المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 19

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ‫، 1419ق . ‫ = -1377.

مشخصات ظاهری : ‫ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : ‫دوره ‫ 964-444-179-6 : ؛ ‫دوره ‫ 978-964-444-179-0: ؛ ‫1430000 ریال (دوره، چاپ دوم)‮ ؛ ‫25000 ریال ‫: ج. 1 ‫ 964-444-180-X : ؛ ‫30000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-444-256-3 : ؛ ‫32000 ریال ‫: ج. 3 ‫ 964-444-371-3 : ؛ ‫67000 ریال (ج. 10) ؛ ‫ج.12 ‫ 978-964-971-136-2 : ؛ ‫ج.19 ‫ 978-600-06-0028-0 : ؛ ‫ج.21 ‫ 978-964-971-484-4 : ؛ ‫ج.28 ‫978-964-971-991-7 : ؛ ‫ج.30 ‫ 978-600-06-0059-4 : ؛ ‫1280000 ریال ‫: ج.36 ‫ 978-600-06-0267-3 : ؛ ‫950000 ریال ‫: ج.37 ‫ 978-600-06-0309-0 : ؛ ‫1050000 ریال ‫: ج.39 ‫ 978-600-06-0444-8 : ؛ ‫1000000 ریال ‫: ج.40 ‫ 978-600-06-0479-0 : ؛ ‫ج.41 ‫ 978-600-06-0496-7 : ؛ ‫ج.43 ‫ 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).

يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، ‫1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، ‫1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ BP66/4 ‫ ‮ /م57 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الموسوعة القرآنيّة الكبرى

المعجم فى فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته

المجلّد التاسع عشر

تأليف و تحقيق

قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلاميّة

بإشراف مدير القسم الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانىّ

ص: 2

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 3

كتاب نخبة:

مؤتمر تكريم خدمة القرآن الكريم في ميدان الأدب المصنّف.1421 ق

الكتاب النّخبة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.1422 ق

مؤتمر الكتاب المنتخب الثّالث للحوزة العلميّة في قم.1422 ق

الدّورة الثّانية لانتخاب و عرض الكتب و المقالات الممتازة في حقل القرآن.1426 ق

الملتقى الثّاني للكتاب النّخبة الّذي يعقد كلّ سنتين في محافظة خراسان الرّضويّة.1426 ق

ص: 4

المحتويات

تصدير 7

د خ ل 9

د خ ن 81

درا 103

د ر ج 133

د ر ر 231

د ر س 263

د ر ك 307

د ر ه م 383

د ر ي 393

د س ر 421

د س س 429

د س و 439

د ع ع 451

د ع و 465

د ف أ 701

د ف ع 717

د ف ق 781

د ك ك 795

د ل ك 825

د ل ل 845

د ل و 867

الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 899

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 906

ص: 5

ص: 6

تصدير

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه ربّ العالمين،و الصّلاة و السّلام على خير خلقه و أفضل بريّته سيّدنا و نبيّنا محمّد المصطفى خاتم النّبيّين،و على آله الطّاهرين،و صحبه المنتجبين،و من والاهم بإحسان إلى يوم الدّين.

و بعد،فحقيق علينا الشّكر الجميل للّه عزّ اسمه و عمّت رحمته،أن وفّقنا توفيقا كبيرا لإكمال المجلّد التّاسع عشر من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى:«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»، و تقديمه إلى روّاد العلوم القرآنيّة،المشتاقين إلى معرفة فقه لغته،و أسرار بلاغته و رموز إعجازه، و طرائف تفسيره،و فنون معارفه،و الّذين يتابعون بشوق بالغ هذا الكتاب مجلّدا بعد مجلّد من طلاّب العلم في بلدنا هذه أو في البلاد الأخرى،و يخبروننا كتابة و مشافهة برغبتهم هذه مشكورين.

و قد احتوى هذا المجلّد 21 مفردة من مفردات الكتاب الكريم،كلّها من حرف الدّال ابتداء من«د خ ل»و اختتاما ب«د ل و».و أطولها مادّة«د ع و»-و هي الجامعة لدعوة اللّه و دعوة أنبيائه، و لدعاء العباد إيّاه-.فقد استوعبت 235 صفحة ثمّ مادّة«د ر ك»في 75 صفحة،و أقلّها«د ر ه م»، و بقيت موادّ أخرى منه تأتي في المجلّد العشرين إن شاء اللّه تعالى.

و في الختام نسأل اللّه تعالى دوام التّوفيق متوكّلين عليه أوّلا و آخرا،و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة في الآستانة الرّضويّة المقدّسة 26 شوّال،عام 1431 ه ق

ص: 7

ص: 8

تتمة حرف الدال

د خ ل

اشارة

52 لفظا،126 مرّة:56 مكّيّة،70 مدنيّة

في 45 سورة:26 مكّيّة،19 مدنيّة

دخل 5:4-1\ليدخلوا 1:1\دخلا 2:2\لأدخلنّكم 1:1

دخله 1:-1\يدخلوها 2:1-1\أدخلناه 1:1\ندخلهم 3:-3

دخلوا 10\9-1\لتدخلنّ 1:-1\أدخلناهم 2:1-1\لندخلنّهم 1:-1

دخلوه 1:1\تدخلوا 6:1-5\أدخل 2:1-1\ندخلكم 1:-1

دخلت 1:1\ندخلها 2:-2\يدخل 7:1-6\أدخل 1:1

دخلتم 3:-3\ادخل 1:1\يدخله 5:-5\أدخلهم 1:1

دخلتموه 1:-1\ادخلا 1:-1\يدخلهم 5:1-4\أدخلوا 1:1

دخلت 1:-1\ادخلوا 18:11-7\يدخلنّهم 1:-1\أدخلني 2:1-1

يدخل 2:-2\ادخلوها 3:3\يدخلكم 2:-2\أدخلنا 1:1

يدخلنّها 1:-1\ادخلى 3:3\يدخلنا 1:-1\مدخل 1:-1

يدخلون 7:3-4\داخلون 1:-1\تدخل 1-1\مدخلا 2:-2

يدخلونها 3:2-1\الدّاخلين 1:-1\لأدخلنّهم 1:-1\مدّخلا 1:-1

ص: 9

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الدّخل:عيب في الحسب،و الدّخل، مثقّل:شبيه بهذا.يقال:في هذا الأمر دخل و دغل.

و الدّخل:ما دخل ضيعة الإنسان من المنالة.

و دخل فلان فهو مدخول و دخل حسبه أو عقله.

و امرأة مدخولة،و رجل مدخول،أي مهزول، و فيه دخل من الهزال.

و الدّخلة:بطانة من الأمر.يقال:إنّه لعفيف الدّخلة،و إنّه لخبيث الدّخلة،أي باطن أمره.

و يقال:إنّه لعالم دخلة أمرهم و بدخل أمرهم.

و الدّخلة في اللّون:تخليط من ألوان في لون.

و ادّخل في غار و تدخّل فيه:يصف شدّة دخوله.

و دخيلك:الّذي تدخله في أمورك.و دخلل أيضا و دخول:موضع.

و المتدخّل في الأمور:المتكلّف فيها،ليس بعالم.

و سقيت الإبل دخالا،إذا حملتها على الحوض ثانية،لتستوفي بعد ما سقيتها قطيعا قطيعا.

و الدّخال في وجه آخر:أن تحملها على الحوض مرّة واحدة عراكا.

و الدّخال:مداخلة المفاصل بعضها في بعض.

و الدّوخلة:سفيفة من خوص صغيرة،يجعل فيها الرّطب.

و الدّخّل:صغار الطّير،أمثال العصافير،مأواها في الصّيف:الغيران و بطون الأدوية،تحت شجر ملتفّ و الجميع:الدّخاخيل،و الواحدة:دخّلة للأنثى.

و إذا اؤتكل الطّعام سمّي مدخولا و مسروفا.

و دخل الطّعام و اماسّ فهو طعام مسيس.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](4:230)

اللّيث:و الدّخول نقيض الخروج.

(الأزهريّ 7:275)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المداخيل:الّتي تكون آخر الأرض يبسا.

قال السّرويّ: الدّخلة الّتي يعسّل منها النّحل الوحشيّ،و قال:دخلة عرّام.(1:246)

و المداخلة:المدافعة.تقول:داخلت عنك،أي دافعت.(1:262)

أبو عبيدة :بينهم دخلل و دخلل،أي إخاء و مودّة:

و الدّخللون:الحشوة الّذين يدخلون في قوم ليسوا منهم.

و الدّخللون:الأخلاّء و الأصفياء.

(الأزهريّ 7:276)

الأصمعيّ: إذا وردت الإبل أرسالا فشرب منها رسل،ثمّ ورد رسل آخر الحوض فأدخل بعير قد شرب بين بعيرين لم يشربا،فذلك الدّخال.و إنّما يفعل ذلك في قلّة الماء.(الأزهريّ 7:274)

الدّخّل من الكلإ:ما دخل في أغصان الشّجر و منعه التفافه عن أن يرعى،و هو العوّذ.

و دخّل اللّحم:ما عاذ بالعظم،و هو أطيب اللّحم.

(الأزهريّ 7:276)

اللّحيانيّ: عرفت داخلته،و دخلته،و دخلته، و دخلته و دخيله،و دخيلته،أي باطنه الدّاخل.

ص: 10

بينهما دخلل،و دخلل،أي خاصّ يداخلهم.

(ابن سيده 5:140)

أبو عبيد: و في حديث العائن:«أنّه يغسل داخلة إزاره».داخلة إزاره:طرفه الّذي يلي جسد المؤتزر.

(الأزهريّ 7:275)

ابن الأعرابيّ: و الظّبي الدّخيليّ و الأهيليّ و الرّبيب واحد.(الأزهريّ 7:273)

الدّاخل و الدّخّال و الدّخلل:كلّه دخّال الأذن، و هو الهرنصان.(الأزهريّ 7:276)

ابن السّكّيت: يقال:فلان دخلل فلان، و دخلله،إذا كان بطانته و صاحب سرّه.

(الأزهريّ 7:273)

و الدّوخلة:هذا المنسوج من الخوص يجعل فيه الرّطب،يشدّد و يخفّف.(الجوهريّ 4:1697)

شمر:يقال:فلان حسن المدخل و المخرج،أي حسن الطّريقة،محمودها و كذلك:هو حسن المذهب.

و في حديث الحسن:«كان يقال:إنّ من النّفاق اختلاف المدخل و المخرج،و اختلاف السّرّ و العلانية».أراد ب«اختلاف المدخل و المخرج»:

سوء الطّريقة.(الأزهريّ 7:276)

الدّينوريّ: الدّخّل:من الرّيش:ما دخل بين الظّهران و البطنان،و هو أجوده،لأنّه لا تصيبه الشّمس.(ابن سيده 5:141)

ابن دريد :يقال:في أمره دخل،أي فساد.دخل أمره يدخل دخلا،إذا فسد.

و دخلت الدّار و غيرها أدخل دخولا، و أدخلت غيري إدخالا.

و أورد إبله دخالا،إذا علّها ثمّ أدخل بين كلّ بعيرين بعيرا ضعيفا بعد ما تتغمّر،أي تشرب دون ريّها.

و فلان دخيل في بني فلان،إذا كان من غيرهم.

و أطلعت فلانا على دخلل أمري و دخلل أمري، و دخلة أمري،إذا بثثته مكتومك.

و الدّخّل:طائر صغير.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمع دخّل:دخاخيل.

و فلان حسن المدخل أو قبيح المدخل،أي المذهب في أموره.

و كلّ لحمة مجتمعة على عصب فهي دخّلة.

(2:202)

الأزهريّ: ناقة مداخلة الخلق،إذا تلاحكت و اكتنزت،و اشتدّ أسرها.

[ثمّ نقل قول اللّيث (1)و قول الأصمعيّ و قال:]

و الصّحيح في تفسير«الدّخال»ما قاله الأصمعيّ،و الّذي قاله اللّيث ليس بصحيح.

و في حديث:«إذا أراد أحدكم أن يضطجع على فراشه فلينزع داخلة إزاره و لينفض بها فراشه،فإنّه لا يدري ما خلفه عليه».

أراد بها طرف إزاره الّذي يلي جسده.

و أمّا داخلة الأرض:فخمرها و غامضها.يقال:ما في أرضهم داخلة من خمر؛و جمعها:الدّواخل.[ثمّ نقلل.

ص: 11


1- قد نقلناه عن الخليل.

قول أبي عبيدة و قال:]

و هذا الحرف من الأضداد.

و قيل للعصفور الصّغير:دخّل لأنّه يعوذ بكلّ ثقب ضيّق من الجوارح.

و الدّوخلة هي الوشيجة الّتي تسوّى من الخوص للتّمر،و تجمع:دواخل و دواخيل.(7:274)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الدّخول:بئر نميرة الماء معروفة.

و الدّخيل:فرس يدخل بين فرسين في الرّهان.

و الدّخّل:صغار الطّير؛و الجميع:الدّخاخيل، و اللّحم المجتمع،و ما دخل في أغصان الشّجر و ارتفع منه،و نبت إذا يبس احمرّ.

و هو عالم بدخلة أمرهم و بدخله.

و الدّخلل:ما دخل من اللّحم بين اللّحم.

و لعبة للعرب تسمّى:الدّخيليّا.(4:301)

الخطّابيّ: في حديث أبي هريرة أنّه قال:«إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين كان دين اللّه دخلا،و مال اللّه نحلا،و عباد اللّه خولا».

الدّخل:الغشّ و الفساد،و أصله:أن يدخل في الأمر ما ليس منه،و مثله الدّغل.يقال:أدخل الرّجل في أمره و أدغل بمعنى واحد،يريد أنّهم يدخلون في الدّين أمورا و يحدثون أحكاما،لم تجر بها السّنّة.

(2:436)

الجوهريّ: دخل دخولا،يقال:دخلت البيت.

و الصّحيح فيه أن تريد دخلت إلى البيت،و حذفت حرف الجرّ فانتصب انتصاب المفعول به.لأنّ الأمكنة على ضربين:مبهم،و محدود.

فالمبهم نحو جهات الجسم السّتّ:خلف و قدّام، و يمين و شمال،و فوق و تحت،و ما جرى مجرى ذلك من أسماء هذه الجهات،نحو:أمام و وراء،و أعلى و أسفل،و عند و لدن،و وسط بمعنى بين،و قبالة.فهذا و ما أشبهه من الأمكنة يكون ظرفا،لأنّه غير محدود.

أ لا ترى أنّ خلفك قد يكون قدّاما لغيرك.

فأمّا المحدود الّذي له خلقة و شخص و أقطار تحوزه،نحو الجبل و الوادي و السّوق و الدّار و المسجد،فلا يكون ظرفا،لأنّك لا تقول:قعدت الدّار، و لا صلّيت المسجد،و لا نمت الجبل،و لا قمت الوادي.و ما جاء من ذلك فإنّما هو بحذف حرف الجرّ، نحو دخلت البيت،و نزلت الوادي،و صعدت الجبل.

و ادّخل على«افتعل»مثل دخل.و قد جاء في الشّعر اندخل،و ليس بالفصيح.

و يقال:دخّل الشّيء،أي دخل قليلا قليلا.

و قد تداخلني منه شيء.

و الدّخل:خلاف الخرج.و الدّخل:العيب و الرّيبة،و كذلك الدّخل بالتّحريك.

يقال:هذا الأمر فيه دخل و دغل،بمعنى.و قوله تعالى: وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ النّحل:

94،أي مكرا و خديعة.و هم دخل في بني فلان،إذا انتسبوا معهم و ليسوا منهم.

و المدخل بالفتح:الدّخول،و موضع الدّخول أيضا.تقول:دخلت مدخلا حسنا،و دخلت مدخل صدق.

ص: 12

و المدخل بضمّ الميم:الإدخال،و المفعول من أدخله.تقول:أدخلته مدخل صدق.

و داخلة الإزار:أحد طرفيه الّذي يلي الجسد.

و داخلة الرّجل أيضا:باطن أمره،و كذلك الدّخلة بالضّمّ.يقال:هو عالم بدخلته.

و دخيل الرّجل و دخلله:الّذي يداخله في أموره و يختصّ به.

و الدّخّل:طائر صغير؛و الجمع:الدّخاخيل.

و الدّخّل من الكلإ:ما دخل منه في أصول الشّجر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الدّخال في الورد:أن يشرب البعير،ثمّ يردّ من العطن إلى الحوض و يدخل بين بعيرين عطشانين، ليشرب منه ما عساه لم يكن شرب منه.

و دخل فلان فهو مدخول،أي في عقله دخل.

و نخلة مدخولة،أي عفنة الجوف.

و المدخول:المهزول.(4:1696)

ابن فارس: الدّال و الخاء و اللاّم أصل مطّرد منقاس،و هو الولوج.يقال:دخل يدخل دخولا.

و الدّخلة:باطن أمر الرّجل.تقول:أنا عالم بدخلته.

و الدّخل:العيب في الحسب،و كأنّه قد دخل عليه شيء عابه.

و الدّخل كالدّغل،و هو من الباب،لأنّ الدّغل هذا قياسه أيضا.

و يقال:إنّ المدخول:المهزول.و هو الصّحيح،لأنّ لحمه كأنّه قد دخل.

و دخيلك:الّذي يداخلك في أمورك.

و الدّخال في الورد:أن تشرب الإبل ثمّ تردّ إلى الحوض ليشرب منها ما عساه لم يكن شرب.

و يقال:إنّ كلّ لحمة مجتمعة دخّلة؛و بذلك سمّي هذا الطّائر دخّلا.

و يقال:دخل فلان،و هو مدخول،إذا كان في عقله دخل.

و بنو فلان في بني فلان دخيل،إذا انتسبوا معهم.

و نخلة مدخولة:عفنة الجوف.

و الدّخلل:الّذي يداخلك في أمورك.

و الدّخّل:من ريش الطّائر:ما بين الظّهران و البطنان،و هو أجود الرّيش.

و داخلة الإزار:طرفه الّذي يلي الجسد.

و الدّخّل من الكلإ:ما دخل منه في أصول الشّجر.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:335)

الهرويّ: في حديث العائن«أنّه يغسل داخل إزاره».

و في حديث آخر:«فلينزع داخلة إزاره»[قيل]:

يغسل العائن موضع داخلة إزاره من جسده لا الإزار

و دواخل الأرض:خمرها و غامضها.و قال أبو بكر الأنباريّ: قال بعضهم:داخلة الإزار:مذاكره،كنّي عنها،كما يكنّى عن الفرج بالسّراويل،فيقال:فلان نظيف السّراويل.و قال بعضهم:داخلة إزاره:الورك.

و في حديث عمر:«من دخلة الرّحم صحّة الدّخل»يريد الخاصّة و القرابة.و الدّخل أيضا:

البطانة.و قال ابن الأعرابيّ: إنّي لأعرف دخّال أمرك

ص: 13

و دخيل أمرك.(2:625)

أبو سهل الهرويّ: أدخلته الدّار و دخلت به الدّار،بمعنى واحد،إذا جعلته داخل الدّار،و هو ضدّ خارجها.(27)

و هو قليل الدّخل بفتح الدّال و الخاء،أي الفساد و الرّيبة و الخيانة و العيب و أشباهها.و قيل:ما يدخل بلّة من غلّة.(45)

ابن سيده: الدّخول:نقيض الخروج،دخل يدخل دخولا،و تدخّل،و ادّخل،و دخل به.

و داخلة الإزار:طرفه الدّاخل الّذي يلي جسده، و يلي الجانب الأيمن من الرّجل إذا ائتزر.و في حديث الزّهريّ في العائن:«و يغسل داخلة إزاره.».

و داخل كلّ شيء:باطنه الدّاخل.قال سيبويه:

و هو من الظّروف الّتي لا تستعمل إلاّ بالحرف،يعني أنّه لا يكون إلاّ اسما لأنّه مختصّ،كاليد و الرّجل.

و دخلة الرّجل،و دخيلته،و دخيله،و دخلله و دخلله،و دخيلاؤه:نيّته و مذهبه و خلده و بطانته، لأنّ ذلك كلّه يداخله.

و قد يضاف كلّ ذلك إلى«الأمر»،كقولك:دخلة أمره،و دخلة أمره،و معنى كلّ ذلك:عرفت جميع أمره.

و الدّخيل،و الدّخلل،و الدّخلل:كلّه المداخل المباطن.

و قال اللّحيانيّ: بينهما دخلل و دخلل،أي خاصّ يداخلهم،و لا أعرف هذا.

و داخل الحبّ.و دخلله،بفتح اللاّم:صفاء داخله.

و دخلة أمره،و دخيلته،و داخلته:بطانته الدّاخلة.

و الدّخل:ما داخل الإنسان من فساد في عقل أو جسم.و قد دخل دخلا،و دخل دخلا.

و داء دخيل:داخل،و كذلك حبّ دخيل.

و دخل أمره دخلا:فسد داخله.

و الدّخل،و الدّخل:العيب الدّاخل في الحسب.

و فلان دخيل في بني فلان،إذا كان من غيرهم فتدخّل فيهم،و الأنثى:دخيل.

و كلمة دخيل:أدخلت في كلام العرب و ليست منه.استعملها ابن دريد كثيرا في«الجمهرة».

و الدّخيل:الحرف الّذي بين حرف الرّويّ و ألف التّأسيس،كالصّاد من قوله:

*كليني لهمّ يا أميمة ناصب*

سمّي بذلك لأنّه كأنّه دخيل في القافية،أ لا تراه يجيء مختلفا بعد الحرف الّذي لا يجوز اختلافه،أعني ألف التّأسيس.

و المدخل:الدّعيّ،لأنّه أدخل في القوم.

و هم في بني فلان دخل،إذا انتسبوا معهم في نسبهم و ليس أصله منهم.و أرى«الدّخل»هاهنا اسما للجمع،كالرّوح،و الخول.

و الدّخيل:الضّيف،لدخوله على المضيف.

و الدّخل:ما دخل على الإنسان من ضيعته.

و رجل متداخل،و دخّل،كلاهما:غليظ دخل بعضه في بعض.

و الدّخّل من اللّحم:ما دخل العصب من الخصائل.

ص: 14

و الدّخّل:ما دخل من الكلإ في أصول أغصان الشّجر.

و الدّخّل:طائر صغير أغبر،يسقط على رءوس الشّجر و النّخل،فيدخل بينها،واحدته:دخّلة؛ و الجمع:الدّخاخيل،تثبت فيه الياء على غير القياس.

و الدّخّل،و الدّخلل و الدّخلل:طائر متدخّل أصغر من العصفور،يكون بالحجاز،الأخيرة عن كراع.

و الدّخال:في الورد:أن تدخل بعيرا قد شرب بين بعيرين لم يشربا،و قيل:هو أن تحملها على الحوض بمرّة عراكا.

و تداخل المفاصل،و دخالها:دخول بعضها في بعض.

و الدّخلة:تخليط ألوان في ألوان.

و الدّخال و الدّخال:ذوائب الفرس لتداخلها.

و الدّوخلّة:سفيفة خوص يوضع فيها التّمر،و هي الدّوخلة،بالتّخفيف،عن كراع.

و الدّخول:موضع.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات]

(5:139)

الرّاغب: الدّخول:نقيض الخروج،و يستعمل ذلك في المكان،و الزّمان،و الأعمال.يقال:دخل مكان كذا.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ الإسراء:80، ف«مدخل»من دخل يدخل،و«مدخل»من أدخل، لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ الحجّ:59،...

و ادّخل:اجتهد في دخوله.قال تعالى: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً التّوبة:57.

و الدّخل:كناية عن الفساد و العداوة المستبطنة كالدّغل،و عن الدّعوة في النّسب.يقال:دخل دخلا، قال تعالى: تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ النّحل:

92.

فيقال:دخل فلان فهو مدخول،كناية عن بله في عقله،و فساد في أصله،و منه قيل:شجرة مدخولة.

و الدّخال في الإبل:أن يدخل إبل في أثناء ما لم تشرب لتشرب معها ثانيا.

و الدّخل طائر،سمّي بذلك لدخوله فيما بين الأشجار الملتفّة.

و الدّوخلّة:معروفة.و دخل بامرأته:كناية عن الإفضاء إليها،قال تعالى: مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ النّساء:23.(166)

الزّمخشريّ: هو دخيل فلان،و هو الّذي يداخله في أموره كلّها.

و هو دخيل في بني فلان،إذا انتسب معهم و ليس منهم.و هم دخلاء فيهم.

و مفاصله مداخلة.

و حلق الدّرع مداخل،و هو المدمج المحكم، و دوخل بعضه في بعض.

و سقى إبله دخالا،و هو أن يدخل بعيرا قد شرب بين بعيرين ناهلين.

و اغسل داخلة إزارك،و هو ما يلي جسده.

و إنّه لخبيث الدّخلة و عفيف الدّخلة،و هي

ص: 15

باطن أمره.

و أنا عالم بدخلة أمرك.

و فيه دخل و دخل:عيب.

و شيء مدخول،و طعام مدخول و مسروف.

و نخلة مدخولة:عفنة الجوف.

و قد دخلت سلعتك:عيبت.

(أساس البلاغة:127)

[في حديث كيفيّة الغسل]«...ثمّ يغسل داخلة إزاره و لا يوضع القدح بالأرض،ثمّ يصبّ ذلك الماء المستعمل على رأس الرّجل الّذي أصيب بالعين من خلفه صبّة واحدة...».

أراد بداخلة الإزار:طرفه الدّاخل الّذي يلي جسده،و هو يلي الجانب الأيمن من الرّجل،لأنّ المؤتزر إنّما يبدأ إذا ائتزر بجانبه الأيمن،فذلك الطّرف يباشر جسده.(الفائق 3:294)

المدينيّ: في الحديث:«إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره».

قيل:لم يأمره بداخلة الإزار دون خارجته؟لأنّ ذلك أبلغ،أو لأنّ لها فعلا ليس لغيرها.

و إنّما ذلك على جهة الخبر عن فعل الفاعل،لأنّ المتّزر إذا اتّزر يأخذ إزاره بيمينه و شماله فيلزق ما بشماله على جسده فهو داخلة إزاره،و يردّ ما بيمينه على داخلة إزاره،فمتى ما عاجله أمر فخشي سقوط إزاره أمسكه بمرفقه الأيسر،و دفع بيمينه عن نفسه.

فإذا صار إلى فراشه فحلّ إزاره،فإنّما يحلّ بيمينه خارجة الإزار،و تبقى الدّاخلة معلّقة و بها يقع النّفض، لأنّها غير مشغولة اليد.(1:646)

ابن الأثير: في حديث قتادة بن النّعمان:

«كنت أرى إسلامه مدخولا».الدّخل بالتّحريك:

العيب و الغشّ و الفساد.يعني أنّ إيمانه كان متزلزلا، فيه نفاق.

و منه حديث أبي هريرة:«إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين كان دين اللّه دخلا،و عباد اللّه خولا»و حقيقته أن يدخلوا في الدّين أمورا لم تجر بها السّنّة.

و فيه:«دخلت العمرة في الحجّ»معناه:أنّها سقط فرضها بوجوب الحجّ و دخلت فيه،و هذا تأويل من لم يرها واجبة.فأمّا من أوجبها فقال:معناه:أنّ عمل العمرة قد دخل في عمل الحجّ،فلا يرى على القارن أكثر من إحرام واحد و طواف و سعي.

و قيل:معناه:أنّها قد دخلت في وقت الحجّ و شهوره،لأنّهم كانوا لا يعتمرون في أشهر الحجّ، فأبطل الإسلام ذلك و أجازه.

و في حديث معاذ و ذكر الحور العين:«لا تؤذيه فإنّه دخيل عندك».الدّخيل:الضّيف و النّزيل.

و منه حديث عديّ: «و كان لنا جارا أو دخيلا» [و فيه أحاديث أخرى](2:107)

الفيّوميّ: داخل الشّيء:خلاف خارجه، و دخلت الدّار و نحوها دخولا صرت داخلها فهي حاوية لك،و هو مدخل البيت بفتح الميم لموضع الدّخول إليه.و يعدّى بالهمزة،فيقال:أدخلت زيدا الدّار مدخلا،بضمّ الميم.

و دخل في الأمر دخولا:أخذ فيه.

ص: 16

و دخلت على زيد الدّار،إذا دخلتها بعده و هو فيها.

و دخل بامرأته دخولا،و المرأة مدخول بها.

و قول الشّافعيّ: لا أنظر إلى من له الدّواخل و الخوارج،تقدّم في«خرج.».

و الدّخل بالسّكون:ما يدخل على الإنسان من عقاره و تجارته.

و دخله أكثر من خرجه،و هو مصدر في الأصل من باب«قتل»و.دخل عليه-بالبناء للمفعول-إذا سبق وهمه إلى شيء فغلط فيه من حيث لا يشعر.

و فلان دخيل بين القوم،أي ليس من نسبهم بل هو نزيل بينهم.و منه قيل:هذا الفرع دخيل في الباب، و معناه:أنّه ذكر استطرادا و مناسبة،و لا يشتمل عليه عقد الباب.(1:190)

الفيروزآباديّ: دخل دخولا و مدخلا، و تدخّل و اندخل و ادّخل،كافتعل:نقيض خرج.

و دخلت به،و أدخلته إدخالا و مدخلا.

و داخلة الإزار:طرفه الّذي يلي الجسد،و يلي الجانب الأيمن.

و داخلة الأرض:خمرها و غامضها،جمعه:

دواخل.

و دخلة الرّجل،مثلّثة،و دخيلته،و دخيله، و دخلله بضمّ اللاّم و فتحها،و دخيلاؤه و داخلته، و دخّله كسكّر،و دخاله ككتاب،و دخّيلاه كسمّيهى، و دخله بالكسر و الفتح:نيّته و مذهبه،و جميع أمره، و خلده،و بطانته.

و الدّخيل و الدّخلل،كقنفذ و درهم:المداخل و المباطن.

و داخل الحبّ،و دخلله،كجندب و قنفذ:صفاء داخله.

و الدّخل،محرّكة:ما داخلك من فساد في عقل أو جسم،و قد دخل،كفرح و عني،دخلا،و دخلا، و الغدر،و المكر،و الدّاء،و الخديعة،و العيب في الحسب،و الشّجر الملتفّ،و القوم الّذين ينتسبون إلى من ليسوا منهم،و داء.

و حبّ دخيل:داخل.

و دخل أمره،كفرح:فسد داخله.

و هو دخيل فيهم،أي من غيرهم و يدخل فيهم.

و الدّخيل:كلّ كلمة أدخلت في كلام العرب و ليست منه،و الحرف الّذي بين حرف الرّوي و ألف التّأسيس،و الفرس الّذي يخصّ بالعلف، و فرس الكلج الضّبّيّ.

و كمكرم:اللّئيم الدّعيّ.

و هم في بني فلان دخل،محرّكة:ينتسبون معهم و ليسوا منهم.

و الدّخل:الدّاء و العيب و الرّيبة،و يحرّك،و ما دخل عليك من ضيعتك.

و كسكّر:الغليظ الجسم المتداخلة،و ما دخل العصب من الخصائل،و ما دخل من الكلإ في أصول الشّجر،و ما دخل بين الظّهران و البطنان من الرّيش، و طائر أغبر كالدّخلل،كجندب و قنفذ؛جمعه:

دخاخيل،و موضع قرب المدينة بين ظلم و ملحتين.

ص: 17

و ككتاب:أن تدخل بعيرا قد شرب بين بعيرين لم يشربا،ليشرب ما عساه لم يكن شرب،و ذوائب الفرس و يضمّ،و من المفاصل:دخول بعضها في بعض، كالدّخيل.

و الدّخلة،بالكسر:تخليط ألوان في لون،و هو حسن الدّخلة و المدخل،أي المذهب في أموره.

و الدّوخلّة،و تخفّف:سفيفة من خوص يوضع فيها التّمر.

و كقبول:موضع.

و الدّخيليّ كأميريّ: الظّبي الرّبيب.

و كحمزة:قرية كثيرة التّمر،و معسلة النّحل.

و هضب مداخل:مشرف على الرّيّان.

و الدّخلل،كزبرج:ما دخل من اللّحم بين اللّحم.

و الدّخيلياء:لعبة لهم.

و المتدخّل في الأمور:من يتكلّف الدّخول فيها.

و كقبّرة:كلّ لحمة مجتمعة.

و نخلة مدخولة:عفنة.

و المدخول:المهزول،و من في عقله دخل،و قد دخل كعني.(3:386)

الطّريحيّ: ...و في حديث تغسيل الرّجل امرأته:

«إذا يدخل ذلك عليهم».قرئ بالبناء للمجهول،أي يعاب عليهم،من«الدّخل»بالتّحريك:العيب.و الضّمير في«عليهم»يعود إلى أقارب المرأة الّذين يغسّلونها.و قد تقرأ بالبناء للفاعل،أي يحصل لهم منه ريب و فساد.

و دخل عليه بالبناء للمفعول،إذا سبق وهمه إلى شيء فغلط من حيث لا يشعرون.

و في الخبر:«كنت أرى إسلامه مدخولا»يعني متزلزلا.(5:370)

العدنانيّ: دخل البيت،و إليه،و فيه.

و يخطّئون من يقول:دخل في البيت،و يقولون:إنّ الصّواب هو:دخل البيت،اعتمادا على ما جاء في الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و العباب، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و التّاج،و المدّ، و أقرب الموارد.

و لكن

يجيز القرآن الكريم:دخل البيت و دخل في البيت كليهما.فقد قال تعالى في الآية:28،من سورة نوح:

رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً.

و جاء في الآية:14،من سورة الحجرات:

وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ

و يؤيّد استعمال:دخل البيت و دخل في البيت أيضا كلّ من معجم ألفاظ القرآن الكريم،و سيبويه، و المختار،و محيط المحيط.و يقول سيبويه:إنّ استعمال حرف الجرّ«في»بعد الفعل«دخل»شاذّ.

و جاء في النّهاية:و في الحديث:«دخلت العمرة في الحجّ»معناه:أنّها سقط فرضها بوجوب الحجّ و دخلت فيه،و هذا تأويل من لم يرها واجبة.فأمّا من أوجبها فقال:معناه أنّ عمل العمرة قد دخل في عمل الحجّ،فلا يرى على القارن أكثر من إحرام واحد و طواف و سعي.و قيل:معناه أنّها قد دخلت في وقت الحجّ و شهوره،لأنّهم كانوا لا يعتمرون في أشهر الحجّ،

ص: 18

فأبطل الإسلام ذلك و أجازه.

و هنا لك من يجيز:دخل إلى البيت،و يرى أنّه الأصل في جملة دخل البيت،فقد قال الصّحاح:

«يقال:دخلت البيت.و الصّحيح فيه أن تريد دخلت إلى البيت،و حذفت حرف الجرّ،فانتصب انتصاب المفعول به،لأنّ الأمكنة على ضربين:مبهم و محدود؛ [و ذكر نحو الجوهريّ ثمّ قال:]

و نقل ما جاء في الصّحاح كلّ من المختار، و اللّسان،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط.و أخطأ «المختار»حين وضع حرف الجرّ«في»بدلا من«إلى».

و يجوز أن نقول:دخلت على فلان البيت،فقد جاء في الآية:23،من سورة المائدة: قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ.

و قال«المصباح»:دخلت على زيد الدّار:إذا دخلتها بعده و هو فيها.و أيّد المدّ ما جاء في القرآن الكريم و المصباح.

و يجوز أن نقول أيضا:دخل على فلان في البيت:

«معجم ألفاظ القرآن الكريم،و المدّ».

و يأتي الفعل«دخل»لازما،فقد قال تعالى في الآية:38،من سورة الأعراف: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها و أيّد مجيء الفعل«دخل»لازما كلّ من اللّسان،و التّاج،و المدّ،و المتن.

كلمة دخيل:

و يقولون:هذه كلمة دخيلة.و الصّواب:هذه كلمة دخيل،كما يقول ابن دريد في الجمهرة، و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن،و الوسيط.

و الكلمة«الدّخيل»هي كلّ كلمة أدخلت في كلام العرب،و ليست منه.

و قد أهمل ذكر الكلمة«الدّخيل»كلّ من الصّحاح،و الأساس،و المختار،و المصباح.

و ممّا قاله اللّحيانيّ: دخيل المرء و دخيلته:باطنته الدّاخلة.و ممّا جاء في اللّسان:دخلة الرّجل،و دخلته، و دخيله،و دخيلته،و دخلله،و دخلله،و دخيلاؤه، و داخلته،و دخلته:نيّته،و مذهبه،و خلده،و بطانته.

و ضمّ إليها المدّ:دخاله،و دخّله،و دخاله نقلا عن اللّيث،و دخّيلاه،و دخله،و دخله.

و قال اللّسان أيضا:فلان دخيل في بني فلان:إذا كان من غيرهم،فتدخّل فيهم،و الأنثى دخيل.

و جاء في«التّاج»:هو دخيل فيهم:من غيرهم، و يدخل فيهم؛و الأنثى دخيل أيضا.

و من معاني الدّخيل:

1-الضّيف«المحكم و مستدرك التّاج».

2-الحرف الواقع في القافية بين ألف التّأسيس و حرف الرّويّ،كالميم من كامل في قول المتنبّيّ:

و إذا أتتك مذمّتي من ناقص

فهي الشّهادة لي بأنّي كامل

3-الفرس بين فرسين في الرّهان.

4-المداخل المباطن.

5-الأجنبيّ الّذي يدخل وطن غيره ليستغلّه و الجمع:دخلاء.

6-الدّاء الدّخيل:الدّاء الدّاخل في أعماق البدن.

ص: 19

أدخله المكان،أدخله في المكان:

و يخطّئون من يقول:أدخله المكان،و أدخله في المكان،و يكتفون بمفعول به واحد«أدخله:صيّره داخلا»،اعتمادا على ما جاء في الصّحاح،و المختار، و محيط المحيط،و أقرب الموارد.

و يقتصر«المصباح»على ذكر المفعولين:أدخلت زيدا الدّار،دون أن يذكر:في الدّار.

و يكتفي القاموس بقوله:أدخلت في كلام العرب،دون أن يجيز للفعل«أدخل»نصب مفعولين.

و لكن

يأتي القرآن الكريم بالفعل«أدخل»اثنتين و أربعين مرّة،في ثلاثين منها متلوّا بمفعولين،كقوله تعالى في الآية:65،من سورة المائدة: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأَدْخَلْناهُمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ و في اثنتي عشرة مرّة منها متلوّا بمفعول به واحد،يليه حرف الجرّ«في»مع مجروره،كقوله جلّ و علا في الآية:75،من سورة الأنبياء: وَ أَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصّالِحِينَ.

و أجاز لنا معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الرّاغب الأصفهانيّ،و اللّسان،و التّاج،و المدّ،و الوسيط أن نقول:

1-أدخل فلانا المكان.

2-أدخل فلانا في المكان.(216)

تدخّل المستعمرين و مداخلتهم:

و يقولون:ثار العرب لمداخلة المستعمرين في شئونهم.

و يرون أنّ الصّواب:ثاروا لتدخّل المستعمرين.

و من معاني داخلت الأشياء مداخلة و دخالا:

1-دخل بعضها في بعض.

2-داخل المكان:دخل فيه.

3-داخل فلانا:دخل معه.

4-داخله في أموره:شاركه فيها،و عارضه.

فإذا كان المقصود ب«المداخلة»في الأمور:

المشاركة فيها و معارضتها-كما يرى الغلاييني-جاز لنا أن نقول:تدخّل المستعمرين و مداخلتهم.

تدخّل في الخصومة،دخل في الأمر،تداخل في الأمر:

و يخطّئون من يقول:تدخّل في الخصومة.و قد أجاز مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة أن يقال في قانون المرافعات:تدخّل فلان في الخصومة،أي دخل في دعواها من تلقاء نفسه،للدّفاع عن مصلحة له فيها، دون أن يكون طرفا من أطرافها.

و يخطّئون أيضا من يقول:تدخّل في أمور غيره، و يقولون:إنّ الصّواب هو:دخل في أمور غيره.و كلتا الجملتين صحيحة،تضاف إليهما جملة:تداخل في أمور غيره.(معجم الأخطاء الشّائعة:88)

مجمع اللّغة :1-دخل في البيت و نحوه،أو على فلان فيه،يدخل دخولا:نفذ إليه أو نفذ إليه فيه بعد أن كان خارجا،فهو داخل،و هم داخلون،و مثله:دخله، و دخل عليه.

2-و دخل بعروسه:جامعها.

3-و دخل في القوم:انتظم في سلكهم،و انضمّ

ص: 20

إليهم.(1:381)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دخل:ضدّ خرج.

و المدخل:مكان الدّخول،و أدخله المكان:جعله يدخل.

و الدّخل:ما داخل الإنسان من فساد في العقل.

و أصل الدّخل:العيب و ما يدخل في الشّيء و هو ليس منه،ثمّ أطلق على المكر و الخديعة.

و المدّخل:سرداب في الأرض شبه النّار يدخله الإنسان بمشقّة.(1:183)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل الخروج،و هو عبارة عن الورود إلى محيط يحويه و يحيطه،كما أنّ الخروج هو البروز عن ذلك المحيط فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ المائدة:22، رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ الإسراء:80، وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها المائدة:22.

و الفرق بين هذه المادّة و مادّة الولوج و الورود:أنّ الورود هو ضدّ الصّدور،أي الصّيرورة و الدّنوّ منه و إليه،و هذا مقدّم على الدّخول وَ لَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ. القصص:23.

و الولوج:هو الدّخول ملاصقا به و في جوفه حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الأعراف:40.

ثمّ إنّ الدّخول أعمّ من أن يكون محسوسا مادّيّا،كما في وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ الإسراء:7، إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً النّمل:34، أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ البقرة:214،أو معنويّا،كما في اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً البقرة:208، وَ لَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ الحجرات:14.

و هذا المفهوم تختلف خصوصيّاته باختلاف استعمال المادّة بالحروف،فإذا استعملت بحرف«في»:

فتدلّ على الأخذ و الشّروع في الدّخول،كما في قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ الأعراف:38، يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ النّصر:2، حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الأعراف :40، فَادْخُلِي فِي عِبادِي الفجر:29، اُدْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً البقرة:208.

و إذا استعملت بحرف«من»:فتدلّ على مبدإ الدّخول و طريقه،كما في لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ يوسف:67، وَ لَمّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ يوسف:68.

و إذا استعملت بحرف«الباء»:فتدلّ على الإلصاق و الارتباط و التّأكيد كما في: وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ النّمل:19، وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ المائدة:

61، دَخَلْتُمْ بِهِنَّ النّساء:23.

و أمّا إذا أريد التّعدية:فتستعمل بالهمزة أو بالتّضعيف،فيقال:أدخلته الدّار و دخّلته.و الأوّل إذا كان النّظر إلى جهة صدور الفعل،و الثّاني إلى جهة الوقوع.و هذا مقتضى اختلاف الهيئة وَ أَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا الأنبياء:86، وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً النّساء:31، رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ المؤمن:8

و أمّا التّدخّل:فهو يدلّ على مطاوعة التّفعيل، و تقلّب التّاء دالا كما في مدّثّر،فيقال في اسم الفاعل

ص: 21

و المفعول و المكان منه:المدّخّل لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ التّوبة:57.

و أمّا الدّخل:فالظّاهر أنّه في الأصل صفة ك«حسن»بمعنى ما يدخل من الخارج في شيء، و هو في الأغلب زائد عارض للشّيء،من عيب و نقص و زيادة تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ النّحل:92،فيجعلون أيمانهم و عهودهم أمرا زائدا يفسد برنامج أمورهم المنظورة،و نظم معاشهم الدّنيويّ،و لا يبالون النّقض و الخلاف،بل إنّهم يريدون النّقض من أوّل ساعة.

فظهر لطف التّعبير بالمادّة،و بالصّيغ المختلفة في مواردها.(3:184)

النّصوص التّفسيريّة

دخل

1- كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً. آل عمران:37

السّدّيّ: فجعلها زكريّا معه في بيته و هو المحراب، فكان يدخل عليها في الشّتاء فيجد عندها فاكهة الصّيف،و يدخل عليها في الصّيف فيجد عندها فاكهة الشّتاء.(173)

الزّجّاج: أي يجد عندها الرّزق في كلّ وقت يدخل عليها المحراب،فيكون(ما)مع(دخل)بمنزلة الدّخول،أي كلّ وقت دخول.(1:403)

جعفر شرف الدّين:لا بدّ من وقفة على الفعل (دخل)،و استعماله في لغة التّنزيل.

لقد دلّ استقراؤنا للآيات الّتي اشتملت على هذا الفعل،أنّه لا بدّ أن يتطلّب ما يتعلّق به من الأسماء الّتي تفيد المكانيّة.و في هذه الحالة يصل الفعل إلى مدخوله من غير أداة واسطة كحروف الخفض،و لنجتزئ من الآيات الكثيرة الّتي تفيد هذه الخصوصيّة بالآيات الّتي سنوردها:قال تعالى:

1- وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها القصص:15

2- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ البقرة:214

3- لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ الأحزاب:53.

4- اُدْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ الحجر:46.

و مثل هذه الآيات آيات أخرى استعمل فيها الفعل هذا الاستعمال.

و قد يطوى ذكر المكان الّذي يصير إليه الدّاخل على الآدميّين،و هنا لا بدّ من حرف الجرّ«على»كما في الآيات الّتي نوردها:

وَ لَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ يوسف:69.

إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ص:22.

وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ الرّعد:23.

و قد يظهر المكان المدخول فيه مع ذكر الآدميّين، كقوله تعالى: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً آل عمران:37.

و قد استعمل«فعل الدّخول»في بعض آيات،

ص: 22

قاصرا لازما،غير متّصل بمتعلّق به،كقوله تعالى:

كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها الأعراف:38.

وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا الأحزاب:53.

لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ يوسف:67.

و من غير شكّ أنّ المتعلّق و هو الاسم المكانيّ،أو المدخول عليهم من الآدميّين،قد طوي ذكره في هذه الآية لعدم الحاجة إليه،و على هذا فالاستعمال واحد.

هذا كلّه يتّصل باستعمال فعل«الدّخول»في المحسوسات من الأسماء الدّالّة على الأمكنة و الظّروف المكانيّة،و استعماله في الدّخول على العاقل من الآدميّين.فإذا كان الدّخول في الأمور العقليّة،أو ما يدعى بأسماء المعاني،فالاستعمال يختلف؛و ذلك أنّ الفعل يتطلّب في هذه الحال حرف الجرّ«في»أو«الباء» كقوله تعالى: وَ رَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْواجاً النّصر:2، وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ المائدة:61.

و قد يحمل على استعمال الفعل في الأمور المعنويّة قوله تعالى: فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي الفجر:29.

و المراد بالدّخول في العباد:الاتّصال بهم و العيش بينهم،فجاز استعمال«في»،في حين عطف عليه قوله: وَ ادْخُلِي جَنَّتِي و ذلك لأنّ المدخول فيه من الأسماء الدّالّة على المكان.

و من المفيد أن نشير إلى أنّ استعمال هذا الفعل يجاوز حقيقته مجازا لعلاقة من العلاقات،فيصير الدّخول بالزّوج-أي المرأة-بمعنى البناء بها، و التّزوّج منها،كقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ النّساء:23.(2:56)

2- رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً.

نوح:28

ابن عاشور :فالمراد بقوله: دَخَلَ بَيْتِيَ:

دخول مخصوص،و هو الدّخول المتكرّر الملازم.و منه سمّيت بطانة المرء دخيلته و دخلته.(29:199)

دخلوا

وَ إِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنّا وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ المائدة:61

ابن عبّاس: و إنّهم دخلوا و هم يتكلّمون بالحقّ، و تسرّ قلوبهم الكفر،فقال: دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ. (الطّبريّ 4:637)

و قد دخلوا بالكفر بخلاف ما أظهروه على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و خرجوا به من عنده.

نحوه الحسن و السّدّيّ و قتادة و أبو عليّ.

(الطّوسيّ 3:576)

السّدّيّ: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يهودا.

يقول اللّه تعالى دخلوا كفّارا،و خرجوا كفّارا.(232)

الطّبريّ: و إذا جاءكم أيّها المؤمنون هؤلاء المنافقون من اليهود قالوا لكم:(آمنا)أي صدّقنا بما

ص: 23

جاء به نبيّكم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و اتّبعناه على دينه،و هم مقيمون على كفرهم و ضلالتهم،قد دخلوا عليكم بكفرهم الّذي يعتقدونه بقلوبهم و يضمرونه في صدورهم،و هم يبدون كذبا التّصديق لكم بألسنتهم، و قد خرجوا به.يقول:و قد خرجوا بالكفر من عندكم،كما دخلوا به عليكم،لم يرجعوا بمجيئهم إليكم عن كفرهم و ضلالتهم،يظنّون أنّ ذلك من فعلهم يخفى على اللّه،جهلا منهم باللّه.(4:636)

الطّوسيّ: قيل:فيه قولان:

أحدهما:[قول ابن عبّاس و الحسن]

الثّاني:و قد دخلوا به في أحوالهم،و قد خرجوا به إلى أحوال أخر،كقولك:هو يتقلّب في الكفر و يتصرّف به.و معناه:تقريب الماضي من الحال،و لهذا دخلت«في»هذا الموضوع.و قال الخليل :«و يكون لقوم ينتظرون الخبر،كقولك:قد ركب الأمير لمن كان ينتظره».و هو راجع إلى ذلك الأصل،لأنّه تقريب من الحال المنتظرة.و أصل الدّخول:الانتقال إلى محيط كالوعاء،إلاّ أنّه قد كثر حتّى قيل:دخل في هذا الأمر، و لا يدخل في المعنى ما ليس منه.و دخل في الإسلام.

و خرج بالرّدّة منه.و كان ذلك مجازا.(3:576)

نحوه الطّبرسيّ.(2:217)

القشيريّ: أظهر و الصّدق،و في التّحقيق:نافقوا، و افتضحوا من حيث أوهموا و لبّسوا،فلا حالهم بقيت مستورة،و لا أسرارهم كانت عند اللّه مكبوتة،و هذا نعت كلّ مبطل.و عند أرباب الحقائق أحوالهم ظاهرة في أنوار فراستهم.(2:130)

الواحديّ: أي دخلوا و خرجوا كافرين، و الكفر معهم في كلتي حالتيهم.(2:205)

الزّمخشريّ: و قوله:(بالكفر)و(به)حالان، أي دخلوا كافرين و خرجوا كافرين،و تقديره:

ملتبسين بالكفر.و كذلك قوله:«و قد دخلوا و هم قد خرجوا»و لذلك دخلت(قد)تقريبا للماضي من الحال،و لمعنى آخر:و هو أنّ أمارات النّفاق كانت لائحة عليهم،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم متوقّعا لإظهار اللّه ما كتموه،فدخل حرف التّوقّع،و هو متعلّق بقوله:

قالُوا آمَنّا أي قالوا ذلك و هذه حالهم.(1:626)

نحوه النّيسابوريّ(6:124)،و الشّربينيّ(1:

384)،و البروسويّ(2:412).

ابن عطيّة: و قوله:(و هم)تخليص من احتمال العبارة أن يدخل قوم بالكفر ثمّ يؤمنوا،و يخرج قوم و هم كفرة،فكان ينطبق على الجميع و قد دخلوا بالكفر و قد خرجوا به،فأزال الاحتمال قوله تعالى:

وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ أي هم بأعيانهم.(2:214)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قالوا:نزلت هذه الآية في ناس من اليهود،كانوا يدخلون على الرّسول عليه الصّلاة و السّلام،و يظهرون له الإيمان نفاقا،فأخبره اللّه عزّ و جلّ بشأنهم،و أنّهم يخرجون من مجلسك كما دخلوا،لم يتعلّق بقلبهم شيء من دلائلك و تقريراتك و نصائحك و تذكيراتك.

المسألة الثّانية:«الباء»في قوله: وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ يفيد بقاء الكفر معهم

ص: 24

حالتي الدّخول و الخروج،من غير نقصان و لا تغيير فيه البتّة،كما تقول:دخل زيد بثوبه و خرج به،أي بقي ثوبه حال الخروج،كما كان حال الدّخول.

المسألة الثّالثة:ذكر عند الدّخول كلمة(قد) فقال: وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ و ذكر عند الخروج كلمة (هم)فقال: وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ؟ قالوا:الفائدة في ذكر كلمة(قد)تقريب الماضي من الحال،و الفائدة في ذكر كلمة(هم)التّأكيد في إضافة الكفر إليهم،و نفى أن يكون من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في ذلك فعل،أي لم يسمعوا منك يا محمّد عند جلوسهم معك ما يوجب كفرا،فتكون أنت الّذي ألقيتهم في الكفر،بل هم الّذين خرجوا بالكفر باختيار أنفسهم.

المسألة الرّابعة:قالت المعتزلة:إنّه تعالى أضاف (الكفر)إليهم حالتي الدّخول و الخروج على سبيل الذّمّ،و بالغ في تقرير تلك الإضافة بقوله: وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ فدلّ هذا على أنّه من العبد لا من اللّه.

و الجواب:المعارضة بالعلم و الدّاعي.(12:38)

القرطبيّ: هذه صفة المنافقين،و المعنى:أنّهم لم ينتفعوا بشيء ممّا سمعوه،بل دخلوا كافرين و خرجوا كافرين. وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ أي من نفاقهم.و قيل:المراد اليهود الّذين قالوا: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ آل عمران:

72،إذا دخلتم المدينة، وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ إذا رجعتم إلى بيوتكم،يدلّ عليه ما قبله من ذكرهم،و ما يأتي.

(6:237)

البيضاويّ: أي يخرجون من عندك كما دخلوا، لا يؤثّر فيهم ما سمعوا منك.و الجملتان حالان من فاعل(قالوا)و(بالكفر)و(به)حالان من فاعلي(دخلوا)و(خرجوا،)و(قد)و إن دخلت لتقريب الماضي من الحال،ليصحّ أن يقع حالا،أفادت أيضا لما فيها من التّوقّع أنّ إمارة النّفاق كانت لائحة عليهم،و كان الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم يظنّه.(1:282)

نحوه النّسفيّ(1:291)،و أبو السّعود(2:293) و الكاشانيّ(2:48).

أبو حيّان :كان جماعة من اليهود يدخلون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يظهرون له الإيمان نفاقا،فأخبر اللّه تعالى بشأنهم،و أنّهم يخرجون كما دخلوا،لم يتعلّقوا بشيء ممّا سمعوا من تذكير و موعظة.فعلى هذا، الخطاب في(جاؤكم)للرّسول،و قيل:للمؤمنين الّذين كانوا بحضرة الرّسول.و هاتان الجملتان حالان، و(بالكفر)و(به)حالان أيضا،أي ملتبسين، و لذلك دخلت(قد)تقريبا لها من زمان الحال،و لمعنى آخر:و هو أنّ أمارات النّفاق كانت لائحة عليهم، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم متوقّعا لإظهار ما كتموه،فدخل حرف التّوقّع و خالف بين جملتي الحال،اتّساعا في الكلام.[ثمّ نقل قول ابن عطيّة و قال:]

و العامل في الحالين(آمنا)أي قالوا ذلك و هذه حالهم.و قيل:معنى(هم)للتّأكيد في إضافة الكفر إليهم،و نفى أن يكون من الرّسول ما يوجب كفرهم من سوء معاملته لهم،بل كان يلطف بهم و يعاملهم بأحسن معاملة.فالمعنى:أنّهم هم الّذين خرجوا بالكفر باختيار أنفسهم،لا أنّك أنت الّذي تسبّبت

ص: 25

لبقائهم في الكفر.

و الّذي نقول:إنّ الجملة الاسميّة-الواقعة حالا، المصدّرة بضمير ذي الحال المخبر عنها بفعل أو اسم، يتحمّل ضمير ذي الحال-آكد من الجملة الفعليّة،من جهة أنّه يتكرّر فيها المسند إليه،فيصير نظير:قام زيد زيد.و لمّا كانوا حين جاءوا الرّسول أو المؤمنين قالُوا آمَنّا ملتبسين بالكفر،كان ينبغي لهم أن لا يخرجوا بالكفر،لأنّ رؤيته صلّى اللّه عليه و سلّم كافية في الإيمان.

أ لا ترى إلى قول بعضهم حين رأى الرّسول:

علمت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب،مع ما يظهر لهم من خوارق الآيات و باهر الدّلالات،فكان المناسب أنّهم و إن كانوا دخلوا بالكفر أن لا يخرجوا به،بل يخرجون بالرّسول مؤمنين ظاهرا و باطنا.فأكّد وصفهم بالكفر بأن كرّر المسند إليه تنبيها على تحقّقهم بالكفر و تماديهم عليه،و أنّ رؤية الرّسول لم تجد عنهم، و لم يتأثّروا لها.

و كذلك إن كان ضمير الخطاب في: وَ إِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنّا، كان ينبغي لهم أن يؤمنوا ظاهرا و باطنا،لما يرون من اختلاف المؤمنين و تصديقهم للرّسول،و الاعتماد على اللّه تعالى و الرّغبة في الآخرة،و الزّهد في الدّنيا.و هذه حال من ينبغي موافقته،و كان ينبغي إذ شاهدوهم أن يتّبعوهم على دينهم،و أن يكون إيمانهم بالقول موافقا لاعتقاد قلوبهم.

و في الآية دليل على جواز مجيء حالين لذي حال واحد،إن كانت الواو في:(و هم،)واو حال، لا واو عطف،خلافا لمن منع ذلك،إلاّ في أفعل التّفضيل.

و الظّاهر أنّ الدّخول و الخروج حقيقة،و قيل:هما استعارة،و المعنى تقلّبوا في الكفر،أي دخلوا في أحوالهم مضمرين الكفر،و خرجوا به إلى أحوال أخر مضمرين له،و هذا هو التّقلّب.و الحقيقة في الدّخول:

انفصال بالبدن من خارج مكان إلى داخله،و في الخروج انفصال بالبدن من داخله إلى خارجه.

(3:521)

ابن كثير :و هذه صفة المنافقين منهم أنّهم يصانعون المؤمنين في الظّاهر و قلوبهم منطوية على الكفر،و لهذا قال: وَ قَدْ دَخَلُوا أي عندك يا محمّد (بالكفر)أي مستصحبين الكفر في قلوبهم،ثمّ خرجوا و هو كامن فيها لم ينتفعوا بما قد سمعوا منك من العلم،و لا نجعت فيهم المواعظ و لا الزّواجر،و لهذا قال: وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ فخصّهم به دون غيرهم.

(2:603)

الآلوسيّ: أى يخرجون من عندك كما دخلوا، لم ينتفعوا بحضورهم بين يديك،و لم يؤثّر فيهم ما سمعوا منك.و الجملتان في موضع الحال من ضمير(قالوا) على الأظهر.

و جوّز أبو البقاء أن يكونا حالين من الضّمير في (آمنا)و باء(بالكفر)و(به)للملابسة،و الجارّ و المجرور حالان من فاعل(دخلوا)و(خرجوا) و الواو الدّاخلة على الجملة الاسميّة الحاليّة للحال، و من منع تعدّد الجملة الحاليّة من غير عطف يقول:

ص: 26

إنّها عاطفة،و المعطوف على الحال حال أيضا.

و دخول(قد)في الجملة الحاليّة الماضويّة كما- قال العلاّمة الثّاني-لتقرّب الماضي إلى الحال،فتكسر سورة استبعاد ما بين الماضي و الحال في الجملة،و إلاّ ف(قد)إنّما تقرّب إلى حال التّكلّم.و هذا إشارة إلى ما أوضحه السّيّد السّند في حاشية المتوسّط،من أنّه قيل:إنّ الماضي إنّما يدلّ على انقضاء زمان قبل زمان التّكلّم،و الحال:الّذي يبيّن هيئة الفاعل أو المفعول قيد لعامله،فإن كان العامل ماضيا كان الحال أيضا ماضيا بحسب المعنى،و إن كان حالا كان حالا،و إن كان مستقبلا كان مستقبلا،فما ذكروه غلط نشأ من اشتراك لفظ الحال بين الزّمان الحاضر-و هو الّذى يقابل الماضي-و بين ما يبيّن الحال المذكورة.

ثمّ قال:و يمكن أن يقال:إنّ الفعل إذا وقع قيدا لشيء يعتبر كونه ماضيا أو حالا أو مستقبلا بالنّظر إلى ذلك المقيّد،فإذا قيل:جاءني زيد ركب،يفهم منه أنّ الرّكوب كان متقدّما على المجيء،فلا بدّ من«قد» حتّى يقرّبه إلى زمان المجيء فيقارنه.و ذكر نحو ذلك العلاّمة الكافيجيّ في«شرح القواعد»ثمّ قال:«و أمّا الاعتذار بأنّ تصدير الماضي المثبت بلفظة«قد»لمجرّد استحسان لفظيّ،فإنّما هو تسليم لذلك الاعتراض، فليس بمقبول و لا مرضيّ».

و لذلك زيادة تفصيل في محلّه،و قد ذكر لها معنى آخر في الآية غير التّقريب و هو التّوقّع،فتفيد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يتوقّع دخول أولئك الفجرة و خروجهم من خضيلة حضرته-أفرغ من يد تفت البرّ-مع لم يعلّق بهم شيء ممّا سمعوا من تذكيره عليه الصّلاة و السّلام بآيات اللّه عزّ و جلّ،لظنّه بما يرى من الأمارات اللاّئحة عليهم نفاقهم الرّاسخ.(6:177)

ابن عاشور :و معنى قوله: وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ أنّ الإيمان لم يخالط قلوبهم طرفة عين،أي هم دخلوا كافرين و خرجوا كذلك،لشدّة قسوة قلوبهم،فالمقصود:استغراق الزّمنين و ما بينهما، لأنّ ذلك هو المتعارف؛إذ الحالة إذا تبدّلت استمرّ تبدّلها،ففي ذلك تسجيل الكذب في قولهم:(آمنا،) و العرب تقول:خرج بغير الوجه الّذي دخل به.

(5:144)

الطّباطبائيّ: يشير تعالى إلى نفاق قلوبهم و إضمارهم ما لا يرتضيه اللّه سبحانه في لقائهم المؤمنين،فقال: وَ إِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنّا أي أظهروا الإيمان و الحال أنّهم قد دخلوا عليكم مع الكفر و قد خرجوا من عندكم بالكفر،أي هم على حالة واحدة عند الدّخول و الخروج،و هو الكفر لم يتغيّر عنه.

و إنّما يظهرون الإيمان إظهارا،و الحال أنّ اللّه يعلم ما كانوا يكتمونه سابقا من الغدر و المكر.

فقوله: وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ في معنى قولنا:لم يتغيّر حالهم في الكفر.و الضّمير في قوله: وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ جيء به للتّأكيد،و إفادة تمييزهم في الأمر،و تثبيت الكفر فيهم.

و ربّما قيل:إنّ المعنى أنّهم متحوّلون في أحوال الكفر المختلفة.(6:30)

ص: 27

دخلوه

لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً الإسراء:7

الطّوسيّ: يعني المبعوثين عليكم كما دخلوه في المرّة الأولى،يعني غيرهم،لأنّ هؤلاء بأعيانهم لم يدخلوها في الدّفعة الأولى.(6:451)

لاحظ:ت ب ر:«ليتبّروا»

دخلت

وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلاّ يَسِيراً. الأحزاب:14

أبو حيّان :و الضّمير في(دخلت)الظّاهر عوده على«البيوت»؛إذا هو أقرب مذكور.قيل:أو على «المدينة»،أي و لو دخلها الأحزاب الّذين يفرّون خوفا منها،و انثالت على أهاليهم و أولادهم.ثمّ سئلوا الفتنة،أي الرّدّة و الرّجوع إلى إظهار الكفر و مقابلة المسلمين لآتوها،أي لجاءوا إليها و فعلوا...

(7:218)

الآلوسيّ: أسند الدّخول إلى بيوتهم و أوقع عليهم،لما أنّ المراد فرض دخولها و هم فيها لا فرض دخولها مطلقا،كما هو المفهوم لو لم يذكر الجارّ و المجرور،و لا فرض الدّخول عليهم مطلقا،كما هو المفهوم لو أسند إلى الجارّ و المجرور.و فاعل الدّخول الدّاخل من أهل الفساد من كان،أي لو دخل كلّ من أراد الدّخول من أهل الدّعارة و الفساد بيوتهم و هم فيها.(21:161)

ابن عاشور:و لم أجد فيما رأيت من كلام المفسّرين و لا من أهل اللّغة من أفصح عن معنى «الدّخول»في مثل هذه الآية،و ما ذكروا إلاّ معنى الولوج إلى المكان،مثل ولوج البيوت أو المدن،و هو الحقيقة.و الّذي أراه أنّ الدّخول كثر إطلاقه على دخول خاصّ،و هو اقتحام الجيش أو المغيرين أرضا أو بلدا لغزو أهله،قال تعالى: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً إلى قوله: يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ المائدة:20،21،و أنّه يعدّى غالبا إلى المغزوّين بحرف«على»،و منه قوله تعالى: قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ إلى قوله: قالُوا يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا المائدة:23،24،فإنّه ما يصلح إلاّ معنى دخول القتال و الحرب،لقوله: فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ لظهور أنّه لا يراد:إذا دخلتم دخول ضيافة أو تجوّل أو تجسّس،فيفهم من«الدّخول»في مثل هذا المقام معنى الغزو و الفتح،كما نقول:عام دخول التّتار بغداد،و لذلك فالدّخول في قوله: وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ هو دخول الغزو،فيتعيّن أن يكون ضمير(دخلت)عائدا إلى مدينة«يثرب»لا إلى البيوت،من قولهم: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ الأحزاب:

13،و المعنى لو غزيت المدينة من جوانبها...

و قوله:(عليهم)يتعلّق ب(دخلت)لأنّ بناء

ص: 28

(دخلت)للنّائب مقتض فاعلا محذوفا،فالمراد:

دخول الدّاخلين على أهل المدينة،كما جاء على الأصل في قوله: اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ في سورة المائدة:23.(21:209)

يدخلونها

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ* جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ. فاطر:32،33

الطّبريّ: عمّ بدخول الجنّة جميع الأصناف الثّلاثة.فإن قال قائل:فإنّ قوله:(يدخلونها)إنّما عنى به المقتصد و السّابق قيل له:و ما برهانك على أنّ ذلك كذلك من خبر أو عقل؟فإن قال:قيام الحجّة أنّ الظّالم من هذه الأمّة سيدخل النّار،و لو لم يدخل النّار من هذه الأصناف الثّلاثة أحد وجب أن لا يكون لأهل الإيمان وعيد.

قيل:إنّه ليس في الآية خبر أنّهم لا يدخلون النّار، و إنّما فيها إخبار من اللّه تعالى ذكره أنّهم يدخلون جنّات عدن،و جائز أن يدخلها الظّالم لنفسه بعد عقوبة اللّه إيّاه على ذنوبه الّتي أصابها في الدّنيا،و ظلمه نفسه فيها بالنّار،أو بما شاء من عقابه،ثمّ يدخله الجنّة، فيكون ممّن عمّه خبر اللّه جلّ ثناؤه بقوله: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها. (10:414)

الطّوسيّ: (يدخلونها)يعني من تقدّم ذكره من الّذين سبقوا بالخيرات و المقتصدين.(8:431)

القرطبيّ: الضّمير الّذي في(يدخلونها)يعود على المقتصد و السّابق لا على الظّالم.[إلى أن قال:]

و قيل:الضّمير في(يدخلونها)يعود على الثّلاثة الأصناف،على ألاّ يكون الظّالم هاهنا كافرا و لا فاسقا.(14:346)

البيضاويّ: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها مبتدأ و خبر،و الضّمير للثّلاثة أو للّذين أو للمقتصد و السّابق،فإنّ المراد بهما الجنس...و قرأ أبو عمرو (يدخلونها) على البناء للمفعول.(2:273)

البروسويّ: قوله تعالى:(يدخلونها)جمع الضّمير،لأنّ المراد بالسّابق الجنس.

و تخصيص حال السّابقين و ما لهم بالذّكر و السّكوت عن الفريقين الآخرين و إن لم يدلّ على حرمانهما من دخول الجنّة مطلقا،لكن فيه تحذير لهما من التّقصير،و تحريض على السّعي في إدراك شئون السّابقين.(7:351)

يدخلوها

1- وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. البقرة:114

ابن عبّاس: مستخفين من المؤمنين مخافة القتل لو علم به لقتل.(17)

معناه أنّه لا يدخل نصرانيّ بيت المقدس إلاّ نهك ضربا و أبلغ عقوبة،و هو كذلك اليوم.

ص: 29

(الطّبرسيّ 1:190)

قتادة :هم النّصارى،فلا يدخلون المسجد إلاّ مسارقة،إن قدر عليهم عوقبوا.(الطّبريّ 1:547)

السّدّيّ: ليس في الأرض روميّ يدخلها اليوم و هو خائف أن تضرب عنقه،أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤدّيها.(129)

ابن زيد :نادى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ألاّ يحجّ بعد العام مشرك،و لا يطوف بالبيت عريان.(الطّوسيّ 1:419)

الفرّاء: هذه الرّوم كانوا غزوا بيت المقدس فقتلوا و حرّقوا و خرّبوا المسجد.و إنّما أظهر اللّه عليهم المسلمين في زمن عمر فبنوه،و لم تكن الرّوم تدخله إلاّ مستخفّين،لو علم بهم لقتلوا.(1:74)

الجبّائيّ: بيّن اللّه أنّه ليس لهؤلاء المشركين دخول المسجد الحرام،و لا دخول المساجد،فإن دخل منهم داخل إلى بعض المساجد،كان على المسلمين إخراجه منه،إلاّ أن يدخل إلى بعض الحكّام بخصومة بينه و بين غيره إلى بعض القضاة،فيكون دخوله خائفا من الإخراج على وجه الطّرد بعد انفصال خصومته، و لا يقعد مطمئنا كما كان يقعد المسلم.

(الطّوسيّ 1:419)

الطّبريّ: و هذا خبر من اللّه عزّ و جلّ عمّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه،أنّه قد حرّم عليهم دخول المساجد الّتي سعوا في تخريبها،و منعوا عباد اللّه المؤمنين من ذكر اللّه عزّ و جلّ فيها ما داموا على مناصبة الحرب،إلاّ على خوف و وجل من العقوبة على دخولهموها.(1:547)

الزّجّاج:أعلم اللّه في هذه الآية أنّ أمر المسلمين يظهر على جميع من خالفهم حتّى لا يمكن دخول مخالف إلى مساجدهم إلاّ خائفا.و هذا كقوله عزّ و جلّ: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ التّوبة:33.(1:196)

الطّوسيّ: فيها خلاف.[و نقل قول قتادة و ابن زيد و الجبّائيّ،ثمّ قال:]

و هو الّذي يليق بمذهبنا،و يمكن الاستدلال به على أنّ الكفّار لا يجوز أن يمكّنوا من دخول المساجد على كلّ حال.فأمّا المسجد الحرام خاصّة فإنّ المشركين يمنعون من دخوله،و لا يتركون ليدخلوه لحكومة،و لا غيرها،لأنّ اللّه تعالى قد أمر بمنعهم من دخوله بقوله: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ التّوبة:17، يعني المسجد الحرام.[ثمّ نقل قول الزّجّاج و أدام]

كأنّه قيل: أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ لإعزاز اللّه الدّين،و إظهاره المسلمين.

(1:419)

نحوه الطّبرسيّ.(1:190)

ابن الجوزيّ: فيه قولان:أحدهما:[قول السّدّيّ]

و الثّاني:أنّه خبر في معنى الأمر،تقديره:عليكم بالجدّ في جهادهم،كي لا يدخلها أحد إلاّ و هو خائف.

(1:134)

الفخر الرّازيّ: قوله: ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ و إن كان لفظه لفظ الخبر،لكنّ المراد منه

ص: 30

النّهي عن تمكينهم من الدّخول،و التّخلية بينهم و بينه، كقوله: وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ الأحزاب:53.(4:12)

البيضاويّ: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلاّ بخشية و خشوع فضلا عن أن يجترئوا على تخريبها،أو ما كان الحقّ أن يدخلوها إلاّ خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم،فضلا عن أن يمنعوهم منها،أو ما كان لهم في حكم اللّه و قضائه،فيكون وعدا للمؤمنين بالنّصرة و استخلاص المساجد منهم،و قد أنجز وعده.(1:77)

أبو حيّان :هذه جملة خبريّة قالوا:تدلّ على ما يقع في المستقبل،و ذلك من معجز القرآن؛إذ هو من الإخبار بالغيب.و فيها بشارة للمؤمنين بعلوّ كلمة الإسلام و قهر من عاداه.(1:358)

القاسميّ: هذا بشارة من اللّه للمسلمين بأنّه سيظهرهم على المسجد الحرام،و يذلّ لهم المشركين، حتّى لا يدخل المسجد الحرام واحد منهم إلاّ خائفا، يخاف أن يؤخذ فيعاقب،أو يقتل إن لم يسلم.و قد أنجز اللّه صدق هذا الوعد،فمنعهم من دخول المسجد الحرام.[إلى أن قال:]

و في قوله تعالى: أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ إشارة إلى رجوعهم إليه بعد الأسر على تخوّف من العدوّ و مذلّة لصقت بهم.و هو وجه وجيه، لأنّ لفظ(سعى)يرشد إلى ذلك،كما أنّ مفهومها يشعر بذمّ القائمين على الخراب بالأولى و هم النّصارى،حينما تمكّنت سلطتهم انتقاما من أعدائهم اليهود.(1:229)

سيّد قطب:أي أنّهم يستحقّون الدّفع و المطاردة و الحرمان من الأمن إلاّ أن يلجأ و إلى بيوت اللّه مستجيرين محتمّين بحرمتها مستأمنين؛و ذلك كالّذي حدث في عام الفتح بعد ذلك؛إذ نادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم الفتح:«من دخل المسجد الحرام فهو آمن» فلجأ إليها المستأمنون من جبابرة قريش بعد أن كانوا هم الّذي يصدّون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و من معه،و يمنعونهم زيارة المسجد الحرام!...

و هناك تفسير آخر لقوله: أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ، أي إنّه ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد اللّه إلاّ في خوف من اللّه و خشوع لجلالته في بيوته.فهذا هو الأدب اللاّئق ببيوت اللّه المناسب لمهابته و جلاله العظيم،و هو وجه من التّأويل،جائز في هذا المقام.(1:105)

ابن عاشور :و معنى ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ أنّهم لا يكون لهم بعد هذه الفعلة أن يدخلوا تلك المساجد الّتي منعوها إلاّ و هم خائفون،فإنّ ما كانَ إذا وقع(ان)و المضارع في خبرها تدلّ على نفي المستقبل،و إن كان لفظ(كان)لفظ الماضي و(ان) هذه هي الّتي تستتر عند مجيء اللاّم،نحو: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ الأنفال:33،فلا إشعار لهذه الجملة بمضيّ.و اللاّم في قوله:(لهم)للاستحقاق،أي ما كان يحقّ لهم الدّخول في حالة إلاّ في حالة الخوف،فهم حقيقيّون (1)بها و أحرياء في علم اللّه تعالى.ن.

ص: 31


1- كذا،و الظّاهر:حقّيّون.

و هذا و عيد بأنّهم قدّر اللّه عليهم أن ترفع أيديهم من التّصرّف في المسجد الحرام و شعائر اللّه هناك، و تصير للمسلمين،فيكونوا بعد ذلك لا يدخلون المسجد الحرام إلاّ خائفين.و وعد للمؤمنين-و قد صدق اللّه وعده-فكانوا يوم فتح مكّة خائفين وجلين حتّى نادى منادي النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم:«من دخل المسجد الحرام فهو آمن»،فدخله الكثير منهم مذعورين أن يؤخذوا بالسّيف قبل دخولهم...(1:663)

فضل اللّه :و قد أراد اللّه للمسلمين أن يأخذوا بموقف القوّة ضدّ هذا الظّلم و الظّالمين،فيمنعوهم من دخولها إلاّ كدخول الخائفين،و ذلك على سبيل الكناية في تدمير قوّتهم و إضعافهم،حتّى يتحرّكوا في المجتمع تحرّك الخائف الّذي إذا أراد أن يدخل المسجد، فلا يدخله إلاّ خائفا.(2:181)

2- وَ بَيْنَهُما حِجابٌ وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَ هُمْ يَطْمَعُونَ. الأعراف:46

الزّمخشري:فإن قلت:ما محلّ قوله: لَمْ يَدْخُلُوها وَ هُمْ يَطْمَعُونَ قلت:لا محلّ له لأنّه استئناف،كأنّ سائلا سأل عن حال أصحاب الأعراف فقيل:لم يدخلوها و هم يطمعون،يعني حالهم أنّ دخولهم الجنّة استأخر عن دخول أهل الجنّة،فلم يدخلوها لكونهم محبوسين و هم يطمعون لم ييأسوا.

و يجوز أن يكون له محلّ بأن يقع صفة ل(رجال.)(2:81)

أبو حيّان:[نقل قول الزّمخشريّ و قال:]

و هذا توجيه ضعيف للفصل بين الموصوف و صفته بجملة.(4:303)

تدخلوا

1- وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ. يوسف:67

ابن عبّاس: رهب يعقوب عليه السّلام عليهم العين.

(الطّبريّ 7:249)

الضّحّاك: خاف عليهم العين.(الطّبريّ 7:249)

قتادة :خشي نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم العين على بنيه،كانوا ذوي صورة و جمال.(الطّبريّ 7:249)

نحوه ابن كعب القرظيّ(الطّبريّ 7:249)، و الفرّاء(2:50)،و ابن قتيبة،(219).

السّدّيّ: خاف يعقوب صلّى اللّه عليه و سلّم على بنيه العين،فقال لهم: لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ فيقال:هؤلاء لرجل واحد،و لكن ادخلوا من أبواب متفرّقة.(316)

نحوه ابن إسحاق.(الطّبريّ 7:249)

الجبّائيّ: إنّه خاف عليهم حسد النّاس لهم،و أن يبلغ الملك قوّتهم و شدّة بطشهم،فيقتلهم خوفا على ملكه،و أنكر العين.و لم تثبت بحجّة،و إنّما هو شيء يقوله الجهّال العامّة.(الطّوسيّ 6:167)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:قال يعقوب لبنيه لمّا أرادوا الخروج من عنده إلى مصر ليمتاروا الطّعام:يا بنيّ لا تدخلوا مصر من طريق واحد، و ادخلوا من أبواب متفرّقة.و ذكر أنّه قال ذلك لهم، لأنّهم كانوا رجالا لهم جمال و هيئة،فخاف عليهم

ص: 32

العين إذا دخلوا جماعة من طريق واحد-و هم ولد رجل واحد-فأمرهم أن يفترقوا في الدّخول إليها.

(7:249)

الثّعلبيّ: و ذلك أنّه خاف عليهم العين،لأنّهم كانوا ذوي جمال و هيئة و صور حسان و قامات ممتدّة، و كانوا ولد رجل واحد،و أمرهم أن يفترقوا.

(5:237)

الطّوسيّ: حكى اللّه تعالى عن يعقوب أنّه قال لبنيه حين أنفذ أخاهم معهم: يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ.

و قيل في سبب قوله ذلك:قولان:

أحدهما:قال ابن عبّاس،و قتادة،و الضّحّاك، و السّدّيّ،و الحسن:إنّه خاف عليهم العين،لأنّهم كانوا ذوي صور حسنة و جمال و هيبة.

الثّاني:[قول الجبّائيّ]

و الّذي قاله غير صحيح في أمر العين،بل غير منكر أن يكون ما قال المفسّرون،صحيحا،و قد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«العين حقّ»،و أنّه عوّذ الحسن و الحسين عليهما السّلام،فقال في عوذته:«و أعيذ كما من كلّ عين لامّة».و قد رويت فيه أخبار كثيرة،و قد جرت العادة به.و اختاره البلخيّ،و الرّمّانيّ و أكثر المفسّرين.و ليس يمتنع أن يكون اللّه تعالى أجرى العادة لضرب من المصلحة،أنّه متى ما نظر إنسان إلى غيره على وجه مخصوص،اقتضت المصلحة إهلاكه أو إمراضه أو إتلاف ماله،فالمنع من ذلك لا وجه له.

(6:167)

البغويّ: [نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

لئلاّ يصابوا بالعين،فإنّ العين حقّ.

و جاء في الأثر:«إنّ العين تدخل الرّجل القبر و الجمل القدر».

و عن إبراهيم النّخعيّ: أنّه قال ذلك،لأنّه كان يرجو أن يروا يوسف في التّفرّق.و الأوّل أصحّ.

(2:502)

نحوه الشّربينيّ.(2:122)

الزّمخشريّ: و إنّما نهاهم أن يدخلوا من باب واحد،لأنّهم كانوا ذوي بهاء و شارة حسنة،اشتهرهم أهل مصر بالقربة عند الملك و التّكرمة الخاصّة الّتي لم تكن لغيرهم،فكانوا مظنّة لطموح الأبصار إليهم من بين الوفود،و أن يشار إليهم بالأصابع،و يقال:هؤلاء أضياف الملك انظروا إليهم ما أحسنهم من فتيان!و ما أحقّهم بالإكرام لأمر ما أكرمهم الملك و قرّبهم و فضّلهم على الوافدين عليه،فخاف لذلك أن يدخلوا كوكبة واحدة،فيعانوا لجمالهم و جلالة أمرهم في الصّدور،فيصيبهم ما يسوؤهم،و لذلك لم يوصهم بالتّفرّق في الكرّة الأولى،لأنّهم كانوا مجهولين مغمورين بين النّاس.

فإن قلت:هل للإصابة بالعين وجه تصحّ عليه؟

قلت:يجوز أن يحدث اللّه عزّ و جلّ عند النّظر إلى الشّيء و الإعجاب به نقصانا فيه و خللا من بعض الوجوه،و يكون ذلك ابتلاء من اللّه و امتحانا لعباده، ليتميّز المحقّقون من أهل الحشو،فيقول المحقّق:هذا فعل اللّه،و يقول الحشويّ:هو أثر العين،كما قال تعالى:

ص: 33

وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا... المدّثّر:

31،و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه كان يعوّذ الحسن و الحسين، فيقول:أعيذ كما بكلمات اللّه التّامّة من كلّ عين لامّة و من كلّ شيطان و هامّة».(2:332)

نحوه أبو السّعود.(3:412)

ابن عطيّة: ...قيل:خشي أن يستراب بهم لقول يوسف قبل:أنتم جواسيس،و يضعّف هذا ظهورهم قبل بمصر.و قيل:طمع بافتراقهم أن يستمعوا أو يتطلّعوا خبر يوسف.و هذا ضعيف يردّه:

وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فإنّ ذلك لا يتركّب على هذا المقصد.(3:261)

الطّبرسيّ: و قيل:خاف عليهم حسد النّاس إيّاهم،و أن يبلغ الملك قوّتهم و بطشهم،فيحبسهم أو يقتلهم خوفا على ملكه،عن الجبّائيّ.و أنكر العين، و ذكر أنّه لم يثبت بحجّة،و جوّزه كثير من المحقّقين، و رووا فيه الخبر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ العين حقّ، و العين تستنزل الحالق».و الحالق:المكان المرتفع من الجبل و غيره.فجعل عليه السّلام العين كأنّها تحطّ ذروة الجبل من قوّة أخذها،و شدّة بطشها.[ثمّ ذكر الأخبار في إصابة العين و أدام البحث في وجه إصابتها](3:249)

ابن الجوزيّ: في ما أراد بذلك ثلاثة أقوال:

أحدها:أنّه خاف عليهم العين،و كانوا أولي جمال و قوّة،و هذا قول ابن عبّاس،و مجاهد،و قتادة.

و الثّاني:أنّه خاف أن يغتالوا لما ظهر لهم في أرض مصر من التّهمة،قاله وهب بن منبّه.

و الثّالث:أنّه أحبّ أن يلقوا يوسف في خلوة،قاله إبراهيم النّخعيّ.(4:254)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ أبناء يعقوب لمّا عزموا على الخروج إلى مصر.و كانوا موصوفين بالكمال و الجمال و أبناء رجل واحد،قال لهم: لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ. و فيه أقوال:

الأوّل:و هو قول جمهور المفسّرين أنّه خاف من العين عليهم،و لنا هاهنا مقامان:

المقام الأوّل:إثبات أنّ العين حقّ،و الّذي يدلّ عليه وجوه:الأوّل:إطباق المتقدّمين من المفسّرين على أنّ المراد من هذه الآية ذلك.[ثمّ ذكر الأخبار في إصابة العين]

المقام الثّاني:في الكشف عن ماهيّته فنقول:إنّ أبا عليّ الجبّائيّ أنكر هذا المعنى إنكارا بليغا،و لم يذكر في إنكاره شبهة فضلا عن حجّة،و أمّا الّذين اعترفوا به و أقرّوا بوجوده،فقد ذكروا فيه وجوها:

الأوّل:قال الحافظ:إنّه يمتدّ من العين أجزاء فتصل بالشّخص المستحسن فتؤثّر فيه،و تسري فيه،كتأثير اللّسع و السّمّ و النّار،و إن كان مخالفا في جهة التّأثير لهذه الأشياء.قال القاضي:و هذا ضعيف،لأنّه لو كان الأمر كما قال،لوجب أن يؤثّر في الشّخص الّذي لا يستحسن كتأثيره في المستحسن.

و اعلم أنّ هذا الاعتراض ضعيف؛و ذلك لأنّه إذا استحسن شيئا فقد يحبّ بقاءه كما إذا استحسن ولد نفسه و بستان نفسه،و قد يكره بقاءه أيضا كما إذا أحسّ الحاسد بشيء حصل لعدوّه.فإن كان الأوّل فإنّه يحصل له عند ذلك الاستحسان خوف شديد من

ص: 34

زواله،و الخوف الشّديد يوجب انحصار الرّوح في داخل القلب،فحينئذ يسخن القلب و الرّوح جدّا، و يحصل في الرّوح الباصرة كيفيّة قويّة مسخنة.و إن كان الثّاني:فإنّه يحصل عند ذلك الاستحسان حسد شديد و حزن عظيم بسبب حصول تلك النّعمة لعدوّه، و الحزن أيضا يوجب انحصار الرّوح في داخل القلب و يحصل فيه سخونة شديدة.

فثبت أنّ عند الاستحسان القويّ تسخن الرّوح جدّا فيسخن شعاع العين،بخلاف ما إذا لم يستحسن، فإنّه لا تحصل هذه السّخونة،فظهر الفرق بين الصّورتين،و لهذا السّبب أمر الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم العائن بالوضوء و من أصابته العين بالاغتسال.

الوجه الثّاني:قال أبو هاشم و أبو القاسم البلخيّ:

إنّه لا يمتنع أن تكون العين حقّا،و يكون معناه:أنّ صاحب العين إذا شاهد الشّيء و أعجب به استحسانا كان المصلحة له في تكليفه أن يغيّر اللّه ذلك الشّخص و ذلك الشّيء حتّى لا يبقى قلب ذلك المكلّف متعلّقا به،فهذا المعنى غير ممتنع.ثمّ لا يبعد أيضا أنّه لو ذكر ربّه عند تلك الحالة و عدل عن الإعجاب،و سأل ربّه تقيّة ذلك،فعنده تتعيّن المصلحة،و لمّا كانت هذه العادة مطّردة،لا جرم قيل:العين حقّ.

الوجه الثّالث:و هو قول الحكماء قالوا:هذا الكلام مبنيّ على مقدّمة،و هي أنّه ليس من شرط المؤثّر أن يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيّات المحسوسة أعني الحرارة و البرودة و الرّطوبة و اليبوسة،بل قد يكون التّأثير نفسانيّا محضا،و لا يكون للقوى الجسمانيّة بها تعلّق،و الّذي يدلّ عليه أنّ اللّوح الّذي يكون قليل العرض إذا كان موضوعا على الأرض، قدر الإنسان على المشي عليه،و لو كان موضوعا فيما بين جدارين عاليين لعجز الإنسان عن المشي عليه، و ما ذاك إلاّ لأنّ خوفه من السّقوط منه يوجب سقوطه،فعلمنا أنّ التّأثيرات النّفسانيّة موجودة.

و أيضا إنّ الإنسان إذا تصوّر كون فلان مؤذيا له حصل في قلبه غضب،و يسخن مزاجه جدّا،فمبدأ تلك السّخونة ليس إلاّ ذلك التّصوّر النّفسانيّ،و لأنّ مبدأ الحركات البدنيّة ليس إلاّ التّصوّرات النّفسانيّة، فلمّا ثبت أنّ تصوّر النّفس يوجب تغيّر بدنه الخاصّ، لم يبعد أيضا أن يكون بعض النّفوس بحيث تتعدّى تأثيراتها إلى سائر الأبدان؛فثبت أنّه لا يمتنع في العقل كون النّفس مؤثّرة في سائر الأبدان.

و أيضا جواهر النّفوس المختلفة بالماهيّة فلا يمتنع أن يكون بعض النّفوس بحيث يؤثّر في تغيير بدن حيوان آخر،بشرط أن يراه و يتعجّب منه؛فثبت أنّ هذا المعنى أمر محتمل،و التّجارب من الزّمن الأقدم ساعدت عليه،و النّفوس النّبويّة نطقت به،فعنده لا يبقى في وقوعه شكّ.

و إذا ثبت هذا ثبت أنّ الّذي أطبق عليه المتقدّمون من المفسّرين في تفسير هذه الآية بإصابة العين،كلام حقّ لا يمكن ردّه.

القول الثّاني:و هو قول أبي عليّ الجبّائيّ:أنّ أبناء يعقوب اشتهروا بمصر و تحدّث النّاس بهم و بحسنهم و كمالهم،فقال: لا تَدْخُلُوا تلك المدينة مِنْ بابٍ

ص: 35

واحِدٍ على ما أنتم عليه من العدد و الهيئة،فلم يأمن عليهم حسد النّاس،أو يقال:لم يأمن عليهم أن يخافهم الملك الأعظم على ملكه،فيحبسهم.

و اعلم أنّ هذا الوجه محتمل لا إنكار فيه،إلاّ أنّ القول الأوّل قد بيّنّا أنّه لا امتناع فيه بحسب العقل، و المفسّرون أطبقوا عليه،فوجب المصير إليه.و نقل عن الحسن أنّه قال:خاف عليهم العين،فقال:

لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ ثمّ رجع إلى علمه و قال:

وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ و عرف أنّ العين ليست بشيء.و كان قتادة يفسّر الآية بإصابة العين،و يقول:ليس في قوله: وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ إبطال له،لأنّ العين و إن صحّ فاللّه قادر على دفع أثره.

القول الثّالث:أنّه عليه السّلام كان عالما بأنّ ملك مصر هو ولده يوسف،إلاّ أنّ اللّه تعالى ما أذن له في إظهار ذلك، فلمّا بعث أبناءه إليه قال: لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ و كان غرضه أن يصل بنيامين إلى يوسف في وقت الخلوة،و هذا قول إبراهيم النّخعيّ.(18:172)

نحوه النّيسابوريّ.(13:25)

البيضاويّ: وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا... لأنّهم كانوا ذوي جمال و أبّهة مشتهرين في مصر بالقربة و الكرامة عند الملك،فخاف عليهم أن يدخلوا كوكبة واحدة فيعانوا.و لعلّه لم يوصهم بذلك في الكرّة الأولى لأنّهم كانوا مجهولين حينئذ،أو كان الدّاعي إليها خوفه على بنيامين.و للنّفس آثار منها:العين،و الّذي يدلّ عليه قوله عليه الصّلاة و السّلام في عوذته:

«اللّهمّ إنّي أعوذ بكلمات اللّه التّامّة من كلّ شيطان هامّة و من كلّ عين لامّة».(1:502)

نحوه الكاشانيّ(3:32)،و شبّر(3:292).

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و له بحث مستوفى في إصابة العين فراجع](4:292)

الشّوكانيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و قد أنكر بعض المعتزلة كأبي هاشم و البلخيّ أنّ للعين تأثيرا،و قالا:لا يمتنع أنّ صاحب العين إذا شاهد الشّيء و أعجب به،كانت المصلحة له في تكليفه أن يغيّر اللّه ذلك الشّيء حتّى لا يبقى قلب ذلك المكلّف معلّقا به.و ليس هذا بمستنكر من هذين و أتباعهما، فقد صار دفع أدلّة الكتاب و السّنّة بمجرّد الاستبعادات العقليّة دأبهم و ديدنهم و أيّ مانع من إصابة العين بتقدير اللّه سبحانه لذلك؟و قد وردت الأحاديث الصّحيحة بأنّ العين حقّ،و أصيب بها جماعة في عصر النّبوّة،و منهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و أعجب من إنكار هؤلاء لما وردت به نصوص هذه الشّريعة،ما يقع من بعضهم من الإزراء على من يعمل بالدّليل المخالف،لمجرّد الاستبعاد العقليّ و التّنطّع في العبارات كالزّمخشريّ في تفسيره،فإنّه في كثير من المواطن لا يقف على دفع دليل الشّرع بالاستبعاد الّذي يدّعيه على العقل،حتّى يضمّ إلى ذلك الوقاحة في العبارة على وجه يوقع المقصّرين في الأقوال الباطلة و المذاهب الزّائفة.

و بالجملة فقول هؤلاء مدفوع بالأدلّة المتكاثرة،

ص: 36

و إجماع من يعتدّ به من هذه الأمّة سلفا و خلفا،و بما هو مشاهد في الوجود،فكم من شخص من هذا النّوع الإنسانيّ و غيره من أنواع الحيوان هلك بهذا السّبب.

و قد اختلف العلماء فيمن عرف بالإصابة بالعين، فقال قوم:يمنع من الاتّصال بالنّاس دفعا لضرره بحبس أو غيره من لزوم بيته.و قيل:ينفى.و أبعد من قاله:إنّه يقتل،إلاّ إذا كان يتعمّد ذلك،و تتوقّف إصابته على اختياره و قصده و لم ينزجر عن ذلك، فإنّه إذا قتل كان له حكم القاتل.(3:48)

الآلوسيّ: [نحو الزمخشريّ و أضاف:]

و جوّز أن يكون خوفه عليه السّلام عليهم من العين في هذه الكرّة،بسبب أنّ فيهم محبوبه و هو بنيامين الّذي يتسلّى به عن شقيقه يوسف عليه السّلام،و لم يكن فيهم في المرّة الأولى،فأهمل أمرهم و لم يحتفل بهم،لسوء صنيعهم في يوسف.

و القول:إنّه عليه السّلام نهاهم عن ذلك أن يستراب بهم، لتقدّم قول:أنتم جواسيس.ليس بشيء أصلا،و مثله ما قيل:إنّ ذلك كان طمعا أن يتسمّعوا خبر يوسف عليه السّلام.[ثمّ ذكر الأخبار و الأقوال في إصابة العين]

(13:15)

القاسميّ: أي لئلاّ يستلفت دخولهم من باب واحد،أنظار من يقف عليه من الجند،و من يعسّ للحاكم،فيريب بهم،لأنّ دخول قوم على شكل واحد،و زيّ متّحد-على بلدهم غرباء عنه-ممّا يلفت نظر كلّ راصد.و كانت المدن وقتئذ مبوّبة لا ينفذ إليها إلاّ من أبوابها،و على كلّ باب حرسه،و ليس دخول الفرد كدخول الجمع في التّنبّه،و اتّباع البصر.

و قيل:نهاهم لئلاّ تصيبهم العين إذا دخلوا كوكبة واحدة.(9:3566)

المراغيّ: أي و قال لهم:يا بنيّ لا تدخلوا على هذا الوزير الكريم من باب واحد من أبواب الوصول إليه، بل ادخلوا عليه متفرّقين من أبواب متعدّدة،لتروا بأعينكم ما يكون من تأثير كلّ طائفة منكم في نفسه، و ما يظهر على أسارير وجهه و حركات عينيه حين رؤية شقيقه يدخل عليه مع طائفته،إذ لا يعلم هذا إذا دخلوا عليه كلّهم جماعة واحدة.

و قد يكون المراد:لا تدخلوا عليه مجتمعين، فيحسدكم الحاسدون أو يكيد لكم الكائدون،فإذا حلّ بكم مكروه خشيت أن يصيبكم جميعا.(13:16)

ابن عاشور :فقوله: يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ صادر في وقت إزماعهم الرّحيل.[إلى أن قال:]

و إنّما نهاهم أن يدخلوها من باب واحد خشية أن يسترعي عددهم أبصار أهل المدينة و حرّاسها و أزياؤهم أزياء الغرباء عن أهل المدينة،أن يوجسوا منهم خيفة من تجسس أو سرقة،فربّما سجنوهم أو رصدوا الأعين إليهم،فيكون ذلك ضرّا لهم و حائلا دون سرعة وصولهم إلى يوسف عليه السّلام،و دون قضاء حاجتهم.و قد قيل في الحكمة:«استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».

و لمّا كان شأن إقامة الحرّاس و الأرصاد أن تكون على أبواب المدينة،اقتصر على تحذيرهم من

ص: 37

الدّخول من باب واحد دون أن يحذّرهم من المشي في سكّة واحدة من سكك المدينة،و وثق بأنّهم عارفون بسكك المدينة،فلم يخش ضلالهم فيها،و علم أنّ «بنيامين»يكون في صحبة أحد إخوته لئلاّ يضلّ في المدينة.(12:90)

مغنيّة:بعد أن أعطوا أباهم الميثاق المؤكّد،أذن لهم بصحبة أخيهم،و أوصاهم بوصيّته هذه.و يظهر منها أنّه قد كان للمدينة أبواب لا باب واحد،و في بعض التّفاسير أنّها كانت أربعة.

و اختلف المفسّرون في الغرض من وصيّة يعقوب أبناءه أن يدخلوا من أبواب متفرّقة،و ما أتى واحد منهم بما تركن إليه النّفس.و قد يكون الغرض أنّهم إن دخلوا مجتمعين-و هم أحد عشر رجلا-ترامت نحوهم الأنظار،و كثرت التّساؤلات و الإشارات.أو أنّ الغرض أن يعرفوا أخبار المدينة،و يطّلعوا على أحوالها،لعلّهم يقفون على ما يومئ إلى يوسف و أخباره.و مهما يكن فنحن غير مكلّفين بالبحث عن السّبب ما دامت الآية لم تشر إليه.(4:337)

الطّباطبائيّ: هذه كلمة ألقاها يعقوب عليه السّلام إلى بنيه حين آتوه موثقا من اللّه و تجهّزوا و استعدّوا للرّحيل.و من المعلوم من سياق القصّة أنّه خاف على بنيه و هم أحد عشر عصبة-لا من أن يراهم عزيز مصر مجتمعين صفّا واحدا لأنّه كان من المعلوم أنّه سيشخصهم إليه فيصطفون عنده صفّا واحدا و هم أحد عشر إخوة لأب واحد-بل إنّما كان يخاف عليهم أن يراهم النّاس،فيصيبهم عين-على ما قيل-أو يحسدون،أو يخاف منهم فينالهم ما يتفرّق به جمعهم من قتل أو أيّ نازلة أخرى.(11:218)

فضل اللّه : وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ فإنّ ذلك قد يشكّل إثارة في نفوس الحاضرين،فيؤدّي إلى ما لا تحمد عقباه، وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ كي تضيع الصّورة الحقيقيّة القويّة بذلك،و لا تلفتوا الأنظار إليكم.و ليس في هذا ما يمنع القضاء إذا أراد اللّه له أن يحدث،و لكنّه قلق الوالد على أولاده الّذي يبحث عن أيّة وسيلة لحمايتهم،عبر رعايته المباشرة لهم أو عبر تزويدهم بوصايا و نصائح، تكفل لهم ذلك.(12:241)

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ. الأحزاب:53

لاحظ:أذن:«يؤذن».

تدخلوها

فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَ إِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. النّور:28

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فإن لم تجدوا في البيوت الّتي تستأذنون فيها أحدا يأذن لكم بالدّخول إليها،فلا تدخلوها،لأنّها ليست لكم،فلا يحلّ لكم دخولها إلاّ بإذن أربابها،فإن أذن لكم أربابها أن تدخلوها فادخلوها.(9:299)

الماورديّ: و لا يجوز التّطلّع إلى المنزل ليرى من

ص: 38

فيه فيستأذنه إذا كان الباب مغلقا،لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«إنّما جعل الاستئذان لأجل البصر،إلاّ أن يكون مفتوحا،فيجوز إذا كان خارجا أن ينظر،لأنّ صاحبه بالفتح قد أباح النّظر».(4:88)

الطّوسيّ: يعني إن لم تعلموا في البيوت أحدا يأذن لكم في الدّخول فلا تدخلوها،لأنّه ربّما كان فيها ما لا يجوز أن تطّلعوا عليه،إلاّ بعد أن يأذن أربابها في ذلك.(7:426)

القشيريّ: في هذا حفظ أمر اللّه و حفظ حرمة صاحب الدّار،لأنّ من دخلها بغير إذن صاحبها ربّما تكون فيها عورة منكشفة،و ربّما يكون لصاحب الدّار أمر لا يريد أن يطّلع عليه غيره،فلا ينبغي أن يدخل عليه من غير استئذان.(4:277)

البغويّ: أي إن لم تجدوا في البيوت أحدا يأذن لكم في دخولها،فلا تدخلوها.(3:399)

الزّمخشريّ: و اصبروا حتّى تجدوا من يأذن لكم.و يحتمل:فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها و لكم فيها حاجة فلا تدخلوها إلاّ بإذن أهلها؛و ذلك أنّ الاستئذان لم يشرّع لئلاّ يطّلع الدّامر على عورة، و لا تسبق عينه إلى ما لا يحلّ النّظر إليه فقط،و إنّما شرّع لئلاّ يوقف على الأحوال الّتي يطويها النّاس في العادة عن غيرهم و يتحفّظون من اطّلاع أحد عليها، و لأنّه تصرّف في ملك غيرك فلا بدّ من أن يكون برضاه،و إلاّ أشبه الغصب و التّغلّب.(3:59)

نحوه الشّربينيّ.(2:614)

الطّبرسيّ: بيّن اللّه سبحانه بهذا أنّه لا يجوز دخول دار الغير بغير إذنه،و إن لم يكن صاحبها فيها.

و لا يجوز أن يتطلّع إلى المنزل ليرى من فيه فيستأذنه إذا كان الباب مغلقا،لقوله عليه السّلام:إنّما جعل الاستيذان لأجل النّظر إلاّ أن يكون الباب مفتوحا،لأنّ صاحبه بالفتح أباح النّظر.(4:136)

البيضاويّ: حتّى يأتي من يأذن لكم،فإنّ المانع من الدّخول ليس الاطّلاع على العورات فقط،بل و على ما يخفيه النّاس عادة،مع أنّ التّصرّف في ملك الغير بغير إذنه محظور.و استثني ما إذا عرض فيه حرق أو غرق،أو كان فيه منكر و نحوها.(2:123)

أبو حيّان :فلا تقدّموا على الدّخول في ملك غيركم حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ إذ قد يكون لربّ البيت فيه ما لا يحبّ أن يطّلع عليه...(6:446)

الآلوسيّ: فَلا تَدْخُلُوها و اصبروا حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ من جهة من يملك الإذن عند وجدانكم إيّاه،و وجه ذلك أنّ الدّخول في البيوت الخالية من غير إذن سبب للقيل و القال،و فيه تصرّف بملك الغير بغير رضاه و هو يشبه الغصب.و هذه الآية لبيان حكم البيوت الخالية عن أهلها،كما أنّ الآية الأولى لبيان حكم البيوت الّتي فيها أهلها.

و جوّز أن تكون هذه تأكيد الأمر الاستئناس، و أنّه لا بدّ منه و الأمر دائر عليه.و المعنى فإن لم تجدوا فيها أحدا من الآذنين،أي ممّن يملك الإذن فلا تدخلوها...و يفيد هذا حرمة دخول ما فيه من لا يملك الإذن كعبد و صبيّ،من دون إذن من يملكه.

و من اختار الأوّل قال:إنّ حرمة ما ذكر ثابتة بدلالة

ص: 39

النّص فتأمّل.[إلى أن قال:]

ثمّ إنّ ما أفادته الآيتان من الحكم قد خصّصه الشّرع،فجوّز الدّخول لإزالة منكر توقّفت على الدّخول من غير إذن أهل البيت،و الدّخول في البيت الخالي لإطفاء حريق فيه،أو نحو ذلك.(18:136)

ابن عاشور :و خطاب فَلا تَدْخُلُوها يعمّ، و هو مخصوص بمفهوم قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ النّور:58، كما سيأتي.و لذا فإنّ المماليك و الأطفال مخصّصون من هذا العموم،كما سيأتي.(18:161)

مغنيّة:و البيوت بشتّى أنواعها من نعم اللّه تعالى على عباده،و لا يعرف قدرها إلاّ الّذين لا بيوت لهم.

و للبيت حرمته في الشّريعة الإسلاميّة،من ذلك أن لا يدخل الإنسان بيتا حتّى يستأذن أهله،قال تعالى:

فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَ إِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا. (4:538)

عبد الكريم الخطيب :أي لا دخول أبدا إلاّ بعد إذن.فإن لم يكن أحد فى البيت فلا دخول أبدا،و إن كان في البيت أحد،فلا دخول إلاّ بعد التّسليم، و الإذن.(9:1260)

الطّباطبائيّ: أي إن علمتم بعدم وجود أحد فيها -و هو الّذي يملك الإذن-فلا تدخلوها حتّى يؤذن لكم من قبل من يملك الإذن،و ليس المراد به أن يتطلّع على البيت و ينظر فيه،فإن لم ير فيه أحدا كفّ عن الدّخول،فإنّ السّياق يشهد على أنّ المنع في الحقيقة عن النّظر و الاطّلاع على عورات النّاس.

و هذه الآية تبيّن حكم دخول بيت الغير و ليس فيه من يملك الإذن،و الآية السّابقة تبيّن حكم الدّخول، و فيه من يملك الإذن و لا يمنع،و أمّا دخوله و فيه من يملك الإذن و يمنع و لا يأذن فيه فيبيّن حكمه قوله تعالى: وَ إِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. (15:110

فضل اللّه : فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ، لأنّ المبدأ يقضي بعدم اقتحام الإنسان لبيت غيره؛حيث يحتفظ بخصوصيّاته الشّخصيّة و العائليّة إلاّ برضاه،فإذا كان صاحب البيت موجودا يجب انتظار رضاه،و إذا لم يكن موجودا يجب الانتظار حتّى مجيئه،لمعرفة إن كان يأذن بدخول المنزل أو لا.(16:284)

ادخل

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ.

يس،:26

ابن مسعود رضى اللّه عنه:أنّهم وطئوه بأرجلهم حتّى خرج قصّه من دبره،و قال اللّه له: اُدْخُلِ الْجَنَّةَ فدخلها،فهو يرزق فيها،قد أذهب اللّه عنه سقم الدّنيا و حزنها و نصبها.(ابن كثير 5:609)

ابن عبّاس: فوجب له الجنّة،و قيل لروحه:

ادخل الجنّة.(370)

قتادة :أدخله اللّه الجنّة و هو فيها حيّ يرزق،أراد قوله تعالى: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ...

آل عمران:169،170.(الزّمخشريّ 3:319)

ص: 40

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:قال اللّه له إذ قتلوه كذلك فلقيه: اُدْخُلِ الْجَنَّةَ فلمّا دخلها و عاين ما أكرمه اللّه به لإيمانه و صبره فيه.(10:436)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:أنّه أمر بدخول الجنّة.

الثّاني:أنّه أخبر بأنّه قد استحقّ دخول الجنّة،لأنّ دخولها يستحقّ بعد البعث.(5:14)

الطّوسيّ: حكى اللّه تعالى ما يقول الملائكة لهذا الدّاعي من البشارة له بعد موته،فإنّهم يقولون له:

اُدْخُلِ الْجَنَّةَ مثابا مستحقّا للثّواب الجزيل على إيمانك باللّه.(8:453)

الزّمخشريّ: أي لمّا قتل قيل له: اُدْخُلِ الْجَنَّةَ... و قيل:معناه البشرى بدخول الجنّة،و أنّه من أهلها.

فإن قلت:كيف مخرج هذا القول في علم البيان؟

قلت:مخرجه مخرج الاستئناف،لأنّ هذا من مظانّ المسألة عن حاله عند لقاء ربّه،كأنّ قائلا قال:كيف كان لقاء ربّه بعد ذلك التّصلّب في نصرة دينه و التّسخّي لوجهه بروحه؟فقيل: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ و لم يقل:قيل له،لانصباب الغرض إلى المقول و عظمه، لا إلى المقول له مع كونه معلوما.(3:319)

نحوه البيضاويّ(2:279)،و أبو السّعود(5:295) و البروسويّ(7:386).

ابن عطيّة: قيل له عند موته: اُدْخُلِ الْجَنَّةَ و ذلك-و اللّه أعلم-بأن عرض عليه مقعده منها، و تحقّق أنّه من ساكنيها برؤيته ما أقرّ عينه.(4:451)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّه قتل ثمّ قيل له:ادخل الجنّة بعد القتل.

و ثانيهما:قيل ادخل الجنّة عقيب قوله:(امنت) يس،:25؛و على الأوّل فقوله تعالى: قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ يكون بعد موته،و اللّه أخبر بقوله، و على الثّاني قال ذلك في حياته،و كأنّه سمع الرّسل أنّه من الدّاخلين الجنّة،و صدّقهم،و قطع به و علمه، فقال:يا ليت قومي يعلمون كما علمت،فيؤمنون كما آمنت.[إلى أن قال:]

و كثيرا ما ورد في القرآن قوله تعالى: قِيلَ ادْخُلُوا إشارة إلى أنّ«الدّخول»يكون دخولا بإكرام،كما يدخل العرّيس البيت المزيّن على رءوس الأشهاد يهنّئه كلّ أحد.(26:60)

نحوه النّيسابوريّ.(23:13)

القرطبيّ: قال الحسن:لمّا أراد القوم أن يقتلوه رفعه اللّه إلى السّماء،فهو في الجنّة لا يموت إلاّ بفناء السّماء و هلاك الجنّة،فإذا أعاد اللّه الجنّة أدخلها.

و قيل:نشروه بالمنشار حتّى خرج من بين رجليه، فو اللّه ما خرجت روحه إلاّ إلى الجنّة فدخلها،فذلك قوله: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ... و قال جماعة:معنى:

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ: وجبت لك الجنّة،فهو خبر بأنّه قد استحقّ دخول الجنّة:لأنّ دخولها يستحقّ بعد البعث.

قلت:و الظّاهر من الآية أنّه لمّا قتل قيل له:

ادخل الجنّة.(15:19)

أبو حيّان :ظاهره أنّه أمر حقيقيّ.و قيل:معناه

ص: 41

وجبت لك الجنّة،فهو خبر بأنّه قد استحقّ دخولها، و لا يكون إلاّ بعد البعث،و لم يأت في القرآن أنّه قتل.

[إلى أن قال:]

و قوله: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ كأنّه جواب لسائل عن حاله عند لقاء ربّه بعد ذلك التّصلّب في دينه، فقيل: اُدْخُلِ الْجَنَّةَ، و لم يأت التّركيب:قيل له، لأنّه معلوم أنّه المخاطب.(7:329)

شبّر:و ذلك بعد موته أو قبله بشّره الرّسل به،أو حين همّوا بقتله فرفع إلى الجنّة حيّا.و حذف المفعول «له»للعلم به،و لأنّ الغرض ذكر المقول.(5:223)

الآلوسيّ: استئناف لبيان ما وقع له بعد قوله ذلك.و الظّاهر أنّ الأمر إذن له بدخول الجنّة حقيقة، و في ذلك إشارة إلى أنّ الرّجل قد فارق الدّنيا.

[و نقل الأقوال المتقدّمة و أدام]

و دخوله الجنّة بعد الموت دخول روحه و طوافها فيها،كدخول سائر الشّهداء.و قيل:الأمر للتّبشير لا للإذن بالدّخول حقيقة،قالت له ملائكة الموت ذلك بشارة له بأنّه من أهل الجنّة،يدخلها إذا دخلها المؤمنون بعد البعث.و حكي نحو ذلك عن مجاهد.

جاء في رواية عن الحسن أنّه قال:لمّا أراد قومه قتله رفعه اللّه تعالى إلى السّماء حيّا،كما رفع عيسى عليه السّلام إلى السّماء،فهو في الجنّة لا يموت إلاّ بفناء السّماء و هلاك الجنّة،فإذا أعاد اللّه تعالى الجنّة أعيد له دخولها،فالأمر كما في الأوّل؛و الجمهور على أنّه قتل.

و ادّعى ابن عطيّة أنّه تواترت الأخبار و الرّوايات بذلك.و قول قتادة:أدخله اللّه تعالى الجنّة و هو فيها حيّ يرزق،ليس نصّا في نفي القتل.و في«البحر»أنّه أراد بقوله:و هو فيها حيّ يرزق قوله تعالى: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران:169.

و قال بعضهم:الجملة جواب سؤال مقدّر،كأنّه قيل:ما حاله عند لقاء ربّه عزّ و جلّ بعد ذلك التّصلّب في دينه؟فقيل: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ، و التّعبير بالماضي لتحقّق الوقوع.و لعلّ الأولى ما أشرنا إليه أوّلا، و إنّما لم يقل:قيل له،لأنّ الغرض المهمّ بيان المقول لا القائل،و المقول له.(22:228)

القاسميّ: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ أي ثوابا على صدق إيمانك و فوزك بسببه بالشّهادة.(14:4998)

ابن عاشور :استئناف بيانيّ لما ينتظره سامع القصّة من معرفة ما لقيه من قومه،بعد أن واجههم بذلك الخطاب الجزل.و هل اهتدوا بهديه أو أعرضوا عنه و تركوه،أو آذوه كما يؤذى أمثاله من الدّاعين إلى الحقّ المخالفين هوى الدّهماء؟فيجاب بما دلّ عليه قوله: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ و هو الأهمّ عند المسلمين، و هم من المقصودين بمعرفة مثل هذا،ليزدادوا يقينا و ثباتا في إيمانهم.و أمّا المشركون فحظّهم من المثل ما تقدّم و ما يأتي من قوله: إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ يس،:29.

و في قوله: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ كناية عن قتله شهيدا في إعلاء كلمة اللّه،لأنّ تعقيب موعظته بأمره بدخول الجنّة دفعة بلا انتقال،يفيد بدلالة الاقتضاء أنّه مات،و أنّهم قتلوه لمخالفته دينهم.(22:216)

مغنيّة:باع نفسه للّه،فكانت الجنّة هي الثّمن،

ص: 42

و كفى بالجنّة ثوابا و نوالا.(6:307)

عبد الكريم الخطيب : قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ: هذا هو الجواب الّذي تلقّاه الرّجل المؤمن،ردّا على إقراره بالإيمان بربّه،و هو الجزاء الّذي يلقاه كلّ مؤمن صادق الإيمان.

و القول الّذي قيل لهذا المؤمن،إمّا أن يكون في الحياة الدّنيا،بوحي من اللّه سبحانه و تعالى،و إمّا أن يكون ذلك بعد الموت؛حيث يعلم المرء مكانه من الجنّة أو النّار،فيقال له يومئذ: اُدْخُلِ الْجَنَّةَ فهي الدّار الّتي أعدّها اللّه لك.(11:916)

الطّباطبائيّ: و قيل:إنّ القائل: اُدْخُلِ الْجَنَّةَ هو القوم،قالوا له ذاك حين قتله استهزاء.و فيه أنّه لا يلائم ما أخبر اللّه سبحانه عنه بقوله بعد: قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ فإنّ ظاهره أنّه تمنّى علم قومه بما هو فيه بعد استماع نداء اُدْخُلِ الْجَنَّةَ، و لم يسبق من الكلام ما يصحّ أن يبتني عليه قوله ذاك.(17:79)

فضل اللّه : قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ عند ما انتهت حياته،بشكل طبيعيّ،أو بالقتل،كما قيل.و هكذا ينقلنا اللّه فجأة من ساحة الحوار بينه و بين قومه،و من تأكيد ثبات الموقف و شجاعته ممّا قرّبه من اللّه،و حبّبه إليه،و منحه رضوانه،و أدخله جنّته،إلى يوم القيامة عند ما يدعوه الملائكة لدخول الجنّة.و هنا تنفتح الرّوح الإيمانيّة على المعنى الإنسانيّ الرّحيم الّذي يجعله بعيدا عن العقدة العدوانيّة الّتي تتشفّى و تنتقم.

فنرى هذا الإنسان المؤمن الّذي قد يكون عاش الاضطهاد من قومه،و قد يكون عاش الوحدة بينهم، و هو يتطلّع إلى الجنّة و نعيمها،يتمنّى و هو في رحاب النّعيم،أن يكون قومه معه،لو أنّهم علموا هذا المصير الرّائع الّذي ينتهي إليه المؤمنون.(19:142)

مكارم الشّيرازيّ: و لقد أوضح القرآن الكريم هذه الحقيقة بعبارة جميلة مختصرة هي قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ، و هذا التّعبير ورد في خصوص شهداء طريق الحقّ في آيات أخرى من القرآن الكريم وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. آل عمران:169.

و الجدير بالذّكر و الملاحظة:أنّ التّعبير يدلّل على أنّ شهادة هذا الرّجل المؤمن؛هي نفس دخوله الجنّة، بحيث أنّ الفاصلة بين الاثنين قليلة إلى درجة أنّ القرآن المجيد بتعبيره اللّطيف ذكر دخوله الجنّة بدلا عن شهادته،فما أقرب طريق الشّهداء،من طريق السّعادة الدّائم الخالد.(14:146)

ادخلوا

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.

البقرة:208

لاحظ:س ل م:«السّلم».

2- اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ المائدة:23

الطّبريّ: هذا خبر من اللّه عزّ ذكره عن قول الرّجلين اللّذين يخافان اللّه لبني إسرائيل؛إذ جبنوا

ص: 43

و خافوا من الدّخول على الجبّارين لمّا سمعوا خبرهم،و أخبرهم النّقباء الّذين أفشوا ما عاينوا من أمرهم فيهم،و قالوا: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها فقالا لهم:ادخلوا عليهم أيّها القوم باب مدينتهم،فإنّ اللّه معكم و هو ناصركم، و أنّكم إذا دخلتم الباب غلبتموهم.(4:519)

ابن عطيّة: و المعنى:اجتهدوا و كافحوا حتّى تدخلوا الباب.(2:175)

نحوه أبو حيّان.(3:455)

الفخر الرّازيّ: قوله: اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ مبالغة في الوعد بالنّصر و الظّفر،كأنّه قال:متى دخلتم باب بلدهم انهزموا و لا يبقى منهم نافخ نار و لا ساكن دار،فلا تخافوهم.و اللّه أعلم.(11:199)

لاحظ غ ل ب:«غالبون».

3- أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.

الأعراف:49

الطّبريّ: قوله: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ فخبر من اللّه عن أمره أهل الجنّة بدخولها.(5:507)

الطّوسيّ: قوله: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أمر بدخول الجنّة للمؤمنين.(4:445)

البغويّ: قالت الملائكة لأصحاب الأعراف:

اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ، فيدخلون الجنّة.(2:196)

الزّمخشريّ: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ يقال لأصحاب الأعراف:ادخلوا الجنّة،و ذلك بعد أن يحبسوا على الأعراف و ينظروا إلى الفريقين و يعرفوهم بسيماهم، و يقولوا ما يقولون.(2:81)

ابن عطيّة: قرأ الحسن و ابن هرمز (ادخلوا الجنّة) بفتح الألف و كسر الخاء،معنى أدخلوا أنفسكم،أو على أن تكون مخاطبة للملائكة،ثمّ ترجع المخاطبة بعد إلى البشر في(عليكم)و قرأ عكرمة مولى ابن عبّاس (دخلوا الجنّة) على الإخبار بفعل ماض.و قرأ طلحة بن مصرّف و ابن وثّاب و النّخعيّ (ادخلوا الجنّة) خبر مبنيّ للمفعول.(2:406)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ فقد اختلفوا فيه،فقيل:هم أصحاب الأعراف،و اللّه تعالى يقول لهم ذلك،أو بعض الملائكة الّذين يأمرهم اللّه تعالى بهذا القول.و قيل:بل يقول بعضهم لبعض،و المراد أنّه تعالى يحثّ أصحاب الأعراف بالدّخول في الجنّة،و اللّحوق بالمنزلة الّتي أعدّها اللّه تعالى لهم.و على هذا التّقدير:فقوله: أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ من كلام أصحاب الأعراف،و قوله: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ من كلام اللّه تعالى،و لا بدّ هاهنا من إضمار،و التّقدير:فقال اللّه لهم هذا كما قال:

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ الأعراف:110، و انقطع هاهنا كلام الملإ.ثمّ قال فرعون: فَما ذا تَأْمُرُونَ الأعراف:110،فاتّصل كلامه بكلامهم من غير إظهار فارق،فكذا هاهنا.(14:91)

لاحظ:ع ر ف:«الأعراف».

ص: 44

4- فَلَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ. يوسف:99

ابن عبّاس: انزلوا.(203)

السّدّيّ: حملوا إليه أهلهم و عيالهم،فلمّا بلغوا مصر،كلّم يوسف الملك الّذي فوقه،فخرج هو و الملك يتلقّونهم.(320)

الطّبريّ: فإن قال قائل:و كيف قال لهم يوسف:

اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ بعد ما دخلوها،و قد أخبر اللّه عزّ و جلّ عنهم أنّهم لمّا دخلوها على يوسف و ضمّ إليه أبويه،قال لهم هذا القول؟

قيل:قد اختلف أهل التّأويل في ذلك.

فقال بعضهم:إنّ يعقوب إنّما دخل على يوسف هو و ولده،و آوى يوسف أبويه إليه قبل دخول مصر.

قالوا:و ذلك أنّ يوسف تلقّى أباه تكرمة له قبل أن يدخل مصر،فآواه إليه،ثمّ قال له و لمن معه: اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ بها قبل الدّخول.

و عن فرقد السّبخيّ: لمّا ألقى القميص على وجهه ارتدّ بصيرا و قال: أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ يوسف:93،فحمل يعقوب و إخوة يوسف،فلمّا دنا أخبر يوسف أنّه قد دنا منه،فخرج يتلقّاه،و ركب معه أهل مصر و كانوا يعظّمونه.فلمّا دنا أحدهما من صاحبه و كان يعقوب يمشي و هو يتوكّأ على رجل من ولده يقال له:يهوذا.فنظر يعقوب إلى الخيل و النّاس، فقال:يا يهوذا،هذا فرعون مصر؟قال:لا هذا ابنك! قال:فلمّا دنا كلّ واحد منهما من صاحبه فذهب يوسف يبدؤه بالسّلام فمنع من ذلك،و كان يعقوب أحقّ بذلك منه و أفضل،فقال:السّلام عليك يا ذاهب الأحزان عنّي،هكذا قال:يا ذاهب الأحزان عنّي.

قال حجّاج:بلغني أنّ يوسف و الملك خرجا في أربعة آلاف يستقبلون يعقوب و بنيه.

و قال آخرون:بل قوله: إِنْ شاءَ اللّهُ استثناء من قول يعقوب لبنيه: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي.

قال:و هو من المؤخّر الّذي معناه التّقديم.قالوا:و إنّما معنى الكلام:قال:أستغفر لكم ربّي إن شاء اللّه إنّه هو الغفور الرّحيم.فلمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه،و قال ادخلوا مصر،و رفع أبويه.

و الصّواب من القول في ذلك عندنا ما قاله السّدّيّ و هو أنّ يوسف قال ذلك لأبويه و من معهما من أولادهما و أهاليهم قبل دخولهم مصر حين تلقّاهم، لأنّ ذلك في ظاهر التّنزيل كذلك،فلا دلالة تدلّ على صحّة ما قال ابن جريج،و لا وجه لتقديم شيء من كتاب اللّه عن موضعه أو تأخيره عن مكانه إلاّ بحجّة واضحة.(7:301)

نحوه الماورديّ(3:81)،و الطّوسيّ(6:196).

الثّعلبيّ: فإن قيل:كيف قال لهم يوسف:

اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ بعد ما دخلوها،و قد أخبر اللّه أنّهم لمّا دخلوا على يوسف و ضمّ إليه أبويه قال لهم هذا القول حين تلقّاهم قبل دخولهم مصر،كما ذكرنا.

و قال بعضهم:في الآية تقديم و تأخير.

و هذا الاستثناء من قول يعقوب حين قال:

سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي و معنى الكلام: سَوْفَ

ص: 45

أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إن شاء اللّه إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فلمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه، و قال:ادخلوا مصر آمنين وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ و هذا معنى قول ابن جرير.

و قال بعضهم:إنّما وقع الاستثناء على الأمن لا على الدّخول،كقوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عند دخول المقابر:«و إنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون».

فالاستثناء وقع على اللّحوق بهم لا على الموت.

(5:258)

نحوه البغويّ.(2:515)

القشيريّ: اشتركوا في الدّخول و لكن تباينوا في الإيواء،فانفرد الأبوان به لبعدهما عن الجفاء،كذلك غدا،إذا وصلوا إلى الغفران يشتركون في وجود الجنان،و لكنّهم يتباينون في بساط القربة،فيختصّ به أهل الصّفاء دون من اتّصف اليوم بالاستواء.

(3:208)

الزّمخشريّ: [قال نحو فرقد السّبخيّ الّذي نقلناه عن الطّبريّ و أضاف:]

فإن قلت:ما معنى دخولهم عليه قبل دخولهم مصر؟

قلت:كأنّه حين استقبلهم نزل لهم في مضرب أو بيت ثمّ،فدخلوا عليه و ضمّ إليه أبويه،ثمّ قال لهم:

اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ، و لمّا دخل مصر و جلس في مجلسه مستويا على سريره و اجتمعوا إليه، أكرم أبويه فرفعهما على السّرير وَ خَرُّوا لَهُ يعني الإخوة الأحد عشر و الأبوين(سجدا.)و يجوز أن يكون قد خرج في قبّة من قباب الملوك الّتي تحمل على البغال،فأمر أن يرفع إليه أبواه،فدخلا عليه القبّة.

فآواهما إليه بالضّمّ و الاعتناق و قربهما منه،و قال بعد ذلك: اُدْخُلُوا مِصْرَ. (2:344)

نحوه الفخر الرّازيّ(18:210)،و النّيسابوريّ (13:48).

ابن عطيّة: و قوله: فَلَمّا دَخَلُوا...، هاهنا محذوفات يدلّ عليها الظّاهر و هي:فرحل يعقوب بأهله أجمعين،و ساروا حتّى بلغوا يوسف،فلمّا دخلوا عليه آوى،معناه ضمّ و أظهر الحماية بهما،و في الحديث:«أمّا أحدهم فأوى إلى اللّه فآواه اللّه».

و قوله: اُدْخُلُوا مِصْرَ معناه تمكّنوا و اسكنوا و استقرّوا لأنّهم قد كانوا دخلوا عليه.و قيل:بل قال لهم ذلك في الطّريق حين تلقّاهم،قاله السّدّيّ.و هذا الاستثناء هو الّذي ندب القرآن إليه أن يقوله الإنسان في جميع ما ينفذه بقوله في المستقبل.[و نقل قول ابن جريج المتقدّم و قال:]في هذا التّأويل ضعف.(3:281)

نحوه البيضاويّ(1:508)،و أبو السّعود(3:428)

الطّبرسيّ: فَلَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ هاهنا حذف تقديره:فلمّا خرج يعقوب و أهله من أرضهم و أتوا مصر،دخلوا على يوسف.

[ثمّ نقل الأخبار إلى أن قال:]

(و قال)لهم قبل دخولهم مصر اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ، و الاستثناء يعود إلى الأمن،و إنّما قال: آمِنِينَ لأنّهم كانوا فيما خلا يخافون ملوك

ص: 46

مصر،و لا يدخلونها إلاّ بجوازهم.(3:264)

ابن الجوزيّ: و في هذا الدّخول قولان:

أحدهما:أنّه دخول أرض مصر،ثمّ قال لهم:

اُدْخُلُوا مِصْرَ يعني البلد.

و الثّاني:أنّه دخول مصر،ثمّ قال لهم: اُدْخُلُوا مِصْرَ أي استوطنوها.(4:288)

القرطبيّ: أي قصرا كان له هناك.(9:263)

النّسفيّ: و معنى دخولهم عليه قبل دخولهم مصر، أنّه حين استقبلهم أنزلهم في مضرب خيمة أو قصر كان له ثمّة،فدخلوا عليه و ضمّ إليه أبويه،و قال لهم بعد ذلك:ادخلوا مصر إن شاء اللّه آمنين من ملوكها، و كانوا لا يدخلونها إلاّ بجواز،أو من القحط.

(2:237)

نحوه الشّربينيّ.(2:136)

أبو حيّان :قوله: فَلَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ كأنّه ضرب له مضرب،أو بيت حالة التّلقّي في الطّريق،فدخلوا عليه فيه،و قيل:دخلوا عليه في مصر.

و معنى اُدْخُلُوا مِصْرَ أي تمكّنوا منها و استقرّوا فيها.

و الظّاهر تعلّق«الدّخول»على مشيئة اللّه،لمّا أمرهم بالدّخول،علّق ذلك على مشيئة اللّه،لأنّ جميع الكائنات إنّما تكون بمشيئة اللّه،و ما لا يشاء لا يكون.

[ثمّ أشار إلى قول ابن جريج و أضاف:]

و هو في غاية البعد،بل في غاية الامتناع.

(5:347)

الشّوكانيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و ظاهر النّظم القرآنيّ أنّ يوسف قال لهم هذه المقالة،أي ادخلوا مصر قبل دخولهم.و قد قيل:في توجيه ذلك أنّه تلقّاهم إلى خارج مصر،فوقف منتظرا لهم في مكان أو خيمة،فدخلوا عليه ف آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ. (3:70)

الآلوسيّ: و كأنّه عليه السّلام ضرب في الملتقى خارج البلد مضربا فنزل فيه،فدخلوا عليه فيه فآواهما إليه، ثمّ طلب منهم الدّخول في البلدة،فهناك دخولان:

أحدهما:دخول عليه خارج البلدة،و الثّاني:

دخول في البلدة.

و قيل:إنّهم إنّما دخلوا عليه عليه السّلام في مصر و أراد بقوله: اُدْخُلُوا مِصْرَ تمكّنوا منها و استقرّوا فيها.

إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ أي من القحط و سائر المكاره.

و الاستثناء على ما في«التّيسير»داخل في الأمن لا في الأمر بالدّخول،لأنّه إنّما يدخل في الوعد لا في الأمر.

(13:57)

المراغيّ: في العبارة حذف و إيجاز يفهم من سياق الكلام،و المعنى تفصيله بعد أن ذهب إخوة يوسف إلى أبيهم و أخبروه بمكانة يوسف في مصر،و أنّه الحاكم المفوّض المستقلّ في أمرها،أبلغوه أنّه يدعوهم كلّهم للإقامة معه فيها و التّمتّع بحضارتها،فرحلوا حتّى بلغوها،و لمّا دخلوا على يوسف-و كان قد استقبلهم في الطّريق في جمع حافل احتفاء بهم-ضمّ إليه أبويه و اعتنقهما...

وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ أي و قال لهم:ادخلوا بلاد مصر إن شاء اللّه آمنين على أنفسكم و أنعامكم من الجوع و الهلاك،فإنّ سني القحط كانت

ص: 47

لا تزال باقية،و ذكر المشيئة في كلامه للتّبرّؤ من مشيئته و حوله و قوّته إلى مشيئة اللّه الّذي سخّر ذلك لهم،و سخّر ملك مصر و أهلها له ثمّ لهم،و هذا من شأن المؤمنين،و لا سيّما الأنبياء و الصّدّيقون.

و في سفر التّكوين من التّوراة:أنّ يوسف عليه السّلام عرّف نفسه إلى إخوته عقب مجيئهم ببنيامين شقيقه، و أرسلهم لاستحضار أبويه و أهلهم،فجاءوا فأقطعهم أرض جاسان«إقليم الشّرقيّة الآن»و أرسل إليهم العربات لتحملهم،و أحمال الغذاء و الثّياب على الحمير،فلمّا وصلوا إليها شدّ يوسف على مركبته و صعد ليلاقي إسرائيل أباه في جاسان،فلمّا ظهر له ألقى بنفسه على عنقه و بكى طويلا،ثمّ استأذنهم ليذهب إلى فرعون و يخبره بمجيئهم و مكانهم ليقرّهم عليه،لأنّهم رعاة و أرض جاسان خصبة ففعل،ثمّ أخذ وفدا منهم لمقابلة فرعون،و أدخل أباه عليه فبارك فرعون.

و من هذا يتبيّن أنّ هذا اللّقاء كان هو الأوّل لهم، و بعد لقاء فرعون قال لهم:ادخلوا مصر ثمّ عاد بهم الى قصره الخاصّ.(13:42)

ابن عاشور :و قوله: اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ جملة دعائيّة بقرينة قوله: إِنْ شاءَ اللّهُ لكونهم قد دخلوا مصر حينئذ.فالأمر في(ادخلوا) للدّعاء كالّذي في قوله تعالى: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الأعراف:49.

و المقصود:تقييد الدّخول ب(آمنين)و هو مناط الدّعاء...

و جملة إِنْ شاءَ اللّهُ تأدّب مع اللّه كالاحتراس في الدّعاء الوارد بصيغة الأمر،و هو لمجرّد التّيمّن، فوقوعه في الوعد و العزم و الدّعاء بمنزلة وقوع التّسمية في أوّل الكلام،و ليس هو من الاستثناء الوارد النّهي عنه في الحديث:أن لا يقول:«اغفر لي إن شئت»،فإنّه لا مكره له،لأنّ ذلك في الدّعاء المخاطب به اللّه صراحة.و جملة إِنْ شاءَ اللّهُ معترضة بين جملة(ادخلوا)و الحال من ضميرها.(12:118)

مغنيّة:و تسأل:أنّ صدر الآية لا يتّفق مع عجزها،لأنّ الصّدر يقول:لمّا دخلوا على يوسف ضمّ أبويه إليه،و معلوم أنّ يوسف كان في مصر، و العجز يقول:بعد أن دخلوا عليه،و هو في مصر قال لهم:ادخلوا مصر-كما هو الظّاهر من سياق الآية- و معنى هذا أنّهم بعد أن دخلوا مصر قال لهم:ادخلوا مصر؟

و قيل في الجواب:إنّ يوسف أقام لأهله سرادقات بالقرب من الحدود،و فيها دخلوا عليه،و ضمّ أبويه إليه،و لمّا استأنفوا السّير من السّرادقات متّجهين إلى مصر قال لهم: اُدْخُلُوا مِصْرَ و هذا الجواب يحمّل لفظ الآية أكثر ممّا يتحمّل،و غير بعيد أن يكون مراده من اُدْخُلُوا مِصْرَ أقيموا فيها آمنين،كما حدث ذلك بالفعل؛حيث أقطعهم الملك أرضا خصبة في مصر،و ظلّت سلالة يعقوب فيها أمدا طويلا.

(4:358)

فضل اللّه :أي أقيموا فيها و امكثوا طويلا دون أن يعكّر صفوكم أحد،فلكم مطلق الحرّيّة في أن تتحرّكوا

ص: 48

كما تشاءون دون خوف و لا وجل.(12:268)

مكارم الشّيرازيّ: وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ لأنّ مصر أصبحت تحت حكم يوسف في أمن و أمان و اطمئنان.

و يستشفّ من هذه الجملة أنّ يوسف كان قد خرج إلى خارج بوّابة المدينة،لاستقبال والديه و إخوته،و لعلّ التّعبير ب دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ يحتمل أن يكون يوسف قد أمر أن تنصب الخيام هناك «خارج المدينة»و أن تهيّأ مقدّمات الاستقبال لأبويه و إخوته.(7:270)

5- فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ. النّحل:29

لاحظ:ب و ب:«أبواب».

6- اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. النّحل:32

ابن عبّاس: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بإيمانكم و اقتسموها.(223)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:أن يكون معناه أبشروا بدخول الجنّة.

الثّاني:أن يقولوا ذلك لهم في الآخرة.(3:187)

نحوه القرطبيّ.(10:102)

القشيريّ: احظوا بالجنّة،منهم من يخاطبه بذلك الملك،و منهم من يكاشفه بذلك الملك.(3:296)

الطّبرسيّ: قيل:إنّهم لمّا بشّروهم بالسّلامة، صارت الجنّة كأنّها دارهم،و هم فيها،فقولهم:

اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بمعنى حصلت لكم الجنّة.و قيل:إنّما يقولون ذلك عند خروجهم من قبورهم.(3:358)

الفخر الرّازيّ: أكثر المفسّرين على أنّ هذا التّوفّي هو قبض الأرواح،و إن كان الحسن يقول:إنّه وفاة الحشر،ثمّ بيّن تعالى أنّه يقال لهم عند هذه الحالة: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ، فاحتجّ الحسن بهذا على أنّ المراد بذلك التّوفّي وفاة الحشر،لأنّه لا يقال عند قبض الأرواح في الدّنيا اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، و من ذهب إلى القول الأوّل-و هم الأكثرون- يقولون:إنّ الملائكة لمّا بشّروهم بالجنّة صارت الجنّة كأنّها دارهم و كأنّهم فيها،فيكون المراد بقولهم:

اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أي هي خاصّة لكم كأنّكم فيها.

(20:25)

نحوه النّيسابوريّ(14:65)،و الشّربينيّ(2:229)

البيضاويّ: حين تبعثون فإنّها معدّة لكم على أعمالكم.و قيل:هذا التّوفّي وفاة الحشر،لأنّ الأمر بالدّخول حينئذ.(1:554)

أبو حيّان :و الأكثرون جعلوا التّبشير بالجنّة دخولا مجازا.و قال مقاتل و الحسن:عند دخول الجنّة، و هو قول خزنة الجنّة لهم في الآخرة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:24،فعلى هذا القول يكون(يقولون)حالا مقدّرة،و لا يكون القول وقت التّوفّي.و على هذا يحتمل أن يكون (الذين)مبتدأ،و الخبر(يقولون،)و المعنى:

يقولون لهم:سلام عليكم.و يدلّ لهذا القول قولهم:

ص: 49

اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ، و وقت الموت لا يقال لهم ادخلوا الجنّة،فالتّوفّي هنا توفّي الملائكة لهم وقت الحشر، و قوله: بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ظاهره في دخول الجنّة بالعمل الصّالح.(5:488)

أبو السّعود :اللاّم للعهد،أي جنّات عدن إلخ، و لذلك جرّدت عن النّعت،و المراد دخولهم لها في وقته،فإنّ ذلك بشارة عظيمة و إن تراخى المبشّر به، لا دخول القبر الّذي هو روضة من رياضها؛إذ ليس في البشارة به ما في البشارة بدخول نفس الجنّة.(4:58)

البروسويّ: أي جنّات عدن،فإنّها معدّة لكم، فاللاّم للعهد،و المراد:دخولهم لها في وقته كما قال الكاشفيّ.و القبر روضة من رياض الجنّة و مقدّمة لنعيمها،و من دخله على حسن الحال و الأعمال، فكأنّه دخل جنّته و وجد نعيما لا يزول و لا يزال بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بسبب ثباتكم على التّقوى و الطّاعة و العمل و إن لم يكن موجبا للجنّة،لأنّ الدّخول فيها محض فضل من اللّه،إلاّ أنّ«الباء»دلّت على أنّ الدّرجات إنّما تنال بالأعمال و صدق الأحوال،فإنّ المراد من دخول الجنّة إنّما هو اقتسام المنازل بحسب الأعمال،و قيل:زرع يومك حصاد غدك.

و في«التّأويلات النّجمية»:يشير إلى أنّ دخول الجنّة للأتقياء جزاء لإصلاح أعمالهم،و العبور عليها جزاء لإصلاح أخلاقهم،و الخروج إلى مقعد الصّدق جزاء لإصلاح أحوالهم،فلكلّ متّق مقام بحسب معاملته مع اللّه تعالى.(5:31)

الآلوسيّ: و المراد:دخولهم فيها بعد البعث بناء على أنّ المتبادر الدّخول بالأرواح و الأبدان، و المقصود من الأمر بذلك قبل مجيء وقته البشارة بالجنّة على أتمّ وجه.و يجوز أن يراد الدّخول حين التّوفّي بناء على حمل الدّخول على الدّخول بالأرواح،كما يشير إليه خبر«القبر روضة من رياض الجنّة».

و كون البشارة بذلك دون البشارة بدخول الجنّة على المعنى الأوّل،لا يمنع عن ذلك،على أنّ لقائل أن يقول:إنّ البشارة بدخول الجنّة بالأرواح متضمّنة للبشارة بدخولها بالأرواح و الأبدان عند وقته،و كون هذا القول كسابقه عند قبض الأرواح،هو المرويّ عن ابن مسعود،و جماعة من المفسّرين.و قال مقاتل و الحسن:إنّ ذلك يوم القيامة.(14:133)

القاسميّ: أي لتدخل أرواحكم الجنّة،فإنّها في نعيم برزخيّ إلى البعث.أو المراد بشارتهم بأنّهم يدخلونها،كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فصّلت:30.

(10:3799)

المراغيّ: و المراد من قوله: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ البشارة بالدّخول فيها بعد البعث إذا أريد الدّخول بالأرواح و الأبدان،فإن أريد الدّخول بالأرواح فحسب،كان ذلك حين التّوفّي،كما يشير إليه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«القبر روضة من رياض الجنّة،أو حفرة من حفر النّار».(14:76)

ص: 50

7- وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا... الأحزاب:53

الطّبريّ: يقول:و لكن إذا دعاكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فادخلوا البيت الّذي أذن لكم بدخوله.(10:323)

الطّوسيّ: و المعنى إذا دعيتم إلى طعام فادخلوا.

(8:357)

ابن العربيّ: المعنى:ادخلوا على وجه الأدب، و حفظ الحضرة الكريمة من المباسطة المكروهة.

و تقدير الكلام:إذا دعيتم فأذن لكم فادخلوا،و إلاّ فنفس الدّعوة لا تكون إذنا كافيا في الدّخول.

(3:1577)

الفخر الرّازيّ: فيه لطيفة،و هي أنّ في العادة إذا قيل:لمن كان يعتاد دخول دار من غير إذن:لا تدخلها إلاّ بإذن،يتأذّى و ينقطع بحيث لا يدخلها أصلا لا بالدّعاء،و لا بالدّعاء،فقال:لا تفعلوا مثل ما يفعله المستنكفون،بل كونوا طائعين سامعين إذا قيل لكم:

لا تدخلوا،لا تدخلوا و إذا قيل لكم ادخلوا فادخلوا...

و قوله: وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا يفيد الوجود فقوله: وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ ليس تأكيدا بل هو يفيد فائدة جديدة.(25:224)

الشّربينيّ: أي لأجل ما دعاكم له.(3:265)

أبو السّعود :استدراك من النّهي عن الدّخول بغير إذن،و فيه دلالة بيّنة على أنّ المراد بالإذن إلى الطّعام هو الدّعوة إليه.(5:235)

نحوه الآلوسيّ.(22:70)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

أي إذا أذن لكم في الدّخول و دعيتم إلى الطّعام، فادخلوا بيوته على وجوب الأدب و حفظ أحكام تلك الحضرة.(7:213)

القاسميّ: أي إذا دعيتم إلى الدّخول في وقته، فادخلوا فيه لا قبله و لا بعده.

ف(لكن)استدراك من النّهي عن الدّخول،مع الإذن المطلق الّذي هو الدّعوة بتعليم أدب آخر.

و إفادة شرط مهمّ،و هو الإشارة إلى أنّ للدّعوة حينا و وقتا يجب أن يراعى زمنه،و هذا المنهيّ عنه لم يزل يرتكبه ثقلاء القرويّين،و من شاكلهم من غلظاء المدنيّين الّذين لم يتأدّبوا بآداب الكتاب الكريم و السّنّة المطهّرة.و هو أنّهم إذا دعوا لتناول طعام يتعجّلون المجيء قبل وقته بساعات،ممّا يغمّ نفس الدّاعي و أهله،و يذهب لهم جانبا من عزيز وقتهم عبثا إلاّ في سماع حديثهم البارد،و خدمتهم المستكرهة كما قدّمنا.

فعلى ما ذكرناه يكون في الآية فائدة جميلة، و حكم مهمّ،و هو حظر المجيء قبل الوقت المقدّر.

و حينئذ فكلمة(غير)حال ثانية من الفاعل مقيّدة للدّخول المأذون فيه،و هو أن يكون وقت الدّعوة، لا قبله.و التّقدير:إلاّ مأذونين في حال كونكم غير ناظرين إناه،و لذا قيل:إنّها آية الثّقلاء.إذا علمت هذا،فالأجدر استنباط حظر التّطفّل من صدر الآية، و هو لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، و من قوله: وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا لا من قوله:

غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ لأنّه في معنى خاصّ،و هو ما

ص: 51

ذكرناه،و اللّه أعلم.(13:4892)

المراغيّ: أي و لكن إذا دعاكم الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم فادخلوا البيت الّذي أذن لكم بدخوله،فإذا أكلتم الطّعام الّذي دعيتم إلى أكله فتفرّقوا و اخرجوا، و لا تمكثوا فيه لتتبادلوا ألوان الحديث و فنونه المختلفة.(22:29)

عبد الكريم الخطيب :أوّلا:نهى اللّه المؤمنين أن يدخلوا بيوت النّبىّ إلاّ بعد استئذان،و إذن فإذا كان الدّخول استجابة لدعوة إلى طعام،فلا يتعجّلوا الحضور قبل أن ينضج الطّعام،و ذلك حتّى لا يطول مكثهم في بيت النّبيّ،و هذا ما يشير إليه قوله تعالى:

غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ أي غير منتظرين إنضاجه.

(11:745)

مكارم الشّيرازيّ: الإسلام ضمن جمل قصيرة بليغة و صريحة،و خاصّة ما كان مرتبطا بآداب معاشرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بيت النّبوّة،فتقول أوّلا:لا ينبغي لكم دخول بيوت النّبيّ إلاّ إذا دعيتم إلى طعام و اذن لكم بالدّخول بشرط أن تدخلوا في الوقت المقرّر،لا أن تأتوا قبل ذلك بفترة،و تجلسون في انتظار وقت الغذاء.

بهذا تبيّن الآية أحد آداب المعاشرة المهمّة،و الّتي كانت قلّما تراعى في تلك البيئة،و مع أنّ الكلام يدور حول بيت النّبيّ إلاّ أنّ من المسلّم أنّ هذا الحكم لا يختصّ به؛إذ ينبغي أن لا تدخل دار أيّ إنسان بدون إذنه،كما جاء ذلك في الآية:27،من سورة النّور بل نقرأ في أحوال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه عند ما كان يريد دخول بيت ابنته فاطمة سلام اللّه عليها،كان يقف خارجا و يستأذن،و كان معه جابر بن عبد اللّه يوما،فاستأذن له بعد أن استأذن لنفسه.

إضافة إلى أنّهم إذا دعوا إلى طعام،فينبغي أن يكونوا عارفين بالوقت،لئلاّ يوقعوا صاحب البيت في جهد و إحراج في غير مكانه.(13:300)

دخلا

1- وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ. النّحل:92

ابن عبّاس: مكرا و خديعة.(229)

قتادة :خيانة و غدرا بينكم.(الطّبريّ 7:638)

مقاتل:يعنى مكرا و خديعة يستحلّ به نقض العهد.(2:485)

ابن زيد :يغرّ بها،يعطيه العهد يؤمّنه و ينزله من مأمنه،فتزلّ قدمه و هو في مأمن،ثمّ يعود يريد الغدر.

(الطّبريّ 7:639)

الفرّاء: دغلا و خديعة.(2:113)

أبو عبيدة :كلّ شيء و أمر لم يصحّ فهو دخل.

(1:367)

ابن قتيبة :أي دخلا و خيانة.(248)

الطّبريّ: خديعة و غرورا ليطمئنّوا إليكم و أنتم مضمرون لهم الغدر و ترك الوفاء بالعهد،و النّقلة عنهم إلى غيرهم،من أجل أنّ غيرهم أكثر عددا منهم.

و الدّخل في كلام العرب:كلّ أمر لم يكن صحيحا،يقال منه:أنا أعلم دخل فلان و دخلله و داخلة أمره و دخلته

ص: 52

و دخيلته.(7:638)

نحوه المراغيّ.(14:134)

الزّجّاج: أي غشّا بينكم و غلاّ.و(دخلا) منصوب،لأنّه مفعول له.المعنى:تتّخذون أيمانكم للغشّ و الدّخل،و كلّ ما دخله عيب قيل:هو مدخول،و فيه دخل.(3:217)

نحوه الميبديّ(5:443)،و ابن الجوزيّ(4:486).

الثّعلبيّ: أي دخلا و خيانة و خديعة.(6:38)

الماورديّ: فيه ستّة تأويلات:

أحدها:أنّ الدّخل:الغرور.

الثّاني:أنّ الدّخل:الخديعة.

الثّالث:أنّه الغلّ و الغشّ.

الرّابع:أن يكون داخل القلب من الغدر غير ما في الظّاهر من لزوم الوفاء.

الخامس:أنّه الغدر و الخيانة،قاله قتادة.

السّادس:أنّه الحنث في الأيمان المؤكّدة.

(3:211)

الطّوسيّ: و الدّخل:ما أدخل في الشّيء على فساد.و المعنى:تدخلون الأيمان على فساد للغرور، و في نيّتكم الغدر بمن حلفتم له،لأنّكم أكثر عددا منهم،أو لأنّ غيركم أكثر عددا منكم.و قيل:الدّخل:

الدّغل و الخديعة،و إنّما قيل:الدّخل،لأنّه داخل القلب على ترك الوفاء،و الظّاهر على الوفاء.و قيل:

دخلا غلاّ و غشّا.(6:421)

الواحديّ: الدّخل و الدّغل:الغشّ و الخيانة.

(3:80)

نحوه القرطبيّ.(10:171)

البغويّ: خديعة و فسادا.(3:94)

الزّمخشريّ: و(دخلا)أحد مفعولي«اتّخذ»، يعني و لا تنقضوا أيمانكم متّخذيها دَخَلاً بَيْنَكُمْ أي مفسدة و دغلا.(2:426)

نحوه النّسفيّ.(2:298)

ابن عطيّة: و الدّخل:الدّغل بعينه،و هي الذّرائع إلى الخدع و الغدر؛و ذلك أنّ المحلوف له مطمئنّ فيتمكّن الحالف من ضرّه بما يريده.(3:418)

نحوه أبو حيّان.(5:531)

الطّبرسيّ: أي دخلا و خيانة و مكرا؛و ذلك أنّهم كانوا يحلفون في عهودهم و يضمرون الخيانة، و كان النّاس يسكنون إلى عهدهم ثمّ ينقضون العهد، فقد اتّخذوا أيمانهم مكرا و خيانة.(3:382)

البيضاويّ: حال من الضّمير في وَ لا تَكُونُوا أو في الجارّ الواقع موقع الخبر،أي لا تكونوا متشبّهين بامرأة هذا شأنها،متّخذي أيمانكم مفسدة و دخلا بينكم،و أصل الدّخل:ما يدخل الشّيء و لم يكن منه.

(1:568)

نحوه أبو السّعود(4:89)،و البروسويّ(5:75).

الخازن :يعني دغلا و خيانة و خديعة.و الدّخل:

ما يدخل في الشّيء على سبيل الفساد.(4:92)

الآلوسيّ: و الدّخل في الأصل:ما يدخل الشّيء و لم يكن منه،ثمّ كنّي به عن الفساد و العداوة المستبطنة كالدّغل،و فسّره قتادة بالغدر و الخيانة،و نصبه على أنّه مفعول ثان،و قيل:على المفعوليّة من أجله،

ص: 53

و فائدة وقوع الجملة حالا الإشارة إلى وجه الشّبه، أي لا تكونوا مشبّهين بامرأة هذا شأنها،متّخذين أيمانكم وسيلة للغدر و الفساد بينكم.(14:222)

مغنيّة:و الدّخل هو الشّيء الفاسد و المفسد، و منه المكر و الخديعة،و(اربى)أي أكثر.و المعنى:

لا تجعلوا أيمانكم وسيلة للغدر و الخيانة؛و ذلك بأن تحلفوا للّذين هم أكثر منكم و أقوى ليطمئنّوا إليكم، و يثقوا بكم،و أنتم في نفس الوقت تضمرون أن تنقضوا الأيمان،و تتركوا الّذين حلفتم لهم متى رأيتم أقوى منهم عدّة،و أكثر عددا،و يتلخّص المعنى بكلمة واحدة:لا تغدروا.(4:546)

الطّباطبائيّ: أي تتّخذون أيمانكم وسيلة للغدر و الخدعة و الخيانة،تطيّبون بها نفوس النّاس،ثمّ تخونون و تخدعونهم بنقضها،و إنّما يفعلون ذلك لتكون أمّة-و هم الحالفون-أربى و أزيد سهما من زخارف الدّنيا من أمّة،و هم المحلوف لهم.

فالمراد بالدّخل وسيلته من تسمية السّبب باسم المسبّب.(12:335)

فضل اللّه :أي تتّخذون أيمانكم أداة لخداع النّاس و خيانتهم؛حيث توحون لهم من خلال الأيمان المغلّظة أنّكم سوف تقومون بطريقة لا تقبل الشّكّ بما حلفتم عليه،حتّى إذا ما وثقوا بكم و حصلتم على ما تريدون،نقضتم كلّ ما أبرمتموه،و نكثتم بكلّ ما عاهدتم عليه.(13:285)

2- وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها... النّحل:94

مثل ما قبلها.

ادخل

1- فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ. آل عمران:185

لاحظ:ز ح ز ح:«زحزح».

2- وَ أُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ. إبراهيم:23

الزّمخشريّ: و قرأ الحسن و عمرو بن عبيد (و ادخل الّذين آمنوا) على فعل المتكلّم،بمعنى و أدخل أنا،و هذا دليل على أنّه من قول اللّه لا من قول إبليس، بِإِذْنِ رَبِّهِمْ متعلّق ب(ادخل،)أي أدخلتهم الملائكة الجنّة بإذن اللّه و أمره.(2:375)

القرطبيّ: أي في جنّات،لأنّ«دخلت»لا يتعدّى كما لا يتعدّى نقيضه-و هو«خرجت»و لا يقاس عليه،قاله المهدويّ.-و لمّا أخبر تعالى بحال أهل النّار أخبر بحال أهل الجنّة أيضا.و قراءة الجماعة ادخل على أنّه فعل مبنيّ للمفعول.و قرأ الحسن و أدخل على الاستقبال و الاستئناف.(7:358)

البيضاويّ: و المدخلون هم الملائكة.(1:530)

ادخلوا

مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْصاراً. نوح:25

ص: 54

الضّحّاك: هي في حالة واحدة في الدّنيا يغرقون من جانب،و يحترقون من جانب.(البغويّ:5:158)

الكلبيّ: سيدخلون في الآخرة نارا.

(الواحديّ 4:360)

مقاتل:أدخلوا في الآخرة نارا.

(الواحديّ 4:360)

الواحديّ: [نقل قول الكلبيّ و مقاتل و أدام:]

و جاء لفظ المضيّ بمعنى الاستقبال،لصدق الوعد به.(4:360)

الزّمخشريّ: جعل دخولهم النّار في الآخرة كأنّه متعقّب لإغراقهم لاقترابه،و لأنّه كائن لا محالة، فكأنّه قد كان،أو أريد عذاب القبر.

و من مات في ماء أو في نار أو أكلته السّباع و الطّير ،أصابه ما يصيب المقبور من العذاب.(4:165)

نحوه البروسويّ.(10:183)

ابن عطيّة: يعني جهنّم،و عبّر عن ذلك بفعل الماضي من حيث الأمر متحقّق.

و قيل:أراد عرضهم على النّار غدوّا و عشيّا،عبّر عنهم بالإدخال.(5:376)

الفخر الرّازيّ: تمسّك أصحابنا في إثبات عذاب القبر بقوله: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً؛ و ذلك من وجهين:

الأوّل:أنّ الفاء في قوله: فَأُدْخِلُوا ناراً تدلّ على أنّه حصلت تلك الحالة عقيب الإغراق،فلا يمكن حملها على عذاب الآخرة،و إلاّ بطلت دلالة هذه الفاء.

الثّانيّ: أنّه قال:(فادخلوا)على سبيل الإخبار عن الماضي.و هذا إنّما يصدق لو وقع ذلك.قال مقاتل و الكلبي:معناه أنّهم سيدخلون في الآخرة نارا،ثمّ عبّر عن المستقبل بلفظ الماضي لصحّة كونه و صدق الوعد به،كقوله: وَ نادى أَصْحابُ النّارِ الأعراف:50، وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ الأعراف:44.

و اعلم أنّ الّذي قالوه ترك للظّاهر من غير دليل.فإن قيل:إنّما تركنا هذا الظّاهر لدليل،و هو أنّ من مات في الماء فإنّا نشاهده هناك،فكيف يمكن أن يقال:إنّهم في تلك السّاعة أدخلوا نارا؟

و الجواب:هذا الإشكال إنّما جاء لاعتقاد أنّ الإنسان هو مجموع هذا الهيكل،و هذا خطأ لما بيّنّا أنّ هذا الإنسان هو الّذي كان موجودا من أوّل عمره،مع أنّه كان صغير الجثّة في أوّل عمره،ثمّ إنّ أجزاءه دائما في التّحلّل و الذّوبان،و معلوم أنّ الباقي غير المتبدّل، فهذا الإنسان عبارة عن ذلك الشّيء الّذي هو باق من أوّل عمره إلى الآن،فلم لا يجوز أن يقال:إنّه و إن بقيت هذه الجثّة في الماء،إلاّ أنّ اللّه تعالى نقل تلك الأجزاء الأصليّة الباقية الّتي كان الإنسان المعيّن عبارة عنها إلى النّار و العذاب.(30:145)

القرطبيّ: أي بعد إغراقهم.قال القشيريّ:و هذا يدلّ على عذاب القبر،و منكروه يقولون:صاروا مستحقّين دخول النّار،أو عرض عليهم أماكنهم من النّار،كما قال تعالى: اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَ عَشِيًّا المؤمن:46.و قيل:أشاروا إلى ما في الخبر من قوله:«البحر نار في نار».

ص: 55

و روى أبو روق عن الضّحّاك في قوله تعالى:

أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً قال:يعني عذّبوا بالنّار في الدّنيا مع الغرق في الدّنيا في حالة واحدة،كانوا يغرقون في جانب و يحترقون في الماء من جانب.

(18:311)

البيضاويّ: المراد:عذاب القبر أو عذاب الآخرة،و التّعقيب لعدم الاعتداد بما بين الإغراق و الإدخال،أو لأنّ المسبّب كالمتعقّب للسّبب و إن تراخى عنه،لفقد شرط أو وجود مانع.و تنكير النّار للتّعظيم،أو لأنّ المراد نوع من النّيران أعدّ لهم.

(2:508)

نحوه أبو السّعود(6:311)،و الآلوسيّ(29:79).

أبو حيّان :أي جهنّم،و عبّر عن المستقبل بالماضي لتحقّقه،و عطف بالفاء على إرادة الحكم،أو عبّر بالدّخول عن عرضهم على النّار غدوّا و عشيّا،كما قال: اَلنّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها المؤمن:46.(8:343)

الشّربينيّ: (فادخلوا)في الآخرة الّتي أوّلها البرزخ يعرضون فيه على النّار بكرة و عشيّا.

(4:395)

يدخل

وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً. الفتح:25

ابن عطيّة: و اللاّم في قوله:(ليدخل)يحتمل أن يتعلّق بمحذوف من القول،تقديره:لو لا هؤلاء لدخلتم مكّة،لكن شرّفنا هؤلاء المؤمنين بأن رحمناهم و دفعنا بسببهم عن مكّة لِيُدْخِلَ اللّهُ، أي ليبيّن للنّاظر أنّ اللّه تعالى يدخل من يشاء في رحمته،أو ليقع دخولهم في رحمة اللّه و دفعه عنهم.

و يحتمل أن تتعلّق بالإيمان المتقدّم الذّكر،فكأنّه قال:و لو لا قوم مؤمنون آمنوا ليدخل اللّه من يشاء في رحمته.و هذا مذكور،لكنّه ضعيف،لأنّ قوله: مَنْ يَشاءُ يضعّف هذا التّأويل.(5:137)

الفخر الرّازيّ: فيه أبحاث:

الأوّل:في الفعل الّذي يستدعي اللاّم الّذي بسببه يكون الإدخال،و فيه وجوه:

أحدها:أن يقال:هو قوله: (كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) ليدخل.لا يقال بأنّك ذكرت أنّ المانع وجود رجال مؤمنين،فيكون كأنّه قال:كفّ أيديكم لئلاّ تطئوا، فكيف يكون لشيء آخر؟

نقول:الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:أن نقول:كفّ أيديكم لئلاّ تطئوا لتدخلوا،كما يقال:أطعمته ليشبع ليغفر اللّه لي،أي الإطعام للشّبع كان ليغفر.

الثّاني:هو أنّا بيّنّا أنّ لو لا جوابه ما دلّ عليه قوله: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فيكون كأنّه قال:هم الّذين كفروا،و استحقّوا التّعجّل في إهلاكهم،و لو لا رجال لعجّل بهم و لكن كفّ أيديكم ليدخل.

ثانيها:أن يقال:فعل ما فعل ليدخل،لأنّ هناك أفعالا من الألطاف و الهداية و غيرهما.و قوله:

لِيُدْخِلَ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ: ليؤمن منهم من

ص: 56

علم اللّه تعالى أنّه يؤمن في تلك السّنة،أو ليخرج من مكّة و يهاجر،فيدخلهم في رحمته.(28:100)

البروسويّ: لِيُدْخِلَ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ متعلّق بما يدلّ عليه الجواب المحذوف،كأنّه قيل عقيبه:لكن كفّها عنهم ليدخل بذلك الكفّ المؤدّي إلى الفتح بلا محذور في رحمته الواسعة بقسميها مَنْ يَشاءُ و هم المؤمنون،فإنّهم كانوا خارجين من الرّحمة الدّنيويّة الّتي من جملتها الأمن،مستضعفين تحت أيدي الكفرة.و أمّا الرّحمة الأخرويّة فهم و إن كانوا غير محرومين منها بالكلّيّة،لكنّهم كانوا قاصرين في إقامة مراسم العبادة كما ينبغي،فتوفيقهم لإقامتها على الوجه الأتمّ إدخال لهم في الرّحمة الأخرويّة.(9:49)

يدخلهم

1- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً. (النّساء:175)

الطّبريّ: فسوف تنالهم رحمته الّتي تنجيهم من عقابه،و توجب لهم ثوابه و رحمته و جنّته،و يلحقهم من فضله ما لحق أهل الإيمان به و التّصديق برسله.

(4:378)

نحوه الطّوسيّ.(3:407)

القشيريّ: و السّين للاستقبال أي يحفظ عليهم إيمانهم في المآل عند التّوفّي،كما أكرمهم بالعرفان و الإيمان في الحال.(2:89)

لاحظ:ر ح م:«رحمة».

2- وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. (التّوبة:99)

الطّوسيّ: وعد منه لهم بأن يرحمهم و يدخلهم فيها،و فيه مبالغة،فإنّ الرّحمة وسعتهم و غمرتهم،و لو قال فيهم:رحمة اللّه،لأفاد أنّهم اتّسعوا للرّحمة من اللّه تعالى.(5:331)

البيضاويّ: وعد لهم بإحاطة الرّحمة عليهم، و«السّين»لتحقيقه.(1:429)

نحوه الكاشانيّ.(2:369)

البروسويّ: وعد لهم بإحاطة رحمته الواسعة بهم و تفسير للقربة.و«السّين»لتحقيق الوعد،لأنّها في الإثبات بمنزلة«لن»في النّفي.(3:491)

نحوه الآلوسيّ.(11:7)

المراغيّ: و المراد بإدخالهم في الرّحمة أن تكون محيطة بهم شاملة لهم،و هم مغمورون فيها.و هذا أبلغ في إثباتها لهم من مثل قوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ التّوبة:21.(11:10)

مكارم الشّيرازيّ: خصوصا مع ملاحظة(فى) الّتي تعني الدّخول و الغوص في الرّحمة الإلهيّة،و بعد ذلك الجملة الأخيرة الّتي تبدأ ب(انّ)و تذكر صفتين من صفات الرّحمة،و هما(غفور رحيم.)كلّ هذه التّأكيدات تبيّن منتهى اللّطف و الرّحمة الإلهيّة بهذه الفئة.(6:166)

ص: 57

يدخلنّهم

لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَ إِنَّ اللّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ.

الحجّ:59

أبو عبيدة :الميم مضمومة،لأنّها من«أدخلت» و الخاء مفتوحة،و إذا كان من«دخلت»فالميم و الخاء مفتوحتان.(2:53)

الطّبريّ: ليدخلنّ اللّه المقتول في سبيله من المهاجرين و الميّت منهم مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ، و ذلك المدخل هو الجنّة.(9:182)

الطّوسيّ: ثمّ أقسم تعالى أنّه ليدخلنّ هؤلاء المهاجرين في سبيل اللّه الّذين قتلوا لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ و يؤثرونه يعني الجنّة،و ما فيها من أنواع النّعيم.و قرأ نافع «مدخلا» بفتح الميم،يريد المصدر أو اسم المكان،و تقديره:ليدخلنّهم فيدخلون مدخلا يرضونه أو مكانا يرضونه.و الباقون بضمّ الميم و هو الأجود،لأنّه من:أدخل يدخل مدخلا،لقوله:

وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ الإسراء:80.

(7:334)

الواحديّ: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ، لأنّ لهم فيه ما تشتهي الأنفس و تلذّ الأعين.و«المدخل» يجوز أن يكون بمعنى المصدر و بمعنى المكان،فإذا كان بمعنى المصدر فالمراد به:إدخالا يكرمون به فيرضونه.

و قرئ (مدخلا) بفتح الميم،على تقدير:فيدخلون مدخلا يرضونه.(3:278)

نحوه الطّبرسيّ(4:93)،و ابن الجوزيّ(5:446).

الميبديّ: أي إدخالا يرضونه،أو مكانا يرضونه، لأنّ لهم فيه ما تشتهي الأنفس و تلذّ الأعين،و هو الجنّة.على أنّ«المدخل»مصدر«أدخل»أو مفعول له.و قرأ نافع (مدخلا) بفتح الميم،أي دخولا أو موضعا يدخل،كما أنّ المخرج كذلك.فإن حملته على المصدر أضمرت له فعلا دلّ عليه،و انتصابه يكون بذلك الفعل،و تقديره:ليدخلنّهم فيدخلون دخولا.

و إن حملته على المكان لم تحتج إلى الإضمار،و تقديره:

ليدخلنّهم مكانا مرضيّا.

و قيل:معناه:لينزّلنّهم منزلا يرضونه عوضا عن أنفسهم الّتي بذلوها في اللّه.(6:397)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:قرئ مدخلا بضمّ الميم،و هو من الإدخال.و من قرأ بالفتح فالمراد الموضع.

المسألة الثّانية:قيل في«المدخل»الّذي يرضونه إنّه خيمة من درّة بيضاء،لا فصم فيها و لا وصم،لها سبعون ألف مصراع.(23:58)

أبو حيّان : لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ و هو الجنّة(يرضونه:)يختارونه؛إذ فيه رضاهم،كما قال:

لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً الكهف:108،و تقدّم الخلاف في القراءة بضمّ الميم أو فتحها في النّساء،و الأولى أن يكون يراد ب«المدخل»؛مكان الدّخول أو مكان الإدخال،و يحتمل أن يكون مصدرا.(6:384)

أبو السّعود :و قوله تعالى: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ بدل من قوله تعالى: لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّهُ الحجّ:58،أو استئناف مقرّر لمضمونه و(مدخلا)إمّا اسم مكان أريد به الجنّة،فهو مفعول ثان للإدخال،أو

ص: 58

مصدر ميميّ أكّد به فعله.(4:392)

الشّوكانيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و في هذا من الامتنان عليهم و التّبشير لهم ما لا يقادر قدره،فإنّ المدخل الّذي يرضونه هو الأوفق لنفوسهم،و الأقرب إلى مطلبهم.على أنّهم يرون في الجنّة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت،و لا خطر على قلب بشر؛و ذلك هو الّذي يرضونه و فوق الرّضا.

(3:581)

الآلوسيّ: قوله تعالى: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ استئناف مقرّر لمضمون قوله سبحانه:

لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّهُ، أو بدل منه،مقصود منه تأكيده.

و(مدخلا)إمّا اسم مكان أريد به الجنّة،كما قال السّدّيّ و غيره،أو درجات فيها مخصوصة بأولئك المهاجرين كما قيل.و قيل:هو خيمة من درّة بيضاء لا فصم فيها و لا وصم،لها سبعون ألف مصراع،أو مصدر ميميّ.و هو على الاحتمال الأوّل مفعول ثان للإدخال،و على الثّاني مفعول مطلق.

و وصفه ب(يرضونه)على الاحتمالين،لما أنّهم يرون إذا أدخلوا ما لا عين رأت،و لا أذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر.و قيل على الثّاني:إنّ رضاهم لما أنّ إدخالهم من غير مشقّة تنالهم بل براحة و احترام.

و قرأ أهل المدينة (مدخلا) بالفتح،و الباقون بالضّمّ.(17:189)

ابن عاشور :جملة لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ بدل من جملة لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّهُ رِزْقاً حَسَناً، و هي بدل اشتمال،لأنّ كرامة المنزل من جملة الإحسان في العطاء،بل هي أبهج لدى أهل الهمم،و لذلك وصف المدخل ب(يرضونه.)(17:224)

الطّباطبائيّ: المدخل بضمّ الميم و فتح الخاء:اسم مكان من الإدخال،و احتمال كونه مصدرا ميميّا لا يناسب السّياق تلك المناسبة.

و توصيف هذا المدخل و هو الجنّة بقوله:

(يرضونه)و الرّضا مطلق،دليل على اشتمالها على أقصى ما يريده الإنسان،كما قال: لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ الفرقان:16.

و قوله: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ بيان لقوله: لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّهُ رِزْقاً حَسَناً و إدخاله إيّاهم مدخلا يرضونه و لا يكرهونه،على الرّغم من إخراج المشركين إيّاهم إخراجا يكرهونه و لا يرضونه،و لذا علّله بقوله: وَ إِنَّ اللّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ، أي عليم بما يرضيهم،فيعدّه لهم إعدادا،حليم فلا يعاجل العقوبة لأعدائهم الظّالمين لهم.(14:399)

تدخل

رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ. آل عمران:192

لاحظ:خ ز ي:«اخزيته».

ادخلنّهم

فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ

ص: 59

وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ. آل عمران:195

لاحظ:ث و ب:«ثوابا».

ندخلهم

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً. النّساء:122

الطّبريّ: يقول:سوف ندخلهم يوم القيامة إذا صاروا إلى اللّه،جزاء بما عملوا في الدّنيا من الصّالحات.

(4:286)

أبو حيّان :لمّا ذكر مأوى الكفّار،ذكر مأوى المؤمنين،و أسند الفعل إلى نون العظمة،اعتناء بأنّه تعالى هو الّذي يتولّى إدخالهم الجنّة و تشريفا لهم.

و قرئ: (سيدخلهم) بالياء.و لمّا رتّب تعالى مصير من كان تابعا لإبليس إلى النّار لإشراكه و كفره و تغيير أحكام اللّه تعالى،رتّب هنا دخول الجنّة على الإيمان و عمل الصّالحات.(3:355)

ندخلكم-مدخلا

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً. النّساء:31

الطّبريّ: أمّا قوله: وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً فإنّ القراء اختلفت في قراءته،فقرأته عامّة قرأة أهل المدينة و بعض الكوفيّين (و ندخلكم مدخلا كريما) بفتح الميم،و كذلك الّذي في الحجّ:59، لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ فمعنى: وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً فيدخلون دخولا كريما.و قد يحتمل على مذهب من قرأ هذه القراءة أن يكون المعنى في«المدخل»:المكان و الموضع،لأنّ العرب ربّما فتحت الميم من ذلك بهذا المعنى.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك تفعل العرب فيما كان من الفعل بناؤه على أربعة تضمّ ميمه في مثل هذا،فتقول:دحرجته أدحرجه مدحرجا فهو مدحرج،ثمّ تحمل ما جاء على «أفعل يفعل»على ذلك،لأنّ«يفعل»من«يدخل»، و إن كان على أربعة،فإنّ أصله أن يكون على يؤفعل:

يؤدخل،و يؤخرج،فهو نظير«يدحرج.».

و قرأ ذلك عامّة قرأة الكوفيّين و البصريّين:

مدخلا بضمّ الميم،يعني:و ندخلكم إدخالا كريما.

و أولى القراءتين بالصّواب قراءة من قرأ ذلك:

وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً بضمّ الميم،لما وصفنا من أنّ ما كان من الفعل بناؤه على أربعة في«فعل» فالمصدر منه:«مفعل»،و أن«أدخل»و«دحرج» «فعل»منه على أربعة،ف«المدخل»مصدره أولى من«مفعل»،مع أنّ ذلك أفصح في كلام العرب في مصادر ما جاء على«أفعل»،كما يقال:أقام بمكان فطاب له المقام،إذا أريد به الإقامة،و قام في موضعه فهو في مقام واسع،كما قال جلّ ثناؤه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ الدّخان:51،من:قام يقوم،و لو أريد به الإقامة لقرئ (انّ المتّقين فى مقام امين) كما قرئ وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ بمعنى الإدخال و الإخراج،و لم يبلغنا عن أحد

ص: 60

أنّه قرأ (مدخل صدق) ،و لا (مخرج صدق) بفتح الميم.(4:48)

البغويّ: أي حسنا،و هو الجنّة.قرأ أهل المدينة (مدخلا) بفتح الميم هاهنا و في الحجّ،و هو موضع الدّخول،و قرأ الباقون بالضّمّ على المصدر بمعنى الإدخال.(1:608)

الزّمخشريّ: و(مدخلا)بضمّ الميم و فتحها، بمعنى المكان و المصدر فيهما.(1:522)

الطّبرسيّ: قرأ أبو جعفر و نافع (مدخلا كريما) مفتوحة الميم،و قرأ الباقون(مدخلا)بالضّمّ.

قال أبو عليّ: من قرأ (مدخلا) يحتمل أن يكون مصدرا،و أن يكون مكانا.فإن حملته على المصدر أضمرت له فعلا دلّ عليه الفعل المذكور،و تقديره:

ندخلكم فتدخلون مدخلا،و إن حملته على المكان، فتقديره:ندخلكم مكانا كريما،و هذا أشبه هنا،لأنّ المكان قد وصف بالكريم في قوله تعالى: وَ مَقامٍ كَرِيمٍ و من قرأ مدخلا فيجوز فيه أيضا أن يكون مكانا و أن يكون مصدرا.[إلى أن قال:] وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً، أي مكانا طيّبا حسنا لا ينقصه شيء، و قد ذكرنا المعنى في القراءتين.(2:37)

نحوه القرطبيّ.(5:161)

البيضاويّ: وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً: الجنّة و ما وعد من الثّواب،أو إدخالا مع كرامة.و قرأ نافع هنا و في الحجّ بفتح الميم،و هو أيضا يحتمل المكان و المصدر.(1:216)

البروسويّ: وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً بضمّ الميم اسم مكان هو الجنّة،(كريما)أي حسنا مرضيّا،أو مصدر ميميّ،أي إدخالا مع كرامة.(2:196)

الآلوسيّ: وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً الجمهور على ضمّ الميم،و قرأ أبو جعفر و نافع بفتحها.و هو على الضّمّ إمّا مصدر،و مفعول(ندخلكم)محذوف،أي ندخلكم الجنّة إدخالا،أو مكان،منصوب على الظّرف عند سيبويه،و على أنّه مفعول به عند الأخفش،و هكذا كلّ مكان مختصّ بعد«دخل»فيه الخلاف.

و على الفتح قيل:منصوب بمقدّر،أي ندخلكم فتدخلون مدخلا،و نصبه كما مرّ.و جوّز كونه كقوله تعالى: أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً نوح:17،و رجّح حمله على المكان لوصفه بقوله سبحانه:(كريما)أي حسنا،و قد جاء في القرآن العظيم وصف المكان به، فقد قال سبحانه: وَ مَقامٍ كَرِيمٍ الدّخان:26.

(5:19)

الطّباطبائيّ: «المدخل»بضمّ الميم و فتح الخاء:

اسم مكان،و المراد منه:الجنّة،أو مقام القرب من اللّه سبحانه و إن كان مرجعهما واحدا.(4:324)

فضل اللّه :(مدخلا)بضمّ الميم من«أدخل» و بفتحها من«دخل»و في الحالين هو اسم مكان، و المراد به هنا:الجنّة.(7:205)

يدخل

أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ

المعارج:38

ص: 61

الطّبريّ: و اختلف القرّاء في قراءة قوله:

أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ فقرأت ذلك عامّة قرّاء الأمصار:(يدخل)بضمّ الياء على وجه ما لم يسمّ فاعله،غير الحسن و طلحة بن مصرّف،فإنّه ذكر عنهما أنّهما كانا يقرءانه بفتح الياء،بمعنى أ يطمع كلّ امرئ منهم أن يدخل كلّ امرئ منهم جنّة نعيم.

و الصّواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار، و هي ضمّ الياء،لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.

(12:242)

نحوه ابن عطيّة.(5:370)

البروسويّ: لعلّ وجه إيراد(يدخل)مجهولا من الإدخال دون يدخل معلوما من الدّخول،مع أنّه الظّاهر في ردّ قولهم:لندخلنّها،إشعار بأنّه لا يدخل من يدخل إلاّ بإدخال اللّه و أمره للملائكة به،و بأنّهم محرومون من شفاعة تكون سببا للدّخول،و بأنّ إسناد الدّخول إخبارا و إنشاء إنّما يكون للمرضيّ عنهم.

و المكرمين عند اللّه بإيمانهم و طاعتهم،كقوله تعالى: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ النّساء:124، و قوله: اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ الأعراف:49.

(10:169)

الطّباطبائيّ: و في قوله: أَنْ يُدْخَلَ مجهولا من باب«الإفعال»إشارة إلى أنّ دخولهم في الجنّة ليس منوطا باختيارهم و مشيئتهم،بل لو كان فإنّما هو إلى اللّه سبحانه،فهو الّذي يدخلهم الجنّة إن شاء،و لن يدخل بما قدّر أن لا يدخلها كافر.(20:20)

ادخلوا

وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ

(المؤمن:46)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء أهل الحجاز و العراق سوى عاصم و أبي عمرو وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ بفتح الألف من أدخلوا في الوصل و القطع،بمعنى الأمر بإدخالهم النّار.و إذا قرئ ذلك كذلك،كان«الآل» نصبا بوقوع(ادخلوا)عليه،و قرأ ذلك عاصم و أبو عمرو: (وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا) بوصل الألف و سقوطها في الوصل من اللّفظ،و بضمّها إذا ابتدئ بعد الوقف على(الساعة.)و من قرأ ذلك كذلك،كان «الآل»على قراءته نصبا بالنّداء،لأنّ معنى الكلام على قراءته:ادخلوا يا آل فرعون أشدّ العذاب.

و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال:

إنّهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى،قد قرأ بكلّ واحدة منهما جماعة من القرّاء،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.

فمعنى الكلام إذن:و يوم تقوم السّاعة يقال لآل فرعون:ادخلوا يا آل فرعون أشدّ العذاب،فهذا على قراءة من وصل الألف من(ادخلوا)و لم يقطع.و معناه على القراءة الأخرى:و يوم تقوم السّاعة يقول اللّه لملائكته: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ.

(11:67)

نحوه الطّوسيّ(9:80)،و البغويّ(4:114)، و الميبديّ(8:480)،البيضاويّ(2:338).

ص: 62

الطّباطبائيّ: و الآية صريحة أوّلا:في أنّ هناك عرضا على النّار،ثمّ إدخالا فيها،و الإدخال أشدّ من العرض.

و ثانيا:في أنّ العرض على النّار قبل قيام السّاعة الّتي فيها الإدخال،و هو عذاب البرزخ عالم متوسّط بين الموت و البعث.

و ثالثا:أنّ التّعذيب في البرزخ و يوم تقوم السّاعة بشيء واحد و هو نار الآخرة،لكن البرزخيّين يعذّبون بها من بعيد،و أهل الآخرة بدخولها.

(17:335)

ادخلنى

1- وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ. الإسراء:80

لاحظ:خ ر ج:«اخرجنى،مخرج».

2- قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ. النّمل:19

الطّبريّ: يقول:و أدخلني برحمتك مع عبادك الصّالحين،الّذين اخترتهم لرسالتك و انتخبتهم لوحيك،يقول:أدخلني من الجنّة مداخلهم.

(9:504)

الواحديّ: أي أدخلني في جملتهم،و أثبت اسمي مع أسمائهم،و احشرني في زمرتهم.(3:373)

نحوه البغويّ(3:496)،و الطّبرسيّ(4:216).

الزّمخشريّ: و اجعلني من أهل الجنّة.

(3:142)

الفخر الرّازيّ: وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ فلمّا طلب في الدّنيا الإعانة على الخيرات طلب أن يجعل في الآخرة من الصّالحين، و قوله:(برحمتك)يدلّ على أنّ دخول الجنّة برحمته و فضله لا باستحقاق من جانب العبد.و اعلم أنّ سليمان عليه السّلام طلب ما يكون وسيلة إلى ثواب الآخرة أوّلا،ثمّ طلب ثواب الآخرة ثانيا.(24:188)

الشّربينيّ: يدلّ على أنّ دخول الجنّة برحمته و فضله لا باستحقاق العبد،و المعنى:أدخلني في جملتهم،و أثبت اسمي في أسمائهم،و احشرني في زمرتهم،قال ابن عبّاس:يريد مع إبراهيم و إسحاق و يعقوب،و من بعدهم من النّبيّين.

فإن قيل:درجات الأنبياء أفضل من درجات الصّالحين و الأولياء،فما السّبب في أنّ الأنبياء يطلبون جعلهم من الصّالحين،و قد تمنّى يوسف عليه السّلام بقوله:

فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ يوسف :101،و قال إبراهيم: هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ الشّعراء:83؟

أجيب:بأنّ الصّالح الكامل هو الّذي لا يعصي اللّه تعالى و لا يفعل معصية،و لا يهمّ بمعصية و هذه درجة عالية.(3:50)

نحوه البروسويّ.(6:335)

الآلوسيّ: أي في جملتهم.و الكلام عن

ص: 63

الزّمخشريّ كناية عن جعله من أهل الجنّة.و قدّر بعضهم«الجنّة»مفعولا ثانيا ل(ادخلنى،)و على كونه كناية لا حاجة إلى التّقدير.و الدّاعي لأحد الأمرين-على ما قيل-دفع التّكرار مع ما قبل،لأنّه إذا عمل عملا صالحا كان من الصّالحين البتّة؛إذ لا معنى للصّالح إلاّ العامل عملا صالحا.و أردف طلب المداومة على عمل الصّالح بطلب إدخاله الجنّة،لعدم استلزام العمل الصّالح بنفسه إدخال الجنّة.(19:181)

ابن عاشور :و الإدخال في العباد الصّالحين مستعار لجعله واحدا منهم،فشبّه إلحاقه بهم في الصّلاح بإدخاله عليهم في زمرتهم،و سؤاله ذلك مراد به الاستمرار و الزّيادة من رفع الدّرجات،لأنّ لعباد اللّه الصّالحين مراتب كثيرة.(19:242)

الطّباطبائيّ: أي اجعلني منهم.و هذا الصّلاح لمّا لم يتقيّد بالعمل كان هو صلاح الذّات،و هو صلاح النّفس في جوهرها الّذي يستعدّ به لقبول أيّ كرامة إلهيّة.

و من المعلوم أنّ صلاح الذّات أرفع قدرا من صلاح العمل،ففي قوله: وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ تدرّج في المسألة من الأدنى إلى الأعلى،و قد كان صلاح العمل منسوبا إلى صنعه و اختياره بوجه دون صلاح الذّات، و لذا سأل صلاح الذّات من ربّه و لم يسأل نفس صلاح العمل،بل أن يوزعه أن يعمل.

و في تبديله سؤال صلاح الذّات من سؤال أن يدخله في عباده الصّالحين إيذان بسؤاله ما خصّهم اللّه به من المواهب و أغزرها العبوديّة،و قد وصفه اللّه بها في قوله: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ: ص:30.

(15:354)

مدّخلا

لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ. التّوبة:57

ابن عبّاس: سربا في الأرض.(160)

نحوه قتادة(الواحديّ 2:504)،و الفرّاء(1:

443)

الضّحّاك: أي موضع دخول يأوون إليه.

(الطّبرسيّ 3:40)

الحسن :وجها يدخلونه.(الواحديّ 2:504)

ابن زيد :نفقا كنفق اليربوع.

(الطّبرسيّ 3:40)

الطّبريّ: يقول:سربا في الأرض يدخلون فيه.

و قال: أَوْ مُدَّخَلاً...، لأنّه من:«ادّخل يدّخل».

(6:392)

الزّجّاج: و قوله:(او مدخلا)و يقرأ (او مدخلا) بالتّخفيف،و يقرأ (او مدخلا) .

فأمّا«مدّخل»فأصله:مدتخل،و لكنّ التّاء و الدّال من مكان واحد،فكان الكلام من وجه واحد أخفّ.و من قال(مدخلا)فهو من دخل يدخل مدخلا،و من قال(مدخلا)فهو من أدخلته مدخلا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و معنى مدّخل و مدخل:أنّهم لو وجدوا قوما

ص: 64

يدخلون في جملتهم،أو يدخلونهم في جملتهم لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ. (2:455)

الماورديّ: ففيه وجهان:

أحدهما:[قول الطّبريّ]

و الثّاني:أنّه المدخل الضّيّق الّذي يدخل فيه بشدّة.(2:373)

البغويّ: موضع دخول يدخلون فيه،و هو من أدخل يدخل،و أصله:مدتخل«مفتعل»،من ادّخل يدّخل.

و قرأ يعقوب:مدخلا،بفتح الميم و تخفيف الدّال، و هو أيضا موضع الدّخول.(2:358)

الزّمخشريّ: أو نفقا يندسّون فيه و ينحجزون، و هو«مفتعل»من الدّخول.(2:196)

نحوه البيضاويّ.(1:419)

الطّبرسيّ: قرأ يعقوب و سهل (او مدخلا) بفتح الميم و سكون الدّال،و هو قراءة ابن أبي إسحاق و الحسن،و الباقون(مدخلا.)و في الشّواذّ قراءة مسلمة بن محارب(او مدخلا)بضمّ الميم و سكون الدّال،و قراءة الأعرج (مدّخّلا) بتشديد الدّال و الخاء.

أمّا قوله:(مدخلا)في القراءة المشهورة فأصله:

مدتخلا،لكن التّاء تبدل بعد الدّال دالا،لأنّ التّاء مهموسة و الدّال مجهورة و التّاء و الدّال من مكان واحد،فكان الكلام من وجه واحد أخفّ،و من قرأ (مدخلا) فهو من دخل يدخل مدخلا،و من قرأ (مدخلا)فهو من أدخلته مدخلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و من قرء(مدّخّلا)بتشديد الدّال و الخاء جعله «متدخّلا»ثمّ أدغم التّاء في الدّال.(3:39)

نحوه ابن الجوزيّ.(3:453)

الفخر الرّازيّ: معناه:المسلك الّذي يستتر بالدّخول فيه.(16:96)

البروسويّ: هو السّرب الكائن تحت الأرض كالبئر أي نفقا يندسّون فيه و ينحجرون،أو قوما يمكنهم الدّخول فيما بينهم يحفظونهم منكم،كما في «الحدّاديّ»و هو«مفتعل»من الدّخول أصله:

مدتخل.(3:450)

فضل اللّه :يدخلون فيه ممّا ينطلقون فيه من سبل النّجاة.(11:140)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّخول:نقيض الخروج.يقال:دخلت الدّار و غيرها أدخل دخولا، و أدخلت غيري إدخالا،و ادّخل:دخل،و تدخّل الشّيء:دخل قليلا قليلا،و قد تداخلني منه شيء.

يقال:ادّخل في غار و تدخّل فيه.يصف شدّة دخوله.

و المتدخّل في الأمور:المتكلّف فيها،و ليس بعالم.

و المدخل:الدّخول و موضعه.يقال:دخلت مدخلا حسنا،و دخلت مدخل صدق،و فلان حسن المدخل و المخرج:حسن الطّريقة محمودها،و من حكم الإمام عليّ عليه السّلام:«من دخل مداخل السّوء اتّهم».قال ابن أبي الحديد:«هذا مثل قولهم:من عرّض نفسه

ص: 65

للشّبهات،فلا يلومنّ من أساء به الظّنّ». (1)

و المدخل:الإدخال،و المفعول من أدخله،يقال:

أدخلته مدخل صدق.

و تداخل المفاصل و دخالها:دخول بعضها في بعض.يقال:رجل متداخل و دخّل،أي غليظ،و ناقة مداخلة الخلق،إذا تلاحكت و اكتنزت،و اشتدّ أسرها.

و الدّخال:إدخال بعير في الحوض قد شرب بين بعيرين لم يشربا،و إنّما يفعل ذلك في قلّة الماء.يقال:

سقيت الإبل دخالا،إذا حملتها على الحوض ثانية لتستوفي بعد ما سقيتها قطيعا قطيعا.

و الدّخال و الدّخال:ذوائب الفرس،لتداخلها.

و الدّخّل من الكلإ:ما دخل في أغصان الشّجر و منعه التفافه عن أن يرعى؛و الجمع:دخاخيل.

و الدّخّل من الرّيش:ما دخل بين الظّهران و البطنان،و هو أجوده،لأنّه لا تصيبه الشّمس.

و دخّل اللّحم:ما عاذ بالعظم،و هو أطيب اللّحم، و الدّخّلة:كلّ لحمة مجتمعة على عصب.

و الدّخّل:صغار الطّير،أمثال العصافير،مأواها في الصّيف الغيران و بطون الأدوية،تحت شجر ملتفّ؛ الواحدة:دخّلة،و الجمع:دخاخيل.قال الأزهريّ:

«قيل للعصفور الصّغير:دخّل،لأنّه يعوذ بكلّ ثقب ضيّق من الجوارح»،و علّل ابن فارس تسميته بذلك تشبيها باللّحمة المجتمعة.

و داخلة الأرض:خمرها و غامضها؛و الجمع:

دواخل.يقال:ما في أرضهم داخلة من خمر.

و داخلة الإزار:أحد طرفيه الّذي يلي الجسد، و في الحديث:«أنّه يغسل داخلة إزاره»،أي طرفه الّذي يلي جسد المؤتزر.

و الدّوخلة و الدّوخلّة:سفيفة من خوص يوضع فيها التّمر و الرّطب؛و الجمع:دواخل و دواخيل، و الواو فيه للكثرة كما في«الكوثر»،أي كثرة ما يدخل فيها من التّمر و الرّطب.

و الدّخل:ما دخل على الإنسان من ضيعته.

و الدّخلة:بطانة الأمر.يقال:إنّه لعفيف الدّخلة، و إنّه لخبيث الدّخلة،أي باطن أمره،و هو عالم بدخلته،و إنّه لعالم دخلة أمرهم و بدخل أمرهم.

و دخلة الرّجل و دخلته و دخيلته و دخيله و دخلله و دخلله و دخيلاؤه:نيّته و مذهبه و خلده و بطانته،لأنّ ذلك كلّه يداخله.يقال:فلان دخلل فلان و دخلله،أي بطانته و صاحب سرّه،و في كلام الإمام عليّ عليه السّلام:«شهادة من صدقت نيّته و صفت دخلته»، (2)أي خلصت سريرته.

و دخيل الرّجل و دخلله:الّذي يداخله في أموره و يختصّ به.يقال:بينهما دخلل و دخلل،أي خاصّ يداخلهم،و أطلعت فلانا على دخلل أمري و دخلل أمري و دخلة أمري،إذا بثثته مكتومك،و الدّخللون:

الأخلاّء و الأصفياء.يقال:بينهم دخلل و دخلل،أي إخاء و مودّة.).

ص: 66


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:(19:265).
2- نهج البلاغة الخطبة:(198).

و الدّخيل:الضّيف،لدخوله على المضيف،و في الحديث:«لا تؤذيه فإنّه دخيل عندك»،أي ضيف و نزيل.

و الدّخيل أيضا:الحرف الّذي بين حرف الرّويّ و ألف التّأسيس،سمّي بذلك لأنّه كأنّه دخيل في القافية.

و الدّخل و الدّخل:عيب في الحسب.يقال:في هذا الأمر دخل و دغل،و هم دخل في بني فلان،إذا انتسبوا معهم و ليسوا منهم،و فلان دخيل في بني فلان،إذا كان من غيرهم فتدخّل فيهم،و الأنثى دخيل.

و رجل مدخول،إذا كان في عقله دخل أو في حسبه.يقال:رجل مدخول الحسب،و دخل فلان فهو مدخول،و دخل حسبه أو عقله،و امرأة مدخولة.قال ابن فارس:«كأنّه قد دخل عليه شيء عابه».

و رجل مدخول:مهزول،و فيه دخل من الهزال، و كذلك بعير مدخول،و فيه دخل بيّن من الهزال.قال ابن فارس:«لأنّ لحمه كأنّه قد دخل».

و الدّخل:الفساد.يقال:دخل أمره يدخل دخلا أي فسد.قال الخطّابيّ: «و أصله أن يدخل في الأمر ما ليس منه».و في الحديث:«إذا بلغ بنو العاص ثلاثين، كان دين اللّه دخلا،و مال اللّه نحلا،و عباد اللّه خولا»، أي يدخلون في الدّين أمورا،و يحدثون أحكاما لم تجر بها السّنّة.

و منه:نخلة مدخولة:عفنة الجوف.

و الدّخلة:تخليط ألوان في لون،و كأنّ الألوان تدخل فيه.

2-زعم ابن سيده أنّ كلمة«دخيل»ليست من كلام العرب،و أنّ ابن دريد استعملها كثيرا في «الجمهرة»،و هذا جور في الحكم،لأنّ ابن دريد كان إمام أهل اللّغة و رأس أهل العلم في زمانه،كما ذكر أصحاب السّير،و ابن سيده ما شافه الأعراب، و ما عاش في عصر تدوين اللّغة،فهو ناقل و ليس بقائل،و حريّ به أن يوافق المتقدّمين و لا يخالفهم.و قد جاء هذا اللّفظ في قول لأمير المؤمنين و سيّد البلغاء و المتكلّمين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،و ناهيك من قول:

«فاجعلوا طاعة اللّه شعارا دون دثاركم،و دخيلا دون شعاركم».قال ابن أبي الحديد:«الشّعار:أقرب إلى الجسد من الدّثار،و الدّخيل:ما خالط باطن الجسد، و هو أقرب من الشّعار (1)».

و يستعمل العامّة اليوم هذا اللّفظ بمعنى الخفارة و الحماية،فيقول الخائف أو المحوج للمنيع الجانب:أنا دخيلك،أي في جوارك و حماك،فيذبّ عنه أو يقضي له حاجته.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا(الماضي)معلوما 23 مرّة، و مجهولا مرّة،و(المضارع)معلوما 26 مرّة،و(الأمر) 26 مرّة،و(الفاعل)و المصدر(دخلا)كلّ منهما مرّتين.و مزيدا من الإفعال(الماضي)معلوما و مجهولا كلّ منهما 3 مرّات،و(المضارع)معلوما 29 مرّة،

ص: 67


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(10:190)

و مجهولا مرّة،و الأمر 6 مرّات،و اسم المكان(مدخلا) منه و من الافتعال(مدّخلا)كلّ منهما مرّة،في 92 آية:

1-دخول الجنّة و إدخالها:

1- ...وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ

الرّعد:23

2- وَ بَيْنَهُما حِجابٌ... وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَ هُمْ يَطْمَعُونَ

الأعراف:46

3- اُدْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ الحجر:46

4- وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً...

وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ الزّمر:73

5- اُدْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ق:34

6- اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

النّحل:32

7- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ... البقرة:214

8 و 9- اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَ ادْخُلِي جَنَّتِي الفجر:28-30

10- جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ

فاطر:33

11- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً النّساء:57

12- إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً مريم:60

13- وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً

النّساء:124

14- قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ يس،:26

15- اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ

الزّخرف:70

16- أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الأعراف:49

17- وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ البقرة:111

18- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ... وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ...

الأعراف:40

19- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصّالِحِينَ العنكبوت:9

20- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً النّساء:31

21- وَ ما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَ نَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ

المائدة:84

22- لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَ إِنَّ اللّهَ لَعَلِيمٌ

ص: 68

حَلِيمٌ الحجّ:59

23- رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ المؤمن:8

24- وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا... لَأَدْخَلْناهُمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ المائدة:65

25- وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ محمّد:6

26- أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ المعارج:38

27- وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ آل عمران:185

2-الإدخال في الرّحمة

28- وَ أَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصّالِحِينَ

الأنبياء:75

29- وَ أَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصّالِحِينَ

الأنبياء:86

30- ...أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ... التّوبة:99

31- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ

الجاثية:30

32- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً النّساء:175

33- قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِأَخِي وَ أَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ الأعراف:151

34- وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَ الظّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ الشّورى:8

35- لِيُدْخِلَ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً الفتح:25

36- يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَ الظّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً الدّهر:31

3-دخول النّار و جهنّم و إدخالهما

37- قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ فِي النّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها... الأعراف:38

38- ...وَ قِيلَ ادْخُلاَ النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ

التّحريم:10

39- فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ النّحل:29

40- قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ الزّمر:72

41- اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ المؤمن:76

42- وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60

43- رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ آل عمران:192

44- وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ النّساء:14

ص: 69

45- ...وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46

46- مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْصاراً نوح:25

4-القصص

47- رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً... نوح:28

48- إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ الحجر:52

49- إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ الذّاريات:25

50- فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ* أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ القلم:23،24

51- وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ... يوسف:36

52- وَ جاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ يوسف:58

53 و 54 و 55- وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ...* وَ لَمّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ...* وَ لَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ يوسف:67-69

56- فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ... يوسف:88

57- فَلَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَ قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ يوسف:99

58- وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً... البقرة:58

59- ...وَ قُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ... النّساء:154

60- يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ... المائدة:21

61- قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ المائدة:22

62- ...اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ... المائدة:23

63- قالُوا يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها... المائدة:24

64- وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ... النّمل:12

65- وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها... القصص:15

66- وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً الإسراء:7

67- ...وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:161

68- إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ... ص:22

69- قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها... النّمل:34

70- ...قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ

ص: 70

لا يَشْعُرُونَ النّمل:18

71- قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ... النّمل:44

72- وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ

النّمل:19

73- ...كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً... آل عمران:37

74- وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ...

الكهف:35

75- وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللّهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ... الكهف:39

76- وَ رَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْواجاً النّصر:2

77- وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلاّ يَسِيراً الأحزاب:14

78- وَ إِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنّا وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ... المائدة:61

5-التّشريع
أ-الدّخول بالنّساء

79- ...وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ... النّساء:23

ب-دخول البيوت

80- ...فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً... النّور:61

81- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها...

النّور:27

82- فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ... النّور:28

83- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ... النّور:29

84- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ... وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا...

الأحزاب:53

ج-دخول الإيمان في القلوب

85- وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ... الحجرات:14

د-دخول المساجد

86- فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً... آل عمران:97

87- ...لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ... الفتح:27

88- وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ... البقرة:114

ه إدخال مدخل صدق

89- وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ... الإسراء:80

6-مدّخلا و دخلا

90- لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ التّوبة:57

ص: 71

91- ...تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ... النّحل:92

92- وَ لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها... النّحل:94

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها سبعة محاور،و الدّخول في أكثرها حقيقيّ و هو الدّخول في المكان،و في غيره مجاز:

المحور الأوّل و الثّاني و الثّالث:دخول الجنّة و الرّحمة و النّار،و فيها بحوث:

1-جاء الدّخول في الجنّة 18 مرّة(1-18)، و الإدخال فيها 9 مرّات(19-27).

و جاء الإدخال في الرّحمة 9 مرّات:(28-36) و لم يأت الدّخول فيها.و جاء بدلها في 73 نقلا عن سليمان عليه السّلام: وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ فدلّ على أنّ دخولها برحمته لا بالاستحقاق.

و جاء الدّخول و الإدخال في النّار أو جهنّم أو العذاب 10 مرّة(37-46).ستّ منها دخول و أربع إدخال،ممّا دلّ على أنّ العبد هو الباعث لدخول النّار.

و هذه الأرقام ترشدنا إلى فضل اللّه و رحمته على العباد؛حيث يدخلهم في جنّته و رحمته 36 مرّة(1- 36)،و في النّار 10 مرّات(37-46)أي ثلثها.و أكثرها دخول لا إدخال.

2-و الّذين يدخلون أو يدخلون الجنّة أو الرّحمة هم الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،و الصّالحون، و المتّقون،و الّذين اعتصموا باللّه،و الّذين اجتنبوا كبائر ما ينهون عنه،و العباد،و من يشاء اللّه،كما خصّت الرّحمة بالإدخال الدّالّ على العناية بهم دون الدّخول.

و أمّا دخول النّار فقد خصّ بالكافرين، و المستكبرين،و من يعصي اللّه و رسوله،و من له خطيئات،و آل فرعون و نحوهم.

3-و قد ضمّ إلى الجنّة-مزيدا في التّكريم لأهلها- السّلام على أصحابها 4 مرّات(3-6)،و(طبتم:) (4)،و مُدْخَلاً كَرِيماً (20)،و مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ (22)،و ظِلاًّ ظَلِيلاً (11)،و راضِيَةً مَرْضِيَّةً و عِبادِي، و جَنَّتِي (8 و 9)،و يُحَلَّوْنَ فِيها (10)،و وَ لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (12)،و وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (13)،و أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ (33)،و«الفضل» (32)،و عَرَّفَها لَهُمْ (25)،و فَقَدْ فازَ (27)، كلّ منها مرّة،و(النّعيم)مرّتين(24)و(26)،و خصّت الرّحمة بالإدخال 9 مرّات(28-36)و بتوسيعها ب مَنْ يَشاءُ 3 مرّات(34-36).

و بالعكس ضمّ إلى دخول النّار اللّعنة من أصحابها(37)،و الخزي(43)،و الدّخول بمشاركة الدّاخلين(38)،و مع أمم من الإنس و الجنّ(37)كلّ منها مرّة،و تبديل النّار بجهنّم 4 مرّات:(40-43) و مع ذكر أبوابها في ثلاث منها(39-41)الدّالّ على استقبالها إيّاهم و الخلود 4 مرّات(39-41 و 44)، و بئس المثوى 3 مرّات(39-41).و في هذه كلّها مزيد عناية منه تعالى بأهل الجنّة و الرّحمة،و مزيد إهانة بأهل النّار،فلاحظ.

ص: 72

المحور الرّابع:القصص 33 آية،منها 10 آيات خاصّة بموسى عليه السّلام و بني إسرائيل(58-67)، و واحدة(47)ب«نوح»،و 3 آيات ب«لوط»(48 -50)،و 7 آيات(51-57)ب«يوسف»،و واحدة (68)ب«داود»،و أربع ب«سليمان»(69-72)، و واحدة(73)ب«زكريّا»،و آيتان(74)و(75) بالرّجلين من بني إسرائيل،و واحدة(76)بالنّبيّ عليه السّلام، و آيتان(77)و(78)بالمنافقين.

المحور الخامس:التّشريع 11 آيات،و خصّت منها آية(79)بالنّساء،و المراد بالدّخول فيها إتيانهنّ جماعا: مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، و خمس(80-84)بدخول البيوت،و ثلاث(86-88)بدخول المساجد، و واحدة(85)بدخول الإيمان في القلوب.

المحور السّادس:مدّخل و دخل ثلاث آيات:(90 -92)و فيهما بحوث:

1-المدّخل اسم مكان من ادّخل-أصله ادتخل- و يستفاد منها الدّخول بمشقّة و تكلّف.

2-الدّخل في الأصل كما قال الزّجّاج:«كلّ ما دخله عيب قيل:هو مدخول،و فيه دخل»،و قال أبو عبيد:«كلّ شيء و أمر لم يصحّ فهو دخل»،و قال الخازن:«ما يدخل في الشّيء على سبيل الفساد».

و قد فسّروه في الآيتين ب«الدّغل،و المكر، و الخديعة،و الخيانة،و الغرور،و الغدر،و الغلّ، و الغشّ،و الفساد،و نحوها».و كلّها بيان للمصداق، دون المعنى اللّغويّ.

3-و الدّخول فيها جميعا كأكثر الآيات في هذا الجذر ممّا كان المدخول فيه مكان من الأمكنة كالبيوت و المساجد و الجنّة و النّار،حتّى الدّخول بالنّساء،و دخول الإيمان في القلوب،كلّها حقيقة،و في غيرها مجاز،مثل(19): لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصّالِحِينَ، و(9): فَادْخُلِي فِي عِبادِي، و(21): أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ، و آيات الإدخال في الرّحمة (28-36)مثل: وَ أَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ، و نحوها فهي مجاز شائع كادت أن تكون حقيقة.قال الطّوسيّ في (78): وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ...

المائدة:61:«و أصل الدّخول الانتقال إلى محيط كالوعاء إلاّ أنّه قد كثر حتّى قيل:دخل في هذا الأمر، و لا يدخل في المعنى ما ليس منه.و دخل في الإسلام، و خرج بالرّدّة منه،و كان ذلك مجاز».

4-و قد عدّي«دخل»ب«على»مثل(1):

وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ، و(74):

كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ... فالمراد بهما الدّخول عليهم في مكانهم،فهي حقيقة أيضا.

المحور السّابع:في تفسير بعض الآيات حسب أرقامها:

(2) وَ بَيْنَهُما حِجابٌ وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَ هُمْ يَطْمَعُونَ

قال الزّمخشريّ في محلّ: لَمْ يَدْخُلُوها وَ هُمْ يَطْمَعُونَ: «إنّه لا محلّ له لأنّه استئناف،كأنّ سائلا سأل عن حال أصحاب الأعراف،فقيل:لم يدخلوها

ص: 73

و هم يطمعون،يعني حالهم أنّ دخولهم الجنّة استأخر عن دخول أهل الجنّة،فلم يدخلوها لكونهم محبوسين و هم يطمعون لم ييأسوا.و يجوز أن يكون له محلّ بأن يقع صفة ل(رجال.)و قد ضعّفه أبو حيّان للفصل بين الموصوف و صفته.

و يظهر من الزّمخشريّ أنّه أرجع الضّمير في:

(لم يدخلوها)إلى أصحاب الأعراف،مع أنّ الطّبرسيّ(2:423)أرجعه إلى المذنبين؛حيث قال نقلا عن أبي عبد اللّه الصّادق عليه السّلام:«فيقول ذلك الخليفة -و هو من أصحاب الأعراف-للمذنبين الواقفين معه انظروا إلى إخوانكم المحسنين قد سيقوا إلى الجنّة فيسلّم المذنبون عليهم-إلى أن قال:-ثمّ أخبر سبحانه أنّهم لم يدخلوها-يعني هؤلاء المذنبين-و هم يطمعون أن يدخلوها».لاحظ:ع ر ف:«الأعراف».

و الظّاهر عندنا أنّ المراد ب(لم يدخلوها) أصحاب الجنّة قبل دخولهم،فلاحظ.

(10) جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها

اختلفوا في مرجع ضمير الجمع(يدخلونها)هل هو جميع الأصناف الثّلاثة قبلها: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ، كما اختاره الطّبريّ بدعوى جواز أن يدخلها الظّالم لنفسه بعد عفو اللّه،و أنّه ليس المراد به الكافر و الفاسق.أو خصوص السّابق بالخيرات،لأنّ المراد به الجنس،فهو جمع في المعنى،أو اثنان منهم و هما المقتصد و السّابق،دون الظّالم لنفسه،كما اختاره أكثرهم.

و عندنا أنّ قوله بعد سابِقٌ بِالْخَيْراتِ: بِإِذْنِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ* جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ، و كذلك الآيات بعدها،و كذلك صدر الآية ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا، فشيء من ذلك لا يناسب سوى السّابقين بالخيرات، و كذلك الآيات الّتي جاء فيها(السّابقون).

فهل يناسب أن يقال لجزاء الظّالم لنفسه بل المقتصد: ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ؟ فما الفارق بينهم و بين السّابقين الّذين هم فوق أصحاب اليمين في قوله: وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً* فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ* وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ* وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ الواقعة:7-12،إلى ما بعدها من الآيات،فلاحظ.

قال البروسويّ: «جمع الضّمير،لأنّ المراد ب«السّابق»الجنس.و تخصيص حال السّابقين و ما لهم بالذّكر،و السّكوت عن الفريقين الآخرين و إن لم يدلّ على حرمانهما من دخول الجنّة مطلقا،لكن فيه تحذير لهما من التّقصير،و تحريض على السّعي في إدراك شئون السّابقين».

(53) وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ يوسف:67

اختلفوا في وجه منعهم من ذلك،فقال أكثرهم:إنّه خاف العين،و أنكر بعضهم أثر العين،و قد أطالوا فيه و لا سيّما الفخر الرّازيّ،فلاحظ النّصوص.

و قال الجبّائيّ و غيره:«إنّه خاف عليهم حسد

ص: 74

النّاس لهم».و عن إبراهيم النّخعيّ:«أنّه كان يرجو أن يروا يوسف في التّفرّق-أو في خلوة».و قيل:طمع بافتراقهم أن يستمعوا أو يتطلّعوا خبر يوسف.و قيل:

مخافة أن يبلغ الملك قوّتهم و بطشهم،فيحبسهم أو يقتلهم خوفا على ملكه،أو يغتالوا من قبل غيره،أو بسبب أنّ في هذه الكرّة كان معهم«بنيامين»الّذي يتسلّى به عن شقيقه«يوسف»،و لم يكن فيهم في المرّة الأولى فأهمل أمرهم،و لم يحتفل بهم،لسوء صنيعهم في يوسف،أو ليروا بأعينهم تأثير كلّ منهم في نفس يوسف و ما يظهر على أسارير وجهه و حركات عينه، حين رؤية شقيقه يدخل عليه مع طائفته؛إذ لا يعلم هذا،إذا دخلوا عليه كلّهم جماعة واحدة».

و قال ابن عاشور بعد ذكر جملة ممّا ذكر:«و قد قيل في الحكمة:استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».و لمّا كان شأن إقامة الحرّاس و الأرصاد أن تكون على أبواب المدينة،اقتصر على تحذيرهم من الدّخول من باب واحد،دون أن يحذّرهم من المشي في سكّة واحدة من سكك المدينة،و وثق بأنّهم عارفون بسكك المدينة،فلم يخش ضلالهم فيها،و علم أنّ «بنيامين»يكون في صحبة أحد إخوته لئلاّ يضلّ في المدينة.

و قال مغنيّة:«و يظهر منها أنّه قد كان للمدينة أبواب لا باب واحد،و في بعض التّفاسير أنّها كانت أربعة...».

و اختار الطّباطبائيّ أنّه لم يخف من أن يراهم الملك مجتمعين،بل يخاف عليهم النّاس فيصيبهم عين أو حسد أو ما يتفرّق جمعهم من قتل،أو أيّ نازلة أخرى.

و قال فضل اللّه:«فإنّ ذلك قد يشكّل إثارة في نفوس الحاضرين،فيؤدّي إلى ما لا تحمد عقباه».

(66) وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ...

قال الطّوسيّ: «يعني المبعوثين عليكم كما دخلوه في المرّة الأولى،يعنى غيرهم،لأنّ هؤلاء بأعيانهم لم يدخلوها في الدّفعة الأولى».و توضيحه أنّ الدّاخلين عليهم في المرّة الأولى هم جيش«نبوكدنصّر»من «بابل»و الدّاخلين عليهم في المرّة الثّانية هم «الرّومان.»و قد يقال:لم تقع المرّة الأخيرة و ستقع فيما بعد.

و نرى أنّ بعض الفلسطينيّين يعتبرون إشغال اليهود القدس الآن هي المرّة الأخيرة.و هذا بعيد،لأنّ الخطاب في الآية كان لبني إسرائيل دون المسلمين، فالمراد بها دخول داخلين المسجد،و هو تحت أيدي بني إسرائيل،فلا بدّ و أن تكون قد سبقت المرّة الأخيرة قبل الإسلام لا بعده.

اللّهمّ إلاّ أن يقال:إنّ اللّه يقول: لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ الإسراء:4،و المرّة الأولى قد سبقت، و المرّة الأخيرة هي ما ظهر منهم من الفساد و إشغال المسجد غصبا منذ سنين عن أهله-و هم الفلسطينيّون -و سيردّه اللّه إليهم برفع إشغال اليهود و هزيمتهم إن شاء اللّه.

(77) وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلاّ يَسِيراً

ص: 75

و فيها بحوث:

1-في مرجع ضمير المؤنّث:(دخلت)إبهام،هل هو المدينة أو البيوت؟و لا يرفع إلاّ بملاحظة ما قبلها:

وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ -أي المنافقين - يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاّ فِراراً الأحزاب:13.

فقال أبو حيّان:«و الضّمير في:(دخلت)الظّاهر عوده على البيوت؛إذ هو أقرب مذكور.قيل:أو على المدينة،أي و لو دخلها الأحزاب الّذين يفرّون خوفا منها،و انثالت على أهاليهم و أولادهم-إلى-لآتوها، أي لجئوا إليها و فعلوا»و مراده انّهم آتون المدينة من أجل الفتنة و لا يفرّون منها.

و عندنا:أنّ رجوعها إلى المدينة هو الظّاهر،لأنّها كانت موضع فرار المنافقين في الآية الأولى،فقال اللّه في الأخيرة:إنّهم من أجل الفتنة يأتون المدينة و لا يفرّون منها،فقوله:(من اقطارها)أي:من أقطار المدينة، و هو ظاهر،لأنّ الأحزاب يأتون من أطراف المدينة، دون البيوت الّتي فيها،و يأتي ما يؤيّده في كلام ابن عاشور.

2-سورة الأحزاب نزلت بشأن غزوة الأحزاب في السّنة الخامسة من الهجرة؛حيث خرج جيش المسلمين إلى خارج المدينة في موضع الخندق الّتي حفروها في شمال المدينة.

و خرج المنافقون مع الجيش،ثمّ رجعوا بإذن من الرّسول أو بغير إذن إلى المدينة اعتذارا بأنّ بيوتهم عورة،فردّ اللّه عليهم بما في الآيات.

3-هؤلاء المنافقون أظهروا نفاقهم فعبّروا عن «المدينة»باسمها الجاهليّ حيث قالوا: يا أَهْلَ يَثْرِبَ دون اسمها الإسلاميّ«مدينة الرّسول»أو«المدينة».

4-قال ابن عاشور:«و لم أجد فيما رأيت من كلام المفسّرين و لا من أهل اللّغة من أفصح عن معنى «الدّخول»في مثل هذه الآية،و ما ذكروا إلاّ معنى الولوج إلى المكان،مثل ولوج البيوت أو المدن،و هو الحقيقة.و الّذي أراه أنّ الدّخول كثر إطلاقه على دخول خاصّ،و هو اقتحام الجيش أو المغيرين أرضا أو بلدا لغزو أهله،ثمّ ذكر الآية:21،من المائدة: يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ - و أنّه يعدّى غالبا إلى المغزوّين بحرف«على»-ثمّ ذكر الآيتين:23 و 24،من المائدة: اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ، و قالُوا يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها، فإنّه ما يصلح إلاّ معنى دخول القتال و الحرب،لقوله: فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ لظهور أنّه لا يراد:إذا دخلتم دخول ضيافة أو تجوّل أو تجسّس،فيفهم من الدّخول في مثل هذا المقام معنى الغزو و الفتح،كما نقول:عام دخول التّتار بغداد،و لذلك فالدّخول في قوله: وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ هو دخول الغزو،فيتعيّن أن يكون ضمير (دخلت)عائدا إلى مدينة يثرب لا إلى البيوت...

و المعنى لو غزيت المدينة من جوانبها...

و قوله:(عليهم)يتعلّق ب(دخلت،)لأنّ بناء (دخلت)للنّائب مقتض فاعلا محذوفا،فالمراد:

ص: 76

دخول الدّاخلين على أهل المدينة،كما جاء على الأصل في قوله: اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ».

(78) وَ إِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنّا وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ

و فيها بحوث:

1-هذا توصيف للمنافقين-و قيل لليهود و سيأتي-في عداد سائر أوصافهم السّيّئة،و هو كتمان أمرهم حين الدّخول على النّبيّ عليه السّلام و على المؤمنين، فيقولون:(آمنا)و يكتمون كفرهم،و حالهم عند الدّخول و الخروج واحدة و هي الكفر،و لم يرجعوا بمجيئهم إليكم عن كفرهم جهلا منهم أنّ ذلك يخفى على اللّه تعالى وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ.

2-و زاد الطّوسيّ فيها وجها ثانيا،فقال:«و قد دخلوا به في أحوالهم و قد خرجوا به إلى أحوال أخر، كقولك:هو يتقلّب في الكفر و يتصرّف به،و معناه:

تقريب الماضي من الحال،و لهذا دخلت«في»هذا الموضوع.

و قال الخليل :و يكون القوم ينتظرون الخبر كقولك:قد ركب الأمير لمن كان ينتظره،و هو راجع إلى ذلك الأصل،لأنّه تقريب من الحال المنتظرة...».

3-قال الزّمخشريّ: «و قوله:(بالكفر)و(به) حالان،أي دخلوا كافرين و خرجوا كافرين، و تقديره:ملتبسين بالكفر.و كذلك قوله: وَ قَدْ دَخَلُوا و وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا، و لذلك دخلت(قد) تقريبا للماضي من الحال.و لمعنى آخر،و هو أنّ أمارات النّفاق كانت لائحة عليهم،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم متوقّعا لإظهار اللّه ما كتموه،فدخل حرف التّوقّع و هو متعلّق بقوله: قالُوا آمَنّا أي قالوا ذلك و هذه حالهم»،و نحوه أبو حيّان و أضاف:«و الّذي نقول:إنّ الجملة الاسميّة-الواقعة حالا المصدّرة بضمير ذي الحال المخبر عنها بفعل أو اسم يتحمّل ضمير ذي الحال-آكد من الجملة الفعليّة،من جهة أنّه يتكرّر فيها المسند إليه،فيصير نظير:قام زيد زيد.و لمّا كانوا حين جاءوا الرّسول أو المؤمنين قالوا:آمنّا ملتبسين بالكفر،كان ينبغي لهم أن لا يخرجوا بالكفر، لأنّ رؤيته صلّى اللّه عليه و سلّم كافية في الإيمان.أ لا ترى إلى قول بعضهم حين رأى الرّسول:علمت أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب...»،فلاحظ كلامه و كلام غيره ممّن بعده.

و قال الواحديّ: «أي دخلوا و خرجوا كافرين، و الكفر معهم في كلتي حالتيهم».

و قال الفخر الرّازيّ: «الباء في قوله: وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ، يفيد بقاء الكفر معهم حالتي الدّخول و الخروج،من غير نقصان و لا تغيير فيه البتّة،كما تقول:دخل زيد بثوبه و خرج به،أي بقي ثوبه حال الخروج كما كان حال الدّخول».

4-و قال أيضا:«ذكر عند الدّخول كلمة(قد) فقال: وَ قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ، و ذكر عند الخروج كلمة (هم)فقال: وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ، قالوا:الفائدة في ذكر كلمة(قد)تقريب الماضي من الحال،و الفائدة في ذكر كلمة(هم)التّأكيد في إضافة الكفر إليهم،و نفي أن يكون من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في ذلك فعل،أي لم يسمعوا منك يا محمّد عند جلوسهم معك ما يوجب كفرا،فتكون

ص: 77

أنت الّذي ألقيتهم في الكفر،بل هم الّذين خرجوا بالكفر باختيار أنفسهم».

5-و قال أيضا:«قالت المعتزلة:إنّه تعالى أضاف الكفر إليهم حالتي الدّخول و الخروج على سبيل الذّمّ،و بالغ في تقرير تلك الإضافة بقوله: وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ فدلّ هذا على أنّه من العبد لا من اللّه.

و الجواب:المعارضة بالعلم و الدّاعي».

6-أكثرهم قالوا:إنّها توصيف للمنافقين و احتمل بعضهم أنّها توصيف لليهود.قال القرطبيّ:

«و قيل:المراد اليهود الّذين قالوا: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ إذا دخلتم المدينة وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ آل عمران:72،إذا رجعتم إلى بيوتكم،يدلّ عليه ما قبله من ذكرهم و ما يأتي.

و قال أبو حيّان:«كان جماعة من اليهود يدخلون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يظهرون له الإيمان نفاقا،فأخبر اللّه تعالى بشأنهم،و أنّهم يخرجون كما دخلوا،لم يتعلّقوا بشيء ممّا سمعوا من تذكير و موعظة-قال:-و على هذا الخطاب في جاءوكم للرّسول،و قيل:للمؤمنين الّذين كانوا بحضرة الرّسول...».

7-و قال القشيريّ-كما هو شأنه في الإشارات- :«أظهروا الصّدق،و في التّحقيق نافقوا،و افتضحوا من حيث أوهموا و لبّسوا،فلا حالهم بقيت مستورة، و لا أسرارهم كانت عند اللّه مكبوتة،و هذا نعت كلّ مبطل،و عند أرباب الحقائق أحوالهم ظاهرة في أنوار فراستهم».

(88) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ...

و فيها بحوث:

1-سياق الآية إطلاق لكلّ من منع مساجد اللّه أن يذكر فيها و سعى في خرابها،لكنّها لمّا جاءت في خلال الآيات الرّاجعة إلى أهل الكتاب من اليهود، و النّصارى،و بني إسرائيل من سورة البقرة،حملها ابن عبّاس و قتادة-و تبعهما غيرهما-على أنّ المراد بها النّصارى باعتبار أنّهم كانوا أتباع الرّوم،و هم الّذين خرّبوا بيت المقدس قبيل الإسلام،و لهذا ذكر بعضهم كالسّدّيّ بدل«النّصارى»«الرّوم»فقال:«ليس في الأرض روميّ يدخلها اليوم،و هو خائف أن تضرب عنقه،أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤدّيها».

و قال الفرّاء:«هذه الرّوم كانوا غزوا بيت المقدس فقتلوا و حرّقوا و خرّبوا المسجد.و إنّما أظهر اللّه عليهم المسلمين في زمن عمر فبنوه،و لم تكن الرّوم تدخله إلاّ مستخفين،لو علم بهم لقتلوا».

2-و قد حملها ابن زيد على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نادى،يعني في رسالته إلى المشركين الّتي قرأها عليهم عليّ عليه السّلام في السّنة التّاسعة من الهجرة-ألاّ يحجّ بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان-و مثله قول الجبّائيّ؛حيث قال:«بيّن اللّه أنّه ليس لهؤلاء المشركين دخول المسجد الحرام...».و هو سهو،فإنّ هذه الآية من سورة البقرة الّتي نزلت في أوّل الهجرة، بل قيل:إنّها أوّل ما نزل بالمدينة بعد الهجرة،فلا تنطبق على قول النّبيّ في السّنة التّاسعة.

ص: 78

و قد حملها الطّبريّ و غيره على منع الكفّار عموما عن دخولهم المساجد من دون اختصاص بالنّصارى و الرّوم و المشركين.قال الطّوسيّ:«و يمكن الاستدلال به على أنّ الكفّار لا يجوز أن يمكّنوا من دخول المساجد على كلّ حال،فأمّا المسجد الحرام خاصّة فإنّ المشركين يمنعون من دخوله...».

