّى يشتهر به.

و منه دال يدول دولا:اشتهر،لأنّ الملازمة تقتضي الشّهرة بالشّيء.فالتّداول في الأصل تفاعل من «دال»،و يكون ذلك في الأشياء و الكلام،يقال:كلام مداول،ثمّ استعملوا:داولت الشّيء مجازا،إذا جعلت غيرك يتداولونه،و قرينة هذا الاستعمال أن تقول:

بينهم.فالفاعل في هذا الإطلاق لا حظّ له من الفعل، و لكن له الحظّ في الجعل.و قريب منه قولهم:اضطررته إلى كذا،أي جعلته مضطرّا،مع أنّ أصل«اضطرّ»أنّه مطاوع«ضرّه».(3:229)

الطّباطبائيّ:المداولة:جعل الشّيء يتناوله واحد بعد آخر.فالمعنى:أنّ السّنّة الإلهيّة جرت على مداولة الأيّام بين النّاس،من غير أن توقف على قوم، و يذبّ عنها قوم لمصالح عامّة تتبع هذه السّنّة،لا تحيط أفهامكم إلاّ ببعضها دون جميعها.(4:28)

مكارم الشّيرازيّ:ففي هذا القسم يشير سبحانه إلى واحدة من السّنن الإلهيّة،و هي أنّه قد تحدث في حياة البشر حوادث حلوة أو مرّة،و لكنّها غير باقية و لا ثابتة مطلقا.فالانتصارات و الهزائم، و الغالبيّة و المغلوبيّة،و القوّة و الضّعف،كلّ ذلك يتغيّر و يتحوّل،و كلّ ذلك يزول و يتبدّل،فلا ثبات و لا دوام لشيء منها.فيجب أن لا يتصوّر أحد أنّ الهزيمة في معركة واحدة و ما يتبعها من الآثار أمور دائمة ثابتة باقية،بل لا بدّ من الانتفاع بسنّة التّحوّل، و ذلك بتقييم أسباب الهزيمة و عواملها و تلافيها، و تحويل الهزيمة إلى انتصار.فالحياة صعود و نزول، و أحداثها في تحوّل مستمرّ،و تبدّل دائم،و لا ثبات لشيء من أوضاعها.و أحوالها. وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ لتتّضح سنّة التّكامل من خلال ذلك.

(2:549)

فضل اللّه:نصرّفها و نداورها و نحوّلها.و دال يدول دولا:دار،و دالت الأيّام:دارت و تحوّلت من قوم إلى آخرين.و المعنى نصرّفها مرّة لفرقة و مرّة عليها.

و مداولة الأيّام:تعاقب الشّدّة و الرّخاء،و الهزيمة و النّصر،و الضّرّاء و السّرّاء.(6:280)

دولة

ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ... الحشر:7

أبو عمرو ابن العلاء:إنّه بالفتح:الظّفر في

ص: 323

الحرب،و بالضّمّ:الغنى عن فقر.(الماورديّ 5:503)

الفرّاء:و الدّولة:قرأها النّاس برفع الدّال إلاّ السّلميّ فيما أعلم،فإنّه قرأ(دولة)بالفتح،و ليس هذا للدّولة بموضع إنّما الدّولة في الجيشين يهزم هذا هذا،ثمّ يهزم الهازم.فتقول:قد رجعت الدّولة على هؤلاء،كأنّها المرّة،و الدّولة في الملك و السّنن الّتي تغيّر و تبدّل على الدّهر،فتلك الدّولة.

و قد قرأ بعض العرب:(دولة)،و أكثرهم نصبها، و بعضهم: يَكُونَ، و بعضهم:(تكون).(3:145)

أبو عبيدة:أنّه بالفتح في الأيّام،و بالضّمّ في الأموال.(الماورديّ 5:503)

ابن قتيبة:من التّداول،أي يتداوله الأغنياء بينهم.(460)

الطّبريّ:يقول جلّ ثناؤه:و جعلنا ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى لهذه الأصناف،كيلا يكون ذلك الفيء دولة يتداوله الأغنياء منكم بينهم،يصرّفه هذا مرّة في حاجات نفسه،و هذا مرّة في أبواب البرّ و سبل الخير،فيجعلون ذلك حيث شاءوا،و لكنّنا سننا فيه سنّة لا تغيّر و لا تبدّل.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر القارئ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً نصبا على ما وصفت من المعنى،و أن يكون ذكر الفيء.

و قوله: دُولَةً نصب خبر يَكُونَ. و قرأ ذلك أبو جعفر القارئ(كيلا تكون دولة)على رفع الدّولة مرفوعة ب يَكُونَ، و الخبر قوله: بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ، و بضمّ الدّال من دُولَةً قرأ جميع قرّاء الأمصار،غير أنّه حكي عن أبي عبد الرّحمن:الفتح فيها.

و قد اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك،إذا ضمّت الدّال أو فتحت:فقال بعض الكوفيّين:معنى ذلك إذا فتحت الدّولة،و تكون للجيش يهزم هذا هذا،ثمّ يهزم الهازم،فيقال:قد رجعت الدّولة على هؤلاء.قال:و الدّولة برفع الدّال في الملك و السّنين الّتي تغيّر و تبدّل على الدّهر،فتلك الدّولة و الدّول.

و قال بعضهم:فرق ما بين الضّمّ و الفتح:أنّ الدّولة:هي اسم الشّيء الّذي يتداول بعينه،و الدّولة:

الفعل.

و القراءة الّتي لا أستجيز غيرها في ذلك كَيْ لا يَكُونَ بالياء، دُولَةً، بضمّ الدّال،و نصب الدّولة على المعنى الّذي ذكرت في ذلك،لإجماع الحجّة عليه.و الفرق بين الدّولة و الدّولة بضمّ الدّال و فتحها، ما ذكرت عن الكوفيّ في ذلك.(12:38)

الزّجّاج:يقرأ بضمّ الدّال و فتحها،فالدّولة:اسم الشّيء الّذي يتداول،و الدّولة:الفعل و الانتقال من حال إلى حال.و قرئت أيضا(دولة)بالرّفع،فمن قرأ (كى لا يكون دولة)فعلى أن يكون على مذهب التّمام.يجوز أن يكون(دولة)اسم يَكُونَ و خبرها بَيْنَ الْأَغْنِياءِ و الأكثر كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ على معنى كيلا يكون الفيء دولة،أي متداولا.(5:146)

الثّعلبيّ: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً قراءة العامّة

ص: 324

يَكُونَ بالياء دُولَةً بالنّصب على معنى:كي لا يكون الفيء دولة.و قرأ أبو جعفر بالتّاء و الرّفع،أي كي لا تكون الغنيمة أو الأموال،و رفع(دولة)فاعلا ل «كان»،و جعل الكينونة بمعنى الوقوع،و حينئذ لا خبر له.

و القرّاء كلّهم على ضمّ الدّال من«الدّولة»إلاّ أبا عبد الرّحمن السّلميّ فإنّه فتح دالها.

قال عيسى بن عمر:الحالتان بمعنى واحد.و فرّق الآخرون بينهما،فقالوا:الدّولة بالفتح:الظّفر و الغلبة في الحرب و غيرها،و هي مصدر.و الدّولة بالضّمّ.اسم الشّيء الّذي يتداوله النّاس بينهم،مثل العارية.

و معنى الآية:كي لا يكون الفيء دولة بين الرّؤساء و الأقوياء و الأغنياء،فيغلبوا عليه الفقراء و الضّعفاء؛و ذلك أنّ أهل الجاهليّة كانوا إذا غنموا غنيمة أخذ الرّئيس ربعها لنفسه-و هو المرباع-،ثمّ يصطفي منها أيضا،يعني المرباع ما شاء.[ثمّ استشهد بشعر](9:276)

نحوه البغويّ(5:56)،و القرطبيّ(18:16).

الماورديّ:يقال:(دولة)بالضّمّ و بالفتح و قرئ بهما،و فيهما قولان:

أحدهما:أنّهما واحد،قاله يونس،و الأصمعيّ.

الثّاني:أن بينهما فرقا،و فيه أربعة أوجه:[و نقل أقوال المتقدّمين و أضاف:]

الثّالث:أنّ بالفتح ما كان كالمستقرّ،و بالضّمّ ما كان كالمستعار،حكاه ابن كامل.(5:503)

الطّوسيّ:الدّولة،بضمّ الدّال:نقلة النّعمة من قوم إلى قوم،و بفتح الدّال:المرّة،من الاستيلاء و الغلبة.(9:564)

الواحديّ:هي اسم للشّيء يتداوله القوم بينهم، يكون لهذا مرّة و لهذا مرّة.(4:272)

الزّمخشريّ:و الدّولة و الدّولة،بالفتح و الضّمّ،و قد قرئ بهما:ما يدول للإنسان،أي يدور من الجدّ.يقال:دالت له الدّولة،و أديل لفلان.

و معنى قوله تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ كيلا يكون الفيء الّذي حقّه أن يعطى الفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها،جدّا بين الأغنياء يتكاثرون به.أو كيلا يكون دولة جاهليّة بينهم.

و معنى الدّولة الجاهليّة:أنّ الرّؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة،لأنّهم أهل الرّئاسة و الدّولة و الغلبة،و كانوا يقولون:من عزّ بزّ.و المعنى:كيلا يكون أخذه غلبة و أثرة جاهليّة.و منه قول الحسن:«اتّخذوا عباد اللّه خولا و مال اللّه دولا»يريد من غلب منهم أخذه و استأثر به.

و قيل:الدّولة:ما يتداول كالغرفة:اسم ما يغترف، يعني:كيلا يكون الفيء شيئا يتداوله الأغنياء بينهم و يتعاورونه،فلا يصيب الفقراء،و الدّولة،بالفتح:

بمعنى التّداول،أي كيلا يكون ذا تداول بينهم،أو كيلا يكون إمساكه تداولا بينهم لا يخرجونه إلى الفقراء.

و قرئ:(دولة)بالرّفع،على«كان»التّامّة، كقوله تعالى: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ البقرة:280، يعني:كيلا يقع دولة جاهليّة،و لينقطع أثرها،أو كيلا يكون تداول له بينهم،أو كيلا يكون شيء متعاور بينهم

ص: 325

غير مخرج إلى الفقراء.(4:82)

نحوه الفخر الرّازيّ(29:285)،و النّسفيّ(4:

240)،و أبو حيّان(8:245)،و أبو السّعود(6:227)، و البروسويّ(9:428)،و الآلوسيّ(28:49).

ابن عطيّة:قوله تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ مخاطبة للأنصار،لأنّه لم يكن في المهاجرين في ذلك الوقت غنيّ.و قرأ جمهور النّاس يَكُونَ بالياء،و قرأ أبو جعفر و ابن مسعود و هشام عن ابن عامر،بالتّاء و هي«كان»التّامّة و قرأ جمهور النّاس دُولَةً بضمّ الدّال و نصب الهاء،و قرا أبو عبد الرّحمن السّلميّ(دولة)بفتح الدّال و نصب الهاء، و قرأ أبو جعفر بن القعقاع و هشام عن ابن عامر(دولة) بضمّ الدّال و الهاء.

و قال عيسى بن عمر:هما بمعنى واحد.و قال الكسائيّ و حذّاق النّظرة:الفتح في الملك بضمّ الميم، لأنّها الفعلة في الدّهر و الضّمّ في الملك بكسر الميم.

و المعنى:أنّها كالعواري،فيتداول ذلك المال الأغنياء بتصرّفاتهم،و يبقى المساكين بلا شيء، و لا حظّ في شيء من هذه الأموال ليتيم غنيّ،و لا لابن سبيل حاضر المال.(5:286)

الطّبرسيّ:قرأ أبو جعفر:(كى لا تكون)بالتّاء( دولة)بالرّفع.و الباقون: يَكُونَ بالياء دُولَةً بالنّصب.قال ابن جنّيّ:منهم من لا يفصل بين الدّولة و الدّولة،و منهم من يفصل بينهما،فقال:الدّولة بالفتح للملك،و الدّولة بالضّمّ في الملك.و(تكون)هنا هي التّامّة،أي كيلا تقع دولة أو تحدث دولة.و بَيْنَ اَلْأَغْنِياءِ: إن شئت كانت صفة ل(دولة)،و إن شئت كانت متعلّقة بنفس(دولة)أي تداولا بين الأغنياء.

و إن شئت علّقتها بنفس(تكون)أي لا يحدث بين الأغنياء منكم.و إن شئت جعلتها«كان»النّاقصة، و جعلت(بين)خبرا عنها.

و الأوّل أوجه،و معناه:كيلا تقع دولة فيه،أو عليه،يعني على المفاء من عند اللّه.[إلى أن قال:]

و الدّولة اسم للشّيء الّذي يتداوله القوم بينهم، يكون لهذا مرّة،و لهذا مرّة،أي لئلاّ يكون الفيء متداولا بين الرّؤساء منكم،يعمل فيه كما كان يعمل في الجاهليّة.و هذا خطاب للمؤمنين،دون الرّسول، و أهل بيته عليه السّلام.

قال الكلبيّ:نزلت في رؤساء المسلمين،قالوا له:

يا رسول اللّه!خذ صفيّك و الرّبع،و دعنا و الباقي، فهكذا كنّا نفعل في الجاهليّة.[ثمّ استشهد بشعر]

فنزلت الآية،فقالت الصّحابة:سمعا و طاعة لأمر اللّه،و أمر رسوله.(5:261)

ابن الجوزيّ:هو اسم للشّيء يتداوله القوم.

و المعنى لئلاّ يتداوله الأغنياء بينهم،فيغلبوا الفقراء عليه.(8:211)

البيضاويّ:الدّولة:ما يتداوله الأغنياء و يدور بينهم،كما كان في الجاهليّة.و قرئ(دولة)بمعنى:

كيلا يكون الفيء ذا تداول بينهم أو أخذه غلبة تكون بينهم.و قرأ هشام(دولة)بالرّفع على«كان»التّامّة أي كيلا يقع دولة جاهليّة.(2:465)

نحوه الكاشانيّ.(5:156)

ص: 326

ابن عاشور: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً... تعليل لما اقتضاه لام التّمليك،من جعله ملكا لأصناف كثيرة الأفراد،أي جعلناه مقسوما على هؤلاء،لأجل أن لا يكون الفيء دولة بين الأغنياء من المسلمين،أي لئلاّ يتداوله الأغنياء،و لا ينال أهل الحاجة نصيب منه.

و المقصود من ذلك إبطال ما كان معتادا في العرب قبل الإسلام من استئثار قائد الجيش بأمور من المغانم و هي المرباع،و الصّفايا،و ما صالح عليه عدوّه دون قتال،و النّشيطة،و الفضول.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أبطل الإسلام ذلك كلّه،فجعل الفيء مصروفا إلى ستّة مصارف،راجعة فوائدها إلى عموم المسلمين لسدّ حاجاتهم العامّة و الخاصّة.فإنّ ما هو للّه و للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم إنّما يجعله اللّه لما يأمر به رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم، و جعل الخمس من المغانم كذلك لتلك المصارف.

و قد بدا من هذا التّعليل أنّ من مقاصد الشّريعة أن يكون المال دولة بين الأمّة الإسلاميّة على نظام محكم،في انتقاله من كلّ مال لم يسبق عليه ملك لأحد مثل الموات،و الفيء،و اللّقطات،و الرّكاز.أو كان جزء معيّنا مثل الزّكاة،و الكفّارات،و تخميس المغانم، و الخراج،و المواريث،و عقود المعاملات الّتي بين جانبي مال و عمل،مثل القراض و المغارسة، و المساقاة،و في الأموال الّتي يظفر بها الظّافر بدون عمل و سعي،مثل الفيء و الرّكاز،و ما ألقاه البحر.

و قد بيّنت ذلك في الكتاب الّذي سمّيته«مقاصد الشّريعة الإسلاميّة».

و الدّولة بضمّ الدّال:ما يتداوله المتداولون.

و التّداول:التّعاقب في التّصرّف في شيء،و خصّها الاستعمال بتداول الأموال.

و الدّولة بفتح الدّال:النّوبة في الغلبة و الملك، و لذلك أجمع القرّاء المشهورون على قراءتها في هذه الآية بضمّ الدّال.(28:75)

مغنيّة:الإسلام نظام إلهيّ إنسانيّ يراعي مصلحة الجميع دون استثناء لفرد أو فئة،فلا يحلّ مشكلة إنسان على حساب غيره،و لا يضيق على إنسان ليوسّع على غيره أيّا كان،فالجميع عنده سواء.و يتجلّى هذا في جميع أحكامه و مبادئه،و منها هذا المبدأ،و هو أن لا يكون المال دولة بين الأغنياء وحدهم،أي يتداولونه فيما بينهم دون الفقراء.و تجدر الإشارة إلى أنّ هذا و ما إليه-من تحريم الرّبا و الغشّ و الاستغلال و الضّرر و الضّرار-لا يدلّ من قريب أو بعيد على إقرار الاشتراكيّة أو رفضها بمعناها المعروف،و كلّ ما يدلّ عليه أنّ الإسلام يبتني في جميع أحكامه فكرة العدالة و المساواة،و أنّه يقرّ كلّ ما فيه خير للنّاس و صلاح.

و هذا شيء و إلغاء الملكيّة الفرديّة دون الملكيّة الجماعيّة شيء آخر.(7:286)

الطّباطبائيّ:أي إنّما حكمنا في الفيء بما حكمنا كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم.و الدّولة:ما يتداول بين النّاس،و يدور يدا بيد.(19:204)

مكارم الشّيرازيّ:ذكر بعض المفسّرين سببا لنزول هذه الجملة بشكل خاصّ،و أشير له بشكل إجماليّ في السّابق،و هو أنّ مجموعة من زعماء المسلمين قد جاءوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعد واقعة بني

ص: 327

النّضير،و قالوا له:خذ المنتخب و ربع هذه الغنائم، و دع الباقي لنا نقتسمه بيننا،كما كان ذلك في زمن الجاهليّة.فنزلت الآية أعلاه تحذّرهم من تداول هذه الأموال بين الأغنياء فقط.

و المفهوم الّذي ورد في هذه الآية يوضّح أصلا أساسيّا في الاقتصاد الإسلاميّ،و هو وجوب التّأكيد في الاقتصاد الإسلاميّ لعدم تمركز الثّروات بيد فئة محدودة و طبقة معيّنة،تتداولها فيما بينها،مع كامل الاحترام للملكيّة الشّخصيّة،و ذلك بإعداد برنامج واضح بهذا الصّدد يحرّك عمليّة تداول الثّروة بين أكبر قطّاع من الأمّة.

و من الطّبيعيّ ألاّ نقصد من ذلك وضع قوانين و تشريعات من تلقاء أنفسنا و نأخذ الثّروات من فئة و نعطيها لآخرين،بل المقصود تطبيق القوانين الإسلاميّة في مجال كسب المال،و الالتزام بالتّشريعات الماليّة الأخرى،كالخمس و الزّكاة و الخراج و الأنفال بصورة صحيحة.و بذلك نحصل على النّتيجة المطلوبة، و هي احترام الجهد الشّخصيّ من جهة،و تأمين المصالح الاجتماعيّة من جهة أخرى،و الحيلولة دون انقسام المجتمع إلى طبقتين:الأقلّيّة الثّريّة و الأكثريّة المستضعفة.(18:173)

فضل اللّه:أي يتداولونه بينهم،فلا يكون للفقراء منه شيء.و جاء في«مجمع البيان»:قال الكلبيّ:نزلت في رؤساء المسلمين،قالوا له:يا رسول اللّه خذ صفيّك و الرّبع و دعنا و الباقي،فهكذا كنّا نفعل في الجاهليّة.

[ثمّ استشهد بشعر]

فنزلت الآية،فقالت الصّحابة:سمعا و طاعة لأمر اللّه و أمر رسوله.

فإذا صحّ هذا الخبر كانت الآية رفضا للذّهنيّة الطّبقيّة الّتي تجعل الغنيمة في أمثال هذه الوقائع من نصيب الرّؤساء الّذين يملكون عادة المال الكثير، بلحاظ ما تفرضه الرّئاسة من الامتيازات المادّيّة و المعنويّة لأصحابها،و ما تمنعه من موقع السّلطة عن الفقراء من خلال انحطاط مركزهم الاجتماعيّ،لعدم قدرتهم على المطالبة بحقوقهم في ما يبذلونه من جهد في تفاصيل الحروب بما لا يبذله الرّؤساء.و في ضوء ذلك،يتحرّك هذا التّعليل التّشريعيّ ليواجه هذه الذّهنيّة الّتي تتحرّك في خطّين:خطّ حرمان الفقراء من جهد المعركة،و الابتعاد بالأموال العامّة عن المصالح العامّة الّتي يحتاجها المسلمون في قضاياهم المتنوّعة، الّتي تحتاج إلى رصيد عامّ في الحياة الإسلاميّة العامّة.

و خطّ تجميع الثّروة في أيدي الأغنياء لتكون محصورة بهم،فتؤكّد امتيازاتهم في حياة المسلمين،ممّا يمتدّ إلى أن تكون قضاياهم المصيريّة خاضعة لتأكيد أوضاعهم الطّبقيّة،البعيدة عن مصلحة المسلمين.

كيف نستوحي التّشريع المذكور؟

و قد نستطيع استيحاء الفكرة في هذا التّشريع الخاصّ،من أنّ عمليّة التّوزيع-في نطاق الأموال العامّة-تنطلق في هذه الدّائرة الاقتصاديّة على أساس ما يمثّله من هدف اقتصاديّ إسلاميّ،كعنوان بارز للتّخطيط الإسلاميّ للمجتمع الّذي لا تتجمّع فيه الأموال،في أيدي جماعة معيّنة من النّاس،لأنّ ذلك قد

ص: 328

يؤدّي إلى إفساد حياة النّاس في جوانبها السّياسيّة و الاقتصاديّة و الاجتماعيّة،على أساس أنّ هذه الواقعة لا تحمل خصوصيّة معيّنة في هذا الهدف،بل تخضع للهدف الكبير.

و إذا امتدّ التّفكير إلى الجانب التّشريعيّ الإسلاميّ في نطاق هذا الموضوع،فقد نستطيع أن نحدّد الكثير من مواقع حركة توزيع الثّروة في الواقع الاقتصاديّ، ليلاحق هذا الهدف في جانبه العمليّ الكثير من مفردات الأحكام الشّرعيّة الّتي لا ترى في الإقطاع مشكلة شرعيّة،كما تؤكّد على شرعيّة الملكيّات الكبيرة في حجم رأس المال النّقدي و نحوه.

إنّنا ندعو إلى إثارة التّفكير حول هذا الموضوع، فقد نصل من خلاله إلى كثير من الحلول للمشاكل الواقعيّة،في حركة الاقتصاد في واقع النّاس.

(22:107)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ:الدّولة على وجهين:القسمة، و الدّولة بعينها.

فوجه منها:الدّولة،يعني القسمة،قوله في:

لا يَكُونَ دُولَةً: يعني قسمة بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ الحشر:7.

الثّاني:الدّولة بعينها،قوله: وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ آل عمران:140،بالدّولة يعني الظّفر،يديل الكافر على المؤمن،و المؤمن على الكافر.

(332)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّولة و الدّولة،و هو الانتقال من حال إلى حال،قال أغلب اللّغويّين:

الدّولة في الحرب،يقال:كانت لنا عليهم الدّولة؛ و الجمع:دول و دول.و الدّولة في المال،يقال:صار الفيء دولة بينهم،يتداولونه مرّة لهذا و مرّة لهذا؛ و الجمع:دولات و دول،و منه:حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين،اتّخذوا دين اللّه دخلا، و عباد اللّه خولا،و مال اللّه دولا».

و قال عيسى بن عمر:«كلتاهما في الحرب و المال سواء».

و قال الخليل:«الدّولة و الدّولة:لغتان،و منه:

الإدالة:الغلبة،يقال:أديل لنا على أعدائنا،أي نصرنا عليهم.

و دالت الأيّام:دارت،و اللّه يداولها بين النّاس.

و دال الثّوب يدول:بلي،و قد جعل ودّه يدول:

يبلى.

و اندال القوم:تحوّلوا من مكان إلى مكان.

و اندال الشّيء:ناس و تعلّق.

و اندال بطنه:اتّسع و دنا من الأرض،لأنّه انتقل من حال إلى حال.

و اندال ما في بطنه من معى أو صفاق:طعن فخرج ذلك.

و التّداول:أخذ الشّيء بالدّول.يقال:تداولوا الأمر بينهم،أي يأخذ هذا دولة و هذا دولة،و تداولته الأيدي:أخذته هذه مرّة و هذه مرّة،و تداولنا العمل

ص: 329

و الأمر بيننا:تعاورناه،فعمل هذا مرّة و هذا مرّة.

و منه:دواليك،أي مداولة على الأمر.يقال:

حجازيك و دواليك و هذاذيك.

و الدّول:النّبل المتداول.

و الدّويل:النّبت الّذي أتت عليه سنتان،فهو لا خير فيه.

و الدّالة:الشّهرة؛و الجمع الدّال،لأنّها لا تثبت على حال،يقال:تركناهم دالة،أي شهرة،و قد دال يدول دالة و دولا،إذا صار شهرة.

و الدّولة في الاصطلاح السّياسيّ:منظومة سياسيّة عامّة،تتكوّن من:شعب،و حكومة،و أرض ذات حدود معيّنة،و إذا فقدت إحدى مقوّماتها الثّلاث،اختلّ نظامها،و فقدت سيادتها.

و ظهر هذا الاصطلاح في القرن الثّالث الهجريّ؛ حيث أطلق البلاذريّ المتوفّى عام(279 ه)لفظ «الدّولة المباركة»على حكومة بني العبّاس (1)، و كذلك فعل الطّبريّ (2)و من تلاه.

و استعمل المعاصرون لفظ دوليّ،نسبة إلى دول:

جمع دولة و دولة،فقالوا:الاتّحاد الدّوليّ،و العلاقات الدّوليّة و نحوهما.

و اشتقّوا من الدّولة فعلا،فقالوا:دوّل يدوّل تدويلا،أي ملّك يملّك تمليكا،و استعملوا المصدر كثيرا، نحو:تدويل ملكيّة الأرض،أي جعل الأرض ملكا للدّولة،و تدويل القطّاع الخاصّ،و غير ذلك.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا المصدر(دولة)،و مزيدا من المفاعلة(نداولها)كلّ منهما مرّة في آيتين:

1- إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ... آل عمران:140

2- ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ...

الحشر:7

و يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين اشتملتا على قانون اجتماعيّ،و قانون اقتصاديّ.أمّا الاجتماعيّ فجاء في الأولى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ* وَ لِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ* أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصّابِرِينَ آل عمران:140-142.

و هذا السّياق بدأ من 137: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ .و السّورة نزلت بعد غزوة أحد-و كثير من آياتها راجعة إلى هذه الغزوة-الّتي كان النّصر فيها للمشركين على المؤمنين،خلافا لانتظارهم من النّصر على المشركين.

و قد نبّه اللّه المؤمنين في هذه الآيات على سنّة من

ص: 330


1- فتوح البلدان(178).
2- تاريخ الطّبريّ(8:228).

سننه الّتي قال فيها: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، و هي أنّ من جملة سنن اللّه تبادل النّصر و الهزيمة بين النّاس، و تداول أيّامهما في الحروب الّتي تقع بينهم،فتارة يكون النّصر لهذا الفريق،و تارة لذاك الفريق.فأعلن للمؤمنين أوّلا بأنّ النّصر لهم يقينا إن كانوا مؤمنين بقوله: وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. ثمّ واساهم بقوله: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ،ثمّ أبان عن سنّته بقوله:

وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ. ثمّ أبان عن ثمرة إجراء هذه السّنّة بين النّاس بقوله: وَ لِيَعْلَمَ اللّهُ ...

وَ لِيُمَحِّصَ اللّهُ...، أي أنّ ثمرة هذا التّداول بين النّصر و الهزيمة،هو تمحيص المؤمنين،و اختبارهم في الحالتين، ليعلم الصّابرين منهم و غير الصّابرين.هذا هو القانون الاجتماعيّ في الآية الأولى.

و أمّا القانون الاقتصاديّ فجاء في الثّانية:قال اللّه بشأن المال الّذي يسلّط اللّه النّبيّ و المؤمنين عليه بلا حرب من أموال الكفّار-و يعبّر عنه بالفيء-:

وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ* لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً وَ يَنْصُرُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ الحشر:6-8.

فقد فرّق أوّلا بين الفيء و بين غنائم الحرب ب:

وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ أي إنّكم لم تغنموا هذا المال خلال حرب حتّى يقسم بينكم،كما تقسم الغنائم،بل هذا ممّا سلّط اللّه رسوله عليه بلا حرب.

ثمّ أبان أنّ الفيء للّه و للرّسول-أي أمره بيدهما- و أنّه حقّ الأصناف الأربعة:ذي القربى،و اليتامى، و المساكين،و ابن السّبيل.و عطف عليهم في الآية(8) الفقراء و المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم-و الكلام في مصارف الفيء،و حكمه خارج عن بحثنا هذا-لاحظ ف ي ء:«افاء».

و قد علّل هذا الحكم بقوله: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ، أي إنّ من سنن اللّه في البعد الاقتصاديّ أن لا يتبادل الأموال بين الأغنياء من النّاس فحسب،بل قرّر اللّه أن يكون لذوي الحاجات و الفقراء نصيب منها.

و نكتة أخرى في الآيتين،اختلافهما في التّعبير عن التّداول فعلا و مصدرا: نُداوِلُها و دُولَةً فإنّه تعالى عبّر عن القانون الاجتماعيّ بلفظ موجب:

تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ، و نُداوِلُها فعل و فاعله«نا»بنون العظمة دالّ على الاهتمام به،مثل قوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ الحجر:9،فاللّه تعالى يداول تلك الحالتين بمقامه الشّامخ العالي.

لكنّه عبّر في القانون الاقتصاديّ بلفظ منفيّ من دون استناد إلى نفسه كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ

ص: 331

مِنْكُمْ، كأنّه شيء يتّفق قهرا من دون فاعل.

و في هذا المجال نقول:التّفاوت بين التّعبير في الأولى ب بَيْنَ النّاسِ، و في الثّانية بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ تعميما و تخصيصا يحكي عن مقدار الاهتمام بهما،كما لا يخفى.

ثمّ إنّ التّعبير عن حالتي النّصر و الهزيمة بلفظ تِلْكَ الْأَيّامُ يفيد مزيد عنايته بهذين الحالتين كأنّهما انقلبا عن صورة حادثة ما إلى أيّام بقيت في التّاريخ،كالحوادث التّاريخيّة الكبرى،و هذا بخلاف التّعبير بلفظ دُولَةً في الثّانية الدّالّ على أنّها حادثة ما،اتّفقت قهرا.ثمّ إنّ في كلّ من الآيتين بحوثا:

ففي(1):

1-قالوا:إنّها إشارة إلى غلبة المؤمنين على المشركين في غزوة بدر،و غلبة المشركين على المؤمنين في غزوة أحد،و جاء في رواية:«فإنّه كان يوم أحد بيوم بدر،قتل المؤمنون يوم أحد،اتّخذ اللّه منهم شهداء،و غلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم بدر المشركين،فجعل له الدّولة عليهم».

2-و في علّة ذلك قال قتادة-و نحوه الرّبيع-:

«لو لا الدّول ما أوذي المؤمنون،و لكن قد يدال للكافر من المؤمن،و يبتلى المؤمن بالكافر،ليعلم اللّه من يطيعه ممّن يعصيه،و يعلم الصّادق من الكاذب» -و أضاف الرّبيع-«و أمّا من ابتلى منهم من المسلمين يوم أحد،فكان عقوبة بمعصيتهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم».

و قال السّدّيّ:«يوم لكم و يوم عليكم».

و قال الزّجّاج:«أي نجعل الدّولة في وقت من الأوقات للكافرين على المؤمنين إذا عصوا فيما يؤمرون به،من محاربة الكفّار.فأمّا إذا أطاعوا فهم منصورون أبدا،كما قال اللّه عزّ و جلّ: أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:22.».

و قال الطّوسيّ:«و لو كانت المداولة بالنّصر لا محالة،للمؤمنين تارة و للكافرين تارة،لكان محبّهم من حيث هو ناصر لهم».

و قال الطّبرسيّ:«إنّما يصرّف اللّه الأيّام بين المسلمين،و بين الكفّار،بتخفيف المحنة عن المسلمين أحيانا،و تشديدها عليهم أحيانا،لا بنصرة الكفّار عليهم،لأنّ اللّه لا ينصر الكفّار على المسلمين،لأنّ النّصرة تدلّ على المحبّة،و اللّه تعالى لا يحبّ الكافرين -إلى أن قال-و إنّما جعل الدّولة مرّة للمؤمنين،و مرّة عليهم،ليدخل النّاس في الإيمان على الوجه الّذي يجب الدّخول فيه كذلك،و هو قيام الحجّة،فإنّه لو كانت الدّولة أبدا للمؤمنين،لكان النّاس يدخلون في الإيمان على سبيل اليمن و الفأل.على أنّ كلّ موضع حضره النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يخل من ظفر:إمّا في ابتداء الأمر، و إمّا في انتهائه،و إمّا لم يستمرّ ذلك،لما بيّنّاه».

و قال الفخر الرّازيّ-و نحوه البروسويّ-:

«و اعلم أنّه ليس المراد من هذه المداولة أنّ اللّه تعالى تارة ينصر المؤمنين و أخرى ينصر الكافرين؛و ذلك لأنّ نصرة اللّه منصب شريف و إعزاز عظيم،فلا يليق بالكافر،بل المراد من هذه المداولة:أنّه تارة يشدّد المحنة على الكفّار و أخرى على المؤمنين،و الفائدة فيه من وجوه».و ذكر ثلاثة منها تفصيلا،و خلاصتها:أنّه

ص: 332

لو أزال المحنة عن المؤمنين دائما لحصل العلم الاضطراريّ،بأنّ الإيمان حقّ و ما سواه باطل،و لو كان كذلك لبطل التّكليف و الثّواب و العقاب.

و أنّ المؤمن قد يقدم على معصية اللّه،فيكون المحنة من اللّه عليه أدبا له.و أنّ لذّات الدّنيا و آلامها غير باقية فتعمّ النّاس جميعا،مثل الموت بعد الحياة، و المرض بعد الصّحّة.و السّعادة المستمرّة في دار الآخرة فتخصّ المؤمنين.

و قال القاسميّ:«نصرّفها بينهم نديل تارة لهؤلاء و تارة لهؤلاء.فهي عرض حاضر،يقسمها بين أوليائه و أعدائه،بخلاف الآخرة،فإنّ عرضها و نصرها و رجاءها خالص للّذين آمنوا».

و قال محمّد عبده:«هذه سنّة من تلك السّنن قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ آل عمران:137،و هي ظاهرة بين النّاس بصرف النّظر عن المحقّين و المبطلين.

و المداولة في الواقع تكون مبنيّة على أعمال النّاس، فلا تكون الدّولة لفريق دون آخر جزافا،و إنّما تكون لمن عرف أسبابها و رعاها حقّ رعايتها».

3-و قالوا في تفسير اللّغة:الدّولة:الكرّة،يقال:

أدال اللّه فلانا من فلان،بأن جعل الكرّة له عليه.قال الحجّاج:«إنّ الأرض ستدال منّا كما أدلنا منها».

و نُداوِلُها إنّما هو بتخفيف المحنة تارة و تشديدها أخرى.و المداولة كالمعاودة،يقال:داولت الشّيء بينهم فتداولوه.و المداولة:نقل شيء من واحد إلى واحد.قالوا:تداولته الأيدي،أي تناقلته.و المداولة بمعنى المعاورة،يقال:داولت الشّيء بينهم فتداولوا.

تكون الدّولة فيه لهؤلاء مرّة و هؤلاء مرّة،و دالت الأيّام:دارت.و المداولة«مفاعلة»من جهة واحدة، و إنّما ساغ ذلك لأنّ المداولة منه تعالى هي بين شيئين، فلمّا كان ذلك الفريقان يتداولان حسن ذلك.و الدّولة بضمّ الدّال:المصدر،و الدّولة بفتح الدّال الفعلة:

الواحد من ذلك؛فلذلك يقال:في دولة فلان،لأنّها مرّة في الدّهر.

و قال أبو السّعود:«و صيغة المضارع نُداوِلُها الدّالّة على التّجدّد و الاستمرار للإيذان،بأنّ تلك المداولة سنّة مسلوكة فيما بين الأمم قاطبة سابقتها و لاحقتها،و فيه ضرب من التّسلية».

و قال ابن عاشور:«و المداولة تصريفها غريب؛إذ هي مصدر:داول فلان فلانا الشّيء،إذا جعله عنده دولة و دولة عند الآخر،أي يدوله كلّ منهما،أي يلزمه حتّى يشتهر به.و منه دال يدول دولا:اشتهر، لأنّ الملازمة تقتضي الشّهرة بالشّيء.فالتّداول في الأصل تفاعل من«دال»،و يكون ذلك في الأشياء و الكلام.يقال:كلام مداول،ثمّ استعملوا«داولت الشّيء»مجازا،إذا جعلت غيرك يتداولونه،و قرينة هذا الاستعمال أن تقول:بينهم.

فالفاعل في هذا الإطلاق لا حظّ له من الفعل، و لكن له الحظّ في الجعل.و قريب منه قولهم:اضطررته إلى كذا،أي جعلته مضطرّا،مع أنّ أصل«اضطرّ»أنّه مطاوع ضرّه».

4-و في إعراب الآية قال الزّمخشريّ: «تِلْكَ مبتدأ،و اَلْأَيّامُ صفته،و نُداوِلُها خبره.

ص: 333

و يجوز أن يكون تِلْكَ الْأَيّامُ مبتدأ و خبرا،كما تقول:هي الأيّام تبلي كلّ جديد».

و قال ابن عاشور:«الواو اعتراضيّة،و الإشارة ب تِلْكَ إلى ما سيذكر بعد.فالإشارة هنا بمنزلة ضمير الشّأن لقصد الاهتمام بالخبر،و هذا الخبر مكنّى به عن تعليل للجواب المحذوف المدلول عليه بجملة فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ. و اَلْأَيّامُ يجوز أن تكون جمع«يوم»مراد به يوم الحرب،كقولهم:يوم بدر و يوم بعاث و يوم الشّعثمين،و منه:أيّام العرب.

و يجوز أن يكون أطلق على الزّمان».

و قال أبو حيّان: «الْأَيّامُ صفة ل تِلْكَ، أو بدل،أو عطف بيان،و الخبر نُداوِلُها، أو خبر ل تِلْكَ، و نُداوِلُها جملة حاليّة».

5-و قرئ شاذّا(يداولها).قال أبو حيّان:«و هو جار على الغيبة قبله و بعده.و قراءة النّون فيها التفات و إخبار بنون العظمة المناسبة لمداولة الأيّام».

و في(2):

1-قالوا:«الدّولة»بالفتح:الظّفر في الحرب، و بالضّمّ الغنى عن فقر،الدّولة في الجيش،و الدّولة في الملك و السّنن الّتي تغيّر و تبدّل على الدّهر،بالفتح في الأيّام،و بالضّمّ في الأموال،دولة من التّداول،أي يتداوله الأغنياء بينهم،الدّولة اسم الشّيء الّذي يتداول بعينه،و الدّولة:الفعل،بالفتح ما كان كالمستقرّ،و بالضّمّ ما كان كالمستعار،بالضّمّ نقلة النّعمة من قوم إلى قوم،و بفتح الدّال:المرّة من الاستيلاء و الغلبة.الدّولة:ما يتداول كالغرفة، و بالفتح مصدر بمعنى التّداول و نحوها.بالفتح و الضّمّ:

ما يدول للإنسان،أي يدور من الجدّ.

قال عيسى بن عمر:الحالتان بمعنى واحد،و فرّق الآخرون بينهما-و ذكر كما سبق-.

2-و قد قرئ بهما،كما قرئ(يكون) و(تكون)أي لا يكون الفيء،أو لا تكون الأموال.قال الزّمخشريّ:«(دولة)بالرّفع على«كان»التّامّة، كقوله تعالى: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ البقرة:280، يعني كيلا يقع دولة جاهليّة».

3-و معنى الدّولة الجاهليّة:أنّ الرّؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة،لأنّهم أهل الرّئاسة و الدّولة و الغلبة،و كانوا يقولون:«من عزّ بزّ».

و المعنى:كي لا يكون أخذه غلبة و أثرة جاهليّة.و منه قول الحسن:«اتّخذوا عباد اللّه خولا و مال اللّه دولا» يريد من غلب منهم أخذه و استأثر به.و إنّ أهل الجاهليّة كانوا إذا غنموا غنيمة أخذ الرّئيس ربعها لنفسه-و هو المرباع-ثمّ يصطفي منها أيضا ما يشاء.

4-قال ابن عطيّة:«هذه الآية مخاطبة للأنصار، لأنّه لم يكن في المهاجرين في ذلك الوقت غنيّ»،ثمّ ذكر القراءات،فلاحظ.

و يلاحظ ثانيا:أنّ الآيتين مدنيّتان تشريعيّتان ترتبطان بالحرب،و الفيء اللّذين حدثا في المدينة.

و ثالثا:ليس لهذه المادّة نظائر في القرآن.

ص: 334

د و م

اشارة

7 ألفاظ،9 مرّات:4 مكّيّات،5 مدنيّات

في 6 سور:3 مكّيّات،3 مدنيّات

ما دامت 2:2

ما داموا 1:-1

ما دمت 1:-1

ما دمتم 1:-1

ما دمت 2:1-1

دائم 1:-1

دائمون 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:ماء دائم:ساكن.

و الدّوم:مصدر دام يدوم.

و دام الماء يدوم دوما،و أدمته إدامة،إذا سكّنته.

و كلّ شيء سكّنته فقد أدمته.

و الدّيمة:المطر الّذي يدوم دوما يوما و ليلة أو أكثر.

و في حديث عائشة:«أنّها سئلت هل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يفضّل بعض الأيّام على بعض،فقالت:كان عمله ديمة».

و وادي الدّوم:موضع.

و المدامة:الخمر،سمّيت به لأنّه ليس من الشّراب شيء يستطاع إدامة شربه غيرها.

و التّدويم:تحليق الطّائر في الهواء و دورانه،و دوّم تدويما،أي يدور و يرتفع.و تدويم الشّمس:دورانها كأنّها تدور في مضيّها.و منه اشتقّت«الدّوّامة» لدورانها.

و دوّمت الكلاب،أي أمعنت في طلب الصّيد.

و تدويم الزّعفران:دوفه،و إدارته في دوفه.

و الدّوم:شجر المقل؛الواحدة:دومة.

و استدامة الأمر:الأناة فيه و النّظر.

و مفازة ديمومة،أي دائمة البعد.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](8:86)

اللّيث:الدّيمومة:الأرض المستوية الّتي لا أعلام بها،و لا طريق و لا ماء و لا أنيس،و إن كانت مكلئة.

و هنّ الدّياميم.(الأزهريّ 14:213)

ص: 335

مؤرّج السّدوسيّ:الدّياميم هي الصّحاري الملس المتباعدة الأطراف.(الأزهريّ 14:213)

ابن شميّل:الإيدامة من الأرض:السّند الّذي ليس بشديد الإشراف،و لا يكون إلاّ في سهول الأرض،و هي تنبت و لكن في نبتها زمر،لغلظ مكانها و قلّة استقرار الماء فيها.(الأزهريّ 14:214)

أبو عمرو الشّيبانيّ:المئبرة من الدّوم:أوّل ما تنبت.(1:75)

الدّوم:النّبق.(1:242)

تدامّه،إذا برك عليه.(1:245)

أدم دلوك،أي املأها؛و قد دامت الدّلو تدوم.

(1:246)

دوّمي قدرك،و أديمي:و ذاك أن تتركها إذا نضجت على النّار.(1:249)

الدّوم:العظام من السّدر،و العبريّة أصغر من الدّومة،و السّدر منه.(1:250)

جعلت فلانا أدمة أهلي،أي أسوته،و أدمة يدي.

(الحربيّ 3:1143)

الدّوم:شجر المقل،و الدّوم:العظام من السّدر؛ و العبريّة أصغر من الدّومة،و السّدر أصغر منه.

(الحربيّ 3:1147)

الدّياميم:الصّحاري.(الأزهريّ 14:213)

الفرّاء:استدام الرّجل غريمه و استدماه،إذا رفق به.(الأزهريّ 14:213)

و التّدويم:أن يلوك لسانه لئلاّ ييبس ريقه.

(الجوهريّ 5:1922)

أبو عبيدة:[الخمر]يقال لها:مدامة لعتقها.

(الأزهريّ 14:213)

الأصمعيّ:في حديث عائشة:..«كان عمله ديمة».

أصل الدّيمة:المطر الدّائم مع سكون.

(الأزهريّ 14:210)

[في حديث]:«لا تبل في الماء الدّائم».دام الماء يدوم دوما،إذا ثبت لا يجري،و قد صام صوما مثله.

و يقال:أدم قدرك أي سوّطها حتّى تسكن،و أدم لفلان كرامته،أي أثبتها.

و دوّم الطّائر في السّماء،إذا جعل يدوم،و دوّى في الأرض إذا دار،مثله في السّماء.

و دوّمت الشّمس على رأسه،إذا دارت،و استوى النّاس فصاروا كدوّامة الوليد.

التّدويم:أن تدوم الحدقة كأنّها فلكة،يقال:

دوّمت عينه.(الحربيّ 3:1146)

[في حديث]:«تنعت من الدّوام».يقال:أخذ فلانا دوام إذا أخذه دوار.(الحربيّ 3:1147)

أخذه دوام في رأسه مثل الدّوار.

و دوّامة الغلام،برفع الدّال و تشديد الواو، و دوّمت القدر و أدمتها إذا كسرت غليانها.

و دوّم الطّائر في السّماء،إذا جعل يدور،و دوّى في الأرض،و هو مثل التّدويم في السّماء.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

إنّ التّدويم لا يكون إلاّ من الطّائر في السّماء.

(الأزهريّ 14:211)

ص: 336

الإيدامة:أرض مستوية صلبة ليست بالغليظة؛ و جمعها:الأياديم.

و يقال:أخذت الإيدامة من الأديم.[ثمّ استشهد بشعر]

و مثله شمر.(الأزهريّ 14:213)

الإيدامة:الصّلبة من غير حجارة.

و يقال:ديم و أديم،إذا أخذه دوار.

و الإدامة:تنقير السّهم على الإبهام.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:213)

دوّمت الخمر شاربها،إذا سكر فدار.

(الجوهريّ 5:1922)

اللّحيانيّ:الإدامة:أن تترك القدر على الأثافيّ بعد الفراغ،لا تنزلها و لا توقدها.

و المدوم و المدوام:عود أو غيره يسكّن به غليانها.

(ابن سيده 9:447)

أبو عبيد:في حديث النّبيّ:صلّى اللّه عليه و سلّم«أنّه نهى أن يبال في الماء الدّائم،ثمّ يتوضّأ منه».

قال الأصمعيّ:و بعضه عن أبي عبيدة:الدّائم هو السّاكن،و قد دام الماء يدوم،و أدمته أنا إدامة إذا سكّنته،و كلّ شيء سكّنته فقد أدمته.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للطّائر-إذا صفّ جناحيه في الهواء و سكّنهما فلم يحرّكهما،كطيران الحدإ و الرّخم-قد دوّم الطّائر تدويما،و هو من هذا أيضا،لأنّه إنّما سمّي بذلك لسكونه و تركه الخفقان بجناحيه.(1:137)

في حديث عائشة:...«كان عملة ديمة».

قال الأصمعيّ:أصل الدّيمة:المطر الدّائم مع سكون،فشبّهت عائشة عمله[أي عمل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله] -في دوامه مع الاقتصاد،و ليس بالغلوّ-بديمة المطر.

و يروى عن حذيفة شبيه بهذا،حين ذكر الفتن، فقال:«إنّها لآتيتكم ديما ديما»يعني:أنّها تملأ الأرض مع دوام.[ثمّ استشهد بشعر](2:350)

من أسماء الخمر المدام و المدامة.

(الأزهريّ 14:210)

ابن الأعرابيّ:و قوله:«لا تبولنّ في الماء الدّائم».

الماء الدّائم الّذي لا يجري،قليلا كان أو كثيرا.

(الحربيّ 3:1145)

الدّوم:ضخام الشّجر ما كان.(الحربيّ 3:1147)

دام الشّيء إذا دار،و دام:إذا وقف،و دام إذا تعب.

(الأزهريّ 14:212)

أبو حاتم:الدّائم:السّاكن،و المتحرّك:الدّائم.

يقال:ماء ساكن و ماء دائم،و في الحديث:«نهي عن البول في الماء الدّائم».[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:في معنى الدّوران:دوّم الطّائر في الجوّ:

و من ذلك سمّيت الدّوّامة لأنّها تدوم،أي تدور، و بالرّجل دوام و دوار يقالان.(الأضداد:129)

شمر:يقال:ديمة و ديم.(الأزهريّ 14:210)

دوّامة الصّبيّ بالفارسيّة:دوابه،و هي الّتي يلعب بها الصّبيان،تلفّ بسير أو خيط،ثمّ ترمى على الأرض فتدور.(الأزهريّ 14:212)

سمّيت الخمر:مدامة؛إذ كانت لا تنزف من كثرتها، فهي مدامة و مدام.

ص: 337

المستديم:المبالغ في الأمر.

و استدم ما عند فلان،أي انتظره و ارقبه.

(الأزهريّ 14:211)

أبو الهيثم:يقال:تحيّر الماء في الرّوضة،إذا لم تكن له جهة يمضي فيها،فيقول:كأنّها متحيّرة لدورانها.

و التّدويم:الدّوران،يقال:دوّمت الشّمس إذا دارت.(الأزهريّ 14:211)

دوّمت الشّيء:بللته.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:212)

الدّينوريّ:الدّومة:تعبل و تسمو،و لها خوص كخوص النّخل،و تخرج أقناء كأقناء النّخلة.

و ذكر أبو زياد الأعرابيّ أنّ من العرب من يسمّي النّبق دوما.

و قال عمارة:الدّوم:العظام من السّدر.

(ابن سيده 9:447)

ابن أبي اليمان:و الدّيمة:المطر السّاكن الّذي يدوم اليوم و اليومين.[ثمّ استشهد بشعر](637)

الحربيّ:دوم:نخل المقل.(2:684)

و تسمّى الخمر:المدامة:المعتّقة.(3:1005)

المدامة:النّاقة تداوم على حلبتها.و يقال:أحمر مدمّى في الجمل.

و التّدمية:أن يكون أحمّ السّراة.(3:1136)

و الدّام:اسم بلد،ذكره طفيل.[ثمّ ذكر شعره]

(الحربيّ 3:1147)

المبرّد:و قوله: *رميت بأخرى يستدير أميمها*

يريد يستدير من الدّوار،و يقال في هذا المعنى:يستديم؛ و منه سمّيت الدّوّامة.

و في الحديث:«كره البول في الماء الدّائم،لأنّه كالمستدير في موضعه».(1:64)

ابن دريد:الدّوم:نخل المقل.

و دومة الجندل،بضمّ الدّال:موضع،هكذا يقول بعض أهل اللّغة.و أصحاب الحديث يقولون:دومة الجندل،بفتح الدّال،و ذلك خطأ.

و دومان:اسم رجل.و قال قوم:موضع.هو دومان بن بكيل.

فأمّا دومة الجندل،فمجتمعه و مستداره،كما تدوم الدّوّامة،أي تستدير.

و دوّمت الشّمس في كبد السّماء.

و دوّم الطّائر،إذا حلّق في السّماء،و حام.

و الدّوام مثل الدّوار سواء.أصابه دوام و دوار.

و دام الشّيء يدوم دومانا،و أدمته أنا إدامة،إذا سكّنته.

و نهي عن البول في الماء الدّائم،أي السّاكن.

و أدمت القدر،إذا غلت فنضحت عليها الماء البارد لتسكن.(2:301)

نديمها:نسكّنها،من قولهم:الماء الدّائم.و المدامة من هذا،لأنّها أديمت في الدّنّ.(3:219)

و الدّيمة:المطر الدّائم يومين أو ثلاثة،و لا يكون إلاّ ساكنا.

و الدّوم:مصدر دام يدوم دوما.و الدّوم:نخل المقل؛ الواحدة:دومة.

و دومة الجندل:موضع.(3:245)

ص: 338

الأزهريّ:جمع الدّيمة:ديم.

روي عن أبي العميثل أنّه قال:ديمة و جمعها:ديوم، بمعنى الدّيمة.

و قال خالد بن جنبة:الدّيمة:من المطر الّذي لا رعد فيه و لا برق،و تدوم يومها.[ثمّ ذكر قول اللّيث]

و قال غيره:سمّيت مدامة،لأنّها أديمت في الدّنّ زمانا حتّى سكنت بعد ما فارت.

و كلّ شيء يسكن فقد دام؛و منه قيل للماء الّذي سكن فلا يجري:دائم.

و نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أن يبال في الماء الدّائم ثمّ يتوضّأ منه»،و هو الماء الرّاكد السّاكن.و كلّ شيء سكّنته فقد أدمته.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:للطّائر-إذا صفّ جناحيه في الهواء و سكّنهما و لم يحرّكهما كما تفعل الحدأ و الرّخم-قد دوّم الطّائر تدويما،لسكونه و تركه الخفقان بجناحين.

قال أبو سعيد الضّرير:دومة الجندل في غائط من الأرض،خمسة فراسخ.و من قبل مغربه عين تثجّ، فتسقي ما به من النّخيل و الزّرع.

و دومة:ضاحية بين غائطها هذا،و اسم حصنها مارد.

و سمّيت:دومة الجندل،في حديث رواه أبو عبيد، لأنّ حصنها مبنيّ بالجندل.

و غيره يقول:دومة بضمّ الدّال.و سمعت:دومة الجندل في حديث رواه أبو عبيد.قلت:و رأيت أعرابيّا بالكوفة سئل عن بلده،فقال:دومة الجندل.

يقال:علونا ديمومة بعيدة الغور،و علونا أرضا ديمومة منكرة.

و دوّمت عيناه تدويما،إذا دارت حدقتها.

(14:210)

الفارسيّ:و قد اختلفوا في الفرق بين التّدويم و التّدوية،فقال بعضهم:التّدويم:في السّماء، و التّدوية:في الأرض،و قيل:بعكس ذلك.و هو الصّحيح عندي.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 9:446)

الصّاحب:الدّوام:مصدر دام يدوم.

و المدوم و المدوام:ما أدمت به غليان القدر،أي سكّنتها.

و المستديم:المتأنّي في أمره.

و استدم ذاك،أي انتظره.

و دوم الشّيء:ثبت.

و المديم:السّاكت المطرق.

و الرّاعف:مديم.

و أدام رأسه،أي نكّسه.

و يقال:دمت تدام،و دمت تدوم.و مصدره:دوام و دءوم و دوم.

و المدامة:المكان الّذي يدام فيه الكون للّعب و غيره.

و يقول الصّبيان:خرجنا إلى مدامتنا،و هو أن يخرجوا إلى قرب بيوتهم إلى شجرة هو معلم لهم.

و تدوّمت الشّيء:استدمته و بقّيته.

و الدّيمة:مطر يدوم يوما.

و ديّمت السّماء:جادت بديمة،و أدامت.

ص: 339

و ديّمت الأرض:مطرت بالدّيمة.

و المدامة:الخمرة،سمّيت لإدامة شربه،و قيل:

لأنّها تسكن فلا تفور.

و التّدويم:تحليق الطّائر في الهواء و دورانه.

و الشّمس لها تدويم؛و منه اشتقّت الدّوّامة.

و أخذه دوام،أي دوار،و قد ديم به و أديم به.و دوّم برأسه.

و التّدويم في العين:أن تدور الحدقة كأنّها في فلكة.

و الدّومان:حومان الطّائر،و طير متداومات.

و يقال للكلاب إذا أمعنت في العدو:دوّمت.

و تدويم الزّعفران:دوفه و إدارته.

و دوّمت الشّيء:بللته.

و مفازة ديمومة:دائمة البعد.

و الدّوم:شجر المقل؛الواحدة:دومة.

و الإدامة:تنفيز السّهم على الظّفر.

و الدّومة:الخصية.

و يدوم:اسم واد،و قيل:جبل.

و الدّأماء:البحر.(9:379)

الخطّابيّ:في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«...و ديمومة سردح...».فإنّ الدّيمومة:المفازة المتقاذفة الأرجاء الّتي يدوم فيها السّير فلا يكاد ينقطع.(1:640)

في حديث عن عائشة:«أنّها كانت تأمر من الدّوار أو الدّوام بسبع تمرات عجوة في سبع غدوات على الرّيق».الدّوام:كالدّوار،و هو ما يأخذ الإنسان في رأسه فيدار به.و منه تدويم الطّائر،و هو أن يستدير في طيرانه،و منه اشتقّت الدّوّامة الّتي يلعب بها.و قد استدام الرّجل،إذا استدار.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّدويم أيضا في الطّير:أن يسكن الطّائر جناحيه.

يقال:دوّم الطّائر؛و منه قولهم:ماء دائم،إذا كان راكدا لا يجري.(2:577)

ابن جنّيّ:[حكى بعضهم:دامت السّماء تديم، و دوّمت،و ديّمت]هو من الواو،لاجتماع العرب طرّا على الدّوام،و هو أدوم من كذا.

و قال أيضا:من التّدريج في اللّغة قولهم:ديمة و ديم،و استمرار القلب في العين إلى الكسرة قبلها،ثمّ تجاوزوا ذلك لمّا كثر و شاع إلى أن قالوا:دوّمت السّماء و ديّمت.

فأمّا دوّمت فعلى القياس،و أمّا ديّمت فلاستمرار القلب في ديمة و ديم.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 9:444)

و المدام:المطر الدّائم.(ابن سيده 9:445)

يكون«أفعل»من دام يدوم،فلا يصرف،كما لا يصرف أخزم و لا أحمد.و أصله على هذا:أدوم،و قد يكون من«د م و»و همزه،و قد تقدّم.

(ابن سيده 9:448)

الجوهريّ:دام الشّيء يدوم و يدام،دوما و دواما و ديمومة،و أدامه غيره.

و دوّمت الشّمس في كبد السّماء.

و يقال:أخذه دوام بالضّمّ،أي دوار،و هو دوار الرّأس.

ص: 340

و دام الشّيء:سكن.

و في الحديث:«نهى أن يبال في الماء الدّائم»، و هو السّاكن.

و دوّمت القدر و أدمتها،إذا سكّنت غليانها بشيء من الماء.

و دوّمت الشّيء:بللته.

و تدويم الزّعفران:دوفه.

و تدويم الطّير:تحليقه،و هو دورانه في طيرانه ليرتفع إلى السّماء.و قد جعل ذو الرّمّة التّدويم في الأرض،بقوله يصف ثورا:

حتّى إذا دوّمت في الأرض راجعه

كبر و لو شاء نجّى نفسه الهرب

و أنكر الأصمعيّ ذلك،و قال:إنّما يقال:دوّى في الأرض،و دوّم في السّماء.

و كان بعضهم يصوّب التّدويم في الأرض،و يقول:

منه اشتقّت الدّوّامة،بالضّمّ و التّشديد،و هي فلكة يرميها الصّبيّ بخيط،فتدوّم على الأرض،أي تدور.

و غيره يقول:إنّما سمّيت الدّوّامة،من قولهم:

دوّمت القدر،إذا سكّنت غليانها بالماء،لأنّها من سرعة دورانها كأنّها قد سكنت و هدأت.

و التّدوام:مثل التّدويم.

و قال بعضهم:تدويم الكلب:إمعانه في الهرب.

و المديم:الرّاعف.

و الدّوم:شجر المقل.

و الظّلّ الدّوم:الدّائم.

و دومة الجندل:اسم حصن.و أصحاب اللّغة يقولونه بضمّ الدّال،و أصحاب الحديث يفتحونها.

و المدامة و المدام:الخمر.

و استدمت الأمر،إذا تأنّيت به.

و المداومة على الأمر:المواظبة عليه.

و أمّا قولهم:«ما دام»فمعناه:الدّوام،لأنّ«ما» اسم موصول ب«دام»،و لا تستعمل إلاّ ظرفا،كما تستعمل المصادر ظروفا.تقول:لا أجلس ما دمت قائما،أي دوام قيامك،كما تقول:ورد في مقدم الحاجّ.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](5:1922)

ابن فارس:الدّال و الواو و الميم أصل واحد يدلّ على السّكون و اللّزوم.يقال:دام الشّيء يدوم،إذا سكن.

و الماء الدّائم:السّاكن.و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يبال في الماء الدّائم ثمّ يتوضّأ منه.و الدّليل على صحّة هذا التّأويل أنّه روي بلفظة أخرى،و هو أنّه نهى أن يبال في الماء القائم.

و يقال:أدمت القدر إدامة،إذا سكّنت غليانها بالماء.

و من المحمول على هذا و قياسه قياسه،تدويم الطّائر في الهواء،و ذلك إذا حلّق و كانت له عندها كالوقفة.و من ذلك قولهم:دوّمت الشّمس في كبد السّماء،و ذلك إذا بلغت ذلك الموضع.و يقول أهل العلم بها:إنّ لها ثمّ كالوقفة،ثمّ تدلك.

و يقال:دوّمت الزّعفران:دفته،و هو القياس، لأنّه يسكن فيما يداف فيه.

و استدمت الأمر،إذا رفقت به،و كذا يقولون:

ص: 341

و المعنى:أنّه إذا رفق به و لم يعنف و لم يعجل دام له.

و الدّيمة:مطر يدوم يوما و ليلة أو أكثر.

و من الباب أنّ عائشة سئلت عن عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت:«كان عمله ديمة»أي دائما.و المعنى:

أنّه كان يدوم عليه،سواء قلّل أو كثّر،و لكنّه كان لا يخلّ تعني بذلك في عبادته صلّى اللّه عليه و سلّم

فأمّا قولهم:دوّمته الخمر،فهو من ذلك،لأنّها تخثّره حتّى تسكن حركاته.

و الدّأماء:البحر،و لعلّه أن يكون من الباب،لأنّه ماء مقيم لا ينزح و لا يبرح.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](2:315)

أبو هلال:الفرق بين الدّوام و الخلود:أنّ الدّوام هو استمرار البقاء في جميع الأوقات،و لا يقتضي أن يكون في وقت دون وقت؛أ لا ترى أنّه يقال:إنّ اللّه لم يزل دائما و لا يزال دائما؟و الخلود هو استمرار البقاء من وقت مبتدإ،و لهذا لا يقال:إنّه خالد كما أنّه دائم.(95)

الهرويّ:و في الحديث:«نهى أن يبال في الماء الدّائم»يعني الرّاكد السّاكن.و كلّ شيء سكّنته فقد أدمته،كفورة القدر تديمها،أي تسكّنها،و قد دام يدوم دوما إذا سكن.

و قال أبو بكر:الدّائم من حروف الأضداد.يقال للسّاكن:دائم و للدّائر:دائم.

يقال:أصاب فلان دوام،أي دوار،أو به.

سمّيت دوّامة الوليد لدورانها.

و قال بعضهم:دوّم الطّائر في الهواء،إذا دار.

و قال بعضهم:دوّم من باب السّكون و هو أن يبسط جناحيه و لا يضرب بهما.

و في حديث عائشة:«أنّها قالت لليهود عليكم السّام الدّام»أي الموت الدّائم.(2:658)

ابن سيده:دام الشّيء يدوم،و يدام.

قال كراع:دام يدوم،فعل يفعل-و ليس بقويّ- دوما،و دواما،و ديمومة.

قال أبو الحسن:في هذه الكلمة نظر.

ذهب أهل اللّغة في قولهم:دمت تدوم أنّها نادرة كمتّ تموت،و فضل يفضل،و حضر يحضر.

و ذهب أبو بكر:إلى أنّها متركّبة،فقال:دمت تدوم كقلت تقول،و دمت تدام كخفت تخاف،ثم تركّبت اللّغتان،فظنّ أنّ تدوم على دمت،و تدام على دمت؛ ذهابا إلى الشّذوذ،و إيثارا له.و الوجه ما تقدّم من أنّ تدام على دمت و تدوم على دمت.

و ما ذهبوا إليه من تشذيذ دمت تدوم أخفّ ممّا ذهبوا إليه من تسوّغ دمت تدام؛إذ الأولى ذات نظائر.

و لم يعرف من هذه الأخيرة إلاّ كدت تكاد،و تركيب اللّغتين باب واسع:كقنط يقنط،و ركن يركن،فيحمله جهّال أهل اللّغة على الشّذوذ.

و أدامه و استدامه:تأنّى فيه،و قيل:طلب دوامه.

و داومه كذلك.

و الدّيّوم:الدّائم منه،كما قالوا:قيّوم.

و الدّيمة:مطر يدوم مع سكون.و قيل:يدوم خمسة أو ستّة،و قيل:يوما و ليلة؛و الجمع:ديم،غيّرت الواو في الجمع لتغيّرها في الواحد.

ص: 342

و ما زالت السّماء دوما،و ديما ديما-الياء على المعاقبة-:أي دائمة المطر.

و حكى بعضهم:دامت السّماء تديم،و دوّمت، و ديّمت.

و أرض مديمة و مديمة:أصابتها الدّيم،و أصلها:

الواو،و أرى الياء معاقبة.

و في حديث عائشة،أنّها ذكرت عمل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فقالت:«كان عمله ديمة».شبّهته بالدّيمة من المطر في الدّوام و الاقتصاد.

و المدام و المدامة:الخمر،لأنّه ليس شيء يستطاع إدامة شربه إلاّ هي.و قيل:لإدامتها في ظرفها.

و ظلّ دوم،و ماء دوم:دائم،وصفوهما بالمصدر.

و الدّاماء:البحر،لدوام مائه،أصله:دوماء.و قد قيل:أصله:دوماء،فإعلاله على هذا شاذّ.

و دام البحر يدوم:سكن.

و الدّيموم،و الدّيمومة:الفلاة يدوم السّير فيها لبعدها.و قد قدّمت قول أبي عليّ:إنّها من الدّم الّذي هو الشّجّ.

و دوّمت الكلاب:أمعنت في السّير.

و دوّمت الشّمس:دارت في السّماء.

و دوّم الطّائر،و استدام:حلّق في السّماء.

و قيل:هو أن يدور في السّماء فلا يحرّك جناحيه.

و قيل:هو أن يدوم و يحوم.

و الدّوّامة:الّتي يلعب بها الصّبيان،فتدار؛و الجمع:

دوّام،و قد دوّمتها.

و دوّمت عينه:دارت كأنّها في فلكة.

و الدّوام:شبه الدّوار في الرّأس،و قد ديم به و أديم.

و دوّمت المرقة،إذا أكثرت فيها الإهالة حتّى تدور فوقها.

و مرقة داومة،نادر،لأنّ حقّ الواو في هذا أن تقلب همزة.

و دوّم الشّيء:بلّه.

و دوّم الزّعفران:دافه.

و أدام القدر و دوّمها،إذا غلت فنضحها بالماء البارد لتسكن.و قيل:كسر غليانها بشيء و سكّنه.

و استدام الرّجل غريمه:رفق به.

و استدماه كذلك مقلوب منه،و إنّما قضينا بأنّه مقلوب،لأنّا لم نجد له مصدرا.

و استدمى مودّته:ترقّبها من ذلك،و إن لم يقولوا فيه:استدام.

و الدّوم:شجر المقل؛واحدته:دومة.

و دومة الجندل:موضع يسمّيه أهل الحديث:

دومة،-و هو خطأ-و كذلك دوماء الجندل.

و دومان:اسم رجل.

و دومان:اسم قبيلة.

و يدوم:جبل.

و ذو يدوم:نهر من بلاد مزينة يدفع بالعقيق.

و أدام:موضع.[و استشهد بالشّعر 10 مرّات]

(9:444)

الرّاغب:أصل الدّوام:السّكون.يقال:دام الماء، أي سكن.

«و نهي أن يبول الإنسان في الماء الدّائم».

ص: 343

و أدمت القدر و دوّمتها:سكّنت غليانها بالماء؛ و منه:دام الشّيء،إذا امتدّ عليه الزّمان.قال تعالى:

وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ المائدة:117، إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً آل عمران:75، لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها المائدة:24.

و يقال:دمت تدام،و قيل:دمت تدوم،نحو:متّ تموت.

و دوّمت الشّمس في كبد السّماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و دوّم الطّير في الهواء:حلّق.

و استدمت الأمر:تأنّيت فيه،و للظّلّ الدّوم:الدّائم.

و الدّيمة:مطر تدوم أيّاما.(175)

الحريريّ:قول المفضّل:

*تجيش علينا قدرهم فنديمها*

يعني أنّه متى جاشت قدرهم للشّرّ سكّنوها، و هو معنى«نديمها».(109)

الزّمخشريّ:دام الشّيء دوما و دواما،و لا أفعله ما دام كذا.

و أدام اللّه عزّك.

و أنا أستديم اللّه نعمتك.

و دام على الأمر،و داوم عليه.

و ظلّ دوم:دائم.

و دام المطر أيّاما.

و مطرتهم السّماء بديمة و ديم و ديّمت و أدامت.

و شرب المدامة و المدام؛سمّيت لأنّ شربها يدام أيّاما دون سائر الأشربة.

و قطعوا ديمومة و دياميم،و هي الأرض الّتي يدوم بعدها.و الأصل:ديّمومة«فيعلولة»من الدّوام، كالكينونة من الكون.

و من المجاز:ماء دائم:ساكن لا يجري.

و أدمت القدر و دوّمتها:سكّنت غليها،و دوّم قدرك و أدمها.

و استدمت الأمر:تأنّيت فيه.

و الطّائر يدوم حول الماء و يحوم؛و منه الدّوّامة.

و دوّم الطّائر في الهواء و تداوم،و طيور متداومات:حلّق؛و منه:دوّمت الشّمس في كبد السّماء.

و دوّم الزّعفران في الماء:دافه و أداره فيه.

و ديم بفلان،و أديم به،و استدام.

و أخذه الدّوام،و هو الدّوار.

و دوّمت الخمر شاربها.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:139)

الدّيمة:المطر يدوم أيّاما لا يقلع،فهى«فعلة»من الدّوام،و انقلاب واوها ياء لسكونها و انكسار ما قبلها.

و قولهم في جمعها:ديم و إن زال السّكون،لحمل الجمع على الواحد و إتباعه إيّاه،شبّهها بهذه الأمطار و كرّر،أراد أنّها تترادف و تمكث مع ترادفها.

و منه حديث عائشة رضي اللّه تعالى عنها:«إنّها سئلت:هل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يفضّل بعض الأيّام على بعض؟فقالت:كان عمله ديمة».

عائشة رضي اللّه تعالى عنها:«كانت تأمر من

ص: 344

الدّوام بسبع تمرات عجوة في سبع غدوات على الرّيق».الدّوام:الدّوار،و ديم به مثل دير به؛و منه الدّوّامة لدورانها.(الفائق 1:445)

الدّام:الدّائم.(الفائق 2:144)

ابن الشّجريّ:الدّيمة:مطر يدوم أيّاما،و هي هاهنا سحابة يدوم مطرها،و صارت الواو فيها إلى الياء،لسكونها و انكسار ما قبلها.فإذا حقّرتها أعدت الواو فقلت:دويمة،و كذلك الفعل منها تقول:دوّمت السّحابة.(1:41)

الطّبرسيّ:الدّوام:البقاء أبدا،و لهذا يوصف سبحانه بأنّه دائم،و لا يوصف بأنّه خالد.(3:192)

المدينيّ:في حديث قسّ:«دوّم عمامته»:أي بلّها أو أدارها.

في الحديث:ذكر«دومة الجندل»بضمّ الدّال، و هو مجتمعه و مستديره،كما تدور الدّوّامة،أي تستدير.(1:685)

الفيّوميّ:دام الشّيء يدوم دوما و دواما و ديمومة:ثبت.و دام غليان القدر:سكن،و دام الماء في الغدير أيضا.و في حديث:«لا يبولنّ أحدكم في الماء الدّائم»أي السّاكن.

و دام يدام من باب«خاف»لغة،و دام المطر:تتابع نزوله،و يعدّى بالهمزة فيقال:أدمته.

و استدمت الأمر:ترفّقت به و تمهّلت.

و استدمت غريمي:رفقت به.

و قول النّاس:استدام لبس الثّوب،أي تأنّى في قلعه و لم يبادر إليه.و جاز أن يكون مأخوذا من قولهم:

استدمت عاقبة الأمر،إذا انتظرت ما يكون منه.

و أستديم اللّه عزّك،يتعدّى إلى مفعولين،و المعنى:

أسأله أن يديم عزّك.

و دومة الجندل:حصن بين مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و بين الشّام،و هو أقرب إلى الشّام،و هو الفصل بين الشّام و بين العراق،و داله مضمومة،و المحدّثون يفتحون.

قال ابن دريد:الفتح خطأ،و يؤيّده قول بعضهم:

إنّما سميّت باسم دومى بن إسماعيل عليهما السّلام،لأنّه نزلها و سكنها،و هو مضبوط بالضّمّ،لكن غيّر و قيل:دومة.

و الدّوم بالفتح:شجر المقل.و الدّيمة بالكسر:المطر يدوم أيّاما.

و كان عمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ديمة أي دائما غير مقطوع.

و داوم على الشّيء مداومة:واظبه.

(1:204)

الفيروزآباديّ:دام يدوم و يدام دوما و دواما و ديمومة و دمت بالكسر تدوم نادرة.

و أدامه و استدامه و داومه:تأنّى فيه أو طلب دوامه.و الدّيّوم و الدّوم:الدّائم.

و دام:سكن؛و منه:الماء الدّائم،و الدّلو:امتلأت، و أدمتها.

و الدّيمة بالكسر:مطر يدوم في سكون بلا رعد و برق،أو يدوم خمسة أيّام أو ستّة أو سبعة أو يوما و ليلة،أو أقلّه ثلث النّهار أو اللّيل،و أكثره ما بلغت؛ جمعه:ديم و ديوم.

و ما زالت السّماء دوما دوما و ديما ديما:دائمة المطر.

ص: 345

و دامت السّماء تديم ديما،و دوّمت و ديّمت و أدامت،و أرض مديمة.

و المدام:المطر الدّائم،و الخمر كالمدامة،لأنّه ليس شراب يستطاع إدامة شربه إلاّ هي.

و الدّاماء:البحر،أصله:دوماء محرّكة أو مسكّنة و على هذا إعلاله شاذّ.

و الدّيموم:في«د م م».

و دوّمت الكلاب:أمعنت في السّير.

و الشّمس:دارت في السّماء،و عينه:دارت حدقتها كأنّها في فلكة،و المرقة:أكثر فيها الإهالة حتّى تدور فوقها،و الشّيء:بلّه،و الزّعفران:دافه.

و القدر:نضحها بالماء البارد ليسكن غليانها كأدامها أو كسر غليانها بشيء،و الطّائر:حلّق في الهواء كاستدام،أو طار فلم يحرّك جناحيه.

و الدّوّامة كرمّانة:الّتي يلعب بها الصّبيان فتدار؛ جمعها:دوّام،و قد دوّمتها.

و كمنبر و محراب:عود يسكّن به غليان القدر.

و استدام غريمه:رفق به كاستدماه.

و الدّوم:شجر المقل و النّبق،و ضخام الشّجر ما كان.

و دومة الجندل،و يقال:دوماء الجندل،كلاهما بالضّمّ.

و الدّام:موضع.

و يدوم:جبل أو واد.

و ذو يدوم:قرية باليمن أو نهر.

و الدّوام كغراب:دوار في الرّأس.

و المديم كمقيم:الرّاعف.

و الدّومة:الخصية،و امرأة خمّارة.

و الدّومان:حومان الطّائر.

و الإدامة:تنقير السّهم على الإبهام،و إبقاء القدر على الأثفيّة بعد الفراغ.

و مدامة بالفتح:موضع.

و تدوّم:انتظر.(4:115)

الطّريحيّ:دام الشّيء يدوم،و يدام لغة من باب «خاف»دوما و دواما و ديمومة،أي ثبت.

و من صفاته تعالى ديموميّ،أي أزليّ في الماضي و المستقبل،و منه كان في ديمومته مسيطرا.

و دام المطر:تتابع نزوله.

و الدّوام:شمول الأزمنة.

و المداومة على الأمر:المواظبة عليه.

و منه«أحبّ العمل:ما دام عليه».

و الدّائم:من أسمائه تعالى.

و في الحديث:«نهى أن يبال في الماء الدّائم»،أي الرّاكد السّاكن،من«دام»إذا طال زمانه.

و منه حديث الحميراء لليهود:«عليكم السّام الدّام»،أي الموت الدّائم،حذفت الياء للازدواج مع السّام...

و دومة:واحدة الدّوم،و هي ضخام الشّجر.

و قيل:شجرة المقل و النّبق.

و منه حديث وصفه صلّى اللّه عليه و آله:«في دومة الكرم محتدّه» أي أصله،على الاستعارة.

و دومة الجندل:حصن عاديّ بين المدينة و الشّام،

ص: 346

يقرب من تبوك،و هي أقرب إلى الشّام،و هي الفصل بين الشّام و العراق،و هي أحد حدود فدك، و يقال:إنّها تسمّى:بالجوف.

و أستديم اللّه عزّك،ممّا يتعدّى إلى مفعولين، و المعنى:أسأله أن يديم عزّك.(6:64)

مجمع اللّغة:دام يدوم دواما:امتدّ عليه الزّمان، فهو دائم.

دام على الشّيء:واظب عليه،فهو دائم،و هم دائمون.

و يقال:لا أفعله ما دام كذا،أي مدّة دوامه.

(1:410)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دام الشّيء يدوم:ثبت و استمرّ و امتدّ عليه الزّمان فهو دائم،و دام:تفيد التّوقيت بحالة مخصوصة.(1:195)

العدنانيّ:الدّائم:السّاكن،المتحرّك.

و يخطّئون من يقول:إنّ الدّائم هو المتحرّك، و يقولون:إنّه السّاكن،و يستشهدون بالحديث الشّريف:«لا يبولنّ أحدكم في الماء الدّائم الّذي لا يجري،ثمّ يغتسل فيه».و يستشهدون أيضا بقول النّابغة الجعديّ:

تفور علينا قدرهم،فنديمها

و نفثؤها عنّا إذا حميها علا

أراد«نديمها»:نسكّنها،و يقول المغرب:ماء دائم:

ساكن لا يجري.

و لكن:

يقول ابن الأنباريّ في كتابه«الأضداد»:«الدّائم من الأضداد،يقال للسّاكن:دائم،و للمتحرّك الدّائر:

دائم».ثمّ استشهد على السّكون بالحديث الشّريف عينه،و على الحركة و الدّوران بقوله:«بالرّجل دوام، أي دوار،و إنّما سمّيت الدّوّامة بحركتها و دورانها».

1-الدّوّامة:الفلكة تلعب بها الصّبيان،فتلفّ بخيط،ثمّ ترمى على الأرض فتدور.و تعرف اليوم بين الصّبيان باسم البلبل.

2-من البحر أو النّهر:وسطه الّذي تدوم عليه الأمواج بسرعة و بشدّة،و هي مستديرة،و أعلاها متّسع و أسفلها ضيّق.

و يقول أبو الطّيّب اللّغويّ:سمّيت الدّوّامة،لأنّها تدوّم،أي تدور على الأرض.

و يقول الصّحاح:

1-دام الشّيء:سكن.

2-تدويم الطّائر:تحليقه،و هو دورانه في طيرانه ليرتفع إلى السّماء.

و يقول اللّسان:

1-يقال للسّاكن:دائم،و للمتحرّك:دائم.

2-دوّم الطّائر:إذا تحرّك في طيرانه،و قيل:دوّم الطّائر:إذا سكّن جناحيه.

جاء في قصيدتي«حرب الطّيّارات ليلا»:

و يشهد تدويم الأعاصير،أنّها

وفود الدّواهي الصّمّ أضرمها الوتر.

و يروي«التّاج»في مستدركه قول ابن الأعرابيّ:

دام الشّيء،إذا دار،و دام،إذا وقف،و دام،إذا تعب.

و يقول المتن:دام:سكن مجاز،و دام:دار مجاز،

ص: 347

و وقف مجاز،«ضدّ».

و يروي«التّضادّ»قول التّوزّيّ:الدّائم:السّاكن، و الدّائم:المتحرّك الدّائر.

و يقول الوسيط:دام الشّيء يدوم دوما و دواما:

ثبت،أقام،دار،تحرّك،سكن.و يقال:دام غليان القدر:سكن،و دام الماء:ركد.

الدّوّامة

ذكرنا أنّهم يطلقون على

1-اللّعبة المستديرة الّتي يلفّها الصّبيّ بخيط،ثمّ يرميها الأرض فتدور.

2-و على وسط البحر أو النّهر الّذي تدور عليه الأمواج بسرعة و بشدّة،و أعلاها متّسع،و أسفلها ضيّق.

اسم الدّوّامة،و الصّواب:الدّوّامة:أدب الكاتب، و الصّحاح،و الأساس،و المختار،و اللّسان، و القاموس،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد الّذي ذكر:دوّامة البحر في الذّيل،و المتن،و الوسيط.

و عنى بالدّوّامة:لعبة الصّبيّ وحدها،كلّ من الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و القاموس،و محيط المحيط.

و ممّا قاله الصّحاح:إنّ تدويم الطّير،هو دورانه في طيرانه،ليرتفع إلى السّماء.

و قال الأساس:إنّ الدّوّامة،هي ما يدور و يحوم، مجاز.

و الدّوّامة:لعبة الصّبيّ تطلق عليها العامّة عندنا اسم«بلبل».(233)

محمود شيت:و أدام العجلات:جعلها صالحة.

أدام الفوج:أمدّه بالجنود لإكمال ملاكه.

داوم:التحق بمنصبه و مارسه.

استدام الشّيء:دام،و الشّيء جعله صالحا.

الدّوام:الوقت الّذي يقضيه العسكريّون في واجبهم.

و الدّوام عند المدنيّين محدود،ينتهي بوقت معيّن، و الدّوام عند العسكريّين غير محدود،ينتهي بانتهاء واجبهم في المعسكر،أو الثّكنة أو في الحرب.

و الدّوّامة:الأمواج المتلاطمة.(1:253)

المصطفويّ:و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الثّبوت مع الاستمرار أو استمرار الثّبوت، و لا يلاحظ فيه الابتداء و لا النّهاية و لا مقدار متعيّن من الزّمان،بل هو مطلق مفهوم استمرار الثّبوت.

و بملاحظة هذا المفهوم يطلق على السّكون،الدّور، التّأنّي،التّمهيل،الرّفق،و غيرها.و لكنّه يلزم أن تكون القيود منظورة فيها،بمعنى أنّ استمرار الثّبوت لا بدّ أن يكون في موارد السّكون:التّأنّي،الدّور،المهلة، الرّفق،و ليس مطلق هذه المفاهيم من مصاديق الأصل.

و أمّا تدويم الشّمس و تدويم الخمر و تدويم القدر و إدامتها:بمعنى جعل الشّمس النّهار ثابتة مستمرّة، و جعل الخمر من يشربها ثابتا معتادا بها بالاستمرار، و جعل الطّبّاخ القدر ثابتا و ساكنا و مستمرّا في طبخه، و بهذا اللّحاظ يطلق المدام و المدامة على الخمر،أي ما يدام عليه.

ص: 348

و أمّا الدّؤام-بمعنى الدّوار في الرّأس أو بمعنى البحر-فمن مادّة المهموز،فإنّ«الدّأم»بمعنى السّقوط و التّراكم و التّوارد.(3:283)

النّصوص التّفسيريّة

ما دامت

1 و 2- خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ* وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ. هود:107 و 108

ابن عبّاس:كدوام السّماوات و الأرض منذ خلقت إلى أن تفنى.(191)

إنّ اللّه خلق السّماوات و الأرض من نور العرش، ثمّ يردّهما إلى هنالك في الآخرة فلهما،ثمّ بقاء دائم.

(ابن عطيّة 3:208)

الضّحّاك:ما دامت سماوات الجنّة و النّار و أرضهما.و كلّ ما علاك فهو سماء،و كلّ ما استقرّت عليه قدمك فهو أرض.(الواحديّ 2:591)

ما دامت سماء الآخرة و أرضها،و هما لا يفنيان إذا أعيدا بعد الإفناء.

مثله الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 3:194)

الحسن:إنّ المراد:ما دامت الآخرة و هي دائمة أبدا،كما أنّ دوام السّماء و الأرض في الدّنيا قدر مدّة بنائها.(الطّبرسيّ 3:194)

السّدّيّ:سماء الجنّة و أرضها.(306)

ابن زيد:ما دامت الأرض أرضا،و السّماء سماء.

(الطّبريّ 7:115)

ابن قتيبة: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أي مدّة لبثهم في الدّنيا.(الماورديّ 2:505)

الطّبريّ:و يعني بقوله: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أبدا.

و ذلك أنّ العرب إذا أرادت أن تصف الشّيء بالدّوام أبدا،قالت:هذا دائم دوام السّماوات و الأرض،بمعنى أنّه دائم أبدا،و كذلك يقولون:هو باق ما اختلف اللّيل و النّهار،و ما سمر لنا سمير،و ما لألأت العفر بأذنابها،يعنون بذلك كلّه:أبدا.

فخاطبهم جلّ ثناؤه بما يتعارفون به بينهم،فقال:

خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ، و المعنى في ذلك:خالدين فيها أبدا.(7:114)

نحوه النّحّاس.(3:381)

الرّمّانيّ:خالدين فيها ما دامت سماء الدّنيا و أرضها إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ من الزّيادة عليها بعد فناء مدّتها.(الماورديّ 2:505)

عبد الجبّار:و ربّما قيل في قوله تعالى: ...ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أ ليس ذلك يدلّ على انقطاع العذاب من حيث وقته بدوام السّماوات و الأرض اللّذين يفنيان،و أنتم تقولون بالخلود، فكيف يصحّ ذلك؟

و جوابنا:أنّ للنّار سماء و أرضا،و كذلك الجنّة، و لا يفنيان،فهذا هو المراد.و قد قيل:إنّ المراد بذلك تبعيد خروجهم،فعلّقه تعالى بما يبعد في العقول زواله، على مذهب العرب.[ثمّ استشهد بشعر](184)

ص: 349

الماورديّ:فيه ثمانية تأويلات:

أحدها:[قول الرّمّانيّ]

الثّاني:ما دامت سماوات الآخرة و أرضها إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ من قدر وقوفهم في القيامة،قاله بعض المتأخّرين.[ثمّ ذكر بقيّة الأقوال في الاستثناء إلى أن قال:]

و في تقدير خلودهم بمدّة السّماوات و الأرض وجهان:

أحدهما:أنّها سماوات الدّنيا و أرضها،و لئن كانت فانية فهي عند العرب كالباقية على الأبد،فذكر ذلك على عادتهم و عرفهم،كما قال زهير:

ألا لا أرى على الحوادث باقيا

و لا خالدا إلاّ الجبال الرّواسيا

و الوجه الثّاني:أنّها سماوات الآخرة و أرضها، لبقائها على الأبد.(2:505)

الطّوسيّ:و قوله: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ فالخلود:الكون في الأمر أبدا،و الدّوام:

البقاء أبدا،و لهذا يوصف اللّه تعال بأنّه دائم، و لا يوصف بأنّه خالد.(6:67)

الواحديّ:[ذكر قول الضّحّاك و قال:]

و الأكثرون على أنّ المراد بهذا التّأبيد كأنّه قال:

خالدين فيها أبدا.

قال ابن قتيبة و ابن الأنباريّ:للعرب في معنى الأبد ألفاظ تقول:لا أفعل ذلك ما اختلف اللّيل و النّهار،و ما دامت السّماوات و الأرض،و ما اختلفت الجرّة و الدّرّة و ما أطّت الإبل،و في أشباه كثيرة،لهذا ظنّا منهم أنّ هذه الأشياء لا تتغيّر،فخاطبهم اللّه بما يستعملون في كلامهم.(2:591)

نحوه البغويّ(2:465)،و الخازن(3:207).

الميبديّ:قيل: اَلسَّماواتُ: طبقات الدّوزخ، وَ الْأَرْضُ: دركاته.و قيل: اَلسَّماواتُ: طبقات الجنّة وَ الْأَرْضُ: ترابه.

و الأصحّ أنّ كلاهما كناية عن التّأبيد،لأنّ العرب تقول:لا أكلّمك و لا أفعل ذلك ما ذرّ شارق،و طلع كوكب،و هبّت ريح،و حتّى يعود اللّبن في الضّرع، و حتّى يعود أمس،و يبيضّ الغراب،و حتّى يرجع السّهم على فوقه.[ثمّ استشهد بشعر](4:448)

الزّمخشريّ: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ فيه وجهان:

أحدهما:أن تراد سماوات الآخرة و أرضها،و هي دائمة مخلوقة للأبد.و الدّليل على أنّ لها سماوات و أرضا قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48،و قوله: وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ الزّمر:74،و لأنّه لا بدّ لأهل الآخرة ممّا يقلّهم و يظلّهم:إمّا سماء يخلقها اللّه،أو يظلّهم العرش،و كلّ ما أظلّك فهو سماء.

و الثّاني:أن يكون عبارة عن التّأييد و نفي الانقطاع،كقول العرب:ما دام تعار،و ما أقام ثبير، و ما لاح كوكب،و غير ذلك من كلمات التّأييد.

(2:293)

نحوه النّسفيّ(2:205)،و ابن جزيّ(2:112)، و الشّربينيّ(2:80)،و الشّوكانيّ(2:655)،

ص: 350

و المراغيّ(12:86).

ابن عطيّة:و أمّا قوله: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ فقيل:معناه أنّ اللّه تعالى يبدّل السّماوات و الأرض يوم القيامة،و يجعل الأرض مكانا لجهنّم، و السّماء مكانا للجنّة،و يتأبّد ذلك،فقرنت الآية خلود هؤلاء ببقاء هذه...

و قيل:معنى قوله: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ العبارة عن التّأبيد بما تعهّده العرب؛و ذلك أنّ من فصيح كلامها إذا أرادت أن تخبر عن تأبيد شيء أن تقول:لا أفعل كذا و كذا مدى الدّهر،و ما ناح الحمام، و ما دامت السّماوات و الأرض،و نحو هذا ممّا يريدون به طولا من غير نهاية،فأفهمهم اللّه تعالى تخليد الكفرة بذلك،و إن كان قد أخبر بزوال السّماوات و الأرض.(3:208)

الطّبرسيّ:اختلف العلماء في تأويل هذا في الآيتين-و هما من المواضع المشكلة في القرآن- و الإشكال فيه من وجهين:

أحدهما:تحديد الخلود بمدّة دوام السّماوات و الأرض.

و الآخر:معنى الاستثناء بقوله: إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ.

فالأوّل فيه أقوال:

أحدها:[قول الضّحّاك،و الجبّائيّ و قد تقدّم]

و ثانيها:أنّ المراد:ما دامت سماوات الجنّة و النّار و أرضهما،و كلّ ما علاك فأظلّك فهو سماء،و كلّ ما استقرّ عليه قدمك فهو أرض.و هذا مثل الأوّل أو قريب منه.

و ثالثها:[و هو قول الحسن]

و رابعها:أنّه لا يراد به السّماء و الأرض بعينها،بل المراد التّبعيد،فإنّ للعرب ألفاظا للتّبعيد في معنى التّأبيد،يقولون:لا أفعل ذلك ما اختلف اللّيل و النّهار، و ما دامت السّماء و الأرض،و ما نبت النّبت،و ما أطّت الإبل،و ما اختلف الجرّة و الدّرّة،و ما ذرّ شارق، و في أشباه ذلك كثرة،ظنّا منهم أنّ هذه الأشياء لا تتغيّر.و يريدون بذلك التّأبيد لا التّوقيت،فخاطبهم سبحانه بالمتعارف من كلامهم على قدر عقولهم،و ما يعرفون.[ثمّ استشهد بشعر و ذكر الكلام في الاستثناء]

(3:194)

نحوه أبو الفتوح.(10:336)

الفخر الرّازيّ:و فيه مسألتان:

المسألة الأولى:قال قوم:إنّ عذاب الكفّار منقطع و لها نهاية،و احتجّوا بالقرآن و المعقول.

أمّا القرآن فآيات،منها:هذه الآية،و الاستدلال بها من وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى قال: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ دلّ هذا النّصّ على أنّ مدّة عقابهم مساوية لمدّة بقاء السّماوات و الأرض،ثمّ توافقنا على أنّ مدّة بقاء السّماوات و الأرض متناهية،فلزم أن تكون مدّة عقاب الكفّار منقطعة.

الثّاني:أنّ قوله: إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ استثناء من مدّة عقابهم؛و ذلك يدلّ على زوال ذلك العذاب في وقت هذا الاستثناء.

و ممّا تمسّكوا به أيضا قوله تعالى: لابِثِينَ فِيها

ص: 351

أَحْقاباً النّبأ:23،بيّن تعالى أنّ لبثهم في ذلك العذاب لا يكون إلاّ أحقابا معدودة.

و أمّا العقل فوجهان:

الأوّل:أنّ معصية الكافر متناهية،و مقابلة الجرم المتناهي بعقاب لا نهاية له ظلم،و أنّه لا يجوز.

الثّاني:أنّ ذلك العقاب ضرر خال عن النّفع، فيكون قبيحا.بيان خلوّه عن النّفع أنّ ذلك النّفع لا يرجع إلى اللّه تعالى،لكونه متعاليا عن النّفع و الضّرر،و لا إلى ذلك المعاقب،لأنّه في حقّه ضرر محض،و لا إلى غيره،لأنّ أهل الجنّة مشغولون بلذّاتهم فلا فائدة لهم في الالتذاذ بالعذاب الدّائم في حقّ غيرهم؛فثبت أنّ ذلك العذاب ضرر خال عن جميع جهات النّفع،فوجب أن لا يجوز.و أمّا الجمهور الأعظم من الأمّة،فقد اتّفقوا على أنّ عذاب الكافر دائم، و عند هذا احتاجوا إلى الجواب عن التّمسّك بهذه الآية.

أمّا قوله: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ فذكروا عنه جوابين:

[الأوّل:هو الوجه الأوّل من كلام الزّمخشريّ و أضاف]

و لقائل أن يقول:التّشبيه إنّما يحسن،و يجوز إذا كان حال المشبّه به معلوما مقرّرا،فيشبّه به غيره تأكيدا لثبوت الحكم في المشبّه،و وجود السّماوات و الأرض في الآخرة غير معلوم.و بتقدير أن يكون وجوده معلوما،إلاّ أنّ بقاءها على وجه لا يفنى البتّة غير معلوم،فإذا كان أصل وجودهما مجهولا لأكثر الخلق و دوامهما أيضا مجهولا للأكثر،كان تشبيه عقاب الأشقياء به في الدّوام كلاما عديم الفائدة.

أقصى ما في الباب أن يقال:لمّا ثبت بالقرآن وجود سماوات و أرض في الآخرة،و ثبت دوامهما،وجب الاعتراف به،و حينئذ يحسن التّشبيه.

إلاّ أنّا نقول:لمّا كان الطّريق في إثبات دوام سماوات أهل الآخرة و دوام أرضهم هو السّمع،ثمّ السّمع،دلّ على دوام عقاب الكافر،فحينئذ الدّليل الّذي دلّ على ثبوت الحكم في الأصل حاصل بعينه في الفرع،و في هذه الصّورة أجمعوا على أنّ القياس ضائع و التّشبيه باطل،فكذا هاهنا.

و الوجه الثّاني:في الجواب[نقل الوجه الثّاني في كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و لقائل أن يقول:هل تسلمون أنّ قول القائل:

خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ، يمنع من بقائها موجودة بعد فناء السّماوات،أو تقولون:إنّه لا يدلّ على هذا المعنى.فإن كان الأوّل،فالإشكال لازم،لأنّ النّصّ لمّا دلّ على أنّه يجب أن تكون مدّة كونهم في النّار مساوية لمدّة بقاء السّماوات،و يمنع من حصول بقائهم في النّار بعد فناء السّماوات،ثمّ ثبت أنّه لا بدّ من فناء السّماوات،فعندها يلزمكم القول بانقطاع ذلك العقاب.و أمّا إن قلتم:هذا الكلام لا يمنع بقاء كونهم في النّار بعد فناء السّماوات و الأرض، فلا حاجة بكم إلى هذا الجواب البتّة،فثبت أنّ هذا الجواب على كلا التّقديرين ضائع.

و اعلم أنّ الجواب الحقّ عندي في هذا الباب شيء

ص: 352

آخر،و هو أنّ المعهود من الآية أنّه متى كانت السّماوات و الأرض دائمتين،كان كونهم في النّار باقيا،فهذا يقتضي أنّ كلّما حصل الشّرط حصل المشروط و لا يقتضي أنّه إذا عدم الشّرط يعدم المشروط؛أ لا ترى أنّا نقول:إن كان هذا إنسانا فهو حيوان؟

فإن قلنا:لكنّه إنسان فإنّه ينتج أنّه حيوان،أمّا إذا قلنا:لكنّه ليس بإنسان لم ينتج أنّه ليس بحيوان، لأنّه ثبت في علم المنطق أنّ استثناء نقيض المقدّم لا ينتج شيئا،فكذا هاهنا إذا قلنا:متى دامت السّماوات دام عقابهم،فإذا قلنا:لكنّ السّماوات دائمة،لزم أن يكون عقابهم حاصلا،أمّا إذا قلنا:لكنّه ما بقيت السّماوات،لم يلزم عدم دوام عقابهم.

فإن قالوا:فإذا كان العقاب حاصلا سواء بقيت السّماوات أو لم تبق،لم يبق لهذا التّشبيه فائدة؟

قلنا:بل فيه أعظم الفوائد،و هو أنّه يدلّ على نفاذ ذلك العذاب دهرا داهرا،و زمانا لا يحيط العقل بطوله و امتداده.فأمّا أنّه هل يحصل له آخر أم لا؟فذلك يستفاد من دلائل أخر.و هذا الجواب الّذي قرّرته جواب حقّ،و لكنّه إنّما يفهمه إنسان ألف شيئا من المعقولات.(18:63)

نحوه النّيسابوريّ.(12:64)

العكبريّ: ما دامَتِ: في موضع نصب،أي مدّة دوام السّماوات.و«دام»هنا تامّة.(2:714)

الرّازيّ:فإن قيل:كيف قال تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ، و أراد به بيان دوام الخلود،مع أنّ أهل الجنّة و أهل النّار مخلّدون فيهما خلودا لا نهاية له،و السّماوات و الأرض و دوامهما منقطع،لأنّهما يوم القيامة ينهدمان.قال اللّه تعالى: كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا الفجر:21، و قال تعالى: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ الانفطار:1، و قال تعالى: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ الأنبياء:104،و نظائره كثيرة ممّا يدلّ على خراب السّماوات و الأرض.

قلنا:للعرب في معنى الأبد ألفاظ تعبّر بها عن إرادة الدّوام دون التّأقيت منها،هذا،يقولون:لا أفعل كذا ما اختلف اللّيل و النّهار،و ما دامت السّماء و الأرض،و ما أطمّت الإبل،و يريدون بذلك:لا أفعله أبدا،مع قطع النّظر عن كون المؤقّت به له نهاية،أو لا نهاية له.

الثّاني:أنّه خاطبهم على معتقدهم أنّ السّماوات و الأرض لا تزول و لا تتغيّر.

الثّالث:أنّه أراد به كون الفريقين في قبورهم إمّا منعّمين أو معذّبين،كما جاء في الحديث«إنّ القبر إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار»،و من كان في روضة من رياض الجنّة فهو في الجنّة،و من كان في حفرة من حفر النّار فهو في النّار.فعلى هذا يكون المراد بالتّأقيت بدوام السّماوات و الأرض مدّة الخلود إلى يوم القيامة.

الرّابع:أنّ المراد بها سماوات الآخرة و أرضها،قال اللّه تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48،و تلك دائمة لا تزول

ص: 353

و لا تفنى،و لأنّه لا بدّ لأهل الجنّة ممّا يقلّهم و يظلّهم:إمّا سماء يخلقها اللّه تعالى،أو العرش،كما جاء في الأخبار:

أنّ أهل الجنّة تحت ظلّ العرش،و كلّ ما أظلّك فهو سماء.و جاء في الأخبار أيضا في صفة الجنّة:أنّ ترابها من زعفران،فدلّ أنّ لها أرضا،و المراد تلك السّماوات و تلك الأرض.(142)

القرطبيّ: ما دامَتِ في موضع نصب على الظّرف،أي دوام السّماوات و الأرض،و التّقدير:

وقت ذلك.[ثمّ نقل بعض الأقوال المتقدّمة](9:99)

نحوه أبو حيّان(5:263)،و البروسويّ(4:188).

البيضاويّ:ليس لارتباط دوامهم في النّار بدوامهما،فإنّ النّصوص دالّة على تأبيد دوامهم و انقطاع دوامهما،بل التّعبير عن التّأبيد و المبالغة بما كانت العرب يعبّرون به عنه على سبيل التّمثيل،و لو كان للارتباط،لم يلزم أيضا من زوال السّماوات و الأرض زوال عذابهم،و لا من دوامهما دوامه إلاّ من قبيل المفهوم،لأنّ دوامهما كالملزوم لدوامه،و قد عرفت أنّ المفهوم لا يقاوم المنطوق.

و قيل:المراد:سماوات الآخرة و أرضها،و يدلّ عليه قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48،و أنّ أهل الآخرة لا بدّ لهم من مظلّ و مقلّ.و فيه نظر،لأنّه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده و دوامه،و من عرفه فإنّما يعرفه بما يدلّ على دوام الثّواب و العقاب،فلا يجدي له التّشبيه.

(1:482)

ابن كثير:[نقل قول الطّبريّ و أضاف:]

قلت:و يحتمل أنّ المراد ب: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ الجنس،لأنّه لا بدّ في عالم الآخرة من سماوات و أرض،كما قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48.[ثمّ نقل أقوال ابن عبّاس،و الحسن،و ابن زيد](3:578)

أبو السّعود:أي مدّة دوامهما،و هذا التّوقيت عبارة عن التّأبيد و نفي الانقطاع،بناء على منهاج قول العرب:«ما دام تعار»و«ما أقام ثبير»و«ما لاح كوكب»و«ما اختلف اللّيل و النّهار»و«ما طما البحر»و غير ذلك من كلمات التّأبيد،لا تعليق قرارهم فيها بدوام هذه السّماوات و الأرض،فإنّ النّصوص القاطعة دالّة على تأبيد قرارهم فيها و انقطاع دوامهما.

و إن أريد التّعليق فالمراد:سماوات الآخرة و أرضها،كما يدلّ على ذلك النّصوص،كقوله تعالى:

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48،و قوله تعالى: وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ الزّمر:74،و جزم كلّ أحد بأنّ أهل الآخرة لا بدّ لهم من مظلّة و مقلّة دائمتين، يكفي في تعليق دوام قرارهم فيها بدوامهما،و لا حاجة إلى الوقوف على تفاصيل أحوالهما و كيفيّاتهما.

(3:352)

نحوه شبّر(3:248)،و القاسميّ(9:3486).

الآلوسيّ:[نقل قول الزّمخشريّ و ردّ البيضاويّ عليه و أضاف:]

و أجاب عنه صاحب«الكشف»بأنّه إذا أريد ما

ص: 354

يظلّهم و ما يقلّهم فهو ظاهر السّقوط،لأنّ هذا القدر معلوم الوجود لكلّ عاقل.و أمّا الدّوام فليس مستفادا من دليل دوام الثّواب و العقاب،بل ممّا يدلّ على دوام الجنّة و النّار.سواء عرف أنّهما دار الثّواب و العقاب، و أنّ أهلهما السّعداء و الأشقياء من النّاس،أولا.على أنّه ليس من تشبيه ما يعرف بما لا يعرف بل العكس، انتهى.

و تعقّبه الحلبيّ بأنّ قوله:«لكلّ عاقل»غير صحيح،فإنّه لا يعترف بذلك إلاّ المؤمنون بالآخرة.

و قوله:«الدّوام مستفاد ممّا يدلّ على دوام الجنّة و النّار»لا يدفع ما ذكره القاضي،لأنّه يريد أنّ المشبّه به ليس أعرف من المشبّه،لا عند المتديّن،لأنّه يعرف كليهما من قبل الأنبياء.عليهم السّلام و ليس فيه ما يوجب أعرفيّة دوام سماوات الآخرة و أرضها.

و ليس مراده أنّ دوامهما مستفاد من خصوص الدّليل الدّالّ على الثّواب و العقاب بعينه،فإنّه لا يهمّه ليمنع،و لا عند غير المتديّن،فإنّه لا يعترف به و لا بها و لا يعرفه.و قوله:«على أنّه ليس من تشبيه...»مبنيّ على أنّه تشبيه تلك الدّار بهذه الدّار، و ليس بذلك،و إنّما المراد التّشبيه الضّمنيّ لدوامهم بدوامهما.انتهى.

و فيه بحث،و الحقّ أنّ صحّة إرادة ذلك ممّا لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان،و في الأخبار عن ابن عبّاس و الحسن و السّدّيّ و غيرهم ما يقتضيه.و من تأمّل منصفا-بعد تسليم أنّ هناك تشبيها-يظهر له أنّ المشبّه به أعرف من المشبّه و أقرب إلى الذّهن،و اتّحاد طريق العلم بهما لا يضرّ في ذلك شيئا،بداهة أنّ ثبوت الحيّز أعرف و أقرب إلى الذّهن من ثبوت ما تحيّز فيه، و إن وردا من طريق السّمع،كما لا يخفى.على أنّ اشتراط كون المشبّه به أعرف في كلّ تشبيه،غير مسلّم عند النّاظر في المعاني.

نعم،المتبادر من اَلسَّماواتُ وَ الْأَرْضُ هذه الأجرام المعهودة عندنا،فالأولى أن تبقى على ظاهرها، و يجعل الكلام خارجا مخرج ما اعتادته العرب في محاوراتهم عند إرادة التّبعيد و التّأبيد،و هو أكثر من أن يحصى.و لعلّ هذا أولى أيضا ممّا في تفسير ابن كثير من حمل اَلسَّماواتُ وَ الْأَرْضُ على الجنس،الشّامل لما في الدّنيا و الآخرة،أي المظلّ و المقلّ في كلّ دار.

و في«الدّرر»أنّه يمكن أن يكون المراد:أنّهم خالدون بمقدار مدّة بقاء السّماوات و الأرض الّتي يعلم انقطاعها،ثمّ يزيدهم سبحانه على ذلك و يخلّدهم و يؤبّد مقامهم،و لعلّه أراد مدّة بقائهما منذ خلقهما اللّه تعالى إلى أن يبدّلهما،لا مدّة بقائهما بعد دخولهم النّار يوم القيامة،لأنّهما يبدّلان قبل دخولهم.و الآية على هذا من قبيل قوله سبحانه: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً النّبأ :23.(12:141)

ابن عاشور:و معنى: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ التّأبيد،لأنّه جرى مجرى المثل،و إلاّ فإنّ السّماوات و الأرض المعروفة تضمحلّ يومئذ،قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48،أو يراد سماوات الآخرة و أرضها.

(11:331)

ص: 355

الطّباطبائيّ:و قوله: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ نوع من التّقييد يفيد تأكيد الخلود، و المعنى:دائمين فيها دوام السّماوات و الأرض،لكنّ الآيات القرآنيّة ناصّة على أنّ السّماوات و الأرض لا تدوم دوام الأبد،و هي مع ذلك ناصّة على بقاء الجنّة و النّار بقاء لا إلى فناء و زوال.

و من الآيات النّاصّة على الأوّل قوله تعالى: ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى الاحقاف:3،و قوله: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنّا كُنّا فاعِلِينَ الأنبياء:104،و قوله:

وَ السَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ الزّمر:67،و قوله:

إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا* وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا * فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:4-6.

و منها في النّصّ على الثّاني قوله تعالى: جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً التّغابن:

9،و قوله: وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً الأحزاب:64،65.

و على هذا يشكل الأمر في الآيتين من جهتين:

إحداهما:تحديد الخلود المؤبّد بمدّة دوام السّماوات و الأرض،و هما غير مؤبّدتين لما مرّ من الآيات.

و ثانيتهما:تحديد الأمر الخالد الّذي تبتدئ من يوم القيامة،و هو كون الفريقين في الجنّة و النّار، و استقرارهما فيهما بما ينتهي أمد وجوده إلى يوم القيامة،و هو السّماوات و الأرض.و هذا الإشكال الثّاني أصعب من الأوّل،لأنّه وارد حتّى على من لا يرى الخلود في النّار أو في الجنّة و النّار معا،بخلاف الأوّل.

و الّذي يحسم الإشكال أنّه تعالى يذكر في كلامه أنّ في الآخرة أرضا و سماوات،و إن كانت غير ما في الدّنيا بوجه،قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ إبراهيم:48،و قال حاكيا عن أهل الجنّة: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ الزّمر:74، و قال يعد المؤمنين و يصفهم: أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:22.فللآخرة سماوات و أرض،كما أنّ فيها جنّة و نارا،و لهما أهلا،و قد وصف اللّه سبحانه الجميع بأنّها عنده،و قال: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ النّحل:96،فحكم بأنّها باقية غير فانية.

و تحديد بقاء الجنّة و النّار و أهلهما بمدّة دوام السّماوات و الأرض،إنّما هو من جهة أنّ السّماوات و الأرض مطلقا،و من حيث إنّهما سماوات و الأرض مؤبّدة غير فانية،و إنّما تفنى هذه السّماوات و الأرض الّتي في هذه الدّنيا على النّظام المشهود.و أمّا السّماوات الّتي تظلّ الجنّة مثلا و الأرض الّتي تقلّها و قد أشرقت بنور ربّها،فهي ثابتة غير زائلة،فالعالم لا يخلو منهما قطّ،و بذلك يندفع الإشكالان جميعا.

و قد أشار في«الكشّاف»إلى هذا الوجه إجمالا.

[ثمّ نقل كلامه]

و إن كان الوجه الّذي أشار إليه ثانيا سخيفا،لأنّه

ص: 356

إثبات للسّماء و الأرض من جهة الإضافة،و أنّ الجنّة و النّار لا بدّ أن يتصوّر لهما فوق و تحت،فيكون الجنّة و النّار أصلا و سماؤهما و أرضهما تبعين لهما في الوجود،و لازمه تحديد بقاء سمائهما و أرضهما بمدّة دوامها لا بالعكس،كما فعل في الآية؛على أنّ لازم هذا الوجه لزوم أن يتحقّق للجنّة و النّار أرض و سماء، و أمّا اَلسَّماواتُ بلفظ الجمع كما في الآية فلا، فيبقى الإشكال في السّماوات على حاله.

و بما تقدّم يندفع أيضا ما أورده عليه القاضي في تفسيره؛حيث قال:و فيه نظر،لأنّه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده و دوامه،و من عرفه فإنّما عرفه بما يدلّ على دوام الثّواب و العقاب:فلا يجدي له التّشبيه،انتهى.

و مراده:أنّ الآية تشبّه دوام الجنّة و النّار بأهلهما بدوام السّماوات و الأرض،فلو كان المراد بهما سماوات الآخرة و أرضها-و لا يعرف أكثر الخلق وجودها و دوامها-كان ذلك من تشبيه الأجلى بالأخفى،و هو غير جائز في الكلام البليغ.

و جوابه:أنّا إنّما عرفنا دوام الجنّة و النّار بأهلهما من كلامه تعالى،كما عرفنا وجود سماوات و أرض لهما،و كذا أبديّة الجميع من كلامه،فأيّ مانع من تحديد إحدى حقيقتين مكشوفتين من كلامه من حيث البقاء بالأخرى في كلامه،و إن كانت إحدى الحقيقتين أعرف عند النّاس من الأخرى،بعد ما كانت كلتاهما مأخوذتين من كلامه،لا من خارج.

و يندفع به أيضا ما ذكره الآلوسيّ في ذيل هذا البحث:أنّ المتبادر من اَلسَّماواتُ وَ الْأَرْضُ هذه الأجرام المعهودة عندنا،فالأولى أن يلتمس هناك وجه آخر غير هذا الوجه.انتهى ملخّصا.

وجه الاندفاع أنّ الآيات القرآنيّة إنّما تتّبع فهم أهل اللّسان في مفاهيمها الكلّيّة الّتي تعطيها اللّغة و العرف،و أمّا في مقاصدها و تشخيص المصاديق الّتي تجري عليها المفاهيم فلا،بل السّبيل المتّبع فيها هو التّدبّر الّذي أمر به اللّه سبحانه،و إرجاع المتشابه إلى المحكم،و عرض الآية على الآية،فإنّ القرآن يشهد بعضه على بعض،و ينطق بعضه ببعض،و يصدّق بعضه بعضا-كما في الرّوايات-فليس لنا إذا سمعناه تعالى يقول:إنّه واحد أحد أو عالم قادر حيّ مريد سميع بصير أو غير ذلك أن نحملها على ما هو المتبادر عند العرف من المصاديق،بل على ما يفسّرها نفس كلامه تعالى، و يكشفه التّدبّر البالغ من معانيها.و قد استوفينا هذا البحث في الكلام على المحكم و المتشابه في الجزء الثّالث من الكتاب.

و قد وردت في الرّوايات و في كلمات المفسّرين توجيهات أخرى للآية،نورد منها ما عثرنا عليه، و لكنّ الّذي أوردناه أوّلها.

الوجه الثّاني:أنّ المراد:سماوات الجنّة و النّار و أرضهما،أي ما يظلّهما و ما يقلّهما،فإنّ كلّ ما علاك و أظلّك فهو سماء،و ما استقرّت عليه قدمك فهو أرض،و بعبارة أخرى:المراد بهما ما هو فوقهما و ما تحتهما.

و هذا هو الوجه الّذي ذكره الزّمخشريّ في آخر

ص: 357

ما نقلناه من كلامه آنفا،و قد عرفت الإشكال فيه.

على أنّ هذا الوجه لا يفي لبيان السّبب في إيراد اَلسَّماواتُ في الآية بلفظ الجمع،كما تقدّم.

الوجه الثّالث:أنّ المراد:ما دامت الآخرة،و هي دائمة أبدا،كما أنّ دوام السّماء و الأرض في الدّنيا قدر مدّة بقائها.و لعلّ المراد أنّ قوله: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ موضوع وضع التّشبيه،كقولك:كلّمته تكليم المستهزئ الهازئ به،أي مثل تكليم من يستهزئ و يهزأ به.

و فيه:أنّه لو أريد بذلك التّشبيه-كما ذكرناه،- أفاد خلاف المقصود،أعني الانقطاع،و لو أريد غير ذلك لم يف بذلك اللّفظ.

الوجه الرّابع:أنّ المراد به التّبعيد و إفادة الأبديّة، لا أنّ المراد به التّحديد بمدّة بقاء السّماوات و الأرض بعينها،فإنّ للعرب ألفاظا كثيرة يستخدمونها في إفادة التّأبيد،من غير أن يريدوا بها المعاني الّتي تحت تلك الألفاظ،كقولهم:«الأمر كذا و كذا ما اختلف اللّيل و النّهار»و«ما ذرّ شارق»و«ما طلع نجم»و«ما هبّت نسيم»و«ما دامت السّماوات»و قد استراحوا إليها و إلى أشباهها ظنّا منهم أنّ هذه الأشياء دائمة باقية لا تبيد أبدا،ثمّ استعملوها كأنّها موضوعة للتّبعيد.

و فيه:أنّهم إنّما استعملوها في التّأبيد،و أكثروا منه،ظنّا منهم أنّ هذه الأمور دائمة مؤبّدة.و أمّا من يصرّح في كلامه بأنّها مؤجّلة الوجود منقطعة فانية و يعدّ الإيمان بذلك إحدى فرائض النّفوس،فلا يحسن منه وضعها في الكلام موضع التّأبيد بأيّ صورة تصوّرت.

كيف لا؟و قد قال تعالى: ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى الأحقاف:3،و كيف يصحّ مع ذلك أن يقال:إنّ الجنة و النّار خالدتان أبدا ما دامت السّماوات و الأرض.

الوجه الخامس:أن يكون المراد أنّهم خالدون بمدّة بقاء السّماوات و الأرض الّتي يعلم انقطاعها ثمّ يزيدهم اللّه سبحانه على ذلك و يخلّدهم و يؤبّد مقامهم،و هذا مثل أن يقال:هم خالدون كذا و كذا سنة،ثمّ يضيف تعالى إلى ذلك ما لا يتناهى من الزّمان، كما يقال في قوله تعالى: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً النّبأ:

23،أي أحقابا ثمّ يزادون على ذلك.

و فيه:أنّه على الظّاهر مبنيّ على استفادة بعض المدّة من قوله: ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ و البعض الآخر الّذي لا يتناهى من قوله: إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ، و دلالته على ذلك تتوقّف على تقدير أمور لا دلالة عليه من اللّفظ أصلا.

الوجه السّادس:أنّ المراد بالنّار و الجنّة:نار البرزخ و جنّتها،و هما خالدتان ما دامت السّماوات و الأرض،و إذا انتهت مدّة بقاء السّماوات و الأرض بقيام القيامة خرجوا منها لفصل القضاء في عرصات المحشر.

و فيه:أنّه خلاف سياق الآيات،فإنّ الآيات تفتتح بذكر يوم القيامة و توصيفها بما له من الأوصاف، و من المستبعد أن يشرع في البيان بذكر أنّه يوم مجموع

ص: 358

له النّاس،و أنّه يوم مشهود،و أنّه يوم إذا أتى لا تكلّم نفس إلاّ بإذنه،حتّى إذا اتّصل بأخصّ أوصافه و أوضحها،و هو الجزاء بالجنّة و النّار الخالدتين،عدل إلى ذكر ما في البرزخ من الجنّة و النّار الخالدتين إلى ظهور يوم القيامة المنقطعتين به.

على أنّ اللّه سبحانه يذكر عذاب أهل البرزخ بالعرض على النّار،لا بدخول النّار،قال تعالى:

وَ حاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ* اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:45،46.

الوجه السّابع:أنّ المراد بدخول النّار:الدّخول في ولاية الشيطان،و بالكون في الجنة:الكون في ولاية اللّه،فإنّ ولاية اللّه هي الّتي تظهر جنّة في الآخرة يتنعّم فيها السّعداء.

و ولاية الشّيطان هي الّتي تتصوّر بصورة النّار فتعذّب المجرمين يوم القيامة،كما تفيده الآيات الدّالّة على تجسّم الأعمال.

فالأشقياء بسبب شقائهم يدخلون النّار،و ربّما خرجوا منها إن أدركتهم العناية و التّوفيق،كالكافر يؤمن بعد كفره و المجرم يتوب عن إجرامه،و السّعداء يدخلون الجنّة بسعادتهم،و ربّما خرجوا منها إن أضلّهم الشّيطان،و أخلدوا إلى الأرض و اتّبعوا أهواءهم،كالمؤمن يرتدّ كافرا،و الصّالح يعود طالحا.

و فيه:ما أوردناه على سابقه،من كونه خلاف ما يظهر بمعونة السّياق،فإنّ الآيات تعد ما ليوم القيامة من الأوصاف الخالصة الهائلة المدهشة الّتي تذوب القلوب و تطير العقول باستماعها و التّفكّر فيها،لتنذر به أولو الاستكبار و الجحود من الكفّار،و يرتدع به أهل المعاصي و الذّنوب.

فيستبعد أن يذكر فيها إنّه يوم مجموع له النّاس و يوم مشهود و يوم لا تتكلّم فيه نفس إلاّ بإذنه،ثمّ يذكر أنّ الكفّار و أهل المعاصي في نار منذ كفروا و أجرموا إلى يوم القيامة،و أهل الإيمان و العمل الصّالح في جنّة منذ آمنوا و عملوا صالحا.فإنّ هذا البيان لا يلائم السّياق،أوّلا:من جهة أنّ الآيات تذكر أوصاف يوم القيامة الخاصّة به،لا ما قبله المنتهى إليه، و ثانيا:من جهة أنّ الآيات مسوقة للإنذار و التّبشير، و هؤلاء الكفّار و المجرمون أهل الاستكبار و الطّغيان لا يعبئون بمثل هذه الحقائق المستورة عن حواسّهم، و لا يرون لها قيمة،و لا ينتهون بالخوف من مثل هذه الشّقاوة،و الرّجاء،لمثل هذه السّعادة المعنويّة و هو ظاهر،نعم،هو معنى صحيح في نفسه في باطن القرآن.

(11:23)

حسنين مخلوف:أي مدّة دوامهما،و المقصود التّأبيد و نفي الانقطاع،على حدّ قول العرب:لا أفعل كذا ما اختلف اللّيل و النّهار،أو ما لاح كوكب.

(1:374)

عبد الكريم الخطيب:أي إنّهم يظلّون في هذا العذاب أبدا لا يتحوّلون عنه ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ و السّماوات باقية،و الأرض باقية.

فحياتهم فى النّار مرتبطة ببقاء السّماوات و الأرض.

فهل عندهم من حيلة ليبدّلوا هذا النّظام القائم؟

ص: 359

فليحاولوا إذن،و لينطحوا هذا الصّخر،إن كان فيهم بقيّة من قدرة،على أن يحرّكوا رءوسهم. إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ لا يملك أحد معه شيئا،و لا يستطيع أحد أن ينقض من حكمه شيئا.(6:1201)

مكارم الشّيرازيّ:[لاحظ:خ ل د:

«خالدين»].(7:61)

فضل اللّه:[نقل كلام الطّباطبائيّ:و قال:] نلاحظ أنّ ما استظهره العلاّمة الطّباطبائيّ من الآيات الّتي ادّعى دلالتها على فناء السّماوات و الأرض في عالم الدّنيا غير دقيق،لأنّ الآية الّتي تتحدّث عن تبديل الأرض ليست ظاهرة في تبدّل الحقيقة،بل يمكن أن يكون المقصود بها تبدّل الصّورة،و هذا ما يؤكّده الحديث عن تحوّل الجبال إلى قاع صفصف،كما أنّ الآية الّتي تتحدّث عن طيّ السّماء قريبة من هذه الصّورة.

أمّا الآية الّتي تتحدّث عن خلق السّماوات و الأرض بالحقّ و أجل مسمّى،فليس من الضّروريّ أن يكون الأجل المسمّى أجلا لهما،بل ربّما كان الملحوظ فيه-كما يرى بعض المفسّرين-المخلوقات الّتي تعيش عليها من خلال الحقّ الّذي يراد لها أن تتحرّك فيه،و من خلال الوقت الّذي وقّت لها.

و على كلّ حال،فليس هناك من دليل على وجود سماوات و أرض في عالم الآخرة غير ما هو في عالم الدّنيا،و لا دلالة في قوله تعالى: وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ الزّمر:74، فلعلّها تصلح دليلا على أنّ الجنّة في الأرض كما يستفيده البعض،أو على وراثة المؤمنين للأرض، و للجنّة الّتي يتحرّكون فيها بحرّيّة،و هكذا في آية تبدّل الأرض.

أمّا الحديث عن الخلود في دائرة دوام السّماوات و الأرض،فلا يفرض أن يكون هناك وقت محدّد لهما، بل يمكن أن يكون تعبيرا طبيعيّا عن ارتباط الجنّة و النّار بالمكان الّذي يوجدان فيه،تماما كما هو الأمر في حالة التّعليق بالمشيئة،كأسلوب من أساليب التّنوّع في التّعبير الإيحائيّ،للإيحاء بالعوامل المؤثّرة في امتداد الخلود في خطّ الأبد،و علاقته بطبيعة الأشياء الّتي لا تحمل في ذاتها عناصر الحتميّة إلاّ من خلال استكمال الشّروط الطّبيعيّة في الوجود،و الإرادة الإلهيّة في حركة الكون كلّه.و يبقى للآيات الأخرى الحديث عن طبيعة الواقع الفعليّ للشّروط،و عمّا تقتضيه المشيئة الإلهيّة من جهة أخرى،و ربّما كان هذا المقدار من البحث كافيا في استيضاح طبيعة المسألة في هذه الآية.(12:131)

ما داموا

قالُوا يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ.

المائدة:24

الطّبريّ: ما دامُوا فِيها يعنون ما كان الجبّارون مقيمين في تلك المدينة الّتي كتبها اللّه لهم و أمروا بدخولها.(4:521)

النّحّاس:أي ليس نقبل مشورة،فأعلم اللّه النّبيّ

ص: 360

صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ أهل الكتاب لم يزالوا يعصون الأنبياء،و أنّ له في ذلك أسوة.(2:289)

القيسيّ: ما دامُوا بدل من أَبَداً و هو بدل بعض من كلّ.(1:225)

نحوه العكبريّ(1:431)،و الشّربينيّ(1:367).

الزّمخشريّ: أَبَداً تعليق للنّفي المؤكّد بالدّهر المتطاول،و ما دامُوا فِيها بيان للأبد.

(1:604)

مثله النّسفيّ.(1:278)

الطّبرسيّ:أي ما دام الجبّارون.(2:180)

أبو البركات: أَبَداً منصوب،لأنّه ظرف زمان.

و(ما)في ما دامُوا ظرفيّة زمانيّة مصدريّة، و تقديره:لن ندخلها أبدا مدّة دوامهم فيها.

و ما دامُوا في موضع نصب على البدل،من قوله تعالى: أَبَداً، و هو بدل بعض من كلّ.(1:288)

نحوه أبو الفتوح(6:318)،و البيضاويّ(1:270).

الخازن:يعني مقيمين فيها.[أي مدينة](2:27)

أبو حيّان:لمّا كرّر عليهم أمر القتال كرّروا الامتناع،على سبيل التّوكيد بالمولّيين،و قيّدوا أوّلا نفي الدّخول بالظّرف المختصّ بالاستقبال و حقيقته التّأبيد،و قد يطلق على الزّمان المتطاول،فكأنّهم نفوا الدّخول طول الأبد،ثمّ رجعوا إلى تعليق ذلك بديمومة الجبّارين فيها،فأبدلوا زمانا مقيّدا من زمان هو ظاهر في العموم في الزّمان المستقبل،فهو بدل بعض من كلّ.

(3:456)

السّمين: ما دامُوا فِيها: (ما)مصدريّة ظرفيّة،و دامُوا صلتها،و هي«دام»النّاقصة، و خبرها الجارّ بعده.و هذا الظّرف بدل من أَبَداً، و هو بدل بعض من كلّ،لأنّ الأبد يعمّ الزّمن المستقبل كلّه،و دوام الجبّارين فيها بعضه.و ظاهر عبارة الزّمخشري يحتمل أن يكون بدل كلّ من كلّ،أو عطف بيان،و العطف قد يقع بين النّكرتين على كلام فيه تقدّم.

قال الزّمخشريّ: «أَبَداً تعليق للنّفي المؤكّدة بالدّهر المتطاول،و ما دامُوا فِيها بيان الأمر.»فهذه العبارة تحتمل أنّه بدل بعض من كلّ،لأنّ بدل البعض من الكلّ مبيّن للمراد،نحو:أكلت الرّغيف ثلثه.

و يحتمل أن يكون بدل من كلّ،فإنّه بيان أيضا للأوّل و إيضاح له،نحو:رأيت زيدا أخاك.و يحتمل أن يكون عطف بيان.(2:507)

أبو السّعود:أي في أرضهم،و هو بدل من أَبَداً بدل البعض أو عطف بيان.(2:257)

البروسويّ:أي في أرضهم،و هو بدل من أَبَداً بدل البعض،لأنّ الأبد يعمّ الزّمن المستقبل كلّه،و دوام الجبّارين فيها بعض منه.(2:376)

الآلوسيّ:أي في تلك الأرض،و هو بدل من أَبَداً بدل البعض.و قيل:بدل الكلّ من الكلّ،أو عطف بيان،لوقوعه بين النّكرتين.و مثله في الإبدال قوله:

و أكرم أخاك الدّهر ما دمتما معا

كفى بالممات فرقة و تنائيا

فإنّ قوله:«ما دمتما»بدل من الدّهر.(6:108)

ص: 361

القاسميّ: ما دامُوا، أي الجبابرة.(6:1935)

ما دمت

وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَ يَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.

آل عمران:75

ابن عبّاس:ملحّا متقاضيا و هو كعب و أصحابه.(50)

مجاهد:مواظبا.(الطّبريّ 3:315)

مثله الضّحّاك.(البغويّ 1:458)

الحسن:معناه:إلاّ أن تلازمه و تتقاضاه.

(الطّبرسيّ 1:462)

مثله ابن زيد.(الطّبرسيّ 1:462)

قتادة:إلاّ ما طلبته و أتبعته.(الطّبريّ 3:315)

مثله الشّوكانيّ.(1:449)

تقتضيه إيّاه.(الطّبريّ 3:315)

إلاّ أن تدوم قائما بالتّقاضي و المطالبة.

(الطّبرسيّ 1:462)

زيد بن عليّ:معناه:ملازما.(161)

السّدّيّ:يعترف بأمانته ما دمت قائما على رأسه، فإذا قمت ثمّ جئت تطلبه كافرك (1)الّذي يؤدّي و الّذي يجحد.(181)

بالاجتماع معه و الملازمة.(الطّبرسيّ 1:462)

الفرّاء:يقول:ما دمت له متقاضيا.(1:224)

أهل الحجاز يقولون:دمت و دمتم،و متّ و متّم.

و تميم يقولون:متّ و دمت بالكسر،و يجتمعون في «يفعل»يدوم و يموت.(ابن الجوزيّ 1:409)

أبو عبيدة:يقول:ما لم تفارقه.(1:97)

الأخفش:و قال تعالى: إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً لأنّها من دمت تدوم.و لغة للعرب:دمت،و هي قراءة مثل متّ تموت،جعله على فعل يفعل،فهذا قليل.

(1:411)

ابن قتيبة:أي مواظبا بالاقتضاء.و قد بيّنت هذا في باب المجاز.(106)

الطّبريّ:و اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:

إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ... .

فقال بعضهم:إلاّ ما دمت له متقاضيا.

و قال آخرون:معنى ذلك:إلاّ ما دمت قائما على رأسه.

و أولى القولين بتأويل الآية،قول من قال:معنى ذلك:إلاّ ما دمت عليه قائما بالمطالبة و الاقتضاء من قولهم:قام فلان بحقّي على فلان حتّى استخرجه لي، أي عمل في تخليصه،و سعى في استخراجه منه حتّى استخرجه،لأنّ اللّه عزّ و جلّ إنّما وصفهم باستحلالهم أموال الأمّيّين،و أنّ منهم من لا يقضي ما عليه إلاّ بالاقتضاء الشّديد و المطالبة.

و ليس القيام على رأس الّذي عليه الدّين، بموجب له النّقلة عمّا هو عليه من استحلال ما هو له

ص: 362


1- كافرك:كافره حقّه:جحده حقّه.

مستحلّ،و لكن قد يكون-مع استحلاله الذّهاب بما عليه لربّ الحقّ-إلى استخراجه السّبيل بالاقتضاء و المحاكمة و المخاصمة.فذلك الاقتضاء هو قيام ربّ المال باستخراج حقّه ممّن هو عليه.(3:315)

الزّجّاج:[نحو الأخفش و أضاف:]و يقال:قد ديم بفلان و أديم به،بمعنى دير به و أدير به،و هو الّذي به«دوام»كقولهم:به دوام كقولهم:به دوار.

و يقال:دام المال،إذا سكن يدوم فهو دائم؛و منه:

«نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يبال في الماء الدّائم»أي السّاكن.

و يقال قد دوّم الطّائر في الجوّ تدويما،و هو يصلح أن يكون من وجهين:من دورانه في طيرانه،و يصلح أن يكون من قلّة حركة جناحه،لأنّه يرى كأنّه ساكن الجناح.(1:433)

نحوه ابن عطيّة(1:458)،و أبو حيّان(2:498).

النّحّاس:أي مواظبا غير مقصّر،كما تقول:فلان قائم بعمله.(1:424)

الثّعلبيّ:قرأ يحيى و ثابت و الأعمش و طلحة بكسر الدّال،و الباقون بالضّمّ.من ضمّ فهو من دام يدوم،و من لغة العالية،و من كسر فله وجهان:

قال بعضهم:هو أيضا من دام يدوم إلاّ أنّه على وزن فعل يفعل،يقول:دمت تدوم مثل متّ تموت،قاله الأخفش.

و ليس في الأفعال الثّلاثيّة فعل يفعل بكسر العين في الماضي و ضمّها في الغابر من الصّحيح الآخر،فإنّ «فضل يفضل،و نعم ينعم»،و من المعتل متّ أموت و دمت أدوم،و هما لغة تميم.

قال أكثر العلماء:من دام (1)يدام فعل يفعل،مثل خاف يخاف،و هاب يهاب.(3:96)

نحوه القيسيّ.(1:146)

الماورديّ:فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها:[قول مجاهد و قتادة]

و الثّاني:بالملازمة.

و الثّالث:[قول السّدّيّ](1:403)

الطّوسيّ:[نحو الماورديّ و أضاف:]

و دمت و دمت لغتان مثل متّ و متّ.لكن من كسر الدّال و الميم قال في المستقبل:تدام و تمات،و هي لغة أزد السّراة،و من جاورهم.(2:504)

نحوه الطّبرسيّ(1:462)،و أبو الفتوح(4:392)، و القرطبيّ(4:117).

البغويّ:قال ابن عبّاس:ملحّا،يريد يقوم عليه يطالبه بالإلحاح.و قال الضّحّاك:مواظبا،أي تواظب عليه بالاقتضاء.قيل:أراد إن أودعته،ثمّ استرجعته -و أنت قائم على رأسه و لم تفارقه-ردّه إليك،فإن فارقته و أخّرته أنكره و لم يؤدّه.(1:458)

نحوه الشّربينيّ.(1:226)

الزّمخشريّ:إلاّ مدّة دوامك عليه يا صاحب الحقّ،قائما على رأسه متوكّلا عليه بالمطالبة و التّعنيف،أو بالرّفع إلى الحاكم و إقامة البيّنة عليه.

(1:438)

نحوه البيضاويّ(1:167).و النّسفيّ(1:164).!!

ص: 363


1- في الأصل:كدام.!!

الفخر الرّازيّ:أي دائما ثابتا في مطالبتك إيّاه بذلك المال.(8:108)

العكبريّ: إِلاّ ما دُمْتَ (ما)في موضع نصب على الظّرف،أي إلاّ مدّة دوامك.

و يجوز أن يكون حالا،لأنّ(ما)مصدريّة، و المصدر قد يقع حالا،و التّقدير:إلاّ في حال ملازمتك.و الجمهور على ضمّ الدّال،و ماضيه دام يدوم،مثل قال يقول.و يقرأ بكسر الدّال،و ماضيه دمت تدام،مثل خفت تخاف،و هي لغة.(1:272)

السّمين:قوله: إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً استثناء مفرّغ من الظّرف العامّ؛إذ التّقدير:لا يؤدّه إليك في جميع المدد و الأزمنة،إلاّ في مدّة دوامك قائما عليه متوكّلا به.و دُمْتَ هذه هي النّاقصة ترفع و تنصب،و شرط إعمالها أن يتقدّمها(ما)الظّرفيّة كهذه الآية؛إذ التّقدير:إلاّ مدّة دوامك،و لا ينصرف.

فأمّا قولهم:«يدوم»فمضارع دام التّامّة بمعنى بقي،و لكونها صلة ل(ما)الظّرفيّة،لزم أن تكون محتاجة إلى كلام آخر لتعمل في الظّرف،نحو:

لا أصحبك ما دمت باكيا،و لو قلت:ما دام زيد قائما من غير شيء،لم يكن كلاما.

و جوّز أبو البقاء في(ما)هذه أن تكون مصدريّة فقط،و ذلك المصدر المنسبك منها و من«دام»في محلّ نصب على الحال.و هو استثناء مفرّغ أيضا من الأحوال المقدّرة العامّة،و التّقدير:إلاّ في حال ملازمتك له.و على هذا فتكون«دام»هنا تامّة لما تقدّم من أنّ تقدّم الظّرفيّة شرط في إعمالها،و إذا كانت تامّة انتصب قائِماً على الحال.

و يقال:دام يدوم كقام يقوم،و دمت قائما بضمّ الفاء،و هذه لغة الحجاز.و تميم يقولون:دمت بكسرها،و بها قرأها أبو عبد الرّحمن و ابن وثّاب و الأعمش و طلحة و الفيّاض بن غزوان.

قال الفرّاء:و هذه لغة تميم،و يجتمعون في المضارع،فيقولون:يدوم،يعني أنّ الحجازيّين و التّميميّين اتّفقوا على أنّ المضارع مضموم العين، و كان قياس تميم أن تقول:يدام كخاف يخاف و مات يمات،فيكون وزنها عند الحجاز:فعل بفتح العين، و عند التّميميّين:فعل بكسرها،هذا نقل الفرّاء.

و أمّا غيره فنقل عن تميم أنّهم يقولون:دمت أدام كخفت أخاف،نقل ذلك أبو إسحاق و غيره، كالرّاغب الأصبهانيّ و أبي القاسم الزّمخشريّ.

و أصل هذه المادّة الدّلالة على الثّبوت و السّكون.[ثمّ أدام نحو ما تقدّم في اللّغة](2:142)

ابن كثير:أي بالمطالبة و الملازمة و الإلحاح في استخلاص حقّك.(2:58)

أبو السّعود:استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال أو الأوقات،أي لا يؤدّه إليك في حال من الأحوال أو في وقت من الأوقات،إلاّ في حال دوام قيامك،أو في وقت دوام قيامك على رأسه،مبالغا في مطالبته بالتّقاضي و إقامة البيّنة.(1:383)

مثله البروسويّ.(2:51)

شبّر:أي إلاّ أن تأخذه قبل المفارقة بالعنف.

(1:338)

ص: 364

الآلوسيّ:[نحو أبي السّعود و أضاف:]

و القيام مجاز عن المبالغة في المطالبة،و فسّره ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما بالإلحاح،و السّدّيّ بالملازمة و الاجتماع معه،و الحسن بالملازم و التّقاضى.[ثمّ ذكر القراءة.](3:202)

القاسميّ:بالمطالبة و التّرافع و إقامة البيّنة، فلا يبعد منه الخيانة مع اللّه بكتمان ما أمر بإظهاره، طمعا في إبقاء الرّئاسة و الرّشا عليه.(4:867)

ابن عاشور:(ما)من قوله: إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً حرف مصدريّ يصير الفعل بعده في تأويل مصدر،و يكثر أن يقدّر معها اسم زمان ملتزم حذفه، يدلّ عليه سياق الكلام،فحينئذ يقال:(ما)ظرفيّة مصدريّة.و ليست الظّرفيّة مدلولها بالأصالة،و لا هي نائبة عن الظّرف،و لكنّها مستفادة من موقع(ما)في سياق كلام يؤذن بالزّمان،و يكثر ذلك في دخول(ما) على الفعل المتصرّف من مادّة«دام»و مرادفها.

و(ما)في هذه الآية كذلك،فالمعنى:لا يؤدّه إليك إلاّ في مدّة دوام قيامك عليه،أي إلحاحك عليه.

و الدّوام حقيقته استمرار الفعل،و هو هنا مجاز في طول المدّة،لتعذّر المعنى الحقيقيّ،مع وجود أداة الاستثناء، لأنّه إذا انتهى العمر لم يحصل الإلحاح بعد الموت.

و الاستثناء من قوله: إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً يجوز أن يكون استثناء مفرّغا من أوقات يدلّ عليها موقع(ما)،و التّقدير:لا يؤدّه إليك في جميع الأزمان إلاّ زمانا تدوم عليه فيه قائما،فيكون ما بعد(الاّ) نصبا على الظّرف.و يجوز أن يكون مفرّغا من مصادر يدلّ عليها معنى(ما)المصدريّة،فيكون ما بعده منصوبا على الحال،لأنّ المصدر يقع حالا.(3:133)

مكارم الشّيرازيّ:إنّ تعبير إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً أي واقفا و مسيطرا،يشير إلى مبدإ أصيل في نفسيّة اليهود،فكثير منهم لا يجدون أنفسهم ملزمين بردّ حقّ إلاّ بالقوّة.ليس أمام المسلمين لاسترجاع حقوقهم منهم سوى هذا السّبيل،سبيل السّعي للحصول على القوّة الّتي تجعلهم يردّون حقوقهم.

إنّ الحوادث الّتي جرت في الشّرق الأوسط خلال السّنوات الأخيرة،أثبتت بما لا يدع مجالا للشّكّ،أنّ القرارات الدّوليّة و الرّأي العامّ العالميّ،و قضايا الحقّ و العدالة و أمثالها،لا قيمة لها في نظر الصّهاينة و لا معنى،و ما من شيء يحملهم على الخضوع للحقّ سوى القوّة.و هذه من المسائل الّتي تنبّأ بها القرآن.

(2:421)

آيتان مريم:31،و المائدة:96،لاحظ:ح ي ي:

«حيّا».و:ص ي د:«صيد».

دائم

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ عُقْبَى الْكافِرِينَ النّارُ. الرّعد:35

ابن عبّاس:ثمرها دائم لا يفنى.(209)

نحوه الثّعلبيّ.(5:295)

الحسن:إنّ ثمارها لا تنقطع،كما تنقطع ثمار الدّنيا في غير أزمنتها.(الطّوسيّ 6:260)

ص: 365

الطّبريّ:يعني ما يؤكل فيها.يقول:هو دائم لأهلها،لا ينقطع عنهم،و لا يزول و لا يبيد،و لكنّه ثابت إلى غير نهاية.(7:396)

الماورديّ:فيه وجهان:

أحدهما:ثمرها غير منقطع،قاله القاسم بن يحيى.

الثّاني:لذّتها في الأفواه باقية،قاله إبراهيم التّيميّ.

و يحتمل ثالثا:لا تملّ من شبع،و لا مرباد (1)لمجاعة.

(3:115)

نحوه أبو حيّان.(5:395)

الطّوسيّ:قيل:في معناه قولان:

أحدها:[قول الحسن]

الثّانيّ:النّعيم به لا ينقطع بموت،و لا بغيره من الآفات.(6:260)

نحوه الطّبرسيّ.(3:296)

القشيريّ:أي إنّ اللّذّات فيها متّصلة.و إنّما لهم جنّات معجّلة و مؤجّلة،فالمؤجّلة ما ذكره اللّه سبحانه في نصّ القرآن،و المعجّلة جنّة الوقت.و الدّرجات -من حيث البسط-فيها متّصلة،و نفحات الأنس لأربابها لا مقطوعة و لا ممنوعة.(3:232)

الميبديّ:لا ينقطع و لا يفنى،كقوله: لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ الواقعة:33، وَ ظِلُّها ظليل،كقوله:

وَ لا تَضْحى طه:119،و لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً الدّهر:13

قال مالك بن أنس:«ليس فى الدّنيا شيء يشبه ثمر الجنّة إلاّ الموز،فإنّه يوجد صيفا و شتاء».

و قيل: أُكُلُها دائِمٌ لا ينقطع بالموت و البلى وَ ظِلُّها دائم لا تنسخه الشّمس،و إنّما يستضيء أهل الجنّة بنور لا حرّ معه و لا برد.و هذه الآية ردّ على الجهميّة؛حيث قالوا:إنّ نعيم الجنّة يفنى.(5:203).

نحوه القرطبيّ(9:325)،و المراغيّ(13:111).

الزّمخشريّ:كقوله: لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ الواقعة:33، وَ ظِلُّها دائم لا ينسخ كما ينسخ في الدّنيا بالشّمس.(2:362)

نحوه البيضاويّ(1:522)،و الشّربينيّ(2:162)، و أبو السّعود(3:462)،و شبّر(3:339)، و الشّوكانيّ(3:107).

الفخر الرّازيّ:و اعلم أنّ قوله: أُكُلُها دائِمٌ فيه مسائل ثلاث:

المسألة الأولى:أنّه يدلّ على أنّ أكل الجنّة لا تفنى كما يحكى عن جهم و أتباعه.

المسألة الثّانية:أنّه يدلّ على أنّ حركات أهل الجنّة لا تنتهي إلى سكون دائم،كما يقوله أبو الهذيل و أتباعه.

المسألة الثّالثة:قال القاضي:هذه الآية تدلّ على أنّ الجنّة لم تخلق بعد،لأنّها لو كانت مخلوقة لوجب أن تفنى و أن ينقطع أكلها،لقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرّحمن:26،و كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ القصص:88،لكن لا ينقطع أكلها،لقوله تعالى:

أُكُلُها دائِمٌ، فوجب أن لا تكون الجنّة مخلوقة.ثمّ».

ص: 366


1- جاء في الهامش:بحث طويل منها:لعلّ الصّحيح هنا هي«لا يزداد أو لا يزاد».

قال:فلا ننكر أن يحصل الآن في السّماوات جنّات كثيرة يتمتّع بها الملائكة و من يعدّ حيّا من الأنبياء و الشّهداء و غيرهم-على ما روي في ذلك-إلاّ أنّ الّذي نذهب إليه:أنّ جنّة الخلد خاصّة إنّما تخلق بعد الإعادة.

و الجواب:أنّ دليلهم مركّب من آيتين:أحدهما:

قوله: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ، و الأخرى:قوله:

أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها فإذا أدخلنا التّخصيص في أحد هذين العمومين سقط دليلهم،فنحن نخصّص أحد هذين العمومين بالدّلائل الدّالّة على أنّ الجنّة مخلوقة،و هو قوله تعالى: وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ آل عمران:133.(19:59)

نحوه النّيسابوريّ(13:92)،و الخازن(4:21).

ابن كثير:أي فيها الفواكه و المطاعم و المشارب، لا انقطاع و لا فناء.[ثمّ استند بالرّوايات](4:98)

البروسويّ:قال في«الكواشي»ما يؤكل فيها دائِمٌ لا ينقطع و لا يمنع منه،بخلاف ثمر الدّنيا، وَ ظِلُّها أي و ظلّها دائم لا ينسخ في الدّنيا بالشّمس، لأنّه لا شمس في الجنّة و لا حرّ و لا برد.فالمراد بدوام الظّل:دوام الاستراحة،و انّما عبّر عنه به لندرة الظّلّ عند العرب،و فيه معظم استراحاتهم في أرضهم.

و المراد بدوام الأكل:الدّوام بالنّوع لا الدّوام بالجزء و الشّخص،فإنّه إذا فنى منه شيء جيء ببدله.و هذا لا ينافي الهلاك لحظة،كما قال تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ على أنّ دوامه مضاف إلى ما بعد دخول الجنّة،كما يقتضيه سوق الكلام.فهلاكه لحظة عند هلاك كلّ شيء قبل الدّخول،لا ينافي وجوده و بقاءه بعده.[إلى أن قال:]

أُكُلُها دائِمٌ و هي مشاهدات الجمال و مكاشفات الجلال، وَ ظِلُّها أي و هم في ظلّ هذه المقامات و الأحوال الّتي هي من وجوده لا من شمس وجودهم على الدّوام؛بحيث لا تزول أبدا.(4:381)

الآلوسي:و الظّاهر:أنّ المراد من«الأكل»:ما يؤكل فيها،و معنى دوامه:أنّه لا ينقطع أبدا.و قال إبراهيم التّيميّ:«إنّ لذّته دائمة لا تزاد بجوع و لا تملّ بشبع»و هو خلاف الظّاهر.[إلى أن ذكر كلام القاضي و إيراد الفخر الرّازي عليه و أضاف:]

و يرد على الاستدلال أنّه مشترك الإلزام؛إذ «الشّيء»في قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ القصص:88،الموجود مطلقا،كما في قوله تعالى:

اَللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ الزّمر:62، وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ البقرة:29.و المعنى:أنّ كلّ ما يوجد في وقت من الأوقات يصير هالكا بعد وجوده،فيصحّ أن يقال:

لو وجدت الجنّة في وقت لوجب هلاك أكلها تحقيقا للعموم،لكن هلاكه باطل،لقوله تعالى: أُكُلُها دائِمٌ، فوجودها في وقت من الأوقات باطل.

و أجيب بأنّه لعلّ المراد من«الشّيء»:الموجود في الدّنيا،فإنّها دار الفناء،دون الموجود في الآخرة، فإنّها دار البقاء،و هذا كاف في عدم اشتراك الإلزام.

و فيه:أنّه إن أريد أنّ معنى«الشّيء»هو الموجود في الدّنيا،فهو ظاهر البطلان،و إن أريد أنّ المراد ذلك بقرينة كونه محكوما عليه بالهلاك،و هو إنّما يكون في

ص: 367

الدّنيا،لأنّها دار الفناء،فنقول:إنّه تخصيص بالقرينة اللّفظيّة،فنحن نخصّصه بغير الجنّة،لقوله تعالى:

أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ و أُكُلُها دائِمٌ فلا يتمّ الاستدلال.

و أجاب غير الإمام:بأنّ المراد هو الدّوام العرفيّ، و هو عدم طريان العدم زمانا يقيّد به،و هذا لا ينافي طريان العدم عليه و انقطاعه لحظة،على أنّ الهلاك لا يستلزم الفناء،بل يكفي فيه الخروج عن الانتفاع المقصود،و لو سلّم يجوز أن يكون المراد أنّ كلّ ممكن فهو هالك في حدّ ذاته،بمعنى أنّ الوجود الإمكانيّ بالنّظر إلى الوجود الواجبيّ بمنزلة العدم.

و قيل في الجواب أيضا:إنّ المراد بالدّوام:المعنى الحقيقيّ،أعني عدم طريان العدم مطلقا،و المراد بدوام الأكل:دوام النّوع،و بالهلاك هلاك الأشخاص.و يجوز أن لا ينقطع النّوع أصلا مع هلاك الأشخاص،بأن يكون هلاك كلّ شخص معيّن من الأكل بعد وجود مثله.و هذا مبنيّ على ما ذهب إليه الأكثرون من أنّ الجنّة لا يطرأ عليها العدم و لو لحظة،و أمّا على ما قيل:

من جريانه عليها لحظة فلا يتمّ،لأنّه يلزم منه انقطاع النّوع قطعا،كما لا يخفى.(13:163)

ابن عاشور:و جملة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خبر عن مَثَلُ باعتبار أنّها من أحوال المضاف إليه،فهي من أحوال المضاف،لشدّة الملابسة بين المتضايفين،كما يقال:صفة زيد أسمر.و جملة أُكُلُها دائِمٌ خبر ثان،و«الأكل»بالضّمّ:المأكول،و تقدّم.

و دوام الظّلّ كناية عن التفاف الأشجار؛بحيث لا فراغ بينها تنفذ منه الشّمس،كما قال تعالى:

وَ جَنّاتٍ أَلْفافاً النّبأ:16،و ذلك من محامد الجنّات و ملاذّها.(12:196)

مكارم الشّيرازيّ: أُكُلُها دائِمٌ فهي ليست كفاكهة الدّنيا فصليّة و تظهر في وقت معيّن من السّنة، بل في بعض الأحيان،و بسبب الآفات الزّراعيّة تنقطع تماما،لكن ثمار الجنّة ليست فصليّة و لا موسميّة و غير مصابة بآفة،بل كإيمان المؤمنين المخلصين دائمة و ثابتة.(7:372)

فضل اللّه: أُكُلُها دائِمٌ لا ينقطع في أيّ مكان منها و في أيّ فصل من الفصول،فيمكن لهم أن يأكلوا من ثمارها كلّ حين، وَ ظِلُّها دائم لكثافة أوراق أشجارها و استمراريّتها على مدى الزّمن،أو لحالة أخرى لا يعلمها إلاّ اللّه.(13:63)

دائمون

اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ. المعارج:23

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أحبّ الأعمال إلى اللّه أدومها و إن قلّ».(ابن كثير 7:117)

ابن مسعود:يحافظون على مواقيت الفرض منها.(الماورديّ 6:95)

مثله ابن مسروق و النّخعيّ(ابن كثير 7:117)، و نحوه الميبديّ(10:228)،و القرطبيّ(18:291).

الدّوام:صلاتها لوقتها،و تركها كفر.

(ابن عطيّة 5:368)

الإمام عليّ عليه السّلام:«الّذين يقضون ما فاتهم من

ص: 368

اللّيل بالنّهار،و ما فاتهم من النّهار باللّيل».

(الكاشانيّ 5:227)

عائشة:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا عمل عملا داوم عليه.(ابن كثير 7:117)

ابن عبّاس:يديمون عليها باللّيل و النّهار، فلا يدعونها.(485)

النّخعيّ:المكتوبة.

الصّلوات الخمس.(الطّبريّ 12:235)

الحسن:يكثرون فعل التّطوّع منها.

(القرطبيّ 18:291

الإمام الباقر عليه السّلام:إذا فرض على نفسه شيئا من النّوافل دام عليه.(القمّيّ 2:386)

مثله ابن جريج.(الماورديّ 6:95)

ابن عامر:هم الّذين إذا صلّوا لم يلتفتوا خلفهم، و لا عن أيمانهم،و لا عن شمائلهم.(الطّبريّ 12:235)

المراد بالدّوام هاهنا:السّكون و الخشوع.

(ابن كثير 7:117)

قتادة:ذكر لنا أنّ دانيال عليه السّلام نعت أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال:يصلّون صلاة لو صلاّها قوم نوح ما غرقوا،أو عاد ما أرسلت عليهم الرّيح العقيم،أو ثمود ما أخذتهم الصّيحة،فعليكم بالصّلاة فإنّها خلق للمؤمنين حسن.

(ابن كثير 7:117)

زيد بن عليّ:معناه:الصّلاة المكتوبات يدومون على أدائها في مواقيتها.(434)

نحوه النّيسابوريّ.(29:50)

الطّبريّ:يقول:إلاّ الّذين يطيعون اللّه بأداء ما افترض عليهم من الصّلاة،و هم على أداء ذلك مقيمون لا يضيّعون منها شيئا،فإنّ أولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعا،و هو مع ذلك بربّه كافر لا يصلّي للّه.(12:234)

الزّجّاج:يعني به المحافظين على الصّلاة المكتوبة.

و يجوز أن يكون الّذين لا يزيلون وجوههم عن سمت القبلة و لا يلتفتون؛فيكون اشتقاقه من الدّائم و هو السّاكن،كما جاء النّهي عن البول في الماء الدّائم.

(5:222)

الإسكافيّ:أي الّذين يؤدّون الصّلاة و يقيمونها و يديمونها.(498)

الطّوسيّ:و معناه:الّذين يستمرّون على أداء الصّلاة الّتي أوجبها اللّه عليهم،لا يخلون بها و لا يتركونها.(10:122)

نحوه الطّبرسيّ.(5:356)

القشيريّ:يلازمون أبدا مواطن الافتقار،من صلي بالمكان.(6:199)

الواحديّ:يقيمونها في أوقاتها،لا يدعونها باللّيل و النّهار،يعني المكتوبة.(4:353)

نحوه البغويّ.(5:153)

الزّمخشريّ:فإن قلت:كيف قال: عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ المعارج:23،ثمّ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ؟ المعارج:34.

قلت:معنى دوامهم عليها:أن يواظبوا على أدائها لا يخلون بها،و لا يشتغلون عنها بشيء من الشّواغل، كما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،«أفضل العمل أدومه و إن قلّ»،

ص: 369

و قول عائشة:«كان عمله ديمة».

و محافظتهم عليها:أن يراعوا إسباغ الوضوء لها و مواقيتها،و يقيموا أركانها و يكملوها بسننها و آدابها،و يحفظوها من الإحباط باقتراف المآثم.

فالدّوام يرجع إلى نفس الصّلوات،و المحافظة إلى أحوالها.(4:159)

ابن عطيّة:قال الجمهور:المعنى مواظبون قائمون لا يملّون في وقت من الأوقات فيتركونها.و هذا في المكتوب،و أمّا النّافلة فالدّوام عليها:الإكثار منها بحسب الطّاقة،و قد قال عليه السّلام:«أحبّ العمل إلى اللّه ما داوم عليه صاحبه».(5:368)

الفخر الرّازيّ:فإن قيل:قال: عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ثمّ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ المعارج:

34.

قلنا:معنى دوامهم عليها:أن لا يتركوها في شيء من الأوقات،و محافظتهم عليها:ترجع إلى الاهتمام بحالها حتّى يؤتى بها على أكمل الوجوه.و هذا الاهتمام إنّما يحصل تارة بأمور سابقة على الصّلاة، و تارة بأمور لاحقة بها،و تارة بأمور متراخية عنها.

أمّا الأمور السّابقة فهو أن يكون قبل دخول وقتها متعلّق القلب بدخول أوقاتها،و متعلّق بالوضوء، و ستر العورة و طلب القبلة،و وجدان الثّوب و المكان الطّاهرين،و الإتيان بالصّلاة في الجماعة،و في المساجد المباركة،و أن يجتهد قبل الدّخول في الصّلاة في تفريغ القلب عن الوساوس و الالتفات إلى ما سوى اللّه تعالى،و أن يبالغ في الاحتراز عن الرّياء و السّمعة.

و أمّا الأمور المقارنة فهو أن لا يلتفت يمينا و لا شمالا،و أن يكون حاضر القلب عند القراءة،فاهما للأذكار،مطّلعا على حكم الصّلاة.

و أمّا الأمور المتراخية فهي أن لا يشتغل بعد إقامة الصّلاة باللّغو و اللّهو و اللّعب،و أن يحترز كلّ الاحتراز عن الإتيان بعدها بشيء من المعاصي.

(30:129)

ابن عربيّ:فإنّ المشاهدة صلاة الرّوح،غابوا في دوام مشاهدتهم عن النّفس و صفاتها،و عن كلّ ما سوى مشهودهم.(2:700)

الرّازيّ:[نحو الزّمخشريّ ثمّ ذكر قول الزّجّاج و ردّ عليه بقوله:]

و قوله:(على)ينفي هذا المعنى،فإنّه لا يقال:هو على صلاته ساكن بل يقال:هو في صلاته ساكن.

(مسائل الرّازيّ:355)

البيضاويّ:لا يشغلهم عنها شاغل.(2:504)

مثله أبو السّعود.(6:302)

الخازن:أي يقيمونها في أوقاتها،و هي الفرائض.

[ثمّ قال نحو الفخر الرّازيّ](7:126)

أبو حيّان:[ذكر قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

أقول:إنّ الدّيمومة على الشّيء و المحافظة عليه شيء واحد،لكنّه لمّا كانت الصّلاة هي عمود الإسلام بولغ في التّوكيد فيها،فذكرت أوّل خصال الإسلام المذكورة في هذه السّورة و آخرها،ليعلم مرتبتها في الأركان الّتي بني الإسلام عليها.(8:335)

الشّربينيّ:أي لا فتور لهم عنها و لا انفكاك لهم

ص: 370

منها.[ثمّ ذكر بعض الأقوال.و نحو الفخر الرّازيّ]

(4:384)

البروسويّ:لا يشغلهم عنها شاغل فيواظبون على أدائها.[ثمّ استند بالرّوايات العديدة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى أن قال:]

و كان آخر ما أوصى به عليه السّلام:«الصّلاة و ما ملكت أيمانكم».و في الآية إشارة إلى صلاة النّفس،و هي التّزكية عن المخالفات الشّرعيّة،و صلاة القلب،و هى التّصفية عن الميل إلى الدّنيا و شهواتها و زخارفها، و صلاة السّرّ،و هي التّخلية عن الرّكون إلى المقامات العليّة و المراتب السّنيّة،و صلاة الرّوح،و هي بالمكاشفات الرّبّانيّة و المشاهدات الرّحمانيّة و المعاينات الحقّانيّة،و صلاة الخفيّ،و هي بالفناء في الحقّ و البقاء به،فالكمّل يداومون على هذه الصّلوات.(10:164)

الشّوكانيّ:أي لا يشغلهم عنها شاغل، و لا يصرفهم عنها صارف،و ليس المراد بالدّوام أنّهم يصلّون أبدا.[ثمّ نقل أقوال المتقدّمين إلى أن قال:]

و المراد بالآية جميع المؤمنين،و قيل:الصّحابة خاصّة،و لا وجه لهذا التّخصيص لاتّصاف كلّ مؤمن بأنّه من المصلّين.(5:358)

الآلوسيّ:أي مواظبون على أدائها،لا يخلون بها و لا يشتغلون عنها بشيء من الشّواغل،و فيه إشارة إلى فضل المداومة على العبادة.(29:62)

القاسميّ:أي مقيمون،لا يضيّعون منها شيئا.

(16:5929)

المراغيّ:أي إنّ الإنسان بطبعه متّصف بصفات الذّمّ،خليق بالمقت إلاّ من عصمهم اللّه و وفّقهم، فهداهم إلى الخير و يسرّ لهم أسبابه،و هم المصلّون الّذين يحافظون على الصّلوات في أوقاتها،لا يشغلهم عنها شيء من الشّواغل.و في هذا إيماء إلى فضيلة المداومة على العبادة.(29:71)

سيّد قطب:و صفة الدّوام الّتي يخصّصها بها هنا اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ تعطي صورة الاستقرار و الاستطراد،فهي صلاة لا يقطعها التّرك و الإهمال و الكسل،و هي صلة باللّه مستمرّة غير منقطعة،و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا عمل شيئا من العبادة أثبته-أي داوم عليه-و كان يقول:«و إنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه تعالى ما دام و إن قلّ»لملاحظة صفة الاطمئنان و الاستقرار و الثّبات على الاتّصال باللّه كما ينبغي من الاحترام لهذا الاتّصال،فليس هو لعبة توصل أو تقطع،حسب المزاج.(6:3699)

ابن عاشور:أي مواظبون على صلاتهم، لا يتخلّفون عن أدائها و لا يتركونها.و الدّوام على الشّيء:عدم تركه؛و ذلك في كلّ عمل بحسب ما يعتبر دواما فيه،كما تقرّر في أصول الفقه في مسألة إفادة الأمر التّكرار.

و في إضافة(صلاة)إلى ضمير«المصلّين» تنويه باختصاصها بهم،و هذا الوصف للمسلمين مقابل وصف الكافرين في قوله: بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ المعارج:1،2.

و مجيء الصّلة جملة اسميّة دون أن يقال:الّذين

ص: 371

يدومون،لقصد إفادتها الثّبات تقوية كمفاد الدّوام.

و إعادة اسم الموصول مع الصّلات المعطوفة على قوله: اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ لمزيد العناية بأصحاب تلك الصّلات.(29:159)

الطّباطبائيّ:في إضافة«الصّلاة»إلى الضّمير دلالة على أنّهم مداومون على ما يأتون به من الصّلاة كائنة ما كانت،لا أنّهم دائما في الصّلاة.و فيه إشارة إلى أنّ العمل إنّما يكمل أثره بالمداومة.(20:15)

مكارم الشّيرازيّ:هذا هي الخصوصيّة الأولى لهم،و أنّهم مرتبطون باللّه بشكل دائم،و هذه الرّابطة تتوثّق بالصّلاة،الصّلاة الّتي تنهى عن الفحشاء و المنكر،و الصّلاة الّتي تربّي روح الإنسان و تذكّره دائما باللّه تعالى.و السّير بهذا الاتّجاه سوف يمنعه من الغفلة و الغرور،و الغرق في بحر الشّهوات،و الوقوع في قبضة الشّيطان و هوى النّفس.

و من الطّبيعيّ أنّ المراد من الإدامة على الصّلاة ليس أن يكون دائما في حال الصّلاة،بل هو المحافظة على أوقات الصّلاة المعيّنة.

من المعروف أنّ كلّ عمل جيّد يقوم به الإنسان إنّما يترك فيه أثرا صالحا فيما لو كان مستديما،و لهذا نقرأ في الحديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«إنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه ما دام و إن قلّ».

و نلاحظ في حديث عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال:

«إذا فرض على نفسه شيئا من النّوافل دام عليه».

و ورد في حديث عنه عليه السّلام أنّه قال:«هذه الآية تعني النّافلة،آية: عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ -و الّتي تأتي فيما بعد-تعني صلاة الفريضة».

و تجوز هذه المراعاة هنا؛إذ أنّ التّعبير ب«المحافظة» هو ما يناسب الصّلاة الواجبة،و الّتي يجب المحافظة على أوقاتها المعيّنة،و أمّا التّعبير ب«المداومة»فهو ما يناسب الصّلاة المستحبّة؛و ذلك بأنّ الإنسان يمكنه الإتيان بها أحيانا و تركها أحيانا أخرى.(19:26)

فضل اللّه:و هذا ما جعل استثناء المصلّين في قوله تعالى: إِلاَّ الْمُصَلِّينَ أمرا طبيعيّا،من خلال ما ترمز إليه الصّلاة في حياة الإنسان المؤمن،من إيمان باللّه، و ثقة به،و توكّل عليه،و استسلام له،و انفتاح على معنى العبوديّة في ذاته،في ما يؤكّده ذلك من إحساس بمعنى الحرّيّة الإنسانيّة أمام الكون كلّه،لأنّه يتساوي معه في كونه مخلوقا للّه تعالى.

و في ضوء ذلك،يمكن للقيم الرّوحيّة الإنسانيّة في جانبها العمليّ أن تؤثّر إيجابيّا في شعوره بالقوّة و حركة الخير و العطاء في حياته،من خلال الإيمان بأنّ اللّه يرعاه في نقاط ضعفه و قوّته،و أنّه يعوّض عليه كلّ ما يقدّمه للآخرين من ماله.و هذه هي الصّفات الّتي يمكن أن يتّصف بها المصلّون في حركتهم الأخلاقيّة العمليّة الّتي ترتفع بهم إلى مستوى الإنسانيّة القريبة من اللّه سبحانه. اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ فلا يهملونها و لا يتهاونون بها و لا يتركونها،لأنّها تمثّل مسئوليّتهم الرّوحيّة بما تمثّله من العروج الرّوحي إلى اللّه،ممّا يؤدّي إلى الشّعور بالحضور الدّائم للّه في وعيهم العقيديّ،فيدفعهم ذلك إلى الانضباط و الالتزام العمليّ،و إلى الشّعور بالقوّة

ص: 372

المنفتحة على اللّه.(23:104)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّيمة:المطر،يكون مع سكون؛و الجمع:ديم،يقال:أرض مديمة و مديّمة،أي أصابها الدّيم،و دامت السّماء تديم ديما،و دوّمت و ديّمت،و ما زالت السّماء دوما دوما و ديما ديما:

دائمة المطر.

و المدام:المطر الدّائم.

و منه:دام الشّيء يدوم و يدام دوما و دواما و ديمومة:سكن.يقال:دام البحر،أي سكن.

و أدام الشّيء و استدامه:تأنّى فيه،و استدمت الأمر،إذا تأنّيت فيه،و استدم ما عند فلان:انتظره و ارقبه.

و المداومة على الأمر:المواظبة عليه.

و المدام و المدامة:الخمر،لإدامتها في الدّنّ زمانا حتّى سكنت بعد ما فارت.

و الدّيّوم:الدّائم،و نحوه الدّوم؛يقال:ظلّ دوم، و ماء دوم،أي دائم.

و دوّم الطّائر و استدام،إذا سكّن جناحيه كطيران الحدإ و الرّخم.

و دوّمت القدر،إذا سكّنت غليانها بالماء،لأنّها من سرعة دورانها قد سكّنت و هدأت؛و الجمع:دوّام.

و أدام القدر و دوّمها،إذا سكّن غليانها بأن لا يوقد تحتها و لا ينزلها.

و المدوم و المدوام:عود أو غيره يسكّن بها غليانها.

و روى ثعلب عن ابن الأعرابيّ،قال:«دام الشّيء،إذا دار،و دام إذا وقف،و دام إذا تعب»،فهو من الأضداد.

و منه:تدويم الشّمس،أي دورانها،كأنّها تدور في مضيّها،قال الخليل:«و منه اشتقّت الدّوّامة لدورانها» و هي فلكة يرميها الصّبيّ بخيط فتدوم على الأرض، أي تدور،و قد دوّمها؛و الجمع:دوّام.

و زعم شمر أنّ«الدّوّامة»لفظ فارسيّ،و أصله في الفارسيّة«دوابه»،و لكنّه غير معروف فيها، و المعروف عندهم بهذا المعنى لفظ«فرفر»أو«فرفره»

و الدّوام:شبه الدّوار في الرّأس،و قد ديم به و أديم إذا أخذه دوار.

و التّدويم:أن يلوك لسانه لئلاّ ييبس ريقه.

و تدويم الزّعفران:دوفه و إدارته في دوفه،يقال:

دوّم الزّعفران.

و دوّم المرقة،إذا أكثر فيها الإهالة حتّى تدور فوقها.

و دوّمت عينه:دارت حدقتها كأنّها في فلكة.

و دوّمت الخمر شاربها،إذا سكر فدار.

و دوّمت الكلاب:أمعنت في السّير.

2-و يطلق على ما يؤدّيه الموظّف اليوم ضمن زمن محدّد في الدّوائر الحكوميّة اسم الدّوام،يقال:يبدأ الدّوام الرّسميّ ساعة كذا،و فلان في الدّوام،و هو مصدر دام يدوم دواما،إذا ثبت أو دار.

و لكنّ المعاصرين اشتقّوا منه الفعل:داوم يداوم

ص: 373

دواما،خلافا للسّماع و للقياس أيضا،لأنّ القياس في مصدر فاعل يفاعل أن يكون«فعالا»بكسر الفاء، مثل:جاهد يجاهد جهادا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا«الماضي»7 مرّات،و«الفاعل» مفردا و جمعا مرّتين،في 9 آيات:

1-دام

1- فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ* خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ

هود:106،107

2- وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ هود:108

3- قالُوا يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ

المائدة:24

4- وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً... آل عمران:75

5- ...وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً...

المائدة:96

6- ...وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ المائدة:117

7- وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا مريم:31

2-دائم و دائمون

8- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ عُقْبَى الْكافِرِينَ النّارُ الرّعد:35

9- إِلاَّ الْمُصَلِّينَ* اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ المعارج:22،23

و يلاحظ أوّلا أنّ في كلّ منها بحوثا:

ففي(1 و 2):

1-الآيتان تفصيل لما قبلهما من الوصفين:

شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ بنفس التّرتيب: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ.

2-و قد قدّم شَقِيٌّ -و هو إنذار-على سَعِيدٌ -و هو تبشير-لأنّ سياق الآيات قبلها الإنذار-و كذا بعدها-ابتداء من(96): وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ* إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ إلى(103): إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ* وَ ما نُؤَخِّرُهُ إِلاّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ، ثمّ قال: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ، أو لغلبة الأشقياء عددا على السّعداء.

3-و قد جاء فيهما الشّقيّ و السّعيد بدل الكافر و المؤمن و نحوهما،لكون السّعادة و الشّقاوة هما منشأ الثّواب،و العقاب،و الإيمان،و الكفر.لاحظ:س ع د:

ص: 374

«سعيد»،و:ش ق ي:«شقيّ».

4-و قد تحدّثوا كثيرا في: اَلسَّماواتُ وَ الْأَرْضُ في الآيتين-و عدّوها من مشكلات القرآن-هل المراد معناهما اللّغويّ كما قالوا:كلّ ما علاك فهو سماء و كلّ ما استقرّت عليه قدمك فهو أرض فتعمّان الآخرة،أو خصوص سماء الآخرة و أرضها،و الدّليل على أنّ للآخرة سماوات و أرض قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ إبراهيم:48، و وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ الزّمر:74،و لأنّه لا بدّ لأهل الآخرة ممّا يقلّهم و يظلّهم إمّا سماء يخلقها اللّه أو يظلّهم العرش.

أو المراد سماء الدّنيا و أرضها،و المراد بالشّقيّ و السّعيد:السّعادة و الشّقاوة في عالم البرزخ الّذي هو في الدّنيا،و هو بعيد جدّا.

أو أنّ هذه الجملة كناية على سبيل التّمثيل عن التّأبيد و التّبعيد-و هذا أحسن الوجوه-فإنّ للعرب ألفاظا بمعناهما يقولون:«لا أفعل ذلك ما اختلف اللّيل و النّهار،و ما دامت السّماء و الأرض،و ما نبت نبت، و ما أطّت الإبل،و ما اختلفت الجرّة و الدّرّة،و ما ذرّ شارق،و ما دام تعار،و ما أقام ثبير،و ما لاح كوكب، و في أشباه ذلك كثرة،ظنّا منهم أنّ هذه الأشياء لا تتغيّر...فلاحظ نصوص الماورديّ،و الطّبرسيّ، و الفخر الرّازيّ،و الطّباطبائيّ،و غيرها.

و قد عدّهما الطّباطبائيّ نوعا من التّقييد يفيد تأكيد الخلود،ثمّ ذكر الآيات النّاصّة على عدم دوام السّماوات و الأرض،مثل: ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى الأحقاف:3،و غيرها.و الآيات النّاصّة على تأبيد الجنّة و النّار،مثل: جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً التّغابن:9،و غيرها.

و قد عدّ الإشكال في هذا التّقييد إشكالين:

أ-تحديد الخلود المؤبّد بمدّة دوام السّماوات و الأرض،و هما غير مؤبّدين.

ب-تحديد الأمر الخالد الّذي تبتدئ من يوم القيامة-و هو كون الفريقين في الجنّة و النّار-بما ينتهي أمد وجوده إلى يوم القيامة.و قد أجاب عنهما تفصيلا،فلاحظ:كلامه و كلام فضل اللّه.

5-و لكلّ من الآيتين استثناء إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ و هذا شامل للأشقياء و السّعداء،و قد اعترف الفخر الرّازيّ في ناحية الأشقياء بقوله:«قال قوم:إنّ عذاب الكفّار منقطع و لها نهاية،و احتجّوا بالقرآن و المعقول».و ذكر من القرآن: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً النّبأ:23،و من المعقول:أنّ معصية الكافر متناهية و مقابلة الجرم المتناهي بعقاب لا نهاية له ظلم،و أنّه لا يجوز،و أنّ ذلك العقاب ضرر خال عن النّفع،و لكنّه سكت عن حال السّعداء،مع أنّ الآية الثّانية تشملهم.

و عندنا أنّ المراد بهذا الاستثناء بقاء الأمر بيد اللّه في ناحية الثّواب و العقاب،كمّا و كيفا و أمدا.

6-و لكلّ من الآيتين ذيل أيضا مساوق لهما إنذارا و تبشيرا:فالإنذار في الأولى قوله: إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ، و التّبشير في الثّانية قوله: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ أي غير مقطوع.

ص: 375

و في(3): يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها:

1-هذه من تتمّة كلام بني إسرائيل ردّا لكلام موسى: يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ...، و استدامة لقولهم ردّا على قوله: قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ... من دون أدنى التّفاوت إلى قول رجلين من الّذين يخافون؛حيث قالا لهم:23:

اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ... .

و قد حكى اللّه في هذه الآيات الخمس:20-24 تأكيدا خطابين مكرّرين بلفظ يا قَوْمِ لموسى إلى بني إسرائيل،و خطابين مكرّرين بلفظ منهم لموسى يا مُوسى، بإضافة كلام من الرّجلين لهم بقي بلا جواب منهم.و هذا نصّ الآيات تماما: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَ آتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ* يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ* قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ* قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَ عَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* قالُوا يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ، و بعدها حكاية عن موسى 25: قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ، ثمّ حكاية عن اللّه جوابا له 26: قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ.

فانظر إلى أدب موسى في كلامه معهم...ب يا قَوْمِ المضاف إلى نفسه مرّتين،و بذكر نعمة اللّه عليهم، و تبشيرهم بأن جعل منهم...و ملوكا و إيتاءهم ما لم يؤت أحدا من العالمين،و أنّ اللّه كتب تلك الأرض المقدّسة لهم.

و كذا أدب الرّجلين معهم،و تأكيدهما لهم...

و تبشيرهم بأنّهم غالبون لو دخلوا.

و قد جاء لفظ الجلالة اَللّهِ في كلام موسى مرّتين،و في كلام الرّجلين أيضا مرّتين،و قد نهى موسى إيّاهم عن أمرين:الارتداد،و انقلابهم خاسرين،و أمر الرّجلان إيّاهم بفعلين:التّوكّل على اللّه،و الإيمان به،و إكرام اللّه إيّاهم بثلاث ذكرت، و إكرامه الرّجلين باثنتين:خوف اللّه و إنعامه عليهما، إلى غيرها من فنون الأدب و صنوف الكرم.

ثمّ انظر إلى تعاملهم مع هذا الأدب،و الإكرام، و الاحترام بضدّها تماما:اعتذارهم بأنّ فيها قوما جبّارين،و خطابهم نبيّ اللّه موسى تحقيرا باسمه:

يا مُوسى مرّتين،و تأكيدهم الرّدّ،و تعظيم أنفسهم ب(انّا)أربع مرّات،و بتأبيد عدم دخولهم لَنْ نَدْخُلَها مرّتين،و بتحديد دخولهم بخروج أهلها مرّتين أيضا حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها و ما دامُوا فِيها، و بأمرهم موسى بذهابه مع ربّه-كأنّه ليس ربّا لهم- لقتالهم و إعلامهم إيّاه إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ، و أخيرا

ص: 376

عدم التفاتهم إلى توصية الرّجلين بالمرّة،و غيرها من الرّموز ممّا فيه ألوان من التّحقير و الإهانة لموسى نبيّ اللّه.

و في هذا السّياق نموذج من البلاغة القرآنيّة و إعجازه البلاغيّ.

2-قالوا في معنى ما دامُوا فِيها: ما كان الجبّارون مقيمين في تلك المدينة،ما دام الجبّارون فيها، مدّة دوامهم فيها و نحوها.

3-و قالوا في إعرابها:(ما)مصدريّة ظرفيّة، و دامُوا صلتها،و هي«دام»النّاقصة،و خبرها الجارّ بعدها،و هذا الظّرف بدل من أَبَداً، في إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً، و هو بدل بعض من كلّ،لأنّ «الأبد»يعمّ الزّمن المستقبل كلّه،أو بدل كلّ من كلّ، أو عطف بيان لوقوعه بين النّكرتين.

قال الزّمخشريّ: «أَبَداً تعليق للنّفي المؤكّد بالدّهر المتطاول،و ما دامُوا فِيها بيان للأبد».

و قال أبو حيّان:«لمّا كرّر عليهم أمر القتال كرّروا الامتناع على سبيل التّوكيد بالمولّيين-و المراد بهما الرّجلين-و قيّدوا أوّلا نفي الدّخول بالظّرف المختصّ بالاستقبال و حقيقته التّأبيد،و قد يطلق على الزّمان المتطاول،فكأنّهم نفوا الدّخول طول الأبد،ثمّ رجعوا إلى تعليق ذلك بديمومة الجبّارين فيها،فأبدلوا زمانا مقيّدا من زمان،هو ظاهر في العموم في الزّمان المستقبل،فهو بدل بعض من كلّ».

و في(4): وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً... .

1-هذه من جملة آيات بشأن أهل الكتاب،ابتداء من 64: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ...، و حجاجهم في إبراهيم أنّه يهوديّ أو نصرانيّ،إلى 75 و 76: وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَ يَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ* بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَ اتَّقى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، و استدام إلى آيات بعدها.

و قد وصفهم اللّه في هاتين الآيتين بأنّهم في الأمانة فرقتين:فرقة ترعاها حتّى لو كانت قنطارا،و أخرى لا ترعاها حتّى في دينار إلاّ ما دمت قائما عليه.- لاحظ:ق ن ط ر:«قنطارا»،و:د ي ن ر:«دينارا»-.

زعما منهم أن لا سبيل للأمّيّين عليهم،فيعملون بهم ما شاءوا من الخيانة.

2-قالوا في ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً: ما دمت ملحّا، قال ابن عبّاس:«ملحّا»يريد يقوم عليه يطالبه بالإلحاح،مواظبا،ما تلازمه و تتقاضاه،ما طلبته و أتبعته،تقتضيه إيّاه،تدوم قائما بالتّقاضي و المطالبة، ملازما،يعترف بأمانته ما دمت قائما على رأسه،فإذا قمت ثمّ جئت تطلبه كافرك الّذي يؤدّي و الّذي يجحد، واقفا مسيطرا،و نحوها.و ذكر الطّبريّ معنيين:

متقاضيا و قائما على رأسه.و قال:«من قولهم:قام فلان بحقّي على فلان حتّى استخرجه لي».

و قال السّمين:«و أصل هذه المادّة:الدّلالة على الثّبوت و السّكون».و قال الآلوسيّ:«و القيام مجاز

ص: 377

عن المبالغة في المطالبة».

3-و قالوا في دُمْتَ: أهل الحجاز يقولون:

دمت،و دمتم،و متّ و متّم-و هو من لغة عالية- و تميم يقولون:دمت و متّ بالكسر-و هي لغة للعرب- و يجتمعون في«يدوم و يموت»،و هما قراءتان.

قال الزّجّاج بعد ذكر القراءتين:«و يقال:دام المال إذا سكن،يدوم فهو دائم و منه:«نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يبال في الماء الدّائم،أي السّاكن».

و حكوا في«دام يدوم»أنّه من فعل يفعل بكسر العين في الماضي و ضمّها في المستقبل-و هو شاذّ-، و قال أكثر العلماء:إنّه من فعل يفعل بكسر الأوّل و فتح الثّاني مثل:«خاف يخاف».

4-و أضاف الزّمخشريّ في معنى قائِماً:

«متوكّلا عليه بالمطالبة و التّعنيف،أو بالرّفع إلى الحاكم،و إقامة البيّنة عليه».

5-و قالوا في إعرابه:(ما)في موضع نصب على الظّرف،أي إلاّ مدّة دوامك.قال السّمين:«استثناء مفرّغ من الظّرف العامّ؛إذا التّقدير:لا يؤدّه إليك في جميع المدد و الأزمنة إلاّ في مدّة دوامك قائما عليه متوكّلا به.و دُمْتَ هذه هي النّاقصة ترفع و تنصب،و شرط إعمالها أن يتقدّمها(ما)الظّرفيّة كهذه الآية؛إذ التّقدير:إلاّ مدّة دوامك و لا ينصرف.

فأمّا قولهم:«يدوم»فمضارع«دام»التّامّة بمعنى«بقي» و لكونها صلة ل«ما»الظّرفيّة لزم أن تكون محتاجة إلى كلام آخر لتعمل في الظّرف،نحو:«لا أصحبك ما دمت باكيا».و لو قلت:«ما دام زيد قائما»من غير شيء لم يكن كلاما.

و جوّز أبو البقاء في(ما)هذه أن تكون مصدريّة فقط؛و ذلك المصدر المنسبك منها،و من«دام»في محلّ نصب على الحال،و هو استثناء مفرّغ أيضا من الأحوال المقدّرة العامّة،و التّقدير:إلاّ في حال ملازمتك له.و على هذا فتكون«دام»هنا تامّة لما تقدّم،من أنّ تقدّم الظّرفيّة شرط في إعمالها،و إذا كانت تامّة انتصب قائما على الحال».

و قال ابن عاشور:«(ما)حرف مصدريّ يصير الفعل بعده في تأويل مصدر،و يكثر أن يقدّر معها اسم زمان ملتزم حذفه،يدلّ عليه سياق الكلام،فحينئذ يقال:(ما)ظرفيّة مصدريّة.و ليست الظّرفيّة مدلولها بالأصالة و لا هي نائبة عن الظّرف،و لكنّها مستفادة من موقع(ما)في سياق كلام يؤذن بالزّمان،و يكثر ذلك في دخول(ما)على الفعل المتصرّف من مادّة «دام»و مرادفها،و(ما)في هذه الآية كذلك...».

6-قال مكارم الشّيرازيّ:«يشير إلى مبدإ أصيل في نفسيّة اليهود،فكثير منهم لا يجدون أنفسهم ملزمين بردّ حقّ إلاّ بالقوّة.ليس أمام المسلمين لاسترجاع حقوقهم منهم سوى هذا السّبيل،سبيل السّعي للحصول على القوّة الّتي تجعلهم يردّون حقوقهم».

ثمّ ذكر أنّ الحوادث في الشّرق الأوسط في السّنوات الأخيرة شهدت على أنّ القرارات الدّوليّة لا قيمة لها في نظر الصّهاينة.

و في(5): وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً:

و هذه من تتمّة أحكام الصّيد في الحرم،ابتداء من

ص: 378

الآية 94: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ، إلى الآية 96: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. لاحظ:ص ي د:«صيد»،و:ب ح ر:

«البحر».

و في(6): وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ:

هذه من تتمّة آيات الحوار بين الحواريّين و بين عيسى بشأن المائدة،و أمر عيسى بعبادته مع عبادة اللّه، ابتداء من الآية 111: وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي... إلى الآية 118،نقلا عن عيسى،جوابا لقوله تعالى قبلها في 116: وَ إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ ...* ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

لاحظ:«عيسى»،و:ش ه-د:«شهيدا».

و في(7): وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا :

هذه من جملة آيات وردت بشأن مريم و ابنها عيسى عليهما السّلام،ابتداء من الآية 16:من سورة مريم:

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا، إلى الآية 34: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ. لاحظ:ح ي ي:«حيّا».

و في(8): مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ عُقْبَى الْكافِرِينَ النّارُ. لاحظ:أ ك ل:«اكلها».

و في(9): اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ.

1-هذه من تتمّة الآيات الّتي وردت مدحا للمؤمنين الصّادقين بعد ذمّ غيرهم،ابتداء من الآية 19: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلاَّ الْمُصَلِّينَ* اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ* وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ، و استدامه إلى الآية 35: أُولئِكَ فِي جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ. حيث استثناهم من الإنسان الشّرير،كأنّ الإنسان جنسه شرّ،و هم الأكثرون،و قليل منه هؤلاء المتّصفون في هذه الآيات بصفات حسنة:أوّلها و آخرها الاهتمام بأمر الصّلاة، فقال في أوّلها: إِلاَّ الْمُصَلِّينَ* اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ، و في آخرها: وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ تأكيدا لوصفي الدّوام و المحافظة في صلاتهم،و تقديما فيهما الجارّ و المجرور: عَلى صَلاتِهِمْ على ما تعلّقا به،أي دائِمُونَ و يُحافِظُونَ، رعاية للرّويّ و تعظيما للصّلاة.

و قد أوصى خلال الآيتين بأمور هامّة من التّشريع و العقيدة و السّلوك.

2-قال الزّمخشريّ في الفرق بين الدّوام على الصّلاة و المحافظة عليها:«معنى دوامهم عليها:أن يواظبوا على أدائها،لا يخلون بها و لا يشتغلون عنها بشيء من الشّواغل...و محافظتهم عليها:أن يراعوا

ص: 379

إسباغ الوضوء لها و مواقيتها،و يقيموا أركانها، و يكملوها بسننها و آدابها،و يحفظوها من الإحباط باقتراف المآثم؛فالدّوام يرجع إلى نفس الصّلوات و المحافظة إلى أحوالها».

و قال الفخر الرّازيّ-و نحوه الخازن-:«معنى دوامهم عليها:أن لا يتركوها في شيء من الأوقات، و محافظتهم عليها ترجع إلى الاهتمام بحالها حتّى يؤتى بها على أكمل الوجوه.و هذا الاهتمام إنّما يحصل تارة بأمور سابقة على الصّلاة،و تارة بأمور لاحقة بها، و تارة بأمور متراخية عنها».

و ذكر في الأمور السّابقة رعاية الوقت، و الوضوء،و ستر العورة،و رعاية القبلة،و الثّوب الطّاهر و المكان الطّاهر،و إتيان الجماعة،و المساجد، و تفريغ القلب عن الوساوس،و عن الالتفات إلى ما سوى اللّه،و الاحتراز عن الرّياء و السّمعة.

و في المقارنة:عدم الالتفات يمينا و شمالا،و كونه حاضر القلب عند القراءة و الأذكار،فاهما لها مطّلعا على حكم الصّلاة.و في المتراخية أن لا يشتغل بعد الصّلاة باللّغو و اللّهو و اللّعب و الاحتراز عن المعاصي.

و قال أبو حيّان:«الدّيمومة على الشّيء و المحافظة عليه شيء واحد،لكنّه لمّا كانت الصّلاة هي عمود الإسلام بولغ في التّوكيد فيها،فذكرت أوّل خصال الإسلام المذكورة في هذه السّورة،و آخرها،ليعلم مرتبتها في الأركان الّتي بني عليها الإسلام.و جاء في حديث الإمام الباقر عليه السّلام أنّ: عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ تعني النّافلة،و عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ تعني الفريضة،و به قال مكارم.

3-خصّ ابن مسعود الصّلاة بالفرض،و زيد بن عليّ،و النّخعيّ،و الطّبريّ،و الطّوسيّ،و غيرهم بالمكتوبة.

و عن عليّ عليه السّلام قضاء ما فاتهم من اللّيل بالنّهار، و ما فاتهم من النّهار باللّيل.و عن الحسن تكثير التّطوّع منها،و عن ابن عطيّة:المواظبة على أوقاتها في المكتوبة،و أمّا النّافلة فالدّوام عليها:الإكثار منها بحسب الطّاقة،و كثير منهم خصّها برعاية أوقاتها.

و ليست الآية محدودة بشيء منها،بل تعمّ كلّ ما يعدّ دواما عليها.

4-قال الزّجّاج بعد اختصاصها بالمكتوبة:

«و يجوز أن يكون الّذين لا يزيلون وجوههم عن سمت القبلة و لا يلتفتون،فيكون اشتقاقه من الدّائم و هو السّاكن،كما جاء النّهي عن البول في الماء الدّائم».

و ردّ عليه الرّازيّ بقوله:«(على)ينفي هذا المعنى، فإنّه لا يقال:هو على صلاته ساكن بل يقال:هو في صلاته ساكن».

و قال الشّوكانيّ:«لا يشغلهم عنها شاغل و لا يصرفهم عنها صارف،و ليس المراد بالدّوام أنّهم يصلّون أبدا-إلى أن قال:-و المراد بالآية جميع المؤمنين،و قيل:الصّحابة خاصّة.و لا وجه لهذا التّخصيص لاتّصاف كلّ مؤمن بأنّه من المصلّين».

و قال ابن عاشور:«و الدّوام على الشّيء:عدم تركه؛و ذلك في كلّ عمل بحسب ما يعتبر دواما فيه،

ص: 380

كما تقرّر في أصول الفقه في مسألة إفادة الأمر التّكرار».

و قال سيّد قطب:«و صفة الدّوام الّتي تخصّصها بها هنا-الآية-تعطي صورة الاستقرار و الاستطراد، فهي صلاة لا يقطعها التّرك و الإهمال و الكسل،و هي صلة باللّه مستمرّة غير منقطعة-و نقل حديثا و قال:- لملاحظة صفة الاطمئنان و الاستقرار و الثّبات على الاتّصال باللّه،كما ينبغي من الاحترام لهذا الاتّصال، فليس هو لعبة توصل أو تقطع،حسب المزاج».

و قال المكارم:«هذا هي الخصوصيّة الأولى لهم و أنّهم مرتبطون باللّه بشكل دائم،و هذه الرّابطة تتوثّق بالصّلاة،الصّلاة الّتي تنهى عن الفحشاء و المنكر،و الصّلاة الّتي تربّي روح الإنسان و تذكّره دائما باللّه تعالى،و السّير بهذا الاتّجاه سوف يمنعه من الغفلة و الغرور،و الغرق في بحر الشّهوات،و الوقوع في قبضة الشّيطان و هوى النّفس».

و قال فضل اللّه:«و هذا ما جعل استثناء المصلّين في قوله تعالى: إِلاَّ الْمُصَلِّينَ أمرا طبيعيّا،من خلال ما ترمز إليه الصّلاة في حياة الإنسان المؤمن من إيمان باللّه،و ثقة به،و توكّل عليه،و استسلام له،و انفتاح على معنى العبوديّة في ذاته،في ما يؤكّده ذلك من إحساس بمعنى الحرّيّة الإنسانيّة أمام الكون كلّه،لأنّه يتساوى معه في كونه مخلوقا للّه تعالى».

5-و في إعرابها و نكاتها اللّفظيّة قال ابن عاشور:

«و في إضافة(صلاة)إلى ضمير اَلْمُصَلِّينَ تنويه باختصاصها بهم،و هذا الوصف للمسلمين مقابل وصف الكافرين في قوله: بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ المعارج:1،و مجيء الصّلة جملة اسميّة دون أن يقال:

الّذين يدومون،لقصد إفادتها الثّبات تقوية كمفاد الدّوام،و إعادة اسم الموصول مع الصّلاة المعطوفة على قوله: اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ لمزيد العناية بأصحاب تلك الصّلاة».

و قال الطّباطبائيّ:«في إضافة«الصّلاة»إلى الضّمير دلالة على أنّهم مداومون على ما يأتون به من الصّلاة كائنة ما كانت،لا أنّهم دائما في الصّلاة،و فيه إشارة إلى أنّ العمل إنّما يكمل أثره بالمداومة».

6-و في خصوص الإشارة في الآية،قال القشيريّ:«يلازمون أبدا مواطن الافتقار،من صلي بالمكان».

و قال ابن عربيّ:«فإنّ المشاهدة صلاة الرّوح، غابوا في دوام مشاهدتهم عن النّفس و صفاتها،و عن كلّ ما سوى مشهودهم».

و قال البروسويّ:«و في الآية إشارة إلى صلاة النّفس-و هي التّزكية عن المخالفات الشّرعيّة،- و صلاة القلب و-هي التّصفية عن الميل إلى الدّنيا و شهواتها و زخارفها،-و صلاة السّرّ-و هي التّخلية عن الرّكون إلى المقامات العليّة و المراتب السّنيّة- و صلاة الرّوح-و هي بالمكاشفات الرّبّانيّة و المشاهدات الرّحمانيّة و المعاينات الحقّانيّة-و صلاة الخفيّ-و هي بالفناء في الحقّ و البقاء به-فالكمّل يداومون على هذه الصّلوات».

7-و قد جاءت في النّصوص روايات عن النّبيّ

ص: 381

و الأئمّة عليه و عليهم صلوات اللّه في المداومة على الأعمال،فلاحظ.

و يلاحظ ثانيا:أنّ أربعة منها مدنيّ:اثنتان منها:

(3 و 6)قصّة مدنيّة،و اثنتان:(4 و 5)تشريع،و الباقي مكّيّة تحتوي العقيدة و الإرشاد.

و ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الاستمرار: وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ القمر:2

البقاء: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ...

النّحل:96

ص: 382

د و ن

اشارة

9 ألفاظ،144 مرّة:106 مكّيّة،38 مدنيّة

في 46 سورة:33 مكّيّة،13 مدنيّة

دون 92:64-28

دونه 38:33-5

دونها 1:-1

دونهما 2:-2

دونهم 4:3-1

دونك 2:2

دونكم 1:-1

دونى 3:3

دوننا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:تقول في الإغراء:دونك هذا الشّيء و هذا الأمر،أي عليك.

و دونك زيد في المنزلة و القرب و البعد،و زيد دونك،أي هو أحسن منك في الحسب.

و كذلك الدّون؛يكون صفة و يكون نعتا على هذا المعنى،و لا يشتقّ منه فعل،و تقول:هذا دون ذاك،في التّقريب و التّحقير،فالتّقريب منصوب لأنّه صفة، و التّحقير مرفوع.(8:72)

سيبويه:إنّما صحّت الواو في«ديوان»-و إن كانت بعد الياء و لم تعتلّ كما اعتلّت في سيّد،-لأنّ الياء في«ديوان»غير لازمة،و إنّما هو«فعّال»من دوّنت،و الدّليل على ذلك قولهم:دويوين،فدلّ ذلك أنّه«فعّال»و أنّك إنّما أبدلت الواو ياء بعد ذلك، و من قال:ديوان فهو عنده بمنزلة بيطار،إنّما لم تقلب الواو في ديوان ياء-و إن كانت قبلها ياء ساكنة-من قبل أنّ الياء غير ملازمة،و إنّما أبدلت من الواو تخفيفا،أ لا تراهم قالوا:دواوين لمّا زالت الكسرة من قبل الواو؟على أنّ بعضهم قد قال:دياوين،فأقرّ الياء بحالها،و إن كانت الكسرة قد زالت من قبلها،و أجرى غير اللاّزم مجرى اللاّزم.و قد كان سبيله إذا أجراها مجرى اللاّزمة أن يقول:ديّان،إلاّ أنّه كره تضعيف الياء كما كره تكرير الواو في دياوين.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 9:435)

الفرّاء:دون:تكون بمعنى«على»،و تكون بمعنى

ص: 383

«بعد»،و تكون بمعنى«عند»و تكون إغراء،و تكون بمعنى أقلّ من ذا،و أنقص من ذا،و دون:يكون خسيسا.(الأزهريّ 14:180)

الأصمعيّ:يقال:يكفيني دون هذا،لأنّه اسم. (1)

(الأزهريّ 14:181)

اللّحيانيّ:رضيت من فلان بأمر من دون.و يقال:

إنّ أكثر كلام العرب في هذا أن يقال:أنت رجل من دون،و هذا شيء من دون؛يقولونها مع«من»،و قد تقال بغير«من».و حكي:لو لا أنّك من دون لم ترض بذا.(ابن سيده 9:435)

ابن الأعرابيّ:يقال:ادن دونك،أي اقترب.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:179)

التّدوّن:الغنى التّامّ.(الأزهريّ 14:181)

ابن دريد:الدّون:خلاف الجيّد،و الدّون:

الأصغر في بعض اللّغات،فلان دون فلان في السّنّ، و قمت دون فلان،إذا وقيته بنفسك،و دونك هذا الشّيء،أي قد أمكنك،و الدّون:الخسيس من الشّيء.

[ثمّ استشهد بشعر](2:303)

الأزهريّ:قال بعض النّحويّين:ل«دون»تسعة معان:تكون بمعنى قبل،و بمعنى أمام،و بمعنى وراء، و بمعنى تحت،و بمعنى فوق،و بمعنى السّاقط من النّاس و غيرهم،و بمعنى الشّريف،و تكون بمعنى الأمر، و بمعنى الوعيد،و بمعنى الإغراء.

فأمّا«دون»بمعنى قبل،فكقولك:دون النّهر قتال، و دون قتل الأسد أهوال،أي قبل أن تصل إلى ذلك.

و«دون»بمعنى وراء،كقولك:هذا أمير على ما دون جيحون،أي على ما وراءه،و الوعيد كقولك:دونك صراعي و دونك،فتمرس بي،و في الأمر:دونك الدّرهم،أي خذه،و في الإغراء:دونك زيدا،أي الزم زيدا في حفظه،و«دون»بمعنى تحت كقولك:دون قدمك خدّ عدوّك،أي تحت قدمك،و«دون»بمعنى فوق كقولك:إنّ فلانا لشريف،فيجيب آخر فيقول و دون ذلك،أي فوق ذلك.

يقال:ادن دونك،أي اقترب منّي فيما بيني و بينك.

و يقال:هذا رجل من دون،و لا يقال:رجل دون، لم يتكلّموا به،و لم يقولوا فيه:ما أدونه!و لم يصرّف فعله،كما يقال:رجل نذل بيّن النّذالة.(14:179)

الصّاحب:يقال في الإغراء:دونك هذا الأمر،أي عليكه.

و الدّون:الخسيس؛زيد دونك.

و دون:ظرف و نعت،لا يشتقّ منه فعل،و هذا أدون ذاك.

و يكون دون بمعنى غير،و بمعنى فوق،و تحت.

و دان يدون دونا:ضعف.و أدين إدانة:أضعف.

و لم يدنّ،أي لم يقصّر.(9:359)

الجوهريّ:دون:نقيض فوق،و هو تقصير عن الغاية،و يكون ظرفا.

و الدّون:الحقير الخسيس.[ثمّ استشهد بشعر] و لا يشتقّ منه فعل،و بعضهم يقول منه:دان يدون دونا،و أدين إدانة...ا.

ص: 384


1- قوله لأنّه اسم،أي ليس ظرفا فيكون منصوبا.

و يقال:هذا دون ذاك،أي أقرب منه.

و يقال في الإغراء بالشّيء:دونكه؛قال تميم للحجّاج لمّا قتل صالح بن عبد الرّحمن:أقبرنا صالحا-و كان قد صلبه-فقال:«دونكموه».

و الدّيوان أصله دوّان،فعوّض من إحدى الواوين،لأنّه يجمع على دواوين،و لو كانت الياء أصليّة لقالوا:دياوين.و قد دوّنت الدّواوين.

(5:2115)

ابن فارس:الدّال و الواو و النّون أصل واحد يدلّ على المداناة و المقاربة؛يقال:هذا دون ذاك،أي هو أقرب منه.

و إذا أردت تحقيره قلت:دوين،و لا يشتقّ منه فعل.

و يقال في الإغراء:دونكه،أي خذه،اقرب منه و قرّبه منك.

و يقولون:أمر دون،و ثوب دون،أي قريب القيمة.

قال القتيبيّ:دان يدون دونا،إذا ضعف،و أدين إدانة.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو عنده من الشّيء الدّون،أي الهيّن.فإن كان صحيحا فقياسه ما ذكرناه.(2:317)

أبو سهل الهرويّ:الدّيوان:لمجمع الكتّاب و موضع حسباناتهم.(50)

ابن سيده:دون:كلمة في معنى التّحقير و التّقريب،تكون ظرفا فينصب،و يكون اسما فيدخل حرف الجرّ عليه،فيقال:هذا دونك،و هذا من دونك، و في التّنزيل: وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ القصص:

23.

فأمّا ما أنشده ابن جنّيّ من قول بعض المولّدين:

و قامت إليه خدلة السّاق أعلقت

به منه مسموما دوينة حاجبه

فإنّي لا أعرف«دون»تؤنّث بعلامة تأنيث و لا بغير علامة،أ لا ترى أنّ النّحويّين كلّهم قالوا:

الظّروف كلّها مذكّرة إلاّ قدّام و وراء.فلا أدري ما الّذي صغّره هذا الشّاعر،اللّهمّ إلاّ أن يكونوا قد قالوا:

هو دونته،فإذا كان كذلك فقوله:«دوينة حاجبه» حسن على وجهه.

و أدخل الأخفش عليه الباء،فقال في كتابه في القوافي-و قد ذكر أعرابيّا أنشده شعرا مكفأ-:

«فرددناه عليه و على نفر من أصحابه فيهم من ليس بدونه»،فأدخل عليه الباء كما ترى،و قد قالوا:من دون،يريدون من دونه.

و قالوا:هو دونك في الشّرف و الحسب و نحو ذلك؛قال سيبويه:هو على المثل،كما قالوا:إنّه لصلب القناة،و إنّه لمن شجرة صالحة،قال:و لا يستعمل مرفوعا في حال الإضافة.

و قوله تعالى: وَ أَنّا مِنَّا الصّالِحُونَ وَ مِنّا دُونَ ذلِكَ الجنّ:11،فإنّه أراد:و منّا قوم دون ذلك، فحذف الموصوف.

و ثوب دون:رديء.

و رجل دون:ليس بلاحق.

و هو من دون النّاس و المتاع،أي من مقاربهما.

ص: 385

و قال ابن جنّيّ-في شيء دون،ذكره في كتابه الموسوم بالمعرب-:«و ذلك أقلّ الأمرين و أدونهما»، فاستعمل منه أفعل،و هذا بعيد،لأنّه ليس له فعل فتكون هذه الصّيغة مبنيّة منه،و إنّما تصاغ هذه الصّيغة من الأفعال،كقولك:أوضع منه،و أرفع منه.

غير أنّه قد جاء من هذا شيء ذكره سيبويه، و ذلك قولهم:أحنك الشّاتين،و أحنك البعيرين،كما قالوا:آكل الشّاتين،كأنّهم قالوا:حنك و نحو ذلك، فإنّما جاءوا ب«أفعل»على نحو هذا و إن لم يتكلّموا به.

و قالوا:آبل النّاس كلّهم،كما قالوا:أرعى النّاس كلّهم،و كأنّهم قالوا:أبل يأبل،و قالوا:رجل آبل، و إن لم يتكلّموا بالفعل.

و قالوا:آبل النّاس بمنزلة آبل منه،لأنّ ما جاز فيه أفعل النّاس جاز فيه هذا،و ما لم يجز فيه ذاك لم يجز فيه هذا.و هذه الأشياء الّتي ليس فيها فعل ليس القياس أن يقال فيها:أفعل منه،و نحو ذلك،و قد قالوا:فلان آبل منه،كما قالوا:أحنك الشّاتين.

و ادن دونك،أي قريبا.

و دون بمعنى:خلف و قدّام.

و دونك الشّيء،و دونك به،أي خذه.

و الدّيوان:مجتمع الصّحف،أبو عبيدة:هو فارسيّ معرّب،ابن السّكّيت:هو بالكسر لا غير،الكسائيّ:

الفتح لغة مولّدة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(9:434)

الزّمخشريّ:معنى«دون»أدنى مكان من الشّيء.و منه:الشّيء الدّون،و هو الدّنيّ الحقير.

و دوّن الكتب إذا جمعها،لأنّ جمع الأشياء إدناء بعضها من بعض و تقليل المسافة بينها؛يقال:هذا دون ذاك،إذا كان أحطّ منه قليلا.

و دونك هذا:أصله خذه من دونك،أي من أدنى مكان منك،فاختصر و استعير للتّفاوت في الأحوال و الرّتب،فقيل:زيد دون عمرو في الشّرف و العلم.

و منه:قول من قال لعدوّه و قد رآه بالثّناء عليه:

أنا دون هذا و فوق ما في نفسك.

و اتّسع فيه فاستعمل في كلّ تجاوز حدّ إلى حدّ و تخطّي حكم إلى حكم،قال اللّه تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:28،أي لا يتجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين.

و قال أميّة:«يا نفس ما لك دون اللّه من واقي»، أي إذا تجاوزت وقاية اللّه و لم تناليها لم يقك غيره.

(1:243)

هذا دون ذاك،أي هو أخسّ منه و أدنى منزلة.

و دونه خرط القتاد،أي أمامه.

و جلس دونه،أي تحته.

و شيء دون:هيّن.

و دونك هذا الشّيء:خذه.

و دوّن الكتب:جمعها.

و هو ديوان الحساب و هي دواوينه.

(أساس البلاغة:139)

كتب بين قريش و الأنصار كتابا،و في الكتاب:

ص: 386

«...و إنّ البرّ دون الإثم...»،أي الوفاء بالعهد الّذي معه السّكون و الطّمأنينة أهون من النّكث المؤدّي إلى الحروب و المتاعب الجمّة.(الفائق 2:25،26)

[في حديث:]«من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه، ...و الموت دون لقاء اللّه».

و قوله:«الموت دون لقاء اللّه»يبيّن أنّ الموت غير لقاء اللّه.و معناه:و هو معترض دون الغرض المطلوب، فيجب أن يصبر عليه،و تحتمل مشاقّه على الاستسلام و الإذعان،لما كتب اللّه و قضى به،حتّى يتخطّى إلى الفوز بالثّواب العظيم.(الفائق 3:325)

الفيّوميّ:الدّيوان:جريدة الحساب،ثمّ أطلق على الحساب،ثمّ أطلق على موضع الحساب،و هو معرّب،و الأصل:«دوّان»فأبدل من أحد المضعّفين ياء للتّخفيف،و لهذا يردّ في الجمع إلى أصله،فيقال:

دواوين،و في التّصغير دويوين،لأنّ التّصغير و جمع التّكسير يردّان الأسماء إلى أصولها.

و دوّنت الدّيوان،أي وضعته و جمعته.

و يقال:إنّ عمر أوّل من دوّن الدّواوين في العرب، أي رتّب الجرائد للعمّال و غيرها.

و هذا«دون ذلك»على الظّرف،أي أقرب منه.

و شيء من دون،بالتّنوين،أي حقير ساقط.

و رجل من دون،هذا أكثر كلام العرب،و قد تحذف«من»و تجعل دون نعتا،و لا يشتقّ منه فعل.

(1:204)

الفيروزآباديّ:دون بالضّمّ:نقيض فوق، و يكون ظرفا،و بمعنى أمام و وراء و فوق،ضدّ،و بمعنى غير.

قيل:و منه:ليس فيما دون خمس أواق صدقة، أي في غير خمس أواق.

قيل:و منه الحديث:أجاز الخلع دون عقاص رأسها،أي بما سوى عقاص رأسها،أو معناه بكلّ شيء حتّى بعقاص رأسها.

و بمعنى الشّريف و الخسيس،ضدّ،و بمعنى الأمر، و الوعيد،و قرية بالدّينور،و بهاء:قرية بنهاوند، و قرية بهمذان،و قد يزاد في النّسبة إليها قاف،منها عمير بن مرداس الدّونقيّ.

و دوين بالضّمّ و كسر الواو:قرية بنيسابور، و بلدة بإرمينيّة.

و كغراب:ناحية بعمان،و كشدّاد:موضع بأرض فارس.

و الدّودن كعلبط:دم الأخوين.

و دان يدون دونا و أدين بالضّمّ:صار دونا خسيسا أو ضعف.

و الدّيوان-و يفتح-:مجتمع الصّحف،و الكتاب يكتب فيه أهل الجيش،و أهل العطيّة.و أوّل من وضعه عمر،جمعه:دواوين و دياوين و قد دوّنه.

و هذا دونه،أي أقرب منه.

و دونكه:إغراء.

و التّدوّن:الغنى التّامّ.

و ادن دونك،أي اقترب منّي.

و يدخل على دون«من»و الباء قليلا.

و دون النّهر جماعة،أي قبل أن تصل إليه.

ص: 387

و يقال:هذا رجل من دون،و لا يقال:رجل دون، و لا ما أدونه!(4:225)

الآلوسيّ:«دون»:ظرف مكان لا ينصرف، و يستعمل ب«من»كثيرا و بالباء،و خصّه في البحر ب«من»دونها،و رفعه في قوله:

أ لم تريا أنّي حميت حقيقتي

و باشرت حدّ الموت و الموت دونها

نادر لا يقاس عليه،و معناها أقرب مكان من الشّيء،فهو ك«عند»،إلاّ أنّها تنبئ عن دنوّ كثير و انحطاط يسير.و منه:«دونك»:اسم فعل لا تدوين الكتب،خلافا للبيضاويّ كما قيل،لأنّه من الدّيوان الدّفتر و محلّه،و هي فارسيّ معرّب من قول كسرى، إذ رأى سرعة الكتّاب في كتابتهم و حسابهم:ديوانه.

و قد يقال:لا بعد فيما ذكره البيضاويّ،و«ديوان» ممّا اشتركت فيه اللّغتان،و قد استعمل في انحطاط محسوس لا في ظرف،كدون زيد في القامة،ثمّ استعير للتّفاوت في المراتب المعنويّة تشبيها بالمراتب الحسّيّة، كدون عمرو شرفا،و لشيوع ذلك اتّسع في هذا المستعار،فاستعمل في كلّ تجاوز حدّ إلى حدّ و لو من دون تفاوت و انحطاط،و هو بهذا المعنى قريب من «غير»،فكأنّه أداة استثناء.

و من الشّائع«دون»بمعنى خسيس،فيخرج عن الظّرفيّة،و يعرّف ب«أل»،و يقطع عن الإضافة كما في قوله:

إذا ما علا المرء رام العلا

و يقنع بالدّون من كان دونا

و ما في القاموس من أنّه يقال:رجل من دون و لا يقال:دون مخالف للدّراية و الرّواية،و ليس عندي وجه وجيه في توجيهه،و المشهور أنّه ليس لهذا فعل،و قيل:يقال:دان يدين منه،و استعماله بمعنى فضلا،و عليه حمل قول أبي تمّام:

الودّ للقربى و لكنّ عرفه

للأبعد الأوطان دون الأقرب

لم يسلّمه أرباب التّنقير،نعم،قالوا:يكون بمعنى «وراء»،ك«أمام»و بمعنى«فوق»و نقيضا له.

(1:195)

مجمع اللّغة:دون:ظرف ملازم للإضافة،و قد يقطع عن الإضافة لفظا،و قد يجرّ ب«من»و يأتي للمعاني الآتية:

1-بمعنى أقلّ.

2-بمعنى قبل،بفتح فسكون.

3-بمعنى جهة،أو قبل،بكسر القاف و فتح الباء.

4-بمعنى وراء.

5-بمعنى الاختصاص و قطع الشّركة.

6-بمعنى أمام.

7-بمعنى غير أو سوى.

8-بمعنى الدّنيء.

9-بمعنى التّجاوز من حدّ إلى حدّ،و هي الأكثر في القرآن.(1:410)

العدنانيّ:الدّون

و يظنّون أنّ كلمة الدّون-بمعنى الخسيس الحقير- هي من أقوال العامّة و هي فصيحة،كما يقول معجم

ص: 388

ألفاظ القرآن الكريم،و الفرّاء،و المتنبّيّ،و التّهذيب، و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و المحكم، و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط،و السّامرّائيّ...

الدّيوان الدّيوان

يخطّئ ابن السّكّيت من يقول:الدّيوان،و يرى أنّه بكسر الدّال«الدّيوان»لا غير.و تكتفي معاجم أخرى كالصّحاح،و المختار،و الوسيط،بذكر «الدّيوان».

و لكن:

يجيز«الدّيوان»أيضا سيبويه،و الكسائيّ«مولّد»، و ثعلب،و ابن دريد«لغة»،و التّهذيب:و يفتح، و أبو عبيد البكريّ:الكسر أصوب،و البطليوسيّ «لغة»،و النّهاية:قد تفتح داله،و اللّسان:مثل بيطار، و القاموس:و يفتح،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط:

و يفتح،و أقرب الموارد:و يفتح،و المتن«مولّد».

و يجمع الدّيوان على دواوين،و أجاز اللّسان، و المزهر،و المتن،و غيرهم جمعه على دياوين.

و قال الأصمعيّ:إنّ الدّيوان فارسيّ معرّب، و أيّده كثير من المعاجم.

و لكنّ المرزوقيّ قال:إنّه عربيّ من:دوّن الكلمة إذا قيّدها و ضبطها.

و من معاني الدّيوان:

أ-الدّفتر يكتب فيه أسماء الجيش و أهل العطاء.

ب-الكتبة.

ج-مكان الكتبة.

د-مجموع شعر شاعر.

ه-كلّ كتاب.(235)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دان الشّيء يدون:صار دونا أو خسيسا أو ضعيفا.

و دون:نقيض فوق،فيقال:هو دونه،أي أحطّ منه درجة و منزلة.

و تأتي دون بمعنى أمام،فيقال:مشى دونه،أي أمامه،و بمعنى غير،و يغفر ما دون ذلك،و سافر دون أن يودّع أهله،أي من غير توديع لهم،و يقال:حال القوم دون فلان،أي اعترضوا بينه و بين ما يريد،و دونك هذا:اسم فعل بمعنى خذ هذا.

و الدّون:الحقير المنحطّ.(1:195)

المصطفويّ:التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الغيريّة مع التّسفّل،أي مغايرة شيء مع تسفّله.و بمناسبة هذا المعنى يفهم منها القرب و الحقارة و الخسّة و الضّعف و الهوان و الظّرفيّة في مقابل فوق.

و أمّا مفاهيم:عند،بعد،أقلّ،أنقص فباعتبار القرب و التّأخّر و التّسفّل رتبة أو كمّيّة أو كيفيّة.

و أمّا كلمة:دونكه فالفعل محذوف،أي خذ ما هو دونك أو قرّبه.

و يؤيّد هذا الأصل موادّ:دني،دنوّ،دنأ،دين.

فظهر أنّ معاني المقاربة و المداناة و الحقارة و النّقص و نظائرها ليست من الحقيقة،بل تستعمل المادّة فيها تسامحا و مجازا،فهي من لوازم الأصل الّذي ذكرناه،فلا بدّ من ملاحظة قيوده.

ص: 389

و هذه الخصوصيّة ملحوظة في جميع الموارد المستعملة فيها المادّة في القرآن الكريم: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الأعراف:194،[ثمّ ذكر آيات أخرى إلى أن قال:]

إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ الأعراف:81،فإنّ الرّجال من لحاظ هذا الموضوع في المرتبة النّازلة،بل أنّهم لم يخلقوا للاستمتاع.[و ذكر آيات أخرى في هذا المعنى ثمّ قال:]

فظهر لطف التّعبير بهذه المادّة في موارد استعمالها.

فلا تغفل عن خصوصيّة المادّة في أيّ مورد استعملت فيه في القرآن الكريم.

و أمّا التّدوين فالظّاهر أنّه مشتقّ انتزاعيّ من الدّيوان،و هو إمّا معرّب من الفارسيّة أو عربيّ.

(3:285)

النّصوص التّفسيريّة

دون

1- وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. البقرة:23

ابن عبّاس:و يقال:برؤسائكم.(5)

الواحديّ:أي من غير اللّه،يقال:ما دون اللّه مخلوق،يريد:و ادعوا من اتّخذتموهم معاونين من غير اللّه.(1:103)

مثله الطّبرسيّ.(1:62)

الزّمخشريّ مِنْ دُونِ اللّهِ: متعلّق ب اُدْعُوا أو ب شُهَداءَكُمْ. فإن علّقته ب شُهَداءَكُمْ.

فمعناه:ادعوا الّذين اتّخذتموهم آلهة من دون اللّه، و زعمتم أنّهم يشهدون لكم يوم القيامة أنّكم على الحقّ.أو ادعوا الّذين يشهدون لكم بين يدي اللّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و في أمرهم أن يستظهروا بالجماد الّذي لا ينطق في معارضة القرآن بفصاحته غاية التّهكّم بهم.

وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أي من دون أوليائه و من غير المؤمنين،ليشهدوا لكم أنّكم أتيتم بمثله.و هذا من المساهلة و إرخاء العنان،و الإشعار بأنّ شهداءهم-و هم مدارة القوم الّذين هم وجوه المشاهد و فرسان المقاولة و المناقلة-تأبى عليهم الطّباع،و تجمع بهم الإنسانيّة و الأنفة أن يرضوا لأنفسهم الشّهادة بصحّة الفاسد البيّن عندهم فساده، و استقامة المحال الجليّ في عقولهم إحالته.

و تعليقه بالدّعاء في هذا الوجه جائز،و إن علّقته بالدّعاء فمعناه:ادعوا من دون اللّه شهداءكم،يعني لا تستشهدوا باللّه و لا تقولوا:اللّه يشهد أنّ ما ندّعيه حقّ،كما يقوله العاجز عن إقامة البيّنة على صحّة دعواه،و ادعوا الشّهداء من النّاس الّذين شهادتهم بيّنة تصحّح بها الدّعاوي عند الحكّام.

و هذا تعجيز لهم و بيان لانقطاعهم و انخذالهم،و أنّ الحجّة قد بهرتهم،و لم تبق لهم متشبّثا غير قولهم:اللّه يشهد أنّا صادقون،و قولهم لهذا تسجيل منهم على أنفسهم بتناهي العجز و سقوط القدرة.

و عن بعض العرب أنّه سئل عن نسبه،فقال:

ص: 390

قرشيّ و الحمد للّه،فقيل له:قولك الحمد للّه في هذا المقام ريبة.

أو ادعوا من دون اللّه شهداءكم يعني أنّ اللّه شاهدكم،لأنّه أقرب إليكم من حبل الوريد،و هو بينكم و بين أعناق رواحلكم.و الجنّ و الإنس شاهدوكم،فادعوا كلّ من يشهدكم،و استظهروا به من الجنّ و الإنس إلاّ اللّه تعالى،لأنّه القادر وحده على أن يأتي بمثله دون كلّ شاهد من شهدائكم،فهو في معنى قوله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً الإسراء:88.(1:243)

نحوه الفخر الرّازي(2:119)،و البيضاويّ(1:

35)،و النّيسابوريّ(1:206)،و أبو حيّان(1:106)، و الشّربينيّ(1:35).

القرطبيّ: مِنْ دُونِ اللّهِ، أي من غيره،و«دون» نقيض«فوق»،و هو تقصير عن الغاية،و يكون ظرفا.

و الدّون:الحقير الخسيس.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا يشتقّ منه فعل،و بعضهم يقول منه:دان يدون دونا.و يقال:هذا دون ذاك،أي أقرب منه.

و يقال في الإغراء بالشّيء:دونكه؛قالت تميم للحجّاج:أقبرنا صالحا-و كان قد صلبه-فقال:

دونكموه.(1:233)

النّسفيّ:أي من غير اللّه،و هو متعلّق ب شُهَداءَكُمْ أي ادعوا الّذين اتّخذتموهم آلهة من دون اللّه،و زعمتم أنّهم يشهدون لكم يوم القيامة أنّكم على الحقّ،أو من يشهد لكم بأنّه مثل القرآن.(1:31)

أبو حيّان:«دون»:ظرف مكان ملازم للظّرفيّة الحقيقيّة أو المجازيّة،و لا يتصرّف فيه بغير«من»؛قال سيبويه:و أمّا«دونك»فلا يرفع أبدا.

قال الفرّاء.و قد ذكر«دونك»و ظروفا نحوها:

لا تستعمل أسماء مرفوعة على اختيار،و ربّما رفعوا.

و ظاهر قول الأخفش جواز تصرّفه،خرج قوله تعالى:

وَ مِنّا دُونَ ذلِكَ على أنّه مبتدأ،و بني لإضافته إلى المبنيّ،و قد جاء مرفوعا في الشّعر أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجيء«دون»صفة بمعنى رديء؛يقال:ثوب دون،أي رديء،حكاه سيبويه في أحد قوليه،فعلى هذا يعرب بوجوه الإعراب،و يكون«دون»مشتركا.

(1:102)

أبو السّعود:معنى«دون»أدنى مكان من شيء؛ يقال:هذا دون ذاك،إذا كان أحطّ منه قليلا،ثمّ استعير للتّفاوت في الأحوال و الرّتب،فقيل:زيد دون عمرو، أي في الفضل و الرّتبة،ثمّ اتّسع فاستعمل في كلّ تجاوز حدّ إلى حدّ،و تخطّي حكم إلى حكم من غير ملاحظة انحطاط أحدهما عن الآخر،فجرى مجرى أداة الاستثناء.

و كلمة(من)إمّا متعلّقة ب اُدْعُوا، فتكون لابتداء الغاية،و الظّرف مستقرّ،و المعنى:ادعوا متجاوزين اللّه تعالى للاستظهار من حضركم كائنا من كان،أو الحاضرين في مشاهدكم و محاضركم من رؤسائكم و أشرافكم الّذين تفزعون إليهم في الملمّات، و تعوّلون عليهم في المهمّات،أو القائمين بشهاداتكم

ص: 391

الجارية فيما بينكم من أمنائكم المتولّين لاستخلاص الحقوق بتنفيذ القول عند الولاة،أو القائمين بنصرتكم حقيقة أو زعما من الإنس و الجنّ ليعينوكم.

و إخراجه سبحانه و تعالى من حكم الدّعاء في الأوّل مع اندراجه في الحضور لتأكيد تناوله لجميع ما عداه،لا لبيان استبداده تعالى بالقدرة على ما كلّفوه، فإنّ ذلك ممّا يوهم أنّهم لو دعوه تعالى لأجابهم إليه، و أمّا في سائر الوجوه فللتّصريح من أوّل الأمر ببراءتهم منه تعالى و كونهم في عدوة المحادّة و المشاقّة له قاصرين استظهارهم على ما سواه،و الالتفات لإدخال الرّوعة و تربية المهابة.

و قيل:المعنى:ادعوا من دون أولياء اللّه شهداءكم الّذين هم وجوه النّاس و فرسان المقاولة و المناقلة، ليشهدوا لكم أنّ ما أتيتم به مثله،إيذانا بأنّهم يأبون أن يرضوا لأنفسهم الشّهادة بصحّة ما هو بيّن الفساد و جليّ الاستحالة.

و فيه:أنّه يؤذن بعدم شمول التّحدّي لأولئك الرّؤساء.[إلى أن قال:]

و إمّا متعلّقة بشهداءكم و المراد بهم الأصنام و(دون)بمعنى التّجاوز على أنّها ظرف مستقرّ وقع حالا من ضمير المخاطبين و العامل ما دلّ عليه (شهداءكم)أي أدعوا أصنامكم الّذين اتّخذتموهم آلهة متجاوزين اللّه تعالى في اتّخاذها كذلك و كلمة(من) ابتدائيّة فإنّ الاتّخاذ ابتداء من التّجاوز و التّعبير عن الأصنام بالشّهداء لتعيين مدار الاستظهار بها بتذكير ما زعموا من أنّها بمكان من اللّه تعالى و أنّها تنفعهم بشهادتها لهم أنّهم على الحقّ فأنّ ما هذا شأنه يجب أن يكون ملاذا لهم في كلّ أمر مهمّ و ملجأ يأوون إليه في كلّ خطب ملمّ كأنّه قيل:أولئك عدّتكم فادعوهم لهذه الدّاهية الّتي دهمتكم فوجه الالتفات الإيذان بكمال سخافة عقولهم حيث آثروا على عبادة من له الألوهيّة الجامعة لجميع صفات الكمال ما لا أحقر منه و قيل:لفظه(دون)مستعار من معناها الوضعيّ الّذي هو أدنى مكان من شيء لقدّامه.(1:88)

نحوه البروسويّ.(1:79)

الآلوسيّ:.و(من)لابتداء الغاية متعلّقة ب اُدْعُوا و(دون)تستعمل بمعنى التّجاوز في محلّ النّصب على الحال،و المعنى:ادعوا إلى المعارضة من يحضركم أو من ينصركم بزعمكم،متجاوزين اللّه تعالى في الدّعاء بأن لا تدعوه،و الأمر للتّعجيز و الإرشاد.

أو ادعوا من دون اللّه من يقيم لكم الشّهادة بأنّ ما أتيتم به مماثلة،فإنّهم لا يشهدون،و لا تدعوا اللّه تعالى للشّهادة بأن تقولوا:اللّه تعالى شاهد و عالم بأنّه مثله، فإنّ ذلك علامة العجز و الانقطاع عن إقامة البيّنة، و الأمر حينئذ للتّبكيت.(1:195)

ابن عاشور:أي ادعوهم من دون اللّه كدأبكم في الفزع إليهم عند مهمّاتكم،معرضين بدعائهم و استنجادهم عن دعاء اللّه و اللّجإ إليه،ففي الآية إدماج توبيخهم على الشّرك في أثناء التّعجيز عن المعارضة،و هذا الإدماج من أفانين البلاغة أن يكون مراد البليغ غرضين،فيقرن الغرض المسوق له الكلام

ص: 392

بالغرض الثّاني،و فيه تظهر مقدرة البليغ،إذ يأتي بذلك الاقتران بدون خروج عن غرضه المسوق له الكلام و لا تكلّف.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد قضى بذلك حقّ إرضائها بأنّه لا يحفل بإقامة غيرها،و قد عدّ الإدماج من المحسّنات البديعة،و هو جدير بأن يعدّ في الأبواب البلاغيّة في مبحث «الإطناب»،أو تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظّاهر،فإنّ آلهتهم أنصار لهم في زعمهم.

و يجوز أن يكون المراد:ادعوا نصراءكم من أهل البلاغة،فيكون تعجيزا للعامّة و الخاصّة،و ادعوا من يشهد بمماثلة ما أتيتم به لما نزّلنا،على نحو قوله تعالى:

قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هذا الأنعام:150،و يكون قوله: مِنْ دُونِ اللّهِ على هذه الوجوه حالا من الضّمير في اُدْعُوا، أو من شُهَداءَكُمْ أي في حال كونكم غير داعين لذلك اللّه،أو حال كون الشّهداء غير اللّه،بمعنى اجعلوا جانب اللّه الّذي أنزل الكتاب كالجانب المشهود عليه،فقد آذنّاكم بذلك تيسيرا عليكم،لأنّ شدّة تسجيل العجز تكون بمقدار تيسير أسباب العمل.و جوّز أن يكون (دون)بمعنى«أمام»و«بين يدي»يعني ادعوا شهداءكم بين يدي اللّه.[ثمّ استشهد بشعر]

كما جوّز أن يكون مِنْ دُونِ اللّهِ بمعنى من دون حزب اللّه،و هم المؤمنون،أي احضروا شهداء من الّذين هم على دينكم فقد رضيناهم شهودا،فإنّ البارع في صناعة لا يرضى بأن يشهد بتصحيح فاسدها،و عكسه إباءة أن ينسب إلى سوء المعرفة أو الجور،و كلاهما لا يرضاه ذو المروءة،و قديما كانت العرب تتنافر و تتحاكم إلى عقلائها و حكّامها،فما كانوا يحفظون لهم غلطا أو جورا.(1:334)

طه الدّرّة:«دون»من الدّنوّ،و هو القرب،و مثله أدنى،و منه:تدوين الكتب،لأنّه إدناء،أي تقريب البعض إلى البعض،ثمّ استعير للرّتب،فيقال:زيد دون عمرو،أي في الشّرف و السّيادة،ثمّ اتّسع فيهما فاستعملا في كلّ تجاوز حدّ إلى حدّ،هذا.و يأتي«دون» بمعنى«قدّام».(1:55،56)

مكارم الشّيرازيّ: مِنْ دُونِ اللّهِ: إشارة إلى عجز جميع البشريّة عن الإتيان بسورة قرآنيّة و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا،و إلى قدرة اللّه وحده على ذلك.

(1:107)

فضل اللّه:الّذين اتّخذتموهم آلهة مِنْ دُونِ اللّهِ و زعمتم أنّهم يملكون القوّة الكبيرة الّتي تميّزهم عن النّاس،و اعتقدتم أنّهم يشهدون لكم،في حضورهم القويّ الفاعل الّذي يتدخّل لإعانتكم،في ما لا تقدرون عليه إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم و التزامكم بالشّرك.(1:172)

2- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

البقرة:94

ابن عاشور:«دون»في الأصل:ظرف للمكان الأقرب من مكان آخر،غير متصرّف،و هو مجاز في المفارقة،فلذلك تدلّ على تخالف الأوصاف أو

ص: 393

الأحوال؛تقول:هذا لك دون زيد،أي لا حقّ لزيد فيه، فقوله: مِنْ دُونِ النّاسِ توكيد لمعنى الاختصاص المستفاد من تقديم الخبر،و من قوله: خالِصَةً لدفع احتمال أن يكون المراد من الخلوص الصّفاء من المشارك في درجاتهم مع كونه له حظّ من النّعيم.

(1:597)

3- وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ.

البقرة:107

الطّبريّ:معنى قوله: مِنْ دُونِ اللّهِ، فإنّه سوى اللّه،و بعد اللّه.[ثمّ استشهد بشعر]

فمعنى الكلام إذا:و ليس لكم أيّها المؤمنون بعد اللّه من قيّم بأمركم...(1:529)

4- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ... آل عمران:28

الزّجّاج:معنى مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، أي لا يجعل ولاية لمن هو غير مؤمن،أي لا يتناول الولاية من مكان دون مكان المؤمنين،و هذا كلام جرى على المثل في المكان،كما تقول:زيد دونك،فلست تريد أنّه في موضع مستقلّ و أنّك في موضع مرتفع،و لكنّك جعلت الشّرف بمنزلة الارتفاع في المكان،و جعلت الخسّة كالاستقبال في المكان.فالمعنى أنّ المكان المرتفع في الولاية مكان المؤمنين.(1:396)

الزّمخشريّ:يعني أنّ لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين،فلا تؤثروهم عليهم.

(1:422)

ابن عطيّة: مِنْ دُونِ: عبارة عن كون الشّيء الّذي تضاف إليه دُونِ غائبا متنحّيا ليس من الأمر الأوّل في شيء.و في المثل:«و أمر دون عبيدة الوذم»كأنّه من غير أن ينتهي إلى الشّيء الّذي تضاف إليه،و رتّبها الزّجّاج المضادّة للشّرف من الشّيء الدّون،و فيما قاله نظر.(1:419)

أبو السّعود: مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ في موضع الحال،أي متجاوزين المؤمنين إليهم استقلالا أو اشتراكا.و فيه إشارة إلى أنّهم الأحقّاء بالموالاة،و أنّ في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة.(1:353)

الطّباطبائيّ: دُونِ في قوله: مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، كأنّه ظرف يفيد معنى«عند»،مع شوب من معنى السّفالة و القصور،و المعنى مبتدئا من مكان دون مكان المؤمنين،فإنّهم أعلى مكانا.

و الظّاهر أنّ ذلك هو الأصل في معنى دُونِ فكان في الأصل يفيد معنى الدّنوّ مع خصوصيّة الانخفاض،فقولهم:دونك زيد،أي هو في مكان يدنو من مكانك و أخفض منه،كالدّرجة دون الدّرجة،ثمّ استعمل بمعنى«غير»،كقوله: إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ المائدة:116،و قوله: وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48،أي ما سوى ذلك،أو ما هو أدون من ذلك و أهون،كذا استعمل اسم فعل كقولهم:دونك زيدا،أي ألزمه؛كلّ ذلك من جهة الانطباق على المورد دون الاشتراك اللّفظيّ.(3:152)

مكارم الشّيرازيّ:إشارة إلى أنّ النّاس في حياتهم الاجتماعيّة لا بدّ لهم من اتّخاذ الأولياء

ص: 394

و الأصدقاء،فعلى المؤمنين أن يختاروا أولياءهم من بين المؤمنين،لا من بين الكافرين.(2:334)

5- ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللّهِ...

آل عمران:79

ابن عاشور: مِنْ دُونِ اللّهِ :قيد قصد منه تشنيع القول بأن يكونوا عبادا للقائل بأنّ ذلك يقتضي أنّهم انسلخوا عن العبوديّة للّه تعالى إلى عبوديّة البشر، لأنّ حقيقة العبوديّة لا تقبل التّجزئة لمعبودين،فإنّ النّصارى لمّا جعلوا عيسى ربّا لهم،و جعلوه ابنا للّه،قد لزمهم أنّهم انخلعوا عن عبوديّة اللّه،فلا جدوى لقولهم:

نحن عبد اللّه و عبيد عيسى،فلذلك جعلت مقالتهم مقتضية أنّ عيسى أمرهم بأن يكونوا عبادا له دون اللّه، و المعنى أنّ لآمر (1)بأن يكون النّاس عبادا له هو آمر بانصرافهم عن عبادة اللّه.(3:140)

الطّباطبائيّ:تقييد قوله: عِباداً لِي بقوله:

مِنْ دُونِ اللّهِ تقييد قهريّ،فإنّ اللّه سبحانه لا يقبل من العبادة إلاّ ما هو خالص لوجهه الكريم،كما قال تعالى: أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ الزّمر:3،فردّ عبادة من يعبد مع عبادته غيره حتّى بعنوان التّقرّب و التّوسّل و الاستشفاع.

على أنّ حقيقة العبادة لا تتحقّق إلاّ مع إعطاء استقلال ما للمعبود حتّى في صورة الإشراك،فإنّ الشّريك من حيث إنّه شريك مساهم ذو استقلال ما، و اللّه سبحانه له الرّبوبيّة المطلقة،فلا يتمّ ربوبيّته و لا تستقيم عبادته إلاّ مع نفي الاستقلال عن كلّ شيء من كلّ جهة،فعبادة غير اللّه عبادة له من دون اللّه،و إن عبد اللّه معه.(3:276)

6- لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً. النّساء:123

الطّبريّ:يعني من بعد اللّه و سواه.(4:295)

ابن عطيّة: مِنْ دُونِ: لفظة تقتضي عدم المذكور بعدها من النّازلة،و يفسّرها بعض المفسّرين ب«غير»،و هو تفسير لا يطّرد.(2:116)

أبو السّعود:أي مجاوزا لموالاة اللّه و نصرته.

(2:200)

7- قُلْ أَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً وَ اللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. المائدة:76

ابن عاشور:معنى مِنْ دُونِ اللّهِ غير اللّه.

ف(من)للتّوكيد،و تَعْبُدُونَ اسم للمغاير،فهو مرادف ل«سوى»أي أ تعبدون معبودا هو غير اللّه، أي أ تشركون مع اللّه غيره في الإلهيّة،و ليس المعنى أ تعبدون معبودا و تتركون عبادة اللّه.(5:176)..

ص: 395


1- كذا و الظّاهر:أنّ الآمر...

8- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ... الأنعام:56

الطّبريّ:قل يا محمّد لهؤلاء المشركين بربّهم من قومك،العادلين به الأوثان و الأنداد،الّذين يدعونك إلى موافقتهم على دينهم و عبادة الأوثان...(5:208)

الزّجّاج:كانوا يعبدون الأصنام.(2:255)

ابن عاشور: مِنْ دُونِ اللّهِ حال من المفعول المحذوف،فعامله تَدْعُونَ. و هو حكاية لما غلب على المشركين من الاشتغال بعبادة الأصنام و دعائهم عن عبادة اللّه و دعائه،حتّى كأنّهم عبدوهم دون اللّه، و إن كانوا إنّما أشركوهم بالعبادة مع اللّه و لو في بعض الأوقات.و فيه نداء عليهم باضطراب عقيدتهم؛إذ أشركوا مع اللّه في العبادة من لا يستحقّونها،مع أنّهم قائلون بأنّ اللّه هو مالك الأصنام و جاعلها شفعاء، لكن ذلك كالعدم،لأنّ كلّ عبادة توجّهوا بها إلى الأصنام قد اعتدوا بها على حقّ اللّه في أن يصرفوها إليه.(6:128)

9- إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ. الأعراف:81

ابن عاشور: مِنْ دُونِ النِّساءِ: زيادة في التّفظيع و قطع للعذر في فعل هذه الفاحشة،و ليس قيدا للإنكار،فليس إتيان الرّجال مع إتيان النّساء بأقلّ من الآخر فظاعة،و لكنّ المراد أنّ إتيان الرّجال كلّه واقع في حالة من حقّها إتيان النّساء،كما قال في الآية الأخرى: وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ الشّعراء:166.(8:179)

10- وَ قَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصّالِحُونَ وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ... الأعراف:168

الزّمخشريّ:و منهم ناس دون ذلك الوصف، منحطّون عنه،و هم الكفرة و الفسقة.فإن قلت:ما محلّ دُونَ ذلِكَ ؟ قلت:الرّفع،و هو صفة لموصوف محذوف،معناه:و منهم ناس منحطّون عن الصّلاح.

(2:127)

أبو السّعود:أي ناس دون ذلك الوصف،أي منحطّون عن الصّلاح،و هم كفرتهم و فسقتهم.(3:47)

ابن عاشور:و شمل قوله: وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ كلّ من لم يكن صالحا على اختلاف مراتب فقدان الصّلاح منهم.[إلى أن قال:]

و انتصب دُونَ ذلِكَ على الظّرفيّة وصفا لمحذوف دلّ عليه قوله: مِنْهُمُ، أي و منهم فريق دون ذلك،و يجوز أن تكون(من)بمعنى بعض اسما عند من يجوّز ذلك،فهي مبتدأ،و دُونَ خبر عنه.

(8:337)

11- وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ. الأعراف:205

ابن عاشور:هو مقابل لكلّ من التّضرّع و الخيفة،و هو الذّكر المتوسّط بين الجهر و الإسرار، و المقصود من ذلك استيعاب أحوال الذّكر باللّسان،

ص: 396

لأنّ بعضها قد تكون النّفس أنشط إليه منها إلى البعض الآخر.(8:413)

12- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. هود:13

ابن عاشور: مِنْ دُونِ اللّهِ: وصف ل مَنِ اسْتَطَعْتُمْ، و نكتة ذكر هذا الوصف التّذكير بأنّهم أنكروا أن يكون من عند اللّه،فلمّا عمّم لهم في الاستعانة بمن استطاعوا أكّد أنّهم دون اللّه،فإن عجزوا عن الإتيان بعشر سور مثله-مع تمكّنهم من الاستعانة بكلّ من عدا اللّه-تبين أنّ هذا القرآن من عند اللّه.

(11:219)

13- أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ... هود:20

ابن عاشور: مِنْ دُونِ اللّهِ: متعلّق ب أَوْلِياءَ لما في الوليّ هنا من معاني الحائل و المباعد بقوله:

وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً النّساء:119.

و يجوز أن يراد ب«الأولياء»الأصنام الّتي تولّوها،أي أخلصوا لها المحبّة و العبادة.

و معنى نفي الأولياء عنهم بهذا المعنى نفي أثر هذا الوصف،أي لم تنفعهم أصنامهم و آلهتهم.

و مِنْ دُونِ اللّهِ على هذا الوجه بمعنى من غير اللّه،ف دُونِ اسم غير ظرف،و(من)الجارّة ل دُونِ زائدة تزاد في الظّروف غير المتصرّفة، و(من)الجارّة ل أَوْلِياءَ زائدة لاستغراق الجنس المنفيّ،أي ما كان لهم فرد من أفراد جنس الأولياء.

(11:231)

14- بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَ لَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ. المؤمنون:63

أبو العالية:لهم خطايا من دون الحقّ.

(الطّوسيّ 7:379)

مثله مجاهد(الطّوسيّ 7:379)،و قتادة (الماورديّ 4:60).

مجاهد:أعمالا من دون ما هم عليه،لا بدّ من أن يعملوها.

مثله الحسن و ابن زيد.(الطّوسيّ 7:379)

يحيى بن سلاّم:أعمال رديئة لم يعملوها و سيعملونها.(الماورديّ 4:60)

الطّبريّ:من دون أعمال أهل الإيمان باللّه،و أهل التّقوى،و الخشية له.(9:227)

نحوه الثّعلبيّ.(7:51)

الماورديّ:فيه وجهان:[و نقل قول قتادة و يحيى ابن سلاّم و أضاف:]

و يحتمل وجها ثالثا:أنّه ظلم المخلوقين مع الكفر بالخالق.(4:60)

الفخر الرّازيّ:أي أعمال سوى ذلك،أي سوى جهلهم و كفرهم،ثمّ قال بعضهم أراد أعمالهم في الحال، و قال بعضهم:بل أراد المستقبل،و هذا أقرب،لأنّ

ص: 397

قوله: هُمْ لَها عامِلُونَ إلى الاستقبال أقرب.

(23:109)

ابن عاشور: دُونِ: تدلّ على المخالفة لأحوال المؤمنين،أي ليسوا أهلا للتّحلّي بمثل تلك المكارم.

و قوله: وَ لَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ يبيّن،هذا،أي و أعمالهم الّتي يعملونها غير ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و لام لَهُمْ أَعْمالٌ للاختصاص،و تقديم المجرور بها على المبدإ (1)لقصر المسند إليه على المسند، أي لهم أعمال لا يعملون غيرها من أعمال الإيمان و الخيرات.(18:65)

الطّباطبائيّ:أي من غير ما وصفناه من حال المؤمنين،و هو كناية عن أنّ لهم شاغلا يشغلهم عن هذه الخيرات و الأعمال الصّالحة،و هو الأعمال الرّديئة الخبيثة الّتي هم لها عاملون.(15:44)

15- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ...

سبأ:22

ابن عاشور:و معنى مِنْ دُونِ اللّهِ أنّهم مبتدءون من جانب غير جانب اللّه،أي زعمتموهم آلهة مبتدءين إيّاهم من ناحية غير اللّه،لأنّهم حين يعبدونهم قد شغلوا بعبادتهم،ففرّطوا في عبادة اللّه المستحقّ للعبادة،و تجاوزوا حقّ إلهيّته في أحوال كثيرة و أوقات وفيرة.(22:52)

16- أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللّهِ تُرِيدُونَ. الصّافّات:86

ابن عاشور: دُونَ اللّهِ، أي خلاف اللّه و غيره،و هذا صالح لاعتبار قومه عبدة أوثان غير معترفين بإله غير أصنامهم،و لاعتبارهم مشركين مع اللّه آلهة أخرى مثل المشركين من العرب،لأنّ العرب بقيت فيهم أثارة من الحنيفيّة،فلم ينسوا وصف اللّه بالإلهيّة،و كان قوم إبراهيم و هم-الكلدان-يعبدون الكواكب،نظير ما كان عليه اليونان و القبط.(23:54)

17- ...فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً. الفتح:27

الطّبريّ:دون دخولهم المسجد الحرام محلّقين رءوسهم و مقصّرين.(11:368)

نحوه الثّعلبيّ(9:64)،و أبو السّعود(6:107).

الزّمخشريّ:أي من دون فتح مكّة.(3:550)

ابن عطيّة:أي من قبل ذلك و فيما يدنو إليكم.

(5:140)

18- وَ أَنّا مِنَّا الصّالِحُونَ وَ مِنّا دُونَ ذلِكَ كُنّا طَرائِقَ قِدَداً. الجنّ:11

الماورديّ: وَ مِنّا دُونَ ذلِكَ يعني المشركين.

و يحتمل أن يريد ب«الصّالحين»أهل الخير، و ب دُونَ ذلِكَ أهل الشّرّ و من بين الطّرفين علىدأ

ص: 398


1- كذا و الظّاهر:المبتدأ

تدريج،و هو أشبه في حمله على الإيمان و الشّرك،لأنّه إخبار منهم عن تقدّم حالهم قبل إيمانهم.(6:113)

الطّوسيّ:المعنى أنّ منّا الصّالحين في مراتب عالية،و منّا دون ذلك في الرّتبة.(10:152)

الزّمخشريّ:هم المقتصدون في الصّلاح غير الكاملين فيه،أو أرادوا الطّالحين.(4:169)

نحوه الفخر الرّازيّ.(30:159)

ابن عطيّة:أي غير الصّالحين،كأنّه قال:و منّا قوم أو فرقة دون صالحين،و هي لفظة تقع أحيانا موقع «غير».(5:381)

أبو السّعود:أي قوم دون ذلك،فحذف الموصوف،و هم المقتصدون في صلاح الحال على الوجه المذكور،لا في الإيمان و التّقوى كما توهّم،فإنّ هذا بيان لحالهم قبل استماع القرآن.(6:316)

ابن عاشور: دُونَ: اسم بمعنى«تحت»،و هو ضدّ«فوق»،و لذلك كثر نصبه على الظّرفيّة المكانيّة، أي في مكان منحطّ عن الصّالحين.و التّقدير:و منّا فريق في مرتبة دونهم.

و ظرفيّة دُونَ مجازيّة.و وقع الظّرف هنا ظرفا مستقرّا في محلّ الصّفة لموصوف محذوف،تقديره:

فريق،كقوله تعالى: وَ ما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ الصّافّات:164،و يطّرد حذف الموصوف إذا كان بعض اسم مجرور بحرف«من»مقدّم عليه،و كانت الصّفة ظرفا كما هنا،أو جملة،كقول العرب:منّا ظعن و منّا أقام.(29:215)

دونه

1- أَ لَيْسَ اللّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ. الزّمر:36

السّدّيّ:يقول بآلهتهم الّتي كانوا يعبدون.

(الطّبريّ 11:7)

نحوه الكلبيّ(الماورديّ 5:127)،و ابن زيد (الطّبريّ 11:7).

الطّبريّ:بالّذين من دون اللّه من الأوثان و الآلهة أن تصيبك بسوء ببراءتك منها و عيبك لها،و اللّه كافيك ذلك.(11:7)

الماورديّ:فيه وجهان:أحدهما:[قول السّدّيّ و الكلبيّ]

الثّاني:يخوّفونه من أنفسهم بالوعيد و التّهديد.

(5:127)

ابن عاشور:و(الذين من دونه):هم الأصنام.

عبّر عنهم-و هم حجارة-بموصول العقلاء لكثرة استعمال التّعبير عنهم في الكلام بصيغ العقلاء.و مِنْ دُونِهِ صلة الموصول على تقدير محذوف يتعلّق به المجرور دلّ عليه السّياق،تقديره:اتّخذوهم من دونه أو عبدوهم من دونه.(24:91)

الطّباطبائيّ:المراد ب(الذين من دونه) آلهتهم من دون اللّه على ما يستفاد من السّياق.(17:261)

2- وَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. الزّمر:45

ص: 399

الطّبريّ:يقول:و إذا ذكر الآلهة الّتي يدعونها من دون اللّه مع اللّه،فقيل:تلك الغرانيق العلى،و إنّ شفاعتها لترتجى،إذا الّذين لا يؤمنون بالآخرة يستبشرون بذلك و يفرحون.(11:11)

ابن عاشور:معنى وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إذا ذكرت أصنامهم بوصف الإلهيّة،و ذلك حين يسمعون أقوال جماعة المشركين في أحاديثهم و أيمانهم باللاّت و العزّى،أي و لم يذكر اسم اللّه معها، فاستبشارهم بالاقتصار على ذكر أصنامهم مؤذن بأنّهم يرجّحون جانب الأصنام على جانب اللّه تعالى.

و الذّكر:هو النّطق بالاسم...

و التّعبير عن آلهتهم ب اَلَّذِينَ مِنْ دُونِهِ دون لفظ شركائهم أو شفعائهم،للإيماء إلى أنّ علّة استبشارهم بذلك الذّكر هو أنّه ذكر من هم دون اللّه، أي ذكر مناسب لهذه الصّلة،أي هو ذكر خال عن اسم اللّه،فالمعنى:و إذا ذكر شركاؤهم دون ذكر اللّه إذا هم يستبشرون...

و ذكر جمع من المفسّرين لقوله: وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ أنّه إشارة إلى ما يروى من قصّة الغرانيق، و نسب تفسير ذلك بذلك إلى مجاهد،و هو بعيد عن سياق الآية.

و من البناء على الأخبار الموضوعة فللّه درّ من أعرضوا عن ذكر ذلك.(24:104)

الطّباطبائيّ:المراد ب اَلَّذِينَ مِنْ دُونِهِ آلهتهم.

(17:271)

دونها

حَتّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً. الكهف:90

ابن عبّاس:بينهم و بين الشّمس.(252)

نحوه قتادة.(الثّعلبيّ 6:192)

دونهما

1- حَتّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً. الكهف:93

ابن عبّاس:من دون الجبلين.(252)

الطّبريّ:من دون السّدّين.(8:279)

مثله الماورديّ(3:341)،و الطّوسيّ(7:89)

الفخر الرّازيّ:أي من ورائهما مجاوزا عنهما.

(21:170)

2- وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ. الرّحمن:62

الطّبريّ:اختلف أهل التّأويل في معنى قوله:

وَ مِنْ دُونِهِما في هذا الموضع،فقال بعضهم:معنى ذلك:و من دونهما في الدّرج.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:و من دونهما في الفضل.(11:610)

الماورديّ:فيه وجهان:

أحدهما:أي أقرب منهما جنّتان.

الثّاني:أي دون صفتهما جنّتان.(5:440)

ابن عاشور:و معنى مِنْ دُونِهِما يحتمل أنّ (دون)بمعنى«غير»،أي و لمن خاف مقام ربّه

ص: 400

جنّتان،و جنّتان أخريان غيرهما،كقوله تعالى:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ يونس:26.

(27:252)

و لاحظ الآيتين:الزّخرف:86،و النّساء:48، في:د ع و:«يدعون»و:ش رك:«ان يشرك».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّون:الحقير الخسيس، يقال:رجل دون،أي ليس بلا حقّ،و ثوب دون:

رديء.

و دون:يفيد التّحقير و التّقريب،يكون ظرفا فينصب،نحو:هذا دونك،و ادن دونك:اقترب منّي فيما بيني و بينك.و دونك الشّيء و دونك به:خذه،و دونك هذا الشّيء و هذا الأمر:عليك،يقال في الإغراء.

و يكون اسما فيدخل عليه حرف الجرّ،نحو:هذا من دونك،و هو من دون النّاس و المتاع:من مقاربهما، و أنت رجل من دون،و هذا شيء من دون،و لو لا أنّك من دون لم ترض بذا.

و ذكروا للفظ:«دون»معاني كثيرة،و منها:

قبل:دون قتل الأسد أهوال.

أمام:رائد القوم دونهم.

وراء:هذا أمير على ما دون جيحون.

تحت:دون قدمك خدّ عدوّك.

فوق:إنّ فلانا لشريف،فيقال:و دون ذلك،أي فوق ذلك.

الوعيد:دونك صراعي.

الإغراء:دونك زيدا،أي ألزمه في حفظه.

الأمر:دونك الدّرهم،أي خذه.

غير: وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ النّساء:48.

السّاقط من النّاس و غيرهم:زيد دونك.

2-و ذكر الخليل أنّ الدّون لا يشتقّ منه فعل، و إليه ذهب الجوهريّ أيضا،و قال:«و بعضهم يقول منه:دان يدون دونا،و أدين إدانة،و يروي قول عديّ:لم يدن،و غيره يرويه:لم يدنّ،بتشديد النّون على ما لم يسمّ فاعله،من:دنّى يدنّي،أي ضعف».

و كان ابن فارس قد روى ذلك عن القتيبيّ،ثمّ استشهد بقول شاعر أهل الشّام عديّ بن الرّقاع المتوفّى عام:(95 ه):

أنسل الذّرعان غرب جذم

و علا الرّبرب أزم لم يدن

رواه في المقاييس«لم يدن»بسكون النّون،و في المجمل«لم يدنّ»بتشديدها.و رواية التّشديد في هذا الحرف تؤيّد ما ذهب إليه الخليل و الجوهريّ و غيرهما.

3-و استعمل المولّدون فعلا آخر من«دون»؛ قالوا:دوّن الحديث و غيره يدوّنه تدوينا،أي كتبه.

و لعلّ أوّل من استحدثه عبد الكريم بن محمّد القزوينيّ الشّافعيّ المتوفّى عام:(622 ه)،فسمّى كتابه الّذي صنّفه في سير علماء مدينة قزوين باسم«التّدوين في تاريخ قزوين».

ثمّ حذا حذوه أعلام آخرون،و منهم القرطبيّ صاحب تفسير«الجامع لأحكام القرآن»المتوفّى

ص: 401

عام:(671 ه)،حيث قال في تفسير قوله تعالى:

قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ طه:52،«تدلّ على تدوين العلوم و كتبها لئلاّ تنسى».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(دون)143 مرّة في مثلها من الآيات:

أ-من دون اللّه

1-الدّعاء من دون اللّه:34 آية:1-34:

البقرة:23،النّساء:117،الأنعام:56،و 71، و 108،الأعراف:37،و 194،197،يونس:38، 66،106،هود:13،101،الرّعد:14،النّحل:20 ،86،الإسراء:56،الكهف:14،مريم:48،الحجّ:

12،62،73،العنكبوت:42،لقمان:30،سبأ:22، فاطر:13،40،الزّمر:20،38،المؤمن:20،66، الزّخرف:86،الأحقاف:4،5.راجع:د ع و.

2-العبادة من دون اللّه:24 آية:35-58:

آل عمران:79،118،المائدة:76،الأنفال:60، يونس:18،104،هود:55،يوسف:40،النّحل:

35،73،مريم:49،الأنبياء:66،67،98،الحجّ:

71،الفرقان:17،55،الشّعراء:93،النّمل:43، العنكبوت:17،الصّافّات:22،الزّمر:15،الرّحمن:

62،الممتحنة:4.راجع:ع ب د.

3-الولاية من دون اللّه:30 آية:590-88:

البقرة:107،النّساء:119،123،173،الأنعام :51،70،الأعراف:3،30،التّوبة:116،هود:20 ،113،الرّعد:11،16،الإسراء:97،102،الكهف :26،50،الفرقان:18،العنكبوت:22،41، السّجدة:4،الأحزاب:17،سبأ:41،الشّورى:6، 9،31،46،الزّمر:3،الجاثية:10،الأحقاف:32.

راجع:و ل ي.

4-اتّخاذ الآلهة من دون اللّه:21 آية:89-109:

البقرة:165،آل عمران:64،المائدة:116، التّوبة:16،31،يونس:37،الكهف:15،مريم:

81،الأنبياء:24،29،43،الفرقان:30،النّمل:

24،العنكبوت:25،يس:23،74،الصّافّات:86، الزّمر:43،المؤمن:73،الأحقاف:28،النّجم:58.

راجع:أ ل ه.

5-من دون الرّحمن:

110- وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَ جَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ الزّخرف:45

111- أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ الملك:20

6-اتّخاذ الأنصار من دونه:

112- ...فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْصاراً نوح:25

113- وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ ما كانَ مُنْتَصِراً الكهف:43

114- فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ القصص:81

7-اتّخاذ الوكيل دونه:

115- أَلاّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً الإسراء:2

ص: 402

8-من دونه ملتحدا:

116- وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً

الكهف:27

117- قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً الجنّ:22

9-من دونه موئلا:

118- لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً الكهف:58

10-خلق من دونه:

119- هذا خَلْقُ اللّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ لقمان:11

11-التّخويف من دونه:

120- أَ لَيْسَ اللّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَ يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ... الزّمر:36

12-ذكر من دونه:

121- ...وَ إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ الزّمر:45

ب:من دون المؤمنين:

122- لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ... آل عمران:28

123- اَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ... النّساء:139

124- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً النّساء:144

125- ...إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ... الأحزاب:50

ج-دون النّساء:

126- إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ الأعراف:81

127- أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ النّمل:55

د-دون النّاس أو قوم:

128- فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا مريم:17

129- ...وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما... القصص:23

130- قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ البقرة:94

131- قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلّهِ مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الجمعة:6

ه-دون عمل أو شيء:

132- وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ الأعراف:205

133- وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ السّجدة:21

134- حَتّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً الكهف:90

135- حَتّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ

ص: 403

دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً الكهف:93

136 و 137- إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ... النّساء:48 و 116

138- وَ قَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصّالِحُونَ وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ... الأعراف:168

139- وَ مِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَ يَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَ كُنّا لَهُمْ حافِظِينَ

الأنبياء:82

140- بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَ لَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ المؤمنون:63

141- ...فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً الفتح:27

142- وَ إِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ الطّور:47

143- وَ أَنّا مِنَّا الصّالِحُونَ وَ مِنّا دُونَ ذلِكَ كُنّا طَرائِقَ قِدَداً الجنّ:11

و يلاحظ أوّلا:أنّ البحث حول هذه الآيات يناسب عناوينها مثل:«الدّعاء من دون اللّه»، و«العبادة من دون اللّه»،و«الولاية من دون اللّه»، و غيرها،و قد ذكرنا هنا بعض نصوصها التّفسيريّة، فلا يحتاج إلى بحث آخر حولها.

و ثانيا:أنّ 17 آية منها مدنيّة،و اثنتين مختلف فيهما،و الباقي مكّيّة،و سياقها جميعا التّوحيد و نفي الشّرك،أو ما يرجع إليهما.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

غير: قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السّاعَةُ أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الأنعام:40

الأدنى: ...قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ... البقرة:61

ص: 404

د ي ن

اشارة

13 لفظا،101 مرّة:54 مكّيّة،47 مدنيّة

في 40 سورة:26 مكّيّة،14 مدنيّة

يدينون 1:-1

لمدينون 1:1

مدينين 1:1

تداينتم 1:-1

دين 5:-5

دين 8:2-6

الدّين 54:35-19

دينا 4:1-3

دينه 2:-2

دينهم 10:5-5

دينكم 11:2-9

ديني 2:2

دين 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:جمع الدّين:ديون.و كلّ شيء لم يكن حاضرا فهو دين.

و أدنت فلانا أدينه أي أعطيته دينا.

و رجل مديون:قد ركبه دين،و مدين أجود.

و رجل دائن:عليه دين،و قد استدان و تديّن و ادّان،بمعنى واحد.

و رجل مدان،خفيفة:و رجل مدين،أي مستدين.

و الدّين:جمعه الأديان.

و الدّين:الجزاء،لا يجمع لأنّه مصدر،كقولك:دان اللّه العباد يدينهم يوم القيامة،أي يجزيهم،و هو ديّان العباد.

و الدّين:الطّاعة،و دانوا لفلان،أي أطاعوه.

و في المثل:«كما تدين تدان»،أي كما تأتي يؤتى إليك.

و الدّين:العادة،لم أسمع منه فعلا إلاّ في بيت واحد.

و المدينة:الأمة،و المدين:العبد.

و قوله تعالى: غَيْرَ مَدِينِينَ الواقعة:86،أي غير محاسبين.

و قوله تعالى: أَ إِنّا لَمَدِينُونَ الصّافّات:53، أي مملوكون بعد الممات،و يقال:لمجازون.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](8:72)

ص: 405

اللّيث:الدّين من الأمطار:ما تعاهد موضعا لا يزال يربّ به و يصيبه.(الأزهريّ 14:185)

الأمويّ:دنته:ملكته.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:184)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الدّين:العادة.[ثمّ استشهد بشعر](1:266)

الدّين:الطّاعة.[ثمّ استشهد بشعر](1:267)

مثله أبو زيد.(65)

أدان الرّجل أي صار له دين على النّاس.

(الأزهريّ 14:184)

الفرّاء:يقال:ديّنته:ملّكته.[ثمّ استشهد بشعر]

(الجوهريّ 5:2118)

اللّحيانيّ:ديّنت الرّجل في القضاء و فيما بينه و بين اللّه أي صدّقته.(الأزهريّ 14:185)

الدّين:معروف،و كلّ شيء غير حاضر:دين؛ و الجمع:أدين.(ابن سيده 9:397)

و الدّين:الدّاء.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 9:400)

أبو زيد:جئت لأطلب الدّينة؛هو اسم الدّين.

و ما أكثر دينته،أي دينه.

دنت الرّجل:حملته على ما يكره.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:183)

أبو عبيد:في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«الكيّس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت...».

قوله:«دان نفسه»الدّين يدخل في أشياء،فقوله هاهنا:«دان نفسه»،يقول:أذلّها،أي استعبدها.يقال:

دنت القوم أدينهم،إذا فعلت ذلك بهم.

و الدّين للّه تعالى من هذا،إنّما هو طاعته و التّعبّد له.

و الدّين أيضا:الحساب،قال اللّه تبارك و تعالى في الشّهور: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ التّوبة:

36،و لهذا قيل ليوم القيامة:يوم الدّين،إنّما هو يوم الحساب.

و قد يكون قوله:«من دان نفسه»،أي من حاسبها من الحساب.

و الدّين أيضا:الجزاء،من ذلك قولهم:«كما تدين تدان».

و الدّين:الحال.قال لي أعرابيّ:لو رأيتني على دين غير هذه،أي حال غير هذه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:438)

دنت الرّجل:أقرضته،و منه قالوا:رجل مدين، و مديون.

و دنته:استقرضت منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أدنت الرّجل،إذا أقرضته،و قد ادّان،إذا صار عليه دين.(الأزهريّ 14:182)

ابن الأعرابيّ:دنت و أنا أدين إذا أخذت دينا.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:183)

دان الرّجل إذا عزّ،و دان إذا ذلّ،و دان إذا أطاع، و دان إذا عصى،و دان إذا اعتاد خيرا أو شرّا،و دان إذا أصابه الدّين؛و هو داء.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:184)

ديّنت الحالف،أي نوّيته فيما حلف و هو

ص: 406

التّديين.(الأزهريّ 14:185)

ابن السّكّيت:و يقال:قد أدنته،إذا بعته بالدّين، و قد دنته،إذا جزيته.(إصلاح المنطق:238)

و يقال:قد أدان يدين،إذا باع بدين إدانة.و دان يدين دينا،إذا كثر دينه.و قد دانه بما فعل يدينه،إذا جازاه.و قد دان له يدين،إذا كان في طاعته.

(إصلاح المنطق:260)

شمر:ادّان الرّجل،إذا كثر عليه الدّين.[ثمّ استشهد بشعر]

المدّان:الّذي لا يزال عليه دين،و المديان:إذا شئت جعلته الّذي يقرض كثيرا،و إذا شئت جعلته الّذي يستقرض كثيرا،و الدّائن:الّذي يستدين، و الدّائن:الّذي يجري الدّين.(الأزهريّ 14:183)

رجل مدين و مدان و مديون و دائن:كلّه الّذي عليه الدّين،و كذلك المدّان.

فأمّا المدين فالّذي يبيع بدين.(الأزهريّ 14:184)

أبو الهيثم:أدنت الرّجل:بعته بدين.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:184)

ثعلب:دان الرّجل،إذا أطاع،و دان إذا عصى، و دان إذا عزّ،و دان إذا ذلّ،و دان إذا قهر،فهو من الأضداد.

و يطلق الدّين على العادة و الشّأن.[ثمّ استشهد بشعر](القرطبيّ 1:144)

الزّجّاج:الدّين في اللّغة:الجزاء.يقال:«كما تدين تدان»،المعنى:كما تعمل تعطى،و تجازى.[ثمّ استشهد بشعر]

و الدّين:أيضا في اللّغة:العادة.(1:47)

دان الرّجل يدين و أدان يدان،أي لزمه الدّين.

(فعلت و أفعلت:15)

ابن دريد:الدّين:معروف.و رجل مدين و مديون،و هو الأصل،إذا كان عليه دين،و مدان أيضا.

و قال قوم:مدان:عليه دين،و مدّان:يأخذ الدّين.

و الدّين:الملّة؛دين اللّه:ملّة اللّه الّتي اختصّها،و هي الإسلام.

و الدّين:الدّأب و العادة؛ما زال ذاك دينه،أي دأبه و عادته.

و الدّين:الطّاعة،و منه قوله تعالى: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يوسف:76،أي في طاعته.

و الدّين:الجزاء،قال اللّه جلّ و عزّ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الفاتحة:2،أي الجزاء؛و اللّه أعلم.

و المثل السّائر:«كما تدين تدان»،أي كما تفعل يفعل بك.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:305)

الأزهريّ:أبو عبيد:الدّين الحساب،و منه قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الفاتحة:2،و قال غيره:

مالك يوم الجزاء،و منه قولهم:«كما تدين تدان»، و المعنى:كما تعمل تعطى و تجازى.

و الدّين أيضا:العادة،تقول العرب:ما زال ذلك ديني و ديدني،أي عادتي.

و قال ابن المظفّر:أدان الرّجل فهو مدين،أي مستدين.

قلت:و هذا خطأ عندي،و قد حكاه شمر لبعضهم،

ص: 407

و أظنّه أخذه عنده،و أدان معناه:أنّه باع بدين أو صار له على النّاس دين.

[ذكر قول اللّيث في معنى دين ثمّ قال:]

و هذا تصحيف قبيح من اللّيث أو ممّن زاده في كتابه.

و يقال:داينت الرّجل،إذا أقرضته.

و الدّيّان:من أسماء اللّه جلّ و عزّ،معناه:الحكم القاضي.

و سئل بعض السّلف عن عليّ بن أبي طالب،فقال:

«كان ديّان هذه الأمّة بعد نبيّها أي كان قاضيها و حاكمها.و الدّيّان:القهّار.

و يقال:رأيت بفلان دينة إذا رأى به سبب الموت.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](14:181)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و دائن:عليه دين،و قد يقال للّذي يعطي الدّين:

دائن.

و مدين.كثير الدّين،و مديان أيضا.

و جئت أطلب الدّينة،أي الدّين.

و بعته بدينة،أي بتأخير.

و رأيت بفلان دينه و ديانته،أي حتفه.

و دنت الرّجل:بمعنى أقرضته،فهو مدين و مديون.

و يجوز أن يكون بمعنى ذو دين.

و داينته،أي أقرضته إلى أجل،أو بايعته إلى أجل.

و الدّين:معروف؛و الجميع:الأديان،و رجل ديّن.

و الجزاء،و لا يجمع لأنّه مصدر،و اللّه ديّان يوم الدّين.

و القضاء،من قوله عزّ و جلّ: وَ إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ الذّاريات:6.

و الطّاعة،دانوا له،أي انقادوا و أطاعوا،و قوله:

«كما تدين تدان»أي كما تأتي يؤتى إليك.

و الحال،و العادة،و مطر يتعاهد موضعا لا يزال يربّ به و يصيبه.

و هذا دين قلبك الّذي دانه،و هو الحكم أيضا،من قوله عزّ ذكره: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يوسف:76.

و العبد:المدين،و الأمة:المدينة.و قوله جلّ ذكره: أَ إِنّا لَمَدِينُونَ الصّافّات:53،أي مملوكون بعد الموت،و قيل:مجازون.

و ديّنته أمري،أي ملّكته إيّاه.

و دانهم يدينهم،إذا قهرهم.

و دانوا له،أي ذلّوا و خضعوا،فهم دائنون له، و هم دين له.

و دين يدان،أي حمل على ما يكره.(9:359)

الخطّابيّ:في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه قال:تدور رحا الإسلام في ثلاث و ثلاثين سنة،أو أربع و ثلاثين سنة،فإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين سنة...».

قوله:«بقي لهم دينهم سبعين سنة...»أي ملكهم.

الدّين:الملك و السّلطان،قال اللّه تعالى: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يوسف:76،أي في سلطانه و ملكه.(1:550)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ وفد ثقيف لمّا انصرف كلّ رجل منهم إلى حامّته،قالوا:أتينا رجلا فظّا

ص: 408

غليظا،قد أظهر السّيف،و أداخ العرب،و دان له النّاس...».

قوله:«و دان له النّاس»يريد:أطاعوه كرها؛ و الدّين:الطّاعة.(1:580)

في حديث أبي عبيدة:«...هذا يدين و لا مال له إنّما المال مال أبيه».

قوله:«يدين و لا مال له»معناه:يأخذ الدّين، يقال:دان الرّجل و أدان و استدان،بمعنى واحد،و هو أن يأخذ الدّين.و أدان يدين،إذا أعطى غيره،فالمعطي مدين و الآخذ مدان.(2:236)

الجوهريّ:دان فلان يدين دينا:استقرض و صار عليه دين،فهو دائن.

و رجل مديون:كثر ما عليه من الدّين.و مديان، إذا كان عادته أن يأخذ بالدّين و يستقرض.

و أدان فلان إدانة،إذا باع من القوم إلى أجل، فصار له عليهم دين.تقول منه:أدّني عشرة دراهم.

و ادّان:استقرض،و هو«افتعل.»و في الحديث:

«ادّان معرضا»،أي استدان،و هو الّذي يعترض النّاس فيستدين ممّن أمكنه.

و تداينوا:تبايعوا بالدّين.

و استدانوا:استقرضوا.

و داينت فلانا،إذا عاملته فأعطيت دينا و أخذت بدين.و تداينا،كما تقول:قاتلته و تقاتلنا.

و بعته بدينة،أي بتأخير.

و الدّين بالكسر:العادة و الشّأن.

و دانه دينا،أي أذلّه و استعبده.يقال:دنته فدان، و في الحديث:«الكيّس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت».

و الدّين:الجزاء و المكافأة.يقال:دانه دينا،أي جازاه.يقال:«كما تدين تدان»أي كما تجازي تجازى،أي تجازى بفعلك و بحسب ما عملت.و قوله تعالى: أَ إِنّا لَمَدِينُونَ الصّافّات:53،أي مجزيّون محاسبون.و منه الدّيّان في صفة اللّه تعالى.

و قوم دين،أي دائنون.

و المدين:العبد.و المدينة:الأمة،كأنّهما أذلّهما العمل.و ناس يقولون:و منه سمّي المصر مدينة.

و الدّين:الطّاعة.و دان له،أي أطاعه.و منه الدّين؛و الجمع:الأديان.

يقال:دان بكذا ديانة و تديّن به،فهو ديّن و متديّن.

و ديّنت الرّجل تديينا،إذا وكلته إلى دينه.

[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](5:2117)

ابن فارس:الدّال و الياء و النّون أصل واحد، إليه يرجع فروعه كلّها.و هو جنس من الانقياد و الذّلّ.فالدّين:الطّاعة،يقال:دان له يدين دينا،إذا أصحب و انقاد و طاع.و قوم دين،أي مطيعون منقادون.

و المدينة كأنّها«مفعلة»سمّيت بذلك،لأنّها تقام فيها طاعة ذوي الأمر.

و المدينة:الأمة،و العبد مدين،كأنّهما أذلّهما العمل.

فأمّا قولهم:إنّ العادة يقال لها:دين،فإن كان

ص: 409

صحيحا،فلأنّ النفس إذا اعتادت شيئا مرّت معه، و انقادت له.

فأمّا قوله جلّ ثناؤه: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يوسف:76،فيقال:في طاعته،و يقال في حكمه.و منه: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الفاتحة:4،أي يوم الحكم.و قال قوم:الحساب و الجزاء.و أيّ ذلك كان،فهو أمر ينقاد له.

و من هذا الباب:الدّين،يقال:داينت فلانا،إذا عاملته دينا،إمّا أخذا و إمّا إعطاء.

و يقال:دنت و ادّنت،إذا أخذت بدين.و أدنت:

أقرضت و أعطيت دينا.

و الدّين:من قياس الباب المطّرد،لأنّ فيه كلّ الذّلّ و الذّل،و لذلك يقولون:«الدّين ذلّ بالنّهار، و غمّ باللّيل».[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](2:319)

أبو هلال:الفرق بين القرض و الدّين:أنّ القرض أكثر ما يستعمل في العين و الورق،و هو أن تأخذ من مال الرّجل درهما لتردّ عليه بدله درهما،فيبقى دينا عليك إلى أن تردّه.فكلّ قرض دين و ليس كلّ دين قرضا؛و ذلك أنّ أثمان ما يشترى بالنّسإ ديون و ليست بقروض.فالقرض يكون من جنس ما اقترض، و ليس كذلك الدّين.

و يجوز أن يفرق بينهما،فنقول:قولنا:يداينه،يفيد أنّه يعطيه ذلك ليأخذ منه بدله،و لهذا يقال:قضيت قرضه و أدّيت دينه و واجبه.و من أجل ذلك أيضا يقال:أدّيت صلاة الوقت و قضيت ما نسيت من الصّلاة،لأنّه بمنزلة القرض.(140)

الفرق بين الملّة و الدّين:أنّ الملّة اسم لجملة الشّريعة،و الدّين اسم لما عليه كلّ واحد من أهلها؛ أ لا ترى أنّه يقال:فلان حسن الدّين و لا يقال:حسن الملّة؟و إنّما يقال:هو من أهل الملّة،و يقال لخلاف الذّمّيّ:الملّيّ نسب إلى جملة الشّريعة،فلا يقال له:

ديني.و تقول:ديني دين الملائكة،و لا تقول:ملّتي ملّة الملائكة،لأنّ الملّة اسم للشّرائع،مع الإقرار باللّه.

و الدّين:ما يذهب إليه الإنسان،و يعتقد أنّه يقرّبه إلى اللّه و إن لم يكن فيه شرائع،مثل دين أهل الشّرك.

و كلّ ملّة دين،و ليس كلّ دين ملّة.و اليهوديّة ملّة لأنّ فيها شرائع،و ليس الشّرك ملّة.و إذا أطلق الدّين فهو الطّاعة العامّة الّتي يجازى عليها بالثّواب،مثل قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ آل عمران:

19،و إذا قيّد اختلف دلالته.و قد يسمّى كلّ واحد من الدّين و الملّة باسم الآخر في بعض المواضع،لتقارب معنييهما.

و الأصل ما قلناه،و الفرس تزعم:أنّ«الدّين» لفظ فارسيّ و تحتجّ بأنّهم يجدونه في كتبهم المؤلّفة قبل دخول العربيّة أرضهم بألف سنة،و يذكرون أنّ لهم خطّا يكتبون به كتابهم المنزل بزعمهم يسمّى:دين دوريّ أي كتابه الّذي سمّاه بذلك صاحبهم«زرادشت» و نحن نجد للدّين أصلا و اشتقاقا صحيحا في العربيّة و ما كان كذلك لا نحكم عليه بأنّه أعجميّ و إن صحّ ما قالوه،فإنّ الدّين قد حصل في العربيّة و الفارسيّة اسما لشيء واحد على جهة الاتّفاق،و قد يكون على جهة الاتّفاق ما هو أعجب من هذا،و أصل الملّة في العربيّة

ص: 410

الملّ،و هو أن يعدو الذّئب على سنّ ضربا من العدو، فسمّيت الملّة ملّة لاستمرار أهلها عليها.

و قيل أصلها التّكرار،من قولك طريق مليل إذا تكرّر سلوكه حتّى توطّأ.و منه الملل و هو تكرار الشّيء على النّفس حتّى تضجر.و قيل:الملّة مذهب جماعة يحمي بعضهم لبعض عند الأمور الحادثة، و أصلها من المليلة،و هي ضرب من الحمّى.و منه الملّة موضع النّار؛و ذلك أنّه إذا دفن فيه اللّحم و غيره، تكرّر عليه الحمّى حتّى ينضج.

و أصل الدّين الطّاعة،و دان النّاس لملكهم،أي أطاعوه.

و يجوز أن يكون أصله:العادة،ثمّ قيل للطّاعة:

دين،لأنّها تعتاد و توطّن النّفس عليها.(181)

الفرق بين الشّريعة و الدّين:أنّ الشّريعة هي الطّريقة المأخوذة فيها إلى الشّيء،و من ثمّ سمّي الطّريق إلى الماء:شريعة و مشرعة،و قيل:الشّارع لكثرة الأخذ فيه.و الدّين:ما يطاع به المعبود،و لكلّ واحد منّا دين،و ليس لكلّ واحد منّا شريعة.

و الشّريعة في هذا المعنى نظير الملّة،إلاّ أنّها تفيد ما يفيده الطّريق المأخوذ ما لا تفيده الملّة.و يقال:شرع في الدّين شريعة،كما يقال:طرق فيه طريقا،و الملّة تفيد استمرار أهلها عليها.(183)

الهرويّ:في بعض الأخبار:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على دين قومه».ليس معناه أنّه كان يشرك باللّه.هذا خطأ كبير،قال اللّه: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ التّوبة:

28.و حاشا له من هذه الصّفة،و إنّما المعنى:أنّه كان على دين قومه،يعني:ما كان يقرّ فيهم من إرث إبراهيم و إسماعيل في حجّهم،و مناكحهم و بيوعهم، و أساليبهم سوى التّوحيد،فإنّه لم يكن قطّ إلاّ عليه، و ما ينكر مرارا وفّقه اللّه عزّ و جلّ لذلك و قد وجده قسّ بن ساعدة و زيد بن عمرو بن نفيل،و ورقة بن نوفل في الجاهليّة الجهلاء.(2:665)

ابن سيده:الدّين:معروف.و دنت الرّجل، و أدنته:أعطيته الدّين إلى أجل.و قيل:دنته:أقرضته.

و أدنته:استقرضته منه.

و دان هو:أخذ الدّين.

و رجل دائن و مدين و مديون؛الأخيرة تميميّة.

و مدان:عليه الدّين،و قيل:هو الّذي عليه دين كثير.

و أدان،و استدان،و ادّان:أخذ بدين.و منه قول عمر:«فادّان معرضا».

و استدانه:طلب منه الدّين.

و استدانه:استقرض منه.

و دنته:أعطيته الدّين.

و تداين القوم و ادّاينوا:أخذوا بالدّين؛و الاسم:

الدّينة.

و أدان فلان النّاس:أعطاهم الدّين و أقرضهم.

و رجل مديان:يقرض النّاس،و كذلك الأنثى بغير هاء؛و جمعهما جميعا:مدايين.

و داينت فلانا،إذا أقرضته و أقرضك.

و قال:رماه اللّه بدينه،أي بالموت،لأنّه دين على كلّ أحد.

ص: 411

و الدّين:الجزاء.و دنته بفعله دينا و دينا:جزيته.

و قيل:الدّين:المصدر،و الدّين:الاسم.

و داينه مداينة و ديانا:كذلك أيضا.

و يوم الدّين:يوم الجزاء.

و الدّيّان:اللّه عزّ و جلّ.

و في المثل:«كما تدين تدان»أي كما تجازي تجازى،و قيل:كما تفعل يفعل بك.و الدّين:الحساب.

و الدّين:الطّاعة؛و قد دنته و دنت له.

و الدّين:الإسلام،و قد دنت به.و في حديث عليّ:

«محبّة العلماء دين يدان به».

و الدّين:العادة.

و الدّينة:كالدّين.

و دين:عوّد،و قيل:لا فعل له.

و دنت الرّجل:خدمته و أحسنت إليه.

و الدّين:الذّلّ.

و المدين:العبد.

و المدينة:الأمة.

و دنته أدينه دينا:سسته.

و ديّنته القوم:ولّيته سياستهم.

و الدّيّان:السّائس.

و الدّين:الحال.قال النّضر بن شميل:سألت أعرابيّا عن شيء،فقال:«لو لقيتني على دين غير هذه لأخبرتك».

و ديّن الرّجل في القضاء،و فيما بينه و بين اللّه:

صدقة.[و استشهد بالشّعر 14 مرّة](9:397)

الطّوسيّ:و الدّين:الحساب،و الدّين:الجزاء أيضا.

و الدّين:الطّاعة.و الدّين:الملك.و الدّين:القهر و الاستعلاء.و الدّين:العادة.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](1:36)

الرّاغب:يقال:دنت الرّجل:أخذت منه دينا، و أدنته:جعلته دائنا،و ذلك بأن تعطيه دينا.

و أدنت مثل دنت؛و أدنت،أي أقرضت.

و التّداين و المداينة:دفع الدّين،قال تعالى: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى البقرة:282،و قال:

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ النّساء:11.

و الدّين:يقال للطّاعة و الجزاء،و استعير للشّريعة،و الدّين:كالملّة،لكنّه يقال اعتبارا بالطّاعة و الانقياد للشّريعة،قال: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ آل عمران:19،و قال: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ النّساء:125،أي طاعة، وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ النّساء:146،و قوله تعالى:

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ النّساء:171، و ذلك حثّ على اتّباع دين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي هو أوسط الأديان،كما قال: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً البقرة:143،و قوله: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ البقرة:

256،قيل:يعني الطّاعة،فإنّ ذلك لا يكون في الحقيقة إلاّ بالإخلاص،و الإخلاص لا يتأتّى فيه الإكراه.

و قيل:إنّ ذلك مختصّ بأهل الكتاب الباذلين للجزية.

و قوله: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ آل عمران:83، يعني:الإسلام،بقوله: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ آل عمران:85،و على هذا قوله

ص: 412

تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ الصّفّ:9،و قوله: وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ التّوبة:

29،و قوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ النّساء:125، فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ الواقعة:86،أي غير مجزيّين.

و المدين و المدينة:العبد و الأمة:قيل:هو من دنته، إذا جازيته بطاعته.و جعل بعضهم«المدينة»من هذا الباب.(175)

الزّمخشريّ:دان فلان بدين الخرّميّة.

و رجل ديّن و متديّن.

و ديّنته:وكلته إلى دينه.

و تقول:أبعت بدين أم بعين؟و هي النّقد.

و دنت و ادّنت و تديّنت و استدنت:استقرضت.

و دنته و أدنته و ديّنته:أقرضته.

و داينت فلانا:عاملته بالدّين.و تداينوا.

و فلان دائن و مديون.

و دنته بما صنع:جزيته.كما تدين تدان.و منه:يوم الدّين.

و اللّه الدّيّان،و قيل:هو القهّار،من دان القوم،إذا ساسهم و قهرهم فدانوا له.

و دانوه:انقادوا له.

و قد دين الملك،و ملك مدين.

و الكيّس:من دان نفسه،و هم دائنون لفلان، و دين له.

و لفلان مدين و مدينة،أي عبد و أمة.و يقال:يا ابن المدينة.

و ديّنته أمرك:ملّكته إيّاه وسوسته.

و داينته:حاكمته.

«و كان عليّ ديّان هذه الأمّة بعد نبيّها»،أي قاضيها.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(أساس البلاغة:140)

[في قصّة أبو عبيدة]:«...هذا يدين و لا مال له...».

أدان يدين:إذا أخذ الدّين فهو دائن،و دنته:

أعطيته الدّين فهو مدين.(الفائق 1:352)

المدينيّ:في حديث عبد اللّه بن عمر:«لا تسبّوا السّلطان،فإن كان لا بدّ،فقولوا:اللّهمّ دنهم كما يدينوننا»أي اجزهم بما يعاملوننا به.

و منه حديث سلمان رضى اللّه عنه:«إنّ اللّه عزّ و جلّ ليدين للجمّاء من ذات القرن»أي يقتصّ له و يجزيه و يحاسبه.سمّي الفعل باسم الجزاء،و هذا عكس ما تجري به العادة من تسمية جزاء الشّيء باسمه.

عن مكحول قال:«الدّين بين يدي الذّهب و الفضّة،و العشر بين يدي الدّين في الزّرع و الإبل و البقر و الغنم».

قال أحمد:ابن عمر و ابن عبّاس:اختلفا في هذا، قال ابن عمر:يقضي الدّين و يزكّي ما بقي،و قال ابن عبّاس:ما استدان على الثّمرة فليقض من الثّمرة و ليزكّ.قال أحمد:إذا كان استقرض على الثّمرة فأنفق عليها يبدأ بالدّين فيقضيه،ثمّ ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النّفقة فيزكّي ما بقي،و لا يكون على رجل دينه أكثر من ماله صدقة في ضرع،أو إبل،أو بقر،أو زرع،و لا زكاة.(1:687)

ص: 413

ابن الأثير:في أسماء اللّه تعالى«الدّيّان»قيل:هو القهّار،و قيل:هو الحاكم و القاضي،و هو«فعّال»من دان النّاس،أي قهرهم على الطّاعة.يقال:دنتهم فدانوا،أي قهرتهم فأطاعوا.و منه شعر الأعشى الحرمازيّ يخاطب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

*يا سيّد النّاس و ديّان العرب*

و منه الحديث:«كان عليّ ديّان هذه الأمّة».

و منه حديث أبي طالب قال له صلّى اللّه عليه و سلّم:«أريد من قريش كلمة تدين لهم بها العرب»،أي تطيعهم و تخضع لهم.

و فيه:«إنّه عليه الصّلاة و السّلام كان على دين قومه».ليس المراد به الشّرك الّذي كانوا عليه،و إنّما أراد أنّه كان على ما بقي فيهم من إرث إبراهيم عليه السّلام من الحجّ و النّكاح و الميراث،و غير ذلك من أحكام الإيمان.

و قيل هو من الدّين:العادة،يريد به أخلاقهم في الكرم و الشّجاعة و غيرهما.

و في حديث الحجّ:«كانت قريش و من دان بدينهم»،أي اتّبعهم في دينهم و واقفهم عليه،و اتّخذ دينهم له دينا و عبادة.

و في دعاء السّفر:«أستودع اللّه دينك و أمانتك» جعل دينه و أمانته من الودائع،لأنّ السّفر تصيب الإنسان فيه المشقّة و الخوف،فيكون ذلك سببا لإهمال بعض أمور الدّين،فدعا له بالمعونة و التّوفيق.و أمّا «الأمانة»هاهنا فيريد بها أهل الرّجل و ماله،و من يخلفه عند سفره.

و في حديث الخوارج:«يمرقون من الدّين مروق السّهم من الرّميّة»،يريد أنّ دخولهم في الإسلام ثمّ خروجهم منه،لم يتمسّكوا منه بشيء،كالسّهم الّذي دخل في الرّميّة ثمّ نفذ فيها و خرج منها،و لم يعلق به منها شيء.

قال الخطّابيّ:قد أجمع علماء المسلمين على أنّ الخوارج على ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين، و أجازوا مناكحتهم،و أكل ذبائحهم،و قبول شهادتهم.

و سئل عنهم عليّ بن أبي طالب،فقيل:أ كفّار هم؟ قال:من الكفر فرّوا،قيل:أ فمنافقون هم؟قال:إنّ المنافقين لا يذكرون اللّه إلاّ قليلا،و هؤلاء يذكرون اللّه بكرة و أصيلا.فقيل:ما هم؟قال:قوم أصابتهم فتنة فعموا و صمّوا.

قال الخطّابيّ:فمعنى قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«يمرقون من الدّين»أراد بالدّين:الطّاعة،أي أنّهم يخرجون من طاعة الإمام المفترض الطّاعة،و ينسلخون منها؛و اللّه أعلم.

و منه حديثه الآخر عن أسيفع جهينة:«فادّان معرضا»،أي استدان معرضا عن الوفاء.

و فيه:«ثلاثة حقّ على اللّه عونهم،منهم المديان الّذي يريد الأداء».المديان:الكثير الدّين الّذي علته الدّيون،و هو«مفعال»من الدّين للمبالغة.

و في حديث مكحول:«الدّين بين يدي الذّهب و الفضّة،و العشر بين يدي الدّين في الزّرع و الإبل و البقر و الغنم»،يعني أنّ الزّكاة تقدّم على الدّين،

ص: 414

و الدّين يقدّم على الميراث.(2:148)

الفيّوميّ:دان الرّجل يدين دينا:من المداينة.

قال ابن قتيبة:لا يستعمل إلاّ لازما فيمن يأخذ الدّين، و قال ابن السّكّيت أيضا:دان الرّجل،إذا استقرض فهو دائن،و كذلك قال ثعلب و نقله الأزهريّ أيضا.

و على هذا فلا يقال منه:مدين و لا مديون،لأنّ اسم المفعول إنّما يكون من فعل متعدّ و هذا الفعل لازم.

فإذا أردت التّعدّي قلت:أدنته و داينته قاله أبو زيد الأنصاريّ و ابن السّكّيت و ابن قتيبة و ثعلب.

و قال جماعة:يستعمل لازما و متعدّيا،فيقال:

دنته إذا أقرضته،فهو مدين و مديون،و اسم الفاعل:

دائن،فيكون الدّائن من يأخذ الدّين على اللّزوم، و من يعطيه على التّعدّي.

و قال ابن القطّاع أيضا:دنته:أقرضته،و دنته:

استقرضت منه،و قوله تعالى: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ، أي إذا تعاملتم بدين من سلم و غيره.فثبت بالآية و بما تقدّم:أنّ الدّين لغة،هو القرض،و ثمن المبيع.فالصّداق و الغصب و نحوه ليس بدين لغة،بل شرعا على التّشبيه،لثبوته و استقراره في الذّمّة.

و دان بالإسلام دينا بالكسر:تعبّد به و تديّن به، كذلك فهو ديّن مثل:ساد فهو سيّد و ديّنته بالتّثقيل وكلته إلى دينه و تركته و ما يدين لم أعترض عليه فيما يراه سائغا في اعتقاده و دنته أدينه جازيته و مدين اسم مدينة و وزنه مفعل و إنّما قيل الميم زائدة لفقد فيعل في كلامهم.(1:205)

الفيروزآباديّ:الدّين:ما له أجل كالدّينة بالكسر،و ما لا أجل له فقرض،و الموت و كلّ ما ليس حاضرا؛جمعه:أدين و ديون.

و دنته بالكسر و أدنته:أعطيته إلى أجل، و أقرضته.

و دان هو:أخذه.و رجل دائن و مدين و مديون و مدان-و تشدّد داله-:عليه دين أو كثير.

و أدان و ادّان و استدان،و تديّن:أخذ دينا.

و رجل مديان:يقرض كثيرا،و يستقرض كثيرا:

ضدّ،و كذا امرأة؛جمعهما:مدايين.

و داينته:أقرضته و أقرضني.

و الدّين بالكسر:الجزاء،و قد دنته بالكسر دينا و يكسر،و الإسلام و قد دنت به بالكسر،و العادة و العبادة،و المواظب من الأمطار أو اللّيّن منها، و الطّاعة كالدّينة بالهاء فيهما،و الذّلّ،و الدّاء، و الحساب،و القهر،و الغلبة،و الاستعلاء،و السّلطان، و الملك،و الحكم،و السّيرة،و التّدبير،و التّوحيد، و اسم لجميع ما يتعبّد اللّه عزّ و جلّ به،و الملّة،و الورع، و المعصية،و الإكراه،و من الأمطار:ما يعاهد موضعا فصار ذلك له عادة،و الحال،و القضاء.

و دنته أدينه:خدمته و أحسنت إليه و ملّكته؛ و منه:المدينة للمصر،و أقرضته و اقترضت منه.

و الدّيّان:القهّار،و القاضي،و الحاكم، و السّائس،و الحاسب،و المجازي الّذي لا يضيّع عملا بل يجزي بالخير و الشّرّ.

و المدين:العبد،و بهاء:الأمة،لأنّ العمل أذلّهما.

و في الحديث:«كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على دين قومه»،

ص: 415

أي على ما بقي فيهم من إرث إبراهيم و إسماعيل عليهما السّلام في حجّهم،و مناكحتهم،و بيوعهم و أساليبهم.

و أمّا التّوحيد فإنّهم كانوا قد بدّلوه،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكن إلاّ عليه.

و دان يدين:عزّ،و ذلّ،و أطاع،و عصى،و اعتاد خيرا أو شرّا و أصابه الدّاء،و فلانا:حمله على ما يكره و أذلّه.

و ديّنه تديينا:وكله إلى دينه.

و أنا ابن مدينتها،أي عالم بها.

و دايان:حصن باليمن.

و أدان:اشترى بالدّين،أو باع بالدّين:ضدّ.و في الحديث:«أدان معرضا»و يروى:«دان»و كلاهما بمعنى:اشترى بالدّين معرضا عن الأداء،أو معناه:داين كلّ من عرض له.(4:226)

الطّريحيّ:و الدّين بفتح الدّال:واحد الدّيون.

تقول دنت الرّجل:أقرضته،فهو مدين بفتح الدّال، و مديون.

و دان فلان يدين دينا:استقرض،و صار عليه دين.

و رجل مديان،إذا كان من عادته أن يأخذ بالدّين،و يستقرض.

و استدان:استقرض.

و داينت فلانا،إذا عاملته بالدّين.

و في الحديث:«نهي عن بيع الذّهب دينا»،أي غير حالّ حاضر في المجلس.

و فيه:«الكيّس لمن دان نفسه و عمل لما بعد الموت» أي ساسها و حاسبها،و أذلّها و استعبدها،من قولهم:

دانه إذا أذلّه و استعبده.

و في حديث المسافر:«استودع اللّه دينك و أمانتك»،أي اجعلهما من الودائع،فإنّ السّفر مظنّة المشقّة و الخوف،فيتسبّب لإهمال بعض أمور الدّين، فدعا له بالمعونة و التّوفيق.و أراد بالأمانة:أهله و ماله و من يخلفه.

و في الحديث القدسيّ:«ابن آدم!كن كيف شئت، كما تدين تدان»،أي كما تجازي تجازى و بفعلك و بحسب ما عملت.و سمّي الأوّل جزاء،للازدواج، كما في قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ» البقرة:194،و إن كان الثّاني في الآية مجازا عكس ما في الحديث.

و هذا المثال من كلام الحقّ،و الأصل فيه:أنّ امرأة كانت على عهد داود عليه السّلام يأتيها رجل يستكرهها على نفسها،فألقى اللّه تعالى في قلبها،فقالت:لا تأتيني مرّة إلاّ و عند أهلك من يأتيهم.قال:فذهب إلى أهله فوجد عند أهله رجلا،فأتى به داود عليه السّلام،فقال:يا نبيّ اللّه أتي إليّ ما لم يؤت إلى أحد،فقال:و ما ذاك؟فقال:

وجدت هذا الرّجل عند أهلي،فأوحى اللّه إلى داود عليه السّلام قل له:كما تدين تدان.

و في الحديث:«العلم دين يدان اللّه به»،أي طاعة يطاع اللّه بها.

و دان فلان بالإسلام دينا بالكسر:تعبّد به و تديّن به كذلك.

و فيه:«دينوا فيما بينكم و بين أهل الباطل إذا

ص: 416

جالستموهم».

و في الدّعاء:«اللّهمّ اقض عنّي الدّين»أي حقوق اللّه،و حقوق العباد من جميع الأنواع.

و الدّيّان بفتح الأوّل و تشديد الثّاني:من أسمائه تعالى،و هو القهّار.و قيل:الحاكم و قيل:القاضي، و هو«فعّال»من دان النّاس،أي قهرهم فأطاعوه،من دنتهم فدانوا،أي قهرتهم فأطاعوا.

و منه في وصفه صلّى اللّه عليه و آله:«يا سيّد النّاس و ديّان العرب».

و في الحديث:«كان عليّ عليه السّلام ديّان هذه الأمّة».

و في حديث عليّ عليه السّلام مع اليهوديّ:«نشدتك بالسّبت الدّيّان»و هو من هذا الباب.

و في الحديث:«يهوديّ مات و أوصى لديّانه»،كأنّ المراد من يقتدي به في دينه،و في بعض النّسخ«لأديانه» جمع:دين،يعني من يقتدي بهم في دينهم.

و مدين بن إبراهيم عليه السّلام:تزوّج بنت لوط،فولدت حتّى كثر أولادها.(6:252)

مجمع اللّغة:1-الدّين ما ثبت في الذّمّة و له أجل،و لا يسقط إلاّ بأداء أو إبراء.

و تداين:تعامل بالدّين.

2-دان يدين دينا:تألّه و عبد و أطاع و انقاد.

3-دانه يدينه:جازاه و قضى عليه،أو استعبده.

و اسم المفعول«مدين»و الجمع:مدينون.

4-و الدّين بكسر الدّال يأتي لمعان:

أ-الطّاعة و الانقياد.

ب-الجزاء.

ج-الشّريعة.(1:412)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دانه دينا:أعطاه مالا إلى أجل،أي أقرضه،فهو دائن،و ذاك مدين.

و دانه ملّكه و استعبده،فهو مدين.

و دان بالإسلام دينا و ديانة و تديّنا:اتّخذه دينا أي عقيدة.

و تداين القوم:استدان بعضهم بعضا.

و الدّين:القرض المؤجّل.

و الدّين:الحساب و الجزاء،و منه: يَوْمِ الدِّينِ أي يوم القضاء و الجزاء،على الخير و الشّرّ.

و المدين:المحاسب و المجازي.

و الدّيّان:اسم من أسماء اللّه عزّ و جلّ.(1:196)

العدنانيّ:مدين و مدان و مديون و دائن.

و يخطّئون من يقول:مدان،و يقولون:إنّ الصّواب هو مدين.وفاتهم أنّ في اللّغة العربيّة أسماء المفعولين:

مدين و مدان و مديون و دائن،أي عليه دين.

و يرى اللّسان:أنّ كلمة«مديون»تميميّة.و يقول أبو منصور:الفعل أدان معناه:1-باع بدين.2-صار على النّاس دين.[ثمّ استشهد بشعر]

(معجم الأخطاء الشّائعة:94)

المصطفويّ:و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الخضوع و الانقياد،قبال برنامج أو مقرّرات معيّنة.و يقرب منه:الطّاعة،و التّعبّد،و المحكوميّة، و المقهوريّة،و التّسليم في مقابل أمر أو حكم أو قانون أو جزاء.

و بهذا الاعتبار يفسّر اللّفظ بما يقرب من مصاديق

ص: 417

الأصل،من الجزاء و الحساب و الدّين و الطّاعة و الذّلّ و العادة و المملوكيّة و غيرها.

و لازم أن نتوجّه بأنّ المعنى الحقيقيّ هو ما قلناه، و لا بدّ من اعتبار القيدين:الخضوع،و كونه في مقابل برنامج.و أمّا مطلق الانقياد أو الطّاعة أو الجزاء أو غيرها:فليس من الأصل.

و من لوازم هذا الأصل و آثاره:ذلّة ما أو العزّة بعد الانقياد،و هكذا حصول التّعبّد و المحكوميّة،و إجراء الجزاء خيرا أو شرّا،و تحقّق الطّاعة أو المعصية، و التّثبّت و الاعتياد.

و هذا المعنى إذا لوحظ من جانب البرنامج:يطلق عليه الحكم و الجزاء و الحساب و الإعطاء و ما يقرب منها.و إذا اعتبر من جانب المطاوع و القابل،فيستعمل في معاني الطّاعة و الذّلّ و المملوك و الدّين إذا يأخذه و غيرها.

و على هذين الاعتبارين يقال:إنّها تستعمل في مورد اللّزوم و التّعدّي.فيقال:دان الرّجل إذا أخذ دينا،أو استقرض،أو وقع تحت مقرّرات الدّين و شرائطه من شرائط التّأدية و الأجل.و دان بالإسلام، أي ألزم بمقرّراته و خضع تحت أحكامه و قوانينه،هذا بلحاظ نفس التّعبّد و الخضوع من حيث هو.و يقال:

دانه و دان أحكام الدّين و الدّين،إذا لوحظ ما يدين في قباله.

و يلاحظ في:الإدانة،و هو إفعال جهة الصّدور و نسبة الحدث إلى الفاعل،و في المداينة:جهة الاستمرار،و هكذا في التّداين.فيقال:أدنته و داينته فتداين،أي أخذ الدّين مستمرّا.

إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ البقرة:282 أي إذا أخذتم دينا و وقعتم تحت هذه المقرّرات في أيّ موقع كان. وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ الأنفال:39،[ثمّ ذكر بعض الآيات و قال:]

فتدلّ الآيات الكريمة على أنّ حقيقة«الدّين» هي التّسليم و الخضوع و الانقياد الخالص البتّ في قبال أحكام اللّه المقرّرة و قوانينه التّكوينيّة و التّشريعيّة،و يكون هذا الانقياد مخلصا للّه و في اللّه.

و قد ظهر أنّ«الدّين»هو الانقياد،و هذا معنى قوله تعالى: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. الأعراف:29.

و لا يخفى أنّ«الدّين»بالفتح مصدر،و بالكسر اسم مصدر،بمعنى ما حصل و تحصّل من المصدر في الخارج،و هو نفس الحدث من حيث هو،من دون نسبة إلى ذات،فالدّين هو الخضوع و الانقياد،و الدّين ذات الانقياد،و نفس هذا العمل من حيث هو من دون أن ينسب إلى ذات.فيلاحظ في مفهوم الدّين نفس الانقياد قبال مقرّرات معيّنة،كما في الغسل و الغسل.

[ثمّ ذكر بعض الآيات أيضا و قال:]

ثمّ إنّ ظهور حقيقة الدّين و تحقّق مفهوم الانقياد و الخضوع الكامل تحت أحكام اللّه و مقرّرات سلطانه و جبروته:إنّما هو في الحياة الأخرويّة،و على هذا ترى التّعبير عنها في كلامه تعالى[و ذكر آيات«يوم الدّين»ثمّ قال:]و هذا المعنى قريب من: اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ... الحجّ:56، لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ، المؤمن:16.

ص: 418

و أمّا كلمة ديّان و مدين:فباعتبار مفهوم التّعدّي، فالدّيّان هو من أقهر و أخضع و جعل منقادا تحت حكمه،و المدين هو المقهور المنقاد. أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَدِينُونَ الصّافّات:53،أي مقهورون منقادون،فاللّه تعالى هو:الدّيّان،و النّاس:

مدينون.

و بهذا التّحقيق ظهر لطف التّعبير بالمادّة في تلك الموارد،دون الشّرع و الإسلام و الجزاء و الملك و الحساب و نظائرها،لعدم الدّلالة على القيدين في هذه الكلمات.و ظهر أيضا ما في التّفاسير من التّسامح في تفسير الدّين.(3:289)

النّصوص التّفسيريّة

يدينون

وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ. التّوبة:29

الكلبيّ:العمل بما في التّوراة من اتّباع الرّسول.

(الماورديّ 2:350)

مقاتل:الإسلام لأنّ غير دين الإسلام باطل.

(2:167)

أبو عبيدة:مجازه:لا يطيعون اللّه طاعة الحقّ، و كلّ من أطاع مليكا فقد دان له،و من كان فى طاعة سلطان فهو في دينه.[ثمّ استشهد بشعر](1:255)

الطّبريّ:يقول:و لا يطيعون اللّه طاعة الحقّ،يعني أنّهم لا يطيعون طاعة أهل الإسلام.(6:349)

الماورديّ:في المراد بدينه في هذا الموضع وجهان:

أحدهما:[قول الكلبيّ المتقدّم]

و الثّاني:الدّخول في دين الإسلام،لأنّه ناسخ لما سواه من الأديان،و هو قول الجمهور.(2:350)

الطّوسيّ:قوله: وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ يدلّ على أنّ دين اليهوديّة و النّصرانيّة غير دين الحقّ؛ و ذلك يقوّي أنّهم غير عارفين باللّه،لأنّهم لو كانوا عارفين كانوا في ذلك محقّين.فأمّا اعتقادهم لشريعة التّوراة فإنّما وصف بأنّه غير حقّ لأمرين:

أحدهما:أنّها نسخت،فالعمل بها بعد النّسخ باطل غير حقّ.

الثّاني:أنّ التّوراة الّتي هي معهم مغيّرة مبدّلة، لقوله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ النّساء:46، و يقلبونه عن معانيه.(5:236)

البغويّ:أي لا يدينون دين اللّه و دين الإسلام.أي لا يدينون الدّين الحقّ،أضاف الاسم إلى الصّفة.(2:335)

الزّمخشريّ:و أن يدينوا دين الحقّ،و أن يعتقدوا دين الإسلام الّذي هو الحقّ،و ما سواه الباطل.و قيل:

دين اللّه،يقال:فلان يدين بكذا،إذا اتّخذه دينه و معتقده.(2:184)

نحوه النّسفيّ(2:122)،و أبو حيّان(5:29)، و البروسويّ(3:412).

ابن عطيّة:فمعناه و لا يطيعون و يمتثلون،و منه قول عائشة:«ما عقلت أبويّ إلاّ و هما يدينان الدّين» و الدّين في اللّغة لفظة مشتركة،و هي هاهنا الشّريعة، و هي مثل قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ

ص: 419

آل عمران:18.(3:22)

الطّبرسيّ:قيل:معناه:لا يعترفون بالإسلام الّذي هو الدّين الحقّ.(3:22)

ابن الجوزيّ:في معنى يَدِينُونَ قولان:

أحدهما:[قول أبي عبيدة المتقدّم]

و الثّاني:أنّه من دان الرّجل يدين كذا،إذا التزمه.

ثمّ في جملة الكلام قولان:

أحدهما:أنّ المعنى:لا يدخلون في دين محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، لأنّه ناسخ لما قبله.

و الثّاني:لا يعملون بما في التّوراة من اتّباع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(3:419)

الفخر الرّازيّ:يقال:فلان يدين بكذا،إذا اتّخذه دينا فهو معتقده،فقوله: وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ، أي لا يعتقدون في صحّة دين الإسلام الّذي هو الدّين الحقّ.و لمّا ذكر تعالى هذه الصّفات الأربعة قال:

مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ فبيّن بهذا أنّ المراد من الموصوفين بهذه الصّفات الأربعة من كان من أهل الكتاب.و المقصود تمييزهم من المشركين في الحكم، لأنّ الواجب في المشركين القتال أو الإسلام، و الواجب في أهل الكتاب القتال أو الإسلام أو الجزية

(16:29)

القرطبيّ:إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف و المعاندة و الأنفة عن الاستسلام.(8:110)

البيضاويّ:الثّابت الّذي هو ناسخ سائر الأديان و مبطلها.(1:412)

نحوه أبو السّعود.(3:139)

شبّر:بيان للّذين لا يؤمنون،و هم اليهود و النّصارى،و في حكمهم المجوس،فإنّ لهم كتابا حرّفوه و نبيّا قتلوه،فلهم شبهة كتاب.قال:صلّى اللّه عليه و آله«سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب».(3:67)

الآلوسيّ:أي الدّين الثّابت،فالإضافة من إضافة الموصوف إلى الصّفة، (1)و المراد به:دين الإسلام الّذي لا ينسخ بدين،كما نسخ كلّ دين به.

و قيل:ما يعمّه و غيره،أي لا يدينون بدين من الأديان الّتي أنزلها سبحانه على أنبيائه،و شرّعها لعباده.و الإضافة على هذا على ظاهرها.(10:78)

المراغيّ:إنّهم لا يدينون دين الحقّ؛إذ إنّ ما يتقلّدونه إنّما هو دين تقليديّ،وضعه لهم أساقفتهم و أحبارهم بآرائهم الاجتهاديّة و أهوائهم المذهبيّة لا دين الحقّ الّذي أوحاه اللّه إلى عيسى و موسى عليهما السّلام.

فاليهود لم يحفظوا ما استحفظوا من التّوراة الّتي كتبها موسى،و كان يحكم بها هو و النّبيّون من بعده، إلى أنّ عاقبهم اللّه بتسليط البابليّين عليهم،فجاسوا خلال الدّيار،و أحرقوا الهيكل و ما فيه من الأسفار، و سبوا بقيّة السّيف منهم و أجلوهم عن وطنهم إلى أرض من استعبدهم،فدانوا لشريعة غير شريعتهم.

و لمّا أعادوهم إلى أوطانهم-و كانوا قد فقدوا نصوص التّوراة و حفظوا بعضها دون بعض-كتبوا ما حفظوا من شريعة الرّبّ ممزوجا بما دانوا به من شريعة!!

ص: 420


1- في الأصل:من إضافة الصّفة إلى الموصوف!!

ملك بابل،كما أمرهم كاهنهم عزرا«عزير»ثمّ هم بعد ذلك حرّفوا و بدّلوا،و لم يقيموها كما أمروا.

و النّصارى لم يحفظوا كلّ ما بلّغهم عيسى عليه السّلام من العقائد و الوصايا و الأحكام القليلة النّاسخة لبعض أحكام التّوراة الشّديدة؛و ذلك هو دين اللّه الحقّ.

و كتب كثير منهم تواريخ،أودعوا فيها ما عرفوه من ذلك و من غيره،و جاءت المجامع الرّسميّة بعد ثلاثة قرون،فاعتمدت أربعة أناجيل من نحو نيّف و سبعين إنجيلا رفضتها،و جعلتها غير قانونيّة.

(10:94)

ابن عاشور:و ظاهر الآية أنّ القوم المأمور بقتالهم،ثبتت لهم معاني الأفعال الثّلاثة المتعاطفة في صلة الموصول،و أنّ البيان الواقع بعد الصّلة بقوله:

مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ راجع إلى الموصول، باعتبار كونه صاحب تلك الصّلات،فيقتضي أنّ الفريق المأمور بقتاله فريق واحد،انتفى عنهم الإيمان باللّه و اليوم الآخر،و تحريم ما حرّم اللّه،و التّديّن بدين الحقّ.

و لم يعرف أهل الكتاب بأنّهم لا يؤمنون باللّه و لا باليوم الآخر.فاليهود و النّصارى مثبتون لوجود اللّه تعالى و مؤمنون بيوم الجزاء.

و بهذا الاعتبار تحيّر المفسّرون في تفسير هذه الآية،فلذلك تأوّلوها بأنّ اليهود و النّصارى،و إن أثبتوا وجود اللّه و اليوم الآخر،فقد وصفوا اللّه بصفات تنافي الإلهيّة،فكأنّهم ما آمنوا به؛إذ أثبت اليهود الجسميّة للّه تعالى و قالوا: يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ المائدة:

64،و قال كثير منهم: عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ التّوبة:30.

و أثبت النّصارى تعدّد الإله بالتّثليث،فقاربوا قول المشركين،فهم أبعد من اليهود عن الإيمان الحقّ، و أنّ قول الفريقين بإثبات اليوم الآخر قد ألصقوا به تخيّلات و أكذوبات تنافي حقيقة الجزاء،كقولهم: لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً البقرة:80،فكأنّهم لم يؤمنوا باليوم الآخر.و تكلّف المفسّرون لدفع ما يرد على تأويلهم هذا من المنوّع،و ذلك مبسوط في تفسير الفخر،و كلّه تعسّفات.

و الّذي أراه في تفسير هذه الآية:أنّ المقصود الأهمّ منها قتال أهل الكتاب من النّصارى-كما علمت-و لكنّها أدمجت معهم المشركين،لئلاّ يتوهّم أحد أنّ الأمر بقتال أهل الكتاب يقتضي التّفرّغ لقتالهم،و متاركة قتال المشركين.فالمقصود من الآية هو الصّفة الثّالثة وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ. (10:65)

الطّباطبائيّ:أي لا يأخذونه دينا و سنّة حيويّة لأنفسهم.

و إضافة«الدّين»إلى«الحقّ»ليست من إضافة الموصوف إلى صفته،على أن يكون المراد:الدّين الّذي هو حقّ،بل من الإضافة الحقيقيّة،و المراد به:الدّين الّذي هو منسوب إلى الحقّ،لكون الحقّ هو الّذي يقتضيه للإنسان و يبعثه إليه،و كون هذا الدّين يهدي إلى الحقّ و يصل متّبعيه إليه،فهو من قبيل قولنا:

طريق الحقّ و طريق الضّلال،بمعنى الطّريق الّذي هو للحقّ و الطّريق الّذي هو للضّلال،أي إنّ غايته الحقّ أو غايته الضّلال.

ص: 421

و ذلك أنّ المستفاد من مثل قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ الرّوم:30، و قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ آل عمران:19، و سائر ما يجري هذا المجرى من الآيات،أنّ لهذا الدّين أصلا في الكون و الخلقة و الواقع الحقّ،يدعو إليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و يندب النّاس إلى الإسلام و الخضوع له، و يسمّى اتّخاذه سنّة في الحياة إسلاما للّه تعالى،فهو يدعو إلى ما لا مناص للإنسان عن استجابته و التّسليم له،و هو الخضوع للسّنّة العمليّة الاعتباريّة الّتي يهدي إليها السّنّة الكونيّة الحقيقيّة،و بعبارة أخرى:التّسليم لإرادة اللّه التّشريعيّة المنبعثة عن إرادته التّكوينيّة.

(9:241)

مكارم الشّيرازيّ:يوجد احتمالان في هذه الجملة،إلاّ أنّ الظّاهر أنّ المراد من دِينَ الْحَقِّ هو دين الإسلام المشار إليه بعد بضع آيات.

و ذكر هذه الجملة بعد عدم اعتقادهم بالمحرّمات الإسلاميّة،هو من قبيل ذكر العامّ بعد الخاصّ،أي إنّ الآية أشارت أوّلا إلى ارتكابهم لمحرّمات كثيرة،و هي محرّمات تلفت النّظر:كشرب الخمر و الرّبا و أكل لحم الخنزير،و ارتكاب كثير من الكبائر الّتي كانت تتّسع يوما بعد يوم.

ثمّ تقول الآية:إنّ هؤلاء لا يدينون بدين الحقّ أساسا،أي أنّ أديانهم منحرفة عن مسيرها الأصيل، فنسوا كثيرا من الحقائق و التزموا بكثير من الخرافات مكانها،فعليهم أن يتقبّلوا الإسلام،و أن يعيدوا بناء أفكارهم من جديد على ضوء الإسلام و هداه،أو يكونوا مسالمين-على الأقلّ-فيعيشوا مع المسلمين، و أن يقبلوا شروط الحياة السّلميّة مع المسلمين.

(5:534)

لمدينون

1- أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَدِينُونَ.

الصّافّات:53

ابن عبّاس:أ إنّا لمجازون بالعمل،كما تدين تدان.

(الطّبريّ 10:491)

نحوه ابن كعب القرظيّ.الماورديّ 5:49)

مجاهد:لمحاسبون.(الماورديّ 5:49)

نحوه قتادة و السّدّيّ.(الطّبريّ 10:491)،و مقاتل (3:608).

الطّبريّ:يقول:أ إنّا لمحاسبون و مجزيّون بعد مصيرنا عظاما و لحومنا ترابا.(10:491)

نحوه الثّعلبيّ(8:145)،و الواحديّ(3:526)، و البغويّ(4:32)و الطّبرسيّ(4:444)،و الفخر الرّازيّ (26:139)،و القرطبيّ(15:82).

الطّوسيّ:قوله: أَ إِنّا لَمَدِينُونَ معناه:لمجزيّون، مشتقّ من قولهم:«كما تدين تدان.»،أي كما تجزي تجزى،و الدّين:الجزاء،و الدّين:الحساب،و منه الدّين،لأنّ جزاءه القضاء.(8:498)

الزّمخشريّ:المجزيّون من«الدّين»و هو الجزاء أو لمسوسون مربوبون.يقال:دانه،ساسه،و منه الحديث:«العاقل من دان نفسه».(3:341)

ص: 422

نحوه الآلوسيّ.(23:91)

ابن الجوزيّ:أي:مجزيّون بأعمالنا.يقال:دنته بما صنع،أي جازيته.(7:60)

البيضاويّ:المجزيّون،من«الدّين»بمعنى:الجزاء.

(2:293)

نحوه النّسفيّ(4:21)،و الكاشانيّ(4:269)، و شبّر(5:252).

أبو السّعود:أي لمبعوثون و مجزيّون،من «الدّين»بمعنى الجزاء،أو لمسوسون يقال:دانه،أي ساسه،و منه الحديث:«العاقل من دان نفسه».و قيل:

كان رجل تصدّق بماله لوجه اللّه تعالى،فاحتاج فاستجدى بعض إخوانه،فقال أين مالك؟قال:

تصدّقت به ليعوّضني اللّه تعالى في الآخرة خيرا منه، فقال:أ إنّك لمن المصدّقين بيوم الدّين،أو المتصدّقين لطلب الثّواب،و اللّه لا أعطيك شيئا.فيكون التّعرّض لذكر موتهم و كونهم ترابا و عظاما حينئذ،لتأكيد إنكار الجزاء المبنيّ على إنكار البعث.(5:326)

البروسويّ:جمع مدين من الدّين،بمعنى الجزاء، و منه:كما تدين تدان،أي لمبعوثون و محاسبون و مجزيّون،أي لا نبعث و لا نجزى.(7:462)

ابن عاشور:جملة إِنّا لَمَدِينُونَ جواب إِذا و قرنت بحرف التّوكيد للوجه الّذي علمته في قوله: أَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ الصّافّات:52..

و المدين:المجازى.يقال:دانه يدينه،إذا جازاه، و الأكثر استعماله في الجزاء على السّوء،و الدّين:

الجزاء،كما في سورة الفاتحة.و قيل هنا: أَ إِنّا لَمَدِينُونَ و في أوّل السّورة: إِنّا لَمَبْعُوثُونَ (1)الصّافّات:16،لاختلاف القائلين.

و قرأ الجميع أَ إِنَّكَ بهمزتين،و قرأ من عدا ابن عامر أَ إِذا مِتْنا بهمزتين،و ابن عامر بهمزة واحدة و هي همزة إِذا اكتفاء بهمزة أَ إِنّا لَمَدِينُونَ في قراءته.و قرأ نافع(انّا لمدينون)بهمزة واحدة اكتفاء بالاستفهام الدّاخل على شرطها.و قرأه الباقون بهمزتين.(23:35)

و جاء بهذا المعنى قوله تعالى:

2- فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ .الواقعة:86

تداينتم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ... البقرة:282

ابن عبّاس:في السّلم،في الحنطة،في كيل معلوم إلى أجل معلوم.

في السّلف في الحنطة،في كيل معلوم إلى أجل معلوم.(الطّبريّ 3:116)

إنّ الآية وردت في السّلم خاصّة،و كان يقول:

أشهد أنّ اللّه أباح السّلم المضمون إلى أجل معلوم، و أنزل فيه أطول آية من كتابه،و تلا هذه الآية.

(الطّبرسيّ 1:397)

ابن جريج:فمن ادّان دينا فليكتب،و من باع فليشهد.(الطّبريّ 3:116)

ص: 423


1- في القرآن الكريم: أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ.

الطّبريّ:يعني:إذا تبايعتم بدين،أو اشتريتم به، أو تعاطيتم أو أخذتم به.

فإن قال قائل:ما وجه قوله: بِدَيْنٍ، و قد دلّ بقوله: إِذا تَدايَنْتُمْ عليه؟و هل تكون مداينة بغير دين،فاحتيج إلى أن يقال: بِدَيْنٍ ؟

قيل:إنّ العرب لمّا كان مقولا عندها:تداينّا بمعنى:تجازينا،و بمعنى:تعاطينا الأخذ و الإعطاء بدين، أبان اللّه بقوله: بِدَيْنٍ المعنى الّذي قصد تعريف من سمع قوله: تَدايَنْتُمْ. حكمه،و أعلمهم أنّه حكم الدّين دون حكم المجازاة.(3:115)

الزّجّاج:يقال:داينت الرّجل،إذا عاملته بدين، أخذت منه و أعطيته.و تداينّا على داينته.[ثمّ استشهد بشعر]

فالمعنى إذا كان لبعضكم على بعض دين إلى أجل مسمّى فاكتبوه،فأمر اللّه عزّ و جلّ بكتب الدّين حفظا منه للأموال،و كذلك الإشهاد فيها.و للنّاس من الظّلم لأنّ صاحب الدّين إذا كانت عليه الشّهود و البيّنة قلّ تحديثه نفسه بالطّمع في إذهابه.(1:360)

الجصّاص:[له بحث مستوفى،لاحظ:ش ه د:

«و استشهدوا»].(1:583)

الثّعلبيّ:أي داين بعضكم بعضا.و الدّين ما كان مؤجّلا،و العين ما كان حاضرا.يقال:دان فلانا يدينه،إذا أعطاه الدّين فهو دائن،و المعطى مدين و مديون.قوله: إِذا تَدايَنْتُمْ يدخل فيه الدّين و النّسيئة و السّلم،و ما كان مؤجّلا من الحقوق.

فإنّما قال: بِدَيْنٍ و المداينة لا تكون إلاّ بدين، لأنّ المداينة قد تكون مجازاة و تكون معاطاة،فأبان ذلك و قيّده بقوله: بِدَيْنٍ.

و قيل:هو بمعنى التّأكيد،كقوله: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38،و قوله: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ الحجر:30.(2:290)

نحوه البغويّ.(1:392)

الماورديّ:في تَدايَنْتُمْ تأويلان:أحدهما:

تجازيتم،و الثّاني:تعاملتم.(1:354)

الطّوسيّ:معناه:تعاملتم بدين.و إنّما قال:

بِدَيْنٍ و إن كان تداينتم أفاده لأمرين:

أحدهما:أنّه على وجه التّأكيد،كما تقول:ضربته ضربا.

و الثّاني:أنّ تَدايَنْتُمْ يكون بمعنى:تجازيتم من الدّين الّذي هو الجزاء،فإذا قال: بِدَيْنٍ اختصّ بالدّين خاصّة.(2:371)

الواحديّ:التّداين«تفاعل»من الدّين و معناه:

تبايعتم بدين.(1:401)

الزّمخشريّ:داين بعضكم بعضا.يقال:داينت الرّجل إذا عاملته بدين معطيا أو آخذا،كما تقول:

بايعته إذا بعته أو باعك.[ثمّ استشهد بشعر]

و المعنى:إذا تعاملتم بدين مؤجّل فاكتبوه.

فإن قلت:هلاّ قيل:إذا تداينتم إلى أجل مسمّى، و أيّ حاجة إلى ذكر«الدّين»،كما قال:داينت أروى، و لم يقل:بدين؟

قلت:ذكر ليرجع الضّمير إليه في قوله:

فَاكْتُبُوهُ إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال:فاكتبوا

ص: 424

الدّين،فلم يكن النّظم بذلك الحسن،و لأنّه أبين لتنويع الدّين إلى مؤجّل و حالّ.(1:402)

ابن العربيّ:هي آية عظمى في الأحكام،مبيّنة جملا من الحلال و الحرام.و هي أصل في مسائل البيوع،و كثير من الفروع،جماعها على اختصار مع استيفاء الغرض،دون الإكثار في ثنتين و خمسين مسألة:

المسألة الأولى:في حقيقة الدّين:هو عبارة عن كلّ معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا و الآخر في الذّمّة نسيئة،فإنّ العين عند العرب ما كان حاضرا، و الدّين ما كان غائبا.[ثمّ استشهد بشعر]

و المداينة«مفاعلة»منه،لأنّ أحدهما يرضاه و الآخر يلتزمه،و قد بيّنه اللّه تعالى بقوله: إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى.

المسألة الثّانية:قال أصحاب أبي حنيفة:عموم قوله تعالى: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يدخل تحته المهر إلى أجل و الصّلح عن دم العمد.

و يجوز فيه شهادة النّساء.و هذا وهم،فإنّ هذه الشّهادة إنّما هي على النّكاح المشتمل على المهر و على الدّم المفضي إلى الصّلح،و المهر في النّكاح، و المال في الدّم بيع،و إنّما جاءت الآية لبيان حكم حال دين مجرّد و مال مفرد؛فعليه يحمل عموم الشّهادة، و إليه يرجع.(1:247)

ابن عطيّة:معناه:أنّ سلم أهل المدينة كان بسبب هذه الآية،ثمّ هي تتناول جميع المداينات إجماعا.و بيّن تعالى بقوله: بِدَيْنٍ ما في قوله: تَدايَنْتُمْ من الاشتراك؛إذ قد يقال في كلام العرب:تداينوا،بمعنى جازى بعضهم بعضا.(1:378)

الطّبرسيّ:أي تعاملتم.و داين بعضكم بعضا بِدَيْنٍ قيل:فيه قولان:

أحدهما:إنّه على وجه التّأكيد،و تمكين المعنى في النّفس كقوله تعالى: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ.

و الآخر:إنّه إنّما قال: بِدَيْنٍ لأنّ تَدايَنْتُمْ قد يكون بمعنى تجازيتم من الدّين الّذي هو الجزاء، و قد يكون بمعنى تعاملتم بدين،فقيّده بالدّين لتلخيص اللّفظ من الاشتراك.(1:397)

الفخر الرّازيّ:التّداين«تفاعل»من الدّين، و معناه:داين بعضكم بعضا.و تَدايَنْتُمْ تبايعتم بدين.قال أهل اللّغة:القرض غير الدّين،لأنّ القرض أن يقرض الإنسان دراهم،أو دنانير،أو حبّا،أو تمرا، أو ما أشبه ذلك،و لا يجوز فيه الأجل،و الدّين يجوز فيه الأجل.و يقال من الدّين:أدان إذا باع سلعته بثمن إلى أجل،و دان يدين إذا أقرض،و دان إذا استقرض.

[ثمّ استشهد بشعر]

إذا عرفت هذا فنقول:في المراد بهذه المداينة أقوال:

قال ابن عبّاس:إنّها نزلت في السّلف،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قدم المدينة و هم يسلفون في التّمر السّنتين و الثّلاث،فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:«من أسلف فليسلف في كيل معلوم و وزن معلوم إلى أجل معلوم».ثمّ إنّ اللّه تعالى عرف المكلّفين وجه الاحتياط في الكيل و الوزن و الأجل،فقال: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ.

ص: 425

و القول الثّاني:أنّه القرض،و هو ضعيف لما بيّنّا أنّ القرض لا يمكن أن يشترط فيه الأجل،و الدّين المذكور في الآية قد اشترط فيه الأجل.

و القول الثّالث:-و هو قول أكثر المفسّرين-:أنّ البياعات على أربعة أوجه:

أحدها:بيع العين بالعين و ذلك ليس بمداينة البتّة.

و الثّاني:بيع الدّين بالدّين و هو باطل،فلا يكون داخلا تحت هذه الآية.بقي هنا قسمان:بيع العين بالدّين،و هو ما إذا باع شيئا بثمن مؤجّل،و بيع الدّين بالعين و هو المسمّى بالسّلم،و كلاهما داخلان تحت هذه الآية.و في الآية سؤالات:

السّؤال الأوّل:المداينة«مفاعلة»و حقيقتها أن يحصل من كلّ واحد منهما دين،و ذلك هو بيع الدّين بالدّين و هو باطل بالاتّفاق.

و الجواب:أنّ المراد من تَدايَنْتُمْ: تعاملتم، و التّقدير:إذا تعاملتم بما فيه دين.

السّؤال الثّاني:قوله: تَدايَنْتُمْ يدلّ على الدّين فما الفائدة بقوله: بِدَيْنٍ.

الجواب:من وجوه:

الأوّل:قال ابن الأنباريّ:التّداين يكون لمعنيين:

أحدهما:التّداين بالمال،و الآخر:التّداين بمعنى المجازاة،من قولهم:«كما تدين تدان»،و الدّين:

الجزاء فذكر اللّه تعالى الدّين لتخصيص أحد المعنيين.

الثّاني:قال صاحب«الكشّاف»:إنّما ذكر الدّين ليرجع الضّمير إليه في قوله: فَاكْتُبُوهُ إذ لو لم يذكر ذلك،لوجب أن يقال:فاكتبوا الدّين،فلم يكن النّظم بذلك الحسن.

الثّالث:أنّه تعالى ذكره للتّأكيد،كقوله تعالى:

فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ الحجر:3 وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38.

الرّابع:فإذا تداينتم أيّ دين كان صغيرا أو كبيرا، على أيّ وجه كان،من قرض أو سلم أو بيع عين إلى أجل.

الخامس:ما خطر ببالي أنّا ذكرنا أنّ المداينة «مفاعلة»،و ذلك إنّما يتناول بيع الدّين بالدّين و هو باطل،فلو قال:إذا تداينتم لبقي النّصّ مقصورا على بيع الدّين بالدّين و هو باطل،أمّا لمّا قال: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ كان المعنى:إذا تداينتم تداينا يحصل فيه دين واحد،و حينئذ يخرج عن النّصّ بيع الدّين بالدّين،و يبقى بيع العين بالدّين،أو بيع الدّين بالعين، فإنّ الحاصل في كلّ واحد منهما دين واحد لا غير.

السّؤال الثّالث:المراد من الآية:كلّما تداينتم بدين فاكتبوه،و كلمة إِذا لا تفيد العموم،فلم قال:

تَدايَنْتُمْ و لم يقل:كلّما تداينتم؟

الجواب:أنّ كلمة إِذا و إن كانت لا تقتضي العموم،إلاّ أنّها لا تمنع من العموم،و هاهنا قام الدّليل على أنّ المراد هو العموم،لأنّه تعالى بيّن العلّة في الأمر بالكتبة في آخر الآية،و هو قوله: ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا البقرة:282، و المعنى:إذا وقعت المعاملة بالدّين و لم يكتب،فالظّاهر أنّه تنسى الكيفيّة،فربما توهّم الزّيادة،فطلب الزّيادة و هو ظلم،و ربما توهّم النّقصان فترك حقّه من غير

ص: 426

حمد و لا أجر،فأمّا إذا كتب كيفيّة الواقعة أمن من هذه المحذورات.فلمّا دلّ النّصّ على أنّ هذا هو العلّة،ثمّ إنّ هذه العلّة قائمة في الكلّ،كان الحكم أيضا حاصلا في الكلّ.(7:116)

القرطبيّ:قال سعيد بن المسيّب:بلغني أنّ أحدث القرآن بالعرش آية الدّين.و قال ابن عبّاس:هذه الآية نزلت في السّلم خاصّة.معناه:أنّ سلم أهل المدينة كان سبب الآية،ثمّ هي تتناول جميع المداينات إجماعا.

و قال ابن خويزمنداد:إنّها تضمّنت ثلاثين حكما.و قد استدلّ بها بعض علمائنا على جواز التّأجيل في القروض،على ما قال مالك؛إذ لم يفصل بين القرض و سائر العقود في المداينات.و خالف في ذلك الشّافعيّة،و قالوا:الآية ليس فيها جواز التّأجيل في سائر الدّيون،و إنّما فيها الأمر بالإشهاد إذا كان دينا مؤجّلا،ثمّ يعلم بدلالة أخرى جواز التّأجيل في الدّين و امتناعه.

قوله تعالى: بِدَيْنٍ تأكيد مثل قوله:

وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38، فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ الحجر:30.و حقيقة الدّين عبارة عن كلّ معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا و الآخر في الذّمّة نسيئة،فإنّ العين عند العرب ما كان حاضرا،و الدّين ما كان غائبا.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:377)

البيضاويّ:أي إذا داين بعضكم بعضا تقول:

داينته إذا عاملته نسيئة معطيا أو آخذا.و فائدة ذكر «الدّين»أن لا يتوهّم من التّداين المجازاة،و يعلم تنوّعه إلى المؤجّل و الحالّ و أنّه الباعث على الكتبة، و يكون مرجع ضمير فَاكْتُبُوهُ. (1:143)

نحوه النّسفيّ(1:139)،و أبو السّعود(1:319)، و البروسويّ(1:441)،و شبّر(1:284).

الفاضل المقداد: تَدايَنْتُمْ أي«تفاعلتم» بالدّين إمّا بالسّلم أو بالنّسيئة أو الإجارة.و في الجملة كلّ معاملة أحد العوضين فيها مؤجّل.و قال الزّمخشريّ:«معناه إذا داين بعضكم بعضا،يقال:

داينت الرّجل إذا عاملته بدين».و فيه نظر للفرق بين التّفاعل و المفاعلة،فإنّ الأوّل لازم و الثّاني متعدّ.

تقول:تضارب زيد و عمرو،و ضارب زيد عمروا، فلا يجوز تفسير أحدهما بالآخر.

إن قيل:قوله: بِدَيْنٍ لم يكن محتاجا إليه،لأنّ الدّين معلوم من لفظ تَدايَنْتُمْ، و لو لم يذكره لكان الضّمير عائدا إلى مصدر تَدايَنْتُمْ. أجاب الزّمخشريّ بأنّه لو لم يذكره لوجب أن يقول:

«فاكتبوا الدّين»،و لا يجيء بحسن ما ذكر من النّظم.

و فيه نظر،لأنّا نمنع وجوب ذكر الدّين لما قلنا من عود الضّمير إلى المصدر.

و يحتمل في الجواب أنّه لو لم يذكر الدّين و أعاد الضّمير إلى المصدر،لكان ينبغي أن يكتب المعاملة بالدّين،مع أنّه لا حاجة إلى كتابتها،بل يكتفي بكتابة الدّين.فلو باع نسيئة ليكتب المشتري للبائع الدّين إلى أجل معلوم،و لم يحتج إلى ذكر المبايعة.و فيه أيضا نظر،لأنّ كتبة المعاملة بالدّين أحرز و أضبط لدفع

ص: 427

الدّعوى بإنكار سبب الدّين و قيل:ذكره تأكيدا كقوله تعالى: طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38، و قيل:ليرفع احتمال كون التّداين من المجازاة،كقولهم «كما تدين تدان»فيزول الاشتراك،و هو حسن.

إذا عرفت هذا ففي الآية أحد و عشرون حكما، بل ربما يذكر فيها فوائد تزيد على ذلك.[ثمّ ذكرها فلاحظ](2:45)

الشّوكانيّ:و الدّين عبارة عن كلّ معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا و الآخر في الذّمّة نسيئة،فإنّ العين عند العرب ما كان حاضرا،و الدّين ما كان غائبا.[ثمّ استشهد بشعر](1:380)

الآلوسيّ:أي تعاملتم،و داين بعضكم بعضا بِدَيْنٍ فائدة ذكره تخليص المشترك و دفع الإيهام نصّا،لأنّ تَدايَنْتُمْ يجيء بمعنى:تعاملتم بدين، و بمعنى تجازيتم،و لا يرد عليه أنّ السّياق يرفعه،لأنّ الكلام في النّصوصيّة على أنّ السّياق قد لا يتنبّه له إلاّ الفطن.و قيل:ذكر ليرجع إليه الضّمير،إذ لولاه لقيل:

«فاكتبوا الدّين»،فلم يكن النّظم بذلك الحسن عند ذي الذّوق العارف بأساليب الكلام.و اعترض بأنّ التّداين يدلّ عليه،فيكون من باب اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ

و أجيب بأنّ الدّين لا يراد به المصدر بل هو أحد العوضين،و لا دلالة للتّداين عليه إلاّ من حيث السّياق،و لا يكتفى به في معرض البيان لا سيّما و هو ملبّس.

و قيل:ذكر لأنّه أبين لتنويع الدّين إلى مؤجّل و حالّ،لما في التّنكير من الشّيوع و التّبعيض لما خصّ بالغاية،و لو لم يذكر لاحتمل أنّ الدّين لا يكون إلاّ كذلك.(3:55)

القاسميّ:و في قوله: تَدايَنْتُمْ دليل على جواز السّلم،لأنّ المداينة فعل اثنين،و هو السّلم نفسه،لأنّه دين من الجانبين جميعا.و على ذلك روي عن ابن عبّاس قال:أشهد أنّ السّلف المضمون إلى أجل مسمّى،أنّ اللّه تعالى أحلّه و أذن فيه ثمّ قرأ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ...، رواه البخاريّ.

و قال آخرون:قوله: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ هو بيع كلّ دين إلى أجل مسمّى،فهو يسمّى التّداين،كما يسمّى البائع و المشتري المتبايعين،لأنّ كلّ واحد منهما بائع في وجه؛فعلى ذلك المداينة:التّداين.

(3:719)

ابن عاشور:و الجملة استئناف ابتدائيّ، و المناسبة في الانتقال ظاهرة عقب الكلام على غرماء أهل الرّبا.

و التّداين من أعظم أسباب رواج المعاملات،لأنّ المقتدر على تنمية المال قد يعوزه المال فيضطرّ إلى التّداين،ليظهر مواهبه في التّجارة أو الصّناعة أو الزّراعة،و لأنّ المترفّه قد ينضب المال من بين يديه و له قبل به بعد حين،فإذا لم يتداين اختلّ نظام ماله.فشرّع اللّه تعالى للنّاس بقاء التّداين المتعارف بينهم،كيلا يظنّوا أنّ تحريم الرّبا و الرّجوع بالمتعاملين إلى رءوس أموالهم،إبطال للتّداين كلّه.و أفاد ذلك التّشريع بوضعه في تشريع آخر مكمّل له،و هو التّوثّق له بالكتابة و الإشهاد.

ص: 428

و الخطاب موجّه للمؤمنين،أي لمجموعهم، و المقصود منه خصوص المتداينين،و الأخصّ بالخطاب هو المدين،لأنّ من حقّ عليه أن يجعل دائنه مطمئنّ البال على ماله.فعلى المستقرض أن يطلب الكتابة و إن لم يسألها الدّائن.و يؤخذ هذا ممّا حكاه اللّه في سورة القصص-28-عن موسى و شعيب،إذ استأجر شعيب موسى،فلمّا تراوضا على الإجارة و تعيين أجلها،قال موسى: وَ اللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ، فذلك إشهاد على نفسه لمؤاجره دون أن يسأله شعيب ذلك.

و التّداين«تفاعل»و أطلق هنا مع أنّ الفعل صادر من جهة واحدة و هي جهة المسلّف لأنّك تقول:

ادّان منه فدانه،ف«المفاعلة»منظور فيها إلى المخاطبين هم مجموع الأمّة؛لأنّ في المجموع دائنا و مدينا،فصار المجموع مشتملا على جانبين.و لك أن تجعل«المفاعلة»على غير بابها،كما تقول:تداينت من زيد.

و زيادة قيد بِدَيْنٍ إمّا لمجرّد الإطناب،كما يقولون:رأيته بعيني و لمسته بيدي،و إمّا ليكون معادا للضّمير في قوله فَاكْتُبُوهُ، و لو لا ذكره لقال:

«فاكتبوا الدّين»فلم يكن النّظم بذلك الحسن،و لأنّه أبين لتنويع الدّين إلى مؤجّل و حالّ،قاله في «الكشّاف».

و قال الطّيّبيّ عن صاحب الفرائد:يمكن أن يظنّ استعمال التّداين مجازا في الوعد.

فذكر قوله: بِدَيْنٍ دفعا لتوهّم المجاز.و الدّين في كلام العرب العوض المؤخّر.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:563)

مكارم الشّيرازيّ:[له بحث مستوفى سيأتي في:

ك ت ب](2:254)

فضل اللّه:[له أيضا بحث مستوفى سيأتي في:

ك ت ب](5:165)

بدين

لاحظ:د ي ن:«تداينتم»و:و ص ي:

«وصيّة»في الآيات(البقرة:282،و النّساء:

11 و 12)

دين

1- أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

آل عمران:83

ابن عبّاس:اختصم أهل الكتاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم عليه السّلام،كلّ فرقة زعمت أنّه أولى بدينه،قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم»،فغضبوا و قالوا:و اللّه ما نرضى بقضائك،و لا نأخذ بدينك،فأنزل اللّه أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ. (الثّعلبيّ 3:105)

مثله الآلوسيّ.(3:212)

الطّبريّ:يقول:أ فغير طاعة اللّه تلتمسون و تريدون؟!(3:334)

الزّجّاج:أي أ فغير دين اللّه يطلبون،لأنّه قد بيّن أنّه دين اللّه،و إنّهم كفروا و عاندوا و حسدوا بغيا،كما

ص: 429

فعل إبليس.(1:438)

الطّوسيّ:عطف جملة على جملة مثلها،لو قيل:

أو غير دين اللّه يبغون،إلاّ أن الفاء رتّبت.كأنّه قيل:

أبعد تلك الآيات غير دين اللّه تبغون،أي تطلبون.

(2:517)

الواحديّ:أي أبعد أخذ الميثاق عليهم بالإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم يطلبون دينا غير دين اللّه،و هو ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:459)

الزّمخشريّ:قدّم المفعول الّذي هو(غير دين الله)على فعله،لأنّه أهمّ،من حيث إنّ الإنكار الّذي هو معنى الهمزة متوجّه إلى المعبود بالباطل.[ثمّ أدام نحو ابن عبّاس](1:441)

نحوه النّسفيّ(1:167)،و أبو السّعود(1:386)، و شبّر(1:343).

الطّبرسيّ:لمّا بيّن سبحانه بطلان اليهوديّة، و سائر الملل غير الإسلام،بيّن عقيبه أنّ من يبتغي غير دينه فهو ضالّ،لا يجوز القبول منه،فقال: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ أي فبعد هذه الآيات و الحجج،يطلبون دينا غير دين اللّه.(1:469)

الفخر الرّازيّ:اعلم أنّه تعالى لما بيّن في الآية الأولى أنّ الإيمان بمحمّد عليه الصّلاة و السّلام شرع شرعه اللّه و أوجبه على جميع من مضى من الأنبياء و الأمم،لزم أنّ كلّ من كره ذلك،فإنّه يكون طالبا دينا غير دين اللّه،فلهذا قال بعده: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ (8:129)

البيضاويّ:عطف على الجملة المتقدّمة،و الهمزة متوسّطة بينهما للإنكار،أو محذوف تقديره:أ تتولّون فغير دين اللّه يبغون.و تقديم المفعول لأنّه المقصود بالإنكار.(1:169)

ابن عاشور: دِينِ اللّهِ هو الإسلام،لقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ آل عمران:19، و إضافته إلى اللّه لتشريفه على غيره من الأديان،أو لأنّ غيره يومئذ قد نسخ بما هو دين اللّه.(3:146)

2- قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ. التّوبة:29

راجع:«يدينون».

3- فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. يوسف:76

ابن عبّاس:في سلطان الملك.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 7:261)

مجاهد:في حكمه،و هو استرقاق السّرّاق.

(القرطبيّ 9:238)

نحوه قتادة،و السّدّيّ(الطّبريّ 7:261)، و البغويّ(2:505).

الضّحّاك:إنّما كان يضاعف عليه الغرم.

(الماورديّ 3:64)

ص: 430

نحوه معمر.(الطّبريّ 7:261)

ابن كعب القرظيّ:دين الملك لا يؤخذ به من سرق أصلا،و لكنّ اللّه كاد لأخيه حتّى تكلّموا ما تكلّموا به،فأخذهم بقولهم،و ليس في قضاء الملك.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 7:261)

ابن إسحاق:أي بظلم،و لكنّ اللّه كاد ليوسف ليضمّ إليه أخاه.(الطّبريّ 7:262)

ابن زيد:ليس في دين الملك أن يؤخذ السّارق بسرقته،و كان الحكم عند الأنبياء:يعقوب و بنيه،أن يؤخذ السّارق بسرقته عبدا يسترقّ.(الطّبريّ 7:262)

الطّبريّ:يقول:ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر و قضائه و طاعته منهم لأنّه لم يكن من حكم ذلك الملك و قضائه أن يسترقّ أحد بالسّرق، فلم يكن ليوسف أخذ أخيه في حكم ملك أرضه،إلاّ أن يشاء اللّه بكيده الّذي كاده له،حتّى أسلم من وجد في وعائه الصّواع إخوته و رفقاؤه بحكمهم عليه، و طابت أنفسهم بالتّسليم.

و اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ: فقال بعضهم:ما كان ليأخذ أخاه في سلطان الملك.

و قال آخرون:معنى ذلك:في حكمه و قضائه.

و هذه الأقوال و إن اختلفت ألفاظ قائليها في معنى دِينِ الْمَلِكِ فمتقاربة المعاني،لأنّ من أخذه في سلطان الملك عامله بعمله،فبرضاه أخذه إذا لا بغيره، و ذلك منه حكم عليه و حكمه عليه قضاؤه.

و أصل الدّين:الطّاعة،و قد بيّنت ذلك في غير هذا الموضع بشواهده،بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

(7:261)

الزّجّاج:أي في سيرة الملك،و ما يدين به الملك، لأنّ السّارق في دين الملك كان يغرم مثلي ما سرق، و كان عند آل يعقوب و في مذهبهم أن يصير السّارق عبدا يسترقّه صاحب الشّيء المسروق.(3:122)

الرّمّانيّ:في عادة الملك،و لم يكن في دين الملك استرقاق من سرق.(الماورديّ 3:64)

الطّوسيّ:معناه:أنّه لم يكن يوسف ممّن يأخذ أخاه على دين الملك في جزاء من سرق أن يستعبد.