3-و قال ابن الجوزيّ-في أحد وجهيه- و الفخر الرّازيّ و غيرهما:إنّ لفظ الآية و إن كان خبرا،لكنّ المراد منه النّهي عن تمكينهم من الدّخول و التّخلية بينهم و بينه،كقوله: ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ الأحزاب:53.

و قال أبو حيّان:«هذه جملة خبريّة قالوا:تدلّ على ما يقع في المستقبل،و ذلك من معجزة القرآن؛إذ هو من الإخبار بالغيب،و فيها بشارة للمؤمنين بعلوّ كلمة الإسلام،و قهر من عاداه».

و قال القاسميّ: «هذا بشارة من اللّه للمسلمين بأنّه سيظهرهم على المسجد الحرام،و يذلّ لهم المشركين،حتّى لا يدخل المسجد الحرام واحد منهم إلاّ خائفا،يخاف أن يؤخذ فيعاقب.أو يقتل إن لم يسلم.

و قد أنجز اللّه صدق هذا الوعد،فمنعهم من دخول المسجد الحرام.[إلى أن قال:]

و في قوله تعالى: أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ إشارة إلى رجوعهم إليه بعد الأسر على تخوّف من العدوّ و مذلّة لصقت بهم.و هو وجه وجيه، لأنّ لفظ(سعى)يرشد إلى ذلك.كما أنّ مفهومها يشعر بذمّ القائمين على الخراب بالأولى و هم النّصارى،حينما تمكّنت سلطتهم انتقاما من أعدائهم اليهود».

و قال سيّد قطب:«أي إنّهم يستحقّون الدّفع و المطاردة و الحرمان من الأمن،إلاّ أن يلجئوا إلى بيوت اللّه،مستجيرين محتمّين بحرمتها مستأمنين، و ذلك كالّذي حدث في عام الفتح بعد ذلك؛إذ نادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم الفتح:من دخل المسجد الحرام فهو آمن،فلجأ إليها المستأمنون من جبابرة قريش،بعد أن كانوا هم الّذين يصدّون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و من معه،و يمنعونهم زيارة المسجد الحرام...

و هناك تفسير آخر لقوله: أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ، أي إنّه ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد اللّه إلاّ في خوف من اللّه و خشوع لجلالته في بيوته.فهذا هو الأدب اللاّئق ببيوت اللّه المناسب لمهابته و جلاله العظيم،و هو وجه من التّأويل جائز في هذا المقام».

و قال فضل اللّه:«و قد أراد اللّه للمسلمين أن يأخذوا بموقف القوّة ضدّ هذا الظّلم و الظّالمين، فيمنعوهم من دخولها إلاّ كدخول الخائفين،و ذلك على سبيل الكناية في تدمير قوّتهم و إضعافهم،حتّى يتحرّكوا في المجتمع تحرّك الخائف...»،فقد حملها هو على التّحريم مطلقا أيضا.

و قد اختار البيضاويّ هذا الوجه،ثمّ احتمل أن يكون وعدا للمؤمنين من اللّه،و قد أنجز وعده.فظهر أنّ في معنى هذه الآية و موضع نزولها وجوها،و لك أن تختار واحدا منها.

ص: 79

4-و قد بيّن ابن عاشور كعادته وجه الإعراب- بعد أن حملها على التّحريم أيضا-فقال:«فإنّ ما كانَ إذا وقع(ان)و المضارع في خبرها تدلّ على نفي المستقبل،و إن كان لفظ(كان)لفظ الماضي،و أنّ هذه هي الّتي تستتر عند مجيء اللاّم،نحو ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ الأنفال:33،فلا إشعار لهذه الجملة بمضيّ.و اللاّم في قوله:(لهم)للاستحقاق، أي ما كان يحقّ لهم الدّخول في حالة إلاّ في حالة الخوف،فهم حقيقون بها،و أحرياء في علم اللّه تعالى...»ثمّ ذكر نحو سيّد قطب.

و يلاحظ ثانيا:أنّ جميع آيات التّشريع الإحدى عشرة في المحور الخامس-كما هو الحال في التّشريع- مدنيّة،سوى(89)و القسم الكبير من آيات القصص- و هي 33 آية،سوى ما جاء بشأن بني إسرائيل في سورة البقرة المدنيّة و ما جاء بشأن النّبيّ و المنافقين- مكّيّة،كما هو الغالب في القصص أيضا.

و أمّا ما جاء في المحاور الثّلاثة الأولى:الجنّة، و النّار،و الرّحمة،فأكثرها مكّيّة أيضا،لوفور الوعد و الوعيد في بدو البعثة النّبويّة الشّريفة،في الآيات و السّور المكّيّة،فقد ناسب المكّيّ و المدنيّ من آيات هذا الجذر كسائر الجذور محتوياتها.

و ثالثا:من نظائر الدّخول في القرآن:

الولوج: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها سبأ:2

السّلوك: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً طه:53

ص: 80

د خ ن

اشارة

دخان

لفظ واحد،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

النّصوص اللّغويّة

الخليل :دخن الدّخان دخونا:سطع.

و الدّاخنة:كوى فيها إردبّات تتّخذ على المقالي و الأتّونات.

و دخن الغبار،أي سطع.

و الدّخنة:بخور يدّخن به.

و الدّخن:الجاورس؛و الحبّة منه:دخنة.

و الدّخنة:من لون الأدخن،و هو كدرة في سواد كالدّخان.

و شاة دخناء،و كبش أدخن.

و في الحديث:«هدنة على دخن»،أي صلح و استقرار على أمور مكروهة.

و ليلة دخنانة:كأنّما يغشاها دخان من شدّة حرّها و غمّها.

و يوم دخنان:سخنان.

و الدّخان؛يقال له:الدّخّ.

و طعام دخن:فاسد.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات] (4:232)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الدّخنة:خضرة.يقال:ناقة فيها دخنة،أي خضرة،بين السّواد و بين الكدرة.

(1:252)

الدّخن:الوخيم.(1:254)

الدّخنة:العار.تقول:لأشبعنّ دخنتك.(1:256)

و الدّخن:سوء الخلق.(1:258)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ عليه السّلام حين ذكر الفتن، فقال له حذيفة:أبعد هذا الشّرّ خير،فقال:«و هدنة على دخن و جماعة على أقذاء».

قوله:«هدنة على دخن»تفسيره في الحديث:

ص: 81

لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه،و الهدنة:

السّكون بعد الهيج،و مذهب الحديث على هذا.و أصل الدّخن أن يكون في لون الدّابّة أو الثّوب أو غير ذلك كدورة إلى سواد.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

قوله:«دخن»[في الشّعر]-يعني الكدورة،و هو السّواد-و لا أحسب الدّخن أخذ إلاّ من الدّخان، و هو شبيه بلون الحديد.

فوجهه أنّه يقول:تكون القلوب هكذا لا يصفو بعضها لبعض و لا ينصع حبّها كما كانت،و إن لم تكن فيهم فتنة.(1:351)

دخنت النّار تدخن،إذا ارتفع دخانها،و دخنت تدخن،إذا ألقيت عليها حطبا فأفسدتها،حتّى يهيج لذلك دخان يشتدّ.

و كذلك:دخن الطّعام يدخن.(الأزهريّ 7:280)

شمر:يقال للرّجل إذا كان خبيث الخلق:إنّه لدخن الخلق،و قد دخن خلقه دخنا،إذا خبث و فسد.(الأزهريّ 7:283)

ابن دريد :الدّخن:لون أسود فيه غبرة؛حمار أدخن و أتان دخناء.و اشتقاقه من الدّخان،و الدّخان يسمّى الدّخن أيضا.

و رأيت دواخن القوم،إذا رأيت دخانهم.

و المدخنة و المبخرة:واحد.

و الدّخن أيضا:فساد في القلب من باقي عداوة.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«هدنة على دخن».

و الدّخن:حبّ معروف،عربيّ،و ربّما اختبز أيضا.

و الدّخناء:ضرب من العصافير.(2:202)

الأزهريّ: يقال:دخن الغبار،أي ارتفع و سطع.

و جمع الدّخان:دواخن،على غير قياس.

و قيل:الدّخن:فرند السّيف،في قول الهذليّ.

و دخن الطّعام و اللّحم،إذا شوي فأصابه الدّخان حتّى غلب على طعمه.

و شراب دخن:متغيّر الرّائحة.

يقال:إنّ الجائع كان يرى بينه و بين السّماء دخانا من شدّة الجوع.

و يقال:بل قيل للجوع:دخان،ليبس الأرض في الجدب و ارتفاع الغبار،فشبّه غبرتها بالدّخان.

و منه قيل لسنة المجاعة:غبراء،و جوع أغبر.

و ربّما وضعت العرب الدّخان موضع الشّرّ إذا علا،فيقولون:كان بيننا أمر ارتفع له دخان.

و قد قيل:إنّ الدّخان قد مضى.

و مثل دخان،و دواخن:عثان،و عواثن.

و العرب تقول لغنيّ و باهلة:بنو دخان.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](7:281)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و دخنت النّار تدخن:ألقيت عليها حطبا رطبا فاشتدّ دخانها.

و دخنت تدخن:ارتفع دخانها.

و الدّخن:الحقد.

و رجل دخن الخلق،أي فاسده و خبيثه.

و أدخن الزّرع:اشتدّ حبّه و سمن.(4:304)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«...ثمّ فتنة السّرّاء،

ص: 82

دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي...».

قوله:«دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي»،فإنّ الدّخن:الدّخان؛يريد أنّه سبب إثارتها و هيجها.(1:286)

الجوهريّ: دخان النّار معروف.و الجمع:

دواخن،كما قالوا:عثان و عواثن،على غير قياس.

و ابنا دخان:غنيّ و باهلة.

و الدّخن أيضا:الدّخان.و منه:«هدنة على دخن»أي سكون لعلّة لا لصلح.

و الدّخن أيضا:الكدورة إلى السّواد.

و دخنت النّار تدخن و تدخن:ارتفع دخانها.

و ادّخنت مثله على«افتعلت».

و دخنت النّار بالكسر،إذا ألقيت عليها حطبا و أفسدتها،حتّى يهيج لذلك دخان.

و دخن الطّبيخ أيضا،إذا تدخّنت القدر.

و رجل دخن الخلق.

و الدخن:الجاورس.

و الدّخنة كالذّريرة:تدخّن بها البيوت.

و الدّخنة من الألوان كالكدرة في سواد.

و كبش أدخن،و شاة دخناء:بيّنة الدّخن.و ليلة دخنانة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:2111)

ابن فارس: الدّال و الخاء و النّون أصل واحد، و هو الّذي يكون عن الوقود،ثمّ يشبّه به كلّ شيء يشبهه من عداوة و نظيرها.

فالدّخان معروف،و جمعه:دواخن على غير قياس.

و يقال:دخنت النّار تدخن،إذا ارتفع دخانها، و دخنت تدخن،إذا ألقيت عليها حطبا فأفسدتها حتّى يهيج لذلك دخان.و كذلك دخن الطّعام يدخن.

و يقال دخن الغبار:ارتفع.

فأمّا الحديث:«هدنة على دخن»فهو استقرار على أمور مكروهة.

و الدّخنة من الألوان:كدرة في سواد.

شاة دخناء،و كبش أدخن،و ليلة دخنانة، و رجل دخن الخلق،و أبناء دخان:غنيّ و باهلة.

و الدّخنة:بخور يدخّن به البيت.(2:336)

أبو سهل الهرويّ: الدّخان مخفّف معروف،للّذي يرتفع من النّار في الهواء.(التّلويح:73)

ابن سيده: الدّخن:الجاورس؛واحدته:دخنة.

و الدّخان:العثان،و جمعه:أدخنة،و دواخن، و دواخين.

و دخنت النّار تدخن و تدخن،دخانا و دخونا:

ارتفع دخانها.

و دخنت دخنا:ألقي عليها حطب فأفسدت،حتّى هاج لذلك دخان شديد.

و دخن الطّعام و اللّحم و غيره،دخنا،فهو دخن، إذا أصابه الدّخان في حال شيّه أو طبخه حتّى تغلب رائحته على طعمه.

و الدّخنة:بخور تدخّن بها الثّياب أو البيت،و قد تدخّن بها،و دخّن غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

و الدّواخن:الكوى الّتي تتّخذ على الأتّونات و المقالي.

ص: 83

و دخن الغبار دخونا:سطع و ارتفع.

و الدّخنة:كدرة في سواد،دخن دخنا،و هو أدخن.

و ليلة دخنانة:شديدة الحرّ و الغمّ.

و يوم دخنان:سخنان.

و الدّخن:الحقد،و في الحديث:«هدنة على دخن».

و دخن خلقه دخنا،فهو دخن و داخن:ساء.

و رجل دخن الحسب و الدّين و العقل:متغيّرهنّ.

و الدّخنان:ضرب من العصافير.

و أبو دخنة:طائر يشبه لونه لون القبّرة.

(5:142)

الرّاغب: الدّخان كالعثان:المستصحب للّهيب...

و دخنت النّار تدخن:كثر دخانها،و الدّخنة منه، لكن تعورف فيما يتبخّر به من الطّيب.

و دخن الطّبيخ:أفسده الدّخان.

و تصوّر من الدّخان اللّون،فقيل:شاة دخناء، و ذات دخنة،و ليلة دخنانة.

و تصوّر منه التّأذّيّ به،فقيل:هو دخن الخلق، و روي:«هدنة على دخن»أي على فساد دخلة.

(166)

الزّمخشريّ: سطع الدّخان و الدّواخن،و دخن الدّخان:ارتفع.

و دخنت النّار:سطع دخانها تدخن.

و دخنت تدخن:فسدت لكثرة دخانها.

و دخن الطّبيخ دخنا:غلب الدّخان على طعمه.

و دخّن ثيابه:من الدّخان.

و الدّخنة،و هي بخور.

و تدخّن الرّجل و ادّخن منهما.

و هذا حطب يدخّن:يأتي بالدّخان.

و من المجاز:«هدنة على دخن.»،استعير من دخن النّار و الطّبيخ.

و هو دخن الخلق:فاسده.

و دخن الغبار:سطع.[ثمّ استشهد بشعر]

و في متن السّيف دخن:و هو ما يتراءى في متنه من شدّة الصّفاء من سواد.

و ليلة سخنانة دخنانة:حارّة رمدة،كأنّما يغشاها دخان.(أساس البلاغة 1:127)

ابن الأثير: فيه:«أنّه ذكر فتنة،فقال:دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي»،يعني ظهورها و إثارتها،شبّهها بالدّخان المرتفع.

و الدّخن بالتّحريك:مصدر دخنت النّار تدخن إذا ألقي عليها حطب رطب فكثر دخانها.و قيل:أصل الدّخن:أن يكون في لون الدّابّة كدورة إلى سواد.

و منه الحديث:«هدنة على دخن»أي على فساد و اختلاف،تشبيها بدخان الحطب الرّطب،لما بينهم من الفساد الباطن تحت الصّلاح الظّاهر.و جاء تفسيره في الحديث أنّه لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه، أي لا يصفو بعضها لبعض و لا ينصع حبّها،كالكدورة الّتي في لون الدّابّة.(2:109)

الفيّوميّ: الدّخان،خفيف،و الجمع دواخن، و مثله عثان و عواثن،و لا نظير لهما.

ص: 84

و الدّخنة وزان غرفة:بخور،كالذّريرة يدخّن بها البيوت.

و دخنت النّار تدخن و تدخن،من بابي«ضرب» و«قتل»دخونا:ارتفع دخانها.

و دخنت دخنا من باب«تعب»،إذا ألقيت عليها حطبا فأفسدتها،حتّى يهيج لذلك دخان،و منه قيل:

«هدنة على دخن»أي على فساد باطن.

و الدّخن:حبّ معروف؛الحبّة:دخنة.(1:191)

الفيروزآباديّ: الدّخن بالضّمّ:حبّ الجاورس، أو حبّ أصغر منه أملس جدّا،بارد يابس حابس للطّبع.

و الدّخان كغراب و جبل و رمّان:العثان؛جمعه:

أدخنة و دواخن و دواخين.

و ابنا دخان:غنيّ و باهلة.

و«هدنة على دخن»محرّكة،أي سكون لعلّة لا لصلح.

و دخن الطّعام كفرح:أصابه دخان،فأخذ ريحه، و خلقه:ساء و خبث.

و الدّواخن:كوى تتّخذ على المقالي و الأتّونات.

و الدّخنة:كدرة في سواد.

دخن كفرح فهو أدخن و هي دخناء،و ذريرة تدخّن بها البيوت.

و يوم دخنان كسخنان.

و الدّخن محرّكة:الحقد،و سوء الخلق،و فرند السّيف،و تغيّر العقل و الدّين و الحسب.

و الدّخناء أو الدّخنان بالضّمّ:عصفور.

و أبو دخنة بالضّمّ:طائر.

و كمكنسة:المجمرة.

و دخنت النّار،ك«منع»و«نصر»دخنا و دخونا،و أدخنت و دخّنت و ادّخنت:ارتفع دخانها.

و ك«فرحت»:ألقي عليها حطب فأفسدت ليهيج لها دخان،و النّبت و الدّابّة:صارت ألوانهما كدرة في سواد،كدخن ككرم دخنة بالضّمّ.

و دخين كزبير:ابن عامر،تابعيّ.

و ادّخن الزّرع:اشتدّ حبّه.

و دخن الغبار دخونا:سطع.(4:223)

الطّريحيّ: ...و دخنت النّار تدخن،من بابي «ضرب»و«قتل»دخونا:ارتفع دخانها.

و دخنت النّار،بالكسر،من باب«تعب»،إذا ألقيت عليها حطبا و أفسدتها حتّى يهيج لذلك دخان.

و الدّخن:حبّ معروف،و الحبّة:دخنة.

و الدّخنة كالذّريرة يدخّن بها البيوت.

و الدّخنة في الألوان:كدرة في سواد.(6:246)

العدنانيّ: الدّخان،و الدّخّان

و يخطّئون من يطلق على ما يتصاعد عن النّار من دقائق الوقود غير المحترقة:اسم الدّخّان،و يقولون:

إنّ الصّواب هو الدّخان،مستشهدين بقوله تعالى في الآية:11،من سورة فصّلت: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ، و قال أيضا في الآية العاشرة من سورة الدّخان: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ.

و مستشهدين أيضا بما جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم،و غريب القرآن للسّجستانيّ،و معجم

ص: 85

مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و الأساس،و النّهاية،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و محيط المحيط الّذي قال:إنّ«الدّخّان» من أقوال العامّة.

و لكن:

أجاز استعمال«الدّخان و الدّخّان»كليهما كلّ من الصّحاح«ذكر الدّخّان في الهامش»،و التّاج، و المدّ،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و أطلق«الدّخان و الدّخّان»-أو أحدهما-على التّبغ،فقد أطلق عليه المدّ اسم الدّخّان،و محيط المحيط اسم الدّخان.

و أطلق دوزي عليه:اسم الدّخّان،و أقرب الموارد و الوسيط:الدّخان و الدّخّان كليهما.و ذكر «الوسيط»أنّ مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة هو الّذي أقرّ إطلاق هذين الاسمين على التّبغ.

و أجاز الزّمخشريّ و الزّبيديّ لنا أن نقول:دخّنت النّار أيضا.

و يجمع الدّخان على:أدخنة،و دواخن، و دواخين.

و أمّا فعله فهو:

أ-دخنت النّار تدخن و تدخن دخونا،و دخنت دخنا:اللّسان،و المصباح.

ب-دخنت النّار تدخن و تدخن و تدخن دخنا، و دخونا و دخانا:الوسيط.

المدخنة و الدّاخنة

المنافذ الّتي تتّخذ على المقالي و الأتّونات و نحوها، ليخرج منها الدّخان،يخطّئون من يطلق عليها اسم:

المداخن،و يقول القاموس،و أقرب الموارد،و المتن:

إنّ المدخنة هي المجمرة الّتي يوضع فيها الجمر.

و يقول التّاج و المتن:إنّ كلمة المداخن عامّيّة.

و يذكر محيط المحيط و أقرب الموارد:أنّ المدخنة مولّدة،و قد فتحا ميمها لأنّهما عنيا بها المكان الّذي يخرج منه الدّخان اسم المكان،لا الآلة الّتي تخرج الدّخان:المدخنة.

و يقولون:إنّ الصّواب هو الدّواخن،الّتي مفردها داخنة،كما جاء في جامع الكرمانيّ،و تهذيب الأزهريّ الّذي أنشد:

*كمثل الدّواخن فوق الإرينا*

و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن.

و لكن:

ذكر«الوسيط»:أنّ مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة أطلق على الأنبوبة الرّأسيّة الّتي تستعمل لتصريف غازات الاحتراق:اسم المدخنة؛و تجمع على:

مداخن.(218)

مجمع اللّغة :دخنت النّار تدخن و تدخن دخانا و دخونا:ارتفع دخانها.

و دخنت تدخن دخنا:هاج دخانها بإلقاء الحطب عليها.

و الدّخان:ما يكون من اللّهيب.و قد يقال للبخار و ما هو على صورته:دخان.(1:386)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(184)

ص: 86

محمود شيت:...الدّخان:من وسائل إخفاء القطعات في الهجوم عن نظر العدوّ و ناره.يقال:رمت الهاونات قنابل الدّخان،و رمت المدفعيّة حجاب الدّخان.

و حجاب الدّخان:حجاب يحجب القطعات عن رصد العدوّ و ناره.(1:237)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يتصاعد من توقّد الحطب،أي أثر التّوقّد،فهو بالنّسبة إلى التّوقّد الملازم للنّور و الحرارة:كثيف كدر، و الحرارة هي النّار الحاصلة من حركة.

فبمناسبة الكدورة و الكثافة يطلق على الفساد و العداوة و الشّدّة و نظائرها،ممّا يتحصّل من حركات و أعمال لطيفة خاصّة.

فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ الدّخان:10، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً فصّلت:11،السّماء يطلق على ما علا ظاهرا و في عالم المادّة و على ما علا من المادّة من عالم علويّ.فالدّخان أيضا بهذا اللّحاظ يكون على نوعين:دخان متحصّل في السّماء الظّاهريّ من السّماء،أو قبل السّماء.و دخان يوجد في السّماء الرّوحانيّ منه أو فيه.

فالدّخان المتحصّل من السّماء:عبارة عن كدورات مادّيّة و شدائد ظاهريّة متحصّلة من المفاسد و المساوئ في عالم المادّة،أو ظلمات روحانيّة متحصّلة في العالم المعنويّ،من الانحرافات الاعتقاديّة و الأخلاقيّة،و هذا هو المراد من الآية: تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ.

و أمّا الدّخان السّماويّ الّذي منه تحصّلت السّماء سماوات مادّيّة أو معنويّة:فدخانيّته بالنّسبة إلى عالم قبله في القوس النّزوليّ،سواء كان في المرتبة الرّوحانيّة،أو في المرتبة المادّيّة.

و أمّا الحقائق الجزئيّة معرفة خصوصيّاتها إذا لم تكن مشهودة حاضرة،فالمعرفة بها و بخصوصيّتها و أطوارها غير ميسورة،فإنّ الجزئيّ لا يكون كاسبا و لا مكتسبا،و لا بدّ أن يراجع علمها تفصيلا إلى اللّه العليم المتعال.(3:187)

النّصوص التّفسيريّة

دخان

1- ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ.

فصّلت:11

ابن عبّاس: بخار الماء.(401)

مثله الثّعلبيّ(8:287)،و البغويّ(4:126).

السّدّيّ: هي دخان من تنفّس الماء حين تنفس.

(426)

الطّوسيّ: الدّخان:جسم لطيف مظلم،فاللّه تعالى خلق السّماوات أوّلا دخانا،ثمّ نقلها إلى حال السّماء من الكثافة و الالتئام،لما في ذلك من الاعتبار و اللّطف لخلقه.(9:110)

الرّاغب: أي هي مثل الدّخان،إشارة إلى أنّه لا تماسك لها.(166)

ص: 87

ابن عطيّة:روي أنّها كانت جسما رخوا كالدّخان أو البخار،و روي أنّه ممّا أمره اللّه أن يصعد من الماء.(5:7)

أبو السّعود :أي أمر ظلمانيّ عبّر به عن مادّتها، أو عن الأجزاء المتصغّرة الّتي ركّبت هي منها،أو دخان مرتفع من الماء.(5:436)

البروسويّ: وَ هِيَ دُخانٌ الواو للحال و الضّمير إلى السّماء،لأنّها من المؤنّثات السّماعيّة.

و الدّخان أجزاء أرضيّة لطيفة ترتفع في الهواء مع الحرارة.

و في«المفردات»:الدّخان:العثان المستصحب للّهب،و البخار أجزاء مائيّة رطبة ترتفع في الهواء مع الشّعاعات الرّاجعة من سطوح المياه.و المعنى:و الحال أنّ السّماء دخان،أي أمر ظلمانيّ يعدّ كالدّخان،و هو المرتفع من النّار،فهو من قبيل التّشبيه البليغ،و إطلاق السّماء على الدّخان باعتبار المآل.[إلى أن قال:]

عبّر بالدّخان عن مادّة السّماء،يعني الهيولى و الصّورة الجسميّة،أو عن الأجزاء المتصغّرة الّتي ركّبت هي منها،يعني الأجزاء الّتي لا تتجزّأ، و إظلامها:إبهامها قبل حلول المنوّر،كما في «الحواشي السّعديّة»،و لمّا كانت أوّل حدوثها مظلمة صحّت تسميتها بالدّخان،تشبيها لها به من حيث إنّها أجزاء متفرّقة غير متواصلة عديمة النّور كالدّخان،فإنّه ليس له صورة تحفظ تركيبه،كما في «حواشي ابن الشّيخ».

و قال بعضهم:و هي دخان أي دخان مرتفع من الماء،يعني السّماء بخار الماء كهيئة الدّخان.(8:235)

الآلوسيّ: وَ هِيَ دُخانٌ أمر ظلمانيّ،و لعلّه أريد به مادّتها الّتي منها تركّبت؛و أنا لا أقول بالجواهر الفردة،لقوّة الأدلّة على نفيها،و لا يلزم من ذلك محذور أصلا،كما لا يخفى على الذّكيّ المنصف.

و قيل:إنّ عرشه تعالى كان قبل خلق السّماوات و الأرض على الماء،فأحدث اللّه تعالى في الماء سخونة، فارتفع زبد و دخان.فأمّا الزّبد فبقي على وجه الماء، فخلق اللّه تعالى فيه اليبوسة،و أحدث سبحانه منه الأرض.و أمّا الدّخان فارتفع و علا،فخلق اللّه تعالى منه السّماوات.

و قيل:كان هناك ياقوتة حمراء،فنظر سبحانه إليها بعين الجلال،فذابت و صارت ماء،فأزبد و ارتفع منه دخان،فكان ما كان.و أيّا ما كان،فليس الدّخان كائنا من النّار الّتي هي إحدى العناصر،لأنّها من توابع الأرض،و لم تكن موجودة إذ ذاك على قول -كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى-و على القول بالوجود لم يذهب أحد إلى تكوّن ذلك من تلك النّار.

و الحقّ الّذي ينبغي أن لا يلتفت إلى ما سواه،أنّ كرة النّار الّتي يزعمها الفلاسفة المتقدّمون-و وافقهم كثير من النّاس عليها-ليست بموجودة و لا توقّف لحدوث الشّهب على وجودها،كما يظهر لذي ذهن ثاقب.(24:102)

ابن عاشور :الدّخان:ما يتصاعد من الوقود عند التهاب النّار فيه.و قوله: وَ هِيَ دُخانٌ تشبيه بليغ،أي و هي مثل الدّخان،و قد ورد في الحديث:

ص: 88

«أنّها كانت عماء».

و قيل:أراد بالدّخان هنا شيئا مظلما،و هو الموافق لما في«سفر التّكوين»من قولها:«و على وجه الغمر ظلمة»،و هو بعيد عن قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّه لم يكن في الوجود من الحوادث إلاّ العماء.و العماء:

سحاب رقيق،أي رطوبة دقيقة،و هو تقريب للعنصر الأصليّ الّذي خلق اللّه منه الموجودات،و هو الّذي يناسب كون السّماء مخلوقة قبل الأرض.

و معنى: وَ هِيَ دُخانٌ أنّ أصل السّماء هو ذلك الكائن المشبّه بالدّخان،أي أنّ السّماء كوّنت من ذلك الدّخان،كما تقول:عمدت إلى هاته النّخلة،و هي نواة،فاخترت لها أخصب تربة،فتكون مادّة السّماء موجودة قبل وجود الأرض.(25:20)

الطّباطبائيّ: وَ هِيَ دُخانٌ حال من (السماء،)أي استوى إلى السّماء بالخلق حال كونها شيئا سمّاه اللّه دخانا،و هو مادّتها الّتي ألبسها الصّورة و قضاها سبع سماوات بعد ما لم تكن معدودة متميّزا بعضها من بعض،و لذا أفرد السّماء فقال:

اِسْتَوى إِلَى السَّماءِ. (17:365)

فضل اللّه :كلمة الدّخان فقد يكون المراد بها شيئا يشبهه،لأنّه في معناه الحقيقيّ ملازم للنّار الّتي لم يرد لها ذكر هنا.(20:98)

مكارم الشّيرازيّ: جملة وَ هِيَ دُخانٌ تبيّن أنّ بداية خلق السّماوات كان من سحب الغازات الكثيفة الكثيرة،و هذا الأمر يتناسب مع آخر ما توصلت إليه البحوث العلميّة بشأن بداية الخلق و العالم.و الآن فإنّ الكثير من النّجوم السّماويّة هي على شكل سحب مضغوطة من الغازات و الدّخان.

(15:334)

2- فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ.

الدّخان:10

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أوّل الآيات الدّجّال،و نزول عيسى ابن مريم و نار تخرج من قعر عدن أبين تسوق النّاس إلى المحشر،تقيل معهم إذا قالوا.و الدّخان قال حذيفة:

يا رسول اللّه و ما الدّخان؟فتلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الآية:

يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ يملأ[الدّخان]ما بين المشرق و المغرب،يمكث أربعين يوما و ليلة،أمّا المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزّكام.و أمّا الكافر فيكون بمنزلة السّكران،يخرج من منخريه و أذنيه و دبره.

(الطّبريّ 11:227)

ابن مسعود:[الدّخان]ما أصاب أهل مكّة من شدّة الجوع حتّى صار بينهم و بين السّماء كهيئة الدّخان،لمّا دعا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في إبطائهم عن الإيمان و قصدهم له بالأذى،فقال:«اللّهمّ اكفنيهم بسبع كسبع يوسف».(الماورديّ 5:247)

نحوه ابن عبّاس و الفرّاء(الفخر الرّازيّ 27:

242)،و الضّحّاك(الطّوسيّ 9:226)،و مغنيّة(7:8).

الإمام علي عليه السّلام:آية الدّخان لم تمض بعد و ستكون،يأتي دخان يصيب المؤمنين الزّكام،و ينقدّ الكافر.(النّحّاس 6:398)

ص: 89

ابن عبّاس: إنّ الدّخان آية من أشراط السّاعة، تدخل في مسامع الكفّار و المنافقين،و هو لم يأت بعد، و إنّه يأتي قبل قيام السّاعة،فيدخل أسماعهم حتّى أنّ رءوسهم تكون كالرّأس الحنيذ،و يصيب المؤمن منه مثل الزّكمة،و تكون الأرض كلّها كبيت أوقد فيه، ليس فيه خصاص،و يمكث ذلك أربعين يوما.

مثله ابن عمر،و الحسن و الجبّائيّ.

(الطّبرسيّ 5:62)

أبو سعيد الخدريّ: يهيج الدّخان بالنّاس،فأمّا المؤمن فيأخذه منه كهيئة الزّكمة،و أمّا الكافر فيهيّجه حتّى يخرج من كلّ مسمع منه.(الطّبريّ 11:227)

مجاهد : بِدُخانٍ مُبِينٍ الجدب و إمساك المطر عن كفّار قريش.(الطّبريّ 11:226)

الحسن :إنّ الدّخان قد بقي من الآيات إذا جاء الدّخان نفخ الكافر حتّى يخرج من كلّ سمع من مسامعه و يأخذ المؤمن كزكمة.(الطّبريّ 11:227)

ابن هرمز:إنّه يوم فتح مكّة لمّا حجبت السّماء الغيوم.(الماورديّ 5:247)

ابن قتيبة :أي بجدب،يقال:«إنّ الجائع فيه كان يرى بينه و بين السّماء دخانا،من شدّة الجوع».

و يقال:«بل قيل للجوع:دخان ليبس الأرض في سنة الجدب،و انقطاع النّبات،و ارتفاع الغبار.فشبّه ما يرتفع منه بالدّخان.كما قيل لسنة المجاعة:غبراء، و قيل:جوع أغبر،و ربّما وضعت العرب الدّخان موضع الشّرّ إذا علا،فيقولون:كان بيننا أمر ارتفع له دخان».(402)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في هذا الّذي أمر اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يرتقبه و أخبره أنّ السّماء تأتي فيه بدخان مبين،أيّ يوم هو و متى هو؟

و في معنى الدّخان الّذي ذكر في هذا الموضع فقال بعضهم:ذلك حين دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على قريش ربّه تبارك و تعالى أن يأخذهم بسنين كسني يوسف فأخذوا بالمجاعة قالوا:و عنى بالدّخان:ما كان يصيبهم حينئذ في أبصارهم من شدّة الجوع من الظّلمة كهيئة الدّخان.

و قال آخرون:الدّخان آية من آيات اللّه مرسلة على عباده قبل مجيء السّاعة فيدخل في أسماع أهل الكفر به،و يعتري أهل الإيمان به كهيئة الزّكام،قالوا:

و لم يأت بعد و هو آت.

و أولى القولين بالصّواب في ذلك ما روي عن ابن مسعود:من أنّ الدّخان الّذي أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يرتقبه هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم على ما وصفه ابن مسعود من ذلك،إن لم يكن خبر حذيفة الّذي ذكرناه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم صحيحا،و إن كان صحيحا،فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أعلم بما أنزل اللّه عليه، و ليس لأحد مع قوله الّذي يصحّ عنه،قول.

[ثمّ ذكر وجه عدم الصّحّة بعدم سماع محمّد بن خلف عن سفيان و أضاف:]

و إنّما قلت:القول الّذي قاله عبد اللّه بن مسعود هو أولى بتأويل الآية،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه توعّد بالدّخان مشركي قريش،و أنّ قوله لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ في سياق

ص: 90

خطاب اللّه كفّار قريش،و تقريعه إيّاهم بشركهم بقوله:

لا إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِي وَ يُمِيتُ رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ* بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ الدّخان:8،9،ثمّ أتبع ذلك قوله لنبيّه عليه الصّلاة و السّلام فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ أمرا منه له بالصّبر إلى أن يأتيهم بأسه و تهديدا للمشركين،فهو بأن يكون إذ كان وعيدا لهم قد أحلّه بهم أشبه من أن يكون أخّره عنهم لغيرهم.

و بعد فإنّه غير منكر أن يكون أحلّ بالكفّار الّذين توعّدهم بهذا الوعيد ما توعّدهم،و يكون محلاّ فيما يستأنف بعد بآخرين دخانا،على ما جاءت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عندنا كذلك لأنّ الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قد تظاهرت بأنّ ذلك كائن،فإنّه قد كان ما روى عنه عبد اللّه بن مسعود فكلا الخبرين اللّذين رويا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم صحيح.

و إن كان تأويل الآية في هذا الموضع ما قلنا فإذ كان الّذي قلنا في ذلك أولى التّأويلين فبيّن أنّ معناه:

فانتظر يا محمّد لمشركي قومك يوم تأتيهم السّماء من البلاء الّذي يحلّ بهم على كفرهم بمثل الدّخان المبين، لمن تأمّله أنّه دخان.(11:225)

الزّجّاج: في أكثر التّفسير:أنّ الدّخان قد مضى؛ و ذلك حين دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على مضر،فقال:

«اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر و اجعلها عليهم سنين كسني يوسف»أي اجعلهم سنوهم في الجدب كسني يوسف،و العرب أيضا تسمّى الجدب السّنة، فيكون المعنى اجعلها عليهم جدوبا.فارتفع القطر، و أجدبت الأرض،و صار بين السّماء و الأرض كالدّخان.(4:424)

القشيريّ: هذا من أشراط السّاعة؛إذ يتقدّم عليها.(5:381)

الفخر الرّازيّ: فيه قولان:

الأوّل:[نقل قول ابن مسعود و مجاهد و...أنّ الدّخان بسبب القحط و شدّة الجوع لقريش...]

القول الثّاني:[نقل قول الإمام عليّ عليه السّلام و ابن عبّاس و أضاف:]

احتجّ القائلون بهذا القول بوجوه:

الأوّل:أنّ قوله يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ يقتضي وجود دخان تأتي به السّماء،و ما ذكرتموه من الظّلمة الحاصلة في العين بسبب شدّة الجوع،فذاك ليس بدخان أتت به السّماء،فكان حمل لفظ الآية على هذا الوجه عدولا عن الظّاهر لا لدليل منفصل، و إنّه لا يجوز.

الثّاني:أنّه وصف ذلك الدّخان بكونه مبينا، و الحالة الّتي ذكرتموها ليست كذلك،لأنّها عارضة تعرض لبعض النّاس في أدمغتهم،و مثل هذا لا يوصف بكونها دخانا مبينا.

الثّالث:أنّه وصف ذلك الدّخان بأنّه يغشي النّاس،و هذا إنّما يصدق إذا وصل ذلك الدّخان إليهم و اتّصل بهم،و الحالة الّتي ذكرتموها لا توصف بأنّها تغشي النّاس إلاّ على سبيل المجاز،و قد ذكرنا أنّ العدول من الحقيقة إلى المجاز لا يجوز إلاّ لدليل منفصل.

ص: 91

الرّابع:روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:أوّل الآيات الدّخان،و نزول عيسى بن مريم عليهما السّلام،و نار تخرج من قعر عدن تسوق النّاس إلى المحشر،قال حذيفة:يا رسول اللّه و ما الدّخان؟فتلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الآية، و قال:دخان يملأ ما بين المشرق و المغرب،يمكث أربعين يوما و ليلة،أمّا المؤمن فيصيبه كهيئة الزّكمة، و أمّا الكافر فهو كالسّكران،يخرج من منخريه و أذنيه و دبره.رواه صاحب الكشّاف.و روى القاضي عن الحسن عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«باكروا بالأعمال ستّا» و ذكر منها طلوع الشّمس من مغربها،و الدّجّال، و الدّخان،و الدّابّة.

أمّا القائلون بالقول الأوّل،فلا شك أنّ ذلك يقتضي صرف اللّفظ عن حقيقته إلى المجاز،و ذلك لا يجوز إلاّ عند قيام دليل يدلّ على أنّ حمله على حقيقته ممتنع،و القوم لم يذكروا ذلك الدّليل،فكان المصير إلى ما ذكروه مشكلا جدّا.

فإن قالوا:الدّليل على أنّ المراد ما ذكرناه،أنّه تعالى حكى عنهم أنّهم يقولون: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ الدّخان:12،و هذا إذا حملناه على القحط الّذي وقع بمكّة استقام،فإنّه نقل أنّ القحط لمّا اشتدّ بمكّة مشى إليه أبو سفيان و ناشده باللّه و الرّحم،و أوعده (1)أنّه إن دعا لهم و أزال اللّه عنهم تلك البليّة أن يؤمنوا به،فلمّا أزال اللّه تعالى عنهم ذلك رجعوا إلى شركهم.أمّا إذا حملناه على أنّ المراد منه ظهور علامة من علامات القيامة،لم يصحّ ذلك،لأنّ عند ظهور علامات القيامة لا يمكنهم أن يقولوا: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ، و لم يصحّ أيضا أن يقال لهم: إِنّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ الدّخان:15.

و الجواب:لم لا يجوز أن يكون ظهور هذه العلامة جاريا مجرى ظهور سائر علامات القيامة،في أنّه لا يوجب انقطاع التّكليف فتحدث هذه الحالة،ثمّ إنّ النّاس يخافون جدّا فيتضرّعون،فإذا زالت تلك الواقعة عادوا إلى الكفر و الفسق،و إذا كان هذا محتملا،فقد سقط ما قالوه.و اللّه أعلم.(27:242)

نحوه الشّربينيّ.(3:582)

البيضاويّ: يوم شدّة و مجاعة،فإنّ الجائع يرى بينه و بين السّماء كهيئة الدّخان من ضعف بصره،أو لأنّ الهواء يظلم عام القحط لقلّة الأمطار و كثرة الغبار، أو لأنّ العرب تسمّي الشّرّ الغالب دخانا،و قد قحطوا حتّى أكلوا جيف الكلاب و عظامها.و إسناد الإتيان إلى السّماء لأنّ ذلك يكفّه عن الأمطار.أو يوم ظهور الدّخان المعدود في أشراط السّاعة،لما روي[و نقل رواية النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في ذلك]أو يوم القيامة.و الدّخان يحتمل المعنيين.(2:374)

النّسفيّ: يأتي من السّماء قبل يوم القيامة يدخل في أسماء الكفرة حتّى يكون رأس الواحد كالرّأس الحنيذ،و يعتري للمؤمن منه كهيئة الزّكام،و تكون الأرض كلّها كبيت أوقد فيه،ليس فيه خصاص.».

ص: 92


1- هكذا في الأصل...و الصّواب:«وعده»بدون الألف، لأنّ«أوعد»لا تكون إلاّ في الشّرّ،خلاف«وعد».

و قيل:إنّ قريشا لمّا استعصت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دعا عليهم فقال:«اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر و اجعلها عليهم سنين كسني يوسف»،فأصابهم الجهد حتّى أكلوا الجيف و العلهز،و كان الرّجل يرى بين السّماء و الأرض الدّخان،و كان يحدّث الرّجل فيسمع كلامه،و لا يراه من الدّخان.(4:128)

النّيسابوريّ: الأكثرون على أنّ هذا الدّخان من أمارات القيامة،فإنّ الدّنيا ستصير كبيت لا خصاص له مملوء دخانا،يدخل في أنوف الكفّار و آذانهم فيكونون كالسّكارى،و يصيب المؤمن فيه كالزّكام،فيبقى ذلك أربعين.[ثمّ نقل رواية النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في ذلك إلى أن قال:]

و قيل:الدّخان يكون في القيامة إذا خرجوا من قبورهم،يحيط بالخلائق و يغشاهم.

و قيل:الدّخان:الشّرّ و الفتنة.(25:66)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ إلاّ أنّه بعد نقل القولين قال:]

و الأوّل[يوم شدّة و مجاعة للقحط]هو الّذي يستدعيه مساق النّظم الكريم قطعا،فإنّ قوله تعالى:

أَنّى لَهُمُ الذِّكْرى... الدّخان:13،ردّ لكلامهم...

(6:48)

البروسويّ: أطلق الدّخان على شدّة القحط و غلبة الجوع،على سبيل الكناية أو المجاز المرسل، و المعنى:فانتظر لهم يوم شدّة و مجاعة.فإنّ الجائع يرى بينه و بين السّماء كهيئة الدّخان:إمّا لضعف بصره،أو لأنّ في عام القحط يظلم الهواء لقلّة الأمطار،و كثرة الغبار،و لذا يقال لسنة القحط:السّنة الغبراء،كما قالوا:عام الرّمادة.

و الظّاهر أنّ السّنة الغبراء ما لا تنبت الأرض فيها شيئا،و كانت الرّيح إذا هبّت ألقت ترابا كالرّماد،أو لأنّ العرب تسمّي الشّرّ الغالب:دخانا.و إسناد الإتيان إلى السّماء،لأنّ ذلك يكفّها عن الأمطار،فهو من قبيل إسناد الشّيء إلى سببه،و ذلك أنّ قريشا لمّا بالغوا في الأذيّة له عليه السّلام دعا عليهم،فقال:«اللّهمّ اشدد وطأتك على مضر»أي عقابك الشّديد،يعني خذهم أخذا شديدا،«و اجعلها عليهم سنينا كسني يوسف»، و هي السّبع الشّداد.

فاستجاب اللّه دعاءه،فأصابتهم سنة،أي قحط حتّى أكلوا الجيف و الجلود و العظام و العلهز و هو الوبر و الدّم-أي يخلط الدّم بأوبار الإبل و يشوى على النّار-كان الرّجل يرى بين السّماء و الأرض الدّخان من الجوع،و كان يحدّث الرّجل و يسمع كلامه،و لا يراه من الدّخان.(8:406)

الآلوسيّ: أي يوم تأتي بجدب و مجاعة،فإنّ الجائع جدّا يرى بينه و بين السّماء كهيئة الدّخان و هي ظلمة تعرض للبصر لضعفه فيتوهّم ذلك.فإطلاق الدّخان على ذلك المرئيّ باعتبار أنّ الرّائي يتوهّمه دخانا،و لا يأباه وصفه بمبين،و إرادة الجدب و المجاعة منه مجاز،من باب ذكر المسبّب و إرادة السّبب،أو لأنّ الهواء يتكدّر سنة الجدب بكثرة الغبار،لقلّة الأمطار المسكنة له،فهو كناية عن الجدب،و قد فسّر أبو عبيدة الدّخان به.

ص: 93

و قال القتبيّ: يسمّى دخان اليبس الأرض حتّى يرتفع منها ما هو كالدّخان.و قال بعض العرب:نسمّي الشّرّ الغالب:دخانا،و وجه ذلك بأنّ الدّخان ممّا يتأذّى به،فأطلق على كلّ مؤذ يشبهه و أريد به هنا الجدب،و معناه الحقيقيّ معروف.و قياس جمعه في القلّة:أدخنة،و في الكثرة:دخنان،نحو غراب و أغربة و غربان،و شذّوا في جمعه على«فواعل»فقالوا:

دواخن،كأنّه جمع داخنة تقديرا و قرينة التّجوّز فيه هنا حاليّة،كما ستعلمه إن شاء اللّه تعالى من الخبر.

و المراد باليوم مطلق الزّمان،و هو مفعول به ل(ارتقب)أو ظرف له،و المفعول محذوف،أي ارتقب وعد اللّه ذلك اليوم،و ب(السماء)جهة العلوّ.

و إسناد الإتيان بذلك إليهما من قبيل الإسناد إلى السّبب،لأنّه يحصل بعدم إمطاره،أو لم يسند إليه عزّ و جلّ مع أنّه سبحانه الفاعل حقيقة،ليكون الكلام مع سابقها المتضمّن إسناد ما هو رحمة إليه تعالى شأنه، على وزان قوله تعالى: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ*غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ الفاتحة:6،7.

و تفسير«الدّخان»بما فسّرناه به مرويّ عن قتادة،و أبي العالية،و النّخعيّ،و الضّحّاك،و مجاهد و مقاتل،و هو اختيار الفرّاء و الزّجّاج.[ثمّ ذكر الرّوايات و أضاف:]

و قيل:المراد ب يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ... يوم القيامة،فالدّخان يحتمل أن يراد به الشّدّة و الشّرّ مجازا و أن يراد به حقيقته.

و قال الخفاجيّ: الظّاهر عليه أن يكون قوله تعالى: تَأْتِي السَّماءُ إلى آخره استعارة تمثيليّة،إذ لاسماء لأنّه يوم تشقّق فيه السّماء،فمفرداته على حقيقتها.و أنت تعلم أنّه لا مانع من القول بأنّ السّماء كما سمعت أوّلا بمعنى جهة العلوّ،سلّمنا أنّها بمعنى الجرم المعروف،لكن لا مانع من كون الدّخان قبل تشقّقها،بأن يكون حين يخرج النّاس من القبور مثلا، بل لا مانع من القول بأنّ المراد من إتيان السّماء بدخان:استحالتها إليه بعد تشقّقها و عودها إلى ما كانت عليه أوّلا،كما قال سبحانه: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فصّلت:11،و يكون فناؤها بعد صيرورتها دخانا.

هذا و الأظهر حمل الدّخان على ما روي عن ابن مسعود أوّلا،لأنّه أنسب بالسّياق،لما أنّه في كفّار قريش و بيان سوء حالهم،مع أنّ في الآيات بعد،ما هو أوفق به.فوجه الرّبط أنّه سبحانه لمّا ذكر من حالهم مقابلتهم الرّحمة بالكفران،و أنّهم لم ينتفعوا بالمنزل و المنزل عليه،عقّب قوله تعالى شأنه: فَارْتَقِبْ يَوْمَ...، للدّلالة على أنّهم أهل العذاب و الخذلان لا أهل الإكرام و الغفران. يَغْشَى النّاسَ أي يحيط بهم،و المراد بهم كفّار قريش.و من جعل«الدّخان» ما هو من أشراط السّاعة،حمل النّاس على من أدركه ذلك الوقت.و من جعل ذلك يوم القيامة،حمل النّاس على العموم،و الجملة صفة أخرى للدّخان.

(25:117)

ابن عاشور :الدّخان:ما يتصاعد عند إيقاد الحطب،و هو تشبيه بليغ،أي بمثل دخان...[إلى أن

ص: 94

قال:]

و عن الأعرج:أنّه الغبار الّذي أثارته سنابك الخيل يوم فتح مكّة،فقد حجبت الغبرة السّماء.

و إسناد الإتيان به إلى السّماء مجاز عقليّ،لأنّ السّماء مكانه حين يتصاعد في جوّ السّماء،أو حين يلوح للأنظار منها.و الكلام يؤذن بأنّ هذا الدّخان المرتقب حادث قريب الحصول.فالظّاهر أنّه حدث يكون في الحياة الدّنيا،و أنّه عقاب للمشركين.

فالمراد ب(الناس)من قوله: يَغْشَى النّاسَ هم المشركون،كما هو الغالب في إطلاق لفظ (الناس)في القرآن،و أنّه يكشف زمنا قليلا عنهم إعذارا لهم لعلّهم يؤمنون،و أنّهم يعودون بعد كشفه إلى ما كانوا عليه،و أنّ اللّه يعيده عليهم،كما يؤذن بذلك قوله: إِنّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً الدّخان:15.

و أمّا قوله: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الدّخان:16،فهو عذاب آخر.

و كلّ ذلك يؤذن بأنّ العذاب بالدّخان يقع في الدّنيا و أنّه مستقبل قريب.و إذ قد كانت الآية مكّيّة، تعيّن أنّ هذا الدّخان الّذي هو عذاب للمشركين لا يصيب المؤمنين،لقوله تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الأنفال:33،فتعيّن أنّ المؤمنين يوم هذا الدّخان غير قاطنين بدار الشّرك،فهذا الدّخان قد حصل بعد الهجرة لا محالة،و تعيّن أنّه قد حصل قبل أن يسلم المشركون الّذين بمكّة و ما حولها،فيتعيّن أنّه حصل قبل فتح مكّة أو يوم فتح مكّة على اختلاف الأقوال.

و الأصحّ أنّ هذا الدّخان عني به ما أصاب المشركين من سني القحط بمكّة بعد هجرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى المدينة.و الأصحّ في ذلك حديث عبد اللّه بن مسعود في «صحيح البخاريّ»عن مسلم و أبي الضّحى عن مسروق...[ثمّ نقل الرّوايات في ذلك و قال:]

و الّذي يستخلص من الرّوايات أنّ هذا الجوع حلّ بقريش بعيد الهجرة،و ذلك هو الجوع الّذي دعا به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.[ثمّ نقل روايات أخرى]

(25:315)

الطّباطبائيّ: ...و قيل:إنّ الدّخان المذكور في الآية من أشراط السّاعة و هو لم يأت بعد،و هو يأتي قبل قيام السّاعة فيدخل أسماع النّاس حتّى أنّ رءوسهم تكون كالرّأس الحنيذ.و يصيب المؤمن منه مثل الزّكمة،و تكون الأرض كلّها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص،و يمكث ذلك أربعين يوما.

و ربّما قيل:إنّ المراد بيوم الدّخان:يوم فتح مكّة حين دخل جيش المسلمين مكّة،فارتفع الغبار كالدّخان المظلم.و ربّما قيل:المراد به:يوم القيامة؛ و القولان كما ترى.(18:137)

عبد الكريم الخطيب :اختلف المفسّرون في هذا العذاب الّذي يغشى النّاس،و أكثر المفسّرين على أنّه كان ضربا من العذاب أخذ اللّه به المشركين استجابة لدعوة،يقال:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم دعا بها على مضر.[و نقل الرّواية في ذلك و أدام:]

و قيل-و هو رأي قلّة من المفسّرين-:إنّ هذا الدّخان الّذي يغشى النّاس هو ما يطّلع على النّاس

ص: 95

يوم القيامة من أحوالها و مرجفاتها.

و الرّأي الأوّل هو الّذي نقول به،و ذلك لأمرين:

أوّلهما:ما جاء بعد ذلك من قوله تعالى: إِنّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ، و عذاب الآخرة لا يكشف عن أهل النّار ليختبر بهذا الكشف ما عندهم من وفاء أو نكث بما عاهدوا اللّه عليه إن كشف الضّرّ عنهم،فالآخرة دار جزاء،و ليست دار ابتلاء و اختبار.و هذا يعني أنّ«الكشف»المراد هنا:

هو كشف عذاب وقع بالقوم في الحياة الدّنيا.

و ثانيهما:ما جاء بعد ذلك أيضا في قوله تعالى:

يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنّا مُنْتَقِمُونَ الدّخان:

16،فهو وعيد من اللّه سبحانه و تعالى لهؤلاء المشركين الّذين نقضوا ما عاهدوا اللّه عليه،بأن يؤمنوا إذا كشف الضّرّ عنهم،فلمّا كشف عنهم الضّرّ عادوا إلى ما نهوا عنه.

و هذا يعني أنّ الفعل الّذي وقع الوعيد عليه كان في الدّنيا،لأنّه لا وعيد على ما يقع من النّاس في الآخرة.(13:188)

فضل اللّه :اليوم الّذي يمتلئ الجوّ فيه دخانا، و ذلك بسبب المجاعة الّتي يتحوّل فيها الإحساس بالجوع إلى حالة يبصر فيها الإنسان الفضاء كما لو كان مملوء بالدّخان-كما في بعض التّفاسير-أو بسبب الدّخان الحقيقيّ الّذي يأتي قبيل حدوث السّاعة-كما في بعض آخر-و ربّما كان الوجه الثّاني أقرب إلى سياق الآية و مفرداتها،لأنّها تتحدّث عن دخان آت من جانب السّماء،كحقيقة ملموسة، لا كحالة وهميّة تخيّلها للإنسان إحساساته الأليمة.

و لكنّنا نجد ما يؤيّد التّفسير الأوّل،الّذي تدعمه بعض الرّوايات الّتي تتحدّث عن مجاعة ابتلي بها أهل مكّة،فإنّهم لمّا أصرّوا على كفرهم و أذاهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين به،دعا عليهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم...(20:281)

مكارم الشّيرازيّ: ما المراد من الدّخان المبين؟

هناك أقوال بين المفسّرين حول المراد من الدّخان الّذي ذكر في هذه الآيات كتعبير عن العذاب الإلهيّ، و توجد هنا نظريّتان أساسيّتان:

1-إنّه إشارة إلى العقاب و العذاب الّذي ابتلي به كفّار قريش في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأنّه لعنهم و دعا عليهم،فقال:«اللّهمّ سنين كسني يوسف».و بعد ذلك أصاب مكّة قحط شديد،حتّى أنّهم كانوا يرون كأنّ بين السّماء و الأرض عمودا من الدّخان من شدّة الجوع و العطش،و عسر الأمر عليهم حتّى أكلوا الميتة و عظام الحيوانات الميّتة.

فأتوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قالوا:يا محمّد،تأمرنا بصلة الرّحم و قد هلك قومك!لئن رفع عنّا العذاب لنؤمننّ.

فدعا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فارتفع العذاب و عمّ الخير و النّعمة الوفيرة،لكنّهم لم يعتبروا بذلك،بل عادوا إلى الكفر مرّة أخرى.

طبقا لهذا التّفسير فقد اعتبرت غزوة بدر هي:

اَلْبَطْشَةَ الْكُبْرى -أي العقوبة الشّديدة-لأنّ المشركين تلقّوا من المسلمين في بدر ضربات مهلكة ماحقة.و طبقا لهذا التّفسير لم يكن للدّخان وجود في الحقيقة،بل إنّ السّماء قد بدت للنّاس العطاشى

ص: 96

الجائعين كعمود الدّخان.و على هذا فذكر«الدّخان» هنا من باب المجاز،و هو يشير إلى تلك الحالة الصّعبة المؤلمة.

و قال البعض:إنّ الدّخان يستعمل عادة في كلام العرب،كناية عن الشّرّ و البلاء الّذي يعمّ و يغلب.

و يعتقد بعض آخر أنّه حين القحط و قلّة المطر تغطّي السّماء عادة أعمدة الغبار،و قد عبّر هنا عن هذه الحالة بالدّخان،لأنّ المطر ينزل بالغبار إلى الأرض،فيصفو الأفق.

و مع كلّ هذه الصّفات،فإنّ استعمال كلمة «الدّخان»هنا مجاز طبقا لهذا التّفسير.

2-إنّ المراد من الدّخان المبين:هو ذلك الدّخان الغليظ الّذي سيغطّي السّماء في نهاية العالم،و على أعتاب القيامة،فهو علامة لحلول اللّحظات الأخيرة لهذه الدّنيا،و بداية عذاب أليم للظّالمين و المفسدين.

عند ذلك سينتبه هؤلاء الظّالمون من نوم غفلتهم، و يطلبون رفع العذاب و الرّجوع إلى الحياة الدّنيويّة العاديّة،لكن أيديهم تردّ في أفواههم.

و طبقا لهذا التّفسير فإنّ الدّخان معناه الحقيقيّ، و يكون مضمون هذه الآيات هو نفس ما ورد في آيات القرآن الأخرى،و هو أنّ المجرمين و الكافرين يرجون -و هم على أعتاب القيامة أو فيها-رفع العذاب عنهم،و الرّجوع إلى الدّنيا،لكن ذلك لا يقبل منهم، و لا يحقّق رجاؤهم.

الإشكال الوحيد الّذي يرد على هذا التّفسير أنّه لا ينسجم مع جملة: إِنّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ الدّخان:15،لأنّ العذاب الإلهيّ لا يخفّف عند انتهاء الدّنيا أو في القيامة،ليعود النّاس إلى حالة الكفر و المعصية.

أمّا إذا اعتبرنا هذه الجملة قضيّة شرطيّة-و إن كان ذلك يخالف الظّاهر-فسيرتفع الإشكال حينئذ، لأنّ معنى الآية يصبح:كلّما كشفنا عنهم قليلا من العذاب فإنّهم يعودون إلى طريقتهم الأولى،و هذا في الواقع شبيه بالآية:28،من سورة الأنعام: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ.

إضافة إلى أنّ تفسير: اَلْبَطْشَةَ الْكُبْرى الدّخان:16،بأحداث يوم بدر،يبدو بعيدا عن الصّواب،لكن تفسيرها بعقوبات القيامة يكون منسجما مع الآية تماما.

و الشّاهد الآخر للتّفسير الثّاني هو الرّوايات الواردة عن النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و سلّم،و الّتي تفسّر الدّخان بالدّخان الّذي سيملأ العالم على أعتاب قيام القيامة،كالرّواية الّتي يرويها حذيفة بن اليمان عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.[فذكر الرّواية]

و جاء في حديث آخر عن أبي مالك الأشعريّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ ربّكم أنذركم ثلاثا:الدّخان، يأخذ منه المؤمن كالزّكمة،و يأخذ الكافر فينفخ حتّى يخرج من كلّ مسمع منه،و الثّانية:الدّابّة،و الثّالثة:

الدّجّال».

و قد قدّمنا توضيحا كافيا حول دابّة الأرض في ذيل الآية:82،من سورة النّمل.

و روي شبيه هذا المعنى حول الدّخان عن

ص: 97

أبي سعيد الخدريّ عن النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله.

و يلاحظ نظير هذه التّعبيرات،بصورة أكثر تفصيلا،في الرّوايات الواردة عن طرق أهل البيت عليهم السّلام،و من جملتها ما نقرأه في رواية عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام،أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«عشر قبل السّاعة لا بدّ منها...».

و من مجموع ما قيل:نستنتج أنّ التّفسير الثّاني هو الأنسب.(16:124)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّخان.يقال:دخن الدّخان يدخن دخونا،أي ارتفع و انتشر؛و الجمع:

دواخن.يقال:رأيت دواخن القوم،أي رأيت دخانهم.

و ليلة دخنانة:كأنّما يغشاها دخان من شدّة حرّها و غمّها،و يوم دخنان:سخنان.

و الدّخن:الدّخان.يقال:دخنت النّار تدخن دخنا و ادّخنت،أي ألقي عليها حطب و أفسدت فكثر دخانها.و من المجاز قولهم:«هدنة على دخن»أي سكون لعلّه لا لصلح،و«كان بيننا أمر ارتفع له دخان»أي شرّ.

و الدّخن:الوخيم.يقال:دخن الطّعام يدخن دخنا،أي فسد،فأصابه الدّخان حتّى غلب على طعمه فهو دخن،و دخن الطّبيخ،إذا تدخّنت القدر، و شراب دخن:متغيّر الرّائحة.

و ابنا دخان:قبيلتا غنيّ و باهلة،سمّوا به لأنّهم دخّنوا على قوم في غار فقتلوهم.

و الدّخنة:بخور يدخّن به،و المدخنة:المبخرة.

و الدّاخنة:كوى فيها إردبّات تتّخذ على المقالي و الأتّونات؛و الجمع:دواخن.

و الدّخان:الجوع،ليبس الأرض في الجدب و ارتفاع الغبار،فشبّه غبرتها بالدّخان،و منه قيل لسنة المجاعة:غبراء،و جوع أغبر،و يقال أيضا:دخن الغبار،أي سطع.

و منه الدّخنة:لون الأدخن،و هو كدرة في سواد كالدّخان،يقال:كبش أدخن،و شاة دخناء،و هو الدّخن أيضا.

و الدّخنة:العار.يقال:لأشبعنّ دخنتك،و سمّي به لأنّه سواد،و هو ممّا يستشنع،كقولهم:كلّمته فما ردّ عليّ سوداء و لا بيضاء،أي كلمة قبيحة و لا حسنة.

و الدّخن:سوء الخلق،تشبيها بالدّخان و الغبار.

يقال:إنّه لدخن الخلق،و قد دخن خلقه دخنا:خبث و فسد.

و الدّخن:الجاورس،و المفرد دخنة،كما قال اللّغويّون،و زاد ابن دريد:«حبّ معروف،عربيّ، و ربّما اختبز أيضا».

و قال الفيروزآباديّ: «حبّ الجاورس،أو حبّ أصغر منه أملس جدّا،بارد يابس حابس للطّبع».

و لعلّه سمّي بذلك لغبرته أو كدرة لونه،أو سوء طعمه، فيقدّم حبّه إلى الطّير،و يعلف من حبّه و أوراقه سائر الحيوان.

2-أضحى الدّخان اليوم معضلة كبرى،تهدّد حياة الكائنات الحيّة في المدن،فالمركبات البريّة

ص: 98

و البحريّة و الجوّيّة و المعامل تنفث الدّخان من مداخنها،كما تولّد حرائق الغابات الدّخان الكثيف في المزارع و القرى.

و يسبّب الدّخان أمراضا في الجهاز التّنفّسيّ للإنسان و الحيوان،و يتلف الثّروة الزّراعيّة و النّباتات البرّيّة،و يحجب ضوء الشّمس،و يشوّه المناظر الطّبيعيّة و العمارات السّكنيّة و المعالم الأثريّة،و غير ذلك من الأضرار الأخرى.

و قد أطلق المولّدون في هذا العصر«الدّخان» على التّبغ،و اشتقّوا منه قولهم:دخّن الرّجل تدخينا، أي نفث دخان التّبغ من فيه فهو مدخّن،كما أطلقوا التّدخين على هذا الفعل،فقالوا:التّدخين يضرّ بصحّة الإنسان.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم(دخان)مرّتين في آيتين:

1- ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ

فصّلت:11

2- فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ

الدّخان:10

و يلاحظ أوّلا:أنّ الآية الأولى دلّت على وجود الدّخان قبل خلق السّماوات و الأرض.و الأخرى دلّت على حدوث الدّخان المبين قبل يوم القيامة.

و فيهما بحوث:

1-قالوا في(1)المراد بالدّخان فيها بخار الماء من تنفّس الماء.

و قال الطّوسيّ: «الدّخان:جسم لطيف مظلم، فاللّه تعالى خلق السّماوات أوّلا دخانا،ثمّ نقلها إلى حال السّماء من الكثافة و الالتئام،لما في ذلك من الاعتبار و اللّطف لخلقه».

و قال الرّاغب:«هي مثل الدّخان،إشارة إلى أنّه لا تماسك لها».

و قال ابن عطيّة:«روي أنّها كانت جسما رخوا كالدّخان أو البخار،و روي أنّه ممّا أمره اللّه أن يصعد من السّماء».

و قال أبو السّعود:«أي أمر ظلمانيّ عبّر به عن مادّتها،أو عن الأجزاء المتصغّرة الّتي ركّبت هي منها، أو دخان مرتفع من الماء».

و قال البروسويّ: «و الدّخان أجزاء أرضيّة لطيفة ترتفع في الهواء مع الحرارة-ثمّ نقل نصّ الرّاغب في المفردات-و منها:«عبّر بالدّخان عن مادّة السّماء يعني الهيولى و الصّورة الجسميّة-إلى أن قال:-و لمّا كانت أوّل حدوثها مظلمة صحّت تسميتها بالدّخان، تشبيها لها به من حيث إنّها أجزاء متفرّقة غير متواصلة عديمة النّور كالدّخان،فإنّه ليس له صورة تحفظ تركيبه،كما في حواشي ابن الشّيخ»،و نحوها آخرون.و أجمعها كلام الآلوسيّ،فلاحظ.

و قال ابن عاشور:«قيل:أراد بالدّخان شيئا مظلما،و هو الموافق لما في«سفر التّكوين»من قولها:

«و على وجه الغمر ظلمة»،و هو بعيد عن قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إنّه لم يكن في الوجود من الحوادث إلاّ العماء.

ص: 99

و العماء:سحاب رقيق،أي رطوبة دقيقة-إلى أن قال:-و هو الّذي يناسب كون السّماء مخلوقة قبل الأرض.

و معنى: وَ هِيَ دُخانٌ أنّ أصل السّماء هو ذلك الكائن المشبّه بالدّخان،أي أنّ السّماء كوّرت من ذلك الدّخان،كما تقول:عمدت إلى هاته النّخلة، و هي نواة...فتكون مادّة السّماء موجودة قبل وجود الأرض».

و قال الطّباطبائيّ: «...حال كونها شيئا سمّاه اللّه دخانا و هو مادّتها الّتي ألبسها الصّورة،و قضاها سبع سماوات بعد ما لم تكن معدودة متميّزا بعضها من بعض، و لذا أفرد السّماء فقال: اِسْتَوى إِلَى السَّماءِ.

و قال مكارم الشّيرازيّ: «تبيّن أنّ بداية خلق السّماوات كان من سحب الغازات الكثيفة الكثيرة، و هذا الأمر يتناسب مع آخر ما توصّلت إليه البحوث العلميّة بشأن بداية الخلق و العالم.

و الآن فإنّ الكثير من النّجوم السّماويّة هي على شكل سحب مضغوطة من الغازات و الدّخان».

و قال فضل اللّه:«كلمة الدّخان فقد يكون المراد بها شيئا يشبهه،لأنّه في معناه الحقيقيّ ملازم للنّار الّتي لم يرد لها ذكر هنا».هذه هي آراؤهم،و هي متقاربة.

2-قال البروسويّ-و نحوه غيره-:«الواو للحال و الضّمير إلى السّماء،لأنّها من المؤنّثات السّماعيّة».

3-في(2)روى الطّبريّ حديثا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ «الدّخان»من أعلام السّاعة كالدّجّال و غيره.و عن ابن مسعود و غيره:«أنّ«الدّخان»ما أصاب أهل مكّة من شدّة الجوع حتّى صار بينهم و بين السّماء كهيئة الدّخان،لمّا دعا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في إبطائهم عن الإيمان و قصدهم له بالأذى...».

و هو بعيد عن سياق الآية الظّاهر في أشراط السّاعة،كما هو مرويّ عن ابن عبّاس.

و عن عليّ عليه السّلام:«إنّها لم تمض بعد و ستكون، يأتي دخان يصيب المؤمنين الزّكام،و ينقدّ الكافر».

و قد حكى الطّبريّ«الوجهين ثمّ رجّح قول ابن مسعود،و قيّده بقوله:«إن لم يكن خبر حذيفة الّذي ذكرناه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم صحيحا،فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أعلم بما أنزل اللّه عليه،و ليس لأحد مع قوله الّذي يصحّ عنه قول».ثمّ ضعّف هذا الخبر بعدم سماع محمّد بن خلف عن سفيان...ثمّ دفع التّعارض بينه و بين قول ابن مسعود»فلاحظ.

و قد ذكر الفخر الرّازيّ القولين أيضا،و ذكر ما احتجّ به القائلون بقول ابن مسعود من الوجوه،و دفع ما احتجّ به للقول الآخر،فلاحظ.

و عندنا أنّ اللّه أنذر بيوم يأتي فيه دخان ظاهر من السّماء،و لم يبيّن المراد به إلاّ أنّ الآية-كما سبق- أشبه بآيات أشراط السّاعة-و قد نسبه النّيسابوريّ إلى الأكثر-اللّهمّ إلاّ أن يثبت لدينا خبر صحيح عن النّبيّ و الأئمّة عليهم السّلام بخلافه.

4-و قال البروسويّ-و نحوه الآلوسيّ-:

«أطلق الدّخان على شدّة القحط و غلبة الجوع على سبيل الكناية أو المجاز المرسل،و المعنى:فانتظر لهم يوم

ص: 100

شدّة و مجاعة،فإنّ الجائع يرى بينه و بين السّماء كهيئة الدّخان،إمّا لضعف بصره،أو لأنّ في عام القحط يظلم الهواء لقلّة الأمطار،و كثرة الغبار...»و لا شاهد لما ذكره من المجاز ما دام يجوز حمله على الحقيقة.

و قد حمله«الخفاجيّ»على أنّها استعارة تمثيليّة و قال:«إذ لا سماء لأنّه يوم تشقّق فيه السّماء،فمفرداته على حقيقتها...»-ثمّ رجّح أخيرا قول ابن مسعود-.

و قال ابن عاشور:«و هو تشبيه بليغ،أي بمثل دخان-ثمّ قال:-و عن الأعرج:أنّه الغبار الّذي أثارته سنابك الخيل يوم فتح مكّة،فقد حجبت الغبرة السّماء،و إسناد الإتيان به إلى السّماء مجاز عقليّ،لأنّ السّماء مكانه حين يتصاعد في جوّ السّماء،أو حين يلوح للأنظار منها.و الكلام يؤذن بأنّ هذا الدّخان المرتقب حادث قريب الحصول،فالظّاهر أنّه حدث يكون في الحياة الدّنيا،و أنّه عقاب للمشركين».

و عندنا أنّ شيئا ممّا ذكر لا يصرف سياق الآية عن كونها بصدد بيان شيء من أشراط السّاعة،فجاءت بعد قوله: بِدُخانٍ مُبِينٍ: يَغْشَى النّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ* رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنّا مُؤْمِنُونَ* أَنّى لَهُمُ الذِّكْرى وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ -إلى أن قال - يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنّا مُنْتَقِمُونَ الدّخان:11- 16،و ما بعدها من الآيات إلى آخر السّورة،فلاحظ.

و قد اختار الطّباطبائيّ هذا القول أيضا و حكى القول بكونه:يوم فتح مكّة حين دخل جيش المسلمين مكّة،فارتفع الغبار كالدّخان المظلم،و كذا القول بأنّه يوم القيامة،ثمّ قال:«و القولان كما ترى».

و يلاحظ ثانيا:أنّ آيتين جاءت إحداهما بشأن بدء الخلق،و الأخرى بشأن ختم الخلق،و كلاهما مكّيّتان،كما هو شأن أكثر الآيات المكّيّة.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

اليحموم: وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ الواقعة:43

النّحاس: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ الرّحمن:35

ص: 101

ص: 102

درأ

اشارة

4 ألفاظ،5 مرّات

في 5 سور:1 مكّيّة،4 مدنيّة

يدرأ 1:-1 فادرءوا 1:-1

يدرءون 2:1-1 فادّارأتم 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :و الدّريئة من أدم و غيره يتعلّم عليها الطّعان.

و أدرأت دريئة أي اتّخذتها.

و الدّريئة:ما تتستّر به فترمي الصّيد،و تقول منه:

دريت الصّيد أدري دريا.

و الدّريئة،بالهمز:الحلقة.

و تقول:حيّ بني فلان ادّرءوا فلانا،كأنّهم اعتمدوه بالغارة و الغزو.

و الدّرء:العوج في العصا و القناة،و كلّ شيء تصعب إقامته.

و طريق ذو دروء،ممدود،أي ذو كسور،و نحو ذلك من الأخاقيق.

و إنّه لذو تدرإ في الحرب،أي ذو منعة و قوّة على أعدائه.

و التّدارؤ:التّدافع.

و درأ فلان علينا و درئ مثله دروء،إذا خرج مفاجأة.

و درأته عنّي،أي دفعته.

و تدرأ:اسم وضع للدّرء كما يسمّى تتفل و ترتب، تريد به:جاء النّاس ترتبا أي طرّا.

و تقول:اللّهمّ إنّي أدرأ بك في نحر فلان لتكفيني شرّه.

ص: 103

و درأت عنه الحدّ،أي اسقطته من وجه عدل،قال اللّه-عزّ و جلّ-: وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ النّور:8.

و التّعطيل:أن تترك إقامة الحدّ،و يقال في هذا المعنى بعينه:درأت عنه الحدّ درء.و من هذا الكلام اشتقّت المدارأة بين النّاس.

و في معنى آخر:كان بينهم درو،أي تدارؤ في أمر فيه اختلاف و اعوجاج و منازعة.قال اللّه عزّ و جلّ:

فَادّارَأْتُمْ فِيها البقرة:72،أي تدارأتم.

و درأ فلان علينا دروء:خرج علينا مفاجأة.

و التّدارؤ:التّدافع.

و تقول هذيل:ادّريت الصّيد أي ختلته.

و ادّرأت النّاقة بضرعها فهي مدرئ،إذا أرخت ضرعها عند النّتاج.

و كوكب درّيّ على«فعّيل»من توقّده كأنّه يدرأ دروء،كأنّه يخرج نفسه من السّماء.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](8:59)

سيبويه :و ممّا يترك صرفه،لأنّه يشبه الفعل و لا يجعل الحرف الأوّل منه زائدا إلاّ بثبت...و كذلك التّدرأ،إنّما هو من درأت.(3:196)

و ممّا يدغم إذا كان الحرفان من مخرج واحد و إذا تقارب المخرجان قولهم:يطّوّعون في«يتطوّعون» و«يذّكّرون»في«يتذكّرون»و«يسّمّعون»في «يتسمّعون»،الإدغام في هذا أقوى؛إذ كان يكون في الانفصال،و البيان فيهما عربيّ حسن،لأنّهما متحرّكان،كما حسن ذلك في يختصمون و يهتدون.

فإن وقع حرف مع ما هو من مخرج أو قريب من مخرجه مبتدأ أدغم و ألحقوا الألف الخفيفة،لأنّهم لا يستطيعون أن يبتدءوا بساكن...و تصديق ذلك قوله عزّ و جلّ: فَادّارَأْتُمْ فِيها يريد:«فتدارأتم» و(ازينت)يونس:24،إنّما هي«تزيّنت».و تقول في المصدر:ازّيّنا و ادّارء.(4:475)

الكسائيّ: إذا كان مع الغدّة-و هي طاعون الإبل-ورم في ضرعها؛فهو دارئ،و قد درأ البعير يدرأ دروء.

مثله:أبو عمرو و الأصمعيّ.

(الأزهريّ 14:159)

أبو عمرو الشّيبانيّ: به درء،أي خراج يكون باللّثة.(1:243)

الفرّاء: الدّارئ:العدوّ المبادئ القريب و نحن فقراء درءاء (1).(الأزهريّ 14:160)

الدّرّيء من الكواكب:النّاصعة،من قولك:درأ الكوكب كأنّه رجم من الشّيطان فدفعه.

(الأزهريّ 14:158)

و العرب تسمّي الكواكب العظام الّتي لا تعرف أسماؤها:الدّراري.(الجوهريّ 1:49)

أبو عبيدة :قد ادّرأت للصّيد،أي اتّخذت له دريئة.و هو أن تستتر ببعير أو غيره،فإذا أمكنك الرّمي رميته.و قد ادّريت غير مهموز،و هو من الختل.

[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:155)ف.

ص: 104


1- و في الأصل:درآه،و هو تصحيف.

أبو زيد:هي[الدّريّة]مهموزة لأنّها تدرأ نحو الصّيد.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:156)

[في كتاب الهمز]درأت الرّجل مدارأة،إذا اتّقيته.

كان عنّي يردّ درؤك بعد اللّه شغب المستصعب المرّيد،يعني كان دفعك.(الأزهريّ 14:157)

أدرأت النّاقة بضرعها فهي مدرئ،إذا أنزلت اللّبن و أرخت ضرعها عند النّتاج.(الجوهريّ 1:48)

الأصمعيّ: الدّريئة،مهموزة:الحلقة الّتي يتعلّم الرّامي عليها.(الأزهريّ 14:156)

جاءنا السّيل درء و هو الّذي يدرأ عليك من مكان لا يعلم به.(الأزهريّ 14:159)

أبو عبيد: و في حديث سفيان:«قال السّائب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:كنت شريكي فكنت خير شريك لا تدارئ و لا تمارئ».

إنّ«المدارأة»هاهنا مهموز،من دارأت،و هي المشاغبة و المخالفة على صاحبك.و منها قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها وَ اللّهُ مُخْرِجٌ البقرة:72،يعني اختلافهم في القتيل.

و من ذلك حديث إبراهيم...في المختلعة:«إذا كان الدّرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها».

و المحدّثون يقولون:هو الدّرو،بغير همزة،و إنّما هو الدّرء من درأت،فإذا كان الدّرء من قبلها فلا بأس أن يأخذ منها،و إن كان من قبله فلا نأخذ،يعني بالدّرء:

النّشوء و الاعوجاج و الاختلاف،و كلّ من دفعته عنك فقد درأته.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و أمّا«المداراة»:في حسن الخلق و المعاشرة مع النّاس فليس من هذا،هذا غير مهموز و ذلك مهموز.

و زعم الأحمر أنّ مداراة النّاس تهمز و لا تهمز و الوجه عندنا ترك الهمز.(1:202)

ابن الأعرابيّ: الدّارئ:العدوّ المبادئ،و الدّارئ:

القريب.يقال:نحن فقراء درءاء.(الأزهريّ 14:157)

درأ فلان أي هجم:و الدّرّيء:الكوكب المنقضّ يدرأ على الشّيطان.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:158)

ابن السّكّيت: يقال:لأقيمنّ ميلك،و جنفك، و درأك و...كلّ هذا بمعنى واحد.(515)

و يقال:درؤك مع فلان،أي ميلك.(569)

باب ما يهمز ممّا تركت العامّة همزه:...و تقول:

اندرأت عليه اندراء،و العامّة تقول:اندريت.

(إصلاح المنطق:150)

باب ما يهمز فيكون له معنى،فإذا لم يهمز كان له معنى آخر...و تقول:درأته عنّي،إذا دفعته،أدرؤه درء.و منه«ادرءوا الحدود بالشّبهات».

و قد دريته أدريه دريا،إذا ختلته.و قد دارأته،إذا دفعته عنك بخصومة.و قد داريته،إذا خاتلته.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:154)

الدّريّة:البعير يستتر به من الوحش،يختل حتّى إذا أمكن رميه رمى.(الأزهريّ 14:156)

ناقة دارئ،إذا أخذتها الغدّة في مراقها و استبان حجمها،و يسمّى الحجم درء و حجمها نتوؤها.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:159)

ابن أبي اليمان :يقال:درأت عنه الشّرّ أدرؤه

ص: 105

درء،أي دفعته.قال اللّه جلّ و عزّ: وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ. النّور:8.

و الدّرء:الميل.(96)

المبرّد: و قوله:و درأ بالبيّنات و الأيمان،إنّما هو دفع،من ذلك قول رسول اللّه:«ادرءوا الحدود بالشّبهات»...(1:10)

جاء السّيل درء و ظهرا،و درأ فلان علينا و طرأ، إذا طلع من حيث لا تدري.(الأزهريّ 14:159)

الزّجّاج: و درأت عنه الحدّ،أي دفعته عنه.

و أدرأت النّاقة فهي مدرئ،إذا أنزلت اللّبن.

(فعلت و أفعلت:16)

و درأته عن الشّيء أدرؤه:دفعته.

(فعلت و أفعلت:56)

ابن دريد :تدرّأ عليه،إذا تنزّى و حمل نفسه على مكروه صاحبه الّذي يجاريه.(1:317)

و درأت الشّيء عنّي أدرؤه،إذا دفعته.و منه قولهم:ندرأ باللّه ما لا نطيق.

و تدارأ الرّجلان،إذا تدافعا،و كذلك تدارأ القوم و ادّارءوا،إذا تنازعوا في أمر[و]تدافعوا في شرّ أو خصومة.

و درأ:اسم رجل،مهموز مقصور.

و الدّرء:الدّفع.و في الدّعاء:اللّهمّ إنّي أدرؤك في نحره.

و درأته بحجر،إذا رميته به.و دريته بغير همز.

و الدّرء:القطعة المشرفة من الجبل؛و الجمع:

دروء.(3:241)

و تقول:أدرأت النّاقة بضرعها إدراء فهي مدرئ، إذا أنزلت اللّبن.(3:270)

و درأت عنه الحدّ و غيره أدرؤه درء،إذا أخّرته عنه.(3:281)

و تدرأ القوم:رئيسهم،مثل تدرع،و قالوا:ذو تدرههم.(3:423)

و دارأت الرّجل عنّي،إذا دافعته.و تقول:اللّهمّ إنّي أدرأ بك في نحره.

و تدارأ القوم بينهم،إذا تدافعوا أمرا.

و دارأت الرّجل مدارأة،إذا دفعته.

و درئ[درأ]البعير فهو دارئ،إذا ظهرت غدّته.

و درأت الوسادة،إذا بسطتها؛و كلّ شيء بسطته فقد درأته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:442)

القاليّ: يقال:درهته عنّي و درأته عنّي:دفعته و التّدرأ مثل المدرة.(1:53)

الدّريئة مهموزة:الحلقة الّتي يتعلّم عليها الطّعن، و هي فعيلة بمعنى مفعولة،من درأت أي دفعت.

و الدّريّة غير مهموزة:دابّة أو جمل يستتر به الصّائد فيرمي الصّيد،و هو من دريت أي ختلت.[ثمّ استشهد بشعر](2:193)

اندرأ:اندفع.يقال:اندرأ علينا،و اندره:اندفع، و درأته و درهته.(2:246)

الأزهريّ: ...و قال أبو عبيد:قال الأحمر:المداراة:

من حسن الخلق،مهموزا و غير مهموز.

قلت:من همزه فمعناه الاتّقاء لشرّه،كما قال أبو زيد:دارأت الرّجل،إذا اتّقيته،و من لم يهمزه جعله

ص: 106

من دريت،بمعنى ختلت.

و قال أبو زيد:درأت عنه الحدّ و غيره أدرؤه درء، إذا أخّرته عنه.

قلت:و أدرأت النّاقة بضرعها،إذا أنزلت اللّبن فهي مدرئ إدراء.

و يقال:إنّ فلانا لذو تدرإ في الحرب،أي ذو سعة و قوّة على أعدائه،و هذا اسم وضع للدّفع.

و يقال:درأ علينا فلان دروء،إذا خرج مفاجأة.

يقال:درأت النّار،إذا أضاءت.

و أخبرني المنذريّ عن خالد بن يزيد:قال:يقال:

درأ علينا فلان و طرأ،إذا طلع فجأة،و درأ الكوكب دروء،من ذلك.قال:و قال نصير الرّازيّ: درء الكوكب:طلوعه،يقال:درأ علينا.

شمر عن ابن الأعرابيّ: إذا درأ البعير من غدّته رجوا أن يسلم،قال:و درأ إذا ورم نحره.

و قال غيره:بعير دارئ،و ناقة دارئ مثله.

و يقال:درأت له وسادة،إذا بسطتها له،و درأت وضين البعير،إذا بسطته على الأرض ثمّ تركته عليه لتشدّه به،و قد درأت فلانا الوضين على البعير و داريته.

و يقال:اللّهمّ إنّي أدرأ بك في نحر عدوّي لتكفيني شرّه.(14:156)

الصّاحب:الدّرء:العوج في كلّ شيء تصلب إقامته،درأ العود دروء و درء.

و بئر ذات درء،أي ذات طائق.

و طريق ذو دروء،أي فيه كسور.

و درء كلّ شيء:حيده.

و فلان ذو تدرإ في الحرب،أي ذو منعة و قوّة على أعدائه.

و درأت فلانا عنّي:دفعته.و اللّهمّ إنّي أدرأ بك في نحره.

و درأت الحدّ:أسقطته،و في الحديث:«ادرءوا الحدود بالشّبهات».

و كان بين القوم درء و تدارؤ،أي اختلاف و اعوجاج،من قوله عزّ و جلّ: فَادّارَأْتُمْ فِيها البقرة:72.

و دارأته:كاتمته ما في نفسي.

و هو يدارئه،أي ينازعه.

و درأ علينا درء و درأة،أي طلع و خرج مفاجأة.

و درأت علينا الماشية:هجمت.

و الدّريء:الجريء.و الدّرءان:الّذي يدرأ عليك، أي يطرأ.

و الدّارئ:الغريب،و قوم درءاء.

و أدرأت النّاقة بضرعها،و هي مدرئ:إذا أرخت ضرعها عند النّتاج.

و درأ البعير فهو دارئ:إذا ورم ظهره و ظهرت غدّته.و درأت الغدّة.و إبل بها درأة و دروء.

و رجل مدروء:مطعون،و دارئ:نحوه.

و تقرأ: كوكب درّيء ،على«فعّيل»،أي كأنّه يخرج نفسه من السّماء،من درأ دروء.

و درأت النّار:أضاءت.

و الدّراري:الكواكب اللاّتي تدرأ فتقتحم اقتحام

ص: 107

القمر.

و هو درّيء القوم،أي كبيرهم.

و تدرأ:اسم موضع.

و سال الوادي درء و درء،أي من غير مطر أرضه، و دروء،كذلك.

و درأ الوادي:دفع بالسّيل من مكان آخر.

و الدّارئ:الوادي.

و درأت الوسادة:بسطتها.

و درأت وضين النّاقة:شددته و بسطته على الأرض.

و ادّارأت للصّيد:اتّخذت دريئة؛فهمزه.

و الدّريئة:السّترة أيضا.

و ادّرأ بنو فلان بفلان،أي نصبوه للغرض و الخصومة.(9:344)

الخطّابيّ: [في حديث]:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم صلّى فجاءت بهمة تمرّ بين يديه،فما زال يدارئها حتّى ألصق بطنه بالجدار».قوله:«يدارئها»أراد يدافعها من الدّرء مهموزا،و ليس من المداراة الّتي تجري مجرى الرّفق و المساهلة في الأمور.(1:164)

و أمّا الدّريئة مهموزة ف[هو]الحلقة الّتي يتعلّم عليها الطّعان.[ثمّ استشهد بشعر](1:334)

[في كلام العبّاس]:«...و قد كنت في القوم ذا تدرإ...».قوله:«ذا تدرإ»أي ذا هجوم و اقتحام.

و يقال:درأ عليهم السّيل،إذا هجم.و التّاء زائدة كهي في قولهم:شرّ ترتب،أي راتب دائم.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعضهم:تدرأ القوم:رئيسهم.(2:16)

في حديث أبي بكر:«...صادف درء السّيل...».

و قوله:«درء السّيل»أي هجومه و إقباله،و فيه لغتان:ضمّ الدّال و فتحها.

قال الفرّاء:يقال:سال الوادي درء و درء،إذا سال من مطر غير أرضه،و سال الوادي ظهرا و ظهرا، إذا سال من مطر أرضه.

و قال غيره:يقال:درأنا السّيل،أي جاء فجاءة.

(2:21-28)

الجوهريّ: الدّرء:الدّفع.و في الحديث:«ادرءوا الحدود ما استطعتم».

و درأ علينا فلان يدرأ دروء،و اندرأ،أي طلع مفاجأة،و منه كوكب درّيء على«فعّيل»،مثل:

سكّير و خمّير،لشدّة توقّده و تلألئه.و قد درأ الكوكب دروء...

و تقول:تدرّأ علينا فلان،أي تطاول.

و قولهم:السّلطان ذو تدرإ بضمّ التّاء،أي ذو عدّة و قوّة على دفع أعدائه عن نفسه،و هو اسم موضوع للدّفع،و التّاء زائدة كما زيدت في ترتب و تنصب و تنفل.

و تقول:تدارأتم،أي اختلفتم و تدافعتم،و كذلك ادّاراتم.و أصله:تدارأتم،فأدغمت التّاء في الدّال، و اجتلبت الألف ليصحّ الابتداء بها.

و المدارأة:المخالفة و المدافعة.يقال:فلان لا يدارئ و لا يمارئ.

فأمّا المدارأة:في حسن الخلق و المعاشرة،فإنّ

ص: 108

الأحمر يقول فيه:إنّه يهمز و لا يهمز يقال:دارأته و داريته،إذا اتّقيته و لا ينته.

و تقول:جاء السّيل درء بالضّمّ،أي من بلد بعيد.

و الدرء بالفتح:العوج،يقال:أقمت درء فلان،أي اعوجاجه و شعبه.

و منه قولهم:بئر ذات درء،و هو الحيد.و طريق ذو دروء على«فعول»أي ذو كسور و جرفة.

و الدّريئة:البعير أو غيره،يستتر به الصّائد،فإذا أمكنه الرّمي رمى.أبو زيد:و هو مهموز لأنّها تدرأ نحو الصّيد،أي تدفع.أبو عبيدة:ادّرأت للصّيد على «افتعلت»إذا اتّخذت له دريئة.

و الدّريئة أيضا:حلقة يتعلّم عليها الطّعن.

و درأ البعير دروء،أي أغدّ و كان مع الغدّة ورم في ظهره،فهو دارئ.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(1:48)

ابن فارس: الدّال و الرّاء و الهاء ليس أصلا،لأنّ الهاء مبدلة من همزة.يقال:درأ أي طلع،ثمّ يقلب هاء، فيقال:دره.و المدرة:لسان القوم و المتكلّم عنهم.

الدّال و الرّاء و الحرف المعتلّ و المهموز.أمّا الّذي ليس بمهموز فأصلان:

أحدهما:قصد الشّيء و اعتماده طلبا،و الآخر:

حدّة تكون في الشّيء.

و أمّا المهموز فأصل واحد،و هو دفع الشّيء.[إلى أن قال:]

و أمّا المهموز قولهم:درأت الشّيء:دفعته.قال اللّه تعالى: وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ النّور:8.

و من الباب الدّريئة:الحلقة الّتي يتعلّم عليها الطّعن.

يقال:جاء السّيل درء،إذا جاء من بلد بعيد.

و فلان ذو تدرإ،أي قويّ على دفع أعدائه عن نفسه.

و درأ فلان،إذا طلع مفاجأة،و هو من الباب، كأنّه اندرأ بنفسه،أي اندفع.و منه دارأت فلانا،إذا دافعته.

و إذا ليّنت الهمزة كان بمعنى الختل و الخداع، و يرجع إلى الأصل الأوّل الّذي ذكرناه في دريت و ادّريت.

فأمّا الدّرء الّذي هو الاعوجاج،فمن قياس الدّفع،لأنّه إذا اعوجّ اندفع من حدّ الاستواء إلى الاعوجاج.و طريق ذو درء،أي كسور و جرفة،و هو من ذلك.

و يقال:أقمت من درئه،إذا قوّمته.

و يقولون:درأ البعير،إذا ورم ظهره.فإن كان صحيحا فهو من الباب،لأنّه يندفع إذا ورم.

و من الباب:أدرأت النّاقة فهي مدرئ،و ذلك إذا أرخت ضرعها عند النّتاج.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](2:271)

الهرويّ: و قوله: فَادّارَأْتُمْ البقرة:72،أي تدارأتم و تدافعتم،يعني اختلافهم في القتيل؛و ذلك أنّ كلّ فريق كان يدفع القتل عن نفسه.يقال:درأته،إذا دافعته مهموز،و داريته بالياء،إذا لا ينته،و دريته،إذا ختلته.[و ذكر بعض الأحاديث الّذي قد سبق و أضاف:]و في حديث القبائل:«...صادف درء السّيل

ص: 109

درء يدفعه...».سمعت الأزهريّ يقول:يقال للسّيل إذا أتاك من حيث لا تحتسبه:سيل درء،أي يدفع هذا ذاك و ذاك هذا،قال:و الدّرء:شبه العتب في الجبل و يهيضه:تكسّره و تصدّعه و تشقّقه.

في حديث عمر:«...درأ جمعة من حصى المسجد...»،قوله:«درأ جمعة»أي بسطها.و يقولون:يا جارية ادّارئي له الوسادة،أي ابسطي.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«السّلطان ذو تدرإ»أي هجوم لا يتوقّى و لا يهاب،من قولك:تدرأ علينا،أي طلع.

(2:626)

أبو سهل الهرويّ: و درأت الرّجل،بالهمز،إذا دافعته،و قد تدارأ الرّجلان،إذا تدافعا.

و داريته بغير همز،إذا لا ينته و ختلته.

(التّلويح:27)

ابن سيده: درأ يدرأه درأ،و درّأه:دفعه.

و تدارأ القوم:تدافعوا في الخصومة و نحوها و اختلفوا،و في التّنزيل: فَادّارَأْتُمْ فِيها البقرة:

72.

و إنّه لذو تدرإ،أي حفاظ و منعة و مدافعة،يكون ذلك في الحرب و الخصومة.تاؤه زائدة،لأنّه من درأت،و لأنّه ليس في الكلام مثل جعفر.

و درأ عنه الحدّ درء:دفعه،و في الحديث:«ادرءوا الحدود بالشّبهات».

و اندرأ علينا بشرّ،و تدرّأ:تدافع.

و درأ السّيل،و اندرأ:اندفع.

و جاء السّيل درء،و درء،إذا اندرأ من مكان لا يعلم به.

و قيل:جاء الوادي درء،إذا سال بمطر واد آخر، فإن سال بمطره نفسه قيل:سال ظهرا،حكاه ابن الأعرابيّ.

و استعار بعض الرّجّاز الدّرء لسيلان الماء من أفواه الإبل في أجوافها،لأنّ الماء إنّما يسيل هنالك غريبا أيضا؛إذ أجواف الإبل ليست من منابع الماء و لا مناقعه.

و درأ الوادي بالسّيل:دفع.[و ذكر شعرا و شرحه]

و درأ الرّجل يدرأ درء،و دروء،مثل طرأ،و هم الدّرّاء،و الدّرءاء.

و درأ عليهم درء و دروء:خرج فجاءة.

و درأ عليهم درء و دروء:خرج.و كذلك اندرأ و تدرّأ.

و الدّرء:الميل.

و اندرأ الحريق:انتشر.

و كوكب درّيء:مندفع في مضيّه،من المشرق إلى المغرب من ذلك؛و الجمع:درارئ،على وزن دراريع.

و الدّريئة:الحلقة الّتي يتعلّم الطّعن و الرّمي عليها.

و الدّريئة:كلّ ما استتر به من الصّيد ليختل؛ و الجمع:الدّرايا،و الدّرائى بهمزتين،كلاهما نادر.

و درأ الدّريئة للصّيد يدرؤها درء:ساقها و استتر بها.

و تدرّأ القوم:استتروا عن الشّيء ليختلوه.

ص: 110

و درأ البعير يدرأ دروء،فهو دارئ:ورم ظهره، و كذلك الأنثى بغير هاء،و استعاره«رؤبة»للمنتفخ المتغضّب...[فذكر شعره]

و أدرأت النّاقة،و هي مدرئ:استرخى ضرعها.

و قيل:هو إذا أنزلت اللّبن عند النّتاج.

و الدّرء:العوج في القناة و نحوها ممّا تصلب إقامته،و الجمع:دروء.

و دروء الطّريق:كسوره و أخاقيقه.

و الدّرء:نادر يندر من الجبل؛و جمعه:دروء.

و درأ الشّيء درء:بسطه.

و درء:اسم رجل.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(9:372)

الرّاغب: الدّرء:الميل إلى أحد الجانبين،يقال:

قوّمت درأه.

و درأت عنه:دفعت عن جانبه.

و فلان ذو تدرإ،أي قويّ على دفع أعدائه، و دارأته:دافعته.قال تعالى: وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ الرّعد:22،و قال: وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ النّور:8.

و في الحديث:«ادرءوا الحدود بالشّبهات»تنبيها على تطلّب حيلة يدفع بها الحدّ.

قال تعالى: قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ آل عمران:168،و قوله: فَادّارَأْتُمْ فِيها البقرة:

72،هو«تفاعلتم»أصله:تدارأتم،فأريد منه الإدغام تخفيفا،و أبدل من التّاء دال فسكّن للإدغام،فاجتلب لها ألف الوصل فحصل على:افّاعلتم.

قال بعض الأدباء:ادّارأتم:افتعلتم،و غلط من أوجه:

أوّلا:أنّ ادّارأتم على ثمانية أحرف،و افتعلتم على سبعة أحرف.

و الثّاني:أنّ الّذي يلي ألف الوصل تاء،فجعلها دالا.

و الثّالث:أنّ الّذي يلي الثّاني دال،فجعلها تاء.

و الرّابع:أنّ الفعل الصّحيح العين لا يكون ما بعد تاء الافتعال منه إلاّ متحرّكا،و قد جعله هاهنا ساكنا.

و الخامس:أنّ هاهنا قد دخل بين التّاء و الدّال زائد.و في افتعلت لا يدخل ذلك.

و السّادس:أنّه أنزل الألف منزل العين،و ليست بعين.

و السّابع:أنّ افتعل قبله حرفان،و بعده حرفان، و ادّارأتم بعده ثلاثة أحرف.(169)

الزّمخشريّ: درأ عنه البلاء،و درأ العدوّ:

دفعه.

و درأ الزّمام لناقته.

و فلان ذو تدرإ:قويّ على دفع أعدائه.

[و في الحديث]:«...درأ الحصى درأة...»أي دفعه مسوّيا له.

و دارأه:دافعه.

و تدارءوا:تدافعوا.

و تدارءوا في الخصومة و ادّارءوا.

و اتّخذ دريئة للصّيد،و هي الذّريعة.

و اتّخذوا دريئة للطّعن،و هي حلقة يتعلّمون

ص: 111

عليها الطّعن.

و من المجاز:درأ الكوكب:طلع كأنّه يدرأ الظّلام.

و درأت النّار:أضاءت.

و درءوا علينا:هجموا.

و درأ السّيل عليهم.

و ردّوا درء السّيل و درء العدوّ.

(أساس البلاغة:128)

في قصّة حنين:«...أو متقدّمة دريّة أمام الخيل...».«الدّريّة»بعير يستتر به الصّائد عند رمي الوحش من:رداه،إذا ختله،و هي الدّريئة أيضا بالهمز من الدّرء و هو الدّفع،لأنّه يدرأ درء و دراء حتّى يقرب من الرّمية أي يجعل الرّجّالة سترا دون الخيل.

(الفائق 1:138)

المدينيّ: في حديث دريد بن الصّمّة،في غزوة حنين:«دريئة أمام الخيل»قيل:الدّريئة بالهمز:حلقة يتعلّم عليها الطّعن.[ثمّ استشهد بشعر]

و الدّريّة:بغير همز:حيوان يستتر به الصّائد فيتركه يرعى مع الوحش حتّى إذا أنست به الوحش أمكنت من طالبها رماها.و قيل:على العكس من ذلك في الهمز و تركه.و قيل:هو من درأه،إذا ختله،أو من الدّرء،و هو الدّفع.(1:647)

ابن الأثير: فيه«ادرءوا الحدود بالشّبهات»أي ادفعوا...و منه الحديث:«إذا تدارأتم في الطّريق»أي تدافعتم و اختلفتم.[ثمّ ذكر أكثر الأحاديث المتقدّمة]

(2:109)

الصّغانيّ: رجل ذو تدرأة،إذا كان مدافعا ذا عزّ و منعة مثل تدرإ.

و درأت النّار:إذا أضاءت.

و درأت له وسادة،أي بسطتها.و درأت وضين البعير،إذا بسطته على الأرض،ثمّ أبركته عليه.[ثمّ استشهد بشعر](1:20)

الفيّوميّ: [قال في«دري»:]...و درأت الشّيء بالهمز درء من باب«نفع»دفعته،و دارأته:دافعته، و تدارءوا:تدافعوا.(1:194)

الفيروزآباديّ: درأه،كجعله،درء و درأة:

دفعه،و السّيل:اندفع،كاندرأ،و الرّجل:طرأ،و خرج فجاءة،و النّار:أضاءت،و البعير:أغدّ،و مع الغدّة:

ورم في ظهره،و الشّيء:بسطه.

و تدارءوا:تدافعوا في الخصومة.

و جاء السّيل درء،و يضمّ:اندرأ من مكان لا يعلم به.

و الدّرء:الميل و العوج في القناة و نحوها،و رجل، و نادر يندر من الجبل.

و دروء الطّريق:أخاقيقه.

و اندرأ الحريق:انتشر.

و الدّريئة:الحلقة يتعلّم الطّعن و الرّمي عليها، و كلّ ما استتر به من الصّيد ليختل.

و تدرّءوا:استتروا عن الشّيء ليختلوه،و عليهم:

تطاولوا.

و ناقة دارئ:مغدّة،و مدرئ:أنزلت اللّبن، و أرخت ضرعها عند النّتاج،و كوكب درّيء كسكّين،و يضمّ،-و ليس«فعّيل»سواه-و مرّيق:

ص: 112

متوقّد متلألئ،و قد درأ دروء.

و درّيّ،بالضّمّ و الياء،في:«درر».

و دارأته:داريته،و دافعته،و لا ينته:ضدّ.

و رجل ذو تدرأ و تدرأة:مدافع ذو عزّ و منعة.

و درأ،كجبل:اسم.

و ادّارأتم:أصله تدارأتم.

و ادّارأت الصّيد،على«افتعل»اتّخذت له دريئة.(1:15)

الطّريحيّ: [و في الحديث]:«لا يقطع صلاة المسلم شيء و لكن ادرءوا ما استطعتم».

و في الدّعاء على الأعداء:و«أدرأ بك في نحورهم» أي أدفع بك فيها لتكفيني أمرهم.و خصّ النّحر،لأنّه أسرع و أقوى في الدّفع و التّمكّن من المدفوع.

و في الحديث:«يتدارءون الحديث»أي يتدافعونه؛و ذلك أنّ كلّ واحد منهم يدفع قول صاحبه بما ينفع له من القول.و كأنّ المعنى:إذا كان بينهم محاجّة في القرآن طفقوا يدافعون بالآيات؛و ذلك كأن يسند أحدهم كلامه إلى آية،ثمّ يأتي صاحبه بآية أخرى مدافعا له،يزعم أنّ الّذي أتى به نقيض ما استدلّ به صاحبه،و لهذا شبّه لهم بحال من قبلهم،فقال:

«ضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض فلم يميّزوا المحكم من المتشابه و النّاسخ من المنسوخ»الحديث.(1:137)

مجمع اللّغة :درأ يدرأ درء:دفع.و درأ عنه الشّرّ:دفعه عنه.

تدارأ القوم:تدافعوا.و تدارأ القوم:اختلفوا.

و يقال:ادّارءوا،و أصله تدارءوا.(1:386)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:184)

محمود شيت:...أ-درأ الحربة:دفعها عن نفسه.

ب-ادرأ:إيعاز في تدريب الحربة:ادفع الحربة عن نفسك.

ج-الدّريئة:ما يستتر به في ميدان الرّمي، و ميدان الرّمي:آلة يتعلّم بها الجنود في تدريب الحربة، أشبه بالرّمح في رأسها كرة من الجلد،و في طرفها الثّاني حلقة.(1:238)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الدّفع مع شدّة؛بحيث يشعر بحصول الخلاف و الخصومة،و هذا هو الفارق بينها و بين مادّة الدّفع.

و أنّ الفرق بينها و بين الرّدّ و المنع و الكفّ و الإمساك:هو أنّ الرّدّ يلاحظ فيه المنع على عقبه.

و الدّفع يلاحظ فيه مطلق جهة المنع،سواء كان ردّا على العقب أم لا.

و المنع:يلاحظ فيه جهة إيجاد ما يتعذّر به الفاعل القادر في فعله،فهو ضدّ الفعل و إيجاده،أعمّ من أن يكون في ضرّ أو على نفسه أو غيره.

و الإمساك:حبس النّفس عن الفعل نقيض الإرسال.

و الكفّ:امتناع عمّا تشتهي النّفس و مرجعه إلى الانقباض و التّجمّع،فهو ضدّ البسط

وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ.

النّور:8، وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ الرّعد:22، قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ آل عمران:168، وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ البقرة:72،فيلاحظ في

ص: 113

هذه الموارد معنى الدّفع مع شدّة محتاجة إليها في موارد الخصومة و الخلاف.

و بهذا يظهر لطف التّعبير بها دون موادّ الدّفع و الرّدّ و المنع و غيرها.

فإنّ العذاب،و السّيّئة الحاصلة من الأعمال السّيّئة،و الموت المدرك للنّفوس،و الخلاف الحاصل من القتل:ملازمة لتحقّق الخلاف و الخصومة، و تقتضي الدّفع بشدّة،ليحصل النّجاة و التّخلّص عنها.

و أمّا التّعبير بالدّفع في قوله تعالى: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ المؤمنون:96،فإنّ المورد مقام أمر و إرشاد إلى معنى الدّرء،و الدّرء الشّديد إنّما يحصل في مقام العمل و الامتثال.(3:189)

النّصوص التّفسيريّة

يدرءوا

وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ النّور:8

ابن عبّاس: يعني يدفع الحاكم.(292)

و هكذا أكثر المفسّرين.

زيد بن عليّ: يرفع عنها الحدّ و الرّجم و العذاب.

(289)

عزّة دروزة :يسقط عنها الحدّ.(10:21)

لاحظ:ع ذ ب:«العذاب».

يدرءون

1- وَ الَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:22

2- أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.

القصص:54

لاحظ:ح س ن:«الحسنة».

فادرءوا

اَلَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

آل عمران:168

ابن عبّاس: ادفعوا.(60)

و هكذا أكثر التّفاسير.

الطّبريّ: يعني فادفعوا،من قول القائل:درأت عن فلان القتل،بمعنى دفعت عنه،أدرؤه درء.[ثمّ استشهد بشعر]

يقول تعالى ذكره:قل لهم:فادفعوا إن كنتم، -أيّها المنافقون-صادقين في قيلكم:لو أطاعنا إخواننا في ترك الجهاد في سبيل اللّه مع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و قتالهم أبا سفيان و من معه من قريش،ما قتلوا هنا لك بالسّيف،و لكانوا أحياء بقعودهم معكم،و تخلّفهم عن محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و شهود جهاد أعداء اللّه معه عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ فإنّكم قد قعدتم عن حربهم،و قد تخلّفتم عن جهادهم،و أنتم لا محالة ميّتون.(3:512)

ص: 114

نحوه ابن كثير.(2:152)

الطّوسيّ: معناه:ادفعوا.[ثمّ استشهد بشعر]

فان قيل:كيف يلزمهم دفع الموت عن أنفسهم بقولهم:أنّهم لو لم يخرجوا لم يقتلوا؟

قيل:لأنّ من علم الغيب،في السّلامة من القتل يجب أن يمكنه أن يدفع عن نفسه الموت فليدفعه،فهو أجدى عليه.

فإن قيل:كيف كان هذا القول منهم كذبا مع أنّه إخبار على ما جرت به العادة؟

قلنا:لأنّهم لا يدرون،لعلّهم لو لم يخرجوا لدخل المشركون عليهم في ديارهم،فقتلوهم.هذا قول أبي عليّ.(3:45)

القشيريّ: قل لهم يا محمّد استديموا لأنفسكم الحياة،و ادفعوا عنها هجوم الوفاة!و متى تقدرون على ذلك؟!هيهات هيهات.(1:308)

الزّمخشريّ: معناه:قل إن كنتم صادقين في أنّكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلا-و هو القعود عن القتال-فجدّوا إلى دفع الموت سبيلا،يعني أنّ ذلك الدّفع غير مغن عنكم،لأنّكم إن دفعتم القتل الّذي هو أحد أسباب الموت لم تقدروا على دفع سائر أسبابه، المبثوثة،و لا بدّ لكم من أن يتعلّق بكم بعضها.و روي أنّه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقا.(1:478)

نحوه المراغيّ.(4:130)

ابن عطيّة: و الدّرء:الدّفع.[ثمّ استشهد بشعر]

و لزوم هذه الحجّة هو أنّكم أيّها القائلون إنّ التّوقّي و استعمال النّظر يدفع الموت فتوقّوا و انظروا في الّذي يغشاكم منه حتف أنوفكم،فادفعوه إن كان قولكم صدقا،أي إنّما هي آجال مضروبة عند اللّه.

(1:540)

الطّبرسيّ: أي فادفعوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في هذه المقالة،و لا يمكنهم دفع الموت، لأنّه يجوز أن يدخل عليهم العدوّ فيقتلهم في قعر بيوتهم.و إنّما ألزمهم اللّه دفع الموت عن أنفسهم بمقالتهم:أنّهم لو لم يخرجوا لم يقتلوا،لأنّ من علم الغيب في السّلامة من القتل،يجب أن يمكنه أن يدفع عن نفسه الموت،فينبغي أن يدفعه هذا القائل،فإنّه أجدى عليه.

و في هذا ترغيب في الجهاد،و بيان أنّ كلّ أحد يموت بأجله،فلا ينبغي أن يجعل ذلك عذرا في القعود عن الجهاد،لأنّ المجاهد ربما يسلم،و القاعد ربما يموت، فيجب أن يكون على اللّه التّكلان.(1:534)

ابن الجوزيّ: أي فادفعوا... إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنّ الحذر ينفع مع القدر.(1:499)

البيضاويّ: أي إن كنتم صادقين أنّكم تقدرون على دفع القتل عمّن كتب عليه،فادفعوا عن أنفسكم الموت و أسبابه،فإنّه أحرى بكم.و المعنى:أنّ القعود غير مغن عن الموت،فإنّ أسباب الموت كثيرة،فكما أنّ القتال يكون سببا للهلاك و القعود يكون سببا للنّجاة،قد يكون الأمر بالعكس.(1:191)

نحوه الكاشانيّ(1:368)،و شبّر(1:397).

القرطبيّ: أي قل لهم يا محمّد:إن صدقتم فادفعوا الموت عن أنفسكم.و الدّرء:الدّفع.بيّن بهذا أنّ الحذر

ص: 115

لا ينفع من القدر،و أنّ المقتول يقتل بأجله،و ما علم اللّه و أخبر به كائن لا محالة.و قيل:مات يوم قيل هذا، سبعون منافقا.(4:267)

أبو حيّان :أكذبهم اللّه تعالى في دعواهم ذلك، فكأنّه قيل:القتل ضرب من الموت،فإن كان لكم سبيل إلى دفعه عن أنفسكم بفعل اختياريّ فادفعوا عنها الموت،و إن لم يكن ذلك دلّ على أنّكم مبطلون في دعواكم.و الدّرء:الدّفع.

و المعنى:إن كنتم صادقين في دعواكم أنّ التّحيّل و التّحرّز ينجي من الموت،فجدّوا أنتم في دفعه، و لن تجدوا إلى ذلك سبيلا،بل لا بدّ أن يتعلّق بكم بعض أسباب المنون.وهب أنّكم على زعمكم دفعتم بالقعود هذا السّبب الخاصّ،فادفعوا سائر أسباب الموت،و هذا لا يمكن لكم البتّة.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و قال:]و هو حسن على طوله.(3:111)

أبو السّعود :(قل)تبكيتا لهم و إظهارا لكذبهم:

فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ، جواب لشرط قد حذف تعويلا على ما بعده،من قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ كما أنّه شرط حذف جوابه لدلالة الجواب المذكور عليه،أي إن كنتم صادقين فيما ينبئ عنه قولكم من أنّكم قادرون على دفع القتل عمّن كتب عليه،فادفعوا عن أنفسكم الموت الّذي كتب عليكم معلّقا بسبب خاصّ،مؤقّتا بوقت معيّن بدفع سببه.فإنّ أسباب الموت في إمكان المدافعة بالحيل و امتناعها سواء،و أنفسكم أعزّ عليكم من إخوانكم،و أمرها أهمّ لديكم من أمرهم.

و المعنى أنّ عدم قتلكم كان بسبب أنّه لم يكن مكتوبا عليكم لا بسبب أنّكم دفعتموه بالقعود مع كتابته عليكم.فإنّ ذلك ممّا لا سبيل إليه،بل قد يكون القتال سببا للنّجاة و القعود مؤدّيا إلى الموت.(2:62)

نحوه البروسويّ(2:122)،و القاسميّ(4:

1032).

الآلوسيّ: (قل)يا محمّد تبكيتا لهم و إظهارا لكذبهم: فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ أي فادفعوا عنها ذلك.و هو جواب لشرط قد حذف لدلالة قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ عليه،كما أنّه شرط حذف جوابه لدلالة فَادْرَؤُا عليه،و من جوّز تقدّم الجواب لم يحتجّ لما ذكر،و متعلّق الصّدق هو ما تضمّنه قولهم:من أنّ سبب نجاتهم القعود عن القتال.

و المراد أنّ ما ادّعيتموه سبب النّجاة ليس بمستقيم، و لو فرض استقامته فليس بمفيد.

أمّا الأوّل:فلأنّ أسباب النّجاة كثيرة،غايته أنّ القعود و النّجاة وجدا معا،و هو لا يدلّ على السّببيّة.

و أمّا الثّاني:فلأنّ المهروب عنه بالذّات هو الموت الّذي،القتل أحد أسبابه،فإن صحّ ما ذكرتم فادفعوا سائر أسبابه،فإنّ أسباب الموت في إمكان المدافعة بالحيل و امتناعها سواء،و أنفسكم أعزّ عليكم، و أمرها أهمّ لديكم.

و قيل:متعلّق الصّدق ما صرّح به من قولهم: لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا، و المعنى:أنّهم لو أطاعوكم و قعدوا لقتلوا قاعدين كما قتلوا مقاتلين،و حينئذ يكون فَادْرَؤُا... استهزاء بهم،أي إن كنتم رجالا

ص: 116

دفّاعين لأسباب الموت فَادْرَؤُا جميع أسبابه حتّى لا تموتوا،كما درأتم بزعمكم هذا السّبب الخاصّ.

(4:120)

محمّد عبده:أي إنّ هذا القول في حكمه الجازم يتضمّن أنّ علمهم قد أحاط بأسباب الموت في هذه الواقعة،و إذا جاز هذا فيها جاز في غيرها،و حينئذ يمكنهم درء الموت،أي دفعه عن أنفسهم،و لذلك طالبهم به و جعله حجّة عليهم.

و قد يقال:إنّ فرقا بين التّوقّي من القتل بالبعد عن أسبابه،و بين دفع الموت بالمرّة،فالموت حتم عند انتهاء الأجل المحدود و إن طال،و القتل ليس كذلك، فكيف احتجّ عليهم بطلب درء الموت عن أنفسهم؟

و هذا اعتراض يجيء من وقوف النّظر،فكلّ يعلم و لا سيّما من حارب أنّه ما كلّ من حارب يقتل،فقد عرف بالتّجربة أنّ كثيرين يصابون بالرّصاص في أثناء القتال و لا يموتون،و أنّ كثيرين يخرجون من المعمعة سالمين،و لا يلبثون بعدها أن يموتوا حتف أنوفهم،كما يموت كثير من القاعدين عن القتال.فما كلّ مقاتل يموت،و لا كلّ قاعد يسلم.و إذا لم يكن أحد الأمرين حتما،سقط قولهم و ظهر بطلانه.(رشيد رضا 4:231)

عزّة دروزة :أمر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بتحدّيهم بدفع الموت عن أنفسهم-إن كانوا صادقين فيما يقولون-تحدّيا منطويا على التّهكّم و الإلزام.(8:181)

سيّد قطب :فالموت يصيب المجاهد و القاعد، و الشّجاع و الجبان.و لا يردّه حرص و لا حذر.

و لا يؤجّله جبن و لا قعود و الواقع هو البرهان الّذي لا يقبل المراء.

و هذا الوقع هو الّذي يجبههم به القرآن الكريم فيردّ كيدهم اللّئيم و يقرّ الحقّ في نصابه و يثبت قلوب المسلمين،و يسكب عليها الطّمأنينة و الرّاحة و اليقين.

و ممّا يلفت النّظر في الاستعراض القرآنيّ لأحداث المعركة تأخيره ذكر هذا الحادث-حادث نكول عبد اللّه بن أبيّ و من معه عن المعركة و قد وقع في أوّل أحداثها و قبل ابتدائها-.تأخيره إلى هذا الموضع من السّياق.

و هذا التّأخير يحمل سمة من سمات منهج التّربية القرآنيّة.فقد أخّره حتّى يقرّر جملة القواعد الأساسيّة للتّصوّر الإسلاميّ الّتي قرّرها،و حتّى يقرّ في الإخلاد جملة المشاعر الصّحيحة الّتي أقرّها،و حتّى يضع تلك الموازين الصّادقة للقيم الّتي وضعها.

ثمّ يشير هذه الإشارة إلى الّذين نافقوا،و فعلتهم و تصرّفهم بعدها.و قد تهيّأت النّفوس لإدراك ما في هذه الفعلة و ما في هذا التّصرّف من انحراف عن التّصوّر الصّحيح،و عن القيم الصّحيحة في الميزان الصّحيح.و هكذا ينبغي أن تنشأ التّصوّرات و القيم الإيمانيّة في النّفس المسلمة و أن توضع لها الموازين الصّحيحة الّتي تعود إليها لاختبار التّصوّرات و القيم و وزن الأعمال و الأشخاص ثمّ تعرض عليها الأعمال و الأشخاص بعد ذلك،فتحكم عليها الحكم المستنير الصّحيح بذلك الحسّ الإيمانيّ الصّحيح.

و لعلّ هنالك لفتة أخرى من لفتات المنهج الفريد.

ص: 117

فعبد اللّه بن أبيّ كان إلى ذلك الحين ما يزال عظيما في قومه-كما أسلفنا-و قد ورم أنفه،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يأخذ برأيه،لأنّ إقرار مبدإ الشّورى و إنفاذه، اقتضى الأخذ بالرّأي الآخر الّذي بدا رجحان الاتّجاه إليه في الجماعة.و قد أحدث تصرّف هذا المنافق الكبير رجّة في الصّفّ المسلم و بلبلة في الأفكار كما أحدثت أقاويله بعد ذلك عن القتلى حسرات في القلوب و بلبلة في الخواطر،فكان من حكمة المنهج إظهار الاستهانة به و بفعلته و بقوله،و عدم تصدير الاستعراض القرآنيّ لأحداث الغزوة بذلك الحادث الّذي وقع في أوّلها،و تأخيره إلى هذا الموضع المتأخّر من السّياق،مع وصف الفئة الّتي قامت به بوصفها الصّحيح: اَلَّذِينَ نافَقُوا الحشر:11،و التّعجيب من أمرهم في هذه الصّيغة المجملة: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا، و عدم إبراز اسم كبيرهم أو شخصه ليبقى نكرة في اَلَّذِينَ نافَقُوا كما يستحقّ من يفعل فعلته و كما تساوي حقيقته في ميزان الإيمان،ميزان الإيمان الّذي أقامه فيما سبق من السّياق.(1:516)

الطّالقانيّ: ادرءوا:فعل أمر للمخاطبين من الدّرء،أي إبعاد الشّيء و ردّه إلى جهة،و الدّفع فجأة أو رويّة،و الطّرد.(3:409)

الطّباطبائيّ: فادفعوا عن حريمكم و أنفسكم.

(4:60)

مكارم الشّيرازيّ: يعني أنّكم بكلامكم هذا تريدون الادّعاء بأنّكم مطّلعون على عالم الغيب.

و أنّكم عارفون بالمستقبل و حوادثه،فإذا كنتم صادقين في ذلك فادفعوا عن أنفسكم الموت،لأنّكم -طبقا لهذا الادّعاء-ينبغي أن تعرفوا علّة موتكم، و تقدرون على تجنّبها،و تحاشيها،و إبطال مفعولها.

افرضوا أنّكم لم تقتلوا في ساحات الجهاد و الشّرف،فهل يمكنكم أن تضمنوا لأنفسكم سنّا طويلا،و عمرا خالدا؟هل يمكنكم أن تمنعوا الموت عن أنفسكم أبدا و دائما؟فإذا لم يمكنكم تحاشي الموت -هذه النّهاية المحتّمة لكلّ نفس-فلما ذا تموتون في الفراش بذلّ و هوان،و لا تختارون الشّهادة و الموت بشرف و عزّ في ساحات الجهاد ضدّ أعداء اللّه و أعداء الرّسالة؟(2:603)

فادّارأتم

وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ. البقرة:72

ابن عبّاس: فاختلفتم في قتلها.(11)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 1:400)،و زيد بن عليّ (132)،و اليزيديّ(74)،و البخاريّ(ابن كثير 1:

195).

الضّحّاك: اختصمتم.(الثّعلبيّ 1:219)

مثله عطاء الخراسانيّ.(ابن كثير 1:195)

السّدّيّ: معناه اختلفتم و تنازعتم.

(الماورديّ 1:142)

الرّبيع:تدافعتم.(الثّعلبيّ 1:219)

ابن جريج:قال بعضهم:أنتم قتلتموه،و قال الآخرون:أنتم قتلتموه.(الطّبريّ 1:400)

ص: 118

ابن زيد:اختلفتم و هو التّنازع،تنازعوا فيه.قال هؤلاء:أنتم قتلتموه.و قال هؤلاء:لا.

(الطّبريّ 1:400)

أبو عبيدة :اختلفتم فيها،من التّدارؤ،و الدّرء.

(1:45)

احتملوا و أقرّوا به،و منه الدّعاء المأثور...و أصل (فادارأتم)فتدارأتم،فأدغمت التّاء في الدّال و أدخلت الألف ليسلم سكون الحرف الأولى بمثل قوله:

اِثّاقَلْتُمْ. التّوبة:38.(الثّعلبيّ 1:219)

ابن قتيبة :اختلفتم،و الأصل:تدارأتم،فأدغمت التّاء في الدّال،و أدخلت الألف ليسلم السّكون للدّال الأولى.يقال:كان بينهم تدارؤ في كذا،أي اختلاف.

و منه قول القائل في رسول اللّه:«كان شريكي فكان خير شريك لا يمارئ و لا يدارئ»أي لا يخالف.

(54)

الطّبريّ: يعني فاختلفتم و تنازعتم.و إنّما هو فتدارأتم فيها،على مثال تفاعلتم،من الدّرء،و الدّرء:

العوج.

و منه الخبر...«...كنت لا تمارئ و لا تدارئ».

يعني بقوله:«لا تدارئ»لا تخالف رفيقك و شريكك و لا تنازعه و لا تشارّه.

و إنّما أصل(فادارأتم)فتدارأتم و لكن التّاء قريبة من مخرج الدّال-و ذلك أنّ مخرج التّاء من طرف اللّسان و أصول الشّفتين و مخرج الدّال من طرف اللّسان و أطراف الثّنيّتين-فأدغمت التّاء في الدّال، فجعلت دالا مشدّدة.

فلمّا أدغمت التّاء في الدّال فجعلت دالا مثلها سكّنت فجلبوا ألفا ليصلوا إلى الكلام بها و ذلك إذ كان قبله شيء،لأنّ الإدغام لا يكون إلاّ و قبله شيء.

و منه قول اللّه جلّ ثناؤه: حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً الأعراف:38،إنّما هو تداركوا و لكنّ التّاء منها أدغمت في الدّال،فصارت دالا مشدّدة و جعلت فيها ألف؛إذ وصلت بكلام قبلها ليسلم الإدغام.و إذا لم يكن قبل ذلك ما يواصله و ابتدئ به، قيل:تداركوا و تثاقلوا فأظهروا الإدغام.و قد قيل:

يقال:ادّاركوا،و ادّارءوا.

و قد قيل:إنّ معنى قوله: فَادّارَأْتُمْ فِيها، فتدافعتم فيها.من قول القائل:درأت هذا الأمر عنّي و من قول اللّه: وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ النّور:8، بمعنى يدفع عنها العذاب.

و هذا قول قريب المعنى من القول الأوّل.لأنّ القوم إنّما تدافعوا قتل قتيل فانتفى كلّ فريق منهم أن يكون قاتله كما قد بيّنّا قبل فيما مضى من كتابنا هذا.

و كان تدارؤهم في النّفس الّتي قتلوها...[فذكر أقوال المفسّرين،-لاحظ:ن ف س:«نفسا»-إلى أن قال:]

فكان اختلافهم و تنازعهم و خصامهم بينهم في أمر القتيل الّذي ذكرنا أمره-على ما روينا عن علمائنا من أهل التّأويل-هو الدّرء الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه لذرّيّتهم و بقايا أولادهم: فَادّارَأْتُمْ فِيها وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ. [و استشهد بالشّعر مرّتين]

(1:399-402)

ص: 119

الزّجّاج:معناه فتدارأتم فيها،أي تدافعتم،أي ألقى بعضكم على بعض،يقال:درأت فلانا،إذا دافعته و داريته،إذا لاينته و دريته إذا ختلته.و لكنّ التّاء أدغمت في الدّال،لأنّهما من مخرج واحد فلمّا أدغمت سكّنت فاجتلبت له ألف الوصل فتقول:ادّارأ القوم، أي تدافع القوم.(1:153)

الثّعلبيّ: [ذكر قول ابن عبّاس و مجاهد و الضّحّاك،و أضاف:]

[و قال:]عبد العزيز بن يحيى:شككتم...

و أصل الدّراء:الدّفع،يعني ألقى ذلك على هذا و هذا على ذاك،فدافع كلّ واحد عن نفسه،كقوله تعالى: وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ الرّعد:22، و القصص:54،و قوله: وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ النّور:8.(1:219)

الشّريف المرتضى:[نحو الزّجّاج و أضاف:]

و الهاء في قوله:(فيها)تعود إلى النّفس،و قيل إنّها تعود على القتلة،أي اختلفتم في القتلة؛لأنّ(قتلتم) تدلّ على المصدر،و القتلة من المصادر تدلّ عليها الأفعال.و رجوع الهاء إلى النّفس أولى و أشبه بالظّاهر.(2:225)

نحوه الطّبرسيّ.(1:137)

الماورديّ: و في قوله تعالى: فَادّارَأْتُمْ فِيها ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّ الدّرء:الاعوجاج.

و الثّاني:و هو المشهور،أنّ الدّرء:المدافعة،و معناه أي تدافعتم في القتل.

و الثّالث:[و هو قول السّدّيّ]

و قيل:إنّ هذه الآية و إن كانت متأخّرة في التّلاوة،فهي متقدّمة في الخطاب على قوله تعالى:

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ... البقرة:

67،لأنّهم أمروا بذبحها،بعد قتلهم،و اختلفوا في قاتله.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:142)

الطّوسيّ: اختلفتم،و أصله:تدارأتم،فأدغمت التّاء في الدّال بعد أن سكّنت،و جعلوا قبلها ألفا لتمكّن النّطق بها.[ثمّ نقل بعض الأقوال،و قد سبق]

(1:303)

نحوه ابن الأنباريّ(1:95)،و القرطبيّ(1:

456).

الواحديّ: تدافعتم،يعني ألقى هذا على ذلك و ذلك على هذا،فدافع كلّ واحد عن نفسه.(1:157)

نحوه الميبديّ.(1:232)

البغويّ أصله:تدارأتم،فأدغمت التّاء في الدّال، و أدخلت الألف مثل قوله:(اثاقلتم.)التّوبة:39.

[ثمّ ذكر نحو الواحديّ](1:130)

الزّمخشريّ: فاختلفتم و اختصمتم في شأنها، لأنّ المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضا،أي يدفعه و يزحمه.

أو تدافعتم،بمعنى طرح قتلها بعضكم على بعض، فدفع المطروح عليه الطّارح.أو لأنّ الطّرح في نفسه دفع.أو دفع بعضكم بعضا عن البراءة و اتّهمه.

(1:289)

نحوه النّسفيّ(1:55)،و النّيسابوريّ(1:344).

ص: 120

ابن عطيّة:أصله:تدارأتم،ثمّ أدغمت التّاء في الدّال فتعذّر الابتداء بمدغم،فجلبت ألف الوصل.

و معناه:تدافعتم،أي دفع بعضكم قتل القتيل إلى بعض.[ثمّ استشهد بشعر]

و الضّمير في قوله:(فيها)عائد على النّفس، و قيل:على القتلة.و قرأ أبو حيوة و أبو السّوار الغنويّ: (و اذ قتلتم نسمة فادّاراتم) ،و قرأت فرقة:

(فتداراتم) على الأصل.(1:165)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: فَادّارَأْتُمْ فِيها ففيه وجوه:

أحدها:اختلفتم و اختصمتم في شأنها،لأنّ المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضا،أي يدافعه و يزاحمه.

و ثانيها:(اداراتم)أي ينفي كلّ واحد منكم القتل عن نفسه،و يضيفه إلى غيره.

و ثالثها:دفع بعضكم بعضا عن البراءة و التّهمة.

و جملة القول فيه:أنّ الدّرء هو الدّفع، فالمتخاصمون إذا تخاصموا فقد دفع كلّ واحد منهم عن نفسه تلك التّهمة،و دفع كلّ واحد منهم حجّة صاحبه عن تلك الفعلة،و دفع كلّ واحد منهم حجّة صاحبه في إسناد تلك التّهمة إلى غيره و حجّة صاحبه في براءته عنه.

قال القفّال:و الكناية في(فيها)للنّفس،أي فاختلفتم في النّفس،و يحتمل في القتلة،لأنّ قوله:

(قتلتم)يدلّ على المصدر.(3:123)

العكبريّ: أصل الكلمة:تدارأتم،و وزنه «تفاعلتم»ثمّ أرادوا التّخفيف،فقلبوا التّاء دالا لتصير من جنس الدّال الّتي هي فاء الكلمة،لتمكّن الإدغام، ثمّ سكّنوا الدّال؛إذ شرط الإدغام أن يكون الأوّل ساكنا،فلم يمكن الابتداء بالسّاكن،فاجتلبت له همزة الوصل،فوزنه الآن«افّاعلتم»بتشديد الفاء،مقلوب من«اتفاعلتم»و الفاء الأولى زائدة،و لكنّها صارت من جنس الأصل،فينطق بها مشدّدة،لا لأنّهما أصلان،بل لأنّ الزّائد من جنس الأصل،فهو نظير قولك:ضرّب،بالتّشديد،فإنّ إحدى الرّاءين زائدة و وزنه«فعّل»بتشديد العين،كما كانت الرّاء كذلك، و لم نقل في الوزن:«فعرل»و لا«فرعل»فيؤتى بالرّاء الزّائدة في المثال،بل زيدت العين في المثال كما زيدت في الأصل،و كانت من جنسه،فكذلك التّاء في تدارأتم،صارت بالإبدال دالا من جنس الكلمة.

فإن سئل عن الوزن ليبين الأصل من الزّائد بلفظه الأوّل أو الثّاني،كان الجواب أن يقال:وزن أصله الأوّل«تفاعلتم»و الثّاني«اتفاعلتم»،و الثّالث «افّاعلتم»و مثل هذه المسألة: اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ التّوبة:38،و حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها الأعراف:38.(1:78)

ابن عربيّ: [لاحظ:ن ف س:«نفسا»](1:62)

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ في الاحتمالين الأوّلين،ثمّ قال نحو الطّوسيّ في أصله](1:63)

نحوه ملخّصا الشّربينيّ(1:70)،و أبو السّعود(1:

147)،و البروسويّ(1:162)،و شبّر(1:110).

الخازن :من الدّرء،و هو الدّفع،لأنّ المتخاصمين يدفع بعضهم بعضا.(1:61)

ص: 121

نحوه المشهديّ.(1:276)

أبو حيّان :قرأ الجمهور:بالإدغام و قرأ أبو حيوة:

(فتدارأتم) على وزن«تفاعلتم»،و هو الأصل.

هكذا نقل بعض من جمع في التّفسير.[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة و أضاف:]

و نقل من جمع في التّفسير أنّ أبا السّوار قرأ (فدرأتم) ،بغير ألف قبل الرّاء.و يحتمل هذا التّدارؤ، و هو التّدافع،أن يكون حقيقة،و هو أن يدفع بعضهم بعضا بالأيدي،لشدّة الاختصام.و يحتمل المجاز،بأن يكون بعضهم طرح قتله على بعض،فدفع المطروح عليه ذلك إلى الطّارح،أو بأن دفع بعضهم بعضا بالتّهمة و البراءة.و الضّمير في:(فيها)عائد على النّفس،و هو ظاهر،و قيل:على القتلة،فيعود على المصدر المفهوم من الفعل،و قيل:على التّهمة،فيعود على ما دلّ عليه معنى الكلام.(1:259)

السّمين:قوله تعالى: فَادّارَأْتُمْ فِيها فعل و فاعل،و الفاء للسّببيّة،لأنّ التّدارؤ كان مسبّبا عن القتل،و نسب القتل إلى الجميع و إن لم يصدر إلاّ من واحد أو اثنين-كما قيل-لأنّه وجد فيهم،و هو مجاز شائع.

و أصل ادّارأتم:تدارأتم«تفاعلتم»من الدّرء و هو الدّفع،فاجتمعت التّاء مع الدّال و هي مقاربتها، فأريد الإدغام،فقلبت التّاء دالا و سكّنت لأجل الإدغام،و لا يمكن الابتداء بساكن،فاجتلبت همزة الوصل ليبتدأ بها،فبقي ادّارأتم،و الأصل:اددارأتم، فأدغم.

و هذا مطّرد في كلّ فعل على«تفاعل»أو «تفعّل»فاؤه دال نحو:تداين و ادّاين،و تديّن و ادّيّن،أو ظاء أو طاء أو صاد أو ضاد نحو:تطاير و اطّاير،و تطّيّر و اطّيّر،و تظاهر و اظّاهر،و تطهّر و اطّهّر،و المصدر على«التّفاعل»أو«التّفعّل»نحو:

تدارؤ و تطهّر،نظرا إلى الأصل،و هذا أصل نافع في جميع الأبواب فليتأمّل.(1:262)

الكاشانيّ: اختلفتم و تدارأتم،ألقى بعضكم ذنب القتل على بعض،و ادّرأه عن نفسه،و ذويه.(1:128)

الآلوسيّ: [ذكر في أصله نحو السّمين،ثمّ قال:]

و التّدارؤ هنا إمّا مجاز عن الاختلاف و الاختصام، أو كناية عنه؛إذ المتخاصمان يدفع كلّ منهما الآخر، أو مستعمل في حقيقته أعني التّدافع،بأن طرح قتلها كلّ عن نفسه إلى صاحبه،فكلّ منهما من حيث إنّه مطروح عليه يدفع الآخر من حيث إنّه طارح.

و قيل:إنّ طرح القتل في نفسه نفس دفع الصّاحب،و كلّ من الطّارحين دافع فتطارحه ما تدافع.و قيل:إنّ كلاّ منهما يدفع الآخر عن البراءة إلى التّهمة،فإذا قال أحدهما:أنا بريء و أنت متّهم، يقول الآخر:بل أنت المتّهم و أنا البريء و لا يخفى أنّ ما ذكر على ما فيه بالمجاز أليق،و لهذا عدّ ذلك أبو حيّان من المجاز.(1:293)

القاسميّ: أي اختلفتم و اختصمتم في شأنها؛إذ كلّ واحد من الخصماء يدافع الآخر.(2:156)

رشيد رضا :و التّدارؤ:«تفاعل»من الدّرء و هو الدّفع،فمعناه التّدافع،و هو يدلّ على أنّه كان خصام

ص: 122

و اتّهام،و كان كلّ يدرأ عن نفسه و يدّعي البراءة و يتّهم غيره،و كان للقاتلين و العارفين بهم حظوظ و أهواء كتموا فيها الحقيقة،و لذلك قال تعالى بعد التّذكير بالجريمة: وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ من الإيقاع بقوم برآء تتّهمونهم بالقتل لإخفاء القاتل، لأنّه لا يخفى عليه مكركم.(1:350)

المراغيّ: أي تدارأتم من الدّرء،و هو الدّفع.

و يقال:عقلت نفسي عن كذا أي منعتها منه.أي تدافعتم و تخاصمتم في شأنها،و كلّ واحد يدرأ عن نفسه و يدّعي البراءة و يتّهم سواه.(1:141-145)

ابن عاشور :و(اداراتم)«افتعال»،أصله:

تدارأتم،«تفاعل»من الدّرء و هو الدّفع،لأنّ كلّ فريق يدفع الجناية عن نفسه،فلمّا أريد إدغام التّاء في الدّال على قاعدة تاء«الافتعال»مع الدّال و الذّال، جلبت همزة الوصل لتيسير التّسكين للإدغام.

(1:543)

الطّباطبائيّ: و التّدارؤ هو التّدافع،من الدّرء، بمعنى الدّفع،فقد كانوا قتلوا نفسا-و كلّ طائفة منهم يدفع الدّم عن نفسها إلى غيرها-و أراد اللّه سبحانه إظهار ما كتموه.(1:202)

عبد الكريم الخطيب :لقد قتل في القوم قتيل فادّرءوا فيه،أي اختلفوا في التّعرّف على قاتله؛إذ رمى بعضهم بعضا به،و دفع بعضهم بعضا إلى موقف الاتّهام فيه...(1:96)

فضل اللّه : وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً و لم يتبيّن لكم القاتل، فَادّارَأْتُمْ فِيها أي اختلفتم،فكان التّوجيه الإلهيّ لموسى عليه السّلام-بعد أن سألتموه-في إظهار الحقّ في القضيّة الّتي كادت أن تخلق لكم مشاكل صعبة مدمّرة،أن تذبحوا بقرة،ليظهر الحقّ من خلال ذلك في نهاية المطاف، وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ من الحقيقة المعروفة لديكم في الباطن،الغامضة في الظّاهر، نتيجة كتمانكم لمعلوماتكم.(2:88)

مكارم الشّيرازيّ: أي فاختلفتم في القتل و تدافعتم فيه.(1:233)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّريئة،و هي السّترة، يستتر بها الرّجل للصّيد كالبعير و غيره،فإذا أمكنه الرّمي رمى،و هي أيضا حلقة من أدم و غيره،يتعلّم الرّامي عليها الطّعان؛و الجمع درايا و درائي،يقال:

درأ الدّريئة للصّيد يدرؤها درء،أي ساقها و استتر بها،و ادّرأ للصّيد:اتّخذ له دريئة،و أدرأ دريئة:

اتّخذها.

و الدّرء:الدّفع.يقال:درأته عنّي،أي دفعته، تشبيها بدرء الدّريئة نحو الصّيد،أي دفعها و سوقها، و درأت عنه الشّرّ أدرؤه درء:دفعته،و في الدّعاء:

«اللّهمّ إنّي أدرأ بك في نحر فلان لتكفيني شرّه» و درأت عنه الحدّ:أسقطته من وجه عدل،و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ادرءوا الحدود بالشّبهات»أي ادفعوها.

و التّدارؤ:التّدافع.يقال:تدارأ القوم و ادّارءوا،أي تدافعوا،و دارأت الرّجل مدارأة:دفعته.

و درأ فلان علينا دروء،و درئ:طلع من حيث

ص: 123

لا ندري،و كأنّه اندرأ بنفسه،أي اندفع،و جاءنا السّيل درء:درأ علينا من مكان لا يعلم به،و درأ الوادي بالسّيل:دفع.

و الدّرء:العوج في العصا و القناة و كلّ شيء تصعب إقامته؛و الجمع:دروء،و كأنّه يدفع من يريد أن يعدله و يقوّمه،أو كما قال ابن فارس:«لأنّه إذا اعوجّ اندفع من حدّ الاستواء إلى الاعوجاج»يقال:

أقمت من درئه،إذا قوّمته،و بئر ذات درء:ذات حيد، و طريق ذو دروء:ذو كسور.

و درأ البعير يدرأ دروء:أغدّ،و كان مع الغدّة ورم في ظهره،فهو دارئ،و ناقة دارئ أيضا.قال ابن فارس:

«لأنّه يندفع إذا ورم».و به درء:خراج يكون باللّثة.

و أدرأت النّاقة بضرعها فهي مدرئ،إذا أنزلت اللّبن و أرخت ضرعها عند النّتاج.

و درأت الوسادة:بسطتها.يقال:يا جارية ادرئي إليّ الوسادة،أي ابسطي،و درأت له وسادة:بسطتها له.

و درأت وضين البعير،إذا بسطته على الأرض ثمّ تركته عليه لتشدّه به،و قد درأت فلانا الوضين على البعير و داريته.

و التّدرأ:اسم من الدّرء،و التّاء فيه زائدة كزيادتها في:ترتب و تنضب.يقال:إنّه لذو تدرأ،أي ذو حفاظ و منعة و قوّة على أعدائه و مدافعة.

و كوكب درّيء و درّيّ«فعّيل»من الدّرء،كأنّه يدرأ دروء من توقّده،أي كأنّه يدرأ على الشّيطان،أو يندفع في مضيّه من المشرق إلى المغرب.يقال:درأ الكوكب دروء،أي طلع.

و درأت النّار:أضاءت،تشبيها بالكوكب الدّرّيء،و اندرأ الحريق:انتشر.

و المدارأة:المدافعة و المخالفة.يقال:فلان لا يدارئ و لا يمارئ،و لا يدارئ و لا يماري،و لا يداري و لا يماري على التّسهيل،أي لا يشاغب و لا يخالف، و دارأت الرّجل مدارأة:اتّقيته،لأنّه دفع لشرّه.

2-تداخلت الأصول في هذه المادّة،و اشتبه أمرها على اللّغويّين،فاستشرى فيها الخلاف بينهم،ففيها اشتقاق أكبر،كما في قولهم:اندرأ يفعل كذا و اندرع، أي اندفع و هجم من حيث لم نحسبه،و كذا إنّه لذو تدرإ و ذو تدره،و أدرأت النّاقة و أذرأت:أنزلت اللّبن،و درأت الوضين و ذرأته:بسطته على الأرض.

و فيها اشتقاق كبير أيضا،نحو قولهم:درأته بحجر و ردأته:رميته به،و درأت الحائط ببناء و ردأته:

ألزقته به.

3-و تفاقم الأمر و اعتلى بتسهيل همزة الدّرء، فجعلوا للمهموز معنى،و لغير المهموز معنى آخر، و لعلّ أوضح شاهد لهذه الظّاهرة ما صنّفه ابن السّكّيت في إصلاح المنطق،فأفرد فيها بابا سمّاه:

«ما يهمز فيكون له معنى،فإذا لم يهمز كان له معنى الآخر»،فقال فيه:«تقول:درأته عنّي،إذا دفعته أدرؤه درء،و منه:«ادرءوا الحدود بالشّبهات».و قد دريته أدريه دريا،إذا ختلته،و قد دارأته،إذا دفعته عنك بخصومة،و قد داريته،إذا خاتلته».

و لا مشاحّة في تعدّد المعاني و الاستعمال للّفظ

ص: 124

الواحد،بيد أنّ تعدّد اللّغات يفضي إلى خلط المعاني بعضها ببعض،فيحصل الاختلاف بين علماء اللّغة، كما في المدارأة و المداراة،فابن السّكّيت قيّدهما بالتّفصيل المتقدّم،و تبعه أبو عبيد.و الأحمر أطلق فيهما،أي بالهمز و تركه،و تبعه الجوهريّ.و لكنّ المدينيّ قطع بأصالة الهمزة فيهما،ففي الحديث:

«لا يداري شريكه»،قال:«من دراه،أي ختله،و هو تخفيف المدارأة،و هي المدافعة»،و كذا قال ابن الأثير.

و حقّق الأصمعيّ الهمزة في لفظ الدّريئة بمعنى الحلقة الّتي يتعلّم الرّامي عليها،و سهّلها في«الدّريّة»، أي الدّابّة الّتي يستتر بها من يرمي الصّيد ليصيده.

و لكنّ الخليل همز الدّريئة في كلا المعنيين،و جعل من الثّاني قولهم:دريت الصّيد أدريه دريا،بدون همز، و نحوه:ادّريت الصّيد،أي ختلته،و هي لغة عزاها إلى هذيل.

و أمّا قولهم:بنو فلان ادّرءوا مكانا،كأنّهم اعتمدوه بالغارة و الغزو،فهو«افتعال»من الدّرء، و أصله:«اتدرءوا»،فأبدلت التّاء دالا،و أدغمت الدّالان معا و شدّدتا،و اجتلبت الهمزة للنّطق بالسّاكن،ثمّ سهّلت الهمزة للخفّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا(المضارع)3 مرّات،و(الأمر) مرّة،و مزيدا من الافتعال(اداراتم)مرّة أيضا:

يدرءوا:

1- وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ النّور:8

2- وَ الَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:22

3- أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ

القصص:54

4- ...قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ آل عمران:168

ادّاراتم:

5- وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها...

البقرة:72

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها محورين:المجرّد و المزيد:

و المحور الأوّل فيه أربع آيات،و الدّرء فيها بمعنى الدّفع،و المدفوع فيها جميعا أمر غير مرضيّ:ففي(1) هو العذاب،و في(2)و(3)هو السّيّئة،و في(4)هو الموت.و فيها بحوث:

1-الآية(1)من جملة ما جاء بشأن الّذين يرمون أزواجهم،ابتداء من: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ -إلى أن قال:- وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ النّور:6-9.فأمر اللّه فيها كلاّ من الزّوجين أن يشهد أربع شهادات باللّه إنّه لمن الصّادقين،و الخامسة أنّ غضب اللّه عليه إن كان الزّوج الآخر من الصّادقين.

و بذلك تبرّأت الأزواج عن التّهمة،و عمّا يترتّب

ص: 125

عليها-لو ثبتت-من العذاب و الجلد.كما قال: وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ... و المراد بالعذاب الجلد الّذي سبق في الآية:(2)من هذه السّورة: اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ....

2-الخطاب في هذا الأمر و في نظائرها من آيات الحكم و الحدود إلى عامّة المسلمين،إلاّ أنّ الّذي يجريها منهم هو الحاكم الشّرعيّ الّذي بيده أزمة الأمور،و لهذا قال ابن عبّاس في معنى(يدرءوا:) «يعني يدفع الحاكم»و لكنّ زيد بن عليّ-و غيره- أخذوا بلازم هذا الحكم فقالوا:«يرفع عنها الحدّ و الرّجم و العذاب»،أو«يسقط عنها الحدّ».

و وجّه الخطاب فيها إلى المؤمنين باعتبار أنّهم تسلّموا لحكم الحكّام و الأمراء،و اختاروهم،و نصبهم اللّه عليهم أمراء.فهم أولو الأمر الّذين يجب طاعتهم على كلّ مسلم كما قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ... النّساء:

59.

3-و في(2)و(3): وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، قالوا:أي يدفعون.و قد جاء في آيتين(42 و 43)من:ح س ن:«الحسنة»بدل هذه الجملة:

اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فصّلت:34،و المؤمنون:

96.و قد سبق هناك في وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ج:12 ص:200،مصاديق دفع السّيّئة بالحسنة،في كلّ أمر من الأمور،مثل دفع الكلام السّيّئ بالكلام الحسن،فلاحظ.

4-و في(4): قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ قال الطّبريّ: «يعني فادفعوا،من قول القائل:

درأت عن فلان القتل،بمعنى دفعت عنه».

و قال القشيريّ: «قل لهم يا محمّد استديموا لأنفسكم الحياة،و ادفعوا عنها هجوم الوفاة!و متى تقدرون على ذلك؟!هيهات هيهات».

و قال الزّمخشريّ-و نحوه غيره-:«معناه:قل إن كنتم صادقين في أنّكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلا و هو القعود عن القتال فجدّوا إلى دفع الموت سبيلا، يعني أنّ ذلك الدّفع غير مغن عنكم...».

و قال القرطبيّ: «بيّن بهذا أنّ الحذر لا ينفع من القدر،و أنّ المقتول يقتل بأجله،و ما علم اللّه و أخبر به كائن لا محالة.و قيل:مات يوم قيل هذا،سبعون منافقا».

و قال أبو حيّان:«أكذبهم اللّه تعالى في دعواهم ذلك،فكأنّه قيل:القتل ضرب من الموت،فإن كان لكم سبيل إلى دفعه عن أنفسكم بفعل اختياريّ فادفعوا عنها الموت....»

5-و قال الطّبرسيّ: «و في هذا ترغيب في الجهاد، لأنّ المجاهد ربّما يسلم،و القاعد ربّما يموت.فيجب أن يكون على اللّه التّكلان».

6-و قال أبو السّعود-و نحوه غيره-:

«فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ جواب لشرط قد حذف تعويلا على ما بعده،من قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ كما أنّه شرط حذف جوابه لدلالة الجواب المذكور عليه،أي إن كنتم صادقين فيما ينبئ عنه قولكم:من أنّكم قادرون على دفع القتل عمّن كتب

ص: 126

عليه،فادفعوا عن أنفسكم الموت الّذي كتب عليكم معلّقا بسبب خاصّ موقّتا بوقت معيّن بدفع سببه-إلى أن قال:-و المعنى أنّ عدم قتلكم كان بسبب أنّه لم يكن مكتوبا عليكم،لا بسبب أنّكم دفعتموه بالقعود مع كتابته عليكم،فإنّ ذلك ممّا لا سبيل إليه،بل قد يكون القتال سببا للنّجاة و القعود مؤدّيا إلى الموت».

7-و قال الآلوسيّ: «... فَادْرَؤُا... استهزاء بهم»و قال عزّة دروزة:«أمر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بتحدّيهم تحدّيا منطويا على التّهكّم و الإلزام».و لا دليل على الهزء و التّحدّي،بل هو احتجاج منطقيّ عليهم،كما قال محمّد عبده:«...و جعله حجّة عليهم».

8-و قال سيّد قطب:«فالموت يصيب المجاهد، و القاعد،و الشّجاع،و الجبان.و لا يردّه حرص و لا حذر.و لا يؤجّله جبن و لا قعود و الواقع هو البرهان الّذي لا يقبل المراء-إلى أن قال:-و ممّا يلفت النّظر في الاستعراض القرآنيّ لأحداث المعركة، تأخيره ذكر هذا الحادث-حادث نكول عبد اللّه بن أبيّ و من معه عن المعركة،و قد وقع في أوّل أحداثها و قبل ابتدائها-تأخيره إلى هذا الموضع من السّياق.

و هذا التّأخير يحمل سمة من سمات منهج التّربية القرآنيّة،فقد أخّره حتّى يقرّر جملة القواعد الأساسيّة للتّصوّر الإسلاميّ الّتي قرّرها؛و حتّى يقرّ في الإخلاد جملة المشاعر الصّحيحة الّتي أقرّها،و حتّى يضع تلك الموازين الصّادقة للقيم الّتي وضعها...

ثمّ يشير هذه الإشارة إلى الّذين نافقوا.و فعلتهم و تصرّفهم بعدها،و قد تهيّأت النّفوس لإدراك ما في هذه الفعلة،و ما في هذا التّصرّف من انحراف عن التّصوّر الصّحيح،و عن القيم الصّحيحة في الميزان الصّحيح -إلى أن قال-:

و لعلّ هنالك لفتة أخرى من لفتات المنهج الفريد، فعبد اللّه بن أبيّ كان إلى ذلك الحين ما يزال عظيما في قومه-كما أسلفنا-و قد ورم أنفه،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يأخذ برأيه،لأنّ إقرار مبدإ الشّورى و إنفاذه اقتضى الأخذ بالرّأي الآخر الّذي بدا رجحان الاتّجاه إليه في الجماعة-و قد أحدث تصرّف هذا المنافق الكبير رجّة في الصّفّ المسلم و بلبلة في الأفكار،كما أحدثت أقاويله بعد ذلك عن القتلى حسرات في القلوب و بلبلة في الخواطر-فكان من حكمة المنهج إظهار الاستهانة به و بفعلته و بقوله،و عدم تصدير الاستعراض القرآنيّ لأحداث الغزوة بذلك الحادث الّذي وقع في أوّلها،و تأخيره إلى هذا الموضع المتأخّر من السّياق،مع وصف الفئة الّتي قامت به بوصفها الصّحيح اَلَّذِينَ نافَقُوا، و التّعجيب من أمرهم في هذه الصّيغة المجملة أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا و عدم إبراز اسم كبيرهم أو شخصه،ليبقى نكرة في اَلَّذِينَ نافَقُوا كما يستحقّ من يفعل فعلته،و كما تساوي حقيقته في ميزان الإيمان.ميزان الإيمان الّذي أقامه فيما سبق من السّياق...».

و نقول:قد أشار في كلامه الطّويل إلى نكات قيّمة إلاّ أنّ كلامه في تأخير تصرّفات المنافقين يحتاج إلى توضيح:

قد بدأ اللّه حكاية غزوة«أحد»في سورة

ص: 127

آل عمران،بقوله في الآية:121 و 122: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا... فأشار في صدرها إلى الطّائفتين اللّتين أرادتا أن تفشلا،و كانتا من المؤمنين في ظاهر الحال.ثمّ أشار في آيات بعدها وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ... إلى نصرة المؤمنين ببدر و هم قليلون،مع فشلهم في غزوة أحد و هم كثيرون.

ثمّ تحوّل إلى مسائل أخرى إلى أن رجع إلى هذه الغزوة في الآية:139: وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، ثمّ سلاّهم من أجل فشلهم؛و ذلك بعد انقضاء الغزوة بقوله: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ مريدا به ما أصاب المشركين في بدر.

ثمّ أشار إلى سنّة اللّه في نصرة الأمم و خذلانهم بقوله:

وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ...، و آيات بعدها إلى قوله في الآية:143: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ.

ثمّ ذمّهم بانقلابهم على أعقابهم حين سمعوا قول الشّيطان:«ألا قتل محمّد»بقوله: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ.... ثمّ قوّى نفوس المؤمنين على القيام و المقاومة في الحروب بقوله في الآية:146، إلى 148: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا إلى فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ... ثمّ تعرّض في الآية:151،-تأمينا لهم-إلى خوف المشركين منهم بقوله: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً...، ثمّ أشار إلى أنّ اللّه صدّق وعده بنصرهم،و أنّهم هم الّذين تنازعوا و فشلوا بقوله بعدها: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ... إلى قوله:

154: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ...، مصرّحا بقوله: يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا، ثمّ مصرّحا بأنّهم أنفسهم كانوا سبب خذلانهم بإغواء الشّيطان بقوله في:155:

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا... ثمّ كرّر ذلك في 156: ...لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا...، ثمّ وعدهم بعدها بأنّهم لو قتلوا في سبيل اللّه أو ماتوا شملتهم مغفرة و رحمة من اللّه،و أنّهم إلى اللّه يحشرون،ثمّ صرّح مرّة أخرى في:160،بأنّ النّصر و الخذلان بيد اللّه: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ...، ثمّ رجع بعد آيات وردت بتوبيخهم،و تسلية بخذلانهم بقوله في:165: أَ وَ لَمّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ....

ثمّ رجع في آيات بعدها إلى دعوى المنافقين لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاَتَّبَعْناكُمْ -إلى- اَلَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ

ص: 128

اَلْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

ثمّ بشّر في آيات بعدها الّذين قتلوا في سبيل اللّه بأنّهم أحياء و ليسوا أمواتا،و الّذين استجابوا اللّه و الرّسول من بعد ما أصابهم القرح بأنّ لهم أجر عظيم، و يكرّر ذلك بألفاظ مختلفة إلى آخر السّورة.

فظهر بما ذكرنا أنّ اللّه قد أشار إلى انحراف طائفتين منهم في أوّل آية من هذا السّياق بقوله: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا، و في وسطها بقوله:

وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ...، و قد كرّره بعدها مرّات في قولهم: لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا، و في: قُلْتُمْ أَنّى هذا...، و في: لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاَتَّبَعْناكُمْ، و قولهم أخيرا: لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا، فلم يؤخّر التّنديد بهم إلى آخر القصّة-كما قال سيّد قطب-نعم أخّر توصيفهم بالمنافقين في هذه الآية: وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا...، و لم يصرّح به في الآيات قبلها،احتفاظا بعدّهم في زمرة المؤمنين،و رجاء لرجوعهم عن نفاقهم فلا يستمرّون به.و تمهيدا-من خلال أقاويلهم و أفعالهم-للتّصريح بنفاقهم أخيرا.

المحور الثّاني:المزيد:(5) وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ و فيها بحوث:

1-(ادارأتم)افتعال من الدّرء،و أصلها تدارأتم.قال أبو عبيد و غيره:«أدغمت التّاء في الدّال و أدخلت الألف ليسلم سكون الحرف الأولى».و قد شرحه الطّبريّ و شبّهه بقوله: حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً الأعراف:38،و قال:أصله تداركوا،فلاحظ.

و وزنها قبل التّبديل:«تفاعلتم»،و بعده-كما قال العكبريّ-:«أفّاعلتم»بتشديد الفاء مقلوب «أ تفاعلتم»،و الفاء الأولى زائدة،و لكنّها صارت من جنس الأصل،فينطق بها مشدّدة،لا لأنّهما أصلان، بل لأنّ الزّائد من جنس الأصل...

2-اختلفوا في معناها-و هو اختلاف لفظيّ لا معنويّ-فقال أكثرهم:دفع بعضهم بعضا،فأوقع كلّ منهم التّهمة على الآخر و دفعها عن نفسه،و هذا هو الوجه الثّاني من الوجوه الثّلاثة الّتي ذكرها الفخر الرّازيّ.

و الوجه الأوّل منها:اختلفتم-و هو قول ابن قتيبة،و الطّوسيّ،و الطّبريّ و زاد:و تنازعتم و مثله الزّمخشريّ-و اختصمتم في شأنها،لأنّ المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضا،أي يدفعه.

و ثالثها:دفع بعضكم بعضا عن البراءة و التّهمة، و هذا قريب من قول الأكثر.و نقل الثّعلبيّ عن عبد العزيز بن يحيى:«شككتم».و تفسيرها ب«اختلفتم، و اختصمتم،و تنازعتم،و شككتم،و نحوها»تفسير باللاّزم.

3-و قال الشّريف المرتضى:«و الهاء في(فيها) تعود إلى النّفس.و قيل:إنّها تعود على القتلة أي اختلفتم في القتلة،لأنّ(قتلتم)تدلّ على المصدر، و القتلة من المصادر الّتي تدلّ عليها الأفعال.و رجوع الهاء إلى النّفس أولى و أشبه بالظّاهر».و نعم ما قال.

4-و قال الماورديّ: «و قيل:إنّ هذه الآية و إن

ص: 129

كانت متأخّرة في التّلاوة،فهي متقدّمة في الخطاب على قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ.

لأنّهم أمروا بذبحها بعد قتلهم،و اختلفوا في قاتله».

و نقول:ليست متقدّمة على صدر الآية،لأنّها طرح للقصّة،فهي متأخّرة عنه بفصل،و كان ينبغي أن يقول بعدها بلا فصل: فَادّارَأْتُمْ فِيها... فقلنا اقتلوا بقرة،إلاّ أنّه قدّم ذكر ما تبادر القوم إليه من الأسئلة بعد أن قال موسى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً...، و لم يصبروا حتّى يتمّ قوله بعد الأمر بقتل بقرة،استعجالا منهم للرّدّ على موسى،مظهرا أنّه استهزأ بهم،إذ لا علاقة بين قتل بقرة،و بين قضيّتهم هذه،فقالوا له: أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً؟

ثمّ دام إصرارهم على معرفة البقرة بخصائصها قبل أن يعرفوا تلك العلاقة.و هذا يكشف عن شدّة جهالتهم و عداوتهم للحقّ.و بعد ما أقنعهم موسى بما أصرّوا عليه من معرفة البقرة،رجع الكلام إلى أوّله و كرّره بقوله: وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها وَ اللّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ مشيرا إلى أنّ تنازعهم و تسائلهم مرّة بعد أخرى إنّما صدرت منهم تعمّدا، ليكتموا أمر القتال و يسدّوا السّبيل إلى معرفته، بسياق و لفظ واحد: وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، و أنّ إصرارهم على ما ذكر كان خدعة منهم لكتمانه.

و يلاحظ ثانيا:أنّ آيتين منها(2)و(3)مكّيّتان، و ثلاث منها مدنيّة.و كلتا المكّيّتين توصيف للمؤمنين في عداد أوصاف أخرى لهم،فهي في(2)توصيف لأولي الألباب،في الآية:19،منها: أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ* اَلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ -إلى أن قال في 23:- وَ الَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ* جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها....

و في(3)توصيف لأهل الكتاب،في الآية:52، اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ، إلى أن قال في:54،منها: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.

و ممّا يلفت النّظر أنّ وصف درء السّيّئة بالحسنة في كليهما مقرون بوصف الصّبر و الإنفاق،إضافة إلى أوصاف أخرى تخصّ المؤمنين.

و نحن نعلم أنّ تعديد جملة من صفات الخير و الشّرّ يوجد بكثرة في الآيات المكّيّة مقرونة بالتّبشير و التّخويف،و كأنّه من مميّزاتها.

أمّا المدنيّات الثّلاث،فأولاها:(1): وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ... تشريع و هو الّذي كاد أن يكون من خواصّ المدنيّات.و الآخران:(4)و(5)فأولاهما:ذمّ للمنافقين،و ثانيتهما:ذمّ لليهود،و قد بسطنا القول فيهما سابقا.و نحن نعلم أنّ المنافقين كانوا يوادّون و يعاشرون،و يتابعون اليهود في المدينة،و آلة لهم، و اليهود يستخدمونهم لمقاصدهم السّيّئة ضدّ الإسلام و لا يزالون إلى الآن.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

ص: 130

الدّفع: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ المؤمنون:96

الدّعّ: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ الماعون:2

الدّحر: لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ* دُحُوراً وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ

الصّافّات:8 و 9

ص: 131

ص: 132

د ر ج

اشارة

4 الفاظ،20 مرّة:11 مكّيّة،9 مدنيّة

في 16 سورة:9 مكّيّة،7 مدنيّة

سنستدرجهم 2:2 درجة 4:-4

درجات 12:7-5 الدّرجات 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الدّرج:جماعة عتب الدّرجة.

و الدّرجة في الرّفعة و المنزلة؛و تجمع:الدّرج و درجات الجنان:منازل ارفع من منازل.

و الدّرجان:مشية الشّيخ و الصّبيّ،و درج يدرج درجا و درجانا.

و الدّرّاج:من الطّير بمنزلة الحيقطان،من طير العراق،أرقط.

و الدّرّيج:شيء يضرب به ذو أوتار كالطّنبور.

و كلّ برج من بروج السّماء ثلاثون درجة.

و المدرجة:ممرّ الأشياء على مسلك الطّريق و نحوه.

و رجعت في أدراجي و درجي أي طريقي الّذي مررت فيه.

و درج قرن بعد قرن،أي فنوا،و أدرجهم اللّه إدراجا.

و أدرجت الكتاب،و في درج الكتاب كذا.

و الدّرّاجات:شبه الدّبّابات تتّخذ في الحروب، يدخل فيها الرّجال.

و الدّرج:حفش من أحفاش النّساء،و الجميع:

الدّرجة.

و الدّرجة:خرقة تدرج فتجعل في حياء النّاقة إذا ظئرت يغطّى رأسها،ثمّ يسلّون تلك الدّرجة سلاّ عنيفا فيشمّونها للرّأم،فإذا شمّت ظنّت أنّه ولدها، فانعطفت عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و المدراج:النّاقة تضمر حتّى يلحق حقبها بالتّصدير.

ص: 133

و المدراج أيضا:النّاقة لا تجاوز يومها الّذي ضربت فيه حتّى تنتج،و الّتي تجاوز يقال لها:الجرور.

(6:77)

سيبويه :و من ذلك قول العرب:هو منّي درج السّيل،أي مكان درج السّيل من السّيل.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:رجع أدراجه،أي رجع في الطّريق الّذي جاء فيه.هذا معناه:فأجري مجرى ما قبله،كما أجروا ذلك المجرى درج السّيول.(1:414)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المدرج من الإبل:الّتي تعجّل النّتاج.(1:244)

المداريج:البكرة و المحالة.(1:248)

و التّدريج:ترك الفداء لا يذبح.(1:257)

و الدّردجة:رئمان النّاقة ولدها،تقول:دردجت عليه.(1:259)

المدرج من الإبل:الّتي لا يستمسك بطانها إلاّ بالسّناف،من صغر مخرجها و قصر ضلوعها.(1:269)

الدّرجة:طائر،هو أصغر من الدّرّاج.(1:270)

و التّدريج:الغناء لا يريح.(1:272)

أدرجت الدّلو إدراجا،إذا متحت به في رفق.[ثمّ استشهد بشعر]

و تسمّى الدّال و الجيم في القافية الإجازة.

(الأزهريّ 10:645)

يقال:فلان درج يدك،أي لا يعصيك.

و يقال:ما أنا إلاّ درج يدك،أي ما أعصيك.

(الأزهريّ 10:648)

أبو زيد:يقال:هروز الرّجل،و فروز الرّجل، و فاز،و فوّز،و دفّق،و فطس،و فقس،و درج،و قاد، كلّه بمعنى مات.(196)

الأصمعيّ: درج الرّجل،إذا لم يخلف نسلا، و ليس كلّ من مات درج.(ابن دريد 2:64)

المدراج:النّاقة الّتي تجرّ الحمل إذا أتت على مضربها.(الأزهريّ 10:645)

اللّحيانيّ: القتّات و النّمّام و الهمّاز و اللّمّاز و الغمّاز و القسّاس و الدّرّاج...إذا مشى بينهم بالنّميمة و الفساد.(القاليّ 1:155)

ابن الأعرابيّ: الدّرج:لفّ الشّيء.

يقال:درجته،و أدرجته،و درّجته؛و الرّباعيّ أفصحها.

و الدّرج:المحاجّ،و الدّرج:الطّريق.

يقال:رجع فلان درجه،إذا رجع في الأمر الّذي قد كان ترك.

و يقال:درج،إذا صعد في المراتب.

و درج إذا لزم المحجّة من الدّين.كلّه بكسر العين من«فعل».

يقال للرّجل إذا طلب شيئا فلم يقدر عليه:رجع على غبيراء الظّهر،و رجع على أدراجه،و رجع درجه الأوّل،و مثله:رجع عوده على بدنه،و نكص على عقبه؛و ذلك إذا رجع و لم يصب شيئا.

و يقال:رجع فلان على حافرته و إدراجه بكسر الألف،هكذا أخبرني الإياديّ عن شمر:رجع على إدراجه،إذا رجع في طريقه الأوّل.

ص: 134

(الأزهريّ 10:647)

ابن السّكّيت: الدّرجة،بفتح الرّاء:هو طائر أسود باطن الجناحين،و ظاهرهما أغبر،و هي على خلقة القطاة إلاّ أنّها ألطف.(الأزهريّ 10:646)

قولهم:«أكذب من دبّ و درج»أي أكذب الأحياء و الأموات.

يقال للقوم إذا انقرضوا:درجوا.

(الأزهريّ 10:648)

شمر:يقال:رجع على إدراجه،بكسر الهمزة،أي رجع في الطّريق الّذي جاء منه،مثل أدراجه بفتح الهمزة.(الصّغانيّ 1:428)

أبو الهيثم:يقال:امتنع فلان من كذا و كذا حتّى أتاه فلان فاستدرجه،أي خدعه حتّى حمله على أن درج في ذلك.

يقال للصّبيّ إذا دبّ و أخذ في الحركة:درج يدرج درجانا،فهو دارج.

و الدّروج من الرّياح:الّتي تدرج،أي تمرّ مرّا ليس بالقويّ و لا الشّديد.

و الرّيح إذا عصفت استدرجت الحصى،أي صيّرته إلى أن يدرج على وجه الأرض من غير أن ترفعه إلى الهواء،فيقال:درجت بالحصى و استدرجت الحصى.و ما درجت به:فجرت عليه جريا شديدا درجت في جريها،و ما استدرجته:فصيّرته بجريه عليها إلى أن درج الحصى هو بنفسه.

و يقال للطّريق الّذي يدرج فيه الغلام و الرّيح و غيرهما:مدرج،و مدرجة،و درج،و جمعه:أدراج، أي ممرّ و مذهب.

و يقال لما طويته:أدرجته إدراجا،لأنّه يطوى على وجهه.

و يقال:استدرجت المحاور المحال.

(الأزهريّ 10:643)

المبرّد: قوله:و استمررت أدراجي،أي فرجعت من حيث جئت.تقول العرب:رجع فلان أدراجه، و رجع في حافرته،و رجع عوده على بدنه.

(1:167)

و قوله:مدرجي،يقول:مروري.فأمّا قولهم في المثل:«خير من دبّ و من درج»فمعناه:من حيي و من مات،يريدون:من دبّ على وجه الأرض و من درج عنها فذهب.(1:270)

عن التّوّزيّ قال:كنت عند أبي عبيدة فجاءه رجل من أصحاب الأخفش فقال لنا:أ ليس هذا فلانا؟قلنا:

بلى،فلمّا انتهى إليه الرّجل قال:ليس هذا بعشّك فادرجي»،فقلنا:يا أبا عبيدة لمن يضرب هذا المثل؟ قال:لمن يرفع له بحبال أو يطرد.(الأزهريّ 10:644)

الزّجّاج: درج الرّجل،إذا مات،و درج في الطّريق،إذا سار فيه،و أدرج القرطاس أي لفّه.

(فعلت و أفعلت:15)

ابن دريد :الدّرج:الواحدة درجة،و هي المنزلة.

يقال:فلان في درجة عالية،أي في منزلة رفيعة.

و الدّرج:مصدر درجت الشّيء درجا،و أدرجته إدراجا،إذا طويته.

و درج الصّبيّ،إذا مشى.

ص: 135

و من أمثالهم:«أكذب من دبّ و درج»،و قد اختلفوا في تفسير هذا،فقال قوم:من دبّ على الأرض أي من مشى عليها،و من درج:مشى مشيا ضعيفا.

و قال آخرون:من دبّ على الأرض،أي من مشى عليها،و من درج،أي من مات و انقرض.

و الأدرجّة:الّتي تسمّيها العامّة درجة.و الدّرجة، في وزن«رطبة»أفصح من الدّرجة.

و فلان على درج كذا و كذا،أي على سبيله.

و النّاس درج المنيّة،أي على سبيلها،هكذا تكلّم به.

و الدّرج:سفيط صغير تجعل فيه المرأة طيبها و ما أشبهه.

و الدّرجة:خرق تلفّ و تدخل في حياء النّاقة تعالج بها،و هو أن تخدج النّاقة أو يموت ولدها،فتشدّ على أنفها عمامة و يغطّى رأسها،و تدخل الدّرجة في حيائها،فإذا كربها ذلك جاءوا بفصيل فطلوه بما يخرج على الدّرجة من صاءتها،ثمّ فتحوا أنفها،فتجد لذلك راحة و تشمّ الفصيل و قد أحسّت بما يخرج من حيائها، فترأم الفصيل و تدرّ عليه.

و مدرجة الطّريق:قارعته.

و مدارج الأكمة:الطّرق المعترضة فيها.

و ناقة مدراج،إذا تأخّرت عن وقت ولادها أيّاما؛ و الجمع:مدارج و مداريج.

و حومانة الدّرّاج:موضع.

و الدّرّاج:ضرب من الطّير أحسبه مولّدا.

و قد سمّت العرب:درّاجا.[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات](2:64)

القاليّ: المدارج:الثّنايا الغلاظ.(1:121)

الأزهريّ: و قال غيره[أبو الهيثم]:الإدراج:لفّ الشّيء في الشّيء.

و أدرجت المرأة صبيّها في معاوزها.و أدرج الميت في أكفانه.

و أدرجت الكتاب في الكتاب،إذا جعلته في درجه،أي في طيّه.

و أخبرني المنذريّ عن أبي طالب أنّه قال في قولهم:«أحسن من دبّ و درج»:فدبّ:مشى، و درج:مات.

قال:و درج في غير مثل هذا الموضع مثل دبّ.

و دوارج الدّابّة:قوائمها؛الواحدة:دارجة.

و من أمثالهم:«ليس ذا بعشّك فادرجي»،أي تحوّلي و امضي و اذهبي.

و يقال:«خلّ درج الضّبّ»و درجه:طريقه،أي لا تعرض له.

و يقال:استمرّ فلان درجه،و أدراجه،و رجع فلان درجه،أي رجع في طريقه الّذي جاء فيه.

و يقال:استدرجت النّاقة ولدها إذا استتبعته بعد ما تلقيه من بطنها.

و ناقة مدراج،إذا كانت تؤخّر جهازها،و هي ضدّ المسناف.

و قال أبو طالب:الإدراج:أن يضمر البعير فيضطرب بطانه حتّى يستأخر إلى الحقب،فيستأخر الحمل،و إنّما يسنف بالسّناف مخافة الإدراج.

و يقال:فلان درج يديك،و بنو فلان درج يديك،

ص: 136

أي لا يعصونك؛لا يثنّى و لا يجمع.

قال أبو سعيد:يقال:استدرجه كلامي،أي أقلقه حتّى تركه يدرج على الأرض.

و يقال للخرق الّتي تدرج إدراجا و تلفّ و تجمع ثمّ تدسّ في حياء النّاقة الّتي يريدون ظأرها على ولد ناقة أخرى،فإذا نزعت من حيائها حسبت أنّها ولدت ولدا فيدنى منها ولد النّاقة الأخرى فترأمه،يقال لتلك اللّفيفة:الدّرجة،و الجزم،و الوثيغة.

و الدّرّاجة:الّتي يدرج عليها الصّبيّ أوّل ما يمشي.

و الدّرج:درج المرأة تضع فيه طيبها و أداتها،و هو الحفش أيضا.

و المدارج:الثّنايا الغلاظ بين الجبال.

و يقال:درّجت العليل تدريجا،إذا أطعمته شيئا قليلا من الطّعام،ثمّ زدته عليه قليلا،و ذلك إذا نقه حتّى تدرّج إلى غاية أكله-كان قبل العلّة-درجة فدرجة.

[و حكى قول ابن السّكّيت في قولهم:«أكذب من دبّ و درج»و قال:]

قلت:و أصل هذا من درجت الثّوب،إذا طويته، كأنّهم لمّا ماتوا و لم يخلّفوا عقبا درجوا طريق النّسل و البقاء،أي طووه.(10:644)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الدّرجان:مشية الشّيخ و الصّبيّ،درج يدرج درجا.و في المثل:«أكذب من دبّ و درج».

و الدّرّاج:النّمّام يدرج بين القوم بالنّميمة.

و الدّرّاجة:ما يتعلّم عليه الصّبيّ المشي.

و يقال للقنفذ:درّاج؛و الأنثى:درّاجة.

و الدّرجة:من أجناس الحمّر.و قيل:هو على خلقة القطا،أسود باطن الجناحين؛و جمعها:درج.

و أرض مدرجة:كثيرة الدّرّاج.

و المدرجة:ممرّ النّاس و الأشياء على مسلك الطّريق و غيره.

و درج قرن بعد قرن،أي فنوا فأدرجوا إدراجا.

و ذهبت دماؤهم درج الرّياح،أي طلّت.

و خلّ درج الرّجل و أدراج القوم،أي سربهم و سبيلهم.

و رجع فلان درجه،أي طريقه الّذي مضى فيه.

و علم السّيل الدّرج،أي وجهه.

و درج الكتاب:معروف.

و الدّروج من الرّياح:الّتي كأنّ عليها ذيلا من الرّمل.

و الدّرّاج:موضع،في شعر زهير.

و الدّردجة:اللّطافة و التّحبّب،و دردج على أهله.و هي المطاوعة أيضا.و الرّئمان.

و بنو فلان درج يدك:أي لا يعصونك.

و قد درّجني هذا الأمر،أي عضّلت به و ضقت.

و درّجني الطّعام،أي كظّني.

و الدّرّج:هي الأمور الّتي تعجز.و الرّجل إذا كان مغموما قيل:إنّه لبدرجة.

و تركته يسوق الدّرجان الدّارج:يعني العدد الكثير من الإبل.

و أدرج بناقته،أي صرّ أخلافها جمع.

ص: 137

و الإدراج:المتح بالدّلو رفقا رفقا.

و أدرجت المطيّة:انطوى بطنها و ضمرت.

و المدراج:النّاقة الّتي تجرّ الحمل إلى أقصى يومها، و قال الخليل :هي الّتي لا تجاوز يومها.

و الدّارج من الرّجال:الدّارس الأثر في الحسب.

(7:40)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه أمر بإخراج المنافقين من المسجد،فقام أبو أيّوب الأنصاريّ.إلى رافع بن وديعة فلبّبه بردائه،ثمّ نتره نترا شديدا،و قال له:أدراجك يا منافق من مسجد رسول اللّه».

قوله:«أدراجك»أي خذ طريقك الّذي جئت منه،و لا يقال إذا أخذ في غير الوجه الّذي جاء منه.[ثمّ استشهد بشعر](1:458)

الجوهريّ: درج الرّجل و الضّبّ يدرج دروجا و درجانا،أي مشى.و درج،أي مضى لسبيله.

يقال:درج القوم،إذا انقرضوا.و الاندراج مثله.

و في المثل:«أكذب من دبّ و درج»،أي أكذب الأحياء و الأموات.

و درجت النّاقة و أدرجت،إذا جازت السّنة و لم تنتج،فهي مدراج،إذا كانت تلك عادتها.

و أدرجت الكتاب:طويته.

و درّجه إلى كذا و استدرجه،بمعنى،أي أدناه منه على التّدريج،فتدرّج هو.

و الدّروج:الرّيح السّريعة المرّ،يقال:ريح دروج، و قدح دروج.

و المدرجة:المذهب و المسلك.

و قولهم:خلّ درج الضّبّ،أي طريقه،لئلاّ يسلك بين قدميك فتنتفخ،و الجمع:الأدراج.و منه قولهم:

رجعت أدراجي،أي رجعت في الطّريق الّذي جئت منه.

و الدّرجة:المرقاة؛و الجمع:الدّرج.

و الدّرجة:واحدة الدّرجات،و هي الطّبقات من المراتب.

و الدّرجة،مثال الهمزة:لغة في الدّرجة،و هي المرقاة.

و الدّرجة أيضا:طائر أسود باطن الجناحين و ظاهرهما أغبر،على خلقة القطا إلاّ أنّها ألطف.

و الدّرج:الّذي يكتب فيه،و كذلك الدّرج بالتّحريك.يقال:أنفذته في درج الكتاب،أي في طيّه.

و ذهب دمه أدراج الرّياح،أي هدرا.

و الدّرج،بالضّمّ:حفش النّساء.و الدّرجة أيضا:

شيء يدرج فيدخل في حياء النّاقة ثمّ تشمّه فتظنّه ولدها فترأمه.

قال أبو زياد الكلابيّ: إذا أرادوا أن ترأم النّاقة ولد غيرها شدّوا أنفها و عينيها ثمّ حشوا حياءها مشاقا و خرقا،فيتركونها أيّاما،فيأخذها لذلك غمّ مثل المخاض،ثمّ يحلّون عنها الرّباط،فيخرج ذلك و هي ترى أنّه ولد،فإذا ألقته حلّوا عينيها،و قد هيّئوا لها حوارا فيدنونه إليها فتحسبه ولدها فترأمه.و يقال لذلك الشّيء الّذي يشدّ به عيناها:الغمامة،و الّذي يشدّ به أنفها:الصّقاع،و الّذي يحشى به:الدّرجة؛ و الجمع:الدّرج.

ص: 138

و الدّرّاج و الدّرّاجة:ضرب من الطّير،للذّكر و الأنثى،حتّى تقول:الحيقطان،فيختصّ بالذّكر.

و أرض مدرجة،أي ذات درّاج.

و الدّرّاجة،بالفتح:الحال،و هي الّتي يدرّج عليها الصّبيّ إذا مشى،حكاه أبو نصر.

و الدّرّاج:اسم موضع.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(1:313)

ابن فارس: الدّال و الرّاء و الجيم أصل واحد يدلّ على مضيّ الشّيء و المضيّ في الشّيء.من ذلك قولهم:درج الشّيء،إذا مضى لسبيله.و رجع فلان أدراجه،إذا رجع في الطّريق الّذي جاء منه.و درج الصّبيّ،إذا مشى مشيته.و مدارج الأكمة:الطّرق المعترضة فيها.

فأمّا الدّرج لبعض الأصونة و الآلات،فإن كان صحيحا فهو أصل آخر يدلّ على ستر و تغطية.من ذلك:أدرجت الكتاب،و أدرجت الحبل.

و من هذا الباب الثّاني:الدّرجة،و هي خرق تجعل في حياء النّاقة ثمّ تسلّ،فإذا شمّتها النّاقة حسبتها ولدها فعطفت عليه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(2:275)

الهرويّ: الاستدراج:الأخذ على غرّة.

و من كلامهم:رجع أدراجه،و عاد على أدراجه، أي عاد إلى المكان الّذي جاء منه،

و يقال:درج قرن بعد قرن،أي فنى.

و قال عبد اللّه ذو البجادين يخاطب ناقة رسول اللّه:«تعرّضي مدارجا و سومي».المدارج:الثّنايا الغلاظ؛واحدتها:مدرجة.

و في خطبة الحجّاج:«ليس هذا بعشّك فادرجي» أي امضي،يضرب مثلا للمطمئنّ في غير وقته،فيؤمر بالجدّ و الحفوف.(2:628)

الثّعالبيّ: الدّرج إلى فوق:كالدّرك إلى أسفل، و منه قيل:إنّ الجنّة درجات،و النّار دركات.(49)

ثمّ هو[الصّبيّ]إذا دبّ و نما:دارج.(110)

الدّرجان:مشية الصّبيّ الصّغير.(198)

الدّرج:حبل يوثق في طرف الحبل،ليكون هو الّذي يلي الماء فلا يعفن الرّشاء.(258)

ابن سيده: درج البناء،و درّجه،بالتّثقيل:مراتب بعضها فوق بعض؛واحدته:درجة،و درجّه،الأخيرة عن ثعلب.

و الدّرجة:المنزلة،و الجمع:درج.

و درج الشّيخ و الصّبيّ يدرج درجا،و درجانا و دريجا:مشيا مشيا ضعيفا و دبّا.و قوله:

*أمّ صبيّ قد حبا و دارج*

إنما أراد:أمّ صبيّ حاب و دارج.و جاز له ذلك، لأنّ«قد»تقرّب الماضي من الحال حتّى تلحقه بحكمه،أو تكاد،أ لا تراهم يقولون:«قد قامت الصّلاة» قبل حال قيامها.

و الدّرّاجة:العجلة الّتي يدبّان عليها.و هي أيضا:

الدّبّابة الّتي تتّخذ في الحرب،يدخل فيها الرّجال.

و الدّرّاج:القنفذ،لأنّه يدرج ليلته جميعا،صفة غالبة.

و الدّوارج:الأرجل.

ص: 139

و الأدراج:الطّرق.

و فلان على درج كذا،أي على سبيله.

و النّاس درج المنيّة:أي على سبيلها.

و درج السّيل،و مدرجه:منحدره و طريقه في معاطف الأودية.

و قالوا:هو درج السّيل،و إن شئت رفعت.

و مدارج الأكمة:طرق معترضة فيها.

و المدرجة:ممرّ الأشياء على الطّريق و غيره.

و مدرجة الطّريق:معظمه و سننه.

و هذا الأمر مدرجة لهذا،أي متوصّل به إليه.

و درجت الرّيح:تركت نمانم في الرّمل.

و ريح دروج:يدرج مؤخّرها حتّى يرى لها مثل ذيل الرّسن في الرّمل.

و اسم ذلك الموضع:الدّرج.

و درج الرّجل:مات،و في المثل:«أكذب من دبّ و درج»،أي أكذب الأحياء و الأموات.

و قيل:درج:مات و لم يخلّف نسلا،و ليس كلّ من مات درج.

و أدرجهم اللّه:أفناهم.

و درج الشّيء في الشّيء يدرجه درجا،و أدرجه:

طواه و أدخله.

و رجل مدراج:كثير الإدراج للثّياب.

و أدرج الكتاب في الكتاب:أدخله.

و درج الكتاب:طيّه و داخله.

و أدرج الميّت في الكفن و القبر:أدخله.

و الدّرجة:مشاقة و خرق و غير ذلك،تدخل في رحم النّاقة و دبرها،و تشدّ و تترك أيّاما مشدودة العينين و الأنف،فيأخذها لذلك غمّ مثل غمّ المخاض، ثمّ يحلّون الرّباط عنها،فيخرج ذلك عنها،و هي ترى أنّه ولدها؛و ذلك إذا أرادوا أن يرأموها على ولد غيرها.

و قيل:هي خرقة تدخل في حياء النّاقة،ثمّ يعصب أنفها حتّى يمسكوا نفسها،ثمّ تحلّ من أنفها و يخرجون الدّرجة فيلطّخون الولد بما يخرج على الخرقة،ثمّ يدنونه منها فتظنّه ولدها،فترأمه.

و الدّرجة أيضا:خرقة يوضع فيها دواء ثمّ تدخل في حياء النّاقة،و ذلك إذا اشتكت منه.

و الدّرج:سفيط صغير تدّخر فيه المرأة طيبها؛ و الجمع:أدراج،و درجة.

و أدرجت النّاقة،و هي مدرج:جاوزت الوقت الّذي ضربت فيه،فإن كان ذلك لها عادة فهي مدراج.

و قيل:المدراج:الّتي تزيد على السّنة أيّاما ثلاثة أو أربعة أو عشرة،ليس غير.

و المدرج،و المدراج:الّتي تدرج غرضها و تلحقه بحقبها.

و هم درج يدك،أي طوع يدك.

و أبو درّاج:طائر صغير.

و الدّرّاج:طائر شبه الحيقطان،و هو من طير العراق،أرقط-قال ابن دريد:أحسبه مولّدا-و هو الدّرجة،مثال رطبة،و الدّرّجة؛الأخيرة عن سيبويه.

و الدّرّيج:طنبور ذو أوتار يضرب به.

و الدّرّاج:موضع.

ص: 140

و درّج:اسم.و مدرج الرّيح:من شعرائهم:سمّي به لبيت ذكر فيه مدرج الرّيح.[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](7:318)

الدّرج و الدّرج:الكتاب الّذي يكتب فيه.

(الإفصاح 1:221)

الدّرجان:مشية الشّيخ و الصّبيّ،درج يدرج درجا و درجانا.

و الدّرّاجة:العجلة الّتي يدبّ عليها الصّبيّ إذا مشى.(الإفصاح 1:262)

الدّرجة:الطّبقة من المراتب؛الجمع:درجات.

درج يدرج:صعد في المراتب.(الإفصاح 1:318)

الدّرجة:واحدة الدّرج لما يرتقى فيه إلى السّطح.

و أصلها:المنزلة،و من ذلك درج البناء،لأنّها مراتب بعضها فوق بعض.(الإفصاح 1:562)

الرّاغب: الدّرجة نحو المنزلة،لكن يقال للمنزلة:درجة إذا اعتبرت بالصّعود دون الامتداد على البسيط،كدرجة السّطح و السّلّم،و يعبّر بها عن المنزلة الرّفيعة.قال تعالى: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228،تنبيها لرفعة منزلة الرّجال عليهنّ في العقل و السّياسة،و نحو ذلك من المشار إليه بقوله:

اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ...، النّساء:34، و قال: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، الأنفال:4،و قال:

هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ آل عمران:163،أي هم ذوو درجات عند اللّه،و درجات النّجوم تشبيها بما تقدّم.

و يقال لقارعة الطّريق:مدرجة.

و يقال:فلان يتدرّج في كذا،أي يتصعّد فيه درجة درجة.

و درج الشّيخ و الصّبيّ درجانا:مشى مشية الصّاعد في درجه.

و الدّرج:طيّ الكتاب و الثّوب،و يقال للمطويّ:

درج.

و استعير الدّرج للموت،كما استعير الطّيّ له في قولهم:«طوته المنيّة»،و قولهم:«من دبّ و درج»، أي من كان حيّا فمشى،و من مات فطوى أحواله.

و قوله: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:182،قيل:معناه:سنطويهم طيّ الكتاب، عبارة عن إغفالهم نحو: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا الكهف:28.

و الدّرج:سفط يجعل فيه الشّيء.

و الدّرجة:خرقة تلفّ فتدخل في حياء النّاقة.

و قيل: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ معناه:نأخذهم درجة فدرجة؛و ذلك إدناؤهم من الشّيء شيئا فشيئا، كالمراقي و المنازل في ارتقائها و نزولها.

و الدّرّاج:طائر يدرج في مشيته.(167)

الزّمخشريّ: درج قرن بعد قرن.

و هذه آثار قوم درجوا:انقرضوا.و درج فلان:

مات و ما ترك نسلا.

و درج الشّيخ و الصّبيّ درجانا،و هو مشيهما.

و فلان درّاج:يدرج بين القوم بالنّمائم.

و رقي في الدّرجة و الدّرج.

و أدرج الكتاب:طواه.

و أدرج الكتيّب في الكتاب:جعله في درجه،أي

ص: 141

في طيّه و ثنيه.

و أدرجت المرأة صبيّها في معاوزها.

و استدرجه:رقّاه من درجة.إلى درجة، و قيل:استدعى هلكته من درج إذا مات.

و اتّخذوا داره مدرجة و مدرجا:ممرّا.

و من المجاز:لفلان درجة رفيعة.

و امش في مدارج الحقّ.

و عليك بالنّحو فإنّه مدرجة البيان.

و«خلّه درج الضّبّ».

و استمرّ أدراجه.

و«ذهب دمه أدراج الرّياح»و درج الرّياح.

و هم درج السّيول.

و يقال:«قد علم السّيل الدّرج»،و«من يردّ الفرات عن أدراجه».

و أنا درج يديك،و نحن درج يديك لا نعصيك.

و درّجه إلى هذا الأمر:عوّده إيّاه،كأنّما رقاه من منزلة إلى منزلة،و تدرّج إليه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:128)

كعب رحمه اللّه قال له عمر:«لأيّ ابني آدم كان النّسل؟ فقال:ليس لواحد منهما نسل،أمّا المقتول فدرج».

درج:مات و ذهب.(الفائق 1:423)

ابن الأثير: و في حديث عبد اللّه ذو البجادين يخاطب ناقة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«تعرّضي مدارجا و سومي».

المدارج:الثّنايا الغلاظ،واحدتها:مدرجة.و هي المواضع الّتي يدرج فيها،أي يمشى.

و في حديث عائشة:«كنّ يبعثن بالدّرجة فيها الكرسف»،هكذا يروى بكسر الدّال و فتح الرّاء، جمع:درج،و هو كالسّقط الصّغير،تضع فيه المرأة خفّ متاعها و طيبها.

و قيل:إنّما هو بالدّرجة تأنيث درج.و قيل:إنّما هي الدّرجة بالضّمّ،و جمعها:الدّرج.و أصله شيء يدرج،أي يلفّ،فيدخل في حياء النّاقة،ثمّ يخرج و يترك على حوار فتشمّه،فتظنّه ولدها فتر أمه.

(2:111)

الصّغانيّ: درجت الشّيء درجا،و درّجته تدريجا:إذا طويته،مثل:أدرجته إدراجا.

و دوارج الدّابّة:قوائمها،الواحدة:دارجة.

فالإدراج:أن يضمر البعير فيضطرب بطانه حتّى يستأخر إلى الحقب فيستأخر الحمل،و إنّما يسنف بالسّناف مخافة الإدراج.

و أدرجت الدّلو:إذا متحت بها في رفق.

و يسمّى الدّال و الجيم الإجارة. (1)

و الرّيح إذا عصفت استدرجت الحصى،أي صيّرته إلى أن يدرج على وجه الأرض من غير أن ترفعه إلى الهواء،فيقال:درجت بالحصى و استدرجت الحصى.أمّا درجت به:فجرت عليه جريا شديدا درجت في سيرها.و أمّا استدرجته:فصيّرته يجري عليها إلى أن درج الحصى هو بنفسه.

و استدراج اللّه تعالى عباده:أنّهم كلّما جدّدوا خطيئة جدّد لهم نعمة،و أنساهم الاستغفار.و قيل:هوح.

ص: 142


1- في التّهذيب و اللّسان:الإجازة،و كلاهما صحيح.

أن يأخذهم قليلا قليلا و لا يباغتهم.

يقال:امتنع فلان من كذا و كذا حتّى أتاه فلان فاستدرجه،أي خدعه حتّى حمله على أن درج في ذلك.

و يقال:استدرجت المحاور المحال،أي صيّرته إلى أن يدرج.

و حومانة الدّرّاج،بالضّمّ:لغة في الدّرّاج بالفتح.

و قد سمّت العرب:درّاجا بالفتح.فأمّا أبو درّاج عليّ بن محمّد:من المحدّثين،فهو بالضّمّ.

و درج مثال تعب،أي مات:لغة في درج.

و درج،أيضا:صعد في المراتب.

و درج،إذا لزم المحجّة من الدّين أو الكلام.

و المدرّج:بين ذات عرق و عرفات،بتشديد الرّاء المفتوحة.

و قد درّجني هذا الأمر،أي عضّلت به و ضقت.

و درّجني الطّعام،أي كظّني.

و الدّرّج،هي الأمور الّتي تعجز.

و الرّجل إذا كان مغموما قيل:إنّه لبدرجة.

و درب درّاج:من محالّ الموصل.

و الدّرج:السّفير بين الاثنين للصّلح.

و درج:دام على أكل الدّرّاج.

و الدّرجة،بالضّمّ،و الدّرجّة،بضمّ الدّال و فتح الرّاء و تشديد الجيم:لغتان في الدّرجة.و الدّرجة،عن الفرّاء.(1:428)

الفيّوميّ: درج الصّبيّ دروجا من باب«قعد»:

مشى قليلا في أوّل ما يمشي،و منه قيل:درجت الإقامة،إذا أرسلتها درجا،من باب«قتل»لغة في أدرجتها بالألف.

و المدرج بفتح الميم و الرّاء:الطّريق،و بعضهم يزيد المعترض أو المنعطف،و الجمع:المدارج.

و درج:مات،و في المثل:«أكذب من دبّ و درج».

و درّجته إلى الأمر تدريجا فتدرّج.و استدرجته:

أخذته قليلا قليلا.

و أدرجت الثّوب و الكتاب-بالألف-:طويته.

و الدّرج:المراقي؛الواحدة:درجة،مثل:قصب و قصبة.(1:191)

الجرجانيّ: الاستدراج:أن يجعل اللّه تعالى العبد مقبول الحاجة وقتا فوقتا إلى أقصى عمره للابتدال بالبلاء و العذاب،و قيل:الإهانة بالنّظر إلى المآل.

الاستدراج:هو أن تكون بعيدا من رحمة اللّه تعالى،و قريبا إلى العقاب تدريجا.

الاستدراج:الدّنوّ إلى عذاب اللّه بالإمهال قليلا قليلا.

الاستدراج:هو أن يرفعه الشّيطان درجة إلى مكان عال،ثمّ يسقط من ذلك المكان حتّى يهلك هلاكا.

الاستدراج:هو أن يقرّب اللّه العبد إلى العذاب و الشّدّة و البلاء في يوم الحساب،كما حكي عن فرعون لمّا سأل اللّه تعالى قبل حاجته للابتلاء بالعذاب و البلاء في الآخرة.(8)

الفيروزآباديّ: درج دروجا و درجانا:مشى،

ص: 143

و القوم:انقرضوا،كاندرجوا،و فلان:لم يخلّف نسلا، أو مضى لسبيله،كدرج،كسمع،و النّاقة:جازت السّنة و لم تنتج،كأدرجت،و طوى،كدرّج و أدرج.

و كسمع:صعد في المراتب،و لزم المحجّة من الدّين أو الكلام.

و الدّرّاج،كشدّاد:النّمّام،و القنفذ،و موضع، و كرمّان:طائر،و درج،كسمع:دام على أكله.

و الدّروج:الرّيح السّريعة المرّ.

و المدرج:المسلك.

و الدّرج،بالضّمّ:حفش النّساء؛الواحدة بهاء، جمعه:كعنبة و أتراس،و بالفتح:الّذي يكتب فيه، و يحرّك،و بالتّحريك:الطّريق.

و رجع أدراجه،و يكسر،أي في الطّريق الّذي جاء منه.

و ذهب دمه أدراج الرّياح،أي هدرا.

و دوارج الدّابّة:قوائمها.

و الدّرجة،بالضّمّ:شيء يدرج فيدخل في حياء النّاقة و دبرها،و تترك أيّاما مشدودة العين و الأنف، فيأخذها لذلك غمّ كغمّ المخاض،ثمّ يحلّون الرّباط عنها،فيخرج ذلك منها،و يلطخ به ولد غيرها،فتظنّ أنّه ولدها فترأمه.

أو خرقة يوضع فيها دواء،فيدخل في حيائها إذا اشتكت منه؛جمعه:كصرد.

و في الحديث:«يبعثن بالدّرجة»:شبّهوا الخرق تحتشي بها الحائض،محشوّة بالكرسف،بدرجة النّاقة.و روي:بالدّرجة،كعنبة،و تقدّم،و ضبطه الباجيّ بالتّحريك،و كأنّه وهم.

و الدّرّاجة،كجبّانة:الحال الّتي يدرج عليها الصّبيّ إذا مشى،و الدّبّابة تعمل لحرب الحصار، تدخل تحتها الرّجال.

و الدّرجة،بالضّمّ،و بالتّحريك،و كهمزة و تشدّد جيم هذه،و الأدرجّة،كأسكفّة:المرقاة.

و كسكّر:الأمور العظيمة الشّاقّة.

و كسكّين:شيء كالطّنبور يضرب به.

و درّجني الطّعام و الأمر تدريجا:ضقت به ذرعا.

و استدرجه:خدعه و أدناه،كدرّجه،و أقلقه حتّى تركه يدرج على الأرض،و النّاقة:استتبعت ولدها بعد ما ألقته من بطنها.

و استدراج اللّه تعالى العبد:أنّه كلّما جدّد خطيئة جدّد له نعمة،و أنساه الاستغفار،أو أن يأخذه قليلا قليلا،و لا يباغته.

و أدرج الدّلو:متح بها في رفق،و بالنّاقة:صرّ أخلافها.

و كهمزة:طائر.

و حومانة الدّرّاج،و قد تفتح:موضع.

و كمعظّم:موضع بين ذات عرق و عرفات.

و الدّرّج،كقبّر:الأمور الّتي تعجز.

و كجبل:السّفير بين اثنين للصّلح.

و الدّرجات،محرّكة:الطّبقات من المراتب.

و درجت الرّيح بالحصى،أي جرت عليه جريا شديدا،و استدرجته:جعلته كأنّه يدرج بنفسه.

و تراب دارج:تغشّيه الرّياح رسوم الدّيار،

ص: 144

و تثيره،و تدرج به.(1:194)

[نحو الرّاغب و أضاف:]

و درجات النّجوم:تشبيها بما تقدّم،و هي ثلاثمائة و ستّون درجة،لأنّهم قسّموا الفلك ثلاثمائة و ستّين قسما،و وزّعوه على اثني عشر برجا،كلّ برج ثلاثون درجة،كلّ درجة ستّون دقيقة،كلّ دقيقة ستّون ثانية، كلّ ثانية ستّون ثالثة،و هكذا إلى العاشرة،و لا يجيء في الحساب أكثر من هذا.

و الفعل من هذه المادّة:درج يدرج دروجا فهو دارج أي صعد.

و الإدراج:لفّ شيء في شيء.يقال:أدرج فلان في أكفانه.(بصائر ذوي التّمييز 2:592)

الطّريحيّ: ...و فيه[في الحديث]:«أدرجنا إدراج المكرمين»،أي ارفعنا درجة درجة كما تفعل بالمكرمين عندك.

و فيه:«و هو في درجتي في الجنّة»أي في جواري.

و درج الصّبيّ دروجا،من باب«قعد»:مشى قليلا في أوّل ما يمشي.

و أدرجت الكتاب و الثّوب:لففته و طويته.و منه:

«الكتاب المدرّج».

و في حديث الميّت«يدرج في ثلاثة أثواب»أي يلفّ فيها.

و في حديث الصّلاة:«أدرج صلاتك إدراجا.

قلت:و أيّ شيء الإدراج؟قال:ثلاث تسبيحات في الرّكوع و السّجود».

و في حديث صلاة اللّيل:«و أدرجها»،و فسّر الإدراج بأن يقرأ الحمد وحدها في كلّ ركعة.

و في الحديث:«إيّاكم و التّعريس في بطون الأودية،فإنّها مدارج السّباع تأوي إليها»هي جمع مدرج بفتح الميم و الرّاء:الطّريق.

و درجت الإقامة درجا من باب«قتل»إذا أرسلتها،لغة في«أدرجتها»بالألف.

و الدّرّاج أو الدّرّاجة،بالضّمّ و التّشديد:ضرب من الطّير للذّكر و الأنثى،و هو طائر مبارك كثير النّتاج،و هو القائل:«بالشّكر تدوم النّعم».

و الجاحظ جعله من أقسام الحمام،لأنّه يجمع فراخه تحت جناحيه كما يجمع الحمام،و من شأنه أن لا يجعل بيضه في مكان واحد بل ينقله لئلاّ يعرف أحد مكانه.

و الدّرّاج:القنفذ صفة غالبة عليه،لأنّه يدرج ليله كلّه.(2:299)

العدنانيّ: الدّرج و الدّرك

و يخطّئون من يسمّي ما ينحدر فيه:درجا، و يقولون:يجب أن يسمّى دركا أو دركا،لأنّ «الدّرج»هو ما يرتقى فيه.و يعتمدون على:

1-الآية:83،من سورة الأنعام: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.

و قد جاءت الدّرجات للارتفاع و الارتقاء أربع عشرة مرّة في القرآن الكريم.

2-و على الآية:145،من سورة النّساء: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً.

ص: 145

3-و على الحديث الشّريف:«إنّ الجنّة درجات و النّار دركات».

و لكنّ الزّمخشريّ يرى في«الأساس»أنّ الدّرك هو:القعر.

و يرى الآلوسيّ في«كشف الطّرّة»أنّ ما ينحدر فيه يرتقى فيه أيضا.

و أرى أنا:أنّ الّذي ترفعه أعماله في الدّنيا درجات في الجنّة،يظلّ في المكانة السّامية الّتي ارتقى إليها.و الّذي ينحدر إلى إحدى دركات جهنّم،يستقرّ فيها،و لا أمل له في الارتقاء إلى مكانة،يكون فيها العذاب أقلّ من الدّركة الّتي كان فيها.لذا قل:ارتقيت في الدّرج و انحدرت فيه.

مدرج المطار

و يقولون:هبطت الطّائرة على مدرّج المطار.

و الصّواب:هبطت على مدرج المطار،لأنّ معنى درج:

مشى.و يصاغ اسم المكان منه على وزن«مفعل»، لأنّ مضارع«درج»مضموم العين.

أمّا كلمة مدرّج،فتعني كلّ ردهة،أو مكان صفّت فيه المقاعد في شكل درجات،و أمامه منبر للخطابة، أو ملعب،أو ممثّل،أو ستار أبيض للخيالة«السّينما:

وضعها مجمع دار العلوم في الجدول رقم 19».

و تعني كلمة مدرّج أيضا:كلّ بناء واسع في شكل نصف دائرة،مرتفع الجدران،و فيه مقاعد مدرّجة، أمامها فسحة تستعمل للألعاب.و يعرّف في الغرب ب«الأمفيتياتر»أو«السّتاد».

(معجم الأخطاء الشّائعة:88)

مجمع اللّغة:الدّرجة:المرقاة من مراقي السّلّم، و السّلّم يكون من درجات.و يقال الدّرجة للمنزلة من منازل الرّفعة.

و النّاس درجات،أي ذوو درجات في الشّرف.

استدرجه يستدرجه استدراجا:استفعال من الدّرجة،بمعنى الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة.و يستعمل في المكر و الخديعة و الإملاء قليلا إلى ما يهلك.

و استدراج اللّه لعبده:أن يوليه من النّعم أو يملي له في المؤاخذة فتلهيه النّعمة،أو يتمادى في غيّه، و يأخذه اللّه بالهلاك و هو في غفلة.(1:387)

محمّد إسماعيل إبراهيم:درج:مشى مشية الصّاعد في الدّرج،و درّجه إلى كذا:أدناه منه بالتّدريج.

و استدرجه:قرّبه إليه أو جذبه.و الاستدراج:

الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة من سفل إلى علو أو بالعكس.

و الدّرجة:المرتبة و المنزلة و الطّبقة؛و الجمع:

درجات،و عكسها:الدّركة،و هي المنزلة السّفلى؛ و الجمع:دركات.(1:184)

محمود شيت:الدّرجة:الرّتبة.يقال:شملته التّرقية من درجة إلى درجة:من رتبة إلى رتبة.و يقال:فلان نائب ضابط من الدّرجة الرّابعة:رتب في الجيش معيّنة.

الدّرّاجة:مركبة من حديد ذات عجلتين،تسير بتحريك القدمين.يقال:درّاجة المعتمد:درّاجة

ص: 146

المسئول عن إيراد البريد و استلامه،من دائرة البريد و توزيعه على أصحابه.

و الدّرّاجة البخاريّة:الدّرّاجة الّتي تسير بالوقود؛الجمع:الدّرّاجات البخاريّة.و في الصّنوف المدرّعة درّاجات بخاريّة،كما في الانضباط العسكريّ درّاجات بخاريّة.(1:239)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحركة المخصوصة،أي مع دقّة و احتياط و بالتّدريج شيئا فشيئا،و يلاحظ في مفهومها التّرقّي مكانا أو عملا أو معنى.

فمن مصاديق هذا الأصل:دروج الصّبيّ و الشّيخ في دبّهم و أخذهم في الحركة،و مشيهم مشيا ضعيفا.

و درج الثّوب و طيّه:فإنّه حركة تدريجيّة حتّى يتمّ و يصل إلى آخره.

و درج القوم و انقراض آحادهم بالتّدريج،أو موت الرّجل و مضيّه بالتّدريج حتّى ينقطع نسله،فهو دارج،أي لم يبق له خلف،و لا يطلق في الموت المطلق.

و درج الرّجل فيما إذا مضى لسبيله و تمّ له التّردّد و التّوقّف.

و الدّرجة و الدّرج:مرتبة من مراتب الحركة و الصّعود.

و الفرق بين الدّرجة و المرتبة و المنزلة و المقام:أنّ كلاّ منها باعتبار جهة مأخوذة في مادّته؛فالمقام بلحاظ الإقامة فيها،و المنزلة باعتبار النّزول فيها،و المرتبة بلحاظ التّرتّب في المراتب،و الدّرجة باعتبار الصّعود التّدريجيّ،فلازم أن يلاحظ كلّ من هذه الحيثيّات في هذه الموادّ.

فلا يستعمل لفظ«الدّرجة»إلاّ في موارد تحقّق الحركة الصّعوديّة التّدريجيّة: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228، فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً النّساء:

95، وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا الأنعام:132، يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ المجادلة:11،أي فلهم استعداد الرّفع و الصّعود بالتّدريج،في نتيجة تلك الأعمال و الحركات المتحقّقة الصّادرة منهم،فاقتضاء التّرفّع و موقعيّة تحقّق الفضل و حصول الدّرجة موجود فيهم.

و هذه الخصوصيّة هي المقتضية بالتّعبير بهذه المادّة،دون المرتبة و المنزلة و المقام و أمثالها؛إذ حصول الدّرجة للرّجال و المجاهدين و العاملين و المؤمنين و العالمين،ليس بمقتضى ذوات وجودهم، بل بسبب حركاتهم و أعمالهم الملحقة،فتحصل الفضيلة بالتّدريج ما داموا عاملين بوظائفهم المقرّرة بحسب استعداداتهم.

و يدلّ على هذا الأصل:استعمالها مع كلمات متناسبة لها،كما في: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ الأنعام:

83، وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ الأنعام:

165، يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ المجادلة:11،فإنّ الرّفع يناسب مفهوم الدّرجة لا المقام و المرتبة و المنزلة و أمثالها.

ثمّ إنّ التّرفيع و الإصعاد:تهيئة مقدّماته،و التّوفيق

ص: 147

و التّأييد و رفع الموانع و الحول و القوّة و الإنتاج كلّها من اللّه المتعال،و ليس للعبد إلاّ اختيار ما يكون مطلوبا عنده و انتخاب ما يشاء،و إذا كان انتخابه مرضيّا عند اللّه المتعال و هو يتوجّه إليه و يستعين منه، فاللّه يوفّقه و يؤيّده،ثمّ يرفع له درجات.

و لا يخفى أنّ الدّرجات كانت عبارة عن قطعات من الحركات الصّعوديّة،و لمّا كان تحقّق الحركة و فعليّتها في الخارج و الحقيقة إنّما تقوم بالأشخاص، فيكون مصداق الدّرجات في الحقيقة هو الأفراد، بلحاظ كونهم متحرّكين و ذوو درجات،فالدّرجات الحقيقيّة هي وجودهم باختلاف مراتبهم الرّوحانيّة و مقاماتهم النّفسانيّة المتحقّقة،و تنتزع منها الدّرجات المفهوميّة.

و على هذه الحقيقة نزلت: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ آل عمران:162،163،أي كلّ واحد من المتّبعين و البائين في صفّ واحد مترتّب،و أنّهم مراتب خارجيّة،و درجات مختلفة تكوينيّة.

ثمّ إنّ الدّرجات الخارجيّة المتحقّقة إنّما تتقوّم بالتّكوين ثمّ بالعمل،و تميّزها و تشخّص كلّ منها تحقيقا إنّما هو عند اللّه المتعال،و هو بصير بها.

رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ المؤمن:15،إنّ وجوده فوق المراتب الوجوديّة،و أنّه درجة فوق الدّرجات،بل إنّه تعالى رفيع للدّرجات و فوقها.و هذا المعنى يقرب من قوله تعالى: اَللّهُ الصَّمَدُ التّوحيد:2،فإنّه المقصود يقصده جميع الموجودات نيّة و عملا و حركة و سيرا،فهو فوق الحركة و السّير.

و يؤيّد ما قلناه جملة: ذُو الْعَرْشِ فإنّ العرش عبارة عن قاطبة مراتب الإمكان من السّماوات و الأرض و ما بينهما.

فالمضاف غير داخل في المضاف إليه ظاهرا، و داخل باعتبار أنّ الدّرجة بمعنى الوجود،و الوجود الحقّ الأصيل هو اللّه المتعال.

سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:

182،أي نطلب و نريد درجهم و حركتهم الصّعوديّة في مصيرهم،حتّى يتمّ الاحتجاج عليهم و يكمل خسرانهم،و هذا أشدّ عذاب و أكبر جزاء عليهم،في قبال تكذيبهم الحقّ.

و أمّا اختصاص التّعبير بمادّة الرّفع رَفِيعُ الدَّرَجاتِ بمناسبة استعمالها متعلّقة بالدّرجات في الآيات السّابقة كما في: وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ الأنعام:165.

و لا يخفى أنّ تعلّق الرّفع بالدّرجة في الآيات يفيد الرّفع النّبيّ، (1)بخلاف إضافة الرّفيع-و هو الصّفة الدّالّة على الثّبوت-إلى الجمع المحلّى باللاّم،فإنّها تفيد الرّفعة في مقابل قاطبة الدّرجات الممكنة الموجودة،و تدلّ على أنّ رفعتها ذاتيّة ثابتة،كالوجود الثّابت الذّاتي بذاته و لذاته،و المفيض لغيره نَرْفَعُه.

ص: 148


1- كذا،و الظّاهر رفع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

دَرَجاتٍ الأنعام:83.(3:191)

النّصوص التّفسيريّة

سنستدرجهم

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. الأعراف:182

ابن عبّاس: سنأخذهم بالعذاب(142)

الضّحّاك: كلّما جدّدوا لنا معصية جدّدنا لهم نعمة.

(الثّعلبيّ 4:312)

الإمام الباقر عليه السّلام:تجديد النّعم عند المعاصي.

(القمّيّ 1:249)

عطاء:سنمكر بهم من حيث لا يعلمون.

(البغويّ 2:255)

السّدّيّ: سنأخذهم من حيث لا يعلمون،و هو عذاب يوم بدر.(275)

الكلبيّ: نزيّن لهم أعمالهم فنهلكهم.

(الثّعلبيّ 4:312)

الخليل: سنطوي و إنّ أعمارهم في اغترار منهم.

(الثّعلبيّ 4:312)

أبو عبيدة :الاستدراج:أن تأتيه من حيث لا يعلم و من حيث تلطف له حتّى تغترّه.(1:233)

نحوه المؤرّج(الثّعلبيّ 4:312)،و اليزيديّ(ابن الجوزيّ 3:295).

ابن قتيبة :الاستدراج:أن يدنيهم من بأسه قليلا قليلا من حيث لا يعلمون،و لا يباغتهم و لا يجاهرهم.و منه يقال:درجت فلانا إلى كذا و كذا،و استدرج فلانا حتّى تعرف ما عنده و ما صنع.

يراد لا تجاهره و لا تهجم عليه بالسّؤال،و لكن استخرج ما عنده قليلا قليلا.

و أصل هذا من الدّرجة؛و ذلك أنّ الرّاقي فيها النّازل منها ينزل مرقاة مرقاة،فاستعير هذا منها.

(تأويل مشكل القرآن:166)

الجبّائيّ: سنستدرجهم إلى العقوبات حتّى يقعوا فيها من حيث لا يعلمون،استدراجا لهم إلى ذلك.

فيجوز أن يكون هذا العذاب في الدّنيا كالقتل،و يجوز أن يكون عذاب الآخرة.(أبو حيّان 4:431)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و الّذين كذّبوا بأدلّتنا و أعلامنا فجحدوها و لم يتذكّروا بها سنمهله بغرّته و نزيّن له سوء عمله حتّى يحسب أنّه فيما هو عليه من تكذيبه بآيات اللّه إلى نفسه محسن و حتّى يبلغ الغاية الّتي كتبت له من المهل ثمّ يأخذه بأعماله السّيّئة فيجازيه بها من العقوبة ما قد أعدّ له،و ذلك استدراج اللّه إيّاه.

و أصل الاستدراج:اغترار المستدرج بلطف من استدرجه؛حيث يرى المستدرج أنّ المستدرج إليه محسن،حتّى يورّطه مكروها.(6:134)

السّجستانيّ: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ: سنأخذهم قليلا قليلا و لا نباغتهم،كما يرتقي الرّاقي في الدّرجة، فيتدرّج شيئا بعد شيء حتّى يصل إلى العلوّ.و في التّفسير:كلّما جدّدوا خطيئة جدّدنا لهم نعمة، و أنسيناهم الاستغفار.(72)

ص: 149

النّحّاس:يقال:استدرج فلان فلانا،إذا أتى بأمر يريد ليلقيه في هلكة.و لا يكون الاستدراج إلاّ حالا بعد حال،و منه:فلان يدرج فلانا،و منه:أدرجت الثّوب.(3:109)

الأزهريّ: سنأخذهم من حيث لا يحتسبون و ذلك أنّ اللّه جلّ و عزّ يفتح عليهم من النّعيم ما يغتبطون به،فيركنون إليه،و يأنسون به و لا يذكرون الموت،فيأخذهم على غرّتهم أغفل ما كانوا.

(10:647)

الثّعلبيّ: قال أهل المعانيّ:الاستدراج أن ندرج إلى الشّيء في خفيّة قليلا قليلا،و لا يباغت و لا يجاهر، يقال:استدرج فلانا حتّى تعرف ما صنع،أي لا يجاهر و لا يهجم عليه.قال:و لكن استخرج ما عنده قليلا قليلا.و أصله من«الدّرج»،و ذلك أنّ الرّاقي و النّازل يرقي و ينزل مرقاة مرقاة،فاستعير هذا عنه.

و منه الكتاب إذا طوي شيئا بعد شيء.و درج القوم، إذا مات بعضهم في دار بعض،و درج الصّبيّ،إذا قارب من خطاه في المشي.(4:312)

نحوه البغويّ.(2:255)

الماورديّ: الاستدراج:أن تنطوي على حالة منزلة بعد منزلة.

و في اشتقاقه قولان:

أحدهما:أنّه مشتقّ من الدّرج،لانطوائه على شيء بعد شيء.

و الثّاني:أنّه مشتقّ من الدّرجة،لانحطاطه من منزلة بعد منزلة.

و في المشار إليه باستدراجهم قولان:

أحدهما:استدراجهم إلى الهلكة.

و الثّاني:الكفر.(2:283)

الطّوسيّ: أمّا من قال من المجبّرة:إنّ معنى الآية أنّ اللّه يستدرجهم إلى الكفر و الضّلال،فباطل،لأنّ اللّه تعالى لا يفعل ذلك،لأنّه قبيح ينافي الحكمة.ثمّ إنّ الآية بخلاف ذلك،لأنّه بيّن أنّ هؤلاء الّذين يستدرجهم كفّار باللّه و رسوله و بآياته،و أنّه سيستدرجهم في المستقبل،لأنّ«السّين»لا تدخل إلاّ على المستقبل،فلا معنى لقوله:إنّ الّذين كفروا سنستدرجهم إلى الكفر،لأنّهم كفّار قبل ذلك، و لا يجب في الكافر أن يبقى حتّى يواقع كفرا آخر،لأنّه يجوز أن يميته اللّه تعالى،فبان بذلك أنّ المراد أنّه سيستدرجهم إلى العذاب و العقوبات،من حيث لا يعلمون في مستقبل أمرهم،بقوا أ و لم يبقوا.

على أنّ الاستدراج عقوبة من اللّه،و اللّه لا يعاقب أحدا على فعل نفسه،كما لا يعاقبهم على طولهم أو قصرهم.

و يحتمل أن يكون معنى الآية:إنّا نعاقبهم على استدراجهم للنّاس،و إغوائهم إيّاهم،و نعاقبهم على كيدهم.فجعل العقوبة على الاستدراج استدراجا، و العقوبة على الكيد كيدا،كما قال: سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ التّوبة:79،و قال: اَللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ البقرة :15،و قال: يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ النّساء:

142،و قال: وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ آل عمران:54، و ما أشبه ذلك.

ص: 150

و يحتمل أن يكون المراد:إنّي سأفعل بهم ما يدرجون في الفسوق و الضّلال عنده،و يكون ذلك إخبار عن بقائهم على الكفر عند إملائه لهم،فسمّى ذلك استدراجا،لأنّهم عند البقاء كفروا و ازدادوا كفرا و معصية.و إن كان اللّه لم يرد منهم ذلك،و لا بعثهم عليه،كما قال: أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ فاطر:37،كما يقول القائل:أبطر فلان فلانا بإنعامه عليه.و لقد أبطرته النّعمة و أكفرته السّلامة، و إن كان المنعم لا يريد ذلك،بل أراد أن يشكره عليها.

(5:48)

القشيريّ: الاستدراج:أن يلقى في أوهامهم أنّهم من أهل الوصلة،و في الحقيقة:السّابق لهم من القسمة حقائق الفرقة.

و يقال:الاستدراج:انتشار الصّيت بالخير في الخلق،و الانطواء على الشّرّ في السّرّ مع الحقّ.

و يقال:الاستدراج:ألاّ يزداد في المستقبل صحبة إلاّ ازداد في الاستحقاق نقصان رتبة.

و يقال:الاستدراج:الرّجوع من توهّم صفاء الحال إلى ركوب قبيح الأعمال،و لو كان صادقا في حاله لكان معصوما في أعماله.

و يقال:الاستدراج:دعاوي عريضة صدرت عن معان مريضة.(2:287)

الزّمخشريّ: الاستدراج:استفعال من الدّرجة، بمعنى الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه:درج الصّبيّ،إذا قارب بين خطاه،و أدرج الكتاب:طواه شيئا بعد شيء.و درج القوم:مات بعضهم في أثر بعض.و معنى(سنستدرجهم:) سنستدنيهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم و يضاعف عقابهم. مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ما يراد بهم؛و ذلك أن يواتر اللّه نعمه عليهم مع انهماكهم في الغيّ،فكلّما جدّد عليهم نعمة ازدادوا بطرا و جدّدوا معصية،فيتدرّجون في المعاصي بسبب ترادف النّعم،ظانّين أنّ مواترة النّعم أثرة من اللّه و تقريب،و إنّما هي خذلان منه و تبعيد، فهو استدراج اللّه تعالى،نعوذ باللّه منه.(2:133)

نحوه الفخر الرّازيّ(15:73)،و البيضاويّ ملخّصا(1:379)،و النّسفيّ(2:87)،و النّيسابوريّ (9:92)،و الشّربينيّ(1:541)،و الكاشانيّ(2:

256).

ابن عطيّة: معناه:سنسوقهم شيئا بعد شيء و درجة بعد درجة بالنّعم عليهم،و الإمهال لهم حتّى يغترّوا و يظنّوا أنّهم لا ينالهم عقاب.(2:482)

الطّبرسيّ: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ إلى الهلكة حتّى يقعوا فيه بغتة،كما قال سبحانه: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها الأنبياء:

40،و قال: فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ* فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ الشّعراء:202،203.

و قيل:يجوز أن يريد عذاب الآخرة،أي نقرّبهم إليه درجة درجة إلى أن يقعوا فيه.

و قيل:هو من المدرجة،و هي الطّريق،و درج:إذا مشى سريعا،أي سنأخذهم من حيث لا يعلمون أيّ طريق سلكوا،فإنّ الطّريق كلّها عليّ،و مرجع الجميع

ص: 151

إليّ،و لا يغلبني غالب،و لا يسبقني سابق،و لا يفوتني هارب.

و قيل:إنّه من الدّرج،أي:سنطويهم في الهلاك، و نرفعهم عن وجه الأرض.يقال:طويت فلانا، و طويت أمر فلان،إذا تركته و هجرته...

و لا يصحّ قول من قال:إنّ معناه:نستدرجهم إلى الكفر و الضّلال،لأنّ الآية وردت في الكفّار، و تضمّنت أنّه يستدرجهم في المستقبل.فإنّ«السّين» تختصّ المستقبل،و لأنّه جعل الاستدراج جزاء على كفرهم و عقوبة،فلا بدّ من أن يريد معنى آخر غير الكفر.(2:504)

القرطبيّ: الاستدراج هو الأخذ بالتّدريج،منزلة بعد منزلة.و الدّرج:لفّ الشّيء.يقال:أدرجته و درّجته.و منه أدرج الميّت في أكفانه.

و قيل:هو من الدّرجة؛فالاستدراج أن يحطّ درجة بعد درجة إلى المقصود...و قيل لذي النّون:ما أقصى ما يخدع به العبد؟قال:بالألطاف و الكرامات، لذلك قال سبحانه: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ نسبغ عليهم النّعم و ننسيهم الشّكر.[ثمّ استشهد بشعر](7:329)

أبو حيّان :[نقل الأقوال و أضاف:]

و قرأ النّخعيّ و ابن وثّاب: (سيستدرجهم) بالياء، فاحتمل أن يكون من باب الالتفات،و احتمل أن يكون الفاعل ضمير التّكذيب المفهوم من(كذبوا،) أي سيستدرجهم هو،أي التّكذيب.[ثمّ استشهد بشعر](4:430)

أبو السّعود: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ أي نستدينهم البتّة إلى الهلاك شيئا فشيئا.و الاستدراج استفعال من «درج»:إمّا بمعنى صعد،ثمّ اتّسع فيه فاستعمل في كلّ نقل تدريجيّ،سواء كان بطريق الصّعود أو الهبوط أو الاستقامة.و إمّا بمعنى مشى مشيا ضعيفا.و إمّا بمعنى طوى؛و الأوّل هو الأنسب بالمعنى المراد الّذي هو النّقل إلى أعلى درجات المهالك،ليبلغ أقصى مراتب العقوبة و العذاب.