(6:174)

نحوه الطّبرسيّ.(3:253)

الواحديّ:قال ابن عبّاس و قتادة:في حكم الملك و قضائه؛و ذلك أنّ حكم الملك في السّارق أن يضرب و يغرم ضعفي ما سرق،فلم يكن يتمكّن يوسف من حبس أخيه عنده في حكم الملك،لو لا ما كاد اللّه له تلطّفا،حتّى وجد السّبيل إلى ذلك،و هو ما أجرى على ألسنة إخوته:أنّ جزاء السّارق الاسترقاق،فأقرّوا به،و كان ذلك مراده،و هو معنى قوله: إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ. (2:624)

نحوه البروسويّ.(4:300)

الزّمخشريّ:تفسير للكيد و بيان له،لأنّه كان في دين ملك مصر،و ما كان يحكم به السّارق أن يغرم مثل ما أخذ،لا أن يلزم و يستعبد.(2:335)

نحوه النّسفيّ.(2:232)

ابن عطيّة:فسّره ابن عبّاس:بسلطانه،و فسّره

ص: 431

قتادة:بالقضاء و الحكم.و هذا متقارب.(3:266)

البيضاويّ: فِي دِينِ الْمَلِكِ ملك مصر،لأنّ دينه الضّرب و تغريم ضعف ما أخذ دون استرقاق، و هو بيان للكيد.(1:504)

نحوه شبّر.(3:297)

ابن عاشور:أي حكمه و هو استرقاق السّرّاق.

و هو الّذي يقتضيه ظاهر الآية،لقوله: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ، أي لو لا حيلة وضع الصّواع في متاع أخيه.و لعلّ ذلك كان حكما شائعا في كثير من الأمم.أ لا ترى إلى قولهم: مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ يوسف:75،كما تقدّم،أي أنّ ملك مصر كان عادلا،فلا يؤخذ أحد في بلاده بغير حقّ.و مثله ما كان في شرع الرّومان من استرقاق المدين،فتعيّن أنّ المراد بالدّين:الشّريعة لا مطلق السّلطان.

و معنى«لام الجحود»هنا نفي أن يكون في نفس الأمر سبب يخوّل يوسف عليه السّلام أخذ أخيه عنده.

(12:99)

الطّباطبائيّ:بيان للسّبب الدّاعي إلى الكيد، و هو أنّه كان يريد أن يأخذ أخاه إليه،و لم يكن في دين الملك-أي سنّته الجارية في أرض مصر-طريق يؤدّي إلى أخذه،و لا أنّ السّرقة حكمها استعباد السّارق، و لذلك كادهم يوسف-بأمر من اللّه-بجعل السّقاية في رحله ثمّ إعلام أنّهم سارقون،حتّى ينكروه فيسألهم عن جزائه إن كانوا كاذبين،فيخبروا:أنّ جزاء السّرق عندهم أخذ السّارق و استعباده، فيأخذهم بما رضوا به لأنفسهم.(11:225)

4- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.

التّوبة:33

الضّحّاك:إن(الهدى):البيان و دِينِ الْحَقِّ:

الإسلام.(الماورديّ 2:355)

مقاتل:يعني دين الإسلام،لأنّ غير دين الإسلام باطل.(2:168)

الماورديّ:و فيها أربعة تأويلات:

أحدها:[قول الضّحّاك المتقدّم]

و الثّاني:أن(الهدى):الدّليل، وَ دِينِ الْحَقِّ:

المدلول عليه.

و الثّالث:معناه:بالهدى إلى دين الحقّ.

و الرّابع:أنّ معناهما واحد،و إنّما جمع بينهما تأكيدا لتغاير اللّفظين.(2:355)

الطّوسيّ: دِينِ الْحَقِّ هو الاسلام،و ما تضمّنه من الشّرائع،لأنّه الّذي يستحقّ عليه الجزاء بالثّواب.و كلّ دين سواه باطل،لأنّه يستحقّ به العقاب.و من شأن الرّسول أن يكون أفضل من جميع أمّته،من حيث يجب عليهم طاعته و امتثال ما يأمرهم به،بما هو مصلحة لهم،و لأنّه رئيس لهم في الدّين، و يقبح تقديم المفضول على الفاضل فيما كان أفضل فيه.(5:244)

الواحديّ: دِينِ الْحَقِّ: الحنيفيّة،و هي الإسلام.(2:491)

ابن عطيّة:إشارة إلى الإسلام و الملّة بجمعها، و هي الحنيفيّة.(3:26)

ص: 432

البيضاويّ:و اللاّم في(الدين)للجنس،أي على سائر الأديان فينسخها،أو على أهلها فيخذلهم.

(1:413)

أبو السّعود: وَ دِينِ الْحَقِّ الثّابت،و هو دين الإسلام.(3:143)

نحوه البروسويّ.(3:416)

شبّر:هو الإسلام و شرائعه،و ما سواه باطل يستحقّ به العقاب.(3:70)

الآلوسيّ: دِينِ الْحَقِّ أي الثّابت.و قيل:دينه تعالى،و هو دين الإسلام.(10:86)

ابن عاشور:و عبّر عن الإسلام بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ تنويها بفضله،و تعريضا بأنّ ما هم عليه ليس بهدى و لا حقّ.(10:74)

الطّباطبائيّ: دِينِ الْحَقِّ هو الإسلام بما يشتمل عليه من العقائد و الأحكام المنطبقة على الواقع الحقّ.

و المعنى:أنّ اللّه هو الّذي أرسل رسوله و هو محمّد صلّى اللّه عليه و آله مع الهداية-أو الآيات و البيّنات-و دين فطريّ،ليظهر و ينصر دينه الّذي هو دين الحقّ على كلّ الأديان،و لو كره المشركون ذلك.(9:247)

مكارم الشّيرازيّ:المقصود من(الهدى)هو الدّلائل الواضحة،و البراهين اللاّئحة الجليّة الّتي وجدت في الدّين الإسلاميّ.

و أمّا المراد من دِينِ الْحَقِّ فهو هذا الدّين الّذي أصوله حقّة و فروعه حقّة أيضا،و كلّ ما فيه من تاريخ و براهين و نتائج حقّ،و لا شكّ أنّ الدّين الّذي محتواه حقّ،و دلائله و براهينه حقّة،و تأريخه حقّ جليّ،لا بدّ أن يظهر على جميع الأديان.

و بمرور الزّمان و تقدّم العلم و سهولة الارتباطات،فإنّ الواقع سيكشف وجهه و يطلعه من وراء سدل الإعلام المضلّلة،و ستزول كلّ العقبات و الموانع و السّدود الّتي وضعت في طريق انتشار الإسلام.

و هكذا فإنّ دين الحقّ سيستوعب كلّ مكان، و لا يحول بينه و بين تقدّمه شيء أبدا،لأنّ الحركات المضادّة للإسلام حركات مخالفة لسير التّأريخ،و سنن الخلق.

ما المراد بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ ؟

هذا التّعبير الوارد في الآية محلّ البحث أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ بمثابة الدّليل على انتصار الإسلام و ظهوره على جميع الأديان،لأنّه لمّا كان محتوى دعوة النّبي الهداية-و العقل يدلّ على ذلك في كلّ موطن-و لمّا كانت أصوله و فروعه موافقة للحقّ،و مع الحقّ،و تسير في مسير الحقّ، و لأجل الحقّ؛فهذا الدّين سينتصر على جميع الأديان طبعا.

و قد جاء عن أحد علماء الهند أنّه سبر فكره في مطالعة مختلف الأديان فترة من الزّمن،و انتهى أمره إلى اختيار الدّين الإسلاميّ من بين جميع أديان العالم، ثمّ نشر كتابا بالإنجليزيّة اسمه:«لم أسلمت»؟و بيّن فيه مزايا الدّين الإسلاميّ على غيره من الأديان.

و من أهمّ المسائل الّتي أثارت انتباهه-كما يقول-

ص: 433

أنّ الإسلام هو الدين الوحيد الّذي له تأريخ ثابت محفوظ،و يتعجّب كيف اختارت أوربّا لها دينا ترى أنّ من جاء به أجلّ من الإنسان و تعدّه ربّها،مع أنّ هذا الدّين ليس له تاريخ دقيق.

إنّ مطالعة آراء الّذين اعتنقوا الإسلام دينا جديدا و عزفوا عن دينهم السّابق،تكشف أنّهم كانوا في منتهى البساطة و الغفلة و التّضليل،بينما دلّتهم أصول الإسلام و فروعه ذات الأدلّة المحكمة إلى الدّين الإلهيّ البعيد عن الخرافات كلّها،و الّذي يتجلّى فيه نور الحقّ و الهداية.(6:14)

5- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً. الفتح:28

الطّبريّ:الّذي أرسل رسوله محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم بالبيان الواضح و دين الحقّ،و هو الإسلام.(11:369)

الطّوسيّ:يعني الإسلام،و إخلاص العبادة.

(9:336)

نحوه الطّبرسيّ(4:127)،و شبّر(6:52).

القشيريّ:أرسل رسوله محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم بالدّين الحنفيّ، و شريعة الإسلام.(5:432)

الزّمخشريّ:بدين الإسلام، لِيُظْهِرَهُ: ليعليه، عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ: على جنس الدّين كلّه،يريد:

الأديان المختلفة،من أديان المشركين و الجاحدين من أهل الكتاب.(3:550)

نحوه البيضاويّ(2:405)،و النّسفيّ(4:163)، و أبو السّعود(6:107)،،و الكاشانيّ(5:45).

الفخر الرّازيّ:قوله تعالى: وَ دِينِ الْحَقِّ يحتمل وجوها:

أحدها:أن يكون اَلْحَقِّ اسم اللّه تعالى،فيكون كأنّه قال:بالهدى و دين اللّه.

و ثانيها:أن يكون اَلْحَقِّ نقيض الباطل، فيكون كأنّه قال:و دين الأمر الحقّ.

و ثالثها:أن يكون المراد به الانقياد إلى الحقّ و التزامه.(28:107)

القرطبيّ:الدّين:اسم بمعنى المصدر،و يستوي لفظ الواحد و الجمع فيه.(16:291)

البروسويّ:أي و بدين الإسلام،و هو من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته،مثل:عذاب الحريق، و الأصل:الدّين الحقّ و العذاب المحرق.و معنى اَلْحَقِّ الثّابت الّذي هو ناسخ الأديان و مبطلها.

(9:55)

الآلوسيّ:بدين الإسلام.و الظّاهر أنّ المراد به:

ما يعمّ الأصول و الفروع.و جوّز أن يراد ب(الهدى):

الأصول و ب دِينِ الْحَقِّ: الفروع،فإنّ من الرّسل عليهم السّلام من لم يرسل بالفروع،و إنّما أرسل بالأصول و تبيانها.و الظّاهر أنّ المراد ب اَلْحَقِّ نقيض الباطل.و جوّز أن يراد به ما هو من أسمائه تعالى،أي و دين اللّه الحقّ،و جوّز الإمام غير ذلك أيضا.(26:122)

جاء بهذا المعنى آية:

6- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. الصّفّ:9

ص: 434

7- وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ. البيّنة:5

ابن عبّاس:ذلك دين القضاء القيّم.

(الماورديّ 6:317)

قتادة:هو الدّين الّذي بعث اللّه به رسوله و شرع لنفسه و رضي به.(الطّبريّ 12:657)

مقاتل:يعني الملّة المستقيمة.(4:780)

ذلك الحساب المبين.(الماورديّ 6:317)

الفرّاء:في قراءة عبد اللّه(ذلك الدّين القيّمة)، و في قراءتنا وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ، و هو ممّا يضاف إلى نفسه لاختلاف لفظيه،و قد فسّر فى غير موضع.

(3:282)

أبو عبيدة:أضاف«الدّين»إلى مؤنّث.(2:306)

الطّبريّ:يعني أنّ هذا الّذي ذكر أنّه أمر به هؤلاء الّذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين،هو الدّين القيّمة،و يعني ب اَلْقَيِّمَةِ: المستقيمة العادلة.

و أضيف الدّين إلى اَلْقَيِّمَةِ و الدّين هو القيّم،و هو من نعته،لاختلاف لفظيهما.و هي في قراءة عبد اللّه -فيما أرى فيما ذكر لنا- وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ و أنّثت اَلْقَيِّمَةِ لأنّها جعلت صفة للملّة،كأنّه قيل:

و ذلك الملّة القيّمة دون اليهوديّة و النّصرانيّة.

(12:657)

الزّجّاج:أي ذلك دين الأمّة القيّمة بالحقّ،فيكون ذلك دين الملّة المستقيمة.(5:350)

نحوه القرطبيّ.(20:144)

الثّعلبيّ: دِينُ الْقَيِّمَةِ: المستقيمة،فأضاف الدّين إلى اَلْقَيِّمَةِ، و هو أمر فيه اختلاف اللّفظين، و أنّث اَلْقَيِّمَةِ لأنّه رجع بها إلى الملّة و الشّريعة.

و قيل:الهاء فيه للمبالغة.(10:261)

الماورديّ:فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:معناه:و ذلك دين الأمّة المستقيمة.

الثّانيّ:[قول ابن عبّاس]

الثّالث:[قول مقاتل]

و يحتمل رابعا:و ذلك دين من قام للّه بحقّه.

(6:312)

الطّوسيّ:أي ذلك الّذي تقدّم ذكره دِينُ الْقَيِّمَةِ و تقديره:ذلك دين الملّة القيّمة،و الشّريعة القيّمة.(10:390)

نحوه القشيريّ(6:321)،و الطّبرسيّ(5:523).

الميبديّ:أضاف الدّين إلى اَلْقَيِّمَةِ و هي نعته لاختلاف اللّفظين،و العرب تضيف الشّيء إلى نعته كثيرا،و تجد هذا في القرآن في مواضع:منها قوله:

وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109،و قال في موضع:

وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ، الأنعام:32،لأنّ«الدّار»هي الآخرة،و تقول:دخلت مسجد الجامع و مسجد الحرام،و أدخلك اللّه جنّة الفردوس هذا و أمثاله.

و أنّث اَلْقَيِّمَةِ لأنّ الآيات هائيّة فردّ الدّين إلى الملّة.(10:571)

الزّمخشريّ:أي دين الملّة القيّمة،و قرئ (و ذلك الدّين القيّمة)على تأويل(الدّين)بالملّة.

(4:275)

ص: 435

نحوه البيضاويّ(2:570)،و أبو السّعود(6:

456).

ابن عطيّة:قرأ الحسن بن أبي الحسن(مخلصين) بفتح اللاّم،و كأنّ(الدين)على هذه القراءة منصوب ب(بعد) (1)أو بمعنى يدلّ عليه على أنّه كالظّرف أو الحال،و في هذا نظر.

و قرأ الجمهور وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ على معنى:

الجماعة القيّمة،أو الفرقة القيّمة.(5:508)

الفخر الرّازيّ:احتجّ من قال:الإيمان عبارة عن مجموع القول و الاعتقاد و العمل بهذه الآية،فقال:

مجموع القول و الفعل و العمل هو الدّين،و الدّين هو الإسلام،و الإسلام هو الإيمان،فإذا مجموع القول و الفعل و العمل هو الإيمان،لأنّه تعالى ذكر في هذه الآية مجموع هذه الثّلاثة.ثمّ قال: وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ أي و ذلك المذكور هو دين القيّمة.و إنّما قلنا:إنّ الدّين هو الإسلام،لقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ، آل عمران:19،و إنّما قلنا:إنّ الإسلام هو الإيمان لوجهين:

الأوّل:أنّ الإيمان لو كان غير الإسلام لما كان مقبولا عند اللّه تعالى،لقوله تعالى: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، آل عمران:85،لكنّ الإيمان بالإجماع مقبول عند اللّه،فهو إذا عين الإسلام.

و الثّاني:قوله تعالى: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الذّاريات:35،36،فاستثناء المسلم من المؤمن،يدلّ على أنّ الإسلام يصدق عليه،و إذا ثبتت هذه المقدّمات،ظهر أنّ مجموع هذه الثّلاثة،أعني:القول و الفعل و العمل،هو الإيمان،و حينئذ يبطل قول من قال:الإيمان اسم لمجرّد المعرفة،أو لمجرّد الإقرار،أو لهما معا.

و الجواب:لم لا يجوز أن تكون الإشارة بقوله:

وَ ذلِكَ إلى الإخلاص فقط؟و الدّليل عليه أنّا على هذا التّقدير لا نحتاج إلى الإضمار،و أنتم تحتاجون إلى الإضمار،فتقولون:المراد:و ذلك المذكور،و لا شكّ أنّ عدم الإضمار أولى،سلّمنا أنّ قوله: وَ ذلِكَ إشارة إلى مجموع ما تقدّم،لكنّه يدلّ على أنّ ذلك المجموع هو الدّين القيّم،فلم قلتم:إنّ ذلك المجموع هو الدّين، و ذلك لأنّ الدّين غير،و الدّين القيّم غير،فالدّين القيّم هو الدّين الكامل المستقلّ بنفسه؛و ذلك إنّما يكون إذا كان الدّين حاصلا،و كانت آثاره و نتائجه معه حاصلة أيضا،و هي الصّلاة و الزّكاة،و إذا لم يوجد هذا المجموع لم يكن الدّين القيّم حاصلا.لكن لم قلتم:إنّ أصل الدّين لا يكون حاصلا،و النّزاع ما وقع إلاّ فيه؟و اللّه أعلم.(32:48)

البروسويّ:أي دين الملّة القيّمة،قدّر الموصوف لئلاّ يلزم إضافة الشّيء إلى صفته،فإنّها إضافة الشّيء إلى صفته.و صحّة إضافة الدّين إلى الملّة باعتبار التّغاير الاعتباريّ بينهما،فإنّ الشّريعة المبلّغة إلى الأمّة بتبليغ الرّسول إيّاها من قبل اللّه تسمّى:ملّة، باعتبار أنّها تكتب و تملى و دينا باعتبار أنّها تطاع،».

ص: 436


1- هكذا في الأصل،و الظّاهر:ب«يعبدوا».

فإنّ الدّين الطّاعة،يقال دان له،أي أطاعه.

و قال بعضهم إضافة الدّين إلى اَلْقَيِّمَةِ إضافة العامّ إلى الخاصّ كشجر الأراك،و لا حاجة إلى تقدير «الملّة»فإنّ اَلْقَيِّمَةِ عبارة عن الملّة،كما يشهد له قراءة أبيّ رضى اللّه عنه(و ذلك الدّين القيّم)،انتهى.(10:488)

الآلوسيّ:أي الكتب القيّمة ف«أل»للعهد إشارة إلى ما تقدّم في قوله تعالى: فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ البيّنة:3،و إليه ذهب محمّد بن الأشعث الطّالقانيّ.

و قيل:أي الحجج القيّمة.(30:204)

ابن عاشور:اسم الإشارة في قوله: وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ متوجّه إلى ما بعد حرف الاستثناء،فإنّه مقترن باللاّم المسمّاة«لام أن»المصدريّة،فهو في تأويل مفرد،أي إلاّ بعبادة اللّه و إقامة الصّلاة و إيتاء الزّكاة،أي و المذكور دين القيّمة.و دِينُ الْقَيِّمَةِ يجوز أن تكون إضافته على بابها،فتكون اَلْقَيِّمَةِ مرادا به،غير المراد ب اَلدِّينَ ممّا هو مؤنّث اللّفظ،ممّا يضاف إليه«دين»أي دين الأمّة القيّمة،أو دين الكتب القيّمة.

و يرجّح هذا التّقدير أنّ دليل المقدّر موجود في اللّفظ قبله،و هذا إلزام لهم بأحقّيّة الإسلام،و أنّه الدّين القيّم.قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ* مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَ اتَّقُوهُ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ الرّوم:30،31.

و يجوز أن تكون الإضافة صوريّة،من إضافة الموصوف إلى الصّفة،و هي كثيرة الاستعمال.و أصله:

الدّين القيّم،فأنّث الوصف على تأويل:دين،بملّة أو شريعة،أو على أنّ التّاء للمبالغة في الوصف،مثل تاء «علاّمة»و المآل واحد،و على كلا التّقديرين فالمراد ب دِينُ الْقَيِّمَةِ: دين الإسلام.(30:424)

الطّباطبائيّ:أي دين الكتب القيّمة على ما فسّروا،و المراد بالكتب القيّمة-إن كان جميع الكتب السّماويّة-أعني كتاب نوح و من دونه من الأنبياء عليهم السّلام،فالمعنى:أنّ هذا الّذي أمروا به و دعوا إليه في الدّعوة المحمّديّة،هو الدّين الّذي كلّفوا به في كتبهم القيّمة،و ليس بأمر بدع،فدين اللّه واحد، و عليهم أن يدينوا به،لأنّه القيّم.

و إن كان المراد به ما كان يتلوه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الكتب القيّمة الّتي في الصّحف المطهّرة،فالمعنى:أنّهم لم يؤمروا في الدّعوة الإسلاميّة إلاّ بأحكام و قضايا هي القيّمة الحافظة لمصالح المجتمع الإنسانيّ،فلا يسعهم إلاّ أن يؤمنوا بها و يتديّنوا.

فالآية-على أيّ حال-تشير إلى كون دين التّوحيد الّذي يتضمّنه القرآن الكريم المصدّق لما بين يديه من الكتاب و المهيمن عليه،فيما يأمر المجتمع البشريّ قائما بأمرهم حافظا لمصالح حياتهم،كما يبيّنه بأوفى البيان قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ... الرّوم:30.

و بهذه الآية يكمل بيان عموم رسالة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و شمول الدّعوة الإسلاميّة لعامّة البشر،فقوله:

لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ

ص: 437

البيّنة:1،يشير إلى أنّه كان من الواجب في سنّة الهداية الالهيّة أن تتمّ الحجّة على من كفر بالدّعوة من أهل الكتاب و المشركين،و هؤلاء و إن كانوا بعض أهل الكتاب و المشركين،لكن من الضّروريّ أن لا فرق بين البعض و البعض في تعلّق الدّعوة،فتعلّقها بالبعض لا ينفكّ عن تعلّقها بالكلّ.(20:339)

مكارم الشّيرازيّ: وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ.

قيل:في معنى وَ ما أُمِرُوا... أنّ المقصود هو أنّ التّوحيد و الصّلاة و الزّكاة من المسائل الثّابتة في دين أهل الكتاب،لكنّهم لم يبقوا أوفياء لهذه التّعاليم.

و قيل:المقصود هو أنّ دين الإسلام ليس فيه سوى التّوحيد الخالص و الصّلاة و الزّكاة و أمثالها من التّعاليم؛و هذه أمور معروفة،فلما ذا يعرضون عنها؟

يبدو أنّ المعنى الثّاني أقرب،لأنّ الآية السّابقة تتحدّث عن الاختلاف في قبول الدّين الجديد.

و المناسب هنا أن يكون المراد في أُمِرُوا... هو الدّين الجديد أيضا.

أضف إلى ذلك:أنّ المعنى الأوّل يصدق على أهل الكتاب وحدهم،بينما المعنى الثّاني يشمل المشركين أيضا.

المقصود ب اَلدِّينَ في عبارة مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ قد يكون العبادة،و عبارة إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ في الآية تؤكّد هذا المعنى.

و يحتمل أيضا أن يكون المقصود مجموع الدّين و الشّريعة،أي إنّهم أمروا أن يعبدوا اللّه و أن يخلصوا له الدّين و التّشريع في جميع المجالات.و هذا المعنى يتناسب أكثر مع المفهوم الواسع للدّين،و جملة وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ تؤيّد هذا المعنى،لأنّها طرحت الدّين بمفهومه الواسع...

جملة وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ إشارة إلى أنّ الأصول المذكورة في الآية و هي:التّوحيد الخالص،و الصّلاة الارتباط باللّه،و الزّكاة الارتباط بالنّاس،من الأصول الثّابتة الخالدة في جميع الأديان،بل إنّها قائمة في أعماق فطرة الإنسان.ذلك لأنّ مصير الإنسان يرتبط بالتّوحيد،و فطرته تدعوه إلى معرفة المنعم و شكره،ثمّ إنّ الرّوح الاجتماعيّة المدنيّة للإنسان تدعوه إلى مساعدة المحرومين.من هنا،هذه التّعاليم لها جذور في أعماق الفطرة،و هي لذلك كانت في تعاليم كلّ الأنبياء السّابقين،و تعاليم خاتم النّبيين صلّى اللّه عليه و آله.

(20:330)

8- لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ. الكافرون:6

ابن عبّاس:عليكم دينكم الكفر و الشّرك باللّه وَ لِيَ دِينِ الإسلام و الإيمان باللّه،ثمّ نسختها آية القتال و قاتَلَهُمُ... التّوبة:30،بعد ذلك.(521)

نحوه الثّعلبيّ(10:317)،و البغويّ(5:318).

ابن زيد:في قول اللّه: لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ للمشركين.قال:و اليهود لا يعبدون إلاّ اللّه و لا يشركون،إلاّ أنّهم يكفرون ببعض الأنبياء و بما جاءوا به من عند اللّه،و يكفرون برسول اللّه و بما جاء به من عند اللّه،و قتلوا طوائف الأنبياء ظلما و عدوانا، قال:إلاّ العصابة الّتي بقوا حتّى خرج بخت نصّر،فقالوا:

ص: 438

عزير ابن اللّه دعا اللّه و لم يعبدوه،و لم يفعلوا كما فعلت النّصارى،قالوا:المسيح ابن اللّه و عبدوه.

(الطّبريّ 12:728)

يحيى بن سلاّم:لكم دينكم الّذي تعتقدونه من الكفر،و لي ديني الّذي أعتقده من الإسلام.

(الماورديّ 6:358)

الفرّاء: لَكُمْ دِينُكُمْ: الكفر، وَ لِيَ دِينِ:

الإسلام.و لم يقل:ديني،لأنّ الآيات بالنّون فحذفت الياء،كما قال: فَهُوَ يَهْدِينِ وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ. (3:297)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره:لكم دينكم فلا تتركونه أبدا،لأنّه قد ختم عليكم و قضي أن لا تنفكّوا عنه و أنّكم تموتون عليه،و لي ديني الّذي أنا عليه لا أتركه أبدا،لأنّه قد مضى في سابق علم اللّه أنّي لا أنتقل عنه إلى غيره.(12:728)

الرّمّانيّ:لكم جزاء عملكم،و لي جزاء عملي.

و هذا تهديد منه لهم،و معناه:و كفى بجزاء عملي ثوابا

(الماورديّ 6:358)

الطّوسيّ:فإن قيل:ما معنى لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ ؟

قيل:معناه:لكم جزاء دينكم و لي جزاء ديني، و حسبك بجزاء دينهم وبالا و عقابا كما حسبك بجزاء دينه نعيما و ثوابا.(10:422)

نحوه القشيريّ.(6:345)

الواحديّ: لَكُمْ دِينُكُمْ: كفركم باللّه، وَ لِيَ دِينِ: التّوحيد و الإخلاص.و هذا قبل أن يؤمر بالحرب.(4:565)

الزّمخشريّ:لكم شرككم و لي توحيدي.

و المعنى:أنّي نبيّ مبعوث إليكم،لأدعوكم إلى الحقّ و النّجاة،فإذا لم تقبلوا منّي و لم تتّبعوني فدعوني كفافا و لا تدعوني إلى الشّرك.(4:293)

نحوه النّسفيّ.(4:381)

ابن عطيّة:في هذا المعنى الّذي عرضت قريش نزل أيضا قُلْ أَ فَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ الزّمر:64.و قرأ أبو عمرو(و لى دينى)ساكنة الياء من(لي)و نصبها الباقون بخلاف كلّ واحد منهم، و القراءتان حسنتان...و لم تختلف السّبعة في حذف الياء من دِينِ و قرأ سلاّم و يعقوب(دينى)بياء في الوصل و الوقف.و قال بعض العلماء:في هذه الألفاظ مهادنة ما،و هي منسوخة بآية القتال.(5:531)

الطّبرسيّ:ذكر فيه وجوه:

أحدها:أنّ معناه:لكم جزاء دينكم،و لي جزاء ديني.فحذف المضاف،و أقام المضاف إليه مقامه.

و ثانيها:أنّ المعنى:لكم كفركم باللّه،و لي دين التّوحيد و الإخلاص.و هذا و إن كان ظاهره إباحة، فإنّه وعيد و تهديد،و مبالغة في النّهي و الزّجر،كقوله:

اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فصّلت:40.

و ثالثها:إنّ الدّين:الجزاء،و معناه:لكم جزاؤكم، و لي جزائي.[ثمّ استشهد بشعر](5:552)

الفخر الرّازيّ:أمّا قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ، ففيه مسائل:

المسألة الأولى:قال ابن عبّاس:لكم كفركم باللّه،

ص: 439

و لي التّوحيد و الإخلاص له.فإن قيل:فهل يقال:إنّه أذن لهم في الكفر؟قلنا:كلاّ،فإنّه عليه السّلام ما بعث إلاّ للمنع من الكفر،فكيف يأذن فيه!و لكن المقصود منه أحد أمور:

أحدها:أنّ المقصود منه التّهديد،كقوله: اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فصّلت:40.

و ثانيها:كأنّه يقول:إنّي نبيّ مبعوث إليكم، لأدعوكم إلى الحقّ و النّجاة،فإذا لم تقبلوا منّي و لم تتّبعوني فاتركوني،و لا تدعوني إلى الشّرك.

و ثالثها: لَكُمْ دِينُكُمْ فكونوا عليه إن كان الهلاك خيرا لكم، وَ لِيَ دِينِ لأنّي لا أرفضه.

القول الثّاني:في تفسير الآية أنّ«الدّين»هو الحساب،أي لكم حسابكم و لي حسابي.و لا يرجع إلى كلّ واحد منّا من عمل صاحبه أثر البتّة.

القول الثّالث:أن يكون على تقدير حذف المضاف،أي لكم جزاء دينكم و لي جزاء ديني، و حسبهم جزاء دينهم وبالا و عقابا،كما حسبك جزاء دينك تعظيما و ثوابا.

القول الرّابع:الدّين:العقوبة وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ النّور:2،يعني الحدّ،فلكم العقوبة من ربّي،و لي العقوبة من أصنامكم،لكن أصنامكم جمادات،فأنا لا أخشى عقوبة الأصنام.و أمّا أنتم فيحقّ لكم عقلا أن تخافوا عقوبة جبّار السّماوات و الأرض.

القول الخامس:الدّين:الدّعاء،فادعوا اللّه مخلصين له الدّين،أي لكم دعاؤكم وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ المؤمن:50، إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ فاطر:14،ثمّ ليتها تبقى على هذه الحالة فلا يضرّونكم،بل يوم القيامة يجدون لسانا فيكفرون بشرككم.و أمّا ربّي فيقول: وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا الشّورى:26، اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:186.

القول السّادس:الدّين العادة.[ثمّ استشهد بشعر]

معناه:لكم عادتكم المأخوذة من أسلافكم و من الشّياطين،و لي عادتي المأخوذة من الملائكة و الوحي، ثمّ يبقى كلّ واحد منّا على عادته،حتّى تلقوا الشّياطين و النّار،و ألقى الملائكة و الجنّة.

المسألة الثّانية:قوله: لَكُمْ دِينُكُمْ يفيد الحصر، و معناه:لكم دينكم لا لغيركم،و لي ديني لا لغيري، و هو إشارة إلى قوله: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى النّجم:39، وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى الأنعام:

164،أي أنا مأمور بالوحي و التّبليغ،و أنتم مأمورون بالامتثال و القبول،فأنا لما فعلت ما كلّفت به خرجت عن عهدة التّكليف.و أمّا إصراركم على كفركم،فذلك ممّا لا يرجع إليّ منه ضرر البتّة.(32:147)

ابن عربيّ: لَكُمْ دِينُكُمْ من عبادة معبوداتكم وَ لِيَ دِينِ من عبادة معبودي،أي لمّا لم يمكن الوفاق بيننا تركتكم و دينكم،فاتركوني و ديني؛و اللّه أعلم.(2:864)

القرطبيّ:فيه معنى التّهديد،و هو كقوله تعالى:

لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ القصص:55،أي إن

ص: 440

رضيتم بدينكم،فقد رضينا بديننا.و كان هذا قبل الأمر بالقتال،فنسخ بآية السّيف.و قيل:السّورة كلّها منسوخة،و قيل:ما نسخ منها شيء لأنّها خبر.

و معنى لَكُمْ دِينُكُمْ، أي جزاء دينكم،و لي جزاء ديني.و سمّي دينهم دينا،لأنّهم اعتقدوه و تولّوه.

و قيل:المعنى لكم جزاؤكم و لي جزائي،لأنّ الدّين الجزاء.و فتح الياء من(و لى دين)نافع، و البزّي عن ابن كثير باختلاف عنه،و هشام عن ابن عامر،و حفص عن عاصم.و أثبت الياء في(ديني)في الحالين نصر بن عاصم و سلاّم و يعقوب.قالوا:لأنّها اسم،مثل الكاف في دِينُكُمْ و التّاء في«قمت.» الباقون بغير ياء،مثل قوله تعالى: فَهُوَ يَهْدِينِ الشّعراء:78، فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ آل عمران:50 و نحوه،اكتفاء بالكسرة،و اتّباعا لخطّ المصحف،فإنّه وقع فيه بغير ياء.(20:229)

البيضاويّ:الّذي أنتم عليه لا تتركونه وَ لِيَ دِينِ ديني الّذي أنا عليه لا أرفضه،فليس فيه إذن في الكفر،و لا منع عن الجهاد،ليكون منسوخا بآية القتال.اللّهمّ إلاّ إذا فسّر بالمتاركة،و تقرير كلّ من الفريقين الآخر على دينه،و قد فسّر الدّين:بالحساب، و الجزاء،و الدّعاء،و العبادة.(2:579)

أبو حيّان:أي لكم شرككم و لي توحيدي،و هذا غاية في التّبرّؤ.و لمّا كان الأهمّ انتفاءه عليه الصّلاة و السّلام من دينهم،بدأ بالنّفي في الجمل السّابقة بالمنسوب إليه.و لمّا تحقّق النّفي رجع إلى خطابهم في قوله: لَكُمْ دِينُكُمْ على سبيل المهادنة،و هي منسوخة بآية السّيف.و قرأ سلاّم:(ديني)بياء وصلا و وقفا،و حذفها القرّاء السّبعة؛و اللّه تعالى أعلم.

(8:522)

أبو السّعود: دِينُكُمْ تقرير لقوله تعالى:

لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ و قوله تعالى: وَ لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ كما أنّ قوله تعالى: وَ لِيَ دِينِ تقرير لقوله تعالى: وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. و المعنى:أنّ دينكم الّذي هو الإشراك مقصور على الحصول لكم، لا يتجاوزه إلى الحصول لي أيضا كما تطمعون فيه، فلا تعلّقوا به أمانيّكم الفارغة،فإنّ ذلك من المحالات، و أنّ ديني الّذي هو التّوحيد مقصور على الحصول لي، لا يتجاوزه إلى الحصول لكم أيضا،لأنّكم علّقتموه بالمحال الّذي هو عبادتي لآلهتكم أو استلامي إيّاها، و لأنّ ما وعدتموه عين الإشراك،و حيث كان مبنى قولهم:تعبد آلهتنا سنة و نعبد إلهك سنة،على شركة الفريقين في كلتا العبادتين،كان القصر المستفاد من تقديم المسند قصر إفراد حتما.

و يجوز أن يكون هذا تقريرا لقوله تعالى: وَ لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ أي و لي ديني لا دينكم،كما هو في قوله تعالى: وَ لَكُمْ ما كَسَبْتُمْ. و قيل:المعنى إنّي نبيّ مبعوث إليكم،لأدعوكم إلى الحقّ و النّجاة،فإذا لم تقبلوا منّي و لم تتّبعوني،فدعوني كفافا،و لا تدعوني إلى الشّرك،فتأمّل.(6:480)

البروسويّ:[نحو أبي السّعود و أضاف:]

و قال أبو اللّيث:و فيها دليل على أنّ الرّجل إذا رأى منكرا أو سمع قولا منكرا فأنكره و لم يقبلوا منه،

ص: 441

لا يجب عليه أكثر من ذلك،و إنّما عليه مذهبه و طريقه،و تركهم على مذهبهم و طريقهم.[إلى أن قال:]

لَكُمْ دِينُكُمْ الّذي هو الإيمان بالطّاغوت و الكفر باللّه،و هو الدّين يجب التّبرّي منه، وَ لِيَ دِينِ الّذي هو الإيمان باللّه و الكفر بالطّاغوت،و هو الدين الّذي يجب التّعلّق بأحكامه و التّخلّق بأخلاقه و التّحقّق بحقائقه هذا،فحقائق القرآن ليست بمنسوخة أبدا بل العمل بها باق.(10:527)

شبّر: لَكُمْ دِينُكُمْ: كفركم، وَ لِيَ دِينِ:

التّوحيد.فإن أريد المشاركة فهو منسوخ بآية السّيف، و إن أريد به التّهديد ك اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فصّلت:

40،فليس منسوخا.و قيل:الدّين:الجزاء،و فتح ياء (لى)نافع و حفص و هشام.(6:460)

الآلوسيّ:[نحو أبي السّعود و أضاف:]

فسّر الدّين بالحساب،أي لكم حسابكم و لي حسابي،لا يرجع إلى كلّ منّا من عمل صاحبه أثر، و بالجزاء،أي لكم جزاؤكم و لي جزائي.

قيل:و الكلام على الوجهين استئناف بيانيّ كأنّه قيل:فما يكون إذا بقينا على عبادة آلهتنا،و إذا بقيت على عبادة إلهك،فقيل: لَكُمْ... و المراد يكون لهم الشّرّ و يكون له عليه الصّلاة و السّلام الخير،لكن أتى باللاّم في لَكُمْ للمشاكلة،و عليه لا نسخ أيضا.

و يحتمل أن يكون المراد غير ذلك،ممّا تكون عليه الآية منسوخة،و لعلّه لا يخفى،و قد يفسّر«الدّين» بالحال،كما هو أحد معانيه،حسبما ذكره القاليّ في «أماليه»و غيره،أي لكم حالكم اللاّئق بكم الّذي يقتضيه سوء استعدادكم،و لي حالي اللاّئق بي الّذي يقتضيه حسن استعدادي،و الجملة عليه كالتّعليل لما تضمّنه الكلام السّابق،فلا نسخ.

و الأولى أن تفسّر بما لا تكون عليه منسوخة،لأنّ النّسخ خلاف الظّاهر،فلا يصار إليه إلاّ عند الضّرورة.

و للإمام الرّازيّ أوجه فى تفسيرها،لا يخلوا بعضها عن نظر.و ذكر عليه الرّحمة أنّه جرت العادة بأنّ النّاس يتمثّلون بهذه الآية عند المتاركة؛و ذلك لا يجوز،لأنّ القرآن ما أنزل ليتمثّل به بل ليهتدى به، و فيه ميل إلى سدّ باب الاقتباس،و الصّحيح جوازه، فقد وقع في كلامه عليه الصّلاة و السّلام و كلام كثير من الصّحابة و الأئمّة و التّابعين.و للجلال السّيوطيّ رسالة وافية كافية في إزالة الالتباس عن وجه جواز الاقتباس،و ما ذكر من الدّليل فأظهر من أن ينبّه على ضعفه.(30:254)

ابن عاشور:[ذكر كلام الفخر الرّازيّ:«جرت عادة النّاس...»ثمّ قال:]

و هذا كلام غير محرّر،لأنّ التّمثّل به لا ينافي العمل بموجبه،و ما التّمثّل به إلاّ من تمام بلاغته، و استعداد للعمل به.و هذا المقدار من التّفسير تركه الفخر في المسودّة.

و قدّم في كلتا الجملتين المسند على المسند إليه، ليفيد قصر المسند إليه على المسند،أي دينكم مقصور على الكون،بأنّه لكم لا يتجاوزكم إلى الكون لي، و ديني مقصور على الكون بأنّه لا يتجاوزني إلى كونه

ص: 442

لكم،أي لأنّهم محقّق عدم إسلامهم.فالقصر قصر إفراد،و اللاّم في الموضعين لشبه الملك،و هو الاختصاص أو الاستحقاق.

و الدّين:العقيدة و الملّة،و هو معلومات و عقائد يعتقدها المرء،فتجري أعماله على مقتضاها،فلذلك سمّي دينا،لأنّ أصل معنى الدّين المعاملة و الجزاء.

و قرأ الجمهور دِينِ بدون ياء بعد النّون،على أنّ ياء المتكلّم محذوفة للتّخفيف،مع بقاء الكسرة على النّون.و قرأه يعقوب بإثبات الياء في الوصل و الوقف.

و قد كتبت هذه الكلمة في المصحف بدون ياء،اعتمادا على حفظ الحفّاظ،لأنّ الّذي يثبت الياء مثل يعقوب، يشبع الكسرة؛إذ ليست الياء إلاّ مدّة للكسرة،فعدم رسمها في الخطّ لا يقتضي إسقاطها في اللّفظ.(30:512)

مغنيّة:أي ديني،و المعنى:لكم الكفر و الشّرك، و لي الإخلاص و التّوحيد،و لا علاقة لي بكم و لا بما تعبدون،و أنتم كذلك.و هذا تهديد و وعيد،و مثله:

أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ يونس:41.(7:618)

الطّباطبائيّ:قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ تأكيد بحسب المعنى لما تقدّم من نفي الاشتراك، و اللاّم للاختصاص،أي دينكم،و هو عبادة الأصنام، يختصّ بكم و لا يتعدّاكم إليّ،و ديني يختصّ بي و لا يتعدّاني إليكم،و لا محلّ لتوهّم دلالة الآية على إباحة أخذ كلّ،بما يرتضيه من الدّين،و لا أنّه صلّى اللّه عليه و آله لا يتعرّض لدينهم بعد ذلك،فالدّعوة الحقّة الّتي يتضمّنها القرآن تدفع ذلك أساسا.

و قيل:«الدّين»في الآية بمعنى الجزاء،و المعنى:

لكم جزاؤكم و لي جزائي.و قيل:إنّ هناك مضافا محذوفا،و التّقدير:لكم جزاء دينكم و لي جزاء ديني، و الوجهان بعيدان عن الفهم.(20:374)

مكارم الشّيرازيّ:هل الآية لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ تعني جواز عبادة الأصنام؟

قد يتصوّر أنّ هذه الآية لها مفهوم«السّلام العامّ» و تجيز حتّى لعبدة الأصنام أن يظلّوا عليها عاكفين، لأنّها لا تصرّ على قبول دين الإسلام.

لكن هذا التّصوّر فارغ لا يقوم على أساس،لحن الآيات يوضّح بجلاء أنّها نوع من التّحقير و التّهديد، أي دعكم و دينكم فسترون قريبا و بال أمركم،تماما مثل ما ورد في قوله تعالى: وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ القصص:55.

و الشّاهد الواضح على ذلك مئات الآيات الكريمة الّتي ترفض الشّرك بكلّ ألوانه،و تعتبره عملا لا شيء أبغض منه،و ذنبا لا يغفر.

[ثمّ ذكر الوجوه الأخرى و قال:]و التّفسير الأوّل أنسب.

هل هادن الشّرك يوما؟

السّورة تطرح حقيقة التّضادّ و الانفصال التّامّ بين منهج التّوحيد و منهج الشّرك،و عدم وجود أيّ تشابه بينهما،التّوحيد يشدّ الإنسان باللّه،بينما الشّرك يجعل الإنسان غريبا عن اللّه.

التّوحيد رمز الوحدة و الانسجام في جميع

ص: 443

المجالات،و الشّرك مبعث التّفرقة و التّمزّق في كلّ الشّئون.

التّوحيد يسمو بالإنسان على عالم المادّة و الطّبيعة،و يربطه بما وراء الطّبيعة بالوجود غير المتناهي لربّ العالمين،بينما الشّرك يجعل الإنسان يرسف في أغلال الطّبيعة،و يربطه بموجودات ضعيفة فانية.

من هنا فالنّبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سائر الأنبياء الكرام لم يهادنوا الشّرك لحظة واحدة،بل جعلوا مقارعته في رأس قائمة أعمالهم.

السّائرون على طريق اللّه من الدّعاة و العلماء الإسلاميّين يتحمّلون مسئوليّة مواصلة هذه المسيرة، و عليهم أن يعلنوا براءتهم من الشّرك و المشركين في كلّ مكان.هذا هو طريق الإسلام الأصيل.(20:465)

فضل اللّه:ديني هو الإسلام للّه،و دينكم دين الشّرك به.

إنّ المسألة الحاسمة،هي أنّ هناك عبادتين تختلفان في طبيعتهما و في منطلقاتهما،و في حركتهما في الواقع الإنسانيّ،و أنّ هناك دينين يختلفان في قاعدتهما و في شريعتهما و في طريقة العبادة فيهما،و في مضمون الألوهيّة عندهما،و في نظامهما الأخلاقيّ،و قد أخذتم بدين الشّرك و ارتضيتموه عن قناعة أو عن تقليد،أو عن طمع و استكبار.أمّا أنا فقد أخذت بدين التّوحيد الّذي هو دين الإسلام،من موقع القناعة اليقينيّة و الإيمان الحاسم.و لتكن الكلمة الأخيرة هي الكلمة الفاصلة الّتي تمنع اللّقاء إلاّ على أساس وحدة الدّين و الانتماء.

لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ فإذا كنتم لا تريدون الالتزام بديني،فابتعدوا عنّي،لأنّي لن أترك ديني الّذي أخلصت به للّه في كلّ ما يريده و يرضاه.و على المعنى الثّاني،و هو إرادة الجزاء من كلمة الدّين، فيكون المراد:لكم جزاؤكم على عبادتكم،و هو النّار، و لي جزائي على عبادتي و هو الجنّة.(24:457)

يوم الدّين

1- مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. الفاتحة:4

ابن مسعود:هو يوم الحساب.(الطّبريّ 1:98)

ابن عبّاس:قاضي يوم الدّين و هو يوم الحساب، و القضاء فيه بين الخلائق،أي يوم يدان فيه النّاس بأعمالهم لا قاضي غيره.(2)

نحوه السّدّيّ(الثّعلبيّ 1:115)،و ابن جريج (الطّبريّ 1:98)،و مقاتل(1:36).

يوم حساب الخلائق،و هو يوم القيامة،يدينهم بأعمالهم،إن خيرا فخيرا،و إن شرّا فشرّا،إلاّ من عفا عنه،فالأمر أمره أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ الأعراف:

54.(الطّبريّ 1:98)

الضّحّاك: اَلدِّينِ: الجزاء.

مثله:قتادة.(الثّعلبيّ 1:115)

الإمام الباقر عليه السّلام: اَلدِّينِ :الحساب.

(الطّبرسيّ 1:24)

قتادة:يوم يدين اللّه العباد بأعمالهم.

(الطّبريّ 1:98)

ص: 444

الفرّاء:دين الرّجل خلقه و عمله و عادته.

(الثّعلبيّ 1:116)

ابن قتيبة:يوم القيامة سمّي بذلك،لأنّه يوم الجزاء و الحساب.و منه يقال:دنته بما صنع أي جازيته.و يقال في مثل:«كما تدين تدان»يراد كما تصنع يصنع بك و كما تجازي تجازى.(38)

الطّبريّ:و اَلدِّينِ في هذا الموضع،بتأويل:

الحساب و المجازاة بالأعمال.[ثمّ استشهد بشعر]

و من ذلك قول اللّه جلّ ثناؤه: كَلاّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ يعني بالجزاء، وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ سورة الانفطار:9،10،يحصون ما تعملون من الأعمال،و قوله تعالى: فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ سورة الواقعة:86،يعني غير مجزيّين بأعمالكم و لا محاسبين.

و للدّين معان في كلام العرب،غير معنى الحساب و الجزاء،سنذكرها في أماكنها إن شاء اللّه.

و بما قلنا في تأويل قوله: يَوْمِ الدِّينِ جاءت الآثار عن السّلف من المفسّرين،مع تصحيح الشّواهد تأويلهم الّذي تأوّلوه في ذلك.(1:98)

الثّعلبيّ:يعني يوم يدين اللّه العباد بأعمالهم،دليله قوله: لَمَدِينُونَ، أي مجزيّون.

و قال عثمان بن زيّات:يوم القهر و الغلبة.تقول العرب:مدان فدان،أي قهرته فخضع و ذلّ.

و سمعت أبا القاسم الحسين بن محمّد الأديب يقول:

سمعت أبا المضر محمّد بن أحمد بن منصور يقول:سمعت أبا عمر غلام ثعلب يقول:كان الرّجل إذا أطاع و دان إذا عصى،و دان إذا عزّ،و كان (1)إذا ذلّ،و دان إذا قهر.

و قال الحسن بن الفضل:يوم الإطاعة،و كلّ ما أطيع اللّه فيه فهو دين.

و قال بعضهم:يوم العمل.

و قال محمّد بن كعب القرظيّ: مالِكِ يَوْمِ لا ينفع فيه إلاّ اَلدِّينِ، و هذه من قول اللّه تعالى:

يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الشّعراء:88،89،و قوله: وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاّ مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً سبأ:37.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(1:115)

نحوه الماورديّ(1:56)،و البغويّ(1:74)، و القرطبيّ(1:143).

الطّوسيّ:[نحو الطّبريّ و أضاف:]

عبارة عن زمان الجزاء كلّه،و ليس المراد به ما بين المشرق و المغرب،و طلوع الشّمس إلى غروبها.

(1:36)

الواحديّ: اَلدِّينِ: الجزاء. يَوْمِ الدِّينِ يوم يدين اللّه العباد بأعمالهم.تقول العرب:دنته بما فعل،أي جازيته،و منه قوله تعالى: أَ إِنّا لَمَدِينُونَ الصّافّات:53،أي مجزيّون و تقول العرب:«كما تدين تدان»،أي كما تجازي تجازى.(1:67)

الزّمخشريّ: يَوْمِ الدِّينِ: يوم الجزاء.و منهّ.

ص: 445


1- هكذا في الأصل،و الظّاهر:و دان إذا ذلّ.

قولهم:«كما تدين تدان».(1:57)

نحوه الطّبرسيّ(1:24)،و البيضاويّ(1:8)، و النّسفيّ(1:6)،و أبو السّعود(1:24)،و القاسميّ:

(2:9).

ابن عطيّة:الدّين لفظ يجيء في كلام العرب على أنحاء،منها:الملّة،قال اللّه تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ آل عمران:19،إلى كثير من الشّواهد في هذا المعنى.

و سمّي حظّ الرّجل منها في أقواله و أعماله و اعتقاداته:دينا،فيقال:فلان حسن الدّين.و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في رؤياه في قميص عمر الّذي رآه يجرّه،قيل فما أوّلته يا رسول اللّه؟قال:الدّين.و قال عليّ بن أبي طالب:«محبّة العلماء دين يدان به».

و من أنحاء اللّفظة الدّين:بمعنى العادة،فمنه قول العرب في الرّيح:«عادت هيف لأديانها».يقال:دين و دينة،أي عادة.

و من أنحاء اللّفظة الدّين:سيرة الملك و ملكته.

و من أنحاء اللّفظة الدّين:الجزاء.و هذا النّحو من المعنى هو الّذي يصلح لتفسير قوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أي يوم الجزاء على الأعمال و الحساب بها، كذلك قال ابن عبّاس و ابن مسعود و ابن جريج و قتادة و غيرهم.

قال أبو عليّ:يدلّ على ذلك قوله تعالى: اَلْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ المؤمن:17 اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية:28.

و حكى أهل اللّغة:دنته بفعله دينا بفتح الدّال و دينا بكسرها:جزيته.و قيل:الدّين المصدر،و الدّين بكسر الاسم.

و قال مجاهد: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أي يوم الحساب مدينين محاسبين.و هذا عندي يرجع إلى معنى الجزاء.

و من أنحاء اللّفظة الدّين:الذّلّ،و المدين:العبد، و المدينة:الأمة.

و من أنحاء اللّفظة الدّين:السّياسة،و الدّيّان:

السّائس.

و من أنحاء اللّفظة الدّين:الحال.

قال النّضر بن شميّل:سألت أعرابيّا عن شيء، فقال لي:لو لقيتني على دين غير هذه لأخبرتك.

و من أنحاء اللّفظة الدّين:الدّاء،عن اللّحيانيّ.

و أنشد البسيط:

*ما دين قلبك من سلمى و قد دينا*

أمّا هذا الشّاهد فقد يتأوّل على غير هذا النّحو فلم يبق إلاّ قول اللّحيانيّ.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات]

(1:70)

نحوه أبو حيّان(1:21)،و رشيد رضا(1:55).

الفخر الرّازيّ:قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أي مالك يوم البعث و الجزاء،و تقريره:أنّه لا بدّ من الفرق بين المحسن و المسيء و المطيع و العاصي و الموافق و المخالف؛و ذلك لا يظهر إلاّ في يوم الجزاء،كما قال تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى النّجم:31،و قال تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ

ص: 446

فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ ص:28، و قال: إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى طه:15.

و اعلم أنّ من سلّط الظّالم على المظلوم ثمّ إنّه لا ينتقم منه،فذاك إمّا للعجز أو للجهل،أو لكونه راضيا بذلك الظّلم.و هذه الصّفات الثّلاث على اللّه تعالى محال،فوجب أن ينتقم للمظلومين من الظّالمين.

و لمّا لم يحصل هذا الانتقام في دار الدّنيا وجب أن يحصل في دار الأخرى بعد دار الدّنيا،و ذلك هو المراد بقوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، و بقوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ... الزّلزلة:7.

روي أنّه يجاء برجل يوم القيامة،فينظر في أحوال نفسه،فلا يرى لنفسه حسنة البتّة،فيأتيه النّداء:يا فلان أدخل الجنّة بعملك،فيقول:إلهي ما ذا عملت؟فيقول اللّه تعالى:أ لست لمّا كنت نائما تقلّبت من جنب إلى جنب ليلة كذا،فقلت في خلال ذلك اللّه،ثمّ غلبك النّوم في الحال فنسيت ذلك،أمّا أنا فلا تأخذني سنة و لا نوم،فما نسيت ذلك.و أيضا يؤتى برجل و توزن حسناته و سيّئاته فتخفّ حسناته، فتأتيه بطاقة فتثقل ميزانه،فإذا فيها شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،فلا يثقل مع ذكر اللّه غيره.(1:236)

الآلوسيّ:و اَلدِّينِ: الجزاء،و منه الحديث المرسل عن أبي قلابة رضي اللّه تعالى عنه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«البرّ لا يبلى و الإثم لا ينسى و الدّيّان لا يموت،فكن كما شئت كما تدين تدان».

و قيل:فرق بينهما،فإنّ اَلدِّينِ الدّين ما كان بقدر فعل المجازي،و الجزاء أعمّ.و قيل: اَلدِّينِ اسم للجزاء المحبوب المقدّر بقدر ما يقتضيه الحساب إذا كان ممّن معه وقع الأمر المجزيّ به،فلا يقال لمن جازى عن غيره أو أعطى كثيرا في مقابلة قليل:دين،و يقال:

جزاء.

و الأرجح عندي:أنّ الدّين و الجزاء بمعنى ف يَوْمِ الدِّينِ هو يوم الجزاء،و يؤيّده قوله تعالى: اَلْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ المؤمن:17، اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية:28.(1:84)

مكارم الشّيرازيّ:أمّا تعبير يَوْمِ الدِّينِ، فحيثما ورد في القرآن،يعني يوم القيامة،و تكرّر ذلك في أكثر من عشرة مواضع من كتاب اللّه العزيز،و في الآيات:17 و 18 و 19 من سورة الانفطار ورد هذا المعنى بصراحة.

و أمّا سبب تسمية هذا اليوم بيوم الدّين،فلأنّ يوم القيامة يوم الجزاء،و الدّين في اللّغة:الجزاء،و الجزاء أبرز مظاهر القيامة،ففي ذلك اليوم تكشف السّرائر، و يحاسب النّاس عمّا فعلوه بدقّة،و يرى كلّ فرد جزاء ما عمله صالحا أم طالحا.

و في حديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام يقول:«يوم الدّين هو يوم الحساب» و اَلدِّينِ استنادا إلى هذه الرّواية يعني الحساب.

و قد يكون هذا التّعبير من قبيل ذكر العلّة و إرادة المعلول،لأنّ الحساب دوما مقدّمة للجزاء.

من المفسّرين من يعتقد أنّ سبب تسمية يَوْمِ الدِّينِ يعود إلى أنّ كلّ إنسان يوم القيامة يجازى

ص: 447

إزاء دينه و معتقده،لكنّ المعنى الأوّل«الحساب و الجزاء»يبدو أقرب إلى الصّحّة.(1:46)

فضل اللّه: يَوْمِ الدِّينِ أي يوم الجزاء أو الحساب.هذه الفقرة تدلّ على إحاطة اللّه تعالى و سيطرته على هذا اليوم الّذي يقوم النّاس فيه لربّ العالمين،لينطلق التّصوّر في جولة واسعة في ساحة المسئوليّة الّتي يتحمّلها الإنسان في حياته بين يدي اللّه، في ما كلّفه اللّه به من إطاعة أوامره و نواهيه،لأنّ ذلك هو طبيعة وجود يوم الجزاء،لأنّ الجزاء لا يكون إلاّ على الطّاعة أو المعصية،كما أنّ يوم الحساب يفرض وجود يوم للعمل.و هكذا ينفتح الإنسان على ربّه المالك ليوم الجزاء،ليخاف عقابه من موقع عدله،أو ليرجو ثوابه من موقع رحمته،ليقترب منه في ساحات الخضوع و الخشوع،من خلال معرفته بالمصير الأخرويّ الّذي يحمل إليه السّعادة الدّائمة،أو الشّقاء الخالد.

و هكذا تتحرّك هذه الآيات الثّلاث لتدفع بالإنسان إلى حمد اللّه تعالى في ما هو التّصوّر للرّبوبيّة المهيمنة على العالمين،و للرّحمة الشّاملة الواسعة على كلّ آفاق حياتهم،و للمالكيّة المطلقة ليوم الجزاء الّذي يقوم النّاس فيه لربّ العالمين،ليبعث فيهم الشّعور بالرّغبة أو الرّهبة.

و هذه نقلة بيانيّة في أسلوب السّورة الّذي ينقل الجوّ من الغيبة في حديث الإنسان عن اللّه،في حمده له و تعداده لصفاته،إلى الخطاب الّذي ينطلق فيه الإنسان المؤمن باللّه،الحامد له،المنفتح على عظمته، من خلال انفتاحه على صفاته في ربوبيّته للعالمين، و رحمته لهم،و سيطرته على مواقع الجزاء في مصيرهم، ليخاطب اللّه في موقف التزام و دعاء.

و ذلك أنّ هذا النّوع من التّطلّع الإيمانيّ الفكريّ للّه،في صفات عظمته و رحمته،يجسّد في وعي الإنسان الحضور الإلهيّ،كما لو كانت المسألة في دائرة الإحساس الطّبيعيّ في عمق ذاته،تماما كما هي الصّدمة الفكريّة الّتي تتحوّل إلى انطلاقة شعوريّة بين يدي اللّه،ليعبّر له عن إخلاصه في العبوديّة،و عن توحيده في العبادة و في الاستعانة.فلا يعبد غيره من موقع أنّه لا يعترف بالألوهيّة لغيره،و لا يقرّبا لعبوديّة لسواه،فهو وحده الإله الّذي يستحقّ العبادة،و هو وحده القادر على الإعانة،على أساس أنّه الّذي يملك الأمر كلّه،فلا يملك غيره معه شيئا،ممّا يجعل الخلق كلّه عاجزا عن تقديم ما لا يريد اللّه أن يقدّمه من عون لنفسه،و للآخرين من حوله.

و هذا الأسلوب القرآنيّ الرّائع،يجعل مسألة التّصوّر تطلّ على الانفتاح الفكريّ المنطلق في أجواء التّأمّل الرّوحيّ،و تمثّل حركة في مسألة الخطاب الإيمانيّ،فيما هو الإقرار الشّعوريّ في الالتزام العقيديّ.و هذا هو ما نريد أن نتمثّله في الخطّ التّربويّ الّذي يتحرّك في اتّجاه تحويل الحالة الفكريّة إلى حالة شعوريّة،من أجل الوصول إلى مضمون الإيمان الّذي هو الوجه الشّعوريّ للمضمون الفكريّ.(1:52)

2- وَ وَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ

ص: 448

اِصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

البقرة:132

ابن عبّاس:اختار لكم دين الإسلام.(19)

نحوه مقاتل(1:140)،و الثّعلبيّ(1:281)، و الماورديّ(1:193)،و الطّوسيّ(1:473)، و البغويّ(1:170)،و الزّمخشريّ(1:312)، و الطّبرسيّ(1:213)،و القرطبيّ(2:136)، و البيضاويّ(1:83)،و النّسفيّ(1:76)،و هكذا أكثر التّفاسير.

الطّبريّ:إنّ اللّه اختار لكم هذا الدّين الّذي عهد إليكم فيه و اجتباه لكم.و إنّما أدخل الألف و اللاّم في اَلدِّينَ، لأنّ الّذين خوطبوا من ولدهما و بنيهما بذلك،كانوا قد عرفوه بوصيّتهما إيّاهم به،و وصيّتهما إليهم فيه،ثمّ قالا لهم بعد أن عرفاهموه:إنّ اللّه اصطفى لكم هذا الدّين الّذي قد عهد إليكم فيه،فاتّقوا اللّه أن تموتوا إلاّ و أنتم عليه.(1:612)

3- وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ. البقرة:193 مقاتل:فيوحّده،و لا يعبدوا غيره.(1:168)

الطّبريّ:يقول:حتّى لا يعبد إلاّ اللّه؛و ذلك لا إله إلاّ اللّه،عليه قاتل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و إليه دعا،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«إنّي أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا:لا إله إلاّ اللّه،و يقيموا الصّلاة،و يؤتوا الزّكاة،فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها،و حسابهم على اللّه.(2:201)

نحوه القرطبيّ.(1:353)

الثّعلبيّ: وَ يَكُونَ الدِّينُ: الإسلام لِلّهِ وحده فلا يعبد دونه شيء.

قال المقداد بن الأسود:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:

«لا يبقى على ظهر الأرض بيت«معد»و لا وبر إلاّ أدخله اللّه عزّ و جلّ كلمة الإسلام،إمّا يعزّ عزيز أو يذلّ ذليل،إمّا أن يعزّهم فيجعلهم اللّه من أهله فيعزّوا به،و إمّا أن يذلّهم فيدينون لها».(2:89)

الطّوسيّ:و اَلدِّينُ هاهنا قيل في معناه:قولان:

أحدهما:الإذعان للّه بالطّاعة،و الثّاني:الإسلام دون الكفر.

و أصل الدّين:العادة.

و قد استعمل بمعنى الطّاعة في قوله تعالى: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يوسف:76،و استعمل بمعنى الإسلام،لأنّ الشّريعة فيه يجب أن تجري على عادة،قال اللّه تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ آل عمران:19.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:147)

نحوه الطّبرسيّ.(1:287)

الواحديّ:الطّاعة و العبادة.(1:292)

ابن عطيّة: اَلدِّينُ هنا الطّاعة و الشّرع.

(1:263)

4- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ.

آل عمران:19

ص: 449

قتادة:و اَلْإِسْلامُ: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، و الإقرار بما جاء به من عند اللّه،و هو دين اللّه الّذي شرع لنفسه،و بعث به رسله،و دلّ عليه أولياءه، لا يقبل غيره و لا يجزي إلاّ به.(الطّبريّ 3:211)

نحوه الواحديّ.(1:422)

مقاتل:التّوحيد.(1:267)

الطّبريّ:و معنى اَلدِّينَ في هذا الموضع:

الطّاعة و الذّلّة.و كذلك اَلْإِسْلامُ و هو الانقياد بالتّذلّل و الخشوع،...

فإذ كان ذلك كذلك،فتأويل قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ: إنّ الطّاعة الّتي هي الطّاعة عنده، الطّاعة له،و إقرار الألسن و القلوب له بالعبوديّة و الذّلّة،و انقيادها له بالطّاعة فيما أمر و نهى،و تذلّلها له بذلك،من غير استكبار عليه،و لا انحراف عنه،دون إشراك غيره من خلقه معه في العبودة و الألوهة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:211)

الثّعلبيّ:يعني ب اَلدِّينَ: الطّاعة و الملّة،لقوله:

وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً المائدة:3.(3:34)

الماورديّ:فيه وجهان:

أحدهما:أنّ المتديّن عند اللّه بالإسلام من سلم من النّواهي.

و الثّاني:أنّ اَلدِّينَ هنا:الطّاعة،فصار كأنّه قال:إنّ الطّاعة للّه هي الإسلام.(1:379)

الطّوسيّ:معنى اَلدِّينَ هاهنا:الطّاعة، فمعناه:أنّ الطّاعة للّه عزّ و جلّ هي الإسلام.[ثمّ استشهد بشعر]

و اَلدِّينَ :الجزاء،من قولهم:كما تدين تدان، أي كما تجزي تجزى.و منه قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أي يوم الجزاء،و سمّيت الطّاعة:دينا،لأنّها للجزاء.و منه الدّين،لأنّه كالجزاء في وجوب القضاء.

(2:418)

القشيريّ:الدّين الّذي يرتضيه،و الّذي حكم لصاحبه بأنّه يجازيه و يعليه،و بالفضل يلقّيه هو الإسلام.(1:240)

الزّمخشريّ:قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ جملة مستأنفة مؤكّدة للجملة الأولى.

فإن قلت:ما فائدة هذا التّوكيد؟

قلت:فائدته أنّ قوله: لا إِلهَ إِلاّ هُوَ توحيد، و قوله: قائِماً بِالْقِسْطِ آل عمران:18،تعديل.فإذا أردفه قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ فقد آذن أنّ الإسلام هو العدل و التّوحيد،و هو الدّين عند اللّه،و ما عداه فليس عنده في شيء من الدّين.

و فيه:أنّ من ذهب إلى تشبيه أو ما يؤدّي إليه كإجارة الرّؤية،أو ذهب إلى الجبر الّذي هو محض الجور،لم يكن على دين اللّه الّذي هو الإسلام،و هذا بيّن جليّ كما ترى.

و قرئا مفتوحين،على أنّ الثّاني بدل من الأوّل، كأنّه قيل:شهد اللّه أنّ الدّين عند اللّه الإسلام،و البدل هو المبدل منه في المعنى،فكان بيانا صريحا،لأنّ دين اللّه هو التّوحيد و العدل.

و قرئ الأوّل بالكسر و الثّاني بالفتح،على أنّ الفعل واقع على«انّ»و ما بينهما اعتراض مؤكّد.

ص: 450

و هذا أيضا شاهد على أنّ دين الإسلام هو العدل و التّوحيد،فترى القراءات كلّها متعاضدة على ذلك

و قرأ عبد اللّه(ان لا اله الاّ هو).و قرأ أبيّ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ و هي مقوّية لقراءة من فتح الأولى و كسر الثّانية.(1:418)

ابن عطيّة: اَلدِّينَ في هذه الآية الطّاعة و الملّة،و المعنى:أنّ الدّين المقبول أو النّافع أو المقرّر.

(1:413)

نحوه القرطبيّ.(4:43)

الطّبرسيّ:و معنى اَلدِّينَ هاهنا:الطّاعة، و أصله:الجزاء.و سمّيت الطّاعة دينا،لأنّها للجزاء.

و منه الدّين،لأنّه كالجزاء في وجوب القضاء.

(1:420)

الفخر الرّازيّ:فيه مسائل:

المسألة الأولى:اتّفق القرّاء على كسر إِنَّ إلاّ الكسائيّ،فإنّه فتح إِنَّ، و قراءة الجمهور ظاهرة، لأنّ الكلام الّذي قبله قد تمّ،و أمّا قراءة الكسائيّ فالنّحويّون ذكروا فيه ثلاثة أوجه:

الأوّل:أنّ التّقدير:شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو أنّ الدّين عند اللّه الإسلام؛و ذلك لأنّ كونه تعالى واحدا موجب أن يكون الدّين الحقّ هو الإسلام،لأنّ دين الإسلام هو المشتمل على هذه الوحدانيّة.

و الثّاني:أنّ التّقدير:شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو، و أنّ الدّين عند اللّه الإسلام.

الثّالث:و هو قول البصريّين،أن يجعل الثّاني بدلا من الأوّل.ثمّ إن قلنا:بأنّ دين الإسلام هو التّوحيد نفسه،كان هذا من باب قولك:ضربت زيدا نفسه.

و إن قلنا:دين الإسلام مشتمل على التّوحيد،كان هذا من باب بدل الاشتمال،كقولك:ضربت زيدا رأسه.

فإن قيل:فعلى هذا الوجه وجب أن لا يحسب إعادة اسم اللّه تعالى،كما يقال:ضربت زيدا رأس زيد.

قلنا:قد يظهرون الاسم في موضع الكناية،قال الشّاعر:

*لا أرى الموت يسبق الموت شيء*

و أمثاله كثيرة.

المسألة الثّانية:في كيفيّة النّظم من قرأ(انّ الدّين) بفتح(انّ)كان التّقدير:شهد اللّه لأجل أنّه لا إله إلاّ هو أنّ الدّين عند اللّه الإسلام.فإنّ الإسلام إذا كان هو الدّين المشتمل على التّوحيد،و اللّه تعالى شهد بهذه الوحدانيّة،كان اللاّزم من ذلك أن يكون الدّين عند اللّه الإسلام.و من قرأ إِنَّ الدِّينَ بكسر الهمزة، فوجه الاتّصال هو أنّه تعالى بيّن أنّ التّوحيد أمر شهد اللّه بصحّته،و شهد به الملائكة و أولو العلم.و متى كان الأمر كذلك،لزم أن يقال: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ.

المسألة الثّالثة:أصل الدّين في اللّغة:الجزاء،ثمّ الطّاعة تسمّى دينا لأنّها سبب الجزاء.(7:222)

البيضاويّ:جملة مستأنفة مؤكّدة للأولى،أي لا دين مرضيّ عند اللّه سوى الإسلام،و هو التّوحيد و التّدرّع بالشّرع الّذي جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قرأ الكسائيّ:بالفتح على أنّه بدل من(انّه)بدل

ص: 451

الكلّ إن فسّر الإسلام بالإيمان أو بما يتضمّنه،و بدل اشتمال إن فسّر بالشّريعة.و قرئ(انّ)بالكسر و(انّ)بالفتح على وقوع الفعل على الثّاني، و اعتراض ما بينهما،أو إجراء شَهِدَ مجرى«قال» تارة و«علم»أخرى،لتضمّنه معناهما.(1:153)

نحوه النّسفيّ(1:148)،و أبو السّعود(1:348)، و الكاشانيّ(1:299)،و شبّر(1:304).

أبو حيّان:أي الملّة و الشّرع،و المعنى:إنّ الدّين المقبول أو النّافع أو المقرّر.

قرأ الجمهور:(انّ)بكسر الهمزة،و قرأ ابن عبّاس و الكسائيّ و محمّد بن عيسى الأصبهانيّ(انّ)بالفتح، و تقدّمت قراءة ابن عبّاس:(شهد اللّه انّه)،بكسر الهمزة.فأمّا قراءة الجمهور فعلى الاستئناف،و هي مؤكّدة للجملة الأولى.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو على طريقة المعتزلة من إنكار الرّؤية، و قولهم:إنّ أفعال العبد مخلوقة له لا للّه تعالى.

و أمّا قراءة الكسائيّ و من وافقه في نصب(انّه)، و(انّ)،فقال أبو عليّ الفارسيّ:إن شئت جعلته من بدل الشّيء منّ الشّيء و هو هو.أ لا ترى أنّ اَلدِّينَ الّذي هو الإسلام يتضمّن التّوحيد و العدل،و هو هو في المعنى؟و إن شئت جعلته من بدل الاشتمال،لأنّ اَلْإِسْلامُ يشتمل على التّوحيد و العدل.و قال:

و إن شئت جعلته بدلا من(القسط)لأنّ اَلدِّينَ الّذي هو اَلْإِسْلامُ قسط و عدل،فيكون أيضا من بدل الشّيء من الشّيء،و هما لعين واحدة.

انتهت تخريجات أبي عليّ،و هو معتزليّ،فلذلك يشتمل كلامه على لفظ المعتزلة من التّوحيد و العدل، و على البدل من أنّه لا إله إلاّ هو.

خرّجه غيره أيضا و ليس بجيّد،لأنّه يؤدّي إلى تركيب بعيد أن يأتي مثله في كلام العرب،و هو:عرف زيد أنّه لا شجاع إلاّ هو،و بنو تميم،و بنو دارم ملاقيا للحروب لا شجاع إلاّ هو البطل المحامي،إنّ الخصلة الحميدة هي البسالة.و تقريب هذا المثال:«ضرب زيد عائشة،و العمران حنقا أختك».«فحنقا»:حال من زيد،و«أختك»بدل من عائشة،ففصل بين البدل و المبدل منه بالعطف،و هو لا يجوز.و بالحال لغير المبدل منه،و هو لا يجوز،لأنّه فصل بأجنبيّ بين المبدل منه و البدل.

و خرّجها الطّبريّ على حذف حرف العطف، التّقدير:و أنّ الدّين.قال ابن عطيّة:و هذا ضعيف، و لم يبيّن وجه ضعفه.

و وجه ضعفه أنّه متنافر التّركيب مع إضمار حرف العطف،فيفصل بين المتعاطفين المرفوعين بالمنصوب المفعول،و بين المتعاطفين المنصوبين بالمرفوع المشارك الفاعل في الفاعليّة،و بجملتي الاعتراض.و صار في التّركيب دون مراعاة الفصل، نحو:أكل زيد خبزا و عمرو و سمكا.و أصل التّركيب:

أكل زيد و عمرو خبزا و سمكا.فإن فصلنا بين قولك:و عمرو،و بين قولك:و سمكا،يحصل شنع التّركيب.

و إضمار حرف العطف لا يجوز على الأصحّ.[ثمّ نقل قول الزّمخشري في فتح(انّ)و كسرها و قال:]

ص: 452

هذا نقل كلام أبي عليّ دون استيفاء.و أمّا قراءة ابن عبّاس فخرّج على إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ هو معمول: شَهِدَ و يكون في الكلام اعتراضان:

أحدهما:بين المعطوف عليه و المعطوف،و هو أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ.

و الثّاني:بين المعطوف و الحال و بين المفعول ل شَهِدَ، و هو لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

و إذا أعربنا اَلْعَزِيزُ، خبر مبتدإ محذوف،كان ذلك ثلاثة اعتراضات.فانظر إلى هذه التّوجيهات البعيدة الّتي لا يقدر أحد على أن يأتي لها بنظير من كلام العرب،و إنّما حمل على ذلك العجمة،و عدم الإمعان في تراكيب كلام العرب،و حفظ أشعارها.

و كما أشرنا إليه في خطبة هذا الكتاب:أنّه لا يكفي النّحو وحده في علم الفصيح من كلام العرب، بل لا بدّ من الاطّلاع على كلام العرب،و التّطبّع بطباعها،و الاستكثار من ذلك.و الّذي خرّجت عليه قراءة(انّ الدّين)،بالفتح،هو أن يكون الكلام في موضع المعمول ل اَلْحَكِيمُ، على إسقاط حرف الجرّ،أي ب(انّ)،لأنّ اَلْحَكِيمُ فعيل للمبالغة، كالعليم و السّميع و الخبير،كما قال تعالى: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ هود:1،،و قال: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ النّمل:6.

و التّقدير:لا إله إلا هو العزيز الحاكم أنّ الدّين عند اللّه الإسلام.و لمّا شهد تعالى لنفسه بالوحدانية، و شهد له بذلك الملائكة و أولو العلم،حكم أنّ الدّين المقبول عند اللّه هو الإسلام،فلا ينبغي لأحد أن يعدل عنه وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ آل عمران:85(2:407)

البروسويّ:جملة مستأنفة مؤكّدة للأولى،أي لا الدّين مرضيّا للّه تعالى سوى الإسلام الّذي هو التّوحيد و التّشرّع بالشّريعة الشّريفة،و هو الدّين الحقّ منذ بعث اللّه آدم عليه السّلام،و ما سواه من الأديان فكلّها باطلة.قال شيخنا العلاّمة في بعض تحريراته:

المقصود من إنزال الكلام مطلق الدّعوة إلى الدّين الحقّ،و الدّين من زمن آدم إلى نبيّنا عليهما الصّلاة و السّلام الإسلام كما قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ. و حقيقة دين الإسلام التّوحيد،و صورته الشّرائع الّتي هي الشّروط.و هذا الدّين من ذلك الزّمان إلى يوم القيامة واحد بحسب الحقيقة،و سواء بين الكلّ و مختلف بحسب الصّورة و الشّروط،و هذا الاختلاف الصّوريّ لا ينافي الاتّحاد الأصليّ، و الوحدة الحقيقة،انتهى.(2:12)

الآلوسيّ:[نحو البيضاويّ و أضاف:]

روى عليّ بن إبراهيم عن أمير المؤمنين كرّم اللّه تعالى وجهه،أنّه قال في خطبة له:«لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي:الإسلام هو التّسليم، و التّسليم هو اليقين،و اليقين هو التّصديق، و التّصديق هو الإقرار،و الإقرار هو الأداء،و الأداء هو العمل»،ثمّ قال:«إنّ المؤمن أخذ دينه عن ربّه و لم يأخذه عن رأيه،إنّ المؤمن من يعرف إيمانه في عمله،و إنّ الكافر يعرف كفره بإنكاره؛أيّها النّاس دينكم دينكم،فإنّ السّيّئة فيه خير من الحسنة في

ص: 453

غيره،إنّ السّيّئة فيه تغفر و إنّ الحسنة في غيره لا تقبل».

و قرأ أبيّ(انّ الدّين عند اللّه للإسلام)،و الكسائيّ (انّ الدّين)بفتح الهمزة،على أنّه بدل الشّيء من الشّيء إن فسّر اَلْإِسْلامُ بالايمان،و أريد به الإقرار بوحدانيّة اللّه تعالى،و التّصديق بها الّذي هو الجزء الأعظم.و كذا إن فسّر بالتّصديق بما جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ممّا علم من الدّين بالضّرورة،لأنّ ذلك عين الشّهادة بما ذكر،باعتبار ما يلزمها فهي عينة مآلا.و أمّا إذا فسّر بالشّريعة،فالبدل بدل اشتمال،لأنّ الشّريعة شاملة للإيمان و الإقرار بالوحدانيّة.

و فسّرها بعضهم بعلم الأحكام،و ادّعى أولويّة هذا الشّقّ،نظرا لسياق الكلام،مستدلاّ بأنّه لم يقيّد علم الأصول بالعنديّة،لأنّها أمور بحسب نفس الأمر، لا تدور على الاعتبار،و لهذا تتّحد فيها الأديان الحقّة كلّها،و قيّد كون الدّين الإسلام بالعنديّة،لأنّ الشّرائع دائرة على اعتبار الشّارع،و لهذا تغيّر و تبدّل بحسب المصالح و الأوقات،و لا يخفى ما فيه.أو على أنّ شَهِدَ واقع عليه،على تقدير قراءة(انّه)بالكسر، كما أشير إليه.(3:106)

المراغيّ:أي إنّ جميع الملل و الشّرائع الّتي جاء بها الأنبياء روحها الإسلام و الانقياد و الخضوع،و إن اختلفت في بعض التّكاليف و صور الأعمال،و به كان الأنبياء يوصون.فالمسلم الحقيقيّ من كان خالصا من شوائب الشّرك،مخلصا في أعماله مع الإيمان،من أي ملّة كان،و في أيّ زمان وجد،و هذا هو المراد بقوله عزّ اسمه وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ.

ذاك أنّ اللّه شرّع الدّين لأمرين:

1-تصفية الأرواح و تخليص العقول من شوائب الاعتقاد بسلطة غيبيّة للمخلوقات،بها تستطيع التّصرّف في الكائنات،لتسلم من الخضوع و العبوديّة لمن هم من أمثالها.

2-إصلاح القلوب بحسن العمل،و إخلاص النّيّة للّه و للنّاس.

و أمّا العبادات فإنّما شرّعت لتربية هذا الرّوح الخلقي،ليسهل على صاحبه القيام بسائر التّكاليف الدّينيّة.(3:119)

ابن عاشور:و اَلدِّينَ: حقيقته في الأصل:

الجزاء،ثمّ صار حقيقة عرفيّة يطلق على مجموع عقائد،و أعمال يلقّنها رسول من عند اللّه،و يعد العاملين بها بالنّعيم،و المعرضين عنها بالعقاب.ثمّ أطلق على ما يشبه ذلك ممّا يضعه بعض زعماء النّاس من تلقاء عقله،فتلتزمه طائفة من النّاس.

و سمّي الدّين دينا،لأنّه يترقّب منه متّبعه الجزاء عاجلا أو آجلا،فما من أهل دين إلاّ و هم يترقّبون جزاء من ربّ ذلك الدّين،فالمشركون يطمعون في إعانة الآلهة و وساطتهم و رضاهم عنهم، و يقولون:هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه،و قال أبو سفيان يوم أحد:اعل هبل.و قال يوم فتح مكّة لمّا قال له العبّاس:أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلاّ اللّه:«لقد علمت أن لو كان معه إله غيره لقد أغنى عنّي شيئا».

و أهل الأديان الإلهيّة يترقّبون الجزاء الأوفى في

ص: 454

الدّنيا و الآخرة،فأوّل دين إلهيّ كان حقّا و به كان اهتداء الإنسان،ثمّ طرأت الأديان المكذوبة،و تشبّهت بالأديان الصّحيحة،قال اللّه تعالى تعليما لرسوله:

لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ الكافرون:6،و قال: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يوسف:76.

و قد عرّف العلماء الدّين الصّحيح بأنّه«وضع إلهيّ سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخير باطنا و ظاهرا».

و الإسلام علم بالغلبة على مجموع الدّين الّذي جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كما أطلق على ذلك الإيمان أيضا، و لذلك لقّب أتباع هذا الدّين بالمسلمين و بالمؤمنين، و هو الإطلاق المراد هنا.[إلى أن قال:]

و التّعريف في اَلدِّينَ تعريف الجنس؛إذ لا يستقيم معنى العهد الخارجيّ هنا،و تعريف اَلْإِسْلامُ تعريف العلم بالغلبة،لأنّ الإسلام صار علما بالغلبة على الدّين المحمّديّ.

فقوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ صيغة حصر، و هي تقتضي في اللّسان حصر المسند إليه و هو الدّين في المسند و هو الإسلام،على قاعدة الحصر بتعريف جزأي الجملة،أي لا دين إلاّ الإسلام،و قد أكّد هذا الانحصار بحرف التّوكيد.

و قوله: عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ وصف ل اَلدِّينَ، و العنديّة عنديّة الاعتبار و الاعتناء،و ليست عنديّة علم،فأفاد أنّ الدّين الصّحيح هو الإسلام،فيكون قصرا للمسند إليه باعتبار قيد فيه.لا في جميع اعتباراته.[ثمّ استشهد بشعر]

و إذ قد جاءت أديان صحيحة أمر اللّه بها،فالحصر مؤوّل:إمّا باعتبار أنّ الدّين الصّحيح عند اللّه حين الإخبار،و هو الإسلام،لأنّ الخبر ينظر فيه إلى وقت الإخبار؛إذ الأخبار كلّها حقائق في الحال،و لا شك أنّ وقت الإخبار ليس فيه دين صحيح غير الإسلام؛إذ قد عرض لبقيّة الأديان الإلهيّة،من خلط الفاسد بالصّحيح،ما اختلّ لأجله مجموع الدّين.

و إمّا باعتبار الكمال عند اللّه،فيكون القصر باعتبار سائر الأزمان و العصور؛إذ لا أكمل من هذا الدّين،و ما تقدّمه من الأديان لم يكن بالغا غاية المراد من البشر في صلاح شئونهم،بل كان كلّ دين مضى مقتصرا على مقدار الحاجة من أمّة معيّنة في زمن معيّن.و هذا المعنى أولى محملي الآية،لأنّ مفاده أعمّ، و تعبيره عن حاصل صفة دين الإسلام تجاه بقيّة الأديان الإلهيّة أتمّ.(3:45)

مغنيّة:و تسأل:إنّ ظاهر هذه الآية يدلّ على أنّ جميع أديان الأنبياء،حتّى دين إبراهيم و غيره من الأنبياء ليست بشيء عند اللّه إلاّ دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله فقط، مع العلم بأنّ كلّ ما جاء به الأنبياء حقّ و صدق باعتراف محمّد صلّى اللّه عليه و آله و القرآن؟

الجواب:إنّ هذه الآية تدلّ تماما على العكس ممّا تقول،فإنّ ظاهرها ينطق بلسان مبين،أنّ كلّ دين جاء به نبيّ من الأنبياء السّابقين،يتضمّن في جوهره الدّعوة الإسلاميّة الّتي دعا إليها محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله.و إليك هذه الحقائق الثّلاث:

1-إنّ الإسلام يرتكز قبل كلّ شيء على أصول

ص: 455

ثلاثة:الإيمان باللّه و وحدانيّته،و الوحي و عصمته، و البعث و جزائه.و كلّنا يعلم علم اليقين،و يؤمن إيمانا لا يشوبه ريب،بأنّ اللّه سبحانه ما أرسل نبيّا من الأنبياء إلاّ بهذه الأصول،لاستحالة تبديلها أو تعديلها،و لذا قال الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله:«إنّا معاشر الأنبياء ديننا واحد»،و قال:«الأنبياء إخوة لعلات، أبوهم واحد،و أمّهاتهم شتّى».

2-إنّ لفظ اَلْإِسْلامُ يطلق على معان،منها:

الخضوع و الاستسلام،و منها:الخلوص و السّلامة من الشّوائب و الأدران.و ليس من شكّ أنّ كلّ دين جاء به نبيّ من أنبياء اللّه،فهو خالص و سالم من الشّوائب، و على هذا يصحّ أن نطلق اسم اَلْإِسْلامُ على دين الأنبياء جميعا.

3-إنّ مصدر القرآن واحد لا اختلاف بين آياته كثيرا و لا قليلا،بل ينطق بعضه ببعض،و يشهد بعضه على بعض-كما قال الإمام عليّ عليه السّلام-فإذا وردت فيه آية في مسألة من المسائل،أو موضوع من الموضوعات،فلا يجوز أن ننظر إليها مستقلّة،بل يجب أن نتتبّع كلّ آية لها صلة بتلك المسألة،و ذاك الموضوع، و نجمعها جميعا في كلام واحد،معطوفا بعضها على بعض،ثمّ نستخرج معنى واحدا من الآيات المتشابكة، مجتمعة لا متفرّقة.

و إذا نظرنا إلى الآيات المشتملة على لفظ اَلْإِسْلامُ في ضوء هذه الحقائق نجد أنّ اللّه سبحانه قد وصف جميع الأنبياء بالإسلام في العديد من الآيات،و بذلك نعلم أنّ الحصر في قوله تعالى: إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ هو حصر لجميع الأديان الحقّة بالإسلام،لا حصر للإسلام بدين دون دين من الأديان الّتي جاء بها الأنبياء من عند اللّه.و السّرّ في ذلك ما أشرنا إليه من أنّ جميع أديان الأنبياء تتضمّن الدّعوة الإسلاميّة في حقيقتها و جوهرها،عنيت الإيمان باللّه و الوحي و البعث.و التّنوّع و الاختلاف إنّما هو في الفروع و الأحكام،لا في أصول العقيدة و الإيمان.(2:26)

الطّباطبائيّ:قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ قد مرّ معنى اَلْإِسْلامُ بحسب اللّغة، و كأنّ هذا المعنى هو المراد هاهنا،بقرينة ما يذكره من اختلاف أهل الكتاب بعد العلم بغيا بينهم،فيكون المعنى:إنّ الدّين عند اللّه سبحانه واحد لا اختلاف فيه، لم يأمر عباده إلاّ به،و لم يبيّن لهم فيما أنزله من الكتاب على أنبيائه إلاّ إيّاه،و لم ينصب الآيات الدّالّة إلاّ له، و هو الإسلام الّذي هو التّسليم للحقّ الّذي هو حقّ الاعتقاد و حقّ العمل.

و بعبارة أخرى هو التّسليم للبيان الصّادر عن مقام الرّبوبيّة في المعارف و الأحكام،و هو و إن اختلف كمّا و كيفا في شرائع أنبيائه و رسله-على ما يحكيه اللّه سبحانه في كتابه-غير أنّه ليس في الحقيقة إلاّ أمرا واحدا.و إنّما اختلاف الشّرائع بالكمال و النّقص دون التّضادّ و التّنافي،و التّفاضل بينها بالدّرجات، و يجمع الجميع أنّها تسليم و إطاعة للّه سبحانه،فيما يريده من عباده،على لسان رسله.

فهذا هو الدّين الّذي أراده اللّه من عباده و بيّنه لهم،

ص: 456

و لازمه أن يأخذ الانسان بما تبيّن له من معارفه حقّ التّبيّن،و يقف عند الشّبهات وقوف التّسليم،من غير تصرّف فيها من عند نفسه.و أمّا اختلاف أهل الكتاب من اليهود و النّصارى في الدّين،مع نزول الكتاب الإلهيّ عليهم،و بيانه تعالى لما هو عنده دين و هو الإسلام له،فلم يكن عن جهل منهم بحقيقة الأمر و كون الدّين واحدا،بل كانوا عالمين بذلك.و إنّما حملهم على ذلك بغيهم و ظلمهم من غير عذر،و ذلك كفر منهم بآيات اللّه المبيّنة لهم حقّ الأمر و حقيقته، لا باللّه،فإنّهم يعترفون به، وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. (3:12)

مكارم الشّيرازيّ:روح الدّين التّسليم للحقّ الدّين في الأصل بمعنى الجزاء و الثّواب،و يطلق على الطّاعة و الانقياد للأوامر.و الدّين في الاصطلاح:

مجموعة العقائد و القواعد و الآداب الّتي يستطيع الإنسان بها بلوغ السّعادة في الدّنيا،و أن يخطو في المسير الصّحيح من حيث التّربية و الأخلاق الفرديّة و الجماعيّة.

الإسلام:يعني التّسليم،و هو هنا التّسليم للّه.

و على ذلك فإنّ معنى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ:

إنّ الدّين الحقيقيّ عند اللّه هو التّسليم لأوامره و للحقيقة.في الواقع لم تكن روح الدّين في كلّ الأزمنة سوى الخضوع و التّسليم للحقيقة.

و إنّما أطلق اسم اَلْإِسْلامُ على اَلدِّينَ الّذي جاء به الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله،لأنّه أرفع الأديان.و قد أوضح الإمام عليّ عليه السّلام هذا المعنى في بيان عميق، [و ذكر ما تقدّم عن الآلوسيّ:«لأنسبنّ الإسلام...» ثمّ قال:]

فالإمام في كلمته هذه يضع للاسم ستّ مراحل:

أولاها:التّسليم أمام الحقيقة،ثمّ يقول:إنّ التّسليم بغير يقين غير ممكن؛إذ أنّ التّسليم بغير يقين يعني الاستسلام الأعمى،لا التّسليم الواعي.ثمّ يقول:إنّ اليقين هو التّصديق،أي إنّ العلم وحده لا يكفي،بل لا بدّ من الاعتقاد و التّصديق القلبيّين.و التّصديق هو الإقرار،أي لا يكفي أن يكون الإيمان قلبيّا فحسب،بل يجب إظهاره بشجاعة و قوّة،ثمّ يقول:إنّ الإقرار هو الأداء،أي إنّ الإقرار لا يكون بمجرّد القول باللّسان، بل هو التزام بالمسئوليّة.و أخيرا يقول:إنّ الأداء هو العمل،أي إطاعة أوامر اللّه و تنفيذ البرامج الإلهيّة، لأنّ الالتزام و تحمّل المسئوليّة لا يعنيان سوى العمل.

أمّا الّذين يسخّرون كلّ قواهم و طاقاتهم في عقد الجلسات تلو الجلسات،و تقديم الاقتراحات،و ما إلى ذلك من الأمور الّتي لا تتطلّب سوى الكلام،فلا هم تحمّلوا التزاما و لا مسئوليّة،و لا هم وعوا روح الإسلام حقّا.(2:314)

5- قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. الأعراف:29

الثّعلبيّ:الطّاعة و العبادة.(4:228)

نحوه أبو السّعود(2:488)،و شبّر(2:356).

الآلوسيّ:أي الطّاعة،فالدّعاء بمعنى العبادة

ص: 457

لتضمّنها له،و اَلدِّينَ بالمعنى اللّغويّ.و قيل:إنّ هذا أمر بالدّعاء و التّضرّع إليه سبحانه على وجه الإخلاص،أي ارغبوا إليه في الدّعاء بعد إخلاصكم له في الدّين.(8:107)

القاسميّ:أي الطّاعة بتخصيصها له،لأنّه استحقّ عبادتكم بإبدائه إيّاكم،و لا يسعكم تركها؛إذ إليه عودكم بالآخرة. كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ، أي كما أنشأكم ابتداء،يعيدكم إليه أحياء،فيجازيكم على أعمالكم،فأخلصوا له العبادة.(7:2656)

ابن عاشور:و اَلدِّينَ بمعنى الطّاعة،من قولهم:دنت لفلان،أي أطعته.و منه سمّي اللّه تعالى:

الدّيّان،أي القهّار المذلّل المطوّع لسائر الموجودات.

و نظير هذه الآية قوله تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة:5،و المقصد منها إبطال الشّرك في عبادة اللّه تعالى،و في إبطاله تحقيق لمعنى القسط الّذي في قوله: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ كما قدّمناه هنالك.(8:69)

لاحظ:خ ل ص:«مخلصين».

6- وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

الأنفال:39

قتادة:حتّى يقال:لا إله إلاّ اللّه،عليها قاتل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و إليها دعا.(الطّبريّ 6:245)

ابن جريج:أي:لا يفتن مؤمن عن دينه،و يكون التّوحيد للّه خالصا،ليس له فيه شرك و يخلع ما دونه من الأنداد.(الطّبريّ 6:246)

نحوه الثّعلبيّ(4:356)،و الواحديّ 2:459).

ابن زيد:لا يكون مع دينكم كفر.

(الطّبريّ 6:246)

الطّبريّ:يقول:حتّى تكون الطّاعة و العبادة كلّها للّه خالصة دون غيره.(6:245)

الطّوسيّ:معناه أن يجمع أهل الباطل و أهل الحقّ على الدّين الحقّ فيما يعتقدونه و يعملون به، فيكون الدّين كلّه حينئذ للّه،بالاجتماع على طاعته و عبادته.و اَلدِّينَ هاهنا الطّاعة بالعبادة.

(5:141)

الزّمخشريّ:يضمحلّ عنهم كلّ دين باطل، و يبقى فيهم دين الإسلام وحده.(2:157)

نحوه البيضاويّ(1:394)،و النّسفيّ(2:104).

ابن عطيّة:لا يشرك معه صنم و لا وثن و لا يعبد غيره.(2:527)

نحوه القاسميّ.(8:2996)

الطّبرسيّ:أي:و يجتمع أهل الحقّ و أهل الباطل على الدّين الحقّ فيما يعتقدونه و يعملون به،أي و يكون الدّين حينئذ كلّه للّه باجتماع النّاس عليه.

و روى زرارة،و غيره،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«لم يجئ تأويل هذه الآية،و لو قام قائمنا بعد، سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية»

(2:543)

نحوه شبّر.(3:24)

الفخر الرّازيّ: وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ في

ص: 458

أرض مكّة و ما حواليها،لأنّ المقصود حصل هناك.

قال عليه السّلام:«لا يجتمع دينان في جزيرة العرب».

و لا يمكن حمله على جميع البلاد؛إذ لو كان ذلك مرادا لما بقي الكفر فيها مع حصول القتال الّذي أمر اللّه به.و أمّا إذا كان المراد من الآية هو الثّاني،و هو قوله:

قاتِلُوهُمْ لغرض أن يكون الدّين كلّه للّه،فعلى هذا التّقدير لم يمتنع حمله على إزالة الكفر عن جميع العالم، لأنّه ليس كلّ ما كان غرضا للإنسان فإنّه يحصل، فكان المراد الأمر بالقتال لحصول هذا الغرض سواء حصل في نفس الأمر أو لم يحصل.(15:164)

أبو السّعود:و تضمحلّ الأديان الباطلة إمّا بإهلاك أهلها جميعا،أو برجوعهم عنها خشية القتل.

(3:96)

الآلوسيّ:[مثل أبي السّعود و أضاف:].قيل:لم يجئ تأويل هذه الآية بعد،و سيتحقّق مضمونها إذا ظهر المهديّ،فإنّه لا يبقى على ظهر الأرض مشرك أصلا،على ما روي عن أبي عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنه.(9:207)

ابن عاشور:و التّعريف في اَلدِّينُ للجنس، و تقدّم الكلام على نظيرها في سورة البقرة،إلاّ أنّ هذه الآية زيد فيها اسم التّأكيد،و هو كُلُّهُ و ذلك لأنّ هذه الآية أسبق نزولا من آية البقرة،فاحتيج فيها إلى تأكيد مفاد صيغة اختصاص جنس الدّين بأنّه للّه تعالى،لئلاّ يتوهّم الاقتناع بإسلام غالب المشركين.

فلمّا تقرّر معنى العموم و صار نصّا من هذه الآية،عدل عن إعادته في آية البقرة،تطلّبا للإيجاز.(9:99)

الطّباطبائيّ:و قد ظهر أنّ قوله: وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ لا ينافي إقرار أهل الكتاب على دينهم أن دخلوا في الذّمّة و أعطوا الجزية،فلا نسبة للآية مع قوله تعالى: حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ التّوبة:29،بالنّاسخيّة و المنسوخيّة.

(9:76)

مكارم الشّيرازيّ:و قد ورد في تفاسير أهل السّنّة كتفسير«روح البيان»للبروسويّ،و تفاسير شيعيّة أخرى،عن الإمام الصّادق عليه السّلام:لم يجئ تأويل ...[ثمّ ذكر نحو الآلوسي].(5:390)

فضل اللّه: وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ، لأنّ النّاس سينفتحون على الإسلام،عند ما تتحطّم كلّ الحواجز المادّيّة الّتي تمنعهم من الوصول إليه،و الانفتاح عليه.

و هذا هو الخطّ الّذي ينبغي للمؤمنين أن يسيروا عليه في ساحة الصّراع،ليكون من أهدافهم البعيدة أن يضعّفوا كلّ القوى الكافرة المهيمنة على الفكر و العمل،بالوسائل الواقعيّة الّتي يملكونها،على أساس الظّروف الموضوعيّة المحيطة بهم،في ما تختزن من أوضاع و ما تطلقه من تحدّيات،و ما تتحرّك به من خطط و مؤامرات،لأنّ إضعاف القوى المضادّة قد يكون إحدى الوسائل الّتي تتيح للدّعوة الإسلاميّة أن تأخذ حرّيّتها في الحركة،عند ما يأخذ الآخرون من أفراد الأمّة حرّيّتهم في التّفكير و القراءة و الاستماع و الحوار،بعيدا عن الضّغوط الفكريّة و السّياسيّة و العسكريّة.(10:381

ص: 459

7- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ. التّوبة:36

ابن عبّاس:ذلك القضاء المستقيم.

(ابن الجوزيّ 3:433)

نحوه الكلبيّ.(الماورديّ 2:360)

ابن قتيبة:أي ذلك الحساب الصّحيح و العدد المستوفى.(الماورديّ 2:360)

مقاتل:يعني الحساب.(2:169)،

نحوه الثّعلبيّ(5:43)،و البغويّ(2:345).

الطّوسيّ:معناه:التّديّن بذلك هو الدّين المستقيم.(5:250)

الواحديّ:معنى اَلدِّينُ هاهنا:الحساب، و منه يقال:«الكيّس من دان نفسه»،أي حاسبها، و اَلْقَيِّمُ معناه:المستقيم.قال المفسّرون:ذلك الحساب المستقيم الصّحيح،و العدد المستوي.(2:494)

الزّمخشريّ:يعني أنّ تحريم الأشهر الأربعة هو الدّين المستقيم.دين إبراهيم و إسماعيل،و كانت العرب قد تمسّكت به وراثة منهما.(2:188)

نحوه البيضاويّ(1:414)،و أبو السّعود (3:145)،و البروسويّ(3:423)،و الآلوسيّ (10:91)،و المراغيّ(10:115).

ابن عطيّة:قال فرقة:معناه الحساب المستقيم.

و قال ابن عبّاس فيما حكى المهدويّ:معناه القضاء المستقيم.

و الأصوب عندي أن يكون اَلدِّينُ هاهنا على أشهر وجوهه،أي ذلك الشّرع و الطّاعة للّه.

(3:31)

الطّبرسيّ:أي ذلك الحساب المستقيم الصّحيح، لا،ما كانت العرب تفعله من النّسيء،و منه قوله:

«الكيّس من دان نفسه»أي حاسبها.

و سمّي الحساب دينا:لوجوب الدّوام عليه، و لزومه كلزوم الدّين و العبادة.

و قيل:معناه:ذلك الدّين تعبّد به فهو اللاّزم.

(3:28)

الفخر الرّازيّ:في تفسير لفظ اَلدِّينُ وجوه:

الأوّل:أنّ اَلدِّينُ قد يراد به الحساب.يقال:

«الكيّس من دان نفسه»،أي حاسبها،و اَلْقَيِّمُ معناه:المستقيم.

فتفسير الآية على هذا التّقدير،ذلك الحساب المستقيم الصّحيح و العدل المستوفى.

الثّاني:قال الحسن:ذلك الدّين القيّم الّذي لا يبدّل و لا يغيّر،الدّائم الّذي لا يزول،و هو الدّين الّذي فطر النّاس عليه.

الثّالث:قال بعضهم:المراد أنّ هذا التّعبّد هو الدّين اللاّزم في الإسلام.

و قال القاضي:حمل لفظ اَلدِّينُ على العبادة أولى من حمله على الحساب،لأنّه مجاز فيه.و يمكن أن يقال:الأصل في لفظ اَلدِّينُ الانقياد.يقال:«يا من

ص: 460

دانت له الرّقاب»أي انقادت.فالحساب يسمّى:دينا، لأنّه يوجب الانقياد،و العدّة تسمّى دينا،فلم يكن حمل هذا اللّفظ على التّعبّد أولى من حمله على الحساب.

قال أهل العلم:الواجب على المسلمين-بحكم هذه الآية-أن يعتبروا في بيوعهم و مدد ديونهم و أحوال زكواتهم و سائر أحكامهم السّنة العربيّة بالأهلّة،و لا يجوز لهم اعتبار السّنة العجميّة و الرّوميّة.

(16:53)

القرطبيّ:أي الحساب الصّحيح و العدد المستوفى.

(8:134)

ابن عاشور:و اَلدِّينُ: النّظام المنسوب إلى الخالق الّذي يدان النّاس به،أي يعاملون بقوانينه.

و تقدّم عند قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ كما وصف بذلك في قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ الرّوم:30.(10:84)

الطّباطبائيّ:و اَلدِّينُ كما تطلق على مجموع ما أنزله اللّه على أنبيائه،تطلق على بعضها،فالمعنى:أنّ تحريم الأربعة من الشّهور القمريّة هو الدّين الّذي يقوم بمصالح العباد،كما يشير إليه في قوله: جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ وَ الشَّهْرَ الْحَرامَ...

المائدة:97.(9:269)

8- أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ وَ لَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّ اَلظّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. الشّورى:21

ابن عبّاس:شرعوا لهم دينا غير دين الإسلام.

الطّبرسيّ 5:28)

ابن عطيّة: اَلدِّينِ هنا العوائد و الأحكام و السّيرة،و يدخل في ذلك أيضا المعتقدات،لأنّهم في جميع ذلك وضعوا أوضاعا.

فأمّا في المعتقدات فقولهم:إنّ الأصنام آلهة، و قولهم:إنّهم يعبدون الأصنام زلفى،و غير ذلك.

و أمّا في الأحكام فكالبحيرة،و الوصيلة، و الحامي،و غير ذلك من السّوائب و نحوها.(5:33)

البروسويّ:و اَلدِّينِ للمشاكلة،لأنّه ذكر في مقابلة دين اللّه،أو للتّهكّم.(8:308)

9- هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ. الواقعة:56

مقاتل:يعني يوم الحساب.(4:222)

الطّبريّ:يوم يدين اللّه عباده.(11:651)

الماورديّ:أي طعامهم و شرابهم يوم الجزاء، يعني في جهنّم.(5:457)

نحوه الطّوسيّ.(9:502)

الواحديّ:يوم يجازون بأعمالهم.(4:236)

ابن عطيّة: اَلدِّينِ: الجزاء.(5:247)

نحوه البروسويّ(9:330)،و الآلوسيّ(27:

146).

10- فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ. التّين:7

ابن عبّاس:يقول:ما يكذّبك بحكم اللّه.

(الطّبريّ 12:643)

ص: 461

عكرمة:الحساب.(الطّبريّ 12:642)

هو الجزاء و الحساب.

مثله الحسن و أبي مسلم الأصفهانيّ.

(الطّبرسيّ 5:511)

الطّبريّ:و اختلفوا في معنى قوله: بِالدِّينِ فقال بعضهم:بالحساب.

و قال آخرون:معناه:بحكم اللّه.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال:

(الدين)في هذا الموضع:الجزاء و الحساب؛و ذلك أنّ أحد معاني الدّين في كلام العرب:الجزاء و الحساب، و منه قولهم:«كما تدين تدان».و لا أعرف من معاني الدّين.«الحكم»في كلامهم،إلاّ أن يكون مرادا بذلك:

فما يكذّبك بعد بأمر اللّه الّذي حكم به عليك أن تطيعه فيه؟فيكون ذلك.(12:642)

الثّعلبيّ:بالحساب و الجزاء.(10:241)

ابن عطيّة:قال قتادة و الفرّاء و الأخفش:

هو محمّد عليه السّلام قال اللّه له:فما ذا الّذي يكذّبك فيما تخبر به من الجزاء و البعث،و هو الدّين بعد هذه العبر الّتي يوجب النّظر فيها صحّة ما قلت.و يحتمل أن يكون(الدين)على هذا التّأويل جميع دينه و شرعه.(5:500)

11- أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. الماعون:1

ابن عبّاس:الّذي يكذّب بحكم اللّه عزّ و جلّ.

(الطّبريّ 12:705)

مجاهد:بالحساب.

مثله عكرمة(الماورديّ 6:350)

و مثله ابن جريج(الطّبريّ 12:705)

مقاتل:بالحساب.(4:871)

الطّبريّ:أ رأيت يا محمّد الّذي يكذّب بثواب اللّه و عقابه،فلا يطيعه في أمره و نهيه.(12:705)

الماورديّ:بالجزاء الثّواب و العقاب.(6:350)

الواحديّ:بالجزاء و الحساب.(4:558)

نحوه الطّبرسيّ.(5:547)

ابن عطيّة:(الدين):الجزاء ثوابا و عقابا و الحساب هنا قريب من الجزاء.(5:527)

لاحظ:الآيات:البقرة:256،في:ك ر ه:

«لا اكراه»و النّساء:46،في:ط ع ن:«طعنا»و البيّنة:

5،في:«دين القيّمة».

دينكم-دينا

...اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. المائدة:3

ابن عبّاس:قوله: اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ يعني أن ترجعوا إلى دينهم أبدا.

(الطّبريّ 4:418)

قوله: دِينِكُمْ و هو الإسلام.أخبر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين أنّه قد أكمل لهم الإيمان،فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا،و قد أتمّه اللّه عزّ ذكره فلا ينقصه أبدا و قد

ص: 462

رضيه اللّه فلا يسخطه أبدا.(الطّبريّ 4:419)

نحوه السّدّيّ.(ابن الجوزيّ 2:287)

سعيد بن جبير: دِينِكُمْ: تمام الحجّ و نفي المشركين عن البيت.(الطّبريّ 4:419)

أنّه رفع النّسخ عنه،و أمّا الفرائض فلم تزل تنزل عليه حتّى قبض.(ابن الجوزيّ 2:288)

الشّعبيّ:كمال الدّين هاهنا:عزّه و ظهوره،و ذلّ الشّرك و دروسه،لا تكامل الفرائض و السّنن،لأنّها لن تزل تنزل إلى أن قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(ابن الجوزيّ 2:287)

قتادة: دِينِكُمْ أخلص اللّه لهم دينهم و نفى المشركين عن البيت.(الطّبريّ 4:419)

السّدّيّ:قوله: اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ أظنّ،يئسوا أن ترجعوا عن دينكم.

(الطّبريّ 4:418)

قوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، هذا نزل يوم عرفة،فلم ينزل بعدها حلال و لا حرام،و رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمات.(الطّبريّ 4:419)

مقاتل:يعني يوم عرفة،لم ينزل بعدها حلال و لا حرام،و لا حكم و لا حدّ و لا فريضة،غير آيتين من آخر سورة النّساء: يَسْتَفْتُونَكَ النّساء:176، اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، يعني شرائع دينكم أمر الحلال و الحرام.

و ذلك أنّ اللّه جلّ ذكره كان فرض على المؤمنين شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و الإيمان بالبعث و الجنّة و النّار،و الصّلاة ركعتين غدوة و ركعتين بالعشيّ شيئا غير مؤقّت،و الكفّ عن القتال قبل أن يهاجر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و فرضت الصّلوات الخمس ليلة المعراج و هو بعد بمكة،و الزّكاة المفروضة بالمدينة،و رمضان و الغسل من الجنابة،و حجّ البيت و كلّ فريضة.

فلمّا حجّ حجّة الوداع نزلت هذه الآية يوم عرفة، فبركت ناقة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لنزول الوحي بجمع،و عاش النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعدها إحدى و ثمانين ليلة،ثمّ مات يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأوّل،و هي آخر آية نزلت في الحلال و الحرام اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ،يعني شرائع دينكم،أمر حلالكم و حرامكم، وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي يعني الإسلام؛إذ حججتم و ليس معكم مشرك وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً يعني و اخترت لكم الإسلام دينا،فليس دين أرضى عند اللّه عزّ و جلّ من الإسلام.قال سبحانه وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ آل عمران:85.(1:452)

الطّبريّ:يعني بقوله جلّ ثناؤه: اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ، الآن انقطع طمع الأحزاب و أهل الكفر و الجحود،أيّها المؤمنون،من دينكم.

يقول:من دينكم أن تتركوه فترتدّوا عنه راجعين إلى الشّرك.

القول في تأويل قوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك:

فقال بعضهم:يعني جلّ ثناؤه بقوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ أكملت لكم،أيّها المؤمنون،

ص: 463

فرائضي عليكم و حدودي أمري إيّاكم،و نهيي و حلالي و حرامي،و تنزيلي من ذلك ما أنزلت منه في كتابي،و تبياني ما بيّنت لكم منه بوحيي على لسان رسولي،و الأدلّة الّتي نصبتها لكم على جميع ما بكم الحاجة إليه من أمر دينكم،فأتممت لكم جميع ذلك، فلا زيادة فيه بعد هذا اليوم.

قالوا:و كان ذلك في يوم عرفة عام حجّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حجّة الوداع.

و قالوا:لم ينزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعد هذه الآية شيء من الفرائض،و لا تحليل شيء و لا تحريمه،و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يعش بعد نزول هذه الآية إلاّ إحدى و ثمانين ليلة.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،أن يقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ أخبر نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين به أنّه أكمل لهم يوم أنزل هذه الآية على نبيّه دينهم،بإفرادهم بالبلد الحرام و إجلائه عنه المشركين،حتّى حجّه المسلمون دونهم لا يخالطونهم المشركون.[إلى أن قال:]

القول في تأويل قوله: وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. يعني بذلك جلّ ثناؤه:و رضيت لكم الاستسلام لأمري،و الانقياد لطاعتي على ما شرعت لكم من حدوده و فرائضه و معالمه دينا،يعني بذلك:

طاعة منكم لي.

فإن قال قائل:أو ما كان اللّه راضيا الإسلام لعباده إلاّ يوم أنزل هذه الآية؟

قيل:لم يزل اللّه راضيا لخلقه الإسلام دينا،و لكنّه جلّ ثناؤه لم يزل يصرّف نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه في درجات الإسلام و مراتبه درجة بعد درجة،و مرتبة بعد مرتبة،و حالا بعد حال حتّى أكمل لهم شرائعه و معالمه،و بلغ بهم أقصى درجاته و مراتبه،ثمّ قال حين أنزل عليهم هذه الآية: وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ بالصّفة الّتي هو بها اليوم،و الحال الّتي أنتم عليها اليوم منه دينا،فالزموه و لا تفارقوه.(4:417)

نحوه الواحديّ.(2:153)

الزّجّاج:معناه:الآن يئس الّذين كفروا من دينكم،و هذا كما تقول:أنا اليوم قد كبرت و هذا الشّأن لا يصلح في اليوم،تريد:أنا الآن و في هذا الزّمان،و معناه:أن قد حوّل اللّه الخوف الّذي كاد يلحقكم منهم اليوم و يئسوا من بطلان الإسلام، و جاءكم ما كنتم توعدون من قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ التّوبة:33.

و«الدّين»:اسم لجميع ما تعبّد اللّه خلقه،و أمرهم بالإقامة عليه،و الّذي به يجزون،و الّذي أمرهم أن يكون عادتهم.و قد بيّنّا ذلك في قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. (2:148)

الثّعلبيّ:و اختلف المفسّرون في معنى الآية،فقال ابن عبّاس و السّدّيّ: اَلْيَوْمَ و هو يوم نزول هذه الآية، أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، أي الفرائض و السّنن و الحدود و الأحكام و الحلال و الحرام،فلم ينزل بعد هذه الآية حلال و لا حرام،و لا شيء من الفرائض.

فهذا معنى قول ابن عبّاس و السّدّيّ.

و قيل:إنّ شرائع الأنبياء زالت و نقضت،و شريعة هذه الأمّة باقية لا تنمح و لا تتغيّر إلى يوم القيامة،هو

ص: 464

بايعك ثمّ فرّقوه،يكن هذا لغيرهم.

و قيل:لم يكن إلاّ هذه الأمة.

و قيل:هو أنّ اللّه تعالى جمع بهذه الآية جميع الولاية و أسبابها.(4:16)

الطّوسيّ:و«الدّين»اسم لجميع ما تعبّد اللّه به خلقه و أمرهم بالقيام به...

و قوله: أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ في تأويله ثلاثة أقوال:

أحدها:قال ابن عبّاس،و السّدّيّ و أكثر المفسّرين:إنّ معناه أكملت لكم فرائضي و حدودي و أمري و نهيي و حلالي و حرامي،بتنزيلي ما أنزلت، و تبياني ما بيّنت لكم،فلا زيادة في ذلك،و لا نقصان منه بالنّسخ بعد هذا اليوم.و كان ذلك اليوم عام حجّة الوداع.قالوا:و لم ينزل بعد هذا على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله شيء من الفرائض في تحليل شيء،و لا تحريمه،و أنّه عليه السّلام مضى بعد ذلك بإحدى و ثمانين ليلة.و هو اختيار الجبّائيّ و البلخيّ.

فإن قيل:أ كان دين اللّه ناقصا في حال حتّى أتمّه ذلك اليوم؟

قيل:لم يكن دين اللّه ناقصا في حال،و لا كان إلاّ كاملا.لكن لمّا كان معرّضا للنّسخ،و الزّيادة فيه، و نزول الوحي لم يمتنع أن يوصف غيره بأنّه أكمل منه، حين أمن جميع ذلك فيه،و ذلك يجري مجرى وصف العشرة بأنّها كاملة العدد،و لا يلزم أن توصف بأنّها ناقصة،لمّا كان عدد المائة أكثر منها،و أكمل،فكذلك ما قلناه.

و قال الحكم و سعيد بن جبير و قتادة:معناه أكملت لكم حجّكم،و أفردتكم بالبلد الحرام تحجّون دون المشركين،و لا يخالطكم مشرك،و هو الّذي اختاره الطّبريّ،قال:لأنّ اللّه قد أنزل بعد ذلك قوله:

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ النّساء:

176،...

و قوله: وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً معناه رضيت لكم الاستسلام لأمري و الانقياد لطاعتي، على ما شرعت لكم من حدوده و فرائضه و معالمه دينا،يعني بذلك طاعة منكم لي.

فإن قيل:أو ما كان اللّه راضيا الإسلام دينا لعباده إلاّ يوم أنزلت هذه الآية؟

قيل:لم يزل اللّه راضيا لخلقه الإسلام دينا،لكنّه لم يزل يصف نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أصحابه في درجات الإسلام و مراتبه درجة بعد درجة،و مرتبة بعد مرتبة، و حالا بعد حال حتّى أكمل لهم شرائعه،و بلغ بهم أقصى درجاته،و مراتبه،ثمّ قال حين أنزلت هذه الآية وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً، فالصّفة الّتي لها اليوم، و الحال الّتي أنتم عليها،فالزموه،و لا تفارقوه.

(3:434)

الزّمخشريّ: أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ كفيتكم أمر عدوّكم،و جعلت اليد العليا لكم،كما تقول الملوك :اليوم كمل لنا الملك و كمل لنا ما نريد،إذا كفوا من ينازعهم الملك و وصلوا إلى أغراضهم و مباغيهم.

أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم،من تعليم الحلال و الحرام،و التّوقيف على الشّرائع و قوانين

ص: 465

القياس،و أصول الاجتهاد...

وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً يعني اخترته لكم من بين الأديان و آذنتكم بأنّه هو الدّين المرضيّ وحده وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ آل عمران:85، إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً الأنبياء:92.(1:593)

نحوه النّسفيّ.(1:370)

ابن عطيّة:و هذا الإكمال عند الجمهور:هو الإظهار و استيعاب عظم الفرائض و التّحليل و التّحريم،قالوا:و قد نزل بعد ذلك قرآن كثير،و نزلت آية الرّبا،و نزلت آية الكلالة إلى غير ذلك،و إنّما كمل عظم الدّين و أمر الحجّ أن حجّوا و ليس معهم مشرك.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس](2:154)

الطّبرسيّ: أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قيل:فيه أقوال:

أحدها:[أوّلها و ثانيها ما تقدّم عن الطّوسيّ]

و ثالثها:إنّ معناه:اليوم كفيتكم الأعداء، و أظهرتكم عليهم،كما تقول:الآن كمل لنا الملك، و كمل لنا ما نريد،بأن كفينا ما كنّا نخافه،عن الزّجّاج.

و المرويّ عن الإمامين أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّه إنّما أنزل بعد أن نصب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام علما للأنام،يوم غدير خمّ منصرفة عن حجّة الوداع، قالا:و هو آخر فريضة أنزلها اللّه تعالى،ثمّ لم ينزل بعدها فريضة.[إلى أن أدام نحو الطّوسيّ](2:159)

الفخر الرّازيّ:فيه قولان:

الأوّل:يئسوا من أن تحلّلوا هذه الخبائث بعد أن جعلها اللّه محرّمة.

و الثّاني:يئسوا من أن يغلبوكم على دينكم؛ و ذلك لأنّه تعالى كان قد وعد بإعلاء هذا الدّين على كلّ الأديان،و هو قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ التّوبة:33،فحقّق تلك النّصرة و أزال الخوف بالكلّيّة،و جعل الكفّار مغلوبين بعد أن كانوا غالبين، و مقهورين بعد أن كانوا قاهرين.و هذا القول أولى.

[ثمّ ذكر معنى إكمال الدّين،نحو ما تقدّم عن المفسّرين.]

(11:137)

القرطبيّ:قوله: أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، و ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حين كان بمكّة لم تكن إلاّ فريضة الصّلاة وحدها،فلمّا قدم المدينة أنزل اللّه الحلال و الحرام إلى أن حجّ،فلمّا حجّ و كمل الدّين نزلت هذه الآية اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...، على ما نبيّنه.(6:61)

البيضاويّ:بالنّصر و الإظهار على الأديان كلّها، أو بالتّنصيص على قواعد العقائد،و التّوقيف على أصول الشّرائع و قوانين الاجتهاد.(1:262)

نحوه أبو السّعود.(2:237)

البروسويّ: وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً تستكملون به إلى الأبد؛بحيث من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه؛و ذلك لأنّ حقيقة«الدّين»هي سلوك سبيل اللّه بقدم الخروج من الوجود المجازيّ للوصول إلى الوجود الحقيقيّ.و الإنسان مخصوص به من سائر الموجودات،و لهذه الأمّة اختصاص بالكماليّة في السّلوك من سائر الأمم،فالدّين من عهد آدم عليه السّلام كان في التّكامل بسلوك الأنبياء سبيل الحقّ

ص: 466

إلى عهد النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،فكلّ نبيّ سلك فى الدّين مسلكا أنزله بقربه من مقامات القرب،و لكن ما خرج أحد منهم بالكلّيّة من الوجود المجازيّ للوصول إلى الوجود الحقيقيّ بالكمال،فقيل للنّبيّ عليه السّلام أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ الأنعام:90،فسلك النّبيّ جميع المسالك الّتي سلكها الأنبياء بأجمعهم،فلم يتحقّق له الخروج أيضا بقدم السّلوك من الوجود المجازيّ بالكلّيّة،حتّى تداركته العناية الأزليّة لاختصاصه بالمحبوبيّة بجذبات الرّبوبيّة، و أخرجته من الوجود المجازيّ ليلة أسرى بعد ما عبّر به على الأنبياء كلّهم،و بلغ في القرب إلى الكماليّة في الدّنوّ و هو سرّ أو أدنى،فاستسعد سعادة الوصول إلى الوجود الحقيقيّ في سرّ،فأوحى إلى عبده ما أوحى، و في الحقيقة قيل له فى تلك الحالة: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. و لكن في حجّة الوداع في يوم عرفة عند وقوفه بعرفات أظهر على الأمّة عند إظهاره على الأديان كلّها،و ظهور كماليّة الدّين بنزول الفرائض و الأحكام بالتّمام،فقال: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. (2:344)

الآلوسيّ: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ بالنّصر و الإظهار،لأنّهم بذلك يجرون أحكام الدّين من غير مانع،و به تمامه،و هذا كما تقول:تمّ لي الملك إذا كفيت ما تخافه،و إلى ذلك ذهب الزّجّاج.

و عن ابن عبّاس و السّدّيّ:أنّ المعنى:اليوم أكملت لكم حدودي و فرائضي و حلالي و حرامي، بتنزيل ما أنزلت،و بيان ما بيّنت لكم،فلا زيادة في ذلك و لا نقصان منه بالنّسخ بعد هذا اليوم.

و كان يوم عرفة عام حجّة الوداع،و اختاره الجبّائيّ و البلخيّ و غيرهما.و ادّعوا أنّه لم ينزل بعد ذلك شيء من الفرائض على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في تحليل و لا تحريم،و أنّه عليه الصّلاة و السّلام لم يلبث بعد سوى أحد و ثمانين يوما،و مضى روحي فداه إلى الرّفيق الأعلى،صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم.(6:60)

ابن عاشور:و«الدّين»:ما كلّف اللّه به الأمّة من مجموع العقائد،و الأعمال و الشّرائع و النّظم.و قد تقدّم بيان ذلك عند قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ في سورة آل عمران:19.

فإكمال الدّين هو إكمال البيان المراد للّه تعالى الّذي اقتضت الحكمة تنجيمه،فكان بعد نزول أحكام الاعتقاد،الّتي لا يسع المسلمين جهلها،و بعد تفاصيل أحكام قواعد الإسلام الّتي آخرها الحجّ بالقول و الفعل،و بعد بيان شرائع المعاملات و أصول النّظام الإسلاميّ،كان بعد ذلك كلّه قد تمّ البيان المراد للّه تعالى في قوله: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ النّحل:89،و قوله: لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ النّحل:44،بحيث صار مجموع التّشريع الحاصل بالقرآن و السّنّة،كافيا في هدي الأمّة في عبادتها و معاملتها و سياستها،في سائر عصورها، بحسب ما تدعو إليه حاجاتها.

فقد كان الدّين وافيا في كلّ وقت بما يحتاجه المسلمون،و لكن ابتدأت أحوال جماعة المسلمين

ص: 467

بسيطة ثمّ اتّسعت جامعتهم،فكان الدّين يكفيهم لبيان الحاجات في أحوالهم بمقدار اتّساعها؛إذ كان تعليم الدّين بطريق التّدريج ليتمكّن رسوخه،حتّى استكملت جامعة المسلمين كلّ شئون الجوامع الكبرى،و صاروا أمّة كأكمل ما تكون أمّة،فكمل من بيان الدّين ما به الوفاء بحاجاتهم كلّها،فذلك معنى إكمال الدّين لهم يومئذ.و ليس في ذلك ما يشعر بأنّ الدّين كان ناقصا،و لكن أحوال الأمّة في الأمميّة غير مستوفاة،فلمّا توفّرت كمل الدّين لهم،فلا إشكال على الآية.

و ما نزل من القرآن بعد هذه الآية لعلّه ليس فيه تشريع شيء جديد،و لكنّه تأكيد لما تقرّر تشريعه من قبل بالقرآن أو السّنّة.فما نجده في هذه السّورة من الآيات،بعد هذه الآية،ممّا فيه تشريع أنف مثل جزاء صيد المحرّم،نجزم بأنّها نزلت قبل هذه الآية،و أنّ هذه الآية لمّا نزلت أمر بوضعها في هذا الموضع.

و عن ابن عبّاس:لم ينزل على النّبيّ بعد ذلك اليوم تحليل و لا تحريم و لا فرض.فلو أنّ المسلمين أضاعوا كلّ أثارة من علم-و العياذ باللّه-و لم يبق بينهم إلاّ القرآن،لاستطاعوا الوصول به إلى ما يحتاجونه في أمور دينهم.قال الشّاطبيّ:«القرآن،مع اختصاره جامع،و لا يكون جامعا إلاّ و المجموع فيه أمور كلّيّة، لأنّ الشّريعة تمّت بتمام نزوله،لقوله تعالى: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ: و أنت تعلم:أنّ الصّلاة و الزّكاة و الجهاد،و أشباه ذلك،لم تبيّن جميع أحكامها في القرآن،إنّما بيّنتها السّنّة،و كذلك العاديّات من العقود و الحدود و غيرها.فإذا نظرنا إلى رجوع الشّريعة إلى كلّيّاتها المعنويّة،وجدناها قد تضمّنها القرآن على الكمال،و هي الضّروريّات،و الحاجيات، و التّحسينات،و مكمّل كلّ واحد منها،فالخارج عن الكتاب من الأدلّة و هو السّنّة،و الإجماع،و القياس، إنّما نشأ عن القرآن.

و في الصّحيح عن ابن مسعود أنّه قال:«لعن اللّه الواشمات و المستوشمات و الواصلات و المستوصلات و المنتمصات للحسن المغيّرات خلق اللّه»فبلغ كلامه امرأة من بني أسد يقال لها:أمّ يعقوب،و كانت تقرأ القرآن،فأتته فقالت:«لعنت كذا و كذا»فذكرته، فقال عبد اللّه:«و ما لي لا ألعن من لعن رسول اللّه و هو في كتاب اللّه»،فقالت المرأة:«لقد قرأت ما بين لوحي المصحف،فما وجدته»،فقال:«لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه:قال اللّه تعالى: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الحشر:7،انتهى.

فكلام ابن مسعود يشير إلى أنّ القرآن هو جامع أصول الأحكام،و أنّه الحجّة على جميع المسلمين؛إذ قد بلغ لجميعهم و لا يسعهم جهل ما فيه،فلو أنّ المسلمين لم تكن عندهم أثارة من علم غير القرآن لكفاهم في إقامة الدّين،لأنّ كلّيّاته و أوامره المفصّلة ظاهرة الدّلالة،و مجملاته تبعث المسلمين على تعرّف بيانها،من استقراء أعمال الرّسول و سلف الأمّة، المتلقّين عنه.

و لذلك لمّا اختلف الأصحاب في شأن كتابة النّبيّ لهم كتابا في مرضه،قال عمر:حسبنا كتاب اللّه،

ص: 468

فلو أنّ أحدا قصر نفسه على علم القرآن فوجد أَقِيمُوا الصَّلاةَ البقرة:43،و آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ الأنعام:141،و كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ البقرة:183،و أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ البقرة:

196،لتطلّب بيان ذلك ممّا تقرّر من عمل سلف الأمّة.

و أيضا ففي القرآن تعليم طرق الاستدلال الشّرعيّة كقوله: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ النّساء:83.

فلا شكّ أنّ أمر الإسلام بدئ ضعيفا ثمّ أخذ يظهر ظهور سنا الفجر،و هو في ذلك كلّه دين يبيّن لأتباعه الخير و الحرام و الحلال.فما هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ و قد أسلم كثير من أهل مكّة،و معظم أهل المدينة، فلمّا هاجر رسول اللّه أخذ الدّين يظهر في مظهر شريعة مستوفاة فيها بيان عبادة الأمّة،و آدابها،و قوانين تعاملها،ثمّ لمّا فتح اللّه مكّة و جاءت الوفود مسلمين،و غلب الإسلام على بلاد العرب،تمكّن الدّين و خدمته القوّة،فأصبح مرهوبا بأسه،و منع المشركين من الحجّ بعد عام،فحجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عام عشرة و ليس معه غير المسلمين،فكان ذلك أجلى مظاهر كمال الدّين.بمعنى سلطان الدّين و تمكينه و حفظه،و ذلك تبيّن واضحا يوم الحجّ الّذي نزلت فيه هذه الآية.

لم يكن الدّين في يوم من الأيّام غير كاف لأتباعه، لأنّ الدّين في كلّ يوم،من وقت البعثة،هو عبارة عن المقدار الّذي شرعه اللّه للمسلمين يوما فيوما،فمن كان من المسلمين آخذا بكلّ ما أنزل إليهم في وقت من الأوقات فهو متمسّك بالإسلام،فإكمال الدّين يوم نزول الآية إكمال له فيما يراد به،و هو قبل ذلك كامل فيما يراد من أتباعه الحاضرين.

و في هذه الآية دليل على وقوع تأخير البيان إلى وقت الحاجة.و إذا كانت الآية نازلة يوم فتح مكّة، -كما يروى عن مجاهد-فإكمال الدّين:إكمال بقيّة ما كانوا محرومين منه من قواعد الإسلام؛إذا الإسلام قد فسّر في الحديث بما يشمل الحجّ،إذ قد مكّنهم يومئذ من أداء حجّهم دون معارض،و قد كمل أيضا سلطان الدّين بدخول الرّسول إلى البلد الّذي أخرجوه منه، و مكّنه من قلب بلاد العرب.فالمراد من«الدّين»دين الإسلام،و إضافته إلى ضمير المسلمين لتشريفهم بذلك.

و لا يصحّ أن يكون المراد من«الدّين»القرآن، لأنّ آيات كثيرة نزلت بعد هذه الآية،و حسبك من ذلك بقيّة سورة المائدة و آية الكلالة،الّتي في آخر النّساء،على القول بأنّها آخر آية نزلت،و سورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ النّصر:1،كذلك،و قد عاش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعد نزول آية اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ نحوا من تسعين يوما،يوحى إليه.و معنى اَلْيَوْمَ في قوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ نظير معناه في قوله: اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ. (5:31)

الطّباطبائيّ:[له مباحث سيأتي في:«ك م ل» و:«ن ع م»](5:179)

فضل اللّه:التّقنين بين الدّين و المبادئ الوضعيّة

ربّما كان من خصوصيّات الأديان،و من بينها الإسلام بالنّسبة إلى المبادئ الوضعيّة،هذا الشّمول في

ص: 469

التّشريع؛بحيث يتدخّل في كلّ خصوصيّات الإنسان، فيحدّد له تكاليفه حتّى في مأكولاته و مشروباته و ملبوساته و زواجه،فلم يجعل له الحريّة في ممارسة ذلك كلّه إلاّ في نطاق ما أحلّ اللّه.فإذا تجاوز بعض ذلك،كان عاصيا مستحقّا للعقوبة في الآخرة و في الدّنيا في بعض الحالات.و ربّما كان الفرق بين فكرة التّقنين في المبادئ الوضعيّة أو المبادي الشّرعيّة،هي أنّ القانون الوضعيّ ينطلق-غالبا-من دراسة الإنسان من حيث هو كائن اجتماعيّ،يتبادل المسئوليّة بينه و بين المجتمع،فهو من جهة مسئول عن المجتمع،و من جهة أخرى المجتمع مسئول عنه،و لا دخل له في حياته الخاصّة إلاّ بقدر ارتباطها بسلامة المجتمع.

من هنا،فإنّ أيّ تشريع يتناول الفرد كفرد يعتبر اعتداء على الحرّيّة الشّخصيّة.أمّا الإسلام،فإنّه ينطلق من فكرة أنّ الإنسان مخلوق للّه و عبد له،فليس له الحرّيّة في أن يعمل أيّ عمل،أو يتحرّك في أيّ مشروع إلاّ من خلال الرّخصة الّتي يتلقّاها من اللّه.

و بذلك كان اللّه-من خلال شريعته-هو الّذي ينظّم له حياته الشّخصيّة و الاجتماعيّة،فيحدّد له كلّ ما يتصرّف فيه من شئونه الخاصّة و العامّة،و لم يمنحه الحرّيّة في الإضرار بحياته،سواء من ناحية الأكل و الشّرب،أو غيرهما،لأنّه لا يملك نفسه،بل هو ملك اللّه،فليس له أن يتصرّف في ملك اللّه إلاّ بإذن منه.

و هكذا يتدخّل التّشريع في حياة الإنسان الخاصّة، ليضغط على حرّيّته في نطاق مصلحته الحقيقيّة.

(8:36)

دينهم

1- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً. (النّساء:146)

الطّبريّ:يقول:و أخلصوا طاعتهم و أعمالهم الّتي يعملونها للّه،فأرادوه بها،و لم يعملوها رئاء النّاس،و لا على شكّ منهم في دينهم،و امتراء منهم في أنّ اللّه محص عليهم ما عملوا،فمجازي المحسن بإحسانه،و المسيء بإساءته،و لكنّهم عملوها على يقين منهم في ثواب المحسن على إحسانه،و جزاء المسيء على إساءته،أو يتفضّل عليه ربّه فيعفو متقرّبين بها إلى اللّه،مريدين بها وجه اللّه،فذلك معنى:إخلاصهم للّه دينهم.(4:337)

البيضاويّ:لا يريدون بطاعتهم إلاّ وجهه سبحانه و تعالى.(1:252)

2- يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ. النّور:25

ابن عبّاس:يقول:حسابهم.(الطّبريّ 9:292)

نحوه الثّعلبيّ(7:82)،و البغويّ(3:396)،و ابن الجوزيّ(6:26).

الزّجّاج:«الدّين»هاهنا:الجزاء،المعنى يومئذ يوفّيهم اللّه جزاءهم الحقّ،أي جزاءهم الواجب.

(4:37)

ص: 470

نحوه الواحديّ(3:314)،و ابن عطيّة(4:174)، و النّسفيّ(3:138)،و الآلوسيّ(18:130).

الطّوسيّ:يعني جزاءهم الحقّ،و«الدّين» هاهنا:الجزاء.و يجوز أن يكون المراد:جزاء دينهم الحقّ،و حذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه.

(7:423)

نحوه الطّبرسيّ.(4:134)

الفخر الرّازيّ:قوله تعالى: يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ و لا شبهة في أنّ نفس دينهم ليس هو المراد، لأنّ دينهم هو عملهم،بل المراد جزاء عملهم.و الدّين بمعنى الجزاء مستعمل كقولهم:«كما تدين تدان».

و قيل:«الدّين»هو الحساب،كقوله: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ التّوبة:36،أي الحساب الصّحيح.(23:194)

البيضاويّ:جزاءهم المستحقّ.(2:122)

نحوه ابن عاشور.(18:153)

3- وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. النّور:55

ابن عبّاس:يوسّع لهم في البلاد حتّى يملكوها، و يظهر دينهم على جميع الأديان.(الواحديّ 3:327)

الطّبريّ:يقول:و ليوطئنّ لهم دينهم،يعني ملّتهم الّتي ارتضاها لهم،فأمرهم بها.(9:342)

نحوه الثّعلبيّ.(7:114)

الزّجّاج:يعني به الإسلام.(4:51)

نحوه الماورديّ(4:118)،و الزّمخشريّ(3:

73)،و ابن الجوزيّ(6:58)،و الفخر الرّازيّ(24:

26)،و البيضاويّ(2:133).

الطّوسيّ:يعني يمكّنهم من إظهار الإسلام الّذي ارتضاه دينا لهم.(7:455)

الطّبرسيّ:يعني دين الإسلام الّذي أمرهم أن يدينوا به،و تمكينه:أن يظهره على الدّين كلّه،كما قال:«زويت لي الأرض فأريت مشارقها و مغاربها، و سيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها».(4:152)

4- مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. الرّوم:32

الطّوسيّ:و«الدّين»العمل الّذي يستحقّ به الجزاء،و دين الإسلام:العمل الّذي عليه الثّواب.و لو جمعوا دينهم في أمر اللّه و نهيه لكانوا مصيبين،و لكنّهم فرّقوا بإخراجه عن حد الأمر و النّهي من اللّه،و كانوا بذلك مبطلين خارجين عن الحقّ الّذي أمر اللّه به.

(8:249)

الزّمخشريّ:تركوا دين الإسلام.و قرئ:

فَرَّقُوا دِينَهُمْ بالتّشديد،أي جعلوه أديانا مختلفة لاختلاف أهوائهم.(3:222)

شبّر:أي تركوا دينهم الّذي أمروا به.(5:88)

دينكم

1- وَ لا تُؤْمِنُوا إِلاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى

ص: 471

هُدَى اللّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. آل عمران:73

السّدّيّ: لا تُؤْمِنُوا إِلاّ لِمَنْ تَبِعَ اليهوديّة.

(الطّبريّ 3:312)

نحوه الطّبريّ.(3:311)

الزّمخشريّ:إلاّ لمن كانوا تابعين لدينكم ممّن أسلموا منكم،لأنّ رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم،و لأنّ إسلامهم كان أغيظ لهم.

(1:437)

الطّبرسيّ:اليهوديّة،و قام بشرائعكم،و هو عطف على ما مضى.

و اختلف في معنى الآية على أقوال:

أحدها:إنّ معناه:و لا تصدّقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم و الحكمة،و البيان و الحجّة،و لا لمن تبع دينكم من أهل الكتاب.

و قيل:إنّما قال ذلك يهود خيبر ليهود المدينة، لئلاّ يعترفوا به،فيلومونهم به،لإقرارهم بصحّته.

و قيل:معناه لا تعترفوا بالحقّ إلاّ لمن تبع دينكم...

و ثانيها:أن يكون قوله: وَ لا تُؤْمِنُوا إِلاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ كلام اليهود...

و ثالثها:أن يكون الكلام من أوّل الآية إلى آخرها للّه تعالى،و تقديره:و لا تؤمنوا أيّها المؤمنون إلاّ لمن تبع دينكم و هو دين الإسلام،و لا تصدّقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدّين،فلا نبيّ بعد نبيّكم، و لا شريعة بعد شريعتكم،الى يوم القيامة،و لا تصدّقوا بأن يكون لأحد حجّة عليكم عند ربّكم،لأنّ دينكم خير الأديان،و أنّ الهدى هدى اللّه،و إنّ الفضل بيد اللّه،فتكون الآية كلّها خطابا للمؤمنين من اللّه تعالى عند تلبيس اليهود عليهم،لئلاّ يزلّوا.و يدلّ عليه ما قاله الضّحّاك:إنّ اليهود قالوا:إنّا نحاجّ عند ربّنا من خالفنا في ديننا،فبيّن اللّه تعالى أنّهم هم المدحضون المغلبون،و أنّ المؤمنين هم الغالبون.(1:460)

البروسويّ:أي لأهل دينكم،لا لمن تبع محمّدا و أسلم،لما قالت طائفة المتقدّمة لأتباعهم:أظهروا الإيمان بالقرآن أوّل النّهار،كان من بقيّة كلامها لهم أنّكم لا تصدّقوا بحقّيّة الإسلام و القرآن بقلوبكم،لكن لا تظهروه للمسلمين و لا تقرّوا بذلك إلاّ لأهل دينكم.

(2:50)

2- وَ قالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ. المؤمن:26

قتادة:أي أمركم الّذي أنتم عليه.

(الطّبريّ 11:53)

نحوه الطّبريّ.(11:53)

الطّوسيّ:و هو ما تعتقدونه من إلهيّتي.(9:71)

نحوه الطّبرسيّ.(4:521)

الواحديّ:يبدّل عبادتكم إيّاي.(4:9)

الزّمخشريّ:أن يغيّر ما أنتم عليه،و كانوا يعبدونه و يعبدون الأصنام،بدليل قوله: وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ الأعراف:127.(3:423)

ص: 472

نحوه البيضاويّ(2:334)،و النّسفيّ(4:75)، و أبو السّعود(5:417)،و الكاشانيّ(4:339)، و البروسويّ(8:175).

ابن عطيّة:الدّين:السّلطان.(4:555)

3- قُلْ أَ تُعَلِّمُونَ اللّهَ بِدِينِكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ... الحجرات:16

الطّبريّ:يعني بطاعتكم ربّكم.(11:403)

الثّعلبيّ:الّذي أنتم عليه.(9:91)

نحوه الواحديّ(4:161)،و البغويّ(4:269)، و الطّبرسيّ(5:139)،و القرطبيّ(16:350)، و البروسويّ(9:96).

ابن عطيّة:أي بقولكم.(5:154)

الفخر الرّازيّ:فيه إشارة إلى أنّ الدّين ينبغي أن يكون للّه،و أنتم أظهرتموه لنا لا للّه،فلا يقبل منكم ذلك.

(28:143)

شبّر:تخبرونه بعقيدتكم في قولكم:آمنّا.(6:64) لاحظ:الآيتين:المائدة:3،و الكافرون:6«دينا، و دين».

دينى

قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. يونس:104

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:قل يا محمّد،لهؤلاء المشركين من قومك الّذين عجبوا أن أوحيت إليك:إن كنتم في شكّ،أيّها النّاس،من ديني الّذي أدعوكم إليه،فلم تعلموا أنّه حقّ من عند اللّه، فإنّي لا أعبد الّذين تعبدون من دون اللّه،من الآلهة و الأوثان الّتي لا تسمع و لا تبصر و لا تغني عنّي شيئا، فتشكّوا في صحّته.و هذا تعريض و لحن من الكلام لطيف.

و إنّما معنى الكلام إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي، فلا ينبغي لكم أن تشكّوا فيه،و إنّما ينبغي لكم أن تشكّوا في الّذي أنتم عليه من عبادة الأصنام الّتي لا تعقل شيئا و لا تضر و لا تنفع.فأمّا دِينِي فلا ينبغي لكم أن تشكّوا فيه،لأنّي أعبد اللّه الّذي يقبض الخلق فيميتهم إذا شاء،و ينفعهم و يضرّهم إن شاء؛و ذلك أنّ عبادة من كان كذلك لا يستنكرها ذو فطرة صحيحة.

و أمّا عبادة الأوثان فينكرها كلّ ذي لبّ و عقل صحيح.(6:617)

نحوه الثّعلبيّ(5:154)،و البغويّ(2:437).

الطّوسيّ:هذا خطاب من اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يقول للخلق: يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فإنّ ديني أن لا أعبد الّذين تعبدون من دون اللّه، أي إن كنتم في شكّ ممّا أذهب إليه من مخالفتكم،فإنّي أظهره لكم و أبرأ ممّا أنتم عليه،و أعرّفكم ما أمرت به و هو أن أكون مؤمنا باللّه وحده،و أن أقيم وجهي للدّين حنيفا.(5:505)

الواحديّ:أي من توحيد اللّه الّذي جئت به، و الحنيفيّة الّتي بعثت بها،فلا أعبد الّذين تعبدون من دون اللّه بشكّكم في ديني.(2:561)

القرطبيّ:أي ريب من دين الإسلام الّذي

ص: 473

أدعوكم إليه.(8:387)

أبو السّعود:الّذي أتعبّد اللّه عزّ و جلّ به و أدعوكم إليه،و لم تعلموا ما هو و ما صفته.(3:277)

نحوه البروسويّ(4:86)،و الآلوسيّ(11:196).

هناك مطالب راجع:ش ك ك:«شكّ».

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير«الدّين»على خمسة وجوه:

فوجه منها:الدّين يعني التّوحيد،فذلك قوله:

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ آل عمران:19،يقول:

إنّ التّوحيد عند اللّه الإسلام،كقوله: فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ الزّمر:2،يعني التّوحيد،كقوله:

فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لقمان:31،و الرّوم:30،و الزّمر:2،و غيرهما،يعني التّوحيد،و نحوه كثير.

و الوجه الثّاني:الدّين يعني الحساب،فذلك قوله في فاتحة الكتاب: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الفاتحة:4، يعني يوم الحساب،كقوله: هذا يَوْمُ الدِّينِ الصّافّات:20،يوم الحساب،كقوله: اَلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ المطفّفين:11،يعني بيوم الحساب، و قال: أَ إِنّا لَمَدِينُونَ الصّافّات:53،يقول إنّا لمحاسبون،و قال: فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ الواقعة:86،يعني غير محاسبين.

الوجه الثّالث:الدّين يعني الحكم،فذلك قوله:

اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ النّور:2،يعني رأفة في حكم اللّه الّذي حكم على الزّاني،كقوله: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يوسف:76،يعني حكم الملك و قضاءه.

الوجه الرّابع:الدّين يعني الّذي يدين اللّه به العباد، فذلك قوله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ التّوبة:33،يعني الإسلام لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يعني ليعلو الإسلام كلّ دين يدان به اللّه بغير دين الإسلام وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ نظيرها في السّورة الّتي يذكر فيها الصّفّ:9،و قال أيضا في الفتح :28، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، يعني كلّ دين يدان به اللّه بغير دين الإسلام.

و الوجه الخامس:دين يعني ملّة،فذلك قوله:

مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً آل عمران:95.(133)

نحوه هارون الأعور(120)،و الدّامغانيّ(319).

الحيريّ:[نحو مقاتل و أضاف:]

الثّالث:الكفر: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً آل عمران:85.

الرّابع:الدّين بعينه الّذي ديّن اللّه النّاس عليه كقوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً المائدة:3،و قوله:

في التّوبة:33،و الفتح:28،و الصّفّ:9، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ حيث كان.

الخامس:العيد،كقوله: وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا الأنعام:70.

السّادس:الخضوع كقوله: وَ لا يَدِينُونَ دِينَ

ص: 474

اَلْحَقِّ التّوبة:29.(243)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّين،أي الجزاء و الطّاعة؛و الجمع:أديان،و هو الدّينة أيضا.يقال:

دنته بفعله دينا،أي جزيته،و يوم الدّين:يوم الجزاء، و داينته مداينة و ديانا:جزيته أيضا،و في المثل:«كما تدين تدان»،أي كما تجازي تجازى؛تجازى بفعلك و بحسب ما عملت.

و الدّيّان:القهّار؛من أسماء اللّه عزّ و جلّ،و هو «فعّال»من:دان النّاس،أي قهرهم على الطّاعة.

يقال:دنتهم فدانوا،أي قهرتهم فأطاعوا،و قد دنته و دنت له:أطعته.

و الدّيّان:الحكم القاضي.سئل بعض السّلف عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،فقال:كان ديّان هذه الأمّة بعد نبيّها،أي قاضيها و حاكمها.

و الدّيّان:السّائس.يقال:دنته أدينه دينا،أي سسته،و ديّنته القوم:ولّيته سياستهم.

و الدّين:ما يتديّن به الرّجل.يقال:دان بكذا، و تديّن به،فهو ديّن و متديّن،و منه:دين الإسلام، و قد دنت به.

و الدّين:العادة و الشّأن.يقال:ما زال ذلك ديني و ديدني،أي عادتي،و دين:عوّد.

و الدّين:الذّلّ.يقال:دان الرّجل،إذا ذلّ،و دانه دينا:أذلّه و استعبده.

و المدين:العبد،و المدينة:الأمة المملوكة،كأنّهما أذلّهما العمل.و دنت الرّجل:ملكته،و ديّنته:ملّكته، و دنته:حملته على ما يكره.

و التّديين:التّصديق.يقال:ديّن الرّجل في القضاء و فيما بينه و بين اللّه،أي صدّقه.

و الدّين:القرض،و كلّ شيء غير حاضر،لأنّه نوع من الذّلّ و الاستخذاء؛و الجمع:أدين و ديون.

يقال:دنت الرّجل و أدنته،أي أقرضته،فهو مدين و مديون و مدان.

و دان الرّجل يدين دينا و ادّان و استدان،إذا أخذ الدّين و اقترض،و استدان فلانا:طلب منه الدّين.

و تداين القوم و ادّاينوا:أخذوا بالدّين؛و الاسم:

الدّينة،و الجمع:دين.يقال:جئت أطلب الدّينة،و ما أكثر دينته!أي دينه،و بعته بدينة:بتأخير.

و داينت فلانا،إذا أقرضته و أقرضك.

و تديّن الرّجل،إذا استدان.

و المديان:«مفعال»من الدّين للمبالغة،و هو الّذي يقرض كثيرا،و يستقرض كثيرا،و امرأة مديان أيضا؛و الجمع:مدايين.

و رجل دائن و مدين و مديون و مدان:عليه دين كثير.

و المدّان:الّذي لا يزال عليه دين.

2-و زعم«آرثر جفري»أنّ ما جاء من هذه المادّة بمعنى المذهب فهو فارسيّ المنشإ،و ما جاء منها بمعنى الجزاء و القضاء فهو آراميّ،و ما جاء بمعنى الذّلّ و الطّاعة فهو ساميّ،ثمّ خلص إلى القول:لعلّ العرب

ص: 475

أخذوا هذه المعنى من مصدر مسيحيّ (1)!

و ذهب آخر إلى أن ليس للعربيّة من هذه المادّة إلاّ معنى العادة و الدّيدن (1)!

و الأنكى من ذلك أنّ«جفري»ادّعى أنّ بعض اللّغويّين العرب توقّفوا في أصالة هذه المادّة،استنادا إلى ما جاء في لسان العرب:«الدّين:العادة و الشّأن و قيل:لا فعل له».

و كأنّه-كما ترى-يخبط في عمياء،فهل اتّفاق العربيّة مع لغة أخرى ليست من فصيلتها كالفارسيّة في ما اتّفق لفظه و معناه يقضي دائما باستعارته إيّاه؟و هل اتّفاق العربيّة مع لغة أخرى من فصيلتها-كالآراميّة الّتي هي و العربيّة من اللّغات السّاميّة-في هذا الصّدد يقضي بذلك أيضا؟و ما أدراه أنّه في تلك اللّغة أصل و هو في العربيّة فرع؟أ ما يحتمل العكس؟و هل كلّ معنى لا فعل له في العربيّة يلزم أن يكون لا أصل له فيها؟

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا«المضارع»مرّة،و اسم المفعول (مدينون و مدينين)مرّتين،و المصدر(دين)5 مرّات،و الاسم(الدّين)92 مرّة،و مزيدا من التّفاعل الماضي(تداينتم)مرّة،في 79 آية:

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها حسب المعنى ثلاثة محاور:

الدّين بالفتح-و هو معروف-و الجزاء،و الدّين بالكسر-و هو معروف أيضا-:

المحور الأوّل:الدّين،و فيه 3 آيات:

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى... البقرة:282

2 و 3- يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً* وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ. النّساء:11،12

الآية(2)مشهورة بآية الدّين و هي أطول آية في القرآن.قال ابن العربيّ:«هي آية عظمى في الأحكام، مبيّنة جملا من الحلال و الحرام،و هي أصل في مسائل البيوع،و كثير من الفروع،جماعها-على اختصار مع

ص: 476


1- -دائرة المعارف الإسلاميّة.
2- -المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم.

استيفاء الغرض دون الإكثار-في ثنتين و خمسين مسألة و ذكر جميعها».

و عن سعيد بن المسيّب:«بلغني أنّ أحدث القرآن بالعرش آية الدّين».و عن ابن خويزمنداد:«إنّها تضمّنت ثلاثين حكما».و عن فاضل المقداد:«ففي الآية أحد و عشرون حكما،بل ربّما يذكر فيها فوائد تزيد على ذلك»،ثمّ ذكرها.و فيها بحوث:

1-لمّا ذكر اللّه في الآيات 275-281 قبلها حكم الرّبا-و فيها ذكر إنظار المعسر-ابتداء من اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ إلى وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ...، ثمّ قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ... .

فقد نبّه بعضهم على المناسبة بين هذه الآيات.قال الطّبرسيّ(1:397):«لمّا أمر سبحانه بإنظار المعسر و تأجيل دينه،عقّبه ببيان أحكام الحقوق المؤجّلة و عقود المداينة».

و قال ابن عاشور:«و الجملة استئناف ابتدائيّ، و المناسبة في الانتقال ظاهرة عقب الكلام على غرماء أهل الرّبا...

فشرّع اللّه تعالى للنّاس بقاء التّداين المتعارف بينهم،كيلا يظنّوا أنّ تحريم الرّبا و الرّجوع بالمتعاملين إلى رءوس أموالهم إبطال للتّداين كلّه.و أفاد ذلك التّشريع بوضعه في تشريع آخر مكمّل له،و هو التّوثّق له بالكتابة و الإشهاد».

2-و قال ابن عاشور أيضا:«و التّداين من أعظم أسباب رواج المعاملات،لأنّ المقتدر على تنمية المال قد يعوزه المال،فيضطرّ إلى التّداين،ليظهر مواهبه في التّجارة،أو الصّناعة،أو الزّراعة،و لأنّ المترفّه قد ينضب المال من بين يديه و له قبل به بعد حين،فإذا لم يتداين اختلّ نظام ماله،فشرّع اللّه تعالى للنّاس بقاء التّداين»،إلى آخر ما جاء في نصّه.

3-و قال أيضا:«و الخطاب موجّه للمؤمنين،أي لمجموعهم،و المقصود منه خصوص المتداينين،و الأخصّ بالخطاب هو المدين،لأنّ من حقّ عليه أن يجعل دائنه مطمئنّ البال على ماله.فعلى المستقرض أن يطلب الكتابة و إن لم يسألها الدّائن.و يؤخذ هذا ممّا حكاه اللّه في سورة القصص عن موسى و شعيب؛إذ استأجر شعيب موسى.فلمّا تراوضا على الإجارة و تعيين أجلها قال موسى: وَ اللّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ، فذلك إشهاد على نفسه لمؤاجره دون أن يسأله شعيب ذلك».

4-و قد خصّ ابن عبّاس الآية بالسّلم،و كان يقول:«أشهد أنّ اللّه أباح السّلم المضمون إلى أجل معلوم...».و لكنّهم أنكروا اختصاصها بالسّلم.قال ابن عطيّة:«معناه أنّ سلم أهل المدينة كان بسبب هذه الآية،ثمّ هي تتناول جميع المداينات إجماعا».

و قال الطّبرسيّ-بعد حكاية كلام ابن عبّاس-:

«و ظاهر الآية يقع على كلّ دين مؤجّل سلما كان أو غيره،و عليه المفسّرون و الفقهاء».

و ذكر الفخر الرّازيّ في الآية ثلاثة أقوال:

أحدها:قول ابن عبّاس،إنّها نزلت في السّلف، لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قدم المدينة و هم يسلفون في التّمر

ص: 477

السّنتين و الثّلاث،فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:«من أسلف فليسلف في كيل معلوم و وزن معلوم إلى أجل معلوم».

و ثانيها:أنّه القرض.و قال:«و هو ضعيف لما بيّنّا أنّ القرض لا يمكن أن يشترط فيه الأجل،و الدّين المذكور في الآية قد اشترط فيه الأجل».

و ثالثها:-و هو قول أكثر المفسّرين-أنّ البياعات على أربعة أوجه:

أحدها:بيع العين بالعين؛و ذلك ليس بمداينة البتّة.

و ثانيها:بيع الدّين بالدّين و هو باطل،فلا يكون باقيا تحت هذه الآية.

و ثالثها:بيع العين بالدّين،و هو ما إذا باع شيئا بثمن مؤجّل.

و رابعها:بيع الدّين بالعين،و هو المسمّى بالسّلم، و كلاهما داخلان تحت هذه الآية.فيظهر منهم جميعا أنّ الآية لا تختصّ بالسّلم.

5-و قال أيضا:«القرض غير الدّين،لأنّ القرض أن يقرض الإنسان دراهم،أو دنانير،أو حبّا، أو تمرا،أو ما أشبه ذلك،و لا يجوز فيه الأجل،و الدّين يجوز فيه الأجل».و قوله:إنّ«القرض ليس فيه أجل» قابل للمناقشة،فلاحظ.

6-قالوا في معنى تَدايَنْتُمْ: إذا تبايعتم بدين أو اشتريتم به،أو تعاطيتم أو أخذتم به.داينت الرّجل،إذا عاملته بدين:أخذت منه و أعطيته.داين بعضكم بعضا.فيه تأويلان:تجازيتم و تعاملتم.التّداين:تفاعل من الدّين،و معناه:تبايعتم بدين.تعاملتم و داين بعضكم بعضا،تفاعلتم بالدّين،و نحوها.

و حكى الفاضل المقداد عن الزّمخشريّ:«معناه إذا داين بعضكم بعضا،يقال:داينت الرّجل،إذا عاملته بدين».ثمّ قال:«و فيه نظر للفرق بين التّفاعل و المفاعلة،فإنّ الأوّل لازم و الثّاني متعدّ،تقول:

تضارب زيد و عمرو،و ضارب زيد عمروا،فلا يجوز تفسير أحدهما بالآخر».

7-فظهر أنّ«الدّين»مأخوذ في معنى تَدايَنْتُمْ فما هو وجه تقييده به في الآية؟

و أجابوا بأنّه للتّأكيد،مثل قوله: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38،أو لأنّ التّداين-كما يأتي بمعنى التّبايع بالدّين-قد يأتي بمعنى المجازاة،فقيّد بالدّين ليختصّ بالتّبايع و يرتفع الإبهام،أو قيّد به ليرجع إليه ضمير المفعول في: فَاكْتُبُوهُ إذ لولاه لقيل:«فاكتبوا الدّين»فلم يكن بذاك الحسن عند ذي الذّوق العارف بأساليب الكلام،أو للتّعميم أي أيّ دين كان صغيرا أو كبيرا،و على أيّ وجه كان من قرض و سلم،أو بيع عين إلى أجل.

هذه أربعة وجوه.و أضاف الفخر الرّازيّ وجها خامسا:«و هو أنّ المداينة مفاعلة،و ذلك إنّما يتناول بيع الدّين بالدّين و هو باطل،فلو قال: إِذا تَدايَنْتُمْ لبقي النّصّ مقصورا على بيع الدّين بالدّين و هو باطل،أمّا لمّا قال: إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ كان المعنى:

إذا تداينتم تداينا يحصل فيه دين واحد،و حينئذ يخرج عن النّصّ بيع الدّين بالدّين،و يبقى بيع العين بالدّين، أو بيع الدّين بالعين،فإنّ الحاصل في كلّ واحد منهما

ص: 478

دين واحد لا غير».

و احتمل الفاضل المقداد وجها سادسا،فقال:

«و يحتمل في الجواب أنّه لو لم يذكر«الدّين»و أعاد الضّمير-في فَاكْتُبُوهُ -إلى المصدر-و هو التّداين- لكان ينبغي أن يكتب المعاملة بالدّين،مع أنّه لا حاجة إلى كتابتها،بل يكتفي بكتابة الدّين،فلو باع نسيئة ليكتب المشتري للبائع الدّين إلى أجل معلوم، و لم يحتج إلى ذكر المبايعة».ثمّ قال:«و فيه أيضا نظر، لأنّ كتبة المعاملة بالدّين أحرز و أضبط لدفع الدّعوى بإنكار سبب الدّين».

و أضاف الآلوسيّ وجها سابعا؛حيث قال:

«و قيل:ذكر لأنّه أبين لتنويع الدّين إلى مؤجّل و حالّ،لما في التّنكير من الشّيوع و التّبعيض لما خصّ بالغاية،و لو لم يذكر لاحتمل أنّ الدّين لا يكون إلاّ كذلك».فنراهم اهتمّوا بالجواب عن هذا السّؤال بأكثر ممّا يحتاج إليه.

8-قال القرطبيّ:«و حقيقة الدّين عبارة عن كلّ معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا و الآخر في الذّمّة نسيئة،فإنّ العين عند العرب ما كان حاضرا،و الدّين ما كان غائبا».و استشهد بشعر.

9-و قد طرح الفخر الرّازيّ في الآية سؤالات و أجاب عنها:

ثانيها:ما مضى الكلام فيه تفصيلا من وجه تقييدها بقوله: «بِدَيْنٍ و أوّلها-و قد ظهر الجواب فيما سبق أيضا-أنّ المداينة مفاعلة،و حقيقتها أن يحصل من كلّ واحد منهما دين،و ذلك هو بيع الدّين بالدّين و هو باطل بالاتّفاق؟و الجواب:أنّ المراد من تَدايَنْتُمْ تعاملتم...».

و نقول: تَدايَنْتُمْ من باب التّفاعل دون المفاعلة، كما طرحه في السّؤال،فلا محلّ لهذا السّؤال أصلا.

و ثالثها:«أنّ المراد من الآية:كلّما تداينتم بدين فاكتبوه،و كلمة(اذا)لا تفيد العموم؟و الجواب:أنّ كلمة(اذا)و إن كانت لا تقتضي العموم،إلاّ أنّها لا تمنع من العموم،و هاهنا قام الدّليل على أنّ المراد هو العموم،لأنّه تعالى بيّن العلّة في الأمر بالكتبة في آخر الآية،و هو قوله: ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا البقرة:283...».

الآيتان(2 و 3)و هما من جملة آيات الإرث من سورة النّساء ابتداء من الآية:7: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ... إلى الآية:14، وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ. و قد قيّد التّوارث فيها بقوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ، أو تُوصُونَ بِها، أو يُوصِينَ بِها أربع مرّات، فكرّرت فيها كلمة دَيْنٍ 4 مرّات،و بهذه المناسبة طرح البحث فيها في هذه المادّة،و إلاّ فمحلّها الإرث.

و هذا بخلاف الآية(1)فإنّ موضوعها«الدّين»كما علمت.لاحظ:ورث:«يورث».

المحور الثّاني:الجزاء،آيتان:

4- أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَدِينُونَ

الصّافّات:53

5- فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ* تَرْجِعُونَها إِنْ

ص: 479

كُنْتُمْ صادِقِينَ الواقعة:86،87

جاء فيهما(مدينون)و مَدِينِينَ جمعا لمدين اسم مفعول،و أصله«مديون»من دان يدين دينا،أي جزاء،و الدّين:الجزاء،و يوم الدّين:يوم الجزاء.و قال ابن عاشور:«و الأكثر استعماله في الجزاء على السّوء» و قد سمّي يوم القيامة ب يَوْمِ الدِّينِ لأنّه يوم الجزاء.و يقال:«كما تدين تدان»أي كما تجزي تجزى،و فيهما بحوث:

1-قالوا في معنى: أَ إِنّا لَمَدِينُونَ لمجزيّون، لمحاسبون،لمسيسون،مربوبون،لمبعوثون و مجزيّون.

و المراد بها أنّ المنكر للبعث يقول لغيره:أ إنّك تعتقد أنّا مجزيّون بأعمالنا بعد الموت؟ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ* قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ* يَقُولُ أَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ* أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَدِينُونَ* قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ* فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ الصّافّات:50-.55

2-قال ابن عاشور:«جملة أَ إِنّا لَمَدِينُونَ جواب(اذا)،و قرنت بحرف التّوكيد للوجه الّذي علمته في قوله: أَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ». و قال قبله فيه:«و سلّط الاستفهام على حرف التّوكيد،لإفادة أنّه بلغه تأكّد إسلام قرينه،فجاء ينكر عليه ما تحقّق عنده،أي إنّ إنكاره إسلامه بعد تحقّق خبره،و لو لا أنّه تحقّقه لما ظنّ به ذلك،و المصدّق هو الموقن بالخبر».

و قال أبو السّعود:«فيكون التّعرّض لذكر موتهم و كونهم ترابا و عظاما حينئذ،لتأكيد إنكار الجزاء المبنيّ على إنكار البعث».

3-و قال ابن عاشور أيضا:«و قرأ الجميع عَلَّمْتَنا إِنَّكَ بهمزتين،و قرأ من عدا ابن عامر أَ إِذا مِتْنا بهمزتين و ابن عامر بهمزة واحدة و هي همزة(اذا)اكتفاء بهمزة أَ إِنّا لَمَدِينُونَ، في قراءته.و قرأ نافع(انّا لمدينون) بهمزة واحدة اكتفاء بالاستفهام الدّاخل على شرطها.

و قرأه الباقون بهمزتين».

4-و نظيرها معنى قوله في(5): فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ أي غير مجزيّين و لا مبعوثين.و الجملة تبدأ من: فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ* وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ* وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ* تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، أي فلو لا ترجعون الرّوح إلى الجسد إذا بلغت الحلقوم،فلو لا ترجعونها إن كنتم غير مدينين، أي غير مجزيّين في الآخرة،كما تقولون.ف(لو لا) الثّانية تكرار للأولى،و جوابهما تَرْجِعُونَها، و هي جواب الشّرطيّة،أي إن كنتم صادقين في أنّكم غير مجزين و غير مبعوثين في الآخرة بعد الموت في الدّنيا، فلم لا ترجعونها إلى الجسد؟و جملتي: وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ -إلى- لا تُبْصِرُونَ حال ل بَلَغَتِ.

المحور الثّالث:الدّين 91 آية،و هي أصناف:

أ-دين اللّه

6- وَ رَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْواجاً

النّصر:2

7- أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ... آل عمران:83

8- وَ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَهُ

ص: 480

اَلدِّينُ... النّحل:52

9- وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ

البقرة:193

10- وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

الأنفال:39

11- اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ النّور:2

الآية(6)لاحظ:ن ص ر:«نصر اللّه»،و:ف ت ح:

«الفتح».و:ف و ج:«افواجا».

الآية(7)هذه من جملة آيات السّورة خطابا لأهل الكتاب ابتداء من آل عمران:64: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ...

و تستمرّ الخطابات إليهم،و الحكاية عنهم،و عن انحرافهم عن الكتاب إلى الآية 80: وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. ثمّ ذكر في 81 و 82:أخذ الميثاق عن النّبيّين بالإيمان برسول جاءهم مصدّق لما معهم-و هو نبيّنا محمّد-صلّى اللّه عليه و آله و التّولّي عنه،ثمّ قال في الآية:83:

أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ...، ثمّ ذكر في 84: قُلْ آمَنّا بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ -و ذكر النّبيّين إلى وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ -ثمّ قال في 85:

وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.

و بذلك ظهر أنّ المراد ب دِينِ اللّهِ في 83، و ب اَلْإِسْلامِ في 85،هو دين الإسلام،كما ظهر أنّ هذه الآيات بصدد بيان وحدة دين اللّه الّذي أنزل على هؤلاء النّبيّين،و أنّه لا يجوز التّفريق بينهم،كما قال في 84: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، و فيها بحوث:

1-حكى الثّعلبيّ عن ابن عبّاس أنّها نزلت حين اختصم أهل الكتاب-من اليهود و النّصارى-إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم، و زعمت كلّ فرقة أنّها أولى به،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم»،فلم يرضوا بقضائه، و لم يؤمنوا به.

2-و الفاء في أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ للتّرتيب،أي أ فبعد تلك الآيات و بعد ما أخذ ميثاق النّبيّين بالإيمان بمحمّد تبغون غير دين اللّه؟

3-و قال الزّمخشريّ:«قدّم المفعول الّذي هو (غير دين الله)على فعله،لأنّه أهمّ،من حيث إنّ الإنكار الّذي هو معنى الهمزة متوجّه إلى المعبود بالباطل».

4-و قال الفخر الرّازيّ:«لما بيّن في الآية الأولى أنّ الإيمان بمحمّد عليه الصّلاة و السّلام شرع شرعه اللّه و أوجبه على جميع من مضى من الأنبياء و الأمم،لزم أنّ كلّ من كره ذلك فإنّه يكون طالبا دينا غير دين اللّه، فلهذا قال بعده: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ».

الآية(8): وَ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَهُ الدِّينُ واصِباً أَ فَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ لاحظ:و ق ي:

«تتّقون».

ص: 481

الآيتان(9 و 10)و صدرهما متّفق،إلاّ أنّ في(9):

وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ، و في(10): وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ. و القتال فيهما مع المشركين في مكّة،و جاء في الأولى حكم القتال معهم في الحرم،و في حال الإحرام مقيّدا باعتدائهم.

و الأولى من«سورة البقرة»و الثّانية من «الأنفال»،فالأولى نزلت قبل الثّانية،لأنّ سورة البقرة-كما هو المشهور-أوّل سورة مدنيّة-و إن كانت نزولها تدريجيّا،كما تحاكي مضامين آياتها- و الأنفال نزلت بعد غزوة بدر في السّنة الثّانية من الهجرة.لكنّ ابن عاشور جزم بسبق آية الأنفال نزولا، و لهذا أكّد اَلدِّينِ فيها ب كُلِّهِ لئلاّ يتوهّم الاقتناع بإسلام غالب المشركين،فلمّا تقرّر معنى العموم و صار نصّا من هذه الآية،عدل عن إعادته في آية البقرة تطلّبا للإيجاز.

و نقول:كما يجوز هذا يجوز نزول الأنفال بعد البقرة بتأكيد أكثر كما كرّرت تأكيدا.

و حكم القتال في الأولى بدأ من الآية 190، و استمر إلى 194: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ* فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ* اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.

و أمّا سورة الأنفال(الآيات:39-41)فكلّها راجع إلى القتال في غزوة بدر و ما يناسبه من الأحكام،و للآية علاقة بما قبلها و ما بعدها: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَ إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ* وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ. و فيهما بحوث:

1-قد حصر القتال فيهما ب حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ كأنّ المشركين في مكّة كانوا يفتنون في أمور المسلمين فضلا على قتالهم،و لهذا أجاز قتالهم فيها حتّى في حال الإحرام،فأمر اللّه المؤمنين بقتالهم دفعا لفتنتهم.و قد أكّد في الأولى بتشديد أمر الفتنة،و قال:

وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ.

2-و تخفيفا لقتالهم قد حدّد القتال في الأولى مرّة بقوله: فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. و في الثّانية مرّتين بقوله قبلها: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ، و بعدها: فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. كما أكّد عدم الاعتداء عليهم في آية البقرة مرّات،و خصّ قتالهم بالّذين يقاتلون المؤمنين مرّتين.و وعدهم بغفران ما سلف منهم في آية الأنفال ب إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ، و في البقرة ب فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. فسياق الآيتين الحذر و الاحتياط في

ص: 482

الابتداء بالقتال.

3-و قد فسّروا وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ب:حتّى يقال:لا إله إلاّ اللّه،عليها قاتل نبيّ اللّه،و إليها دعا.

لا يفتن مؤمن عن دينه و يكون التّوحيد للّه خالصا ليس له فيه شرك،و يخلع ما دونه من الأنداد.لا يكون مع دينكم كفر.تكون الطّاعة و العبادة كلّها للّه خالصة دون غيره.أن يجمع أهل الباطل و أهل الحقّ على الدّين الحقّ فيما يعتقدونه و يعملون به،فيكون الدّين كلّه حينئذ للّه بالإجماع على طاعته و عبادته.و الدّين هاهنا الطّاعة بالعبادة.يضمحلّ عنهم كلّ دين باطل، و يبقى فيهم دين الإسلام وحده.لا يشرك معه صنم و لا وثن،و لا يعبد غيره.تضمحلّ الأديان الباطلة إمّا بهلاك أهلها جميعا،أو برجوعهم عنها خشية القتل، و نحوها.و هي مع اختلافها لفظا،متّحدة معنى.

4-و الآيتان و إن نزلتا في مشركي مكّة إلاّ أنّ ما فيهما من دوام حكم القتال حتّى يكون الدّين كلّه للّه، و ذهب الباطل رأسا،يوجب التّعميم كما نصّ عليه أكثرهم.و لهم خلاف في حدوده و أمده.فقال الفخر الرّازيّ: «وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ في أرض مكّة و ما حواليها،لأنّ المقصود حصل هناك...