ثمّ استعير لطلب كلّ نقل تدريجيّ من حال إلى حال من الأحوال الملائمة للمنتقل الموافقة لهواه؛بحيث يزعم أنّ ذلك ترقّ في مراقي منافعه،مع أنّه في الحقيقة تردّ في مهاوي مصارعه.

فاستدراجه سبحانه إيّاهم أن يواتر عليهم النّعم مع انهماكهم في الغيّ،فيحسبوا أنّها لطف لهم منه تعالى،فيزدادوا بطرا و طغيانا،لكن لا على أنّ المطلوب تدرّجهم في مراتب النّعم،بل هو تدرّجهم في مدارج المعاصي،إلى أن يحقّ عليهم كلمة العذاب على أفظع حال و أشنعها،و الأوّل وسيلة إليه.

(3:58)

نحوه البروسويّ ملخّصا(3:288)،و الآلوسيّ (9:126).

المراغيّ: أي و الّذين كذّبوا بآيات اللّه سندعهم يسترسلون في غيّهم و ضلالهم،و لا يدرون شيئا من عاقبة أمرهم،لجهلهم سنن اللّه في المنازعة بين الحقّ و الباطل،و أنّ الحقّ يدفع الباطل،و ما ينفع النّاس يتغلّب على ما يضرّهم كما قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ

ص: 152

بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ الأنبياء:

18،و قال: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ الرّعد:17.

و قد صدق اللّه وعده،فقد كان كفّار قريش و صناديدها يبالغون في عداوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،اغترارا بكثرتهم و ثروتهم،لا يعتدّون به و لا بغيره ممّن آمن به أوّلا-و أكثرهم من الضّعفاء الفقراء-فما زالوا يتدرّجون في عداوتهم له و قتالهم إيّاه حتّى أظهره اللّه تعالى عليهم في غزوة بدر فلم يعتبروا،ثمّ زادهم غرورا تغلّبهم عليه آخر معركة أحد حتّى قال أبو سفيان:يوم بيوم بدر،إلى أن كان الفتح الأعظم فتح مكّة،فأظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و من اتّبعه عليهم من حيث لا يعلمون سنّته تعالى.(9:122)

ابن عاشور :الاستدراج مشتقّ من الدّرجة بفتحتين،و هي طبقة من البناء مرتفعة من الأرض، بقدر ما ترتفع الرّجل للارتقاء منها إلى ما فوقها، تيسيرا للصّعود في مثل العلوّ أو الصّومعة أو البرج.

و هي أيضا واحدة الأعواد المصفوفة في السّلّم يرتقى منها إلى الّتي فوقها،و تسمّى هذه الدّرجة مرقاة.

فالسّين و التّاء في فعل الاستدراج للطّلب،أي طلب منه أن يتدرّج،أي صاعدا أو نازلا.

و الكلام تمثيل لحال القاصد إبدال حال أحد إلى غيرها بدون إشعاره،بحال من يطلب من غيره أن ينزل من درجة إلى أخرى؛بحيث ينتهي إلى المكان الّذي لا يستطيع الوصول إليه بدون ذلك.و هو تمثيل بديع يشتمل على تشبيهات كثيرة،فإنّه مبنيّ على تشبيه حسن الحال برفعة المكان و ضدّه بسفالة المكان، و القرينة تعيّن المقصود من انتقال إلى حال أحسن أو أسوأ.

و ممّا يشير إلى مراعاة هذا التّمثيل في الآية قوله تعالى: مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ و لمّا تضمّن الاستدراج معنى الإيصال إلى المقصود،علّق بفعله مجرور ب(من)الابتدائيّة،أي مبتدئا استدراجهم من مكان لا يعلمون أنّه مفض بهم إلى المبلغ الضّارّ، ف(حيث)هنا للمكان على أصلها،أي من مكان لا يعلمون ما يفضي إليه.و حذف مفعول(يعلمون) لدلالة الاستدراج عليه،و التّقدير:لا يعلمون تدرّجه، و هذا مؤذن بأنّه استدراج عظيم لا يظنّ بالمفعول به أن يتفطّن له.(8:365)

مغنيّة:قد تتابع النّعم على الإنسان،فيتمادى في طغيانه اغترارا بكثرته و ثروته ذاهلا عن المخبآت و المفاجئات،حتّى إذا قال النّاس:طوبى له،فاجأته ساعة السّوء.و قد اغترّ أبو سفيان بيوم أحد،و قال:

يوم بيوم بدر،حتّى إذا جاء نصر اللّه و الفتح،استسلم صاغرا.

قال الإمام عليّ عليه السّلام:«كم من مستدرج بالإحسان إليه،و مغرور بالسّتر عليه،و مفتون بحسن القول فيه، و ما ابتلى اللّه أحدا بمثل الإملاء له»(3:428)

الطّباطبائيّ: الاستدراج:الاستصعاد أو الاستنزال درجة فدرجة،و الاستدناء من أمر أو مكان،و قرينة المقام تدلّ على أنّ المراد به هنا الاستدناء من الهلاك إمّا في الدّنيا أو في الآخرة.

ص: 153

و تقييد الاستدراج بكونه مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ للدّلالة على أنّ هذا التّقريب خفيّ غير ظاهر عليهم، بل مستبطن فيما يتلهّون فيه من مظاهر الحياة المادّيّة، فلا يزالون يقتربون من الهلاك باشتداد مظالمهم،فهو تجديد نعمة بعد نعمة حتّى يصرفهم التّلذّذ بها عن التّأمّل في وبال أمرهم،كما مرّ في قوله تعالى: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا الأعراف:

95،و قال تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ* مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ آل عمران:196،197.

و من وجه آخر:لمّا انقطع هؤلاء عن ذكر ربّهم و كذّبوا بآياته،سلبوا اطمئنان القلوب و أمنها بالتّشبّث بذيل الأسباب الّتي من دون اللّه و عذّبوا باضطراب النّفوس و قلق القلوب و قصور الأسباب و تراكم النّوائب،و هم يظنّون أنّها الحياة،ناسين معنى حقيقة الحياة السّعيدة،فلا يزالون يستزيدون من مهلكات زخارف الدّنيا فيزدادون عذابا و هم يحسبونه زيادة في النّعمة،حتّى يردوا عذاب الآخرة و هو أمرّ و أدهى،فهم يستدرجون في العذاب من لدن تكذيبهم بآيات ربّهم حتّى يلاقوا يومهم الّذي يوعدون.

قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرّعد:28،و قال: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً طه:124،و قال: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كافِرُونَ التّوبة:

55،و هذا معنى آخر من الاستدراج،لكن قوله تعالى بعده: وَ أُمْلِي لَهُمْ لا يلائم ذلك،فالمتعيّن هو المعنى الأوّل.(8:346)

فضل اللّه :ذلك بما يهيّئ اللّه لهم من نعيم الحياة و لذّتها،ممّا يلهيهم عن التّفكير،و يشغلهم عن المسئوليّة و الجدّيّة في مواجهتها،فيخيّل إليهم أنّهم يمسكون بزمام الحياة،و يملكون الأمر كلّه،و تتضخّم لديهم حالة الشّعور بالأهمّيّة في الأدوار الّتي يمثّلونها، و في الطّاقات الّتي يملكونها،و في الأجواء المحيطة بهم، في ما يؤيّد المؤيّدون،و يهتف الهاتفون،و بذلك يتدرّجون من موقع ضلال إلى موقع ضلال آخر،في ما يتقلّبون به من نعمة إلى نعمة،في هذا الانحراف الكبير في وعيهم لمعنى النّعمة في حساب المسئوليّة.

(10:296)

مكارم الشّيرازيّ: الاستدراج!

تعقيبا على البحث السّابق الّذي عالجته الآيات المتقدّمة آنفا و الّذي يبيّن حال أهل النّار،تبيّن هاتان الآيتان واحدة من سنن اللّه في شأن كثير من عباده المجرمين المعاندين،و هي ما عبّر عنها القرآن ب«عذاب الاستدراج».

و الاستدراج جاء في موطنين من القرآن:أحدهما:

في الآيتين محلّ البحث،و الآخر:في الآية:44،من سورة القلم،و كلا الموطنين يتعلّقان بمكذّبي آيات اللّه و منكريها.

و كما يقول أهل اللّغة،فإنّ للاستدراج معنيين:

أحدهما:أخذ الشّيء تدريجا،لأنّ أصل

ص: 154

الاستدراج مشتقّ من«الدّرجة»،فكما أنّ الإنسان ينزل من أعلى العمارة إلى أسفلها بالسّلالم درجة درجة،أو يصعد من الأسفل إلى الأعلى درجة درجة و مرحلة مرحلة،فقد سمّي هذا الأمر استدراجا.

و المعنى الثّاني للاستدراج:هو اللّفّ و الطّيّ،كطيّ السّجل أو الطّومار و لفّه.

و هذان المعنيان أوردهما الرّاغب في«مفرداته»، إلاّ أنّ التّأمّل بدقّة في المعنيين يكشف أنّهما يرجعان إلى مفهوم كلّيّ جامع واحد:و هو العمل التّدريجيّ.

و بعد أن عرفنا معنى الاستدراج نعود إلى تفسير الآية محلّ البحث:

يقول سبحانه في الآية الأولى: وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. أي سنعذّبهم بالاستدراج شيئا فشيئا،و نطوي حياتهم.

و الآية الثّانية تؤكّد الموضوع ذاته،و تشير بأنّ اللّه لا يتعجّل بالعذاب عليهم،بل يمهلهم لعلّهم يحذرون و يتّعظون،فإذا لم ينتبهوا من نومتهم ابتلوا بعذاب اللّه؛ فتقول الآية: وَ أُمْلِي لَهُمْ. لأنّ الاستعجال يتذرّع به من يخاف الفوت،و اللّه قويّ و لا يفلت من قبضته أحد إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ. [إلى أن قال:]

و يستفاد من هذه الآية-و آيات أخرى و بعض الأحاديث الشّريفة الواردة-في شأن الاستدراج،أو العذاب الاستدراجيّ،أنّ اللّه لا يتعجّل بالعذاب على الطّغاة و العاصين المتجرّئين،وفقا لسنّته في عباده،بل يفتح عليهم أبواب النّعم،فكلّما ازدادوا طغيانا زادهم نعما.

و هذا الأمر لا يخلو من إحدى حالتين:فإمّا أن تكون هذه النّعم مدعاة للتّنبيه و الإيقاظ،فتكون الهداية الإلهيّة في هذه الحال عمليّة.أو أنّ هذه النّعم تزيدهم غرورا و جهلا،فعندئذ يكون عقاب اللّه لهم في آخر مرحلة أوجع،لأنّهم حين يغرقون في نعم اللّه و ملذّاتهم و يبطرون،فإنّ اللّه سبحانه يسلب عندئذ هذه النّعم منهم،و يطوي سجلّ حياتهم،فيكون هذا العقاب صارما و شديدا جدّا...

و هذا المعنى بجميع خصوصيّاته لا يحمله لفظ الاستدراج وحده،بل يستفاد هذا المعنى بقيد مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ أيضا.

و على كلّ حال،فهذه الآية تنذر جميع المجرمين و المذنبين بأنّ تأخير الجزاء من قبل اللّه لا يعني صحّة أعمالهم أو طهارتهم،و لا عجزا و ضعفا من اللّه،و أن لا يحسبوا أنّ النّعم الّتي غرقوا فيها هي دليل على قربهم من اللّه،فما أقرب من أن تكون هذه النّعم و الانتصارات مقدّمة لعقاب الاستدراج.فاللّه سبحانه يغشّيهم بالنّعم و يمهلهم و يرفعهم عاليا،إلاّ أنّه يكبسهم على الأرض فجأة حتّى لا يبقى منهم أثر، و يطوي بذلك وجودهم و تاريخ حياتهم كلّه.

يقول الإمام علي عليه السّلام في نهج البلاغة:«أنّه من وسّع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا فقد أمن مخوفا».

كما جاء عنه عليه السّلام في«روضة الكافي»أنّه قال:

«ثمّ إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزّمان شيء أخفى من الحقّ،و لا أظهر من الباطل،

ص: 155

و لا أكثر من الكذب على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم-إلى أن قال:-يدخل الدّاخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئنّ جالسا حتّى يخرج من الدّين،ينتقل من دين ملك إلى دين ملك،و من ولاية ملك إلى ولاية ملك،و من طاعة ملك إلى طاعة ملك،و من عهود ملك إلى عهود ملك،فاستدرجهم اللّه تعالى من حيث لا يعلمون».

و يقول الإمام الصّادق عليه السّلام:«كم من مغرور بما قد أنعم اللّه عليه،و كم من مستدرج يستر اللّه عليه،و كم من مفتون بثناء النّاس عليه».

و جاء عنه عليه السّلام في تفسير الآية المشار إليها آنفا أنّه قال:«و العبد يذنب الذّنب فتجدّد له النّعمة معه، تلهيه تلك النّعمة عن الاستغفار عن ذلك الذّنب».

و ورد عنه عليه السّلام في«كتاب الكافي»أيضا:«إنّ اللّه إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا،أتبعه بنقمة و يذكّره الاستغفار،و إذا أراد بعبد شرّا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار،و يتمادى بها،و هو قوله عزّ و جلّ:

سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ بالنّعم عند المعاصي.(5:284)

درجة

1- ...وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. البقرة:228

ابن عبّاس: فضيلة في العقل و الميراث و الدّية و الشّهادة،و بما عليهم من النّفقة و الخدمة.(32)

ما أحبّ أن أستنظف جميع حقّي عليها،لأنّ اللّه تعالى ذكره يقول: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ.

(الطّبريّ 2:468)

بما ساق إليها من المهر و أنفق عليها من المال.

(الثّعلبيّ 2:173)

تلك الدّرجة إشارة إلى حضّ الرّجال على حسن العشرة و التّوسّع للنّساء في المال و الخلق.

(ابن عطيّة 1:306)

الشّعبيّ: بما أعطاها من صداقها،و أنّه إذا قذفها لاعنها،و إذا قذفته جلدت و أقرّت عنده.

(الطّبريّ 2:468)

مجاهد :فضل ما فضّله اللّه به عليها من الجهاد، و فضل ميراثه على ميراثها،و كلّ ما فضّل به عليها.

(الطّبريّ 2:467)

قتادة :للرّجال درجة في الفضل على النّساء.

(الطّبريّ 2:467)

بالجهاد.(الثّعلبيّ 2:173)

زيد بن أسلم:إمارة.(الطّبريّ 2:468)

ابن إسحاق :الدّرجة:الإنفاق،و أنّه قوام عليها.

(ابن عطيّة 1:306)

ابن زيد :طاعة.يطعن الأزواج الرّجال،و ليس الرّجال يطيعونهنّ.(الطّبريّ 2:468)

الدّرجة:ملك العصمة،و أنّ الطّلاق بيده.

(ابن عطيّة 1:306)

أبو عبيدة :منزلة.(1:74)

ابن قتيبة:أي فضيلة(87)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك:

ص: 156

فقال بعضهم:معنى الدّرجة الّتي جعل اللّه للرّجال على النّساء:الفضل الّذي فضّلهم اللّه عليهنّ في الميراث و الجهاد،و ما أشبه ذلك.

و قال آخرون:بل تلك الدّرجة:الإمرة و الطّاعة.

و قال آخرون:تلك الدّرجة له عليها:بما ساق إليها من الصّداق،و أنّها إذا قذفته حدّت،و إذا قذفها لاعن.

و قال آخرون:تلك الدّرجة الّتي له عليها:

إفضاله عليها،و أداء حقّها إليها،و صفحه عن الواجب له عليها أو عن بعضه.

و قال آخرون:بل تلك الدّرجة الّتي له عليها:أن جعل له لحية و حرمها ذلك.

حميد قال: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، قال:

لحية.

و أولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عبّاس،و هو أنّ الدّرجة الّتي ذكر اللّه تعالى ذكره في هذا الموضع:الصّفح من الرّجل لامرأته عن بعض الواجب عليها،و إغضاؤه لها عنه،و أداء كلّ الواجب لها عليه.

و ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره قال: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ عقيب قوله: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فأخبر تعالى ذكره أنّ على الرّجل من ترك ضرارها في مراجعته إيّاها في أقرائها الثّلاثة،و في غير ذلك من أمورها و حقوقها،مثل الّذي له عليها من ترك ضراره في كتمانها إيّاه ما خلق اللّه في أرحامهنّ و غير ذلك من حقوقه.ثمّ ندب الرّجال إلى الأخذ عليهنّ بالفضل،إذا تركن أداء بعض ما أوجب اللّه لهم عليهنّ،فقال تعالى ذكره: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ بتفضّلهم عليهنّ،و صفحهم لهنّ عن بعض الواجب لهم عليهنّ.و هذا هو المعنى الّذي قصده ابن عبّاس بقوله:

ما أحبّ أن أستنظف جميع حقّي عليها،لأنّ اللّه تعالى ذكره يقول: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ. و معنى الدّرجة:الرّتبة و المنزلة.

و هذا القول من اللّه تعالى ذكره،و إن كان ظاهره ظاهر الخبر،فمعناه معنى ندب الرّجال إلى الأخذ على النّساء بالفضل،ليكون لهم عليهنّ فضل درجة.

(2:467)

الزّجّاج: معناه:زيادة فيما للنّساء عليهنّ،كما قال تعالى: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ النّساء:

34،و المعنى:أنّ المرأة تنال من اللّذّة من الرّجل كما ينال الرّجل،و له الفضل بنفقته و قيامه بما يصلحها.

(1:307)

القمّيّ: حقّ الرّجال على النّساء أفضل من حقّ النّساء على الرّجال.(1:74)

النّحّاس: أبو مالك:له أن يطلّقها،و ليس لها من الأمر شيء.(1:199)

الثّعلبيّ: في الفضل...و قيل:بالطّلاق و الرّجعة، و قيل:بالشّهادة،و قيل:بقوّة العبادة...و قال القتيبيّ:

معناه:و للرّجال عليهنّ درجة،أي فضيلة للحقّ.

(2:173)

نحوه البغويّ.(1:302)

ص: 157

الطّوسيّ: قيل:معناه:فضيلة منها الطّاعة،و منها أن يملك التّخلية...(2:241)

القشيريّ: في الفضيلة،و لهنّ مزيّة في الضّعف و عجز البشريّة.(1:193)

الزّمخشريّ: زيادة في الحقّ و فضيلة.قيل:المرأة تنال من اللّذّة ما ينال الرّجل،و له الفضيلة بقيامه عليها أو إنفاقه في مصالحها.(1:366)

ابن عطيّة: [ذكر بعض الأقوال،و بعد قول ابن عبّاس قال:]

أي إنّ الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه،و هذا قول حسن بارع...

و قال حميد:«الدّرجة:اللّحية»و هذا إن صحّ عنه،ضعيف لا يقتضيه لفظ الآية و لا معناها.و إذا تأمّلت هذه الوجوه الّتي ذكر المفسّرون،فيجيء من مجموعها درجة تقتضي التّفضيل.(1:305)

ابن العربيّ: هذا نصّ في أنّه مفضّل عليها،مقدّم في حقوق النّكاح فوقها،لكنّ الدّرجة هاهنا مجملة غير مبيّن ما المراد بها منها،و إنّما أخذت من أدلّة أخرى سوى هذه الآية.و أعلم اللّه تعالى النّساء هاهنا أنّ الرّجال فوقهنّ،ثمّ بيّن على لسان رسوله ذلك.

قد اختلف العلماء في المراد بهذه«الدّرجة»على أقوال كثيرة،فقيل:هو الميراث،و قيل:هو الجهاد،و قيل:هو اللّحية.فطوبى لعبد أمسك عمّا لا يعلم، و خصوصا في كتاب اللّه العظيم.و لا يخفى على لبيب فضل الرّجال على النّساء،و لو لم يكن إلاّ أنّ المرأة خلقت من الرّجل فهو أصلها.لكنّ الآية لم تأت لبيان درجة مطلقة حتّى يتصرّف فيها بتعديد فضائل الرّجال على النّساء،فتعيّن أن يطلب ذلك بالحقّ في تقدّمهنّ في النّكاح،فوجدناها على سبعة أوجه:

الأوّل:وجوب الطّاعة،و هو حقّ عامّ.

الثّاني:حقّ الخدمة،و هو حقّ خاصّ،و له تفصيل،بيانه في مسائل الفروع.

الثّالث:حجر التّصرّف إلاّ بإذنه.

الرّابع:أنّ تقدّم طاعته على طاعة اللّه تعالى في النّوافل،فلا تصوم إلاّ بإذنه،و لا تحجّ إلاّ معه.

الخامس:بذل الصّداق.

السّادس:إدرار الإنفاق.

السّابع:جواز الأدب له فيها،و هذا مبيّن في قوله تعالى: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ النّساء:34.

(1:188)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ فضل الرّجل على المرأة أمر معلوم،إلاّ أنّ ذكره هاهنا يحتمل وجهين:

الأوّل:أنّ الرّجل أزيد في الفضيلة من النّساء في أمور:

أحدها:العقل.

و الثّاني:في الدّية.

و الثّالث:في المواريث.

و الرّابع:في صلاحيّة الإمامة و القضاء و الشّهادة.

و الخامس:له أن يتزوّج عليها،و أن يتسرّى عليها،و ليس لها أن تفعل ذلك مع الزّوج.

و السّادس:أنّ نصيب الزّوج في الميراث منها أكثر من نصيبها في الميراث منه.

ص: 158

و السّابع:أنّ الزّوج قادر على تطليقها،و إذا طلّقها فهو قادر على مراجعتها،شاءت المرأة أم أبت، أمّا المرأة فلا تقدر على تطليق الزّوج،و بعد الطّلاق لا تقدر على مراجعة الزّوج،و لا تقدر أيضا على أن تمنع الزّوج من المراجعة.

و الثّامن:أنّ نصيب الرّجل في سهم الغنيمة أكثر من نصيب المرأة.

و إذا ثبت فضل الرّجل على المرأة في هذه الأمور، ظهر أنّ المرأة كالأسير العاجز في يد الرّجل،و لهذا قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«استوصوا بالنّساء خيرا فإنّهنّ عندكم عوان».و في خبر آخر:«اتّقوا اللّه في الضّعيفين:اليتيم و المرأة»،و كان معنى الآية أنّه لأجل ما جعل اللّه للرّجال من الدّرجة عليهنّ في الاقتدار كانوا مندوبين إلى أن يوفوا من حقوقهنّ أكثر،فكان ذكر ذلك كالتّهديد للرّجال في الإقدام على مضارّتهنّ و إيذائهنّ؛و ذلك لأنّ كلّ من كانت نعم اللّه عليه أكثر، كان صدور الذّنب عنه أقبح،و استحقاقه للزّجر أشدّ.

و الوجه الثّاني:أن يكون المراد حصول المنافع و اللّذّة مشترك بين الجانبين،لأنّ المقصود من الزّوجيّة السّكن و الألفة و المودّة،و اشتباك الأنساب و استكثار الأعوان و الأحباب،و حصول اللّذّة،و كلّ ذلك مشترك بين الجانبين،بل يمكن أن يقال:إنّ نصيب المرأة فيها أوفر،ثمّ إنّ الزّوج اختصّ بأنواع من حقوق الزّوجة،و هي التزام المهر و النّفقة،و الذّبّ عنها، و القيام بمصالحها،و منعها عن مواقع الآفات،فكان قيام المرأة بخدمة الرّجل آكد وجوبا،رعاية لهذه الحقوق الزّائدة،و هذا كما قال تعالى: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ النّساء:34،و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم «لو أمرت أحدا بالسّجود لغير اللّه لأمرت المرأة بالسّجود لزوجها».(6:101)

نحوه النّيسابوريّ(2:264)،و البروسويّ(1:

354).

البيضاويّ: زيادة في الحقّ و فضل فيه،لأنّ حقوقهم في أنفسهنّ،و حقوقهنّ المهر و الكفاف و ترك الضّرار و نحوها،أو شرف و فضيلة لأنّهم قوّام عليهنّ و حرّاس لهنّ،يشاركوهنّ في غرض الزّواج، و يخصّون بفضيلة الرّعاية و الإنفاق.(1:120)

نحوه النّسفيّ(1:115)،و الشّربينيّ(1:148)، و أبو السّعود(1:271)،و الآلوسيّ(2:135).

أبو حيّان :[نقل الأقوال فيها و أضاف:]

أو:بالسّلامة من أذى الحيض و الولادة و النّفاس، أو بالتّزوّج عليها و التّسرّي،و ليس لها ذلك[إلى أن قال:]

و الّذي يظهر أنّ«الدّرجة»هي ما تريده النّساء من البرّ و الإكرام و الطّواعية و التّبجيل في حقّ الرّجال.و ذلك أنّه لمّا قدّم أنّ على كلّ واحد من الزّوجين للآخر مثل ما للآخر عليه،اقتضى ذلك المماثلة،فبيّن أنّهما،و إن تماثلا في ما على كلّ واحد منهما للآخر،فعليهنّ مزيد إكرام و تعظيم لرجالهنّ.و أشار إلى العلّة في ذلك:و هو كونه رجلا يغالب الشّدائد و الأهوال،و يسعى دائما في مصالح

ص: 159

زوجته،و يكفيها تعب الاكتساب،فبإزاء ذلك صار عليهنّ درجة للرّجل في مبالغة الطّواعية،و فيما يفضي إلى الاستراحة عندها.

و ملخّص ما قاله المفسّرون،يقتضي أنّ للرّجل درجة تقتضي التّفضيل.

و(درجة)مبتدأ،و(للرجال)خبره،و هو خبر مسوّغ لجواز الابتداء بالنّكرة،و(عليهن) متعلّق بما تعلّق به الخبر من الكينونة و الاستقرار.

و جوّزوا أن يكون(عليهن)في موضع نصب على الحال،لجواز أنّه لو تأخّر لكان وصفا للنّكرة،فلمّا تقدّم انتصب على الحال،فتعلّق إذ ذاك بمحذوف، و هو غير العامل في الخبر.و نظيره:في الدّار قائما رجل،كان أصله:رجل قائم.

و لا يجوز أن يكون(عليهن)الخبر، و(للرجال)في موضع الحال،لأنّ العامل في الحال إذ ذاك معنويّ،و قد تقدّمت على جزأي الجملة، و لا يجوز ذلك.و نظيره:قائما في الدّار زيد.و هو ممنوع لا ضعيف كما زعم بعضهم،فلو توسّطت الحال و تأخّر الخبر،نحو:زيد قائما في الدّار.فهذه مسألة الخلاف بيننا و بين أبي الحسن،أبو الحسن يجيزها،و غيره يمنعها.(2:190)

المراغيّ: أمّا الدّرجة الّتي للرّجال عليهنّ فهي الرّئاسة،و القيام على المصالح،كما فسّرتها الآية اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ النّساء:34.

فالحياة الزّوجيّة حياة اجتماعيّة تقتضي وجود رئيس يرجع إليه حين اختلاف الآراء و الرّغبات، حتّى لا يعمل كلّ ضدّ الآخر،فتنفصم عروة الوحدة الجامعة و يختلّ النّظام.و الرّجل هو الأحقّ بهذه الرّئاسة،لأنّه أعلم بالمصلحة،و أقدر على التّنفيذ بقوّته و ماله.و من ثمّ كان هو المطالب بحماية المرأة و النّفقة عليها،و كانت هي المطالبة بطاعته فيما لا يحرّم حلالا،و لا يحلّل حراما،فإن نشزت عن طاعته كان له حقّ تأديبها بالوعظ و الهجر في المضاجع، و الضّرب غير المبرّح،كما يجوز مثله لقائد الجيش و للسّلطان لمصلحة الجماعة.(2:167)

ابن عاشور :إثبات لتفضيل الأزواج في حقوق كثيرة على نسائهم لكيلا يظنّ أنّ المساواة المشروعة بقوله: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ مطّردة، و لزيادة بيان المراد من قوله:(بالمعروف،)و هذا التّفضيل ثابت على الإجمال لكلّ رجل،و يظهر أثر هذا التّفضيل عند نزول المقتضيات الشّرعيّة و العاديّة.

و قوله:(للرجال)خبر عن(درجة،)قدّم للاهتمام بما تفيده اللاّم من معنى استحقاقهم تلك الدّرجة،كما أشير إلى ذلك الاستحقاق في قوله تعالى:

اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ النّساء:34،و في هذا الاهتمام مقصدان:

أحدهما:دفع توهّم المساواة بين الرّجال و النّساء في كلّ الحقوق،توهّما من قوله آنفا: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.

و ثانيهما:تحديد إيثار الرّجال على النّساء بمقدار مخصوص،لإبطال إيثارهم المطلق،الّذي كان متّبعا في

ص: 160

الجاهليّة.[إلى أن قال:]

و هذه الدّرجة اقتضاها ما أودعه اللّه في صنف الرّجال من زيادة القوّة العقليّة و البدنيّة،فإنّ الذّكورة في الحيوان تمام في الخلقة،و لذلك نجد صنف الذّكر في كلّ أنواع الحيوان أذكى من الأنثى،و أقوى جسما و عزما،و عن إرادته يكون الصّدر،ما لم يعرض للخلقة عارض يوجب انحطاط بعض أفراد الصّنف، و تفوق بعض أفراد الآخر نادرا،فلذلك كانت الأحكام التّشريعيّة الإسلاميّة جارية على وفق النّظم التّكوينيّة،لأنّ واضع الأمرين واحد.

و هذه الدّرجة هي ما فضّل به الأزواج على زوجاتهم:من الإذن بتعدّد الزّوجة للرّجل،دون أن يؤذن بمثل ذلك للأنثى،و ذلك اقتضاه التّزيّد في القوّة الجسميّة،و وفرة عدد الإناث في مواليد البشر،و من جعل الطّلاق بيد الرّجل دون المرأة،و المراجعة في العدّة كذلك،و ذلك اقتضاه التّزيّد في القوّة العقليّة و صدق التّأمّل.

و كذلك جعل المرجع في اختلاف الزّوجين إلى رأي الزّوج في شئون المنزل،لأنّ كلّ اجتماع يتوقّع حصول تعارض المصالح فيه،يتعيّن أن يجعل له قاعدة في الانفصال و الصّدر عن رأي واحد معيّن من ذلك الجمع،و لمّا كانت الزّوجيّة اجتماع ذاتين،لزم جعل إحداهما مرجعا عند الخلاف،و رجّح جانب الرّجل، لأنّ به تأسّست العائلة،و لأنّه مظنّة الصّواب غالبا، و لذلك إذا لم يمكن التّراجع،و اشتدّ بين الزّوجين النّزاع،لزم تدخّل القضاء في شأنهما،و ترتّب على ذلك بعث الحكمين كما في آية: وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما النّساء:35.

و يؤخذ من الآية حكم حقوق الرّجال غير الأزواج بلحن الخطاب،لمساواتهم للأزواج في صفة الرّجولة الّتي كانت هي العلّة في ابتزازهم حقوق النّساء في الجاهليّة،فلمّا أسّست الآية حكم المساواة و التّفضيل،بين الرّجال و النّساء الأزواج،إبطالا لعمل الجاهليّة،أخذنا منها حكم ذلك بالنّسبة للرّجال غير الأزواج على النّساء،كالجهاد؛و ذلك ممّا اقتضته القوّة الجسديّة،و كبعض الولايات المختلف في صحّة إسنادها إلى المرأة،و التّفضيل في باب العدالة، و ولاية النّكاح و الرّعاية؛و ذلك ممّا اقتضته القوّة الفكريّة،و ضعفها في المرأة و سرعة تأثّرها، و كالتّفضيل في الإرث و ذلك ممّا اقتضته رئاسة العائلة الموجبة لفرط الحاجة إلى المال،و كالإيجاب على الرّجل إنفاق زوجه،و إنّما عدّت هذه درجة،مع أنّ للنّساء أحكاما لا يشاركهنّ فيها الرّجال كالحضانة، تلك الأحكام الّتي أشار إليها قوله تعالى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ النّساء:32،لأنّ ما امتاز به الرّجال كان من قبيل الفضائل.(2:381)

مغنيّة:اختلف العلماء و المفسّرون في المراد من هذه«الدّرجة»الّتي امتاز بها الرّجل عن المرأة،فقيل:

هي العقل و الدّين،و قيل:هي الميراث،و قيل:هي السّيادة،أي إنّ عليها أن تسمع من الرّجل و تطيع، و من الطّريف أنّ بعضهم فسّر الدّرجة باللّحية،كما

ص: 161

جاء في أحكام القرآن للقاضي أبي بكر الأندلسيّ.

و غير بعيد أن يكون المراد بالدّرجة:جعل الطّلاق و الرّجعة بيد الرّجل،دون المرأة.(1:343)

عبد الكريم الخطيب :أي درجة في التّفاوت بينهما في الحقوق و الواجبات،بمعنى أنّ للرّجل على المرأة حقوقا أكثر درجة ممّا لها عليه من حقوق،و أنّ عليه لها من الواجبات أكثر ممّا لها عليه،و صاحب الحقّ أولى بالفضل ممّن لزمه الواجب المقابل لهذا الحقّ.

و التّعبير ب(درجة)يعني أنّ هذا التّفاوت لا يمسّ جوهر الاعتبارات الإنسانيّة فيهما،فهما إنسانان متساويان في الإنسانيّة،و لكن اختلافهما النّوعيّ أدّى إلى الاختلاف الوظيفيّ في الحياة بينهما، فكما كانا رجلا و امرأة في الجنس،كانا أوّلا و ثانيا في الرّتبة،و ليس هذا بالّذي يدخل الضّيم على أيّ منهما،ما دام يحيا حياته على النّحو الّذي يلائم طبيعته.

هذا،و الدّرجة الّتي للرّجل على المرأة ليست بالّتي تجيء عن طريق القهر و القسر،و إنّما تستدعيها تصرّفات الرّجل و آثاره في الحياة الزّوجيّة،و في مدّها بأسباب الحياة و النّماء و الاستقرار.فهذا هو الّذي يعطي الرّجل-من غير أن يطلب-مكان الصّدارة و القيادة،و إلاّ كان متخلّيا عن هذا المكان لمن هو أولى به منه،من زوجة أو ولد.(1:261)

فضل اللّه :في أجواء الحديث عن الطّلاق،جاءت هذه اللّفتة القرآنيّة: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ لتضع العلاقة بين الرّجل و المرأة في نطاقها الإسلاميّ،الّذي يرتكز على الأسلوب الواقعيّ الحكيم،من خلال تشريعه لبناء الأسرة في حياة المجتمع.

فالرّجل و المرأة يلتقيان في خطّ المسئوليّة على صعيد واحد،فليس هناك أيّ انتقاص من شخصيّة المرأة كإنسان في ما أوجبه اللّه و ما حرّمه،و في ما أباحه و ما دعا إليه...فالمرأة الزّانية و السّارقة في نصّ القرآن،كالرّجل الزّاني و السّارق في ما ألزمهما به من حدّ و عقوبة،و المرأة الصّالحة كالرّجل الصّالح في ما أعدّ اللّه لهما من ثواب.فلا زيادة لثواب الرّجل على صلاته و صومه و صدقه و عفّته على ثواب المرأة في ذلك كلّه.و هذا ما نصّت عليه الآية الكريمة:

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصّادِقِينَ وَ الصّادِقاتِ وَ الصّابِرِينَ وَ الصّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصّائِمِينَ وَ الصّائِماتِ وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَ الذّاكِراتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً الأحزاب:35.

فإنّنا نستشفّ من هذه الآية و غيرها أنّ الرّجل و المرأة سواء في التّقييم،من حيث طبيعة المسئوليّة كمبدإ،و من حيث نتائجها العامّة و الخاصّة،ما يعني تسوية مطلقة في هذا المجال.و تبقى القضيّة في مجال العلاقات بينهما،تتّخذ سبيلا آخر في حساب المسئوليّة المشتركة،من حيث توزيع الأدوار في نطاق نظام العائلة و في غيره.فقد جعل الإسلام للرّجل

ص: 162

امتيازا نابعا من بعض الخصائص الذّاتيّة الّتي قد تجعله أكثر قدرة على الممارسة،و من تحمّله المسئوليّة الماليّة للعلاقة؛و ذلك على أساس تنظيميّ لقانون الأسرة؛ و ذلك ما أوضحته الآية الكريمة: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ النّساء:34.

فإنّ الآية تحدّد الموقع للرّجل في نطاق العائلة،في مركز القوامة الّتي تعني الإدارة و الرّعاية و الإشراف.

أمّا خارج نطاق العائلة،فلا قوامة و لا رعاية و لا تمييز، فللمرأة الحرّيّة في أن تمارس كلّ ما تستطيع ممارسته في الحياة كإنسانة في حدود التّشريع الإسلاميّ العامّ، كما كان للرّجل أن يمارس الدّور نفسه من غير فرق في ذلك بين مجالات العلم و العمل و مراكز المسئوليّة في الحياة،مع بعض الاستثناءات الّتي تقتضيها طبيعة الاحتياط للعدالة؛و ذلك في مجالات القضاء و الشّهادة و الحكم.

و ربّما كانت الدّراسة لهذه الاستثناءات تضع القضيّة في الموضع الدّقيق للفكرة الإسلاميّة،الّتي يلاحظ الإنسان معها أنّ بعض هذه الاستثناءات قد وردت في نطاق مسئوليّة الرّجل،من حيث صفاته الأخلاقيّة و العلميّة و العمليّة،على أساس الاحتياط لحقوق النّاس في شهادة أمينة،و قضاء متّزن،و حكم قويّ عادل.

و في ضوء ذلك،نفهم أنّ الدّرجة الّتي جعلت للرّجل في نطاق التّشريع الإسلاميّ العامّ،لا تعتبر امتيازا للرّجل على حساب كرامة المرأة و إنسانيّتها، بالمستوى الّذي يبرّر هذا التّمايز الاجتماعيّ الّذي يضغط على المرأة لحساب الرّجل؛بحيث تتحوّل إلى أداة للمتعة،أو كمّيّة مهملة لا تمثّل شيئا كبيرا في مقياس الإنسانيّ،فإنّ دراسة المساحة الواقعيّة بين ما هو التّشريع الإسلاميّ في عدالته و إنسانيّته،و بين ما هي الممارسة العمليّة في ظلمها و انحرافها،تبيّن لنا البون الشّاسع بين معنى الإسلام،و بين سلوك المسلمين الّذي لا يتحمّل الإسلام سلبيّاته في أيّ حال.

(4:293)

2- ...فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً... النّساء:95

ابن عبّاس: فضيلة.(77)

مثله الثّعلبيّ.(3:370)

الطّبريّ: فضيلة واحدة.(4:232)

الفخر الرّازيّ: في انتصاب قوله:(درجة) وجوه:

الأوّل:أنّه بحذف الجارّ،و التّقدير:بدرجة،فلمّا حذف الجارّ وصل الفعل فعمل.

الثّاني:قوله:(درجة)أي فضيلة،و التّقدير:

و فضّل اللّه المجاهدين فضيلة،كما يقال:زيد أكرم عمرا إكراما،و الفائدة في التّنكير التّفخيم.

الثّالث:قوله(درجة)نصب على التّمييز.

(11:8)

أبو السّعود :(درجة)نصب على المصدريّة، لوقوعها موقع المرّة من التّفضيل،أي فضّل اللّه تفضيلة.

ص: 163

أو على نزع الخافض،أي بدرجة.و قيل:على التّمييز، و قيل:على الحاليّة من(المجاهدين،)أي ذوي درجة،و تنوينها للتّفخيم.(2:184)

نحوه البروسويّ.(2:266)

الآلوسيّ: (درجة)لا يقادر قدرها و لا يبلغ كنهها.و هذا تصريح بما أفهمه نفي المساواة،فإنّه يستلزم التّفضيل إلاّ (1)أنّه لم يكتف بما فهم،اعتناء به، و ليتمكّن أشدّ تمكّن،و لكون الجملة مبنيّة و موضحة لما تقدّم لم تعطف عليه.و جوّز أن تكون جواب سؤال ينساق إليه المقال،كأنّه قيل:كيف وقع ذلك التّفضيل؟فقيل: فَضَّلَ اللّهُ...، و اللاّم كما أشرنا إليه في الجمعين للعهد،و لا يأباه كون مدخولها وصفا -كما قيل-إذ كثيرا ما ترد«أل»فيه للتّعريف،كما صرّح به النّحاة.[ثمّ قال نحو أبي السّعود](5:122)

ابن عاشور :حقيقة«الدّرجة»أنّها جزء من مكان يكون أعلى من جزء آخر متّصل به؛بحيث تتخطّى القدم إليه بارتقاء من المكان الّذي كانت عليه بصعود،و ذلك مثل درجة العليّة و درجة السّلّم.

و«الدّرجة»هنا مستعارة للعلوّ المعنويّ،كما في قوله تعالى: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228، و العلوّ المراد هنا علوّ الفضل و وفرة الأجر.

و جيء ب(درجة)بصيغة الإفراد،و ليس إفرادها للوحدة،لأنّ(درجة)هنا جنس معنويّ لا أفراد له،و لذلك أعيد التّعبير عنها في الجملة الّتي جاءت بعدها تأكيدا لها بصيغة الجمع،بقوله:

(درجات منه)لأنّ الجمع أقوى من المفرد.

و تنوين(درجة)للتّعظيم،و هو يساوي مفاد الجمع في قوله الآتي:(درجات منه.)

و انتصب(درجة)بالنّيابة عن المفعول المطلق المبيّن للنّوع في فعل(فضل)إذ«الدّرجة»هنا زيادة في معنى الفضل،فالتّقدير:فضّل اللّه المجاهدين فضلا هو درجة،أي درجة فضلا.(4:229)

فضل اللّه :الظّاهر أنّ المراد من«الدّرجة»ليس الوحدة في الأرقام الحسابيّة،بل المبدأ من حيث النّوع؛ و ذلك ما يوحيه وقوع الكلمة بعد فقرة عدم الاستواء، لبيان أنّ هذا الفريق أعلى درجة من الفرق الأخرى، فلا يتنافي مع الفقرة المذكورة في الآية التّالية(درجات منه.)(7:412)

3- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ. التّوبة:20

ابن عبّاس: فضيلة.(155)

الطّبريّ: أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ و أرفع منزلة عنده،من سقاة الحاجّ و عمّار المسجد الحرام،و هم باللّه مشركون.(6:338)

نحوه النّحّاس.(3:193)

الزّجّاج: (درجة)منصوب على التّمييز،المعنى:

أعظم من غيرهم درجة.(2:438)

الطّوسيّ: معناه:يتضاعف فضلهم عند اللّه معّ.

ص: 164


1- و في الأصل:إلى...و هو تصحيف مطبعيّ.

شرف الجنس.و لو قال:أعلى درجة أفاد شرف الجنس فقط.(5:224)

أبو السّعود :أي أعلى رتبة و أكثر كرامة ممّن لم يتّصف بها كائنا من كان،و إن حاز جميع ما عداها من الكمالات الّتي من جملتها السّقاية و العمارة.

(3:133)

4- ...لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا... الحديد:10

ابن عبّاس: فضيلة و منزلة عند اللّه بالطّاعة و الثّواب.(457)

ابن عاشور :إنّما كان المنفقون قبل الفتح و المجاهدون قبله أعظم درجة في إنفاقهم و جهادهم، لأنّ الزّمان الّذي قبل فتح مكّة كان زمان ضعف المسلمين،لأنّ أهل الكفر كانوا أكثر العرب،فلمّا فتحت مكّة دخلت سائر قريش و العرب في الإسلام، فكان الإنفاق و الجهاد فيما قبل الفتح أشقّ على نفوس المسلمين،لقلّة ذات أيديهم،و قلّة جمعهم قبالة جمع العدوّ؛أ لا ترى أنّه كان عليهم أن يثبتوا أمام العدوّ إذا كان عدد العدوّ عشرة أضعاف عدد المسلمين في القتال،قال تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ الأنفال:65.(27:338)

فضل اللّه :لأنّ هناك فرقا كبيرا بين الّذين يجاهدون و ينفقون في الظّروف الصّعبة القاسية الّتي كان الإسلام فيها يعاني من قلّة العدد و العدّة،في مواجهة القوّة الكافرة الّتي كانت تتميّز بكثرة العدد و العدّة،و بين الّذين يجاهدون بعد الفتح الّذي كانت القوّة فيه للمسلمين؛و ذلك بعد فتح الحديبيّة أو فتح مكّة؛بحيث لم تكن هناك مشكلة كبيرة في العدد و العتاد،الأمر الّذي يجعل الفئة الأولى في المواقع المتقدّمة في درجات القرب من اللّه،لأنّ مسألة المعاناة في مواقفهم و الأثر الكبير الإيجابيّ في نصرتهم للإسلام في مواقعهم،تحمل ميزة كبيرة لا تقترب منها الفئة الأخيرة.(22:20)

درجات

1- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ... البقرة:253

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:ما خلق اللّه خلقا أفضل منّي و لا أكرم عليه منّي.قال عليّ صلوات اللّه عليه:فقلت:يا رسول اللّه أ فأنت أفضل أم جبرائيل؟فقال:إنّ اللّه تعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين،و فضّلني على جميع النّبيّين و المرسلين،و الفضل بعدي لك يا عليّ و الأئمّة من بعدك،و إنّ الملائكة لخدّامنا و خدّام محبّينا.(الكاشانيّ 1:258)

ابن عبّاس: فضائل،هو إبراهيم اتّخذه خليلا مصافيا،و إدريس رفعه مكانا عليّا.(36)

مجاهد :...يقول:كلّم اللّه موسى،و أرسل محمّدا صلّى اللّه عليه و آله إلى النّاس كافّة.(الطّبريّ 3:3)

مقاتل:هذه الدّرجات يعني الفضائل.(1:211)

الطّبريّ: رفعت بعضهم درجات على بعض،

ص: 165

بالكرامة و رفعة المنزلة.(3:3)

الزّجّاج: جاء في التّفسير:أنّه يعنى به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أرسل إلى النّاس كافّة،و ليس شيء من الآيات الّتي أعطيها الأنبياء إلاّ و الّذي أعطي محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أكثر منه، لأنّه كلّمته الشّجرة،و أطعم من كفّ التّمر خلقا كثيرا، و أمرّ يده على شاة أمّ معبد فدرّت و حلبت بعد جفاف،و منها انشقاق القمر،فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم رأى الآيات في الأرض و رآها في السّماء،و الّذي جاء في آيات النّبيّ كثير...

و من أعظم الآيات القرآن الّذي أتى به العرب -و هم أعلم قوم بالكلام،لهم الأشعار و لهم السّجع و الخطابة،و كلّ ذلك معروف في كلامها-فقيل لهم ائتوا بعشر سور،فعجزوا عن ذلك،و قيل لهم ائتوا بسورة و لم يشترط عليهم فيها أن تكون كالبقرة و آل عمران،و إنّما قيل لهم:ائتوا بسورة فعجزوا عن ذلك.فهذا معنى وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ. (1:334)

نحوه البغويّ.(1:342)

ابن الهيثم:لا أفضّل على نبيّنا أحدا و لا أفضّل بعده على إبراهيم أحدا.الثّعلبيّ 2:225)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أن أوحى إلى بعضهم في منامه،و أرسل إلى بعضهم الملائكة في يقظته.

و الثّاني:أن بعث بعضهم إلى قومه،و بعث بعضهم إلى كافّة النّاس.(1:322)

الزّمخشريّ: أي و منهم من رفعه على سائر الأنبياء،فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة.و الظّاهر أنّه أراد محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه هو المفضّل عليهم؛حيث أوتي ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة المرتقية إلى ألف آية أو أكثر.و لو لم يؤت إلاّ القرآن وحده لكفى به فضلا منيفا على سائر ما أوتي الأنبياء،لأنّه المعجزة الباقية على وجه الدّهر دون سائر المعجزات.

و في هذا الإبهام من تفخيم فضله و إعلاء قدره ما لا يخفى،لما فيه من الشّهادة على أنّه العلم الّذي لا يشتبه و المتميّز الّذي لا يلبس.و يقال للرّجل:من فعل هذا؟فيقول:أحدكم أو بعضكم،يريد به الّذي تعورف و اشتهر بنحوه من الأفعال،فيكون أفخم من التّصريح به و أنوه بصاحبه.و سئل الحطيئة عن أشعر النّاس فذكر زهيرا و النّابغة،ثمّ قال:و لو شئت لذكرت الثّالث،أراد نفسه،و لو قال:و لو شئت لذكرت نفسي لم يفخم أمره.

و يجوز أن يريد:إبراهيم و محمّدا و غيرهما من أولي العزم من الرّسل...

فإن قلت:فلم خصّ موسى و عيسى من بين الأنبياء بالذّكر؟

قلت:لما أوتيا من الآيات العظيمة و المعجزات الباهرة.و لقد بيّن اللّه وجه التّفضيل؛حيث جعل التّكليم من الفضل،و هو آية من الآيات،فلمّا كان هذان النّبيّان قد أوتيا ما أوتيا من عظام الآيات خصّا بالذّكر في باب التّفضيل.و هذا دليل بيّن أنّ من زيد تفضيلا بالآيات منهم فقد فضّل على غيره،و لمّا كان نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم هو الّذي أوتي منها ما لم يؤت أحد في كثرتها

ص: 166

و عظمها،كان هو المشهود له بإحراز قصبات الفضل غير مدافع.(1:382)

ابن عطيّة: قال مجاهد و غيره:هي إشارة إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم لأنّه بعث إلى النّاس كافّة،و أعطي الخمس الّتي لم يعطها أحد قبله،و هو أعظم النّاس أمّة،و ختم اللّه به النّبوّات،إلى غير ذلك من الخلق العظيم الّذي أعطاه اللّه،و من معجزاته و باهر آياته.و يحتمل اللّفظ أن يراد به محمّد و غيره ممّن عظمت آياته،و يكون الكلام تأكيدا للأوّل.و يحتمل أن يريد رفع إدريس المكان العليّ و مراتب الأنبياء في السّماء،فتكون الدّرجات في المسافة و يبقى التّفضيل مذكورا في صدر الآية فقط.و بيّنات عيسى عليه السّلام هي إحياء الموتى، و إبراء الأكمه و الأبرص،و خلق الطّير من الطّين.

و روح القدس جبريل عليه السّلام،و قد تقدّم ما قال العلماء فيه.(1:338)

الطّبرسيّ: قال مجاهد:أراد به محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه تعالى فضّله على جميع أنبيائه،بأن بعثه إلى جميع المكلّفين من الجنّ و الإنس،و بأن أعطاه جميع الآيات الّتي أعطاها من قبله من الأنبياء،و بأن خصّه بالقرآن الّذي لم يعطه غيره،و هو المعجزة القائمة إلى يوم القيامة بخلاف سائر المعجزات،فإنّها قد مضت و انقضت،و بأن جعله خاتم النّبيّين.و الحكمة تقتضي تأخير أشرف الرّسل لأعظم الأمور.(1:359)

نحوه الكاشانيّ.(1:258)

الفخر الرّازيّ: فيه قولان:

الأوّل:أنّ المراد منه بيان أنّ مراتب الرّسل متفاوتة؛و ذلك لأنّه تعالى اتّخذ إبراهيم خليلا، و لم يؤت أحدا مثله هذه الفضيلة،و جمع لداود الملك و النّبوّة،و لم يحصل هذا لغيره،و سخّر لسليمان الإنس و الجنّ و الطّير و الرّيح،و لم يكن هذا حاصلا لأبيه داود عليه السّلام،و محمّد عليه السّلام مخصوص بأنّه مبعوث إلى الجنّ و الإنس،و بأنّ شرعه ناسخ لكلّ الشّرائع.

و هذا إن حملنا«الدّرجات»على المناصب و المراتب،أمّا إذا حملناها على المعجزات ففيه أيضا وجه،لأنّ كلّ واحد من الأنبياء أوتي نوعا آخر من المعجزة لائقا بزمانه،فمعجزات موسى عليه السّلام،-و هي قلب العصا حيّة،و اليد البيضاء،و فلق البحر-كان كالشّبيه بما كان أهل ذلك العصر متقدّمين فيه و هو السّحر،و معجزات عيسى عليه السّلام-و هي إبراء الأكمه و الأبرص،و إحياء الموتى-كانت كالشّبيه بما كان أهل ذلك العصر متقدّمين فيه،و هو الطّبّ،و معجزة محمّد عليه السّلام و هي القرآن كانت من جنس البلاغة و الفصاحة و الخطب و الأشعار.و بالجملة فالمعجزات متفاوتة بالقلّة و الكثرة،و بالبقاء و عدم البقاء، و بالقوّة و عدم القوّة.

و فيه وجه ثالث:و هو أن يكون المراد بتفاوت الدّرجات:ما يتعلّق بالدّنيا،و هو كثرة الأمّة و الصّحابة و قوّة الدّولة.فإذا تأمّلت الوجوه الثّلاثة علمت أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم كان مستجمعا للكلّ:فمنصبه أعلى،و معجزاته أبقى و أقوى،و قومه أكثر،و دولته أعظم و أوفر.

القول الثّاني:أنّ المراد بهذه الآية محمّد عليه السّلام لأنّه

ص: 167

هو المفضّل على الكلّ،و إنّما قال: وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ على سبيل التّنبيه و الرّمز،كمن فعل فعلا عظيما فيقال له:من فعل هذا؟فيقول:أحدكم أو بعضكم،و يريد به نفسه،و يكون ذلك أفخم من التّصريح به،و سئل الحطيئة عن أشعر النّاس،فذكر زهيرا و النّابغة،ثمّ قال:و لو شئت لذكرت الثّالث، أراد نفسه،و لو قال:و لو شئت لذكرت نفسي لم يبق فيه فخامة.

فإن قيل:المفهوم من قوله: وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ هو المفهوم من قوله: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فما الفائدة في التّكرير؟و أيضا قوله: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ كلام كلّيّ،و قوله بعد ذلك: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ شروع في تفصيل تلك الجملة،و قوله بعد ذلك: وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ إعادة لذلك الكلّيّ،و معلوم أنّ إعادة الكلام الكلّيّ بعد الشّروع في تفصيل جزئيّاته يكون مستدركا؟

و الجواب:أنّ قوله: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ يدلّ على إثبات تفضيل البعض على البعض،فأمّا أن يدلّ على أنّ ذلك التّفضيل حصل بدرجات كثيرة أو بدرجات قليلة،فليس فيه دلالة عليه،فكان قوله: وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ فيه فائدة زائدة،فلم يكن تكريرا.(6:215)

نحوه النّيسابوريّ.(3:8)

البيضاويّ: وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ بأن فضّله على غيره من وجوه متعدّدة،أو بمراتب متباعدة، و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه خصّه بالدّعوة العامّة،و الحجج المتكاثرة،و المعجزات المستمرّة،و الآيات المتعاقبة بتعاقب الدّهر،و الفضائل العلميّة و العمليّة الفائتة للحصر.و الإبهام لتفخيم شأنه،كأنّه العلم المتعيّن لهذا الوصف،المستغني عن التّعيين.

و قيل:إبراهيم عليه السّلام خصّصه بالخلّة الّتي هي أعلى المراتب.و قيل:إدريس عليه السّلام لقوله تعالى: وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا، و قيل:أولو العزم من الرّسل.(1:132)

نحوه النّسفيّ(1:126)،و أبو السّعود(1:293).

أبو حيّان :[نقل الأقوال في ذلك و أضاف:]

و قال بعض أهل العلم:إنّه أوتى صلّى اللّه عليه و سلّم ثلاثة آلاف معجزة و خصيصة،و ما أوتي نبيّ معجزة إلاّ أوتي محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم مثلها،و زاد عليهم بآيات.

و انتصاب دَرَجاتٍ قيل:على المصدر،لأنّ الدّرجة بمعنى الرّفعة،أو على المصدر الّذي في موضع الحال،أو على الحال على حذف مضاف،أي ذوي درجات،أو على المفعول الثّاني ل(رفع)على طريق التّضمين لمعنى بلغ،أو على إسقاط حرف الجرّ، فوصل الفعل و حرف الجرّ،إمّا«على»أو«في»أو «إلى»و يحتمل أن يكون بدل اشتمال،أي و رفع درجات بعضهم،و المعنى:على درجات بعض.

(2:273)

الشّربينيّ: وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم (درجات)على غيره:بعموم الدّعوة،و ختم النّبوّة به،و الأتباع الكثيرة في الأزمان الطّويلة،و بنسخ جميع الشّرائع،و بكونه رحمة للعالمين،و بتفضيل أمّته على

ص: 168

سائر الأمم،و بالمعجزات المتكاثرة المستمرّة؛و أظهرها القرآن الّذي عجز أهل السّماوات و الأرض عن الإتيان بسورة من مثله،و الآيات المتعاقبة بتعاقب الدّهر،و الفضائل العلميّة و العمليّة الغالبة للحصر.

و لو لم يؤت إلاّ القرآن وحده كفى به فضلا منيفا على سائر ما أوتي الأنبياء،لأنّه المعجزة الباقية على وجه الدّهر دون سائر المعجزات.و بانشقاق القمر بإشارته، و بحنين الجذع بمفارقته،و تسليم الحجر عليه،و كلام البهائم و الشّهادة برسالته،و نبع الماء من بين أصابعه، و غير ذلك ممّا لا يحصيه إلاّ اللّه تعالى.

و روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:ما من نبيّ من الأنبياء إلاّ و قد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر،و إنّما كان الّذي أوتيته وحيا أوحاه اللّه إليّ،فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة.

و روي عنه أنّه قال:«أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي:نصرت بالرّعب من مسيرة شهر،و جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا،فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ،و أحلّت لي الغنائم و لم تحلّ لأحد قبلي،و أعطيت الشّفاعة،و كان النّبيّ يبعث إلى قومه و بعثت إلى النّاس عامّة».

و روي عنه أنّه قال:«فضّلت على الأنبياء بستّ:

أوتيت جوامع الكلم،و نصرت بالرّعب،و أحلّت لي الغنائم،و جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا، و أرسلت إلى الخلق كافّة،و ختم بي النّبيّون».(1:166)

البروسويّ: [نحو الشّربينيّ و أضاف:]

قال في«التّأويلات النّجميّة»:اعلم أنّ فضل كلّ صاحب فضل يكون على قدر استعلاء ضوء نوره،لأنّ الرّفعة في الدّرجات على قدر رفعة الاستعلاء،كما قال تعالى: وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ. فالعلم هو الضّوء من نور الوحدانيّة،فكلّما ازداد العلم زادت الدّرجة،فناهيك عن هذا المعنى قول النّبيّ عليه السّلام-فيما يخبر عن المعراج-إنّه رأى آدم في السّماء الدّنيا، و يحيى و عيسى في السّماء الثّانية،و يوسف في السّماء الثّالثة،و إدريس في السّماء الرّابعة،و هارون في السّماء الخامسة،و موسى في السّماء السّادسة، و إبراهيم في السّماء السّابعة،و عبر النّبيّ عليه السّلام حتّى رفع إلى سدرة المنتهى،و من ثمّ إلى قاب قوسين أو أدنى.

فهذه الرّفعة في الدّرجة في القرب إلى الحضرة كانت له على قدر قوّة ذلك النّور في استعلاء ضوئه، و على قدر غلبات أنوار التّوحيد على ظلمات الوجود.كانت مراتب الأنبياء بعضهم فوق بعض،فلمّا غلب نور الوحدانيّة على ظلمة إنسانيّة النّبيّ عليه السّلام اضمحلّت و تلاشت و فنيت ظلمة وجوده بسطوات تجلّي صفات الجمال و الجلال،فكلّ نبيّ بقدر بقيّة ظلمة وجوده بقي في مكان من أماكن السّماوات،فإنّه صلّى اللّه عليه و سلّم ما بقي في مكان و لا في الإمكان،لأنّه كان فانيا عن ظلمة وجوده باقيا بنور وجوده،و لهذا سمّاه اللّه نورا، و قال: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ، فالنّور هو محمّد عليه السّلام،و الكتاب هو القرآن.فافهم و اغتنم فإنّك لا تجد هذه المعاني إلاّ هاهنا.انتهى كلام «التّأويلات النّجميّة».(1:394)

ص: 169

الآلوسيّ: [نحو البيضاوي و أضاف:]

و قيل:أولو العزم من الرّسل و فيه-كما في «الكشف»-أنّه لا يلائم ذوق المقام الّذي فيه الكلام البتّة،و كذا الكلام عندي في سابقه.[و هو كون المراد إدريس عليه السّلام]إذ الرّفعة عليه حقيقة،و المقام يقتضي المجاز،كما لا يخفى.

و(درجات)قيل:حال من(بعضهم،)على معنى:ذا درجات.و قيل:انتصابه على المصدر،لأنّ الدّرجة بمعنى الرّفعة،فكأنّه قيل:و رفعنا بعضهم رفعات.و قيل:التّقدير«على»أو«إلى»أو«في» درجات،فلمّا حذف حرف الجرّ وصل الفعل بنفسه.

و قيل:إنّه مفعول ثان ل(رفع،)على أنّه ضمّن معنى:بلغ،و قيل:إنّه بدل اشتمال،و ليس بشيء.(3:2)

ابن عاشور :قد خصّ اللّه من جملة الرّسل بعضا بصفات يتعيّن بها المقصود منهم،أو بذكر اسمه،فذكر ثلاثة،إذ قال: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ، و هذا موسى عليه السّلام لاشتهاره بهذه الخصلة العظيمة في القرآن،و ذكر عيسى عليه السّلام،و وسّط بينهما الإيماء إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بوصفه، بقوله: وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ.

و قوله: وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ يتعيّن أن يكون المراد من البعض هنا واحدا من الرّسل معيّنا لا طائفة،و تكون الدّرجات:مراتب من الفضيلة ثابتة لذلك الواحد،لأنّه لو كان المراد من البعض:جماعة من الرّسل مجملا،و من الدّرجات:درجات بينهم، لصار الكلام تكرارا مع قوله: فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، و لأنّه لو أريد بعض فضّل على بعض،لقال:

و رفع بعضهم فوق بعض درجات كما قال في الآية الأخرى: وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ الأنعام:165.

و عليه فالعدول من التّصريح بالاسم أو بالوصف المشهور به،لقصد دفع الاحتشام عن المبلّغ الّذي هو المقصود من هذا الوصف،و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و العرب تعبّر بالبعض عن النّفس.

و الّذي يعيّن المراد في هذا كلّه هو القرينة، كانطباق الخبر أو الوصف على واحد.

و قد جاء على نحو هذه الآية قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً* وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً الإسراء:54،55،عقب قوله: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً إلى أن قال:

وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلى قوله:

وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ.

و هذا إعلام بأنّ بعض الرّسل أفضل من بعض على وجه الإجمال،و عدم تعيين الفاضل من المفضول، ذلك أنّ كلّ فريق اشتركوا في صفة خير لا يخلون من أن يكون بعضهم أفضل من بعض،بما للبعض من صفات كمال زائدة على الصّفة المشتركة بينهم،و في تمييز صفات التّفاضل غموض،و تطرّق لتوقّع الخطإ و عروض،و ليس ذلك بسهل على العقول المعرّضة للغفلة و الخطإ.فإذا كان التّفضيل قد أنبأ به ربّ الجميع،و من إليه التّفضيل،فليس من قدر النّاس أن

ص: 170

يتصدّوا لوضع الرّسل في مراتبهم،و حسبهم الوقوف عند ما ينبئهم اللّه في كتابه أو على لسان رسوله.

و هذا مورد الحديث الصّحيح:«لا تفضّلوا بين الأنبياء»،يعني به النّهي عن التّفضيل التّفصيليّ، بخلاف التّفضيل على سبيل الإجمال،كما نقول:

الرّسل أفضل من الأنبياء الّذين ليسوا رسلا.و قد ثبت أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أفضل الرّسل،لما تظاهر من آيات تفضيله،و تفضيل الدّين الّذي جاء به،و تفضيل الكتاب الّذي أنزل عليه.و هي متقارنة الدّلالة تنصيصا و ظهورا،إلاّ أنّ كثرتها تحصّل اليقين بمجموع معانيها،عملا بقاعدة«كثرة الظّواهر تفيد القطع.»و أعظمها آية وَ إِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ... آل عمران:81.

و أمّا قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يقولنّ أحدكم أنا خير من يونس بن متّى»يعني بقوله:«أنا»نفسه على أرجح الاحتمالين،و قوله:«لا تفضّلوني على موسى»فذلك صدر قبل أن ينبئه اللّه بأنّه أفضل الخلق عنده.

و هذه«الدّرجات»كثيرة عرفنا منها:عموم الرّسالة لكافّة النّاس،و دوامها طول الدّهر،و ختمها للرّسالات،و التّأييد بالمعجزة العظيمة الّتي لا تلتبس بالسّحر و الشّعوذة،و بدوام تلك المعجزة،و إمكان أن يشاهدها كلّ من يؤهّل نفسه لإدراك الإعجاز، و بابتناء شريعته على رعي المصالح و درء المفاسد، و البلوغ بالنّفوس إلى أوج الكمال،و بتيسير إدانة معانديه له،و تمليكه أرضهم و ديارهم و أموالهم في زمن قصير،و بجعل نقل معجزته متواترا لا يجهلها إلاّ مكابر،و بمشاهدة أمّته لقبره الشّريف،و إمكان اقترابهم منه و ائتناسهم به صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قد عطف ما دلّ على نبيّنا على ما دلّ على موسى عليها السّلام لشدّة الشّبه بين شريعتيهما،لأنّ شريعة موسى عليه السّلام أوسع الشّرائع،ممّا قبلها،بخلاف شريعة عيسى عليه السّلام.

و تكليم اللّه موسى هو ما أوحاه إليه بدون واسطة جبريل،بأن أسمعه كلاما أيقن أنّه صادر بتكوين اللّه، بأن خلق اللّه أصواتا من لغة موسى تضمّنت أصول الشّريعة.و سيجيء بيان ذلك عند قوله تعالى: وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً النّساء:164.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:482)

الطّباطبائيّ: قيل:المراد به محمّد صلّى اللّه عليه و آله،لأنّ اللّه رفع درجته في تفضيله على جميع الرّسل ببعثته إلى كافّة الخلق،كما قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ سبأ:28،و بجعله رحمة للعالمين،كما قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ الأنبياء:

107،و بجعله خاتما للنّبوّة،كما قال تعالى: وَ لكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ الأحزاب:40،و بإيتائه قرآنا مهيمنا على جميع الكتب،و تبيانا لكلّ شيء، و محفوظا من تحريف المبطلين،و معجزا باقيا ببقاء الدّنيا،كما قال تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ المائدة:48،و قال تعالى: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ

ص: 171

تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ النّحل:89،و قال تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،و قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً الإسراء:88،و باختصاصه بدين قيّم يقوم على جميع مصالح الدّنيا و الآخرة،قال تعالى:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ الرّوم:43.

و قيل:المراد به ما رفع اللّه من درجة غير واحد من الأنبياء،كما يدلّ عليه قوله تعالى في نوح: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ الصّافّات:79،و قوله تعالى في إبراهيم عليه السّلام: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً البقرة:124، و قوله تعالى فيه: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ الشّعراء:84،و قوله تعالى في إدريس عليه السّلام: وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا مريم:57،و قوله تعالى في يوسف: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ يوسف:76، و قوله في داود عليه السّلام: وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً النّساء:

163،إلى غير ذلك من مختصّات الأنبياء.

و كذا قيل:إنّ المراد بالرّسل في الآية:هم الّذين اختصّوا بالذّكر في سورة البقرة كإبراهيم،و موسى، و عيسى،و عزير،و أرميا،و شموئيل،و داود،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و قد ذكر موسى و عيسى من بينهم و بقي الباقون،فالبعض المرفوع الدّرجة هو محمّد صلّى اللّه عليه و آله بالنّسبة إلى الباقين.

و قيل:لمّا كان المراد بالرّسل في الآية هم الّذين ذكرهم اللّه قبيل الآية في القصّة،و هم موسى و داود و شموئيل و محمّد،و قد ذكر ما اختصّ به موسى من التّكليم،ثمّ ذكر رفع الدّرجات،و ليس له إلاّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله.و يمكن أن يوجّه التّصريح باسم عيسى على هذا القول:بأن يقال:إنّ الوجه فيه عدم سبق ذكره عليه السّلام فيمن ذكر من الأنبياء في هذه الآيات.

و الّذي ينبغي أن يقال:إنّه لا شكّ أنّ ما رفع اللّه به درجة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،مقصود في الآية غير أنّه لا وجه لتخصيص الآية به،و لا بمن ذكر في هذه الآيات،أعني أرميا و شموئيل و داود و محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و لا بمن ذكر في هذه السّورة من الأنبياء،فإنّ كلّ ذلك تحكّم من غير وجه ظاهر،بل الظّاهر من إطلاق الآية شمول «الرّسل»لجميع الرّسل عليهم السّلام،و شمول«البعض»في قوله تعالى: وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ، لكلّ من أنعم اللّه عليه منهم برفع الدّرجة.

و ما قيل:إنّ الأسلوب يقتضي كون المراد به محمّد صلّى اللّه عليه و آله،لأنّ السّياق في بيان العبرة للأمم الّتي تقتتل بعد رسلهم مع كون دينهم دينا واحدا،و الموجود منهم اليهود و النّصارى و المسلمون،فالمناسب تخصيص رسلهم بالذّكر،و قد ذكر منهم موسى و عيسى بالتّفصيل في الآية،فتعيّن أن يكون البعض الباقي محمّدا صلّى اللّه عليه و آله.

فيه:أنّ القرآن يقضي بكون جميع الرّسل رسلا إلى جميع النّاس،قال تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ البقرة:136،فإتيان الرّسل جميعا بالآيات البيّنات كان ينبغي أن يقطع دابر الفساد و القتال بين الّذين بعدهم.لكن اختلفوا بغيا بينهم،فكان ذلك أصلا

ص: 172

يتفرّع عليه القتال،فأمر اللّه تعالى به حين تقتضيه المصلحة،ليحقّ الحقّ بكلماته،و يقطع دابر المبطلين، فالعموم وجيه في الآية.(2:312)

فضل اللّه :قد استقرب المفسّرون أنّ المراد بقوله:

مَنْ كَلَّمَ اللّهُ موسى عليه السّلام بقرينة قوله تعالى: وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً النّساء:164،و أنّ المراد بقوله:

وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله،لما ثبت من تفضيله على جميع الأنبياء.و ذكروا أنّ القرينة على ذلك ذكر عيسى عليه السّلام،ممّا يدلّ على أنّ الحديث كان يرتكز على الأنبياء الثّلاثة الّذين لا يزال لهم أتباع يتقاتلون و يختلفون.و لكن هذه أمور لم يثبت الدّليل عليها،لأنّ من الممكن أن يكون هناك ممّن كلّمهم اللّه، كما يمكن أن يكون هناك ارتفاع في الدّرجات لبعض الأنبياء على بعض،و ليس في الآية ظهور في رفع الدّرجة المطلقة على الأنبياء لينطبق ذلك على النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله،الّذي يملك الدّرجة العليا الّتي تميّزه عن الأنبياء،في شموليّة رسالته لجميع الخلق،و في جعله رحمة للعالمين و خاتم النّبيّين،و امتداد معجزته إلى نهاية الحياة،و بالدّين القيّم الّذي يشمل صلاح الإنسان في الدّنيا و الآخرة،في انفتاح الشّريعة على كلّ حاجاته و شئونه و قضاياه و تطلّعاته،في امتداد نوعيّ و كلّيّ لم يسبق لنبيّ من قبله.فهذه هي الحقيقة البارزة في رسالته و دوره،بالإضافة إلى صفاته المميّزة في كلّ مواقع الكمال،لا سيّما خلقه العظيم الّذي انفتح فيه على كلّ النّاس،و لكن إرادة هذا من الآية بالخصوص لا دليل عليه.

و الظّاهر من الآية أنّها شاملة لكلّ الرّسل و لا اختصاص لها بمن ذكر في القرآن،لأنّها واردة في مورد إعطاء الفكرة العامّة عن الرّسل،ممّا لا يجعل لفريق منهم دون فريق خصوصيّة عن الفريق الآخر، ما دامت مسألة التّفضيل و ارتفاع الدّرجة سارية في كلّ مواقع الظّاهرة الرّسوليّة.

أمّا تخصيص عيسى عليه السّلام،فللتّدليل على ميزته في ذاته من خلال كونه مظهرا لقدرة اللّه في خلقه في ما يوحي به اسمه،و للإيحاء بصفة الرّسالة في شخصه من خلال البيّنات الّتي جاء بها من أجل أن يقيم الحجّة على النّاس في ذلك،من دون أن يكون في ذلك أيّ معنى إلهيّ يكمن في ذاته،بل هو منطلق من تأييد اللّه له بروح القدس،الّذي قد يعني جبرائيل-فيما يفسّره به البعض-و قد يعني اللّطف الإلهيّ الّذي يمنحه اللّه لعباده في ما يلهمهم إيّاه،و في ما يقدرهم عليه و يؤيّدهم به من مواقف...و تلك من ميزات عيسى عليه السّلام الّتي قد يشاركه فيها غيره من الأنبياء الّذين أرسلهم اللّه بالبيّنات،و أنزل الملائكة بالرّوح عليهم و على غيرهم في ما حدّثنا اللّه عنه في القرآن.(5:12)

مكارم الشّيرازيّ: مع الالتفات إلى أنّ الآية أشارت فى البداية إلى التّفاضل بين الأنبياء بالدّرجات و المراتب،فيمكن أن يكون المراد في هذا التّكرار هنا إشارة إلى أنبياء معيّنين،و على رأسهم نبيّ الإسلام الكريم صلّى اللّه عليه و آله لأنّ دينه آخر الأديان و أكملها،فمن تكون رسالته إبلاغ أكمل الأديان لا بدّ أن يكون هو نفسه أرفع المرسلين،خاصّة،و أنّ القرآن يقول فيه في

ص: 173

الآية:41،من سورة النّساء: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً.

و الشّاهد الآخر على هذا الموضوع،و هو أنّ الآية السّابقة تشير إلى فضيلة موسى عليه السّلام،و الآية التّالية تبيّن فضيلة عيسى عليه السّلام،فالمقام يتطلّب الإشارة إلى فضيلة رسول الإسلام صلّى اللّه عليه و آله،لأنّ كلّ واحد من هؤلاء الأنبياء الثّلاثة كان صاحب أحد الأديان الثّلاثة العظيمة في العالم.فإذا كان اسم نبيّ الإسلام صلّى اللّه عليه و آله قد جاء بين اسميهما،فلا عجب في ذلك،أو ليس دينه الحدّ الوسط بين دينيهما،و أنّ كلّ شيء قد جاء فيه بصورة معتدلة و متعادلة؟ألا يقول القرآن:

وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً؟ البقرة:143.

و مع ذلك،فإنّ العبارات المتقدّمة في هذه الآية تدلّ على أنّ المقصود من وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ هم بعض الأنبياء السّابقين،مثل إبراهيم،إذ يقول سبحانه في الآية التّالية: وَ لَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي لو شاء اللّه ما أخذت أمم هؤلاء الأنبياء تتقاتل فيما بينها بعد رحيل أنبيائها.(2:164)

2- هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ.

آل عمران:163

ابن عبّاس: يقول:لهم درجات عند اللّه في الجنّة لمن ترك الغلول،و دركات لمن غلّ.(60)

بأعمالهم.(الطّبريّ 3:505)

يعني أنّ من اتّبع رضوانه و من باء بسخط منه مختلفو المنازل عند اللّه،فلمن اتّبع رضوانه:الكرامة و الثّواب،و لمن باء بسخط منه:المهانة و العذاب.

(الواحديّ 1:516)

سعيد بن جبير: إنّهم الّذين اتّبعوا رضوان اللّه فقط،فإنّهم يتفاوتون في المنازل.

مثله أبو صالح،و مقاتل.(ابن الجوزيّ 1:493)

مجاهد :المعنى:لهم درجات عند اللّه.

(النّحّاس 1:506)

نحوه السّدّيّ.(191)

الحسن :إنّها درجات الجنّة.

(ابن الجوزيّ 1:493)

الكلبيّ: أهل الجنّة بعضهم أفضل من بعض،و كلّ في فضل و كرامة،و أهل النّار بعضهم أشدّ عذابا من بعض،و كلّ في عذاب و هوان.(الواحديّ 1:516)

ابن إسحاق :أي لكلّ درجات ممّا عملوا في الجنّة و النّار،إنّ اللّه لا يخفى عليه أهل طاعته من أهل معصيته.(الطّبريّ 3:505)

الفرّاء: هم في الفضل مختلفون،بعضهم أرفع من بعض.(1:246)

نحوه ابن قتيبة.(115)

أبو عبيدة :أي هم منازل،معناها:لهم درجات عند اللّه كقولك:هم طبقات.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:107)

الطّبريّ: ...مختلفوا المنازل عند اللّه فلمن اتّبع رضوان اللّه:الكرامة و الثّواب الجزيل،و لمن باء بسخط من اللّه:المهانة و العقاب الأليم.

و قال آخرون:معنى ذلك:لهم درجات عند اللّه،

ص: 174

يعني لمن اتّبع رضوان اللّه:منازل عند اللّه كريمة.

و قيل:قوله:(هم درجات)كقول القائل:هم طبقات.[ثمّ استشهد بشعر](3:505)

الزّجّاج: أي المؤمنون ذوو درجة رفيعة، و الكافرون ذوو درجة عند اللّه وضيعة،و معنى(هم درجات):هم ذوو درجات،لأنّ الإنسان غير الدّرجة،كما تقول:النّاس طبقات،أي ذوو طبقات.

[ثمّ استشهد بشعر](1:486)

نحوه الواحديّ.(1:516)

النّحّاس: [نقل قول مجاهد ثمّ قال:]

و التّقدير في العربيّة:هم ذوو درجات،ثمّ حذف، و المعنى:بعضهم أرفع درجة من بعض.

و قيل:هم لمن اتّبع رضوان اللّه،و لمن باء بسخطه، أي لكلّ واحد منهم جزاء عمله بقدر.(1:506)

الطّوسيّ: قيل:معنى قوله: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ أنّ تقديره:المؤمنون ذوو درجة رفيعة عند اللّه، و الكفّار ذوو درجة خسيسة.

و قيل:في معناه قولان:

أحدهما:اختلاف مراتب كلّ فريق من أهل الثّواب،و العقاب،لأنّ النّار أدراك لقوله: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:

145،و الجنّة طبقات بعضها أعلى من بعض،كما روي أنّ أهل الجنّة ليرون أهل علّيّين،كما يرى النّجم في أفق السّماء.

و الثّاني:اختلاف مرتبتي أهل الثّواب،و العقاب بما لهؤلاء من النّعيم،و الكرامة،و لأولئك من العذاب و المهانة.و عبّر عن ذلك بدرجات مجازا.

فإن قيل:كيف قال:(هم درجات)و إنّما لهم درجات؟

قيل:لأنّ اختلاف أعمالهم قد ميّزهم بمنزلة المختلفي الذّوات كاختلاف مراتب الدّرجات، لتبعيدهم من استواء الأحوال،فجاء هذا على وجه التّجوّز.[ثمّ استشهد بشعر](3:37)

نحوه الطّبرسيّ.(1:531)

القشيريّ: أي هم أصحاب درجات في حكم اللّه، فمن سعيد مقرّب،و من شقيّ مبعد.(1:306)

الزّمخشريّ: أي هم متفاوتون،كما تتفاوت الدّرجات.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:ذوو درجات،و المعنى:تتفاوت منازل المثابين منهم و منازل المعاقبين،و التّفاوت بين الثّواب و العقاب.(1:476)

نحوه النّسفيّ.(1:192)

ابن عطيّة: اختلف المفسّرون في قوله تعالى:

(هم درجات)من المراد بذلك؟

فقال ابن إسحاق و غيره:المراد بذلك الجمعان المذكوران:أهل الرّضوان و أصحاب السّخط،أي لكلّ صنف منهم تباين في نفسه في منازل الجنّة،و في أطباق النّار أيضا.

و قال مجاهد و السّدّيّ: ما ظاهره أنّ المراد بقوله:

(هم)إنّما هو لمتّبعي الرّضوان،إي لهم درجات كريمة عند ربّهم.

و في الكلام حذف مضاف،تقديره:هم

ص: 175

درجات (1)و الدّرجات:المنازل بعضها أعلى من بعض في المسافة أو في التّكرمة أو العذاب.

و قرأ إبراهيم النّخعيّ (هم درجة) بالإفراد.

(1:537)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:تقدير الكلام:لهم درجات عند اللّه،إلاّ أنّه حسن هذا الحذف،لأنّ اختلاف أعمالهم قد صيّرتهم بمنزلة الأشياء المختلفة في ذواتها.فكان هذا المجاز أبلغ من الحقيقة.

و الحكماء يقولون:إنّ النّفوس الإنسانيّة مختلفة بالماهيّة و الحقيقة،فبعضها ذكّية و بعضها بليدة، و بعضها مشرقة نورانيّة،و بعضها كدرة ظلمانيّة، و بعضها خيّرة و بعضها نذلة،و اختلاف هذه الصّفات ليس لاختلاف الأمزجة البدنيّة،بل لاختلاف ماهيّات النّفوس،و لذلك قال عليه الصّلاة و السّلام:

«النّاس معادن كمعادن الذّهب و الفضّة»،و قال:

«الأرواح جنود مجنّدة».و إذا كان كذلك ثبت أنّ النّاس في أنفسهم درجات،لا أنّ لهم درجات.

المسألة الثّانية:(هم)عائد إلى لفظ(من)في قوله: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ آل عمران:162، و لفظ(من)يفيد الجمع في المعنى،فلهذا صحّ أن يكون قوله:(هم)عائدا إليه.و نظيره قوله: أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ السّجدة:18،فإنّ قوله:(يستوون)صيغة الجمع،و هو عائد إلى(من).

المسألة الثّالثة:(هم)ضمير عائد إلى شيء قد تقدّم ذكره،و قد تقدّم ذكر(من اتبع رضوان الله) و ذكر(من باء بسخط من الله)،فهذا الضّمير يحتمل أن يكون عائدا إلى الأوّل،أو إلى الثّاني،أو إليهما معا، و الاحتمالات ليست إلاّ هذه الثّلاثة.

الوجه الأوّل:أن يكون عائدا إلى(من اتبع رضوان الله)،و تقديره:أ فمن اتّبع رضوان اللّه سواء، لا بل هم درجات عند اللّه على حسب أعمالهم، و الّذي يدلّ على أنّ هذا الضّمير عائد إلى من اتّبع الرّضوان و أنّه أولى،وجوه:

الأوّل:أنّ الغالب في العرف استعمال الدّرجات في أهل الثّواب،و الدّركات في أهل العقاب.

الثّاني:أنّه تعالى وصف(من باء بسخط من الله،)و هو أنّ مأواهم جهنّم و بئس المصير،فوجب أن يكون قوله:(هم درجات)وصفا لمن اتّبع رضوان اللّه.

الثّالث:أنّ عادة القرآن في الأكثر جارية بأنّ ما كان من الثّواب و الرّحمة،فإنّ اللّه يضيفه إلى نفسه، و ما كان من العقاب لا يضيفه إلى نفسه،قال تعالى:

كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ الأنعام:12،و قال:

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ البقرة:178، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ البقرة:183،فلمّا أضاف هذه الدّرجات إلى نفسه؛حيث قال: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ، علمنا أنّ ذلك صفة أهل الثّواب.

و رابعها:أنّه متأكّد بقوله تعالى: اُنْظُرْ كَيْفَه.

ص: 176


1- كذا،و فيه اضطراب،و لعلّ الصّحيح:هم ذوو درجات كما يأتي في كلام الشّربينيّ و غيره.

فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً الإسراء:21.

و الوجه الثّاني:أن يكون قوله:(هم درجات) عائدا على(من باء بسخط من الله)،و الحجّة أنّ الضّمير عائد إلى الأقرب،و هو قول الحسن،قال:

و المراد أنّ أهل النّار متفاوتون في مراتب العذاب،و هو كقوله: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا الأحقاف:19، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ أهون أهل النّار عذابا يوم القيامة رجل يحذى له نعلان من نار يغلي من حرّهما دماغه،ينادي:يا ربّ و هل أحد يعذّب عذابي».

الوجه الثّالث:أن يكون قوله:(هم)عائدا إلى الكلّ،و ذلك لأنّ درجات أهل الثّواب متفاوتة، و درجات أهل العقاب أيضا متفاوتة،على حسب تفاوت أعمال الخلق،لأنّه تعالى قال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8،فلمّا تفاوتت مراتب الخلق في أعمال المعاصي و الطّاعات وجب أن تتفاوت مراتبهم في درجات العقاب و الثّواب.

المسألة الرّابعة:قوله:(عند الله)أي في حكم اللّه و علمه،فهو كما يقال:هذه المسألة عند الشّافعيّ كذا، و عند أبي حنيفة كذا،و بهذا يظهر فساد استدلال المشبّهة بقوله: وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ الأنبياء:

19،و قوله: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ القمر:55.(9:75)

نحوه النّيسابوريّ.(4:117)

ابن عربيّ: أي كلّ من أهل الرّضا و أهل السّخط،ذوو درجات متفاوتات،أو هم مختلفون اختلاف الدّرجات.(1:233)

القرطبيّ: أي ليس من اتّبع رضوان اللّه كمن باء بسخط منه.قيل:هم درجات متفاوتة،أي هم مختلفو المنازل عند اللّه؛فلمن اتّبع رضوانه:الكرامة و الثّواب العظيم،و لمن باء بسخط منه:المهانة و العذاب الأليم.

و معنى(هم درجات،)أي ذوو درجات،أو على درجات،أو في درجات،أو لهم درجات.و أهل النّار أيضا ذوو درجات...فالمؤمن و الكافر لا يستويان في الدّرجة.ثمّ المؤمنون يختلفون أيضا،فبعضهم أرفع درجة من بعض،و كذلك الكفّار.و الدّرجة:الرّتبة، و من الدّرج،لأنّه يطوي رتبة بعد رتبة.و الأشهر في منازل جهنم دركات؛كما قال: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:145،فلمن لم يغلّ درجات في الجنّة،و لمن غلّ دركات في النّار.

قال أبو عبيدة:جهنّم أدراك،أي منازل.يقال لكلّ منزل منها:درك و درك.و الدّرك إلى أسفل،و الدّرج إلى أعلى.(4:263)

أبو حيّان:...و قال الرّازيّ: تقديره:لهم درجات.

قال بعض المصنّفين رادّا عليه:«اتّبع الرّازيّ في ذلك أكثر المفسّرين بجهله و جهلهم بلسان العرب،لأنّ حذف لام الجرّ هنا لا مساغ له،لأنّه إنّما تحذف لام الجرّ في مواضع الضّرورة،أو لكثرة الاستعمال،و هذا ليس من تلك المواضع.على أنّ المعنى دون حذفها حسن متمكّن جدّا،لأنّه لمّا قال: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ، و كأنّه منتظر للجواب،قيل له في الجواب:لا،ليسوا سواء،بل هم

ص: 177

درجات(عند الله)على حسب أعمالهم.و هذا معنى صحيح لا يحتاج معه إلى تقدير حذف اللاّم،لو كان سائغا،كيف و هو غير سائغ»انتهى كلام هذا المصنّف.

و يحمل تفسير ابن عبّاس و الحسن أنّ المعنى:لكلّ درجات من الجنّة و النّار على تفسير المعنى، لا تفسير اللّفظ الإعرابيّ.و الظّاهر من قولهم:(هم درجات،)أنّ الضّمير عائد على الجميع،فهم متفاوتون في الثّواب و العقاب،و قد جاء التّفاوت في العذاب كما جاء التّفاوت في الثّواب.و معنى عند اللّه على هذا القول:في حكم اللّه.

و قيل:الضّمير يعود على أهل الرّضوان،فيكون عند اللّه معناها التّشريف و المكانة لا المكان،كقوله:

عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ، و الدّرجات إذ ذاك مخصوصة بالجنّة،و هذا معنى قول ابن جبير و أبي صالح و مقاتل، و ظاهر ما قاله مجاهد و السّدّيّ.

و الدّرجات:المنازل بعضها أعلى من بعض في المسافة أو في التّكرمة.

و قرأ الجمهور: (درجات) فهي مطابقة للفظ (هم).و قرأ النّخعيّ (درجة) بالإفراد.(3:102)

الشّربينيّ: (هم درجات)مبتدأ و خبر،أي الفريقان درجات،و لا بدّ من تأويل في الإخبار بالدّرجات عن(هم)،لأنّها ليست إيّاهم،فيجوز أن يكون جعلوا نفس الدّرجات مبالغة،و المعنى:أنّهم متفاوتون في الجزاء على كسبهم،كما أنّ الدّرجات متفاوتة،فهو تشبيه بليغ بحذف الأداة،أي هم مثل الدّرجات في التّفاوت.و يجوز أن يكون على حذف مضاف،أي ذوو درجات،أي أصحاب منازل و رتب في الثواب و العقاب(عند الله،)فلمن اتّبع رضوانه:

الثّواب،و لمن باء بسخطه:العقاب.(1:262)

أبو السّعود :أي طبقات متفاوتة في علمه تعالى و حكمه،شبّهوا في تفاوت الأحوال و تباينها بالدّرجات مبالغة و إيذانا بأنّ بينهم تفاوتا ذاتيّا كالدّرجات أو ذوو درجات.(2:57)

الآلوسيّ: (هم)عائد على الموصولين باعتبار المعنى،و هو مبتدأ،و قوله تعالى:(درجات)خبره، و المراد هم متفاوتون إطلاقا للملزوم على اللاّزم،أو شبّههم بالدّرج في تفاوتهم علوّا و سفلا على سبيل الاستعارة،أو جعلهم نفس الدّرجات مبالغة في التّفاوت،فيكون تشبيها بليغا بحذف الأداة.

و قيل:إنّ الكلام على حذف مضاف،و لا تشبيه، أي(هم)ذوو درجات،أي منازل،أو أحوال متفاوتة، و هذا معنى قول مجاهد.و السّدّيّ:(لهم درجات).

و ذهب بعضهم:أنّ في الآية حينئذ تغليب الدّرجات على الدّركات؛إذ الأوّل للأوّل و الثّاني للثّاني.(4:112)

المراغيّ: أي إنّ كلاّ ممّن اتّبع رضوان اللّه،و من باء بغضب من اللّه طبقات مختلفة،و منازل عند اللّه متفاوتة في حكمه،و بحسب علمه بشئونهم،و بما يستحقّون من الجزاء يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ المؤمن:16.

و الخلاصة:أنّ النّاس يتفاوتون في الجزاء عند اللّه

ص: 178

كما يتفاوتون في الفضائل و المعرفة في الدّنيا،و ما يترتّب على ذلك من الأعمال الحسنة أو السّيّئة.

و هذا التّفاوت على مراتب و درجات يعلو بعضها بعضا،ابتداء من الرّفيق الأعلى الّذي طلبه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في مرض موته،إلى الدّرك الأسفل.

و هذه الدّرجات أثر طبيعيّ لارتقاء الأرواح أو تدلّيها بالأعمال الصّالحة أو السّيّئة.(4:121)

مغنيّة:ضمير(هم)يعود على من اتّبع رضوان اللّه و من باء بسخطه معا.و المعنى:أنّ المطيعين يتفاوتون في الطّاعات من المجاهدين في سبيل اللّه بأنفسهم إلى القاعدين غير أولي الضّرر.

و كذا العاصون يتفاوتون في المعاصي من الجناية إلى الجنحة.فوجب،-و الحال هذه-أن يتفاوت هؤلاء في العقاب،و أولئك في الثّواب.(2:197)

فضل اللّه :لكلّ واحد منهم منزلته و مرتبته تبعا لحجم عمله في خطّ الطّاعة و خطّ المعصية،سواء في ذلك المؤمنون و الكافرون،فقد يختلف المؤمنون في درجاتهم في مواقع القرب من اللّه و الحصول على رضوانه من خلال اختلافهم في درجات المعرفة به و الإيمان به و العمل في سبيله،و قد يختلف الكافرون في منازل سخطه من خلال اختلاف نوعيّة الكفر شدّة و ضعفا،أو في اختلاف طبيعة التّمرّد العمليّ في مواقع المعصية.(6:359)

مكارم الشّيرازيّ: أي إنّ لكلّ واحد منهم درجة بنفسه و مكانة عند اللّه،و هو إشارة إلى أنّه لا يختلف المنافقون عن المجاهدين فقط،بل إنّ لكلّ فرد من أفراد هذين الطّائفتين درجة خاصّة تناسب مدى تضحيته و تفانيه في سبيل اللّه،أو مدى نفاقه و عدائه للّه تعالى.و تبدأ هذه الدّرجات من الصّفر و تستمرّ إلى خارج حدود التّصوّر.

هذا،و قد نقل في رواية عن الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام أنّه قال:«الدّرجة ما بين السّماء و الأرض».

و جاء في حديث آخر:«إنّ أهل الجنّة ليرون أهل علّيّين كما يرى النّجم في أفق السّماء».بيد أنّنا يجب أن نعلم أنّ«الدّرجة»تطلق عادة على تلك الوسيلة الّتي يرتقي بها الإنسان و يصعد إلى مكان مرتفع،في حين أنّ الدّرجات الّتي يستخدمها الإنسان للنّزول من مكان مرتفع إلى مكان منخفض تسمّى«دركا»، و لهذا جاء في شأن الأنبياء عليهم السّلام في سورة البقرة:

الآية:253، وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ و جاء في حقّ المنافقين في سورة النّساء:الآية:145، إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ. و لكن حيث كان البحث في الآية الحاضرة حول كلا الفريقين غلب جانب المؤمنين،فكان التّعبير ب«الدّرجة»دون غيرها؛إذ قيل: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ. (2:591)

3- دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً. النّساء:96

ابن عبّاس: فضائل من اللّه في الدّرجات.(78)

سعيد بن جبير: الدّرجات:الفضائل.

(ابن الجوزيّ 2:175)

ص: 179

ابن محيريز:الدّرجات:سبعون درجة،ما بين الدّرجتين حضر الفرس:الجواد المضمّر سبعين سنة.(الطّبريّ 4:233)

نحوه مقاتل.(ابن الجوزيّ 2:175)

قتادة :الإسلام درجة،و الهجرة في الإسلام درجة،و الجهاد في الهجرة درجة،و القتل في الجهاد درجة.(الطّبريّ 4:233)

السّدّيّ: فضّل اللّه المجاهدين على القاعدين من أولي الضّرر بدرجة واحدة،و فضّل اللّه المجاهدين على القاعدين من غير أولي الضّرر درجات.(213)

فضّلوا بسبعمائة درجة.(الواحديّ 2:104)

ابن زيد :الدّرجات هي السّبع الّتي ذكرها في سورة التّوبة:120،121: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ، فقرأ حتّى بلغ: أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال:هذه السّبع الدّرجات.و كان أوّل شيء،فكانت درجة الجهاد مجملة،فكان الّذي جاهد بماله له اسم في هذه،فلمّا جاءت هذه الدّرجات بالتّفصيل أخرج منها،فلم يكن له منها إلاّ النّفقة، لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ، ليس هذا لصاحب النّفقة. وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً و هذه نفقة القاعد.

(الطّبريّ 4:233)

الطّبريّ: يعني جلّ ثناؤه: دَرَجاتٍ مِنْهُ:

فضائل منه و منازل من منازل الكرامة.

و اختلف أهل التّأويل في معنى«الدّرجات»الّتي قال جلّ ثناؤه: دَرَجاتٍ مِنْهُ:

فقال بعضهم:[و نقل قول قتادة]

و قال آخرون:[و نقل قول ابن زيد]

و قال آخرون:عنى بذلك درجات الجنّة.

و أولى التّأويلات بتأويل قوله: دَرَجاتٍ مِنْهُ أن يكون معنيّا به درجات الجنّة،كما قال ابن محيريز.

لأنّ قوله تعالى ذكره: دَرَجاتٍ مِنْهُ ترجمة و بيان عن قوله: أَجْراً عَظِيماً، و معلوم أنّ«الأجر»،إنّما هو الثّواب و الجزاء.

و إذ كان ذلك كذلك،و كانت«الدّرجات» و«المغفرة»و«الرّحمة»ترجمة عنه،كان معلوما أن لا وجه لقول من وجّه معنى قوله: دَرَجاتٍ مِنْهُ إلى الأعمال و زيادتها على أعمال القاعدين عن الجهاد، كما قال قتادة و ابن زيد.

و إذ كان ذلك كذلك،و كان الصّحيح من تأويل ذلك ما ذكرنا،فبيّن أنّ معنى الكلام:و فضّل اللّه المجاهدين في سبيل اللّه على القاعدين من غير أولي الضّرر،أجرا عظيما،و ثوابا جزيلا،و هو درجات أعطاهموها في الآخرة من درجات الجنّة،رفعهم بها على القاعدين بما أبلوا في ذات اللّه.(4:233)

الزّجّاج: (درجات)في موضع نصب بدلا من قوله: أَجْراً عَظِيماً، و هو مفسّر للآخر،المعنى:

فضّل اللّه المجاهدين درجات و مغفرة و رحمة.و جائز أن يكون منصوبا على التّوكيد ل أَجْراً عَظِيماً، لأنّ الأجر العظيم هو رفع الدّرجات من اللّه جلّ و عزّ و المغفرة و الرّحمة،كما تقول:لك عليّ ألف درهم،لأنّ

ص: 180

قولك:عليّ ألف درهم هو اعتراف،فكأنّك قلت:

أعرفها عرفا،و كأنّه قيل:غفر اللّه لهم مغفرة،و أجرهم أجرا عظيما،لأنّ قوله: أَجْراً عَظِيماً فيه معنى غفر و رحم و فضّل.

و يجوز الرّفع في قوله: دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً، و لو قيل:(درجات منه و مغفرة و رحمة) كان جائزا على إضمار:تلك درجات منه و مغفرة، كما قال جلّ ثناؤه: لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ الأحقاف:35،أي ذلك بلاغ.(2:93)

الطّوسيّ: إن قيل:كيف قال في أوّل الآية:

فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً، ثمّ قال في آخرها: وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ و هذا ظاهر التّناقض؟!

قلنا:عنه جوابان:

أحدهما:أنّ في أوّل الآية فضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أولي الضّرر درجة،و في آخرها فضّلهم على القاعدين غير أولي الضّرر درجات،و لا تناقض في ذلك،لأنّ قوله: وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى يدلّ على أنّ القاعدين لم يكونوا عاصين مستخفّين،و إن كانوا تاركين للفضل.

و الثّاني:قال أبو عليّ الجبّائيّ: أراد بالدّرجة الأولى:علوّ المنزلة و ارتفاع القدر على وجه المدح لهم،كما يقال:فلان أعلى درجة عند الخليفة من فلان، يريدون بذلك أنّه أعظم منزلة.و بالثّانية أراد الدّرجات في الجنّة الّتي تتفاضل بها المؤمنون بعضهم على بعض على قدر استحقاقهم،و لا تنافي بينهما.

و قال الحسين بن عليّ المغربيّ: إنّما كرّر لفظ التّفضيل،لأنّ الأوّل أراد تفضيلهم في الدّنيا على القاعدين،و الثّاني أراد تفضيلهم في الآخرة بدرجات النّعيم.(3:301)

نحوه الطّبرسيّ.(2:97)

القشيريّ: الحقّ سبحانه جمع جميع أوليائه في إفضاله،لكنّه غاير بينهم في الدّرجات،فمن غنيّ و من عبد هو أغنى منه،و من كبير و من هو أكبر منه.هذه الكواكب درّيّة و لكنّ القمر فوقها،و إذا طلعت الشّمس بهرت الجميع بنورها.(2:51)

الزّمخشريّ: إن قلت:قد ذكر اللّه تعالى مفضّلين درجة و مفضّلين درجات،فمن هم؟

قلت:أمّا المفضّلون درجة واحدة فهم الّذين فضّلوا على القاعدين الأضرّاء،و أمّا المفضّلون درجات فالّذين فضّلوا على القاعدين الّذين أذن لهم في التّخلّف اكتفاء بغيرهم،لأنّ الغزو فرض كفاية.

فإن قلت:لم نصب(درجة)و(اجرا) و(درجات ؟)

قلت:نصب قوله:(درجة)لوقوعها موقع المرّة من التّفضيل،كأنّه قيل:فضّلهم تفضيلة واحدة.

و نظيره قولك:ضربه سوطا،بمعنى ضربه ضربة.

و أمّا(اجرا)فقد انتصب ب(فضل،)لأنّه في معنى أجرهم أجرا،و(درجات)و(مغفرة) و(رحمة:)بدل من(اجرا.)و يجوز أن ينتصب (درجات)نصب(درجة،)كما تقول:ضربه

ص: 181

أسواطا بمعنى ضربات،كأنّه قيل:و فضّله تفضيلات.

و نصب أَجْراً عَظِيماً على أنّه حال عن النّكرة الّتي هي(درجات)مقدّمة عليها.و انتصب (مغفرة)و(رحمة)بإضمار فعلهما،بمعنى و غفر لهم و رحمهم مغفرة و رحمة.(1:556)

ابن عطيّة: [نقل بعض الأقوال و أضاف:]

درجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه[يعني ما قال ابن زيد]،لكن يجمعها بذل النّفس،و الاعتمال بالبدن و المال،في أن تكون كلمة اللّه هي العليا.

و لا شكّ أنّ بحسب مراتب الأعمال و درجاتها تكون مراتب الجنّة و درجاتها،فالأقوال كلّها متقاربة.

و باقي الآية وعد كريم و تأنيس.

و نصب(درجات)إمّا على البدل من الأجر، و إمّا على إضمار فعل على أن تكون تأكيدا للأجر، كما تقول:لك عليّ ألف درهم عرفا،كأنّك قلت:

أعرفها عرفا.(2:98)

الفخر الرّازيّ: لقائل أن يقول:إنّه تعالى ذكر أوّلا(درجة،)و هاهنا (درجات،)و جوابه من وجوه:

الأوّل:المراد بالدّرجة ليس هو الدّرجة الواحدة بالعدد،بل بالجنس،و الواحد بالجنس يدخل تحته الكثير بالنّوع؛و ذلك هو الأجر العظيم،و الدّرجات الرّفيعة في الجنّة:المغفرة و الرّحمة.

الثّاني:أنّ المجاهد أفضل من القاعد الّذي يكون من الأضرّاء بدرجة،و من القاعد الّذي يكون من الأصحّاء بدرجات.و هذا الجواب إنّما يتمشّى إذا قلنا بأنّ قوله: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ لا يوجب حصول المساواة بين المجاهدين و بين القاعدين الأضرّاء.

الثّالث:فضّل اللّه المجاهدين في الدّنيا بدرجة واحدة و هي الغنيمة،و في الآخرة بدرجات كثيرة في الجنّة بالفضل و الرّحمة و المغفرة.

الرّابع:قال في أوّل الآية: وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً و لا يمكن أن يكون المراد من هذا المجاهد هو المجاهد بالمال و النّفس فقط،و إلاّ حصل التّكرار،فوجب أن يكون المراد منه:

من كان مجاهدا على الإطلاق في كلّ الأمور،أعني في عمل الظّاهر،و هو الجهاد بالنّفس و المال و القلب، و هو أشرف أنواع المجاهدة،كما قال عليه السّلام:«رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».و حاصل هذا الجهاد،صرف القلب من الالتفات إلى غير اللّه إلى الاستغراق في طاعة اللّه.و لمّا كان هذا المقام أعلى ممّا قبله،لا جرم جعل فضيلة الأوّل درجة،و فضيلة هذا الثّاني درجات.(11:9)

نحوه النّيسابوريّ.(5:122)

الرّازيّ: [نحو الوجه الأوّل للطّوسيّ](54)

القرطبيّ: قوله تعالى: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً، و قد قال بعد هذا: دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً، فقال قوم:التّفضيل بالدّرجة،ثمّ بالدّرجات،إنّما هو مبالغة و بيان و تأكيد.

و قيل:فضّل اللّه المجاهدين على القاعدين من أولي الضّرر بدرجة واحدة،و فضّل اللّه المجاهدين على

ص: 182

القاعدين من غير عذر درجات،قاله ابن جريج و السّدّيّ و غيرهما.

و قيل:إنّ معنى(درجة)علوّ،أي أعلى ذكرهم، و رفعهم بالثّناء و المدح و التّقريظ.فهذا معنى درجة، و درجات يعني في الجنّة...

و(درجات)بدل من(اجر)و تفسير له،و يجوز نصبه أيضا على تقدير الظّرف،أي فضّلهم بدرجات، و يجوز أن يكون توكيدا لقوله: أَجْراً عَظِيماً لأنّ الأجر العظيم هو الدّرجات و المغفرة و الرّحمة.و يجوز الرّفع،أي ذلك درجات.و(اجرا)نصب ب (فضل،)و إن شئت كان مصدرا و هو أحسن، و لا ينتصب ب(فضل)لأنّه قد استوفى مفعوليه، و هما قوله: اَلْمُجاهِدِينَ و عَلَى الْقاعِدِينَ، و كذا(درجة.)فالدّرجات منازل بعضها أعلى من بعض.و في الصّحيح عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم:«إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها اللّه للمجاهدين في سبيله بين الدّرجتين كما بين السّماء و الأرض».(5:344)

البيضاويّ: دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً كلّ واحد منها بدل من(اجرا،)و يجوز أن ينتصب (درجات)على المصدر،كقولك:ضربته أسواطا، و(اجرا)على الحال منها تقدّمت عليها،لأنّها نكرة، و(مغفرة و رحمة)على المصدر بإضمار فعليهما.

كرّر تفضيل المجاهدين و بالغ فيه إجمالا و تفصيلا تعظيما للجهاد و ترغيبا فيه.

و قيل:الأوّل ما خوّلهم في الدّنيا من الغنيمة و الظّفر و جميل الذّكر،و الثّاني ما جعل لهم في الآخرة.

و قيل:المراد بالدّرجة الأولى:ارتفاع منزلتهم عند اللّه سبحانه و تعالى،و بالدّرجات:منازلهم في الجنّة.

و قيل:القاعدون الأوّل:هم الأضرّاء،و القاعدون الثّاني:هم الّذين أذن لهم في التّخلّف اكتفاء بغيرهم.

و قيل:المجاهدون الأوّلون:من جاهد الكفّار، و الآخرون:من جاهد نفسه،و عليه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

«رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».(1:238)

نحوه النّسفيّ.(1:245)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ المفضّل عليهم هم القاعدون غير أولي الضّرر،لأنّهم هم الّذين نفى التّسوية بينهم، فذكر ما امتازوا به عليهم،و هو تفضيلهم عليهم بدرجة.فهذه الجملة بيان للجملة الأولى جواب سؤال مقدّر،كأنّ قائلا قال:ما لهم لا يستوون؟فقيل:فضّل اللّه المجاهدين،و المفضّل عليهم هنا(درجة)هم المفضّل عليهم آخرا(درجات،)و ما بعدها و هم القاعدون غير أولي الضّرر.

و تكرّر التّفضيلان باعتبار متعلّقهما،فالتّفضيل الأوّل بالدّرجة هو ما يؤتى في الدّنيا من الغنيمة، و التّفضيل الثّاني هو ما يخوّلهم في الآخرة.فنبّه بإفراد الأوّل،و جمع الثّاني على أنّ ثواب الدّنيا في جنب ثواب الآخرة يسير.

و قيل:المجاهدون تتساوى رتبهم في الدّنيا بالنّسبة إلى أحوالهم،كتساوي القاتلين بالنّسبة إلى أخذ سلب من قتلوه،و تساوي نصيب كلّ واحد من الفرسان، و نصيب كلّ واحد من الرّجال،و هم في الآخرة

ص: 183

متفاوتون بحسب إيمانهم،فلهم درجات بحسب استحقاقهم؛فمنهم من يكون له الغفران،و منهم من يكون له الرّحمة فقط.فكان الرّحمة أدنى المنازل، و المغفرة فوق الرّحمة،ثمّ بعد الدّرجات على الطّبقات، و على هذا نبّه بقوله: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ آل عمران:163،و منازل الآخرة تتفاوت.

و قيل:الدّرجة:المدح و التّعظيم،و الدّرجات:

منازل الجنّة.

و قيل:المفضّل عليهم أوّلا غير المفضّل عليهم ثانيا؛فالأوّل:هم القاعدون بعذر،و الثّاني:هم القاعدون بغير عذر،و لذلك اختلف المفضّل به:ففي الأوّل درجة،و في الثّاني درجات.و إلى هذا ذهب ابن جريج،و هو من لا يستوي عنده أولو الضّرر و المجاهدون.

و قيل:اختلف الجهادان،فاختلف ما فضّل به؛ و ذلك أنّ الجهاد جهادان:صغير،و كبير.فالصّغير مجاهدة الكفّار،و الكبير مجاهدة النّفس.و على ذلك دلّ قوله عليه السّلام:«رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».و إنّما كان مجاهدة النّفس أعظم،لأنّ من جاهد نفسه فقد جاهد الدّنيا،و من غلب الدّنيا هانت عليه مجاهدة الأعداء،فخصّ مجاهدة النّفس بالدّرجات تعظيما لها.

و قد تناقض الزّمخشريّ في تفسير(القاعدين،) فقال: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ جملة موضحة لما نفى من استواء القاعدين و المجاهدين،كأنّه قيل:ما لهم لا يستوون؟فأجيب بذلك:و المعنى على القاعدين غير أولي الضّرر،لكون الجملة بيانا للجملة الأولى المتضمّنة لهذا الوصف.

ثمّ قال:فإن قلت:قد ذكر اللّه تعالى مفضّلين درجة و مفضّلين درجات،من هم؟

قلت:أمّا المفضّلون درجة واحدة فهم الّذين فضّلوا على القاعدين الأضرّاء،و أمّا المفضّلون درجات فالّذين فضّلوا على القاعدين الّذين أذن لهم في التّخلّف اكتفاء بغيرهم،لأنّ الغزو فرض كفاية.

انتهى كلامه.

فقال:أوّلا المعنى على القاعدين غير أولي الضّرر، و قال في هذا الجواب:على القاعدين الأضرّاء،و هذا تناقض.و الظّاهر أنّ قوله:(درجات)لا يراد به عدد مخصوص،بل ذلك على حسب اختلاف المجاهدين.

[إلى أن قال:]

و ذهب بعض العلماء إلى أنّ قوله: وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً* دَرَجاتٍ مِنْهُ، هو على سبيل التّوكيد،لا أنّ مدلول(درجة) مخالف لمدلول(درجات)في المعنى،بل هما سواء في المعنى.قال تعالى: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ لا يراد بها شيء واحد،بل أشياء.

و كرّر التّفضيل للتّأكيد و التّرغيب في أمر الجهاد، و إلى هذا ذهب الماتريديّ،قال:«و في الآية دلالة على أنّ الجهاد فرض كفاية؛حيث يسقط بقيام بعض، و إن كان خطاب قوله: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ يعمّ» انتهى.[إلى أن قال:]

قيل:«الدّرجات»باعتبار المنازل الرّفيعة بعد

ص: 184

إدخال الجنّة،و«المغفرة»باعتبار ستر الذّنب، و«الرّحمة»باعتبار دخول الجنّة.و الظّاهر أنّ هذا التّفضيل الخاصّ للمجاهد بنفسه و ماله،و من تفرّد بأحدهما ليس كذلك.و من المعلوم أنّ من جاهد، و من أنفق ماله في الجهاد،ليس كمن جاهد بنفقة من عند غيره.

و في انتصاب(درجة)و(درجات)وجوه:

أحدها:أنّهما ينتصبان انتصاب المصدر،لوقوع (درجة)موقع المرّة في التّفضيل،كأنّه قيل:فضّلهم تفضيلة.كما تقول:ضربته سوطا،و وقوع (درجات)موقع تفضيلات،كما تقول:ضربته أسواطا،تعني ضربات.

و الثّاني:أنّهما ينتصبان انتصاب الحال،أي ذوي درجة،و ذوي درجات.

و الثّالث:على تقدير حرف الجرّ،أي بدرجة و بدرجات.

و الرّابع:أنّهما انتصبا على معنى الظّرف؛إذ وقعا موقعه،أي في درجة و في درجات.

و قيل:انتصاب(درجات)على البدل من (اجرا،)قيل: وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً معطوفان على (درجات.)و قيل:انتصبا بإضمار فعلهما،أي غفر ذنبهم مغفرة،و رحمهم رحمة.[إلى أن نقل كلام ابن عطيّة في وجه نصب(درجات)و قال:]و هذا فيه نظر.(3:331)

أبو السّعود :قوله تعالى:(درجات)بدل من (اجرا)بدل الكلّ مبيّن لكمّيّة التّفضيل.و قوله تعالى:(منه)متعلّق بمحذوف وقع صفة ل(درجات) دالّة على فخامتها و جلالة قدرها،أي درجات كائنة منه تعالى.

و يجوز أن يكون انتصاب(درجات)على المصدريّة،كما في قولك:ضربه أسواطا،أي ضربات، كأنّه قيل:فضّلهم تفضيلا.و قوله تعالى:(و مغفرة) بدل من(اجرا)بدل البعض،لأنّ بعض الأجر ليس من باب المغفرة،أي مغفرة لما فرط منهم من الذّنوب الّتي لا يكفّرها سائر الحسنات،الّتي يأتي بها القاعدون أيضا حتّى تعدّ من خصائصهم.و قوله تعالى:

(و رحمة)بدل الكلّ من(اجرا)مثل (درجات.)و يجوز أن يكون انتصابهما بإضمار فعلهما،أي غفر لهم مغفرة و رحمهم رحمة.

هذا،و لعلّ تكرير التّفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة،و تقييده تارة ب(درجة،)و أخرى ب(درجات)-مع اتّحاد المفضّل و المفضّل عليه، حسبما يقتضيه الكلام و يستدعيه حسن النّظام- إمّا لتنزيل الاختلاف العنوانيّ بين التّفضيلين و بين الدّرجة و الدّرجات منزلة الاختلاف الذّاتيّ تمهيدا لسلوك طريق الإبهام،ثمّ التّفسير روما لمزيد التّحقيق و التّقرير،كما في قوله تعالى: وَ لَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ نَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ هود:58،كأنّه قيل:فضّل اللّه المجاهدين على القاعدين درجة لا يقادر قدرها و لا يبلغ كنهها.و حيث كان تحقّق هذا البون البعيد بينهما موهما لحرمان القاعدين،قيل: وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ

ص: 185

اَلْحُسْنى، ثمّ أريد تفسير ما أفاده التّنكير بطريق الإبهام؛بحيث يقطع احتمال كونه للوحدة،فقيل ما قيل،و للّه درّ شأن التّنزيل.

و إمّا للاختلاف بالذّات بين التّفضيلين و بين الدّرجة و الدّرجات،على أنّ المراد بالتّفضيل الأوّل:

ما خوّلهم اللّه تعالى عاجلا في الدّنيا من الغنيمة و الظّفر و الذّكر الجميل الحقيق بكونه درجة واحدة، و بالتّفضيل الثّاني:ما أنعم به في الآخرة من الدّرجات العالية الفائتة للحصر،كما ينبئ عنه تقديم الأوّل و تأخير الثّاني و توسيط الوعد بالجنّة بينهما،كأنّه قيل:و فضّلهم عليهم في الدّنيا درجة واحدة و في الآخرة درجات لا تحصى،و قد وسّط بينهما في الذّكر ما هو متوسّط بينهما في الوجود،أعني الوعد بالجنّة توضيحا لحالهما و مسارعة إلى تسلية المفضول،و اللّه سبحانه أعلم.

هذا ما بين المجاهدين و بين القاعدين غير أولى الضّرر،و أمّا أولو الضّرر فهم مساوون للمجاهدين عند القائلين بمفهوم الصّفة،و بأنّ الاستثناء من النّفي إثبات.و أمّا عند من لا يقول بذلك،فلا دلالة لعبارة النّصّ عليه.و قد روي عن رسول اللّه:«لقد خلّفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا و لا قطعتم واديا إلاّ كانوا معكم»،و هم الّذين صحّت نيّاتهم و نصحت جيوبهم و كانت أفئدتهم تهوى إلى الجهاد،و بهم ما يمنعهم من المسير من ضرر أو غيره.

و بعبارة أخرى:«إنّ في المدينة لأقواما ما سرتم من مسير و لا قطعتم من واد إلاّ كانوا معكم فيه»، قالوا:يا رسول اللّه و هم بالمدينة؟قال:«نعم،و هم بالمدينة حبسهم العذر»،قالوا:هذه المساواة مشروطة بشريطة أخرى سوى الضّرر قد ذكرت في قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى إلى قوله: إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَ رَسُولِهِ الآية:91.

و قيل:القاعدون الأوّل هم الأضرّاء،و الثّاني غيرهم.و فيه من تفكيك النّظم الكريم ما لا يخفى، و لا ريب في أنّ الأضرّاء أفضل من غيرهم درجة،كما لا ريب في أنّهم دون المجاهدين بحسب الدّرجة الدّنيويّة.(2:185)

نحوه البروسويّ.(2:266)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أبي حيّان]

(5:123)

ابن عاشور :انتصب(درجات)على البدل من قوله: أَجْراً عَظِيماً، أو على الحال باعتبار وصف (درجات)بأنّها منه،أي من اللّه.

و جمع(درجات)لإفادة تعظيم الدّرجة،لأنّ الجمع لما فيه من معنى الكثرة تستعار صيغته لمعنى القوّة.[ثمّ استشهد بشعر](4:230)

الطّباطبائيّ: هذا التّفضيل بمنزلة البيان و الشّرح لإجمال التّفضيل المذكور أوّلا،و يفيد مع ذلك فائدة أخرى،و هي الإشارة إلى أنّه لا ينبغي للمؤمنين أن يقنعوا بالوعد الحسن الّذي يتضمّنه قوله:

وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى، فيتكاسلوا في الجهاد في سبيل اللّه،و الواجب من السّعي في إعلاء كلمة الحقّ و إزهاق الباطل،فإنّ فضل المجاهدين على القاعدين

ص: 186

بما لا يستهان به من درجات المغفرة و الرّحمة.

و أمر الآية في سياقها عجيب:أمّا أوّلا:فلأنّها قيّدت المجاهدين أوّلا بقوله: فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ، و ثانيا بقوله: بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ و ثالثا أوردته من غير تقييد.و أمّا ثانيا:فلأنّها ذكرت في التّفضيل أوّلا أنّها درجة،و ثانيا أنّها درجات منه.

أمّا الأوّل فلأنّ الكلام في الآية مسوق لبيان فضل الجهاد على القعود،و الفضل إنّما هو للجهاد إذا كان في سبيل اللّه،لا في سبيل هوى النّفس،و بالسّماحة و الجود بأعزّ الأشياء عند الإنسان و هو المال،و بما هو أعزّ منه و هو النّفس،و لذلك قيل أوّلا:

وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ ليتبيّن بذلك الأمر كلّ التّبيّن،و يرتفع به اللّبس.ثمّ لمّا قيل: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً لم تكن حاجة إلى ذكر القيود من هذه الجهة،لأنّ اللّبس قد ارتفع بما تقدّمه من البيان،غير أنّ الجملة لمّا قارنت قوله: وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى مسّت حاجة الكلام إلى بيان سبب الفضل،و هو إنفاق المال و بذل النّفس على حبّهما، فلذا اكتفى بذكرهما قيدا للمجاهدين،فقيل:

اَلْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ، و أمّا قوله ثالثا:

وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً فلم يبق فيه حاجة إلى ذكر القيود أصلا،لا جميعها و لا بعضها،و لذلك تركت كلاّ.

و أمّا الثّاني فقوله: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً، (درجة) منصوب على التّمييز،و هو يدلّ على أنّ التّفضيل من حيث الدّرجة و المنزلة،من غير أن يتعرّض أنّ هذه الدّرجة الموجبة للفضيلة واحدة أو أكثر.و قوله:

وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * دَرَجاتٍ مِنْهُ كأنّ لفظة(فضل)فيه مضمّنة معنى الإعطاء أو ما يشابهه،و قوله: دَرَجاتٍ مِنْهُ بدل أو عطف بيان لقوله: أَجْراً عَظِيماً و المعنى و أعطى اللّه المجاهدين أجرا عظيما،مفضّلا إيّاهم على القاعدين، معطيا أو مثيبا لهم أجرا عظيما،و هو الدّرجات من اللّه.

فالكلام يبيّن بأوّله أنّ فضل المجاهدين على القاعدين بالمنزلة من اللّه،مع السّكوت عن بيان أنّ هذه المنزلة واحدة أو كثيرة،و يبيّن بآخره أنّ هذه المنزلة ليست منزلة واحدة بل منازل و درجات كثيرة،و هي الأجر العظيم الّذى يثاب به المجاهدون.

و لعلّ ما ذكرنا يدفع به ما استشكلوه من إيهام التّناقض في قوله:أوّلا(درجة،)و ثانيا دَرَجاتٍ مِنْهُ، و قد ذكر المفسّرون للتّخلّص من الإشكال وجوها لا يخلو جلّها أو كلّها من تكلّف.

منها:أنّ المراد بالتّفضيل في صدر الآية تفضيل المجاهدين على القاعدين أولي الضّرر بدرجة،و في ذيل الآية تفضيل المجاهدين على القاعدين غير أولي الضّرر بدرجات.

و منها:أنّ المراد ب«الدّرجة»في صدر الآية:

المنزلة الدّنيويّة،كالغنيمة و حسن الذّكر و نحوهما، و ب«الدّرجات»في آخر الآية:المنازل الأخرويّة،

ص: 187

و هي أكثر بالنّسبة إلى الدّنيا،قال تعالى: وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ الإسراء:21.

و منها:أنّ المراد ب«الدّرجة»في صدر الآية:

المنزلة عند اللّه،و هي أمر معنوىّ،و ب«الدّرجات»في ذيل الآية:منازل الجنّة و درجاتها الرّفيعة و هي حسّيّة،و أنت خبير بأنّ هذه الأقوال لا دليل عليها من جهة اللّفظ.

و الضّمير في قوله:(منه)لعلّه راجع إلى اللّه سبحانه،و يؤيّده قوله وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً بناء على كونه بيانا للدّرجات،و المغفرة و الرّحمة من اللّه،و يمكن رجوع الضّمير إلى الأجر المذكور قبلا.(5:46)

عبد الكريم الخطيب :[له كلام سيأتي في «ض ر ر»](3:875)

فضل اللّه :إنّ الصّعوبات الّتي تواجه المجاهدين، و المتاعب الّتي يتحمّلونها،ترفعهم عند اللّه دَرَجاتٍ مِنْهُ، لأنّ علوّ الدّرجة يتبع صعوبة المعاناة و روعة التّضحية.(7:413)

مكارم الشّيرازيّ: لقد ذكرت الآية في البداية تفوّق المجاهدين على القاعدين بعبارة مفردة،و هي (درجة،)بينما في الآية التّالية جاءت هذه العبارة بصيغة الجمع(درجات،)و جليّ أن لا تناقض بين هاتين العبارتين،لأنّ القصد من العبارة الأولى تبيان تفوّق المجاهدين على غيرهم،و لكنّ العبارة الثّانية تشرح هذا التّفوّق حين تقترن بذكر عبارات المغفرة و الرّحمة.و بعبارة أخرى فإنّ الفرق بين هاتين العبارتين(درجة)و(درجات،)هو الفرق بين المجمل و المفصّل.

كما يمكن الاستفادة من عبارة(درجات)على أنّها تعني أنّ المجاهدين ليسوا كلّهم في درجة أو مستوى واحد،بل تختلف درجاتهم باختلاف درجة إخلاصهم و تفانيهم و تحمّلهم للمشاقّ،و تختلف بذلك منزلتهم المعنويّة،لأنّه من البديهيّ أنّ الّذين يجاهدون الأعداء في صفّ واحد،ليسوا جميعا بمستوى جهاديّ واحد،كلّها تختلف درجات الإخلاص لدى كلّ واحد منهم بالقياس إلى أمثالهم،و لذلك فإنّ لكل واحد منهم ثوابا خاصّا به،يتناسب مع عمله الجهاديّ و نيّته في هذا العمل.(3:353)

4- وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. الأنعام:83

ابن عبّاس: فضائل بالقدرة و المنزلة و الحجّة و بعلم التّوحيد.(114)

الطّبريّ: اختلفت القراء في قراءة ذلك:

فقرأته عامّة قرأة الحجاز و البصرة (نرفع درجات من نشاء) ،بإضافة«الدّرجات»إلى(من)بمعنى نرفع الدّرجات لمن نشاء.

و قرأ ذلك عامّة قرأة الكوفة نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ بتنوين الدّرجات،بمعنى نرفع من نشاء درجات.

و«الدّرجات»جمع درجة،و هي المرتبة.و أصل ذلك مراقي السّلّم و درجه،ثمّ تستعمل في ارتفاع المنازل و المراتب.

ص: 188

و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال:هما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمّة من القراء، متقارب معناهما.و ذلك أنّ من رفعت درجته،فقد رفع في الدّرج،و من رفع في الدّرج،فقد رفعت درجته، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب الصّواب في ذلك.

(5:255)

الثّعلبيّ: بالعلم.(4:166)

مثله البغويّ.(2:141)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه:

أحدها:عند اللّه بالوصول لمعرفته.

و الثّاني:على الخلق بالاصطفاء لرسالته.

و الثّالث:بالسّخاء.

و الرّابع:بحسن الخلق.

و فيه تقديم و تأخير،و تقديره:نرفع من نشاء درجات.(2:139)

الطّوسيّ: [نقل القراءتين نحو ما تقدّم عن الطّبريّ و أضاف:]

و قوله: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ من المؤمنين الّذين يؤمنون باللّه و يطيعونه و يبلغون من الإيمان و الدّعاء إلى اللّه منزلة عظيمة و أعلى درجة ممّن لم يبلغ من الإيمان مثل منزلتهم...(4:206)

الواحديّ: أي بالعلم و الفهم و الفضيلة و العقل، كما رفعنا درجة إبراهيم حتّى اهتدى،و حاجّ قومه في التّوحيد.(2:294)

الزّمخشريّ: يعني في العلم و الحكمة.(2:33)

مثله البيضاويّ(1:319)،و النّسفيّ(2:21)، و الشّربينيّ(1:433)،و الكاشانيّ(2:136)، و البروسويّ(3:58).

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:...

المسألة الرّابعة:قرأ عاصم و حمزة و الكسائيّ درجات بالتّنوين من غير إضافة،و الباقون بالإضافة،فالقراءة الأولى معناها:نرفع من نشاء درجات كثيرة،فيكون(من)في موضع النّصب.قال ابن مقسم:هذه القراءة أدلّ على تفضيل بعضهم على بعض في المنزلة و الرّفعة.و قال أبو عمرو:الإضافة تدلّ على الدّرجة الواحدة و على الدّرجات الكثيرة و التّنوين لا يدلّ إلاّ على الدّرجات الكثيرة.

المسألة الخامسة:اختلفوا في تلك الدّرجات:

قيل:درجات أعماله في الآخرة.

و قيل:تلك الحجج درجات رفيعة،لأنّها توجب الثّواب العظيم.

و قيل:نرفع من نشاء في الدّنيا بالنّبوّة و الحكمة، و في الآخرة بالجنّة و الثّواب.

و قيل:نرفع درجات من نشاء بالعلم.(13:62)

القرطبيّ: أي بالعلم و الفهم و الإمامة و الملك.

و قرأ الكوفيّون درجات بالتّنوين.-و مثله في يوسف:76-أوقعوا الفعل على(من)لأنّه المرفوع في الحقيقة،التّقدير:و نرفع من نشاء إلى درجات،ثمّ حذفت«إلى».و قرأ أهل الحرمين و أبو عمرو بغير تنوين على الإضافة،و الفعل واقع على«الدّرجات»، إذا رفعت فقد رفع صاحبها.يقوّي هذه القراءة قوله تعالى: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ المؤمن:15،و قوله عليه السّلام:

ص: 189

«اللّهمّ ارفع درجته»،فأضاف الرّفع إلى الدّرجات.

و هو لا إله إلاّ هو الرّفيع المتعالي في شرفه و فضله.

فالقراءتان متقاربتان،لأنّ من رفعت درجاته فقد رفع،و من رفع فقد رفعت درجاته،فاعلم.

(7:30)

النّيسابوريّ: بجذبات الألوهيّة عن حضيض الأنانيّة اللّه حسبي.(7:148)

أبو حيّان :أي مراتب و منزلة من نشاء.و أصل الدّرجات:في المكان و رفعها بالمعرفة أو بالرّسالة أو بحسن الخلق،أو بخلوص العمل في الآخرة أو بالنّبوّة و الحكمة في الدّنيا أو بالثّواب و الجنّة في الآخرة،أو بالحجّة و البيان،أقوال أقربها الأخير لسياق الآية.

(4:172)

أبو السّعود :أي رتبا عظيمة عالية من العلم و الحكمة و انتصابها على المصدريّة أو الظّرفيّة،أو على نزع الخافض أي إلى درجات،أو على التّمييز.

(2:409)

نحوه الآلوسيّ.(7:209)

المراغيّ: أي إنّنا نرفع من شئنا من عبادنا درجات بعد أن لم يكونوا على درجة منها،فالعلم درجة كمال،و الحكمة درجة كمال،و قوّة العارضة في الحجاج درجة كمال،و السّيادة و الحكم بالحقّ كذلك،و النّبوّة و الرّسالة أعلى كلّ هذه الدّرجات، لأنّها تشتمل عليها و تزيد.

و اللّه يرفع درجات من يؤتيهم ذلك بتوفيق صاحب الدّرجة الكسبيّة إلى ما به ترتقي درجته، و يصرف موانع هذا الارتقاء عنه،و يؤتي ذا الدّرجة الوهبيّة«النّبوّة»ما لم يؤت غيره من أهل المناقب و الآيات تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ. البقرة:

253.(7:179)

ابن عاشور :جملة: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ حال من ضمير الرّفع في(آتيناها،)أو مستأنفة لبيان أنّ مثل هذا الإيتاء تفضيل للمؤتى و تكرمة له.و رفع الدّرجات تمثيل لتفضيل الشّأن،شبّهت حالة المفضّل على غيره بحال المرتقي في سلّم إذا ارتفع من درجة إلى درجة،و في جميعها رفع.و كلّ أجزاء هذا التّمثيل صالح لاعتبار تفريق التّشبيه،فالتّفضيل يشبه الرّفع، و الفضائل المتفاوتة تشبه الدّرجات،و وجه الشّبه عزّة حصول ذلك لغالب النّاس.

و قرأ نافع،و ابن كثير،و أبو عمرو،و ابن عامر، و أبو جعفر،بإضافة(درجات)إلى(من).فإضافة الدّرجات إلى اسم الموصول باعتبار ملابسة المرتقي في الدّرجة لها،لأنّها إنّما تضاف إليه إذا كان مرتقيا عليها.و الإتيان بصيغة الجمع في(درجات)باعتبار صلاحيّة(من نشاء)لأفراد كثيرين متفاوتين في الرّفعة.و دلّ فعل المشيئة على أنّ التّفاضل بينهم بكثرة موجبات التّفضيل،أو الجمع باعتبار أنّ المفضّل الواحد يتفاوت حاله في تزايد موجبات فضله.و قرأه البقيّة بتنوين(درجات،)فيكون تمييزا لنسبة الرّفع، باعتبار كون الرّفع مجازا في التّفضيل.و الدّرجات مجازا في الفضائل المتفاوتة.

ص: 190

و دلّ قوله:(من نشاء)على أنّ هذا التّكريم لا يكون لكلّ أحد،لأنّه لو كان حاصلا لكلّ النّاس لم يحصل الرّفع و لا التّفضيل.(6:190)

الطّباطبائيّ: الدّرجات-كما قيل-هي مراقي السّلّم،ثمّ توسّع فيها فأطلق على مراتب الكمال من المعنويّات،كالعلم و الإيمان و الكرامة و الجاه و غير ذلك.فرفعه تعالى من يشاء من عباده درجات من الرّفع،هو تخصيصه بكمالات معنويّة و فضائل حقيقيّة في الخيرات الكسبيّة كالعلم و التّقوى،و غير الكسبيّة كالنّبوّة و الرّسالة و الرّزق و غيرها.

و«الدّرجات»لكونها نكرة في سياق الايجاب مهملة غير مطلقة،غير أنّ المتيقّن من معناها بالنّظر إلى خصوص المورد هو درجات العلم و الهداية فقد رفع اللّه إبراهيم عليه السّلام بهدايته و إراءته ملكوت السّماوات و الأرض،و إيتائه اليقين و الحجّة القاطعة،و الجميع من العلم،و قد قال تعالى في درجات العلم: يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ المجادلة:11.(7:204)

5- وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ. الأنعام:132

ابن عبّاس: للمؤمنين في الجنّة من الإنس و الجنّ، و دركات للكافرين في النّار.(119)

نحوه ابن عطيّة.(2:347)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و لكلّ عامل في طاعة اللّه أو معصيته منازل و مراتب من عمله.

(5:347)

نحوه المراغيّ.(8:36)

الثّعلبيّ: يعني بالثّواب و العقاب على قدر أعمالهم في الدّنيا منهم من هو أشدّ عذابا و منهم من هو أجزل ثوابا.(4:192)

مثله البغويّ.(2:161)

الماورديّ: معناه:و لكلّ عامل بطاعة اللّه أو معصيته درجات،يعني منازل.و إنّما سمّيت درجات لتفاضلها كتفاضل الدّرج في الارتفاع و الانحطاط.

و فيها وجهان:

أحدهما:أنّ المقصود بها الأعمال المتفاضلة.

و الثّاني:أنّ المقصود بها الجزاء المتفاضل.

و يحتمل هذا التّفضيل بالدّرجات على أهل الجنّة و أهل النّار،لأنّ أهل النّار يتفاضلون في العقاب بحسب تفاضلهم في السّيّئات،كما يتفاضل أهل الجنّة في الثّواب لتفاضلهم في الحسنات،لكن قد يعبّر عن تفاضل أهل الجنّة بالدّرج،و عن تفاضل أهل النّار بالدّرك،فإذا جمع بينهما بالتّفاضل عبّر عن تفاضلهما بالدّرج تغليبا لصفة أهل الجنّة.(2:172)

نحوه الطّبرسيّ(2:368)،و ابن الجوزيّ(3:

126)،و البروسويّ: (3:107).

الطّوسيّ: «الدّرجات»يحتمل أمرين:أحدهما:

الجزاء،و الثّاني:الأعمال.فإذا وجّهت إلى الجزاء كان تقديره:و لكلّ درجات جزاء من أجل ما عملوا،و إذا حمّل على الأعمال كان تقديره:و لكلّ درجات أعمال من أعمالهم.و إنّما مثّل الأعمال بالدّرجات ليبيّن أنّه و إن عمّ أحد قسميها صفة الحسن،و عمّ

ص: 191

الآخر صفة القبيح،فليست في المراتب سواء،و أنّه بحسب ذلك يقع الجزاء،فالأعظم من العقاب للأعظم من المعاصي،و الأعظم من الثّواب للأعظم من الطّاعات.(4:302)

الواحديّ: و لكلّ عامل بطاعة اللّه درجات جزاء من أجل ما عملوا.(2:324)

الفخر الرّازيّ: في الآية قولان:

القول الأوّل:أنّ قوله: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا عامّ في المطيع و العاصي،و التّقدير:و لكلّ عامل عمل فله في عمله درجات،فتارة يكون في درجة ناقصة،و تارة يترقّى منها إلى درجة كاملة، و أنّه تعالى عالم بها على التّفصيل التّامّ،فرتّب على كلّ درجة من تلك الدّرجات ما يليق به من الجزاء،إن خيرا فخير،و إن شرّا فشرّ.

و القول الثّاني:أنّ قوله: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا مختصّ بأهل الطّاعة،لأنّ لفظ الدّرجة لا يليق إلاّ بهم.

و قوله: وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ مختصّ بأهل الكفر و المعصية.و الصّواب هو الأوّل.

(13:198)

ابن عربيّ: في القرب و البعد من أعمالهم الّتي عملوها.(1:407)

القرطبيّ: أي و لكلّ عامل بطاعة درجات في الثّواب،و لكلّ عامل بمعصية دركات في العقاب.

(7:88)

أبو حيّان :أي و لكلّ من المكلّفين مؤمنهم و كافرهم درجات متفاوتة من جزاء أعمالهم و تفاوتها بنسبة بعضهم إلى بعض،أو بنسبة عمل كلّ عامل، فيكون هو في درجة فيترقّى إلى أخرى كاملة ثمّ إلى أكمل.و الظّاهر اندراج الجنّ في العموم في الجزاء،كما اندرجوا في التّكليف،و في إرسال الرّسل إليهم.

(4:224)

الشّربينيّ: أي جزاء.(1:450)

أبو السّعود :درجات متفاوتة و طبقات متباينة ممّا عملوا من أعمالهم صالحة كانت أو سيّئة فإنّ أعمالهم درجات في أنفسها أو من جزاء أعمالهم فإنّ كلّ جزاء مرتبة معيّنة لهم أو من أجل أعمالهم.

(2:446)

نحوه الآلوسيّ.(8:29)

ابن عاشور :«الدّرجات»هي ما يرتقى عليه من أسفل إلى أعلى،في سلّم أو بناء،و إن قصد بها النّزول إلى محلّ منخفض من جبّ أو نحوه فهي دركات،و لذلك قال تعالى: يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ المجادلة:11 و قال: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:145.و لمّا كان لفظ(كل)مرادا به جميع أهل القرية،و أتى بلفظ«الدّرجات»كان إيماء إلى تغليب حال المؤمنين،لتطمئنّ نفوس المسلمين من أهل مكّة،بأنّهم لا بأس عليهم من عذاب مشركيها،ففيه إيماء إلى أنّ اللّه منجيهم من العذاب:في الدّنيا بالهجرة، و في الآخرة بحشرهم على أعمالهم و نيّاتهم لأنّهم لم يقصروا في الإنكار على المشركين.

ص: 192

ففي هذه الآية إيذان بأنّهم سيخرجون من القرية الّتي حقّ على أهلها العذاب،فإنّ اللّه أصاب أهل مكّة بالجوع و الخوف ثمّ بالغزو بعد أن أنجى رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين.

و قد علم من«الدّرجات»أنّ أسافلها دركات، فغلّب درجات لنكتة الإشعار ببشارة المؤمنين بعد نذارة المشركين.(7:63)

مغنيّة:فللمسيئين درجات حسب أعمالهم:من السّخريّة بالغمز إلى نهب الشّعوب أقواتها و إلقاء القنابل الذّرّيّة على الألوف و للمحسنين درجات وفق أعمالهم:من التّحيّة إلى الاستشهاد في سبيل الحقّ و الصّالح العامّ.(3:265)

6- وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. الأنعام:165

ابن عبّاس: فضائل بالمال و الخدم.(123)

السّدّيّ: أي في الرّزق.(256)

مثله الفرّاء(1:367)،و النّحّاس(2:527).

رفع بعضهم فوق بعض في الرّزق و قوّة الأجسام و حسن الصّورة و شرف الإنسان،و غير ذلك بحسب ما علم من مصالحهم.(الطّوسيّ 4:365)

نحوه ابن الجوزيّ(3:163)و الفخر الرّازيّ(14:

13)،و أبو حيّان(4:263)،و الكاشانيّ(2:178) و شبّر(2:342).

في المعاش و الغنى و الرّزق.

مثله الكلبيّ و مقاتل.(الواحديّ 2:346)

الطّبريّ: خالف بين أحوالكم فجعل بعضكم فوق بعض بأن رفع هذا على هذا بما بسط لهذا من الرّزق،ففضّله بما أعطاه من المال و الغنى على هذا الفقير فيما خوّله من أسباب الدّنيا و هذا على هذا بما أعطاه من الأيد و القوّة على هذا الضّعيف الواهن القوى.فخالف بينهم بأن رفع من درجة هذا على درجة هذا و خفض من درجة هذا عن درجة هذا.

(5:422)

القمّيّ: في القدر و المال.(1:222)

الثّعلبيّ: يعني:و خالف بين أحوالكم،فجعل بعضكم فوق بعض في الخلق و الرّزق و القوّة و البسطة و العلم و الفضل و المعاش و المعاد.(4:213)

نحوه البغويّ(2:179)،و المراغيّ(8:93)، و مغنيّة(3:295).

الطّوسيّ: و قوله: وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ وجه الحكمة في ذلك-مع أنّه يخلقهم كذلك ابتداء من غير استحقاق بعمل يوجب التّفاضل بينهم- ما فيه من الألطاف الدّاعية إلى الواجبات و الصّارفة عن القبائح،لأنّ من كان غنيّا في ماله شريفا في نسبه قويّا في جسمه ربّما دعاه ذلك إلى طاعة من يملكها رغبة فيها.

و الحال في أضدادها،ربّما كان دعته إلى طاعته رهبة منها و من أمثالها،و رجاء أن ينقل عنها إلى حال جليلة يغتبط عليها...

\و قوله:(درجات)يحتمل نصبه ثلاثة أشياء:

ص: 193

أحدها:أن يقع موقع المصدر،كأنّه قال:رفعة فوق رفعة.

الثّاني:إلى درجات،فحذفت«إلى»كما في قولهم:دخلت البيت،و تقديره دخلت إلى البيت.

الثّالث:أن يكون مفعولا من قولك:ارتفع درجة و رفعته درجة،مثل اكتسى ثوبا و كسوته ثوبا.

(4:365)

نحوه الطّبرسيّ.(2:393)

الزّمخشريّ: في الشّرف و الرّزق.(2:65)

مثله الشّربينيّ(1:462)،و نحوه البيضاويّ(1:

340).

ابن عطيّة: لفظ عامّ في المال و القوّة و الجاه و جودة النّفوس و الأذهان و غير ذلك.(2:371)

ابن عربيّ: في مظهريّة كمالاته على تفاوت درجات الاستعدادات.(1:419)

النّسفيّ: [نحو الطّوسيّ في أوجه النّصب.]

(2:43)

النّيسابوريّ: في استعداد الخلافة.(8:66)

الطّباطبائيّ: و محصّله:أنّ هذا النّظام العجيب الّذي يحكم في معاشكم في الحياة الدّنيا،و هو مبنيّ على خلافتكم في الأرض،و اختلاف شئونكم بالكبر و الصّغر و القوّة و الضّعف و الذّكوريّة و الأنوثيّة و الغنى و الفقر و الرّئاسة و المرءوسيّة و العلم و الجهل و غيرها،و إن كان نظاما اعتباريّا لكنّه ناشئ من عمل التّكوين منته إليه،فاللّه سبحانه هو ناظمه،و إنّما فعل ذلك لامتحانكم...(7:396)

فضل اللّه:اختلاف درجاتهم في المواهب و الكفاءات الذّاتيّة،و في القدرات الماليّة و الجسديّة، و في المواقع الجغرافيّة و الاجتماعيّة و السّياسيّة،و في غير ذلك من الأمور...(9:402)

7- أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ. الأنفال:4

ابن عبّاس: فضائل.(145)

ابن محيريز:الدّرجات:سبعون درجة كلّ درجة حضر الفرس:الجواد المضمّر سبعين سنة.

(الطّبريّ 6:180)

نحوه الرّبيع بن أنس.(البغويّ 2:269)

مجاهد :أعمال رفيعة.(الطّبريّ 6:180)

عطاء:يعني درجات الجنّة يرقونها بأعمالهم.

(الثّعلبيّ 4:328)

الطّبريّ: هي مراتب رفيعة.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في هذه الدّرجات الّتي ذكر اللّه أنّها لهم عنده ما هي؟

فقال بعضهم:هي أعمال رفيعة و فضائل قدّموها في أيّام حياتهم.

و قال آخرون:بل ذلك مراتب في الجنّة.(6:179)

الزّجّاج: أي لهم منازل في الرّفعة على قدر منازلهم.(2:401)

الثّعلبيّ: ...هشام بن عروة:يعني ما أعدّ لهم في الجنّة من لذيذ المآكل و المشارب و هنيء العيش.

(4:328)

ص: 194

الزّمخشريّ: شرف و كرامة و علوّ منزلة.

(2:142)

نحوه البيضاويّ.(1:384)

ابن عطيّة: ظاهره-و هو قول الجمهور-أنّ المراد:مراتب الجنّة و منازلها،و درجتها على قدر أعمالهم.(2:501)

الفخر الرّازيّ: من الأحكام الّتي أثبتها اللّه تعالى للموصوفين بالصّفات الخمسة قوله تعالى: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، و المعنى:لهم مراتب بعضها أعلى من بعض.

و اعلم أنّ الصّفات المذكورة قسمان:الثّلاثة الأول:هي الصّفات القلبيّة و الأحوال الرّوحانيّة، و هي:الخوف،و الإخلاص،و التّوكّل.

و الاثنتان الأخيرتان هما الأعمال الظّاهرة و الأخلاق.

و لا شكّ أنّ لهذه الأعمال و الأخلاق تأثيرات في تصفية القلب،و في تنويره بالمعارف الإلهيّة.

و لا شكّ أنّ المؤثّر كلّما كان أقوى كانت الآثار أقوى و بالضّدّ،فلمّا كانت هذه الأخلاق و الأعمال لها درجات و مراتب كانت المعارف أيضا لها درجات و مراتب؛و ذلك هو المراد من قوله: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، و الثّواب الحاصل في الجنّة أيضا مقدّر بمقدار هذه الأحوال.

فثبت أنّ مراتب السّعادات الرّوحانيّة قبل الموت و بعد الموت،و مراتب السّعادات الحاصلة في الجنّة كثيرة و مختلفة،فلهذا المعنى قال: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ. (15:123)

ابن عربيّ: من مراتب الصّفات و روضات جنّات القلب.(1:466)

النّسفيّ: مراتب بعضها فوق بعض على قدر الأعمال.(2:94)

النّيسابوريّ: أي سعادات روحانيّة متفاوتة في الصّعود و الارتفاع،و لكن استغراق كلّ واحد في سعادته الخاصّة به يمنعه عن التّألّم من حال من فوقه، كما قال سبحانه: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ.

الأعراف:43.(9:122)

أبو السّعود :لهم درجات من الكرامة و الزّلفى.

و قيل درجات عالية في الجنّة.و هو إمّا جملة مبتدأة مبنيّة على سؤال نشأ من تعداد مناقبهم،كأنّه قيل:ما لهم بمقابلة هذه الخصال؟فقيل:لهم كيت كيت أو خبر ثان ل(اولئك.)(3:78)

نحوه البروسويّ.(3:313)

الآلوسيّ: أي كرامة و علوّ مكانة،على أن يراد بالدّرجات:العلوّ المعنويّ و قد يراد بها:العلوّ الحسّيّ.

و في الخبر عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«في الجنّة مائة درجة لو أنّ العالمين اجتمعوا في إحداهنّ لوسعتهم...».

و وجه الجمع على الوجهين ظاهر.و التّنوين للتّفخيم.و الظّرف إمّا متعلّق بمحذوف وقع صفة لها، مؤكّدة لما أفاده التّنوين،أو بما تعلّق به الخبر أعني(لهم) من الاستقرار.و جوّز أبو البقاء أن يكون العامل فيه (درجات)لأنّ المراد بها الأجور.

ص: 195

و في إضافته إلى«الرّبّ»المضاف إلى ضميرهم مزيد تشريف لهم و لطف بهم،و إيذان بأنّ ما وعدهم متيقّن الثّبوت مأمون الفوات.و الجملة جوّز أن تكون خبرا ثانيا ل(اولئك)و أن تكون مبتدأة مبنيّة على سؤال نشأ من تعدّد مناقبهم،كأنّه قيل:ما لهم بمقابلة هذه الخصال؟فقيل:لهم درجات.(9:168)

المراغيّ: أي لهم درجات من الكرامة و الزّلفى لا يقدّر قدرها عند ربّهم،الّذي خلقهم و سوّاهم و هو القادر على جزائهم على جميل أعمالهم،في دار الجزاء و الثّواب.و اللّه تعالى فضّل بعض النّاس و رفعهم على بعض درجة أو درجات في الدّنيا و في الآخرة و عند اللّه تعالى،كما قال تعالى: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ التّوبة:20،و قال تعالى في الرّسل: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ...

البقرة:253،و قال في درجات الدّنيا وحدها: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام:165.(9:166)

ابن عاشور :جملة:(لهم درجات)خبر ثان عن اسم الإشارة،و اللاّم للاستحقاق،أي درجات مستحقّة لهم.و ذلك استعارة للشّرف و الكرامة عند اللّه،لأنّ الدّرجات حقيقتها ما يتّخذ من بناء أو أعواد لإمكان تخطّي الصّاعد إلى مكان مرتفع منقطع عن الأرض،كما تقدّم عند قوله تعالى: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228،و في غير موضع،و تستعار الدّرجة لعناية العظيم ببعض من يصطفيهم،فتشبّه العناية ب«الدّرجة»تشبيه معقول بمحسوس،لأنّ الدّنوّ من العلو عرفا يكون بالصّعود إليه في الدّرجات، فشبّه ذلك الدّنوّ بدرجات و قوله:(عند ربهم)قرينة المجاز.

و يجوز أن تستعار الدّرجة هنا لمكان جلوس المرتفع كدرجة المنبر،كما في قوله تعالى: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228 و القرينة هي.

و قد دلّ قوله:(عند ربهم)على الكرامة و الشّرف عند اللّه تعالى في الدّنيا،بتوجيه عنايته في الدّنيا،و في الآخرة بالنّعيم العظيم.

و تنوين(درجات)للتّعظيم لأنّها مراتب متفاوتة.(9:22)

مغنيّة:الدّرجات عند اللّه تتفاوت تبعا للجهاد و التّضحية و أعلاها لمن ينتفع النّاس بهم و يتحمّلون الكثير،ليعيش عيال اللّه جميعا في ظلّ الأمن و العدل و الخصب.(3:450)

الطّباطبائيّ: إنّ المراد بقوله: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ: مراتب القرب و الزّلفى،و درجات الكرامة المعنويّة و هو كذلك،فإنّ المغفرة و الجنّة من آثار مراتب القرب من اللّه سبحانه و فروعه البتّة.

و الّذي يشتمل عليه الآية من إثبات الدّرجات لهؤلاء المؤمنين،هو ثبوت جميع الدّرجات لجميعهم، لا ثبوت جميعها لكلّ واحد منهم،فإنّها من لوازم الإيمان.و الإيمان مختلف ذو مراتب،فالدّرجات

ص: 196

الموهوبة بإزائه كذلك لا محالة،فمن المؤمنين من له درجة واحدة و منهم ذو الدّرجتين،و منهم ذو الدّرجات،على اختلاف مراتبهم في الإيمان.

و يؤيّده قوله تعالى: يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ المجادلة:11،و قوله تعالى: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ* هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ آل عمران:162،163.

و بما تقدّم يظهر أنّ تفسير بعضهم ما في الآية من الدّرجات بدرجات الجنّة،ليس على ما ينبغي و أنّ المتعيّن كون المراد بها:درجات القرب-كما تقدّم- و إن كان كلّ منهما يلازم الآخر.(9:12)

مكارم الشّيرازيّ: هذه الدّرجات مبهمة لم يعيّن مقدارها و ميزانها و هذا الإبهام يشير إلى أنّها درجات كريمة عالية.(5:333)

8- ...نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. يوسف:76

ابن عبّاس: فضائل.(201)

ابن جريج:يوسف و إخوته أوتوا علما،فرفعنا يوسف فوقهم في العلم.(الطّبريّ 7:262)

نحوه البغويّ(2:506)،و الزّمخشريّ(2:

335)،و الكاشانيّ(3:35).

الطّبريّ: اختلفت القراء في قراءة ذلك:

فقرأه بعضهم (نرفع درجات من نشاء) بإضافة «الدّرجات»إلى(من)،بمعنى:نرفع منازل من نشاء رفع منازله و مراتبه في الدّنيا بالعلم على غيره،كما رفعنا مرتبة يوسف في ذلك و منزلته في الدّنيا على منازل إخوته و مراتبهم.

و قرأ ذلك آخرون نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ بتنوين«الدّرجات»بمعني:نرفع من نشاء مراتب و درجات في العلم على غيره،كما رفعنا يوسف.

ف«من»على هذه القراءة نصب،و على القراءة الأولى خفض.و قد بيّنّا ذلك في سورة الأنعام.

(7:262)

الزّجّاج: على إضافة«الدّرجات»إلى(من) و يجوز(درجات)بالتّنوين،و على أن يكون(من) في موضع نصب،المعنى:نرفع من نشاء درجات.و يجوز رفع(درجات من نشاء)و هي حسنة.و لا أعلمها رويت،فلا تقر أنّ بها إن لم تصحّ فيها رواية.(3:122)

الواحديّ: أي بضروب الإعطاء و الكرامات و أبواب العلوم،كما رفعنا درجة يوسف.(2:624)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:262)

الطّبرسيّ: بالعلم و النّبوّة،كما رفعنا درجة يوسف على إخوته.و قيل:بالتّقوى و التّوفيق و العصمة و الألطاف الجميلة.(3:253)

نحوه مغنيّة.(4:343)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:قرأ حمزة و عاصم و الكسائيّ درجات بالتّنوين غير مضاف،و الباقون بالإضافة.

المسألة الثّانية:المراد من قوله: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ

ص: 197

مَنْ نَشاءُ هو أنّه تعالى يريه وجوه الصّواب في بلوغ المراد،و يخصّه بأنواع العلوم،و أقسام الفضائل.

و المراد هاهنا:هو أنّه تعالى رفع درجات يوسف على إخوته في كلّ شيء.

و اعلم أنّ هذه الآية تدلّ على أنّ العلم أشرف المقامات و أعلى الدّرجات،لأنّه تعالى لمّا هدى يوسف إلى هذه الحيلة و الفكرة،مدحه لأجل ذلك فقال: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ و أيضا وصف إبراهيم عليه السّلام بقوله: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ الأنعام:

83،عند إيراده ذكر دلائل التّوحيد و البراءة عن إلهيّة الشّمس و القمر و الكواكب.و وصف هاهنا يوسف أيضا بقوله: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ لمّا هداه إلى هذه الحيلة و كم بين المرتبتين من التّفاوت.

(18:182)

نحوه الشّربينيّ.(2:126)

القرطبيّ: أي بالعلم و الإيمان.(9:238)

نحوه فضل اللّه.(12:247)

أبو حيّان :قرأ الكوفيّون،و ابن محيصن:

نرفع بنون، درجات منوّنا من نشاء بالنّون،و باقي السّبعة كذلك،إلاّ أنّهم أضافوا درجات. و قرأ يعقوب بالياء في (يرفع) ،و (يشاء) أي يرفع اللّه درجات من يشاء رفع درجاته.

و قرأ عيسى البصرة: (نرفع) بالنّون، (درجات) منوّنا (من يشاء) بالياء.قال صاحب اللّوامح:

«و هذه قراءة مرغوب عنها تلاوة و جملة،و إن لم يمكن إنكارها».

و قال ابن عطيّة:«و قرأ الجمهور(نرفع)على ضمير المعظم،و كذلك(نشاء.)و قرأ الحسن و عيسى و يعقوب:بالياء أي اللّه تعالى»انتهى.

و معناه:في العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه.

(5:332)

أبو السّعود :أي رتبا كثيرة عالية من العلم.

و انتصابها على المصدر أو الظّرفيّة أو على نزع الخافض أي إلى درجات و المفعول قوله تعالى:(من نشاء)أي نشاء رفعه حسبما تقتضيه الحكمة و تستدعيه المصلحة،كما رفعنا يوسف.و إيثار صيغة الاستقبال للإشعار بأنّ ذلك سنّة مستمرّة غير مختصّة بهذه المادّة و الجملة مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب.

(3:418)

مثله الآلوسيّ.(13:30)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و في«التّأويلات النّجميّة» نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ من عبادنا بأن نؤتيه علم الصّعود من حضيض البشريّة إلى ذروة العبوديّة بتوفيق الرّبوبيّة.(4:301)

المراغيّ: أي نرفع من نشاء درجات كثيرة في العلم و الإيمان،و نريه وجوه الصّواب في بلوغ المراد، كما رفعنا درجات يوسف على إخوته في كلّ شيء.

و في هذا إيماء إلى أنّ العلم أشرف المقامات، و أعلى الدّرجات.(13:22)

ابن عاشور :تذييل لقصّة أخذ يوسف عليه السّلام أخاه،لأنّ فيها رفع درجة يوسف عليه السّلام في الحال بالتّدبير الحكيم،من وقت مناجاته أخاه إلى وقت

ص: 198

استخراج السّقاية من رحله.و رفع درجة أخيه في الحال بإلحاقه ليوسف عليه السّلام في العيش الرّفيه و الكمال، بتلقّي الحكمة من فيه.

و رفع درجات إخوته و أبيه في الاستقبال بسبب رفع درجة يوسف عليه السّلام و حنوّه عليهم.فالدّرجات مستعارة لقوّة الشّرف،من استعارة المحسوس للمعقول.و تقدّم في قوله تعالى: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228،و قوله: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ الأنفال:4.(12:100)

عبد الكريم الخطيب :أي بيدنا الملك،فنهب ما نشاء لعبادنا المخلصين من برّ و إحسان و من علم و معرفة.(7:26)

9- اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً. الإسراء:21

ابن عبّاس: فضائل للمؤمنين.(235)

قتادة :إنّ للمؤمنين في الجنّة منازل،و إنّ لهم فضائل بأعمالهم و ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إنّ بين أعلى أهل الجنّة و أسفلهم درجة،كالنّجم يرى في مشارق الأرض و مغاربها».(الطّبريّ 8:57)

الطّبريّ: يقول:و فريق مريد الآخرة أكبر في الدّار الآخرة درجات بعضهم على بعض،لتفاوت منازلهم بأعمالهم في الجنّة،و أكبر تفضيلا بتفضيل اللّه بعضهم على بعض من هؤلاء الفريق الآخرين في الدّنيا،فيما بسطنا لهم فيها.(8:57)

الفخر الرّازيّ: المعنى:أنّ تفاضل الخلق في درجات منافع الدّنيا محسوس،فتفاضلهم في درجات منافع الآخرة أكبر و أعظم.فإنّ نسبة التّفاضل في درجات الآخرة إلى التّفاضل في درجات الدّنيا كنسبة الآخرة إلى الدّنيا،فإذا كان الانسان تشتدّ رغبته في طلب فضيلة الدّنيا،فبأن تقوّي رغبته في طلب فضيلة الآخرة أولى.(20:181)

أبو السّعود :لأنّ التّفاوت فيها بالجنّة و درجاتها العالية الّتي لا يقادر قدرها و لا يكتنه كنهها،كيف لا و قد عبّر عنه:بما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر...(4:121)

الآلوسيّ: أي أكبر من درجات الدّنيا و تفضيلها، لأنّ التّفاوت فيها بالجنّة و درجاتها العالية لا يقادر قدرها و لا يكتنه كنهها.و في بعض الآثار أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إنّ بين أعلى أهل الجنّة و أسفلهم درجة كالنّجم يرى في مشارق الأرض و مغاربها و قد أرضى اللّه تعالى الجميع فما يغبط أحد أحدا».و عن الضّحّاك:

«الأعلى يرى فضله على ما هو أسفل منه،و الأسفل لا يرى أنّ فوقه أحدا.و صحّ أنّ اللّه تعالى أعدّ لعباده الصّالحين:ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر».(15:48)

ابن عاشور :نصب(درجات)و(تفضيلا) على التّمييز،لنسبة(اكبر)في الموضعين،و المفضّل عليه:هو عطاء الدّنيا.و«الدّرجات»مستعارة لعظمة الشّرف.(14:51)

فضل اللّه :لأنّها تتميّز عن الدّنيا بالأجواء الواسعة الممتدّة بما يشبه المطلق الّذي جاء في بعض

ص: 199

الحديث عن ملامحه في القرآن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ السّجدة:17،و في الحديث المأثور عن الجنّة أنّ فيها«بما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر».إنّها الموقع الإلهيّ الّذي يتجلّى فيه تكريم اللّه للإنسان المؤمن العامل،جزاء على إخلاصه في إيمانه و عمله،عند ما ينفّذ اللّه وعده للمؤمنين الصّالحين بالثّواب العظيم.

و إذا كان الأمر يتعلّق بتكريم للإنسان،فإنّ من الطّبيعيّ أن تختلف درجات التّكريم تبعا لاختلاف درجات الإيمان و العمل،لأنّ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى آل عمران:195، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8،ممّا يوحي بأنّ الخير هناك تابع لحجم العمل في الكمّيّة و النّوعيّة هنا.

و هذا هو الّذي تختلف فيه درجات الآخرة عن درجات الدّنيا في مقياس التّفضيل،فإنّ التّفضيل في الدّنيا تابع لحاجات الحياة في عمليّة توزيع الأرزاق و الخصائص على الأشخاص و الأشياء،بينما هو في الآخرة تابع لعمل الإنسان المؤمن الّذي يستمدّ قوّته من الرّحمة الإلهيّة في روح الإنسان المؤمن و حياته.

(14:79)

10- وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى. طه:75

لاحظ:ع ل و:«العلى».

11- رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ.

المؤمن:15

لاحظ:ر ف ع:«رفيع الدّرجات».

12- ...وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ.

الزّخرف:32

ابن عبّاس: فضائل بالمال أو الولد.(413)

السّدّيّ: يستخدم بعضهم بعضا في السّخرة.

(436)

التّفضيل في الرّزق،إنّ اللّه تعالى قسّم رحمته بالنّبوّة كما قسّم الرّزق بالمعيشة.الماورديّ 5:224)

مقاتل:يعني فضائل في الغنى.(3:794)

الفرّاء: فرفعنا المولى فوق عبده،و جعلنا بعضهم يسبي بعضا فيكون العبد و الّذي يسبى مسخّرين لمن فوقهما.(3:31)

الزّجّاج: فكما فضّلنا بعضهم على بعض في الرّزق و في المنزلة،كذلك اصطفينا للرّسالة من نشاء.

(4:410)

القمّيّ: يعني في المال و البنين.(2:283)

الماورديّ: فيه خمسة أوجه:

أحدها:[قول مقاتل]

الثّاني:بالحرّيّة و الرّقّ،فبعضهم مالك و بعضهم مملوك.

الثّالث:بالغنى و الفقر،فبعضهم غنيّ،و بعضهم فقير.

ص: 200

الرّابع:بالأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر.

الخامس:[قول السّدّيّ](5:223)

الطّوسيّ: اختلاف الرّزق بين الخلق في الضّيق و السّعة.(9:196)

الواحديّ: يعني الفضل في الغنى و المال.(4:71)

الزّمخشريّ: لم يسوّ بينهم و لكن فاوت بينهم في أسباب العيش،و غاير بين منازلهم،فجعل منهم أقوياء و ضعفاء،و أغنياء و محاويج،و موالي و خدما.(3:486)

نحوه النّسفيّ.(4:117)

الطّبرسيّ: معناه:أفقرنا البعض،و أغنينا البعض فتلقّى ضعيف الحيلة عييّ اللّسان و هو مبسوط له، و تلقّى شديد الحيلة بسيط اللّسان و هو مقتر عليه،و لم نفوّض ذلك إليهم مع قلّة خطره،بل جعلناه على ما توجيه الحكمة و المصلحة،فكيف نفوّض اختيار النّبوّة إليهم مع عظم محلّها،و شرف قدرها.(5:46)

ابن الجوزيّ: فيه قولان:أحدهما:بالغنى و الفقر، و الثّاني:بالحرّيّة و الرّقّ.(7:312)

الفخر الرّازيّ: التّفاوت بين العباد في القوّة و الضّعف،و العلم و الجهل،و الحذاقة و البلاهة، و الشّهرة و الخمول.(27:209)

نحوه المراغيّ.(25:85)

البيضاويّ: التّفاوت في الرّزق و غيره.

(2:366)

مثله الكاشانيّ.(4:388)

الشّربينيّ: في الجاه و المال و نفوذ الأمر و عظم القدر،لينتظم حال الوجود.(3:561)

أبو السّعود :(درجات)متفاوتة بحسب القرب و البعد،حسبما تقتضيه الحكمة فمن ضعيف و قويّ و فقير و غنيّ و خادم و مخدوم و حاكم و محكوم.

(6:33)

مثله البروسويّ(8:366)،و الآلوسيّ(25:

78).

عبد الكريم الخطيب :بعضهم غنيّ واسع الغنى كثير المال،و بعضهم فقير لا يملك شيئا،و بعضهم كثير المال لا ولد له،و بعضهم كثير الأولاد و لا مال له و بعضهم سقيم امتلأت يداه بالمال و بعضهم صحيح صفرت يداه من المال،و هكذا هم في معيشة الحياة الدّنيا درجات بعضها فوق بعض.(13:127)

مكارم الشّيرازيّ: إن قيل:إنّ جملة: وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ دليل على عدم العدالة الاجتماعيّة.

قلنا:هذا يصحّ في حالة تفسير العدالة بالمساواة، في حين أنّ العدالة تعني وضع كلّ شيء في محلّه ضمن منظومته،فهل أنّ وجود سلسلة المراجع و الرّتب في فرقة عسكريّة،أو تنظيم إداريّ،أو في الدّولة،دليل على وجود الظّلم في تلك الأجهزة؟

من الممكن أن يستعمل بعض النّاس كلمة «المساواة»في كلّ مكان في مجال الشّعارات،من دون الالتفات إلى معناها الواقعيّ.أمّا في الواقع العمليّ، فلا يمكن أن يتمّ أو يقوم أيّ نظام بدون الاختلاف و التّفاوت.غير أنّ هذا التّفاوت يجب أن لا يكون

ص: 201

ذريعة،لأن يستغلّ الإنسان أخاه الإنسان أبدا،بل يجب أن يكون الجميع أحرارا في استعمال قواهم الخلاّقة،و تنمية نبوغهم و إبداعهم،و الاستفادة من نتائج نشاطاتهم بدون زيادة أو نقصان.و أمّا في حال عجزهم فيجب على القادرين أن يجدّوا و يجتهدوا في رفع النّواقص و سدّ ما يحتاجونه.(16:45)

13- وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ. الأحقاف:19

ابن عبّاس: دَرَجاتٌ للمؤمنين في الجنّة و دركات للكافرين في النّار.(425)

يريد من سبق إلى الإسلام فهو أفضل ممّن تخلّف عنه و لو بساعة.(الواحديّ 4:110)

مقاتل:و لكلّ فضائل أعمالهم.

(الواحديّ 4:110)

ابن زيد :درج أهل النّار يذهب سفالا و درج أهل الجنّة يذهب علوّا.(الطّبريّ 11:288)

درجات الأبرار في علّيّين و درجات الفجّار دركات في سجّين.

مثله أبو مسلم.(الطّبرسيّ 5:88)

الطّبريّ: لكلّ هؤلاء الفريقين...منازل و مراتب عند اللّه يوم القيامة.(11:288)

نحوه الثّعلبيّ(9:13)،و القرطبيّ(16:199)، و مغنيّة(7:49)،و عبد الكريم الخطيب(13:279).

الطّوسيّ: أي لكلّ مطيع درجات ثواب و إن تفاضلوا في مقاديرها.(9:278)

مثله الجبّائيّ و الرّمّانيّ.(الطّبرسيّ 5:88)

الزّمخشريّ: أي منازل و مراتب من جزاء ما عملوا من الخير و الشّرّ،أو من أجل ما عملوا منهما.

فإن قلت:كيف قيل: دَرَجاتٌ و قد جاء:الجنّة درجات،و النّار دركات؟

قلت:يجوز أن يقال ذلك على وجه التّغليب، لاشتمال كلّ على الفريقين.(3:522)

نحوه البيضاويّ(2:388)،و النّسفيّ(4:144)، و أبو حيّان(8:62)،و أبو السّعود(6:74)،و الكاشانيّ (5:15)،و المراغيّ(26:22).

ابن الجوزيّ: أي منازل و مراتب بحسب ما اكتسبوه من إيمان و كفر،فيتفاضل أهل الجنّة في الكرامة و أهل النّار في العذاب.(7:381)

الفخر الرّازيّ: فيه قولان:

الأوّل:أنّ اللّه تعالى ذكر الولد البارّ،ثمّ أردفه بذكر الولد العاقّ،فقوله: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا خاصّ بالمؤمنين؛و ذلك لأنّ المؤمن البارّ بوالديه له درجات متفاوتة،و مراتب مختلفة في هذا الباب.

و القول الثّاني:أنّ قوله: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا عائد إلى الفريقين،و المعنى:و لكلّ واحد من الفريقين درجات في الإيمان و الكفر و الطّاعة و المعصية.

فإن قالوا:كيف يجوز ذكر لفظ الدّرجات في أهل النّار،و قد جاء في الأثر:الجنّة:الدّرجات،و النّار دركات؟قلنا فيه وجوه:

الأوّل:يجوز أن يقال ذلك على جهة التّغليب.

ص: 202

الثّاني:قال ابن زيد:درج أهل الجنّة يذهب علوّا، و درج أهل النّار ينزلوا هبوطا.

الثّالث:أنّ المراد بالدّرجات:المراتب المتزايدة،إلاّ أنّ زيادات أهل الجنّة في الخيرات و الطّاعات، و زيادات أهل النّار في المعاصي و السّيّئات.(28:24) نحوه الشّربينيّ.(4:11)

ابن عربيّ: أي و لكلّ صنف من أصناف النّاس درجات من جزاء أعمالهم،من أعلى علّيّين إلى أسفل سافلين و غلب الدّرجات على الدّركات.بل لكلّ أحد من كلّ صنف رتبة و مقام و موقع قدم من إحدى الجنان أو طبقات النّيران.(2:489)

البروسويّ: مراتب من أجزية ما عملوا من الخير و الشّرّ،ف(من)نعت للدّرجات و يجوز أن تكون بيانيّة و(ما)موصولة أو من أجل أعمالهم، ف(ما)مصدريّة و(من)متعلّق بقوله(لكل،) و الدّرجات عالية في مراتب المثوبة،و إيرادها هنا بطريق التّغليب.(8:477)

الآلوسيّ: أي من جزاء ما عملوا،فالكلام بتقدير مضاف،و الجارّ و المجرور صفة(درجات،) و(من)بيانيّة أو ابتدائيّة،و(ما)موصولة أي من الّذي عملوه من الخير و الشّرّ.أو مصدريّة،أي من عملهم الخير و الشّرّ.و يجوز أن تكون(من)تعليليّة بدون تقدير مضاف و الجارّ و المجرور كما تقدّم.

و«الدّرجات»:جمع درجة،و هي نحو المنزلة.

لكن يقال للمنزلة:درجة إذا اعتبرت بالصّعود و دركا إذا اعتبرت بالحدور و لهذا قيل:درجات الجنّة و دركات النّار.

و التّعبير ب«الدّرجات»-كما قال غير واحد- على وجه التّغليب لاشتمال(كلّ)على الفريقين،أي لكلّ منازل و مراتب سواء كانت درجات أو دركات و إنّما غلّب أصحاب الدّرجات لأنّهم الأحقّاء به لا سيّما و قد ذكر جزاؤهم مرارا و جزاء المقابل مرّة.

(26:21)

ابن عاشور :تنوين(كل)تنوين عوض عمّا تضاف إليه كلّ،و هو مقدّر يعلم من السّياق،أي و لكلّ الفريقين المؤمن البارّ بوالديه و الكافر الجامع بين الكفر و العقوق درجات،أي مراتب من التّفاوت في الخير بالنّسبة لأهل جزاء الخير-و هم المؤمنون- و دركات في الشّرّ لأهل الكفر.

و التّعبير عن تلك المراتب ب«الدّرجات»تغليب، لأنّ الدّرجة مرتبة في العلوّ و هو علوّ اعتباريّ إنّما يناسب مراتب الخير و أمّا المرتبة السّفلى فهي الدّركة قال تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:145.و وجه التّغليظ:التّنويه بشأن أهل الخير.

و(من)في قوله:(مما عملوا)تبعيضيّة،و المراد ب(ما عملوا:)جزاء ما عملوا،فيقدّر مضاف.

و«الدّرجات»:مراتب الأعمال في الخير و ضدّه الّتي يكون الجزاء على وفقها.و يجوز كون(من)ابتدائيّة، و(ما عملوا)نفس العمل فلا يقدّر مضاف، و«الدّرجات»هي مراتب الجزاء الّتي تكون على حسب الأعمال.و مقادير ذلك لا يعلمها إلاّ اللّه و هي

ص: 203

تتفاوت بالكثرة و بالسّبق و بالخصوص،فالّذي قال لوالديه:أفّ لكما و أنكر البعث،ثمّ أسلم بعد ذلك،قد يكون هو دون درجة الّذي بادر بالإسلام و برّ والديه، و ما يعقب إسلامه من العمل الصالح،و كلّ ذلك على حسب الدّرجات.(26:35)

فضل اللّه :من المؤمنين الصّالحين،أو الكافرين الظّالمين،في ثواب اللّه و عقابه،في درجات الرّضوان في الجنّة،و في دركات العذاب في النّار.(21:28)

مكارم الشّيرازيّ: إنّها تشير أوّلا إلى تفاوت درجات كلا الفريقين،فتقول: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا فليس كلّ أصحاب الجنّة أو أصحاب النّار في درجة واحدة،بل إنّ لكلّ منهما درجات و مراتب تختلف باختلاف أعمالهم،و حسب خلوص نيّتهم و ميزان معرفتهم،و أصل العدالة هو الحاكم هنا تماما.

الدّرجات:جمع درجة،و تقال عادة للسّلالم الّتي يصعد الإنسان بتسلّقها إلى الأعلى،و الدّركات:جمع درك،و هي تقال للسّلّم الّذي ينزل منه الإنسان إلى الأسفل،و لذلك يقال في شأن الجنّة:درجات،و في شأن النّار:دركات.لكن لمّا كانت الآية-مورد البحث-قد تحدّثت عنهما معا،و لأهمّيّة مقام أصحاب الجنّة،ورد لفظ«الدّرجات»للاثنين،و هو من باب التّغليب.(16:254)

14- ...يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ. المجادلة:11

ابن عاشور :تنكير(درجات)للإشارة إلى أنواعها من درجات الدّنيا و درجات الآخرة.[إلى أن قال:]

و انتصب(درجات)على أنّه ظرف مكان يتعلّق ب(يرفع،)أي يرفع اللّه الّذين آمنوا رفعا كائنا في درجات.

و يجوز أن يكون نائبا عن المفعول المطلق ل(يرفع)لأنّها درجات من الرّفع،أي مرافع.

و الدّرجات:مستعارة للكرامة،فإنّ الرّفع في الآية رفعا مجازيّا،و هو التّفضيل و الكرامة،و جيء للاستعارة بترشيحها بكون الرّفع درجات.و هذا التّرشيح هو أيضا استعارة مثل التّرشيح في قوله تعالى:

يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ الرّعد:25،و هذا أحسن التّرشيح.و قد تقدّم نظيره في قوله تعالى:

نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ الأنعام:83.(28:37)

مكارم الشّيرازيّ: التّعبير ب(درجات) بصورة نكرة و بصيغة الجمع،إشارة إلى الدّرجات العظيمة و العالية الّتي يعطيها اللّه لمثل هؤلاء الأشخاص،الّذين يتميّزون بالعمل و الإيمان معا.أو في الحقيقة أنّ الأشخاص الّذين يتفسّحون للقادمين لهم درجة،و أولئك الّذين يؤثرون و يعطون أماكنهم و يتّصفون بالعلم و التّقوى لهم درجات أعلى.

(18:124)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الدّرجة على ثلاثة أوجه:

أحدها:الفضيلة،كقوله: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228،و قوله: وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ

ص: 204

دَرَجاتٍ المجادلة:11،و قوله: وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً النّساء:95.

و الثّاني:درجات الجنّة كقوله: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ الأنفال:4،و قوله:

فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى طه:75.

و الثّالث:السّماوات،كقوله: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ المؤمن:15.(247)

الدّامغانيّ: الدّرجات على ثلاثة أوجه:الفضائل الزّيادة،الثّواب.

فوجه منها:الدّرجات:الفضائل،قوله:

وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228،أي فضيلة، كقوله: وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ النّساء:95،أي فضيلة،و قوله: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً النّساء:95،أي فضيلة،و قوله: وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ المجادلة:11،أي فضيلة.

و الوجه الثّاني:الدّرجات:زيادة المال و الولد، قوله: وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ الزّخرف:32،يعني منازل بالمال و الولد.

و الوجه الثّالث:الدّرجات:الثّواب،قوله تعالى:

وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا الأنعام:132،يعني للمؤمنين في الجنّة منازل و قصور،و للكافرين في النّار دركات بما عملوا في الدّنيا.(330)

الفيروزآباديّ: الدّرجات وردت في القرآن على وجوه:

الأوّل:درجة الرّجال على النّساء بما ذكرنا:

وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228.

و الثّاني:درجة المجاهدين على القاعدين:

وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً النّساء:95،96.

و الثّالث:درجة الصّحابة بالسّبق و الصّحبة:

أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً الحديد:10.

الرّابع:درجة أصناف الخلق بعضهم على بعض بزيادة الطّاعة و نقصانها: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا الأنعام:132.

الخامس:درجات خواصّ العباد: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ آل عمران:163.

السّادس:درجات العلماء و المروءة: وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ الأنعام:165.

السّابع:منازل المطيعين و زيادة درجاتهم في الجنّة:

فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى طه:75.

الثّامن:بمعنى رافع درجات المطيعين على تفاوت أحوالهم: رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ المؤمن:15.

(بصائر ذوي التّمييز 2:593)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّرج:الطّريق؛ و الجمع:أدراج.يقال:درج في الطّريق،أي سار فيه، و درج و اندرج:مضى لسبيله،و خلّ درج الضّبّ:

خلّ طريقه فلا تعرض له،و في المثل:«ليس ذا بعشّك فادرجي»،أي تحوّلي و امضي و اذهبي،و رجعت في أدراجي و درجي:طريقي الّذي مررت فيه،و في

ص: 205

الحديث:«أدراجك يا منافق من مسجد رسول اللّه»، أي خذ طريقك الّذي جئت منه.

و المدرجة:قارعة الطّريق؛و الجمع:مدارج، و مدارج الأكمة:الطّرق المعترضة فيها،و في قول الإمام عليّ عليه السّلام في وصف الشّمس و القمر:«و قدّر سيرهما في مدارج درجهما»،أي طرق سيرهما،أو مراقي منازلهما. (1)

و الدّرجان:مشية الشّيخ و الصّبيّ،يقال:درج يدرج درجا و درجانا،فهو دارج،لأنّه لزم الدّرج،أي الطّريق.

و دوارج الدّابّة:قوائمها؛الواحدة:دارجة، للزومها الدّرج أيضا.

و استدرجت النّاقة ولدها:استتبعته بعد ما تلقيه من بطنها.

و المدرج و المدرجة:الطّريق الّذي يدرج فيه الغلام و الرّيح و غيرهما.

و الدّرّاجة:الّتي يدرج عليها الصّبيّ أوّل ما يمشي.

و الدّرّاجات:شبه الدّبّابات تتّخذ في الحروب،يدخل فيها الرّجال.

و الدّرّاج:من طير العراق،أرقط،و هو يدرج أكثر ممّا يطير،فسمّي بذلك،و أرض مدرجة:ذات درّاج.

و الدّرّاج:القنفذ،لأنّه يدرج ليلته جمعاء.

و الدّرجة:طائر أصغر من الدّرّاج،و لعلّه سمّي بذلك لشبهه به في الدّرج.

و الدّرّيج:شيء يضرب به،ذو أوتار كالطّنبور، تشبيها بالأدراج.

و من المجاز:درج فلان:لزم المحجّة من الدّين، و رجع درجه:رجع في الأمر الّذي قد كان ترك، و رجع على إدراجه:رجع في طريقه الأوّل،و رجع على أدراجه،و رجع درجه الأوّل:طلب شيئا و لم يقدر عليه،تشبيها بضعف الشّيخ و الصّبيّ.

و درّجت العليل تدريجا:أطعمته شيئا قليلا من الطّعام،ثمّ زدته عليه قليلا؛و ذلك إذا نقه حتّى تدرّج إلى غاية أكله-كما كان قبل العلّة-درجة فدرجة.

و درّجه إلى كذا و استدرجه:أدناه منه على التّدريج فتدرّج هو.

و استدرجه كلامي:أقلقه حتّى تركه يدرج على الأرض.

و امتنع فلان من كذا و كذا حتّى أتاه فلان فاستدرجه:خدعه حتّى حمله على أن درج.

و ذهب دمه أدراج الرّياح:ذهب هدرا،كأنّه أريق في طرائق السّماء فعفا أثره.

و الدّرّاج:الماشي بين النّاس بالنّميمة و الفساد.

و ريح دروج:يدرج مؤخّرها حتّى يرى لها مثل ذيل الرّسن في الرّمل،و اسم ذلك الموضع:الدّرج.

يقال:استدرجت الرّيح الحصى،أي صيّرته يدرج على وجه الأرض من غير أن ترفعه إلى الهواء،فيقال:

درجت بالحصى و استدرجت الحصى،و درجت الرّيح:تركت آثارا في الرّمل.).

ص: 206


1- نهج البلاغة الخطبة:(91).

و درج البناء و درّجه:مراتب بعضها فوق بعض، و هي المراقي؛و المفرد:درجة و درجة.

و من المجاز:الدّرجة:الرّفعة و المنزلة،يقال:فلان في درجة عالية،أي منزلة رفيعة،و درج يدرج:صعد في المراتب.

و الدّرجات:جمع الدّرجة،و هي الطّبقات من المراتب،و منها:درجات الجنان،و هي منازل أرفع من منازل،و درجات البروج:منازلها،ففي كلّ برج من بروج السّماء ثلاثون درجة.

و الدّرج:الّذي يكتب فيه،و هو الدّرج أيضا، لأنّه يطوى كما يطوى الطّريق،يقال:أنفذته في درج الكتاب،أي في طيّه،و أدرجت الكتاب في الكتاب:

جعلته في درجه.

و الدّرج:لفّ الشّيء،يقال:درجته و أدرجته و درجته،و درج الشّيء في الشّيء يدرجه درجا:

طواه،و أدرج القرطاس:لفّه،و أدرج الميّت في أكفانه، و أدرجت المرأة صبيّها في ثيابها.

و الدّرج:حفش من أحفاش النّساء،لأنّهنّ يلففن فيه حوائجهنّ؛و الجمع:درجة.

و يقال مجازا:فلان درج يدك،أي لا يعصيك،و ما أنا إلاّ درج يدك:ما أعصيك.

و قبيلة دارجة:انقرضت و لم يبق لها عقب،قال ابن منظور:«كأنّ أصل هذا من:درجت الثّوب،إذا طويته،كأنّ هؤلاء لمّا ماتوا و لم يخلفوا عقبا،طووا طريق النّسل و البقاء».

و درج القوم:انقرضوا،و درج قرن بعد قرن:فنوا، و أدرجهم اللّه إدراجا.

و درج الرّجل:لم يخلّف نسلا،و درج:مات، و فلان على درج كذا و كذا:على سبيله،يقال:النّاس على درج المنيّة،أي على سبيلها،و قولهم:«أكذب من دبّ و درج»أي من مشى عليها،و من مات و انقرض.

و الدّرجة:شيء يدرج فيدخل في حياء النّاقة،ثمّ تشمّه فتظنّه ولدها فترأمه؛و الجمع:درج،و هو من الدّرج،أي لفّ الشّيء.

و ناقة مدراج:تأخّرت عن وقت ولادها أيّاما، على التّشبيه بدرجان الشّيخ و الصّبيّ؛و الجمع:

مدارج و مداريج،يقال:درجت النّاقة و أدرجت،أي جازت السّنة و لم تنتج،فكانت تلك عادتها.

2-خطّأ العدنانيّ في«معجم الأخطاء الشّائعة» من قال:مدرّج الطّائرة،أي طريقها في المطار.و لكنّه صواب كمدرج أيضا.قال الشّريف ابن معصوم المدنيّ:

«درّج المكان تدريجا:جعل له درجا،فهو مدرّج» (1).

بيد أنّا لم نعثر على هذا المعنى في كتب من تقدّمه من اللّغويّين،و منها التّكملة و القاموس،و في كتب من تأخّر عنه من المولعين بالاستدراك و التّعقيب كتاج العروس.

و ممّن رواه عنه من المتأخّرين:صاحب البستان، و قطر المحيط،و محيط المحيط،و المعجم المجمعيّ.).

ص: 207


1- الطّراز الأوّل:(4:80).

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا(درجة)4 مرّات،و(درجات)، و(رفع الدّرجات)كلّ منهما 7 مرّات،و مزيدا من الاستفعال: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) مرّتين،في 20،آية:

1-درجة

1- ...وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ... البقرة:228

2- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ التّوبة:20

3- ...لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا... الحديد:10

2-درجات

4 و 5- ...فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً* دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً النّساء:95،96

6- هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ آل عمران:163

7- وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ الأنعام:132

8- وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ الأحقاف:19

9- أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ الأنفال:4

10- وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى طه:75

11- اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً الإسراء:21

3-رفع الدّرجات

12- تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ... وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ... البقرة:253

13- وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ

الأنعام:83

14- وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ.إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ... الأنعام:165

15- ...نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ يوسف:76

16- ...وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا... الزّخرف:32

17- ...يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ... المجادلة:11

18- رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ...

المؤمن:15

4-الاستدراج [و فيها محوران]
اشارة

19- وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:182

20- فَذَرْنِي وَ مَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ

ص: 208

سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ القلم:44

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها محورين:المجرّد و المزيد، و المجرّد لفظان:(درجة)و(درجات)و هي مصدر في الأصل،و المزيد لفظ واحد(سنستدرجهم)و هو فعل.

و المحور الأوّل فيه بحثان:
البحث الأوّل:في الكلّيّات:

جاءت في كتب «الوجوه و النّظائر»للدّرجة و الدّرجات في آياتها أقسام،حسب مواضعها إجمالا أو تفصيلا:

فالحيريّ جعلها ثلاثا:الفضيلة،و درجات الجنّة، و السّماوات في رَفِيعُ الدَّرَجاتِ. و الدّامغانيّ جعلها ثلاثا أيضا:الفضائل،و الزّيادة،و الثّواب.و قد اكتفيا فيها بالإجمال.

أمّا الفيروزآباديّ فلاحظها تفصيلا،فجعلها ثمانيا، نذكرها حسب رقم آياتها في قائمة الآيات هنا:

أ-درجة الرّجال على النّساء(1).

ب-درجة المجاهدين على القاعدين(2-5).

ج-درجة الصّحابة بالسّبق و الصّحبة(3).

د-درجة أصناف الخلق(7-11).

ه-درجات خواصّ العباد(6).

ز-درجات العلماء و المروءة(17).

ح-منازل المطيعين في الجنّة(10).

ط:رفع الدّرجات:(12-18)

و ما ذكروه و إن لم يخل عن وجه،إلاّ أنّها تحتاج إلى مزيد من التّوضيح و التّفصيل،و هو أنّها حسب تنوّعها العامّ تنقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأوّل:الموقع الاجتماعيّ،و الجسمانيّ، و النّفسانيّ في آيتين:

(14): وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ.إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ....

(16): ...وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا.

و قد فسّر المفسّرون قوله: وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ في الآيتين بالاختلاف الاجتماعيّ بالمال،و البنين،و الرّزق،و الغنى،و الفقر،و الجاه، و المنزلة،و الرّقّيّة،و الحرّيّة:«مالك و مملوك»، و السّعة،و الضّيق في المعاش،و الشّهرة،و الخمول في الذّكر،و نحوها.و أضاف بعضهم التّفاوت في الخلقة مثل حسن الصّورة،و قوّة الأجسام،و الذّكوريّة، و الأنوثيّة،و الكبر،و الصّغر،و جودة النّفوس، و الحذاقة،و البلاهة،و العلم،و الجهل،و نحوها.

و قد أشكلوا في هذا التّفاوت بأنّ هذا الاختلاف لا يوافق العدالة.و أجابوا بأنّ العدالة لا تلازم المساواة،بل هي رعاية المناسبة،و هي لا تنافي الاختلاف،بل تلازمه غالبا،فلاحظ النّصوص.

القسم الثّاني:الحقوق في آية:

(1) وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ....

و الآية تتحدّث عن حقوق الزّوجين في الطّلاق، و الرّجعة و فيها: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ... البقرة:

ص: 209

228،فالمتيقّن في هذا السّياق أنّ للرّجال عليهنّ درجة في الحقّ.و هذا الحقّ-كما قال ابن زيد-:ملك العصمة،و أن الطّلاق بيده،و كذا حقّ الطّاعة كما قال الطّوسيّ،و قد أشار إلى هذين الحقّين بقوله: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ... النّساء:34.

و العجب من المفسّرين أنّهم غفلوا عن سياق الآية،فبسطوها و عمّوها إلى كلّ فضيلة للرّجل على المرأة في العقل،و الميراث،و الدّية،و الشّهادة، و القضاء،و الجهاد،و الإمارة.و أعجب منه تسرّي بعضهم الآية إلى أن جعل اللّه للرّجل لحية و حرمها ذلك،و إلى سلامة الرّجل من أذى الحيض،و الولادة، و النّفاس!!و كلّها خارج عن السّياق،فلاحظ النّصوص.

و قد حملها بعضهم على أنّها عبارة عن حسن الشّهرة،و التّوسّع للنّساء في المال،و الخلق.و اختاره الطّبريّ فقال:«إنّ الدّرجة الّتي ذكر اللّه تعالى ذكره في هذا الموضع،الصّفح من الرّجل لامرأته عن بعض الواجب عليها،و إغضاؤه لها عنه،و أداء كلّ الواجب لها عليه...»

و نحن لا نحاشي أنّ حصر تفوّق الرّجال عليهنّ بدرجة يمنعهم عن الإجحاف بهنّ في حقوقهنّ،إلاّ أنّه ليس نفس هذه الدّرجة،بل من لوازمها.

و قد وسّع ابن العربيّ هذا الحقّ بين الزّوجين في سبع:الطّاعة،و الخدمة،و حجر تصرّفها إلاّ بإذنه، و تقديم طاعة الزّوج على طاعة اللّه في النّوافل،و بذل الصّداق،و إدرار الإنفاق.و أضاف أبو حيّان حقّ التّزويج عليها و التّسرّي،و ليس للمرأة ذلك.

القسم الثّالث:الفضيلة المعنويّة في الدّنيا بالنّبوّة،و العلم،و الإيمان،و الجهاد،و المهاجرة في سبيل اللّه،و الإنفاق.

أمّا النّبوّة ففي آيتين:

(12) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ....

(18) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ.

قال الطّبرسيّ(3:517):«الرّفيع بمعنى الرّافع، أي هو رافع درجات الأنبياء،و الأولياء في الجنّة،عن عطاء و ابن عبّاس.و قيل:معناه رافع السّماوات السّبع عن سعيد بن جبير.و قيل:معناه أنّه-أي اللّه- عالي الصّفات...».

و المناسب لسياق الآية هو الأوّل،أي رافع درجات الأنبياء،و لكن من دون قيد«في الجنّة» بشهادة قوله: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ.... و يحتمل الثّالث،و هو أنّه صفة له تعالى،فإنّه رافع الصّفات.و أمّا الثّاني أي«رافع السّماوات»فبعيد عن السّياق جدّا.

و أمّا العلم،و الإيمان،و العمل الصّالح،ففي أربع آيات:

(17) ...يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ....

ص: 210

(13) وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.

(7) وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ.

(15) ...نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.

و قد جاءت(درجات)فيها مفعولا للرّفع.

و سنبحث آيات رفع الدّرجات.

و أمّا الجهاد ففي آيتين-و يلحق بهما الآية:(3) فجاء فيها(قاتل)و(قاتلوا:)

(2) اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ.

(4) فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى....

و أمّا الإنفاق ففي آية:

(3) وَ ما لَكُمْ أَلاّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

القسم الرّابع:ثواب الآخرة في سبع آيات(5- 11)،و في بعض آيات الفضيلة المعنويّة إشارات إلى ثوابها الأخرويّ:

(5) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

و هذه جاءت ذيل آية الجهاد رقم(5)،و ظاهرها ثواب الآخرة بقرينة(و مغفرة)و سنتحدّث عنها.

(6) أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ* هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ.

(7) وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ.

و سياق ما قبلها في السّورة و ما بعدها صريح في ثواب الآخرة و عذابها،و لا سيّما الآية:134، إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.

(8) وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ.

(9) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ.

(10) وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى* جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكّى.

(11) اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً.

و يلفت النّظر فيها أمور:

أ-أنّ آيات ثواب الآخرة،و آيات الفضيلة الدّنيويّة مساوية عددا،فكلّ منها سبع.

ب:أنّ آيتين من الفريقين جاء فيها ذكر (التّفضيل)مرّتين ففي(11): اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، إلى: وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً، و في

ص: 211

(4): فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً، مع تفاوت بين الآيتين ب(فضلنا،)و(فضل الله.)

ج-جاء بدل(التّفضيل)في سبع منها:(12-17 و 20)(الرّفع):(رفع)مرّتين(12 و 14)،و(رفعنا) و(يرفع)كلّ منهما مرّة:(16 و 17)،و(نرفع)مرّتين (13 و 15)و(رفيع)مرّة(18).و الرّفع يزيد الدّرجات علوّا و رفعة.

د-جاءت(درجة)أربع مرّات:(1-4)واحدة منها مرفوعة(1): وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، و ثلاث بعدها منصوبة،و اثنتان منها(درجة،) و اثنتان(2 و 3): أَعْظَمُ دَرَجَةً ففيها نوع توافق و تشابه عددا.

و جاءت(درجات)14 مرّة:ثمان منها منصوبة:

ستّ منها ب(رفع)و(يرفع)(12-17)،و واحدة منها ب(فضل)(5): وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً* دَرَجاتٍ مِنْهُ، و واحدة تميزا (11): وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ، و خمس منها مرفوعة بالابتداء و الخبر(6): هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ، و(7 و 8): وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا، و(9):

لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، و(10): لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى، و واحدة مجرورة(18): رَفِيعُ الدَّرَجاتِ.

ه-قيّدت واحدة من كلّ من(درجة) و(درجات)تعظيما لهما ب عِنْدَ اللّهِ (2): أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ و(6): هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ، و واحدة(9)ب عِنْدَ رَبِّهِمْ، و واحدة(5)ب(منه):

دَرَجاتٍ مِنْهُ.

و قيّدت اثنتان منها ب مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً، أو ب مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ: (5): دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً، و(9): لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ، و الغفران رمز الآخرة.

و أضيفت(درجات)في اثنتين منها إلى مَنْ نَشاءُ (13)و(15): نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ، و الفعل فيهما(نرفع)تعظيما،و التّعليق على مشيئة اللّه فيه تعظيم أيضا.

و قيّدت اثنتان منها(7 و 8)ب مِمّا عَمِلُوا:

وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا إلى غيرها من القيود الّتي جاءت فيها تعظيما للدّرجات.مثل حمل الدّرجات مبالغة في واحدة على صاحبها:(6)(هم درجات)،و في واحدة(11)على موضعها:

وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ، و وصف الدّرجات في واحدة(10)ب(العلى): لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى، و الإتيان بلفظ التّفضيل مكرّرا(11): أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً.

و تذييل كلّ آية منها بذيل مثل(5): وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً، و(6): وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ، و(7): وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ، و(8):

وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ، و(15):

وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، فلاحظ مدى درجات رحمة اللّه بالمؤمنين.

البحث الثّاني:في نكات مطروحة عند المفسّرين

ص: 212

في بعض الآيات نذكرها حسب الأرقام:

(1) وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ. و فيها نكات يرجع أكثرها إلى التّأكيد أنّ درجة الرّجل على المرأة ليست ظلما بل هي عدل:

1-قال البيضاويّ في(درجة:)«زيادة في الحقّ و فضل فيه،لأنّ حقوقهم في أنفسهنّ و حقوقهنّ المهر و الكفاف و ترك الضّرار و نحوها.أو شرف و فضيلة لأنّهم قوّام عليهنّ و حرّاس لهنّ،يشاركوهنّ في غرض الزّواج و يخصّون بفضيلة الرّعاية و الإنفاق».

2-و قال أبو حيّان:«و الّذي يظهر أنّ «الدّرجة»هي ما تريده النّساء من البرّ و الإكرام و الطّواعية و التّبجيل في حقّ الرّجال؛و ذلك أنّه لمّا قدّم أنّ على كلّ واحد من الزّوجين للآخر مثل ما للآخر عليه،اقتضى ذلك المماثلة،فبيّن أنّهما،و إن تماثلا في ما على كلّ واحد منهما للآخر،فعليهنّ مزيد إكرام و تعظيم لرجالهنّ.و أشار إلى العلّة في ذلك:

و هو كونه رجلا يغالب الشّدائد و الأهوال،و يسعى دائما في مصالح زوجته،و يكفيها تعب الاكتساب، فبإزاء ذلك صار عليهنّ درجة للرّجل في مبالغة الطّواعية،و فيما يفضي إلى الاستراحة عندها».

3-و قال أيضا:(«درجة،)مبتدأ، و(للرجال)خبره،و هو خبر مسوّغ لجواز الابتداء بالنّكرة،و(عليهن)متعلّق بما تعلّق به الخبر من الكينونة و الاستقرار.و جوّزوا أن يكون(عليهن،) في موضع نصب على الحال،لجواز أنّه لو تأخّر لكان وصفا للنّكرة،فلمّا تقدّم انتصب على الحال،فتعلّق إذ ذاك بمحذوف و هو غير العامل في الخبر،و نظيره:في الدّار قائما رجل،كان أصله:رجل قائم،و لا يجوز أن يكون(عليهن)الخبر.و(للرجال)في موضع الحال،لأنّ العامل في الحال إذ ذاك معنويّ،و قد تقدّمت على جزأي الجملة،و لا يجوز ذلك.و نظيره:

قائما في الدّار زيد.و هو ممنوع-لا ضعيف كما زعم بعضهم-فلو توسّطت الحال و تأخّر الخبر،نحو:زيد قائما في الدّار،فهذه مسألة الخلاف بيننا و بين أبي الحسن،و أبو الحسن يجيزها،و غيره يمنعها».

4-و قال المراغيّ: «أمّا الدّرجة الّتي للرّجال عليهنّ فهي الرّئاسة،و القيام على المصالح،كما فسّرتها الآية: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ النّساء:34.

فالحياة الزّوجيّة حياة اجتماعيّة تقتضي وجود رئيس يرجع إليه حين اختلاف الآراء و الرّغبات، حتّى لا يعمل كلّ ضدّ الآخر،فتنفصم عروة الوحدة الجامعة و يختلّ النّظام.و الرّجل هو الأحقّ بهذه الرّئاسة،لأنّه أعلم بالمصلحة و أقدر على التّنفيذ بقوّته و ماله،و من ثمّ كان هو المطالب بحماية المرأة و النّفقة عليها،و كانت هي المطالبة بطاعته فيما لا يحرّم حلالا،و لا يحلّل حراما.فإن نشزت عن طاعته كان له حقّ تأديبها بالوعظ و الهجر في المضاجع،و الضّرب غير المبرّح،كما يجوز مثله لقائد الجيش و للسّلطان لمصلحة الجماعة».

5-و قال ابن عاشور:«إثبات لتفضيل الأزواج

ص: 213

في حقوق كثيرة على نسائهم،لكيلا يظنّ أنّ المساواة المشروعة بقوله: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ مطّردة،و لزيادة بيان المراد من قوله:

(بالمعروف.)و هذا التّفضيل ثابت على الإجمال لكلّ رجل،و يظهر أثر هذا التّفضيل عند نزول المقتضيات الشّرعيّة و العادية».

6-و قال أيضا:و قوله:(«للرجال)خبر عن (درجة،)قدّم للاهتمام بما تفيده اللاّم من معنى استحقاقهم تلك الدّرجة،كما أشير إلى ذلك الاستحقاق في قوله تعالى: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ النّساء:34.

و في هذا الاهتمام مقصدان:

أحدهما:دفع توهّم المساواة بين الرّجال و النّساء في كلّ الحقوق،توهّما من قوله آنفا: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.

و ثانيهما:تحديد إيثار الرّجال على النّساء بمقدار مخصوص،لإبطال إيثارهم المطلق،الّذي كان متّبعا في الجاهليّة».[ثمّ بيّن أنّ هذه الدّرجة موافقة لما في الرّجال من قوّة عقليّة و جسميّة،و ذكر حقوق الرّجل على المرأة تفصيلا،فلاحظ]

7-و قال الخطيب:«و التّعبير ب(درجة)يعني أنّ هذا التّفاوت لا يمسّ جوهر الاعتبارات الإنسانيّة فيهما،فهما إنسانان متساويان في الإنسانيّة.و لكن اختلافهما النّوعيّ أدّى إلى الاختلاف الوظيفيّ في الحياة بينهما،فكما كانا رجلا و امرأة في الجنس،كانا أوّلا و ثانيا في الرّتبة.و ليس هذا بالّذي يدخل الضيّم على أيّ منهما،ما دام يحيا حياته على النّحو الّذي يلائم طبيعته...».

8-و قال فضل اللّه:«في أجواء الحديث عن الطّلاق،جاءت هذه اللّفتة القرآنيّة: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ... لتضع العلاقة بين الرّجل و المرأة في نطاقها الإسلاميّ،الّذي يرتكز على الأسلوب الواقعيّ الحكيم،من خلال تشريعه لبناء الأسرة في حياة المجتمع.

فالرّجل و المرأة يلتقيان في خطّ المسئوليّة على صعيد واحد،فليس هناك أيّ انتقاص من شخصيّة المرأة كإنسان في ما أوجبه اللّه و ما حرّمه،و في ما أباحه و ما دعا إليه،فالمرأة الزّانية و السّارقة في نصّ القرآن، كالرّجل الزّاني و السّارق...».[ثمّ ذكر آية إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ...

الأحزاب:35،و قال:]

فإنّنا نستشفّ من هذه الآية و غيرها أنّ الرّجل و المرأة سواء في التّقييم من حيث طبيعة المسئوليّة كمبدإ،و من حيث نتائجها العامّة و الخاصّة،ما يعني تسوية مطلقة في هذا المجال.و تبقى القضيّة،في مجال العلاقات بينهما،تتّخذ سبيلا آخر في حساب المسئوليّة المشتركة؛من حيث توزيع الأدوار في نطاق نظام العائلة و في غيره.فقد جعل الإسلام للرّجل امتيازا نابعا من بعض الخصائص الذّاتيّة الّتي قد تجعله أكثر قدرة على الممارسة،و من تحمّله المسئوليّة الماليّة للعلاقة؛و ذلك على أساس تنظيميّ لقانون الأسرة؛ و ذلك ما أوضحته الآية الكريمة: اَلرِّجالُ قَوّامُونَ

ص: 214

عَلَى النِّساءِ...». [ثمّ شرح هذه الآية شرحا وافيا، فلاحظ]هذه ما في الآية:(1)من النّكات.

(2) اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ.

قالوا في تعبير: أَعْظَمُ دَرَجَةً ما لفظه مختلف و معناه واحد:

1-فقال الطّبريّ-و نحوه النّحّاس-:«أرفع منزلة عنده،من سقاة الحاجّ و عمّار المسجد الحرام، و هم باللّه مشركون».

و قال أبو السّعود:«أعلى رتبة و أكثر كرامة ممّن لم يتّصف بها كائنا من كان،و إن حاز جميع ما عداها من الكمالات الّتي من جملتها السّقاية و العمارة».

2-و قال الطّوسيّ: «معناه يتضاعف فضلهم عند اللّه مع شرف الجنس.و لو قال:أعلى درجة،أفاد شرف الجنس فقط».

3-و قال الزّجّاج:(«درجة)منصوب على التّمييز،المعنى:أعظم من غيرهم درجة».

(3) وَ ما لَكُمْ أَلاّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لِلّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

و فيها نكات و بحوث:

1-هذه الآية تفصيل لما أجمله مرّتين في الآية:7، قبلها: آمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ أَنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ أَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ، فقد أطلق الإنفاق فيها و لم يقيّده إلاّ بقوله:

مِمّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ، ترغيبا و تعجيلا للإنفاق،ممّا جعل الإنسان خليفة فيه لغيره،و سيكون غيره خليفة له بانتقاله إليه،فالمال عارية موقّتة بيد الإنسان زمنا قليلا.و قد أكّده تكرارا و تلوا الإنفاق فيها الإيمان-كالمتلازمين-مرّتين: آمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ أَنْفِقُوا، و فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ أَنْفَقُوا، و يذكر جزاء الإنفاق قبل تفضيله بقوله: لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ. ثمّ أكّد في الآية بعدها الإيمان باللّه و الرّسول كأصل موجب للإنفاق بلسان التّوبيخ و نهج التّكرير:

وَ ما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَ قَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، ثمّ أكّد بتذكار نزول القرآن بسياق جدّيّ: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ إِنَّ اللّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.

هذا كلّه جاء في الآيات قبلها.أمّا في هذه الآية فقد صدّرها أوّلا بالتّوبيخ على إمساكهم عن الإنفاق بعد الأمر في تلك الآية،و تأكيده بما ذكر ممّا يستوجب المبادرة إليه معجّلا،فالتّأخير فيه أمر غير متوقّع يستوجب التّوبيخ و التّقريع.

ثمّ قيّد الإنفاق ب(سبيل الله)تسجيلا للنّيّة الحسنة العالية،و حصرا للإنفاق بكونه في سبيل اللّه، و تحذيرا من غيره من الأغراض النّازلة،ثمّ كرّر ما ذكره سابقا بلسان: مِمّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ، مرّة ثانية ترغيبا إلى الإنفاق بلسان آخر: وَ لِلّهِ

ص: 215

مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، تأكيدا أنّ الإنسان ليس مالكا لما في يده واقعا،بل هو شيء قليل من جملة ميراث السّماوات و الأرض الواسع الكبير المملوك للّه تعالى حقّا،ثمّ نفى المساواة بين من أنفق و قاتل قبل فتح مكّة،و من أنفق و قاتل بعدها-ممّا يدلّ على أنّ سورة الحديد المدنيّة نزلت بعد الفتح-و ضمّ فيها «القتال»إلى«الإنفاق»،مشيرا إلى أنّ الإيمان الصّادق،كما يدعو إلى الإنفاق في سبيل اللّه يدعو إلى القتال في سبيل اللّه أيضا.فهما ملازمان للإيمان.

ثمّ فسّر عدم المساواة بين الفريقين،بأنّ من أنفق و قاتل قبل الفتح أعظم درجة ممّن أنفق و قاتل بعد الفتح،و لم يكتف بنفي المساواة.

و الملفت للنّظر أنّه فصّل بين الفريقين بهذه الجملة المعترضة: أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً تسريعا لبيان الفرق،ثمّ قال: مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا

و أيضا:فرّق بين الفريقين بالتّعبير عن الفريق الأوّل بقوله: مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ إيماء إلى قلّتهم،و أنّهم كانوا في صدق النّيّة،و قيامهم في صفّ الجهاد كرجل واحد.و قد عبّر عن الفريق الثّاني بقوله:

مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا مشيرا إلى أنّهم قد كثروا و تفرّقت نيّاتهم،فقاموا صفوفا مختلفة بدل الصّفّ الواحد للفريق الأوّل.

و أخيرا بعد إعطاء كلّ فريق حقّهم،و بيان موضعهم في الإنفاق و القتال،قال: وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى، تعميما وعد اللّه بالحسنى للفريقين جميعا، و أنّ تفضيل الأوّلين على الآخرين و نفي المساواة بينهم،لا يعني أنّ الفريق الثّاني ليس لهم أجر و فضل عند اللّه أصلا،ثمّ ذيّله بقوله: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ تأكيدا لشمول علمه تعالى دقائق أعمال الفريقين من كلّ الجهات.

فهذه الآية سياقها سياق الآية(4)الآتية: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى خصوصا و أنّ«القتال أو الجهاد»مشترك بين الآيتين،و النّيّات،و الأغراض فيه متفاوتة كثيرا،فالجزاء الحسنى سوف يكون متفاوتا للمقاتلين حسب نيّاتهم،و مواقفهم في القيام به،كما أنّه متفاوت للمنفقين.مع أنّ المستفاد من ذيل (4)أنّ اللّه وعد القاعدين-غير أولي الضّرر- (الحسنى)حسب مواقفهم في القعود أيضا.

2-قال ابن عاشور:«إنّما كان المنفقون قبل الفتح و المجاهدون قبله أعظم درجة في إنفاقهم و جهادهم، لأنّ الزّمان الّذي قبل فتح مكّة كان زمان ضعف المسلمين،لأنّ أهل الكفر كانوا أكثر العرب،فلمّا فتحت مكّة دخلت سائر قريش و العرب في الإسلام، فكان الإنفاق و الجهاد فيما قبل الفتح أشقّ على نفوس المسلمين،لقلّة ذات أيديهم،و قلّة جمعهم قبالة جمع العدوّ.أ لا ترى أنّه كان عليهم أن يثبتوا أمام العدوّ إذا كان عدد العدوّ عشرة أضعاف عدد المسلمين في القتال،قال تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ الأنفال:65».

و قال فضل اللّه:«لأنّ هناك فرقا كبيرا بين الّذين يجاهدون و ينفقون في الظّروف الصّعبة القاسية الّتي

ص: 216

كان الإسلام فيها يعاني من قلّة العدد و العدّة،في مواجهة القوّة الكافرة الّتي كانت تتميّز بكثرة العدد و العدّة،و بين الّذين يجاهدون بعد الفتح الّذي كانت القوّة فيه للمسلمين،و ذلك بعد فتح الحديبيّة أو فتح مكّة؛بحيث لم تكن هناك مشكلة كبيرة في العدد و العتاد،الأمر الّذي يجعل الفئة الأولى في المواقع المتقدّمة في درجات القرب من اللّه،لأنّ مسألة المعاناة في مواقفهم و الأثر الكبير الإيجابيّ في نصرتهم للإسلام في مواقعهم،تحمل ميزة كبيرة لا تقترب منها الفئة الأخيرة».

فهذان المفسّران-و هما من كبار السّنّة و الشّيعة- قد فرّقا بين الجهاد قبل الفتح و بعده،من حيث قلّة المسلمين،عدّة و عدّة قبله و كثرتهم بعده،مع تخصيص الأوّل منهما«الفتح»بفتح مكّة،و تعميم الثّاني إيّاه إلى«صلح الحديبيّة»،لأنّ اللّه عدّه فَتْحاً مُبِيناً الفتح:،أو خصّه بسورة كاملة سمّاها ب«الفتح».

و قولهما:صحيح لا ريب فيه،إلاّ أنّ هناك فرقا آخر -كما أشرنا إليه سابقا-لا يقلّ أمره عمّا ذكراه،و هو تفاوتهم في صدق النّيّة و إخلاص العمل في ساحات القتال-و في صعيد الإنفاق أيضا-إذ كان هذان الأمران قبل الفتح موفورين بين المؤمنين الصّادقين؛ حيث إنّهم كانوا متوكّلين على اللّه دون عدّتهم و عدّتهم،طالبين نصر اللّه و ثوابه دون الغنيمة الّتي نالوها بعد الفتح،لقوّة احتمال النّصرة و الغلبة على الأعداء في القتال حين ذاك،و مزيد الطّمع في الغنائم، كما تشير إليه الآية(6)و غيرها.

(4 و 5) لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً* دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

و فيهما نكات:

1-نفي اللّه في صدر الآية(4)التّسوية بين القاعدين و المجاهدين،ثمّ شرح عدم التّسوية بينهما، تصريحا بالتّفضيل مرّتين ب فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ...، و صيغة التّفعيل في فَضَّلَ اللّهُ تفيد المبالغة أيضا إضافة إلى التّعدية.

2-قدّم(القاعدون)عند نفي التّسوية على (المجاهدون،)و قدّم(المجاهدون)على (القاعدين)عند ذكر التّفضيل مرّتين تأكيدا للتّفاوت البيّن بين الفريقين.

3-قيّد(المجاهدون)ب فِي سَبِيلِ اللّهِ في الأولى و اكتفى به و لم يكرّره،فلم يقيّد(المجاهدون) به مع تكراره مرّتين أخريين.في حين أنّه كرّر قيد بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ مرّتين،و اكتفى بهما في الثّالثة، فلم يقيّدها به.كما أنّه قيّد(القاعدون)في الصّدر ب غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، و اكتفى به و لم يكرّره في الثّانية و الثّالثة.

و هذا التّفاوت في تكرار القيود و عدمه،حاك عن التّفاوت بينها دخلا في التّفضيل؛حيث قيّد نفي التّسوية صدرا بالقيود الثّلاثة،و كرّر قيد بِأَمْوالِهِمْ

ص: 217

وَ أَنْفُسِهِمْ في الوسط،و لم يكرّر شيئا منها في الذّيل، فلاحظ نظم كلام اللّه تعالى.

4-خصّ(فضل الله)أوّلا ب(درجة،)و عمّه أخيرا إلى(درجات،)فيبدو أنّ الفرق بينهما بالإجمال و التّفصيل،دون التّفاوت العدديّ حتّى يقال:إنّه توسعة في التّفضيل و ترقّ عن الأقلّ إلى الأكثر مزيدا في التّفضيل من اللّه،كما ضمّ إلى (درجات)في الذّيل-مبالغة في الفضل- أَجْراً عَظِيماً، و وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً، و جعل(درجات)،و ما بعدها تفسيرا أو تمييزا ل أَجْراً عَظِيماً.

5-ذيّل(فضل الله)الأوّل بقوله: وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى تأكيدا للمجاهدين و القاعدين غير أولي الضّرر كلاهما يشملها وعد اللّه بالحسنى-مع تفاوت بينهما قهرا-فلم ييأس القاعدين غير أولي الضّرر بل وعدهم بالحسنى بإزاء تحفّظهم من الإضرار بالمؤمنين المجاهدين،مشيرا إلى أنّ وعد اللّه بالحسنى لا يشمل القاعدين أولي الضّرر.فلاحظ كمال عدل اللّه تعالى في جزاء المجاهدين و من لحق بهم من القاعدين غير أولي الضّرر.

و هذا بيان و إرشاد لنا في طريق تقييم محلّ المحسنين و المسيئين،بأن نعاملهم جزاء و عقابا بميزان حسناتهم و سيّئاتهم،رعاية للعدل.

6-فسّروا(درجة)ب«فضيلة»و كذا (درجات)ب«فضائل»-و ذكر الفخر الرّازيّ- و كذا أبو السّعود-في انتصابها وجوها ثلاثة:

الأوّل:أنّه لحذف الجارّ،و التّقدير:«بدرجة» فلمّا حذف الجارّ وصل الفعل بها،فصارت مفعولا للفعل.

الثّاني:(درجة)أي فضيلة،و التّقدير:و فضّل اللّه المجاهدين فضيلة،فهي مفعول مطلق.و كذا قال ابن عاشور:«و انتصب(درجة)بالنّيابة عن المفعول المطلق المبيّن للنّوع في فعل(فضل؛)إذ الدّرجة هنا زيادة في معنى الفضل،فالتّقدير:فضّل اللّه المجاهدين فضلا هو درجة،أي درجة فضلا».

الثّالث:نصبت تمييزا.و أضاف أبو السّعود وجها رابعا،و هو كونها حالا من المجاهدين،أي ذوي درجة.

و لا يتفاوت المعنى حسب هذه الوجوه،و إنّما هي تفنّن في الإعراب،يشتغل بها النّحويّون المعربون،و ينبغي أن لا يهتمّ بها المفسّرون إلاّ بقدر دخالتها في المعنى.

7-و قالا أيضا:إنّ تنكير(درجة)و تنوينها للتّفخيم،و لهذا قال الآلوسيّ:(«درجة)لا يقادر قدرها و لا يبلغ كنهها».و قال ابن عاشور:«للتّعظيم، و هو يساوي مفاد الجمع في قوله الآتي:(درجات منه».)

8-قالوا في إفراد(درجة:)ليس المراد بها وحدتها.فقال ابن عاشور:«ليس إفرادها للوحدة، لأنّ(درجة)هنا جنس معنويّ لا أفراد له،و لذلك أعيد التّعبير عنها في الجملة الّتي جاءت بعدها تأكيدا لها بصيغة الجمع بقوله:(درجات منه)لأنّ الجمع أقوى من المفرد».

و قال فضل اللّه:«الظّاهر أنّ المراد من الدّرجة

ص: 218

ليس الوحدة في الأرقام الحسابيّة،بل المبدأ من حيث النّوع؛و ذلك ما يوحيه وقوع الكلمة بعد فقرة عدم الاستواء،لبيان أنّ هذا الفريق أعلى درجة من الفرق الأخرى؛فلا يتنافي مع الفقرة المذكورة في الآية التّالية:

(درجات منه».)

9-قال ابن عاشور:«حقيقة الدّرجة أنّها جزء من مكان يكون أعلى من جزء آخر متّصل به؛بحيث تتخطّى القدم إليه بارتقاء من المكان الّذي كانت عليه بصعود،و ذلك مثل درجة العليّة و درجة السّلّم».

و الدّرجة هنا مستعارة للعلوّ المعنويّ كما في قوله تعالى-الآية(1)-: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ.

و العلوّ المراد هنا:علوّ الفضل و وفرة الأجر».

10-قال الآلوسيّ: «دَرَجَةٌ هذا تصريح بما أفهمه نفي المساواة،فإنّه يستلزم التّفضيل إلاّ أنّه لم يكتف بما فهم،اعتناء به،و ليتمكّن أشدّ تمكّن».

و لكون الجملة مبيّنة و موضّحة لما تقدّم،لم تعطف عليه.و جوّز أن تكون جواب سؤال ينساق إليه المقال،كأنّه قيل:كيف وقع ذلك التّفضيل؟فقيل:

فَضَّلَ اللّهُ...».

11-و قال أيضا:«اللاّم»-كما أشرنا إليه-في الجمعين:(القاعدون)و(المجاهدون)للعهد، و لا يأباه كون مدخولها وصفا-كما قيل-إذ كثيرا ما ترد(أل)فيه للتّعريف كما صرّح به النّحاة...».

12-اختلفوا في تفسير(درجات)فقالوا في (درجات منه:)الفضائل،أو فضائل من اللّه في الدّرجات،الدّرجات سبعون درجة ما بين الدّرجتين حضر الفرس الجواد المضمّر سبعين سنة،فضّلوا بسبعمائة درجة.و قال ابن عطيّة:«درجات الجهاد لو حصرت أكثر من هذه،لكن يجمعها بذل النّفس و الاعتمال بالبدن و المال في أن تكون كلمة اللّه هي العليا».و عندنا أنّه لا يصحّ التّحديد بذلك إلاّ بنقل صحيح عن المعصوم.

و قال قتادة:«الإسلام درجة،و الهجرة في الإسلام درجة،و الجهاد في الهجرة درجة،و القتل في الجهاد درجة».و هذا مستفاد ممّا جاء في الآيتين.

و قال ابن زيد:«الدّرجات هي السّبع الّتي ذكرها في سورة التّوبة:120 و 121: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، هذه السّبع الدّرجات»و كأنّه أشار بها إلى: أَنْ يَتَخَلَّفُوا و لا يَرْغَبُوا، و لا يُصِيبُهُمْ و(لا يطئون،)و(لا ينالون.)[هذه الخمسة في الآية الأولى]

و(لا ينفقون،)و(لا يقطعون.)[في الآية الثّانية]

فنرى أنّ(درجات)عند قتادة،و ابن زيد هي الأعمال.و الحقّ أنّ«الدّرجات»في هذه الآيات هي

ص: 219

درجات الثّواب لأهل الجنّة،و هي كثيرة لا تحدّ بحدّ، و لعلّ أعلاها درجة:رضوان اللّه،كما جاء في قوله:

رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ المائدة:119، وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ التّوبة:72، و غيرهما من الآيات.فقد ذكر الطّبريّ الأقوال المتقدّمة،و رجّح قول من قال:هي درجات الجنّة احتجاجا بأنّ(درجات منه)ترجمة و بيان عن قوله -في الآية-:(اجرا عظيما،)و معلوم أنّ«الأجر» إنّما هو الثّواب و الجزاء.ثمّ قال:«و إذ كان ذلك كذلك،و كانت«الدّرجات»و«المغفرة»و«الرّحمة» ترجمة عنه،كان معلوما أن لا وجه لقول من وجّه معنى قوله:(درجات منه،)إلى الأعمال و زيادتها على أعمال القاعدين عن الجهاد،كما قال قتادة و ابن زيد».

13-اختلفوا في وجه اختلاف(درجة) و(درجات)مفردا و جمعا على وجوه:

أحدها:أنّ(درجة)هي فضل المجاهدين على القاعدين أولي الضّرر-و لكنّه لم يصرّح به- و(درجات)هي فضلهم على القاعدين غير أولي الضّرر الّذين صرّح بهم.

قال الزّمخشريّ: «هم الّذين أذن لهم في التّخلّف اكتفاء بغيرهم،لأنّ الغزو فرض كفاية».و لا دليل على ذلك،و لازم هذا الوجه أنّ للقاعدين أولي الضّرر أجرا أيضا!!و الصّحيح في هذا الوجه ما حكاه أبو حيّان عن بعضهم،و هو أنّ«الدّرجة»للقاعدين بغير عذر،و«الدّرجات»للقاعدين بعذر.

ثانيها:أنّ(درجة)هي علوّ المنزلة و ارتفاع القدر مدحا في الدّنيا،و(درجات)هي درجاتهم في الجنّة.

ثالثها:قال الفخر الرّازيّ:«فضّل اللّه المجاهدين في الدّنيا بدرجة واحدة و هي الغنيمة،و في الآخرة بدرجات كثيرة في الجنّة،بالفضل و الرّحمة و المغفرة».

رابعها:ما أفاده أيضا أنّ(درجة)للمجاهد بالمال و النّفس فقط،و(درجات)لمن كان مجاهدا على الإطلاق في كلّ الأمور في عمل الظّاهر،و عمل القلب،و هو أشرف أنواع المجاهدة،كما قال النّبيّ عليه السّلام:«رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».

خامسها:قال القرطبيّ:«التّفضيل بالدّرجة،ثمّ بالدّرجات،إنّما هو مبالغة و بيان و تأكيد».

سادسها:قال البيضاويّ:«و قيل:المراد بالدّرجة الأولى:ارتفاع منزلتهم عند اللّه سبحانه و تعالى، و ب«الدّرجات»منازلهم في الجنّة».

سابعها:ما قاله أيضا:«و قيل:المجاهدون الأوّلون من جاهد الكفّار،و الآخرون من جاهد نفسه،و عليه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».

ثامنها-و هو تعبير و توضيح للوجه الثّاني حكاه أبو حيّان-:«و قيل:المجاهدون تتساوى رتبهم في الدّنيا بالنّسبة إلى أحوالهم،كتساوي القاتلين بالنّسبة إلى أخذ سلب من قتلوه،و تساوي نصيب كلّ واحد من الفرسان،و نصيب كلّ واحد من الرّجال،و هم في الآخرة متفاوتون بحسب إيمانهم،فلهم درجات بحسب استحقاقهم؛فمنهم من يكون له الغفران،

ص: 220

و منهم من يكون له الرّحمة فقط.فكان الرّحمة أدنى المنازل،و المغفرة فوق الرّحمة،ثمّ بعد الدّرجات على الطّبقات،و على هذا نبّه بقوله في(6): هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ، و منازل الآخرة تتفاوت».

و سائر ما يوجد في التّفاسير يرجع إلى أحد هذه الوجوه و الأولى عندنا هو الفرق بينهما بالإجمال و التّفصيل:(درجة)مجمل،و(درجات)تفصيل لها،و كلاهما عبارة عن درجات الآخرة،كما فسّر (درجات)في الآية ب(مغفرة منه و رحمة.)

14-ذكروا في وجه نصب(درجات)و ما بعدها وجوها أربعة تقدّمت في(درجة.)

فلاحظ نصّ أبي حيّان و زاد في(درجات)وجها خامسا،و هو كونها بدلا من(اجرا،)أو تأكيدا له، كما جوّز رفع: دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً على إضمار تلك درجات.لكنّه مشروط بثبوت القراءة بها عند القرّاء.

و أمّا(اجرا)فمنصوب ب(فضل)و احتمل الزّمخشريّ كونه حالا عن(درجات.)

15-و قال أبو السّعود:(«درجات)بدل من (اجرا،)بدل الكلّ مبيّن لكمّيّة التّفضيل و(مغفرة) بدل من(اجرا)بدل البعض،لأنّ بعض الأجر ليس من باب المغفرة،أي مغفرة لما فرط منهم من الذّنوب الّتي لا يكفّرها سائر الحسنات الّتي يأتي بها القاعدون أيضا حتّى تعدّ من خصائصهم.و قوله تعالى:

(و رحمة)بدل الكلّ من(اجرا)مثل(درجات.) و يجوز أن يكون انتصابهما بإضمار فعلهما،أي غفر لهم مغفرة و رحمهم رحمة».

و قال أبو حيّان:«قيل:الدّرجات باعتبار المنازل الرّفيعة بعد إدخال الجنّة،و المغفرة باعتبار ستر الذّنب، و الرّحمة باعتبار دخول الجنّة.و الظّاهر أنّ هذا التّفضيل الخاصّ للمجاهد بنفسه و ماله،و من تفرّد بأحدهما ليس كذلك...».

16-قال أبو السّعود:«و لعلّ تكرير التّفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة،و تقييده تارة ب(درجة،)و أخرى ب(درجات)-مع اتّحاد المفضّل و المفضّل عليه حسبما يقتضيه الكلام و يستدعيه حسن النّظام،-إمّا لتنزيل الاختلاف العنوانيّ بين التّفضيلين و بين الدّرجة و الدّرجات منزله الاختلاف الذّاتيّ،تمهيدا لسلوك طريق الإبهام ثمّ التّفسير،روما لمزيد التّحقيق و التّقرير،كما في قوله تعالى: وَ لَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ نَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ هود:58، كأنّه قيل:فضّل اللّه المجاهدين على القاعدين درجة لا يقادر قدرها و لا يبلغ كنهها-إلى أن قال:-و إمّا:

للاختلاف بالذّات بين التّفضيلين و بين الدّرجة و الدّرجات،على أنّ المراد بالتّفضيل الأوّل:ما خوّلهم اللّه تعالى عاجلا في الدّنيا من الغنيمة و الظّفر و الذّكر الجميل الحقيق بكونه درجة واحدة،و بالتّفضيل الثّاني:ما أنعم به في الآخرة من الدّرجات العالية الفائتة للحصر،كما ينبئ عنه تقديم الأوّل و تأخير الثّاني،و توسيط الوعد بالجنّة بينهما،كأنّه قيل:

و فضّلهم عليهم في الدّنيا درجة واحدة و في الآخرة

ص: 221

درجات لا تحصى،و قد وسّط بينهما في الذّكر ما هو متوسّط بينهما في الوجود،أعني الوعد بالجنّة، توضيحا لحالهما،و مسارعة إلى تسلية المفضول،و اللّه سبحانه أعلم».

ثمّ قال:«هذا ما بين المجاهدين و بين القاعدين غير أولي الضّرر،و أمّا أولو الضّرر فهم مساوون للمجاهدين عند القائلين بمفهوم الصّفة،و بأنّ الاستثناء من النّفي إثبات.و أمّا عند من لا يقول بذلك فلا دلالة لعبارة النّص عليه.و قد روي عن رسول اللّه:

«لقد خلّفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا و لا قطعتم واديا إلاّ كانوا معكم»،و هم الّذين صحّت نيّاتهم و نصحت جيوبهم و كانت أفئدتهم تهوى إلى الجهاد،و بهم ما يمنعهم من المسير من ضرر أو غيره، و بعبارة أخرى«إنّ في المدينة لأقواما ما سرتم من مسير و لا قطعتم من واد إلاّ كانوا معكم فيه»،-إلى أن قال:-و قيل:القاعدون الأوّل هم الأضرّاء،و الثّاني غيرهم،و فيه من تفكيك النّظم الكريم ما لا يخفى.

و لا ريب في أنّ الأضرّاء أفضل من غيرهم درجة،كما لا ريب في أنّهم دون المجاهدين بحسب الدّرجة الدّنيويّة».

و هذا الكلام الطّويل بما فيه من الفوائد،فيه أنّ قيد: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ليس مفهومه أنّ أولي الضّرر مساوون للمجاهدين،بل مفهومه أنّ أولي الضّرر ليس لهم فضل أصلا لا أنّهم مساوون للمجاهدين،فلاحظ.

(6) أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ* هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ.

و فيه بحوث:

1-قالوا في:(هم درجات:)لهم درجات، كقولهم:«هم طبقات»أي لهم طبقات،فحملت (درجات)على أنفسهم مبالغة،كما أشرنا إليه سابقا فهو مجاز كما قال الطّوسيّ،و لهذا قال الزّجّاج و نحوه النّحّاس:«أي المؤمنون ذوي درجة رفيعة...».

و يبدو من بعضهم أنّه حقيقة.قال الفرّاء:«هم في الفضل مختلفون بعضهم أرفع من بعض».

و قال أبو عبيدة:«هم منازل»،ثمّ قال:«معناها:

لهم درجات عند اللّه...».

و قال الطّبريّ: «مختلفو المنازل عند اللّه،فلمن اتّبع رضوان اللّه،الكرامة و الثّواب الجزيل،و لمن باء بسخط من اللّه،المهانة و العقاب الأليم.و قال آخرون:

«معنى ذلك:لهم درجات عند اللّه،يعني لمن اتّبع رضوان اللّه منازل عند اللّه كريمة».

و قد وجّهه الطّوسيّ بقوله:«فإن قيل:كيف قال:

(هم درجات،)و إنّما لهم درجات؟قيل:لأنّ اختلاف أعمالهم قد ميّزهم بمنزلة المختلفي الذّوات، كاختلاف مراتب الدّرجات،لتبعيدهم من استواء الأحوال،فجاء هذا على وجه التّجوّز».

و وجّهه الفخر الرّازيّ بقوله:«تقدير الكلام:لهم درجات عند اللّه،إلاّ أنّه حسن هذا الحذف،لأنّ اختلاف أعمالهم قد صيّرتهم بمنزلة الأشياء المختلفة في ذواتها.فكان هذا المجاز أبلغ من الحقيقة،و الحكماء

ص: 222

يقولون:إنّ النّفوس الإنسانيّة مختلفة بالماهيّة»،و قد شرحه و احتجّ بالحديث:«النّاس معادن كمعادن الذّهب و الفضّة».

و لمن تأخّر منهم نحوهم من الوجوه،و لأبي حيّان كلام فيمن ردّ على الرّازيّ و من تبعه-في كونها مجازا-بجهله و جهلهم بلسان العرب...فلاحظ.

و قال القرطبيّ في: «هُمْ دَرَجاتٌ أي ذوو درجات،أو على درجات،أو في درجات،أو لهم درجات...».

2-اختلفوا في أنّ«الدّرجات»ما كان بين الفريقين،أو ما كان لكلّ منهما.

فقال الطّوسيّ: «قيل:في معناه قولان:أحدهما:

اختلاف مراتب كلّ فريق من أهل الثّواب،و العقاب، لأنّ النّار أدراك لقوله: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:145،و الجنّة طبقات بعضها أعلى من بعض،كما روي أنّ أهل الجنّة ليرون أهل علّيّين،كما يرى النّجم في أفق السّماء.

و الثّاني:اختلاف مرتبتي أهل الثّواب،و العقاب بما لهؤلاء من النّعيم،و الكرامة،و لأولئك من العذاب و المهانة».

و قال الزّمخشريّ: «أي هم متفاوتون كما تتفاوت الدّرجات.و قيل:ذوو درجات،و المعنى:

تتفاوت منازل المثابين منهم و منازل المعاقبين، و التّفاوت بين الثّواب و العقاب».

3-و اختلفوا أيضا في المراد ب(هم درجات) أهم متّبعي الرّضوان فقط-كما هو ظاهر كلام مجاهد،و السّدّيّ،و غيرهما،أو الجمعان المذكوران في الآية،كما عن ابن إسحاق و غيره.

قال القشيريّ: «أي هم أصحاب درجات في حكم اللّه،فمن سعيد مقرّب،و من شقيّ مبعد».

و قال ابن عربيّ: «أي كلّ من أهل الرّضا و أهل السّخط،ذوو درجات متفاوتات،أو هم مختلفون اختلاف الدّرجات».

و قال الفخر الرّازيّ: «(هم)ضمير عائد إلى شيء قد تقدّم ذكره،و قد تقدّم ذكر(من اتبع رضوان الله)،و ذكر(من باء بسخط من الله)،فهذا الضّمير يحتمل أن يكون عائدا إلى الأوّل،أو إلى الثّاني،أو إليهما معا،و الاحتمالات ليست إلاّ هذه الثّلاثة».ثمّ وجّه الأوّل بوجوه أربعة:

1-أنّ«الدّرجات»غالبا تستعمل في أهل الثّواب،و الدّركات في أهل العقاب.

2-أنّ اللّه وصف الفريق الثّاني بأنّ: مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ، فاختلفت الدّرجات بالفريق الأوّل.

3-أنّ اللّه تعالى يضيف الثّواب و الرّحمة في القرآن عادة-إلى نفسه،مثل: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ الأنعام:12،و غيرها من الآيات،و قال هنا: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللّهِ فالمراد به أهل الثّواب.

4-أنّه متأكّد بقوله في الإسراء:21، اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً.

و وجّه الثّاني-و هو اختصاص الدّرجات بأهل

ص: 223

السّخط-بأنّ الضّمير عائد إلى الأقرب و أيّده بقوله:

وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا الأحقاف:19،و بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ أهون أهل النّار عذابا يوم القيامة رجل يحذى له نعلان من نار...».

و وجّه الثّالث بأنّ درجات كلّ منهما متفاوتة حسب تفاوت أعمالهم،كما قال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8.

و الوجه الأوّل عندنا أقوى و أظهر بالسّياق،لما جاء فيه من الوجوه.

(7) وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ.

(8) وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ.

و فيهما بحوث:

1-سياق الآيتين و ما جاء في تفسيرهما واحد، فأكثرهم فسّروا«الدّرجات»فيهما بما للمؤمنين من الثّواب و ما للكافرين من العقاب،و يساعده ما جاء قبل الآيتين من ذكر المؤمنين و الكافرين،فقبل الأولى في الآية:125، فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ. ثمّ يمدح المؤمنين في آيات إلى أن يصل إلى ذمّ الكافرين في آيات آخرها:131، ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها غافِلُونَ، ثمّ قال: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا....

و جاء قبل الثّانية ذكر الولد الصّالح في الآية:15، ...حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي...، إلى أن قال في 17: وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي، ثمّ ذكر الإنس و الجنّ-إلى أن قال:- وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا....

و لكن سياق الآيتين أمسّ بالكافرين و العاصين، فذيل الأولى: وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ، و ذيل الثّانية: وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ، و لا يقال هذا إلاّ لمن يستحقّ العقاب.

و احتمل الفخر الرّازيّ في الآية الأولى وجهين:

أحدهما:أنّ قوله: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا، عامّ في المطيع و العاصي.ثانيهما:أنّ وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا خاصّ بأهل الطّاعة،و قوله: وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ، مختصّ بأهل الكفر و المعصية.

و ذكر أيضا في الآية الثّانية قولين:أوّلهما: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا خاصّ بالمؤمنين،و ذلك لأنّ المؤمن البارّ بوالديه له درجات متفاوتة،و مراتب مختلفة.و ثانيهما:أنّه عائد إلى الفريقين.

2-و قد أشكلوا أنّ(درجات)يناسب أهل الطّاعة و لأهل المعصية دركات؟

و أجاب الفخر الرّازيّ عنه بوجوه،أحسنها -و يشاركه فيه غيره-أنّه على جهة تغليب أهل الجنّة على أهل النّار تشريفا لهم.

ص: 224

3-و طرحوا فيهما ما تقدّم في غيرهما،من أنّ المراد بالدّرجات:الجزاء،أو الأعمال،و سياق الآيات يناسب الجزاء،فلاحظ.

(9) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ.

و فيها بحوث:

1-اختلفوا فيها كغيرها هل المراد ب(درجات:) الأعمال أو درجات الجنّة-و الظّاهر هو الثّاني بقرينة (مغفرة)-و قد أوّلها ابن عربيّ إلى مراتب الصّفات، و روضات جنّات القلب.

و قال النّيسابوريّ: «أي سعادات روحانيّة متفاوتة في الصّعود و الارتفاع،و لكن استغراق كلّ واحد في سعادته الخاصّة به يمنعه عن التّألّم من حال من فوقه،كما قال سبحانه: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ الأعراف:43».

و قال أبو السّعود:«لهم درجات من الكرامة و الزّلفى،و قيل:درجات عالية في الجنّة.و هو إمّا جملة مبتدأة مبنيّة على سؤال نشأ من تعداد مناقبهم، كأنّه قيل:ما لهم بمقابلة هذه الخصال؟فقيل:لهم كيت كيت،أو خبر ثان ل(اولئك».)

و قال الآلوسيّ: «أي كرامة و علوّ مكانة،على أن يراد بالدّرجات العلوّ المعنويّ،و قد يراد بها العلوّ الحسّيّ.و في الخبر عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«في الجنّة مائة درجة لو أنّ العالمين اجتمعوا في إحداهنّ لوسعتهم...».

و وجه الجمع على الوجهين ظاهر،و التّنوين للتّفخيم،و الظّرف إمّا متعلّق بمحذوف وقع صفة لها مؤكّدة لما أفاده التّنوين،أو بما تعلّق به الخبر،أعني لهم من الاستقرار.و جوّز أبو البقاء أن يكون العامل فيه (درجات)لأنّ المراد بها الأجور،و في إضافته إلى الرّبّ المضاف إلى ضميرهم مزيد تشريف لهم و لطف بهم،و إيذان بأنّ ما وعدهم متيقّن الثّبوت...».

2-و قد قدّر الفخر الرّازيّ«الدّرجات»حسب الصّفات المذكورة قبلها في الآيتين:2،3، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. فقال:

«و اعلم أنّ الصّفات المذكورة قسمان:الثّلاثة الأوّل هي الصّفات القلبيّة و الأحوال الرّوحانيّة،و هي الخوف و الإخلاص و التّوكّل.

و الاثنتان الأخيرتان هما الأعمال الظّاهرة و الأخلاق.

و لا شكّ أنّ لهذه الأعمال و الأخلاق تأثيرات في تصفية القلب،و في تنويره بالمعارف الإلهيّة.

و لا شكّ أنّ المؤثّر كلّما كان أقوى كانت الآثار أقوى و بالضّدّ،فلمّا كانت هذه الأخلاق و الأعمال لها درجات و مراتب كانت المعارف أيضا لها درجات و مراتب،و ذلك هو المراد من قوله: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، و الثّواب الحاصل في الجنّة أيضا مقدّر بمقدار هذه الأحوال.

فثبت أنّ مراتب السّعادات الرّوحانيّة قبل الموت و بعد الموت،و مراتب السّعادات الحاصلة في الجنّة

ص: 225

كثيرة و مختلفة،فلهذا المعنى قال: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ».

3-و قال ابن عاشور:«جملة: لَهُمْ دَرَجاتٌ خبر ثان عن اسم الإشارة،و اللاّم للاستحقاق،أي درجات مستحقّة لهم؛و ذلك استعارة للشّرف و الكرامة عند اللّه،لأنّ الدّرجات حقيقتها ما يتّخذ من بناء أو أعواد لإمكان تخطّي الصّاعد إلى مكان مرتفع منقطع عن الأرض،كما تقدّم عند قوله تعالى:

وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228،و في غير موضع،و تستعار الدّرجة لعناية العظيم ببعض من يصطفيهم فتشبّه العناية بالدّرجة تشبيه معقول بمحسوس،لأنّ الدّنوّ من العلو عرفا يكون بالصّعود إليه في الدّرجات،فشبّه ذلك الدّنوّ بدرجات، و قوله: عِنْدَ رَبِّهِمْ قرينة المجاز...».

4-و قال مغنيّة:«الدّرجات عند اللّه تتفاوت تبعا للجهاد،و التّضحية،و أعلاها لمن ينتفع النّاس بهم، و يتحمّلون الكثير،ليعيش عيال اللّه جميعا في ظلّ الأمن و العدل و الخصب».

5-و قال الطّباطبائيّ: «و الّذي يشتمل عليه الآية من إثبات الدّرجات لهؤلاء المؤمنين،هو ثبوت جميع الدّرجات لجميعهم،لا ثبوت جميعها لكلّ واحد منهم،فإنّها من لوازم الإيمان،و الإيمان مختلف ذو مراتب،فالدّرجات الموهوبة بإزائه كذلك لا محالة -إلى أن قال:-و بما تقدّم يظهر أنّ تفسير بعضهم ما في الآية من الدّرجات بدرجات الجنّة ليس على ما ينبغي،و أنّ المتعيّن كون المراد بها درجات القرب كما تقدّم،و إن كان كلّ منهما يلازم الآخر».

6-و قال مكارم الشّيرازيّ:«هذه الدّرجات مبهمة لم يعيّن مقدارها،و ميزانها،و هذا الإبهام يشير إلى أنّها درجات كريمة عالية».

(10) وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى* جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكّى.

و المراد بالدّرجات فيها:درجات الجنّة،كما بيّنها ما بعدها:و لا يحتمل فيها مراتب الأعمال،و لا مراتب جزاء المؤمنين و الكفّار جميعا،كما احتمل في سائر الآيات.و يسجّلها ما قبلها: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى. لاحظ:

ج ن ن:«جنّات»،و:ج ه ن م:«جهنّم».و:ج ز ي:

«جزاء».

(11) اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلاً.

و(درجات)في هذه أيضا مثل ما قبلها هي درجات الآخرة،كما قال: وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ و قوله: اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا...: إشارة إلى قوله تعالى في الآيتين:18،19،قبلها: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً* وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ثمّ قال: كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً.

ص: 226

و لهذا قال الفخر الرّازيّ: «المعنى أنّ تفاضل الخلق في درجات منافع الدّنيا محسوس،فتفاضلهم في درجات منافع الآخرة أكبر و أعظم،فإنّ نسبة التّفاضل في درجات الآخرة إلى التّفاضل في درجات الدّنيا كنسبة الآخرة إلى الدّنيا.فإذا كان الإنسان تشتدّ رغبته في طلب فضيلة الدّنيا فبأن تقوى رغبته في طلب فضيلة الآخرة أولى».

و قال أبو السّعود: «لأنّ التّفاوت فيها بالجنّة و درجاتها العالية الّتي لا يقادر قدرها،و لا يكتنه كنهها،كيف لا و قد عبّر عنه:بما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر...؟».

و قال فضل اللّه: «لأنّها تتميّز عن الدّنيا بالأجواء الواسعة الممتدّة بما يشبه المطلق الّذي جاء في بعض الحديث عن ملامحه في القرآن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ السّجدة:17»ثمّ أدام الكلام في تكريم اللّه للإنسان بدرجات.

(12-18)تلك الآيات السّبع تتحدّث جميعا عن رفع الدّرجات،و بعضها راجع إلى الدّنيا،و بعضها إلى الآخرة،و قد تكلّمنا فيها ذيل المبحث الأوّل،فلاحظ.

المحور الثّاني:المزيد في آيتين:

(19) وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ.

(20) فَذَرْنِي وَ مَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ.

و فيهما بحوث:

1-سياقهما الوعيد و الإنذار للمكذّبين بالآيات بجملة واحدة: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ.

قال مكارم الشّيرازيّ: «تبيّن هاتان الآيتان واحدة من سنن اللّه في شأن كثير من عباده المجرمين المعاندين،و هي ما عبّر عنها القرآن ب«عذاب الاستدراج»...

و جاء في موطنين و كلاهما يتعلّقان بمكذّبي آيات اللّه و منكريها...».

2-و قال ابن قتيبة:«الاستدراج:أن يدنيهم من بأسه قليلا قليلا من حيث لا يعلمون،و لا يباغتهم و لا يجاهرهم.و منه يقال:درجت فلانا إلى كذا و كذا، و استدرج فلانا حتّى تعرف ما عنده و ما صنع.يراد لا تجاهره و لا تهجم عليه بالسّؤال،و لكن استخرج ما عنده قليلا قليلا.

و أصل هذا من الدّرجة؛و ذلك أنّ الرّاقي فيها النّازل منها ينزل مرقاة مرقاة،فاستعير هذا منها».

و قال غيره:«سنأخذهم بالعذاب،كلّما جدّدوا لنا معصية جدّدنا لهم نعمة.تجديد النّعم عند المعاصي، سنمكر بهم،سنأخذهم،نزيّن لهم أعمالهم فنهلكهم.

سنطوي و إنّ أعمارهم في اغترار منهم.الاستدراج:أن تأتيه من حيث لا يعلم و من حيث تلطف له حتّى تغترّه.سنستدرجهم إلى العقوبات حتّى يقعوا فيها من حيث لا يعلمون،سنمهله بغرّته و نزيّن له سوء عمله حتّى يحسب أنّه فيما هو عليه من تكذيبه بآيات اللّه إلى نفسه محسن...و أصل الاستدراج اغترار المستدرج بلطف من استدرجه،حيث يرى المستدرج أنّ المستدرج إليه محسن،حتّى يورّطه مكروها.

ص: 227

سنأخذهم قليلا قليلا و لا نباغتهم.يقال:استدرج فلان فلانا،إذا أتى بأمر يريد ليلقيه في هلكة.

و لا يكون الاستدراج إلاّ حالا بعد حال.و منه:فلان يدرج فلانا،و منه:أدرجت الثّوب.سنأخذهم من حيث لا يحتسبون.قال أهل المعاني:الاستدراج:أن ندرج إلى الشّيء في خفية قليلا قليلا،و لا يباغت و لا يجاهر...و منه الكتاب إذا طوى شيئا بعد شيء...، أن تنطوي على حالة منزلة بعد منزلة.و هو مشتقّ إمّا من الدّرج لانطوائه على شيء بعد شيء أو من الدّرجة لانحطاطه من نزلة بعد نزلة.الاستدراج:

استفعال من الدّرجة،بمعنى الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة.

و منه:درج الصّبيّ،إذا قارب بين خطاه.و أدرج الكتاب:طواه شيئا بعد شيء.و درج القوم:مات بعضهم في أثر بعض.و معنى:(سنستدرجهم) سنستدنيهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم و يضاعف عقابهم،سنسوقهم شيئا بعد شيء و درجة بعد درجة بالنّعم عليهم و الإمهال لهم حتّى يغترّوا و يظنّوا أنّهم لا ينالهم عقاب...و قيل:هو من المدرجة،و هي الطّريق،و درج:إذا مشى سريعا،أي سنأخذهم من حيث لا يعلمون،أيّ طريق سلكوا...،الاستدراج:هو الأخذ بالتّدريج،منزلة بعد منزلة.نستدينهم البتّة إلى الهلاك شيئا فشيئا...،مشتقّ من الدّرجة بفتحتين،و هي طبقة من البناء مرتفعة من الأرض،بقدر ما ترتفع الرّجل للارتقاء منها إلى ما فوقها تيسيرا للصّعود...، الاستدراج:الاستصعاد أو الاستنزال درجة فدرجة...،للاستدراج معنيين:أخذ الشّيء تدريجا و اللّفّ و الطّيّ،و يرجعان إلى مفهوم كلّيّ جامع واحد،و هو العمل التّدريجيّ.يتدرّجون من موقع ضلال إلى موقع ضلال آخر،في ما يتقلّبون به من نعمة إلى نعمة...».

هذه كلماتهم،و كلّها يرجع إلى معنى واحد،و قد صرّح بعضهم بأنّ هذا تشبيه و استعارة.قال ابن عاشور:«و هو تمثيل بديع يشتمل على تشبيهات كثيرة،فإنّه مبنيّ على تشبيه حسن الحال برفعة المكان و ضدّه بسفالة المكان،و القرينة تعيّن المقصود من انتقال إلى حال أحسن أو أسوأ».

3-قال الجبّائيّ: «يجوز أن يكون هذا العذاب في الدّنيا كالقتل،و يجوز أن يكون عذاب الآخرة».

و قال السّدّيّ: «هو عذاب يوم بدر».

و قال المراغيّ: «و قد صدق اللّه وعده،فقد كان كفّار قريش و صناديدها يبالغون في عداوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، اغترارا بكثرتهم و ثروتهم-إلى أن قال-حتّى أظهره اللّه تعالى عليهم في غزوة بدر فلم يعتبروا،ثمّ زادهم غرورا تغلّبهم عليه آخر معركة أحد حتّى قال أبو سفيان:يوم بيوم بدر،إلى أن كان الفتح الأعظم:

فتح مكّة،فأظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و من اتّبعه عليهم من حيث لا يعلمون سنّته تعالى».

و قال مغنيّة:«و قد اغترّ أبو سفيان بيوم أحد، و قال:يوم بيوم بدر،حتّى إذا جاء نصر اللّه و الفتح، استسلم صاغرا».

و قال الطّباطبائيّ: «و قرينة المقام تدلّ على أنّ

ص: 228

المراد به هنا الاستدناء من الهلاك:إمّا في الدّنيا،أو في الآخرة».

4-و أمّا الإعراب فقال ابن عاشور:«السّين و التّاء في فعل الاستدراج للطّلب،أي طلب منه أن يتدرّج،أي صاعدا أو نازلا...و لمّا تضمّن الاستدراج معنى الإيصال إلى المقصود علّق بفعله مجرور ب(من)الابتدائيّة،أي مبتدئا استدراجهم من مكان لا يعلمون أنّه مفض بهم إلى المبلغ الضّارّ، ف(حيث)هنا للمكان على أصلها،أي من مكان لا يعلمون ما يفضي إليه،و حذف مفعول(يعلمون) لدلالة الاستدراج عليه،و التّقدير:لا يعلمون تدرّجه، و هذا مؤذن بأنّه استدراج عظيم لا يظنّ بالمفعول به أن يتفطّن له».

و قال الطّباطبائيّ: «و تقييد الاستدراج بكونه مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ للدّلالة على أنّ هذا التّقريب خفيّ غير ظاهر عليهم،بل مستبطن فيما يتلهّون فيه من مظاهر الحياة المادّيّة...».

5-و أمّا الإشارة،فقال القشيريّ:«الاستدراج أن يلقى في أوهامهم أنّهم من أهل الوصلة،و في الحقيقة:السّابق لهم من القسمة حقائق الفرقة.

و يقال:الاستدراج انتشار الصّيت بالخير في الخلق،و الانطواء على الشّرّ في السّرّ مع الحقّ.

و يقال:الاستدراج ألاّ يزداد في المستقبل صحبة إلاّ ازداد في الاستحقاق نقصان رتبة.

و يقال:الاستدراج الرّجوع من توهّم صفاء الحال إلى ركوب قبيح الأعمال،و لو كان صادقا في حاله لكان معصوما في أعماله.

و يقال:الاستدراج دعاوي عريضة صدرت عن معان مريضة».

6-أمّا الحديث فقد حكى مغنيّة عن عليّ عليه السّلام:

«كم من مستدرج بالإحسان إليه،و مغرور بالسّتر عليه،و مفتون بحسن القول فيه،و ما ابتلى اللّه أحدا بمثل الإملاء له»،و أورد مكارم الشّيرازيّ أحاديث عديدة،فلاحظ.

و يلاحظ ثانيا:أنّ آيات المحور الأولى كلّها تبشير، و ثماني منها مدنيّة،و المراد بالدّرجة فيها ما يرجع إلى الدّنيا غالبا،و عشر منها مكّيّة،و المراد بالدّرجة فيها جميعا:درجات الجزاء و الثّواب في الآخرة،فكلّ من القسمين مناسبة بموضعهم من الدّنيا أو الآخرة.

و أمّا المحور الثّاني-و فيه آيتان مكّيّتان- فتخويف بالعذاب للمكذّبين في الآخرة.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الإمهال: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً

الطّارق:17

التّثبيط: وَ لكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ التّوبة:46

التّعويق: قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ

الأحزاب:18

التّبطئة: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ النّساء:72.

ص: 229

ص: 230

د ر ر

اشارة

لفظان،4 مرّات:3 مكّيّة،1 مدنيّة

في 4 سور:3 مكّيّة،1 مدنيّة

مدرارا 3:3 درّيّ 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :درّ اللّبن يدرّ درّا؛و كذلك النّاقة إذا حلبت فأقبل منها على الحالب شيء كثير،قيل:درّت.

و إذا اجتمع في الضّرع من العروق و سائر الجسد قيل:درّ اللّبن.

و درّت العروق إذا امتلأت دما.

و درّت السّماء،إذا كثر مطرها.

و سحابة مدرار و ناقة درور.

و روي عن عمر بن الخطّاب أنّه أوصى عمّا له حين بعثهم،فقال في وصيّته لهم:«أدرّوا لقحة المسلمين»أراد بذلك:فيئهم و خراجهم؛و الاسم من كلّ ذلك:الدّرّة.

و في الشّتم يقال:لا درّ درّه،أي لاكثر خيره، و«للّه درّك»أي خيرك و فعالك.

و الدّرير من الدّوابّ:السّريع المكتنز الخلق، المقتدر.

و الدّرّ:العظام من اللّؤلؤ،و الواحدة:درّة.

و كوكب درّيّ،أي ثاقب مضيء و جمعه:دراريّ.

و درّاية:من أسماء النّساء.

و الدّر دور:موضع من البحر يجيش ماؤه،و قلّما تسلم السّفينة منه.يقال:لجّجوا فوقعوا في الدّر دور.

و الدّردر:موضع منابت الأسنان قبل نباتها و بعد سقوطها.

و يقال:درد الرّجل فهو أدرد،إذا سقطت أسنانه

ص: 231

و ظهرت درادرها؛و جمعه:الدّرد.

و من أمثال العرب السّائرة:أعييتني بأشر،فكيف أرجوك بدردر.

و درّة السّلطان:ما يضرب بها.[و استشهد بالشّعر مرّتين](8:6)

الأمويّ: يقال للمعزى إذا أرادت الفحل:قد استدرّت استدرارا،و للضّأن:قد استوبلت استبيالا.

(الأزهريّ 14:61)

ابن شميّل: في قولهم:«للّه درّك»أي للّه ما خرج منك من خير.(الأزهريّ 14:61)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الدّريّة:الرّمح،و دريّة الصّيد.(1:246)

و الدّرّارة:الّتي يغزل عليها الرّاعي،و هما عودان يصلبهما الرّاعي ثمّ يغزل عليهما.(1:272)

يقال للمرأة إذا كانت عظيمة الأليتين،فإذا مشت رجفتا:هي تدردر.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:63)

الفرّاء: الدّردرّى:الّذي يذهب و يجيء في غير حاجة.(الأزهريّ 14:61)

أبو عبيدة :الإدرار في الخيل أن يقلّ الفرس يده حين يعتق فيرفعها،و قد يضعها في الخبب.

(الأزهريّ 14:61)

اللّحيانيّ: و دفع اللّه عن درّه،أي نفسه.

(ابن سيده 9:266)

أبو زيد :الدّرّة في الأمطار:أن يتّبع بعضها بعضا؛ و جمعها:درر.(الأزهريّ 14:61)

و من أمثال العرب السائرة:أعييتني بأشر،فكيف أرجوك بدردر.

هذا يخاطب امرأته يقول:لم تقبلي الأدب و أنت شابّة ذات أشر في ثغرك،فكيف الآن و قد أسننت حتّى بدت درادرك و هي مغارز الأسنان.

و درّد الرّجل،إذا سقطت أسنانه،و ظهرت درادره.

و مثله أعييتني من شبّ إلى دبّ،أي من لدن شببت إلى أن دببت.

و الدّرّة:درّة السّلطان الّتي يضرب بها.

يقال:فلان على درر الطّريق،و داري بدرر دارك، أي بحذائها إذا تقابلتا.(الأزهريّ 14:62)

و للسّوق درّة،أي نفاق.(الصّحاح 2:656)

الأصمعيّ: يقال:فلان دررك،أي قبالتك.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:هو على درر الطّريق،أي على مدرجته.

(الأزهريّ 14:62)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه نهى عن التّلقّي و عن ذبح ذوات الدّرّ و عن ذبح قنيّ الغنم».

ذوات الدّرّ:ذوات اللّبن.(1:461)

ابن الأعرابيّ: الدّرّ:العمل من خير أو شرّ،و منه قولهم:«للّه درّك»يكون مدحا.و يكون ذمّا،كقولهم:

قاتله اللّه ما أكفره،و ما أشعره!

و الدّرّ:النّفس.

و الدّرّ:اللّبن.

و درّ وجه الرّجل يدرّ،إذا حسن وجهه بعد العلّة،

ص: 232

و درّ الخراج يدرّ،إذا كثر،و درّ الشّيء،إذا جمع،و درّ إذا عمل.(الأزهريّ 14:61)

أبو الهيثم:درّت النّاقة تدرّ درورا و درّا،و تدرّ أيضا.

و درّ السّراج،و سراج درّار و درير.

و درّ الفرس درّة فهو درير إذا أسرع في عدوه، و أصل الدّرّ في كلام العرب:اللّبن.

و يقال:«للّه درّك».(الأزهريّ 14:60)

ابن أبي الأيمان:الدّرّ:اللّبن.(366)

المبرّد: الدّرّة:هو اسم ما يدرّ من ثدييها،ابتداء كان ذلك أو غير ذلك.(1:198)

و درور«فعول»من درّ الشّيء،إذا تتابع.

(2:230)

ابن دريد :درّ الضّرع يدرّ و يدرّ درّا و درورا.

و الدّرّ:اللّبن بعينه.

و فسّر بعض العلماء باللّغة قولهم:«للّه درّك»، قال:أرادوا:للّه صالح عملك،لأنّ الدّرّ أفضل ما يحتلب.قال أبو حاتم:و أحسبهم خصّوا اللّبن،لأنّهم كانوا يفصدون النّاقة فيشربون دمها و يفتظّونها فيشربون ماء كرشها،فكان اللّبن أفضل ما يحتلبون.

و يقال:درّت عينه بالدّمع،و درّ السّحاب بالمطر درّا و درورا.

و مثل من أمثالهم:«ما اختلفت الدّرّة و الجرّة».

و درّ الفرس دريرا،إذا عدا عدوا شديدا سهلا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الدّرّة:الّتي يضرب بها:عربيّة معروفة.

و قولهم:لا درّ درّه،أي لا زكا عمله.

و درّ الخراج و أدرّه عمّاله،إذا كثر أتاؤه.

و أدرّت المرأة المغزل،إذا فتلته فتلا شديدا،فهي مدرّ،و المغزل مدرّ،إذا رأيته كأنّه واقف لا يتحرّك من شدّة دورانه.

و الدّرّة:معروف،و هو ما عظم من اللّؤلؤ.(1:72)

الدّرّة:معروفة،و هي الحبّة العظيمة من اللّؤلؤ.

و الدّرّة:الشّخبة من الدّرّ.

و درّة الضّرع ما استنجم فيه من اللّبن.(2:258)

الدّرّارة:للغزل الّذي يغزل به الرّعاء الصّوف.

(3:370)

الأزهريّ: يقال:درّت النّاقة تدرّ و تدرّ،إذا امتلأت لبنا،و أدرّها فصيلها و أدرّها ماريها دون الفصيل،و إذا مسح ضرعها.

و يقال للسّماء إذا أخالت:«درّيّ دبس»بضمّ الدّال،روى ذلك عن العرب ابن الأعرابيّ،و هذا من درّ يدرّ.(14:60)

و في حديث عمرو بن العاص أنّه قال لمعاوية:

«أتيتك و أمرك أشدّ انفضاحا من حقّ الكهول،فما زلت أرمّه حتّى تركته مثل فلكة المدرّ».

و ذكر القتيبيّ هذا الحديث فأخطأ في لفظه و معناه:و«حقّ الكهول»بيت العنكبوت،و قد مرّ تفسيره.

و أمّا المدرّ فهو الغزّال.و يقال للمغزل نفسها:

الدّرّارة،و قد أدرّت الغزّالة درّارتها،إذا أدارتها لتستحكم قوّة ما تغزله من قطن أو صوف.

ص: 233

و«ضرب فلكة المدرّ»مثلا لاستحكام أمره بعد استرخائه،و اتّساقه بعد اضطرابه:و ذلك أنّ الغزّال يبالغ في إحكام فلكة مغزله و تقويمها،لئلاّ تقلق إذا أدرّ الدّرّارة.

و في حديث ذي الثّديّة المقتول بالنّهروان:كانت له ثديّة مثل البضعة تدردر،أي تمرمر و ترجرج.

و الدّردار:ضرب من الشّجر معروف.(14:62)

الصّاحب:درّ اللّبن يدرّ درّا،و كذلك النّاقة.

و درّت عروقها:امتلأت دما.

و درّت السّماء:كثر المطر.

و سحابة مدرار.

و ناقة درور.

و درّت حلوبة المسلمين،أي فيئهم و خراجهم، و الاسم:الدّرّة.

و استدرّت العنز:أرادت الفحل.

و التّدرّة:الدّرّ الغزير.

و بسوقنا اليوم درّة،أي نفاق.

و إذا شتموا قالوا:لا درّ درّه،أي لاكثر خيره.

و للّه درّك،أي عملك.

و الدّرّ:النّفس.

و درّ بما عندك،أي أخرجه.

و الدّرير من الدّوابّ:السّريع المكتنز الخلق المقتدر.

و استدرّ في عدوه،أي خفّ و أسرع.

و الإدرار في الفرس:أن يفتل من يده حتّى يعنق فيرفعها.

و الدّرّة:معروفة؛و الجميع:الدّرّ،و هو عظام اللّؤلؤ.

و الكوكب الدّرّيّ: الثّاقب المضيء،و الجميع:

الدّراريّ.

و الدّرّة:درّة السّلطان.

و دررت عليه الضّرب،أي تابعته.

و درّانة:من أسماء النّساء.

و الدّردر:موضع منابت الأسنان قبل نباتها و بعد سقوطها،و في المثل:«أعييتني بأشر فكيف أرجوك بدردر.»و قيل:طرف اللّسان.

و دردرت البسرة،أي دلكتها بدردري.

و الدّردور:موضع في البحر يجيش ماؤه.

و التّدردر:مشي المرأة العظيمة الأليتين.

و تدردر الشّيء:تمرمر و تحرّك.

و هو يدردر في الضّحك،أي يدهدق.

و الدّردرة:حكاية صوت الماء.

و دردر:دعاء المعزى إلى الماء.

و الدّردار:صوت الطّبل.

و هو على درره و غرره،أي قصده.

و فلان دررك،أي تجاهك.

و داري درر فلان،أي بحذائه.

و خلّ عن درر الطّريق،أي سننه.

و تدرّرته في طريق كذا،أي تحرّيته في ممرّه.

و الدّودرّى:الآدر.

و يقولون:هو أسفل من الدّرديّ لعكر النّبيذ.

(9:255)

ص: 234

الخطّابيّ: في حديث عمرو أنّه قال لمعاوية و هو يحاوره:«أما و اللّه لقد تلافيت أمرك و هو أشدّ انفضاحا (1)من حقّ الكهول فما زلت أرمّه بوذائله و أصله بوصائله حتّى تركته على مثل فلكة المدرّ»...

قال ابن قتيبة:و المدرّ:الجارية الّتي ينزل لها الدّرّ، و أراد بالفلكة:حملة ثديها.

و أخبرني الأزهريّ قال:المدرّ في كلام العرب الغزّال.

و يقال:للمغزل:الدّرّارة.

يقال:أدرّ فلان مغزله،إذا أداره بشدّة الفتل،و هذا أشبه بمعنى الحديث ممّا ذهب إليه ابن قتيبة،لأنّ الفلكة إذا انتهت إلى مستغلظ عود المغزل ثبتت ثباتا لا يزعزعه شيء.(2:490)

الجوهريّ: الدّرّ:اللّبن.

يقال في الذّمّ:لا درّ درّه،أي لاكثر خيره.

و يقال في المدح:للّه درّه،أي عمله.و للّه درّك من رجل.

و ناقة درور،أي كثيرة اللّبن،و دارّ أيضا.

و نوق درّار،مثل كافر و كفّار.

و فرس درير أي سريع.

و الدّرّة:اللّؤلؤة؛و الجمع:درّ و درّات.

و الكوكب الدّرّيّ: الثّاقب المضيء،نسب إلى الدّرّ لبياضه.و قد تكسر الدّال فيقال:درّيّ،مثل سخريّ و سخريّ و لجّيّ و لجّيّ.

و الدّرّة:الّتي يضرب بها.و الدّرّة أيضا:كثرة اللّبن و سيلانه.

و للسّاق درّة،أي استدرار للجري.

و للسّحاب درّة،أي صبّ؛و الجمع:درر.

و سماء مدرار،أي تدرّ بالمطر.

و يقال:هما على درر واحد،بالفتح،أي على قصد واحد.و نحن على درر الطّريق،أي على قصده.

و درر الرّيح أيضا:مهبّها.

و درّ الضّرع باللّبن يدرّ درورا.

و درّت حلوبة المسلمين،أي فيئهم.

و أدرّت النّاقة،فهي مدرّ،إذا درّ لبنها.

و الرّيح تدرّ السّحاب و تستدرّه،أي تستحلبه.

و منه قولهم:بين عينيه عرق يدرّه الغضب.و يقال:

يحرّكه.

و الدّردر:مغارز أسنان الصّبيّ.و في المثل:

أعييتني بأشر،فكيف بدردر.و الجمع:الدّرادر.

و دردر الصّبيّ البسرة:لاكها.

و الدّردار:ضرب من الشّجر.

و الدّردور:الماء الّذي يدور و يخاف فيه الغرق.

و قولهم:«ده درّين و سعد القين»من أسماء الكذب و الباطل.و يقال:أصله أنّ سعد القين كان رجلا من العجم يدور في مخاليف اليمن يعمل لهم،فإذا كسد عمله قال بالفارسيّة:«ده بدرود»،كأنّه يودّع القرية،أي أنا خارج غدا.إنّما يقول ذلك ليستعمل، فعرّبته العرب و ضربوا به المثل في الكذب،و قالوا:ب.

ص: 235


1- في الأصل:انفضاجا،و هو سهو...و عند الأزهريّ و اللّسان:انفضاحا و هو الصّواب.

«إذا سمعت بسرى القين فإنّه مصبّح».[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](2:655)

نحوه الرّازيّ.(222)

الهرويّ: و قوله:(مدرارا)أي كثرة المطر ديمة مدرار،إذا كان غزيرا دارّا.و المفعال للمبالغة و لا تؤنّث،يقال:درّت السّماء،إذا مطرت.

و في الحديث في صفته صلّى اللّه عليه و سلّم:«بينهما عرق يدرّه الغضب»يعني بين حاجبيه عرق يمتلئ دما إذا غضب، يقال:درّت العروق إذا امتلأت دما،كما يقال:درّ الضّرع إذا امتلأ لبنا...

و في حديث عمرو«حتّى تركته مثل فلكة المدرّ»المدرّ:الغزّال.و يقال:للمغزل نفسه الدّرّارة و المدرّة،و قد أدرّت الغزّالة درّارتها،إذا أدارتها لتستحكم قوّة ما تغزله،ضربه مثلا لإحكامه أمر معاوية بعد استرخائه.[ثمّ ذكر قول القتيبيّ:و قال:]

و القول هو الأوّل.

و في الحديث:«كما ترون الكواكب الدّرّيّ في أفق السّماء»،و في حديث آخر:«الدّجّال إحدى عينيه كأنّها كوكب درّيّ».

الدّرّيّ عند العرب:الشّديد الإنارة نسب إلى الدّرّ،و شبّه صفاؤه بصفائه.

و قال المفسّرون:الكوكب الدّرّيّ واحد من الكواكب الخمسة العظام.و قال الفرّاء:العرب تسمّي الكواكب العظام الّتي لا تعرف أسماؤها:الدّراريّ بلا همز.

و في حديث:ذي الثّديّة:«أنّه كانت له ثديّة مثل البضعة تدردر»أي تمرمر و ترجرج،أي تجيء و تذهب،و منه:دردور البحر،و مثله:تدبدب و تقلقل و تزلزل.

و في الحديث:«يحبس درّكم»يعني ذوات الدّرّ يعني أنّها لا تحشر إلى المصدّق و لا تحبس عن المرعى إلى أن تجتمع الماشية،ثمّ تعدّ لما في ذلك من الإضرار بها.

(2:629)

ابن سيده: درّ اللّبن و الدّمع و نحوهما،يدرّ و يدرّ درّا و درورا،و استدرّ:كثر.

«و لا آتيك ما اختلفت الدّرّة و الجرّة»و اختلافهما أنّ الدّرّة تسفل،و الجرّة تعلو.و الدّرّة و الدّرّ:اللّبن ما كان.

امّهات الدّرّ:الأطباء.

و قالوا:«للّه درّك»،و أصله:أنّ رجلا رأى آخر يحلب إبلا فتعجّب من كثرة لبنها،فقال:للّه درّك.

و قيل:أراد للّه صالح عملك،لأنّ الدّرّ أفضل ما يحلب.

قال بعضهم:و أحسبهم خصّوا اللّبن،لأنّهم كانوا يفصدون النّاقة،فيشربون دمها،و يفتظّونها فيشربون ماء كرشها،فكان اللّبن أفضل ما يحتلبون.

و قولهم:«لا درّ درّه»أي لا زكا عمله،على المثل.

و درّت النّاقة بلبنها،و أدرّته.

و ناقة درور:كثيرة الدّرّ،و ضرّة درور كذلك.

و إبل درر،و درر،و درّار.

و عندي أنّ«درّارا»جمع دارّة،على طرح الهاء.

و استدرّ الحلوبة:طلب درّها.

و الاستدرار أيضا:أن تمسح الضّرع بيدك حتّى

ص: 236

يدرّ اللّبن.

و درّت حلوبة المسلمين:يعني فيئهم و خراجهم، و أدرّه عمّاله؛و الاسم من كلّ ذلك:الدّرّة.

و يقال للرّجل إذا طلب الحاجة فألحّ فيها:

«أدرّها و إن أبت»أي عالجها حتّى تدرّ،يكنّى بالدّرّ هنا عن التّيسّر.

و درّ العرق:سال.

و درّت السّماء بالمطر درّا و درورا،و سماء مدرار.

و درّت السّوق:نفق متاعها؛و الاسم:الدّرّة.

و درّ الشّيء:لان.

و درّ النّبات:التفّ.

و درّ الفرس يدرّ دريرا:عدا عدوا شديدا.

و مرّ على درّته،أي لا يثنيه شيء.

و فرس درير:مكتنز الخلق مقتدر.

و أدرّت المرأة المغزل،و هي مدرّة و مدرّ، -الأخيرة على النّسب-إذا فتلته فتلا شديدا،فرأيته كأنّه واقف من شدّة دورانه.و في بعض نسخ «الجمهرة»الموثوق بها:إذا رأيته واقفا لا يتحرّك من شدّة دورانه.

و الدّرّارة:المغزل الّذي يغزل به الرّاعي الصّوف.

و درّ السّهم درورا:دار دورانا جيّدا،و أدرّه صاحبه؛و ذلك إذا وضع السّهم على ظفر إبهام اليد اليسرى،ثمّ أداره بإبهام اليد اليمنى و سبّابتها،حكاه أبو حنيفة.قال:و لا يكون درور السّهم و لا حنينه إلاّ من اكتناز عوده،و حسن استقامته،و التئام صنعته.

و الدّرّة:الّتي يضرب بها،عربيّة معروفة.

و الدّرّة:اللّؤلؤة العظيمة.

و كوكب درّيّ،و درّيّ،و درّيّ:مضيء.

فأمّا درّيّ،فمنسوب إلى الدّرّ...

و أمّا درّيّ،فقد يكون على التّخفيف أيضا.

و أمّا درّيّ،فعلى النّسبة إلى«الدّرّ»فيكون من المنسوب الّذي على غير قياس.و لا يكون على التّخفيف الّذي تقدّم،لأنّ«فعّيلا»ليس من كلامهم، إلاّ ما حكاه أبو زيد من قولهم:سكّينة،في السّكّينة، و قد أوضحت مشكل هذه المسألة في«الكتاب المخصّص».

و درّيّ السّيف:تلألؤه و إشراقه،إمّا أن يكون منسوبا إلى«الدّرّ»لصفائه و نقائه،و إمّا أن يكون مشبّها بالكوكب الدّرّيّ.

و درر الطّريق:قصده و متنه.

و هو دررك،أي حذاءك،و قبالتك.

و استدرّت المعزى:أرادت الفحل.

و درّ:اسم موضع

و الدّردرة:حكاية صوت الماء إذا تدافع في بطون الأودية.

و الدّردور:موضع في وسط البحر يجيش ماؤه، و لا تكاد تسلم منه السّفينة.

و الدّردر:منبت الأسنان عامّة،و قيل:منبتها قبل نباتها و بعد سقوطها.و في المثل:«أعييتني بأشر فكيف أرجوك بدردر».

و دردر البسرة:لاكها بدردره،و منه قول بعض العرب-و قد جاء الأصمعيّ-:أتيتني و أنا أدردر

ص: 237

بسرة.[و استشهد بالشّعر 9 مرّات](9:262)

الطّوسيّ: و«مفعال»من ألفاظ المبالغة،يقال:

ديمة مدرار إذا كان مطرها غزيرا حادّا،كقولهم:امرأة مذكار،اذا كانت كثيرة الولادة للذّكور،و مئناث في الإناث.و مفعال لا يؤنّث،يقال:امرأة معطار و مئناث و مذكار،بغير هاء.(4:85)

الرّاغب: قال تعالى: ...مِدْراراً، و أصله من الدّرّ و الدّرّة،أي اللّبن.

و يستعار ذلك للمطر استعارة أسماء البعير و أوصافه،فقيل:للّه درّه،و درّ درّك.و منه استعير قولهم:للسّوق درّة،أي نفاق،و في المثل:«سبقت درّته غراره»،نحو:سبق سيله مطره.و منه اشتقّ:استدرّت المعزى،أي طلبت الفحل؛و ذلك أنّها إذا طلبت الفحل حملت،و إذا حملت ولدت،فإذا ولدت درّت، فكنّي عن طلبها الفحل بالاستدرار.(166)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:591)

الزّمخشريّ: درّ اللّبن و درّت الحلوبة درّا و درورا،و ناقة درور،و غزر درّها،أي لبنها.

و سحابة مدرار،و لها درّة و درر.و سماء درر.

و علاه بالدّرّة.

و تقول:حرمتني دررك،فاحمني دررك.

و كوكب درّيّ،و طلعت الدّراريّ نسبت إلى الدّرّ،و هو كبار اللّؤلؤ.

و من المجاز:أدرّ اللّه لك أخلاف الرّزق و استدرّ نعمة اللّه بالشّكر.

و في بعض الحديث:«استدرّوا الهدايا بردّ الظّروف».

و.للّه درّك،و لا درّ درّك.

و فرس درير:كثير الجري.

و فلان مستدرّ في عدوه.

و أدررت عليه الضّرب:تابعته.

و درّت العروق:امتلأت دما.

و على جبينه عرق يدرّه الغضب.

و درّت الدّنيا على أهلها،إذا كثر خيرها.

و درّ بما عنده:أخرجه.

و درّت حلوبة المسلمين:كثر فيئهم و خراجهم.

و أدرّت المرأة المغزل:فتلته فتلا شديدا.

(أساس البلاغة:128)

[في حديث الاستسقاء]:«...ديما دررا،نافعا غير ضارّ...».الدّرر:الدّارّ،كقولهم:لحم زيم و دين قيم.

(الفائق 1:342)

[في كتاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]:«لا يحبس درّكم»،أي لا تحشر ذوات ألبانكم إلى المصدّق فتحبس عن المرعى.(الفائق 2:281)

قالت ميمونة بنت كردم رضي اللّه عنها:«رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجّة الوداع و هو على ناقة،و معه درّة كدرّة الكتّاب،فسمعت الأعراب و النّاس يقولون:الطّبطبيّة الطّبطبيّة»،أي الدّرّة الدّرّة،نصبا على التّحذير،كقولك:الأسد الأسد.و إنّما سمّوا الدّرّة بذلك نسبة لها إلى صوت وقعها إذا ضرب بها،و هو طب طب و منه طبطاب اللّعب.(الفائق 2:354)

في ذكر أهل الجنّة:«و يرفع أهل الغرف إلى

ص: 238

غرفهم في درّة بيضاء،ليس فيها قصم و لا فصم».

الكسر المبين بالقاف و غير المبين بالفاء.

«في درّة»:حال من أهل الغرفة،أي حاصلين في درّة.و المعنى كلّ واحد منهم كقولهم:كسانا الأمير حلّة.(الفائق 3:200)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و أصل المدرار:من درّ اللّبن إذا أقبل على الحالب منه شيء كثير،و درّت السّماء إذا أمطرت.و الدّرّ:

اللّبن.و يقال:للّه درّه،أي عمله،و في الذّمّ:لا درّ درّه، أي لاكثر خيره.(2:275)

المدينيّ: في حديث أبي قلابة:«صلّيت الظّهر،ثمّ ركبت حمارا دريرا...».

«الدّرير»:السّريع العدو من الدّوابّ،المكتنز الخلق.

في الحديث:«نهى عن ذبح ذوات الدّرّ».

«الدّرّ»هاهنا اللّبن،و قد يكون مصدر:درّ اللّبن.

في حديث الاستسقاء:«ديما دررا»أي دارّا، كقوله تعالى: دِيناً قِيَماً الأنعام:161،أي قائما.

(1:649)

ابن الأثير: و في الحديث:«أنّه نهى عن ذبح ذوات الدّرّ»أي ذوات اللّبن.و يجوز أن يكون مصدر:

درّ اللّبن،إذا جرى.

و منه الحديث:«لا يحبس درّكم»أي ذوات الدّرّ أراد أنّها لا تحشر إلى المصدّق،و لا تحبس عن المرعى إلى أن تجتمع الماشية ثمّ تعدّ؛لما في ذلك من الإضرار بها.

و في حديث خزيمة:«غاضت لها الدّرّة»هي اللّبن إذا كثر و سال.

و في حديث الاستسقاء:«ديما دررا»هو جمع درّة.يقال:للسّحاب درّة أي صبّ و اندفاق.

و قيل:الدّرر:الدّارّ،كقوله تعالى: دِيناً قِيَماً الأنعام:161،أي قائما.

و في حديث عمرو قال لمعاوية:«تلافيت أمرك حتّى تركته مثل فلكة المدرّ».

«المدرّ»بتشديد الرّاء:الغزّال.

و يقال للمغزل نفسه:الدّرّارة و المدرّة،ضربه مثلا لإحكامه أمره بعد استرخائه.

و قال القتيبيّ: أراد بالمدرّ:الجارية إذا فلّك ثدياها و درّ فيها الماء.يقول:كان أمرك مسترخيا فأقمته حتّى صار كأنّه حلمة ثدي قد أدرّ.و الأوّل الوجه.[و قد تركنا بعض الأحاديث حذرا من التّكرار](2:112)

الصّغانيّ: درّ الفرس،إذا عدا عدوا سهلا.

و درّ الخراج درّا،إذا كثر أتاؤه.

و درّ السّراج،إذا ضاء،فهو دارّ و درير.

و درّ:من أعلام الرّجال،بالضّمّ.

و درّة:من أعلام النّساء.

و درّ:غدير في ديار سليم،يبقى ماؤه الرّبيع كلّه.

و الدّرّ:النّفس.

و التّدرّة:الدّرّ الغزير.

و المضارع من«درّ وجه الرّجل»:يدرّ،بفتح الدّال.(2:511)

الفيّوميّ: درّ اللّبن و غيره درّا من بابي«ضرب»

ص: 239

و«قتل»:كثر.و شاة دارّ بغير هاء و درور أيضا، و شياه درّار مثل:كافر و كفّار.

و أدرّه صاحبه:استخرجه.و استدرّ الشّاة،إذا حلبها.

و الدّرّ:اللّبن تسمية بالمصدر،و منه قيل:للّه درّه فارسا.

و الدّرّة بالفتح:المرّة،و بالكسر هيئة الدّرّ و كثرته.

و الدّرّة بالضّمّ:اللّؤلؤة العظيمة الكبيرة؛و الجمع:

درّ بحذف الهاء و درر مثل غرفة و غرف.

و الدّرّة:السّوط،و الجمع:درر،مثل:سدرة و سدر.(1:191)

الفيروزآباديّ: الدّرّ:النّفس،و اللّبن كالدّرّة بالكسر،و كثرته كالاستدرار،يدرّ و يدرّ.

و الدّرّة،بالكسر:الاسم.

و للّه درّه،أي عمله.

و لا درّ درّه:لا زكى عمله.

و درّ النّبات:التفّ،و النّاقة بلبنها:أدرّته و الفرس يدرّ دريرا:عدا شديدا،أو عدوا سهلا،و العرق:سال، و كذا السّماء بالمطر درّا و درورا،فهي مدرار، و السّوق:نفق متاعها،و الشّيء:لان،و السّهم درورا:

دار دورانا على الظّفر،و صاحبه أدرّه،و السّراج:

أضاء،فهو دار و درير،و الخراج درّا:كثر إتاؤه، و وجهك:حسن بعد العلّة،يدرّ بالفتح فيه نادر.

و الدّرّة،بالكسر:الّتي يضرب بها،و الدّم، و سيلان اللّبن،و كثرته.

و بالضّمّ:اللّؤلؤة العظيمة؛جمعه:درّ،و درر و درّات.

و درّ:من أعلام الرّجال.و درّة بنت أبي لهب، و بنت أبي سلمة:صحابيّتان.

و كوكب درّيّ: مضيء،و يثلّث.

و درّيّ السّيف:تلألؤه و إشراقه.

و درر الطّريق،محرّكة:قصده،و البيت:قبالته، و الرّيح:مهبّها.

و درّ:غدير بديار بني سليم.

و الدّرّارة:المغزل.

و أدرّت المغزل،فهي مدرّة و مدرّ:فتلته شديدا حتّى كأنّه واقف من دورانه.

و النّاقة:درّ لبنها،و الشّيء:حرّكه،و الرّيح السّحاب:جلبته.

و الدّرير كأمير:المكتنز الخلق المقتدر،أو السّريع من الدّوابّ.

و ناقة درور و دارّ:كثيرة الدّرّ.و إبل درر،و درّر، و درّار.

و الدّودرّى،كيهيرّى:الّذي يذهب و يجيء في غير حاجة.

و الآدر:الطّويل الخصيتين،كالدّردرّى.

و التّدرّة:الدّرّ الغزير.

و الدّردر،بالضّمّ:مغارز أسنان الصّبيّ،أو هي قبل نباتها و بعد سقوطها.

«و أعييتني بأشر فكيف بدردر»أي لم تقبل النصح شابّا،فكيف و قد بدت درادرك كبرا.

ص: 240

و الدّردور:موضع وسط البحر،يجيش ماؤه، و مضيق بساحل بحر عمان.

و تدردرت اللّحمة:اضطربت.

و دردر البسرة:لاكها.

و استدرّت المعزى:أرادت الفحل.

و الدّردار:صوت الطّبل،و شجر.

و دريرات:موضع.(2:29)

الطّريحيّ: و في الحديث:«الودي يخرج من دريرة البول»هي:بالمهملات الثّلاثة كشعيرة،أي سيلانه.

و مثله:«إذا انقطعت درّة البول»بالكسر فصبّ عليه الماء في جريانه.

و الدّرّة بالكسر:الّتي يضرب بها،و الجمع:درر، مثل سدرة و سدر.

و منه الحديث:«كان مع عليّ عليه السّلام درّة لها سبّابتان»أي طرفان.

و مثله:«كان عليّ عليه السّلام كلّ بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا و معه الدّرّة على عاتقه.».

و في دعاء الاستسقاء:«ديما دررا»جمع:درّة.

-يقال للسّحاب درّة-أي صبّ و اندفاق.و قيل:

الدّرر:الدّارّة مثل دِيناً قِيَماً الأنعام:161،أي قائما.

و الدّرّ بالفتح:كثرة اللّبن و سيلانه،و منه:«سقيا دائما غزرها،واسعا درّها»أي سيلانها و صبّها و اندفاقها.

و في الدّعاء:«اجعل رزقي دارّا».أي يتجدّد شيئا فشيئا،من قولهم:درّ اللّبن إذا زاد و كثر جريانه في الضّرع.

و قوله:«للّه درّهم»دعاء لهم بالخير،و لكن«للّه أبوهم»فيه تهزّؤ.و قيل:تعجّب منهم و ليس بدعاء.

و في الخبر«نهى عن ذبح ذوات الدّرّ»أي اللّبن.

(3:301)

العدنانيّ: «الدّرّة»في اللّغة الفارسيّة،هي السّوط يضرب به،كما يقول مدّ القاموس.و لكنّها عند ما عرّبت كسرت دالها فصارت:درّة.

و يخطئ كثيرون فيلفظون دالها مضمومة:درّة، و الصّواب كسرها:درّة،كما تقول جميع المعاجم، و كتب الأدب.

و قد اشتهر عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه بدرّته.

و يقول«التّاج»:إنّ الدّرّة عربيّة معروفة؛و الجمع:

درر.

و من معاني الدّرّة:

1-اللّبن أو كثرته.

2-للسّوق درّة:رواج.درّت السّوق:نفق متاعها.

3-مرّ على درّته:مرّ لا يثنيه شيء.

4-الدّم.

أمّا الدّرّة:فمعناها اللّبن أو الكثير منه.

و الدّرّة هي:

1-اللّؤلؤة العظيمة.

2-الببّغاء الصّغيرة.(220)

مجمع اللّغة :درّت ذات اللّبن تدرّ و تدرّ درّا

ص: 241

و درورا:نزل من ضرعها اللّبن غزيرا.

و درّت السّماء أو السّحابة:نزل منها المطر غزيرا متتابعا،فهي مدرار،أي كثيرة الدّرّ،و تسكاب المطر.

الدّرّ:اللّآلئ العظيمة؛واحدتها:درّة.

و يقال للمضيء:درّيّ،لأنّ الدّرّ صافي البياض شديد البريق يضيء.و من هذا قيل:كوكب درّيّ،أي مضيء مشرق.(1:387)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:185)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو جريان أمر و سيلانه من شيء آخر، كسيلان اللّبن من الضّرع،و المطر من السّحاب،أو من السّماء باعتبار كون السّحاب في السّماء،و النّفاق و الرّبح الحاصل الجاري من السّوق،و العمل المتحصّل من الإنسان،و الخير المتولّد منه،و الخراج الحاصل من الغلّة،أو من المال،أو من الأرض، و اللّؤلؤة المتكوّنة فيما بين الأحجار من بعض الأراضي،و الدّمع الجاري الخارج من العين.

و أمّا الدّرير فهو«فعيل»:فانّ الفرس المقتدر الشّديد العدو،كأنّه متخرّج من نوعه و يتراءى جريانه،فهو مصداق الدّرّ و متّصف به.

و أمّا الدّرّة الّتي يضرب بها:فهي نوع من الدّرّ تجري و تستعمل في إجراء النّظم و العدل و إحقاق الحقّ،فكأنّها خير تجري من يد صاحبها.

و أمّا الدّرر:فهو اسم مصدر أو صفة،أو لغة في الدّرّ كالطّرد و الطّرد و الدّرك و الدّرك و القدر و القدر،فهو المتحصّل من شيء،كوسط الطّريق المتبيّن الواضح،و المهبّ من جريان الرّيح و غيرهما.

و أمّا الكثرة و اللّبن و أمثالهما:فبمناسبة الأصل الواحد.

و الفرق بينها و بين مادّة الجريان و السّيلان و الصّبّ و الخير:إنّ الحركة في الجريان و السّيلان ملحوظة في نفسها،و في الدّرّ باعتبار الخروج و التّحصّل من أمر آخر.و الجريان يستعمل في المائعات و الجوامد،و الصّبّ يلاحظ فيه الانحدار من فوق،و هو قريب من السّكب.و الخير أعمّ من أن يتحصّل بالحركة أو بغيرها.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فيظهر اللّطف في التّعبير بهذه المادّة دون ما فيه معنى التّنوّر:إشارة إلى أنّ النّور في الزّجاجة يتولّد و يتحصّل من المصباح،كالكوكب الدّرّيّ،فإنّ الكوكب له نور و شعاع و تلألؤ،و لكنّه يتحصّل و يتولّد من نور اللّه المتعال و يستضيء به،يوقد من شجرة مباركة.

و لا يخفى أنّ المتولّد و المتحصّل من شيء يختلف مفهومه باختلاف الموارد و المصاديق:ففي السّحاب ما يتحصّل و يتولّد منه و هو المطر،و في العين هو الدّمع، و في الضّرع هو اللّبن،و في السّوق هو الرّبح،و في الإنسان هو العمل الصّالح،و في الكواكب هو الإضاءة و التّنوّر.

فظهر أنّ النّور و العمل و الخير و اللّبن و غيرها من مصاديق الأصل،و ليس واحد منها من الحقيقة المتأصّلة المستقلّة.(3:196)

ص: 242

النّصوص التّفسيريّة

مدرارا

1- وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً.

الأنعام:6

ابن عبّاس: مطرا دائما دريرا كلّما احتاجوا إليه.

(106)

غزيرا دائما كثيرا.

مثله أبو روق.(الطّوسيّ 4:85)

نحوه القاسميّ(6:2246)،و عبد الكريم الخطيب (4:131).

أي متتابعا في أوقات الحاجات.(البغويّ 2:110)

مقاتل:متتابعا.(1:550)

نحوه الشّربينيّ.(1:411)

متتابعا مرّة بعد أخرى،و يستوي في المدرار المذكّر و المؤنّث.(الفخر الرّازيّ 12:159)

أبو عبيدة :أي غزيرة دائمة.(1:186)

نحوه الطّبريّ.(5:150)

ابن قتيبة :بالمطر،أي غزيرا.من درّ يدرّ.(150)

الزّجّاج: أي ذات غيث كثير،و«مفعال»من أسماء المبالغة.يقال:ديمة مدرار،إذا كان مطرها غزيرا دائما.و هذا كقولهم:امرأة مذكار،إذا كانت كثيرة الولادة للذّكور،و كذا مئناث في الأناث. (1)

(2:229)

نحوه النّحّاس(2:401)،و الثّعلبيّ(4:135)، و ابن جزيّ(2:3).

السّجستانيّ: أي دارّة،يعني عند الحاجة إلى المطر،لا أن تدرّ ليلا و نهارا.و(مدرارا)للمبالغة.

(56)

القيسيّ: قوله تعالى:(مدرارا)نصب على الحال من(السماء،)أي في حال الإدرار.(1:257)

نحوه العكبريّ(1:481)،و النّسفيّ(2:3).

الواحديّ: كثير الدّرّ.يقال:سحاب مدرار، و غيث مدرار،إذا تتابع منه المطر.(2:253)

البغويّ: يعني المطر،«مفعال»،من الدّرّ.

(2:110)

الزّمخشريّ: و السّماء المظلّة،لأنّ الماء ينزل منها إلى السّحاب أو السّحاب أو المطر.و المدرار:

المغزار.(2:6)

نحوه البيضاويّ(1:303)،و أبو حيّان(4:76)، و أبو السّعود(2:356)،و الكاشانيّ(2:108)،و شبّر(2:237).

ابن عطيّة: (مدرارا)بناء تكثير كمذكار و مئناث،و معناه يدرّ عليهم بحسب المنفعة،لأنّ الآية إنّما سياقها تعديد النّعم،و إلاّ فظاهرها يحتمل النّعمة و يحتمل الإهلاك.و تحتمل الآية أن تراد السّماء المعروفة،على تقدير:و أرسلنا مطر السّماء،لأنّ (مدرارا)لا يوصف به إلاّ المطر(2:269)

نحوه أبو الفتوح.(7:235)

أبو البركات: و المراد بالمدرار:المبالغة،في اتّصال المطر و دوامه،يعني أنّها تدرّ وقت الحاجة إليها، لا أنّها تدوم ليلا و نهارا فتفسد.(ابن الجوزيّ 3:6)

ص: 243


1- في الكثيرة:الإناث.

ابن الجوزيّ: «و المدرار»مفعال،من درّ،يدرّ و المعنى نرسلها كثيرة الدّرّ.

و مفعال:من أسماء المبالغة،كقولهم:امرأة مذكار، إذا كانت كثيرة الولادة للذّكور،و كذلك مئناث.

فإن قيل:السّماء مؤنّثة،فلم ذكر(مدرارا؟)

فالجواب:أنّ حكم ما انعدل من النّعوت عن منهاج الفعل و بنائه،أن يلزم التّذكير في كلّ حال، سواء كان وصفا لمذكّر أو مؤنّث،كقولهم:امرأة مذكار، و معطار،و امرأة،مذكّر و مؤنّث؛و هي:كفور، و شكور،و لو بنيت هذه الأوصاف على الفعل،لقيل:

كافرة،و شاكرة،و مذكّرة،فلمّا عدل عن بناء الفعل، جرى مجرى ما يستغني بقيام معنى التّأنيث فيه عن العلامة،كقولهم:النّعل لبستها،و الفأس كسرتها، و كان إيثارهم التّذكير للفرق بين المبنيّ على الفعل، و المعدول عن مثل الأفاعيل.(3:6)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً يريد الغيث و المطر،ف(السماء)معناه المطر هاهنا،و المدرار:الكثير الدّرّ،و أصله من قولهم درّ اللّبن،إذا أقبل على الحالب منه شيء كثير، فالمدرار يصلح أن يكون من نعت السّحاب.و يجوز أن يكون من نعت المطر،يقال:سحاب مدرار،إذا تتابع أمطاره.و«مفعال»يجيء في نعت يراد المبالغة فيه.

(12:159)

نحوه القرطبيّ(6:392)،و النّيسابوريّ(7:70) و الخازن(2:98)،و رشيد رضا(7:306).

السّمين:قوله:(مدرارا)حال من(السماء) إن أريد بها السّحاب،فإنّ السّحاب يوصف بكثرة التّتابع أيضا.و إن أريد به الماء فكذلك،و يدلّ على أنّه يراد به الماء قوله:في الحديث في إثر سماء كانت من اللّيل،و يقولون:ما زلنا نطأ السّماء حتّى أتيناكم.[ثمّ استشهد بشعر]

و إن أريد بها هذه المظلّة فلا بدّ من حذف مضاف حينئذ،أي مطر السّماء،و يكون(مدرارا)حالا منه.

و«مدرار»مفعال و هو للمبالغة كامرأة مذكار و مئناث.

قالوا:و أصله من درّ اللّبن،و هو كثرة وروده على الحالب...(3:12)

نحوه الشّوكانيّ.(2:127)

ابن كثير :أي شيئا بعد شيء.(3:8)

السّيوطيّ: يتبع بعضها بعضا.(2:13)

البروسويّ: (مدرارا)مغزارا،أي كثير الدّرور و الصّبّ،و هو حال من(السماء)قال ابن الشّيخ:المدرار:مفعال،و هو من أبنية المبالغة للفاعل،كامرأة مذكار و مئناث،و أصله من درّ اللّبن درورا و هو كثرة وروده على الحالب.يقال:سحاب مدرار،و مطر مدرار،إذا تتابع منه المطر في أوقات الاحتياج إليه.(3:10)

نحوه الآلوسيّ.(7:95)

ابن عاشور :المدرار:صيغة مبالغة،مثل منحار لكثير النّحر للأضياف،و مذكار لمن يولد له الذّكور، من درّت النّاقة و درّ الضّرع،إذا سمح ضرعها باللّبن، و لذلك سمّي اللّبن الدّرّ.و وصف المطر بالمدرار مجاز عقليّ،و إنّما المدرار سحابة.و هذه الصّيغة يستوي

ص: 244

فيها المذكّر و المؤنّث.

و المراد:إرسال المطر في أوقات الحاجة إليه؛ بحيث كان لا يخلفهم في مواسم نزوله.و من لوازم ذلك كثرة الأنهار و الأودية بكثرة انفجار العيون من سعة ريّ طبقات الأرض،و قد كانت حالة معظم بلاد العرب في هذا الخصب و السّعة،كما علمه اللّه و دلّت عليه آثار مصانعهم و سدودهم و نسلان الأمم إليها،ثمّ تغيّرت الأحوال بحوادث سماويّة كالجدب الّذي حلّ سنين ببلاد عاد،أو أرضيّة،فصار معظمها قاحلا، فهلكت أممها،و تفرّقوا أيادي سبا.(6:21)

حسنين مخلوف:غزيرا متابعا في أوقات الحاجة،رحمة منّا و إنعاما،فعاشوا في خصب و سعة.

يقال:درّت السّماء بالمطر تدرّ و تدرّ درّا و درورا فهي مدرار:صبّته صبّا.و أصله من الدّرّ،أي سيلان اللّبن و كثرته،ثمّ استعير للمطر الغزير.(1:216)

حجازي:(السماء)المراد:المطر،(مدرارا) مبالغا فيه في الكثرة و الغزارة.(7:34)

المصطفويّ: (مدرارا)صيغة«مفعال»للآلة كالمفتاح،و قد تستعمل في المبالغة،فإنّها تلازم الآليّة الذّاتيّة.و من مصاديق السّماء السّحاب و المطر المتحصّل منها،و كلّ من السّحاب المتولّد من البحر، و المطر المتولّد من السّحاب من مصاديق الدّرّ.

و التّعبير بهذه الصّيغة:إشارة إلى إدامة الأمطار و كثرة الإدرار.و الإرسال يدلّ على سماء قابل للنّقل و الإرسال،و هي السّحاب أوّلا ثمّ المطر.(3:197)

فضل اللّه :(مدرارا:)غزيرة المطر.يقال:درّت السّماء،إذا نزل منها المطر بكثرة و غزارة،فهي مدرار، أي كثيرة الدّرّ.و أصل الدّرّ هو اللّبن.يقال:درّت النّاقة إذا نزل من ضرعها اللّبن غزيرا.و يستعار ذلك للمطر-كما يقول الرّاغب-استعارة أسماء البعير و أوصافه،فقيل:للّه درّه،أي عمله.و في الذّمّ:لا درّ درّه،أي لاكثر خيره.(9:27)

مكارم الشّيرازيّ: المدرار:في الأصل من درّ اللّبن،ثمّ انتقل إلى ما يشبهه في النّزول كالمطر، و الكلمة صيغة مبالغة.(4:203)

2- وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَ لا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ. هود:52

ابن عبّاس: مطرا دائما دريرا كلّما تحتاجون إليه.

(186)

يتبع بعضها بعضا.(الطّبريّ 7:57)

نحوه النّحّاس(3:357)،و الثّعلبيّ(5:174).

مقاتل:غزيرا كثيرا.(الثّعلبيّ 5:174)

مثله خزيمة بن كيسان.(الثّعلبيّ 5:174)

ابن زيد :يدرّ ذلك عليهم قطرا و مطرا.

(الطّبريّ 7:57)

الفرّاء: يقول:يجعلها تدرّ عليكم عند الحاجة إلى المطر،لا أن تدرّ ليلا و نهارا.(2:19)

نحوه السّجستانيّ.(86)

الطّبريّ: يقول:فإنّكم إن آمنتم باللّه و تبتم من كفركم به،أرسل قطر السّماء عليكم يدرّ لكم الغيث

ص: 245

في وقت حاجتكم إليه،و تحيا بلادكم من الجدب و القحط.(7:58)

الزّجّاج: و نصب(مدرارا)على الحال،كأنّه قال:يرسل السّماء عليكم دارّة،و معنى(مدرارا) المبالغة.و كان قوم هود-أعني عادا-أهل بساتين و زروع و عمارة،و كانت مساكنهم الرّمال الّتي هي بين الشّام و اليمن، (1)فدعاهم هود إلى توحيد اللّه و استغفاره و ترك عبادة الأوثان،فلم يطيعوه و توعّدهم بالعذاب،فأقاموا على كفرهم،فبعث اللّه عليهم الرّيح،فكانت تدخل في أنوفهم و تخرج من أدبارهم و تقطّعهم عضوا عضوا.(3:57)

القيسيّ: قوله تعالى:(مدرارا)حال من السّماء،و أصله الهاء،و العرب تحذف الهاء من «مفعال»على طريق النّسب.(1:406)

نحوه أبو البركات(2:18)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّه المطر في إبانه،قاله هارون التّيميّ.

الثّاني:المطر المتتابع،قاله ابن عبّاس.

و يحتمل وجهين آخرين:

أحدهما:يدرّه عند الحاجة.

و الثّاني:يدرّ به البركة،و هو مأخوذ من درور اللّبن من الضّرع.(2:477)

الطّوسيّ: و ظاهر هذه الآية يقتضي أنّ اللّه تعالى:يجعل الخير بالتّوبة ترغيبا فيها،لأنّه وعد متى تاب العاصي،يرسل السّماء عليهم مدرارا و هو الدّرر الكثير المتتابع على قدر الحاجة إليه دون الزّائد المفسد المضرّ،و نصبه على الحال.(6:7)

نحوه فضل اللّه.(12:76)

الواحديّ: قال المفسّرون:«إنّ اللّه تعالى:قد حبس المطر عن قوم عاد ثلاث سنين،و أعقم أرحام نسائهم فقال لهم هود:إن أنتم آمنتم أحيا اللّه بلادكم و رزقكم المال و الولد»و ذلك قوله: يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً. (2:577)

البغويّ: أي يرسل المطر متتابعا مرّة بعد أخرى في أوقات الحاجة.(2:453)

نحوه الخازن.(3:193)

الميبديّ: (مدرارا)يعني دائما ساكنا؛و ذلك أنفع ما يكون.و أصله من درّ اللّبن،إذا نزل متتابعا، و«مفعال»من بناء المبالغة،يستوي فيه المذكّر و المؤنّث.(4:401)

الزّمخشريّ: و المدرار:الكثير الدّرور، كالمغزار.و إنّما قصد استمالتهم إلى الإيمان و ترغيبهم فيه بكثرة المطر و زيادة القوّة،لأنّ القوم كانوا أصحاب زروع و بساتين و عمارات،حرّاصا عليها أشدّ الحرص،فكانوا أحوج شيء إلى الماء.(2:275)

ابن عطيّة: و(مدرارا)هو بناء تكثير،و كان حقّه أن تلحقه هاء،و لكن حذفت على نيّة النّسب و على أنّ(السماء:)المطر نفسه،و هو من درّ يدرّ، و«مفعال»قد يكون من اسم الفاعل الّذي هو من ثلاثيّ،و من اسم الفاعل الّذي هو من رباعيّ،و قولة.

ص: 246


1- منازلهم هي الأحقاف في جنوب الجزيرة.

من قال:إنّه ألزم للرّباعيّ غير لازم.(3:180)

الطّبرسيّ: أي يرسل المطر عليكم متتابعا متواترا دارّا.و قيل:إنّهم كانوا قد أجدبوا فوعدهم هود أنّهم إن تابوا أخصبت بلادهم و أمرعت وهادهم و أثمرت أشجارهم و زكّت ثمارهم،بنزول الغيث الّذي يعيشون به.و هذا مثل قوله: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ الطّلاق:2،3.

(5:170)

نحوه شبّر.(3:223)

ابو الفتوح :و قوله:(مدرارا)مفعال من الدّرّ،و أصله:اللّبن.يقال:درّ درّه،أي كثر لبنه و سال، و درّ إذا سال و مطر.و درور،و مدرار كلاهما للمبالغة.

[ثمّ استشهد بشعر و قال:]و نصبه على الحال.

(10:285)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً إشارة إلى تكثير النّعم،لأنّ مادّة حصول النّعم هي الأمطار الموافقة...و المدرار:الكثير الدّرّ،و هو من أبنية المبالغة.(18:11)

العكبريّ: (مدرارا)حال من(السماء،) و لم يؤنّثه لوجهين:

أحدهما:أنّ السّماء:السّحاب،فذكّر مدرارا على المعنى.

و الثّاني:أنّ«مفعالا»للمبالغة،و ذلك يستوي فيه المؤنّث و المذكّر،مثل:فعول كصبور،و فعيل كبغيّ.

(2:703)

ابن عربيّ: عَلَيْكُمْ مِدْراراً بماء العلوم الحقيقيّة،و المعارف اليقينيّة(1:570)

القرطبيّ: [نحو القيسيّ و أضاف:]

و أكثر ما يأتي«مفعال»من«أفعل»و قد جاء هاهنا من«فعل»لأنّه من درّت السّماء تدرّ و تدرّ، فهي مدرار.و كان قوم هود أعني عادا أهل بساتين و زروع و عمارة،و كانت مساكنهم الرّمال الّتي بين الشّام و اليمن.(9:51)

نحوه الشّوكانيّ.(2:631)

ابن جزيّ: (مدرارا)بناء تكثير من الدّرّ.

يقال:درّ المطر و اللّبن و غيره،و في الآية دليل على أنّ الاستغفار و التّوبة سبب لنزول الأمطار.(2:107)

السّمين:[نحو العكبريّ و أضاف:]

و الثّالث:أنّ«الهاء»حذفت من«مفعال»على طريق النّسب،قاله مكّيّ.(4:106)

نحوه القاسميّ.(9:3454)

البروسويّ: (مدرارا)من أبنية المبالغة، الفاعل يستوي فيه المذكّر و المؤنّث،و أصله من درّ اللّبن درورا و هو كثرة وروده على الحالب.يقال:

سحاب مدرار و مطر مدرار،إذا تتابع منه المطر في أوقات الاحتياج إليه.و المعنى:حال كونه متتابعا دائما كلّما تحتاجون.(4:147)

الآلوسيّ: كثير الدّرّ متتابعة من غير إضرار، فمفعال للمبالغة كمعطار و مقدام.(12:81)

رشيد رضا :و المدرار:الكثير الدّرور،و أصله:

كثرة درّ اللّبن.يقال:درّت الشّاة تدرّ درّا و درورا، فهي دارّ،بغير«هاء»أي كثر فيض لبنها.و لعلّ نكتة

ص: 247

التّعبير به الإشارة إلى الكثرة النّافعة،فإنّ بعضه قد يكون ضارّا و قد يكون عذابا.و كانت بلادهم الاحقاف:جمع حقف،و هو الرّمل المائل،شديد الحاجة إلى المطر لزرعها و شجرها،لأنّ الرّمل يسرع إليه الجفاف إذا قلّ المطر.و روي عن الضّحّاك:أنّ اللّه أمسك عنهم المطر ثلاث سنين،فأجدبت بلادهم و قحطت بسبب كفرهم.و لا أدري من أين جاءت هذه الرّواية،و لكن يدلّ على شدّة حاجتهم إلى المطر أنّهم لمّا رأوا بادرة العذاب الّذي أنذروا به استبشروا إذ ظنّوا أنّه سحاب يمطرهم.(12:115)

الطّباطبائيّ: و المدرار:مبالغة من الدّرّ،و أصل الدّرّ:اللّبن،ثمّ استعير للمطر.و لكلّ فائدة و نفع، فإرسال السّماء مدرارا،إرسال سحب تمطر أمطارا متتابعة نافعة تحيا بها الأرض و ينبت الزّرع و العشب، و تنضّر بها الجنّات و البساتين.(10:299)

حسنين مخلوف:ينزل المطر عليكم كثير الدّرور و التّتابع،من غير إضرار؛و كانوا قد منعوه سنين.

(1:366)

عبد الكريم الخطيب :المدرار:الكثير المتتابع، و أصله من:درّ اللّبن،إذا اجتمع في الضّرع،و غزر.

و المدرار الّذي يرسله اللّه من السّماء،هو الغيث الّذي تحيا به الأرض،و تخرج به الحبّ و النّبات، و الّذي به تطيب حياة النّاس،و يكثر فيهم الخير.

(6:1153)

مكارم الشّيرازيّ: المدرار-كما وضّحنا سابقا-مشتقّ من درّ،و هو انصباب حليب الأثداء،ثمّ استعمل في انصباب المطر.و الطّريق في الآية أنّها لا تعبّر ب«ينزل المطر من السّماء»بل قالت: يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً بمعنى أنّ المطر يهطل إلى درجة غزيرة حتّى كأنّ السّماء تهطل،و ملاحظة أنّ (مدرارا)صيغة مبالغة أيضا فيستفاد غاية التّوكيد من هذه الجملة.(6:522)

3- يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً. نوح:11

ابن عبّاس: مطرا دائما دريرا،كلّما تحتاجون إليه،فكان قد حبس اللّه عنهم المطر أربعين سنة.

(487)

الطّبريّ: يقول:يسقيكم ربّكم-إن تبتم و وحّدتموه و أخلصتم له العبادة-الغيث،فيرسل به السّماء عليكم مدرارا متتابعا.(12:249)

الزّجّاج: و(مدرارا)كثيرة الدّرّ،أي كثيرة المطر.(5:229)

نحوه الميبديّ(10:239)،و الطّباطبائيّ(20:

30)،و فضل اللّه(23:120).

القيسيّ: قوله تعالى:(مدرارا)نصب على الحال من(السماء)و لم تثبت الهاء،في«مفعال»لأنّه للمؤنّث،بغير هاء يكون إذا كان جاريا على الفعل، نحو امرأة مذكار،و مئناث،و مطلاق.(2:411)

نحوه أبو الفتوح(19:427)،و أبو البركات(2:

464)،و الفخر الرّازيّ(30:138).

الماورديّ: يعني غيثا متتابعا.و قيل:إنّهم كانوا قد أجدبوا أربعين سنة،حتّى أذهب الجدب أموالهم

ص: 248

و انقطع الولد عن نسائهم،فقال ترغيبا في الإيمان.

(6:101)

الطّوسيّ: أي كثيرة الدّرور بالغيث و المطر.

و قيل:إنّهم كانوا قحطوا و أجدبوا و هلكت أولادهم و مواشيهم،فلذلك رغّبهم في ترك ذلك بالرّجوع إلى اللّه.و الدّرور تجلب الشّيء حالا بعد حال على الاتّصال،يقال:درّ درّا و درورا فهو دارّ،و المطر الكثير الدّرور:مدرارا.(10:135)

نحوه الطّبرسيّ.(5:361)

الواحديّ: كثير الدّر و هو التّخلّب (1)بالمطر.

(4:357)

الزّمخشريّ: و المدرار:الكثير الدّرور، و«مفعال»ممّا يستوي فيه المذكّر و المؤنّث،كقولهم:

رجل أو امرأة معطار و متفال.(4:162)

نحوه ابن عطيّة(5:374)،و البيضاويّ(2:7)، و النّسفيّ(4:295)،و النّيسابوريّ(29:57)، و البروسويّ(10:176).

ابن عربيّ: بأمطار المواهب و الأحوال.(2:705)

الخازن :أي كثير الدّرّ و هو حلب الشّاة حالا بعد حال.(7:128)

أبو حيّان :(مدرارا)من الدّرّ،و هو صفة يستوي فيها المذكّر و المؤنّث،و«مفعال»لا تلحقه التّاء إلاّ نادرا،فيشترك فيه المذكّر،و المؤنّث.تقول:

رجل مخدامة و مطرابة،و امرأة مخدابة و مطرابة.

(8:339)

نحوه الآلوسيّ.(29:73)

السّمين:قوله:(مدرارا)يجوز أن يكون حالا من(السماء....)[ثمّ ذكر نحو أبي حيّان و أضاف:]

و أن يكون نعتا لمصدر محذوف،أي إرسالا مدرارا.(6:383)

نحوه الشّوكانيّ.(5:364)

القاسميّ: أي متتابعا.(16:5935)

عزّة دروزة :كثيرة التّهطال.(6:120)

ابن عاشور :و المدرار:الكثيرة الدّرّ،و الدّرور، و هو السّيلان.يقال:درّت السّماء بالمطر،و سماء مدرار.

و معنى ذلك:أن يتبع بعض الأمطار بعضا.

و«مدرار»زنة مبالغة،و هذا الوزن لا تلحقه علامة التّأنيث إلاّ نادرا.[ثمّ استشهد بشعر](29:184)

مكارم الشّيرازيّ: يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (2) و الخلاصة:إنّ اللّه تعالى يفيض عليكمة.

ص: 249


1- التخلّب:الخلب السّحاب يومض برقه يرجى مطره ثمّ يخلف و يقلع و ينقشع،و كأنّه من الخلابة، و هي الخداع بالقول اللّطيف.
2- مدرارا:من أصل«درّ»على وزن«جرّ»و تعني في الأصل:انسكاب الحليب من ثديي الامّ،و يعطي معنى هطول الأمطار،و(مدرارا)صيغة للمبالغة.

بأمطار الرّحمة المعنويّة،و كذلك بالأمطار المادّيّة المباركة.

و من الملاحظ في سياق هذه الآية أنّه يقول:

يُرْسِلِ السَّماءَ فالسّماء تكاد أن تهبط من شدّة هطول الأمطار.و بما أنّها أمطار رحمة و ليست نقمة، فلذا لا تسبّب خرابا و أضرارا،بل تبعث على الإعمار، و البركة،و الحياة.(19:52)

درّىّ

اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. النّور:35

أبيّ بن كعب:كوكب مضيء.(ابن كثير 5:101)

ابن عبّاس: نجم مضيء من هذه الأنجم الخمسة:

عطارد،و المشتري،و الزّهرة،و بهرام،و زحل،هذه الأنجم كلّها:درّيّة.(295)

قتادة :مضيء مبين ضخم.(ابن كثير 5:101)

زيد بن عليّ: و الدّرّي:المضيء؛و الجمع:

الدّراريّ،مشدّد غير مهموز،و قد يهمز.

و يقال:الدّرّيّ:الضّخم الجبين البرّاق.و يقال:

الدّرّيّ:الطّالع.

و يقرأ «درّيّ» بضمّ الدّال،و غير مهموز فينسبه إلى اللّه.(291)

الفرّاء:قوله:(كوكب درّيء)يخفض أوّله و يهمز...قال:قرأها عاصم كذلك (درّيء) بالكسر.

و قال أبو بكر بن عيّاش:قرأها عاصم (درّيء) بضمّ الدّال و الهمز.

و ذكر عن الأعمش أنّه قرأ (درّيء) و (درّيّ) بهمز و غير همز رويا عنه جميعا،و لا تعرف جهة ضمّ أوّله و همزه،لا يكون في الكلام«فعّيل»إلاّ عجميّا.

فالقراءة:إذا ضممت أوّله بترك الهمز،و إذا همزته كسرت أوّله،و هو من قولك:درأ الكوكب،إذا انحطّ، كأنّه رجم به الشّيطان فدمغه.

و يقال في التّفسير:إنّه واحد من الخمسة:

المشتري،و زحل،و عطارد،و الزّهرة،و المرّيخ.

و العرب قد تسمّي الكواكب العظام الّتي لا تعرف أسماؤها:الدّراريّ بغير همز.

و من العرب من يقول:كوكب درّيّ فينسبه إلى «الدّرّ»فيكسر أوّله و لا يهمز،كما قالوا:سخريّ و سخريّ،و لجّيّ و لجّيّ.(2:252)

نحوه النّسفيّ.(3:145)

أبو عبيدة :(درى)بغير همز،أي مضيء، و يراد كالدّرّ إذا ضممت أوّله.فإن كسرت جعلته «فعّيلا»من درأت،و هو من النّجوم الدّرارئ اللاّتي يدرأن.(2:66)

أبو زيد :(كوكب درّىء)من درأته و دريته و عليك بالسّكينة و الوقار.(أبو حيّان 6:454)

الأخفش: كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ إذا جعله من الدّرّ.

و(درّىء)من درأ،همزها و جعلها«فعّيل»

ص: 250

و ذلك من تلألئه.

و قال بعضهم(درّيء)مثل«فعّيل».(2:641)

ابن قتيبة : كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ: مضيء،منسوب إلى الدّرّ.

و من قرأ: (درّيء) :بالهمز و كسر الدّال،فإنّه من الكواكب الدّرارئ و هنّ اللاّئي يدر أن عليك،أي يطلعن.و تقديره:فعّيل،من«درأت»أي دفعت.

(305)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله:(درى) فقرأته عامّة قرّاء الحجاز:درّيّ بضمّ الدّال،و ترك الهمز.

و قرأ بعض قرّاء البصرة و الكوفة (درّيء) بكسر الدّال و همزة.و قرأ بعض قرّاء الكوفة (درّيء) بضمّ الدّال و همزة.

و كأنّ الّذين ضمّوا داله و تركوا الهمزة،وجّهوا معناه إلى ما قاله أهل التّفسير الّذي ذكرنا عنهم،من أنّ الزّجاجة في صفائها و حسنها كالدّرّ،و أنّها منسوبة إليه،لذلك من نعتها و صفتها.

و وجّه الّذين قرءوا ذلك بكسر داله و همزه،إلى أنّه«فعيّل»من درّيء الكوكب،أي دفع و رجم به الشّيطان،من قوله: وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ النّور:

8،أي يدفع.و العرب تسمّي الكواكب العظام الّتي لا تعرف أسماؤها الدّراري بغير همز.

و كان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول:هي الدّرارئ بالهمز،من يدر أن.

و أمّا الّذين قرءوه بضمّ داله و همزه،فإن كانوا أرادوا به«درّوء»مثل سبّوح و قدّوس من درأت،ثم استثقلوا كثرة الضّمّات فيه،فصرفوا بعضها إلى الكسرة،فقالوا:درّيء،كما قيل: وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا مريم:8،و هو«فعّول»من عتوت عتوّا، ثمّ حوّلت بعض ضمّاتها إلى الكسر،فقيل:عتيّا.فهو مذهب،و إلاّ فلا أعرف لصحّة قراءتهم ذلك كذلك وجها،و ذلك أنّه لا يعرف في كلام العرب«فعّيل.» و قد كان بعض أهل العربيّة يقول:هو لحن.

و الّذي هو أولى القراءات عندي في ذلك بالصّواب قراءة من قرأ(درى)بضمّ داله و ترك همزه،على النّسبة إلى الدّرّ،لأنّ أهل التّأويل بتأويل ذلك جاءوا.و قد ذكرنا أقوالهم في ذلك قبل،ففي ذلك مكتفى عن الاستشهاد على صحّتها بغيره.(9:326)

نحوه البغويّ(3:415)و أبو البركات(2:

195).

الزّجّاج: و(درى)منسوب إلى أنّه كالدّرّ،في صفائه و حسنه.و قرئت(درّيّ و درّيّ)-بالكسر و الفتح-و قد رويت بالهمز.

و النّحويّون أجمعون لا يعرفون الوجه فيه،لأنّه ليس في كلام العرب شيء على«فعّيل»و لكنّ الكسر جيّد بالهمز-يكون على وزن«فعّيل»و يكون من النّجوم الدّراريّ الّتي تدرّ،أي ينحطّ و يسير متدافعا.و يجوز أن يكون(درّى)بغير همز مخفّفا من هذا.

و لا يجوز أن يضمّ الدّال و يهمز،لأنّه ليس في الكلام«فعّيل»و مثال(درى)فعليّ منسوب إلى

ص: 251

الدّرّ.

و من كسر الدّال قال:(درّيّ)فكان له،أن يهمز و لا يهمز.

فمن همز أخذه من درأ يدرأ الكوكب،إذا تدافع منقضّا،فتضاعف ضوؤه.يقال:تدارأ الرّجلان،إذا تدافعا،و يكون وزنه على«فعّيل».

و من كسرها فإنّما أصله الهمز فخفّف،و بقيت كسرة الدّال على أصلها،و وزنه أيضا«فعّيل»كما كان،و هو مهموز.(4:44)

نحوه الواحديّ.(3:320)

السّجستانيّ: (درى:)مضيء،منسوب إلى الدّرّ في ضيائه،و إن كان الكوكب أكبر ضوء من الدّرّ، و لكنّه يفضل الكواكب بضيائه،كما يفضل الدّرّ سائر الحبّ.و(درى)بلا همز،بمعنى درّيّ،و كسر أوّله حملا على وسطه و آخره،لأنّه يثقل عليهم ضمّة بعدها كسرة و ياء،و كما قالوا:كرسيّ لكرسيّ. (1)

و(درّيء)مهموز«فعّيل»من النّجوم الدّراري، الّتي تدرأ،أي تنحطّ و تسير متدافعة.يقال:درأ الكوكب،إذا تدافع منقضّا،فتضاعف ضوؤه.و يقال:

تدارأ الرّجلان،إذا تدافعا.

و لا يجوز أن تضمّ الدّال و تهمز،لأنّه ليس في الكلام«فعّيل».و مثال(درى)«فعليّ»منسوب إلى الدّرّ.و يجوز(درّيّ)بغير همز،يكون مخفّفا من المهموز.(134)

الفارسيّ: ابن كثير و نافع و ابن عامر و حفص عن عاصم(درى)بضمّ الدّال و كسر الرّاء مشدّدة الياء من غير همز،أبو عمرو و الكسائيّ:

(درّيء)مهموز بكسر الدّال،أبو بكر عن عاصم (درّيء)مهموز بضمّ الدّال و كذلك حمزة.

و من قرأ: (درّيء) احتمل قوله أمرين:أحدهما:

أن يكون نسبه إلى الدّرّ؛و ذلك لفرط ضيائه و نوره، كما أنّ الدّرّ كذلك.و يجوز أن يكون«فعّيلا»من الدّرء،فخفّفت الهمزة فانقلبت ياء،كما تنقلب من النّسيء و النّبيء،و نحوه إذا خفّفت ياء.

و من قرأ: (درّيء) كان فعّيلا من الدّرء،مثل السّكّير و الفسّيق،و المعنى:أنّ الخفاء يدفع عنه لتلألئه في ظهوره،فلم يخف كما خفي نحو السّها،و ما لم يضئ من الكواكب.

قال أبو عثمان عن الأصمعيّ عن أبي عمرو،قال:

مذ خرجت من الخندق لم أسمع أعرابيّا يقول:إلاّ كأنّه كوكب دريء،بكسر الدّال.قال الأصمعيّ:فقلت:

أ فيهمزون؟قال:إذا كسروا فحسبك.قال:أخذوه من درأت النّجوم تدرأ،إذا اندفعت،و هذا«فعيل»منه.

و من قرأ (درّيء) كان«فعّيلا»من الدّرء الّذي هو الدّفع،و إن خفّفت الهمزة من هذا قلت:درّيّ.و قد حكى سيبويه عن أبي الخطّاب:كوكب درّىّ،في الصّفات.(3:200)

نحوه أبو زرعة(499)،و القيسيّ(2:121).

الثّعلبيّ: كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ أي ضخم مضيء،و دراريّ النّجوم عظامها.ل.

ص: 252


1- كذا في الأصل.

و اختلف القرّاء فيه،فقرأ أبو عمرو و الكسائيّ مكسورة الدّال مهموزة الياء ممدودة،و هو من قول العرب:درأ النّجم،إذا طلع و ارتفع،و من مكان إلى آخر رجع،و إذا انقضّ في إثر الشّيطان فأسرع.

و أصله من الرّفع،و وزنه من الفعل«فعّيل»و قرأ حمزة و أبو بكر مضمومة الدّال مهموزة ممدودة.

قال أكثر النّحاة:هي لحن لأنّه ليس في الكلام «فعّيل»بضمّ الفاء و كسر العين.

قال أبو عبيد:و أنا أرى لها وجها؛و ذلك أنّه درّ و على وزن«فعّول»من درأت مثل سبّوح و قدّوس، ثمّ استثقلوا كثرة الضّمّات فيه،فردّوا بعضها إلى الكسرة،كما قالوا:عتيّا و هو«فعّول»من عتوت.

و قال بعضهم:هو مشتقّ على هذه القراءة من «الدّراة»و هي البياض،و يقال:منه:ملح دراني.

و قرأ سعيد بن المسيّب و أبو رجاء العطارديّ بفتح الدّال و بالهمز.

قال أبو حاتم:هو خطأ،لأنّه ليس في الكلام «فعّيل»و إن صحّ منهما فهما حجّة.

و قرأ الباقون بضمّ الدّال و تشديد الياء من غير همز،نسبوه إلى«الدّرّ»في صفائه،و هي اختيار أبي عبيد و أبي حاتم.ثمّ قال أبو عبيد:و إنّما اخترنا هذه القراءة لعلل ثلاث:

إحداها:ما جاء في التّفسير أنّه منسوب إلى الدّرّ لبياضه.

و الثّانية:للخبر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ أهل الجنّة ليرون أهل علّيّين كما ترون الكوكب الدّرّيّ في أفق السّماء...».

و الثّالثة:إجماع أهل الحرمين عليها.(7:102)

الماورديّ: فيه أربع قراءات.

إحداها:(درى)بضمّ الدّال و ترك الهمز،و هي قراءة نافع،و تأويلها أنّه مضيء يشبه الدّرّ لضيائه و نقائه.

و الثّانية:بالضّمّ و الهمز،و هي قراءة عاصم في رواية أبي بكر،و تأويلها أنّه مضيء.

و الثّالثة:بكسر الدّال و بالهمز،و هي قراءة أبي عمرو و الكسائيّ،و تأويلها أنّه متدافع،لأنّه بالتّدافع يصير منقضّا فيكون أقوى لضوئه،مأخوذ من درأ يدرأ،أي دفع يدفع.

و الرّابعة:بالكسر و ترك الهمز و هي قراءة المفضّل ابن عاصم،و تأويلها أنّه جار كالنّجوم الدّراريّ الجارية من درّ الوادي إذا جرى.(4:103)

الطّوسيّ: [نقل القراءات و أضاف:]

فمن قرأ (درّيّ) بكسر الدّال،فهو من درأت،أي رفعت.و الكوكب درّيّ لسرعة رفعه في الانقضاض؛ و الجمع:الدّراري،و هي النّجوم الّتى تجيء و تذهب.

و قال قوم:هي أحد الخمسة المضيئة:زحل، و المشتري،و المرّيخ،و الزّهرة،و عطارد.

و من قرأ بضمّ الدّال نسبه إلى«الدّرّ»في صفائه و حسنه.و من ضمّ الدّال و همز،فهو غير معروف عند أهل اللّغة،لأنّه ليس في الكلام«فعّيل»-ذكره الفرّاء- و قال أبو عبيدة:وجهه أن يكون بفتح الدّال كأنّه «فعّيل».قال سيبويه:ليس في الكلام«فعّيل»و إنّما

ص: 253

تكسر الفاء مثل«سكّيت».

و روى المفضّل عن عاصم أنّه قرأ بكسر الدّال من غير همز،و لا مدّ،و معناه:أنّه جار كالنّجوم الدّراريّ الجارية؛مأخوذ من درّ الوادي،إذا جرى.(7:435)

نحوه الميبديّ(6:533)،و الطّبرسيّ(4:143)، و أبو الفتوح(14:145).

الزّمخشريّ: و(درى)منسوب إلى الدّرّ،أي أبيض متلألئ.و(درّيء)بوزن سكّيت:يدرأ الظّلام بضوئه.و«درّيء)كمرّيق.و(درّيّ)كالسّكّينة.

(3:68)

نحوه شبّر.(4:318)

ابن عطيّة: أي في الإنارة و الضّوء؛و ذلك يحتمل معنيين:إمّا أن يريد أنّها بالمصباح كذلك،و إمّا أن يريد أنّها في نفسها لصفائها،و جودة جوهرها كذلك.و هذا التّأويل أبلغ في التّعاون على النّور.

و قرأ نافع و ابن عامر و حفص عن عاصم (درى)بضمّ الدّال و شدّ الياء.

و لهذه القراءة وجهان:إمّا أن ينسب الكوكب إلى «الدّرّ»لبياضه و صفائه و إمّا أن يكون أصله دريء مهموز من«الدّرء»و هو الدّفع و خفّفت الهمزة.

و قرأ حمزة و أبو بكر عن عاصم (درّيء) بالهمزة و هو«فعّيل»من الدّرء؛بمعنى أنّها تدفع بعضها بعضا، أو بمعنى أنّ بهاءها يدفع خفاءها،و«فعّيل»بناء لا يوجد في الأسماء إلاّ في قولهم:مرّيق للعصفور،و في السّرّية إذا اشتقّت من السّرو.و وجّه هذه القراءة أبو عليّ و ضعّفها غيره.و قرأ أبو عمرو و الكسائيّ (درّىء)على وزن«فعّيل»بكسر الفاء من الدّرء و هذه متوجّهة.

و قرأ قتادة (درّيء) بفتح الدّال و الهمز،قال أبو الفتح:و هذا عزيز،و إنّما حفظ منه«السّكّينة» بشدّ الكاف.و قرأ سعيد بن المسيّب و أبو رجاء و نصر بن عاصم(درّيّ)بفتح الدّال بدون همزة.

(4:184)

نحوه أبو حيّان.(6:456)

الفخر الرّازيّ: أمّا(درى)فقرئ بضمّ الدّال و كسرها و فتحها.

أمّا الضّمّ ففيه ثلاثة أوجه:

الأوّل:ضمّ الدّال و تشديد الرّاء و الياء من غير همز،و هو القراءة المعروفة،و معناه أنّه يشبه الدّرّ لصفائه و لمعانه،و قال عليه الصّلاة و السّلام:«إنّكم لترون أهل الدّرجات العلى كما ترون الكوكب الدّرّيّ في أفق السّماء».

و الثّاني:أنّه كذلك إلاّ أنّه بالمدّ و الهمزة،و هو قراءة حمزة و عاصم في رواية أبي بكر،و صار بعض أهل العربيّة إلى أنّه لحن.

قال سيبويه:«و هذا أضعف اللّغات،و هو مأخوذ من الضّوء و التّلألؤ،و ليس بمنسوب إلى الدّرّ».قال أبو عليّ:«وجه هذه القراءة أنّه«فعّيل»من الدّرء بمعنى الدّفع،و أنّه صفة،و أنّه في الصّفة مثل المريء في الاسم».

و الثّالث:ضمّ الدّال و تخفيف الرّاء و الياء،من غير مدّ و لا همز.

ص: 254

أمّا الكسر ففيه وجهان:

الأوّل:(درّىء)بكسر الدّال و تشديد الرّاء و المدّ و الهمز،و هي قراءة أبي عمرو و الكسائيّ.قال الفرّاء:

«هو فعّيل من الدّرء و هو الدّفع،كالسّكّير و الفسّيق، فكان ضوؤه يدفع بعضه بعضا من لمعانه».

و الثّاني:بكسر الدّال و تشديد الرّاء من غير همز و لا مدّ،و هي قراءة ابن خليد و عتبة بن حمّاد عن نافع، أمّا الفتح ففيه وجوه أربعة:

الأوّل:بفتح الدّال و تشديد الرّاء و المدّ و الهمز، عن الأعمش.

و الثّاني:بفتح الدّال و تشديد الرّاء من غير مدّ و لا همز عن الحسن و مجاهد و قتادة.

و الثّالث:بفتح الدّال و تخفيف الرّاء مهموز من غير مدّ و لا ياء،عن عاصم.

و الرّابع:كذلك،إلاّ أنّه غير مهموز،و بياء خفيفة بدل الهمزة.(23:235)

نحوه ابن الجوزيّ(6:42)،،و العكبريّ(2:

970)،و ابن جزيّ(3:68).

القرطبيّ: [نقل بعض الأقوال و أضاف:]

و قرأ الكسائيّ و أبو عمرو (درّيء) بكسر الدّال و الهمز،من الدّرء و الدّفع،مثل السّكّير و الفسّيق.قال سيبويه:«أي يدفع بعض ضوئه بعضا من لمعانه».قال النّحّاس:«و ضعّف أبو عبيد قراءة أبي عمرو و الكسائيّ تضعيفا شديدا،لأنّه تأوّلها من درأت،أي دفعت،أي كوكب يجري من الأفق إلى الأفق».

و إذا كان التّأويل على ما تأوّله لم يكن في الكلام فائدة،و لا كان لهذا الكوكب مزيّة على أكثر الكواكب؛أ لا ترى أنّه لا يقال:جاءني إنسان من بني آدم.و لا ينبغي أن يتأوّل لمثل أبي عمرو و الكسائيّ مع علمهما و جلالتهما هذا التّأويل البعيد.

و لكن التّأويل لهما على ما روي عن محمّد بن يزيد أنّ معناهما في ذلك:كوكب مندفع بالنّور،كما يقال:اندرأ الحريق إن اندفع.و هذا تأويل صحيح لهذه القراءة...

قال النّحّاس:«فأمّا قراءة حمزة فأهل اللّغة جميعا قالوا:هي لحن لا تجوز،لأنّه ليس في كلام العرب اسم على فعّيل»و قد اعترض أبو عبيد في هذا فاحتجّ لحمزة،فقال:«ليس هو فعّيل و إنّما هو فعّول،مثل سبّوح،أبدل من الواو ياء،كما قالوا:عتّيّ».

قال أبو جعفر النّحّاس:و هذا الاعتراض و الاحتجاج من أعظم الغلط و أشدّه،لأنّ هذا لا يجوز البتّة،و لو جاز ما قال،لقيل في سبّوح:سبّيح،و هذا لا يقوله أحد،و ليس«عتّيّ»من هذا،و الفرق بينهما واضح بيّن،لأنّه ليس يخلو«عتّيّ»من إحدى جهتين:إمّا أن يكون جمع عات،فيكون البدل فيه لازما،لأنّ الجمع باب تغيير،و الواو لا تكون طرفا في الأسماء و قبلها ضمّة،فلمّا كان قبل هذه ساكن و قبل السّاكن ضمّة،و السّاكن ليس بحاجز حصين،أبدل من الضّمّة كسرة،فقلبت الواو:ياء.و إن كان«عتّيّ» واحدا كان بالواو أولى،و جاز قلبها لأنّها طرف، و الواو في«فعّول»ليست طرفا،فلا يجوز قلبها.

(12:261)

ص: 255

البيضاويّ: مضيء متلألئ كالزّهرة في صفائه، و زهرته منسوب إلى الدّرّ.و«فعّيل»كمرّيق من الدّرء،فإنّه يدفع الظّلام بضوئه،أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه،إلاّ أنّه قلبت همزته ياء،و يدلّ عليه قراءة حمزة و أبي بكر على الأصل،و قراءة أبي عمرو و الكسائيّ (درّيء) كشرّيب،و قد قرئ به مقلوبا.

(2:127)

نحوه أبو السّعود.(4:461)

الخازن :من درأ الكوكب،إذا اندفع منقضّا، فيتضاعف نوره في تلك الحال،و في ذلك الوقت.

و قيل:هو من درّ النّجم،إذا طلع و ارتفع،و قيل:

(درى،)أي شديد الإنارة،نسب إلى«الدّرّ»في صفائه و حسنه.(5:63)

السّمين:[ذكر القراءات و توجيهاتها و أضاف:] و أمّا فتح الدّال مع المدّ و الهمز،ففيها إشكال.قال أبو الفتح:«و هو بناء عزيز لم يحفظ منه إلاّ«السّكّينة» بفتح الفاء و تشديد العين».قلت:و قد حكى الأخفش:فعليه السّكّينة و الوقار،و كوكب درّيّ من درأته.(5:220)

الآلوسيّ: مضيء متلألئ كالزّهرة في صفائه، و زهرته منسوب إلى الدّرّ،فوزنه فعلّيّ.و جوّز أن يكون أصله«درّيء»بهمزة آخره.[ثمّ ذكر القراءات و أضاف:]

و قرئ (دأريّ) بتقديم الهمزة ساكنة على الرّاء، و هي من نادر الشّواذّ.(18:166)

القاسميّ: كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ متلألئ وقّاد،شبيه بالدّرّ في صفائه و زهرته.(12:4524)

نحوه المراغيّ(18:106)،و حجازي(18:63)

عزّة دروزة :(درى:)نسبة إلى الدّرّ.و هو اللّؤلؤ،بقصد تشبيه اللّون و الصّفاء و اللّمعان.و كان العرب يسمّون النّجم الشّديد اللّمعان و السّطوع:

كوكبا درّيّا و جمعه:دراريّ.(10:56)

ابن عاشور :و الدرّيّ-بضمّ الدّال و تشديد التّحتيّة-في قراءة الجمهور:واحد الدّراريّ،و هي الكواكب السّاطعة النّور،مثل الزّهرة و المشتري، منسوبة إلى الدّرّ في صفاء اللّون و بياضه،و الياء فيه ياء النّسبة،و هي نسبة المشابهة.

و الدّرّ:يضرب مثلا للإشراق و الصّفاء.

و قيل:الكوكب الدّرّيّ علم بالغلبة على كوكب الزّهرة.[ثمّ ذكر القراءات،و استشهد بالشّعر مرّتين]

(18:190)

الطّباطبائيّ: و الدّرّيّ من الكواكب:العظيم الكثير النّور،و هو معدود في السّماء.(15:121)

المصطفويّ: أي كالكوكب المستضيء المتلألئ، من بين الكواكب المستخرج منها.

فكما أنّ الدّرّ متولّد من بين الأحجار،أو من الأصداف-إن كان بمعنى المرواريد: (1)فينسب اليه الكوكب،لتشعشعه و تنوّره و استضاءته.(3:197)ؤ.

ص: 256


1- :اللّؤلؤ.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّرّة:كثرة اللّبن و سيلانه.يقال:درّ اللّبن يدرّ و يدرّ درّا و درورا، و استدرّ أيضا.و يقال:«لا آتيك ما اختلفت الدّرّة و الجرّة»،فالدّرّة تخرج من الضّرع إلى الأسفل، و الجرّة-و هي ما تجترّه الإبل لتمضغه-تخرج من البطن إلى الأعلى،فهما مختلفان أبدا.

و درّت النّاقة تدرّ و تدرّ درّا و درورا،أي امتلأت لبنا،فهي درور.و أدرّت:درّ لبنها،و أدرّها فصيلها فهي مدرّ،و كذا أدرّها ماريها،إذا مسح ضرعها، و استدرّها:طلب درّها.

و درّ ضرعها يدرّ و يدرّ درّا و درورا.يقال:ضرع درور،و ضرّة درور،و إبل درر و درر.

و يقال مجازا:درّ درّ فلان،أي كثر خيره،و للّه درّك من رجل:للّه خيرك و فعالك،في المدح.و لا درّ درّه:لاكثر خيره،في الذّمّ.

و للسّوق درّة:نفاق.يقال:درّت السّوق،أي نفق متاعها.

و درّ السّهم درورا:دار دورانا جيّدا،و أدرّه صاحبه،فشبّه شدّة دفعه بشدّة شخب اللّبن.

و استدرّت المعزى استدرارا:أرادت الفحل، فكأنّها تدرّ اللّبن بعد حملها،ثمّ ولادتها،أو كأنّها تطلب ماءه.

و الدّرّ:النّفس.يقال:دفع اللّه عن درّه،أي عن نفسه،لأنّها تطلق على الدّم،و منه قولهم:دفق نفسه، أي دمه.

و استعير الدّرّ في سيلان العروق و نحوها؛يقال:

درّت العروق تدرّ درّا،أي امتلأت دما،و في صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«بينهما عرق يدرّه الغضب»،أي بين حاجبيه عرق يمتلئ دما إذا غضب.

و استدرّ الدّمع:كثر،و درّت عينه بالدّمع.

و درّت السّماء تدرّ درّا:كثر مطرها،و سماء مدرار:تدرّ بالمطر،و درّ السّحاب بالمطر درّا و درورا.

و الدّرّة في الأمطار:أن يتبع بعضها بعضا، و للسّحاب درّة:صبّ؛و الجمع:درر.و الرّيح تدرّ السّحاب و تستدرّه:تستحلبه.

و الدّرّة:كثرة الخراج؛يقال:درّ الخراج يدرّ و أدرّه عمّاله،أي كثر،و درّت لقحة المسلمين و حلوبتهم:كثر فيئهم و خراجهم.

و الدّرّة:سرعة الفرس و تتابع درور عدوه، تشبيها بتتابع ضربان العرق.يقال:للسّاق درّة،أي استدرار للجري،و درّ الفرس درّة:أسرع في عدوه فهو درير.و الدّرير من الخيل و جميع الدّوابّ:السّريع العدو،المكتنز الخلق.

و الدّرّارة:المغزل،لأنّه يستدرّ للدّوران و الجري.

يقال:أدرّت الغزّالة درّارتها،أي أدارتها لتستحكم قوّة ما تغزله من قطن أو صوف،و أدرّت المرأة المغزل:

فتلته فتلا شديدا،فهي مدرّ،و المغزل مدرّ.و في المثل:

«ضرب فلكة المدرّ»،يضرب لاستحكام الأمر بعد استرخائه و اتّساقه بعد اضطرابه.

و الدّرّة:اللّؤلؤة العظيمة،و الجمع:درّ و درر و درّات،كأنّه يدرّ من أصدافه.

ص: 257

و كوكب درّيّ:ثاقب مضيء؛و الجمع:دراريّ.

قال الجوهريّ: «نسب إلى الدّرّ لبياضه».و في حديث الإمام عليّ عليه السّلام في صفة السّماء:«و ناط بها زينتها من خفيّات دراريّها» (1)،أي نجومها و كواكبها.

و درّيّ السّيف:تلألؤه و إشراقه،و هو كالكوكب الدّرّيّ منسوب إلى الدّرّ.

و درّ السّراج:أضاء،و هو سراج دارّ و درير.يقال مجازا:درّ وجه الرّجل يدرّ،أي حسن وجهه بعد العلّة.

و درر الطّريق:قصده و متنه.يقال:هو على درر الطّريق،أي على مدرجته أو على قصده،لتتابعه و تتابع من يسلكه،و هما على درر واحد:على قصد واحد،و درر الرّيح:مهبّها.و داري بدرر دارك:بحذائها إذا تقابلتا.يقال:فلان دررك،أي قبالتك.

2-و الدّرّة:ما يضرب به.قال ابن دريد:«عربيّة معروفة»،و قال بعض المتأخّرين:فارسيّة،و الأصل فيها ضمّ الدّال،و جمعها الفيّوميّ على درر،و مثّلها سدرة و سدر.

و جاء في معجم«دهخدا»الفارسيّ: «درّه:سوط يتكوّن من بضعة سيور جلديّة،تخاط معا أو تحاك، فيجلد به الجناة،و يضرب به الطّبل و الدّرابكّة أحيانا» و جاء فيه أيضا:«لعلّه معرّب ترنا»،و«ترنا»كما جاء في موضع آخر منه:«كساء مفتول يعمل كالحبل، ثمّ يبلّل بالماء و يضرب به الجناة،فيكون مؤلما جدّا».

و هذا القول ضرب من التّمحّل،لبعد«درّه»عن «ترنا»لفظا و صياغة،و لسكوت المتقدّمين من اللّغويّين و المعرّبين عنه،ثمّ إنّ النّاطقين بالفارسيّة اليوم لا يعرفون لفظ«درّه»بمعنى السّوط،و يضبطونه بكسر الدّال أيضا،و ليس بضمّها-كما قيل-فهو عربيّ على الأرجح،على قول ابن دريد.

3-أبدلت الباء في هذه المادّة من حروف أخرى، فنشأ عنها اشتقاق أكبر.و منه قولهم في(ذ ر ر):ذرّ النّبات و البقل،أي طلع من الأرض،و هو قريب ممّا رواه ابن سيده:درّ النّبات:التفّ.و من(ت ر ر):التّرّ من الخيل:المعتدل الأعضاء،الخفيف الدّرير.و قال الخليل :الدّرير من الدّوابّ:السّريع،المكتنز الخلق، المقتدر.و من(ب ر ر)قولهم:برّت سلعته،أي نفقت، و قال ابن سيده:درّت السّوق:نفق متاعها،و هو مرويّ عن أبي زيد أيضا.و قالوا في(ث ر ر):سحاب ثرّ،أي كثير الماء،و عين ثرّة:كثيرة الدّموع،و سحابة ثرّة:كثيرة الماء،و شاة أو ناقة ثرّة و ثرور:واسعة الإحليل،غزيرة اللّبن إذا حلبت.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا اسم الآلة-للمبالغة-:(مدرارا) 3 مرّات،و الاسم المنسوب(درّىّ)مرّة،في 4 آيات:

1-مدرار

1- ...وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً...

الأنعام:6

2- وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً... هود:52

ص: 258


1- -نهج البلاغة-الخطبة(91).

3- يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً نوح:11

2-درّيّ

4- ...اَلزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ... النّور:35

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها محورين:«مدرار» و«درّيّ».

و الأوّل:فيه ثلاث آيات بمضمون واحد،و هو إرسال السّماء مدرارا على القوم،ففي(1)قول اللّه في أمم من الماضين: وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً، و في(2)و(3)نقلا عن قول هود و نوح لقومهما:

يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، و المراد بإرسال السّماء في الجميع:إنزال المطر كنعمة عليهم،فسياقها جميعا المنّة عليهم بهذه النّعمة الكبيرة،كما يحاكي ما قبلها و ما بعدها:

ففي(1): أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَ جَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ.

و في(2): وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَ لا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ.

و في(3): فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً* وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً.

و فيها بحوث:

1-قالوا في(مدرارا)إنّه مبالغة-على خلاف القياس-كقولهم:امرأة مذكار،إذا كانت كثيرة الولادة للذّكور،و كذا مئناث للإناث.يقال:سحاب مدرار و غيث مدرار،إذا تتابع منه المطر،و منه منحار لكثير النّحر للأضياف.

و قالوا في وجه تذكيره مع أنّه وصف السّماء:إنّ حكم ما انعدل من النّعوت عن منهاج الفعل و بنائه،أن يلزم التّذكير في كلّ حال،سواء كان وصفا لمذكّر أو مؤنّث،كقولهم:امرأة مذكار و معطار،و هي كفور و شكور.و لو بنيت هذه الأوصاف على الفعل لقيل:

كافرة و شاكرة و مذكّرة،فلمّا عدل عن بناء الفعل جرى مجرى ما يستغنى بقيام معنى التّأنيث فيه عن العلامة،كقولهم:النّعل لبستها،و الفأس كسرتها.

و كان إيثارهم للتّذكير للفرق بين المبنيّ على الفعل، و المعدول عن مثل الأفاعيل.و قالوا:أنّه من درّ يدرّ، و أصله:من درّ اللّبن درورا،و هو كثرة وقوعه على الحالب.

قال فضل اللّه:«و أصل الدّرّ هو اللّبن،يقال:درّت النّاقة،إذا نزل من ضرعها اللّبن غزيرا،و يستعار ذلك للمطر كما يقول الرّاغب في استعارة أسماء البعير و أوصافه».

و قال ابن عاشور:«و وصف المطر بالمدرار مجاز عقليّ،و إنّما المدرار سحابة».

و قال الفخر الرّازيّ: «يريد الغيث و المطر، فالسّماء معناه المطر هاهنا...فالمدرار يصلح أن يكون من نعت السّحاب،و يجوز أن يكون من نعت المطر، يقال:سحاب مدرار،إذا تتابع أمطاره».

ص: 259

2-و قالوا:المراد أنّها تمطر وقت الحاجة إليها نفعا للنّاس،لا أنّها تدوم ليلا و نهارا فتفسد،لأنّ سياقها النّعمة و الرّحمة،لا العذاب و النّقمة.

3-و قالوا في إعراب(مدرارا)في الآيات الثّلاث:إنّها حال من(السماء)أي يرسلها عليهم في حال الإدرار،أو دارّة.

و المحور الثّاني:آية واحدة و هي آية النّور، فجاء فيها: ...اَلزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ...، و الكلام فيها تفصيلا يأتي إن شاء اللّه في:ن و ر:«النّور».و البحث هنا خاصّ ب كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، و فيه بحوث:

1-في قراءتها:فالقراءة المشهورة «الدّرّيّ» بضمّ الأوّل بلا همز في آخره،منسوب إلى«الدّرّ»،و قرئ كذلك بكسر أوّله،و(درّيء)بضمّ الأوّل و كسر و همزة في آخره؛فالأوّل من«درر»و الثّاني من «درأ»:«درأ الكوكب،إذا انحطّ».

و قال الفرّاء:«و العرب قد تسمّي الكواكب العظام الّتي لا تعرف أسماؤها«الدّراريّ»بغير همز.

و من العرب من يقول:كوكب درّيّ فينسبه إلى الدّرّ فيكسر أوّله و لا يهمز،كما قالوا:سخريّ،و سخريّ، و لجّيّ،و لجّيّ».

و قال أبو عبيدة:«بغير همز،أي مضيء و يراد كالدّرّ إذا ضممت أوّله،فإن كسرت جعلته فعّيلا من «درأت»،و هو من النّجوم الدّرارئ اللاّتي يدرأن».

و قال الطّبريّ-بعد ذكر القراءات تفصيلا-:

«و الّذي هو أولى القراءات عندي في ذلك بالصّواب قراءة من قرأ(درى)بضمّ أوّله و ترك همزه،على النّسبة إلى الدّرّ،لأنّ أهل التّأويل بتأويل ذلك جاءوا...».و لاحظ النّصوص ففيها خلاف كبير.

2-و اتّفقوا على أنّه لو كان من«درأ»فيصير وزنه«فعّيل»،و ليس في كلام العرب«فعّيل».و ذكر أبو عبيد له وجها،و ذلك أنّه:درّوء على وزن «فعّول»من«درأت»مثل«سبّوح و قدّوس»،ثمّ استثقلوا كثرة الضّمّات فيه فردّوا بعضها إلى الكسرة، كما قالوا:(عتيا)مريم:8،و هو فعّول من «عتوت».

3-عن ابن عبّاس:«أنّه نجم مضيء من هذه الأنجم الخمسة:عطارد،و المشتري،و الزّهرة،و بهرام، و زحل،هذه الأنجم كلّها درّيّة».

و لكن سياق الآية التّمثيل لنجم مضيء لا لنجم معيّن،فلا وجه لتخصيصه بها.

و ثانيا:الثّلاث الأولى-و هي وعد و تبشير بنعم في الدّنيا لأقوام مضوا-مكّيّة،كما هو الغالب في القصص القرآنيّة.و الأخيرة-و هي توصيف للّه تبارك و تعالى بوصف عال يناسب المؤمنين الصّادقين من المهاجرين و الأنصار،دون المشركين قبل الهجرة- مدنيّة،فلكلّ من هذه الآيات مناسبة لمحلّ نزولها.

و ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

نظائر المدرار:

المطر: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ النّساء:102

الغيث: وَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما

ص: 260

قَنَطُوا الشّورى:28

الودق: فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ

النّور:43

الوابل: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ

البقرة:265

الطّلّ: فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ

البقرة:265

نظائر الدّرّيّ:

الشّمس: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً

يونس:5

القمر: وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً نوح:16

الخانس: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ التّكوير:15

الكانس: اَلْجَوارِ الْكُنَّسِ التّكوير:16

ص: 261

ص: 262

د ر س

اشارة

5 ألفاظ،6 مرّات:4 مكّيّة،2 مدنيّتان

في 5 سور:4 مكّيّة،1 مدنيّة

درسوا 1:-1 تدرسون 2:1-1

درست 1:1 دراستهم 1:1

يدرسونها 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الدّرس:ضرب من الجرب يبقى له أثر متفشّ في الجلد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الدّرس:بقيّة أثر الشّيء الدّارس؛و المصدر:

الدّروس.

و درسته الرّياح،أي عفته.

و الدّرس:درس الكتاب للحفظ،و درس دراسة.

و دارست فلانا كتابا لكي أحفظ.

و الدّريس:الثّوب الخلق،و كذلك من البسط و نحوها.

و قتل رجل رجلا من جلساء النّعمان في مجلسه فأمر بقتله،فقال:أ يقتل الرّجل جاره و يضيّع ذماره؟

قال:نعم،إذا قتل جليسه و خضب دريسه.

و يجمع الدّريس:على الدّرسان.(7:227)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال دكين:إنّه لمدروس، إذا كان به ريح جنون.(1:248)

و قال غسّان:قد درست المرأة،إذا حاضت.

(1:250)

هذا بعير دارس،و هو الّذي قد ذهب وبره و ولّى جربه،و لم يظهر وبره.(1:253)

و التّدريس:مشي.(1:260)

و الدّرواس:الشّديد.(1:262)

و تقول:قد درس الكلب إناءكم،أي لحسه.

(1:264)

و الدّرس:الثّوب الخلق،و هو الدّريس.

(1:266)

ص: 263

و الدّرس،تقول:إنّ بها لدرسا،و الدّارس:

الحائض.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:268)

الفرّاء: الدّراوس:العظام من الإبل.

(الأزهريّ 12:361)

أبو زيد :و يقال:جاء فلان في درسان؛واحدها:

درس،و هو الثّوب الخلق.

قال أبو الحسن:و حكى غيره:جاء فلان في دريس له؛و الجمع:درسان و درسان أجود.(217)

درست أدرس دراسة و هي القراءة.و إنّما يقال ذلك إذا قرأت على غيرك.[ثمّ استشهد بشعر]

(الطّوسيّ 4:246)

الأصمعيّ: الدّريس:الثّوب الخلق؛و الجميع:

درسان.(الكنز اللّغويّ:232)

إذا كان بالبعير شيء خفيف من الجرب قيل:به شيء من درس.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 12:358)

بعير لم يدرس،أي لم يركب.(الجوهريّ 3:928)

يقال:درس يدرس مثل داس يدوس.و درس السّورة من هذا،أي يدرسها لتخفّ على لسانه.

و الدّريس:الثّوب الخلق.

و أصل الدّرس:استمرار التّلاوة.

(الطّوسيّ 4:246)

ابن الأعرابيّ: يقال درس الشّيء يدرس دروسا،و درست الكتاب أدرسه دراسة.

و المدرس:المكان الّذي يدرس فيه.و المدرس:

الكتاب.

و الدّراس:المدارسة.

و الدّروس:دروس الجارية إذا طمثت.يقال:

جارية دارس،و جوار درّس و دوارس.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 12:358)

الدّرواس:الكبير الرّأس من الكلاب.و الدّرباس بالباء:الكلب العقور.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 12:360)

أبو الهيثم:درس الأثر يدرس دروسا،أو درسه الرّيح تدرسه درسا؛أي محته.

و من ذلك قيل:درست الثّوب أدرسه درسا،فهو مدروس و دريس،أي أخلقته.و منه قيل للثّوب الخلق:دريس؛و جمعه:درسان.

و كذلك قالوا:درس البعير،إذا جرب جربا شديدا فقطر.

و قيل:درست الكتاب أدرسه درسا،أي ذلّلته بكثرة القراءة حتّى خفّ حفظه عليّ من ذلك.

الدّرسة:الرّياضة،و منه درست السّورة حتّى حفظتها؛و درست القضيب،أي رضته.

المدارس:الّذي قرأ الكتب و درسها.[و استشهد بالشّعر مرّتين](الأزهريّ 12:359)

المبرّد: الدّريسان:ثوبان خلقان.(2:63)

ابن دريد :درس المنزل و غيره يدرس-و قالوا:

بالفتح و هو قليل،و بالضّمّ قد قيل و هو كثير-دروسا، فهو دارس.

و درست القرآن و ما أشبهه أدرسه درسا.

و درس البعير يدرس،إذا ابتدأ فيه الجرب.

ص: 264

و المدراس:الموضع الّذي يدرس فيه القرآن و غيره.

و درست الجارية،إذا حاضت،و لا أعرف المصدر فيه،فهي دارس في بعض اللّغة.

و الدّريس:الثّوب الخلق؛و جمع دريس:درسان، و في بعض اللّغات يسمّى درسا.

و أهل الشّام يقولون:درست الطّعام،في معنى دسته،هكذا قال أبو حاتم و أبو محمّد عبد الرّحمن عن عمّه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:245)

و بعير درواس:غليظ العنق.

و درياس:اسم من أسماء الأسد.(3:387)

و جارية عارك و طامث و دارس و حائض،كلّه سواء.(3:444)

القاليّ: و الدّريس و الدّرس:الثّوب الخلق؛ و جمعه:درسان.(2:88)

الأزهريّ: و درست الجارية تدرس دروسا.

و الدّرس:الجرب أوّل ما يظهر منه.

و الدّرس و الدّرس و الدّريس:الثّوب الخلق.

[و قيل:]درس الطّعام يدرس دراسا،إذا ديس.

و الدّراس:الدّياس بلغة أهل الشّام.

و المدارس:الّذي قرأ الكتب و درسها.

و قيل:المدارس:الّذي قارف الذّنوب و تلطّخ بها، من الدّرس و هو الجرب.

و المدارس:البيت الّذي يدرس فيه القرآن، و كذلك مدراس اليهود.

[ثمّ ذكر قول ابن الأعرابيّ في الدّرواس و أضاف:]

و قال غيره:الدّراوس من الإبل:الذّلل الغلاظ الأعناق؛واحدها:درواس.

[و استشهد بالشّعر مرّتين.](12:359)

الصّاحب:الدّرس:ضرب من الجرب يبقى له أثر متفشّ في الجلد.

و جمل دارس:أجرب،و قد درس يدرس.

و أدرس القوم:درست إبلهم.

و ما بقي في الدّار إلاّ درس نؤي و رسم.

درس يدرس دروسا.و درسته الرّياح:عفته.

و الدّريس:الثّوب الخلق من البسط و اللّباس.

و دريس البعير:ذنبه؛و الجميع:الدّرسان، و كذلك الدّرس و الدّرس و الدّارس.

و تدرّست أدراسا،أي تخلّقت.

و المدارس:الثّياب.

و تركت به دروسا،أي آثارا.

و مدرسة النّعم:طريقه.

و الدّرس أيضا:حفظ الكتاب،و درس يدرس دراسة،و دارسته كتابا.

و درست المرأة،إذا حاضت،و امرأة دارس، و جوار درّس.

و درسها الرّجل،إذا نكحها.

و أبو إدريس:كنية الذّكر.

و درس الطّعام:دياسته،و كذلك الدّراس.

و الدّرواس و الدّرياس:الضّخم الرّأس العظيم الرّقبة،و كذلك المدرّس.

و الدّرواس أيضا:الذّلول من الإبل المنقاد.

ص: 265

و العظيم من الإبل؛و جمعه:دراوس.

و المدرّس:هو المدرّب.

و دارس فلان الذّنوب،أي قارفها،فهو مدارس.

و يقال للمضعوف:المدروس.(8:281)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«يخرج من الكاهنين-الكاهنان:قريظة و النّضير-رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسه أحد يكون بعده».

و أصل الدّراسة:الرّياضة و التّعهّد للشّيء،ثمّ قيل:درست القرآن،إذا قرأته و تعهّدته لتحفظه.

و درست الدّابّة،إذا رضتها و ذلّلتها للرّكوب.

و درست الحنطة،إذا دستها أو طحنتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث عكرمة مولى ابن عبّاس:«و ذكر أهل الجنّة و أنّهم يركبون نجبا هي ألين مشيا من الفراش المدروس»يريد الموطّأ الممهود.(1:583)

و يقال أيضا:نفست المرأة و درست،إذا حاضت و نفست من النّفاس.(2:576)

ابن جنّيّ: و درسته إيّاه و أدرسته.

(ابن سيده 8:450)

الجوهريّ: درس الرّسم يدرس دروسا،أي عفا؛ و درسته الرّيح،يتعدّى و لا يتعدّى.

و درست الكتاب درسا و دراسة.

و درست المرأة دروسا،أي حاضت.

و أبو دراس:فرج المرأة.

و درسوا الحنطة دراسا،أي داسوها.

و الدّرس:جرب قليل يبقى في البعير.

و الدّرس أيضا:الطّريق الخفيّ.

و دارست الكتب و تدارستها و ادّارستها،أي درستها.

و الدّرس بالكسر:الدّريس،و هو الثّوب الخلق؛ و الجمع:درسان.و قد درس الثّوب درسا،أي أخلق.

و الدّرواس:الغليظ العنق من النّاس و الكلاب، و هو العظيم أيضا.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:927)

ابن فارس: الدّال و الرّاء و السّين أصل واحد، يدلّ على خفاء و خفض و عفاء.فالدّرس:الطّريق الخفيّ.يقال:درس المنزل:عفا.

و من الباب الدّريس:الثّوب الخلق.و منه درست المرأة:حاضت.و يقال:إنّ فرجها يكنّى:أبا أدراس، و هو من الحيض.

و درست الحنطة و غيرها في سنبلها.إذا دستها.

فهذا محمول على أنّها جعلت تحت الأقدام،كالطّريق الّذي يدرس و يمشى فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الدّرس:الجرب القليل يكون بالبعير.

و من الباب:درست القرآن و غيره؛و ذلك أنّ الدّارس يتتبّع ما كان قرأ،كالسّالك للطّريق يتتبّعه.

و ممّا شذّ عن الباب الدّرواس:الغليظ العنق من النّاس و الدّوابّ.(2:267)

ابن سيده: درس الشّيء يدرس دروسا:عفا، و درسته الرّيح.

و درسه القوم:عفّوا أثره.

و الدّرس:أثر الدّارس.

ص: 266

و الدّرس و الدّرس و الدّريس،كلّه:الثّوب الخلق؛و الجمع:أدراس و درسان.

و درع دريس،كذلك.

و درس الطّعام درسا:داسه؛يمانيّة.

و درس النّاقة يدرسها درسا:راضها.

و درس الكتاب يدرسه درسا و دراسة؛و دارسه من ذلك،كأنّه عانده حتّى انقاد لحفظه.

و الدّراس:المدارسة.

و المدراس:الموضع الّذي يدرس فيه.

و درس البعير يدرس درسا:جرب جربا قليلا، و اسم ذلك الجرب الدّرس أيضا.

و قيل:هو الشّيء الخفيف من الجرب.

و الدّرس:الأكل الشّديد.

و درست المرأة تدرس درسا و دروسا،و هي دارس،من نسوة درّس و دوارس:حاضت،و خصّ اللّحيانيّ به حيض الجارية.

و الدّرواس:الغليظ العنق من النّاس و الكلاب.

و الدّرواس:الأسد الغليظ.

و الدّرواس:العظيم الرّأس،و قيل:الشّديد؛عن السّيرافيّ.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](8:449)

الطّوسيّ: و الدّرس:تكرّر الشّيء.يقال:درس الكتاب،إذا كرّر قراءته.و درس المنزل،إذا تكرّر عليه مرور الأمطار و الرّياح حتّى يمحى أثره.

(5:26)

مثله الطّبرسيّ.(2:495)

الرّاغب: درس الدّار معناه:بقي أثرها،و بقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه،فلذلك فسّر الدّروس بالانمحاء.و كذا درس الكتاب،و درست العلم:

تناولت أثره بالحفظ،و لمّا كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبّر عن إدامة القراءة بالدّرس.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و قيل: وَ دَرَسُوا ما فِيهِ الأعراف:169،تركوا العمل به،من قولهم:درس القوم المكان،أي أبلوا أثره.

و درست المرأة:كناية عن حاضت.

و درس البعير:صار فيه أثر جرب.(167)

الزّمخشريّ: ربع دارس،و مدروس،و قد درس دروسا،و درسته الرّياح درسا:تكرّرت عليه فعفّته.

و من المجاز:درس الحنطة دراسا:داسها.[ثمّ استشهد بشعر]

و درس النّاقة:راضها.

و رجل مدرّس:مجرّب.

و درس الكتاب للحفظ:كرّر قراءته درسا و دراسة،و درّس غيره،و دارسته الكتاب مدارسة و تدارسوه حتّى حفظوه.

و اجتمعت اليهود في مدراسهم،و هو بيت تدرس فيه التّوراة.

و درس المرأة:نكحها.

و درست:حاضت.

و يكنى العوف:أبا إدريس و الفلهم:أبا أدراس.

و درس الثّوب:أخلق،فهو درس و دريس.

ص: 267

و تدرّست أدراسا،و تسمّلت أسمالا،و لبس دريسا و بسط دريسا،أي ثوبا و بساطا خلقا.

و قتل رجل في مجلس النّعمان رجلا فأمر بقتله، فقال الرّجل:أ يقتل الملك جاره،و يضيّع ذماره؟قال:

نعم،إذا قتل جليسه،و خضب دريسه،أي بساطه.

و طريق مدروس:كثر مشي النّاس فيه حتّى ذلّلوه.

و هذه مدرسة النّعم:طريقها.

و دارس الذّنوب:قارفها.(أساس البلاغة:128)

ابن الشّجريّ: درست:حاضت.(2:309)

الطّبرسيّ: و الدّرس أصله:استمرار التّلاوة.

و درس الأثر دروسا،إذا انمحى لاستمرار الزّمان به.

و درست الرّيح الأثر دروسا:محته باستمرارها عليه.(2:345)

المدينيّ: في حديث عكرمة في صفة أهل الجنّة:

«يركبون نجبا هي ألين مشيا من الفراش المدروس».

أي الموطّأ الممهّد.

و أصل الدّراسة:الرّياضة و التّعهّد للشّيء، و درست الدّابّة:رضتها و ذلّلتها،و درست الحنطة،إذا دستها أو طحنتها،و درست القرآن:قرأته و تعهّدته لأحفظه.و منه الحديث:«تدارسوا القرآن»أي اقرءوه و احفظوه.

في حديث اليهوديّ الّذي زنى:«فوضع مدراسها كفّه على آية الرّجم».«المدراس»:صاحب دراسة كتبهم،و مفعل و مفعال من أبنية المبالغة في الفعل الّذي يشتقّ منه.(1:650)

ابن الأثير: فيه:«تدارسوا القرآن»أي اقرءوه و تعهّدوه لئلاّ تنسوه.يقال:درس يدرس درسا و دراسة.و أصل الدّراسة الرّياضة و التّعهّد للشّيء.

و منه حديث اليهوديّ...

فأمّا الحديث الآخر:«حتّى أتى المدراس»فهو البيت الّذي يدرسون فيه،و«مفعال»غريب في المكان...

الدّرسان:الخلقان من الثّياب،واحدها:درس و درس،و قد يقع على السّيف،و الدّرع،و المغفر.

(2:113)

الصّغانيّ: يقال:فلان مدروس،إذا كان به شبه جنون.

و المدرس (1)بالفتح،و المدرسة:المكان الّذي يدرس فيه.

و المدرس،بالكسر:الكتاب.

و المدراس:الموضع الّذي يقرأ فيه القرآن.

و كذلك مدراس اليهود...

و الدّرسة بالضّمّ:الرّياضة.[ثمّ استشهد بشعر]

و المدارسة و الدّراس:القراءة.

و درّس الكتب تدريسا،-شدّد للمبالغة-و منه مدرّس المدرسة.

دريس البعير و درسه و دارسه:ذنبه.م.

ص: 268


1- و عند ابن الأعرابيّ(الأزهريّ:12:358) و الصّغانيّ(3:351):المدرس...بكسر الميم.

و درسها:جامعها...(3:351)

الفيّوميّ: درس المنزل دروسا من باب«قعد»:

عفا و خفيت آثاره.

و درس الكتاب:عتق.

و درست العلم درسا،من باب«قتل»،و دراسة:

قرأته.

و المدرسة بفتح الميم:موضع الدّرس.

و درست الحنطة و نحوها دراسا بالكسر.

و مدراس اليهود:كنيستهم؛و الجمع:مداريس، مثل:مفتاح و مفاتيح.(1:192)

الفيروزآباديّ: درس الرّسم دروسا:عفا، و درسته الرّيح،لازم متعدّ،و المرأة درسا و دروسا:

حاضت،و هي دارس،و الكتاب يدرسه و يدرسه درسا و دراسة:قرأه؛كأدرسه و درّسه،و الجارية:

جامعها،و الحنطة درسا و دراسا:داسها،و البعير:

جرب جربا شديدا،فقطر و الثّوب:أخلقه،فدرس هو،لازم متعدّ.

و أبو دراس:فرج المرأة.

و المدروس:المجنون.

و الدّرسة،بالضّمّ:الرّياضة.

و الدّرس:الطّريق الخفيّ،و بالكسر:ذنب البعير، و يفتح،كالدّريس،و الثّوب الخلق كالدّريس و المدروس؛جمعه:أدراس و درسان.

و إدريس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليس من الدّراسة،كما توهّمه كثيرون،لأنّه أعجميّ،و اسمه:خنوخ أو أخنوخ.

و أبو إدريس:الذّكر.

و المدرس كمنبر:الكتاب.

و المدراس:الموضع يقرأ فيه القرآن،و منه مدراس اليهود.

و الدّرواس،بالكسر:علم كلب،و الكبير الرّأس من الكلاب،و الجمل الذّلول الغليظ العنق، و الشّجاع،و الأسد،كالدّرباس.

و المدرّس:الكثير الدّرس.و كمعظّم:المجرّب.

و المدارس:الّذي قارف الذّنوب،و تلطّخ بها، و المقارئ.

و اندرس:انطمس.(2:222)

الطّريحيّ: و في الحديث:«تدارسوا القرآن»أي اقرءوه و تعهّدوه لئلاّ تنسوه،من قولهم:درس يدرس درسا و دراسة.

و فيه:«تذاكر العلم دراسة».

و الدّراسة:صلاة حسنة.

و في الحديث:«و ليكن القرآن محفوظا مدروسا» كأنّ المعنى مقروء متلوّا.(4:70)

العدنانيّ: جمع ما يكفيه للدّراسة

و يقولون:جمع ما يكفي دراسته في الجامعة، و الصّواب:جمع ما يكفيه للدّراسة في الجامعة،لأنّه هو الّذي يحتاج إلى المال للدّراسة،و ليست الدّراسة نفسها في حاجة إلى المال.

سنة مدرسيّة.

و يقولون:قضى في معهدنا سنة دراسيّة.

و الصّواب:سنة مدرسيّة،لأنّ السّنة المدرسيّة لا تشمل فصل الصّيف،و يتخلّلها نحو خمسين يوما من

ص: 269

العطل المدرسيّة؛بينما تعني السّنة الدّراسيّة سنة كاملة من الدّراسة المتواصلة،ممّا لا يتاح للطّلاّب في المدارس.(معجم الأخطاء الشّائعة:89)

مجمع اللّغة :درس الكتاب يدرسه درسا و دراسة:كرّر قراءته ليحفظه.(1:388)

محمّد إسماعيل إبراهيم:درس الكتاب أو العلم دراسة:أكثر قراءته و ذلّله للحفظ.و أصله من:درس الحنطة،إذا داسها مرارا،كأنّ القارئ يدوس الكلام و يدرسه حتّى ينقاد لحفظه.(1:185)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو جريان العمل و الاستعمال بقصد الاستفادة و الاستنتاج،و العمل و الاستعمال يختلف باختلاف المورد و المادّة:

فالاستعمال و تكرير العمل بالنّسبة إلى الكتاب و اللّباس و في موردهما يوجب كونهما خلقا و عتيقا.

و في مورد العلم و القرآن يوجب ضبطا و حفظا.

و في مورد المنزل و الدّار يوجب الانمحاء و اختلال الصّورة و بقاء الآثار.

و في مورد النّساء يوجب ضعفا و طمثا.

و في النّاقة يوجب ظهور مرض يغلب عليه.

و في الحنطة يوجب الدّوس.

فحقيقة المادّة مزاولة في عمل حتّى يتحصّل أثره و ما يترتّب عليه.و هذا المعنى غير مطلق المزاولة و الاستدامة و الممارسة و غيرها.

و أمّا مفاهيم الانمحاء و الخفاء و الخفض و العفا و الحفظ و غيرها:فهي من آثار الحقيقة و نتائجها و قيودها.

و في القاموس العبريّ: دارس:داس،وطأ،سحق، دهس،افترس،ذبح.

فهذه المعاني أيضا قريبة من الحقيقة الّتي أشرنا إليها.

و أمّا إدريس:فراجع تلك الكلمة في المجلّد الأوّل، مضافا إلى أنّ الكلمة لا يبعد اشتقاقها من مادّة «دارس»العبريّة أيضا.فيقرب ممّا يقول أهل اللّغة:

بأنّه سمّي به لكثرة ممارسته و دراسته كتاب اللّه.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

يراد في جميع هذه الموارد مفهوم واحد:و هو تكرير المراجعة إلى الكتاب،و تحقّق الجريان و العمل،في طريق حصول الأثر و النّتيجة المطلوبة المناسبة.

ثمّ إنّ الدّرس أعمّ من العلم و المعرفة،فإنّ الملحوظ فيه جهة تكرير النّظر و إدامة العمل.و أمّا حصول العلم و المعرفة،فغير مأخوذ في مفهومه.و هذا لطف التّعبير بالمادّة دون العلم و المعرفة،فإنّ النّظر في الآيات إلى هذه الجهة الظّاهريّة من دون حصول علم و يقين.(3:199)

النّصوص التّفسيريّة

درسوا

...أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَ دَرَسُوا ما فِيهِ وَ الدّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ. الأعراف:169

ابن عبّاس: قرءوا ما فِيهِ من صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم

ص: 270

و أمّته.(141)

ابن زيد :علّموه،علّموا ما في الكتاب الّذي ذكر اللّه،و قرأ: بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ آل عمران:79.(الطّبريّ 6:107)

أبو عبيدة :مجازه من دراسة الكتب.و يقال:قد درست إمامي،أي حفظته و قرأته.يقال:ادرس على فلان،أي اقرأ عليه.(1:232)

الطّبريّ: و أمّا قوله: وَ دَرَسُوا ما فِيهِ، فإنّه معطوف على قوله: وَرِثُوا الْكِتابَ، و معناه:

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ وَ دَرَسُوا ما فِيهِ و يعني بقوله: وَ دَرَسُوا ما فِيهِ، قرءوا ما فيه.يقول:ورثوا الكتاب فعلموا ما فيه و درسوه فضيّعوه و تركوا العمل به و خالفوا عهد اللّه إليهم في ذلك.(6:107)

الزّجّاج: أي فهم ذاكرون لما أخذ عليهم.

(2:388)

القمّيّ: يعني ضيّعوه.(1:246)

السّجستانيّ: أي قرءوا ما فيه.(71)

النّحّاس: أي قد قرءوه،و هم قريبو عهد بقراءته.

(3:100)

الماورديّ: فيه تأويلان:

أحدهما:تركوا ما فيه أن يعملوا به حتّى صار دارسا.

و الثّاني:أنّهم قد تلوه و درسوه،فهم لا يجهلون ما فيه و يقومون على مخالفته مع العلم به.(2:275)

الطّوسيّ: المعنى:قرءوا ما فيه،و درسوه فضيّعوه، و تركوا العمل فيه.(5:26)

الواحديّ: و قرءوا ما فيه،فهم ذاكرون لذلك، و لو عقلوا،لعملوا للدّار الآخرة.(2:423)

البغويّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و درس الكتاب:قراءته و تدبّره مرّة بعد أخرى.

(2:244)

الميبديّ: و قرءوا ما في الكتاب،أي لم يفعلوا عن جهل.(3:776)

الزّمخشريّ: دَرَسُوا ما فِيهِ: في الكتاب من اشتراط التّوبة في غفران الذّنوب.و الّذي عليه المجبّرة هو مذهب اليهود بعينه كما ترى.

و عن مالك بن دينار رحمه اللّه:يأتي النّاس زمان إن قصّروا عمّا أمروا به،قالوا:سيغفر لنا،لأنّا لم نشرك باللّه شيئا،كلّ أمرهم إلى الطّمع،خيارهم فيهم المداهنة،فهؤلاء من هذه الأمّة أشباه الّذين ذكرهم اللّه، و تلا الآية.[إلى أن قال:]

قرئ: (و ادّارسوا) ،بمعنى تدارسوا...

فإن قلت:علام عطف قوله: وَ دَرَسُوا ما فِيهِ؟ قلت:على أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ لأنّه تقرير،فكأنّه قيل:أخذ عليهم ميثاق الكتاب و درسوا ما فيه.

(2:128)

ابن عطيّة: قوله: وَ دَرَسُوا معطوف على قوله: أَ لَمْ يُؤْخَذْ بمعنى المضيّ،يقدّر:أ ليس قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب و درسوا ما فيه.و بهذين الفعلين تقوم الحجّة عليهم في قولهم الباطل.

و قرأ أبو عبد الرّحمن السّلميّ، (و ادّارسوا ما

ص: 271

فيه).

و قال الطّبريّ و غيره:قوله: وَ دَرَسُوا معطوف على قوله: وَرِثُوا الْكِتابَ. و في هذا نظر لبعد المعطوف عليه،لأنّ قوله: وَ دَرَسُوا يزول منه معنى إقامة الحجّة بالتّقدير الّذي في قوله:(الم).

(2:472)

الطّبرسيّ: أي و قرءوا ما فيه،فهم ذاكرون لذلك.و قيل:إنّه معطوف على قوله: وَرِثُوا الْكِتابَ، و المعنى:فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب و درسوا ما فيه،فضيّعوه و تركوا العمل به.

(2:496)

نحوه الخازن.(2:251)

أبو البركات: وَرِثُوا الْكِتابَ جملة فعليّة في موضع رفع،لأنّها صفة(خلف.)و(ياخذون...) جملة فعليّة في موضع نصب على الحال من الواو في (ورثوا،)و(يقولون)معطوف على (ياخذون،)و(درسوا)معطوف على(ورثوا.) و(أ لم يؤخذ...)اعتراض وقع بين(ورثوا) و(درسوا.)(1:378)

نحوه العكبريّ.(1:602)

ابن الجوزيّ: وَ دَرَسُوا ما فِيهِ معطوف على (ورثوا.)و معنى وَ دَرَسُوا ما فِيهِ: قرءوه،فكأنّه قال:خالفوا على علم.(3:282)

الفخر الرّازيّ: وَ دَرَسُوا ما فِيهِ، أي فهم ذاكرون لما أخذ عليهم،لأنّهم قد قرءوه و درسوه.

(15:44)

نحوه المراغيّ.(9:100)

القرطبيّ: قال المفسّرون:هم اليهود،ورثوا كتاب اللّه فقرءوه و علموه،و خالفوا حكمه و أتوا محارمه مع دراستهم له.فكان هذا توبيخا لهم و تقريعا.[إلى أن قال:]

أي قرءوه.و هم قريبو عهد به.[ثمّ نقل بعض القراءات إلاّ أنّه قال:]

و قال بعض العلماء:إنّ معنى وَ دَرَسُوا ما فِيهِ، أي محوه بترك العمل به و الفهم له؛من قولك:درست الرّيح الآثار،إذا محتها،و خطّ دارس،و ربع دارس، إذا امّحى و عفا أثره.و هذا المعنى مواطئ-أي موافق- لقوله تعالى: نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ البقرة:101،و قوله:

فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ آل عمران:187،حسب ما تقدّم بيانه في البقرة.(7:311)

البيضاويّ: وَ دَرَسُوا ما فِيهِ عطف على أَ لَمْ يُؤْخَذْ من حيث المعنى فإنّه تقرير،أو على (ورثوا)و هو اعتراض.(1:376)

مثله أبو السّعود(3:47)،و المشهديّ(3:630).

النّسفيّ: و قرءوا ما في الكتاب،و هو عطف على أَ لَمْ يُؤْخَذْ لأنّه تقرير،فكأنّه قيل:أخذ عليهم ميثاق الكتاب و درسوا ما فيه.(2:84)

أبو حيّان : وَ دَرَسُوا معطوف على قوله:

أَ لَمْ يُؤْخَذْ. و في ذلك أعظم توبيخ و تقريع و هو أنّهم كرّروا على ما في الكتاب،و عرفوا ما فيه المعرفة التّامّة من الوعيد على قول الباطل و الافتراء على اللّه.

ص: 272

و هذا العطف على التّقرير،لأنّ معناه:قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب و درسوا ما فيه،كقوله: أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَ لَبِثْتَ، معناه قد ربّيناك و لبثت.

و قال الطّبريّ و غيره:هو معطوف على قوله:

وَرِثُوا الْكِتابَ، و فيه بعد.

و قيل:هو على إضمار«قد»،أي و قد درسوا ما فيه،و كونه معطوفا على التّقرير هو الظّاهر،لأنّ فيه معنى إقامة الحجّة عليهم في أخذ ميثاق الكتاب، بكونهم حفظوا لفظه،و كرّروه و ما نسوه،و فهموا معناه،و هم مع ذلك لا يقولون إلاّ الباطل...

و قرأ عليّ و السّلميّ (و ادّارسوا) ،و أصله:

و تدارسوا،كقوله:(فادارأتم)أي تدارأتم،و قد مرّ تقريره في العربيّة.و هذه القراءة توضّح أنّ معنى وَ دَرَسُوا ما فِيهِ هو التّكرار لقراءته و الوقوف عليه،و أنّ تأويل من تأوّل وَ دَرَسُوا ما فِيهِ أنّ معناه:و محوه بترك العمل و الفهم له،من قولهم:درست الرّيح الآثار،إذا محتها،فيه بعد.و لو كان كما قيل لقيل:ربع مدروس،و خطّ مدروس،و إنّما قالوا:

ربع دارس،و خطّ دارس،بمعنى داثر.(4:417)

الشّربينيّ: أي ما في ذلك الميثاق الّذي في الكتاب أو الكتاب بتقرير القراءة للحفظ.[ثمّ قال نحو البيضاويّ](1:532)

الكاشانيّ: و قرءوا ما فيه،فهم ذاكرون لذلك.

(2:249)

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]و لك أن تقول:(درسوا)عطف على(أ لم يؤخذ،) فالاستفهام التّقريريّ متعلّق بهما.(3:270)

شبّر:قرءوا،(ما فيه)فهم ذاكرون لذلك.أو عطف على(ورثوا،)و المعنى:ضيّعوه و تركوا العمل به.(2:433)

الآلوسيّ: أي قرءوه فهم ذاكرون لذلك،و هو عطف على(أ لم يؤخذ)من حيث المعنى،و إن اختلفا خبرا و إنشاء؛إذ المعنى:أخذ عليهم ميثاق الكتاب و درسوا...

و جوّز كونه عطفا على(أ لم يؤخذ)و الاستفهام التّقريريّ داخل عليهما-و هو خلاف الظّاهر-أو على(ورثوا)و تكون جملة(أ لم يؤخذ)معترضة و ما قبلها حاليّة،أو يكون المجموع اعتراضا-كما قيل-و لا مانع منه،خلا أنّ الطّبرسيّ نقل عن بعضهم تفسير(درسوا)-على هذا الوجه من العطف- ب«تركوا و ضيّعوا».و فيه بعد.

و قيل:إنّ الجملة في موضع الحال من ضمير (يقولوا)بإضمار«قد»أي أخذ عليهم الميثاق،بأن لا يقولوا على اللّه إلاّ الحقّ الّذي تضمّنه كتابهم في حال دراستهم ما فيه و تذكّرهم له،و هو كما ترى.

و قرأ السّلميّ (ادّارسوا) بتشديد الدّال و ألف بعدها،و أصله:تدارسوا،فأدغمت التّاء في الدّال و اجتلبت لها همزة الوصل.(9:97)

القاسميّ: قرءوا ما في الكتاب من الميثاق مرّة بعد مرّة.(7:2895)

رشيد رضا :(ما فيه)أي من تحريم أكل أموال النّاس بالباطل و الكذب على اللّه كقولهم:إنّه سيغفر

ص: 273

لهم و غير ذلك،و ما أخذ عليهم من العهد و الميثاق في العمل بكتابه،كما في آخر سفر تثنية الاشتراع.

(9:383)

سيّد قطب :و هم درسوا هذا الكتاب،و عرفوا ما فيه!

بلى!و لكن الدّراسة لا تجدي ما لم تخالط القلوب.

و كم من دارسين للدّين و قلوبهم عنه بعيد،إنّما يدرسونه ليتأوّلوا و يحتالوا و يحرّفوا الكلم عن مواضعه،و يجدوا المخارج للفتاوى المغرضة الّتي تنيلهم عرض الحياة الدّنيا...و هل آفة الدّين إلاّ الّذين يدرسونه دراسة،و لا يأخذونه عقيدة،و لا يتّقون اللّه و لا يرهبونه؟!(3:1387)

ابن عاشور :و فعل(درسوا)عطف على (يؤخذ.)لأنّ يؤخذ في معنى المضيّ،لأجل دخول (لم)عليه،و التّقدير:أ لم يؤخذ و يدرسوا،لأنّ المقصود تقريرهم بأنّهم درسوا الكتاب،لا الإخبار عنهم بذلك،كقوله تعالى: أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً* وَ الْجِبالَ أَوْتاداً* وَ خَلَقْناكُمْ أَزْواجاً* وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً إلى قوله: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً النّبأ:6-14،و التّقدير:و مخلقكم أزواجا و نجعل نومكم سباتا،إلى آخر الآية.

(8:342)

مغنيّة:و قد درسوها و فهموا كلّ ما فيها،و ممّا جاء في التّوراة:أنّ اللّه يغفر لمن تاب و أقلع عن المعصية،أمّا من أصرّ عليها فهو من الهالكين.و أيضا قد أخذت التّوراة عهدا و ميثاقا على كلّ من آمن باللّه و بها:أن لا يفتري على اللّه الكذب،و العصاة على علم من هذه الحقيقة،و مع هذا يصرّون على كبائر الذّنوب قائلين:سيغفر اللّه لنا.و هذا نقض للعهد و الميثاق، و كذب على اللّه و افتراء:و قد خاب من افترى.

(3:417)

الطّباطبائيّ: و قوله: وَ دَرَسُوا ما فِيهِ كأنّ الواو للحال،و الجملة حال عن ضمير(عليهم.) و قيل:الجملة معطوفة على قوله: وَرِثُوا الْكِتابَ في صدر الآية،و لا يخلو من بعد.

و المعنى:و تحمّلوا ما فيه من المعارف و الأحكام و المواعظ و العبر،و كان لازمه أن يتّقوا و يختاروا الدّار الآخرة،و يتركوا أعراض الدّنيا الفانية الصّارفة عمّا عند اللّه من الثّواب الدّائم.(8:298)

مكارم الشّيرازيّ: ثمّ يقول:لو كان هؤلاء الّذين يرتكبون هذه المخالفات جاهلون بالآيات الإلهيّة،لكان من الممكن أن ينحتوا لأنفسهم أعذارا، و لكنّ المشكلة هي أنّهم رأوا التّوراة مرارا و فهموا محتواها،و مع ذلك ضيّعوا أحكامها،و نبذوا أمرها وراء ظهورهم وَ دَرَسُوا ما فِيهِ.

و«الدّرس»في اللّغة يعني تكرار شيء؛و حيث إنّ الإنسان عند المطالعة،و تلقّي العلم من الأستاذ و المعلّم يكرّر المواضيع،لهذا أطلق عليه لفظ «الدّرس»و إذا ما رأينا أنّهم يستعملون لفظة «درس و الاندراس»على انمحاء أثر الشّيء،فإنّما هو لهذا السّبب و بهذه العناية،و لأنّ الأمطار و الرّياح و الحوادث الأخرى تتوالى على الأبنية القديمة،

ص: 274

و تبليها.(5:256)

درست

وَ كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَ لِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. الأنعام:105

أبيّ بن كعب:و ليقولوا درس،يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

قرأ.

مثله ابن مسعود.(الطّبريّ 5:303)

ابن عبّاس: قرأت و تعلّمت.تقول ذلك قريش.

مثله مجاهد.(الطّبريّ 5:300)

و نحوه الضّحّاك(الطّبريّ 5:302)،و زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام(191).

ابن الزّبير:إنّ صبيانا هاهنا يقرءون:(دارست)، و إنّما هي(درست).(الطّبريّ 5:302)

(دارست):قارأت أهل الكتاب.(الطّبريّ 5:301)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 5:302)

(دارست):قارأت و تعلّمت.

نحوه سعيد بن جبير.(الطّبريّ 5:301)

(دارست):تلوت خاصمت جادلت.

(الطّبريّ 5:301)

قالوا:دارست أهل الكتاب و قرأت الكتب و تعلّمتها.(الطّبريّ 5:302)

سعيد بن جبير: (دارست)أي ناسخت.

(الطّبريّ 5:302)

مجاهد :(دارست):فاقهت،قرأت على يهود، و قرءوا عليك.(الطّبريّ 5:302)

الحسن:(درست)يقول:تقادمت و انمحت.

(الطّبريّ 5:303)

قتادة :(درست)أي قرئت و تعلّمت.

(الطّبريّ 5:302)

قرأت الكتب.(الطّبريّ 5:301)

الفرّاء: يقولون:تعلّمت من اليهود.

(البغويّ 2:149)

أبو عبيدة :(دارست)من المدارسة،و(درست) أي امتحنت.(1:203)

الأخفش: قوله: (و ليقولوا دارست) أي دارست أهل الكتاب.

و قال بعضهم:(درست)و بها نقرأ،لأنّها أوفق للكتاب.و قال:بعضهم:(درست) (1)(2:499)

ابن قتيبة :(درست)أي قرأت الكتب، و(دارست)أي دارست أهل الكتاب.و(درست):

انمحت.(157)

الطّبريّ: و اختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته عامّة قرأة أهل المدينة و الكوفة وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ، يعني قرأت أنت يا محمّد،بغير ألف.

و قرأ ذلك جماعة من المتقدّمين،منهم ابن عبّاس، -على اختلاف عنه فيه-و غيره و جماعة من التّابعين -و هو قراءة بعض قرأة أهل البصرة-(و ليقولوا

ص: 275


1- كذا،و الّذي نقل عنه الزّجّاج:(درست)بضمّ الرّاء.

دارست)بألف بمعنى قارأت و تعلّمت من أهل الكتاب.

و روي عن قتادة:أنّه كان يقرؤه:(درست)بمعنى:

قرئت و تليت.و عن الحسن أنّه كان يقرؤه:(درست) بمعنى:انمحت.

و أولى القراءات في ذلك عندي بالصّواب،قراءة من قرأه وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ، بتأويل:قرأت و تعلّمت،لأنّ المشركين كذلك كانوا يقولون للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و قد أخبر اللّه عن قيلهم ذلك بقوله: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ النّحل:103،فهذا خبر من اللّه ينبئ عنهم أنّهم كانوا يقولون:إنّما يتعلّم محمّد ما يأتيكم به من غيره.فإذا كان ذلك كذلك فقراءة: وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ يا محمّد بمعنى:تعلّمت من أهل الكتاب أشبه بالحقّ،و أولى بالصّواب من قراءة من قرأه: (دارست) بمعنى:قارأتهم و خاصمتهم و غير ذلك من القراءات.

و اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك،قدر اختلاف القراء في قراءته.[إلى أن قال:]

و قرأ ذلك آخرون (درس) من«درس الشّيء»:

تلاه.

و إنّما جاز أن يقال مرّة:(درست)و مرّة (درس) فيخاطب مرّة،و يخبر مرّة من أجل القول.

و قد بيّنّا أولى هذه القراءات في ذلك الصّواب عندنا و الدّلالة على صحّة ما اخترنا منها.

(5:300-303)

الزّجّاج: فيها خمسة أوجه:فالقراءة(درست،) بفتح الدّال و فتح التّاء،و معناه:و ليقولوا:قرأت كتب أهل الكتاب.و تقرأ أيضا (دارست) ،أي ذاكرت أهل الكتاب.و قال بعضهم:(درست)،أي هذه الأخبار الّتي تتلوها علينا قديمة قد درست،أي قد مضت و امّحت.و ذكر الأخفش:(درست)بضمّ الرّاء، و معناها:«درست»إلاّ أنّ درست بضمّ الرّاء أشدّ مبالغة،و حكي:(درست)بكسر الرّاء،أي قرئت.

(2:279)

السّجستانيّ: (درست)أي قرأت،و (دارست) أي قارأت،أي قرأت،و قرئ عليك.و(درست:) قرأت و تعلّمت،و (درست) أي درست هذه الأخبار الّتي تأتينا بها،أي انمحت و ذهبت،و قد كان يتحدّث بها.(71)

النّحّاس: وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ، هذه قراءة أهل المدينة و أهل الكوفة و ابن الزّبير و معناها:تلوت و قرأت.[إلى أن قال:]

و حكى الأخفش (و ليقولوا درست) ،و هو بمعنى درست إلاّ أنّه أبلغ.

و حكى أبو العبّاس أنّه يقرأ (و ليقولوا درست) باسكان اللاّم على الأمر،و فيه معنى التّهديد،أي فليقولوا ما شاءوا فإنّ الحقّ بيّن،كما قال جلّ و عزّ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً التّوبة:82.

فأمّا من كسر اللاّم،فإنّها عنده«لام كي»قال أبو إسحاق و أهل اللّغة:يسمّونها«لام الصّيرورة» أي صار إلى هذا،كما قال جلّ و عزّ: رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ يونس:88،و كما تقول:كتب فلان

ص: 276

هذا الكتاب لحتفه،أي فصار أمره إلى ذلك.

و هذه القراءات كلّها يرجع اشتقاقها إلى شيء واحد إلى التّليين و التّذليل.و(درست:)قرأت و ذللت.و«درست الدّار»ذلّت و امّحقت،و«درس الحنطة»أي داسها.(2:467)

الفارسيّ: اختلفوا في إدخال الألف و إخراجها من قوله عزّ و جلّ: (دارست) فقرأ ابن كثير و أبو عمرو:(دارست)بألف.

و قرأ نافع و عاصم و حمزة و الكسائيّ:

درست ساكنة السّين بغير ألف،و قرأ ابن عامر:

(درست) مفتوحة السّين ساكنة التّاء بغير ألف.

قال أبو زيد:درست أدرس دراسة،و هي القراءة.

قال:و إنّما يقال ذلك إذا قرأت على غيرك.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

وجه من قرأ (دارست) أي دارست أهل الكتاب و ذاكرتهم،و يقوّي ذلك: إِنْ هَذا إِلاّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ الفرقان:4.

فإن قيل:ليس في المصحف ألف،فإنّ الألف قد تحذف في المصحف في نحو هذا،و يقوّي ذلك قوله:

وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً الفرقان:5.

و وجه(درست)في حجّة هذه القراءة:أنّ أبيّا، و ابن مسعود-فيما زعموا-قرءا: (درّس) و أسندا الفعل فيه إلى الغيبة،كما أسندا إلى الخطاب و هو فعل، من:درست،كما أنّ دارست فاعلت منه.

و قراءة ابن عامر (درست) مفتوحة السّين ساكنة التّاء فهو من الدّروس الّذي هو:تعفّي الأثر،و امحاء الرّسم.

قال أبو عبيدة:درست:امّحت.

فأمّا اللاّم في قوله: وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ فعلى ضربين:

من قال:درست،فالمعنى في(ليقولوا)لكراهة أن يقولوا،و لأن لا يقولوا:درست.أي فصّلت الآيات و أحكمت،لئلاّ يقولوا:إنّها أخبار و قد تقدّمت و طال العهد بها،و باد من كان يعرفها،كما قالوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الفرقان:5.

لأنّ تلك الأخبار،لا تخلوا من خلل؛فإذا سلم الكتاب منه لم يكن لطاعن موضع طعن.

و أمّا من قرأ: (دارست) و درست فاللاّم على قولهم كالّتي في قوله: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً القصص:8،و لم يلتقطوه لذلك،كما لم تفصّل الآيات ليقولوا:(درست و دارست)،و لكن لمّا قالوا ذلك أطلق هذا عليه في الاتّساع.(2:196)

أبو زرعة:[ذكر بعض القراءات إلاّ أنّه قال:]

و قرأ أهل المدينة و أهل الكوفة: درست بسكون السّين و فتح التّاء...و حجّتهم قراءة عبد اللّه (و ليقولوا درس)،دلّ على أنّ الفعل له وحده.

(264)

القيسيّ: معنى درست في قراءة من فتح التّاء:تعلّمت و قرأت،و من أسكنها (درست) فمعناه:

انقطعت و امّحت.و من قرأه (دارست) بالألف فمعناه:

دارست أهل الكتاب و دارسوك.(1:282)

ص: 277

الماورديّ: و في الكلام حذف،و تقديره:

و لئلاّ يقولوا:درست،فحذف ذلك إيجازا،كقوله تعالى: يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا النّساء:176،أي لئلاّ تضلّوا.

و في(درست)خمس قراءات،يختلف تأويلها بحسب اختلافها:

إحداهنّ:(درست)بمعنى قرأت و تعلّمت،تقول ذلك قريش للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،قاله ابن عبّاس،و الضّحّاك، و هي قراءة حمزة،و الكسائيّ.

و الثّانية: (دارست) بمعنى ذاكرت و قارأت،قاله مجاهد،و سعيد بن جبير،و مرويّ عن ابن عبّاس، و هي قراءة ابن كثير،و أبي عمرو.

و فيها على هذه القراءة تأويل ثان،أنّها بمعنى خاصمت و جادلت.

و الثّالثة: (درست) بتسكين التّاء،بمعنى انمحت و تقادمت،قاله ابن الزّبير،و الحسن،و هي قراءة ابن عامر.

و الرّابعة: (درست) بضمّ الدّال،لما لم يسمّ فاعله:

تليت و قرئت،قاله قتادة.

و الخامسة: (درس) بمعنى قرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و تلا، و هذا حرف أبيّ بن كعب،و ابن مسعود.(2:153)

نحوه البغويّ.(2:120)،

الطّوسيّ: قرأ ابن كثير و أبو عمرو (دارست) بألف و فتح التّاء،الباقون بلا ألف(درست)بفتح التّاء،إلاّ ابن عامر فإنّه قرأ (درست) بسكون التّاء و فتح السّين،بمعنى انمحت.

و ذكر الأخفش:(درست)،و هو أشدّ مبالغة في الإمحاء.

و قيل:(درست)،على ما لم يسمّ فاعله.و المعاني متقاربة،غير أنّ هذين لم يقرأ بهما أحد من المعروفين.

و في قراءة عبد اللّه (درس) ،أي ليقولوا:درس محمّد.[ثمّ ذكر قول الفارسيّ و أضاف:]

و قال المغربيّ: (درست)معناه:علمت،كما قال:

وَ دَرَسُوا ما فِيهِ الأعراف:168،أي علموه،فعلى هذا يكون اللاّم لام الغرض،كأنّه قال:فعلنا ذلك ليقولوا:علمت.و وجه قراءة ابن عامر أنّه ذهب إلى الدّرس الّذي هو تعفية الأثر و إمحاء الرّسم.

و اللاّم من قوله: وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ على ضربين:

من قال:(درست)بلا ألف،فالمعنى:لكراهة أن يقولوا أو لئلاّ يقولوا:درست،كما قال: يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا النّساء:176،و معناه:لئلاّ تضلّوا و كراهة أن تضلّوا.و المعنى:إنّي فصّلت الآيات و أحكمتها لئلاّ يقولوا:إنّها أخبار قد تقدّمت و طال العهد بها.و باد من كان يعرفها،كما قالوا:«أساطير الأوّلين»لأنّ تلك الأخبار لا تخلوا من خلل فإذا سلم الكتاب منه لم يكن لطاعن موضع طعن.

و الثّاني: لِيَقُولُوا دَرَسْتَ ذلك بحضرتنا،أي ليقرّوا بورود الآية عليهم،فتقوم الحجّة عليهم.[إلى أن قال:]

و قال الحسن و مجاهد و السّدّيّ و ابن عبّاس و سعيد بن جبير:(دارست)،أي ذاكرت أهل الكتابين

ص: 278

و قارأتهم...

و قال قوم: لِيَقُولُوا دَرَسْتَ معناه التّهديد،كما يقول القائل:قل لفلان:يوفّينا حقّنا و ليصنع ما شاء، و قل للنّاس:الحقّ،و ليقولوا:ما شاءوا،أي ذلك لا يضرّك،و لأنّ ضرره يعود عليهم من العقاب و الذّمّ.

(4:246)

نحوه الميبديّ(3:449)،و الطّبرسيّ(2:345).

الواحديّ: و معنى(درست:)قرأت على غيرك،يقال:درست الكتاب أدرسه درسا و دراسة.

[ثمّ ذكر بعض الأقوال و القراءات و قال:]

و من قرأ (دارست) فمعناه:قرأت على اليهود، و قرءوا عليك،و ذاكرتهم حتّى تعلّمت منهم.(2:309)

الزّمخشريّ: و معنى(درست:)قرأت و تعلّمت.و قرئ: (دارست) أي دارست العلماء.

و(درست)بمعنى قدّمت هذه الآيات و عفت،كما قالوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. الأنعام:25،و(درست) بضمّ الرّاء،مبالغة في(درست)أى اشتدّ دروسها.

و(درست)-على البناء للمفعول-بمعنى قرئت أو عفيت.و(دارست.)و فسّروها بدارست اليهود محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم.و جاز الإضمار،لأنّ الشّهرة بالدّراسة كانت لليهود عندهم.

و يجوز أن يكون الفعل للآيات،و هو لأهلها،أي دارس أهل الآيات و حمّلتها محمّدا،و هم أهل الكتاب.

و درس،أي درس محمّد.و(دارسات)على هي دارسات،أي قديمات.أو ذات دروس،كعيشة راضية.

(2:42)

نحوه البيضاويّ(1:325)،و النّسفيّ: (2:27)، و الخازن(2:139)،و الشّربينيّ(1:443)، و أبو السّعود(2:425).

ابن عطيّة: و قرأ نافع و عاصم و حمزة و الكسائيّ درست، أي يا محمّد درست في الكتب القديمة ما تجيبنا به.

و قرأ ابن كثير و أبو عمرو (دارست) ،أي أنت يا محمّد دارست غيرك في هذه الأشياء،أي قارأته و ناظرته،و هذا إشارة منهم إلى سلمان و غيره من الأعاجم و اليهود.

و قرأ ابن عامر و جماعة من غير السّبعة: (درست) بإسناد الفعل إلى الآيات،كأنّهم أشاروا إلى أنّها تردّدت أسماعهم حتّى بليت في نفوسهم و امّحت...

و قرأت فرقة (دارست) كأنّهم أرادوا دراستك يا محمّد،أي الجماعة المشار إليها قبل من سلمان و اليهود و غيرهم.

و قرأت فرقة (درست) بضمّ الرّاء و كأنّها في معنى«درست»أي بليت.

و قرأ قتادة: (درست) بضمّ الدّال و كسر الرّاء، و هي قراءة ابن عبّاس بخلاف عنه،و رويت عن الحسن،قال أبو الفتح في (درست) ضمير الآيات.

و يحتمل أن يراد عفيت و تنوسيت.

و قرأ أبيّ بن كعب (درس) ،و هي في مصحف عبد اللّه.قال المهدويّ:و في بعض مصاحف عبد اللّه أيضا:(درس)،و رويت عن الحسن.

و قرأت فرقة: (درّس) بتشديد الرّاء،على

ص: 279

المبالغة في(درس).

و هذه الثّلاثة الأخيرة مخالفة لخطّ المصحف.

(2:331)

نحوه الثّعالبيّ(1:505)،و ابن الجوزيّ(3:101) و ملخّصا العكبريّ(1:528).

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا تمّم الكلام في الإلهيّات إلى هذا الموضع،شرع من هذا الموضع في إثبات النّبوّات،فبدأ تعالى بحكاية شبهات المنكرين لنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

فالشّبهة الأولى:قولهم:يا محمّد إنّ هذا القرآن الّذي جئتنا به كلام تستفيده من مدارسة العلماء و مباحثة الفضلاء،و تنظّمه من عند نفسك،ثمّ تقرأه علينا،و تزعم أنّه وحي نزل عليك من اللّه تعالى.ثمّ إنّه تعالى أجاب عنه بالوجوه الكثيرة.[ثمّ نقل الأقوال و القراءات،و له بعد هذا كلام،راجع:«ق و ل»]

(13:134)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(7:184)

القرطبيّ: وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ الواو للعطف مضمر،أي نصرّف الآيات لتقوم الحجّة،و ليقولوا:

درست.

و قيل:أي و ليقولوا:درست صرّفناها،فهي لام الصّيرورة.

و قال الزّجّاج:هذا كما تقول:كتب فلان هذا الكتاب لحتفه،أي آل أمره إلى ذلك و كذا لما صرّفت الآيات،آل أمرهم إلى أن قالوا:درست و تعلّمت من جبر و يسار،و كانا غلامين نصرانيّين بمكّة،فقال أهل مكّة:إنّما يتعلّم منهما.

قال النّحّاس:و في المعنى قول آخر حسن،و هو أن يكون معنى نُصَرِّفُ الْآياتِ نأتي بها آية بعد آية، ليقولوا:درست علينا،فيذكرون (1)الأوّل بالآخر، فهذا حقيقة،و الّذي قاله أبو إسحاق مجاز.

و في(درست)سبع قراءات.[فذكر القراءات نحو ابن عطيّة بتفاوت يسير](7:58)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة،إلاّ أنّه قال:]

و قرأ قتادة و الحسن و زيد بن عليّ (درست) مبنيّا للمفعول،و فيه ضمير الآيات غائبا،و هي قراءة ابن عبّاس بخلاف عنه.قال أبو الفتح:و يحتمل أن يراد عفيت أو تليت،و كذا قال الزّمخشريّ،قال:بمعنى قرئت أو عفيت.أمّا بمعنى قرئت فظاهر،لأنّ«درس» بمعنى كرّر القراءة،متعدّ.و أمّا«درس»بمعنى بلي و امّحى،فلا أحفظه متعدّيا،و ما وجدناه في أشعار من وقفنا على شعره من العرب إلاّ لازما.

و قرأ أبيّ: (درس) ،أي محمّد أو الكتاب،و هي مصحف عبد اللّه.

و روي عن الحسن:(درسن)مبنيّا للفاعل، مسندا إلى النّون،أي درس الآيات،و كذا هي في بعض مصاحف عبد اللّه.

و قرأت فرقة (درّسن) بتشديد الرّاء مبالغة في (درسن).

و قرئ (دارسات) أي هي قديمات أو ذاتن.

ص: 280


1- في الهامش:فيلحقون.

درس كعيشة راضية،فهذه ثلاث عشرة قراءة في هذه الكلمة.(4:197)

نحوه مفصّلا السّمين.(3:150)

ابن كثير :[اكتفى بنقل القراءات](3:76)

البروسويّ: وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ علّة لمحذوف، و اللاّم للعاقبة.و الدّرس:القراءة و التّعلّم،أي و ليقولوا في عاقبة أمرهم:درست صرّفنا،أي قرأت و تعلّمت من غيرك،نحو سيّار و جبير كانا عبدين لقريش من سبي الرّوم.كان قريش يقولون له عليه السّلام:

إنّك تتعلّم هذه الأخبار منهما ثمّ تقرأ علينا على زعم أنّها من عند اللّه.(3:82)

الآلوسيّ: وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ علّة لفعل قد حذف تعويلا على دلالة السّياق عليه،أي و ليقولوا:

درست نفعل ما نفعل من التّصريف المذكور.و بعضهم قدّر الفعل ماضيا،و الأمر في ذلك سهل.[إلى أن قال:]

و أصله-على ما قال الأصمعيّ-من قولهم:

درس الطّعام يدرسه دراسا،إذا داسه،كأنّ التّالي يدوس الكلام فيخفّ على لسانه.

و قال أبو الهيثم:يقال:درست الكتاب،أي ذلّلته بكثرة القراءة حتّى خفّ حفظه،من قولهم:درست الثّوب أدرسه درسا فهو مدروس و دريس،أي أخلقته.و منه قيل للثّوب الخلق:دريس،لأنّه قد لان؛ و الدّرسة:الرّياضة.و منه درست السّورة حتّى حفظتها.و هذا-كما قال الواحديّ-قريب ممّا قاله الأصمعيّ،أو هو نفسه،لأنّ المعنى يعود فيه إلى التّذليل و التّليين.

و قال الرّاغب:يقال:درس الدّار،أي بقي أثره، و بقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه،فلذلك فسّر الدّروس بالانمحاء،و كذا درس الكتاب،و درست العلم:تناولت أثره بالحفظ.و لمّا كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبّر عن إدامة القراءة بالدّرس.و هو بعيد عمّا تقدّم،كما لا يخفى.[ثمّ ذكر القراءات كما سبق إلاّ أنّه أضاف:]

و نسبت إلى ابن زيد:(و ادّارست)مشدّدا معلوما،و نسبت إلى ابن عبّاس...(7:249)

عزّة دروزة :في الآية تقرير ربّانيّ،بأنّ اللّه تعالى يصرّف الآيات القرآنيّة،و يقلّب فيها وجوه الكلام تبيانا للنّاس الّذين يحبّون أن يعلموا و يتبيّنوا الأمور، حتّى يقولوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:قد قرأت و كرّرت و بلّغت و بيّنت كلّ شيء،و على النّبيّ بعد ذلك أن يتّبع ما يوحى إليه من ربّه الّذي لا إله إلاّ هو،و أن يلتزم الحدود المرسومة له،و أن لا يبالي بالمشركين إذا أصرّوا على شركهم.فلو شاء اللّه ما أشركوا،لأنّ في قدرته إجبارهم على الهدى،و إنّما تركهم لاختيارهم،ليظهر الطّيّب من الخبيث،و سليم القلب الرّاغب في الهدى من سيّئ النّيّة المتعمّد المكابرة و التّكذيب.و لم يجعله اللّه مسيطرا عليهم و لا مسئولا عنهم...

و لقد قال المفسّرون في تأويل جملة وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ أقوالا عديدة:منها:أنّها حكاية لقول الكفّار الّذين كانوا يقولون للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّه درس ما يتلوه عليهم،و تلقّاه من الكتابيّين.

و منها:أنّها بمعنى:لكيلا يقولوا درست ما تتلوه من

ص: 281

طريق الكتابيّين.

و منها أنّ حرف السّين في الكلمة مفتوح بمعنى:

إنّما تتلوه شيء قديم دارس من أساطير الأوّلين.

و نحن غير مطمئنّين لهذه الأقوال،و نرجو أن يكون في التّأويل الّذي أوّلناه الوجاهة و الصّواب.

(4:200)

و اكتفى كلّ من القاسميّ(6:2456)،و رشيد رضا (7:659)،و المراغيّ(7:208)،،و غيرهم بنقل بعض الأقوال و القراءات فراجع.

الطّباطبائيّ: و قرئ (دارست) بالخطاب.

و(درست)بالتّأنيث و الغيبة...

و قوله:(درست)من الدّرس،و هو التّعلّم و التّعليم من طريق التّلاوة.و على هذا المعنى قراءة (دارست) ،غير أنّ زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني.و أمّا قراءة (درست) بالتّأنيث و الغيبة،فهو من الدّروس،بمعنى تعفّي الأثر،أي اندرست هذه الأقوال،كقولهم: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الأنعام:25.

و المعنى:على هذا المثال:نصرّف الآيات و نحوّلها بيانا لغايات كثيرة،و منها:أن يستكمل هؤلاء الأشقياء شقوتهم،فيتّهموك يا محمّد بأنّك تعلّمتها من بعض أهل الكتاب،أو يقولوا:اندرست هذه الأقاويل و انقرض عهدها،و لا نفع فيها اليوم.(7:303)

المصطفويّ: أي ليقولوا:إنّ هذا التّصريف و التّسلّط التّامّ في نتيجة الدّراسة و كثرة المزاولة.

(3:200)

مكارم الشّيرازيّ: الآية تؤكّد أنّ اتّخاذ القرار النّهائيّ في اختيار طريق الحقّ أو الباطل إنّما يرجع للنّاس أنفسهم،و تقول: وَ كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ أي كذلك نبيّن الأدلّة و البراهين بصور و أشكال متنوّعة.

لكنّ جمعا عارضوا،و قالوا-دونما دليل و برهان- إنّك تلقّيت هذا من الآخرين-أي اليهود و النّصارى- وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ.

إلاّ أنّ جمعا آخر ممّن لهم الاستعداد لتقبّل الحقّ لما لهم من بصيرة و فهم و علم،يرون وجه الحقيقة و يقبلونها وَ لِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

إنّ اتّهام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأنّه اقتبس تعاليمه من اليهود و النّصارى قد تكرّر من جانب المشركين،و ما يزال المعارضون المعاندون يتابعونهم في ذلك،مع أنّ حياة الجزيرة العربيّة لم تكن فيها مدرسة و لا درس ليتعلّم منها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شيئا،كما أنّ رحلاته إلى خارج الجزيرة كانت قصيرة لا تدع مجالا لمثل هذا الاحتمال.ثمّ إنّ معلومات اليهود و المسيحيّين الّذين كانوا يسكنون الحجاز كانت درجة من التّفاهة و تسطير الخرافات؛بحيث لا يمكن-أصلا-مقارنتها بما في القرآن،و لا بتعاليم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،و سنشرح هذا الموضوع إن شاء اللّه عند تفسير الآية:103،من سورة النّحل.(4:388)

جعفر شرف الدّين:و قد قرئت:(دارست)، و المعنى كما قالوا:درست كتب أهل الكتاب؛و أمّا (دارست) أي ذاكرتهم.و قرئ: (درست) و (درست) ،أي هذه أخبار قد عفت و امّحت.

ص: 282

أقول:و هذه القراءة الأخيرة لا تعدل قوّة القراءة الأولى و وضوحها،الّتي اتّفق أكثر القرّاء و أهل العلم عليها.

و قرئ: (درست) أي قرئت و تليت.

و المصدر في هذا الفعل بمعنى القراءة:الدّرس كالمصدر في«درس»بمعنى«عفا و امّحى».أمّا الدّراسة بمعنى القراءة،فهي خاصّة بهذه الدّلالة.

و الدّرس بمعنى القراءة من الأصول القديمة في مجموعة اللّغات السّاميّة،و من المعلوم أنّ«المدراش»عند العبرانيّين هو البيت الّذي يدرسون فيه،نظير «المدرسة»في العربيّة الّتي استحدثت للمكان في العصور الإسلاميّة.

و دلالة الدّرس على القراءة لها شواهد من كلام اللّه العزيز،كقوله: أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ القلم:37، وَ ما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها سبأ:

44.(3:51)

الشّيخ جلال الحنفيّ: من الاتّهامات الملقاة على عواهنها ما كان يرجّم به المشركون و كفرة القوم ترجيما.في ادّعاء أمور يلحقونها بالنّبيّ و يصفونه بها.

و قد مرّ بنا أن سمعناهم يتّهمونه بالكهانة و السّحر و الشّعر و الجنّة،ممّا لو طولبوا عليه بالدّليل لما كان في يدهم من دليل.و كان الاستهزاء و السّخريّة من بعض ما لجئوا إليه في معاملة الرّسول الأعظم،و هما ممّا لا يكون مع المتشبّث بشيء منهما حجّة يقبلها المنطق، في النّزاعات العقائديّة و الفكريّة و العلميّة و غير ذلك.

و قول القوم من خصوم النّبيّ:إنّه درس،قول ملقى على عواهنه و قد حدّدوا في بعض مقولاتهم هذه جهة التّدريس و التّعليم.

إنّ قولهم:«درست»من الأقوال الفارغة من المحتوى،فالّذين درسوا كثيرون،و ما كانت الدّراسة لدارسي العلوم سبيلا إلى إقامة ديانات و أخلاقيّات تصل إلى كلّ رجا من أرجاء الأرض،و مكان من أماكن العالم...

و قد وجد النّصّ القرآنيّ ينصرف إلى الّذين يعلمون مبيّنا لهم،حقيقة هذه الآيات المبيّنة لهم من غير أن يأبه لتلك الإلصاقات المزعومة الّتي مرّت في الحيّز الجدليّ كالفقاعات الفارغة،و لو كان وراء مثل ذلك من ممسك و حجّة و صحّة في الادّعاء للجّوا فيها و أطالوا القول،و لضايقوا الرّسول بمقالات مماثلة لو صحّت لكان عليها أكثر من شاهد.و لكن شيئا من ذلك لم يكن أصلا،و قد تحدّاهم النّبيّ بقوله: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ يونس:16.

(355)

يدرسونها

وَ ما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَ ما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ. سبأ:44

ابن عبّاس: يقرءون فيها ما يقولون.(363)

السّدّيّ: لم يكن عندهم كتاب يدرسونه، فيعلمون أنّ ما جئت به حقّ أم باطل.(391)

ابن زيد :فيعلمون أنّ للّه تعالى شريكا على ما زعموه.(الماورديّ 4:455)

ص: 283

الماورديّ: يعني مشركي قريش ما أنزل اللّه تعالى عليهم كتابا قطّ يدرسونه.و فيه وجهان:[ثمّ ذكر قول السّدّيّ و ابن زيد.](4:455)

القشيريّ: وَ ما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها الإشارة من هذا إلى أهل الغفلة،يعارضون أصحاب القلوب فيما يجري من الأمور،بما تشوّش إليهم نفوسهم،و يخطر ببالهم من هواجسهم عن مقتضى تفرقة قلوبهم-على قياس ما يقع لهم-من غير استناد إلى إلهام،أو اعتماد على تقدير من اللّه و إفهام.

و أهل الحقائق-الّذين هم لسان الوقت-إذا قالوا شيئا أو أطلقوا حديثا،فلو طولبوا بإقامة البرهان عليه لم يمكنهم،لأنّ الّذي يتكلّم عن الفراسة أو عن الإلهام أو كان مستنطقا،فليس يمكن لهؤلاء إقامة الحجّة على أقوالهم.و أصحاب الغفلة ليس لهم إيمان بذلك،فإذا سمعوا شيئا منه عارضوهم فيهلكون، فسبيل هؤلاء الأكابر عند ذلك أن يسكتوا،ثمّ الأيّام تجيب أولئك.(5:187)

الزّمخشريّ: و ما آتيناهم كتبا يدرسونها،فيها برهان على صحّة الشّرك.(3:293)

نحوه البيضاويّ(2:264)،و النّسفيّ(3:329).

ابن عطيّة: معنى هذه الآية أنّهم يقولون بآرائهم في كتاب اللّه،فيقول بعضهم:سحر،و بعضهم:افتراء؛ و ذلك منهم تصوّر لا يستندون فيه إلى إثارة علم، و لا إلى خبر من يقبل خبره،فإنّا ما آتيناهم كتبا يدرسونها،و لا أرسلنا إليهم نذيرا فيمكنهم أن يدّعوا أنّ أقوالهم تستند إلى أمره.و قرأ جمهور النّاس (يدرسونها)بسكون الدّال،و قرأ أبو حيوة (يدّرسونها) بفتح الدّال و شدّها و كسر الرّاء.

(4:425)

الطّبرسيّ: (يدرسونها)يجوز أن يكون في محلّ جرّ صفة ل(كتب.)و يجوز أن يكون في محلّ نصب على موضع الجارّ و المجرور،لأنّ المعنى:و ما آتيناهم كتبا مدرسة.[إلى أن قال:]

أي:و ما أعطينا مشركي قريش كتابا قطّ يدرسونه،فيعلمون بدرسه أنّ ما جئت به حقّ أو باطل،و إنّما يكذّبونك بهواهم من غير حجّة.

(4:395)

الفخر الرّازيّ: يعني غير القرآن ما آتيناهم كتابا و ما أرسلنا إليهم قبلك من نذير،فلمّا كان المؤتى في الآية الأولى هو الكتاب،فحمل الإيتاء في الآية الثّانية على إيتاء الكتاب أولى.(25:267)

القرطبيّ: أي لم يقرءوا في كتاب أوتوه بطلان ما جئت به،و لا سمعوه من رسول بعث إليهم،كما قال:

أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ الزّخرف:21،فليس لتكذيبهم وجه يتشبّث به و لا شبهة متعلّق،كما يقول أهل الكتاب و إن كانوا مبطلين:نحن أهل كتاب و شرائع،و مستندون إلى رسل من رسل اللّه.(14:310)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة،إلاّ أنّه قال:]

و قرأ الجمهور(يدرسونها،)مضارع«درس» مخفّفا،و أبو حيوة:بفتح الدّال و شدّها و كسر الرّاء، مضارع«ادّرس»،«افتعل»من الدّرس،و معناه:

ص: 284

تتدارسونها.و عن أبي حيوة أيضا:(يدرسونها)من التّدريس،و هو تكرير الدّرس،أو من درس الكتاب مخفّفا،و درّس الكتاب مشدّدا التّضعيف باعتبار الجمع.(7:289)

نحوه السّمين.(5:452)

الشّربينيّ: أي يجدّدون دراستها كلّ حين،فيها دليل على صحّة الإشراك.(3:306)

أبو السّعود :فيها[كتب]دليل على صحّة الإشراك،كما في قوله تعالى: أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ الرّوم:35،و قوله تعالى: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ الزّخرف:21.(5:265)

نحوه البروسويّ.(7:305)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ أضاف:]

و إلى هذا ذهب ابن زيد.و قال السّدّيّ: المعنى ما آتيناهم كتبا يدرسونها فيعلموا بدراستها بطلان ما جئت به.و يرجع إلى الأوّل.و المقصود نفي أن يكون لهم دليل على صحّة ما هم عليه من الشّرك.

(22:153)

فضل اللّه :تشكّل لهم ضمانة فكريّة تميّز بين الحقّ و الباطل،ليحكموا على الأشياء من موقع العمق الّذي يوازن بين الأمور.(19:61)

مكارم الشّيرازيّ: و هي إشارة إلى أنّ هذه الادّعاءات يمكنها أن تكون مقبولة فيما لو جاءهم رسول من قبل بكتاب سماويّ،يخالف مضمونه الدّعوة الجديدة،فلا بأس أن ينبروا لتكذيبها،و ينادوا بتراث الأجداد تارة،و بتكذيب الدّعوة الجديدة تارة أخرى،أو اتّهام من جاء بها بالسّحر.أمّا من لا يعتمد إلاّ على فكره الشّخصيّ-بدون أيّ وحي من السّماء-و بدون أن يكون له نصيب من علم،فلا يحقّ له الحكم لمجرّد تلفيقه الخرافات و الأوهام.

و يستفاد من هذه الآية أيضا أنّ الإنسان لا يمكنه أن يطوي طريق الحياة بعقله فقط،بل لا بدّ أن يستمدّ المعونة من وحي السّماء و يتقدّم إلى الأمام بالاستعانة بالشّرائع،و إلاّ فهي الظّلمات و الخوف من التّيه.

(13:436)

تدرسون

1- وَ لكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ. آل عمران:79

ابن عبّاس: تقرءون من الكتاب.(50)

الطّبريّ: و دراستهم إيّاه[كتاب ربّهم]:تلاوته، و قد قيل:دراستهم الفقه.

و أشبه التّأويلين بالدّراسة ما قلنا:من تلاوة الكتاب،لأنّه عطف على قوله:(تعلمون الكتاب،) و الكتاب:هو القرآن،فلأن تكون الدّراسة معنيّا بها دراسة القرآن أولى من أن تكون معنيّا بها دراسة الفقه الّذي لم يجر له ذكر...

قال،أبو زكريّا:كان عاصم يقرؤها بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ قال:القرآن وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ قال:الفقه.

فمعنى الآية:و لكن يقول لهم:كونوا أيّها النّاس،

ص: 285

سادة النّاس،و قادتهم في أمر دينهم و دنياهم، (ربانيين)بتعليمكم إيّاهم كتاب اللّه،و ما فيه من حلال و حرام،و فرض و ندب،و سائر ما حواه من معاني أمور دينهم،و بتلاوتكم إيّاه و دراستكموه.

(3:326)

نحوه الطّوسيّ(2:511)،و الطّبرسيّ(1:466) و الفخر الرّازيّ(8:119)

الزّمخشريّ: تقرءون.و قرئ (تدرّسون) من التّدريس.و (تدرسون) على أنّ«أدرس»بمعنى درّس كأكرم و كرّم و أنزل و نزّل.و(تدرّسون)من التّدرّس.و يجوز أن يكون معناه و معنى(تدرسون) بالتّخفيف:تدرسونه على النّاس،كقوله: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ الإسراء:106،فيكون معناهما معنى (تدرّسون)من التّدريس.

و فيه أنّ من علم و درس العلم و لم يعمل به، فليس من اللّه في شيء،و أنّ السّبب بينه و بين ربّه منقطع؛حيث لم يثبت النّسبة إليه إلاّ للمتمسّكين بطاعته.(1:440)

نحوه الآلوسيّ(3:208)،و ملخّصا القرطبيّ(4:

123)،و أبو السّعود(1:385).

ابن عطيّة: و قرأ جمهور النّاس(تدرسون) بضمّ الرّاء،من درس،إذا أدمن قراءة الكتاب و كرّره.

و قرأ أبو حيوة:تدرسون بكسر الرّاء،و هذا على أنّه يقال في مضارع درس:يدرس و يدرس.و روي عن أبي حيوة أنّه قرأ (تدرّسون) بضمّ التّاء و كسر الرّاء و شدّها بمعنى:تدرّسون غيركم.(1:463)

نحوه ابن الجوزيّ(1:414)و العكبريّ(1:274).

النّسفيّ: أي تقرءون،و المعنى:بسبب كونكم عالمين و بسبب كونكم دارسين للعلم،كانت الرّبّانيّة الّتي هي قوّة التّمسّك بطاعة اللّه مسبّبة عن العلم و الدّراسة،و كفى به دليلا على خيبة سعي من جهد نفسه و كدّ روحه في جمع العلم،ثمّ لم يجعله ذريعة إلى العمل،فكان كمن غرس شجرة حسناء تؤنقه بمظهرها و لا تنفعه بثمرها.

و قيل:معنى(تدرسون)تدرّسونه على النّاس، كقوله: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكْثٍ فيكون معناه معنى(تدرّسون)من التّدريس،كقراءة ابن جبير.

(1:166)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال في قراءة (تدرّسون) :]

و يحتمل أن يكون التّضعيف للتّكثير لا للتّعدية.

(2:506)

السّمين:و العامّة على(تدرسون)بفتح التّاء و ضمّ الرّاء من الدّرس،و هو مناسب ل(تعلمون)من «علم»ثلاثيّا.قال بعضهم:كان حقّ من قرأ (تعلمون)بالتّشديد،أن يقرأ (تدرّسون) بالتّشديد، و ليس بلازم؛إذ المعنى:كنتم تعلّمون غيركم ثمّ صرتم تدرسون،و بما كنتم تدرسونه عليهم،أي تتلونه عليهم،كقوله تعالى: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ.

و قرأ أبو حيوة في إحدى الرّوايتين عنه (تدرسون) بكسر الرّاء،و هي لغة ضعيفة.يقال:درس العلم يدرسه،بكسر العين في المضارع،و هما لغتان في

ص: 286

مضارع«درس».و قرأ هو أيضا في رواية (تدرّسون) من درّس بالتّشديد.و فيه وجهان:أحدهما:أن يكون التّضعيف فيه للتّكثير،فيكون موافقا لقراءة (تعلمون) بالتّخفيف.و الثّاني:أنّ التّضعيف للتّعدية و يكون المفعولان محذوفين لفهم المعنى،و التّقدير:تدرّسون غيركم العلم،أي تحملونهم على الدّرس.

و قرئ: (تدرسون) من أدرس،ك«تكرمون» من أكرم،على أنّ أفعل بمعنى فعّل بالتّشديد،فأدرس و درّس واحد كأكرم و كرّم و أنزل و نزّل.

و الدّرس:التّكرار و الإدمان على الشّيء،و منه:

درس زيد الكتاب و القرآن يدرسه و يدرسه،أي كرّر عليه.و يقال:درست الكتاب،أي تناولت أثره بالحفظ.

و لمّا كان ذلك بمداومة القرآن عبّر عن إدامة القرآن بالدّرس،و درس المنزل:ذهب أثره و طلل عاف و دارس بمعنى.(2:148)

ابن عاشور :معناه تقرءون،أي قراءة بإعادة و تكرير،لأنّ مادّة«درس»في كلام العرب تحوم حول معاني التّأثّر من تكرّر عمل يعمل في أمثاله،فمنه قولهم:درست الرّيح رسم الدّار،إذا عفته و أبلته،فهو دارس.يقال:منزل دارس،و الطّريق الدّارس:العافي الّذي لا يتبيّن،و ثوب دارس خلق.و قالوا:درس الكتاب،إذا قرأه بتمهّل لحفظه،أو للتّدبّر.و في الحديث:«ما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللّه يتلون كتاب اللّه و يتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السّكينة...»رواه التّرمذيّ،فعطف التّدارس على القراءة،فعلم أنّ الدّراسة أخصّ من القراءة.

و سمّوا بيت قراءة اليهود مدراسا،كما في الحديث:

«إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم خرج في طائفة من أصحابه حتّى أتى مدراس اليهود فقرأ عليهم القرآن و دعاهم...و مادّة «درس»تستلزم التّمكّن من المفعول،فلذلك صار درس الكتاب،مجازا في فهمه و إتقانه،و لذلك عطف في هذه الآية وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ على بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ.

و فعله من باب«نصر»،و مصدره في غالب معانيه الدّرس،و مصدر درس بمعنى قرأ يجيء على الأصل درسا،و منه سمّي تعليم العلم درسا.

و يجيء على وزن«الفعالة»دراسة،و هي زنة تدلّ على معالجة الفعل،مثل الكتابة و القراءة،إلحاقا لذلك بمصادر الصّناعات كالتّجارة و الخياطة.

(3:140)

الطّباطبائيّ: الدّراسة أخصّ من التّعليم،فإنّه يستعمل غالبا فيما يتعلّم عن الكتاب بقراءته.[إلى أن قال:]

و محصّل الكلام أنّ البشر الّذي هذا شأنه إنّما يدعوكم إلى التّلبّس بالإيمان و اليقين،بما في الكتاب الّذي تعلّمونه و تدرسونه من أصول المعارف الإلهيّة، و الاتّصاف و التّحقّق بالملكات و الأخلاق الفاضلة الّتي يشتمل عليها،و العمل بالصّالحات الّتي تدعون النّاس إليها،حتّى تنقطعوا بذلك إلى ربّكم،و تكونوا به علماء ربّانيّين.(3:276)

لاحظ:ع ل م:«تعلّمون».

ص: 287

2- أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ* إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ القلم:37،38

ابن عبّاس: تقرءون.(482)

مثله أكثر التّفاسير.

ابن زيد :فيه الّذي تقولون تقرءونه:تدرسونه، [و قرأ]: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ...

فاطر:40.(الطّبريّ 12:196)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره للمشركين به من قريش:أ لكم أيّها القوم-بتسويتكم بين المسلمين و المجرمين في كرامة اللّه-كتاب نزل من عند اللّه، أتاكم به رسول من رسله بأنّ لكم ما تخيّرون،فأنتم تدرسون فيه ما تقولون؟(12:196)

الطّوسيّ: معناه:أ لكم كتاب تدرسون فيه خلاف ما قد قامت عليكم الحجّة به فأنتم متمسّكون به و لا تلتفتون إلى خلافه؟!و ليس الأمر على ذلك، فإذ قد عدمتم الثّقة بما أنتم عليه،و في هذا عليكم أكبر الحجّة و أوكد الموعظة،لأنّ الكتاب الّذي تقوم به الحجّة حتّى لا يجوز خلافه إلى أن تقوم السّاعة،هو الّذي تشهد له المعجزة من غير إجازة نسخ له في حال ثانية،و هو القرآن الّذي فيه معنى الإعجاز من غير نسخ له فيما بعد في باقي الزّمان.(10:85)

نحوه الطّبرسيّ.(5:338)

القشيريّ: كيف تحكمون؟هل لديكم حجّة؟أم لكم كتاب فيه تدرسون؟أم لكم منّا عهود فيها تحكمون؟و المقصود من هذه الأسئلة نفي ذلك.

(6:189)

الزّمخشريّ: (تدرسون)في ذلك الكتاب أنّ ما تختارونه و تشتهونه لكم،كقوله تعالى: أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ* فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ... الصّافّات:156، 157،و الأصل«تدرسون أنّ لكم ما تخيّرون»بفتح (أنّ)لأنّه مدروس،فلمّا جاءت اللاّم كسرت.

و يجوز أن تكون حكاية للمدروس،كما هو كقوله: وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ الصّافّات:78،79.(4:146)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:92)،و النّسفيّ(4:

283)،و أبو السّعود(6:289)،و الشّوكانيّ(5:335).

ابن عطيّة: أي تدرسون في الكتاب أنّ لكم ما تختارون من النّعيم.(5:351)

القرطبيّ: أي أ لكم كتاب تجدون فيه المطيع كالعاصي.(18:246)

أبو حيّان :(ام لكم)أي بل أ لكم؟كتاب،أي من عند اللّه،(تدرسون)أنّ ما تختارونه يكون لكم.

[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](8:315)

السّمين:قوله: إِنَّ لَكُمْ فِيهِ العامّة على كسر الهمزة.و فيها ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّها معمولة ل(تدرسون،)أي تدرسون في الكتاب أنّ لكم ما تختارونه،فلمّا دخلت اللاّم كسرت الهمزة.

و الثّاني:أن يكون على الحكاية للمدروس،كما هو قوله: وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ الصّافّات:78،79،قالهما الزّمخشريّ،و في الفرق بين الوجهين عسر.

ص: 288

و الثّالث:أنّها على الاستئناف على معنى:إن كان لكم كتاب فلكم فيه متخيّر.

و قرأ طلحة و الضّحّاك: (انّ لكم) بفتح الهمزة، و هو منصوب ب(تدرسون،)إلاّ أنّ فيه زيادة لام التّأكيد،و هي نظير قراءة (الاّ انّهم ليأكلون) بالفتح.

و قرأ الأعرج:(أ انّ لكم)في الموضعين بالاستفهام.

(6:357)

الآلوسيّ: أَمْ لَكُمْ كِتابٌ نازل من السّماء (فيه،)أي في الكتاب،و الجارّ متعلّق بقوله تعالى:

(تدرسون)أي تقرءون فيه و الجملة صفة(كتاب.) و جوّز أن يكون(فيه)متعلّقا بمتعلّق الخبر،أو هو الصّفة،و الضّمير للحكم أو الأمر،و(تدرسون) مستأنف أو حال من ضمير الخطاب.و قوله تعالى:

إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ مفعول(تدرسون)إذ هو المدروس،فهو واقع موقع المفرد،و أصله:«أنّ لكم فيه ما تخيّرون»بفتح همزة«أنّ»و ترك اللاّم في خبرها،فلمّا جيء ب«اللاّم»كسرت الهمزة و علّق الفعل عن العمل.و من هنا قيل:إنّه لا بدّ من تضمين (تدرسون)معنى العلم،ليجري فيه العمل في الجمل و التّعليق.

و جوّز أن يكون هذا حكاية للمدروس كما هو عليه،فيكون بعينه لفظ الكتاب من غير تحويل من الفتح للكسر.و ضمير(فيه)على الأوّل للكتاب، و أعيد للتّأكيد،و على هذا يعود لأمرهم أو للحكم، فيكون محصّل ما خطّ في الكتاب أنّ الحكم أو الأمر مفوّض لهم،فسقط قول صاحب التّقريب أنّ لفظ (فيه)لا يساعده للاستغناء ب(فيه)أوّلا من غير حاجة إلى جعل ضمير(فيه)ليوم القيامة بقرينة المقام،أو للمكان المدلول عليه بقوله تعالى: عِنْدَ رَبِّهِمْ القلم:34،و على الاستئناف هو للحكم أيضا.

و جوّز الوقف على(تدرسون)على أنّ قوله تعالى:(ان لكم...)استئناف،على معنى إن كان لكم كتاب فلكم فيه ما تتخيّرون.و هو كما ترى.

و الظّاهر أنّ(ام لكم...)مقابل لما قبله،نظرا لحاصل المعنى؛إذ محصّله أفسد عقلكم حتّى حكمتكم بهذا،أم جاءكم كتاب فيه تخييركم و تفويض الأمر إليكم.

و قرأ طلحة و الضّحّاك: (انّ لكم) بفتح الهمزة، و اللاّم في(لما)زائدة،كقراءة من قرأ: (الا انّهم ليأكلون الطّعام) الفرقان:20،بفتح همزة(انّهم.)و قرأ الأعرج: (أ انّ لكم) بالاستفهام على الاستئناف.

(29:33)

المراغيّ: (ام لكم...)أي أ فبأيديكم كتاب نزل من السّماء تدرسونه و تتداولونه،ينقله الخلف عن السّلف،يتضمّن حكما مؤكّدا كما تدّعون:أنّ لكم ما تختارون و تشتهون،و أنّ الأمر مفوّض إليكم لا إلى غيركم؟[إلى أن قال:]

و قصارى هذا الحجاج نفى جميع ما يمكن أن يتعلّقوا به في تحقيق دعواهم،فنبّه أوّلا إلى نفي الدّليل العقليّ بقوله:(ما لكم كيف تحكمون)،ثمّ إلى نفي الدّليل النّقليّ بقوله: أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ،

ص: 289

ثمّ إلى نفي الوعد بذلك-و وعد الكريم دين عليه- بقوله: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا، ثمّ إلى نفي التّقليد الّذي هو أوهن من حبال القمر،بقوله: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ.

(29:41،42)

ابن عاشور :و«في»للتّعليل أو الظّرفية المجازيّة، كما تقول:ورد كتاب في الأمر بكذا أو في النّهي عن كذا،فيكون(فيه)ظرفا مستقرّا صفة ل(كتاب.) و يجوز أن يكون الضّمير عائدا إلى(كتاب)و يتعلّق المجرور بفعل(تدرسون)جعلت الدّراسة العميقة بمزيد التّبصّر في ما يتضمّنه الكتاب بمنزلة الشّيء المظروف في الكتاب،كما تقول:لنا درس في كتاب سيبويه.

و في هذا إدماج بالتّعريض بأنّهم أمّيّون ليسوا أهل كتاب،و أنّهم لمّا جاءهم كتاب لهديهم و إلحاقهم بالأمم ذات الكتاب،كفروا نعمته و كذّبوه.قال تعالى:

لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ الأنبياء:10،و قال: أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ الأنعام:157.

و جملة إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ في موضع مفعول(تدرسون)على أنّها محكيّ لفظها،أي تدرسون هذه العبارة،كما جاء قوله تعالى: وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ الصّافّات:78،79،أي تدرسون جملة إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ.

و يكون(فيه)توكيدا لفظيّا لنظيرها من قوله:

فِيهِ تَدْرُسُونَ قصد من إعادتها مزيد ربط الجملة بالّتي قبلها،كما أعيدت كلمة(من)في قوله تعالى:

وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً النّحل:67،و أصله:تتّخذون سكرا.(29:87)

مغنيّة:هل عندكم كتاب من السّماء أو من الأرض تقرءون فيه:أنّ لكم في الدّنيا ما تحبّون،و في الآخرة عند اللّه ما تشتهون؟و يصدق هذا الوصف على اليهود و النّصارى: وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ المائدة:18،،إلاّ أنّ المقصود بالآية الّتي نفسّرها عتاة قريش،مع العلم أنّهم لم يدّعوا وجود هذا الكتاب،و لكنّ القصد من الخطاب إفهامهم و أنّه لا دليل و ما يشبه الدّليل على أنّهم مع المتّقين و أنّ لهم ما يتخيّرون.و تقدّم مثله في الآية:40،من سورة فاطر،و الآية:21،من سورة الزّخرف.(7:395)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ... إشارة إلى انتفاء الحجّة على حكمهم بالتّساوي من جهة السّمع،كما أنّ الآية السّابقة كانت إشارة إلى انتفائها من جهة العقل.

و المراد ب«الكتاب»:الكتاب السّماويّ النّازل من عند اللّه و هو حجّة.و درس الكتاب:قراءته، و التّخيّر:الاختيار،و قوله: إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ في مقام المفعول ل(تدرسون)و الاستفهام إنكاريّ.

و المعنى:بل أ لكم كتاب سماويّ تقرءون فيه:أنّ لكم في الآخرة-أو مطلقا-لما تختارونه فاخترتم السّعادة و الجنّة؟!(19:383)

ص: 290

عبد الكريم الخطيب:هو إضراب على إجابتهم الباطلة،الّتي أجابوا بها فيما بينهم و بين أنفسهم،على ما سئلوا عنه في قوله تعالى: أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ و الّتي أنكرت عليهم،و سفّهت أحلامهم من أجلها.فإذا كان لهم ما يدفعون به عن أحلامهم تلك السّفاهة،و أن يضيفوا ما أجابوا به إلى كتاب درسوه و تلقّوا عنه هذا الجواب،فليأتوا بهذا الكتاب،إن كانوا صادقين،و ليأخذوا من هذا الكتاب ما يختارون،ممّا يقيم لهم حجّة على ما يقولون،فإنّ أيّ قول يقولونه من هذا الكتاب سيقبل منهم أيّا كان منطقه،و أيّا كان موقعه من الحقّ.إنّهم أمّيّون، لا كتاب معهم،و إتيانهم بكتاب،أمر غير ممكن لهم.

(15:1108)

فضل اللّه : أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ من الكتب الّتي أنزلها اللّه على رسله،لتكون لكم حجّة على ما أنتم عليه فيه.و هذا أمر لا أساس له،لأنّ الكتب النّازلة من عند اللّه تؤكّد على تفضيل المسلمين على المجرمين.(23:56)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ توقّعكم في أن تكون العناصر المجرمة من أمثالكم مع صفوف المسلمين و على مستواهم...،حديث هراء لا يدعمه العقل، و لم يأت في كتاب يعتدّ به و لا هو موضع اعتبار.

(18:501)

دراستهم

أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَ إِنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ. الأنعام:156

ابن عبّاس: عن قراءتهم التّوراة و الإنجيل.

(122)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 5:402)

تلاوتهم.(الطّبريّ 5:402)

السّدّيّ: أي كنّا عن قراءتهم لغافلين،لا نعلم ما هي.(255)

ابن زيد :الدّراسة:القراءة و العلم.[و قرأ]:

وَ دَرَسُوا ما فِيهِ الأعراف:169،[أي]علموا ما فيه،لم يأتوه بجهالة.(الطّبريّ 5:403)

الكسائيّ: (لغافلين)لا نعلم ما هي،لأنّ كتابهم لم يكن بلغتنا،فأنزل اللّه كتابا بلغتهم كيلا يعتذروا بأنّ الكتاب لم يأتهم،و أنّ الرّسول لم يبعث إليهم.(الواحديّ 2:340)

ابن قتيبة :قراءتهم الكتب و علمهم بها.(163)

الطّبريّ: يعني أن تقولوا:و قد كنّا عن تلاوة الطّائفتين الكتاب الّذي أنزلت عليهم(غافلين) لا ندري ما هي و لا نعلم ما يقرءون و ما يقولون،و ما أنزل إليهم في كتابهم لأنّهم كانوا أهله دوننا و لم نعن به و لم نؤمر بما فيه و لا هو بلساننا فيتّخذوا ذلك حجّة.

فقطع اللّه بإنزاله القرآن على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم حجّتهم تلك.(5:402)

نحوه الخازن.(2:167)

الزّجّاج: المعنى:و ما كنّا إلاّ غافلين عن تلاوة كتبهم.(2:307)

مثله الميبديّ.(3:526)

القمّيّ: يعني اليهود و النّصارى،و إن كنّا

ص: 291

لم ندرس كتبهم.(1:221)

الثّعلبيّ: (غافلين)لا نعلم ما هي.و إنّما قال:

(دراستهم)و لم يقل:دراستهما؛لأنّ كلّ طائفة جماعة،كقوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا الحجّ:19.(4:207)

الطّوسيّ: اللاّم في قوله:(لغافلين)لام الابتداء،و لا يجوز أن يعمل ما قبلها فيما بعدها إلاّ في باب«إنّ»خاصّة،لأنّها زحلقت معها عن الاسم إلى الخبر،للفصل بين حرفين بمعنى واحد.و تقدير الآية:

أنّا أنزلنا الكتاب الّذي هو القرآن لئلاّ يقولوا،أو كراهة أن يقولوا:إنّما أنزل الكتاب على اليهود و النّصارى و لم ينزل علينا،و لو أريد منّا ما أريد ممّن قبلنا لأنزل إلينا كتاب،كما أنزل على من قبلنا وَ إِنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ. و تقديره:و إن كنّا غافلين عن تلاوة كتبهم،يعني الطّائفتين اللّتين أنزل عليهم الكتاب،لأنّهم كانوا أهله دوننا.(4:350)

نحوه الطّبرسيّ.(2:387)

الواحديّ: [مثل الزّجّاج ثمّ نقل قول الكسائيّ و قال:]

و هذا معنى قوله: أَوْ تَقُولُوا يا معشر العرب لَوْ أَنّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنّا أَهْدى مِنْهُمْ من اليهود و النّصارى فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ الأنعام:157،رسول من ربّكم بلسان عربيّ مبين حين لم تعرفوا دراسة الطّائفتين.(2:340)

البغويّ: عَنْ دِراسَتِهِمْ قراءتهم(لغافلين) لا نعلم ما هي،معناه:أنزلنا عليكم القرآن لئلاّ تقولوا:

إنّ الكتاب أنزل على من قبلنا بلسانهم و لغتهم، فلم نعرف ما فيه و غفلنا عن دراسته،فتجعلونه عذرا لأنفسكم.(2:173)

الزّمخشريّ: وَ إِنْ كُنّا هي(ان)المخفّفة من الثّقيلة،و اللاّم هي الفارقة بينها و بين النّافية.

و الأصل:و إنّه كنّا عن دراستهم غافلين،على أنّ الهاء ضمير الشّأن عَنْ دِراسَتِهِمْ عن قراءتهم،أي لم نعرف مثل دراستهم.(2:62)

نحوه الفخر الرّازيّ(14:5)،و البيضاويّ(1:

338)،و النّسفيّ(2:41)،و النّيسابوريّ(8:59)، و الشّربينيّ(1:459)،و البروسويّ(3:121).

ابن عطيّة: و الدّراسة:القراءة و التّعلّم بها، و(ان)في قوله: وَ إِنْ كُنّا مخفّفة من الثّقيلة،و اللاّم في قوله:(لغافلين)لام توكيد،هذا مذهب البصريّين.

و حكى سيبويه عن بعض العرب أنّهم يخفّفونها و يبقونها على عملها.و منه قراءة بعض أهل المدينة (و ان كلاّ) هود:111،و أمّا المشهور فإنّها إذا خفّفت ترجع حرف ابتداء لا تعمل.و أمّا على مذهب الكوفيّين ف(ان)في هذه الآية بمعنى«ما»النّافية و اللاّم بمعنى إلاّ فكأنّه قال:و ما كنّا عن دراستهم إلاّ غافلين.

معنى هذه الآية إزالة الحجّة عن أيدي قريش و سائر العرب،بأنّهم لم يكن لهم كتاب.فكأنّه قال:

و هذا القرآن يا معشر العرب أنزل حجّة عليكم لئلاّ تقولوا:إنّما أنزلت التّوراة و الإنجيل بغير لساننا على غيرنا،و نحن لم نعرف ذلك،فهذا كتاب بلسانكم و مع

ص: 292

رجل منكم.(2:365)

القرطبيّ: أي عن تلاوة كتبهم و عن لغاتهم، و لم يقل:عن دراستهما،لأنّ كلّ طائفة جماعة.

(7:144)

أبو حيّان :(دراستهم)قراءتهم و درسهم، و المعنى:عن مثل دراستهم.و أعاد الضّمير جمعا،لأنّ كلّ طائفة منهم جمع،كما أعاده في قوله: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا، و(ان)هنا هي المخفّفة من الثّقيلة.

و قال الكوفيّون:(ان)نافية،و اللاّم بمعنى إلاّ، و التّقدير:و ما كنّا عن دراستهم إلاّ غافلين.

و قال قطرب في مثل هذا التّركيب:(إن)بمعنى «قد»و اللاّم زائدة.و ليس هذا الخلاف مقصورا على ما في هذه الآية،بل هو جار في شخصيّات هذا التّركيب و تقريره في علم النّحو.و قال الزّمخشريّ:

وَ إِنْ كُنّا هي المخفّفة من الثّقيلة،و اللاّم هي الفارقة بينها و بين النّافية،و الأصل:و إن كنّا عن دراستهم غافلين،على أنّ الهاء ضمير،انتهى.

و ما ذهب إليه من أنّ أصله:«و إنّه كنّا» و الهاء ضمير الشّأن،يلزم منه أنّ(ان)المخفّفة من الثّقيلة عاملة في مضمر محذوف حالة التّخفيف،كما قال النّحويّون في«أن»المخفّفة من الثّقيلة.و الّذي نصّ النّاس عليه أنّ«إن»المخفّفة من الثّقيلة إذا لزمت اللاّم في أحد الجزءين بعدها،أو في أحد معمولي الفعل النّاسخ الّذي يليها،إنّها مهملة لا تعمل في ظاهر و لا مضمر لا مثبت و لا محذوف.فهذا الّذي ذهب إليه مخالف للنّصوص.و ليست إذا وليها النّاسخ داخلة في الأصل على ضمير شأن البتّة.