و لا يمكن حمله على جميع البلاد؛إذ لو كان ذلك مرادا لما بقي الكفر فيها مع حصول القتال الّذي أمر اللّه به.

و أمّا إذا كان المراد من الآية هو الثّاني-أي جميع البلاد-و هو قوله: قاتِلُوهُمْ لغرض أن يكون الدّين كلّه للّه،فعلى هذا التّقدير لم يمتنع حمله على إزالة الكفر عن جميع العالم،لأنّه ليس كلّ ما كان غرضا للإنسان فإنّه يحصل،فكان المراد الأمر بالقتال لحصول هذا الغرض سواء حصل في نفس الأمر أو لم يحصل»و لا تخلو هذه العبارة من إبهام.

و جاء في بعض الرّوايات أنّ الآية تتحقّق في زمن حضور المهديّ عليه السّلام.و قال الآلوسيّ:«قيل:لم يجئ تأويل هذه الآية بعد،و سيتحقّق مضمونها إذا ظهر المهديّ،فإنّه لا يبقى على ظهر الأرض مشرك أصلا، على ما روي عن أبي عبد اللّه رضي اللّه تعالى عنه»، و رواه الطّبرسيّ عن زرارة و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،و قد أنكره كعادته صاحب المنار.

و له كلام في معنى الآية،قال في«ج 9 ص 66»:

«و حتّى يكون الدّين كلّه للّه،لا يستطيع أحد أن يفتن أحدا عن دينه،ليكرهه على تركه إلى دين المكره له فيتقلّده تقيّة و نفاقا»،ثمّ قال:«إنّ المعنى بتعبير هذا العصر:و يكون الدّين حرّا،أي يكون النّاس أحرارا في الدّين لا يكره أحد على تركه إكراها،و لا يؤذي و يعذّب لأجله تعذيبا.و يدلّ على العموم قوله تعالى:

لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، البقرة:

256،و سبب نزول هذه الآية أنّ بعض الأنصار كان لهم أولاد تهوّدوا و تنصّروا منذ الصّغر،فأرادوا إكراههم على الإسلام فنزلت،فأمرهم النّبيّ بتخييرهم،لكنّ المسلمين إنّما يقاتلون لحرّيّة دينهم، و إن لم يكرهوا عليه أحدا من دونهم.و ما رضي اللّه و رسوله في معاهدة الحديبيّة بتلك الشّروط الثّقيلة الّتي اشترطها المشركون إلاّ لما فيها من الصّلح المانع من الفتنة في الدّين،لاختلاط المؤمنين بالمشركين

ص: 483

و إسماعهم القرآن...»،ثمّ قال:«هذا هو التّفسير المتبادر من اللّفظ بحسب اللّغة العربيّة و تاريخ ظهور الإسلام».و له بحث طويل في الفتوحات الإسلاميّة، فلاحظ.

و حكى ذيل آية البقرة«ج 1 ص 211»عن الأستاذ الإمام-الشّيخ محمّد عبده-في معنى الآية قوله:«أي حتّى لا تكون لهم قوّة يفتنونكم بها، و يؤذونكم لأجل الدّين،و يمنعونكم من إظهاره،أو الدّعوة إليه»،ثمّ قال:هو في تفسير: وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ أي يكون دين كلّ شخص خالصا للّه لا أثر لخشية غيره فيه،فلا يفتن بصدّه عنه و لا يؤذي فيه، و لا يحتاج فيه إلى الدّهان،و المداراة،و الاستخفاء،أو المحاباة...».

و أمّا الطّباطبائيّ فقال في آية الأنفال:«و قد ظهر بما يفيده السّياق أنّ الآية كناية عن تضعيفهم بالقتال حتّى لا يغترّوا بكفرهم،و لا يلقوا فتنة يفتتن بها المؤمنون،و يكون الدّين كلّه للّه،لا يدعو إلى خلافه أحد».

و قال ذيل آية البقرة«ج 2 ص 62»:«تحديد لأمد القتال.و الفتنة في لسان هذه الآيات هو الشّرك باتّخاذ الأصنام-كما كان يفعله و يكره عليه المشركون بمكّة-إلى أن قال:-«و في الآية دلالة على وجوب الدّعوة قبل القتال،فإن قبلت فلا قتال،و إن ردّت فلا ولاية إلاّ للّه،و نعم المولى و نعم النّصير...

و يظهر من هذا الّذي ذكرناه أنّ هذه الآية ليست بمنسوخة بقوله تعالى: ...مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ التّوبة:

29،بناء على أنّ دينهم للّه سبحانه و تعالى،و ذلك أنّ الآية: وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ خاصّة بالمشركين غير شاملة لأهل الكتاب...».

و قد حمل فضل اللّه الآيتين على أنّ الأمر للقتال، تضعيف كلّ القوى الكافرة المهيمنة على الفكر و العمل،فلاحظ.

و نقول للآيتين علاقة ماسّة بدوام حكم الجهاد و الدّفاع في الإسلام مع وجود الشّرائط،و لكن يظهر من بعض الرّوايات عن الصّحابة و التّابعين عدم الدّوام،فلاحظ النّصوص.

6-و للطّباطبائيّ كلام ذيل آية الأنفال في وجه تكرار(و ان انتهوا)في الآية،لاحظ:ن ه ي:

«انتهوا».

الآية(11): وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ لاحظ:ز ن ي:«الزّانية و الزّاني»،و:ر أ ف:«رأفة».

ب-الدّين الإسلام

12- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ...

آل عمران:19

13- وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ... آل عمران:85

14- ...اَلْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً...

المائدة:3

ص: 484

15- ...يا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ البقرة:132

و يلاحظ:أنّ أغلب المفسّرين وجّهوا كلمتي اَلدِّينَ و اَلْإِسْلامَ عن معناهما المعروف إلى الطّاعة و الشّرع،و نحوهما.و عندنا أنّ كلاّ منهما بمعناهما المعروف،ف اَلدِّينَ عبارة عن مجموعة من العقائد و العبادات و الواجبات و السّنن و اَلْإِسْلامَ هو ديننا الّذي أتى به نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله،لاحظ:س ل م:

«الاسلام».

ج-دين الحقّ

16- ...وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ... التّوبة:29

17 و 18 و 19- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ...

التّوبة:33،الفتح:28،الصّفّ:9

20- يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ...

النّور:25

و فيها بحوث:

ففي(16):

1-قالوا في معنى يَدِينُونَ: مجازه لا يطيعون طاعة الحقّ،لا يطيعون و يمتثلون،لا يعترفون بالإسلام الّذي هو الدّين الحقّ،لا يأخذوه دينا و سنّة حيويّة لأنفسهم،لا يعتقدون في صحّة دين الإسلام،و نحوها.

و هو من دان الرّجل يدين كذا،إذا التزمه و اتّخذه دينا.

2-قال الطّوسيّ قوله: «وَ لا يَدِينُونَ دِينَ اَلْحَقِّ يدلّ على أنّ دين اليهوديّة و النّصرانيّة غير دين الحقّ...فإنّما وصف بأنّه غير حقّ لأمرين:

أحدهما:أنّها نسخت فالعمل بها بعد النّسخ باطل غير حقّ.

الثّاني:أنّ التّوراة الّتي هي معهم مغيّرة مبدّلة، لقوله، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ النّساء:.46

3-قال الآلوسيّ في دِينَ الْحَقِّ: «أي الدّين الثّابت،فالإضافة من إضافة الموصوف إلى الصّفة، و المراد به:دين الإسلام الّذي لا ينسخ بدين كما نسخ كلّ دين به».

و قال الطّباطبائيّ:«و إضافة الدّين إلى الحقّ ليست من إضافة الموصوف إلى صفته،على أن يكون المراد:الدّين الّذي هو حقّ،بل من الإضافة الحقيقيّة، و المراد به:الدّين الّذي هو منسوب إلى الحقّ،لكون الحقّ هو الّذي يقتضيه للإنسان و يبعثه إليه،و كون هذا الدّين يهدي إلى الحقّ و يصل متّبعيه إليه،فهو من قبيل قولنا:طريق الحقّ و طريق الضّلال،بمعنى الطّريق الّذي هو للحقّ،و الطّريق الّذي هو للضّلال،أي إنّ غايته الحقّ أو غايته الضّلال...

و ذلك أنّ المستفاد من مثل قوله تعالى:-و ذكر آيات-أنّ لهذا الدّين أصلا في الكون و الخلقة و الواقع الحقّ...».

4-و قد بحث المراغيّ و ابن عاشور في وجه بطلان دين اليهود و النّصارى،فلاحظ.

و في الآيات(17-20)بحوث:

1-قالوا:دين الحقّ:الإسلام و ما تضمّنه من

ص: 485

الشّرائع،و الحقّ أي الثّابت.

2-و«اللاّم»في اَلدِّينِ للجنس،أي ليظهره على سائر الأديان مهما كان.

3-قال ابن عاشور:«و عبّر عن الإسلام:

بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ تنويها بفضله،و تعريضا بأنّ ما هم عليه ليس بهدى و لا حقّ».

و قال الطّباطبائيّ:«و المعنى:أنّ اللّه هو الّذي أرسل رسوله-و هو محمّد صلّى اللّه عليه و آله-مع الهداية-أو الآيات و البيّنات و دين فطريّ-ليظهر و ينصر دينه الّذي هو دين الحقّ على كلّ الأديان».

و قال المكارم:«المقصود من(الهدى)هو الدّلائل الواضحة،و البراهين اللاّئحة الجليّة الّتي وجدت في الدّين الإسلاميّ.

و أمّا المراد من دِينَ الْحَقِّ فهو هذا الدّين الّذي أصوله حقّة و فروعه حقّة أيضا...و لا شكّ أنّ الدّين الّذي محتواه حقّ،و دلائله و براهينه حقّة،و تأريخه حقّ جليّ،لا بدّ أن يظهر على جميع الأديان-إلى أن قال-هذا التّعبير الوارد في الآية محلّ البحث أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ بمثابة الدّليل على انتصار الإسلام و ظهوره على جميع الأديان...»،ثمّ حكى ما جاء عن أحد علماء الهند كيف علم أنّ الإسلام حقّ،فلاحظ.و لاحظ:ف ط ر:«فطرة اللّه».

و:ه د ي:«الهدى».و:ظ ه ر:«ليظهره».

د-الدّين القيّم

21- ...ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ... التّوبة:36

22 و 23- ...أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ

الرّوم:30،يوسف:40

24- فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ الرّوم:43

25- وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ البيّنة:5

26- قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً... الأنعام:161

و فيها بحوث:

1-فسروا(الدين القيم -دينا قيما-دين القيمة) بدين الإسلام.

2-جاء في تفسير الآية(25): وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ أنّها في قراءة عبد اللّه(ذلك الدّين القيّمة) بالتّوصيف،و القراءة المعروفة: ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ بالإضافة.قال الفرّاء فيها:«و هو ممّا يضاف إلى نفسه لاختلاف لفظيه».و الظّاهر أنّه من قبيل إضافة الموصوف إلى الصّفة،لأنّ اَلْقَيِّمَةِ كالصّفة للدّين، و ليس نفس الدّين.كما قال أبو عبيدة:«أضاف الدّين إلى مؤنّث».و قال الزّجّاج و غيره:«أي ذلك دين الأمّة القيّمة بالحقّ».

و قال الثّعلبيّ: «دِينُ الْقَيِّمَةِ: المستقيمة،فأضاف الدّين إلى القيّمة،و هو أمر فيه اختلاف اللّفظين، و أنّث اَلْقَيِّمَةِ، لأنّه رجع بها إلى الملّة و الشّريعة،

ص: 486

و قيل:الهاء فيه للمبالغة».

و ذكر الماورديّ هذه الوجوه،ثمّ قال:«و يحتمل رابعا:و ذلك دين من قام للّه بحقّه».

و قال الميبديّ:«أضاف«الدّين»إلى اَلْقَيِّمَةِ و هي نعته،لاختلاف اللّفظين،و العرب تضيف الشّيء إلى نعته كثيرا.و تجد هذا في القرآن في مواضع:منها قوله: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ يوسف:109،و قال في موضع: وَ لَلدّارُ الْآخِرَةُ الأنعام:32،لأنّ الدّار هي الآخرة.و تقول:دخلت مسجد الجامع و مسجد الحرام،و أدخلك اللّه جنّة الفردوس.هذا و أمثاله.

و أنّث اَلْقَيِّمَةِ لأنّ الآيات هائيّة،فردّ«الدّين» إلى«الملّة».

و قال ابن عطيّة:«و قرأ الجمهور وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ على معنى الجماعة القيّمة أو الفرقة القيّمة».

و قال الآلوسيّ:«أي الكتب القيّمة ف«أل» للعهد إشارة إلى ما تقدّم في قوله تعالى: فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ البيّنة:3،و إليه ذهب محمّد بن الأشعث الطّالقانيّ.و قيل:أي الحجج القيّمة».و قد أطالوا الكلام في هذه الإضافة،فلاحظ.

3-و قد نبّه الفخر الرّازيّ على أنّ من قال:الإيمان عبارة عن مجموع القول و الاعتقاد و العمل،احتجّ بهذه الآية.فقال:مجموع القول،و الفعل،و العمل هو الدّين،و الدّين هو الإسلام،و الإسلام هو الإيمان.و قد أطال البحث في ذلك،فلاحظ.لاحظ:ق و م:«القيّم» و«القيّمة».

ه-الدّين الحنيف و لا حرج في الدّين

27- وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يونس:105

28- وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ... الحجّ:78

لاحظ:ح ن ف:«حنيفا»،و:ح ر ج:«من حرج».

و-إخلاص الدّين للّه

29- قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ الأعراف:29

30- ...وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ... يونس:22

31 و 32- إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ* أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ...

الزّمر:2،3

33- قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ الزّمر:11

34- فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ المؤمن:14

35- إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً النّساء:146

36- قُلِ اللّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي الزّمر:14

37- فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ

ص: 487

اَلدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ

العنكبوت:65

38- وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ لقمان:32

و أيضا الآية رقم(25)لاحظ:خ ل ص:

«مخلصين».

ز-ما ندب إليه من الأمر بشأن الدّين

39- وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ الأنفال:72

40- وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ التّوبة:122

41- فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

التّوبة:11

42- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ الشّورى:13

43- أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ... الشّورى:21

لاحظ تفسير هذه الآيات حسب ترتيبها في هذه الموادّ:ن ص ر:«استنصروكم»،ف ق ه:«يتفقّهوا»، أ خ و:«فاخوانكم»،ش رع:«شرع و شرعوا»،ق ي م:

«اقيموا»،ف ر ق:«لا تتفرّقوا».

ح-التّحذير عن أمور بشأن الدّين:

الإكراه

44- لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ... البقرة:256

45- لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ الكافرون:6

الغلوّ

46- يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ... النّساء:171

47- قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ... المائدة:77

التّكذيب

48- كَلاّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ الانفطار:9

49- فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ التّين:7

50- أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ الماعون:1

الشّكّ

51- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ.مِنْ دُونِ اللّهِ يونس:104

الارتداد

52- ...وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ...

البقرة:217

53- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ...

المائدة:54

ص: 488

الطّعن

54- ...وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَ راعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ طَعْناً فِي الدِّينِ...

النّساء:46

55- وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ... التّوبة:12

القتال في الدّين

56 و 57- لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ الممتحنة:8،9

58- ...وَ لا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا... البقرة:217

اتّخاذ الدّين هزوا و لعبا

59- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَ لَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ الْكُفّارَ أَوْلِياءَ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

المائدة:57

60- وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا... الأنعام:70

61- اَلَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا... الأعراف:51

تبديل الدّين

62- ...إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ المؤمن:26

الغرّ و اللّبس في الدّين

63- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُوداتٍ وَ غَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ

آل عمران:24

64- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ... الأنفال:49

65- ...لِيُرْدُوهُمْ وَ لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ...

الأنعام:137

تفريق الدّين

66- إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ... الأنعام:159

67- مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً...

الرّوم:32

تعليم اللّه بدينهم

68- قُلْ أَ تُعَلِّمُونَ اللّهَ بِدِينِكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ... الحجرات:16

لاحظ تفسيرها في موادّ عناوينها.

ط-يوم الدّين

69- اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

الفاتحة:3 و 4

70- وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ

الحجر:35

71- وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ الشّعراء:82

ص: 489

72- وَ قالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ

الصّافّات:20

73- وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ ص:78

74- يَسْئَلُونَ أَيّانَ يَوْمُ الدِّينِ الذّاريات:12

75- هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ الواقعة:56

76- وَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ

المعارج:26

77- وَ كُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ المدّثّر:46

78- وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ* يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ الانفطار:14 و 15

79- اَلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ المطفّفين:11

لاحظ تفسيرها في:ي و م:«يوم الدّين»،و المراد ب يَوْمِ الدِّينِ في جميع الآيات:يوم الحساب،أو يوم الجزاء،و هو يوم القيامة.و سبب تسميته بهذا الاسم أنّ يوم القيامة هو وقت جزاء الأعمال،و الجزاء أبرز مظاهر القيامة.لاحظ النّصوص هنا،و في«ي و م».

و يلاحظ ثانيا:أنّ حوالي 32 آية منها مدنيّة، و أكثرها تشريع أو ما يناسب التّشريع،و الباقي مكّيّة و عقيدة،و أكثرها يناسب البعث و المعاد،فلاحظ.

ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الدّين

القرض: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً...

البقرة:245

الغرم: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ... التّوبة:60

الدّين:

الشّريعة: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الجاثية:18

الملّة: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ البقرة:130

الحساب: وَ قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ ص:16

الجزاء: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ السّجدة:17

الثّواب: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ

آل عمران:145

الحرث: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ الشّورى:20

ص: 490

حرف الذّال

اشارة

و فيه 22 لفظا

ذ ء ب

ذ ء م

ذ ب ب

ذ ب ح

ذ خ ر

ذ ر أ

ذ ر ر

ذ ر ع

ذ ر و

ذ ع ن

ذ ق ن

ذ ك ر

ذ ك ي

ذ ل ل

ذ م م

ذ ن ب

ذ ه ب

ذ ه ب

ذ ه ل

ذ و

ذ و د

ذ و ق

ذ ي ع

ص: 491

ص: 492

ذ ء ب

اشارة

الذّئب

لفظ واحد،3 مرّات،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الكلبيّ:التّذئيب:الأسر على رءوس الأقتاب بالقدّ.(أبو عمرو الشّيبانيّ 1:280)

الخليل:الذّئب:كلب البرّ،و الأنثى:ذئبة.

و الذّئبة من القتب و الإكاف و نحوه:ما تحت مقدّم ملتقى الحنوين،و هو الّذي يعضّ على منسج الدّابّة.

و المذءوب:هو الّذي وقع الذّئب في غنمه، و كذلك إذا أفزعته الذّئاب.

و الصّانع يذأب القتب،إذا أجاد صنعته.

و يقال للّذي أفزعته الجنّ:تذأّبته و تذعّنته، و كذلك تذأّبته الرّيح،أي تناولته من كلّ جانب.

و الذّؤابة:ذؤابة مضفورة من شعر،و كذلك موضعها من الرّأس،و كذلك ذؤابة العزّ و الشّرف، و الجميع:الذّوائب،و القياس الذّءائب مثل:دعابة و دعائب،و لكنّه لمّا التقت همزتان لم تكن بينهما إلاّ ألف ليّنة،ليّنوا الأولى منهما،لأنّ العرب تستثقل التقاء همزتين في كلمة واحدة.

و الذّئب يتذأّب الإنسان،أي يختله،و الرّيح تتذأّبه:تتصرّف عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

الذّئبة:داء يأخذ الدّابّة؛يقال:برذون مذءوب.

و أرض مذأبة:كثيرة الذّئاب.(8:201)

أبو عمرو الشّيبانيّ:قال المزنيّ:الذّئبان:عرف الجمل و النّاقة،شعر في عنق البعير.(1:280)

ذأّبت الغلام:جعلت له ذؤابة.

الإذآب:الانهزام؛تقول:قد أذأب منك.[ثمّ استشهد بشعر](1:281)

قال أبو الجرّاح:المذءوب:الفرق من الذّئب.

(1:282)

ص: 493

و قال له ذأب:أي خبث.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:283)

أذأب الرّجل،فهو مذئب،إذا فزع.

(الأزهريّ 15:22)

الذّئبان:الشّعر على عنق البعير و مشفره.

(الجوهريّ 1:125)

الفرّاء:الذّئبان:بقيّة الوبر،و هو واحد.

(الجوهريّ 1:125)

أبو زيد:تذأّب النّاقة،و تذأّب لها،و هو أن يستخفي لها إذا عطفها على غير ولدها،متشبّها لها بالسّبع،لتكون أرأم عليه من ولدها الّذي تعطف عليه.

ذؤابة الرّأس:هي الّتي أحاطت بالدّوّارة من الشّعر.

و غلام مذأّب:له ذؤابة.

و ذؤبان العرب:الّذين يتصعلكون و يتلصّصون.

(الأزهريّ 15:23)

ذؤب الرّجل بالضّمّ يذؤب ذءابة:صار كالذّئب خبثا و دهاء.

و ذئب الرّجل على«فعل»،فهو مذءوب،أي وقع الذّئب في غنمه.(الجوهريّ 1:125)

الأصمعيّ:يقال:غرب ذأب،على مثال«فعل» و لا أراه أخذ إلاّ من تذؤّب الرّيح،و هو اختلافها، فشبّه اختلاف البعير في المنحاة بها.

الذّئبة:فرجة ما بين دفّتي الرّحل و السّرج و الغبيط،أيّ ذلك كان.

و قتب مذأّب،و غبيط مذأّب،إذا جعل له فرجة.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:23)

اللّحيانيّ:ذأب الرّجل:طرده كذأمه.

(ابن سيده 10:102)

أبو عبيد:المتذئّبة،و المتذائبة،بوزن«متفعّلة» و«متفاعلة»،من الرّياح:الّتي تجيء من هاهنا مرّة و من هاهنا مرّة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:23)

ابن الأعرابيّ:ذئب الرّحل:أحناؤه من مقدّمه، و ذأّب الرّحل:عمل له ذئبة.(ابن سيده 10:102)

ابن السّكّيت:ذأنته و ذأبته ذأنا و ذأبا،و هو الذّأن و الذّأب.(265)

و الإذآب:الفرار.(310)

و قد تذاءبت الرّيح و تذأّبت،إذا جاءت مرّة من هاهنا،و مرّة من هاهنا،و أصله من الذّئب إذا حذر من وجه جاء من وجه آخر.(إصلاح المنطق:144)

تقول:هذا غلام مذأّب و مذأب،أي له ذؤابة.

(إصلاح المنطق:146)

و هو الذّئب،و الجمع القليل:أذؤب،و الكثير:

الذّئاب،و هم ذؤبان العرب،للخبثاء الّذين يتلصّصون.(إصلاح المنطق:147)

ذأمته و ذأبته،إذا طردته و حقّرته.(الإبدال:75)

الجاحظ:يقال:أرض مذبّة من الذّباب،و مذأبة، من الذّئاب.(6:134)

المبرّد:و قوله:[قول الشّاعر]:ذي الذّئب يعني الفضول الّتي وسعته و أسبغته.يقال:غبيط مذأّب،أي

ص: 494

ذو ذئب،أي موسّع.(2:62)

يقال:تذاءبت الرّياح و تناوحت،أي تقابلت.

(2:66)

ثعلب:الذّئب:مأخوذ من:تذاءبت الرّيح،إذا جاءت من كلّ وجه،و الذّئب مهموز،لأنّه يجيء من كلّ وجه.(القرطبيّ 9:140)

كراع النّمل:و الذّأب:الذّمّ.

و الذّأب:صوت شديد.(ابن سيده 10:100)

ابن دريد:بعل و بقر و بحر و ذئب،إذا فزع من الذّئب.(1:254)

يقال:خرق بالشّيء،و بعل به،و ذهب به،و بقر به،و ذئب به:كلّه واحد،إذا تحيّر.(2:331)

و ذؤاب:اسم.

و تذأّبت الرّيح تذؤّبا،إذا تحرّكت.و الذّؤابة من ذا اشتقاقها،لأنّها تنوس و تتحرّك،و الجمع:ذائب، مثل ذعائب لمن همز،و لمن لم يهمز قال:ذوائب،و إنّما ترك همز الذّوائب لعلّة يعرفها النّحويّون،لأنّه ثقل عليهم،فقلبوا إحدى الهمزتين واوا.

و الذّئب:معروف،مهموز،و الجمع:أذؤب و ذئاب و ذؤبان.

و ذؤيب:اسم.

و بنو الذّئب:بطن من العرب من الأزد،منهم:

سطيح الكاهن من الأزد.[ثمّ استشهد بشعر](3:202)

و ذؤب الرّجل يذؤب ذءابة،إذا صار كالذّئب خبثا و دهاء.

و اشتقاق الذّؤابة من التّذاؤب،و هو كثرة الحركة.

و الذّئب مهموز في بعض اللّغات.(3:281)

الأزهريّ:الذّئب مهموز في الأصل،و الجمع:

أذؤب،و ذئاب،و ذؤبان.[و حكى قول أبي عمرو ثمّ قال:]

و قال غيره:ذأبت فلانا ذأبا،و ذأمته ذأما،إذا حقّرته،و منه:قول اللّه عزّ و جلّ: مَذْؤُماً مَدْحُوراً الأعراف:18.[و حكى قول الأصمعيّ ثمّ قال:]

و قال غيره:من أدواء الخيل:الذّئبة،و قد ذئب الفرس،فهو مذءوب،إذا أصابه هذا الدّاء،و ينقب عنه بحديدة في أصل أذنه،فيستخرج منه غدد صغار بيض أصغر من لبّ الجاورس.

و يقال:هم ذؤابة قومهم،أي أشرافهم.

و ذؤابة النّعل:المتعلّق من القبال.

و ذؤابة السّيف:علاقة قائمه.

و ذؤب الرّجل يذؤب:إذا خبث،كأنّه صار ذئبا.

و استذأب النّقد:صار كالذّئب،يضرب مثلا للذّلاّن،إذا علوا الأعزّة.

و أرض مذأبة:كثيرة الذّئاب،كقولهم:أرض مأسدة،من الأسد.

و يقال للمرأة الّتي تسوّي مركبها:ما أحسن ما ذأبته![ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للّذي أفزعته الجنّ:تذأّبته،و تذعّبته.

ابن بزرج:ذئب الرّجل،إذا أصابه الذّئب.

و ذأبت الشّيء:جمعته.(15:22)

الصّاحب:الذّئب:معروف،و الأنثى ذئبة، و أرض مذأبة:كثيرة الذّئاب.

ص: 495

و المذءوب:الّذي وقع الذّئب في غنمه،و إذا أفزعته الذّئاب.

و الذّئب:الخوف و الفزع،و المذءوب:المذعور.

و الإذءاب:الفرار.

و ذؤب الرّجل:صار كالذّئب خبثا.

و أذأبت الأرض:كثر ذئابها.

و الذّؤبان:جمع الذّئب.

و ذؤبان العرب:صعاليكهم.

و تذاءبت للنّاقة،و هو أن تستخفي لها إذا ظأرتها فتشبّهت لها بالذّئب ليكون أرأم لها.

و الذّئبة من القتب و الإكاف:تحت مقدّم ملتقى الحنوين،و جمعها:ذئب.

و ما أحسن ما ذأبه!إذا أجاد صنعته.

و يقال للسّنة الشّديدة:سنة ذئب و سنة ضبع.

و رماه اللّه بداء الذّئب،أي الجوع.

و هو أخفّ رأسا من الذّئب،و أكسب من الذّئب.

و الذّئبة:داء يأخذ الدّابّة؛برذون مذءوب.

و تذأّبته الجنّ:أفزعته.

و تذاءبته الرّيح:تداولته من كلّ جانب.

و ذأبته ذأبا،أي سقته سوقا شديدا،و هو الزّجر، و الصّوت الشّديد،و الرّعب،و الطّرد،و حاد ذو ذأب.

و تذأّب القوم:تفرّقوا.

و ذأبته:حقرته،و ضربته،فهو مذءوب.

و الذّؤابة:مضفورة من شعر،و كذلك ذؤابة العزّ و الشّرف،و الجميع:الذّوائب،و القياس ذائب.

و يقال للعناصي:الذّؤبان،و هي البقايا من أصول الشّعر،و كذلك الذّئبان.

و الذّئبان:الوبر على المنكبين و عنق البعير و مشفره.

و التّذؤّب:النّوسان و الاضطراب.

و ذؤابة النّعل:ما أصاب الأرض من المرسل على القدم.

و ذؤابة السّيف:ما تعلّق من قائمه.

و غلام مذأّب:له ذؤابة.

و جاءنا و قد فتلت ذؤابته،أي أزيل عن رأيه، و يقال في التّهدّد أيضا.

و الذّأب:كهيئة الثّآليل في داخل الشّقشقة.

و هو سريع ذئب:بمعنى واحد.

و الأذيب:النّشاط،و الفزع أيضا.

و الذّئبان:كوكبان أبيضان بين العوائذ و الفرقدين،و قدّامهما كواكب صغار تسمّى أظفار الذّئب.

و دارة الذّؤيب:لبني الأضبط بن كلاب،و هما دارتان.

و الذّؤيبان:ماءان لهم.(10:107)

الجوهريّ:الذّئب يهمز و لا يهمز،و أصله:الهمز، و الأنثى ذئبة،و جمع القليل أذؤب،و الكثير ذئاب و ذؤبان.و ذؤبان العرب أيضا:صعاليكها الّذين يتلصّصون.

و أرض مذأبة،أي ذات ذئاب.

و الذّئبة:فرجة ما بين دفّتي السّرج و الرّحل،تحت ملتقى الحنوين،و هو يقع على المنسج.و ذأبه،أي

ص: 496

طرده و حقره.و ذأبت الإبل ذأبا:سقتها.

و أذأب الرّجل:فزع.

و تذأّبت الرّيح و تذاءبت بمعنى،أي اختلفت و جاءت مرّة كذا و مرّة كذا.

قال الأصمعيّ:أخذ من فعل الذّئب،لأنّه يأتي كذلك.

و تذاءبت النّاقة،على«تفاعلت»،أي ظأرتها على ولدها،و ذلك أن يلبس لها لباسا يتشبّه بالذّئب و يهوّل لها،لتكون أرأم عليه.

و الذّؤابة:من الشّعر،و الجمع:الذّوائب،و كان الأصل ذائب،لأنّ الألف الّتي في ذؤابة كالألف الّتي في رسالة،حقّها أن تبدل منها همزة في الجمع،و لكنّهم استثقلوا أن تقع ألف بين الهمزتين،فأبدلوا من الأولى واوا.

و الذّؤابة أيضا:الجلدة الّتي تعلّق على آخرة الرّحل؛يقال غبيط مذأّب.

و غلام مذأّب:له ذؤابة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:125)

ابن فارس:الذّال و الهمزة و الباء أصل واحد يدلّ على قلّة استقرار،و ألاّ يكون للشّيء في حركته جهة واحدة من ذلك الذّئب،سمّي بذلك لتذؤّبه من غير جهة واحدة.

و يقال:ذئب الرّجل،إذا وقع في غنمه الذّئب.

و يقال:تذأّبت الرّيح:أتت من كلّ جانب.

و أرض مذأبة:كثيرة الذّئاب.

و ذؤب الرّجل،إذا صار ذئبا خبيثا.

و جمع الذّئب أذؤب و ذئاب و ذؤبان.

و يقال:تذاءبت النّاقة تذاؤبا،على«تفاعلت»، إذا ظأرتها على ولدها فتشبّهت لها بالذّئب،ليكون أرأم لها عليه.

و قال قوم:الإذآب:الفرار.[ثمّ استشهد بشعر]

هذا أصل الباب،ثمّ يشبّه الشّيء بالذّئب،فالذّئبة من القتب:ما تحت ملتقى الحنوين،و هو يقع على المنسج.(2:368)

ابن سيده:الذّئب:كلب البرّ،و الجمع:أذؤب و ذئاب و ذؤبان،و الأنثى ذئبة،و أرض مذأبة:كثيرة الذّئاب؛قال أبو عليّ في التّذكرة:و ناس من قيس يقولون:مذيبة فلا يهمزون،و تعليل ذلك أنّه خفّف الذّيب تخفيفا بدليّا صحيحا،فجاءت الهمزة ياء،فلزم ذلك عنده في تصريف الكلمة.

و رجل مذءوب،وقع الذّئب في غنمه.

و ذؤبان العرب:لصوصهم.

و ذئاب الغضى:بنو كعب بن مالك بن حنظلة، سمّوا بذلك لخبثهم.

و ذؤب الرّجل ذءابة و ذئب و تذأّب:خبث و صار كالذّئب خبثا و دهاء.

و تذأّب للنّاقة و تذاءب لها:و هو أن يستخفي لها إذا عطفها على ولد غيرها،فيتشبّه لها بالسّبع،ليكون أرأم لها عليه،هذا تعبير أبي عبيد،و أحسن منه أن تقول:فيتشبّه لها بالذّئب،ليتبيّن الاشتقاق.

و تذاءبت الرّيح و تذأّبت:جاءت من هنا و هنا في ضعف؛شبّهت بالذّئب،و تذأّبته و تذاءبته:تداولته،

ص: 497

و أصله:من الذّئب،إذا حذر من وجه جاء من آخر.

و غرب ذأب:مختلف به؛قال أبو عبيدة:قال الأصمعيّ:و لا أراه أخذ إلاّ من تذؤّب الرّيح،و هو اختلافها،فشبّه اختلاف البعير في المنحاة بها.

و قيل:غرب ذأب:كثير الحركة بالصّعود و النّزول.

و ذئب الرّجل:فزع من الذّئب،و ذئب الرّجل:

فزع من الذّئب و ذأّبته:فزّعته،و ذئب و أذأب:فزع من أيّ شيء كان.

و بنو الذّئب:بطن من الأزد،منهم سطيح الكاهن.

و ابن الذّئبة الثّقفيّ:من شعرائهم.

و دارة الذّئب:موضع.

و الذّؤابة:النّاصية،لنوسانها.

و قيل:الذّؤابة:منبت النّاصية من الرّأس.

و ذؤابة النّعل:ما أصاب الأرض من المرسل على القدم لتحرّكه.

و ذؤابة كلّ شيء:أعلاه،و جمعها:ذؤاب.

و الذّؤابة:الجلدة المعلّقة على آخرة الرّحل.

و ذؤابة العزّ و الشّرف:أرفعه،على المثل،و الجمع من ذلك كلّه:ذوائب.

و هو في ذؤابة قومه،أي في أعلاهم،أخذ من ذؤابة الرّأس،و استعار بعض الشّعراء الذّوائب للنّخل.

و الذّئبة من الرّحل و القتب و الإكاف و نحوها:ما تحت مقدّم ملتقى الحنوين و هو الّذي يعضّ على منسج الدّابّة.

و قيل:الذّئبة:فرجة ما بين دفّتي الرّحل و السّرج و الغبيط،أيّ ذلك كان.

و الذّئبة:داء يأخذ الدّوابّ في حلوقها؛يقال:

برذون مذءوب.

و ذأب الإبل يذأبها ذأبا:ساقها.

و ذأبه ذأبا:حقره و طرده.

و ذؤاب و ذؤيب:اسمان.

و ذؤيبة:قبيلة من هذيل.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](10:100)

الطّوسيّ:و الذّئب:سبع معروف،و اشتقاقه من:

تذاءبت الرّيح،إذا جاءت من كلّ جهة،فالذّئب يختل بالحيلة من كلّ وجه.(6:108)

الرّاغب:الذّيب:الحيوان المعروف،و أصله الهمز؛قال تعالى: فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ يوسف:17.

و أرض مذأبة:كثيرة الذّئاب.

و ذئب فلان:وقع في غنمه الذّئب.

و ذئب:صار كذئب في خبثه.

و تذاءبت الرّيح:أتت من كلّ جانب مجيء الذّئب.

و تذاءبت للنّاقة على«تفاعلت»:إذا تشبّهت لها بالذّئب في الهيئة لتظأر على ولدها.

و الذّئبة من القتب:ما تحت ملتقى الحنوين، تشبيها بالذّئب في الهيئة.(183)

الزّمخشريّ:رجل مذءوب:فزّعته الذّئاب،أو وقع في غنمه الذّئب،و قد ذئب فلان.

و أرض مذأبة،و أذأبت الأرض.

و سرج واسع الذّئبة،و سروج واسعة الذّئب:

ص: 498

و هي ما بين الجديّتين من الفرجة.

و لها ذؤابة و ذوائب:و هي الشّعر المنسدل من وسط الرّأس إلى الظّهر.

و غلام مذأّب:له ذؤابة.

و من المجاز:هو ذئب في ثلّة،و هم أذؤب و ذئاب، و هم من ذؤبان العرب:من صعاليكهم و شطّارهم.

و قد ذؤب فلان ذءابة:خبث كالذّئب.

و أكلتهم الضّبع،و أكلهم الذّئب،أي السّنة.، و أصابتهم سنة ضبع و سنة ذئب،على الوصف.

و ذأبته:مثل سبعته.

و تذأّبته الجنّ:فزّعته.

و تذأّبته الرّيح:أتته من كلّ جانب فعل الذّئب، إذا حذر من وجه جاء من وجه آخر.

و يقال:تذاءبته،نحو تكأّدته و تكاءدته.

و هم ذؤابة قومهم و ذوائبهم.

و فلان من الذّنائب لا من الذّوائب،و نار ساطعة الذّوائب.

و علوت ذؤابة الجبل أو ذؤاب الجبل.

و يقال في التّهديد:لأقرعنّ مروّتك،و لأفتلنّ في ذؤابتك.

و جاء فلان و قد فتلت ذؤابته،إذا أزيل عن رأيه.

و أقرّ لي بحقّي حتّى نفث فلان في ذؤابته فأفسده.و في قائم سيفه ذؤابة تذبذب،و هي علاقته،سير فيه.

و لشراك نعله ذؤابة:و هي ما أصاب الأرض من المرسل على القدم.

و لكوره ذؤابة و هي عذبته:جلدة معلّقة خلف الآخرة من أعلاها.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات]

(أساس البلاغة:140)

المدينيّ:في حديث دغفل النّسّابة مع أبي بكر رضي اللّه عنه:«إنّك لست من ذوائب قريش».

ذؤابة الجبل:أعلاه،و الذّؤابة:المضفور من شعر الرّأس،ثمّ استعير للعزّ و الشّرف و المرتبة،أي لست من أشرافهم و ذوي أقدارهم.

و في الأمثال:«فتلت ذؤابته»،أي أزيل عن رأيه.

(1:689)

ابن الأثير:و في حديث عليّ رضي اللّه عنه:

«خرج منكم إليّ جنيد متذائب ضعيف»:المتذائب:

المضطرب،من قولهم:تذاءبت الرّيح،أي اضطرب هبوبها.(2:151)

القرطبيّ:الذّئب:مأخوذ من:تذاءبت الرّيح،إذا جاءت من كلّ وجه،كذا قال أحمد بن يحيى؛قال:

و الذّئب مهموز،لأنّه يجيء من كلّ وجه.(9:140)

الفيّوميّ:الذّؤابة بالضّمّ مهموز:الضّفيرة من الشّعر إذا كانت مرسلة،فإن كانت ملويّة فهي عقيصة.

و الذّؤابة أيضا:طرف العمامة.

و الذّؤابة:طرف السّوط،و الجمع:الذّؤابات على لفظها،و الذّوائب أيضا.(1:211)

الدّميريّ:الذّئب يهمز و لا يهمز و أصله الهمزة، و الأنثى ذئبة،و جمع القلّة أذؤب،و جمع الكثرة ذئاب و ذؤبان،و يسمّى الخاطف و السّيّد و السّرحان

ص: 499

و ذؤالة و العملس و السّلق،و الأنثى سلقة و السّمسام،و كنيته أبو مذقة،لأنّه لونه كذلك.

و من كناه الشّهيرة:أبو جعدة.و من كناه:أبو ثمامة و أبو جاعد و أبو رعلة و أبو سلعامة،و أبو العطلس و أبو كاسب و أبو سبلة.

و من أسمائه الشّهيرة:أويس مصغّرا ككميت و لجيف.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات،و ذكر بعض صفاته كالصّبر على العطش و قوّة حاسّة الشّمّ، و بعض القصص،فراجع](1:511)

الفيروزآباديّ:الذّئب بالكسر و يترك همزة:

كلب البرّ،الجمع أذؤب و ذئاب و ذؤبان،بالضّمّ، و هي ب«هاء».

و أرض مذأبة:كثيرته.

و رجل مذءوب:وقع الذّئب في غنمه،و قد ذئب كعني.

و ذؤبان العرب:لصوصهم و صعاليكهم.

و ذئاب الغضى:بنو كعب بن مالك بن حنظلة.

و ذؤب،ككرم و فرح:خبث،و صار كالذّئب، كتذأّب.

و الذّئبان،كسرحان:الشّعر على عنق البعير و مشفره،و بقيّة الوبر.

و الذّئبان:مثنّى،كوكبان أبيضان بين العوائذ و الفرقدين،و أظفار الذّئب:كواكب صغار قدّامهما.

و الذّؤيبان مصغّرا:ماءان لهم.

و تذأّب للنّاقة،و تذاءب:استخفى لها متشبّها بالذّئب،ليعطفها على غير ولدها.

و الرّيح:جاءت في ضعف من هنا و هنا.

و الشّيء:تداوله.

و غرب ذأب:كثير الحركة بالصّعود و النّزول.

و ذئب،ك«عني»:فزع،ك«أذأب»،و ك«فرح» و كرم و عني:فزع من الذّئب.

و ك«منع»:جمعه،و خوّفه،و ساقه،و حقره، و طرده.و القتب:صنعه.و الغلام:عمل له ذؤابة، ك«أذأبه»و ذأّبه،و في السّير:أسرع.

و داء الذّئب:الجوع،لا داء له غيره.

و بنو الذّئب:بطن.

و دارة الذّئب:موضع بنجد لبني كلاب.

و الذّؤابة:النّاصية،أو منبتها من الرّأس،و شعر في أعلى ناصية الفرس.

و من النّعل:ما أصاب الأرض من المرسل على القدم،و من العزّ و الشّرف،و كلّ شيء:أعلاه، و الجلدة المعلّقة على آخرة الرّحل،و الجمع:ذوائب، و الأصل:ذائب،لكنّهم استثقلوا وقوع ألف الجمع بين همزتين.

و الذّئبة:أمّ ربيعة الشّاعر،و بلا لام:فرس حاجز الأزديّ،و داء يأخذ الدّوابّ في حلوقها،فينقب عنه بحديدة في أصل أذنه،فيستخرج شيء كحبّ الجاورس،و برذون مذءوب،و فرجة ما بين دفّتي الرّحل و السّرج،و ما تحت مقدّم ملتقى الحنوين،و هو الّذي يعضّ منسج الدّابّة.

و ذأّب الرّحل تذئيبا:عمله له.

و الذّأب،كالمنع:الذّمّ،و الصّوت الشّديد.

ص: 500

و غلام مذأّب،كمعظّم:له ذؤابة.

و دارة الذّويب:اسم دارتين لبني الأضبط.

و استذأب النّقد:صار كالذّئب،مثل للذّلاّن إذا علوا.(1:69)

القلقشنديّ:الذّئاب:جمع ذئب،و هو حيوان في صورة الكلب،في لونه بلق بكمودة،و الذّئبة أجرأ من الذّئب و أشدّ عدوا،و أسنانه عظم مخلوق في فكّيه، ليست مغروسة فيهما كسائر الحيوان.

قال ابن السّنديّ:أخبرني أبو بكر الدّقيشيّ:أنّ هذه الخلقة في أسنان الضّبع أيضا.و الذّئب صاحب خلوة و انفراد،و متى رأى الإنسان قبل أن يراه أخفى صوته،و إن رآه جزع منه،اجترأ عليه و ساوره،و إذا تسافد هو و أنثاه التحما التحاما شديدا،حتّى يقال:

إنّه إذا هجم عليهما داخل في هذه الحالة قتلهما كيف شاء،و لذلك يبعدان في هذه الحال إلى مكان لا يريان فيه.و إذا تهارش ذئبان فأدمى أحدهما الآخر،عدا الّذي أدمى على المدمى فقتله خوفا من أخذ الثّأر، و إذا عجز الذّئب عن الدّفع عوى،فاجتمع إليه الذّئاب نصرة له،و إذا لقي الفارس و الأرض مثلوجة،خمش الثّلج بيديه و رمى به في وجه الفارس ليدهشه،ثمّ يعقر دابّته فيتمكّن منه،و متى وطئ الفرس أثر الذّئب رعد و خرج الدّخان من جسده كلّه،و لذلك قلّ من يطّرد من الفرسان و لا يتفطّن لوطء أثره.و يصاد بالكلاب و غيرها،و قد تقدّم أنّ السّودانيّ ضرّى ذئبا حتّى اصطاد له الضّباء.(2:50)

الطّريحيّ:الذّئب:هو حيوان معروف،يهمز و لا يهمز،و جمعه القليل:أذؤب و الكثير:ذؤبان.و فى الحديث:«مسخ الذّئب،و كان أعرابيّا ديّوثا».

و في حديث عليّ عليه السّلام مع الخوارج:«ثمّ خرج إليّ منكم جنيد متذائب[ضعيف]،كأنّما يساقون إلى الموت و هم ينظرون».

«متذائب»-أي مضطرب،من قولهم:تذاءبت الرّيح،إذا اضطرب هبوبها،و منه سمّي الذّئب ذئبا لاضطراب مشيته.

و الذّؤبة بالضّمّ:الظّفر من الشّعر إذا كانت مرسلة،فإذا كانت ملفوفة فهي عقيصة،و الجمع الذّوائب،قال الجوهريّ:و كان في الأصل ذائب،لأنّ الألف الّتي في ذؤابة كالألف الّتي في رسالة،حقّها أن تبدّل منها همزة في الجمع،لكنّهم استثقلوا أن يقع ألف الجمع بين الهمزتين،فأبدلوا من الأولى واوا.

و الغلام المذأّب:الّذي له ذؤابة.

و في الحديث:«الشّيب في الذّوائب شجاعة».

و المذأبة (1)من كلّ شيء:أعلاه،و منه:ذؤابة العرش،و ذؤابة الجبل،ثمّ استعير للعزّ و الشّرف، فيقال:لست من ذوائب قريش،أي لست من أشرافهم و ذوي أقدارهم.

و الذّؤابة:طرف العمامة و السّوط.

و في الحديث:«كان أبي يطوّل ذوائب نعليه»،أي أطرافها.(2:57)ق.

ص: 501


1- كذا في الأصل،و الصّواب:ذؤابة،كما ورد في اللّغة،و يؤيّده قوله اللاّحق.

مجمع اللّغة:الذّئب:حيوان مفترس من فصيلة الكلاب.(1:415)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم(1:198)

محمود شيت:الذّؤابة:علاّقة قائم السّيف،يربط بها في نطاق حامل السّيف ظابطا أو جنديّا.

أرض مذأبة:فيها أخطار داهمة.(1:258)

المصطفويّ:التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحيوان المشهور،و لا يبعد كونه من نوع الكلب،كما قال في اللّسان:إنّه كلب البرّ.

و اشتقاق الصّيغ المختلفة منها اشتقاق انتزاعيّ.

و أمّا الذّؤابة فالظّاهر كونها مأخوذة من الذّوب أو الذّيب،يقال:الذّوابة و الذّوائب،و أنّه يذوّب أمّه، أي يضفر ذوائبها.و الذّئبان:الشّعر على عنق البعير.

و هكذا مفهوم الطّرد فالظّاهر كونه مأخوذا من الذّبّ.

و نظائر هذا الأمر كثيرة في المعاني المستعملة في عرف أهل اللّغة،و أنّها من تداخل اللّغات.(3:293)

النّصوص التّفسيريّة

الذّئب

...وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ.

يوسف:13

أبو زرعة:قرأ أبو عمرو و الكسائيّ و ورش عن نافع:(الذّيب)بغير همز،و قرأ الباقون بالهمز و هو الأصل،لأنّه مأخوذ من تذاءبت الرّيح،إذا أتت من كلّ ناحية،فكأنّه شبّه من خفّته و سرعة حركته بالرّيح.(357)

الماورديّ:فيه قولان:

أحدهما:أنّه قال ذلك لخوفه منهم عليه،و أنّه أرادهم بالذّئب و خوفه إنّما كان من قتلهم له،فكنى عنهم بالذّئب مسايرة لهم،قال ابن عبّاس:فسمّاهم ذئابا.

و القول الثّاني:ما خافهم عليه،و لو خافهم ما أرسله معهم،و إنّما خاف الذّئب،لأنّه أغلب ما يخاف منه من الصّحاري.

و قال الكلبيّ:بل رأى في منامه أنّ الذّئب شدّ على يوسف،فلذلك خافه عليه.(3:13)

نحوه القرطبيّ.(9:140)

الطّوسيّ:قرأ الكسائيّ و خلف في اختياره، و أبو جعفر و ورش و الأعشى و اليزيديّ في الإدراج إلاّ سجّادة،و مدين من طريق عبد السّلام(الذّيب) بتخفيف الهمزة في المواضع الثّلاثة،الباقون بالهمزة.

و الهمز و ترك الهمز لغتان مشهورتان؛قال أبو عليّ:و الأصل فيه الهمزة،فإن خفّف جاز،و إن وقع في مكان الرّدف قلب قلبا،كما قال الشّاعر:

*كأنّ مكان الرّدف منه على رال*

فقلب الهمزة ألفا.[إلى أن قال:]

و بيّن أنّه يخاف عليه الذّئب أن يأكله،لأنّ الذّئاب كانت ضارية في ذلك الوقت.(6:107)

القشيريّ:يحزنني أن تذهبوا به،لأنّي لا أصبر عن رؤيته،و لا أطيق على فرقته،هذا إذا كان الحال سلامته،فكيف و مع هذا أخاف أن يأكله الذّئب؟ و يقال:لمّا خاف عليه من الذّئب امتحن بحديث

ص: 502

الذّئب،ففي الخبر ما معناه:«إنّما يسلّط على ابن آدم ما يخافه»،و كان من حقّه أن يقول:أخاف اللّه لا الذّئب،و إن كانت محالّ الأنبياء عليهم السّلام محروسة من الاعتراض عليها.و يقال:لمّا جرى على لسان يعقوب عليه السّلام من حديث الذّئب صار كالتّلقين لهم،و لو لم يسمعوه ما اهتدوا إلى الذّئب.(3:172)

الزّمخشريّ:و قرئ: اَلذِّئْبُ بالهمزة على الأصل،و بالتّخفيف.و قيل:اشتقاقه من:تذاءبت الرّيح،إذا أتت من كلّ جهة.(2:306)

ابن عطيّة:قرأ الكسائيّ وحده:(الذّيب)دون همز،و قرأ الباقون بالهمز و هو الأصل،و منه جمعهم إيّاه على ذؤبان،و منه:تذاءبت الرّيح و الذّئاب،إذا أتت من هاهنا و هاهنا.

و روى ورش عن نافع:(الذّيب)بغير همز،و قال نصر:سمعت أبا عمرو لا يهمز،قال:و أهل الحجاز يهمزون.

و إنّما خاف يعقوب الذّئب دون سواه و خصّصه، لأنّه كان الحيوان العادي المنبثّ في القطر،و روي أنّ يعقوب كان رأى في منامه ذئبا يشتدّ على يوسف.

و هذا عندي ضعيف،لأنّ يعقوب لو رأى ذلك لكان وحيا،فإمّا أن يخرج على وجهه و ذلك لم يكن، و إمّا أن يعرف يعقوب بمعرفته لعبارة مثال هذا المرئيّ، فكان يتشكّاه بعينه،اللّهمّ إلاّ أن يكون قوله: أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ بمعنى أخاف أن يصيبه مثل ما رأيت من أمر الذّئب،و هذا بعيد.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:224)

الطّبرسيّ:هذه جملة في موضع الحال،و تقديره:

أخاف أن يأكله الذّئب في حال كونكم ساهين عنه مشغولين ببعض أشغالكم،قالوا:و كانت أرضهم مذأبة،و كانت الذّئاب ضارية في ذلك الوقت.

و قيل:إنّ يعقوب رأى في منامه كأنّ يوسف قد شدّ عليه عشرة أذؤب ليقتلوه،و إذا ذئب منها يحمي عنه،فكأنّ الأرض انشقّت فدخل فيها يوسف،فلم يخرج منها إلاّ بعد ثلاثة أيّام،فمن ثمّ قال هذا،فلقّنهم العلّة و كانوا لا يدرون.(3:216)

الفخر الرّازيّ:اعلم أنّهم لمّا طلبوا منه أن يرسل يوسف معهم اعتذر إليهم بشيئين:

أحدهما:أنّ ذهابهم به و مفارقتهم إيّاه ممّا يحزنه، لأنّه كان لا يصبر عنه ساعة.

و الثّاني:خوفه عليه من الذّئب إذا غفلوا عنه برعيهم أو لعبهم،لقلّة اهتمامهم به.

قيل:إنّه رأي في النّوم أنّ الذّئب شدّ على يوسف، فكان يحذره،فمن هذا ذكر ذلك،و كأنّه لقّنهم الحجّة، و في أمثالهم:البلاء موكّل بالمنطق.

و قيل:الذّئاب كانت في أراضيهم كثيرة،و قرئ اَلذِّئْبُ بالهمز على الأصل و بالتّخفيف.

و قيل:اشتقاقه من:تذاءبت الرّيح،إذا أتت من كلّ جهة.(18:98)

نحوه النّيسابوريّ.(12:85)

البيضاويّ: وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ لأنّ الأرض كانت مذأبة.و قيل:رأى في المنام أنّ الذّئب قد شدّ على يوسف و كان يحذره عليه.

ص: 503

و قد همزها على الأصل ابن كثير و نافع في رواية قالون،و أبو عمرو وقفا،و عاصم و ابن عامر درجا و وقفا،و حمزة درجا.

و اشتقاقه من:تذاءبت الرّيح،إذا هبّت من كلّ جهة.(1:489)

الآلوسيّ:هو حيوان معروف،و خصّه بالذّكر لأنّ الأرض على ما قيل:كانت مذئبة.و قيل:لأنّه سبع ضعيف حقير،فنبّه عليه السّلام بخوفه عليه السّلام عليه منه على خوفه عليه ممّا هو أعظم منه افتراسا من باب أولى.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]

و الذّئب أصله الهمزة،و هي لغة الحجاز،و بها قرأ غير واحد،و قرأ الكسائيّ و خلف و أبو جعفر و ورش و الأعشى و غيرهم بإبدالها ياء،لسكونها و انكسار ما قبلها،و هو القياس في مثل ذلك.

و ذكر بعضهم أنّه قد همزه على الأصل ابن كثير و نافع في رواية قالون،و أبو عمرو وقفا،و ابن عامر و حمزة درجا و أبدلا وقفا،و لعلّ ذلك لأنّ التقاء السّاكنين في الوقف و إن كان جائزا،إلاّ أنّه إذا كان الأوّل حرف مدّ يكون أحسن.

و قال نصر:سمعت أبا عمرو لا يهمزه،و الظّاهر أنّه أراد مطلقا،فيكون ما تقدّم رواية و هذه أخرى.

و يجمع على أذؤب و ذئاب و ذؤبان،و اشتقاقه عند الزّمخشريّ من تذاءبت الرّيح،إذا هبّت من كل جهة.

و قال الأصمعيّ:إنّ اشتقاق تذاءبت من الذّئب، لأنّ الذّئب يفعله في عدوّه،قيل:و هو أنسب،و لذا عدّ تذاءبت الرّيح من المجاز في الأساس.لكن قيل عليه:

إنّ أخذ الفعل من الأسماء الجامدة ك«إبل»قليل مخالف للقياس.(12:195)

ابن عاشور:التّعريف في اَلذِّئْبُ تعريف الحقيقة و الطّبيعة،و يسمّى تعريف الجنس.و هو هنا مراد به غير معيّن من نوع الذّئب أو جماعة منه،و ليس الحكم على الجنس بقرينة أنّ الأكل من أحوال الذّوات لا من أحوال الجنس،لكنّ المراد أيّة ذات من هذا الجنس دون تعيين،و نظيره قوله تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً الجمعة:5،أي فرد من الحمير غير معيّن،و قرينة إرادة الفرد دون الجنس إسناد حمل الأسفار إليه،لأنّ الجنس لا يحمل.و منه قولهم:

ادخل السّوق إذا أردت فردا من الأسواق غير معيّن، و قولك:«ادخل»،قرينة على ما ذكر.

و هذا التّعريف شبيه بالنّكرة في المعنى،إلاّ أنّه مراد به فرد من الجنس،و قريب من هذا التّعريف باللاّم التّعريف بعلم الجنس،و الفرق بين هذه اللاّم و بين المنكّر كالفرق بين علم الجنس و النّكرة.

فالمعنى أخاف أن يأكله الذّئب،أي يقتله فيأكل منه،فإنّكم تبعدون عنه،لما يعلم من إمعانهم في اللّعب و الشّغل باللّهو و المسابقة،فتجترئ الذّئاب على يوسف عليه السّلام.

و الذّئب:حيوان من الفصيلة الكلبيّة،و هو كلب برّيّ وحشيّ،من خلقه الاحتيال و النّفور،و هو يفترس الغنم،و إذا قاتل الإنسان فجرحه و رأى عليه الدّم ضري به،فربّما مزّقه.(12:30)

ص: 504

الطّباطبائيّ:هو عذر موجّه،فإنّ الصّحاري ذوات المراتع الّتي تأوي إليها المواشي و ترتع فيها الأغنام،لا تخلو طبعا من ذئاب أو سباع تقصدها و تكمن فيها للافتراس و الاصطياد،فمن الجائز أن يقبلوا على بعض شانهم و يغفلوا عنه،فيأكله الذّئب.

(11:98)

مكارم الشّيرازيّ:المؤامرة المشئومة.

بعد أن صوّب إخوة يوسف اقتراح أخيهم في عدم قتل يوسف و إلقاءه في الجبّ،أخذوا يفكّرون في كيفيّة فصل يوسف عن أبيه،لذلك أقدموا على تخطيط آخر، فجاءوا الى أبيهم بلسان ليّن يدعو إلى التّرحّم، و بشكل يتظاهرون به أنّهم مخلصون له،و حدّثوا أباهم: قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنّا عَلى يُوسُفَ وَ إِنّا لَهُ لَناصِحُونَ يوسف:11.

تعال يا أبانا،و ارفع اليد عن اتّهامنا،فإنّه أخونا و ما يزال صبيّا و بحاجة إلى اللّهو و اللّعب،و ليس من الصّحيح حبسه عندك في البيت،فخلّ سبيله و أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ. يوسف:12.

و إذا كنت تخشى عليه من سوء،فنحن نواظب على حمايته وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ.

و بهذا الأسلوب خطّطوا مكيدتهم لفصل أخيهم عن أبيه بمهارة،و لعلّهم قالوا هذا الكلام أمام يوسف ليطلب من أبيه إرساله معهم.

و هذه الخطّة تركت الأب-من جانب-أمام طريق مسدود،فإذا لم يرسل يوسف مع إخوته فهو تأكيد لاتّهامه إيّاهم،و حرّضت-من جانب آخر- يوسف على أن يطلب من أبيه الذّهاب معهم ليتنزّه كما يتنزّه إخوته،و يستفيد من هذه الفرصة لاستنشاق الهواء الطّلق خارج المدينة.

أجل،هكذا تكون مؤامرات الّذين ينتهزون الفرصة،و غفلة الطّرف الآخر،فيستفيدون من جميع الوسائل العاطفيّة و النّفسيّة،و لكن المؤمنين ينبغي ألاّ ينخدعوا و ذلك بحكم الحديث المأثور:«المؤمن كيّس» أي فطن ذكيّ،فلا يركنوا إلى المظهر المنمّق حتّى و لو كان ذلك من أخيهم.

و لكن يعقوب-من دون أن يتّهم إخوة يوسف بسوء القصد-أظهر تردّده في إرسال يوسف،لأمرين:

الأوّل:أنّه سيبتعد عنه فيحزن عليه.

و الثّاني:ربّما خارج المدينة بعض الذّئاب المفترسة فتأكله،فاعتذر إليهم و قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ.

و هذه المسألة طبيعيّة؛حيث قد يبتعد إخوة يوسف عنه فيغفلون عن أمره،فيأتي إليه الذّئب فيأكله.

و بديهيّ أنّ الإخوة لم يكن لهم جواب بالنّسبة إلى الأمر الأوّل الّذي أشار إليه أبوهم يعقوب،لأنّ الحزن و الاغتمام على فراق يوسف لم يكن شيئا عاديّا حتّى يعوّض عنه،و ربّما كان هذا التّعبير مثيرا لنار الحسد في إخوة يوسف أكثر.

و من جهة أخرى،فإنّ هذا الموضوع الّذي أشار إليه يعقوب،-و هو حزنه على ابتعاد يوسف عنه-

ص: 505

يمكن ردّه،و هو لا يحتاج الى بيان،لأنّ الولد لا بدّ له من الابتعاد عن أبيه من أجل أن ينمو و يكبر،و إذا أريد له أن يكون كنبات«النّورس»بحيث يبقى تحت ظلّ شجرة وجود الأب،فإنّه سوف يبقى عالة عليه،فلا بدّ من هذا الابتعاد و الانفصال حتّى يتكامل ولده،فاليوم تنزّه و غدا اجتهاد و مثابرة على تحصيل العلم،و بعد غد عمل و سعي للحياة،و أخيرا فإنّ الانفصال لا بدّ منه.

لذلك فإنّهم لم يجيبوه عن الشّقّ الأوّل من كلامه، بل أجابوه عن الشّقّ الثّاني،لأنّه كان مهمّا و أساسيّا بالنّسبة إليهم،إذ قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ يوسف:14.

أي أ ترانا موتى فلا ندافع عن أخينا،و نتفرّج على الذّئب كيف يأكله؟ثمّ إضافة إلى علاقة الأخوّة الّتي تدفعنا إلى الحفاظ على أخينا،فما نقول للنّاس عنّا؟ هل ننتظر أن يقولوا فينا:إنّ جماعة أقوياء و فتية أشدّاء جلسوا و تفرّجوا على الذّئب و هو يفترس أخاهم؟ فهل نستطيع العيش بعد هذا مع النّاس؟

لقد أجابوا أباهم بما تضمّن قوله: وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ، و مشغولون بلعبكم،كيف يكون ذلك؟و المسألة ليست بهذه البساطة،إنّها الخسارة و امتهان الكرامة و الخزي،إذ كيف يمكن لواحد منّا أن يشغله اللّعب فيغفل عن أخيه يوسف؟لأنّه في مثل هذه الحال لا تبقى لنا قيمة و لا نصلح لأيّ عمل.

و يبرز هنا سؤال مهمّ،و هو:لما ذا أشار يعقوب إلى خطر الذّئب من دون الأخطار الأخرى؟

قال بعض:إنّ صحراء كنعان كانت صحراء مذئبة،و من هنا كان الخوف من الذّئب أكثر من غيره.

و قال بعض آخر:كان ذلك للرّؤيا الّتي رآها يعقوب من قبل،و هي أنّ ذئابا هجمت على ولده يوسف.

و هناك احتمال آخر:هو أنّ يعقوب أجابهم بلسان الكناية،و المقصود من الذّئاب في كلامه هم الأناس المتّصفون بصفة الذّئب،يعني إخوة يوسف.

و على كلّ حال فقد استطاع إخوة يوسف بما أوتوا من الحيل،و بإثارة عاطفة يوسف النّقيّة و ترغيبه في التّنزّه خارج المدينة،و ربّما كان لأوّل مرّة تتاح ليوسف هذه الفرصة،فاستطاعوا أن يأخذوا يوسف معهم،و أن يستسلم الأب لهذا الأمر و يوافق على طلبهم.(7:131)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الذّئب:كلب البرّ، و الجمع أذؤب و ذئاب و ذؤبان،و الأنثى ذئبة،و يقال أيضا:ذيب،بدون همز،و أصله الهمز،و أرض مذأبة:

كثيرة الذّئاب.

و ذؤبان:صعاليك العرب،لأنّهم كالذّئاب، و ذؤبان العرب:لصوصهم و صعاليكهم الّذين يتلصّصون و يتصعلكون.

و ذئاب الغضى:بنو كعب بن مالك بن حنظلة، سمّوا بذلك لخبثهم،لأنّ ذئب الغضى أخبث الذّئاب.

ص: 506

و ذئب الرّجل،إذا أصابه الذّئب.

و رجل مذءوب:وقع الذّئب في غنمه؛يقال:ذئب الرّجل.

و المذءوب:الفزع؛يقال:ذئب الرّجل،أي فزع من الذّئب.

و ذئب و أذأب:فزع من أيّ شيء كان.

و ذأّبته:فزّعته.

و يقال للّذي أفزعته الجنّ:تذأّبته و تذعّبته.

و رماه اللّه بداء الذّئب،أي الجوع،لأنّهم يزعمون أنّه لاداء له غير ذلك.

و ذؤب الرّجل يذؤب ذءابة،و ذئب و تذأّب:

خبث،و صار كالذّئب خبثا و دهاء.

و استذأب النّقد:صار كالذّئب،يضرب مثلا للذّلاّن إذا علوا الأعزّة.

و تذأّب الرّجل النّاقة و تذأّب لها:و هو أن يستخفي لها إذا عطفها على غير ولدها،متشبّها لها بالذّئب.

و تذأّبته و تذاءبته:تداولته،و أصله الذّئب إذا حذر من وجه جاء من آخر.

و تذأّبت الرّيح و تذاءبت:اختلفت و جاءت من هنا و هنا،و هي المتذئّبة و المتذائبة،أخذ من فعل الذّئب،فإنّه يأتي كذلك،لأنّه يتذأّب الإنسان،أي يختله،و الرّيح تتذأّب به،أي تتصرّف عليه.

و غرب ذأب:كثيرة الحركة بالصّعود و النّزول، من تذاؤب الرّيح،و هو اختلافها،فشبّه اختلاف البعير في المنحاة بها.

و الذّؤابة:النّاصية أو منبتها من الرّأس،لنوسانها و تذبذبها،و الجمع ذوائب؛يقال:غلام مذأّب،أي له ذؤابة،و ذأّبته:جعلت له ذؤابة.

و توسّع فيه،فاستعمل في أعلى كلّ شيء،و منه:

ذؤابة الجبل:أعلاه،ثمّ استعير للعزّ و الشّرف و المرتبة؛ يقال:فلان غرّة مضر و سنامها و ذؤابتها،و هو من ذؤابة قومه:أعلاهم،و هم ذؤابة قومهم:أشرافهم.

و الذّؤابة:الجلدة المعلّقة على آخر الرّحل،و هي العذبة.

و ذؤابة السّيف:علاقة قائمه.

و ذؤابة النّعل:المتعلّق من القبال،و الجمع:ذؤاب.

و الذّئبة:فرجة ما بين دفّتي الرّحل و السّرج و الغبيط،أيّ كان؛يقال:ذأّب الرّحل:عمل له ذئبة.

و قتب مذأّب و غبيط مذأّب،إذا جعل له ذؤابة.

و الذّئبة:داء يأخذ الدّوابّ في حلوقها؛يقال:

برذون مذءوب،أي أخذته الذّئبة،و قد ذئب الفرس فهو مذءوب،إذا أصابه هذا الدّاء.

2-و الذّئب:حيوان ضارّ،لا يأمن الإنسان و سائر الحيوان غير الكاسر شرّه،فقد روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله وصفه بأنّه«شرّ السّباع» (1).و وصفته العرب بأوصاف مختلفة،فقالوا:أغدر من ذئب،و أختل و أخبث و أخون و أجول و أعتى و أعوى و أظلم و أجرأ و أكسب و أجوع و أنشط و أوقح و أجسر).

ص: 507


1- حياة الحيوان الكبرى(1:501).

و أيقظ و أعقّ و الأم من ذئب (1).كما وصف به خبائث النّاس و أشرارهم،و منه قول الإمام عليّ عليه السّلام:

«و كان أهل ذلك الزّمان ذئابا،و سلاطينه سباعا» (2).

و شبّه رؤساء بني إسرائيل في العهدين بذئاب خاطفة. (3)

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها الاسم:(الذّئب)ثلاث مرّات في ثلاث آيات من سورة مكّيّة:

1- قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ يوسف:13

2- قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ يوسف:14

3- قالُوا يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ كُنّا صادِقِينَ يوسف:17

و يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآيات من سورة يوسف في قصّة واحدة بدأ بها أحسن القصص في القرآن.

و الجدير بالذّكر تقارن اسم يوسف المحبوب عند العالمين باسم أخبث حيوان و هو الذّئب،كأنّ اللّه أعطانا نموذجا من أشدّ النّاس حبّا و أشدّ الحيوانات خبثا،كما جاء حبّ يعقوب ليوسف حبّا لا مزيد عليه، مع حسد إخوته له حسدا حبّب إليهم قتله،و جاءت أكبر حالات يوسف خفّة-و هو مكثه في البئر-مع أكبر حالاته عزّة،و هو كونه عزيز مصر،و غير ذلك من الجمع بين المتقابلين في هذه القصّة.

و قد جاء اَلذِّئْبُ مع اسم يوسف و ضميره في الآية(1)مرّة،و جاء ضمير بدون اسمه في(2)ثلاث مرّات،و في(3)مرّة،و جاء ضمير يعقوب متكلّما في (1)ثلاث مرّات،و خطابا في(3)مرّتين،و صفة أَبانا مرّة.و ضمير إخوته خطابا في(1)و متكلّما في(2)كلّ منهما ثلاث مرّات،و غيابا في(3)مرّة، و متكلّما 9 مرّات،و مجموع ضمائرهم غيابا و خطابا و متكلّما 16 مرّة،و هذا يدلّ على أنّهم قدّموا أنفسهم تعظيما لهم أضعاف يعقوب و يوسف،في حال أنّهم اكتفوا بذكر الذّئب مرّتين.و فيها بحوث:

1-جاء اَلذِّئْبُ في كلام يعقوب في(1)مرّة، و في كلام إخوته مرّتين في(2 و 3)،و لم يكن هناك ذئب،و إنّما جاء في الأولى خوفا،و في الأخيرتين كذبا.

2-أسند الأكل ثلاث مرّات في هذه الآيات- ماضيا في(2 و 3)و مضارعا في(1)-إلى الذّئب و المأكول فيها إنسان،و لو كان حيوانا-كالشّاة-أو طفلا صغيرا لأسند إليه«الخطف»،لأنّ الخاطف من أسمائه،فيقال:خطفه الذّئب،و سمّي به لسرعة استلابه الخطيفة،و لمطاوعتها له على ذلك.و أمّا قوله: وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ المائدة:3،فلا يخصّ الذّئب،بل يعمّ كلّ

ص: 508


1- حزقيال(22:27)و أعمال الرّسل(20:29).
2- المصدر السّابق(1:517).
3- نهج البلاغة-الخطبة:(108).

مفترس ضارّ،و منه الذّئب.

3-إن قيل:أيّ أشدّ خبث،الذّئب أم كيد الإنسان؟

يقال:إنّ كيد الإنسان يفوق كيد كلّ مخلوق،إذ قال تعالى فيه: فَلَمّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يوسف:28،و قال في كيده للجماد: وَ تَاللّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ الأنبياء:57،بينما قال في كيد الشّيطان:

اَلَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً النّساء:76،راجع:

ك ي د:«كيد».

ثمّ إنّ الإنسان كاد الذّئب؛حيث اتّهمه إخوة يوسف بأنّه أكل يوسف و هو بريء من هذه التّهمة، فوصفهم اللّه تعالى بقوله: قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ يوسف:5،و للّه درّ الشّاعر حيث قال:

عوى الذّئب فاستأنست بالذّئب إذ عوى

و صوّت إنسان فكدت أطير

4-قرئت في الموارد الثّلاثة(ذيب)بغير همز، و(ذئب)بهمز،و هو الأصل،لأنّه مأخوذ كما تقدّم من:

تذاءبت الرّيح،إذا أتت من كلّ ناحية،فكأنّه شبّه من خفّته و سرعة حركته بالرّيح.و لأنّ جمعه«ذؤبان» و«أذؤب»و«ذئاب»،و مصدره«الذّأب»،و الهمزة لغة الحجاز.و عليه فالذّئب مشتقّ من:تذاءبت الرّيح، و عكس الأصمعيّ،فقال:«اشتقاق«تذاءبت»من الذّئب،لأنّ الذّئب يفعله في عدوّه.فيكون«تذاءبت الرّيح»من المجاز كما قيل.و ردّ عليه بأنّ أخذ الفعل من الأسماء الجامدة ك«إبل»قليل مخالف للقياس».

و هذا مردود بما جاء كثيرا في«الأصول اللّغويّة»من كتابنا من أنّ أصل بعض الأفعال هو الاسم الجامد، فلاحظ.

5-قال ابن عاشور:«التّعريف في اَلذِّئْبُ تعريف الحقيقة و الطّبيعة،و يسمّى تعريف الجنس.

و هو هنا مراد به غير معيّن من نوع الذّئب أو جماعة منه،و ليس الحكم على الجنس بقرينة أنّ الأكل من أحوال الذّوات لا من أحوال الجنس،لكنّ المراد أيّة ذات من هذا الجنس دون تعيين.و نظيره قوله تعالى:

كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً الجمعة:5،أي فرد من الحمير غير معيّن،و قرينة إرادة الفرد دون الجنس إسناد حمل الأسفار إليه،لأنّ الجنس لا يحمل،و منه قولهم:ادخل السّوق إذا أردت فردا من الأسواق غير معيّن،و الظّاهر أنّ اللاّم فيه لام العهد،أي ادخل السّوق المعهود...».

6-اعتذر يعقوب بأمرين:حزنه بذهابه،و خوفه أن يأكله الذّئب،لأنّ الأرض كانت مذأبة،أو-كما قيل:-لأنّه رأى في المنام أنّ الذّئب قد شدّ على يوسف و كان يحذره عليه.و ردّه ابن عطيّة بأنّ يعقوب لو رأى في منامه ذلك لكان وحيا و لم يقع،و لا يجوز شكّه فيه.

و المعنى أخاف أن يقتله فيأكل منه.

و قيل:إنّ يعقوب أجابهم بالكناية،و المقصود من

ص: 509

اَلذِّئْبُ في كلامه أناس متّصفون بصفة الذّئب، و هم إخوة يوسف،و هو بعيد.

7-و جملة: وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ حاليّة،أي أخاف أن يأكله الذّئب في حال كونكم ساهين عنه مشغولين ببعض أشغالكم.

8-قال القشيريّ:«لمّا خاف عليه من الذّئب امتحن بحديث الذّئب،ففي الخبر ما معناه:«إنّما يسلّط على ابن آدم ما يخافه»،و كان من حقّه أن يقول:أخاف اللّه لا الذّئب،و إن كانت محالّ الأنبياء عليهم السّلام محروسة من الاعتراض عليها.و يقال:

لمّا جرى على لسان يعقوب عليه السّلام من حديث الذّئب صار كالتّلقين لهم-لإخوته-و لو لم يسمعوه من أبيهم ما اهتدوا إلى الذّئب».

9-ارتكزت قصّة يوسف على ثلاث ركائز تخصّه دون سواه،و قد وردت كلّ واحدة منها ثلاث مرّات:

أ-رؤياه:

إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ يوسف:4

قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ يوسف:5

وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَ قالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ يوسف:100

ب-أكل الذّئب له:

قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ يوسف:13

قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنّا إِذاً لَخاسِرُونَ يوسف:14

قالُوا يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ كُنّا صادِقِينَ يوسف:17

ج-تأويله للأحاديث:

وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يوسف:6

وَ قالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَ اللّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ يوسف:21

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ يوسف:101

10-جاء في هذه السّورة اسم(يوسف)23 مرّة و(إخوته)5 مرّات،أمّا الضّمائر الرّاجعة إليه و إلى

ص: 510

إخوته فكثيرة جدّا.

11-لقميص يوسف دور كبير في قصّته:أوّلا في دفع التّهمة عنه،و ثانيا في دفع العمى عن أبيه.

و تفصيل الكلام في جميع ذلك يأتي في(يوسف)إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا:هذه الآيات من سورة يوسف المكّيّة، و فيها أطول قصّة و أحسنها في القرآن.

و ثالثا:من الوحوش البرّيّة الكاسرة الّتي ذكرت في القرآن:

السّبع: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ... المائدة:3

القسورة: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ المدّثّر:51

ص: 511

ص: 512

ذ ء م

اشارة

مذءوما

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل:ذأمته ذأما فهو مذءوم،أي حقرته فهو محقور،و يقال:ما يلزمك منه لوم و لا ذمّ و لا ذأم و لا عيب.(8:203)

الفرّاء:أذأمتني على كذا،أي أكرهتني عليه.

(الجوهريّ 5:1925)

نحوه الطّريحيّ.(6:66)

الذّأم:الذّمّ؛يقال:ذأمت الرّجل،أذأمه ذأما و ذممته،أذمّه ذمّا و ذمته،أذيمه ذيما،و يقال:رجل مذءوم،و مذموم،و مذيم،بمعنى.(ابن الجوزيّ 3:178)

أبو زيد:ذأمته أذأمه،إذا حقّرته و ذممته.

(الأزهريّ 15:26)

الأصمعيّ:ذأمته،و دأمته،إذا حقّرته و خزيته.

(الأزهريّ 15:25)

اللّحيانيّ:ذأمته و ذأيته،إذا طردته.

(الأزهريّ 15:26)

أبو عبيد:ذأمت الرّجل:جزيته.

(الأزهريّ 15:25)

الحربيّ:ذأمته إذا عبته.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:885)

ثعلب:ذأمته:عبته،و ذأمته أكثر من ذممته.

(الأزهريّ 15:25)

ابن دريد:ذأمت الرّجل أذأمه،إذا ذممته،و هو الذّأم يا هذا،فهو مذءوم.(3:281)

الذّأم و الذّيم:العاب و العيب.(3:426)

ص: 513

القاليّ:و ذأمته إذا طردته و حقّرته.(2:56)

نحوه نفطويه.(الهرويّ 2:669)

الصّاحب:الذّأم:الطّرد و الاحتقار،ذأمته فهو مذءوم.

و الإذآم:الرّعب و الزّؤد.

و ما سمعت له ذأمة،أي صوتا و كلمة.

(10:112)

الخطّابيّ:و الذّام:العيب،و فيه لغة أخرى:ذأمه يذأمه ذأما،مهموز.(1:321)

الجوهريّ:الذّأم:العيب،يهمز و لا يهمز؛يقال:

ذأمه يذأمه،إذا عابه و حقّره،مثل:ذأبه،فهو مذموم.

[ثمّ استشهد بشعر](5:1925)

نحوه الرّازيّ.(238)

ابن فارس:الذّال و الهمزة و الميم أصل يدلّ على كراهة و عيب،يقال:أذأمتني على كذا،أي أكرهتني عليه.و يقولون:ذأمته،أي حقرته.و الذّأم:العيب، و هو مذءوم.فأمّا الذّان بالنّون،فليس أصلا،لأنّ النّون فيه مبدلة من ميم.[ثمّ استشهد بشعر](2:368)

الهرويّ:يقال:ذأمه ذأما و ذامه يذيمه ذيما و ذمّه يذمّه ذمّا،إذا عابه.(2:669)

ابن سيده:ذأم الرّجل يذأمه ذأما:حقّره و ذمّه، و قيل:حقّره و طرده،ك«ذأبه».

و ذأمه ذأما:طرده و قوله تعالى: اُخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً، الأعراف:18،يكون معناه مذموما،و يكون مطرودا،و ذأمه ذأما:خزاه.

(10:103)

الرّاغب:قال تعالى: اُخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً، أي مذموما؛يقال:ذمته أذيمه ذيما،و ذممته أذمّه ذمّا، و ذأمته ذأما.(183)

البطليوسيّ:و الذّأم و الذّأب:احتقارك الشّيء و طردك إيّاه،و قد ذأمته و ذأبته.قال اللّه تعالى:

اُخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً (200)

ابن الأثير:في حديث عائشة قالت لليهود:

«عليكم السّام و الذّام»«الذّام»:العيب،يهمز و لا يهمز.و يروى بالدّال المهملة.(2:151)

الفيّوميّ:ذام الشّخص المتاع ذيما من باب باع، و ذاما على القلب:عابه،فالمتاع مذيم،و ذأمه يذأمه بالهمز من باب«نفع»مثله،فهو مذءوم.(1:213)

الفيروزآباديّ:ذأمه ك«منعه»حقّره و ذمّه و طرده و خزاه،و الإذآم:الرّعب،و ما سمعت له ذامة:

كلمة.(4:117)

مجمع اللّغة:ذأمه يذأمه ذأما:حقره و ذمّه و طرده،و اسم المفعول مذءوم.(1:415)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:198)

المصطفويّ:التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو العيب مع الحقارة،كما أنّ مفهوم الذّمّ هو العيب المطلق،و هو في مقابل المدح،و الذّيم هو الحقير مع العيب،و هذا بسبب حرف الياء الدّالّ على النّزول و الانحطاط.

و أمّا مفاهيم الطّرد و الكراهة و الإخزاء و التّحذير و مطلق العيب أو الحقر،فليست من الأصل،بل من لوازمه و آثاره.(3:294)

ص: 514

النّصوص التّفسيريّة

مذءوما

قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ. الأعراف:18

ابن عبّاس:ملوما.(125)

ممقوتا.(الطّبريّ 5:448)

مثله مجاهد و الرّبيع.(الثّعلبيّ 4:222)

صغيرا منفيّا.(الطّبريّ 5:447)

معيبا.(الطّوسيّ 4:394)

مثله المبرّد.(الطّبرسيّ 2:405)

مهانا لعينا.(الطّبرسيّ 2:405)

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 2:405)

مقيتا.(ابن كثير 3:152)

صغيرا مقيتا.(ابن كثير 3:152)

أبو العالية:مزريا به.(الثّعلبيّ 4:222)

مجاهد:منفيّا.(الطّبريّ 5:448)

منفيّا مطرودا.(ابن كثير 3:152)

نحوه السّدّيّ.(258)

عطاء:ملعونا.(الثّعلبيّ 4:222)

قتادة:لعينا منفيّا.(الطّبريّ 5:448)

لعينا مقيتا.(ابن كثير 3:152)

زيد بن عليّ:معناه معيبا مرجوما.(194)

السّدّيّ:مقيتا مطرودا.(ابن كثير 3:152)

الرّبيع:منفيّا.(ابن كثير 3:152)

الكلبيّ:ملوما.(الثّعلبيّ 4:222)

ابن زيد:ما نعرف المذءوم و المذموم إلاّ واحدا، و لكن تكون حروف منتقصة.و قد قال الشّاعر لعامر:

يا«عام»،و لحارث:«يا حار»،و إنّما أنزل القرآن على كلام العرب.(الطّبريّ 5:448)

الكسائيّ:المقبوح.(الثّعلبيّ 4:222)

ابن شميّل:المحبوس.(الثّعلبيّ 4:222)

أبو عبيدة:هي من ذأمت الرّجل،و هي أشدّ مبالغة من ذممت و من ذمت الرّجل تذيم،و قالوا في المثل:«لا تعدم الحسناء ذاما»،أي ذمّا،و هي لغات.

(1:211)

الأخفش:لأنّه من الذّأم؛تقول:ذأمته فهو مذءوم،و الوجه الآخر من الذّمّ:ذممته فهو مذموم تقول:ذأمته و ذممته و ذمته،كلّه في معنى واحد، و مصدر ذمته:الذّيم.(2:514)

ابن قتيبة:مذموما بأبلغ الذّمّ.(166)

الطّبريّ:هذا خبر من اللّه تعالى ذكره عن إحلاله بالخبيث عدوّ اللّه ما أحلّ به من نقمته و لعنته،و طرده إيّاه عن جنّته،إذ عصاه و خالف أمره،و راجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به،يقول:قال اللّه له عند ذلك: اُخْرُجْ مِنْها، أي من الجنّة مَذْؤُماً مَدْحُوراً يقول:معيبا.

و الذّأم:العيب،يقال منه:ذأمه يذأمه ذأما فهو مذءوم،و يتركون الهمز فيقولون:ذمته أذيمه ذيما و ذاما،و الذّأم و الذّيم أبلغ في العيب من الذّمّ.[ثمّ استشهد بشعر].(5:447)

نحوه الميبديّ.(3:569)

ص: 515

الزّجّاج:معنى مذءوم كمعنى مذموم،يقال:

ذأمته أذأمه ذأما،إذا رعبته و ذممته.(2:324)

القمّيّ:المذءوم للعيب...و قوله: قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً، أي ملقى في جهنّم.(1:224)

السّجستانيّ:مذموما بأبلغ الذّمّ.(64)

النّحّاس:يقال:ذأمته،و ذمته،و ذممته،بمعنى واحد.و قرأ الأعمش:(مذوما)و المعنى واحد،إلاّ أنّه خفّف الهمزة،قال مجاهد:المذءوم:المنفيّ،و المعنيان متقاربان.(3:19)

نحوه القرطبيّ.(7:176)

الثّعلبيّ:أي معيبا،و الذّيم و الذّأم أشدّ العيب، و هو أبلغ من الذّمّ؛يقال:ذمّه يذمّه ذمّا فهو مذموم، و ذاءمه يذائمه (1)ذأما فهو مذءوم،و ذامه بذمّة ذيما، مثل:سار يسير،فهو مذيم.

قال ابن عبّاس:مذءوم عنه: مَذْؤُماً مَدْحُوراً يعني مطرودا،إذ قال الرّبيع و مجاهد: مَذْؤُماً:

ممقوتا،و روى عطيّة: مَذْؤُماً مقوتا.(4:222)

نحوه البغويّ.(2:183)

القيسيّ:نصب على الحال من المضمر في اُخْرُجْ. (1:307)

نحوه أبو البركات.(1:357)

الطّوسيّ:قيل:الذّأم و الذّيم:أشدّ العيب، و مثله اللّوم.[ثمّ استشهد بشعر](4:394)

الواحديّ: مَذْؤُماً الذّأم:الاحتقار؛يقال:

ذأمت الرّجل أذأمه،إذا احتقرته و ذممته و عبته.

(2:355)

الزّمخشريّ: مَذْؤُماً من:ذأمه إذا ذمّه.

و قرأ الزّهريّ(مذوما)بالتّخفيف مثل مسول في مسئول.(2:71)

نحوه البيضاويّ(1:344)،و النّسفيّ(2:47)، و أبو السّعود(2:484).

ابن عطيّة:[نحو الطّبريّ و أضاف:]

و سهّلت فيه الهمزة،و منه:قول قيل حمير:أردت أن تذيمه فمدهته،يريد فمدحته.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ الزّهريّ و أبو جعفر و الأعمش في هذه الآية (مذوما)على التّسهيل.(2:381)

الفخر الرّازيّ:[اكتفى بذكر الأقوال].(14:43)

العكبريّ: مَذْؤُماً: يقرأ بالهمزة،و هو من ذأمته إذا عبته.

و يقرأ(مذوما)بالواو من غير همز،و فيه وجهان:

أحدهما:أنّه ألقى حركة الهمزة على الذّال و حذفها.

و الثّاني:أن يكون أصله مذيما،لأنّ الفعل منه:

ذامه يذيمه ذيما،فأبدلت الياء واوا،كما قالوا:في مكيل مكول،و في مشيب مشوب،و هو و ما بعده حالان.

و يجوز أن يكون مَدْحُوراً: حالا من الضّمير في مَذْؤُماً .(1:559)

نحوه أبو حيّان(4:277)،و الآلوسيّ(8:96)،ه.

ص: 516


1- كذا في الأصل،و الصّواب:ذأمه يذأمه،و يدلّ عليه المصدر بعده.

و القاسميّ(7:2638).

النّيسابوريّ:ليس في القرآن غيره،و إنّما اختصّ هذا الموضع بذلك،لأنّ اللّعين بالغ في العزم على الإغواء،فقال: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ الأعراف:

16،إلى آخره،فبالغ اللّه جلّ و عزّ في ذمّه،إذ الذّأم أشدّ الذّمّ.(8:92)

السّمين:قوله تعالى: مَذْؤُماً مَدْحُوراً حالان من فاعل اُخْرُجْ عند من يجيز تعدّد الحال لذي حال واحد،و من لا يجيز ذلك ف مَدْحُوراً صفة ل مَذْؤُماً، أو هي حال من الضّمير في الحال قبلها،فتكون الحالان متداخلتين.و مَذْؤُماً مَدْحُوراً: اسما مفعول من ذأمه و دحره.فأمّا ذأمه فيقال بالهمز:ذأمه يذأمه ك«رأمه يرأمه»و ذامه يذيمه ك«باعه يبيعه»من غير همز،و عليه قولهم:

«لن تعدم الحسناء ذأما»،يروى بهمزة ساكنة أو ألف.

فمصدر المهموز ذأم ك«رأس»،و أمّا مصدر غير المهموز فسمع فيه ذام،و حكى ابن الأنباريّ فيه:ذيما، ك«بيع»قال:يقال ذأمت الرّجل أذأمه،و ذمته أذيمه ذيما،و ذممته أذمّه ذمّا بمعنى.

و الذّأم:العيب،و منه:المثل المتقدّم:«لن تعدم الحسناء ذأما»،أي كلّ امرأة حسنة لا بدّ أن يكون فيها عيب ما.و قالوا:أردت أن تذيمه فمدهته،أي تعيبه فمدحته،فأبدل الحاء هاء.

و الجمهور على مَذْؤُماً بالهمز،و قرأ أبو جعفر و الأعمش و الزّهريّ(مذوما)بواو واحدة من دون همز.و هي تحتمل وجهين:

أحدهما:لا ينبغي أن يعدل عنه أنّه تخفيف مَذْؤُماً في القراءة الشّهيرة،بأن ألقيت حركة الهمزة على الذّال السّاكنة،و حذفت الهمزة على القاعدة المستقرّة في تخفيف مثله،فوزن الكلمة آل إلى (مفول)بحذف العين.

و الثّاني:أنّ هذه القراءة مأخوذة من لغة من يقول:

ذمته أذيمه كبعته أبيعه،و كان من حقّ اسم المفعول على هذه اللّغة مذيم ك«مبيع»قالوا:إلاّ أنّه أبدلت الواو من الياء على حدّ قولهم:«مكول»في«مكيل» مع أنّه من الكيل.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:244)

الشّربينيّ:أي محقورا ممقوتا.(1:466)

البروسويّ:أي مذموما،من:ذأمه إذا ذمّه، فالذّامّ من المهموز العين،و الذّمّ من المضاعف،كلاهما بمعنى واحد،و هو التّعييب البليغ.(3:143)

شبّر:مذموما:معيبا؛يقال:ذامه و ذمّه:عابه بأبلغ الذّمّ و حقّره.(2:351)

نحوه حسنين مخلوف.(1:254)

رشيد رضا:يقال:ذأم المتاع من باب«فتح»، و ذامه بالتّخفيف يذيمه ذيما و ذاما بالقلب،إذا عابه و ذمّه.[إلى أن قال:]

و المعنى أخرج من الجنّة أو المنزلة الّتي أنت فيها حال كونك معيبا مذموما من اللّه و ملائكته،مطرودا من جنّته فهو بمعنى لعنه و جعله رجيما في آيات أخرى.(8:338)

المراغيّ:أي قال:اخرج من الجنّة و أنت مذموم مهان من اللّه و ملائكته،و مطرود من جنّته.(8:116)

ص: 517

ابن عاشور:مذءوم:اسم مفعول من ذأمه، -مهموزا،-إذا عابه و ذمّه ذأما و قد تسهّل همزة ذأم فتصير ألفا،فيقال:ذام،و لا تسهّل في بقيّة تصاريفه.

(8:40)

مغنيّة:الذّأم:العيب و الاحتقار،و الدّحر:

الطّرد،و قد خصّ اللّه بهما إبليس،حيث أنزله اللّه سبحانه من المقام الّذي كان فيه.(3:309)

الطّباطبائيّ:المذءوم:من ذامه يذامه و يذيمه،إذا عابه و ذمّه.(8:33)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(4:378)

المصطفويّ:أي فأنت صرت ذا عيب،و جعلت نفسك ناقصا و حقيرا عن مقامك الّتي كنت عليه و أنت مبعد بحالة الهوان.(3:294)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الذّأم،و هو الحقارة، يقال:ذأم الرّجل يذأمه ذأما،أي حقّره و ذمّه و عابه، فهو مذءوم.

و ذأمه ذأما:طرده و أخزاه.

و أذأمتني على كذا:أكرهتني عليه.

2-و هناك اشتقاق أكبر بين هذه المادّة و بين بعض الموادّ؛قال ابن السّكّيت:«ذأمته و ذأبته،إذا طردته و حقّرته» (1)و قال ابن الأعرابيّ:«ذامه يذيمه ذيما،إذا عابه» (2).و قال ابن الأثير في شرح الذّؤنون:«هو من:

ذأنه،إذا حقّره و ضعّف شأنه» (3).و قال ابن سيده:

«ذأيته:طردته» (4).

و أدّى هذا الاشتقاق بين هذه الموادّ إلى تداخل معانيها،فدخل في«ذأم»الطّرد،و هو في الأصل من «ذأي»،و دخل فيها العيب،و هو من«ذ ي م»، و دخل فيها الذّمّ أيضا،و هو من«ذأب».فجعلنا الأصل فيها الحقارة اتّباعا للخليل،حيث اقتصر عليه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسم المفعول مَذْؤُماً -و هو وحيد الجذر في القرآن-في آية:

قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ الأعراف:18

و يلاحظ أوّلا:

1-حكي عنهم في معنى مَذْؤُماً -و قرئ (مذموما)-.ملوما،ممقوتا،صغيرا منفيّا،مزريا به، ملعونا،مرجوما،مقبوحا،محبوسا،مذموما بأبلغ الذّمّ، و نحوها.

و المعنى اللّغويّ هو المعيوب و المطرود و الحقير، من:قولهم:الذّأم:العيب،و الطّرد،و الحقر.

ص: 518


1- تهذيب اللّغة(15:22).
2- المصدر السّابق(15:25).
3- النّهاية(2:152).
4- المحكم(10:121).

قال الطّبرسيّ:«الذّأم أشدّ العيب،و هو أبلغ من الذّمّ،و الدّحر:الدّفع على وجه الهوان و الإذلال».

2-فسّر بعض المفسّرين الذّأم بما يلائم السّياق دون اللّغة،إذ فسّر ابن عبّاس و الكلبيّ المذءوم بالملوم، وفاقا لقوله: ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً الإسراء:39،و فسّره ابن زيد و ابن قتيبة و غيرهما بالمذموم،نظرا إلى قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً الإسراء:18،و قد أغراهم لفظ مَدْحُوراً بهذا التّفسير كما ترى.

3- مَذْؤُماً و مَدْحُوراً حالان من المضمر في اُخْرُجْ. و قال العكبريّ:«يجوز أن يكون مَدْحُوراً حالا من الضّمير في مَذْؤُماً و هو خلاف الظّاهر».

4-و هذا ردّ عنيف على قول إبليس الأكيد قبلها:

قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ. فقوله جاء في آيتين،و ذمّه في كلمتين: مَذْؤُماً مَدْحُوراً...، كلّ كلمة كأنّها ردّ لقوله في الآيتين.

و جاء لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ ردّا بإزاء قوله: وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ.

قال رشيد رضا:«و المعنى:اخرج من الجنّة أو المنزلة الّتي أنت فيها،حال كونك معيبا مذموما من اللّه و ملائكته،مطرودا من جنّته،فهو بمعنى لعنه و جعله رجيما في آيات أخرى».

و قال مغنيّة:«و قد خصّ اللّه بهما-العيب و الطّرد-إبليس؛حيث أنزله اللّه سبحانه من المقام الّذي كان فيه».

و قال المصطفويّ:«أي فأنت صرت ذا عيب، و جعلت نفسك ناقصا و حقيرا عن مقامك الّتي كنت عليه،و أنت مبعد بحالة الهوان».

و قد طرد اللّه إبليس من الجنّة بحال مزرية،ردّا على إبائه السّجود لآدم عليه السّلام،و أبعده عن رحمته بنهج لم يسلكه مع أحد من العالمين،فاستعمل في ذلك فعل الأمر اُخْرُجْ و الحال المتعدّدة مَذْؤُماً مَدْحُوراً، فما جرى على لسان الخالق بلفظ اُخْرُجْ، فلا يريد به إلاّ إبليس فحسب،كما في الآيات الآتية:

قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ الأعراف:13

قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ

الحجر:34،و ص:77

5-عرض القرآن حوارا بين اللّه تعالى و إبليس حول آدم و السّجود له في السّور المكّيّة فقط،و منها الأعراف،و ها هي أسامي تلك السّور و أرقام آياتها:

الأعراف:11-18.

الإسراء:61-65.

الحجر:28-43.

ص:71-85.

ثانيا:هذه الآية مكّيّة من سورة الأعراف المكّيّة من أوائل قصص القرآن.

ص: 519

ثالثا:من نظائر هذه المادّة-بمعنى الشّين-في القرآن:

العيب: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً الكهف:79

الازدراء: وَ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَ لا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَ لا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ هود:31

ص: 520

ذ ب ب

اشارة

3 ألفاظ،3 مرّات:في سورتين مدنيّتين

ذبابا 1:-1

الذّباب 1:-1

مذبذبين 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:ذبّ يذبّ ذبوبا:و هو يبس الشّفة،و قد ذبّت شفتاه و هما ذابّتان،و الجميع:الذّوابّ.

و هو يذبّ في الحرب عن حريمه و أصحابه،أي يدفع عنهم ذبّا.

و المذبّة:الّتي تذبّ بها الذّباب.

و الذّباب:اسم واحد للذّكر و الأنثى،و الغالب في الكلام التّذكير كما أنّ الغالب في العقاب التّأنيث، فلا يقولون أبدا إلاّ:هذه عقاب،و انقضّت عقاب.

و يجمع الذّباب على أذبّة،فإن كثر فهو الذّبّان.

و ذباب السّيف:رأسه الّذي فيه ظبّته.

و جاء في الحديث:«كثمرة السّوط يتبعهما ذباب السّيف»،و ثمرة السّوط:طرفه.

و الذّبذبة:تردّد شيء في الهواء معلّق.

و الذّباذب:أشياء تعلّق من الهوادج،أوّل رأس البعير للزّينة،الواحد ذبذب.

و رجل مذبذب و متذبذب،أي متردّد بين أمرين و بين رجلين،لا يثبت على صحابته لأحد.

و الذّباذب:ذكر الرّجل،لأنّه يتذبذب،أي يتردّد.

(8:178)

ابن شميّل:ذباب السّيف:طرفه الّذي يخرق به، و غراره:حدّه الّذي يضرب به.

(الأزهريّ 14:414)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الذّبّ:الخفيف المشمّر من الرّجال.(1:278)

الأذبّ:البعير الّذي مال مشفره،فالذّبّان فيه أبدا.[ثمّ استشهد بشعر](1:282)

ذبّ الرّياد:الّذي هو يذبّ أبدا بذنبه و أنفه.

(1:284)

ص: 521

ذبذب الرّجل،إذا منع الجوار و الأهل و حماهم، و ذبذب أيضا،إذا آذى.(الأزهريّ 14:415)

رجل ذبّ الرّياد،إذا كان زوّارا للنّساء.

(الأزهريّ 14:414)

الفرّاء:عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه رأى رجلا طويل الشّعر فقال:ذباب»،أي هذا شؤم،و رجل ذبابيّ:

مأخوذ من الذّباب،و هو الشّؤم.

(الأزهريّ 14:413)

أرض مذبوبة:كما يقال:موحوشة من الوحش.

(الجوهريّ 1:126)

أبو زيد:الذّبابة:بقيّة الشّيء.

مثله الأصمعيّ.(الأزهريّ 14:412)

ذباب السّيف حدّ طرفه الّذي بين شفرتيه،و ما حوله من حدّيه:ظبتاه،و العير النّاتئ في وسطه من باطن و ظاهر،و له غراران،لكلّ واحد منهما ما بين العير و بين إحدى الظّبتين من ظاهر السّيف و ما قبالة ذلك من باطن،و كلّ واحد من الغرارين من باطن السّيف و ظاهره.(الأزهريّ 14:413)

ذباب العين:إنسانها،و يقال للثّور الوحشيّ:ذبّ الرّياد.(الأزهريّ 14:414)

أبو عبيد:ذباب السّيف:طرف حدّه الّذي يخرق به،و غراره:حدّه الّذي يضرب به،و حسامه مثله.

و حدّ كلّ شيء:ذبابه.(الأزهريّ 14:413)

في أذني الفرس ذباباها،و هما ما حدّ من أطراف الأذنين.(الأزهريّ 14:414)

أرض مذبّة:ذات ذباب،و بعير مذبوب،إذا أصابه الذّباب.(الجوهريّ 1:126)

ابن الأعرابيّ:ذبّ الغدير يذبّ،إذا جفّ في آخر الحرّ.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:412)

أصاب فلانا من فلان ذباب لاذع،أي شرّ.

(الأزهريّ 14:413)

ذبّ،إذا منع.

و الذّبّيّ:الجلواز.

و واحد الذّبّان ذباب بغير هاء؛و لا يقال:ذبّانة و العدد أذبّة (1).[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:415)

و ذبّ الغدير:جفّ في آخر الجزء.

(ابن سيده 10:54)

ابن السّكّيت:و يقولون:جاءنا مذبّب،و هو العجل المتفرّد.(295)

و تقول:وقع في المرق ذباب،و لا تقل:ذبابة، و الجمع القليل أذبّة،و الكثير الذّبّان.

(إصلاح المنطق:306)

و تقول:جاءنا راكب مذبّب،و هو العجل المنفرد.

و ظمء مذبّب،أي طويل،يشار إلى الماء من بعد فيعجّل بالسّير.(إصلاح المنطق:363)

الجاحظ:الذّباب:عند العرب يقع على الزّنابير و النّحل و البعوض بأنواعه،كالبقّ و البراغيث و القمّل و الصّؤاب و النّاموس و الفراش و النّمل.

و الذّباب:المعروف عند الإطلاق العرفيّ،و هو أصناف:النّعر و القمع و الخازباز و الشّعراء،و ذبابة.

ص: 522


1- كذا في الأصل،و الصّواب:و أدنى العدد أذبّة.

الكلاب و ذباب الرّياض و ذباب الكلإ.

و الذّباب.الّذي يخالط النّاس يخلق من السّفاد، و قد يخلق من الأجسام،و يقال:إن الباقلا إذا عتق في موضع استحال كلّه ذبابا،و طار من الكوى الّتي في ذلك الموضع،و لا يبقى فيه غير القشر. (1)

(الدّميريّ 1:502)

المبرّد:الذّباب:الواحد من الذّبّان،و أدنى العدد فيه أذبّة،و الكثير الذّبّان.(2:53)

كراع النّمل:فلان ذبّ الرّياد:يذهب و يجيء.

(ابن سيدة 10:54)

ابن دريد:ذبّ يذبّ ذبّا عن الشّيء،إذا منع عنه،و في الحديث عن عمر:«إنّ النّساء لحم على وضم،إلاّ ما ذبّ عنه».

و الذّبّ:الثّور الوحشيّ،و يسمّى ذبّ الرّياد،لأنّه يرود،أي يجيء و يذهب و لا يثبت في موضع واحد.

و يقال:ذبّت شفته،إذا ذبلت من العطش.

و قال أبو عثمان الأشناندانيّ:يقال:ذبت شفته، كما يقال:ذبّت،و لم أسمعها من غيره،فإن كان هذا الكلام محفوظا فمنه اشتقاق ذبيان إن شاء اللّه.

و ذبّ الرّجل عن حريمه،إذا منع عنه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:27)

الذّباب:الماء القليل.(1:52)

الذّبذبة،و هي الاضطراب،و في الحديث:«من كفي شرّ لقلقه و قبقبه و ذبذبه فقد وقي».اللّقلق:

اللّسان،و القبقب:البطن و الذّبذب:الفرج.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:125)

و الذّبب:ذبول الشّفة من عطش.

و الذّباب،زعموا الواحدة من الذّبّان،و كذلك فسّر في التّنزيل: وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً الحجّ :73،قالوا:هو الواحد،و اللّه أعلم.

قال أبو عبيدة:ذباب واحد،و الجمع:ذبّان،مثل:

غراب و غربان،و قالوا:أذبّة جمع ذباب،مثل أغربة في العدد القليل.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا قول العامّة:ذبّانا فخطأ.

و ذباب كلّ شيء:حدّه.

و ذباب العين:إنسانها.

و ذباب أذن الفرس:طرفها.(3:185)

نفطويه:المذبذب:المضطرب الّذي لا يبقى على حالة مستقيمة،يقال:تذبذب الشّيء،إذا اضطرب، و منه قيل لأسافل الثّوب:ذباذب،لأنّها تنوس و تذبذب.

في الحديث:«تزوّج و إلاّ فأنت من المذبذبين»، معناه:المطرد من المنافقين،إذا مضى إلى أهل الكفر طردوه،و إذا مضى إلى المسلمين طردوه،و أصله:من الذّبّ،فكرّروا فيه الباء،فقيل:ذبذب،و كان الأصل ذبب.(الهرويّ 2:670)

الأزهريّ:يقال:فلان يذبّ عن حريمه ذبّا،أي يدفع عنهم،و الذّبّ:الطّرد،و المذبّة:هنة تسوّى من هلب الفرس يذبّ بها الذّبّان.ه.

ص: 523


1- لم نجد هذه العبارة في كتاب الجاحظ و لعلّ الدّميريّ أخذه من مواضع متفرّقة من كتابه.

و الذّبابة:البقيّة من مياه الآبار.

و الذّباب:الطّاعون.

و الذّباب:الجنون،و قد ذبّ الرّجل،إذا جنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

عن وائل بن حجر قال:أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و لي شعر طويل،فقال:«ذباب،فظننت أنّه يعنيني،فرجعت فأخذت من شعري،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّي لم أ عنك،و هذا حسن».

و قال ابن هانئ:ذبّ الرّجل يذبّ ذبّا،إذا شحب لونه.

و قال أبو سعيد:إنّما قيل له:ذبّ الرّياد،لأنّ رياده أتانه الّتي ترود معه،و إن شئت جعلت الرّياد رعيه الكلأ،و قال غيره:يقال له:ذبّ الرّياد،لأنّه لا يثبت في رعيه في مكان واحد،و لا يوطن مرعى واحدا.

(14:412)

و قال اللّه جلّ و عزّ في صفة المنافقين: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ النّساء:143، المعنى مطّردين مدفعين عن هؤلاء و عن هؤلاء.

و في الحديث:«من وقى شرّ ذبذبه و قبقبه»، ذبذبه:فرجه،و قبقبه:بطنه.(14:414)

الصّاحب:ذبّ يذبّ ذبّا و ذبوبا:و هو يبس الشّفة،و ذبّت شفتاه و ذبّبت.

و ذبّ لونه:تغيّر.

و يوم ذبّاب:شديد الومد و الحرّ.

و به ظمأ ذبّ،أي لا يجد صاحبه قرارا من شدّة العطش.

و الرّجل يذبّ في الحرب عن حريمه،أي يدفع عنهم ذبّا و يمنع.

و الذّبّ:الخفيف الحركة،هو ذبّ الرّياد أي زوّار للنّساء،و الأذبّ مثله.

و رجل ذبّ النّهار،أي تعب.

و بعير ذبّ:لا يقرّ في المكان.

و المذبّة:ما يذبّ به الذّباب.و المذبوب:الّذي آذاه الذّباب.

و جمل أذبّ و جمال ذبّ،إذا كان هدل المشافر، فرأيت الذّبّان يقعن عليها.

و يقولون:أخطأ من ذباب،و أجرأ من ذباب.

و أرض مذبّة و مذبوبة.

و ذباب السّيف و السّكّين:حدّه و طرفه،و الأذبّ:

الحديد الذّباب.

و ذباب العين:إنسانها،و الجميع:أذبّة و ذبّان.

و الذّبابان في أذني الفرس:فرعاهما،و هو من أدواء الإبل يأخذان بالعنق،و ناقة مذبوبة.

و قيل:هو الطّاعون،و الشّرّ أيضا.

و إنّ فيه لذبابا،أي سوء خلق و شؤما،و فلان ذبابيّ،أي مشئوم.

و الذّبابة:البقيّة من الشّيء.

و به ذباب من سلال،أي شيء يسير.

و الذّبذبة:تحريك الشّيء المعلّق،و قلّة الاستقرار.

و الذّباذب:أشياء تعلّق من هودج،الواحد ذبذب.

و الرّجل المتذبذب:المتردّد بين أمرين.

ص: 524

و المذبوب:الأحمق.

و الذّبذب:ذكر الرّجل،و في الحديث:«من وقي شرّ ذبذبه فقد وقي».

و فلاة مذبذبة:بعيدة،و قيل:هي الّتي لا تستقيم وجهته لمن يسير فيها.و هو أيضا:الّذي يذبذب القوم بالعطش و الشّدّة من أمرهم.

و المذبذب:الماء البعيد،و البعير الدّائب السّير، و التّذبيب مثله.

و راكب مذبّب:منفرد.

و ذباب:جبل بالمدينة.(10:64)

الخطّابيّ:في حديث جابر أنّه قال:«سرت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في غزاة،فقام فصلّى و كانت عليّ بردة، فذهبت أخالف بين طرفيها فلم تبلغ،و كانت لها ذباذب،فنكستها و خالفت بين طرفيها،ثمّ تواقصت عليها لا تسقط»،ذباذب الثّوب:أهدابه،و سمّيت ذباذب لتذبذبها،و هو أن تجيء و تذهب.(2:386)

الجوهريّ:الذّبّ:المنع و الدّفع،و قد ذببت عنه.

و ذبّب،أي أكثر الذّبّ؛يقال:طعان غير تذبيب، إذا بولغ فيه.

و ذبّبنا ليلتنا،أي أتعبنا في السّير.

و لا ينالون الماء إلاّ بقرب مذبّب،أي مسرع.

و جاءنا راكب مذبّب،و هو العجل المنفرد.

و ظمء مذبّب،أي طويل يسار إلى الماء من بعد فيعجّل بالسّير.

و الذّباب:معروف،الواحدة ذبابة و لا تقل:ذبّانة، و جمع القلّة أذبّة،و الكثير ذبّان،مثل:غراب و أغربة و غربان.

و المذبّة:ما يذبّ به الذّباب.

و ذباب أسنان الإبل:حدّها.

و ذباب السّيف:طرفه الّذى يضرب به.

و ذباب العين:إنسانها.

و الذّبابة:البقيّة من الدّين و نحوه.

و ذبّب النّهار،إذا لم يبق منه إلاّ بقيّة.

و التّذبذب:التّحرّك.و الذّبذبة:نوس الشّيء المعلّق في الهواء.

و الذّبذب:الذّكر،و فى الحديث:«من وقي شرّ ذبذبه».

و الذّباذب أيضا:أشياء تعلّق في الهودج.

و المذبذب:المتردّد بين أمرين؛قال اللّه تبارك و تعالى: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ النّساء:143.

و الذّبّ:الثّور الوحشيّ،و سمّى ذبّ الرّياد لأنّه يرود،أي يجيء و يذهب و لا يثبت في موضع واحد.

و ذبّت شفته،أي ذبلت من العطش.

و ذبّ جسمه:هزل.

و ذبّ النّبت:ذوى.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات]

(1:126)

ابن فارس:الذّال و الباء في المضاعف أصول ثلاثة،أحدها:طويئر،ثمّ يحمل عليه و يشبّه به غيره، و الآخر:الحدّ و الحدّة،و الثّالث:الاضطراب و الحركة.

فالأوّل الذّباب:معروف،و واحدته ذبابة،و جمع الجمع:أذبّة.و ممّا يشبّه به و يحمل عليه ذباب العين:

ص: 525

إنسانها.و يقال ذببت عنه،إذا دفعت عنه،كأنّك طردت عنه الذّباب الّتي يتأذّى به.

و المذبوب من الإبل:الّذي يدخل الذّباب منخره.

و المذبوب:الأحمق،كأنّه شبّه بالجمل المذبوب.

و أمّا الحدّ فذباب أسنان البعير:حدّها.

و ذباب السّيف:حدّه.

و الأصل الثّالث:الذّبذبة:نوس الشّيء المعلّق في الهواء،و الرّجل المذبذب:المتردّد بين أمرين.

و الذّبذب:الذّكر،لأنّه يتذبذب أي يتردّد.

و الذّباذب:أشياء تعلّق في هودج أو رأس بعير.

و الذّبّ:الثّور الوحشيّ،و يسمّى ذبّ الرّياد، و قالوا:سمّي ذبّ الرّياد،لأنّه يجيء و يذهب،لا يثبت في موضع واحد.

و من هذا الأصل الثّالث قولهم:ذبّت شفته،إذا ذبلت من العطش.

و يقال:ذبّ النّبت،إذا ذوى.

و ذبّ جسمه،أي هزل.

و من الاضطراب و الحركة قولهم:ذبّبنا ليلتنا،أي أتعبنا في السّير.

و لا ينالون الماء إلاّ بقرب مذبّب،أي مسرع،و اللّه أعلم بالصّواب.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](2:348)

الهرويّ:في الحديث:«و نظر إلى ذبابه»،يعني ذباب السّيف،و هو طرفه الّذي يضرب به،و كذلك حسامه.(2:670)

ابن سيده:ذبّ عنه يذبّ ذبّا:دفع و منع.

و رجل مذبّ و ذبّاب:دفّاع عن الحريم.

و ذبّ يذبّ ذبّا:اختلف و لم يستقم في مكان واحد،و بعير ذبّ،لا يتقارّ في موضع.

و الذّبّ:الثّور الوحشيّ،و يقال له أيضا:ذبّ الرّياد،و سمّي بذلك لأنّه يختلف و لا يستقرّ في مكان، و قيل:لأنّه يرود فيذهب و يجيء.

و ذبّت شفته تذبّ ذبّا و ذببا و ذبوبا و ذبّبت:

جفّت من شدّة العطش أو لغيره.

و شفة ذبّابة:ذابلة.

و صدرت الإبل و بها ذبابة،أي بقيّة من عطش.

و ذبابة الدّين بقيّته.و قيل:ذبابة كلّ شيء:بقيّته.

و الذّباب:الأسود الّذي يكون في البيوت،يسقط في الإناء و الطّعام.

و الذّباب أيضا:النّحل،و لا يقال:ذبابة في شيء من ذلك،إلاّ أنّ أبا عبيدة روى عن الأحمر«ذبابة».

هكذا وقع في كتاب المصنّف رواية أبي عليّ.و أمّا في رواية عليّ بن حمزة،فحكى عن الكسائيّ:الشّذاة:

ذبابة تعضّ الإبل،و حكى عن الأحمر أيضا:النّعرة:

ذبابة تسقط على الدّوابّ،فأثبت الهاء فيهما.

و الصّواب ذباب،و هو واحد.و في التّنزيل: وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً الحجّ:73،فسّروه للواحد، و الجمع:أذبّة و ذبّان.

سيبويه:و لم يقتصروا به على أدنى العدد،لأنّهم أمنوا به التّضعيف،يعني أنّ«فعالا»لا يكسّر في أدنى العدد على«فعلان»،و لو كان ممّا يدفع به البناء إلى التّضعيف لم يكسّر على ذلك البناء،كما أنّ«فعالا» و نحوه لمّا كان تكسيره على«فعل»يفضي به إلى

ص: 526

التّضعيف كسّروه على«أفعلة».و قد حكى سيبويه -مع ذلك-عن العرب:ذبّ في جمع ذباب،فهو مع هذا الإدغام على اللّغة التّميميّة،كما يرجعون إليها فيما كان ثانيه واوا،نحو:خون و نور.

و العرب تكنو الأبخر:أبا ذباب و بعضهم يكنّيه أبا ذبّان و قد غلب على عبد الملك بن مروان،لفساد كان في فمه.

و ذبّ الذّباب و ذبّبه:نحّاه.

و رجل مخشيّ الذّباب،أي الجهل.

و أرض مذبّة:كثيرة الذّباب.

و بعير مذبوب:أصابه الذّباب.

و أذبّ كذلك.و قيل:الأذبّ و المذبوب جميعا:

الّذي إذا وقع في الرّيف،-و الرّيف لا يكون إلاّ في الأمصار-استوبأه فمات مكانه.

و المذبّة:هنة يذبّ بها الذّباب.

و ذباب العين:إنسانها؛أراه على التّشبيه بالذّباب.

و الذّباب:نكتة سوداء في جوف حدقة الفرس، و الجمع كالجمع.

و ذباب السّيف:حدّ طرفه الّذي بين شفرتيه و قيل:طرفه المتطرّف،و قيل:حدّه.

و الذّباب من أذن الإنسان و الفرس:ما حدّ من طرفها.

و ذباب الحنّاء:بادرة نوره.

و جاءنا راكب مذبّب:عجل منفرد.

و ظمء مذبّب:طويل يسار فيه إلى الماء من بعد.

و ذبّب:أسرع.

و الذّبذبة تردّد الشّيء المعلّق في الهواء.

و الذّبذبة و الذّباذب:أشياء تعلّق بالهودج أو رأس البعير للزّينة.

و الذّبذب:اللّسان،و قيل:الذّكر،و الذّباذب:

المذاكير،و قيل:الذّباذب:الخصى،واحدتها ذبذبة.

و رجل مذبذب و متذبذب:متردّد بين أمرين،و في التّنزيل: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ النّساء:143.

و تذبذب الشّيء:ناس و اضطرب.و ذبذبه هو.

و في الطّعام ذبيباء ممدود،حكاه أبو حنيفة في باب الطّعام الّذي فيه ما لا خير فيه،و لم يفسّره،و قد تقدّم أنّه الذّنيناء.[و استشهد بالشّعر 10 مرّات](10:53)

الرّاغب:الذّباب:يقع على المعروف من الحشرات الطّائرة،و على النّحل و الزّنابير و نحوهما.

و قوله تعالى: وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً الحجّ:

73،فهو المعروف.

و ذباب العين:إنسانها،سمّي به لتصوّره بهيئته،أو لطيران شعاعه طيران الذّباب.

و ذباب السّيف،تشبيها به في إيذائه،و فلان ذباب،إذا كثر التّأذّي به.

و ذببت عن فلان:طردت عنه الذّباب.

و المذبّة:ما يطرد به،ثمّ استعير الذّبّ لمجرّد الدّفع، فقيل:ذببت عن فلان.

و ذبّ البعير،إذا دخل ذباب في أنفه،و جعل بناؤه بناء الأدواء،نحو:زكم.

و بعير مذبوب،و ذبّ جسمه:هزل فصار كذباب،

ص: 527

أو كذباب السّيف.

و الذّبذبة:حكاية صوت الحركة للشّيء المعلّق،ثمّ استعير لكلّ اضطراب و حركة؛قال تعالى: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ أي مضطر بين مائلين تارة إلى المؤمنين، و تارة إلى الكافرين.

ذبّبنا إبلنا:سقناها سوقا شديدا بتذبذب.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](177)

الزّمخشريّ:ذبّ عن حريمه،و ذبّب عنه.

و ذبّت شفتاه من العطش.

و إنّه لأزهى من الذّباب.

و هو أهون عليّ من ونيم الذّباب.

و أبخر من أبي الذّبّان،و هو عبد الملك بن مروان.

و فرس مذبوب:دخل الذّباب في منخره.

و تذبذب الشّيء:ناس في الهواء،و المنافق مذبذب.

و ناست ذباذب الهودج،و هي أشياء تعلّق منه.

و من المجاز:هو أعزّ عليّ من ذباب العين،و هو إنسانها.

و به ذباب سلال و ذبابة.

و على فلان ذبابة من دين و ذبابات،أي بقايا.

و به ذبابة من جوع.

و صدرت و بها ذبابة من عطش.

و تقول:ما تركت في الإناء صبابة،و فيّ من العطش ذبابة.

و ضربه بذباب سيفه،و هو حدّ طرفه؛يقال:ثمرة السّوط يتبعها ذباب السّيف.

و انظر إلى ذنابي أذنيه و فرعي أذنيه، و هما ما حدّ من أطراف أذني الفرس،و الأصل الذّباب الطّائر،و هو مثل في القلّة.

و أصابني ذباب،أي شرّ و أذى.

و ذبب النّهار:مضى لم يبق منه إلاّ ذبابة.

و ذبّب في السّير:جدّ حتّى لم يترك ذبابة منه.

و جاءنا راكب مذبّب.

و هذا قرب مذبّب.

و طعن و رمى غير تذبيب.

و رجل ذبّ الرّياد:قلق لا يقرّ به مكان،زوّار للنّساء.

و يوم ذبّاب و مد:يكثر فيه البقّ على الوحش فتذبّها بأذنابها،فجعل فعلها لليوم.

و يقال:أذنابها مذابّها.

و أتاهم خاطب فذبّوه،أي ردّوه.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](أساس البلاغة:140)

[في حديث المغيرة]:«...و شرّها ذباب...»، الذّباب:الشّرّ الدّائم.(الفائق 2:134)

[في حديث:]سلمان رضي اللّه عنه:«و خدمتاه تذبذبان».التّذبذب:الاضطراب.(الفائق 1:357)

في حديث جابر رضي اللّه عنه:«...و كانت لها ذباذب فنكستها...».

أراد بالذّباذب الأهداب،لأنّها تنوس و تتذبذب.و منه قيل لأسافل الثّوب:ذلاذل

ص: 528

و ذباذب،و قيل في واحدها:ذبذب بالكسر.

(الفائق 2:6)

ابن الشّجريّ:ذبّ فلان عن فلان:دفع عنه، و ذبب في الطّعن و الدّفع،إذا لم يبالغ فيهما.(1:12)

المدينيّ:في حديث عمر:«إنّما هو ذباب غيث»، يعني النّحل،أي أنّه يكون مع الغيث و يعيش به،لأنّه يأكل ما ينبت منه.

و ذباب:اسم جبل بالمدينة،جاء ذكره في حديث.

و في الحديث:«عمر الذّباب أربعون يوما، و الذّباب في النّار»،قيل:كونه في النّار ليس بعذاب له،و إنّما يعذّب به أهل النّار لوقوعه عليهم.

في الحديث:«كانت عليّ بردة لها ذباذب»،أي أهداب،و سمّيت ذباذب لتذبذبها و اضطرابها.

و منه الحديث:«كأنّي أنظر إلى يديه تذبذبان»، أي تتحرّكان و تضطربان،يريد الكمّين.(1:690)

ابن الأثير:و فيه:«قال رأيت أنّ ذباب سيفي كسر،فأوّلته أنّه يصاب رجل من أهلي،فقتل حمزة»، ذباب السّيف:طرفه الّذي يضرب به.و قد تكرّر في الحديث.

و فيه:«أنّه صلب رجلا على ذباب»:هو جبل بالمدينة.(2:152)

و فيه:«تزوّج و إلاّ فأنت من المذبذبين»أي المطرودين عن المؤمنين،لأنّك لم تقتد بهم،و عن الرّهبان،لأنّك تركت طريقتهم.و أصله من الذّبّ، و هو الطّرد.و يجوز أن يكون من الأوّل.(2:154)

الفيّوميّ:الذّباب:جمعه في الكثرة ذبّان،مثل:

غراب و غربان،و في القلّة أذبّة،الواحدة ذبابة.

و ذبابة الشّيء:بقيّته،و الجمع:ذبابات.

و ذباب السّيف:طرفه الّذي يضرب به.

و ذبّ عن حريمه ذبّا من باب«قتل»:حمى و دفع.

و ذبذبه ذبذبة،أي تركه حيران متردّدا.(1:206)

الدّميريّ:الذّباب:معروف،واحدته ذبابة، و لا تقل:ذبانة.جمعه في القلّة:أذبّة و في الكثرة ذبّان بكسر الذّال و تشديد الباء الموحّدة و بالنّون في آخره، كغراب و أغربة و غربان و قراد و أقردة و قردان، و لا يقال:ذبابات إلاّ في الدّيون.

و أرض مذبّة بفتح الميم و الذّال،أي ذات ذباب.

و سمّي ذبابا لكثرة حركته و اضطرابه،و قيل:لأنّه كلّما ذبّ آب،و كنيته أبو حفص و أبو حكيم و أبو الحدرس.

و الذّباب أجهل الخلق،لأنّه يلقي نفسه في الهلكة.

و سيأتي إن شاء اللّه تعالى في باب العين المهملة في العنكبوت قول أفلاطون:«إنّ الذّباب أحرص الأشياء».و لم يخلق للذّباب أجفان لصغر أحداقها، و من شأن الأجفان أن تصقل مرآة الحدقة من الغبار، فجعل اللّه لها عوضا من الأجفان يدين تصقل بهما مرآة حدقتها،فلهذا ترى الذّباب أبدا يمسح بيديه عينيه،و هو أصناف كثيرة متولّدة من العفونة.

روى الحاكم عن النّعمان بن بشير رضي اللّه تعالى عنه:أنّه قال،و هو على المنبر:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:«ألا إنّه لم يبق من الدّنيا إلاّ مثل الذّباب تمور في جوّها،فاللّه اللّه في إخوانكم من أهل القبور،فإنّ

ص: 529

أعمالكم تعرض عليهم»،و معنى«تمور»تذهب و تجيء،و الجوّ:ما بين السّماء و الأرض.

و في مسند أبي يعلى الموصليّ،من حديث أنس رضي اللّه تعالى عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،قال:«عمر الذّباب أربعون ليلة،و الذّباب كلّه في النّار إلاّ النّحل»،قيل:

كونه في النّار ليس بعذاب له،و إنّما ليعذّب به أهل النّار بوقوعه عليهم.

من حديث أبي أمامة رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«وكّل بالمؤمن مائة و ستّون ملكا يذبّون عنه ما لم يقدر عليه،فمن ذلك سبعة أملاك يذبّون عنه كما يذبّ عن قصعة العسل الذّباب في اليوم الصّائف،و لو بدوا لكم لرأيتموهم على كلّ سهل و جبل،كلّ باسط يديه فاغر فاه،و لو وكّل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشّياطين».و العرب تجعل الذّباب و الفراش و النّحل و الدّبر و نحوها كلّها واحدا كما تقدّم.

و جالينوس يقول:«إنّه ألوان،فللإبل ذباب، و للبقر ذباب.و أصله دود صغار يخرج من أبدانهنّ فيصير ذبابا و زنابير.و ذباب النّاس يتولّد من الزّبل.

و يكثر الذّباب إذا هاجت ريح الجنوب و يخلق في تلك السّاعة،و إذا هبت ريح الشّمال خفّ و تلاشى.و هو من ذوات الخراطيم كالبعوض»،انتهى.

و من عجيب أمره أنّه يلقي رجيعه على الأبيض أسود،و على الأسود أبيض،و لا يقع على شجرة اليقطين،و لذلك أنبتها اللّه على نبيّه يونس عليه الصّلاة و السّلام،لأنّه حين خرج من بطن الحوت لو وقعت عليه ذبابة لآلمته،فمنع اللّه عنه الذّباب بذلك، فلم يزل كذلك حتّى تصلّب جسمه.

و لا يظهر كثيرا إلاّ في الأماكن العفنة،و مبدأ خلقه منها،ثمّ من السّفاد،و ربّما بقي الذّكر على الأنثى عامّة اليوم.و هو من الحيوانات الشّمسيّة،لأنّه يخفى شتاء و يظهر صيفا،و بقيّة أنواعه كالنّاموس و الفراش و النّعر و القمع و غيرها،ستذكر في أبوابها إن شاء اللّه.

[ثمّ ذكر أشعارا و حكاية فراجع](1:502)

الفيروزآباديّ:ذبّ عنه:دفع و منع.

و فلان:اختلف فلم يستقم في مكان.

و الغدير:جفّ في آخر الحرّ.

و شفته تذبّ ذبّا و ذببا،محرّكة،و ذبوبا:جفّت عطشا أو لغيره،كذبّب.

و جسمه:هزل.

و النّبت:ذوى.

و النّهار:لم يبق منه إلاّ بقيّة.

و فلان:شحب لونه.

و ذبّبنا ليلتنا تذبيبا:أتعبنا في السّير.

و راكب مذبّب،كمحدّث:عجل منفرد.

و ظمء مذبّب:طويل،يسار إلى الماء من بعد فيعجل بالسّير.

و بعير ذابّ:لا يتقارّ في مكان.

و رجل مذبّ،بالكسر،و كشدّاد:دفّاع عن الحريم.

و الذّبّ:الثّور الوحشيّ،و يقال له:ذبّ الرّياد، و الأذبّ و الذّنبب،كقنفذ أيضا.

ص: 530

و شفة ذبّابة،كريّانة:ذابلة.

و الذّباب:معروف،و النّحل،الواحدة بهاء،جمعه:

أذبّة و ذبّان،بالكسر،و ذبّ،بالضّمّ.

و أرض مذبّة و مذبوبة:كثيرته.

و المذبّة،بالكسر:ما يذبّ به.

و الذّباب أيضا:نكتة سوداء في جوف حدقة الفرس،و من السّيف:حدّه،أو طرفه المتطرّف،و من الأذن:ما حدّ من طرفها،و من الحنّاء:بادرة نوره، و من العين:إنسانها.و الجنون،ذبّ،بالضّمّ،فهو مذبوب،و الشّؤم،و جبل بالمدينة،و الشّرّ.

و رجل ذبّ الرّياد:زوّار للنّساء.

و الأذبّ:الطّويل،و من البعير:نابه.

و الذّبّيّ:الجلواز.

و الذّبذبة:تردّد الشّيء المعلّق في الهواء،و حماية الجوار و الأهل،و إيذاء الخلق،و التّحريك،و اللّسان، و الذّكر،كالذّبذب و الذّباذب،و ليس بجمع، و الخصية،و أشياء تعلّق بالهودج للزّينة.

و الذّبابة،كثمامة:البقيّة من الدّين،و موضع بأجإ، و موضع بعدن أبين.

و رجل مذبذب،و يفتح:متردّد بين أمرين.

و ذبذب:ركيّة.(1:70)

الطّريحيّ:الذّباب كغراب:معروف،و جمعه في الكثرة ذباب بالكسر،و في القلّة أذبّه بكسر الذّال، و الواحدة ذبابة،و لا تقل:ذبّانة،و أصله من الذّبّ، و هو الطّرد...(2:57)

مجمع اللّغة:الذّباب:النّوع المعروف الأسود الّذي يقع على الأطعمة،و يطلق في اللّغة على الحشرات الطّائرة و على الزّنابير و نحوها.و قيل:

واحده ذبابة،و جمعه:أذبّة و ذبّان.

ذبذب الشّيء:حرّكه حركة مختلفة متردّدة.

و المذبذب:المتردّد المضطرب،و جمعه:مذبذبون.

(1:415)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(198)

العدنانيّ:الذّبابة و الذّباب.

و يخطّئون من يطلق اسم الذّبابة على الحشرة المعروفة،و يقولون:إنّ واحدها هو:الذّباب، و يعتمدون على قوله تعالى في الآية 73،من سورة الحجّ: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، ذكر اللّسان و التّاج أنّ المفسّرين قالوا:إنّ الذّباب هنا يعني الواحد.

و يعتمدون أيضا على ما جاء في الكامل للمبرّد، و التّهذيب،و شفاء الغليل،الّذين ذكروا أنّ الذّباب يقال للواحد.

و لكن:

جاء في تفسير الجلالين:أنّ الذّباب اسم جنس، واحده ذبابة،و أنّ الذّبابة تقع على المذكّر و المؤنّث.

و ذكر أيضا أنّ الذّبابة هي واحدة الذّباب كلّ من معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الكسائيّ،و الأحمر، و أبي عبيدة،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و اللّسان،و المصباح،و الدّميريّ،و القاموس، و التّاج،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و الوسيط.

ص: 531

و قال المختار و المتن:إنّ الذّبّانة هي الذّبابة، و حذّرا من قول:ذبّانة.و قال أيضا لحن العوامّ للزّبيديّ،و الصّحاح،و اللّسان،و المدّ:لا تقل:ذبّانة.

و يجمع الذّباب جمع قلّة على أذبّة،و جمع تكسير على ذبّان:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و الدّميريّ، و القاموس،و التّاج،و شفاء الغليل،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و يطلق الذّباب على النّحل مجازا،و يسمّونه ذباب الغيث،و في الحديث:«إنّما النّحل ذباب غيث»، لأنّ الغيث هو سبب نموّ النّبات،غذاء النّحل.

و يقول المتن:الذّباب للواحد و الجمع،ثمّ يقول:

الواحدة ذبّانة و ذبابة،أو لا يقال.و هذا الغموض يظهر في كتب التّفسير،و اللّسان،و التّاج،و المدّ،بحيث يحار القارئ،فلا يدري أيّها هو الصّواب.لذا أرى جلاء للغموض أن نقول:إنّ الذّباب اسم جنس،واحده ذبابة،و جمعه:أذبّة و ذبّان.

و من معاني الذّباب:

1-ذباب العين:إنسانها؛يقال:هو أعزّ من ذباب العين مجازا.

2-فلان ذباب:كثر التّأذّي منه.

3-أصابه ذباب هذا الأمر:شرّه.

4-ذباب السّيف:حدّ طرفيه.

5-الطّاعون مجازا.

6-الجنون مجازا.

7-الشّؤم مجازا.

8-الذّبابة:البقيّة من كلّ شيء؛يقال:على فلان ذبابة من دين،و به ذبابة من جوع.

9-ذبابة الإبل:بعوضة تنقل نوعا من الحمّى المتقطّعة،مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة.(238)

محمود شيت:ذبّ ذبّا عن وطنه:دفع عنه غائلة الأعداء؛يقال:ذبّ الجيش عن أرض الوطن.

ذباب السّيف:حدّ طرفيه.(1:259)

الذّبذبة:هدبة الثّوب،و ما علّق بالهودج أو رأس البعير للزّينة،جمعه:ذباذب.

و في علوم الرّياضة و الهندسة:هي المسافة الّتي يقطعها جسم يتحرّك حركة تذبذبيّة من أقصى نقطة على جانبي محور التّماثل حتّى يعود إلى هذه النّقطة ثانية.

الذّبذب:ما علّق برأس الرّمح في الخيّالة و نحو ذلك للزّينة،و في أيّام الاستعراضات العسكريّة.جمعه:

ذباذب.

الذّبذبة:حركة الموجات اللاّسلكيّة من المرسلات إلى الآخذات في صنف المخابرة«سلاح الإشارة»،أو في أجهزة المخابرة في الصّنوف الأخرى.(1:261)

المصطفويّ:التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الدّفع بعنوان الحمى،أي الدّفع في مورد الحماية و بهذا القيد،و هذا هو الفارق بينها و بين موادّ الدّفع و المنع و الرّدّ و أمثالها،راجع:د ف ع:«الدّفع».

و يدلّ على هذا المفهوم قولهم:ذبّ،أي حمى و دفع،و ذبّ عن حريمه.

و أمّا الذّباب،فهو بمعنى ما يذبّ من الجنون

ص: 532

و الطّاعون و مطلق الشّرّ و الذّبّان.

و العين المزلقة و حدّ السّيف القاطع و طرف أذن الفرس و هو مظهر إحساساته،و يعلم منه غضبه و صولته.

و أمّا الذّبابة بمعنى ما يذبّ عنه و يحمى و يحفظ، كبقيّة من الماء و غيره و كإنسان العين و غيرهما.

و أمّا المذبوب بمعنى الإبل الّذي في منخره الذّباب، و كذلك ذبّبت عنه بمعنى طردت عنه الذّباب،و كذلك المذبّة و المذبّة فمن الاشتقاق الانتزاعىّ.

و أمّا الذّبذبة مأخوذ من الذّبّ،و هو من التّضعيف في الرّباعىّ كالزّلزلة،و يدلّ على تكرار الذّبّ، فالمذبذب:هو من يذبّ و يحمى مكرّرا،و المذبذب:

من يذبّ و يكون مطردا و مدفعا على التّكرار من هنا و هنالك.

و أمّا جملة ذبّت شفته،أى ذبلت،و ذبّ الغدير،أى جفّ،و ذبّ الجسم،أي هزل،فإنّ يبس الشّفة و الغدير و كذلك الهزال توجب تهيّؤ الشّفة و الغدير و الجسم لتذبّ و تدفع عمّا يخالف،و تحمي أنفسها و تحفظها عن الآفات و الفناء.

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً... علّة مقابلتهم بالذّباب لصغره و كونه مذبوبا،فإنّ الذّباب مع هذا إن يسلبهم شيئا لن يقدروا أن يستنقذوه منه.

و عن أفلاطون:أحرص الأشياء الذّباب،و أقنع الأشياء العنكبوت،فجعل اللّه رزق أقنع الأشياء في أحرص الأشياء.

مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ أى يقعون متحيّرين بين ذلك،و يدفعون عن جانب،ثمّ يدفعون عن جانب آخر،فهم لا يدرون عن أىّ طريق يحمون و إلى أيّ سبيل يسلكون؟

فظهر لطف التّعبير بها في الموردين دون نظائرها.

(3:296)

النّصوص التّفسيريّة

ذبابا

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ. الحجّ:73

راجع:خ ل ق:«لن يخلقوا».

مذبذبين

مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ...

النّساء:143

ابن عبّاس:متردّدين بين الكفر و الإيمان،كفر السّرّ و إيمان العلانية.(83)

مجاهد:لا إلى أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و لا إلى هؤلاء اليهود.(الطّبريّ 4:334)

قتادة:ليسوا بمؤمنين مخلصين،و لا مشركين مصرّحين بالشّرك.و ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه عليه السّلام كان يضرب مثلا للمؤمن و المنافق و الكافر،كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر،فوقع المؤمن فقطع،ثمّ وقع المنافق حتّى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر:أن هلمّ إليّ، فإنّي أخشى عليك!و ناداه المؤمن:أن هلمّ إليّ،فإنّ

ص: 533

عندي و عندي!يحصي له ما عنده.فما زال المنافق يتردّد بينهما حتّى أتى عليه آذيّ (1)فغرّقه.و إنّ المنافق لم يزل في شكّ و شبهة،حتّى أتى عليه الموت و هو كذلك.

و ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يقول:مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين؛رأت غنما على نشز فأتتها فلم تعرف،ثمّ رأت غنما على نشز فأتتها و شامّتها فلم تعرف.(الطّبريّ 4:334)

السّدّيّ:ليسوا بمشركين،و يظهروا الشّرك، و ليسوا بمؤمنين.(219)

ابن جريج:لم يخلصوا الإيمان فيكونوا مع المؤمنين،و ليسوا مع أهل الشّرك.(الطّبريّ 4:334)

ابن زيد:بين الإسلام و الكفر،لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء.(الطّبريّ 4:334)

الطّبريّ:يعني جلّ ثناؤه بقوله: مُذَبْذَبِينَ، مردّدين.

و أصل التّذبذب:التّحرّك و الاضطراب.

و إنّما عنى اللّه بذلك:أنّ المنافقين متحيّرون في دينهم،لا يرجعون إلى اعتقاد شيء على صحّة فهم لا مع المؤمنين على بصيرة،و لا مع المشركين على جهالة،و لكنّهم حيارى بين ذلك،فمثلهم المثل الّذي ضرب لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«مثل المنافق كمثل الشّاة العائرة بين الغنمين،تعير إلى هذه مرّة،و إلى هذه مرّة، لا تدري أيّهما تتبع»؟(4:334)

نحوه النّحّاس(2:223)،و ابن الجوزيّ(2:

232).

الثّعلبيّ:أي متردّدين متحيّرين بين الكفر و الإيمان: لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ، ليسوا من المؤمنين فيجب لهم ما يجب للمسلمين،و ليسوا من الكفّار فيؤخذ منهم ما يؤخذ من الكفّار،فلا مع هؤلاء و لا مع هؤلاء.(3:405)

نحوه البغويّ(1:715)،و الميبديّ(2:737) و الخازن.(1:510).

الطّوسيّ:و قوله: مُذَبْذَبِينَ في موضع نصب على الحال.و معناه أنّهم يقومون إلى الصّلاة-يعني المنافقين-متردّدين،لا إلى هؤلاء،يعني المؤمنين فيفعلونه،فيستحقّون به الثّواب و لا إلى هؤلاء،يعني الكفّار،فيجاهرون بالكفر،بل بين ذلك يظهرون الإيمان،فيجري عليهم حكم أهله،و يبطنون الكفر فيستحقّون به عقاب أهله.و أصل التّذبذب:التّحرّك و الاضطراب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الحسن بن عليّ المغربيّ: مُذَبْذَبِينَ:

مطرودين من هؤلاء و من هؤلاء،من الذّبّ الّذي هو الطّرد.وصف اللّه تعالى هؤلاء المنافقين بالحيرة في دينهم،و أنّهم لا يرجعون إلى صحّة فيه،لا مع المؤمنين على بصيرة،و لا مع الكفّار على جهالة.(3:366)

نحوه الطّبرسيّ.(2:129)

القشيريّ:أخسّ الخلق من يدع صدار العبوديّة، و لم يجد سبيلا إلى حقيقة الحرّيّة،فلا له من العزّ شظيّة، و لا في الغفلة عيشة هنيّة.(2:72)د.

ص: 534


1- الآذيّ:الموج الشّديد.

الواحديّ:يقال:ذبذبه فتذبذب،أي حرّكه فتحرّك،و هو كتحريك شيء ما معلّق بين السّماء و الأرض.(2:132)

الزّمخشريّ: مُذَبْذَبِينَ: إمّا حال،نحو قوله:

وَ لا يَذْكُرُونَ النّساء:42،عن واو يُراؤُنَ، أى يراءونهم غير ذاكرين مذبذبين،أو منصوب على الذّمّ.و معنى مُذَبْذَبِينَ ذبذبهم الشّيطان و الهوى بين الإيمان و الكفر،فهم متردّدون بينهما متحيّرون.

و حقيقة المذبذب الّذي يذبّ عن كلا الجانبين،أي يذاد و يدفع فلا يقرّ في جانب واحد،كما قيل:فلان يرمي به الرّحوان،إلاّ أنّ الذّبذبة فيها تكرير ليس في الذّبّ، كأنّ المعنى:كلّما مال إلى جانب ذبّ عنه.

و قرأ ابن عبّاس:(مذبذبين)بكسر الذّال،بمعنى يذبذبون قلوبهم أو دينهم أو رأيهم.أو بمعنى يتذبذبون.

كما جاء:صلصل و تصلصل بمعنى.

و في مصحف عبد اللّه.(متذبذبين).و عن أبي جعفر:(مذبذبين)،بالدّال غير المعجمة،و كأنّ المعنى:أخذ بهم تارة في دبّة و تارة في دبّة،فليسوا بماضين على دبّة واحدة.و الدّبّة:الطّريقة،و منها:دبّة قريش.

و ذلِكَ: إشارة إلى الكفر و الإيمان.

لا إِلى هؤُلاءِ لا منسوبين إلى هؤلاء فيكونون مؤمنين، وَ لا إِلى هؤُلاءِ و لا منسوبين إلى هؤلاء فيسمّون مشركين.(1:574)

نحوه القرطبيّ(5:424)،و البيضاويّ(1:251)، و النّسفيّ(1:258)،و أبو السّعود(2:211)، و البروسويّ(2:307)،و القاسميّ(5:1620).

ابن عطيّة:معناه:مضطر بين لا يثبتون على حال، و التّذبذب:الاضطراب بخجل أو خوف أو إسراع في مشي و نحوه.

قال أبو الفتح:أي المهتزّ القلق الّذي لا يثبت و لا يتمهّل،فهؤلاء المنافقون متردّدون بين الكفّار و المؤمنين،لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء،كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«مثل المنافق مثل الشّاة العائرة بين الغنمين».

فالإشارة ب(ذلك)إلى حالي الكفر و الإيمان، و أشار إليه و إن لم يتقدّم ذكره،لظهور تضمّن الكلام له،كما جاء حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ص:32، و كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرّحمن:26.

و قرأ جمهور النّاس مُذَبْذَبِينَ بفتح الذّال الأولى و الثّانية،و قرأ ابن عبّاس و عمرو بن فائد، (مذبذبين)بكسر الذّال الثّانية،و قرأ أبيّ بن كعب (متذبذبين)بالتّاء و كسر الذّال الثّانية،و قرأ الحسن ابن أبي الحسن(مذبذبين)بفتح الميم و الذّالين و هي قراءة مردودة.(2:127)

الفخر الرّازيّ:و فيه مسائل:

المسألة الأولى: مُذَبْذَبِينَ، إمّا حال من قوله:

يُراؤُنَ، أو من قوله: لا يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاّ قَلِيلاً النّساء:142،و يحتمل أن يكون منصوبا على الذّمّ.

المسألة الثّانية: مُذَبْذَبِينَ، أي متحيّرين، و حقيقة المذبذب الّذي يذبّ عن كلا الجانبين،أي يردّ

ص: 535

و يدفع،فلا يقرّ في جانب واحد،إلاّ أنّ الذّبذبة فيها تكرير ليس في الذّبّ،فكان المعنى كلّما مال إلى جانب ذبّ عنه.

و اعلم أنّ السّبب في ذلك أنّ الفعل يتوقّف على الدّاعي،فإذا كان الدّاعي إلى الفعل هو الأغراض المتعلّقة بأحوال هذا العالم،كثر التّذبذب و الاضطراب، لأنّ منافع هذا العالم و أسبابه متغيّرة سريعة التّبدّل، و إذا كان الفعل تبعا للدّاعي،و الدّاعي تبعا للمقصود -ثمّ إنّ المقصود سريع التّبدّل و التّغيّر-لزم وقوع التّغيّر في الميل و الرّغبة،و ربّما تعارضت الدّواعي و الصّوارف،فيبقى الإنسان في الحيرة و التّردّد.

أمّا من كان مطلوبه في فعله إنشاء الخيرات الباقية،و اكتساب السّعادات الرّوحانيّة،و علم أنّ تلك المطالب أمور باقية بريئة عن التّغيّر و التّبدّل، لا جرم كان هذا الإنسان ثابتا راسخا،فلهذا المعنى وصف اللّه تعالى أهل الإيمان بالثّبات،فقال: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا إبراهيم:27،و قال: أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرّعد:28،و قال: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ الفجر:26.

المسألة الثّالثة:[نقل القراءات].(11:84)

نحوه النّيسابوريّ.(6:5)

الآلوسيّ:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و المعنى مردّدين بينهما متحيّرين قد ذبذبهم الشّيطان،و أصل الذّبذبة كما قال الرّاغب:صوت الحركة للشّيء المعلّق،ثمّ استعير لكلّ اضطراب و حركة،أو تردّد بين شيئين.و الذّال الثّانية أصليّة عند البصريّين،و مبدلة من باء عند الكوفيّين،و هو خلاف معروف بينهم.

و قرأ ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما(مذبذبين) بكسر الذّال الثّانية،و مفعوله على هذا محذوف،أي مذبذبين قلوبهم،أو دينهم،أو رأيهم و يحتمل أن يجعل لازما،على أنّ«فعلل»بمعنى«تفعلل»كما جاء صلصل بمعنى تصلصل،أي متذبذبين،و يؤيّده ما في مصحف ابن مسعود(متذبذبين).(6:177)

رشيد رضا:أي مضطربين مائلين تارة إلى المؤمنين و تارة إلى الكافرين.و قيل:بين الكفر و الإيمان.

و يقوّي الأوّل قوله: لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ أي لا يخلصون في الانتساب إلى واحد من الفريقين،لأنّهم يطلبون المنفعة،و لا يدرون لمن تكون العاقبة،فهم يميلون إلى اليمين تارة و إلى الشّمال أخرى،فمتى ظهرت الغلبة التّامّة لأحد الفريقين ادّعوا أنّهم منه،كما بيّنه تعالى في الآية الّتي قبل هاتين الآيتين.(5:471)

سيّد قطب:و موقف الذّبذبة،و الأرجحة، و الاهتزاز،و عدم الاستقرار و الثّبات في أحد الصّفّين:

الصّفّ المؤمن أو الصّفّ الكافر،موقف لا يثير إلاّ الاحتقار و الاشمئزاز،كذلك في نفوس المؤمنين.كما أنّه يوحي بضعف المنافقين الذّاتيّ،هذا الضّعف الّذي يجعلهم غير قادرين على اتّخاذ موقف حاسم هنا أو هناك،و لا على المصارحة برأي و عقيدة و موقف مع هؤلاء أو هؤلاء...(2:784)

ص: 536

ابن عاشور:هو حال من ضمير يُراؤُنَ، و المذبذب:اسم مفعول من الذّبذبة،يقال:ذبذبه فتذبذب.

و الذّبذبة:شدّة الاضطراب من خوف أو خجل، قيل:إنّ الذّبذبة مشتقّة من تكرير ذبّ،إذا طرد،لأنّ المطرود يعجّل و يضطرب،فهو من الأفعال الّتي أفادت كثرة المصدر بالتّكرير،مثل زلزل و لملم بالمكان و صلصل و كبكب،و فيه لغة بدالين مهملتين،و هي الّتي تجري في عاميّتنا اليوم؛يقولون:رجل مذبذب، أي يفعل الأشياء على غير صواب و لا توفيق،فقيل:

إنّها مشتقّة من الدّبّة بضمّ الدّال و تشديد الباء الموحّدة،أي الطّريقة،بمعنى أنّه يسلك مرّة هذا الطّريق و مرّة هذا الطّريق.

و الإشارة بقوله: بَيْنَ ذلِكَ إلى ما استفيد من قوله: يُراؤُنَ النّاسَ، لأنّ الّذي يقصد من فعله إرضاء النّاس لا يلبث أن يصير مذبذبا،إذ يجد في النّاس أصنافا متباينة المقاصد و الشّهوات.و يجوز جعل الإشارة راجعة إلى شيء غير مذكور،و لكن إلى ما من شأنه أن يشار إليه،أي مذبذبين بين طرفين كالإيمان و الكفر.[إلى أن قال:]

فمعنى الآية خفيّ،إذ ليس المراد إثبات حالة وسط للمنافقين بين الإيمان و الكفر،لأنّه لا طائل تحت معناه،فتعيّن أنّه من الاستعمال الأوّل،أي ليسوا من المؤمنين و لا من الكافرين،و هم في التّحقيق إلى الكافرين،كما دلّ عليه آيات كثيرة،كقوله: اَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ النّساء:

139،و قوله: وَ إِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ النّساء:

141.

فتعيّن أنّ المعنى أنّهم أضاعوا الإيمان و الانتماء إلى المسلمين،و أضاعوا الكفر بمفارقة نصرة أهله،أي كانوا بحالة اضطراب و هو معنى التّذبذب.و المقصود من هذا تحقيرهم و تنفير الفريقين من صحبتهم، لينبذهم الفريقان.(4:289)

عبد الكريم الخطيب:هو بيان كاشف للحياة الّتي يحياها المنافقون،و أنّها حياة قلقة مضطربة، لا تقوم على مبدإ،و لا تستقيم على طريق.

و الذّبذبة:الاضطراب و التّردّد بين موقفين أو أكثر.و كأنّها مشتقّة من الذّبّ،و هو الدّفع و الطّرد، و منه سمّى الذّباب،لأنّه يطرد،ثمّ يعود،ثمّ يطرد،ثمّ يعود،و هكذا.(3:943).

مكارم الشّيرازيّ:إنّ المنافقين يعيشون في حيرة دائمة،و دون أيّ هدف أو خطّة معيّنة لطريقة الحياة،و لهذا فهم يعيشون حالة من التّردّد و التّذبذب، فلا هم مع المؤمنين حقّا،و لا هم يقفون إلى جانب الكفّار ظاهرا،و في هذا تقول الآية الكريمة:

مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ.

و يحسن هنا الالتفات إلى أنّ كلمة«مذبذب» اسم مفعول من الأصل«ذبذب»و هي تعني في الأصل صوتا خاصّا يسمع لدى تحريك شيء معلّق إثر تصادمه بأمواج الهواء،و قد أطلقت كلمة «مذبذب»على الإنسان الحائر الّذي يفتقر إلى الهدف

ص: 537

أو إلى أيّ خطّة و طريقة للحياة.

هذا واحد من أدقّ التّعابير الّتي أطلقها القرآن الكريم على المنافقين،كما هي إشارة إلى إمكانيّة معرفة المنافقين عن طريق هذا التّذبذب الظّاهر في حركتهم و نطقهم،كما يمكن أن يفهم من هذا التّعبير أنّ المنافقين هم كشيء معلّق يتحرّك بدون أيّ هدف، و ليس لحركته أيّ اتّجاه معيّن،بل يحرّكه الهواء من أيّ صوب كان اتّجاهه،و يأخذه معه إلى الجهة الّتي يتحرّك فيها.(3:445)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الذّباب:الحشرات الطّائرة،واحده ذبابة،و جمعه في القلّة:أذبّة،و في الكثرة:ذبّان،و يطلق على النّحل و غيره توسّعا؛ يقال:ذبّ الذّباب و ذبّبه،أي نحّاه.و أرض مذبّة:

كثيرة الذّباب،و المذبّة:هنة تسوّى من هلب الفرس يذبّ بها الذّباب.

و بعير مذبوب و أذبّ:أصابه الذّباب.

و ذباب العين:إنسانها،على التّشبيه بالذّباب.

و الذّباب:نكتة سوداء في جوف حدقة الفرس، و الجمع:ذبّان.

و الذّباب:الشّرّ الدّائم؛يقال:أصابك ذباب من هذا الدّهر،و أصاب فلانا من فلان ذباب لاذع:شرّ.

و الذّباب:الطّاعون،كأنّه ينقله إلى الإنسان، فسمّي به.

و الذّباب:الجنون،على التّشبيه،و قد ذبّ الرّجل، إذا جنّ.

و رجل ذبابيّ:مأخوذ من الذّباب،و هو الشّؤم.

و الذّبّ:الثّور الوحشيّ،و يقال له أيضا:ذبّ الرّياد،لأنّه-كالذّباب-يختلف و لا يستقرّ في مكان واحد،أو لأنّ رياده أتانه الّتي ترود معه.

و فلان ذبّ الرّياد:يذهب و يجيء،و إذا كان زوّارا للنّساء،على التّشبيه؛يقال:ذبّ يذبّ ذبّا،أي اختلف و لم يستقم في مكان واحد.

و بعير ذبّ:لا يقارّ في موضع.

و منه:الذّبّ:الدّفع و المنع و الطّرد؛يقال:ذبّ عنه يذبّ ذبّا،أي دفع و منع،و ذببت عنه أيضا؛قال ابن فارس:«كأنّك طردت عنه الذّباب الّذي يتأذّى به».

و فلان يذبّ عن حريمه ذبّا:يدفع عنهم؛يقال:

رجل مذبّ و ذبّاب،أي دفّاع عن الحريم.و في الخبر أنّ الحسين عليه السّلام نادى في كربلاء:«أما من ذابّ عن حرم رسول اللّه». (1)

و ذبّب:أكثر الذّبّ،يقال:طعان غير تذبيب،إذا بولغ فيه.

و الذّبّيّ:الجلواز،-الشّرطيّ-قال ابن معصوم:

«لذبّه بين يدي أميره،أو لاختلافه و تردّده في مهمّاته». (2)

و الذّبّ:الخفيف المشمّر من الرّجال؛يقال:جاءنا راكب مذبّب،أي عجل منفرد،و ذبّب:أسرع في

ص: 538


1- الملهوف في قتلى الطّفوف(90).
2- الطّراز الأوّل«ذ ب ب».

السّير.

و ذبّبنا ليلتنا:اتعبنا في السّير.

و ظمء مذبّب:طويل يسار فيه إلى الماء من بعد، فيعجّل بالسّير.

و خمس مذبّب:لا فتور فيه.

و الذّبّ:الذّبول و الجفاف،لأنّه اضطراب و نوسان؛يقال:ذبّت شفته تذبّ ذبّا و ذببا و ذبوبا، و ذببت أيضا،أي يبست و جفّت و ذبلت من شدّة العطش أو لغيره،و ذبّ لسانه كذلك،و شفة ذبّانة:

ذابلة.

و ذبّ جسمه:ذبل و هزل.

و ذبّ النّبت:ذوى.

و ذبّ الغدير يذبّ:جفّ في آخر الجزء.

و ذبّ الرّجل يذبّ ذبّا،إذا شحب لونه.

و منه أيضا:الذّبابة:البقيّة من كلّ شىء،نحو:

ذبابة الدّين،أي بقيّته،و كذا البقيّة من مياه الأنهار؛ يقال:صدرت الإبل و بها ذبابة،أي بقيّة عطش، و ذبّب النّهار،إذا لم يبق منه إلاّ بقيّة.

و ذباب السّيف:حدّ طرفه الّذي بين شفرتيه؛قال الرّاغب:«تشبيها بالذّباب في إيذائه».

و ذباب أسنان الإبل:حدّها.

و الذّباب من أذن الإنسان و الفرس:ما حدّ من طرفها.

2-و الذّبذبة:تردّد الشّيء المعلّق في الهواء،يقال:

تذبذب الشّيء،أي ناس و اضطرب،و ذبذبه هو.و في خبر الطّفّ أنّه«خرج غلام من آل الحسين و هو ممسك بعود من تلك الأبنية،عليه إزار و قميص،و هو مذعور يلتفت يمينا و شمالا،فكأنّي أنظر إلى درّتين في أذنيه يتذبذبان كلّما التفت» (1)

و الذّباذب:أشياء تعلّق بالهودج أو رأس البعير للزّينة،و الواحد ذبذب.

و ذباذب الثّوب:أهدابه،واحدها ذبذب،و في حديث جابر:«كان عليّ بردة لها ذباذب»،أي أهداب و أطراف،لأنّها تتحرّك على لابسها إذا مشى.

و الذّباذب:المذاكير و الخصى،لأنّها تتردّد و تتحرّك،واحدها ذبذبة.

و الذّبذب:الذّكر و اللّسان.و ذبذب الرّجل،إذا منع الجوار و الأهل،أي حماهم.

و رجل مذبذب و متذبذب:متردّد بين أمرين أو رجلين،و لا تثبت صحبته لواحد منهما،و أصله من الذّبّ،و هو الطّرد،أو من الحركة و الاضطراب.

3-و يستعمل العامّة الذّبّ في معنى الطّرح و النّبذ،يقولون:ذبّ الشّيء يذبّه ذبّا،أي رماه جانبا و نبذه،و يكاد ينحصر استعمالهم فيه على الجمادات دون الكائنات الحيّة؛يقال:لقيته مذبوبا على الأرض.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها ثلاثيّا الاسم:(ذبابا)و(الذّباب) مرّتين،و رباعيّا اسم المفعول:(مذبذبين)مرّة في آيتين:

1- يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ

ص: 539


1- شرح الأخبار(3:238)

اَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ الحجّ:73

2- إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاّ قَلِيلاً* مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً

النّساء:142،143

و يلاحظ أوّلا:أنّ لها محورين:فيهما بحوث:

المحور الأوّل:ذبّ

1-نفى اللّه تعالى صفة خلق الذّباب من الأصنام -و هو من أحقر المخلوقات و أضعفها-استهانة بالعابد و المعبود،و أثبت لنفسه هذه الصّفة تعريضا.

و نظيره قوله: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ فاطر:13.

2-أسند تعالى السّلب إلى الذّباب و هو من أفعال الإنسان،كما أسند إلى الأصنام ما يسند إلى العاقل من الضّمائر،و هذا من سنن العرب في كلامهم؛يقال:

«أكلوني البراغيث»،و نظيره قوله: حَتّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ النّمل:18.

3-قال الطّبرسيّ:قال الأخفش:«إن قيل:فأين المثل الّذي ذكر اللّه...قيل:ليس هاهنا مثل،و المعنى:

أنّ اللّه قال:ضرب لي مثل أي شبه في الأوثان،ثمّ قال:

فاستمعوا لهذا المثل الّذي جعلوه مثلي.

و قال القتيبيّ:هاهنا مثل لأنّه ضرب مثل هؤلاء الّذين يعبدون الأصنام بمن عبد من لا يخلق ذبابا.

و قيل:معناه أثبت حديثا يتعجّب منه فاستمعوا له لتقفوا على جهل الكفّار،من قولك:ضربت خيمة،أي نصبتها و أثبتها.و قيل:معناه جعل ذلك كالشّيء اللاّزم الثّابت،من قولك:ضرب السّلطان الجزية على أهل الذّمّة».

و الحقّ أنّ معناه واضح،و هو ضرب المثل،ذكر أوّلا عنوان المثل،ثمّ فصّله بقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ...، فقد مثّل الّذين يعبدون الأصنام بالّذين لا يقدرون أبدا أن يخلقوا ذبابا-و هو من أصغر الطّيور-و إن اجتمعوا له،كما أنّهم لو سلبهم الذّباب شيئا لا يقدرون أن يستنقذوه منه.فقد ضعف الطّالب -و هو من يريد أن يخلق ذبابا-و المطلوب-و هو خلق الذّباب-لاحظ:م ث ل:«مثل»،و:ض ر ب:

«ضرب»،و:خ ل ق:«لن يخلقوا».

4-ذكر اللّه تعالى ثلاث حشرات في الأمثال، اثنتين منها في السّور المدنيّة،و هما الذّباب في الآية الأولى،و البعوض في قوله: إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ البقرة:26.

و واحدة في سورة مكّيّة،و هي العنكبوت:41 مَثَلُ

ص: 540

اَلَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.

و المحور الثّاني:ذبذب«مذبذبين»

1-قالوا في معنى مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ: متردّدين بين الكفر و الإيمان،كفر السّرّ و إيمان العلانية،لا إلى أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و لا إلى هؤلاء اليهود،ليسوا بمؤمنين مخلصين،و لا مشركين مصرّحين بالشّرك، ليسوا بمشركين و يظهرون الشّرك،و ليسوا بمؤمنين، لم يخلصوا الإيمان فيكونوا مع المؤمنين،و ليسوا مع أهل الشّرك بين الإسلام و الكفر،مردّدين متحيّرين في دينهم لا يرجعون إلى اعتقاد شيء على صحّة فهم، لا مع المؤمنين على بصيرة،و لا مع المشركين على جهالة،و لكنّهم حيارى بين ذلك،متردّدين متحيّرين بين الكفر و الإيمان،ليسوا من المؤمنين فيجب لهم ما يجب للمسلمين،و ليسوا من الكفّار فيؤخذ منهم ما يؤخذ من الكفّار،يقومون إلى الصّلاة،متردّدين لا إلى هؤلاء-يعني المؤمنين-فيفعلونه فيستحقّون به الثّواب،و لا إلى الكفّار فيجاهرون بالكفر،بل بين ذلك يظهرون الإيمان،فيجرى عليهم حكم أهله، و يبطنون الكفر فيستحقّون به عقاب أهله،مطرودين من هؤلاء و من هؤلاء.من الذّبّ الّذي هو الطّرد، ذبذبهم الشّيطان و الهوى بين الإيمان و الكفر.متردّدون بينهما متحيّرون،مضطربين لا يثبتون على حال، مضطربين مائلين تارة إلى المؤمنين و تارة إلى الكافرين.و قيل:بين الكفر و الإيمان.و يقوّي الأوّل قوله: لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ، ليسوا من المؤمنين و لا إلى الكافرين،و هم في التّحقيق إلى الكافرين كما دلّت عليه آيات كثيرة،أضاعوا الإيمان و الانتماء إلى المسلمين،و أضاعوا الكفر بمفارقة نصرة أهله،أي كانوا بحالة اضطراب،لا منسوبين إلى هؤلاء فيكونوا مؤمنين،و لا منسوبين إلى هؤلاء فيسمّون مشركين،و نحوها.

2-يخبر اللّه بهذا اللّفظ حال المنافقين الحرج، و يصف موقفهم بما في حروفه من تكرير و قلقلة،فهي جميعا شديدة غير مهموسة.كما أنّ مخارجها متطرّفة، و كأنّها تفصح عن تطرّفهم و تزلزلهم،فمخرج الميم من بين الشّفتين،و الذّال من بين طرف اللّسان و طرفي الثّنيّتين العليين،و الباء من بين الشّفتين،و النّون من طرف اللّسان و أصلي الثّنيّتين العليين،إلاّ الياء فمخرجها من الجوف.

و الجهر في حروف مُذَبْذَبِينَ مذبذب بين الرّخاوة كالذّال،و الشّدّة كالباء،و الوسط كالميم، و هذا ديدن المنافقين،فتارة يتراخون في أمورهم، و تارة يشتدّون فيها،و أخرى يتوسّطون.

كما أنّ ضمّة الميم و فتحة الذّال و كسرة الباء الثّانية و سكون الباء الأولى تعكس حركاتهم و سكناتهم من ارتفاع و انخفاض و انتصاب و استكانة.

3-يشعر لفظ مُذَبْذَبِينَ لمن له أذن واعية بأنّ المنافقين قد ذبذبوا،لما يفيده اسم المفعول من وقوع أثر الفعل عليه،من قولهم:ذبذب الشّيء،أي أناسه

ص: 541

و حرّكه،فهو مذبذب و ذاك مذبذب.

و روى الشّيخ الطّوسيّ عن الحسن المغربيّ،قال:

«مُذَبْذَبِينَ: مطرودين من هؤلاء و من هؤلاء،من الذّبّ الّذي هو الطّرد».

و فسّر الزّمخشريّ الذّبذبة بالذّبّ،ثمّ فرّق بينهما، فقال:«الذّبذبة فيها تكرير ليس في الذّبّ،كأنّ المعنى:

كلّما مال إلى جانب ذبّ عنه».

و لو كان بلفظ(متذبذبين)-كما في مصحف ابن مسعود-لكان معناه متردّدين على قول ابن عبّاس،أو متحيّرين على قول الثّعلبيّ.

4-جاء لفظ مُذَبْذَبِينَ عاملا و معمولا، كالمنافق يكون ضالاّ و مضلاّ،فهو عامل في بَيْنَ ذلِكَ و معمول للفعل يُراؤُنَ في الآية السّابقة.

و المراد بلفظ الإشارة ذلِكَ حالاتهم الثّلاث المتقدّمة في الآية السّابقة:مخادعة اللّه،و قيامهم إلى الصّلاة كسالى،و ذكرهم اللّه قليلا.و نحوه قوله تعالى:

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ البقرة:68،فالإشارة في هذه الآية إلى ما تقدّمه،أي لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ.

5-ذكر اللّه هذه الآية من جملة أوصاف المنافقين الّذين بدأ الحديث عنهم في الآيات قبلها بقوله:في 137،138،من سورة النّساء: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً* بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً، و استمرّ وصفهم في 142،143 إِنَّ اَلْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاّ قَلِيلاً* مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ لا إِلى هؤُلاءِ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً، ثمّ أدام وصفهم أيضا في آيات بعدها.

6-و قالوا في معنى مُذَبْذَبِينَ لغة:أصل التّذبذب:التّحرّك و الاضطراب،من الذّبّ الّذي هو الطّرد،أي مطرودين من كلّ من هؤلاء الفريقين، و حقيقة المذبذب الّذي يذبّ عن كلا الجانبين،أي يردّ و يدفع فلا يقرّ في جانب واحد،كما قيل:فلان يرمى به الرّحوان،إلاّ أنّ الذّبذبة فيها تكرير ليس في الذّبّ، كأنّ المعنى:كلّما مال إلى جانب ذبّ عنه،و هو المهتزّ القلق الّذي لا يثبت و لا يتمهّل.و أصل الذّبذبة-كما قال الرّاغب-صوت الحركة للشّيء المعلّق،ثمّ استعير لكلّ اضطراب و حركة أو تردّد بين شيئين،و الذّال الثّانية أصليّة عند البصريّين،و مبدلة من باء عند الكوفيّين،و هو خلاف معروف بينهم.

الذّبذبة:شدّة الاضطراب من خوف أو خجل.

قيل:إنّ الذّبذبة مشتقّة من تكرير ذبّ إذا طرد،لأنّ المطرود يعجل و يضطرب،فهو من الأفعال الّتي أفادت كثرة المصدر بالتّكرير،مثل:زلزل و لملم بالمكان، و صلصل و كبكب.

و فيه لغة بدالين مهملتين،و هي الّتي تجري في عامّيّتنا اليوم،يقولون:مذبذب،أي يفعل الأشياء على غير صواب و لا توفيق،فقيل:إنّها مشتقّة من الدّبّة...

7-و قالوا في إعراب: مُذَبْذَبِينَ: إمّا حال من

ص: 542

قامُوا كُسالى، أو من يُراؤُنَ النّاسَ، يعني يقومون إلى الصّلاة متردّدين،أو يراءون النّاس متردّدين،و إمّا منصوب على الذّمّ.

8-و في توجيهها و شرحها،قال الفخر الرّازيّ:

«و اعلم أنّ السّبب في ذلك أنّ الفعل يتوقّف على الدّاعي،فإذا كان الدّاعي إلى الفعل هو الأغراض المتعلّقة بأحوال هذا العالم كثر التّذبذب و الاضطراب، لأنّ منافع هذا العالم و أسبابه متغيّرة سريعة التّبدّل.

و إذا كان الفعل تبعا للدّاعي،و الدّاعي تبعا للمقصود،ثمّ إنّ المقصود سريع التّبدّل و التّغيّر،لزم وقوع التّغيّر في الميل و الرّغبة،و ربّما تعارضت الدّواعي و الصّوارف فيبقى الإنسان في الحيرة و التّردّد.

أمّا من كان مطلوبه في فعله إنشاء الخيرات الباقية،و اكتساب السّعادات الرّوحانية،و علم أنّ تلك المطالب أمور باقية بريئة عن التّغيّر و التّبدّل، لا جرم كان هذا الإنسان ثابتا راسخا،فلهذا المعنى وصف اللّه تعالى أهل الإيمان بالثّبات،فقال: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا إبراهيم:27،و قال: أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرّعد:28،و قال: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ الفجر:27».

و قال رشيد رضا:«لا يخلصون في الانتساب إلى واحد من الفريقين،لأنّهم يطلبون المنفعة،و لا يدرون لمن تكون العاقبة،فهم يميلون إلى اليمين تارة و إلى الشّمال أخرى،فمتى ظهرت الغلبة التّامّة لأحد الفريقين ادّعوا أنّهم منه،كما بيّنه تعالى في الآية الّتي قبل هاتين الآيتين».

و قال ابن عاشور:«و الإشارة بقوله: بَيْنَ ذلِكَ إلى ما استفيد من قوله: يُراؤُنَ النّاسَ لأنّ الّذي يقصد من فعله إرضاء النّاس لا يلبث أن يصير مذبذبا،إذ يجد في النّاس أصنافا متباينة المقاصد و الشّهوات.و يجوز جعل الإشارة راجعة إلى شيء غير مذكور،و لكن إلى ما من شأنه أن يشار إليه،أي مذبذبين بين طرفين كالإيمان و الكفر.[إلى أن قال:]

فمعنى الآية خفيّ،إذ ليس المراد إثبات حالة وسط للمنافقين بين الإيمان و الكفر،لأنّه لا طائل تحت معناه،فتعيّن أنّه من الاستعمال الأوّل،أي ليسوا من المؤمنين و لا من الكافرين.و هم في التّحقيق،إلى الكافرين.كما دلّ عليه آيات كثيرة».

و قال سيّد قطب:«و موقف الذّبذبة،و الأرجحة، و الاهتزاز،و عدم الاستقرار و الثّبات في أحد الصّفّين:

الصّفّ المؤمن أو الصّفّ الكافر،موقف لا يثير إلاّ الاحتقار و الاشمئزاز كذلك في نفوس المؤمنين.كما أنّه يوحي بضعف المنافقين الذّاتيّ.هذا الضّعف الّذي يجعلهم غير قادرين على اتّخاذ موقف حاسم هنا أو هناك،و لا على المصارحة برأي و عقيدة و موقف مع هؤلاء أو هؤلاء...».

و قال الخطيب:«هو بيان كاشف للحياة الّتي يحياها المنافقون،و أنّها حياة قلقة مضطربة،لا تقوم على مبدإ،و لا تستقيم على طريق».