و عَنْ دِراسَتِهِمْ متعلّق بقوله:(لغافلين) و هذا يدلّ على بطلان مذهب الكوفيّين في دعواهم أنّ «اللاّم»بمعنى«إلاّ»و لا يجوز أن يعمل ما بعد«إلاّ» فيما قبلها،و كذلك«اللاّم»الّتي بمعناها،و لهم أن يجعلوا«عنها»متعلّقا بمحذوف.و يدلّ أيضا على أنّ «اللاّم»لام ابتداء لزمت للفرق،فجاز أن يتقدّم معمولها عليها لمّا وقعت في غير ما هو لها أصل،كما جاز ذلك في:«إنّ زيدا طعامك لآكل»حيث وقعت في غير ما هو لها أصل.و لم يجز ذلك فيها إذا وقعت فيما هو لها أصل،و هو دخولها على المبتدإ.(4:257)

ابن كثير :أي و ما كنّا نفهم ما يقولون لأنّهم ليسوا بلساننا و نحن في غفلة و شغل مع ذلك عمّا هم فيه.(3:129)

نحوه القاسميّ.(6:2575)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و مرادهم بذلك دفع ما يرد عليهم من أنّ نزوله عليهما لا ينافي عموم أحكامه،فلم لم تعملوا بأحكامه العامّة؟أي و إنّه كنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ لا ندري ما في كتابهم؛إذ لم يكن على لغتنا حتّى نتلقّى منه تلك الأحكام العامّة و نحافظ عليها و إن لم يكن منزلا علينا.

و بهذا تبيّن أنّ معذرتهم هذه مع أنّهم غير مأمورين بما في الكتابين،لاشتمالهما على الأحكام المذكورة المتناولة لكافّة الأمم،كما أنّ قطع تلك

ص: 293

المعذرة بإنزال القرآن،لاشتماله أيضا عليها لا على سائر الشّرائع و الأحكام فقط.(2:463)

الشّوكانيّ: أي عن تلاوة كتبهم بلغاتهم (لغافلين،)أي لا ندري ما فيها،و مرادهم إثبات نزول الكتابين مع الاعتذار عن اتّباع ما فيهما،بعدم الدّراية منهم و الغفلة عن معناهما.(2:226)

الآلوسيّ: وَ إِنْ كُنّا (ان)هي المخفّفة من «إنّ»و اللاّم الآتية فارقة بينها و بين النّافية،و هي مهملة لما حقّقه النّحاة من أنّ(ان)المخفّفة إذا لزمت اللاّم في أحد جزأيها و وليها النّاسخ،فهي مهملة لا تعمل في ظاهر و لا مضمر،لا ثابت و لا محذوف أي و إنّه كنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ أي قراءتهم(لغافلين) غير ملتفتين،لا ندري ما هي،لأنّها ليست بلغتنا،فلم يمكننا أن نتلقّى منها ما فيه نجاتنا،و لعلّهم عنوا بذلك التّوحيد.و قيل:تلك الأحكام المذكورة في قوله تعالى:

قُلْ تَعالَوْا... الأنعام:151،لأنّها عامّة لجميع بني آدم لا تختلف في عصر من الأعصار.و على هذا حمل الآية شيخ الإسلام[أبو السّعود]ثمّ قال:و بهذا تبيّن...[فذكر كلامه و قد سبق](8:61)

رشيد رضا :و إنّ حقيقة حالنا و شأننا أنّنا كنّا غافلين عن دراستهم و تعليمهم لجهلنا بلغاتهم و غلبة الأمّيّة علينا.(8:204)

عزّة دروزة :و لقد قلنا في سياق شرح جملة كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ: إنّها لإزالة سبب احتجاج العرب بأنّ لغة الكتب المنزلة بغير لغتهم.

و هذا مستلهم من آية سورة الأحقاف:12،هذه:

وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً وَ هذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ بُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ و آية سورة فصّلت:44،هذه: وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، و من آيات سورة الشّعراء:192-199،الّتي مرّ تفسيرها.[إلى أن قال:]

و نظنّ أنّنا في غنى عن التّنبيه إلى أنّ الآية:156، ليس من شأنها نقض ما قرّرناه مرارا،من أنّ العرب قد عرفوا كثيرا من المعارف الدّينيّة و غير الدّينيّة من طريق أهل الكتاب،و أنّ كثيرا ممّا عرفوه وارد في أسفار العهد القديم و الجديد.فالمحكيّ المفروض هو عدم اطّلاعهم و دراستهم و فهمهم هذه الأسفار مباشرة،على اعتبار أنّ الهداية لا تتمّ إلاّ بذلك.

(4:240)

مغنيّة:و ضمير(دراستهم)يعود إلى أهل الكتاب،و المعنى:يا معشر العرب لقد أنزلنا القرآن بلسانكم،و على رجل منكم و فيكم،لئلاّ تعتذروا عن شرككم.بأنّه لم ينزل كتاب من السّماء بلسانكم، و إنّما نزّل على اليهود و النّصارى،و نحن كنّا غافلين عن دراسة كتابهم و تعاليمه،لا ندري ما فيه،لأنّ لسانهم غير لساننا.(3:287)

الطّباطبائيّ: إنّا كنّا غافلين عن دراستهم و تلاوتهم،و لا بأس علينا مع الغفلة.(7:383)

عبد الكريم الخطيب :و لم ندرس ما عندهم،

ص: 294

و لم نتلقّ عنهم،لأنّنا أمّة لنا كيان و اعتبار،و تأبى علينا أنفسنا أن نجيء إليهم متطفّلين على ما في أيديهم.فما هو ذا الكتاب الّذي كانوا يتطلّعون إليه قد جاءهم،فما حجّتهم إذا لم يتّبعوه و يؤمنوا به؟

(4:351)

فضل اللّه : أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا إنّ هذا الكتاب المنزل المبارك يبطل مثل هذا القول،لأنّه لم يبق هناك فرق بينكم و بين اليهود و النّصارى،و هما الطّائفتان اللّتان أنزل التّوراة على إحداهما،و الإنجيل على الأخرى،فقد أنزل عليكم كما أنزل عليهم،فلا مجال لأن تعلّلوا به،أو تقولوا: وَ إِنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ، لأنّكم لا تحتاجون إلى دراسة كتاب آخر،و معكم هذا الكتاب.(9:385)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّرس:بقيّة الشّيء و أثره الطّامس.يقال:درس الشّيء يدرس دروسا، أي عفا و زال أثره،و درس القوم الرّسم:عفّوا أثره، و درست الرّيح الأثر تدرسه درسا:محته.و منه:

الدّرس:الطّريق الخفيّ.

و الدّرس:الثّوب الخلق البالي؛و الجمع:درسان، و هو الدّرس؛و الجمع:درسان،و الدّريس؛و الجمع:

درسان،و الدّريس؛و الجمع:درسان و درسان،و هو على التّشبيه.يقال:درست الثّوب أدرسه درسا فهو مدروس،أي أخلقته،و جاء فلان في دريس له.

و بساط دريس،و سيف دريس،و درع دريس، و مغفر دريس،أي خلق.

و الدّرس:ضرب من الجرب،يبقى له أثر متفشّ في الجلد،على التّشبيه أيضا.يقال:هذا بعير دارس،إذا ذهب وبره،و ولّى جربه،و لم يظهر وبره،و درس البعير:جرب جربا شديدا فقطر،و درس البعير يدرس:ابتدأ فيه الجرب،و منه:المدارس:الّذي قارف الذّنوب و تلطّخ بها،على المجاز.

و الدّرس:دوس الطّعام.يقال:درست الحنطة، أي دستها أو طحنتها،و درس الطّعام يدرسه درسا و دراسا:داسه،و درس يدرس دراسا:ديس؛قال ابن فارس:«كالطّريق الّذي يدرس و يمشى فيه».

و الدّرس:الحيض،لأنّ أبا دراس-أي فرج المرأة-يعفو أثره فترة الحيض.يقال:درست المرأة،أي حاضت،فهي دارس،و إنّ بها لدرسا،و قد درست الجارية تدرس درسا و دروسا،و هنّ جوار درّس و دوارس.

و الدّرس:رياضة الدّابّة و تذليلها للرّكوب،لأنّه يكسر من سورتها،و يزيل وحشتها و ثورتها،حيث يقال:درس النّاقة يدرسها درسا،أي راضها.و بعير لم يدرس،و لم يدرّس:لم يركب.و منه:الدّرواس:

البعير الذّليل الغليظ العنق،و قيل:الكبير الرّأس من الكلاب؛و الجمع:دراوس.

و الدّرس:تعهّد الكتاب و قراءته حتّى يحفظ، و كأنّه من:درس الدّابّة درسا:راضها.يقال:درس الكتاب يدرسه درسا و دراسة،أي ذلّله بكثرة القراءة

ص: 295

حتّى خفّ حفظه عليه.و درست القرآن:قرأته و تعهّدته لأحفظه و يخفّ على لساني،و دارست الكتب و تدارستها و ادّارستها:درستها فأنا مدارس.

و الدّراس:المدارسة.يقال:درّسته إيّاه و أدرسته، و دارست فلانا كتابا لكي أحفظ.

و المدرس:الكتاب،و المكان الّذي يدرّس فيه أيضا.

و المدراس:البيت الّذي يدرس فيه القرآن، و كذلك مدراس اليهود.

2-خطّأ العدنانيّ من قال:جمع ما يكفي دراسته في الجامعة،و صوّبه على زعمه بقوله:جمع ما يكفيه للدّراسة في الجامعة،و علّل ذلك قائلا:«لأنّه هو الّذي يحتاج إلى المال للدّراسة،و ليست الدّراسة نفسها في حاجة إلى المال».

و لكنّ كلا القولين صحيح،فنحوه قولهم:سدّ خلّته،و قضى حاجته،و في المثل:«أكل الدّهر عليه و شرب»،فأسند السّدّ إلى الخلّة و القضاء إلى الحاجة و هو المحتاج،كما أسند الأكل و الشّرب إلى الدّهر، و هو لا يأكل و لا يشرب،و يضاف الشّيء إلى من لا يختصّ به في كلامهم كثيرا،كقولهم:غنم الرّاعي، و كلّ ذلك على المجاز،و هو باب واسع في اللّغة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا«الماضي»مرّتين،و«المضارع» 3 مرّات،و«المصدر»:(دراسة)مرّة،في 6 آيات:

1- ...أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَ دَرَسُوا ما فِيهِ...

الأعراف:169

2- وَ كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَ لِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ الأنعام:105

3- وَ ما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها...

سبأ:44

4- ...كُونُوا رَبّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ آل عمران:79

5- أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ القلم:37

6- أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَ إِنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ الأنعام:156

و في كلّ منها بحوث:

ففي(1): أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَ دَرَسُوا ما فِيهِ....

1-ترجموا«درس»مجرّدا في جميع الآيات ب«قرأ»و«تعلّم»،و«حفظ»،و«درّس»مزيدا ب«أقرأه»و«علّمه»حتّى حفظ،و كلّها صحيح.

و الأصل في«درس الكتاب»:تعهّده و مارسه حتّى حفظه.[لاحظ الأصول اللّغويّة]

فالدّرس يلازم التّكرار و الممارسة لكي يتهيّئوا لحفظه.و لذا قال البغويّ:«درس الكتاب:قراءته و تدبّره مرّة بعد أخرى».و قال القاسميّ:«قرءوا ما في الكتاب من الميثاق مرّة بعد مرّة».و قال مكارم الشّيرازيّ:«و الدّرس في اللّغة يعني تكرار شيء؛ و حيث إنّ الإنسان عند المطالعة،و تلقّي العلم من الأستاذ و المعلّم يكرّر المواضيع،لهذا أطلق عليه لفظ

ص: 296

الدّرس...».

و أيضا الدّرس يستلزم الفهم و المعرفة التّامّة للشّيء المدروس،و لهذا نراهم يعطفون على حفظها «معرفتها»أو ما بمعناها.قال الماورديّ:«إنّهم قد تلوه و درسوه،فهم لا يجهلون ما فيه».و قال الميبديّ:

«و قرءوا ما في الكتاب،أي لم يفعلوا عن جهل».

و قال الفخر الرّازيّ:«أي فهم ذاكرون لما أخذ عليهم لأنّهم قد قرءوه و درسوه».و قال القرطبيّ:«فقرءوه و علموه».و قال أبو حيّان:«و عرفوا ما فيه المعرفة التّامّة من الوعيد».و قد جمع بين التّكرار و المعرفة في كلامه،و قال:«حفظوا لفظه،و كرّروه و ما نسوه، و فهموا معناه».و«معنى وَ دَرَسُوا ما فِيهِ هو التّكرار لقراءته و الوقوف عليه».و قال سيّد قطب:

«و هم درسوا هذا الكتاب و عرفوا ما فيه!بلى،و لكن الدّراسة لا تجدي ما لم تخالط القلوب...».و قال مغنيّة:

«و قد درسوها و فهموا كلّ ما فيها».و قال الطّباطبائيّ:«و المعنى...و تحمّلوا ما فيه من المعارف و الأحكام و المواعظ و العبر...».

2-هذا المعنى هو الشّائع بين المفسّرين ل(درسوا،)و هناك معنى آخر له احتمله الماورديّ، و نقله الطّبريّ عن بعضهم،و أوضحه القرطبيّ؛حيث قال:«قال بعض العلماء:إنّ معنى وَ دَرَسُوا ما فِيهِ أي محوه بترك العمل به و الفهم له؛من قولك:«درست الرّيح الآثار»إذا محتها،و خطّ دارس،و ربع دارس، إذا امّحى و عفا أثره.و هذا المعنى مواطئ-أي موافق- لقوله تعالى: نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ البقرة:101،و قوله:

فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ آل عمران:187،حسب ما تقدّم بيانه في البقرة».

و قد ردّه أبو حيّان،و قال:«فيه بعد،و لو كان كما قيل،لقيل:ربع مدروس،و خطّ مدروس،و إنّما قالوا:ربع دارس،و خطّ دارس،بمعنى داثر».

3-في إعراب دَرَسُوا خلاف،فأكثرهم قالوا:

إنّه عطف على قوله قبله: أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ. قال الزّمخشريّ:«فكأنّه قيل:أخذ عليهم ميثاق الكتاب و درسوا ما فيه».و قيل:إنّه معطوف على قوله:

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ....

و قد حكاه ابن عطيّة عن الطّبريّ و غيره،ثمّ قال:

«و في هذا نظر لبعد المعطوف عليه،لأنّ قوله:

وَ دَرَسُوا يزول منه معنى إقامة الحجّة،بالتّقدير الّذي في قوله:(الم)»و مراده أنّ دَرَسُوا معناه:

علموه و فهموا ما فيه،فقد قامت عليهم الحجّة،و هي توبيخ و تقريع لهم.

قال الطّبريّ: «ورثوا الكتاب فعلموا ما فيه و درسوه فضيّعوه،و تركوا العمل به و خالفوا عهد اللّه إليهم في ذلك».و قال ابن الجوزيّ:«قرءوه،فكأنّه قال:خالفوا على علم».و قال ابن عطيّة:«يقدّر:

أ ليس قد أخذ عليهم ميثاق الكتاب و درسوا ما فيه، و بهذين الفعلين تقوم الحجّة عليهم في قولهم الباطل».

و قال الآلوسيّ:«و قيل:إنّ الجملة في موضع الحال من ضمير(يقولوا)بإضمار«قد»أي أخذ عليهم الميثاق بأن لا يقولوا على اللّه إلاّ الحقّ الّذي تضمّنه

ص: 297

كتابهم في حال دراستهم ما فيه و تذكّرهم له.و هو كما ترى».و قال الطّباطبائيّ:«و قوله: وَ دَرَسُوا ما فِيهِ كأنّ«الواو»للحال،و الجملة حال عن ضمير (عليهم،)و قيل:الجملة معطوفة على قوله: وَرِثُوا الْكِتابَ في صدر الآية،و لا يخلو من بعد».

4-في قراءتها:فالقراءة المشهورة الّتي لم يذكر الطّبريّ و غيره غيرها:(ورثوا.)و قال أبو حيّان:

«و قرأ عليّ و السّلميّ (و ادّارسوا) ،و أصله:

و تدارسوا،كقوله:(فادارأتم)أي تدارأتم،و قد مرّ تقريره في العربيّة.و هذه القراءة توضّح أنّ معنى وَ دَرَسُوا ما فِيهِ هو التّكرار لقراءته و الوقوف عليه،و أنّ تأويل من تأوّل وَ دَرَسُوا ما فِيهِ أنّ معناه:و محوه بترك العمل و الفهم له،من قولهم:

«درست الرّيح الآثار»إذا محتها،فيه بعد...».فلو لم يكن لهذه القراءة أثر سوى توضيح معنى:(درسوا) كما سبق فهي مقبولة.

و في(2): وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ:

1-قالوا في معنى(درست:)قرأت،و تعلّمت، و تقادمت و انمحت،قرأت الكتب،تعلّمت من اليهود، و امتحنت.و كأنّ«انمحت»إشارة إلى المعنى الثّاني ل(درسوا،)و يؤيّده قراءة (درست) كما يأتي.

و قال الآلوسيّ:«و أصله على-ما قال الأصمعيّ- من قولهم:درس الطّعام يدرسه درسا،إذا داسه،كأنّ التّالي يدوس الكلام فيخفّ على لسانه».

2-في قراءتها:قال الطّبريّ:«و اختلفت القراء في قراءة ذلك.

فقرأته عامّة قرأة أهل المدينة و الكوفة وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ، يعني قرأت أنت يا محمّد،بغير ألف.

و قرأ ذلك جماعة من المتقدّمين،منهم ابن عبّاس، -على اختلاف عنه فيه-و غيره و جماعة من التّابعين، و هو قراءة بعض قرأة أهل البصرة: (و ليقولوا دارست) بألف،بمعنى قارأت و تعلّمت من أهل الكتاب.

و روي عن قتادة:أنّه كان يقرؤه:(درست)بمعنى:

قرئت و تليت.و عن الحسن أنّه كان يقرؤه:(درست) بمعنى:انمحت.

و أولى القراءات في ذلك عندي بالصّواب،قراءة من قرأه: وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ، بتأويل:قرأت و تعلّمت؛لأنّ المشركين كذلك كانوا يقولون للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و قد أخبر اللّه عن قيلهم ذلك بقوله: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ النّحل:103،-إلى أن قال في القراءة الأولى-أشبه بالحقّ،و أولى بالصّواب من قرأة من قرأه (دارست) بمعنى:قارأتهم و خاصمتهم،و غير ذلك من القراءات-إلى أن قال- و قرأ ذلك آخرون(درس)من«درس الشّيء»:

تلاه...».

و قال الزّجّاج:«فيها خمسة أوجه-و ذكر درست،و دارست،و درست،بمعنى مضت،و انمحت، و درست،و درست-»و نحوه غيره؛و منهم الفارسيّ ذكر القراءات تفصيلا،و ذكر أنّ أبيّا و ابن مسعود قرءا

ص: 298

(درّس)،و ذكر قراءة اللاّم في(و ليقولوا)بالكسر و الجزم،فلاحظ.

و كذلك حكى الماورديّ و غيره خمس قراءات كما سبق.و قال القرطبيّ:«و في(درست)سبع قراءات فذكر نحو ابن عطيّة بتفاوت».

و اختلافهم في القراءة بهذه الوجوه يحكي عن عدم التزامهم بنقل القراءات عن الصّحابة و التّابعين.

لاحظ«المدخل»فصل القراءات.

3-قال الفخر الرّازيّ في ربط هذه الآية بما قبلها:

«اعلم أنّه تعالى لمّا تمّم الكلام في الإلهيّات إلى هذا الموضع-يعني من سورة الأنعام-شرع من هذا الموضع في إثبات النّبوّات،فبدأ تعالى بحكاية شبهات المنكرين لنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

فالشّبهة الأولى قولهم:يا محمّد إنّ هذا القرآن الّذي جئتنا به كلام تستفيده من مدارسة العلماء و مباحثة الفضلاء،و تنظّمه من عند نفسك،ثمّ تقرأه علينا،و تزعم أنّه وحي نزل عليك من اللّه تعالى.ثمّ إنّه تعالى أجاب عنه بالوجوه الكثيرة...».

4-و قال القرطبيّ في عطف هذه الجملة على ما قبلها:«الواو للعطف مضمر،أي نصرّف الآيات لتقوم الحجّة،و ليقولوا:درست.و قيل:أي و ليقولوا:درست صرّفناها،فهي لام الصّيرورة».و أشار بذلك إلى صدر الآية: وَ كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَ لِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

و حكى عن الزّجّاج أنّه قال:«هذا كما تقول:

كتب فلان هذا الكتاب لحتفه،أي آل أمره إلى ذلك، و كذا لما صرفت الآيات،آل أمرهم إلى أن قالوا:

درست و تعلّمت من جبر و يسار،و كانا غلامين نصرانيّين بمكّة،فقال أهل مكّة:إنّما يتعلّم منهما».

قال النّحّاس:«و في المعنى قول آخر حسن،و هو أن يكون معنى نُصَرِّفُ الْآياتِ نأتي بها آية بعد آية،ليقولوا:درست علينا،فيذكرون الأوّل بالآخر، فهذا حقيقة،و الّذي قاله أبو إسحاق مجاز»-و هو الزّجّاج-.

و قال البروسويّ: «علّة لمحذوف و اللاّم للعاقبة أي و ليقولوا في عاقبة أمرهم:درست صرّفنا-و ذكر نحو القرطبيّ و قال:-كانا عبدين لقريش من سبي الرّوم...».

و في(3) وَ ما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها....

1-قالوا في معنى:(يدرسونها)يقرءون فيها ما يقولون؛إذ لم يكن عند العرب كتاب يدرسونه، فيعلموا به أنّ ما جاءهم النّبيّ عليه السّلام حقّ أو باطل،أو ليعلموا أنّ للّه شريكا على ما زعموه و يكون برهانا على صحّة الشّرك.

قال ابن عطيّة:«معنى هذه الآية أنّهم يقولون بآرائهم في كتاب اللّه،فيقول بعضهم:سحر،و بعضهم:

افتراء،و ذلك منهم تصوّر لا يستندون فيه إلى إثارة علم و لا إلى خبر من يقبل خبره،فإنّا ما آتيناهم كتبا يدرسونها،و لا أرسلنا إليهم نذيرا فيمكنهم أن يدّعوا أنّ أقوالهم تستند إلى أمره».

و قال القرطبيّ: «أي لم يقرءوا في كتاب أوتوه بطلان ما جئت به،و لا سمعوه من رسول بعث إليهم،

ص: 299

كما قال: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ الزّخرف:21،فليس لتكذيبهم وجه يتشبّث به و لا شبهة متعلّق،كما يقول أهل الكتاب -و إن كانوا مبطلين-:نحن أهل كتاب و شرائع و مستندون إلى رسل من رسل اللّه».و نحوه أبو السّعود،و قد أضاف قوله تعالى: أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ الرّوم:35.

و قد أشار الشّربينيّ إلى ما سبق من دلالة «درس»على التّكرار فقال:«أي يجدّدون دراستها كلّ حين فيها دليل على صحّة الإشراك».

2-قال الطّبرسيّ في إعراب(يدرسونها:) «يجوز أن يكون في محلّ جرّ صفة ل(كتب.)و يجوز أن يكون في محلّ نصب على موضع الجارّ و المجرور، لأنّ المعنى:و ما آتيناهم كتبا مدرسة...».

3-القراءة المشهورة الّتي لم يذكر الطّبريّ و لا غيره غيرها(يدرسونها)بالتّخفيف،كما قال ابن عطيّة:«و قرأ جمهور النّاس(يدرسونها) بسكون الدّال،و قرأ أبو حيوة (يدّرسونها) بفتح الدّال و شدّها و كسر الرّاء».

و نقلها أبو حيّان أيضا عن أبي حيوة و قال:«من التّدريس،و هو تكرير الدّرس،أو من درس الكتاب مخفّفا،و درّس الكتاب مشدّدا التّضعيف باعتبار الجمع».

4-و لكلّ من مكارم الشّيرازيّ و فضل اللّه كلام في الآية.قال مكارم الشّيرازيّ:«و يستفاد من هذه الآية أيضا أنّ الإنسان لا يمكنه أن يطوي طريق الحياة بعقله فقط،بل لا بدّ أن يستمدّ المعونة من وحي السّماء، و يتقدّم إلى الأمام بالاستعانة بالشّرائع...».

و قال فضل اللّه وصفا للكتب:«تشكّل لهم ضمانة فكريّة تميّز بين الحقّ و الباطل،ليحكموا على الأشياء من موقع العمق الّذي يوازن بين الأمور».

5-و أمّا الإشارة فيها فقد قال القشيريّ:

«الإشارة من هذا إلى أهل الغفلة،يعارضون أصحاب القلوب فيما يجري من الأمور،بما تشوّش إليهم نفوسهم،و يخطر ببالهم من هواجسهم عن مقتضى تفرقة قلوبهم-على قياس ما يقع لهم-من غير استناد إلى إلهام،أو اعتماد على تقدير من اللّه و إفهام.

و أهل الحقائق-الّذين هم لسان الوقت-إذا قالوا شيئا أو أطلقوا حديثا،فلو طولبوا بإقامة البرهان عليه لم يمكنهم،لأنّ الّذي يتكلّم عن الفراسة أو عن الإلهام أو كان مستنطقا،فليس يمكن لهؤلاء إقامة الحجّة على أقوالهم.و أصحاب الغفلة ليس لهم إيمان بذلك،فإذا سمعوا شيئا منه عارضوهم فيهلكون، فسبيل هؤلاء الأكابر عند ذلك أن يسكتوا،ثمّ الأيّام تجيب أولئك».

و في(4) كُونُوا رَبّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ.

1-هذه الآية خطاب لأهل الكتاب،كما يحاكي الآيات قبلها،فأوائلها خطاب للنّصارى،و أواخرها لليهود أو للفريقين؛حيث يخاطبهم مرّات ب يا أَهْلَ الْكِتابِ آل عمران:65،و منها هذه الآية و صدرها:

ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ

ص: 300

ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لكِنْ كُونُوا رَبّانِيِّينَ...، و بعدها: وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

و قد فسّر الطّبريّ: بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ بقوله:

«و دراستهم كتاب ربّهم و تلاوته،و قد قيل:دراستهم الفقه-ثمّ رجّح الأوّل و قال:-فلأن تكون الدّراسة معنيّا بها دراسة القرآن أولى من أن تكون معنيّا بها دراسة الفقه الّذي لم يجر له ذكر...».

و فيه أوّلا:أنّ الخطاب لأهل الكتاب،و المراد ب(الكتاب)كتابهم دون القرآن.و قد صدر هذا الخطاء عن السّمين أيضا.

و ثانيا:لا ريب ظهور الآية في دراسة الكتاب، و الظّاهر أنّ المراد به-كما قال-دراسته و تعلّمه لأنفسهم.و احتمل الزّمخشريّ و غيره أنّ المراد دراسته للنّاس،كقوله: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكْثٍ الإسراء:106،و يقوّي هذا الوجه أنّه عطف على تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ، و التّعليم هو دراسة المعلّم للمتعلّمين.

و لك أن تقول:إذا أريد به التّعليم فهو تكرار،و إذا أريد به الدّراسة لأنفسهم فتشمل الآية التّعليم و التّعلّم جميعا،كأنّه قال:أنتم تتعلّمون الكتاب و تعلّمونه النّاس.

2-و قد حكى ابن عطيّة و غيره قراءة (تدرّسون) بالتّشديد عن أبي حيوة أيضا كالآية:(3)،و عليه فهو تكرار ل(تعلمون)بغير لفظه تأكيدا،أي إنّكم تعلّمون النّاس الكتاب و تفهّمونهم معانيه.و قد دام منكم الفعلان،كما قال: بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ، فقد أكّد بتكرار بِما كُنْتُمْ مرّتين.

و قال ابن عطيّة:«و قرأ أبو حيوة: (تدرسون) بكسر الرّاء و هذا على أنّه يقال في مضارع درس:

يدرس و يدرس».

و قد حكى أبو حيّان قراءة التّشديد أيضا،و قال:

«و يحتمل أن يكون التّضعيف للتّكثير لا للتّعدية».

و قال السّمين في قراءة التّشديد:«و فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون التّضعيف فيه للتّكثير،فيكون موافقا لقراءة (تعلمون) بالتّخفيف.و الثّاني:أنّ التّضعيف للتّعدية،و يكون المفعولان محذوفين لفهم المعنى[أو لرعاية الرّويّ]و التّقدير:تدرّسون غيركم العلم،أي تحملونهم على الدّرس.ثمّ قال:و قرئ:

(تدرسون) من«أدرس»،ك«تكرمون»من«أكرم»، على أنّ«أفعل»بمعنى«فعّل»بالتّشديد،ف«أدرس و درّس»واحد،كأكرم و كرّم و أنزل و نزّل.

3-و في معنى الآية قال الطّبريّ: «فمعنى الآية:

و لكن يقول لهم:كونوا،أيّها النّاس،سادة النّاس، و قادتهم في أمر دينهم و دنياهم:(ربانيين)بتعليمكم إيّاهم كتاب اللّه و ما فيه من حلال و حرام،و فرض و ندب،و سائر ما حواه من معاني أمور دينهم، و بتلاوتكم إيّاه و دراستكموه».

و قال الزّمخشريّ: «و فيه أنّ من علم و درس العلم و لم يعمل به فليس من اللّه في شيء،و أنّ السّبب

ص: 301

بينه و بين ربّه منقطع؛حيث لم يثبت النّسبة إليه إلاّ للمتمسّكين بطاعته».

و قال النّسفيّ: «و المعنى بسبب كونكم عالمين و بسبب كونكم دارسين للعلم،كانت الرّبّانيّة الّتي هي قوّة التّمسّك بطاعة اللّه مسبّبة عن العلم و الدّارسة، و كفى به دليلا على خيبة سعي من جهد نفسه و كدّر روحه في جمع العلم،ثمّ لم يجعله ذريعة إلى العمل،فكان كمن غرس شجرة حسناء تؤنقه بمظهرها و لا تنفعه بثمرها».

و قال الطّباطبائيّ: «و محصّل الكلام أنّ البشر الّذي هذا شأنه إنّما يدعوكم إلى التّلبّس بالإيمان و اليقين بما في الكتاب الّذي تعلّمونه و تدرسونه من أصول المعارف الإلهيّة،و الاتّصاف و التّحقّق بالملكات و الأخلاق الفاضلة الّتي يشتمل عليها،و العمل بالصّالحات الّتي تدعون النّاس إليها،حتّى تنقطعوا بذلك إلى ربّكم و تكونوا به علماء ربّانيّين».

و كأنّه حمل(الكتاب)على القرآن أيضا،و قد قلنا:إنّ الظّاهر منه كتابهم،أي التّوراة و الإنجيل،فإنّ اللّه يريد الاحتجاج على أهل الكتاب بكتابهم على صدق القرآن لا به.

و في(5) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ و الآية و ما قبلها و ما بعدها من أوّل السّورة إلى آخرها خطاب للمشركين و احتجاج عليهم.و قبلها و بعدها:

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ* أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ* أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ* إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ* أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ* سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ* أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ القلم:34-41.

فهذه الآية نظير الآية:(3)تنكر وجود كتاب للمشركين يدعوهما إلى الشّرك،و إلى ما يدّعون من أنّهم على حقّ،و أنّهم النّاجون دون النّبيّ عليه السّلام و من تبعه،أو يدّعون تسوية الفريقين،في الجزاء،أو ما سوى ذلك من دعاويهم.و نظيرهما: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ فاطر:40،و أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ الصّافّات:156،لاحظ ك ت ب:«كتاب و كتابا و كتابكم».

1-و اتّفقوا في معناه و إن اختلفت ألفاظهم:

فقال الطّبريّ: «يقول تعالى ذكره للمشركين به من قريش:أ لكم أيّها القوم بتسويتكم بين المسلمين و المجرمين في كرامة اللّه كتاب نزل من عند اللّه،أتاكم به رسول من رسله،بأنّ لكم ما تخيّرون،فأنتم تدرسون فيه ما تقولون».

و قال الطّوسيّ-و نحوه الطّبرسيّ-معناه:«أ لكم كتاب تدرسون فيه خلاف ما قد قامت عليكم الحجّة به،فأنتم متمسّكون به و لا تلتفتون إلى خلافه؟! و ليس الأمر على ذلك فإذ قد عدمتم الثّقة بما أنتم عليه،و في هذا عليكم أكبر الحجّة و أوكد الموعظة...».

و قال الزّمخشريّ: («تدرسون)في ذلك الكتاب أنّ ما تختارونه و تشتهونه لكم»،ثمّ بحث في قراءة«إنّ»بالكسر و الفتح،و سيأتي.

و قال ابن عطيّة:«أي تدرسون في الكتاب أنّ

ص: 302

لكم ما تختارون من النّعيم».

و قال القرطبيّ: «أي أ لكم كتاب تجدون فيه المطيع كالعاصي؟»،و في معناها أقوال الآخرين.

2-و اختلفوا في قراءة(انّ)بفتح الهمزة و كسرها.قال السّمين-و هو أجمع الأقوال فيها-:

«العامّة على كسر الهمزة.و فيها ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّها معمولة ل(تدرسون)أي تدرسون في الكتاب أنّ لكم ما تختارونه،فلمّا دخلت اللاّم[أي لام لمّا]كسرت الهمزة.

و الثّاني:أن يكون على الحكاية للمدروس،كما في قوله: وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ الصّافّات:78،79،قالهما الزّمخشريّ،و في الفرق بين الوجهين عسر.

و الثّالث:أنّها على استئناف على معنى:إن كان لكم كتاب فلكم فيه متخيّر.[ثمّ قال:]

و قرأ طلحة و الضّحّاك: (انّ لكم) بفتح الهمزة، و هو منصوب ب(تدرسون،)إلاّ أنّ فيه زيادة لام التّأكيد،و هي نظيرة قراءة (الا انّهم ليأكلون) بالفتح.

و قرأ الأعرج: (أ انّ لكم) في الموضعين بالاستفهام».

3-أمّا إعرابها:فقال الآلوسيّ: («فيه)أي في الكتاب،و الجارّ متعلّق بقوله تعالى:(تدرسون)أي تقرءون فيه،و الجملة صفة(كتاب.)و جوّز أن يكون(فيه)متعلّقا بمتعلّق الخبر،أو هو الصّفة، و الضّمير للحكم أو الأمر،و(تدرسون)مستأنف أو حال من ضمير الخطاب،و قوله تعالى: إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ مفعول(تدرسون)إذ هو المدروس، فهو واقع موقع المفرد،و أصله:(انّ لكم فيه ما تخيّرون) بفتح همزة(انّ)و ترك اللاّم في خبرها،فلمّا جيء ب«اللاّم»كسرت الهمزة و علّق الفعل عن العمل.

و من هنا قيل:إنّه لا بدّ من تضمين(تدرسون)معنى العلم ليجري فيه العمل في الجمل و التّعليق.

و جوّز أن يكون هذا حكاية للمدروس كما هو عليه،فيكون بعينه لفظ«الكتاب»من غير تحويل من الفتح للكسر.و ضمير(فيه)على الأوّل للكتاب، و أعيد للتّأكيد،و على هذا يعود لأمرهم أو للحكم، فيكون محصّل ما خطّ في الكتاب أنّ الحكم أو الأمر مفوّض لهم،فسقط قول صاحب التّقريب:أنّ لفظ (فيه)لا يساعده للاستغناء ب(فيه)أوّلا من غير حاجة إلى جعل ضمير(فيه)ليوم القيامة بقرينة المقام،أو للمكان المدلول عليه بقوله تعالى: عِنْدَ رَبِّهِمْ و على الاستئناف هو للحكم أيضا...».و الحقّ أنّ هذا الكلام الطّويل و ما بعده فيه تحميل على القرآن يجب الاجتناب عنه.

و قال ابن عاشور:«و«في»للتّعليل أو الظّرفية المجازيّة،كما تقول:ورد كتاب في الأمر بكذا أو في النّهي عن كذا،فيكون(فيه)ظرفا مستقرّا صفة ل(كتاب.)و يجوز أن يكون الضّمير عائدا إلى (كتاب)و يتعلّق المجرور بفعل(تدرسون)جعلت الدّراسة العميقة بمزيد التّبصّر في ما يتضمّنه الكتاب بمنزلة الشّيء المظروف في الكتاب،كما تقول:لنا درس في كتاب سيبويه.[إلى أن قال:]

و جملة إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ في موضع

ص: 303

مفعول(تدرسون)على أنّها محكيّ لفظها،أي تدرسون هذه العبارة،كما جاء قوله تعالى: وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ الصّافات:78،79،أي تدرسون جملة إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ.

و يكون(فيه)توكيدا لفظيّا لنظيرها من قوله:

فِيهِ تَدْرُسُونَ قصد من إعادتها مزيد ربط الجملة بالّتي قبلها،كما أعيدت كلمة(من)في قوله تعالى:

وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً النّحل:67،و أصله:تتّخذون سكرا».

4-و في مغزى هذه الآيات معا قال المراغيّ:

«و قصارى هذا الحجاج نفى جميع ما يمكن أن يتعلّقوا به في تحقيق دعواهم،فنبّه أوّلا:إلى نفي الدّليل العقليّ بقوله:(ما لكم كيف تحكمون)،ثمّ إلى نفي الدّليل النّقليّ بقوله: أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ثمّ إلى نفي الوعد بذلك-و وعد الكريم دين عليه-بقوله:

أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا، ثمّ إلى نفي التّقليد الّذي هو أوهن من حبال القمر بقوله: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ». و قد أشار قبله القشيريّ بذلك؛حيث قال:«كيف تحكمون؟هل لديكم حجّة؟أم لكم كتاب فيه تدرسون؟أم لكم منّا عهود فبها تحكمون؟و المقصود من هذه الأسئلة نفي ذلك».

و في(6) وَ إِنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ و هذه أيضا خطاب للمشركين في مكّة و حجاج عليهم-مثل الآية(5)بتفاوت-في جملة آيات من سورة الأنعام المكّيّة،155-157: وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَ اتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَ إِنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ....

و آيتا(5)و(6)مع اشتراكهما في الحجاج على المشركين فيما يرجع إلى«الكتاب»افترقتا في أنّ(6) حجاج عليهم في سبيل إثبات القرآن،فقد بدأت بقوله: وَ هذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ... دفعا لدعواهم أنّه لم ينزل عليهم الكتاب كما قال: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَ إِنْ كُنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ.

أمّا(5)فحجاج عليهم بأنّ دعاويهم لم تستند إلى الكتاب؛إذ لم ينزل عليهم كتاب.و لم يسبقها ذكر عن القرآن في سورة القلم،إلاّ في الآية:15،منها بفصل كبير عنها،في سياق يغايرها،و هي إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.

1-قالوا في عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ: عن قراءتهم التّوراة و الإنجيل،لا نعلم ما هي،لأنّ كتابهم لم يكن بلغتنا،فأنزل اللّه كتابا بلغتهم كيلا يعتذروا بأنّ الكتاب لم يأتهم،و أنّ الرّسول لم يبعث إليهم.أن تقولوا:و قد كنّا عن تلاوة الطّائفتين الكتاب الّذي أنزلت عليهم غافلين لا ندري ما هي،و لا نعلم ما يقرءون و ما يقولون،و أنزل إليهم في كتابهم،لأنّهم كانوا أهله دوننا،و لم نعن به،و لم نؤمر بما فيه،و لا هو بلساننا،فيتّخذوا ذلك حجّة،فقطع اللّه بإنزاله القرآن

ص: 304

على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله حجّتهم بذلك.و ما كنّا إلاّ غافلين عن تلاوة كتبهم.و إن كنّا لم ندرس كتبهم عن تلاوة كتبهم و عن لغاتهم.و إنّ حقيقة حالنا و شأننا أنّنا كنّا غافلين عن دراستهم و تعليمهم،لجهلنا بلغاتهم و غلبة الأمّيّة علينا.إنّا كنّا غافلين عن دراستهم و تلاوتهم، و لا بأس علينا مع الغفلة.لم ندرس ما عندهم،و لم نتلقّ عنهم لأنّنا أمّة لنا كيان و اعتبار،و تأبى علينا أنفسنا أن نجيء إليهم متطفّلين على ما في أيديهم.

2-و في مغزى الآية قال ابن عطيّة:«معنى هذه الآية إزالة الحجّة عن أيدي قريش و سائر العرب، بأنّهم لم يكن لهم كتاب.فكأنّه قال:و هذا القرآن يا معشر العرب أنزل حجّة عليكم لئلاّ تقولوا:إنّما أنزلت التّوراة و الإنجيل بغير لساننا على غيرنا و نحن لم نعرف ذلك،فهذا كتاب بلسانكم و مع رجل منكم».

و قال أبو السّعود:«و مرادهم بذلك دفع ما يرد عليهم من أنّ نزوله عليهما لا ينافي عموم أحكامه،فلم لم تعملوا بأحكامه العامّة؟أي و إنّه كنّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ لا ندري ما في كتابهم؛إذ لم يكن على لغتنا حتّى نتلقّى منهم تلك الأحكام العامّة و نحافظ عليها،و إن لم يكن منزلا علينا.و بهذا تبيّن أنّ معذرتهم هذه مع أنّهم غير مأمورين بما في الكتابين، لاشتمالهما على الأحكام المذكورة المتأوّلة لكافّة الأمم،كما أنّ قطع تلك المعذرة بإنزال القرآن لاشتماله أيضا عليها لا على سائر الشّرائع و الأحكام فقط».

و ما ذكره من«الأحكام العامّة»بعيد عن سياق الآية،بل الأوفق بها قول ابن عطيّة.

و قال عزّة دروزة:«إنّها لإزالة سبب احتجاج العرب بأنّ لغة الكتب المنزلة بغير لغتهم.و هذا مستلهم من آية سورة الأحقاف:12،هذه: وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً وَ هذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ بُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ، و آية سورة فصّلت:44،هذه: وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، و من آيات رقم 192-199،من سورة الشّعراء الّتي مرّ تفسيرها،و هي: وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ* وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ* أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ. لاحظ:«الكتاب و القرآن»،و ع ر ب:«عربيّ».

ثمّ قال:و نظنّ أنّنا في غنى عن التّنبيه إلى أنّ الآية:

156،ليس من شأنها نقض ما قرّرناه مرارا من أنّ العرب قد عرفوا كثيرا من المعارف الدّينيّة و غير الدّينيّة من طريق أهل الكتاب،و أنّ كثيرا ممّا عرفوه وارد في أسفار العهد القديم و الجديد.فالمحكيّ المفروض هو عدم اطّلاعهم و دراستهم و فهمهم هذه الأسفار مباشرة على اعتبار أنّ الهداية لا تتمّ إلاّ بذلك».

ص: 305

3-و في إعراب الآية قال ابن عطيّة:«و(ان)في قوله:(و ان كنا)مخفّفة من الثّقيلة،و اللاّم في قوله:

(لغافلين)لام توكيد،هذا مذهب البصريّين.و حكى سيبويه عن بعض العرب أنّهم يخفّفونها و يبقونها على عملها.و منه قراءة بعض أهل المدينة (و ان كلاّ) هود:

111،و أمّا المشهور فإنّها إذا خفّفت ترجع حرف ابتداء لا تعمل.و أمّا على مذهب الكوفيّين ف(ان)في هذه الآية بمعنى«ما»النّافية،و اللاّم بمعنى إلاّ،فكأنّه قال:و ما كنّا عن دراستهم إلاّ غافلين».

و قال أبو حيّان-و نقل قول الكوفيّين-:و قال قطرب في مثل هذا التّركيب:(ان)بمعنى«قد»و اللاّم زائدة.و ليس هذا الخلاف مقصورا على ما في هذه الآية،بل هو جار في شخصيّات هذا التّركيب، و تقريره في علم النّحو.

و قال الزّمخشريّ-و مثله الآلوسيّ-:«(ان) المخفّفة من الثّقيلة،و اللاّم هي الفارقة بينها و بين النّافية.و الأصل:و إنّه كنّا عن دراستهم غافلين،على أنّ«الهاء»ضميره».ثمّ أشكل عليه بأنّ لازمه أن يعمل(ان)المخفّفة في مضمر محذوف حالة التّخفيف، كما قال النّحويّون في«ان»المخفّفة من الثّقيلة...».

و قال:(«عن دراستهم)متعلّق بقوله:

(لغافلين،)و جعله دليلا على بطلان مذهب الكوفيّين».فلاحظ كلامه بطوله.

و نقول:قدّم(عن دراستهم)للاهتمام به.

و أخّر(لغافلين)رعاية لرويّ بعض آيات السّورة.

و يلاحظ ثانيا:أنّ أربعا من هذه الآيات،و هي(2 و 3 و 5 و 6)خطاب إلى المشركين،و كلّها مكّيّ.

و اثنتان منها و هما(1 و 4)خطاب إلى أهل الكتاب، و أحدهما و هو(4)مدنيّ،فناسبت أهل الكتاب، و الآخر و هو(1)مكّيّ جاءت خلال آيات في الأمم الماضية المشركة،و عطف عليهم«أهل الكتاب»في الآية:118،من سورة الأعراف: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَ إِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَ دَرَسُوا ما فِيهِ -إلى آخر 171- لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. و نحن نعلم أنّ القرآن قد تتحدّث في السّور المكّيّة عن أهل الكتاب أيضا،فلاحظ.

ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

القراءة: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ النّحل:98

الوعي: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ

الحاقّة:12

و سنذكر سائر نظائرها في«دري».

ص: 306

د ر ك

اشارة

12 لفظا،12 مرّة:8 مكّيّة،4 مدنيّة

في 9 سور:8 مكّيّة،1 مدنيّة

أدركه 1:1 لمدركون 1:1

يدرك 1:1 تداركه 1:-1

يدركه 1:-1 ادّارك 1:1

يدرككم 1:-1 ادّاركوا 1:1

تدرك 1:1 الدّرك 1:-1

تدركه 1:1 دركا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الدّرك:إدراك الحاجة و الطّلبة،تقول:

بكّر ففيه درك.

و الدّرك:أسفل قعر الشّيء.

و الدّرك:واحد من أدراك جهنّم من السّبع.

و الدّرك:لغة في الدّرك الّذي هو من القعر.

و الدّرك:اللّحق من التّبعة.

و الدّراك:اتباع الشّيء بعضه على بعض في كلّ شيء،يطعنه طعنا دراكا متداركا،أي تباعا واحدا إثر واحد،و كذلك في جري الفرس،و لحاقه الوحش.

قال اللّه تعالى: حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً الأعراف:

38،أي تداركوا،أدرك آخرهم أوّلهم فاجتمعوا فيها.

و الدّركة:حلقة الوتر الّتي تقع في الفرضة:

-السّاحة-و هي أيضا ما يوصل به وتر القوس العربيّة.

و المتدارك من القوافي و الحروف المختلفة:ما اتّفق فيه متحرّكان بعدهما ساكن،مثل«فعو»و أشباه ذلك.

و الإدراك:فناء الشّيء؛أدرك هذا الشّيء،أي فني.و قوله عزّ و جلّ عن الحسن:(بل ادرك علمهم

ص: 307

فى الآخرة)النّمل:66، (1)أي جهلوا علم الآخرة،أي لا علم عندهم في أمرها.و أدرك علمي فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الدّرك:حبل من ليف يعقد على عراقي الدّلو،ثمّ يعقد طرف الرّشاء به.(5:327)

اللّيث:[نقل قول الخليل]:«و الدّرك:اللّحق من التّبعة»[ثمّ قال:]و منه:ضمان الدّرك في عهدة البيع.

(الأزهريّ 10:111)

[و قال:]و العرب تقول:غلمان مداريك،أي بالغون؛جمع مدرك.(الأزهريّ 10:114)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المدارك من المطر:الّذي يمطر بعد آخر قد كان له ثرى،و كان قبل ذلك بشهر أو نحوه.(1:155)

الدّرك:حبل يصنع من شعر أو غيره،أغلظ من الطّنب قدر ذراع أو أطول،أو يربط به طرف الطّنب، ثم يجعل في حلقة المظلّة لئلاّ ينقطع الطّنب.(1:242)

قال السّعديّ: الدّرك:صلة في الحبل،في السّانية، و هي الدّركة،و هي التّبلغة.(1:245)

و قال السّعديّ: الدّرك:حبل يعلّق في قتب السّانية،ثمّ يعقد إليه الرّشاء الطّويل و هو التّبلغة.

(1:248)

و الدّركة،تقول:خذ بدركة الدّلو لا ينقطع،و هو بين الكرب و معقد العناج الأعلى.(1:264)

قال أبو الصّلت في«الدّراك»:

محتزم بدراك الحبل محتجز.

سبط اليدين بعيد السّقي جنّاح

(1:271)

الفرّاء: يقال:الدّرك،و الدّرك،أي أسفل درج في النّار.(1:292)

الأصمعيّ: الدّرك:حبل يوثّق في طرف الحبل الكبير،ليكون هو الّذي يلي الماء،فلا يعفن طرف الرّشاء.(الأزهريّ 10:111)

اللّحيانيّ: و رجل مدركه،بالهاء:سريع الإدراك.

(ابن سيده 6:749)

المتداركة:غير المتواترة،و المتواتر:الشّيء يكون هنيهة ثم يجيء الآخر،فإذا تتابعت فليست متواترة، هي متداركة متتابعة.(ابن سيده 6:750)

الدّرّكة:القطعة الّتي توصل في الحبل إذا قصر،أو الحزام.(ابن سيده 6:751)

ابن الأعرابيّ: الدّرك:الطّبق من أطباق جهنّم.

(الأزهريّ 10:110)

و التّدريك من المطر:أن يدارك القطر،كأنّه يدرك بعضه بعضا.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 6:750)

شمر:الدّرك:أسفل كلّ شيء ذي عمق كالرّكيّة و نحوها.

و قال أبو عدنان:.أدركوا ماء الرّكيّة إدراكا و دركا.

و درك الرّكيّة:قعرها الّذي أدرك فيه الماء.

(الأزهريّ 10:110)

و قال في قوله: (بل ادرك علمهم فى الآخرة) :هذه..

ص: 308


1- القراءة المشهورة: بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ...

الكلمة فيها أشياء،و ذلك أنّا وجدنا الفعل اللاّزم و المتعدّي فيها-في:أفعل و تفاعل و افتعل-واحدا؛ و ذلك أنّك تقول:أدرك الشّيء و أدركته،و تدارك القوم و ادّاركوا و ادّركوا إذا أدرك بعضهم بعضا.

و يقال:تداركته و ادّاركته و ادّركته.[ثمّ استشهد بأشعار](الأزهريّ 10:113)

و روي لنا حرف عن ابن المظفّر،و لم أسمعه لغيره، ذكر أنّه يقال:أدرك الشّيء إذا فني.و إن صحّ فهو في التّأويل:فني علمهم في معرفة الآخرة.

أدرك الشّيء،إذا فني و لا يعرّج على هذا القول، و لكن يقال:أدركت الثّمار إذا انتهى نضجها.

(الأزهريّ 10:114)

ابن دريد :أدركت الرّجل إدراكا،إذا لحقته،فهو مدرك.

و الدّرك أيضا:الاسم من أدركته.

و أدرك الشّجر و غيره،إذا آن أن يؤكل أو يشرب.

و أدرك الغلام و الجارية،إذا بلغا إدراكا.

و الدّرك:القطعة من الحبل تقرن بالأخرى؛ و الجمع:أدراك و دركة و دروك.

و الدّرك أيضا:قعر البئر.و قعر كلّ شيء:دركه.

و الدّرك أيضا:حبل يشدّ بطرف الرّشاء ثمّ يشدّ بعناج الدّلو لئلاّ يأكل الماء الرّشاء.

و ربّما سمّيت الطّريدة:دريكة.

و رجل درك الطّريدة،إذا كان لا تفوته طريدة؛ و الفرس كذلك.

و يوم الدّرك:يوم من أيّام العرب،و أحسبه من أيّام الأوس و الخزرج بينهم.

و من كلامهم:دراك دراك،معدول عن«أدرك».

و الدّرك:المنزلة،و كذلك جاء في التّنزيل: فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:145،فالنّار دركات،و الجنّة درجات،و اللّه أعلم.

و قد سمّت العرب:مدركا و درّاكا و دريكا.

(2:254)

و قوله:«درك الطّريدة»،أي هو إدراك الطّريدة.

و يقال:ما لك في هذا درك،و إنّما هو إدراك.(3:505)

الأزهريّ: سمعت بعض العرب يقول للحبل الّذي يعلّق في حلقة التّصدير فيشدّ به القتب:الدّرك و التّبلغة.

و يقال للحبل الّذي يشدّ به العراقيّ ثمّ يشدّ الرّشاء فيه،و هو مثنيّ: الدّرك.

و درك رشاء السّانية:الّذي يشدّ إليه طرف الرّشاء و يمدّه بعير السّانية.

و العرب تقول:غلمان مداريك،أي بالغون؛جمع مدرك.(الأزهريّ 10:110)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و ادّركته:بمعنى أدركته.

و الإدراك:بلوغ الشّيء إناه،و فناء الشّيء إذا فني.

و الدّرك:لغة في الدّرك.

و يقولون:لا بارك اللّه فيك،و لا دارك و لا تارك.

و امرأة مدارك:لا تشبع من الجماع و لا تبضع.

ص: 309

و تسمّى الحجمة بين الكتفين:المدركة.(6:208)

الجوهريّ: الإدراك:اللّحوق.يقال:مشيت حتّى أدركته،و عشت حتّى أدركت زمانه.

و أدركته ببصري،أي رأيته.

و أدرك الغلام و أدرك الثّمر،أي بلغ.و ربّما قالوا أدرك الدّقيق،بمعنى فني.

و استدركت ما فات و تداركته،بمعنى.

و تدارك القوم،أي تلاحقوا،أي لحق آخرهم أوّلهم.و منه قوله تعالى: حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً الأعراف:38،و أصله:تداركوا،فأدغمت التّاء في الدّال،و اجتلبت الألف ليسلم السّكون.

و تدارك الثّريان،أي أدرك ثرى المطر ثرى الأرض.

و قولهم:دراك،أي أدرك،و هو اسم لفعل الأمر، و كسرت الكاف لاجتماع السّاكنين لأنّ حقّها السّكون للأمر.

و الدّريكة:الطّريدة.

و الدّرك بالتّحريك:قطعة حبل تشدّ في طرف الرّشاء إلى عرقوة الدّلو،ليكون هو الّذي يلي الماء، فلا يعفن الرّشاء.

و الدّرك:التّبعة،يسكّن و يحرّك.يقال:ما لحقك من درك فعليّ خلاصه.

و دركات النّار:منازل أهلها.

و النّار دركات،و الجنّة درجات.

و القعر الآخر:درك و درك.

و الدّراك:المداركة.يقال:داراك الرّجل صوته، أي تابعه.

و دراك أيضا:اسم كلب.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:لا بارك اللّه فيه و لا تارك و لا دارك،كلّه بمعنى.

و مدركة:لقب عمرو بن إلياس بن مضر،لقّبه بها أبوه لمّا أدرك الإبل.

و الدّرّاك:الكثير الإدراك،و قلّما يجيء«فعّال» من أفعل يفعل،إلاّ أنّهم قد قالوا:حسّاس درّاك،لغة أو ازدواج.(4:1582)

ابن فارس: الدّال و الرّاء و الكاف أصل واحد، و هو لحوق الشّيء بالشّيء و وصوله إليه.يقال:

أدركت الشّيء أدركه إدراكا.

و يقال:فرس درك الطّريدة،إذا كانت لا تفوته طريدة.

و يقال:أدرك الغلام و الجارية،إذا بلغا.

و تدارك القوم:لحق آخرهم أوّلهم.و تدارك الثّريان،إذا أدرك الثّرى الثّاني المطر الأوّل.

فأمّا قوله تعالى: بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ النّمل:66،فهو من هذا،لأنّ علمهم أدركهم في الآخرة حين لم ينفعهم.

و الدّرك:القطعة من الحبل تشدّ في طرف الرّشاء إلى عرقوة الدّلو؛لئلاّ يأكل الماء الرّشاء.و هو و إن كان لهذا فبه (1)تدرك الدّلو.و من ذلك الدّرك،و هي منازل أهل النّار.و ذلك أنّ الجنّة درجات،و النّارو.

ص: 310


1- في الهامش:في الأصل:فيه تدرك الدّلو.

دركات.قال اللّه تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:145،و هي منازلهم الّتي يدركونها و يلحقون بها.نعوذ باللّه منها!(2:269)

أبو هلال :الفرق بين العلم و الإدراك:أنّ الإدراك موقوف على أشياء مخصوصة،و ليس العلم كذلك.

و الإدراك يتناول الشّيء على أخصّ أوصافه و على الجملة،و العلم يقع بالمعدوم و لا يدرك إلاّ الموجود.

و الإدراك طريق من طرق العلم،و لهذا لم يجز أن يقوى العلم بغير المدرك قوّته بالمدرك؛أ لا ترى أنّ الإنسان لا ينسى ما يراه في الحال،كما ينسى ما رآه قبل.(70)

الفرق بين الوجدان و الإدراك:أنّ الوجدان في أصل اللّغة:لما ضاع،أو لما يجري مجرى الضّائع،في أن لا يعرف موضعه،و هو على خلاف النّشدان،فأخرج على مثاله.يقال:نشدت الضّالّة إذا طلبتها نشدانا؛ فإذا وجدتها قلت:وجدتها وجدانا،فلمّا صار مصدره موافقا لبناء النّشدان،استدلّ على أنّ «وجدت»هاهنا إنّما هو للضّالّة.

و الإدراك قد يكون لما يسبقك؛أ لا ترى أنّك تقول:وجدت الضّالّة و لا تقول:أدركت الضّالّة،و إنّما يقال:أدركت الرّجل،إذا سبقك ثمّ أتبعته فلحقته.

و أصل الإدراك في اللّغة:بلوغ الشّيء و تمامه.

و منه إدراك الثّمرة،و إدراك الغلام،و إدراكك من تطلب يرجع إلى هذا،لأنّه مبلغ مرادك.و منه قوله تعالى: قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ الشّعراء:

61.

و الدّرك:الحبل يقرن بحبل آخر،ليبلغ ما يحتاج إلى بلوغه.

و الدّرك:المنزلة،لأنّها مبلغ من تجعل له.

ثمّ توسّع في الإدراك و الوجدان فأجريا مجرى واحدا،فقيل:أدركته ببصري و وجدته ببصري و وجدت حجمه بيدي،و أدركت حجمه بيدي، و وجدته بسمعي و أدركته بسمعي،و أدركت طعمه بفمي و وجدت طعمه بفمي،و أدركت ريحه بأنفي و وجدت ريحه بأنفي.

وحّد المتكلّمون الإدراك،فقالوا:هو ما يتجلّى به المدرك تجلّي الظّهور،ثمّ قيل:«يجد»بمعنى يعلم، و مصدره:الوجود؛و ذلك معروف في العربيّة،و منه قول الشّاعر:

وجدت اللّه أكبر كلّ شيء

محاولة و أكثرهم جنودا

أي علمته كذلك،إلاّ أنّه لا يقال للمعدوم:

موجود،بمعنى أنّه معلوم؛و ذلك أنّك لا تسمّي واجدا لما غاب عنك،فإن علمته في الجملة فذلك في المعدوم أبعد و قال اللّه تعالى: يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً النّساء:

110،أي يعلمه كذلك.

و قيل:يجدونه حاضرا،فالوجود هو العلم بالموجود،و سمّي العالم بوجود الشّيء واجدا له لا غير.

و هذا ممّا جرى على الشّيء اسم ما قاربه،و كان من سببه.و من هاهنا يفرق بين الوجود و العلم.(72)

الفرق بين الذّوق و إدراك الطّعم:أنّ الذّوق

ص: 311

ملابسة يحسّ بها الطّعم،و إدراك الطّعم يتبيّن به من ذلك الوجه و غير تضمين ملابسة الحبل و كذلك يقال:

ذقته فلم أجد له طعما.(254)

أبو سهل الهرويّ: إذا لم يدرك بثأره،أي إذا أبطل و أذهب بغير حقّ،لأنّه لم يقتل قاتله،أو لم تأخذ ديته.(14)

ابن سيده: الدّرك:اللّحاق.و قد أدركه.

و رجل درّاك:مدرك،و لم يجئ«فعّال»من «أفعل»إلاّ درّاك،من أدرك،و«جبّار»من أجبره على الحكم:أكرهه،و«سارّ»من قوله:أسأر في الكأس،إذا أبقى فيها سؤرا من الشّراب،و هي البقيّة.

و مدركة:اسم رجل،مشتقّ من ذلك.

و تدارك القوم:لحق آخرهم أوّلهم،و في التّنزيل:

حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً الأعراف:38،و أصله:

تداركوا.

و الدّراك:لحاق الفرس الوحش و غيرها.

و فرس درك الطّريدة:يدركها،كما قالوا:فرس قيد الأوابد،أي إنّه يقيّدها.

و الدّريكة:الطّريدة.

و الدّراك:اتباع الشّيء بعضه على بعض في الأشياء كلّها،و قد تدارك.

و المتدارك من الشّعر:كلّ قافية توالى فيها حرفان متحرّكان بين ساكنين،و هي«متفاعلن،و مستفعلن، و مفاعلن،و فعل»،إذا اعتمد على حرف ساكن،نحو:

فعولن فعل،فاللاّم من«فعل»ساكنة،و النّون من «فعولن»ساكنة،و«فل»،إذا اعتمد على حرف متحرّك،نحو:«فعول فل.»اللاّم من«فل»ساكنة، و الواو من«فعول»ساكنة،سمّي بذلك لتوالي حركتين فيها،و ذلك أنّ الحركات-كما قدّمنا-من آلات الوصل و أماراته،فكأنّ بعض الحركات أدرك بعضا، و لم يعقه عنه اعتراض السّاكن بين المتحرّكين.

و طعنه طعنا دراكا،و شرب شربا دراكا،و ضرب دراك:متتابع.

و استدرك الشّيء بالشّيء:حاول إدراكه به.

و استعمل هذا الأخفش في أجزاء العروض،فقال:

لأنّه لم ينقص من الجزء شيء فيستدركه به.

و أدرك الشّيء:بلغ وقته،و انتهى.و أدرك أيضا:

فني.

و المتدارك من القوافي و من الحروف المتحرّكة:ما اتّفقت فيه حركتان بعدهما ساكن.

و الدّرك،و الدّرك:أقصى قعر الشّيء.

و الدّرك الأسفل في جهنّم،نعوذ باللّه منها:أقصى قعرها.و الجمع:أدراك.

و الدّرك:حبل يوثّق في طرف الحبل الكبير، ليكون هو الّذي يلي الماء،فلا يعفن الرّشاء عند الاستقاء.

و الدّركة:حلقة الوتر الّتي تقع في القرضة.و هي أيضا:سير يوصل بوتر القوس العربيّة.

و يقال:لا بارك اللّه فيه و لا تارك و لا دارك،إتباع.

و يوم الدّرك:يوم معروف من أيّامهم.

و مدرك،و مدركة:اسمان.و مدرك ابن الجازي:

فرس لكلثوم بن الحارث.(6:749)

ص: 312

الدّرك:القطعة من الحبل تقرن بأخرى؛الجمع:

أدراك،و دركة،و دروك.(الإفصاح 2:1017)

الطّوسيّ: الإدراك في اللّغة،فقد يكون بمعنى:

اللّحوق،كقولهم:أدرك قتادة الحسن.و يكون بمعنى:

النّضج،كقولهم:أدركت الثّمرة،و أدركت القدر، و أدرك الغلام،إذا بلغ حال الرّجال.

و أيضا:فإنّ الإدراك إذا أضيف إلى واحد من الحواسّ أفاد ما تلك الحاسّة آلة فيه؛أ لا ترى أنّهم يقولون:أدركته بأذني:يريدون سمعته،و أدركته بأنفي:

يريدون شممته،و أدركته بفمي:يريدون ذقته.و كذلك اذا قالوا:أدركته ببصري:يريدون رأيته؟

و أمّا قولهم:أدركت حرارة الميل ببصري،فغير معروف،و لا مسموع.و مع هذا ليس بمطلق بل هو مقيّد،لأنّ قولهم:حرارة الميل تقييد،لأنّ الحرارة تدرك بكلّ محلّ فيه حياة،و لو قال:أدركت الميل ببصري،لما استفيد به إلاّ الرّؤية.

و قولهم:إنّ الإدراك هو الإحاطة،باطل،لأنّه لو كان كذلك،لقالوا:أدرك الجراب بالدّقيق،و أدرك الحبّ بالماء،و أدرك السّور بالمدينة،لإحاطة جميع ذلك بما فيه،و الأمر بخلاف ذلك.(4:241)

نحوه الطّبرسيّ.(2:343)

فالإدراك الإلحاق،و أدركته ببصري،إذا رأيته، و أدرك قتادة الحسن،أي لحقه،و أدرك الزّرع،إذا لحق ببلوغه،و أدرك الغلام،إذا بلغ،و أدركت القدر،إذا نضجت.(8:28)

نحوه الطّبرسيّ.(4:191)

الرّاغب:الدّرك كالدّرج،لكن الدّرج يقال اعتبارا بالصّعود،و الدّرك اعتبارا بالحدور،و لهذا قيل:درجات الجنّة،و دركات النّار،و لتصوّر الحدور في النّار سمّيت هاوية،و قال تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ النّساء:145.

و الدّرك:أقصى قعر البحر.

و يقال للحبل الّذي يوصل به حبل آخر ليدرك الماء:درك،و لما يلحق الإنسان من تبعة:درك،كالدّرك في البيع،قال تعالى: لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى طه:77،أي تبعة...

و أدرك:بلغ أقصى الشّيء،و أدرك الصّبيّ:بلغ غاية الصّبا؛و ذلك حين البلوغ،قال: حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ يونس:90.

و التّدارك في الإغاثة و النّعمة أكثر،نحو قوله تعالى: لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ القلم:49، و قوله: حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً الأعراف:38، أي لحق كلّ بالآخر.

و قال: بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ النّمل:

66،أي تدارك،فأدغمت التّاء في الدّال،و توصّل إلى السّكون بألف الوصل.و على ذلك قوله تعالى: حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً الأعراف:38،و نحوه:

اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ التّوبة:38،و اِطَّيَّرْنا بِكَ النّمل:47.(167)

الزّمخشريّ: طلبه حتّى أدركه،أي لحق به و أدرك منه حاجته.

و أدرك الثّمر،و أدركت القدر:بلغت إناها.

ص: 313

و تدارك القوم:لحق آخرهم بأوّلهم.

و تدارك الثّريان:أدرك الثّرى الثّاني الثّرى الأوّل.

و رجل درّاك:مدرك لما يرومه.

قالت الخنساء:

اذهب فلا يبعدنك اللّه من رجل

درّاك ضيم و طلاّب بأوتار

و«درّاك»بمعنى أدرك.

و اللّهمّ أعنّي على درك الحاجة أي على إدراكها.

و ما أدركه من درك فعليّ خلاصه،و هو اللّحق من التّبعة أي ما يلحقه منها.

و تداركه اللّه برحمته،و تدارك ما فرط منه بالتّوبة.

و تدارك خطأ الرّأي بالصّواب و استدركه.

و استدرك عليه قوله.

و فرس درك الطّريدة.و تقول:فرس قيد الأوابد و درك الطّرائد.

و بلغ الغوّاص درك البحر،و هو قعره، و منه درك النّار.

و تداركت الأخبار و تلاحقت و تقاطرت.

و دارك الطّعن:تابعه.و طعن دراك.

(أساس البلاغة:129)

الطّبرسيّ: و أصل الدّرك:الحبل الّذي يوصل به الرّشاء،و يعلّق به الدّلو.ثمّ لمّا كان في النّار سفال من جهة الصّورة و المعنى،قيل له:درك و درك.

و جمع الدّرك:أدراك و دروك و جمع الدّرك:أدرك.

(2:130)

ابن الأثير:و في الحديث:«أعوذ بك من درك الشّقاء».الدّرك:اللّحاق و الوصول إلى الشّيء، أدركته إدراكا و دركا.

و منه الحديث:«لو قال:إن شاء اللّه لم يحنث و كان دركا لحاجته».

و فيه ذكر:«الدّرك الأسفل من النّار.»الدّرك بالتّحريك،و قد يسكّن:واحد الأدراك،و هي منازل في النّار.

و الدّرك:إلى أسفل،و الدّرج:إلى فوق.

(2:114)

الفيّوميّ: أدركته،إذا طلبته فلحقته،و أدرك الغلام:بلغ الحلم،و أدركت الثّمار:نضجت،و أدرك الشّيء:بلغ وقته.

و أدرك الثّمن المشتري:لزمه،و هو لحوق معنويّ.

و الدّرك بفتحتين؛-و سكون الرّاء لغة-:اسم من أدركت الشّيء؛و منه ضمان الدّرك.

و المدرك بضمّ الميم يكون:مصدرا،و اسم زمان و مكان.تقول:أدركته مدركا أي إدراكا،و هذا مدركه،أي موضع إدراكه و زمن إدراكه.

و مدارك الشّرع:مواضع طلب الأحكام،و هي حيث يستدلّ بالنّصوص و الاجتهاد،من مدارك الشّرع.

و الفقهاء يقولون في الواحد:مدرك،بفتح الميم، و ليس لتخريجه وجه،و قد نصّ الأئمّة على طرد الباب،فيقال:«مفعل»بضمّ الميم،من«أفعل».

و استثنيت كلمات مسموعة خرجت عن القياس،

ص: 314

قالوا:المأوى من آويت،و لم يسمع فيه الضّمّ،و قالوا:

المصبح و الممسى:لموضع الإصباح و الإمساء و لوقته.

و المخدع من أخدعت الشّيء،و أجزأت عنك مجزأ فلان،بالضّمّ في هذه على القياس،و بالفتح شذوذا.و لم يذكروا المدرك فيما خرج عن القياس، فالوجه الأخذ بالأصول القياسيّة حتّى يصحّ سماع.

و قد قالوا:الخارج عن القياس لا يقاس عليه،لأنّه غير مؤصّل في بابه.

و تدارك القوم:لحق آخرهم أوّلهم.

و استدركت ما فات و تداركته.

و أصل التّدارك:اللّحوق.

يقال:أدركت جماعة من العلماء،إذا لحقتهم.

و«دارك»قيل:قرية من قرى أصبهان قاله النّوويّ رحمه اللّه.(1:192)

الفيروزآباديّ: الدّرك،محرّكة:اللّحاق.أدركه:

لحقه.و رجل درّاك و مدركة و مدرك.

و تداركوا:لحق آخرهم أوّلهم.

و الدّراك،ككتاب:لحاق الفرس الوحش،و اتباع الشّيء بعضه على بعض.

و المتدارك:قافية توالى فيها حرفان متحرّكان بين ساكنين ك«متفاعلن و فعولن فعل و فعول فل»،كأنّ بعض الحركات أدرك بعضا،و لم يعقه عنه اعتراض ساكن بين المتحرّكين.

و التّدريك من المطر:أن يدارك القطر.

و استدرك الشّيء بالشّيء:حاول إدراكه به.

و أدرك الشّيء:بلغ وقته و انتهى،و فني.

و اِدّارَكُوا فِيها جَمِيعاً الأعراف:38،أصله:

تداركوا.

و بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ النّمل:66، جهلوا علمها،و لا علم عندهم من أمرها.و الدّرك، و يسكّن:التّبعة،و أقصى قعر الشّيء،؛جمعه:أدراك، و حبل يوثّق في طرف الحبل الكبير،ليكون هو الّذي يلي الماء.

و الدّركة،بالكسر:حلقة الوتر و سير يوصل بوتر القوس،و قطعة توصل في الحزام إذا قصر.

و لا بارك اللّه تعالى فيه و لا دارك:إتباع.

و يوم الدّرك،محرّكة:كان بين الأوس و الخزرج.

و المداركة:الّتي لا تشبع من الجماع.و المدركة كمحسنة:ماءة لبني يربوع،.و الحجمة بين الكتفين.

و ككتاب:كلب.

و كقطام،أي أدرك.

و كسفينة:الطّريدة.

و دركات النّار،محرّكة:منازل أهلها.(3:310)

الطّريحيّ: و الدّرك بالتّحريك-و يسكّن أيضا- :اللّحاق و التّبعة.

و منه الدّعاء:«و أعوذ بك من درك الشّقاء».

و الشّقاء بالفتح و المدّ:الشّقاوة الّتي هي خلاف السّعادة.

و منه قوله:«ما لحقك من درك فعليّ خلاصة» أي تبعة.

و الإدراك:اللّحوق.يقال:مشيت حتّى أدركته، أي لحقته.

ص: 315

و منه الحديث:«أدركت خيرا منّي و منك لا يختضب».

و منه:«لو أدركت عكرمة لنفعته».

و فيه:«قد يكون اليأس إدراكا و الطّمع هلاكا».

و«عشت حتّى أدركت الإجابة»،أي لحقتها.

و اللّه تعالى مدرك أي عالم بالمدركات.

و الإدراك هو اطّلاع الحيوان على الأمور الخارجيّة بواسطة الحواسّ،و هو زائد على العلم في حقّنا لا في حقّ الحقّ تعالى،لأنّا نعلم قطعا بحرارة النّار، و نحسّ بأمر زائد عند المباشرة.و ذلك إنّما هو بواسطة الحواسّ.

و الباري تعالى لمّا كان منزّها عن الحواسّ الّتي هي من صفات الأجسام،لم يبق من معناه إلاّ علمه بالمدركات،كعلمه بالصّوت الّذي يدركه السّمع و نحو ذلك.(5:264)

العدنانيّ: الدّرج،و الدّرك

و يخطّئون من يسمّي ما ينحدر فيه:درجا، و يقولون:يجب أن يسمّى:دركا أو دركا،لأنّ الدّرج هو ما يرتقى فيه.و يعتمدون على:

1-الآية:83،من سورة الأنعام: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. و قد جاءت «الدّرجات»للارتفاع و الارتقاء أربع عشرة مرّة في القرآن الكريم.

2-و على الآية:145،من سورة النّساء: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً.

3-و على الحديث الشّريف:«إنّ الجنّة درجات و النّار دركات».و لكنّ الزّمخشريّ يرى في «الأساس»:أنّ الدّرك هو القعر.

و يرى الآلوسيّ في«كشف الطّرّة»:أنّ ما ينحدر فيه يرتقى فيه أيضا.

و أرى أنا أنّ الّذي ترفعه أعماله في الدّنيا درجات في الجنّة،يظلّ في المكانة السّامية الّتي ارتقى إليها.

و الّذي ينحدر إلى إحدى دركات جهنّم،يستقرّ فيها، و لا أمل له في الارتقاء إلى مكانة يكون فيها العذاب أقلّ من الدّركة الّتي كان فيها.لذا قل:ارتقيت في الدّرج و انحدرت فيه.(معجم الأخطاء الشّائعة:88)

مجمع اللّغة :أدركه:لحقه،و اسم المفعول:

مدرك؛و جمعه:مدركون.

أدرك البصر المرئيّ: رآه.

الدّرك بفتح الرّاء:اللّحاق و الإدراك.

تداركه:أدركه،و أكثر ما يكون ذلك في الإغاثة و النّعمة.

ادّارك:تتابع،و أصله:تدارك،فحوّل بالإدغام.

الدّرك بسكون الرّاء:قعر الشّيء ذي العمق.

فدرك البئر:أسفله؛و يجمع على:أدراك.

و أدراك جهنّم:طبقاتها و منازلها.(1:388)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:186)

محمود شيت:و رجال الدّرك:الشّرطيّون، لإدراكهم الفارّ و المجرم.

و الدّركة:حلقة الوتر،و سير يوصل بوتر القوس؛ جمعه:درك.

ص: 316

أدرك الجند:تلاحقوا،فلحق كلّ منهم الآخر.

تدارك الأخبار:تتابعت.تداركت الأخبار:

تتابعت.

الدّرك:صنف من قوات الدّولة،للأمن الدّاخليّ، و للقضاء على التّمرّد البسيط،فواجبهم يجمع إلى حدّ ما بين واجب الشّرط و واجب الجيش.

و للدّرك نظام خاصّ و قانون خاصّ.(1:241)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الوصول و الإحاطة،سواء كان المحيط أمرا مادّيّا أو معنويّا،و كذلك فيما يحاط و يسلّط عليه.فيقال: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ يس،:40، لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ الأنعام:103، أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ النّساء:78.

و قد سبق في«الحسّ»:أنّ المحيط فيه أمر معقول، و في«الحوط»:أنّ الرّعاية و الحفظ مأخوذان في معنى الإحاطة.

و أمّا مفاهيم اللّحوق و البلوغ و الحدور:فمن لوازم الأصل،فإنّ التّسلّط و الإحاطة و الوصول تلازم تلك المفاهيم.

و الفعل المجرّد من هذه المادّة لم يستعمل.و التّدارك «تفاعل»:يدلّ على الاستدامة،و المطاوعة و الاختيار،و كذلك الادّارك فإنّ أصله التّدارك كالاشّاعر و الاثّاقل في التّشاعر و التّثاقل،و لعلّ صيغة الادّارك بمناسبة التّشديد في حروفه،تدلّ على شدّة و تأكّد...

الدّرك:فعل يدلّ على ما يتحصّل و يتحقّق من الفعل في الخارج،كالكرم و الشّرف من الإكرام و الإشراف.فالدّرك هو المتحصّل في الخارج في أثر الإدراك أي ما يتراءى بعد الوصول و الاستيلاء من الفعل.(3:202)

النّصوص التّفسيريّة

ادركه

وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ. يونس:90

ابن عبّاس: ألجمه.(179)

الطّبريّ: حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ يقول:حتّى إذا أحاط به الغرق.و في الكلام متروك،قد ترك ذكره لدلالة ما ظهر من الكلام عليه؛و ذلك: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً، فيه:«فغرّقناه».

(6:604)

الثّعلبيّ: أي أحاط به.(5:147)

البغويّ: أي غمره الماء و قرب هلاكه.(2:432)

ابن عطيّة: و قوله: أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ أي في البحر.و روي في ذلك:أنّ فرعون لمّا انتهى إلى البحر فوجده قد انفرق،و مشى فيه بنو إسرائيل،قال لقومه:

إنّما انفلق بأمري،و كان على فرس ذكر،فبعث اللّه جبريل على فرس أنثى وديق،فدخل بها البحر و لجّ فرس فرعون وراءه،و حثّت الجيوش خلفه،فلمّا رأى الانفراق يثبت له استمرّ،و بعث اللّه ميكائيل يسوق النّاس حتّى حصل جميعهم في البحر،فانطبق

ص: 317

عليهم حينئذ.(3:140)

نحوه أبو حيّان.(5:188)

الطّبرسيّ: أي وصل إليه الغرق،و أيقن بالهلاك.

(3:131)

ابو الفتوح :يعني وجده الغرق.(10:197)

القرطبيّ: أي ناله و وصله.(8:377)

البيضاويّ: لحقه.(1:456)

مثله الشّربينيّ.(2:35)

أبو السّعود :أي لحقه و ألجمه.(3:270)

نحوه البروسويّ(4:76)،و الشّوكانيّ(2:587).

الآلوسيّ: أي لحقه،و المراد بلحوقه إيّاه:وقوعه فيه و تلبّسه بأوائله.و قيل:معنى أدركه:قارب إدراكه.ك«جاء الشّتاء فتأهّب»لأنّ حقيقة اللّحوق تمنعه من القول الّذي قصّه سبحانه بقوله جلّ شأنه:

قالَ آمَنْتُ. (11:181)

رشيد رضا :أي فخاض البحر وراءهم حتّى إذا وصل إلى حدّ الغرق.(11:475)

نحوه المراغيّ.(11:151)

ابن عاشور :(حتى)ابتدائيّة لوقوع(اذا) الفجائيّة بعدها،و هي غاية للإتباع،أي استمرّ إتباعه إيّاهم إلى وقت إدراك الغرق إيّاه،كلّ ذلك لا يفتأ يجدّ في إدراكهم إلى أن أنجى اللّه بني إسرائيل فاخترقوا البحر،و ردّ اللّه غمرة الماء على فرعون و جنوده، فغرقوا و هلك فرعون غريقا.فمنتهى الغاية هو الزّمان المستفاد من(اذا،)و الجملة المضافة هي إليها،و في ذلك إيجاز حذف.

و التّقدير:حتّى أدركه الغرق،فإذا أدركه الغرق قالَ آمَنْتُ، لأنّ الكلام مسوق لكون الغاية و هي إدراك الغرق إيّاه فعند ذلك انتهى الاتباع،و ليست الغاية هي قوله:(امنت)و إن كان الأمران متقارنين.

و الإدراك:اللّحاق و انتهاء السّير.و هو يؤذن بأنّ الغرق دنا منه تدريجيّا بهول البحر و مصارعته الموج، و هو يأمل النّجاة منه،و أنّه لم يظهر الإيمان حتّى أيس من النّجاة و أيقن بالموت،و ذلك لتصلّبه في الكفر.

و تركيب الجملة إيجاز،لأنّها قامت مقام خمس جمل:

جملة:تفيد أنّ فرعون حاول اللّحاق ببني إسرائيل إلى أقصى أحوال الإمكان و الطّمع في اللّحاق.

و جملة:تفيد أنّه لم يلحقهم.و هاتان مستفادان من (حتى)و هاتان منّة على بني إسرائيل.

و جملة:تفيد أنّه غمره الماء فغرق.و هذه مستفادة من قوله: أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ و هي عقوبة له و كرامة لموسى عليه السّلام.

و جملة:تفيد أنّه لم يسعه إلاّ الإيمان باللّه،لأنّه قهرته أدلّة الإيمان.و هذه مستفادة من ربط جملة إيمانه بالظّرف في قوله: إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ. و هذه منقبة للإيمان و أنّ الحقّ يغلب الباطل في النّهاية.

و جملة:تفيد أنّه ما آمن حتّى أيس من النّجاة لتصلّبه في الكفر،و مع ذلك غلبه اللّه.و هذه موعظة للكافرين و عزّة للّه تعالى.

و قد بني نظم الكلام على جملة إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ و جعل ما معها كالوسيلة إليها،فجعلت

ص: 318

(حتى)لبيان غاية الاتباع و جعلت الغاية أن قال:

(امنت)لأنّ اتباعه بني إسرائيل كان مندفعا إليه بدافع حنقه عليهم،لأجل الدّين الّذي جاء به رسولهم ليخرجهم من أرضه،فكانت غايته إيمانه بحقّهم.

(11:169)

تدركه

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. الأنعام:103

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:لو أنّ الجنّ و الإنس و الشّياطين و الملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفّوا صفّا واحدا ما أحاطوا باللّه أبدا.(ابن كثير 3:74)

إنّكم سترون ربّكم عيانا.(البغويّ 2:148)

الإمام عليّ عليه السّلام: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ لا تحيط به الأوهام، وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ يعني يحيط بها.

(الكاشانيّ 2:145)

عائشة:من حدّثك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم رأى ربّه فقد كذب! لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، الشّورى:51،و لكن قد رأى جبريل في صورته مرّتين.(الطّبريّ 5:295)

من قال:إنّ أحدا رأى ربّه فقد أعظم الفرية على اللّه!قال اللّه: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. (الطّبريّ 5:296)

ابن عبّاس: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ في الدّنيا، و لا يرى الخلق ما يرى هو،و تنقطع دونه الأبصار بالكيفيّة في الآخرة و بالرّؤية في الدّنيا وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ في الدّنيا و الآخرة،و يرى ما لم ير الخلق، و لا يخفى عليه شيء،و لا يفوته.(116)

لا يحيط بصر أحد بالملك.(الطّبريّ 5:294)

لا تدركه الأبصار في الدّنيا،و هو يرى في الآخرة.

(البغويّ 2:149)

مثله مقاتل(البغويّ 2:149)،و نحوه الحسن (ابن الجوزيّ 3:98).

لا تحيط به الأبصار.(ابن الجوزيّ 3:98)

مثله ابن المسيّب و عطاء.(ابن الجوزيّ 3:98)

لا تدركه الأبصار إذا تجلّى بنوره الّذي هو نوره.

(ابن الجوزيّ 3:98)

لا تحيط به و هو يحيط بها.(القرطبيّ 7:54)

كلّت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به.

(الخازن 2:138)

مثله عطاء.(البغويّ 2:149)

الحسن :في الدّنيا.و يراه أهل الجنّة في الجنّة.

(الواحديّ 2:307)

العوفيّ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيمة:22،23،هم ينظرون إلى اللّه لا تحيط أبصارهم به من عظمته،و بصره يحيط بهم فذلك قوله:

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ. (الطّبريّ 5:294)

الإمام الباقر عليه السّلام:أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون،أنت قد تدرك بوهمك«السّند و الهند»و البلدان الّتي لم تدخلها و لم تدركها ببصرك،و أوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟!(الكاشانيّ 2:145)

ص: 319

قتادة:و هو أعظم من أن تدركه الأبصار.

(الطّبريّ 5:294)

الإمام الصّادق عليه السّلام:يعني إحاطة الوهم؛ أ لا ترى إلى قوله: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ الأنعام:104،ليس يعني بصر العيون، فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ الأنعام:104،ليس يعني من البصر بعينه، وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها الأنعام:104،لم يعن عمى العيون،إنّما عني إحاطة الوهم،كما يقال:فلان بصير بالشّعر،و فلان بصير بالفقه،و فلان بصير بالدّراهم، و فلان بصير بالثّياب،اللّه أعظم من أن يرى بالعين.

(الكاشانيّ 2:145)

السّدّي:لا يراه شيء،و هو يرى الخلائق.(249)

الإمام الرّضا عليه السّلام:يا أبا العبّاس من وصف اللّه بخلاف ما وصف به نفسه،فقد أعظم الفرية على اللّه، قال اللّه: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. هذه(الابصار)ليست هى الأعين، إنّما هي الأبصار الّتي في القلب،لا يقع عليه الأوهام و لا يدرك كيف هو.(العيّاشيّ 2:114)

[في حديث]:قال أبو قرّة:إنّا روينا أنّ اللّه قسّم الرّؤية و الكلام بين نبيّين،فقسّم الكلام لموسى، و لمحمّد الرّؤية.

فقال أبو الحسن عليه السّلام فمن المبلّغ عن اللّه إلى الثّقلين من الجنّ و الإنس: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ. الأنعام:

103، وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11،أ ليس محمّد صلّى اللّه عليه و آله قال:

بلى.

قال:كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنّه جاء من عند اللّه و أنّه يدعوهم إلى اللّه بأمر اللّه، فيقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ و لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، ثمّ يقول:أنا رأيته بعيني،و أحطت به علما،و هو على صورة البشر؟أ ما يستحيون؟ما قدرت الزّنادقة أن ترميه بهذا،أن يكون يأتي من عند اللّه بشيء،ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر؟

قال أبو قرّة:فإنّه يقول: وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى النّجم:13.

فقال أبو الحسن عليه السّلام:إنّ بعد هذه الآية ما يدلّ على ما رأى؛حيث قال: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى النّجم:11،يقول:ما كذب فؤاد محمّد ما رأته عيناه، ثمّ أخبر بما رأى،فقال: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى النّجم:18،فآيات اللّه غير اللّه،و قد قال اللّه: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110،فإذا رأته الأبصار فقد أحاطت به العلم و وقعت المعرفة.

فقال أبو قرّة:فتكذّب بالرّوايات؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام:إذا كانت الرّوايات مخالفة للقرآن،كذّبتها،و ما أجمع المسلمون عليه أنّه لا يحاط به علما،و لا تدركه الأبصار،و ليس كمثله شيء.

(البحرانيّ 4:23)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ. [ثمّ ذكر اختلافهم في رؤية اللّه بالعيون في كلام طويل،فلاحظ]

(5:294)

الزّجّاج: أعلم عزّ و جلّ أنّه يدرك الأبصار.و في

ص: 320

هذا الإعلام دليل أنّ خلقه لا يدركون الأبصار،أي لا يعرفون كيف حقيقة البصر،و ما الشّيء الّذي صار به الإنسان،يبصر بعينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه،فأعلم أنّ خلقا من خلقه لا يدرك المخلوقون كنهه،و لا يحيطون بعلمه،فكيف به عزّ و جلّ:فالأبصار لا تحيط به وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟!

فأمّا ما جاء من الأخبار في الرّؤية و صحّ عن رسول اللّه فغير مدفوع.

و ليس في هذه الآية دليل على دفعه،لأنّ معنى هذه الآية معنى إدراك الشّيء،و الإحاطة بحقيقته.

و هذا مذهب أهل السّنّة و العلم و الحديث.(2:278)

القمّيّ: و قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، أي لا تحيط به، وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، أي يحيط بها، و خلق كلّ شيء.(1:212)

الماورديّ: فيه لأهل التّأويل خمسة أقاويل:

أحدها:معناه لا تحيط به الأبصار،و هو يحيط بالأبصار.و اعتلّ قائل هذا بقوله: حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ يونس:90،فوصف اللّه الغرق بأنّه أدرك فرعون،و ليس الغرق موصوفا بالرّؤية،كذلك الإدراك هنا،و ليس ذلك بمانع من الرّؤية بالأبصار، غير أنّ هذا اللّفظ لا يقتضيه و إن دلّ عليه قوله:

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. القيمة:23.

و القول الثّاني:معناه لا تراه الأبصار و هو يرى الأبصار.و اعتلّ قائلو ذلك بأمرين:

أحدهما:أنّ الأبصار ترى ما بينها و لا ترى ما لاصقها،و ما بين البصر فلا بدّ أن يكون بينهما فضاء، فلو رأته الأبصار لكان محدودا،و لخلا منه مكان، و هذه صفات الأجسام الّتي يجوز عليها الزّيادة و النّقصان.

و الثّاني:أنّ الأبصار تدرك الألوان،كما أنّ السّمع يدرك الأصوات،فلمّا امتنع أن يكون ذا لون امتنع أن يكون مرئيّا،كما أنّ ما امتنع أن يكون ذا صوت امتنع أن يكون مسموعا.

و القول الثّالث:لا تدركه أبصار الخلق في الدّنيا، بدليل قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ و تدركه في الآخرة بدليل قوله: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيمة:23،و هو يدرك الأبصار في الدّنيا و الآخرة.

و الرّابع:لا تدركه أبصار الظّالمين في الدّنيا و الآخرة،و تدركه أبصار المؤمنين،و هو يدرك الأبصار في الدّنيا و الآخرة،لأنّ الإدراك له كرامة تنتفي عن أهل المعاصي.

و القول الخامس:أنّ الأبصار لا تدركه في الدّنيا و الآخرة،و لكنّ اللّه يحدث لأوليائه حاسّة سادسة سوى حواسّهم الخمس يرونه بها،اعتلالا بأنّ اللّه أخبر برؤيته.فلو جاز أن يرى في الآخرة بهذه الأبصار و إن زيد في قواها،جاز أن يرى بها في الدّنيا و إن ضعفت قواها بأضعف من رؤية الآخرة،لأنّ ما خلق لإدراك شيء لا يعدم إدراكه.و إنّما يختلف الإدراك بحسب اختلاف القوّة و الضّعف،فلمّا كان هذا مانعا من الإدراك و قد أخبر اللّه تعالى بإدراكه، اقتضى أن يكون ما أخبر به حقّا لا يدفع بالشّبه؛و ذلك بخلق حاسّة أخرى يقع بها الإدراك.(2:151)

ص: 321

الطّوسيّ: في هذه الآية دلالة واضحة على أنّه تعالى لا يرى بالأبصار،لأنّه تمدّح بنفي الإدراك عن نفسه.و كلّما كان نفيه مدحا غير متفضّل به فإثباته لا يكون إلاّ نقصا،و النّقص لا يليق به تعالى.

فإذا ثبت أنّه لا يجوز إدراكه،و لا رؤيته،و هذه الجملة تحتاج إلى بيان أشياء:

أحدها:أنّه تعالى تمدّح بالآية.

و الثّاني:أنّ الإدراك هو الرّؤية.

و الثّالث:أنّ كلّما كان نفيه مدحا لا يكون إثباته إلاّ نقصا.

و الّذي يدلّ على تمدّحه شيئان:

أحدهما:إجماع الأمّة،فإنّه لا خلاف بينهم في أنّه تعالى تمدّح بهذه الآية،فقولنا:تمدّح بنفي الإدراك عن نفسه لاستحالته عليه.

و قال المخالف:تمدّح لأنّه قادر على منع الأبصار من رؤيته،فالإجماع حاصل على أنّ فيها مدحة.

و الثّاني:أنّ جميع الأوصاف الّتي وصف بها نفسه -قبل هذه الآية و بعدها-مدحة،فلا يجوز أن يتخلّل ذلك ما ليس بمدحة.

و الّذي يدلّ على أنّ الإدراك يفيد الرّؤية أنّ أهل اللّغة لا يفرّقون بين قولهم:أدركت ببصري شخصا، و آنست،و أحسست ببصري.و أنّه يراد بذلك أجمع الرّؤية.فلو جاز الخلاف في الإدراك،لجاز الخلاف فيما عداها من الأقسام.[إلى أن قال:]

و قوله: حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ يونس:90، فليس المراد به الإحاطة بل المعنى حتّى إذا لحقه الغرق، كما يقولون:أدركت فلانا إذا لحقته،و مثله فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ الشّعراء:61،أي لملحقون.و الّذي يدلّ على أنّ المدح إذا كان متعلّقا بنفي،فإثباته لا يكون إلاّ نقصا،قوله:

لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ البقرة:255،و قوله: مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ المؤمنون:91، لما كان مدحا متعلّقا بنفي،فلو ثبت في حال لكان نقصا.

فإن قيل:كيف يتمدّح بنفي الرّؤية و مع هذا يشاركه فيها ما ليس بممدوح من المعدومات و الضّمائر؟

قلنا:إنّما كان ذلك مدحا بشرط كونه مدركا للأبصار،و بذلك يميّز من جميع الموجودات،لأنّه ليس في الموجودات ما يدرك و لا يدرك.

فإن قيل:و لم إذا كان يدرك و لا يدرك يجب أن يكون ممدوحا؟

قلنا:قد ثبت أنّ الآية مدحة بما دلّلنا عليه،و لا بدّ فيها من وجه مدحة،فلا يخلو من أحد وجهين:إمّا أن يكون وجه المدحة أنّه يستحيل رؤيته مع كونه رائيّا أو ما قالوه من أنّه يقدر على منع الأبصار من رؤيته بأن لا يفعل فيها الإدراك،و ما قالوه باطل لقيام الدّلالة على أنّ الإدراك ليس بمعنى الإحاطة،فإذا بطل ذلك لم يبق إلاّ ما قلناه،و إلاّ خرجت الآية من كونها مدحة.

و قد قيل:إنّ وجه المدحة في ذلك أنّ من حقّ المرئيّ أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل؛و ذلك يدلّ على مدحته،و هذا دليل من أصل المسألة لا يمكن أن يكون جوابا في الآية.

ص: 322

فإن قيل:إنّه تعالى نفى أن تكون الأبصار تدركه، فمن أين أنّ المبصرين لا يدركونه؟

قلنا:الأبصار لا تدرك شيئا البتّة،فلا اختصاص لها به دون غيره.و أيضا فإنّ العادة أن يضاف الإدراك إلى الأبصار و يراد به:ذووا الأبصار،كما يقولون:بطشت يدي،و سمعت أذني،و تكلّم لساني،و يراد به أجمع ذووا الجارحة.

فإن قيل:إنّه تعالى نفى أنّ جميع المبصرين لا يدركونه،فمن أين أنّ البعض لا يدركونه و هم المؤمنون؟

قلنا:إذا كان تمدّحه في استحالة الرّؤية عليه لما قدّمناه،فلا اختصاص لذلك براء دون راء،و لك أن تستدلّ بأن تقول:هو تعالى نفى الإدراك عن نفسه نفيا عامّا،كما أنّه أثبت لنفسه ذلك عامّا،فلو جاز أن يخصّ ذلك بوقت دون وقت لجاز مثله في كونه مدركا.

و إذا ثبت نفي إدراكه على كلّ حال،فكلّ من قال بذلك قال:الرّؤية مستحيلة عليه.

و من أجاز الرّؤية لم ينفها نفيا عامّا،فالقول بنفيها عموما مع جواز الرّؤية عليه:قول خارج عن الإجماع.

فإن عورضت هذه الآية بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. القيمة:22،23،فإنّا نبيّن أنّه لا تعارض بينهما و أنّه ليس في هذه الآية ما يدلّ على جواز الرّؤية إذا انتهينا إليها إن شاء اللّه.(4:240)

نحوه أبو الفتوح.(7:399)

القشيريّ: قدّس الصّمديّة عن كلّ لحوق و درك، فأنّى بالإدراك و لا حدّ له و لا طرف.(2:188)

الواحديّ: الإدراك:الإحاطة بكنه الشّيء و حقيقته،و هو غير الرّؤية،لأنّه يصحّ أن يقال:رآه و ما أدركه.فالأبصار ترى الباري عزّ و جلّ و لا تحيط به،كما أنّ القلوب تعرفه و لا تحيط به،قال تعالى:

وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110،.قال ابن عبّاس في رواية عطاء:كلّت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به،و قال سعيد بن المسيّب:لا تحيط به الأبصار.

و على هذا التّفسير نقول:إنّ الباري سبحانه يرى و لا يدرك،لأنّ معنى الإدراك:الإحاطة بالمرئيّ،و إنّما يجوز ذلك على من كان محدودا و له جهات.

و ذهب جماعة من أهل التّفسير إلى تخصيص هذه الآية.قال ابن عبّاس في رواية أبي صالح:تنقطع عنه الأبصار في الدّنيا.و قال مقاتل:لا تراه الأبصار في الدّنيا،و هو يرى في الآخرة.

و الدّليل على أنّ هذه الآية مخصوصة بالدّنيا، قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيمة:22،23،فقيّد النّظر إليه بيوم القيامة و أطلق في هذه،و المطلق يحمل على المقيّد.[ثمّ ذكر قول الحسن،و قال:]

و إنّما خصّ(الابصار)بإدراكه إيّاها مع أنّه يدرك كلّ شيء للمعنى الّذي ذكرنا،لأنّ غير اللّه تعالى لا يجوز أن يرى البصر و لا يراه البصر.(2:306)

نحوه الميبديّ.(3:446)

الرّاغب: فمنهم من حمل ذلك على البصر الّذي هو الجارحة،و منهم من حمله على البصيرة،و ذكر أنّه قد نبّه به على ما روي عن أبي بكر رضي اللّه عنه في

ص: 323

قوله:«يا من غاية معرفته القصور عن معرفته»إذ كان غاية معرفته تعالى أن تعرف الأشياء فتعلم أنّه ليس بشيء منها،و لا بمثلها،بل هو موجد كلّ ما أدركته.

(168)

البغويّ: يتمسّك أهل الاعتزال بظاهر هذه الآية في نفي رؤية اللّه عزّ و جلّ.و مذهب أهل السّنّة:إثبات رؤية اللّه عزّ و جلّ عيانا،كما جاء به القرآن و السّنّة، قال اللّه تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيمة:22،23، كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ المطفّفين:15.

قال مالك رضي اللّه عنه:لو لم ير المؤمنون ربّهم يوم القيامة لم يعيّر اللّه الكفّار بالحجاب،و قرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ يونس:26، و فسّره بالنّظر إلى وجه اللّه عزّ و جلّ.

و أمّا قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ فاعلم أنّ الإدراك غير الرّؤية،لأنّ الإدراك هو الوقوف على كنه الشّيء و الإحاطة به،و الرّؤية:المعاينة،و قد تكون الرّؤية بلا إدراك،قال اللّه تعالى في قصّة موسى عليه السّلام:

فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ* قالَ كَلاّ الشّعراء:61،62،و قال:

لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى طه:77،فنفى الإدراك مع إثبات الرّؤية،فاللّه عزّ و جلّ يجوز أن يرى من غير إدراك و إحاطة،كما يعرف في الدّنيا و لا يحاط به،قال اللّه تعالى: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110،فنفى الإحاطة مع ثبوت العلم.[ثمّ نقل بعض الأقوال و قال:]

قوله تعالى: وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ لا يخفى عليه شيء و لا يفوته.(2:148)

الزّمخشريّ: [تقدّم كلامه في ب ص ر:

«الأبصار».فراجع.(2:41)

ابن عطيّة: أجمع أهل السّنة على أنّ اللّه تعالى يرى يوم القيامة يراه المؤمنون،و قاله ابن وهب عن مالك بن أنس.

و الوجه أن يبيّن جواز ذلك عقلا،ثمّ يستند إلى ورود السّمع بوقوع ذلك الجائز،و اختصار تبيين ذلك يعتبر بعلمنا باللّه عزّ و جلّ،فمن حيث جاز أن نعلمه لا في مكان و لا متحيّز و لا مقابل،و لم يتعلّق علمنا بأكثر من الوجود،جاز أن نراه غير مقابل و لا محاذي و لا مكيّفا و لا محدودا.

و كان الإمام أبو عبد اللّه النّحويّ يقول:مسألة العلم حلقت لحى المعتزلة ثمّ ورد الشّرع بذلك و هو قوله عزّ و جلّ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. القيمة:22،23.

و تعدية النّظر ب«إلى» (1)إنّما هو في كلام العرب لمعنى الرّؤية لا لمعنى الانتظار،على ما ذهبت إليه المعتزلة.و ذكر هذا المذهب لمالك فقال:فأين هم عن قوله تعالى: كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ المطفّفين:15،بدليل الخطاب؟ذكره النّقّاش.

و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:فيما صحّ عنه و تواتر و كثر نقله:«إنّكم ترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر!!

ص: 324


1- في الأصل:«يأتي»!!

ليلة البدر»و نحوه من الأحاديث على اختلاف ترتيب ألفاظها.

و ذهبت المعتزلة إلى المنع من جواز رؤية اللّه تعالى يوم القيامة،و استحال ذلك بآراء مجرّدة،و تمسّكوا بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ.

و انفصل أهل السّنّة عن تمسّكهم بأنّ الآية مخصوصة في الدّنيا،و رؤية الآخرة ثابتة بأخبارها.

و انفصال آخر و هو أن يفرّق بين معنى الإدراك و معنى الرّؤية.

و نقول:إنّه عزّ و جلّ تراه الأبصار و لا تدركه، و ذلك[أنّ]الإدراك يتضمّن الإحاطة بالشّيء و الوصول إلى أعماقه و حوزه من جميع جهاته،و ذلك كلّه محال في أوصاف اللّه عزّ و جلّ.

و الرّؤية لا تفتقر إلى أن يحيط الرّائي بالمرئيّ، و يبلغ غايته.و على هذا التّأويل يترتّب العكس في قوله: وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ و يحسن معناه.

و نحو هذا روي عن ابن عبّاس و قتادة و عطيّة العوفيّ فرّقوا بين الرّؤية و الإدراك.و أمّا الطّبريّ رحمه اللّه ففرّق بين الرّؤية و الإدراك،و احتجّ بقول بني إسرائيل: إِنّا لَمُدْرَكُونَ الشّعراء:61،فقال:إنّهم رأوهم و لم يدركوهم.

و هذا كلّه خطأ،لأنّ هذا الإدراك ليس بإدراك البصر بل هو مستعار منه أو باشتراك.

و قال بعضهم:إنّ المؤمنين يرون اللّه تعالى بحاسّة سادسة تخلق يوم القيامة و تبقى هذه الآية في منع الإدراك بالأبصار عامّة سليمة.

و قال بعضهم:إنّ هذه الآية مخصوصة في الكافرين،أي إنّه لا تدركه أبصارهم،لأنّهم محجوبون عنه،و هذه الأقوال كلّها ضعيفة،و دعاو لا تستند إلى قرآن و لا حديث.(2:330)

الطّبرسيّ: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ أي لا تراه العيون،لأنّ الإدراك متى قرن بالبصر،لم يفهم منه إلاّ الرّؤية،كما أنّه إذا قرن بآلة السّمع،فقيل:أدركت بأذني،لم يفهم منه إلاّ السّماع،و كذلك إذا أضيف إلى كلّ واحد من الحواسّ،أفاد ما تلك الحاسّة آلة فيه.

فقولهم:أدركته بفمي،معناه:وجدت طعمه،و أدركته بأنفي،معناه:وجدت رائحته. وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ. تقديره:لا تدركه ذوو الأبصار،و هو يدرك ذوي الأبصار،أي المبصرين،و معناه:أنّه يرى و لا يرى،و بهذا خالف سبحانه جميع الموجودات،لأنّ منها ما يرى و يرى كالأحياء،و منها ما يرى و لا يرى كالجمادات و الأعراض المدركة،و منها ما لا يرى و لا يرى كالأعراض غير المدركة،فاللّه تعالى خالف جميعها،و تفرّد بأن يرى و لا يرى،و تمدّح في هذه الآية بمجموع الأمرين،كما تمدّح في الآية الأخرى بقوله:

وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لا يُطْعَمُ الأنعام:14،و روى العيّاشيّ بالإسناد المتّصل:أنّ الفضل بن سهل،ذا الرّئاستين، سأل أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام فقال:

أخبرني عمّا اختلف النّاس فيه من الرّؤية،فقال:«من وصف اللّه بخلاف ما وصف به نفسه،فقد أعظم الفرية على اللّه،لا تدركه الأبصار،و هو يدرك الأبصار، -و هذه الأبصار ليست هي الأعين،إنّما هي الأبصار

ص: 325

الّتي في القلوب-لا يقع عليه الأوهام،و لا يدرك كيف هو».(2:344)

ابن الجوزيّ: قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ في الإدراك قولان:أحدهما:أنّه بمعنى الإحاطة.

و الثّاني:بمعنى الرّؤية.[إلى أن قال:]

و يدلّ على أنّ الآية مخصوصة بالدّنيا،قوله:

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. القيمة:22 ،23،فقيّد النّظر إليه بالقيامة،و أطلق في هذه الآية، و المطلق يحمل على المقيّد.(3:98)

الفخر الرّازيّ: [نقل قول أهل السّنّة بجواز رؤية اللّه و أيّده و نقل قول المعتزلة و ردّ عليهم فلاحظ]

(13:124)

نحوه بتفاوت النّسفيّ(2:27)،و النّيسابوريّ(7 :180)،و الخازن(2:137)،و ابن جزيّ(2:18) و ابن كثير(3:73)،و الشّربينيّ(1:441)، و أبو السّعود(2:424)،و الآلوسيّ(7:244)، و المراغيّ(7:207).

ابن عربيّ: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ أي لا تحيط به، لأنّه اللّطيف الجليل عن إدراكها،و كيف تدركه؟و هي لا تدرك أنفسها،الّتي هي نور منه وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ لإحاطته بكلّ شيء،و لطف إدراكه.

(1:394)

الرّازيّ: فإن قيل:في قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ كيف خصّ الأبصار بإدراكه لها،و لم يقل و هو يدرك كلّ شيء،مع أنّه أبلغ في التّمدّح؟

قلنا:لوجهين:أحدهما:مراعاة المقابلة اللّفظيّة، فإنّه نوع من البلاغة.

الثّاني:أنّ هذه الصّفة خاصّة بينه و بين الأبصار أنّه يدركها-بمعنى الإحاطة بها-و هي لا تدركه،فأمّا غيره ممّا يدرك الأبصار فهي تدركه أيضا،فلهذا خصّها بالذّكر.(87)

القرطبيّ: قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ بيّن سبحانه أنّه منزّه عن سمات الحدوث،و منها الإدراك بمعنى الإحاطة و التّحديد،كما تدرك سائر المخلوقات، و الرّؤية ثابتة.و قال ابن عبّاس: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ في الدّنيا،و يراه المؤمنون في الآخرة، لإخبار اللّه به في قوله. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. و قاله السّدّيّ و هو أحسن ما قيل لدلالة التّنزيل و الأخبار الواردة برؤية اللّه في الجنّة.

[ثمّ أدام البحث بنقل الأقوال](7:54)

البيضاويّ: لا تُدْرِكُهُ أي لا تحيط به الأبصار جمع بصر،و هي حاسّة النّظر،و قد يقال للعين من حيث إنّها محلّها.و استدلّ به المعتزلة على (1)امتناع الرّؤية و هو ضعيف،لأنّه ليس الإدراك مطلق الرّؤية، و لا النّفي في الآية عامّا في الأوقات،فلعلّه مخصوص ببعض الحالات،و لا في الأشخاص فإنّه في قوّة قولنا، لا كلّ بصر يدركه مع أنّ النّفي لا يوجب الامتناع، وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ يحيط علمه بها.(1:325)

أبو حيّان :[اكتفى بنقل الاقوال](4:195)».

ص: 326


1- في الأصل:«عن».

البروسويّ: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ البصر حاسّة النّظر،و قد تطلق على العين من حيث إنّها محلّه،و إدراك الشّيء عبارة عن الوصول إليه و الإحاطة به،أي لا تصل إليه الأبصار و لا تحيط به، وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ أي يحيط بها علمه.[ثمّ تعرّض لأقوال المفسّرين في الرّؤية و عدمها](3:77)

شبّر:أي ذوو الأبصار،يرى و لا يرى.[ثمّ تمسّك بحديث الإمام الباقر و الصّادق عليهما السّلام](2:298)

القاسميّ: قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ جملة مستأنفة،إمّا مؤكّدة لقوله تعالى: وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ذكرت للتّخويف بأنّه رقيب من حيث لا يرى فليحذر،و إمّا هي مؤكّدة لما تقرّر قبل من تنزّهه و تعاليه عن إفكهم أعظم تأكيد،ببيان أنّه لا تراه الأبصار المعهودة و هي أبصار أهل الدّنيا،لجلاله و كبريائه و عظمته،فأنّى يصحّ أن ينسب إلى عليائه تلك العظيمة؟و ذلك لأنّه تعالى لم يخلق لأرباب هذه النّشأة الدّنيويّة استعدادا لرؤيته المقدّسة.

قال العارف الجليل الشّيخ الأكبر قدّس سرّه في «فتوحاته»:سبب عجز النّاس عن رؤية ربّهم في الدّنيا ضعف نشأة هذه الدّار،إلاّ لمن أمدّه اللّه بالقوّة، بخلاف نشأة الآخرة لقوّتها.و سبب رؤيته تعالى في المنام كون النّوم أخا الموت.و في الحديث:«إنّكم لن تروا ربّكم حتّى تموتوا».فما نفى الشّرع إلاّ رؤية اللّه في الدّنيا يقظة،انتهى.

و قال بعضهم:إنّ الأبصار المعهودة في الدّنيا لا تدركه تعالى،لأنّ هذه الأحداق ما دامت تبقى على هذه الصّفات الّتي هي موصوفة بها في الدّنيا لا تدرك اللّه تعالى،و إنّما تدركه إذا تبدّلت صفاتها،و تغيّرت أحوالها.

و في«الصّحيحين»من حديث أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه لا ينام،و لا ينبغي له أن ينام،يخفض القسط و يرفعه،يرفع إليه عمل النّهار قبل اللّيل،و عمل اللّيل قبل النّهار،حجابه النّور أو النّار،لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».[ثمّ أطال الكلام في الرّؤية](6:2446)

رشيد رضا :[ذكر بعض الأقوال و قال:]

وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ فمعناه أنّ اللّه تعالى يرى العيون الباصرة أو قوى الأبصار المودعة فيها رؤية إدراك و إحاطة؛بحيث لا يخفى عليه من حقيقتها، و لا من عملها شيء.

و قد عرف البشر من تشريح العين ما تتركّب منه طبقاتها و رطوباتها و وظائف كلّ منها في ارتسام المرئيّات فيها،و عرفوا كثيرا من سنن اللّه تعالى في النّور،و وظائفه في رسم صور الأشياء في العينين، و لكن لم يعرفوا كنه الرّؤية و لا كنه قوّة الأبصار و لا حقيقة النّور.

و في«لسان العرب»عن أبي إسحاق:أعلم اللّه أنّه يدرك الأبصار،و في هذا الإعلام دليل على أنّ خلقه لا يدركون الأبصار،أي لا يعرفون حقيقة البصر، و ما الشّيء الّذي صار به الإنسان يبصر من عينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه،فأعلم أنّ خلقا

ص: 327

من خلقه اللّطيف الخبير.

فأمّا ما جاء من الأخبار في الرّؤية و صحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فغير مدفوع.و ليس في هذه الآية دليل على دفعها،لأنّ معنى هذه الآية إدراك الشّيء و الإحاطة بحقيقته،و هذا مذهب أهل السّنّة،و العلم بالحديث.(7:652)

سيّد قطب :إنّ الّذين كانوا يطلبون في سذاجة أن يروا اللّه كالّذين يطلبون في سماجة دليلا مادّيّا على اللّه،هؤلاء و هؤلاء لا يدركون ما ذا يقولون!

إنّ أبصار البشر و حواسّهم و إدراكهم الذّهني كذلك،كلّها إنّما خلقت لهم ليزاولوا بها التّعامل مع هذا الكون و القيام بالخلافة في الأرض،و إدراك آثار الوجود الإلهيّ في صفحات هذا الوجود المخلوق.فأمّا ذات اللّه سبحانه فهم لم يوهبوا القدرة على إدراكها، لأنّه لا طاقة للحادث الفاني أن يرى الأزليّ الأبديّ فضلا عن أنّ هذه الرّؤية لا تلزم لهم في خلافة الأرض، و هي الوظيفة الّتي هم معانون عليها،و موهوبون ما يلزم لها.

و قد يفهم الإنسان سذاجة الأوّلين،و لكنّه لا يملك أن يفهم سماجة الآخرين.إنّ هؤلاء يتحدّثون عن الذّرّة و عن الكهرب و عن البروتون و عن النّيوترون.

و واحد منهم لم ير ذرّة و لا كهربا و لا بروتونا و لا نيوترونا في حياته قطّ.فلم يوجد بعد الجهاز المكبّر الّذي يضبط هذه الكائنات،و لكنّها مسلّمة من هؤلاء كفرض و مصداق هذا الفرض أن يقدّروا آثارا معيّنة تقع لوجود هذه الكائنات.فإذا وقعت هذه الآثار جزموا بوجود الكائنات الّتي أحدثتها!بينما قصارى ما تصل إليه هذه التّجربة هو احتمال وجود هذه الكائنات على الصّفة الّتي افترضوها!و لكنّهم حين يقال لهم عن وجود اللّه سبحانه عن طريق آثار هذا الوجود الّتي تفرض نفسها فرضا على العقول! يجادلون في اللّه بغير علم و لا هدى و لا كتاب منير و يطلبون دليلا مادّيّا تراه الأعين.

كأنّ هذا الوجود بجملته و كأنّ هذه الحياة بأعاجيبها لا تكفي لتكون هذا الدّليل!

و كذلك يعقب السّياق القرآنيّ على ما عرضه من آيات في صفحة الوجود و في مكنونات النّفوس، و على تقريره عن ذات اللّه سبحانه بأنّه: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

يعقّب السّياق على هذا الوصف الّذي لا تملك لغة البشر أن تشرحه أو تصفه؛بقوله: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ الأنعام:104.(2:1166)

ابن عاشور :جملة ابتدائيّة لإفادة عظمته تعالى وسعة علمه،فلعظمته جلّ عن أن يحيط به شيء من أبصار المخلوقين؛و ذلك تعريض بانتفاء الإلهيّة عن الأصنام الّتي هي أجسام محدودة محصورة متحيّزة، فكونها مدركة بالأبصار من سمات المحدثات لا يليق بالإلهيّة و لو كانت آلهة لكانت محتجبة عن الأبصار، و كذلك الكواكب الّتي عبدها بعض العرب.و أمّا الجنّ و الملائكة و قد عبدوهما فإنّهما و إن كانا غير مدركين بالأبصار في المتعارف لكلّ النّاس و لا في كلّ

ص: 328

الأوقات،إلاّ أنّ المشركين يزعمون أنّ الجنّ تبدو لهم تارات في الفيافي و غيرها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يتوهّمون أنّ الملائكة يظهرون لبعض النّاس، يتلقّون ذلك عن اليهود.

و الإدراك حقيقته الوصول إلى المطلوب.و يطلق مجازا على شعور الحاسّة بالمحسوس أو العقل بالمعقول، يقال:أدرك بصري و أدرك عقلي،تشبيها لآلة العلم بشخص أو فرس وصل إلى مطلوبه تشبيه المعقول بالمحسوس.و يقال:أدرك فلان ببصره و أدرك بعقله، و لا يقال:أدرك فلان،بدون تقييد.و اصطلح المتأخّرون من المتكلّمين و الحكماء على تسمية الشّعور العقليّ إدراكا،و جعلوا الإدراك جنسا في تعريف التّصوّر و التّصديق،و وصفوا صاحب الفهم المستقيم بالدّرّاكة.

و أمّا قوله تعالى: وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، فيجوز أن يكون إسناد الإدراك إلى اسم اللّه مشاكلة لما قبله من قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، و يجوز أن يكون الإدراك فيه مستعارا للتّصرّف،لأنّ الإدراك معناه النّوال.

و الأبصار:جمع بصر،و هو اسم للقوّة الّتي بها النّظر المنتشرة في إنسان العين،الّذي في وسط الحدقة و به إدراك المبصرات.و المعنى:لا تحيط به أبصار المبصرين لأنّ المدرك في الحقيقة هو المبصر لا الجارحة، و إنّما الجارحة وسيلة للإدراك،لأنّها توصّل الصّورة إلى الحسّ المشترك في الدّماغ.

و المقصود من هذا بيان مخالفة خصوصيّة الإله الحقّ عن خصوصيّات آلهتهم في هذا العالم،فإنّ اللّه لا يرى و أصنامهم ترى،و تلك الخصوصيّة مناسبة لعظمته تعالى،فإنّ عدم إحاطة الأبصار بالشّيء يكون من عظمته،فلا تطيقه الأبصار،فعموم النّكرة في سياق النّفي يدلّ على انتفاء أن يدركه شيء من أبصار المبصرين في الدّنيا،كما هو السّياق.

و لا دلالة في هذه الآية على انتفاء أن يكون اللّه يرى في الآخرة،كما تمسّك به نفاة الرّؤية-و هم المعتزلة-لأنّ لأمور الآخرة أحوالا لا تجري على متعارفنا،و أحرى أن لا دلالة فيها على جواز رؤيته تعالى في الآخرة.و من حاول ذلك فقد تكلّف ما لا يتمّ،كما صنع الفخر في«تفسيره».[ثمّ تعرّض لأقوال المتكلّمين في الرّؤية و عدم الرّؤية إلى أن قال:]

و قوله: وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ معطوف على جملة: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ فإسناد الإدراك إلى ضمير اسمه تعالى:إمّا لأنّ فعل(يدرك)استعير لمعنى ينال،أي لا تخرج عن تصرّفه،كما يقال:لحقه فأدركه، فالمعنى يقدر على الأبصار،أي على المبصرين.و إمّا لاستعارة فعل(يدرك)لمعنى«يعلم»لمشاكلة قوله:

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، أي لا تعلمه الأبصار.و ذلك كناية عن العلم بالخفيّات،لأنّ الأبصار هي العدسات الدّقيقة الّتي هي واسطة إحساس الرّؤية،أو هي نفس الإحساس،و هو أخفى.و جمعه باعتبار المدركين.

(6:250)

الطّباطبائيّ: و أمّا قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ فهو لدفع الدّخل الّذي يوهمه قوله: وَ هُوَ عَلى كُلِّ

ص: 329

شَيْءٍ وَكِيلٌ الأنعام:102،بحسب ما تتلقّاه أفهام المشركين السّاذجة-و الخطاب معهم-،و هو أنّه إذا صار وكيلا عليهم كان أمرا جسمانيّا كسائر الجسمانيّات الّتي تتصدّى الأعمال الجسمانيّة،فدفعه بأنّه تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ لتعاليه عن الجسميّة و لوازمها،و قوله: وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ دفع لما يسبق إلى أذهان هؤلاء المشركين الّذين اعتادوا بالتّفكّر المادّيّ،و أخلدوا إلى الحسّ و المحسوس،و هو أنّه تعالى إذا ارتفع عن تعلّق الأبصار به خرج عن حيطة الحسّ و المحسوس و بطل نوع الاتّصال الوجوديّ الّذي هو مناط الشّعور و العلم،و انقطع عن مخلوقاته فلا يعلم بشيء كما لا يعلم به شيء،و لا يبصر شيئا كما لا يبصره شيء،فأجاب تعالى عنه بقوله:

وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، ثمّ علّل هذه الدّعوى بقوله:

وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

و اللّطيف هو الرّقيق النّافذ في الشّيء،و الخبير من له الخبرة،فإذا كان تعالى محيطا بكلّ شيء بحقيقة معنى الإحاطة،كان شاهدا على كلّ شيء لا يفقده ظاهر شيء من الأشياء و لا باطنه،و هو مع ذلك ذو علم و خبرة كان عالما بظواهر الأشياء و بواطنها،من غير أن يشغله شيء عن شيء،أو يحتجب عنه شيء بشيء،فهو تعالى يدرك البصر و المبصر معا،و البصر لا يدرك إلاّ المبصر.

و قد نسب إدراكه إلى نفس الأبصار دون أولي الأبصار،لأنّ الإدراك الموجود فيه تعالى ليس من قبيل إدراكاتنا الحسّيّة حتّى يتعلّق بظواهر الأشياء من أعراضها،كالبصر مثلا الّذي يتعلّق بالأضواء و الألوان،و يدرك به القرب و البعد و العظم و الصّغر و الحركة و السّكون بنحو،بل الأعراض و موضوعاتها بظواهرها و بواطنها حاضرة عنده مكشوفة له،غير محجوبة عنه و لا غائبة،فهو تعالى يجد الأبصار بحقائقها و ما عندها،و ليست تناله.

ففي الآيتين من سطوح البيان و سهولة الطّريق و إيجاز القول ما يحيّر اللّبّ و هما مع ذلك تهديان المتدبّر فيهما إلى أسرار دونها أستار.(7:292)

حسنين مخلوف: وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ لا تحيط بعظمته و جلاله على ما هو عليه أبصار الخلائق في الدّنيا و الآخرة،أو لا تدركه الأبصار إدراك إحاطة بكنهه و حقيقته،فإنّ ذلك محال.

و الإدراك بهذا المعنى أخصّ من الرّؤية الّتي هي مجرّد المعاينة،فنفيه لا يقتضي نفي الرّؤية؛إذ نفي الأخصّ لا يستلزم نفي الأعمّ.فأنت ترى القمر و لا تدرك حقيقته.[إلى أن قال:]

وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ أي و هو يرى القوّة الّتي تدرك بها المبصرات و يحيط بها علما؛إذ هو خلق القوى و الحواسّ.(1:235)

عبد الكريم الخطيب :[ذكر الآية و قال:]

إشارة[إلى]أنّه سبحانه لطيف لا يرى،إذ لو رؤي لتحدّد،و لو تحدّد لتجسّم،و لو تجسّم لكان مركّبا،و لو كان مركّبا لكان مخلوقا.

سئل الإمام علىّ[عليه السّلام]:هل رأيت ربّك؟فقال:

«نور أنّى أراه؟»أي هو نور يملأ الوجود،ترى في نور

ص: 330

أنواره الموجودات.أمّا النّور فلا تمسك به عين،و لا يحدّه نظر،فكيف يرى هذا النّور؟

أمّا اللّه سبحانه و تعالى،فهو يرى كلّ موجود، و يبصر كلّ مبصر،فهو سبحانه يملأ عين المبصرين بنوره،و لكنّهم لا يبصرونه.(4:254)

فضل اللّه : لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ لا تبلغه و لا تصل إليه أبصار النّاس،لأنّ اللّه ليس جسما لتبصره العيون.و قد ذكرنا في بعض مباحث هذا التّفسير،كيف يذهب بعض المفكّرين من المسلمين إلى إمكان رؤية النّاس للّه يوم القيامة،انطلاقا من الظّواهر القرآنيّة،و كيف يردّ عليهم مفكّرون آخرون باستحالة ذلك،و بتوجيه الظّواهر القرآنيّة بما لا يتنافى مع ذلك من حمل التّعابير القرآنيّة على أسلوب الاستعارة و الكناية و المجاز،على ما جرى عليه القرآن من التّحدّث عن القضايا المعنويّة بالطّرق الحسّيّة.

و ربّما كانت هذه الفقرة دليلا على ذلك في مدلولها الّذي ينفي إدراك الأبصار له،و إن كان من الممكن أن تكون واردة على سبيل الكناية عن علوّه و عظمة شأنه بالمستوى الّذي لا يمكن أن تحيط به الأبصار، مهما بلغت درجة الرّؤية لديها وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ لأنّ الأشياء كلّها خاضعة له،حاضرة لديه، و بذلك فإنّه يدركها و يحيط بها مهما كانت دقيقة و بعيدة.

و لعلّ التّعبير بقوله: وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ مع أنّ المقصود هو إدراكه للأشياء الّتي تدركها الأبصار، للإيحاء بإحاطته بكلّ شيء تحيط به،لأنّ الأبصار إذا كانت تحت إدراكه،فإنّه يدرك كلّ ما تدرك،و يصل إلى كلّ ما تصل إليه.[ثمّ استدلّ بحديثين للإمامين الباقر و الرّضا عليهما السّلام](9:255)

مكارم الشّيرازيّ: أي إنّه الخبير بمصالح عبيده و بحاجاتهم،و يتعامل معهم بمقتضى لطفه.

في الحقيقة أنّ من يريد أن يكون حافظ كلّ شيء و مربّيه و ملجأه،لا بدّ أن يتّصف بهذه الصّفات.كما أنّ الآية تقول:إنّه يختلف عن جميع الأشياء في العالم،لأنّ أشياء العالم بعضها يرى و يرى،كالإنسان،و بعضها لا يرى و لا يرى كصفاتنا الباطنيّة،و بعض آخر يرى و لا يرى،كالجمادات،فالوحيد الّذي لا يرى و لكنّه يرى كلّ شيء هو اللّه الواحد الأحد.

بحوث

هنا نشير إلى بضع نقاط: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ تثبت الأدلّة العقليّة أنّ اللّه لا يمكن أن يرى بالعين،لأنّ العين لا تستطيع أن ترى إلاّ الأجسام،أو على الأصحّ بعضا من كيفيّات الأجسام،فإذا لم يكن الشّيء جسما و لا كيفيّة من كيفيّات الجسم،لا يمكن أن تراه العين، و بتعبير آخر،إذا أمكنت رؤية شيء بالعين،فلأنّ لهذا الشّيء حيّزا و اتّجاها و كتلة،في حين أنّ اللّه أرفع من أن يتّصف بهذه الصّفات،فهو وجود غير محدود،و هو أسمى من عالم المادّة المحدود في كلّ شيء في كثير من الآيات،و على الأخصّ في الآيات الّتي تشير إلى بني إسرائيل و طلبهم رؤية اللّه،نجد القرآن ينفي بكلّ وضوح إمكان رؤية اللّه...

و من العجيب أنّ كثيرا من أهل السّنّة يعتقدون

ص: 331

أنّ اللّه سيرى يوم القيامة،و يعبّر صاحب تفسير «المنار»عن ذلك بقوله:هذا من مذاهب أهل السّنّة و العلم بالحديث.

و الأعجب من ذلك،أنّ بعض المحقّقين المعاصرين الواعين يميلون أيضا إلى هذا الاتّجاه و يصرّون عليه!

أمّا الواقع فإنّ بطلان هذه الفكرة إلى درجة من الوضوح،بحيث لا يستوجب نقاشا،لأنّ الأمر لا يختلف بين الدّنيا و الآخرة.إذا قلنا بالمعاد الجسمانيّ،إنّ اللّه فوق المادّة،و لا يتبدّل يوم القيامة إلى وجود مادّيّ،و لا يخرج من لا محدوديّته ليصبح محدودا،و لا يتحوّل في ذلك اليوم إلى جسم أو إلى كيفيّة من كيفيّات الجسم!و هل الأدلّة العقليّة على عدم إمكان رؤية اللّه في الدّنيا هي غيرها في الآخرة؟ أم هل يتغيّر حكم العقل بهذا الشّأن يوم ذاك؟!

و لا يمكن تبرير هذه الفكرة بأنّ من المحتمل أن يصبح للإنسان في الآخرة نوع آخر من الرّؤية و الإدراك،لأنّ هذه الرّؤية و الإدراك إذا كانت في الآخرة فكريّة و عقلانيّة،فإنّنا في هذه الدّنيا أيضا نشاهد اللّه و جماله بعين القلب و قوّة العقل.أمّا إذا كانت الرّؤية هي نفسها الّتي نرى بها الأجسام،فإنّ رؤية اللّه بهذا المعنى مستحيلة في هذه الدّنيا و في الآخرة على السّواء.

و بناء على ذلك فإنّ القول بأنّ الإنسان لا يرى اللّه في هذه الدّنيا،و لكنّ المؤمنين يرونه يوم القيامة غير منطقيّ و غير مقبول.

إنّ ما حمل هؤلاء على الذّهاب إلى هذا المذهب، و الدّفاع عنه،هو وجود أحاديث في كتبهم المعروفة تقول:بإمكان رؤية اللّه يوم القيامة،و لكنّ من الأفضل أن نقول:ببطلان هذا الرّأي بالدّليل العقليّ، و نحكم باختلاق أمثال هذه الرّوايات و عدم اعتبار الكتب الّتي أوردت مثل هذه الرّوايات.اللّهمّ إلاّ إذا قلنا:إنّ المقصود من هذه الرّؤية هي الرّؤية القلبيّة، هل يصحّ أن نجانب حكم العقل و الحكمة من أجل أمثال هذه الأحاديث؟!

أمّا الآيات القرآنيّة الّتي يبدو منها لأوّل وهلة أنّها تدلّ على رؤية،مثل: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيمة:22،23، يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ الفتح:10،فإنّها من باب الكناية و الرّمز،إنّنا نعلم أنّ آية قرآنيّة لا يمكن أن تخالف حكم العقل و منطق الحكمة.

و الملفت للنّظر أنّ الأحاديث و الرّوايات الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام تستنكر هذه العقيدة الخرافيّة أشدّ استنكار،و تنتقد القائلين بها أشدّ انتقاد من ذلك أنّ أحد أصحاب الإمام الصّادق عليه السّلام و اسمه هشام يقول:كنت عند الإمام الصّادق عليه السّلام فدخل عليه معاوية بن وهب و هو من أصحاب الإمام أيضا و سأله قائلا:يا ابن رسول اللّه،ما قولك في ما جاء بشأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قد رأى اللّه،فكيف رآه؟و كذلك في الحديث المرويّ عنه أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال:إنّ المؤمنين في الجنّة يرون اللّه،فبأيّ شكل يرونه؟فتبسّم الإمام الصّادق ابتسامة ألم،و قال:«يا معاوية بن وهب!ما أقبح أن يعيش المرء سبعين أو ثمانين سنة في ملك اللّه،و يتنعّم

ص: 332

بنعمه،ثمّ لا يعرفه حقّ المعرفة،يا معاوية،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم ير اللّه رأي العين أبدا،إنّ المشاهدة نوعان:

المشاهدة القلبيّة،و المشاهدة البصريّة،فمن قال بالمشاهدة القلبيّة فقد صدق،و من قال بالمشاهدة البصريّة فقد كذب و كفر باللّه و بآياته،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«من شبّه اللّه بالبشر فقد كفر».

و في«أمالي الصّدوق»بإسناده إلى إسماعيل بن الفضل قال:سألت الإمام الصّادق عليه السّلام عن اللّه تبارك و تعالى،و هل يرى في المعاد؟فقال:«سبحان اللّه و تعالى عن ذلك علوّا كبيرا،يا بن الفضل،إنّ الأبصار لا تدرك إلاّ ما له لون و كيفيّة،و اللّه تعالى خالق الألوان و الكيفيّة».

من الجدير بالانتباه أنّ هذا الحديث يؤكّد كلمة «لون»و نحن اليوم نعلم أنّ الجسم بذاته لا يرى مطلقا، و إنّما الّذي نراه هو لونه،فإذا لم يكن للجسم أيّ لون فلن يرى.(4:380)

يدركه

وَ مَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَ سَعَةً وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً النّساء:100

الزّمخشريّ: ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ بالرّفع، على أنّه خبر مبتدإ محذوف.و قيل:رفع«الكاف» منقول من الهاء،كأنّه أراد أن يقف عليها ثمّ نقل حركة الهاء إلى الكاف.

و قرئ (يدركه) بالنّصب على إضمار«ان».

[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:558)

نحوه البيضاويّ.(1:239)

ابن عطيّة: و قرأت الجماعة ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ بالجزم عطفا على(يخرج)و قرأ طلحة بن سليمان و إبراهيم النّخعيّ فيما ذكر أبو عمرو(ثمّ يدركه)برفع الكاف.

قال أبو الفتح:هذا رفع على أنّه خبر مبتدإ محذوف،أي ثمّ هو يدركه الموت فعطف الجملة من المبتدإ و الخبر على الفعل المجزوم بفاعله،فهما إذن جملة،فكأنّه عطف جملة على جملة.

و قرأ الحسن بن أبي الحسن و قتادة و نبيح و الجرّاح (ثمّ يدركه) بنصب الكاف،و ذلك على إضمار«ان».[ثمّ استشهد بشعر]

قال أبو الفتح:و هذا ليس بالسّهل،و إنّما بابه الشّعر لا القرآن...(2:102)

نحوه السّمين.(2:420)

ابن الجوزيّ: اتّفقوا على أنّه نزل في رجل خرج مهاجرا،فمات في الطّريق،و اختلفوا فيه على ستّة أقوال:

أحدها:أنّه ضمرة بن العيص،و كان ضريرا موسرا،فقال:احملوني فحمل،و هو مريض،فمات عند التّنعيم،فنزل فيه هذا الكلام،رواه سعيد بن جبير.

و الثّاني:أنّه العيص بن ضمرة بن زنباع الخزاعيّ، أمر أهله أن يحملوه على سريره،فلمّا بلغ التّنعيم،مات فنزلت فيه هذه الآية،رواه أبو بشر عن سعيد بن

ص: 333

جبير.

و الثّالث:أنّه ابن ضمرة الجندعيّ مرض،فقال لبنيه:أخرجوني من مكّة،فقد قتلني غمّها،فقالوا:

أين؟فأومأ بيده نحو المدينة،يريد الهجرة،فخرجوا به، فمات في الطّريق،فنزل فيه هذا،ذكره ابن إسحاق.

و قال مقاتل:هو جندب بن ضمرة.

و الرّابع:أنّ اسمه سبرة،فلمّا نزل قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ النّساء:97، إلى قوله: مُراغَماً كَثِيراً قال لأهله و هو مريض:

احملوني،فإنّي موسر،و لي من المال ما يبلغني إلى المدينة،فلمّا جاوز الحرم مات.فنزل فيه هذا،قاله قتادة.

و الخامس:أنّه رجل من بني كنانة هاجر،فمات في الطّريق،فسخر منه قومه،فقالوا:لا هو بلغ ما يريد، و لا أقام في أهله حتّى يدفن،فنزل فيه هذا،قاله ابن زيد.

و السّادس:أنّه خالد بن حزام أخو حكيم بن حزام،خرج مهاجرا،فمات في الطّريق،ذكره الزّبير ابن بكّار.(2:180)

العكبريّ: ثُمَّ يُدْرِكْهُ: مجزوم عطفا على (يخرج.)

و يقرأ بالرّفع على الاستئناف،أي ثمّ هو يدركه.

و قرئ بالنّصب على إضمار«ان»لأنّه لم يعطفه على الشّرط لفظا،فعطفه عليه معنى،كما جاء في الواو،و الفاء.(1:385)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة،و ذكر الأقوال المختلفة في«رجل مهاجر»كابن الجوزيّ ثمّ قال:]

و الصّحيح أنّه:ضمرة بن بغيض أو بغيض بن ضمرة بن الزّنباع،لأنّ عكرمة سأل عنه أربع عشرة سنة و صحّحه.(3:336)

الآلوسيّ: و قرئ (يدركه) بالرّفع،و خرّجه ابن جنّيّ-كما قال السّمين-على أنّه فعل مضارع مرفوع للتّجرّد من النّاصب و الجازم،و(الموت)فاعله.

و الجملة خبر لمبتدإ محذوف،أى ثمّ هو يدركه الموت، و تكون الجملة الاسميّة معطوفة على الفعليّة الشّرطية.

و تكون الاسميّة حينئذ-كما قال بعض المحقّقين- في محلّ جزم و إن لم يصحّ وقوعها شرطا،لأنّهم يتسامحون في التّابع،و إنّما قدّروا المبتدأ ليصحّ رفعه مع العطف على الشّرط المضارع.

و قال عصام الملّة:ينبغي أن يعلم أنّه على تقدير المبتدإ يجب جعل(من)موصولة،لأنّ الشّرط لا يكون جملة اسميّة،و يكون(يخرج)أيضا مرفوعا.و يردّ عليه حينئذ أنّه لا حاجة إلى تقدير المبتدإ،فالأولى أنّ الرّفع بناء على توهّم رفع(يخرج)لأنّ المقام من مظانّ الموصول،و لا يخفى أنّه خبط و غفلة عمّا ذكروا.

و قيل:إنّ ضمّ الكاف منقول من الهاء،كأنّه أراد أن يقف عليها،ثمّ نقل حركاتها إلى الكاف كقول:

عجبت و الدّهر كثير عجبه

من عنزى يسبّني لم أضربه

و هو-كما فى«الكشف»-ضعيف جدّا،لإجراء الوصل مجرى الوقف و النّقل أيضا،ثمّ تحريك الهاء بعد النّقل بالضّمّ،و إجراء الضّمير المتّصل مجرى الجزء من

ص: 334

الكلمة،و البيت ليس فيه إلاّ النّقل و إجراء الضّمير مجرى الجزء.

و قرأ الحسن (يدركه) بالنّصب،و خرّجه غير واحد على أنّه باضمار«ان».

و الآية لكون المقصود منها الحثّ على الخروج، و تقدّم الشّرط الّذي هو شديد الشّبه بغير الموجب، كانت أقوى من البيت.

و ذكر بعض المحقّقين أنّ النّصب في الآية جوّزه الكوفيّون،لما أنّ الفعل الواقع بين الشّرط و الجزاء يجوز فيه الرّفع و النّصب و الجزم عندهم،إذا وقع بعد الواو و الفاء.

و قيل:من عطف المصدر المتوهّم على المصدر المتوهّم مثل:أكرمني و أكرمك،أي ليكن منك إكرام و منّي.و المعنى من يكن منه خروج من بيته و إدراك الموت له.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](5:127)

الطّباطبائيّ: و إدراك الموت استعارة بالكناية عن وقوعه أو مفاجأته،فإنّ الإدراك هو سعي اللاّحق بالسّير إلى السّابق،ثمّ وصوله إليه.(5:53)

أقول:و الرّوايات في هذا المعنى[رجل خرج مهاجرا ثمّ أدركه الموت]كثيرة،إلاّ أنّ فيها اختلافا شديدا في تسمية هذا الّذي أدركه الموت،ففي بعضها ضمرة بن جندب،و في بعضها أكثم بن صيفيّ،و في بعضها أبو ضمرة بن العيص الزّرقيّ،و في بعضها ضمرة ابن العيص من بني ليث،و في بعضها جندع بن ضمرة الجندعيّ،و في بعضها أنّها نزلت في خالد بن حزام خرج مهاجرا إلى حبشة،فنهشته حيّة في الطّريق فمات.و في بعض الرّوايات عن ابن عبّاس:أنّه أكثم ابن صيفيّ.

قال الرّاوي:قلت:فأين اللّيثيّ؟قال:هذا قبل اللّيثىّ بزمان،و هي خاصّة عامّة.

أقول:يعني أنّها نزلت في أكثم خاصّة،ثمّ جرت في غيره عامّة،و المتحصّل من الرّوايات أنّ ثلاثة من المسلمين أدركهم الموت في سبيل الهجرة:أكثم بن صيفيّ،و ليثيّ،و خالد بن حزام،و أمّا نزول الآية في أيّ منهم،فكأنّه تطبيق من الرّاوي.(5:57)

لاحظ:ه ج ر:«يهاجر»و«مهاجر».

يدرككم

أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ. النّساء:78

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:حيثما تكونوا ينالكم الموت.(4:175)

الثّعلبيّ: أي ينزل بكم(الموت،)نزلت في قول المنافقين لمّا أصيب أهل أحد.[قالوا في قتلى أحد:]

لو كانوا عندنا ما ماتوا و ما قتلوا.(3:346)

نحوه البغويّ(1:664)،و الخازن(1:467).

القيسيّ: (اين)ظرف مكان فيه معنى الاستفهام و الشّرط،و دخلت(ما)ليتمكّن الشّرط و يحسن.و(تكونوا)جزم بالشّرط،و(يدرككم) جوابه.(1:198)

نحوه أبو البركات.(1:261)

ص: 335

الطّوسيّ: بمعنى أصابهم.(3:263)

الزّمخشريّ: قرئ (يدرككم) بالرّفع،و قيل:

هو على حذف الفاء،كأنّه قيل:فيدرككم الموت و شبّه بقول القائل:

*من يفعل الحسنات اللّه يشكرها*

و يجوز أن يقال:حمل على ما يقع موقع أَيْنَ ما تَكُونُوا و هو«أين ما كنتم»كما حمل و«لا ناعب» على ما يقع موقع«ليسوا مصلحين»و هو«ليسوا بمصلحين»فرفع كما رفع زهير:يقول:

*لا غائب مالي و لا حرم*

و هو قول نحويّ سيبويّ.

و يجوز أن يتّصل بقوله: وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً النّساء:77،أي و لا تنقصون شيئا ممّا كتب من آجالكم.

أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها،ثمّ ابتدأ قوله: يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ و الوقف على هذا الوجه على أَيْنَ ما تَكُونُوا.

(1:544)

نحوه البيضاويّ.(1:231)

ابن عطيّة: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ جزاء و جوابه؛و هكذا قراءة الجمهور.و قرأ طلحة بن سليمان (يدرككم) بضمّ الكافين و رفع الفعل.قال أبو الفتح:ذلك على تقدير دخول الفاء،كأنّه قال:

ف (يدرككم الموت) و هي قراءة ضعيفة.و هذا إخبار من اللّه يتضمّن تحقير الدّنيا،و أنّه لا منجي من الفناء و التّنقّل.(2:80)

أبو حيّان :و الجزم في(يدرككم)على جواب الشّرط،و(اين ما)تدلّ على العموم،و كأنّه قيل:في أيّ مكان تكونون فيه أدرككم الموت.و(لو)هنا بمعنى«إن»،و جاءت لدفع توهّم النّجاة من الموت بتقدير:«إن»و لو كانوا في بروج مشيّدة و لإظهار استقصاء العموم في(اين ما.)[ثمّ ذكر قراءة (يدرككم) برفع الكافين،و قول الزّمخشريّ فيه،إلى أن قال:]

يعني:أنّه جعل(يدرككم)ارتفع لكون أَيْنَ ما تَكُونُوا في معنى«أينما كنتم»بتوهّم أنّه نطق به؛ و ذلك أنّه متى كان فعل الشّرط ماضيا في اللّفظ،فإنّه يجوز في المضارع بعده وجهان:أحدهما:الجزم على الجواب،و الثّاني:الرّفع.

و في توجيه الرّفع خلاف،الأصحّ أنّه ليس الجواب،بل ذلك على التّقديم و التّأخير،و الجواب محذوف.

و إذا حذف الجواب فلا بدّ أن يكون فعل الشّرط ماضي اللّفظ،فتخريج هذه القراءة على هذا يأباه كون فعل الشّرط مضارعا.

و حمله على«و لا ناعب»ليس بجيّد،لأنّ «و لا ناعب»عطف على التّوهّم،و العطف على التّوهّم لا ينقاس.

و قال الزّمخشريّ أيضا:و يجوز أن يتّصل بقوله: وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً...

و هذا تخريج ليس بمستقيم،لا من حيث المعنى، و لا من حيث الصّناعة النّحويّة.

أمّا من حيث المعنى فإنّه لا يناسب أن يكون متّصلا

ص: 336

بقوله: وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً، لأنّ ظاهر انتفاء الظّلم إنّما هو في الآخرة،لقوله: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى النّساء:77.

و أمّا من حيث الصّناعة النّحويّة فإنّه على ظاهر كلامه يدلّ على أنّ أَيْنَ ما تَكُونُوا متعلّق بقوله:

وَ لا تُظْلَمُونَ، ما فسّره من قوله،أي لا تنقصون شيئا ممّا كتب من آجالكم،أينما تكونوا في ملاحم الحرب أو غيرها.و هذا لا يجوز،لأنّ(اين ما)اسم شرط،فالعامل فيه إنّما هو فعل الشّرط بعده.

و لأنّ اسم الشّرط لا يتقدّم عليه عامله،فلا يمكن أن يعمل فيه، وَ لا تُظْلَمُونَ. بل إذا جاء نحو:

«اضرب زيدا متى جاء»لا يجوز أن يكون النّاصب ل«متى»«اضرب».

فإن قال:يقدّر له جواب محذوف يدلّ عليه ما قبله،و هو وَ لا تُظْلَمُونَ، كما يقدّر في:«اضرب زيدا:متى جاء»فالتّقدير:أينما تكونوا فلا تظلمون فتيلا،أي فلا ينقص شيء من آجالكم،و حذفه لدلالة ما قبله عليه.

قيل له:لا يحذف الجواب إلاّ إذا كان فعل الشّرط بصيغة الماضي،و فعل الشّرط هنا مضارع.تقول العرب:«أنت ظالم إن فعلت»و لا تقل:«أنت ظالم إن تفعل».(3:299)

السّمين:(اين)اسم شرط يجزم فعلين و(ما) زائدة على سبيل الجواز مؤكّدة لها،و(اين)ظرف مكان و(تكونوا)مجزوم بها،و(يدرككم)جوابه.

و الجمهور على جزمه لأنّه جواب الشّرط.[ثمّ قال:نحو الزّمخشريّ،و إيراد أبي حيّان عليه،و ردّه](2:397)

أبو السّعود :كلام مبتدأ مسوق من قبله تعالى، بطريق تلوين الخطاب،و صرفه عن رسول اللّه إلى المخاطبين اعتناء بإلزامهم إثر بيان حقارة الدّنيا و علوّ شأن الآخرة،بواسطته عليه الصّلاة و السّلام فلا محلّ له من الإعراب،أو في محلّ النّصب داخل تحت القول المأمور به،أي أينما تكونوا في الحضر و السّفر يدرككم الموت الّذى لأجله تكرهون القتال،زعما منكم أنّه من مظانّه،و تحبّون القعود عنه على زعم أنّه (1)منجاة منه.

و في لفظ«الإدراك»إشعار بأنّهم في الهرب من الموت،و هو مجدّ في طلبهم.[ثمّ قال:نحو الزّمخشريّ في إعراب الجملة](2:166)

شبّر:يلحقكم و يحلّ بكم.(2:71)

الشّوكانيّ: و قوله: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ كلام مبتدأ،و فيه حثّ لمن قعد عن القتال خشية الموت،و بيان لفساد ما خالطه من الجبن و خامره من الخشية،فإنّ الموت إذا كان كائنا لا محالة؛ فمن لم يمت بالسّيف مات بغيره.(1:623)

الآلوسيّ: يحتمل أن يكون ابتداء كلام مسوق من قبله تعالى،بطريق تلوين الخطاب،و صرفه عن سيّد المخاطبين صلّى اللّه عليه و سلّم إلى من ذكر أوّلا،اعتناء بإلزامهم إثر بيان حقارة الدّنيا و فخامة الآخرة بواسطته صلّى اللّه عليه و سلّم، فلا محلّ للجملة من الإعراب.و يحتمل أن يكون داخلا!!

ص: 337


1- و في الأصل:أنّ!!

في حيّز القول المأمور به،فمحلّ الجملة النّصب.

و جعل غير واحد ما تقدّم جوابا للجملة الأولى من قولهم و هذا جوابا للثّانية منه،فكأنّه لمّا قالوا:

لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ أجيبوا ببيان الحكمة بأنّه كتب عليكم ليكثر تمتّعكم و يعظم نفعكم،لأنّه يوجب تمتّع الآخرة،و لمّا قالوا: لَوْ لا أَخَّرْتَنا... أجيبوا بأنّه أَيْنَ ما تَكُونُوا في السّفر أو في الحضر يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ لأنّ الأجل مقدّر،فلا يمنع عنه عدم الخروج إلى القتال.

و في التّعبير ب«الإدراك»إشعار بأنّ القوم لشدّة تباعدهم عن أسباب الموت،و قرب وقت حلوله إليهم بممرّ الأنفاس و الآنات،كأنّهم في الهرب منه و هو مجدّ في طلبهم،لا يفتر نفسا واحدا في التّوجّه إليهم.(5:86)

ابن عاشور :و جملة: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ يجوز أن تكون من تمام القول المحكيّ بقوله:

قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ. و إنّما لم تعطف على جملة:

مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ، لاختلاف الغرضين،لأنّ جملة مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ و ما عطف عليها تغليط لهم في طلب التّأخير إلى أجل قريب،و جملة: أَيْنَ ما تَكُونُوا... مسوقة لإشعارهم بأنّ الجبن هو الّذي حملهم على طلب التّأخير إلى أمد قريب،لأنّهم توهّموا أنّ مواقع القتال تدني الموت من النّاس.

و يحتمل أن يكون القول قد تمّ،و أنّ جملة أَيْنَ ما تَكُونُوا توجّه إليهم بالخطاب من اللّه تعالى،أو توجّه لجميع الأمّة بالخطاب،فتكون على كلا الأمرين معترضة بين أجزاء الكلام.(4:192)

مكارم الشّيرازيّ: و عبارة(يدرككم) الواردة في الآية تعني الملاحقة،و اللاّحق هو الموت الّذي يدرك الإنسان،و توحي بأنّ الفرار لا ينقذ الإنسان من هذا المصير الحتميّ.

و تؤكّد الحقيقة المذكورة الآية الثّامنة من سورة الجمعة؛إذ تقول: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ.

إذن ليس من العقل و المنطق أن يدرك الإنسان هذه الحقيقة و يفرّ بعد ذلك من ميدان الجهاد،و يحرم نفسه أشرف ميتة و هي الشّهادة في سبيل اللّه،فيموت على فراشه.فلو عاش الإنسان بعد فراره من الجهاد أيّاما أو شهورا أو سنوات لتكرّر ما فعل،و لتكرّرت أمامه المشاهد الماضية،فهل من العقل أن يحرم الإنسان نفسه لأجل هذه المتكرّرات من الثّواب الأبديّ الّذي يناله المجاهد في سبيل اللّه؟!(3:299)

تدرك

لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ. يس،:40

ابن عبّاس: أن تطلع في سلطان القمر فيذهب ضوؤه.(371)

إذا اجتمعا في السّماء كان أحدهما بين يدي الآخر،فإذا غابا غاب أحدهما بين يدي الآخر.

(الطّبريّ 10:443)

مجاهد :لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر، و لا ينبغي ذلك لهما.(الطّبريّ 10:442)

الضّحّاك: و هذا في ضوء القمر و ضوء الشّمس،

ص: 338

إذا طلعت الشّمس لم يكن للقمر ضوء،و إذا طلع القمر بضوئه لم يكن للشّمس ضوء.(الطّبريّ 10:443)

الحسن :إنّهما لا يجتمعان في السّماء ليلة الهلال خاصّة.(الماورديّ 5:18)

الإمام الباقر:عليه السّلام:الشّمس سلطان النّهار و القمر سلطان اللّيل لا ينبغي للشّمس أن تكون مع ضوء القمر باللّيل.(القمّيّ 2:214)

قتادة :و لكلّ حدّ و علم لا يعدوه و لا يقصر دونه، إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا،و إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا.(الطّبريّ 10:443)

نحوه الثّعلبيّ.(8:128)

لا يجتمع ضوء أحدهما مع ضوء الآخر،لأنّ ضوء القمر ليلا و ضوء الشمس نهارا،فإذا جاء سلطان أحدهما ذهب سلطان الآخر.(الماورديّ 5:18)

زيد بن عليّ: معناه يعلو ضوء هذا على ضوء هذا.(338)

يحيى بن سلاّم:إنّه لا تدرك الشّمس القمر ليلة البدر خاصّة،لأنّه يبادر بالمغيب قبل طلوعها.

(الماورديّ 5:18)

الفرّاء: يقول:تطلع ليلا،و لا أن يسبق اللّيل النّهار،يقول:و لا القمر له أن يطلع نهارا،أي لا يكون له ضوء.و يقال:لا ينبغي للشّمس أن تدرك القمر فتذهب ضوؤه،و لا أن يسبق اللّيل النّهار فيظلمه.

و موضع(ان تدرك)رفع.(2:378)

أبو عبيدة :مجازها:لا يكون أن تفوت.(2:162)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:لا الشّمس يصلح لها إدراك القمر،فيذهب ضوؤها بضوئه،فتكون الأوقات كلّها نهارا لا ليل فيها.و بنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل،على اختلاف منهم في ألفاظهم في تأويل ذلك،إلاّ أنّ معاني عامّتهم الّذي قلناه.

و(ان)من قوله:(ان تدرك)في موضع رفع بقوله:(ينبغى.)(10:442)

الزّجّاج: المعنى لا يذهب أحدهما بمعنى الآخر.

(4:288)

الطّوسيّ: و قوله: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ حتّى يكون نقصان ضوؤها كنقصان القمر.و قيل:معناه: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ في سرعة سيره.(8:459)

نحوه أبو الفتوح.(16:153)

الواحديّ: أي لا يدخل النّهار على اللّيل قبل انقضائه و لا يدخل اللّيل على النّهار قبل انقضائه

(3:514)

البغويّ: [مثل الواحديّ و أضاف:]

و قيل:لا يدخل أحدهما في سلطان الآخر، لا تطلع الشّمس باللّيل و لا يطلع القمر بالنّهار و له ضوء،فإذا اجتمعا و أدرك كلّ واحد منهما صاحبه قامت القيامة.

و قيل:أي لا تجتمع معه في فلك واحد.(4:15)

نحوه الخازن.(6:8)

الميبديّ: لاختلاف مكانيهما،فإنّ القمر في السّماء الدّنيا،و الشّمس في السّماء الرّابعة.(8:227)

الزّمخشريّ: و المعنى:أنّ اللّه تعالى قسم لكلّ

ص: 339

واحد من اللّيل و النّهار و آيتيهما قسما من الزّمان، و ضرب له حدّا معلوما و دبّر أمرهما على التّعاقب، فلا ينبغي للشّمس،أي لا يتسهّل لها،و لا يصحّ و لا يستقيم لوقوع التّدبير على المعاقبة،و إن جعل لكلّ واحد من النّيّرين سلطان على حياله أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ فتجتمع معه في وقت واحد و تداخله في سلطانه،فتطمس نوره و لا يسبق اللّيل النّهار،يعني آية اللّيل آية النّهار و هما النّيّران،و لا يزال الأمر على هذا التّرتيب إلى أن يبطل اللّه ما دبّر من ذلك و ينقض ما ألّف فيجمع بين الشّمس و القمر،و تطلع الشّمس من مغربها.

فإن قلت:لم جعلت الشّمس غير مدركة و القمر غير سابق؟

قلت:لأنّ الشّمس لا تقطع فلكها إلاّ في سنة، و القمر يقطع فلكه في شهر،فكانت الشّمس جديرة بأن توصف بالإدراك لتباطؤ سيرها عن سير القمر، و القمر خليقا بأن يوصف بالسّبق لسرعة سيره.

(3:324)

نحوه النّسفيّ.(4:8)

الطّبرسيّ: في سرعة سيره،لأنّ الشّمس أبطأ سيرا من القمر،فإنّها تقطع منازلها في سنة،و القمر يقطعها في شهر،و اللّه سبحانه يجريهما إجراء التّدوير بائن بين فلكيهما و مجاريهما،فلا يمكن أن يدرك أحدهما الآخر ما داما على هذه الصّفة.(4:425)

ابن الجوزيّ: [ذكر قول قتادة ثمّ قال:]

فيكون وجه الحكمة في ذلك أنّه لو اتّصل الضّوء لم يعرف اللّيل.(7:20)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى أنّ كلّ شيء من الأشياء المذكورة خلق على وفق الحكمة،فالشّمس لم تكن تصلح لها سرعة الحركة بحيث تدرك القمر، و إلاّ لكان في شهر واحد صيف و شتاء،فلا تدرك الثّمار.

و قوله: وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ قيل في تفسيره:

إنّ سلطان اللّيل-و هو القمر-ليس يسبق الشّمس و هي سلطان النّهار.و قيل:معناه و لا اللّيل سابق النّهار،أي اللّيل لا يدخل وقت النّهار.و الثّاني بعيد، لأنّ ذلك يقع إيضاحا للواضح؛و الأوّل صحيح إن أريد به ما بيّنته.

و هو أنّ معنى قوله تعالى: وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أنّ القمر إذا كان على أفق المشرق أيّام الاستقبال،تكون الشّمس في مقابلته على أفق المغرب،ثمّ إنّ عند غروب الشّمس يطلع القمر،و عند طلوعها يغرب القمر،كأنّ لها (1)حركة واحدة،مع أنّ الشّمس تتأخّر عن القمر في ليلة مقدارا ظاهرا في الحسّ.فلو كان للقمر حركة واحدة بها يسبق الشّمس و لا تدركه الشّمس؛و للشّمس حركة واحدة بها تتأخّر عن القمر و لا تدرك القمر،لبقي القمر و الشّمس مدّة مديدة في مكان واحد،لأنّ حركة الشّمس كلّ يوم درجة،فخلق اللّه تعالى في جميع الكواكب حركة أخرى غير حركة الشّهر و السّنة،ا.

ص: 340


1- كذا و الظّاهر:لهما.

و هي الدّورة اليوميّة،و بهذه الدّورة لا يسبق كوكب كوكبا أصلا،لأنّ كلّ كوكب من الكواكب إذا طلع غرب مقابله،و كلّما تقدّم كوكب إلى الموضع الّذي فيه الكوكب الآخر بالنّسبة إلينا،تقدّم ذلك الكوكب، فبهذه الحركة لا يسبق القمر الشّمس،فتبيّن أنّ سلطان اللّيل لا يسبق سلطان النّهار.

فالمراد من اللّيل القمر و من النّهار الشّمس، فقوله: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ إشارة إلى حركتها البطيئة الّتي تتمّ الدّورة في سنة و قوله:

وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ إشارة إلى حركتها اليوميّة الّتي بها تعود من المشرق إلى المشرق مرّة أخرى في يوم و ليلة؛و على هذا ففيه مسائل:

المسألة الأولى:ما الحكمة في إطلاق اللّيل و إرادة سلطانه...؟

المسألة الثّانية:ما الفائدة في قوله تعالى:

لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ بصيغة الفعل، و قوله: وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ بصيغة اسم الفاعل، و لم يقل و لا الليل يسبق،و لا قال:مدركة القمر؟

نقول:الحركة الأوّلية الّتي للشّمس-و لا تدرك بها القمر-مختصّة بالشّمس،فجعلها كالصّادرة منها، و ذكر بصيغة الفعل،لأنّ صيغة الفعل لا تطلق على من لا يصدر منه الفعل،فلا يقال:هو يخيط،و لا يكون يصدر منه الخياطة.

و الحركة الثّانية ليست مختصّة بكوكب من الكواكب،بل الكلّ فيها مشتركة بسبب حركة فلك ليس ذلك فلكا لكوكب من الكواكب،فالحركة ليست كالصّادرة منه،فأطلق اسم الفاعل،لأنّه لا يستلزم صدور الفعل،يقال:فلان خيّاط،و إن لم يكن خيّاطا.

فإن قيل قوله تعالى: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً الأعراف:154،يدلّ على خلاف ما ذكرتم، لأنّ النّهار إذا كان يطلب اللّيل فاللّيل سابقه،و قلتم إنّ قوله: وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ معناه ما ذكرتم فيكون اللّيل سابقا و لا يكون سابقا،نقول قد ذكرنا أنّ المراد باللّيل هاهنا سلطان اللّيل و هو القمر و هو لا يسبق الشّمس بالحركة اليوميّة السّريعة،و المراد من اللّيل هناك نفس اللّيل و كلّ واحد لما كان في عقيب الآخر فكأنّه طالبه.

فإن قيل فلم ذكر هاهنا سابِقُ النَّهارِ و قد ذكر هناك يطلبه،و لم يقل طالبه؟نقول ذلك لما بيّنّا من أنّ المراد في هذه السّورة من اللّيل كواكب اللّيل،و هي في هذه الحركة كأنّها لا حركة لها و لا تسبق،و لا من شأنها أنّها سابقة،و المراد هناك نفس اللّيل و النّهار و هما زمانان و الزّمان لا قرار له فهو يطلب حثيثا لصدور التّقصي منه.(26:73)

الرّازيّ: [نقل سؤال الزّمخشريّ و جوابه ثمّ قال:]

و يرد عليه أنّ سرعة سير القمر يناسب أن ينفي الإدراك عنه،لأنّه إذا قيل:لا القمر ينبغي له أن يدرك الشّمس مع سرعة سيره،علم بالطّريق الأولى أنّ الشّمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر مع بطء سيرها، فأمّا إذا قيل: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ

ص: 341

أمكن أن يقال:إنّما لم تدركه لبطء سيرها،فأمّا القمر فيجوز أن يدركها لسرعة سيره.(288)

البيضاويّ: أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ في سرعة سيره، فإنّ ذلك يخلّ بتكوّن النّبات و تعيّش الحيوان،أو في آثاره و منافعه،أو مكانه بالنّزول إلى محلّه،أو سلطانه فتطمس نوره.و إيلاء حرف النّفي(الشمس)للدّلالة على أنّها مسخّرة لا يتيسّر لها إلاّ ما أريد بها.(2:281)

نحوه أبو السّعود(5:300)،و البروسويّ(7:

401)،و شبّر(5:228).

النّيسابوريّ: أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ لتباطؤ سيرها عن سيره وَ لاَ اللَّيْلُ أي و لا تسبق آية اللّيل و هو القمر آية(النهار)و هي الشّمس،أي لا يداخل القمر الشّمس في سلطانها.و قيل:أراد أنّ اللّيل لا يدخل في وقت النّهار.

و قيل:إنّه إشارة إلى الحركة اليوميّة الّتي بها يحدث اللّيل و النّهار.و المراد أنّ القمر لا يسبق الشّمس بهذه الحركة،لأنّها تشملهما على السّواء، و هكذا جميع الكواكب فلا يقع بسببها تقدّم و لا تأخّر، و لهذا لم يقل:«يسبق»على قياس(تدرك)أي ليس من شأنه السّبق،إذا الكواكب كأنّها كلّها ساكنة بهذه الحركة.

و أقول:يحتمل أن يراد لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ و لا القمر ينبغي أن يتخلّف،فحذف إحدى القرينتين للعلم به،كقوله سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ النّحل:81.(23:17)

أبو حيّان :[اكتفى بنقل الأقوال].(7:337)

الشّوكانيّ: (الشمس)مرفوعة بالابتداء،لأنّه لا يجوز أن تعمل(لا)في المعرفة،أي لا يصحّ،و لا يمكن للشّمس أن تدرك القمر في سرعة السّير،و تنزل في المنزل الّذي فيه القمر،لأنّ لكلّ واحد منهما سلطانا على انفراده،فلا يتمكّن أحدهما من الدّخول على الآخر،فيذهب سلطانه إلى أن يأذن اللّه بالقيامة، فتطلع الشّمس من مغربها.[ثمّ نقل بعض الأقوال المتقدّمة](4:463)

الآلوسيّ: أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ أي في سلطانه بأن تجتمع معه في الوقت الّذي حدّه اللّه تعالى له و جعله مظهرا لسلطانه،فإنّه عزّ و جلّ جعل لتدبير هذا العالم بمقتضى الحكمة لكلّ من النّيّرين:الشّمس و القمر حدّا محدودا و وقتا معيّنا يظهر فيه سلطانه، فلا يدخل أحدهما في سلطان الآخر بل يتعاقبان إلى أن يأتي أمر اللّه عزّ و جلّ.و هذه الجملة لنفي أن تدرك الشّمس القمر فيما جعل له.[ثمّ ذكر أقوال بعض المفسّرين و تعليلاتهم](23:20)

عزّة دروزة :تدرك:تلحق.(2:221)

سيّد قطب :و لكلّ نجم أو كوكب فلك أو مدار، لا يتجاوزه في جريانه أو دورانه.و المسافات بين النّجوم و الكواكب مسافات هائلة.فالمسافة بين أرضنا هذه و بين الشّمس تقدّر بنحو ثلاثة و تسعين مليونا من الأميال،و القمر يبعد عن الأرض بنحو أربعين و مائتي ألف من الأميال.و هذه المسافات على بعدها ليست شيئا يذكر حين تقاس إلى بعد ما بين مجموعتنا الشّمسيّة،و أقرب نجم من نجوم السّماء

ص: 342

الأخرى إلينا.و هو يقدّر بنحو أربع سنوات ضوئيّة.

و سرعة الضّوء تقدّر بستّة و ثمانين و مائة ألف من الأميال في الثّانية الواحدة،أي إنّ أقرب نجم إلينا يبعد عنّا بنحو مائة و أربعة مليون مليون ميل!

و قد قدّر اللّه خالق هذا الكون الهائل أن تقوم هذه المسافات الهائلة بين مدارات النّجوم و الكواكب، و وضع تصميم الكون على هذا النّحو،ليحفظه بمعرفته من التّصادم و التّصدّع.(5:2969)

ابن عاشور :و الادراك:اللّحاق و الوصول إلى البغية،فقوله:(ان تدرك)فاعل(ينبغى،)فأفاد الكلام نفي انبغاء إدراك الشّمس القمر.و المعنى:نفى أن تصطدم الشّمس بالقمر خلافا لما يبدو من قرب منازلهما،فإنّ ذلك من المسامتة لا من الاقتراب.

و صوّغ هذا بصيغة الإخبار عن المسند إليه بالمسند الفعليّ لإفادة تقوّي حكم النّفي،فذلك أبلغ في الانتفاء ممّا لو قيل:لا ينبغي للشّمس أن تدرك القمر.

و افتتاح الجملة بحرف النّفي قبل ذكر الفعل المنفيّ،ليكون النّفي متقرّرا في ذهن السّامع،أقوى ممّا لو قيل:الشّمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر،فكان في قوله: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ خصوصيّتان.(22:234)

الطّباطبائيّ: لفظة(ينبغى)تدلّ على التّرجّح، و نفي ترجّح الإدراك من الشّمس نفي وقوعه منها، و المراد به:أنّ التّدبير ليس ممّا يجري يوما و يقف آخر، بل هو تدبير دائم غير مختلّ،و لا منقوض حتّى ينقضي الأجل المضروب منه تعالى لذلك.

فالمعنى:أنّ الشّمس و القمر ملازمان لما خطّ لهما من المسير،فلا تدرك الشّمس القمر حتّى يختلّ بذلك التّدبير المعمول بهما،و لا اللّيل سابق النّهار و هما متعاقبان في التّدبير،فيتقدّم اللّيل النّهار فيجتمع ليلتان ثمّ نهاران بل يتعاقبان.

و لم يتعرّض لنفي إدراك القمر للشّمس و لا لنفي سبق النّهار اللّيل،لأنّ المقام مقام بيان انحفاظ النّظم الإلهيّ عن الاختلال و الفساد،فنفي إدراك ما هو أعظم و أقوى و هو الشّمس لما هو أصغر و أضعف و هو القمر،و يعلم منه حال العكس،و نفي سبق اللّيل الّذي هو افتقاده للنّهار الّذي هو ليله و اللّيل مضاف إليه متأخّر طبعا منه،و يعلم به حال العكس.

(17:90)

عبد الكريم الخطيب :أي إنّ من قدرة اللّه سبحانه و تعالى،و من إحكام علمه،أن أجرى هذه العوالم بعلمه،و سخّرها بقدرته،و أقامها على نظام محكم،و أجراها في مجار لا تتعدّاها.فلا يصطدم بعضها ببعض،و لا يأخذ بعضها من بعض وضعا غير الّذي أقامه اللّه فيه.فلا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر.

فهي مع سرعتها المذهلة،الّتي تبلغ ألوف المرّات بالنّسبة لسرعة القمر،فإنّها لا تدركه،فهي لها فلك تدور فيه،كما للقمر فلكه الّذي يدور فيه.

و كما أنّ الشّمس لا تدرك القمر،كذلك اللّيل لا يسبق النّهار،إنّهما يجريان بحيث يتبع أحدهما الآخر،دون أن يسبقه وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ.

(12:934)

ص: 343

مكارم الشّيرازيّ: إنّ التعبيرات القرآنيّة استعملت بدقّة متناهية لا يمكن الإحاطة بجميع أبعادها.ففي هذه الآيات حينما تتحدّث عن الحركة الظّاهريّة للقمر و الشّمس خلال المسيرة الشّهريّة و السّنوية تقول: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ إذ أنّ القمر ينهي مسيرته في شهر واحد بينما الشّمس في عام كامل.

أمّا حينما تحدّثت عن اللّيل و النّهار قالت:

وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ لعدم وجود فاصلة بينهما و لتعاقبهما؛فالتّعابير غاية في الدّقّة.(14:174)

مدركون

فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ. الشّعراء:61

ابن عبّاس: أي أدركونا يا موسى.(308)

لمّا انتهى موسى إلى البحر و هاجت الرّيح العاصف فنظر أصحاب موسى خلفهم إلى الرّيح و إلى البحر أمامهم قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ* قالَ كَلاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ. (الطّبريّ 9:447)

السّدّيّ: إِنّا لَمُدْرَكُونَ (قالوا)يا موسى أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا الأعراف :129،اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا إِنّا لَمُدْرَكُونَ، البحر بين أيدينا و فرعون من خلفنا.(الطّبريّ 9:447)

نحوه الشّربينيّ(3:15)،و المراغيّ(19:68).

الفرّاء: و قوله: إِنّا لَمُدْرَكُونَ و(لمدّركون) مفتعلون من«الادّراك»كما تقول:حفرت و احتفرت بمعنى واحد،فكذلك(لمدركون)و(لمدّركون) معناهما واحد،و اللّه أعلم.(2:280)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فلما تناظر الجمعان:

جمع موسى و هم بنو إسرائيل و جمع فرعون و هم القبط قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ أي إنّا لملحقون الآن يلحقنا فرعون و جنوده فيقتلوننا و ذكر أنّهم قالوا:ذلك لموسى تشاؤما بموسى.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك فقرأته عامّة قرّاء الأمصار سوى الأعرج إِنّا لَمُدْرَكُونَ، و قرأه الأعرج(انّا لمدّركون)كما يقال:نزلت و أنزلت.

و القراءة عندنا الّتي عليها قرّاء الأمصار لإجماع الحجّة من القرّاء عليها.(9:447)

نحوه البروسويّ.(6:278)

الزّجّاج: أي سيدركنا جمع فرعون هذا الكثير، و لا طاقة لنا بهم.(4:92)

نحوه الواحديّ(3:354)،و البغويّ(3:468)، و الطّبرسيّ(4:191)،و الخازن(5:98)،و مغنيّة (5:499)و الطّباطبائيّ(15:277)،.

النّحّاس: [نحو الزّجّاج ثمّ قال:]

و قرئ (لمدّركون) و المعنى واحد.(5:84)

الطّوسيّ: و كان أصحاب موسى فزعوا من فرعون أن يلحقهم و حذّروا موسى،فقالوا: إِنّا لَمُدْرَكُونَ فقال لهم موسى عليه السّلام ثقة باللّه:

(كلا)ليس كما تقولون: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ.

و قرأ الأعرج: (انّا لمدّركون) مفتعلون،من«الادّراك» و أدغم التّاء في الدّال.(8:27)

ص: 344

نحوه الميبديّ.(7:108)

الزّمخشريّ: (انّا لمدّركون)بتشديد الدّال و كسر الرّاء من ادّرك الشّيء،إذا تتابع ففني،و منه قوله تعالى: بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ النّمل:

66.

قال الحسن:جهلوا علم الآخرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و المعنى:إنّا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتّى لا يبقى منّا أحد.(3:115)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:138)،و البيضاويّ(2:

159).

ابن عطيّة: لمّا لحق فرعون بجمعه جمع موسى و قرب منهم،و رأت بنو إسرائيل العدد القويّ وراءهم و البحر أمامهم ساءت ظنونهم،و قالوا لموسى عليه السّلام على جهة التّوبيخ و الجفاء: إِنّا لَمُدْرَكُونَ أي هذا رأيك،فردّ عليهم قولهم و زجرهم،و ذكر وعد اللّه له بالهداية و الظّفر.

و قرأ الجمهور إِنّا لَمُدْرَكُونَ و قرأ الأعرج و ابن عمير (انّا لمدركون) بفتح الدّال و شدّ الرّاء، و معناها:يتتابع علينا حتّى نفنى.(4:232)

العكبريّ: قوله تعالى:(لمدركون)بالتّخفيف و التّشديد،يقال:أدركته و ادّركته.(2:996)

القرطبيّ: أي قرب منّا العدوّ و لا طاقة لنا به.[ثمّ نقل القراءات](13:106)

النّسفيّ: أي قرب أن يلحقنا عدوّنا و أمامنا البحر.(3:185)

النّيسابوريّ: لملحقون.(19:52)

مثله الكاشانيّ(4:37)،و شبّر(4:387)، و القاسميّ(13:4619).

أبو حيّان : إِنّا لَمُدْرَكُونَ: أي ملحقون،قالوا ذلك:حين رأوا العدوّ القويّ وراءهم و البحر أمامهم، و ساءت ظنونهم...

و قرأ الجمهور:(لمدركون،)بإسكان الدّال؛ و الأعرج و عبيد بن عمير:بفتح الدّال مشدّدة و كسر الرّاء،على وزن«مفتعلون»و هو لازم،بمعنى الفناء و الاضمحلال.يقال منه:ادّرك الشّيء بنفسه،إذا فني تتابعا،و لذلك كسرت الرّاء على هذه القراءة؛نصّ على كسرها أبو الفضل الرّازيّ في كتاب«اللّوامح»، و الزّمخشريّ في«كشّافه»و غيرهما.

و قال أبو الفضل الرّازيّ: و قد يكون«ادّرك» على«افتعل»بمعنى«أفعل»متعدّيا،فلو كانت القراءة من ذلك،لوجب فتح الرّاء،و لم يبلغني ذلك عنهما، يعني عن الأعرج و عبيد بن عمير.(7:19)

نحوه السّمين(5:275)،و الشّوكانيّ(4:128).

ابن كثير : ...إِنّا لَمُدْرَكُونَ؛ و ذلك أنّهم انتهى بهم السّير إلى سيف البحر و هو بحر القلزم،فصار أمامهم البحر،و قد أدركهم فرعون بجنوده.(5:185)

أبو السّعود : قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ: جاءوا بالجملة الاسميّة مؤكّدة بحرفي التّأكيد للدّلالة على تحقّق الإدراك و اللّحاق و تنجّزهما و قرئ (لمدّركون) بتشديد الدّال من:

ادّرك الشّيء،إذا تتابع ففني،أي لمتتابعون في الهلاك

ص: 345

على أيديهم.(5:42)

نحوه الآلوسيّ.(19:84)

ابن عاشور :و قولهم: إِنّا لَمُدْرَكُونَ بالتّأكيد لشدّة الاهتمام بهذا الخبر،و هو مستعمل في معنى الجزع.(19:147)

فضل اللّه : قالَ أَصْحابُ مُوسى الّذين عاشوا القهر و الاستعباد من فرعون حتّى تأصّل الخوف في نفوسهم،و تعمّق الرّعب منه في قلوبهم،ففقدوا الثّقة بأنفسهم،و ابتعدوا عن التّفكير في قوّة اللّه من فوقهم:

إِنّا لَمُدْرَكُونَ فسيدركنا فرعون بجنوده، و سيقبضون علينا و يقتلوننا،أو يرجعوننا إلى العبوديّة من جديد.(17:118)

مكارم الشّيرازيّ: قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ فأمامنا بحر خضم متلاطم بالأمواج، و من ورائنا بحر من الجيوش المتعطّشة للدّماء بتجهيزاتها الكاملة.هؤلاء الغاضبون علينا،و هم الّذين قتلوا أطفالنا الأبرياء سنين طوالا،و فرعون نفسه رجل دمويّ جبّار.فعلى هذا سيحاصروننا بسرعة،و يقتلوننا جميعا بحدّ السّيوف،أو سيأسروننا و يعذّبوننا،و القرائن جميعها تدلّ على ذلك.

و هنا مرّت لحظات عسيرة على بني إسرائيل، لحظات مرّة لا يمكن وصف مرارتها.و لعلّ جماعة منهم تزلزل إيمانهم،و فقدوا معنويّاتهم و روحيّاتهم.إلاّ أنّ موسى عليه السّلام كان مطمئنّا هادئ البال،و كان يعرف أنّ وعد اللّه في هلاك فرعون و قومه و نجاة بني إسرائيل لا يتخلّف أبدا و لن يخلف اللّه وعده رسله!.(11:342)

تداركه

لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَ هُوَ مَذْمُومٌ. القلم:49

الفرّاء: و في قراءة عبد اللّه (لو لا أن تداركته) و ذلك مثل قوله: وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ هود:67، وَ أَخَذَتِ... هود:94،في موضع آخر، لأنّ النّعمة اسم مؤنّث مشتقّ من فعل،و لك في فعله إذا تقدّم التّذكير و التّأنيث.(3:178)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:لو لا أن تدارك صاحب الحوت نعمة من ربّه،فرحمه بها،و تاب عليه من مغاضبته ربّه.(12:203)

الطّوسيّ: معناه:لو لا أنّ اللّه رحم يونس و لحقته نعمة من جهته.(10:90)

نحوه أبو الفتوح.(19:368)

الواحديّ: أدركه.(4:341)

نحوه البغويّ.(5:142)

الزّمخشريّ: حسن تذكير الفعل لفصل الضّمير في(تداركه.)

و قرأ ابن عبّاس و ابن مسعود: (تداركته) .

و قرأ الحسن: (تدّاركه) أي تتداركه على حكاية الحال الماضية،بمعنى:لو لا أن كان يقال فيه:تتداركه، كما يقال:كان زيد سيقوم فمنعه فلان،أي كان يقال فيه:سيقوم.و المعنى:كان متوقّعا منه القيام.(4:148)

نحوه أبو البركات(2:455)،و ابن الجوزيّ(8:

343)،و الفخر الرّازيّ(30:98)،و البيضاويّ(2:

496)،و أبو السّعود(6:291)،و الآلوسيّ(29:

ص: 346

37).

ابن عطيّة: قرأ جمهور النّاس لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ أسند الفعل دون علامة تأنيث،لأنّ تأنيث النّعمة غير حقيقيّ.و قرأ أبيّ بن كعب و ابن مسعود و ابن عبّاس (تداركته) على إظهار العلامة.و قرأ ابن هرمز و الحسن(تدّاركه)بشدّ الدّال على معنى تتداركه، و هي حكاية حال تامّ،فلذلك جاء الفعل مستقبلا بمعنى لو لا أن يقال فيه:تتداركه نعمة من ربّه،و نحوه قوله تعالى: فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ القصص:

15،فهذا وجه القراءة،ثمّ أدغمت التّاء في الدّال.

(5:354)

نحوه القرطبيّ.(18:253)

السّمين:[نقل القراءة المشهورة و قراءة الحسن (تدّاركه) بتشديد الدّال ثمّ قال:]

و خرّجت على أنّ الأصل:تتداركه بتاءين مضارعا فأدغم،هو شاذّ،لأنّ السّاكن الأوّل غير حرف لين و هي كقراءة البزّي إِذْ تَلَقَّوْنَهُ النّور:

15،و ناراً تَلَظّى الليل:14.و هذا على حكاية الحال،لأنّ القصّة ماضية بإيقاع المضارع هنا للحكاية.(6:359)

الشّربينيّ: أي أدركه إدراكا عظيما.(4:365)

البروسويّ: ناله و بلغه و وصل إليه.(10:126)

ابن عاشور :و(ان)يجوز أن تكون مخفّفة من «أنّ»،و اسمها ضمير شأن محذوف،و جملة تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ خبرها.و يجوز أن تكون مصدريّة،أي لو لا تدارك رحمة من ربّه.

و التّدارك:«تفاعل»من الدّرك بالتّحريك،و هو اللّحاق،أي أن يلحق بعض السّائرين بعضا،و هو يقتضي تسابقهم،و هو هنا مستعمل في مبالغة إدراك نعمة اللّه إيّاه.(29:98)

الطّباطبائيّ: و التّدارك:الإدراك و اللّحوق...

و المعنى:لو لا أن أدركته و لحقت به نعمة من ربّه -و هو أنّ اللّه قبل توبته-لطرح بالأرض العراء و هو مذموم بما فعل.(19:387)

ادّارك

بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ. النّمل:66

ابن عبّاس: يقول:اجتمع علمهم على أنّ الآخرة لا تكون.(321)

بصّرهم في الآخرة حين لم ينفعهم العلم و البصر.

(الطّبريّ 10:8)

غاب علمهم.(الطّبريّ 10:8)

مجاهد :أم أدرك علمهم من أين يدرك علمهم.

(الطّبريّ 10:9)

الإمام الباقر عليه السّلام:علموا ما كانوا جهلوا في الدّنيا.(البحرانيّ 7:291)

قتادة :لم يبلغ لهم فيها علم و لا يصل إليها منهم رغبة.(الطّبريّ 10:9)

زيد بن عليّ عليه السّلام:معناه:اجتمع.(307)

السّدّيّ: معناه اجتمع علمهم يوم القيامة،فلم يشكّوا و لم يختلفوا.(الطّبرسيّ 4:231)

ص: 347

مقاتل:يقول:علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكّوا و عموا عنه في الدّنيا.(3:315)

ابن زيد :ضلّ علمهم في الآخرة فليس لهم فيها علم.(الطّبريّ 10:8)

الفرّاء: معناه لعلّهم تدارك علمهم.يقول:تتابع علمهم في الآخرة،يريد:بعلم الآخرة أنّها تكون،أو لا تكون،لذلك قال: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ، و هي في قراءة أبيّ(ام تدارك علمهم فى الآخرة)ب«ام.»و العرب تجعل«بل»مكان«أم» و«أم»مكان«بل»إذا كان في أوّل الكلام استفهام.

[و استشهد بشعر]

و قد اختلف القرّاء في(ادارك،)فقرأ يحيى و الحسن و شيبة و نافع بَلِ ادّارَكَ، و قرأ مجاهد و أبو جعفر المدنيّ (بل ادرك علمهم فى الآخرة) من «أدركت»و معناه،كأنّه قال:هل أدرك علمهم علم الآخرة.و بلغني عن ابن عبّاس أنّه قرأ (بلى ادّارك) يستفهم و يشدّد الدّال،و يجعل في(بلى)ياء.و هو وجه جيّد،لأنّه أشبه بالاستهزاء بأهل الجحد،كقولك للرّجل تكذّبه:بلى لعمري لقد أدركت السّلف،فأنت تروي ما لا نروي،و أنت تكذّبه.(2:299)

نحوه أبو البركات(2:226)،و ابن الجوزيّ(6:

188)،و العكبريّ(2:1012).

ابن قتيبة :أي تدارك ظنّهم في الآخرة،و تتابع بالقول و الحدس.(326)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة سوى أبي جعفر،و عامّة قرّاء أهل الكوفة بَلِ ادّارَكَ بكسر اللاّم من(بل) و تشديد الدّال من«ادّارك»،بمعنى بل تدارك علمهم، أي تتابع علمهم بالآخرة هل هي كائنة أم لا؟ثمّ أدغمت التّاء في الدّال،كما قيل: اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ التّوبة:38،و قد بيّنّا ذلك فيما مضى،بما فيه الكفاية من إعادته.

و قرأته عامّة قراء أهل مكّة (بل ادرك علمهم فى الآخرة) بسكون الدّال و فتح الألف،بمعنى:هل أدرك علمهم علم الآخرة؟و كان أبو عمرو بن العلاء ينكر -فيما ذكر عنه-قراءة من قرأ: (بل ادرك) ،و يقول:إنّ (بل)إيجاب و الاستفهام في هذا الموضع إنكار.و معنى الكلام:إذا قرئ كذلك (بل ادرك) لم يكن ذلك لم يدرك علمهم في الآخرة،و بالاستفهام قرأ ذلك ابن محيصن على الوجه الّذي ذكرت أنّ أبا عمرو أنكره.

و بنحو الّذي ذكرت عن المكّيّين أنّهم قرءوه ذكر عن مجاهد أنّه قرأه،غير أنّه كان يقرأ في موضع(بل) «أم.»...عن مجاهد أنّه قرأ(ام ادرك علمهم)و كان ابن عبّاس-فيما ذكر عنه-يقرأ بإثبات ياء في(بل)، ثم يبتدئ(ادّارك)بفتح ألفها على وجه الاستفهام و تشديد الدّال...(بلى ادّارك علمهم فى الآخرة)إنّما هو استفهام أنّه لم يدرك.و كأنّ ابن عبّاس وجّه ذلك إلى أنّ مخرجه الاستهزاء بالمكذّبين بالبعث.

و الصّواب من القراءات عندنا في ذلك:القراءتان اللّتان ذكرت إحداهما عن قرأة أهل مكّة و البصرة، و هي(بل ادرك علمهم)بسكون لام(بل)و فتح ألف (ادرك)و تخفيف دالها،و الأخرى منهما عن قرأة

ص: 348

الكوفة،و هي (بل ادّارك) بكسر اللاّم و تشديد الدّال من (ادّارك) ،لأنّهما القراءتان المعروفتان في قراءة الأمصار،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب عندنا.

فأمّا القراءة الّتي ذكرت عن ابن عبّاس،فإنّها و إن كانت صحيحة المعنى و الإعراب،فخلاف لما عليه مصاحف المسلمين؛و ذلك أنّ في(بلى)،زيادة ياء في قراءاته ليست في المصاحف،و هي مع ذلك قراءة لا نعلمها قرأ بها أحد من قرّاء الأمصار.

و أمّا القراءة الّتي ذكرت عن ابن محيصن،فإنّ الّذي قال فيها أبو عمرو قول صحيح،لأنّ العرب تحقّق ب(بل)ما بعدها لا تنفيه.

و الاستفهام في هذا الموضع إنكار لا إثبات؛و ذلك أنّ اللّه قد أخبر عن المشركين أنّهم من السّاعة في شكّ، فقال: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ.

و اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك،فقال بعضهم:

معناه:(بل ادرك علمهم فى الآخرة)فأيقنوها؛إذ عاينوها حين لم ينفعهم يقينهم بها؛إذ كانوا بها في الدّنيا مكذّبين.

و قال آخرون:بل معناه:بل غاب علمهم في الآخرة.

و قال آخرون:معنى ذلك:لم يبلغ لهم فيها علم.

و قال آخرون:معنى ذلك(بل ادرك):أم أدرك.

و أولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب على قراءة من قرأ (بل ادرك) القول الّذي ذكرناه عن عطاء الخراسانيّ،عن ابن عبّاس،و هو أنّ معناه:إذا قرئ كذلك وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ النّحل:21،بل أدرك علمهم نفس وقت ذلك في الآخرة حين يبعثون، فلا ينفعهم علمهم به حينئذ،فأمّا في الدّنيا فإنّهم منها فى شكّ،بل هم منها عمون.

و إنّما قلت:هذا القول الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب على القراءة الّتي ذكرت،لأنّ ذلك أظهر معانيه.و إذ كان ذلك معناه كان في الكلام محذوف قد استغني بدلالة ما ظهر منه عنه،و ذلك أنّ معنى الكلام:

وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ، بل يشعرون ذلك في الآخرة،فالكلام إذا كان ذلك معناه: وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ، بل أدرك علمهم بذلك في الآخرة،بل هم في الدّنيا في شكّ منها.

و أمّا على قراءة من قرأه (بل ادّارك) بكسر اللاّم و تشديد الدّال،فالقول الّذي ذكرنا عن مجاهد،و هو أن يكون معنى(بل):«أم»،و العرب تضع«أم» موضع«بل»،و موضع«بل»:«أم»،إذا كان في أوّل الكلام استفهام.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

فيكون تأويل الكلام: وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ، بل تدارك علمهم في الآخرة،يعني تتابع علمهم في الآخرة،أي بعلم الآخرة،أي لم يتتابع بذلك و لم يعلموه،بل غاب علمهم عنه،و ضلّ فلم يبلغوه، و لم يدركوه.(10:7)

نحوه الزّجّاج(4:127)،و أبو زرعة(535)، و الثّعلبيّ(7:220)،و القيسيّ(2:154).

النّحّاس: و يقال:(بل ادّرك)أي كمل،لأنّهم عاينوا الحقائق.[إلى أن قال:]

ص: 349

في(آدّارك)هذه ألف التّوقيف،أي أ آدّارك علمهم في الدّنيا حقيقة الآخرة؟أي لم يدرك.و ربما جاء مثل هذا بغير ألف استفهام.و قرأ ابن محيصن(بل أ آدّرك علمهم)،و أنكر هذا أبو عمرو،قال:لأنّ(بل) لا يقع بعدها إلاّ إيجاب،و هو جائز على أن يكون المعنى:بل لم يدرك علمهم،و بل يقال لهم هذا.

(5:145)

الفارسيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و ما رواه الأعشى عن أبي بكر عن عاصم(بل ادّرك)فمعناه«افتعل»،من«أدركت»،و افتعل، و تفاعل،قد يجيئان بمعنى،يعنى بأحدهما ما يعنى بالآخر،و من ثمّ صحّ قولهم:«ازدوجوا»و إن كان حرف العلّة على صورة يجب فيها الانقلاب،و لكنّه صحّ لمّا كان بمعنى«تفاعلوا»و«تفاعلوا»يلزم تصحيح حرف العلّة فيه،لسكون الحرف الّذي قبل حرف العلّة،فصار تصحيح هذا كتصحيح:عور، و حول،لمّا كان في معنى«تفاعل»و«تفاعل»قبل حرف العلّة منه ساكن،و إذا كان كذلك فادّرك و ادّارك بمعنى،كما أنّ عور و اعوارّ بمعنى،و لو قرئ حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها الأعراف:38، (و ادّركوا) لكان مثل ما في هذه الآية.[ثمّ استشهد بشعر](3:244)

الماورديّ: و في صفة علمهم بهذه الصّفة قولان:

أحدهما:أنّها صفة ذمّ،فعلى هذا في معناه أربعة أوجه:

أحدها:غاب علمهم،قاله ابن عبّاس.

الثّاني:لم يدرك علمهم،قاله ابن محيصن.

الثّالث:اضمحلّ علمهم،قاله الحسن.

الرّابع:ضلّ علمهم،و هو معنى قول قتادة.فهذا تأويل من زعم أنّها صفة ذمّ.

و القول الثّاني:أنّها صفة حمد لعلمهم و إن كانوا مذمومين،فعلى هذا في معناه ثلاثة أوجه:

أحدها:أدرك علمهم،قاله مجاهد.

الثّاني:اجتمع علمهم،قاله السّدّيّ.

الثّالث:تلاحق علمهم،قاله ابن شجرة.(4:224)

الطّوسيّ: قرأ ابن كثير،و أهل البصرة (بل ادارك) (1)بقطع الهمزة.يقال:تدارك زيد أمره و أدارك بمعنى واحد،و مثله إِنّا لَمُدْرَكُونَ الشّعراء:61.

و قد شدّد الأعرج،و روى السّمونيّ بكسر اللاّم، و وصل الهمزة و تشديد الدّال من غير ألف.[ثمّ أدام نقل القراءات إلى أن قال:]

و قيل:إنّه[ابن عبّاس]قرأ (بلى ادارك) و أدارك العلم:لحاق الحال الّتي يظهر فيها معلومه،ففي الآخرة يظهر الحقّ بما يرى من الأمور الّتي من شأنها أن يقع عندها علم بمقتضى ما يحدث من عظم الأمور.و قيل:

معنى(بل)هاهنا«هل»فكأنّه قال:هل أدارك علمهم،و معناه أنّهم لا يعلمون الآخرة بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها. و من شدّد الدّال قال:أصله:«تدارك»، فأدغموا التّاء فى الدّال و قلبوا ألف الوصل.(8:111)

البغويّ: [ذكر القراءات،و قال:]

ذكر عليّ بن عيسى الرّمّانيّ:أنّ معنى(بل)هاهناو.

ص: 350


1- في الأصل:(ادراك)و هو سهو.

«لو»و معناه:لو أدركوا في الدّنيا ما أدركوا في الآخرة لم يشكّوا،بل هم في شكّ منها،بل هم اليوم في الدّنيا في شكّ من السّاعة.(3:512)

الزّمخشريّ: و قرئ (بل ادرك) (بل ادّرك) (بل ادارك) (بل تدارك) (بل ادرك) بهمزتين (بل ا آدرك) بألف بينهما. (بل ادرك) بالتّخفيف و النّقل (بل ادّرك) بفتح اللاّم و تشديد الدّال.و أصله:بل ادّرك على الاستفهام (بلى ادرك) (بلى ا ادرك) (ام تدارك) (ام ادرك) فهذه ثنتا عشرة قراءة:و ادّارك:

أصله تدارك،فأدغمت التّاء في الدّال.و (ادّرك):

افتعل.و معنى أدرك علمهم:انتهى و تكامل.و (ادّرك):

تتابع و استحكم.و هو على وجهين:

أحدهما:أنّ أسباب استحكام العلم و تكامله بأنّ القيامة كائنة لا ريب فيه قد حصلت لهم،و مكّنوا من معرفته و هم شاكّون جاهلون،و هو قوله: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ يريد المشركين ممّن في السّماوات و الأرض،لأنّهم لمّا كانوا في جملتهم نسب فعلهم إلى الجميع،كما يقال:بنو فلان فعلوا كذا،و إنّما فعله ناس منهم.

فإن قلت:إنّ الآية سيقت لاختصاص اللّه بعلم الغيب،و أنّ العباد لا علم لهم بشيء منه،و أنّ وقت بعثهم و نشورهم من جملة الغيب و هم لا يشعرون به، فكيف لاءم هذا المعنى وصف المشركين بإنكارهم البعث،مع استحكام أسباب العلم و التّمكّن من المعرفة؟

قلت:لمّا ذكر أنّ العباد لا يعلمون الغيب و لا يشعرون بالبعث الكائن و وقته الّذي يكون فيه، و كان هذا بيانا لعجزهم و وصفا لقصور علمهم،وصل به أنّ عندهم عجزا أبلغ منه،و هو أنّهم يقولون للكائن الّذي لا بدّ أن يكون-و هو وقت جزاء أعمالهم-:لا يكون مع أنّ عندهم أسباب معرفة كونه و استحكام العلم به.

و الوجه الثّاني:أنّ وصفهم باستحكام العلم و تكامله تهكّم بهم،كما تقول لأجهل النّاس:ما أعلمك!على سبيل الهزؤ؛و ذلك حيث شكّوا و عموا عن إثباته الّذي الطّريق إلى علمه مسلوك،فضلا أن يعرفوا وقت كونه الّذي لا طريق إلى معرفته.

و في(ادرك علمهم)و(ادّارك علمهم)وجه آخر، و هو أن يكون«أدرك»بمعنى انتهى و فنى،من قولك:

«أدركت الثّمرة»لأنّ تلك غايتها الّتي عندها تعدم.

و قد فسّره الحسن رضي اللّه عنه باضمحلّ علمهم، و(تدارك)من تدارك بنو فلان،إذا تتابعوا في الهلاك.

فإن قلت:فما وجه قراءة من قرأ (بل ا ادرك) على الاستفهام؟

قلت:هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم،و كذلك من قرأ: (أم ادرك) .و (أم تدارك) لأنّها«أم»الّتي بمعنى«بل»و«الهمزة».

فإن قلت:فمن قرأ: (بلى ادرك) و (بلى اادرك) ؟

قلت:لمّا جاء ب«بلى»بعد قوله: وَ ما يَشْعُرُونَ كان معناه:بلى يشعرون،ثمّ فسّر الشّعور بقوله:أدرك علمهم في الآخرة على سبيل التّهكّم الّذي معناه المبالغة في نفي العلم،فكأنّه قال:شعورهم

ص: 351

بوقت الآخر،و أنّهم لا يعلمون كونها،فيرجع إلى نفي الشّعور على أبلغ ما يكون.

و أمّا من قرأ: (بلى اادرك) على الاستفهام، فمعناه:بلى يشعرون متى يبعثون،ثمّ أنكر علمهم بكونها،و إذا أنكر علمهم بكونها لم يتحصّل لهم شعور بوقت كونها،لأنّ العلم بوقت الكائن تابع للعلم بكون الكائن(فى الآخرة)في شأن الآخرة و معناها.

فإن قلت:هذه الإضرابات الثّلاثة ما معناها؟

قلت:ما هي إلاّ تنزيل لأحوالهم،و وصفهم أوّلا بأنّهم لا يشعرون وقت البعث،ثمّ بأنّهم لا يعلمون أنّ القيامة كائنة،ثمّ بأنّهم يخبطون في شكّ و مرية فلا يزيلونه و الإزالة مستطاعة.أ لا ترى أنّ من لم يسمع اختلاف المذاهب و تضليل أربابها بعضهم لبعض،كان أمره أهون ممّن سمع بها و هو جاثم لا يشخص به طلب التّمييز بين الحقّ و الباطل،ثمّ بما هو أسوأ حالا و هو العمى،و أن يكون مثل البهيمة قد عكف همّه على بطنه و فرجه،لا يخطر بباله حقّا و لا باطلا،و لا يفكّر في عاقبة.و قد جعل الآخرة مبدأ عماهم و منشأه؛ فلذلك عدّاه ب(من)دون«عن»لأنّ الكفر بالعاقبة و الجزاء هو الّذي جعلهم كالبهائم،لا يتدبّرون و لا يتبصّرون.(3:156)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:212)،و القرطبيّ(13:

226)،و البيضاويّ(2:181)،و النّسفيّ(3:219)، و النّيسابوريّ(20:10)،و الشّربينيّ(3:71)، و أبو السّعود(5:98)،و ملخّصا البروسويّ(6:

365)،و الشّوكانيّ(4:185)،و القاسميّ(13:

4681).

ابن عطيّة: [ذكر القراءات نحو الطّبريّ و قال:]

فأمّا قراءة الاستفهام،فهي على معنى الهزء بالكفرة،و التّقرير لهم على ما هو في غاية البعد عنهم، أي أعلموا أمر الآخرة و أدركها علمهم.و أمّا القراءات المتقدّمة فتحتمل معنيين:أحدهما:«بل أدرك علمهم»أي تناهى،كما تقول أدرك النّبات و غيره،و كما تقول:هذا ما أدرك علمي من كذا و كذا، فمعناه:قد تتابع و تناهى علمهم بالآخرة إلى أن لا يعرفوا لها مقدارا فيؤمنوا،و إنّما لهم ظنون كاذبة،أو إلى أن لا يعرفوا لها وقتا،و كذلك(أدرك)و(تدارك) و سواها،و إن حملت هذه القراءة معنى التّوقيف و الاستفهام ساغ،و جاء إنكارا،لأن أدركوا شيئا نافعا،و المعنى الثّاني:(بل أدرك)بمعنى يدرك،أي إنّهم في الآخرة يدرك علمهم وقت القيامة،و يرون العذاب و الحقائق الّتي كذّبوا بها،و أمّا في الدّنيا فلا.و هذا هو تأويل ابن عبّاس و نحا إليه الزّجّاج،فقوله:(فى الآخرة)على هذا التّأويل ظرف،و على التّأويل الأوّل(فى)بمعنى الباء،و«العلم»قد يتعدّى بحرف الجرّ،تقول:علمي بزيد كذا.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:268)

الطّبرسيّ: [ذكر القراءات،نحو الطّوسيّ، و الفارسيّ،إلى أن قال:]

و من قرأ (بل درك) فإنّه خفّف الهمزة بحذفها، و إلقاء حركتها على اللاّم السّاكنة قبلها نحو(قد فلح) في قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون:1،و أمّا قوله:(بل ادرك)فإنّ

ص: 352

(بل)استئناف و ما بعدها استفهام،كما تقول:أزيد عندك بل أ عمرو عندك؟ترك الأوّل إلى غيره.و أمّا (بلى)فكأنّه جواب؛و ذلك لأنّه لمّا قال: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ النّمل:65،فكأنّ قائلا قال:«ما الأمر كذلك»فقيل له:(بلى)ثمّ استؤنف فقيل:أدرك علمهم في الآخرة و قد سبق ذكر الاستفهامين فيما تقدّم...

لمّا أخبر سبحانه عن الكفّار أنّهم لا يشعرون متى يبعثون و أنّهم شاكّون،عقّبه بأنّهم يعلمون حقيقة ذلك يوم القيامة،فقال: بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أي تتابع منهم العلم،و تلاحق حتّى كمل علمهم في الآخرة بما أخبروا به في الدّنيا،فهو على لفظ الماضي و المراد به الاستقبال،أي يتدارك.و من قرأ (ادرك) فمعناه سيدرك علمهم هذه الأشياء في الآخرة حين لا ينفعهم اليقين، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها في الدّنيا عن ابن عبّاس،و المعنى:أنّ ما جهلوه في الدّنيا و سقط علمه عنهم علموه في الآخرة.[ثمّ نقل قول السّدّيّ و مقاتل و قال:]

و قيل:إنّ هذا على وجه الاستفهام،فحذف الألف و المراد به النّفي،بمعنى أنّه لم يدرك علمهم بالآخرة و لم يبلغها علمهم.و قيل:معناه أدرك هذا العلم جميع العقلاء لو تفكّروا و نظروا،لأنّ العقل يقتضي أنّ الإهمال قبيح فلا بدّ من تكليف،و التّكليف يقتضي الجزاء،و إذا لم يكن ذلك في الدّنيا فلا بدّ من دار للجزاء.

و قيل:إنّ الآية إخبار عن ثلاث طوائف:طائفة أقرّت بالبعث،و طائفة شكّت فيه،و طائفة نفته،كما قال: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ... ق:5، و قوله: بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ أي عن معرفتها،و هو جمع عمي و هو الأعمى القلب،لتركه التّدبّر و النّظر.

(4:231)

الرّازيّ: فإن قيل:قوله تعالى: بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أو(ادرك)على اختلاف القراءتين،هل مرجع الضّمير فيه و فيما قبله واحد أم لا؟و كيف مطابقة الإضراب لما قبله،و مطابقته لما بعده من الإضرابين؟و كيف وصفهم بنفي الشّعور،ثمّ بكمال العلم ثمّ بالشّكّ ثمّ بالعمى؟

قلنا:مرجع الضّمير في قوله تعالى: بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ هو الكفّار فقط،و فيما قبله جميع من في السّماوات و الأرض.و قوله تعالى: بَلِ ادّارَكَ معناه بل تتابع و تلاحق و اجتمع،كقوله تعالى: حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً الأعراف:38،و أصله تدارك،فأدغم التّاء في الدّال،و قوله تعالى:(بل ادّارك)معناه بل كمل و انتهى.

و قال السّعديّ: يريد اجتمع علمهم يوم القيامة فلم يشكّوا و لم يختلفوا...

و مطابقة الإضراب الأوّل لما قبله أنّ الّذين لا يشعرون وقت البعث لمّا كانوا فريقين:فريق منهم لا يعلمون وقت البعث مع علمهم أنّه يوجد لا محالة و هم المؤمنون،و فريق منهم لا يعلمون وقته لإنكارهم أصل وجوده،أفرد الفريق الثّاني بالذّكر بقوله تعالى:

بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ تأكيدا لنفي علمهم

ص: 353

في الدّنيا،كأنّه تعالى قال:بل فريق منهم لا يعلمون شيئا من أمر البعث في الدّنيا أصلا،ثمّ أضرب عن الإخبار بتتابع علمهم و تلاحقه بحقيقة البعث في الآخرة إلى الإخبار عن شكّهم في الدّنيا في أمر البعث و السّاعة،مع قيام الأدلّة الشّرعيّة على وجودها لا محالة.و أمّا وصفهم بنفي الشّعور ثمّ بكمال العلم ثمّ بالشّكّ ثمّ بالعمى،فلا تناقض فيه،لاختلاف الأزمنة، أو لاختلاف متعلّقات تلك الأمور الأربعة،و هي الشّعور و العلم و الشّكّ و العمى.(259)

أبو حيّان :[نحو الطّبريّ و الزّمخشريّ في القراءة و معانيها إلى أن قال:]

و أمّا قراءة من قرأ (بلى) بحرف الجواب بدل (بل)،فقال أبو حاتم:إن كان(بلى)جوابا لكلام تقدّم،جاز أن يستفهم به،كأنّ قوما أنكروا ما تقدّم من القدرة،فقيل لهم:(بلى)إيجابا لما نفوا،ثمّ استؤنف بعده الاستفهام،و عودل بقوله تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها، بمعنى أم هم في شكّ منها،لأنّ حروف العطف قد تتناوب،و كفّ عن الجملتين بقوله تعالى: بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ. انتهى.يعني أنّ المعنى:ادّرك علمهم بالآخرة أم شكّوا؟ف(بل)بمعنى«أم»عودل بها الهمزة.و هذا ضعيف جدّا،و هو أن تكون(بل)بمعنى «أم»و تعادل همزة الاستفهام.(7:93)

السّمين:[ذكر القراءات إلى أن قال:]و قرأ سليمان و عطاء ابنا يسار (بل ادّرك) بفتح لام(بل) و تشديد الدّال دون ألف بعدها.و تخريجها:أنّ الأصل (ادّرك)على وزن«افتعل»فأبدلت تاء«الافتعال» دالا لوقوعها بعد الدّال.

قال الشّيخ:فصار فيه قلب الثّاني للأوّل كقولهم:

اثّرد،و أصله:اثترد من الثّرد،انتهى.

قلت:ليس هذا ممّا قلب فيه الثّاني للأوّل لأجل الإدغام ك«اثّرد»في الثّرد،لأنّ تاء«الافتعال»تبدل دالا بعد أحرف منها الدّال،نحو:«ادّان»في«افتعل» من الدّين،فالإبدال لأجل كون الدّال فاء،لا للإدغام، فليس مثل«اثّرد»في شيء،فتأمّله فإنّه حسن.فلمّا أدغمت الدّال في الدّال أدخلت همزة الاستفهام فسقطت همزة الوصل،فصار اللّفظ(ادرك)بهمزة قطع مفتوحة،ثمّ نقلت حركة هذه الهمزة إلى لام(بل)فصار اللّفظ(بل ادّرك).[ثمّ أدام الكلام في توجيه قراءات الأخرى](5:324)

الآلوسيّ: بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ إضراب عمّا تقدّم على وجه يفيد تأكيده و تقريره، و أصل(ادارك)تدارك،فأدغمت التّاء في الدّال فسكّنت،فاجتلبت همزة الوصل و هو من:تدارك بنو فلان،إذا تتابعوا في الهلاك،و هو مراد من فسّر التّدارك هنا بالاضمحلال و الفناء،و إلاّ فأصل التّدارك:

التّتابع و التّلاحق مطلقا.

و(فى الآخرة)متعلّق ب(علمهم)و العلم يتعدّى ب«في»كما يتعدّى بالباء.و هي حينئذ بمعنى الباء،كما نصّ عليه الفرّاء و ابن عطيّة و غيرهما، و المعنى:بل تتابع علمهم في شأن الآخرة الّتي ما ذكر من البعث حال من أحوالها حتّى انقطع و فني،و لم يبق لهم علم بشيء ممّا سيكون فيها قطعا مع توفّر أسبابه،

ص: 354

فهو ترقّ عن وصفهم بجهل فاحش إلى وصفهم بجهل أفحش.و ليس تدارك علمهم بذلك على معنى أنّه كان لهم علم به على الحقيقة فانتفى شيئا فشيئا،بل على طريقة المجاز بتنزيل أسباب العلم و مبادئه من الدّلائل العقليّة و السّمعيّة منزلة نفسه،و إجراء تساقطها عن درجة اعتبارهم كلّما لاحظوها،مجرى تتابعها إلى الانقطاع.

و جوّز أن يكون الكلام على تقدير مضاف،أي ادّارك أسباب علمهم.و التّدارك مجاز عمّا ذكر من التّساقط.[إلى أن قال:]

و جوّز أن يكون(ادارك)بمعنى استحكم و تكامل،و وصفهم باستحكام علمهم بذلك و تكامله من باب التّهكّم بهم،كما تقول لأجهل النّاس:ما أعلمك!على سبيل الهزء،و مآل التّهكّم المذكور نفي علمهم بذلك،كما في الوجه السّابق لكن على الوجه الأبلغ،و الإضرابان من باب التّرقّي من الوصف بالفظيع إلى الوصف بالأفظع نحو ما تقدّم،و هو وجه حسن،و يشعر كلام بعض المحقّقين بترجيحه على ما ذكرنا أوّلا.

و جوّز أيضا أن يكون المراد بالادّارك:الاستحكام لكن على معنى استحكم أسباب علمهم بأنّ القيامة كائنة لا محالة من الآيات القاطعة و الحجج السّاطعة، و تمكّنوا من المعرفة فضل تمكّن و هم جاهلون في ذلك.

و فيه أنّ دلالة النّظم الكريم على إرادة«و هم جاهلون»ليست بواضحة.

و قال الكرمانيّ: «التّدارك:التّتابع،و المراد بالعلم هنا:الحكم و القول،و المعنى:بل تتابع منهم القول و الحكم في الآخرة،و كثر منهم الخوض فيها،فنفاها بعضهم،و شكّ فيها بعضهم،و استبعدها بعضهم».و فيه ما فيه.

و قيل:إنّ(فى الآخرة)متعلّق.ب(ادارك) و إليه ذهب الزّجّاج و الطّبرسيّ،و اقتضته بعض الآثار المرويّة عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما.

و المعنى على هذا عند بعضهم:بل استحكم في الآخرة علمهم بما جهلوه في الدّنيا؛حيث رأوا ذلك عيانا، و كان الظّاهر«يدّارك»بصيغة الاستقبال إلاّ أنّه عبّر بصيغة الماضي لتحقّق الوقوع.

و قيل:«التّدارك عليه»من تداركت أمر فلان، إذا تلافيته.و مفعوله هنا محذوف،أي بل تدارك في الآخرة علمهم ما جهلوه في الدّنيا،أي تلافاه، و حاصل المعنى:بل علموا ذلك في الآخرة حين لم ينفعهم العلم.و التّعبير بصيغة الماضي على ما علمت،و لا يخفى أنّ في وجه ترتيب الإضرابات الثّلاثة حسب ما في النّظم الكريم على هذين الوجهين خفاء،فتدبّر.[ثمّ ذكر القراءات،و قال:]

فهذه عدّة قراءات فما فيه منها استفهام صريح أو مضمّن فهو إنكار و نفي،و ما فيه«بلى»فقد قال فيه أبو حاتم:إن كان«بلى»جوابا لكلام تقدّم جاز أن يستأنف بعده،كأنّ قوما أنكروا ما تقدّم من القدرة، فقيل لهم:«بلى»إيجابا لما نفوا،ثمّ استؤنف بعده الاستفهام و عودل بقوله تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بمعنى أم هم في شكّ منها،لأنّ حروف العطف قد

ص: 355

تتناوب،و كفّ عن الجملتين بقوله تعالى: بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ، يعني أنّ المعنى:أ أدرك علمهم بالآخرة أم شكّوا؟ف(بل)بمعنى«أم»عودل بها الهمزة،و تعقّبه في«البحر»بأن جعل(بل»بمعنى«أم»و معادلتها لهمزة الاستفهام ضعيف جدّا.

و قال بعض المحقّقين:ما فيه«بلى»فإثبات لشعورهم،و تفسير له بالإدراك على وجه التّهكّم الّذي هو أبلغ وجوه النّفي و الإنكار،و ما بعده من قوله تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ... إضراب عن التّفسير مبالغة في النّفي،و دلالة على أنّ شعورهم بها أنّهم شاكّون فيها بل إنّهم منها عمون،فهو على منوال:تحيّة بينهم ضرب وجيع،أو ردّ و إنكار لشعورهم على أنّ الإضراب إبطاليّ فافهم.(20:13)

نحوه المراغيّ.(20:12)

عزّة دروزة :«تدارك»بمعنى تلاحق.و من أوجه التّأويلات العديدة للجملة أنّها بمعنى اجتمع علم و تلاحق في الآخرة،أنّها لن تكون.

أو أنّها بمعنى عجز علمهم عن فهم حكمة الآخرة.

[إلى أن قال:]

و في الآية الأولى أمر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يقرّر و يقول:

إنّه ليس من أحد في السّماوات و الأرض غير اللّه يعلم الغيب،و أنّه ليس من أحد يعلم وقت البعث و النّشور.و في الثّانية:توكيد بعدم إدراكهم لأمر الآخرة و حكمتها،و شكّهم فيها بسبب ذلك،و أنّهم في عماية تامّة عنها.(3:166)

ابن عاشور :و قرأ الجمهور(ادارك)بهمز وصل في أوّله و تشديد الدّال على أن أصله:«تدارك» فأدغمت تاء التّفاعل في الدّال لقرب مخرجيها بعد أن سكّنت،و اجتلب همز الوصل للنّطق بالسّاكن.قال الفرّاء و شمر:«و هو تفاعل من الدّرك بفتحتين و هو اللّحاق».

و قد امتلكت اللّغويّين و المفسّرين حيرة في تصوير معنى الآية على هذه القراءة،تثار منه حيرة للنّاظر في توجيه الإضرابين اللّذين بعد هذا الإضراب، و كيف يكونان ارتقاء على مضمون هذا الانتقال، و ذكروا وجوها مثقّلة بالتّكلّف.

و الّذي أراه في تفسيرها على هذا الاعتبار اللّغويّ،أنّ معنى«التّدارك»هو أنّ علم بعضهم لحق علم بعض آخر في أمر الآخرة،لأنّ العلم،-و هو جنس-لمّا أضيف إلى ضمير الجماعة،حصل من معناه علوم عديدة بعدد أصناف الجماعات الّتي هي مدلول الضّمير،فصار المعنى:تداركت علومهم بعضها بعضا.

و ذلك صالح لمعنيين:

أوّلهما:أن يكون«التّدارك»و هو التّلاحق الّذي هو استعمال مجازيّ يساوي الحقيقة،أي تداركت علوم الحاضرين مع علوم أسلافهم،أي تلاحقت و تتابعت فتلقّى الخلف عن السّلف علمهم في الآخرة، و تقلّدوها عن غير بصيرة و لا نظر؛و ذلك أنّهم أنكروا البعث،و يشعر لذلك قوله تعالى عقبه: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَ إِذا كُنّا تُراباً وَ آباؤُنا أَ إِنّا لَمُخْرَجُونَ* لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ

ص: 356

اَلْأَوَّلِينَ النّمل:67،68.

و قريب من هذا قوله تعالى في سورة المؤمنون:

81، بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ.

الوجه الثّاني:أن يكون«التّدارك»مستعملا مجازا مرسلا في الاختلاط و الاضطراب،لأنّ التّدارك و التّلاحق يلزمه التّداخل،كما إذا لحقت جماعة من النّاس جماعة أخرى،أي لم يرسوا على أمر.

و اختلفت أقوالهم اختلافا يؤذن بتناقضها،فهم ينفون البعث،ثمّ يزعمون أنّ الأصنام شفعاؤهم عند اللّه من العذاب،و هذا يقتضي إثبات البعث و لكنّهم لا يعذّبون.ثمّ يتزوّدون تارة للآخرة ببعض أعمالهم الّتي منها:أنّهم كانوا يحبسون الرّاحلة على قبر صاحبها و يتركونها لا تأكل و لا تشرب حتّى تموت، فيزعمون أنّ صاحبها يركبها،و يسمّونها البليّة،فذلك من اضطراب أمرهم في الآخرة.

و فعل المضيّ على هذين الوجهين على أصله، و حرف(فى)على هذين الوجهين في تفسيرها على قراءة الجمهور مستعمل في السّببيّة،أي بسبب الآخرة.

و يجوز وجه آخر و هو أن يكون(ادارك) مبالغة في«أدرك»و مفعوله محذوفا،تقديره:إدراكهم، أي حصل لهم علمهم بوقت بعثهم في اليوم الّذي يبعثون فيه،أي يومئذ يوقنون بالبعث،فيكون فعل المضيّ مستعملا في معنى التّحقّق،و يكون حرف(فى) على أصله من الظّرفيّة.[إلى أن قال:]

و أقول:قد ثبت في اللّغة:أدركت الثّمار،إذا انتهى نضجها،و نسبه في«تاج العروس»للّيث و لابن جنّيّ و حسبك بإثبات هؤلاء الأثبات.قال الكواشيّ في «تبصرة المتذكّر»:المعنى فني علمهم في الآخرة،من أدركت الفاكهة،إذا بلغت النّضج،و ذلك مؤذن بفنائها و زوالها.

فحاصل المعنى على قراءة الجمهور وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ و قد تلقّى بعضهم عن بعض ما يعلمون في شأن الآخرة،و هو ما اشتهر عنهم من إنكار الحياة الآخرة،أو قد اضطرب ما يعلمونه في شأن الآخرة،و أنّهم سيعلمون ذلك لا محالة في يوم الدّار الآخرة.(19:294)

مغنيّة:(ادارك:)تتابع،و المعنى:أنّ الأنبياء أخبروا المشركين بالآخرة،فلم يصدّقوا،و لمّا بعثوا و رأوا الآخرة رأي العين علموا أنّ إخبار الأنبياء كان حقّا و صدقا،فالتّتابع المقصود هنا أنّ علم المشركين بالآخرة حصل بعد إخبار الأنبياء بها و بعد رؤيتها.

(6:36)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى:(ادارك)في الاصل:

تدارك،و التّدارك:تتابع أجزاء الشّيء بعضها بعد بعض،حتّى تنقطع و لا يبقى منها شيء،و معنى تدارك علمهم في الآخرة،أنّهم صرفوا ما عندهم من العلم في غيرها حتّى نفد علمهم فلم يبق منه شيء يدركون به أمر الآخرة،على حدّ قوله تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا* ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ النّجم:29،30،لمّا انتهى احتجاجه تعالى إلى ذكر عدم شعور أحد غيره تعالى بوقت البعث و تبكيت المشركين بذلك،رجع إلى نبيّه

ص: 357

صلّى اللّه عليه و آله و ذكّره أنّهم في معزل عن الخطاب بذلك؛إذ لا خبر لهم عن شيء عن أمور الآخرة فضلا عن وقت قيام السّاعة،و ذلك أنّهم صرفوا ما عندهم من العلم في جهات الحياة الدّنيا،فهم في جهل مطلق بالنّسبة إلى أمور الآخرة،بل هم في شكّ من الآخرة يرتابون في أمرها،كما يظهر من احتجاجاتهم على نفيها المبنيّة على الاستبعاد،بل هم منها عمون،و اللّه أعمى قلوبهم عن التّصديق بها و الاعتقاد بوجودها.

و قد ظهر بهذا البيان أنّ تكرّر كلمة الإضراب لبيان مراتب الحرمان من العلم بالآخرة و أنّهم في أعلاها،فقوله: بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أي لا علم لهم بها كأنّها لم تقرع سمعهم.و قوله: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها أي أنّه قرع سمعهم خبرها و ورد قلوبهم، لكنّهم ارتابوا و لم يصدّقوا بها.و قوله: بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ أي إنّهم لم ينقطعوا عن الاعتقاد بها من عند أنفسهم و باختيار منهم،بل اللّه سبحانه أعمى أبصار قلوبهم فصاروا عمين،فهيهات أن يدركوا من أمرها شيئا.

و قيل:المراد بتدارك علمهم:تكامله و بلوغه حدّ اليقين،لتكامل الحجج الدّالّة على حقّيّة البعث، و الجملة مسوقة للتّهكّم.و فيه أنّه لا يلائم ما يتبعه من الإضراب بالشّكّ و العمى.(15:386)

المصطفويّ: نفى علم الغيب المطلق عمّن في السّماوات و الأرض،ثمّ أكّد جهلهم ذلك بنفي شعورهم زمان بعثهم.و هذا واحد من المصاديق الضّعيفة للغيب المناسب لهم أن يتوجّهوا إليه و يعلموه، لأنّه أوّل مرحلة من مراحل الغيب،و أوّل قدم في السّير إلى مسيره،ثمّ أشار تعالى إلى أنّ غاية توجّههم و آخر نظرهم الوصول و الإحاطة و المعرفة في عالم الآخرة،و لا يتجاوز اجتهادهم في تحصيل العلم بالغيب عن وصوله بالنّسبة إلى عالم الآخرة لهم.ثمّ قال سبحانه في مقام محجوبيّتهم و تساهلهم:بأنّهم في تلك المرحلة أيضا غير مجتهدين،فإنّهم شاكّون فيها بل إنّهم عمون بالكلّيّة.

و التّعبير بقوله تعالى:(فى الآخرة)لا(بالآخرة):

إشارة الى أنّ متعلّق علمهم الّذي يجتهدون في تحصيله، هو مطلق ما يتعلّق بها بنحو الإجمال،و ليس لطلبتهم مورد معيّن مخصوص،فكيف يتصوّر لهم أن يعرفوا الغيب المطلق؟!

و قد اضطربت تفاسير القوم في هذه الآية الكريمة، فاصفح عنها.(3:203)

فضل اللّه :أي انقطع علمهم بالآخرة و زال بحيث لم يبق منه شيء،انطلاقا من استغراقهم في علمهم بالجهات الأخرى من الدّنيا حتّى نفد علمهم،فلم يبق منه شيء يدركون به أمر الآخرة.و على هذا الأساس كان علمهم بها ساقطا كما لو كان موجودا،ثمّ ذهب باعتبار وجود الاستعداد له و عدم صرفه فيها.

و هناك وجه آخر،و هو أنّ(ادارك)بمعنى تكامل و استحكم،و تطبيق ذلك في معنى الآية على وجهين،في ما ذكره صاحب«الكشّاف».[ثمّ ذكر كلامه و أضاف:]

و قد ناقش صاحب«الميزان»هذا التّفسير،بأنّه

ص: 358

لا يلائم ما يتبعه من الإضراب بالشّكّ و العمى.و لكنّنا نلاحظ أنّ المعنى الّذي ذكره صاحب«الكشّاف» أقرب إلى جوّ التّعبير؛و ذلك من خلال التّأكيد لعلمهم بالآخرة ممّا يتناسب مع توفّر أسبابه،مع عدم وجود قرينة لفظيّة على ما ذكره العلاّمة الطّباطبائيّ في«الميزان»من صرف علمهم في أشياء أخرى بالمستوى الّذي لم يبق منه شيء يدركون به أمر الآخرة.

و على ضوء ذلك،ينسجم المعنى المذكور في «الكشّاف»مع الفقرة التّالية بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها من خلال عدم أخذهم بأسباب العلم،و حيرتهم أمام حديث الأنبياء عن الآخرة،ما يجعلهم في موقع الشّكّ بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ لا يدركون منها شيئا،لأنّهم استغرقوا في أجواء اللّهو و العبث،و انصرفوا عن التّفكير في أمر الآخرة،فعاشوا في مواقع العمي الفكريّ و الرّوحيّ.