و قال المكارم:«إنّ المنافقين يعيشون في حيرة دائمة و دون أيّ هدف أو خطّة معيّنة لطريقة الحياة

ص: 543

و لهذا فهم يعيشون حالة من التّردّد و التّذبذب،فلا هم مع المؤمنين حقّا،و لا هم يقفون إلى جانب الكفّار ظاهرا-إلى أن قال:-هذا واحد من أدقّ التّعابير الّتي أطلقها القرآن الكريم على المنافقين،كما هي إشارة إلى إمكانيّة معرفة المنافقين عن طريق هذا التّذبذب الظّاهر في حركتهم و نطقهم،كما يمكن أن يفهم من هذا التّعبير أنّ المنافقين هم كشيء معلّق...».

9-و قال القشيريّ في الإشارة:«أخسّ الخلق من يدع صدار العبوديّة،و لم يجد سبيلا إلى حقيقة الحرّيّة،فلا له من العزّ شظيّة،و لا في الغفلة عيشة هنيّة».

و يلاحظ ثانيا:أنّ الآية(2)مدنيّة،و(1)محتملة لها،و كلاهما يناسب حال المنافقين الّذين ظهروا في المدينة.

و ثالثا:ذكرت في القرآن حشرات أخرى، أسندت إلى معنى أو أسند إليها معنى،كما أسند إلى الذّباب السّلب،و هي:

النّحل: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمّا يَعْرِشُونَ النّحل:68

النّمل: حَتّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ النّمل:18

العنكبوت: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ العنكبوت:41

الجراد و القمّل: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ... الأعراف:133

البعوض: إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً... البقرة:26

الفراش: يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ القارعة:4

الأرضة: فَلَمّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاّ دَابَّةُ الْأَرْضِ... سبأ:14

ص: 544

ذ ب ح

اشارة

8 ألفاظ،9 مرّات:4 مكّيّة،5 مدنيّة

في 9 سور:3 مكّيّة،6 مدنيّة

ذبحوها 1:-1

ذبح 1:-1

تذبحوا 1:-1

اذبح 1:-1

اذبحنّه 1:1

بذبح 1:1

يذبّح 1:-1

يذبّحون 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الذّبح:قطع الحلقوم من باطن عند النّصيل،و موضعه المذبح.

و الذّبيحة:الشّاة المذبوحة.

و الذّبح:ما أعدّ للذّبح،و هو بمنزلة الذّبيح و المذبوح.

و المذبح:السّكّين الّذي يذبح به.

و الذّابح:شعر ينبت بين النّصيل و المذبح.

و الذّبحة:داء يأخذ في الحلق،و ربّما قتل.

و الذّبح،و الذّباح لغة:نبات من السّمّ،بالفارسيّة:

سعن.[ثمّ استشهد بشعر]

و الذّبح:نبات له أصل يقشر عنه قشر أسود، فيخرج أبيض كأنّه جزرة،حلو طيب يؤكل، و الواحدة ذبحة.

و يقال:أخذه الذّباح،و هو تشقّف بين أصابع الصّبيان من التّراب.

و الذّابح:كوكب،يقال له:سعد الذّابح من منازل القمر،فإذا طلع الذّابح انجحر النّابح.(3:202)

اللّيث:جاء عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه نهى أن يذبّح الرّجل في الصّلاة كما يذبّح الحمار».

و قوله:«أن يذبّح»:هو أن يطأطئ الرّجل رأسه في الرّكوع حتّى يكون أخفض من ظهره.

(الأزهريّ 4:471)

ابن شميّل:مذابح النّصارى:بيوت كتبهم،و هو المذبح لبيت كتبهم.(الأزهريّ 4:473)

ص: 545

الذّبحة:قرحة تخرج في حلق الإنسان مثل الذّئبة الّتي تأخذ الحمار.

الذّابح:ميسم على الحلق في عرض العنق،و يقال للسّمة:ذابح.(الأزهريّ 4:474)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الذّبحة:شجرة تنبت على ساق نبت كالكرّات،ثمّ يكون لها زهرة صفراء، و أصلها مثل الجزرة،و هي حلوة و لونها أحمر.

(ابن سيده 3:293)

ابن كناسة:سعد الذّابح:من الكواكب،أحد السّعود سمّي ذابحا،لأنّ بحذائه كوكبا صغيرا كأنّه قد ذبحه،و العرب تقول:إذا طلع الذّابح انجحر النّابح، و أصل الذّبح الشّقّ.(الأزهريّ 4:474)

أبو زيد:في الحديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كوى أسعد ابن زرارة في حلقه من الذّبحة،و قال:«لا أدع في نفسي حرجا من أسعد»الذّبحة و الذّبحة:لهذا الدّاء، و لم يعرفه بإسكان الباء.(الأزهريّ 4:472)

الأصمعيّ:الذّبحة بتسكين الباء:وجع في الحلق، و أمّا الذّبح فهو نبت أحمر.(الأزهريّ 4:472)

أخذه الذّبّاح بتشديد الباء،و هو تحزّز و تشقّق بين أصابع الصّبيان من التّراب.(الأزهريّ 4:473)

أبو عبيد:عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه نهى عن ذبائح الجنّ».

و«ذبائح الجنّ»:أن يشتري الدّار أو يستخرج العين أو ما أشبه ذلك،فيذبح لها ذبيحة للطّيرة،و هذا التّفسير في الحديث.

و معناه:أنّهم يتطيّرون إلى هذا الفعل مخافة أنّهم إن لم يذبحوا و يطعموا أن يصيبهم فيها شيء من الجنّ يؤذيهم،فأبطل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ذلك و نهى عنه.(1:328)

ابن السّكّيت:الذّبح:مصدر ذبحت.قال الأصمعيّ:و الذّبح أيضا:الشّقّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الذّبح:ما ذبح،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الصّافّات:107،يعني كبش إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم.(إصلاح المنطق:7)

الذّبيح:الّذي قد صلح أن يذبح للنّسك.

(الإبدال:79)

شمر:عن ابن سيرين قال:«لمّا كان زمن ابن المهلّب أتي مروان برجل كفر بعد إسلامه،فقال كعب:

«أدخلوه المذبح وضعوا التّوراة و حلّفوه باللّه».

المذابح:المقاصير؛و يقال:هي المحاريب و نحوها.

و ذبّح الرّجل،إذا طأطأ رأسه للرّكوع،و دبّح و دربح.

و الذّبح:الشّقّ و كلّ ما يشقّ فقد ذبح.

و كذلك كلّ ما فتّ أو قلع فقد ذبح.

و تسمّى مقاصير الكنائس مذابح و مذبحا،لأنّهم كانوا يذبحون فيها القربان.(الأزهريّ 4:471)

يقال:أصابه موت زؤام،و ذؤاب،و ذباح،الذّباح:

الذّبح.

يقال:أخذهم بنو فلان بالذّباح،أي بالذّبح،أي ذبحوهم.

و يقال:أخذ فلانا الذّبحة في حلقه،بفتح الباء.

يقال:كان ذلك مثل الذّبحة على العرّ،مثل يضرب للّذي تخاله صديقا،فإذا هو عدوّ ظاهر

ص: 546

العداوة.

المذابح:من المسائل،واحدها مذبح،و هو مسيل يسيل في سند أو على قرار الأرض،إنّما هو جرح السّيل بعضه على إثر بعض.

و عرض المذبح فتر أو شبر،و قد تكون المذابح خلقة في الأرض المستوية،لها كهيئة النّهر يسيل فيها ماؤها،فذلك المذبح.و المذابح تكون في جميع الأرض في الأودية و غير الأودية،و فيما تواطأ من الأرض.

(الأزهريّ 4:474)

الحربيّ:عن قتادة:«النّحر للإبل،و البقر إن شئت ذبحت و إن شئت نحرت».

و أمّا الغنم فالذّبح،لأنّ في حرف عبد اللّه:

(فنحروها و ما كادوا يفعلون)البقرة:71،عن مجاهد: «فَذَبَحُوها، كان الذّبح فيهم و النّحر فيكم».

فهذا القول كأنّه ذبح البقر كان لبني إسرائيل، و نحرها لنا،و الّذي شاهدنا من أمر النّاس أنّ البقر تذبح ليس تنحر،لأنّ النّحر وجء في أصل العنق، و الذّبح في آخره ممّا يلي الرّأس.(2:443)

ثعلب:الذّبحة و الذّبح:هو الّذي يشبه الكمأة، و يقال له:الذّبحة و المذبّح،و الضّمّ أكثر،و هو ضرب من الكمأة بيض.(الأزهريّ 4:472)

ابن دريد:الذّبح:مصدر ذبحته أذبحه ذبحا.

و أصل الذّبح الشّقّ؛ذبحت المسك،إذا فتقت عنه نوافجه،فهو ذبيح و مذبوح.

و الذّبح:المذبوح،و كذلك فسّر في التّنزيل:

وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الصّافّات:107.

و الذّباح و الذّبحة،بفتح الباء و تسكينها:داء يصيب الإنسان في حلقه؛و تقول العرب:حيّا اللّه هذه الذّبحة،أي هذه الطّلعة.

و الذّبّاح:الشّقوق في الرّجل؛أصابه ذبّاح في رجله.و يقال:حاص ذبّاحا في رجله،إذا خاطه.

و الذّبح:نور أحمر.[ثمّ استشهد بشعر](1:217)

الأزهريّ:[ذكر قول الخليل في معنى الذّبيحة و أضاف:]

قلت:و الذّبيحة:اسم لما يذبح من الحيوان،و أنّث لأنّه ذهب به مذهب الأسماء لا مذهب النّعت.فإذا قلت:شاة ذبيح،أو كبش ذبيح،أو نعجة ذبيح، لم تدخل فيه الهاء،لأنّ«فعيلا»إذا كان نعتا بمعنى «مفعول»يذكّر؛يقال:امرأة قتيل،و كفّ خضيب.

و الذّبح:المذبوح،و هو بمنزلة الطّحن بمعنى المطحون،و القطف بمعنى المقطوف.

و المذبح:ما تذبح به الذّبيحة من شفرة و غيرها.

[و ذكر قول اللّيث ثمّ قال:]

قلت:صحّف اللّيث الحرف،و الصّحيح في الحديث:أن يدبّح الرّجل في الصّلاة،بالدّال (1)غير معجمة.كذلك رواه أصحاب أبي عبيد عنه في غريب الحديث،و الذّال خطأ لا شكّ فيه.

و قال ابن بزرج:الذّبّاح:حزّ في باطن أصابع الرّجل عرضا،و ذلك أنّه ذبح الأصابع و قطعها عرضا،م.

ص: 547


1- كذا في الأصل،و الصّواب:بدال،ليستقيم الكلام.

و جمعه ذبابيح.

و كان أبو الهيثم يقول:ذباح بالتّخفيف و ينكر التّشديد.

قلت:و التّشديد في كلام العرب أكثر،و ذهب أبو الهيثم إلى أنّه من الأدواء الّتي جاءت على«فعال».

و يقال:ذبحت فارة المسك،إذا فتقتها و أخرجت ما فيها من المسك.

و قال بعضهم:الذّبح:الجزر البرّيّ،و لونه أحمر.

و يقال:ذبحت فلانا لحيته،إذا سالت تحت الذّقن و بدا مقدّم حنكه،فهو مذبوح بها.

و يقال:ذبحته العبرة،أي خنقته.[و استشهد بالشّعر 10 مرّات](4:470)

الصّاحب:[مثل الخليل و أضاف:]

و الذّبح و الذّباح:نبات من السّمّ.

و الذّبح:الشّقّ؛ذبحت فأرة المسك:فتقته.

و الذّابح من السّمات:ميسم على الحلق.

و المذابح:جمع مذبح النّصارى يكون فيها كتبهم.

(3:70)

الجوهريّ:الذّبح:الشّقّ.

و الذّبح:مصدر ذبحت الشّاة.

و الذّبح بالكسر:ما يذبح؛قال اللّه تعالى:

وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ.

و الذّبيح:المذبوح،و الأنثى ذبيحة،و إنّما جاءت بالهاء لغلبة الاسم عليها.

و الذّبيح:الّذي يصلح أن يذبح للنّسك.

و اذّبحت:اتّخذت ذبيحا،كقولك:اطّبخت،إذا اتّخذت طبيخا.

و تذابح القوم،أي ذبح بعضهم بعضا؛يقال:

«التّمادح:التّذابح».

و المذبح:شقّ في الأرض مقدار الشّبر و نحوه؛ يقال:غادر السّيل في الأرض أخاديد و مذابح.

و المذابح أيضا:المحاريب،سمّيت بذلك للقرابين.

و الذّبّاح بالضّمّ و التّشديد:شقوق تكون في باطن الأصابع في الرّجل،و منه قولهم:«ما دونه شوكة و لا ذبّاح».

و سعد الذّابح:منزل من منازل القمر،و هما كوكبان نيّران بينهما مقدار ذراع،و في نحر واحد منهما نجم صغير قريب منه كأنّه يذبحه،فسمّي ذابحا.

و الذّبح على مثال الهبع:نبت تأكله النّعام.

و الذّبحة:وجع في الحلق.يقال:أخذته الذّبحة، قال أبو زيد:و لم يعرف الذّبحة بالتّسكين،الّذي عليه العامّة».(1:362)

ابن فارس:الذّال و الباء و الحاء أصل واحد، و هو يدلّ على الشّقّ.فالذّبح:مصدر ذبحت الشّاة ذبحا،و الذّبح:المذبوح،و الذّبّاح:شقوق في أصول الأصابع.و يقال:ذبح الدّنّ،إذا بزل.

و المذابح:سيول صغار تشقّ الأرض شقّا.و سعد الذّابح:أحد السّعود (1).

و الذّبح:نبت،و لعلّه أن يكون شاذّا من الأصل.

(2:369)ة.

ص: 548


1- السّعود:كواكب كثيرة.

أبو هلال:الفرق بين القتل و الذّبح:أنّ الذّبح عمل معلوم،و القتل ضروب مختلفة،و لهذا منع الفقهاء عن الإجازة على قتل رجل قصاصا،و لم يمنعوا من الإجازة على ذبح شاة،لأنّ القتل منه لا يدري أ يقتله بضربة أو بضربتين أو أكثر؟و ليس كذلك الذّبح.(84)

الهرويّ:في الحديث:«أنّه كوى أسعد بن زرارة في حلقه من الذّبحة».

و«الذّبحة»:وجع الحلق.و قال ابن شميّل:هي قرحة في حلق الإنسان مثل الذّئبة الّتي تأخذ الحمير.

(2:671)

الثّعالبيّ:إذا كان[الوجع]في الحلق،فهو عذرة و ذبحة.(143)

الذّبح:قطع الحلقوم من داخل.(232)

ذبح فأرة المسك،إذا استخرج ما فيها.(314)

ابن سيده:الذّبح:قطع الحلقوم من باطن،ذبحه يذبحه ذبحا،فهو مذبوح و ذبيح،من قوم ذبحى و ذباحى.و كذلك التّيس و الكبش من كباش ذبحى و ذباحى.و شاة ذبيحة و ذبيح،من نعاج ذبحى و ذبائح،و كذلك النّاقة.

و ذبّحه:ك«ذبحه»،و قيل:إنّما ذلك للدّلالة على الكثرة...

و الذّبح:اسم ما ذبح،و في التّنزيل: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ،يعني كبش إبراهيم عليه السّلام.

و اذّبح القوم،اتّخذوا ذبيحة.

و المذبح:السّكّين.

و المذبح:موضع الذّبح من الحلقوم.

و ذبائح الجنّ:أن يشتري الدّار و يستخرج ماء العين و ما أشبه ذلك،فيذبح لها ذبيحة للطّيرة،و في الحديث:«نهي عن ذبائح الجنّ».

و الذّابح:شعر ينبت بين النّصيل و المذبح.

و الذّباح و الذّبحة و الذّبحة و الذّبحة:دم يخنق الإنسان فيقتله.و قيل:الذّبحة:وجع الحلق كأنّه يذبح.

و الذّباح:القتل أيّا كان.

و الذّبح:القتيل.

و الذّبح:الشّقّ.

و الذّبائح:شقوق في أصابع الرّجل ممّا يلي الصّدر، و اسم ذلك الدّاء الذّباح.

و الذّباح:تحزّز و تشقّق بين أصابع الصّبيان من التّراب.

و المذبح:ضرب من الأنهار،كأنّه شقّ أو انشقّ.

و المذبح:المحراب و المقصورة و نحوهما...

و المذبح:ما بين أصل الفوق و بين الرّيش.

و الذّبح:نبات له أصل يقشّر عنه قشر أسود، فيخرج أبيض كأنّه جزرة بيضاء،طيّب يؤكل، واحدته ذبحة و ذبحة،حكاه أبو حنيفة عن الفرّاء.

و الذّبح و الذّباح:نبات من السّمّ.

و الذّبح أيضا:نور أحمر.

و حيّا اللّه هذه الذّبحة،أي الطّلعة.

و سعد الذّابح:منزلة من منازل القمر.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](3:292)

الطّوسيّ:الذّبح و النّحر و الشّقّ:نظائر.

ص: 549

و الذّبح:فري الأوداج؛يقال:ذبح ذبحا،و استذبح استذباحا،و تذابحوا تذابحا،و ذبّح تذبيحا.

و أصل الذّبح:الشّقّ،و ذبحت المسك،إذا فتقت عنه،فهو ذبيح و مذبوح.

و الذّبح:الشّيء المذبوح،لقوله: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ.

و الذّباح و الذّبحة:بفتح الباء و تسكينها،داء يصيب الإنسان في حلقه،و تقول العرب:حيّ اللّه هذه الذّبحة،أي هذه الطّلعة.

و الذّباح:الشّقوق في الرّجل،أصله:ذباح في رجله.

و الذّبح:نور أحمر.

و سعد الذّابح:كوكب معروف من منازل القمر.

[ثمّ ذكر قول الخليل](1:221)

نحوه الواحديّ.(1:135)

الرّاغب:أصل الذّبح:شقّ حلق الحيوانات.

و الذّبح:المذبوح؛قال تعالى: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، و قال: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً البقرة:67.

و ذبحت الفارة:شققتها تشبيها بذبح الحيوان، و كذلك:ذبح الدّنّ.

و قوله: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ البقرة:49،على التّكثير،أي يذبّح بعضهم إثر بعض.

و سعد الذّابح:اسم نجم،و تسمّى الأخاديد من السّيل مذابح.(177)

الزّمخشريّ: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، و هو ما يهيّأ للذّبح.

و نهي عن ذبائح الجنّ،و هي ما ذبح للطّيرة نحو:

أن تشتري دارا فتذبح لتستخرج العين،و لئلاّ يصيبك مكروه من جنّها،و لا تأكل ذبيحة مجوسيّ.

و أصابته الذّبحة،و هي داء في حلقه.

و من المجاز:ذبح العطّار الفأرة:فتقها،و مسك ذبيح.

و قد ذبحه العطش:جهده.

و ذبح الدّن:بزله.

و هذا مذبح السّيل،و هذه مذابح السّيل،و هي خدود يخدّها.

و ذبحته العبرة:خنقته و أخذت بحلقه.

و ذبحت فلانا لحيته،إذا سالت عن الذّقن.

و الطّمع ذباح،و هو داء في الحلق،و قيل:نبات هو سمّ.

و مررت بمذبح النّصارى و بمذابحهم،و هي محاريبهم و مواضع كتبهم،و نحوها المناسك للمتعبّدات، و هي في الأصل المذابح.

و التقى بنو فلان فأجلوا عن ذبيح،أي قتيل.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:141)

ابن الأثير:في حديث القضاء:«من ولي قاضيا فقد ذبح بغير سكّين»،معناه:التّحذير من طلب القضاء و الحرص عليه،أي من تصدّى للقضاء و تولاّه فقد تعرّض للذّبح فليحذره.و الذّبح هاهنا مجاز عن الهلاك،فإنّه من أسرع أسبابه.

و قوله:«بغير سكّين»يحتمل وجهين:

ص: 550

أحدهما:أنّ الذّبح في العرف إنّما يكون بالسّكّين، فعدل عنه ليعلم أنّ الّذي أراد به ما يخاف عليه من هلاك دينه دون هلاك بدنه.

و الثّاني:أنّ الذّبح الّذي يقع به راحة الذّبيحة و خلاصها من الألم إنّما يكون بالسّكّين،فإذا ذبح بغير السّكّين كان ذبحه تعذيبا له،فضرب به المثل ليكون أبلغ في الحذر و أشدّ في التّوقّي منه.

و في حديث الضّحيّة:«فدعا بذبح فذبحه»، الذّبح بالكسر:ما يذبح من الأضاحيّ و غيرها من الحيوان،و بالفتح الفعل نفسه.

و في حديث أمّ زرع:«و أعطاني من كلّ ذابحة زوجا».هكذا جاء في رواية،أي أعطاني من كلّ ما يجوز ذبحه من الإبل و البقر و الغنم و غيرها زوجا، و هي«فاعلة»بمعنى«مفعولة»و الرّواية المشهورة بالرّاء و الياء،من الرّواح.

و فيه:«كلّ شيء في البحر مذبوح»،أي ذكيّ لا يحتاج إلى الذّبح.

و في حديث أبي الدّرداء:«ذبح الخمر الملح و الشّمس و النّينان».

«النّينان»:جمع نون و هي السّمكة،و هذه صفة مرّيّ يعمل بالشّام؛تؤخذ الخمر فيجعل فيها الملح و السّمك،و توضع في الشّمس فتتغيّر الخمر إلى طعم المرّيّ،فتستحيل عن هيئتها كما تستحيل إلى الخلّيّة.

يقول:كما أنّ الميتة حرام و المذبوحة حلال،فكذلك هذه الأشياء ذبحت الخمر فحلّت،فاستعار الذّبح للإحلال،و الذّبح في الأصل:الشّقّ.

و فيه:«أنّه عاد البراء بن معرور و أخذته الذّبحة، فأمر من لعطه بالنّار».

الذّبحة بفتح الباء و قد تسكّن:وجع يعرض في الحلق من الدّم،و قيل:هي قرحة تظهر فيه فينسدّ معها و ينقطع النّفس فتقتل.(2:153)

الفيّوميّ:ذبحت الحيوان ذبحا،فهو ذبيح و مذبوح.

و الذّبيحة:ما يذبح،و جمعها:ذبائح،مثل:كريمة و كرائم.

و أصل الذّبح:الشّقّ؛يقال:ذبحت الدّنّ،إذا بزلته.

و الذّبح:وزان حمل:ما يهيّأ للذّبح.

و المذبح بالكسر:السّكّين،الّذي يذبح به.

و المذبح بالفتح:الحلقوم،و مذبح الكنيسة:

كمحراب المسجد،و الجمع:المذابح.(1:206)

الفيروزآباديّ:ذبح ك«منع»،ذبحا و ذباحا:

شقّ،و فتق،و نحر،و خنق.

و الدّنّ:بزله،و اللّحية فلانا:سالت تحت ذقنه، فبدا مقدّم حنكه،فهو مذبوح بها.

و الذّبح بالكسر:ما يذبح.و كصرد و عنب:ضرب من الكمأة.و كصرد:الجزر البرّيّ،و نبت آخر.

و الذّبيح:المذبوح،و إسماعيل عليه السّلام.و أنا ابن الذّبيحين،لأنّ عبد المطّلب لزمه ذبح عبد اللّه لنذر، ففداه بمائة من الإبل،و ما يصلح أن يذبح للنّسك.

و اذّبح ك«افتعل»:اتّخذ ذبيحا.

و تذابحوا:ذبح بعضهم بعضا.و المذبح:مكانه،

ص: 551

و شقّ في الأرض مقدار الشّبر و نحوه.و كمنبر:ما يذبح به.و كزنّار:شقوق في باطن أصابع الرّجلين، و قد يخفّف.و كغراب:نبت من السّموم،و وجع في الحلق.

و المذابح:المحاريب،و المقاصير،و بيوت كتب النّصارى،الواحد:كمسكن.

و الذّابح:سمة،أو ميسم يسم على الحلق في عرض العنق.و شعر ينبت بين النّصيل و المذبح.

و سعد الذّابح:كوكبان نيّران بينهما قيد ذراع،و في نحر أحدهما نجم صغير،لقربه منه كأنّه يذبحه.

و ذبحان بالضّمّ:بلدة باليمن،و اسم جماعة.

و التّذبيح:التّدبيح.

و الذّبحة كهمزة و عنبة و كسرة و صبرة و كتاب و غراب:وجع في الحلق،أو دم يخنق فيقتل.

(1:228)

الطّريحيّ:و الذّبيح:المذبوح،و الذّبيحة:مثله، و الهاء لغلبة الاسم.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«أنا ابن الذّبيحين».كان عبد المطّلب قد رأى في المنام أنّه يحفر زمزم و نعت له موضعها،فقام يحفر و ليس له ولد إلاّ الحارث،فنذر لئن ولد له عشرة ثمّ بلغوا،لينحرن أحدهم عند الكعبة،فلمّا تمّوا عشرة أخبرهم بنذره فأطاعوه،و كتب كلّ منهم اسمه في قدح،فخرج على عبد اللّه،فأخذ عبد المطّلب الشّفرة لنحره،فقامت قريش من أنديتها و قالوا:

لا تفعل حتّى تنظر فيه،فانطلق إلى قومه فقال:قرّبوا عشرة من الإبل،ثمّ اضربوا عليها و على القداح،فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتّى يرضى ربّكم،فقرّبوا عشرة فخرجت على عبد اللّه،ثمّ زادوا عشرة فخرجت على عبد اللّه،فلم يزالوا حتّى صارت مائة،فخرجت القداح على الإبل فنحرت،ثمّ تركت لا يصدّ عنها إنسان و لا سبع،فلذلك قال صلّى اللّه عليه و آله:«أنا ابن الذّبيحين».

و مذبح الكنيسة:كمحراب المسجد،و الجمع:

المذابح،سمّيت بذلك للقرابين.

و منه الحديث:«كان عليّ عليه السّلام إذا رأى المحاريب في المساجد كسرها،و يقول:كأنّها مذابح اليهود».

و المذبح:شقّ في الأرض.

و الذّبحة كهمزة و عنبة:وجع في الحلق من الدّم، و قيل:قرحة تظهر فيه فينسدّ معها و ينقطع النّفس، و منه:حديث محمّد بن إسماعيل حين أخذ يعرّض بعمّه موسى بن جعفر عليهما السّلام عند هارون:«فرماه اللّه بالذّبحة».(2:350)

مجمع اللّغة:ذبح الإنسان و الحيوان:قطع حلقومه فأزهق نفسه.

ذبّحه تذبيحا:يقال في تكثير عمليّة الذّبح.

الذّبح-بكسر الذّال و سكون الباء-:ما يعدّ للذّبح،و المذبوح.(1:415)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:198)

العدنانيّ:الذّبحة القلبيّة أو الذّبحة

و يخطّئون من يقول:مات فلان بالذّبحة القلبيّة.

و يقولون:إنّ الصّواب هو:الذّبحة،أو الذّبحة،أو الذّباح،أو الذّبحة،أو الذّبحة.

ص: 552

و لكنّ مجمع القاهرة أقرّ في معجمه-الوسيط- استعمال«الذّبحة»،أيضا لشيوع فتح الذّال في البلاد العربيّة،و لكثرة من يموتون بها في هذه الأيّام.

(معجم الأخطاء الشّائعة:95)

المصطفويّ:التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو قطع الحلقوم و فصل الرّأس من البدن، و رأس كلّ شيء بحسبه.و يعبّر في شقوق أصابع اليد و الرّجل بالذّباح مبالغة،و هكذا في موارد خاصّ من الدّنّ و الأرض.[ثمّ ذكر الآيات و أضاف:]

يقال:ذبح يذبح و أذبح و أذبحنّ،و ذبح و يذبح، فهو مذبوح و ذبيح،و المصدر الذّبح،و اسم المصدر:

الذّبح كما قلنا في الدّين و الدّين.

و التّذبيح:«تفعيل»و فيه يلاحظ جهة الوقوع و حيثيّة النّسبة إلى المفعول،فالنّظر في: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ البقرة:49،إلى الأبناء المذبوحة.

فظهر أنّ مفاهيم مطلق الشّقّ و البزل-بمعنى الثّقب و الشّقّ-و وجع الحلق خارجة عن الأصل و الحقيقة.

و أمّا سعد الذّابح:هو اسم منزل 22 من منازل القمر الّتي هي ثمانية و عشرون منزلا،فليراجع الكتب المربوطة.

و لا يخفى أنّ التّجوّز في الاستعمالات العرفيّة العامّة شائعة في جميع اللّغات و الملل بمناسبات مختلفة قريبة أو بعيدة،تلاحظ حين الاستعمال،و إن خفيت على الغائبين،و أنّ موضوع بحثنا في كلمات القرآن الكريم.(3:301)

النّصوص التّفسيريّة

ذبحوها

قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ. البقرة:71

الطّبريّ:فذبح قوم موسى البقرة الّتي وصفها اللّه لهم و أمرهم بذبحها.(1:397)

الواحديّ:في الآية إضمار ما،أراد:فطلبوها فوجدوها فذبحوها.(1:157)

الزّمخشريّ:أي فحصّلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلّها فذبحوها.(1:288)

البيضاويّ:فيه اختصار،و التّقدير:فحصّلوا البقرة المنعوتة فذبحوها.(1:63)

و في هذه الآية مباحث،راجع:ب ق ر:«بقرة»، و:ك و د:«كادوا»،و:ف ع ل:«يفعلون».

ذبح

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ... المائدة:3

الفرّاء: وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ: ذبح للأوثان.

و ما ذُبِحَ: في موضع رفع لا غير.(1:301)

الطّبريّ:يعني بقوله جلّ ثناؤه: وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ و حرّم عليكم أيضا الّذي ذبح على النّصب.

ف(ما)في قوله: وَ ما ذُبِحَ رفع،عطفا على(ما)

ص: 553

الّتي في قوله: وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ. (4:414)

و فيها مباحث،راجع:ن ص ب:«النّصب».

ان تذبحوا

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً... البقرة:67

راجع:ب ق ر:«بقرة».

اذبحك

فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ. الصّافّات:102

ابن قتيبة:أي سأذبحك.

و لم يرد-فيما يرى أهل النّظر-أنّه ذبحه في المنام، و لكنّه أمر في المنام بذبحه،فقال:إنّي أرى في المنام أنّي سأذبحك.

و مثل هذا:رجل رأى في المنام أنّه يؤذّن -و الأذان دليل الحجّ-فقال:إنّي رأيت في المنام أنّي أحجّ،أي سأحجّ.(373)

عبد الجبّار:مسألة:قالوا:ثمّ ذكر تعالى ما يدلّ على أنّه يأمر بالشّيء و لا يريده،فقال: قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى، ثمّ بيّن في الآية ما يدلّ على أنّه لم يرد الذّبح،فإنّه فداه بذبح عظيم؟

و الجواب عن ذلك:أنّ الّذي...(أ)مأمور به، و أنّه ليس بمراد.(ب)يستدلّوا به على أنّ الذّبح مأمور به لم يكن فيه دلالة على أنّه ليس بمراد،بل من يقول:

إنّه مأمور به يقول:إنّه مراد،و يجوز في الأمرين البداء و النّسخ،على بعض الوجوه،فتعلّقهم بذلك على هذا الوجه ممّا لا يشهد له الظّاهر.

و إنّما بنوه على أصولهم في أنّ ما لا يقع لا يكون مراد اللّه،و رأوا أنّ الذّبح لم يقع فقطعوا على ذلك، و حكموا عنده بأنّه مأمور به،و إن كان هذا حاله، و هذا جمع بين الظّاهر و بين مذهب لهم فيه التّنازع، و كيف يصحّ فيما هذا حاله أن يعد استدلالا بالظّاهر مع حاجته إلى ضمّ ما فيه الخلاف إليه،و ما يجري مجراه من المذاهب؟

و لا فرق بينهم في ذلك و بين من يقول:إذا ثبت أنّه ليس بمراد،و قد صحّ أنّ المأمور به لا بدّ من كونه مرادا فيجب أن لا يكون مأمورا به أصلا!و متى قالوا في هذا القول:إنّه رجوع إلى غير الظّاهر،لزمهم مثله فيما قالوه.

و بعد،فإنّ الظّاهر يقتضي أنّه رأى في المنام أنّه يذبحه،فمن أين أنّ ذلك أمر من اللّه؟

و قد يرى في المنام ذلك و غيره،بل الظّاهر فيما هذا حاله أن لا يقطع بأنّه أمر من اللّه في الحقيقة إلاّ بمقدّمة يعلم بها هذا من حاله،فكيف يصحّ تعلّقهم بالظّاهر؟

و متى قالوا:قد علمنا بغير الظّاهر أنّه أمر من اللّه تعالى،فقد خرجوا عن الظّاهر و دخلوا في باب التّأويل معنا.

و قد بيّنّا في أصول الفقه القول في ذلك،و أنّه

ص: 554

تعالى ذكر الذّبح،و أراد به مقدّماته من الإضجاع و أخذ المدية،لأنّ فاعل ذلك من حيث يقرب إلى أن يكون ذابحا يوصف بهذه الصّفة،كما قيل في مقدّمات الموت من المرض المخوف:إنّه موت،فقال تعالى:

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ البقرة:180،و قد علمنا أنّ الوصيّة لا تكون منه مع وقوع الموت.

و قوله تعالى من بعد: قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا الصّافّات:105،و لمّا وقع الذّبح،و إنّما فعل ما قلناه،يدلّ على أنّ المراد بالكلام ما قلناه.فإذا صحّ ذلك و قد فعل إبراهيم عليه السّلام ما أريد منه،ثبت أنّ الذّبح الّذي لم يفعله ليس بداخل فيما أمر به،و لا فيما أريد منه،و ذلك يبطل تعلّقهم بالظّاهر.

و قد بيّنّا الكلام على من يستدلّ بذلك في جواز البداء،و في جواز النّسخ قبل وقوع الفعل،فلا وجه لإعادته.(1:587)

الفخر الرّازيّ:اختلفوا في أنّ هذا الذّبيح من هو؟

فقيل:إنّه إسحاق،و هذا قول عمر،و عليّ، و العبّاس بن عبد المطّلب،و ابن مسعود،و كعب الأحبار،و قتادة،و سعيد بن جبير،و مسروق، و عكرمة،و الزّهريّ،و السّدّيّ،و مقاتل رضي اللّه عنهم.

و قيل:إنّه إسماعيل،و هو قول ابن عبّاس،و ابن عمر،و سعيد بن المسيّب،و الحسن،و الشّعبيّ، و مجاهد،و الكلبيّ.

و احتجّ القائلون بأنّه إسماعيل بوجوه:

الأوّل:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«أنا ابن الذّبيحين».

و قال له أعرابيّ:«يا ابن الذّبيحين،فتبسّم،فسئل عن ذلك،فقال:إنّ عبد المطّلب لمّا حفر بئر زمزم،نذر للّه لئن سهّل اللّه له أمرها،ليذبحنّ أحد ولده،فخرج السّهم على عبد اللّه فمنعه أخواله،و قالوا له:افد ابنك بمائة من الإبل،ففداه بمائة من الإبل،و الذّبيح الثّاني إسماعيل».

الحجّة الثّانية:نقل عن الأصمعيّ أنّه قال:سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذّبيح،فقال:يا أصمعيّ أين عقلك؟و متى كان إسحاق بمكّة،و إنّما كان إسماعيل بمكّة،و هو الّذي بنى البيت مع أبيه و المنحر بمكّة؟

الحجّة الثّالثة:أنّ اللّه تعالى وصف إسماعيل بالصّبر دون إسحاق في قوله: وَ إِسْماعِيلَ وَ إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصّابِرِينَ الأنبياء:85،و هو صبره على الذّبح،و وصفه أيضا بصدق الوعد في قوله: إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ مريم:54،لأنّه وعد أباه من نفسه الصّبر على الذّبح فوفّى به.

الحجّة الرّابعة:قوله تعالى: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ هود:71،فنقول:لو كان الذّبيح إسحاق،لكان الأمر بذبحه إمّا أن يقع قبل ظهور يعقوب منه،أو بعد ذلك.فالأوّل باطل،لأنّه تعالى لمّا بشّرها بإسحاق،و بشّرها معه بأنّه يحصل منه يعقوب،فقبل ظهور يعقوب منه،لم يجز الأمر بذبحه،و إلاّ حصل الخلف في قوله: وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ، و الثّاني:باطل،لأنّ قوله: فَلَمّا بَلَغَ

ص: 555

مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ، يدلّ على أنّ ذلك الابن لمّا قدر على السّعي و وصل إلى حدّ القدرة على الفعل،أمر اللّه تعالى إبراهيم بذبحه،و ذلك ينافي وقوع هذه القصّة في زمان آخر،فثبت أنّه لا يجوز أن يكون الذّبيح هو إسحاق.

الحجّة الخامسة:حكى اللّه تعالى عنه أنّه قال:

وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ الصّافّات:99، ثمّ طلب من اللّه تعالى ولدا يستأنس به في غربته،فقال:

رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ الصّافّات:100،و هذا السّؤال إنّما يحصل قبل أن يحصل له الولد،لأنّه لو حصل له ولد واحد،لما طلب الولد الواحد،لأنّ طلب الحاصل محال،و قوله: هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ لا يفيد إلاّ طلب الولد الواحد،و كلمة(من)للتّبعيض، و أقلّ درجات البعضيّة الواحد،فكأنّ قوله: مِنَ الصّالِحِينَ لا يفيد إلاّ طلب الولد الواحد،فثبت أنّ هذا السّؤال لا يحسن إلاّ عند عدم كلّ الأولاد،فثبت أنّ هذا السّؤال وقع حال طلب الولد الأوّل،و أجمع النّاس على أنّ إسماعيل متقدّم في الوجود على إسحاق،فثبت أنّ المطلوب بهذا الدّعاء و هو إسماعيل، ثمّ إنّ اللّه تعالى ذكر عقيبه قصّة الذّبيح،فوجب أن يكون الذّبيح هو إسماعيل.

الحجّة السّادسة:الأخبار الكثيرة في تعليق قرن الكبش بالكعبة،فكأنّ الذّبيح بمكّة،و لو كان الذّبيح إسحاق لكان الذّبح بالشّام.

و احتجّ من قال:إنّ ذلك الذّبيح هو إسحاق بوجهين:

الوجه الأوّل:أنّ أوّل الآية و آخرها يدلّ على ذلك،أمّا أوّلها فإنّه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السّلام قبل هذه الآية أنّه قال: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ، و أجمعوا على أنّ المراد منه مهاجرته إلى الشّام،ثمّ قال:

فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ الصّافّات:101،فوجب أن يكون هذا الغلام ليس إلاّ إسحاق،ثمّ قال بعده: فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، و ذلك يقتضي أن يكون المراد من هذا الغلام الّذي بلغ معه السّعي،هو ذلك الغلام الّذي حصل في الشّام،فثبت أنّ مقدّمة هذه الآية تدلّ على أنّ الذّبيح هو إسحاق.و أمّا آخر الآية فهو أيضا يدلّ على ذلك،لأنّه تعالى لمّا تمّم قصّة الذّبيح قال بعده:

وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ الصّافّات:

112،و معناه:أنّه بشّره بكونه نبيّا من الصّالحين، و ذكر هذه البشارة عقيب حكاية تلك القصّة يدلّ على أنّه تعالى إنّما بشّره بهذه النّبوّة،لأجل أنّه تحمّل هذه الشّدائد في قصّة الذّبيح،فثبت بما ذكرنا أنّ أوّل الآية و آخرها يدلّ على أنّ الذّبيح هو إسحاق عليه السّلام.

الحجّة الثّانية على صحّة ذلك:ما اشتهر من كتاب يعقوب إلى يوسف عليه السّلام:من يعقوب إسرائيل نبيّ اللّه ابن إسحاق ذبيح اللّه بن إبراهيم خليل اللّه،فهذا جملة الكلام في هذا الباب،و كان الزّجّاج يقول:اللّه أعلم أيّهما الذّبيح؟و اللّه أعلم.

و اعلم أنّه يتفرّع على ما ذكرنا اختلافهم في موضع الذّبح،فالّذين قالوا:الذّبيح هو إسماعيل قالوا:

كان الذّبح بمنى،و الّذين قالوا:إنّه إسحاق،قالوا:هو بالشّام،و قيل:ببيت المقدس،و اللّه أعلم.(26:153)

ص: 556

نحوه القرطبيّ.(15:99)

و فيها مباحث،راجع:ن و م:«المنام».

لاذبحنّه

لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. النّمل:21

الضّحّاك:يقول:لأقتلنّه.(الطّبريّ 9:507)

الواحديّ:أي لأقطعنّ حلقه.(3:374)

مثله البغويّ(3:497)،و الطّبرسيّ(4:218).

بذبح

وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. الصّافّات:107

الإمام عليّ عليه السّلام:كبش أبيض أقرن أعين مربوط بسمرة في ثبير.(الطّبريّ 10:515)

ابن عبّاس:بكبش سمين.(377)

الكبش الّذي ذبحه إبراهيم هو الكبش الّذي قرّبه ابن آدم فتقبّل منه.(الطّبريّ 10:515)

نحوه سعيد بن جبير.(ابن الجوزيّ 7:77)

التفت فإذا كبش،فأخذه فذبحه.

(الطّبريّ 10:515)

نحوه السّدّيّ.(الطّبريّ 10:516)

خرج عليه كبش من الجنّة قد رعاها قبل ذلك أربعين خريفا،فأرسل إبراهيم ابنه و اتّبع الكبش، فأخرجه إلى الجمرة الأولى فرمى بسبع حصيّات فأفلته عنده،فجاء الجمرة الوسطى،فأخرجه عندها، فرماه بسبع حصيّات،ثمّ أفلته فأدركه عند الجمرة الكبرى،فرماه بسبع حصيّات فأخرجه عنده،ثمّ أخذه فأتى به المنحر من منى فذبحه،فو الّذي نفس ابن عبّاس بيده،لقد كان أوّل الإسلام،و إنّ رأس الكبش لمعلّق بقرنيه عند ميزاب الكعبة قد حشّ،يعني يبس.

...كان وعلا.(الطّبريّ 10:516)

أنّه فدي بوعل أنزل عليه من ثبير.

(الماورديّ 5:62)

أنّه كان كبشا أقرن،قد رعى في الجنّة قبل ذلك أربعين عاما.

أنّ إبراهيم فدى ابنه بكبشين أبيضين أعينين أقرنين.(ابن الجوزيّ 7:77)

هو الكبش الّذي قرّبه هابيل فقبل منه،و كان يرعى في الجنّة حتّى فدي به إسماعيل،و لو تمّت تلك الذّبيحة لصارت سنّة،و ذبح النّاس أبناءهم.

(النّسفيّ 4:26)

سعيد بن جبير:كان الكبش الّذي ذبحه إبراهيم رعى في الجنّة أربعين سنة،و كان كبشا أملح،صوفه مثل العهن الأحمر.(الطّبريّ 10:515)

مجاهد:الذّبح:الكبش.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 10:516)

شاة.(الطّبريّ 10:516)

عكرمة:إنّ ابن عبّاس كان أفتى الّذي جعل عليه أن ينحر نفسه،فأزره بمائة من الإبل،فقال ابن عبّاس بعد ذلك:لو كنت أفتيته بكبش لأجزأه أن يذبح كبشا،فإنّ اللّه قال في كتابه: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. (الطّبريّ 10:515)

ص: 557

الحسن:إنّه فدي بكبش من غنم الدّنيا.

(الماورديّ 5:63)

ما فدي إسماعيل إلاّ بتيس من الأروى،أهبط عليه من ثبير.(الطّبريّ 10:516)

ما يقول اللّه: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ لذبيحته الّتي ذبح فقط،و لكن الذّبح على دينه،فتلك السّنّة إلى يوم القيامة،فاعلموا أنّ الذّبيحة تدفع ميتة السّوء، فضحّوا عباد اللّه.(الطّبريّ 10:517)

الإمام الرّضا عليه السّلام:[عليّ بن فضّال:سألت أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام عن معنى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أنا ابن الذّبيحين؟قال:]يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السّلام،و عبد اللّه بن عبد المطّلب،أمّا إسماعيل فهو الغلام الحليم الّذي بشّر اللّه تعالى به إبراهيم عليه السّلام: فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، و هو لمّا عمل مثل عمله: قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ، و لم يقل:يا أبت افعل ما رأيت سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ. فلمّا عزم على ذبحه فداه اللّه تعالى بذبح عظيم،بكبش أملح يأكل في سواد،و يشرب في سواد، و ينظر في سواد،و يمشي في سواد،و يبول و يبعر في سواد،و كان يرتع قبل ذلك في رياض الجنّة أربعين عاما،و ما خرج من رحم أنثى،و إنّما قال اللّه تعالى له:

كن،فكان،ليفتدي به إسماعيل،فكلّ ما يذبح في منى فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة،فهذا أحد الذّبيحين،- إلى قوله عليه السّلام:-و العلّة الّتي من أجلها دفع اللّه عزّ و جلّ الذّبح عن إسماعيل هي العلّة الّتي من أجلها دفع اللّه الذّبح عن عبد اللّه،و هي كون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين في صلبهما،فببركة النّبيّ و الأئمّة صلوات اللّه عليهم دفع اللّه الذّبح عنهما،فلم تجر السّنّة في النّاس تقتل أولادهم،و لو لا ذلك لوجب على النّاس كلّ أضحى التّقرّب إلى اللّه تعالى ذكره بقتل أولادهم،و كلّما يتقرّب به النّاس إلى اللّه عزّ و جلّ من أضحية فهو فداء لإسماعيل إلى يوم القيامة.

(العروسيّ 4:430)

الفرّاء:الذّبح:الكبش،و كلّ ما أعددته للذّبح فهو ذبح.و يقال:إنّه رعى في الجنّة أربعين خريفا، فأعظم به.(2:390)

أبو عبيدة:الذّبح:المذبوح،و الذّبح:الفعل؛تقول العرب:قد كان بين بني فلان و بين بني فلان ذبح عظيم:

قتلى كثيرة.(2:172)

أبو سليمان الدّمشقيّ:لمّا قرّبه ابن آدم رفع حيّا،فرعى في الجنّة،ثمّ جعل فداء الذّبيح،فقبل مرّتين.

(ابن الجوزيّ 7:78)

ابن قتيبة:أي بكبش.و الذّبح:اسم ما ذبح، و الذّبح بنصب الذّال:مصدر ذبحت.(374)

الزّجّاج:الذّبح:بكسر الذّال:الشّيء الّذي يذبح، و الذّبح:المصدر،تقول:ذبحته أذبحه ذبحا.و قيل:إنّه الكبش الّذي تقبّل من ابن آدم حين قرّبه.و قيل:إنّه رعى في الجنّة أربعين سنة.و قيل:إنّه كان وعلا من الأوعال،و الأوعال:التّيوس الجبليّة.(4:311)

نحوه النّحّاس(6:52)،و الثّعلبيّ(8:157)، و الطّوسيّ(8:520)،و القرطبيّ(15:117).

ص: 558

الماورديّ:إنّه فدي بكبش أنزل عليه من الجنّة، و هو الكبش الّذي قرّبه هابيل بن آدم فقبل منه.قال ابن عبّاس:حدّثني من رأى قرني الكبش الّذي ذبحه إبراهيم عليه السّلام معلّقين بالكعبة.

و الذّبح بالكسر:هو المذبوح،و الذّبح بالفتح:هو فعل الذّبح.(5:62)

البغويّ:فنظر إبراهيم فإذا هو بجبريل و معه كبش أملح أقرن،فقال:هذا فداء لابنك فأذبحه دونه، فكبّر جبريل و كبّر الكبش و كبّر إبراهيم و كبّر ابنه، فأخذ إبراهيم الكبش فأتى به المنحر من منى فذبحه.

قال أكثر المفسّرين:كان ذلك الكبش رعى في الجنّة أربعين خريفا.(4:39)

الزّمخشريّ:الذّبح:اسم ما يذبح.

عَظِيمٍ: ضخم الجثّة سمين،و هي السّنّة في الأضاحيّ.(3:349)

نحوه النّسفيّ.(4:26)

الطّبرسيّ:الذّبح:هو المذبوح و ما يذبح، و معناه:أنّا جعلنا الذّبح بدلا عنه كالأسير يفدي بشيء.[ثمّ ذكر الأقوال المتقدّمة حول نوع المذبوح]

(4:453)

الفخر الرّازيّ:الذّبح:مصدر ذبحت،و الذّبح أيضا:ما يذبح،و هو المراد في هذه الآية.[إلى أن قال:]

و أمّا قوله عَظِيمٍ: فقيل:سمّي عظيما لعظمه و سمنه.و قيل:سمّي عظيما لعظم قدره حيث قبله اللّه تعالى فداء عن ولد إبراهيم.(26:158)

نحوه القرطبيّ.(15:107)

البيضاويّ:بما يذبح بدله،فيتمّ به الفعل.

عَظِيمٍ عظيم الجثّة سمين أو عظيم القدر،لأنّه يفدي به اللّه نبيّا ابن نبيّ.و أيّ نبيّ من نسله سيّد المرسلين.

قيل:كان كبشا من الجنّة،و قيل:وعلا أهبط عليه من ثبير.و روي أنّه هرب منه عند الجمرة،فرماه بسبع حصيّات حتّى أخذه،فصارت سنّة.(2:298)

نحوه أبو السّعود(5:335)،و الآلوسيّ(23:

131).

البروسويّ:بما يذبح بدله،فيتمّ به الفعل المأمور، و هو فري الأوداج و إنهار الدّم أي جعلنا الذّبح بالكسر اسم لما يذبح فداء له،و خلّصناه به من الذّبح.

(7:476)

ابن عاشور:و الذّبح بكسر الذّال:المذبوح، و وزن«فعل»بكسر الفاء و سكون عين الكلمة يكثر أن يكون بمعنى«المفعول»ممّا اشتقّ منه،مثل:الحبّ، و الطّحن،و العدل.

و وصفه ب عَظِيمٍ بمعنى شرف قدر هذا الذّبح، و هو أنّ اللّه فدى به ابن رسول،و أبقى به من سيكون رسولا فعظمه بعظم أثره،و لأنّه سخّره اللّه لإبراهيم في ذلك الوقت و ذلك المكان.(23:68)

مغنيّة:المراد بالذّبح المذبوح،و قيل:كان كبشا، و قال آخر:بل كان وعلا،و أيّا كان الفداء فنحن غير مسئولين عن معرفة نوعه،و لا تتّصل هذه المعرفة بحياتنا من قريب أو بعيد.

و طريف قول من قال:إنّه كان كبشا أملح رعى في الجنّة أربعين عاما،و أنّ إبراهيم عليه السّلام أعطى طحاله

ص: 559

و أنثييه لإبليس،و إذا رعى في الجنّة أربعين عاما،فكم يكون وزنه يا ترى.(6:350)

الطّباطبائيّ:أي فدينا ابنه بذبح عظيم،و كان كبشا أتى به جبريل من عند اللّه سبحانه فداء على ما في الأخبار،و المراد بعظمة الذّبح عظمة شأنه بكونه من عند اللّه سبحانه،و هو الّذي فدى به الذّبيح.

(17:153)

مكارم الشّيرازيّ:ما المراد بالذّبح العظيم؟ هل أنّه يقصد به الجانب الجسميّ أم الظّاهريّ؟ أم لأنّه كان فداء عن إسماعيل؟

أم لأنّه كان للّه و في سبيل اللّه؟

أم لأنّ هذه الأضحية بعثها اللّه تعالى إلى إبراهيم؟

و المفسّرون قالوا الكثير في ذلك،و لكن لا يوجد أيّ مانع يحول دون جمع كلّ ما هو مقصود أعلاه.

و إحدى دلائل عظمة هذا الذّبح هو اتّساع نطاق هذه العمليّة سنة بعد سنة بمرور الزّمن،و حاليا يذبح في كلّ عام أكثر من مليون أضحية تيمّنا بذلك الذّبح العظيم،و إحياء لذلك العمل العظيم.(14:335)

و لاحظ:ف د ي:«فديناه»و:ع ظ م:«عظيم».

يذبّحون

وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ. البقرة:49

ابن عبّاس:قالت الكهنة لفرعون:إنّه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكك.قال:فجعل فرعون على كلّ ألف امرأة مائة رجل،و على كلّ مائة عشرة، و على كلّ عشرة رجلا.فقال:انظروا كلّ امرأة حامل في المدينة،فإذا وضعت حملها فانظروا إليه،فإن كان ذكرا فاذبحوه،و إن كان أنثى فخلّوا عنها.و ذلك قوله:

يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ. [و قد ذكر بهذا المعنى رواية أخرى فلاحظ](الطّبريّ 1:311)

الطّبريّ:أضاف اللّه جلّ ثناؤه ما كان من فعل آل فرعون ببني إسرائيل،من سومهم إيّاهم سوء العذاب،و ذبحهم أبناءهم،و استحيائهم نساءهم إليهم دون فرعون و إن كان فعلهم ما فعلوا من ذلك كان بقوّة فرعون و عن أمره،لمباشرتهم ذلك بأنفسهم.فبيّن بذلك أن كلّ مباشر قتل نفس أو تعذيب حيّ بنفسه -و إن كان عن أمر غيره-ففاعله المتولّي ذلك هو المستحقّ إضافة ذلك إليه،و إن كان الآمر قاهرا الفاعل المأمور بذلك سلطانا كان الآمر،أو لصّا خاربا،أو متغلّبا فاجرا.كما أضاف جلّ ثناؤه ذبح أبناء بني إسرائيل و استحياء نسائهم إلى آل فرعون دون فرعون،و إن كانوا بقوّة فرعون و أمره إيّاهم بذلك،فعلوا ما فعلوا،مع غلبته إيّاهم و قهره لهم.

فكذلك كلّ قاتل نفسا بأمر غيره ظلما،فهو المقتول عندنا به قصاصا،و إن كان قتله إيّاها بإكراه غيره له على قتله.(1:310)

الزّجّاج: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، و فسّره بقوله: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ: القراءة المجمع عليها يُذَبِّحُونَ بالتّشديد و رواية شاذّة(يذبحون ابنائكم)،و القراءة المجمع عليها أبلغ،لأنّ

ص: 560

يُذَبِّحُونَ للتّكثير،و(يذبحون)يصلح أن يكون للقليل و للكثير،فمعنى التّكثير هاهنا أبلغ.(1:310)

البغويّ: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ، فهو مذكور على وجه البدل من قوله: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ.

(1:113)

مثله ابن عطيّة.(1:141)

الزّمخشريّ:و يُذَبِّحُونَ بيان لقوله:

يَسُومُونَكُمْ، و لذلك ترك العاطف كقوله تعالى: يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا التّوبة:30، و قرأ الزّهريّ:(يذبحون)بالتّخفيف،كقولك:قطّعت الثّياب و قطعتها.

و إنّما فعلوا بهم ذلك،لأنّ الكهنة أنذروا فرعون بأنّه يولد مولود يكون على يده هلاكه كما أنذر نمروذ.

فلم يغن عنهما اجتهادهما في التّحفّظ،و كان ما شاء اللّه.(1:279)

نحوه النّسفيّ(1:47)،و أبو السّعود(1:133).

ابن الجوزيّ:كان الزّجّاج يرى أنّ قوله:

يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ تفسير لقوله: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، و أبى هذا بعض أهل العلم،فقال:قد فرّق اللّه بينهما في موضع آخر،فقال: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ إبراهيم:6.(1:78)

الفخر الرّازيّ:معناه:يقتلون الذّكورة من الأولاد دون الإناث.و هاهنا أبحاث:

البحث الأوّل:أنّ ذبح الذّكور دون الإناث مضرّة من وجوه:

أحدها:أنّ ذبح الأبناء يقتضي فناء الرّجال، و ذلك يقتضي انقطاع النّسل،لأنّ النّساء إذا انفردن فلا تأثير لهنّ البتّة في ذلك،و ذلك يفضي آخر الأمر إلى هلاك الرّجال و النّساء.

و ثانيها:أنّ هلاك الرّجال يقتضي فساد مصالح النّساء في أمر المعيشة،فإنّ المرأة لتتمنّى-و قد انقطع عنها تعهّد الرّجال و قيامهم بأمرها-الموت،لما قد يقع إليها من نكد العيش بالانفراد،فصارت هذه الخصلة عظيمة في المحن،و النّجاة منها في العظم تكون بحسبها.

و ثالثها:أنّ قتل الولد عقيب الحمل الطّويل و تحمّل الكدّ و الرّجاء القويّ في الانتفاع بالمولود،من أعظم العذاب،لأنّ قتله و الحالة هذه أشدّ من قتل من بقي المدّة الطّويلة مستمتعا به مسرورا بأحواله،فنعمة اللّه في التّخليص لهم من ذلك بحسب شدّة المحنة فيه.

و رابعها:أنّ الأبناء أحبّ إلى الوالدين من البنات، و لذلك فإنّ أكثر النّاس يستثقلون البنات و يكرهونهنّ و إن كثر ذكرانهم،و لذلك قال تعالى:

وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ* يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ النّحل:

58،59،و لذلك نهى العرب عن الوأد بقوله:

وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ الإسراء:31، و إنّما كانوا يئدون الإناث دون الذّكور.

و خامسها:أنّ بقاء النّسوان بدون الذّكران يوجب صيرورتهنّ مستفرشات الأعداء،و ذلك نهاية الذّلّ و الهوان.

البحث الثّاني:ذكر في هذه السّورة يُذَبِّحُونَ بلا واو،و في سورة إبراهيم ذكره مع الواو،و الوجه فيه

ص: 561

أنّه إذا جعل قوله: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ مفسّرا بقوله: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ لم يحتج إلى الواو،و أمّا إذا جعل قوله: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ مفسّرا بسائر التّكاليف الشّاقّة سوى الذّبح،و جعل الذّبح شيئا آخر سوى سوء العذاب،احتيج فيه إلى الواو، و في الموضعين يحتمل الوجهين،إلاّ أنّ الفائدة الّتي يجوز أن تكون هي المقصودة من ذكر حرف العطف في سورة إبراهيم أن يقال:إنّه تعالى قال قبل تلك الآية:

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّامِ اللّهِ إبراهيم:5، و التّذكير بأيّام اللّه لا يحصل إلاّ بتعديد نعم اللّه تعالى، فوجب أن يكون المراد من قوله: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ نوعا من العذاب،و المراد من قوله:

يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ، نوعا آخر،ليكون التّخلّص منهما نوعين من النّعمة.

فلهذا وجب ذكر العطف هناك،و أمّا في هذه الآية لم يرد الأمر إلاّ بتذكير جنس النّعمة،و هي قوله:

اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ البقرة:40، فسواء كان المراد من سوء العذاب هو الذّبح أو غيره، كان تذكير جنس النّعمة حاصلا،فظهر الفرق.

[ثمّ ذكر البحث الثّالث في أنّ المراد بقوله:

يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ الرّجال دون الأطفال،و البحث الرّابع:في سبب قتل الأبناء،و البحث الخامس:في فائدة ذكر هذه النّعمة،و ذكر في كلّها وجوها فلاحظ]

(3:68)

العكبريّ: يُذَبِّحُونَ: في موضع حال إن شئت من(ال)على أن يكون بدلا من الحال الأولى، لأنّ حالين فصاعدا لا تكون عن شيء واحد،إذ كانت الحال مشبهة بالمفعول،و العامل لا يعمل في مفعولين على هذا الوصف،و إن شئت جعلته حالا من الفاعل في: يَسُومُونَكُمْ.

و الجمهور على تشديد الباء للتّكثير.و قرئ بالتّخفيف.(1:61)

القرطبيّ:فيه:ثلاث عشرة مسألة:...

التّاسعة:قوله تعالى: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ:

يُذَبِّحُونَ بغير واو على البدل من قوله:

يَسُومُونَكُمْ.

قال الفرّاء و غيره: يُذَبِّحُونَ بغير واو على التّفسير لقوله: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، كما تقول:أتاني القوم زيد و عمرو فلا تحتاج إلى الواو في زيد،و نظيره: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً* يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ الفرقان:68،69،و في سورة إبراهيم:

وَ يُذَبِّحُونَ بالواو،لأنّ المعنى:يعذّبونكم بالذّبح و بغير الذّبح.فقوله: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ جنس آخر من العذاب لا تفسير لما قبله،و اللّه أعلم.

قلت:قد يحتمل أن يقال:إنّ الواو زائدة بدليل سورة البقرة،و الواو قد تزاد.

العاشرة:قوله تعالى: يُذَبِّحُونَ قراءة الجماعة بالتّشديد على التّكثير،و قرأ ابن محيصن:(يذبحون) بفتح الباء.

و الذّبح:الشّقّ،و الذّبح:المذبوح.و الذّباح:تشقّق في أصول الأصابع.و ذبحت الدّنّ:بزلته،أي كشفته.

ص: 562

و سعد الذّابح:أحد السّعود.و المذابح:المحاريب، و المذابح:جمع مذبح،و هو إذا جاء السّيل فخدّ في الأرض،فما كان كالشّبر و نحوه سمّي مذبحا.فكان فرعون يذبّح الأطفال و يبقي البنات،و عبّر عنهم باسم النّساء بالمآل.

و قالت طائفة: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ يعني الرّجال،و سمّوا أبناء لما كانوا كذلك،و استدلّ هذا القائل بقوله: نِساءَكُمْ و الأوّل أصحّ،لأنّه الأظهر، و اللّه أعلم.

الحادية عشرة:[بحث عن حكم هذا العمل]

الثّانية عشرة:قرأ الجمهور يُذَبِّحُونَ بالتّشديد على المبالغة،و قرأ ابن محيصن(يذبحون)بالتّخفيف، و الأولى أرجح،إذا الذّبح متكرّر و كان فرعون على ما روي قد رأى في منامه نارا خرجت من بيت المقدس، فأحرقت بيوت مصر،فأوّلت له رؤياه أن مولودا من بني إسرائيل ينشأ،فيكون خراب ملكه على يديه، و قيل غير هذا،و المعنى متقارب.(1:384)

نحوه أبو حيّان.(1:193)

راجع:ب ن و:«ابنائكم».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الذّبح،أي قطع الحلقوم من باطن عند النّصيل،و هو موضع الذّبح من الحلق؛ يقال:ذبحه يذبحه ذبحا،فهو مذبوح و ذبيح،من قوم ذبحى و ذباحى،و من تيوس و كباش ذبحى و ذباحى أيضا،و ذبحته العبرة:خنقته،على المجاز،و ذبّحه:

ذبحه.

و الذّبيح:المذبوح،و الأنثى ذبيحة؛يقال:شاة ذبيحة و ذبيح،من نعاج ذبحى و ذباحى و ذبائح، و الذّبيح:الّذي يصلح أن يذبح للنّسك.

و الذّبح:اسم لما يذبح.

و اذّبح القوم:اتّخذوا ذبيحة.

و ذبائح الجنّ:أن يشتري الرّجل الدّار،أو يستخرج ماء العين و ما أشبهه،فيذبح لها ذبيحة للطّيرة.

و المذبح:السّكّين.

و المذبح:موضع الذّبح من الحلقوم.

و الذّابح:شعر ينبت بين النّصيل و المذبح، و ذبحت فلانا لحيته،إذا سالت تحت ذقنه و بدا مقدّم حنكه،فهو مذبوح بها.

و الذّباح:القتل،و الذّبح:القتيل،و تذابح القوم:

ذبح بعضهم بعضا.

و الذّباح:القتل؛يقال:أخذهم بنو فلان بالذّباح، أي ذبحوهم،و أصابه موت زؤام و ذؤاف و ذباح:

سريع.و الذّباح و الذّبحة و الذّبحة:وجع الحلق،كأنّه يذبح؛يقال:أخذته الذّبحة و الذّبحة.

و الذّابح:ميسم على الحلق في عرض العنق، و يقال للسّمة:ذابح.

و سعد الذّابح:منزل من منازل القمر،و هما كوكبان نيّران بينهما مقدار ذراع في نحو واحد،منهما نجم صغير قريب منه،كأنّه يذبحه،فسمّي لذلك ذابحا؛يقال:إذا طلع الذّابح انجحر النّابح.

ص: 563

و الذّبح و الذّباح:نبات من السّمّ،كأنّه يقتل آكله.

و الذّبح:نبت أحمر،و نور أحمر،تشبيها بدم القتيل.

و الذّبح:الجزر البرّيّ،واحدته ذبحة و ذبحة.

و يقال مجازا:حيّا اللّه هذه الذّبحة،أي هذه الطّلعة تشبيها بطلعة النّور الأحمر.

و الذّبح:الشّقّ؛يقال:ذبحت فأرة المسك،إذا فتقتها و أخرجت ما فيها من المسك.

و المذبح:شقّ في الأرض مقدار الشّبر و نحوه، و الجمع:مذابح؛يقال:غادر السّيل في الأرض أخاديد و مذابح.

و الذّبائح:شقوق في أصول أصابع الرّجل ممّا يلي الصّدر،و اسم ذلك الدّاء الذّباح أو الذّبّاح،و هو أيضا تحزّز و تشقّق بين أصابع الصّبيان من التّراب.

و المذبح:المحراب و المقصورة و نحوهما،و الجمع:

مذابح،لأنّ النّصارى كانوا يذبحون فيها القربان، و مذابح النّصارى:بيوت كتبهم.

و المذبح:ما بين أصل الفوق و بين الرّيش.

2-و شاع في هذه الأيّام طريقة«الذّبح الحلال» في البلاد غير الإسلاميّة،كأوربا و أمريكا و استراليا، و اصطلح عليها اسم«الحلال»اختصارا،و يراد به ما ذبح من الحيوان وفق الشّريعة الإسلاميّة،إذا كان لحمه مأكولا عند المسلمين.و قد أقبل على أكل لحوم الذّبح الإسلاميّ جمّ غفير من المسلمين المغتربين و سكّان هذه البلدان من غير المسلمين على السّواء،لما تتمتّع به هذه الطّريقة من النّظافة و رعاية القواعد الصّحّيّة و الأساليب العلميّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا«الماضي»معلوما و مجهولا كلّ منهما مرّة،و«المضارع»معلوما مرّتين،و اسم المصدر (ذبح)مرّة.و مزيدا من«التّفعيل»مضارعا معلوما 4 مرّات في 9 آيات:

1- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ البقرة:67

2- قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ البقرة:71

3- فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ

الصّافّات:102

4- وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الصّافّات:107

5- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ... المائدة:3

6- لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ النّمل:21

7- وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ

ص: 564

وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ البقرة:49

8- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ إبراهيم:6

9- إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَ يَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ القصص:4

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها محورين:المجرّد و المزيد:

المحور الأوّل:الذّبح في الآيات(1-5)،و فيها بحوث:

1-هاتان في(1 و 2)قصّة بقرة بني إسرائيل و كان اللّه تعالى قد أخبر رسوله موسى عليه السّلام بأن يأمر قومه بذبح بقرة و ضرب المقتول ببعضها،غير أنّهم تلكّئوا عليه بأمور:

أ-سنّ البقرة: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ البقرة:68

ب-لون البقرة: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النّاظِرِينَ البقرة:69

ج-صفة البقرة: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنّا إِنْ شاءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ

البقرة:70

2-إن قيل:ما الحكمة في ذبح البقرة؟أ فلا اكتفي بضرب المقتول ببعضها و هي حيّة؟

يقال:ذبح البقرة أظهر لقدرة اللّه من دون ذبحها، لئلاّ يقول بنو إسرائيل:إنّ البقرة هي الّتي أحيت الميّت، فيتّخذونها إلها كما اتّخذوا العجل من قبل إلها،فسرى حبّه في قلوبهم: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَ عَصَيْنا وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة:93.

3-احترز بنو إسرائيل من ذبح البقرة،و أنكروا على نبيّهم ما أمرهم به في(1): قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً؟ ثمّ توانوا في ذبحها و تريّثوا في(2): فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ.

و لكنّهم كانوا يجترئون على معصية اللّه، و يبادرون إلى اقتراف ما يسخطه،و لا يتورّعون عن سفك دماء أنبيائهم و أوليائهم،و لا زالوا يذبحون النّاس الأبرياء و يلغون في دمائهم،فهذا ديدنهم قديما و حديثا.

و في(3):1-رأى إبراهيم الخليل عليه السّلام في المنام أنّه يذبح ابنه،و قد اتّفق أهل النّظر على أنّ رؤيا الأنبياء صادقة،و كان ما رآه أمرا له بذلك،و دليله جواب ابنه: قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ.

و يرى ابن قتيبة أنّ قوله: أَذْبَحُكَ يعني سأذبحك،فقال:«و لم يرد أنّه ذبحه في المنام،و لكنّه أمر في المنام بذبحه».و هذا الرّأي مردود بأمرين:

الأوّل:أنّ الفعل أَذْبَحُكَ بلفظ المستقبل و هو ماض،و نحوه قوله: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَ يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَ هُوَ

ص: 565

اَلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة:91،أي قتلتم،و قوله:

وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ...

البقرة:102،أي ما تلت.

و الثّاني:أنّ الرّؤيا تحقيق لما يقع في اليقظة، و اليقظة تطبيق لما يرى في الرّؤيا على الحاضر غالبا، و لو كان الأمر كما قال،لانتفت الحكمة من الرّؤيا.

و الدّليل على أنّ ما رآه في الرّؤيا لم يكن أمرا، قول إسماعيل: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ، كأنّه حمل قول أبيه و رؤياه على أنّه سيؤمر و لم يكن رؤياه أمرا، و هذا مقتضى الرّؤية،فإنّها حكاية عمّا وقع أو ما يقع.

و نرى أنّ ما رآه إبراهيم عليه السّلام عبرة و موعظة للنّاس،إذ به يأتسون في الصّبر و الامتثال لأمر اللّه، و هو الأسوة: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ الممتحنة:4،كما يأتسون بابنه في الطّاعة و التّسليم لأمره تعالى و الصّبر على البلاء،فقد وصفه اللّه بأنّه مِنَ الصّابِرِينَ الأنبياء:85.

2-قالوا:إنّ في الآية اختصارا.و التّقدير:

«فحصلوا البقرة المنعوتة فذبحوها».

و في(4)1-اتّفق المفسّرون على أنّ الذّبح هو كبش،إلاّ ابن عبّاس،فإنّه ذهب في أحد أقواله إلى أنّه وعل،و رأى الحسن البصريّ في أحد قوليه أنّه تيس من الأروى؛قال مغنيّة:«و أيّا كان الفداء فنحن غير مسئولين عن معرفة نوعه،و لا تتّصل هذه المعرفة بحياتنا من قريب أو بعيد».

2-و وصف الذّبح بالعظيم فيها،أي الكبير، و فسّره ابن عبّاس و غيره بالسّمين،نظرا إلى قوله:

فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ الذّاريات:26.و فسّره آخرون بأنّه عظيم القدر،لأنّه فدي به الذّبيح،و هو الأظهر هنا،و لو أراد السّمنة لقال:ذبح سمين،فيناسب رويّ الآيات أيضا.

3-إن قيل:لم ذكر الذّبح،و هو اسم عامّ لما يذبح، و لم يذكر اسمه الخاصّ،كالكبش أو الوعل أو التّيس؟

يقال:ذكر الذّبح تحقيقا لقوله: أَذْبَحُكَ أي فديناه بما يذبح و لم تذكر تلك الأسماء كما لم يذكر ما، لا يذبح عادة،و هو الولد،و اللّه أعلم.

4-وصف اللّه الأب بقوله: إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الصّافّات:84،و وصف ابنه المفديّ بقوله:

فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ الصّافّات:101،و وصف الفداء بقوله: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، فأضحت هذه الصّفات الثّلاث،أي سلامة القلب و الحلم و العظمة سمات من يحجّ البيت الحرام أو يعتمر.

و في(5)1-هذه الآية منها تشريع فقط و الباقي كلّها قصص.

2-جعل اللّه فيها حرمة أكل ما ذبح للأصنام و الأوثان كحرمة الميتة و الدّم و لحم الخنزير و سائر المحرّمات المذكورة في هذه الآية،رغم صدق الذّبح عليه،لأنّه ذبح لغير اللّه،و أهلّ به لغيره تعالى.

و قال الطّبرسيّ:(2:157)«فيه دلالة على أنّ ذبائح من خالف الإسلام لا يجوز أكله،لأنّهم يذكرون عليه اسم غير اللّه،لأنّهم يعنون به من أيّد شرع موسى، أو اتّحد بعيسى،أو اتّخذه ابنا،و ذلك غير اللّه.فأمّا من

ص: 566

أظهر الإسلام،و دان بالتّجسيم و التّشبيه و الجبر، و خالف الحقّ،فعندنا لا يجوز أكل ذبيحته،و فيه خلاف بين الفقهاء».

المحور الثّاني:التّذبيح في الآيات(6-9)،و فيها بحوث:

في(6):أنذر سليمان هدهد لمّا لم يره:

1-بأنّه يعذّبه عذابا شديدا،أو ليذبحنّه إلاّ أن يأتيه بسلطان مبين.

2-قال الطّبرسيّ(4:218):«قال المبرّد:لمّا تفقّد سليمان الطّير و لم ير هدهد قال:ما لي لا أرى الهدهد على تقدير أنّه مع جنوده و هو لا يراه ثمّ أدركه الشّكّ فشكّ في غيبته عن ذلك الجمع بحيث لم يره، فقال: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً معناه لأعذّبنّه بنتف ريشه،و إلقائه في الشّمس:عن ابن عبّاس و قتادة و مجاهد.

و قيل:بأن أجعله بين أضداده.و كما صحّ نطق الطّير و تكليفه في زمانه معجزة له،جازت معاقبته على ما وقع منه من تقصير،فإنّه كان مأمورا بطاعته، فاستحقّ العقاب على غيبته. أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أي لأقطعنّ حلقه عقوبة له على عصيانه...»

و في(7-9):

1-استعمل التّذبيح في قتل أبناء بني إسرائيل مبالغة في من قتل منهم.كما استعمل التّقتيل في أبنائهم أيضا في قوله: وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسى وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَ إِنّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ الأعراف:127، وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ الأعراف:141.

و الذّبح و القتل بمعنى،إلاّ أنّ القتل أعمّ من الذّبح؛ قال أبو هلال:«الذّبح عمل معلوم،و القتل ضروب مختلفة».

2-جاءت الآيتان(7)و(8)في سياق ما منّ به اللّه على بني إسرائيل:تخليصهم من آل فرعون الّذين كانوا يسومونهم سوء العذاب،و يذبّحون أبنائهم، و كان ذلك بلاء منه عظيم.بينما جاءت(9)في سياق الخبر،حيث ذكر فيها طغيان فرعون في الأرض، و جعل أهلها شيعا،و استضعف طائفة منهم،و ذبّح أبناءهم،و استحيى نساءهم،و أخبر بأنّه كان من المفسدين.

3-ختمت الآيتان(7)و(8)بقوله: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ، أي تسليط آل فرعون على بني إسرائيل و ما فعلوه بهم ابتلاء من اللّه عظيم،جزاء لما اجترحوه من الجنايات،فهل يرعووا و ينزجروا؟

و يلاحظ:ثانيا:أنّ ثماني من هذه الآيات قصص فهي مكّيّة،إلاّ(7)فجاءت خلال آيات بني إسرائيل المطوّلة في سورة البقرة،و واحدة منها و هي(5) تشريع مدنيّ.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

التّذكية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ

ص: 567

وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ...

المائدة:3

النّحر: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ الكوثر:2

ص: 568

ذ خ ر

اشارة

تدّخرون

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل:ذخرته أذخره ذخرا.

و ادّخرت ادّخارا،و تاء«الافتعال»إذا جاءت بعد الذّال تحوّلت إلى مخرج الدّال،فتدغم فيها الذّال، و كذلك الادّكار من الذّكر.

و منعهم أن يدعوا تاء«افتعل»على حالها استقباحهم لتأليف الذّال مع التّاء،و كذلك يجعل التّاء مع الزّاي دالا لازمة في نحو ازدرد،لأنّه لا يوجد في بناء كلام العرب ذال بعدها تاء،فلذلك جعلت تاء «افتعل»مع الذّال دالا،لأنّ انتظامها من موضع واحد أيسر.و تقول من الدّخان:ادّخن،على ذلك التّفسير.

فإذا فرّقت بين هذه الدّال الّتي أصلها تاء و بين الحروف الّتي قبلها،رجعت إلى أصلها،كقولك من الدّوخ و الذّوق:ادّاخ و ذاق فهو مذّاق،فإذا صغّرت قلت:مذيتيق.

و من الزّيت«مفتعل»مزدات،و تصغيره مزيتيت،و نحوه مثله،و لم يقل:مزديت على تقدير «مفتعل»،لأنّ الياء خوّارة،فاعتمدت على فتحة الدّال،و كذلك الواو تعتمد على الفتحة.

و الإذخر:حشيشة طيّبة الرّيح أطول من الثّيل، و هو كهيئة الكولان،له أصل مندفن.و هي شجرة صغيرة ذفرة الرّيح.

قال الضّرير:الكولان:ضرب من النّبات،و هو الّذي يلقى في المساجد.(4:243)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الذّاخر:السّمين.

(الأزهريّ 7:323)

أبو عبيدة:فرس مدّخر:و هو المبقّى لحضره.

و من المدّخر:المسواط،و هو الّذي لا يعطي ما

ص: 569

عنده إلاّ بالسّوط،و الأنثى:مدّخرة.

(الأزهريّ 7:322)

الذّاخر:فرس مذّخر:و هو المبقي لحضره، و الأنثى:مذّخرة.(الصّغانيّ 2:524)

الأصمعيّ:لا تكاد تجد من الإذخر واحدة على حدة،إنّما تجد الأرض مستحلسة منه،و المستحلسة:

الكثيرة النّبات الّتي غطّاها النّبات أو كاد يغطّيها.

(القاليّ 1:158)

المذاخر:أسافل البطن.(الأزهريّ 7:322)

الدّينوريّ:الإذخر:له أصل مندفن و قضبان دقاق،ذفر الرّيح،و هو مثل أسل الكولان،إلاّ أنّه أعرض و أصغر كعوبا،و له تمرة كأنّها مكاسح القصب،إلاّ إنّها أرقّ و أصغر،و هو يشبه في نباته الغرز،يطحن فيدخل في الطّيب،و هي تنبت في الحزون و السّهول،و قلّما تنبت الإذخرة منفردة.

و إذا جفّ الإذخر ابيضّ.[و استشهد بالشّعر مرّتين](ابن سيده 5:158)

الحربيّ:[في حديث:]«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حرّم مكّة لا يختلي خلاها،و لا يعضد شجرها،فقال العبّاس:إلاّ الإذخر؟فقال:إلاّ الإذخر».

«الإذخر»:حشيشة طيّبة الرّيح.

[في حديث آخر:]«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:أنزلت المائدة خبزا و لحما،و أمروا أن لا يذخروا و لا يرفعوا لغد،فادّخروا و رفعوا فمسخوا قردة و خنازير».

و قوله:«لا يذخروا لغد»،ذخرت الشّيء أذخره ذخرا،و قال اللّه تعالى: وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ آل عمران:49.(2:535)

ثعلب:الإذخر:لنبت معروف طيّب الرّائحة.

(52)

ابن دريد:الذّخر:ما ادّخرته من مال و غيره، ذخرت أذخر ذخرا،ثمّ كثر ذلك في كلامهم حتّى قالوا:ذخر لنفسه حديثا حسنا،إذا أبقاه بعده،و جمع ذخر:أذخار.

و الذّخيرة:مثل الذّخر أيضا،و الجمع ذخائر.[ثمّ استشهد بشعر]

و ادّخرت ادّخارا،و هو«افتعلت»من الذّخر، الأصل فيه:«اذتخرت»فقلّبوا التّاء دالا لقرب مخرجهما،و أدغموا الذّال في الدّال،و كذلك يفعلون في نظائرها،مثل:ادّكر و نحوه.و الإذخر:نبت معروف.

(2:203)

الأزهريّ:[ذكر قول الخليل إلاّ أنّه قال:]

و أصله:اذتخرته،فثقلت التّاء الّتي للافتعال مع الذّال.فقلبت دالا و أدغم فيها الذّال الأصليّة،فصارت دالا مشدّدة...

و في الحديث:إلاّ الإذخر،و هو نبات معروف عندهم.

يقال:فلان ملأ مذاخره،إذا ملأ أسافل بطنه.

و يقال للدّابّة إذا شبعت:قد ملأت مذاخرها.[ثمّ استشهد بشعر](7:321)

الصّاحب:ذخرته أذخره ذخرا،و اذّخّرته اذّخارا.

و الإذخر:حشيشة طيّبة الرّيح.

ص: 570

و المذاخر:حوايا البطن؛تملّأت مذاخره.(4:318)

الجوهريّ:الذّخيرة:واحدة الذّخائر،و قد ذخرت الشّيء أذخره ذخرا،و كذلك ادّخرته،و هو «افتعلت».[ثمّ استشهد بشعر]

و الإذخر:نبت،الواحدة إذخرة.(2:662)

ابن فارس:الذّال و الخاء و الرّاء يدلّ على إحراز شيء يحفظه؛يقال ذخرت الشّيء أذخره ذخرا.فإذا قلت:«افتعلت»من ذلك،قلت:ادّخرت.

و من الباب المذاخر،و هو اسم يجمع جوف الإنسان و عروقه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقولون:ملأ البعير مذاخره،أي جوفه.

و الإذخر،ليس من الباب:نبت.(2:370)

ابن سيده:ذخر الشّيء يذخره ذخرا،و اذّخره:

اختاره،و قيل:اتّخذه.و الذّخيرة:ما ادّخر؛قال:

لعمرك ما مال الفتى بذخيرة

و لكنّ إخوان الصّفاء الذّخائر

و كذلك الذّخر،و الجمع:أذخار.و ذخر لنفسه حديثا حسنا:أبقاه،و هو مثل بذلك.و المذخر:العفج.

و الإذخر:حشيش طيّب الرّيح ينبت على نبتة الكولان،واحدتها:إذخرة.(5:158)

ذخر الشّيء يذخره ذخرا و أذخره:أعدّه لوقت الحاجة إليه،و الاسم:الذّخر،و هو مذخور و ذخيرة.

و جمع الذّخر:أذخار،و جمع الذّخيرة:ذخائر.

و تطلق الذّخيرة الآن على عدّة الحرب.

(الإفصاح 1:616)

الطّوسيّ:و الاذّخار:«الافتعال»من الذّخر، ذخرت أذخر ذخرا و أذخرت اذخارا.و أصل الباب:

الذّخر،و هو خبء الشّيء لتأتيه.و إنّما أبدلت الدّال من الذّال في تَدَّخِرُونَ آل عمران:49،لتعديل الحروف،أو أبدلت الدّال من الذّال بوجهين:الجهر، و اختلاف المخرج،فبدّل ذلك بالدّال،لأنّها موافقة للتّاء بالمخرج،و الدّال بالجهر،فلذلك كان الاختيار، و كان يجوز«تذخرون»بالذّال على الأصل،و نظير ذلك في التّعديل بين الحروف وَ ازْدُجِرَ، القمر:9، فَمَنِ اضْطُرَّ، المائدة:3، وَ اصْطَبِرْ، القمر:27.

لموافقة الطّاء للضّاد و الضّاد بالاستعلاء و الإطباق،و لم يجز إدغام الزّاي في الدّال،لأنّها من حروف الصّفير،و لكن يجوز«مزّجر».و لم يدغم الضّاد في الطّاء،لأنّ فيها استطالة.

و المجهور من الحروف:كلّ حرف أشبع الاعتماد عليه في موضعه و منع النّفس أن يجري معه.

و المهموس:كلّ حرف أضعف الاعتماد عليه في موضعه و جرى معه النّفس.(2:469)

الرّاغب:أصل الادّخار:«اذتخار»؛يقال:

ذخرته،و ادّخرته:إذا أعددته للعقبى.

و روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان لا يدّخر شيئا لغد.

و المذاخر:الجوف و العروق المدّخرة للطّعام.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإذخر:حشيشة طيّبة الرّيح.(177)

ابن القطّاع:و ذخر الشّيء ذخرا:أعدّه لآخرته و دنياه،و الذّخيرة منه،و الاسم:الذّخر.(1:388)

الزّمخشريّ:ذخر الشّيء و اذّخره:خبأه لوقت

ص: 571

حاجته.

و من المجاز:ذخر لنفسه حديثا حسنا.

و فلان ما يذّخر منك نصحا.

و جعل ماله ذخرا عند اللّه و ذخيرة،و أعمال المؤمن ذخائر عند اللّه.

و ملأت الدّابّة مذاخرها،و هي المواضع الّتي تدّخر فيها العلف و الماء من جوفها.

و تملّأت مذاخر فلان،إذا شبع.

و جمعت لنا في مذاخرك عداوة.

و فرس مدّخر و مدّخرة،إذا استبقت حضرها.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:141)

الطّبرسيّ:الادّخار«الافتعال»من الدّخر، و جوّز النّحويّون يذّخرون بالذّال.(1:444)

المدينيّ:في أصحاب المائدة:«أمروا أن لا يدّخروا فادّخروا»،أصل ادّخروا:اذتخروا،«افتعلوا»من الذّخر،أبدلت التّاء ذالا فأدغمت في الذّال و تاء «الافتعال»تتغيّر عند الصّاد و الضّاد و الطّاء و الظّاء و الدّال و الذّال و الرّاء و الثّاء،نحو:اصطحب، و اضطرب،و اطّلع،و اظّلم،و ادّعى،و ادّكر،و اتّغر.

أصل هذه كلّها:«افتعل»،فصارت التّاء حرفا آخر كما ترى.

و منهم من يجعل الغلبة للحروف الأصليّة،فيدغم التّاء فيها،و يتركها على حالها،نحو:اثّغر،و ازّجر، و اضّرب،و اذّكر،و نحو ذلك.

و الاسم من هذا:الذّخر،و لما يذخر:الذّخيرة...

و المذاخر:الجوف و الأمعاء الّتي يدّخر فيها الطّعام.

و في الحديث:«..إلاّ الإذخر فإنّه لبيوتنا و قبورنا».

الإذخر،بكسر الهمزة:حشيشة طيّبة الرائحة تسقّف بها البيوت،بمنزلة القصب فوق الخشب، و تجعل في القبور.و في رواية:«لقيوننا»،أي تحرقها الصّاغة.

و منه:حديث عليّ رضي اللّه عنه:«واعدت رجلا من بني قينقاع صوّاغا لنجيء بإذخر فنبيعه».

(1:694)

ابن الأثير:في حديث الضّحيّة:«كلوا و ادّخروا».

و في حديث أصحاب المائدة:«أمروا أن لا يدّخروا فادّخروا»،هذه اللّفظة هكذا ينطق بها بالدّال المهملة،و لو حملناها على لفظها لذكرناها في حرف الدّال،و حيث كان المراد من ذكرها معرفة تصريفها لا معناها،ذكرناها في حرف الذّال.

و أصل الادّخار:«اذتخار»،و هو«افتعال»من الذّخر؛يقال:ذخره يذخره ذخرا،فهو ذاخر،و اذتخر يذتخر فهو مذتخر،فلمّا أرادوا أن يدغموا ليخفّ النّطق،قلبوا التّاء إلى ما يقاربها من الحروف و هو الدّال المهملة،لأنّهما من مخرج واحد،فصارت اللّفظة:

مذدخر بذال و دال،و لهم حينئذ فيه مذهبان؛أحدهما -و هو الأكثر-:أن تقلب الذّال المعجمة دالا و تدغم فيها،فتصير دالا مشدّدة.و الثّاني-و هو الأقلّ-:أن تقلب الدّال المهملة ذالا و تدغم فتصير ذالا مشدّدة معجمة،و هذا العمل مطّرد في أمثاله،نحو:ادّكر

ص: 572

و اذّكر،و اتّغر و اثّغر.

و فيه:ذكر«تمر ذخيرة»:هو نوع من التّمر معروف.(2:155)

الصّغانيّ:يجوز:اذّخر الشّيء،بالذّال المعجمة.

و قد سمّوا:ذاخرا.

أذاخر:موضع.

و الذّخيرة:موضع،ينسب إليه التّمر(2:524)

الفيّوميّ:ذخرته ذخرا من باب«نفع»، و الاسم الذّخر بالضّمّ،إذا أعددته لوقت الحاجة إليه، و اذّخرته على«افتعلت»:مثله،و هو مذخور و ذخيرة أيضا.و جمع الذّخر أذخار،مثل:قفل و أقفال.و جمع الذّخيرة ذخائر.

و الإذخر بكسر الهمزة و الخاء:نبات معروف ذكيّ الرّيح،و إذا جفّ ابيضّ.(1:207)

الفيروزآباديّ:ذخره،ك«منعه»،ذخرا، بالضّمّ،و أذخره:اختاره،أو اتّخذه.و الذّخيرة:ما ادّخر،كالذّخر،جمعه:أذخار،و عين ينسب إليه التّمر.

و الذّاخر:السّمين،و اسم.و المذّخر:الفرس المبقي لحضره.

و أذاخر،بالفتح:عين قرب مكّة.

و الإذخر:الحشيش الأخضر،و حشيش طيّب الرّيح.و ككتف:جبل باليمن.

و المذاخر:الأجواف،و الأمعاء،و العروق، و أسافل البطن.(2:35)

مجمع اللّغة:ذخر الشّيء يذخره ذخرا، و ادّخره ادّخارا:اتّخذه و أعدّه للعقبى،و أصلها:

«اذتخره».(1:416)

محمّد إسماعيل إبراهيم:ذخر الشّيء:خبأه لوقت الحاجة إليه،و تأتي صيغة«الافتعال»من هذا الفعل أصلا:«اذتخر»،ثمّ تكون:اذّخر،أو ادّخر، و هي الأشهر.(1:199)

المصطفويّ:الأصل الواحد في هذه المادّة:هو حفظ شيء و إبقاؤه ليستفيد منه بعد،فهذه القيود مأخوذة في حقيقتها.

و أمّا مفاهيم مطلق الإحراز أو الحفظ أو الاختيار أو الاتّخاذ أو الإبقاء،فليست بتمام الحقيقة،بل قريبة منها و من لوازمها.

و الاذّخار:«افتعال»،و هو يدلّ على الاختيار، أى اختيار الذّخيرة.

و أمّا الحروف المجهورة و المهموسة و الشّديدة و الرّخوة:

فالمجهورة:ما يحتبس جريان النّفس إذا تحرّك،بأن يمتنع التّنفّس إذا كرّرتها متحرّكة،كما في قققق،و ذلك لقوّة تصويتها و اعتمادها على مخارجها،و عددها (18)حرفا تجمعها:«ظلّ قوربض إذ غزا جند مطيع».

و المهموسة:ما لا يحتبس جريان التّنفّس عند تحريكها و تكريرها،لأنّ اعتمادها بمخارجها ضعيف، فيجري مع تلفّظها النّفس،و تجمعها«ستشحثك خصفة».

و الشّديدة:ما يحتبس جريان النّفس عند إسكانها في مخارجها،و هي(8)حروف،و تجمعها «أجدك قطبت»،و الرّخوة:بخلافها.

ص: 573

و يقال:إنّ حروف«لم يرو عنّا»واقعة فيما بين الشّديدة و الرّخوة.

فظهر أنّ الذّال و الدّال من حروف الجهر،و التّاء من المهموسة.(3:299)

النّصوص التّفسيريّة

تدّخرون

أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ... آل عمران:49

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:أنزلت المائدة خبزا و لحما، و أمروا أن لا يذخروا و لا يرفعوا لغد.فادّخروا و رفعوا فمسخوا قردة و خنازير.(الحربيّ 2:535)

عمّار بن ياسر:أنبّئكم بما تأكلون من المائدة و ما تدّخرون منها.فكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت:أن يأكلوا و لا يدّخروا،فادّخروا و خانوا، فجعلوا خنازير حين ادّخروا و خانوا،فذلك قوله:

فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ المائدة:115.

مثله قتادة.(الطّبريّ 3:279)

ابن عبّاس:ترفعون من غداء لعشاء و من عشاء لغداء.(47)

سعيد بن جبير:كان عيسى بن مريم إذ كان في الكتّاب،يخبرهم بما يأكلون في بيوتهم و ما يدّخرون.

إنّ عيسى بن مريم كان يقول للغلام في الكتّاب:

«يا فلان!إنّ أهلك قد خبئوا لك كذا و كذا من الطّعام، فتطعمني منه؟».(الطّبريّ 3:278)

مجاهد:بما أكلتم البارحة،و ما خبأتم منه.

نحوه الرّبيع.(الطّبريّ 3:278)

الحسن:ما تخبئون مخافة الّذي يمسك أن يخلفه.

(الطّبريّ 3:278)

الإمام الباقر عليه السّلام:فإنّ عيسى عليه السّلام كان يقول لبني إسرائيل:إنّي رسول اللّه إليكم،و أَنِّي أَخْلُقُ...، الأكمه:هو الأعمى،قالوا:ما نرى الّذي تصنع إلاّ سحرا،فأردنا آية نعلم أنّك صادق،قال:أ رأيتم إن أخبرتكم بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ، يقول:ما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا و ما ذخرتم اللّيل، تعلمون أنّي صادق؟قالوا:نعم،فكان يقول للرّجل:

أكلت كذا و كذا و شربت كذا و كذا،و رفعت كذا و كذا،فمنهم من يقبل منه فيؤمن،و منهم من ينكر فيكفر،و كان لهم في ذلك آية إن كانوا مؤمنين.

(القمّيّ 1:102)

عطاء:الطّعام و الشّيء يدّخرونه في بيوتهم،غيبا، علّمه اللّه إيّاه.(الطّبريّ 3:278)

قتادة:كان القوم لمّا سألوا المائدة،فكانت خوانا ينزل عليه أينما كانوا ثمرا من ثمار الجنّة،فأمر القوم أن لا يخونوا فيه و لا يخبئوا و لا يدّخروا لغد،بلاء ابتلاهم اللّه به،فكانوا إذا فعلوا من ذلك شيئا أنبأهم به عيسى بن مريم،فقال: وَ أُنَبِّئُكُمْ... .(الطّبريّ 3:278)

السّدّيّ:كان يعني عيسى بن مريم،يحدّث الغلمان و هو معهم في الكتّاب بما يصنع آباؤهم،و بما

ص: 574

يرفعون لهم،و بما يأكلون.و يقول للغلام:انطلق،فقد رفع لك أهلك كذا و كذا،و هم يأكلون كذا و كذا، فينطلق الصّبيّ فيبكي على أهله حتّى يعطوه ذلك الشّيء.فيقولون له:من أخبرك بهذا؟فيقول:عيسى! فذلك قول اللّه عزّ و جلّ: وَ أُنَبِّئُكُمْ... فحبسوا صبيانهم عنه،و قالوا:لا تلعبوا مع هذا السّاحر! فجمعوهم في بيت،فجاء عيسى يطلبهم،فقالوا:ليس هم هاهنا،فقال:ما في هذا البيت؟فقالوا:خنازير.قال عيسى:كذلك يكونون!ففتحوا عنهم،فإذا هم خنازير،فذلك قوله: عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ المائدة:78.(الطّبريّ 3:278)

الكلبيّ:فلمّا أبرأ عيسى الأكمه و الأبرص و أحيي الموتى قالوا:هذا سحر،و لكن أخبرنا بما نأكل و ما ندّخر،[ف]كان يخبر الرّجل بما أكل من غدائه و بما يأكل في عشائه.(الثّعلبيّ 3:73)

الفرّاء:و قوله: وَ ما تَدَّخِرُونَ: هي«تفتعلون» من ذخرت،و تقرأ:(و ما تدخرون)خفيفة على «تفعلون»،و بعض العرب يقول:تدّخرون،فيجعل الدّال و الذّال يعتقبان في«تفتعلون»من ذخرت، و ظلمت؛تقول:مظّلم و مطّلم،و مذّكر و مدّكر، و سمعت بعض بني أسد يقول:قد اتّغر،و هذه اللّغة كثيرة فيهم خاصّة.و غيرهم:قد اثّغر.

فأمّا الّذين يقولون:يدّخر و يدّكر و مدّكر،فإنّهم وجدوا التّاء إذا سكّنت و استقبلتها ذال،دخلت التّاء في الذّال فصارت ذالا،فكرهوا أن تصير التّاء ذالا فلا يعرف«الافتعال»من ذلك،فنظروا إلى حرف يكون عدلا بينهما في المقاربة،فجعلوه مكان التّاء و مكان الذّال.

و أمّا الّذين غلّبوا الذّال فأمضوا القياس، و لم يلتفتوا إلى أنّه حرف واحد،فأدغموا تاء «الافتعال»عند الذّال و التّاء و الطّاء.

و لا تنكرنّ اختيارهم الحرف بين الحرفين،فقد قالوا:ازدجر،و معناها ازتجر،فجعلوا الدّال عدلا بين التّاء و الزّاي.و لقد قال بعضهم:مزّجر،فغلّب الزّاي كما غلّب التّاء.و سمعت بعض بني عقيل يقول:عليك بأبوال الظّباء فاصّعطها (1)فإنّها شفاء للطّحل[و هو مرض]،فغلّب الصّاد على التّاء،و تاء«الافتعال» تصير مع الصّاد و الضّاد طاء،كذلك الفصيح من الكلام،كما قال اللّه عزّ و جلّ: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ المائدة:3،و معناها«افتعل»من الضّرر.

و قال اللّه تبارك و تعالى: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْها طه:132،فجعلوا التّاء طاء في «الافتعال».(1:215)

الحربيّ:أخبرنا أبو عمرو،عن الكسائيّ:

تَدَّخِرُونَ بالدّال مشدّدة،و قرأ مجاهد بالدّال ساكنة.و(يذّخرون)لغة أخرى بالذّال مشدّدة، أخبرنا سلمة عن الفرّاء نحوه.

و لم يختلف الأعمش و عاصم و حمزة و نافع و شيبة و أبو جعفر،فرووا(يدّخرون)بدال مشدّدة.ف.

ص: 575


1- -هو«افتعال»من الصّعوط،و هو لغة في السّعوط بإبدال السّين صادا،و هو ما يستنشق في الأنف.

[ثمّ استشهد بشعر](2:535)

الطّبريّ:يعني بذلك:و ما ترفعونه فتخبئونه و لا تأكلونه...[و ذكر قول سعيد بن جبير-و قد سبق -ثمّ قال:]

فهكذا فعل الأنبياء و حججها،إنّما تأتي بما أتت به من الحجج بما قد يوصل إليه ببعض الحيل،على غير الوجه الّذي يأتي به غيرها،بل من الوجه الّذي يعلم الخلق أنّه لا يوصل إليه من ذلك الوجه بحيلة إلاّ من قبل اللّه...

و قال آخرون:إنّما عنى بقوله: وَ أُنَبِّئُكُمْ... ما تأكلون من المائدة الّتي تنزل عليكم،و ما تَدَّخِرُونَ منها...

و أصل(يدّخرون)من الفعل،«يفتعلون»،من قول القائل:ذخرت الشّيء-بالذّال-فأنا أذخره.ثمّ قيل:يدّخر،كما قيل:يدّكر،من:ذكرت الشّيء،يراد به«يذتخر»،فلمّا اجتمعت الذّال و التّاء،و هما متقاربتا المخرج،ثقل إظهارهما على اللّسان، فأدغمت إحداهما في الأخرى،و صيّرتا دالا مشدّدة؛ صيّروها عدلا بين الذّال و التّاء.

و من العرب من يغلّب الذّال على التّاء،فيدغم التّاء في الذّال،فيقول:و ما تذّخرون،و هو مذّخر لك، و هو مذّكر.

و اللّغة الّتي بها القراءة،الأولى،و ذلك إدغام الذّال في التّاء،و إبدالهما دالا مشدّدة،لا يجوز القراءة بغيرها،لتظاهر النّقل من القراءة بها،و هي اللّغة الجودى.[ثمّ استشهد بشعر](3:278)

الزّجّاج: تَدَّخِرُونَ و أصله:تدّخرون أي «يفتعلون»من الذّخر،لأنّ الذّال حرف مجهور، لا يمكن النّفس أن يجري معه لشدّة اعتماده في مكانه، و التّاء مهموسة،فأبدل من مخرج التّاء حرف مجهور يشبه الذّال في جهرها و هو الدّال،فصار«تذدخرون»، ثمّ أدغمت الذّال في الدّال،و هذا أصل الإدغام،أن تدغم الأوّل في الثّاني،و تذّخرون جائز.فأمّا ما قال في الملبس،فليس«تذخرون»ملبسا بشيء.(1:414)

السّجستانيّ:«تفتعلون»من الدّخر.(35)

عبد الجبّار:جعل من معجزاته[يعني به عيسى عليه السّلام]أيضا،أنّه ينبّئهم بما يأكلون و ما يدّخرون في بيوتهم،لأنّ مثل ذلك لا يعرفه الغائب إلاّ من جهة اللّه تعالى،فلذلك قال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ. (66)

الثّعلبيّ: بِما تَأْكُلُونَ: ممّا أعاينه، وَ ما تَدَّخِرُونَ: و ما ترزمونه فِي بُيُوتِكُمْ حتّى تأكلوه، و هو«يفعلون»من:دخرت،و قرأ مجاهد و أيّوب السّختيانيّ:(تذخرون)،بالذّال المعجمة و سكونها و فتح الخاء من ذخر يذخر ذخرا.(3:73)

الطّوسيّ:أي أخبركم و أعلمكم بالّذي تأكلونه،فتكون(ما)بمعنى«الّذي»،و يحتمل أن تكون(ما)مع ما بعدها بمنزلة المصدر،و يكون تقديره:أخبركم بأكلكم.

و الأوّل أجود،لقوله: وَ ما تَدَّخِرُونَ.

و يحتمل أن يكون المراد أيضا و ادّخاركم.(2:469)

البغويّ: وَ ما تَدَّخِرُونَ ترفعونه فِي بُيُوتِكُمْ حتّى تأكلوه.(1:442)

ص: 576

نحوه الخازن.(1:295)

الزّمخشريّ:قال[عيسى عليه السّلام:]يا فلان أكلت كذا و يا فلان خبئ لك كذا،و قرئ:(تذخرون)بالذّال و التّخفيف.(1:431)

نحوه ابن جزيّ.(1:108)

ابن عطيّة:و(ما)في قوله: بِما تَأْكُلُونَ يحتمل أن تكون بمعنى«الّذي»،و تحتمل المصدريّة، و كذلك وَ ما تَدَّخِرُونَ.

و قرأ الجمهور تَدَّخِرُونَ بدال مشدّدة و خاء مكسورة،و هو«تفتعلون»من ذخرت،أصله «تذخرون»استثقل النّطق بالذّال و التّاء لتقاربهما في المخرج،فأبدلت التّاء دالا و أدغمت الذّال في الدّال، كما صنع في مدّكر و مطّلع بمعنى مضطلع و غير ذلك [ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ الزّهريّ و مجاهد و أيّوب السّختيانيّ و أبو السّمال(تدخرون)بدال ساكنة و خاء مفتوحة.

(1:440)

نحوه العكبريّ.(1:263)

الطّبرسيّ:أي أخبركم بالّذي تأكلونه و تدّخرونه،كأنّه يقول للرّجل:تغدّيت بكذا،و رفعت إلى اللّيل كذا و كذا.(1:445)

نحوه الشّوكانيّ.(1:435)

ابن عربيّ:في بيوت غيوبكم من الدّواعي و النّيّات.(1:188)

البيضاويّ:بالمغيّبات من أحوالكم الّتي لا تشكّون فيها.(1:162)

نحوه أبو السّعود(1:371)،و الكاشانيّ(1:313)، و شبّر(1:323).

أبو حيّان:و(ما)في(ما تاكلون)و ما تَدَّخِرُونَ: موصولة اسميّة،و هو الظّاهر،و قيل:

مصدريّة.[ثمّ ذكر القراءات نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و قرأ أبو شعيب السّوسيّ في رواية عنه:(و ما تذدخرون)بذال ساكنة و دال مفتوحة من غير إدغام، و هذا الفكّ جائز،و قراءة الجمهور بالإدغام أجود.

و يجوز جعل الدّال ذالا و الإدغام،فتقول:اذّخر بالذّال المعجمة المشدّدة.(2:467)

نحوه السّمين.(2:107)

الشّربينيّ:أي تخبئون.[ثمّ ذكر نحو السّدّيّ]

(1:217)

نحوه البروسويّ.(2:38)

الآلوسيّ:(ما)في الموضعين موصولة،أو نكرة موصوفة،و العائد محذوف،أي تأكلونه و تدّخرونه و الظّرف متعلّق بما عنده،و ليس من باب التّنازع.

و الإدخار:الخبء.[ثمّ أدام نحو ابن عطيّة](3:170)

القاسميّ: وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ممّا لم أعاينه.(4:847)

المراغيّ:و ما تخبئونه للغد.(3:164)

ابن عاشور:إنّه يخبرهم عن أحوالهم الّتي لا يطّلع عليها أحد،فيخبرهم بما أكلوه في بيوتهم،و ما عندهم مدّخر فيها.(3:102)

مغنيّة:هذه[ما في الآية]أربع معجزات:...

الرّابعة:الإخبار بالغيب عمّا يأكلون و ما

ص: 577

يدّخرون.

و ليس من شأننا البحث عن السّرّ لهذه المعجزات و كيفيّة إنشاء الحياة،أو ردّها إلى الأموات،و لا عن إزالة الأمراض المستعصية من غير علاج، و إذا تصدّينا للبحث عن شيء من ذلك،فلا ننتهي إلاّ إلى الشّبهات و الظّلمات،فلم يبق لدينا إلاّ التّسليم لحكمة اللّه و أمره الّذي صرّح به السّيّد المسيح عليه السّلام مكرّرا أنّه قد فعله بإذن اللّه،ليسدّ الباب على كلّ متقوّل و متوهّم الرّبوبيّة لعيسى أو الشّعوذة أو غيرها، و سبقت الإشارة عند تفسير الآية 255 من سورة البقرة إلى أنّ نظام الكائنات يجريه اللّه سبحانه على السّنن الطّبيعيّة إلاّ إذا اقتضت حكمته أن يتدخّل على عكسها بإرادته التّكوينيّة الّتي هي عبارة عن كلمة «كن»...و عندها فلا يبقى مجال لأيّة واسطة و سنّة.

أمّا إخبار عيسى بالغيب،فقد كان بواسطة الوحي من اللّه تعالى،و لا يختصّ وحده بذلك،فقد أخبر جميع الأنبياء بالغيب،فنوح صنع السّفينة قبل أن يقع الطّوفان،و شعيب أخبر عن مصير قومه في هذه الحياة،و كذلك غيره من الأنبياء،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله أخبر عن انتصار الرّوم على الفرس،و انتصار قومه عليهما معا،و الإمام عليّ أخبر عن ثورة الزّنج و غيرها،حتّى قال له قائل:لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فقال له الإمام:ليس هو بعلم غيب،و إنّما هو تعلّم من ذي علم.يشير إلى أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخبره به،و النّبيّ أخذه من الوحي.(2:64)

محمود صافيّ:و جملة تَدَّخِرُونَ لا محلّ لها، صلة الموصول(ما)الثّاني.(3:188)

حسنين مخلوف:تخبئونه فيها لحاجتكم إليه،من الادّخار،و هو إعداد الشّيء لوقت الحاجة إليه؛يقال:

ذخرته و ادّخرته،إذا أعددته للعقبى.و أصله:

«تذخرون»-بالذّال المعجمة-من:اذتخر الشّيء -بوزن«افتعل»-ثمّ دخله الإبدال.(108)

عبد الكريم الخطيب:و ما ادّخروا في بيوتهم من مال و متاع.(2:468)

المصطفويّ:أي ما تخفون و تجمعونه و تبقون لتستفيدوا منه بعد،هذا قول عيسى عليه السّلام،و هو يقول:

أنا أخبركم عمّا تأكلون فيفنى و عمّا تدّخرون فيبقى ذخيرة عندكم.و لا يخلو ما عندهم من أحد هذين الأمرين.(3:299)

[و هناك مطالب أخرى،راجع:ن ب أ:«أنبّئكم».]

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الذّخر،و هو ما حفظ و أبقي عليه،و الجمع:أذخار؛يقال:ذخر الشّيء يذخره ذخرا،و اذّخره اذّخارا،أي اختاره أو اتّخذه؛ قال ابن دريد:«ثمّ كثر ذلك في كلامهم حتّى قالوا:

ذخر لنفسه حديثا حسنا،إذا أبقاه بعده».

و الذّخيرة:الذّخر،أي ما ادّخر و حفظ لوقت الحاجة إليه،و الجمع:ذخائر.

و الذّاخر:السّمين،كأنّ لحمه اكتنز و اجتمع لوقت الحاجة إليه.

و المذخر:المعى،لأنّه حرز الطّعام في الجوف.

ص: 578

و المذاخر:أسافل البطن؛يقال:فلان ملأ مذاخره، إذا ملأ أسافل بطنه،و يقال للدّابّة إذا شبعت:قد ملأت مذاخرها.

و الادّخار:«افتعال»من الذّخر،و الأصل فيه:

«اذتخار»،فأبدلت التّاء دالا لقرب مخرجيهما،فصار «اذدخار»،ثمّ أدغمت الذّال في الدّال و شدّدتا، فقالوا:ادّخار،مثل:ادّكار؛يقال:اذتخر الشّيء يذتخره اذتخارا فهو مذتخر،و ادّخر يدّخر ادّخارا فهو مدّخر،و في حديث أصحاب المائدة:«أمروا أن لا يدّخروا فادّخروا»،بالدّال المهملة.

و منهم من يبدل الدّال ذالا في«اذدخار»،ثمّ يدغمهما و يشدّدهما،فيصير اذّخار،فيقال:اذّخره يذّخره اذّخارا.و الأوّل أكثر استعمالا،و منه الحديث:«كلوا و ادّخروا»،بالدّال المهملة.

و فرس مذّخر:هو المبقّى لحضره.

و المذّخر:المسواط،و هو الّذي لا يعطي ما عنده إلاّ بالسّوط،و الأنثى مذّخرة.

و الإذخر:حشيش طيّب الرّيح،واحدته إذخرة، كأنّه يدّخر و يحفظ.

و أذاخر:موضع بين مكّة و المدينة،و في الحديث:

«حتّى إذا كنّا بثنيّة أذاخر»؛قال ابن الأثير:«و كأنّها مسمّاة بجمع الإذخر». (1)

2-و استعمل الذّخر في النّصوص الإسلاميّة بمعنى الثّواب و ما يبقى للآخرة،و هو من قولهم:ذخر لنفسه حديثا حسنا،إذا أبقاه بعده.و منه:حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من أراد دنيا و آخرة فليؤمّ هذا البيت؛ما أتاه عبد فسأله دنيا إلاّ أعطاه منها،أو سأله آخرة إلاّ ذخر له منها» (2)و كان صلّى اللّه عليه و آله يسجد بعد صلاته، و يقول في سجوده:«اللّهمّ اجعلها لي عندك ذخرا». (3)

و من كتاب للإمام عليّ عليه السّلام إلى الحارث الهمدانيّ:

«فإنّك ما تقدّم من خير يبق لك ذخره»،أي ثوابه.

و قال عليه السّلام لصعصعة بن صوحان لمّا زاره عند مرضه:«لا تتّخذنّ زيارتنا إيّاك فخرا على قومك»، قال:لا يا أمير المؤمنين،و لكن ذخرا و أجرا» (4)،أي ثوابا و أجرا.و منه قول الشّاعر:

و إذا افتقرت إلى الذّخائر لم تجد

ذخرا يكون كصالح الأعمال

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المزيد من«الافتعال»مضارعا:

تَدَّخِرُونَ مرّة في آية:

...وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ آل عمران:49

يلاحظ أوّلا:أنّ الفعل تَدَّخِرُونَ وحيد الجذر في القرآن،و فيه بحوث:

ص: 579


1- النّهاية(1:33).
2- عوالي اللّئالي(1:427).
3- الأذكار النّوويّة(57).
4- كنز الفوائد(288).

1-احتملوا في(ما)كونها موصولة و مصدريّة، و الأوّل أولى بالسّياق.

2-ذهب المفسّرون إلى أنّ ما كان يدّخرونه هو الطّعام،و لكن يحتمل أن يكون شيئا آخر غير الطّعام أيضا،كالمال و المتاع و الأثاث و غيره،لأنّ ذلك أدلّ على الإنباء بالمغيّبات و أبلغ.

3-أيّد اللّه عيسى عليه السّلام بستّ معجزات،و هي:

تكليم النّاس في المهد: وَ يُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلاً وَ مِنَ الصّالِحِينَ آل عمران:46،و الخلق من الطّين كهيئة الطّير،و إبراء الأكمه و الأبرص،و إحياء الموتى بإذن اللّه،و إنباء النّاس بما يأكلون،و إنباؤهم بما يدّخرون في بيوتهم.

و قد انفرد بها دون سائر الأنبياء إلاّ الخامسة، فشاركه فيها يوسف عليه السّلام،و هو قوله تعالى: قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ يوسف:37.

4-إن قيل:لم أطلق الأكل،إذ لم يقيّد بمكان،و قيّد الادّخار،فعلّق به شبه الجملة فِي بُيُوتِكُمْ ؟

يقال:إنّ الأكل يكون في كلّ المحالّ و الأحوال، و لا يختصّ بمكان دون آخر،و أمّا الادّخار فيكون في مأوى آمن و مثوى ساكن كالبيت،فقال: وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ.

ثانيا:هذه الآية و إن كانت قصّة فقد جاء خلال قصص عيسى عليه السّلام في سورة آل عمران المدنيّة.

ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الباقيات: اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً

الكهف:46.

الكنز: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ

التّوبة:34

ص: 580

ذرء

اشارة

4 ألفاظ،6 مرّات مكّيّة،في 6 سور مكّيّة.

ذرا 2:2

ذراكم 2:2

ذرانا 1:1

يذرؤكم 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الذّرأة:شيب يبدو في فودي الرّأس قبل سائره،و ذرئ فلان فهو أذرأ،و المرأة ذرآء.

و ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرءا،أي خلقهم.

و الذّرء من قولك:ذرأنا الأرض،أي بذرناها، و زرع ذريء بوزن«فعيل».

و يقال:ذرأت الوضين:بسطته على وجه الأرض.

و الذّرأة (1)-في حديث عمر-:النّساء.(8:193)

اللّيث:ذرأت الأرض،أي بذرتها.و زرع:

ذريء.

و الذّرء:عدد الذّرّيّة،تقول:أنمى اللّه ذرأك و ذروك،أي ذرّيّتك.

و الذّرّيّة تقع على الآباء و الأبناء و الأولاد و النّساء.(الأزهريّ 15:4)

الأحمر:أذرأني فلان و أشكعني،أي أغضبني.

(الأزهريّ 15:3)

أبو عمرو الشّيبانيّ:قد ذرأت مجاليه،أي ابيضّت.(1:278)

أبو زيد:أذرأت الرّجل بصاحبه إذراء،إذا حرّشته عليه و أولعته به.(الأزهريّ 15:3)

الأصمعيّ:ذرئ رأس فلان،فهو يذرأ ذرءا،إذا ابيضّ؛و قد علته ذرأة،أي شيب.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه يقال:جدي أذرأ،و عناق ذرآء،إذا كان في رأسها بياض.(الأزهريّ 15:5)

ص: 581


1- كذا في الأصل،و الصّواب:الذّرّيّة،و حديثه: «حجّوا بالذّرّيّة»،كما سيأتي في«ذرر».

ابن الأعرابيّ:ما بيني و بينه ذرء،أي حائل.

(ابن فارس 2:352)

ابن السّكّيت:و قد ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرءا، أي خلقهم.(إصلاح المنطق:154)

و هذا ملح ذرآنيّ و ذرآنيّ-بتحريك الرّاء و تسكينها و الألف مهموزة فيها جميعا-للملح الشّديد البياض،و لا تقل:أندرانيّ و هو مأخوذ من الذّرأة، و الذّرأة:البياض.و يقال:قد ذرئ الرّجل،إذ شاب في مقدّم رأسه،و به ذرأة من شيب.[ثمّ استشهد بالشّعر مرّتين]

و يقال:شاة ذرآء إذا كان في أذنيها بياض.

(إصلاح المنطق:172)

الزّجّاج:يقال:ذرئ شعره ذرء و ذراءة،إذا ابيضّ مقدّم رأسه.(فعلت و أفعلت:56)

ابن دريد:الذّرء:مصدر ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرءا،و قد يترك الهمز فيقال:الذّرو.

ثلاثة أشياء تركت العرب الهمز فيها،و هي الذّرّيّة من:ذرأ اللّه الخلق،و البريّة من:برأ اللّه الخلق، و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه من النّبإ مهموز،و الخابية من خبأت الشّيء.(2:312)

ذرئت أذرأ ذرءا،إذا شبت،و الاسم الذّرأة.[ثمّ استشهد بشعر](3:281)

الأزهريّ:من صفات اللّه:الذّارئ،و هو الّذي ذرأ الخلق،أي خلقهم،و كذلك البارئ،و قال اللّه تعالى: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ الأعراف:179،أي خلقنا.

و قال اللّيث في هذا الباب:يقال:ذرأت الوضين، إذا بسطته على الأرض.

قلت:هذا تصحيف منكر،و الصّواب:ذرأت وضين البعير،إذا بسطته ثمّ أنخته لتشدّ الرّحل عليه.

و من قال:«ذرأت»بهذا المعنى فقد أخطأ و صحّف.

و ملح ذرآنيّ و ذرآنيّ مخفّفا،و التّثقيل أجود،أي شديد البياض.

و قد ذرأنا أرضا،أي بذرناها.

و بلغني عن فلان ذرء من قول،إذا بلغك طرف منه و لم يتكامل.و قال أبو عبيدة:هو الشّيء اليسير من القول.[ثمّ استشهد بشعر](15:3)

الصّاحب:ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم،أي خلقهم، و الذّرّيّة من ذلك،إلاّ أنّهم تركوا الهمز.

و الذّرأة:شيب يبدو في فودي الرّأس قبل سائره؛ ذرئ فلان ذرءا فهو أذرأ،و المرأة ذرءاء.

و شاة ذرءاء بيّنة الذّرء،إذا كان في أذنها بياض، و ذرأى مثله،و جمعها الذّرء على مثال الذّرع.

و أذرأت الدّمع و أذريته.

و أذرأته بالشّيء:أولعته و حرّشته.

و ذرأنا الأرض،أي بذرناها،و زرع ذريء.

و العنز تسمّى:ذرأة،و تدعى للحلب فيقال:ذرء ذرء.(10:93)

الجوهريّ:ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرءا.خلقهم.

و منه:الذّرّيّة،و هي نسل الثّقلين،إلاّ أنّ العرب تركت همزها،و الجمع:الذّراريّ.و في الحديث:«ذرء النّار»أي أنّهم خلقوا لها،و من قال:ذرو النّار بغير

ص: 582

همز،أراد أنّهم يذرون في النّار.

و الذّرأ بالتّحريك:الشّيب في مقدّم الرّأس؛رجل أذرأ و امرأة ذرآء.و ذرئ شعره،و ذرأ لغتان.

و الاسم:الذّرأة بالضّمّ.

و فرس أذرأ،و جدي أذرأ،أي أرقش الأذنين، و سائره أسود.و عناق ذرآء،و هو من شيات المعز دون الضّأن.

و ملح ذرآنيّ و ذرآنيّ بتحريك الرّاء و تسكينها:

للملح الشّديد البياض،و هو مأخوذ من الذّرأة، و لا تقل:أنذرانيّ.و حكى بعضهم:ذرأت الأرض،أي بذرتها،و زرع ذريء.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(1:51)

ابن فارس:الذّال و الرّاء و الهمزة أصلان:

أحدهما:لون إلى البياض،و الآخر:كالشّيء يبذر و يزرع.

فالأوّل الذّرأة،و هو البياض من شيب و غيره.

و منه:ملح ذرآنيّ و ذرآنيّ.و الذّرأة:البياض.و رجل أذرأ:أشيب،و المرأة ذرآء،و قال الشّيبانيّ:شعرة ذرآء،على وزن ذرعاء،أي بيضاء.و الفعل منه ذرئ يذرأ.و يقال إنّ الذّرءاء من الغنم:البيضاء الأذن.

و الأصل الآخر:قولهم:ذرأنا الأرض،أي بذرناها.و زرع ذريء،على«فعيل».[ثمّ استشهد بشعر]

و من هذا الباب:ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم؛قال اللّه تعالى: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ الشّورى:11.

و ممّا شذّ عن الباب قولهم:أذرأت فلانا بكذا:

أولعته به.(2:352)

أبو هلال:الفرق بين الذّرء و الخلق:أنّ أصل الذّرء الإظهار،و معنى ذرأ اللّه الخلق:أظهرهم بالإيجاد بعد العدم،و منه قيل للبياض:الذّرأة،لظهوره و شهرته،و ملح ذرآنيّ لبياضه.

و الذّرو بلا همزة:التّفرقة بين الشّيئين،و منه قوله تعالى: تَذْرُوهُ الرِّياحُ الكهف:45،و ليس من هذا ذريت الحنطة:فرّقت عنها التّبن.(112)

الهرويّ:في الحديث:«و إنّي أظنّكم آل المغيرة ذرء النّار»،يعني خلقها؛يقال:ذرأ اللّه الخلق.و من رواه:«ذرو النّار»بلا همز،أراد تفرّقون فيها.(2:672)

ابن سيده:ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرءا:خلقهم و ذرأنا الأرض بذرناها،و زرع ذريء.

و الذّرأة:الشّمط،و قيل:أوّل بياض الشّيب؛ ذرئ ذرأ،و هو أذرأ و الأنثى ذرءاء،و كبش أذرأ و نعجة ذرءاء:في رءوسهما بياض،و الذّرءاء من المعز:

الرّقشاء الأذنين و سائرها أسود.

و ملح ذرآنيّ:شديد البياض.

و أذرأه:أغضبه و أولعه بالشّيء،و حكى أبو عبيد:

أذراه بغير همز،فردّ ذلك عليه عليّ بن حمزة،فقال:

إنّما هو أذرأه.

و أذرأه أيضا:ذعره.

و بلغني ذرء من خبر،أي شيء منه.

و أذرأت النّاقة و هي مذرئ:أنزلت اللّبن.

(10:93)

الطّوسيّ:أصله الظّهور،و منه:ملح ذرآنيّ،

ص: 583

و ذرآنيّ،لظهور بياضة.و الذّرأة ظهور الشّيب.

[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:ذرأ اللّه الخلق يذرأهم ذرءا و ذروا.

و يقال:ذرئت لحيته ذرءا،إذا شابت.

و منه:طعنه فأذراه غير مهموز،إذا ألقاه.

و ذرت الرّيح التّراب تذروه ذروا،إذا أبادته.

و ذروة كلّ شيء:أعلاه.(4:307)

الرّاغب:الذّرء:إظهار اللّه تعالى ما أبداه؛يقال:

ذرأ اللّه الخلق،أي أوجد أشخاصهم؛قال تعالى:

وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ الأعراف:179،و قال: وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً الأنعام:136،و قال: وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ الشّورى:11،و قرئ:

تَذْرُوهُ الرِّياحُ (1) الكهف:45.

و الذّرأة:بياض الشّيب و الملح؛فيقال:ملح ذرآنيّ،و رجل أذرأ،و امرأة ذرآء،و قد ذرئ شعره.

(178)

الزّمخشريّ:ذرأنا الأرض و ذروناها:بذرناها.

و ذرأ اللّه الخلق و برأ و من الذّارئ البارئ سواه؟ و اللّهمّ لك الذّرأ و البرء،و منك السّقم و البرء.

و قد علته ذرأة،و هي بياض الشّيب أوّل ما يبدو في الفودين،و قد ذرئ رأسه ذرأ،و رجل أذرأ و امرأة ذرآء.

و شاة ذرآء:بيضاء الرّأس أو بيضاء الوجه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ملح ذرآنيّ:أبيض،كأنّه نسب إلى الذّرإ بزيادة الألف و النّون.(أساس البلاغة:141)

[في الحديث المتقدّم عن الهرويّ:]

الذّرء:أصله من:ذرأ الأرض،إذا بذرها،و ذرأ فيها و زرع فيها الحبّ:ألقاه فيها،و زرع ذريء.

(الفائق 1:434)

الطّبرسيّ:الذّرء:الخلق على وجه الاختراع، و أصله الظّهور،و منه:ملح ذرآنيّ و ذرآنيّ،لظهور بياضه،و الذّرأة:ظهور الشّيب.[ثمّ استشهد بشعر]

و ذرئت لحيته،إذا شابت.(2:370)

الذّرء و الإنشاء و الإحداث و الخلق نظائر.

(2:501)

و الذّرأ:إظهار الشّيء بإيجاده؛يقال:ذرأه يذرؤه و ذرأه و فطره و أنشأه نظائر.

و ملح ذرآنيّ:ظاهر البياض.(3:352)

ابن الأثير:في حديث الدّعاء:«أعوذ بكلمات اللّه التّامّات من شرّ كلّ ما خلق و ذرأ و برأ»:ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرءا،إذا خلقهم،و كأنّ الذّرء مختصّ بخلق الذّرّيّة.(2:156)

الفيروزآباديّ:ذرأ،كجعل:خلق،و الشّيء:

كثّره،و منه:الذّرّيّة،مثلّثة:لنسل الثّقلين،و فوه:

سقط،و الأرض:بذرها،و زرع ذريء.و الذّرأة، بالضّمّ:الشّيب،أو أوّل بياضه في مقدّم الرّأس.

ذرئ كفرح و منع،و النّعت:أذرأ و ذرآء،و كبش أذرأ:في رأسه بياض،أو أرقش الأذنين و سائره أسود.ة.

ص: 584


1- و هي القراءة المشهورة.

و أذرأه:أغضبه،و ذعره،و أولعه بالشّيء، و ألجأه،و أساله،و النّاقة:أنزلت اللّبن،فهي مذرئ.

و ذرء من خبر:شيء منه.

و هم ذرء النّار:خلقوا لها.

و ملح ذرآنيّ،و يحرّك:شديد البياض،من الذّرأة،و لا تقل:أنذرانيّ.

و ما بيننا ذرء:حائل.

و ذرأة،بالكسر:دعاء العنز للحلب؛يقال:ذرء ذرء.(1:15)

مجمع اللّغة:ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرءا:

خلقهم على وجه الاختراع و بثّهم و كثّرهم.(1:416)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:199)

المصطفويّ:التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو البسط و البثّ بعد الإيجاد،أي مرتبة متأخّرة عن الخلق و التّكوين.

و قد سبق في مادّة برء و خلق:أنّ الخلق مقام التّقدير،ثمّ بعده مقام البرء و التّكوين،ثمّ بعده مقام التّصوير و التّحويل.و الذّرء مرتبة بعد هذه المراتب، و هي مرتبة البسط و حالة البثّ في مقام إدامة الوجود.

فتفسير الذّرء بالخلق و غيره تفسير على خلاف الحقيقة.

وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً الأنعام:136،أي ممّا بسط في الوجود،و من التّحوّلات في مرحلة البسط في مورد خاصّ،بسط بالحرث و توسعة في توالد الأنعام.

وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ النّحل:13،أي بسط لكم ممّا في الأرض.

وَ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ المؤمنون:79، أي بسط و بثّكم فيها.

وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ الأعراف:179،أي بسطناهم و مهّلناهم في الحياة الدّنيويّة،و ليس المعنى و خلقناهم لجهنّم حتّى يرد الإشكال،و البسط لجهنّم إنّما يكون في نتيجة الأعمال السّيّئة المخالفة.

جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ الشّورى:11،أي يبسط و يبثّ أفرادكم في هذا الجعل و في ضمن هذا العمل.

فظهر أنّ الذّرء بمعنى البسط،و مفهوم البسط يختلف باختلاف الموارد و الموضوعات كمّا و كيفا، فالبسط في الوجود قد يكون بتكثّر التّوالد و التّناسل، و قد يكون ببسط الكيفيّة في طول الحياة و الشّيب و بياض الشّعر.و البسط في الأرض قد يكون بالزّرع فيها و كونها مخضرّة.

و قولهم:ذرء النّار:أي امتدّت حياتهم و انبسطت حتّى كانوا طعمة للنّار،فهم في أثر السّيّئات و الانحرافات يسيرون إلى النّار،و كذلك أذرأته بكذا،أي أولعته به، فإنّ مرجعها إلى سوقه و بسط إرادته و سيره إليه.

فظهر أنّ استعمال المادّة في مطلق هذه المعاني ليس بوجيه،و أمّا الذّارئ في اسم اللّه المتعال،فهو الّذي يبسط كلّ شيء يخلقه و يبرؤه،و هذا البسط في خصوص جهة خلقته،و مرجعه إلى امتداد لحاظ

ص: 585

الخلقة و بسط جهات البرء،و تكميل البرء في بقائه و الاستنتاج منه.

و يؤيّد هذا المعنى ذكر هذا الاسم العظيم بعد ذكر الاسم البارئ في دعاء الجوشن الكبير،فصل:89، «اللّهمّ إنّى أسألك باسمك يا حافظ يا بارئ يا ذارئ».

(3:303)

النّصوص التّفسيريّة

ذرا

1- وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً. الأنعام:136

أبو عبيدة: ذَرَأَ بمنزلة برأ،و معناهما:خلق.

(1:206)

ابن قتيبة:أي ممّا خلق من الحرث و هو الزّرع.

(160)

الطّبريّ:خالقهم،يعني ممّا خلق من الحرث و الأنعام،يقال منه:ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرأ و ذروا، إذا خلقهم.(5:349)

الماورديّ:ممّا خلق،مأخوذ من الظّهور،و منه قيل:ملح ذرآنيّ لبياضه،و قيل:لظهور الشّيب:ذرأة.

(2:173)

الطّوسيّ:أخبر اللّه تعالى عن الكفّار الّذين تقدّم وصفهم أنّهم يجعلون شيئا من أموالهم للّه و شيئا لشركائهم تقرّبا إليهما،من جملة من خلقه اللّه و اخترعه،لأنّ الذّرأ هو الخلق على وجه الاختراع.

(4:307)

الزّمخشريّ:قوله: مِمّا ذَرَأَ فيه أنّ اللّه كان أولى بأن يجعل له الزّاكي،لأنّه هو الّذي ذرأه و زكّاه، و لا يردّ إلى ما لا يقدر على ذرء و لا تزكية.(2:52)

الطّبرسيّ:أي ممّا خلق من الزّرع.(2:370)

البيضاويّ:في قوله مِمّا ذَرَأَ تنبيه على فرط جهالتهم،فإنّهم أشركوا الخالق في خلقه جمادا لا يقدر على شيء،ثمّ رجّحوه عليه بأن جعلوا الزّاكي له.(1:333)

نحوه أبو السّعود.(2:449)

أبو حيّان:في قوله تعالى: مِمّا ذَرَأَ أنّه تعالى كان أولى أن يجعل له الأحسن و الأجود،و أن يكون جانبه تعالى هو الأرجح،إذ كان تعالى هو الموجد لما جعلوا له منه نصيبا و القادر على تنميته،دون أصنامهم العاجزة عن ما يحلّ بها،فضلا عن أن تخلق شيئا أو تنميه.(4:227)

الطّباطبائيّ:الذّرء:الإيجاد على وجه الاختراع و كأنّ الأصل في معناه الظّهور.(7:360)

محمّد حسنين مخلوف: ذَرَأَ بمعنى خلق؛ يقال:ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرءا،أي خلقهم و أوجدهم.(243)

2-و جاء بهذا المعنى قوله تعالى: وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ. النّحل:13

3- وَ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ

ص: 586

تُحْشَرُونَ. المؤمنون:79

ابن عبّاس:خلقكم.(289)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره:و اللّه الّذي خلقكم في الأرض.(9:237)

الطّوسيّ:أي خلقكم و أوجدكم.(7:385)

الميبديّ:أي صيّر بعضكم ذرّيّة بعض.(6:456)

الزّمخشريّ:خلقكم و بثّكم بالتّناسل.(3:40)

نحوه البيضاويّ(2:112)،و النّسفيّ(3:125)، و النّيسابوريّ(18:33)،و أبو حيّان(6:418)، و الشّربينيّ(2:587)،و أبو السّعود(4:428)، و البروسويّ(6:99)،و الآلوسيّ(18:57)، و القاسميّ(12:4413).

ابن عطيّة:و ذرأ معناه بثّ و خلق.(4:153)

الفخر الرّازيّ:قيل في التّفسير خلقكم قال أبو مسلم:و يحتمل بسطكم فيها ذرّيّة بعضكم من بعض حتّى كثرتم كقوله تعالى: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ الإسراء:3.(23:114)

القرطبيّ:أي أنشأكم و بثّكم و خلقكم.

(12:144)

4-و جاء بهذا المعنى قوله تعالى: قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. الملك:24.

5-و قوله تعالى: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ. الأعراف:179.

يذرؤكم

جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

الشّورى:11

ابن عبّاس:يخلقكم في الرّحم.(406)

نحوه السّدّيّ(الماورديّ 5:194)،و أبو عبيدة (2:199)،و ابن قتيبة(391).

يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها.

(الطّبريّ 11:132)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 11:132)

ابن زيد:يرزقكم فيه.(الماورديّ 5:194)

قطرب:يبسطكم فيه.(الماورديّ 5:194)

الفرّاء:يكثّر نسلكم فيه.(الماورديّ 5:194)

بما جعل لكم أزواجا.

مثله الزّجّاج.(الطّوسيّ 9:148)

الطّبريّ:يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، و يعيّشكم فيما جعل لكم من الأنعام.

و قد اختلف أهل التّأويل في معنى قوله:

يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ في هذا الموضع،فقال بعضهم:معنى ذلك يخلقكم فيه.

و قال آخرون:بل معناه يعيّشكم فيه.

[و نقل قول ابن عبّاس و قتادة قال:]

و هذان القولان و إن اختلفا في اللّفظ من قائليهما، فقد يحتمل توجيههما إلى معنى واحد،و هو أن يكون القائل في معناه يعيّشكم فيه،أراد بقوله ذلك:يحييكم بعيشكم به كما يحيي من لم يخلق بتكوينه إيّاه،و نفخه

ص: 587

الرّوح فيه حتّى يعيش حيّا.و قد بيّنت معنى ذرأ اللّه الخلق فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته.

(11:132)

نحوه الثّعلبيّ.(8:305)

الزّجّاج:أي يكثّركم بجعله منكم.(4:395)

الطّوسيّ:أي يخلقكم و يكثّركم فيه،يعني في التّزويج و في ما حكم فيه.(9:148)

نحوه الطّبرسيّ.(5:24)

الميبديّ:أي يخلقكم في البطن و في الرّحم، و قيل:«في»،هاهنا بمعنى الباء،تأويله:يخلقكم و يكثّركم بالتّزويج.(9:9)

الزّمخشريّ:يكثّركم،يقال:ذرأ اللّه الخلق:بثّهم و كثّرهم.و الذّرّ،و الذّرو،و الذّرء:أخوات.

فِيهِ: في هذا التّدبير،و هو أن جعل للنّاس و الأنعام أزواجا،حتّى كان بين ذكورهم و إناثهم التّوالد و التّناسل.

و الضّمير في يَذْرَؤُكُمْ يرجع إلى المخاطبين و الأنعام،مغلّبا فيه المخاطبون العقلاء على الغيّب ممّا لا يعقل،و هي من الأحكام ذات العلّتين.

فإن قلت:ما معنى يَذْرَؤُكُمْ في هذا التّدبير؟ و هلاّ قيل:يذرؤكم به؟

قلت:جعل هذا التّدبير كالمنبع و المعدن للبثّ و التّكثير،أ لا تراك تقول للحيوان في خلق الأزواج تكثير:كما قال تعالى: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ البقرة:179.(3:462)

نحوه الفخر الرّازيّ(27:149)،و النّسفيّ(4:

101)،و النّيسابوريّ(25:22)،و الشّربينيّ(3:530) و البروسويّ(8:292).

ابن عطيّة:[و نقل قول مجاهد ثمّ قال:]

فلفظة ذرأ:تزيد على لفظة خلق معنى آخر ليس في خلق،و هو توالي الطّبقات على مرّ الزّمان.(5:28)

القرطبيّ:أي يخلقكم و ينشئكم.(16:8)

البيضاويّ:يكثّركم من الذّرء و هو البثّ،و في معناه:الذّرّ و الذّرو،و الضّمير على الأوّل للنّاس.

(2:354)

الآلوسيّ:[نقل معنى كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و هذا هو الّذي عناه جار اللّه،و هو ممّا لا بأس فيه، لأنّ العلّة ليست حقيقة.

و زعم ابن المنير:أنّ الصّحيح أنّهما حكمان متباينان غير متداخلين؛أحدهما:مجيئه على نعت ضمير العقلاء أعمّ من كونه مخاطبا أو غائبا،و الثّاني:

مجيئه بعد ذلك على نعت الخطاب،فالأوّل لتغليب العقل،و الثّاني لتغليب الخطاب ليس بشيء و لا يحتاج إليه.

و كلام صاحب«المفتاح»يحتمل اعتبار تغليبين؛ أحدهما:تغليب المخاطبين على الغيّب،و ثانيهما:

تغليب العقلاء على ما لا يعقل.

و قال الطّيّبيّ:إنّ المقام يابى ذلك،لأنّه يؤدّي إلى أنّ الأصل يذرؤكم و يذرؤها و يذرؤكنّ و يذرؤها، لكنّ الأصل يذرؤكم و يذرؤها لا غير،لأنّ(كم)في يَذْرَؤُكُمْ هو(كم)في جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً بعينه،لكن غلّب هاهنا على الغيب،فليس

ص: 588

في يَذْرَؤُكُمْ إلاّ تغليب واحد،انتهى.ثمّ إنّه لا ينبغي أن يقال:إنّ التّذرئة حكم علّل في الآية بعلّتين؛إحداهما:جعل النّاس أزواجا،و الثّانية:جعل الأنعام أزواجا،و يجوز أن يكون هو الّذي عناه جار اللّه،لأنّ الحكم هو البثّ المطلق و علّته المجموع.و إن جعل كلّ جزء منه علّة فكلّ بثّ حكم أيضا،فأين الحكم الواحد المتعدّد علّته؟فافهم.

و عن ابن عبّاس أنّ معنى يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها.و قريب منه قول ابن زيد يرزقكم فيه.و الظّاهر عليه أنّ الضّمير لجعل الأزواج من الأنعام.(25:17)

القاسميّ:أي يكثّركم،من:الذّرء،و هو البثّ؛ يقال:ذرأ اللّه الخلق:بثّهم و كثّرهم.و فسّر ب«يخلقكم».و ضمير فِيهِ للبطن أو الرّحم.

(14:5225)

عزّة دروزة: يَذْرَؤُكُمْ: يكثّركم و ينمّيكم،أو يخلقكم و يظهركم.(5:162)

ابن عاشور:الذّرء:بثّ الخلق و تكثيره،ففيه معنى توالي الطّبقات على مرّ الزّمان،إذ لا منفعة للنّاس من أزواج الأنعام باعتبارها أزواجا سوى ما يحصل من نسلها.

و ضمير الخطاب في قوله: يَذْرَؤُكُمْ للمخاطبين بقوله: جَعَلَ لَكُمْ، و مراد شموله لجعل أزواج من الأنعام المتقدّم ذكره،لأنّ ذكر أزواج الأنعام لم يكن هملا،بل مرادا منه زيادة المنّة،فإنّ ذرء نسل الإنسان نعمة للنّاس،و ذرء نسل الأنعام نعمة أخرى للنّاس،و لذلك اكتفى بذكر الأزواج في جانب الأنعام عن ذكر الذّرء،إذ لا منفعة للنّاس في تزاوج الأنعام سوى ما يحصل من نسلها.و إذ كان الضّمير ضمير جماعة العقلاء و كان ضمير خطاب،في حين أنّ الأنعام ليست عقلاء و لا مخاطبة،فقد جاء في ذلك الضّمير تغليب العقلاء،إذ لم يذكر ضمير صالح للعقلاء و غيرهم،كأن يقال:يذرأك بكسر الكاف،على تأويل إرادة خطاب الجماعة.

و جاء فيه تغليب الخطاب على الغيبة،فقد جاء فيه تغليبان،و هو تغليب دقيق،إذ اجتمع في لفظ واحد نوعان من التّغليب،كما أشار إليه الكشّاف و السّكّاكيّ في مبحث التّغليب من«المفتاح».

(25:114)

مغنيّة:و يَذْرَؤُكُمْ هنا تتضمّن معنى التّكثير، أي أنّ اللّه جعل النّاس ذكورا و إناثا و كذلك الأنعام، ليتكاثر النّاس و الأنعام،و هذا التّكاثر نعمة من اللّه تعالى.(6:514)

عبد الكريم الخطيب:الذّرء:إظهار عوالم المخلوقات الّتي كانت مكنونة في علم اللّه سبحانه و تعالى،و منه الذّرأة،و هى بياض الشّيب،لأنّه ظهر بعد خفاء.

و معنى الآية الكريمة:أنّ اللّه سبحانه بهذا التّزاوج بين الرّجل و المرأة،كثّر نسل الإنسان،و أظهر به ما قدّر من مخلوقات بشريّة من أصلاب الآباء و أرحام الأمّهات.(13:25)

مكارم الشّيرازيّ:هذه لوحدها تعتبر إحدى

ص: 589

الدّلائل الكبيرة على تدبير اللّه و ربوبيّته و ولايته، حيث خلق سبحانه و تعالى للنّاس أزواجا من أنفسهم،و هو يعتبر أساسا لراحة الرّوح و سكون النّفس،و من جانب آخر يعتبر الزّواج أساسا لبقاء النّسل و استمراره و تكاثره.

و بالرّغم من أنّ خطاب الآية موجّه للإنسان، و المعنى منصبّ عليه من خلال يَذْرَؤُكُمْ إلاّ أنّ هذا الأمر هو حكم سائد و سنّة جارية في جميع الأنعام و الموجودات الحيّة الأخرى الّتي يسري عليها التّكاثر بالمثل.

و في الواقع أنّ توجيه الخطاب للإنسان دونها يشير إلى مقامه الكريم،و أمّا أمر البقيّة فيتبيّن من خلال الإنسان كمثال.(15:439)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الذّرأة،أي الشّيب، يبدو في فودي الرّأس قبل سائره؛يقال:قد علته ذرأة:

شيب،و به ذرأة من شيب،و قد ذرئ الرّجل يذرأ ذرءا إذا شاب في مقدّم رأسه،و ذرئ شعره،إذا ابيضّ مقدّم رأسه،و ذرأت مجاليه:ابيضّت،و هو أذرأ،و الأنثى ذرآء.

و كبش أذرأ و نعجة ذرآء:في رأسيهما بياض.

و شاة ذرآء،إذا كان في أذنيها بياض.

و فرس أذرأ و جدي أذرأ:أرقش الأذنين.

و الذّرءاء من المعز:الرّقشاء الأذنين و سائرها أسود،و هو من شيات المعز دون الضّأن.

و ملح ذرآنيّ و ذرآنيّ:شديد البياض،من الذّرأة.

و الذّريء:أوّل ما يزرع من الزّرع،تشبيها بالذّرأة؛يقال:ذرأنا الأرض،أي بذرناها.

و الذّرء:الخلق،لأنّه ظهور كالذّرأة؛يقال:ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرءا،أي خلقهم،و هو الذّارئ:البارئ و الخالق.و في حديث الدّعاء:«أعوذ بكلمات اللّه التّامّات من شرّ ما خلق و ذرأ و برأ».

و الذّرء:عدد الذّرّيّة؛يقال:أنمى اللّه ذرأك و ذروك،أي ذرّيّتك.

و الذّرّيّة و الذّرّيّة:نسل الثّقلين،و الجمع:

ذراريّ،قيل:أصله«ذرّيئة»على وزن(فعّيلة)من:

الذّرأ،أي الخلق،فسهّلت الهمزة لكثرة الاستعمال.

و لكنّه على وزن«فعليّة»من الذّرّ،أي النّشر و البثّ، كما سيأتي في(ذرر).

و الذّرء:الشّيء اليسير من القول،كأنّه ظهر توّا غير تامّ كالذّرأة؛يقال:بلغني ذرء من خبر،أي طرف منه و لم يتكامل.

2-روى أبو عبيد حديث عمر:«أنّه كتب إلى خالد بن الوليد:أنّه بلغني أنّك دخلت حمّاما بالشّام، و أنّ من بها من الأعاجم أعدّوا لك دلوكا عجن بخمر، و إنّي أظنّكم آل المغيرة ذرء النّار»،و قال:خلق النّار (1)،و كذا قال الهرويّ و ابن الأثير و المتّقيّ الهنديّ (2)

ص: 590


1- غريب الحديث(2:70).
2- كنز العمّال(9:523).

و لكنّ الشّريف ابن معصوم فسّر الذّرء بالمذروء، و قال:«هم ذرء النّار:مخلوقون لها» (1)،و هو ظاهر قول الجوهريّ:«أي أنّهم خلقوا لها».و نحوه:الخلق -من المصادر-بمعنى المخلوق.

كما فسّر ابن معصوم قولهم:زرع ذريء،بالمذروء أيضا،و لم يذكر هذا المعنى غيره،رغم قول الخليل و الجوهريّ بأنّه على وزن«فعيل»،إذ ليس كلّ «فعيل»مفعولا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الماضي 5 مرّات،و المضارع مرّة في 6 آيات:

1- وَ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ المؤمنون:79

2- قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ الملك:24

3- وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ الأعراف:179

4- فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الشّورى:11

5- وَ ما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ...

النّحل:13

6- وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً... الأنعام:136

و يلاحظ أوّلا:

1-أنّ مفعول(ذرا)في الأربع الأولى هو الإنسان،أو الإنسان مع الجنّ،فقد قال فيها: ذَرَأَكُمْ أو ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أو يَذْرَؤُكُمْ، و في الأخيرتين ما خلق للإنسان من الحرث و الأنعام و غيرها و زاد في(5): مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ.

2-و قد ذرأهم جميعا في ثلاث من تلك الأربع من أن يعيشوا في الأرض حياتهم الأولى،و في واحدة منها (3)ذرأ كثيرا من الجنّ و الإنس لجهنّم ليعذّبوا فيها، و سنتحدّث عنها لاحقا.

3-و قد جمع اللّه بين الفعلين«ذرأ»و«جعل»في اثنتين منها،فجاء في(4) فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ، كما جمع فيها بين«جمع»و«فطر» أيضا.و جاء في(6) وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً... .

و هذا شاهد على اختلاف معانيهما،كما اختلفت معاني«ذرأ»و«خلق»و«فطر»،كما سنبحثها،هذا مع تفاوت بين الآيتين،فالذّرء فيهما فعل اللّه،و الجعل في(4)فعل اللّه أيضا،و في(6)فعل النّاس.

4-و قد جاء في ثلاث من تلك الأربع لفظ فِي الْأَرْضِ، و في واحدة(4)ضمير فِيهِ.

فلو أريد بالضّمير اَلْأَرْضِ لقال«فيها» لتأنيث اَلْأَرْضِ و من ثمّ اختلفوا فيها كما اختلفوا

ص: 591


1- الطّراز الأوّل(ذرأ).

في معنى يَذْرَؤُكُمْ. فعن ابن عبّاس-و تبعه غيره-:

«يخلقكم في الرّحم»،و قال أيضا:«يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها».و قال مجاهد:«نسل بعد نسل من النّاس و الأنعام».و قال ابن زيد:«يرزقكم فيه»، و قال قطرب:«يبسطكم فيه»،و عن الفرّاء:«يكثّر نسلكم فيه».

و قال الطّبرسيّ(5:23):«أي يخلقكم في هذا الوجه الّذي ذكر من جعل الأزواج،فالهاء في فِيهِ يعود إلى الجعل المراد بقوله: جَعَلَ لَكُمْ. و قيل:

معناه يذرؤكم في التّزواج لتكثروا به،لدلالة الكلام عليه و هو ذكر«الأزواج».[ثمّ استشهد بشعر]».

و قال الزّجّاج و الفرّاء:«معناه يذرؤكم به،أي يكثّركم بأن جعل من أنفسكم أزواجا و من الأنعام أزواجا».[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الزّمخشريّ:«فإن قلت:ما معنى يَذْرَؤُكُمْ. في هذا التّدبير؟و هلاّ قيل:يذرؤكم به؟

قلت:جعل هذا التّدبير كالمنبع و المعدن للبثّ و التّكثير،أ لا تراك تقول للحيوان في خلق الأزواج:

تكثير؟-إلى أن قال أخيرا:-«و الظّاهر أنّ الضّمير لجعل الأزواج من الأنعام».

5-اختلفوا في معنى يَذْرَؤُكُمْ، ففسّروها بالخلق،و الإيجاد،و الإنشاء،و البسط،و الرّزق، و العيش،و البثّ.

قال ابن عاشور:«و الذّرء:بثّ الخلق و تكثيره، ففيه معنى توالي الطّبقات على مرّ الزّمان،إذ لا منفعة للنّاس من أزواج الأنعام باعتبارها أزواجا سوى ما يحصل من نسلها».

و قال مغنيّة:«و يَذْرَؤُكُمْ هنا تتضمّن معنى التّكثير،أي أنّ اللّه جعل النّاس ذكورا و إناثا و كذلك الأنعام،ليتكاثر النّاس و الأنعام،و هذا التّكاثر نعمة من اللّه تعالى».

و قال الخطيب:«الذّرء:إظهار عوالم المخلوقات الّتي كانت مكنونة في علم اللّه سبحانه و تعالى،و منه:

الذّرأة،و هي بياض الشّيب،لأنّه ظهر بعد خفاء»،ثمّ أدام نحو مغنيّة.

و قال المصطفويّ:«التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو البسط و البثّ بعد الإيجاد،أي مرتبة متأخّرة عن الخلق و التّكوين.

و قد سبق في مادّة برء و خلق:أنّ الخلق مقام التّقدير،ثمّ بعده مقام البرء و التّكوين،ثمّ بعده مقام التّصوير و التّحويل.و الذّرء مرتبة بعد هذه المراتب، و هي مرتبة البسط و حالة البثّ في مقام إدامة الوجود.

فتفسير الذّرء بالخلق و غيره تفسير على خلاف الحقيقة.-ثمّ فسّر الآيات و قال خلالها-:و مفهوم البسط يختلف باختلاف الموارد و الموضوعات كمّا و كيفا...»،فلاحظ.

و قال الطّباطبائيّ:«الذّرء:الإيجاد على وجه الاختراع،و كأنّ الأصل في معناه الظّهور».

و قال محمّد حسنين مخلوف: «ذَرَأَ بمعنى خلق، يقال:ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرءا،أي خلقهم و أوجدهم»و قالوا غير ذلك أيضا.

ص: 592

و لا ريب في أنّه يستعمل في المحاورات بهذه المعاني من دون رعاية تلك الفوارق.

6-و الخطاب في هذه الآية صدرا و ذيلا للنّاس منّة عليهم بجعله أزواجا من أنفسهم و من الأنعام،فإنّها مخلوقة لهم،حيث قال: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ.

و يظهر من كلام الزّمخشريّ أنّ الضّمير في يَذْرَؤُكُمْ خطاب للنّاس و الأنعام بتغليب ذوي العقول على غيرهم،فقال:«و الضّمير في يَذْرَؤُكُمْ يرجع إلى المخاطبين و الأنعام،مغلّبا فيه المخاطبون العقلاء على الغيّب ممّا لا يعقل،و هي من الأحكام ذات العلّتين».و وافقه الآلوسيّ،و نقل كلاما عن الطّيّبيّ ردّا عليه،و قال:«ثمّ إنّه لا ينبغي أن يقال:إنّ التّذرئة حكم علّل في الآية بعلّتين؛إحداهما:جعل النّاس أزواجا،و الثّانية:جعل الأنعام أزواجا».

و عندنا أنّه لا مجال لهذا الكلام،لأنّ الخطاب للعقلاء فحسب،و قد جعل الأزواج من النّاس و الأنعام كلاهما للنّاس،فهم المخاطبون ليس إلاّ و لا معنى لقوله:«و هي من الأحكام ذات العلّتين»، كأنّ الطّيّبيّ يريد ذلك.

و قال ابن عاشور-وفاقا للزّمخشريّ-:

«و ضمير الخطاب في قوله: يَذْرَؤُكُمْ للمخاطبين بقوله: جَعَلَ لَكُمْ، و مراد شموله لجعل أزواج من الأنعام المتقدّم ذكره،لأنّ ذكر أزواج الأنعام لم يكن هملا،بل مرادا منه زيادة المنّة،فإنّ ذرء نسل الإنسان نعمة للنّاس،و ذرء نسل الأنعام نعمة أخرى للنّاس، و لذلك اكتفى بذكر الأزواج في جانب الأنعام عن ذكر الذّرء،إذ لا منفعة للنّاس في تزاوج الأنعام سوى ما يحصل من نسلها.إلى أن قال:فقد جاء في ذلك الضّمير تغليب العقلاء،إذ لم يذكر ضمير صالح للعقلاء و غيرهم،كأن يقال:يذرأك بكسر الكاف،على تأويل إرادة خطاب الجماعة.و جاء فيه تغليب الخطاب على الغيبة...».و لا مجال-كما قلنا-لهذا البحث الطّويل، فلاحظ كلماتهم و كلام مكارم الشّيرازيّ.

7-و قال المصطفويّ في(3): وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ...: «أي بسطناهم و مهّلناهم في الحياة الدّنيويّة،و ليس المعنى و خلقناهم لجهنّم حتّى يرد الإشكال،و البسط لجهنّم إنّما يكون في نتيجة الأعمال السّيّئة المخالفة».

و قال الطّبرسيّ(2:502):«اللاّم في قوله لِجَهَنَّمَ لام العاقبة،كما في قوله: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا القصص:8،لأنّهم التقطوه ليكون لهم قرّة عين كما قالت امرأة فرعون:

قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ القصص:9،...قال عليّ بن عيسى:هي لام الإضافة،تذكر مرّة على معنى العلّة، و مرّة على معنى شبه العلّة.إلى أن قال:يعني:خلقناهم على أنّ عاقبتهم المصير إلى جهنّم بكفرهم و إنكارهم، و سوء اختيارهم.و يدلّ على هذا المعنى قوله سبحانه:

وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ الذّاريات:

56،فأخبر أنّه خلقهم للعبادة،فلا يجوز أن يكون خلقهم للنّار إلى أن قال:و المراد في الآية كلّ من علم اللّه تعالى،أنّه لا يؤمن،و يصير إلى النّار».

ص: 593

و نقول:عبّر بذلك تشديدا في عقابهم كأنّهم خلقوا له،و يؤكّده قوله بعدها: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ. الأعراف:179.

و ثانيا:الآيات كلّها مكّيّة راجعة إلى التّوحيد أو البعث،و هما من أهمّ المقاصد المكّيّة.

و ثالثا:جاءت بعض نظائر هذه المادّة في القرآن، راجع:«خ ل ق».

ص: 594

ذ ر ر

اشارة

10 ألفاظ،38 مرّة:22 مكّيّة،16 مدنيّة

في 21 سورة:14 مكّيّة،7 مدنيّة

ذرّة 6:3-3

ذرّيّة 11:6-5

ذرّيّته 5:5

ذرّيّتها 1:-1

ذرّيّتهما 2:1-1

ذرّيّتهم 4:4

ذرّيّتي 4:2-2

ذرّيّتنا 1:-1

ذرّيّاتهم 3:2-1

ذرّيّاتنا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الذّرّ:صغار النّمل،و الذّرّ:مصدر ذررت،و هو أخذك الشّيء بأطراف أصابعك،تذرّه ذرّ الملح على الخبز،و تذرّ الدّواء في العين، و الذّرور:اسم الدّواء اليابس للعين.

و الذّريرة:فتات قصب من الطّيب يجاء به من الهند،كأنّه قصب النّشّاب.

و الذّرارة:ما تناثر من الشّيء الّذي تذرّه.

و الذّرّيّة:«فعليّة»من ذررت،لأنّ اللّه ذرّهم في الأرض فنثرهم فيها،كما أنّ السّريّة من:تسرّرت، و الجميع:الذّراريّ،و إن خفّف جاز.

و ذرور الشّمس:طلوعها و سقوطها على الأرض،و ذرّ قرن الشّمس،أي طلع.[ثمّ استشهد بشعر](8:175)

أبو عمرو الشّيبانيّ:ذرّيت الكباش،إذا جعلت من صوفها على أفخاذها و أكتافها كهيئة الذّوائب.

قد ذريت به،أي فرحت به ذرى.(1:280)

ذرّت النّاقة ولدها،إذا تركته تذارّ.

قال السّعديّ:الذّارّ من الإبل:الّتي تشرب قليلا و تعاف كثيرا،تقول:في شربها ذرار،و هي مذائر، إذا رئمت بأنفها و منعت ضرعها.(1:281)

ص: 595

الفرّاء:ذارّت النّاقة تذارّ مذارّة و ذرارا،أي ساء خلقها،و هي مذارّ،و هي في معنى العلوق و المذائر.(الجوهريّ 2:663)

أبو زيد:يقال:ذرّ البقل،إذا طلع من الأرض.

في فلان ذرار،أي إعراض غضبا،كذرار النّاقة.

(الجوهريّ 2:663)

أبو عبيد:في حديث عمر:«حجّوا بالذّرّيّة و لا تأكلوا أرزاقها،و تذروا أرباقها في أعناقها».

قوله:«تذروا أرباقها في أعناقها»،فجعل الحجّ عليها واجبا،و إنّما ذكر الذّرّيّة و ليس على الذّرّيّة حجّ.

و قلت ليحيى:ما وجه هذا الحديث؟فقال:

لا أعرفه،فقلت له أنا:إنّه لم يرد الصّبيان،إنّما أراد النّساء،و قد يلزمهنّ اسم الذّرّيّة،و ذكرت له حديث سفيان الثّوريّ عن أبي الزّناد،عن المرقع بن صيفيّ،عن حنظلة الكاتب،قال:كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في غزاة،فرأى امرأة مقتولة،فقال:«هاه ما كانت هذه تقاتل،الحق خالدا فقل له:لا تقتلنّ ذرّيّة و لا عسيفا»،فجعل النّساء من الذّرّيّة،فعرف يحيى الحديث و قال:نعم،و قبله.فهذا يبيّن لك أنّ الذّرّيّة النّساء هاهنا.(2:92)

ابن الأعرابيّ:يقال:أصابنا مطر ذرّ بقله، و يذرّ،إذا طلع و ظهر،و ذلك أنّه يذرّ من أدنى مطر، و إنّما يذرّ البقل من مطر قدر وضح الكفّ، و لا يقرّح البقل إلاّ من قدر الذّراع.

(الأزهريّ 14:404)

ذرّ الرّجل يذرّ إذا شاب مقدّم رأسه،و ذرّ الشّيء يذرّه،إذا بدّده،و ذرّ يذرّ،إذا تجدّد،و ذرّت الشّمس تذرّ،إذا طلعت.(الأزهريّ 14:405)

ثعلب:الذّرار:الغضب و الإنكار.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 10:46)

ابن دريد:ذرّ الشّيء يذرّه ذرّا،إذا فرّقه،و ذرّ الحبّ و ذرّاه أيضا،إذا بذره في الأرض.

و الذّرّ:جمع ذرّة،معروف.

و ذرّت الشّمس ذرورا،إذا طلعت.[ثمّ استشهد بشعر]

و ذرّ عينه بالدّواء يذرّها ذرّا،و الاسم:الذّرور.

(1:78)

ابن بزرج:ذرّت الشّمس تذرّ ذروا،و ذرّ البقل،و ذرّت الأرض النّبت ذرّا.

(الأزهريّ 14:404)

الأزهريّ:أجمع القرّاء على ترك الهمز في الذّرّيّة،و قال ابن السّكّيت:قال أبو عبيدة:قال يونس:أهل مكّة يخالفون غيرهم من العرب، فيهمزون النّبيّ و البريّة،و الذّرّيّة من:ذرأ اللّه الخلق، أي خلقهم.

و قال أبو إسحاق النّحويّ:الذّرّيّة غير مهموز؛ قال:و فيها قولان:قال بعضهم:هي«فعليّة»من الذّرّ،لأنّ اللّه تعالى أخرج الخلق من صلب آدم كالذّرّ حين أشهدهم على أنفسهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى الأعراف:172.

قال:و قال بعض النّحويّين:أصلها«ذرّورة»

ص: 596

على وزن«فعلولة»و لكنّ التّضعيف لمّا كثر أبدل من الرّاء الأخيرة ياء،فصارت«ذرّوية»،ثمّ ادغمت الواو في الياء فصارت ذرّيّة؛قال:و القول الأوّل أقيس و أجود عند النّحويّين.

و قال أبو سعيد:ذرّيّ السّيف:فرنده؛يقال:ما أبين ذرّيّ سيفه!نسب إلى الذّرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:405)

الصّاحب:الذّرّ:صغار النّمل،و الواحدة ذرّة.

و مصدر ذررت الملح على الخبز،و الدّواء اليابس في العين،و اسم ذلك الدّواء:الذّرور.

و الذّرارة:ما تناثر من الشّيء الّذي تذرّه.

و الذّريرة:فتات قصب من قصب الطّيب.

و الذّرّيّة«فعليّة»من:ذررت،لأنّ اللّه ذرّهم في الأرض ذرّا،و الجميع:الذّراريّ،و يقال:ذرّيّة.

و ذرّيّ السّيف:فرنده.

و الذّرّيّ:السّيف الكثير الماء.

و الذّرور:ذرور الشّمس،و هو أوّل طلوعها و سقوط ضوئها على الأرض.

و ذرّ قرن الشّمس:طلع.

و رجل ذرذار و ثرثار في كثرة الكلام:بمعنى.

و ذارّت الإبل عن الماء ذرارا و مذارّة،إذا أبت أن تشربه.

و اذرورى بطنه،و هو أن يمتدّ صفاقه و تنحدر سرّته.(10:55)

الجوهريّ:الذّرّ:جمع ذرّة،و هي أصغر النّمل، و منه سمّي الرّجل ذرّا،و كنّي بأبي ذرّ.

و ذرّيّة الرّجل:ولده.و الجمع:الذّراريّ و الذّرّيّات.

و ذررت الحبّ و الدّواء و الملح أذرّه ذرّا:

فرّقته.

و الذّرور بالفتح:لغة في الذّريرة،يجمع على أذرّة.

و ذرّت الشّمس تذرّ ذرورا بالضّمّ:طلعت.

(2:663)

ابن فارس:الذّال و الرّاء المشدّدة أصل واحد يدلّ على لطافة و انتشار.

و من ذلك الذّرّ:صغار النّمل،الواحدة:ذرّة.

و ذررت الملح و الدّواء.و الذّريرة معروفة،و كلّ ذلك قياس واحد.

و من الباب:ذرّت الشّمس ذرورا،إذا طلعت، و هو ضوء لطيف منتشر.و ذلك قولهم:«لا أفعله ما ذرّ شارق»و ما ذرّ قرن الشّمس.

و حكي عن أبي زيد:ذرّ البقل،إذا طلع من الأرض.و هو من الباب؛لأنّه يكون حينئذ صغارا منتشرا.

فأمّا قولهم:ذارّت النّاقة و هي مذارّ،إذا ساء خلقها،فقد قيل:إنّه كذا مثقّل.فإن كان صحيحا فهو شاذّ عن الأصل الّذي أصّلناه.إلاّ أنّ الحطيئة قال:

*و كنت كذات البعل ذارت بأنفها*

مخفّفا.و أراه الصّحيح،و يكون حينئذ من ذئرت،إذا تغضّبت،فيكون على تخفيف الهمزة.إلاّ أنّ أبا زيد قال:في نفس فلان ذرار،أي إعراض

ص: 597

غضبا،كذرار النّاقة.و هذا يدلّ على القول الأوّل.

و اللّه أعلم.(2:343)

الهرويّ:في الحديث:«لا تقتلوا ذرّيّة و لا عسيفا»،أي امرأة و لا أجيرا.

و من ذلك حديث عمر:«حجّوا بالذّرّيّة و لا تأكلوا أرزاقها،و تذروا أرباقها في أعناقها»أراد حجّوا بالنّساء،و الأرباق:القلائد،أراد الأوزار.

(2:672)

الثّعالبيّ:الذّرّ:صغار النّمل.(57)

ابن سيده:ذرّ الشّيء يذرّه ذرّا:أخذه بأطراف أصابعه ثمّ نثره على الشّيء،و استعاره بعض الشّعراء للعرض على التّشبيه له بالجوهر.

و الذّرارة:ما تناثر من الشّيء المذرور.

و الذّريرة:ما انحتّ من قصب الطّيب.

و ذرّ عينه بالذّرور و يذرّها ذرّا:كحلها.

و الذّرّ:صغار النّمل،واحدته ذرّة،قال ثعلب:

إنّ مائة منها وزن حبّة من شعير،فكأنّها جزء من مائة.

و ذرّ اللّه الخلق في الأرض:نشرهم،و الذّرّيّة:

«فعليّة»منه،و قيل:هي منسوبة إلى الذّرّ الّذي هو النّمل الصّغار،و كان قياسه«ذرّيّة»بفتح الذّال، لكنّه نسب شاذّ لم يجئ إلاّ مضموم الأوّل.

و ذرّيّ السّيف:فرنده و ماؤه؛يشبّهان في الصّفاء بمدبّ النّمل و الذّرّ.

و ذرّت الشّمس تذرّ ذرورا:طلعت و ظهرت، و كذلك النّبت

و ذرّ:اسم.

و الذّر ذرة:تفريقك الشّيء و تبديدك إيّاه.

و ذرذار:لقب رجل من العرب.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](10:45)

الذّرور و الذّريرة:ما يذرّ في العين أي يطرح، و قد ذرّه يذرّه ذرّا.

و الذّرارة:ما يتناثر من الذّرور.

(الإفصاح 1:543)

ذرّت الشّمس تذرّ ذرورا:ظهرت أوّل شروقها

(الإفصاح 2:916)

الطّوسيّ:وزن ذرّيّة«فعليّة»،مثل قمريّة، و يحتمل أن يكون على وزن«فعلولة»،و أصله:

ذرورة،إلاّ أنّه كره التّضعيف،فقلبت الرّاء الأخيرة ياء،فصار«ذرّوية»و قلبت الواو للياء الّتي بعدها ياء و أدغمت إحداهما في الأخرى،فصار ذرّيّة.

قال الزّجّاج:و الأوّل أجود و أقيس.(2:441)

الرّاغب:الذّرّيّة،قال تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي البقرة:124،و قد قيل:أصله الهمز.

[و قال:في«ذرو»:]و في الذّرّيّة ثلاثة أقوال:

قيل:هو من:ذرأ اللّه الخلق،فترك همزه،نحو:

رويّة و بريّة.و قيل:أصله«ذرويّة».و قيل:هو «فعليّة»من الذّرّ،نحو قمريّة.(177،178)

البطليوسيّ:الذّرّ،بالذّال:مصدر ذررت الشّيء أذرّه.و الذّرّ أيضا:صغار النّمل.

و ذرّ:اسم رجل.(146)

و ملح ذرير،بالذّال:أي مذرور.

ص: 598

و المذرّة،بالذّال:الأرض ذات الذّرّ.(147)

و الذّرور:ما يذرّ.

و الذّريرة:من الطّيب.[ثمّ استشهد بشعر](291) الزّمخشريّ:ذرّ الملح على اللّحم،و الفلفل على الثّريد.و الدّواء في العين،و هو الذّرور.

و ذرّ الحبّ في الأرض:بذره.

و طيّبه بالذّريرة،و هي فتات قصب الطّيب، و هو قصب يجاء به من الهند كقصب النّشّاب.

و هذه ذرارة الطّيب و غيره:و هي ما تناثر منه إذا ذررته،و منه قيل:لصغار النّمل و للمنبثّ في الهواء من الهباء:الذّرّ.كأنّها طاقات الشّيء المذرور،و كذلك ذرّات الذّهب،و منه قيل:ذرّ القرن و البقل،إذا طلع أدنى شيء منه.

و من المجاز:ذرّ قرن الشّمس.

و تقول:أنتم ولاة الدّولة بكم ذرّ قرناها، و صرّت أذناها،و قرّت عيناها.

و ذرّ اللّه عباده في الأرض:نشرهم.

و ما أبين ذرّيّ سيفه!و هو فرنده،لأنّه يشبه آثار الذّرّ.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:142) في حديث عمر:«...ذرّي و أنا أحرّ لك».

الذّرّ:التّفريق؛يقال:ذرّ الحبّ في الأرض،و ذرّ الدّواء في العين،و المراد ذرّي الدّقيق في القدر.

(الفائق 1:37)

في حديث حنظلة الكاتب:«لا تقتلنّ ذرّيّة و لا عسيفا».

الذّرّيّة:من الذّرّ بمعنى التّفريق،لأنّ اللّه تعالى ذرّهم في الأرض،و من الذّرء بمعنى الخلق،فهي من الأوّل«فعليّة»أو«فعلولة»ذرّورة،فقلبت الرّاء الثّالثة ياء كما في تقضّيت،و من الثّاني«فعلولة»أو «فعّيلة»و هي نسل الرّجل،و قد أوقعت على النّساء كقولهم للمطر:سماء.(الفائق 2:7)

أبو البركات:في الذّرّيّة:أربعة أوجه:

أحدها:أن يكون أصلها«ذرّوءة»بالهمز على وزن«فعّولة»،من:ذرأ اللّه الخلق،أي خلقهم،فترك همزها كما ترك همز الخابية من:خبأت،و النّبيّ من:

أنبأت،و البريّة من:برأ اللّه الخلق،أي خلقهم، و أبدل من الهمزة ياء،و من الواو ياء،و أدغمت الياء في الياء فصار ذرّيّة.

و الثّاني:أن يكون أصلها«ذرّيرة»ثمّ أبدل من الرّاء الأخيرة ياء،كما قالوا:تظنّيت في تظنّنت، لاجتماع النّونات،فاجتمع الياء و الواو،و السّابق منهما ساكن،فقلبوا الواو ياء،و جعلوهما ياء مشدّدة.

و الثّالث:أن يكون ذرّيّة منسوبة إلى الذّرّ، فتكون الياءان زائدتين للنّسب،و وزنها«فعليّة»، و ضمّوا الذّال من ذرّيّة في النّسب إلى الذّرّ،كما ضمّوا الدّال من دهريّ في النّسب إلى الدّهر،إذا أرادوا به الرّجل المسنّ،و تكون الضّمّة من تغيير النّسب،و التّغيير في النّسب جاء كثيرا على خلاف القياس المتلئب المطّرد في كلامهم.

و الرّابع:أن يكون أصلها«ذروّة»على وزن «فعولة»من ذروت،ثم فعل بها مثل ما فعل في

ص: 599

الوجه الأوّل.(1:175)

نحوه العكبريّ.(1:218)

المدينيّ:قوله تبارك و تعالى: مِثْقالَ ذَرَّةٍ الزّلزال:7،قال بعض العلماء:الشّعيرة:أربع رزّات،و الرّزّة:أربع سمسمات،و السّمسمة:أربع خردلات،و الخردلة:أربع ورقات نخالة،و الورقة:

أربع ذرّات،و قد تشبّه أجزاء الغبار الّتي ترى عند طلوع الشّمس في الكوّة بالذّرّات.

و الذّرّة:هي النّملة الحمراء الصّغيرة،فأمّا ما كان لها قراع فهي النّمل،و هي الطّوال الأرجل لا ضرر فيها،و لا يجوز قتلها،و الصّغار هي المؤذية.

و سئل ثعلب عن الذّرّة،فقال:إنّ مائة نملة وزن حبّة،و الذّرّة واحدة منها.

و قال يزيد بن هارون:زعموا أنّ الذّرّة ليس لها وزن،و ذكر عن بعضهم قال:وضعت كذا و كذا ذرّة في كفّة الميزان،فلم يترجّح بها.

و قال آخر:وضعت خبزا فغشيته النّمل بحيث عمّته،فوزنته مع النّمل ثمّ نقّيته فوزنته،فما نقص من وزنه شيء.

و قيل:إنّ الذّرّة ليس لها في الدّنيا وزن أصلا، فأخبر اللّه تبارك و تعالى أنّه يحاسب في الآخرة بما لا وزن له في الدّنيا.

في حديث إبراهيم:«تكتحل المحدّ بالذّرور».

الذّرور:ما يذرّ على العين؛يقال:ذررت عينه بالدّواء،و ذررت الدّواء في العين،إذا أخذته بأطراف أصابعك فطرحته فيها،و لعلّه من الذّرّ أيضا.

و في حديثه أيضا:«ينثر على قميص الميّت الذّريرة»:و هي فتات قصب ما،كالنّشّاب و غيره.

و في حديث عمر:«ذرّي و أحرّ لك»،أي ذرّي الدّقيق في القدر،و الذّرّ:التّفريق.(1:696)

ابن الأثير:فيه:«أنّه رأى امرأة مقتولة فقال:

ما كانت هذه تقاتل!الحق خالدا فقل له:لا تقتل ذرّيّة و لا عسيفا».

الذّرّيّة:اسم يجمع نسل الإنسان من ذكر و أنثى، و أصلها الهمز،و لكنّهم حذفوه فلم يستعملوها إلاّ غير مهموزة،و تجمع على ذرّيّات،و ذراريّ مشدّدا.

و قيل:أصلها من الذّرّ بمعنى التّفريق،لأنّ اللّه تعالى ذرّهم في الأرض،و المراد بها في هذا الحديث النّساء،لأجل المرأة المقتولة.

و في حديث جبير بن مطعم«رأيت يوم حنين شيئا أسود ينزل من السّماء،فوقع إلى الأرض، فدبّ مثل الذّرّ،و هزم اللّه المشركين».

الذّرّ:النّمل الأحمر الصّغير،واحدتها ذرّة.

و في حديث عائشة:«طيّبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لإحرامه بذريرة»هو نوع من الطّيب مجموع من أخلاط.(2:157)

الصّغانيّ:ذرّ الحبّ،إذا نفضه بالمذرّة.

و ذرّ عينه يذرّها ذرّا،إذا طرح فيها الذّرور.

و ذرّ،إذا تخدّد.(2:524)

الفيّوميّ:ذرّ قرن الشّمس ذرورا،من باب

ص: 600

«قعد»طلعت.

و ذررت الملح و غيره ذرّأ من باب«قتل».

و الذّريرة،و يقال أيضا:الذّرور:نوع من الطّيب؛قال الزّمخشريّ:هي فتات قصب الطّيب، و هو قصب يؤتى به من الهند كقصب النّشّاب.

و زاد الصّغانيّ:و أنبوبه محشوّ من شيء أبيض مثل نسج العنكبوت،و مسحوقه عطر إلى الصّفرة و البياض.

و الذّرّ:صغار النّمل،و به كنّي،و منه:أبو ذرّ و أمّ ذرّ،و أبو ذرّ الغفاريّ:اسمه جندب بن جنادة، و الواحدة:ذرّة،و الذّرّ:النّسل.

و الذّرّيّة:«فعليّة»من الذّرّ و هم الصّغار، و تكون الذّرّيّة واحدا و جمعا.و فيها ثلاث لغات:

أفصحها ضمّ الذّال،و بها قرأ السّبعة،و الثّانية:

كسرها،و يروى عن زيد بن ثابت،و الثّالثة:فتح الذّال مع تخفيف الرّاء وزان كريمة،و بها قرأ أبان بن عثمان،و تجمع على ذرّيّات،و قد تجمع على الذّراريّ،و قد أطلقت الذّرّيّة على الآباء أيضا مجازا،و بعضهم يجعل الذّرّيّة من:ذرأ اللّه تعالى الخلق،و ترك همزها للتّخفيف.(1:207)

الفيروزآباديّ:الذّرّ:صغار النّمل،و مائة منها زنة حبّة شعير،الواحدة:ذرّة،و تفريق الحبّ و الملح و نحوه،كالذّر درة،و طرح الذّرور في العين، و النّشر.

و الذّرور:ما يذرّ في العين،و عطر،كالذّريرة، جمعها:أذرّة.

و الذّرّيّة،و يكسر:ولد الرّجل،جمعه:

الذّرّيّات و الذّراريّ،و النّساء،للواحد و الجميع.

و ذرّ:تخدّد،و البقل،و الشّمس:طلعا، و الأرض النّبت:أطلعته،و الرّجل:شاب مقدّم رأسه،يذرّ فيه،بالفتح،شاذّ.

و الذّرذار:المكثار،و لقب رجل.

و الذّرارة،بالضّمّ:ما تناثر من الذّرور.

و الذّرّيّ:السّيف الكثير الماء،و فرنده،و ماؤه.

و الذّرار،بالكسر:الغضب،و الإعراض، و ذارّت النّاقة مذارّة و ذرارا:ساء خلقها،و هي مذارّ.

و المذرّة:آلة يذرّ بها الحبّ.(2:35)

الطّريحيّ:في الحديث:«الذّرّة تخرج من جحرها تطلب رزقها»،يريد النّملة الصّغيرة.

و الذّرور كرسول:ما يذرّ في العين من الدّواء اليابس؛يقال:ذررت عينه،إذا داويته بها.

و ذررت الملح على الحبّ من باب«قتل»،إذا فرّقته عليه.

و الذّريرة بفتح المعجمة:فتاة قصب الطّيب، و هو قصب يجاء به من الهند،كذا في مجمع البحار و غيره.

و عن بعض الفضلاء:أنّ قصب الذّريرة يؤتى به من ناحية نهاوند،و أصلها:قصب نابت في أجمة في بعض الرّساتيق،محيط بها حيّات،و الطّريق إليها على عدّة عقبات،فإذا طال ذلك القصب ترك حتّى يجفّ،ثمّ يقطع عقدا و كعابا،ثمّ يعبّأ في جواليق،فإذا

ص: 601

أخذ على عقبة من تلك العقبات المعروفة صار ذريرة،و إن سلك به على غير تلك العقبات بقي قصبا لا يصلح إلاّ للوقود.

و في حديث التّكفين:«فذرّ عليه السّلام على كلّ ثوب شيئا من ذريرة و كافور»،و لعلّ المراد مطلق الطّيب المسحوق،كما ذكره بعض الفضلاء.

و في الحديث:«الشّيطان يقارن الشّمس إذا ذرّت و كبدت،و إذا غربت».

قوله:«إذا ذرّت»،أي طلعت؛يقال:ذرّت الشّمس تذرّ ذرورا،أي طلعت،و منه:ذرّ البقل،إذا طلع.و محصّل الحديث:كراهة الصّلاة في هذه الأوقات.

و الذّرّيّة:اسم يجمع نسل الإنسان من ذكر و أنثى،و أصله:الهمز فخفّف،و يجمع على ذرّيّات و ذراريّ مشدّدة.و قيل:أصلها:من الذّرّ بمعنى التّفرّق،لأنّ اللّه ذرّهم في الأرض،أي فرّقهم.

و ذراريّ المشركين:أولادهم الّذين لم يبلغوا الحلم.(3:306)

مجمع اللّغة:الذّرّ:ما يرى في شعاع الشّمس الدّاخل في النّافذة،الواحدة:ذرّة.

و الذّرّيّة:ولد الإنسان الذّكر و الأنثى؛و يقال للجمع أيضا:ذرّيّة،و تجمع الذّرّيّة على الذّرّيّات و الذّراريّ.(1:416)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الذّرّة:أصغر ما كان يتصوّره العقل من المادّة،ثمّ تطوّر أمرها إلى الانقسام في نظريّات العلم الحديث،و لكن يضرب بها المثل دائما في الصّغر.

و ذرّيّة الرّجل:ولده،و الجمع:ذرّيّات و ذراريّ.(1:199)

العدنانيّ:الذّرور

و يسمّون ما يذرّ في العين و على القرح من دواء يابس ذرورا،و الصّواب:هو الذّرور كما جاء في النّهاية:في الحديث:«تكتحل المحدّ بالذّرور».

الذّرور:ما يذرّ في العين من الدّواء اليابس؛ يقال:ذررت عينه،إذا داويتها به،و كما جاء في التّهذيب،و المحكم،و الحريريّ في المقامة البرقعيديّة، و الأساس،و الصّاغانيّ،و المختار،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و دوزيّ،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و يجمع الذّرور على أذرّة.

قال الزّمخشريّ:الذّرور أو الذّريرة:هي فتات قصب الطّيب،و هو قصب يؤتى به من الهند.

و زاد الصّاغانيّ قوله:و أنبوبه محشوّ من شيء أبيض مثل نسج العنكبوت،و مسحوقه عطر إلى الصّفرة و البياض.

و يسمّي الوسيط ما ينثر على الطّعام من ملح مسحوق ذرورا.(239)

محمود شيت:الذّرّة:السّلاح الذّرّيّ؛يقال:

القنبلة الذّرّيّة،و الخطر الذّرّيّ،و الحرب الذّرّيّة.

و المفاعل الذّرّيّ،و التّجارب الذّرّيّة،و الإشعاع الذّرّيّ.

الذّرّيّة:غير المقاتلين من النّساء و الصّغار

ص: 602

و الشّيوخ.

و الذّرور:دواء يذرّ على الجرح لتعقيمه و الإسراع بشفائه.(1:263)

المصطفويّ:التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو النّشر بالتّدقيق و التّلطيف،أي نثره بالتّصغير و التّدقيق.

و أمّا مطلق مفاهيم النّشر و النّثر و الرّشّ و التّبديد و التّلطيف و التّصغير،فليست بحقائق أصليّة،و الأصل ما أصّلناه.

و أمّا طلوع الشّمس و ظهورها و طلوع البقل، فباعتبار انتشار هما نورا و خضرة،فكأنّ الشّمس قد نشرت أضواءها بالتّدقيق،و البقل قد انتشر لطيفا.

و أمّا التّبديد و التّجديد،فباعتبار نتيجة النّشر الحاصلة.

و أمّا الذّرّ بمعنى النّمل الصّغار،فإنّها تنتشر في الأرض خارجة من مساكنها بصورة منثورات دقيقة،كالذّرّات المنتشرة في الهواء،فهي من مصاديق الأصل الّذي أصّلناه.

و أمّا الذّرّيّة،فالحقّ أنّها أيضا من هذه المادّة و من مصاديق الأصل،فإنّ النّسل المنتشر من شخص في بدء ظهوره ذرّات لطيفة تخرج من بين الصّلب و التّرائب،منثورة في الرّحم.

و الذّرّيّة:منسوبة إلى الذّرّة،أي ما يذرّ و ينشر،و الياء للنّسبة،و التّاء للتّأنيث باعتبار الكثرة و الجماعة.

و أمّا الوجوه الأخر المذكورة في ذيل هذه المادّة و مادّة الذّرء،فلا تخلو عن التّكلّف و التّحرّف.

فظهر الفرق بينها و بين مادّة الذّرء،و قد اختلطت معاني المادّتين و كذا مادّة الذّرّ و في تفسير هذه الموادّ،و لا بدّ من دقّة النّظر لئلاّ يلتبس بعضها ببعض،ثمّ تلاحظ القيود و الخصوصيّات المأخوذة في كلّ منها.«راجع:الذّرو».

أصل الذّرّة«فعلة»،مصدر للمرّة،ثمّ يستعمل في ما ينشر،أي في واحدة من الأجزاء المنتشرة في الهواء دقيقة.

و هذا الإطلاق للمبالغة،و هذه الواحدة من مصاديق الذّرّ المتحقّقة في الخارج.[ثمّ ذكر بعض الآيات و قال:]

قد أفردت الذّرّيّة في التّثنية و الجمع،فإنّ حكمها واحد،و يجمعها نسبة واحدة،و هذا بخلاف ما إذا كانت مختلفة فيه،كما في قوله تعالى: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ الأنعام:87، وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ الرّعد:23، هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ الفرقان:

74،فجمعت،لأنّ النّظر إلى من كان مجتبى و صالحا و قرّة أعين من بينهم،فحكمها مختلف.

فظهر أنّ مفهوم الذّرّيّة عامّ،و هو من ينسب إلى ما يذرّ و ينشر بالتّدقيق،و لا يناسب أخذ الكلمة من مادّة الذّرء الدّالّ على البسط،فانّ الذّرّيّة ليست بمظهر بسط وجود الأشخاص في المتفاهم العرفيّ،بل أنّهم ممّا يذرّ و ينشر،مضافا إلى عدم

ص: 603

مساعدة الكلمة ظاهرا و احتياجها إلى حذف و قلب.

و أمّا عالم الذّرّ:فحقيقته أنّ ذرّيّة آدم بأجمعها و قاطبتها من لدن آدم إلى انقراض العالم،منطوية و متجمّعة بالإجمال فيما ذرّ من صلبه،و كلّ أفراد بني آدم من جهة سجاياهم و صورهم و طبائعهم مندرجة في تلك المرتبة،و جميعهم متوارثون عمّا فيها،و هذا المعنى ثابت اليوم في العلوم الطّبيعيّة.

و يمكن أن يراد من الذّرّ:ما ينشر من الأرواح الجزئيّة المختصّة بالأبدان الحادثة الجسمانيّة،و ذلك في عالم المثال،فتكون الأبدان ظلالا لها و مرايا و انعكاسات من تلك الأرواح.(3:306)

النّصوص التّفسيريّة

ذرّة

1- إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ... النّساء:40

2- ...وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ... يونس:61

3- ...لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ... سبأ:3

4- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ... سبأ:22

5- فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. الزّلزال:7

6- وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. الزّلزال:8

راجع:ث ق ل:«مثقال».

ذرّيّة

1- ...وَ أَصابَهُ الْكِبَرُ وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ. البقرة:266

ابن عبّاس:عجزة عن الحيلة.(38)

الطّبريّ:صغار أطفال.(3:74)

القمّيّ:شيخ ضعيف له أولاد صغار.(1:92)

نحوه الثّعلبيّ(2:265)،و البغويّ(1:364).

الطّوسيّ:الذّرّيّة:الولد من النّاس.

(2:342)

الزّمخشريّ:قرئ(له جنّات و ذرّيّة ضعاف).(1:395)

الطّبرسيّ:أي أولاد صغار ناقصو القوّة.

(1:379)

نحوه أبو الفتوح.(4:61)

البيضاويّ:صغار لا قدرة لهم على الكسب.

(1:139)

مثله الكاشانيّ(1:274)،و القاسميّ(3:

682)،و نحوه شبّر(1:272).

النّيسابوريّ: وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ: من متولّدات القوى البشريّة في غاية الافتقار إلى التّربية بأغذية ثمرتها.(3:50)

الخازن:يعني له أولاد صغار عجزت عن الحركة بسبب الضّعف و الصّغر.(1:241)

السّمين:قوله: وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ هذه الجملة في

ص: 604

محلّ نصب على الحال من الهاء في وَ أَصابَهُ.

(1:644)

الشّربينيّ: وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ بالصّغر كما ضعف هو بالكبر.(1:179)

أبو السّعود:حال من الضّمير في فَأَصابَهُ، أي أصابه الكبر و الحال أنّ له ذرّيّة صغارا لا يقدرون على الكسب و ترتيب مبادئ المعاش.

(1:310)

نحوه الآلوسيّ.(3:37)

الشّوكانيّ:قوله: وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ حال من الضّمير في فَأَصابَهُ أي و الحال أنّ له ذرّيّة ضعفاء،فإنّ من جمع بين كبر السّنّ و ضعف الذّرّيّة، كان تحسّره على تلك الجنّة في غاية الشّدّة.

(1:366)

هنا مباحث راجع:ص و ب:«أصابه».

2- ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

آل عمران:34

أبو ذرّ الغفاريّ:«معاشر النّاس من عرفني فقد عرفني،و من لم يعرفني فأنا أنبّئه باسمي،أنا جندب بن جنادة البدريّ الغفاريّ،أنا صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،سمعته يقول في هذا المكان و إلاّ صمّت اذناي: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ آل عمران:33،34.

فأمّا الذّرّيّة فمن نوح،و الآل من إبراهيم، و السّلالة من إسماعيل،و العترة الهادية و الذّرّيّة الطّاهرة من محمّد صلّى اللّه عليه و آله و الصّدّيق الأكبر عليّ بن أبي طالب،فأيّتها الأمّة المتحيّرة بعد نبيّها،لو قدّمتم من قدّمه اللّه و رسوله،و أخّرتم من أخّره اللّه و رسوله،لما عال ولىّ اللّه،و لا طاش سهم في سبيل اللّه،و لا اختلفت الأمّة بعد نبيّها،إلاّ كان تأويله عند أهل البيت،فذوقوا بما كسبتم، وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ الشّعراء:227.

(أبو الفتوح 4:287)

الحسن:إنّهم صاروا ذرّيّة بالتّناصر لا بالنّسب كما قال تعالى: اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:67،يعني في الاجتماع على الضّلال.

مثله قتادة.(الماورديّ 1:386)

الإمام الباقر عليه السّلام:«لمّا قضى محمّد صلّى اللّه عليه و آله نبوّته و استكملت أيّامه،أوحى اللّه:يا محمّد،قد قضيت نبوّتك،و استكملت أيّامك،فاجعل العلم الّذي عندك من الإيمان،و الاسم الأكبر،و ميراث العلم،و آثار علم النّبوّة من العقب من ذرّيّتك،فإنّي لم أقطع العلم و لا الإيمان و الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النّبوّة من العقب من ذرّيّتك،كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الّذين كانوا بينك و بين أبيك آدم.و ذلك قول اللّه: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و إنّ اللّه جلّ و تعالى لم يجعل العلم جهلا،

ص: 605

و لم يكل أمره إلى أحد من خلقه،لا إلى ملك مقرّب، و لا إلى نبيّ مرسل،و لكنّه أرسل رسلا من ملائكته، فقال له:كذا و كذا.فأمرهم بما يحبّ،و نهاهم عمّا يكره،فقصّ عليه أمر خلقه بعلم،فعلّم ذلك العلم، و علّم أنبياءه و أصفياءه من الأنبياء و الأعوان و الذّرّيّة الّتي بعضها من بعض،فذلك.قول اللّه:

فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً النّساء:54.

فأمّا الكتاب فهو النّبوّة،و أمّا الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء في الصّفوة،و أمّا الملك العظيم فهم الأئمّة الهداة في الصّفوة،و كلّ هؤلاء من الذّرّيّة الّتي بعضها من بعض،الّتي جعل فيهم البقيّة و فيهم العاقبة،و حفظ الميثاق حتّى تنقضي الدّنيا، و للعلماء و لولاة الأمر الاستنباط للعلم و الهداية».

(البحرانيّ 2:388)

قتادة:قوله: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ يقول:

في النّيّة و العمل و الإخلاص و التّوحيد له.

(الطّبريّ 3:234)

الإمام الصّادق عليه السّلام:[في حديث:]قال:قلت له:ما الحجّة في كتاب اللّه أنّ آل محمّد هم أهل بيته؟ قال:«قول اللّه تبارك و تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ و آل محمّد، هكذا نزلت عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. و لا يكون الذّرّيّة من القوم إلاّ نسلهم من أصلابهم».(العيّاشيّ 1:301)

[و عنه عليه السّلام في حديث:]«النّاس غفلوا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في عليّ عليه السّلام يوم غدير خمّ،كما غفلوا يوم مشربة أمّ إبراهيم؛أتاه النّاس يعودونه، فجاء عليّ عليه السّلام ليدنو من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فلم يجد مكانا،فلمّا رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّهم لا يوسّعون لعليّ عليه السّلام نادى:يا معشر النّاس،أفرجوا لعليّ.ثمّ أخذ بيده و أقعده معه على فراشه،ثمّ قال:يا معشر النّاس،هؤلاء أهل بيتي تستخفّون بهم و أنا حيّ بين ظهرانيّكم؟!أما و اللّه لئن غبت عنكم فإنّ اللّه لا يغيب عنكم،إنّ الرّوح و الرّاحة،و الرّضوان و البشر و البشارة،و الحبّ و المحبّة لمن ائتمّ بعليّ و ولايته،و سلّم له و للأوصياء من بعده حقّا لأدخلنّهم في شفاعتي،لأنّهم أتباعي،و من تبعني فإنّه منّي،مثل جرى فيمن اتّبع إبراهيم،لأنّي من إبراهيم و إبراهيم منّي،و دينه ديني،و ديني دينه، و سنّته سنّتي،و فضله من فضلي،و أنا أفضل منه، و فضلي من فضله،و تصديق قولي قوله تعالى:

ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مشربة أمّ إبراهيم حين عاده النّاس في مرضه،قال هذا».(البحرانيّ 2:386)

الفرّاء:نصب الذّرّية على جهتين:

إحداهما:أن تجعل الذّرّيّة قطعا من الأسماء قبلها،لأنّهن معرفة.

و إن شئت نصبت على التّكرير:«اصطفى ذرّيّة بعضها من بعض»،و لو استأنفت فرفعت كان صوابا.(1:207)

الأخفش:نصبه على الحال،و يكون على

ص: 606

البدل.(1:402)

الطّبريّ:القول:بتأويل قوله: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ... يعني بذلك:أنّ اللّه اصطفى آل إبراهيم و آل عمران ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، فالذّرّيّة منصوبة على القطع من آل إبراهيم و آل عمران، لأنّ الذّرّيّة نكرة،و آل عمران معرفة،و لو قيل:

نصبت على تكرير الاصطفاء لكان صوابا،لأنّ المعنى اصطفى ذرّيّة بعضها من بعض.

قوله: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ إنّما معناه:

ذرّيّة دين بعضها دين بعض،و كلمتهم واحدة، و ملّتهم واحدة في توحيد اللّه و طاعته.(3:234)

الزّجّاج:المعنى:اصطفى ذرّيّة بعضها من بعض،فيكون نصب ذُرِّيَّةً على البدل،و جائز أن ينصب على الحال،و المعنى:و اصطفاهم في حال كون بعضهم من بعض.

و ذُرِّيَّةً قال النّحويّون:هي«فعليّة»من الذّرّ،لأنّ اللّه أخرج الخلق من صلب آدم كالذّرّ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى الأعراف:172.

و قال بعض النّحويّين: ذُرِّيَّةً أصلها «ذرّورة»على وزن«فعّولة»و لكنّ التّضعيف لمّا كثر أبدل من الرّاء الأخيرة فصارت ذرّوية، ثمّ أدغمت الواو في الياء فصارت ذرّيّة.و القول الأوّل أقيس و أجود عند النّحويّين.(1:399)

نحوه الميبديّ(2:90)و البيضاويّ(1:157)، و ابن جزيّ(1:105).

السّجستانيّ:ذرّيّة:أي أولاد و أولاد أولاد.

[ثمّ قال نحو الزّجّاج](34)

القيسيّ:«الذّرّيّة»:نصب على الحال من الأسماء الّتي قبلها،بمعنى متناسبين بعضهم من بعض.

و قيل:هي بدل ممّا قبلها.(1:135)

نحوه أبو البركات.(1:200)

الماورديّ:قوله تعالى: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فيه قولان:

أحدهما:[قول الحسن،و قتادة]

و الثّاني:أنّهم في التّناسل و النّسب،إذ جميعهم من ذرّيّة آدم،ثمّ من ذرّيّة نوح،ثمّ من ذرّيّة إبراهيم، و هذا قول بعض المتأخّرين.(1:386)

القشيريّ:اتّفق آدم و ذرّيّته في الطّينة،و إنّما الخصوصيّة بالاصطفاء الّذي هو من قبله، لا بالنّسب و لا بالسّبب.(1:248)

الواحديّ: ذُرِّيَّةً: نصب على البدل من الّذين اصطفاهم. بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، أي من ولد بعض،لأنّ الجميع ذرّيّة آدم ثمّ ذرّيّة نوح.(1:430)

نحوه أبو السّعود.(1:358)

البغويّ: ذُرِّيَّةً: اشتقاقها من:ذرأ بمعنى خلق،و قيل:من الذّرّ،لأنّه استخرجهم من صلب آدم كالذّرّ،و يسمّى الأولاد و الآباء ذرّيّة،فالأبناء ذرّيّة،لأنّه ذرأهم،و الآباء ذرّيّة،لأنّه ذرأ الأبناء منهم؛قال اللّه تعالى: وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ يس:41،أي آباءهم ذُرِّيَّةً: نصب على معنى:

اصطفى ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، أي بعضها من

ص: 607

ولد بعض.(1:431)

نحوه الخازن.(1:285)

ابن عطيّة:قوله تعالى: ذُرِّيَّةً: نصب على البدل،و قيل:على الحال،لأنّ معنى ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ متشابهين في الدّين و الحال،و هذا أظهر من البدل.

و الذّرّيّة في عرف الاستعمال تقع لما تناسل من الأولاد سفلا،و اشتقاق اللّفظة في اللّغة يعطي أن تقع على جميع النّاس،أي كلّ أحد ذرّيّة لغيره، فالنّاس كلّهم ذرّيّة بعضهم لبعض،و هكذا استعملت الذّرّيّة في قوله تعالى: أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يس:41،أي ذرّيّة هذا الجنس،و لا يسوغ أن يقول:في والد هذا ذرّيّة لولده،و إذ اللّفظة من:ذرّ،إذا بثّ،فهكذا يجيء معناها،و كذلك إن جعلناها من:«ذرى»،و كذلك إن جعلت من:ذرأ،أو من الذّرّ الّذي هو صغار النّمل.[إلى أن قال:]

و قرأ جمهور النّاس ذُرِّيَّةً بضمّ الذّال،و قرأ زيد بن ثابت و الضّحّاك،(ذرّيّة)بكسر الذّال.

(1:423)

ابن الجوزيّ:[نقل أقوال المتقدّمين و أضاف:]

قال أبو بكر النّقّاش:و معنى قوله: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ أنّ الأبناء ذرّيّة للآباء،و الآباء ذرّيّة للأبناء،كقوله تعالى: حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يس:41،فجعل الآباء ذرّيّة للأبناء،و إنّما جاز ذلك،لأنّ الذّرّيّة مأخوذة من ذرأ اللّه الخلق،فسمّي الولد للوالد ذرّيّة،لأنه ذرئ منه،و كذلك يجوز أن يقال للأب:ذرّيّة للابن،لأنّ ابنه ذرئ منه،فالفعل يتّصل به من الوجهين.و مثله:

يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ البقرة:165،فأضاف الحبّ إلى اللّه،و المعنى:كحبّ المؤمن للّه.و مثله وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ الدّهر:8،فأضاف الحبّ إلى الطّعام.(1:375)

الفخر الرّازيّ:قوله تعالى: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فيه مسألتان:

المسألة الأولى:في نصب قوله: ذُرِّيَّةً وجهان:الأوّل:أنّه بدل من آلَ إِبْراهِيمَ و الثّاني:

أن يكون نصبا على الحال،أي اصطفاهم في حال كون بعضهم من بعض.

المسألة الثّانية:في تأويل الآية وجوه:

الأوّل:ذرّيّة بعضها من بعض في التّوحيد و الإخلاص و الطّاعة،و نظيره قوله تعالى:

اَلْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ التّوبة:

67،و ذلك بسبب اشتراكهم في النّفاق.

و الثّاني: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ بمعنى أنّ غير آدم عليه السّلام كانوا متولّدين من آدم عليه السّلام،و يكون المراد بالذّرّيّة من سوى آدم.[ثمّ فسّر قوله: سَمِيعٌ عَلِيمٌ و قال:]

و فيه وجه آخر:و هو أنّ اليهود كانوا يقولون:

نحن من ولد إبراهيم و من آل عمران،فنحن أبناء اللّه و أحبّاؤه،و النّصارى كانوا يقولون:المسيح ابن اللّه.

(8:24)

ص: 608

العكبريّ: ذُرِّيَّةً: قد ذكرنا وزنها و ما فيها من القراءات،فأمّا نصبها فعلى البدل من نوح و ما عطف عليه من الأسماء.

و لا يجوز أن يكون بدلا من آدم،لأنّه ليس بذرّيّة،و يجوز أن يكون حالا منهم أيضا،و العامل فيها اِصْطَفى. (1:252)

ابن عربيّ: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ في الدّين و الحقيقة،إذا الولاية قسمان:صوريّة و معنويّة،و كلّ نبيّ تبع نبيّا آخر في التّوحيد و المعرفة،و ما يتعلّق بالباطن من أصول الدّين،فهو ولده،كأولاد المشايخ في زماننا هذا.و كما قيل:

الآباء ثلاثة:أب ولّدك،و أب ربّاك،و أب علّمك.

فكما أنّ وجود البدن في الولادة الصّوريّة يتولّد في رحم أمّه من نطفة أبيه،فكذلك وجود القلب في الولادة الحقيقيّة يظهر في رحم استعداد النّفس من نفحة الشّيخ و المعلّم.و إلى هذه الولادة أشار عيسى عليه السّلام بقوله:«لن يلج ملكوت السّماوات من لم يولد مرّتين».

و اعلم أنّ الولادة المعنويّة أكثرها يتبع الصّوريّة في التّناسل،و لذلك كان الأنبياء في الظّاهر أيضا نسلا،ثمّ ثمر شجرة واحدة،فإنّ عمران بن يصهر أبا موسى و هارون كان من أسباط لاوي بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم،و عمران بن ماثان أبا مريم أمّ عيسى عليه السّلام كان من أسباط يهودا بن يعقوب، و كون محمّد عليه الصّلاة و السّلام من أسباط إسماعيل بن إبراهيم مشهور،و كذا كون إبراهيم من نوح عليه السّلام.و سببه أنّ الرّوح في الصّفاء و الكدورة يناسب المزاج في الاعتدال و عدمه وقت التّكوّن، فلكلّ[روح]مزاج يناسبه و يخصّه،إذ الفيض يصل بحسب المناسبة و تفاوت الأرواح في الأزل بحسب صنوفها و مراتبها في القرب و البعد،فتتفاوت الأمزجة بحسبها في الأبد لتتّصل بها.و الأبدان المتناسلة[الأرواح]بعضها من بعض متشابهة في الأمزجة على الأكثر،اللّهمّ إلاّ لأمور عارضة اتّفاقيّة،فكذلك الأرواح المتّصلة بها متقاربة في الرّتبة،متناسبة في الصّفة.و هذا ممّا يقوّي أنّ المهديّ عليه السّلام من نسل محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:180)

أبو حيّان: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، أجازوا في نصب: ذُرِّيَّةً، وجهين:

أحدهما:أن يكون بدلا؛قال الزّمخشريّ:من آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ، يعني أنّ الآلين ذرّيّة واحدة.و قال غيره بدل من«نوح»و من عطف عليه من الأسماء.

قال أبو البقاء:و لا يجوز أن يكون بدلا من آدَمَ، لأنّه ليس بذرّيّة،انتهى.

و قال ابن عطيّة:لا يسوغ أن تقول في والد:هذا ذرّيّة لولده.

و قال الرّاغب:الذّرّيّة يقال للواحد و الجمع و الأصل و النّسل،كقوله: حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ يس:

41،أي آباءهم،و يقال للنّساء:الذّراريّ.

و قال صاحب النّظم:الآية توجب أن تكون الآباء ذرّيّة للأبناء،و الأبناء ذرّيّة للآباء،و جاز

ص: 609

ذلك لأنّه من:ذرأ اللّه الخلق،فالأب ذرئ منه الولد، و الولد ذرئ من الأب،و قال معناه النّقّاش.فعلى قول الرّاغب و صاحب النّظم يجوز أن يكون:

ذُرِّيَّةً بدلا من: آدَمَ و من عطف عليه.

و أجازوا أيضا نصب: ذُرِّيَّةً، على الحال، و هو الوجه الثّاني من الوجهين،و لم يذكره الزّمخشريّ،و ذكره ابن عطيّة،و قال:و هو أظهر من البدل.(2:435)

نحوه السّمين.(2:70)

الشّربينيّ: ذُرِّيَّةً: بدل من آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ. (1:209)

الآلوسيّ: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ: نصب على البدليّة من الآلين أو الحاليّة منهما،و قيل:بدل من«نوح»و ما بعده،و جوّز أن يكون بدلا من آدَمَ و ما عطف عليه،و ردّه أبو البقاء بأنّ آدم ليس بذرّيّة،و أجيب بأنّه مبنيّ على ما صرّح به الرّاغب و غيره من أنّ الذّرّيّة تطلق على الآباء و الأبناء،لأنّه من الذّرء بمعنى الخلق،و الأب ذرئ منه الولد،و الولد ذرئ من الأب،إلاّ أنّ المتبادر من الذّرّيّة النّسل،و قد تقدّم الكلام عليه.

و المعنى أنّهم ذرّيّة واحدة متشعّبة البعض من البعض في النّسب،كما ينبئ عنه التّعرّض لكونهم ذرّيّة.(3:132)

القاسميّ: ذُرِّيَّةً، أي نسلا؛نصب على البدليّة من الآلين،أو على الحاليّة منهما.

لطيفة:الذّرّيّة مثلّثة،و لم تسمع إلاّ غير مهموزة:

اسم لنسل الثّقلين،و قد تطلق على الآباء و الأصول أيضا؛قال اللّه تعالى: وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يس:41.(4:830)

مغنيّة: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، ليس من شكّ أنّ نوحا فرع عن آدم،و إبراهيم و آله فرع عن نوح،و آل عمران فرع عن إبراهيم،و بيان هذا أشبه بتوضيح الواضح،و كلام اللّه يجب أن يحمل على أحسن المحامل.إذن ما هو القصد من هذا الإخبار؟

الجواب:ليس القصد الإخبار عن أنّ المتأخّر فرع عن المتقدّم،و إنّما القصد كما هو ظاهر السّياق مدحهم و الثّناء عليهم،و أنّهم كانوا أشباها و نظائر في القداسة و الفضيلة.(2:49)

الطّباطبائيّ:الذّرّيّة في الأصل:صغار الأولاد على ما ذكروا،ثمّ استعملت في مطلق الأولاد،و هو المعنى المراد في الآية،و هي منصوبة عطف بيان.

(3:167)

عبد الكريم الخطيب:في قوله تعالى: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، أي أنّ هؤلاء المصطفين من آل إبراهيم و آل عمران،-هم و آباؤهم-من معدن واحد،خلص من شوائب الفساد و الكدر،فجاء الفرع مشابها للأصل طيبا و كرما و كمالا و حسنا.

(2:434)

مكارم الشّيرازيّ:تشير هذه الآية إلى أنّ هؤلاء المصطفين كانوا-من حيث الإسلام و الطّهارة و التّقوى و الجهاد في سبيل هداية البشر-متشابهين، بمثل تشابه نسخ عدّة من كتاب واحد،يقتبس كلّ

ص: 610

من الآخر: بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (2:349).

و قد تقدّم بعض النّصوص في:ب ع ض:

«بعضها»،فراجع.

3- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ. آل عمران:38

ابن عبّاس:ولدا صالحا.(46)

نحوه الميبديّ(2:103)،و ابن كثير(2:34)، و الكاشانيّ(1:309).

السّدّيّ:فلمّا رأى زكريّا من حالها ذلك، قال:إنّ ربّا أعطاها هذا في غير حينه،لقادر على أن يرزقني ذرّيّة صالحة،و رغب في الولد.(173)

الفرّاء:الذّرّيّة جمع،و قد تكون في معنى واحد، فهذا من ذلك،لأنّه قد قال: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا مريم:5،و لم يقل:أولياء.(1:208)

نحوه البغويّ(1:435)،و أبو الفتوح(4:

301)،و ابن الجوزيّ(1:380)،و القرطبيّ(4:

72).

الطّبريّ:يعني ب«الذّرّيّة»النّسل.[ثمّ قال:

نحو الفرّاء](3:247)

نحوه الفخر الرّازيّ(8:36)،و الشّوكانيّ (1:428)،و الآلوسيّ(3:144).

الثّعلبيّ: ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً: نسلا مباركا تقيّا صالحا رضيّا،و الذّرّيّة تكون واحدا أو جمعا،ذكرا أو أنثى،و هو هاهنا واحد،يدلّ عليه قوله: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا مريم:5،و لم يقل:أولياء.(3:59) نحوه الواحديّ(1:433)،و الزّمخشريّ(1:

428)،و النّسفيّ(1:156)،و الشّربينيّ(1:212).

الماورديّ:يعني هب لي من عندك ولدا مباركا و قصد بالذّرّيّة الواحد.(1:389)

الطّوسيّ: ذُرِّيَّةً تقع على الجمع و الواحد.و قيل:إنّ المراد هاهنا واحد،لقوله:

فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا مريم:5،و أمّا بمعنى الجمع،فمثل قوله: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ الإسراء:3.(2:449)

نحوه النّيسابوريّ(3:182)،و أبو السّعود(1:

363).

القشيريّ:أي لمّا رأى كرامة اللّه سبحانه معها[أي مريم]ازداد يقينا على يقين،و رجاء على رجاء،فسأل الولد على كبر سنّه،و إجابته إلى ذلك كانت نقضا للعادة.

و يقال:إنّ زكريّا عليه السّلام سأل الولد ليكون عونا له على الطّاعة،و وارثا من نسله في النّبوّة، ليكون قائما بحقّ اللّه،فلذلك استحقّ الإجابة،فإنّ السّؤال إذا كان لحقّ الحقّ لا لحظّ النّفس لا يكون له الرّدّ.

و كان زكريّا عليه السّلام يرى الفاكهة الصّيفيّة عند مريم في الشّتاء،و فاكهة الشّتاء عندها في الصّيف، فسأل الولد في حال الكبر ليكون آية و معجزة.

(1:251)

ابن عطيّة:الذّرّيّة:اسم جنس يقع على واحد فصاعدا،كما«الوليّ»يقع على اسم

ص: 611

جنس كذلك.(1:427)

أبو حيّان:الذّرّيّة:جنس يقع على واحد فأكثر.(2:445)

الطّباطبائيّ:الذّرّيّة الطّيّبة هو الولد الصّالح لأبيه،مثلا الّذي يلائم من حيث صفاته و أفعاله ما عند أبيه من الرّجاء و الأمنية،فقول زكريّا عليه السّلام:

رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً لمّا كان الباعث له عليه ما شاهد من أمر مريم و خصوص كرامتها على اللّه و امتلاء قلبه من شأنها،لم يملك من نفسه دون أن يسأل اللّه أن يهب له مثلها خطرا و كرامة،فكون ذرّيّته طيّبة أن يكون لها ما لمريم من الكرامة عند اللّه و الشّخصيّة في نفسها(3:175)

4- وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. النّساء:9

لاحظ:خ ش ي:«يخش».

5- وَ رَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ. الأنعام:133

الطّبريّ:الذّرّيّة:«الفعليّة»من قول القائل:

ذرأ اللّه الخلق،بمعنى خلقهم فهو يذرؤهم،ثمّ ترك الهمزة،فقيل:ذرأ اللّه،ثمّ أخرج«الفعليّة»بغير همز على مثال العبّيّة.و قد روي عن بعض المتقدّمين أنّه كان يقرأ: مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ على مثال «فعّيلة»،و عن آخر أنّه كان يقرأ:(من ذرّيّة)على مثال«علّيّة».

و القراءة الّتي عليها القراء في الأمصار: ذُرِّيَّةِ بضمّ الذّال و تشديد الياء،على مثال عبّيّة.

(5:348)

الثّعلبيّ:قرأ زيد بن ثابت:(ذرّيّة)بكسر الذّال مشدّدة.

و قال أبان بن عثمان:(ذرية)بفتح الذّال و كسر الرّاء خفيفة على قدر«فعله»،الباقون:بضمّ الذّال مشدّدة،و هي لغات صحيحة.

و قال ثعلب:الذّرّيّة بالكسر:الأصل،و الذّرّيّة بالضّمّ الولد.(4:192)

الطّوسيّ:قيل في وزن«ذرّيّة»ثلاثة أقوال:

أوّلها:«فعليّة»من الذّرّ.

الثّاني:«فعيلة»على وزن خليفة من:ذرأ الخلق يذرأهم.

الثّالث:«فعولة»من ذروّة،إلاّ أنّ الهمزة أبدلت واوا،ثمّ قلبت ياء،فيكون بمنزلة عليّة من علوّة.و قرئ في الشّواذ(ذرّيّة)بكسر الذّال و هما لغتان.(4:303)

نحوه أبو الفتوح.(8:48)

الواحديّ:يعني آباءهم الماضين.(2:324)

مثله ابن الجوزيّ.(3:127)

البغويّ:أي من نسل آبائهم الماضين قرنا بعد قرن.(2:161)

الميبديّ:يعني كما خلقكم من نسل الآخرين

ص: 612

الّذين كانوا إماما.»(3:488)

الزّمخشريّ:من أولاد قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم،و هم أهل سفينة نوح عليه السّلام.

(2:52)

مثله النّسفيّ(2:34)،و الشّربينيّ(1:450)، و أبو السّعود(2:446)،و البروسويّ(3:107).

ابن عطيّة:[نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

حكى أبو حاتم عن أبان بن عثمان أنّه قرأ (ذريّة)بفتح الذّال و تخفيف الرّاء المكسورة، و حكى عنه أبو الزّناد أنّه قرأ على المنبر(ذرية) بفتح الذّال و سكون الرّاء على وزن«فعلة»،قال:

فسألته،فقال:أقرأنيها زيد بن ثابت.(2:348)

نحوه الفخر الرّازيّ.(13:202)

ابن جزيّ:أي من ذرّيّة أهل سفينة نوح،أو من كان قبلهم إلى آدم.(2:22)

السّمين:قوله: مِنْ ذُرِّيَّةِ متعلّق ب أَنْشَأَكُمْ. و في(من)هذه أوجه:

أحدها:أنّها لابتداء الغاية«أي ابتدأ إنشاءكم من ذرّيّة قوم.

و الثّاني:أنّها تبعيضيّة،قاله ابن عطيّة.

و الثّالث:بمعنى البدل،قال الطّبريّ و تبعه مكّيّ ابن أبي طالب:هي كقولك:أخذت من ثوبي درهما أي بدله و عوضه،و كون(من)بمعنى البدل قليل أو ممتنع،و ما ورد منه مؤوّل،كقوله تعالى: لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً الزّخرف:60.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و المعنى من أولاد قوم متقدّمين أصلهم آدم.[ثمّ تعرّض للقراءات](3:183)

ابن كثير:الذّرّيّة:الأصل،و الذّرّيّة:النّسل.

(3:105)

6- فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ. يونس:83

ابن عبّاس:الذّرّيّة:القليل.(الطّبريّ 6:591)

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 6:591)

كانت الذّرّيّة الّتي آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل من قوم فرعون يسير،منهم امرأة فرعون،و مؤمن آل فرعون،و خازن فرعون، و امرأة خازنه.(الطّبريّ 6:592)

نحوه الزّمخشريّ.(2:249)

كانوا ستّمائة ألف،و ذلك أنّ يعقوب عليه السّلام دخل مصر في اثني و سبعين إنسانا،فتوالدوا بمصر حتّى بلغوا ستّمائة ألف.

إنّهم سبعون أهل بيت من القبط من آل فرعون و امّهاتهم من بني إسرائيل،فجعل الرّجل يتبع أمّه و أخواله.(الثّعلبيّ 5:143)

مجاهد:أولاد الّذين أرسل إليهم من طول الزّمان و مات آباؤهم.(الطّبريّ 6:592)

نحوه الأعمش.(الطّبريّ 6:592)

أراد بهم أولاد الّذين أرسل إليهم موسى إلى

بني إسرائيل،لطول الزّمان هلك الآباء و بقي الأبناء.(الثّعلبيّ 5:143)

يعني أنّه لم يؤمن به منهم أحد،و إنّما آمن أولادهم.(النّحّاس 3:308)

نحوه الزّجّاج.(3:30)

زيد بن أسلم:إنّهم الغلمان من بني إسرائيل، لأنّ فرعون كان يذبّحهم فأسرعوا إلى الإيمان بموسى.(الماورديّ 2:445)

مقاتل:إنّهم قوم،أمّهاتهم من بني إسرائيل، و آباؤهم من القبط.(ابن الجوزيّ 4:52)

الفرّاء:فسّر المفسّرون الذّرّيّة:ب«القليل».

و كانوا فيما بلغنا سبعين أهل بيت،و إنّما سمّوا الذّرّيّة،لأنّ آباءهم كانوا من القبط و أمّهاتهم كنّ من بني إسرائيل،فسمّوا الذّرّيّة؛كما قيل لأولاد أهل فارس الّذين سقطوا إلى اليمن،فسمّوا ذراريّهم الأبناء،لأنّ أمّهاتهم من غير جنس آبائهم.

(1:476)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره:فلم يؤمن لموسى -مع ما أتاهم به من الحجج و الأدلّة إلاّ ذرّيّة من قومه خائفين من فرعون و ملئهم.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في معنى الذّرّيّة في هذا الموضع،فقال بعضهم:الذّرّيّة في هذا الموضع:القليل.

و قال آخرون:معنى ذلك:فما آمن لموسى إلاّ ذرّيّة من أرسل إليه موسى من بني إسرائيل لطول الزّمان،لأنّ الآباء ماتوا و بقي الأبناء،فقيل لهم:

ذرّيّة،لأنّهم كانوا ذرّيّة من هلك ممّن أرسل إليهم موسى عليه السّلام.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:فما آمن لموسى إلاّ ذرّيّة من قوم فرعون.

و قد روي عن ابن عبّاس خبر يدلّ على خلاف هذا القول،و ذلك،قوله: ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ، يقول:

بني إسرائيل.

فهذا الخبر ينبئ عن أنّه كان يرى أنّ الذّرّيّة في هذا الموضع هم بنو إسرائيل دون غيرهم من قوم فرعون.

و أولى هذه الأقوال عندي بتأويل الآية القول الّذي ذكرته عن مجاهد،و هو أنّ الذّرّيّة في هذا الموضع،أريد بها ذرّيّة من أرسل إليه موسى من بني إسرائيل،فهلكوا قبل أن يقرّوا بنبوّته لطول الزّمان، فأدركت ذرّيّتهم،فآمن منهم من ذكر اللّه بموسى.

و إنّما قلت:هذا القول أولى بالصّواب في ذلك، لأنّه لم يجر في هذه الآية ذكر لغير موسى،فلأن تكون الهاء في قوله: مِنْ قَوْمِهِ من ذكر موسى لقربها من ذكره،أولى من أن تكون من ذكر فرعون لبعد ذكره منها،إذ لم يكن بخلاف ذلك دليل من خبر و لا نظر.

و بعد،فإنّ في قوله: عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِمْ الدّليل الواضح على أنّ الهاء في قوله:

إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ من ذكر موسى لا من ذكر فرعون،لأنّها لو كانت من ذكر فرعون،لكان الكلام:على خوف منه،و لم يكن على خوف من فرعون.

ص: 614

و أمّا قوله: عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ، فإنّه يعني على حال خوف ممّن آمن من ذرّيّة قوم موسى بموسى.فتأويل الكلام:فما آمن لموسى إلاّ ذرّيّة من قومه من بني إسرائيل،و هم خائفون من فرعون و ملئهم أن يفتنوهم.

و قد زعم بعض أهل العربيّة أنّه إنّما قيل: فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ، لأنّ الّذين آمنوا به إنّما كانت أمّهاتهم من بني إسرائيل و آباؤهم من القبط،فقيل لهم:الذّرّيّة من أجل ذلك،كما قيل لأبناء الفرس الّذين أمّهاتهم من العرب و آباؤهم من العجم:أبناء.

و المعروف من معنى الذّرّيّة في كلام العرب أنّها أعقاب من نسبت إليه من قبل الرّجال و النّساء، كما قال اللّه جلّ ثناؤه: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ الإسراء:3،و كما قال: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ ثمّ قال بعد: وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ، الأنعام:84،85، فجعل من كان من قبل الرّجال و النّساء من ذرّيّة إبراهيم.(6:591)

الثّعلبيّ: إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فقال قوم:هي راجعة إلى موسى،و أراد بهم مؤمني بني إسرائيل...

و قال آخرون:الهاء راجعة إلى فرعون.[و نقل الأقوال في كلّ منهما](5:143)

الماورديّ:فيه أربعة أوجه:

أحدها:[القول الأوّل لابن عبّاس]

الثّاني:[قول زيد بن أسلم]

الثّالث:أنّهم أولاد الزّمن،قاله مجاهد.

الرّابع:أنّهم قوم أمّهاتهم من بني إسرائيل و آباؤهم من القبط.

و يحتمل خامسا:أنّ ذرّيّة قوم موسى نساؤهم و ولدانهم.(2:445)

الطّوسيّ:أخبر اللّه تعالى أنّه لم يصدّق لموسى بالنّبوّة إلاّ ذرّيّة من قومه،مع خوفهم من فرعون و رؤساء قومه أن يفتنوهم.

و الذّرّيّة:الجماعة من نسل القبيلة.[إلى أن قال:]

و قيل:هم قوم من بني إسرائيل،أخذهم فرعون بتعلّم السّحر و جعلهم من أصحابه.(5:480)

الواحديّ:يعني ذرّيّة يعقوب،و هم بنو إسرائيل الّذين كانوا بمصر.(2:556)

الميبديّ:[نقل أقوال المتقدّمين](4:323)

ابن عطيّة:اختلف المتأوّلون في عود الضّمير الّذي في قَوْمِهِ، فقالت فرقة:هو عائد على موسى،و قالت فرقة:هو عائد على فرعون،فمن قال:إنّ العود على موسى،قال:معنى الآية وصف حال موسى في أوّل مبعثه أنّه لم يؤمن به إلاّ فتيان و شباب أكثرهم أولو آباء كانوا تحت خوف من فرعون و ملإ بني إسرائيل،فالضّمير في«الملإ» عائد على الذّرّيّة،و تكون الفاء على هذا التّأويل عاطفة جملة على جملة،لا مرتّبة.

و قال بعض القائلين بعود الضّمير على موسى:

إنّ معنى الآية أنّ قوما أدركهم موسى و لم يؤمنوا به،

ص: 615

و إنّما آمن ذرّيّتهم بعد هلاكهم لطول الزّمان،قاله مجاهد و الأعمش.

و هذا قول غير واضح،و إذا آمن قوم بعد موت آبائهم فلا معنى لتخصيصهم باسم الذّرّيّة،و أيضا فما روي من أخبار بني إسرائيل لا يعطي هذا، و هيئة قوله: فَما آمَنَ يعطي تقليل المؤمنين به، لأنّه نفى الإيمان ثمّ أوجبه للبعض،و لو كان الأكثر مؤمنا لأوجب الإيمان أوّلا،ثمّ نفاه عن الأقلّ.

و على هذا الوجه يترجّح قول ابن عبّاس في الذّرّيّة:إنّه القليل،لا أنّه أراد أنّ لفظة الذّرّيّة هي بمعنى القليل،كما ظنّ مكيّ و غيره.

و قالت فرقة:إنّما سمّاهم ذرّيّة لأنّ أمّهاتهم كانت من بني إسرائيل و آباؤهم من القبط،فكان يقال لهم:الذّرّيّة،كما قيل لفرس اليمن:الأبناء، و هم الفرس المنتقلون مع«و هرز»بسعاية سيف ابن ذي يزن،و الأمر بكماله في السّير.

و قال السّدّيّ:كانوا سبعين أهل بيت من قوم فرعون.

و ممّا يضعّف عود الضّمير على موسى أنّ المعروف من أخبار بني إسرائيل أنّهم كانوا قوما قد تقدّمت فيهم النّبوات،و كانوا في مدّة فرعون قد نالهم ذلّ مفرط،و قد رجوا كشفه على يد مولود يخرج فيهم يكون نبيّا،فلمّا جاءهم موسى عليه السّلام أصفقوا عليه و اتّبعوه.

و لم يحفظ قطّ أنّ طائفة من بني إسرائيل كفرت به،فكيف تعطي هذه الآية أنّ الأقلّ منهم كان الّذي آمن،فالّذي يترجّح بحسب هذا أنّ الضّمير عائد على فرعون،و يؤيّد ذلك أيضا ما تقدّم من محاورة موسى و ردّه عليهم و توبيخهم على قولهم:هذا سحر،فذكر اللّه ذلك عنهم،ثمّ قال فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ من قوم فرعون الّذين هذه أقوالهم.

و روي في ذلك أنّه آمنت زوجة فرعون و خازنه و امرأة خازنه و شباب من قومه،قاله ابن عبّاس،و السّحرة أيضا فإنّهم معدودون في قوم فرعون و تكون القصّة على هذا التّأويل بعد ظهور الآية و التّعجيز بالعصا،و تكون الفاء مرتّبة للمعاني الّتي عطفت،و يعود الضّمير في مَلاَئِهِمْ على ذُرِّيَّةٌ. (3:136)

نحوه أبو حيّان.(5:184)

الطّبرسيّ:أي أولاد من قوم فرعون.[ثمّ نقل الأقوال](3:127)

أبو البركات:إنّما قيل لهؤلاء:«ذرّيّة»لأنّهم أولاد الّذين بعث إليهم موسى،و إن كانوا بالغين.

(ابن الجوزيّ 4:52)

الفخر الرّازيّ:و اختلفوا في المراد بالذّرّيّة على وجوه:

الأوّل:أنّ الذّرّيّة هاهنا معناها تقليل العدد؛ قال ابن عبّاس:لفظ الذّرّيّة يعبّر به عن القوم على وجه التّحقير و التّصغير،و لا سبيل إلى حمله على التّقدير على وجه الإهانة في هذا الموضع،فوجب حمله على التّصغير بمعنى قلّة العدد.

ص: 616

الثّاني:قال بعضهم:المراد أولاد من دعاهم،لأنّ الآباء استمرّوا على الكفر،إمّا لأنّ قلوب الأولاد ألين أو دواعيهم على الثّبات على الكفر أخفّ.

الثّالث:أنّ الذّرّيّة قوم كان آباؤهم من قوم فرعون و أمّهاتهم من بني إسرائيل.

الرّابع:الذّرّيّة من آل فرعون آسية امرأة فرعون و خازنه و امرأة خازنه و ماشطتها.

(17:144)

نحوه النّيسابوريّ(11:109)،و الخازن(3:

166)،و الشّربينيّ(2:32)،و الشّوكانيّ(2:

582).

القرطبيّ:الذّرّيّة:أعقاب الإنسان،و قد تكثّر.

[ثمّ نقل الأقوال](8:369)

البيضاويّ:إلاّ أولاد من أولاد قومه بني إسرائيل دعاهم،فلم يجيبوه خوفا من فرعون إلاّ طائفة من شبّانهم،و قيل:الضّمير لفرعون.

و الذّرّيّة:طائفة من شبّانهم آمنوا به،أو مؤمن آل فرعون و امرأته آسية و خازنه و زوجته و ماشطته.(1:455)

نحوه ابن كثير(3:520)،و أبو السّعود(3:

268)،و الكاشانيّ(2:413)،و شبّر(3:180).

البروسويّ:أي إلاّ أولاد من أولاد قومه بني إسرائيل،حيث دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون،و أجابته طائفة من شبّانهم.[ثمّ أدام الكلام نحو الوجه الأوّل في كلام الفخر الرّازيّ](4:71)

نحوه الآلوسيّ.(11:168)

القاسميّ:قيل:الضّمير مِنْ قَوْمِهِ لفرعون، و هم ناس يسير من قومه،آمنوا به سرّا،و الأظهر أنّهم قوم موسى،و هم بنو إسرائيل الّذين كانوا بمصر من أولاد يعقوب.(9:3386)

رشيد رضا:هم الأحداث من المراهقين و الشّبّان،و قيل:قوم فرعون،و لكنّ من آمن به منهم كان يكتم إيمانه،و لا يقال:آمن له إلاّ من اتّبعه مؤمنا،و لم يكونوا صغارا.و الذّرّيّة في اللّغة:الصّغار من الأولاد.(11:469)

نحوه المراغيّ.(11:145)

الطّباطبائيّ:[نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:] هذه الوجوه كما ترى لا دليل على شيء منها في الآيات من جهة اللّفظ.

و الّذي يفيده السّياق-و هو الظّاهر من الآية- أن يكون الضّمير راجعا إلى موسى،و المراد بالذّرّيّة من قوم موسى بعض الضّعفاء من بني إسرائيل دون ملإهم الأقوياء و الشّرفاء...

و يستقيم على هذا معنى قوله: وَ مَلاَئِهِمْ بأن يكون الضّمير إلى الذّرّيّة،و يفيد الكلام أنّ الذّرّيّة الضّعفاء كانوا في إيمانهم يخافون الملأ و الأشراف من بني إسرائيل،فإنّهم ربّما كانوا يمنعونهم لعدم إيمانهم أنفسهم،أو تظاهروا بذلك ليرضوا به فرعون و قومه،و يطيّبوا أنفسهم،فلا يضيّقوا عليهم و ينقصوا من إيذائهم و التّشديد عليهم.

و أمّا ما قيل:إنّ الضّمير راجع إلى فرعون،لأنّه ذو أصحاب،أو للذّرّيّة،لأنّهم كانوا من القبط،

ص: 617

فممّا لا يصار إليه البتّة.(10:111)

7- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً وَ ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ. الرّعد:38

راجع:ز و ج:«ازواجا».

8- ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً. الإسراء:3

مجاهد:بنوه و نساؤهم و نوح،و لم تكن امرأته.(الطّبريّ 8:18)

قتادة:و النّاس كلّهم ذرّيّة من أنجى اللّه في تلك السّفينة،و ذكر لنا أنّه ما نجا فيها يومئذ غير نوح و ثلاثة بنين له،و امرأته و ثلاث نسوة،و هم:سام، و حام،و يافث،فأمّا سام:فأبو العرب و أمّا حام:

فأبو الحبش و أمّا يافث:فأبو الرّوم.(الطّبريّ 8:18)

الفرّاء:قوله: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا منصوبة على النّداء،ناداهم:يا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ، يعني في أصلاب الرّجال و أرحام النّساء ممّن لم يخلق.(2:116)

الطّبريّ:عنى بالذّرّيّة جميع من احتجّ عليه جلّ ثناؤه بهذا القرآن من أجناس الأمم،عربهم و عجمهم من بني إسرائيل و غيرهم،و ذلك أنّ كلّ من على الأرض من بني آدم فهم من ذرّيّة من حمله اللّه مع نوح في السّفينة.(8:18)

الزّجّاج:القراءة بنصب ذُرِّيَّةَ، و قرأ بعضهم(ذرّيّة)بكسر الذّال،و الضّمّ أكثر.

و ذرّيّة:«فعليّة»من الذّرّ،و هي منصوبة على النّداء،كذا أكثر الأقوال،المعنى:يا ذرّيّة من حملنا مع نوح،و إنّما ذكّروا بنعم اللّه عندهم أنّه أنجى أبناءهم من الغرق بأنّهم حملوا مع نوح.

و يجوز النّصب على معنى ألاّ تتّخذوا ذرّيّة من حملنا مع نوح من دوني وكيلا فيكون الفعل تعدّى إلى الذّرّيّة و إلى الوكيل،تقول:اتّخذت زيدا وكيلا...

و يجوز الرّفع في ذُرِّيَّةَ على البدل من الواو، و المعنى أَلاّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً، الإسراء:2، أي لا تتّخذوا من دوني وكيلا ذرّيّة،و لا تقر أنّ بها إلاّ أن تثبت بها رواية صحيحة،فإنّ القراءة سنّة لا يجوز أن تخالف بما يجوز في العربيّة.(3:226)

نحوه(الفارسيّ 3:49)،و القيسيّ(2:25)، و الزّمخشريّ(2:438)،و الفخر الرّازيّ(20:

154)،و النّيسابوريّ(15:9).

النّحّاس:روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنّه قال على النّداء،أي ذرّيّة من حملنا،«أي»حرف نداء مثل:«يا».

و روى سفيان عن حميد عن مجاهد أنّه قرأ (ذرّيّة)بفتح الذّال و تشديد الرّاء و الياء.

و روي عن زيد بن ثابت«ذرّيّة»بكسر الذّال و تشديد الرّاء و الياء.

فأمّا عامر بن عبد الواحد فحكي أنّ زيدا قرأ «ذرّيّة»بفتح الذّال و تشديد الرّاء و الياء.

(4:121)

ص: 618

الماورديّ:يعني موسى و قومه من بني إسرائيل ذرّيّة من حملهم اللّه تعالى مع نوح في السّفينة وقت الطّوفان.(3:228)

الطّوسيّ:نصب ذُرِّيَّةَ على النّداء،و هو خطاب لجميع الخلق،لأنّ الخلق كلّه من نسل نوح من بنيه الثّلاثة:حام،و هو أبو السّودان،و يافث، و هو أبو البيضان:الرّوم و التّرك و الصّقالبة و غيرهم،و سام،و هو أبو العرب و الفرس.

و تقديره:يا ذرّيّة من حملنا،و وزن ذُرِّيَّةَ «فعليّة»من الذّرّ (1)و يجوز أن يكون«فعولة»من الذّرّ،و أصله:«ذرّوية»،فقلبت الواو ياء و أدغمت في الياء.

قال أبو عليّ النّحويّ:و يجوز أن يكون نصبا على أنّه مفعول الاتّخاذ،لأنّه فعل يتعدّى إلى مفعولين،كقوله: وَ اتَّخَذَ اللّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً النّساء:125 و قال اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً المجادلة:16،و على هذا يكون مفعولا ثانيا على القراءتين.

و متى نصبته على النّداء،فإنّما يتأتّى ذلك في قراءة من قرأ بالتّاء،و الأسهل أن يكون على قراءة من قرأ بالياء،لأنّ الياء للغيبة و النّداء للخطاب.

(6:444)

ابن عطيّة: ذُرِّيَّةَ وزنها«فعولة»،أصلها «ذرورة»،أبدلت الرّاء الثّانية ياء،كما قالوا:

قصيت شعري أي قصصته،ثمّ قلبت الواو ياء و أدغمت،ثمّ كسرت الرّاء لتناسب الياء.

و كلّ هؤلاء قرءوا ذُرِّيَّةَ بالنّصب،و ذلك متّجه إمّا على المفعول ب(يتّخذوا)،و يكون المعنى:

أن لا يتّخذ بشر إلها من دون اللّه.

و إمّا على النّداء،أي يا ذرّيّة،فهذه مخاطبة للعالم؛قال قوم:و هذا لا يتّجه إلاّ على قراءة من قرأ تَتَّخِذُوا بالتّاء من فوق،و لا يجوز على قراءة من قرأ(يتّخذوا)بالياء،لأنّ الفعل الغائب و النّداء لمخاطب،و الخروج من الغيبة إلى الخطاب إنّما يستسهل مع دلالة الكلام على المراد،و في النّداء لا دلالة إلاّ على التّكلّف.

و إمّا على النّصب بإضمار«أعني»،و ذلك متّجه على القراءتين على ضعف النّزعة في إضمار «أعني».

و إمّا على البدل من قوله: وَكِيلاً و هذا أيضا فيه تكلّف.و قرأت فرقة:(ذرّيّة)بالرّفع على البدل من الضّمير المرفوع في(يتّخذوا)،و هذا إنّما يتوجّه على القراءة بالياء،و لا يجوز على القراءة بالتّاء،لأنّك لا تبدّل من ضمير مخاطب،لو قلت:

ضربتك زيدا،على البدل،لم يجز.

و قوله: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إنّما عبّر بهذه العبارة عن النّاس الّذين عناهم في الآية بحسب الخلاف المذكور،لأنّ في هذه العبارة تعديد النّعمة على النّاس في الإنجاء المؤدّي إلى وجودهم، و يقبح الكفر و العصيان مع هذه النّعمة،و الّذينب.

ص: 619


1- كذا،و يحتمل«من الذّرء»كما يأتي في نصّ الخطيب.

حملوا مع نوح و أنسلوا هم بنوه لصلبه،لأنّه آدم الأصغر،و كلّ من على الأرض اليوم من نسله.

(3:437)

الطّبرسيّ:...فأمّا قوله: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا فإنّه يجوز أن يكون مفعول«الاتّخاذ»،لأنّه فعل يتعدّى إلى مفعولين.و أفرد«الوكيل»و هو في معنى الجمع،لأنّ«فعيلا»يكون مفردا للفظ و المعنى على الجمع،نحو قوله: وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً، فإذا حمل على هذا كان مفعولا ثانيا في قراءة من قرأ بالتّاء و الياء.

و يجوز أن يكون نداء،و ذلك على قراءة من قرأ بالتّاء،لأنّ النّداء للخطاب،و لو رفع ذُرِّيَّةَ على البدل من الضّمير المرفوع في أَلاّ تَتَّخِذُوا كان جائزا،و يكون التّقدير:ألاّ تتّخذوا ذرّيّة من حملنا مع نوح من دوني وكيلا.

و لو جعلته مجرّدا بدلا من قولك: بَنِي إِسْرائِيلَ جاز،و كان التّقدير:و جعلناه هدى لذرّيّة من حملنا مع نوح.(3:394)

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ، أي أولاد من حملنا مع نوح في السّفينة،فأنجيناه من الطّوفان.

(3:396)

أبو البركات: ذُرِّيَّةَ: تقرأ بالنّصب و الرّفع،فالنّصب من أربعة أوجه:

الأوّل:أن يكون منصوبا على البدل من قوله:

وَكِيلاً.

و الثّاني:أن يكون منصوبا على النّداء في قراءة من قرأ بالتّاء.

و الثّالث:أن يكون منصوبا،لأنّه مفعول أوّل ل تَتَّخِذُوا، و وَكِيلاً المفعول الثّاني.

و الرّابع:أن يكون منصوبا بتقدير«أعني».

و أمّا الرّفع فعلى البدل من الواو في أَلاّ تَتَّخِذُوا (2:86)

نحوه ابن الجوزيّ(5:6)،و العكبريّ(2:

812).

القرطبيّ:المراد بالذّرّيّة كلّ من احتجّ عليه بالقرآن،و هم جميع من على الأرض،ذكره المهدويّ.[ثمّ نقل الأقوال](10:213)

البيضاويّ: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ:

نصب على الاختصاص،أو النّداء إن قرئ «ان لا تتّخذوا»بالتّاء على النّهي،يعني:قلنا لهم:

لا تتّخذوا من دوني وكيلا،يا ذرّيّة من حملنا مع نوح،أو على أنّه أحد مفعولي تَتَّخِذُوا و مِنْ دُونِي حال من وَكِيلاً، فيكون كقوله:

وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً آل عمران:80.

و قرئ بالرّفع على أنّه خبر مبتدإ محذوف،أو بدل من واو(يتّخذوا).و(ذرّيّة)بكسر الذّال.

و فيه تذكير بأنعام اللّه تعالى عليهم في إنجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح عليه السّلام في السّفينة.

(1:577)

نحوه النّسفيّ(2:307)،و الكاشانيّ(3:

177).

ص: 620

أبو حيّان:[ذكر بعض القراءات و أضاف:]

و قرأت فرقة:(ذرّيّة)بالرّفع،و خرّج على أن يكون بدلا من الضّمير في(يتّخذوا)على قراءة من قرأ بياء الغيبة.

و قال ابن عطيّة:و لا يجوز في القراءة بالتّاء، لأنّك لا تبدّل من ضمير مخاطب،لو قلت:ضربتك زيدا على البدل،لم يجز،انتهى.

و ما ذكره من إطلاق«إنّك لا تبدّل من ضمير مخاطب»يحتاج إلى تفصيل،و ذلك أنّه إن كان في بدل بعض من كلّ و بدل اشتمال جاز بلا خلاف.

و إن كان في بدل شيء من شيء و هما لعين واحدة، و إن كان يفيد التّوكيد،جاز بلا خلاف،نحو:مررت بكم صغيركم و كبيركم،و إن لم يفد التّوكيد، فمذهب جمهور البصريّين المنع.و مذهب الأخفش و الكوفيّين الجواز،و هو الصّحيح،لوجود ذلك في كلام العرب.[ثمّ نقل القراءات من المتقدّمين](6:7)

السّمين:قوله تعالى: ذُرِّيَّةَ العامّة على نصبها و فيها أوجه:

أحدها:أنّها منصوبة على الاختصاص،و به بدأ الزّمخشريّ.

الثّاني:أنّها منصوبة على البدل من وَكِيلاً، أي ألاّ تتّخذوا من دوني ذرّية من حملنا.

الثّالث:أنّها منصوبة على البدل من مُوسَى ذكره أبو البقاء،و فيه بعد بعيد.

الرّابع:أنّها منصوبة على المفعول الأوّل ل تَتَّخِذُوا و الثّاني هو وَكِيلاً فقدّم،و يكون وَكِيلاً ممّا وقع مفردا للّفظ و المعني به جمع،أي لا تتّخذوا ذرّيّة من حملنا مع نوح وكيلا،كقوله:

وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً آل عمران:80.

الخامس:أنّها منصوبة على النّداء،أي يا ذرّيّة من حملنا،و خصّوا هذا الوجه بقراءة الخطاب في تَتَّخِذُوا و هو واضح عليها،إلاّ أنّه لا يلزم،و إن كان مكّيّ قد منع منه،قال:فأمّا من قرأ(يتّخذوا) بالياء ف ذُرِّيَّةَ مفعول ثان لا غير و يبعد النّداء، لأنّ الياء للغيبة و النّداء للخطاب،فلا يجتمعان إلا على بعد.

و ليس كما زعم،إذ يجوز أن ينادي الإنسان شخصا و يخبر عن آخر فيقول:يا زيد ينطلق بكر، فقلت:كذا،و يا زيد ليفعل عمرو كيت و كيت.

و قرأت فرقة:(ذرّيّة):بالرّفع،و فيها وجهان:

أحدهما:أنّها خبر مبتدإ مضمر،تقديره:هو ذرّيّة،ذكره أبو البقاء و ليس بواضح.

و الثّاني:أنّه بدل من واو تَتَّخِذُوا. [ثمّ ذكر كلام ابن عطيّة و ردّ أبي حيّان عليه،و قال:]

قلت:و تمثيل ابن عطيّة بقوله:ضربتك زيدا قد يدفع عنه هذا الرّدّ.

و قال مكّيّ:و يجوز الرّفع في الكلام على القراءة من قرأ بالياء على البدل من:(بنى اسرائيل).

قلت:أمّا الرّفع فقد تقدّم أنّه قرئ به،و كأنّه لم يطّلع عليه،و أمّا الجرّ فلم يقرأ به فيما علمت.

و يرد عليه في قوله:«لأنّ المخاطب لا يبدل منه

ص: 621

الغائب»،ما ورد على ابن عطيّة،بل الأولى،لأنّه لم يذكر مثالا يبيّن مراده كما فعل ابن عطيّة.

قوله تعالى: مَنْ حَمَلْنا يجوز أن تكون موصولة أو موصوفة.(4:370)

ابن كثير: ذُرِّيَّةَ...: تقديره يا ذرّيّة من حملنا مع نوح،فيه تهييج و تنبيه على المنّة،أي يا سلالة من نجّينا فحملنا مع نوح في السّفينة تشبّهوا بأبيكم.(4:280)

أبو السّعود: ذُرِّيَّةَ...: نصب على الاختصاص،أو النّداء على قراءة النّهي،و المراد تأكيد الحمل على التّوحيد بتذكير إنعامه تعالى عليهم في ضمن إنجاء آبائهم من الغرق في سفينة نوح عليه السّلام،أو على أنّه أحد مفعولي(لا يتّخذوا)على قراءة النّفي.[ثمّ ذكر القراءات](4:111)

نحوه البروسويّ.(5:131)

الشّوكانيّ:[ذكر بعض القراءات و أضاف:]

و المراد بالذّرّيّة هنا جميع من في الأرض،لأنّهم من ذرّيّة من كان في السّفينة.

و قيل:موسى و قومه من بني إسرائيل،و هذا هو المناسب لقراءة النّصب على النّداء و النّصب على الاختصاص،و الرّفع على البدل و على الخبر، فإنّها كلّها راجعة إلى بني إسرائيل المذكورين.و أمّا على جعل النّصب على أنّ ذُرِّيَّةَ هي المفعول الأوّل لقوله: أَلاّ تَتَّخِذُوا فالأولى تفسير الذّرّيّة بجميع من في الأرض من بني آدم.(3:261)

الآلوسيّ:في إيثار لفظ الذّرّيّة الواقعة على الأطفال و النّساء في العرف الغالب مناسبة تامّة لما ذكر،و جوّز أبو البقاء كونه بدلا من مُوسَى و هو بعيد جدّا.[ثمّ أدام الكلام في نقل القراءات و توجيهها](15:15)

القاسميّ:[نحو ابن كثير و أبي السّعود و أضاف:]

و في التّعبير ب ذُرِّيَّةَ الغالب إطلاقها على الأطفال و النّساء،مناسبة تامّة.(10:3901)

مغنيّة: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ: حمل نوح معه في السّفينة أولاده الثّلاثة،و هم:حام،و سام، و يافث،و نساءهم،و منهم تناسل النّاس بعد الطّوفان،و منهم الإسرائيليّون في عهد موسى،و في هذا النّداء تذكير لبني إسرائيل بأنعم اللّه الّتي جحدوها و كفروا به و بها.(5:13)

الطّباطبائيّ:تطلق الذّرّيّة على الأولاد بعناية كونهم صغارا ملحقين بآبائهم،و هي على ما يهدي إليه السّياق منصوبة على الاختصاص، و يفيد الاختصاص عناية خاصّة من المتكلّم به في حكمه،فهو بمنزلة التّعليل،كقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ الأحزاب:

33،أي ليفعل بكم ذلك لأنّكم أهل بيت النّبوّة.

فقوله: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ يفيد فائدة التّعليل بالنّسبة إلى ما تقدّمه.(13:37)

عبد الكريم الخطيب:الذّرّية:أي النّسل الّذي تناسل من نوح و أبنائه،و هي«فعليّة»من الذّرء،و هو الخلق،و أصلها:«ذرئية».

ص: 622

أي أنّ بني إسرائيل هؤلاء هم من أبناء و ذراريّ البقيّة الباقية من قوم نوح،الّذين آمنوا معه،و حملوا في السّفينة،و نجوا من الغرق.

و في وصف بنى إسرائيل بهذه الصّفة إلفات لهم إلى أنّهم من ذرّيّة قوم مؤمنين،نجّاهم اللّه بإيمانهم من الغرق الّذي حلّ بإخوانهم الكافرين.(8:441)

مكارم الشّيرازيّ:إنّ جملة ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ جملة ندائيّة،و التّقدير:يا ذرّيّة من حملنا مع نوح.

أمّا ما احتمله البعض من أنّ: ذُرِّيَّةَ هي بدل عن وَكِيلاً، أو مفعول ثان ل تَتَّخِذُوا فهو بعيد،و لا يتّسق مع جملة إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً. (8:356)

فضل اللّه: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ: و هم الجيل الثّاني للبشريّة الّذين باركهم اللّه و أنقذهم من الطّوفان،لأنّهم آمنوا برسالة نوح و أخلصوا للّه، و تمرّدوا على قومهم،ليبدءوا المسيرة الجديدة على أساس الإيمان باللّه و السّير على هداه،و لتتبعهم ذرّيّتهم في ذلك من خلال وحي اللّه و رسالته...

و هكذا كان هذا الجيل الّذي عاش مع موسى من قومه من ذرّيّة أولئك الّذين أراد اللّه هدايتهم بوحيه مع موسى،كما أراد اللّه هداية أولئك بنوح عليه السّلام.

(14:29)

9- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا. مريم:58

ابن عبّاس:من ذرّيّة نوح:أولاده، وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ: إسماعيل و إسحاق وَ إِسْرائِيلَ و من ذرّيّة يعقوب:يوسف و إخوته.(257)

السّدّيّ:الّذي عنى به من ذرّيّة آدم إدريس، و الّذي عنى به من ذرّيّة من حملنا مع نوح إبراهيم، و الّذي عنى من ذرّيّة إبراهيم إسحاق و يعقوب و إسماعيل،و الّذي عنى به من ذرّيّة إسرائيل موسى و هارون و زكريّا،و يحيي،و عيسى.(342)

نحوه الطّبريّ(8:353)،و البغويّ(3:239)، و الميبديّ(6:58)،و الزّمخشريّ(2:514)،و ابن عطيّة(4:21)،و ابن الجوزيّ(5:244).

الطّوسيّ:و قوله: مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ لأنّ اللّه تعالى بعث رسلا ليسوا من ذرّيّة آدم،بل هم من الملائكة،كما قال: يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ الحجّ:75.[إلى أن قال:]

و إنّما فرّق ذكر نسبهم،-و كلّهم لآدم-ليبيّن مراتبهم في شرف النّسب،فكان لإدريس شرف القرب من آدم،لأنّه جدّ نوح.و كان إبراهيم من ذرّيّة من حمل مع نوح،لأنّه من ولد سام بن نوح.

و كان إسماعيل و إسحاق و يعقوب من ذرّيّة إبراهيم،لمّا تباعدوا من آدم حصل لهم شرف إبراهيم،و كان موسى و هارون و زكريّا و يحيى و عيسى من ذرّيّة إسرائيل،لأنّ مريم من ذرّيّته.

و قيل:إنّما وصف اللّه صفة هؤلاء الأنبياء ليقتدى بهم و يتّبع آثارهم في أعمال الخير.

(7:135)

ص: 623

نحوه الواحديّ(3:187)،و الطّبرسيّ(3:

519)،و الفخر الرّازيّ(21:233)،و القرطبيّ (11:120)،و البيضاويّ(2:37)،و أبو حيّان (6:200).

[و جاء هكذا في قول أكثر المفسّرين]

الطّباطبائيّ:قوله: مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ في معنى الصّفة ل اَلنَّبِيِّينَ و(من)فيه للتّبعيض،أي من النّبيّين الّذين هم بعض ذرّيّة آدم،و ليس بيانا ل اَلنَّبِيِّينَ لاختلال المعنى بذلك.

و قوله: وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ معطوف على قوله: مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، و المراد بهم المحمولون في سفينة نوح عليه السّلام و ذرّيّتهم،و قد بارك اللّه عليهم، و هم من ذرّيّة نوح،لقوله تعالى: وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ الصّافّات:77.

و قوله: وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ معطوف كسابقه على قوله: مِنَ النَّبِيِّينَ.

و قد قسّم اللّه تعالى الّذين أنعم عليهم من النّبيّين على هذه الطّوائف الأربع،أعني ذرّيّة آدم و من حمله مع نوح،و ذرّيّة إبراهيم،و ذرّيّة إسرائيل، و قد كان ذكر كلّ سابق يغني عن ذكر لاحقه،لكون ذرّيّة إسرائيل من ذرّيّة إبراهيم،و الجميع ممّن حمل مع نوح،و الجميع من ذرّيّة آدم عليه السّلام.

و لعلّ الوجه فيه الإشارة إلى نزول نعمة السّعادة و بركة النّبوّة على نوع الإنسان كرّة بعد كرّة،فقد ذكر ذلك في القرآن الكريم في أربعة مواطن لطوائف أربع:

أحدها:لعامّة بني آدم،حيث قال: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:38،39.

و الثّاني:ما في قوله تعالى: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنّا وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَ أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنّا عَذابٌ أَلِيمٌ: هود:

48.

و الثّالث:ما في قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ: الحديد:26.

و الرّابع:ما في قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ: الجاثية:16.

مواعد أربع بتخصيص نوع الإنسان بنعمة النّبوّة و موهبة السّعادة،و قد أشير إليها في الآية المبحوث عنها بقوله: مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ و قد ذكر في القصص السّابقة من كلّ من الذّراريّ الأربع كإدريس من ذرّيّة آدم،و إبراهيم من ذرّيّة من حمل مع نوح،و إسحاق و يعقوب من ذرّيّة إبراهيم، و زكريّا و يحيى و عيسى و موسى و هارون و إسماعيل-على ما استظهرنا-من ذرّيّة إسرائيل.

(14:75)

نحوه ملخّصا مكارم الشّيرازيّ.(9:419)

ص: 624

ذرّيّته

1- وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. الأنعام:84

ابن عبّاس:من ذرّية نوح.(114)

نحوه مقاتل.(ابن الجوزيّ 3:79)

هؤلاء الأنبياء جميعا مضافون إلى ذرّيّة إبراهيم،و إن كان فيهم من لم تلحقه ولادة من جهته من جهة أب و لا أمّ،لأنّ لوطا ابن أخي إبراهيم.

(القرطبيّ 7:31)

الإمام الباقر عليه السّلام:«يا أبا الجارود،ما يقولون لكم في الحسن و الحسين عليهما السّلام»؟

قلت:ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله! قال:«فبأيّ شيء احتججتم عليهم»؟

قلت:احتججنا عليهم بقول اللّه عزّ و جلّ في عيسى بن مريم عليهما السّلام: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى فجعل عيسى بن مريم من ذرّيّة نوح عليه السّلام.

قال:«فأيّ شيء قالوا لكم»؟

قلت:قالوا:قد يكون ولد الابنة من الولد، و لا يكون من الصّلب.

قال:«فبأيّ شيء احتججتم عليهم»؟

قلت:احتججنا عليهم بقوله تعالى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ آل عمران:

61.

ثمّ قال:«أيّ شيء قالوا»؟

قلت:قالوا:قد يكون في كلام العرب أبناء رجل و آخر يقول:أبناؤنا.

قال:«يا أبا الجارود،لأعطينّكها من كتاب اللّه عزّ و جلّ أنّهما من صلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يردّها إلاّ كافر».

قلت:و أين ذلك جعلت فداك؟

قال:«من حيث قال اللّه تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ...، إلى قوله تبارك و تعالى: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ النّساء:23.

فسلهم يا أبا الجارود،هل كان يحلّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نكاح حليلتيهما؟فإن قالوا:نعم،كذبوا و فجروا،و إن قالوا:لا،فإنّهما ابناه لصلبه».

(البحرانيّ 3:591)

عطاء:يريد من ذرّيّة إبراهيم.

(الواحديّ 2:294)

الإمام الصّادق عليه السّلام:و اللّه لقد نسب اللّه عيسى ابن مريم في القرآن إلى إبراهيم عليه السّلام من قبل النّساء، ثمّ تلا: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ، إلى آخر الآيتين،و ذكر عيسى عليه السّلام.(البحرانيّ 3:594)

الإمام الكاظم عليه السّلام:إنّما ألحق عيسى عليه السّلام بذراريّ الأنبياء من طريق مريم،و كذلك ألحقنا

ص: 625

بذراريّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قبل أمّنا فاطمة عليها السّلام في جواب هارون عن هذه المسألة.

(الكاشانيّ 2:137)

[و نقل عنه عليه السّلام هذا المعنى في حديث طويل فلاحظ](العروسيّ 1:743)

الفرّاء:قوله: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ... هذه الهاء لنوح:و هَدَيْنا من ذرّيّته داود و سليمان.و لو رفع داود و سليمان على هذا المعنى-إذ لم يظهر الفعل-كان صوابا كما تقول:أخذت صدقاتهم لكل مائة شاة،شاة و شاة.(1:342)

الطّبريّ:و الهاء الّتي في قوله: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ من ذكر نوح،و ذلك أنّ اللّه تعالى ذكر في سياق الآيات الّتي تتلو هذه الآية لوطا،فقال:

وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ، و معلوم أنّ لوطا لم يكن من ذرّيّة إبراهيم صلّى اللّه عليهم أجمعين.

فإذا كان ذلك كذلك،-و كان معطوفا على أسماء من سمّينا من ذرّيّته-كان لا شكّ أنّه لو أريد بالذّرّيّة ذرّيّة إبراهيم،لما دخل يونس و لوط فيهم، و لا شكّ أنّ لوطا ليس من ذرّيّة إبراهيم،و لكنّه من ذرّيّة نوح،فلذلك وجب أن تكون الهاء في الذّرّيّة من ذكر نوح.(5:256)

نحوه الثّعلبيّ(4:166)،و البغويّ(2:141).

و أبو البركات(1:329)،و العكبريّ(1:515)، و الخازن(2:128).

الزّجّاج:داود و سليمان نسق على نوح،كأنّه قال:و هدينا داود و سليمان،و جائز أن يكون من ذرّيّة نوح،و جائز أن يكون من ذرّيّة إبراهيم،لأنّ ذكرهما جميعا قد جرى.(2:269)

نحوه الزّمخشريّ(2:33)،و الطّبرسيّ(2:

330).

الطّوسيّ: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ تقديره:و هدينا داود و سليمان نسقا على نوح.

و يحتمل أن يكون قوله: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ الهاء راجعة الى نوح،لأنّ الأنبياء المذكورين كلّهم من ذرّيّته.[ثمّ نقل كلام الزّجّاج و قال:]

قال أبو عليّ الجبّائيّ:الهاء لا يجوز أن تكون كناية عن إبراهيم،لأنّ فيمن عدّد من الأنبياء لوطا، و هو كان ابن أخته،و قيل:ابن أخيه،و لم يكن من ذرّيّته.

و هذا الّذي قاله ليس بشيء،لأنّه لا يمنع أن يكون غلّب الأكثر.

و جميع من ذكر من نسل إبراهيم،على أنّه قال فيما روى عنه ابن مسعود:إنّ إلياس:إدريس،و هو جدّ نوح،و لم يكن من ذرّيّته،و مع هذا لم يطعن على قول من قال:إنّها كناية عن نوح.

و قال ابن إسحاق:إلياس هو ابن أخي موسى و يجوز أن تكون الهاء كناية عن إبراهيم،و يكون من سمّاهم إلى قوله: كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ من ذرّيّته،ثمّ قال: وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً، فعطفهم على قوله: وَ نُوحاً هَدَيْنا.

و في الآية دلالة على أنّ الحسن و الحسين من

ص: 626

ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لأنّ عيسى جعله اللّه من ذرّيّة إبراهيم أو نوح،و إنّما كانت أمّة من ذرّيّتهما.

و الوجه في الآيات أنّ اللّه تعالى أخبر أنّه رفع درجة إبراهيم بما جعل في ذرّيّته من الأنبياء،و جزاه بما وصل إليه من السّرور و الابتهاج عند ما أعلمه عن ذلك،و بما أبقى له من الذّكر الرّفيع في الأعقاب، و الجزاء على الإحسان لذّة و سرور من أعظم السّرور و أكثر اللّذّات،إذا علم الإنسان بأنّه يكون من عقبه و ولده المنسوبين إليه أنبياء يدعون إلى اللّه و يجاهدون في سبيله،و يكونون ملوكا و خلفاء يطيعون اللّه و يحكمون بالحقّ في عباد اللّه.(4:208)

نحوه أبو الفتوح.(7:363)

الواحديّ:[نقل أقوال عطاء و الفرّاء، و الزّجّاج ثمّ قال:]

و العلماء بالنّسب يقولون:الكناية تعود إلى نوح،لأنّه ذكر في جملة من عدّ من هذه الذّرّيّة يونس و لوطا،و لا شكّ أنّهما لم يكونا من ذرّيّة إبراهيم.(2:294)

ابن عطيّة:الضّمير في ذُرِّيَّتِهِ قال الزّجّاج:جائز أن يعود على إبراهيم،و يعترض هذا بذكر«لوط»عليه السّلام و هو ليس من ذرّيّة إبراهيم،بل هو ابن أخيه و قيل:ابن أخته،و يتخرّج عند من يرى الخال أبا.

و قيل:يعود الضّمير على نوح،و هذا هو الجيّد.

(2:316)

ابن الجوزيّ:[نقل أقوال عطاء و مقاتل و الفرّاء و الزّجّاج،ثمّ قال:]

و احتجّ ابن جرير للقول الأوّل بأنّ اللّه تعالى، ذكر في سياق الآيات لوطا،و ليس من ذرّيّة إبراهيم،و أجاب عنه أبو سليمان الدّمشقيّ بأنّه يحتمل أن يكون أراد:و وهبنا له لوطا في المعاضدة و النّصرة،ثمّ قوله تعالى: وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ من أبين دليل على أنّه إبراهيم،لأنّ افتتاح الكلام إنّما هو بذكر ما أثاب به إبراهيم.

(3:79)

الفخر الرّازيّ:قيل:المراد و من ذرّيّة نوح، و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّ نوحا أقرب المذكورين،و عود الضّمير إلى الأقرب واجب.

الثّاني:أنّه تعالى ذكر في جملتهم لوطا،و هو كان ابن أخ إبراهيم و ما كان من ذرّيّته،بل كان من ذرّيّة نوح عليه السّلام،و كان رسولا في زمان إبراهيم.

الثّالث:أنّ ولد الإنسان لا يقال:إنّه ذرّيّته، فعلى هذا إسماعيل عليه السّلام ما كان من ذرّيّة إبراهيم، بل هو من ذرّيّة نوح عليه السّلام.

الرّابع:قيل:إنّ يونس عليه السّلام ما كان من ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام،و كان من ذرّيّة نوح عليه السّلام.

و القول الثّاني:أنّ الضّمير عائد إلى إبراهيم عليه السّلام،و التّقدير:و من ذرّيّة إبراهيم داود و سليمان.

و احتجّ القائلون بهذا القول بأنّ إبراهيم هو المقصود بالذّكر في هذه الآيات،و إنّما ذكر اللّه تعالى نوحا لأنّ كون إبراهيم عليه السّلام من أولاده أحد

ص: 627

موجبات رفعة إبراهيم.[ثمّ أدام الكلام في وجه التّرتيب بين أسامي الأنبياء،فلاحظ](13:64)

نحوه النّيسابوريّ.(7:150)

القرطبيّ:[نقل الاختلاف في عود ضمير وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ و أضاف:]

و العرب تجعل العمّ أبا،كما أخبر اللّه عن ولد يعقوب أنّهم قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ البقرة:133،و إسماعيل عمّ يعقوب.و عدّ عيسى من ذرّيّة إبراهيم،و إنّما هو ابن البنت،فأولاد فاطمة رضي اللّه عنها ذرّيّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و بهذا تمسّك من رأى أنّ ولد البنات يدخلون في اسم الولد[إلى أن قال:]

قال ابن القصّار:و حجّة من أدخل البنات في الأقارب قوله عليه السّلام للحسن بن عليّ:إنّ«ابني هذا سيّد»،و لا نعلم أحدا يمتنع أن يقول في ولد البنات:

إنّهم ولد لأبي أمّهم.و المعنى يقتضي ذلك،لأنّ الولد مشتقّ من التّولّد و هم متولّدون عن أبي أمّهم لا محالة،و التّولّد من جهة الأمّ كالتولّد من جهة الأب.

و قد دلّ القرآن على ذلك؛قال اللّه تعالى:

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إلى قوله: مِنَ الصّالِحِينَ، فجعل عيسى من ذرّيّته و هو ابن ابنته.(7:31)

نحوه أبو حيّان(4:173)،و السّمين(3:115).

البيضاويّ: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ: الضّمير لإبراهيم عليه الصّلاة و السّلام،إذ الكلام فيه، و قيل:لنوح عليه السّلام،لأنّه أقرب،و لأنّ يونس و لوطا ليسا من ذرّيّة إبراهيم،فلو كان لإبراهيم اختصّ البيان بالمعدودين في تلك الآية و الّتي بعدها، و المذكورون في الآية الثّالثة عطف على نُوحاً داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ: أيّوب بن آموص من أسباط عيص (1)بن إسحاق.

وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، أي و نجزي المحسنين جزءا،مثل ما جزينا إبراهيم برفع درجاته و كثرة أولاده و النّبوّة فيهم.

وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى: هو ابن مريم، و في ذكره دليل على أنّ الذّرّيّة تتناول أولاد البنت.

وَ إِلْياسَ، قيل:هو إدريس جدّ نوح عليهما السّلام،فيكون البيان مخصوصا بمن في الآية الأولى.

و قيل:هو من أسباط هارون أخي موسى.(1:319)

النّسفيّ:الضّمير لنوح أو لإبراهيم و الأوّل أظهر،لأنّ يونس و لوطا لم يكونا من ذرّيّة إبراهيم.

(2:21)

ابن كثير:[نقل قول الطّبريّ في عود الضّمير إلى نوح و أضاف:]

و عوده إلى إبراهيم،-لأنّه الّذي سيق الكلام من أجله-حسن،لكن يشكل عليه لوط،فإنّه ليس من ذرّيّة إبراهيم،بل هو ابن أخيه هاران بن آزر،اللّهمّ إلاّ أن يقال:إنّه دخل في الذّرّيّة تغليبا،!!

ص: 628


1- هذا هو الصّحيح،و في الأصل:عيسى!!

كما في قوله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ البقرة:133،فإسماعيل عمّه دخل في آبائه تغليبا،و كما قال في قوله:

فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ الحجر:30،31،فدخل إبليس في أمر الملائكة بالسّجود،و ذمّ على المخالفة،لأنّه كان في تشبّه بهم،فعومل معاملتهم و دخل معهم تغليبا،و إلاّ فهو كان من الجنّ و طبيعته من النّار،و الملائكة من النّور.

و في ذكر عيسى عليه السّلام في ذرّيّة إبراهيم أو نوح، -على القول الآخر-دلالة على دخول ولد البنات في ذرّيّة الرّجل،لأنّ عيسى عليه السّلام إنّما ينسب إلى إبراهيم عليه السّلام بأمّه مريم عليها السّلام،فإنّه لا أب له.

...عن أبي حرب بن أبي الأسود،قال:أرسل الحجّاج إلى يحيى بن يعمر،فقال:بلغني أنّك تزعم أنّ الحسن و الحسين من ذرّيّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،تجده في كتاب اللّه و قد قرأته من أوّله إلى آخره فلم أجده؟

قال:أ ليس تقرأ سورة الأنعام وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ حتّى بلغ وَ يَحْيى وَ عِيسى قال:

بلى،قال:أ ليس عيسى من ذرّيّة إبراهيم و ليس له أب؟قال:صدقت.

فلهذا إذا أوصى الرّجل لذرّيّته،أو وقف على ذرّيّته،أو وهبهم،دخل أولاد البنات فيهم،فأمّا إذا أعطى الرّجل بنيه،أو وقف عليهم،فإنّه يختصّ بذلك بنوه لصلبه و بنو بنيه،و احتجّوا بقول الشّاعر العربيّ:[الطّويل]

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا

بنوهنّ أبناء الرّجال الأجانب

و قال آخرون:و يدخل بنو البنات فيهم أيضا، لما ثبت في صحيح البخاريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال للحسن بن عليّ:«إنّ ابني هذا سيّد،و لعلّ اللّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»،فسمّاه ابنا،فدلّ على دخوله في الأبناء.(3:63)

الشّربينيّ: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، أي نوح لا إبراهيم،لأنّه تعالى ذكر في جملتهم يونس و لوطا و لم يكونا من ذرّيّة إبراهيم،و قيل:الضّمير لإبراهيم و يكون ذلك من باب التّغليب،فإنّ التّغليب سائغ شائع في انتساب العرب.(1:433)

نحوه البروسويّ.(3:60)

أبو السّعود: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ: الضّمير لإبراهيم،لأنّ مساق النّظم الكريم لبيان شئونه العظيمة من:إيتاء الحجّة،و رفع الدّرجات،و هبة الأولاد الأنبياء،و إبقاء هذه الكرامة في نسله إلى يوم القيامة،كلّ ذلك لإلزام من ينتمي إلى ملّته عليه السّلام من المشركين و اليهود.

و قيل:لنوح،لأنّه أقرب،و لأنّ يونس و لوطا ليسا من ذرّيّة إبراهيم،فلو كان الضّمير له لاختصّ بالمعدودين في هذه الآية الّتي بعدها.

و أمّا المذكورون في الآية الثّالثة فعطف على نُوحاً. [ثمّ نقل رواية عن ابن عبّاس،إلى أن

ص: 629

قال:]

و العرب تجعل العمّ أبا كما أخبر اللّه تعالى عن أبناء يعقوب أنّهم: قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ البقرة:133،مع أنّ إسماعيل عمّ يعقوب...(2:410)

نحوه الآلوسيّ.(7:211)

شبّر:قوله تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ: ذرّيّة نوح،لأنّ لوطا و إلياس ليسا من ذرّيّة إبراهيم، و يشكل بإلياس إن أريد به إدريس جدّ نوح.

و قيل:ذرّيّة إبراهيم،و قد سمّيت إلى المحسنين، أو أنّه غلّب الأكثر الّذين هم من نسله.

و عن الباقر عليه السّلام جعل (1)عيسى من ذرّيّة نوح، و في جملة من الأخبار،فجعل عيسى عليه السّلام من ذرّيّة إبراهيم.(2:283)

الشّوكانيّ:[اكتفى بنقل أقوال المتقدّمين]

(2:171)

القاسميّ:[نحو أبي السّعود ملخّصا إلى أن قال:]

و قال محي السّنّة رحمه اللّه تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ: أي:ذرّيّة نوح عليه السّلام،و لم يرد من ذرّيّة إبراهيم عليه الصّلاة و السّلام،لأنّه ذكر في جملتهم يونس صلّى اللّه عليه و سلّم،و كان من الأسباط في زمن شعياء، أرسله اللّه تعالى إلى أهل نينوى من الموصل.

و قال:إنّ لوطا عليه السّلام كان ابن أخي إبراهيم عليه السّلام، آمن بإبراهيم،و شخص معه مهاجرا إلى الشّام، فأرسله اللّه إلى أهل سدوم.

و من قال:الضّمير لإبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم،يقدّر:و من ذرّيّة إبراهيم و داود و سليمان هدينا،لأنّ إبراهيم هو المقصود بالذّكر.

و ذكر نوح لتعظيم إبراهيم،و لذلك ختم بيونس و لوط،و جعلهما معطوفين على نُوحاً هَدَيْنا من عطف الجملة على الجملة.

و صاحب«الكشف»أخرج إلياس صلّى اللّه عليه و سلّم، و ليس كذلك،لما في«جامع الأصول»عن الكسائيّ أنّهما من ذرّيّته.فبقي لوط خارجا.لمّا كان ابن أخيه آمن به و هاجر معه،أمكن أن يجعل من ذرّيّته على سبيل التّغليب،كما ذكره الطّيّبيّ.

و بالجملة،فالآية المذكورة من المنن على إبراهيم على كلا الوجهين،لأنّ شرف الذّرّيّة و شرف الأقارب شرف،لكنّه على الأوّل أظهر، و يكون تطرية في مدح إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم بالعود إليه مرّة بعد أخرى.(6:2395)

رشيد رضا:[نقل قول الطّبريّ و من تبعه و قال:]

و احتجّوا بأنّه أقرب في الذّكر،و بأنّ لوطا و يونس ليسا من ذرّيّة إبراهيم،و زاد بعضهم أنّ ولد المرء لا يعدّ من ذرّيّته،فلا يقال:إنّ إسماعيل من ذرّيّة إبراهيم.

و هذا القول لا يصحّ،لتصريح أهل اللّغة بأنّ الذّرّيّة النّسل مطلقا،و أخذ بعضهم من قوله تعالى:!!

ص: 630


1- في الأصل:من عيسى!!

وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يس،:41،أنّ الذّرّيّة تطلق على الأصول كما تطلق على الفروع،و ذلك بناء على أنّ المراد بالفلك المشحون سفينة نوح.و قال بعضهم:إنّ الذّرّيّة هنا للفروع المقدّرة في أصلاب الأصول.و القول الآخر في الفلك المشحون:إنّه سفين التّجارة الّتي كان المخاطبون يرسلون فيها أولادهم يتّجرون...

(7:586)

نحوه المراغيّ.(7:181)

ابن عاشور:قوله: مِنْ ذُرِّيَّتِهِ حال من داوُدَ و داوُدَ مفعول«هدينا»محذوفا و فائدة هذا الحال التّنويه بهؤلاء المعدودين بشرف أصلهم و بأصل فضلهم،و التّنويه بإبراهيم أو بنوح بفضائل ذرّيّته.و الضّمير المضاف إليه عائد إلى نوح لا إلى إبراهيم،لأنّ نوحا أقرب مذكور،و لأنّ لوطا من ذرّيّة نوح،و ليس من ذرّيّة إبراهيم حسبما جاء في كتاب التّوراة.

و يجوز أن يكون لوط عومل معاملة ذرّيّة إبراهيم لشدّة اتّصاله به.كما يجوز أن يجعل ذكر اسمه بعد انتهاء أسماء من هم من ذرّيّة إبراهيم منصوبا على المدح،بتقدير فعل لا على العطف.

(6:192)

مغنيّة:[نحو الطّوسيّ ملخّصا ثمّ قال:]

قال الرّازيّ في تفسير هذه الآية:إنّها تدلّ على أنّ الحسن و الحسين من ذرّيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لأنّ اللّه تعالى جعل عيسى من ذرّيّة إبراهيم،مع أنّه لا ينتسب إلى إبراهيم إلاّ بالأمّ،فكذلك الحسن و الحسين من ذرّيّة رسول اللّه،و إن انتسبا إليه بالأمّ ...و يقال:إنّ أبا جعفر الباقر عليه السّلام استدلّ بهذه الآية عند الحجّاج بن يوسف.

و قال صاحب تفسير المنار:«أقول في الباب:

حديث أبي بكرة عند البخاريّ مرفوعا:«إنّ ابني هذا سيّد»يعني الحسن،و لفظ«ابني»لا يجري عند العرب على أولاد البنات،و حديث عمر في كتاب معرفة الصّحابة لأبي نعيم مرفوعا:«و كلّ ولد آدم فإنّ عصبتهم لأبيهم خلا ولد فاطمة،فإنّي أنا أبوهم و عصبتهم»،و قد جرى النّاس على هذا،فيقولون في أولاد فاطمة:أولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و أبناؤه و عترته و أهل بيته».

و معنى هذا الكلام أنّ ولد فاطمة عليها السّلام ليسوا أبناء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لغة،و لكنّهم أبناؤه شرعا،لقول الرّسول:«أنا أبوهم و عصبتهم» و أيضا هم أبناؤه عرفا،لأنّ النّاس قد جروا على القول:إنّ ولد فاطمة هم أولاد رسول اللّه،و أبناؤه و عترته و أهل بيته...

و قد أجمع علماء السّنّة و الشّيعة قولا واحدا على أنّ الشّرع في مداليل الألفاظ مقدّم على العرف و اللّغة،و أنّ العرف مقدّم على اللّغة،لأنّ الحكيم يخاطب النّاس بما يتبادر إلى أفهامهم،لا بما هو مسطور في قواميس اللّغة،فإذا أوردت كلمة في آية أو رواية،و وجدنا لمعناها تفسيرا خاصّا في كتاب اللّه أو السّنّة النّبويّة،فتحمل الكلمة على هذا المعنى

ص: 631

الخاصّ،و يسمّى بالمعنى الشّرعيّ،و يهمل المعنى اللّغويّ و العرفيّ،و إذا لم نجد لها تفسيرا في الكتاب و السّنّة فتحمل على ما يفهمه النّاس منها،و يسمّى بالمعنى العرفيّ،فإن لم يفهم النّاس منها معنى معيّنا فتحمل على المعنى الموجود في قواميس اللّغة.

و على هذا يأتي المعنى الشّرعيّ في الدّرجة الأولى،و العرفيّ في الثّانية،و اللّغوي في الثّالثة،و قد ثبت شرعا و عرفا أنّ الحسن و الحسين ابنا رسول اللّه،فيتعيّن ذلك،و تهمل اللّغة،لأنّها محكومة بالشّرع و العرف.(3:219)

الطّباطبائيّ:قوله تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إلى قوله: وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الضّمير في ذُرِّيَّتِهِ راجع إلى نوح ظاهرا،لأنّه المرجع القريب لفظا،و لأنّ في المعدودين من ليس هو من ذرّيّة إبراهيم،مثل لوط و إلياس على ما قيل.

و ربّما قيل:إنّ الضّمير يعود إلى إبراهيم عليه السّلام، و قد ذكر لوط و إلياس عليهما السّلام من الذّرّيّة تغليبا؛ قال: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ: العنكبوت:27،أو أنّ المراد بالذّرّيّة هم السّتّة المذكورون في هذه الآية دون الباقين.و أمّا قوله: وَ زَكَرِيّا... و قوله:

وَ إِسْماعِيلَ...، فمعطوفان على قوله: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، لا على قوله: داوُدَ...، و هو بعيد من السّياق.(7:242)

مكارم الشّيرازيّ:هناك كلام كثير بين المفسّرين بشأن الضّمير في وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ هل يعود إلى إبراهيم،أم إلى نوح؟غير أنّ أغلبهم يرجعه إلى إبراهيم،و الظّاهر أنّه لا مجال للشّكّ في عودة الضّمير إلى إبراهيم،لأنّ الكلام يدور على ما وهبه اللّه لإبراهيم،لا لنوح عليهما السّلام،كما أنّ الرّوايات الّتي سوف نذكرها تؤيّد هذا الرّأي.

و النّقطة الوحيدة الّتي حدت بعض المفسّرين إرجاع الضّمير إلى نوح هي ورود ذكر«يونس» و«لوط»في الآيات التّالية،إذ المشهور في التّاريخ أنّ«يونس»لم يكن من أبناء إبراهيم،كما أنّ «لوطا»كان ابن أخي إبراهيم أو ابن أخته.

غير أنّ المؤرّخين ليسوا مجمعين على نسب «يونس»فبعضهم يراه من أسرة إبراهيم،و آخرون يرونه من أنبياء بني إسرائيل.

ثمّ إنّ المؤرّخين و النّسّابين اعتادوا على أن يحفظوا النّسب من جهة الأب،و لكن ما الّذي يمنع من أن ينسب«يونس»من جهة أمّه إلى إبراهيم، كما هي الحال بالنّسبة إلى عيسى الّذي ورد اسمه في الآيات؟

أمّا«لوط»فهو،ليس من أبناء إبراهيم،و لكنّه كان من أسرته،فالعرب تطلق لفظة«الأب»على العمّ،و كذلك تعتبر ابن الأخ أو ابن الأخت من ذرّيّة المرء.و على هذا ليس لنا أن نتغاضى عن ظاهر هذه الآيات،فنعيد الضّمير إلى نوح،و هو ليس موضوع القول هنا...

ملاحظات:لا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّه في

ص: 632

هذه الآيات اعتبر عيسى من أبناء إبراهيم و باحتمال من أبناء نوح،مع أنّنا نعلم أنّ اتّصاله بهما إنّما هو من جهة الأمّ،و هذا دليل على أنّ سلسلة النّسب تتقدّم من جهة الأب و الأمّ تقدّما متساويا،و لذلك فإنّ الأحفاد من الابن أو البنت هم ذرّيّة المرء و أولاده.

و على هذا فإنّ أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،و هم جميعا من أحفاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من ابنته-يعتبرون أبناء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

إنّ الجاهليّة لم تكن تعترف للمرأة بأيّة مكانة أو قيمة،و كان النّسب عندهم ما اتّصل من جهة الأب فقط،غير أنّ الإسلام أبطل هذه العادة الجاهليّة.

و من المؤسف أنّ بعض أصحاب الأقلام الّذين في نفوسهم شيء تجاه أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،سعوا إلى إنكار هذا الموضوع،و حاولوا العودة إلى الجاهليّة بالامتناع عن نسبة أبناء فاطمة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و رفضوا إطلاق عبارة«ابن رسول اللّه»عليهم إحياء للتّقاليد الجاهليّة.

و هذا الموضوع نفسه كان قد عرض للمناقشة على عهود الأئمّة،فكانوا يجيبونهم بهذه الآية، باعتبارها الدّليل الدّامغ و الرّدّ الحاسم على ما يفترون.

[ثمّ نقل روايات عن الإمام الكاظم و الصّادق عليهما السّلام،و قال:]

ممّا يلفت النّظر أنّ بعض أهل السّنّة تطرّقوا إلى هذا الموضوع عند تفسيرهم لهذه الآية،و منهم الفخر الرّازيّ في تفسيره،حيث استدلّ بها أنّ الحسن و الحسين من ذرّيّة النّبيّ،لأنّ اللّه ذكر عيسى من ذرّيّة إبراهيم،مع أنّه يرتبط به عن طريق الأمّ فقط.[ثمّ ذكر كلام صاحب المنار المتقدّم و اعترض عليه،فلاحظ](4:338)

فضل اللّه:إشكاليّة نسب ابن البنت إلى الجدّ:

و هنا مسألة أثارها المفسّرون في استيحاء قوله تعالى: وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى، حيث ذكر عيسى عليه السّلام من ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام،ممّا يدلّ على أنّ ابن البنت هو من ذرّيّة الجدّ،فلا ينحصر النّسب بالقرابة الحاصلة من جهة الأب.و قد انطلق التّدقيق في هذه المسألة من خلال الجدل الّذي دار حول انتساب الحسن و الحسين عليهما السّلام إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، باعتبار أنّهما ابنا ابنته فاطمة عليها السّلام.[ثمّ نقل حديث أبي الأسود:«أرسل الحجّاج»كما سبق،ثمّ قال:]

و قد انطلق القرآن في قضيّة النّسب في القرابة من خلال الواقع التّكوينيّ الّذي يشدّ الوالد إلى من تولّد منه بالواسطة أو بشكل مباشر،و هذا ما نلاحظه في قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ النّساء:11،و قال:

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً النّساء:7.و قال في آية المحارم: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ إلى قوله تعالى: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ

ص: 633

النّساء:23،24.و من المعروف أنّ بنت البنت ترث في غياب البنت تماما كما هو ولد الولد،و أنّ بنت البنت محرّمة على الجدّ بلحاظ شمول كلمة البنت لها.[ثمّ ذكر رواية الإمام الباقر عليه السّلام المتقدّمة عن البحرانيّ](9:210)

2- قالَ أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً.

الإسراء:62

لاحظ:ح ن ك:«لاحتنكنّ».

3- وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً. الكهف:50

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّ للوضوء شيطانا يقال له:

الولهان،فاتّقوا وسواس الماء.

[و في رواية:]أنّ عثمان بن أبي العاص أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:يا رسول اللّه إنّ الشّيطان قد حال بيني و بين صلاتي و قراءتي يلبسها عليّ،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«ذاك شيطان يقال له:خنزب،فإذا أحسسته فتعوّذ باللّه منه،و اتفل عن يسارك ثلاثا» [قال:]ففعلت ذلك،فأذهبه اللّه عنّي.

(البغويّ 3:199)

و قد جاء بهذا المعنى روايات كثيرة،فلاحظ الطّبريّ(8:237)،و الثّعلبيّ(6:176)،و البغويّ (3:199)،و القرطبيّ(10:422).

ابن مسعود:إنّ الشّيطان ليتمثّل في صورة الرّجل،فيأتي القوم فيحدّثهم بالحديث من الكذب فيتفرّقون،فيقول الرّجل منهم:سمعت رجلا أعرف وجهه و لا أدري ما اسمه يحدّث.(القرطبيّ 10:422)

قتادة:هم يتوالدون كما تتوالد بنو آدم.

(الطّبريّ 8:238)

مثله الحسن.(الواحديّ 3:153)

ابن زيد:قال اللّه لإبليس:إنّي لا أذرأ لآدم ذرّيّة إلاّ ذرأت لك مثلها،فليس من ولد آدم أحد إلاّ له شيطان قد قرن به.(الطّبريّ 8:238)

الطّبريّ: أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ: يقول تعالى ذكره:أ فتوالون يا بني آدم من استكبر على أبيكم و حسده،و كفر نعمتي عليه،و غرّه حتّى أخرجه من الجنّة و نعيم عيشه فيها إلى الأرض،و ضيّق العيش فيها، و تطيعونه و ذرّيّته من دون اللّه مع عداوته لكم قديما و حديثا،و تتركون طاعة ربّكم الّذي أنعم عليكم و أكرمكم،بأن أسجد لوالدكم ملائكته،و أسكنه جنّاته،و آتاكم من فواضل نعمه ما لا يحصى عدده؟

و ذرّيّة إبليس:الشّياطين الّذين يغرّون بني آدم.(8:237)

الطّوسيّ:أي أنصارا توالونهم من دون اللّه.

(7:57)

ابن عطيّة:قوله: وَ ذُرِّيَّتَهُ: ظاهر اللّفظ يقتضي الموسوسين من الشّياطين الّذين يأمرون

ص: 634

بالمنكر،و يحملون على الأباطيل.[ثمّ ذكر أحاديث في مصاديق الذّرّيّة و قال:]

لم يمرّ بي في هذا صحيح.(3:522)

الفخر الرّازيّ:[بحث في أنّ إبليس من الملائكة أم لا؟و قال:]

و هذه المسألة قد أحكمناها في سورة البقرة.

و أصل ما يدلّ على أنّه ليس من الملائكة أنّه تعالى أثبت له ذرّيّة و نسلا في هذه الآية،و هو قوله:

أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي، و الملائكة ليس لهم ذرّيّة و لا نسل،فوجب أن لا يكون إبليس من الملائكة.(21:136)

القرطبيّ:اختلف هل لإبليس ذرّية من صلبه؟[إلى أن قال:]

قال قوم:ليس له أولاد و لا ذرّيّة،و ذرّيّته أعوانه من الشّياطين؛قال القشيريّ أبو نصر:

و الجملة أنّ اللّه تعالى أخبر أنّ لإبليس أتباعا و ذرّيّة،أنّهم يوسوسون إلى بني آدم و هم أعداؤهم،و لا يثبت عندنا كيفيّة في كيفيّة التّوالد منهم و حدوث الذّرّيّة عن إبليس،فيتوقّف الأمر فيه على نقل صحيح.

قلت:الّذي ثبت في هذا الباب من الصّحيح ما ذكره الحميديّ في الجمع بين الصّحيحين...عن سلمان،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:لا تكن أوّل من يدخل السّوق و لا آخر من يخرج منها،فيها باض الشّيطان و فرّخ.و هذا يدلّ على أنّ للشّيطان ذرّيّة من صلبه،و اللّه أعلم.(10:420)

البيضاويّ: وَ ذُرِّيَّتَهُ أولاده أو أتباعه و سمّاهم ذرّيّة مجازا.(2:16)

نحوه أبو السّعود(4:196)،و البروسويّ(5:

255)،و شبّر(4:83).

النّسفيّ:الهمزة للإنكار و التّعجيب،كأنّه قيل:أ عقيب ما وجد منه تتّخذونه و ذرّيّته أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي ؟ !(3:16)

نحوه النّيسابوريّ(15:141)،و الشّوكانيّ (3:368).

أبو حيّان:النّهي عن اتّخاذ ذرّيّته أولياء من دون اللّه تبعيدا عن المعاصي،و عن امتثال ما يوسوس به.(6:135)

السّمين: وَ ذُرِّيَّتَهُ، يجوز في«الواو»أن تكون عاطفة و هو الظّاهر،و أن تكون بمعنى«مع».

(4:464)

الشّربينيّ: أَ فَتَتَّخِذُونَهُ: الخطاب لآدم و ذرّيّته،و الهاء هنا و فيما سيأتي لإبليس، و الهمزة للإنكار و التّعجّب،أي يفسق باستحقاركم فنطرده لأجلكم،فيكون ذلك سببا لأن تتّخذوه وَ ذُرِّيَّتَهُ شركاء لي!(2:384)

الآلوسيّ: أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي الهمزة للإنكار و التّعجيب،و الفاء للتّعقيب، و المراد إمّا إنكار أن يعقب اتّخاذه و ذرّيّته أولياء العلم بصدور ما صدر عنه مع التّعجّب من ذلك، و إمّا تعقيب إنكار الاتّخاذ المذكور،و التّعجيب منه إعلام اللّه تعالى بقبح صنيع اللّعين،فتأمّل.

ص: 635

و الظّاهر أنّ المراد من الذّرّيّة الأولاد،فتكون الآية دالّة على أنّ له أولادا و بذلك قال جماعة.[ثمّ نقل أحاديث إلى أن قال:]

و قال بعضهم:لا ولد له،و المراد من الذّرّيّة الأتباع من الشّياطين،و عبّر عنهم بذلك مجازا، تشبيها لهم بالأولاد.و قيل:-و لعلّه الحقّ-إنّ له أولادا و أتباعا.و يجوز أن يراد من الذّرّيّة مجموعهما معا على التّغليب،أو الجمع بين الحقيقة و المجاز عند من يراه،أو عموم المجاز.

و قد جاء في بعض الأخبار:أنّ ممّن ينسب إليه بالولادة من آمن بنوح و إبراهيم و موسى و عيسى و نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم و هو هامة رضي اللّه تعالى عنه.و سبحان من يخرج الحيّ من الميّت،و لا يلزمنا أن نعلم كيفيّة ولادته،فكثير من الأشياء مجهول الكيفيّة عندنا و نقول به،فليكن من هذا القبيل إذا صحّ الخبر فيه.

و استدلّ نافي ملكيّته بظاهر الآية،حيث أفادت أنّه له ذرّيّة و الملائكة ليس لهم ذلك.

و لمدّعيها أن يقول:-بعد تسليم حمل الذّرّيّة على الأولاد-:إنّه بعد أن عصى مسخ و خرج عن الملكيّة فصار له أولاد.و لم تفد الآية أنّ له أولادا قبل العصيان،و الاستدلال بها لا يتمّ إلاّ بذلك.

(15:294)

المراغيّ:أي و بعد العلم بما صدر عنه من القبائح لا ينبغي لكم أن تتّخذوه و أولاده و أعوانه أولياء لكم من دوني؛تطيعونهم بدل طاعتي و هم لكم أعداء.(15:162)

مغنيّة:إنّنا نؤمن بوجود الجنّ،لأنّ الوحي يثبته،و العقل لا ينفيه،و إنّنا ندع التّفاصيل لعلاّم الغيوب، أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي القرآن ينطق بعضه ببعض،و يشهد بعضه على بعض،و قد عبّر عن الّذين يلبسون الحقّ بالباطل بأنّهم جنود إبليس و أولياؤه في العديد من الآيات.

و قال هنا عزّ من قائل: أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ؟ فجاز لنا-و هذه هي الحال-أن نفسّر ذرّيّة إبليس بجنوده و أعوانه،و أنّ ذرّيّة إبليس و جنوده و أولياءه هم الّذين يلتمسون الباطل بالكذب و الافتراء على الحقّ.و ليس ببعيد أن يكون التّعبير عن هؤلاء بذرّيّة إبليس للإشارة إلى قوّة الشّبه بين أعمالهم و أعماله.

و من الطّريف قول من قال:إنّ لإبليس ذكرا في فخذه الأيمن،و فرجا في فخذه الأيسر،فيدخل ذاك بهذا فيأتي النّسل و الذّرّيّة.(5:137)

4- وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ. العنكبوت:27

ابن عبّاس:نسله.(334)

الطّوسيّ:قيل:إنّما لم يذكر إسماعيل مع أنّه نبيّ معظّم،لأنّه قد دلّ عليه بقوله: وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ، فترك ذكر اسمه،لأنّه يكفي فيه الدّلالة عليه لشهرته و عظم شأنه،و ذكر ولد ولده في سياقه ذكر ولده،لأنّه يحسن إضافته

ص: 636

إليه،لأنّه الأب الأكبر له.(8:201)

نحوه الزّمخشريّ(3:204)،و الآلوسيّ(20:

152).

الواحديّ:إنّ اللّه لم يبعث نبيّا من بعد إبراهيم إلاّ من صلبه.(3:418)

نحوه البغويّ(3:555)،و الطّبرسيّ(4:

280)،و القرطبيّ(13:340)،و شبّر(5:58)، و المراغيّ(20:133).

الفخر الرّازيّ:في الآية لطيفة و هي أنّ اللّه بدّل جميع أحوال إبراهيم في الدّنيا بأضدادها لمّا أراد القوم تعذيبه بالنّار،و كان وحيدا فريدا،فبدّل وحدته بالكثرة حتّى ملأ الدّنيا من ذرّيّته.و لمّا كان أوّلا قومه و أقاربه القريبة ضالّين مضلّين من جملتهم آزر،بدّل اللّه أقاربه بأقارب مهتدين هادين، و هم ذرّيّته الّذين جعل اللّه فيهم النّبوّة و الكتاب.

(25:56)

النّسفيّ:أي في ذرّيّة إبراهيم،فإنّه شجرة الأنبياء.(3:255)

نحوه أبو حيّان.(7:149)

النّيسابوريّ:لعلّ السّرّ في عدم ذكر إسماعيل و التّصريح بذكره أنّ اللّه تعالى جعل الزّمان بعد إبراهيم قسمين:أحدهما:زمن إسحاق و يعقوب و ذراريّهما إلى زمان الفترة.و الآخر:من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إلى يوم قيام السّاعة و هو من ولد إسماعيل،فطيّ ذكر إسماعيل إشارة إلى تأخّر زمان دولته،و اللّه أعلم.(20:91)

ابن كثير:هذه خلعة سنيّة عظيمة-مع اتّخاذ اللّه إيّاه خليلا،و جعله للنّاس إماما-أن جعل في ذرّيّته النّبوّة و الكتاب،فلم يوجد نبيّ بعد إبراهيم عليه السّلام إلاّ و هو من سلالته،فجميع أنبياء بني إسرائيل من سلالة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم،حتّى كان آخرهم عيسى بن مريم،فقال في ملئهم مبشّرا بالنّبيّ العربيّ القرشيّ الهاشميّ،خاتم الرّسل على الإطلاق، و سيّد ولد آدم في الدّنيا و الآخرة،الّذي اصطفاه اللّه من صميم العرب العرباء من سلالة إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام،و لم يوجد نبيّ من سلالة إسماعيل سواه،عليه أفضل الصّلاة و السّلام.(5:320)

نحوه الشّربينيّ.(3:134)

الكاشانيّ: وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ: فكثّر منهم الأنبياء.[إلى أن قال:]

وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا بإعطاء الولد في غير أوانه،و الذّرّيّة الطّيّبة الّتي من جملتهم خاتم الأنبياء و سيّد المرسلين و أمير المؤمنين عليهما السّلام و عترتهما الطّيّبين و استمرار النّبوّة فيهم و انتماء الملل إليه.(4:115)

نحوه القاسميّ(13:4747)،و مغنيّة(6:104).

البروسويّ:في نسله،يعني بني إسماعيل و بني إسرائيل اَلنُّبُوَّةَ، فكثّر منهم الأنبياء،يقال:

أخرج من ذرّيّته ألف نبيّ،و كان شجرة الأنبياء.

(6:463)

الشّوكانيّ:رجوع الضّمير في قوله: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ إلى إبراهيم،و كذا في قوله:

ص: 637

وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ، و كذا في قوله: وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ فإنّ هذه الضّمائر كلّها لإبراهيم بلا خلاف،أي منّ اللّه عليه بالأولاد،فوهب له إسحاق ولدا له،و يعقوب ولدا لولده إسحاق، و جعل في ذرّيّته النّبوّة و الكتاب،فلم يبعث اللّه نبيّا بعد إبراهيم إلاّ من صلبه.(4:249)

عبد الكريم الخطيب:إشارة إلى حصر النّبوّة في ذرّيّة إبراهيم من بعده،بمعنى أنّ الأنبياء الّذين استقبلتهم الحياة من بعد إبراهيم كانوا جميعا من ذرّيّته.

أمّا الأنبياء الّذين سبقوه فكانوا من ذرّيّة نوح، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ الحديد:26،فمن ذرّيّة هذين النّبيّين الكريمين كان أنبياء اللّه جميعا.(10:426)

مكارم الشّيرازيّ:لم تكن النّبوّة في إسحاق ابن إبراهيم و يعقوب حفيده فحسب،بل استمرّ خطّ النّبوّة في ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام و أسرته حتّى نبوّة خاتم الأنبياء محمّد صلّى اللّه عليه و آله متعاقبين من ذرّيّة إبراهيم،نوّروا العالم بضياء التّوحيد.(12:339)

5- وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ. الصّافّات:77 النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:سام و حام و يافث.

(الطّبريّ 10:497)

ابن عبّاس:كان له ثلاثة بنين:سام و حام و يافث،فأمّا سام فهو أبو العرب و من في جزائرهم، و أمّا حام فهو أبو الحبش و البربر و السّند،و أمّا يافث فهو أبو سائر النّاس.(376)

نحوه قتادة(الطّوسيّ 8:506)،و الميبديّ(8:

277)،و الزّمخشريّ(3:343).

لم يبق إلاّ ذرّيّة نوح.(الطّبريّ 10:498)

نحوه الفخر الرّازيّ(26:145)،و البيضاويّ (2:294)،و الشّربينيّ(3:381).

ابن المسيّب:كان ولد نوح ثلاثة:سام و حام و يافث،فسام أبو العرب و فارس و روم،و حام أبو السّودان من المشرق إلى المغرب،و يافث أبو التّرك و يأجوج و مأجوج و ما هنالك.

(الثّعلبيّ 8:147)

قتادة:النّاس كلّهم من ذرّيّة نوح.

(الطّبريّ 10:498)

نحوه الزّجّاج(4:308)،و البغويّ(4:34)، و الطّبرسيّ(4:447)،و ابن الجوزيّ(7:65).

الإمام الصّادق عليه السّلام:عاش نوح بعد نزوله من السّفينة خمسين سنة،ثمّ أتاه جبرئيل عليه السّلام،فقال له:

يا نوح،قد انقضت نبوّتك،و استكملت أيّامك،فانظر الاسم الأكبر،و ميراث العلم،و آثار علم النّبوّة الّتي معك فادفعها إلى ابنك سام،فإنّي لا أترك الأرض إلاّ و فيها عالم تعرف به طاعتي،فيكون نجاة فيما بين قبض النّبيّ و مبعث النّبيّ الآخر،و لم أكن أترك النّاس بغير حجّة وداع إليّ،و هاد إلى سبيلي، و عارف بأمري،فإنّي قد قضيت أن أجعل لكلّ قوم

ص: 638

هاديا أهدي به السّعداء،و يكون حجّة على الأشقياء.

فدفع نوح عليه السّلام الاسم الأكبر،و ميراث العلم، و آثار علم النّبوّة إلى ابنه سام،و أمّا حام و يافث فلم يكن عندهما علم ينتفعان به.(8:214)

الطّبريّ:يقول:و جعلنا ذرّيّة نوح هم الّذين بقوا في الأرض بعد مهلك قومه،و ذلك أنّ النّاس كلّهم من بعد مهلك نوح إلى اليوم إنّما هم ذرّيّة نوح، فالعجم و العرب أولاد سام بن نوح،و التّرك و الصّقالبة و الخزر أولاد يافث بن نوح،و السّودان أولاد حام بن نوح،و بذلك جاءت الآثار.

(10:497)

القمّيّ:يقول:بالحقّ و النّبوّة و الكتاب و الإيمان في عقبه،و ليس كلّ من في الأرض من بني آدم من ولد نوح،قال اللّه في كتابه: اِحْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَ أَهْلَكَ إِلاّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ هود:40،و قال أيضا:

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ الإسراء:3.

(2:223)

ابن عطيّة:قال ابن عبّاس و قتادة:أهل الأرض كلّهم من ذرّيّة نوح.[إلى أن قال:]

و قالت فرقة:إنّ اللّه تعالى أبقى ذرّيّة نوح،و مدّ نسله و بارك في ضئضئه،و ليس الأمر بأنّ أهل الأرض انحصروا إلى نسله،بل في الأمم من لا يرجع إليه،و الأوّل أشهر عند علماء الأمّة،و قالوا:نوح هو آدم الأصغر.(4:477)

نحوه القرطبيّ(15:89)،و أبو حيّان(7:364).

أبو السّعود:أهلكنا الكفرة بموجب دعائه:

رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً نوح:26،و قد روي أنّه مات كلّ من كان معه في السّفينة غير أبنائه و أزواجهم،أو هم الّذين بقوا متناسلين إلى يوم القيامة.(5:330)

نحوه البروسويّ.(7:467)

الشّوكانيّ:ذرّيّته و ذرّيّة من معه دون ذرّيّة من كفر،فإنّ اللّه أغرقهم،فلم يبق لهم ذرّيّة.

(4:501)

الآلوسيّ:[نحو أبي السّعود،ثمّ نقل الرّوايات السّابقة،إلى أن قال:]و الأكثرون على أنّ النّاس كلّهم في مشارق الأرض و مغاربها من ذرّيّة نوح عليه السّلام،و لذا قيل له:آدم الثّاني.

و إن صحّ أنّ لكنعان المغرق ولدا في السّفينة لا يبعد إدراجه في الذّرّيّة،فلا يقتصر على الأولاد الثّلاثة.و على كون النّاس كلّهم من ذرّيّته عليه السّلام استدلّ بعضهم بالآية.

و قالت فرقة:أبقى اللّه تعالى ذرّيّة نوح عليه السّلام و مدّ في نسله،و ليس النّاس منحصرين في نسله،بل من الأمم من لا يرجع إليه،حكاه في البحر،و كأنّ هذه الفرقة لا تقول بعموم الغرق،و نوح عليه السّلام إنّما دعا على الكفّار و هو لم يرسل إلى أهل الأرض كافّة،فإنّ عموم البعثة ابتداء من خواصّ خاتم المرسلين صلّى اللّه عليه و سلّم و وصول خبر دعوته و هو في جزيرة العرب إلى جميع الأقطار كقطر الصّين و غيره،غير

ص: 639

معلوم.

و الحصر في الآية بالنّسبة إلى من في السّفينة ممّن عدا أولاده و أزواجهم،فكأنّه قيل: وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ لا ذرّيّة من معه في السّفينة، و هو لا يستلزم عدم بقاء ذرّيّة من لم يكن معه، و كان في بعض الأقطار الشّاسعة الّتي لم تصل إليها الدّعوة،و لم يستوجب أهلها الغرق،كأهل الصّين فيما يزعمون،و يجوز أن تكون قائلة بالعموم، و تجعل الحصر بالنّسبة إلى المغرقين،و تلتزم القول بأنّه لم يبق عقب لأحد من أهل السّفينة هو من ذرّيّة أحد من المغرقين،أي وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ لا ذرّيّة أحد غيره من المغرقين،و ولد كنعان-إن صحّ و صحّ بقاء نسله-داخل في ذرّيّته، و اللّه تعالى أعلم.(23:98)

نحوه المراغيّ(23:67)،و ابن عاشور(23:

47).

مكارم الشّيرازيّ:هل أنّ البشر الموجودين على الأرض هم من ذرّيّة نوح؟

فسّرت مجموعة من كبار المفسّرين الآية وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ بأنّ كلّ أجيال البشر الّتي أتت بعد نوح هي من ذرّيّته.

و قد نقل الكثير من المؤرّخين بقاء ثلاثة أولاد من ذرّيّة نوح،هم:سام و حام و يافث بعد الطّوفان، و كلّ القوميّات الموجودة اليوم على الكرة الأرضيّة تنتهي إليهم.

و قد أطلق على العرق العربيّ و الفارسيّ و الرّوميّ العرق السّاميّ،فيما عرف العرق التّركيّ و مجموعة أخرى بأنّهم من أولاد يافث،أمّا حام فإنّ ذرّيّته تنتشر في السّودان و السّند و الهند و النّوبة و الحبشة،كما أنّ الأقباط و البربر هم من ذرّيّته أيضا.

و البحث في هذه المسألة ليس المراد منه معرفة إلى أيّ من أولاد نوح ينتسب كلّ عرق،لأنّ المسألة بحدّ ذاتها هي مورد اختلاف بين الكثير من المؤرّخين و المفسّرين،و لكنّ المتوخّى من البحث هو:هل أنّ كلّ القوميّات البشريّة تعود في أصلها إلى أولاد نوح الثّلاثة؟

و هنا يطرح هذا السّؤال نفسه،و هو:ما ذا كان مصير المؤمنين الّذين ركبوا السّفينة مع نوح خلال الطّوفان؟و هل أنّهم جميعا ماتوا من دون أن يتركوا أيّ خلف لهم؟و إن كان لهم ذرّيّة،فهل كانوا بنات تزوّجن من أولاد نوح؟

إنّ هذه القضيّة لا تزال من وجهة نظر التّاريخ غامضة.على أيّة حال،فإنّ هناك أحاديث و آيات قرآنيّة تشير إلى وجود أقوام و أمم على الكرة الأرضيّة لا ينتهي أصلها إلى أولاد نوح.

منها ما ورد في تفسير عليّ بن إبراهيم عن الإمام الباقر عليه السّلام في توضيح الآية المذكورة أعلاه:

«الحقّ و النّبوّة و الكتاب و الإيمان في عقبه...».

و على هذا فإنّ انتهاء كلّ العروق الموجودة على الأرض إلى أبناء نوح أمر غير ثابت.

(14:310)

ص: 640

ذرّيّتهما

1- وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ. الصّافّات:113

لاحظ:ب ر ك:«باركنا».المعجم 5:369

2- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ. الحديد:26

ابن عبّاس:في نسلهما نسل نوح و إبراهيم.

(459)

نحوه القشيريّ.(6:113)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره:و لقد أرسلنا أيّها النّاس نوحا إلى خلقنا،و إبراهيم خليله إليهم رسلا.

وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ و كذلك كانت النّبوّة في ذرّيّتهما،و عليهم أنزلت الكتب:التّوراة،و الإنجيل،و الزّبور،و الفرقان، و سائر الكتب المعروفة.

فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ يقول:فمن ذرّيّتهما مهتد إلى الحقّ مستبصر، وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يعني من ذرّيّتهما فاسِقُونَ، يعني ضلاّل،خارجون عن طاعة اللّه إلى معصيته.(11:689)

نحوه الطّوسيّ(9:535)،و الميبديّ(9:500)، و الطّبرسيّ(5:242)،و القرطبيّ(17:262)، و البيضاويّ(2:457)،و النّسفيّ(4:229)، و أبو السّعود(6:209)،و شبّر(6:167)،و مغنيّة (7:257).

ابن عطيّة:ذكر تعالى رسالة نوح و إبراهيم تشريفا لهما بالذّكر،و لأنّهما من أوّل الرّسل.ثمّ ذكر تعالى نعمه على ذُرِّيَّتِهِمَا.

و قوله تعالى: وَ الْكِتابَ، يعني الكتب الأربعة،فإنّها جميعا في ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام.و ذكر أنّهم مع ذلك منهم من فسق و عند،فكذلك-بل أحرى-جميع النّاس،و لذلك يسّر السّلاح للقتال.

(5:269)

الفخر الرّازيّ:بيّن أنّه تعالى شرّف نوحا و إبراهيم عليهما السّلام بالرّسالة،ثمّ جعل في ذرّيّتهما النّبوّة و الكتاب،فما جاء بعدهما أحد بالنّبوّة إلاّ و كان من أولادهما،و إنّما قدّم النّبوّة على الكتاب، لأنّ كمال حال النّبيّ أن يصير صاحب الكتاب و الشّرع.(29:244)

أبو حيّان:لمّا ذكر تعالى إرسال الرّسل جملة، أفرد منهم في هذه الآية نوحا و إبراهيم،عليهما السّلام، تشريفا لهما بالذّكر،أمّا نوح فلأنّه أوّل الرّسل إلى من في الأرض،و أمّا إبراهيم فلأنّه انتسب إليه أكثر الأنبياء عليهم السّلام،و هو معظّم في كلّ الشّرائع.

ثمّ ذكر أشرف ما حصل لذرّيّتهما،و ذلك اَلنُّبُوَّةَ و هي الّتي بها هدي النّاس من الضّلال، وَ الْكِتابَ، و هي الكتب الأربعة:التّوراة و الزّبور و الإنجيل و القرآن،و هي جميعها في ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام،و إبراهيم من ذرّيّة نوح،فصدق أنّها في ذرّيّتهما.(8:227)

نحوه الشّربينيّ(4:214)،و البروسويّ(9:

ص: 641

381)،و الآلوسيّ(27:189)،و الشّوكانيّ(5:

219).

المراغيّ:أي و لقد بعثنا نوحا إلى طائفة من خلقنا،ثمّ بعثنا إبراهيم من بعده لقوم آخرين، و لم نرسل بعدهما رسلا بشرائع إلاّ من ذرّيّتهما.

ثمّ بيّن أنّ هذه الذّرّيّة افترقت فرقتين،فقال:

فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ أي فمن ذرّيّتهما مهتد إلى الحقّ مستبصر،و كثير منهم ضلاّل خارجون عن طاعة اللّه،ذاهبون إلى طاعة الشّيطان،مدسّون أنفسهم باجتراح الآثام.

و في الآية إيماء إلى أنّهم خرجوا عن الطّريق المستقيم بعد أن تمكّنوا من الوصول إليه،و بعد أن عرفوه حقّ المعرفة،و هذا أبلغ في الذّمّ و أشدّ في الاستهجان لعملهم.(27:184)

نحوه ابن عاشور(27:377)،و عبد الكريم الخطيب(14:791).

عزّة دروزة:جملة: وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ بالنّسبة إلى نوح و إبراهيم عليهما السّلام قد تفيد أنّ اللّه عزّ و جلّ اختصّ ذرّيّتهما بذلك،و إذا صحّ هذا يكون ذلك لأوّل مرّة في القرآن،لأنّه لم يسبق مثله.

و ممّا يرد على البال أنّ ممّا استهدفه توكيد دخول جميع الأنبياء و الرّسل في مشمول ذُرِّيَّتِهِمَا، فيدخل في ذلك الأنبياء الّذين لم يعرف أنّهم من نسل إبراهيم،مثل:هود و صالح و شعيب و لوط و إدريس و غيرهم ممّن لم يرد ذكرهم في القرآن،و إنّما أشير إليهم إشارة عامّة في جملة وَ رُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ في الآية:164،من سورة النّساء،و في الآية:78،من سورة المؤمن الّتي احتوت جملة قريبة.

و لعلّ ممّا استهدف بهذا التّوكيد الرّدّ على بني إسرائيل الّذين كانوا يدّعون أنّ جميع الأنبياء من جنسهم،و يزهون و يتبجّحون بذلك على ما شرحناه في سياق آيات سورة الجمعة و غيرها، و على ما حكته روايات عديدة أوردناها في سياق ذلك،و اللّه أعلم.(12:60)

الطّباطبائيّ:ذكر أنّه أرسل نوحا و إبراهيم عليهما السّلام،و جعل في ذرّيّتهما النّبوّة و الكتاب،و أتبعهم بالرّسول بعد الرّسول،فاستمرّ الأمر في كلّ من الأمم على إيمان بعضهم و اهتدائه وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ .(19:171)

مكارم الشّيرازيّ:يبدأ بشيوخ الأنبياء و بداية سلسلة رسل الحقّ:نوح و إبراهيم عليهما السّلام، حيث يقول سبحانه: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ.

و ممّا يؤسف له أنّ الكثيرين لم يستفيدوا من هذا الميراث العظيم،و النّعم الإلهيّة الفيّاضة،و الهبات و الألطاف العميمة،حيث يقول عزّ و جلّ: فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ.

نعم،لقد بدأت النّبوّة بنوح عليه السّلام مقرونا بالشّريعة و المبدإ،و من ثمّ إبراهيم عليه السّلام من أنبياء

ص: 642

أولي العزم في امتداد خطّ الرّسالة،و هكذا حلقات متواصلة على مرّ العصور و القرون،فإنّ القادة الإلهيّين من ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام يتصدّون للقيام بمسئوليّة الرّسالة،إلاّ أنّ المستفيد من هذا النّور الإلهيّ العظيم هم القلّة أيضا،في حين أنّ الغالبيّة سلكت طريق الانحراف.(18:75)

ذرّيّتهم

1- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ. الأعراف:172

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أخذ اللّه الميثاق من ظهر آدم بنعمان، يعني عرفة،فأخرج من صلبه كلّ ذرّيّة ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّرّ،ثمّ كلّمهم قبلا،فقال:

أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا... إلى بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ. (الطّبريّ 6:110)

نحوه ابن عبّاس.(الطّبريّ 6:110)

[و في رواية:]أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرّأس،فقال لهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى، قالت الملائكة: شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ. (الطّبريّ 6:112)

أبيّ بن كعب:جمعهم يومئذ جميعا ما هو كائن إلى يوم القيامة،ثمّ استنطقهم،و أخذ عليهم الميثاق...[إلى أن قال:]

كان في علمه يوم أقرّوا به من يصدّق و من يكذّب.(الطّبريّ 6:114)

ابن عبّاس:يقول ذرّيّتهم من ظهورهم،مقدّم و مؤخّر.(141)

[و في رواية:]قال:أوّل ما أهبط اللّه آدم،أهبطه بدجنى،أرض بالهند،فمسح اللّه ظهره،فأخرج منه كلّ نسمة هو بارئها إلى أن تقوم السّاعة،ثمّ أخذ عليهم الميثاق: وَ أَشْهَدَهُمْ... .(الطّبريّ 6:110)

لمّا خلق اللّه آدم،أخذ ذرّيّته من ظهره مثل الذّرّ،فقبض قبضتين،فقال لأصحاب اليمين:

ادخلوا الجنّة بسلام،و قال للآخرين:ادخلوا النّار و لا أبالي.(الطّبريّ 6:111)

إنّ اللّه خلق آدم،ثمّ أخرج ذرّيّته من صلبه مثل الذّرّ،فقال لهم:من ربّكم؟

قالوا:اللّه ربّنا،ثمّ أعادهم في صلبه،حتّى يولد كلّ من أخذ ميثاقه،لا يزاد فيهم و لا ينقص منهم إلى أن تقوم السّاعة.(الطّبريّ 6:113)

[و نقل أحاديث كثيرة بتفاوت فلاحظ الطّبريّ 6:110-116]

سعيد بن جبير:أخرج ذرّيّته من ظهره كهيئة الذّرّ،فعرضهم على آدم بأسمائهم و أسماء آبائهم و آجالهم...(الطّبريّ 6:115)

مجاهد:إنّ اللّه لمّا أخرجهم قال:يا عباد اللّه أجيبوا اللّه-و الإجابة:الطّاعة-فقالوا:أطعنا، اللّهمّ أطعنا،اللّهمّ أطعنا،اللّهمّ لبّيك،فأعطاها إبراهيم عليه السّلام في المناسك:لبّيك اللّهمّ لبّيك.

[و]ضرب متن آدم حين خلقه.(الطّبريّ 6:114)

ص: 643

الضّحّاك:حيث ذرأ اللّه خلقه لآدم،قال:

خلقهم و أشهدهم على أنفسهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى. (الطّبريّ 6:115)

الإمام الباقر عليه السّلام:حدّثني أبي:أنّ اللّه عزّ و جلّ قبض قبضة من تراب التّربة الّتي خلق منها آدم عليه السّلام،فصبّ عليها الماء العذب الفرات،ثمّ تركها أربعين صباحا،ثمّ صبّ عليها الماء المالح الأجاج، فتركها أربعين صباحا،فلمّا اختمرت الطّينة أخذها فعركها عركا شديدا،فخرجوا كالذّرّ من يمينه و شماله،و أمرهم جميعا أن يقعوا في النّار، فدخل أصحاب اليمين فصارت عليهم بردا و سلاما،و أبى أصحاب الشّمال أن يدخلوها.

(البحرانيّ 4:217)

أخرج من ظهر آدم ذرّيّته إلى يوم القيامة، فخرجوا كالذّرّ،فعرفهم و أراهم نفسه،و لو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه.(البحرانيّ 4:218)

عطاء:أخرجهم من ظهر آدم حتّى أخذ عليهم الميثاق،ثمّ ردّهم في صلبه.(الطّبريّ 6:115)

ابن كعب القرظيّ:أقرّت الأرواح قبل أن تخلق أجسادها.(الطّبريّ 6:116)

السّدّيّ:أخرج اللّه آدم من الجنّة،و لم يهبط من السّماء،ثمّ مسح صفحة ظهره اليمنى،فأخرج منه ذرّيّته كهيئة الذّرّ«أبيض»مثل اللّؤلؤ،فقال لهم:

ادخلوا الجنّة برحمتي،و مسح صفحة ظهره اليسرى، فأخرج منه كهيئة الذّرّ،«أسود»،فقال:ادخلوا النّار و لا أبالي،فذلك حين يقول:أصحاب اليمين و أصحاب الشّمال،ثمّ أخذ منهم الميثاق،فقال:

أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى، فأطاعه طائفة طائعين، و طائفة كارهين على وجه التّقيّة.(273)

نحوه مقاتل.(البغويّ 2:246)

الكلبيّ:مسح اللّه على صلب آدم،فأخرج من صلبه من ذرّيّته ما يكون إلى يوم القيامة،و أخذ ميثاقهم أنّه ربّهم،فأعطوه ذلك،و لا يسأل أحد كافر و لا غيره:من ربّك؟إلاّ قال:اللّه.

مثله الحسن.(الطّبريّ 6:116)

الإمام الصّادق عليه السّلام:أخذ اللّه الحجّة على جميع خلقه يوم الميثاق هكذا،و قبض يده.

[و في رواية:]«كيف أجابوه و هم ذرّ؟قال:

جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه،يعني في الميثاق».

(العيّاشيّ 2:170)

الطّبريّ:يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:

و اذكر يا محمّد ربّك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم،فقرّرهم بتوحيده،و أشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك،و إقرارهم به.

(6:110)

النّحّاس:أحسن ما قيل في هذا ما تواترت به الأخبار عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّ اللّه جلّ و عزّ مسح ظهر آدم فأخرج منه ذرّيّته أمثال الذّرّ،فأخذ عليهم الميثاق فكأنّه يفهمهم ما أراد جلّ و عزّ كما قال تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ النّمل:18.

و في الحديث:«كلّ مولود يولد على الفطرة»،

ص: 644

أي على ابتداء أمره حين أخذ عليهم العهد.

(3:101)

أبو زرعة:قرأ نافع و ابن عامر و أبو عمرو (من ظهورهم ذرّيّاتهم)بالألف و كسر التّاء و حجّتهم أنّ الذّرّيّات الأعقاب المتناسلة،و أنّها إذا كانت كذلك كانت أكثر من الذّرّيّة.

و احتجّ أبو عمرو في ذلك عند قوله: هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ الفرقان:74،أنّ الذّرّيّة ما كان في حجورهم،و أنّ الذّرّيّات ما تناسل بعدهم،و أحال أن تكون(ذريات)بعد قوله قُرَّةَ أَعْيُنٍ و قال:لأنّ الإنسان لا تقرّ عينه بما كان بعده.

و قرأ أهل مكّة و الكوفة(ذرّيّتهم)و حجّتهم أنّ الذّرّيّة لما في الحجور و ما يتناسل بعد،و الدّلالة على ذلك قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مريم:58، فلا شيء أكثر من ذرّيّة آدم/و الّذين لم يرهم آدم من ذرّيّته أكثر من الّذين رآهم.و قد أجمعوا هنا على ذرّيّة بلا خلاف بين الأمّة،فكان ردّ ما اختلفوا إلى ما أجمعوا عليه أولى بالصّواب،و قوله عقيب ذلك: وَ كُنّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ الأعراف:173، بلفظ واحد أدلّ دليل على صحة التّوحيد،إذ كانوا هم الّذين أخبر عنهم،و قد أجمعوا على التّوحيد.

(301)

عبد الجبّار:و ربّما قيل في قوله تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ...، و في الخبر أنّ جميع بني آدم أخذ عليهم المواثيق من ظهر آدم صلّى اللّه عليه و سلّم:كيف يصحّ ذلك.

و جوابنا:أنّ القوم مخطئون في الرّواية،فمن المحال أن يأخذ عليهم المواثيق و هم كالذّرّ لا حياة لهم و لا عقل.فالمراد أنّه أخذ الميثاق من العقلاء بأن أودع في عقلهم ما ألزمهم،إذ فائدة الميثاق أن يكون منبّها،و أن يذكّر المرء بالدّنيا و الآخرة،و ذلك لا يصحّ إلاّ في العقلاء،و ظاهر الآية بخلاف قولهم، لأنّه تعالى أخذ من ظهور بني آدم لا من آدم،و المراد أنّه أخرج من ظهورهم ذرّيّة أكمل عقولهم،فأخذ الميثاق عليهم و أشهدهم على أنفسهم بما أودعه عقلهم.(153)

الثّعلبيّ:قال المفسّرون:لمّا خلق اللّه عزّ و جلّ آدم مسح ظهره و أخرج منه ذرّيّته كلّهم، و هي الذّرّيّة.و اختلفوا في موضع الميثاق.[ثمّ ذكر الرّوايات و اختلاف القراءات](4:303)

الماورديّ:اختلف في الّذين أخرجهم و أخذ ذلك عليهم على قولين:

أحدهما:أنّه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد،و جعل فيها من المعرفة ما علمت به من خاطبها.

و اختلف من قال بهذا،هل كان ذلك قبل نزوله إلى الأرض على قولين:

أحدهما:أنّه كان في الجنّة قبل هبوطه إلى الأرض.

و الثّاني:أنّه فعل ذلك بعد هبوطه إليها.

و القول الثّاني:في الأصل أنّه خلق الأرواح

ص: 645

و الأجساد معا،و ذلك في الأرض عند جميع من قال بهذا التّأويل.فعلى هذا فيه قولان:

أحدهما:أنّه أخرجهم كالذّرّ و ألهمهم هذا فقالوه؛قال الكلبيّ و مقاتل...[ثمّ نقل قولهما]

و الثّاني:أنّه أخرج الذّرّيّة قرنا بعد قرن و عصرا بعد عصر.(2:277)

الطّوسيّ:قرأ ابن كثير و أهل الكوفة ذُرِّيَّتَهُمْ على التّوحيد.الباقون(ذرّيّاتهم) على الجمع...

و الذّرّيّة قد يكون جمعا نحو قوله تعالى وَ كُنّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ الأعراف:173،و قوله تعالى:

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ الإسراء:3،و قد يكون واحدا كقوله: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ...

فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ ... أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى آل عمران:

38،39،فهو مثل قوله: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي مريم:5،6،فقال اللّه: يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى مريم:7.

فمن أفرد جعله اسما و استغنى عن جمعه بوقوعه على الجمع.

و من جمع قال:لأنّه إن كان واقعا على الواحد فلا شكّ في جواز جمعه،و إن كان جمعا فجمعه أيضا حسن،لأنّه قد وردت الجموع المكسّرة،و قد جمعت نحو:الطّرقات و صواحبات يوسف.

و حجّة من أفرد قال:لا يقع على الواحد و الجميع،فأمّا وزن«ذرّيّة»فإنّه يجوز أن تكون (فعلولة)من الذّرّ،فأبدلت من الرّاء-الّتي هي لام الفعل-الأخيرة ياء كما أبدلت من دهريّة،يدلّك على البدل فيه قولهم:دهرورة.و يحتمل أن تكون «فعليّة»منه فأبدلت من الرّاء الياء،كما تبدل من هذه الحروف في التّضعيف و إن وقع فيها الفصل.

و يحتمل أن تكون«فعليّة»نسبة إلى الذّرّ، و أبدلت الفتحة منها ضمّة،كما أبدلوا في الإضافة إلى الدّهر دهريّ و إلى سهل سهليّ.

و يجوز أن تكون«فعليّة»من ذرأ اللّه الخلق، أجمعوا على تخفيفها كما أجمعوا على تخفيف البرّيّة.

و يجوز أن تكون من قوله: تَذْرُوهُ الرِّياحُ الكهف:45،أبدلت من الواو الياء لوقوع ياء قبلها.

(5:31)

الزّمخشريّ:معنى أخذ ذرّيّاتهم من ظهورهم:إخراجهم من أصلابهم نسلا و إشهادهم على أنفسهم.و قوله: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا من باب التّمثيل و التّخييل،و معنى ذلك أنّه نصب لهم الأدلّة على ربوبيّته و وحدانيّته، و شهدت بها عقولهم و بصائرهم الّتي ركّبها فيهم، و جعلها مميّزة بين الضّلالة و الهدى،فكأنّه أشهدهم على أنفسهم و قرّرهم.[إلى أن قال:]

فإن قلت:بنو آدم و ذرّيّاتهم من هم؟

قلت:عنى ببني آدم أسلاف اليهود الّذين أشركوا باللّه،حيث قالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ التّوبة:

30،و بذرّيّاتهم الّذين كانوا في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من أخلافهم المقتدين بآبائهم.و الدّليل على أنّها في المشركين و أولادهم قوله: أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ

ص: 646

آباؤُنا مِنْ قَبْلُ الأعراف:173.و الدّليل على أنّها في اليهود الآيات الّتي عطفت عليها هي،و الّتي عطفت عليها و هي على نمطها و أسلوبها.(2:129)

نحوه المراغيّ.(9:103)

ابن عطيّة:قوله: مِنْ ظُهُورِهِمْ، قال النّحاة:هو بدل اشتمال من قوله: مِنْ بَنِي آدَمَ.

و ألفاظ هذه الآية تقتضي أنّ الأخذ إنّما كان من بني آدم من ظهورهم،و ليس لآدم في الآية ذكر بحسب اللّفظة.و تواترت الأحاديث في تفسير هذه الآية عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من طريق عمر بن الخطّاب و عبد اللّه بن عبّاس و غيرهما أنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا خلق آدم،-و في بعض الرّوايات لمّا أهبط آدم إلى الأرض في دهناء من أرض السّند،قاله ابن عبّاس، و في بعضها أنّ ذلك بنعمان،و هي عرفة و ما يليها، قاله أيضا ابن عبّاس و غيره:-مسح على ظهره، و في بعض الرّوايات بيمينه،و في بعض الرّوايات ضرب منكبه فاستخرج منها،أي من المسحة أو الضّربة نسم بنيه،ففي بعض الرّوايات كالذّرّ،و في بعضها كالخردل.و قال محمّد بن كعب:إنّها الأرواح جعلت لها مثالات.و روى عبد اللّه بن عمر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس،و جعل اللّه لهم عقولا كنملة سليمان،و أخذ عليهم العهد بأنّه ربّهم،و أن لا إله غيره،فأقرّوا بذلك و التزموه،و أعلمهم أنّه سيبعث الرّسل إليهم مذكّرة و داعية،فشهد بعضهم على بعض.قال أبيّ بن كعب:و أشهد عليهم السّماوات السّبع،فليس من أحد يولد إلى يوم القيامة إلاّ و قد أخذ عليه العهد في ذلك اليوم و المقام.و قال السّدّيّ:أعطى الكفّار العهد يومئذ كارهين على وجه التّقيّة.

هذه نخيلة مجموع الرّوايات المطوّلة،و كأنّ ألفاظ هذه الأحاديث لا تلتئم مع ألفاظ الآية،و قد أكثر النّاس في روم الجمع بينهما؛فقال قوم:إنّ الآية مشيرة إلى هذا التّناسل الّذي في الدّنيا،و أَخَذَ بمعنى أوجد على المعهود،و أنّ الإشهاد هو عند بلوغ المكلّف،و هو قد أعطي الفهم و نصبت له هذه الصّنعة الدّالّة على الصّانع.و نحا إلى هذا المعنى الزّجّاج،و هو معنى تحتمله الألفاظ،لكن يرد عليه تفسير عمر بن الخطّاب و ابن عبّاس الآية بالحديث المذكور و روايتهما ذلك عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و طوّل الجرجانيّ في هذه المسألة،و مدار كلامه على أنّ المسح و إخراج الذّرّيّة من ظهر آدم حسب الحديث.و قيل في الآية:أخذ من ظهورهم،إذ الإخراج من ظهر آدم الّذي هو الأصل إخراج من ظهور بنيه الّذين هم الفرع،إذ الفرع و الأصل شيء واحد،إلى كلام كثير لا يثبت للنّقد.

و قال غيره:إنّ جميع ما في الحديث«من مسح بيمينه»و«ضرب منكبه»و نحو هذا إنّما هي عبارة عن إيجاد ذلك النّسم منه،و«اليمين»عبارة عن القدرة أو يكون الماسح ملكا بأمر اللّه عزّ و جلّ، فتضمّن الحديث صدر القصّة و إيجاد النّسم من آدم، و هذه زيادة على ما في الآية.ثمّ تضمّنت الآية ما

ص: 647

جرى بعد هذا من أخذ العهد و النّسم حضور موجودون هي تحتمل معنيين:

أحدهما:أن يكون أخذ عاملا في عهد أو ميثاق تقدّره بعد قوله:(ذرّيّاتهم)و يكون قوله: مِنْ ظُهُورِهِمْ لبيان جنس البنوّة،إذ المراد من الجميع التّناسل،و يشركه في لفظة بَنِي آدَمَ بنوه لصلبه و بنوه بالحنان و الشّفقة،و يكون قوله: ذُرِّيَّتَهُمْ بدلا من بَنِي آدَمَ.

و المعنى الآخر:أنّه لمّا كانت كلّ نسمة هنالك لها نسبة إلى الّتي هي من ظهرها،كأنّ تعيين تلك النّسبة أخذ من الظّهر،إذ استخرج (1)منه فهي المستأنف،فالمعنى و إذ عيّنوا بهذه النّسبة و عرفوا بها،فذلك أخذ ما.و أَخَذَ على هذا عامل في ذُرِّيَّتَهُمْ، و ليس بمعنى مسح و أوجد،بل قد تقدّم إيجادهم كما تقدّم الحديث المذكور،فالحديث يزيد معنى على الآية و هو ذكر آدم و أوّل إيجاد النّسم كيف كان.

و قال الطّرطوشيّ:إنّ هذا العهد يلزم البشر، و إن كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة،كما يلزم الطّلاق من شهد عليه به و هو قد نسيه،إلى غير هذا ممّا ليس بتفسير و لا من طريقه.[ثمّ أدام الكلام بنقل القراءات و الرّوايات](2:475)

الطّبرسيّ:[نحو الطّوسيّ،ثمّ قال:]

اختلف العلماء من العامّ و الخاصّ في معنى هذه الآية و في هذا الإخراج و الإشهاد على وجوه:

أحدها:أنّ اللّه تعالى أخرج ذرّيّة آدم من صلبه كهيئة الذّرّ،فعرضهم على آدم،و قال:إنّي آخذ على ذرّيّتك ميثاقهم أن يعبدوني و لا يشركوا بي شيئا و عليّ أرزاقهم...

و قيل:إنّ اللّه تعالى جعلهم فهماء عقلاء يسمعون خطابه و يفهمونه،ثمّ ردّهم إلى صلب آدم و النّاس محبوسون بأجمعهم،حتّى يخرج كلّ من أخرجه اللّه في ذلك الوقت،و كلّ من ثبت على الإسلام فهو على الفطرة الأولى،و من كفر و جحد فقد تغيّر عن الفطرة الأولى عن جماعة من المفسّرين، و رووا في ذلك آثارا بعضها مرفوعة و بعضها موقوفة،يجعلونها تأويلا للآية.

و ردّ المحقّقون هذا التّأويل،و قالوا:إنّه ممّا يشهد ظاهر القرآن بخلافه،لأنّه تعالى قال وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ و لم يقل:من آدم.و قال: مِنْ ظُهُورِهِمْ، و لم يقل:من ظهره.و قال: ذُرِّيَّتَهُمْ، و لم يقل:ذرّيّته.[إلى أن قال:]

و حكي عن عليّ بن عيسى عن أبي بكر بن الإخشيد أنّه جوّز أن يكون خبر الذّرّ صحيحا،غير أنّه قال:ليس تأويل الآية على ذلك،و يكون فائدته أنّه إنّما فعل ذلك ليجروا على الأعراق الكريمة في شكر النّعمة و الإقرار للّه تعالى بالرّبوبيّة، كما روي أنّهم ولدوا على الفطرة.

و حكى أبو الهذيل في كتاب الحجّة أنّ الحسن البصريّ و أصحابه كانوا يذهبون إلى أنّ نعيم!!

ص: 648


1- في الأصل:إذ فتخرج!!

الأطفال في الجنّة ثواب عن الإيمان في الذّرّ.

و ثانيها:أنّ المراد بالآية أنّ اللّه سبحانه أخرج بني آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام أمّهاتهم،ثمّ رقّاهم درجة بعد درجة و علقة ثمّ مضغة،ثمّ أنشأ كلاّ منهم بشرا سويّا ثمّ حيّا مكلّفا،و أراهم آثار صنعه،و مكّنهم من معرفة دلائله حتّى كأنّه أشهدهم و قال لهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى.

[إلى أن قال:]

و ثالثها:أنّه تعالى إنّما عنى بذلك جماعة من ذرّيّة آدم خلقهم،و أكمل عقولهم،و قرّرهم على ألسن رسله عليهم السّلام بمعرفته و بما يجب من طاعته،فأقرّوا بذلك.(2:497)

نحوه أبو الفتوح.(9:5)

الفخر الرّازيّ:في الآية مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّه تعالى لمّا شرح قصّة موسى عليه السّلام مع توابعها على أقصى الوجوه،ذكر في هذه الآية ما يجري مجرى تقرير الحجّة على جميع المكلّفين.

و في تفسير هذه الآية قولان:

الأوّل:و هو مذهب المفسّرين و أهل الأثر.

[و هي أنّه أخرجهم من ظهر آدم كهيئة الذّرّ،ثمّ نقل بعض الرّوايات و قال:]

و هذا القول قد ذهب إليه كثير من قدماء المفسّرين كسعيد بن المسيّب،و سعيد بن جبير، و الضّحّاك،و عكرمة،و الكلبيّ...

أمّا المعتزلة فقد أطبقوا على أنّه لا يجوز تفسير هذه الآية بهذا الوجه،و احتجّوا على فساد هذا القول بوجوه:[و ذكر اثنتي عشرة حجّة،ثمّ قال:]

و القول الثّاني:في تفسير هذه الآية قول أصحاب النّظر و أرباب المعقولات:إنّه تعالى أخرج الذّرّيّة و هم الأولاد من أصلاب آبائهم،و ذلك الإخراج أنّهم كانوا نطفة فأخرجها اللّه تعالى في أرحام الأمّهات،و جعلها علقة،ثمّ مضغة،ثمّ جعلهم بشرا سويّا،و خلقا كاملا،ثمّ أشهدهم على أنفسهم بما ركّب فيهم من دلائل وحدانيّته،و عجائب خلقه، و غرائب صنعه.فبالإشهاد صاروا كأنّهم قالوا:

بلى،و إن لم يكن هناك قول باللّسان.و لذلك نظائر، منها قوله تعالى: فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فصّلت:11 و منها قوله تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ النّحل:40،فهذا هو الكلام في تقرير هذين القولين،و هذا القول الثّاني لا طعن فيه البتّة، و بتقدير أن يصحّ هذا القول لم يكن ذلك منافيا لصحّة القول الأوّل،إنّما الكلام في أنّ القول الأوّل هل يصحّ أم لا؟

فإن قال قائل:فما المختار عندكم فيه؟

قلنا:هاهنا مقامان:

أحدهما:أنّه هل يصحّ القول بأخذ الميثاق عن الذّرّ؟

و الثّاني:أنّ بتقدير أن يصحّ القول به،فهل يمكن جعله تفسيرا لألفاظ هذه الآية؟

أمّا المقام الأوّل:فالمنكرون له قد تمسّكوا

ص: 649

بالدّلائل العقليّة الّتي ذكرناها و قرّرناها،و يمكن الجواب عن كلّ واحد منها بوجه مقنع.[ثمّ أجاب عن كلّ تلك الوجوه بوجه مقنع و ذكر سائر المسائل،فلاحظ](15:46-52)

نحوه القرطبيّ(7:314)،و النّيسابوريّ(9:

81)،و الخازن(2:253).

البيضاويّ:أي أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن،و مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بَنِي آدَمَ بدل البعض.(1:376)

نحوه النّسفيّ(2:84)،و البروسويّ(3:

273)،و القاسميّ(7:2896).

أبو حيّان:روي في الحديث من طرق:أخذ من ظهر آدم ذرّيّته،و أخذ عليهم العهد بأنّه ربّهم و أن لا إله غيره،فأقرّوا بذلك و التزموه.

و اختلفوا في كيفيّة الإخراج و هيئة المخرج و المكان و الزّمان،و تقرير هذه الأشياء محلّها ذلك الحديث و الكلام عليه.و ظاهر هذه الآية ينافي ظاهر ذلك الحديث،و لا تلتئم ألفاظه مع لفظ الآية.

و قد رام الجمع بين الآية و الحديث جماعة بما هو متكلّف في التّأويل،و أحسن ما تكلّم به على هذه الآية ما فسّره به الزّمخشريّ،قال:من باب التّمثيل و التّخييل...[ثمّ ذكر ما تقدّم عن الزّمخشريّ و ابن عطيّة،فلاحظ](4:421)

ابن كثير:يخبر تعالى أنّه استخرج ذرّيّة بني آدم من أصلابهم،شاهدين على أنفسهم أنّ اللّه ربّهم و مليكهم،و أنّه لا إله إلاّ هو،كما أنّه تعالى فطرهم على ذلك و جبلهم عليه؛قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ الرّوم:30.[ثمّ نقل الرّوايات]

(3:245)

أبو السّعود:أي و اذكر لهم«وقت»أخذ ربّك مِنْ بَنِي آدَمَ، المراد بهم الّذين ولدهم كائنا من كان نسلا بعد نسل،سوى من لم يولد له بسبب من الأسباب كالعقم و عدم التّزوّج و الموت صغيرا.

و إيثار«الأخذ»على«الإخراج»للإيذان بالاعتناء بشأن المأخوذ،لما فيه من الإنباء عن الاجتناء و الاصطفاء هو السّبب في إسناده إلى اسم الرّبّ بطريق الالتفات،مع ما فيه من التّمهيد للاستفهام الآتي،و إضافته إلى ضميره للتّشريف، و قوله تعالى: مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بَنِي آدَمَ بدل البعض بتكرير الجارّ،كما في قوله تعالى:

لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ الأعراف:75.

و(من)،في الموضعين ابتدائيّة و فيه مزيد تقرير لابتنائه على البيان بعد الإبهام،و التّفصيل غبّ الإجمال،و تنبيه على أنّ الميثاق قد أخذ منهم و هم في أصلاب الآباء،و لم يستودعوا في أرحام الأمّهات.

و قوله تعالى: ذُرِّيَّتَهُمْ مفعول أَخَذَ أخّر عن المفعول بواسطة الجارّ،لاشتماله على ضمير راجع إليه،و لمراعاة أصالته و منشئيّته،و لما مرّ مرارا من التّشويق إلى المؤخّر.و قرئ(ذرّيّاتهم)،و المراد بهم أولادهم على العموم،فيندرج فيهم اليهود المعاصرون لرسول اللّه اندراجا أوّليّا كما اندرج

ص: 650

أسلافهم في بني آدم كذلك،و تخصيصهما باليهود سلفا و خلفا،مع أنّ ما أريد بيانه من بديع صنع اللّه تعالى عزّ و جلّ شامل للكلّ كافّة،مخلّ بفخامة التّنزيل و جزالة التّمثيل.(3:49)

الكاشانيّ:قرئ(ذرّيّاتهم):أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن، يعني نثر حقائقهم بين يدي علمه،فاستنطق الحقائق بأسنّة قابليّات جواهرها،و ألسن استعدادات ذواتها...(2:250)

الشّوكانيّ:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:المعنى أنّ اللّه سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد،و أنّه جعل فيها من المعرفة ما فهمت به خطابه سبحانه،و قيل:المراد ب بَنِي آدَمَ هنا:

آدم نفسه كما وقع في غير هذا الموضع.و المعنى أنّ اللّه سبحانه لمّا خلق آدم مسح ظهره،فاستخرج منه ذرّيّته و أخذ عليهم العهد،و هؤلاء هم عالم الذّرّ،و هذا هو الحقّ الّذي لا ينبغي العدول عنه و لا المصير إلى غيره،لثبوته مرفوعا إلى النّبيّ عليه السّلام و موقوفا على غيره من الصّحابة،و لا ملجئ للمصير إلى المجاز،و إذا جاء نهر اللّه بطل نهر معقل...(2:329)

الآلوسيّ:[نحو الزّمخشريّ إلى أن قال:]

قوله تعالى: ذُرِّيَّتَهُمْ مفعول أَخَذَ، أخّر عن المفعول بواسطة الجارّ،لاشتماله على ضمير راجع إليه،فيلزم بالتّقديم رجوع الضّمير إلى متأخّر لفظا و رتبة،و هو لا يجوز إلاّ في مواضع ليس هذا منها،و لمراعاة أصالته و منشئيّته،و لما مرّ غير مرّة من التّشويق إلى المؤخّر.

و قرأ نافع و أبو عمرو و ابن عامر و يعقوب:

(ذرّيّاتهم)،و المراد أولادهم على العموم،و من خصّ بني آدم بأسلاف اليهود على ما مرّ خصّ هذا بأخلافهم،و فيه ما فيه و الاشكال المشهور، و هو أنّ كلّ النّاس يصدق عليه بنو آدم و ذرّيّته فيتّحد المخرج و المخرج منه،مدفوع بظهور أنّ المراد إخراج الفروع من الأصول حسب ترتّب الولادة، و لا يتوقّف التّخلّص عنه على القول بذلك التّخصيص.(9:100)

عزّة دروزة:لقد قال المفسّرون في سياق تفسير الآيات و تأويل جملة وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ بخاصّة أقوالا،من جملتها أنّ اللّه أخرج من ظهر آدم جميع ذرّيّته فعلا، و خاطبهم و أخذ عليهم العهد بربوبيّته،و أوردوا في ذلك أحاديث عديدة منها المرفوع و منها الموقوف لم نر طائلا في إيرادها.

و منهم من قال:إنّ العبارة تعني أرواح النّاس قبل أن تصير كلّ روح إلى جسد صاحبها.و منهم من قال:إنّ تعبير شَهِدْنا هو حكاية لقول الملائكة الّذين شهدوا اعتراف ذرّيّة آدم بالرّبوبيّة و إعطائهم العهد بذلك.

و عبارة الآية لا تساعد على هذه الأقوال فيما يتراءى لنا،فآدم لم يذكر فيها،و إنّما جاء فيها تعبير بني آدم.و بنو آدم مستمرّون غير منقطعين،و ليسوا

ص: 651

جيلا دون جيل،و لا قبيلا دون قبيل.

و كلمة«الذّرّيّة»لا تنطبق على فريق سابق و فريق لاحق.و بالإضافة إلى هذا فإنّ الأقوال لا تنسجم مع بقيّة عبارات الآية الأولى و الآيتين التّاليتين لها،حيث احتوت ما يفيد قصد إلزام كلّ جيل أو كلّ فرد من جيل بواجب الاعتراف بربوبيّة اللّه،بصرف النّظر عن غيره من جيله أو عن آبائه و أجياله السّابقة.

و لقد قال الزّمخشريّ في تأويل الآيات:إنّ العبارة من باب التّمثيل و التّخييل...[إلى أن قال:]

و معلوم أنّه لا قول ثمّ،و إنّما هو تمثيل و تصوير للمعنى.

و في هذا الكلام و التّخريج وجاهة ظاهرة،و لا سيّما أنّ السّياق هو في صدد التّنديد بالكافرين السّامعين الّذين أنكروا و جحدوا و احتجّوا بما عليه الآباء.

و للسّيّد رشيد رضا في سياق تفسيرها و السّيّد القاسميّ كلام طويل يتضمّن بنتيجته تأويلا مثل هذا التّأويل.[إلى أن قال:]

و الآيات فيما احتوته من تحذير عن السّير على ما سار عليه الآباء بقطع النّظر عن ضلالهم و سخفهم،و الاحتجاج بذلك و الغفلة عمّا يقوم على صوابه و فضله البرهان،و تعطيل العقل من التّدبّر و الاختيار قويّة العظة و بليغة التّلقين المستمرّ كما هو المتبادر...(2:182)

ابن عاشور:فعل أَخَذَ يتعلّق به مِنْ بَنِي آدَمَ و هو معدّى إلى ذرّيّاتهم،فتعيّن أن يكون المعنى:أخذ ربّك كلّ فرد من أفراد الذّرّيّة،من كلّ فرد من أفراد بني آدم،فيحصل من ذلك أنّ كلّ فرد من أفراد بني آدم أقرّ على نفسه بالمربوبيّة للّه تعالى.

و(من)في قوله: مِنْ بَنِي آدَمَ و قوله: مِنْ ظُهُورِهِمْ ابتدائيّة فيهما.

و«الذّرّيّات»:جمع ذرّيّة،و الذّرّيّة:اسم جمع لما يتولّد من الإنسان،و جمعه هنا للتّنصيص على العموم.

و أخذ العهد على الذّرّيّة المخرجين من ظهور بني آدم يقتضي أخذ العهد على الذّرّيّة الّذين في ظهر آدم بدلالة الفحوى،و إلاّ لكان أبناء آدم الأدنون ليسوا مأخوذا عليهم العهد،مع أنّهم أولى بأخذ العهد عليهم في ظهر آدم.