و من هنا نفهم أنّ هذا التّدرّج في الحديث عنهم ينطلق من دراسة حالتهم النّفسيّة أمام واقع الدّليل الّذي يفرض الإيمان بالآخرة،و يؤدّي إلى العلم بها،أو يثير التّفكير بها،ما يجعل الانصراف عنه وقوعا في الشّكّ و العمى عن الحقيقة.(17:232)

مكارم الشّيرازيّ: (ادارك)في الأصل:تدارك و معناه التّتابع أو لحوق الآخر بالأوّل،فمفهوم جملة بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أنّهم لم يصلوا إلى شيء بالرّغم ممّا بذلوه من تفكير،و جمعوا المعلومات في هذا الشّأن لذلك،فإنّ القرآن يضيف مباشرة بعد هذه الجملة بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ، لأنّ دلائل الآخرة ظاهرة في هذه الدّنيا،فعودة الأرض الميتة إلى الحياة في فصل الرّبيع،و إزهار الأشجار و إثمارها مع أنّها كانت في فصل الشّتاء جرداء،و مشاهدة عظمة قدرة الخالق في مجموعة الخلق و الوجود،كلّها دلائل على إمكان الحياة بعد الموت،إلاّ أنّهم كالعمي الّذين لا يبصرون كلّ شيء!

و بالطّبع فإنّ هناك تفاسير أخر للجملة أعلاه، منها أنّ المراد من اِدّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أنّ أسباب التّوصّل للعلم في شأن الآخرة متوافرة و متتابعة،إلاّ أنّهم عمي عنها.

و قال بعضهم:إنّ المراد منها أنّهم عند ما تكشف الحجب في يوم الآخرة،فإنّهم سيعرفون حقائق الآخرة بشكل كاف.

إلاّ أنّ الأنسب من بين هذه التّفاسير الثّلاثة هو التّفسير الأوّل؛حيث يناسب بقيّة الجمل في الآية، و البحوث الواردة في الآيات الأخر!(12:110)

ادّاركوا

قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ فِي النّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً. الأعراف:38

ابن عبّاس: اجتمعوا في النّار.(127)

نحوه زيد بن عليّ(194)،و القمّيّ(1:230)، و السّجستانيّ(65)،و النّحّاس(3:33)،و ابن كثير (3:165).

ص: 359

ابن قتيبة:تداركوا،أدغمت التّاء في الدّال، و أدخلت الألف ليسلم السّكون لما بعدها.يريد:

تتابعوا فيها و اجتمعوا.(167)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:حتّى إذا تداركت الأمم في النّار جميعا،يعني اجتمعت فيها.يقال:قد ادّاركوا و تداركوا إذا اجتمعوا،يقول:اجتمع فيها الأوّلون من أهل الملل الكافرة و الآخرون منهم.

(5:482)

الزّجّاج: أي تداركوا،و أدغمت التّاء في الدّال، فإذا وقفت على قوله: حَتّى إِذَا لم تبتدئ حتّى تأتي بألف الوصل فتقول:(اداركوا)فتأتي بألف الوصل لسكون الدّال فيها.و معنى تداركوا:اجتمعوا.و قوله:

(جميعا)منصوب على الحال،المعنى:حتّى إذا تداركوا فيها مجتمعين.(2:336)

الثّعلبيّ: أي تلاحقوا(جميعا.)قرأ الأعمش:

(حتّى اذا تداركوا)،على الأصل،و قرأ النّخعيّ (حتّى اذا ادّركوا) ،مثقّلة الدّال من غير«ألف»أراد فنقلوا (1)من الدّرك.(4:232)

القيسيّ: قوله:(اداركوا)أصلها:تداركوا، على وزن«تفاعلوا»ثمّ أدغمت التّاء في الدّال فسكّن أوّل المدغم،فاحتيج إلى ألف الوصل في الابتداء، فثبتت الألف في الخطّ،و لا يستطاع على وزنها مع ألف الوصل،لأنّك ترد الزّائد أصليّا،فتقول:لو قدّرت ذلك:«افّاعلوا»فتصير تاء«تفاعلوا»و هي زائدة أصليّة فاء الفعل،لإدغامها في فاء الفعل،و ذلك لا يجوز،فإن وزنتها على الأصل جاز فقلت:تفاعلوا.

(1:314)

نحوه أبو البركات.(1:360)

الماورديّ: يعني في النّار،أدرك بعضهم بعضا حتّى استكملوا فيها.(2:221)

الطّوسيّ: وزن(اداركوا)«تفاعلوا» فأدغمت التّاء في الدّال و اجتلبت ألف الوصل ليمكن النّطق بالسّاكن الّذي بعده،و معناه تلاحقوا.

(4:426)

نحوه الطّبرسيّ(2:416)،و النّسفيّ(2:52)

الواحديّ: تداركوا و تلاحقوا فيها.(2:366)

نحوه البغويّ(2:191)،و الزّمخشريّ(2:78)، و البيضاويّ(1:348)،و أبو السّعود(2:493)، و الكاشانيّ(2:195)،و شبّر(2:363)،و القاسميّ (7:2680).

ابن عطيّة: (اداركوا)معناه تلاحقوا،و وزنه «تفاعلوا»أصله:«تداركوا»أدغم فجلبت ألف الوصل.و قرأ أبو عمرو (اداركوا) بقطع ألف الوصل، قال أبو الفتح:هذا مشكل و لا يسوغ أن يقطعها ارتجالا فذلك إنّما يجيء شاذّا في ضرورة الشّعر في الاسم أيضا،لكنّه وقف مثل وقفة المستذكر،ثمّ ابتدأ فقطع.

و قرأ مجاهد بقطع الألف و سكون الدّال (ادّركوا) بفتح الرّاء و بحذف الألف بعد الدّال بمعنى أدرك بعضهم بعضا،و قرأ حميد: (ادركوا) بضمّ الهمزة و كسر الرّاء،أي أدخلوا في إدراكها.و قال مكّيّ في!!

ص: 360


1- كذا!!

قراءة مجاهد إنّها:(اداركوا)بشدّ الدّال المفتوحة و فتح الرّاء قال:و أصله:«ادتركوا» (1)وزنها:

«افتعلوا».

و قرأ ابن مسعود و الأعمش (تداركوا) و رويت عن أبي عمرو،و قرأ الجمهور (حتّى اذ ادّاركوا) بحذف ألف(اذا)لالتقاء السّاكنين.(2:399)

نحوه أبو الفتوح.(8:188)،و العكبريّ(1:

566)،و القرطبيّ(7:204)،و أبو حيّان(4:296)، و البروسويّ(3:159)،و الآلوسيّ(8:116)،و ابن عاشور(8:93).

الفخر الرّازيّ: أي تداركوا،بمعنى تلاحقوا و اجتمعوا في النّار،و أدرك بعضهم بعضا،و استقرّ معه.

(14:73)

مثله النّيسابوريّ(8:111)،و نحوه الخازن(2:

187)،و الشّربينيّ(1:474)،و الشّوكانيّ(2:255)، و رشيد رضا(8:414)،و المراغيّ(8:149)، و عزّة دروزه(2:127)،و حسنين مخلوف(1:258)، و فضل اللّه(10:114).

السّمين:[نحو ابن عطيّة و أضاف:]

قال مكّيّ: و لا يستطاع اللّفظ بوزنها مع ألف الوصل،لأنّك تردّ الزّائد أصليّا،فتقول:افّاعلوا، فتصير تاء«تفاعل»فاء الفعل لإدغامها في فاء الفعل، و ذلك لا يجوز،فإن وزنتها على الأصل فقلت:

تفاعلوا،جاز.قلت:هذا الّذي ذكر-من كونه لا يمكن وزنه إلاّ بالأصل و هو تفاعلوا-ممنوع.قوله:لأنّك تردّ الزّائد أصليّا قلنا:لا يلزم ذلك،لأنّا نزنه بلفظه مع همزة الوصل،و نأتي بتاء«التّفاعل»بلفظها،فنقول:

وزن(اداركوا)اتفاعلوا،فيلفظ بالتّاء اعتبارا بأصلها لا بما صارت إليه حال الإدغام.(3:266)

مغنيّة:أي تلاحقوا،و أدرك بعضهم بعضا، و عندها يبدأ الخصام و الجدال.(3:326)

الطّباطبائيّ: أي تداركوا،أي أدرك بعضهم بعضا اللاّحقون السّابقين،أي اجتمعوا في النّار جميعا.

(8:113)

عبد الكريم الخطيب :أي إذا أدرك بعضهم بعضا،و لحق آخرهم بأوّلهم في ساحة الحساب و الجزاء.(4:397)

الدّرك

إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً النّساء:145

ابن مسعود:إنّ المنافقين في توابيت من حديد مقفلة عليهم في النّار.

[و في رواية]توابيت من نار تطبق عليهم.

(الطّبريّ 4:336)

أبو هريرة:في توابيت ترتج عليهم.

(الطّبريّ 4:336)

بيت مقفل عليهم،توقد فيه النّار من فوقهم و من تحتهم.(البغويّ 1:715)

ص: 361


1- في الأصل:«إذا تركوا»!!

ابن عبّاس: في النّار لقبل شرورهم و مكرهم و خيانتهم مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه.(84)

يعني في أسفل النّار.(الطّبريّ 4:336)

الدّرك لأهل النّار كالدّرج لأهل الجنّة،إلاّ أنّ الدّرجات بعضها فوق بعض،و الدّركات بعضها أسفل من بعض.(أبو حيّان 3:380)

نحوه الضّحّاك.(الواحديّ 2:133)

زيد بن عليّ عليهما السّلام:فجهنّم أدراك،معناه:منازل و أطباق.و يقال:إنّها توابيت من حديد مبهمة،معناه:

مقفلة عليهم.(175)

الفرّاء: يقال:الدّرك و الدّرك:أي أسفل درج في النّار.(1:292)

أبو عبيدة :جهنّم أدراك،أي منازل و أطباق.

و يقال:للحبل الّذي قد عجز عن بلوغ الرّكيّة:أعطني دركا أصل به.(1:142)

جهنّم أدراك،أي منازل،و كلّ منزل منها درك.

و مثله الأخفش.(الواحديّ 2:133)

الطّبريّ: إنّ المنافقين في الطّبق الأسفل من أطباق جهنّم،و كلّ طبق من أطباق جهنّم:درك.

و فيه لغتان درك بفتح الرّاء و درك بتسكينها.فمن فتح الرّاء،جمعه في القلّة:أدراك،و إن شاء جمعه في الكثرة:الدّروك.و من سكّن الرّاء قال:ثلاثة أدرك، و للكثير:الدّروك.

و قد اختلفت القراء في قراءة ذلك:فقرأته عامّة قرأة المدينة و البصرة (فى الدّرك) بفتح الرّاء،و قرأته عامّة قرأة الكوفة بتسكين الرّاء.

و هما قراءتان معروفتان،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب،لاتّفاق معنى ذلك،و استفاضة القراءة بكلّ واحدة منهما في قرأة الإسلام.غير أنّي رأيت أهل العلم بالعربيّة يذكرون أنّ فتح الرّاء منه في العرب، أشهر من تسكينها.و حكوا سماعا منهم:«أعطني دركا أصل به حبلي»و ذلك إذا سأل ما يصل به حبله الّذي قد عجز عن بلوغ الرّكيّة.[إلى أن قال:]

عن ابن جريج قال لي:عبد اللّه بن كثير:سمعنا أنّ جهنّم أدراك:منازل.(4:336)

نحوه الفارسيّ في القراءة(2:96)،و أبو زرعة (218).

الزّجّاج: [نحو الطّبريّ في نقل القراءة ثمّ قال:]

و اللّغتان حكاهما جميعا أهل اللّغة،إلاّ أنّ الاختيار فتح الرّاء،لإجماع المدنيّين و البصريّين عليها، و أنّ أحدا من المحدّثين ما رواها إلاّ(الدّرك)بفتح الرّاء،فلذلك اخترنا الدّرك.(2:124)

البلخيّ: يجوز أن يكون الأدراك منازل بعضها أسفل من بعض بالمسافة،و يجوز أن يكون ذلك إخبارا عن بلوغ الغاية في العقاب و الإهانة،كما يقال:بلغ فلانا السّلطان الحضيض،و بلغ فلانا العرش.

و يريدون بذلك علوّ المنزلة و انحطاطها لا المسافة.

(الطّوسيّ 3:368)

القمّيّ: نزلت في عبد اللّه بن أبيّ و جرت في كلّ منافق و مشرك.(1:157)

السّجستانيّ: النّار:دركات:أي طبقات بعضها فوق بعض.(47)

ص: 362

النّحّاس:[ذكر قول ابن مسعود و قال:]

و في الحديث:«من نار ثمّ تطبق عليهم».

و الأدراك في اللّغة:المنازل و الطّبقات.(2:225)

الثّعلبيّ: يعني في أسفل برج من النّار،و الدّرك و الدّرك:لغتان مثل الطّعن و الطّعن.و النّهر و النّهر و اليبس و اليبس.(3:405)

نحوه البغويّ(1:715)،و الميبديّ(2:738).

الطّوسيّ: [نحو الطّبريّ في القراءة و أضاف:]

و معنى الآية الإخبار من اللّه أنّ المنافقين في الطّبق الأسفل من النّار.[ثمّ نقل بعض الأقوال و قال:]

و ليس يمتنع أن يجعل اللّه قوما من الكفّار في الدّرك الأسفل،كفرعون و هامان و أبي جهل،فإنّ هؤلاء أعظم كفرا من المنافقين،و ليس في إخبار اللّه أنّ المنافقين هناك ما يمنع أن يكون غيرهم فيه أيضا،و إن تفاضلوا في العقاب.

قال ابن جريج:هذه الآيات نزلت في عبد اللّه بن أبيّ و أصحابه.(3:368)

نحوه الطّبرسيّ.(2:130)

الزّمخشريّ: اَلدَّرْكِ الْأَسْفَلِ: الطّبق الّذي في قعر جهنّم،و النّار سبع دركات،سمّيت بذلك لأنّها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض.و قرئ بسكون الرّاء،و الوجه:التّحريك لقولهم:أدراك جهنّم.

فإن قلت:لم كان المنافق أشدّ عذابا من الكافر؟

قلت:لأنّه مثله في الكفر،و ضمّ إلى كفره الاستهزاء بالإسلام و أهله و مداجاتهم.(1:575)

نحوه البيضاويّ(1:252)،و الخازن(1:511)، و أبو السّعود(2:211)،و الكاشانيّ(1:476)، و البروسويّ(2:309)،و الآلوسيّ(5:177)، و القاسميّ(5:1622)،و حسنين مخلوف(1:176).

ابن عطيّة: فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من نار جهنّم و هي أدراك بعضها فوق بعض سبعة طبقة،على طبقة أعلاها هي جهنّم،و قد يسمّى جميعها باسم الطّبقة العليا.فالمنافقون الّذين يظهرون الإيمان و يبطنون الكفر،هم في أسفل طبقة من النّار،لأنّهم أسوأ غوائل من الكفّار،و أشدّ تمكّنا من أذى المسلمين.[ثمّ ذكر القراءات و الأقوال](2:128)

الفخر الرّازيّ: قال اللّيث:الدّرك:أقصى قعر الشّيء كالبحر و نحوه،فعلى هذا المراد ب اَلدَّرْكِ الْأَسْفَلِ أقصى قعر جهنّم.و أصل هذا من الإدراك بمعنى اللّحوق،و منه إدراك الطّعام و إدراك الغلام.

فالدّرك ما يلحق به من الطّبقة،و ظاهره أنّ جهنّم طبقات،و الظّاهر أنّ أشدّها أسفلها.

قرأ حمزة و الكسائيّ و حفص عن عاصم فِي الدَّرْكِ بسكون الرّاء،و الباقون بفتحها.قال:

أبو حاتم:جمع الدّرك:أدراك،كقولهم:جمل و أجمال، و فرس و أفراس،و جمع الدّرك:أدرك مثل فلس و أفلس و كلب و أكلب.(11:87)

القرطبيّ: [ذكر القراءات و بعض الأقوال ثمّ قال:]

فالمنافق في الدّرك الأسفل-و هي الهاوية-لغلظ كفره و كثرة غوائله،و تمكّنه من أذى المؤمنين.و أعلى الدّركات جهنّم،ثمّ لظى،ثمّ الحطمة،ثمّ السّعير،ثمّ سقر

ص: 363

ثمّ الجحيم،ثمّ الهاوية.و قد يسمّى جميعها باسم الطّبقة الأولى،أعاذنا اللّه من عذابها بمنّه و كرمه.(5:425)

نحوه الشّوكانيّ.(1:675)

النّيسابوريّ: أي في أقصى قعرها،فإنّ القعر الأخير من النّار درك و درك،و مع ذلك وصف بالأسفل.و دركات النّار:منازلها نقيض درجات الجنّة،فبيّن أنّ المنافق في غاية البعد و نهاية الطّرد عن حضرة اللّه تعالى و أنّه مع فرعون،لأنّ اَلدَّرْكِ الْأَسْفَلِ أشدّ العذاب،و قد قال عزّ من قائل:

أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46.(6:5)

ابن جزيّ: أي في الطّبقة السّفلى من جهنّم،و هي سبع طبقات،و في ذلك دليل على أنّهم شرّ من الكفّار.

(1:161)

أبو حيّان :[ذكر الأقوال و القراءتين،إلى أن قال:]

قال بعضهم:ذهب عاصم إلى أنّ«الفتح»إنّما هو على أنّه جمع دركة كبقرة و بقر.

و لا يلزم ما ذكره من التّأنيث،لأنّ الجنس المميّز مفرده بهاء التّأنيث يؤنّث في لغة الحجاز،و يذكّر في لغة تميم و نجد،و قد جاء القرآن بهما إلاّ ما استثنى،لأنّه يتحتّم فيه التّأنيث أو التّذكير،و ليس دركة و درك من ذلك،فعلى هذا يجوز تذكير الدّرك و تأنيثه.(3:380)

نحوه السّمين.(2:449)

ابن كثير :أي يوم القيامة جزاء على كفرهم الغليظ.(2:421)

الشّربينيّ: أي البطن الأسفل من النّار،أي لأنّ ذلك أخفى ما في النّار و أستره و أخبثه،كما أنّ كفرهم أخفى الكفر و أخبثه و أستره.(1:340)

رشيد رضا :(الدرك)-بسكون الرّاء و به قرأ الكوفيّون،و بفتحها و به قرأ الباقون-عبارة عن الطّبقة أو الدّرجة من الجانب الأسفل،لأنّ هذه الطّبقات متداركة متتابعة،و دلّ هذا على أنّ دار العذاب في الآخرة ذات دركات بعضها أسفل من بعض،كما أنّ دار النّعيم درجات بعضها أعلى من بعض-نسأل اللّه أن يجعلنا مع المقرّبين من أهلها- و إنّما كان المنافقون فى الدّرك الأسفل من النّار،لأنّهم شرّ أهلها،بما جمعوا بين الكفر و النّفاق و مخادعة اللّه و المؤمنين و غشّهم.فأرواحهم أسفل الأرواح، و أنفسهم أخسّ الأنفس.و أكثر الكفّار قد أفسد فطرتهم التّقليد،و غلب عليهم الجهل بحقيقة التّوحيد، فهم مع إيمانهم باللّه يشركون به غيره،باتّخاذهم شفعاء عنده،و وسطاء بينهم و بينه،قياسا على معاملة ملوكهم المستبدّين،و أمراءهم الظّالمين.(5:474)

نحوه المراغيّ.(5:190)

ابن عاشور :و(الدرك)اسم،جمع دركة،ضدّ الدّرج اسم،جمع درجة.و الدّركة:المنزلة في الهبوط.

فالشّيء الّذي يقصد أسفله تكون منازل التّدلّيّ إليه دركات،و الشّيء الّذي يقصد أعلاه تكون منازل الرّقيّ إليه درجات،و قد يطلق الاسمان على المنزلة الواحدة باختلاف الاعتبار.و إنّما كان المنافقون في الدّرك الأسفل،أي في أذلّ منازل العذاب،لأنّ كفرهم أسوأ الكفر لما حفّ به من الرّذائل.

ص: 364

و قرأ الجمهور: (فى الدّرك) بفتح الرّاء،على أنّه اسم،جمع دركة ضدّ الدّرجة.

و قرأ عاصم،و حمزة،و الكسائيّ،و خلف، بسكون الرّاء و هما لغتان،و فتح الرّاء هو الأصل، و هو أشهر.(4:292)

دركا

وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى.

طه:77

ابن عبّاس: إدراك فرعون.(264)

لا تخاف من آل فرعون دركا و لا تخشى من البحر غرقا.(الطّبريّ 8:437)

نحوه الزّجّاج.(3:370)

قتادة :لا تخاف أن يدركك فرعون من بعدك، و لا تخشى الغرق أمامك.(الطّبريّ 8:437)

ابن جريج:قال أصحاب موسى:هذا فرعون قد أدركنا،و هذا البحر قد غشينا،فأنزل اللّه لا تَخافُ دَرَكاً أصحاب فرعون،و لا تخشى من البحر وحلا.

(الطّبريّ 8:437)

ابن قتيبة :أي لحاقا.(281)

نحوه السّجستانيّ.(121)

الطّبريّ: يعني:لا تخاف من فرعون و جنوده أن يدركوك من ورائك،و لا تخشى غرقا من بين يديك و وحلا.(8:438)

الطّوسيّ: معناه:لا تخف أن يدركك فرعون، و لا تخش الغرق من البحر-في قول ابن عبّاس و قتادة-و قيل:معناه لا تخف لحوقا من عدوّك، و لا تخش الغرق من البحر الّذي انفرج عنك.

و المعنيان متقاربان.و كان سبب ذلك أنّ أصحاب موسى قالوا له:هذا فرعون قد لحقنا،و هذا البحر قد غشينا،يعنون اليمّ،فقال اللّه تعالى: لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى. (7:193)

الواحديّ: أي لا تخاف أن يدركك فرعون من خلفك.(3:216)

نحوه البغويّ(3:270)،و الخازن(4:223)، و القاسميّ(11:4197).

الزّمخشريّ: و قرأ أبو حيوة:(دركا)بالسّكون، و الدّرك و الدّرك اسمان من الإدراك،أي لا يدركك فرعون و جنوده و لا يلحقونك.(2:547)

نحوه ابن عطيّة(4:55)،و النّسفيّ(3:60)، و النّيسابوريّ(16:147)،و أبو حيّان(6:264)، و السّمين(5:44)،و الآلوسيّ(16:236).

القرطبيّ: أي لحاقا من فرعون و جنوده.

(11:228)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(8:811)

البيضاويّ: حال من المأمور،أي آمنا من أن يدرككم العدوّ،أو صفة ثانية و العائد محذوف.

(2:56)

نحوه أبو السّعود(4:297)،و الكاشانيّ(3:

313)،و البروسويّ(5:409)،و شبّر(4:163)، و الشّوكانيّ(3:473).

ص: 365

ابن عاشور:و(الدّرك)بفتحتين:اسم مصدر الإدراك،أي لا تخاف أن يدركك فرعون.(16:156)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّرك:القطعة من الحبل تقرن بالأخرى؛و الجمع:أدراك و دركة و دروك.

و الدّرك:حبل يصنع من شعر أو غيره،يربط به طرف الطّنب،ثمّ يجعل في حلقة المظلّة لئلاّ ينقطع الطّنب.

و الدّرك:قطعة حبل يشدّ في طرف الرّشاء أي عروة الدّلو،ليكون هو الّذي يلي الماء فلا يعفن الرّشاء.

و الدّركة:القطعة الّتي توصل في الحبل إذا قصر، أو في الحزام.

و الدّركة:حلقة الوتر الّتي تقع في الفرضة،و هي أيضا سير يوصل بوتر القوس العربيّة.

و الدّرك:أسفل كلّ شيء ذي عمق كالرّكيّة و نحوها،و هو الدّرك أيضا،فهو يدرك فيه الماء.يقال:

أدركوا ماء الرّكيّة إدراكا.و قال الإمام عليّ عليه السّلام في صفة القرآن:«و بحرا لا يدرك قعره،و منهاجا لا يضلّ نهجه». (1)

و الدّرك:أقصى قعر جهنّم من أدراكها السّبعة، و دركات النّار:منازل أهلها.قال ابن فارس:«هي منازلهم الّتي يدركونها و يلحقون بها».

و التّدريك من المطر:أن يدارك القطر،كأنّه يدرك بعضه بعضا.

و المدارك:الّذي يمطر بعد آخر قد كان له ثرى، و كان قبل ذلك بشهر أو نحوه.يقال:تدارك الثّريان، أي أدرك المطر الثّاني المطر الأوّل،أو أدرك ثرى المطر ثرى الأرض.

و الدّرك و الدّرك:اللّحاق و الوصول إلى الشّيء، و هو اسم من الإدراك؛يقال:أدركت الرّجل إدراكا و دركا،أي لحقته،فهو مدرك و أنا مدرك و درّاك و رجل مدركة:سريع الإدراك،و مشيت حتّى أدركته و عشت حتّى أدركت زمانه،و أدركته ببصري:رأيته، و تدارك القوم و ادّاركوا و ادّركوا:تلاحقوا،أي لحق آخرهم أوّلهم،و أدرك الطّريدة:لحق بها،فهي دريكة، و ما لك في هذا إدراك:لحاق.و دراك:أدرك،اسم لفعل الأمر،و استدرك الشّيء بالشّيء:حاول إدراكه به، و استدرك ما فات و تداركه.

و المتدارك من القوافي و الحروف المتحرّكة:ما اتّفق متحرّكان بعدهما ساكن،مثل:«فعو»و أشباه ذلك.

و الدّراك:جري الفرس و لحاقه الوحش.يقال:

فرس درك الطّريدة،أي يدركها.

و الدّراك:المداركة،و هو اتباع الشّيء بعضه على بعض في الأشياء كلّها.يقال:دارك الرّجل صوته،أي تابعه،و يطعنه طعنا دراكا متداركا:تباعا واحدا إثر واحد.

و الدّرك:التّبعة.يقال:ما لحقك من درك فعليّ خلاصه.

ص: 366


1- -نهج البلاغة-الخطبة:(198).

و الدّرك:إدراك الحاجة و الطّلبة.يقال:بكّر ففيه درك.

و الإدراك:بلوغ وقت الشّيء و انتهاؤه،يقال:

أدرك الشّجر و غيره،أي آن أن يؤكل أو يشرب، و أدرك الثّمر:بلغ،و أدرك الغلام و الجارية إدراكا:

بلغا،و غلام مدرك و غلمان مداريك.

2-أصرّ العدنانيّ على أنّ الدّرج كالدّرك في السّفل و الانحدار،رغم استشهاده بما يخالف رأيه من القرآن و اللّغة،فتشبّث بقول الآلوسيّ في«كشف الطّرّة»:«ما ينحدر فيه يرتقى فيه أيضا»،و طوى كشحه عمّا قاله أهل التّفسير و اللّغة و الحديث و التّحقيق،كابن دريد و الجوهريّ و الأزهريّ و ابن الأثير و الرّاغب و الفيروزآباديّ في«البصائر» و الزّبيديّ في«التّاج»و غيرهم،فقد أجمعوا على القول:النّار دركات و الجنّة درجات،و زعم أنّ هذا القول حديث شريف،و هو وهم منه أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا الاسم مرّتين:(درك)و(درك)، و مزيدا من الإفعال«الماضي»مرّة،و«المضارع»3 مرّات،و اسم المفعول:(مدركون)مرّة،و من التّفاعل «الماضي»مرّة،و من الافتعال«الماضي»مرّتين في 11 آية:

1-درك و درك

1- ...فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى طه:77

2- إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ... النّساء:145

2-الإدراك

3- ...حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ... يونس:90

4- لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ... يس،:40

5- لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الأنعام:103

6- أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ... النّساء:78

7- ...وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ...

النّساء:100

8- فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ الشّعراء:61

3-تدارك

9- لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَ هُوَ مَذْمُومٌ القلم:49

10- بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها... النّمل:66

11- ...حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا الأعراف:38

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيه محورين:المجرّد،و المزيد.

و المجرّد لم يأت منه سوى لفظين:درك،و درك،في

ص: 367

آيتين:مكّيّة و مدنيّة.و الأوّل راجع إلى الدّنيا-و هو مصدر،أو اسم مصدر-و الثّاني إلى الآخرة و هو اسم.

و في كلّ منهما بحوث:

في(1): وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى.

1-قالوا في معناها:لا تخاف من آل فرعون دركا، و لا تخشى من البحر غرقا.لا تخاف أن يدركك فرعون من بعدك،و لا تخشى الغرق أمامك.لا تخاف من فرعون و جنوده أن يدركوك من ورائك،و لا تخشى غرقا بين يديك.و قال ابن جريج-و نحوه الطّبريّ-:

«قال أصحاب موسى:هذا فرعون قد أدركنا،و هذا البحر قد غشينا،فأنزل اللّه: لا تَخافُ دَرَكاً أصحاب فرعون و لا تخشى من البحر وحلا» و نحوها الآخرون.

2-فقد بان أنّ الآية تحدّث جزء من حديث موسى و فرعون،حين توجّه موسى و أصحابه نحو البحر،و بعدها: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ* وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ ما هَدى.

و جاء هذا الحديث في سبع آيات أخرى.لاحظ:

«ب ح ر»في المعجم هذا الاستعمال القرآنيّ.

3-و في قراءتها:قال الزّمخشريّ-و نحوه آخرون-:«و قرأ أبو حيوة: (دركا) بالسّكون، و الدّرك و الدّرك اسمان من الإدراك،أي لا يدركك فرعون و جنوده و لا يلحقونك».

4-و في إعرابه،قال البيضاويّ-و نحوه آخرون- «حال من المأمور،أي آمنا من أن يدرككم العدوّ،أو صفة ثانية و العائد محذوف».

و المراد:أنّ جملة(لا تخاف...)حال عن فاعل (فاضرب،)لا أنّ لفظ(دركا)حال،فإنّه مفعول لفعل(لا تخاف.)

و في(2): إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً، و قبلها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً، و بعدها:

إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً.

و المستفاد من هذه الآيات الثّلاث أنّ بعض المؤمنين كانوا يتّخذون من الكافرين-و هم مشركو مكّة أو اليهود في المدينة،و كلاهما منصوص عليهما في القرآن-أولياء و أحبّاء لهم،فنهاهم اللّه عن ذلك، و عدّه نفاقا،و أنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار في الآخرة-أو في البرزخ أيضا-و استثنى منهم من تاب و أصلح و اعتصم باللّه و أخلص دينه للّه.و هذه خصال شاقّة للخلاص من النّفاق قلّما يتحقّق للمنافق.بعضها فضلا عن جميعها.

1-قالوا في اَلدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ: «في توابيت من حديد مقفلة عليهم في النّار»توابيت من نار تطبق عليهم-و هذا في رواية-في توابيت ترتج عليهم.بيت مقفل عليهم،توقد فيه النّار من فوقهم و من تحتهم.في أسفل النّار،في الطّبقة السّفلى من جهنّم.

ص: 368

في الطّبق الأسفل من أطباق جهنّم،و كلّ طبق من أطباق جهنّم درك.النّار دركات،أي طبقات بعضها فوق بعض.أسفل برج من النّار.الدّرك الأسفل الطّبق الّذي في قعر جهنّم،و النّار سبع دركات.من نار جهنّم، و هي أدراك بعضها فوق بعض،سبعة طبقة على طبقة، أعلاها هي جهنّم،و قد سمّي جميعها باسم الطّبقة العليا.

و قد حكى الفخر الرّازيّ عن اللّيث أنّه قال:

«الدّرك أقصى قعر الشّيء كالبحر و نحوه-ثمّ قال- فعلى هذا المراد بالدّرك الأسفل أقصى قعر جهنّم...

و ظاهره أنّ جهنّم طبقات،و الظّاهر أنّ أشدّها أسفلها».

و قال النّيسابوريّ: «وصف بالأسفل.و دركات النّار:منازلها،نقيض درجات الجنّة...».

و قال الشّربينيّ: «أي البطن الأسفل من النّار،أي لأنّ ذلك أخفى ما في النّار و أستره و أخبثه،كما أنّ كفرهم أخفى الكفر و أخبثه و أستره»،و نحوها غيرهم.

و لا يعلم حقيقتها غير اللّه تعالى و من أوحى إليهم، و لا يجوز تعيينها من دون نصّ عن المعصوم.

2-و قال ابن عاشور في«الدّرك»و«الدّرج»:

«و الدّرك:اسم،جمع دركة،ضدّ الدّرج اسم،جمع درجة.و الدّركة:المنزلة في الهبوط.فالشّيء الّذي يقصد أسفله تكون منازل التّدلّي إليه دركات، و الشّيء الّذي يقصد أعلاه تكون منازل الرّقيّ إليه درجات،و قد يطلق الاسمان على المنزلة الواحدة باختلاف الاعتبار...».

3-و قد طرح الزّمخشريّ-و نحوه غيره-سؤالا و جوابا،فقال:«إن قلت:لم كان المنافق أشدّ عذابا من الكافر؟

قلت:لأنّه مثله في الكفر،و ضمّ إلى كفره الاستهزاء بالإسلام و أهله و مداجاتهم».

و قال ابن عطيّة:«فالمنافقون الّذين يظهرون الإيمان و يبطنون الكفر،هم في أسفل طبقة من النّار، لأنّهم أسوأ غوائل من الكفّار،و أشدّ تمكّنا من أذى المسلمين».

و قال القرطبيّ: «فالمنافق في الدّرك الأسفل -و هي الهاوية-لغلظ كفره و كثرة غوائله و تمكّنه من أذى المؤمنين».و تقدّم نحوها عن الشّربينيّ.

و قال النّيسابوريّ: «فبيّن أنّ المنافق في غاية البعد و نهاية الطّرد عن حضرة اللّه تعالى،و أنّه مع فرعون،لأنّ اَلدَّرْكِ الْأَسْفَلِ أشدّ العذاب،و قد قال عزّ من قائل: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ المؤمن:46».

و قال رشيد رضا:«و إنّما كان المنافقون في الدّرك الأسفل من النّار،لأنّهم شرّ أهلها،بما جمعوا بين الكفر و النّفاق و مخادعة اللّه و المؤمنين و غشّهم،فأرواحهم أسفل الأرواح،و أنفسهم أخسّ الأنفس».

و قال ابن عاشور:«و إنّما كان المنافقون في الدّرك الأسفل،أي في أذلّ منازل العذاب،لأنّ كفرهم أسوأ الكفر لما حفّ به من الرّذائل».

و قد أشار الطّوسيّ قبل النّيسابوريّ إلى أنّ المنافق كالفرعون في أشدّ العذاب؛حيث قال:

ص: 369

«و ليس يمتنع أن يجعل اللّه قوما من الكفّار في الدّرك الأسفل،كفرعون و هامان و أبي جهل،فإنّ هؤلاء أعظم كفرا من المنافقين،و ليس في إخبار اللّه أنّ المنافقين هناك ما يمنع أن يكون غيرهم فيه أيضا،و إن تفاضلوا في العقاب».

المحور الثّاني:المزيد من بابين:الإفعال و التّفاعل:

و من الإفعال 6 آيات بثلاث صيغ:الماضي مرّة، و المضارع 4 مرّات،و اسم المفعول مرّة:

في(3): وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. و الآية كالّتي قبلها من جملة آيات موسى و فرعون و بني إسرائيل عند دخولهم البحر:

1-(ادرك)من الإدراك و هو اللّحوق،و كذلك جاء في التّفاسير مع تفاوت بينها في الألفاظ،مثل:

أحاط به الغرق،غمره الماء،وصل إليه الغرق، وجده الغرق،ناله و وصله،لحقه،لحقه و ألجمه،وصل إلى حدّ الغرق و نحوها.

2-و أضافوا إليها نكات:

فقال الطّبريّ: «و في الكلام متروك،قد ترك ذكره لدلالة ما ظهر من الكلام عليه؛و ذلك فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً، فيه(فغرّقناه)».

و لا ضرورة في تقديره عندنا.

و قال رشيد رضا:«أي فخاض البحر وراءهم حتّى إذا وصل إلى حدّ الغرق».

و قال ابن عاشور:«و الإدراك:اللّحاق و انتهاء السّير.و هو يؤذن بأنّ الغرق دنا منه تدريجيّا بهول البحر و مصارعته الموج،و هو يأمل النّجاة منه،و أنّه لم يظهر الإيمان حتّى أيس من النّجاة و أيقن بالموت؛ و ذلك لتصلّبه في الكفر.

و تركيب الجملة إيجاز،لأنّها قامت مقام خمس جمل»،و ذكرها فلاحظ،ثمّ قال:«و قد بني نظم الكلام على جملة إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ، و جعل ما معها كالوسيلة إليها،فجعلت(حتى)لبيان غاية الاتباع، و جعلت الغاية أن قال:(امنت)لأنّ اتباعه بني إسرائيل كان مندفعا إليه بدافع حنقه عليهم،لأجل الدّين الّذي جاء به رسولهم ليخرجهم من أرضه، فكانت غايته إيمانه بحقّهم».

3-و في إعرابه،قال ابن عاشور أيضا:(«حتى) ابتدائيّة لوقوع(اذا)الفجائيّة بعدها-إلى أن قال- فمنتهى الغاية هو الزّمان المستفاد من(اذا،)و الجملة المضافة هي إليها،و في ذلك إيجاز حذف.و التّقدير:

حتّى أدركه الغرق،فإذا أدركه الغرق قالَ آمَنْتُ».

و في(4): لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ، و سياق الآية أنّها تتمّة و بيان للآيتين قبلها:

وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، فجاء فيهما أنّ لكلّ من الشّمس و القمر مجرى و منازل.و جاء في هذه أنّ الشّمس لا ينبغي لها أن تدرك في مجراها القمر.و يتبع الشّمس و القمر اللّيل و النّهار،فهما أيضا لا يتسابقان،لأنّهما تابعان

ص: 370

لغيرهما،و حكم التّابع حكم المتبوع.

الكلام في الشّمس و القمر و محاورهما،و كذلك في اللّيل و النّهار-و لا سيّما بالنّظر إلى الهيئة القديمة و الجديدة-في هذا المعجم هذه المفردات الأربع، فلاحظ موادّها،و الكلام هنا يدور حول كلمة تُدْرِكَ:

1-ظاهر إدراك الشّمس القمر لحوقها به في حركتهما،فلكلّ منهما محور و فلك،لأنّ حركاتهما متفاوتة سرعة و بطأ مع وحدتها محورا و مجرى.و إليه أشار الميبديّ؛حيث قال:«لاختلاف مكانيهما،فإنّ القمر في السّماء الدّنيا،و الشّمس في السّماء الرّابعة».

و عليه فلا سبق و لا لحوق بينهما،فلا تصحّ الموازنة بينهما حركة و جريا،و لهذا عبّر عنها بقوله:

«لا ينبغي»؛إذ الموازنة و المقايسة إنّما تتحقّقان في المتحرّكين في مجرى واحد،كالسّيّارتين في جادّة واحدة دون جادّتين،و قد نصّت الآية في ذيلها بذلك:

وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ.

فنصّ الآية نفي إدراك الشّمس القمر في حركتهما كما قال الطّبرسي:«في سرعة سيره،لأنّ الشّمس أبطأ سيرا من القمر...».و قال الفخر الرّازيّ:

«فالشّمس لم تكن تصلح لها سرعة الحركة بحيث تدرك القمر...».و قال الخطيب:«فلا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر،فهي مع سرعتها المذهلة،الّتي تبلغ ألوف المرّات بالنّسبة لسرعة القمر،فإنّها لا تدركه، فهى لها فلك تدور فيه،كما للقمر فلكه الّذي يدور فيه».

لكن جملة من المفسّرين حملوها على تسابق و تداخل ضوئهما-و هذا تفسير باللاّزم-فقالوا:بأن تطلع الشّمس في سلطان القمر فيذهب ضوؤه بضوئه، فتكون الأوقات كلّها نهارا لا ليل فيها.حتّى يكون نقصان ضوئها كنقصان القمر إلى غيرها.

و الظّاهر أنّهم حملوها على ضوئهما،لأنّ الآية عطفت اللّيل و النّهار عليهما،فقال: وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ، و الفرق بين اللّيل و النّهار في ضوء الأوّل و ظلام الثّاني.و قد جمع اللّه بين الشّمس و القمر و اللّيل و النّهار في جملة من الآيات.

و نظرا إلى ذلك جاء في بعض النّصوص و الأحاديث:«الشّمس سلطان النّهار و القمر سلطان اللّيل لا ينبغي للشّمس أن تكون مع ضوء القمر باللّيل»و نحوها،لاحظ:نصّ الزّمخشريّ.

2-قال بعضهم:إنّهما لا يجتمعان ليلة الهلال-أي ليلة البدر-خاصّة في السّماء،لأنّ القمر يبادر بالمغيب قبل طلوع الشّمس،مع أنّ الآية لا تتحدّث عن عدم اجتماعهما في وقت،بل عن أنّ أحدهما-كما سبق- لا يدرك الآخر في سيرهما.

3-و في دوام حركتهما قال الطّباطبائيّ:«لفظة (ينبغى)تدلّ على التّرجّح،و نفي ترجّح الإدراك من الشّمس نفي وقوعه منها،و المراد به:أنّ التّدبير ليس ممّا يجري يوما و يقف آخر،بل هو تدبير دائم غير مختلّ و لا منقوض،حتّى ينقضي الأجل المضروب منه تعالى لذلك.

فالمعنى:أنّ الشّمس و القمر ملازمان لما خطّ لهما

ص: 371

من المسير،فلا تدرك الشّمس القمر حتّى يختلّ بذلك التّدبير المعمول بهما،و لا اللّيل سابق النّهار و هما متعاقبان في التّدبير،فيتقدّم اللّيل النّهار،فيجتمع ليلتان ثمّ نهاران بل يتعاقبان».

و الّذي قاله فيها من دوام التّدبير،كأنّه لازم المعنى،و إلاّ فنصّ الآية-كما سبق-نفي إدراك الشّمس القمر في حركتهما.

4-و قال أيضا:«و لم يتعرّض لنفي إدراك القمر للشّمس و لا لنفي سبق النّهار اللّيل،لأنّ المقام مقام بيان انحفاظ النّظم الإلهيّ عن الاختلال و الفساد،فنفي إدراك ما هو أعظم و أقوى-و هو الشّمس-لما هو أصغر و أضعف-و هو القمر-و يعلم منه حال العكس...».

و نقول:و يمكن الجواب عن هذا السّؤال بأنّ جملة وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ قامت مقام عكس جملة ما قبلها و هو«لا القمر ينبغى لها أن تدرك الشّمس»فقد سبق و لحوق كلّ منهما الآخر.و ليس كما قالوا:

«اكتفى بذكر السّبق دون اللّحوق».

نعم ذكر السّبق و اللّحوق فيهما بلفظين،و هما الإدراك و السّبق ليعلم أنّ المراد بهما سبقهما و لحوقهما في يوم و ليلة لا في سنة و شهر كما قالوا، فلاحظ.

5-و قال الزّمخشريّ: «فإن قلت:لم جعلت الشّمس غير مدركة و القمر غير سابق؟قلت:لأنّ الشّمس لا تقطع فلكها إلاّ في سنة،و القمر يقطع فلكه في شهر،فكانت الشّمس جديرة بأن توصف بالإدراك لتباطؤ سيرها عن سير القمر،و القمر خليقا بأن يوصف بالسّبق لسرعة سيره».

و لازم قوله:إنّ سير الشّمس أبطأ من سير القمر، و لهذا لا تدركه،مع أنّ هذا مردود قديما و حديثا،بل لعلّها تدلّ على أنّ الشّمس مع أنّ سرعتها تفوق سرعة القمر فلا تدركه،و ذلك-كما قلنا-لاختلاف مسيرهما و أفلاكهما.

و قد ردّ عليه الرّازيّ بأنّ سرعة سير القمر يناسب أن ينفي الإدراك منه،لأنّه إذا قيل:«لا القمر ينبغي له أن يدرك الشّمس مع سرعة سيره علم بالطّريق الأولى أنّ الشّمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر مع بطء سيرها، فأمّا إذا قيل: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ أمكن أن يقال:إنّما لم تدركه لبطء سيرها،فأمّا القمر فيجوز أن يدركها لسرعة سيره».

6-و قد طرح الفخر الرّازيّ-كعادته-أسئلة و أجاب عنها،و التزم في خلالها بأنّ للكواكب جميعا حركة أخرى غير حركة الشّهر و السّنة،و هي الدّورة اليوميّة،و بهذه الدّورة لا يسبق كوكب كوكبا أصلا فلاحظ كلامه بطوله.

7-و قالوا في إعرابها:(الشمس)في لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها مرفوعة بالابتداء،لأنّه لا يجوز أن تعمل(لا)في المعرفة،أي لا يصحّ،و(ان تدرك)فاعل(ينبغى.)و صوّغ هذا بصيغة الإخبار عن المسند إليه بالمسند الفعليّ،لإفادة تقوّي حكم النّفي،فذلك أبلغ في الانتفاء ممّا لو قيل:لا ينبغي للشّمس أن تدرك القمر.و افتتاح الجملة بحرف النّفي

ص: 372

قبل ذكر الفعل المنفيّ-ليكون النّفي متقرّرا في ذهن السّامع-أقوى ممّا لو قيل:الشّمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر،فكان في قوله: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ خصوصيّتان.

و في(5) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، و قد جاء المضارع من «الإدراك»في هذه مرّتين نفيا و إثباتا في توصيف اللّه تعالى،بأنّ الأبصار لا تدركه و هو يدركها.و هذه من تتمّة أوصافه تعالى و أفعاله في الآيات قبلها،ابتداء من الآية:رقم 95، إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى إلى 101، ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ، ثمّ قال:

لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ....

و يبدو أنّها قد جاءت فيما قبلها من الآيات أوصاف و أفعال له تعالى هي عيان للنّاس عامّة، و جاء في هذه وصف له يخصّ ذوي العقول الفاهمة:

إنّه لا تدركه الأبصار و هو يدركها.و تحمل الآية بينونة و فراقا بينه تعالى و بين كلّ من له بصر من النّاس بأنّه يدرك أبصارهم كيف ترى و إلى ما تنظر، و لأيّ غاية حميدة أو ذميمة تنظر،و لكن أبصارهم لا تدركه.و قد قدّم النّفي على الإثبات تقديما لما هو ظاهر للنّاس،لا يشكّون فيه على ما هو مخفيّ عنهم لا يتصوّرونه كما هو في نفس الأمر.

و قوله في ذيلها: وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ كأنّه تعليل للجملتين على سبيل اللّفّ و النّشر المرتّب، فلا تدركه الأبصار لأنّه لطيف،و هو يدرك الأبصار لأنّه خبير.و تعريفهما يفيد الحصر مثل«زيد هو العالم» أي لا لطيف و لا خبير غيره،كما قال النّبيّ عليه السّلام في حديث رواه ابن كثير:«لو أنّ الجنّ و الإنس و الشّياطين و الملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا،صفّوا صفّا واحدا،ما أحاطوا باللّه أبدا».و لهذا جاء في حديث آخر عنه رواه الطّبريّ عن عائشة:«من حدّثك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم رأى ربّه فقد كذب! لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ الشّورى:51،و لكن قد رأى جبريل في صورته مرّتين».

1-مسألة رؤية اللّه في الآخرة موضع خلاف كبير بين الأشاعرة،و المعتزلة،و من وافقهم من الإماميّة، و الزّيديّة،و قد جمعت أقاويلهم و حججهم في النّصوص،فلا نكرّرها.

2-هناك كلام في كلمة(الابصار)و المراد بها، و الفرق بينها و بين«البصائر»تقدّمت في:ب ص ر:

«الأبصار و البصائر»،فلاحظ.

3-و قد فرّق بعضهم في الآية بين الإدراك و الرّؤية.قال الواحديّ:«الإدراك:الإحاطة بكنه الشّيء و حقيقته،و هو غير الرّؤية،لأنّه يصحّ أن يقال:رآه و ما أدركه.فالأبصار ترى الباري عزّ و جلّ و لا تحيط به،كما أنّ القلوب تعرفه و لا تحيط به،قال تعالى: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً طه:110.قال ابن عبّاس في رواية عطاء:كلّت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به.و قال سعيد بن المسيّب:لا تحيط به

ص: 373

الأبصار.[ثمّ قال:]

و على هذا التّفسير نقول:إنّ الباري سبحانه يرى و لا يدرك،لأنّ معنى الإدراك:الإحاطة بالمرئيّ،و إنّما يجوز ذلك على من كان محدودا و له جهات».

و نحوه البغويّ حيث قال:«فاعلم أنّ الإدراك غير الرّؤية لأنّ الإدراك هو الوقوف على كنه الشّيء و الإحاطة به،و الرّؤية:المعاينة،و قد تكون الرّؤية بلا إدراك».و استشهد بقول أصحاب موسى: إِنّا لَمُدْرَكُونَ الشّعراء:61،و آيات أخرى.و يبدو أنّ كلّ من ترجم«الإدراك»بالإحاطة أراد سلب دلالة الآية على نفي الرّؤية،مع أنّ من أنكر رؤيته تعالى فسّر لا تُدْرِكُهُ برؤية العيون.

قال الطّوسيّ: «و الّذي يدلّ على أنّ الإدراك يفيد الرّؤية أنّ أهل اللّغة لا يفرّقون بين قولهم:أدركت ببصري شخصا،و آنست،و أحسست ببصري.و أنّه يراد بذلك أجمع الرّؤية.فلو جاز الخلاف في الإدراك، لجاز الخلاف فيما عداها من الأقسام».

و قال الطّبرسيّ: «أي لا تراه العيون،لأنّ الإدراك متى قرن بالبصر،لم يفهم منه إلاّ الرّؤية،كما أنّه إذا قرن بآلة السّمع،فقيل:أدركت بأذني،لم يفهم منه إلاّ السّماع،و كذلك إذا أضيف إلى كلّ واحد من الحواسّ،أفاد ما تلك الحاسّة آلة فيه...».

4-قال الطّباطبائيّ في ربط الآية بما قبلها:«و أمّا قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، فهو لدفع الدّخل الّذي يوهمه قوله-في الآية قبلها-: وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ الأنعام:102،بحسب ما تتلقّاه أفهام المشركين السّاذجة-و الخطاب معهم-و هو أنّه إذا صار وكيلا عليهم كان أمرا جسمانيّا كسائر الجسمانيّات الّتي تتصدّى الأعمال الجسمانيّة،فدفعه بأنّه تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ لتعاليه عن الجسميّة و لوازمها».و قال في ربط: وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ بما قبلها:«و قوله: وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ دفع لما يسبق إلى أذهان هؤلاء المشركين الّذين اعتادوا بالتّفكّر المادّيّ،و أخلدوا إلى الحسّ و المحسوس و هو أنّه تعالى إذا ارتفع عن تعلّق الأبصار به،خرج عن حيطة الحسّ و المحسوس،و بطل نوع الاتّصال الوجوديّ الّذي هو مناط الشّعور و العلم،و انقطع عن مخلوقاته، فلا يعلم بشيء كما لا يعلم به شيء،و لا يبصر شيئا كما لا يبصره شيء.فأجاب تعالى عنه بقوله: وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ....» و فيما ذكره من الارتباط بين هذه الجمل خفاء.

5-و في الرّبط بين الجملتين في الآية قال الرّازيّ:

«فإن قيل:كيف خصّ الأبصار بإدراكه لها و لم يقل:

و هو يدرك كلّ شيء،مع أنّه أبلغ في التّمدّح؟

قلنا:لوجهين:أحدهما:مراعاة المقابلة اللّفظيّة فإنّه نوع من البلاغة.

الثّاني:أنّ هذه الصّفة خاصّة بينه و بين الأبصار أنّه يدركها،بمعنى الإحاطة بها و هي لا تدركه،فأمّا غيره ممّا يدرك الأبصار فهي تدركه أيضا،فلهذا خصّها بالذّكر».

و قال الطّبرسيّ: «تقديره:لا تدركه ذوو الأبصار، و هو يدرك ذوي الأبصار،أي المبصرين،و معناه أنّه

ص: 374

يرى و لا يرى،و بهذا خالف سبحانه جميع الموجودات،لأنّ منها ما يرى و يرى كالأحياء،و منها ما يرى و لا يرى كالجمادات و الأعراض المدركة، و منها ما لا يرى و لا يرى كالأعراض غير المدركة، فاللّه تعالى خالف جميعها،و تفرّد بأن يرى و لا يرى، و تمدّح في هذه الآية بمجموع الأمرين،كما تمدّح في الآية الأخرى بقوله: وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لا يُطْعَمُ الأنعام:

14».

و قال ابن عاشور:«و أمّا قوله تعالى: وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ فيجوز أن يكون إسناد الإدراك إلى اسم اللّه مشاكلة لما قبله،من قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ.

و يجوز أن يكون الإدراك فيه مستعارا للتّصرّف، لأنّ الإدراك معناه النّوال-إلى أن قال:-و المقصود من هذا بيان مخالفة خصوصيّة الإله الحقّ عن خصوصيّات آلهتهم في هذا العالم،فإنّ اللّه لا يرى و أصنامهم ترى،و تلك الخصوصيّة مناسبة لعظمته تعالى،فإنّ عدم إحاطة الأبصار بالشّيء يكون من عظمته فلا تطيقه الأبصار.فعموم النّكرة في سياق النّفي يدلّ على انتفاء أن يدركه شيء من أبصار المبصرين في الدّنيا،كما هو السّياق».

و فيه أوّلا:أنّه ليس في الآية نفي نكرة بل (الابصار)في موضعين معرفة،و ثانيا:سياق الآية يحاشي عن تخصيص الإدراك و نفيه بالدّنيا بل يعمّ الدّنيا و الآخرة.ففي قوله بعده:«و لا دلالة في هذه الآية على انتفاء أن يكون اللّه يرى في الآخرة...»نظر.

و في(6 و 7): أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ، و وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ. فنسب الإدراك فيهما إلى«الموت»، و عمّت الأولى عموم الأمكنة حتى البروج المشيّدة، و خصّت الثّانية بمن هاجر إلى اللّه و أدركه الموت.

و المراد بالأولى الإنذار العامّ و الوعيد بأنّ النّاس كلّهم يدركهم الموت،و بالثّانية التّبشير و الوعد،بأنّ المهاجر الّذي أدركه الموت أجره على اللّه تعالى،و أنّه بمنزلة الشّهيد عند اللّه تعالى.و سياقها سياق الآية قبلها:74،في نفس السّورة: وَ مَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.

و قد نصّ اللّه فيهما على أنّ أجرهما عند اللّه:فجاء في الأولى: أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ، و في الأخيرة: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً، و في كلّ من(6)و(7)بحوث:

ففي(6)1-قالوا:إنّها نزلت في قول المنافقين لمّا أصيب أهل أحد:لو كانوا عندنا ما ماتوا و ما قتلوا.و هذه الجملة جزء من الآية:رقم 156،من سورة آل عمران،و هي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، و بعدها: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ* وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ.

ص: 375

فقد حكى اللّه في ذكر غزوة«أحد»قول الّذين كفروا: لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا. و ذكر بدل المنافقين:(الذين كفروا)-و المراد بهم المنافقون- و قد أجاب اللّه عنه بعده مرّات بقوله: وَ اللّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ، و قوله: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ.... و قوله: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ. فلا يبقى مجال للقول بأنّ هذه الجملة في سورة النّساء: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ -و قد نزلت بعد غزوة أحد بشهور أو بسنين-جواب لقول هؤلاء في غزوة أحد.

و لا سيّما أنّ قولهم جمع بين القتل و الموت،و جاء في الجواب القتل و الموت أيضا،مع أنّ المذكور في أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ الموت فقط بدون القتل.فالأمسّ بالسّياق أن يكون هذا ردّا لما يفهم من الآية قبلها حكاية لإعراضهم عن القتال،خوفا من الموت و من فوات متاع الدّنيا منهم: ...فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً، ثمّ قال:

أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ...، فصدر تلك الآية يحاكي عن أنّ خشيتهم النّاس كان خشية من الموت،و من فوات متاع الدّنيا عنهم،فأجاب اللّه عنهما أوّلا بقوله: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ... لأنّه سبب خوف الموت.و ثانيا بقوله: أَيْنَ ما تَكُونُوا....

و قد جاء موافقا لقولنا هذا في قول أبي السّعود:

«أينما تكونوا في الحضر و السّفر يدرككم الموت الّذي لأجله تكرهون القتال،زعما منكم أنّه من مظانّه و تحبّون القعود عنه على زعم أنّه منجاة منه»،و نحوه قال الآلوسيّ و أضاف:«لأنّ الأجل مقدّر،فلا يمنع عنه عدم الخروج إلى القتال.».

و يؤيّدها أيضا قوله بعدها: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ، إلى قوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ، تعليلا بأنّ الموت الّذي ينالهم إنّما هو من اللّه لا من عند المنافقين و الكفّار،كي تخافوهم،و تكرهوا قتالهم.

2-قالوا في معنى:(يدرككم:)ينالكم،يلحقكم، و اللاّحق هو الموت الّذي يدرك الإنسان.و مثلها:

قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ الجمعة:8،فجاء فيها بدل:(يدرككم:) (ملاقيكم.)

و قال أبو السّعود:«و في لفظ الإدراك إشعار بأنّهم في الهرب من الموت و هو مجدّ في طلبهم».

و قال الآلوسيّ: «و في التّعبير بالإدراك إشعار بأنّ القوم لشدّة تباعدهم عن أسباب الموت،و قرب وقت حلوله إليهم بممرّ الأنفاس و الآنات،كأنّهم في الهرب منه و هو مجدّ في طلبهم،لا يفتر نفسا واحدا في التّوجّه إليهم».

3-و اختلفوا في مفرداتها و إعرابها حسب اختلاف قراءتها.فقال القيسيّ:(«اين)ظرف مكان فيه معنى الاستفهام و الشّرط،و دخلت(ما)ليتمكّن الشّرط و يحسن،و(تكونوا)جزم بالشّرط، و(يدرككم)جوابه».

ص: 376

و قال الزّمخشريّ: «قرئ(يدرككم)بالرّفع، و قيل:هو على حذف الفاء كأنّه قيل:فيدرككم الموت و شبّه بقول القائل:من يفعل الحسنات اللّه يشكرها.

و يجوز أن يقال:حمل على ما يقع موقع أَيْنَ ما تَكُونُوا، و هو أينما كنتم...و يجوز أن يتّصل بقوله [في الآية قبلها]: وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً، أي و لا تنقصون شيئا ممّا كتب من آجالكم. أَيْنَ ما تَكُونُوا في ملاحم حروب أو غيرها،ثمّ ابتدأ بقوله:

(يدرككم...،)و الوقف على هذا الوجه على أَيْنَ ما تَكُونُوا»، و نحوه البيضاويّ.

و قال ابن عطيّة في هذه الجملة:«جزاء[شرط] و جوابه.و هكذا قراءة الجمهور-ثمّ ذكر قراءة الرّفع و قال-ذلك على تقدير دخول الفاء،كأنّه قال:

(فيدرككم الموت) و هي قراءة ضعيفة.و هذا إخبار من اللّه يتضمّن تحقير الدّنيا و أنّه لا منجى من الفناء و التّنقّل».

و قال أبو حيّان:«و الجزم في(يدرككم)على جواب الشّرط،و(اين ما)تدلّ على العموم،و كأنّه قيل:في أيّ مكان تكونون فيه أدرككم الموت.و(لو) هنا بمعنى«إن»،و جاءت لدفع توهّم النّجاة من الموت بتقدير«إن»: وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ، و لإظهار استقصاء العموم في(اين ما)-إلى أن قال-متى كان فعل الشّرط ماضيا في اللّفظ،فإنّه يجوز في المضارع بعده وجهان:الجزم على الجواب،و الرّفع.و في توجيه الرّفع خلاف،الأصحّ أنّه ليس الجواب،بل ذلك على التّقديم و التّأخير،و الجواب محذوف...».

و قال السّمين:«(أين)اسم شرط يجزم فعلين، و(ما)زائدة على سبيل الجواز مؤكّدة لها...».

و قال أبو السّعود:«كلام مبتدأ مسوق من قبله تعالى بطريق تلوين الخطاب،و صرفه عن رسول اللّه إلى المخاطبين،اعتناء بإلزامهم إثر بيان حقارة الدّنيا و علوّ شأن الآخرة بواسطته عليه الصّلاة و السّلام فلا محلّ له من الإعراب.أو في محلّ النّصب داخل تحت القول المأمور به،أي أينما تكونوا في الحضر و السّفر يدرككم الموت الّذي لأجله تكرهون القتال»...

و نحوها غيرها،فلاحظ.

و في(7): ...وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ....

1-اختلفوا فيمن نزلت؟قال ابن الجوزيّ:

«اتّفقوا على أنّه نزل في رجل خرج مهاجرا،فمات في الطّريق،و اختلفوا فيه على ستّة أقوال...».و ذكرها فلاحظ.

2-في قراءتها و إعرابها:قرئ يدركه بالجزم عطفا على(يخرج،)و بالرّفع-لتجرّده من النّاصب و الجازم-على الاستيناف،أي(ثمّ-هو-يدركه)، و قيل:رفع«الكاف»منقول من«الهاء»كأنّه أراد أن يقف عليها،ثمّ نقل حركة«الهاء»إلى الكاف!

و بالنّصب على إضمار«أن»لأنّه لم يعطفه على الشّرط لفظا،فعطفه عليه معنى،كما جاء في«الواو» و«الفاء».

و قال الآلوسيّ في الرّفع:«ينبغي أن يعلم أنّه على تقدير المبتدإ يجب جعل(من)موصولة،لأنّ الشّرط

ص: 377

لا يكون جملة اسميّة و يكون(يخرج)أيضا مرفوعا.

و يرد عليه حينئذ أنّه لا حاجة إلى تقدير المبتدإ، فالأولى أنّ الرّفع بناء على توهّم رفع(يخرج)،لأنّ المقام من مظانّ الموصول».و قد أطال الكلام بما لا ينبغي.

3-قال الطّباطبائيّ: «و إدراك الموت استعارة بالكناية عن وقوعه أو مفاجأته،فإنّ الإدراك هو سعي اللاّحق بالسّير إلى السّابق ثمّ وصوله إليه».

و في(8): فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ، و هذه من تتمّة آيات قبلها:

52-60،جاءت في خروج موسى و بني إسرائيل من مصر،ابتداء من: وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ، و بعدها جواب موسى لأصحابه قالَ كَلاّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ، ثمّ جاءت هداية اللّه إيّاه: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ -إلى قوله في:68- وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.

و قد جاءت هذه القصّة في أربع آيات أخرى غير هذه،لاحظ:ب ح ر:«البحر»:الاستعمال القرآنيّ.

1-اختلفوا في قراءتها.

فقال الطّبريّ: «و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الأمصار سوى الأعرج: إِنّا لَمُدْرَكُونَ، و قرأه الأعرج:(انّا لمدّركون)،كما يقال:نزلت،و أنزلت.و القراءة عندنا الّتي عليها قرّاء الأمصار،لإجماع الحجّة من القرّاء عليها».

و قراءة التّشديد راجع إلى تبديل«الإدراك» ب«الادّراك»-و يأتي بحثه في الآيتين(10 و 11)- و حكى أبو حيّان كسر«الرّاء»على القراءة الثّانية عن أبي الفضل الرّازيّ،و أنّه أخذها من«افتعل» أيضا،و أنّه أوجب فتح الرّاء حينئذ.و قد حمل ابن عاشور هذه القراءة على التّأكيد لشدّة الاهتمام بهذا الخبر،و أنّه مستعمل في معنى الجزع.

2-قالوا في مغزاها:لمّا انتهى موسى إلى البحر، و هاجت الرّيح العاصف،فنظر أصحاب موسى خلفهم إلى الرّيح و إلى البحر أمامهم،أو رأوا فرعون و جنده خلفهم و البحر أمامهم-و هذا أمسّ بالسّياق- قالوا لموسى: إِنّا لَمُدْرَكُونَ، أي يدركنا فرعون و جنده.

قال الطّوسيّ: «و كان أصحاب موسى فزعوا من فرعون أن يلحقهم و حذّروا موسى،فقالوا: إِنّا لَمُدْرَكُونَ فقال لهم موسى عليه السّلام ثقة باللّه:

(كلا)ليس كما تقولون: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ.

و قال ابن عطيّة:«و قالوا لموسى عليه السّلام على جهة التّوبيخ و الجفاء: إِنّا لَمُدْرَكُونَ أي هذا رأيك!!فردّ عليهم قولهم،و زجرهم،و ذكر وعد اللّه له بالهداية و الظّفر».

3-و قد مضى في:«ب ح ر»اختلافهم في أنّها بحر القلزم،أي البحر الأحمر،أم بحر فارس،فلاحظ.

هذا كلّه في المزيد من«الإفعال».

و أمّا المزيد من«التّفاعل»فقد جاء بلفظين:

(تدارك)و(ادّارك).

أمّا(تدارك)ففي آية واحدة(9): لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَ هُوَ مَذْمُومٌ،

ص: 378

و هي من تتمّة ما قبلها: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَ هُوَ مَكْظُومٌ*...* فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ، و هذه الآيات من جملة ما جاءت بشأن يونس النّبيّ عليه السّلام الّذي جاء باسم «يونس»في أربع آيات أخرى،و باسم«صاحب الحوت»في هذه،و جاءت قصّته باسم«ذا النّون»في سورة الأنبياء أيضا،في آيتين:87،88: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ. و يظهر من هذه الآيات أنّه صدرت من يونس خطيئة،فتاب منها فتداركه نعمة من ربّه و تاب عليه،و رفع درجته.لاحظ:«يونس».

1-قرأ الجمهور(تداركه،)و بعضهم:

(تداركته)بتخفيف الدّال بالتّذكير و التّأنيث، و(تدّاركه)بشدّ الدّال بالإدغام بمعنى تتداركه.

قال ابن عطيّة فيها:«و هي حكاية حال تامّ، فلذلك جاء الفعل مستقبلا بمعنى:لو لا أن يقال فيه:

تتداركه نعمة من ربّه.و نحوه قوله تعالى: فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ القصص:15،فهذا وجه القراءة،ثمّ أدغمت التّاء في الدّال».

و عدّها السّمين قراءة شاذّة،و ذكر نظيرها إِذْ تَلَقَّوْنَهُ النّور:15،و ناراً تَلَظّى الليل:14.

و قال:«و هذا على حكاية الحال،لأنّ القصّة ماضية بإيقاع المضارع هنا للحكاية».

2-و في إعرابها قال ابن عاشور:«و(ان)في لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ -يجوز أن تكون مخفّفة من(انّ)، و اسمها ضمير شأن محذوف،و جملة تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ خبرها.و يجوز أن تكون مصدريّة،أي لو لا تدارك رحمة من ربّه».

3-و قال في معناها:«و التّدارك:تفاعل من الدّرك بالتّحريك،و هو اللّحاق،أي أن يلحق بعض السّائرين بعضا،و هو يقتضي تسابقهم،و هو هنا مستعمل في مبالغة إدراك نعمة اللّه إيّاه».

و قال الطّباطبائيّ: «و التّدارك:الإدراك و اللّحوق.و المعنى:لو لا أن أدركته و لحقت به نعمة من ربّه-و هو أنّ اللّه قبل توبته-لطرح بالأرض العراء و هو مذموم بما فعل».

و أمّا(ادارك:)ففي آيتين(10)و(11).

و الأولى: بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ. و قبلها: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ. فالمستفاد منهما أنّهم لا يعلمون من الآخرة شيئا،و أنّهم في شكّ منها.و قد أدام اللّه فيما بعدها من الآيات أقاويلهم في إنكار الآخرة، و الجواب عنها،فلاحظ.

1-اختلفوا في قراءتها:

قال الطّبريّ: «فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة -سوى أبي جعفر-و عامّة قرّاء أهل الكوفة(بل ادّارك)بكسر اللاّم من(بل)و تشديد الدّال من (ادّارك)،بمعنى بل تدارك علمهم،أي تتابع علمهم بالآخرة هل هي كائنة أم لا؟ثمّ أدغمت التّاء في الدّال

ص: 379

كما قيل: اِثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ التّوبة:38.

و قرأته عامّة قراء أهل مكّة (بل ادرك علمهم فى الآخرة) بسكون الدّال و فتح الألف،بمعنى هل أدرك علمهم علم الآخرة؟و كان أبو عمرو بن العلاء ينكر -فيما ذكر عنه-قراءة من قرأ (بل ادرك) ،و يقول:إنّ (بل)إيجاب و الاستفهام في هذا الموضع إنكار.و معنى الكلام إذا قرئ كذلك: (بل ادرك) لم يكن ذلك لم يدرك علمهم في الآخرة،و بالاستفهام قرأ ذلك ابن محيصن على الوجه الّذي ذكرت أنّ أبا عمرو أنكره».

و حكي عن مجاهد أنّه قرأه: «(ام ادرك علمهم) و كان ابن عبّاس-فيما ذكر عنه-يقرأ بإثبات ياء في (بل)ثمّ يبتدئ(ادّارك)بفتح ألفها على وجه الاستفهام و تشديد الدّال...(بلى ادّارك علمهم فى الآخرة)».

و قال:«كأنّ ابن عبّاس وجّه ذلك إلى أنّ مخرجه مخرج الاستهزاء».ثمّ اختار الطّبريّ منها قراءتين:

«قراءة أهل مكّة و البصرة،و هي (بل ادرك علمهم) و قراءة أهل الكوفة: (بل ادّارك) لأنّهما القراءتان المعروفتان في قراءة الأمصار-و قال-فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب عندنا».

و ردّ قراءة ابن عبّاس-مع أنّها صحيحة المعنى- لكونها خلاف مصاحف المسلمين،لأنّ في(بلى) زيادة«ياء»ليست في المصاحف،و لأنّها لم يقرأ بها أحد من قرّاء الأمصار.

2-و اختلفوا في معناها أيضا بأربعة أقوال،ذكرها الطّبريّ،و هي:

أ-فأيقنوها إذ عاينوها حين لم ينفعهم يقينهم بها؛ إذ كانوا بها في الدّنيا مكذّبين.

ب-بل غاب علمهم في الآخرة.

ج-لم يبلغ لهم فيها علم.

د-(بل ادرك):أم أدرك.

ثمّ رأى هو أولى بالصّواب بناء على قراءة (بل ادرك) المعنى الأوّل،أي أيقنوها و لم ينفعهم؛إذ إنّها أظهر معانيه.و يكون في الكلام محذوف وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ بل يشعرون ذلك في الآخرة، و لا ينفعهم.

و بناء على قراءة بل ادارك فالرّابع،أي أم أدرك قال:«و العرب تضع«أم»موضع(بل)، و موضع(بل)«أم»إذا كان في أوّل الكلام استفهام.

فيكون تأويل الكلام: وَ ما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ، بل تدارك علمهم في الآخرة،يعني تتابع علمهم في الآخرة،أي بعلم الآخرة،أي لم يتتابع بذلك و لم يعلموه،بل غاب علمهم عنه،و ضلّ فلم يبلغوه و لم يدركوه».

و قال النّحّاس: «بَلِ ادّارَكَ أي كمل،لأنّهم عاينوا الحقائق...».

و قال الماورديّ: «و في صفة علمهم بهذه الصّفة قولان:

أحدهما:أنّها صفة ذمّ،فعلى هذا في معناه أربعة أوجه-و ذكرها و كلّها يرجع إلى عدم علمهم بها-.

و ثانيهما:أنّها صفة حمد لعلمهم و إن كانوا مذمومين،فعلى هذا في معناه ثلاثة أوجه-و ذكرها

ص: 380

و كلّها يرجع إلى علمهم بها-فلاحظ».

و قد أطال الزّمخشريّ في قراءتها و معناها، و حملها على وجهين:حصول العلم لهم أو عدم حصوله،و كلامه أتمّ و أوضح من غيره.

ثم طرح سؤالا على الوجه الأوّل بأنّ الآية سيقت لاختصاص اللّه بعلم الغيب،و أنّ العباد لا علم لهم بشيء منه،و أنّ وقت بعثهم و نشورهم من جملة الغيب و هم لا يشعرون به،فكيف لاءم هذا المعنى وصف المشركين بإنكارهم البعث،مع استحكام أسباب العلم و التّمكّن من المعرفة؟

و أجاب عنه بما لم يتبيّن لنا مراده.و أيضا طرح أسئلة على الوجه الثّاني و أجاب عنها،فلاحظ.

و لغيره من المفسّرين أبحاث في قراءتها و معناها نظير ما ذكر،و اختصّ ابن عاشور-كعادته-ببيان لغاتها و إعرابها،فلاحظ.

3-و لا شكّ أنّ الآية فيه نوع من الإبهام أوجب هذا الخلاف الكثير.و الّذي نحن نرجّح في معناها -و اللّه أعلم-أنّ الآية الأولى و هي قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ... دلّت على اختصاص اللّه بعلم الغيب و صرّح في صدر الآية الثّانية بأنّ النّاس ما داموا في الدّنيا لا يشعرون أيّان يبعثون-و هذا حقّ-ثمّ ذمّهم في ذيلها بأنّهم شاكّون في الآخرة و هم عنها عمون،مع وضوح الآيات في الخبر بمجيئها.

و سيتكامل علمهم بها حيث أدركوها و انتقلوا إليها.

فهذه نظير آيات أخرى تنجّز القول بأنّهم سوف يعلمون ما ينكرونهم الآن،مثل صدر سورة النّبإ:

عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ* اَلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ* كَلاّ سَيَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاّ سَيَعْلَمُونَ.

فيبدو أنّ(بل)هنا-و قد كرّر ثلاث مرّات-بمنزلة (كلا)في آيات النّبإ.و لكلّ من المصطفويّ، و مكارم الشّيرازيّ،و فضل اللّه تفسير خاصّ للآية، فلاحظ.

و الآية الثّانية: قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ فِي النّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَ لكِنْ لا تَعْلَمُونَ.

و الفرق بينها و بين الآية الأولى:أنّ(اداركوا) نسب فيها إلى أنفسهم؛حيث قال: حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً، و في الأولى نسب(ادارك)إلى علمهم؛ حيث قال: بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، و من هذا نشأ اختلافهم في معناهما،فنرى أنّ بعضهم ترجمها هنا ب«اجتمعوا»و هناك ب«تلاحق و تتابع»،و إن لم يفرّق آخرون بينهما فترجموها ب«تلاحق و تتابع».

و الأمر في ذلك سهل.كما أنّهم كرّروا هنا ما سبق في تلك،من أنّ أصل(ادارك)تدارك،و أيضا ذكروا الخلاف في قراءتها،لكنّهم لم يختلفوا في معناها هنا أنّها إخبار،أو ذمّ و توبيخ و غيرها ممّا سبق،بل اتّفقوا أنّ معناها إخبار بأنّهم اجتمعوا جميعا فيها،و أنّ (جميعا)تأكيد لفعل(اداركوا)فلاحظ النّصوص هنا،و لاحظ:خ ل و:«خلت»،و:ل ع ن:«لعنت»، و:ض ع ف:«ضعفا».

ص: 381

و يلاحظ ثانيا:أنّ أربعا منها:(1 و 3 و 8 و 9) قصص،و اثنتين(4 و 5)توحيد للّه فعلا و وصفا، و اثنتين(10 و 11)ذكر الدّار الآخرة،و كلّها مكّيّ تناسب مكّة.و الثّلاث الباقية:(2 و 6 و 7)مدنيّة، و تحدّث عن القتال،و الهجرة،و النّفاق،فتناسب جوّ المدينة.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

البلوغ: وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يوسف:22

النّضوج: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56

الينوع: اُنْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ

الأنعام:99

الإلحاق: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ الشّعراء:83

الوصول: فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللّهِ

الأنعام:136

الانتهاء: وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى النّجم:42

ص: 382

د ر ه م

اشارة

دراهم

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الدّرهم و الدّرهم:لغتان.و رجل مدرهم:كثير الدّراهم.

ادرهمّ الشّيخ ادرهماما،أي كبر.[ثمّ استشهد بشعر](4:125)

و رجل مدرهم:كثير الدّراهم.

و رجل مدرهمّ،و قد ادرهمّ ادرهماما،إذا هرم.

(الأزهريّ 6:527)

أبو عمرو الشّيبانيّ: إنّه لمدرهم.(1:243)

أبو زيد :و رجل مدرهم،و لا فعل له،أي كثير الدّراهم،و لم يقولوا:درهم.(ابن سيده 4:483)

الجاحظ:و يقال:دراهم مدرهمة،و بدر مبدّرة، مثل قوله تعالى: وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ آل عمران:

14.(6:230)

ابن دريد:درهم:معرّب،و قد تكلّمت به العرب قديما.(3:368)

و ربّما سمّي الدّرهم قرقوفا لجولانه في الأرض.

(3:380)

و يقال:...مدرهمّ؛يقال:ادرهمّ بصره،إذا أظلم.

(3:402)

الأزهريّ: [ليس فيه شيء إلاّ ما نقلناه عن الخليل.](6:527)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و المدرهم:الكبير.

و الادرهمام:السّقوط من الكبر.

و ادرهمّ بصره:أظلم.

و قيل:الدّرهم:الحديقة.(4:135)

الجوهريّ: الدّرهم فارسيّ معرّب،و كسر الهاء

ص: 383

لغة،و ربّما قالوا:درهام.

و جمع الدّرهم:دراهم،و جمع الدّرهام:دراهيم.

و شيخ مدرهمّ،أي مسنّ.و قد ادرهمّ ادرهماما، أي سقط من الكبر.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(5:1918)

ابن سيده: و المدرهمّ:السّاقط من الكبر.و قيل:

هو الكبير السّنّ أيّا كان.

و ادرهمّ بصره:أظلم.

و الدّرهم و الدّرهم:لغتان،فارسيّ،ملحق ببناء كلامهم،فدرهم ك«هجرع»،و درهم ك«حفرد»، و قالوا في تصغيره:دريهم،شاذّة،حقّروا درهاما و إن لم يتكلّم به،هذا قول سيبويه،و حكى بعضهم:درهام، و جاء في تكسيره الدّراهيم.

و زعم سيبويه أنّ الدّراهيم إنّما جاء في قول الفرزدق.[فذكر شعره]

و رجل مدرهم،و لا فعل له.حكاه أبو زيد.قال ابن جنّيّ:لكنّه إذا وجد اسم المفعول فالفعل حاصل.

و درهمت الخبّازى:استدارت فصارت على أشكال الدّراهم،اشتقّوا من الدّراهم فعلا و إن كان أعجميّا.

قال ابن جنّيّ: و أمّا قولهم:درهمت الخبّازى، فليس من قولهم:رجل مدرهم.(4:483)

الرّاغب: دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ يوسف:20، الدّرهم:الفضّة المطبوعة المتعامل بها.(168)

الجواليقيّ: و«درهم»معرّب،و قد تكلّمت به العرب قديما؛إذ لم يعرفوا غيره،و ألحقوه ب:«هجرع».

[ثمّ استشهد بشعر](196)

القرطبيّ: و يقال:«دراهيم»على أنّه جمع:

درهام،و قد يكون اسما للجمع عند سيبويه،و يكون أيضا عنده على أنّه مدّ الكسرة فصارت ياء.و ليس هذا مثل مدّ المقصور،لأنّ مدّ المقصور لا يجوز عند البصريّين في شعر و لا غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

(9:156)

ابن منظور :و قد ادرهمّ يدرهمّ ادرهماما،أي سقط من الكبر.[ثمّ استشهد بشعر](12:199)

الفيّوميّ: و الدّرهم الإسلاميّ:اسم للمضروب من الفضّة،و هو معرّب،وزنه«فعلل»بكسر الفاء و فتح اللاّم،في اللّغة المشهورة.و قد تكسر هاؤه، فيقال:«درهم»حملا على الأوزان الغالبة.

و الدّرهم:ستّة دوانق،و الدّرهم:نصف دينار و خمسه.

و كانت الدّراهم في الجاهليّة مختلفة؛فكان بعضها خفافا و هي الطّبريّة،كلّ درهم منها أربعة دوانيق و هي طبريّة الشّأم،و بعضها ثقالا كلّ درهم ثمانية دوانيق،و كانت تسمّى العبديّة،و قيل:البغليّة نسبة إلى ملك يقال له:رأس البغل،فجمع الخفيف و الثّقيل، و جعلا درهمين متساويين،فجاء كلّ درهم ستّة دوانيق.

و يقال:إنّ عمر هو الّذي فعل ذلك،لأنّه لمّا أراد جباية الخراج طلب بالوزن الثّقيل فصعب على الرّعيّة،و أراد الجمع بين المصالح فطلب الحسّاب فخلطوا الوزنين،و استخرجوا هذا الوزن.

ص: 384

و قيل:كان بعض الدّراهم وزن عشرين قيراطا، و تسمّى وزن عشرة،و بعضها وزن خمسة،و بعضها وزن اثني عشر و تسمّى وزن ستّة،فجمعوا من الأوزان الثّلاثة هذا الوزن فكان ثلثها،و يسمّى وزن سبعة،لأنّك إذا جمعت عشرة دراهم من كلّ صنف كان الجميع أحدا و عشرين مثقالا،و ثلث الجميع سبعة مثاقيل.

و سيأتي أنّ القيراط نصف دانق،و الدّانق حبّتا خرنوب،فيكون الدّرهم اثنتي عشرة حبّة خرنوب، و هذا أحد الأوزان قبل الإسلام.

و أمّا الدّرهم الإسلاميّ فهو ستّ عشرة حبّة خرنوب،فيكون الدّانق حبّة خرنوب و ثلث حبّة خرنوب.(1:193)

الفيروزآباديّ: الدّرهم كمنبر و محراب و زبرج:معروف.و ذكرنا وزنه في«م ك ك»جمعه:

دراهم و دراهيم.

و رجل مدرهم بفتح الهاء:كثيرها،و لا تقل:

درهم،لكنّه إذا وجد اسم المفعول فالفعل حاصل.

و درهمت الخبّازى:صار ورقها كالدّراهم.

و شيخ مدرهم كمشمعلّ:ساقط كبرا.و ادرهمّ بصره:أظلم و كبر سنّه.و الدّرهم كمنبر:الحديقة...

(4:113)

هوتسما :درهم:وحدة من وحدات العملة الفضّيّة،في نظام السّكّة عند العرب.و قد كان هذا الاسم-باليونانيّة.«الدّراخميّ»و بالفارسيّة«درم»- مستعملا منذ القدم،في حين استعار العرب العملة الّتي عرفت به من الفرس.و استعارة الوزن القانونيّ للدّرهم أعسر من استعارة وزن الدّينار؛ذلك أنّ الدّراهم لم تكن تراعى الدّقّة التّامّة في ضربها.و قد اختلف المؤرّخون اختلافا عظيما في تحديد الدّرهم القانونيّ،و لكنّهم أجمعوا على أنّ نسبة وزن الدّرهم إلى وزن المثقال،هي 7:10.

و لمّا كان المثقال يدلّ على عدّة معان،فإنّ هذه المعادلة لا تصحّ إلاّ إذا كان المثقال يساوي الدّينار القانونيّ،أي المثقال المكّيّ الّذي يبلغ وزنه 4/25 من الجرامات.و نخلص من هذا إلى أنّ أقرب أوزان الدّرهم إلى الاحتمال هو 2/97 من الجرامات،و هذا الوزن يتّفق على خير وجه مع السّكّة الباقية و الأوزان الزّجاجيّة،كما يتّفق مع أوزان السّكّة الّتي ضربت في عهد المقتدر«295-220 ه 98-932 م »و كشف عنها روجرز sregoR T.E في الفيوم.و قد اتّخذ سوفير eriafoos الرّقم الّذي 3/0898 أساسا لجميع حسباناته،و هو الرّقم الّذي استقرّت عليه اللّجنة المصريّة الّتي عقدت عام:1845،و من ثمّ ظهر بطلان النّتائج الّتي وصل إليها أوّل الأمر،و قد استقرّ دكورد مانش ehsnamedruoceD الّذي بيّن خطأ سوفير عند الرّقم 2/83 مستعينا في بلوغ هذا الرّقم بحسبانات بارعة،و لكن هذا الرّقم لا يتّفق مع النّسبة الّتي تقضي بأن يكون الدّرهم 7:10 من المثقال.

و ربما كان الخليفة عمر هو أوّل من قرّر أنّ الوزن القانونيّ للدّرهم هو 2/97 من الجرامات.و قد أمر

ص: 385

عبد الملك بأن يكون الدّرهم من هذا الوزن هو دون سواه السّكّة الفضّة الصّحيحة.و ليس ثمّة شكّ في أنّ الدّرهم العربيّ مأخوذ من درهم السّاسانيّين،و قد أدخل أردشير الأوّل«226-241 م»هذا الدّرهم على أساس الدّراخمة الأتيكيّة الجديدة الّتي بلغ وزنها 4/21 من الجرامات.و ظلّ هذا الدّرهم ثابتا يكاد لا يتغيّر حتّى سقوط الدّولة السّاسانيّة«بلغ وزن الدّراخمات الّتي ضربها سنة 628 أردشير الثّالث 4/10 من الجرامات».و قد احتفظ ولاة العرب في فارس بهذا الأنموذج السّاسانيّ،و لكنّهم خفضوا وزنه فجعلوه 3/90 من الجرامات.و كان كثير من العملة الّتي ضربوها يزن 2/90 من الجرامات على وجه التّقريب،و من ثمّ فهي تتّفق مع الدّرهم القانونيّ.

و ترجع أقدم الدّراهم الإسلاميّة الخالصة-مع استثناء النّمازج المشكوك فيها و النّمازج القائمة برأسها-إلى عام«75 ه 694 م».و بعد هذا التّاريخ ضربت سكّة من طراز جديد في الولايات كافّة،على الرّغم من أنّ الدّراخمات العربيّة السّاسانيّة ظلّت تضرب في فارس إلى ما بعد هذا التّاريخ بأمد ظلّت تضرب في طبرستان إلى حوالي سنة«180 ه 796 م».

أمّا الدّرهم النّحاسيّة الّتي ضربها في القرنين السّادس و السّابع الهجريّين بنو أرتق و بنو زنكي و غيرهم من الأسر التّركيّة-الّتي حكمت آسية الصّغرى-ففريدة في بابها،فهي قطع نحاسيّة كبيرة عليها كتابة،و يبلغ وزنها في المتوسّط 12 جراما، و الرّاجح أنّها ضربت بصفة خاصّة،لاستعمالها في المتاجرة مع النّصارى.

و كان للدّرهم شأن هامّ في شماليّ أوربا و شرقيّها، ذلك أنّه كان السّكّة الوحيدة في هذه الأنحاء،ما بين عامي«600 و،100 م».

و كان من النّادر أن نجد قطعا من العملة أكبر قيمة من الدّينار أو أصغر منه في القرون الأولى للهجرة.

و كان أعمّ كسور الدّرهم هو سدسه أي الدّانق «أبلوس»و أشيعها نصف الدّرهم.و قد اختفى الدّرهم من الوجود حوالي نفس الوقت الّذي اختفى فيه الدّينار.و كانت نسبة الذّهب إلى الفضّة في أوائل عهد الإسلام هي 14:1«20 درهم-1 دينار».

و الدّرهم هو أيضا اسم وزن من الأوزان«درهم كيل»يبلغ 3/184 من الجرامات،و هو يختلف اختلافا بيّنا عن السّكّة المعروفة بهذا الاسم.و قد بقي هذا الكيل،و إن اختلف من بلد إلى بلد،-حتّى العصور الحديثة،يستعمله الصّيدليّ و الصّائغ.و قد وجدته الحملة الفرنسيّة مستعملا في القاهرة عام 1799 بالغا وزنه 3/0884 من الجرامات،و حدّدته اللّجنة الّتي انعقدت عام:1845 ب 3/0898 من الجرامات.و يبلغ وزنه القانونيّ في إستانبول اليوم 3/207 من الجرامات.(9:226)

العدنانيّ: درهم،درهم،درهام.

و يظنّون أنّ كلمة درهم،الّتي تتفوّه بها العامّة في جل البلاد العربيّة،هي عاميّة،و يقولون:إنّ الصّواب هو:

«درهم»:«أدب الكاتب»لابن قتيبة،و«التّلخيص»

ص: 386

لأبي هلال العسكريّ-باب الموازين و المكاييل- و المرزوقيّ في«شرح الحماسة»و الرّاغب الأصفهانيّ الّذي قال:إنّ الدّرهم هو الفضّة المطبوعة المتعامل بها، و البطليوسيّ-ابن السّيد-،و المغرب،و الوسيط.

و لكن:هناك من يجيز الدّرهم و الدّرهم كليهما:

الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و ذكرت المعاجم كلمة ثالثة،و هي:درهام:

اللّحيانيّ الّذي أنشد:

لو أنّ عندي مائتا درهام

لجاز في آفاقها خاتامي

و الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و هذه الكلمات الثّلاث فارسيّة معرّبة،و بعضهم قال:إنّها يونانيّة الأصل.

أمّا جمعها فهو:دراهم و دراهيم.و لم يرد في القرآن الكريم سوى الجمع:(دراهم)في الآية:20،من سورة يوسف: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ.

و تصغيرها:دريهم،و دريهيم،شاذّة.

و جاء في اللّسان:درهمت الخبّازى:استدارت فصارت على أشكال الدّراهم،اشتقّوا من الدّراهم فعلا،و إن كان أعجميّا.

و الدّرهم أفصحها،فالدّرهم،ثمّ الدّرهام.

(221)

مجمع اللّغة :الدّرهم،معرّب؛جمعه:دراهم، و هو الفضّة المطبوعة المتعامل بها،و يختلف باختلاف العصور.(1:389)

محمّد إسماعيل إبراهيم:[نحو مجمع اللّغة ثمّ قال:]

و أصلها بالفارسيّة:«درم»و باليونانيّة:

«دراخمة»،ثمّ عرّبت إلى«درهم»؛و جمعها:

الدّراهم.(1:186)

المصطفويّ: أوّلا:أنّ الدّرهم واحد من النّقود المأخوذة من الفضّة،كما أنّ الدّينار من النّقود الذّهبيّة.

و ثانيا:أنّ الدّرهم كان مختلفا وزنا باختلاف البلاد و الأزمنة.

و أمّا المتداول المعمول به في أوّل الإسلام،هو ما كان وزنه ستّة دوانيق،و يعادل عشرة منه سبعة مثاقيل شرعيّة،10:7.

و ثالثا:أنّ كلمة الدّرهم عربيّة خالصة.و أمّا أنّ هذه اللّغة قريبة من كلمة«دراخمي»اليونانيّة،أو كلمة«درم»الفارسيّة،لا توجب كونها معرّبة،و لو كانت مأخوذة منهما أيضا،فإنّ كلّ لغة لا بدّ و أن يكون مأخوذا من مادّة أو مأخذ (1)و مصدر،و لا أقلّ من أن يلاحظ تناسب و جهة خصوصيّة في مقام وضع اللّفظ للمعنى.

و رابعا:أنّ اشتقاق الفعل منه لا يبعد أن يكون انتزاعيّا،و أمّا مفهوم الكبر و السّقوط،فيناسب الفضّة في مقابل النّقد الذّهبيّ،من جهة الانكسار و الضّعف، جلاء و قيمة و عزّة و قوّة و قدرة وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلىع.

ص: 387


1- الصّواب بالعربيّة:مرجع.

أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً الحجّ:5.

وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ يوسف:

20،التّعبير بالدّراهم:إشارة إلى كون الثّمن بخسا،ثمّ أشير بقلّة الدّراهم بذكر كلمة(معدودة)منكّرة.

و هذا التّعبير في مقام البيع و الشّراء،يدلّ على التّقويم النّازل،و كون هذه القيمة ثمنا للمبيع في نظرهم، و لا يزيد عليها.

ثمّ لا يخفى أنّ قيمة الدّرهم و الدّينار تختلف باختلاف قيمة الفضّة و الذّهب زمانا و مكانا،و قيمة سائر الأجناس تتصاعد و تتنازل باختلافها،و قد يكون اختلاف قيمة النّقدين مربوطا باختلاف قيمة الأجناس.(3:205)

النّصوص التّفسيريّة

وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ. يوسف:20

ابن مسعود:عشرون درهما.

مثله ابن عبّاس و قتادة و نوف البكاليّ و نوف الشّاميّ و السّدّيّ.(الطّبريّ 7:170)

و مثله الشّعبيّ،و وهب بن منبّه،و مقاتل.

(ابن الجوزيّ 4:196)

إنّه بيع بعشرين درهما اقتسموها و كانوا عشرة، فأخذ كلّ واحد منهم درهمين.

مثله ابن عبّاس و قتادة و السّدّيّ.

(الماورديّ 3:18)

ابن عبّاس: عشرون درهما،و حلّة و نعلان.

(ابن الجوزيّ 4:197)

الإمام السّجاد عليه السّلام:كانت الدّراهم عشرين درهما،و كانوا عشرة،فاقتسموها درهمين درهمين.

(الطّبرسيّ 3:220)

نحوه العوفيّ.(الطّبريّ 7:170)

مجاهد :اثنان و عشرون درهما لإخوة يوسف، و كان إخوته أحد عشر رجلا...(الطّبريّ 7:171)

عكرمة :أربعين درهما.(الطّبريّ 7:171)

مثله ابن إسحاق.(الماورديّ 3:18)

السّدّيّ: اشتروا بها خفافا و نعالا.

(الماورديّ 3:18)

الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّها كانت ثمانية عشر درهما.(الطّوسيّ 6:115)

ابن إسحاق :باعوه و لم يبلغ ثمنه الّذي باعوه به أوقيّة؛و ذلك أنّ النّاس كانوا يتبايعون في ذلك الزّمان بالأواقي فما قصّر عن الأوقيّة فهو عدد؛يقول اللّه:

وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ أي لم يبلغ الأوقيّة.(الطّبريّ 7:171)

الفرّاء: قيل عشرين.و إنّما قيل:(معدودة) ليستدلّ به على القلّة؛لأنّهم كانوا لا يزنون الدّراهم حتّى تبلغ أوقيّة،و الأوقيّة كانت وزن أربعين درهما.

(2:40)

الطّبريّ: و أمّا قوله: دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ، فإنّه يعني عزّ و جلّ أنّهم باعوه بدراهم غير موزونة،ناقصة غير وافية،لزهدهم كان فيه.

ص: 388

و قيل:إنّما قيل:(معدودة)ليعلم بذلك أنّها كانت أقلّ من الأربعين لأنّهم كانوا في ذلك الزّمان لا يزنون ما كان وزنه أقلّ من أربعين درهما لأنّ أقلّ أوزانهم و أصغرها كان الأوقيّة و كان وزن الأوقيّة أربعين درهما.

قالوا:إنّما دلّ بقوله:(معدودة)على قلّة الدّراهم الّتي باعوه بها.

فقال بعضهم:كان عشرين درهما.

و قال آخرون:بل كان عددها اثنين و عشرين درهما أخذ كلّ واحد من إخوة يوسف،و هم أحد عشر رجلا درهمين درهمين منها.

و قال آخرون:بل كانت أربعين درهما.

و الصّواب من القول في ذلك أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّهم باعوه بدراهم معدودة غير موزونة و لم يحدّ مبلغ ذلك بوزن و لا عدد و لا وضع عليه دلالة في كتاب و لا خبر من الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.و قد يحتمل أن يكون كان عشرين،و يحتمل أن يكون كان اثنين و عشرين،و أن يكون كان أربعين و أقلّ من ذلك و أكثر.

و أيّ ذلك كان،فإنّها كانت معدودة غير موزونة.

و ليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين، و لا في الجهل به دخول ضرّ فيه.و الإيمان بظاهر التّنزيل فرض و ما عداه فموضوع عنّا تكلّف علمه.

(7:170)

الزّجّاج: و جاء في التّفسير أنّه بيع بعشرين درهما،و قيل:باثنين و عشرين درهما أخذ كلّ واحد من إخوته درهمين،و قيل:بأربعين درهما،و روي كلّ ذلك.(3:98)

القمّيّ: الّذي بيع بها يوسف ثمانية عشر درهما و كان عندهم،كما قال اللّه تعالى: وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ. (1:341)

الثّعلبيّ: (دراهم)بدل من الثّمن،(معدودة) و ذكر العدد عبارة عن القلّة،أي باعوه بدراهم معدودة قليلة غير موزونة،ناقصة غير وافية.

(5:205)

نحوه الواحديّ(2:605)،و البغويّ(2:482)، و الطّبرسيّ(3:220).

الماورديّ: (دراهم)اختلف في قدرها على ثلاثة أقاويل:أحدها:[هو القول الثّاني لابن مسعود]

الثّاني:[هو قول مجاهد]

الثّالث:[قول عكرمة]

و في قوله تعالى:(معدودة)وجهان:

أحدهما:معدودة غير موزونة،لزهدهم فيه.

الثّاني:لأنّها كانت أقلّ من أربعين درهما،و كانوا لا يزنون أقلّ من أربعين درهما،لأنّ أقلّ الوزن عندهم كان الأوقيّة،و الأوقيّة أربعون درهما.(3:18)

الطّوسيّ: و معنى(معدودة)أي قليلة،لأنّ الكثير قد يمنع من عدده لكثرته.[ثمّ ذكر بعض الأقوال](6:115)

الزّمخشريّ: (دراهم)لا دنانير،(معدودة) قليلة تعدّ عدّا و لا توزن،لأنّهم كانوا لا يزنون إلاّ ما بلغ الأوقيّة و هي الأربعون و يعدّون ما دونها.

ص: 389

و قيل للقليلة:معدودة لأنّ الكثيرة يمتنع من عدّها لكثرتها.(2:309)

نحوه ابن عطيّة(3:230)،و الفخر الرّازيّ(18:

107)،و البيضاويّ(1:490)،و النّسفيّ(2:215)، و النّيسابوريّ(12:89)،و الخازن(3:221)، و الشّربينيّ(2:98)،و البروسويّ(4:229)، و الشّوكانيّ(3:18)،و الآلوسيّ(12:204)، و الطّباطبائيّ(11:107).

ابن الجوزيّ: [ذكر بعض الأقوال و قال:]

و في عدد تلك الدّراهم خمسة أقوال:...و الخامس:

ثلاثون درهما،و نعلان و حلّة.[و قد سبق أربعة منها]

(4:196)

العكبريّ: (دراهم)بدل من(ثمن..)

(2:727)

القرطبيّ: قوله تعالى: دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ على البدل و التّفسير له.[إلى أن قال:]

(معدودة)نعت،و هذا يدلّ على أنّ الأثمان كانت تجري عندهم عدّا لا وزنا بوزن.(9:156)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ ثمّ ذكر الأقوال]

(5:291)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

فهو بيان لقلّته و نقصانه مقدارا بعد بيان نقصانه في نفسه.(3:374)

القاسميّ: (دراهم)بدل من الثّمن،و«المعدود» كناية عن القليل،لأنّ الكثير يوزن عندهم.

(9:3523)

الأصول اللّغويّة

1-أصفق من تكلّم في الدّرهم على أنّه لفظ أعجميّ معرّب،و عيّن الجوهريّ منشأه،فقال:

«فارسيّ معرّب».و ذكر فيه الخليل لغتان:درهم و درهم،و زاد غيره درهام.يقال:رجل مدرهم و مدرهم،أي كثير الدّراهم.و ورد الدّرهم في الحديث و منه:حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ الدّينار و الدّرهم أهلكا من كان قبلكم،و هما مهلكاكم» (1)و قال الإمام عليّ عليه السّلام يذمّ أصحابه:«لوددت و اللّه أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدّينار بالدّرهم» (2)

و قال الجاحظ:«دراهم مدرهمة»،و لم يذكر معناه غير أنّه مثّله بقوله تعالى: وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ آل عمران:14،أي الأموال الكثيرة المكدّسة،و هو أشبه بالقياس.

و شبّهت الخبّازى بالدّرهم.قال ابن سيده:

«درهمت الخبّازى:استدارت فصارت على أشكال الدّراهم».و سمّي بالقرقف أيضا.قال ابن دريد:«ربّما سمّي الدّرهم قرقوفا،لجولانه في الأرض»،فممّا أثر عنهم قولهم:«أبيض قرقوف،بلا شعر و لا صوف،في البلاد يطوف»،أي الدّرهم الأبيض.

2-و أصل الدّرهم«دراخمة»أو«دراخمى»، و هو لفظ يونانيّ،استعمله الفرس بلفظ«درم»،

ص: 390


1- مشكاة الأنوار(227).
2- نهج البلاغة-الخطبة:(96).

و السّريانيّون بلفظ«دركما»،ثمّ أخذه العرب من السّريانيّة و ألحقوه بأوزانهم،فلفظ درهم على وزن «فعلل»،مثل:هجرع،و درهم على وزن«فعلل»، مثل:حفرد.

و لو استعار العرب لفظ«درم»من الفارسيّة مباشرة،لألحقوه بما جاء على وزن«فعل»دون تغيير نحو:عنب و صغر.

3-و ذهب بعض المستشرقين إلى أنّ لفظ الدّرهم ساميّ المنشأ (1)،و رجّح آخرون أن يكون عربيّا،و هو ما اختاره المصطفويّ.

و لكنّ ذلك بعيد،لأنّ الدّرهم كان عند اليونان وزنا من الأوزان،ثمّ ضرب و استعمل نقدا فضّيّا، (2)و لم يعهد العرب يومئذ الأوزان و لا سكّ النّقود،فجلّ أدوات الوزن أعجميّة،كما سنذكرها في«القسطاس» إن شاء اللّه،و من النّقود الأعجميّة أيضا الدّانق و الدّينار،كما سيأتي في لفظ«الدّينار».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم جمعا:(دراهم)مرّة في آية:

وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ. يوسف:20

يلاحظ أوّلا:أنّهم اختلفوا في عددها،و أتمّ النّصوص فيه عند الطّبريّ،و قد أنكروا وجود نصّ فيها عن صاحب الشّريعة.و قد ورد فيه نصّ في رواياتنا عن إمامين من أئمّة أهل البيت:«السّجّاد و الصّادق»عليهما السّلام باختلاف:«20 و 18»،و الأمر سهل.

و قد اتّفقوا على أنّها كانت قليلة و معدودة،لم تبلغ أربعين درهما حتّى توزن ب«وقيّة و أوقيّة»-و كانت أقلّ وزن عندهم-و تكرار التّنكير أربع مرّات في:

بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ، تؤكّد قلّتها،كما تؤكّدها قوله: وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ.

و في هذا وهن للدّرهم بل المال عموما،من وجهة نظر القرآن،و يزيده و هنا أنّ«درهم»لم يأت فيه إلاّ مرّة واحدة في هذه الآية بهذا السّياق الموهن.و أيضا فيه توهين يوسف من قبل إخوته الّذين حسدوه، و سرقوه عن أبيه.

و ثانيا:أنّ الآية من سورة يوسف المكّيّة الّتي جاءت فيها أحسن القصص،كما قال تعالى في صدرها: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ يوسف:3.

و قد قصّ اللّه فيها حال يوسف في أخسّ أحواله حتّى بيع بدراهم معدودة،ثمّ سجن سبع سنين،و في أحسن أحواله حيث جعله اللّه عزيز مصر،و سجد له أبوه،و أمّه،و إخوته،تعبيرا لما رآه في المنام إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ.

و ثالثا:من نظائر الدّرهم في القرآن:

ص: 391


1- الألفاظ الدّخيلة في القرآن الكريم.
2- دائرة المعارف الإسلاميّة.

القنطار: وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ... آل عمران:75

الدّينار: وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ... آل عمران:75

ص: 392

د ر ي

اشارة

8 ألفاظ،29 مرّة:26 مكّيّة،3 مدنيّة

في 21 سورة:18 مكّيّة،3 مدنيّة

تدرى 4:3-1 ندرى 2:2

تدرون 1:-1 ادراك 13:13

ادرى 4:4 ادراكم 1:1

ادر 1:1 يدريك 3:2-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :درى يدري درية و دريا و دريانا دراية.

و يقال:أتى فلان الأمر من غير درية،أي من غير علم.

و العرب ربّما حذفوا الياء من قولهم:لا أدر في موضع:لا أدري،يكتفون بالكسرة فيها،كقول اللّه جلّ و عزّ: وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ الفجر:4،و الأصل يسري.

(8:58)

سيبويه :الدّرية كالدّرية،لا يذهب به إلى المرّة الواحدة،و لكنّه على معنى الحال.(ابن سيده 9:393)

الضّبّيّ: و قولهم:«لا دريت و لا أتليت»يدعو عليه بأن لا تتلي إبله،أي لا يكون لها أولاد.

(إصلاح المنطق:321)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الدّريّة:الرّمح،و دريّة:

الصّيد.(1:246)

الدّاريّ: الّذي لا يبرح.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:262)

الأصمعيّ: الدّريّة،غير مهموز:دابّة يستتر بها الّذي يرمي الصّيد ليصيده.(الأزهريّ 14:156)

ابن السّكّيت: و يقال:«لا دريت و لا ائتليت»، هي«افتعلت»من قولك:ما ألوت هذا و لا استطعته، أي و لا استطعت.و قال بعضهم:«يقول:لا دريت و لا تليت»تزويجا للكلام.(إصلاح المنطق:321)

دريت فلانا أدريه دريا،إذا ختلته.

ص: 393

الدّريّة:البعير،يستتر به من الوحش،يختل حتّى إذا أمكن رميه رمي.(الأزهريّ 14:156)

المبرّد: تدرّيها،أي تختلها.يقال:دريت الصّيد.

إذا ختلته.(2:111)

ابن دريد :و دريت الشّيء فأنا أدريه دريا و دراية.

و دريت الظّبي أدريه دريا،إذا ختلته

و درّيت الشّعر بالمدرى تدرية.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](3:442)

الأزهريّ: يقال من الدّريّة:ادّريت و دريت.

يقال:درأت فلانا،أي دافعته،و داريته،أي لا ينته.

و يقال:مدرى،بغير هاء،و يشبّه به قرن الثّور.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه كان في يده مدرى يحكّ به رأسه،فنظر إليه رجل من شقّ بابه فقال:لو علمت أنّك تنظر لطعنت في عينك».و جمع المدرى:

مدارى،و ربّما قالوا للمدأرة:مدرية،و هي الّتي حدّدت حتّى صارت مدراة.(14:156)

الصّاحب:درى:علم.و فعل ذاك من غير درية.

و يقولون:لا أدر.

و كان ذلك قبل دريّي بكذا،أي قبل دريتي،على وزن«صليّي».

و ادّرى الرّجل،إذا ختل،و درى:مثله.

و الدّريّة:ناقة أو بقرة يسيّبها الصّائد ليأنس الصّيد بها،ثمّ يرمي و يختل.

و دريت الصّيد و داريته؛و منه أخذ:مداراة النّاس.

و ادّريت غفلته.و هي أيضا شيء من أدم يتعلّم عليه الطّعان كالحلقة.

و ادّريت دريّة من الإبل،و هي السّيّقة و الذّريعة.

و قوس دريّة أشدّ الذّريّ،أي ملتوية،و أدريتها.

و ادّرى بنو فلان بني فلان:اعتمدوهم بالعداوة و الغارة و الغزو.

و تدرّيت فلانا في طريق كذا،أي تحرّيته في ممرّه.

و المدّري:المحتقر.

و المدرى للنّساء:معروف،و يشبّه به قرون الثّور، و هي المدراة و المداري،و المدريّة:لغة فيه.

و درّى فلان شعره تدرية:رجّله.و ادّرت المرأة تدّري،أي سرّحت شعرها.

و تدرّى الرّجل:امتشط.

و المدريّان:طبيا الشّاة.

و المدراة:اسم واد للعرب.(9:343)

الخطّابيّ: [و في حديث حنين]:«...أو متقدّمة دريّة أمام الخيل كان الرّأي».

و قوله:«دريّة أمام الخيل»،أي مقدّمة لها و سترا دونها.

و الدّريّة:البعير الّذي يستتر به الرّجل إذا أراد أن يرمي الوحش،فيتركه يرعى مع الوحش حتّى إذا بسئت به الوحش و أمكنت من مقاتلها رماها،و هي الذّريعة أيضا.[ثمّ استشهد بشعر](1:334)

و يقال:ختلت الصّيد،إذا أتيته من حيث لا يراك؛

ص: 394

و مثله:دريت الصّيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قولهم:يصيب و ما يدري و يخطئ إن درى.

(1:559)

و أصل«المداراة»:من قولك:دريت الصّيد،إذا ختلته لتصطاده.(3:228)

الجوهريّ: دريته و دريت به دريا و درية و درية و دراية،أي علمت به.

و إنّما قالوا:لا أدر،بحذف الياء،تخفيفا لكثرة الاستعمال،كما قالوا:لم أبل و لم يك.

و أدريته،أي أعلمته.

و مداراة النّاس تهمز و لا تهمز،و هي المداجاة و الملاينة.

و المدرى:القرن.

و كذلك المدراة،و ربّما تصلح بها الماشطة قرون النّساء،و هي شيء كالمسلّة تكون معها.

و يقال:تدرّت المرأة،أي سرّحت شعرها.

و قولهم:إنّ بني فلان ادّروا مكانا،كأنّهم اعتمدوه بالغزو و الغارة.

و تدرّاه و ادّراه بمعنى،أي ختله،تفعّل و افتعل بمعنى.

و قولهم:جاب المدرى،أي غليظ القرن،يدلّ بذلك على صغر سنّ الغزال،لأنّ قرنه في أوّل ما يطلع يغلظ،ثمّ يدقّ بعد ذلك إذا طال.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](6:2335)

ابن فارس: الدّال و الرّاء و الحرف المعتلّ و المهموز؛أمّا الّذي ليس بمهموز فأصلان:

أحدهما:قصد الشّيء و اعتماده طلبا،و الآخر حدّة تكون في الشّيء.

و أمّا المهموز فأصل واحد،و هو دفع الشّيء.

فالأوّل قولهم:ادّرى بنو فلان مكان كذا،أي اعتمدوه بغزو أو غارة.

و الدّريّة:الدّابّة الّتي يستتر بها الّذي يرمي الصّيد ليصيده.يقال منه:دريت و ادّريت.

قال ابن الأعرابيّ: تدرّيت الصّيد،إذا نظرت أين هو و لم تره بعد.و دريته:ختلته.

فأمّا قوله:تدرّيت،أي تعلّمت لدريته أين هو، و القياس واحد.يقال:دريت الشّيء،و اللّه تعالى أدرانيه.قال اللّه تعالى: قُلْ لَوْ شاءَ اللّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ يونس:16.

و فلان حسن الدّرية،كقولك حسن الفطنة.

و الأصل الآخر:قولهم للّذي يسرّح به الشّعر و يدرى:مدرى،لأنّه محدّد.

و يقال:شاة مدراة:حديدة القرنين.و يقال:

تدرّت المرأة،إذا سرّحت شعرها.

و يقال:إنّ المدريين طبيا الشّاة،و قد يستعمل في أخلاف النّاقة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:271)

أبو هلال :الفرق بين الدّراية و العلم:أنّ الدّراية -فيما قال أبو بكر الزّبيريّ-بمعنى الفهم،قال:و هو لنفي السّهو عمّا يرد على الإنسان فيدريه،أي يفهمه.

و حكي عن بعض أهل العربيّة أنّها مأخوذة من:

دريت،إذا اختلت.فإن كانت مأخوذة من ذاك فهو يجري مجرى ما يفطن الإنسان له من المعرفة الّتي تنال

ص: 395

غيره،فصار ذلك كالختل منه للأشياء،و هذا لا يجوز على اللّه سبحانه و تعالى.و جعل أبو عليّ رحمه اللّه:

الدّراية مثل العلم،و أجازها على اللّه.و احتجّ بقول الشّاعر:

*لاهمّ لا أدري و أنت الدّاري*

و هذا صحيح،لأنّ الإنسان إذا سئل عمّا لا يدري فقال:لا أدري،فقد أفاد هذا القول منه معنى قوله:

لا أعلم،لأنّه لا يستقيم أن يسأل عمّا لا يعلم،فيقول:

لا أفهم،لأنّ معنى قوله:لا أفهم،أي لا أفهم سؤالك، و قوله:لا أدري إنّما هو لا أعلم ما جواب مسألتك.

و على هذا يكون العلم و الدّراية سواء،لأنّ «الدّراية»علم يشتمل على المعلوم من جميع وجوهه و ذلك أنّ«الفعالة»للاشتمال مثل العصابة و العمامة و القلادة،و لذلك جاء أكثر أسماء الصّناعات على «فعالة»نحو القصارة و الخياطة،و مثل ذلك العبارة، لاشتمالها على ما فيها.ف«الدّراية»تفيد ما لا يفيده «العلم»من هذا الوجه.

و«الفعالة»أيضا تكون للاستيلاء،مثل الخلافة و الإمارة،فيجوز أن تكون بمعنى الاستيلاء،فتفارق العلم من هذه الجهة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](73)

الفرق بين المداراة و اللّطف:أنّ المداراة ضرب من الاحتيال و الختل،من قولك:دريت الصّيد،إذا ختلته و إنّما يقال:داريت الرّجل،إذا توصّلت إلى المطلوب من جهته بالحيلة و الختل.(181)

الهرويّ: في الحديث:«رأس العقل بعد الإيمان باللّه مداراة النّاس»،هو أن تلاينهم و لا تنفّرهم عن نفسك.و أصله من:دريت الصّيد،إذا سترت عنه بشيء ثمّ ترميه لئلاّ ينفر.(2:632)

أبو سهل الهرويّ: داريته بغير همز،إذا لا ينته و ختلته،أي رفقت به و خدعته.

(التّلويح في شرح الفصيح:27)

ابن سيده: درى الشّيء دريا،و دريا-عن اللّحيانيّ-و درية،و دريانا و دريانا و دراية:علمه، و أدراه به:أعلمه،و في التّنزيل: وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ يونس:16.و أمّا من قرأه: (ادرأكم به) مهموزا فلحن.

قال سيبويه:و قالوا:لا أدر،فحذفوا الياء لكثرة استعمالهم له،و نظيره ما حكاه اللّحيانيّ عن الكسائيّ: أقبل يضربه لا يأل،مضمومة اللاّم بلا واو.

و حكى ابن الأعرابيّ: ما تدري ما دريتها؟أي ما تعلم ما علمها؟

و درى الصّيد دريا،و أدراه،و تدرّاه:ختله.

و الدّريّة:النّاقة أو البقرة يستتر بها من الصّيد، فيختل.قال أبو زيد:هي مهموزة،لأنّها تدرأ إليه،أي تدفع.فإذا كان هذا فليس من هذا الباب.

و قد أدريت دريّة،و تدرّيت.

و الدّريّة:الوحش من الصّيد خاصّة.

و ادّروا مكانا:اعتمدوه بالغارة و الغزو.

و داريت الرّجل:لا ينته و رفقت به.

و المدرى،و المدراة،و المدرية:القرن؛و الجمع:

مدار،و مدارى،الألف بدل من الياء.

و درّى رأسه بالمدرى:مشطه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](9:393)

ص: 396

الرّاغب:الدّراية:المعرفة المدركة بضرب من الختل.يقال:دريته،و دريت به درية-نحو:فطنت، و شعرت-و ادّريت.

قال الشّاعر:

و ما ذا يدّري الشّعراء منّي

و قد جاوزت رأس الأربعين

و الدّريّة:لما يتعلّم عليه الطّعن،و للنّاقة الّتي ينصبها الصّائد ليأنس بها الصّيد،فيستتر من ورائها فيرميه.

و المدرى:لقرن الشّاة،لكونها دافعة به عن نفسها.و عنه استعير المدرى لما يصلح به الشّعر.

قال تعالى: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً الطّلاق:1،و قال: وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ الأنبياء:111،و قال: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ الشّورى:52.

و كلّ موضع ذكر في القرآن: وَ ما أَدْراكَ، فقد عقّب ببيانه،نحو وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ القارعة:10،11، وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ القدر:2،3، وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ الحاقّة:3، ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ الانفطار:

18،و قوله: قُلْ لَوْ شاءَ اللّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ يونس:16،و من قولهم:دريت،و لو كان من«درأت»لقيل:و لا أدرأتكموه.

و كلّ موضع ذكر فيه: وَ ما يُدْرِيكَ لم يعقّبه بذلك،نحو: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى عبس:3، وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ الشّورى:17.

و الدّراية لا تستعمل في اللّه تعالى.

و قول الشّاعر:

*لاهمّ لا أدري و أنت الدّاري*

فمن تعجرف أجلاف العرب.(168)

الزّمخشريّ: دريت الشّيء دراية و درية.و ما أدراك بكذا،و ما يدريك؟

و دريته و ادّريته:ختلته و داريته:خاتلته.

و عليك بالمداراة،و هي الملاطفة كأنّك تخاتله.

و ادّريت غفلته:بمعنى تحيّنتها.

و هو يعقص شعره بالمدرى،و هو السّرخارة.

و من المجاز:نطحه الثّور بالمدري و هو القرن شبّه بمدرى الشّعر في حدّة طرفه.

و يقال:نطحه بالمدراة و بالمدريّة،و هي الّتي حدّدت حتّى صارت كالمدرى.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:129)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«كان في يده مدرى يحكّ به رأسه...».المدرى و المدراة:حديدة يسرّح بها الشّعر، و قد درّت شعرها.(الفائق 1:421)

الطّبرسيّ: دريت الشّيء دراية و درية:علمته.

و أدريته:أعلمته.(5:343)

المدينيّ: في حديث أبيّ رضي اللّه عنه:«أنّ جارية له كانت تدّري رأسه بمدراها»أي تسرّحه، و هي حديدة كالقرن يحكّ بها الرّأس؛و الجمع:

المداري-بفتح الرّاء و كسرها-و العرب تستعملها مكان المشط.

يقال:تدرّت المرأة و ادّرت تدّري ادّراء:رجّلت

ص: 397

شعرها به و سرّحته.

و ادّرى الرّجل:امتشط و ليّن شعره بالتّسريح، و منه قيل:للملاينة:مداراة.

في الحديث:«لا يداري شريكه»،من دراه،أي ختله،و هو تخفيف المدارأة،و هي المدافعة.(1:653)

ابن الأثير: فيه:«رأس العقل بعد الإيمان باللّه مداراة النّاس».المداراة غير مهموز:ملاينة النّاس و حسن صحبتهم،و احتمالهم لئلاّ ينفروا عنك.و قد يهمز.

و منه الحديث:«كان لا يداري و لا يماري»هكذا يروى غير مهموز،و أصله الهمز،و قد تقدّم.

و فيه:«كان في يده مدرى يحكّ به رأسه».

المدرى و المدراة:شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سنّ من أسنان المشط و أطول منه يسرّح به الشّعر المتلبّد،و يستعمله من لا مشط له.

و منه حديث أبيّ: «إنّ جارية كانت له تدّري رأسه بمدراها»أي تسرّحه.يقال:ادّرت المرأة تدّري ادّراء،إذا سرّحت شعرها به.و أصلها:تدتري، «تفتعل»من استعمال المدرى،فأدغمت التّاء في الدّال.(2:115)

الفيّوميّ: دريت الشّيء دريا-من باب رمى- و درية و دراية:علمته،و يعدّى بالهمزة،فيقال أدريته به.

و داريته مداراة لاطفته و لا ينته.

و درّيت تراب المعدن.(1:194)

نحوه الطّريحيّ.(1:137)

الفيروزآباديّ: دريته و به أدري دريا و درية و يكسّران،و دريانا بالكسر و يحرّك و دراية بالكسر، و دريّا كحليّ:علمته،أو بضرب من الحيلة.

و أدراه به:أعلمه.

و الصّيد دريا:ختله.

كتدرّاه و ادّراه ك«افتعله»و رأسه:حكّه بالمدرى،و هو المشط.

و القرن:كالمدراة و المدريّة؛جمع:مدار و مدارى.

و ادّرت المرأة و تدّرت:سرّحت شعرها.

و الدّريّة:لما يتعلّم عليه الطّعن.

و مدرى:قرية لبجيلة.(4:329)

مجمع اللّغة :1-درى الشّيء و درى به يدري دريا و دراية:علمه.و يقال:لا أدري ما هذا الأمر؟

2-أدراه الشّيء و أدراه به:أعلمه.و يقال:ما أدراك هذا الأمر؟(1:390)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:186)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو المعرفة من دون مقدّمات معمولة،بمعنى أنّه يستعمل في موارد لا يتحقّق بالتّحصيل و لا يوجد بتهيئة المقدّمات، و لا بدّ أن يحصل بطريق غير عاديّ.و هذا هو الفارق بينها و بين مادّة:العلم،و المعرفة،و غيرهما.

و بهذا المعنى يظهر اللّطف في التّعبير بها،في موارد استعمالاتها.

ثمّ إنّه قد اشتبه بعض مشتقّات مادّة«الدّرء» مهموزة على بعض اللّغويّين،فذكروها في ذيل هذه المادّة،كالدّريّة،و المدرى،و المداراة،و غيرها،مع أنّ

ص: 398

قلب الهمزة ياء للتّخفيف في مقام التّلفّظ متداول كثيرا كما في«الخطيّة»و أصلها:الخطيئة،و«سال» و أصله:سأل.فهذه مشتقّة من«الدّرء»و قد مرّ أنّ الأصل فيه:هو الدّفع بشدّة،و لا يخفى التّناسب فيها.

فإنّ المداراة فيها معنى الدّفع عن جهات خلاف الطّرف و المعاملة بصورة الوفاق،و الدّريّة وسيلة للدّفع عن اظهار نفسه و نيّته في قبال الصّيد،و المدرى آلة لدفع ما يتلبّد من الشّعر حتّى يرسل و يصلح.

و أمّا الختل:فبمناسبة توقّف الدّراية على مقدّمات غير عاديّة،فيظنّ أنّها من الختل.

و أمّا التّعبير بجملة:و ما أدراك؟أو بجملة:و ما يدريك؟كلّ منهما في مورد خاصّ،كما في«المفردات» فانّ الجملة الأولى يعبّر بها في مقام يراد البيان و التّوضيح لموضوع معيّن،و يؤتى بها للتّعظيم و أهمّيّة الموضوع.و أمّا الجملة الثّانية فهي إخبار عن عدم تمكّن المخاطبين و قصورهم في معرفة الموضوع،و إن اجتهدوا.

وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ* كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ.. الحاقّة:3،4، وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ* لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ المدّثّر:27،28،. وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ* كِتابٌ مَرْقُومٌ المطفّفين:8،9، اَلْقارِعَةُ * مَا الْقارِعَةُ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ* يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ القارعة:1-4،أي أيّ شيء أدراك،فكلمة(ما)اسميّة نكرة استفهاميّة،بمعنى أيّ شيء.

وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً الأحزاب:63، وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى عبس:3 أي أيّ يفهمك و يعرّفك زمان السّاعة و تزكّي فرد.

فمتعلّق«الدّراية»في جميع هذه الموارد أمور لا يعلم بمقدّمات متداولة،و كذلك في سائر الموارد وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ لقمان:34، وَ أَنّا لا نَدْرِي أَ شَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً الجنّ:

10، قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السّاعَةُ الجاثية:32. ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ الشّورى:52، قُلْ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ الجنّ:25.

و لا يخفى أنّ هذه الموضوعات من مصاديق الغيب،و لا يعلمها إلاّ اللّه تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ هود:49، عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً الجنّ:26،فلا يعرفها إلاّ من علّمها اللّه و يوحيها إليه.

ثمّ إنّ الدّرج و الدّرس و الدّرك و الدّرّ و الدّرّيّ:

يجمعها مفهوم الإحاطة و التّضمين و التّسلّط، لاشتراكها في الحرفين الأوّلين.(3:208)

النّصوص التّفسيريّة

تدرى

1 و 2- وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.

لقمان:34

الطّبريّ: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً يقول:و ما تعلم نفس حيّ ما ذا تعمل في غد، وَ ما

ص: 399

تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ يقول:و ما تعلم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منيّته.(10:226)

الطّوسيّ: و المعنى:أنّه لا يعلم موت الإنسان في أيّ موضع من البلاد يكون سواه.(8:289)

الزّمخشريّ: و جعل العلم للّه و الدّراية للعبد.لما في الدّراية من معنى الختل و الحيلة.

و المعنى:أنّها لا تعرف-و إن أعملت حيلها-ما يلصق بها و يختصّ و لا يتخطّاها،و لا شيء أخصّ بالإنسان من كسبه و عاقبته،فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما،كان من معرفة ما عداهما أبعد.(3:239)

نحوه أبو حيّان(7:194)،و أبو السّعود(5:

196).

الطّبرسيّ: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً و قيل:ما يعلم بقاءه غدا،فكيف يعلم تصرّفه؟

(4:324)

الآلوسيّ: و جعل الطّيّبيّ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ...

معطوفا على خبر(انّ)- إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ - من حيث المعنى،بأن يجعل المنفيّ مثبتا،بأن يقال:

و يعلم ما ذا تكسب كلّ نفس غدا،و يعلم أنّ كلّ نفس بأيّ أرض تموت.و قال:إنّ مثل ذلك جائز في الكلام إذا روعي نكتة،كما في قوله تعالى: أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً الأنعام:151،فإنّ العطف فيه باعتبار رجوع التّحريم إلى ضدّ الإحسان و هي الإساءة.و ذكر في بيان نكتة العدول عن المثبت إلى المنفيّ نحو ما ذكرنا آنفا.(21:110)

ابن عاشور:و أمّا قوله: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ فقد نسج على منوال آخر من النّظم،فجعل سداه نفي علم أيّة نفس بأخصّ أحوالها،و هو حال اكتسابها القريب منها في اليوم الموالي يوم تأمّلها و نظرها،و كذلك مكان انقضاء حياتها للنّداء عليهم بقلّة علمهم،فإذا كانوا بهذه المثابة في قلّة العلم،فكيف يتطلّعون إلى علم أعظم حوادث هذا العالم؟!و هو حادث فنائه و انقراضه و اعتياضه بعالم الخلود.

و هذا النّفي للدّراية بهذين الأمرين عن كلّ نفس، فيه كناية عن إثبات العلم بما تكسب كلّ نفس،و العلم بأيّ أرض تموت فيها كلّ نفس إلى اللّه تعالى،فحصلت إفادة اختصاص اللّه تعالى بهذين العلمين،فكانا في ضميمة ما انتظم معهما،ممّا تقدّمهما.

و عبّر-في جانب نفي معرفة النّاس-بفعل الدّراية،لأنّ الدّراية علم فيه معالجة للاطّلاع على المعلوم،و لذلك لا يعبّر بالدّراية عن علم اللّه تعالى، فلا يقال:اللّه يدري كذا،فيفيد:انتفاء علم النّاس بعد الحرص على علمه.و المعنى:لا يعلم ذلك إلاّ اللّه تعالى، بقرينة مقابلتهما بقوله: وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ. و قد علّق فعل الدّراية عن العمل في مفعولين بوقوع الاستفهامين بعدهما،أي ما تدري هذا السّؤال،أي جوابه.و قد حصل إفادة اختصاص اللّه تعالى بعلم هذه الأمور الخمسة،بأفانين بديعة من أفانين الإيجاز البالغ حدّ الإعجاز.(21:136)

الطّباطبائيّ: و قد عدّ سبحانه أمورا ثلاثة ممّا

ص: 400

تعلّق به علمه،و هي العلم بالسّاعة،و هو ممّا استأثر اللّه علمه لنفسه لا يعلمه إلاّ هو،و يدلّ على القصر قوله: إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ، و تنزيل الغيث، و علم ما في الأرحام،و يختصّان به تعالى إلاّ أن يعلّمه غيره.

و عدّ أمرين آخرين يجهل بهما الإنسان،و بذلك يجهل كلّ ما سيجري عليه من الحوادث،و هو قوله:

وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً و قوله: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ.

و كأنّ المراد تذكرة أنّ اللّه يعلم كلّ ما دقّ و جلّ، حتّى مثل السّاعة الّتي لا يتيسّر علمها للخلق،و أنتم تجهلون أهمّ ما يهمّكم من العلم،فاللّه يعلم و أنتم لا تعلمون،فإيّاكم أن تشركوا به،و تتمرّدوا عن أمره، و تعرضوا عن دعوته؛فتهلكوا بجهلكم.(16:238)

عبد الكريم الخطيب :و قوله تعالى: وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ هو من بعض علم اللّه في خلقه،و أنّه سبحانه هو الّذي يقدّر الأرزاق،كما يقدّر الأعمار.

فلا يدري إنسان ما ذا قسم اللّه له من رزق،و ما ذا كتب اللّه له من عمر.كما لا يدري أحد على أيّ ميتة يموت، و لا في أيّ موضع يموت.(11:597)

3- ...ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا.

الشّورى:52

ابن عبّاس: ما كنت تحسن قراءة القرآن قبل القرآن.(411)

راجع:أ م ن:«الإيمان»،المعجم 3:660.

4- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ... لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً.

الطّلاق:1

ابن عبّاس: لا تعلم،يعني به الزّوج.(475)

راجع:ط ل ق:«طلّقتم».

تدرون

...لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً. النّساء:11

ابن عبّاس: (لا تدرون)أنتم في الدّنيا.(66)

الطّبريّ: فإنّكم لا تعلمون أيّهم أدنى و أشدّ نفعا لكم في عاجل دنياكم و آجل أخراكم.(3:623)

نحوه الزّجّاج.(2:24)

ابن عطيّة: (لا تدرون)عامل في الجملة بالمعنى و معلّق عن العمل في اللّفظ بحسب المعمول فيه؛إذ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.(2:18)

راجع:ن ف ع:«نفعا».

ادرى

1- ...وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ.

الأنبياء:109

2- قُلْ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً. الجنّ:25

ص: 401

ابن عبّاس: ما أدري.(276)

راجع ق ر ب:«قريب».

3- ...وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ.

الأنبياء:111

راجع:ف ت ن:«فتنة».

ندرى

1- ...قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاّ ظَنًّا وَ ما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ. الجاثية:32

راجع:س و ع«السّاعة».

2- وَ أَنّا لا نَدْرِي أَ شَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً. الجنّ:10

راجع:ش رر:«أ شرّ».

أدراك

1- وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ. الحاقّة:3

قتادة :قوله: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ تعظيما ليوم القيامة،كما تسمعون.(الطّبريّ 12:206)

ابن عيينة:ما في القرآن: وَ ما يُدْرِيكَ فلم يخبره،و ما كان وَ ما أَدْراكَ، فقد أخبره.

(الطّبريّ 12:206)

يحيى بن سلاّم:بلغني أنّ كلّ شيء في القرآن فيه وَ ما أَدْراكَ فقد أدراه إيّاه و علّمه إيّاه،و كلّ شيء قال فيه: وَ ما يُدْرِيكَ فهو ما لم يعلّمه إيّاه.

(الماورديّ 6:76)

الطّبريّ: و قوله: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و أيّ شيء أدراك و عرّفك أيّ شيء الحاقّة؟(12:206)

الماورديّ: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [نقل قول يحيى بن سلاّم ثمّ قال:]و فيه وجهان:

أحدهما:و ما أدراك ما هذا الاسم؟لأنّه لم يكن في كلامه و لا كلام قومه،قاله الأصمّ.

الثّاني:و ما أدراك ما يكون في الحاقّة؟(6:76)

الطّوسيّ: و قوله: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ و إنّما قال لمن يعلمها: ما أَدْراكَ لأنّه إنّما يعلمها بالصّفة،فعلى ذلك قال تفخيما لشأنها،أي كأنّك لست تعلمها إذا لم تعاينها و ترى ما فيها من الأهوال.

(10:94)

نحوه الطّبرسيّ.(5:343)

الميبديّ: أي إنّك و إن سمعتها لم تعلم بها،لأنّك لم تعاينها و لم تر ما فيها من الأهوال.

و قيل:معناه ليس ذلك من علمك و لا من علم قومك.(10:207)

الزّمخشريّ: و أيّ شيء أعلمك مَا الْحَاقَّةُ؟ يعني أنّك لا علم لك بكنهها و مدى عظمها،على أنّه من العظم و الشّدّة بحيث لا يبلغه دراية أحد و لا وهمه.

و كيفما قدّرت حالها،فهي أعظم من ذلك.

و(ما)في موضع الرّفع على الابتداء،و(أدراك) معلّق عنه لتضمّنه معنى الاستفهام.(4:149)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:102)،و النّيسابوريّ (29:33).

ابن عطيّة: و قوله تعالى: وَ ما أَدْراكَ مَا

ص: 402

اَلْحَاقَّةُ مبالغة في هذا المعنى،أي إنّ فيها ما لم تدره من أهوالها و تفصيل صفاتها.و(ما)تقرير و توبيخ، و قوله تعالى: مَا الْحَاقَّةُ ابتداء و خبر في موضع نصب ب(أدراك)و(ما)الأولى ابتداء و خبرها أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ، و في(أدراك)ضمير عائد على(ما)هو ضمير الفاعل.(5:356)

القرطبيّ: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ استفهام أيضا،أي أيّ شيء أعلمك ما ذلك اليوم؟و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان عالما بالقيامة،و لكن بالصّفة،فقيل تفخيما لشأنها:و ما أدراك ما هي؟كأنّك لست تعلمها إذ لم تعاينها.(18:257)

أبو حيّان : وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ: مبالغة في التّهويل،و المعنى:أنّ فيها ما لم يدر و لم يحط به وصف من أمورها الشّاقّة،و تفصيل أوصافها.

و(ما)استفهام أيضا مبتدأ،(و أدراك)الخبر، و العائد على(ما)ضمير الرّفع في(أدراك،) و(ما)مبتدأ،و(الحاقة)خبر،و الجملة في موضع نصب ب(أدراك،)و(أدراك)معلّقة.و أصل «دري»أن يعدّى بالباء،و قد تحذف على قلّة،فإذا دخلت همزة النّقل تعدّى إلى واحد بنفسه و إلى الآخر بحرف الجرّ،فقوله:(ما الحاقة)بعد(أدراك)في موضع نصب بعد إسقاط حرف الجرّ.(8:320)

أبو السّعود :و قوله تعالى: وَ ما أَدْراكَ أي و أيّ شيء أعلمك مَا الْحَاقَّةُ؟ تأكيد لهولها و فظاعتها ببيان خروجها عن دائرة علوم المخلوقات، على معنى أنّ عظم شأنها و مدى هولها و شدّتها؛بحيث لا تكاد تبلغه دراية أحد و لا وهمه.و كيفما قدّرت حالها فهي أعظم من ذلك و أعظم،فلا يتسنّى الإعلام.

و(ما)في حيّز الرّفع على الابتداء و(أدراك) خبره،و لا مساغ هاهنا للعكس،و مَا الْحَاقَّةُ جملة من مبتدإ و خبر على الوجه الّذي عرفته،محلّها النّصب على إسقاط الخافض،لأنّ«أدرى»يتعدّى إلى المفعول الثّاني ب«الباء»كما في قوله تعالى:

وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ يونس:16،فلمّا وقعت جملة الاستفهام معلّقة له،كانت في موضع المفعول الثّاني، و الجملة الكبيرة معطوفة على ما قبلها من الجملة الواقعة خبرا،لقوله تعالى:(الحاقة)مؤكّدة لهولها كما مرّ.(6:293)

نحوه الآلوسيّ.(29:40)

البروسويّ: وَ ما أَدْراكَ من الدّراية بمعنى العلم.يقال دراه و درى به،أي علم به،من باب «رمى»و أدراه به:أعلمه.قال في«تاج المصادر»:

الدّراية و الدّرية و الدّرى:العلم،و يعدّى بالباء و بنفسه.قال سيبويه:و بالباء أكثر.قوله:(ما)مبتدأ و(أدراك)خبره.[ثمّ قال نحو أبي السّعود و أضاف:]

قال بعضهم:إنّ النّبيّ عليه السّلام و إن كان عالما بوقوعها،و لكن لم يكن عالما بكمال كيفيّتها.و يحتمل أن يقال له عليه السّلام:إسماعا لغيره.

و في«التّأويلات النّجميّة»:يشير ب(الحاقة) إلى التّجلّي الأحديّ الإطلاقيّ في مرآة الواحديّة المفني للكلّ،كما قال: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ المؤمن:16،بقهر سطوات أنوار الأحديّة

ص: 403

جميع ظلمات التّعيّنات السّاترة إطلاق الذّات المطلقة، و سمّي ب(الحاقة)لثبوته في ذاته،و تحقّقه في نفسه.

(10:131)

ابن عاشور :و جملة وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ يجوز أن تكون معترضة بين جملة مَا الْحَاقَّةُ و جملة كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ الحاقّة:4،و الواو اعتراضيّة.

و يجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة مَا الْحَاقَّةُ. و(ما)الثّانية استفهاميّة،و الاستفهام بها مكنّى به عن تعذّر إحاطة علم النّاس بكنه(الحاقة) لأنّ الشّيء الخارج عن الحدّ المألوف لا يتصوّر بسهولة فمن شأنه أن يتساءل عن فهمه.

و الخطاب في قوله: وَ ما أَدْراكَ لغير معيّن، و المعنى:الحاقّة أمر عظيم لا تدركون كنهه.

و تركيب«ما أدراك كذا»ممّا جرى مجرى المثل، فلا يغيّر عن هذا اللّفظ،و هو تركيب مركّب من«ما» الاستفهاميّة و فعل«أدرى»الّذي يتعدّى بهمزة التّعدية إلى ثلاثة مفاعيل،من باب أعلم و أرى،فصار فاعل فعله المجرّد و هو«دري»مفعولا أوّل بسبب التّعدية.و قد علّق فعل(أدراك)عن نصب مفعولين ب(ما)الاستفهاميّة الثّانية في قوله: مَا الْحَاقَّةُ و أصل الكلام قبل التّركيب بالاستفهام أن تقول:

أدركت الحاقّة أمرا عظيما،ثمّ صار أدركني فلان الحاقّة أمرا عظيما.

و(ما)الأولى استفهاميّة مستعملة في التّهويل و التّعظيم على طريقة المجاز المرسل في الحرف،لأنّ الأمر العظيم من شأنه أن يستفهم عنه،فصار التّعظيم و الاستفهام متلازمين.و لك أن تجعل الاستفهام إنكاريّا،أي لا يدري أحد كنه هذا الأمر.

و المقصود من ذلك على كلا الاعتبارين هو التّهويل.

هذا السّؤال،كما تقول:علمت هل يسافر فلان؟

و(ما)الثّالثة علّقت فعل(أدراك)عن العمل في مفعولين.و كاف الخطاب فيه خطاب لغير معيّن، فلذلك لا يقترن بضمير تثنية أو جمع أو تأنيث إذا خوطب به غير المفرد المذكّر.

و استعمال ما أَدْراكَ غير استعمال ما يُدْرِيكَ في قوله تعالى: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً الأحزاب:63،و قوله: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ في سورة الشّورى:17.

روي عن ابن عبّاس:كلّ شيء من القرآن من قوله: ما أَدْراكَ فقد أدراه،و كلّ شيء من قوله:

وَ ما يُدْرِيكَ فقد طوي عنه.و قد روي هذا أيضا عن سفيان بن عيينة و عن يحيى بن سلاّم،فإن صحّ هذا المرويّ فإنّ مرادهم أنّ مفعول ما أَدْراكَ محقّق الوقوع،لأنّ الاستفهام فيه للتّهويل،و أنّ مفعول وَ ما يُدْرِيكَ غير محقّق الوقوع،لأنّ الاستفهام فيه للإنكار،و هو في معنى نفي الدّراية.

و قال الرّاغب:كلّ موضع ذكر في القرآن: ما أَدْراكَ فقد عقّب ببيانه نحو وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ القارعة:10،11، وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ القدر:2،3،

ص: 404

ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً الانفطار:18،19، وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ* كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ الحاقّة:3،4، و كأنّه يريد تفسير ما نقل عن ابن عبّاس و غيره.

و لم أر من اللّغويّين من وفّى هذا التّركيب حقّه من البيان،و بعضهم لم يذكره أصلا.(29:103)

الطّباطبائيّ: و قوله: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ خطاب بنفي العلم بحقيقة اليوم.و هذا التّعبير كناية عن كمال أهمّيّة الشّيء و بلوغه الغاية في الفخامة.

و لعلّ هذا هو المراد ممّا نقل عن ابن عبّاس:أنّ ما في القرآن من قوله تعالى: ما أَدْراكَ فقد أدراه،و ما فيه من قوله: ما يُدْرِيكَ فقد طوى عنه،يعني أنّ ما أَدْراكَ كناية،و ما يُدْرِيكَ تصريح.

(19:392)

2- سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ.

المدّثّر:27

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و أيّ شيء أدراك يا محمّد،أيّ شيء سقر.(12:310)

الزّجّاج: تأويله:و ما أعلمك أيّ شيء سقر.

(5:247)

الطّوسيّ: و قوله: وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ إعظاما للنّار و تهويلا لها،أي و لم يعلمك اللّه سقر على كنهها و صفتها.(10:180)

الميبديّ: تفخيم لشأنها.(10:285)

نحوه الشّربينيّ.(4:432)

ابن عطيّة:هو على معنى التّعجّب من عظم أمرها و عذابها.(5:395)

الطّبرسيّ: وَ ما أَدْراكَ أيّها السّامع ما سَقَرُ في شدّتها و هولها و ضيقها.(5:388)

الفخر الرّازيّ: و الغرض التّهويل.(30:202)

القرطبيّ: وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ هذه مبالغة في وصفها،أي و ما أعلمك أيّ شيء هي؟و هي كلمة تعظيم.(19:75)

أبو حيّان : وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ تعظيم لهولها و شدّتها.(8:375)

أبو السّعود : وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ أي أيّ شيء أعلمك ما سقر.على أنّ(ما)الأولى مبتدأ، و(أدراك)خبره.و(ما)الثّانية خبر،لأنّها المفيدة لما قصد إفادته من التّهويل و التّفظيع و(سقر)مبتدأ، أي أيّ شيء هي في وصفها،لما مرّ مرارا من أنّ(ما) قد يطلب بها الوصف و إن كان الغالب أن يطلب بها الاسم و الحقيقة.(6:329)

مثله الآلوسيّ(29:125)،و نحوه البروسويّ (10:231).

ابن عاشور :و وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ جملة حاليّة من(سقر،)أي سقر الّتي حالها لا ينبئك به منبئ،و هذا تهويل لحالها.

و ما سَقَرُ في محلّ مبتدإ،و أصله:سقر ما،أي ما هي،فقدّم(ما)لأنّه اسم استفهام،و له الصّدارة.

فإنّ(ما)الأولى استفهاميّة،و المعنى أيّ شيء يدريك،أي يعلمك.و(ما)الثّانية استفهاميّة في محلّ

ص: 405

رفع خبر عن(سقر.)(29:289)

الطّباطبائيّ: تفخيم لأمرها و تهويل.(20:88)

عبد الكريم الخطيب : وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ استفهام يراد به الإشارة إلى أنّ المستفهم عنه شيء مهول،لا يمكن وصفه،لأنّه ممّا لم يقع في حياة النّاس أبدا.(15:1294)

فضل اللّه : وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ و ليس هذا التّساؤل للاستفهام،و لكنّه للتّهويل الّذي يهزّ مواقع الخوف في الذّات،و يحرّك مكامن الرّعب في الجوّ المحيط به.(23:216)

مكارم الشّيرازيّ: وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ أي إنّ العذاب يكون شديدا إلى حدّ يخرج عن دائرة التّصوّر،و لا يخطر على بال أحد،كما هو الحال في عدم إدراك عظمة النّعم الإلهيّة في الجنان.(19:154)

3- وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ. المرسلات:14

ابن عبّاس: ما أعلمك بيوم الفصل.(497)

قتادة : وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ تعظيما لذلك اليوم.(الطّبريّ 12:383)

الطّبريّ: و قوله: وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و أيّ شيء أدراك يا محمّد ما يوم الفصل؟معظّما بذلك أمره، و شدّة هو له.(12:383)

ابن عطيّة: وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ على نحو قوله تعالى: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ: الحاقّة:2، و غير ذلك.(5:418)

الفخر الرّازيّ: أي و ما علمك بيوم الفصل و شدّته و مهابته.(30:270)

القرطبيّ: أتبع التّعظيم تعظيما،أي و ما أعلمك ما يوم الفصل؟(19:156)

الشّربينيّ: أي و من أين تعلم كنهه و لم تر مثله في شدّته و مهابته.و قرأ أبو عمرو،و شعبة و حمزة و الكسائيّ و ابن ذكوان-بخلاف عنه-بالإمالة محضة.و قرأ ورش بين بين،و الباقون بالفتح.

(4:464)

أبو السّعود : وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (ما) مبتدأ،(أدراك)خبره،أي أيّ شيء جعلك داريا ما هو؟فوضع الضّمير (1)يوم الفصل لزيادة تفظيع و تهويل،على أنّ(ما)خبر و يَوْمُ الْفَصْلِ مبتدأ لا بالعكس،كما اختاره سيبويه،لأنّ محطّ الفائدة بيان كون يوم الفصل أمرا بديعا هائلا،لا يقادر قدره،و لا يكتنه كنهه،كما يفيده خبريّة(ما)،لا بيان كون أمر بديع من الأمور يوم الفصل،كما يفيده عكسه.(6:348)

نحوه البروسويّ(10:283)،و الآلوسي(29:

173).

ابن عاشور :و جملة وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ في موضع الحال من يَوْمُ الْفَصْلِ، و الواو واو الحال،و الرّابط لجملة الحال إعادة اسم صاحب الحال عوضا عن ضميره،مثل اَلْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ القارعة:1،2.و الأصل:و ما أدراك ما هو؟ا.

ص: 406


1- كذا.

و إنّما أظهر في مقام الإضمار لتقوية استحضار يَوْمُ الْفَصْلِ قصدا لتهويله.

و(ما)استفهاميّة مبتدأ،و(أدراك)خبر،أي أعلمك.و ما يَوْمُ الْفَصْلِ استفهام علّق به فعل (أدراك)عن العمل في مفعولين،و(ما)الاستفهاميّة مبتدأ أيضا،و يَوْمُ الْفَصْلِ خبر عنها،و الاستفهامان مستعملان في معنى التّهويل و التّعجيب.(29:394)

الطّباطبائيّ: تعظيم لليوم و تفخيم لأمره.

(20:150)

عبد الكريم الخطيب : وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ يَوْمُ الْفَصْلِ، هو يوم القيامة،الّذي يفصل فيه سبحانه و تعالى بين النّاس.

و الاستفهام يراد به تهويل هذا اليوم،و ما يقع فيه من أحداث،لا يمكن أن تتصوّرها الأوهام،و لا أن تحيط بها العقول.(15:1396)

فضل اللّه : وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ و ما هو خطورته،و ما هي النّتائج الّتي ينتهي إليها النّاس هنا.

(23:291)

مكارم الشّيرازيّ: ...ثمّ يبيّن عظمة ذلك اليوم أيضا،فيقول تعالى: وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ إنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بعلمه الواسع و بنظره الحادّ الّذي كان يرى من خلاله أسرار الغيب،لم يكن مطّلعا بصورة كاملة على أبعاد عظمة ذلك اليوم،فكيف بسائر النّاس؟و قد قلنا مرارا:إنّنا لا نستطيع الإحاطة و العلم بجميع أسرار القيامة العظيمة،فنحن سجناء قفص الدّنيا،و ما نتصوّره عن ذلك اليوم ليس إلاّ شبحا و خيالا يحكي عن مجريات الآخرة.(19:257)

4- وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. الانفطار:17،18

راجع:ي و م:«يوم الدّين».

5- وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. المطفّفين:8

ابن عبّاس: وَ ما أَدْراكَ يا محمّد ما سِجِّينٌ (ما)في السجّين تعظيما لها.(504)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و أيّ شيء أدراك يا محمّد،أيّ شيء ذلك الكتاب؟

(12:488)

الزّجّاج: أي ليس ذلك ممّا كنت تعلمه أنت و لا قومك.(5:298)

الطّوسيّ: أي تفصيله لا تعلمه و إن علمته مجملا.

(10:298)

القشيريّ: استفهام على جهة التّهويل.(6:269)

الميبديّ: أي ليس هذا ممّا كنت تعلمه أنت و لا قومك حتّى عرّفناك.قاله تعظيما لشأن السّجّين، و تعجيبا منه،و تهويلا لأمره.(10:415)

ابن عطيّة: و قوله تعالى: وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ تعظيم لأمر هذا السّجّين و تعجّب منه و يحتمل أن يكون تقرير استفهام،أي هذا ممّا لم يكن يعرفه قبل الوحي.(5:451)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ أي ليس ذلك ممّا كنت تعلمه أنت و قومك.و لا أقول:

ص: 407

هذا ضعيف،فلعلّه إنّما ذكر ذلك تعظيما لأمر (سجين،)كما في قوله: وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ الانفطار:17.(31:92)

القرطبيّ: أي ليس ذلك ممّا كنت تعلمه يا محمّد أنت و لا قومك...و ليس في قوله: وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ما يدلّ على أنّ لفظ(سجين)ليس عربيّا، كما لا يدلّ في قوله: اَلْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ القارعة:1-3،بل هو تعظيم لأمر (سجين)و قد مضى في مقدّمة الكتاب-و الحمد للّه- أنّه ليس في القرآن غير عربيّ.(19:256)

الشّربينيّ: وَ ما أَدْراكَ أي جعلك داريا و إن اجتهدت في ذلك.(4:501)

أبو السّعود : وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ تهويل لأمره،أي هو بحيث لا يبلغه دراية أحد.(6:396)

مثله البروسويّ.(10:366)

ابن عاشور :و جملة وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ معترضة بين جملة إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ و جملة كِتابٌ مَرْقُومٌ، و هو تهويل لأمر السّجّين، تهويل تفظيع لحال الواقعين فيه.(30:174)

الطّباطبائيّ: وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ مسوق للتّهويل.(20:232)

عبد الكريم الخطيب :و قوله تعالى: وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ تهويل و تشنيع،على هذا المكان الّذي ضمّ هذا الكتاب العفن،الّذي تفوح منه رائحة هذه المنكرات الخبيثة.(16:1491)

فضل اللّه : وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ هذه الكلمة الّتي توحي بالسّجن في الأسلوب الّذي يوحي بالتّهويل.(24:128)

6- وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ. المطفّفين:19

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،معجّبه من«علّيّين»:و أيّ شيء أشعرك يا محمّد ما علّيّون؟

(12:495)

الطّوسيّ: قال تعالى على وجه التّعظيم لشأن هذه المنازل و تفخيم أمرها: وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ لأنّ تفصيلها لا يمكن العلم بها إلاّ بالمشاهدة،دون علم الجملة.(10:302)

الميبديّ: تعظيم لشأنه.و قيل:معناه:ليس هذا من علمك و لا من علم قومك.(10:417)

الطّبرسيّ: و هذا تعظيم لشأن هذه المنزلة، و تفخيم لأمرها،و تنبيه على أنّ تفصيل تفضيله لا يمكن العلم به إلاّ بالمشاهدة.(5:455)

الفخر الرّازيّ: وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ تنبيها له على أنّه معلوم له،و أنّه سيعرفه.(31:97)

القرطبيّ: قوله تعالى: وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ أي ما الّذي أعلمك يا محمّد أيّ شيء علّيّون؟على جهة التّفخيم و التّعظيم له في المنزلة الرّفيعة.

(19:261)

الشّربينيّ: وَ ما أَدْراكَ، أي جعلك داريا و إن بالغت في الفحص.(4:503)

البروسويّ: وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ أي هو خارج عن دائرة دراية الخلق.(10:370)

ص: 408

ابن عاشور:و القول في وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كالقول في وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ* كِتابٌ مَرْقُومٌ المطفّفين:8،9،المتقدّم.(30:181)

عبد الكريم الخطيب :المراد بالاستفهام هنا:

النّفي،هو تنويه بهذا الكتاب،و رفع لقدره،و قدر المكان الّذي أودع فيه،و كما رقّم كتاب الفجّار، و وسّم بميسم التّجريم،فقد رقّم كتاب الأبرار،و ختم بخاتم الرّحمة،و المغفرة،بمحضر من المقرّبين من ملائكة الرّحمن،إنّهم يطالعون صفحاته،ليروا فيها كيف طاعة المطيعين،و إحسان المحسنين،من عباد اللّه؟

(16:1494)

فضل اللّه : وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ هل تعرف معناه؟فهو المعنى الّذي لا يعيه الكثيرون من النّاس، لبعدهم عن آفاقه الرّوحيّة،لأنّه يتّصل بالمعنى الّذي يلتقي باللّه.(24:134)

مكارم الشّيرازيّ: و لأهمّيّة و عظمة شأن علّيّين تأتي الآية التّالية لتقول: وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ إنّه مقام من المكانة بحيث يتجاوز حدود التّصوّر و الخيال و القياس و الظّنّ،بل و حتّى أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله-و على ما له من علوّ شأن و مرتبة مرموقة-فلا يستطيع من تصوّر حجم أبعاد عظمته.

(20:33)

7- وَ ما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ. الطّارق:2

الطّبريّ: وَ ما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و ما أشعرك يا محمّد ما الطّارق الّذي أقسمت به؟.(12:532)

الطّوسيّ: و قوله: وَ ما أَدْراكَ معناه:أنّه لم تدر حتّى أعلمتك،و كلّ ما يعلمه الإنسان فاللّه أعلمه بالضّرورة،أو بالدّليل.(10:323)

القشيريّ: وَ ما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ استفهام يراد منه تفخيم شأن هذا النّجم.(6:282)

الطّبرسيّ: وَ ما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ و ذلك أنّ هذا الاسم يقع على كلّ ما طرق ليلا،و لم يكن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يدري ما المراد،لو لم يبيّنه.(5:471)

الشّربينيّ: وَ ما أَدْراكَ أي أعلمك يا أشرف خلقنا،و إن حاولت معرفة ذلك و بالغت في الفحص عنه.(4:516)

أبو السّعود : وَ ما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ تنويه بشأنه إثر تفخيمه بالإقسام به،و تنبيه على أنّ رفعة قدره بحيث لا ينالها إدراك الخلق،فلا بدّ من تلقّيها من الخلاّق العليم.ف(ما)الأولى مبتدأ،و(أدراك) خبر،و الثّانية خبر و اَلطّارِقِ مبتدأ،حسبما بيّن في نظائره،أي و أيّ شيء أعلمك ما الطّارق؟.

(6:410)

مثله الآلوسيّ(30:94)،و نحوه البروسويّ(10 :396).

ابن عاشور :و وَ ما أَدْراكَ استفهام مستعمل في تعظيم الأمر،و قد تقدّم عند قوله تعالى: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ في سورة الشّورى:17، و عند قوله: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ الحاقّة:3، و تقدّم الفرق بين: ما يُدْرِيكَ و ما أَدْراكَ..

ص: 409

(30:230)

8- وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ. البلد:12

راجع:ع ق ب:«العقبة».

9- وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ. القدر:2

راجع:ل ي ل:«ليلة القدر».

10- وَ ما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ. القارعة:3

راجع:ق ر ع:«القارعة».

11- وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ. الهمزة:5

الطّبريّ: و قوله: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ يقول:و أيّ شيء أشعرك يا محمّد ما الحطمة؟ثمّ أخبره عنها ما هي فقال جلّ ثناؤه:هي نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ.

(12:689)

القشيريّ: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ على جهة التّهويل لها.(6:335)

الميبديّ: تعجيب و تعظيم،معناه: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ لو لا أنّ اللّه تعالى بيّن شأنها.

(10:610)

الشّربينيّ: وَ ما أَدْراكَ أي و أيّ شيء أعلمك-و لو بمحاولة منك للعلم و اجتهاد في التّعرّف- مع كونك أعلم الحكماء؟.(4:586)

البروسويّ: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ تهويل لأمرها ببيان أنّها ليست من الأمور الّتي تنالها عقول الخلق.و المعنى:ما أعلمك حتّى تعلم ما الحطمة؟.

(10:509)

نحوه الآلوسيّ.(30:231)

الشّوكانيّ: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ هذا الاستفهام للتّهويل و التّفظيع حتّى كأنّها ليست ممّا تدركه العقول و تبلغه الأفهام.(5:611)

ابن عاشور :جملة وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ في موضع الحال من قوله: اَلْحُطَمَةِ، و الرّابط إعادة لفظ اَلْحُطَمَةِ و ذلك إظهار في مقام الإضمار للتّهويل،كقوله: اَلْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ الحاقّة:1-3،و ما فيها من الاستفهام.

و فعل الدّراية يفيد تهويل اَلْحُطَمَةِ و قد تقدّم ما أَدْراكَ غير مرّة منها عند قوله: وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ الانفطار:17.(30:474)

عبد الكريم الخطيب :استفهام عن اَلْحُطَمَةِ يلفت النّظر إليها،و يدير العقل للبحث عن حقيقتها.

و جواب يجيب عن هذا السّؤال،ليكشف عن حقيقة هذه اَلْحُطَمَةِ ليلتقى مع ما وقع في النّفس من تصوّرات لها،فتزداد حقيقتها وضوحا و بيانا،إنّها نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ قد أوقدها اللّه فكانت نار اللّه، و ليست من تلك النّار الّتي يوقدها النّاس.

(16:1673)

أدراكم

قُلْ لَوْ شاءَ اللّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ.

يونس:16

ابن عبّاس: و لا أعلمكم به:بالقرآن.(171)

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 6:561)

لو شاء اللّه لم يعلمكموه.(الطّبريّ 6:560)

ص: 410

ما حذّرتكم به.(الطّبريّ 6:560)

شهر بن حوشب:و لا أنذركم به.

(الماورديّ 2:427)

الضّحّاك: و لا أشعركم اللّه به.(الطّبريّ 6:561)

قتادة :و لا أشعركم به.(الماورديّ 2:427)

الفرّاء: و قد ذكر عن الحسن أنّه قال:(و لا ادراتكم به)فإن يكن فيها لغة سوى دريت و أدريت، فلعلّ الحسن ذهب إليها.و أمّا أن تصلح من«دريت» أو«أدريت»فلا،لأنّ الياء و الواو إذا انفتح ما قبلهما و سكّنتا صحّتا،و لم تنقلبا إلى ألف،مثل:قضيت و دعوت.و لعلّ الحسن ذهب إلى طبيعته و فصاحته فهمزها،لأنّها تضارع«درأت الحدّ»و شبهه.

و ربّما غلطت العرب فى الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز،فيهمزون غير المهموز.سمعت امرأة من طيّ تقول:«رثأت زوجي بأبيات»و يقولون:«لبّأت بالحجّ و حلّأت السّويق»فيغلطون،لأنّ«حلّأت»قد يقال في دفع العطاش من الإبل،و«لبّأت»ذهب إلى اللّبأ الّذي يؤكل،و«رثأت زوجي»ذهبت إلى رثيئة اللّبن،و ذلك إذا حلبت الحليب على الرّائب.

(1:459)

الطّبريّ: وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ يقول:و لا أعلمكم به.

عن الحسن،أنّه كان يقرأ (و لا ادراتكم به) يقول:

ما أعلمتكم به.

و هذه القراءة الّتي حكيت عن الحسن،عند أهل العربيّة غلط.[ثم نقل قول الفرّاء و أضاف:]

و كان بعض البصريّين يقول:لا وجه لقراءة الحسن هذه،لأنّها من«أدريت»مثل«أعطيت»إلاّ أنّ لغة لبني عقيل:«أعطأت»يريدون:أعطيت، تحوّل الياء ألفا.[و استشهد بأشعار]

و روي عن ابن عبّاس أنّه كان يقرأ (قل لو شاء اللّه ما تلوته عليكم و لا انذرتكم به) .

و القراءة الّتي لا نستجيز أن نعدوها،هي القراءة الّتي عليها قرأة الأمصار: (قل لو شاء اللّه ما تلوته عليكم و لا ادراكم به) ،بمعنى و لا أعلمكم به، و لا أشعركم به.(6:540)

الطّوسيّ: حكي عن الحسن أنّه قرأ:(و لا أدراكم به)،و قرأ أبو ربيعة و قنبل إلاّ المالكيّ و العطّار(و لا دراكم به)يجعلانها(لاما)أدخلت على (ادراكم).و أمال(ادريكم)و(أدراك)في جميع القرآن أبو عمرو و حمزة و الكسائيّ و خلف و الدّاحونيّ عن ابن ذكوان،و الكسائيّ عن أبي بكر،وافقهم يحيى و العليميّ في هذه السّورة.

حكى سيبويه:دريته و دريت به،قال:و أكثر الاستعمال التّعدّي بالباء،يبيّن ذلك قوله: وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ و لو كان على اللّغة الأخرى لقال:

و لا ادراكموه.و قالوا:«الدّرية»على وزن«فعلة» كما قالوا:الشّعرة و الفطنة،و هي مصادر يراد بها ضروب من العلم.فأمّا الدّراية فكالهداية و الدّلالة، و كأنّ الدّراية:التّأنّي و التّعمّل لعلم الشّيء؛و على هذا المعنى ما تصرّف في هذه الكلمة.و قالوا:داريت الرّجل،إذا لا ينته و ختلته؛فعلى هذا لا يوصف اللّه

ص: 411

تعالى بالدّاري.و أمّا قول الرّاجز«اللّهمّ لا أدري و أنت الدّاري».فلا يكون حجّة في جواز ذلك لأمرين:

أحدهما:أنّه لمّا تقدّم قوله:«لا أدري»استجاز أن يذكر الدّاري بعده،ليزدوج الكلام،كما قال تعالى:

فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ البقرة:194، و نظائره كثيرة.

و الثّاني:أنّ الأعراب ربّما ذكروا أشياء امتنع جوازها،كما قال:«لو خافك اللّه عليه حرّمه.».

فأمّا الهمزة على-ما حكي عن الحسن-فلا وجه له،لأنّ الدّرء:الدّفع،كما قال: فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ آل عمران:168،و قال:

فَادّارَأْتُمْ فِيها البقرة:72،و قوله عليه السّلام:«ادرءوا الحدود بالشّبهات»[ثمّ نقل قول الفرّاء و قال:]

و من أمال فتحة الرّاء و أمال الألف بعدها،فلأنّ هذه الألف تنقلب ياء في«أدريته،و هما مدريان»، و من لم يمل فلأنّ الأصل عدم الإمالة،و لأنّ كثيرا من الفصحاء لا يميل ذلك.

و معنى قوله: وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ قال ابن عبّاس و لا أعلمكم به من:دريت به،و أدراني اللّه به.و معنى الآية:الأمر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأن يقول لهؤلاء الكفّار:لو أراد اللّه أن يمنعهم فائدته ما أعلمهم به،و لا أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بتلاوته عليهم.(5:404)

الميبديّ: أي و لا أعلمكم اللّه به.يقال:دريت الشّيء:علمته،و أدريته غيري،أي أعلمته إيّاه،و لو شاء اللّه ما قرأت هذا القرآن عليكم،و لا أعلمكم اللّه إيّاه.و قرأ ابن كثير (و لادراكم به) بلا ألف،المعنى:

و لو شاء اللّه ما قرأت هذا القرآن عليكم،و اللّه أعلمكم إيّاه من دوني.(4:263)

الزّمخشريّ: و لا أعلمكم به على لساني.و قرأ الحسن (و لا ادراتكم به) على لغة من يقول:أعطأته و أرضأته،في معنى أعطيته و أرضيته،و تعضده قراءة ابن عبّاس (و لا انذرتكم به) .و رواه الفرّاء و لا ادرأتكم به)بالهمز.و فيه وجهان:

أحدهما:أن تقلب الألف همزة،كما قيل:لبّأت بالحجّ.و رثأت الميّت و حلّأت السّويق،و ذلك لأنّ الألف و الهمزة من واد واحد.أ لا ترى أنّ الألف إذا مسّتها الحركة انقلبت همزة.

و الثّاني:أن يكون من:درأته إذا دفعته،و أدرأته إذا جعلته دارئا.و المعنى و لا جعلتكم بتلاوته خصماء تدرءونني بالجدال و تكذّبونني.و عن ابن كثير:

(و لادراكم به)بلام الابتداء لإثبات الإدراء،و معناه:

لو شاء اللّه ما تلوته أنا عليكم و لأعلمكم به على لسان غيري،و لكنّه يمنّ على من يشاء من عباده،فخصّني بهذه الكرامة،و رآني لها[أهلا]دون سائر النّاس.

(2:229)

ابن عطيّة: و(أدراكم)بمعنى أعلمكم يقال:

دريت بالأمر و أدريت غيري،و هذه قراءة الجمهور و قرأ ابن كثير في بعض ما روي عنه (و لادراكم به) و هي لام تأكيد دخلت على«أدرى»و المعنى على هذا:و لأعلمكم به من غير طريقي.و قرأ ابن عبّاس و ابن سيرين و أبو رجاء و الحسن (و لا ادراتكم به) .

ص: 412

و قرأ ابن عبّاس أيضا و شهر بن حوشب (و لا انذرتكم به) .

و خرّج الفرّاء قراءة ابن عبّاس و الحسن على لغة لبعض العرب،منها قولهم:لبّأت بمعنى«لبّيت»و منها قول امرأة منهم:«رثأت زوجي بأبيات»أي رثيت.

و قال أبو الفتح:إنّما هي«ادريتكم»قلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها.و روينا عن قطرب:أنّ لغة عقيل في أعطيتك«أعطأتك»قال أبو حاتم قلبت الياء ألفا،كما في لغة بني الحارث بن كعب:«السّلام علاك.».

(3:110)

الطّبرسيّ: أي:و لا أعلمكم اللّه به،بأن لا ينزله عليّ،فلا أقرأه عليكم،فلا تعلمونه.(3:97)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ هو من الدّراية بمعنى العلم.قال سيبويه:يقال:دريته و دريت به،و الأكثر هو الاستعمال بالباء،و الدّليل عليه قوله تعالى: وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ، و لو كان على اللّغة الأخرى،لقال:«و لا أدراكموه.».

إذا عرفت هذا،فنقول:معنى وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ أي و لا أعلمكم اللّه به،و لا أخبركم به.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ](17:58)

القرطبيّ: قوله تعالى: قُلْ لَوْ شاءَ اللّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ أي لو شاء اللّه ما أرسلني إليكم فتلوت عليكم القرآن،و لا أعلمكم اللّه و لا أخبركم به.يقال:دريت الشّيء و أدراني اللّه به، و دريته و دريت به.و في الدّراية معنى الختل،و منه:

دريت الرّجل أي ختلته،و لهذا لا يطلق«الدّاري»في حق اللّه تعالى،و أيضا عدم فيه التّوقيف.و قرأ ابن كثير (و لادراكم به) بغير ألف بين اللاّم و الهمزة، و المعنى:لو شاء اللّه لأعلمكم به من غير أن أتلوه عليكم،فهي لام التّأكيد دخلت على ألف«أفعل.» و قرأ ابن عبّاس و الحسن (و لا ادراتكم به) بتحويل الياء ألفا،على لغة بني عقيل.

قال أبو حاتم:سمعت الأصمعيّ يقول:سألت أبا عمرو بن العلاء:هل لقراءة الحسن (و لا ادراتكم به) وجه؟فقال:لا.و قال أبو عبيد:لا وجه لقراءة الحسن(و لا ادراتكم به)إلاّ الغلط.قال النّحّاس:

معنى قول أبي عبيد:لا وجه-إن شاء اللّه-على الغلط، لأنّه يقال:دريت،أي علمت،و أدريت غيري، و يقال:درأت،أي دفعت،فيقع الغلط بين«دريت و درأت.»قال أبو حاتم:يريد الحسن-فيما أحسب- (و لا ادريتكم به)فأبدل من الياء ألفا،على لغة بني الحارث بن كعب،يبدّلون من الياء ألفا إذا انفتح ما قبلها،مثل: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ طه:63.

قال المهدويّ: و من قرأ (ادراتكم) فوجهه أنّ أصل الهمزة ياء،فأصله(ادريتكم)،فقلبت الياء ألفا و إن كانت ساكنة،كما قال:«يايس»في ييّس،و«طايئ» في طيّئ،ثمّ قلبت الألف همزة،على لغة من قال في العالم:العألم،و في الخاتم:الخأتم.

قال النّحّاس:و هذا غلط،و الرّواية عن الحسن (و لا ادراتكم)بالهمزة،و أبو حاتم و غيره تكلّم أنّه بغير همز،و يجوز أن يكون من درأت،أي دفعت،أي و لا أمرتكم أن تدفعوا فتتركوا الكفر بالقرآن.

ص: 413

[و استشهد بالشّعر مرّتين](8:320)

نحوه أبو حيّان.(5:132)

أبو السّعود :أي و لا أعلمكم به بواسطتي، و التّالي-و هو عدم التّلاوة و الإدراء-منتف،فينتفي المقدّم،أعني مشيئته عدم التّلاوة.و لا يخفى أنّها مستلزمة لعدم مشيئته التّلاوة قطعا،فانتفاؤها مستلزم لانتفائه حتما،و انتفاء عدم مشيئته التّلاوة إنّما يكون بتحقّق مشيئة التّلاوة،فثبت أنّ تلاوته عليه الصّلاة و السّلام للقرآن بمشيئته تعالى و أمره.

و إنّما قيّدنا«الإدراء»بكونه بواسطته عليه الصّلاة و السّلام،لأنّ عدم الإعلام مطلقا ليس من لوازم الشّرط الّذي هو مشيئة عدم تلاوته عليه السّلام، فلا يجوز نظمه فى سلك الجزاء.و في إسناد عدم الإدراء إليه تعالى المنبئ عن استناد الإدراء إليه تعالى،إيذان بأن لا دخل له عليه السّلام في ذلك،حسبما يقتضيه المقام.[ثمّ نقل القراءات](3:222)

نحوه الآلوسيّ.(11:85)

البروسويّ: وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ ماض من:

دريت الشّيء و دريت به،أي علمته،و أدرانيه غيري، أي أعلمنيه.و المعنى:و لا أعلمكم اللّه القرآن على لساني و لا أشعركم به أصلا.(4:24)

رشيد رضا :أي و لو شاء أن لا يدريكم و يعلمكم به بإرسالي إليكم لما أرسلني و لما أدراكم به،و لكنّه شاء أن يمنّ عليكم بهذا العلم الأعلى،لتدروه فتهتدوا به،و تكونوا بهدايته خلائف الأرض.و قد علم أنّ هذا إنّما يكون به لا بقرآن لآخر،كما قال:

لكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ النّساء:

166،و قال: وَ لَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأعراف:52،فهو قد أنزله عالما بأنّ فيه كلّ ما يحتاجون إليه،من الهداية و أسباب السّعادة،و أمرني بتبليغه إليكم،و لم يكن لي علم بشيء من ذلك قبله.(11:320)

ابن عاشور :و(اداركم:)عرّفكم.و فعل الدّراية إذا تعلّق بذات يتعدّى إليها بنفسه تارة و بالباء أيضا؛يقال:دريته و دريت به.و قد جاء في هذه الآية على الاستعمال الثّاني و هو الأكثر في حكاية سيبويه.

قرأ الجمهور وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ بحرف النّفي عطفا على ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ أي لو شاء اللّه ما أمرني بتلاوة القرآن عليكم و لا أعلمكم اللّه به.و قرأه البزيّ عن ابن كثير-في إحدى روايتين عنه-بلام ابتداء في موضع لا النّافية،أي بدون ألف بعد اللاّم،فتكون عطفا على جواب(لو)،فتكون اللاّم لاما زائدة للتّوكيد، كشأنها في جواب(لو).و المعنى عليه:لو شاء اللّه ما تلوته عليكم،و لو شاء لجعلكم تدرون معانيه فلا تكذبوا.(11:43)

يدريك

1- وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً.

الأحزاب:63

2- وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ. الشّورى:17 راجع:ق ر ب:«قريبا».

ص: 414

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّري و ما يشتقّ منه، و هو مشط الشّعر و ترجيله.يقال:درى رأسه بالمدرى، أي مشطه به،و المدرى:المشط أو شيء من حديد أو خشب أطول منه،يسرّح به الشّعر المتلبّد؛و الجمع:

مدارى،و هو المدراة أيضا.و من كلام الإمام عليّ عليه السّلام في خلقة الطّاوس:«تخال قصبه مداري من فضّة». (1)

و يقال أيضا:درّيت الشّعر تدرية،أي رجّلته، و تدرّت المرأة،و ادّرت تدرّي ادّراء،إذا سرّحت شعرها.

و المدرى:القرن،شبّه به قرن الثّور.يقال:جاب المدرى،أي غليظ القرن.

و من المجاز قولهم:درى الشّيء و درى به أيضا يدري دريا و دريا و درية و دريانا و دراية،أي علمه.

و أدريته:أعلمته،لأنّه استولى عليه جهده و استوعبه ذهنه،كما استولى المدرى على الشّعر يدريه تحت أسنانه.

و يقال أيضا:أتى فلان الأمر من غير درية،أي من غير علم،و ما تدري ما دريتها:ما تعلم ما علمها؟ و«يصيب و ما يدري و يخطئ و ما يدري»،أي إصابته يريد أنّه جاهل،إن أخطأ لم يعرف،و إن أصاب لم يعرف.

2-يبدو أنّ الفعل«درى»من قولهم:درى رأسه بالمدرى،قد أميت مصدره،كما أميت مصدر و ماضي الفعلين:ذره و دعه،أي اتركه،و لو كان له مصدر لقيل:درى دريا على القياس.

و قد أميتت كلمات كثيرة في العربيّة خلال العصر الجاهليّ إهمالا و نسيانا،أو قصدا و عمدا خلال العصر الإسلاميّ،و منها قولهم:حجرا محجورا،و أنعم صباحا،و أبيت اللّعن،و الصّرورة و الحلوان،و غيرها.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا«المضارع»11 مرّة،و مزيدا من الإفعال«الماضي»14 مرّة،و«المضارع»مرّتين،في 28 آية:

1-درى،يدري

1- ...وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ

الأنبياء:109

2- وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ

الأنبياء:111

3- قُلْ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً الجنّ:25

4- قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ... الأحقاف:9

5- ...فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ* وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ الحاقّة:25،26

6- ...وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ... لقمان:34

7- وَ إِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ السّاعَةُ لا رَيْبَ

ص: 415


1- نهج البلاغة-الخطبة:(165).

فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السّاعَةُ... الجاثية:32

8- ...ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ...

الشّورى:52

9- وَ أَنّا لا نَدْرِي أَ شَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً الجنّ:10

10- ...آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً... النّساء:11

11- ...لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً

الطّلاق:1

2-أدرى،يدري

12- اَلْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ* كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ الحاقّة:1-4

13- سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ* لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ المدّثّر 26-28

14- لِيَوْمِ الْفَصْلِ* وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ المرسلات:13-15

15 و 16- يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ* وَ ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ* وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً...

الانفطار:15-19

17- كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ* وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ* كِتابٌ مَرْقُومٌ المطفّفين:7-9

18- كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ* كِتابٌ مَرْقُومٌ المطفّفين:18-20

19- وَ السَّماءِ وَ الطّارِقِ* وَ ما أَدْراكَ مَا الطّارِقُ* اَلنَّجْمُ الثّاقِبُ الطّارق:1-3

20- فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ البلد:11-13

21- اَلْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ* يَوْمَ يَكُونُ النّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ

القارعة:1-4

22- فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ* وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ القارعة:9-11

23- كَلاّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ* نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ الهمزة:4-6

24- إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ القدر:1-3

25- قُلْ لَوْ شاءَ اللّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ... يونس:16

26- يَسْئَلُكَ النّاسُ عَنِ السّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً

الأحزاب:63

27- اَللّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَ الْمِيزانَ وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ الشّورى:17

28- عَبَسَ وَ تَوَلّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى* وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى عبس:1-3

و فيه محوران:المجرّد و المزيد،و لم يأت إلاّ نفيا،أو استفهاما،و هو في معنى النّفي أيضا.و الخطاب في جميعها إلى النّاس،أو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فيستفاد منها أنّ النّاس جاهلون،و أنّ علم النّبيّ عليه السّلام وحي.

أمّا المجرّد ففي 11 آية،خمس منها ماض و أربع مضارع.و قد نفي الفعل(ادرى)و(تدرى)في

ص: 416

ستّ منها(1-4 و 8 و 11)عن النّبيّ عليه السّلام،و في الباقي عن الإنس أو الجنّ.

فجاء في(1 و 2): فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ* إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَ يَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ* وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ، و قوله: إِنْ أَدْرِي في الآيتين بلسان النّبيّ عليه السّلام نفي لعلمه بما يوعدون من أمر الآخرة،و وقتها و العذاب فيها،و أنّه-أي إخفاء ذلك عنهم-فتنة لهم.لاحظ:و ع د:«توعدون»،و:ف ت ن:

«فتنة»،و غيرهما من المفردات في الآيتين.و كذلك جاء في(3 و 4)نفي علمه عليه السّلام بأمر الآخرة و وقتها.

ففي(3): قُلْ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً* عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً...، فقد أمر النّبيّ فيها بأن ينفي علمه بزمان ما يوعدون من أمر الآخرة،و أنّه من الغيب الّذي خصّ علمه باللّه تعالى،و أنّه لا يظهر إلاّ لمن ارتضى من رسول.

و في(4): قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ وَ ما أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ، و هذه الآية راجعة إلى أمر المعاد،و أنّ النّبيّ لا يعلم-كغيره من النّاس-ما يفعل به و لا بالنّاس،و أنّه لا يقول و لا يتّبع إلاّ ما يوحى إليه.

لاحظ:ب د ع:«بدعا»و غيرها من المفردات فيها.

و في(8 و 11)نفي لعلم النّبيّ قبل النّبوّة بالكتاب و الإيمان،و بعدها بما يشرّع من الشّريعة.

ففي(8): وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِراطِ اللّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ، لاحظ:

روح:«روحا»،و غيرها من المفردات فيها.

و في(11): يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً.

لاحظ:ط ل ق:«طلّقتم».

و في(5)و(10)نفي لعلم النّاس مع فارق بينهما، بأنّ(5)دلّت على تمنّيهم عدم علمهم-و هم أصحاب الشّمال-بما وجدوه في كتابهم في الآخرة بعد ما قرءوه.و(10)دلّت على نفي علمهم في الدّنيا بأنّ أيّا من الآباء و الأبناء أقرب لهم نفعا.

ففي(5): وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ* وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ* يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ* ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ لاحظ:ش م ل:«شماليه»،و:ح س ب:

«حسابيه».

و في(10):في جملة آيات الإرث و الوصيّة:

يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ -إلى أن قال:- مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً.

ص: 417

يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ -إلى أن قال:- مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً.

و كذلك الأمر في(6 و 7)فإحداهما(6)راجعة إلى الدّنيا-و فيها ذكر(الساعة)مرّة-و الأخرى (7)راجعة إلى الآخرة،و فيها ذكر(الساعة)مرّتين.

ففي(6): إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.

و في(7): وَ إِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ السّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاّ ظَنًّا وَ ما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ.

و هاتان الآيتان تعلنان أنّ السّاعة حقّ،و يعلمها اللّه و ينكرها النّاس يقينا أو يظنّون بها ظنّا،و أنّ النّاس لا يعلمون منافعهم في مستقبلهم،و لا أنّهم بأيّ أرض يموتون.فقد جمع اللّه في هاتين:علم اللّه،و جهل النّاس.لاحظ:س و ع:«السّاعة».

فهذه الأربع جاءت في نفي علم النّاس،أمّا(9) ففيها نفي علم الجنّ،فقد بدأ اللّه سورة الجنّ بقول الجنّ بشأن القرآن: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً، ثمّ أدام أقوالهم في حالهم قبل نزول القرآن إلى قولهم بعد نزوله: وَ أَنّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَ شُهُباً* وَ أَنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً* وَ أَنّا لا نَدْرِي أَ شَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً. لاحظ:ش رر:

«شرّ».هذا كلّه في المجرّد.

و أمّا المزيد ففي:17 آية،من باب الإفعال ماضيا و مضارعا،و كلّها خطاب للنّبيّ عليه السّلام،إلاّ واحدة:

(25)فخطاب للمشركين،و كلّها راجع إلى الآخرة، إلاّ(25 و 28).

و أمّا وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ فراجع إلى القرآن أو تذكية الأعمى،كما يأتي.

و 14 آية منها(12-25)ماض و ثلاث مضارع.

و من الماضي 12 آية تنفي عنه عليه السّلام علمه بالآخرة استفهاما،بلفظ: وَ ما أَدْراكَ، و تعبيرا عنها بأوصاف و أسام،و هي حسب ترتيب الآيات:الحاقّة، سقر،يوم الفصل،يوم الدّين،سجّين،علّيّين،الطّارق، العقبة،هاوية،الحطمة.

و منها آية واحدة(24)تنفي علمه عليه السّلام بليلة القدر.و قد لوحظ في جميعها أسلوب واحد،بذكر اسم أوّلا مثل لَيْلَةُ الْقَدْرِ، ثمّ السّؤال عنها ب وَ ما أَدْراكَ، ثمّ التّعريف بها بأوصافها مثل: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.

و هذا السّياق من السّؤال و الجواب أوجب تكرار هذه الألفاظ،في هذه الآيات،في بعضها مرّتين،و في بعضها ثلاث مرّات:مثل(12)الحاقّة،و(15 و 16) يوم الدّين،و(21)القارعة،و(24)ليلة القدر، و في واحدة(22): فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ مرّة،و لم تتكرّر، و جاء بدلها في السّؤال وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ و البحث في هذه الآيات موكول إلى موادّ هذه الألفاظ.

و منها آية واحدة جاءت بشأن القرآن(25):

ص: 418

قُلْ لَوْ شاءَ اللّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ و قبلها: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، و بعدها:

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ، و فيها بحوث:

1-ضمير الغائب في(تلوته)و(أدراكم به) راجع إلى القرآن في الآية قبلها،و الفاعل ل(تلوته) النّبيّ،و ل(أدراكم)اللّه تعالى،و المعنى:لو شاء اللّه ما تلوت القرآن عليكم،و(لا أدراكم:)أي ما أعلمكم اللّه به،كما جاء في كثير من النّصوص.

2-و ممّا يجلب النّظر فيها أنّ هذين الفعلين:

(تلوت)و(أدراكم)ماضيان منفيّان:أحدهما ب(ما)و الأخر ب(لا).و جاء في الأوّل(تلوت) منسوبا إلى النّبيّ عليه السّلام،و في الثّاني(أدراكم)منسوبا إلى اللّه تعالى.فالنّبيّ يتلو القرآن عليهم،و اللّه يعلّمهم به.و الفرق بينهما هو الفرق بين اللّه و رسوله بشأن القرآن،بل شأن الدّين كلّه.

قال أبو السّعود:«و في إسناد عدم الإدراء إليه تعالى المنبئ عن استناد الإدراء إليه تعالى،إيذان بأن لا دخل له عليه السّلام في ذلك حسبما يقتضيه المقام».

و قال أيضا في مغزى هذا الشّرط و الجزاء:«أي و لا أعلمكم به بواسطتي،و التّالي-و هو عدم التّلاوة و الإدراء-منتف فينتفي المقدّم،أعني مشيئة اللّه عدم التّلاوة-إلى أن قال-و إنّما قيّدنا«الإدراء»بكونه بواسطته عليه الصّلاة و السّلام،لأنّ عدم الإعلام مطلقا ليس من لوازم الشّرط الّذي هو مشيئته عدم تلاوته عليه السّلام،فلا يجوز نظمه في سلك الجزاء...».

3-و القراءة المعروفة هي(أدراكم.)قال الطّبريّ-بعد نقله القراءات الأخرى-:«و القراءة الّتي لا نستجيز أن نعدوها،هي القراءة الّتي عليها قرأة الأمصار قُلْ لَوْ شاءَ اللّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ، بمعنى و لا أعلمكم به،و لا أشعركم به».

و أمّا القراءات الأخرى،فعن ابن عبّاس (و لا انذرتكم به)،و عن الحسن:(و لا ادراتكم به)، أخذها من«درء»لا من«دري».و قد ردّوا عليه و قالوا:إنّها غلط،فلاحظ النّصوص.

و حكى الميبديّ عن ابن كثير أنّه قرأها:

«(و لادراكم به) بلا ألف في(لا).و المعنى:و لو شاء اللّه ما قرأت هذا القرآن عليكم،و اللّه أعلمكم إيّاه من دوني»،و قد بحثوا حولها كثيرا،فلاحظ.

4-و قد احتجّت هذه الآيات بلسان النّبيّ عليه السّلام على أنّ القرآن كلام اللّه بأدلّة أربع:أنّه لبث فيهم عمرا لم يقرأ،و ليس له أن يبدّله من تلقاء نفسه،و أنّه لا يتّبع إلاّ ما يوحى إليه،و أنّه يخاف ربّه-لو عصاه بتبديله- عذاب يوم عظيم.

كما ذمّ الّذين لا يؤمنون بهذا القرآن،و يتمنّون تبديله و وصفهم بأخسّ الصّفات اَلَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا يونس:15،و فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ يونس

ص: 419

:17،لاحظ:مفردات:«الآيات،و البيّنات،و القرآن».

و أمّا الآيات الثّلاث اللاّتي جاءت بلفظ: وَ ما أَدْراكَ بسياق النّفي،و بلسان الاستفهام نظير وَ ما أَدْراكَ في تلك الآيات،فآيتان منها جاءت بشأن(الساعة)بسياق واحد:(26): يَسْئَلُكَ النّاسُ عَنِ السّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً، و(27): اَللّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَ الْمِيزانَ وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ. لاحظ:س و ع:«السّاعة».

و آية واحدة(28)و هي أيضا راجعة إلى القرآن

جاءت في قصّة الرّجل الأعمى الّذي جاء النّبيّ و هي صدر سورة عبس عَبَسَ وَ تَوَلّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى* وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى* أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى.... لاحظ:«ع ب س».

و يلاحظ ثانيا:أنّ ما جاء من هذه الآيات مجرّدا و مزيدا بشأن الآخرة-و هي أكثرها-أو بشأن القرآن:(8 و 9 و 28)فمكّيّ،و ما جاء تشريعا:

(10 و 11)فمدنيّ.

و ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

العلم: ...يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ

البقرة:255

الفقه: قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمّا تَقُولُ...

هود:91

المعرفة: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ... البقرة:146

الخبرة: وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً

الكهف:68

البصر: قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ...

طه:96

الحبر: إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ... المائدة:44

ص: 420

د س ر

اشارة

دسر

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الدّسر:الدّفع الشّديد و الطّعن،و دسره بالرّمح.

و الدّسار:خيط من ليف تشدّ به ألواح السّفينة.

و المسامير أيضا تسمّى:دسرا في أمر السّفينة؛ واحدها:دسار.قال العجّاج في الدّسر:

*عن ذي قداميس لهام لو دسر*

و البضع أيضا يستعمل فيه الدّسر.

و جمل دوسر و دوسريّ و دوسرانيّ:ضخم الهامة و المنكب.(7:225)

الفرّاء: الدّوسريّ:القويّ من الإبل.

و دوسر:كتيبة كانت للنّعمان بن المنذر.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 12:356)

ابن الأعرابيّ: الدّسر:السّفينة.

(الأزهريّ 12:355)

الدّينوريّ: الدّوسر:نبات كنبات الزّرع،غير أنّه يجاوز الزّرع في الطّول،و له سنبل و حبّ دقيق أسمر.(ابن سيده 8:449)

ابن دريد :الدّسر:الدّفع الشّديد،دسره يدسره و يدسره دسرا،و بذلك سمّي مسمار الحديد:دسارا و الجمع:دسر.

و كلّ شيء سمرته فقد دسرته،و كذلك فسّر في التّنزيل-و اللّه أعلم- وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ القمر:13،فالألواح:السّفينة،و الدّسر:

المسامر المضروبة فيها.(2:245)

الأزهريّ: سئل ابن عبّاس عن زكاة العنبر، فقال:«إنّما هو شيء دسره البحر»،و معناه:أنّ موج البحر دفعه فألقاه إلى الشّطّ،فلا زكاة فيه.

يقال:الدّسر:المسامير.و يقال:الدّسار:الشّريط من اللّيف الّذي يشدّ بعضه ببعض.(12:355)

ص: 421

الصّاحب:الدّسر:الطّعن و الدّفع الشّديد،دسره بالرّمح.و هو الجماع أيضا.

و الدّسار:خيط من ليف تشدّ به ألواح السّفن؛ و الجميع:الدّسر،و دسرت السّفينة.

و المسامير تسمّى دسرا،لأنّها تدسر الماء بجؤجؤها.

و جمل دوسريّ و دوسر:و هو الضّخم الهامّة و المناكب.

و ناقة داسرة،أي سريعة،و قد دسرت.

و إنّ لهذا الرّجل لدوسرة صالحة،أي ممضغة.

و الدّواسر:نحو الدّوسر.(8:280)

الخطّابيّ: في حديث الحجّاج:«أنّه قال لقاتل الحسين بن عليّ رضوان اللّه عليهما:كيف قتلت الحسين؟فقال:دسرته بالرّمح دسرا،و هبرته بالسّيف هبرا و ما أشركت معي في قتله أحدا».

قوله:دسرته:معناه دفعته حتّى سقط.يقال:

دسرت الرّجل دسرا إذا فعلت ذلك به.(3:182)

الجوهريّ: الدّسار:واحد الدّسر،و هي خيوط تشدّ بها ألواح السّفينة،و يقال:هي المسامير،و قوله تعالى: وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ القمر:13.

و دسر أيضا:مثل عسر و عسر.

و الدّسر:الدّفع...و دسره بالرّمح.و رجل مدسر.

و الدّوسر:الجمل الضّخم؛و الأنثى:دوسرة.

و جمل دوسريّ،كأنّه منسوب إليه،و دوسرانيّ أيضا.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:657)

ابن فارس: الدّال و السّين و الرّاء أصل واحد يدلّ على الدّفع.يقال:دسرت الشّيء دسرا،إذا دفعته دفعا شديدا.و في الحديث:«ليس في العنبر زكاة،إنّما هو شيء دسره البحر»،أي رماه و دفع به...

و من الباب:دسره بالرّمح،و رمح مدسر.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للجمل الضّخم القويّ:دوسريّ.

و دوسر:كتيبة،لأنّها تدفع الأعداء.

و ممّا شذّ عن الباب-و هو صحيح-الدّسار:

خيط من ليف تشدّ به ألواح السّفينة؛و الجمع:دسر، قال اللّه تعالى: وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ القمر:13.

و يقال الدّسر:المسامير.(2:278)

الهرويّ: في حديث عمر:«إنّ أخوف ما أخاف عليكم أن يؤخذ البريء عند اللّه فيدسر،كما يدسر الجزور»،أي يدفع.يقال:دسرته دسرا،و منه حديث ابن عبّاس.[المتقدّم](2:632)

ابن سيده: دسره يدسره دسرا:طعنه و دفعه.

و الدّسر أيضا في البضع و دسرت السّفينة الماء بصدرها:عاندته.

و الدّسار:خيط من ليف تشدّ به ألواحها.و قيل:

هو مسمارها؛و الجمع:دسر،و في التّنزيل: وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ و قد دسّرها به دسرا و كلّ ما سمّر فقد دسر.

و الدّوسر:الذّكر الضّخم الشّديد.

و كتيبة دوسر و دوسرة:مجتمعة.

و دوسر:كتيبة النّعمان،اشتقّت من ذلك.

ص: 422

و جمل دوسر و دوسريّ و دواسر:ضخم شديد مجتمع؛و الأنثى:دوسر و دوسرة.و قيل:الدّوسر من النّوق:العظيمة.

و دوسر:اسم فرس.[ثمّ استشهد بشعر]

و الدّواسر:الماضي الشّديد.

و الدّوسر:القديم.

و الدّوسر:الزّوان في الحنطة؛واحدته دوسرة.

(8:448)

الرّاغب: قال تعالى: وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ القمر:13،أي مسامير؛الواحد:دسار.

و أصل الدّسر:الدّفع الشّديد بقهر.يقال:دسره بالرّمح،و رجل مدسر،كقولك:مطعن.

و روي:«ليس في العنبر زكاة،إنّما هو شيء دسره البحر».(169)

الزّمخشريّ: دسره و دفره:دفعه.

و في الحديث:«ليس في العنبر زكاة إنّما هو شيء دسره البحر».

و ركبوا في ذات الألواح و الدّسر:جمع دسار، و هو المسمار.و قيل:خيط من اللّيف تشدّ به الألواح.

و دسره بالرّمح:طعنه بشدّة.و رجل مدسر.

و من المجاز:دسر المرأة:بضعها.

(أساس البلاغة:129)

[في حديث عمر]الدّسر:الدّفع.و المعنى:يدفع و يكبّ للقتل،كما يفعل بالجزور عند النّحر.

و منه حديث الحجّاج.[المتقدّم](الفائق 1:424)

ابن الأثير: [ذكر الأحاديث المتقدّمة و قال:]

في حديث عليّ: «رفعها بغير عمد يدعمها و لا دسار ينتظمها».الدّسار:المسمار؛و جمعه:دسر.

(2:116)

نحوه الطّريحيّ.(3:302)

الفيروزآباديّ: الدّسر:الطّعن،و الدّفع؛ و الجماع،و هو مدسر جماع:نيّاك.

و إصلاح السّفينة بالدّسار:للمسمار،و إدخال الدّسار في شيء بقوّة.

و الدّسار:خيط من ليف تشدّ به ألواحها؛جمعه:

دسر و دسر.

و الدّسر:السّفن تدسر الماء بصدورها؛الواحدة:

دسراء.

و الدّوسر:الجمل الضّخم،-و هي:بهاء-و نبت؛ اسم حبّه:الزّنّ،و كتيبة للنّعمان بن المنذر،و الأسد الصّلب،و الشّيء القديم،و الزّوان في الحنطة،و فرس، و الذّكر الضّخم،و بهاء:الممضغة.

و الدّواسر،كعلابط:الشّديد الضّخم،كالدّوسر و الدّوسريّ و الدّوسرانيّ.

و ناقة داسرة:سريعة.(2:29)

مجمع اللّغة :دسره يدسره دسرا:دفعه بشدّة و قهر.

و الدّسار:المسمار؛و جمعه:دسر،و سمّي المسمار بذلك،لأنّه يدقّ و يدفع بشدّة.(1:390)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دسر السّفينة:أصلحها بالدّسار،و هو ما تمسك به ألواحها بعضها ببعض كالحبال و المسمار.

ص: 423

و أصل الدّسر:الدّفع الشّديد؛و سمّي به المسمار، لأنّه يدقّ فيدفع بقوّة.(1:187)

محمود شيت:[نحو ابن سيده و أضاف:]

الدّوسر:الكامل التّدريب و الملاك و السّلاح و النّقليّة.

يقال:فوج دوسر،و كتيبة دوسر،و لواء دوسر، و فرقة دوسر.(1:242)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الطّعن،و باعتبار هذا المفهوم الأصل يطلق على مصاديقه،و في كلّ ما يطعن أو يتحقّق به الطّعن،أو هو وسيلته،كالجمل الضّخم القويّ الّذي من شأنه أن يكون طاعنا و لو بالقوّة،و كالرّمح،الصّادق فيه أنّه مدسر،و كالكتيبة الّتي من شأنها إيراد الطّعن و الضّربة،و كالمسمار الّذي يصنع بهذا المنظور (1)، و كالخيط الّذى ينوب مناب المسمار.

و يطلق أيضا بهذه المناسبة على السّفينة نفسها:

الطّاعنة للماء،و على صدرها المواجهة له،و على أمواج البحر الطّاعنة بعضها لبعض بشدّة.(3:210)

النّصوص التّفسيريّة

دسر

وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ. القمر:13

ابن عبّاس: مسامير و شرط و كلّ شيء يشدّ به السّفينة فهو دسر.(449)

الدّسر:كلكل السّفينة.(الطّبريّ 11:552)

مجاهد : أَلْواحٍ: السّفينة، وَ دُسُرٍ عوارضها.

أضلاع السّفينة.(الطّبريّ 11:552)

نطق السّفينة.

أرض السّفينة.(ابن عطيّة 5:214)

الضّحّاك: أمّا الألواح:فجانبا السّفينة،و أمّا الدّسر:فطرفاها و أصلاها.(الطّبريّ 11:552)

الحسن :تدسر الماء بصدرها أو بجؤجئها

(الطّبريّ 11:552)

قتادة :دسرها:مساميرها الّتي شدّت بها.

(الطّبريّ 11:552)

ابن زيد :الدّسر:المسامير الّتي دسرت بها السّفينة ضربت فيها شدّت بها.(الطّبريّ 11:552)

الفرّاء: وَ دُسُرٍ... مسامير السّفينة،و شرطها الّتي تشدّ بها.(3:106)

نحوه ابن قتيبة.(432)

أبو عبيدة :الدّسر:المسامير و الخرز؛واحدها:

دسار.يقال:هات لي دسارا.(2:240)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و حملنا نوحا-إذ التقى الماء على أمر قد قدر-على سفينة ذات ألواح و دسر.و الدّسر:جمع دسار،و قد يقال في واحدها:

دسير كما يقال:حبيك و حباك؛و الدّسار:المسمار الّذي تشدّ به السّفينة.يقال منه:دسرت السّفينة،إذا شددتها بمسامير أو غيرها.

و قد اختلف أهل التّأويل في ذلك فقال بعضهم في ذلك بنحو الّذي قلنا فيه.

ص: 424


1- المقصود...لأنّ«منظور»اصطلاح فارسيّ.

و قال آخرون:بل الدّسر:صدر السّفينة قالوا:

و إنّما وصف بذلك،لأنّه يدفع الماء و يدسره.

قال آخرون:الدّسر:عوارض السّفينة.

و قال آخرون:الألواح:جانباها،و الدّسر:

طرفاها.

و قال آخرون:بل الدّسر:أضلاع السّفينة.

(11:559)

نحوه الطّوسيّ(9:448)،و الطّبرسيّ(5:188).

الزّجّاج: المعنى على سفينة ذات ألواح.و الدّسر:

اسم المسامير و الشّروط الّتي نشدّ بها (1)الألواح و كلّ شيء كان نحو السّمر،أو إدخال شيء في شيء بقوّة و شدّة،فهو الدّسر.يقال:دسرت المسمار أدسره و أدسره دسرا.

و الدّسر:واحدها دسار نحو حمار و حمر.(5:87)

البغويّ: وَ دُسُرٍ أي المسامير الّتي تشدّ بها الألواح؛واحدها:دسار و دسير.يقال:دسرت السّفينة إذا شددتها بالمسامير.(4:323)

الزّمخشريّ: و الدّسر:جمع دسار و هو المسمار «فعال»من دسره إذا دفعه،لأنّه يدسر به منفذه.

(4:38)

ابن عطيّة: و الدّسر:المسامير؛واحدها:دسار و هذا هو قول الجمهور،و هو عندي من الدّفع المتتابع، لأنّ المسمار يدفع أبدا حتّى يستوي.

و قال الحسن و ابن عبّاس أيضا:الدّسر:مقادم السّفينة،لأنّها تدسر الماء،أي تدفعه.و الدّسر:الدّفع.

(5:214)

البيضاويّ: وَ دُسُرٍ: مسامير،جمع:دسار من الدّسر و هو الدّفع الشّديد،و هي صفة للسّفينة أقيمت مقامها من حيث إنّها شرح لها تؤدّي مؤدّاها.

(2:436)

نحوه أبو السّعود.(6:167)

أبو حيّان :و ذات الألواح و الدّسر،هي السّفينة الّتي أنشأها نوح عليه السّلام.و يفهم من هذين الوصفين أنّها السّفينة،فهي صفة تقوم مقام الموصوف و تنوب عنه، و نحوه:قميصي مسرودة من حديد،أي درع،و هذا من فصيح الكلام و بديعه.و لو جمعت بين الصّفة و الموصوف فيه،لم يكن بالفصيح.

و الدّسر:المسامير،قاله الجمهور.(8:177)

الشّربينيّ: وَ دُسُرٍ: جمع دسار ككتاب و هو ما تشدّ به السّفينة من مسمار و حديد أو خشب أو من خيوط اللّيف و نحوها.قال البقاعيّ:و لعلّه عبّر عن السّفينة بما شرحها،تنبيها على قدرته على ما يريد.

(4:146)

الآلوسيّ: أي مسامير-كما قاله الجمهور-جمع دسار ككتاب و كتب و قيل:«دسر»كسقف و سقف و أصل الدّسر:الدّفع الشّديد بقهر،فسمّي به المسمار، لأنّه يدقّ فيدفع بشدّة.(27:82)

الطّباطبائيّ: المراد بذات الألواح و الدّسر:

السّفينة.و الألواح:جمع لوح،و هو الخشبة الّتي يركّب بعضها على بعض في السّفينة.و الدّسر:جمع دسار..

ص: 425


1- كذا،و الظّاهر:تشدّ...

و دسر،و هو المسمار الّذي تشدّ بها الألواح في السّفينة.و قيل:فيه معان أخر لا تلائم الآية تلك الملاءمة.(19:68)

المصطفويّ: أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ التّعبير بها دون السّفينة:إشارة الى أنّ نجاتهم و حفظهم«نوحا و قومه»في مقابل تلك البليّة العامّة السّماويّة و الأرضيّة الشّديدة،إنّما كانت بوسيلة ضعيفة و هي ألواح و صفيحات من خشب،و ما يطعن فيها لشدّها و استحكامها،و ربطها من مسامير و ألياف و غيرها.

و فيها إشارة أيضا إلى أنّ هذه السّفينة لم تكن مصنوعة على استحكام و دقّة صناعيّة و طريق علميّ،حتّى يصحّ إطلاق السّفينة الكاملة عليها.

و أمّا ذكر السّفينة في آية فَأَنْجَيْناهُ وَ أَصْحابَ السَّفِينَةِ وَ جَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ العنكبوت:15، فإنّما هو في مقام مطلق الإنجاء،و النّظر فيها إلى أصحاب السّفينة لا إلى السّفينة،و لا إلى كيفيّة النّجاة.

(3:211)

مكارم الشّيرازيّ: (دسر)جمع دسار،على وزن«كتاب»،-كما يقول«الرّاغب»في المفردات- أنّها في الأصل بمعنى الإبعاد أو النّهر بشدّة،مقترنا مع حالة عدم الرّضا،و لكون المسمار عند ما يتعرّض للطّرق الشّديد يدخل في الخشب و ما شاكل،فيقال له:دسار.

و ذكر قسم من المفسّرين أنّ معنى هذه الكلمة،هو «الحبل»مشيرين بذلك إلى حبال أشرعة السّفينة و ما إلى ذلك.و التّفسير الأوّل هو الأرجح،نظرا لذكر كلمة(الواح.)(17:286)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّسار،و هو خيط من ليف تشدّ به ألواح السّفينة،ثمّ أطلق على المسمار، لأنّه يشدّها و يثبّتها؛و الجمع:دسر.يقال:دسرت المسمار أدسره و أدسره دسرا،أي أدخلته و سمرته.

و منه:حديث الإمام عليّ عليه السّلام في صفة خلق السّماوات:«رفعها بغير عمد يدعمها،و دسار ينتظمها»،أي و لا مسمار يجمعها،و يضمّ بعضها إلى بعض.

و منه أيضا:جمل دوسر و دوسريّ و دوسرانيّ و دواسريّ: ضخم شديد مجتمع؛و الأنثى:دوسر و دوسرة،كأنّ أعضاءه قد شدّت بالدّسار،لتضامّها و اجتماعها.

و كتيبة دوسر و دوسرة:مجتمعة،و دوسر:كتيبة للنّعمان بن المنذر.

و يقال مجازا:دسره بالرّمح يدسره و يدسره دسرا أي طعنه و دفعه بشدّة.

و دسر المرأة بأيره يدسرها دسرا:باضعها.

و دسرت السّفينة الماء بصدرها:عاندته.و منه حديث ابن عبّاس و قد سئل عن زكاة العنبر،فقال:

«ليس في العنبر زكاة،إنّما هو شيء دسره البحر»، أي دفعته أمواجه،فألقته إلى الشّطّ.

ص: 426

و الدّوسر:الزّوان في الحنطة؛واحدته:دوسرة، لأنّه يدافع النّبات و يزاحمه في الماء و الغذاء.

2-يطلق عوامّ النّاس اليوم اللّفظ الإفرنجيّ «دسر»على ما يختم به الطّعام من حلوى أو فاكهة، و هو في الفصيح من كلام العرب العقبة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم(دسر)مرّة في آية واحدة:

وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ القمر:13

و يلاحظ أوّلا:أنّها من تتمّة قصّة نوح عليه السّلام، و قبلها: فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ* وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَ حَمَلْناهُ.... و قد جاءت قصّته فيها موجزة،و جاءت مفصّلة في سورتي «هود»و«نوح»و سور أخرى.

فقد خصّ اللّه سورة باسم كلّ من هذين النّبيّين:

هود و نوح،اهتماما بشأنهما،كما يسمّى سور باسم أنبياء آخرين،مثل:يونس،و يوسف،و إبراهيم، و محمّد عليهم السّلام،أو شخصيّات من غير الأنبياء،مثل:

لقمان،و مريم،و آل عمران،و أصحاب كهف تعظيما، و باسم«أبي لهب»و هنا،و باسم«قريش»تعظيما بقبيلة النّبيّ عليه السّلام.

و مع تفصيل قصّة نوح في هاتين السّورتين لم يأت في سورة نوح حديث عن«الفلك»،بل فيها إشارة إلى البحر مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا نوح:25.

أمّا في سورة هود فجاءت آيات فيه: وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ* وَ يَصْنَعُ الْفُلْكَ -إلى قوله:- وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ هود:37- 44.و جاء فيها لفظ«الفلك»مرّتين،و ضميره مرّات.

و أمّا السّور الأخرى فجاء فيها«الفلك» و«الغرق»11 مرّة:فجاء في الأعراف حديث نوح في الآيات:59-64،و فيها: فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ.

و جاء حديثه في سورة«يونس»في الآيات:71 -73،و فيها: فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَ جَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا....

و في سورة«المؤمنون»الآيات:23-28،و فيها:

فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا -إلى - فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَ مَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ.

و في سورة الشّعراء الآيات:105-120،و فيها:

فَأَنْجَيْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ.

فيبدو منها اهتمام بالغ بقصّته،و لا سيّما بأمر الفلك،و نجاة نوح،و من معه،و غرق المكذّبين به.

و في: وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ بحوث:

1-اختلفوا في لفظ(دسر)هل هو جمع«دسار»، مثل«حمار و حمر»،و«كتاب و كتب»-و عليه الأكثر-أو جمع«دسير»مثل«حبيك و حباك».أو «دسر»مثل:«سقف و سقف».

ص: 427

2-و اختلفوا أيضا في معنى(دسر:)مسامير، و شرط،و كلّ شيء يشدّ به السّفينة فهو.دسره،كلل السّفينة،أضلاع السّفينة،نطق السّفينة،أرض السّفينة،طرفا السّفينة،صدر السّفينة عوارضها، مسامير السّفينة.و هذا الأخير و الأوّل هو الصّواب، لأنّ الآية تقول: وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ، فلم تذكر«السّفينة»إلاّ بوصفها،و هو: ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ. فليس(دسر)نفس السّفينة و لا طرفاها أو غيرها ممّا ذكر،بل هو عطف على(الواح،)و هي الألواح الّتي صنعت منها.

و(دسر:)هي المسامير الّتي شدّت بها الألواح.

أصلها«دسر»بمعنى الشّدّ،و الضّرب،و الدّفع،لأنّ المسمار يدفع به،و يضرب،و يسدّ بها.

قال ابن زيد:«الدّسر:المسامير الّتي دسرت بها السّفينة،ضربت فيها،شدّت بها».و قال البيضاويّ:

«هو الدّفع الشّديد».

3-و قد تكرّر في الآيات السّابقة أنّ الفلك صنع بوحي من اللّه،و بأعينه،و لعلّها أوّل ما صنع بإرشاد اللّه،و كلّ المصنوعات البشريّة إنّما تكون بإلهام، و إرشاد من اللّه تعالى.

4-ذكر(دسر)-المسامير بما فيها من الضّرب، و الدّفع بشدّة-حاك عن استحكامها.لكنّ المصطفويّ قال-خلال كلام له نذكره-:«و فيها إشارة أيضا إلى أنّ هذه السّفينة لم تكن مصنوعة على استحكام،و دقّة صناعيّة،و طريق علميّ حتّى يصحّ إطلاق السّفينة الكاملة عليها»!!

و لا ندري أنّ ما صنع بوحي من اللّه و قوله:

(باعيننا)كيف لم يكن على استحكام،و دقّة صناعيّة،و طريق علميّ،حتّى يصحّ إطلاق السّفينة الكاملة عليها!!

و قد رأينا في تلك الآيات أنّ اللّه عبّر عنها ب«الفلك»مرّات دون السّفينة.[لاحظ هذين اللّفظين]

و الّذي بعثه على هذا هو كلامه قبله في أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ: «التّعبير بها دون السّفينة إشارة إلى أنّ نجاتهم و حفظهم:«نوحا و قومه»في مقابل تلك البليّة العامّة السّماويّة و الأرضيّة الشّديدة،إنّما كانت بوسيلة ضعيفة،و هي ألواح و صحيفات من خشب، و ما يطعن فيها لشدّها،و استحكامها،و ربطها من مسامير و ألياف و غيرها...».

و الحقّ أنّ اللّه لمّا أراد عذاب قوم نوح بالغرق في الماء،وفّر الماء من السّماء و الأرض،و غرقهم فيه، و نجا نوحا و من معه في الفلك الّذي صنعه نوح صنعة دقيقة بإلهام من اللّه و بأعينه.

و ثانيا:هذه الكلمة(دسر)وحيدة في سورة مكّيّة،خلال كلام موجز من قصّة نوح عليه السّلام،أمّا في سورة أخرى-و كلّها مكّيّة أيضا-فقد ذكر الفلك.

و أنّه مصنوع بوحي اللّه تعالى،و القصص القرآنيّة أكثرها مكّيّ.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الوتد: وَ الْجِبالَ أَوْتاداً النّبأ:7

ص: 428

د س س

اشارة

يدسّه

لفظ واحد،مرّة واحدة:في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغوية

الخليل :دسست شيئا في التّراب،أو تحت شيء، أي أخفيت.قال اللّه عزّ و جلّ: أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ النّحل:59،أي يدفنه.

و اندسّ فلان إلى فلان:يأتيه بالنّمائم.

و الدّسّيسى:اسم من دسّ يدسّ،يمدّ و يقصر.

و الدّسيس:من تدسّه ليأتيك بالأخبار.

و الدّسّاسة:حيّة بيضاء تحت التّراب.(7:185)

أبو عمرو الشّيبانيّ: شرّ الهناء الدّسّ،و هو أن تهنئ بعضا و تترك بعضا،تهنئ ما ظهر من الجرب و تترك ما غطّى عليه الوبر.(1:248)

الدّسّاس:من الحيّات الّذي لا يدرى أيّ طرفيه رأسه،و هو أخبث الحيّات.يندسّ في التّراب و لا يظهر للشّمس،و هو على لون القلب من الذّهب.(الأزهريّ 12:281)

الأصمعيّ: إذا كان بالبعير شيء خفيف من الجرب قيل:به شيء من جرب في مساعره،و قيل:

دسّ،فهو مدسوس.(الأزهريّ 12:280)

ابن الأعرابيّ: الدّسيس:الصّنان الّذي لا يقلعه الدّواء.(الأزهريّ 12:280)

شمر:الدّسّاس:حيّة أحمر كأنّه الدّم،محدّد الطّرفين،لا يدرى أيّهما رأسه،غليظ الجلد،لا يأخذ فيه الضّرب،و ليس بالضّخم،غليظ،و هو النّكّاز.

(الأزهريّ 12:281)

ابن دريد :دسّ الشّيء في الشّيء يدسّه دسّا.

و الدّسّ:أن لا يبالغ الطّالي في هناء البعير.و مثل من أمثالهم:«ليس الهناء بالدّسّ».

و الدّساس:ضرب من الحيّات.

ص: 429

و الدّسيس:شبيه بالمتحسّس عن الشّيء.

و جاءت الخيل دواسّ،إذا جاء بعضها في إثر بعض.(1:72)

الأزهريّ: قال اللّيث:الدّسّ:دسّك الشّيء تحت شيء،و هو الإخفاء،و منه قول اللّه جلّ و عزّ: أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ النّحل:59،أي يدفنه.

قلت:أراد الموءودة الّتي كان أهل الجاهليّة يئدونها و هي حيّة.و ذكّر فقال:(يدسه)و هي أنثى، لأنّه ردّه على لفظ(ما)في قوله: يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ النّحل:59،فردّه على اللّفظ، لا على المعنى.و لو قال:«بها»لكان جائزا.

و الدّسيس:المشويّ.

و الدّسس:المراءون بأعمالهم،يدخلون مع القرّاء و ليسوا قرّاء.

قال:و الدّسس:الأصنّة:الدّفرة.

و يقال للهناء الّذي يطلى به أرفاغ الإبل:الدّسّ أيضا.

و من أمثالهم:«ليس الهناء بالدّسّ»،المعنى:أنّ البعير إذا جرب في مساعره لم يقتصر من هنائه على مواضع الجرب،و لكن يعمّ بالهناء جميع جلده،لئلاّ يتعدّى الجرب موضعه،فيجرب موضع آخر.يضرب مثلا للّذي يقتصر من قضاء حاجة صاحبه على ما يتبلّغ به،و لا يبالغ في الحاجة بكمالها.

و قال أبو خيرة:الدّسّاسة:شحمة الأرض،و هي العنمة أيضا.

قلت:و العرب تسمّيها الحلكة،تغوص في الرّمل، كما يغوص الحوت في الماء،و يشبّه بها بنات العذارى، و يقال لها:بنات النّقى.(12:280)

الصّاحب:الدّسّ:دسّك شيئا تحت شيء،و هو الإخفاء.

و اندسّ فلان إلى فلان:يأتيه بالنّمائم.

و الدّسيس:من تدسّه ليأتيك بالأخبار.

و الدّسّاسة:حيّة صمّاء تكون تحت التّراب.و قيل:

هي مثل العظاية لم تر شمسا قطّ.

و الدّسّ:أن تهنّأ أرفاغ الإبل.و منه المثل:«ليس الهناء بالدّسّ».(8:235)

الجوهريّ: دسّ البعير فهو مدسوس،إذا طلي بالهناء في مساعره.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه المثل:ليس الهناء بالدّسّ.

و دسست الشّيء في التّراب أدسّه:أخفيته فيه.

و الدّسيس:إخفاء المكر.

و الدّسّاسة:حيّة صمّاء تندسّ تحت التّراب اندساسا،أي تندفن.

و الدّسّة:لعبة لصبيان الأعراب.(3:928)

ابن فارس: الدّال و السّين في المضاعف و المطابق أصل واحد،يدلّ على دخول الشّيء تحت خفاء و سرّ.

يقال:دسست الشّيء في التّراب أدسّه دسّا،قال اللّه تعالى: أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ و الدّسّاسة:حيّة صمّاء تكون تحت التّراب.

فأمّا قولهم دسّ البعير،ففيه قولان،كلّ واحد منهما من قياس الباب:

فأحدهما:أن يكون به قليل من جرب.فإن كان

ص: 430

كذا،فلأنّ ذلك الجرب كالشّيء الخفيف المندسّ.

و القول الآخر:هو أن يجعل الهناء على مساعر البعير.

و من الباب الدّسيس.و قولهم:العرق دسّاس، لأنّه ينزع في خفاء و لطف.(2:256)

ابن سيده: الدّسّ:إدخال الشّيء من تحت،دسّه يدسّه دسّا فاندسّ و دسّسه،و دسّاه؛الأخيرة على البدل كراهية التّضعيف.

و في التّنزيل قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها* وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها الشّمس 9،10 يقول:أفلح من جعل نفسه زكيّة مؤمنة،و خاب من دسّسها في أهل الخير و ليس منهم،و قيل:(دساها)جعلها خسيسة قليلة بالعمل الخبيث.

و الدّسيس:من تدسّه ليأتيك بالأخبار.و قيل:

الدّسيس شبيه بالمتجسّس.

و دسّ البعير يدسّه دسّا:لم يبالغ في هنئه.و في المثل«الهناء بالدّسّ».

و دسّ البعير:و رمت مساعره و هي أرفاغه و آباطه.

و الدّسّاسة:حيّة صمّاء تحت التّراب.و قيل:هي شحمة الأرض.

و الدّسّاس:حيّة أحمر محدّد الطّرفين.(8:405)

الرّاغب: الدّسّ:إدخال الشّيء في الشّيء بضرب من الإكراه.يقال:دسسته فدسّ و قد دسّ البعير بالهناء.

و قيل:«ليس الهناء بالدّسّ»،قال اللّه تعالى: أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ. (169)

الزّمخشريّ: دسّ الشّيء في التّراب،و كلّ شيء أخفيته تحت شيء فقد دسسته.و منه سمّيت «الدّسّاسة»و هي دويبّة شبه العظاية بصّاصة لا ترى شمسا،إنّما هي مندسّة تحت التّراب أبدا.

و هذا دسيس قومه:لمن يبعثونه سرّا ليأتيهم بالأخبار.

و دسّى نفسه:نقيض زكّاها،أصله:دسّس، كتقضّى البازي.(أساس البلاغة:130)

المدينيّ: أصل الدّسّ:الدّفن و الإخفاء.(1:655)

ابن الأثير: فيه:«استجيدوا الخال فإنّ العرق دسّاس»أي دخّال،لأنّه ينزع في خفاء و لطف.

دسّه يدسّه دسّا،إذا أدخله في الشّيء بقهر و قوّة.

(2:117)

الفيّوميّ: دسّه في التّراب دسّا من باب«قتل»:

دفنه فيه،و كلّ شيء أخفيته فقد دسسته.و منه يقال للجاسوس:دسيس القوم.(1:194)

الفيروزآباديّ: الدّسّ:الإخفاء،و دفن الشّيء تحت الشّيء،كالدّسّيسى.

و الدّسّيس:الصّنان لا يقلعه الدّواء،و من تدسّه ليأتيك بالأخبار،و المشويّ.

و الدّسس،بضمّتين:الأصنّة الفائحة،و المراءون بأعمالهم،يدخلون مع القرّاء،و ليسوا منهم.

و الدّسّاسة:شحمة الأرض.

و الدّسّاس:حيّة خبيثة،و هي النّكّاز.

و الدّسّة،بالضّمّ:لعبة.

ص: 431

و قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها، أي:دسّسها،كتظنّيت في تظنّنت،لأنّ البخيل يخفي منزله و ماله،أو معناه:

دسّ نفسه مع الصّالحين و ليس منهم،أو خابت نفس دسّاها اللّه.

و اندسّ:اندفن.(2:223)

الطّريحيّ: يقال:دسّه في التّراب،من باب «قتل»:دفنه.

و دسّه دسّا،إذا أدخله في شيء بقهر و عنف.

و الدّسيس:إخفاء المكر،و منه الحديث:«مملوك أراد أن يشتري نفسه فدسّ إنسانا،فهل للمدسوس أن يشتريه كلّه»؟(4:70)

مجمع اللّغة :دسّه يدسّه دسّا:أخفاه.

و دسّه في التّراب:دفنه.(1:391)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دسّ الشّيء في الأرض:

أدخله فيها بقوّة و قهر و أخفاه.

و دسّ البذرة في التّربة:دفنها فيها.(1:187)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الإخفاء و السّتر،بلحاظ كونه غير مطلوب عند العرف و يستكرهه النّاس.كما في دسّ جرب البعير،و دسّ البنات في الجاهليّة العمياء،و دسّ الدّسيس من جهة كونه دسيسا،أو دسّ الدّسيس الأخبار المخصوصة،و الدّسيس:المرائي الّذي يخفي ما في قلبه و باطنه،و الدّسّاس:الّذي يخفي العرق المخصوص في النّسب.و الدّسّاسة و هي الحيّة الموحشة المتوارية في الأرض.

و الفرق بينها و بين موادّ:الإخفاء و الكتم و السّتر و التّواري و الدّفن:أنّ كون الشّيء المدسوس مستكرها غير ملحوظ في هذه الموادّ،مضافا إلى قيد مخصوص في كلّ منها:فالدّفن يستعمل في الإخفاء تحت الأرض،و السّتر في المستوريّة بالسّاتر و إن كان مدركا ببعض الحواسّ،و التّواري في الملفوفيّة من جميع الجهات،و الكتمان في الإخفاء بالقلب و يقابله الإبداء، و الإخفاء أعمّ.

فظهر أنّ التّعبير بالمادّة في الآية بلحاظ الاستكراه.

(3:212)

النّصوص التّفسيريّة

وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ* يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ.

النّحل:58،59

ابن عبّاس: يدفنه.(226)

السّدّيّ: كانت العرب يقتلون ما ولد لهم من جارية،فيدسّونها في التّراب،و هي حيّة حتّى تموت.

(328)

ابن جريج:يئد ابنته.(الطّبريّ 2:107)

الفرّاء: يقول:لا يدري أيّهما يفعل:أ يمسكه أم يدسّه في التّراب،يقول:يدفنها أم يصبر عليها و على مكروهها،و هي الموءودة.و هو مثل ضربه اللّه تبارك و تعالى.(2:107)

الطّبريّ: يدفنه حيّا في التّراب فيئده.(7:600)

نحوه الزّجّاج(3:206)،و القاسميّ(10:3819).

ص: 432

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّها الموءودة الّتي تدسّ في التّراب قتلا لها.

الثّاني:أنّه محمول على إخفائه عن النّاس حتّى لا يعرفوه،كالمدسوس في التّراب لخفائه عن الأبصار.

و هو محتمل.(3:195)

الطّوسيّ: أي هو يميل إمساكه على مذلّة،أو دفنه حيّا في التّراب.(6:394)

الواحديّ: و الدّسّ:إخفاء الشّيء في الشّيء يعني ما كانوا يفعلونه من الوأد في الجاهليّة.(3:67)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:459)

البغويّ: أي:يخفيه منه،فيئده.و ذلك:أنّ مضرّ و خزاعة و تميما كانوا يدفنون البنات أحياء،خوفا من الفقر عليهنّ،و طمع غير الأكفّاء فيهنّ.و كان الرّجل من العرب إذا ولدت له بنت و أراد أن يستحييها، ألبسها جبّة من صوف أو شعر،و تركها ترعى له الإبل و الغنم في البادية،و إذا أراد أن يقتلها تركها حتّى إذا صارت سداسية،قال لأمّها:زيّنيها حتّى أذهب بها إلى أحمائها،و قد حفر لها بئرا في الصّحراء،فإذا بلغ بها البئر قال لها:انظري إلى هذه البئر،فيدفعها من خلفها في البئر،ثمّ يهيل على رأسها التّراب حتّى يستوي البئر بالأرض؛فذلك قوله عزّ و جلّ: أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ. (3:83)

نحوه القرطبيّ.(10:117)

الزّمخشريّ: أم يئده.و قرئ (أ يمسكها على هون ام يدسّها) على التّأنيث.(2:414)

ابن عطيّة:معنى الآية يدبّر:أ يمسك هذه الأنثى على هوان يتحمّله و همّ يتجلّد له،أم يدسّها فيدفنها حيّة،فهو الدّسّ في التّراب.(3:402)

الطّبرسيّ: يعني:يميل نفسه،و يدبّر في أمر البنت المولودة له،أ يمسكه على ذلّ و هوان،أم يخفيه في التّراب و يدفنه حيّا،و هو الوأد الّذي كان من عادة العرب،و هو أنّ أحدهم كان يحفر حفيرة صغيرة،و إذا ولد له أنثى،جعلها فيها،و حثا عليها التّراب حتّى تموت تحته.و كانوا يفعلون ذلك مخافة الفقر عليهنّ، فيطمع غير الأكفاء فيهنّ.(3:367)

الفخر الرّازيّ: و الدّسّ:إخفاء الشّيء في الشّيء.

يروى أنّ العرب كانوا يحفرون حفيرة،و يجعلونها فيها حتّى تموت.

و روي عن قيس بن عاصم أنّه قال:يا رسول اللّه إنّي واريت ثماني بنات في الجاهليّة،فقال عليه السّلام«أعتق عن كلّ واحدة منهنّ رقبة،فقال:يا نبيّ اللّه إنّي ذو إبل، فقال:أهد عن كلّ واحدة منهنّ هديا»و روي أنّ رجلا قال يا رسول اللّه:ما أجد حلاوة الإسلام منذ أسلمت،فقد كانت لي في الجاهليّة ابنة،فأمرت امرأتي أن تزيّنها فأخرجتها إليّ،فانتهيت بها إلى واد بعيد القعر فألقيتها فيه،فقالت:يا أبت قتلتني!فكلّما ذكرت قولها لم ينفعني شيء،فقال عليه السّلام:«ما كان في الجاهليّة فقد هدمه الإسلام،و ما كان في الإسلام يهدمه الاستغفار».