و ممّا يثبت هذه الدّلالة أخبار كثيرة رويت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و عن جمع من أصحابه،متفاوتة في القوّة، غير خال واحد منها عن متكلّم،غير أنّ كثرتها يؤيّد بعضها بعضا،و أوضحها ما روى مالك في «الموطّأ»في ترجمة«النّهي عن القول بالقدر» بسنده إلى عمر بن الخطّاب،قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يسأل عن هذه الآية وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، فقال:«إنّ اللّه تعالى خلق آدم ثمّ مسح ظهره بيمينه حتّى استخرج منه ذرّيّة،فقال:خلقت هؤلاء للجنّة و بعمل أهل الجنّة يعملون،ثمّ مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرّيّة، فقال:خلقت هؤلاء للنّار و بعمل أهل النّار

ص: 652

يعملون...».(8:345)

مغنيّة:في المسلمين فئة تؤمن بعالم الذّرّ مستندة إلى هذه الآية و إلى بعض الرّوايات،و معنى عالم الذّرّ عند هذه الفئة أنّ اللّه بعد أن خلق آدم أخرج من صلبه كلّ ذكر و أنثى يوجدان فيما بعد منذ آدم الأوّل إلى نهاية الكون،و جمعهم دفعة واحدة على هيئة الذّرّ،ثمّ قال لهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى أنت ربّنا،و بعد هذا الاعتراف ردّهم إلى صلب آدم و نحن مع الّذين يؤمنون بعالم الذّرّ إن أجابوا عن التّساؤلات التّالية:

أين جمع اللّه هذه الذّرّيّة؟هل جمعها في هذه الأرض أو في غيرها؟

و هل تتّسع هذه الأرض لهم جميعا؟

و لنفترض أنّها اتّسعت،لأنّهم على هيئة الذّرّ، فهل كان آدم من الضّخامة بحيث يستوعب كلّ من خرج منه مباشرة و بالواسطة إلى يوم يبعثون؟

ثمّ هل يتذكّر واحد من الجمّ الّذي يفوق عدد الرّمال،هل يتذكّر واحد فقط هذا الخطاب و العهد الّذي أعطاه للّه مشافهة؟

و ان كان قد أنساه طول العهد،فكيف يحتجّ اللّه عليه بشيء لا يتذكّره؟

هذا من جهة العقل،أي بعض ما يدور في ذهن العاقل.

أمّا من جهة نصّ الآية فإنّه يدلّ على عكس عالم الذّرّ الّذي أخذ من صلب آدم الأوّل،لأنّ اللّه سبحانه قال: أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ، و لم يقل:من آدم،مع العلم أنّ ابن آدم يقال له:آدم،و لا يقال لآدم الأوّل:ابن آدم.

و أيضا قال تعالى: مِنْ ظُهُورِهِمْ و لم يقل:

من ظهره،و قال: ذُرِّيَّتَهُمْ و لم يقل:ذرّيّته.هذا، إلى أنّ اللّه قال في الآية الثّانية:أنّه فعل ذلك لئلاّ يحتجّ عليه أحد بشرك الآباء،مع أنّ أوّل من أشرك لا مبرّر لاحتجاجه بشرك أبيه،لأنّ المفروض أنّ أباه لم يشرك.و إن دلّ هذا على شيء فإنّه يدلّ على أنّ العهد قد أخذ من كلّ واحد واحدا مستقلاّ بعد وجوده حتما،بل و بعد رشده و إدراكه.

و نحن لا نفهم معنى لهذا العهد المأخوذ من الإنسان للّه تعالى إلاّ الفطرة،و غريزة الاستعداد الّتي أودعها اللّه في كلّ عاقل،و الّتي بها لو قصد التّفهّم و التّدبّر يميّز بين الهدى و الضّلال،و بين الحقّ و الباطل،و بها يهتدي إلى الإيمان باللّه و دينه الحقّ.

و بكلمة:إنّ على كلّ امرئ أن يتفكّر في آيات اللّه و دلائله.

و اتّفق المسلمون قولا واحدا على أنّ السّنّة النّبويّة تفسير و بيان للآيات القرآنيّة،و قد ثبت بالتّواتر قوله صلّى اللّه عليه و آله:«كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه»و قوله:

«يقول اللّه إنّي خلقت عبادي حنفاء،فجاءتهم الشّياطين فاجتاحتهم عن دينهم».(3:418)

الطّباطبائيّ:المتحصّل من الآيتين أنّ اللّه سبحانه فصّل بين بني آدم بأخذ بعضهم من بعض،ثمّ أشهدهم جميعا على أنفسهم و أخذ منهم الميثاق

ص: 653

بربوبيّته،فهم ليسوا بغافلين عن هذا المشهد،و ما أخذ منهم الميثاق حتّى يحتجّ كلّهم بأنّهم كانوا غافلين عن ذلك لعدم معرفتهم بالرّبوبيّة،أو يحتجّ بعضهم بأنّه إنّما أشرك و عصى آباؤهم و هم برآء.

و لذلك ذكر عدّة من المفسّرين أنّ المراد بهذا الظّرف المشار إليه بقوله: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ هو الدّنيا،و الآيتان تشيران إلى سنّة الخلقة الإلهيّة الجارية على الإنسان في الدّنيا،فإنّ اللّه سبحانه يخرج الذّرّيّة الإنسانيّة من أصلاب آبائهم إلى أرحام أمّهاتهم و منها إلى الدّنيا،و يشهدهم في خلال حياتهم على أنفسهم،و يريهم آثار صنعه و آيات وحدانيّته،و وجوه احتياجاتهم المستغرقة لهم من كلّ جهة دالّة على وجوده و وحدانيّته، فكأنّه يقول لهم عند ذلك: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ، و هم يجيبونه بلسان حالهم: بَلى شَهِدْنا بذلك و أنت ربّنا لا ربّ غيرك،و إنّما فعل اللّه سبحانه ذلك لئلاّ يحتجّوا على اللّه يوم القيامة بأنّهم كانوا غافلين عن المعرفة،أو يحتجّ الذّرّيّة بأنّ آباءهم هم الّذين أشركوا،و أمّا الذّرّيّة فلم يكونوا عارفين بها،و إنّما هم ذرّيّة من بعدهم نشئوا على شركهم من غير ذنب.

و قد طرح القوم عدّة من الرّوايات تدلّ على أنّ الآيتين تدلاّن على عالم الذّرّ،و أنّ اللّه أخرج ذرّيّة آدم من ظهره،فخرجوا كالذّرّ،فأشهدهم على أنفسهم و عرّفهم نفسه،و أخذ منهم الميثاق على ربوبيّته،فتمّت بذلك الحجّة عليهم يوم القيامة.

و قد ذكروا وجوها في إبطال دلالة الآيتين عليه و طرح الرّوايات بمخالفتها لظاهر الكتاب.[ثمّ ذكر الوجوه و أجاب عنها مفصّلا.](8:310)

المصطفويّ:أي في مقام عال من الزّمان و المكان و فوقهما،فإنّ بعد الزّمان و المكان-أي بعدي الطّول و العرض في مقام علمه و حضوره و إدراكه و توجّهه-منتفيان،و الماضي و المستقبل عنده سيّان،و ليس مكان عنده أقرب من مكان آخر،و هو محيط قيّوم على ما في الزّمان سابقه و لاحقه،و على ما في المكان قريبه و بعيده في لحظة واحدة.

و لمّا كان ما في عالم الملك و الطّبيعة ظهورات و تنزّلات و تجلّيات عمّا في عالم الملكوت و المثال، و كلّ ما فيها تجلّيات و صور و ظهورات عمّا في عالم الجبروت و العقول،و كلّ ما فيها من تجلّيات اللاّهوت و من مظاهر الأسماء و الصّفات،فأخذ الرّبّ من ظهور بني آدم ما يذرّ منهم إنّما يتحقّق في ذلك العالم الملكوتيّ فوق الزّمان و المكان،و لعلّ في الظّهور إشارة لطيفة إلى هذا العالم.

و أمّا الإشهاد و الشّهادة إشارة الى صفاء الطّبائع و خلوص الطّينات و نقائها عن كدورات الكفر و الشّرك يولد على الفطرة،و اللّه هو أعلم.

فينطبق الذّرّ على ما يذرّ في العالمين:الملكوت و الملك.(3:308)

مكارم الشّيرازيّ:بالرّغم من كثرة الأقوال و الكلام بين المفسّرين في شأن عالم الذّرّ،إلاّ أنّنا

ص: 654

نحاول أن نبيّن التّفسير الإجماليّ لهذه الآيات الكريمة،ثمّ نختار الأهمّ من أبحاث المفسّرين،و نبيّن وجهة نظرنا بصورة استدلاليّة موجزة!

يقول اللّه سبحانه مخاطبا نبيّه في هذه الآية:

وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ،

و الذّرّيّة كما يقول أهل اللّغة و علماؤها:

معناها في الأصل الأبناء الصّغار اليافعون،إلاّ أنّها تطلق في الغالب على عموم الأبناء،و قد تستعمل هذه الكلمة في معنى المفرد،كما قد تستعمل في معنى الجمع،إلاّ أنّها في الأصل تحمل معنى الجمع.

و الجذر اللّغويّ لهذه الكلمة مختلف فيه،إذ احتملوا له أوجها متعدّدة،فقال بعضهم:إنّ جذر هذه الكلمة مأخوذ من«ذرأ»على زنة«زرع» و معناه الخلق،فعلى هذا الوجه يكون معنى الذّرّيّة مساويا«للمخلوق».

و قال بعضهم:بل الجذر مأخوذ من«ذرّ»على وزن«شرّ»،و يعني الموجودات الصّغيرة جدّا كذرّات الغبار مثلا و النّمل الصّغير،و من هنا فإنّ أبناء الإنسان تبدأ حياتهم من نطفة صغيرة جدّا.

و الاحتمال الثّالث أنّه مأخوذ من مادّة«ذرو»، على زنة«مرو»و معناه النّثر و التّفريق و التّنقية و منه:ذرو الحنطة،و إنّما سمّي أبناء الإنسان بالذّرّيّة،لأنّهم يتفرّقون في أنحاء الأرض بعد التّكاثر.

ثمّ يشير اللّه سبحانه إلى الهدف النّهائيّ من هذا السّؤال و الجواب،و أخذ العهد من ذرّيّة آدم في مسألة التّوحيد،فيقول: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ.

و في الآية التّالية تشير إلى هدف آخر من أخذ هذا العهد،و هو أنّه إنّما أخذ ربّك هذا العهد من ذرّيّة بني آدم لئلاّ تعتذروا أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ الأعراف:173،أجل وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ الأعراف:174.

إيضاح لما ورد عن عالم الذّرّ:

رأينا أنّ الآيات محلّ البحث تتحدّث عن أخذ العهد من ذرّيّة آدم،لكن كيف أخذ هذا العهد؟!

لم يرد في النّصّ إيضاح في جزئيّات هذا الموضوع،إلاّ أنّ للمفسّرين آراء متعدّدة تعويلا منهم على الرّوايات الإسلاميّة الواردة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته عليهم السّلام،و من أهمّ هذه الآراء رأيان:

1-حين خلق آدم ظهر أبناؤه على صورة الذّرّ إلى آخر نسل له من البشر،و طبقا لبعض الرّوايات ظهر هذا الذّرّ أو الذّرّات من طينة آدم نفسه،و كان لهذا الذّرّ عقل و شعور كاف للاستماع و الخطاب و الجواب،فخاطب اللّه سبحانه الذّرّ قائلا: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ فأجاب الذّرّ جميعا: بَلى شَهِدْنا.

ثمّ عاد هذا الذّرّ أو هذه الذّرّات جميعا إلى صلب آدم أو إلى طينته،و من هنا فقد سمّي هذا العالم بعالم الذّرّ،و ذا العهد بعهد أ لست؟فبناء على ذلك، فإنّ هذا العهد المشار إليه آنفا هو عهد تشريعيّ، و قراره على أساس الوعي الذّاتيّ بين اللّه و النّاس.

ص: 655

2-إنّ المراد من هذا العالم و هذا العهد هو عالم الاستعداد و الكفاءات و عهد الفطرة و التّكوين و الخلق.فعند خروج أبناء آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام الأمّهات،و هم نطف لا تعدو الذّرّات الصّغار،وهبهم اللّه الاستعداد لتقبّل الحقيقة التّوحيديّة،و أودع ذلك السّرّ الإلهيّ في ذاتهم و فطرتهم بصورة إحساس داخليّ،كما أودعه في عقولهم و أفكارهم بشكل حقيقة واعية بنفسها.

فبناء على هذا،فإنّ جميع أبناء البشر يحملون روح التّوحيد،و ما أخذه اللّه من عهد منهم أو سؤاله إيّاهم:أ لست بربّكم؟كان بلسان التّكوين و الخلق، و ما أجابوه كان باللّسان ذاته.

و مثل هذه التّعابير غير قليلة في أحاديثنا اليوميّة،إذ نقول مثلا:لون الوجه يخبر عن سرّه الباطنيّ،أو نقول:إنّ عيني فلان المجهدتين تنبئان أنّه لم ينم اللّيلة الماضية.

و قد روي عن بعض أدباء العرب و خطبائهم أنّه قال في بعض كلامه:سل الأرض من شقّ أنهارك و غرس أشجارك و أينع ثمارك؟فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا.

كما ورد في القرآن الكريم التّعبير على لسان الحال،كالآية فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فصّلت:11.

هذا باختصار هو خلاصة الرّأيين أو النّظرتين المعروفتين في تفسير الآيات الآنفة الذّكر.

إلاّ أنّ التّفسير الأوّل فيه بعض الإشكالات، و نعرضها في ما يلي:

1-ورد التّعبير في نصّ الآيات المتقدّمة عن خروج الذّرّيّة من بني آدم من ظهورهم،إذ قال تعالى: مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ مع أنّ التّفسير الأوّل يتكلّم عن آدم نفسه أو عن طينة آدم.

2-إذا كان هذا العهد قد أخذ عن وعي ذاتيّ و عن عقل و شعور،فكيف نسيه الجميع؟و لا يتذكّر أحد مع أنّ الفاصلة الزّمانيّة بين زماننا ليست بأبعد مدى من الفاصلة بين هذا العالم و العالم الآخر أو القيامة؟و نحن نقرأ في آيات عديدة من القرآن الكريم أنّ النّاس سواء كانوا من أهل الجنّة أو من أهل النّار لا ينسون أعمالهم الدّنيويّة في يوم القيامة، و يتذكّرون ما اكتسبوه بصورة جيّدة،فلا يمكن أن يوجّه هذا النّسيان العموميّ في شأن عالم الذّرّ أبدا و لا مجال لتأويله.

3-أيّ هدف كان من وراء مثل هذا العهد؟فإذا كان الهدف أن يسير المعاهدون في طريق الحقّ عند تذكّرهم مثل هذا العهد،و ألاّ يسلكوا إلاّ طريق معرفة اللّه،فينبغي القول بأنّ مثل هذا الهدف لا يتحقّق أبدا و بأيّ وجه كان،لأنّ الجميع نسوه.

و بدون هذا الهدف يعدّ هذا العهد لغوا و لا فائدة فيه.

4-إنّ الاعتقاد بمثل هذا العالم يستلزم-في الواقع-القبول بنوع من التّناسخ،لأنّه ينبغي-طبقا لهذا التّفسير-أن تكون روح الإنسان قد خلقت في هذا العالم قبل ولادته الفعليّة،و بعد فترة طويلة أو

ص: 656

قصيرة جاء إلى هذا العالم ثانية،و على هذا فسوف تحوم حوله كثيرا من الإشكالات في شأن التّناسخ غير أنّنا إذا أخذنا بالتّفسير الثّاني،فلا يرد عليه أيّ إشكال ممّا سبق،لأنّ السّؤال و الجواب،أو العهد المذكور عهد فطريّ،و ما يزال كلّ منّا يحسّ بآثاره في أعماق روحه،و كما يعبّر عنه علماء النّفس بالشّعور الدّينيّ الّذي هو من الإحساسات الأصيلة في العقل الباطنيّ للإنسان.و هذا الإحساس يقود الإنسان على امتداد التأريخ البشريّ إلى طريق معرفة اللّه.و مع وجود هذا الإحساس أو الفطرة لا يمكن التّذرّع بأنّ آباءنا كانوا عبدة للأصنام و نحن على آثارهم مقتدون.

فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها الرّوم:30.

و الإشكال الوحيد الّذي يرد على التّفسير الثّاني هو أنّ هذا السّؤال و الجواب يتّخذ شكلا كنائيّا و يتّسم بلغة الحوار.إلاّ أنّه مع الالتفات إلى ما بيّنّاه آنفا بأنّ مثل هذه التّعابير كثير في لغة العرب و جميع اللّغات،فلا يبقى أيّ إشكال في هذا المجال، و يبدو أنّ هذا التّفسير أقرب من سواه.

عالم الذّرّ في الرّوايات:

وردت روايات كثيرة في مختلف المصادر من كتب الشّيعة و أهل السّنّة حول عالم الذّرّ،بحيث تتصوّر لأوّل وهلة و كأنّها رواية متواترة.فمثلا في تفسير البرهان وردت 37 رواية،و في تفسير نور الثّقلين وردت ذيل الآيات الآنفة 30 رواية بعضها مشترك و الآخر مختلف،و بملاحظة الاختلاف فيها فقد يصل مجموع ما ورد من الرّوايات إلى أربعين رواية.

إلاّ أنّنا سنجد-بعد التّدقيق في مضامينها و محتواها و تقسيمها إلى مجاميع،و فحصها-أنّه لا يمكن أن نعثر على رواية واحدة معتبرة منها، فكيف يمكن الاعتقاد بتواترها؟

إنّ أكثر تلك الرّوايات منقول عن زرارة، و بعضها عن صالح بن سهل،و بعضها عن أبي بصير، و بعضها عن جابر،و بعضها عن عبد اللّه بن سنان، و من ذلك يظهر لنا أنّه لو روى شخص واحد روايات كثيرة لكنّها متّحدة المضمون،فهي تعدّ بحكم الرّواية الواحدة،و بناء على ذلك فسيقلّ عدد تلك الرّوايات الكثيرة و تتضاءل نسبتها و تبلغ ما بين 10 إلى 20 رواية،هذا من ناحية السّند.

أمّا من ناحية المضمون و الدليل،فإنّ مضامينها تختلف بعضها عن بعض،فمنها ما يوافق التّفسير الأوّل،و منها ما يوافق التّفسير الثّاني،و بعضها لا يوافق التّفسيرين معا.

فالرّوايات المرقّمة(3)و(4)و(8)و(11) و(28)و(29)و المرويّة عن زرارة في تفسير البرهان-ذيل الآيات المذكورة-تتّفق و التّفسير الأوّل.و ما روي عن عبد اللّه بن سنان في الرّوايتين (7)و(12)في تفسير البرهان نفسه،يتّفق و التّفسير الثّاني،أي أنّ بعض هذه الرّوايات مبهم،و بعضها يمثّل رموزا و عبارات مجازيّة،كما في الرّوايتين (18)و(23)المرويّتين عن أبي سعيد الخدريّ

ص: 657

و عبد اللّه الكلبيّ،الواردتين في التّفسير الآنف الذّكر.

و بعض الرّوايات يذكر أرواح بني آدم،كما في الرّواية(20)المرويّة عن المفضّل.

ثمّ إنّ الرّوايات-المذكورة آنفا-بعضها ذو سند معتبر،و بعضها فاقد للسّند أو مرسل.فبناء على ذلك-و بملاحظة التّعارض بين الرّوايات-لا يمكننا التّعويل عليها على أنّها وثيقة معتبرة.و كما عبّر أكابر علمائنا في مثل هذه الموارد،فإنّه ينبغي أن نتجنّب الحكم على مثل هذه الرّوايات،و أن نكلها إلى أصحابها و رواتها.و في هذه الصّورة نبقى متمسّكين بالنّصّ القرآنيّ،و كما ذكرنا أنفا فإنّ التّفسير الثّاني أكثر انسجاما مع الآيات.

و لو كان أسلوبنا في البحث التّفسيريّ يسمح لنا أن نذكر جميع طوائف الرّوايات،و التّحقيق فيها -كما أشرنا آنفا-لفعلنا ذلك ليكون البحث أكثر وضوحا.إلاّ أنّ الرّاغبين يمكنهم الرّجوع إلى تفسير «نور الثّقلين»و تفسير«البرهان»،و«بحار الأنوار»،و ليبحثوا في مجاميعها و يصنّفوها، و ينظروا في أسانيدها و مضامينها.(5:262)

فضل اللّه:الذّرّيّة:سلالة الإنسان من ذكور و إناث،فقد أودع في أصلاب الرّجال النّطف الّتي يخلق منها الذّرّيّة بالوسائل الطّبيعيّة،على أساس ما جعله من قوانين الخلق و الإيجاد.(10:281)

2- وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يس:41

الإمام عليّ عليه السّلام:إنّ الذّرّيّة النّطف حملها اللّه تعالى في بطون النّساء تشبيها بالفلك المشحون.

(الماورديّ 5:19)

ابن عبّاس:في أصلاب آبائهم حين حمل الآباء و الذّرّيّة.(371)

الضّحّاك:سمّي الأولاد ذرّيّة،لأنّهم خلقوا من الآباء.

مثله قتادة و جماعة من المفسّرين.

(الطّبرسيّ 4:426)

السّدّيّ:الذّرّيّة:الأبناء و النّساء،لأنّهم ذرء الآباء حملوا في السّفن،و الفلك هي السّفن الكبار.

(الماورديّ 5:19)

أبان بن عثمان:إنّ الذّرّيّة:الآباء،حملهم اللّه تعالى في سفينة نوح عليه السّلام.(الماورديّ 5:19)

الفرّاء:قوله: ذُرِّيَّتَهُمْ إنّما يخاطب أهل مكّة،فجعل الذّرّيّة الّتي كانت مع نوح لأهل مكّة، لأنّها أصل لهم،فقال: ذُرِّيَّتَهُمْ، و هم أبناء الذّرّيّة.(2:379)

نحوه الزّجّاج.(4:288)

الطّبريّ:يقول اللّه تعالى ذكره:و دليل لهم أيضا،و علامة على قدرتنا على كلّ ما نشاء حملنا ذرّيّتهم-يعني من نجا من ولد آدم-في سفينة نوح.(10:444)

النّحّاس:أحسن ما قيل في هذا:إنّ المعنى:

و آية لأهل مكّة،أنّا حملنا ذرّيّات القرون الماضية في الفلك المشحون.(5:498)

ص: 658

الفارسيّ:اختلفوا في الجمع و التّوحيد من قوله: أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ، فقرأ نافع و ابن عامر (ذرّيّاتهم)جماعا،و قرأ الباقون: ذُرِّيَّتَهُمْ واحدة.

الذّرّيّة:تكون جمعا و تكون واحدا،فالواحد قوله: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً آل عمران:38، فهذا بمنزلة: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي مريم:5،6.و الجماعة يدلّ عليها قوله: ذُرِّيَّةً ضِعافاً النّساء:9،فمن جمع فكما جمع أسماء الجمع،و من لم يجمع ما كان جمعا في المعنى فكما تفرد أسماء الجمع و لا تجمع.(3:310)

نحوه أبو زرعة.(600)

الثّعلبيّ:الآباء في السّفينة،و الأبناء في الأصلاب.(8:129)

القيسيّ:و الهاء و الميم في(ذرّيّاتهم) تعود على قوم نوح،و الهاء و الميم في لَهُمْ تعود على أهل مكّة،و قيل:الضّميران جميعا لأهل مكّة.(2:228)

نحوه العكبريّ.(2:1083)

الماورديّ:فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:[هو قول أبان بن عثمان]،و سمّي الآباء ذرّيّة،لأنّ منهم ذرء الأبناء.

الثّاني:[هو قول السّدّيّ]

الثّالث:[هو قول عليّ عليه السّلام](5:19)

الطّوسيّ:قرأ اهل المدينة و ابن عامر و يعقوب:(ذرّيّاتهم)على الجمع،الباقون:

ذُرِّيَّتَهُمْ على التّوحيد.و من جمع(ذرّيّاتهم) فلأنّ كلّ واحد له ذرّيّة،و من وحّد فلأنّه لفظ جنس يدلّ على القليل و الكثير.(8:460)

نحوه أبو الفتوح.(16:154)

الواحديّ:يعني آبائهم و أجدادهم الّذين هؤلاء من نسلهم.(3:514)

نحوه البغويّ(4:15)،و ابن كثير(5:617)، و الشّربينيّ(3:351).

الميبديّ:المراد بالذّرّيّة هاهنا الآباء و الأجداد.

و اسم الذّرّيّة يقع على الآباء الّذين ذرئ منهم الأولاد،و الذّرّيّة في قوله: مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ هم الأولاد الّذين ذرءوا من الإماء،و الذّرء:الخلق.

(8:228)

الزّمخشريّ: ذُرِّيَّتَهُمْ: أولادهم و من يهمّهم حمله.

و قيل:اسم الذّرّيّة يقع على النّساء،لأنّهنّ مزارعها،و في الحديث:«أنّه نهى عن قتل الذّراريّ» يعني النّساء...و معنى حمل اللّه ذرّيّاتهم فيها أنّه حمل فيها آباءهم الأقدمين،و في أصلابهم هم و ذرّيّاتهم، و إنّما ذكر ذرّيّاتهم دونهم لأنّه أبلغ في الامتنان عليهم،و أدخل في التّعجيب من قدرته في حمل أعقابهم إلى يوم القيامة في سفينة نوح.(3:324)

ابن عطيّة:الحمل:منع الشّيء أن يذهب سفلا،و ذكر الذّرّيّة لضعفهم عن السّفر،فالنّعمة فيهم أمكن.و قرأ نافع و ابن عامر و الأعمش

ص: 659

(ذرّيّاتهم)بالجمع،و قرأ الباقون ذُرِّيَّتَهُمْ بالإفراد،و هي قراءة طليحة و عيسى،و الضّمير المتّصل بالذّرّيّات هو ضمير الجنس،كأنّه قال:

ذرّيّات جنسهم أو نوعهم،هذا أصحّ ما اتّجه في هذا، و خلط بعض النّاس في هذا حتّى قالوا:الذّرّيّة:تقع على الآباء،و هذا لا يعرف لغة.(4:455)

الطّبرسيّ:يعني آباءهم و أجدادهم الّذين هؤلاء من نسلهم و يسمّى الآباء ذرّيّة من:ذرأ اللّه الخلق،لأنّ الأولاد خلقوا منهم.و قيل:الذّرّيّة:هم الصّبيان و النّساء،و خصّ الذّرّيّة بالحمل في الفلك لضعفهم،و لأنّه لا قوّة لهم على السّفر.(4:426)

ابن الجوزيّ:[نقل القراءتين،و أقوال المفسّرين،إلى أن قال:]

قال المفضّل بن سلمة:الذّرّيّة:النّسل،لأنّهم من:ذرأهم اللّه منهم،و الذّرّيّة أيضا:الآباء،لأنّ الذّرّ وقع منهم،فهو من الأضداد.(7:21)

الفخر الرّازيّ:قال المفسّرون:الذّرّيّة:هم الآباء،أي حملنا آباءكم في الفلك...و أمّا الأكثرون فعلى أنّ الذّرّيّة لا تطلق إلاّ على الولد.و على هذا فلا بدّ من بيان المعنى،فنقول:الفلك إمّا أن يكون المراد الفلك المعيّن الّذي كان لنوح،و إمّا أن يكون المراد الجنس...فإن كان المراد سفينة نوح عليه السّلام ففيه وجوه:

الأوّل:أنّ المراد:إنّا حملنا أولادكم إلى يوم القيامة في ذلك الفلك،و لو لا ذلك لما بقي للآدميّ نسل و لا عقب.و على هذا فقوله: حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ بدل قوله:حملناهم،إشارة إلى كمال النّعمة،أي لم تكن النّعمة مقتصرة عليكم،بل متعدّية إلى أعقابكم إلى يوم القيامة،هذا ما قاله الزّمخشريّ، و يحتمل عندي أن يقال على هذا:إنّه تعالى إنّما خصّ الذّرّيّة بالذّكر،لأنّ الموجودين كانوا كفّارا لا فائدة في وجودهم،فقال: حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ، أي لم يكن الحمل حملا لهم،و إنّما كان حملا لما في أصلابهم من المؤمنين،كما أنّ من حمل صندوقا لا قيمة له و فيه جواهر إذا قيل له:لم تحمل هذا الصّندوق و تتعب في حمله و هو لا يشترى بشيء؟ يقول:لا أحمل الصّندوق،و إنّما أحمل ما فيه.

الثّاني:هو أنّ المراد بالذّرّيّة الجنس،معناه حملنا أجناسهم،و ذلك لأنّ ولد الحيوان من جنسه و نوعه،و الذّرّيّة تطلق على الجنس،و لهذا- إطلاقه على النّساء-«نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن قتل الذّراريّ»أي النّساء،و ذلك لأنّ المرأة و إن كانت صنفا غير صنف الرّجل لكنّها من جنسه و نوعه؛ يقال:ذراريّنا،أي أمثالنا.فقوله: أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ أي أمثالهم،و آباؤهم حينئذ تدخل فيهم.(26:78)

الرّازيّ:فإن قيل:كيف قال اللّه تعالى: وَ آيَةٌ لَهُمْ، أي لأهل مكّة أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ أي ذرّيّة أهل مكّة أو ذرّيّة قوم نوح عليه السّلام...و الذّرّيّة:

اسم للأولاد،و المحمول في سفينة نوح عليه الصّلاة و السّلام آباء أهل مكّة لا أولادهم؟

قلنا:الذّرّيّة من أسماء الأضداد،تطلق على

ص: 660

الآباء و الأولاد،بدليل قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ آل عمران:33،34، وصف جميع المذكورين بكونهم ذرّيّة،و بعضهم آباء و بعضهم أبناء،فمعناه حملنا آباء أهل مكّة أو حملنا أبنائهم،لأنّهم كانوا في ظهور آبائهم المحمولين.

(مسائل الرّازيّ:289)

البيضاويّ:أولادهم الّذين يبعثونهم إلى تجاراتهم،أو صبيانهم و نساءهم الّذين يستصحبونهم،فإنّ الذّرّيّة تقع عليهنّ لأنّهنّ مزارعها.و تخصيصهم لأنّ استقرارهم في السّفن أشقّ و تماسكهم فيها أعجب.

و حمل اللّه ذرّيّاتهم فيها أنّه حمل فيها آباءهم الأقدمين و في أصلابهم هم و ذرّيّاتهم،و تخصيص الذّرّيّة لأنّه أبلغ في الامتنان و أدخل في التّعجّب مع الإيجاز.(2:281)

نحوه أبو السّعود(5:300)،و الكاشانيّ(4:

254)،و شبّر(5:230).

النّسفيّ:المراد بالذّرّيّة:الأولاد و من يهمّهم حمله،و كانوا يبعثونهم إلى التّجارات في برّ أو بحر، أو الآباء لأنّها من الأضداد.[ثمّ قال نحو البيضاويّ]

(4:9)

أبو حيّان:الظّاهر أنّ الضّمير في لَهُمْ و في (ذرّيّاتهم)عائد على شيء واحد،فالمعنى أنّه تعالى حمل ذرّيّات هؤلاء،و هم آباؤهم الأقدمون،في سفينة نوح عليه السّلام،قاله ابن عبّاس و جماعة.و من مثله للسّفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة.

أو أريد بقوله:(ذرّيّاتهم)،حذف مضاف،أي ذرّيّات جنسهم،و أريد بالذّرّيّة من لا يطيق المشي و الرّكوب من الذّرّيّة و الضّعفاء.(7:338)

السّمين:الظّاهر أنّ الضّميرين في لَهُمْ و ذُرِّيَّتَهُمْ ليسا لشيء واحد.و يراد بالذّرّيّة آباؤهم المحمولون في سفينة نوح عليه السّلام،أو يكون الضّميران مختلفين،أي ذرّيّة القرون الماضية.

و وجه الامتنان عليهم أنّهم في ذلك مثل الذّرّيّة،من حيث إنّهم ينتفعون بها كانتفاع أولئك.(5:486)

البروسويّ:الذّرّيّة:[نقل كلام الرّاغب و قال:]

و يطلق على النّساء أيضا،لا سيّما مع الاختلاط مجازا على طريقة تسمية المحلّ باسم الحالّ،لأنّهم مزارع الذّرّيّة.[ثمّ أسند كلامه بحديثين](7:403)

الشّوكانيّ:[اكتفى بنقل الأقوال](4:465)

ابن عاشور:الذّرّيّات:جمع ذرّيّة و هي نسل الإنسان...

و تعدية حَمَلْنا إلى الذّرّيّات تعدية على المفعوليّة المجازيّة،و هو مجاز عقليّ،فإن المجاز العقليّ لا يختصّ بالإسناد،بل يكون المجاز في التّعليق،فإنّ المحمول أصول الذّرّيّات لا الذّرّيّات و أصولها ملابسة لها.

و لمّا كانت ذرّيّات المخاطبين ممّا أراد اللّه

ص: 661

بقاءه في الأرض حين أمر نوحا بصنع الفلك لإنجاء الأنواع،و أمره بحمل أزواج من النّاس هم الّذين تولّد منهم البشر بعد الطّوفان نزّل البشر كلّه منزلة محمولين في الفلك المشحون في زمن نوح.و ذكر الذّرّيّات يقتضي أنّ أصولهم محمولون بطريق الكناية إيجازا في الكلام،و أنّ أنفسهم محمولون كذلك،كأنّه قيل:إنّا حملنا أصولهم و حملناهم و حملنا ذرّيّاتهم،إذ لو لا نجاة الأصول ما جاءت الذّرّيّات،و كانت الحكمة في حمل الأصول بقاء الذّرّيّات،فكانت النّعمة شاملة للكلّ.و هذا كالامتنان في قوله: إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ* لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً الحاقّة:11،12.

و ضمير ذُرِّيَّتَهُمْ عائد إلى ما عاد إليه ضمير لَهُمْ، أي العباد المراد بهم المشركون من أهل مكّة،لكنّهم لوحظوا هنا بعنوان كونهم من جملة البشر،فالمعنى:آية لهم أنّا حملنا ذرّيّات البشر في سفينة نوح،و ذلك حين أمر اللّه نوحا بأن يحمل فيها أهله و الّذين آمنوا من قومه لبقاء ذرّيّات البشر،فكان ذلك حملا لذرّيّاتهم ما تسلسلت كما تقدّم آنفا.(22:236)

مغنيّة:ضمير لَهُمْ و ذُرِّيَّتَهُمْ يعود إلى أبناء آدم،يذكّرهم اللّه سبحانه بأنعمه العظام عليهم، و منها حملهم في السّفن مملوءة بهم و بمتاعهم تنقلهم من بلد الى بلد...(6:316)

عبد الكريم الخطيب:المراد بالذّرّيّة الأبناء، و هي تجمع على ذراريّ،و ذرّيّات،و أصلها من الذّرء،و هو إظهار الشّيء؛يقال:ذرأ اللّه الخلق،أي أوجد أشخاصهم،و الذّرأة:بياض الشّعر.

و فى الإشارة إلى حمل ذرّيّاتهم دون حمل آبائهم إلفات إلى ما تحمل الفلك لهم من فلذات أكباد، و نفائس أموال و أمتعة،فتحفظها،و تصل بها إلى غايتها.(12:935)

3- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ... الطّور:21

لاحظ:ت ب ع:«اتّبعتهم».

ذرّيّتى

1- وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ. البقرة:124

ابن عبّاس:أي و اجعل من ذرّيّتي أيضا إماما يقتدى به.(18)

نحوه الواحديّ(1:203)،و البغويّ(1:

162)،و النّسفيّ(1:73)،و الخازن(1:89)، و الشّربينيّ(1:91).

الرّبيع:فاجعل من ذرّيّتي من يؤتمّ به و يقتدى به.(الطّبريّ 1:577) الفرّاء: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي على المسألة.(1:76)

الطّبريّ:يعني جلّ ثناؤه بذلك:قال إبراهيم- لمّا رفع اللّه منزلته و كرّمه،فأعلمه ما هو صانع به من تصييره إماما في الخيرات،لمن في عصره و لمن

ص: 662

جاء بعده من ذرّيّته و سائر النّاس غيرهم؛يهتدى بهديه و يقتدى بأفعاله و أخلاقه-:يا ربّ و من ذرّيّتي فاجعل أئمّة يقتدى بهم،كالّذي جعلتني إماما يؤتمّ به و يقتدى بي،مسألة من إبراهيم ربّه سأله إيّاها.

و قد زعم بعض النّاس أنّ قول إبراهيم: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي مسألة منه ربّه لعقبه أن يكونوا على عهده و دينه،كما قال: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35،فأخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ في عقبه الظّالم المخالف له في دينه بقوله: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ. و الظّاهر من التّنزيل يدلّ على غير الّذي قاله صاحب هذه المقالة،لأنّ قول إبراهيم صلوات اللّه عليه: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي في إثر قول اللّه جلّ ثناؤه: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً فمعلوم أنّ الّذي سأله إبراهيم لذرّيّته لو كان غير الّذي أخبر ربّه أنّه أعطاه إيّاه،لكان مبيّنا،و لكنّ المسألة لمّا كانت ممّا جرى ذكره،اكتفى بالذّكر الّذي قد مضى من تكريره و إعادته،فقال: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، بمعنى:

و من ذرّيّتي فاجعل مثل الّذي جعلتني به من الإمامة للنّاس.(1:577)

الزّجّاج:فأعلم اللّه إبراهيم أنّ في ذرّيّته الظّالم...و لأنّ المعنى:أنّ إبراهيم عليه السّلام كأنّه قال:

و اجعل الإمامة تنال ذرّيّتي،و اجعل هذا العهد ينال ذرّيّتي؛قال اللّه: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ، فهو على هذا أقوى أيضا.(1:205)

الثّعلبيّ:قال إبراهيم وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي و من أولادي أيضا.فاجعل أئمّة يقتدى بهم.

و أصل الذّرّيّة:الأولاد الصّغار،مشتقّ من الذّرّ لكثرته،و قيل:من الذّرء و هو الخلق،فخفّف الهمز و أدخل التّشديد عوضا عن الهمز كالبريّة.

و قيل:من الذّرو،و فيها ثلاث لغات:ذرّيّة بكسر الذّال،و هي قراءة زيد بن ثابت،و ذرّيّة بفتحها،و هي قراءة أبي جعفر،و ذرّيّة بضمّها،و هي قراءة العامّة.(1:269)

الماورديّ: قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، فاحتمل ذلك وجهين:

أحدهما:أنّه طمع في الإمامة لذرّيّته،فسأل اللّه تعالى ذلك لهم.

و الثّاني:أنّه قال ذلك استخبارا عن حالهم،هل يكونون أهل طاعة فيصيروا أئمّة؟فأخبره اللّه تعالى أنّ فيهم عاصيا و ظالما،لا يستحقّ الإمامة،فقال:

لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ. (1:185)

الطّوسيّ:قوله: مِنْ ذُرِّيَّتِي معناه:و اجعل من ذرّيّتي من يؤتمّ به،و يقتدى به على قول الرّبيع و أكثر المفسّرين.

و قال بعضهم:معناه أنّه سأل لعقبه أن يكونوا على عهده و ورثته،كما قال: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35،فأخبره اللّه أن في عقبه الظّالم المخالف له و ذرّيّته بقوله: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ و الأوّل أظهر.

و قال الجبّائيّ قوله: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي سؤال منه للّه أن يعرّفه هل في ذرّيّته من يبعثه نبيّا،كما بعثه هو

ص: 663

و جعله إماما؟و هذا الّذي قاله ليس في الكلام ما يدلّ عليه،بل الظّاهر خلافه.و لو احتمل ذلك لم يمتنع أن يضيف إلى مسألة منه للّه أن يفعل ذلك بذرّيّته مع سؤاله تعريفه ذلك.(1:447)

نحوه أبو الفتوح.(2:142)

القشيريّ:نطق بمقتضى الشّفقة عليهم،فطلب لهم ما أكرم به،فأخبره أنّ ذلك ليس باستحقاق نسب،أو باستيجاب سبب،و إنّما هي أقسام مضت بها أحكام،فقال له: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ.

و ليس هذا كنعيم الدّنيا و سعة الأرزاق فيها، فهي لا ادّخار لها عن أحد،و إن كان كافرا،و لذلك قال جلّ ذكره: ..وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً... البقرة:126.(1:133)

الزّمخشريّ: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي: عطف على الكاف،كأنّه قال:و جاعل بعض ذرّيّتي،كما يقال لك:سأكرمك،فتقول:و زيدا.

لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ، و قرئ:(الظّالمون) أي من كان ظالما من ذرّيّتك،لا يناله استخلافي و عهدي إليه بالإمامة،و إنّما ينال من كان عادلا بريئا من الظّلم.

و قالوا:في هذا دليل على أنّ الفاسق لا يصلح للإمامة،و كيف يصلح لها من لا يجوز حكمه و شهادته،و لا تجب طاعته و لا يقبل خبره،و لا يقدّم للصّلاة؟(1:309)

ابن عطيّة:قول إبراهيم عليه السّلام: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي هو على جهة الدّعاء و الرّغبى إلى اللّه،أي و من ذرّيّتي يا ربّ فاجعل،و قيل:هذا منه على جهة الاستفهام عنهم،أي و من ذرّيّتي يا ربّ ما ذا يكون؟

و الذّرّيّة:مأخوذة من:ذرا يذرو،أو من:ذرى يذري،أو من:ذرّ يذرّ،أو من:ذرأ يذرأ،و هي أفعال تتقارب معانيها،و قد طوّل في تعليلها أبو الفتح و شفى.(1:206)

نحوه القرطبيّ(2:107)،و الشّوكانيّ(1:

176)،و عبد الكريم الخطيب(1:139).

الطّبرسيّ:أي و اجعل من ذرّيّتي من يوشّح بالإمامة و يوشّح بهذه الكرامة.[و أدام الكلام نحو الطّوسيّ](1:201)

الفخر الرّازيّ:قوله: مِنْ ذُرِّيَّتِي فيه مسائل:

المسألة الأولى:الذّرّيّة:الأولاد و أولاد الأولاد للرّجل،و هو من:ذرأ اللّه الخلق،و تركوا همزها للخفّة،كما تركوا في البريّة.و فيه وجه آخر،و هو أن تكون منسوبة إلى الذّرّ.

المسألة الثّانية:قوله: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي عطف على الكاف،كأنّه قال:و جاعل بعض ذرّيّتي،كما يقال لك:سأكرمك،فتقول:و زيدا.

المسألة الثّالثة:قال بعضهم:إنّه تعالى أعلمه أنّ في ذرّيّته أنبياء،فأراد أن يعلم هل يكون ذلك في كلّهم أو في بعضهم؟و هل يصلح جميعهم لهذا الأمر؟ فأعلمه اللّه تعالى أنّ فيهم ظالما لا يصلح لذلك.

و قال آخرون:إنّه عليه السّلام ذكر ذلك على سبيل

ص: 664

الاستعلام،و لمّا لم يعلم على وجه المسألة، فأجابه اللّه تعالى صريحا بأنّ النّبوّة لا تنال الظّالمين منهم.

فإن قيل:هل كان إبراهيم عليه السّلام مأذونا في قوله:

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، أو لم يكن مأذونا فيه؟فإنّ أذن اللّه تعالى في هذا الدّعاء فلم ردّ دعاءه؟و إن لم يأذن له فيه كان ذلك ذنبا.

قلنا:قوله: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي يدلّ على أنّه عليه السّلام طلب أن يكون بعض ذرّيّته أئمّة للنّاس،و قد حقّق اللّه تعالى إجابة دعائه في المؤمنين من ذرّيّته، كإسماعيل و إسحاق و يعقوب و يوسف و موسى و هارون و داود و سليمان و أيّوب و يونس و زكريّا و يحيى و عيسى،و جعل آخرهم محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم من ذرّيّته الّذي هو أفضل الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام.(4:44)

نحوه البيضاويّ ملخّصا(1:80)،و النّيسابوريّ (1:438).

العكبريّ:المفعولان محذوفان،و التّقدير:

اجعل فريقا من ذرّيّتي إماما.(1:112)

أبو حيّان: قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قال الزّمخشريّ:«عطف على الكاف،كأنّه قال:

و جاعل بعض ذرّيّتي،كما يقال لك:سأكرمك، فتقول:و زيدا،انتهى كلامه.

و لا يصحّ العطف على الكاف،لأنّها مجرورة، فالعطف عليها لا يكون إلاّ بإعادة الجارّ،و لم يعد، و لأنّ(من)لا يمكن تقدير الجارّ مضافا إليها،لأنّها حرف،فتقديرها بأنّها مرادفة ل«بعض»حتّى تقدّر جاعلا مضافا إليها لا يصحّ،و لا يصحّ أن تكون تقدير العطف من باب العطف على موضع الكاف،لأنّه نصب،فيجعل(من)في موضع نصب، لأنّ هذا ليس ممّا يعطف فيه على الموضع على مذهب سيبويه،لفوات المحرز،و ليس نظير:

سأكرمك،فتقول:و زيدا،لأنّ الكاف هنا في موضع نصب.

و الّذي يقتضيه المعنى أن يكون: مِنْ ذُرِّيَّتِي متعلّقا بمحذوف،التّقدير:و اجعل من ذرّيّتي إماما، لأنّ إبراهيم فهم من قوله: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً، الاختصاص،فسأل اللّه تعالى أن يجعل من ذرّيّته إماما.(1:376)

السّمين:قوله: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:[قول أبي البقاء]

الثّاني:[قول الزّمخشريّ]

الثّالث:[قول أبي حيّان]

و يجوز أن يكون مِنْ ذُرِّيَّتِي مفعولا ثانيا قدّم على الأوّل،فيتعلّق بمحذوف،و جاز ذلك لأنّه ينعقد من هذين الجزءين مبتدأ و خبر،لو قلت:

(من ذرّيّتي إمام)لصحّ.(1:361)

ابن كثير:قوله: قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ لمّا جعل اللّه إبراهيم إماما سأل اللّه أن تكون الأئمّة من بعده من ذرّيّته، فأجيب إلى ذلك،و أخبر أنّه سيكون من ذرّيّته

ص: 665

ظالمون،و أنّه لا ينالهم عهد اللّه و لا يكونون أئمّة، فلا يقتدى بهم،و الدّليل على أنّه أجيب إلى طلبته قوله تعالى في سورة العنكبوت:27: وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ، فكلّ نبيّ أرسله اللّه و كلّ كتاب أنزله اللّه بعد إبراهيم،ففي ذرّيّته صلوات اللّه و سلامه عليه.(1:292)

أبو السّعود:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

أو بمحذوف،أي و اجعل فريقا من ذرّيّتي إماما و تخصيص البعض بذلك لبداهة استحالة إمامة الكلّ،و إن كانوا على الحقّ.و قيل:التّقدير:و ما ذا يكون من ذرّيّتي؟[ثمّ بين اشتقاق كلمة الذّرّيّة و قال:]

لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ، ليس هذا ردّا لدعوته عليه السّلام،بل إجابة خفيّة لها،وعدة إجماليّة منه تعالى بتشريف بعض ذرّيّته عليه السّلام بنيل عهد الإمامة، حسبما وقع في استدعائه عليه السّلام من غير تعيين لهم بوصف مميّز لهم عن جميع من عداهم،فإنّ التّنصيص على حرمان الظّالمين منه بمعزل من ذلك التّمييز،إذ ليس معناه أنّه ينال كلّ من ليس بظالم منهم ضرورة استحالة ذلك كما أشير إليه.و لعلّ إيثار هذه الطّريقة على تعيين الجامعين لمبادئ الإمامة من ذرّيّته إجمالا أو تفصيلا و إرسال الباقين، لئلاّ ينتظم المقتدون بالأئمّة من الأمّة في سلك المحرومين،و في تفصيل كلّ فرقة من الإطناب ما لا يخفى،مع ما في هذه الطّريقة من تخييب الكفرة الّذين كانوا يتمنّون النّبوّة و قطع أطماعهم الفارغة من نيلها.و إنّما أوثر النّيل على الجعل إيماء إلى أنّ إمامة الأنبياء عليهم السّلام من ذرّيّته عليه السّلام،كإسماعيل و إسحاق و يعقوب و يوسف و موسى و هارون و داود و سليمان و أيّوب و يونس و زكريّا و يحيى و عيسى و سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم تسليما كثيرا،ليست بجعل مستقلّ،بل هي حاصلة في ضمن إمامة إبراهيم عليه السّلام،تنال كلاّ منهم في وقت قدّر اللّه عزّ و جلّ.(1:193)

نحوه البروسويّ ملخصا.(1:224)

البحرانيّ:قول إبراهيم عليه السّلام وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، (من):حرف تبعيض،ليعلم أنّ من الذّرّيّة من يستحقّ الإمامة،و منهم من لا يستحقّها،هذا من جملة المسلمين،و ذلك أنّه يستحيل أن يدعو إبراهيم بالإمامة للكافر أو للمسلم الّذي ليس بمعصوم،فصحّ أنّ باب التّبعيض وقع على خواصّ المؤمنين،و الخواصّ إنّما صاروا خواصّا بالبعد عن الكفر.ثمّ من اجتنب الكبائر صار من جملة الخواصّ الأخصّ،ثمّ المعصوم هو الخاصّ الأخصّ،و لو كان للتّخصيص صورة أربى عليه، (1)لجعل ذلك من أوصاف الإمام.

و قد سمّى اللّه عزّ و جلّ عيسى من ذرّيّة إبراهيم،و كان ابن بنته من بعده،و لمّا صحّ أنّ ابن البنت ذرّيّة،و دعا إبراهيم لذرّيّته بالإمامة،وجب على محمّد صلّى اللّه عليه و آله الاقتداء به في وضع الإمامة فية.

ص: 666


1- أي أعلى و أرفع مرتبة.

المعصومين من ذرّيّته حذو النّعل بالنّعل بعد ما أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه،و حكم عليه بقوله: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً... النّحل:

123،و لو خالف ذلك لكان داخلا في قوله: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ البقرة:

130،جلّ نبيّ اللّه عن ذلك.

قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا آل عمران:68،و أمير المؤمنين عليه السّلام أبو ذرّيّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و وضع الإمامة فيه وضعها في ذرّيّته المعصومين بعده.(1:538)

الآلوسيّ: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي: عطف على الكاف،يقال:سأكرمك،فتقول:و زيدا،و جعله على معنى:(ما ذا يكون من ذرّيّتي)؟بعيد.

و ذهب أبو حيّان إلى أنّه متعلّق بمحذوف،أي اجعل وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي إماما،لأنّه عليه السّلام فهم من إِنِّي جاعِلُكَ الاختصاص به،و اختاره بعضهم.

و اعترضوا على ما تقدّم بأنّ الجارّ و المجرور لا يصلح مضافا إليه،فكيف يعطف عليه؟و بأنّ العطف على الضّمير كيف يصحّ بدون إعادة الجارّ؟ و بأنّه كيف يكون المعطوف مقول قائل آخر؟و دفع الأوّلان بأنّ الإضافة اللّفظيّة في تقدير الانفصال.

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي: في معنى بعض ذرّيّتي،فكأنّه قال:و جاعل بعض ذرّيّتي.و هو صحيح على أنّ العطف على الضّمير المجرور بدون إعادة الجارّ- و إن أباه أكثر النّحاة،-إلاّ أنّ المحقّقين من علماء العربيّة و أئمّة الدّين على جوازه،حتّى قال صاحب العباب:إنّه وارد في القراءات السّبعة المتواترة،فمن ردّ ذلك فقد ردّ على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و دفع الثّالث بأنّه من قبيل عطف التّلقين،فهو خبر في معنى الطّلب،و كأنّ أصله:و اجعل بعض ذرّيّتي،كما قدّره المعترض،لكنّه عدل عنه إلى المنزل لما فيه من البلاغة،من حيث جعله من تتمّة كلام المتكلّم،كأنّه مستحقّ مثل المعطوف عليه، و جعل نفسه كالنّائب عن المتكلّم،و العدول من صيغة الأمر للمبالغة في الثّبوت و مراعاة الأدب في التّفادي عن صورة الأمر.و فيه من الاختصار الواقع موقعه ما يروق كلّ ناظر...

و قد ذكر الأصوليّون أنّ التّلقين ورد بالواو و غيرها من الحروف،و أنّه وقع في الاستثناء،كما في الحديث:«إنّ اللّه تعالى حرّم شجر الحرم،قالوا:

إلاّ الإذخر يا رسول اللّه؟».

و اعترض أيضا بأنّ العطف المذكور يستدعي أن تكون إمامة ذرّيّته عامّة لجميع النّاس عموم إمامته عليه السّلام على ما قيل،و ليس كذلك.

و أجيب بأنّه يكفي في العطف الاشتراك في أصل المعنى،و قيل:يكفي قبولها في حقّ نبيّنا عليه الصّلاة و السّلام.(1:376)

رشيد رضا:اجعل من ذرّيّتي أئمّة للنّاس، و هو إيجاز في الحكاية عنه،لا يعهد مثله إلاّ في القرآن.

و قد جرى إبراهيم عليه السّلام على سنّة الفطرة في

ص: 667

دعائه هذا،فإنّ الإنسان لمّا يعلم من أنّ بقاء ولده بقاء له،يجب أن تكون ذرّيّته على أحسن حال يكون هو عليها،ليكون له حظّ من البقاء جسدا و روحا.

و من دعاء إبراهيم الّذي حكاه اللّه عنه في السّورة المسمّاة باسمه 14:40: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، و قد راعى الأدب في طلبه، فلم يطلب الإمامة لجميع ذرّيّته بل لبعضها،لأنّه الممكن،و في هذا مراعاة لسنن الفطرة أيضا.و ذلك من شروط الدّعاء و آدابه.(1:456)

نحوه المراغيّ.(1:209)

عزّة دروزة:كلمة ذُرِّيَّتِي الواردة في الآية 124،تشمل-كما هو المتبادر-جميع المنسوبين إلى إبراهيم بالبنوّة.و يدخل فيهم بنو إسرائيل و العرب الّذين كانوا يتداولون نسبتهم بالبنوّة إليه من الحجازيّين أو العدنانيّين.

و يتبادر لنا أنّ مقاصد ذكر استثناء اللّه للظّالمين منهم من دعوة إبراهيم إحباط دعوى المنتسبين إليه بالبنوّة،إذا كانوا منحرفين عن ملّته و جادّة الحقّ الّتي كان يسير عليها،و الانقياد للّه تعالى و إسلام النّفس له وحده.و من المحتمل أن يكون أريد بهذا في المقام و السّياق اللّذين وردت فيهما الآية:

اليهود الإسرائيليّون الّذين وقفوا من النّبيّ موقف البغي و الجهود و الظّلم،و الّذين يتبجّحون بأنّهم على هدى،و أنّهم أئمّة و قدوة للنّاس،حيث أريد تكذيبهم في دعاويهم هذه برغم انتسابهم إلى إبراهيم.(7:235)

ابن عاشور:قوله: قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي جواب صدر من إبراهيم،فلذا حكي ب قالَ دون عاطف،على طريق حكاية المحاورات،كما تقدّم عند قوله تعالى: قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها البقرة:30،و المقول معطوف على خطاب اللّه تعالى إيّاه يسمّونه«عطف التّلقين»،و هو عطف المخاطب كلاما على ما وقع في كلام المتكلّم تنزيلا لنفسه في منزلة المتكلّم،يكمّل له شيئا تركه المتكلّم، إمّا عن غفلة و إمّا عن اقتصار،فيلقّنه السّامع تداركه،بحيث يلتئم من الكلامين كلام تامّ في اعتقاد المخاطب[إلى أن قال:]

و إنّما قال إبراهيم: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي و لم يقل:

و ذرّيّتي،لأنّه يعلم أنّ حكمة اللّه من هذا العالم لم تجر بأن يكون جميع نسل أحد ممّن يصلحون لأن يقتدى بهم،فلم يسأل ما هو مستحيل عادة،لأنّ سؤال ذلك ليس من آداب الدّعاء.

و إنّما سأل لذرّيّته و لم يقصر السّؤال على عقبه،كما هو المتعارف في عصبيّة القائل لأبناء دينه على الفطرة الّتي لا تقتضي تفاوتا،فيرى أبناء الابن و أبناء البنت في القرب من الجدّ،بل هما سواء في حكم القرابة،و أمّا مبنى القبليّة فعلى اعتبارات عرفيّة ترجع إلى النّصرة و الاعتزاز.

فأمّا قول:

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا

بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد

ص: 668

فوهم جاهليّ،و إلاّ فإنّ بني الأبناء أيضا بنوهم أبناء النّساء الأباعد،و هل يتكوّن نسل إلاّ من أب و أمّ؟(1:685)

مغنيّة:هذا رجاء و دعاء من إبراهيم عليه السّلام أن يمنّ اللّه سبحانه على بعض ذرّيّته،لأنّ(من)هنا للتّبعيض بالإمامة،كما منّ عليه.و هنا تتجلّى عاطفة الوالد للولد،حيث طلب إبراهيم السّعادة العظمى لبعض ذرّيّته،و لم يطلبها من اللّه لنفسه،بل تفضّل اللّه عليه بها ابتداء.

قال:-أي اللّه- لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ، و هذا القول استجابة من اللّه لإبراهيم أن يتّخذ أئمّة من ذرّيّته،على شريطة أن يكونوا مثله أوفياء أتقياء،لأنّ الهدف من الإمام أن يمنع المعصية،فكيف يكون عاصيا؟و لست أرى كلمة أدلّ على عدل الإمام و رحمته بالمحكومين من قول عليّ عليه السّلام و هو خليفة المسلمين:«لقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها،و أصبحت أخاف ظلم رعيّتي».(1:196)

الطّباطبائيّ:قد تبيّن بما ذكر أنّ الإمامة في ولد إبراهيم بعده،و في قوله تعالى: قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ إشارة إلى ذلك،فإنّ إبراهيم عليه السّلام إنّما كان سأل الإمامة لبعض ذرّيّته لا لجميعهم،فأجيب بنفيها عن الظّالمين من ولده،و ليس جميع ولده ظالمين بالضّرورة حتّى يكون نفيها عن الظّالمين نفيا لها عن الجميع،ففيه إجابة لما سأله مع بيان أنّها عهد،و عهده تعالى لا ينال الظّالمين.(1:276)

مكارم الشّيرازيّ:هنا تمنّى إبراهيم عليه السّلام أن يستمرّ خطّ الإمامة من بعده،و أن لا يبقى محصورا بشخصه؛ قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي. لكنّ اللّه أجابه:

لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ.

و قد استجيب طلب إبراهيم عليه السّلام في استمرار خطّ الإمامة في ذرّيّته،لكن هذا المقام لا يناله إلاّ الطّاهرون المعصومون من ذرّيّته لا غيرهم.

(1:320)

2- رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ. إبراهيم:37

ابن عبّاس: مِنْ ذُرِّيَّتِي :اسماعيل و أمّه هاجر.(214)

نحوه الماورديّ(3:138)،و القرطبيّ(9:371).

سعيد بن جبير:حين وضع إسماعيل.

(الطّبريّ 7:464)

الإمام الباقر عليه السّلام:«نحن هم،و نحن بقيّة تلك الذّرّيّة».(الكاشانيّ 3:90)

«نحن و اللّه بقيّة تلك العترة».

(البحرانيّ 5:417)

الفرّاء:قال: إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي.

و لم يأت منهم بشيء يقع عليه الفعل،و هو جائز أن تقول:قد أصبنا من بني فلان،و قتلنا من بني فلان، و إن لم تقل:رجالا،لأنّ(من)تؤدّي عن بعض القوم،كقولك:قد أصبنا من الطّعام و شربنا من الماء،

ص: 669

و مثله: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ الأعراف:50.(2:78)

الطّبريّ:[نقل كلام سعيد بن جبير ثمّ قال:]

فتأويل الكلام إذن:ربّنا إنّي أسكنت بعض ولدي بواد غير ذي زرع.(7:464)

ابن الأنباريّ: مِنْ ذُرِّيَّتِي: مفعول «أسكنت»محذوف،و تقديره:أسكنت ناسا مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ. (2:60)

نحوه العكبريّ.(2:771)

الثّعلبيّ:إنّما أدخل:(من)للتّبعيض،و مجاز الآية:أسكنت من ذرّيّتي ولدا.(5:322)

مثله البغويّ.(3:43)

الطّوسيّ:الذّرّيّة:جماعة الولد على تنشئته من حين يظهر إلى أن يكبر،و المراد بالذّرّيّة هاهنا:

إسماعيل و أمّه هاجر حين أسكنه وادي مكّة،و هو الأبطح،و لم يذكر مفعول أَسْكَنْتُ لأنّ(من) تفيد بعض القوم،كما يقال:قتلنا من بني فلان، و أكلنا من الطّعام،و شربنا من الماء؛قال تعالى أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ الأعراف:50،فموضع(من)نصب.(6:300)

الواحديّ:قال ابن الأنباريّ:(من)دخلت للتّوكيد،و المعنى:أسكنت ذرّيتي.و عند الفرّاء:

دخلت(من)للتّبعيض،أي أسكنت بعض ذرّيّتي، و ذلك أنّه أنزل إسماعيل و أمّه بمكّة،و إسماعيل بعض ذرّيّة إبراهيم،يدلّ على هذا قول ابن عبّاس في هذه الآية:يريد إسماعيل.(3:33)

نحوه ابن الجوزيّ(4:366)،و الشّوكانيّ(3:

141).

الزّمخشريّ:بعض أولادي،و هم إسماعيل و من ولد منه.(2:380)

نحوه الفخر الرّازيّ(19:136)،و النّيسابوريّ (13:135)،و النّسفيّ(2:263)،و الخازن(4:

40)،و أبو حيّان(5:431)،و الكاشانيّ(3:90)، و القاسميّ(10:3733)،و المراغيّ(13:159).

ابن عطيّة:قوله: مِنْ ذُرِّيَّتِي يريد إسماعيل عليه السّلام،و ذلك أنّ سارة لمّا غارت بهاجر بعد أن ولدت إسماعيل تعذّب إبراهيم عليه السّلام بهما،فروي أنّه ركب البراق-هو و هاجر و الطّفل-فجاء في يوم واحد من الشّام إلى بطن مكّة،فنزل و ترك ابنه و أمّته هنالك،و ركب منصرفا من يومه ذلك،و كان هذا كلّه بوحي من اللّه تعالى،فلمّا ولّى دعا بضمن هذه الآية.(3:341)

الطّبرسيّ:أي أسكنت بعض أولادي، و لا خلاف أنّه يريد إسماعيل عليه السّلام مع أمّه هاجر و هو أكبر ولده.

و روي عن الباقر عليه السّلام أنّه قال:«نحن بقيّة تلك العترة»،و قال:«كانت دعوة إبراهيم عليه السّلام لنا خاصّة».[و هذا و نحوه تأويل لا ينافي التّنزيل، و التّأويل قد يوسّع المعنى المنزّل و قد يضيّقه و يخصّه بأهمّ مصاديقه](3:318)

ابن عربيّ:إنّي أسكنت من ذرّيّة قواي.

(1:658)

ص: 670

البيضاويّ:أي بعض ذرّيّتي أو ذرّيّة من ذرّيّتي،فحذف المفعول و هم إسماعيل و من ولد منه،فإنّ إسكانه متضمّن لإسكانهم.(1:532)

مثله الشّربينيّ(2:185)،و نحوه أبو السّعود (3:493)،و البروسويّ(4:426)،و شبّر(3:

363).

الآلوسيّ:(من)في قوله: مِنْ ذُرِّيَّتِي بمعنى بعض،و هي في تأويل المفعول به،أي أسكنت بعض ذرّيّتي.و يجوز أن يكون المفعول محذوفا،و الجارّ و المجرور صفته سدّت مسدّه،أي أسكنت ذرّيّة من ذرّيّتي،و(من)تحتمل التّبعيض و التّبيين.

و زعم بعضهم أنّ(من)زائدة على مذهب الأخفش،لا يرتضيه سليم البصيرة كما لا يخفى، و المراد بالمسكن إسماعيل عليه السّلام و من سيولد له،فإنّ إسكانه حيث كان على وجه الاطمئنان متضمّن لإسكانهم،و الدّاعي للتّعميم-على ما قيل-قوله الآتي: لِيُقِيمُوا .و لا يخفى أنّ الإسكان له حقيقة، و لأولاده مجاز،فمن لم يجوّز الجمع بين الحقيقة و المجاز،يرتكب لذلك عموم المجاز،و هذا الإسكان بعد ما كان بينه عليه السّلام و بين أهله ما كان.

(13:236)

ابن عاشور:جملة إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي مستأنفة لابتداء دعاء آخر.و افتتحت بالنّداء لزيادة التّضرّع،و في كون النّداء تأكيدا لنداء سابق ضرب من الرّبط بين الجمل المفتتحة بالنّداء ربط المثل بمثله...

و(من)في قوله: مِنْ ذُرِّيَّتِي بمعنى بعض، يعني إسماعيل عليه السّلام،و هو بعض ذرّيّته،فكأنّ هذا الدّعاء صدر عن إبراهيم عليه السّلام بعد زمان من بناء الكعبة و تقرّي مكّة،كما دلّ عليه قوله في دعائه هذا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إبراهيم:39،فذكر إسحاق عليه السّلام.

(12:262)

الطّباطبائيّ: مِنْ ذُرِّيَّتِي: في تأويل مفعول أَسْكَنْتُ أو سادّ مسدّه،و(من)فيه للتّبعيض.و مراده عليه السّلام ببعض ذرّيّته ابنه إسماعيل و من سيولد له من الأولاد دون إسماعيل وحده، بدليل قوله:بعده رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ (12:76)

حسنين مخلوف: مِنْ ذُرِّيَّتِي، أي بعضهم، و هو ابنه إسماعيل عليه السّلام الّذي رزق به من السّيّدة هاجر،و أوحي إليه أن ينقلهما إلى مكّة عند المكان الّذي سيبنى فيه البيت المحرّم.(1:414)

عبد الكريم الخطيب:أي بعض ذرّيّتي،إذ كان ابنه الآخر و هو إسحاق يعيش في موطن غير هذا الموطن.فإسماعيل الّذي أسكنه في هذا الوادي هو بعض ذرّيّته،لا كلّ ذرّيّته.(7:192)

3- رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ. إبراهيم:40

ابن عبّاس:يقول:أكرمني و أكرم ذرّيّتي بإتمام الصّلاة.(215)

لا يزال من ولد إبراهيم ناس على الفطرة إلى

ص: 671

أن تقوم السّاعة.(الميبديّ 5:272)

أبو عبيدة:مجازه مجاز المختصر الّذي فيه ضمير،كقوله:و اجعل من ذرّيّتي من يقيم الصّلاة.(1:342)

نحوه الزّجّاج(3:165)،و البغويّ(3:44).

الطّبريّ:يقول:و اجعل من ذرّيّتي مقيمي الصّلاة لك.(7:467)

نحوه الثّعلبيّ.(5:323)

الطّوسيّ:قوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ سؤال من إبراهيم عليه السّلام للّه تعالى أن يجعله ممّن يقيم شرائط الصّلاة،و يدوم عليها بلطف يفعله به،يختار ذلك عنده،و سأله أن يفعل مثل ذلك بذرّيّته،و أن يجعل منهم جماعة يقيمون الصّلاة،و هم الّذين أعلمه اللّه أن يقوموا بها دون الكفّار الّذين لا يقيمون الصّلاة.(6:302)

القشيريّ:أي اجعل منهم قوما يصلّون،لأنّه أخبره في موضع آخر بقوله: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ البقرة:124.(3:258)

الميبديّ:أي و اجعل ذرّيّتي أيضا من يقيمها، قيل:هو محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(5:272)

الزّمخشريّ: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي: و بعض ذرّيّتي،عطفا على المنصوب في اجعلني،و إنّما بعّض لأنّه علم بإعلام اللّه أنّه يكون في ذرّيّته كفّار، و ذلك قوله: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ.

(2:381)

نحوه البيضاويّ(1:533)،و النّيسابوريّ (13:136)،و الخازن(4:41)،و الشّربينيّ(2:

187)،و البروسويّ(4:429)،و الشّوكانيّ(3:

142).

الطّبرسيّ:تقديره:و اجعل من ذرّيّتي مقيم الصّلاة،فحذف الفعل،لأنّ ما قبله يدلّ عليه.و هذا سؤال من إبراهيم عليه السّلام من اللّه تعالى بأن يلطف له اللّطف الّذي عنده يقيم الصّلاة و يتمسّك بالدّين، و أن يفعل مثل ذلك بجماعة من ذرّيّته و هم الّذين أسلموا منهم،فسأل لهم مثل ما سأل لنفسه.

(3:319)

الفخر الرّازيّ:و فيه مسائل:

المسألة الأولى:احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ أفعال العبد مخلوقة للّه تعالى،فقالوا:إنّ قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السّلام: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35،يدلّ على أنّ ترك المنهيّات لا يحصل إلاّ من اللّه و قوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، يدلّ على أنّ فعل المأمورات لا يحصل إلاّ من اللّه،و ذلك تصريح بأنّ إبراهيم عليه السّلام كان مصرّا على أنّ الكلّ من اللّه.

[و قال في المسألة الثّانية نحو الزّمخشريّ]

(19:139)

العكبريّ: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي: هو معطوف على المفعول في اِجْعَلْنِي، و التّقدير:و من ذرّيّتي مقيم الصّلاة.(2:772)

الآلوسيّ: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي: للإشعار بأنّه المقتدى في ذلك،و ذرّيّته أتباع له،فإنّ ذكرهم

ص: 672

بطريق الاستطراد،(و من)للتّبعيض و العطف.كما قال أبو البقاء:على مفعول«اجعل»الأوّل أي و من ذرّيّتي مقيم الصّلاة.

و في الحواشي الشّهابيّة:أنّ الجارّ و المجرور في الحقيقة صفة للمعطوف على ذلك،أي و بعضا من ذرّيّتي،و لو لا هذا التّقدير كان ركيكا،و إنّما خصّ عليه السّلام هذا الدّعاء ببعض ذرّيّته لعلمه من جهته تعالى أنّ بعضا منهم لا يكون مقيم الصّلاة بأن يكون كافرا أو مؤمنا لا يصلّي،و جوّز أن يكون علم من استقرائه عادة اللّه تعالى في الأمم الماضية أن يكون في ذرّيّته من لا يقيمها،و هذا كقوله: وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ البقرة:

128.(13:243)

ابن عاشور: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي: صفة لموصوف محذوف معطوف على ياء المتكلّم،و التّقدير:

و اجعل مقيمين للصّلاة من ذرّيّتي.و(من):ابتدائيّة و ليست للتّبعيض،لأنّ إبراهيم عليه السّلام لا يسأل اللّه إلاّ أكمل ما يحبّه لنفسه و لذرّيّته.و يجوز أن تكون (من)للتّبعيض،بناء على أنّ اللّه أعلمه بأن يكون من ذرّيّته فريق يقيمون الصّلاة و فريق لا يقيمونها، أي لا يؤمنون.و هذا وجه ضعيف،لأنّه يقتضي أن يكون الدّعاء تحصيلا لحاصل،و هو بعيد.

(12:265)

الطّباطبائيّ:قوله تعالى: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ الكلام في استناد إقامته الصّلاة إلى اللّه سبحانه نظير الكلام في استناد إجنابه أن يعبد الاصنام،فإنّ لإقامة الصّلاة نسبة إليه تعالى بالإذن و المشيّة،كما أنّ لها نسبة إلى العبد بالتّصدّي و العمل،و قد مرّ الكلام فيه.

و هذه الفقرة ثاني دعاء يشترك فيه هو عليه السّلام و ذرّيّته،و يعقّب في الحقيقة قوله أوّلا. وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35،كما يلحق به دعاؤه الثّالث المشترك فيه: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ إبراهيم:41.

و قد أفرد نفسه في جميع الفقرات الثّلاث عن غيره،إذ قال: وَ اجْنُبْنِي، و اِجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ، اِغْفِرْ لِي، لأنّ مطلوبه لحوق ذرّيّته به،كما قال في موضع آخر: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ الشّعراء:84.

و في موضع آخر كما حكاه اللّه بقوله: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي البقرة:124.

و أمّا قوله في الفقرة الأولى: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ، و هاهنا اِجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، فقد تقدّم أنّ المراد ببنيه بعضهم لا جميعهم فتتطابق الفقرتان.(12:77)

عبد الكريم الخطيب:في قوله: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي و في التّعبير ب(من)الّتي تفيد التّبعيض إشارة إلى أنّ دعاءه لذرّيّته بأن يقيموا الصّلاة، لا يشمل كلّ ذرّيّته،بل بعضهم ممّن دعاهم اللّه إلى الإيمان به فآمنوا و أخبتوا و كانوا من المتّقين.

(7:196)

ص: 673

4- وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَ إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. الأحقاف:15

لاحظ:ص ل ح:«اصلح».

ذرّيّاتهم

1- وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

الأنعام:87

ابن عبّاس:يعني أولاد يعقوب.(114)

مجاهد:«الذّرّيّة»:الأبناء،و يطلق على جميع البشر ذرّيّة لأنّهم أبناء.(ابن عطيّة 2:318)

الطّوسيّ:إنّما دخلت(من)في قوله: مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ للتّبعيض،كأنّه قال:و بعض آبائهم و بعض ذرّيّاتهم و بعض إخوانهم هديناهم، و لو لم تدخل(من)لاقتضى أنّه هدى جميعهم الهداية الّتي هي الثّواب،و الأمر بخلافه.(4:212)

نحوه القرطبيّ.(7:34)

البغويّ: وَ ذُرِّيّاتِهِمْ، أي و من ذرّيّاتهم، و أراد ذرّيّة بعضهم،لأنّ عيسى و يحيى لم يكن لهما ولد،و كان في ذرّيّة بعضهم من كان كافرا.

(2:142)

نحوه الخازن.(2:129)

ابن عطيّة:[نقل قول مجاهد،ثمّ قال:]

قال قوم:إنّ الذّرّيّة تقع على الآباء،لقوله تعالى: وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ يس،:41،يراد به نوع البشر.(2:318)

ابن الجوزيّ:المعنى هدينا هؤلاء،و هدينا بعض آبائهم و ذرّيّاتهم.(3:80)

نحوه الشّوكانيّ(2:171)،و رشيد رضا(7:

589).

الفخر الرّازيّ:قوله تعالى: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ يفيد أحكاما كثيرة.

الأوّل:أنّه تعالى ذكر الآباء و الذّرّيات و الإخوان،فالآباء هم الأصول،و الذّرّيّات هم الفروع،و الإخوان فروع الأصول،و ذلك يدلّ على أنّه تعالى خصّ كلّ من تعلّق بهؤلاء الأنبياء بنوع من الشّرف و الكرامة.

[ثمّ ذكر سائر الأحكام و كلّها راجع إلى الهداية لاحظ:ه د ي:«هديناهم»](13:66)

البيضاويّ: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ: عطف على كلاًّ أو نُوحاً، أي فضّلنا كلاّ منهم،أو هدينا هؤلاء و بعض آبائهم و ذرّيّاتهم و إخوانهم،فإنّ منهم من لم يكن نبيّا و لا مهديّا.(1:319)

نحوه الشّربينيّ(1:434)،و شبّر(2:284)، و مغنيّة(3:220).

أبو حيّان: ذُرِّيّاتِهِمْ: كذرّيّة نوح عليه السّلام المؤمنين.(4:175)

ابن كثير:قوله: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ ذكر أصولهم و فروعهم،و ذوي طبقتهم،و أنّ الهداية و الاجتباء شملهم كلّهم.

(3:63)

ص: 674

أبو السّعود:قوله: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ إمّا متعلّق بما تعلّق به من ذرّيّته و(من) ابتدائيّة و المفعول محذوف،أي و هدينا من آبائهم و ذرّيّاتهم و إخوانهم جماعات كثيرة.و إمّا معطوف على كلاًّ و(من)تبعيضيّة،أي و فضّلنا بعض آبائهم.(2:412)

نحوه القاسميّ(6:2399)،و رشيد رضا(7:

589)،و المراغيّ(7:182).

البروسويّ: ذُرِّيّاتِهِمْ: أي و بعض ذرّيّاتهم من بعضهم كأولاد يعقوب،و من جملة ذرّيّاتهم نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كما في تفسير الحدّادي، و إنّما أراد ذرّيّة بعضهم لأنّ عيسى و يحيى لم يكن لهما ولد،و كان ذرّيّة بعضهم من كان كافرا.

(3:60)

الآلوسيّ:يحتمل كما قيل:أن يتعلّق بما تعلّق به مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، و(من)ابتدائيّة و المفعول محذوف،أي و هدينا من آبائهم و أبنائهم و إخوانهم جماعات كثيرة،أو معطوف على كلاًّ فَضَّلْنا، و(من)تبعيضيّة،أي فضّلنا بعض آبائهم.[إلى أن قال:]

و جعله بعضهم عطفا على نُوحاً، و(من) واقعة موقع المفعول به مؤوّلا ببعض.و اعتبار البعضيّة لما أنّ منهم من لم يكن نبيّا و لا مهديّا قيل:

و هذا في غير الآباء،لأنّ آباء الأنبياء كلّهم مهديّون موحّدون.و أنت تعلم أنّ هذا مختلف فيه،نظرا إلى آباء نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم و كثير من النّاس من وراء المنع،فما ظنّك بآباء غيره من الأنبياء عليهم السّلام؟(7:214)

ابن عاشور:الذّرّيّات:جمع ذرّيّة،و هي من تناسل من الآدميّ من أبناء أدنين و أبنائهم،فيشمل أولاد البنين و أولاد البنات.و وجه جمعه إرادة أنّ الهدى تعلّق بذرّيّة كلّ من له ذرّيّة من المذكورين، للتّنبيه على أنّ في هدى بعض الذّرّيّة كرامة للجدّ، فكلّ واحد من هؤلاء مراد وقوع الهدى في ذرّيّته، و إن كانت ذرّيّاتهم راجعين إلى جدّ واحد و هو نوح عليه السّلام.

ثمّ إن كان المراد بالهدى المقدّر الهدى المماثل للهدى المصرّح به،و هو هدى النّبوّة،فالآباء يشمل مثل آدم و إدريس عليهما السّلام،فإنّهما آباء نوح.

و الذّرّيّات يشمل أنبياء بني إسرائيل مثل يوشع و دانيال،فهم من ذرّيّة نوح و إبراهيم و إسحاق و يعقوب،و الأنبياء من أبناء إسماعيل عليه السّلام مثل حنظلة بن صفوان و خالد بن سنان، و هودا و صالحا من ذرّيّة نوح،و شعيبا من ذرّيّة إبراهيم،و الإخوان يشمل بقيّة الأسباط إخوة يوسف.

و إن كان المراد من الهدى ما هو أعمّ من النّبوّة شمل الصّالحين من الآباء مثل هابيل بن آدم.و شمل الذّرّيّات جميع صالحي الأمم مثل أهل الكهف؛قال تعالى: وَ زِدْناهُمْ هُدىً الكهف:13،و مثل طالوت ملك إسرائيل،و مثل مضر و ربيعة،فقد ورد أنّهما كانا مسلمين،رواه الدّيلميّ عن ابن عبّاس، و مثل مؤمن آل فرعون و امرأة فرعون.و يشمل

ص: 675

الإخوان هاران بن تارح أخا إبراهيم،و هو أبو لوط،و عيسو أخا يعقوب و غير هؤلاء ممّن علمهم اللّه تعالى.(6:200)

الطّباطبائيّ:هذا التّعبير يؤيّد ما قدّمناه أنّ المراد بيان اتّصال سلسلة الهداية،حيث أضاف الباقين إلى المذكورين بأنّهم متّصلون بهم بأبوّة أو بنوّة أو أخوة.(7:246)

عبد الكريم الخطيب:إشارة إلى أنّ هؤلاء الّذين،اختصّهم اللّه بهذا الذّكر،ليسوا هم وحدهم الّذين شملهم فضل اللّه و مسّتهم رحمته،بل أنّ من آباء هؤلاء و أبنائهم و إخوانهم من شمله هذا الفضل،و مسّته تلك الرّحمة سواء من كان منهم نبيّا أو رسولا،أو عبدا من عباد اللّه الصّالحين.و حسب ذرّيّة هؤلاء الّذين لم يذكروا هنا-حسبهم شرفا و ذكرا-أن يكون منهم خاتم النّبيّين محمّد صلوات اللّه و سلامه عليه فهو من ذرّيّة إسماعيل و من حفدة إبراهيم.(4:229)

مكارم الشّيرازيّ:أهمّيّة الأبناء الصّالحين في بيان شخصيّة الإنسان:

و هذا موضوع آخر يستنتج من هذه الآيات، فلإضفاء الأهمّيّة على شخصيّة إبراهيم عليه السّلام بطل تحطيم الأصنام،يشير اللّه إلى شخصيّات إنسانيّة عظيمة كانت من ذرّيّته في العصور المختلفة، و يصفهم بصفات جليلة،بحيث نجد من بين مجموع خمسة و عشرين نبيّا ورد ذكرهم في القرآن،ستّة عشر منهم من ذرّيّة إبراهيم،و واحدا من أجداده، و هذا في الواقع درس كبير للمسلمين كافّة لكي يدركوا أنّ أبناءهم جزء من كيانهم و شخصيّتهم، و أنّ لقضاياهم التّربويّة و الإنسانيّة أهمّيّة كبيرة جدّا.

و لعلّ الّذين يقرءون: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يستنتجون أنّ آباء الأنبياء لم يكونوا جميعا من المؤمنين،و أنّ منهم من لم يكن موحّدا،كما يقول بعض المفسّرين من أهل السّنّة عند تفسير هذه الآية،و لكنّنا يجب أن نلاحظ أنّ تعبير اِجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ بالقرينة الموجودة في هذه الآيات تعني مقام النّبوّة و حمل الرّسالة،و بهذا يتهاوى الاعتراض،أي أنّ معنى هذه الآية:أنّنا قد اخترنا بعضا منهم لمقام النّبوّة،و هذا لا يعني أنّ الآخرين لم يكونوا موحّدين،و في الآية(90)من هذه السورة وردت لفظة«الهداية»بمعنى النّبوّة.(4:342)

2- جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. الرّعد:23

3- رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. المؤمن:8

لاحظ:ص ل ح:«صلح».

ص: 676

ذرّيّاتنا

وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً.

الفرقان:74

الطّوسيّ:قرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائيّ و خلف و أبو بكر إلاّ حفصا(و ذرّيّتنا)على التّوحيد،الباقون على الجمع.

من وحّد الذّرّيّة فلأنّه في معنى الجمع،لقوله:

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ الإسراء:3،و من جمع فكما تجمع الأسماء الدّالّة على الجمع،نحو:قوم و أقوام،و قد يعبّر بذلك عن الواحد،كقوله: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً آل عمران:38،و يعبّر به عن الجمع كقوله: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ النّساء:8،و من جمع فللازدواج.(7:509)

نحوه أبو زرعة(515)،و الزّمخشريّ(3:

102)،و ابن عطيّة(4:222).

لاحظ:و ه ب:«وهب»و:ق ر ر:«قرّة».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في المادّة:الذّرّ:التّبديد و التّفريق؛ يقال:ذرّ الشّيء يذرّه ذرّا،أي أخذه بأطراف أصابعه ثمّ نثره على شيء،كذرّ الملح المسحوق على الطّعام.

و ذررت الحبّ و الملح و الدّواء أذرّه ذرّا:بدّدته و فرّقته.

و الذّرارة:ما تناثر من الشّيء المذرور.

و الذّرور:ما يذرّ في العين و على القرح من دواء يابس،و الجمع:أذرّة،و هو الذّريرة أيضا؛ يقال:ذررت عينه،إذا داويتها.

و ذرّ عينه بالذّرور يذرّها ذرّا:كحلها،و في الحديث:«تكتحل المحدّ بالذّرور».

و الذّريرة:فتات من قصب الطّيب الّذي يجاء به من بلد الهند،يشبه قصب النّشّاب،و في الحديث:

«ينثر على قميص الميّت الذّريرة».

و الذّرّ:صغار النّمل،واحدته ذرّة،لأنّه كالذّرارة.

و الذّرّة:مائة منها وزن حبّة من شعير،فكأنّها جزء من مائة،و قيل:ليس لها وزن،و يراد بها ما يرى في شعاع الشّمس الدّاخل في النّافذة،و منه سمّي الرّجل ذرّأ،و كنّي بأبي ذرّ.

و ذرّيّ السّيف:فرنده و ماؤه،أي لمعانه يشبّهان في الصّفاء بمدبّ النّمل و الذّرّ،فنسب إليه؛يقال:ما أبين ذرّيّ سيفه!

و ذرّ البقل و النّبت يذرّ،إذا طلع من الأرض و تخدّد.

و ذرّت الأرض النّبت ذرّا:فرّقته.

و أصابنا مطر ذرّ بقله يذرّ،إذا طلع و ظهر، و ذلك أنّه يذرّ من أدنى مطر،و إنّما يذرّ البقل من مطر قدر وضح الكفّ،و لا يقرّح البقل إلاّ من قدر

ص: 677

الذّراع.

و ذرّت الشّمس تذرّ ذرورا:طلعت و ظهرت.

و ذرّ اللّه الخلق في الأرض:نشرهم.

2-و ذرّيّة الرّجل:ولده،و الجمع:الذّراريّ و الذّرّيّات.و قد اختلفوا فيه،فمنهم من قال:

الذّرّيّة:نسبة إلى الذّرّ،لأنّ اللّه ذرّهم في الأرض، أي نشرهم،و وزنه على هذا«فعليّة».و قياسه «ذرّيّة»،لكنّه نسب شاذّ،لم يجئ إلاّ مضموم الأوّل،مثل:سرّيّة،من السّرّ،أي النّكاح.

و منهم من قال:أصله«ذرّورة»على وزن «فعولة»،و لمّا كثر التّضعيف أبدل الرّاء الأخيرة ياء،فصار«ذرّوية»،ثمّ أدغم الواو في الياء ،فصار ذرّيّة.

و منهم من قال:أصله«ذرّيئة»على وزن «فعّيلة»من الذّرء،أي الخلق،فسهّلت الهمزة و أبدلت ياء،ثمّ أدغمت الياءان و شدّدتا،فصارت ذرّيّة.

3-و الذّرّة عند الفلاسفة اليونان القدامي:

الجزء الّذي لا يتجزّأ من الجسم و أطلق عليها العرب اسم الجوهر الفرد.و لكنّها عند الفيزيائيّين و الكيميائيّين اليوم جزء يتجزّأ،فهي تتكوّن من نواة تشتمل على جسيمات ذات شحنة كهربائيّة موجبة،تدعى بروتونات،و على جسيمات لا تحمل شحنة كهربائيّة،تدعى نيوترونات.و يحيط بالنّواة جسيمات ذات شحنة كهربائيّة سالبة،تدعى إلكترونات،و هي تتحرّك في مدارات مستقلّة حول النّواة.

و استطاع خبراء الذّرّة عام:1919 م،أن يشطروا الذّرّة،و يستغلّوا بعد ذلك الطّاقة المنشطرة من ذرّة اليورانيوم،ثمّ انتهت بحوثهم إلى صنع القنبلة الذّرّيّة.

و كانت أمريكا أوّل دولة صنعت هذا السّلاح المدمّر،و استعملته في الحرب العالميّة الثّانية،إذ ألقت قنبلة ذرّيّة على مدينة«هيروشيما»اليابانيّة عام:1945 م،فجعلتها قاعا صفصفا،و أزهقت أرواح من كان فيها.و بعد ثلاثة أيّام ألقت أمريكا قنبلة ذرّيّة أخرى على مدينة«ناكازاكي»اليابانيّة أيضا،فقتلت أربعين ألف شخص،و جرحت أربعين ألف آخرين،و دمّرت المدينة!

و غنيّ عن البيان أنّ للطّاقة الذّرّيّة خدمات سلميّة في كافّة الميادين أيضا،و منها:الميدان الصّناعيّ و الزّراعيّ و الطّبّيّ و غيرها.و قد سعت الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة إلى احتياز هذه الطّاقة للأغراض السّلميّة،فنجحت في هذا المضمار نجاحا باهرا،و أنشأت لهذا الغرض عدّة مفاعلات نوويّة في أماكن مختلفة،و استطاعت أن تخصّب اليورانيوم الخفيف و الثّقيل،فاستثار هذا الأمر دفين حقد الأمريكيّين و حلفائهم الغربيّين،فضربوا على إيران حصارا اقتصاديّا،و ضيّقوا عليها سياسيّا، و لكنّ هذا النّهج لم يفتّ في عضد الإيرانيّين،إذ اندفعوا في بناء بلادهم و إعمارها بعزم و همّة.

ص: 678

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم:(ذرّة)6 مرّات،و(ذرّيّة و ذرّيّات)30 مرّة في 36 آية:

1-ذرّة

1- إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً النّساء:40

2 و 3- فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8

4- ...وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ... يونس:61

5- ...لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ... سبأ:3

6- قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ وَ ما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَ ما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ سبأ:22

2-ذرّيّة

أ-ذرّيّة آدم و من حمل مع نوح من جميع النّاس:

7- وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ... الأعراف:172

8- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58

9- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً ... قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي ... وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَ إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ الأحقاف:15

10- وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ...* لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:61،62

11- وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ *...

وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ الصّافّات:75-77

12- ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً الإسراء:3

13- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ... الطّور:21

14- وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يس،:41

15- وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ... الفرقان:74

16- جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ... الرّعد:23

17- رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ... المؤمن:8

18- وَ رَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ الأنعام:133

19- ...لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَ أَصابَهُ الْكِبَرُ وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ... البقرة:266

ص: 679

20- وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ... النّساء:9

21- أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ... الأعراف:173

ب-ذرّيّة الأنبياء عليهم السّلام:

22- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً... الرّعد:38

23- ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ آل عمران:34

24- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ... الحديد:26

25- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ...* رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ... إبراهيم:35-37

26- رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ إبراهيم:40

27- ...قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ البقرة:124

28- رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ... البقرة:128

29- ...وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ... الأنعام:84

30- وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الأنعام:87

31- وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا... العنكبوت:27

32- وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ الصّافّات:113

33- فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ... يونس:83

34- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ آل عمران:38

35- ...وَ إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ آل عمران:36

ج-ذرّيّة إبليس:

36- وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً الكهف:50

يلاحظ أوّلا:أنّ فيها محورين:ذرّة و ذرّيّة، و في المحور الأوّل ستّ آيات جاءت في جميعها كلمتان: مِثْقالَ ذَرَّةٍ تأكيدا الأقلّ المقادير.

و محتواها ثلاثة أصناف:

الأوّل:ما جاءت بشأن حساب الأعمال عند اللّه في الآخرة في الثّلاث الأولى منها:

فجاءت في(1)كوعد من اللّه للنّاس في جزاء أعمالهم ثلاث:

أوّلها:أنّ اللّه لا يظلم النّاس مثقال ذرّة،أي

ص: 680

لا يظلمهم أقلّ ظلم،فيقدّر بمقدار مِثْقالَ ذَرَّةٍ، أي بوزن ذرّة من ذرّات الأرض،و هو أقلّ القليل.

و ثانيهما:أنّ تلك الذّرّة من الأعمال إن كانت حسنة فاللّه تعالى يضاعفها لهم جزاء.

و ثالثها:أنّ اللّه يؤتيهم من عنده بلا استحقاق منهم أجرا عظيما وراء مضاعفة الحسنة.

و جاء في(2)و(3)وعد من اللّه تعالى في جزاء عمل الخير و الشّرّ،و أنّ من يعمل عملا خيرا بمقدار ذرّة يراه،أي يرى جزاءه الخير-و هو ثوابه-في الآخرة،و من يعمل عملا شرّا بمقدار ذرّة يراه،أي يرى جزاءه الشّرّ-و هو عقابه-في الآخرة،و هذا التّفريق بين الخير و الشّرّ في الآيتين تفصيل لما قبلهما من الوعد بإراءة الأعمال: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ.

و قوله: يَوْمَئِذٍ: بيان لما قبلها من الوعد:

يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها، و كلاهما بيان لما جاء في أوّل السّورة: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها* وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها* وَ قالَ الْإِنْسانُ ما لَها.

و قد جاءت«رؤية الأعمال»في كلا الوعدين:

في الأوّل: لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ بلفظ(يروا)من الإراءة،و في الثّاني بلفظ: خَيْراً يَرَهُ و شَرًّا يَرَهُ، من الرّؤية،أي في ذلك اليوم يريهم اللّه أعمالهم،فهم يرونها.

و في ذكر رؤية الأعمال في الآيتين بدل رؤية جزائه بيان لتشابه الأعمال و جزائها،كأنّ جزاءها عينها كمّا و كيفا و خيرا و شرّا،و لهما نظير في القرآن: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ البقرة:167،و وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى* وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى النّجم:39،40.

لاحظ:رأي:«يرى»،و:ز ل ز ل:«زلزلت».

الثّاني:ما جاء في(4)و(5)من أنّه لا يخفى على اللّه مثقال ذرّة ممّا في الأرض أو في السّماء،و هاتان الآيتان أيضا جاءتا في الوعد بجزاء الأعمال.فجاء في(4): وَ ما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَ ما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرَ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ، و للآيات قبلها و بعدها ربط أيضا بجزاء الأعمال،فلاحظ.

و جاء في(5)و ما بعدها: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السّاعَةُ قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرُ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ* لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ* وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ.

لاحظ:ث ق ل:«مثقال»،و:ع ز ب:«يعزب»، و:ك ت ب:«كتاب»،و:ب ي ن:«مبين».

الثّالث:ما جاء في(6)من أنّ الأصنام الّتي يعبدها المشركون من دون اللّه لا يملكن شيئا و لو بمقدار ذرّة من خير و شرّ،و نفع و ضرر في

ص: 681

السّماوات و الأرض،و ليس لها شرك في خلقهما، و لا معاونة للّه في ذلك.

قال الطّبرسيّ(4:389):«قوله: قُلِ ادْعُوا... هذا نوع توبيخ لا أمر،ليعلموا أنّ أوثانهم لا تنفعهم و لا تضرّهم».و لازم ذلك أنّه ليس للأوثان دخل في جزاء الأعمال من خير و شرّ، و بذلك ترجع هذه الآية أيضا إلى جزاء الأعمال.

المحور الثّاني:ذرّيّة،و فيه 30 آية:

و كما تشاهدون صنّفنا الآيات ذيل عناوينها ثلاثة أصناف:ذرّيّة آدم و من حمل مع نوح، و ذرّيّة الأنبياء عليهم السّلام و ذرّيّة إبليس،و نبحثها بنفس التّرتيب مراعين الأقدم فالأقدم:

أ-ذرّيّة آدم و من حمل مع نوح عليهما السّلام:

و قد جعل اللّه في أربع آيات منها(7-10)نسل الإنسان من آدم ذرّيّة له،فجاء في(7): وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ...، و في(8) : أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ...، و في(9):

وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً، و المراد ب اَلْإِنْسانَ فيها آدم أو كلّ إنسان من بنيه.إلى أن قال حكاية عن الإنسان: وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي. لاحظ:أ ن س:«الانسان».

و في(10)بعد أمر الملائكة بالسّجود لآدم و تخلّف إبليس عن السّجود له قال: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً فقد عاهد اللّه بإضلال ذرّيّة آدم بدل سجوده لآدم، فأضيفت(ذرّيّة)مفردة فيها إلى ضمير آدم.

و في(8): أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا.

هذه من جملة آيات سورة مريم بشأن إبراهيم و ذرّيّته ابتداء من الآية 41: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا، و انتهاء بقوله 59:

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ *إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً... .

و قد جاء فيها احتجاجه لأبيه على ردّ عبادة الأصنام إلى الآية 48.ثمّ ذكر جملة من ذرّيّته:

إسحاق و يعقوب و موسى و هارون و إسماعيل صادق الوعد و إدريس،ثمّ قال: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ. و جمعهم على أنّهم من ذرّيّة آدم و من حمل مع نوح و إبراهيم و إسرائيل، و فيها بحوث:

1-قال السّدّيّ-و تبعه غيره-:«الّذي عني به من ذرّيّة آدم إدريس،و الّذي عني به من ذرّيّة من حملنا مع نوح إبراهيم،و الّذي عني من ذرّيّة إبراهيم إسحاق و يعقوب و إسماعيل،و الّذي عني به من ذرّيّة إسرائيل موسى،و هارون،و زكريّا، و يحيى،و عيسى».

2-قال الطّباطبائيّ:«و قوله: مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ في معنى الصّفة للنّبيّين،و(من)فيه للتّبعيض،أي من النّبيّين الّذين هم بعض ذرّيّة آدم،و ليس بيانا

ص: 682

للنّبيّين،لاختلال المعنى بذلك.و قوله: وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ معطوف على قوله: مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، و المراد بهم المحمولون في سفينة نوح عليه السّلام و ذرّيّتهم و قد بارك اللّه عليهم،و هم من ذرّيّة نوح لقوله تعالى: وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ الصّافّات:77».

و نقول:أكثرهم على أنّ(من)في مِنَ النَّبِيِّينَ للتّبيين؛قال أبو حيّان(6:200):(من) في مِنَ النَّبِيِّينَ للبيان،لأنّ جميع الأنبياء منعم عليهم،و(من)الثّانية للتّبعيض،و كان إدريس من ذرّيّة آدم لقربه منه،لأنّه جدّ أبي نوح،و إبراهيم من ذرّيّة من حمل مع نوح،لأنّه من ولد سام بن نوح، و من ذرّيّة إبراهيم إسحاق...».

و جعل النّاس في آيتين(11 و 12)من ذرّيّة نوح و من كان معه في السّفينة،ففي(11): وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ -إلى أن قال:- وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ.

و في(12)بشأن بني إسرائيل: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً.

و قد أضيفت(ذرّيّة)مفردة إلى ضمير النّاس مرّتين في(13)و مرّة(14)و جمعا:(ذرّيّاتهم):

في(16 و 17)و في(15)بضمير المتكلّم مع:

أَزْواجِنا: مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيّاتِنا، و في (18): ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ.

و جاء في(19-21)بلا إضافة: ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ أو ذُرِّيَّةً ضِعافاً أو وَ كُنّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ.

ب-ذرّيّة الأنبياء عليهم السّلام(22-35):

فجاءت في(22)ذرّيّة الرّسل مع أزواجهم بلا إضافة: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَ جَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَ ذُرِّيَّةً. لاحظ:زوج:«ازواجا».

و جاءت في(23)ذرّيّة آدم و نوح و آل إبراهيم و آل عمران بدون إضافة أيضا: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، و فيها بحوث:

1-لقد جاء في رواية عن أبي ذرّ الغفاريّ، و روايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام الاحتجاج بهذه الآية على استمرار الولاية لهم عليهم السّلام،فلاحظ.

2-ظاهر الآية أنّ الذّرّيّة فيها بالتّناسل،أي يتناسل بعضهم من بعض؛قال الإمام الصّادق عليه السّلام:

«و لا يكون الذّرّيّة من القوم إلاّ نسلهم من أصلابهم».

قال ابن الجوزيّ:«الأبناء ذرّيّة للآباء،و الآباء ذرّيّة للأبناء،كقوله تعالى: حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يس،:41،فجعل الآباء ذرّيّة للأبناء،و إنّما جاز ذلك،لأنّ الذّرّيّة مأخوذة من قولهم:ذرأ اللّه الخلق».

و قال مغنيّة:«و كلام اللّه يجب أن يحمل على أحسن المحامل».فحمل الآية على ولادة بعضهم من بعض،و أنّ القصد بها مدحهم و الثّناء عليهم، و أنّهم كانوا أشباها و نظائر في القداسة و الفضيلة،

ص: 683

فلاحظ.

و قال الخطيب:«أي أنّ هؤلاء المصطفين من آل إبراهيم و آل عمران،هم و آباؤهم من معدن واحد،خلص من شوائب الفساد».

و عن الحسن:«إنّهم صاروا ذرّيّة بالتّناصر لا بالنّسب».و عن قتادة:«إنّهم ذرّيّة في النّيّة و العمل و الإخلاص و التّوحيد له»،و أيّده الطّبريّ،و كلاهما خلاف ظاهر الآية.لكنّا لا ننكر أنّ التّناصر و الاتّباع في النّيّة و العمل قد يعبّر عنهما بالذّرّيّة،كإطلاق الذّرّيّة على الأتباع مجازا.

و قد اعتبر ابن عربيّ ذرّيّة بعضها من بعض في الدّين و الحقيقة،ثمّ قسّم الولادة إلى صوريّة و معنويّة،فجعل ولادة البدن ولادة صوريّة، و الاتّباع فيما يتعلّق بالباطن و الأصول ولادة معنويّة،و قد بسط الكلام فيها فلاحظ.

3-قالوا ذُرِّيَّةً إمّا نصبا بالتّكرير من الأسماء الّتي قبلها حالا أو بدلا،و إمّا رفعا استيناف، و لكنّه مبنيّ على القراءة رفعا،و لم يقرأ.

4-عن الطّبريّ أنّ ذُرِّيَّةً برفع الفاء قراءة جمهور النّاس،و بكسرها قراءة زيد بن ثابت و الضّحّاك.

و في(24)جاءت ذرّيّة نوح و إبراهيم: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ* ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَ قَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَ آتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ و فيها بحوث:

1-الآيتان جاءتا بعد آية إرسال الرّسل جميعا، و هي: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ. فقد عمّم اللّه فيها إرسال الرّسل و إنزال الكتب و الشّرائع-و هي الميزان-و بيّن الحكمة في إرسالهم و إنزالها،و هي قيام النّاس بالقسط،ثمّ ضمّ إلى ذلك إنزال الحديد لمنافع،منها الدّفاع عن الرّسل و دينهم بالقوّة إذا احتيج إليها.

و بعد ذلك الحكم العامّ خصّ نوح و إبراهيم تشريفا لهما بالنّبوّة و الكتاب.قال أبو حيّان:«أمّا نوح،فلأنّه أوّل الرّسل إلى من في الأرض.و أمّا إبراهيم،فلأنّه انتسب إليه أكثر الأنبياء عليهم السّلام،و هو معظّم في كلّ الشّرائع».

2-و قد خصّهما بشرف آخر،و هو جعل النّبوّة و الكتاب في ذرّيّتهما:فجميع الأنبياء بعد نوح من ذرّيّة نوح،ثمّ من ذرّيّة إبراهيم عليهما السّلام إمّا من ذرّيّة ابنه إسماعيل،و هو نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و كتابه القرآن.

و إمّا من ذرّيّة ابنه إسحاق،و هم أنبياء بني إسرائيل يعقوب و ذرّيّته إلى عيسى بن مريم عليهما السّلام،و كتبهم التّوراة و الإنجيل و الزّبور،و العهد القديم و الجديد.

3-و نحن نعلم أنّ نبوّة الأنبياء سبقت نزول الكتاب عليهم كما هو صريح الآية قبلها: أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ، و كرّرها في هذه الآية: وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ

ص: 684

وَ الْكِتابَ. فكلّ نبيّ هو صاحب نبوّة،و لكن ليس كلّ نبيّ صاحب كتاب،و اللّه تعالى شرّف ذرّيّة نوح و إبراهيم بالنّبوّة و الكتاب جميعا.

و قال أبو حيّان:«ثمّ ذكر أشرف ما حصل لذرّيّتهما،و ذلك النّبوّة،و هي الّتي بها هدي النّاس من الضّلال، وَ الْكِتابَ: و هي الكتب الأربعة».

و قال الفخر الرّازيّ:«و إنّما قدّم النّبوّة على الكتاب،لأنّ كمال حال النّبيّ أن يصير صاحب الكتاب و الشّرع».و في هذا السّياق خطأ لفظيّ، و الحقّ أن يقال:و إنّما أخّر الكتاب عن النّبوّة،لأنّ الكتاب كمال النّبوّة و متمّم لها.

4-قال أيضا:«و جملة: وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ بالنّسبة إلى نوح و إبراهيم عليهما السّلام قد تفيد أنّ اللّه عزّ و جلّ اختصّ ذرّيّتهما بذلك،و إذا صحّ هذا يكون ذلك لأوّل مرّة في القرآن،لأنّه لم يسبق مثله.

و ممّا يرد على البال أنّ ممّا استهدفه توكيد دخول جميع الأنبياء و الرّسل في مشمول ذُرِّيَّتِهِمَا، فيدخل في ذلك الأنبياء الّذين لم يعرف أنّهم من نسل إبراهيم،مثل هود و صالح و شعيب و لوط و إدريس و غيرهم ممّن لم يرد ذكرهم في القرآن،و إنّما أشير إليهم إشارة عامّة في جملة: وَ رُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ. النّساء:164،و نظيرها في سورة المؤمن:78...».

5-ثمّ بيّن أنّ هذه الذّرّيّة افترقت فرقتين:

فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ لاحظ:ه د ي:

«مهتدون»،و:ف س ق:«فاسقون».

و نقول:ظاهر هذه الآية أنّها تنفي ما يدّعى من وجود أنبياء في سائر الأمم،و هذا أمر ينبغي الكلام فيه تفصيلا.

و في(25)و(26): رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ -إلى أن قال:- رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ.

الآيتان من جملة ما دعا اللّه إبراهيم في سورة إبراهيم بدءا بالآية:35: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إلى(41): رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ، و فيهما بحوث:

1-جاءت فيهما مِنْ ذُرِّيَّتِي و(من)فيهما للتّبعيض،أي بعضها،و عن ابن الأنباريّ أنّها للتّأكيد،و احتمل فيها التّبيين أو الزّيادة،و كلّها بعيد.

و المراد بهذا البعض في(25)إسماعيل،لأنّ إبراهيم أسكن من ذرّيّته بواد غير ذي زرع-أي أرض مكّة-إسماعيل و أمّه هاجر.أمّا في(26) فالمراد بالبعض بعض ذرّيّته من إسماعيل و إسحاق جميعا.لأنّها جاءت عقيب الآية 39: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ.

ص: 685

2- مِنْ ذُرِّيَّتِي، محلّها نصب قامت مقام المفعول،و حذف المفعول،و هو ولده إسماعيل.

و قال الآلوسيّ:«و يجوز أن يكون المفعول محذوفا و الجارّ و المجرور صفته سدّت مسدّه،أي أسكنت ذرّيّة من ذرّيّتي».

3-و عن البيضاويّ:«أنّها تشمل إسماعيل و من ولد منه،فإنّ إسكانه متضمّن لإسكانهم».

و عندنا أنّ إطلاق«ذرّيّة»على إسماعيل يصحّ باعتبار ذرّيّته،و إلاّ فلا يطلق على ابن واحد «ذرّيّة»فإنّها ظاهرة في النّسل المتسلسل المتعقّب بعضه ببعض.و يؤيّده ضمير الجمع في لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ، و ما بعدها مكرّرا.

4-كرّرت رَبَّنا في(25)بلفظ الجمع في الضّمير المضاف إليه،حيث دعا للذّرّيّة،و بلفظ المفرد في(26): رَبِّ، حيث دعا لنفسه،ثمّ عطف عليه: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي. و قد أكّد في الآيتين إقامة الصّلاة،فجاء في الأولى: رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ، و في الثّانية: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ اهتماما بها.و قد كرّر رَبَّنا و رَبِّ ثلاث مرّات، و خصّ رَبَّنا بالدّعاء للذّرّيّة،و رَبِّ بالدّعاء لنفسه.فلاحظ هذا النّظم البديع في -حكاية القرآن-دعاء إبراهيم عليه السّلام.

و نرى هذا النّظم بالذّات في دعاء آخر حكاية عن إبراهيم في سورة البقرة الآيات 126-129 بدءا بقوله: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً...، و ختما بقوله: رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

فالدّعاءان في سورتين:مكّيّة و مدنيّة،حكاية أدعية لإبراهيم عليه السّلام،كرّرها اللّه اهتماما بهما،فحكى اللّه أوّلا للمشركين في مكّة-و أكثرهم من ذرّيّة إبراهيم و إسماعيل-و ثانيا لجميع المؤمنين في المدينة:الأنصار و المهاجرين منهم بألفاظ متفاوتة و مضامين مشتركة في بعض،و مختلفة في بعض،و في مجموعهما تمام دعاء إبراهيم عليه السّلام.و أوّلهما خاصّ بالدّعاء لأمن البلد«مكّة»بلفظ واحد: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً، و خصّت الثّانية في آخرها بالدّعاء لبعث رسول منهم و فيهم: رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ...، و المراد به نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و في(27 و 28)و كلاهما من سورة البقرة، و كذلك الآيات:124 و 127 و 128 منها: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ، و وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَ أَرِنا مَناسِكَنا وَ تُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ.

و قد جاء فيها وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي و وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا مع(من)التّبعيضيّة كالآيتين:(25 و 26) تماما،رعاية لما علمه إبراهيم أنّ كلّ ذرّيّته ليسوا

ص: 686

مؤمنين،و قد أخبره اللّه بذلك بقوله: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ و في كلّ منهما بحوث:

ففي(27):

1-هذه الآية-من بين الآيات الّتي نزلت بشأن إبراهيم عليه السّلام-وعد من اللّه لجعل إبراهيم عليه السّلام.

إماما؛قال ابن كثير:«و الدّليل على أنّه أجيب إلى طلبته قوله تعالى: وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ العنكبوت:27.

و سائر الآيات في هذا السّياق دعاء من إبراهيم له و لذرّيّته أن يجعلهم صالحين موحّدين.و هذه الجملة تصف الإمام بمعناه العامّ،و أنّه لا يكون ظالما.

لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ.

2-قالوا في وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي: إنّه عطف على كاف الخطاب في جاعِلُكَ، و إنّه من قبيل أن يقال لك:سأكرمك،فتقول:و زيدا.قاله الزّمخشريّ.و قد ناقشه أبو حيّان في العطف على الضّمير،و أطال الكلام فيه فلاحظ،و كذلك الآلوسيّ.

و قال السّمين:«و يجوز أن يكون مِنْ ذُرِّيَّتِي مفعولا ثانيا قدّم على الأوّل فيتعلّق بمحذوف، و جاز ذلك لأنّه ينعقد من هذين الجزءين مبتدأ و خبر،لو قلت: مِنْ ذُرِّيَّتِي إمام،لصحّ».

و احتمل أبو السّعود أنّه متعلّق بمحذوف،أي و اجعل فريقا من ذرّيّتي إماما.

3-اختلفوا في وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، هل هي سؤال من إبراهيم أن يجعل اللّه من ذرّيّته أيضا إماما-و هو الظّاهر-أو استفهام و استعلام منه؟أي هل يكون من ذرّيّتي؟

و قال الفخر الرّازيّ:«إنّه تعالى أعلمه أنّ في ذرّيّته أنبياء،فأراد أن يعلم هل يكون ذلك في كلّهم أو في بعضهم،و هل يصلح جميعهم لهذا الأمر؟ فأعلمه اللّه تعالى أنّ فيهم ظالما لا يصلح لذلك...».

ثمّ طرح سؤالا:هل كان إبراهيم مأذونا في هذا السّؤال أم لا؟فإن كان مأذونا فلم ردّ دعاؤه؟و إن لم يكن مأذونا فهل كان ذلك ذنبا منه؟و لا ينبغي للفخر الرّازيّ أن يثير نحو هذه الأمثلة،فإنّ القرآن ليس مسرحا للشّبهات الكلاميّة و المناقشات الطّلاّبيّة.

و كأنّ أبا السّعود ناظر إلى قوله حيث قال:

«ليس هذا ردّا لدعوته عليه السّلام،بل إجابة خفيّة لها و عدة إجماليّة منه تعالى بتشريف بعض ذرّيّته عليه السّلام بنيل عهد الإمامة،حسبما وقع في استدعائه عليه السّلام من غير تعيين لهم بوصف مميّز لهم عن جميع من عداهم، فإنّ التّنصيص على حرمان الظّالمين منه بمعزل من ذلك التّمييز...».

و نقول:قد سبقت في الآية 129 من البقرة دعوته عليه السّلام لبعث رسول في ذرّيّته: رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ... .و لعلّ هذا الدّعاء كان عقيب ذاك السّؤال و الجواب بينه و بين اللّه عزّ و جلّ،حيث استشعر من ذلك أنّه تعالى يجعل في ذرّيّته إماما.و المراد بالإمام فيها معناه اللّغويّ الشّامل للنّبيّ أي من يؤتمّ به،لاحظ:

ص: 687

أ م م:«إماما».و هذا ما احتمله الماورديّ في أحد وجهيه،و قال:«و هو أنّه طمع في الإمامة لذرّيّته، فسأل اللّه تعالى ذلك لهم».

4-قال القشيريّ-كإشارة في الآية-:«نطق -إبراهيم-بمقتضى الشّفقة عليهم،فطلب لهم ما أكرم به،فأخبره-اللّه-أنّ ذلك ليس باستحقاق نسب،أو باستيجاب سبب،و إنّما هي أقسام مضت بها أحكام،فقال له: لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ».

و قال مغنيّة:«و هنا تتجلّى عاطفة الوالد للولد،حيث طلب إبراهيم السّعادة العظمى لبعض ذرّيّته،و لم يطلبها من اللّه لنفسه،بل تفضّل اللّه عليه بها ابتداء».

و قال رشيد رضا:«و قد جرى إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم على سنّة الفطرة في دعائه هذا،فإنّ الإنسان لمّا يعلم من أنّ بقاء ولده بقاء له،يجب أن تكون ذرّيّته على أحسن حال يكون هو عليها،ليكون له حظّ من البقاء جسدا و روحا.و قال في مِنْ ذُرِّيَّتِي (27):«و قد راعى الأدب في طلبه،فلم يطلب الإمامة لجميع ذرّيّته بل لبعضها،لأنّه الممكن،و في هذا مراعاة لسنن الفطرة أيضا.و ذلك من شروط الدّعاء و آدابه».

5-قال الثّعلبيّ:«ذرّيّة بكسر الذّال،و هي قراءة زيد بن ثابت،و ذرّيّة بفتحها،و هي قراءة أبي جعفر،و ذرّيّة بضمّها،و هي قراءة العامّة».

و نقول:اختلاف القراءة في مثل هذه ناشئ من اختلاف اللّهجات في أداء اللّغات،و مثله كثير في القراءات.بل لعلّه العامل الوحيد في اختلاف القراءات.لاحظ«المدخل»بحث القراءات، و لاحظ مقدّمة المجلّد السّابع من كتاب«نصوص في علوم القرآن»الّذي لا يزال يصدر عن مجمع البحوث الإسلاميّة.

6-و قالوا في«الذّرّيّة»:إنّه من ذرأ اللّه الخلق، و تركوا همزها للخفّة و عوّض عنها التّشديد،كما تركوها في«البريّة»،أو من:ذرى يذري.و يحتمل أن تكون من:«الذّرّ»لاحظ:الأصول اللّغويّة.

7-و قال عزّة دروزة:«تشمل-كما هو المتبادر-جميع المنسوبين إلى إبراهيم بالنّبوّة، و يدخل فيهم بنو إسرائيل و العرب الّذين كانوا يتداولون نسبتهم بالبنوّة إليه من الحجازيّين أو العدنانيّين».

لكنّ الطّوسيّ قال فيها:«و المراد بالذّرّيّة هاهنا إسماعيل و أمّه هاجر حين أسكنه وادي مكّة، و هو الأبطح».و كأنّ الطّوسيّ لاحظ الآيات بعدها: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ... إلى الآية 127،حيث إنّ الدّعاء فيها وقع عند بناء البيت، و كان معه إسماعيل،فلهذا خصّها بإسماعيل،و إلاّ فالذّرّيّة فيها تشمل جميع ذرّيّته فلاحظ.

8-و قال رشيد رضا:«و اجعل من ذرّيّتي أئمّة للنّاس،و هو إيجاز في الحكاية عنه لا يعهد مثله إلاّ في القرآن».

و في(28): رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ... و قبلها الآية 127

ص: 688

و 128،من البقرة-و قد سبقتا-و بعدها رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، و فيها بحوث:

1-صريح الآيات أنّ دعاء إبراهيم هذا كان مع ابنه إسماعيل،و هما يرفعان قواعد البيت و يبنيان الكعبة،و ذرّيّتهما هنا كلّهم ذرّيّة إسماعيل من العرب،و لا تشمل بني إسرائيل،كما احتملوه في ذُرِّيَّتِي و في الآيات قبلها.كما أنّ دعاءهما بعدها: رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ خاصّ بذرّيّة إسماعيل دون غيره.

2-و قد أكّد إبراهيم و إسماعيل فيها مرّتين إسلامهما و إسلام ذرّيّتهما: وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً و بإزائه أكّد إبراهيم مرّتين في دعائه في سورة إبراهيم إقامة الصّلاة له و لذرّيّته،و قد سبق في(25 و 26): رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ و رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي فهل في هذا نكتة؟

و عندنا أنّ نكتته-و اللّه أعلم-هي أنّ الصّلاة و هي عبادة اللّه-مرآة التّوحيد و الاجتناب عن الشّرك،فأكّدها اللّه في السّورة المكّيّة،و هي خطاب للمشركين بها.و أمّا في السّورة المدنيّة-البقرة- فحكى تأكيد إبراهيم مع ولده إسماعيل إسلامهما و إسلام ذرّيّتهما،و الإسلام فيها بمعنى التّسليم للّه إطلاقا و في كلّ شيء من الأعمال و الأخلاق و العقيدة،فهو شامل للإسلام الكامل الّذي كان مطلوبا نهائيّا للّه من النّبوّة الختميّة،فأكّدها في المدينة دار الهجرة و موطن إتمام الدّين.

و هذه الآية من سورة البقرة و نظيرتها الآية 2 من سورة الجمعة: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ... .و الآية 164 من سورة آل عمران: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ... .و آية رابعة،و هي أيضا في البقرة:151، كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَ يُزَكِّيكُمْ وَ يُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ. و كلّها وعد ببعث الرّسول الخاتم و دينه بأكمل ما فيه من الأصول و الأركان،و قد تحدّثنا حولها تفصيلا في:ب ع ث:«بعث»(ج 6:101).

و في:ح ك م:«حكمة»(ج 13:515).و سنكملها في:ز ك ي:«يزكّيهم».و:ك ت ب:«الكتاب»إن شاء اللّه تعالى.

و يؤيّده تأكيد إبراهيم خلال آيات سورة إبراهيم-مقارنا بإقامة الصّلاة-رفض الشّرك و اجتنابه هو و بنوه عن عبادة الأصنام: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ.

و بالعكس،جاء بعد آيات البقرة حكاية عن إبراهيم تأكيد الإسلام: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَ وَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ

ص: 689

فَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، و جاء ذيل 133 و 136 منها: وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.

3-جاء فيها: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً، و هذا مشعر بأنّهما طلبا من اللّه ظهور أمّة كبيرة من النّاس من ذرّيّتهما،و قد حقّق اللّه مطلوبهما كما نعلم.

و في(29 و 30): وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَ زَكَرِيّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ* وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ* وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الأنعام :84-87.

هذه من جملة آيات جاءت بشأن إبراهيم عليه السّلام في سورة الأنعام ابتداء من الآية 74: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إلى الآية 90:

أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ.

و قد بدء اللّه الكلام فيه باحتجاجه على أبيه و قومه إبطالا للشّرك و إثباتا للتّوحيد إلى الآية 83: وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ...، ثمّ أدام الكلام في ذرّيّة إبراهيم،يذكر أسماء الأنبياء منهم إلى الآية 87: وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ...، ثمّ ذكر فضلهم و ما منّ عليهم من الهداية،و أمر نبيّنا ذيل الآيات بالاقتداء بهم: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ... و فيهما بحوث:

1-عن ابن عبّاس-و تبعه غيره-في قوله:

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ: ذرّيّة نوح،حكاه عنه ابن الجوزيّ،و عنه القرطبيّ:«هؤلاء الأنبياء جميعا مضافون إلى ذرّيّة إبراهيم،و إن كان فيهم من لم تلحقه ولادة من جهته من جهة أب و لا أمّ،لأنّ لوطا ابن أخي إبراهيم».

و احتمل الزّجّاج-و تبعه الزّمخشريّ و الطّبرسيّ-رجوع الضّمير إلى إبراهيم عليه السّلام، و عليه فيكون إطلاقها على لوط تغليبا.و ألحق بعضهم يونس و إلياس بلوط،لأنّهما ليسا من ذرّيّة إبراهيم،لاحظ أسماء هؤلاء في المعجم.و قد أطالوا الكلام فيه،لاحظ النّصوص،لا سيّما نصّ الفخر الرّازيّ.

2-و قد احتجّت الإماميّة تبعا لأئمّتهم عليهم السّلام بأن عدّ عيسى عليه السّلام من ذرّيّة نوح من جهة أمّه دليل على كون الحسن و الحسين عليهما السّلام ابني النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و قد جمع رشيد رضا بين القولين بأن ولد فاطمة ليسوا أبنائه لغة بل شرعا،و ذكر تفصيلا في وجه تقديم الشّرع على عرف اللّغة،فلاحظ.

3-قال الطّوسيّ:«أخبر اللّه أنّه رفع درجة إبراهيم بما جعل في ذرّيّته من الأنبياء و جزاه بما وصل إليه من السّرور و الابتهاج عند ما أعلمه عن ذلك،و بما أبقى له من الذّكر الرّفيع في الأعقاب،

ص: 690

و الجزاء على الإحسان لذّة و سرور من أعظم السّرور و أكثر اللّذّات،إذا علم الإنسان بأنّه يكون من عقبه و ولده المنسوبين إليه أنبياء يدعون إلى اللّه و يجاهدون في سبيله،و يكونون ملوكا و خلفاء يطيعون اللّه و يحكمون بالحقّ في عباد اللّه».

و قال القاسميّ بعد نقل القولين في مرجع الضّمير:«و بالجملة،فالآية المذكورة من المنن على إبراهيم على كلا الوجهين،لأنّ شرف الذّرّيّة و شرف الأقارب شرف،لكنّه على الأوّل أظهر، و يكون تطرية في مدح إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم بالعود إليه مرّة بعد أخرى».

4-قال ابن عاشور:«و قوله: مِنْ ذُرِّيَّتِهِ حال من داوُدَ، و داوُدَ مفعول«هدينا» محذوفا.و فائدة هذا الحال التّنويه بهؤلاء المعدودين بشرف أصلهم و بأصل فضلهم،و التّنويه بإبراهيم أو بنوح بفضائل ذرّيّته».ثمّ ذكر رجوع الضّمير إلى نوح،و احتمل رجوعه إلى إبراهيم،فعومل لوط معاملة ذرّيّة إبراهيم لشدّة اتّصاله به،و قال:«كما يجوز أن يجعل ذكر اسمه بعد انتهاء أسماء من هم من ذرّيّة إبراهيم منصوبا على المدح بتقدير فعل لا على العطف».

و في(31): وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ.

هذه آخر آية بشأن إبراهيم في سورة العنكبوت و ابتداؤها الآية 16 منها: وَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اُعْبُدُوا اللّهَ وَ اتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، ثمّ ذكر احتجاجه لهم على التّوحيد،و أدام الكلام فيه إلى الآية 24: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. و أدام الكلام في إبطال الشّرك،إلى أن قال في 26 و 27: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَ قالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ. لاحظ:«إسحاق» و«يعقوب»،و:ن ب أ:«النّبوّة»،و:ك ت ب:

«الكتاب».

و في(32): وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ.

و هذه أيضا من جملة آيات بشأن إبراهيم في سورة الصّافّات،ابتداء من الآية 83: وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ* إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. و أدام الكلام في احتجاجه على قومه لإبطال الشّرك، و قوله في الآية 97: قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ،و بشارته بإسماعيل: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ، و حكاية ذبحه إلى الآية 107: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، إلى الآية 112 و 113: وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ* وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ... .لاحظ:ب ش ر:«بشّرناه»، و«إسحاق».

و في(33): فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَ

ص: 691

إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ.

و هذه من جملة آيات بشأن موسى و هارون ابتداء من الآية 75 من سورة يونس: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ....

و بعدها احتجاج موسى على فرعون و قومه و حكاية السّحرة إلى قوله: وَ يُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ* فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ...، ثمّ أدام الكلام إلى حديث غرق فرعون،و ختم الكلام بقوله: وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ... ،و فيها بحوث:

1-قال الثّعلبيّ في تفسير إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ: «كانوا ستّمائة ألف،و ذلك أنّ يعقوب عليه السّلام دخل مصر في اثنين و سبعين إنسانا،فتوالدوا بمصر حتّى بلغوا ستّمائة ألف.إنّهم سبعون أهل بيت من القبط من آل فرعون و أمّهاتهم من بني إسرائيل، فجعل الرّجل يتبع أمّه و أخواله».و كذلك قال مقاتل:«إنّهم قوم،أمّهاتهم من بني إسرائيل، و آباؤهم من القبط».

2-قالوا إنّهم أولاد الّذين أرسل إليهم موسى من بني إسرائيل لطول الزّمان هلك الآباء و بقي الأبناء.

و قال زيد بن أسلم:«إنّهم الغلمان من بني إسرائيل،لأنّ فرعون كان يذبّحهم،فأسرعوا إلى الإيمان بموسى».

و قد نقل الطّبريّ الأقوال في أنّ الذّرّيّة كانوا من بني إسرائيل أو من آل فرعون،و رجّح الأوّل.

و نقل الماورديّ فيها خمسة وجوه.و أطال ابن عطيّة الكلام فيها،و نقل الطّباطبائيّ الأقوال و قال:

«لا دليل على شيء منها»،ثمّ رجّح أنّ الضّمير حسب السّياق يرجع إلى موسى.

3-قال الفرّاء:«و كانوا فيما بلغنا سبعين أهل بيت،و إنّما سمّوا الذّرّيّة لأنّ آباءهم كانوا من القبط و أمّهاتهم كنّ من بني إسرائيل،فسمّوا الذّرّيّة،كما قيل لأولاد أهل فارس الّذين سقطوا إلى اليمن فسمّوا ذراريّهم:الأبناء،لأنّ أمّهاتهم من غير جنس آبائهم».

و نقول:لا دليل على اختصاص«ذرّيّة و أبناء»بمن كان أمّهاتهم من غير جنس آبائهم.

و في(34): هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ.

هذه من جملة آيات من سورة آل عمران بشأن مريم ابتداء من: إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً، إلى إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي. فذكر ولادة مريم و ما تفضّل اللّه عليها من النّعم،إلى أن قال: هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ...

و فيها بحوث:

1-فيها إعلام بأنّ زكريّا استفاد من حديث ولادة مريم،فدعا لنفسه بذرّيّة طيّبة،لأنّه كفّلها و عرف حالها: وَ كَفَّلَها زَكَرِيّا؛ قال السّدّيّ:

«فلمّا رأى زكريّا من حالها ذلك-أي رزقها في غير وقته-قال:إنّ ربّا أعطاها هذا في غير حينه لقادر على أن يرزقني ذرّيّة صالحة،و رغب في

ص: 692

الولد».

و قال القشيريّ:«أي لمّا رأى كرامة اللّه سبحانه معها[أي مريم]ازداد يقينا على يقين، و رجاء على رجاء؛فسأل الولد على كبر سنّه، و إجابته إلى ذلك كانت نقضا للعادة،إلى أن قال:

فإنّ السّؤال إذا كان لحقّ الحقّ لا لحظّ النّفس لا يكون له الرّدّ.و كان زكريّا عليه السّلام يرى الفاكهة الصّيفيّة عند مريم في الشّتاء،و فاكهة الشّتاء عندها في الصّيف،فسأل الولد في حال الكبر ليكون آية و معجزة».

2-و قال الفرّاء-و تبعه غيره-:«الذّرّيّة:

جمع،و قد تكون في معنى واحد،فهذا من ذلك،لأنّه قد قال: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا مريم:5، و لم يقل:أولياء».و قال غيره أيضا في معنى«ذرّيّة»:

ولد.

3-قال الثّعلبيّ: «ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً نسلا مباركا تقيّا صالحا رضيّا».

لاحظ:أسامي إبراهيم و مريم و زكريّا.

ج-ذرّيّة إبليس:

(36): وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً و فيها بحوث:

1-قال القرطبيّ:«اختلف هل لإبليس ذرّيّة من صلبه؟[إلى أن قال:]

قال قوم:ليس له أولاد و لا ذرّيّة،و ذرّيّته أعوانه من الشّياطين؛قال القشيريّ أبو نصر:

و الجملة أنّ اللّه تعالى أخبر أنّ لإبليس أتباعا و ذرّيّة،و أنّهم يوسوسون إلى بني آدم و هم أعداؤهم،و لا يثبت عندنا كيفيّة التّوالد منهم و حدوث الذّرّيّة عن إبليس،فيتوقّف الأمر فيه على نقل صحيح ثمّ حكى رواية سلمان عن النّبيّ عليه السّلام:«لا تكن أوّل من يدخل السّوق و لا آخر من يخرج منها،فيها باض الشّيطان و فرخ».[ثمّ قال:] و هذا يدلّ على أنّ للشّيطان ذرّيّة من صلبه،و اللّه أعلم».

و قال البيضاويّ و تبعه آخرون: «وَ ذُرِّيَّتَهُ:

أولاده أو أتباعه،و سمّاهم ذرّيّة مجازا».

و الآلوسيّ نقل الأقوال ثمّ قال:«و يجوز أن يراد من الذّرّيّة مجموعها معا على التّغليب،أو الجمع بين الحقيقة و المجاز عند من يراه،أو عموم المجاز».

2-و قد احتجّ الفخر الرّازيّ بأنّ للشّيطان ذرّيّة على أنّه ليس من الملائكة،و صريح الآية أنّه من الجنّ.و احتمل بعضهم أنّه بعد أن عصى اللّه مسخ و خرج عن الملكيّة!و هذا بعيد جدّا.

3-و قالوا في تركيبها و معناها:الخطاب لآدم و ذرّيّته،و الهمزة في أَ فَتَتَّخِذُونَهُ للإنكار و التّعجيب،كأنّه قيل:أ عقيب ما وجد منه أ تتّخذونه و ذرّيّته أولياء من دوني؟و الواو في وَ ذُرِّيَّتَهُ عاطفة-و هو الظّاهر-أو بمعنى«مع».

و الفاء في أَ فَتَتَّخِذُونَهُ للتّعقيب.و المراد إمّا إنكار

ص: 693

أن يعقّب اتّخاذه و ذرّيّته أولياء العلم بصدور ما صدر عنه مع التّعجيب من ذلك،و إمّا تعقيب إنكار الاتّخاذ المذكور،و التّعجّب منه إعلام اللّه تعالى بقبح صنيع اللّعين.

و يلاحظ ثانيا:أكثرها قصص أو عقيدة مكّيّات،و ألحق بها عدّة آيات مدنيّة لا تتجاوز عشر آيات أكثرها من سورتين البقرة و آل عمران.

و ثالثا:ليس لهذه المادّة نظائر في القرآن.

ص: 694

ذرع

اشارة

4 ألفاظ،5 مرّات مكّيّة،في 4 سور مكّيّة

ذرعا 2:2

ذرعها 1:1

ذراعا 1:1

ذراعيه 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الذّراع:من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى.

ذرعت الثّوب أذرع ذرعا بالذّراع.

و الذّراع:السّاعد كلّه،و هو الاسم.

و الرّجل ذارع؛و الثّوب مذروع.

و ذرعت الحائط و نحوه.

و المذرّع:الممسوح بالأذرع.و منهم من يؤنّث الذّراع،و منهم من يذكّر،و يصغّرونه على ذريّع،فقط.

و الرّجل يذرّع في ساحته تذريعا،إذا اتّسع، و كذلك يتذرّع،أي يتوسّع كيف شاء.

و موت ذريع،أي فاش،إذا لم يتدافنوا،و لم أسمع له فعلا.

و ذرعه القيء،أي غلبه.

و مذارع الدّابّة:قوائمها،و مذارع الأرض:

نواحيها.

و ثوب موشّى:المذراع.

و الذّرع:ولد البقرة،بقرة مذرع،و هنّ مذرعات و مذاريع،أي ذوات ذرعان.

و الذّراع:سمة بني ثعلبة من اليمن،و أناس من بني مالك بن سعد من أهل الرّمال.

و ذراع العامل:صدر القناة.

و أذرعات:مكان تنسب إليه الخمور.

و الذّريعة:جمل يختل به الصّيد،يمشي الصّيّاد إلى جنبه فإذا أمكنه الصّيد رمى؛و ذلك الجمل يسيّب أوّلا مع الوحش حتّى يأتلفا.

و الذّريعة:حلقة يتعلّم عليها الرّمي.

و الذّريعة:الوسيلة.

و الذّراع من النّجوم،و تقول العرب:إذا طلع

ص: 695

الذّراع أمرأت الشّمس الكراع.و اشتدّ منها الشّعاع.

و يقال للثّور:مذرّع،إذا كان في أكارعه لمع سود.

و المذراع:الذّراع،يذرع به الأرض و الثّياب.

و مذارع القرى:ما بعد من الأمصار.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:96)

سيبويه:الذّراع مؤنّثة؛و جمعها أذرع لا غير.

و إنّما قالوا:ثمانية (1)لأنّ الأشبار مذكّرة.

(الجوهريّ 3:1210)

و من العرب من لا ينوّن أذرعات،يقول:هذه أذرعات،و رأيت أذرعات بكسر التّاء بغير تنوين.

و النّسبة إليها أذرعيّ.(الجوهريّ 3:1211)

[جمع الذّراع:أذرع]كسّروه على هذا البناء حين كان مؤنّثا،يعني أنّ فعالا فعالا و فعيلا من المؤنّث حكمه أن يكسّر على«أفعل»،و لم يكسّروا«ذراعا» على غير«أفعل»،كما فعلوا ذلك في الأكفّ.

(ابن سيده 2:77)

و قالوا:أذرعات بالصّرف و غير الصّرف،شبّهوا التّاء بهاء التّأنيث و لم يحفلوا بالحاجز،لأنّه ساكن، و السّاكن ليس بحاجز حصين.

إن سأل سائل فقال:ما تقول فيمن قال:هذه أذرعات و مسلمات،و شبّه تاء الجماعة بهاء الواحدة، فلم ينوّن للتّعريف و التّأنيث،فكيف يقول إذا ذكّر؟ أ ينوّن أم لا؟

فالجواب:أنّ التّنوين مع التّنكير واجب هنا لا محالة،لزوال التّعريف،فأقصى أحوال«أذرعات» إذا نكّرتها فيمن لم يصرف أن يكون ك«حمزة»إذا نكّرتها،فكما تقول:هذا حمزة و حمزة آخر،فتصرف النّكرة لا غير،فكذلك تقول:عندي مسلمات و نظرت إلى مسلمات أخرى،فتنوّن مسلمات، لا محالة.(ابن سيده 2:80)

اللّيث:و الذّراع:اسم جامع في كلّ ما يسمّى يدا من الرّوحانيّين ذوي الأبدان.(الأزهريّ 2:314)

هنّ المذرعات،أي ذوات ذرعان.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 2:315)

الكسائيّ:يقال للمرأة الخفيفة اليد بالغزل:

ذراع.(ابن فارس 2:350)

الأمويّ:التّذريع:الخنق،و قد ذرّعته إذا خنقته.

(الأزهريّ 2:317)

إذا خنقه حتّى يموت،قيل:ذرعه.

(الثّعالبيّ:153)

ابن شميّل:في الحديث:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أذرع ذراعيه من أسفل الجبّة إذراعا».

«أذرع ذراعيه»،أي أخرجهما.

(الأزهريّ 2:314)

مذارع الوادي:أضواجه و نواحيه.

(الأزهريّ 2:317)

أبو عمرو الشّيبانيّ:المذارع:جلدة الذّراعين؛ الواحدة:مذرعة،و الذّراعان،ما فوق الرّكبة.

(1:280)

قد أذرعت البقرة،إذا كان لها ذرع.[ثمّ استشهدة.

ص: 696


1- قولهم:الثّوب سبع في ثمانية.

بشعر]

التّذريع:سواد يكون في الذّراع.(1:282)

التّذريع:أن يشقّ الثّوب طولا مكانا،و بعضه صحيح.

المذرّع:أن يسيل الدّم من مرفقه إلى كفّه على ذراعيه،كأنّه السّيور.(1:283)

مذرعة الغدير:ما استدقّ منه.(1:284)

الذّرع:ولد البقرة.(الحربيّ 1:278)

المذرعة:جلدة الوظيف أسفل من الرّكبة.

(الحربيّ 1:279)

المذارع:هي البلاد الّتي بين الرّيف و البرّ،مثل القادسيّة و الأنبار؛و هي المزالف أيضا.

(الأزهريّ 2:315)

في حديث الحسن،في قوله عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ البروج:10،قال:

«كانوا بمذارع اليمن».

المذارع،و المرالق،و البراغيل:قرى بين الرّيف و البرّ.و قيل:سمّيت مذارع،لأنّها أطراف و نواح.

(الهرويّ 2:673)

أبو عبيدة:التّذرّع:قدر ذراع ينكسر فيسقط.

و التّذرّع و القصد عنده[الأصمعيّ]واحد.

(الأزهريّ 2:317)

أبو زيد:أذرع فلان في الكلام إذراعا،و هو مذرع،إذا أكثر و أفرط.

و موت ذريع:فاش لا يتدافن أهله.

(الحربيّ 1:279)

ذرّعته تذريعا،إذا جعلت عنقه بين ذراعك و عضدك فخنقته.(الأزهريّ 2:317)

ذرّع فلان تذريعا،إذا حرّك ذراعه في السّعي و استعان بها.(الأزهريّ 2:318)

الأصمعيّ:في حديث سبيع بن خالد:«قلت لصاحبي:انطلق إلى هؤلاء فنسمع حديثهم،ثمّ نتفرّغ لسوقنا،فكأنّه ضاق به ذرعا».

عن أبي هريرة،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إذا اختلفتم في الطّريق فدعوا سبع أذرع».

قوله:«فضاق به ذرعا»،ضقت به ذرعا،المعنى:

ضاق ذرعي به،و ذرعه:قدره الّذي يبلغ.[ثمّ استشهد بشعر]

قوله:«سبع أذرع»،الذّراع و السّاعد شيء واحد.و ثلاث أذرع.و قال الخليل:الذّراع من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى.

يقال:زقّ ذارع،إذا كان طويلا.[ثمّ استشهد بشعر](الحربيّ 1:276)

في البعير:الذّراع،و هو بين الوظيف و العضد، و الوظيف:هو عظم السّاق.(الحربيّ 1:279)

تذرّع فلان الجريد،إذا وضعه على ذراعه فشطّبه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ قضيب من شجرة خرص.

(الأزهريّ 2:317)

اللّحيانيّ:يقال:هذه أذرعات و يذرعات.

(الإبدال:137)

أبو عبيد:الذّرع:ولد البقرة الوحشيّة،و أمّه

ص: 697

مذرع.(الأزهريّ 2:315)

امرأة ذراع،إذا كانت خفيفة اليدين بالغزل.

و يقال:ذرّع فلان لبعيره،إذا قيّده بفضل خطامه في ذراعيه؛و العرب تسمّيه:تذريعا.(الأزهريّ 2:316)

ابن الأعرابيّ:اندرع و انذرع و اندرأ،و رعف و استرعف،إذا تقدّم.

و الذّرع:الطّويل اللّسان بالشّرّ،و هو السّيّار اللّيل و النّهار.(الأزهريّ 2:318)

و الذّرع:ولد البقرة الوحشيّة.و قيل:إنّما يكون ذرعا إذا قوي على المشي؛و جمعه:ذرعان.

(ابن سيده 2:79)

ابن السّكّيت:و يقال للمرأة إذا كانت حاذقة بالخرازة أو بالعمل:هي ترقم في الماء،و الذّراع:

الخفيفة اليدين بالغزل.(تهذيب الألفاظ:328)

الذّرع:مصدر ذرعت.

و الذّرع:ولد البقرة.(إصلاح المنطق:42)

هذا ثوب سبع في ثمانية،فقالوا:سبع لأنّ الأذرع مؤنّثة،تقول:هذه ذراع.و قلت:ثمانية،لأنّ الأشبار مذكّرة.(الأزهريّ 2:314)

أبو الهيثم:المذرّع من النّاس:الّذي أمّه أشرف من أبيه،و الهجين:الّذي أبوه عربيّ و أمّه أمة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 2:315)

الحربيّ:عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«من ذرعه القيء فلا يقض».

و امرأة ذراع:سريعة اليدين بالمغزل.

و نخلة ذرع الرّجل:يريد مثل الرّجل في الطّول.

و التّذريع:فضل حبل القيد في الذّراع.يقال:ذرع له،إذا قيّد في ذراعه.

و أبطرت ناقتك ذرعها:إذا حملت عليها أكثر ممّا عندها.

و الذّرع:ولد البقرة،و المذرعة:البقرة.

و رجل مذرّع:أمّه أشرف من أبيه.

عن أبي خليفة:مذرعة الغدير:ما استدقّ منه.

و ثور مذرّع:في أكارعه لمع سود.[ثمّ استشهد بشعر]

قوله:«من ذرعه القيء»أي:أفرط عليه.

و ذراع العامل:صدر القناة.

و الذّراع:منزل من منازل القمر،و هو أوّل الأسد،و هما كوكبان ضخمان بين الهنعة و البثرة، يطلع في سبع من تمّوز،و يسقط في ستّ من كانون الآخر.

و الذّريعة:جمل يختل به الصّيد،يسيّب مع الوحش،فتأنس به،ثمّ يمشي رجل إلى جنبه فيرمي الصّيد.(1:276-280)

المبرّد:إنّ المذرّع لا تغني خئولته

كالبغل يعجز عن شوط المحاضير

إنّما سمّي مذرّعا للرّقمتين في ذراع البغل،و إنّما صارتا فيه من ناحية الحمار.(1:315)

المذرع:زقّ سلخ،حين سلخ ممّا يلي الذّراع.

(1:395)

يقال:ضقت بالأمر ذرعا،إذا لم تجد في قدرتك القيام به،و هو مأخوذ من الذّراع،لأنّ فيها القوّة.

(النّحّاس 3:367)

ص: 698

ابن دريد:الذّرع،من قولهم:ضاق ذرعي عن كذا و كذا،إذا لم أطقه،و ضقت به ذرعا و ذراعا كذلك.

و ذراع الإنسان و الدّابّة:معروفة؛و الجمع:أذرع، مؤنّثة.

و فرس ذريع بيّن الذّراعة،إذا كان واسع الشّحوة كثير الأخذ من الأرض بقوائمه.

و تكلّم الرّجل فأذرع في كلامه،إذا اتّسع فيه؛ و المصدر:الإذراع.

و ذرعه القيء،إذا سبقه فخرج من فيه.

و الذّرع:ولد البقرة الوحشيّة؛و الجمع:ذرعان.

و مذارع الدّابّة:أحد قوائمها؛و الجمع:مذارع.

و ذكر الخليل أنّ مذراع الأرض:نواحيها،و لم يجئ بها من البصريّين غيره.

و أذرعات:موضع معروف.

و الذّريعة:جمل يستتر به الصّائد لئلاّ يراه الصّيد، ثمّ يرميه.

و فلان ذريعتي إلى فلان،إذا تسبّبت به إليه.

و تذرّع فلان في الكلام:مثل أذرع.و وردت الإبل الكرع فتذرّعته،أي وردته فخاضته بأذرعها.و ضبع مذرّعة،إذا كان في يديها خطوط سود.

و الذّراع:نجم من نجوم السّماء.

و أمر ذريع:واسع.

و بقرة مذرع،إذا كان معها ذرع؛و الجمع:

مذرعات.

و ذرعت البعير أذرعه ذرعا،إذا وطئت على ذراعه ليركب صاحبك.

و تذرّعت المرأة،إذا شقّت الخوص لتجعل منه حصيرا.

و يقال للكلاب:أولاد ذارع و أولاد زارع و أولاد وازع.(2:308)

القاليّ:[الأجزاء]في اليد،الرّسغ،ثمّ الوظيف،ثمّ الرّكبة،ثمّ الذّراع،ثمّ العضد،ثمّ الكتف.(2:246)

الأزهريّ:رجل ذريع اليد بالكتابة،أي سريع اليد.

و إنّما سمّي المذرّع مذرّعا تشبيها بالبغل،لأنّ في ذراعيه رقمتين كرقمتي ذراع الحمار نزع بهما إلى الحمار في الشّبه،و أمّ البغل أكرم من أبيه.الذّوارع:

الزّقاق؛واحدها:ذارع.

و يقال:ذرّع فلان لبعيره،إذا قيّده بفضل خطامه في ذراعيه،و العرب تسمّيه:تذريعا.

و يقال:ضقت بالأمر ذرعا و ذراعا،نصب ذرعا لأنّه خرج مفسّرا محوّلا،لأنّه كان في الأصل:ضاق ذرعي به،فلمّا حوّل الفعل خرج قوله:ذرعا مفسّرا.

و مثله:قررت به عينا و طبت به نفسا.

و الذّرع يوضع موضع الطّاقة؛و الأصل فيه:أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه، فإذا حملته على أكثر من طوقه،قلت:قد أبطرت بعيرك ذرعه،أي حملته من السّير على أكثر من طاقته حتّى يبطر و يمدّ عنقه ضعفا عمّا حمل عليه.

و من أمثال العرب السّائرة:هو لك على حبل الذّراع،أي أعجّله لك نقدا.و الحبل عرق في الذّراع.

و يقال:ما لي به ذرع و لا ذراع،أي ما لي به طاقة.

ص: 699

و فرس ذريع:سريع واسع الخطو.

و فرس مذرّع إذا كان سابقا.و أصله:الفرس يلحق الوحشيّ و فارسه عليه،فيطعنه طعنة تفور بالدّم فتلطّخ ذراعي الفرس بذلك الدّم،فيكون علامة لسبقه.

و الضّبع مذرّعة:لسواد في أذرعها.

و ذرعات الدّابّة:قوائمها.

و يقال:فلان ذريعتي اللّيلة،أي سببي و وصلتي الّذي به أتسبّب إليك.أخذ من الذّريعة،و هو البعير الّذي يستتر به الرّامي من الصّيد،و يخاتله حتّى يكثبه فيرميه.

[و حكى قول الأصمعيّ و أبي عبيد و أبي عبيدة في معنى«التّذرّع»ثمّ قال:]

و قول الأصمعيّ أشبههما بالصّواب.

و يقال:ذرع البعير يده،إذا مدّها في السّير.

و يقال:اقصد بذرعك،أي لا تعد بك قدرك.

و يقال:هذه ناقة تذارع بعد الطّريق،أي تمدّ باعها و ذراعها لتقطعه.و هي تذارع الفلاة و تذرعها،إذا أسرعت فيها كأنّها تقيسها.

و يقال:ذرّع فلان بكذا،إذا أقرّبه؛و به سمّي:

المذرّع،أحد بني خفاجة بن عقيل و كان قتل رجلا من بني عجلان،ثمّ أقرّ بقتله فأقيد به،فسمّي المذرّع.

و في نوادر الأعراب:أنت ذرّعت بيننا هذا و أنت سحلته،يريد:سبّبته.

و رجل ذرع:حسن العشرة و المخالطة.

و يقال:ذارعته مذارعة،إذا خالطته.

و يقال:ذرعه القيء،إذا سبق إلى فيه،و قد أذرعه الرّجل،إذا أخرجه.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات]

(2:314-318)

الصّاحب:الذّراع:اسم جامع لكلّ ما يسمّى يدا من الرّوحانيّين؛و يذكّر و يؤنّث،و سمة لبني ثعلبة من اليمن،و صدر القناة،و اسم نجم أيضا.

و ذرّع في السّباحة:اتّسع.

و ثور مذرّع:في أكارعه لمع سود.

و الحمار مذرّع:للرّقمة الّتي في ذراعه.

و رجل مذرّع:مقرف،و كذلك الأذرع.و قيل:

الأذرع:ابن العربيّ للمولاة؛و الأوّل أصحّ.

و المذرّعة:الضّبع،إذا كان في ذراعها خطوط.

و المذرّع:الّذي وجئ في نحره،فسال الدّم على ذراعه.

و ذرّعه و ذرّع له و ذرعه-بالتّخفيف-أيضا:

خنقه من ورائه بالذّراع.

و قيل:أسرطته ذراعي،إذا وضعت ذراعك على حلقه لتخنقه.

و سألته عن أمره فذرّع لي شيئا،أي بسط.

و ذرّع في السّقي:استعان بيديه و حرّكهما فيه.

و ذرّع البشير:أومأ بيده علامة للبشارة.

و أسير مذرّع:مسح ذراعاه بالطّيب،و كان يفعل ذلك إذا أرادوا قتله.

و موت ذريع:فاش حتّى لا يتدافنوا.

و الذّريعة و الذّرعة:الوسيلة.

و ذرعت له عند فلان:شفعت،و أنا ذريع عنده.

ص: 700

و ذرعت به و أذرعت به:تشفّعت.

و الذّريعة:جمل يختل به الصّيد فيرمى من ورائه، و رجل ذرع:مستذرع بها.و هي أيضا:الحلقة يتعلّم عليها الرّمي.

و ذرعه القيء:غلبه.

و ذرع ذرعا:أسرع.

و الذّروع:الخفيف السّير.

و الذّرعة من الإبل:الكثيرة الأخذ من الأرض.

و امرأة ذراع و ذارعة:سريعة الغزل،و ذرع.

و ذرعت رجلاه:أعيا.

و انذرع في السّير:انبسط.

و يقال لمن يتوعّد على غير تحقيق:اقصد بذرعك.

و مذاريع الدّابّة:قوائمها؛و الواحد:مذراع.

و مذارع الأرض:أطرافها؛الواحد:مذرعة.

و الذّرع:العجل؛و الجميع:ذرعان.

و بقرة مذرع:معها ذرعها.

و أذرعات و أذرع:مكانان تنسب إليهما الخمر.

و زقّ ذارع و ذرع:كثير الأخذ من الشّراب؛ و زقاق ذوارع،و كأنّها من النّاقة الذّرعة.و يقال:قيل لها ذلك،لأنّها سلخت من قبل ذراعيها.

و الذّرّاع من الجمال:الّذي يسانّ النّاقة بذراعه فيتنوّخها.

و الإذراع:القبض بالذّراع،و الإكثار في الكلام.

و التّذرّع:تشقّق الشّيء شقّة شقّة على قدر الذّراع في الطّول.(1:462)

الخطّابيّ:من أوعية الخمر الذّوارع،و هي زقاق صغار.قال ابن قتيبة:لا واحد لها من لفظها.و أخبرني الرّهنيّ،قال:قال ثعلب:واحدها ذارع.[ثمّ استشهد بشعر](1:360)

في حديث الحسن:«...قوما كانوا بمذارع اليمن».

[و نقل قول أبي عمرو الشّيبانيّ في معنى المذارع ثمّ قال:]

و يقال:إنّما سمّيت مذارع،لأنّها أطراف البلاد و نواحيها،و منه مذارع الدّابّة؛واحدها:مذراع.

(3:99)

الجوهريّ:ذراع اليد يذكّر و يؤنّث.

و الذّراع:ذراع الأسد،و هما كوكبان نيّران ينزلهما القمر.

و الذّراع:سمة في ذراع البعير.

و قولهم:هو منّي على حبل الذّراع،أي معدّ حاضر.

و الذّراع:ما يذرع به.

و يقال لصدر القناة:ذراع العامل.

و الذّراع بالفتح:المرأة الخفيفة اليدين بالغزل؛ و قد ذرعت الثّوب و غيره ذرعا.

و ذرعه القيء،أي سبقه و غلبه.

و تقول:أبطرت فلانا ذرعه،أي كلّفته أكثر من طوقه.

و يقال:ضقت بالأمر ذرعا،إذا لم تطقه و لم تقو عليه.

و أصل الذّرع إنّما هو بسط اليد،فكأنّك تريد:

مددت يدي إليه فلم تنله.و ربّما قالوا:ضقت به ذراعا.

ص: 701

و قولهم:اقصد بذرعك،أي اربع على نفسك.

و قولهم:الثّوب سبع في ثمانية،إنّما قالوا:سبع،لأنّ الأذرع مؤنّثة.

و الذّراع:الزّقّ الصّغير يسلخ من قبل الذّراع؛ و الجمع:ذوارع،و هي للشّراب.

و ذرّعه تذريعا،أي خنقه.

و التّذريع في المشي:تحريك الذّراعين.

و يقال أيضا للبشير إذا أومأ بيده:قد ذرّع البشير.

و ثور مذرّع،إذا كان في أكارعه لمع سود.

و الذّرع بالتّحريك:الطّمع.

و الذّرع أيضا:ولد البقرة الوحشيّة.تقول منه:

أذرعت البقرة فهي مذرع.

و الإذراع أيضا:كثرة الكلام و الإفراط فيه، و كذلك التّذرّع.و أرى أصله من مدّ الذّراع،لأنّ المكثر قد يفعل ذلك.

و التّذرّع أيضا:تقدير الشّيء بذراع اليد.

و المذرّع بكسر الرّاء مشدّدة:المطر الّذي يرسخ في الأرض قدر ذراع.

و المذرّع:الّذي أمّه أشرف من أبيه،هذا بفتح الرّاء.و يقال:إنّما سمّي مذرّعا بالرّقمتين في ذراع البغل،لأنّهما أتياه من ناحية الحمار.

و المذارع:المزالف،و هي البلاد بين الرّيف و البرّ؛الواحد:مذراع.

و يقال للنّخيل الّتي تقرب من البيوت:مذارع.

و مذارع الدّابّة:قوائمها.

و الذّريعة:الوسيلة.و قد تذرّع فلان بذريعة،أي توسّل؛و الجمع:الذّرائع،مثل الدّريئة و هي النّاقة الّتي يستتر بها الرّامي للصّيد.

و فرس ذريع:واسع الخطو بيّن الذّراعة.

و قوائم ذرعات،أي سريعات.

و قتل ذريع،أي سريع.يقال:قتلوهم أذرع قتل.

و أذرعات،بكسر الرّاء:موضع بالشّام تنسب إليه الخمر.و هي معرفة مصروفة،مثل عرفات.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](3:1209)

ابن فارس:الذّال و الرّاء و العين أصل واحد، يدلّ على امتداد و تحرّك إلى قدم،ثمّ ترجع الفروع إلى هذا الأصل.

فالذّراع ذراع الإنسان،معروفة.و الذّرع:مصدر ذرعت الثّوب و الحائط و غيره.

ثمّ يقال:ضاق بهذا الأمر ذرعا،إذا تكلّف أكثر ممّا يطيق فعجز.و يقال:ذرعه القيء:سبقه.

و مذارع الدّابّة:قوائمها؛و الواحد:مذراع.

و تذرّعت الإبل الماء:خاضت بأذرعها.

و مذارع الأرض:نواحيها،كأنّ كلّ ناحية منها كالذّراع.

و يقال:ذرعت البعير:وطئت على ذراعه ليركب صاحبي.

و تذرّعت المرأة الخوص،إذا تنقّته؛و ذلك أنّها تمرّه مع ذراعها.

و الذّريعة:ناقة يتستّر بها الرّامي يرمي الصّيد؛ و ذلك أنّه يتذرّع معها ماشيا.

و من الباب:تذرّع الرّجل في كلامه،و الإذراع:

ص: 702

كثرة الكلام،و فرس ذريع:واسع الخطو بيّن الذّراعة.

و قوائم ذرعات:خفيفات.

و الذّراعان:نجمان،يقال:هما ذراعا الأسد.

و يقال:ثور مذرّع،إذا كان في أذرعه لمع سود.

و مطر مذرّع،و هو الّذي إذا حفر عنه بلغ من الأرض قدر ذراع.

و المذرّع من الرّجال:الّذي يكون أمّه عربيّة و أبوه خسيسا غير عربيّ.و إنّما سمي مذرّعا بالرّقمتين في ذراع البغل،لأنّهما أتتا من قبل الحمار.

و يقال للرّجل تعده أمرا حاضرا:هو لك منّي على حبل الذّراع.

و يقال لصدر القناة:ذراع العامل.

و الذّراعان:هضبتان.

و المذارع:ما قرب من الأمصار،مثل القادسيّة من الكوفة.

و المذارع من النّخل:القريبة من البيوت.

و زقّ مذراع،أي طويل ضخم.

و يقال:ذرّع لي فلان شيئا من خبر،أي خبّرني.

و يقال:ذرّع الرّجل في سعيه،إذا عدا فاستعان بيديه و حرّكهما.

و يقال للبشير إذا أومأ بيده:قد ذرّع البشير.و هو علامة البشارة.(2:350)

أبو هلال:الفرق بين الوسيلة و الذّريعة:أنّ الوسيلة عند أهل اللّغة هي القربة؛و أصلها من قولك:

سألت أسأل،أي طلبت،و هما يتساءلان،أي يطلبان القربة الّتي ينبغي أن يطلب مثلها.و تقول:توسّلت إليه بكذا،فتجعل«كذا»طريقا إلى بغيتك عنده.

و الذّريعة إلى الشّيء،هي الطّريقة إليه،و لهذا يقال:جعلت كذا ذريعة إلى كذا،فتجعل الذّريعة هي الطّريقة نفسها.و ليست الوسيلة هي الطّريقة،فالفرق بينهما بيّن.(248)

الهرويّ:في صفته صلّى اللّه عليه و سلّم:«كان ذريع المشي»،أي سريع المشي،واسع الخطوة.و فرس ذريع:سريع خفيف،و امرأة ذراع:خفيفة اليدين بالغزل.

و منه الحديث:«خير كنّ أذرعكنّ للمغزل»،أي أخفّكنّ يدا بها،و يجوز أقدركنّ عليه.

و في الحديث:«فكسر ذلك في ذرعي»أي ثبّطني عمّا أردته،و ذرع الإنسان:طوقه.

و سمعت أبا أحمد القرشيّ يقول:العرب تقول عند التّهديد:اقصد بذرعك،أي استمرّ بطاقتك؛من القصد في الأمور،أي اقصد من الأمور ما يبلغه طوقك.

(2:673)

ابن سيده:الذّراع:ما بين طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى،أنثى و قد تذكّر.

قال سيبويه:سألت الخليل عن«ذراع»،فقال:

ذراع كثر في تسميتهم به المذكّر،و تمكّن في المذكّر، فصار من أسمائه خاصّة عندهم،و مع هذا فإنّهم يصفون به المذكّر،فيقولون:هذا ثوب ذراع،فقد تمكّن هذا الاسم في المذكّر،و لهذا إذا سمّى رجلا ب«ذراع» صرفه في المعرفة و النّكرة،لأنّه مذكّر سمّي به مذكّر.

و لم يعرف الأصمعيّ التّذكير في الذّراع.

و الجمع:أذرع.

ص: 703

و الذّراع من يدي البعير:فوق الوظيف،و كذلك من الخيل و البغال و الحمير.

و الذّراع من أيدي البقر و الغنم:فوق الكراع.

و ذرّع الرّجل:رفع ذراعيه منذرا أو مبشّرا.

و ثور مذرّع:في أكارعه لمع سود.و حمار مذرّع لمكان الرّقمة في ذراعه.

و المذرّعة:الضّبع،لتخطيط ذراعيها،صفة غالبة.

و أسد مذرّع:على ذراعيه دم.

و التّذريع:فضل حبل القيد يوثق بالذّراع،اسم كالتنبيت،لا مصدر كالتّصويب.

و ذرّع البعير و ذرّع له:قيّد في ذراعيه جميعا.

و ثوب موشيّ الذّراع،أي الكمّ،و موشيّ المذارع كذلك؛جمع على غير واحدة،كملامح و محاسن.

و ذرع الشّيء يذرعه ذرعا:قدّره بالذّراع.

و ذرع كلّ شيء:قدره من ذلك.

و ذرع البعير يذرعه ذرعا:وطئه على ذراعه ليركب صاحبه.

و ذرّع الرّجل في سباحته:اتّسع و مدّ ذراعيه.

و ذرّع بيديه:حرّكهما في السّعي،و استعان بهما عليه.

و تذرّعت الإبل الماء:خاضته بأذرعها.

و مذراع الدّابّة:قائمتها تذرع بها الأرض.

و مذرعها:ما بين ركبتها إلى إبطها.

و فرس ذروع:بعيد الخطى،و كذلك البعير.

و ذارع صاحبه فذرعه:غلبه في الخطو.

و الذّرع:البدن.و أبطرني ذرعي:أبلى بدني و قطع عليّ معاشي.

و رجل واسع الذّرع و الذّراع،أي الخلق،على المثل.

و الذّرع:الطّاقة.و ضاق بالأمر ذرعه و ذراعه:

أي ضعفت طاقته،و لم يجد من المكروه فيه مخلصا.

و ضاق به ذرعا كذلك؛و الجمع:أذرع و ذراع.

و ذراع القناة:صدرها لتقدّمه كتقدّم الذّراع.

و الذّراع:نجم من نجوم الجوزاء على شكل الذّراع.

و الذّراع:سمة في موضع الذّراع،و هي لبني ثعلبة من أهل اليمن،و ناس من بني مالك بن سعد من أهل الرّمال.

و ذرّع الرّجل و ذرّع له:جعل عنقه بين ذراعيه فخنقه،ثمّ استعمل في غير ذلك ممّا يخنق به.

و ذرعه:قتله.

و موت ذريع:فاش.

و أمر ذريع:واسع.

و ذرعه القيء:غلبه.

و ذرّع بالشّيء:أقرّ.

و بقرة مذرع:ذات ذرع.

و المذارع:النّخل القريبة من البيوت.

و المذارع:ما دانى المصر من القرى الصّغار.

و المذارع:البلاد الّتي بين الرّيف و البرّ كالقادسيّة و الأنبار.

و مذارع الأرض:نواحيها.

و المذرّع:الّذي أمّه عربيّة و أبوه غير عربيّ.

ص: 704

و الذّريعة:الوسيلة.

و الذّريعة:جمل يختل به الصّيد،يمشي الصّيّاد إلى جنبه فيرمي الصّيد إذا أمكنه،و ذلك الجمل يسيّب أوّلا مع الوحش حتّى تألفه.

و الذّريعة:السّبب إلى الشّيء،و أصله من ذلك الجمل.

و الذّريعة:حلقة يتعلّم عليها الرّمي.

و الذّريع:السّريع.

و أذرع في الكلام و تذرّع:أكثر.

و الذّراع و الذّراع:الخفيفة اليدين بالغزل.و قيل:

الكثيرة الغزل القويّة عليه.و ما أذرعها!و هو من باب أحنك الشّاتين،في أنّ التّعجّب من غير فعل.

و تذرّعت المرأة:شقّت الخوص لتعمل منه حصيرا.

و زقّ ذارع:كثير الأخذ من الماء و نحوه.

و الذّارع و المذرع:الزّقّ الصّغير.

و ابن ذارع:الكلب.

و أذرع و أذرعات:موضعان تنسب إليهما الخمر.

[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](2:77)

الرّاغب:الذّراع:العضو المعروف،و يعبّر به عن المذروع،أي الممسوح بالذّراع.قال تعالى: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ الحاقّة:32.

يقال:ذراع من الثّوب و الأرض.

و ذراع الأسد:نجم،تشبيها بذراع الحيوان.

و ذراع العامل:صدر القناة.

و يقال:هذا على حبل ذراعك،كقولك:هو في كفّك،و ضاق بكذا ذرعي،نحو:ضاقت به يدي.

و ذرعته:ضربت ذراعه،و ذرعت:مددت الذّراع، و منه:ذرع البعير في سيره،أي مدّ ذراعه،و فرس ذريع و ذروع:واسع الخطو.

و مذرّع:أبيض الذّراع.

و زقّ ذراع،قيل:هو العظيم،و قيل:هو الصّغير، فعلى الأوّل هو الّذي بقي ذراعه،و على الثّاني هو الّذي فصل ذراعه عنه.

و ذرعه القيء:سبقه.

و قولهم:ذرع الفرس،و تذرّعت المرأة الخوص، و تذرّع في كلامه،تشبيها بذلك،كقولهم:سفسف في كلامه،و أصله:من سفيف الخوص.(178)

الزّمخشريّ:ذرعت الثّوب بذراعي،و هي من طرف المرفق إلى طرف الوسطى،ثمّ سمّي بها العود المقيس بها.

و ذرع في سيره و باع فيه،إذا مدّ ذراعه و باعه.

و ناقة ذارعة:بائعة.و تقول:عندي ناقة تاجرة بائعة،و ذارعة بائعة.

و ذرعت البعير:وطئت على ذراعه ليركب صاحبي.

و بعير قويّ المذارع،و هي قوائمه.

و فرس ذريع:واسع الخطو،و قد ذرع ذراعة.

و قوائم ذريعات.

و تحتي فرس ذريعة العنق.و فلان ذريع المشية.

و امرأة ذارع و ذراع:سريعة اليدين بالغزل.

و نخلة ذرع رجل،أي قامته.

ص: 705

و تذرّعت الإبل الماء:خاضته بأذرعها.

و ذرّع الرّجل في سعيه تذريعا:استعان بيده.

و يقال للبشير إذا أومأ بيده:قد ذرّع البشير.

و ذرّع في سباحته.

و من المجاز:ضاق بالأمر ذرعا و ذراعا، إذا لم يطقه.

و أبطرت ناقتك ذرعها:كلّفتها ما لم تطق.

و اقصد بذرعك و اربع على ظلعك:ارفق بنفسك.

و ما لك عليّ ذراع،أي طاقة.

و طفت في مذارع الوادي،و هي أضواجه و نواحيه.

و قد أذرع في كلامه و هو يذرع فيه إذراعا، و هو الإكثار.

و فلان ذريعتي إلى فلان،و قد تذرّعت به إليه،أي توسّلت.

و سألته عن أمره فذرّع لي منه شيئا،أي وطّش.

و ذرعت لفلان عند الأمير:شفعت له،و أنا ذريع له عنده.

و ناقة تذرع المفازة و تذارعها:تقطعها بسرعة كأنّها تقيسها.و تذارعت الإبل المفازة.

و وقع فيهم موت ذريع:سريع فاش؛و ذلك إذا لم يتدافنوا.

و استوى كذراع العامل،و هو صدر القناة.

و هو لك منّي على حبل الذّراع،أي حاضر قريب.

و جعلت أمرك على ذراعك،أي اصنع ما شئت.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:142)

[في حديث]:«إنّ اللّه تعالى أوحى إلى إبراهيم عليه السّلام أن ابن لي بيتا،فضاق إبراهيم بذلك ذرعا...».

الذّراع:اسم الجارحة من المرفق إلى الأنامل، و الذّرع:مدّها،و معنى:ضيق الذّرع-في قولهم:ضاق به ذرعا-:قصرها،كما أنّ معنى سعتها و بسطها:

طولها،أ لا ترى إلى قولهم:هو قصير الذّراع و الباع و اليد،و مديدها و طويلها في موضع قولهم:ضيّقها و واسعها.و وجه التّمثيل بذلك أنّ القصير الذّراع إذا مدّها ليتناول الشّيء الّذي يتناوله من طالت ذراعه تقاصر عنه،و عجز عن تعاطيه،فضرب مثلا للّذي سقطت طاقته دون بلوغ الأمر و الاقتدار عليه.

(الفائق 2:8)

الحسن رحمه اللّه تعالى:«سئل عن القيء يذرع الصّائم...»،فقال:هل راع منه شيء؟...

ذرعه القيء،إذا غلبه و سبقه.(الفائق 2:9)

المدينيّ:في الحديث:«من ذرعه القيء فلا قضاء عليه»،يعني في الصّوم،أي غلبه،و قيل:سبقه،و قيل:

أفرط عليه.

و منه:«موت ذريع»،أي سريع فاش،لا يتدافن أهله.

في حديث المغيرة رضي اللّه عنه:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم اذّرع ذراعيه اذّراعا من أسفل الجبّة».أي أخرجهما و نزع ذراعيه عن الكمّين،فأخرجهما من تحت الجبّة.

و وزنه«افتعل»من ذرع،أي مدّ ذراعيه.و يجوز

ص: 706

بالدّال و بالذّال معا،كما ذكرنا في«ذخر»و يقال:

أذرع و ذرّع إليه بيده،أي حرّكها.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الذّرع:مدّ الذّراع؛و ضيق الذّراع:قصرها عن بلوغ ما يريد أن يتناولها،و عجزها عن ذلك،كما أنّ سعة الذّراع و بسطها:طولها و قدرتها على ما يريد، كما يقال:هو باسط الذّراع بالخير و غيره.

و في حديث عائشة و زينب:«قالت زينب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:حسبك إذ قلبت لك ابنة أبي قحافة ذريّعتيها».

الذّريعة:تصغير الذّراع،و لحوق الهاء فيها لكونها مؤنّثة،ثمّ ثنّتها مصغّرة،و أرادت به:ساعديها.

(1:697)

ابن الأثير:في حديث ابن عوف:«قلّدوا أمركم رحب الذّراع»أي واسع القوّة و القدرة و البطش.

و الذّرع:الوسع و الطّاقة.

و منه الحديث:«فكبر في ذرعي»،أي عظم وقعه و جلّ عندي.

و الحديث الآخر:«فكسر ذلك من ذرعي»،أي ثبّطني عمّا أردته.

و منه الحديث:«فأكل أكلا ذريعا»،أي سريعا كثيرا.(2:158)

الصّغانيّ:و ذرّع لي فلان شيئا من خبره،أي خبّرني به.

و ذرّع فلان لبعيره،إذا قيّده بفضل خطامه في ذراعه.[إلى أن قال:]

و وردت الإبل الكرع فتذرّعته،أي وردته فخاضته بأذرعها.

و الانذراع و الاندراع:الاندراء.

الأذرع:المقرف،مثل المذرّع.

و المذرّع:الّذي وجئ في نحره فسال الدّم على ذراعه.(4:253)

الفيّومي:الذّراع:اليد من كلّ حيوان،لكنّها من الإنسان من المرفق إلى أطراف الأصابع.

و ذراع القياس أنثى في الأكثر،و لفظ ابن السّكّيت الذّراع أنثى و بعض العرب يذكّر.قال ابن الأنباريّ، و أنشدنا أبو العبّاس عن سلمة عن الفرّاء شاهدا على التّأنيث،قول الشّاعر:

أرمي عليها و هي فرع أجمع

و هي ثلاث أذرع و إصبع

و عن الفرّاء أيضا:الذّراع أنثى،و بعض عكل يذكّر،فيقول:خمسة أذرع.قال ابن الأنباريّ:

و لم يعرف الأصمعيّ التّذكير.

و قال الزّجّاج:التّذكير شاذّ غير مختار؛و جمعها:

أذرع و ذرعان،حكاه في«العباب».

و قال سيبويه:لا جمع لها غير أذرع و ذراع القياس ستّ قبضات معتدلات،و يسمّى:ذراع العامّة.و إنّما سمّي بذلك،لأنّه نقص قبضة عن ذراع الملك،و هو بعض الأكاسرة،نقله المطرّزيّ.

و ذرعت الثّوب ذرعا من باب«نفع»:قسته بالذّراع.

و ضاق بالأمر ذرعا:عجز عن احتماله.

و ذرع الإنسان:طاقته الّتي يبلغها.

و ذرعه القيء ذرعا:غلبه و سبقه.

ص: 707

و الذّريعة:الوسيلة؛و الجمع:الذّرائع.

و الذّريع:السّريع وزنا و معنى.

و تذرّع في كلامه:أوسع منه.(1:207)

الفيروزآباديّ:الذّراع،بالكسر:من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى و السّاعد،و قد تذكّر فيهما؛جمعه:أذرع و ذرعان،بالضّمّ،و من يدي البقر و الغنم:فوق الكراع،و من يدي البعير:فوق الوظيف،و كذلك من الخيل و البغال و الحمير.

و لا تطعم العبد الكراع فيطمع في الذّراع.

و ذرع الثّوب،ك«منع»:قاسه بها،و القيء فلانا:

غلبه و سبقه،و عنده:شفع،و البعير:وطئ على ذراعه ليركبه أحد،و فلانا:خنقه من ورائه بالذّراع،كذرّعه.

و رجل واسع الذّراع و الذّرع،أي الخلق،على المثل.

و ضاق بالأمر ذرعه و ذراعه،و ضاق به ذرعا:

ضعفت طاقته،و لم يجد من المكروه فيه مخلصا.

و ككتاب:سمة في ذراع البعير،و سمة بني ثعلبة باليمن،و ناس من بني مالك بن سعد و هضبتان في بلاد عمرو بن كلاب،و صدر القناة،و ما يذرع به حديدا أو قضيبا،و منزل للقمر،و هو ذراع الأسد المبسوطة.

و للأسد ذراعان:مبسوطة و مقبوضة،و هي الّتي تلي الشّام،و القمر ينزل بها،و المبسوطة تلي اليمن،و هي أرفع في السّماء و أمدّ من الأخرى،و ربّما عدل القمر فنزل بها،تطلع لأربع يخلون من تموز،و تسقط لأربع يخلون من كانون الأوّل.

و كسحاب:الخفيفة اليدين بالغزل،و يكسر.

و كشدّاد:الجمل يسانّ النّاقة بذراعه فيتنوّخها.

و الزّقّ الصّغير يسلخ من قبل الذّراع.

و كفرح:شرب به،و إليه:تشفّع،و رجلاه:أعيتا.

و الأذرع:المقرف،أو ابن العربيّ للمولاة، و الأفصح.

و أذرعات،بكسر الرّاء و تفتح:بلد بالشّام، و النّسبة:أذرعيّ بالفتح.

و أولاد ذارع أو ذراع،بالكسر:الكلاب و الحمير.

و الذّرع،محرّكة:الطّمع،و ولد البقرة الوحشيّة؛ جمعه:ذرعان بالكسر،و النّاقة الّتي يستتر بها رامي الصّيد،كالذّريعة.

و كصبور و أمير:الخفيف السّير،الواسع الخطو، من الخيل و البعير.

و كسفينة:الوسيلة،كالذّرعة بالضّمّ.

و المذارع:النّواحي أو القرى بين الرّيف و البرّ كالمذاريع،و قوائم الدّابّة،و النّخيل القريبة من البيوت.واحد الكلّ:مذراع.

و كأمير:الشّفيع،و السّريع،و من الأمور:الواسع، و الموت الفاشي.

و ككتف:الطّويل اللّسان بالشّرّ،و السّيّار ليلا و نهارا،و الحسن العشرة.

و الذّرعات،كفرحات:السّريعات،الواسعات الخطو البعيدات الأخذ من الأرض.

و أذرعت البقرة:صارت ذات ولد،و في الكلام:

أفرط،كتذرّع،و قبض بالذّراع،و ذراعيه من تحت الجبّة:أخرجهما،كاذّرعهما،على«افتعل»،و روي

ص: 708

في الحديث بالوجهين.

و كمعظّم:الّذي وجئ في نحره فسال الدّم على ذراعه،و الفرس السّابق،أو الّذي يلحق الوحشيّ و فارسه عليه،فيطعنه طعنة تفور بالدّم،فتلطّخ ذراعي الفرس،و من الثّيران:ما في أكارعه لمع سود،و من أمّه أشرف من أبيه،كأنّه سمّي بالرّقمتين في ذراع البغل،لأنّهما أتتاه من ناحية الحمار.

و كمحدّث لقب رجل من بني خفاجة بن عقيل، قتل رجلا من بني عجلان،ثمّ أقرّ بقتله فأقيد به،و المطر يرسخ في الأرض قدر ذراع.

و كمعظّمة:الضّبع في ذراعها خطوط.

و ذرّع بكذا تذريعا:أقرّ به،و لي شيئا من خبره:

خبّرني به،و لبعيره:قيّده بفضل خطامه في ذراعه،و في السّباحة:اتّسع،و في السّقي:استعان بيديه و حرّكهما فيه،و البشير:أومأ بيده،و في المشي:حرّك ذراعيه.

و الانذراع:الاندفاع،و في السّير:الانبساط فيه.

و المذارعة:المخالطة،و البيع بالذّرع لا بالعدد و الجزاف.

و التّذرّع:كثرة الكلام،و الإفراط فيه،و تشقّق الشّيء شقّة شقّة على قدر الذّراع طولا،و تقدير الشّيء بذراع اليد.

و تذرّع بذريعة:توسّل بوسيلة،و الإبل الكرع:

وردته فخاضته بأذرعها،و المرأة:شقّت الخوص لتجعل منه حصيرا.

و استذرع به:استتر،و جعله ذريعة له.(3:23)

الطّريحيّ:في الحديث:«لنا مسألة و قد ضقنا بها ذرعا»،أي ضعف طاقتنا عن معرفتها،و لم نقدر عليها.

و الذّراع:ستّ قبضات،و القبضة:أربع أصابع.

و قوله عليه السّلام:«مصيركم إلى أربعة أذرع»يريد به القبر.

و في حديث أهل البيت عليهم السّلام:«أكثر من يموت من موالينا بالبطن الذّريع»يعني السّريع،و كأنّه يريد الإسهال.(4:327)

مجمع اللّغة:الذّراع من الحيوان:اليد،و من الإنسان:من المرفق إلى أطراف الأصابع.و لفظة الذّراع مؤنّثة.

و الذّراع من الثّوب و نحوه:ما مقياسه ذراع،و هو ستّ قبضات معتدلات.

و قد صار الذّراع مقياسا يقدّر به.

و يقال:ذرعت الثّوب و نحوه أذرعه ذرعا:قسته بالذّراع.

و يقال:ذرع الثّوب خمسون ذراعا،أي مقداره.

و يقال:ضاق بالأمر ذرعا لم يطقه و لم يقو عليه.

و الأصل فيه:أنّ الرّجل إذا طالت ذراعه نال ما لا يناله القصير الذّراع.(1:417)

محمّد إسماعيل إبراهيم:ذرع الثّوب:قاسه بالذّراع.

و الذّراع:اليد من كلّ حيوان،لكنّها من الإنسان من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى.

و الذّراع من المقاييس،طوله بين الخمسين و السّبعين سنتيمترا.

و الذّرع:القياس.

ص: 709

و يقال:ضاق بالأمر ذرعا،أي ضعفت طاقته و لم يقدر عليه.

و يقال:ذرعه كذا،أي طوله.(200)

العدنانيّ:الذّراع اليسرى أو الأيسر

و يخطّئون من يقول:جرح فلان ذراعه الأيسر.

و يقولون:إنّ الصّواب هو:جرح فلان ذراعه اليسرى، لأنّ ذراع مؤنّثة،و لا تذكّر،كما قال الأصمعيّ.

لكن يقول الصّحاح و الأساس و اللّسان و المحيط و التّاج و مدّ القاموس و متن اللّغة و الوسيط:إنّ كلمة ذراع قد تذكّر.

و قال سيبويه:سألت الخليل عن ذراع،فقال:

ذراع كثير في تسميتهم به المذكّر؛و الجمع:أذرع و ذرعان.

و لمّا كان تذكير ذراع جائزا،و لمّا كانت العامّة تذكّره أيضا،فلا أرى ما يمنع من تذكير كلمة ذراع، أكثر من تأنيثها،لمن يرغب في الاقتراب من العامّة، بلغة صحيحة فصيحة.(معجم الأخطاء الشّائعة:95)

المصطفويّ:التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّقدير و المقايسة في مساحة الطّول،و لمّا كان مقياس الذّرع في السّابق هو الذّراع،ففسّروا الذّرع بالتّقدير بالذّراع.ثمّ اشتقّوا من الذّراع بالاشتقاق الانتزاعيّ مشتقّات،كما شاهدت من قولهم:ذرعت:مددت الذّراع،و ذرّعته:ضربت ذراعه.

و لمّا كان الذّرع هو تقدير الشّيء و الإحاطة به من جهة المقايسة،و جعله تحت مقياس الذّرع محدودا:

فيكنّى بالذّرع عن الغلبة و الوسع،و بالضّيق في الذّرع عن العجز و القصور.

ثمّ إنّ الذّراع المتوسّطة قريبة من خمسين سانتيمترا.

وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ الكهف:

18،تدلّ على شمول كلمة الذّراع بكلّ ذراع،من أيّ حيوان و إنسان.(3:311)

النّصوص التّفسيريّة

ذرعا

1- وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَ قالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ. هود:77

ابن عبّاس:اغتماما شديدا خاف عليهم من صنيع قومه.(188)

الفرّاء:الأصل فيه:و ضاق ذرعه بهم،فنقل الفعل عن الذّرع إلى ضمير لوط،و نصب الذّرع بتحوّل الفعل عنه،كما قال: وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً مريم:

4،و معناه:اشتعل شيب الرّأس.

(ابن الجوزيّ 4:136)

الزّجّاج:يقال:ضاق زيد بأمره ذرعا،إذا لم يجد من المكروه في ذلك الأمر مخلصا.(3:66)

نحوه الطّوسيّ.(6:38)

ابن الأنباريّ:فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّ معناه:وقع به مكروه عظيم لا يصل إلى دفعه عن نفسه،فالذّرع كناية عن هذا المعنى.

و الثّاني:أنّ معناه:ضاق صبره و عظم المكروه

ص: 710

عليه؛و أصله:من ذرع فلانا القيء:إذا غلبه و سبقه.

و الثّالث:أنّ المعنى:ضاق بهم وسعه،فناب الذّرع و الذّراع عن الوسع،لأنّ الذّراع من اليد،و العرب تقول:ليس هذا في يدي،يعنون ليس هذا في وسعي؛ و يدلّ على صحّة هذا أنّهم يجعلون الذّراع،في موضع الذّرع،فيقولون:ضقت بهذا الأمر ذراعا.[ثمّ استشهد بشعر](ابن الجوزيّ 4:136)

الثّعلبيّ: ذَرْعاً: قلبا.(5:180)

الماورديّ:ضاق ذرعا بخلاص نفسه،لأنّه نكرهم قبل معرفتهم.(2:487)

الزّمخشريّ:كانت مساءة لوط و ضيق ذرعه، لأنّه حسب أنّهم إنس،فخاف عليهم خبث قومه،و أن يعجز عن مقاومتهم و مدافعتهم.(2:282)

ابن عطيّة:الذّرع مصدر مأخوذ من الذّراع، و لمّا كان الذّراع موضع قوّة الإنسان قيل في الأمر الّذي لا طاقة له به:ضاق بهذا الأمر ذراع فلان، و ذرع فلان،أي حيلته بذراعه.و توسّعوا في هذا حتّى قلبوه فقالوا:فلان رحب الذّراع،إذا وصفوه باتّساع القدرة.[ثمّ استشهد بشعر](3:193)

الطّبرسيّ:أي ضاق بمجيئهم ذرعه،أي قلبه،لمّا رأى لهم من جمال الصّورة و حسن الشّارة،و قد دعوه إلى الضّيافة،و قومه كانوا يسارعون إلى أمثالهم بالفاحشة.

و قيل:معناه:ضاق بحفظهم من قومه ذرعه؛حيث لم يجد سبيلا إلى حفظهم،و كان قد علم عادة قومه من الميل إلى الذّكور،و قد أتوه في صورة الغلمان المرد.

و أصله:أنّ الشّيء إذا ضاق ذرعه لم يتّسع له ما اتّسع، فاستعار ضيق الذّرع عند تعذّر الإمكان،كما استعار الاتّساع.(3:183)

القرطبيّ:أي ضاق صدره بمجيئهم و كرهه.

و قيل:ضاق وسعه و طاقته.و أصله:أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه،فإذا حمل على أكثر من طوقه ضاق عن ذلك،و ضعف و مدّ عنقه؛فضيق الذّرع عبارة عن ضيق الوسع.

و قيل:هو من«ذرعه القيء»أي غلبه،أي ضاق عن حبسه المكروه في نفسه،و إنّما ضاق ذرعه بهم لمّا رأى من جمالهم،و ما يعلم من فسق قومه.(9:74)

البيضاويّ:و ضاق بمكانهم صدره،و هو كناية عن شدّة الانقباض،للعجز عن مدافعة المكروه و الاحتيال فيه.(1:475)

نحوه النّسفيّ.(2:198)

الشّربينيّ:أي صدرا.يقال:ضاق ذرع فلان بكذا،إذا وقع في مكروه لا يطيقه الخروج منه؛و ذلك أنّ لوطا نظر إلى حسن وجوههم و طيب روائحهم، فخاف عليهم خبث قومه،و أن يعجز عن مقاومتهم.

و قيل:ساءه ذلك،لأنّه عرف بالآخرة أنّهم ملائكة اللّه تعالى،و أنّهم جاءوا لإهلاك قومه،فرقّ قلبه على قومه.(2:71)

أبو السّعود:أي ضاق بمكانهم صدره أو قلبه أو وسعه و طاقته،و هو كناية عن شدّة الانقباض،للعجز عن مدافعة المكروه و الاحتيال فيه.

و قيل:ضاقت نفسه عن هذا الحادث،و ذكر

ص: 711

الذّرع مثل و هو المساحة،و كأنّه قدر البدن مجازا،أي إنّ بدنه ضاق قدره من احتمال ما وقع.

و قيل:الذّراع اسم للجارحة من المرفق إلى الأنامل،و الذّرع:مدّها.و معنى ضيق الذّرع في قوله تعالى: ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً: قصرها،كما أنّ معنى سعتها و بسطتها:طولها.و وجه التّمثيل بذلك أنّ القصير الذّراع إذا مدّها ليتناول ما يتناول الطّويل الذّراع تقاصر عنه و عجز عن تعاطيه،فضرب مثلا للّذي قصرت طاقته دون بلوغ الأمر.(3:336)

نحوه البروسويّ.(4:166)

الآلوسيّ:أي طاقة و جهدا،و هو في الأصل مصدر ذرع البعير بيديه يذرع في مسيره،إذا سار مادّا خطوه،مأخوذ من الذّراع،و هي العضو المعروف،ثمّ توسّع فيه فوضع موضع الطّاقة و الجهد؛و ذلك أنّ اليد كما تجعل مجازا عن القوّة فالذّراع المعروفة كذلك.

[إلى أن قال:]

و الأصل فيه:أنّ الرّجل إذا طالت ذراعه نال ما لا يناله القصير الذّراع،فضرب ذلك مثلا في العجز و القدرة.و نصبه على أنّه تمييز محوّل عن الفاعل،أي ضاق بأمرهم و حالهم ذرعه.

و جوّز أن يكون الذّرع كناية عن الصّدر و القلب، و ضيقه كناية عن شدّة الانقباض،للعجز عن مدافعة المكروه و الاحتيال فيه،و هو على ما قيل:كناية متفرّعة على كناية أخرى مشهورة.

و قيل:إنّه مجاز،لأنّ الحقيقة غير مرادة هنا.و أبعد بعضهم في تخريج هذا الكلام،فخرّجه على أنّ المراد أنّ بدنه ضاق قدرا عن احتمال ما وقع.(12:105)

ابن عاشور:و معنى ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً: ضاق ذرعه بسببهم،أي بسبب مجيئهم،فحوّل الإسناد إلى المضاف إليه و جعل المسند إليه تمييزا،لأنّ إسناد الضّيق إلى صاحب الذّرع أنسب بالمعنى المجازيّ،و هو أشبه بتجريد الاستعارة التّمثيليّة.

و الذّرع:مدّ الذّراع،فإذا أسند إلى الآدميّ فهو تقدير المسافة،و إذا أسند إلى البعير فهو مدّ ذراعيه في السّير على قدر سعة خطوته،فيجوز أن يكون:

«ضاق ذرعا»تمثيلا بحال الإنسان الّذي يريد مدّ ذراعه فلا يستطيع مدّها كما يريد،فيكون ذرعه أضيق من معتاده.و يجوز أن يكون تمثيلا بحال البعير المثقل بالحمل أكثر من طاقته،فلا يستطيع مدّ ذراعيه كما اعتاده.

و أيّا ما كان فهو استعارة تمثيليّة لحال من لم يجد حيلة في أمر يريد عمله،بحال الّذي لم يستطع مدّ ذراعه كما يشاء.(11:300)

الطّباطبائيّ:الذّرع:مقايسة الأطوال،مأخوذ من الذّراع،العضو المعروف،لأنّهم كانوا يقيسون بها، و يطلق على نفس المقياس أيضا.و يقال:ضاق بالأمر ذرعا و هو كناية عن انسداد طريق الحيلة و العجز عن الاهتداء إلى مخلص ينجو به الإنسان من النّائبة، كالّذي يذرع ما لا ينطبق عليه ذرعه.(10:337)

عبد الكريم الخطيب:أي أحسّ العجز عن حمايتهم،لأنّه يتصدّى وحده لقومه جميعا و أصل الذّرع من الذّراع الّتي يعملها الإنسان في تناول

ص: 712

الأشياء.ثمّ استعملت استعمالا مجازيّا في الدّلالة على قدرة الإنسان أو عجزه،حسب طول ذراعه أو قصرها.(6:1177)

المصطفويّ:أي سيء لوط بسبب قومه، و ساءت حالته و اضطرب،و وقع في مضيقة من جهة ضيق في ذرعه،و تقديره:و لم يتمكّن من التّدبير و الإدارة فيما بينهم و بينه.(3:311)

فضل اللّه: وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً بما تعبّر عنه الكلمة من العجز عن إيجاد منفذ أو مهرب.فقد تحوّلت المسألة عند قدومهم،إلى أمر واقع لا مجال معه للتّخلّص منهم،و لا بدّ له من مواجهة الموقف بكلّ سلبيّاته و مشاكله.(12:103)

ذرعها-ذراعا

ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ.

الحاقّة:32

ابن عبّاس: ذَرْعُها: طولها و باعها، سَبْعُونَ ذِراعاً بذراع الملك.(484)

نحوه ابن جريج.(النّسفيّ 4:288)

نوف البكاليّ:كلّ ذراع باعا،كلّ باع أبعد ما بينك و بين مكّة،و هو يومئذ في مسجد الكوفة.

(الطّبريّ 12:220)

مقاتل: ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً بالذّراع الأوّل.

(ابن الجوزيّ 8:353)

الثّوريّ:كلّ ذراع سبعون ذراعا.

(البغويّ 5:148)

الطّبريّ:سبعون ذراعا بذراع،اللّه أعلم بقدر طولها.(12:220)

نحوه الحسن.(الواحديّ 4:347)

القمّيّ:معنى السّلسلة السّبعون ذراعا في الباطن، هم الجبابرة السّبعون.(2:384)

السّجستانيّ: ذَرْعُها، أي طولها إذا ذرعت.

(197)

نحوه الطّبرسيّ(5:348)،و النّسفيّ(4:288)، و أبو السّعود(6:297).

الزّمخشريّ:و جعلها سبعين ذراعا إرادة الوصف بالطّول،كما قال: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً التّوبة:80،يريد:مرّات كثيرة،لأنّها إذا طالت كان الإرهاق أشدّ.(4:153)

ابن عطيّة: ذَرْعُها معناه:مبلغ أذرع كيلها...

و اختلف النّاس في قدر هذا الذّرع،فقال محمّد بن المنكدر و ابن جرير و ابن عبّاس،هو بذراع الملك، و قال نوف البكاليّ و غيره:الذّراع السّبعون باعا في كلّ باع،كما بين الكوفة و مكّة،و هذا يحتاج إلى سند.

و قال حذّاق من المفسّرين:هي بالذّراع المعروفة هنا، و إنّما خوطبنا بما نعرفه و نحصله.(5:361)

الفخر الرّازيّ:قوله: ذَرْعُها معنى الذّرع في اللّغة التّقدير بالذّراع من اليد.يقال:ذرع الثّوب يذرعه ذرعا،إذا قدّره بذراعه.و قوله: سَبْعُونَ ذِراعاً فيه قولان:

أحدهما:أنّه ليس الغرض التّقدير بهذا المقدار بل الوصف بالطّول،كما قال: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ

ص: 713

مَرَّةً التّوبة:80،يريد مرّات كثيرة.

و الثّاني:أنّه مقدّر بهذا المقدار.ثمّ قالوا:كلّ ذراع سبعون باعا،و كلّ باع أبعد ممّا بين مكّة و الكوفة.

(30:114)

نحوه النّيسابوريّ(29:40)،و الشّربينيّ(4:

376).

البيضاويّ:أي طويلة.(2:501)

أبو حيّان: ذَرْعُها أي قياسها و مقدار طولها.

[ثمّ ذكر نحو الفخر الرّازيّ](8:326)

البروسويّ: ذَرْعُها: طولها،و الذّراع ككتاب:ما يذرع به حديدا أو قضيبا...

قوله: ذَرْعُها مبتدأ،خبره قوله: سَبْعُونَ، و الجملة في محلّ الجرّ على أنّها صفة سلسلة،و قوله:

ذِراعاً تمييز.(10:145)

الآلوسيّ:يجوز أن يراد ظاهره من العدد المعروف،و اللّه تعالى أعلم بحكمه،كونها على هذا العدد.و يجوز أن يراد به التّكثير فقد كثر السّبعة و السّبعون في التّكثير و المبالغة و رجّح بأنّه أبلغ من إبقائه على ظاهره.(29:50)

مغنيّة:السّبعون ذراعا كناية عن هول السّلسلة و عذابها الأليم،و إنّ وقعها على المجرم يقاس بأعماله و ما ترك من سوء الآثار في المجتمع.و من الطّريف قول بعض المفسّرين:«اختلفوا في هذا الذّراع،فقيل:إنّه الذّراع المعروف،و قيل:هو ذراع الملك أي ملك العذاب،و قيل:كلّ ذراع سبعون باعا،و كلّ باع ما بين مكّة و الكوفة».و لا أدري:هل كان هذا القائل من مكّة أم من الكوفة؟(7:407)

الطّباطبائيّ:الذّرع:الطّول،و الذّراع:بعد ما بين المرفق و رأس الأصابع،و هو واحد الطّول.

(19:400)

مكارم الشّيرازيّ:التّعبير ب سَبْعُونَ ذِراعاً يمكن أن يكون من باب الكثرة،إذ أنّ العدد«سبعين» كثيرا ما يستعمل للكثرة،كما يمكن أن يكون المقصود هو العدد«سبعون»نفسه.و على كلّ حال،فإنّ مثل هذا الزّنجير يطوّق به المجرمون بحيث يربطون به من كلّ جانب...

ذراع:بمعنى الفاصلة بين السّاعد و نهاية الأصابع، و قياسها بحدود نصف متر،و كانت وحدة الطّول المستعملة عند العرب،و هي قياس طبيعيّ.و قال البعض:إنّ الذّراع الوارد في الآية الكريمة هو غير الذّراع المتعارف عليه؛حيث إنّ كلّ وحدة منه تمثّل فواصل عظيمة،و يربط بهذا الزّنجير جميع أهل جهنّم.

(18:543)

ذراعيه

...وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً.

الكهف:18

القرطبيّ:الذّراع:من طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى.ثمّ قيل:بسط ذراعيه لطول المدّة.

و قيل:نام الكلب،و كان ذلك من آيات اللّه.و قيل:نام مفتوح العين.(10:373)

ص: 714

أبو السّعود:الذّراع:من المرفق إلى رأس الأصبع الوسطى.(4:178)

الآلوسيّ:الذّراع:من المرفق إلى رأس الأصبع الوسطى،و نصب ذِراعَيْهِ على أنّه مفعول باسِطٌ. (15:226)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الذّراع،و هو ما بين طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى؛و الجمع:

أذرع.يقال:الثّوب سبع في ثمانية،أي سبع أذرع في ثمانية أشبار.و منه:حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«أنا من رسول اللّه كالضّوء من الضّوء و الذّراع من العضد» (1)، كناية عن شدّة الامتزاج و القرب بينهما.

و ذرّع الرّجل:رفع ذراعيه منذرا أو مبشّرا،و قد ذرّع البشير،إذا أومأ بيده.

و التّذرّع:تقدير الشّيء بذراع اليد.

و الذّراع:ما يذرع به.يقال:ذرع الثّوب و غيره يذرعه ذرعا،أي قدّره بالذّراع،فهو ذارع،و ذاك مذروع.

و الذّراع:سمة في موضع الذّراع.

و ذراع القناة:صدرها،لتقدّمه كتقدّم الذّراع.

و الذّراع:نجم من نجوم الجوزاء على شكل الذّراع و هما كوكبان نيّران ينزلهما القمر.

و الذّراع و الذّراع:المرأة الخفيفة اليدين،أو الكثيرة الغزل القويّة عليه.يقال:ما أذرعها!

و التّذريع:سواد يكون في الذّراع.و منه:ثور مذرّع،أي في أكارعه لمع سود،و حمار مذرّع:لمكان الرّقمة في ذراعه،و المذرّعة:الضّبع،لتخطيط ذراعيها، صفة غالبة.

و أسد مذرّع:على ذراعيه دم فرائسه.

و فرس مذرّع،إذا كان سابقا،و أصله:الفرس يلحق الوحشيّ و فارسه عليه،يطعنه طعنة تفور بالدّم،فيلطّخ ذراعي الفرس بذلك الدّم،فيكون علامة لسبقه.

و المذرّع:الّذي أمّه عربيّة و أبوه غير عربيّ، تشبيها بالبغل،لأنّ في ذراعيه رقمتين كرقمتي ذراع الحمار؛نزع بهما إلى الحمار في الشّبه.

و ثوب موشّى الذّراع:موشّى الكمّ،و موشّى المذارع كذلك؛جمع على غير واحده،كملامح و محاسن.

و التّذريع:فضل حبل القيد يوثق بالذّراع.يقال:

ذرّع فلان لبعيره،إذا قيّده بفضل خطامه في ذراعه، و ذرّع البعير و ذرّع له:قيّد في ذراعيه جميعا.

و التّذريع:القتل.يقال:ذرّع الرّجل تذريعا و ذرّع له،أي جعل عنقه بين ذراعه و عضده فخنقه،ثمّ استعمل في غير ذلك ممّا يخنق به.

و التّذرّع:قدر ذراع ينكسر فيسقط.يقال:تذرّع فلان الجريد،إذا وضعه في ذراعه فشطبه.

و تذرّعت المرأة:شقّت الخوص لتعمل منه حصيرا.

ص: 715


1- نهج البلاغة-الكتاب:(45).

و تذرّعت الإبل الماء:خاضته بأذرعها.

و مذراع الدّابّة:قائمتها تذرع بها الأرض،و هي ما بين ركبتها إلى إبطها؛و الجمع:مذارع و مذاريع.

يقال:ثور موشّى المذارع.

و ذرعات الدّابّة:قوائمها أيضا.يقال:قوائم ذرعات،أي سريعات.

و ذرع البعير يده،إذا مدّها في السّير،و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«عليه جمّازة فأذرع منها يده»،أي أخرجها.

و ذرع البعير يذرعه ذرعا:وطئه على ذراعه ليركب صاحبه.

و هذه ناقة تذارع بعد الطّريق،أي تمدّ باعها و ذراعها لتقطعه،و هي تذارع الفلاة و تذرعها،إذا أسرعت فيها،كأنّها تقيسها،و منه:بعير ذروع.

و ذرّع الرّجل في سباحته تذريعا:اتّسع و مدّ ذراعيه.

و الذّارع و المذرع:الزّقّ الصّغير يسلخ من قبل الذّراع؛و الجمع:ذوارع،و هي للشّراب.

و المذرّع:المطر الّذي يرسخ في الأرض قدر ذراع.

و الذّرع:ولد البقرة الوحشيّة،و قيل:إنّما يكون ذرعا إذا قوي على المشي؛و الجمع:ذرعان.يقال:

أذرعت البقرة فهي مذرع،أي ذات ذرع،و هنّ المذرعات،أي ذوات ذرعان.

و الذّريعة:مثل الدّريئة؛جمل يختل به الصّيد يمشي الصّيّاد إلى جنبه،فيستتر به و يرمي الصّيد إذا أمكنه،و ذلك الجمل يسيّب أوّلا مع الوحش حتّى تألفه.

و الذّريعة:الوسيلة و السّبب إلى الشّيء،و أصله من ذلك الجمل.يقال:فلان ذريعتي إليك،أي سببي و وصلتي الّذي أتسبّب به إليك،و قد تذرّع فلان بذريعة،أي توسّل؛و الجمع:ذرائع.قال الإمام عليّ عليه السّلام:«اتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية» (1)

و الذّريعة:حلقة يتعلّم عليها الرّمي.

و مذارع الأرض:نواحيها،و مذارع الوادي:

أضواجه و نواحيه،فكأنّها أطراف و أذرع؛و الواحد:

مذراع.

و المذارع:المزالف،و هي البلاد الّتي بين الرّيف و البرّ كالقادسيّة و الأنبار،لأنّها أطراف و نواح،و في الحديث:«كانوا بمذارع اليمن»،و هي القريبة من الأمصار.

و الذّرع:الوسع و الطّاقة،مأخوذ من الذّراع،لأنّ فيها القوّة.و الأصل فيه:أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه.يقال:قد أبطرت بعيرك ذرعه،أي حملته من السّير على أكثر من طاقته حتّى يبطر و يمدّ عنقه ضعفا عمّا حمل عليه.و أبطرت فلانا ذرعه،أي كلّفته أكثر من طوقه،و من كتاب للإمام عليّ عليه السّلام إلى معاوية:«تعرف قصور ذرعك»، (2)أي طاقتك.

و يقال أيضا:ضاق بالأمر ذرعه و ذراعه،أي).

ص: 716


1- نهج البلاغة-الخطبة(32).
2- المصدر السّابق-الكتاب:(28).

ضعفت طاقته و لم يجد من المكروه فيه مخلصا، و لم يطقه و لم يقو عليه،و ما لي به ذرع و ذراع:ما لي به طاقة،و في حديث إبراهيم الخليل عليه السّلام:«أوحى اللّه إليه أن ابن لي بيتا،فضاق بذلك ذرعا»،وجه التّمثيل أنّ القصير الذّراع لا ينال ما يناله الطّويل الذّراع، و لا يطيق طاقته،فضرب مثلا للّذي سقطت قوّته دون بلوغ الأمر و الاقتدار عليه.

و الذّريع:السّريع.يقال:فرس ذروع و ذريع،أي سريع بعيد الخطى بيّن الذّراعة،و موت ذريع:سريع فاش لا يكاد النّاس يتدافنون،و رجل ذريع بالكتابة:

سريع.و في صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّه كان ذريع المشي»، أي سريع المشي،واسع الخطوة.يقال:ذارع صاحبه فذرعه،أي غلبه في الخطو.

و التّذريع في المشي:تحريك الذّراعين.يقال:ذرّع بيديه تذريعا،أي حرّكهما في السّعي و استعان بهما عليه،و ذرّع الرّجل في سباحته تذريعا:اتّسع و مدّ ذراعيه.

و الإذراع:كثرة الكلام و الإفراط فيه،و كذلك التّذرّع،من مدّ الذّراع،لأنّ المكثر قد يفعل ذلك.يقال:

أذرع في الكلام و تذرّع،أي أكثر و أفرط.

و ذرعه القيء،إذا غلبه و سبق إلى فيه،و قد أذرعه الرّجل،إذا أخرجه،و في الحديث:«من ذرعه القيء فلا قضاء عليه»،أي سبقه و غلبه في الخروج.

و الذّرع:الطّويل اللّسان بالشّرّ،و هو السّيّار اللّيل و النّهار.

و رجل ذرع:حسن العشرة و المخالطة.يقال:

ذارعته مذارعة،إذا خالطته.

و رجل واسع الذّرع و الذّراع:الخلق،على المثل.

و من أمثال العرب السّائرة:«هو لك على حبل الذّراع»،أي أعجّله لك نقدا،و قيل:هو معدّ حاضر، و الحبل:عرق في الذّراع.

2-و الذّرائعيّة:مذهب فلسفيّ عمليّ تجربيّ، استحدثه«جون ديوي»في القرن الماضي،و ذهب إلى أنّ الأفكار و المعارف ذرائع لبلوغ الهدف.و كان يرى أنّ الكذب لو صدّقه السّامع لكان حقيقة،و هذا-كما ترى-ضرب من السّفسطة.و قد استهوت أفكاره الفلسفيّة كثيرا من الأمريكيّين و الأوربيّين،كما راجت نظريّاته التّربويّة في كثير من بلاد العالم. (1)

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المصدر:(ذرعا)3 مرّات،و الاسم (ذراعا)و(ذراعيه)كلّ منهما مرّة في 4 آيات:

1- وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَ قالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ هود:77

2- وَ لَمّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَ قالُوا لا تَخَفْ وَ لا تَحْزَنْ إِنّا مُنَجُّوكَ وَ أَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ العنكبوت:33

3- ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ الحاقّة:32

ص: 717


1- راجع موسوعة الفلسفة(1:500)و معجم المصطلحات الفلسفيّة:(133).

4- ...وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ...

الكهف:18

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها محورين:الذّرع و الذّراع، و في كلّ منهما بحوث:

أمّا«الذّرع»فجاء مرّتين في حديث لوط و ضيوفه من الملائكة،و مرّة في عقاب أصحاب الشّمال.أمّا«الذّراع»فجاء مرّتين:مرّة في عقاب أصحاب الشّمال،و مرّة في كلب أصحاب الكهف.

و في كلّ منهما بحوث:

أمّا الذّرع ففي(1):

1-قال الفرّاء:«الأصل فيه:و ضاق ذرعه بهم، فنقل الفعل عن الذّرع إلى ضمير لوط،و نصب الذّرع بتحوّل الفعل عنه،كما قال: وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً مريم:4،و معناه:اشتعل شيب الرّأس».

و قال نظيره ابن عاشور:«أي ضاق ذرعه بسببهم،أي بسبب مجيئهم،فحوّل الإسناد إلى المضاف إليه و جعل المسند إليه تمييزا،لأنّ إسناد الضّيق إلى صاحب الذّرع أنسب بالمعنى المجازيّ،و هو أشبه بتجريد الاستعارة التّمثيليّة.

و الذّرع:مدّ الذّراع،فإذا أسند إلى الآدميّ فهو تقدير المسافة،و إذا أسند إلى البعير فهو مدّ ذراعيه في السّير على قدر سعة خطوته،فيجوز أن يكون:«ضاق ذرعا»تمثيلا بحال الإنسان الّذي يريد مدّ ذراعه، فلا يستطيع مدّها كما يريد،فيكون ذرعه أضيق من معتاده.و يجوز أن يكون تمثيلا بحال البعير المثقل بالحمل أكثر من طاقته،فلا يستطيع مدّ ذراعيه كما اعتاده.و أيّا ما كان فهو استعارة تمثيليّة لحال من لم يجد حيلة في أمر يريد عمله،بحال الّذي لم يستطع مدّ ذراعه كما يشاء».

2-و يبدو منهم أنّهم تعبوا في تفسير الآية،فلكلّ منهم رأي يخالف رأي غيره.فقد ذكر ابن الأنباريّ فيها ثلاثة أقوال،و ذكر غيره ما يقاربه أو يخالفه، فلاحظ النّصوص.و نحوها الآية(2).

و في(3) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ... .

1-هذه من تتمّة آيات عقاب أصحاب اليمين «25-37»من سورة الحاقّة،ابتداء من: وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ إلى الآية 30: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ* إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللّهِ الْعَظِيمِ... .

2-قالوا ذَرْعُها: طولها و باعها،كلّ ذراع باعا،كلّ باع أبعد ما بينك و بين مكّة،ذرعها سبعون ذراعا بالذّراع الأوّل،بذراع،اللّه أعلم بقدر طولها، طولها إذا ذرعت،جعلها سبعين ذراعا إرادة الوصف بالطّول،كما قال: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً التّوبة:80،مبلغ أذرع كيلها بذراع الملك.

و قال حذّاق من المفسّرين:هي بالذّراع المعروفة هنا،قياسها و مقدار طولها،و الذّراع ككتاب:ما يذرع به حديدا أو قضيبا،و نحوها.

و قال الفخر الرّازيّ-و نحوه الآلوسيّ و غيره-:

«فيه قولان:أحدهما:أنّه ليس الغرض التّقدير بهذا

ص: 718

المقدار بل الوصف بالطّول،كما قال: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً، يريد مرّات كثيرة.و الثّاني:أنّه مقدّر بهذا المقدار».

و قال الطّباطبائيّ:«الذّرع:الطّول،و الذّراع:بعد ما بين المرفق و رأس الأصابع و هو واحد الطّول».

3-قال البروسويّ: «ذَرْعُها مبتدأ،خبره قوله: سَبْعُونَ، و الجملة في محلّ الجرّ على أنّها صفة سِلْسِلَةٍ، و قوله: ذِراعاً تمييز».

و أمّا الذّراع،ففي(4): وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ... .

هذه من جملة آيات أصحاب الكهف«9-26» من سورة الكهف:ابتداء من: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ اَلْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً، و انتهاء ب قُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا... و فيها بحوث:

1-قال القرطبيّ:«ثمّ قيل:بسط ذراعيه لطول المدّة.

و قيل:نام الكلب،و كان ذلك من آيات اللّه.و قيل:نام مفتوح العين».

2-نصب ذِراعَيْهِ على أنّه مفعول باسِطٌ.

3-قالوا:الذّراع من المرفق إلى رأس الإصبع الوسطى.

و ثانيا:الآيات كلّها مكّيّة،جاءت خلال قصّتين:

قصّة ضيوف لوط،و قصّة أصحاب الكهف.و الأصل في قصص القرآن أنّها مكّيّة.

و ثالثا:ليس لهذه المادّة نظير في القرآن.

ص: 719

ص: 720

ذ ر و

اشارة

3 ألفاظ،3 مرّات،في سورتين مكّيّتين

تذروه 1:1

ذروا 1:1

الذّاريات 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الذّرو:ذرو الرّيح التّراب،تحمله ثمّ تثيبه.

و المذراة:الخشبة الّتي تذرّى بها الحبوب تذرية.

و ذرّيت الحبّ تذرية؛و ذروته.

و الذّرو:اسم لما ذروته،بمنزلة النّفض اسم ما تنفضه الشّجر من الثّمر المتساقط.

و الذّرى:ما كنّك من الرّيح البارد،من حائط أو غيره.

و تذرّيت من برد الشّمال بحائط و بفلان و نحوه.

و الإبل الشّول إذا أحسّت بالبرد تذرّت،أي استترت بعضها ببعض،و بالعضاه من برد الرّيح.

و الذّرى:ما أذرت العين من الدّمع،أي صبّت تذري إذراء.

و الإذراء:ضربك الشّيء،ترمي به أو تصرعه.

و ضربته بالسّيف فأذريت رأسه،و طعنته فأذريته عن فرسه،أي صرعته.

و السّيف يذري ضريبته،أي يرمي بها.و قد يوصف به الرّمي من غير قطع.

و الذّرة:حبّ؛الواحدة ذرة،أي أرزن.

و الذّروة:أعلى السّنام،و كلّ شيء.

و الذّروة:أرض بالبادية؛و جمع الذّروة:ذرى و ذروات.

و الذّرو:من الكلام كأنّه طرف من الخبر.

و ذروت له من الخبر ذروا.

و تقول:مرّ بجيفة فكادت تذرّيه،أي تصرعه.

و جمع الذّروة ذرى،و لو لا الواو كان ينبغي أن تكون جماعة فعلة فعل،نحو:خرقة و خرق،و لكنّ الواو خلقت من الضّمّة فضمّت الكلمة عليها كراهية أن تلتبس بنات الواو من هذا الحدّ ببنات الياء،نحو:

ص: 721

فرية و فرى.فأمّا«رشوة»من بنات الواو و نحوها، فتضمّ إذا جمعت.

و الذّري و الذّرو:عدد الذّرّيّة،يقال:أنمى اللّه ذروك،أي ذرّيّتك.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(8:193)

المذروان:فرعا الأليتين.[ثمّ استشهد بشعر]

(الحربيّ 1:258)

مثله أبو عمرو الشّيبانيّ(الحربيّ 1:258)،و أبو عبيد(الأزهريّ 15:8).

الكسائيّ:تذروه الرّيح و تذريه:لغتان.

(الحربيّ 1:256)

ذروت و ذريت و ذرّيت بمعنى واحد،أي نقّيتها في الرّيح.(القاليّ 1:204)

ابن شميّل:ذرت الرّيح التّراب،و أذرته.

(الأزهريّ 15:6)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الذّرو من القوس:السّية.

(1:279)

الذّرو:عدو لا يجهد فيه نفسه،ذرا يذرو ذروا.

(1:281)

أبو زيد:تذرّيت بني فلان و تنصّيتهم،إذا تزوّجت منهم في الذّروة و النّاصية،أي في أهل الشّرف و العلاء.

إنّ فلانا لكريم الذّرى،أي كريم الطّبيعة.

(الأزهريّ 15:8)

ذرّيت الشّاة إذا جززتها و تركت على ظهرها شيئا منه لتعرف به،و لا يكون ذلك إلاّ في الضّأن.(القاليّ 1:204)

ذرّيت الشّاة تذرية،و هو أن تجزّ صوفها و تدع فوق ظهرها شيئا منه لتعرف به،و ذلك في الضّأن خاصّة و في الإبل.

و فلان يذرّي حسبه،أي يمدحه و يرفع من شأنه.

[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 6:2345)

الأصمعيّ:في حديث ابن عبّاس:«كلوا من جوانب القصعة و ذروا ذروتها،فإنّ في ذروتها البركة».

قوله:«ذروا ذروتها»الذّروة:أعلى كلّ شيء.

يقال:إنّه لمن ذروتهم،أي أعلاهم.

(الحربيّ 1:249،254)

يقال:ذرت الرّيح التّراب فهي تذروه ذروا،إذا أطارته.و ريح ذارية.

و منه ذرّى النّاس الحنطة،و طعنه فأذراه،إذا رمى به و قلعه من السّرج،و أذرت الرّيح فهي تذري إذراء، مثل ذرته تذروه.

و أذرته الرّيح:قلعته من أصله،و ذروته:طيّرته.

قال اللّه تعالى: فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ الكهف:45.(الحربيّ 1:256)

المذرى:الّذي يحمل به الطّعام ليذرّى.

ذرى يذري ذروا،إذا مرّ مرّا سريعا.[و استشهد بالشّعر مرّتين](الحربيّ 1:257)

يقال:بلغني عن فلان ذرو من خبر،إذا بلغك طرف منه.

يقال:جاء فلان ينفض مذرويه،إذا جاء باغيا

ص: 722

يتهدّد.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(الحربيّ 1:258)

و أذريت الشّيء:إذا ما القيته،مثل إلقائك الحبّ للزّرع.

و يقال للّذي تحمل به الحنطة لتذرّى:المذرى.

و فلان يذرّي فلانا،و هو أن يرفع من أمره و يمدحه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان في ذرى فلان،أي في ظلّه.

و يقال:استذر بهذه الشّجرة،أي كن في دفئها.

(الأزهريّ 15:7)

المذروان من القوس أيضا:الموضعان اللّذان يقع عليهما الوتر من أسفل و أعلى.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 15:8)

الذّرا بالفتح:كلّ ما استترت به.يقال:أنا في ظلّ فلان و في ذراه،أي في كنفه و ستره و دفئه.

(الجوهريّ 6:2345)

تذرّيت بني فلان و تنصّيتهم،إذا تزوّجت في الذّروة منهم و النّاصية.(الجوهريّ 6:2346)

اللّحيانيّ:ذرت الرّيح التّراب تذروه و تذريه،إذا سحفته و أذهبته.(القاليّ 1:204)

أبو عبيد:في حديث:«...إنّي أظنّكم آل المغيرة ذرء النّار».

قوله:«ذرء النّار»،و يروى«ذرو النّار»،فمن قال:ذرء النّار بالهمز،فإنّه أراد خلق النّار،أي إنّكم خلقتم لها،من قوله:ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرءا.و من قال:ذرو،فهو من ذرا يذرو،من قوله تعالى: تَذْرُوهُ اَلرِّياحُ، الكهف:45،أي إنّكم تذرون في النّار ذروا.

(2:70)

في حديثه عليه السّلام:«يوم الجمل و غاب عنه سليمان ابن صرد فبلغه عنه قول،فقال سليمان:بلغني عن أمير المؤمنين ذرو...».

قوله:«ذرو»هو الشّيء اليسير من القول،كأنّه طرف من الخبر و ليس بالخبر كلّه.(2:151)

المذرى:طرف الألية؛و الرّانفة:ناصيتها.[ثمّ استشهد بشعر]

المذروان:طرف الأليتين؛و ليس لهما واحد.

و هذا أجود القولين،لأنّه لو كان لهما واحد،فقيل:

مذرى لقيل في التّثنية:مذريان.(الأزهريّ 15:7)

ابن الأعرابيّ:ذرّت الرّيح و أذرت إذا ذرت التّراب.

و يقال:ذروت الحنطة أذروها ذروا.

(الأزهريّ 15:7)

و ذرّيته مدحته.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 10:112)

شمر:ذرت الرّيح التّراب،و أذرته و معنى أذرته:قلعته و رمت به.

و هما لغتان:ذرت الرّيح التّراب تذروه و تذريه.

(الأزهريّ 15:6)

الدّينوريّ:مذروا القوس:الموضعان اللّذان يقع عليهما الوتر من أسفل و أعلى.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 10:112)

أبو الهيثم:ذرت الرّيح التّراب:طيّرته.

ص: 723

إنّما يقال:أذريت الشّيء عن الشّيء:إذا ألقيته.

[ثمّ استشهد بشعر]

و القرآن و كلام العرب على هذا،قال اللّه تعالى:

وَ الذّارِياتِ ذَرْواً الذّاريات:1،يعني:الرّياح.

و في موضع آخر: تَذْرُوهُ الرِّياحُ الكهف:

45.(الأزهريّ 15:6)

الحربيّ:عن إبراهيم:«يكتحل المحرم بالذّرور الأحمر».

قوله:«يكتحل بالذّرور»معروف.و ذروت عين فلان إذا أخذت ذرورا،بأطراف أصابعك تذرّه.

(1:259)

و يقال:ذرا ناب الجمل يذرى ذروا،إذا انكسر.

[ثمّ استشهد بشعر](1:262)

المبرّد:الذّروة من كلّ شيء أعلاه،فذروة السّنام:

أعلاه،و ذروة المجد:أرفعه و أسناه.و يقال:فلان في ذروة قومه،إذا كان في الموضع الرّفيع منهم.[ثمّ استشهد بشعر](1:32)

في حديث أبي بكر:«و لتألمنّ النّوم على الصّوف الأذريّ،كما يألم أحدكم النّوم على حسك السّعدان».

الأذريّ:منسوب إلى أذربيجان.و كذلك تقول العرب.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 15:9)

الزّجّاج:ذروت الشّيء أذروه ذروا،إذا قابلت به الرّيح.

و أذريت الرّجل عن رأسه إذراء،إذا ألقيته عنه.

(فعلت و أفعلت:17)

ابن دريد:و ذرى الرّجل الحبّ و غيره و يذريه ذريا و يذروه و ذروا.

و ذروة كلّ شيء:أعلاه.

و ذروة:موضع.و أمّا قولهم:جاء فلان ينفض مذرويه،إذا جاء متهدّدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعض أهل اللّغة:المذروان:طرفا الألية، و لا يكادون يفردونه.

و المذروان:مؤخّر الرّأس في بعض اللّغة، و الصّواب مقدّما.(2:312)

القاليّ:قال أبو نصر:ذرا يذرو ذروا،إذا مرّ مرّا سريعا،و ذرا ناب الجمل يذرو ذروا،إذا انكسر حدّه.

و ذرت الرّيح التّراب تذروه ذروا؛و منه قيل:

ذرّى النّاس الحنطة.

و يقال:ذرت الرّيح التّراب تذريه،بمعنى ذرته تذروه.

و طعنه فأذراه عن فرسه،أي رمى به و قلعه عن السّرج.

قال أبو نصر:فلان يذرّي فلانا،أي يرفع من شأنه و يمدحه.

و قال أبو نصر و غيره:ذروة كلّ شيء أعلاه.

و يقال:فلان في ذرى فلان،أي في دفئه و ظلّه.

و يقال:استذر بهذه الشّجرة،أي كن في دفئها، و هو الذّرى مقصور.

و يقال:جاء ينقض مذرويه،إذا جاء باغيا يتهدّد.

و المذروان:النّاحيتان.بعض الهذيل يذكر القوس:

على كلّ هتّافة المذروين

صفراء مضجعة في الشّمال

ص: 724

يعني الجانبين اللّذين يقع عليهما الوتر من أسفل و من أعلى.و هذا القول مشتمل على من سمّى ناحيتي الرّأس مذروين،و على ما رواه أبو عبيد عن أبي عبيدة أنّ المذروين أطراف الأليتين.

و ليس لهما واحد،لأنّه لو كان لهما واحد،فقيل:

مذرى لقيل في التّثنية:مذريان بالياء،و ما كانت بالواو.

و قال أبو نصر:يقال:بلغني عنه ذرء من خبر،أي طرف و لم يتكامل.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(1:204)

الأزهريّ:يقال:سوّوا للشّول ذرى من البرد، و هو أن يقلع الشّجر من العرفج و غيره،فيوضع بعضه فوق بعض ممّا يلي مهبّ الشّمال،يحظر به على الإبل في مأواها.

و الذّرى:ما انصبّ من الدّمع،و قد أذرت العين الدّمع،تذريه إذراء و ذرى.

المذروان:طرف كلّ شيء.و أراد الحسن بهما فرعي المنكبين،يقال ذلك للرّجل إذا جاء باغيا يتهدّد.

هكذا قال أبو عمرو.

يقال:نعجة مذرّاة،و كبش مذرّى،إذا أخّر بين الكتفين فيهما صوفة لم تجزّ.

و ذروة كلّ شيء:أعلاه؛و الجمع:الذّرى.

و ذروة:اسم أرض بالبادية.

و ذروة:اسم رجل.

و ذروة الصّمّان:عاليتها.

الذّرة:حبّ،يقال للواحدة:ذرّة؛و يقال له:أرزن.

قال العتبيّ:المذروان:الجانبان من كلّ شيء، تقول العرب:جاء فلان يضرب أصدريه،و يهزّ عطفيه،و ينقض مذرويه،و هما منكباه.

و يقال:قنّع الشّيب مذرويه:يريد جانبي رأسه، و هما فوداه،سمّيا مذروين،لأنّهما يذريان،أي يشيبان.و الذّرى،هو الشّيب.و قد ذريت لحيته،ثمّ استعير للمنكبين و الأليتين و الطّرفين.[ثمّ استشهد بشعر](15:5)

الصّاحب:الذّرو:ذرو الرّيح التّراب،و هو حملها له.

و التّذرية:مصدر المذرّي الحبوب.

و المذراة:الخشبة الّتي يذرّى بها؛و ذرّيت الطّعام و ذرّوته.

و الذّرى:اسم ما تذروه الرّيح.

و تذرّيت من برد الشّمال بحائط،أي استترت.

و هو بمذرى الرّياح،أي بمدرجها.

و هذا ذرى ذريّ و دفء دفيء.

و موضعه بمذرى الفلفل،أي بعدا.

و الذّرة:حبّ معروف.

و الذّروة و الذّروة:أعلى السّنام و أعلى كلّ شيء حتّى الحسب؛و جمعها:ذرى،و العدد ذروات و ذروات.

و يقولون:أثرى و أذرى،أي طالت ذروته فصار عزيزا منيعا.

و تذرّيت الشّيء:علوت ذروته.و تذرّيت في بني فلان:تزوّجت في ذروتهم.

ص: 725

و جززت الكبش فأذريته،أي تركت على ظهره من صوفه مثل الذّروة.

و ذروة:اسم موضع بالبادية.

و الذّرو:طرف من الخبر.

و عرفت ذاك في ذرو كلامه،أي في فحواه.

و عدد الذّرّيّة،يقال:أنمى اللّه ذروك.

و ذرا الفرس يذرو،إذا أسرع.

و المذروان:فرعا الأليتين؛و منه قولهم:جاء ينفض مذرويه،أي جاء متهدّدا.و قيل:جانبا الرّأس.

و فرعا القوس الّذي يقع عليهما الوتر:مذرواها.

و المذرويّة:اسم الدّبر،من قولهم:أذرى فلان،إذا خرجت منه ريح.

و ذرا فوه يذرو،إذا سقطت أسنانه؛و ذرا نابه.

و ذرا أرضه يذروها:إذا بذرها،و قد يهمز.

و الذّرا:الكنف و الكنّ،استذريت به:لجأت إلى ذراه.

و المتذرّي:المتحرّز.

و الذّرا:الحدّ أيضا،و الخلق كالبرى.

و ذهبت الإبل ذرى:متفرّقة.

و هو ذو ذروة من المال:أي ثروة.(10:94)

الجوهريّ:و ذرى الشّيء بالضّمّ:أعاليه؛ الواحدة:ذروة و ذروة أيضا بالضّمّ،و هي أعلى السّنام.

و الذّرا أيضا:اسم لما ذرته الرّيح،و اسم الدّمع المصبوب.

و يقال:مرّ فلان يذرو ذروا،أي يمرّ مرّا سريعا.

و ذرا الشّيء،أي سقط.و ذروته أنا،أي طيّرته و أذهبته.

و الذّاريات:الرّياح.

و ذرت الرّيح التّراب و غيره تذروه و تذريه،ذروا و ذريا،أي سفته.و منه قولهم:ذرّى النّاس الحنطة.

و أذريت الشّيء،إذا ألقيته،كإلقائك الحبّ للزّرع.

و طعنه فأذراه عن ظهر دابّته،أي ألقاه.

و استذرت المعزى،أي اشتهت الفحل،مثل استدرّت.

و استذريت بالشّجرة،أي استظللت بها و صرت في دفئها.و استذريت بفلان،أي التجأت إليه و صرت في كنفه.

و تذرية الأكداس:معروفة.

و المذرى:خشبة ذات أطراف يذرّى بها الطّعام و تنقّى بها الأكداس من التّبن؛و منه ذرّيت تراب المعدن،إذا طلبت منه الذّهب.

و الذّرة:حبّ معروف؛و أصله:ذرو أو ذري، و الهاء عوض.

و المذوران:أطراف الأليتين؛و لا واحد لهما،لأنّه لو كان واحدهما مذرى-على ما يزعم أبو عبيدة- لقالوا في التّثنية:مذريان،لأنّ المقصور إذا كان على أربعة أحرف يثنّى بالياء-على كلّ حال-نحو مقلى و مقليان.

و المذروان من القوس:الموضعان اللّذان يقع عليهما الوتر،من أعلى و من أسفل؛و لا واحد لهما.

ص: 726

و قولهم:جاء فلان ينفض مذرويه،إذا جاء باغيا يتهدّد.

و أذرت العين دمعها:صبّته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:2345)

ابن فارس:الذّال و الرّاء و الحرف المعتلّ أصلان:أحدهما:الشّيء يشرف على الشّيء و يظلّه، و الآخر:الشّيء يتساقط متفرّقا.

فالذّروة:أعلى السّنام و غيره؛و الجمع:ذرى.

و الذّرا:كلّ شيء استترت به.تقول:أنا في ظلّ فلان،أي ذراه.و المذروان:أطراف الأليتين؛لأنّهما يشرفان على ما بينهما.

و أمّا الآخر:فيقول:ذرا ناب الجمل،إذا انكسر حدّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و من الباب:ذرت الرّيح الشّيء تذروه.و الذّرا:

اسم لما ذرته الرّيح.

و يقال:أذرت العين دمعها تذريه.و أذريت الرّجل عن فرسه:رميته.و يقال:إنّ الذّرى اسم لما صبّ من الدّمع.

و من الباب قولهم:بلغني عنه ذرو من قول؛و ذلك ما يساقطه من أطراف كلامه غير متكامل.(2:352)

الهرويّ:في حديث عليّ:«يذرو الرّواية ذرو الرّيح الهشيم»،أي يسرد الرّواية كما تنسف الرّيح هشيم النّبت.

و في الحديث:«على ذروة كلّ بعير شيطان»أي على أعلى سنامه.

و في حديث الحسن:«ما نشاء أن نرى أحدهم ينفض مذرويه».

قال أبو عبيد:المذروان:جانبا الأليتين،لا واحد لهما،و قال غيره:طرف كلّ شيء،فأراد الحسن أنّهما فرعي المنكبين.

و في الحديث:«يريد أن يذرّى»أي يرفع منه.

(2:674)

ابن سيده:ذرت الرّيح التّراب و غيره ذروا، و أذرته؛أطارته و أذهبته،و قد ذرا هو نفسه.

و ذروت الحنطة و ذرّيتها:نقّيتها في الرّيح.

و تذرّت هي تنقّت.

و الذّراوة:ما ارفتّ من النّبت و يبس،و طارت به الرّياح.

و الذّرا و الذّراوة:ما ذرا من الشّيء.

و الذّراوة:ما سقط من الطّعام عند التّذرّي، و خصّ اللّحيانيّ به الحنطة.

و ذرّى رأسه:سرّحه كما يذرّى الشّيء في الرّيح، و الدّال أعلى،و قد تقدّم.

و هو يذرو ذروا،أي يمرّ مرّا سريعا.و خصّ بعضهم به الظّبي.

و ذرا نابه ذروا:انكسر حدّه،و قيل:سقط.

و ذروته أنا.

و ذروة كلّ شيء و ذروته:أعلاه.

و ذروة السّنام و الرّأس:أشرفهما.

و تذرّيت الذّروة:ركبتها و علوتها.

و تذرّيت فيهم:تزوّجت في الذّروة منهم.

و إنّما أثبت هذا هنا،لأنّ الاشتقاق يؤذن بذلك،

ص: 727

كأنّي جعلته في الذّروة.

و المذرى:طرف الألية.

و قيل:المذروان:أطراف الأليتين؛ليس لهما واحد.و هو أجود القولين،لأنّه لو قيل:مذرى لقيل في التّثنية:مذريان للمجاورة،و لما كانت بالواو في التّثنية،و لكنّه من باب:عقلته بثنيايين،في أنّه لم يثنّ على الواحد.

قال أبو عليّ:الدّليل على أنّ الألف في التّثنية حرف إعراب،صحّة الواو في مذروان،قال:أ لا ترى أنّه لو كانت الألف إعرابا أو دليل إعراب و ليست مصوغة في بناء الكلمة متّصلة بها اتّصال حرف إعراب بما بعده،لوجب أن تقلب الواو ياء،فيقال:

مذريان،لأنّها كانت تكون على هذا القول طرفا ك«لام»مغزى و مدعى و ملهى،فصحّة الواو في «مذروان»دلالة على أنّ الألف من جملة الكلمة، و أنّها ليست في تقدير الانفصال الّذي يكون في الإعراب.قال:فجرت الألف في«مذروان»مجرى الواو في عنفوان و إن اختلفت النّونان،و هذا حسن في معناه.

و المذروان:ناحيتا الرّأس مثل الفودين.

و قال أبو عمرو:واحدها مذرى.

و ذرا اللّه الخلق ذروا:خلقهم،لغة في ذرا.

و الذّرو و الذّرى و الذّرّيّة:الخلق.

و قيل الذّرو و الذّرى:عدد الذّرّيّة.

و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم و رأى في بعض غزواته امرأة مقتولة، فقال:«ها،ما كانت هذه لتقاتل،الحق خالدا فقل له:

لا تقتلنّ ذرّيّة و لا عسيفا»،فسمّى النّساء ذرّيّة.

و منه حديث عمر:«حجّوا بالذّرّيّة لا تأكلوا أرزاقها و تذروا أرباقها في أعناقها».

و أتانا ذرو من خبر،و هو اليسير منه،لغة في ذرء.

و ذروة:موضع،و ذريّات:موضع.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](10:111)

الطّوسيّ:و التّذرية:تطيير الرّيح الأشياء الخفيفة على كلّ جهة.يقال:ذرته الرّيح تذروه ذروا، و ذرّته تذرية و أذرته إذراء.[ثمّ استشهد بشعر]

و أذريت الرّجل عن الدّابّة إذا ألقيته عنها.

(7:51)

نحوه الطّبرسيّ.(3:473)

الرّاغب:ذروة السّنام و ذراه:أعلاه؛و منه قيل:

أنا في ذراك،أي في أعلى مكان من جنابك.

و المذروان:طرفا الأليتين،و ذرته الرّيح تذروه و تذريه،قال تعالى: وَ الذّارِياتِ ذَرْواً الذّاريات:1، و قال: تَذْرُوهُ الرِّياحُ الكهف:45.(178)

الزّمخشريّ:ذرّى الطّعام بالمذراة.و له مذرّ و منقّ.

و ذرت الرّيح التّراب تذروه الرّياح.

و أذرت العين دمعها،و عيناه تذريان الدّموع.

و طعنته فأذريته عن فرسه.

و أذراه الفرس عن ظهره:رمى به.و ضربته فأذريت رأسه.و ذرا فوه.

و ذرا حدّ نابه إذا انسحقت أسنانه،و سقطت أعاليها.

ص: 728

و بلغني عنه ذرو من قول:طرف منه.

و أخذ في ذرو من الحديث،إذا عرّض و لم يصرّح.

و اتّخذت الحائط ذرا لي:أويت إليه.

و تذرّيت من برد الشّمال بصخرة و نحوها.

و الشّول إذا أحسّت بالبرد تذرّت بالعضاه.

و من المجاز:هو في ذروة النّسب.و علا ذروة الشّرف.

و بلغ الذّرى.و أقبلت ذرى اللّيل:أوائله.

و فلان يذرّي فلانا:يمدحه و يرفع شأنه.

و ذرّيته و سنّيته.

و قد تذرّى السّنام و تفرّعه،إذا شرف و علا، و ارتفع أمره.

و طالت ذروة فلان.

و تذرّيت بني فلان،و تنصّيتهم و تفرّعتهم،إذا تزوّجت في أشرافهم و عليتهم.

و جاء ينفض مذرويه:يختال،و هما فرعا الأليتين.

و قوس هتافة المذروين،و هما موقعا الوتر من أعلى و أسفل.

و أنا في ذرى فلان و في أذرائه.

و استذريت به و تذرّيت.

و إنّه لكريم الذّرى منيع الذّرى.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:142)

[في حديث]:عليّ عليه السّلام غاب عنه سليمان بن صرد فبلغه عنه قول فقال:«بلغني عن أمير المؤمنين ذرو من قول،تشذّر لي به من شتم و إبعاد،فسرت إليه جوادا».

الذّروة من الحديث:ما ارتفع إليك و ترامى من حواشيه و أطرافه،من قولهم:ذرا إليّ فلان،أي ارتفع و قصد،و ذرا الشّيء و ذروته أنا،إذا طيّرته.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 2:7)

[في حديث]:الزّبير«سأل عائشة الخروج إلى البصرة،فأبت عليه،فما زال يفتل في الذّروة و الغارب حتّى أجابته»،هي أعلى السّنام من ذرا إذا ارتفع.

أبو الزّناد رحمه اللّه،كان يقول لعبد الرّحمن ابنه:

«كيف حديث كذا يريد أن يذرّي منه».

التّذريّة من الرّجل:الرّفع منه و التّنويه به.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 2:9)

المدينيّ:في الحديث:«أتي بإبل غرّ الذّرى»،أي سميني السّنام؛و الأغرّ:الأبيض.

في حديث سليمان بن صرد«بلغني عن عليّ رضي اللّه عنه ذرو من قول»،أي طرف منه لم يتكامل، و هو ما ارتفع إليك من أطرافه و حواشيه.

و هو غير مهموز.و يقال:عرفته في ذرو كلامه،أي فحواه،و أنمى اللّه ذروك،أي ذرّيّتك و نمّاك.

و في الحديث:«أوّل الثّلاثة يدخلون النّار كذا و كذا،و ذو ذروة لا يعطي حقّ اللّه»،أي ذو ثروة،فإمّا أن يكون من باب الاعتقاب،و إمّا أن يكون من الذّروة لما في الثّروة من معنى العلوّ و الزّيادة.

(1:700)

ابن الأثير:فيه:«إنّ اللّه خلق في الجنّة ريحا من دونها باب مغلق،لو فتح ذلك الباب لأذرت ما بين السّماء و الأرض»و في رواية«لذرت الدّنيا و ما فيها»

ص: 729

يقال ذرته الرّيح و أذرته تذروه،و تذريه،إذا أطارته؛ و منه تذرية الطّعام.

و منه الحديث:«إنّ رجلا قال لأولاده:«إذا متّ فاحرقوني ثمّ ذرّوني في الرّيح».

و في حديث أبي موسى:«أتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بإبل غرّ الذّرى»أي بيض الأسنمة سمانها.و الذّرى:جمع ذروة و هي أعلى سنام البعير،و ذروة كلّ شيء أعلاه.

و حديث الزّبير[و ذكره ثمّ قال:]

جعل فتل وبر ذروة البعير و غاربه مثلا لإزالتها عن رأيها،كما يفعل بالجمل النّفور إذا أريد تأنيسه و إزالة نفاره.

و في حديث سحر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«ببئر ذروان»بفتح الذّال و سكون الرّاء،و هي بئر لبني زريق بالمدينة.

فأمّا بتقديم الواو على الرّاء فهو موضع بين قديد و الجحفة.(2:159)

الفيّوميّ:ذرت الرّيح الشّيء تذروه ذروا:

نسفته و فرّقته.

و ذرّيت الطّعام تذرية إذا خلّصته من تبنه.

و تذرّيت بالشّيء تذرّيا:استترت به.

و الذّرى وزان الحصى كلّ ما يستتر به الشّخص.

و الذّروة بالكسر و الضّمّ من كلّ شيء:أعلاه.

و الذّرة:حبّ معروف،و لامها محذوفة؛و الأصل:

ذرو أو ذري فحذفت اللاّم و عوّض عنها الهاء.

(1:208)

الفيروزآباديّ:ذرت الرّيح الشّيء ذروا و أذرته و ذرّته:أطارته و أذهبته.و ذرا هو بنفسه، و الحنطة:نقّاها في الرّيح فتذرّت،و الشّيء:كسره، و الظّبي:أسرع،و فوه:سقط.

و ذراوة النّبت بالضّمّ:ما ارفتّ من يابسه فطارت به الرّيح،و ما سقط من الطّعام عند التّذرّي،و ما ذرا من الشّيء كالذّرى بالضّمّ.

و ذروة الشّيء بالضّمّ و الكسر:أعلاه.

و تذرّيتها:علوتها.و ذرّيته تذرية:مدحته، و تراب المعدن:طلبت ذهبه.و المذروان بالكسر:

أطراف الألية بلا واحد،أو هو المذرى،و من الرّأس:

ناحيتاه،و من القوس:ما يقع عليها طرف الوتر من أعلى و أسفل.

و جاء ينفض مذرويه:باغيا متهدّدا.

و استذرت المعزى:اشتهت الفحل.

و الذّرة كثبة:حبّ معروف؛أصلها:ذرو.

(4:332)

مجمع اللّغة:ذرت الرّيح الشّيء تذروه:أطارته، بدّدته و أذهبته.

الذّاريات،أي الرّياح الّتي تذرو التّراب و غيره، و تفرّقه و تبدّده بعد رفعه عن مكانه.(1:418)

محمّد إسماعيل إبراهيم:ذرت الرّيح التّراب ذروا:أطارته و فرّقته و أذهبته،و الذّاريات:الّتي تذور ما تحمله.(200)

العدنانيّ:ذروت الحبّ و ذريته

و يخطّئون من يقول ذريت الحبّ:نقّيته في الرّيح من التّبن،و يقولون:إنّ الصّواب هو:ذروت الحبّ، اعتمادا على قوله تعالى: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ

ص: 730

فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ الكهف:45،و على الآية الأولى من سورة الذّاريات: وَ الذّارِياتِ ذَرْواً.

و يعتمدون أيضا على ما جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس، و النّهاية،و المصباح،و القاموس.و لكن:

ذكر اللّسان و مستدرك التّاج:أنّ في حرف ابن مسعود و ابن عبّاس«تذريه الرّيح»و جاء في تفسير «الجلالين»في شرح سورة الذّاريات:و يقال:تذريه ذريا.

و أجاز استعمال جملتي:ذروت الحبّ و ذريته كلتيهما:الفرّاء،و المحكم،و الرّاغب،و المختار، و اللّسان،و التّاج الّذي ذكر«ذريته»في المستدرك، و قال:إنّ الواو أعلى،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و يجوز أن نقول:ذرّته و أذرته بمعنى:ذرته،و في الحديث:«إنّ اللّه خلق في الجنّة ريحا من دونها باب مغلق لو فتح ذلك الباب،لأذرت ما بين السّماء و الأرض»،و في رواية«لذرت الدّنيا و ما فيها»

و أجاز الفرّاء و أدب الكاتب أن نقول:ذروت الحبّ و أذريته.

و فعله:ذراه يذروه ذروا،و ذراه يذريه ذريا.

و من معاني ذرا يذرو ذروا:

1-ذرا فلان:مرّ مرّا سريعا.

2-ذرا الشّيء:سقط.

3-ذرا فوه:سقطت أسنانه.

4-ذرا نابه:انكسر حدّه.و يقال:ذرا حدّ نابه:كلّ و ضعف.

5-ذرا إليه:ارتفع و قصد،مجاز.

6-ذرت الرّيح التّراب تذروه و تذريه ذروا، و ذريا:أطارته و فرّقته.

7-ذرا اللّه الخلق ذروا:خلقهم.و يجوز:ذرأهم.

(239)

المصطفويّ:التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الإثارة مع النّشر و التّفريق.و هذه المادّة قريبة من الذّرء:البسط في البقاء،و الذّرّ:النّشر في لطافة،لفظا و معنى؛بحيث قد اختلطت مفاهيم هذه الموادّ في بعض التّراجم،و لم يلاحظوا قيود الحقيقة في كلّ منها.

و بهذا ظهر الفرق بينها و بين:الذّرء،و الذّرّ، و الإثارة،و التّفريق،و القلع،و الهيجان،و النّشر، و الإطارة،و الهبوب،و غيرها،فإنّ قيود الإثارة و النّشر مع التّفريق غير مأخوذة فيها.

و لا يخفى أنّ همزة آخر الكلمة و تشديدها و الواو في:الذّرء و الذّرّ،و الذّرو و الذّرى هي المقتضية باختلاف معانيها،فإنّ الهمزة مخفّفة في التّلفّظ،فيكون بمعنى البسط و التّشديد،مشدّدة فيشدّد معناه فيكون بسطا شديدا،و هو النّشر في الدّرجة الأولى.ثمّ ينقلب إلى التّعليل فيكون إثارة مع تفريق.

فظهر أنّ مفاهيم الإطارة،و القلع،و الحمل، و أمثالها،ليست من الأصل،بل هي من لوازمه و آثاره.(3:312)

ص: 731

النّصوص التّفسيريّة

تذروه

وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً.

الكهف:45

ابن عبّاس:ذرته الرّيح و لم يبق منها شيء، كذلك الدّنيا تذهب و لا يبقى منها شيء،كما لا يبقى من الهشيم شيء.(248)

تديره.(الثّعلبيّ 6:173)

(تذريه الرّياح):من أذرى.(الزّمخشريّ 2:486)

زيد بن عليّ:تطيّره الرّياح و تفرّقه.(260)

نحوه السّجستانيّ(114)،و الفخر الرّازيّ(21:

130).

الفرّاء:من ذروت؛و ذريت لغة،و هي كذلك في قراءة عبد اللّه(تذريه الرّيح)و لو قرأ قارئ(تذريه الرّيح)من أذريت،أى تلقيه،كان وجها.[ثمّ استشهد بشعر]

تقول:أذريت الرّجل عن الدّابّة و عن البعير،أي ألقيته.(2:146)

أبو عبيدة:أي تطيّره و تفرّقه.و يقال:ذرته الرّيح تذروه و أذرته تذريه.(1:405)

الأخفش:ترفعه.(الثّعلبيّ 6:173)

ابن قتيبة:تنسفه.(268)

مثله النّحّاس(4:248)،و أبو الفتوح(12:360).

ابن كيسان:تجيء به و تذهب.(الثّعلبيّ 6:173)

الطّبريّ:يقول:تطيّره الرّياح و تفرّقه،يقال منه:

ذرته الرّيح تذروه ذروا،و ذرته ذريا،و أذرته تذريه إذراء.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:أذريت الرّجل عن الدّابّة و البعير،إذا ألقيته عنه.(8:228)

الزّجّاج:في تذروه لغتان:لا يقرأ بهما:(تذريه) بضمّ التّاء و كسر الرّاء،و(تذريه)بفتح التّاء.

(3:291)

الثّعلبيّ:قرأ طلحة بن مصرّف الآية،فقال:ذرته الرّيح تذروه ذروا،و تذريه ذريا و أذرته إذراء،إذا أطارت به.(6:173)

الماورديّ:يعني بامتناع الماء عنه،فحذف ذلك إيجازا لدلالة الكلام عليه.(3:309)

الطّوسيّ:فتنقله من موضوع إلى موضوع، فانقلاب الدّنيا بأهلها كانقلاب هذا النّبات.(7:51)

مثله الطّبرسيّ.(3:473)

الواحديّ:الذّرّ:حمل الرّيح الشّيء،ثمّ تنشره و تفرّقه،يقال:ذرته الرّيح تذروه،قال المفسّرون:

ترفعه و تفرّقه.(3:150)

نحوه البروسويّ.(5:250)

الزّمخشريّ:قرئ(تذروه الرّيح).(2:486)

ابن عطيّة:بمعنى تفرّقه.و قرأ ابن عبّاس(تذريه) و المعنى:تقلعه و ترمي به.و قرأ الحسن(تذروه الرّيح) بالإفراد،و هي قراءة طلحة و النّخعيّ و الأعمش.

(3:520)

ابن الجوزيّ:تنسفه.و قرأ أبيّ،و ابن عبّاس،

ص: 732

و ابن أبي عبلة:(تذريه)برفع التّاء و كسر الرّاء،بعدها ياء ساكنة و هاء مكسورة.و قرأ ابن مسعود كذلك، إلاّ أنّه فتح التّاء.(5:148)

القرطبيّ:[نقل الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و المعنى متقارب.(10:413)

البيضاويّ:تفرّقه،و قرئ(تذريه)من أذرى.

(2:14)

مثله المشهديّ(6:57)،نحوه الشّربينيّ(2:

380)،و أبو السّعود(4:192)،و الكاشانيّ(3:

244)،و شبّر(4:80).

النّسفيّ:تنسفه و تطيّره.(3:15)

نحوه القاسميّ.(11:4065)

أبو حيّان:قرأ ابن مسعود:(تذريه)من أذرى رباعيّا.و قرأ زيد بن عليّ و الحسن و النّخعيّ و الأعمش و طلحة و ابن أبي ليلى و ابن محيصن و خلف و ابن عيسى و ابن جرير:(الرّيح)على الإفراد،و الجمهور تَذْرُوهُ الرِّياحُ. (6:133)

نحوه السّمين(4:461)،و الآلوسيّ(15:286).

ابن عاشور:أي تفرّقه في الهواء.و الذّرو:الرّمي في الهواء،شبّهت حالة هذا العالم بما فيه بحالة الرّوضة تبقى زمانا بهجة خضرة،ثمّ يصير نبتها بعد حين إلى اضمحلال.(15:76)

الطّباطبائيّ:و ذرا يذرو ذروا،أي فرّق،و قيل:

أي جاء به و ذهب.(13:318)

عبد الكريم الخطيب:تذروه الرّياح كما تذرو التّراب.(8:627)

المصطفويّ:أي تثيرها و تفرّقها و تنشرها.

فتزول الطّراوة و الخضرة و حسن الظّواهر بكلّيّتها، و تمحو الصّورة النّوعيّة و الجنسيّة النّباتيّة،كأن لم يكن شيء،و كأنّ حقيقتها ما يتراءى منها ظاهرا و لم تكن لها قيمة و لا قدر،و من ثمّ تراها تذروها الرّياح،فهذه حقيقة الدّنيا.(3:313)

مكارم الشّيرازيّ:تلك الأوراق الّتي لم تتمكّن العواصف الهوجاء من فصلها عن الأغصان في فصل الرّبيع،قد أصبحت ضعيفة بدون روح؛بحيث إنّ أيّ نسيم يهبّ عليها يستطيع فصلها عن الأغصان، و يرسلها إلى أيّ مكان شاء تَذْرُوهُ الرِّياحُ

(9:252)

فضل اللّه:تنثره و تفرّقه.و تعبث به،فتوزّعه هنا و هناك،و تذهب به تارة،و تجيء به أخرى.

(14:335)

ذروا

وَ الذّارِياتِ ذَرْواً. الذّاريات:1

الإمام عليّ:الرّياح.(الطّبريّ 11:441)

نحوه ابن عبّاس،و مجاهد(الطّبريّ 11:442)، و زيد بن عليّ(386)،و السّدّيّ(444)،و الفرّاء(3:

82).

ابن عبّاس:أقسم اللّه بالرّياح ذوات الحبوب، ذَرْواً: ما ذرت به الرّيح في منازل القوم.(440)

نحوه الكلبيّ.(الماورديّ 5:360)

أبو عبيدة:هي الرّيح،و ناس يقولون:المذريات

ص: 733

للرّيح،ذرت،و أذرت لغتان.(2:225)

ابن قتيبة:الرّياح،يقال:ذرت الرّيح التّراب تذروه ذروا و تذريه ذريا؛و منه قوله: فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ الكهف:45.(420)

الطّبريّ:يقول:و الرّياح الّتي تذرو التّراب ذروا،يقال:ذرت الرّيح التّراب و أذرت.(11:441)

نحوه الثّعلبيّ(9:109)،و الواحديّ(4:173)، و البغويّ(4:280)،و الطّبرسيّ(5:152)،و الخازن (6:200).

الزّجّاج: وَ الذّارِياتِ مجرور على القسم، المعنى:أحلف بالذّاريات و بهذه الأشياء،و الجواب:

إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ الذّاريات:5.

و قال قوم:المعنى:و ربّ الذّاريات ذروا،كما قال عزّ و جلّ: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ الذّاريات:23.

وَ الذّارِياتِ من ذرت الرّيح تذرو،إذا فرّقت التّراب و غيره.يقال:ذرت الرّيح و أذرت بمعنى واحد،ذرت فهي ذارية و هنّ ذاريات،و أذرت فهي مذرية و مذريات للجماعة،و ذاريات أيضا،و المعنى:

و ربّ الرّياح الذّاريات،و ربّ السّفن الجاريات و ربّ الملائكة المقسّمات، إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ.

(5:51)

نحوه ابن الجوزيّ.(8:27)

السّجستانيّ:الرّياح تذرو التّراب و غيره.

(177)

مثله أبو السّعود(6:133)،و الكاشانيّ(5:67)، و شبّر(6:80)،و طنطاوي(23:112).

الماورديّ: اَلذّارِياتِ :الرّياح؛واحدتها:

ذارية،لأنّها تذرو التّراب و التّبن،أي تفرّقه في الهواء، كما قال تعالى: فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ.

و في قوله: ذَرْواً وجهان:

أحدهما:مصدر.

الثّاني:أنّه بمعنى ما ذرت،قاله الكلبيّ.فكأنّما أقسم بالرّياح و ما ذرت الرّياح.

و يحتمل قولا ثالثا:أنّ اَلذّارِياتِ: النّساء الولودات،لأنّ في ترائبهنّ ذرو الخلق،لأنّهنّ يذرين الأولاد فصرن ذاريات،و أقسم بهنّ لما في ترائبهنّ من خيرة عباده الصّالحين،و خصّ النّساء بذلك دون الرّجال و إن كان كلّ واحد منهما ذاريا لأمرين:

أحدهما:لأنّهنّ أوعية دون الرّجال،فلاجتماع الذّروين خصّصن بالذّكر.

الثّاني:أنّ الذّرو فيهنّ أطول زمانا،و هنّ بالمباشرة أقرب عهدا.(5:360)

الطّوسيّ:و هذا قسم من اللّه تعالى بهذه الأشياء.

و قال قوم:التّقدير القسم بربّ هذه الأشياء،لأنّه لا يجوز القسم إلاّ باللّه.و قد روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّه لا يجوز القسم إلاّ باللّه،و اللّه تعالى يقسم بما يشاء من خلقه.

و قيل:الوجه في القسم ب اَلذّارِياتِ تعظيم ما فيها من العبرة في هبوبها تارة و سكونها أخرى، و ذلك يقتضي مسكنا لها و محرّكا لا يشبه الأجسام.

و في مجيئها وقت الحاجة لتنشئة السّحاب و تذرية

ص: 734

الطّعام،ما يقتضي مصرفا لها قادرا عليها،و ما في عصوفها تارة و لينها أخرى ما يقتضي قاهرا لها، و لكلّ شيء سواها.(9:378)

القشيريّ: وَ الذّارِياتِ: أي الرّياح الحاملات...

أقسم بربّ هذه الأشياء و بقدرته عليها.و جواب القسم إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ و الإشارة في هذه الأشياء أنّ من جملة الرّياح:الرّياح الصّيحيّة تحمل أنين المشتاقين إلى ساحات العزّة،فيأتي نسيم القربة إلى مشامّ أسرار أهل المحبّة،فعندئذ يجدون راحة من غلبات اللّوعة.[ثمّ استشهد بشعر](6:27)

الميبديّ:يعني الرّياح الّتي تذرو التّراب ذروا، كقوله تعالى: تَذْرُوهُ الرِّياحُ الكهف:45،تقول:

ذروت الشّيء ذروا،إذا أطرته في الهواء،و أذريت الشّيء إذراء،إذا نثرته بالأرض.و قوله: ذَرْواً مصدر أفاد المبالغة في الكثرة،و قيل: ذَرْواً مفعول، و المراد به المذرو.(9:307)

الزّمخشريّ:الرّياح،لأنّها تذرو التّراب و غيره، قال اللّه تعالى: تَذْرُوهُ الرِّياحُ، و قرئ بإدغام التّاء في الذّال.(4:13)

ابن عطيّة:أقسم اللّه تعالى بهذه المخلوقات تنبيها عليها و تشريفا لها،و دلالة على الاعتبار فيها حتّى يصير النّاظر فيها إلى توحيد اللّه تعالى.

وَ الذّارِياتِ: الرّياح بإجماع من المتأوّلين.

يقال:ذرت الرّيح و أذرت بمعنى،و في الرّياح معتبر من شدّتها حينا و ليّنها حينا،و كونها مرّة رحمة و مرّة عذابا إلى غير ذلك.و ذَرْواً نصب على المصدر.(5:171)

الفخر الرّازيّ:في تفسير الآيات مسائل:

المسألة الخامسة:في اَلذّارِياتِ أقوال:

الأوّل:هي الرّياح تذرو التّراب و غيره،كما قال تعالى: تَذْرُوهُ الرِّياحُ. الكهف:45.

الثّاني:هي الكواكب،من ذرا يذرو،إذا أسرع.

الثّالث:هي الملائكة.

الرّابع:ربّ الذّاريات؛و الأوّل أصحّ.

المسألة السّادسة:الأمور الأربعة جاز أن تكون أمورا متباينة،و جاز أن تكون أمرا له أربع اعتبارات:

الأوّل:هو ما روي عن عليّ عليه السّلام:أنّ اَلذّارِياتِ هي الرّياح، فَالْحامِلاتِ هي السّحاب، فَالْجارِياتِ هي السّفن، فَالْمُقَسِّماتِ هي الملائكة الّذين يقسّمون الأرزاق.

و الثّاني:و هو الأقرب،أنّ هذه صفات أربع للرّياح،ف اَلذّارِياتِ هي الرّياح الّتي تنشئ السّحاب أوّلا، فَالْحامِلاتِ هي الرّياح الّتي تحمل السّحب الّتي هي بخار المياه الّتي إذا سحت جرت السّيول العظيمة،و هي أوقار أثقل من جبال.

فَالْجارِياتِ هي الرّياح الّتي تجري بالسّحب بعد حملها، فَالْمُقَسِّماتِ هي الرّياح الّتي تفرّق الأمطار على الأقطار.

و يحتمل أن يقال:هذه أمور أربعة مذكورة في مقابلة أمور أربعة،بها تتمّ الإعادة؛و ذلك لأنّ الأجزاء الّتي تفرّقت بعضها في تخوم الأرضين،و بعضها في

ص: 735

قعور البحور،و بعضها في جوّ الهواء،و هي الأجزاء اللّطيفة البخاريّة الّتي تنفصل عن الأبدان،فقوله تعالى: وَ الذّارِياتِ يعني الجامع للذّاريات من الأرض،على أنّ الذّارية هي الّتي تذرو التّراب عن وجه الأرض.(28:195)

العكبريّ: ذَرْواً مصدر،العامل فيه اسم الفاعل.(2:1178)

ابن عربيّ:أي النّفحات الإلهيّة،و النّسائم القدسيّة،الّتي تذرو غبار الهيئات الظّلمانيّة،و تراب الصّفات النّفسانيّة ذَرْواً. (2:539)

القرطبيّ:و يقال:ذرت الرّيح التّراب تذروه ذروا و تذريه ذريا.ثمّ قيل: وَ الذّارِياتِ و ما بعده أقسام،و إذا أقسم الرّبّ بشيء أثبت له شرفا.و قيل:

المعنى:و ربّ الذّاريات،و الجواب: إِنَّما تُوعَدُونَ أي الّذي توعدونه من الخير و الشّرّ و الثّواب و العقاب.(17:30)

نحوه الشّوكانيّ.(5:101)

البيضاويّ:يعني الرّياح تذرو التّراب و غيره، أو النّساء الولود فإنّهنّ يذرين الأولاد،أو الأسباب الّتي تذري الخلائق من الملائكة و غيرهم.و قرأ أبو عمرو و حمزة بإدغام التّاء في الذّال.(2:418)

نحوه النّسفيّ.(4:182)

أبو حيّان: وَ الذّارِياتِ: الرّياح،و أدغم أبو عمرو و حمزة وَ الذّارِياتِ في ذال ذَرْواً، و ذروها:تفريقها للمطر أو للتّراب.و قرئ:بفتح الواو، و تسمية للمحمول بالمصدر.(8:133)

السّمين:قوله: ذَرْواً منصوب على المصدر المؤكّد،العامل فيه فرعه و هو اسم الفاعل.و المفعول محذوف اقتصارا؛إذ لا نظير لما تذروه هنا.و أدغم أبو عمرو و حمزة تاء اَلذّارِياتِ في ذال ذَرْواً.

اَلذّارِياتِ هي الرّياح.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

قلت:فعلى هذا يكون من عطف الصّفات،و المراد واحد.(6:183)

البروسويّ:الواو للقسم وَ الذّارِياتِ و ما بعدها صفات حذفت موصوفاتها،و أقيمت هي مقامها،و التّقدير:و الرّياح الذّاريات.و ذَرْواً مصدر عامله اَلذّارِياتِ يقال:ذرت الرّيح الشّيء ذروا و أذرته أطارته و أذهبته.قال في«تاج المصادر» الذّرى«دميدن»،و المراد الرّياح الّتي تذرو التّراب و غيره،كما في تفسير الكاشفيّ.[إلى أن قال:]

و قال بعضهم:المراد ب اَلذّارِياتِ: النّساء الولود،فإنّهنّ يذرين،و هو بضمّ الياء بمعنى يذرون.

يقول الفقير:من لطف هذا المعنى مجاورته للفظ فَالْحامِلاتِ و فَالْجارِياتِ على أنّ من وجوه فَالْحامِلاتِ: النّساء الحوامل،و فيه بيان لفضل الولود على العقيم.(9:145)

الآلوسيّ:أي الرّياح الّتي تذروا التّراب و غيره، من ذرا المعتلّ بمعنى فرّق و بدّد ما رفعه عن مكانه.[إلى أن قال:]

و قيل: اَلذّارِياتِ: النّساء الولود،فإنّهنّ يذرين الأولاد،كأنّه شبّه تتابع الأولاد بما يتطاير من

ص: 736

الرّياح،و باقي المتعاطفات على ما سمعت أوّلا.

و قيل: اَلذّارِياتِ: هي الأسباب الّتي تذري الخلائق على تشبيه الأسباب المعدّة للبروز من العدم بالرّياح المفرّقة للحبوب و نحوها.(27:2)

نحوه القاسميّ.(15:5520)

المراغيّ:أقسم سبحانه بالرّياح و ذروها التّراب، و حملها السّحاب،و جريها في الهواء بيسر و سهولة، و تقسيمها الأمطار.إنّ هذا البعث لحاصل،و إنّ هذا الجزاء لا بدّ منه في ذلك اليوم،يوم يقوم النّاس لربّ العالمين.

و هنا أقسم سبحانه بالرّياح و أفعالها،لما يشاهدون من آثارها و نفعها العظيم لهم،فهي الّتي ترسل الأمطار مبشّرات برحمته،و منها تسقي الأنعام و الزّروع،و بها تنبت البساتين و الجنّات،و تصير الأرض القفر مروجا،و عليها يعتمدون في معاشهم، فآثارها واضحة أمامهم،و لا عجب أن تكون لها المنزلة العظمى في نفوسهم.

و أفعال الرّياح تخالف ناموس الجاذبيّة،فإنّ ما على الأرض منجذب إليها،واقع عليها.و لكن هذه الرّياح تتصرّف تصرّفا عجيبا تابعا لسير الكواكب، فبجريها و جري الشّمس تؤثّر في أرضنا و هوائها بنظام محكم،فما ذرت الرّياح التّراب،و لا حملت السّحاب،و لا قسّمت المطر على البلاد إلاّ بحركات فلكيّة منتظمة،من أجل هذا جعل ذلك براهين على البعث و الإعادة.(26:175)

عزّة دروزة: اَلذّارِياتِ: كناية عن الرّياح الّتي تذرو التّراب،أي تثيره و تحرّكه.و في سورة الكهف آية:45،فيها هذا المعنى صريح،و هي:

وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ. (5:290)

سيّد قطب:أقسم اللّه سبحانه بالرّياح الّتي تذرو ما تذروه من غبار و حبوب لقاح و سحب و غيرها، ممّا يعلم الإنسان و ما يجهل.و بالسّحاب الحاملات وقرا من الماء،يسوقها اللّه به إلى حيث يشاء.و بالسّفن الجاريات في يسر على سطح الماء بقدرته،و بما أودع الماء و أودع السّفن و أودع الكون،كلّه من خصائص تسمح بهذا الجريان اليسير.ثمّ بالملائكة المقسّمات أمرا،تحمل أوامر اللّه و توزّعها وفق مشيئته،فتفصل في الشّئون المختصّة بها،و تقسم الأمور في الكون بحسبها.

و الرّيح و السّحاب و السّفن و الملائكة خلق من خلق اللّه،يتّخذها أداة لقدرته،و ستارا لمشيئته، و يتحقّق عن طريقها قدر اللّه في كونه و في عباده.و هو يقسم بها سبحانه للتّعظيم من شأنها،و توجيه القلوب إليها،لتدبّر ما وراءها من دلالة،و لرؤية يد اللّه و هي تنشئها و تصرّفها و تحقّق بها قدر اللّه المرسوم.و ذكرها على هذه الصّورة بصفة خاصّة يوجّه القلب إلى أسرارها المكنونة و يعلّقه بمبدع هذه الخلائق،من وراء ذكرها هذا الذّكر الموحي.

ثمّ لعلّ لها كذلك صلة من ناحية أخرى بموضوع الرّزق،الّذي يعني سياق هذه السّورة بتحرير القلب

ص: 737

من أوهاقه،و إعفائه من أثقاله.فالرّياح و السّحب و السّفن ظاهرة الصّلة بالرّزق و وسائله و أسبابه.أمّا الملائكة و تقسيمها للأمر،فإنّ الرّزق أحد هذه القسم.

و من ثمّ تتّضح الصّلة بين هذا الافتتاح،و موضوع بارز تعالجه السّورة في مواضع شتّى.(6:3375)

ابن عاشور:القسم المفتتح به مراد منه:تحقيق المقسم عليه و تأكيد وقوعه،و قد أقسم اللّه بعظيم من مخلوقاته،و هو في المعنى قسم بقدرته و حكمته، و متضمّن تشريف تلك المخلوقات بما في أحوالها،من نعم و دلالة على الهدى و الصّلاح،و في ضمن ذلك تذكير بنعمة اللّه فيما أوجد فيها.

و المقسم بها الصّفات تقتضي موصوفاتها،فآل إلى القسم بالموصوفات لأجل تلك الصّفات العظيمة.و في ذلك إيجاز دقيق،على أنّ في طيّ ذكر الموصوفات توفيرا لما تؤذن به الصّفات من موصوفات صالحة بها، لتذهب أفهام السّامعين في تقديرها كلّ مذهب ممكن.

و عطف تلك الصّفات بالفاء يقتضي تناسبها و تجانسها،فيجوز أن تكون صفات لجنس واحد،و هو الغالب في عطف الصّفات بالفاء.و يجوز أن تكون مختلفة الموصوفات إلاّ أنّ موصوفاتها متقاربة متجانسة.و يكثر ذلك في عطف البقاع المتجاورة،و قد تقدّم ذلك في سورة الصّافّات.

و اختلف أئمّة السّلف في محمل هذه الأوصاف و موصوفاتها،و أشهر ما روي عنهم في ذلك ما روي عن عليّ بن أبي طالب و ابن عبّاس و مجاهد:أنّ اَلذّارِياتِ الرّياح،لأنّها تذرو التّراب...

و تأويله:أنّ كلّ معطوف عليه يسبّب ذكر المعطوف،لالتقائهما في الجامع الخياليّ،فالرّياح تذكّر بالسّحاب،و حمل السّحاب و قر الماء يذكّر بحمل السّفن،و الكلّ يذكّر بالملائكة.و من المفسّرين من جعل هذه الصّفات الأربع وصفا للرّياح،قاله في «الكشّاف»و نقل بعضه عن الحسن و استحسنه الفخر،و هو الأنسب لعطف الصّفات بالفاء.

فالأحسن أن يحمل«الذّرو»على نشر قطع السّحاب نشرا يشبه الذّرو.و حقيقة الذّرو:رمي أشياء مجتمعة ترمى في الهواء لتقع على الأرض،مثل الحبّ عند الزّرع و مثل الصّوف.و أصله ذرو الرّياح التّراب فشبّه به دفع الرّيح قطع السّحاب حتّى تجتمع فتصير سحابا كاملا.ف اَلذّارِياتِ تنشر السّحاب ابتداء كما قال تعالى: اَللّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ الرّوم:48، و الذّرو و إن كان من صفة الرّياح،فإنّ كون المذروّ سحابا يؤول إلى أنّه من أحوال السّحاب.و قيل:

ذروها التّراب؛و ذلك قبل نشرها السّحب،و هو مقدّمة لنشر السّحاب.

و نصب ذَرْواً على المفعول المطلق،لإرادة تفخيمه بالتّنوين،و يجوز أن يكون مصدرا بمعنى المفعول،أي المذروّ،و يكون نصبه على المفعول به.

(27:6)

مغنيّة:في تفسير هذه الأوصاف الأربعة آراء، يقول بعضها:المراد ب اَلذّارِياتِ: الرّياح، و ب فَالْحامِلاتِ: السّحاب،و ب فَالْجارِياتِ:

ص: 738

السّفن،و ب فَالْمُقَسِّماتِ: الملائكة.و أرجح الأقوال أنّ الأربعة بكاملها من أوصاف الرّياح،فهي ذاريات لأنّها تذرو التّراب و غيره،قال تعالى:

هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ الكهف:45،و أقسم سبحانه بالرّياح للإشارة إلى منافعها،و لأنّ للّه أن يقسم بما شاء من خلقه.(7:142)

الطّباطبائيّ: اَلذّارِياتِ: جمع الذّارية،من قولهم:ذرت الرّيح التّراب تذروه ذروا،إذا أطارته.

و في الآيات إقسام بعد إقسام يفيد التّأكيد بعد التّأكيد للمقسم عليه،و هو الجزاء على الأعمال، فقوله: اَلذّارِياتِ ذَرْواً إقسام بالرّياح المثيرة للتّراب.[إلى أن قال:]

و الآيات الأربع كما ترى تشير إلى عامّة التّدبير؛ حيث ذكرت أنموذجا ممّا يدبّر به الأمر في البرّ و هو اَلذّارِياتِ ذَرْواً، و أنموذجا ممّا يدبّر به الأمر في البحر و هو فَالْجارِياتِ يُسْراً، و أنموذجا ممّا يدبّر به الأمر في الجوّ و هو فَالْحامِلاتِ وِقْراً ،و تمّم الجميع بالملائكة الّذين هم وسائط التّدبير،و هم فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً.

فالآيات في معنى أن يقال:أقسم بعامّة الأسباب الّتي يتمّم بها أمر التّدبير في العالم إن كذا كذا،و قد ورد من طرق الخاصّة و العامّة عن عليّ عليه أفضل السّلام تفسير الآيات الأربع بما تقدّم.

و عن الفخر الرّازيّ في«التّفسير الكبير»أنّ الأقرب حمل الآيات الأربع جميعا على الرّياح،فإنّها كما تذرو التّراب ذروا تحمل السّحب الثّقال و تجري في الجوّ بيسر و تقسّم السّحب على الأقطار من الأرض.

و الحقّ أنّ ما استقر به بعيد،و ما تقدّم من المعنى أبلغ ممّا ذكره.(18:364)

نحوه فضل اللّه.(21:196)

محمود صافي:الواو واو القسم اَلذّارِياتِ مجرور بالواو متعلّق بفعل محذوف،تقديره:أقسم، ذَرْواً مفعول مطلق منصوب،عامله اَلذّارِياتِ.

اَلذّارِياتِ: جمع الذّارية،مؤنّث الذّاري،اسم فاعل من الثّلاثيّ ذرا يذرو،وزنه فاعل.و فيه إعلال بالقلب أصله:الذّارو،قلبت الواو ياء،لأنّ ما قبلها مكسور.و يجوز أن يكون الفعل ذرى يذري،باب «ضرب»فلا إعلال.

ذَرْواً مصدر سماعيّ لفعل ذرا يذرو،وزنه «فعل»بفتح فسكون.(26:323)

عبد الكريم الخطيب:هذه أربعة أشياء أقسم بها اللّه سبحانه و تعالى بها،في نسق واحد:الذّاريات، فالحاملات،فالجاريات،فالمقسّمات.

و قد اختلف فى هذه الأشياء المقسم بها.أ هي شيء واحد تعدّدت صفاته و آثاره،أم هي أشياء متعدّدة،لكلّ شيء منها صفته و أثره؟

و الرّأي الرّاجح فى هذه الآراء،هو أنّها أربعة أشياء.لكلّ شيء ذاتيّته و وظيفته.

ف اَلذّارِياتِ: الرّياح،الّتي تذرو التّراب، و الدّخان،كما تذرو بخار الماء،و تدفعه أمامها،و تعلو به إلى طبقات الجوّ العليا،حتّى يتجمّع،و يصير

ص: 739

سحابا.[إلى أن قال:]

أمّا الكلمات: ذَرْواً، و وِقْراً، و يُسْراً ، و أَمْراً، فالرّأي الّذي نراه و اللّه-أعلم-أنّها أحوال متلبّسة بهذه الأشياء الّتي أقسم اللّه سبحانه و تعالى بها،و أنّ اللّه سبحانه و تعالى أقسم بها فى تلك الحال المتلبّسة بها.فهذه الحال هي الّتي تجعل لهذه الأشياء شأنا و قدرا،و لو أنّها تجرّدت من هذه الحال، أو لبست حالا أخرى،لما كان لها هذا الشّرف العظيم، بأن أقسم اللّه بها.فإنّ فى قسم اللّه سبحانه و تعالى بالشّيء تكريما له،و رفعا لقدره،و تنويها لمقامه بين الأشياء.

ف اَلذّارِياتِ ذَرْواً، هي الرّياح في حال هبوبها،و قدرتها على حمل بخار الماء،و الصّعود به إلى طبقات الجوّ العليا،و لو أنّها كانت أنساما رقيقة مريضة،لما أثارت الأمواج،و لما تحرّك من صدر البحار بخار،و لو كان هناك بخار لما استطاعت حمله، و الارتفاع به إلى حيث يصير سحابا.

ف ذَرْواً، مصدر بمعنى اسم الفاعل،و التّقدير:

و الذّاريات ذارية،أي حاملة ما يذرى.و قد تكون الرّياح و ليس في كيانها شيء تذروه معها.

أمّا هذه الرّياح،فهي حاملة ما تذروه،و لهذا سمّيت ذاريات.

و الحاملات وقرا:هى السّحب الموقرة،أي المحملة بالماء،المثقّلة به،و توشك أن تلده،كما تلد الحوامل المثقّلات حملهنّ.

و الجاريات يسرا:هى السّفن،فى حال من اليسر، مواتية لسيرها فى ريح رخاء،لا عاصفة،و لا هامدة.

و المقسّمات أمرا،هى الملائكة فى حال حملها لما تؤمر به.

و ننظر فى هذه الأقسام على هذا الوجه،فنجدها هكذا:فالرّياح ذارية،و السّحب موقّرة،و السّفن ميسّرا لها الجري،فالملائكة مأمورة بما تقسّمه فى النّاس من أرزاق و أرزاء.(13:501)

المصطفويّ:يراد منها كلّ ما يثير و يهيّج موادّ غذائيّة،و فيوضات لازمة معنويّة روحانيّة أو مادّيّة محسوسة،فتنشرها و توصلها و تفرّقها في مواردها.

فالجملات المتعاقبة في بيان حقيقة واحدة،و مرجعها ما يستفاد من الذّرى إجمالا.

فهذا العنوان يشمل كلّ ما هو وسيلة إفاضات عقليّة أو روحانيّة أو مادّيّة من عقول أو ملائكة أو رياح أو غيرها.

و من مصاديق اَلذّارِياتِ: الأنبياء المبعوثون و الأولياء المنتخبون الّذين هم مهبط الوحي و معدن الرّحمة،فيتلون آيات اللّه للنّاس،و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة،و هم وسائط الفيوضات الرّبّانيّة.

فما في التّفاسير من تفسيرها بالرّياح أو السّحاب و أمثالها،ليس بوجيه.و هكذا تفريق الجملات الأربع و جعل كلّ منها مستقلاّ،و يدلّ على هذا المعنى ذكر الجملات بحرف الفاء الدّالّة على التّرتيب و التّراخيّ.

(3:313)

مكارم الشّيرازيّ:قسما بالأعاصير و السّحب الذّاريات.

ص: 740

هذه السّورة هي الثّانية بعد سورة«الصّافّات» الّتي تبدأ بالقسم المتكرّر،القسم العميق و الباعث على التّفكّر،القسم الّذي يوقظ الإنسان و يمنحه الوعي و الاطّلاع!

و كثير من سور القرآن الّتي سنواجهها-في المستقبل إن شاء اللّه-بالبحث و التّفسير،هي على هذه الشّاكلة.و الطّريف في الأمر أنّ هذا القسم غالبا ما يوطّئ للمعاد،سوى بعض المواطن الّتي يمهّد فيها للتّوحيد،و المسائل المتعلّقة به.

كما أنّ ممّا يلفت النّظر أنّ هذا القسم يرتبط محتواه بمحتوى يوم القيامة و النّشور،و هو يتابع بظرافة و رونق خاصّ هذا البحث المهمّ،من جوانب متعدّدة:

و الحقيقة أنّ كلّ قسم في القرآن هو بنفسه-و إن كثرت الأقسام،أو الأيمان-وجه من وجوه إعجاز القرآن هذا الكتاب السّماويّ،و هو من أجمل جوانبه و أبهاها،و سيأتي تفصيل كلّ ذلك في موقعه.

و في مستهلّ السّورة يقسم اللّه سبحانه بخمسة أشياء مختلفة،و قد جاء القسم بأربعة أشياء متوالية سردا و جاء القسم بخامسها فردا.

فيقول اللّه في البداية: وَ الذّارِياتِ ذَرْواً، أي قسما بالرّياح الّتي تحمل السّحب في السّماء و تذرو البذور على الأرض في كلّ مكان...

اَلذّارِياتِ: جمع الذّارية،و معناها الرّيح الّتي تحمل معها الأشياء و تنشرها في الفضاء.

و مع هذه الحال فهناك تفاسير أخر يمكن ضمّها إلى هذا التّفسير،منها:أنّ المراد ب فَالْجارِياتِ هي الأنهار الّتي تجري بماء المزن،و فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً هي الأرزاق الّتي تقسّم بواسطة الملائكة عن طريق الزّراعة.

و على هذا،فإنّ الكلام عن الرّياح ثمّ الغيوم و بعدها الأنهار،و أخيرا نموّ النّباتات في الأرض، يتناسب تناسبا قريبا مع مسألة المعاد،لأنّنا نعرف أنّ واحدا من أدلّة إمكان المعاد هو إحياء الأرض الميتة بنزول الغيث،و قد ذكر ذلك عدّة مرّات في القرآن بأساليب مختلفة.

كما يرد هذا الاحتمال أيضا:و هو أنّ هذه الأوصاف الأربعة جميعها للرّياح:الرّياح المولّدة للسّحب،و الرّياح الّتي تحملها على متونها،و الرّياح الّتي تجري بها إلى كلّ جانب،و الرّياح الّتي تنثر و تقسّم قطرات الغيث لكلّ جهة.

و مع ملاحظة أنّ هذه التّعبيرات الواردة في الآيات جميعها جامعة و كلّيّة،فيمكن أن تحمل المعاني آنفة الذّكر كلّها،إلاّ أنّ التّفسير الأساس هو التّفسير الأوّل.(17:69)

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير ذَرْواً على وجهين:

فوجه منها:ذرني:يعني خلّ بيني و بينه،قال تعالى: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً المدّثّر:11،يقول جلّ ثناؤه خلّ بيني و بينه و لم يخف أن يمنع،يقول خلّني و إيّاه و أنا أنفرد بهلكته،و قال فرعون: ذَرُونِي أَقْتُلْ

ص: 741

مُوسى... المؤمن:26،يعني خلّوا بيني و بينه و لم يخف أن يمنع.

و الوجه الثّاني: ذَرْواً يعني خلّوا الشّيء، فذلك قول صالح: هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ الأعراف:73، وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا البقرة:278،يقول لا تأكلوا،و قال: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ الأنعام:

120،يعني و لا تعملوا به.(317)

مثله هارون الأعور.(358)

الحيريّ:الذّرا على ثلاثة أوجه:

أحدها:التّرك،كقوله: وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ البقرة:278،و في الأعراف:73، و هود:64، هذِهِ ناقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها، و قوله:

فَذَرْهُمْ المؤمنون:54،و ذَرْهُمْ الحجر:3، و الزّخرف:83،و الطّور:45،و المعارج:42.

و الثّاني:النّسف،كقوله: تَذْرُوهُ الرِّياحُ الكهف:45، وَ الذّارِياتِ ذَرْواً الذّاريات:1.

و الثّالث الخلف:كقوله: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً المدّثّر:11،أي خلفي،نظيرها في القلم الآية:44.(256)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الذّروة،أي أعلى الشّيء،و هي الذّروة أيضا؛و الجمع:ذرى.يقال:

تذرّيت الذّروة،أي ركبتها و علوتها،و تذرّيت السّنام:علوته و فرّعته،و ذروة السّنام و الرّأس:

أشرفهما.و في الحديث:«أتي رسول اللّه بإبل غرّ الذّرى»،جمع:ذروة،أي بيض الأسنمة سمانها.

و ذرّى الشّاة و النّاقة،و هو أن يجزّ صوفها و وبرها و يدع فوق ظهرها شيئا تعرف به،و قد ذرّيتها تذرية.و نعجة مذرّاة و كبش مذرّى،إذا أخّر بين الكتفين فيهما صوفة لم تجزّ.

و يقال مجازا:تذرّيت بني فلان و تنصّيتهم،إذا تزوّجت منهم في الذّروة و النّاصية،أي في أهل الشّرف و العلاء؛و منه حديث الإمام عليّ عليه السّلام في الإسلام:

«جعل فيه منتهى رضوانه،و ذروة دعائمه،و سنام طاعته». (1)

و ذرّيته:مدحته؛يقال:فلان يذرّي فلانا،أي يرفع في أمره و يمدحه،و فلان يذرّي حسبه:يمدحه و يرفع من شأنه.

و المذرى:طرف الألية؛يقال:جاء فلان ينفض مذرويه،إذا جاء باغيا يتهدّد.

و المذروان:ناحيتا الرّأس مثل الفودين.يقال:

قنّع الشّيب مذرويه،أي جانبي رأسه.

و مذروا القوس:الموضعان اللّذان يقع عليهما الوتر من أسفل و أعلى.

و الذّرة:ضرب من الحبّ معروف،و الهاء عوض عن الواو،و واحده و جمعه سواء،سمّي به لأنّ نبتته تضارع الذّروة علوّا.

و الذّرى:الكنّ و كلّ ما استتر به.يقال:سوّوا

ص: 742


1- نهج البلاغة الخطبة:(198).

للشّول ذرى من البرد،و هو أن يقلع الشّجر من العرفج و غيره،فيوضع بعضه فوق بعض ممّا يلي مهبّ الشّمال؛يحظر به على الإبل في مأواها.

و تذرّى من الشّمال بذرى،و تذرّى بالحائط و غيره من البرد و الرّيح،و استذرى:اكتنّ، و استذريت بالشّجرة:استظللت بها و صرت في دفئها، و استذر بهذه الشّجرة:كنّ في دفئها.

و تذرّت الإبل و استذرت:أحسّت البرد و استتر بعضها ببعض،و استترت بالعضاه.

و يقال مجازا:فلان في ذرى فلان:في ظلّه،و أنا في ظلّ فلان و في ذراه:في كنفه و ستره و دفئه، و استذريت بفلان:التجأت إليه و صرت في كنفه.

و الذّرى:اسم ما ذرّيته،أي طيّرته نحو الذّروة، و هو الذّراة أيضا.يقال:ذريت الحبّ و نحوه و ذروته و ذرّيته،أي أطرته و أذهبته،و تذرّى هو:تنقّى، و ذرّيت تراب المعدن،إذا طلبت منه الذّهب.

و ذرت الرّيح التّراب و غيره تذروه ذروا و تذريه ذريا،و أذرته و ذرّته:أطارته و أذهبته،و قد ذرا هو نفسه؛و منه حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«يذرو الرّواية ذرو الرّيح الهشيم»،على التّشبيه،أي يسرد الرّواية كما تنسف الرّيح هشيم النّبت.

و المذرى و المذراة:خشبة ذات أطراف،و هي الخشبة الّتي يذرّى بها الطّعام و تنقّى بها الأكداس.

و الذّرو و الذّري:السّقوط.يقال:ذرى الشّيء، أي سقط،كأنّه سقط من الذّروة،و أذريته:ألقيته.

و ذرا نابه ذروا:سقط،و ذروته أنا:طيّرته و أذهبته.

و الذّرى:ما انصبّ من الدّمع،و قد أذرت العين الدّمع تذريه إذراء و ذرى:صبّته.

و الإذراء:ضربك الشّيء ترمي به.يقال:ضربته بالسّيف فأذريت رأسه،و ذرّاه بالرّمح:قلعه،و طعنته فأذريته عن فرسه:صرعته و ألقيته،و أذرت الدّابّة راكبها:صرعته.

و السّيف يذري ضريبته:يرمي بها،و قد يوصف به الرّمي من غير قطع.

2-ألحق اللّغويّون بعض الألفاظ بهذه المادّة، بإبدال فائها أو عينها أو لامها ذالا،فممّا وقع الإبدال في فائه:درّى رأسه و ذرّاه:سرّحه؛قال ابن سيده:

«و الدّال أعلى»و في اللّسان:«ذرّى نفسه:سرّحه، كما يذرّى الشّيء في الرّيح»،و هو تصحيف.و كذلك قولهم:إنّ فلانا لكريم الذّرى:كريم الطّبيعة،و هو على الأغلب من الضّرى،أي العادة.يقال:ضريت به ضرى.

و من الإبدال في العين:ذرا فلان يذرو:مرّ مرّا سريعا،و ذمي يذمي،إذا أسرع.

و أمّا الإبدال في اللاّم فقولهم:أتانا ذرو من خبر، و ذرء منه،أي يسير منه،و كذلك الذّروة:الشّيب، و قد ذريت لحيته،و علته ذرأة،أي شيب،و قولهم:ذرّ الرّجل يذرّ،إذا شاب مقدّم رأسه.

كما وقع الإبدال في الفاء و اللاّم معا،نحو:

استذرت المعزى و استدرّت،أي اشتهت الفحل.

و الذّريّة و الدّريئة:النّاقة الّتي يستتر بها عن الصّيد.

ص: 743

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها ثلاث كلمات مجرّدة:المضارع (تذروه)،و اسم الفاعل:(الذّاريات)،و المصدر:

(ذروا)،كلّ واحد منها مرّة في آيتين:

1- وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً. الكهف:45

2- وَ الذّارِياتِ ذَرْواً* فَالْحامِلاتِ وِقْراً* فَالْجارِياتِ يُسْراً* فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً* إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ. الذّاريات:1-5

و يلاحظ أوّلا أنّ في كلّ من الآيتين بحوثا:

ففي(1):

1- تَذْرُوهُ الرِّياحُ، أي تطيّره.قال الفرّاء:

«و لو قرأ قارئ(تذريه الرّيح)من أذريت،أي تلقيه كان وجها».و يفهم منه أنّها لم تقرأ(تذريه).و قد صرّح به الزّجّاج،فقال:«في تَذْرُوهُ لغتان:لا يقرأ بهما(تذريه)بضمّ التّاء و كسر الرّاء،و(تذريه)بفتح التّاء».لكن ابن الجوزيّ قال:«و قرأ أبيّ،و ابن عبّاس،و ابن أبي عبلة:(تذريه)برفع التّاء و كسر الرّاء بعدها ياء ساكنة و هاء مكسورة.و قرأ ابن مسعود كذلك،إلاّ أنّه فتح التّاء».

كما أنّ القراءة المشهورة اَلرِّياحُ جمعا.و قال ابن عطيّة:«و قرأ الحسن(تذروه الرّيح)بالإفراد، و هي قراءة طلحة و النّخعيّ و الأعمش».و أضاف أبو حيّان و جماعة أخرى منهم الطّبريّ.

2-قالوا في معنى(تذريه)بالفتح:تطيّره،تفرّقه، تنشره،ترفعه،تنسفه،تثيره.و بعضها تفسير باللاّزم.

و الأصل-كما قال ابن عاشور-:«و الذّرو:الرّمي في الهواء.شبّهت حالة هذا العالم بما فيه بحالة الرّوضة تبقى زمانا بهجة خضرة،ثمّ يصير نبتها بعد حين إلى اضمحلال».

و قالوا في معنى(تذريه)بالضّمّ:تلقيه.قال الفرّاء:

«تقول:أذريت الرّجل عن الدّابّة و عن البعير،أي ألقيته».و قال الطّباطبائيّ:«و قيل:أي جاء به و ذهب».

3-قال الماورديّ في تَذْرُوهُ الرِّياحُ: «يعني بامتناع الماء عنه،فحذف ذلك إيجازا لدلالة الكلام عليه»،يعني ما قبله: أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ إذ لو بقي الماء مختلطا بالنّبات لم تذروه الرّياح.

و قد أوضحها المصطفويّ بقوله:«...فتزول الطّراوة و الخضرة و حسن الظّواهر بكلّيّتها،و تمحو الصّورة النّوعيّة و الجنسيّة النّباتيّة،كأن لم يكن شيء...».

و المكارم:«تلك الأوراق الّتي لم تتمكّن العواصف الهوجاء من فصلها عن الأغصان في فصل الرّبيع،قد أصبحت ضعيفة بدون روح؛بحيث إنّ أيّ نسيم يهب عليها يستطيع فصلها عن الأغصان و يرسلها إلى أيّ مكان شاء تَذْرُوهُ الرِّياحُ».

و فضل اللّه:«تنثره و تفرّقه...و تعبث به،فتوزّعه هنا و هناك،و تذهب به تارة،و تجيء به أخرى».

ص: 744

و في(2):

1-قال الزّجّاج: «وَ الذّارِياتِ مجرور على القسم،المعنى:أحلف بالذّاريات و بهذه الأشياء.و قال قوم:المعنى و ربّ الذّاريات ذروا،كما قال عزّ و جلّ:

فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ الذّاريات:23».

و نقول:إنّ اللّه أقسم بآلائه و آثاره في القرآن كثيرا،و لا داعي لصرفها إلى القسم باللّه،بل القسم بها أوفى ببيان عظمة اللّه من القسم باللّه.نعم القسم بها مآله القسم باللّه.و قد قال الطّوسيّ:«و قد روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام أنّه لا يجوز القسم إلاّ باللّه.

و اللّه تعالى يقسم بما يشاء من خلقه.

و قيل:الوجه في القسم ب اَلذّارِياتِ تعظيم ما فيها من العبرة في هبوبها تارة و سكونها أخرى؛ و ذلك يقتضي مسكنا لها و محرّكا لا يشبه الأجسام، و في مجيئها وقت الحاجة لتنشئة السّحاب و تذرية الطّعام،ما يقتضي مصرفا لها قادرا عليها،و ما في عصوفها تارة و لينها أخرى ما يقتضي قاهرا لها و لكلّ شيء سواها».

و قال ابن عطيّة:«أقسم اللّه تعالى بهذه المخلوقات،تنبيها عليها و تشريفا لها،و دلالة على الاعتبار فيها حتّى يصير النّاظر فيها إلى توحيد اللّه تعالى...و في الرّياح معتبر من شدّتها حينا و لينها حينا،و كونها مرّة رحمة و مرّة عذابا إلى غير ذلك».

2-قال الماورديّ:«و في قوله: ذَرْواً وجهان:

أحدهما:مصدر،الثّاني:أنّه بمعنى ما ذرت،قاله الكلبيّ.فكأنّما أقسم بالرّياح و ما ذرت الرّياح».

و قال الميبديّ:«مصدر أفاد المبالغة في الكثرة، و قيل: ذَرْواً مفعول،و المراد به المذروّ».

3-قال الزّمخشريّ و غيره:«و قرئ بإدغام التّاء في الذّال».

4-و قال الفخر الرّازيّ:«في اَلذّارِياتِ أقوال -و ذكر أربعة:الرّياح،و الكواكب من ذرا يذرو إذا أسرع،الملائكة،ربّ الذّاريات،و قال:-و الأوّل أصحّ».

ثمّ قال:«الأمور الأربعة جاز أن تكون أمورا متباينة،و جاز أن تكون أمرا له أربع اعتبارات:

الأوّل:هي ما روي عن عليّ عليه السّلام،أنّ اَلذّارِياتِ هي الرّياح و فَالْحامِلاتِ هي السّحاب، و فَالْجارِياتِ هي السّفن،و فَالْمُقَسِّماتِ هي الملائكة الّذين يقسّمون الأرزاق.

و الثّاني:و هو الأقرب،أنّ هذه صفات أربع للرّياح-فذكرها-ثمّ احتمل أنّها أمور أربعة مذكورة في مقابلة أمور أربعة،بها تتمّ الإعادة»،فلاحظ.

و قال البيضاويّ:«يعني الرّياح تذرو التّراب و غيره،أو النّساء الولود فإنّهنّ يذرين الأولاد أو الأسباب الّتي تذري الخلائق من الملائكة و غيرهم».

و قال البروسويّ:«و اَلذّارِياتِ و ما بعدها صفات حذفت موصوفاتها،و أقيمت هي مقامها -و ذكرها-ثمّ ذكر القول بأنّها النّساء الولود و قال:- من لطف هذا المعنى مجاورته للفظ فَالْحامِلاتِ و فَالْجارِياتِ، على أنّ من وجوه فَالْحامِلاتِ :النّساء الحوامل،و فيه بيان لفضل الولود على

ص: 745

العقيم».

و قال الآلوسيّ:«و قيل: اَلذّارِياتِ: النّساء الولود فإنّهنّ يذرين الأولاد،كأنّه شبّه تتابع الأولاد بما يتطاير من الرّياح...

و قيل: وَ الذّارِياتِ: هي الأسباب الّتي تذري الخلائق،على تشبيه الأسباب المعدّة للبروز من العدم بالرّياح المفرّقة للحبوب و نحوها».

و قال المراغيّ:«أقسم سبحانه بالرّياح و ذروها التّراب،و حملها السّحاب،و جريها فى الهواء بيسر و سهولة،و تقسيمها الأمطار».

5-أمّا الإشارة فقد قال القشيريّ:«و الإشارة في هذه الأشياء أنّ من جملة الرّياح:الرّياح الصّيحيّة تحمل أنين المشتاقين إلى ساحات العزّة،فيأتي نسيم القربة إلى مشامّ أسرار أهل المحبّة،فعندئذ يجدون راحة من غلبات اللّوعة».

و قال ابن عربيّ:«أي النّفحات الإلهيّة،و النّسائم القدسيّة الّتي تذرو غبار الهيئات الظّلمانيّة،و تراب الصّفات النّفسانيّة ذروا».

و ثانيا:الآيتان راجعتان إلى البعث،و هما مكّيّتان فقد أصرّ القرآن عليه في السّور المكّيّة.

و ثالثا:لا نظير لهذه المادّة في القرآن سوى ما جاء في معناها من الفرق و النّشر و الطّير،و نحوها.

ص: 746

ذ ع ن

اشارة

مذعنين

لفظ واحد،مرّة واحد،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل:يقال:أذعن إذعانا،و ذعن يذعن أيضا، أي انقاد و سلس.

ناقة مذعان:سلسة الرّأس منقادة لقائدها.

و في القرآن: مُذْعِنِينَ النّور:49،أي:طائعين.

[ثمّ استشهد بشعر](2:100)

الزّجّاج:أذعن الرّجل بالطّاعة:ألزمها نفسه.

(فعلت و أفعلت:47)

الإذعان في اللّغة:الإسراع مع الطّاعة.تقول:قد أذعن لي بحقّي،معناه:قد طاوعني لما كنت ألتمسه منه، و صار يسرع إليه.(الأزهريّ 2:320)

ابن دريد:أذعن الرّجل يذعن إذعانا،فهو مذعن:إذا انقاد قسرا.

و ناقة مذعان:منقادة لا تنازع.(2:314)

القاليّ:المذعان:المذلّلة.يقال:أذعن له،إذا ذلّ له و خضع.(2:68)

الصّاحب:أذعن:انقاد.و ناقة مذعان:سلسة القياد.

و أذعن بالحقّ:أقرّ.و رأيت القوم مذعانّين و منعانّين كأنّهم عرف ضبعان،أي يتلو بعضهم بعضا.

(1:466)

الجوهريّ:أذعن له،أي خضع و ذلّ.

(5:2119)

ابن فارس:الذّال و العين و النّون أصل واحد، يدلّ على الإصحاب و الانقياد.يقال:أذعن الرّجل، إذا انقاد،يذعن إذعانا.و بناءه:ذعن،إلاّ أنّ استعماله:

أذعن.

و يقال:ناقة مذعان:سلسة الرّأس منقادة.

(2:355)

الهرويّ:الإذعان:الإسراع من الطّاعة.يقال:

ص: 747

أذعن لي بحقّي،أي طاوعني لما التمست إليه.

(2:676)

ابن سيده:أذعن لي بحقّي:أقرّ.

و أذعن الرّجل:انقاد.

و ناقة مذعان:سلسة الرّأس منقادة لقائدها.

(2:82)

الرّاغب: مُذْعِنِينَ أي منقادين.يقال:ناقة مذعان،أي منقادة(178)

الزّمخشريّ:أذعن له إذا سلس و انقاد،و هو له مذعن

و تقول:هو في الإساءة إليك ممعن،و أنت منقاد له مذعن.

و أذعن فلان بحقّي:أقرّبه.

و ناقة مذعان:سلسة القياد.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:رجل مذعان:مطواع.

(أساس البلاغة:143)

الفيّوميّ:أذعن إذعانا:انقاد و لم يستعص،و ناقة مذعان:منقادة.(1:208)

نحوه الطّريحيّ.(6:254)

الفيروزآباديّ:أذعن له:خضع،و ذلّ،و أقرّ، و أسرع في الطّاعة،و انقاد،كذعن كفرح.

و ناقة مذعان:منقادة سلسة الرّأس.

و رأيتهم مذعانين،صوابه بالباء الموحّدة،أي متتابعين.(4:227)

مجمع اللّغة:أذعن:خضع،و ذلّ،و أسرع في الطّاعة،فهو مذعن و هم مذعنون.(1:418)

محمّد إسماعيل إبراهيم:ذعن له:خضع له و انقاد،و أذعن بالحقّ:أقرّبه،فهو مذعن.(200)

محمود شيت:المذعان من الإبل و النّاس:

المطواع السّلس القياد،للذّكر و المؤنّث.

ذعن العدوّ:خضع،و ذلّ،و استسلم.

أذعن لشروط الهدنة:انقاد لها.

الإذعان:الاستسلام بدون قيد أو شرط.

(1:265)

المصطفويّ:التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الانقياد مع الخضوع،و أمّا مفاهيم الطّاعة و الإقرار و الإسراع و السّلاسة و عدم الكراهة،فمن آثار الأصل و لوازمه.[و ذكر الآيتين:48 و 49،من النّور كما يأتي ثمّ قال:]

فإنّ الحكم من اللّه و رسوله لا يكون إلاّ بالحقّ و على الحقّ،و إن كان الحقّ معهم و هم يريدون الحقّ، يلزم أن يأتوا إلى جانب الحكم،و ينقادوا و يخضعوا في قبال ذلك الحكم الحقّ.(3:314)

النّصوص التّفسيريّة

وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ* وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ. النّور:48،49

ابن عبّاس:مسرعين طائعين.(297)

مجاهد:سراعا.(الطّبريّ 9:340)

عطاء:أي مسرعين و هم قريش.يقال:أذعن إذا جاء مسرعا طائعا غير مكره.(النّحّاس.4:547)

ص: 748

الفرّاء:مطيعين غير مستكرهين.يقال:قد أذعن بحقّي و أمعن به واحد،أي أقرّ به طائعا.(2:257)

أبو عبيدة:أي مقرّين مستخذئين منقادين.يقال:

أذعن لي:انقاد لي.(2:68)

الأخفش:مقرنين.(الماورديّ 4:116)

مقرّين.

مثله ابن الأعرابيّ.(القرطبيّ 12:293)

ابن الأعرابيّ: مُذْعِنِينَ: مقرّين خاضعين.

(الأزهريّ 2:320)

ابن قتيبة:أي مقرّين خاضعين.(306)

الطّبريّ:منقادين لحكمه،مقرّين به،طائعين غير مكرهين.يقال:منه:قد أذعن فلان بحقّه،إذا أقرّ به طائعا غير مستكره،و انقاد له و سلّم.(9:340)

الزّجّاج:جاء في التّفسير:مسرعين،و الإذعان في اللّغة:الإسراع مع الطّاعة.تقول:قد أذعن لي بحقّي، معناه:قد طاوعني لما كنت ألتمسه منه،و صار يسرع إليه.(4:50)

النّقّاش:خاضعين.(الماورديّ 4:115)

الرّمّانيّ:طائعين.(الماورديّ 4:115)

الثّعلبيّ:مطيعين منقادين لحكمه.(7:113)

الماورديّ:[نقل الأقوال و أضاف:]

و فيها دليل على أنّ من دعي إلى حاكم فعليه الإجابة و يحرج إن تأخّر.

و قد روى أبو الأشهب عن الحسن قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«من دعي إلى حاكم من المسلمين فلم يجب فهو ظالم،لا حقّ له».(4:115)

الطّوسيّ:منقادين،و الإذعان هو الانقياد من غير إكراه.(7:450)

القشيريّ:منقادين يميلون مع الهوى،و لا يقبلون حكمه إيمانا.(4:291)

الواحديّ:مسرعين طائعين.(3:325)

البغويّ:مطيعين منقادين لحكمه،يعني إذا كان الحقّ لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لتيقّنهم بأنّه كما يحكم عليهم بالحقّ يحكم لهم أيضا بالحقّ.

(3:424)

نحوه القرطبيّ(12:293)،و البروسويّ(6:

170).

الزّمخشريّ: إِلَيْهِ صلة يَأْتُوا، لأنّ «أتى»و«جاء»قد جاءا معدّيين ب«إلى»أو يتّصل ب مُذْعِنِينَ لأنّه في معنى مسرعين في الطّاعة،و هذا أحسن لتقدّم صلته و دلالته على الاختصاص.

و المعنى:أنّهم لمعرفتهم أنّه ليس معك إلاّ الحقّ المرّ و العدل البحت،يزوّرون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحقّ،لئلاّ تنتزعه من أحداقهم بقضائك عليهم لخصومهم،و إن ثبت لهم حقّ على خصم أسرعوا إليك و لم يرضوا إلاّ بحكومتك،لتأخذ لهم ما ذاب لهم في ذمّة الخصم.(3:72)

نحوه النّسفيّ(3:150)،و أبو السّعود(4:474).

ابن عطيّة:أي مظهرين للانقياد و الطّاعة.و هم إنّما فعلوا ذلك حيث أيقنوا بالنّجح،و أمّا إذا طلبوا بحقّ فهم عنه معرضون.(4:191)

الطّبرسيّ:مسرعين طائعين منقادين.(4:150)

ص: 749

البيضاويّ:منقادين لعلمهم بأنّه يحكم لهم، و«إلى»صلة ل يَأْتُوا أو ل مُذْعِنِينَ، و تقديمه للاختصاص.(2:132)

الشّربينيّ:أي منقادين،لعلمهم بأنّه يحكم لهم، لأنّهم يعلمون أنّه دائر مع الحقّ لهم و عليهم،فليس انقيادهم لطاعة اللّه و رسوله.(2:633)

نحوه المراغيّ.(18:122)

الآلوسيّ:منقادين لعلمهم بأنّه عليه الصّلاة و السّلام يحكم لهم.و الظّاهر تعلّق«إلى»ب يَأْتُوا و جوّز تعلّقها ب مُذْعِنِينَ على أنّها بمعنى اللاّم،أو على تضمين الإذعان معنى الإسراع.و فسّره الزّجّاج بالإسراع مع الطّاعة.و تقديم المعمول للاختصاص،أو للفاصلة،أولهما،و عبّر ب(اذا)فيما مرّ إشارة إلى تحقّق الشّرط،و بأنّ هنا إشارة إلى عدم تحقّقه،و في ذلك أيضا ذمّ لهم.(18:196)

مغنيّة:إنّهم لا يعرفون الحقّ إلاّ إذا وافق أهواءهم،فإن خالفها تنكّروا له.و هذه الأنانيّة البشعة الجشعة لا تختصّ بالمنافقين وحدهم،فإنّها تطبع أيضا حياة الكثير من المؤمنين،أو الّذين يرون أنفسهم مؤمنين،إنّهم يجاهرون بالحقّ،و ينكرون الباطل، و لكن أيّ باطل ينكرون؟و بأيّ حق يجاهرون؟إنّ الحقّ في مفهومهم و إيمانهم ما يتّفق مع مصلحتهم، و الباطل ما يخالفها،و لكنّهم يذهلون عن باطن أنفسهم و واقعهم.هم يؤمنون بأنّهم لا يفعلون إلاّ الحقّ،و لا ينطقون إلاّ بالصّدق،و في الوقت نفسه لا ينبعثون و لا يتحرّكون إلاّ بدافع من أهوائهم و مصالحهم.

و هؤلاء أسوأ حالا من المنافق الّذي يخدع النّاس، و لا تخدعه نفسه،لأنّه على يقين من كذبه و ريائه،أمّا أولئك فإنّهم يسيئون و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا.

و لا يظلمهم من ينفي عنهم صفة الإيمان،لأنّ المؤمن حقّا لا ينخدع بحيل الشّيطان و أباطيله،و يتّهم نفسه إذا زيّنت له عملا من أعماله.فإنّ الشّيطان لا مهمّة له إلاّ أن يزيّن للنّاس سوء أعمالهم،و إلاّ أن يريهم الباطل حقّا،و الضّلال صلاحا.

قيل:إنّ رجلا قال لإبليس:لا سبيل لك على المؤمنين من أمثالي،فضحك إبليس،و قال له:إنّ كلامك هذا هو الشّاهد على أنّك و أمثالك مطيّة لي، إنّ غرورك هذا هو المنفذ الّذي أدخل منه إلى قلبك، فأفسده و أعماه حتّى عن الواضح المحسوس.

و بعد،فمن أراد أن يمتحن دينه و إيمانه فلينظر:هل يتّهم نفسه أو يزكّيها من كلّ عيب؟و هل تقبل الحقّ حتّى و لو كان عليها،فإن اتّهمها و قبلت الحقّ-مهما كانت النّتائج-فهو من المؤمنين،و إلاّ فهو من الهالكين.

(5:433)

عبد الكريم الخطيب:أي إنّ هؤلاء المنافقين، إذا كان حكم الإسلام في أمر من الأمور العارضة لهم، ممّا يتّفق مع مصلحتهم،جاءوا إلى الرّسول مذعنين، أي مطيعين،معلنين الولاء للّه،و لرسوله،يطلبون أن يأخذهم بحكم الإسلام،لأنّه يجري مع مصلحتهم، و يلتقي مع حاجتهم.(9:1309)

ص: 750

فضل اللّه:إذا عرفوا أنّ النّتيجة ستكون لصالحهم،أقبلوا على الدّعوة،و استجابوا لها،لأنّهم يستجيبون أوّلا و آخرا لمصلحتهم،لا لانتمائهم الّذي يدعونه وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ.

و هذا ما يفعله كثير من النّاس إذا ما واجهوا مشكلة مع الآخرين،فهم يبادرون إلى سؤال أهل الاختصاص بالشّريعة،ليعلموا كيف يكون مجرى الدّعوى،و هل تكون لصالحهم إذا أثيرت أمام الحاكم الشّرعيّ،أو تكون لغير صالحهم،فإذا رأوها منسجمة مع ما يريدون أقبلوا إلى حكم الشّريعة،و إلاّ أعرضوا عنها.(16:343)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الذّعن،أي الانقياد و الطّاعة.يقال:ذعن الرّجل يذعن ذعنا،و أذعن إذعانا،أي انقاد و سلس،و الإذعان أعرف من الذّعن.و منه:حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه شهادة إيمان و إيقان و إخلاص و إذعان». (1)و ناقة مذعان:سلسة الرّأس،منقادة لقائدها.

و أذعن الرّجل بالطّاعة:ألزمها نفسه.

و أذعن لي بحقّي:طاوعني لما كنت ألتمسه منه و أقرّ به.

و أمّا قولهم:رأيت القوم مذعانّين و منعانّين، كأنّهم عرف ضبعان،أي يتلو بعضهم بعضا،فهو تصحيف،و أصله مذعابّين و مثعابّين،كما قال الأصمعيّ. (2)

2-و ذهب الزّجّاج إلى أنّ الأصل في هذه المادّة:

الإسراع و الطّاعة،و ذهب الجوهريّ إلى أنّ الأصل فيها:الذّلّ و الخضوع،و لكنّ الأصحّ ما ذهبنا إليه تبعا لجمهور اللّغويّين.

و قيّد ابن دريد الانقياد بالقسر،و الطّوسيّ بعكس ذلك،أي الانقياد من غير إكراه.و كلاهما على صواب،لأنّ المذعن يذعن بالقسر تارة،و بغير قسر تارة أخرى.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مزيدا من الإفعال اسم الفاعل (مذعنين)في آية:

وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ* وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ النّور:48 و 49

و يلاحظ أوّلا أنّ فيها بحوثا:

1-قالوا في معنى مُذْعِنِينَ: مسرعين،طائعين، مقرّين،مستخذئين،منقادين،مقرنين،و نحوها.

و أكثرها لوازم المعنى،و الأصل-كما تقدّم في الأصول اللّغويّة-:الانقياد و الطّاعة.و زعم المصطفويّ أنّ الأصل:هو الانقياد مع الخضوع،و أنّ باقي المعاني من

ص: 751


1- نهج البلاغة الخطبة:(195).
2- لسان العرب«ذ ع ب».

آثار الأصل.

2-احتمل الزّمخشريّ في إِلَيْهِ تعلّقها بما قبله يَأْتُوا و بما بعده مُذْعِنِينَ، و قال:«و هذا أحسن لتقدّم صلته،و دلالته على الاختصاص».

و قال الآلوسيّ-بعد ذكر الوجهين-:«و تقديم المعمول للاختصاص،أو للفاصلة،أولهما».

3-و ذكر أيضا في الفرق بين(اذا)في الآية قبلها:

وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ، و بين(ان)في هذه وَ إِنْ يَكُنْ...

أنّ(اذا)إشارة إلى تحقّق الشّرط،و أنّ(ان)إشارة إلى عدم تحقّقه.

4-و ذكروا في وجه انقيادهم في الأولى:لعلمهم بأنّ النّبيّ عليه السّلام يحكم لهم،و ليس انقيادهم لطاعة اللّه و رسوله.

5-و قد فرّق«مغنيّة»بين هؤلاء الّذين لا يعرفون الحقّ إلاّ إذا وافق أهواءهم،و بين المنافق الّذي يخدع النّاس و لا تخدعه نفسه،لأنّه على يقين من كذبه،فهم أسوء حالا من المنافق،فإنّهم يسيئون و هم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا،فلاحظ.

و ثانيا:الآية مدنيّة،فإنّها تشبه آيات المنافقين الخاصّة بالسّور المدنيّة.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الإقرار: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ البقرة:84

الاعتراف: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّوبة:102

الحصحصة: قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ يوسف:51

ص: 752

ذ ق ن

اشارة

الاذقان

لفظ واحد،3 مرّات مكّيّة،في سورتين مكّيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل:الذّقن:مجتمع اللّحيين.

و ناقة ذقون:تحرّك رأسها في سيرها.(5:135)

اللّيث:و الذّقن:الشّيخ.(الأزهريّ 9:73)

أبو عمرو الشّيبانيّ:الذّاقنة:الّتي قد دنا رأسها من الماء و لم يشرع بعد.(1:281)

و الذّقن:مجتمع الصّبيّين (1).(1:283)

أبو زيد:الذّواقن:أسفل البطن.

(الجوهريّ 5:2119)

الأصمعيّ:و يقال:ناقة ذقون،إذا كانت تهزّ رأسها في السّير.[ثمّ استشهد بشعر]

(الكنز اللّغويّ:107)

و الذّاقنتان،و هما الذّقن و ما تحته.

(الكنز اللّغويّ:215)

إذا خرزت الدّلو فجاءت شفتها مائلة قيل:ذقنت تذقن ذقنا.(الأزهريّ 9:73)

أبو عبيد:و في حديث عائشة:«توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بين سحري و نحري و حاقنتي و ذاقنتي».

و أمّا الحاقنة،فقد اختلفوا فيها،فكان أبو عمرو يقول:هي النّقرة الّتي بين التّرقوة و حبل العاتق،و هما الحاقنتان.

و الذّاقنة:طرف الحلقوم.قال أبو زيد:يقال في مثل:لألحقنّ حواقنك بذواقنك.

فذكرت ذلك للأصمعيّ،فقال:هي الحاقنة و الذّاقنة،و لم أره وقف منهما على حدّ معلوم.و القول عندي:ما قال أبو عمرو.(2:356)

ص: 753


1- الصّبيّان:عظمان أسفل من شحمي الأذنين.

ابن السّكّيت:الذّقن:مصدر ذقنه يذقنه ذقنا، إذا ضرب ذقنه.و مصدر ذقنه بالعصاء يذقنه،إذا ضربه بها.

و الذّقن:ذقن الإنسان.(إصلاح المنطق:56)

ابن دريد:و تقول العرب:لألصقنّ حواقنه بذواقنه.فالحواقن:ما سفل عن البطن،و الذّواقن:ما علا منه...

و الذّاقنتان:الذّقن و ما تحته؛و جمعها:الذّواقن.

(2:183)

الذّقن:مجتمع صبيي اللّحيين؛و الجمع:أذقان.

و ناقة ذقون،و هي الّتي يرجف ذقنها في سيرها...

و قال قوم:الذّواقن:ما حول الذّقن.و قال آخرون:الذّواقن:ما انحطّ عن التّرقوتين من عن يمين و شمال.

و ذقان:جبل معروف.(2:317)

و قولهم:أخذ من ذقنه،أي من أطراف لحيته.فلمّا كانت اللّحية في الذّقن،استعمل في ذلك.(3:432)

و ناقة ذقون:تضرب بذقنها في سيرها.

(3:444)

الأزهريّ:[ذكر قول أبي عبيد في حديث عائشة، ثمّ أضاف:]

و أمّا أبو عمرو فإنّه قال:الذّاقنة طرف الحلقوم.

و قال ابن جبلّة:قال غيره:الذّاقنة:الذّقن.

و قال غيره:ذقنت الرّجل أذقنه ذقنا،إذا ضربت ذقنه فهو مذقون.

و ذقنته بالعصا ذقنا ضربته بها.

و في حديث عمر:«أنّه عوتب في شيء فذقن بسوطه يستمع».

و في حديث آخر:«فوضع عود الدّرّة ثمّ ذقن عليها.و قد ذقن على يده»،إذا وضعها تحت ذقنه.

و في نوادر العرب:ذاقنني فلان و لاقنني و لاغدني،أي لازّني و ضايقني.(9:73)

الصّاحب:الذّقن:مجمع اللّحيين.

و الأذقن من الرّجال:المائل الشّدقين.

و ناقة ذقون:تحرّك رأسها إذا سارت.

و الأذقن من الدّلاء:الّذي زيد في أحد جانبيه فجاء مائلا شقّه،ذقنت تذقن ذقنا،و دلو ذقناء.

و الذّاقنة:المقلوبة الحنك.و هو أيضا:طرف الحلقوم.و المعدة أيضا في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«بين حاقنتي و ذاقنتي».

و ذقنه بالعصا يذقنه:ضربه بها.و ذقنه:ضرب ذقنه.

و ذقّن على عصاه:وضع ذقنه عليها.(5:375)

الجوهريّ:ذقن الإنسان:مجمع لحييه.

و في المثل:«مثقل استعان بذقنه»يضرب لرجل ذليل يستعين برجل آخر مثله.و أصله:البعير يحمل عليه الحمل الثّقيل فلا يقدر على النّهوض،فيعتمد بذقنه على الأرض.

و ذقنته:ضربت ذقنه.

و الذّاقنة:طرف الحلقوم النّاتئ.

و في المثل:لألحقنّ حواقنك بذواقنك.

و ناقة ذقون:ترخي ذقنها في السّير.

ص: 754

و دلو ذقون.و قد ذقنت بالكسر،إذا خرزتها فجاءت شفتها مائلة.(5:2119)

ابن فارس:الذّال و القاف و النّون كلمة واحدة، إليها يرجع سائر ما يشتقّ من الباب.فالذّقن ذقن الإنسان و غيره:مجمع لحييه.

و يقال:ناقة ذقون:تحرّك رأسها إذا سارت.

و الذّاقنة:طرف الحلقوم النّاتئ،و هو في حديث عائشة.[و ذكره]

و تقول:ذقنت الرّجل أذقنه،إذا دفعت بجمع كفّك في لهزمته.

و دلو ذقون،إذا لم تكن مستوية،بل تكون ضخمة مائلة.(2:357)

الثّعالبيّ:[العروق]في الذّقن:الذّاقن.(134)

ابن سيده:الذّقن،و الذّقن:مجتمع اللّحيين من أسفلهما.قال اللّحيانيّ:هو مذكّر لا غير،قال:و في المثل:مثقل استعان بذقنه و ذقنه»يقال هذا لمن يستعين بمن لا دفع له،و بمن هو أذلّ منه.و صحّفه الأثرم عليّ بن المغيرة بحضرة يعقوب،فقال:«مثقل استعان بدفّيه»،فقال له يعقوب:هذا تصحيف،إنّما هو:«استعان بذقنه».فقال له الأثرم:إنّه يريد الرّئاسة بسرعة،ثمّ دخل بيته.

و الجمع:أذقان،و في التّنزيل: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً الإسراء:107،و استعاره امرؤ القيس للشّجر...

و الذّاقنة:ما تحت الذّقن.و قيل:الذّاقنة:رأس الحلقوم.[ثمّ ذكر حديث عائشة و قال:]

الحاقنة:التّرقوة،و قيل:أسفل البطن ممّا يلي السّرّة.

و ذقن الرّجل:وضع يده تحت ذقنه.[ثمّ ذكر حديث عمر،و قال:]

و ذقنه يذقنه ذقنا:أصاب ذقنه.و ذقنه ذقنا:فقده.

و الذّقون من الإبل:الّتي تميل ذقنها إلى الأرض فتستعين بذلك على السّير.و قيل:هي السّريعة.

و الجمع:ذقن.

و الذّاقنة:كالذّقون،عن ابن الأعرابيّ.

و ذقنت الدّلو ذقنا،فهي ذقنة:مالت شفتها.

و دلو ذقنى:مائلة الشّفة.

و امرأة ذقناء:ملتوية الجهاز.

و الذّقن:الشّيخ.

و ذقان:جبل.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(6:348)

ذقن يذقن ذقنا:طال ذقنه فهو أذقن،و المرأة ذقناء.

و ذقنه يذقنه:ضرب ذقنه.

و ذقن على يده أو عصاه،يذقن ذقنا،و ذقّن:

وضع ذقنه عليها.(الإفصاح 1:55)

الرّاغب:قوله تعالى: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ الإسراء:109،الواحد:ذقن.و قد ذقنته:

ضربت ذقنه.

و ناقة ذقون:تستعين بذقنها في سيرها.

و دلو ذقون:ضخمة مائلة،تشبيها بذلك.(179)

البطليوسيّ:و الذّقن:منبت اللّحية.(287)

ص: 755

الزّمخشريّ:خرّ على ذقنه.

و ذقنته:ضربت ذقنه.

و ناقة ذقون:تمدّ خطامها،و تحرّك رأسها قوّة و نشاطا في السّير.و نوق ذقن.

و لألحقنّ حواقنك بذواقنك،أي أطويك طيّا تجتمع له الحاقنة و الذّاقنة.

و في الحديث:«توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بين سحري و نحري و حاقنتي و ذاقنتي».قيل:هما أسفل الحلقوم و أعلاه،لأنّ أسفله يلي ما يحقن الطّعام،و أعلاه يلي الذّقن.

و من المجاز:قولهم للحجر إذا قلبه السّيل:كبّه السّيل لذقنه.

و هبّت الرّيح فكبّت الشّجر على أذقانه.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:143)

ابن الأثير:[نقل حديث عائشة و قال:]

الذّاقنة:الذّقن،و قيل:طرف الحلقوم،و قيل:ما يناله الذّقن من الصّدر.

و في حديث عمر:«إنّ عمران بن سوادة قال له:

أربع خصال عاتبتك عليها رعيّتك،فوضع عود الدّرّة ثمّ ذقّن عليها و قال:هات»

يقال:ذقن على يده و على عصاه بالتّشديد و التّخفيف،إذا وضعه تحت ذقنه و اتّكأ عليه.

(2:163)

الفيّوميّ:الذّقن من الإنسان:مجتمع لحييه؛ و جمع القلّة:أذقان،مثل سبب و أسباب،و جمع الكثرة:

ذقون،مثل أسد و أسود.(1:208)

الفيروزآباديّ:الذّقن بالكسر:الشّيخ الهمّ،و بالتّحريك:مجتمع اللّحيين من أسفلهما،و يكسر، مذكّر،جمعه:أذقان.

و منه:«مثقل استعان بذقنه»:يضرب لمن استعان بأذلّ منه.و أصله:البعير يحمل عليه ثقل و لا يقدر ينهض فيعتمد بذقنه على الأرض.

و الذّاقنة:ما تحت الذّقن،أو رأس الحلقوم،أو طرفه النّاتئ،أو التّرقوة،أو أسفل البطن ممّا يلي السّرّة،أو ثغرة النّحر،أو أعلى البطن.

و ذقنه:فقده،أو ضرب ذقنه،و على يده أو على عصاه:وضع ذقنه عليها كذقّن.

و ناقة ذقون:ترخي ذقنها في السّير.

و دلو ذقون و قد ذقنت كفرح:إذا خرزتها فجاءت شفتها مائلة.

و ككتاب:جبل،و كصاحب:قرية ب«حلب».

و كصاحبة:موضع.

و ذاقنه:ضايقه.

و الذّقناء:المرأة الطّويلة الذّقن،و هو أذقن، و المائلة الجهاز،جمعه:ذقن بالضّمّ.(4:227)

الطّريحيّ:الأذقان:جمع قلّة الذّقن،كسبب و أسباب؛و جمع الكثرة:ذقون،كأسد و أسود.

و الذّقن:مجمع اللّحيين.(6:254)

مجمع اللّغة:الذّقن و الذّقن:مجتمع اللّحيين من أسفلهما،و يطلق على ما ينبت عليه من الشّعر مجازا،و كذا يطلق على الوجه تعبيرا بالجزء عن الكلّ.(1:418)

ص: 756

محمّد إسماعيل إبراهيم:ذقن الإنسان و ذقنه:

مجمع لحييه من أسفل؛و الجمع:أذقان و ذقون.

(1:200)

العدنانيّ:ذقنه عريض

و يقولون:ذقنه عريضة،و الصّواب:ذقنه،أو ذقنه عريض.و قد قال اللّحيانيّ إنّه مذكّر لا غير.

(معجم الأخطاء الشّائعة:95)

المصطفويّ:التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو العضو المخصوص من الحيوان إنسان أو غيره،و هو الفكّ الأسفل و العظم المتحرّك عند المضغ و التّكلّم،و من كلمة الذّقن يشتقّ انتزاعا سائر مشتقّاته.(3:316)

النّصوص التّفسيريّة

الاذقان

1- إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً.

2- وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً.

الإسراء:107،109

ابن عبّاس:على الوجوه.

للسّجود.(243)

أي يسقطون على الوجوه ساجدين.

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 3:445)

الحسن:أنّها اللّحى.(الماورديّ 3:280)

قتادة:إنّها هاهنا:الوجوه.(الماورديّ 3:280)

أبو عبيدة:واحدها:ذقن،و هو مجمع اللّحيين.

(1:392)

نحوه أغلب التّفاسير.

القمّيّ:الوجه.(2:29)

الماورديّ:و في قوله: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّ الأذقان مجتمع اللّحيين.

الثّاني:[قول ابن عبّاس]

الثّالث:[قول الحسن](3:280)

الواحديّ:يسجدون بوجوههم و جباههم و أذقانهم،و اللاّم هاهنا بمعنى«على».(3:132)

الزّمخشريّ:فإن قلت:حرف الاستعلاء ظاهر المعنى إذا قلت:خرّ على وجهه و على ذقنه،فما معنى اللاّم في:خرّ لذقنه و لوجهه قال:

*فخرّ صريعا لليدين و للفم*

قلت:معناه:جعل ذقنه و وجهه للخرور و اختصّه به،لأنّ اللاّم للاختصاص.(2:470)

الطّبرسيّ:إنّما خصّ الذّقن،لأنّ من سجد كان أقرب الشّيء منه إلى الأرض ذقنه،و الذّقن مجمع اللّحيين.(3:445)

الفخر الرّازيّ:ثمّ قال: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ، و الفائدة في هذا التّكرير اختلاف الحالين،و هما خرورهم للسّجود،و في حال كونهم باكين عند استماع القرآن،و يدلّ عليه قوله: وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً.

و يجوز أن يكون تكرار القول دلالة على تكرار الفعل منهم،و قوله: يَبْكُونَ معناه الحال، وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً أي تواضعا.

ص: 757

و اعلم أنّ المقصود من هذه الآية[يعني بملاحظة صدرها: آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ]تقرير تحقيرهم، و الازدراء بشأنهم.

و عدم الاكتراث بهم و بإيمانهم،و امتناعهم منه، و أنّهم و إن لم يؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منهم.

(21:69)

العكبريّ:فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:هي حال،تقديره:ساجدين للأذقان.

و الثّاني:هي متعلّقة ب يَخِرُّونَ، و اللاّم على بابها،أي مزلّون للأذقان.

و الثّالث:هي بمعنى«على»،فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من يَبْكُونَ و يَبْكُونَ حال.

(2:835)

القرطبيّ:و إنّما خصّ الأذقان بالذّكر،لأنّ الذّقن أقرب شيء من وجه الإنسان.

[راجع:خ ر ر:«يخرّون»].(10:341)

البيضاويّ:و ذكر الذّقن،لأنّه أوّل ما يلقى الأرض من وجه السّاجد،و اللاّم فيه لاختصاص الخرور به.(2:600)

النّسفيّ:و معنى الخرور للذّقن:السّقوط على الوجه.و إنّما خصّ الذّقن،لأنّ أقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض عند السّجود الذّقن،يقال:خرّ على وجهه و على ذقنه،و خرّ لوجهه و لذقنه.أمّا معنى «على»فظاهر،و أمّا معنى«اللاّم»فكأنّه جعل ذقنه و وجهه للخرور،و اختصّه به؛إذ اللاّم للاختصاص.

و كرّر يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ لاختلاف الحالين، و هما خرورهم في حال كونهم ساجدين،و خرورهم في حال كونهم باكين.(2:330)

السّمين:فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّها بمعنى«على»،أي على الأذقان، كقولهم:خرّ على وجهه.

و الثّاني:أنّها للاختصاص.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و قال:]

قلت:معناه:جعل ذقنه و وجهه للخرور،و اختصّ به،لأنّ اللاّم للاختصاص.

و قال أبو البقاء:و الثّاني:هي متعلّقة ب يَخِرُّونَ، و اللاّم على بابها،أي مزلّون للأذقان.

و الأذقان:جمع ذقن،و هو مجتمع اللّحيين.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]و سُجَّداً حال.

و جوّز أبو البقاء في اَلْأَذْقانِ أن يكون حالا.

قال:أي ساجدين للأذقان،و كأنّه يعني به الأذقان الثّانية؛لأنّه يصير المعنى ساجدين للأذقان سجّدا، و لذلك قال:

و الثّالث:أنّها بمعنى«على»فعلى هذا يكون حالا من يَبْكُونَ و يَبْكُونَ حال.(4:427)

البروسويّ:أي يسقطون على وجوههم،فاللاّم بمعنى«على»،و الأذقان:الوجوه،على سبيل التّعبير عن الكلّ بالجزء مجازا.[إلى أن قال:]

قال البيضاويّ:ذكر الذّقن لأنّه أوّل ما يلقى الأرض من وجه السّاجد،و اللاّم فيه لاختصاص الخرور به.

قال سعدي المفتيّ في«حواشيه»:فيه بحث،فإنّه

ص: 758

ظاهر أنّ أوّل ما يلقى الأرض من وجه السّاجد جبهته و أنفه،إلاّ أن يقال:إنّ طريق سجدتهم غير ما عرفناه،انتهى.

يقول الفقير:معنى اللّقاء هنا كون الذّقن أقرب شيء إلى الأرض من الأنف و الجبهة حال السّجدة؛ إذا الأقرب إلى الأرض بالنّسبة إلى حال الخرور الرّكبة ثمّ اليدان ثمّ الرّأس،و أقرب أجزاء الرّأس الذّقن،و الأقرب إلى السّماء بالإضافة إلى حال الرّفع الرّأس،و أقرب أجزاء الرّأس الجبهة،فافهم.

(5:211)

الآلوسيّ:[نحو أبي عبيدة و أضاف:]

و يطلق على ما ينبت عليه من الشّعر مجازا،و كذا يطلق على الوجه تعبيرا بالجزء عن الكلّ.قيل:و هو المراد.

و روي عن ابن عبّاس:فكأنّه قيل:يسقطون بسرعة على وجوههم...

و الجارّ و المجرور إمّا متعلّق بما عنده،أو بمحذوف وقع حالا ممّا قبله أو ممّا بعده،أي ساجدين.

(15:189،190)

ابن عاشور:[نحو أبي عبيدة و قال:]

و ذكر الذّقن للدّلالة على تمكينهم الوجوه كلّها من الأرض،من قوّة الرّغبة في السّجود،لما فيه من استحضار الخضوع للّه تعالى.(14:184)

الطّباطبائيّ: اَلْأَذْقانِ: جمع ذقن،و هو مجمع اللّحيين من الوجه.و الخرور للأذقان:السّقوط على الأرض على أذقانهم للسّجدة،كما يبيّنه قوله:

سُجَّداً و إنّما اعتبرت الأذقان،لأنّ الذّقن أقرب أجزاء الوجه من الأرض عند الخرور عليها للسّجدة.

و ربّما قيل:المراد بالأذقان:الوجوه،إطلاقا للجزء على الكلّ مجازا.(13:222)

المصطفويّ:[ذكر الآيتين و قال:]

فالخرور للأذقان كما يقال:خرّ لوجهه،و لا يصحّ أن يقال:خرّ على وجهه،إلاّ إذا كان الخرور واقعا على الوجه،و يفرض الوجه كالأرض في قولنا:خرّ و سقط على الأرض.

و أمّا ذكر الأذقان في الآيتين:فبمناسبة الخرور، فإنّ السّاقط الملاقي بالأرض في حال الخرور ابتداء من بين الأعضاء هو الذّقن.(3:316)

مكارم الشّيرازيّ:[تقدّم في:خ ر ر:«يخرّون».]

(9:155)

فضل اللّه:في تعبير صارخ عن الخضوع المطلق للّه و الانسحاق أمامه،باعتبار أنّ السّجود أعلى مظاهر الخضوع.و يمكن أن يكون ذكر الأذقان،باعتبار أنّ الذّقن أقرب أجزاء الوجه من الأرض عند السّجود، أو يكون المراد بها:الوجوه على نحو المجاز تعبيرا عن الكلّ بالجزء.و هؤلاء الّذين يسجدون للّه بهذه الرّوح الخاشعة الذّليلة ينطلقون من معرفتهم باللّه الّذي يطلّ بهم على عظمته و أسرار قوّته.

وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ في تعبير متحرّك ناطق عن الرّوح الخاضعة،بالسّجود في مظهر، و بالدّمع في مظهر آخر،ليشترك الكيان كلّه في التّعبير عن موقف الإنسان من اللّه في خطّ العبوديّة الّذي

ص: 759

يتحرّك في حالة تصاعديّة تبعا للحالة الرّوحيّة المتنامية؛ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً و تذلّلا على أساس أنّ التّعبير عن المشاعر القلبيّة كلّما ازداد إلحاحا،كلّما ازداد تأثيرا في نموّ الحالة النّفسيّة،لأنّ الممارسة تزيد في النّموّ الدّاخليّ للرّوح و للضّمير.

و نلاحظ،في التّأكيد على جانب التّعبير عن الإيمان باللّه،بالهويّ إلى الأرض بالسّجود،و بالاندفاع في البكاء في حالة نفسيّة من الإجهاش الرّوحيّ أمام اللّه،بأنّ حركة الإيمان ليست مجرّد حالة تجريديّة في الذّهن،بل هي-إلى جانب ذلك-حركة في الشّعور و في التّعبير،و زيادة في تعميق الذّلّ الإنسانيّ في عبوديّة الإنسان للّه،لتكون المعرفة معنى في النّفس، و شعورا في القلب،و حركة في الإيمان و في الواقع.

(14:251)

لاحظ:خ ر ر:«يخرّون».

3- إِنّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ. يس:8

لاحظ:غ ل ل:«اغلالا».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الذّقن:مجتمع اللّحيين، و هو الذّقن أيضا؛و الجمع:أذقان.يقال:ذقن الرّجل، أي وضع يده تحت ذقنه،و ذقنه يذقنه ذقنا:أصاب ذقنه فهو مذقون.و في المثل:«مثقل استعان بذقنه»، يقال لمن يستعين بمن لا دفع عنده،و بمن هو أذلّ منه.

قال الجوهريّ:«و أصله البعير يحمل عليه الحمل الثّقيل،فلا يقدر على النّهوض،فيعتمد بذقنه على الأرض».

و أخذ من ذقنه:من أطراف لحيته؛قال ابن دريد:

«فلمّا كانت اللّحية في الذّقن استعمل في ذلك».

و الذّاقنة:الذّقن،أو ما تحته؛و الجمع:ذواقن.و في المثل:«لألحقنّ حواقنك بذواقنك»:جمع الحاقنة و الذّاقنة،فالحواقن:ما سفل عن البطن،و الذّواقن:ما علا منه.

و امرأة ذقناء:ملتوية الجهاز.

و الذّقون من الإبل:الّتي تميل ذقنها إلى الأرض، تستعين بذلك على السّير؛و الجمع:ذقن،و هي الذّاقنة أيضا.

و يقال على التّشبيه:ذقنت الدّلو تذقن ذقنا،أي مالت شفتها فهي ذقنه،و هي دلو ذقنى و ذقون أيضا.

2-يبدل بعض العرب الذّال من حروف أخرى، نحو إبداله من الباء،فقد روى الأزهريّ عن أبي سعيد، قال:«قال بعض بني سليم:تبقّطت الخبر و تسقّطته و تذقّطته،إذا أخذته شيئا بعد شيء» (1).و لم يذكره ابن السّكّيت في الإبدال.

و نحو إبداله من الثّاء؛إذ روى ابن السّكّيت عن أبي عمرو الشّيبانيّ،قال:«يلوث و يلوذ سواء» (2).

و يقول العراقيّون اليوم:العثق،يريدون العذق،و هو

ص: 760


1- تهذيب اللّغة:(9:13).
2- -الإبدال(108)

قنو النّخلة.

و نحو إبداله من الدّال،روى ابن السّكّيت عن أبي عمرو الشّيبانيّ،قال:«ما ذاق عذوقا،و ما ذاق عدوفا،أي ما ذاق شيئا» (1).و نسب الجوهريّ لغة الذّال إلى ربيعة (2)،و كذا قال أبو عمرو الشّيبانيّ أيضا (3).و لا يزال السّوريّون يبدلون الذّال دالا في كلامهم.

و نحو إبداله من الزّاي،قال ابن السّكّيت:«قال الأصمعيّ:زرق الطّائر و ذرق» (4).

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم جمعا:(الاذقان)ثلاث مرّات في ثلاث آيات:

1 و 2- قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً* وَ يَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً* وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً.

الإسراء:107-109

3- إِنّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ يس،:8

و يلاحظ أوّلا:أنّ الأوليين مدح،لأنّهما توصيف للمؤمنين الّذين أوتوا العلم،ففي الأولى: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً* وَ يَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا، و في الثّانية: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً.

أمّا الأخيرة فهي ذمّ للكافرين،فقبلها: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ* لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، و الآيات بعدها كلّها ذمّ لهم أيضا.

فللفرق بين المدح و الذّمّ جاء يَخِرُّونَ ... سُجَّداً، و وَ يَخِرُّونَ ... يَبْكُونَ في الأوليين،ففيهما نهاية الخضوع للّه في العبادة في الدّنيا،و جاء: جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ في الأخيرة،و فيهما نهاية الذّلّ و الحقارة بين الخلائق يوم القيامة.و فيها بحوث:

ففي(1 و 2):

1-قال جماعة منهم:المراد بالأذقان:الوجوه، و في قبالهم آخرون قالوا:إنّها مجتمع اللّحيين،أو اللّحي«ففيها وجوه ثلاثة«كما صرّح بها بعضهم:

فقال النّسفيّ:«و معنى الخرور للذّقن:السّقوط على الوجه.و إنّما خصّ الذّقن لأنّ أقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض عند السّجود الذّقن،يقال:خرّ على وجهه و على ذقنه،و خرّ لوجهه و لذقنه».

و قال الآلوسيّ-و نحوه البروسويّ-:«و يطلق على ما ينبت عليه من الشّعر مجازا،و كذا يطلق على الوجه تعبيرا بالجزء عن الكلّ».

2-ثمّ قال النّسفيّ-و نحوه الزّمخشريّ قبله-في

ص: 761


1- الإبدال:(140).
2- الصّحاح:(ع ذ ف).
3- لسان العرب:(ع د ف)و(ع ذ ف).
4- الإبدال:(141).

الفرق بين«على»و«اللاّم»:«أمّا معنى«على» فظاهر،و أمّا معنى«اللاّم»فكأنّه جعل ذقنه و وجهه للخرور،و اختصّه به؛إذ اللاّم للاختصاص».

3-كرّر اللّه فيهما يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ، «فقال الفخر الرّازيّ:«و الفائدة في هذا التّكرير اختلاف الحالين،و هما خرورهم للسّجود و في حال كونهم باكين عند استماع القرآن،و يدلّ عليه قوله:

وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً. و يجوز أن يكون تكرار القول دلالة على تكرار الفعل منهم...».

4-و قد فصّل الكلام فضل اللّه فيهما،فقال في الأولى:«...و هؤلاء الّذين يسجدون للّه بهذه الرّوح الخاشعة الذّليلة ينطلقون من معرفتهم باللّه الّذي يطلّ بهم على عظمته و أسرار قوّته».و قال فيهما:«في تعبير متحرّك ناطق عن الرّوح الخاضعة،بالسّجود في مظهر،و بالدّمع في مظهر آخر،ليشترك الكيان كلّه في التّعبير عن موقف الإنسان من اللّه،في خطّ العبوديّة الّذي يتحرّك في حالة تصاعديّة تبعا للحالة الرّوحيّة المتنامية...».

5-أمّا الإعراب فقوله فيهما: لِلْأَذْقانِ متعلّق ب يَخِرُّونَ «و قوله في الأولى سُجَّداً، و في الثّانية يَبْكُونَ -و يفيد الدّوام-حال من يَخِرُّونَ، هذا هو الظّاهر،و قد صرّح به بعضهم.

لكنّ السّمين قال:«و جوّز أبو البقاء في اَلْأَذْقانِ أن يكون حالا،قال:أي ساجدين للأذقان،و كأنّه يعني به الأذقان الثّانية،لأنّه يصير المعنى:ساجدين للأذقان سجّدا».و جوّز السّمين في الثّانية-لو كانت«اللاّم» بمعنى«على»-أن يكون حالا من يَبْكُونَ.

و قال الآلوسيّ أيضا:«و الجارّ و المجرور إمّا متعلّق بما عنده،أو بمحذوف وقع حالا ممّا قبله أو ممّا بعده،أي ساجدين».و كلّها خلاف الظّاهر،فلاحظ.

و في(3):لاحظ:غ ل ل:«اغلالا».

و ثانيا:الآيات الثّلاث مكّيّة توصيف لحال المؤمنين في الدّنيا،و للكافرين في الآخرة.

و ثالثا:ليست لها نظائر في القرآن.

ص: 762

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم

الآلوسيّ:محمود (1)(1270)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس،بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

ابن جزيّ:محمّد(741)

التّسهيل،دار الكتاب العربيّ،بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلاميّ،بيروت.

ابن خالويه:حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده:عليّ(458)

المحكم،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

ص: 763


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن عاشور:محمّد طاهر(1393)

التّحرير و التّنوير،ط:مؤسّسة التّاريخ،بيروت.

ابن العربيّ:عبد اللّه(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة،بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

2-الصّاحبيّ،ط:المكتبة اللّغويّة،بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

2-تأويل مشكل القرآن،ط:المكتبة العلميّة، القاهرة.

ابن القيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنّة التّراث العربيّ،لبنان.

ابن كثير:إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:المعارف،بيروت.

ابن منظور:محمّد(711)

لسان العرب،ط:دار صادر،بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمّان،ط:المعارف،الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه(761)

مغني اللّبيب،ط:المدنيّ،القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو رزق:...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ،القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة،بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(224)

غريب الحديث،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر،مصر.

أبو عمرو الشّيبانيّ:إسحاق(206)

الجيم،ط:المطابع الأميريّة،القاهرة.

أبو الفتوح:حسين(554)

ص: 764

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة،بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي،قم.

أحمد بدويّ(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:الدّار المصريّة.

الإسكافيّ:محمّد(420)

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق،بيروت.

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و إنسان در قرآن،ط:انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:مؤسّسة البعثة،بيروت.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ:بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة،بيروت.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:دار إحياء التّراث العربيّ بيروت.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ:محمّد(1031)

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم،بيروت.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ:محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:أمير كبير، طهران.

التّفتازانيّ:مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ،قم.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الثّعلبيّ:أحمد(427)

الكشف و البيان،ط:دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت.

الجاحظ:عمرو(255)

الحيوان،ط:دار إحياء التّراث العربيّ بيروت.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو،طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ إسلامى،طهران.

ص: 765

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ:اسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم،بيروت.

الحائريّ:سيّد علي(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة،طهران.

الحجازيّ:محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب،مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ،جدّة.

الحريريّ:قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب،مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر،بيروت.

الحيريّ:إسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة،مشهد.

الخازن:عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة،مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر،دمشق.

الخليل:بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة،بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الدّميريّ:محمّد(808)

حياة الحيوان،ط:منشورات الرّضي،قم.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب،بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة،بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:إبراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-فعلت و أفعلت،ط:التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

ص: 766

البرهان،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

الزّركليّ:خير الدّين(1396)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود ذ(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة،بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة،بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر،بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب،بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:إسرائيل.

السّمين:أحمد.(756)

الدّرّ المصون،ط:دار الكتب العلمية،بيروت.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

سيبويه:عمرو(180)

الكتاب،ط:عالم الكتب،بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت.

3-تفسير الجلالين،ط:مصطفى البالي،مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

شبّر:عبد اللّه.(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين،الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة،بيروت.

الشّريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي،قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة،طهران.

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي.(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ إسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الشّوكانيّ:محمّد(1250)

فتح القدير،دار المعرفة،بيروت.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب،القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

صدر المتألّهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

ص: 767

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ،قم.

طه الدّرّة:محمّد علي

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة،دمشق.

الطّالقانيّ:محمود.(1400)

پرتوى از قرآن،ط:شركت سهامى انتشار.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة،طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

2-اخبار الأمم و الملوك،ط:الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

طنطاوي:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة،بيروت.

2-متشابهات القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم،بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر،بيروت.

عبد اللّطيف البغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد،القاهرة.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر)

التّفسير الفريد،ط:بإذن مجمع البحوث الإسلاميّ الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

1-معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان،بيروت.

2-معجم الأخطاء الشّائعة،ط:مكتبة لبنان، بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ.(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي أصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:أدبيّات،شيراز.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

ص: 768

كنز العرفان،ط:المرتضويّة،طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن،القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم(نحو 300)

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثّقافة و الإرشاد الإسلاميّ،طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو،طهران.

فريد وجديّ:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

فضل اللّه:محمّد حسين(1431)

من وحي القرآن،ط:دار الملاك،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث بيروت

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتب،قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة،القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب،بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف،بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان،طهران.

محمّد إسماعيل إبراهيم(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمود شيت خطّاب(معاصر)

المصطلحات العسكريّة،ط:دار الفتح،بيروت.

ص: 769

محمود صافي(1405)

الجدول في إعراب القرآن و صرفه و بيانه:ط:دار الرّشيد.

المدنيّ:عليّ(1120)

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المدينيّ:محمّد(581)

المجموع المغيث،ط:دار المدنيّ،جدّه.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان،طهران.

المشهديّ:محمّد(1125)

كنز الدّقائق،مؤسّسة النّشر الإسلاميّ،قم.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة،طهران.

معرفة:محمّد هادى(1427)

التّفسير و المفسّرون،ط:الجامعة الرّضويّة،مشهد.

مغنيّة:محمّد جواد(1400)

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين،بيروت.

مقاتل:ابن سليمان(150)

1-تفسير مقاتل،ط:دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت.

2-الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

مكارم الشّيرازيّ:ناصر(معاصر)

الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل،ط:بيروت.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير،طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن،ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب،بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى،علمى[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحرّيّة،بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس ط:مطبعة الإمريكيّ بيروت الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

الهمذانيّ:عبد الرّحمن(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب،بيروت.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:جهان،طهران.

ص: 770

الواحديّ:عليّ.(468)

الوسيط،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 771

ص: 772

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التّيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ.(456)

ابن حلّزة:...(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:...(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:...(؟)

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ص: 773

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ.(696)

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللّطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن النّحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:...(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:...(201)

أبو الجزال الأعرابيّ.(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:النعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:...(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

أبو سليمان الدّمشقيّ:عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

ص: 774

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

أبو الطّيّب اللّغويّ.(؟)

أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:...(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:محمّد.(322)

أبو منذر السّلاّم:...(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدنيّ:...(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن القاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.ذ(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج ادوارد.(1327)

ص: 775

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

حمزة القارئ.(156)

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوريّ:أحمد.(282)

الرّبيع بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

ص: 776

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

سهل التّستريّ.(283)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر:بن حمدويه.(255)

الشّمنّيّ:أحمد(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القرافيّ.(684

شهر بن حوشب.(100)

شيبان بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

شيذلة:عزيزيّ.(494)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك:بن مزاحم.(105)

طاوس:بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

طلحة بن مصرّف.(112)

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجّار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة بن عروة.(؟)

العطاء:بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة بن عبد اللّه.(105)

العلاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

ص: 777

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد(144)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:...(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ(؟)

الفضل الرّقاشيّ.(200)

قتادة بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

القلانسي:محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

الكيا الطّبريّ.(؟)

اللّؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث بن المظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك بن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد:جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

محبوب:...(؟)

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن الحكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّري:محمّد.(979)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول:بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

ص: 778

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:بن بشّار.(1340)

نفطويه:إبراهيم.(323)

النّقّاش:محمّد.(351)

النّوويّ:يحيى.(676)

هارون بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب بن اسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 779

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.