و اعلم أنّهم كانوا مختلفين في قتل البنات:فمنهم

ص: 433

من يحفر الحفيرة و يدفنها فيها إلى أن تموت،و منهم من يرميها من شاهق جبل،و منهم من يغرقها،و منهم من يذبحها؛و هم كانوا يفعلون ذلك تارة للغيرة و الحميّة، و تارة خوفا من الفقر و الفاقة،و لزوم النّفقة.

(20:55)

البيضاويّ: أم يخفيه فيه و يئده.و تذكير الضّمير للفظ(ما).و قرئ بالتّأنيث فيهما.(1:559)

نحوه أبو السّعود.(4:71)

النّيسابوريّ: أي بيده (1).و الدّسّ:إخفاء الشّيء في الشّيء.و إنّما ذكّر الضّمير في(يمسكه) و(يدسه)باعتبار ما بشّر به.[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ](14:79)

الخازن :يعني أم يخفي الّذي بشّر به في التّراب.

[ثمّ أدام نحو البغويّ](4:79)

أبو حيّان :و الظّاهر من قوله: أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ إنّه يئدها،و هو دفنها حيّة حتّى تموت.

و قيل:دسّها:إخفاؤها عن النّاس حتّى لا تعرف كالمدسوس في التّراب.(5:504)

الشّربينيّ: و ذكّر الضّمير في(يمسكه) و(يدسه)نظرا للفظ«الولد»أو لكون الأنثى ولدا كما علم ممّا مرّ.(2:238)

سيّد قطب :إنّ الانحراف في العقيدة لا تقف آثاره عند حدود العقيدة بل يتمشّى في أوضاع الحياة الاجتماعيّة و تقاليدها.فالعقيدة هي المحرّك الأوّل للحياة سواء ظهرت أو كمنت و هؤلاء عرب الجاهليّة كانوا يزعمون أنّ للّه بنات-هنّ الملائكة-على حين أنّهم كانوا يكرهون لأنفسهم ولادة البنات!فالبنات للّه،أمّا هم فيجعلون لأنفسهم ما يشتهون من الذّكور!

و انحرافهم عن العقيدة الصّحيحة سوّل لهم وأد البنات أو الإبقاء عليهنّ في الذّلّ و الهوان،من المعاملة السّيّئة و النّظرة الوضيعة.ذلك أنّهم كانوا يخشون العار و الفقر مع ولادة البنات؛إذ البنات لا يقاتلن و لا يكسبن،و قد يقعن في السّبي عند الغارات فيجلبن العار،أو يعشن كلاّ على أهليهنّ فيجلبن الفقر.

و العقيدة الصّحيحة عصمة من هذا كلّه؛إذ الرّزق بيد اللّه يرزق الجميع،و لا يصيب أحد إلاّ ما كتب له.ثمّ إنّ الإنسان بجنسيه كريم على اللّه و الأنثى-من حيث إنسانيّتها-صنو الرّجل و شطر نفسه كما يقرّر الإسلام.(4:2177)

ابن عاشور :و الدّسّ:إخفاء الشّيء بين أجزاء شيء آخر كالدّفن.و المراد:الدّفن في الأرض و هو الوأد،و كانوا يئدون بناتهم،بعضهم يئد بحدثان الولادة،و بعضهم يئد إذا يفعت الأنثى و مشت و تكلّمت،أي حين تظهر للنّاس لا يمكن إخفاؤها؛ و ذلك من أفظع أعمال الجاهليّة.و كانوا متمالئين عليه و يحسبونه حقّا للأب فلا ينكرها الجماعة على الفاعل.(13:149)

المصطفويّ: أي يحدّث نفسه في حفظه و إمساكه و تحمّله الهون،أو يدسّه.ه.

ص: 434


1- كذا،و الظّاهر:يئده.

و في التّعبير بجملة ما بُشِّرَ بِهِ و في إرجاع الضّمير في(يمسكه،)(يدسه)إلى الموصول،دون الأنثى:حفظ لمقام الأنثى،و إشارة إلى أنّ هذا النّظر لا يتجاوز عن اللّفظ و القول و الاعتبار،و هو خارج عن حقيقة الأمر.ثمّ عقّبها بقوله: أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ معبّرا فيها أيضا بالإجمال.(3:212)

مكارم الشّيرازيّ: لما ذا شاع وأد البنات في الجاهليّة؟

الوأد في واقعه أمر رهيب،لأنّ الفاعل يقوم بسحق كلّ ما بين جوانحه من عطف و رحمة،ليتمكّن من قتل إنسان بريء،ربّما هو من أقرب الأشياء إليه من نفسه.

و الأقبح من ذلك افتخاره بعمله الشّنيع هذا!

فأين الفخر من قتل إنسان ضعيف لا يقوى حتّى للدّفاع عن نفسه؟بل كيف يدفن الإنسان فلذة كبده و هي حيّة؟!

و هذا ليس بالأمر الهيّن،فأيّ إنسان و مهما بلغت به الوحشيّة لا يقدم على هكذا جريمة بشعة،من غير أن تكون لها مقدّمات اجتماعيّة و نفسيّة و اقتصاديّة عميقة الأثر و التّأثير،تدعوه لذلك.

يقول المؤرّخون:إنّ بداية وقوع هذا العمل القبيح كانت على أثر حرب جرت بين فريقين منهم في ذلك الوقت،فأسر الغالب منهم نساء و بنات المغلوب، و بعد مضيّ فترة من الزّمن تمّ الصلح بينهم،فأراد المغلوبون استرجاع أسراهم،إلاّ أنّ بعضا من الأسيرات-ممّن تزوّجن من رجال القبيلة الغالبة- اخترن البقاء مع الأعداء،و رفضن الرّجوع إلى قبيلتهنّ،فصعب الأمر على آبائهنّ بعد أن أصبحوا محلاّ للّوم و الشّماتة،حتّى أقسم بعضهم أن يقتل كلّ بنت تولد له،كي لا تقع مستقبلا أسيرة بيد الأعداء.

و يلاحظ بوضوح ارتكاب أفظع جناية ترتكب تحت ذريعة الدّفاع عن الشّرف و النّاموس و حيثيّة العائلة الكاذبة.فكانت النّتيجة:ظهور بدعة وأد البنات القبيحة،و انتشارها بين جمع منهم/حتّى أصبحت سنّة جاهليّة.و لفظاعتها فقد أنكرها القرآن الكريم بشدّة بقوله: وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ التّكوير:8،9.

و ثمّة احتمال آخر يذهب إلى دور الطّبيعة الانتاجيّة للأولاد الذّكور،و النّزوع إلى الطّبيعة الاستهلاكيّة عند الإناث،و ماله من أثر على الحياة الاجتماعيّة و الاقتصاديّة،فالولد الذّكر بالنّسبة لهم ذخر مهمّ ينفعهم في القتال و الغارات و في حفظ الماشية،و ما شابه ذلك من الفوائد،في حين أنّ البنات لسن كذلك.

و من جانب آخر،فقد سبّبت الحروب و النّزاعات القبليّة قتل الكثير من الرّجال و الأولاد ممّا أدّى لاختلال التّوازن في نسبة الإناث إلى الذكور،حتّى وصل وجود الولد الذّكر عزيزا،و دفع الرّجل لأن يتباهى بين قومه حين يولد له مولود ذكرا،و ينزعج و يتألّم عند ولادة البنت.و وصل حالهم لحدّ كما يقول عنه بعض المفسّرين-أنّ الرّجل في الجاهليّة يغيّب نفسه عن داره عند قرب وضع زوجته،لئلاّ تأتيه بنت و هو في الدّار.

ص: 435

و إذا ما أخبروه بأنّ المولود ذكر فيرجع إلى بيته، و بشائر الفرح تتعالى وجنتيه،و لكنّ الويل كلّ الويل و الثّبور فيما لو أخبروه بأنّ المولود بنت و يمتلئ غيظا و غضبا.[ثمّ أدام البحث في ذلك فراجع](8:200)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّسّ،أي طلي موضع الجرب في البعير بالهناء.يقال:دسّ البعير فهو مدسوس،و في المثل:«ليس الهناء بالدّسّ».قال الأزهريّ:«المعنى أنّ البعير إذا جرب في مساعره، لم يقتصر من هنائه على مواضع الجرب،و لكن يعمّ بالهناء جميع جلده،لئلاّ يتعدّى الجرب موضعه فيجرب موضع آخر.يضرب مثلا للّذي يقتصر من قضاء حاجة صاحبه على ما يتبلّغ به،و لا يبالغ في الحاجة بكمالها».و يقال أيضا:دسّ البعير يدسّه دسّا،أي لم يبالغ في هنئه.

و الدّسّ:الهناء الّذي يطلى به أرفاغ الإبل،و هو من باب إطلاق الشّيء على ما يتوصّل به إلى الفعل، و نحوه إطلاق القوّة على السّلطان،و هي ممّا يتوسّل به و منه:دسّ البعير:و رمت مساعره،و هي أرفاغه و آباطه،لأنّها مظنّة الجرب و مواضعه.

و الدّسيس:الصّنان الّذي لا يقلعه الدّواء،لأنّه كالجرب يكون في الآباط،فشبّه به،و الجمع:دسس.

و الدّسّ:إدخال الشّيء من تحته،تشبيها بإدخال الهناء تحت آباط البعير و أرفاغه.يقال:دسّ الشّيء يدسّه دسّا فاندسّ،و دسّسه و دسّاه أيضا،و الدّسّى:

اسم منه.و دسست الشّيء في التّراب:أخفيته فيه، و منه:الدّسّاس و الدّسّاسة،و هي حيّة صمّاء تندسّ اندساسا تحت التّراب،أي تخفى.

و الدّسّة:لعبة لصبيان الأعراب،و كأنّهم كانوا يدسّون شيئا في التّراب،ثمّ يتبارون في البحث عنه و استخراجه،و اللّه أعلم.

و استعمل الدّسّ مجازا في أشياء أخرى،و منه حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«استجيدوا الخال فإنّ العرق دسّاس»،أي دخّال،لأنّه ينزع في خفاء و لطف.

و الدّسيس:من تدسّه ليأتيك بالأخبار.يقال:

اندسّ فلان إلى فلان:يأتيه بالنّمائم.

2-و بين هذه المادّة و مادّة«ب س س»اشتقاق أكبر.يقال:بسّ فلان لفلان من يتخبّر له خبره و يأتيه به،أي دسّه إليه،و بسّ عقاربه:أرسل نمائمه و أذاه، و انبسّت الحيّة:انسابت على وجه الأرض.

و تتعاقب الباء و الدّال أيضا في قولهم:طاروا عباديد و عبابيد،أي متفرّقين،و بيني و بينه قاب رمح و قاد رمح،أي قدر رمح،و هو إبدال نادر.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا«المضارع»مرّة،في آية:

وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ* يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ. النّحل:58،59

و لها علاقة بما قبلها: وَ يَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ

ص: 436

سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ فإنّهم كانوا يجعلون البنات للّه،و الذّكور لأنفسهم في حين أنّه إذا بشّر أحدهم بالأنثى عرضته أسوء الحالات تظهر في وجهه، و يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به.فكيف يحكمون بهذا الحكم الجائر؟

و قد كرّره ذمّا و توبيخا مع وعد العذاب به بعد عدّة آيات من السّورة:62، وَ يَجْعَلُونَ لِلّهِ ما يَكْرَهُونَ وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ.

و قد تحدّث اللّه عن شنيعهم هذا في آيات أخرى:

فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ الصّافّات:

149،و أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ الزّخرف:16،و أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ الطّور:39.و فيها بحوث:

1-قالوا في معنى يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ: يدفنه، يئد ابنته،يدفنه حيّا في التّراب،يخفيه في التّراب، و نحوها.و قالوا:و هي الموءودة الّتي قال اللّه تعالى فيها: وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ التّكوير:8،9.و ذكر الماورديّ فيه وجهين:وأدهما في التّراب،و إخفاءها عن النّاس-و مثله عن أبي حيّان -و هذا عجيب منهما؛إذ ليس في الآية سوى الوأد بقرينة فِي التُّرابِ، و إنّما يخفى نفسه عن النّاس، كما قال: يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ النّحل:59.

و قال الواحديّ و الفخر الرّازيّ و غيرهما:

«الدّسّ:إخفاء الشّيء في الشّيء».و قال ابن عاشور:

«الدّسّ:إخفاء الشّيء بين أجزاء شيء آخر كالدّفن.

و المراد:الدّفن في الأرض».فيبدو أنّ الدّسّ لا يختصّ بالدّفن بل هو مطلق إخفاء شيء في شيء،لكن المراد به في الآية الدّفن في التّراب.

2-و قال الفخر الرّازيّ:«و اعلم أنّهم كانوا مختلفين في قتل البنات:فمنهم من يحفر الحفيرة و يدفنها فيها إلى أن تموت،و منهم من يرميها من شاهق جبل،و منهم من يغرقها،و منهم من يذبحها».

لكنّ المذكور في هذه الآية،و آية التّكوير هو الوأد، دون غيره.

3-الضّمير المذكّر في(به)و(يمسكه) و(يدسه)-مع أنّ المراد به الأنثى-راجع إلى(ما) في(ما بشر به.)

و قال الشّربينيّ: «نظرا للفظ الولد أو لكون الأنثى ولدا».كيف و لم يذكر فيها«الولد»بل ذكرت الأنثى!!

و قال المصطفويّ: «في إرجاع الضّمير في (يمسكه)و(يدسه)إلى الموصول،دون الأنثى:

حفظ لمقام الأنثى،و إشارة إلى أنّ هذا النّظر لا يتجاوز عن اللّفظ و القول و الاعتبار،و هو خارج عن حقيقة الأمر.ثمّ عقّبها بقوله: أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ معبّرا فيها أيضا بالإجمال».

و فيما ذكره في وجه التّذكير نظر،بل الظّاهر من الآية أنّها ذكرت بدل(الانثى)-بأن تقول:«من سوء بشارته بالأنثى»بتكرار لفظ(الانثى)بلفظ الموصول: ما بُشِّرَ بِهِ حذرا من تكرارها لشدّة

ص: 437

قبحها عندهم،بل جاء بلفظ(سوء)بدلها،فقال: مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ، فالآية قد حفظت قبح الأنثى عندهم،و لم تأت بما يلوح منه حسنها،كما ظنّ المصطفويّ.

4-و قد جاء في نصّ البغويّ و الفخر الرّازيّ حديث وأد البنات عند العرب الجاهليّ فرارا من الفقر،أو طمع غير الأكفّاء فيهنّ خشية العار.كما جاء في نصّ سيّد قطب و مكارم الشّيرازيّ و غيرهما تقبيح هذا العمل بأوضح بيان.

و قال ابن عاشور فيه:«و ذلك من أفظع أعمال الجاهليّة.فلاحظ مدى ما منّ به الإسلام على العرب و على غيرهم من الأقوام و الأمم،بل على البشريّة جمعاء من رفع المساوئ و القبائح و أنواع الظّلم،و من جلب المحاسن،و المنافع،و أصناف الخير،و العدل للنّاس».

5-قال الزّمخشريّ: «و قرئ (أ يمسكها على هون ام يدسّها) على التّأنيث».

و يلاحظ ثانيا:أنّ الآية حكاية حال الجاهليّة و ذمّها،فهي مكّيّة،و كذا سائر ما سبق من الآيات.

ثالثا:ليس لهذه المادّة نظائر في القرآن.

ص: 438

د س و

اشارة

دسّاها

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :دسا يدسو دسوا،و دسوة،و هو نقيض زكا يزكو زكاء و زكاة.و هو داس لا زاك.

و دسّى نفسه،و دسى يدسى لغة.و يدسو أصوب.

و دسا كقولك:غوى.(7:283)

أبو عبيدة :[في باب حروف المضاعف الّتي تقلب إلى الياء:]

قوله عزّ و جلّ:(دساها)الشّمس:10،إنّما هو من:دسّيت.(الكنز اللّغويّ:58)

أبو الهيثم:دسّ فلان نفسه،إذا أخفاها و أحملها لؤما،مخافة أن يتنبّه له فيستضاف.(الأزهريّ 13:41)

ثعلب :دسّيت:أغويت و أفسدت.

(الأزهريّ 13:41)

ابن دريد :و يقال:دسّى فلان فلانا،إذا أغواه و منه قوله جلّ ثنائه: وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها، -و اللّه أعلم-.[ثمّ استشهد بشعر](3:242)

الأزهريّ: عن ابن الأعرابيّ:دسّا،إذا استخفى.

قلت:و هذا يقرب ممّا قاله اللّيث،و أحسبهما ذهبا إلى قلب حرف التّضعيف ياء،و اعتبر اللّيث ما قال في «دسا»من قول اللّه جلّ و عزّ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها* وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها. الشّمس:9،10.

و قد بيّنت في مضاعف السّين أنّ دسّاها في الأصل:

دسّسها،و أنّ السّينات توالت فقلبت إحداهنّ ياء.

و أمّا«دسا»غير محوّل عن المضعّف،من باب «الدّسّ»فلا أعرفه و لم أسمعه،و هو مع ذلك غير بعيد من الصّواب.

و المعنى:خاب من دسّ نفسه،أي أخملها و خسّس حظّها.و قيل:خابت نفس دسّاها اللّه،و كلّ شيء أخفيته و قلّلته فقد دسّسته.(13:41)

الصّاحب:[مثل الخليل و أضاف:]

ص: 439

و دسّيت عنه حديثا،أي حملته عنه.و قوله عزّ و جلّ:(دساها)أي دسّسها و أخفاها،و قيل:

أغواها.(8:360)

الجوهريّ: دسّاها،أي أخفاها.و هو في الأصل:

دسّسها،فأبدل من إحدى السّينين ياء.(6:2337)

ابن فارس: الدّال و السّين و الحرف المعتلّ أصل واحد،يدلّ على خفاء و ستر.يقال:دسوت الشّيء أدسوه،و دسا يدسو،و هو نقيض زكا.

فأمّا قوله تعالى: وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها، فإنّ أهل العلم قالوا:الأصل:دسّسها،كأنّه أخفاها؛و ذلك أنّ السّمح ذا الضّيافة ينزل بكلّ براز،و بكلّ يفاع، لينتابه الضّيفان،و البخيل لا ينزل إلاّ في هبطة أو غامض،فيقول اللّه تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها* وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها الشّمس:9،10،أي أخفاها،أو أغمضها.و هذا هو المعوّل عليه.غير أنّ بعض أهل العلم قال:(دساها)أي أغواها و أغراها بالقبيح.[ثمّ استشهد بشعر](2:277)

ابن سيده: دسا الرّجل دسوا و دسي،و هو خلاف زكا.

و دسّى نفسه و تدسّى و دسّاه:أغواه و أفسده؛ و في التّنزيل: وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها. (8:604)

الرّاغب: وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها، أي دسّسها في المعاصي،فأبدل من إحدى السّينات ياء،نحو:

تظنّيت،و أصله:تظنّنت.(169)

الزّمخشريّ: ...و دسّى نفسه:نقيض زكّاها، أصله:دسّس،كتقضّى البازي.(أساس البلاغة:130)

[و قال في«د س ي»:]

دسى يدسى:نقيض زكا.(8:568)

الفيّوميّ: دسّه في التّراب دسّا،من باب «قتل»:دفنه فيه.و كلّ شيء أخفيته فقد دسسته.و منه يقال للجاسوس:دسيس القوم.

(1:194)

الفيروزآباديّ: دسا يدسو دسوة:نقيض زكا يزكو.و هو داس،لا زاك.و دسا:استخفى.

[و قال في«د س ي»:]

دسى كسعى:ضدّ زكا.

و دسّاه تدسية:أغواه و أفسده،و عنه حديثا:

احتمله.(4:329)

مجمع اللّغة :دسا يدسو دسوا:نقص و اتّضع بأعمال الفجور.

و دسا،أيضا:استخفى خزيا من فعل شيء.

و دسّاه تدسية:وضع من شأنه،و أيضا:أخفاه لسوء فعله.

و يجوز أن يكون دسّى أصلها:دسّس،و هو تضعيف«دسّ»للمبالغة،فأبدلت ثالثة السّينات ياء، كما قيل:تظنّى في تظنّن و تقضّى في تقضّض.

(1:391)

المصطفويّ: «دسو»،و قد اختلف فيها[و نقل أقوال بعض اللّغويّين ثمّ قال:]

فظهر أنّ التّفعيل من الدّسو أو من الدّسي لم يثبت استعماله،مضافا إلى أنّ بين هذه الموادّ اشتقاق أكبر، و معانيها متقاربة.

ص: 440

فالمعنى:قد أفلح من زكّى نفسه عن الرّذائل و الخسائس،و ما لا يليق بشأن إنسان؛من حيث إنّه إنسان له جهة ملكوتيّة.و قد خاب من جعلها داسّة تدسّ حقيقة ما في نفسه،و ليس باطن نفسه سالما روحانيّا نورانيّا مزكّى و منزّها عن الصّفات الحيوانيّة الظّلمانيّة،بل هو ملوّث و غير مطهّر.

و أمّا معنى الإخفاء المطلق في المورد:فليس بمناسب في المقام.(3:213)

النّصوص التّفسيريّة

دسّاها

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها* وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها.

الشّمس:9،10

ابن عبّاس: و قد خاب من دسّى اللّه نفسه فأضلّه.

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 12:604)

[دسوها:]تكذيبها.(الطّبريّ 12:604)

أبطلها و أهلكها.(الثّعلبيّ 10:214)

أضلّها و أهلكها.(الطّبرسيّ 5:498)

نحوه الحسن.(الثّعلبيّ 10:214)

سعيد بن جبير: أغواها.

مثله مجاهد.(الطّبريّ 12:604)

مجاهد :أضلّها.(الطّبريّ 12:604)

الضّحّاك: جبنها في الخير.(الماورديّ 6:285)

عكرمة :خسرها.(الماورديّ 6:284)

قتادة :أثمّها و أفجرها.(الطّبريّ 12:604)

زيد بن عليّ عليهما السّلام:معناه:أغواها.(484)

مثله القمّيّ.(2:424)

الإمام الصّادق عليه السّلام:قد أفلحت نفس زكّاها اللّه، و قد خاب من دسّاها اللّه.(البحرانيّ 10:294)

يحيى بن سلاّم:أشقاها.(الماورديّ 6:285)

اليزيديّ: أدخلها،من دسست،قلبت السّين ياء، كما قالوا:تظنّيت،إنّما هو تظنّنت،و رجل ملبّ،إنّما هو من ألبيت.(430)

الفرّاء: يقول:قد أفلحت نفس زكّاها اللّه،و قد خابت نفس دسّاها.و يقال:قد أفلح من زكّى نفسه بالطّاعة و الصّدقة.و قد خاب من دسّى نفسه،فأخملها بترك الصّدقة و الطّاعة.

و نرى-و اللّه أعلم-أنّ(دساها)من:دسّست، بدّلت بعض سيناتها ياء،كما قالوا:تظنّيت من الظّنّ، و تقضّيت،يريدون:تقضّضت من:تقضّض البازيّ، و خرجت أتلعّى:ألتمس اللّعاع أرعاه.و العرب تبدّل في المشدّد الحرف منه بالياء و الواو،من ذلك ما ذكرنا لك.[ثمّ استشهد بشعر و أضاف:]

و يقال:دويّه و داويّه،و يقال:أمّا فلان فصالح و أيما،و من ذلك قولهم:دينار أصله دنّار،يدلّ على ذلك جمعهم إيّاه:دنانير،و لم يقولوا:ديانير،و ديوان كان أصله:دوّان لجمعهم إيّاه:دواوين،و ديباج:

ديابيج،و قيراط،قراريط،كأنّه كان قرّاط.

و نرى أنّ(دساها:)دسّسها؛لأنّ البخيل يخفي منزله و ماله،و أنّ الآخر يبرز منزله على الأشراف و الرّوابي،لئلاّ يستتر عن الضّيفان،و من أراده،و كلّ

ص: 441

صواب.(3:267)

ابن الأعرابيّ: أي دسّ نفسه في جملة الصّالحين و ليس منهم.(القرطبيّ 20:77)

نحوه ثعلب.(ابن عطيّة 5:488)

ابن قتيبة :أي دسّ نفسه،أي أخفاها بالفجور و المعصية.و الأصل من:دسّست،فقلبت السّين ياء، كما قالوا:قصّيت أظفاري،أي قصّصتها.(530)

أي نقصها و أخفاها بترك عمل البرّ،و بركوب المعاصي.و الفاجر أبدا خفيّ المكان،زمر المروءة، غامض الشّخص،ناكس الرّأس.

و(دساها)من:دسّست،فقلبت إحدى السّينات ياء،كما يقال:لبّيت،و الأصل:لبّبت، و قصّيت أظفاري،و أصله:قصّصت،و مثله كثير.

فكأنّ النّطف[المتّهم]بارتكاب الفواحش دسّ نفسه و قمعها،و مصطنع المعروف شهر نفسه و رفعها.

و كانت أجواد العرب تنزل الرّبا و أيفاع (1)الأرض،لتشهر أماكنها للمعتفين،و توقد النّيران في اللّيل للطّارقين.

و كانت اللّئام تنزل الأولاج (2)و الأطراف و الأهضام؛لتخفي أماكنها على الطّالبين.

فأولئك أعلوا أنفسهم و زكّوها،و هؤلاء أخفوا أنفسهم و دسّوها.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و مثل هذا كثير.(تأويل مشكل القرآن:344)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و قد خاب في طلبته، فلم يدرك ما طلب و التمس لنفسه من الصّلاح، مَنْ دَسّاها يعني من دسّس اللّه نفسه فأحملها،و وضع منها،بخذلانه إيّاها عن الهدى حتّى ركب المعاصي، و ترك طاعة اللّه.

و قيل:(دساها)و هي دسّسها،فقلبت إحدى سيناتها ياء.كما قال العجّاج:

*و تقضّي البازي إذا البازي كسر*

يريد تقضّض،و تظنّيت هذا الأمر،بمعنى تظنّنت، و العرب تفعل ذلك كثيرا،فتبدل في الحرف المشدّدة بعض حروفه،ياء أحيانا،و واوا أحيانا.[ثمّ استشهد بشعر](12:604)

نحوه ابن الأنباريّ.(2:516)

الزّجّاج: خابت نفس دسّاها اللّه،و معنى(دساها) جعلها قليلة خسيسة.و الأصل:دسّسها.[ثمّ قال نحو الطّبريّ](5:322)

الرّمّانيّ: أخفاها و أخملها بالبخل.

(الماورديّ 6:285)

الثّعلبيّ: خسرت نفس مَنْ دَسّاها: دسّسها اللّه فأهملها و خذلها و وضع منها و أخفى محلّها،حين عمل بالفجور و ركب المعاصي.[ثمّ قال نحو المبرّد إلى أن قال:]

عن أبي صالح:قد أفلحت نفس زكّاها اللّه، و خابت نفس أفسدها اللّه عزّ و جلّ.ه.

ص: 442


1- اليفاع:المشرف من الأرض.
2- الأولاج:جمع ولجة-بالتّحريك-و هي موضع أو كهف يستتر فيه المارّة من مطر أو غيره.

و قال الحسن:من أهلكها و أضلّها و حملها على معصية اللّه عزّ و جلّ،فجعل الفعل للنّفس.(10:213)

القيسيّ: أي من أخفى نفسه بالعمل السّيّئ.

و قيل:إنّ في(زكيها)و(دساها)ما يعود على اللّه جلّ ذكره،أي قد أفلح من زكّاه اللّه،و قد خاب من خذله اللّه،و هذا يبعد؛إذ لا ضمير يعود على«من»من صلته،و إنّما يعود الضّمير على اسم اللّه جلّ ذكره.

و لكن إن جعلت«من»اسما للنّفس،و أنثت على المعنى،فقلت:زكّاها و دسّاها،جاز؛لأنّ الهاء و الألف تعودان على«من»حينئذ،فيصلح الكلام،كأنّه في التّقدير:قد أفلحت النّفس الّتي زكّاها اللّه،و قد خابت النّفس الّتي خذلها اللّه و أخفاها.و معنى(دساها) أخفاها بالعمل السّيّئ.

أو تكون«من»بمعنى الفرقة أو الطّائفة أو الجماعة،فتعود الهاء في(زكيها)و(دساها)على «من»و يحسن الكلام بأن يكون الضّمير في(زكيها) و(دساها)«للّه»جلّ ذكره.و أصل(دساها:) دسّسها،من دسست الشّيء،إذا أخفيته،فأبدلوا من السّين الآخرة ياء،و قلبت ألفا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها.(2:476)

الماورديّ: وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها فيه وجهان:

أحدهما:على ما قضى و قد خاب من دسّى اللّه نفسه.

الثّاني:من دسّى نفسه.

و في(دساها)سبعة تأويلات:

أحدها:أغواها و أضلّها قاله مجاهد و سعيد بن جبير،لأنه دسّى نفسه في المعاصي.[ثمّ استشهد بشعر، و ذكر بقيّة الأقوال و قد سبقت](6:284)

الطّوسيّ: معناه:قد خاب،أي خسر من دسّ نفسه في معاصي اللّه،منهمكا في القبائح الّتي نهاه اللّه عنها.

و قيل:معناه دسّاها بالبخل،لأنّ البخيل يخفي نفسه و منزله لئلاّ يطلب نائله.

و دسّا نفسه:نقيض زكّاها بالعمل الصّالح، و كذلك دسّاها بالعمل الفاسد حتّى صيّرها في محاق و خسران.و يقال:دسا فلان يدسو دسوا و دسوة،فهو داس نقيض زكا يزكو زكا فهو زاك.

و قيل:معنى(دساها،)أي دسّها،بمعنى حملها و وضع منها بمعصية.و أبدل من إحدى السّينين ياء، كما قالوا:تظنّيت،بمعنى تظنّنت.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:359)

القشيريّ: أي دسّاها اللّه.(6:301)

الواحديّ: وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها: خابت و خسرت نفس أضلّها اللّه و أغواها.

و(دساها)أصله:دسّسها،من التّدسيس و هو إخفاء الشّيء،فأبدلت من السّين الثّانية ياء،و معنى (دساها)هنا:أخملها و خذلها و أخفى محلّها، و لم يشهرها بالطّاعة و العمل الصّالح.

و قد أقسم اللّه تعالى بهذه الأشياء الّتي ذكرها من خلقه،لأنّها تدلّ على وحدانيّته و على فلاح من طهّره،و خسارة من خذله،حتّى لا يظنّ أحد أنّه هو الّذي يتولّى تطهير نفسه أو إهلاكها بالمعصية.يدلّ

ص: 443

على صحّة هذا ما أخبرنا الاستاذ عن ابن أبي مليكة، قال:قالت عائشة:انتبهت ليلة فوجدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو يقول:«ربّ أعط نفسي تقواها،و زكّها أنت خير من زكّاها،أنت وليّها و مولاها».

و روينا هذا التّفسير الّذي ذكرناه مرفوعا فيما أخبرنا...عن ابن عبّاس قال:سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول في قوله عزّ و جلّ[الآية]:أفلحت نفس زكّاها اللّه، و خابت نفس خيّبها اللّه من كلّ خير.(4:497)

الميبديّ: أي خابت و خسرت نفس أضلّها اللّه و خيّبها من كلّ خير...و دسّى نفسه بمعصية اللّه،أي أخفاها،فكان العاصي بركوبه المعصية أبدا يخفي نفسه و يخمل ذكره.و اللّئيم أبدا خفيّ المكان، و الشّريف مشهور المكان.و(دساها)أصله:دسّها، من التّدسيس،و هو إخفاء الشّيء،فأبدل من سين الثّانية ياء تخفيفا و كراهية للتّضعيف.(10:506)

الزّمخشريّ: و التّدسية:النّقص و الإخفاء بالفجور.

و أصل دسى:دسس،كما قيل في تقضّض:تقضّى.

و سئل ابن عبّاس عنه،فقال:أ تقرأ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى الأعلى:14، وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً طه:111.

و أمّا قول من زعم أنّ الضّمير في«زكّى و دسّى» للّه تعالى،و أنّ تأنيث الرّاجع إلى(من)لأنّه في معنى النّفس:،فمن تعكيس القدريّة الّذين يورّكون على اللّه قدرا هو بريء منه و متعال عنه،و يحيون لياليهم في تمحّل فاحشة ينسبونها إليه.(4:259)

ابن العربيّ: و أخفاها في تراب البدن عن نور الحقّ و رحمته.(2:813)

ابن عطيّة: معناه أخفاها و حقّرها،أي و صغّر قدرها بالمعاصي و البخل بما يجب.يقال:دسا يدسو، و دسّى بشدّ السّين يدسّي؛و أصله:دسس.[ثمّ استشهد بشعر](6:488)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ إلاّ أنّه قال:]

(دساها)بالعمل الطّالح،أي أخملها و أخفى محلّها.(5:498)

ابن الجوزيّ: [ذكر بعض الأقوال ثمّ قال:]

فإن قلنا:إنّ الفعل للّه،فمعنى(دساها:)خذلها، و أخملها،و أخفى محلّها،بالكفر و المعصية،و لم يشهرها بالطّاعة و العمل الصّالح.

و إن قلنا:الفعل للإنسان،فمعنى(دساها:) أخفاها بالفجور.[ثمّ استشهد بقول الفرّاء و ابن قتيبة]

(9:141)

الفخر الرّازيّ: [نحو الطّبريّ،و أضاف:]

ثمّ نقول:أمّا المعتزلة فذكروا وجوها توافق قولهم:

أحدها:أنّ أهل الصّلاح يظهرون أنفسهم،و أهل الفسق يخفون أنفسهم،و يدسّونها في المواضع الخفيّة، كما أنّ أجواد العرب ينزلون الرّبى حتّى تشتهر أماكنهم و يقصدهم المحتاجون،و يوقدون النّيران باللّيل للطّارقين.و أمّا اللّئام فإنّهم يخفون أماكنهم عن الطّالبين.

و ثانيها: وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها، أي دسّ نفسه في جملة الصّالحين و ليس منهم.

ص: 444

و ثالثها: مَنْ دَسّاها في المعاصي حتّى انغمس فيها.

و رابعها: مَنْ دَسّاها: من دسّ في نفسه الفجور؛ و ذلك بسبب مواظبته عليها،و مجالسته مع أهلها.

و خامسها:أنّ من أعرض عن الطّاعات و اشتغل بالمعاصي صار خاملا متروكا منسيّا،فصار كالشّيء المدسوس في الاختفاء و الخمول.

و أمّا أصحابنا فقالوا:المعنى خابت و خسرت نفس أضلّها اللّه تعالى و أغواها و أفجرها و أبطلها و أهلكها.

هذه ألفاظهم في تفسير(دساها.)[ثمّ ذكر قول الواحديّ](31:194)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(30:106)

القرطبيّ: أي خسرت نفس دسّها اللّه عزّ و جلّ بالمعصية.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و قال نحو ابن قتيبة، و ذكر قول أهل اللّغة في أصله](20:77)

أبو حيّان :التّدسية:الإخفاء؛و أصله:دسّس.

[فذكر نحو اليزيديّ إلى أن قال:]

و قال الزّمخشريّ: «التّدسية:النّقص و الإخفاء بالفجور»و فيه دسيسة الاعتزال.(8:477-481)

ابن القيّم:المعنى قد أفلح من كبّرها و أعلاها بطاعة اللّه،و أظهرها،و قد خاب و خسر من أخفاها، و حقّرها و صغّرها بمعصية اللّه.

و أصل التّدسية:الإخفاء،و منه قوله تعالى أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ النّحل:59،فالعاصي يدسّ نفسه بالمعصية،و يخفى مكانها،و يتوارى من الخلق من سوء ما يأتي،قد انقمع عند نفسه،و انقمع عند اللّه، و انقمع عند الخلق.

فالطّاعة و البرّ تكبّر النّفس و تعزّها و تعليها،حتّى تصير أشرف شيء و أكبره،و أزكاه و أعلاه،و مع ذلك فهي أذلّ شيء و أحقره و أصغره للّه تعالى.

و بهذا الذّلّ للّه حصل لها العزّ و الشّرف و النّموّ، فما صغّر النّفس مثل معصية اللّه،و ما كبّرها و شرّفها و رفعها مثل طاعة اللّه.(511)

ابن كثير :أي دسّسها،أي أخملها و وضع منها بخذلانه إيّاها عن الهدى حتّى ركب المعاصي و ترك طاعة اللّه عزّ و جلّ.

و قد يحتمل أن يكون المعنى:قد أفلح من زكّى اللّه نفسه و قد خاب من دسّى اللّه نفسه،كما قال العوفيّ و عليّ بن أبي طلحة،عن ابن عبّاس.[ثمّ استشهد برواية أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:]

«أفلحت نفس زكّاها اللّه عزّ و جلّ...».(7:301)

أبو السّعود :و تكرير(قد)في قوله تعالى:

وَ قَدْ خابَ... لإبراز كمال الاعتناء بتحقيق مضمونه،و الإيذان بتعلّق القسم به أيضا أصالة،أي خسر من نقصها و أخفاها بالفجور.(6:434)

البروسويّ: و المعنى:قد خسر من نقصها و أخفاها بالفجور،و بإرسالها في المشتهيات الطّبيعيّة.

و قال شيخي و سندي قدّس سرّه: «وَ قَدْ خابَ، أي حرم من الفلاح مَنْ دَسّاها، أي أخفى فيها الآثار الجلاليّة و الصّفات النّفسانيّة،و كتم فيها العيوب و القبائح الشّيطانيّة،و الأهواء و الشّهوات

ص: 445

البهيميّة،و الأعمال و الأخلاق الرّديئة،و لم يعالجها بأضدادها،بل أهملها عن التّربية في مرتبة الشّريعة بالتّقوى و الصّلاح،و عن التّزكية في مرتبة الطّريقة بالمجاهدة و الإصلاح،و ساعدها في هواها و شهواتها في النّيّات و المقصود و الأعمال و الأقوال،و صارت حركاتها و سكناتها جميعا بالأهواء.»انتهى باختصار.(10:444)

شبّر:أخفاها بالمعصية،أو بها و بالجهل.و عنهما [الصّادقين عليهما السّلام]:قد أفلح من أطاع و قد خاب من عصى.(6:416)

الشّوكانيّ: أي خسر من أضلّها و أغواها.[ثمّ قال نحو ابن قتيبة ملخّصا](5:555)

الآلوسيّ: و فاعل(زكيها)ضمير(من) و الضّمير المنصوب للنّفس،و كذا في قوله تعالى:

(دساها،)و تكرير(قد)لإبراز الاعتناء بتحقيق مضمونه،و الإيذان بتعلّق القسم به أصالة،و التّزكية:

التّنمية،و التّدسية:الإخفاء.

و أصل دسّى دسّس،فأبدل من ثالث التّماثلات ياء،ثمّ أبدلت ألفا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها.و أطلق بعضهم فقال:أبدل من ذلك حرف علّة،كما قالوا في تقضّض:تقضّى.و دسّس مبالغة في دسّ،بمعنى أخفى.

[ثمّ استشهد بشعر](30:143)

المراغيّ: أي و خسر نفسه و أوقعها في التّهلكة من نقصها حقّها،بفعل المعاصي و مجانبة البرّ و القربات،فإنّ من سلك سبيل الشّرّ،و طاوع داعي الشّهوة،فقد فعل ما تفعل البهائم،و بذلك يكون قد أخفى عمل القوّة العاقلة الّتي اختصّ بها الإنسان، و اندرج في عداد الحيوان...(30:168)

ابن عاشور :و معنى(دساها:)حال بينها و بين فعل الخير.و أصل فعل دسّى:دسّ،إذا أدخل شيئا تحت شيء فأخفاه.[ثمّ قال نحو اليزيديّ]

(30:327)

مغنيّة:و التّدسية:النّقص.بعد أن أقسم سبحانه بالضّياء و الظّلمة و الكواكب و بنائها،و الأرض و تمهيدها،و النّفس و استعدادها،بعد هذا قال:من اختار الخير على الشّرّ و طهّر نفسه من دنس الآثام فهو الفائز الرّابح،و من اختار الشّرّ على الخير و لوّث نفسه بالذّنوب و القبائح فهو الخائب الخاسر.

(7:571)

الطّباطبائيّ: و التّدسّي-و هو من الدّسّ بقلب إحدى السّينين ياء-إدخال الشّيء في الشّيء بضرب من الإخفاء،و المراد بها بقرينة مقابلة التّزكية:الإنماء على غير ما يقتضيه طبعها،و ركبت عليه نفسها.

(20:298)

جعفر شرف الدّين:قالوا:معنى(دساها:) دسّها في أهل الخير،و ليس منهم.

و يقال:أخملها بترك الصّدقة و الطّاعة.و إذا كان أصل(دساها)دسّها،فقد بدّلت بعض سيناتها ياء، كما قالوا:تظنّيت،من الظّنّ.

أقول:إذا كان ذلك،فالمراد هو المراعاة للفواصل الّتي اقتضت تبديل بناء الفعل.(11:287)

المصطفويّ: [تقدّم كلامه في النّصوص اللّغويّة و أضاف:]

ص: 446

ثمّ إنّ المستفاد من الآية الكريمة أنّ الإنسان لا يخلو من إحدى الحالتين:إمّا أنّه في مقام التّزكية و التّهذيب و التّطهير،فهو مفلح.و إمّا أنّه مدسّس و مخف ما في باطنه و ليس بصدد التّطهير،فهو خائب.

و هذا المعنى أمر كلّيّ و ميزان جامع لحالتي الإنسان،فمن لم يكن مطهّرا لقلبه و مهذّبا لنفسه،فهو غير مفلح،و إن صلّى و صام و حجّ و أتى بكلّ طاعة و عبادة،فإنّه يعبد بقلب غير سليم و نيّة غير خالص.

و في التّعبير بصيغة المتعدّي:إشارة إلى أنّ التّزكية و التّدسيس إنّما يتحقّقان باختيار العبد و من جهته، و كلّما اجتهد العبد في التّوجّه إلى عالم النّور و أخلص نيّته في أعماله للّه تعالى،فقد تخلّص عن شوائب عالم الظّلمة و تزكّى قلبه عن كدورات الرّذائل.(3:214)

فضل اللّه :أي أنقصها و خبّأها في ظلمات الكفر و الضّلال؛بحيث أبقاها في الزّوايا المظلمة منها،فلم يخرجها إلى الأجواء الصّافية الطّاهرة المشرقة بنور الحقّ،فتركها لأهوائها الّتي تطوف بها،تحرّكها ذات اليمين و ذات الشّمال،و تستغرق في الأوضاع الحسّيّة المادّيّة الّتي يخلد فيها الإنسان إلى الأرض،فيشرب من و حولها،و يأكل من ترابها،و يتحرّك في كهوفها المظلمة،فينطلق بفكر الباطل،و يخضع لتصوّرات الشّرّ،و ينفعل بمشاعر الظّلم،و يتحرّك في مشاريع الكفر و الضّلال،ممّا يجعل فكره فكر الخيبة الفكريّة، و روحه روح الفشل المعنويّ،و حركته حركة السّقوط،لأنّه لم يحسن عمليّة الاختيار،و لم يتحمّل مسئوليّة المصير،و لم ينفتح على الجانب المشرق الطّاهر من الحياة،و لم يستفد ممّا وهبه اللّه،من قوّة العقل و حرّيّة الإرادة في الاتّجاه الصّحيح،و لم ينطلق من وحي الرّسالات الّتي تضيف إلى العقل عقلا،و إلى الرّوح روحا،و إلى حياته انفتاحا على كلّ معاني الحقّ و الخير و الجمال.(24:284)

جوادي آمليّ: أقسم اللّه بالظّواهر الكونيّة من مخلوقاته أنّ من نوّر نفسه ظفر بالفلاح و النّجاح،و من وأدها في الظّلام و الأوهام باء بالخيبة و الحرمان.

وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها، و من أخمل نفسه أخفق و أكدى،و خسر ماله و أقوى،و من وضّع نفسه وضع لها المكائد.

و(دساها)أصله:دسّسها،و الدّسيس:ما أخفي في التّراب و دسّ فيه،و الدّسيسة:النّميمة،و من يدسّ المكر في أعماله،يخفيه في ظاهره قولا و فعلا،فلا يقدر أحد على كشف غرضه النّحس في قوله و فعله.

و من حطّ نفسه في سفاسف الطّبيعة فقد هوى، و لو هال التّراب على رأسه،و غمر نفسه في الطّبيعة و قال:ما العالم إلاّ تراب،لهلك و تردّى،و لو عفّر وجهه بالتّراب،لما أصاب الرّشاد...(1:88)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّسوة،أي الضّعة و الخمول.يقال:دسا فلان يدسو دسوة:نقيض زكا يزكو زكاة،و هو داس لا زاك،أي وضيع لا رفيع، و دسى يدسى:لغة في دسا.

و في التّهذيب:دسا فلان يدسوه دسوة،و دسي

ص: 447

يدسى،فعدّى دسا و هو لازم،و كسر سين دسي و هو مفتوح،خلافا لسائر المعاجم،و لا شكّ أنّهما من وهم النّسّاخ.

و روى صاحب«اللّسان»وحده:دسا اللّيل دسوا و دسيا،و هو خلاف زكا،و لعلّه تصحيف أيضا.

و دسّى فلان نفسه:أخفاها و أخملها لؤما مخافة أن يتنبّه له فيستضاف.

و دسّى فلان فلانا و تدسّى و دسّاه:أغواه و أفسده.

2-ذهب أغلب اللّغويّين و المفسّرين إلى أنّ «دسّى»من قوله تعالى: وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها الشّمس:10،أصله:«دسّس»،فلمّا توالت فيه ثلاث سينات،قلبت واحدة منها ياء،نحو:تظنّنت و تظنّيت، و تقضّضت و تقضّيت.

و لا زالت هذه اللّغة تجري على لسان بعض العرب إلى هذا اليوم في المضعّف من الأفعال،كقول العراقيّين في قصصت أظفاري:قصّيتها،و في جنّنته:

جنّيته،و هو كثير.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مزيدا من التّفعيل«الماضي»مرّة في آية:

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها* وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها

الشّمس:9،10

يلاحظ أوّلا:أنّ هاتين الآيتين جاءتا جوابا للأقسام التّسعة من سورة الشّمس:بدء ب وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها و ختما ب وَ نَفْسٍ وَ ما سَوّاها * فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها.

فقد أقسم اللّه فيها بالشّمس،و القمر،و النّهار، و السّماء،و الأرض،و النّفس،بما في كلّ منها من الصّفات-و كلّها من آيات اللّه الكبرى-و جوابها جاء في الآيتين بأمرين-في خصوص النّفس- متضادّين و هما فلاح من زكّاها،و خيبة من دسّاها.

فيظهر من هذه الآيات مدى اهتمام اللّه تعالى بتزكية النّفس الإنسانيّة.

و للمفسّرين أبحاث في القسم القرآنيّ عامّة-و هو من جملة العلوم القرآنيّة-و في ما جاء في هذه الآيات خاصّة.فلاحظ موادّها،و لا سيّما«الشّمس».

و في الآيتين بحوث:

1-قد جاءت فيهما جملتان فعليّتان،و في كلّ منهما فعلان،و كلّ من الفعلين في الجملة الأولى ضدّ لكلّ منهما في الجملة الأخرى،ف(افلح)ضدّ ل(خاب،)و كذلك(زكيها)ضدّ ل(دساها،) و فاعلها جميعا(من)أو الضّمير الرّاجع إليه.

و هذا السّياق بنفسه يفصح عن المعنى المراد، فالفلاح خاصّ بمن زكّى نفسه،و الخيبة خاصّة بمن دسّى نفسه.و كلّ من الفلاح و الخيبة جزاء كلّ من التّزكية و التّدسية اللّتين هما عمل نفس الإنسان،أي جزاء النّفس الّتي زكّاها صاحبها هو الفلاح،و جزاء من دسّاها هي الخيبة.

2-و مع ذلك فقد اختلفوا في فاعل(زكيها) و(دساها،)فعند كثير منهم-ابتداء من ابن عبّاس- فاعلهما«اللّه»حيث قالوا:«زكّاها اللّه»و«دسّاها

ص: 448

اللّه»أو«أصلحها اللّه»و«أضلّها اللّه»و يؤيّده حديث رواه الواحديّ عن عائشة قالت:«انتبهت ليلة فوجدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو يقول:ربّ أعط نفسي تقواها،و زكّها أنت خير من زكّاها،أنت وليّها و مولاها».

و حديث آخر رواها عن ابن عبّاس،قال:سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول في قوله عزّ و جلّ-و ذكر الآية-:

«أفلحت نفس زكّاها اللّه،و خابت نفس خيّبها اللّه من كلّ خير».

و أيضا روى البحرانيّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام:

«قد أفلحت نفس زكّاها اللّه،و قد خاب من دسّاها اللّه».

و قد حكى الفرّاء-و نحوه القيسيّ و غيره- الوجهين:«يقول:قد أفلحت نفس زكّاها اللّه،و قد خاب نفس دسّاها اللّه.و يقال:قد أفلح من زكّى نفسه بالطّاعة و الصّدقة،و قد خاب من دسّى نفسه،فأخملها بترك الصّدقة و الطّاعة».

و قد حملها الزّمخشريّ على الخلاف القائم بين المعتزلة و القدريّة«أي الأشاعرة»،فقال:«و أمّا قول من زعم أنّ الضّمير في زكّى و دسّى للّه تعالى،و أنّ التّأنيث الرّاجع إلى(من)لأنّه في معنى النّفس،فمن تعكيس القدريّة الّذين يورّكون على اللّه قدرا هو بريء منه و متعال عنه،و يحيون لياليهم في تمحّل فاحشة ينسبونها إليه».

و عكسه الفخر الرّازيّ؛حيث قال:«أمّا المعتزلة فذكروا وجوها توافق قولهم-و ذكرها و تأتي،ثمّ قال:

-و أمّا أصحابنا فقالوا:المعنى خابت،و خسرت نفس أضلّها اللّه تعالى،و أغواها،و أفجرها،و أبطلها، و أهلكها».

و عندنا أنّ السّياق-كما قلنا-يوافق رجوع ضمير الفاعل في الفعلين إلى(من)إلاّ أنّ القول الآخر موافق لآيات الإضلال و الهداية،فقد نسبهما اللّه في تلك الآيات إلى نفسه جزاء للصّالحين و العاصين.و ليس هذا جبرا،فلاحظ تلك الآيات، و لعلّ المراد بتلك النّصوص أيضا هذا المعنى،لا أنّ الضّمير في الفعلين راجع إلى اللّه.

3-و قد حكى الفخر الرّازيّ عن المعتزلة-فيما اختاروه من نسبة التّزكية و التّدسية إلى النّاس -في(دساها)خمسة وجوه-و قد أنهاها الماورديّ إلى سبعة-:يخفون أنفسهم في المواضع الخفيّة،دسّ نفسه في جملة الصّالحين و ليس منهم،دسّها في المعاصي حتّى انغمس فيها،دسّ نفسه في الفجور بسبب مواظبته عليها،و مجالسته مع أهلها،أو عرض عن الطّاعات،و اشتغل بالمعاصي.و قال ابن كثير:«أي أخملها و وضع منها بخذلانه إيّاها عن الهدى حتّى ركب المعاصي،و ترك طاعة اللّه عزّ و جلّ»،و نحوها غيرها.

و هذا الخلاف راجع إلى ما يأتي من خلافهم في معنى«دسّ».

4-و قالوا في معنى(دساها:)جعلها قليلة خسيسة،أخفاها و أخملها بالبخل،أهملها و خذلها، و وضع منها،و أخفى محلّها بالفجور و المعاصي،

ص: 449

أهلكها و أضلّها و حملها على معصية اللّه،من دسست الشّيء،إذا أخفيته،دسّها بالبخل لأنّ البخيل يخفي نفسه و منزله لئلاّ يطلب نائله،دسّا نقيض زكّى-و هو المناسب لسياق الآية-.و التّدسية:النّقص،و الإخفاء بالفجور.

و قالوا في لفظها:أصله:«دسّس»بثلاث سينات فبدّلوا واحدة منها ألفا فصار«دسّ».و قد وقع خلط بين«د س س»و«د س و»لفظا و معنى؛حيث إنّ «د س س»كما سبق معناه:إخفاء و إدخال شيء في شيء،و«د س و»ضدّ زكي،معناه:الفساد و النّجس.

فذكر«دسّس»في«دسّ و»،و ذكر الإخفاء في معناه،كلاهما خلط.و منه قول ابن القيّم في معنى (دساها:)«أصل التّدسية:الإخفاء،و منه قوله تعالى: أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ النّحل:59».

و مثله قولهم:«أصله دسّس فبدّلوا واحدة منها ألفا»،فإنّ(دساها)أصلها:«دسّوها»فقلبت الواو ألفا.نعم ربّما كان من معاني«دسّ»أخفى أيضا، و لكنّه ليس مثل أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ لا لفظا و لا معنى.و قد أخذه الفرّاء من«دسّس»،فقال:

«و نرى أنّ(دساها)دسّسها»،فلاحظ.

5-و أمّا«الإشارة»،فقد قال البروسويّ ما خلاصته:«و قال شيخي و سندي قدّس سرّه: وَ قَدْ خابَ، أي حرم من الفلاح، مَنْ دَسّاها، أي أخفى فيها الآثار الجلاليّة و الصّفات النّفسانيّة،و كتم فيها العيوب و القبائح الشّيطانيّة،و الأهواء و الشّهوات البهيميّة،و الأعمال و الأخلاق الرّديئة،و لم يعالجها بأضدادها،بل أهملها عن التّربية في مرتبة الشّريعة بالتّقوى و الصّلاح،و عن التّزكية في مرتبة الطّريقة بالمجاهدة و الإصلاح،و ساعدها في هواها و شهواتها في النّيّات و المقصود و الأعمال و الأقوال،و صارت حركاتها و سكناتها جميعا بالأهواء».

و يلاحظ ثانيا:أنّ(دساها)ذمّ اكتفى اللّه بمرّة منه في سورة مكّيّة،قسم كبير منها قسم على الفلاح، و الخيبة لنفس زكّى نفسه أو دسّاها.و هذه السّورة من جملة السّور الصّغار المكّيّة النّازلة في بدء البعثة المحمّديّة.أمّا ضدّها و هو«التّزكية»مدحا،فقد تكرّر في القرآن مرّات في السّور المكّيّة و المدنيّة جمعاء،و في المدنيّة أكثر،لاحظ:ز ك ي:«يزكّي».

ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الإغواء: قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا القصص:63

الإضلال: وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ ما هَدى

طه:79

الإفساد: قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها... النّمل:34

الإغراء: ...فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ... المائدة:14

النّزغ: ...إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ. الإسراء:53

الأزّ: أَ لَمْ تَرَ أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا مريم:83

ص: 450

د ع ع

اشارة

3 ألفاظ،3 مرّات مكّيّة،في سورتين مكّيّتين

يدعّ 1:1 دعّا 1:1

يدعّون 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :دعّه يدعّه،الدّعّ:دفع في جفوة.و في التّنزيل العزيز: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، الماعون:

2،أي يعنف به عنفا شديدا،دفعا و انتهارا،أي يدفعه حقّه و صلته.

و الدّعدعة:تحريكك جوالقا أو مكيالا ليكتنز.

و الدّعدعة:أن يقال للرّجل إذا عثر:دع دع،أي قم.

و الدّعدعة:عدو في بطء و التواء.

و الدّعداع:الرّجل القصير.

و الرّاعي يدعدع بالغنم،إذا قال لها:داع داع.فإن شئت جررت و نوّنت،و إن شئت على توهّم الوقف.

و الدّعاعة:حبّة سوداء،تأكلها بنو فزارة، و تجمع:الدّعاع.

و الدّعاعة:نملة ذات جناحين شبّهت بتلك الحبّة.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](1:80)

اللّيث:الدّعدع:نبت يكون فيه ماء في الصّيف، يأكله البقر.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 1:94)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الدّعداع و الدّحداح:

الرّجل القصير.(الأزهريّ 1:92)

أبو عبيدة :ما بين النّخلة إلى النّخلة:دعاع.

(الأزهريّ 1:94)

أبو زيد :إذا دعي للعاثر قيل:لعا لك عاليا، و مثله دع دع.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 1:93)

دعدعت بالصّبيّ دعدعة،إذا عثر فقلت له:دع، أي ارتفع.(الأزهريّ 1:93)

يقال للمعز خاصّة:دعدعت بها دعدعة،إذا

ص: 451

دعوتها.

و الدّعدعة:أن تقول للعاثر:دع دع،أي قم فانتعش،كما يقال:لعا.[ثمّ استشهد بشعر]

(الجوهريّ 3:1208)

ابن الأعرابيّ: يقال للرّاعي:دع دع،إذا أمرته بالنّعيق بغنمه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 1:93)

و الدّعاع:متفرّق النّخل.(الأزهريّ 1:94)

قال أعرابيّ: كم تدعّ ليلتكم هذه من الشّهر؟أي كم تبقى سواها.(الأزهريّ 1:95)

شمر:الدّعاع بضمّ الدّال:حبّ شجرة برّيّة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 1:94)

الدّينوريّ: الدّعاع:بقلة تخرج فيها حبّ تسطّح على الأرض تسطّحا لا تذهب صعدا فإذا يبست جمع النّاس يابسها.ثمّ دقّوه.ثمّ ذرّوه ثمّ استخرجوا منه حبّا أسود يملئون منه الغرائر.(ابن سيده 1:83)

ابن أبي اليمان :الدّعّ:الدّفع،قال اللّه تعالى:

فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ الماعون:2.(536)

ابن دريد :دعّه يدعّه دعّا،إذا دفعه دفعا عنيفا.

و قد ألحق بالرّباعيّ فقيل:دعدع الإناء،إذا ملأه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقولون للعاثر:دعدع، (1)أي قم و انتعش و اسلم.

و الدّعاع:حبّة تختبز و تؤكل.

و الدّعاعة:نملة سوداء ذات جناحين.(1:74)

الأزهريّ: و الدّعّ:الدّفع.

و يقال:دعدع فلان جفنته،إذا ملأها من الثّريد و اللّحم.

و دعدع السّيل الوادي،إذا ملأه.

و قال غيره[أبو عمرو]:الدّعدعة:أن يقول الرّاعي للمعزى:داع داع،و داع داع،و هو زجر لها.

و قال غيره[ابن الأعرابيّ]:دعدع بها.

و الدّعدعة أيضا:أن يقول الرّجل للعاثر:دع.

[و حكى قول أبي زيد ثمّ قال:]

قلت:جعل لعا و دع دعا،دعاء له بالانتعاش.

و الدّعاع:عيال الرّجل الصّغار.

يقال:أدعّ الرّجل،إذا كثر دعاعه.

و رجل دعّاع فثّاث:يجمع الدّعاع و الفثّ ليأكلهما.

قلت:هما حبّتان برّيّتان إذا جاع البدويّ في القحط دقّهما و عجنهما و اختبزهما فأكلهما.

دعد:من أسماء العرب.

و قال بعض الأعراب يقال لأمّ حبين:دعد.

-و لا أعرفه-و حكى أبو الوازع ذلك عن بعض الأعراب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:92)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

الدّعّ:الدّفع.

و الدّعاعة:حبّة سوداء،و نملة سوداء،و ما بين النّخل إلى النّخل.

و الدّعاع:النّاعم من النّبت.و يبيس الشّجر و الزّبل.ع.

ص: 452


1- ابن سيده فرّقها بمقطعين:دع دع.

و الدّعاع:عيال الرّجل؛و أدعّ:كثر دعاعه.

و يقال لأمّ حبين:دعد.(1:86)

الجوهريّ: دععته أدعّه دعّا،أي دفعته.و منه قوله تعالى: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ الماعون:2.

و الدّعدعة:تحريك المكيال و نحوه،ليسعه الشّيء.

و دعدعت الشّيء:ملأته.

و جفنة مدعدعة،أي مملوءة.[ثمّ استشهد بشعر]

و دعدع الرّجل دعدعة و دعداعا،أي عدا عدوا فيه بطء و التواء.(3:1207)

ابن فارس: الدّال و العين أصل واحد منقاس مطّرد،و هو يدلّ على حركة و دفع و اضطراب.

فالدّعّ:الدّفع.يقال دععته أدعّه دعّا.قال اللّه تعالى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا الطّور:13.

و الدّعدعة:تحريك المكيال ليستوعب الشّيء.

و الدّعدعة:عدو في التواء.و يقال:جفنة مدعدعة.-و أصله ذاك-أي إنّها دعدعت حتّى امتلأت.

فأمّا قولهم:الدّعدعة:زجر الغنم،و الدّعدعة:

قولك للعاثر:دع دع،كما يقال:لعا،فقد قلنا:إنّ الأصوات و حكاياتها لا تكاد تنقاس،و ليست هي على ذلك أصولا (1).

و أمّا قولهم للرّجل القصير:دعداع،فإن صحّ فهو من الإبدال من حاء:دحداح.(2:257)

الثّعالبيّ: دعّه،إذا دفعه بعنف.(207)

ابن سيده:دعّه يدعّه دعّا:دفعه في جفوة.

و الدّعاعة:عشبة تطحن و تخبز و هي ذات قضب و ورق متسطّحة النّبتة و منبتها السّهل و الصّحاري و جنانها حبّة سوداء؛و الجمع:دعاع.

و الدّعاعة:نملة ذات جناحين شبّهت بتلك الحبّة.

و دعدع الشّيء:حرّكه حتّى اكتنز كالقصعة أو المكيال.

و قيل دعدعها:ملأها و دعدع الكأس:ملأها و كذلك دعدع السّيل الوادي.

و دعدعت الشّاة الإناء:ملأته؛و كذلك النّاقة.

و دع دع:كلمة يدعى بها للعاثر في معنى:اسلم.

و دعدع بالعاثر:قالها له

و دعدع بالمعز دعدعة:زجرها.

و قيل:الدّعدعة:بالغنم الصّغار خاصّة و هو أن يقول لها:داع داع.و إن شئت كسرت و نوّنت.

و الدّعدعة:قصر الخطو في المشي مع عجل.

و الدّعدعة:عدو بطيء ملتو و سعي دعداع:مثله.

و الدّعداع:القصير من الرّجال.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:83)

الرّاغب: الدّعّ:الدّفع الشّديد؛و أصله أن يقال للعاثر:دع دع،كما يقال له:لعا،قال تعالى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا الطّور:13،و قوله:

فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ الماعون:2.[ثمّ استشهد بشعر](169)

الزّمخشريّ: دعّ اليتيم:دفعه بجفوة.

و دعدع المكيال و غيره:حرّكه حتّى يكتنز.ا.

ص: 453


1- كذا.

و جفنة مدعدعة:مملوءة.

و امرأة مدعدعة الخلخال.(أساس البلاغة:130)

ابن الأثير: في حديث السّعي:«أنّهم كانوا لا يدعّون عنه و لا يكرهون».الدّعّ:الطّرد و الدّفع.

و منه الحديث:«اللّهمّ دعّهما إلى النّار دعّا».

(2:119)

الفيروزآبادي:الدّعّ:الدّفع العنيف.

و الدّعاع،كغراب:النّخل المتفرّق،و نمل سود بجناحين؛الواحدة:بهاء،و حبّ شجرة برّيّة أسود كالشّينيز يختبز منه.

و كشدّاد:جامعه.و كسحاب:عيال الرّجل الصّغار.

و دع دع،بالضّمّ:أمر بالنّعيق بالغنم.و داع داع:

زجر لها،أو دعاء.

و الدّعداع:القصير،و عدو في بطء.

و الدّعادع:نبت يكون فيه ماء في الصّيف،تأكله البقر.

و الدّعدع،كجعفر:الأرض الجرداء.و دع، و دعدع،مبنيّين على السّكون:كانت تقال للعاثر، كدعدعا و دعا،منوّنتين،أو لم يستعمل إلاّ كذلك.

و التّدعدع:مشية الشّيخ الكبير.و دعدع:عدا في بطء و التواء،و الجفنة:ملأها،و بالمعز:دعاها.(3:21)

مجمع اللّغة :دعّه يدعّه دعّا:دفعه دفعا،عنيفا في إرهاق و إزعاج.(1:391)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:187)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الدّفع بشدّة و عنف.

و هذا هو الفرق بينها و بين الدّفع و المنع.و بذلك يظهر اللّطف في التّعبير بها في موارد استعمالها،فإنّ دفع اليتيم مكروه إذا وقع بعنف لا بلين،و كذلك دفع أهل جهنّم إلى النّار يلازم العنف و الشّدّة.

ففي التّعبير ب«الدّعّ»في الموردين:دلالة على شدّتين:شدّة تدلّ عليها مطلق مفهوم الدّفع،و شدّة تدلّ عليها الخصوصيّة في مادّة الدّعّ.

فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ الماعون:2،أي يردّه بشدّة و عنف،مع أنّ اللاّزم أن يعامل معه باللّين و الرّحمة.

يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا الطّور:13،هذا التّشديد الأكيد في مقام الابتداء بالعذاب و الابتلاء، و ليس المقام مقام رحمة و لين.

فقلنا:إنّ في هذا التّعبير دلالة على شدّتين بالنّسبة إلى التّعبير بقولهم يدخلون أو يوردون،و على شدّة في مقابل جملة«يدفعون».(3:215)

النّصوص التّفسيريّة

يدعّ

فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ الماعون:2

ابن عبّاس: يدفع اليتيم عن حقّه.(520)

نحوه الثّوريّ(الطّبريّ 12:706).و القمّيّ(2:

444)،و السّجستانيّ(226).

مجاهد :يدفع اليتيم فلا يطعمه.

(الطّبريّ 12:706)

ص: 454

بمعنى يحقّر اليتيم.(الماورديّ 6:351)

الضّحّاك: يقهره.(الطّبريّ 12:706)

يدفعه عن حقّه و يمنعه من ماله،ظلما له و طمعا فيه.(الماورديّ 6:351)

قتادة :أي يقهره و يظلمه.(الطّبريّ 12:706)

السّدّيّ: يظلم اليتيم.(الماورديّ 6:351)

الطّبريّ: يقول:فهذا الّذي يكذّب بالدّين هو الّذي يدفع اليتيم عن حقّه و يظلمه.يقال منه:دععت فلانا عن حقّه فأنا أدعّه دعّا.(12:705)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:[نقل قول مجاهد و السّدّيّ و أضاف:]

الثّالث:يدفع اليتيم دفعا شديدا،و منه قوله تعالى:

يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا الطّور:13،أي يدفعون إليها دفعا.

و في دفعه اليتيم وجهان:

أحدهما:[قول الضّحّاك]

الثّاني:يدفعه إبعادا له و زجرا،و قد قرئ (يدع اليتيم) مخفّفة،و تأويله على هذه القراءة:يترك اليتيم فلا يراعيه،إطراحا له و إعراضا عنه.

و يحتمل على هذه القراءة تأويلا ثالثا:يدع اليتيم لاستخدامه و امتهانه قهرا و استطالة.(6:351)

الطّوسيّ: وصف الّذي يكذّب بالدّين،فبيّن أنّ من صفته أنّه يدعّ اليتيم،و معناه يدفعه عنفا؛و ذلك لأنّه لا يؤمن بالجزاء عليه،فليس له رادع عنه،كما لمن يقرّ بأنّه يكافئ عليه،دعّه يدعّه دعّا،إذا دفعه دفعا شديدا.(10:415)

نحوه الطّبرسيّ.(5:547)

الواحديّ: يدفعه عن حقّه دفعا بعنف و جفوة.(4:558)

البغويّ: يقهره و يدفعه عن حقّه،و الدّعّ:الدّفع بالعنف و الجفوة.(5:312)

الميبديّ: [نحو البغويّ و قال:]

و قرئ في الشّواذّ. (يدع اليتيم) و معناه:يتركه و يهمله و لا يعبأ به.(10:631)

ابن عطيّة: و دعّ اليتيم:دفعه بعنف؛و ذلك إمّا أن يكون المعنى عن إطعامه و الإحسان إليه،و إمّا أن يكون عن حقّه و ماله،فهذا أشدّ.و قرأ أبو رجاء (يدع) بفتح الدّال خفيف،بمعنى لا يحسن إليه.

(5:527)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى ذكر في تعريف من يكذّب ب«الدّين»وصفين:

أحدهما:من باب الأفعال،و هو قوله: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ.

و الثّاني:من باب التّروك،و هو قوله: وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ و الفاء في قوله:(فذلك) للسّببيّة،أي لمّا كان كافرا مكذّبا كان كفره سببا لدعّ اليتيم.و إنّما اقتصر عليهما على معنى أنّ الصّادر عمّن يكذّب بالدّين ليس إلاّ ذلك،لأنّا نعلم أنّ المكذّب بالدّين لا يقتصر على هذين،بل على سبيل التّمثيل، كأنّه تعالى ذكر في كلّ واحد من القسمين مثالا واحدا، تنبيها بذكره على سائر القبائح،أو لأجل أنّ هاتين الخصلتين،كما أنّهما قبيحان منكران بحسب الشّرع،

ص: 455

فهما أيضا مستنكران بحسب المروءة و الإنسانيّة.

أمّا قوله: يَدُعُّ الْيَتِيمَ فالمعنى أنّه يدفعه بعنف و جفوة كقوله: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا الطّور:13،و حاصل الأمر في دعّ اليتيم أمور:

أحدها:دفعه عن حقّه و ماله بالظّلم.

و الثّاني:ترك المواساة معه،و إن لم تكن المواساة واجبة.و قد يذمّ المرء بترك النّوافل لا سيّما إذا أسند إلى النّفاق و عدم الدّين.

و الثّالث:يزجره و يضربه و يستخفّ به.

و قرئ (يدع) أي يتركه،و لا يدعوه بدعوة،أي يدعو جميع الأجانب و يترك اليتيم،مع أنّه عليه الصّلاة و السّلام قال:«ما من مائدة أعظم من مائدة عليها يتيم».

و قرئ (يدعو اليتيم) أي يدعوه رياء ثمّ لا يطعمه، و إنّما يدعوه استخداما أو قهرا أو استطالة.

و اعلم أنّ في قوله:(يدع)بالتّشديد فائدة،و هي أن(يدع)بالتّشديد معناه:أنّه يعتاد ذلك فلا يتناول الوعيد من وجد منه ذلك و ندم عليه.(32:112)

نحوه النّيسابوريّ(30:190)و الخازن(7:249).

النّسفيّ: أي يدفعه دفعا عنيفا بجفوة و أذى، و يردّه ردّا قبيحا بزجر و خشونة.(4:379)

الشّربينيّ: أي يدفع دفعا عظيما بغاية القسوة.

(4:593)

أبو السّعود : فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ جواب شرط محذوف،على أنّ(ذلك)مبتدأ و الموصول خبره.

و المعنى:هل عرفت الّذي يكذّب بالجزاء أو بالإسلام، إن لم تعرفه أو إن أردت أن تعرفه،فهو الّذي يدفع اليتيم دفعا عنيفا و يزجره زجرا قبيحا.و وضع اسم الإشارة المتعرّض لوصف المشار إليه موضع الضّمير للإشعار بعلّة الحكم،و التّنبيه بما فيه من معنى البعد على بعد منزلته في الشّرّ و الفساد.

قيل:هو أبو جهل كان وصيّا ليتيم،فأتاه عريانا يسأله من مال نفسه،فدفعه دفعا شنيعا.و قيل:

أبو سفيان نحر جزورا،فسأله يتيم لحما فقرعه بعصاه.

و قيل:هو الوليد بن المغيرة،و قيل:هو العاص بن وائل السّهميّ،و قيل:هو رجل بخيل من المنافقين، و قيل:الموصول على عمومه.

و قرئ (يدع اليتيم) أي يتركه و يجفوه.

(6:475)

نحوه القاسميّ.(17:6273)

البروسويّ: أي يدفعه دفعا عنيفا،و يزجره زجرا قبيحا.فهو جواب شرط محذوف،على أنّ ذلك مبتدأ و الموصول خبره.و هو أبو جهل كان وصيّا ليتيم فجاءه عريانا يسأله من مال نفسه،فدفعه دفعا شنيعا، فأيس الصّبيّ،فقال له أكابر قريش:قل لمحمّد يشفع لك،و كان غرضهم الاستهزاء به،و هو عليه السّلام ما كان يردّ محتاجا،فذهب معه إلى أبي جهل،فقام أبو جهل و بذل المال لليتيم،فعيّره قريش و قالوا:أ صبوت؟فقال:

لا و اللّه ما صبوت و لكن رأيت عن يمينه و عن يساره حربة خفت إن لم أجبه يطعنها فيّ.

ف(الذى)للعهد،و يحتمل الجنس،فيكون عامّا لكلّ من كان مكذّبا بالدّين،و من شأنه أذيّة الضّعيف

ص: 456

و دفعه بعنف و خشونة،لاستيلاء النّفس السّبعيّة عليه.

(10:521)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و وضع اسم الإشارة موضع الضّمير للدّلالة على التّحقير،و قيل:للإشعار بعلّة الحكم أيضا.و في الإتيان بالموصول من الدّلالة على تحقّق الصّلة ما لا يخفى.

و قرأ عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه و الحسن و أبو رجاء و اليمانيّ (يدع) بالتّخفيف،أي يترك اليتيم لا يحسن إليه و يجفوه.(30:242)

مغنيّة:و المراد ب«يدعّه»يدفعه عن حقّه بعنف أو غير عنف،أو يهينه و يؤذيه،أو يتسلّط عليه بنحو من الأنحاء ظلما و عدوانا.(7:614)

الطّباطبائيّ: الدّعّ:هو الرّدّ بعنف و جفاء، و الفاء في(فذلك)لتوهّم معنى الشّرط،و التّقدير:

أ رأيت الّذي يكذّب بالجزاء؟فعرفته بصفاته اللاّزمة لتكذيبه،فإن لم تعرفه فذلك الّذي يردّ اليتيم بعنف و يجفوه،و لا يخاف عاقبة عمله السّيّئ و لو لم يكذّب به لخافها،و لو خافها لرحمه.(20:368)

عبد الكريم الخطيب :الفاء واقعة في جواب شرط مقدّر،يدلّ عليه الاستفهام،في قوله تعالى:

أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ أي إذا لم تكن رأيته، فها هو ذا،فانظر إليه،و شاهد أحواله،فهو ذلك الّذي يدعّ اليتيم.

و الإشارة مشار بها إلى هذا الّذي يكذّب بالدّين، إنّه ذلك الّذي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أي يقهره و يذلّه،و ينزع عنه لباس الأمن و الطّمأنينة إذا وقع ليده،و عاش في ظلّه.إنّ اليتيم ضعيف عاجز،أشبه بالطّير المقصوص الجناح،يحتاج إلى اللّطف و الرّعاية و الحنان.فإذا وقع ليد إنسان قد خلا قلبه من الرّحمة،و جفت عواطفه من الحنان و العطف،كان أشبه بفرخ الطّير وقع تحت مخالب نسر كاسر،فيموت فزعا و خوفا،قبل أن يموت تمزيقا و نهشا.(15:1685)

فضل اللّه : فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ فلا يخاف اللّه،و لا يتّقيه في أمره،فتراه يدفعه بعنف،و يردّه بقسوة، و يجفوه بشدّة،من دون خوف من عذاب اللّه،لأنّه لا ينظر إلى الأمور من خلال نتائجها الأخرويّة ليمنعه ذلك عن التّصرّف السّيّئ الّذي ينذر بالعاقبة السّيّئة في الآخرة،بل ينظر إلى الأمور من خلال نتائجها الدّنيويّة الخاضعة في حساباتها لموازين القوّة و الضّعف،ممّا يجعله يهاب الأقوياء،و يستضعف الضّعفاء.(24:440)

مكارم الشّيرازيّ: و صيغة المضارع في الفعلين (يدع)و(يحض)تدلّ على استمرارهم على مثل هذا العمل في حقّ الأيتام و المساكين.

و يلاحظ هنا بشأن الأيتام:أنّ العواطف الإنسانيّة تجاه هؤلاء أكثر أهمّيّة من إطعامهم و إشباعهم،لأنّ آلام اليتيم تأتي من فقدانه مصدر العاطفة و الغذاء الرّوحيّ،و التّغذية الجسميّة تأتي في المرحلة التّالية.

و مرّة أخرى نرى القرآن يتحدّث عن إطعام المساكين،و هو من أهمّ أعمال البرّ.و في الآية إشارة إلى أنّك إذا لم تستطع إطعام المساكين،فشجّع الآخرين على ذلك.

ص: 457

الفاء في(فذلك)لها معنى السّببيّة،و تعني أنّ التّكذيب بالمعاد هو الّذي يسبّب هذه الانحرافات.

(20:441)

يدعّون-دعّا

يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا. الطّور:13

ابن عبّاس: يدفعون إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا دفعا تدفّهم الملائكة و غيرهم على وجوههم إلى جهنّم.

(443)

نحوه مجاهد،و عكرمة،و ابن زيد،(الطّبريّ 11:

486)،و الفرّاء(3:91).

يدفع في أعناقهم حتّى يردوا النّار.

(الطّبريّ 11:485)

الضّحّاك: الدّعّ:الدّفع و الإرهاق.

(الطّبريّ 11:486)

قتادة :يزعجون إليها إزعاجا.

(الطّبريّ 11:486)

مقاتل:و ذلك أنّ خزنة جهنّم بعد الحساب يغلّون بأيدي الكفّار إلى أعناقهم،ثمّ يجمعون نواصيهم إلى أقدامهم وراء ظهورهم،ثمّ يدفعونهم في جهنّم دفعا على وجوههم.(4:144)

نحوه البغويّ(4:291)،و الميبديّ(9:334)، و الزّمخشريّ(4:23)،و البيضاويّ(2:425).

أبو عبيدة :أي يدفعون،يقال:دععت في قفاه،أي دفعت،و في آية أخرى يَدُعُّ الْيَتِيمَ الماعون:2، و قال بعضهم:(يدع اليتيم)مخفّفة.(2:231)

نحوه ابن قتيبة.(424)

الطّبريّ: و قوله: يَوْمَ يُدَعُّونَ ترجمة عن قوله:(يومئذ،)و إبدال منه.و عنى بقوله:(يدعون) يدفعون بإرهاق و إزعاج.يقال منه:دععت في قفاه، إذا دفعت فيه.(11:486)

الزّجّاج: أي يوم يزعجون إليها إزعاجا شديدا، و يدفعون دفعا عنيفا،و من هذا قوله: اَلَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ الماعون:2،أي يدفعه عمّا يجب له.(5:62)

الثّعلبيّ: [نحو مقاتل و أضاف:]

و قرأ أبو رجاء العطارديّ (يوم يدعون إلى النّار دعاء) بالتّخفيف،من الدّعاء.(9:127)

نحوه أبو السّعود(6:145)،و الآلوسيّ(27:

30).

الماورديّ: فيه تأويلان:

أحدهما:[قول ابن عبّاس]

الثّاني:[قول قتادة]

و يحتمل ثالثا:أن يدعهم زبانيتها بالدّعاء عليهم.

(5:380)

الطّوسيّ: معناه:يوم يدعّون إلى نار جهنّم للعذاب فيها،دعّه يدعّه دعّا،إذا دفعه.و مثله صكّه يصكّه صكّا،و الدّاعّ:الدّافع.(9:404)

الفخر الرّازيّ: قوله: يُدَعُّونَ إِلى نارِ يدلّ على هول نار جهنّم،لأنّ خزنتها لا يقربون منها و إنّما يدفعون أهلها إليها من بعيد و يلقونهم فيها،و هم لا يقربونها.

و(دعا)مصدر،و قد ذكرت فائدة ذكر المصادر،

ص: 458

و هي الإيذان بأنّ الدّعّ دعّ معتبر يقال له:دعّ، و لا يقال فيه:ليس بدعّ كما يقول القائل في الضّرب الخفيف مستحقرا له:هذا ليس بضرب،و العدوّ المهين:

هذا ليس بعدوّ في غير المصادر،و الرّجل الحقير:ليس برجل إلاّ على قراءة من قرأ (يدعون الى نار جهنّم دعاء) فإنّ«دعاء»حينئذ يكون منصوبا على الحال، تقديره:يقال لهم:هلمّوا إلى النّار مدعوّين إليها.

(28:246)

الشّربينيّ: أي يدفعون دفعا عنيفا بجفوة و غلظة من كلّ من يقيمه اللّه تعالى لذلك ذاهبين و متهيّئين إِلى نارِ جَهَنَّمَ و هي الطّبقة الّتي تلقاهم بالعبوسة و الكراهة،و أكّد المعنى و حقّقه بقوله تعالى:(دعا.)

(4:112)

البروسويّ: الدّعّ:الدّفع الشّديد.و أصله أن يقال للعاثر:دع دع،أي يدفعون إليها دفعا عنيفا شديدا،بأن تغلّ أيديهم إلى أعناقهم و تجمع نواصيهم إلى أقدامهم،فيدفعون إلى النّار دفعا على وجوههم و في أقفيتهم،حتّى يردوها.(9:189)

سيّد قطب :و هو مشهد عنيف،فالدّعّ:الدّفع في الظّهور.و هي حركة غليظة تليق بالخائضين اللاّعبين، الّذين لا يجدّون،و لا ينتبهون إلى ما يجري حولهم من الأمور،فيساقون سوقا،و يدفعون في ظهورهم دفعا.

(6:3395)

ابن عاشور :و الدّعّ:الدّفع العنيف،و ذلك إهانة لهم و غلظة عليهم،أي يوم يساقون إلى نار جهنّم سوقا بدفع.و فيه تمثيل حالهم بأنّهم خائفون متقهقرون فتدفعهم الملائكة الموكّلون بإزجائهم إلى النّار.

و تأكيد(يدعون)ب(دعا)لتوصل إلى إفادة تعظيمه بتنكيره.(27:58)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّعاعة،و هي حبّة سوداء يأكلها فقراء الأعراب إذا أجدبوا؛و الجمع:

دعاع،و منه:رجل دعّاع و فثّاث:يجمع الدّعاع و الفثّ ليأكلهما،و هما حبّتان برّيّتان.

و الدّعاعة:نملة سوداء،شبّهت بتلك الحبّة؛ و الجمع:دعاع أيضا.

و الدّعاع:عيال الرّجل الصّغار،شبّهوا بالنّمل الأسود،يقال:أدعّ الرّجل،أي كثر دعاعه.

و الدّعّ:الدّفع و الطّرد بعنف و جفوة،و هو من الدّعاع أيضا،لأنّ عشبته تطحن و تخبز و تؤكل عند الجدب،ليدفع بها غائلة الجوع،و منه الحديث:«أنّهم كانوا لا يدعّون عنه و لا يكرهون»،و دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على معاوية و عمرو بن العاص:«اللّهمّ دعّهما إلى النّار دعّا».

2-أمّا الدّعاع:ما بين النّخلتين و ما تفرّق من النّخل،فهو الذّعاع و الذّعاع بالذّال.يقال منه:

ذعذعت الشّيء،أي فرّقته.و هو إبدال شائع،و نحوه قولهم:ما ذاق عذوقا،و ما ذاق عدوفا،أي ما ذاق شيئا.

و الدّعّ:شبيه بالدّحّ،أي الدّفع بعنف.يقال:دحّ في قفاه يدحّ دحّا و دحوحا،و قيل:هما سواء في هذا

ص: 459

المعنى.و من أبدال العين و الحاء قولهم:بحثروا متاعهم و بعثروه،أي فرّقوه،و نزل بحراه و عراه،أي قريبا منه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا«المضارع»معلوما و مجهولا، و«المصدر»(دعّا)كلّ منها مرّة في آيتين:

1- فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ الماعون:2

2- يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا الطّور:13

و يلاحظ أوّلا:أنّ الأولى جاءت ذمّا و تعريفا لمن يكذّب بالدّين،بأنّه الّذي يدفع اليتيم،و قبلها أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. و بعدها: وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ.... و الثّانية جاءت تعريفا و وعيدا للمكذّبين خلال آيات،و هي: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ* يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا* هذِهِ النّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ* أَ فَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ* اِصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

فجملة هذه الآيات لها علاقة ماسّة بالمكذّبين تعريفا إيّاهم بما لهم من الصّفات،و الأفعال الخبيثة من دفع اليتيم،و الامتناع من الحضّ على طعام المسكين، و الخوض في الباطل لاعبين.و ذيل الثّانية وعيد لهم بجهنّم،و عذابها الأليم.

و يبدو أنّ الجمع في هذه الآيات بين فعلين مشدّدين:«كذّب»و«دعّ»مكرّرا بصيغها المختلفة، نوع من المشاكلة و رعاية التّناسب بين العمل و جزائه و بين صدرها و ذيلها.فإنّ وزن«التّفعيل»فيها للمبالغة و التّشديد،أي بالغوا و أصرّوا في التّكذيب و كرّروه.و المضاعف في«دعّ»-و لعلّ في جميع الكلمات المضاعفة-للتّشديد أو التّكرير.فالّذين يبالغون في التّكذيب يشدّدون في دفع اليتيم و لا يصرّون على طعام المسكين،و يدفعون بشدّة إلى الجحيم.

و ما قلنا في الكلمات المضاعفة،مثل:«مدّ،و جرّ، و سرّ،و كرّ،و دفّ،و صكّ،و ضرّ،و غيرها»من التّشديد و التّكرير،يشاهد أيضا في الرّباعيّات الّتي كرّر حرفاها الأوليين في آخرها.مثل:«زلزلة، سلسلة،كلكلة،هلهلة،قرقرة،و نحوها».و هذا قسم من«فقه اللّغة العربيّة».و قد لوحظت في القرآن الكريم غير مرّة.

و في الآيتين بحوث:

في(1):1-قالوا في معنى يَدُعُّ الْيَتِيمَ: يدفع اليتيم عن حقّه و يمنعه من ماله ظلما و طمعا فيه،يظلم اليتيم،يدفع اليتيم دفعا شديدا-و هو المعنى اللّغويّ- يدفعه عن حقّه دفعا بعنف و جفوة.و الدّعّ:الدّفع بالعنف و الجفوة،يحقّر اليتيم،يقهره و يظلمه،يدفعه إبعادا له و زجرا،يزجره و يضرّ به و يستخفّ به، يدفعه عن إطعامه و الإحسان إليه،أو عن حقّه و ماله، و نحوها ممّا هي من لوازم المعنى الأصليّ.

2-و الجمع بين«التّكذيب بالدّين و الدّعّ»من ناحية،و بين«اليتيم و المسكين»من ناحية أخرى تجسيم للبون بين ما ينفّر الإنسان،و ما يحبّبه و يعطف

ص: 460

عليه.و كم له من نظير في الآي الحكيم.

3-و قد قرئ (يدع اليتيم) مخفّفة،و معناه-كما عن الماورديّ-يترك اليتيم فلا يراعيه إطراحا له، و إعراضا عنه،أو يدع اليتيم لاستخدامه و امتهانه قهرا و استطالة.

4-و من النّكات فيها عندهم:ذكر الفخر الرّازيّ أنّه جاء في وصف من يكذّب بالدّين بوصفين:أحدهما من الأفعال،و هو فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، و ثانيهما من التّروك و هو: وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ، و الفاء في(فذلك)للسّببيّة،أي لمّا كان كافرا مكذّبا،كان كفره سببا لدعّ اليتيم،و عدم حضّه على طعام المسكين.

و أنّ الاقتصار عليهما من باب التّمثيل،تنبيها على سائر القبائح،لا الحصر بهاتين الخصلتين،أو لأنّهما قبيحان شرعا،و بحسب المروءة الإنسانيّة.ثمّ ذكر في معنى يَدُعُّ الْيَتِيمَ ثلاثة أوجه ممّا مرّ نظيرها.

و أنّ التّشديد في(يدع)لمن يعتاد ذلك دون من وجد منه ذلك و ندم عليه.

و عدّ أبو السّعود-و نحوه البروسويّ و الآلوسيّ و غيرهما-جملة فَذلِكَ الَّذِي جواب شرط محذوف،على أنّ(ذلك)مبتدأ،و الموصول خبره، و المعنى:هل عرفت الّذي يكذّب بالجزاء،أو بالإسلام، إن لم تعرفه أو إن أردت أن تعرفه،فهو الّذي يدفع اليتيم دفعا عنيفا،و يزجره زجرا قبيحا.

و أنّه وضع اسم الإشارة(ذلك)-المتعرّض لوصف المشار إليه-موضع الضّمير للإشعار بعلّة الحكم،و التّنبيه-بما فيه من معنى البعد-على بعد منزلته في الشّرّ و الفساد،أو للتّحقير،و أنّ الإتيان بالموصول،فيه من الدّلالة على تحقّق الصّلة ما لا يخفى.

و عند الطّباطبائيّ أنّ التّقدير:«أ رأيت الّذي يكذّب بالجزاء فعرفته بصفاته اللاّزمة لتكذيبه،فإن لم تعرفه فذلك الّذي يردّ اليتيم بعنف،و يجفوه، و لا يخاف عاقبة عمله السّيّئ،و لو لم يكذّب به لخافها و لو خافها لرحمه».

و ذكر الخطيب«أنّ الشّرط المقدّر يدلّ عليه الاستفهام في أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ أي إذا لم تكن رأيته،فها هو ذا فانظر إليه و شاهد أحواله،فهو ذلك الّذي يدعّ اليتيم،أي يقهره،و يذلّه،و ينزع عنه لباس الأمن و الطّمأنينة إذا وقع ليده،و عاش في ظلّه.

إنّ اليتيم ضعيف،عاجز،أشبه بالطّير المقصوص الجناح،يحتاج إلى اللّطف،و الرّعاية،و الحنان».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «صيغة المضارع في الفعلين(يدع)و(يحض)تدلّ على استمرارهم على مثل هذا العمل في حقّ الأيتام و المساكين.

و يلاحظ هنا بشأن الأيتام،أنّ العواطف الإنسانيّة تجاه هؤلاء أكثر أهمّيّة من إطعامهم و إشباعهم،لأنّ آلام اليتيم تأتي من فقدانه مصدر العاطفة و الغذاء الرّوحيّ،و التّغذية الجسميّة تأتي في المرحلة التّالية.

و مرّة أخرى نرى القرآن يتحدّث عن إطعام المساكين،و هو من أهمّ أعمال البرّ،و في الآية إشارة إلى أنّك إذا لم تستطع إطعام المساكين،فشجّع

ص: 461

الآخرين على ذلك».

و قال فضل اللّه في سبب دعّ اليتيم:«لأنّه لا ينظر إلى الأمور من خلال نتائجها الأخرويّة ليمنعه ذلك عن التّصرّف السّيّئ الّذي ينذر بالعاقبة السّيّئة في الآخرة،بل ينظر إلى الأمور من خلال نتائجها الدّنيويّة الخاضعة في حساباتها لموازين القوّة و الضّعف،ممّا يجعله يهاب الأقوياء و يستضعف الضّعفاء».

5-قالوا:إنّها نزلت في أبي جهل،أو أبي سفيان، أو الوليد بن مغيرة،أو العاص بن وائل،أو رجل بخيل من المنافقين-و هذا لا يوافق السّور المكّيّة،فالمنافقون إنّما ظهروا في المدينة-أو غيرهم.و لكنّ الآية لسانها عامّ لكلّ من اتّصف بصفاتهم القبيحة.

و في(2):1-قالوا في يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا: يدفعون إليها دفعا عنيفا تدفّهم الملائكة و غيرهم على وجوههم إلى جهنّم،يدفع في أعناقهم حتّى يردوا النّار،يزعجون إليها إزعاجا،أو إزعاجا شديدا،إنّ خزنة جهنّم-بعد الحساب-يغلّون بأيدي الكفّار إلى أعناقهم ثمّ يجمعون نواصيهم إلى أقدامهم وراء ظهورهم ثمّ يدفعونهم في جهنّم دفعا على وجوههم،يدفعون دفعا عنيفا بجفوة و غلظة من كلّ من يقيمه اللّه تعالى لذلك ذاهبين و متهيّئين إِلى نارِ جَهَنَّمَ، و هي الطّبقة الّتي تلقاهم بالعبوسة، و الكراهة،يدفعه و يرهقه،يدفعه عمّا يجب له.يقال:

دععت في قفاه،أي دفعت.الدّعّ:الدّفع و الإرهاق،دعّه يدعّه دعّا إذا دفعه،مثله صكّه يصكّه صكّا،و الدّاعّ:

الدّافع،و نحوها.

و أصل المعنى هو الدّفع بشدّة كما سبق في(1)، و ما ذكروه من القيود خارج عن الآية،و هي مأخوذة من الأحاديث،أو من آيات أخرى.

2-و من النّكت فيها عندهم:

قال الطّبريّ: «يَوْمَ يُدَعُّونَ ترجمة عن قوله -فيما قبلها-: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ و إبدال منه».و نضيف إليه أنّه جاء قبلها: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً* وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً. و«اليوم»في جميعها ظرف لما قبلها: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ.

و قال الفخر الرّازيّ: «قوله: يُدَعُّونَ إِلى نارِ يدلّ على هول نار جهنّم،لأنّ خزنتها لا يقربون منها، و إنّما يدفعون أهلها إليها من بعيد و يلقونهم فيها و هم لا يقربونها».

و قال:(«دعا)مصدر،و قد ذكرت فائدة ذكر المصادر،و هي الإيذان بأنّ الدّعّ دعّ معتبر.يقال له:

دعّ،و لا يقال فيه:ليس بدعّ،كما يقول القائل في الضّرب الخفيف مستحقرا له:هذا ليس بضرب، و العدوّ المهين:هذا ليس بعدوّ-في غير المصادر- و الرّجل الحقير ليس برجل...».

و قال سيّد قطب:«و هو مشهد عنيف.فالدّعّ:الدّفع في الظّهور.و هي حركة غليظة تليق بالخائضين اللاّعبين،الّذين لا يجدّون،و لا ينتبهون إلى ما يجري حولهم من الأمور.فيساقون سوقا و يدفعون في ظهورهم دفعا».

و قال ابن عاشور:«و ذلك إهانة لهم و غلظة

ص: 462

عليهم،أي يوم يساقون إلى نار جهنّم سوقا بدفع.و فيه تمثيل حالهم بأنّهم خائفون متقهقرون،فتدفعهم الملائكة الموكّلون بإزجائهم إلى النّار.و تأكيد (يدعون)ب(دعا)لتوصل إلى إفادة تعظيمه بتنكيره».

3-و قرئ (يدعون) بالتّخفيف من«الدّعاء»، و قال الفخر الرّازيّ في(دعاء):«إنّه على هذه القراءة منصوب على الحال»أي يقال لهم:هلمّوا إلى النّار مدعوّين إليها.

و يلاحظ ثانيا:أنّ موضوع الآيتين،و ما اتّصلت بها من الآيات هو المكذّبون الأوّلون في مكّة،فجاءتا في سورتين مكّيّتين.

ثالثا:من نظائر هذه المادّة:

الدّحر: ...فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً

الإسراء:39

ص: 463

ص: 464

د ع و

اشارة

75 لفظا،212 مرّة:160 مكّيّة،51 مدنيّة

في 55 سورة:43 مكّيّة،12 مدنيّة

دعا 5:4-1\دعوا 3:-3\تدع 4:4\ندع 1:-1

دعاه 1:-1\دعيتم 1:1\تدعهم1:1\سندع 1:1

دعاكم 2:1-1\يدع 5:5\تدعو 1:1\ندعو 4:4

دعان 1:-1\يدعنا 1:1\تدعوهم 2:2\ندعوه 1:1

دعانا 2:2\يدعو 8:5-3\تدعوا 4:3-1\يدعى 1:-1

دعوا 1:1\يدعوه 1:1\تدعوهم 3:3\يدعون 3:2-1

دعوا 6:6\يدعوهم 1:1\تدعون 17:16-1\تدعى 1:1

فدعوهم 2:2\يدعوك 1:1\تدعونه 1:1\تدعون 3:1-2

دعوت 1:-1\يدعوكم 4:2-2\تدعوننى 3:3\ادع 10:5-5

دعوتهم 2:-2\يدعون 23:13-10\تدعونا 2:2\ادعهنّ 1:-1

دعوتكم 1:1\يدعونه 1:1\تدعوننا 1:1\ادعوا 14:13-1

دعوتموهم 1:1\يدعوننى 1:1\ادعو 4:3-1\ادعوه 4:4

دعى 1:1\يدعوننا 1:1\ادعوكم 2:2\ادعوهم 2:1-1

ص: 465

ادعونى 1:1 دعوتك 1:1

دعاء 8:4-4 دعوتكما 1:1

دعاءه 1:1 دعواهم 4:4

الدّعاء 5:4-1 داعيا 1:-1

دعاءه 1:1 الدّاع 3:2-1

دعاءهم 1:1 داعى 2:2

دعاءك 1:1 الدّاعى 1:1

دعائكم 1:1 ادعيائهم 1:-1

دعائكم 1:1 ادعيائكم 1:-1

دعائى 1:1 يدّعون 1:1

دعاء 1:1 تدعون 2:2

دعوة 4:2-2

النّصوص اللّغويّة

اشارة

الخليل :الدّعوة:ادّعاء الولد الدّعيّ غير أبيه، و يدّعيه غير أبيه.يقال:دعيّ بيّن الدّعوة.

و الادّعاء في الحرب:الاعتزاء.و منه التّداعي، تقول:إليّ أنا فلان.

و الادّعاء في الحرب أيضا أن تقول:يا لفلان (1).

و الادّعاء أن تدّعي حقّا لك و لغيرك.يقال:ادّعى حقّا أو باطلا.

و التّداعي:أن يدعو القوم بعضهم بعضا.و في الحديث:«دع داعية اللّبن»يعني إذا حلبت فدع في الضّرع بقيّة من اللّبن.

و الدّاعية:صريخ الخيل في الحروب.أجيبوا داعية الخيل.

و النّادبة تدعو الميّت إذا ندبته.و تقول:دعا اللّه فلانا بما يكره،أي أنزل به ذلك.

و يقال:تداعى عليهم العدوّ من كلّ جانب:أقبل.

و تداعت الحيطان،إذا انقاضت و تفرّزت.

و داعينا عليهم الحيطان،من جوانبها،أي هدمناها عليهم.

و دواعي الدّهر:صروفه.

و في هذا الأمر دعاؤه،أي دعوى قبيحة.

و فلان في مدعاة،إذا دعي إلى الطّعام.

و تقول:دعا دعاء،و فلان داعي قوم و داعية قوم:

يدعو إلى بيعتهم دعوة،و الجميع:دعاة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:221)

سيبويه :...و أمّا الدّعوى،فهو ما ادّعيت.

و قال بعض العرب:اللّهمّ أشركنا في دعوى المسلمين.و قال سبحانه و تعالى: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10.[ثمّ استشهد بشعر](4:40)

المدعاة و المأدبة:إنّما يريدون الدّعاء إلى الطّعام.

(4:90)

الدّعوى:اسم لما تدّعيه.و الدّعوى تصلح أن تكون في معنى الدّعاء،لو قلت:اللّهمّ أشركنا في صالح دعاء المسلمين و دعوى المسلمين،جاز.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 3:119)

دعوت له بخير،و عليه بشرّ.(ابن سيده 2:325)

ص: 466


1- كذا،و الظّاهر أنا ابن فلان.كما في كلام ابن فارس.

الكسائيّ: لي فيهم دعوة أي قرابة و إخاء.و في العرس دعوة أيضا.و هو في مدعاتهم كما تقول في عرسهم.(الأزهريّ 3:124)

[دعويّ]هو من دعوت،أي ليس فيها من يدعو، لا يتكلّم به إلاّ مع الجحد.(الجوهريّ 6:2337)

اليزيديّ: يقال:لي في هذا الأمر دعوى و دعاوى و دعاة.(الأزهريّ 3:124)

ابن شميّل: الدّعوة في الطّعام،و الدّعوة في النّسب.(الأزهريّ 3:124)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الدّاعي المعذّب:دعاه اللّه، أي عذّبه.(الأزهريّ 3:125)

أبو عبيدة :يقال في النّسب:دعوة،و في الطّعام:

دعوة.هذا أكثر كلام العرب إلاّ عديّ الرّباب،فإنّهم ينصبون الدّال في النّسب و يكسرونها في الطّعام.

(ابن فارس 2:279)

الأخفش: يقال:لو دعينا إلى أمر لا تدعينا،مثل قولك:بعثته فانبعث.(الأزهريّ 3:124)

اللّحيانيّ: الدّعوة:الحلف،يقال:دعوة فلان في بني فلان.و يقال.لبني فلان الدّعوة على قومهم،إذا كان يبدأ بهم.(الأزهريّ 3:121)

و تداعى القوم على بني فلان،إذا دعا بعضهم بعضا حتّى يجتمعوا.

و التّدعّي:تطريب النّائحة،و هو من ذلك.

(ابن سيده 2:326)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ عليه السّلام:إنّ رجلا حلب عنده ناقة،فقال له النّبيّ عليه السّلام:«دع داعي اللّبن».

قوله:«دع داعي اللّبن»يقول:أبق في الضّرع قليلا،لا تستوعبه كلّه في الحلب،فإنّ الّذي تبقيه فيه يدعو ما فوقه من اللّبن فينزله،و إذا استنفض كلّ ما في الضّرع أبطأ عليه الدّرّ بعد ذلك.(1:213)

الأدعيّة مثل الأحجيّة،و هي الأغلوطة،و قد داعيته أداعيه.(الأزهريّ 3:122)

ابن الأعرابيّ: المدّعى:المتّهم في نسبه و هو الدّعيّ.و الدّعيّ أيضا:المتبنّى الّذي تبنّاه رجل فدعاه ابنه،و نسبه إلى غيره.(الأزهريّ 3:124)

شمر:التّداعي في الثّوب إذا أخلق،و في الدّار إذا تصدّع من نواحيها.

و البرق يتداعى في جوانب الغيم.

(الأزهريّ 3:122)

دعا اللّه فلانا بما يكره،أي أنزل به مكروه.

(الأزهريّ 3:123)

الجاحظ:يقال لصوت الدّيكة:الدّعاء(2:297)

ابن دريد :الدّعو:مصدر دعا يدعو دعوا و دعاء.

و الدّعوة في النّسب بالكسر لا غير.و الدّعوة إلى الطّعام بالفتح،و هي المدعاة أيضا.

و استجاب اللّه دعاءه و دعوته.(2:283)

دعوت فأنا داع،و المفعول مدعوّ،أدعو دعاء.

الدّعاء،ممدود:معروف.و قد فسّرنا الدّعاء و ما يجري مجراها في كتاب«لغات القرآن»و الدّعوة من قولهم:رجل دعيّ بيّن الدّعوة،إذا ادّعى في قوم.

و الدّعوى،من قولهم:ادّعيت عليه مالا ادّعاء،

ص: 467

و الاسم:الدّعوى.

و سمعت دعوى القوم في الحرب،إذا تداعوا بيا بني فلان و يا بني فلان.(3:242)

و أدعيّة و أدعوّة،و لبني فلان أدعيّة يتداعون بها، أي شعار لهم.(3:379)

و المأدبة و المدعاة:طعام أيّ وقت كان.(3:447)

باب«فعيل و فعول و فعال».

مثل...دعيّ و أدعياء؛و يجمع على«فعلاء»نحو ظريف و ظرفاء،و عشير و عشراء.(3:509)

الأزهريّ: و دعاء اللّه خلقه إليها،[الجنّة]كما يدعو الرّجل النّاس إلى مدعاة،أي مأدبة يتّخذها.

و طعام يدعو النّاس إليه.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب،فإن كان مفطرا فليأكل،و إن كان صائما فليصلّ».و هي الدّعوة و المدعاة للمأدبة.

و أمّا الدّعوة بكسر الدّال فادّعاء الولد الدّعيّ غير أبيه.يقال:دعيّ بيّن الدّعوة و الدّعاوة.

و المؤذّن داعي اللّه،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم داعي الأمّة إلى توحيد اللّه تعالى و طاعته.قال اللّه تعالى مخبرا عن الجنّ،الّذين استمعوا القرآن و ولّوا إلى قومهم منذرين: يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللّهِ الأحقاف:31.

و يقال لكلّ من مات:دعي فأجاب.

و يقال:دعاني إلى الإحسان إليك إحسانك إليّ.

و العرب تقول:دعانا غيث وقع ببلدة فأمرع،أي كان سببا لانتجاعنا إيّاه.[و بعد نقل قول أبي عبيد قال:]

قلت:و معناه عندي:دع ما يكون سببا لنزول الدّرّة.و ذلك أنّ الحالب إذا ترك في الضّرع لأولاد الحلائب لبينة ترضعها،طابت أنفسها،فكان أسرع لإفاقتها.

و الدّاعية:صريخ الخيل في الحروب.يقال:أجيبوا داعية الخيل.[و نقل قول اللّحيانيّ ثمّ قال:]

و الدّعوة:الوليمة.و في نسبة دعوة أي دعوى.

و دعيّ بيّن الدّعوة و الدّعاوة.[ثمّ نقل قول الخليل و قال:]

و يقال:تداعى البناء و الحائط،إذا تكسّر و آذن بانهدام.

و يقال:داعينا عليهم الحيطان من جوانبها أي هدمناها عليهم،و تداعى الكثيب من الرّمل إذا هيل فانهال.

و تداعت القبائل على بني فلان،إذا تألّبوا،و دعا بعضهم بعضا إلى التّناصر عليهم.

و الدّعاة:قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة؛ واحدهم:داع.

و رجل داعية،إذا كان يدعو النّاس إلى بدعة أو دين،أدخلت الهاء فيه للمبالغة.

و يقال:بينهم أدعيّة يتداعون بها،و أحجيّة يتحاجّون بها،و هي الألقيّة أيضا.

و يقال:لبني فلان الدّعوة على قومهم،إذا بدئ بهم في الدّعاء إلى أعطياتهم.و قد انتهت الدّعوة إلى بني فلان.

و التّدعّيّ: تطريب النّائحة في نياحتها على ميّتها.

ص: 468

و الدّعوة:الحلف.و فلا يدّعي بكرم فعاله،أي يخبر عن نفسه بذلك.

و يقال:تداعت إبل فلان فهي متداعية،إذا تحطّمت هزلا.

و المداعي:نحو المساعي و المكارم.يقال:لذو مداع و مساع.

و الحمامة تدعو،إذا ناحت.

و يقال:ما دعاك إلى هذا الأمر،أي ما الّذي جرّك إليه و اضطرّك.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:الدّعاء هو العبادة، ثمّ قرأ وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60.

و يقال:تداعت السّحابة بالبرق و الرّعد من كلّ جانب،إذا رعدت و برقت من كلّ جهة.

و قال أبو عدنان:كلّ شيء في الأرض إذا احتاج إلى شيء فقد دعا به.

و يقال للرّجل إذا أخلقت ثيابه:قد دعت ثيابك أي احتجت إلى أن تلبس غيرها من الثّياب.

و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم تبنّى زيد بن حارثة،فأمر اللّه عزّ و جلّ أن ينسب النّاس إلى آبائهم،و ألاّ ينسبوا إلى من تبنّاهم فقال: اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ الأحزاب:5، وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ الأحزاب:4.[و استشهد بالشّعر 9 مرّات](الأزهريّ 3:120)

الصّاحب:رجل مدعوّ و مدعيّ،جميعا.و هو داعي قوم و داعيتهم،أي يدعوهم إلى هدى أو ضلال.

و المؤذّن:داعي اللّه.

و الدّعاوة و الدّعوة بالكسر:في النّسب.و الدّعوة بالفتح في الطّعام.و عديّ الرّباب يفتحونها في النّسب، و يكسرونها في الطّعام.

و ادّعى فلانا:صيّره يدعى إلى غير أبيه.

و دعوته كذا:سمّيته.

و التّدعّي:تطريب النّائحة في نياحتها.

و التّدعّي:أن يدعو بعضهم بعضا.

و ادّعى في الحرب و تداعى:اعتزى.

و يقال:دع في الضّرع داعية لبن،أي لا تأفنه.

و الدّاعية:صريخ الخيل.

و دعاه اللّه بما يكره:أنزله به.

و تداعى عليه القوم و الأعداء:أقبلوا عليه.

و تداعت الحيطان:انقاضت.

و ما بها دعويّ،أي أحد،و هو من الدّعاء.

و الأدعيّة:الأحجيّة،يقال:أداعيك ما كذا و كذا.

و يقال:الأدعوّة،أيضا.(2:125)

الخطّابيّ: الدّعاء:مصدر،من قولك:دعوت الشّيء أدعوه دعاء،ثمّ أقاموا المصدر مقام الاسم.

تقول:سمعت دعاء،كما تقول:سمعت صوتا.و قد يوضع المصدر موضع الاسم،كقولهم:رجل عدل.

(الفخر الرّازيّ 5:106)

الجوهريّ: الدّعوة إلى الطّعام بالفتح.يقال:كنّا في دعوة فلان و مدعاة فلان،و هو في الأصل مصدر،

ص: 469

يريدون:الدّعاء إلى الطّعام.

و الدّعوة بالكسر في النّسب.يقال:فلان دعيّ بيّن الدّعوة و الدّعوى في النّسب.هذا أكثر كلام العرب إلاّ عديّ الرّباب فإنّهم يفتحون الدّال في النّسب و يكسرونها في الطّعام.

و الدّعيّ أيضا:من تبنّيته،قال تعالى: وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ الأحزاب:4.

و ادّعيت على فلان كذا؛و الاسم:الدّعوى.

و الادّعاء في الحرب:الاعتزاء،و هو أن يقول:أنا فلان بن فلان.

و تداعت الحيطان للخراب،أي تهادمت.

و الأدعيّة مثل الأحجيّة.

و المداعاة:المحاجاة.يقال:بينهم أدعيّة يتداعون بها،و هي مثل الأغلوطات.حتّى الألغاز من الشّعر:

أدعيّة.

و دعوت فلانا،أي صحت به و استدعيته.

و دعوت اللّه له و عليه دعاء.

و الدّعوة:المرّة الواحدة.

و الدّعاء:واحد الأدعية،و أصله«دعاو»لأنّه من دعوت،إلاّ أنّ الواو لمّا جاءت بعد الألف همزت.

و تقول للمرأة:أنت تدعين،و فيه لغة ثانية:أنت تدعوين،و فيه لغة ثالثة أنت تدعين بإشمام العين الضّمّة.و للجماعة:أنتنّ تدعون،مثل الرّجال سواء.

و داعية اللّبن:ما يترك في الضّرع ليدعو ما بعده.

و في الحديث:«دع داعي اللّبن».

و دواعي الدّهر:صروفه.

و قولهم:ما بالدّار دعويّ بالضّمّ،أي أحد.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](6:2336)

ابن فارس: الدّال و العين و الحرف المعتلّ أصل واحد،و هو أن تميل الشّيء إليك بصوت و كلام يكون منك.تقول:دعوت أدعو دعاء.

و الدّعوة إلى الطّعام بالفتح،و الدّعوة في النّسب بالكسر.

و داعية اللّبن:ما يترك في الضّرع ليدعو ما بعده.

و هذا تمثيل و تشبيه.و في الحديث إنّه قال للحالب:

«دع داعية اللّبن».

ثمّ يحمل على الباب ما يضاهيه في القياس الّذي ذكرناه،فيقولون:دعا اللّه فلانا بما يكره،أي أنزل به ذلك.

و تداعت الحيطان،و ذلك إذا سقط واحد و آخر بعده،فكأنّ الأوّل دعا الثّاني.و ربّما قالوا:داعيناها عليهم،إذا هدمناها،واحدا بعد آخر.

و دواعي الدّهر:صروفه،كأنّها تميل الحوادث.

و لبني فلان أدعيّة يتداعون بها،و هي مثل الأغلوطة،كأنّه يدعو المسئول إلى إخراج ما يعمّيه عليه.

و من الباب:ما بالدّار دعويّ،أي ما بها أحد، كأنّه ليس بها صائح يدعو بصياحه.

و يحمل على الباب مجازا أن يقال:دعا فلانا مكان كذا،إذا قصد ذلك المكان،كأنّ المكان دعاه.

و هذا من فصيح كلامهم.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات]

(2:279)

ص: 470

أبو هلال:الفرق بين المسألة و الدّعاء:أنّ المسألة يقارنها الخضوع و الاستكانة،و لهذا قالوا:

المسألة ممّن دونك،و الأمر ممّن فوقك،و الطّلب ممّن يساويك.فأمّا قوله تعالى: وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ محمّد:36،فهو يجري مجرى الرّفق في الكلام و استعطاف السّامع به،و مثله قوله تعالى: إِنْ تُقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً التّغابن:17.[ثمّ استشهد بشعر]

و الدّعاء إذا كان للّه تعالى،فهو مثل المسألة معه استكانة و خضوع،و إذا كان لغير اللّه،جاز أن يكون معه خضوع،و جاز أن لا يكون معه ذلك،كدعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أبا جهل إلى الإسلام لم يكن فيه استكانة.

و يعدّى هذا الضّرب من الدّعاء ب«إلى»فيقال:

دعاه إليه،و في الضّرب الأوّل ب«الباء»،فيقال:دعاه به.تقول:دعوت اللّه بكذا،و لا تقول دعوته إليه،لأنّ فيه معنى مطالبته به و قوده إليه.(25)

الفرق بين النّداء و الدّعاء:أنّ النّداء هو رفع الصّوت بما له معنى،و العربيّ يقول لصاحبه:ناد معي ليكون ذلك أندى لصوتنا،أي أبعد له.و الدّعاء يكون برفع الصّوت و خفضه.يقال:دعوته من بعيد و دعوت اللّه في نفسي،و لا يقال:ناديته في نفسي.

و أصل الدّعاء طلب الفعل،دعا يدعو و ادّعى ادّعاء،لأنّه يدعو إلى مذهب من غير دليل.و تداعى البناء:يدعو بعضه بعضا إلى السّقوط،و الدّعوى:

مطالبة الرّجل بمال يدعو إلى أن يعطاه،و في القرآن تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّى المعارج:17،أي يأخذه بالعذاب كأنّه يدعوه إليه.(26)

الهرويّ: في الحديث:«إنّ اللّه تعالى بنى دارا و اتّخذها مأدبة فدعا النّاس إليها»قوله:«دعا»من الدّعوة و المدعاة،و هي الوليمة.

و في حديث عمر:«كان يقدّم فيها سابقتهم في أعطياتهم،فإن انتهت الدّعوة إليه كبّر»يقال:لبني فلان الدّعوة على قومهم،إذا بدئ بهم في العطاء.

و في الحديث في قريش:«و الحكم في الأنصار و الدّعوة في الحبشة»أراد بالدّعوة:الأذان،جعله في الحبشة تفضيلا لمؤذّنه بلال،و جعل الحكم في الأنصار لكثرة فقهائها.

و في الحديث:«و لو دعيت إلى ما دعي إليه يوسف لأجبت»قال القتيبيّ:حين دعي للإطلاق من الحبس بعد الغمّ الطّويل فلم يخرج،و قال: اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ يوسف:50،يقول:لو كنت مكانه لم أتلبّث و خرجت،و هذا من جنس تواضعه صلّى اللّه عليه و سلّم كما قال في وقت آخر:«لا تفضّلوني على يونس بن متّى»و أراد أنّ يوسف كان صابرا.

و في الحديث:«سمع رجلا في المسجد يقول:من دعا إلى الجمل الأحمر فقال:لا وجدت»يريد من وجده فدعا إليه،و نهى أن تنشد الضّالّة في المسجد.

(2:638)

ابن سيده: الدّعاء:الرّغبة إلى اللّه عزّ و جلّ، دعاه دعاء و دعوى حكاها سيبويه في المصادر الّتي في آخرها ألف التّأنيث...

و الدّعّاءة:الأنملة يدعى بها،كقولهم السّبّابة،

ص: 471

كأنّها هي الّتي تدعو،كما أنّ السّبّابة هي الّتي كأنّها تسبّ.

و دعا الرّجل دعوا و دعاء:ناداه؛و الاسم:

الدّعوة.

و هو منّي دعوة الرّجل و دعوة الرّجل،أي قدر ما بيني و بينه ذلك،ينصب على أنّه ظرف،و يرفع على أنّه اسم.

و لبني فلان الدّعوة على قومهم،أي يبدأ بهم في الدّعاء.

و ما بها دعوى،أي أحد يدعو.

و التّداعي و الادّعاء:الاعتزاء في الحرب،لأنّهم يتداعون بأسمائهم.

و دعاه إلى الأمير:ساقه.

و دعاه الماء و الكلأ:كذلك على المثل.

و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم داعي اللّه عزّ و جلّ و كذلك المؤذّن.

و الدّاعية:صريخ الخيل في الحروب،لدعائه من يستصرخه.

و داعية اللّبن:بقيّته الّتي تدعو سائره.

و دعّى في الضّرع:أبقى فيه داعية اللّبن.

و دعا الميّت:ندبه كأنّه ناداه.

و الدّعوة و الدّعوة و المدعاة:ما دعوت إليه من طعام و شراب.الكسر في«الدّعوة»لعديّ الرّباب و سائر العرب يفتحون،و خصّ اللّحيانيّ بالدّعوة:

الوليمة.

و فلان في خير ما ادّعى،أي ما تمنّى.

و دعاه اللّه بما يكره:أنزله به.

و دواعي الدّهر:صروفه.و قوله تعالى: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّى المعارج:17،من ذلك،أي تفعل بهم الأفاعيل المكروهة.و قيل:هو من الدّعاء الّذي هو النّداء؛و ليس بقويّ.

و دعوته بزيد و دعوته إيّاه:سمّيته به،تعدّى الفعل بعد إسقاط الحرف.

و ادّعيت الشّيء:زعمته لي،حقّا كان أو باطلا.

و الدّعيّ المنسوب إلى غير أبيه.

و إنّه لبيّن الدّعوة و الدّعوة الفتح لعديّ الرّباب، و سائر العرب يكسرها،بخلاف ما تقدّم في الطّعام.

و حكاه اللّحيانيّ: إنّه لبيّن الدّعاوة و الدّعاوة.

و الدّعوة:الحلف.يقال:دعوة بني فلان في بني فلان.

و تداعت الحيطان:انقاضت.

و داعيناها عليهم:هدمناها.

و تداعى عليه العدوّ من كلّ جانب:أقبل من ذلك.

و داعاه:حاجاه و فاطنه.

و التّداعي:التّحاجي.

و الأدعيّة و الأدعوّة:ما يتداعون به.سيبويه:

صحّت الواو في أدعوّة،لأنّه ليس هناك ما يقلبها، و من قال:أدعيّة فلخفّة الياء على حدّ مسنيّة.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:325)

الطّوسيّ: الدّعاء:طلب الفعل بما يقع لأجله، و الدّاعي إلى الفعل:خلاف الصّارف عنه.و قد يدعو إليه باستحقاق المدح عليه.

ص: 472

و الفرق بين الدّعاء و الأمر:أنّ في الأمر ترغيبا في الفعل،و زجرا عن تركه،و له صيغة تنبئ عنه،و ليس كذلك الدّعاء،و كلاهما طلب.و أيضا الأمر يقتضي أن يكون المأمور دون الآمر في الرّتبة،و الدّعاء يقتضي أن يكون فوقه.(5:418)

نحوه الطّبرسيّ.(3:102)

و الدّعاء:طلب الفعل بدلالة القول،و ما دعا اللّه عزّ و جلّ إليه فقد أمر به و رغب فيه،و ما دعا العبد به ربّه فالعبد راغب فيه،و لذلك لا يجوز أن يدعو الإنسان بلعنه و لا عقابه،و يجوز أن يدعو على غيره به.(6:301)

الرّاغب: الدّعاء كالنّداء،إلاّ أنّ النّداء قد يقال:

ب«يا»أو أيا،و نحو ذلك،من غير أن يضمّ إليه الاسم.

و الدّعاء لا يكاد يقال إلاّ إذا كان معه الاسم،نحو:

يا فلان.

و قد يستعمل كلّ واحد منهما موضع الآخر،قال تعالى: كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً وَ نِداءً البقرة:171.

و يستعمل استعمال التّسمية،نحو:دعوت ابني زيدا،أي سمّيته،قال تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً النّور:63،حثّا على تعظيمه،و ذلك مخاطبة من كان يقول:يا محمّد.

و دعوته:إذا سألته،و إذا استغثته،قال تعالى:

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ البقرة:68،أي سله.[إلى أن قال:]

و الدّعاء إلى الشّيء:الحثّ على قصده قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ يوسف:33، قال: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ يونس:25، و قال: وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ* تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ المؤمن:

41،42.

و الدّعوة مختصّة بادّعاء النّسبة،و أصلها للحالة الّتي عليها الإنسان،نحو:القعدة و الجلسة.

و قولهم:«دع داعي اللّبن»أي غيرة تجلب منها اللّبن.

و الادّعاء:أن يدّعي شيئا أنّه له،و في الحرب:

الاعتزاء.

و الدّعوى:الادّعاء،قال: فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا الأعراف:5.

و الدّعوى:الدّعاء،قال: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10.(169)

الزّمخشريّ: دعوت فلانا و بفلان:ناديته و صحت به.

و ما بالدّار داع و لا مجيب.

و النّادبة تدعو الميّت:تندبه تقول:وا زيداه.

و دعاه إلى الوليمة.و دعاه إلى القتال.

و دعا اللّه له و عليه،و دعا اللّه بالعافية و المغفرة.

و النّبيّ: داعي اللّه.

و هم دعاة الحقّ،و دعاة الباطل و الضّلالة.

و تداعوا للرّحيل.

و ما بالدّار دعويّ أي أحد يدعو.

ص: 473

و أجيبوا داعية الخيل،و هي صريخهم.

و تداعوا في الحرب:اعتزوا.

و بينهم دعوى.

و ادّعى فلان دعوى باطلة.

و شهدنا دعوة فلان.

و هو دعيّ بيّن الدّعوة.

و من المجاز:دعاه اللّه بما يكره:أنزله به.

قال:

دعاك اللّه من رجل بأفعى

إذا نام العيون سرت عليكا

و دعوته زيدا:سمّيته.

و ما تدعون هذا الشّيء بينكم.

و دع داعي اللّبن و داعية اللّبن:ما يترك في الضّرع ليدعو ما بعده.

و الدّاعية تدعو المادّة.

و أصابتهم دواعي الدّهر:صروفه.

و أنا أداعيك:أحاجيك.

و بينهم أدعيّة يتداعون بها.

و دعا بالكتاب:استحضره يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ ص:51.

و ما دعاك إلى أن فعلت كذا.

و دعا أنفه الطّيب،إذا وجد رائحته فطلبه.

و تداعت عليهم القبائل من كلّ جانب:اجتمعت عليهم و تألّبت بالعداوة.

و فلان يدّعي بكرم فعاله:يخبر عن نفسه بذلك.

و ما يدعو فلان باسم فلان،أي ما يذكره باسمه من بغضه له،و لكن يلقّبه بلقب.

و إنّه لذو مساع و مداع،و هي المناقب في الحرب خاصّة.

و تداعت عليهم الحيطان،و تداعينا عليهم الحيطان من جوانبها:هدمناها عليهم.

و من مجاز المجاز:تداعت إبل بني فلان:هزلت أو هلكت.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(أساس البلاغة:131)

«الخلافة في قريش و الحكم في الأنصار و الدّعوة في الحبشة»،يعني الأذان جعله في الحبشة تفضيلا لبلال و رفعا منه،و جعل الحكم في الأنصار لأنّ أكثر فقهاء الصّحابة فيهم،منهم:معاذ بن جبل و أبيّ بن كعب و زيد بن ثابت و غيرهم رضي اللّه عنهم.

«سمع رجلا في المسجد يقول:من دعا إلى الجمل الأحمر قال:لا وجدت لا وجدت»،أراد من أنشده فدعا إليه صاحبه.و إنّما دعا كراهية النّشدان في المسجد.«إنّما كان أكثر دعائي و دعاء الأنبياء قبلي بعرفات:لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد و هو على كلّ شيء قدير».

إنّما سمّيت التّهليل و التّمجيد دعاء،لأنّه بمنزلته في استيجاب صنع اللّه و إنعامه.(الفائق 1:426)

«كان يقدّم النّاس على سابقتهم في أعطياتهم، فإذا انتهت الدّعوة إليه كبّر».هي المناداة و التّسمية، و أن يقال:دونك يا أمير المؤمنين.يقال:دعوت زيدا دعاء،إذا ناديته و دعوته زيدا إذا سمّيته به.

(الفائق 1:427)

ص: 474

المدينيّ: في حديث عمير بن أفصى رضي اللّه عنه:

«ليس في الخيل داعية لعامل»،أي لا دعوى للمصدّق فيه،و لا حقّ يدعو إلى قضائه،لأنّه تجب فيه الزّكاة.

في الحديث:«لا دعوة في الإسلام».الدّعوة بالكسر:ادّعاء ولد الغير،كما كانوا في الجاهليّة يتبنّون أولاد الغير،فإنّ حكم الإسلام أنّ الولد للفراش.

في كتاب هرقل:«أدعوك بدعاية الإسلام»أي بدعوته،و هي كلمة الشّعار الّتي يدعى إليها أهل الملل الكافرة.

و في رواية:«بداعية الإسلام»و هي بمعنى الدّعوة أيضا،مصدر كالعافية و العاقبة.

في الحديث:«كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسّهر و الحمّى».

و في حديث آخر:«تداعت عليكم الأمم».يقال:

تداعى عليه القوم،أي أقبلوا و تداعت الحيطان:

تساقطت أو كادت.

و في حديث ثوبان:«يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها».

في حديث ضرار بن الأزور:«دع داعي اللّبن».

قال الطّحاويّ: من أخلاق العرب إذا حلبوا النّاقة أن يبقوا في ضرعها شيئا،فإذا احتاجوا إلى اللّبن لضيف نزل،أو لغيره احتلبوا ما بقّوه و إن قلّ،ثمّ خلطوا بالماء البارد،ثمّ ضربوا به ضرعها،و أدنوا منها حوارها أو جلده فتلحسه،و تدرّ عليه من اللّبن ملء ضرعها فيصرفونه في حوائجهم.

في الحديث:«فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم»، أي تحوطهم و تكنفهم و تحفظهم،يريد أهل السّنّة دون أهل البدعة،و الدّعوة:المرّة الواحدة من الدّعاء.

(1:660)

ابن الأثير: و فيه:«ما بال دعوى الجاهليّة»هو قولهم:يا لفلان،كانوا يدعون بعضهم بعضا عند الأمر الحادث الشّديد.

و منه حديث زيد بن أرقم:«فقال قوم يا للأنصار، و قال قوم يا للمهاجرين،فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:دعوها فإنّها منتنة».

و منه الحديث:«تداعت عليكم الأمم»أي اجتمعوا و دعا بعضهم بعضا.

و منه الحديث:«ليس من رجل ادّعى إلى غير أبيه و هو يعلمه إلاّ كفر»،و في حديث آخر:«فالجنّة عليه حرام»،و في حديث آخر:«فعليه لعنة اللّه»،و قد تكرّرت الأحاديث في ذلك.

و الادّعاء إلى غير الأب مع العلم به حرام،فمن اعتقد إباحة ذلك كفر لمخالفة الإجماع،و من لم يعتقد إباحته،ففي معنى كفره وجهان:

أحدهما:أنّه أشبه فعله فعل الكفّار.

و الثّاني:أنّه كافر نعمة اللّه و الإسلام عليه، و كذلك الحديث الآخر:«فليس منّا»أي إن اعتقد جوازه خرج من الإسلام،إن لم يعتقده فالمعنى أنّه لم يتخلّق بأخلاقنا.

و منه حديث عليّ بن الحسين:«المستلاط لا يرث و يدعى له و يدعى به».

ص: 475

«المستلاط»،المستلحق في النّسب.«و يدعى له»، أي ينسب إليه،فيقال:فلان ابن فلان،«و يدعى به»، أي يكنّى،فيقال:هو أبو فلان،و مع ذلك لا يرث،لأنّه ليس بولد حقيقيّ.

و فيه:«لو لا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة»،يعني الشّيطان الّذي عرض له في صلاته،و أراد بدعوة سليمان عليه السّلام:قوله:

وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ص:35، و من جملة ملكه تسخير الشّياطين و انقيادهم له.

و منه الحديث:«سأخبركم بأوّل أمري:دعوة أبي إبراهيم،و بشارة عيسى».دعوة إبراهيم عليه السّلام هي قوله تعالى: رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ البقرة:129،و بشارة عيسى قوله:

وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ الصّفّ:6.

و منه حديث معاذ لمّا أصابه الطّاعون،قال:

«ليس برجز و لا طاعون،و لكنّه رحمة ربّكم،و دعوة نبيّكم»،أراد قوله:«اللّهمّ اجعل فناء أمّتي بالطّعن و الطّاعون».

و في حديث عرفة:«أكثر دعائي و دعاء الأنبياء قبلي بعرفات:لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،له الملك و له الحمد و هو على كلّ شيء قدير».

إنّما سمّي التّهليل و التّحميد و التّمجيد دعاء،لأنّه بمنزلته في استيجاب ثواب اللّه و جزائه،كالحديث الآخر:«إذا شغل عبدي ثناؤه عليّ عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين».[و هنا أحاديث أخرى تركناها حذرا من التّكرار](2:120)

الفيّوميّ: دعوت اللّه أدعوه دعاء:ابتهلت إليه بالسّؤال،و رغبت فيما عنده من الخير.

و دعوت زيدا:ناديته و طلبت إقباله.

و دعا المؤذّن النّاس إلى الصّلاة،فهو داعي اللّه؛ و الجمع:دعاة و داعون،مثل:قاض و قضاة و قاضون.

و النّبيّ داعي الخلق إلى التّوحيد.

و دعوت الولد زيدا و بزيد،إذا سمّيته بهذا الاسم.

و الدّعوة بالكسر:في النّسبة.يقال دعوته بابن زيد.

و الدّعوى و الدّعاوة بالفتح،و الادّعاء مثل ذلك.

و عن الكسائيّ:لي في القوم دعوة بالكسر،أي قرابة و إخاء.

و الدّعوة بالفتح في الطّعام:اسم من دعوت النّاس،إذا طلبتهم ليأكلوا عندك.

يقال:نحن في دعوة فلان و مدعاته و دعائه بمعنى.

قال أبو عبيد:و هذا كلام أكثر العرب إلاّ عديّ الرّباب فإنّهم يعكسون،و يجعلون الفتح في النّسب و الكسر في الطّعام.

و دعوى فلان كذا،أي قوله.

و ادّعيت الشّيء:تمنّيته،و ادّعيته:طلبته لنفسي؛ و الاسم:الدّعوى.

قال ابن فارس:الدّعوة:المرّة،و بعض العرب يؤنّثها بالألف،فيقول:الدّعوى.

و قد يتضمّن الادّعاء معنى الإخبار،فتدخل الباء جوازا،يقال:فلان يدّعي بكرم فعاله،أي يخبر بذلك

ص: 476

عن نفسه.

و جمع الدّعوى:الدّعاوي،بكسر الواو و فتحها.

قال بعضهم:الفتح أولى،لأنّ العرب آثرت التّخفيف ففتحت،و حافظت على ألف التّأنيث الّتي بني عليها المفرد،و به يشعر كلام أبي العبّاس أحمد بن ولاّد و لفظه:و ما كان على«فعلى»بالضّمّ أو الفتح أو الكسر،فجمعه الغالب الأكثر«فعالى»بالفتح،و قد يكسرون اللاّم في كثير منه.

و قال بعضهم:الكسر أولى،و هو المفهوم من كلام سيبويه،لأنّه ثبت أنّ ما بعد ألف الجمع لا يكون إلاّ مكسورا،و ما فتح منه فمسموع لا يقاس عليه،لأنّه خارج عن القياس.

قال ابن جنّيّ: قالوا:حبلى و حبالى بفتح اللاّم، و الأصل:حبال بالكسر،مثل:دعوى و دعاو.و قال ابن السّكّيت:قالوا:يتامى،و الأصل:يتائم،فقلب ثمّ فتح للتّخفيف.

و قال ابن السّرّاج:و إن كانت«فعلى»بكسر الفاء ليس لها«أفعل»مثل:ذفرى،إذا كسّرت حذفت الزّيادة الّتي للتّأنيث،ثمّ بنيت على«فعال»و تبدل من الياء المحذوفة ألف أيضا،فيقال:ذفار و ذفارى و«فعلى»بالفتح مثل:«فعلى»سواء في هذا الباب، أي لاشتراكهما في الاسميّة،و كون كلّ واحدة ليس لها «أفعل»و على هذا فالفتح و الكسر في«الدّعاوي» سواء،و مثله الفتوى و الفتاوى و الفتاوي.

ثمّ قال ابن السّرّاج:قال يعني سيبويه:قولهم:ذفار يدلّك على أنّهم جمعوا هذا الباب على«فعال»إذ جاء على الأصل،ثمّ قلبوا الياء ألفا أي للتّخفيف،لأنّ الألف أخفّ من الياء،و لعدم اللّبس لفقد«فعالل» بفتح اللاّم.

و قال الأزهريّ: قال اليزيديّ:يقال:لي في هذا الأمر دعوى و دعاوى أي مطالب و هي مضبوطة في بعض النّسخ بفتح الواو و كسرها معا،و في حديث:«لو أعطي النّاس بدعاويهم».و هذا منقول و هو جار على الأصول،خال عن التّأويل،بعيد عن التّصحيف، فيجب المصير إليه،و قد قاس عليه ابن جنّيّ كما تقدّم.

و تداعى البنيان:تصدّع من جوانبه،و آذن بالانهدام و السّقوط.

و تداعى الكثيب من الرّمل،إذا هيل فانهال.

و تداعى النّاس على فلان:تألّبوا عليه.

و تداعوا بالألقاب:دعا بعضهم بعضا بذلك.

(1:194)

الفيروزآباديّ: الدّعاء:الرّغبة إلى اللّه تعالى، دعا دعاء و دعوى.و الدّعاءة:السّبّابة.

و هو منّي دعوة الرّجل،أي قدر ما بيني و بينه ذاك.

و لهم الدّعوة على غيرهم،أي يبدأ بهم في الدّعاء.

و تداعوا عليه:تجمّعوا.

و دعاه:ساقه.

و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:داعي اللّه؛و يطلق على المؤذّن.

و الدّاعية:صريخ الخيل في الحروب.

و داعية اللّبن:بقيّته الّتي تدعو سائره.و دعا في الضّرع:أبقاها فيه.

ص: 477

و دعاه اللّه بمكروه:أنزله به.

و دعوته زيدا و بزيد:سمّيته به.

و ادّعى كذا:زعم أنّه له حقّا أو باطلا،و الاسم:

الدّعوة و الدّعاوة،و يكسران.

و الدّعوة:الحلف و الدّعاء إلى الطّعام و يضمّ، كالمدعاة؛و بالكسر:الادّعاء في النّسب.

و الدّعيّ كغنيّ: من تبنّيته،و المتّهم في نسبه.

و ادّعاه:صيّره يدعى إلى غير أبيه.

و الأدعيّة و الأدعوّة مضمومتين:ما يتداعون به.

و المداعاة:المحاجاة.

و تداعى العدوّ:أقبل،و الحيطان:انقاضت.

و داعيناه:هدمناه.

و دواعي الدّهر:صروفه.

و ما به دعويّ كتركيّ: أحد.

و اندعى:أجاب.

دعيت:لغة في دعوت.(4:329)

الطّريحيّ: و في الحديث:«لا يردّ القضاء إلاّ الدّعاء».قيل:أراد بالقضاء:ما تخافه من نزول مكروه و تتوقّاه.و تسميته قضاء مجاز،و يراد به حقيقة القضاء.و معنى ردّه:تسهيله و تيسيره،حتّى كأنّ القضاء النّازل لم ينزل.و يؤيّده ما روي من أنّ الدّعاء ينفع ممّا نزل و ممّا لم ينزل.أمّا ممّا نزل فصبره عليه و تحمّله له و رضاه به،و أمّا نفعه ممّا لم ينزل فيصرفه عنه.

و في حديث عليّ بن الحسين عليهما السّلام و قد سئل:

كيف الدّعوة إلى الدّين؟

فقال:«يقول:أدعوك إلى اللّه و إلى دينه،ثمّ قال:

و جماعه أمران».

و فيه:«أعوذ بك من الذّنوب الّتي تردّ الدّعاء» و هي كما جاءت به الرّواية عن الصّادق عليه السّلام:«سوء النّيّة و السّريرة،و ترك التّصديق بالإجابة،و النّفاق مع الإخوان،و تأخير الصّلاة عن وقتها».

و فيه:«الدّعاء هو العبادة»،أي يستحقّ أن يسمّى عبادة،لدلالته على الإقبال عليه تعالى،و الإعراض عمّا سواه.

و دعوت اللّه أدعوه دعاء:ابتهلت إليه بالسّؤال، و رغبت فيما عنده من الخير.و يقال:«دعا»أي استغاث.

و في الحديث:«أدعو اللّه و أنتم موقنون بالإجابة»، أي كونوا وقت الدّعاء على شرائط الإجابة،من الإتيان بالمعروف،و اجتناب المنهيّ،و رعاية الآداب.

و فيه:«لا تدعوا على أنفسكم»،أي لا تقولوا شرّا و ويلا.

و فيه:«أفضل الدّعاء:الحمد للّه»قيل:لأنّه سؤال لطيف يدقّ مسلكه،و لأنّ التّهليل و التّمجيد و التّحميد دعاء،لأنّه بمنزلته في استيجاب اللّه و جزائه.

و الدّعاء الّذي علّمه جبرئيل ليعقوب فردّ اللّه عليه ابنه هو:«يا من لا يعلم أحد كيف هو إلاّ هو، يا من سدّ السّماء بالهواء و كبس الأرض على الماء، و اختار لنفسه أحسن الأسماء،ائتني بكذا».

و في الحديث:«لا دعوة في الإسلام»و هي بالكسر و بالفتح عند بعض،أي لا تنسب،و هو أن تنسب إلى غير أبيه و عشيرته،و قد كانوا يفعلونه،فنهى عنه،

ص: 478

و جعل الولد للفراش.

و فيه:«لكلّ نبيّ دعوة مستجابة»قيل:أي مجابة البتّة،و هو على يقين من إجابتها.و قيل:جميع دعوات الأنبياء مستجابة،و معناه:لكلّ نبيّ دعوة لأمّته.

و فيه:«أعوذ بك من دعوة المظلوم»أي من الظّلم، لأنّه يترتّب عليه دعوة المظلوم،و ليس بينها و بين اللّه حجاب.

و فى الدّعاء:«اللّهم ربّ الدّعوة التّامّة»قيل:

النّافعة،لأنّ كلامه تعالى لا نقص فيه.و قيل:المباركة، و تمامها فضلها و بركتها.و يتمّ الكلام في«ت م م».

و فى الحديث:«أنا دعوة أبي إبراهيم عليه السّلام»،هي قوله تعالى: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي إبراهيم:40.

و فيه:«دعوة سليمان»و هي: وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ص:35.

و فيه:«دعوة إبراهيم»هي: رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ البقرة:129.

و فيه:«الطّاعون دعوة نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله»هي قوله:

«اللّهمّ اجعل فناء أمّتي بالطّاعون».

و قول بعضهم:«هو منّي على دعوة الرّجل»،أي ذاك قدر ما بيني و بينه.و مثله:«سناباذ (1)من موقان على دعوة»أي قدر سماع صوت،و ربّما أريد من ذلك المبالغة في القرب.

و الدّعاء:واحد الأدعية،و أصله:دعاو،لأنّه من دعوة.

و دعا المؤذّن إلى اللّه فهو داع و الجمع:دعاة،مثل قاض و قضاة،و قاضون.

و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله داع الخلق إلى التّوحيد.

و ادّعيت الشّيء:طلبته لنفسي،و منه:الدّعوة في الطّعام،اسم من:دعوت النّاس،إذا طلبتهم ليأكلوا عندك؛و الاسم:الدّعوى.

و دعوى فلان كذا،أي قوله؛و الجمع:الدّعاوي، بكسر الواو و فتحها.و قال بعضهم:و الفتح أولى،لأنّ العرب آثرت التّخفيف،و حافظت على ألف التّأنيث الّتي بني عليها المفرد.

و في الحديث:«البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه».و المراد ب«المدّعي»-على ما يفهم من الحديث-من يكون في إثبات قضيّة على غيره،و من «المدّعى عليه»المانع من ذلك،و هو المعبّر عنه بالمنكر.

و«المدعى»:موضع دون الرّوم في مكّة،يعبّر عنه بالرّقطاء،سمّي بذلك لأنّه مدعى الأقوام و مجتمع قبائلهم،يقال:«تداعت عليه الأمم من كلّ جانب»، أي اجتمعت عليه.

و الدّعيّ: من تبنّيته،و الأدعياء:جمع دعيّ،و هو من يدّعي في نسب كاذبا.و يقال:«الأدعياء»الّذين ينتسبون إلى الإسلام و ينتحلون أنّهم على سنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،كأهل بدر و غيرهم.».

ص: 479


1- «سناباذ»قرية بطوس،فيها قبر الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام و في الوقت الحاضر هي مدينة كبيرة باسم«مشهد».

و قولهم:«أدعوك بداعية الإسلام»قيل:أي بدعوته،و هي كلمة الشّهادة الّتي يدعى إليها أهل الملل الكافرة.(1:140)

العدنانيّ: تداعى الجدار،أو تداعى الجدار للسّقوط:

و يخطّئون من يقول:تداعى جدار الحديقة للسّقوط.

و يقولون:إنّ الصّواب هو:تداعى جدار الحديقة و هو من المجاز،لأنّ:

1-معنى تداعى:سقط،أو مال إلى السّقوط،أو تصدّع من غير أن يسقط.

2-و لأنّ الأساس قال في مجازه:تداعت عليهم الحيطان،و تداعينا عليهم الحيطان من جوانبها:

هدمناها عليهم.

3-و لأنّ المغرب قال:تداعى البنيان،و خطّأ من يقول:تداعت حوائط المقبرة إلى الخراب،و قال إنّها عامّيّة.

4-و لأنّ المصباح قال:تداعى البنيان:تصدّع من جوانبه،و آذن بالانهدام و السّقوط.

5-و لأنّ النّهاية و المحيط و التّاج قالوا:تداعت الحيطان:انقاضت«تهدّمت».و قال التّاج في مستدركه:تداعى الكثيب،إذا هيل فانهال.

6-و لقول المدّ و دوزيّ: تداعى البنيان.

7-و لقول محيط المحيط:تداعت الحيطان:انقضّت و تهادمت،أو بليت و تصدّعت من غير أن تسقط.

8-و قول المعجم الوسيط:تداعى الشّيء:تصدّع و آذن بالانهيار و السّقوط.يقال:تداعى البناء، و تداعى الحائط.

و لكن:

أ-الصّحاح و المختار قالا:تداعت الحيطان للخراب،أي تهادمت.

ب-و قال اللّسان:تداعى البناء و الحائط للخراب،إذا تكسّر و آذن بانهدام.

ج-و نقل التّاج ما جاء في الصّحاح.

د-و قال دوزيّ أيضا:تداعت الحيطان للخراب.

ه-و أيّد مؤلّف«أخطاؤنا في الصّحف و الدّواوين»ما قاله اللّسان.

لذا قل:

1-تداعى الجدار«و هو ما أوثره رغبة في الإيجاز».

2-تداعى الجدار للسّقوط.

الدّعاوة و الدّعاوة:

و يخطّئون من يسمّي الدّعوة إلى فكرة أو مذهب دعاية له،و يرون أنّ الصّواب هو:دعاوة أو دعاوة -و فتح الدّال أعلى-لأنّ الفعل«دعا»واويّ،و هم لغويّا على حقّ،و إن كان الوسيط يقول:الدّعاية:

الدّعوة إلى مذهب أو رأي بالكتابة،أو بالخطابة و نحوهما،«محدثة».

و يقول المتن:الدّعاوة:مصدر،و هي نشر الدّعوة إلى شيء،و هي الدّعاية أيضا،و هذه اشتهرت كثيرا عند المتأخّرين أهل العصر.و كلا المعجمين لا يذكر موافقة مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،و مجمع دمشق،

ص: 480

اللّذين أصدراهما على ذلك.لذا أقترح على مجامعنا الموافقة على استعمال الدّعاية و الدّعاوة كلتيهما، بمعنى:الدّعوة إلى رأي أو مذهب،لكي لا تتهاوى وزارات الدّعاية في البلاد العربيّة لغويّا،و لأنّ العرب جميعا لا يعرفون إلاّ الدّعاية.(223)

دعاه إلى النّزول و للنّزول:

و يخطّئون من يقولون:دعاه للنّزول،و يقولون:

إنّ الصّواب هو:دعاه إلى النّزول،اعتمادا على ما جاء في الآية:46،من سورة الأحزاب: وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ و اعتمادا على ما جاء في الحديث:«لو دعيت إلى ما دعي إليه يوسف عليه السّلام لأجبت»يريد حين دعي للخروج من الحبس فلم يخرج،و قال:

اِرْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ يوسف:50،يصفه عليه السّلام بالصّبر و الثّبات أي لو كنت مكانه لخرجت، و لم ألبث.

هذا هو رأي جلّ المعاجم.أمّا النّحاة فإنّهم استشهدوا بقوله تعالى في الآية:5،من سورة الزّلزال:

بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها، أي أوحى إليها،مع أنّ الفعل أُوحِيَ جاء ماضيا أو مضارعا 65 مرّة،متلوّا بحرف الجرّ«إلى»،و لم يأت متلوّا باللاّم إلاّ مرّة واحدة.

و يستشهد النّحاة أيضا بقوله تعالى في الآية:38، من سورة يس: وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها، أي تجري إلى مستقرّ لها،و يستشهدون أيضا بقوله جلّ شأنه في الآية:28،من سورة الأنعام: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ، أي لعادوا إلى ما نهوا عنه.

و قد جاء في لسان العرب الجزء 17،الصّفحة 312،و في الصّحاح عند حرف الجرّ«من»يقولون في القسم:من ربّي ما فعلت،ف«من»حرف جرّ وضع موضع الباء هاهنا،لأنّ حروف الجرّ ينوب بعضها عن بعض إذا لم يلتبس المعنى.

و أنا أؤثر مع ذلك كلّه وضع حروف الجرّ كما وردت في المعاجم،مراعاة للدّقّة،دون أن أخطّئ من ينيب بعضها عن بعض،إذا لم يلتبس المعنى.

(معجم الأخطاء الشّائعة:89)

مجمع اللّغة :1-دعاه يدعوه دعاء:ناداه و طلبه.

و دعا الثّبور:ذكره متفجّعا و قال:وا ثبوراه،كأنّما يناديه.

2-دعا اللّه يدعوه دعاء:سأله كشف ضرّ او سوق نفع.

يقال:دعا الكافر إلهه:سأله ذلك.

3-دعاه:عبده.

4-دعاه:استعانه و استغاث به.

5-دعا بالشّيء:طلب إحضاره.

6-دعاه إلى الشّيء و للشّيء:حثّه عليه.و دعاه إلى اللّه:أي إلى عبادته.

7-دعاه إلى غيره و لغيره:نسبه و عزاه.

8-دعاه كذا أو بكذا:سمّاه به.(1:392)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دعاه:ناداه،استعانه.

و دعاه إلى الأمر:ساقه إليه.و دعاه فلانا أو بفلان:سمّاه.

ص: 481

و دعا له دعاء:رجا له الخير.

و دعا عليه:طلب له الشّرّ،و دعا إليه:طلب إليه.

و ادّعى الشّيء:زعم أنّه له،حقّا أو باطلا.

و الدّعاء:مصدر دعا؛و الجمع:أدعية.و الدّعوة:

الدّعاء إلى أمر بطلب تحقيقه.

و الدّاعي:من يدعو النّاس إلى دين أو مذهب.

و الدّعيّ: المتبنّيّ أو المتّهم في نسبه؛و الجمع:

أدعياء.و دعوا للرّحمن ولدا:نسبوا للّه تعالى ولدا.

و يدعو ثبورا:يتمنّى هلاكا.

و اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، المؤمن:60،أي اعبدوني عبادة خالصة لي.فالصّلاة لغة:الدّعاء.

(1:187)

محمود شيت:أ-دعوة المكلّفين:استدعاؤهم للخدمة العسكريّة.

ب-تداعى الجيش:اجتمع للحرب.

ج-الدّعاية العسكريّة:رفع معنويّة الجيش و زعزعة معنويّات العدوّ.

د-المدّعي:طالب الحقّ،و المدّعى عليه:من عليه الحقّ.

ه-الدّعوى:القضيّة أمام المحكمة العسكريّة.

(1:244)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو طلب شيء لأن يتوجّه إليه أو يرغب إليه أو يسير إليه،ففي كلّ مورد بحسبه.و هذا المعنى قريب من النّدب،و يعبّر عنه بالتّركيّة بكلمة«چاغرماق»، و بالفارسيّة بكلمة«دعوت كردن و خواندن».

و مفهوم النّداء فيه جهة المخاطبة فقط،و هو مطلق الصّياح به،و هو مقدّم على الدّعاء،كما أنّ القصد و الإرادة قبل النّداء.

و أمّا مفاهيم الاستغاثة:الاستحضار،الابتهال، الرّغبة،و أمثالها،فمن لوازم الأصل،كلّ منها في مورد من موارده.

و الدّعوة باعتبار كونها صيغة مرّة:تدلّ على دعاء مخصوص:إمّا من جهة كونها مرّة،و إمّا من جهة تعيّنه و لو نوعا: نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ إبراهيم:44، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:

186، لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ الرّعد:14.

و أمّا الدّعاء:فهو مطلق مفهوم طلب الميل و التّوجّه: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ آل عمران:38، وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ الرّعد:14، لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ. النّور:63.

ثمّ إنّ حرف العلّة تسقط بالتقاء السّاكنين،أو بالجازم بعد إسقاط الضّمّة على الواو،كما في:يدعون، تدعون،داع،لم يدع. أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ البقرة:221، إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الأعراف:194، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ البقرة:

186، اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ النّحل:125، فَلا تَدْعُ مَعَ اللّهِ الشّعراء:213.

و أمّا في أَجِيبُوا داعِيَ اللّهِ الأحقاف:31، وَ داعِياً إِلَى اللّهِ. الأحزاب:46، يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ طه:108،فأوّلا:إنّ الواو و بمناسبة كسرة

ص: 482

ما قبلها قلبت ياء،و التّنوين في الأولى و الثّالثة بسبب الإضافة و اللاّم حذفت.و ثانيا:إنّ الفتحة لخفّتها لا تسقط.

و أمّا الدّعوى:فهو اسم مصدر من الدّعاء أو من الادّعاء،-كما في«التّهذيب»-بمعنى ما يتحصّل من الدّعاء و ما يحصل من المصدر دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ... وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10،أي ما يتراءى و يتحصّل من دعائهم هو ذلك القول.

و الادّعاء:«افتعال»يدلّ على مطاوعة و اختيار في الفعل: وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ فصّلت:31، وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ يس،:57، هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ الملك:27،أى ما تختارون دعوته.

و أمّا الأدعياء:فهو جمع الدّعيّ و هو من جعلته ابنا و دعوته بالابنيّة: وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ الأحزاب:4، فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ الأحزاب:37، أي الّذين دعوتهم بعنوان البنوّة،و سمّيتهم أبناء لك.

(3:217)

النّصوص التّفسيريّة

دعا

1- هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ. آل عمران:38

ابن عبّاس: فلمّا رأى ذلك زكريّا،يعني فاكهة الصّيف في الشّتاء،و فاكهة الشّتاء في الصّيف عند مريم، إنّ الّذي يأتي بهذا مريم في غير زمانه،قادر أن يرزقني ولدا،قال اللّه عزّ و جلّ: هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ، فذلك حين دعا.(الطّبريّ 3:247)

نحوه السّدّيّ.(الطّبريّ 3:247)

الجبّائيّ: إنّ اللّه تعالى كان أذن له في المسألة، و جعل وقته الّذي أذن له فيه،الوقت الّذي رأى فيه المعجزة الظّاهرة،فلذلك دعا.(الطّوسيّ 2:449)

الطّبريّ: و أمّا قوله: هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ فمعناها:عند ذلك،أي عند رؤية زكريّا ما رأى عند مريم من رزق اللّه الّذي رزقها،و فضله الّذي آتاها من غير تسبّب أحد من الآدميّين في ذلك لها،و معاينته عندها الثّمرة الرّطبة الّتي لا تكون في حين رؤيته إيّاها عندها في الأرض،طمع بالولد،مع كبر سنّه،من المرأة العاقر.فرجا أن يرزقه اللّه منها الولد،مع الحال الّتي هما بها،كما رزق مريم على تخلّيها من النّاس ما رزقها من ثمرة الصّيف في الشّتاء و ثمرة الشّتاء في الصّيف، و إن لم يكن مثله ممّا جرت بوجوده في مثل ذلك الحين العادات في الأرض،بل المعروف في النّاس غير ذلك، كما أنّ ولادة العاقر غير الأمر الجارية به العادات في النّاس.فرغب إلى اللّه جلّ ثناؤه في الولد،و سأله ذرّيّة طيّبة.(3:247)

الزّجّاج: المعنى عند ذلك دعا زكريّا ربّه،أي عند ما صادف من أمر مريم،ثمّ سأل اللّه أن يرزقه ذرّيّة طيّبة.(1:404)

الماورديّ: اختلف في سبب دعائه على قولين:

أحدهما:أنّ اللّه تعالى أذن له في المسألة،لأنّ سؤال ما خالف العادة يمنع منه إلاّ عن إذن لتكون الإجابة

ص: 483

إعجازا.

و الثّاني:أنّه لمّا رأى فاكهة الصّيف في الشّتاء، و فاكهة الشّتاء في الصّيف،طمع في رزق الولد من عاقر.(1:389)

الطّوسيّ: و معنى الآية:عند ذلك الّذي رأى من فاكهة الصّيف في الشّتاء،و فاكهة الشّتاء في الصّيف، على خلاف ما جرت به العادة،طمع في رزق الولد من العاقر على خلاف مجرى العادة،فسأل ذلك.و زكريّا عليه السّلام و إن كان عالما بأنّه تعالى يقدر على خلق الولد من العاقر،و إن لم تجر به العادة،فإنّه كان يجوز ألاّ يفعل ذلك لبعض التّدبير.فلمّا رأى خرق العادة بخلق الفاكهة في غير وقتها،قوي ظنّه أنّه يفعل ذلك إذا اقتضت المصلحة،و قوي في نفسه ما كان علمه،كما أنّ إبراهيم و إن كان عالما بأنّه تعالى يقدر على إحياء الميّت سأل ذلك مشاهدة،لتأكّد معرفته، و تزول عنه خواطره.(2:448)

القشيريّ: أي لمّا رأى كرامة اللّه سبحانه معها ازداد يقينا على يقين،و رجاء على رجاء،فسأل الولد على كبر سنّه،و إجابته إلى ذلك كان نقضا للعادة.

و يقال:إنّ زكريّا عليه السّلام سأل الولد ليكون عونا له على الطّاعة،و وارثا من نسله في النّبوّة،ليكون قائما بحقّ اللّه،فلذلك استحقّ الإجابة.فإنّ السّؤال إذا كان لحقّ الحقّ،لا لحظّ النّفس لا يكون له الرّدّ.(1:251)

البغويّ: دخل المحراب و غلّق الأبواب و ناجى ربّه.(1:435)

الزّمخشريّ: لمّا رأى حال مريم في كرامتها على اللّه و منزلتها،رغب في أن يكون له من«إيشاع» ولد مثل ولد أختها«حنّة»في النّجابة و الكرامة على اللّه و إن كانت عاقرا عجوزا فقد كانت أختها كذلك.

و قيل:لمّا رأى الفاكهة في غير وقتها،انتبه على جواز ولادة العاقر.(1:427)

ابن عطيّة: و معنى هذه الآية:أنّ في الوقت الّذي رأى زكريّا رزق اللّه لمريم و مكانتها منه و فكّر في أنّها جاءت أمّها بعد أن أسنّت،و أنّ اللّه تقبّلها و جعلها من الصّالحات،تحرّك أمله لطلب الولد،و قوي رجاؤه؛ و ذلك منه على حال سنّ و وهن عظم و اشتغال شيب.(1:427)

الطّبرسيّ: أي طمع في رزق الولد من العاقر، على خلاف مجرى العادة،فسأل ذلك.(1:438)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله: هُنالِكَ دَعا...

يقتضي أنّه دعا بهذا الدّعاء عند أمر عرفه في ذلك الوقت له تعلّق بهذا الدّعاء،و قد اختلفوا فيه:

و الجمهور الأعظم من العلماء المحقّقين و المفسّرين قالوا:هو أنّ زكريّا عليه السّلام رأى عند مريم من فاكهة الصّيف في الشّتاء،و من فاكهة الشّتاء في الصّيف،فلمّا رأى خوارق العادات عندها،طمع في أن يخرقها اللّه تعالى في حقّه أيضا،فيرزقه الولد من الزّوجة الشّيخة العاقر.

و القول الثّاني:و هو قول المعتزلة الّذين ينكرون كرامات الأولياء،و إرهاصات الأنبياء،قالوا:إنّ زكريّا عليه السّلام لمّا رأى آثار الصّلاح و العفاف و التّقوى مجتمعة في حقّ مريم عليها السّلام اشتهى الولد و تمنّاه،فدعا

ص: 484

عند ذلك.

و اعلم أنّ القول الأوّل أولى؛و ذلك لأنّ حصول الزّهد و العفاف و السّيرة المرضيّة لا يدلّ على انخراق العادات،فرؤية ذلك لا يحمل الإنسان على طلب ما يخرق العادة،و أمّا رؤية ما يخرق العادة قد يطمعه في أن يطلب أيضا فعلا خارقا للعادة،و معلوم أنّ حدوث الولد من الشّيخ الهرم،و الزّوجة العاقر من خوارق العادات،فكان حمل الكلام على هذا الوجه أولى.

فإن قيل:إن قلتم:إنّ زكريّا عليه السّلام ما كان يعلم قدرة اللّه تعالى على خرق العادات إلاّ عند ما شاهد تلك الكرامات عند مريم عليها السّلام،كان في هذا نسبة الشّكّ في قدرة اللّه تعالى إلى زكريّا عليه السّلام.

فإن قلنا:إنّه كان عالما بقدرة اللّه على ذلك،لمن تكن مشاهدة تلك الأشياء سببا لزيادة علمه بقدرة اللّه تعالى،فلم يكن لمشاهدة تلك الكرامات أثر في ذلك، فلا يبقى لقوله هنالك أثر.

و الجواب:أنّه كان قبل ذلك عالما بالجواز،فأمّا أنّه هل يقع أم لا فلم يكن عالما به،فلمّا شاهد علم أنّه إذا وقع كرامة لوليّ،فبأن يجوز وقوع معجزة لنبيّ كان أولى،فلا جرم قوي طمعه عند مشاهدة تلك الكرامات.

المسألة الثّالثة:إنّ دعاء الأنبياء و الرّسل عليهم الصّلاة و السّلام لا يكون إلاّ بعد الإذن،لاحتمال أن لا تكون الإجابة مصلحة،فحينئذ تصير دعوته مردودة؛و ذلك نقصان في منصب الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام،هكذا قاله المتكلّمون.

و عندي فيه بحث،و ذلك لأنّه تعالى لمّا أذن في الدّعاء مطلقا،و بيّن أنّه تارة يجيب و أخرى لا يجيب، فللرّسول أن يدعو كلّما شاء و أراد ممّا لا يكون معصية.

ثمّ إنّه تعالى تارة يجيب و أخرى لا يجيب،و ذلك لا يكون نقصانا بمنصب الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام لأنّهم على باب رحمة اللّه تعالى سائلون،فإن أجابهم فبفضله و إحسانه و إن لم يجبهم فمن المخلوق حتّى يكون له منصب على باب الخالق.(8:34)

القرطبيّ: (هنالك)في موضع نصب،لأنّه ظرف يستعمل للزّمان و المكان،و أصله للمكان.و قال المفضّل بن سلمة:«هنالك»في الزّمان،و«هناك»في المكان،و قد يجعل هذا مكان هذا.(4:72)

أبو حيّان :أصل:(هنالك)أن يكون إشارة للمكان،و قد يستعمل للزّمان،و قيل:بهما في هذه الآية،أي في ذلك المكان دعا زكريّا،أو في ذلك الوقت لمّا رأى هذا الخارق العظيم لمريم.و أنّها ممّن اصطفاها اللّه،ارتاح إلى طلب الولد و احتاج إليه لكبر سنّه،و لأن يرث منه و من آل يعقوب،كما قصّه تعالى في«سورة مريم».و لم يمنعه من طلب كون امرأته عاقرا؛إذ رأى من حال مريم أمرا خارجا عن العادة، فلا يبعد أن يرزقه اللّه ولدا مع كون امرأته كانت عاقرا؛ إذ كانت«حنّة»قد رزقت مريم بعد ما أيست من الولد.

و انتصاب(هنالك)بقوله:(دعا،)و وقع في تفسير السّجاونديّ:أنّ«هناك»في المكان،و«هنالك» في الزّمان،و هو وهم.بل الأصل أن يكون للمكان

ص: 485

سواء اتّصلت به اللاّم و الكاف أو الكاف فقط،أو لم يتّصلا.و قد يتجوّز بها عن المكان إلى الزّمان،كما أنّ أصل:«عند»أن يكون للمكان،ثمّ يتجوّز بها للزّمان، كما تقول:آتيك عند طلوع الشّمس.

قيل:و اللاّم في(هنالك،)دلالة على بعد المسافة بين الدّعاء و الإجابة،فإنّه نقل المفسّرون أنّه كان بين دعائه و إجابته أربعون سنة.

و قيل:دخلت اللاّم لبعد منال هذا الأمر،لكونه خارقا للعادة،كما أدخل اللاّم في قوله: ذلِكَ الْكِتابُ البقرة:2،لبعد مناله و عظم ارتفاعه و شرفه.

و قال الماتريديّ: كانت نفسه تحدّثه بأن يهب اللّه له ولدا يبقى به الذّكر إلى يوم القيامة،لكنّه لم يكن يدعو مراعاة للأدب؛إذ الأدب أن لا يدعو لمراد إلاّ فيما هو معتاد الوجود،و إن كان اللّه قادرا على كلّ شيء.فلمّا رأى عندها ما هو ناقض للعادة،حمله ذلك على الدّعاء في طلب الولد غير المعتاد.انتهى.و قوله:

كانت تحدّثه نفسه بذلك،يحتاج إلى نقل؛و في قوله:

هُنالِكَ دَعا دلالة على أن يتوخّى العبد بدعائه الأمكنة المباركة و الأزمنة المشرّفة.(2:444)

أبو السّعود :(هنالك)كلام مستأنف و قصّة مستقلّة سيقت في تضاعيف حكاية مريم،لما بينهما من قوّة الارتباط و شدّة الاشتباك،مع ما في إيرادها من تقرير ما سيقت له حكايتها من بيان اصطفاء آل عمران،فإنّ فضائل بعض الأقرباء أدلّة على فضائل الآخرين و«هنا»ظرف مكان،و«اللاّم»للدّلالة على البعد و«الكاف»للخطاب،أي في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم في المحراب،أو في ذلك الوقت -إذ يستعار«هنا و ثمّة و حيث»للزّمان- دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ لمّا رأى كرامة مريم على اللّه و منزلتها منه تعالى،رغب في أن يكون له من«إيشاع»ولد مثل ولد«حنّة»في النّجابة و الكرامة على اللّه تعالى،و إن كانت عاقرا عجوزا فقد كانت«حنّة»كذلك.

و قيل:لمّا رأى الفواكه في غير إبّانها تنبّه لجواز ولادة العجوز العاقر من الشّيخ الفاني،فأقبل بالدّعاء من غير تأخير،كما ينبئ عنه تقديم الظّرف على الفعل،لا على معنى أنّ ذلك كان هو الموجب للإقبال على الدّعاء فقط،بل كان جزء أخيرا من العلّة التّامّة الّتي من جملتها:كبر سنّه عليه الصّلاة و السّلام، و ضعف قواه،و خوف مواليه،حسبما فصّل في«سورة مريم».(1:363)

الآلوسيّ: قصّة مستقلّة سيقت في أثناء قصّة مريم،لكمال الارتباط مع ما في إيرادها من تقرير ما سيقت له و«هنا»ظرف مكان و«اللاّم»للبعد و «الكاف»للخطاب،أي في ذلك المكان؛حيث هو قاعد عند مريم في المحراب.و هي ظرف ملازم للظّرفيّة و قد تجرّ ب«من»و«إلى».و جوّز أن يراد بها الزّمان مجازا،فإنّ«هنا و ثمّ و حيث»كثيرا ما تستعار له، و هي متعلّقة ب(دعا،)و تقديم الظّرف للإيذان بأنّه أقبل على الدّعاء من غير تأخير.

و قال الزّجّاج:إنّ(هنا)هنا مستعارة للجهة و الحال،أي من تلك الحال دعا زكريّا،كما تقول:من

ص: 486

هاهنا قلت كذا،و من هنالك قلت كذا،أي من ذلك الوجه و تلك الجهة.[إلى أن قال:]

قام زكريّا فاغتسل ثمّ ابتهل في الدّعاء إلى اللّه تعالى.و قيل:أطمعه في الولد فدعا مع أنّه كان شيخا فانيا و كانت امرأته عاقرا،لما أنّ الحال نبّهته على جواز ولادة العاقر من الشّيخ،من وجوه:

الأوّل:ما أشار إليه الأثر من حيث إنّ الولد بمنزلة الثّمر،و العقر بمنزلة غير أوانه.

و الثّاني:أنّه لمّا رأى تقبّل أنثى مكان الذّكر تنبّه، لأنّه يجوز أن يقوم الشّيخ مقام الشّابّ و العاقر مقام النّاتج.

و الثّالث:أنّه لمّا رأى تقبّل الطّفل مقام الكبير للتّحرير تنبّه لذلك صلّى اللّه عليه و آله.

و الرّابع:أنّه لمّا رأى تكلّم«مريم»في غير أوانه تنبّه لجواز أن تلد امرأته في غير أوانه.

و الخامس:أنّه لمّا سمع من«مريم»: إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ آل عمران:37،تنبّه لجواز أن تلد من غير استعداد.و لا يخفى ما في بعض هذه الوجوه من الخدش،و على العلاّت ليس ما رأى فقط علّة موجبة للإقبال على الدّعاء،بل كان جزء من العلّة التّامّة الّتي من جملتها:كبر سنّه عليه السّلام،و ضعف قواه،و خوف مواليه،حسبما فصّل في«سورة مريم».

(3:144)

ابن عاشور :أي في المكان،قبل أن يخرج،و قد نبّهه إلى الدّعاء مشاهدة خوارق العادة مع قول مريم:

إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ آل عمران:

37،و الحكمة ضالّة المؤمن،و أهل النّفوس الزّكيّة يعتبرون بما يرون و يسمعون،فلذلك عمد إلى الدّعاء بطلب الولد في غير إبّانه،و قد كان في حسرة من عدم الولد،كما حكى اللّه عنه في«سورة مريم».و أيضا فقد كان حينئذ في مكان شهد فيه فيضا إلهيّا.و لم يزل أهل الخير يتوخّون الأمكنة بما حدث فيها من خير، و الأزمنة الصّالحة كذلك،و ما هي إلاّ كالذّوات الصّالحة في أنّها محالّ تجلّيات رضا اللّه.(3:90)

الطّباطبائيّ: هُنالِكَ دَعا يدلّ على أنّ زكريّا تلقّى وجود هذا الرّزق عندها كرامة إلهيّة خارقة، فأوجب ذلك أن يسأل اللّه أن يهب له من لدنه ذرّيّة طيّبة،فقد كان الرّزق رزقا يدلّ بوجوده على كونه كرامة من اللّه سبحانه لمريم الطّاهرة،و ممّا يشعر بذلك قوله تعالى: قالَ يا مَرْيَمُ... على ما سيجيء من البيان.

و قوله: قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ... آل عمران:

37،فصّل الكلام من غير أن يعطف على قوله: وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً، يدلّ على أنّه عليه السّلام إنّما قال لها ذلك مرّة واحدة،فأجابت بما قنع به،و استيقن أنّ ذلك كرامة لها، و هنالك دعا و سأل ربّه ذرّيّة طيّبة.(3:175)

عبد الكريم الخطيب :(هنالك)أي هذا المقام الكريم،الّذي شهد فيه زكريّا ما شهد من آيات ربّه المتنزّلة على«مريم»بالنّفحات و الرّحمات.و في هذا الموقف الّذي اشتعل فيه كيان زكريّا كلّه بأشواق التّطلّعات إلى السّماء،و أحاسيس التّداني و القرب.

هنالك استشعر زكريّا قربه من ربّه،و دنوّه من رحمته،

ص: 487

فضرع بين يديه داعيا يطلب الولد،الّذي حرمه حتّى بلغ من الكبر عتيّا،و كانت امرأته مع ذلك عاقرا.

كان زكريّا فيما شهد من أفضال اللّه على«مريم» أمام معجزات خارقات لمألوف الحياة،و ما يخضع له النّاس من سننها،فاهتبلها فرصة يأخذ فيها بنصيبه من هواطل غيوث رحمة اللّه،فطلب هذا المطلب الجاري على غير المألوف،و قد استجاب اللّه لزكريّا ما طلب، فوهب له«يحيى» مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ آل عمران:39.

و من هذا نعلم أنّه بقدر ما يكون فى كيان الإنسان من إيمان باللّه،و ثقة به،و طمع في رحمته،بقدر ما يكون حظّه من القبول و الاستجابة لما يدعو به ربّه.

و من هنا كان للحال الّذي يشتمل على الإنسان الأثر الأوّل في قبوله و استجابة دعائه.و إنّ الّذي يدعو-و هو منقطع الصّلة باللّه،أو هو خامد الشّعور بقدرة اللّه،أو متشكّك في سماع اللّه لما يدعو به،و إجابته له-إنّ مثل هذا قلّ أن يستجاب له.

أمّا من يدعو-و هو على يقين من أنّ اللّه قريب منه،مطّلع على سرّه و نجواه،و أنّ بيده الخير كلّه،و أنّه على كلّ شيء قدير-إنّ من يدعو و هو على تلك الحال،فهو في معرض القبول و الإجابة لا محالة،و لهذا يقول الرّسول الكريم:«ادعوا اللّه و أنتم موقنون بالإجابة».(2:438)

فضل اللّه :زكريّا يدعو و اللّه يستجيب:و كانت هذه الكرامة العجائبيّة الّتي حدثت لمريم في بيت زكريّا،دليلا واضحا على أنّ اللّه يرعاها بعنايته و برحمته.فهذه أجواء الرّحمة تطوف في البيت، و الفرصة سانحة أمام الحاجة الملحّة الّتي كان يعانيها زكريّا،و يريد أن يدعو اللّه فيها،و لكنّه-في ما يبدو- لا يجد الأمل الكبير باستجابة الدّعاء،و هي الذّرّيّة الطّيّبة. هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ و هو يشعر أنّ الإجابة قريبة منه لتحقّق له حلمه الكبير الّذي يكفل له الامتداد الذّاتيّ و الرّساليّ في خطّ الحياة الطّويل، فإنّ الولد يمثّل امتداد الظّلّ لأبيه.

و كان يفكّر-كما فكّرت امرأة عمران-بالذّرّيّة الطّيّبة الّتي تملأ الحياة خيرا و بركة و هدى و نورا و محبّة و سلاما،و لم يفكّر-كما يفكّر كثير من النّاس- بالذّرّيّة الّتي تمثّل حاجة ذاتيّة تملأ فراغ الإنسان العاطفيّ،و تحقّق له زهو الامتداد و الكثرة من دون هدف كبير على مستوى الحياة. قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ و استجاب اللّه له دعاءه كأفضل ما تكون الاستجابة،و أراد أن يبشّره بذلك في جوّ من الإعزاز و التّكريم،فأرسل إليه الملائكة لتزفّ إليه البشارة بالوليد المنتظر الّذي أراد اللّه له أن يكون في المستوى العظيم في الطّهارة و النّقاوة الرّساليّة،و الرّوحيّة المتحرّكة في خطّ النّبوّة(5:353)

مكارم الشّيرازيّ: قلنا إنّ زوجة زكريّا و أمّ مريم كانتا أختين،و كانتا عاقرين،و عند ما رزقت أمّ مريم بلطف من اللّه هذه الذّرّيّة الصّالحة،و رأى زكريّا خصائصها العجيبة،تمنّى أن يرزق هو أيضا ذرّيّة صالحة و طاهرة و تقيّة مثل«مريم»؛بحيث تكون آية على عظمة اللّه و توحيده.و على الرّغم من كبر سنّ

ص: 488

زكريّا و زوجته،و بعدهما من النّاحية الطّبيعيّة عن أن يرزقا طفلا،فإنّ حبّ اللّه و مشاهدة الفواكه الطّريّة في غير وقتها في محراب عبادة«مريم»،أترعا قلبه أملا بإمكان حصوله في فصل شيخوخته على ثمرة الأبوّة، لذلك راح يتضرّع إلى اللّه قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ. لم يمض وقت طويل حتّى أجاب اللّه دعاء زكريّا.(2:356)

2- وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ.

الزّمر:8

لاحظ:ن و ب:«منيبا»و:ن س ي:«نسي».

3- وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فصّلت:33

ابن عبّاس: هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دعا إلى الإسلام

(الزّمخشريّ 3:453)

مجاهد :أنّهم المؤمنون دعوا إلى اللّه.

(الماورديّ 5:181)

الحسن :هذا حبيب اللّه،هذا وليّ اللّه،هذا صفوة اللّه،هذا خيرة اللّه،هذا أحبّ الخلق إلى اللّه.أجاب اللّه في دعوته،و دعا النّاس إلى ما أجاب اللّه فيه من دعوته،و عمل صالحا في إجابته،و قال:إنّني من المسلمين،فهذا خليفة اللّه.الطّبريّ 11:109)

أنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(الماورديّ 5:181)

قتادة :هذا عبد صدّق قوله عمله،و مولجه مخرجه،و سرّه علانيته،و شاهده مغيبه،و إنّ المنافق عبد خالف قوله عمله،و مولجه مخرجه،و سرّه علانيته،و شاهده مغيبه.(الطّبريّ 11:110)

السّدّيّ: محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم حين دعا إلى الإسلام.

(الطّبريّ 11:110)

ابن زيد :هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(الطّبريّ 11:110)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و من أحسن أيّها النّاس قولا،ممّن قال:ربّنا اللّه ثمّ استقام على الإيمان به، و الانتهاء إلى أمره و نهيه،و دعا عباد اللّه إلى ما قال، و عمل به من ذلك.

و اختلف أهل العلم في الّذي أريد بهذه الصّفة من النّاس،فقال بعضهم:عني بها نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قال آخرون:عني به المؤذّن.

عن قيس بن أبي حازم،في قول اللّه: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ قال:المؤذّن.(11:109)

ابن عطيّة: ابتداء توصية محمّد عليه السّلام و هو لفظ يعمّ كلّ من دعا قديما و حديثا إلى اللّه تعالى،و إلى طاعته من الأنبياء و المؤمنين.و المعنى:لا أحد أحسن قولا ممّن هذه حاله،و إلى العموم ذهب الحسن و مقاتل و جماعة،و بيّن أنّ حالة محمّد عليه السّلام كانت كذلك مبرزة.

و (1)إلى تخصيصه بالآية.ذهب السّدّيّ و ابن زيد و ابن سيرين.و قال قيس بن أبي حازم و عائشة أمّ المؤمنين و عكرمة:نزلت هذه الآية في المؤذّنين.(5:15)

الطّبرسيّ: و هذا الدّاعي هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الحسن و ابن زيد و السّدّيّ.و قيل:هو و جميع الأئمّةو.

ص: 489


1- هذا هو الظّاهر و في الأصل(إلى تخصيصه)بدون الواو.

الدّعاة الهداة إلى الحقّ،عن مقاتل و جماعة من المفسّرين.و قيل:هم المؤذّنون،عن عائشة و عكرمة.

و في هذه الآية ردّ على من قال:أنا مؤمن إن شاء اللّه،لأنّه مدح من قال: إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فصّلت:

33،من غير أن يقرنه بالمشيئة.و في هذه الآية دلالة على أنّ الدّعاء إلى الدّين من أعظم الطّاعات،و أجلّ الواجبات.و فيها دلالة على أنّ الدّاعي يجب أن يكون عاملا بعلمه،ليكون النّاس إلى القبول منه أقرب، و إليه أسكن.(5:13)

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّانية:من النّاس من قال:المراد من قوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ هو الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و منهم من قال هم المؤذّنون.

و لكنّ الحقّ المقطوع به أنّ كلّ من دعا إلى اللّه بطريق من الطّرق فهو داخل فيه،و للدّعوة إلى اللّه مراتب:

فالمرتبة الأولى:دعوة الأنبياء عليهم السّلام،و دعوتهم راجحة على دعوة غيرهم من وجوه:

أحدها:أنّهم جمعوا بين الدّعوة بالحجّة أوّلا،ثمّ الدّعوة بالسّيف ثانيا،و قلّما اتّفق لغيرهم الجمع بين هذين الطّريقين.

و ثانيها:أنّهم هم المبتدءون بهذه الدّعوة،و أمّا العلماء فإنّهم يبنون دعوتهم على دعوة الأنبياء، و الشّارع في إحداث الأمر الشّريف على طريق الابتداء أفضل.

و ثالثها:أنّ نفوسهم أقوى قوّة،و أرواحهم أصفى جوهرا فكانت تأثيراتها في إحياء القلوب الميّتة و إشراق الأرواح الكدرة أكمل،فكانت دعوتهم أفضل.

و رابعها:أنّ النّفوس على ثلاثة أقسام:ناقصة، و كاملة لا تقوى على تكميل النّاقصين،و كاملة تقوى على تكميل النّاقصين،فالقسم الأوّل:العوامّ،و القسم الثّاني:هم الأولياء،و القسم الثّالث:هم الأنبياء،و لهذا السّبب قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل».

و إذا عرفت هذا فنقول:إنّ نفوس الأنبياء حصلت لها مزيّتان:الكمال في الذّات،و التّكميل للغير،فكانت قوّتهم على الدّعوة أقوى،و كانت درجاتهم أفضل و أكمل.إذا عرفت هذا فنقول:

الأنبياء عليهم السّلام لهم صفتان:العلم و القدرة:أمّا العلماء فهم نوّاب الأنبياء في العلم،و أمّا الملوك،فهم نوّاب الأنبياء في القدرة،و العلم يوجب الاستيلاء على الأرواح،و القدرة توجب الاستيلاء على الأجساد، فالعلماء خلفاء الأنبياء في عالم الأرواح،و الملوك خلفاء الأنبياء في عالم الأجساد.

و إذا عرفت هذا ظهر أنّ أكمل الدّرجات في الدّعوة إلى اللّه بعد الأنبياء درجة العلماء،ثمّ العلماء على ثلاثة أقسام:العلماء باللّه،و العلماء بصفات اللّه، و العلماء بأحكام اللّه.

أمّا العلماء باللّه،فهم الحكماء الّذين قال اللّه تعالى في حقّهم يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً البقرة:269،و أمّا العلماء بصفات اللّه تعالى فهم أصحاب الأصول،و أمّا العلماء بأحكام اللّه فهم الفقهاء،و لكلّ واحد من هذه المقامات ثلاث درجات لا نهاية لها.فلهذا السّبب كان للدّعوة إلى اللّه درجات لا نهاية لها.

ص: 490

و أمّا الملوك فهم أيضا يدعون إلى دين اللّه بالسّيف؛و ذلك بوجهين:إمّا بتحصيله عند عدمه مثل المحاربة مع الكفّار،و إمّا بإبقائه عند وجوده،و ذلك مثل قولنا:«المرتدّ يقتل».

و أمّا المؤذّنون فهم يدخلون في هذا الباب دخولا ضعيفا،أمّا دخولهم فيه فلأنّ ذكر كلمات الأذان دعوة إلى الصّلاة،فكان ذلك داخلا تحت الدّعاء إلى اللّه.

و أمّا كون هذه المرتبة ضعيفة،فلأنّ الظّاهر من حال المؤذّن أنّه لا يحيط بمعاني تلك الكلمات،و بتقدير أن يكون محيطا بها إلاّ أنّه لا يريد بذكرها تلك المعاني الشّريفة،فهذا هو الكلام،في مراتب الدّعوة إلى اللّه.

المسألة الثّالثة:قوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ يدلّ على أنّ الدّعوة إلى اللّه أحسن من كلّ ما سواها.إذا عرفت هذا فنقول:كلّ ما كان أحسن الأعمال وجب أن يكون واجبا،لأنّ كلّ ما لا يكون واجبا فالواجب أحسن منه،فثبت أنّ كلّ ما كان أحسن الأعمال فهو واجب.إذا عرفت هذا فنقول:الدّعوة إلى اللّه أحسن الأعمال بمقتضى هذه الآية،و كلّ ما كان أحسن الأعمال فهو واجب،ثمّ ينتج أنّ الدّعوة إلى اللّه واجبة،ثمّ نقول:الأذان دعوة إلى اللّه و الدّعوة إليه واجبة،فينتج الأذان واجب.

و اعلم أنّ الأكثرين من الفقهاء زعموا أنّ الأذان غير واجب،و زعموا أنّ الأذان غير داخل في هذه الآية،و الدّليل القاطع عليه أنّ الدّعوة المرادة بهذه الآية يجب أن تكون أحسن الأقوال،و ثبت أنّ الأذان ليس أحسن الأقوال،لأنّ الدّعوة إلى دين اللّه سبحانه و تعالى بالدّلائل اليقينيّة أحسن من الأذان،ينتج من الشّكل الثّاني أنّ الدّاخل تحت هذه الآية ليس هو الأذان.

المسألة الرّابعة:اختلف النّاس في أنّ الأولى أن يقول الرّجل:أنا المسلم،أو الأولى أن يقول:أنا مسلم إن شاء اللّه،فالقائلون بالقول الأوّل احتجّوا على صحّة قولهم بهذه الآية،فإنّ التّقدير:و من أحسن قولا ممّن قال:إنّي من المسلمين،فحكم بأنّ هذا القول أحسن الأقوال،و لو كان قولنا:إن شاء اللّه معتبرا في كونه أحسن الأقوال،لبطل ما دلّ عليه ظاهر هذه الآية.

المسألة الخامسة:الآية تدلّ على أنّ أحسن الأقوال قول من جمع بين خصال ثلاثة:

أوّلها:الدّعوة إلى اللّه.

و ثانيها:العمل الصّالح.

و ثالثها:أن يكون من المسلمين.أمّا الدّعوة إلى اللّه فقد شرحناها،و هي عبارة عن الدّعوة إلى اللّه بإقامة الدّلائل اليقينيّة و البراهين القطعيّة.و أمّا قوله:

وَ عَمِلَ صالِحاً... لاحظ:ص ل ح:«صالحا»و:

س ل م:«للمسلمين».(27:124)

القرطبيّ: هذا توبيخ للّذين تواصوا باللّغو في القرآن.و المعنى أيّ كلام أحسن من القرآن،و من أحسن قولا من الدّاعي إلى اللّه و طاعته و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.قال ابن سيرين و السّدّيّ و ابن زيد و الحسن:هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.و كان الحسن إذا تلا هذه الآية يقول:

هذا رسول اللّه،هذا حبيب اللّه،هذا وليّ اللّه،هذا صفوة

ص: 491

اللّه،هذا خيرة اللّه،هذا و اللّه أحبّ اهل الأرض إلى اللّه.

أجاب اللّه في دعوته،و دعا النّاس إلى ما أجاب إليه.

[ثمّ نقل قول عائشة و قيس بن أبي حازم:المقصود:

المؤذّنون و قال:]

قال ابن العربيّ: الأوّل أصحّ،لأنّ الآية مكّيّة و الأذان مدنيّ،و إنّما يدخل فيها بالمعنى،لا أنّه كان المقصود وقت القول.

قلت:و قول ثالث و هو أحسنها،قال الحسن:هذه الآية عامّة في كلّ من دعا إلى اللّه.و كذا قال قيس بن أبي حازم قال:نزلت في كلّ مؤمن.(15:360)

أبو حيّان :و الظّاهر العموم في كلّ داع إلى اللّه، و إلى العموم ذهب الحسن و مقاتل و جماعة.

و قيل:بالخصوص،فقال ابن عبّاس:هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دعا إلى الإسلام،و عمل صالحا فيما بينه و بين ربّه،و جعل الإسلام نحلة.و عنه أيضا:هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قالت عائشة،و قيس بن أبي حازم و عكرمة، و مجاهد:نزلت في المؤذّنين،و ينبغي أن يتأوّل قولهم على أنّهم داخلون في الآية،و إلاّ فالسّورة بكمالها مكّيّة بلا خلاف.و لم يكن الأذان بمكّة،إنّما شرّع بالمدينة،و الدّعاء إلى اللّه يكون بالدّعاء إلى الإسلام و بجهاد الكفّار و كفّ الظّلمة.

و قال زيد بن عليّ: دعا إلى اللّه بالسّيف،و هذا، -و اللّه أعلم-هو الّذي حمله على الخروج بالسّيف على بعض الظّلمة من ملوك بني أميّة.و كان زيد هذا عالما بكتاب اللّه،و قد وقفت على جملة من تفسيره كتاب اللّه و إلقائه إيّاه على بعض النّقلة عنه،و هو في حبس هشام بن عبد الملك،و فيه من العلم و الاستشهاد بكلام العرب حظّ وافر.

يقال:إنّه كان إذا تناظر هو و أخوه محمّد الباقر اجتمع النّاس بالمحابر،يكتبون ما يصدر عنهما من العلم،رحمهما اللّه و رضي عنهما.(7:497)

نحوه الآلوسيّ.(24:122)

الشّربينيّ: أي الّذي عمّ بصفات كماله جميع الخلق.فقال ابن سيرين و السّدّيّ:هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دعا إلى شهادة:أن لا إله إلاّ اللّه.و قال الحسن:هو المؤمن الّذي أجاب اللّه تعالى دعوته،و دعا النّاس إلى ما أجاب إليه.(3:518)

البروسويّ: و حكم الآية عامّ لكلّ من جمع ما فيها من الخصال الحميدة الّتى هي الدّعوة و العمل و القول،و إن نزلت في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أو في أصحابه رضي اللّه عنهم،أو في المؤذّنين،فإنّهم يدعون النّاس إلى الصّلاة.

فإن قلت:السّورة بكمالها مكّيّة بلا خلاف، و الأذان إنّما شرّع بالمدينة.

قلت:يجعل من باب ما تأخّر حكمه عن نزوله، و كم في القرآن منه،و إليه ذهب بعض الحفّاظ كابن حجر و غيره.

اعلم أنّ للدّعوة مراتب:الأولى:دعوة الأنبياء عليهم السّلام،فإنّهم يدعون إلى اللّه بالمعجزات و البراهين و بالسّيف.

و فى«التّأويلات النّجميّة»تشير الآية إلى أنّ

ص: 492

أحسن قول قاله الأنبياء و الأولياء قولهم بدعوة الخلق إلى اللّه،و كان عليه السّلام مخصوصا بهذه الدّعوة،كما قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ الأحزاب:45،46، و هو أن يكتفي باللّه من اللّه لم يطلب منه غيره.(8:257)

ابن عاشور :كلّ أحد ثبت له مضمون هذه الصّلة و الدّعاء إلى شيء،أمر غيرك بالإقبال على شيء،و منه قولهم:الدّعوة العبّاسيّة و الدّعوة العلويّة، و تسمية الواعظ عند بني عبيد بالدّاعي،لأنّه يدعو إلى التّشيّع لآل عليّ بن أبي طالب.فالدّعاء إلى اللّه:

تمثيل لحال الآمر بإفراد اللّه بالعبادة و نبذ الشّرك بحال من يدعو أحدا بالإقبال إلى شخص.و هذا حال المؤمنين حين أعلنوا التّوحيد،و هو ما وصفوا به آنفا في قوله: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا فصلّت:30،كما علمت.

و قد كان المؤمنون يدعون المشركين إلى توحيد اللّه، و سيّد الدّاعين إلى اللّه هو محمّد.

و قوله: مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ (من)فيه تفضيليّة لاسم(احسن،)و الكلام على حذف مضاف، تقديره:من قول من دعا إلى اللّه.و هذا الحذف كالّذي في قول النّابغة:

و قد خفت حتّى ما تزيد مخافتي

على وعل في ذي المطارة عاقل.

أي لا تزيد مخافتي على مخافة وعل،و منه قوله تعالى: وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ البقرة:177.

(25:54)

الطّباطبائيّ: المراد به:النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إن كان لفظ الآية يعمّ كلّ من دعا إلى اللّه و لمّا أمكن أن يدعو الدّاعي إلى اللّه لغرض فاسد،و ليست الدّعوة الّتي هذا شأنها من القول الأحسن قيّده بقوله: وَ عَمِلَ صالِحاً. (17:391)

عبد الكريم الخطيب :و الآية تنويه بالمؤمنين، اَلَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا، فقولهم: رَبُّنَا اللّهُ، هو أحسن قول نطق به لسان.

و المراد بالدّعاء إلى اللّه،الاتّجاه إلى اللّه،بأن يدعو الإنسان نفسه إلى ربّه،و أن يخلص بها من مواقف الضّلال،و مجتمع الضّلالة،و هذا ما يشير إليه سبحانه و تعالى على لسان إبراهيم: وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ الصّافّات:99.

و في عطف العمل الصّالح،على الدّعاء إلى اللّه دَعا إِلَى اللّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً إشارة إلى أنّ الدّعاء إلى اللّه-و هو الإيمان به-لا يؤتى ثمره الطّيّب،إلاّ بالعمل الصّالح،فإذا اجتمع الإيمان باللّه،و العمل الصّالح،فقد أمسك المؤمن بالخير من طرفيه، و استمسك بالعروة الوثقى من صميمها،و فى هذا يقول الرّسول الكريم لمن جاءه يسأله عن طريق النّجاة:«قل ربّي اللّه...ثمّ استقم».(12:1316)

فضل اللّه :من موقع إيمانه الّذي عاش عمق العقيدة في عقله و وجدانه،و تحرّك في حياته من موقع المسئوليّة في خطّ الدّعوة،عاملا على فتح عقول النّاس و قلوبهم على اللّه،ليعرفوه و يؤمنوا به، و يتحرّكوا في طريق طاعته،و كان ذلك همّه الأساس الّذي يحوّل العقيدة إلى حالة في الذّات،و حركة في

ص: 493

الرّسالة،لأنّ كلّ مؤمن رسول في حجم قدرته على أداء الرّسالة،و الإيمان في مضمونه شأن من شئون الدّعوة إلى اللّه.(20:117)

مكارم الشّيرازيّ: و بالرّغم من أنّ الآية استفهاميّة،إلاّ أنّ الاستفهام هنا إنكاريّ،بمعنى أنّه ليس هناك أفضل من كلام الشّخص الّذي يدعو إلى اللّه و ينادي بالتّوحيد،ثمّ يؤكّد دعوته اللّفظيّة هذه، و يقرنها بالفعل و العمل الصّالح.

إنّ اعتقاد هؤلاء بالإسلام و تسليمهم للباري جلّ و علا،يدعم عملهم الصّالح.إنّ الآية الكريمة هذه ترسم ثلاث صفات لذي القول الحسن هي:الدّعوة إلى اللّه،و العمل الصّالح،و التّسليم حيال الحقّ.

إنّ أمثال هؤلاء فضلا عن تمسّكهم بالأركان الإيمانيّة الثّلاثة«الإقرار باللّسان،و العمل بالأركان، و الإيمان بالقلب»فإنّهم تمسّكوا بركن رابع،هو التّبليغ و الدّعوة و نشر دين الحقّ،و إقامة الدّليل على أصول الدّين،و دفع آثار الشّرك و التّردّد من قلوب عباد اللّه.

إنّ هؤلاء المنادين،بصفاتهم الأربع،يعتبرون أفضل المنادين و الدّعاة في العالم.و برغم ما ذهب إليه بعض المفسّرين،من قولهم بانطباق الصّفات السّابقة على شخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،أو هو و الأئمّة الّذين يدعون إلى الحقّ،أو المؤذّنين خاصّة.لكن من الواضح أنّ للآية مفهوما أوسع بحيث يشمل كلّ المنادين بالتّوحيد،ممّن تشملهم الصّفات المذكورة.ذلك بالرّغم من أنّ أفضل مصداق لذلك هو الرّسول صلّى اللّه عليه و آله خاصّة في فترة نزول الآية،ثمّ يأتي بعد ذلك الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام،و بعدهم جميع العلماء و المجاهدين في طريق الحقّ،و الآمرين بالمعروف و النّاهين عن المنكر،و الدّاعين للإسلام من أيّ طائفة كانوا.

إنّ هذه الآية فخر عظيم و عزّ كبير لكلّ أولئك، كي تتقوّى عزائمهم و يربط على قلوبهم.

و إذا قيل:بأنّ الآية مدح لبلال الحبشيّ المؤذّن الخاصّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فذلك بسبب أنّه أطلق نداء التّوحيد في فترة من أحلك الفترات و أوحشها في تأريخ الدّعوة الإسلاميّة،و عرّض روحه للخطر.

ثمّ كمّل هذه الأوصاف بإيمانه الرّاسخ،و استقامته الّتي لا نظير لها،و أعماله الصّالحة،و الاستمرار على نهج الإسلام الصّحيح.(15:369)

4- فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ.

الدّخان:22

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فدعا موسى ربّه إذ كذّبوه و لم يؤمنوا به،و لم يؤد إليه عباد اللّه،و همّوا بقتله،بأنّ هؤلاء يعني فرعون و قومه قَوْمٌ مُجْرِمُونَ

(11:234)

الطّوسيّ: و قيل:إنّه دعا بما يقتضيه سوء أفعالهم و قبح إجرامهم و سوء معاملتهم له،فكأنّه قال:اللّهمّ عجّل لهم بما يستحقّونه بأجرامهم و معاصيهم،بما به يكونون نكالا لمن بعدهم،و ما دعا بهذا الدّعاء إلاّ بعد إذن اللّه له في الدّعاء عليهم.(9:231)

الزّمخشريّ: قيل:كان دعاؤه:اللّهمّ عجّل لهم

ص: 494

ما يستحقّونه بأجرامهم.و قيل:هو قوله: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ يونس:85،و إنّما ذكر اللّه تعالى السّبب الّذي استوجبوا به الهلاك،و هو كونهم مجرمين.(3:503)

نحوه أبو السّعود(6:51)،و الآلوسيّ(25:122).

ابن عطيّة: و قوله: فَدَعا رَبَّهُ قبله محذوف من الكلام،تقديره:فما كفّوا عنه بل تطرّقوا إليه، و عتوا عليه و على دعوته. فَدَعا رَبَّهُ .(5:71)

الطّبرسيّ: أي فدعا موسى ربّه حين يئس من قومه أن يؤمنوا به.(5:64)

الفخر الرّازيّ: الفاء في(فدعا)تدلّ على أنّه متّصل بمحذوف قبله،التّأويل:أنّهم كفروا و لم يؤمنوا، فدعا موسى ربّه بأنّ هؤلاء قوم مجرمون.(27:246)

نحوه القرطبيّ.(16:136)

ابن عاشور :التّعقيب المفاد بالفاء تعقيب على محذوف يقتضي هذا الدّعاء؛إذ ليس في المذكور قبل الفاء ما يناسبه التّعقيب بهذا الدّعاء؛إذا المذكور قبله كلام من موسى إليهم،فالتّقدير:فلم يستجيبوا له فيما أمرهم،أو فأصرّوا على أذاه و عدم متاركته فدعا ربّه.

و هذا التّقرير الثّاني أليق بقوله: أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ. و هذا كالتّعقيب الّذي في قوله تعالى:

فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ الشّعراء:63.(25:325)

الطّباطبائيّ: أي دعاه بأنّ هؤلاء قوم مجرمون، و قد ذكر من دعائه السّبب الدّاعي له إلى الدّعاء، و هو إجرامهم إلى حدّ يستحقّون معه الهلاك،و يعلم ما سأله ممّا أجاب به ربّه تعالى؛إذ قال: فَأَسْرِ بِعِبادِي الدّخان:23.(18:139)

فضل اللّه :فقد تأصّلت الجريمة في كيانهم حتّى لم يعد ينفع في هدايتهم أيّة وسيلة من وسائل التّرغيب و التّرهيب،و أيّ حجّة.و ستتحرّك الجريمة في حياة النّاس-من خلالهم-لتمتدّ في المستقبل،و لتحكم حياة الأجيال القادمة،لأنّ هؤلاء سوف يمنعون امتداد الحقّ إلى الآخرين،عند ما ينصبون الحواجز أمام الرّسالة،لأنّهم يملكون كلّ مواقع القوّة،في مراكز الحكم العليا،و في ساحات الواقع الشّامل لكلّ نشاطات الحياة.

و هكذا استجاب اللّه دعاءه في خطّة إلهيّة أرادت أن تدفع موسى و قومه إلى الخروج من مصر بمعجزة، ليلاحقهم فرعون و قومه و يغمرهم البحر بشكل نهائيّ،و بدأت التّعليمات تنزل على موسى في بداية الخطّة الإلهيّة.(20:285)

مكارم الشّيرازيّ: لقد استخدم موسى عليه السّلام كلّ وسائل الهداية للنّفوذ إلى قلوب هؤلاء المجرمين المظلمة،إلاّ أنّها لم تؤثّر فيهم أدنى تأثير،و طرق كلّ باب ما من مجيب.

لذلك يئس منهم،و لم ير لهم علاجا إلاّ لعنهم و الدّعاء عليهم،لأنّ الفاسدين الّذين لا أمل في هدايتهم لا يستحقّون الحياة في قانون الخلقة،بل يجب أن ينزّل عليهم عذاب اللّه و يجتثّهم و يطهّر الأرض من دنسهم،لذلك تقول الآية الأولى من هذه الآيات:

فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ. انظر إلى أدب

ص: 495

الدّعاء،إنّه لا يقول:اللّهمّ افعل كذا و كذا،بل يكتفي بأن يقول:اللّهمّ إنّ هؤلاء قوم مجرمون لا أمل في هدايتهم و حسب.(16:132)

5- فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ. القمر:10

راجع:غ ل ب:«مغلوب».

دعاه

أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ...

النّمل:62

راجع:ض ر ر:«المضطرّ».

دعاكم

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ... الأنفال:24

الطّوسيّ: و الفرق بين الدّعاء إلى الفعل و بين الأمر به:أنّ الأمر فيه ترغيب في الفعل المأمور به، و يقتضي الرّتبة.و هي أن يكون متوجّها إلى من دونه، و ليس كذلك الدّعاء لأنّه يصحّ من دونك لك.

(5:119)

الزّمخشريّ: وحّد الضّمير كما وحّده فيما قبله، لأنّ استجابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كاستجابته،و إنّما يذكر أحدهما مع الآخر للتّوكيد،و المراد بالاستجابة:

الطّاعة و الامتثال،و بالدّعوة:البعث و التّحريض.

(2:151)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:

المسألة الأولى:قال أبو عبيد و الزّجّاج (استجيبوا)معناه:أجيبوا.[ثمّ استشهد بشعر]

المسألة الثّانية:أكثر الفقهاء على أنّ ظاهر الأمر للوجوب،و تمسّكوا بهذه الآية على صحّة قولهم من وجهين:

الوجه الأوّل:أنّ كلّ من أمره اللّه بفعل فقد دعاه إلى ذلك الفعل،و هذه الآية تدلّ على أنّه لا بدّ من الإجابة في كلّ ما دعاه اللّه إليه.

فإن قيل:قوله: اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ أمر،فلم قلتم:

إنّه يدلّ على الوجوب؟و هل النّزاع إلاّ فيه؟فيرجع حاصل هذا الكلام إلى إثبات أنّ الأمر للوجوب،بناء على أنّ هذا الأمر يفيد الوجوب،و هو يقتضي إثبات الشّيء بنفسه،و هو محال.

و الجواب:أنّ من المعلوم بالضّرورة أنّ كلّ ما أمر اللّه به فهو مرغّب فيه مندوب إليه،فلو حملنا قوله:

اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ على هذا المعنى كان هذا جاريا مجرى إيضاح الواضحات و أنّه عبث، فوجب حمله على فائدة زائدة،و هي الوجوب صونا لهذا النّصّ عن التّعطيل،و يتأكّد هذا بأنّ قوله تعالى بعد ذلك: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ جار مجرى التّهديد و الوعيد،و ذلك لا يليق إلاّ بالإيجاب.

الوجه الثّاني:في الاستدلال بهذه الآية على ثبوت هذا المطلوب،ما روى أبو هريرة رضي اللّه عنه:

أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مرّ على باب أبيّ بن كعب فناداه و هو في الصّلاة،فعجّل في صلاته ثمّ جاء،فقال:«ما منعك عن إجابتي»؟قال:كنت أصلّي.قال:«أ لم تخبر فيما أوحى

ص: 496

إليّ اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ؟» فقال:لا جرم لا تدعوني إلاّ أجيبك.و الاستدلال به أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا دعاه فلم يجبه لامه على ترك الإجابة،و تمسّك في تقرير ذلك اللّوم بهذه الآية،فلو لا دلالة هذه الآية على الوجوب،و إلاّ لما صحّ ذلك الاستدلال.

و قول من يقول:مسألة أنّ الأمر يفيد الوجوب، مسألة قطعيّة،فلا يجوز التّمسّك فيها بخبر الواحد ضعيف،لأنّا لا نسلّم أنّ مسألة الأمر يفيد الوجوب مسألة قطعيّة،بل هي عندنا مسألة ظنّيّة،لأنّ المقصود منها العمل،و الدّلائل الظّنّيّة كافية في المطالب العمليّة.

فإن قالوا:إنّه تعالى ما أمر بالإجابة على الإطلاق بل بشرط خاصّ،و هو قوله: إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ فلم قلتم:إنّ هذا الشّرط حاصل في جميع الأوامر؟

قلنا:قصّة أبيّ بن كعب تدلّ على أنّ هذا الحكم عامّ و غير مخصوص بشرط معيّن،و أيضا فلا يمكن حمل الحياة هاهنا على نفس الحياة،لأنّ إحياء الحيّ محال،فوجب حمله على شيء آخر و هو الفوز بالثّواب،و كلّ ما دعا اللّه إليه و رغب فيه فهو مشتمل على ثواب،فكان هذا الحكم عامّا في جميع الأوامر، و ذلك يفيد المطلوب.[ثمّ قال:المسألة الثّالثة و بحث في المراد ب«ما يحييكم»فلاحظ:ح ي ي](15:145)

أبو حيّان :و أفرد الضّمير في(دعاكم)كما أفرده في وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ الأنفال:20،لأنّ ذكر أحدهما مع الآخر إنّما هو على سبيل التّوكيد، و الاستجابة هنا الامتثال،و الدّعاء بمعنى التّحريض و البعث على ما فيه حياتهم،و ظاهر(استجيبوا) الوجوب،و لذلك قال صلّى اللّه عليه و سلّم لأبيّ حين دعاه و هو في الصّلاة متلبّث:ما منعك عن الاستجابة أ لم تخبر فيما أوحي إليّ اِسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ؟ و الظّاهر تعلّق (لما)بقوله:(دعاكم،)و«دعا»يتعدّى باللاّم.

(4:481)

الشّربينيّ: وحّد الضّمير في قوله تعالى: إِذا دَعاكُمْ، لأنّ دعوة اللّه تعالى تسمع من الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم [ثمّ نقل حديث أبيّ و قال:]

و يؤخذ من ذلك أنّ إجابته صلّى اللّه عليه و سلّم بالقول لا تقطع الصّلاة،و هو كذلك،بل و لا بالفعل الكثير،كما قاله بعض أصحابنا،و هو ظاهر الحديث أيضا.(1:564)

أبو السّعود : إِذا دَعاكُمْ أي الرّسول؛إذ هو المباشر لدعوة اللّه تعالى.(3:90)

ابن عاشور :و إفراد ضمير(دعاكم)لأنّ الدّعاء من فعل الرّسول مباشرة،كما أفرد الضّمير في قوله: وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ الأنفال:20،و قد تقدّم آنفا.

و ليس قوله: إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ قيدا للأمر باستجابة،و لكنّه تنبيه على أنّ دعاءه إيّاهم لا يكون إلاّ إلى ما فيه خير لهم و إحياء لأنفسهم.

و اللاّم في لِما يُحْيِيكُمْ لام التّعليل،أي دعاكم لأجل ما هو سبب حياتكم الرّوحيّة.[إلى أن قال:]

و لمّا كان دعاء الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لا يخلو عن إفادة شيء من معاني هذه الحياة،أمر اللّه الأمّة بالاستجابة له.،فالآية تقتضي الأمر بالامتثال لما يدعو إليه الرّسول،سواء دعا حقيقة بطلب القدوم،أم طلب

ص: 497

عملا من الأعمال،فلذلك لم يكن قيد لِما يُحْيِيكُمْ مقصودا لتقييد الدّعوة ببعض الأحوال بل هو قيد كاشف،فإنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لا يدعوهم إلاّ و في حضورهم لديه حياة لهم،و يكشف عن هذا المعنى في قيد لِما يُحْيِيكُمْ. [ثمّ ذكر حديث أبيّ](9:67)

الطّباطبائيّ: لمّا دعاهم في قوله أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ الأنفال:1،2،إلى إطاعة الدّعوة الحقّة، و عدم التّولّي عنها بعد استماعها،أكّده ثانيا بالدّعوة إلى استجابة اللّه و الرّسول في دعوة الرّسول،ببيان حقيقة الأمر و الرّكن الواقعيّ الّذي تعتمد عليه هذه الدّعوة،و هو أنّ هذه الدّعوة دعوة إلى ما يحيي الإنسان بإخراجه من مهبط الفناء و البوار،و موقفه في الوجود،إنّ اللّه سبحانه أقرب إليه من قلبه،و أنّه سيحشر إليه،فليأخذ حذره و ليجمع همّه و يعزم عزمه.(9:42)

لاحظ:ح ي ي:«يحييكم».

2- وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ. الرّوم:25

قتادة :دعاهم فخرجوا من الأرض.

(الطّبريّ 10:178)

إنّهم أخرجهم بدعاء دعاهم به.

(الماورديّ 4:308)

يحيى بن سلاّم:إنّه أخرجهم بالنّفخة الثّانية، و جعلها دعاء لهم.(الماورديّ 4:308)

الطّبريّ: يقول:إذا أنتم تخرجون من الأرض، إذا دعاكم دعوة مستجيبين لدعوته إيّاكم.(10:177)

الرّمّانيّ: أنّه أخرجهم بما هو بمنزلة الدّعاء، و بمنزلة قوله: كُنْ فَيَكُونُ. (الماورديّ 4:308)

الماورديّ: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ أي و أنتم موتى في قبوركم. إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ أي من قبوركم مبعوثين إلى القيامة.(4:308)

الطّوسيّ: أي أخرجكم من الأرض من قبوركم بعد أن كنتم أمواتا،يبعثكم ليوم الحساب.فعبّر عن ذلك بما هو بمنزلة الدّعاء،و بمنزلة كُنْ فَيَكُونُ في سرعة تأتي ذلك،و امتناع التّعذّر عليه.و إنّما ذكر هذه المقدورات على اختلافها و عظم شأنها،ليدلّ على أنّه القادر الّذي لا يعجزه شيء.

و في الآيات دلالة واضحة على فساد مذهب القائلين بأنّ المعارف ضروريّة،لأنّها لو كانت ضرورة لم يكن للتّنبيه على هذه الأدلّة وجه و لا فائدة فيه،لأنّ ما يعلم ضرورة لا يمكن الاستدلال عليه.(8:243)

القشيريّ: يفني هذه الأدوار،و يغيّر هذه الأطوار،و يبدّل أحوالا غير هذه الأحوال،إماتة ثمّ إحياء،و إعادة و قبلها إبداء و قبر ثمّ نشر،و معاتبة في القبر ثمّ محاسبة بعد النّشر.(5:114)

الزّمخشريّ: و قوله: إِذا دَعاكُمْ بمنزلة قوله:

يريكم في إيقاع الجملة موقع المفرد على المعنى،كأنّه قال:و من آياته قيام السّماوات و الأرض،ثمّ خروج الموتى من القبور إذا دعاهم دعوة واحدة:يا أهل القبور اخرجوا.و المراد:سرعة وجود ذلك من غير توقّف و لا تلبّث،كما يجيب الدّاعي المطاع مدعوّه.

ص: 498

[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما عطف هذا على قيام السّماوات و الأرض ب(ثمّ)بيانا لعظم ما يكون من ذلك الأمر و اقتداره على مثله،و هو أن يقول:يا أهل القبور قوموا، فلا تبقى نسمة من الأوّلين و الآخرين إلاّ قامت تنظر، كما قال تعالى: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ الزّمر:68.قولك:دعوته من مكان كذا، كما يجوز أن يكون مكانك يجوز أن يكون مكان صاحبك،تقول:دعوت زيدا من أعلى الجبل فنزل عليّ،و دعوته من أسفل الوادي فطلع إليّ.(3:219)

نحوه القرطبيّ.(14:19)

ابن عطيّة: و الدّعوة من الأرض هي البعث، و(من الارض:)حال للمخاطبين،كأنّه قال:

خارجين من الأرض.و يجوز أن يكون(من الارض) صفة للدّعوة.

و(من)عندي هاهنا لانتهاء الغاية،كما تقول:

دعوتك من الجبل،إذا كان المدعوّ في الجبل.و الوقف في هذه الآية عند نافع و يعقوب الحضرميّ على (دعوة،)و المعنى بعد إذا أنتم تخرجون من الأرض، و هذا على أنّ(من)لابتداء الغاية.و الوقف عند أبي حاتم على قوله:(من الارض،)و هذا على أنّ(من) لانتهاء الغاية.

قال مكّيّ: و الأحسن عند أهل النّظر أو الوقف في آخر الآية،لأنّ مذهب الخليل و سيبويه في(اذا)الثّانية أنّها جواب الأولى،كأنّه قال:ثمّ إذا دعاكم خرجتم.

و هذا أسدّ الأقوال.(4:334)

الطّبرسيّ: أي إذا دعاكم خارجين من الأرض، و إن شئت كان وصفا للنّكرة،أي دعوة ثابتة من هذه الجهة.و لا يجوز أن يتعلّق ب(يخرجون،)لأنّ ما بعد (اذا)لا يعمل فيما قبله.[إلى أن قال:]

أي:من القبر،عن ابن عبّاس،يأمر اللّه عزّ اسمه إسرافيل عليه السّلام فينفخ في الصّور بعد ما يصوّر الصّور في القبور،فيخرج الخلائق كلّهم من قبورهم، إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ من الأرض أحياء.

و قيل:إنّه سبحانه جعل النّفخة دعاء،لأنّ إسرافيل يقول:أجيبوا داعي اللّه،فيدعو بأمر اللّه سبحانه.و قيل:إنّ معناه أخرجكم من قبوركم بعد أن كنتم أمواتا فيها.فعبّر عن ذلك بالدّعاء؛إذ هو بمنزلة الدّعاء،و بمنزلة كُنْ فَيَكُونُ في سرعة تأتي ذلك، و امتناع التّعذّر.

و إنّما ذكر سبحانه هذه المقدورات على اختلافها، ليدلّ عباده على أنّه القادر الّذي لا يعجزه شيء،العالم الّذي لا يعزب عنه شيء.و تدلّ هذه الآيات على فساد قول من قال:إنّ المعارف ضروريّة،لأنّ ما يعرف ضرورة،لا يمكن الاستدلال عليه.(4:301)

الفخر الرّازيّ: و فيها مسائل:

المسألة الأولى:ما وجه العطف ب(ثمّ)و بم تعلّق (ثمّ)؟

فنقول:معناه-و اللّه أعلم-أنّه تعالى إذا بيّن لكم كمال قدرته بهذه الآيات بعد ذلك يخبركم و يعلمكم أنّه إذا قال للعظام الرّميمة:اخرجوا من الأجداث يخرجون أحياء.

ص: 499

المسألة الثّانية:قول القائل:دعا فلان فلانا من الجبل،يحتمل أن يكون الدّعاء من الجبل،كما يقول القائل:يا فلان اصعد إلى الجبل،فيقال:دعاه من الجبل.و يحتمل أن يكون المدعوّ يدعى من الجبل،كما يقول القائل:يا فلان انزل من الجبل،فيقال:دعاه من الجبل.و لا يخفى على العاقل أنّ الدّعاء لا يكون من الأرض إذا كان الدّاعي هو اللّه،فالمدعوّ يدعى من الأرض،يعني أنتم تكونون في الأرض فيدعوكم منها، فتخرجون.(25:116)

أبو حيّان :الدّعوة:البعث من القبور،و(من الارض)يتعلّق ب(دعاكم)و(دعوة)أي مرّة، فلا يحتاج إلى تكرير دعاءكم لسرعة الإجابة.

(7:168)

الشّربينيّ: ثمّ إنّه تعالى لمّا ذكر الدّليل على القدرة و التّوحيد ذكر مدلوله،و هو قدرته على الإعادة بقوله تعالى: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ، و أشار إلى هوان ذلك القول عنده بقوله عزّ و جلّ:(دعوة)أي واحدة(من الارض)بأن ينفخ إسرافيل في الصّور للبعث من القبور فيها،فيقول:أيّها الموتى أخرجوا، إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ أي منها أحياء بعد اضمحلالكم بالموت و البلاء،فلا تبقى نسمة من الأوّلين و الآخرين إلاّ قامت تنظر،كما قال تعالى: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ الزّمر:68.

تنبيه:قال هاهنا: إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ و قال تعالى في خلق الإنسان أوّلا: ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ الرّوم:20،لأنّ هناك يكون خلق و تقدير و تدريج حتّى يصير التّراب قابلا للحياة،فينفخ فيه روحه فإذا هو بشر،و أمّا في الإعادة فلا يكون تدريج و تراخ بل يكون بدء خروج،فلم يقل هاهنا:«ثمّ».

(3:165)

أبو السّعود :فإنّه كلام مسوق للإخبار بوقوع البعث و وجوده،بعد انقضاء أجل قيامهما،مترتّب على تعداد آياته الدّالّة عليه،غير منتظم في سلكها -كما قيل-كأنّه قيل:و من آياته قيام السّماوات و الأرض على هيئاتهما بأمره تعالى،إلى أجل مسمّى قدّره اللّه تعالى لقيامهما، ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ أي بعد انقضاء الأجل من الأرض و أنتم في قبوركم دعوة واحدة،بأنّ قال:أيّها الموتى اخرجوا،فاجأتم الخروج منها،و ذلك قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ طه:108،و(من الارض)متعلّق ب(دعاكم)إذ يكفي في ذلك كون المدعوّ فيها يقال:دعوته من أسفل الوادي فطلع إليّ،لا ب(تخرجون)لأنّ ما بعد(اذا) لا يعمل فيما قبلها.(5:173)

نحوه ملخّصا البروسويّ.(7:25)

الآلوسيّ: أي بعد انقضاء الأجل في الأرض، و أنتم في قبوركم دعوة واحدة،بأن قال سبحانه:أيّها الموتى اخرجوا،فاجأتم الخروج منها.و لعلّ ما أشار إليه صاحب«الكشف»أدقّ و أبعد مغزى،فتأمّل.

و(من الارض)متعلّق ب«دعا»و(من)لابتداء الغاية،و يكفي في ذلك-إذا كان الدّاعي هو اللّه تعالى نفسه لا الملك بأمره سبحانه-كون المدعوّ فيها يقال:

دعوته من أسفل الوادي فطلع إليّ،لا ب(دعوة)فإنّه

ص: 500

إذا جاء نهر اللّه جلّ و علا بطل نهر معقل.نعم جوّز كون ذلك صفة لها،و أن يكون حالا من الضّمير المنصوب.و لا ب(تخرجون)لأنّ ما بعد(اذا) لا يعمل فيما قبلها.

و قال ابن عطيّة:«إنّ(من)عندي لانتهاء الغاية» و أثبت ذلك سيبويه.و قال أبو حيّان:«إنّه قول مردود عند أصحابنا،و ظواهر الأخبار أنّ الموتى يدعون حقيقة للخروج من القبور».و قيل:المراد تشبيه ترتّب حصول الخروج على تعلّق إرادته بلا توقّف و احتياج إلى تجشّم عمل بسرعة ترتّب إجابة الدّاعي المطاع على دعائه.ففي الكلام استعارة تمثيليّة،أو تخييليّة و مكنيّة،بتشبيه الموتى بقوم يريدون الذّهاب إلى محلّ ملك عظيم متهيّئين لذلك،و إثبات الدّعوة لهم قرينتها، أو هي تصريحيّة تبعيّة في قوله تعالى:(دعاكم)إلى آخرها.و(ثمّ)إمّا للتّراخيّ الزّمانيّ أو للتّراخيّ الرّتبيّ،و المراد:عظم ما في المعطوف من إحياء الموتى في نفسه،و بالنّسبة إلى المعطوف عليه فلا ينافي قوله تعالى الآتي: وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الرّوم:27،و كونه أعظم من قيام السّماء و الأرض،لأنّه المقصود من الإيجاد و الإنشاء،و به استقرار السّعداء و الأشقياء في الدّرجات و الدّركات،و هو المقصود من خلق الأرض و السّماوات.

فأندفع ما قاله ابن المنير:من أنّ مرتبة المعطوف عليه هنا هي العليا،مع أنّ كون المعطوف في مثله أرفع درجة أكثريّ لا كلّيّ كما صرّح به الطّيّبيّ،فلا مانع من اعتبار التّراخي الرّتبيّ لو لم يكن المعطوف أرفع درجة.

و يجوز حمل التّراخي على مطلق البعد الشّامل للزّمانيّ و الرّتبيّ.(21:35)

ابن عاشور :و(ثمّ)عاطفة الجملة على الجملة، و المقصود من الجملة المعطوفة الاحتراس عمّا قد يتوهّم من قوله: أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ من أبديّة وجود السّماوات و الأرض،فأفادت الجملة أنّ هذا النّظام الأرضيّ يعتوره الاختلال إذا أراد اللّه انقضاء العالم الأرضيّ و إحضار الخلق إلى الحشر، تسجيلا على المشركين بإثبات البعث.فمضمون جملة ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ليس من تمام هذه الآية السّادسة،و لكنّه تكملة و إدماج موجّه إلى منكري البعث.

و في متعلّق المجرور في قوله:(من الارض) اضطراب،فالّذي ذهب إليه صاحب«الكشّاف»أنّه متعلّق ب(دعاكم)لأنّ(دعاكم)لمّا اشتمل على فاعل و مفعول،فالمتعلّق بالفعل يجوز أن يكون من شئون الفاعل و يجوز أن يكون من شئون المفعول، على حسب القرينة،كما تقول:دعوت فلانا من أعلى الجبل فنزل إليّ،أي دعوته و هو في أعلى الجبل.

و هذا الاستعمال خلاف الغالب،و لكن دلّت عليه القرينة،مع التّفصّي من أن يكون المجرور متعلّقا ب(تخرجون)لأنّ ما بعد حرف المفاجأة لا يعمل فيما قبلها،على أنّ في هذا المنع نظرا.

و لا يجوز تعليقه ب(دعوة)لعدم اشتمال المصدر على فاعل و مفعول،و هو وجيه،و كفاك بذوق قائله.

و أقول:قريب منه قوله تعالى: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ

ص: 501

مَكانٍ بَعِيدٍ فصلّت:44.و(من)لابتداء المكان، و المجرور ظرف لغو.و يجوز أن يكون المجرور حالا من ضمير النّصب في(دعاكم)فهو ظرف مستقرّ.

(21:40)

الطّباطبائيّ: (اذا)الأولى شرطيّة و(اذا)الثّانية فجائيّة قائمة مقام فاء الجزاء،و(من الارض)متعلّق بقوله:(دعوة،)و الجملة معطوفة على محلّ الجملة الأولى،لأنّ المراد بالجملة،أعني قوله: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ البعث و الرّجوع إلى اللّه،و ليس في عداد الآيات،بل الجملة إخبار بأمر احتجّ عليه سابقا و سيحتجّ عليه لاحقا.

و أمّا قول القائل:إنّ الجملة على تأويل المفرد، و هي معطوفة على(ان تقوم)،و التّقدير:و من آياته قيام السّماء و الأرض بأمره،ثمّ خروجكم إذا دعاكم دعوة من الأرض.فلازمه كون البعث معدودا من الآيات و ليس منها،على أنّ البعث أحد الأصول الثّلاثة الّتي يحتجّ بالآيات عليه،و لا يحتجّ به على التّوحيد مثلا،بل لو احتجّ فبالتّوحيد عليه،فافهم ذلك.

و لمّا كانت الآيات المذكورة-من خلق البشر من تراب،و خلقهم أزواجا و اختلاف ألسنتهم و ألوانهم و منامهم،و ابتغائهم من فضله و إراءة البرق و تنزيل الماء من السّماء-كلّها آيات راجعة إلى تدبير أمر الإنسان،كان المراد بقوله: أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بمعونة السّياق،ثبات السّماء و الأرض على وضعهما الطّبيعيّ و حالهما العاديّة،ملائمتين لحياة النّوع الإنسانيّ المرتبطة بهما،و كان قوله: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ... مترتّبا على ذلك ترتّب التّأخير،أي إنّ خروجهم من الأرض متأخّر عن هذا القيام مقارن لخرابهما،كما ينبئ به آيات كثيرة في مواضع مختلفة، من كلامه تعالى.(16:168)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّ أمر اللّه و سلطانه،الّذي تقوم به السّماوات و الأرض،أن تدعوا من القبور بعد موتكم،دعوة واحدة،فإذا أنتم قيام تنظرون.

و هذا يعني أنّ البعث بعد الموت،نظام قائم في هذا الوجود،أشبه بنظام دوران الكواكب في أفلاكها، و اللّيل و النّهار في فلكهما.

و في العطف ب(ثمّ)إشارة إلى أنّ هذه الدّعوة الّتي يدعى بها الموتى لم يجئ وقتها بعد،و أنّها أمر مستقبل،لا يعلم أحد متى يكون.و إن كان من المعلوم أنّها لا تقع إلاّ بعد أن يموت النّاس جميعا.و في تصدير الجملة الخبريّة ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ الرّوم:

20،بأداة المفاجأة:(اذا)إشارة إلى أنّ البعث من القبور سيعقب الدّعوة مباشرة،بلا مهل،كما يقول سبحانه: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس،:51.و الفجاءة إنّما تقع على أولئك الّذين لا يرجون بعثا،و لا يؤمنون بالحياة الآخرة.

و لهذا فهم إذا بعثوا أخذهم الدّهش و العجب، و قالوا ما حكاه القرآن الكريم عنهم: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا يس،:52.(11:507)

ص: 502

فضل اللّه:عند ما تتعلّق إرادته بخروجكم من الأجداث،لتقفوا بين يديه في موقف الحساب،فإنّ الأرض تستسلم لإرادته،و تنقاد لدعوته،في ما يوحي به إليها من تهيئة الشّروط الطّبيعيّة في تكوينها لذلك، ممّا يوحي إليكم بأنّ كلّ الأشياء منوطة بإرادته، فكيف تستبعدون البعث الّذي أعدّكم له و وعدكم به؟ و ليس هو إلاّ بعض مظاهر هذه الإرادة الحاسمة الّتي تقول لكلّ شيء: كُنْ فَيَكُونُ النّحل:40.

(18:120)

مكارم الشّيرازيّ: و في نهاية الآية و بالاستفادة من عامل التّوحيد لإثبات المعاد،ينقل القرآن البحث إلى هذه المسألة،فيقول: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ.

و لقد رأينا مرارا في آيات القرآن أنّ اللّه سبحانه يستدلّ على المعاد بآيات قدرته في السّماء و الأرض، و هذه الآية واحدة من تلك الآيات.

و التّعبير ب(دعاكم)إشارة إلى أنّه كما أنّ أمرا واحدا منه كاف للتّدبير و لنظم العالم،فإنّ دعوة واحدة منه كافية لأن تبعثكم من رقدتكم و تنشركم من قبوركم ليوم القيامة،و خاصّة إذا لاحظنا جملة إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ، فإنّ كلمة(اذا)تبيّن بوضوح مؤدّى هذه الجملة،حيث إنّها فجائيّة-كما يصطلح عليها أهل النّحو و اللّغة-و معناها:إذا دعاكم اللّه تخرجون بشكل سريع و فجائيّ.

و التّعبير ب دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ دليل واضح على المعاد الجسمانيّ؛إذ يثب الإنسان في يوم القيامة من هذه الأرض.فلاحظوا بدقّة.(12:460)

دعان
اشارة

وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ. البقرة:186

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أعجز النّاس من عجز عن الدّعاء، و أبخل النّاس من بخل بالسّلام.(البحرانيّ 2:88)

ما أعطي أحد الدّعاء و منع الإجابة،لأنّ اللّه يقول: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60.

(الطّبريّ 2:165)

إنّ الدّعاء هو العبادة.(الطّبريّ 2:165)

«يستجيب اللّه لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم،أو يستعجل»قالوا:و ما الاستعجال يا رسول اللّه؟قال:«يقول:قد دعوتك يا ربّ،قد دعوتك يا ربّ،فلا أراك تستجيب لي،فيستحسر عند ذلك فيدع الدّعاء».(البغويّ 1:227)

عطاء:لمّا نزلت: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60.قال النّاس:لو نعلم أيّ ساعة ندعو!فنزلت: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ.... (الطّبريّ 2:165)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 2:166)

السّدّيّ: ليس من عبد مؤمن يدعو اللّه إلاّ استجاب له،فإن كان الّذي يدعو به هو له رزق في الدّنيا أعطاه اللّه،و إن لم يكن له رزقا في الدّنيا ذخره له إلى يوم القيامة،و دفع عنه به مكروها.

(الطّبريّ 2:165)

ص: 503

الإمام الصّادق عليه السّلام:[في رواية عن حمّاد]قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أشغل نفسي بالدّعاء لإخواني و لأهل الولاية،فما ترى في ذلك؟

قال:«إنّ اللّه تبارك و تعالى يستجيب دعاء غائب لغائب،و من دعا للمؤمنين و المؤمنات و لأهل مودّتنا، ردّ اللّه عليه من آدم إلى أن تقوم السّاعة،لكلّ مؤمن حسنة».

ثمّ قال:«إنّ اللّه فرض الصّلوات في أفضل السّاعات،فعليكم بالدّعاء في أدبار الصّلوات».

(البحرانيّ 2:86)

[و في رواية عن عثمان بن عيسى]قال:قلت له:

آيتان في كتاب اللّه عزّ و جلّ أطلبهما فلا أجدهما.قال:

«و ما هما؟»قلت:قول اللّه عزّ و جلّ: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60،فندعوه و لا نرى إجابة! قال:«أ فترى اللّه عزّ و جلّ أخلف وعده؟»قلت:لا.

قال:«فممّ ذلك؟»فقلت:لا أدري.

قال:«لكنّي أخبرك:من أطاع اللّه عزّ و جلّ فيما أمره ثمّ دعاه من جهة الدّعاء أجابه».قلت:و ما جهة الدّعاء؟

قال:«تبدأ فتحمد اللّه،و تذكر نعمه عندك،ثمّ تشكره،ثمّ تصلّي على النّبي صلّى اللّه عليه و آله،ثمّ تذكر ذنوبك فتقرّ بها،ثمّ تستعيذ منها،فهذا جهة الدّعاء».

ثمّ قال:«و ما الآية الأخرى؟».

قلت:قول اللّه عزّ و جلّ: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ سبأ:39،فإنّي أنفق و لا أرى خلفا!قال:«أ فترى اللّه عزّ و جلّ أخلف وعده؟قلت:لا.قال:«ممّ ذلك؟»قلت:لا أدري.

قال:«لو أنّ أحدكم اكتسب المال من حلّه، و أنفقه في ذلك،لم ينفق درهما إلاّ أخلف عليه».

(البحرانيّ 2:87)

الإمام الكاظم:[في رواية عن أبي نصر]قال:

قلت لأبي الحسن عليه السّلام:جعلت فداك،إنّي قد سألت اللّه حاجة منذ كذا و كذا سنة،و قد دخل قلبي من إبطائها شيء.

فقال:«يا أحمد،إيّاك و الشّيطان أن يكون له عليك سبيل حتّى يقنطك،إنّ أبا جعفر صلوات اللّه عليه كان يقول:إنّ المؤمن يسأل اللّه عزّ و جلّ حاجة، فيؤخّر عنه تعجيل إجابتها،حبّا لصوته و استماع نحيبه».

ثمّ قال:«و اللّه،ما أخّر اللّه عزّ و جلّ عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدّنيا،خير لهم ممّا عجّل لهم فيها، و أيّ شيء الدّنيا؟إنّ أبا جعفر عليه السّلام كان يقول:ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه،في الرّخاء نحوا من دعائه في الشّدّة،ليس إذا أعطي فتر،فلا تملّ الدّعاء،فإنّه من اللّه عزّ و جلّ بمكان.و عليك بالصّبر،و طلب الحلال، و صلة الرّحم،و إيّاك و مكاشفة النّاس،فإنّا أهل بيت نصل من قطعنا،و نحسن إلى من أساء إلينا،فنرى و اللّه في ذلك العاقبة الحسنة.إنّ صاحب النّعمة في الدّنيا إذا سأل فأعطي طلب غير الّذي سأل، و صغرت النّعمة في عينه،فلا يشبع من شيء،و إن كثرت النّعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق الّتي تجب عليه،و ما يخاف من الفتنة فيها،أخبرني

ص: 504

عنك لو أنّي قلت لك قولا أ كنت تثق به منّي؟».

فقلت:جعلت فداك،إذا لم أثق بقولك فبمن أثق و أنت حجّة اللّه على خلقه؟

قال:«فكن باللّه أوثق،فإنّك على موعد من اللّه عزّ و جلّ،أ ليس اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ و قال: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ الزّمر:53،و قال:

وَ اللّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً البقرة:268،فكن باللّه عزّ و جلّ أوثق منك بغيره،و لا تجعلوا في أنفسكم إلاّ خيرا،فإنّه يغفر لكم».(البحرانيّ 2:86)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بذلك:و إذا سألك يا محمّد عبادي عنّي أين أنا؟فإنّي قريب منهم أسمع دعاءهم،و أجيب دعوة الدّاعي منهم.

فقال بعضهم:نزلت في سائل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:

يا محمّد أ قريب ربّنا فنناجيه،أو بعيد فنناديه؟فأنزل اللّه: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ.

و قال آخرون:بل نزلت جوابا لمسألة قوم سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أيّ ساعة يدعون اللّه فيها؟

و معنى متأوّلي هذا التّأويل:و إذا سألك عبادي عنّي أيّ ساعة يدعونني؟فإنّي منهم قريب في كلّ وقت، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ.

و قال آخرون:بل نزلت جوابا لقول قوم،قالوا:

إذ قال اللّه لهم: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60، إلى أين ندعوه؟

و قال آخرون:بل نزلت جوابا لقوم،قالوا:كيف ندعو؟

فإن قال لنا قائل:و ما معنى هذا القول من اللّه تعالى ذكره؟فأنت ترى كثيرا من البشر يدعون اللّه فلا يجاب لهم دعاء،و قد قال: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ..

قيل:إنّ لذلك وجهين من المعنى:

أحدهما:أن يكون معنيّا بالدّعوة،العمل بما ندب اللّه إليه و أمر به.فيكون تأويل الكلام:و إذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب ممّن أطاعني و عمل بما أمرته به،أجيبه بالثّواب على طاعته إيّاي إذا أطاعني.

فيكون معنى الدّعاء:مسألة العبد ربّه و ما وعد أولياءه على طاعتهم بعملهم بطاعته،و معنى الإجابة من اللّه الّتي ضمنها له:الوفاء له بما وعد العاملين له بما أمرهم به،كما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من قوله:«إنّ الدّعاء هو العبادة.».

و الوجه الآخر:أن يكون معناه:أجيب دعوة الدّاع إذا دعان إن شئت.فيكون ذلك،و إن كان عامّا مخرجه في التّلاوة،خاصّا معناه.(2:164)

الثّعلبيّ: فإن قيل:ما وجه قوله: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ و قوله: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ و قد يدعى كثيرا فلا يستجيب؟

قلنا:اختلف العلماء في وجه الآيتين و تأويلهما:

فقال بعضهم:معنى الدّعاء هاهنا:الطّاعة،و معنى الإجابة:الثّواب،كأنّه قال:أجيب دعوة الدّاعي بالثّواب إذا أطاعني.

و قال بعضهم:معنى الآيتين خاصّ،و إن كان لفظهما عامّا،تقديرها:أجيب دعوة الدّاعي إن شئت،

ص: 505

و أجيب دعوة الدّاعي إذا وافق القضاء،و أجيب دعوة الدّاعي إذا لم يسأل محالا،و أجيب دعوة الدّاعي إذا كانت الإجابة له خيرا،يدلّ عليه ما روى أبو المتوكّل عن أبي سعيد قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

«ما من مسلم دعا اللّه عزّ و جلّ بدعوة ليس فيها قطيعة رحم و لا إثم إلاّ أعطاه اللّه بها إحدى خصال ثلاث:

إمّا أن تعجّل دعوته،و إمّا أن يدّخر له في الآخرة، و إمّا أن يدفع عنه من السّوء مثلها».قالوا:يا رسول اللّه إذا يكثر،قال:«اللّه أكثر».

و قال بعضهم:هو عامّ و ليس في الآية أكثر من إجابة الدّعوة،فأمّا إعطاء المنيّة و قضاء الحاجة فليس مذكور في الآية،و قد يجيب السّيّد عبده و الوالد ولده ثمّ لا يعطيه سؤله،فالإجابة كائنة لا محالة عند حصول الدّعوة،لمن قوله:أجيب و أستجيب خبر و الخبر لا يعترض عليه،لأنّه إذا نسخ صار المخبر كذّابا، و تعالى اللّه عن ذلك.و دليل هذا التّأويل:ما روى نافع عن ابن عمر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«من فتح له باب في الدّعاء فتحت له أبواب الاجابة»،و أوحى اللّه تعالى إلى داود صلّى اللّه عليه و سلّم:«قل للظّلمة لا تدعوني فإنّي أوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني،و إنّي إذا أجبت الظّالمين لعنتهم».

و قيل:إنّ اللّه يجيب دعاء المؤمن في الوقت،إلاّ أنّه يؤخّر إعطاء مراده ليدعوه فيسمع صوته.يدلّ عليه ما روى محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه،قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ العبد ليدعو اللّه و هو يحبّه، فيقول:يا جبرئيل:اقض لعبدي هذا حاجته و أخّرها، فإنّي أحبّ أن لا أزال أسمع صوته،و إنّ العبد ليدعو اللّه و هو يبغضه فيقول لجبريل:اقض لعبدي حاجته بإخلاصه و عجّلها فإنّي أكره أن أسمع صوته».

و بلغنا عن يحيى ذبيح اللّه أنّه قال:«سألت ربّ العزّة في المنام،فقلت:يا ربّ كم أدعوك فلا تستجيب لي؟فقال:يا يحيى إنّي أحبّ أن أسمع صوتك».

قال بعضهم:إنّ للدّعاء آدابا و شرائط هي أسباب الإجابة و نيل الأمنيّة،فمن راعاها و استكملها كان من أهل الإجابة،و من أغفلها و أخلّ بها فهو من أهل... (1)في الدّعاء.

و حكي إنّ إبراهيم بن أدهم قيل له:ما بالنا ندعوا اللّه فلا يستجيب لنا؟

قال:«لأنّكم عرفتم اللّه فلم تطيعوه،و عرفتم الرّسول فلم تتّبعوا سنّته،و عرفتم القرآن فلم تعملوا بما فيه،و أكلتم نعمة اللّه فلم تؤدّوا شكرها،و عرفتم الجنّة فلم تطلبوها،و عرفتم النّار فلم تهربوا منها، و عرفتم الشّيطان فلم تحاربوه و وافقتموه،و عرفتم الموت فلم تستعدّوا له،و دفنتم الأموات فلم تعتبروا بهم،و تركتم عيوبكم و اشتغلتم بعيوب النّاس».

(2:75)

الطّوسيّ: معناه:إن اقتضت المصلحة إجابته، و حسن ذلك،و لم تكن فيه مفسدة،فأمّا أن يكون قطعا لكلّ من يسأل فلا بدّ أن يجيبه.فلا.على أن الدّاعي لا يحسن منه السّؤال إلاّ بشرط ألاّ يكون في إجابتهة.

ص: 506


1- جاء في الهامش:كلمات غير مقروءة.

مفسدة،لا له،و لا لغيره،و إلاّ كان الدّعاء قبيحا.

و لا يجوز أن يقيّد الإجابة بالمشيئة بأن يقول:إن شئت، لأنّه يصير الوعد به لا فائدة فيه،فمن أجاز ذلك فقد أخطأ.

فإن قيل:إذا كان لا يجيب كلّ من دعا،فما معنى الآية؟

قلنا:معناه:أنّ من دعا على شرائط الحكمة الّتي قدّمناها،و اقتضت المصلحة إجابته،أجيب لا محالة، بان يقول:اللّهمّ افعل بي كذا إن لم يكن فيه مفسدة لي أو لغيري في الدّين أو دنيويّ.هذا في دعائه.

و في النّاس من قال:«إن اللّه وعد بإجابة الدّعاء منه عند مسألة المؤمنين دون الكفّار،و الفاسقين».

و المعتمد هو الأوّل.

فإن قيل:إذا كان ما تقتضيه الحكمة لا بدّ أن يفعل به،فلا معنى للدّعاء!

قلنا عنه:جوابان:

أحدهما:أنّ ذلك عبادة كسائر العبادات.و مثله قوله: رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ الأنبياء:112.

و الثّاني:إنّه لا يمتنع أن تقتضي المصلحة إجابته إذا دعا.و متى لم يدع لم تقتض الحكمة إجابته.

فإن قيل:هل يجوز أن تكون الإجابة غير ثواب؟ قلنا:فيه خلاف.

قال:أبو عليّ: لا يكون إلاّ ثوابا،لأنّ من أجابه اللّه،يستحقّ المدح في دين المسلمين،فلا يجوز أن يجيب كافرا،و لا فاسقا.و كان أبو بكر بن الأخشاد يخبر ذلك في العقل على وجه الاستصلاح له.و هذا الوجه أقرب إلى الصّواب.

و الدّعاء:طلب الطّالب للفعل من غيره.و يكون الدّعاء للّه على وجهين:

أحدهما:طلب في مخرج اللّفظ،و المعنى على التّعظيم و المدح،و التّوحيد:كقولك:يا اللّه لا إله إلاّ أنت،و قولك:ربّنا لك الحمد.

و الثّاني:الطّلب لأجل الغفران أو عاجل الإنعام، كقولك:اللّهمّ اغفر لي و ارحمنى،و ارزقني،و ما أشبه ذلك.(2:129)

نحوه الطّبرسيّ.(1:278)

القشيريّ: و قوله: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ تعريف و تخفيف،قدّم التّخفيف على التّكليف،و كأنّه قال:إذا دعوتني عبدي أجبتك،فأجبني أيضا إذا دعوتك،أنا لا أرضى بردّ دعائك فلا ترض عبدي بردّي من نفسك.

إجابتي لك بالخير تحملك عبدي على دعائي، و لا دعاؤك يحملني على إجابتك.(1:168)

البغويّ: قرأ أهل المدينة غير قالون و أبو عمرو بإثبات الياء فيهما [(الدّاع)و(دعان)] في الوصل، و الباقون بحذفها وصلا و وقفا،و كذلك اختلف القرّاء في إثبات الياءات المحذوفة من الخطّ و حذفها في التّلاوة،و أثبت يعقوب جميعها وصلا و وقفا،و اتّفقوا على إثبات ما هو مثبت في الخطّ وصلا و وقفا.[إلى أن قال نحو الثّعلبيّ](1:226)

نحوه الواحديّ.(1:283)

ابن عطيّة: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ أي فإنّي قريب بالإجابة و القدرة.و قال قوم:المعنى

ص: 507

أجيب إن شئت،و قال قوم:إن اللّه تعالى يجيب كلّ الدّعاء:فإمّا أن تظهر الإجابة في الدّنيا،و إمّا أن يكفّر عنه،و إمّا أن يدخّر له أجر في الآخرة،و هذا بحسب حديث الموطّأ:«ما من داع يدعو إلاّ كان بين إحدى ثلاث...».و هذا إذا كان الدّعاء على ما يجب دون اعتداء،فإنّ الاعتداء في الدّعاء ممنوع،قال اللّه تعالى:

اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ الأعراف:55،قال المفسّرون:أي في الدّعاء.

و الوصف بمجاب الدّعوة وصف بحسن النّظر و البعد عن الاعتداء،و التّوفيق من اللّه تعالى إلى الدّعاء في مقدور.

و انظر أنّ أفضل البشر المصطفى محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم قد دعا «أن لا يجعل بأس أمّته بينهم...»،فمنعها إذ كان القدر قد سبق بغير ذلك.(1:255)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قرأ أبو عمرو و قالون عن نافع (الدّاعى اذا) بإثبات الياء فيهما في الوصل،و الباقون بحذفها،فالأولى على الوصل،و الثّانية على التّخفيف.

المسألة الثّانية:[نقل كلام الخطّابيّ و أضاف:]

و حقيقة الدّعاء استدعاء العبد ربّه جلّ جلاله العناية،و استمداده إيّاه المعونة.

و أقول:اختلف النّاس في الدّعاء،فقال بعض الجهّال:الدّعاء شيء عديم الفائدة،و احتجّوا عليه من وجوه:

أحدها:أنّ المطلوب بالدّعاء إن كان معلوم الوقوع عند اللّه تعالى كان واجب الوقوع،فلا حاجة إلى الدّعاء،و إن كان غير معلوم الوقوع كان ممتنع الوقوع،فلا حاجة أيضا إلى الدّعاء.

و ثانيها:أنّ حدوث الحوادث في هذا العالم لا بدّ من انتهائها بالآخرة إلى المؤثّر القديم الواجب لذاته،و إلاّ لزم إمّا التّسلسل،و إمّا الدّور،و إمّا وقوع الحادث من غير مؤثّر،و كلّ ذلك محال.و إذا ثبت وجوب انتهائها بالآخرة إلى المؤثّر القديم،فكلّ ما اقتضى ذلك المؤثّر القديم وجوده اقتضاء قديما أزليّا،كان واجب الوقوع، و كلّ ما لم يقتض المؤثّر القديم وجوده اقتضاء قديما أزليّا،كان ممتنع الوقوع،و لمّا ثبتت هذه الأمور في الأزل لم يكن للدّعاء البتّة أثر.

و ربّما عبّروا عن هذا الكلام بأن قالوا:الأقدار سابقة و الأقضية متقدّمة و الدّعاء لا يزيد فيها و تركه لا ينقص شيئا منها،فأيّ فائدة في الدّعاء،و قال عليه الصّلاة و السّلام:«قدّر اللّه المقادير قبل أن يخلق الخلق بكذا و كذا عاما»،و روي عنه عليه الصّلاة و السّلام أنّه قال:«جفّ القلم بما هو كائن»و عنه عليه الصّلاة و السّلام أنّه قال:«أربع قد فرغ منها:العمر،و الرّزق، و الخلق،و الخلق».

و ثالثها:أنّه سبحانه علاّم الغيوب: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ المؤمن:19،فأيّ حاجة بالدّاعي إلى الدّعاء؟و لهذا السّبب قالوا:إنّ جبريل عليه السّلام بلغ بسبب هذا الكلام إلى أعلى درجات الإخلاص و العبوديّة،و لو لا أنّ ترك الدّعاء أفضل لما كان كذلك.

و رابعها:أنّ المطلوب بالدّعاء إن كان من مصالح

ص: 508

العبد،فالجواد المطلق لا يهمله و إن لم يكن من مصالحه لم يجز طلبه.

و خامسها:ثبت بشواهد العقل و الأحاديث الصّحيحة أنّ أجلّ مقامات الصّدّيقين و أعلاها الرّضا بقضاء اللّه تعالى،و الدّعاء ينافي ذلك،لأنّه اشتغال بالالتماس و ترجيح لمراد النّفس على مراد اللّه تعالى، و طلب لحصّة البشر.

و سادسها:أنّ الدّعاء يشبه الأمر و النّهي،و ذلك من العبد في حقّ المولى الكريم الرّحيم سوء أدب.

و سابعها:روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام قال رواية عن اللّه سبحانه و تعالى:«من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين»قالوا:

فثبت بهذه الوجوه أنّ الأولى ترك الدّعاء.

و قال الجمهور الأعظم من العقلاء:إنّ الدّعاء أهمّ مقامات العبوديّة،و يدلّ عليه وجوه من النّقل و العقل، أما الدّلائل النّقليّة فكثيرة:

الأوّل:أنّ اللّه تعالى ذكر السّؤال و الجواب في كتابه في عدّة مواضع،منها أصوليّة،و منها فروعيّة.أمّا الأصوليّة فقوله: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ الإسراء:

85، وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ طه:105، يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ النّازعات:42.و أمّا الفروعيّة فمنها في البقرة على التّوالي وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ البقرة:219،و يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ البقرة:217، يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ البقرة:219، وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى البقرة:220، وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ البقرة:222،و قال أيضا: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الأنفال:1، وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ الكهف:83 وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ يونس:53، يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ النّساء:

176.

إذا عرفت هذا:فنقول:هذه الأسئلة جاءت أجوبتها على ثلاثة أنواع،فالأغلب فيها أنّه تعالى لمّا حكى السّؤال قال لمحمّد:(قل)و في صورة واحدة جاء الجواب بقوله:(فقل)مع فاء التّعقيب،و السّبب فيه أنّ قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ سؤال عن قدمها و حدوثها،و هذه مسألة أصوليّة،فلا جرم قال اللّه تعالى: فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً طه:105، كأنّه قال:يا محمّد أجب عن هذا السّؤال في الحال، و لا تؤخّر الجواب،فإنّ الشّكّ فيه كفر،ثمّ تقدير الجواب أنّ النّسف ممكن في كلّ جزء من أجزاء الجبل، فيكون ممكنا في الكلّ،و جواز عدمه يدلّ على امتناع قدمه.أمّا سائر المسائل فهي فروعيّة،فلا جرم لم يذكر فيها فاء التّعقيب.

أمّا الصّورة الثّالثة و هي في هذه الآية قال: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ و لم يقل:فقل إنّي قريب،فتدلّ على تعظيم حال الدّعاء من وجوه:

الأوّل:كأنّه سبحانه و تعالى يقول:عبدي أنت إنّما تحتاج إلى الواسطة في غير وقت الدّعاء،أمّا في مقام الدّعاء فلا واسطة بيني و بينك.

الثّاني:أنّ قوله: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي يدلّ على أنّ العبد له و قوله: فَإِنِّي قَرِيبٌ يدلّ على أنّ

ص: 509

الرّبّ للعبد.

و ثالثها:لم يقل:فالعبد منّي قريب،بل قال:أنا منه قريب،و فيه سرّ نفيس،فإنّ العبد ممكن الوجود،فهو من حيث هو هو في مركز العدم و حضيض الفناء، فلا يمكنه القرب من الرّبّ،أمّا الحقّ سبحانه فهو القادر من أن يقرب بفضله و برحمته من العبد،و القرب من الحقّ إلى العبد لا من العبد إلاّ الحقّ،فلهذا قال: فَإِنِّي قَرِيبٌ.

و الرّابع:أنّ الدّاعي ما دام يبقى خاطره مشغولا بغير اللّه،فإنّه لا يكون داعيا له،فإذا فني عن الكلّ صار مستغرقا في معرفة الأحد الحقّ،فامتنع من أن يبقى في هذا المقام ملاحظا لحقّه و طالبا لنصيبه،فلمّا ارتفعت الوسائط بالكلّيّة،فلا جرم حصل القرب،فإنّه ما دام يبقى العبد ملتفتا إلى غرض نفسه لم يكن قريبا من اللّه تعالى،لأنّ ذلك الغرض يحجبه عن اللّه،فثبت أنّ الدّعاء يفيد القرب من اللّه،فكان الدّعاء أفضل العبادات.

الحجّة الثّانية في فضل الدّعاء:قوله تعالى: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60.

الحجّة الثّالثة:أنّه تعالى لم يقتصر في بيان فضل الدّعاء على الأمر به بل بيّن في آية أخرى أنّه إذا لم يسأل يغضب،فقال: فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَ لكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام:43،و قال عليه السّلام:«لا ينبغي أن يقول أحدكم:اللّهمّ اغفر لي إن شئت و لكن يجزم فيقول:اللّهمّ اغفر لي».و قال عليه السّلام:«الدّعاء مخّ العبادة».و عن النّعمان بن بشير أنّه عليه السّلام قال:

«الدّعاء هو العبادة»و قرأ وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60.فقوله:«الدّعاء هو العبادة»معناه أنّه معظم العبادة و أفضل العبادة، كقوله عليه السّلام:«الحجّ عرفة»أي الوقوف بعرفة هو الرّكن الأعظم.

الحجّة الرّابعة:قوله تعالى: اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً الأعراف:55،و قال: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ الفرقان:77،و الآيات كثيرة في هذا الباب،فمن أبطل الدّعاء فقد أنكر القرآن.

و الجواب عن الشّبهة الأولى:أنّها متناقضة،لأنّ إقدام الإنسان على الدّعاء إن كان معلوم الوقوع، فلا فائدة في اشتغالكم بإبطال الدّعاء،و إن كان معلوم العدم لم يكن إلى إنكاركم حاجة.ثمّ نقول:كيفيّة علم اللّه تعالى و كيفيّة قضائه و قدره غائبة عن العقول، و الحكمة الإلهيّة تقتضي أن يكون العبد معلّقا بين الرّجاء و بين الخوف اللّذين بهما تتمّ العبوديّة.و بهذا الطّريق صحّحنا القول بالتّكاليف مع الاعتراف بإحاطة علم اللّه بالكلّ و جريان قضائه و قدره في الكلّ،و لهذا الإشكال سألت الصّحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقالوا:«أ رأيت أعمالنا هذه أ شيء قد فرغ منه أم أمر يستأنفه؟فقال:بل شيء قد فرغ منه».

فقالوا:ففيم العمل إذن؟قال:«اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له».فانظر إلى لطائف هذا الحديث،فإنّه عليه السّلام علّقهم بين الأمرين:فرهّبهم سابق القدر المفروغ منه، ثمّ ألزمهم العمل الّذي هو مدرجة التّعبّد،فلم يعطّل

ص: 510

ظاهر العمل بما يفيد من القضاء و القدر،و لم يترك أحد الأمرين للآخر،و أخبر أنّ فائدة العمل هو المقدّر المفروغ منه،فقال:«كلّ ميسّر لما خلق له»يريد أنّه ميسّر في أيّام حياته للعمل الّذي سبق له القدر قبل وجوده،إلاّ أنّك تحبّ أن تعلم هاهنا فرق ما بين الميسّر و المسخّر،فتأهّب لمعرفته فإنّه بمنزلة مسألة القضاء و القدر،و كذا القول في باب الكسب و الرّزق،فإنّه مفروغ منه في الأصل لا يزيده الطّلب و لا ينقصه التّرك.

و الجواب عن الشّبهة الثّانية:أنّه ليس المقصود من الدّعاء الإعلام،بل إظهار العبوديّة و الذّلّة و الانكسار و الرّجوع إلى اللّه بالكلّيّة.

و عن الثّالثة:أنّه يجوز أن يصير ما ليس بمصلحة مصلحة،بحسب سبق الدّعاء.

و عن الرّابعة:أنّه إذا كان مقصوده من الدّعاء إظهار الذّلّة و المسكنة،ثمّ بعد رضى بما قدّره اللّه و قضاه،فذلك من أعظم المقامات،و هذا هو الجواب عن بقيّة الشّبه في هذا الباب.

المسألة الثّالثة:في الآية سؤال مشكل مشهور و هو أنّه تعالى قال: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:

60،و قال في هذه الآية: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ و كذلك: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ النّمل:62،ثمّ إنّا نرى الدّاعي يبالغ في الدّعاء و التّضرّع فلا يجاب.

و الجواب:أنّ هذه الآية و إن كانت مطلقة إلاّ أنّه قد وردت آية أخرى مقيّدة،و هو قوله تعالى: بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ الأنعام:41، و لا شكّ أنّ المطلق محمول على المقيّد،ثمّ تقرير المعنى فيه وجوه:

أحدها:أنّ الدّاعي لا بدّ و أن يجد من دعائه عوضا،إمّا إسعافا بطلبته الّتي لأجلها دعا،و ذلك إذا وافق القضاء،فإذا لم يساعده القضاء فإنّه يعطي سكينة في نفسه،و انشراحا في صدره،و صبرا يسهّل معه احتمال البلاء الحاضر،و على كلّ حال فلا يعدم فائدة،و هو نوع من الاستجابة.

و ثانيها:ما روى القفّال في تفسيره عن أبي سعيد الخدريّ،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«دعوة المسلم لا تردّ إلاّ لإحدى ثلاثة:ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم:

إمّا أن يعجّل له في الدّنيا،و إمّا أن يدّخر له في الآخرة، و إمّا أن يصرف عنه من السّوء بقدر ما دعا».

و هذا الخبر تمام البيان في الكشف عن هذا السّؤال،لأنّه تعالى قال: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ و لم يقل:أستجب لكم في الحال،فإذا استجاب له و لو في الآخرة كان الوعد صدقا.

و ثالثها:أنّ قوله: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ يقتضي أن يكون الدّاعي عارفا بربّه و إلاّ لم يكن داعيا له،بل لشيء متخيّل لا وجود له البتّة،فثبت أنّ الشّرط الدّاعي أن يكون عارفا بربّه و من صفات الرّبّ سبحانه أن لا يفعل إلاّ ما وافق قضاءه و قدره و علمه و حكمته.فإذا علم أنّ صفة الرّبّ هكذا استحال منه أن يقول بقلبه و بعقله:يا ربّ افعل الفعل الفلانيّ لا محالة،بل لا بدّ و أن يقول:افعل هذا الفعل إن

ص: 511

كان موافقا لقضائك و قدرك و حكمتك،و عند هذا يصير الدّعاء الّذي دلّت الآية على ترتيب الإجابة عليه مشروطا بهذه الشّرائط،و على هذا التّقدير زال السّؤال.

الرّابع:أنّ لفظ الدّعاء و الإجابة يحتمل وجوها كثيرة:

أحدها:أن يكون الدّعاء عبارة عن التّوحيد و الثّناء على اللّه،كقول العبد:«يا اللّه الّذي لا إله إلاّ أنت»و هذا إنّما سمّي دعاء لأنّك عرفت اللّه تعالى ثمّ وحّدته و أثنيت عليه،فهذا يسمّى دعاء بهذا التّأويل، و لمّا سمّي هذا المعنى دعاء،سمّي قبوله إجابة، لتجانس اللّفظ،و مثله كثير.

و قال ابن الأنباريّ: (اجيب)هاهنا بمعنى «أسمع»لأنّ بين السّماع و بين الإجابة نوع ملازمة، فلهذا السّبب يقام كلّ واحد منهما مقام الآخر، فقولنا:«سمع اللّه لمن حمده»أي أجاب اللّه،فكذا هاهنا قوله: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ أي أسمع تلك الدّعوة، فإذا حملنا قوله تعالى: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:

60،على هذا الوجه زال الإشكال.

و ثانيها:أن يكون المراد من الدّعاء:التّوبة عن الذّنوب؛و ذلك لأنّ التّائب يدعو اللّه تعالى عند التّوبة، و إجابة الدّعاء بهذا التّفسير عبارة عن قبول التّوبة، و على هذا الوجه أيضا لا إشكال.

و ثالثها:أن يكون المراد من الدّعاء:العبادة.قال عليه الصّلاة و السّلام:«الدّعاء هو العبادة»و ممّا يدلّ عليه قوله تعالى: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60،فظهر أنّ الدّعاء هاهنا هو العبادة،و إذا ثبت هذا،فإجابة اللّه تعالى للدّعاء بهذا التّفسير عبارة عن الوفاء بما ضمن للمطيعين من الثّواب،كما قال: وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ الشّورى:26، و على هذا الوجه الإشكال زائل.

و رابعها:أن يفسّر الدّعاء بطلب العبد من ربّه حوائجه،فالسّؤال المذكور إن كان متوجّها على هذا التّفسير لم يكن متوجّها على التّفسيرات الثّلاثة المتقدّمة،فثبت أنّ الإشكال زائل.

المسألة الرّابعة:قالت المعتزلة: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ مختصّ بالمؤمنين اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ الأنعام:82،و ذلك لأنّ وصفنا الإنسان بأنّ اللّه تعالى قد أجاب دعوته،صفة مدح و تعظيم.أ لا ترى أنّا إذا أردنا المبالغة في تعظيم حال إنسان في الدّين قلنا:إنّه مستجاب الدّعوة،و إذا كان هذا من أعظم المناصب في الدّين،و الفاسق واجب الإهانة في الدّين،ثبت أنّ هذا الوصف لا يثبت إلاّ لمن لا يتلوّث إيمانه بالفسق،بل الفاسق قد يفعل اللّه ما يطلبه،إلاّ أنّ ذلك لا يسمّى إجابة الدّعوة.(5:106)

نحوه الخازن(1:134)،و الشّربينيّ(1:122).

القرطبيّ: أي أقبل عبادة من عبدني،فالدّعاء بمعنى العبادة،و الإجابة بمعنى القبول.دليله ما رواه أبو داود عن النّعمان بن بشير عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:

«الدّعاء هو العبادة»قال ربّكم اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» ،فسمّي الدّعاء عبادة،و منه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60،أي دعائي.فأمر تعالى بالدّعاء،و حضّ عليه و سمّاه عبادة،و وعد بأن يستجيب لهم.

ص: 512

«الدّعاء هو العبادة»قال ربّكم اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» ،فسمّي الدّعاء عبادة،و منه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60،أي دعائي.فأمر تعالى بالدّعاء،و حضّ عليه و سمّاه عبادة،و وعد بأن يستجيب لهم.

روى ليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصّامت،قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:«أعطيت أمّتي ثلاثا لم تعط إلاّ الأنبياء:كان اللّه إذا بعث نبيّا قال:

ادعني أستجب لك،و قال لهذه الأمّة: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، و كان اللّه إذا بعث النّبيّ قال له:ما جعل عليكم في الدّين من حرج،و قال لهذه الأمّة: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78،و كان اللّه إذا بعث النّبيّ جعله شهيدا على قومه و جعل هذه الأمّة شهداء على النّاس».

و كان خالد الرّبعيّ يقول:عجبت لهذه الأمّة في اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60،أمرهم بالدّعاء و وعدهم بالإجابة،و ليس بينهما شرط.قال له قائل:

مثل ما ذا؟قال:مثل قوله: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ البقرة:25،فها هنا شرط، و قوله: وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ يونس:2،فليس فيه شرط العمل،و مثل قوله:

فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ المؤمن:14،فها هنا شرط،و قوله: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60، ليس فيه شرط.و كانت الأمم تفزع إلى أنبيائها في حوائجهم حتّى تسأل الأنبياء لهم ذلك.

فإن قيل:فما للدّاعي قد يدعو فلا يجاب؟

فالجواب:أن يعلم أنّ قوله الحق في الآيتين أُجِيبُ أَسْتَجِبْ لا يقتضي الاستجابة مطلقا لكلّ داع على التّفصيل،و لا بكلّ مطلوب على التّفصيل،فقد قال ربّنا تبارك و تعالى في آية أخرى:

اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً... الأعراف:55، و كلّ مصرّ على كبيرة عالما بها أو جاهلا فهو معتد، و قد أخبر أنّه لا يحبّ المعتدين،فكيف يستجيب له.

و أنواع الاعتداء كثيرة،يأتي بيانه هنا و في الأعراف إن شاء اللّه تعالى.[ثمّ أدام الكلام نحو ما تقدّم عن الثّعلبيّ و الفخر و بحث في موانع استجابة الدّعاء](2:308)

أبو حيّان و ظاهر قوله: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ عموم الدّعوات؛إذ لا يريد دعوة واحدة،و الهاء في دَعْوَةَ هنا ليست للمرّة،و إنّما المصدر هنا بني على «فعلة»نحو رحمة،و الظّاهر عموم الدّاعي لأنّه لا يدلّ على داع مخصوص،لأنّ الألف و اللاّم فيه ليست للعهد،و إنّما هي للعموم.و الظّاهر تقييد الإجابة بوقت الدّعاء،و المعنى على هذا الظّاهر:أنّ اللّه تعالى يعطي من سأله ما سأله.و ذكروا قيودا في هذا الكلام،و تخصيصات.[ثمّ أدام الكلام نحو ما تقدّم عن الثّعلبيّ و الفخر الرّازيّ في عدم استجابة بعض الدّعوات و أضاف:]

و قال قوم ممّن يقول فيهم بعض النّاس،إنّهم علماء الحقيقة:يستحبّ الدّعاء فيما يتعلّق بأمور الآخرة،و أمّا ما يتعلّق بأمور الدّنيا فاللّه متكفّل، فلا حاجة إليها.

و قال قوم منهم:إن كان في حالة الدّعاء أصلح،

ص: 513

و قلبه أطيب،و سرّه أصفى،و نفسه أزكى،فليدع،و إن كان في التّرك أصلح فالإمساك عن الدّعاء أولى به.

و قال قوم منهم:ترك الدّعاء في كلّ حال أصلح لما فيه من الثّقة باللّه،و عدم الاعتراض،و لأنّه اختيار، و العارف ليس له اختيار.

و قال قوم منهم:ترك الذّنوب هو الدّعاء،لأنّه إذا تركها تولّى اللّه أمره و أصلح شأنه،قال تعالى: وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ. و قد تؤوّلت الإجابة و الدّعاء هنا على وجوه:

أحدها:أن يكون الدّعاء عبارة عن التّوحيد و الثّناء على اللّه،لأنّك دعوته و وجدته،و الإجابة عبارة عن القبول،لمّا سمّي التّوحيد دعاء سمّي القبول إجابة،لتجانس اللّفظ.

الوجه الثّاني:أنّ الإجابة هو السّماع،فكأنّه قال:

أسمع.

الوجه الثّالث:أنّ الدّعاء هو التّوبة عن الذّنوب، لأنّ التّائب يدعو اللّه عند التّوبة،و الإجابة قبول التّوبة.

الوجه الرّابع:أن يكون الدّعاء هو العبادة،و في الحديث:«الدّعاء العبادة»قال تعالى: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، ثمّ قال: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي المؤمن:60.و الإجابة عبارة عن الوفاء بما ضمن للمطيعين من الثّواب.

الوجه الخامس:الإجابة أعمّ من أن يكون بإعطاء المسئول و بمنعه،فالمعنى:إنّي أختار له خير الأمرين من العطاء و الرّدّ.و كلّ هذه التّفاسير خلاف الظّاهر.(2:46)

البروسويّ: اعلم أنّ عدم الدّعاء بكشف الضّرّ مذموم عند أهل الشّريعة و الطّريقة،لأنّه كالمقاومة مع اللّه و دعوى التّحمّل لمشاقّه،و في المثنويّ:

تا فرود آيد بلايى دافعي

چون نباشد از تضرّع شافعي

فالتّسبّب واجب للعوامّ و المبتدئين في السّلوك، و التّوكّل أفضل للمتوسّطين.و أمّا الكاملون فليس يمكن حصر أحوالهم،فالتّوكّل و التّسبّب عندهم سيّان.

روي أنّ إبراهيم الخليل عليه السّلام لمّا ألقي في النّار لقيه جبريل في الهواء،فقال:أ لك حاجة؟فقال:أمّا إليك فلا.فقال:فاسأل اللّه الخلاص؟فقال عليه السّلام:«حسبي من سؤاله علمه بحالي».و هذا مقام أهل الحقيقة من المكمّلين الفانين عن الوجود و ما يتعلّق به،و الباقين بالرّبّ في كلّ حال،فأين أنت من هذا-فأسأل اللّه عفوه و مغفرته-و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يكلّم النّاس بقدر مراتبهم،و لذا قال لأعرابيّ أرسل إبلا له توكّلا عليه تعالى«أعقلها و توكّل على اللّه»أمر بعقل الدّابّة، لأنّه أراد بالتّوكّل:التّحرّز عن الفوات،و حثّ بعضهم على التّوكّل كتوكّل الطّير؛و ذلك إذا لم يسكن إلى سابق القضاء

ثمّ إجابة الدّعاء وعد صدق من اللّه لا خلف فيه، و من دعا بحاجة فلم تقض للحال،فذلك لوجوه:[ثمّ أدام الكلام نحو الثّعلبيّ و الفخر الرّازيّ].(1:297)

الآلوسيّ: إِذا دَعانِ دليل للقرب و تقرير له، فالقطع لكمال الاتّصال،و فيه وعد الدّاعي بالإجابة

ص: 514

في الجملة على ما تشير إليه كلمة(اذا)لا كلّيّا، فلا حاجة إلى التّقييد بالمشيئة المؤذن به قوله تعالى في آية أخرى: فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ و لا إلى أنّ القول بأنّ إجابة الدّعوة غير قضاء الحاجة، لأنّها قوله سبحانه و تعالى:«لبّيك يا عبدي»و هو موعود موجود لكلّ مؤمن يدعو،و لا إلى تخصيص الدّعوة بما ليس فيها إثم و لا قطيعة رحم،أو الدّاعي بالمطيع المخبت.نعم كونه كذلك أرجى للإجابة، لا سيّما في الأزمنة المخصوصة و الأمكنة المعلومة الكيفيّة المشهورة،و مع هذا قد تتخلّف الإجابة مطلقا، و قد تتخلّف إلى بدل.[ثمّ ذكر حديث أبي سعيد الخدريّ المتقدّم](2:63)

المراغيّ: قرب اللّه من عباده:إحاطة علمه بكلّ شيء،فهو يسمع أقوالهم و يرى أعمالهم،أي ذكّر أيّها الرّسول عبادي بما يجب أن يراعوه في هذه العبادة، و غيرها من الطّاعة و الإخلاص،و التّوجّه إليّ وحدي بالدّعاء،و أخبرهم بأنّي قريب منهم ليس بيني و بينهم حجاب،و لا وليّ و لا شفيع يبلّغني دعاءهم و عبادتهم،أو يشاركني في إجابتهم و إثابتهم.

و أجيب دعوة من يدعوني بلا وساطة أحد إذا هو توجّه إليّ وحدي في طلب حاجته،لأنّني أنا الّذي خلقته و أعلم ما توسوس به نفسه،و العارف بالشّريعة و بسنن اللّه في خلقه،لا يقصد بدعائه إلاّ هدايته إلى الأسباب الّتي توصله إلى تحصيل رغباته و نيل مقاصده.

فهو إذا سأل اللّه أن يزيد في رزقه،فهو لا يقصد أن تمطر له السّماء ذهبا و فضّة،و إذا سأله شفاء مريضه الّذي أعياه علاجه،فإنّه لا يريد أن يخرق العادات،بل يريد توفيقه إلى العلاج الّذي يكون سبب الشّفاء، و من ترك السّعي و الكسب و طلب أن يؤتى مالا،فهو غير داع بل جاهل،و كذا المريض الّذي لا يراعي الحمية و لا يتّخذ الدّواء و يطلب الشّفاء و العافية،لأنّ مثل هذين يطلبان إبطال السّنن الّتي سنّها اللّه في الخليقة.

و الدّعاء المطلوب هو الدّعاء بالقول مع التّوجّه إلى اللّه بالقلب،و ذلك أثر الشّعور بالحاجة إليه، و المذكّر بعظمته و جلاله،و من ثمّ سمّاه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«مخّ العبادة»و إجابة الدّعاء:تقبّله ممّن أخلص له و فزع إليه،سواء وصل إليه ما طلبه في ظاهر الأمر،أم لم يصل.(2:75)

نحوه رشيد رضا.(2:169)

ابن عاشور :و حذفت ياء المتكلّم من قوله:

(دعان)في قراءة نافع و أبي عمرو و حمزة و الكسائيّ،لأنّ حذفها في الوقف لغة جمهور العرب عدا أهل الحجاز،و لا تحذف عندهم في الوصل،لأنّ الأصل عدمه،و لأنّ الرّسم يبنى على حال الوقف.

و أثبت الياء ابن كثير و هشام و يعقوب في الوصل و الوقف،و قرأ ابن ذكوان و عاصم بحذف الياء في الوصل و الوقف،و هي لغة هذيل.و قد تقدّم أنّ الكلمة لو وقعت فاصلة لكان الحذف متّفقا عليه في قوله تعالى: وَ إِيّايَ فَارْهَبُونِ البقرة:40،في هذه السّورة.

ص: 515

و في هذه الآية إيماء إلى أنّ الصّائم مرجوّ الإجابة، و إلى أنّ شهر رمضان مرجوّة دعواته،و إلى مشروعيّة الدّعاء عند انتهاء كلّ يوم من رمضان.

و الآية دلّت على أنّ إجابة دعاء الدّاعي تفضّل من اللّه على عباده،غير أنّ ذلك لا يقتضي التزام إجابة الدّعوة من كلّ أحد و في كلّ زمان،لأنّ الخبر لا يقتضي العموم،و لا يقال:إنّه وقع في حيّز الشّرط فيفيد التّلازم،لأنّ الشّرط هنا ربط الجواب بالسّؤال و ليس ربط للدّعاء بالإجابة،لأنّه لم يقل:إن دعوني أجبتهم.(2:177)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي أحسن بيان لما اشتمل عليه من المضمون و أرقّ أسلوب و أجمله فقد وضع أساسه على التّكلّم وحده دون الغيبة و نحوها،و فيه دلالة على كمال العناية، بالأمر،ثمّ قوله: عِبادِي، و لم يقل:النّاس و ما أشبهه يزيد في هذه العناية،ثمّ حذف الواسطة في الجواب حيث قال: فَإِنِّي قَرِيبٌ و لم يقل:«فقل إنّه قريب» ثمّ التأكيد ب(ان)ثمّ الإتيان بالصّفة دون الفعل الدّالّ على القرب ليدلّ على ثبوت القرب و دوامه،ثمّ الدّلالة على تجدّد الإجابة و استمرارها حيث أتى بالفعل المضارع الدّالّ عليهما،ثمّ تقييده الجواب،أعني قوله: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ بقوله: إِذا دَعانِ، و هذا القيد لا يزيد على قوله: دَعْوَةَ الدّاعِ المقيّد به شيئا بل هو عينه،و فيه دلالة على أنّ دَعْوَةَ الدّاعِ مجابة من غير شرط و قيد،كقوله تعالى:

اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60.فهذه سبع نكات في الآية تنبئ بالاهتمام في أمر استجابة الدّعاء و العناية بها،مع كون الآية قد كرّر فيها على إيجازها ضمير المتكلّم سبع مرّات،و هي الآية الوحيدة في القرآن على هذا الوصف.

و الدّعاء و الدّعوة توجيه نظر المدعوّ نحو الدّاعي، و السّؤال جلب فائدة أو درّ من المسئول يرفع به حاجة السّائل بعد توجيه نظره،فالسّؤال بمنزلة الغاية من الدّعاء،و هو المعنى الجامع لجميع موارد السّؤال، كالسّؤال لرفع الجهل،و السّؤال بمعنى الحساب، و السّؤال بمعنى الاستدرار و غيره.[ثمّ أدام الكلام في معنى العبوديّة و قال:]

فقد تبيّن أنّ قوله تعالى: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي... كما يشتمل على الحكم-أعني إجابة الدّعاء-كذلك يشتمل على علله،فكون الدّاعين عبادا للّه تعالى،هو الموجب لقربه منهم،و قربه منهم هو الموجب لإجابته المطلقة لدعائهم.و إطلاق الإجابة يستلزم إطلاق الدّعاء،فكلّ دعاء دعي به فإنّه مجيبه.

إلاّ أنّ هاهنا أمرا،و هو أنّه تعالى قيّد قوله:

أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ بقوله إِذا دَعانِ، و هذا القيد غير الزّائد على نفس المقيّد بشيء،يدلّ على اشتراط الحقيقة دون التّجوّز و الشّبه،فإنّ قولنا:اصغ إلى قول النّاصح إذا نصحك،أو أكرم العالم إذا كان عالما يدلّ على لزوم اتّصافه بما يقتضيه حقيقة،فالنّاصح إذا قصد النّصح بقوله،فهو الّذي يجب الإصغاء إلى قوله.

و العالم إذا تحقّق بعلمه و عمل بما علم،كان هو الّذي يجب إكرامه،فقوله تعالى: إِذا دَعانِ يدلّ على أنّ

ص: 516

وعد الإجابة المطلقة،إنّما هو إذا كان الدّاعي داعيا بحسب الحقيقة،مريدا بحسب العلم الفطريّ و الغريزيّ مواطئا لسانه قلبه.

فإنّ حقيقة الدّعاء و السّؤال هو الّذي يحمله القلب و يدعو به لسان الفطرة،دون ما يأتي به اللّسان الّذي يدور كيفما أدير صدقا أو كذبا،جدّا أو هزلا، حقيقة أو مجازا،و لذلك ترى أنّه تعالى عدّ ما لا عمل للسان فيه سؤالا،قال تعالى: وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ إبراهيم:34،فهم فيما لا يحصونها من النّعم داعون سائلون و لم يسألوها بلسانهم الظّاهر،بل بلسان فقرهم و استحقاقهم لسانا فطريّا وجوديّا، و قال تعالى: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ الرّحمن:29،و دلالته على ما ذكرنا أظهر و أوضح.

فالسّؤال الفطريّ من اللّه سبحانه لا يتخطّى الإجابة،فما لا يستجاب من الدّعاء و لا يصادف الإجابة فقد فقد أحد أمرين،و هما اللّذان ذكرهما بقوله: دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ.

فإمّا أن يكون لم يتحقّق هناك دعاء،و إنّما التبس الأمر على الدّاعي التباسا كان يدعو الإنسان فيسأل ما لا يكون و هو جاهل بذلك،أو ما لا يريده لو انكشف عليه حقيقة الأمر،مثل أن يدعو و يسأل شفاء المريض لا إحياء الميّت،و لو كان استمكنه و دعا بحياته،كما كان يسأله الأنبياء لأعيدت حياته و لكنّه على يأس من ذلك،أو يسأل ما لو علم بحقيقته لم يسأله فلا يستجاب له فيه.

و إمّا أن السّؤال متحقّق لكن لا من اللّه وحده، كمن يسأل اللّه حاجة من حوائجه،و قلبه متعلّق بالأسباب العاديّة أو بأمور وهميّة توهّمها،كافية في أمره أو مؤثّرة في شأنه،فلم يخلص الدّعاء للّه سبحانه فلم يسأل اللّه بالحقيقة،فإنّ اللّه الّذي يجيب الدّعوات هو الّذي لا شريك له في أمره،لا من يعمل بشركة الأسباب و الأوهام،فهاتان الطّائفتان من الدّعاة السّائلين لم يخلصوا الدّعاء بالقلب و إن أخلصوه بلسانهم.

فهذا ملخّص القول في الدّعاء على ما تفيده الآية، و به يظهر معاني سائر الآيات النّازلة في هذا الباب، كقوله تعالى: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ الفرقان:77،و قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السّاعَةُ أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ الأنعام:40،41،و قوله تعالى: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ* قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ الأنعام:63،64.

فالآيات دالّة على أنّ للإنسان دعاء غريزيّا و سؤالا فطريّا يسأل به ربّه،غير أنّه إذا كان في رخاء و رفاه تعلّقت نفسه بالأسباب فأشركها لربّه،فالتبس عليه الأمر و زعم أنّه لا يدعو ربّه و لا يسأل عنه،مع أنّه لا يسأل غيره،فإنّه على الفطرة و لا تبديل لخلق

ص: 517

اللّه تعالى،و لمّا وقع الشّدّة و طارت الأسباب عن تأثيرها و فقدت الشّركاء و الشّفعاء،تبيّن له أن لا منجح لحاجته و لا مجيب لمسألته إلاّ اللّه،فعاد إلى توحيده الفطريّ،و نسي كلّ سبب من الأسباب، و وجّه وجهه نحو الرّبّ الكريم،فكشف شدّته و قضى حاجته و أظلّه بالرّخاء،ثمّ إذا تلبّس به ثانيا عاد إلى ما كان عليه أوّلا من الشّرك و النّسيان.

و كقوله تعالى: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60،و الآية تدعو إلى الدّعاء و تعد بالإجابة،و تزيد على ذلك حيث تسمّي الدّعاء عبادة بقوله: عَنْ عِبادَتِي أي عن دعائي،بل تجعل مطلق العبادة دعاء؛حيث إنّها تشتمل الوعيد على ترك الدّعاء بالنّار،و الوعيد بالنّار إنّما هو على ترك العبادة رأسا لا على ترك بعض أقسامه دون بعض، فأصل العبادة:دعاء،فافهم ذلك.

و بذلك يظهر معنى آيات أخر من هذا الباب، كقوله تعالى: فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ المؤمن:14،و قوله تعالى: وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:56، و قوله تعالى: وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ الأنبياء:90،و قوله تعالى: اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ الأعراف:55، و قوله تعالى: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا إلى قوله:

وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا مريم:3،4،و قوله تعالى: وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ الشّورى:26،إلى غير ذلك من الآيات المناسبة،و هي تشتمل على أركان الدّعاء و آداب الدّاعي،و عمدتها الإخلاص في دعائه تعالى، و هو مواطأة القلب اللّسان،و الانقطاع عن كلّ سبب دون اللّه،و التّعلّق به تعالى،و يلحق به الخوف و الطّمع و الرّغبة و الرّهبة و الخشوع و التّضرّع و الإصرار و الذّكر و صالح العمل و الإيمان و أدب الحضور،و غير ذلك ممّا تشتمل عليه الرّوايات.(2:30)

المصطفويّ: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:186، وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60، وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الأعراف:29،ففي هذه الجملات إشارات:

1-إنّي قريب فلا يتصوّر بعده عن الدّاعي حتّى يتردّد في إجابة دعوته.

2-(اجيب)قد عبّر بصيغة المضارع الدّالّ على الاستمرار،و بصيغة المتكلّم الدّالّ على تأكيد في القول.

3-(دعوة)قلنا:إنّ هذه الصّيغة تدلّ على دعاء مخصوص معيّن.

4-(دعوة الداع)أي الدّعوة الّتى يتحقّق من الدّاعي بعنوان أنّه داع و متّصف به حقيقة.

5-(اذا دعان)تأكيد لمقام الدّعاء،و إشارة الى حصول الفعليّة في الدّعوة.

6-(دعان)(ادعونى)ذكر ياء المتكلّم يدلّ على إسقاط العناوين،و التّوجّه الخالص إليه تعالى، و الانقطاع الكامل عمّن سواه.(مخلصين له)اشارة

ص: 518

الى تحقّق الإخلاص،و لزومه في مقام الدّعوة.

و لا يخفى أنّ التّوجّه التّامّ إليه تعالى و الخلوص في الدّعوة،يلازم كون الدّعوة موافقا للتّكوين و التّشريع اللّذين هما مظهرا إرادته و نظاما مشيئته في أرضه و سمائه و تجلّيا حكمه في خلقه.و أيضا أنّ الدّعوة لازم أن لا يكون خلاف مسيره في حياته،و مناقض جريان أعماله و حركاته و سكناته،بأن يدعو أمرا و يعمل بخلافه،أو يكون برنامج حياته و جريان أعماله و أفعاله مناقضا له.

هذه شرائط الدّعوة شرعيّة و عقليّة،فمن راعاها و أتى بالدّعوة مع هذه الشّرائط،فقد استجيبت له اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..

وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ الرّعد:14، وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ الإسراء:11، إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ العنكبوت:42، ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ الزّمر:8، اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ الأعراف:55.

فيستفاد منها أنّ الدعاء في هذه الموارد غير منتجة:

1-إذا كان مسير فكره و عقيدته خلاف التّكوين.

2-إذا كان جاهلا بصلاحه و خيره و دعا ما هو شرّ عليه.

3-إذا كان باطن دعوته و سريرته مخالفا لظاهره، و كان دعاؤه و منظوره أمرا آخر.

4-إذا كان دعاؤه في حال الحاجة و الفقر،و إذا خوّله نعمة نسى دعاءه.

5-إذا كان الدّعاء قرينا بالاعتداء،و خلاف التّضرّع و الخفية.

هذا إجمال ما يستفاد من الآيات الكريمة في شرائط الدّعاء.(3:217)

فضل اللّه : أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ من كلّ عمق الإخلاص في قلبه،و صدق المسألة في لسانه، و حقيقة الإحساس بالفقر و الحاجة في روحه،و خفقة الإحساس في شعوره،و رقّة الدّموع في عينيه، و رعشة الخشوع في كيانه،إنّه الدّعاء الّذي ينبع من وجود الذّات في إنسانيّتها المؤمنة بخالقها،المنفتحة عليه،المستغيثة به،المستجيرة بقدرته،الرّاجعة إليه في كلّ أمورها،من دون وسيط،بل هو العبد بين يدي ربّه.

و إذا عاش الإنسان هذا الرّوح الإلهيّ في الدّعاء، كانت الإجابة قريبة منه لطفا به و رحمة له.و قد يؤخّر اللّه الإجابة لمصلحته،لأنّ المسألة الّتي أرادها لم تتوفّر عناصر وجودها في هذا الوقت،من خلال الظّروف الخاصّة أو العامّة،أو لم تكن له المصلحة في الإجابة الآن،و قد لا تتحقّق الإجابة أصلا،لأنّ مضمون الدّعاء لم يكن مرضيّا عند اللّه لاشتماله على طلب حرام،أو ترك واجب،أو مضرّة إنسان لا يستحقّ إيقاع الضّرر به،أو لتعلّقه ببعض الأمور الّتي لا تتناسب مع حركة النّظام الكونيّ أو الاجتماعيّ العامّ،و نحو ذلك.

فإنّ مسألة الإجابة ليست مطلقة من خلال رغبة الإنسان و مزاجه،بل من خلال مصلحته،لأنّ الآية واردة-على الظّاهر-في التّدليل على استجابة اللّه لدعاء الدّاعي من حيث المبدإ،في مقابل عدم

ص: 519

الاستجابة له مطلقا،كما قد يحدث في بعض النّاس الّذين لا يستجيبون للطّلبات المقدّمة إليهم تكبّرا و ترفّعا و تجبّرا على الطّالبين،لتبيّن بأنّ اللّه يستجيب للدّاعين دعاءهم من موقع قربه إليهم،و إلى ما يصلح أمرهم و يحقّق لهم غاياتهم،مع عدم وجود مانع ذاتيّ في متعلّق الدّعاء للإنسان أو لغيره من النّاس،أو للحياة من حوله.

و قد ورد أنّ من شروط استجابة الدّعاء الإقبال على اللّه بقلبه؛بحيث ينفتح على اللّه بوعي الكلمة و الموقف بين يديه،فلا يستجيب دعاء اللاّهيّ الغافل الّذي يتحوّل الدّعاء عنده إلى كلمات لا عمق لها في القلب.فقد جاء في حديث الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام عن سليمان بن عمرو،قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام:«إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه،فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن الإجابة».

و جاء في بعض الأحاديث أنّ صاحب اللّسان البذيء،و القلب العاتي الجبّار،و النّيّة غير الصّادقة، لا يستجاب دعاؤه.فقد روي عن الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام قال:كان في بني إسرائيل رجل،فدعا اللّه أن يرزقه غلاما ثلاث سنين.فلمّا رأى أنّ اللّه لا يجيبه، قال:يا ربّ أ بعيد أنا منك فلا تسمعني،أم قريب أنت منّي فلا تجيبني؟قال:فأتاه آت في منامه،فقال:إنّك تدعو اللّه عزّ و جلّ منذ ثلاث سنين بلسان بذيء، و قلب عات غير تقيّ،و نيّة غير صادقة،فاقلع عن بذائك،و ليتّق اللّه قلبك،و لتحسن نيّتك.فقال:ففعل الرّجل ذلك،ثمّ دعا اللّه فولد له غلام.

و لعلّ لبذاءة اللّسان في ألفاظه،و قسوة القلب في أحاسيسه،دور في إبعاد الإنسان عن اللّه؛بحيث لا يعيش روحيّة الدّعاء في موقفه البعيد عن خطّ التّقوى.

و في وصيّة الإمام عليّ عليه السّلام لولده الحسن عليه السّلام كما في نهج البلاغة،قال:«ثمّ جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته،فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته،و استمطرت شآبيب رحمته،فلا يقنّطنّك إبطاء إجابته،فإنّ العطيّة على قدر النّيّة.و ربّما أخّرت عنك الإجابة،ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل و أجزل لعطاء الآمل.و ربّما سألت الشّيء فلا تؤتاه،و أوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا،أو صرف عنك لما هو خير لك،فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته،فلتكن مسألتك في ما يبقى لك جماله و ينفى عنك وباله.فالمال لا يبقى لك و لا تبقى له».

ففي هذه الفقرات من الوصيّة أنّ اللّه ينظر إلى قلب الدّاعي في حجم القضايا الّتي يحملها و يتطلّع إليها في أعماقه،ممّا قد لا يعبّر اللّفظ عنه،لأنّ اللّفظ قد لا يدلّ على الآفاق الواسعة الّتي ينفتح عليها القلب،الأمر الّذي يؤكّد أنّ الدّعاء في القلب قبل أن يكون في اللّسان،و بمقدار النّيّة قبل أن تكون بمقدار المعنى المدلول عليه باللّفظ،فتكون الاستجابة على قدر النّيّة.

و في هذه الوصيّة أنّ الاستجابة قد لا تكون في

ص: 520

دائرة المطلوب،لأنّها لا تحقّق مصلحة للدّاعي،أو قد تسبّب مفسدة له.و لكنّ اللّه لا يهمل للدّاعي تطلّعاته للخير من خلال ما اعتقده خيرا في دعائه،بل يختار له في مبدإ الاستجابة ما هو الأفضل و الأوسع و الأغنى في الدّنيا أو في الآخرة.و هذا هو سرّ الرّحمة الإلهيّة في رعاية اللّه لعبده الّذي يمنحه الخير من خلال دعائه و تضرّعه إليه،حتّى لو كان الدّعاء في اتّجاه آخر،لأنّ المسألة هي أن يستجيب له في انفتاح الخير على حياته لا في مفردات الدّعاء بذاتها.(4:40)

مكارم الشّيرازيّ: سلاح اسمه الدّعاء

بعد أن ذكرت الآيات السّابقة مجموعة هامّة من الأحكام الإسلاميّة،تناولت هذه الآية موضوع الدّعاء باعتباره أحد وسائل الارتباط بين العباد و المعبود سبحانه.و مجيء هذه الآية في سياق الحديث عن الصّوم،يعطيه مفهوما جديدا؛إذ أنّ الدّعاء و التّقرّب إلى اللّه روح كلّ عبادة.

هذه الآية تخاطب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و تقول: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ.

إنّه أقرب ممّا تتصوّرون،أقرب منكم إليكم،بل وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ق:16.

ثمّ تقول الآية: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ.

إذن فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.

و يلفت النّظر في الآية أنّ اللّه سبحانه أشار إلى ذاته المقدّسة سبع مرّات،و أشار إلى عباده سبعا مجسّدا بذلك غاية لطفه و قربه و ارتباطه بعباده.

روى عبد اللّه بن سنان عن الإمام الصّادق عليه السّلام قال:«الدّعاء يردّ القضاء بعد ما أبرم إبراما،فأكثر من الدّعاء،فإنّه مفتاح كلّ رحمة و نجاح كلّ حاجة، و لا ينال ما عند اللّه عزّ و جلّ إلاّ بالدّعاء،و إنّه ليس باب يكثر قرعه إلاّ يوشك أن يفتح لصاحبه».

نعم،إنّه قريب منّا،و كيف يبتعد و هو سبحانه يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ الأنفال:24.

بحوث
1-فلسفة الدّعاء:

أولئك الجاهلون بحقيقة الدّعاء و آثاره التّربويّة و النّفسيّة،يطلقون أنواع التّشكيك بشأن الدّعاء.يقولون:الدّعاء عامل مخدّر،لأنّه يصرف النّاس عن الفعّاليّة و النّشاط و عن تطوير الحياة،و يدفعهم بدلا من ذلك إلى التّوسّل بعوامل غيبيّة.

و يقولون:إنّ الدّعاء تدخّل في شئون اللّه،و اللّه يفعل ما يريد،و فعله منسجم مع مصالحنا،فما الدّاعي إلى الطّلب منه و التّضرّع إليه؟

و يقولون أيضا:إنّ الدّعاء يتعارض مع حالة الإنسان الرّاضي بقضاء اللّه المستسلم لإرادته سبحانه.

هؤلاء-كما ذكرنا-يطلقون هذا التّشكيك لجهلهم بالآثار التّربويّة و النّفسيّة و الاجتماعيّة للدّعاء، فالإنسان بحاجة أحيانا إلى الملجإ الّذي يلوذ به في الشّدائد،و الدّعاء يضيء نور الأمل في نفس الإنسان.

من يبتعد عن الدّعاء يواجه صدمات عنيفة نفسيّة و اجتماعيّة،و على حدّ تعبير أحد علماء النّفس المعروفين:

«ابتعاد الأمّة عن الدّعاء يعني سقوط تلك الأمّة

ص: 521

المجتمع الّذي قمع في نفسه روح الحاجة إلى الدّعاء، سوف لا يبقى مصونا عادة من الفساد و الزّوال.و من نافلة القول أنّه من العبث الاكتفاء بالدّعاء لدى الصّباح و قضاء بقيّة اليوم كالوحش الكاسر،لا بدّ من مواصلة الدّعاء،و من اليقظة المستمرّة،كي لا يزول أثره العميق من نفس الإنسان».

و أولئك الّذين يصفون الدّعاء بأنّه تخديريّ لم يفهموا معنى الدّعاء،لأنّ الدّعاء لا يعني ترك العلل و الوسائل الطّبيعيّة و اللّجوء بدلها إلى الدّعاء،بل المقصود أن نبذل نهاية جهدنا للاستفادة من كلّ الوسائل الموجودة،بعد ذلك إن انسدّت أمامنا الطّرق، و أعيتنا الوسيلة،نلجأ إلى الدّعاء،و بهذا اللّجوء إلى اللّه يحيا في أنفسنا روح الأمل و الحركة،و نستمدّ من عون المبدإ الكبير سبحانه.

الدّعاء إذن لا يحلّ محلّ العوامل الطّبيعيّة.

«الدّعاء-إضافة إلى قدرته في بثّ الطّمأنينة في النّفس-يؤدّي إلى نوع من النّشاط الدّماغيّ في الإنسان،و إلى نوع من الانشراح و الانبساط الباطنيّ و أحيانا إلى تصعيد روح البطولة و الشّجاعة فيه.

الدّعاء يتجلّى بخصائص مشخّصة فريدة:صفاء النّظرة،و قوّة الشّخصيّة،و الانشراح و السّرور، و الثّقة بالنّفس،و الاستعداد للهداية،و استقبال الحوادث بصدر رحب،كلّ هذه مظاهر لكنز عظيم دفين في نفوسنا.و انطلاقا من هذه القوّة يستطيع حتّى الأفراد المتخلّفون أن يستثمروا طاقاتهم العقليّة و الأخلاقيّة بشكل أفضل،و أكثر.لكن الأفراد الّذين يفهمون الدّعاء حقّ فهمه قليلون جدّا-مع الأسف- في عالمنا اليوم».

ممّا تقدّم نفهم الرّدّ على من يقول إنّ الدّعاء يخالف روح الرّضا و التّسليم،لأنّ الدّعاء-كما ذكرنا-نوع من كسب القابليّة على تحصيل سهم أكبر،من فيض اللّه غير المتناهي.

بعبارة أخرى:الإنسان ينال بالدّعاء لياقة أكبر للحصول على فيض الباري تعالى.و واضح أنّ السّعي للتّكامل و لكسب مزيد من اللّياقة هو عين التّسليم أمام قوانين الخليقة،لا عكس ذلك.

أضف إلى ذلك،الدّعاء نوع من العبادة و الخضوع و الطّاعة،و الإنسان-عن طريق الدّعاء-يزداد ارتباطا باللّه تعالى،و كما أنّ كلّ العبادات ذات أثر تربويّ كذلك الدّعاء له مثل هذا الأثر.

و القائلون:إنّ الدّعاء تدخّل في أمر اللّه و إنّ اللّه يفعل ما يشاء،لا يفهمون أنّ المواهب الإلهيّة تغدق على الإنسان حسب استعداده و كفاءته و لياقته،و كلّما ازداد استعداده ازداد ما يناله من مواهب.

لذلك يقول الإمام الصّادق عليه السّلام:«إنّ عند اللّه عزّ و جلّ منزلة لا تنال إلاّ بمسألة».

و يقول أحد العلماء:«حينما ندعو فإنّنا نربط أنفسنا بقوّة لا متناهية تربط جميع الكائنات مع بعضها».

و يقول:«إنّ أحدث العلوم الإنسانيّة-أعني علم النّفس-يعلّمنا نفس تعاليم الأنبياء،لما ذا؟لأنّ الأطبّاء النّفسانيّين أدركوا أنّ الدّعاء و الصّلاة و الإيمان القويّ

ص: 522

بالدّين يزيل عوامل القلق و الاضطراب و الخوف و الهيجان الباعثة على أكثر أمراضنا».

2-المفهوم الحقيقيّ للدّعاء

علمنا أنّ الدّعاء إنّما يكون فيما خرج عن دائرة قدرتنا،بعبارة أخرى:الدّعاء المستجاب هو ما صدر لدى الاضطرار و بعد بذل كلّ الجهود و الطّاقات أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ النّمل:62،يتّضح من ذلك أنّ مفهوم الدّعاء طلب تهيئة الأسباب و العوامل الخارجة عن دائرة قدرة الإنسان،و هذا الطّلب يتّجه به الإنسان إلى من قدرته لا متناهية،و من يهون عليه كلّ أمر.

هذا الطّلب طبعا يجب أن لا يصدر من لسان الإنسان فقط،بل من جميع وجوده،و اللّسان ترجمان جميع ذرّات وجود الإنسان و أعضائه و جوارحه.

يرتبط القلب و الرّوح باللّه عن طريق الدّعاء ارتباطا وثيقا،و يكتسبان القدرة عن طريق اتّصالهما المعنويّ بالمبدإ الكبير،كما تتّصل القطرة من الماء بالبحر الواسع العظيم.

جدير بالذّكر أنّ هناك نوعا آخر من الدّعاء يردّده المؤمن حتّى فيما اقتدر عليه من الأمور،ليعبّر به عن عدم استقلال قدرته عن قدرته الباري تعالى، و ليؤكّد أنّ العلل و العوامل الطّبيعيّة إنّما هي منه سبحانه،و تحت إمرته.فإنّ بحثنا عن الدّواء لشفاء دائنا،فإنّما نبحث عنه،لأنّه سبحانه أودع في الدّواء خاصيّة الشّفاء.هذا نوع آخر من الدّعاء أشارت إليه الرّوايات الإسلاميّة أيضا.

بعبارة موجزة:الدّعاء نوع من التّوعية و إيقاظ القلب و العقل،و ارتباط داخليّ بمبدإ كلّ لطف و إحسان،لذلك نرى أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام يقول:

«لا يقبل اللّه عزّ و جلّ دعاء قلب لاه».

و عن الإمام الصّادق عليه السّلام:«إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه».

3-شروط استجابة الدّعاء

دراسة شروط استجابة الدّعاء توضّح لنا كثيرا من الحقائق الغامضة في مسألة الدّعاء،و تبيّن لنا آثاره البنّاءة،و الرّوايات الإسلاميّة تذكر شروطا لاستجابة الدّعاء منها:

1-ينبغي لمن يدعو أن يسعى أوّلا لتطهير قلبه و روحه،و أن يتوب من الذّنب،و أن يقتدي بحياة قادة البشريّة الإلهيّين.

عن الإمام الصّادق عليه السّلام:«إيّاكم أن يسأل أحدكم ربّه شيئا من حوائج الدّنيا و الآخرة حتّى يبدأ بالثّناء على اللّه،و المدحة له،و الصّلاة على النّبيّ و آله، و الاعتراف بالذّنب،ثمّ المسألة».

2-أن يسعى الدّاعي إلى تطهير أمواله من كلّ غصب و ظلم،و أن لا يكون طعامه من حرام.عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:«من أحبّ أن يستجاب دعاؤه فليطب مطعمه و مكسبه».

3-أن لا يفترق الدّعاء عن الجهاد المستمرّ ضدّ كلّ ألوان الفساد،لأنّ اللّه لا يستجيب ممّن ترك الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لتأمرنّ بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر،أو ليسلّطنّ اللّه شراركم

ص: 523

على خياركم،فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم».

ترك هذه الفريضة الإلهيّة فريضة المراقبة الاجتماعيّة يؤدّي إلى خلوّ السّاحة الاجتماعيّة من الصّالحين،و تركها للمفسدين،و عند ذاك لا أثر للدّعاء،لأنّ هذا الوضع الفاسد نتيجة حتميّة لأعمال الإنسان نفسه.

4-العمل بالمواثيق الإلهيّة،الإيمان و العمل الصّالح و الأمانة و الصّلاح من شروط استجابة الدّعاء،فمن لم يف بعهده أمام بارئه لا ينبغي أن يتوقّع من اللّه استجابة دعائه.

جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و شكا له عدم استجابة دعائه،فقال الإمام:«إنّ قلوبكم خانت بثمان خصال:

أوّلها:أنّكم عرفتم اللّه فلم تؤدّوا حقّه كما أوجب عليكم،فما أغنت عنكم معرفتكم شيئا.

و الثّانية:أنّكم آمنتم برسوله ثمّ خالفتم سنّته، و أمتّم شريعته،فأين ثمرة إيمانكم؟

و الثّالثة:أنّكم قرأتم كتابه المنزل عليكم،فلم تعملوا به،و قلتم سمعنا و أطعنا ثمّ خالفتم.

و الرّابعة:أنّكم قلتم تخافون من النّار،و أنتم في كلّ وقت تقدمون إليها بمعاصيكم،فأين خوفكم؟

و الخامسة:أنّكم قلتم ترغبون في الجنّة،و أنتم في كلّ وقت تفعلون ما يباعدكم منها،فأين رغبتكم فيها؟

و السّادسة:أنّكم أكلتم نعمة المولى فلم تشكروا عليها.

و السّابعة:أنّ اللّه أمركم بعداوة الشّيطان،و قال:

إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا فاطر:6، فعاديتموه بلا قول،و واليتموه بلا مخالفة.

و الثّامنة:أنّكم جعلتم عيوب النّاس نصب أعينكم و عيوبكم وراء ظهوركم،تلومون من أنتم أحقّ باللّوم منه،فأيّ دعاء يستجاب لكم مع هذا، و قد سددتم أبوابه و طرقه؟فاتّقوا اللّه و أصلحوا أعمالكم و أخلصوا سرائركم و أمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر فيستجيب اللّه لكم دعاءكم».

هذا الحديث يقول بصراحة:إنّ وعد اللّه باستجابة الدّعاء وعد مشروط لا مطلق.مشروط بتنفيذ المواثيق الإلهيّة،و إن عمل الإنسان بهذه المواثيق الثّمانية المذكورة،فله أن يتوقّع استجابة الدّعاء،و إلاّ فلا.

العمل بالأمور الثّمانية المذكورة باعتبارها شروطا لاستجابة الدّعاء كاف لتربية الإنسان و لاستثمار طاقاته،على طريق مثمر بنّاء.

5-من الشّروط الأخرى لاستجابة الدّعاء العمل و السّعي،عن عليّ عليه السّلام:«الدّاعي بلا عمل كالرّامي بلا وتر».

الوتر بحركته يدفع السّهم نحو الهدف،و هكذا دور العمل في الدّعاء.

من مجموع شروط الدّعاء المذكورة نفهم أنّ الدّعاء لا يغنينا عن التّوسّل بالعوامل الطّبيعيّة،بل أكثر من ذلك يدفعنا إلى توفير شروط استجابة الدّعاء في أنفسنا،و يحدث بذلك تغييرا كبيرا في حياة الإنسان و تجديدا لمسيرته،و إصلاحا لنواقصه.

أ ليس من الجهل أن يصف شخص الدّعاء بهذا

ص: 524

المنظار الإسلاميّ أنّه مخدّر؟(1:462)

دعانا

وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ. يونس:12

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و إذا أصاب الإنسان الشّدّة و الجهد دَعانا لِجَنْبِهِ يقول:استغاث بنا في كشف ذلك عنه.[إلى أن قال:]

كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ يقول:استمرّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضّرّ.(6:538)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّه إذا مسّه الضّرّ دعا ربّه في هذه الأحوال.

الثّاني:دعا ربّه،فيكون محمولا على عموم الدّعاء في جميع أحواله.(2:426)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى في هذه الآية عن قلّة صبر الإنسان،إذا ناله الضّرّ دعا ربّه على سائر حالاته الّتي يصيبه ذلك عليها،سواء كان قائما أو قاعدا إذا أطاقه،أو على جنبه من شدّة المرض فيجتهد الدّعاء، لأن يهب اللّه له العافية.و ليس غرضه بذلك نيل الثّواب للآخرة،و إنّما غرضه زوال ما هو فيه من الآلام.فاذا كشف اللّه عنه ذلك الضّرر،و وهب له العافية،مرّ معرضا عن شكر ما وهبه له من نعمة عافية،فلا يتذكّر ما كان فيه من الآلام،و صار في الإعراض عن ذلك بمنزلة من لم يدع اللّه كشف ألمه، و لا سأله إزالة الضّرر عنه الّذي كان به.(5:399)

القشيريّ: إذا امتحن العبد و أصابه الضّرّ أزعجته الحال إلى أن يروم التّخلّص ممّا ناله،فيعلم أنّ غير اللّه لا ينجيه،فتحمله الضّرورة على صدق الالتجاء إلى اللّه.فإذا كشف اللّه عنه ما يدعو لأجله،شغلته راحة الخلاص عن تلك الحالة،و زايله ذلك الالتياع،و صار كأنّه لم يكن في بلاء قطّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:بلاء يلجئك إلى الانتصاب بين يدي معبودك أجدى من عطاء ينسيك و يكفيك عنه.

(3:83)

البغويّ: دَعانا لِجَنْبِهِ أي على جنبه مضطجعا كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ. أي لم يطلب منّا كشف ضرّ مسّه.(2:413)

الزّمخشريّ: لِجَنْبِهِ في موضع الحال بدليل عطف الحالين عليه،أي دعانا مضطجعا.

أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فإن قلت:فما فائدة ذكر هذه الأحوال.

قلت:معناه:أنّ المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدّعاء حتّى يزول عنه الضّرّ فهو يدعونا في حالاته كلّها كان منبطحا عاجز النّهض متخاذل النّوء،أو كان قاعدا لا يقدر على القيام،أو كان قائما لا يطيق الممشى و المضطرب إلى أن يخفّ كلّ الخفّة و يرزق الصّحّة بكمالها و المسحة بتمامها.[إلى أن قال:]

كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا كأنّه لم يدعنا،فخفّف و حذف ضمير الشّأن،قال:

*كأن ثدياه حقّان*

(2:227)

ص: 525

ابن عطيّة:و قوله: لِجَنْبِهِ في موضع حال كأنّه قال مضطجعا.و يجوز أن يكون حالا من (الانسان)و العامل فيه(مس)و يجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل في(دعانا)و العامل فيه (دعا)و هما معنيان متباينان.(3:109)

الطّبرسيّ: دَعانا لِجَنْبِهِ أي دعانا لكشفه مضطجعا.[إلى أن قال:]

أي كأن لم يدعنا قطّ لكشف ضرّه،و لم يسألنا إزالة الألم عنه.(3:95)

الفخر الرّازيّ: المقصود من هذه الآية:بيان أنّ الإنسان قليل الصّبر عند نزول البلاء،قليل الشّكر عند وجدان النّعماء و الآلاء،فإذا مسّه الضّرّ أقبل على التّضرّع و الدّعاء مضطجعا أو قائما أو قاعدا مجتهدا في ذلك الدّعاء،طالبا من اللّه تعالى إزالة تلك المحنة،و تبديلها بالنّعمة و المنحة.فإذا كشف تعالى عنه ذلك بالعافية أعرض عن الشّكر،و لم يتذكّر ذلك الضّرّ و لم يعرف قدر الإنعام،و صار بمنزلة من لم يدع اللّه تعالى لكشف ضرّه؛و ذلك يدلّ على ضعف طبيعة الإنسان،و شدّة استيلاء الغفلة و الشّهوة عليه.

و إنّما ذكر اللّه تعالى ذلك تنبيها على أنّ هذه الطّريقة مذمومة،بل الواجب على الإنسان العاقل أن يكون صابرا عند نزول البلاء شاكرا عند الفوز بالنّعماء،و من شأنه أن يكون كثير الدّعاء و التّضرّع في أوقات الرّاحة و الرّفاهيّة.حتّى يكون مجاب الدّعوة في وقت المحنة.عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«من سرّه أن يستجاب له عند الكرب و الشّدائد،فليكثر الدّعاء عند الرّخاء».[إلى أن قال:]

فإن قالوا:فما فائدة ذكر هذه الأحوال؟

قلنا:معناه:أنّ المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدّعاء إلى أن يزول عنه الضّرّ،سواء كان مضطجعا أو قاعدا أو قائما.

و الوجه الثّاني:أن تكون هذه الأحوال الثّلاثة تعديدا الأحوال الضّرّ،و التّقدير:و إذا مسّ الإنسان الضّرّ لجنبه أو قاعدا أو قائما دعانا،و هو قول الزّجّاج.

و الأوّل:أصحّ،لأنّ ذكر الدّعاء أقرب إلى هذه الأحوال من ذكر الضّرّ،و لأنّ القول بأنّ هذه الأحوال أحوال للدّعاء يقتضي مبالغة الإنسان في الدّعاء،ثمّ إذا ترك الدّعاء بالكلّيّة و أعرض عنه كان ذلك أعجب.(17:50)

القرطبيّ: دَعانا لِجَنْبِهِ، أي على جنبه مضطجعا. أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً و إنّما أراد جميع حالاته،لأنّ الإنسان لا يعدو إحدى هذه الحالات الثّلاث.قال بعضهم:إنّما بدأ بالمضطجع لأنّه بالضّرّ أشدّ في غالب الأمر،فهو يدعو أكثر،و اجتهاده أشدّ، ثمّ القاعد ثمّ القائم.(8:317)

أبو حيّان :و مناسبة هذه الآية لما قبلها أنّه لمّا استدعوا حلول الشّرّ بهم،و أنّه تعالى لا يفعل ذلك بطلبهم بل يترك من يرجو لقاءه يعمّه في طغيانه،بين شدّة افتقار النّاس إليه،و اضطرارهم إلى استمطار إحسانه مسيئهم و محسنهم،و أنّ من لا يرجو لقاءه مضطرّ إليه حاله مسّ الضّرّ له،فكلّ يلجأ إليه حينئذ

ص: 526

و يفرده بأنّه القادر على كشف الضّرّ.[إلى أن قال:]

و المعنى:أنّ الذي أصابه الضّرّ لا يزال داعيا ملتجئا راغبا إلى اللّه في جميع حالاته كلّها.و ابتدأ بالحالة الشّاقّة و هي اضطجاعه و عجزه عن النّهوض.

-و هي أعظم في الدّعاء و آكد-ثمّ بما يليها،و هي حالة القعود،و هي حالة العجز عن القيام،ثمّ بما يليها و هي حالة القيام،و هي حالة العجز عن المشي،فتراه يضطرب و لا ينهض للمشي كحالة الشّيخ الهرم.

و(لجنبه)حال أي مضطجعا،و لذلك عطف عليه الحالان،و اللاّم على بابها عند البصريّين،و التّقدير:

ملقيا لجنبه،لا بمعنى«على»خلافا لزاعمه.و ذو الحال الضّمير في(دعانا،)و العامل فيه(دعانا)أي دعانا ملتبسا بأحد هذه الأحوال.[ثمّ نقل قول ابن عطيّة و قال:]

و ضعّف أبو البقاء أن يكون(لجنبه)فما بعده أحوالا من(الانسان)و العامل فيها(مس،)قال:

لأمرين:

أحدهما:أنّ الحال على هذا واقع بعد جواب(اذا) و ليس بالوجه.

و الثّاني:أنّ المعنى كثرة دعائه في كلّ أحواله، لا على الضّرّ يصيبه في كلّ أحواله،و عليه آيات كثيرة في القرآن،انتهى.

و هذا الثّاني يلزم فيه من مسّه الضّرّ في هذه الأحوال دعاؤه في هذه الأحوال،لأنّه جواب ما ذكرت فيه هذه الأحوال،فالقيد في حيّز الشّرط قيد في الجواب،كما تقول:إذا جاءنا زيد فقيرا أحسنّا إليه، فالمعنى أحسنّا إليه في حال فقره،فالقيد في الشّرط قيد في الجزاء.(5:129)

أبو السّعود :(دعانا)لكشفه و إزالته.(لجنبه) حال من فاعل(دعا)بشهادة ما عطف عليه من الحالين،و اللاّم بمعنى«على»كما في قوله تعالى:

يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ الإسراء:107،أي دعانا كائنا على جنبه،أي مضطجعا.(3:218)

الآلوسيّ: أي إذا أصابه جنس الضّرّ من مرض و فقر و غيرهما من الشّدائد إصابة يسيرة.و قيل:

مطلقا(دعانا)لكشفه و إزالته،(لجنبه)في موضع الحال،و لذا عطف عليه الحال الصّريحة،أعني قوله سبحانه: أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً أي دعانا مضطجعا أو ملقى لِجَنْبِهِ، و اللاّم على ظاهرها،و قيل:إنّها بمعنى«على»كما في قوله تعالى: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ الإسراء:107،و لا حاجة إليه.و قد يعبّر ب«على» و هي تفيد استعلاءه عليه،و اللاّم تفيد اختصاص كينونته و استقراره بالجنب؛إذ لا يمكنه الاستقرار على غير تلك الهيئة،ففيه مبالغة زائدة.

و اختلف في ذي الحال،فقيل:إنّه فاعل(دعانا) و قيل:هو مفعول(مس)و استضعف بأمرين:

أحدهما:تأخّر الحال عن محلّها من غير داع.

الثّاني:أنّ المعنى على أنّه يدعو كثيرا في كلّ أحواله،إلاّ أنّه خصّ المعدودات بالذّكر لعدم خلوّ الإنسان عنها عادة،لا أنّ الضّرّ يصيبه في كلّ أحواله.

و أجيب عن هذا بأنّه لا بأس به،فإنّه يلزم من مسّه الضّرّ في هذه الأحوال دعاؤه فيها أيضا،لأنّ القيد

ص: 527

في الشّرط قيد في الجواب،فإذا قلت:إذا جاء زيد فقيرا أحسنا إليه،فالمعنى أحسنا إليه في حال فقره.و أنت تعلم أنّ الأظهر هو الأوّل.و اعتبر بعضهم توزيع هذه الأحوال على أفراد الإنسان،على معنى أنّ من الإنسان من يدعو على هذه الحالة و منه من يدعو على تلك.

و ذكر غير واحد أنّه يجوز أن يكون المراد بهذه الأحوال:تعميم أصناف المضارّ،لأنّها:إمّا خفيفة لا تمنع الشّخص القيام،أو متوسّطة تمنعه القيام دون القعود،أو شديدة تمنعه منها (1).و انفهام ذلك منها بمعونة السّياق.(11:79)

ابن عاشور :و الدّعاء:هنا الطّلب و السّؤال بتضرّع.

و اللاّم في قوله:(لجنبه)بمعنى«على»كقوله تعالى: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ الإسراء:107،و قوله:

وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ الصّافّات:103.أ لا ترى أنّه جاء في موضع اللاّم حرف«على»في قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ النّساء:103، و قوله: اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ آل عمران:191،و نحوه قول جابر بن جنّيّ التّغلبيّ:

تناوله بالرّمح ثمّ انثنى به

فخرّ صريعا لليدين و للفم

أي على اليدين و على الفم،و هو متولّد من معنى الاختصاص الّذي هو أعمّ معاني اللاّم،لأنّ الاختصاص بالشّيء يقع بكيفيّات كثيرة،منها استعلاؤه عليه.

و إنّما سلك هنا حرف الاختصاص للإشارة إلى أنّ«الجنب»مختصّ بالدّعاء عند الضّرّ و متّصل به فبالأولى غيره.و هذا الاستعمال منظور إليه في بيت «جابر»و الآيتين الأخريين كما يظهر بالتّأمّل،فهذا وجه الفرق بين الاستعمالين.

و موضع المجرور في موضع الحال،و لذلك عطف أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً بالنّصب.و إنّما جعل«الجنب» مجرورا باللاّم و لم ينصب،فيقال مثلا:مضطجعا أو قاعدا أو قائما،لتمثيل التّمكّن من حالة الرّاحة بذكر شقّ من جسده،لأنّ ذلك أظهر في تمكّنه،كما كان ذكر الإعطاء في الآيتين الأخريين و بيت«جابر»أظهر في تمثيل الحالة؛بحيث جمع فيها بين ذكر الأعضاء و ذكر الأفعال الدّالّة على أصل المعنى،للدّلالة على أنّه يدعو اللّه في أندر الأحوال ملابسة للدّعاء،و هي حالة تطلب الرّاحة و ملازمة السّكون.

و لذلك ابتدئ بذكر الجنب،و أمّا زيادة قوله: أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فلقصد تعميم الأحوال و تكميلها، لأنّ المقام مقام الإطناب لزيادة تمثيل الأحوال،أي دعانا في سائر الأحوال،لا يلهيه عن دعائنا شيء.

(11:33)

الطّباطبائيّ: و قوله: دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً أي دعانا منبطحا لجنبه إلخ.و الظّاهر أنّ التّرديد للتّعميم،أي دَعانا على أيّ حال مند.

ص: 528


1- كذا و الظّاهر منهما،أو المراد حالة القعود.

أحواله فرض من انبطاح أو قعود أو قيام،مصرّا على دعائه لا ينسانا في حال.و يمكن أن يكون(لجنبه) إلخ،أحوالا ثلاثة من(الانسان)لا من فاعل(دعانا) و العامل فيه(مس،)و المعنى:إذا مسّ الإنسان الضّرّ و هو منبطح أو قاعد أو قائم دعانا في تلك الحال،و هذا معنى ما ورد في بعض المرسلات: دَعانا لِجَنْبِهِ العليل الّذى لا يقدر أن يجلس أَوْ قاعِداً الّذي لا يقدر أن يقوم، أَوْ قائِماً الصّحيح.(10:22)

عبد الكريم الخطيب :و في قوله تعالى: وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً نجد التّعبير بالمسّ هنا مفصحا عن مدى ضعف هذا الإنسان و خوره،و أنّ مجرّد مسّ الشّرّ له،يكربه و يزعجه،و يفسد عليه حياته،و إذا هو صارخ إلى اللّه، ضارع بين يديه،يدعو في كلّ حال يكون عليه لجنبه، أو قاعدا،أو قائما،فهو من لهفته و انحلال عزيمته، يدعو بكلّ لسان،و يستصرخ بكلّ جارحة.(6:968)

فضل اللّه :و تلك هي سيرة الإنسان الّذي لا يعرف اللّه إلاّ في حالات الشّدّة،فيلجأ إليه في خشوع و خضوع،في كلّ حالاته،في إلحاح مستمرّ لا يترك أيّة فرصة،فهو يدعو في حالات القيام و القعود و الاضطجاع،فيستجيب اللّه دعاءه ليفسح له المجال للتّراجع عن غيّه من موقع إحساسه بالحاجة إلى اللّه لكشف الضّرّ عنه،و ليدفعه إلى الامتداد في هذا الاتّجاه القريب إليه. فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ و أحسّ بالطّمأنينة للحالة الجديدة الّتي ارتفع فيها عنه الشّعور بالضّغط تجاه الخطر،نسي كلّ شيء و رجع إلى طغيانه و تمرّده،و(مر)في طريق الغفلة و النّسيان و الشّهوات كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ و لم يحصل على نتائج دعائه،و لم يلتفت إلى المقارنة بين حالته الأولى المليئة بالآلام و المشاكل،و حالته الثّانية البعيدة عن كلّ سوء.(11:279)

مكارم الشّيرازيّ: [بعد تفسير الآية السّابقة على هذه الآية قال:]عند ذلك تشير الآية إلى وجود نور التّوحيد في فطرة الانسان و أعماق روحه،و تقول:

وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً.

نعم إنّ خاصيّة المشاكل و الشّدائد الخطيرة،أنّها تزيل الحجب عن فطرة الإنسان الطّاهرة،و تحرق في فرن الحوادث كلّ الطّبقات السّوداء الّتي غطّت هذه الفطرة،و يسطع عندها-و لو لمدّة قصيرة-نور التّوحيد.

ثمّ تقول الآية:إنّ هؤلاء الأفراد إلى درجة من الجهل و ضيق الأفق؛بحيث إنّهم يعرضون بمجرّد كشف الضّرّ عنهم،حتّى كأنّهم لم يدعونا و لم نساعدهم.(6:289)

دعوا

...فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ. الأعراف:189

الطّبريّ: يقول:نادى آدم و حوّاء ربّهما و قالا:

يا ربّنا: لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ.

(6:143)

ص: 529

نحوه الفخر الرّازيّ.(15:85)

الطّوسيّ: يعني آدم و حوّاء دعوا اللّه أي سألاه.

(5:61)

الزّمخشريّ: دعا آدم و حوّاء ربّهما و مالك أمرهما الّذي هو الحقيق بأن يدعى و يلتجأ إليه.

(2:136)

ابن عطيّة: و الضّمير في(دعوا)على آدم و حوّاء.(2:486)

الطّبرسيّ: يعني آدم و حوّاء،سألا اللّه تعالى عند كبر الولد في بطنها.(2:508)

القرطبيّ: الضّمير في(دعوا)عائد على آدم و حوّاء.و على هذا القول ما روي في قصص هذه الآية أنّ حوّاء لمّا حملت أوّل حمل لم تدر ما هو.

(7:338)

أبو حيّان :و متعلّق الدّعاء محذوف يدلّ عليه جملة جواب القسم،أي دعوا اللّه و رغبا إليه في أن يؤتيهما صالحا،ثمّ أقسما على أنّهما يكونان من الشّاكرين إن آتاهما صالحا لأنّ إيتاء الصّالح نعمة من اللّه على والديه.(4:440)

أبو السّعود :أي آدم و حوّاء عليهما السّلام لمّا دهمهما أمر لم يعهداه و لم يعرفا مآله،فاهتمّا به،و تضرّعا إليه عزّ و جلّ.(3:65)

نحوه البروسويّ.(3:295)

الآلوسيّ: أي آدم و حوّاء عليهما السّلام لمّا خافا عاقبة الأمر،فاهتمّا به و تضرّعا إليه عزّ و جلّ.

(ربهما،)أي مالك أمرهما،الحقيق بأن يخصّ به الدّعاء.و في هذا إشارة إلى أنّهما قد صدّرا به دعاءهما و هو المعهود منهما في الدّعاء،و متعلّق الدّعاء محذوف لإيذان الجملة القسميّة به،أي دعواه تعالى أن يؤتيهما صالحا و وعدا بمقابلته الشّكر على سبيل التّوكيد القسميّ،و قالا أو قائلين: لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً.

(9:813)

ابن عاشور :و ظاهر قوله: دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما أنّ كلّ أبوين يدعوان بذلك،فإن حمل على ظاهره قلنا:لا يخلو أبوان مشركان من أن يتمنّيا أن يكون لهما من الحمل مولود صالح،سواء نطقا بذلك أم أضمراه في نفوسهما،فإنّ مدّة الحمل طويلة،لا تخلو أن يحدث هذا التّمنّي في خلالها،و إنّما يكون التّمنّي منهم على اللّه.

فإنّ المشركين يعترفون للّه بالرّبوبيّة،و بأنّه هو خالق المخلوقات و مكوّنها،و لا حظّ للآلهة إلاّ في التّصرّفات في أحوال المخلوقات،كما دلّت عليه محاجّات القرآن لهم،نحو قوله تعالى: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ... يونس:34، و قد تقدّم القول في هذا عند قوله تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ الأنعام:1.

و إن حمل(دعوا)على غير ظاهره فتأويله أنّه مخصوص ببعض الأزواج الّذين يخطر ببالهم الدّعاء.

(8:386)

فضل اللّه : دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا ولدا (صالحا)سالما من كلّ عيب أو تشويه أو نقص في البدن و العقل لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ الّذين يشكرونك بتوحيد العمل،كما يشكرونك بتوحيد

ص: 530

العقيدة.و استجاب اللّه دعاءهما،دعاء كلّ أب و أمّ، لأنّ القضيّة ليست قضيّة آدم و حوّاء أو إنسانين معيّنين،بل هي قضية النّوع الإنسانيّ كلّه،الّذي يعيش هذا الجوّ النّفسيّ أمام حالة الخوف و إن لم يعبّر عن ذلك بالكلمات.(10:305)

مكارم الشّيرازيّ: [راجع:ن ف س:«نفس واحدة»](5:300)

دعوا

دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ. يونس:22

الزّمخشريّ: ...فإن قلت:فدعوا؟

قلت:بدل من(ظنوا،)لأنّ دعاءهم من لوازم ظنّهم الهلاك،فهو ملتبس به.(2:231)

الفخر الرّازيّ: و أمّا قوله: دَعَوَا اللّهَ فهو بدل من(ظنوا،)لأنّ دعاءهم من لوازم ظنّهم الهلاك.

و قال بعض الأفاضل لو حمل قوله: دَعَوَا اللّهَ على الاستئناف،كان أوضح،كأنّه لمّا قيل: جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ قال قائل:فما صنعوا؟فقيل: دَعَوَا اللّهَ.

(17:69)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]

و كان أستاذنا أبو جعفر بن الزّبير يخرّج هذه الآية على غير ما ذكروا،و يقول:هو جواب سؤال مقدّر،كأنّه قيل:فما كان حالهم إذا ذاك؟فقيل:دعوا اللّه مخلصين له الدّين،انتهى.(5:139)

الآلوسيّ: دَعَوَا اللّهَ جعله غير واحد بدل اشتمال من(ظنوا)لأنّ دعاءهم من لوازم ظنّهم الهلاك،فبينهما ملابسة تصحّح البدليّة.و قيل:هو جواب ما اشتمل عليه المعنى من معنى الشّرط،أي لمّا ظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه...و جعله أبو حيّان استئنافا بيانيّا،كأنّه قيل:فما ذا كان حالهم إذ ذاك؟ فقيل:دعوا...و رجّح القول بالبدل عليه بأنّه أدخل في اتّصال الكلام و الدّلالة عن كونه المقصود،مع إفادته ما يستفاد من الاستئناف،مع الاستغناء عن تقدير السّؤال.و أنت تعلم أنّ تقدير السّؤال ليس تقديرا حقيقيّا بل أمر اعتباريّ،و فيه من الإيجاز ما فيه، و ليس بأبعد ممّا تكلّف للبدليّة.و يشعر كلام بعضهم جواز كونه جواب الشّرط،و(جاءتها)في موضع الحال،كقوله تعالى: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ...

العنكبوت:65.

و تعقّب بأنّ الاحتياج إلى الجواب يقتضي صرف ما يصلح له إليه،لا إلى الحال-الفضلة المفتقرة إلى تقدير«قد»-مع أنّ عطف(ظنوا)على(جاءتها) يأبى الحاليّة،و الفرح بالرّيح الطّيّبة لا يكون حال مجيء العاصفة،و المعنى على تحقّق المجيء لا على تقديره،ليجعل حالا مقدّرة،و لا يخلو عن حسن.

و الظّاهر أنّ ما عدّه مانعا من الحاليّة غير مشترك بينه و بين كونه جواب(اذا)،لأنّه يقتضي أنّهما في زمان واحد،كما لا يخفى على من له أدنى معرفة بأساليب الكلام.(11:97)

لاحظ:خ ل ص:«مخلصين».

ص: 531

دعوهم

وَ يَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً.

الكهف:52

الطّبريّ: يقول:فاستغاثوا بهم فلم يغيثوهم.

(8:239)

الطّوسيّ: و استغيثوا بهم،فدعوهم،يعني المشركين يدعون أولئك الشّركاء الّذين عبدوهم مع اللّه،فلا يستجيبون لهم.(7:58)

الفخر الرّازيّ: و اذكر لهم يا محمّد أحوالهم و أحوال آلهتهم يوم القيامة؛إذ يقول اللّه لهم: نادُوا شُرَكائِيَ، أي أدعوا من زعمتم أنّهم شركاء لي؛ حيث أهّلتموهم للعبادة،أدعوهم يشفعوا لكم و ينصروكم.و المراد بالشّركاء:الجنّ فدعوهم، و لم يذكر تعالى في هذه الآية أنّهم كيف دعوا الشّركاء، لأنّه تعالى بيّن ذلك في آية أخرى،و هو أنّهم قالوا:

إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا المؤمن:47، ثمّ قال تعالى: فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ أي لم يجيبوهم إلى ما دعوهم إليه،و لم يدفعوا عنهم ضررا و ما أوصلوا إليهم نفعا.(21:139)

القرطبيّ: (فدعوهم)أي فعلوا ذلك.(11:2)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ الضّمير في(بينهم) عائد على الدّاعين و المدعوّين،و هم المشركون و الشّركاء.و قيل:يعود على أهل الهدى و أهل الضّلالة،و الظّاهر وقوع الدّعاء حقيقة و انتفاء الإجابة.و قيل:يحتمل أن يكون استعارة،كأنّ فكرة الكافر و نظره في أنّ تلك الجمادات لا تغني شيئا و لا تنفع،هي بمنزلة الدّعاء و ترك الإجابة.(6:137)

البروسويّ: (فدعوهم،)أي نادوهم للإعانة، ذكر كيفيّة دعوتهم في آية أخرى إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا المؤمن:47، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ فلم يغيثوهم،أي لم يدفعوا عنهم ضرّا،و لا أوصلوا إليهم نفعا،إذ لا إمكان لذلك فهو لا ينافي إجابتهم صورة و لفظا،كما قال حكاية عن الأصنام إنّها تقول:

ما كانُوا إِيّانا يَعْبُدُونَ القصص:63.

و فيه إشارة إلى أنّ امتثال أوامره و نواهيه ينفع العبد إذا كان في الدّنيا قبل موته و يثمره في الآخرة، فأمّا إذا كان فى الآخرة فلا ينفعه الإيمان و الأعمال، فإنّ قوله: نادُوا شُرَكائِيَ أمر من اللّه تعالى و قد امتثلوا أمره بقوله:(فدعوهم)فلم ينفعهم الامتثال لأنّ الشّركاء لم يستجيبوا لهم.(5:258)

الآلوسيّ: (فدعوهم،)أي نادوهم للإغاثة، و فيه بيان بكمال اعتنائهم بإغاثتهم على طريق الشّفاعة؛إذ معلوم أن لا طريق إلى المدافعة. فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ فلم يغيثوهم؛إذ لا إمكان لذلك.قيل:

و في إيراده مع ظهوره تهكّم بهم و إيذان،بأنّهم في الحماقة بحيث لا يفهمونه إلاّ بالتّصريح به.(15:298)

ابن عاشور :و الاستجابة:الكلام الدّالّ على سماع النّداء،و الأخذ في الإقبال على المنادي بنحو قول:لبّيكم.

و أمره إيّاهم بمناداة شركائهم مستعمل في معناه، مع إرادة لازمه و هو إظهار باطلهم بقرينة فعل الزّعم.

ص: 532

و لذلك لم يسعهم إلاّ أن ينادوهم؛حيث قال:

(فدعوهم)لطمعهم،فإذا نادوهم تبيّن لهم خيبة طمعهم،و لذلك عطف فعل الدّعاء بالفاء الدّالّة على التّعقيب،و أتي به في صيغة المضيّ للدّلالة على تعجيل وقوعه حينئذ،حتّى كأنّه قد انقضى.(15:87)

فضل اللّه :(فدعوهم)في أكثر من نداء،و في أعمق صرخة، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ لأنّهم لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرّا،فكيف يملكونه للآخرين، لا سيّما في هذا الموقف الّذي يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ الانفطار:19.(14:347)

دعوت

قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهاراً. نوح:5

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:قال نوح لمّا بلّغ قومه رسالة ربّه،و أنذرهم ما أمره به أن ينذرهموه فعصوه،و ردّوا عليه ما أتاهم به من عنده قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهاراً إلى توحيدك و عبادتك،و حذّرتهم بأسك و سطوتك.(12:247)

الطّوسيّ: إلى عبادتك و خلع الأنداد من دونك، و إلى الإقرار بنبوّتي.(10:133)

لاحظ:ل ي ل،و:ن ه ر:«ليلا و نهارا».

دعوتهم

1-2- وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ...* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً.

نوح:7،8

الطّبريّ: يقول جلّ و عزّ: وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ إلى الإقرار بوحدانيّتك،و العمل بطاعتك،و البراءة من عبادة كلّ ما سواك،لتغفر لهم إذا هم فعلوا ذلك،جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلاّ يسمعوا دعائي إيّاهم إلى ذلك.

ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً إلى ما أمرتني أن أدعوهم إليه.(12:247)

الطّوسيّ: وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ إلى إخلاص عبادتك.(10:135)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه عليه السّلام لمّا دعاهم عاملوه بأشياء:

أوّلها:قوله: جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ، و المعنى:

أنّهم بلغوا في التّقليد إلى حيث جعلوا أصابعهم في آذانهم،لئلاّ يسمعوا الحجّة و البيّنة.

و ثانيها:قوله: وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ أي تغطّوا بها:إمّا لأجل أن لا يبصروا وجهه،كأنّهم لم يجوّزوا أن يسمعوا كلامه،و لا أن يروا وجهه،و إمّا لأجل المبالغة في أن لا يسمعوا،فإنّهم إذا جعلوا أصابعهم في آذانهم، ثمّ استغشوا ثيابهم مع ذلك،صار المانع من السّماع أقوى.

و ثالثها:قوله: وَ أَصَرُّوا و المعنى أنّهم أصرّوا على مذهبهم،أو على إعراضهم عن سماع دعوة الحقّ.

و رابعها:قوله: وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً أي عظيما بالغا إلى النّهاية القصوى.

ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً و اعلم أنّ هذه الآيات تدلّ على أنّ مراتب دعوته كانت ثلاثة،فبدأ بالمناصحة في السّرّ،فعاملوه بالأمور الأربعة،ثمّ ثنّى

ص: 533

بالمجاهرة،فلمّا يؤثّر جمع بين الإعلان و الإسرار.، و كلمة ثُمَّ دالّة على تراخي بعض هذه المراتب عن بعض:إمّا بحسب الزّمان،أو بحسب الرّتبة،لأنّ الجهار أغلظ من الإسرار،و الجمع بين الإسرار و الجهار أغلظ من الجهار وحده.(30:136)

القرطبيّ: وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ أي إلى سبب المغفرة،و هي الإيمان بك و الطّاعة لك.(18:301)

أبو حيّان : وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ... ثمّ كرّر صفة دعائه بيانا و توكيدا.لمّا ذكر دعاءه عموم الأوقات، ذكر عموم حالات الدّعاء.و كُلَّما دَعَوْتُهُمْ: يدلّ على تكرّر الدّعوات،فلم يبيّن حالة دعائه أوّلا، و ظاهره أن يكون دعاؤه إسرارا،لأنّه يكون ألطف بهم.و لعلّهم يقبلون منه كحال من ينصح في السّرّ،فإنّه جدير أن يقبل منه،فلمّا لم يجد له الإسرار،انتقل إلى أشدّ منه و هو دعاؤهم جهارا صلة بالدّعاء إلى اللّه لا يحاشي أحدا،فلمّا لم يجد عاد إلى الإعلان و إلى الإسرار.(8:338)

البروسويّ: وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ أي إلى الإيمان،و في«التّأويلات النّجميّة»كلّما دعوتهم بلسان الأمر مجرّدا عن انضمام الإرادة الموجبة لوقوع المأمور،فإنّ الأمر إذا كان مجرّدا عن الإرادة لا يجب أن يقع المأمور به،بخلاف ما إذا كان مقرونا بالإرادة فإنّه لا بدّ حينئذ من وقوع المأمور به.(10:174)

الآلوسيّ: وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ أي إلى الإيمان،فمتعلّق الفعل محذوف،و جوّز جعله منزّلا منزلة اللاّزم،و الجملة عطف على ما قبلها.و ليس ذلك من عطف المفصّل على المجمل-كما توهّم-حتّى يقال:إنّ«الواو»من الحكاية لا من المحكيّ.(29:71)

ابن عاشور :و حذف متعلّق(دعوتهم)لدلالة ما تقدّم عليه،من قوله: أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ نوح:3، و التّقدير:كلّما دعوتهم إلى عبادتك و تقواك و طاعتي فيما أمرتهم به.(29:181)

عبد الكريم الخطيب : وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ تلك هي حال القوم مع هذا النّذير الّذي جاء يدعوهم إلى النّجاة من هذا البلاء المطلّ عليهم،و تلك قصّته معهم،يعرضها على ربّه،شاكيا عنادهم،طالبا من اللّه أخذهم بالعذاب الّذي هم أهل له.

و إنّ القوم ليبلغون في السّفاهة غايتها،و يركبون من الجهل أشرس مطاياه و ألأمها،إنّهم كلّما سمعوا صريخ النّذير،ازدادوا فرارا منه،و قربا من موقع الخطر الّذي يحذّرهم منه.[إلى أن قال:]

ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً هو بيان للأساليب المختلفة الّتي اتّخذها نوح،لينفذ بدعوته من هذه الحجب الصّفيقة الّتي أقامتها القوم على أسماعهم، و أبصارهم،فهو تارة يدعوهم جهارا،صارخا صراخ من يتحدّث إلى أصمّ لا يسمع،حتّى يخترق بصراخه العاصف.هذا السّدّ الّذي أقاموه على آذانهم،فلمّا لم تنفع هذه الوسيلة معهم،أمسك لسانه،و زمّ شفتيه، حتّى إذا اطمأنّ القوم إلى أنّه قد كفّ عن الحديث إليهم،همس إليهم همسا خافتا،لا يكاد يسمع.لعلّ كلمة عابرة تصل إلى أسماعهم من هذه النّذر الّتي ينذرهم بها،فهذا إعلان في إسرار.

ص: 534

و في العطف ب(ثمّ)في قوله تعالى: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً في هذا ما يشير إلى أنّ كلّ حال من تلك الأحوال كانت تستغرق وقتا طويلا،يقف فيه نوح،حتّى يملّ الوقوف،و حتّى يستيئس من أنّ أحدا يسمعه،إنّه ينادي أمواتا،و يهتف بعوالم من الجماد.

(15:1195)

دعوتكم

وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي. إبراهيم:22

الطّبريّ: إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ. و هذا من الاستثناء المنقطع عن الأوّل،كما تقول:«ما ضربته إلاّ أنّه أحمق»،و معناه:و لكن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، يقول:إلاّ أن دعوتكم إلى طاعتي و معصية اللّه، فاستجبتم لدعائي.(7:433)

الثّعلبيّ: إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ هذا من الاستثناء المنقطع،مجازه لمن يدعونكم.(5:313)

نحوه الواحديّ(3:29)،و الميبديّ(5:243)، و الخازن(4:32).

الطّوسيّ: أي لم يكن لي عليكم حجّة،و لا برهان أكثر من أن دعوتكم إلى الضّلال و أغويتكم، فأجبتموني و اتّبعتموني.(6:290)

الزّمخشريّ: إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ إلاّ دعائي إيّاكم إلى الضّلالة،بوسوستي و تزييني.و ليس الدّعاء من جنس السّلطان،و لكنّه كقولك:ما تحيّتهم إلاّ الضّرب.(2:374)

ابن عطيّة: و قوله: إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ استثناء منقطع،و(ان)في موضع نصب،و يصحّ أن تكون في موضع رفع على معنى:إلاّ أنّ النّائب عن السّلطان،أن دعوتكم،فيكون هذا في المعنى كقول الشّاعر[الوافر:]

*تحيّة بينهم ضرب وجيع*

(3:333)

الطّبرسيّ: أي و ما كان لي عليكم سلطان بالإكراه و الإجبار على الكفر و المعاصي،و إنّما كان لي سبيل الوسوسة و الدّعوة.(3:311)

الفخر الرّازيّ: أي إلاّ دعائي إيّاكم إلى الضّلالة بوسوستي و تزييني.قال النّحويّون:ليس الدّعاء من جنس السّلطان،فقوله: إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ من جنس قولهم:ما تحيّتهم إلاّ الضّرب.و قال الواحديّ:إنّه استثناء منقطع،أي لكن دعوتكم.

و عندي أنّه يمكن أن يقال:كلمة(الاّ)هاهنا استثناء حقيقيّ،لأنّ قدرة الإنسان على حمل الغير على عمل من الأعمال تارة يكون بالقهر و القسر، و تارة يكون بتقوية الدّاعية في قلبه بإلقاء الوساوس إليه،فهذا نوع من أنواع التّسلّط.ثمّ إنّ ظاهر هذه الآية يدلّ على أنّ الشّيطان لا قدرة له على تصريع الإنسان و على تعويج أعضائه و جوارحه،و على إزالة العقل عنه،كما يقوله العوامّ و الحشويّة.(19:111)

نحوه النّسفيّ(2:260)و النّيسابوريّ(13:122) و الشّربينيّ(2:177)،و ملخّصا البروسويّ(4:412).

القرطبيّ: أي أغويتكم فتابعتموني.و قيل:

لم أقهركم على ما دعوتكم إليه. إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ.

هو استثناء منقطع،أي لكن دعوتكم بالوسواس

ص: 535

فاستجبتم لي باختياركم.(9:356)

نحوه البيضاويّ.(1:529)

أبو حيّان : إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ الظّاهر أنّه استثناء منقطع،لأنّ دعاءه إيّاهم إلى الضّلالة و وسوسته ليس من جنس السّلطان،و هو الحجّة البيّنة.

قيل:و يحتمل أن يريد بالسّلطان:الغلبة و التّسليط و القدرة،أي ما اضطررتكم و لا خوّفتكم بقوّة منّي بل عرضت عليكم شيئا،فأتى رأيكم عليه.

و قيل:هو استثناء متّصل،لأنّ القدرة على حمل الإنسان على الشّيء تارة يكون بالقهر من الحامل، و تارة يكون بتقوية الدّاعية في قلبه؛و ذلك بإلقاء الوسواس إليه،فهذا نوع من أنواع التّسليط.

قيل:و ظاهر هذا الكلام يدلّ على أنّ الشّيطان لا قدرة له على صرع الإنسان و تعويج أعضائه و جوارحه،و إزالة عقله.(5:418)

أبو السّعود : إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ إلاّ دعائي إيّاكم إليه و تسويله،و هو و إن لم يكن من باب السّلطان، لكنّه أبرزه في مبروزه على طريقة:

و خيل قد دلفت لها بخيل

تحيّة بينهم ضرب وجيع

مبالغة في نفي السّلطان عن نفسه،كأنّه قال:إنّما يكون لي عليكم سلطان إذا كان مجرّد الدّعاء من بابه، و يجوز كون الاستثناء منقطعا.(3:481)

الآلوسيّ: إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ أي إلاّ دعائي إيّاكم إلى الضّلالة.و هذا و إن لم يكن من جنس السّلطان حقيقة،لكنّه أبرزه في مبرزه و جعله منه ادّعاء،فلذا كان الاستثناء متّصلا،و هو من تأكيد الشّيء بضدّه كقوله:

و خيل قد دلفت لها بخيل

تحيّة بينهم ضرب وجيع

و هو من التّهكّم لا من باب الاستعارة أو التّشبيه أو غيرهما على ما حقّق في موضعه،فإن لم يعتبر فيه التّهكّم و الادّعاء يكون الاستثناء منقطعا على حدّ قوله:

و بلدة ليس بها أنيس*إلاّ اليعافير و إلاّ العيس و إلى الانقطاع ذهب أبو حيّان،و قال:إنّه الظّاهر، و جوّز الإمام القول بالاتّصال من غير اعتبار الادّعاء، و وجّه ذلك[ثمّ ذكر قول الفخر الرّازيّ](13:208)

المراغيّ: أي و لكن بمجرّد أن دعوتكم إلى الضّلال بوسوستي و تزييني،أسرعتم إلى إجابتي، و اتّبعتم شهوات النّفوس،و أطعتم الهوى،و خضتم في مسالك الرّدى.(13:145)

سيّد قطب :ثمّ يخزّهم وخزة أخرى بتعبيرهم بالاستجابة له،و ليس له عليهم من سلطان سوى أنّهم تخلّوا عن شخصيّاتهم،و نسوا ما بينهم و بين الشّيطان من عداء قديم،فاستجابوا لدعوته الباطلة و تركوا دعوة الحق من اللّه وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي. (4:2097)

ابن عاشور :و الاستثناء في إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ استثناء منقطع،لأنّ ما بعد حرف الاستثناء ليس من جنس ما قبله.فالمعنى:لكنّي دعوتكم فاستجبتم لي.

(12:246)

ص: 536

الطّباطبائيّ: و الظّاهر أيضا أن يكون الاستثناء في قوله: إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ منقطعا،و المعنى:لكن دعوتكم من غير أيّ سلطان فاستجبتم لي،و دعوته النّاس إلى الشّرك و المعصية و إن كانت بإذن اللّه لكنّها لم تكن تسليطا.فإنّ الدّعوة إلى فعل ليست تسلّطا من الدّاعي على فعل المدعوّ و إن كان نوع تسلّط على نفس الدّعوة،و من الدّليل عليه قوله تعالى فيما يأذن له: وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ إلى أن قال: وَ عِدْهُمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً الإسراء:64،65.

و من هنا يظهر سقوط ما وجّه به الرّازيّ في تفسيره كون الاستثناء متّصلا؛[و ذكر قوله ثمّ قال:]

وجه السّقوط إنّ عدم كون مجرّد الدّعوة سلطانا و تمكّنا من القهر على المدعوّ بديهيّ لا يقبل التّشكيك، فعدّه من أنواع التّسلّط ممّا لا يصغى إليه.

نعم ربّما انبعثت من المدعوّ ميل نفسانيّ إلى المدعوّ إليه فانقاد للدّعوة،و سلّط الدّاعي بدعوته على نفسه،لكنّه تسليط من المدعوّ لا تسلّط من الدّاعي، و بعبارة أخرى:هي سلطة يملكها المدعوّ من نفسه فيملكها الدّاعي،و ليس الدّاعي يملكها عليه من نفسه،و إبليس إنّما ينفي التّسلّط الّذي يملكه من نفسه،لا ما يسلّطونه على أنفسهم بالانقياد،بقرينة قوله: فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ. (12:47)

عبد الكريم الخطيب :و إنّ الشّيطان ليس بين يديه قوّة قاهرة،ملك بها أمر هؤلاء الّذين أضلّهم و أوقعهم في شباكه،إنّه أشبه بالصّائد الّذي ينصب شباكه للطّير،و يضع فيها الحبّ فتسقط عليها،و تعلق بها،و تصبح صيدا فى يده.

لقد دعاهم الشّيطان إليه،و زيّن لهم الضّلال و أغراهم به،فاستجابوا له،دون أن يستخدموا عقولهم الّتي وهبها اللّه لهم،و دون أن يستمعوا لكلمات اللّه على لسان رسله،يحذّرونهم هذا العدوّ المتربّص بهم، و يدعونهم إلى الفرار من وجهه،إلى حيث النّجاة و السّلامة،فى حمى اللّه ربّ العالمين.فإذا كان هناك من يستحقّ اللّوم فهو هم،لا الشّيطان،إنّ الشّيطان يعمل لنفسه،و يؤدّي رسالته فيهم،أمّا هم فقد غفلوا عن أنفسهم،و باعوها لهذا العدوّ بيع السّماح بلا ثمن.

(7:168)

تدعوهم-ادعوتموهم

وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ. الأعراف:193

الحسن :معناه إن دعوتم المشركين الّذين أصرّوا على الكفر إلى دين الحقّ،لم يؤمنوا،و هو نظير قوله:

سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ البقرة:6.

(الطّبرسيّ 2:510)

الفرّاء: و قوله: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى...

يقول:إن يدع المشركون الآلهة إلى الهدى لا يتّبعوهم.

(1:401)

الأخفش: أي و إن تدعو الأصنام إلى الهدى لا يتّبعوكم.(القرطبيّ 7:341)

ص: 537

الجبائيّ: معناه و إن دعوتم الأصنام الّتي عبدوها إلى الهدى،فإنّها لا تقبل الهدى.(الطّبرسيّ 2:510)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره في وصفه و عيبه ما يشرك هؤلاء المشركون في عبادتهم ربّهم إيّاه،و من صفته أنّكم،أيّها النّاس،إن تدعوهم إلى الطّريق المستقيم و الأمر الصّحيح السّديد لا يتّبعوكم،لأنّها ليست تعقل شيئا فتترك من الطّرق ما كان عن القصد منعدلا جائرا،و تركب ما كان مستقيما سديدا.

و إنّما أراد اللّه جلّ ثناؤه بوصف آلهتهم بذلك من صفتها،تنبيههم على عظيم خطئهم و قبح اختيارهم.

يقول جلّ ثناؤه:فكيف يهديكم إلى الرّشاد من إن دعي إلى الرّشاد و عرّفه لم يعرفه و لم يفهم رشادا من ضلال،و كان سواء دعاء داعيه إلى الرّشاد و سكوته، لأنّه لا يفهم دعاءه و لا يسمع صوته،و لا يعقل ما يقال له.يقول:فكيف يعبد من كانت هذه صفته،أم كيف يشكل عظيم جهل من اتّخذ ما هذه صفته إلها؟و إنّما الرّبّ المعبود هو النّافع من يعبده،الضّارّ من يعصيه، النّاصر وليّه،الخاذل عدوّه،الهادي إلى الرّشاد من أطاعه،السّامع دعاء من دعاه.(6:149)

الطّوسيّ: معناه:إنّ الأصنام و الأوثان الّتي كانوا يعبدونها و يتّخذونها آلهة إن دعوها إلى الهدى و الرّشد لم يستمعوا ذلك،و لا تمكّنوا من اتّباعهم،لأنّها جمادات لا تفقه و لا تعقل في قول أبي عليّ و غيره.

(5:67)

القشيريّ: المعبود هو القادر على هداية داعيه، و علم العبد بقدرة معبوده يوجب تبرّيه عن حوله و قوّته،و إفراد الحقّ سبحانه بالقدرة على قضاء حاجته،و إزالة ضرورته،فتتقاصر عن قصد الخلق خطاه،و تنقطع آماله عن غير مولاه.(2:291)

الواحديّ: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى و إن تدعو المشركين إلى الإسلام. لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ إلى الدّين و عبادة اللّه أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ أي صممتم عن ذلك الدّعاء،لتركهم الانقياد للحقّ و هذا كقوله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ البقرة:6.(2:435)

نحوه الميبديّ.(3:817)

الزّمخشريّ: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ و إن تدعوا هذه الأصنام إلى الهدى،أي إلى ما هو هدى و رشاد و إلى أن يهدوكم.و المعنى:و إن تطلبوا منهم كما تطلبون من اللّه الخير و الهدى لا يتّبعوكم إلى مرادكم و طلبتكم، و لا يجيبوكم كما يجيبكم اللّه.و يدلّ عليه قوله:

فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الأعراف:194، سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ سواء عليهم أ دعوتهم أم صمتم عن دعائهم،في أنّه لا فلاح معهم.(2:137)

ابن عطيّة: و قوله تعالى: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى... من قال:إنّ الآيات في آدم عليه السّلام قال:إنّ هذه مخاطبة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أمّته مستأنفة في أمر الكفّار المعاصرين للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و لهم الهاء و الميم من(تدعوهم،)

و من قال بالقول الآخر،قال:إنّ هذه مخاطبة للمؤمنين و الكفّار،على قراءة من قرأ(يشركون) بالياء من تحت،و للكفّار فقط على من قرأ بالتّاء من

ص: 538

فوق على جهة التّوقيف،أي إنّ هذه حال الأصنام معكم إن دعوتموهم لم يجيبوكم؛إذ ليس لهم حواسّ و لا إدراكات.

و في قوله تعالى: أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ عطف الاسم على الفعل؛إذا التّقدير:أم صمتم.[ثمّ استشهد بشعر](2:488)

الطّبرسيّ: [نقل قول الجبّائيّ ثمّ قال:]

بيّن بذلك ضعف أمرها،بأنّها لا تهدي غيرها، و لا تهتدي بأنفسها،و إن دعيت إلى الهدى، سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ أي سواء عليكم دعاؤهم،و السّكوت عنهم.(2:510)

ابن الجوزيّ: قوله تعالى: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ فيه قولان:

أحدهما:أنّها ترجع إلى الأصنام،فالمعنى:و إن دعوتهم أيّها المشركون أصنامكم إلى سبيل رشاد لا يتّبعوكم،لأنّهم لا يعقلون.

و الثاني:أنّها ترجع إلى الكفّار،فالمعنى و إن تدع يا محمّد هؤلاء المشركين إلى الهدى،لا يتّبعوكم، فدعاؤكم إيّاهم و صمتكم عنهم سواء،لأنّهم لا ينقادون إلى الحقّ.(3:305)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا أثبت بالآية المتقدّمة أنّه لا قدرة لهذه الأصنام على أمر من الأمور، بيّن بهذه الآية أنّه لا علم لها بشيء من الأشياء.

و المعنى:أنّ هذا المعبود الّذي يعبده المشركون معلوم من حاله أنّه كما لا ينفع و لا يضرّ،فكذا لا يصحّ فيه إذا دعي إلى الخير الاتّباع.و لا يفصل حال من يخاطبه ممّن يسكت عنه،ثمّ قوّى هذا الكلام بقوله:، سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ و هذا مثل قوله:

سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ البقرة:6.

و ذكرنا ما فيه من المباحث في تلك الآية،إلاّ أنّ الفرق في تلك الآية عطف الفعل على الفعل،و هاهنا عطف الاسم على الفعل،لأنّ قوله: أَ دَعَوْتُمُوهُمْ جملة فعليّة:و قوله: أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ جملة اسميّة.

و اعلم أنّه ثبت أنّ عطف الجملة الاسميّة على الفعليّة لا يجوز إلاّ لفائدة و حكمة،و تلك الفائدة هي أنّ صيغة الفعل مشعرة بالتّجدّد و الحدوث حالا بعد حال،و صيغة الاسم مشعرة بالدّوام و الثّبات و الاستمرار.

إذا عرفت هذا فنقول:إنّ هؤلاء المشركين كانوا إذا وقعوا في مهمّ و في معضلة تضرّعوا إلى تلك الأصنام،و إذا لم تحدث تلك الواقعة بقوا ساكتين صامتين،فقيل لهم:لا فرق بين إحداثكم دعاءهم و بين أن تستمرّوا على صمتكم و سكوتكم،فهذا هو الفائدة في هذه اللّفظة.ثمّ أكّد اللّه بيان أنّها لا تصلح للإلهيّة، فقال: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ الأعراف:194.(15:91)

نحوه النّيسابوريّ.(9:103)

البيضاويّ: و قيل:الخطاب للمشركين و(هم) ضمير الأصنام،أي إن تدعوهم إلى أن يهدوكم لا يتّبعوكم إلى مرادكم و لا يجيبوكم كما يجيبكم اللّه، سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ و إنّما لم يقل:أم صمتم للمبالغة في عدم إفادة الدّعاء،من

ص: 539

حيث إنّه مسويّ بالثّبات على الصّمات،أو لأنّهم ما كانوا يدعونها لحوائجهم،فكأنّه قيل:سواء عليكم إحداثكم دعاءهم و استمراركم على الصّمات عن دعائهم.(1:381)

نحوه الشّربينيّ.(1:546)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ الخطاب للكفّار انتقل من الغيبة إلى الخطاب،على سبيل الالتفات و التّوبيخ على عبادة غير اللّه،و يدلّ على أنّ الخطاب للكفّار قوله بعد: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ الأعراف:194.و ضمير المفعول عائد على ما عادت عليه هذه الضّمائر قبل،و هو الأصنام.

و المعنى:و إن تدعوا هذه الأصنام إلى ما هو هدى و رشاد،أو إلى أن يهدوكم كما تطلبون من اللّه الهدى و الخير،لا يتّبعوكم على مرادكم و لا يجيبوكم،أي ليست فيهم هذه القابليّة،لأنّها جماد لا تعقل،ثمّ أكّد ذلك بقوله: سَواءٌ عَلَيْكُمْ، أي دعاؤكم إيّاهم و صمتكم عنهم سيّان،فكيف يعبد من هذه حاله؟

و قيل:الخطاب للرّسول و المؤمنين،و ضمير النّصب للكفّار،أي و إن تدعوا الكفّار إلى الهدى لا يقبلوا منكم،فدعاؤكم و صمتكم سيّان،أي ليست فيهم قابليّة قبول و لا هدى.(4:441)

نحوه القاسميّ.(7:2925)

أبو السّعود :بيان لعجزهم عمّا هو أدنى من النّصر المنفيّ عنهم و أيسر،و هو مجرّد الدّلالة على المطلوب،و الإرشاد إلى طريق حصوله من غير أن يحصّله الطّالب.و الخطاب للمشركين بطريق الالتفات المنبئ عن مزيد الاعتناء بأمر التّوبيخ و التّبكيت،أي إن تدعوهم أيّها المشركون إلى أن يهدوكم إلى ما تحصّلون به المطالب أو تنجون به عن المكاره لا يَتَّبِعُوكُمْ إلى مرادكم و طلبتكم،و قرئ بالتّخفيف.

و قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ استئناف مقرّر لمضمون ما قبله،و مبيّن لكيفيّة عدم الاتّباع،أي مستو عليكم في عدم الإفادة دعاؤكم لهم و سكوتكم البحث،فإنّه لا يتغيّر حالكم في الحالين،كما لا يتغيّر حالهم بحكم الجماديّة،و قوله تعالى: أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ جملة اسميّة في معنى الفعليّة معطوفة على الفعليّة،لأنّها في قوّة«أم صمتّم»عدل عنها للمبالغة في عدم إفادة الدّعاء،ببيان مساواته للسّكوت الدّائم المستمرّ.

و ما قيل من أنّ الخطاب للمسلمين،و المعنى و إن تدعوا المشركين إلى الهدى،أي الإسلام(لا يتبعوكم) ممّا لا يساعده سباق النّظم الكريم و سياقه أصلا،على أنّه لو كان كذلك لقيل:«عليهم»مكان(عليكم) كما في قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ البقرة:6،فإنّ استواء الدّعاء و عدمه إنّما هو بالنّسبة إلى المشركين لا بالنّسبة إلى الدّاعين، فإنّهم فائزون بفضل الدّعوة.(3:67)

البروسويّ: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ أيّها المشركون إِلَى الْهُدى إلى أن يهدوكم إلى ما تحصّلون به مقاصدكم لا يَتَّبِعُوكُمْ إلى مرادكم و لا يجيبوكم كما يجيبكم اللّه سَواءٌ عَلَيْكُمْ أيّها المشركون

ص: 540

أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أي الأصنام أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ ساكتون،أي مستوى عليكم في عدم الإفادة دعاؤكم له و سكوتكم،فإنّه لا يتغيّر حالكم في الحالين،كما لا يتغيّر حالهم بحكم الجماديّة.و لم يقل:«أم صمتم» لرعاية رءوس الآي.(3:295)

الآلوسيّ: استئناف مقرّر لمضمون ما قبله و مبيّن لكيفيّة عدم الاتّباع،أي مستو عليكم في عدم الإفادة دعاؤكم لهم و سكوتكم،فإنّه لا يتغيّر حالكم في الحالين،كما لا يتغيّر حالهم بحكم الجماديّة.و كان الظّاهر الإتيان بالفعل فيما بعد(ام)لأنّ ما في حيّز همزة التّسوية مؤوّل بالمصدر،لكنّه عدل عن ذلك للإيذان بأنّ إحداث الدّعوة مقابل باستمرار الصّمات، و فيه من المبالغة ما لا يخفى.

و قيل:إنّ الاسميّة بمعنى الفعليّة،و إنّما عدل عنها لأنّها رأس فاصلة،و فيه أنّه لو قيل:«تصمتون»تمّ المراد.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](9:143)

نحوه المراغيّ.(9:141)

ابن عاشور :يجوز أن يكون عطفا على جملة:

أَ يُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً الأعراف:191، زيادة في التّعجيب من حال المشركين بذكر تصميمهم على الشّرك،على ما فيه من سخافة العقول و وهن الدّليل،بعد ذكر ما هو كاف لتزييفه.

فضمير الخطاب المرفوع في وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ موجّه إلى المسلمين مع الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و ضمير جمع الغائب المنصوب عائد إلى المشركين كما عاد ضمير أَ يُشْرِكُونَ الأعراف:191،فبعد أن عجّب اللّه المسلمين من حال أهل الشّرك،أنبأهم بأنّهم لا يقبلون الدّعوة إلى الهدى.

و معنى ذلك أنّه بالنّظر إلى الغالب منهم،و إلاّ فقد آمن بعضهم بعد حين و تلاحقوا بالإيمان،عدا من ماتوا على الشّرك.

و هذا الوجه هو الأليق بقوله تعالى بعد ذلك وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا... الأعراف:

198،ليكون المخبر عنهم في هذه الآية غير المخبر عنهم في الآية الآتية،[و]لظهر تفاوت الموقع بين لا يَتَّبِعُوكُمْ و بين لا يَسْمَعُوا الأعراف:198.

و يجوز أن تكون جملة وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى معطوفة على جملة الصّلة،في قوله: لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ الأعراف:191،فيكون ضمير الخطاب في(تدعوهم)خطابا للمشركين الّذين كان الحديث عنهم بضمائر الغيبة،من قوله: فَتَعالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ الأعراف:190،إلى هنا،فمقتضى الظّاهر أن يقال:و إن يدعوهم إلى الهدى لا يتّبعوهم، فيكون العدول عن طريق الغيبة إلى طريق الخطاب التفاتا من الغيبة إلى الخطاب،توجّها إليهم بالخطاب، لأنّ الخطاب أوقع في الدّمغ بالحجّة.و(الهدى)على هذا الوجه ما يهتدى إليه.و المقصود من ذكره أنّهم لا يستجيبون إذا دعوتموهم إلى ما فيه خيرهم،فيعلم أنّهم لو دعوهم إلى غير ذلك،لكان عدم اتّباعهم دعوتهم أولى.و جملة: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ مؤكّدة لجملة وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ فلذلك فصّلت.(8:390).

ص: 541

عبد الكريم الخطيب:و فى قوله تعالى: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ تشنيع على هؤلاء المشركين،و تسفيه لعقولهم؛إذ يجعلون ولاءهم لهذه الدّمى (1)،الّتي إذا دعاها عابدوها إلى الهدى لا تتّبعهم، و هذا يعني أنّ تلك الآلهة قائمة على ضلال،و أنّها إذا دعيت إلى الهدى لا تستجيب،لأنّها لا تستطيع أن تتحوّل عن وضعها الّذي هي فيه،إلاّ إذا امتدّت إليها يدمن يحوّلها عن مكانها.

و انظر إلى آلهة ضالّة يتعبّد لها قوم ضالّون،ثمّ يراد لهؤلاء الضّالّين أن يكونوا دعاة هدى لآلهتهم الّتي يعبدون؟

إنّها أوضاع مقلوبة يصبح فيها العابدون قادة و هداة للعابدين فبئس العابد و المعبود.(5:539)

فضل اللّه : وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ لأنّهم اختاروا لأنفسهم طريق الضّلال. سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ، لأنّ النّتيجة واحدة في كلتا الحالتين،فقد أغلقوا أسماعهم و عقولهم عن كلّ كلمات الخير و الهدى و الإيمان،فكيف تتّبعونهم و تطيعونهم في ما تعرفون ضلاله و انحرافه.(10:306)

مكارم الشّيرازيّ: و تعقيبا على هذا الأمر يردّ القرآن-بأسلوب بيّن متين-عقيدة المشركين و أفكارهم مرّة أخرى،فيقول: أَ يُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ الأعراف:191.

و ليس هذا فحسب،فهم ضعاف وَ لا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ. الأعراف:192.

و الأوثان و الأصنام في حالة لو ناديتموها لما استجابت لكم وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ.

فمن كان بهذه المنزلة و بهذا المستوى أنّى له بهداية الآخرين.

و يحتمل بعض المفسّرين احتمالا آخر في تفسير الآية،و هو أنّ الضّمير(هم)يرجع إلى المشركين لا إلى الأصنام،أي إنّهم إلى درجة من الإصرار و العناد؛بحيث لا يسمعونكم و لا يذعنون لكم و لا يسلّمون.

كما و يحتمل أنّ المراد هو أنّكم لو طلبتم منهم الهداية،فلن يتحقّق دعاؤكم و طلبكم على كلّ حال سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ.

و طبقا للاحتمال الثّاني يكون معنى الجملة على النّحو التّالي:سواء عليكم أ طلبتم من الأصنام شيئا،أو لم تطلبوا،ففي الحالين لا أثر لها،لأنّ الأصنام لا تقدر على أداء أيّ شيء،أو التّأثير في شيء.(5:303)

دعى

ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَ إِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا... المؤمن:12

راجع:و ح د:«وحده».

دعوا

1- ...وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا... البقرة:282 راجع:ش ه د:«الشّهداء».

ص: 542


1- جمع الدّمية:و هي اللّعبة.

2- وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ. النّور:48

3- إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ... النّور:51.

لاحظ:ح ك م:«ليحكم».

دعيتم

وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا الأحزاب:53

الماورديّ: فدلّ هذا على حظر الدّخول بغير إذن.(4:418)

القشيريّ: أمرهم بحفظ الأدب في الاستئذان و مراعاة الوقت،و وجوب الاحترام،فإذا أذن لكم فادخلوا على وجه الأدب،و حفظ أحكام تلك الحضرة،و إذا انتهت حوائجكم فاخرجوا،و لا تتغافلوا عنكم،و لا يمنعنّكم حسن خلقه من حفظ الأدب، و لا يحملنّكم فرط احتشامه على إبرامه.(5:167)

ابن العربيّ: المعنى:ادخلوا على وجه الأدب، و حفظ الحضرة الكريمة من المباسطة المكروهة.

و تقدير الكلام:إذا دعيتم فأذن لكم فادخلوا،و إلاّ فنفس الدّعوة لا تكون إذنا كافيا في الدّخول.

(3:1577)

القرطبيّ: فأكّد المنع،و خصّ وقت الدّخول،بأن يكون عند الإذن على جهة الأدب،و حفظ الحضرة الكريمة من المباسطة المكروهة.(14:226)

الآلوسيّ: استدراك من النّهي عن الدّخول بغير إذن،و فيه دلالة على أنّ المراد بالإذن إلى الطّعام:

الدّعوة إليه.(22:70)

ابن عاشور :و موقع الاستدراك لرفع توهّم أنّ التّأخّر عن إبّان الطّعام أفضل،فأرشد النّاس إلى أنّ تأخّر الحضور عن إبّان الطّعام لا ينبغي،بل التّأخّر ليس من الأدب،لأنّه يجعل صاحب الطّعام في انتظار، و كذلك البقاء بعد انقضاء الطّعام،فإنّه تجاوز لحدّ الدّعوة،لأنّ الدّعوة لحضور شيء تقتضي مفارقة المكان عند انتهائه،لأنّ تقيّد الدّعوة بالغرض المخصوص يتضمّن تحديدها بانتهاء ما دعي لأجله.

و كذلك الشّأن في كلّ دخول لغرض من مشاورة أو محادثة أو سمر أو نحو ذلك،و كلّ ذلك يتحدّد بالعرف و ما لا يثقل على صاحب المحلّ،فإن كان محلّ لا يختصّ به أحد كدار الشّورى و النّادي،فلا تحديد فيه.

(21:307)

لاحظ:د خ ل:«فادخلوا».

يدع

1- وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً. الإسراء:11

ابن عبّاس: كدعائه بالعافية و الرّحمة.(234)

يعني قول الإنسان:اللّهمّ العنه و اغضب عليه،فلو يعجّل له ذلك كما يعجّل له الخير،لهلك،و يقال:هو وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً يونس:12،أن يكشف ما به من ضرّ،يقول تبارك و تعالى:لو أنّه ذكرني و أطاعني،و اتّبع أمري

ص: 543

عند الخير،كما يدعوني عند البلاء،كان خيرا له.

(الطّبريّ 8:44)

إنّ الإنسان ربّما يدعو في حال الزّجر و الغضب على نفسه،و أهله،و ماله،بما لا يحبّ أن يستجاب له فيه،كما يدعو لنفسه بالخير.فلو أجاب اللّه دعاءه لأهلكه،لكنّه لا يجيب بفضله و رحمته.

(الطّبرسيّ 3:401)

مثله الحسن و قتادة.(الطّبرسيّ 3:401)

مجاهد :ذلك دعاء الإنسان بالشّرّ على ولده و على امرأته،فيعجّل،فيدعو عليه،و لا يحبّ أن يصيبه.(الطّبريّ 8:45)

قتادة :يدعو على ماله،فيلعن ماله و ولده،و لو استجاب اللّه له لأهلكه.(الطّبريّ 8:44)

الفرّاء: و قوله: وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ... حذفت الواو منها في اللّفظ و لم تحذف فى المعنى،لأنّها في موضع رفع،فكان حذفها باستقبالها اللاّم السّاكنة.

و مثلها سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ العلق:18،و كذلك وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ النّساء:146،و قوله:

يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ ق:41،و قوله: فَما تُغْنِ النُّذُرُ، و لو كنّ بالياء و الواو كان صوابا.و هذا من كلام العرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله: وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ يريد كدعائه بالخير في الرّغبة إلى اللّه عزّ و جلّ،فيما لا يحبّ الدّاعي إجابته،كدعائه على ولده فلا يستجاب له في الشّرّ و قد دعا به.فذلك أيضا من نعم اللّه عزّ و جلّ عليه.(2:117)

نحوه الثّعلبيّ(6:87)،و البغويّ(3:123)، و الميبديّ(5:521).

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:مذكّرا عباده أياديه عندهم،و يدعو الإنسان على نفسه و ولده و ماله بالشّرّ،فيقول:اللّهمّ أهلكه و العنه عند ضجره و غضبه،ك دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ يقول:كدعائه ربّه بأن يهب له العافية،و يرزقه السّلامة في نفسه و ماله و ولده،يقول:فلو استجيب له في دعائه على نفسه و ماله و ولده بالشّرّ كما يستجاب له في الخير،هلك.

و لكنّ اللّه بفضله لا يستجيب له في ذلك.(8:44)

الزّجّاج: المعنى إنّ الإنسان ربّما دعا على نفسه و ولده و أهله بالشّرّ غضبا كما يدعو لنفسه بالخير، و هذا لم يعرّ منه بشرّ.(3:229)

الماورديّ: فيه وجهان من التّأويل:

أحدها:أن يطلب النّفع في العاجل بالضّرّ العائد عليه في الآجل.

الثّاني:أن يدعو أحدهم على نفسه أو ولده بالهلاك،و لو استجاب دعاءه بهذا الشّرّ كما استجاب له بالخير،لهلك.(3:232)

الطّوسيّ: قيل:في معنى قوله: وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ قولان:

أحدهما:ما ذكره ابن عبّاس،و الحسن،و قتادة، و مجاهد أنّه يدعو على نفسه و ولده عند غضبه، فيقول:اللّهمّ العنه و اغضب عليه و ما أشبهه،فيمنعه اللّه،و لو أعطاه لشقّ عليه.

و الثّاني:قال قوم:إنّه يطلب ما هو شرّ له لتعجيل

ص: 544

الانتفاع به،مثل دعائه بما هو خير له.(6:453)

القشيريّ: من الأدب في الدّعاء ألاّ يسأل العبد إلاّ عند الحاجة،ثمّ ينظر فإن كان شيء لا يعنيه ألاّ يتعرّض له،فإنّ في الخبر:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».ثمّ من آداب الدّاعي إذا سأل من اللّه حاجته و رأى تأخيرا في الإجابة ألاّ يتّهم الحقّ سبحانه،و يجب أن يعلم أنّ الخير في ألاّ يجيبه، و الاستعجال فيما يختاره العبد غير محمود.و أولى الأشياء السّكون و الرّضا بحكمه سبحانه،إن لم يساعده الصّبر و سأل فالواجب ترك الاستعجال، و الثّقة بأنّ المقسوم لا يفوته،و أنّ اختيار الحقّ للعبد خير له من اختياره لنفسه.(4:10)

الزّمخشريّ: أي:و يدعو اللّه عند غضبه بالشّرّ على نفسه و أهله و ماله كما يدعوه لهم بالخير،كقوله:

وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ يونس:11.(2:440)

نحوه البيضاويّ(1:579)،و المراغيّ(15:18).

ابن عطيّة: و قوله: وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ... سقطت الواو من(يدع)في خطّ المصحف،لأنّهم كتبوا المسموع.و قال ابن عبّاس و قتادة و مجاهد:هذه الآية نزلت ذامّة لما يفعله النّاس من الدّعاء على أموالهم و أبنائهم في وقت الغضب و الضّجر،فأخبر اللّه أنّهم يدعون بالشّرّ في ذلك الوقت كما تدعون بالخير في وقت التّثبّت،فلو أجاب اللّه دعاءهم أهلكهم،لكنّه يصفح و لا يجيب دعاء الضّجر المستعجل.(3:441)

الطّبرسيّ: قيل:في معناه أقوال:

أحدها:[قول ابن عبّاس و الحسن و قتادة]

و الآخر:أنّ معناه أنّ الإنسان قد يطلب الشّرّ لاستعجاله المنفعة.

و ثالثها:أنّ معناه:و يدعو في طلب المحظور، كدعائه في طلب المباح.(3:401)

الفخر الرّازيّ: و في الآية مباحث:

البحث الأوّل:اعلم أنّ وجه النّظم هو أنّ الإنسان بعد أن أنزل اللّه عليه القرآن و خصّه بهذه النّعمة العظيمة و الكرامة الكاملة،قد يعدل عن التّمسّك بشرائعه و الرّجوع إلى بياناته،و يقدم على ما لا فائدة فيه،فقال: وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ.

البحث الثّاني:اختلفوا في المراد من دعاء الإنسان بالشّرّ على أقوال:

القول الأوّل:المراد منه:النّضر بن الحرث حيث قال: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الأنفال:

32،فأجاب اللّه دعاءه و ضربت رقبته.فكان بعضهم يقول:ائتنا بعذاب اللّه،و آخرون يقولون:متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟و إنّما فعلوا ذلك للجهل و اعتقاد أنّ محمّدا كاذب فيما يقول.

و القول الثّاني:المراد أنّه في وقت الضّجر يلعن نفسه و أهله و ولده و ماله،و لو استجيب له في الشّرّ كما يستجاب له في الخير لهلك.[إلى أن قال:]

و القول الثّالث:أقول:يحتمل أن يكون المراد:أنّ الإنسان قد يبالغ في الدّعاء طلبا لشيء يعتقد أنّ خيره فيه،مع أنّ ذلك الشّيء يكون منبع شرّه و ضرره،و هو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشّيء،و إنّما يقدم

ص: 545

على مثل هذا العمل لكونه عجولا مغترّا بظواهر الأمور،غير متفحّص عن حقائقها و أسرارها.

البحث الرّابع:القياس:إثبات الواو في قوله:

(و يدع)إلاّ أنّه حذف في المصحف من الكتابة،لأنّه لا يظهر في اللّفظ،أمّا لم تحذف في المعنى لأنّها في موضع الرّفع،و نظيره: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ العلق:18، وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ النّساء:146، يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ ق:41، فَما تُغْنِ النُّذُرُ القمر:5، و لو كان بالواو و الياء لكان صوابا.هذا كلام الفرّاء.

و أقول:إنّ هذا يدلّ على أنّه سبحانه قد عصم هذا القرآن المجيد عن التّحريف و التّغيير،فإنّ إثبات الياء و الواو في أكثر ألفاظ القرآن و عدم إثباتهما في هذه المواضع المعدودة،يدلّ على أنّ هذا القرآن نقل كما سمع،و أنّ أحدا لم يتصرّف فيه بمقدار فهمه و قوّة عقله.(20:162)

نحوه القرطبيّ(10:225)،و النّيسابوريّ(15:

12)،و الشّربينيّ(2:286).

أبو حيّان : وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ [ذكر نحو ابن عبّاس و قتادة و مجاهد و أضاف:]

و مناسبتها لما قبلها،أنّ بعض من لا يؤمن بالآخرة كان يدعو على نفسه بتعجيل ما وعد به من الشّرّ في الآخرة،كقول النّضر: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً الأنفال:32،و كتب(و يدع)بغير واو على حسب السّمع،و(الانسان)هنا ليس واحدا معيّنا،و المعنى:

أنّ في طباع الإنسان أنّه إذا ضجر و غضب دعا على نفسه و أهله و ماله بالشّرّ أن يصيبه كما يدعو بالخير أن يصيبه.[إلى أن قال:]

و قالت فرقة:هذه الآية ذمّ لقريش الّذين قالوا:

اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الأنفال:32، و كان الأولى أن يقولوا:فاهدنا إليه و ارحمنا.و قالت فرقة:هي معاتبة للنّاس على أنّهم إذا نالهم شرّ و ضرّ دعوا و ألحّوا في الدّعاء و استعجلوا الفرج،مثل الدّعاء الّذي كان يجب أن يدعوه في حالة الخير،انتهى.

و الباء في(بالشر)و(بالخير)على هذا بمعنى «في»و المدعوّ به ليس الشّرّ و لا الخير،و يراد على هذا أن تكون حالتاه في الشّرّ و الخير متساويتين في الدّعاء و التّضرّع للّه و الرّغبة و الذّكر،و ينبو عن هذا المعنى قوله:(دعاءه)إذ هو مصدر تشبيهيّ يقتضي وجوده، و في هذا القول شبّه(دعاءه)في حالة الشّرّ بدعاء مقصود كان ينبغي أن يوجد في حالة الخير.

و قيل:المعنى وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ في طلب المحرّم كما يدعو في طلب المباح.(6:13)

أبو السّعود :بيان لحال المهديّ إثر بيان حال الهادي،و إظهار لما بينهما من التّباين.و المراد ب(الانسان:)الجنس،أسند إليه حال بعض أفراده، أو حكي عنه حاله في بعض أحيانه،فالمعنى على الأوّل:أنّ القرآن يدعو الإنسان إلى الخير الّذي لا خير فوقه من الأجر الكبير،و يحذّر من الشّرّ الّذي لا شرّ وراءه من العذاب الأليم،و هو أي بعض منه، و هو الكافر يدعو لنفسه بما هو الشّرّ من العذاب المذكور:إمّا بلسانه حقيقة،كدأب من قال منهم:

اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا

ص: 546

حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ الأنفال:32، و من قال: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ الأعراف:70،إلى غير ذلك ممّا حكي عنهم،و إمّا بأعمالهم السّيّئة المفضية إليه الموجبة له مجازا،كما هو ديدن كلّهم دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ، أي مثل دعاءه بالخير المذكور فرضا لا تحقيقا فإنّه بمعزل من الدّعاء به،و فيه رمز إلى أنّه اللاّئق بحاله.(4:114)

نحوه الآلوسيّ.(15:23)

البروسويّ: و يدعو اللّه عند غضبه بالشّرّ و اللّعن و الهلاك على نفسه و أهله و خدمه و ماله.

و المراد ب(الانسان:)الجنس،أسند إليه حال بعض أفراده،أو حكي عنه حاله في بعض أحيانه.و حذفت واو«يدع و يمح و سندع»لفظا كياء سَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ النّساء:146،و يُنادِ الْمُنادِ ق:41،و فَما تُغْنِ النُّذُرُ القمر:5،وصلا لاجتماع السّاكنين و وقفا، و هي مرادة معنى حملا للوقف على الوصل،و لو وقف عليها اضطرار الوقف بلا واو في ثلاثتها اتّباعا للإمام كما في«الكواشي» دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ مثل دعائه لهم بالخير و الرّزق و العافية و الرّحمة و يستجاب له فلو استجيب له إذا دعا باللّعن كما يجاب له بالخير لهلك أو يدعوه بما يحسبه خيرا و هو شرّ في نفسه فينبغي أن يدعو بما هو خير عند اللّه تعالى لا بما يشتهيه.(5:137)

ابن عاشور :و فعل(يدعو)مستعمل في معنى يطلب و يبتغي،كقول لبيد:

ادعو بهنّ لعاقر أو مطفل

بذلت لجيران الجميع لحامها

و قوله: دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ مصدر يفيد تشبيها،أي يستعجل الشّرّ كاستعجاله الخير،يعني يستبطئ حلول الوعيد كما يستبطئ أحد تأخّر خير وعد به.[إلى أن قال:]

و كتب في المصحف(و يدع)بدون واو بعد العين إجراء لرسم الكلمة على حالة النّطق بها في الوصل، كما كتب سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ العلق:18،و نظائرها.

قال الفرّاء:لو كتبت بالواو لكان صوابا.(14:34)

الطّباطبائيّ: المراد بالدّعاء على ما يستفاد من السّياق:مطلق الطّلب سواء كان بلفظ الدّعاء،كقوله:

اللّهمّ ارزقني مالا و ولدا و غير ذلك،أو من غير دعاء لفظيّ بل بطلب و سعي،فإنّ ذلك كلّه دعاء و سؤال من اللّه،سواء اعتقد به الإنسان و تنبّه له أم لا؛إذ لا معطي و لا مانع في الحقيقة إلاّ اللّه سبحانه،قال تعالى:

يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الرّحمن:29، و قال: وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ ابراهيم:34، فالدّعاء مطلق الطّلب،و الباء في قوله:(بالشر) و(بالخير)للصّلة،و المراد:أنّ الإنسان يدعو الشّرّ و يسأله دعاء كدعائه الخير و سؤاله و طلبه.

(13:49)

عبد الكريم الخطيب :تكشف هذه الآية عن حال من أحوال الإنسان،و هو أنّه مولع بحبّ العاجل من المتاع،يطلبه و يؤثره على الآجل،و إن كان فيه من الخير أضعاف العاجل الّذي طلبه و آثره.

و من هنا،كان أكثر النّاس يطلبون الدّنيا، و يستوفون حظوظهم منها،دون أن يتركوا للآخرة

ص: 547

شيئا.و هذا ما يحملهم على أن يهتفوا بالشّرّ،و يلحّوا في طلبه،حتّى كأنّه خير محقّق.(8:459)

فضل اللّه :و يطلبه في واقع أمره،تخلّصا من حالات التّرقّب و الانتظار و التّفكير،الّتي تربطه بالمستقبل الّذي قد يأتي بعد وقت طويل،و بذلك يقع في كثير من الخسائر و الهزائم و المشاكل،لأنّه لم ينتظر الشّروط الواقعيّة الّتي تنفذه منها أو من سلبيّتها،أو تبدّلها إلى حالات أفضل. دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ كما يدعو بالخير في شوق و لهفة و استعجال،ليحصل على لذّته و منفعته في أقرب وقت.و لكن الإنسان لا يعي ما معنى استعجال العذاب الّذي يدمّر مصيره،و يحطّم كلّ معنى للحياة فيه،و لذلك يظلّ سادرا في غيّه،فيرى أنّه لا يمثّل الحقيقة،لأنّه اعتاد على أن يكون مقياسها السّرعة في الوجود بشكل مباشر.(14:50)

2- وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ. المؤمنون:117

الطّوسيّ: و معناه:أنّ من دعا مع اللّه إلها سواه لا يكون له على ذلك برهان و لا حجّة،لأنّه باطل، و لو دعا اللّه ببرهان لكان محقّا،و أجري على ذلك قوله: وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ آل عمران:21.

[ثمّ استشهد بشعر](7:402)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه سبحانه لمّا بيّن أنّه هو الملك الحقّ لا إله إلاّ هو،أتبعه بأنّ من ادّعى إلها آخر فقد ادّعى باطلا،من حيث لا برهان لهم فيه،و نبّه بذلك على أنّ كل ما لا برهان فيه لا يجوز إثباته؛و ذلك يوجب صحّة النّظر و فساد التّقليد.ثمّ ذكر أنّ من قال بذلك فجزاؤه العقاب العظيم،بقوله: فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ كأنّه قال:إنّ عقابه بلغ إلى حيث لا يقدر أحد على حسابه إلاّ اللّه تعالى.(23:128)

البيضاويّ: يعبده إفرادا أو إشراكا.(2:116)

نحوه البروسويّ.(6:112)

الآلوسيّ: وَ مَنْ يَدْعُ أي يعبد مَعَ اللّهِ، أي مع وجوده تعالى و تحقّقه سبحانه إِلهاً آخَرَ إفرادا أو إشراكا،أو من يعبد مع عبادة اللّه تعالى إلها آخر كذلك،و يتحقّق هذا في الكافر إذا أفرد معبوده الباطل بالعبادة تارة و أشركه مع اللّه تعالى أخرى،و قد يقتصر على إرادة الإشراك في الوجهين و يعلم حال من عبد غير اللّه سبحانه إفرادا بالأولى.(18:71)

الطّباطبائيّ: المراد من دعاء إله آخر مع اللّه:

دعاؤه مع وجوده تعالى لا دعاؤه تعالى و دعاء إله آخر معا،فإنّ المشركين جلّهم أو كلّهم لا يدعون اللّه تعالى و إنّما يدعون ما أثبتوه من الشّركاء.و يمكن أن يكون المراد بالدّعاء:الإثبات،فإنّ إثبات إله آخر لا ينفكّ عن دعائه.(15:73)

3- ...وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ. المؤمن:26

الزّمخشريّ: و قوله: وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ شاهد صدق على فرط خوفه منه و من دعوته ربّه.(3:423)

ابن عطيّة: أي إنّي لا أبالي عن ربّ موسى.

(4:555)

ص: 548

الطّبرسيّ: معناه:و قولوا له ليدع ربّه،و ليستعن به في دفع القتل عنه،فإنّه لا يجيء من دعائه شيء.قاله تجبّرا و عتوّا و جرأة على اللّه.(4:521)

الفخر الرّازيّ: فإنّما ذكره على سبيل الاستهزاء، يعني أنّي أقتله فليقل لربّه حتّى يخلّصه منّي.

(27:54)

القرطبيّ: (و ليدع)جزم،لأنّه أمر.و قيل:هذا يدلّ على أنّه قيل لفرعون:إنّا نخاف أن يدعو عليك فيجاب،فقال: وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ أي لا يهوّلنّكم ما يذكر من ربّه فإنّه لا حقيقة له.(15:305)

الشّربينيّ: وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ أي الّذي يدعوه و يدّعي إحسانه إليه،بما يظهر على يديه من هذه الخوارق.(3:478)

أبو السّعود :و قوله: وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ تجلّد منه و إظهار لعدم المبالاة بدعائه،و لكنّه أخوف ما يخافه إِنِّي أَخافُ إن لم أقتله أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ.

(5:417)

البروسويّ: وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ الّذي يزعم أنّه أرسله كي يمنعه منّي.(8:175)

الآلوسيّ: وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ لأنّ ظاهره الاستهانة بموسى عليه السّلام بدعائه ربّه سبحانه،كما يقال:ادع ناصرك فإنّي منتقم منك.و باطنه أنّه كان يرعد فرائصه من دعاء ربّه،فلهذا تكلّم به أوّل ما تكلّم،و أظهر أنّه لا يبالي بدعاء ربّه،و ما هو إلاّ كمن قال:«ذروني أفعل كذا»و ما كان فليكن،و إلاّ فما لمن يدّعي أنّه ربّهم الأعلى أن يجعل لما يدّعيه موسى عليه السّلام وزنا فيتفوّه به،تهكّما أو حقيقة.(24:62)

ابن عاشور :...و ذلك يستتبع كناية عن خطر ذلك العمل و صعوبة تحصيله،لأنّ مثله ممّا يمنع المستشار مستشيره من الإقدام عليه،و لذلك عطف عليه: وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ لأنّ موسى خوّفهم عذاب اللّه، و تحدّاهم بالآيات التّسع.و لام الأمر في وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ مستعملة في التّسوية و عدم الاكتراث.(24:181)

الطّباطبائيّ: و قوله: وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ كلمة قالها كبرا و عتوّا،يقول:اتركوني أقتله و ليدع ربّه فلينجه من يدي،و ليخلّصه من القتل إن قدر.(17:327)

عبد الكريم الخطيب :و في قوله: وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ ما يشير إلى هذا الخوف الّذي يملأ كيان فرعون،أكثر ممّا يشير إلى الاستخفاف،و عدم المبالاة.

(12:1223)

4- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ...

القمر:6

سيأتي في:«الدّاع».

5-6- فَلْيَدْعُ نادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ.

العلق:17،18

لاحظ:ن د ي:«ناديه»،و:ز ب ن:«الزّبانية».

يدعنا

...فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ... يونس:12

مضى في ذيل«دعانا».

ص: 549

يدعوا

1- أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ... البقرة:221

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بقوله:(اولئك) هؤلاء الّذين حرّمت عليكم أيّها المؤمنون مناكحتهم من رجال أهل الشّرك و نسائهم،يدعونكم إلى النّار يعني يدعونكم إلى العمل بما يدخلكم النّار؛و ذلك هو العمل الّذي هم به عاملون من الكفر باللّه و رسوله.

يقول:و لا تقبلوا منهم ما يقولون،و لا تستنصحوهم، و لا تنكحوهم و لا تنكحوا إليهم،فإنّهم لا يألونكم خبالا،و لكن اقبلوا من اللّه ما أمركم به فاعملوا به، و انتهوا عمّا نهاكم عنه،فإنّه يدعوكم إلى الجنّة،يعني بذلك يدعوكم إلى العمل بما يدخلكم الجنّة،و يوجب لكم النّجاة إن عملتم به من النّار،و إلى ما يمحو خطاياكم أو ذنوبكم،فيعفو عنها و يسترها عليكم.

(2:392)

الزّمخشريّ: (اولئك)إشارة إلى المشركات و المشركين،أي يدعون إلى الكفر فحقّهم أن لا يوالوا و لا يصاهروا و لا يكون بينهم و بين المؤمنين إلاّ المناصبة و القتال، وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ يعني و أولياء اللّه و هم المؤمنون يدعون إلى الجنّة.(1:361)

ابن عطيّة: و قوله تعالى:(اولئك)الإشارة إلى المشركات و المشركين أي إنّ صحبتهم و معاشرتهم توجب الانحطاط في كثير من هواهم مع تربيتهم النّسل.فهذا كلّه دعاء إلى النّار مع السّلامة من أن يدعو إلى دينه نصّا من لفظه،و اللّه تعالى يمنّ بالهداية، و يبيّن الآيات و يحضّ على الطّاعات الّتي هي كلّها دواع إلى الجنّة.(1:297)

الطّبرسيّ: يَدْعُونَ إِلَى النّارِ يعني إلى الكفر و المعاصي الّتي هي سبب دخول النّار.و هذا مثل التّعليل،لأنّ الغالب أنّ الزّوج يدعو زوجته إلى دينه وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ أي إلى فعل ما يوجب الجنّة.(1:318)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله: أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ ففيه مسألتان:

المسألة الأولى:هذه الآية نظير قوله: ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ المؤمن:41.

فإن قيل:فكيف يدعون إلى النّار و ربّما لم يؤمنوا بالنّار أصلا،فكيف يدعون إليها؟!

و جوابه:أنّهم ذكروا في تأويل هذه الآية وجوها:

أحدها:أنّهم يدعون إلى ما يؤدّي إلى النّار،فإنّ الظّاهر أنّ الزّوجيّة مظنّة الألفة و المحبّة و المودّة،و كلّ ذلك يوجب الموافقة في المطالب و الأغراض،و ربّما يؤدّي ذلك إلى انتقال المسلم عن الإسلام بسبب موافقة حبيبه.

فإن قيل:احتمال المحبّة حاصل من الجانبين،فكما يحتمل أن يصير المسلم كافرا بسبب الألفة و المحبّة، يحتمل أيضا أن يصير الكافر مسلما بسبب الألفة و المحبّة،و إذا تعارض الاحتمالان وجب أن يتساقطا، فيبقى أصل الجواز.

قلنا:إنّ الرّجحان لهذا الجانب،لأنّ بتقدير أن ينتقل الكافر عن كفره يستوجب المسلم به مزيد ثواب

ص: 550

و درجة،و بتقدير أن ينتقل المسلم عن إسلامه يستوجب العقوبة العظيمة،و الإقدام على هذا العمل دائر بين أن يلحقه مزيد نفع و بين أن يلحقه ضرر عظيم،و في مثل هذه الصّورة يجب الاحتراز عن الضّرر،فلهذا السّبب رجّح اللّه تعالى جانب المنع على جانب الإطلاق.

التّأويل الثّاني:أنّ في النّاس من حمل قوله:

أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ أنّهم يدعون إلى ترك المحاربة و القتال،و في تركهما وجوب استحقاق النّار و العذاب.و غرض هذا القائل من هذا التّأويل أن يجعل هذا فرقا بين الذّمّيّة و بين غيرها،فإنّ الذّمّيّة لا تحمل زوجها على المقاتلة،فظهر الفرق.

التّأويل الثّالث:أنّ الولد الّذي يحدث ربّما دعاه الكافر إلى الكفر،فيصير الولد من أهل النّار،فهذا هو الدّعوة إلى النّار، وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ حيث أمرنا بتزويج المسلمة حتّى يكون الولد مسلما من أهل الجنّة.

أمّا قوله تعالى: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ففيه قولان:

القول الأوّل:أنّ المعنى:و أولياء اللّه يدعون إلى الجنّة،فكأنّه قيل:أعداء اللّه يدعون إلى النّار و أولياء اللّه يدعون إلى الجنّة و المغفرة،فلا جرم يجب على العاقل أن لا يدور حول المشركات اللّواتي هنّ أعداء اللّه تعالى،و أن ينكح المؤمنات فإنّهنّ يدعون إلى الجنّة و المغفرة.

و الثّاني:أنّه سبحانه لمّا بيّن هذه الأحكام و أباح بعضها و حرّم بعضها،قال: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ لأنّ من تمسّك بها استحقّ الجنّة و المغفرة.

(6:64)

القرطبيّ: فإن قالوا:فقد قال اللّه تعالى: أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ فجعل العلّة في تحريم نكاحهنّ الدّعاء إلى النّار.

و الجواب:أنّ ذلك علّة لقوله تعالى: وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ لأنّ المشرك يدعو إلى النّار، و هذه العلّة مطّردة في جميع الكفّار،فالمسلم خير من الكافر مطلقا،و هذا بيّن.(3:69)

أبو حيّان : أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ هذه إشارة إلى الصّنفين:المشركات و المشركين.

و يَدْعُونَ يحتمل أن يكون الدّعاء بالقول،كقوله:

وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا البقرة:

135،و يحتمل أن لا يكون القول،بل بسبب المحبّة و المخالطة تسرق إليه من طباع الكفّار ما يحمله على الموافقة لهم في دينهم-و العياذ باللّه-فتكون من أهل النّار.

و قيل:معناه يدعون إلى ترك المحاربة و القتال، و في تركهما وجوب استحقاق النّار،و فرّق صاحب هذا التّأويل بين الذّمّيّة و غيرها،فإنّ الذّمّيّة لا يحمل زوجها على المقاتلة.

و قيل:المعنى أنّ الولد الّذي يحدث ربّما دعاه الكافر إلى الكفر فيوافق،فيكون من أهل النّار، و الّذي يدلّ عليه ظاهر الآية:أنّ الكفّار يدعون إلى النّار قطعا:إمّا بالقول،و إمّا أن تؤدّي إليه الخلطة،

ص: 551

و التآلف و التّناكح.و المعنى:أنّ من كان داعيا إلى النّار يجب اجتنابه لئلاّ يستميل بدعائه دائما معاشره، فيجيبه إلى ما دعاه،فيهلك.

و في هذه الآية تنبيه على العلّة المانعة من المناكحة في الكفّار،لما هم عليه من الالتباس بالمحرّمات من:

الخمر و الخنزير،و الانغماس في القاذورات،و تربية النّسل و سرقة الطّباع من طباعهم،و غير ذلك ممّا لا تعادل فيه شهوة النّكاح في بعض ما هم عليه.و إذا نظر إلى هذه العلّة فهي موجودة في كلّ كافر و كافرة، فتقتضي المنع من المناكحة مطلقا.و سيأتي الكلام في سورة المائدة إن شاء اللّه تعالى،و نبدي هناك إن شاء اللّه كونها لا تعارض هذه.

و(الى)،متعلّق ب يَدْعُونَ كقوله: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ يونس:25،و يتعدّى أيضا باللاّم، كقوله:

*دعوت لما نابني مسورا*

و مفعول يَدْعُونَ محذوف:إمّا اقتصارا؛إذ المقصود إثبات أنّ من شأنهم الدّعاء إلى النّار من غير ملاحظة مفعول خاصّ،و إمّا اختصارا،فالمعنى:

أولئك يدعونكم إلى النّار. وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ هذا ممّا يؤكّد منع مناكحة الكفّار،إذ ذكر قسيمان:أحدهما:يجب اتّباعه،و آخر:يجب اجتنابه، فتباين القسيمان.

و لا يمكن إجابة دعاء اللّه و اتّباع ما أمر به إلاّ باجتناب دعاء الكفّار و تركهم رأسا،و دعاء اللّه إلى اتّباع دينه الّذي هو سبب في دخول الجنّة،فعبّر بالمسبّب عن السّبب لترتّبه عليه.و ظاهر الآية الإخبار عن اللّه تعالى بأنّه هو تعالى يدعو إلى الجنّة.

[و نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و حامله على أنّ ذلك هو على حذف مضاف طلب المعادلة بين المشركين و المؤمنين في الدّعاء،فلمّا أخبر عن من أشرك أنّه يدعو إلى النّار،جعل من آمن يدعو إلى الجنّة،و لا يلزم ما ذكر،بل إجراء اللّفظ على ظاهره من نسبة الدّعاء إلى اللّه تعالى هو آكد في التّباعد من المشركين،حيث جعل موجد العالم منافيا لهم في الدّعاء،فهذا أبلغ من المعادلة بين المشركين و المؤمنين.(2:165)

الشّربينيّ: (اولئك)أي أهل الشّرك يَدْعُونَ إِلَى النّارِ أي إلى الكفر المؤدّي إلى النّار،فلا تليق مصاهرتهم و موالاتهم، وَ اللّهُ يَدْعُوا أي أولياءه المؤمنون،فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه، تفخيما لشأنهم،أو يدعو على لسان رسله،و هذا كما قال أبو حيّان:أبلغ في التّباعد من المشركين إجراء للّفظ على ظاهره،و الأوّل ذكر لطلب المعادلة بين المشركين و المؤمنين.(1:144)

نحوه أبو السّعود(1:268)،و البروسويّ(1:

345).

الآلوسيّ: (اولئك)أي المذكورون من المشركين و المشركات يَدْعُونَ إِلَى النّارِ أي الكفر المؤدّي إليها:إمّا بالقول أو بالمحبّة و المخالطة،فلا تليق مناكحتهم.

فإن قيل:كما أنّ الكفّار يدعون المؤمنين إلى النّار،

ص: 552

كذلك المؤمنون يدعونهم إلى الجنّة بأحد الأمرين.

أجيب:بأنّ المقصود من الآية أنّ المؤمن يجب أن يكون حذرا عمّا يضرّه في الآخرة،و أن لا يحوم حول حمى ذلك،و يتجنّب عمّا فيه الاحتمال،مع أنّ النّفس و الشّيطان يعاونان على ما يؤدّي إلى النّار،و قد ألفت الطبّاع في الجاهليّة ذلك-قاله بعض المحقّقين- و الجملة إلخ معلّلة لخيريّة المؤمنين و المؤمنات من المشركين و المشركات وَ اللّهُ يَدْعُوا بواسطة المؤمنين من يقاربهم إلى الجنّة و المغفرة،أي إلى الاعتقاد الحقّ و العمل الصّالح الموصلين إليهما.

(2:120)

المراغيّ: أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ أي إنّ هؤلاء المشركين و المشركات من دأبهم أن يدعوا إلى كلّ ما يكون سببا في دخول النّار من الأقوال و الأفعال.و صلة الزّوجيّة من أقوى العوامل في تأثير هذه الدّعوة في النّفوس؛إذ من شأنها أن يتسامح معها في أمور كثيرة،فربّما سري شيء من عقائد الشّرك للمؤمن أو المؤمنة بضروب من الشّبه و التّضليل، فالمشركون عبدوا غير اللّه،لكنّهم لم يسمّوا عملهم عبادة،بل أطلقوا عليه الاستشفاع و التّوسّل،و اتّخذوا غير اللّه ربّا و إلها و سمّوه وسيلة و شفيعا،ظنّا منهم أنّ تسمية الشّيء بغير اسمه يخرجه عن حقيقته،كما قال تعالى: وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللّهِ يونس:18.

و إذا كانت مساكنة المشركين مع الكراهة و النّفور قد أفسدت الأديان،فكيف بهم إذا اتّخذوا أزواجا، ألاّ يكون في ذلك الدّعوة إلى النّار،و السّبب في الشّقاء و الدّمار؟!

وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ أي إنّ دعوة اللّه الّتي عليها المؤمنون هي الّتي توصل إلى الجنّة و المغفرة بإذنه و توفيقه،فهي بالضّدّ من دعوة المشركين الّتي توصل إلى النّار،لسوء اختيارهم و قبح تصرّفهم في كسبهم،و ما عليه المؤمنون هو الّذي هدت إليه الفطرة،و بلّغه عنه رسله بإذنه،و أرشدوا إليه خلقه.(2:153)

ابن عاشور :و الواو في(يدعون)واو جماعة الرّجال،و وزنه«يفعون»و غلّب فيه المذكّر على المؤنّث كما هو الشّائع،و الجملة مستأنفة استئنافا بيانيّا،لتعليل النّهي عن نكاح المشركات و إنكاح المشركين،و معنى الدّعاء إلى النّار:الدّعاء إلى أسبابها،فإسناد الدّعاء إليهم حقيقة عقليّة.و لفظ النّار مجاز مرسل أطلق على أسباب الدّخول إلى النّار،فإنّ ما هم عليه يجرّ إلى النّار من غير علم،و لمّا كانت رابطة النّكاح رابطة اتّصال و معاشرة نهى عن وقوعها مع من يدعون إلى النّار،خشية أن تؤثّر تلك الدّعوة في النّفس،فإنّ بين الزّوجين مودّة و إلفا يبعثان على إرضاء أحدهما الآخر.

و لمّا كانت هذه الدّعوة من المشركين شديدة، لأنّهم لا يوحّدون اللّه و لا يؤمنون بالرّسل،كان البون بينهم و بين المسلمين في الدّين بعيدا جدّا لا يجمعهم شيء يتّفقون عليه،فلم يبح اللّه مخالطتهم بالتّزوّج من

ص: 553

كلا الجانبين.

أمّا أهل الكتاب فيجمع بينهم و بين المسلمين اعتقاد وجود اللّه و انفراده بالخلق و الإيمان بالأنبياء، و يفرق بيننا و بين النّصارى الاعتقاد ببنوّة عيسى و الإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و يفرق بيننا و بين اليهود الإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و تصديق عيسى،فأباح اللّه تعالى للمسلم أن يتزوّج الكتابيّة و لم يبح تزوّج المسلمة من الكتابيّ، اعتدادا بقوّة تأثير الرّجل على امرأته،فالمسلم يؤمن بأنبياء الكتابيّة و بصحّة دينها قبل النّسخ،فيوشك أن يكون ذلك جالبا إيّاها إلى الإسلام،لأنّها أضعف منه جانبا،و أمّا الكافر فهو لا يؤمن بدين المسلمة و لا برسولها فيوشك أن يجرّها إلى دينه،لذلك السّبب و هذا كان يجيب به شيخنا الأستاذ سالم أبو حاجب عن وجه إباحة تزوّج الكتابيّة و منع تزوّج الكتابيّ المسلمة.

و قوله: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ... أي إنّ اللّه يدعو بهذا الدّين إلى الجنّة فلذلك كانت دعوة المشركين مضادّة لدعوة اللّه تعالى،و المقصود من هذا تفظيع دعوتهم و أنّها خلاف دعوة اللّه،و الدّعاء إلى الجنّة و المغفرة دعاء لأسبابهما،كما تقدّم في قوله:

يَدْعُونَ إِلَى النّارِ. (2:344)

مغنيّة: أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ أُولئِكَ إشارة إلى المشركين و المشركات، يَدْعُونَ إِلَى النّارِ بيان للحكمة الموجبة لعدم الزّواج أخذا و عطاء من أهل الشّرك،و الحكمة هي أنّ الصّلة الزّوجيّة بهم تؤدّي إلى فساد العقيدة و الدّين-و على الأقلّ-إلى الفسق و التّهاون بأحكام اللّه.[إلى أن قال:] وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ هنا دعوتان:

الأولى:دعوة المشركين إلى فعل ما يوجب دخول النّار،و غضب اللّه سبحانه.

و الثّانية:دعوة اللّه إلى فعل ما يوجب المغفرة و دخول الجنة،و من هذا الفعل الزّواج بالمؤمنة دون المشركة،و تزويج المؤمن دون المشرك.و ليس من شكّ أنّ المؤمنين هم الّذين يلبّون دعوة اللّه،و ينالون بذلك مفخرته،و يدخلون جنّته بإذنه،أي بهدايته و توفيقه.(1:333)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ... إشارة إلى حكمة الحكم بالتّحريم،و هو أنّ المشركين لاعتقادهم بالباطل،و سلوكهم سبيل الضّلال رسخت فيهم الملكات الرّذيلة المزيّنة للكفر و الفسوق،و المعميّة عن إبصار طريق الحقّ و الحقيقة، فأثبتت في قولهم و في فعلهم الدّعوة إلى الشّرك، و الدّلالة إلى البوار،و السّلوك بالآخرة إلى النّار،فهم يدعون إلى النّار،و المؤمنون-بخلافهم-بسلوكهم سبيل الإيمان،و تلبّسهم بلباس التّقوى يدعون بقولهم و فعلهم إلى الجنّة و المغفرة بإذن اللّه؛حيث أذن في دعوتهم إلى الإيمان،و اهتدائهم إلى الفوز و الصّلاح المؤدّي إلى الجنّة و المغفرة.

و كان حقّ الكلام أن يقال:و هؤلاء يدعون إلى الجنّة...ففيه استخلاف عن المؤمنين،و دلالة على أنّ المؤمنين في دعوتهم بل في مطلق شئونهم الوجوديّة

ص: 554

إلى ربّهم،لا يستقلّون في شيء من الأمور دون ربّهم تبارك و تعالى،و هو وليّهم كما قال سبحانه: وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:68.

و في الآية وجه آخر:و هو أن يكون المراد بالدّعوة إلى الجنّة و المغفرة:هو الحكم المشرّع في صدر الآية بقوله تعالى: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ... فإنّ جعل الحكم لغرض ردع المؤمنين عن الاختلاط في العشرة مع من لا يزيد القرب منه و الأنس به إلاّ البعد من اللّه سبحانه،و حثّهم بمخالطة من في مخالطته التّقرّب من اللّه سبحانه،و ذكر آياته و مراقبة أمره و نهيه دعوة من اللّه إلى الجنّة،و يؤيّد هذا الوجه تذييل هذه الجملة بقوله تعالى: وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. و يمكن أن يراد بالدّعوة الأعمّ من الوجهين،و لا يخلو حينئذ السّياق عن لطف، فافهم.(2:205)

2- وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. يونس:25

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ما من يوم طلعت فيه شمسه إلاّ و بجنبتيها ملكان يناديان،يسمعه خلق اللّه كلّهم إلاّ الثّقلين:يا أيّها النّاس هلمّوا إلى ربّكم،إنّ ما قلّ و كفى خير ممّا كثر و ألهى».و أنزل ذلك في القرآن في قوله: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. (الطّبريّ 6:548)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لعباده:أيّها النّاس، لا تطلبوا الدّنيا و زينتها،فإنّ مصيرها إلى فناء و زوال، كما مصير النّبات الّذي ضربه اللّه لها مثلا إلى هلاك و بوار،و لكن اطلبوا الآخرة الباقية،و لها فاعملوا، و ما عند اللّه فالتمسوا بطاعته،فإنّ اللّه يدعوكم إلى داره،و هي جنّاته الّتي أعدّها لأوليائه،تسلموا من الهموم و الأحزان فيها،و تأمنوا من فناء ما فيها من النّعيم و الكرامة الّتي أعدّها لمن دخلها،و هو يهدي من يشاء من خلقه فيوفّقه لإصابة الطّريق المستقيم، و هو الإسلام الّذي جعله جلّ ثناؤه سببا للوصول إلى رضاه،و طريقا لمن ركبه و سلك فيه إلى جنانه و كرامته.(6:548)

الزّجّاج: اَلسَّلامِ هو اللّه جلّ و عزّ،فاللّه يدعو إلى داره،و داره الجنّة.و يجوز-و اللّه أعلم-أن يكون دارِ السَّلامِ الدّار الّتي يسلم فيها من الآفات.

(3:15)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى بأنّه الّذي يدعو عباده إلى دار السّلام.

و الدّعاء طلب الفعل بما يقع لأجله،و الدّاعي إلى الفعل خلاف الصّارف عنه.و قد يدعو إليه باستحقاق المدح عليه.و الفرق بين الدّعاء و الأمر:أنّ في الأمر ترغيبا في الفعل،و زجرا عن تركه،و له صيغة تنبئ عنه،و ليس كذلك الدّعاء،و كلاهما طلب.و أيضا الأمر يقتضي أن يكون المأمور دون الأمر في الرّتبة، و الدّعاء يقتضي أن يكون فوقه.(5:418)

القشيريّ: دعاهم إلى دار السّلام،و في الحقيقة دعاهم إلى ما يوجب لهم الوصول إلى دار السّلام، و هو اعتناق أوامره،و الانتهاء عن زواجره.

ص: 555

و الدّعاء من حيث التّكليف،و تخصيص الهداية لأهلها من حيث التّشريف.و يقال:الدّعاء تكليف و الهداية تعريف،فالتّكليف على العموم،و التّعريف على الخصوص.و يقال:التّكليف بحقّ سلطانه.

و التّعريف بحكم إحسانه.

و يقال:الدّعاء قوله و الهداية طوله،دخل الكلّ تحت قوله،و انفرد الأولياء بتخصيص طوله.(3:90)

الميبديّ: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ ببعث الرّسل و نصب الأدلّة.(4:275)

الزّمخشريّ: و معناه:يدعو العباد كلّهم إلى دار السّلام،و لا يدخلها إلاّ المهديّون.(2:233)

ابن عطيّة: نصّت هذه الآية أنّ الدّعاء إلى الشّرع عامّ في كلّ بشر،و الهداية الّتي هي الإرشاد مختصّة بمن قدّر إيمانه،و اَلسَّلامِ قيل هو اسم اللّه عزّ و جلّ،فالمعنى:يدعو إلى داره الّتي هي الجنّة، و إضافتها إليه إضافة ملك إلى مالك.و قيل:

اَلسَّلامِ بمعنى السّلامة،أي من دخلها ظفر بالسّلامة و أمن الفناء و الآفات.و هذه الآية رادّة على المعتزلة.(3:115)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا نفّر الغافلين عن الميل إلى الدّنيا بالمثل السّابق،رغّبهم في الآخرة بهذه الآية.

و وجه التّرغيب في الآخرة ما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«مثلي و مثلكم شبه سيّد بنى دارا و وضع مائدة و أرسل داعيا،فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار و أكل من المائدة و رضي عنه السّيّد.و من لم يجب لم يدخل و لم يأكل و لم يرض عنه السّيّد.فاللّه السّيّد،و الدّار دار الإسلام،و المائدة الجنّة،و الدّاعي محمّد عليه السّلام.(17:74)

نحوه النّيسابوريّ.(11:73)

القرطبيّ: لمّا ذكر وصف هذه الدّار و هي دار الدّنيا،وصف الآخرة فقال:إنّ اللّه لا يدعوكم إلى جمع الدّنيا بل يدعوكم إلى الطّاعة لتصيروا إلى دار السّلام، أي إلى الجنّة.(8:328)

أبو حيّان :لما ذكر مثل الحياة الدّنيا و ما يؤول إليه من الفناء و الاضمحلال،و ما تضمّنه من الآفات و العاهات،ذكر تعالى أنّه داع إلى دار السّلامة و الصّحّة و الأمن،و هي الجنّة؛إذ أهلها سالمون من كلّ مكروه.(5:144)

الشّربينيّ: أي يعلّق دعاءه على سبيل التّجدّد و الاستمرار بالمدعوّين.(2:15)

أبو السّعود :ترغيب للنّاس في الحياة الأخرويّة الباقية إثر ترعيبهم عن الحياة الدّنيا الفانية،أي يدعو النّاس جميعا إلى دار السّلامة عن كلّ مكروه و آفة، و هي الجنّة.(3:231)

نحوه الآلوسيّ.(11:102)

البروسويّ: يَدْعُوا النّاس جميعا-على لسان رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم و على ألسنة ورثته الكمّل الّذين اتّبعوه قولا و فعلا و حالا،-من الدّار الّتي أوّلها البكاء و أوسطها العناء و آخرها الفناء إِلى دارِ السَّلامِ أي إلى دار السّلامة من كلّ مكروه و آفة،و هي الجنّة أوّلها العطاء و أوسطها الرّضاء و آخرها اللّقاء.

ص: 556

[إلى أن قال:]

و المقصود إلى العمل المؤدّي إلى دخول الجنّة، و لذا قال بعض المشايخ:أوجب اللّه عليك وجود طاعته في ظاهر الأمر،و ما أوجب عليك بالحقيقة إلاّ دخول جنّته.إذ الأمر آيل إليها و الأسباب عدميّة، و إنّما احتاجوا إلى الدّعوة و الإيجاب؛إذ ليس في أكثرهم من المروءة ما يردّهم إليه بلا علّة،بخلاف أهل المروءة و المحبّة و الوفاء،فإنّه لو لم يكن وجوب لقاموا للحقّ بحقّ العبوديّة،و راعوا ما يجب أن يراعى من حرمة الرّبوبيّة.(4:35)

المراغيّ: أي ذلك الإيثار لمتاع الدّنيا و الغرور بها،هو ما يدعو إليه الشّيطان،فيوقع متّبعيه في جهنّم دار النّكال و الوبال،و اللّه يدعو عباده إلى دار السّلام؛ إذ يأمرهم بما يوصل إليها.(11:95)

ابن عاشور :الجملة معطوفة على جملة كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ يونس:24،أي نفصّل الآيات الّتي منها آية حالة الدّنيا و تقضّيها،و ندعو إلى دار السّلام دار الخلد.و لمّا كانت جملة كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ تذييلا،و كان شأن التّذييل أن يكون كاملا جامعا مستقلا جعلت الجملة المعطوفة عليها مثلها في الاستقلال،فعدل فيها عن الإضمار إلى الإظهار؛إذ وضع قوله: وَ اللّهُ يَدْعُوا موضع ندعو،لأنّ الإضمار في الجملة يجعلها محتاجة إلى الجملة الّتي فيها المعاد.

و حذف مفعول(يدعوا)لقصد التّعميم،أي يدعو كلّ أحد.و الدّعوة هي:الطّلب و التّحريض، و هي هنا أوامر التّكليف و نواهيه.(11:62)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ... الدّعاء و الدّعوة عطف نظر المدعوّ إلى ما يدعى إليه و جلب توجّهه و هو أعمّ من النّداء،فإنّ النّداء يختصّ بباب اللّفظ و الصّوت،و الدّعاء يكون باللّفظ و الإشارة و غيرهما،و النّداء إنّما يكون بالجهر و لا يقيّد به الدّعاء.

و الدّعاء في اللّه سبحانه«تكوينيّ»و هو إيجاد ما يريده لشيء،كأنّه يدعوه إلى ما يريده،قال تعالى:

يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الإسراء:52، أي يدعوكم إلى الحياة الأخرويّة فتستجيبون إلى قبولها،و«تشريعيّ»و هو تكليف النّاس بما يريده من دين بلسان آياته،و الدّعاء من العبد لربّه عطف رحمته و عنايته إلى نفسه بنصب نفسه في مقام العبوديّة و المملوكيّة،و لذا كانت العبادة في الحقيقة دعاء،لأنّ العبد ينصب فيها نفسه في مقام المملوكيّة و الاتّصال بمولاه بالتّبعيّة و الذّلّة،ليعطفه بمولويّته و ربوبيّته إلى نفسه و هو الدّعاء.

و إلى ذلك يشير قوله تعالى: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60،حيث عبّر أوّلا بالدّعاء،ثمّ بدّله ثانيا العبادة.(10:38)

عبد الكريم الخطيب :مناسبة هذه الآية لما قبلها،أنّ الآية السّابقة تحدّثت عن الحياة الدّنيا، و كشفت عن أنّها دار فناء،لا بقاء لشيء فيها،و إن زها و ازدهر،لا تبيت أحدا على جناح أمن أبدا،و إن

ص: 557

أمكنته من كلّ أسباب السّلطان و القوّة و العزّة،فهو على طريق ينتهي به دائما إلى نهاية،هي الموت.

هذه هي الدّار الّتي كشفت عنها الآية السّابقة، و هي دار:متاعها غرور،و ظلّها زائل،لا يغترّ بها، و لا يثق فيها إلاّ من استجاب لداعي هواه،و وساوس شيطانه.

أمّا الدّار الّتي تشير إليها هذه الآية وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ فهي الدّار الآخرة،و هي دار أمن و سلام و خلود،يدعو إليها اللّه سبحانه و تعالى عباده، و يبعث فيهم رسله ليدلّوهم عليها،و ليكشفوا لهم معالم الطّريق إليها،فمن استجاب لدعوة اللّه و صدّق برسله و استقام على دعوتهم،كان من أهل هذه الدّار، و من أهل السّلامة و الأمن و النّجاة،و الفوز بنعيم الجنّات،و برضوان اللّه.(6:993)

فضل اللّه :الدّعوة إلى دار السّلام:

و ما ذا بعد ذلك؟هل يموت كلّ شيء في الإنسان، و هل هذه الحياة دعوة إلى الموت،فلا تثير في داخله أيّة رغبة في حركة الحياة في داخله،لتتحوّل المسألة عندها إلى حالة انفعال و إحباط أمام مظاهر الفناء، فيموت قبل أن يموت،لأنّه يفقد الامتداد في الهدف؟إنّ الآية التّالية تجيب عن ذلك: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ، و هي الجنّة الّتي وعد اللّه المتّقين بها؛حيث يعيش فيها الإنسان هناك سلام الفكر و الرّوح و الشّعور و الحياة،مع اللّه و مع النّفس و مع النّاس الّذين يجلسون هناك إخوانا على سرر متقابلين، فلا يحملون في صدورهم غلا لأحد.و ليست هذه الدّعوة مجرّد فكرة تخطر في البال و تثير في النّفس انفعالات الذّات،و لكنّها الدّعوة الّتي يمسك اللّه فيها بيد الإنسان ليهديه إلى الطّريق المستقيم الّذي يوصله إلى تلك الجنّة،بما يوفّره له من أدوات الفكر و العمل، و أجواء الرّوح و الإيمان،فقد خلق اللّه الإنسان، و خلق معه الفطرة الّتي تتحرّك معه بالهداية،حيث يشمله اللّه بألطافه.(11:296)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ ما ذكر أعلاه تجسيم واضح و صريح عن الحياة الدّنيويّة السّريعة الانقضاء و الخداعة،و المليئة بالتّزاويق و الزّخارف،فلا دوام لثرواتها و نعيمها،و لا هي مكان أمن و سلامة،و لهذا فإنّ الآية التّالية أشارت بجملة قصيرة إلى الحياة المقابلة لهذه الحياة،و قالت: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ.

فلا وجود و لا خبر هناك عن مطاحنات و اعتداءات المتكالبين على الحياة المادّيّة،و لا حرب و لا إراقة دماء و لا استعمار و لا استثمار،و كلّ هذه المفاهيم قد جمعت في كلمة دارِ السَّلامِ..

و إذا تلبّست الحياة في هذه الدّنيا بعقيدة التّوحيد و الإيمان بالمبدإ و المعاد،فإنّها ستتبدّل أيضا إلى دار السّلام،و لا تكون حينئذ كالمزرعة الّتي أتلفها البلاء و الوباء.(6:310)

3 و 4- يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ* يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ.لَبِئْسَ الْمَوْلى وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ. الحجّ:12،13

ص: 558

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و إن أصابت هذا الّذي يعبد اللّه على حرف فتنة،ارتدّ عن دين اللّه،يدعو من دون اللّه آلهة لا تضرّه إن لم يعبدها في الدّنيا و لا تنفعه في الآخرة إن عبدها ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ، يقول:ارتداده ذلك داعيا من دون اللّه هذه الآلهة هو الأخذ على غير استقامة،و الذّهاب عن دين اللّه ذهابا بعيدا.

يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ يدعو هذا المنقلب على وجهه من أن أصابته فتنة آلهة لضرّها في الآخرة له أقرب و أسرع إليه من نفعها.و ذكر أنّ ابن مسعود كان يقرؤه(يدعو من ضرّه أقرب من نفعه.).

و اختلف أهل العربيّة في موضع(من)،فكان بعض نحويّي البصرة يقول:موضعه نصب ب(يدعوا،) و يقول:معناه:يدعو لآلهة ضرّها أقرب من نفعها، و يقول:هو شاذّ،لأنّه لم يوجد في الكلام:يدعو لزيدا.

و كان بعض نحويّي الكوفة يقول:اللاّم من صلة(ما) بعد(من)،كأنّ معنى الكلام عنده:يدعو من لضرّه أقرب من نفعه.و حكي عن العرب سماعا منها:عندي لما غيره خير منه،بمعنى عندي ما لغيره خير منه، و«أعطيتك لما غيره خير منه»بمعنى:ما لغيره خير منه.

و قال:جائز في كلّ ما لم يتبيّن فيه الإعراب الاعتراض باللاّم دون الاسم.

و قال آخرون منهم:جائز أن يكون معنى ذلك:هو الضّلال البعيد يدعو،فيكون(يدعوا)صلة اَلضَّلالُ الْبَعِيدُ و تضمر في(يدعوا)الهاء ثمّ تستأنف الكلام باللاّم،فتقول: لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى، كقولك في الكلام في مذهب الجزاء:«لما فعلت لهو خير لك».فعلى هذا القول(من) في موضع رفع بالهاء في قوله:(ضره،)لأنّ(من)إذا كانت جزاء فإنّما يعربها ما بعدها،و اللاّم الثّانية في لَبِئْسَ الْمَوْلى جواب اللاّم الأولى،و هذا القول الآخر على مذهب العربيّة أصحّ،و الأوّل إلى مذهب أهل التّأويل أقرب.(9:117)

الزّجّاج: يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ يعني يدعو الوثن الّذي لا يسمع و لا يبصر و لا ينفع و لا يضرّ.

و قوله: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ فقال:

و لا يضرّه،و قال: ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ معناه الضّرر بعبادته أقرب من النّفع.[إلى أن قال:]

و قد اختلف النّاس في تفسير هذه اللاّم،و في (يدعوا)بأيّ شيء هي معلّقة،و نحن نفسّر جميع ما قالوه و ما أغفلوه ممّا هو بيّن من جميع ما قالوا إن شاء اللّه.

قال البصريّون و الكوفيّون:اللاّم معناها التّأخير، المعنى:يدعو من لضرّه أقرب من نفعه،و لم يشبعوا الشّرح،و لا قالوا من أين جاز أن تكون اللاّم في غير موضعها.و شرح ذلك أنّ اللاّم لليمين و التّوكيد، فحقّها أن تكون في أوّل الكلام،فقدّمت لتجعل في حقّها،و إن كان أصلها أن تكون في لضرّه كما أنّ لام «إنّ»حقّها أن تكون في الابتداء،فلمّا لم يجز أن تلي

ص: 559

«إنّ»جعلت في الخبر في مثل قولك:إنّ زيدا لقائم، و لا يجوز«إنّ لزيدا قائم»فإذا أمكن أن يكون ذلك في الاسم كان ذلك أجود الكلام،تقول:إنّ في ذلك لآية،فهذا قول.

و قالوا أيضا:إنّ(يدعوا)معها هاء مضمرة،و أنّ (ذلك)في موضع رفع،و(يدعوا)في موضع الحال، المعنى:ذلك هو الضّلال البعيد يدعوه،المعنى في حال دعائه إيّاه،و يكون لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ مستأنفا مرفوعا بالابتداء،و خبره لَبِئْسَ الْمَوْلى وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ.

و فيه وجه آخر ثالث:يكون(يدعوا)في معنى يقول،يكون(من)في رفع و خبره محذوف،و يكون المعنى:يقول لمن ضرّه أقرب من نفعه هو مولاي،و مثله (يدعوا)في معنى يقول في قول عنترة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن يكون(يدعوا)في معنى«يسمّى».

[ثمّ استشهد بشعر]

و وجه هذا القول الّذي قبله.

و فيها وجه رابع،و هو الّذي أغفله النّاس،أنّ (ذلك)في موضع نصب بوقوع(يدعوا)عليه، و يكون(ذلك)في تأويل«الّذي»و يكون المعنى:

الّذي هو الضّلال البعيد يدعو،و يكون لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ مستأنفا،و هذا مثل قوله: وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ طه:17،على معنى و ما الّتي بيمينك يا موسى.[ثمّ استشهد بشعر](3:414)

نحوه الثّعلبيّ(7:10)،و الطّوسيّ(7:297).

ابن عطيّة:و معنى(يدعوا)يعبد و يدعو أيضا في ملمّاته.

و اختلف النّاس في قوله تعالى: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ فقالت فرقة من الكوفيّين:اللاّم مقدّمة على موضعها،و إنّما التّقدير:يدعو من لضرّه،و يؤيّد هذا التّأويل أنّ عبد اللّه بن مسعود قرأ (يدعوا من ضرّه) و قال الأخفش:(يدعوا)بمعنى«يقول»،و(من) مبتدأ و(ضره)مبتدأ و(اقرب)خبره،و الجملة صلة،و خبر(من)محذوف،و التّقدير:يقول لمن ضرّه أقرب منه نفعه إله،و شبه هذا يقول عنترة:

*يدعون عنتر و الرّماح كأنّها*

و هذا القول فيه نظر،فتأمّل إفساده للمعنى؛إذ لم يعتقد الكافر قطّ أنّ ضرّ الأوثان أقرب من نفعها.

و اعتذار أبي عليّ هنا مموّه،و أيضا فهو لا يشبه البيت الّذي استشهد به.

و قيل:المعنى في(يدعوا)«يسمّى»و هذا كالقول الّذي قبله،إلاّ أنّ المحذوف آخرا مفعول، تقديره:إلها.

و قال الزّجّاج:يجوز أن يكون(يدعوا)في موضع الحال،و فيه هاء محذوفة،و التّقدير:ذلك هو الضّلال البعيد(يدعوا)أو يدعوه،فيوقف على هذا

قال أبو عليّ: و يحسن أن يكون ذلك بمعنى «الّذي»أي الّذي هو الضّلال البعيد(يدعوا) فيكون قوله:(ذلك)موصولا بقوله: ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ، و يكون(يدعوا)عاملا في قوله:

(ذلك)كون(ذلك)بمعنى«الّذي»غير سهل.

ص: 560

و شبّهه المهدويّ بقوله تعالى: وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ طه:17.

و قد يظهر في الآية أن يكون قوله:(يدعوا) متّصلا بما قبله،و يكون فيه معنى التّوبيخ،كأنّه قال:

(يدعوا)من لا يضرّ و لا ينفع ثمّ كرّر(يدعوا)على جهة التّوبيخ غير معدّى؛إذ عدّي أوّل الكلام،ثمّ ابتدأ الإخبار بقوله: لَمَنْ ضَرُّهُ، و اللاّم مؤذنة بمجيء القسم،و الثّانية الّتي في(لبئس)لام القسم،و إن كان أبو عليّ مال إلى أنّها لام الابتداء و الثّانية لام اليمين.

و يظهر أيضا في الآية أن يكون المراد:يدعو من ضرّه،ثمّ علّق الفعل باللاّم،و صحّ أن يقدّر هذا الفعل من الأفعال الّتي تعلّق،و هي أفعال النّفس كظننت و خشيت،و أشار أبو عليّ إلى هذا و ردّ عليه.(4:110)

الطّبرسيّ: يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أي يدعو هذا المريد بعبادته،سوى اللّه،ما لا يضرّه إن لم يعبده،و ما لا ينفعه إن عبده.(4:75)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله: يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ فالأقرب أنّه المشرك الّذي يعبد الأوثان.و هذا كالدّلالة على أنّ الآية لم ترد في اليهوديّ،لأنّه ليس ممّن يدعو من دون اللّه الأصنام،و الأقرب أنّها واردة في المشركين الّذين انقطعوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على وجه النّفاق.(23:14)

أبو السّعود : يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ استئناف مبيّن لعظم الخسران،أي يعبد متجاوزا عبادة اللّه تعالى.[إلى أن قال:]

يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ... استئناف مسوق لبيان مآل دعائه المذكور،و تقرير كونه ضلالا بعيدا،مع إزاحة ما عسى يتوهّم من نفي الضّرر عن معبوده بطريق المباشرة نفيه عنه بطريق التّسبّب أيضا، فالدّعاء بمعنى القول،و اللاّم داخلة على الجملة الواقعة مقولا له،و(من)مبتدأ و(ضره)مبتدأ ثان، خبره(اقرب)و الجملة صلة للمبتدإ الأوّل.

(4:371)

نحوه البروسويّ(6:12)،و الآلوسيّ(17:

124).

5- إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ. فاطر:6

لاحظ:ح ز ب:«حزبه».

6- ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ... الزّمر:8

لاحظ:ن س ي:«نسي».

7- وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ.

الأحقاف:5

لاحظ:ض ل ل:«اضلّ».

8- فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً. الانشقاق:11

لاحظ:ث ب ر:«ثبورا».

ص: 561

يدعوه

وَ أَنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً. الجنّ:19

ابن عبّاس: أنّه قام إلى الصّلاة يدعو ربّه فيها، و قام أصحابه خلفه مؤتمّين،فعجبت الجنّ من طواعية أصحابه له.(الماورديّ 6:120)

ابن جريج:أنّه قام إلى اليهود داعيا لهم إلى اللّه.

(الماورديّ 6:120)

الطّبريّ: لمّا قام محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يدعو اللّه، يقول:لا إله إلاّ اللّه.(12:271)

نحوه الطّوسيّ.(10:156)

الثّعلبيّ: يعني:محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم(يدعوه)يقول:لا إله إلاّ اللّه،و يدعوا إليه و يقرأ القرآن.(10:55)

القشيريّ: لمّا قام عبد اللّه،يعني محمّدا عليه السّلام يدعوا الخلق إلى اللّه.(6:207)

البغويّ: يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم(يدعوه،)يعني يعبده و يقرأ القرآن،و ذلك حين كان يصلّي ببطن نخلة و يقرأ القرآن.(5:163)

نحوه الميبديّ.(10:256)

الزّمخشريّ: و معنى قام يدعوه:قام يعبده، يريد:قيامه لصلاة الفجر بنخلة،حين أتاه الجنّ فاستمعوا لقراءته صلّى اللّه عليه و سلّم.(4:170)

نحوه الفخر الرّازيّ.(30:164)

القرطبيّ: (يدعوه)أي يعبده.(19:22)

مثله الشّربينيّ.(4:406)

أبو حيّان :(يدعوه)أي يدعو اللّه.(8:353)

أبو السّعود:(يدعوه)حال من فاعل(قام) أي يعبده؛و ذلك قيامه لصلاة الفجر بنخلة.(6:317)

نحوه البروسويّ(10:198)،و الآلوسيّ(30:

92).

فضل اللّه :(يدعوه)أي يدعو به في صلاته أو في غيرها.(23:165)

يدعوهم

أَ وَ لَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ.

لقمان:21

الطّبريّ: بتزيينه لهم سوء أعمالهم،و اتّباعهم إيّاه على ضلالتهم،و كفرهم باللّه،و تركهم اتّباع ما أنزل اللّه من كتابه على نبيّه.(10:219)

الطّوسيّ: و معناه:إنّكم تتّبعون ما وجدتم عليه آباءكم،و لو كان ذلك يدعوكم إلى عذاب جهنّم.

(8:282)

الزّمخشريّ: (يدعوهم)معناه:يتّبعونهم و لو كان الشّيطان يدعوهم،أي في حال دعاء الشّيطان إيّاهم إلى العذاب.(3:235)

الطّبرسيّ: و المعنى:أنّ الشّيطان يدعوهم إلى تقليد آبائهم،و ترك اتّباع ما جاءت به الرّسل؛و ذلك موجب لهم عذاب النّار،فهو في الحقيقة يدعوهم إلى النّار.(4:320)

الفخر الرّازيّ: استفهاما على سبيل التّعجّب في الإنكار،يعني الشّيطان يدعوهم إلى العذاب و اللّه يدعو إلى الثّواب،و هم مع هذا يتّبعون الشّيطان.

(25:153)

ص: 562

الشّربينيّ: (يدعوهم)إلى الضّلال،فيوبقهم فيما يسخط الرّحمن فيؤدّيهم ذلك.(3:193)

أبو السّعود : أَ وَ لَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ أي آباءهم لا أنفسهم-كما قيل-فإنّ مدار إنكار الاتّباع و استبعاده،كون المتبوعين تابعين للشّيطان لا كون أنفسهم كذلك،أي أ يتّبعونهم و لو كان الشّيطان يدعوهم فيما هم عليه من الشّرك إِلى عَذابِ السَّعِيرِ فهم متوجّهون إليه حسب دعوته؟ و الجملة في حيّز النّصب على الحاليّة.(5:192)

نحوه الآلوسيّ.(21:95)

البروسويّ: الاستفهام للإنكار و التّعجّب من التّعلّق بشبهة،هي في غاية البعد من مقتضى العقل، و الضّمير عائد إلى الآباء،و الجملة في حيّز النّصب على الحاليّة.و المعنى:أ يتّبعونهم و لو كان الشّيطان يدعوهم بما هم عليه من الشّرك.(7:91)

ابن عاشور :و الضّمير المنصوب في قوله:

(يدعوهم)عائد إلى الآباء،أي أ يتّبعون آباءهم و لو كان الشّيطان يدعو الآباء إلى العذاب فهم يتّبعونهم إلى العذاب و لا يهتدون؟و(لو)وصليّة،و الواو معها للحال.

و الاستفهام تعجيبيّ من فظاعة ضلالهم،و عماهم بحيث يتّبعون من يدعوهم إلى النّار،و هذا ذمّ لهم.

و هو وزان قوله: أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً البقرة:170،و الدّعاء إلى عذاب السّعير:الدّعاء إلى أسبابه.(21:118)

الطّباطبائيّ: و قوله: أَ وَ لَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ أي أ يتّبعون آباءهم و لو كان الشّيطان يدعوهم بهذا الاتّباع إلى عذاب السعير؟فالاستفهام للإنكار،و(لو)وصليّة معطوفة على محذوف مثلها، و التّقدير:أ يتّبعونهم لو لم يدعهم الشّيطان و لو دعاهم.

و محصّل الكلام:أنّ الاتّباع إنّما يحسن إذا كانوا على الحقّ،و أمّا لو كانوا على الباطل،و كان اتّباعا يدعوهم به إلى الشّقاء و عذاب السّعير-و هو كذلك- فإنّه اتّباع في عبادة غير اللّه و لا معبود غيره.

(16:230)

عبد الكريم الخطيب :هو استفهام توبيخيّ لهؤلاء المشركين الّذين يتلقّون معتقدهم عن آبائهم، دون أن يكون لهم نظر أو رأي فيما تلقّوه،و دون أن يتعرّفوا إلى حقيقة هذا المعتقد،و ما فيه من حقّ أو باطل،و من خير أو شرّ،و إنّما يأخذونه-كما هو- عادة من العادات،و تقليدا من التّقاليد.

فلو أنّ آباءهم هؤلاء جاءوا إليهم على صورة شياطين يدعونهم إلى جهنّم و يفتحون لهم أبوابها، لاستجابوا لهم،و لاقتفوا آثارهم،دون وعي، أو التفات إلى النّار الّتي هم مدفوعون إليها،إنّه التّقليد الأعمى،و المتابعة الحمقاء،الّتي يسلّم فيها المرء وجوده كلّه لغيره،دون أن يجعل لعقله حقّ النّظر و الاختيار.

و إنّه لعدوان أثيم على الجانب الرّوحيّ في الإنسان؛و ذلك بحرمانه من أن يذوق بوسائله الإدراكيّة و الشّعوريّة و الوجدانيّة،ما يغذّي هذا الجانب و يرضيه تماما،كما يفعل الإنسان فيما يتّصل بغذائه الجسديّ،فهو الّذي يتخيّر طعامه و يذوقه

ص: 563

و يمضغه،فإن استساغه تركه يأخذ سبيله إلى جوفه، و إن مجّه أو استخبثه،ألقى به من فيه.و حمى جوفه من سوء ما ينجم منه.

فكيف يقبل الإنسان أن يدع لغيره اختيار ما يغذّي روحه و مشاعره،و وجدانه؟إنّ ذلك أشبه بالتّغذية الصّناعيّة،الّتي يعيش عليها الأطفال أو المرضى،لا يفيد منها الجسم إلاّ بالقدر الّذي يمسك عليه الحياة.هذا إذا كان الغذاء الصّناعيّ طيّبا سليما، فكيف به إذا كان خبيثا فاسدا؟.(11:578)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ القرآن-في الحقيقة- يزيح هنا الغطاء عن اتّباع سنّة الآباء و الأجداد الزّائفة،و يبيّن الوجه الحقيقيّ لعمل هؤلاء،و الّذي هو في حقيقته اتّباع الشّيطان في مسير جهنّم.

أجل،إنّ قيادة الشّيطان بذاتها تستوجب أن يخالفها الإنسان و إن كانت مبطّنة بالدّعوة إلى الحقّ، فمن المسلّم أنّه غطاء و خدعة،و الدّعوة إلى النّار كافية لوحدها أيضا للمخالفة،بالرّغم من أنّ الدّاعي مجهول الحال،فإذا كان الدّاعي الشّيطان،و دعوته إلى نار جهنّم المستعرة،فالأمر واضح.

هل يوجد عاقل يترك دعوة أنبياء اللّه إلى الجنّة، و يلهث وراء دعوة الشّيطان إلى جهنّم؟.(13:53)

يدعوكم

1- إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ... آل عمران:153

مضى بيانها في:اخ ر:«أخراكم».

2- قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِي اللّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ. إبراهيم:10

الطّبريّ: يقول:يدعوكم إلى توحيده و طاعته.

(7:424)

الماورديّ: أي يدعوكم إلى التّوبة.(3:125)

الطّوسيّ: يدعوكم إلى عبادته.(6:279)

القشيريّ: ليس العجب ممّن تكلّف لسيّده المشاقّ و تحمّل ما لا يطاق،و ألاّ يهرب من خدمة أو يجنح إلى راحة،إنّما العجب من سيّد عزيز كريم يدعو عبده ليغفر له و قد أخطأ،و يعامله بالإحسان و قد جفا.(3:242)

الزّمخشريّ: أي يدعوكم إلى الإيمان ليغفر لكم أو يدعوكم لأجل المغفرة،كقوله:دعوته لينصرني و دعوته ليأكل معي.[ثمّ استشهد بشعر](2:369)

الطّبرسيّ: أي يدعوكم إلى الإيمان به لينفعكم، لا ليضرّكم.(3:306)

القرطبيّ: إلى طاعته بالرّسل و الكتب.(9:346)

الشّربينيّ: (يدعوكم،)أي إلى الإيمان ببعثنا.

(2:172)

أبو السّعود :إلى الإيمان بإرساله إيّانا لا أنّا ندعوكم إليه من تلقاء أنفسنا كما يوهمه قولكم: مِمّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ إبراهيم:9. لِيَغْفِرَ لَكُمْ بسببه،أو يدعوكم لأجل المغفرة،كقولك:دعوته ليأكل معي.

(3:476)

نحوه الآلوسيّ.(13:195)

البروسويّ: إلى طاعته بالرّسل و الكتب.

ص: 564

[إلى أن قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»(يدعوكم)من المكوّنات إلى الكون،لا لحاجته إليكم بل لحاجتكم إليه.(4:403)

ابن عاشور :و جملة(يدعوكم)حال من اسم الجلالة،أي يدعوكم أن تنبذوا الكفر،ليغفر لكم ما أسلفتم من الشّرك،و يدفع عنكم عذاب الاستئصال، فيؤخّركم في الحياة إلى أجل معتاد.

و الدّعاء:حقيقته النّداء،فأطلق على الأمر و الإرشاد مجازا،لأنّ الآمر ينادي المأمور.

و يعدّى فعل الدّعاء إلى الشّيء المدعوّ إليه بحرف الانتهاء غالبا و هو«إلى»،نحو قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ المؤمن:41.

و قد يعدّى بلام التّعليل داخلة على ما جعل سببا للدّعوة،فإنّ العلّة تدلّ على المعلول،كقوله تعالى:

وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ نوح:7،أي دعوتهم إلى سبب المغفرة لتغفر،أي دعوتهم إلى الإيمان لتغفر لهم،و هو في هذه الآية كذلك،أي يدعوكم إلى التّوحيد ليغفر لكم من ذنوبكم.

و قد يعدّى فعل الدّعوة إلى المدعوّ إليه باللاّم تنزيلا للشّيء الّذي يدعى إلى الوصول إليه منزلة الشّيء الّذي لأجله يدعى.[ثمّ استشهد بشعر]

(12:230)

عبد الكريم الخطيب :هو إغراء لهؤلاء المكذّبين بالرّسل أن يستجيبوا للّه،و أن يقبلوا دعوته الّتي يحملها إليهم رسله،فإنّه سبحانه لا يدعوهم إلاّ إلى خير،إنّه يدعوهم ليغفر لهم من ذنوبهم،و ليؤخّرهم إلى أجل مسمّى فلا يعجّل لهم العذاب،الّذي لا بدّ هو واقع بالمكذّبين في غير مهل،إن هم أصرّوا على ما هم عليه من كفر و ضلال،بعد أن جاءهم من اللّه هذا البلاغ المبين.(7:157)

فضل اللّه :في دعوتكم للسّير على نهجه الأصيل الّذي بعث به رسله،لمنعكم بذلك عن المعصية،قبل الوقوع فيها،أو تخليصكم من نتائجها بعد الوقوع فيها، بما تمثّله المغفرة في الخطّ الأوّل،من وقاية للإنسان،و بما تمثّله في الخطّ الثّاني من رحمة له،و إبعاد له عن الوقوع في الهلاك.(13:88)

3- يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً. الإسراء:52

مقاتل:و ذلك أنّ إسرافيل قائم على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن،فيقول:أيّتها اللّحوم المتفرّقة و أيّتها العروق المتقطّعة و أيّتها الشّعور المتفرّقة اخرجوا إلى فصل القضاء لتنفخ فيكم أرواحكم و تجازون بأعمالكم،فيخرجون و يديم المنادي الصّوت،فيخرجون من قبورهم و يسمعون الصّوت فيسعون إليه،فذلك قوله سبحانه: فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ يس،:53.(2:535)

الثّعلبيّ: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ من قبوركم إلى موقف يوم القيامة.(6:106)

مثله البغويّ.(3:138)

ص: 565

الماورديّ: في قوله تعالى:(يدعوكم)قولان:

أحدهما:أنّه نداء كلام يسمعه جميع النّاس يدعوهم اللّه بالخروج فيه إلى أرض المحشر.

الثّاني:أنّها الصّيحة الّتي يسمعونها،فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض القيامة.(3:248)

الطّوسيّ: معني قوله: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ قولان:

أحدهما:أنّهم ينادون بالخروج إلى أرض المحشر بكلام تسمعه جميع العباد،و ذلك يكون بعد أن يحييهم اللّه،لأنّه لا يحسن أن ينادى المعدوم و لا الجماد.

الثّاني:أنّهم يسمعون صيحة عظيمة،فتكون تلك داعية لهم إلى الاجتماع إلى أرض القيامة،و يجوز أن يكون ذلك عبارة عن البعث،و يكون أجرى صرخة ثانية بسرعة فأجري مجرى،دعي فأجاب في الحال.

(6:488)

القشيريّ: يدعوكم فتستجيبونه و أنتم حامدون

(4:24)

الميبديّ: و هذا الدّعاء من حيث المعنى على وجهين:

أحدهما:أن يسمع صيحة،و هذه الصّيحة داعية لهم على الاجتماع بمحشر.

ثانيهما:أنّ إسرافيل قام على صخرة بيت المقدس، و قال:أيّتها العظام البالية و اللّحوم المتفرّقة و العروق المتقطّعة اخرجوا من قبوركم،فيخرجون من قبورهم، فذلك قوله: فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ. (5:570)

الزّمخشريّ: و الدّعاء و الاستجابة كلاهما مجاز.و المعنى يوم يبعثكم فتنبعثون مطاوعين منقادين لا تمتنعون.(2:453)

ابن عطيّة: و يريد:يدعوكم من قبوركم بالنّفخ في الصّور ليقام السّاعة.(2:463)

الطّبرسيّ: معناه:عسى أن يكون بعثكم قريبا أيّها المشركون،يوم يدعوكم من قبوركم إلى الموقف على ألسنة الملائكة؛و ذلك عند النّفخة الثّانية، فيقولون:أيّتها العظام النّخرة،و الجلود البالية،عودي كما كنت،فتستجيبون مضطرّين.(3:420)

الفخر الرّازيّ: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ و فيه قولان:

الأوّل:أنّه خطاب مع الكفّار،بدليل أنّ ما قبل هذه الآية كلّه خطاب مع الكفّار،ثمّ نقول:انتصب (يوما)على البدل من قوله(قريبا،)و المعنى:

عسى أن يكون البعث يوم يدعوكم،أي بالنّداء الّذي يسمعكم و هو النّفحة الأخيرة،كما قال: يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ق:41،يقال:إنّ إسرافيل ينادي أيّتها الأجساد البالية و العظام النّخرة و الأجزاء المتفرّقة عودي كما كنت بقدرة اللّه تعالى و بإذنه و تكوينه،و قال تعالى: يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ القمر:6،و قوله: فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ أي تجيبون،و الاستجابة:موافقة الدّاعي فيما دعا إليه و هي الإجابة،إلاّ أنّ الاستجابة تقتضي طلب الموافقة، فهي أوكد من الإجابة.(20:227)

نحوه الشّربينيّ.(2:312)

العكبريّ: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ هو ظرف ل(يكون)و لا يجوز أن يكون ظرفا لاسم«كان»، و إن كان ضمير المصدر،لأنّ الضّمير لا يعمل.و يجوز

ص: 566

أن يكون ظرفا للبعث،و قد دلّ عليه معنى الكلام.

و يجوز أن يكون التّقدير:اذكر يوم يدعوكم.(2:824)

القرطبيّ: قوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ الدّعاء:

النّداء إلى المحشر بكلام تسمعه الخلائق،يدعوهم اللّه تعالى فيه بالخروج.و قيل:بالصّيحة الّتي يسمعونها، فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض القيامة.

قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم و أسماء آبائكم،فأحسنوا أسماءكم».(10:275)

البيضاويّ: أي يوم يبعثكم فتنبعثون،استعار لهما الدّعاء و الاستجابة للتّنبيه على سرعتهما و تيسّر أمرهما،و أنّ المقصود منهما الإحضار للمحاسبة و الجزاء.(1:588)

النّيسابوريّ: قوله: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ منتصب ب(اذكروا،)و المراد يوم يدعوكم كان ما كان،أو هو بدل من(قريبا،)و المعنى:عسى أن يكون البعث يوم يدعوكم بالنّداء الّذي يسمعكم و هو النّفخة الأخيرة.

يروى أنّ إسرافيل ينادي أيّها الأجسام البالية و العظام النّخرة و الأجزاء المتفرّقة عودي كما كنت.

و الاستجابة موافقة الدّاعي فيما دعا إليه،و هو مثل الإجابة بزيادة تأكيد،لما في السّين من طلب الموافقة

(15:46)

أبو حيّان :و احتمل أن يكون في(عسى) إضمار،أي عسى هو أي العود.و احتمل أن يكون مرفوعها(ان يكون)فتكون تامّة.و(قريبا)يحتمل أن يكون خبر«كان»على أنّه يكون العود متّصفا بالقرب،و يحتمل أن يكون ظرفا،أي زمانا قريبا، و على هذا التّقدير:يوم ندعوكم،بدلا من(قريبا.) [و نقل قول العكبريّ ثمّ قال:]

أمّا كونه ظرفا ل(يكون)فهذا مبنيّ على جواز عمل«كان»النّاقصة في الظّرف،و فيه خلاف.و أمّا قوله:لأنّ الضّمير لا يعمل،فهو مذهب البصريّين، و أمّا الكوفيّون فيجيزون أن يعمل،نحو:مروري بزيد حسن و هو بعمر و قبيح،يعلّقون«بعمرو»بلفظ«هو»، أي و مروري بعمرو قبيح،و الظّاهر أنّ الدّعاء حقيقة، أي(يدعوكم)بالنّداء الّذي يسمعكم و هو النّفخة الأخيرة كما قال: يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ...

ق:41،و يقال:إنّ إسرافيل عليه السّلام ينادي:أيّتها الأجسام البالية و العظام النّخرة و الأجزاء المتفرّقة عودي كما كنت.و روي في الحديث أنّه قال صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم و أسماء آبائكم،فأحسنوا أسماءكم.و معنى(فتستجيبون:)توافقون الدّاعي فيما دعاكم إليه.[و نقل كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّ الخطاب للكفّار؛إذ الكلام قبل ذلك معهم فالضّمير لهم.(6:47)

أبو السّعود : يَوْمَ يَدْعُوكُمْ منصوب بفعل مضمر،أي«اذكروا»أو على أنّه بدل من(قريبا) على أنّه ظرف أو نصب ب(يكون)تامّة بالاتّفاق،أو ناقصة عند من يجوّز إعمال النّاقصة في الظّروف،أو بضمير المصدر المستكنّ في(عسى)أو(يكون) أعني البعث عند من يجوّز إعمال ضمير المصدر.[ثمّ استشهد بشعر]

(فتستجيبون)أي يوم يبعثكم فتبعثون،و قد

ص: 567

استعير لهما الدّعاء و الإجابة إيذانا بكمال سهولة التّأتّي،و بأنّ المقصود منهما الإحضار للمحاسبة.

(4:137)

البروسويّ: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ من الأجداث كما دعاكم من العدم،(فتستجيبون)منها استجابة الأحياء.[و نقل كلام أبي حيّان ثمّ قال:]

و قال بعضهم:المقصود منها:الإحضار للمحاسبة و الجزاء.

يقول الفقير:لا يخفى أنّ الدّعوة متعدّدة،فدعاء البعث و النّشر و دعاء الحشر،كما قال تعالى مُهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ القمر:8،أي مسرعين،و دعاء الكتاب،كما قال تعالى: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ الجاثية:28،و المراد في هذا المقام هو الدّعوة الأولى،لأنّ الكلام في البعث.

(5:170)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و جعله[ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ]بدلا من الضّمير المستتر بدل اشتمال،-و لم يرفع،لأنّه إذا أضيف إلى مثل هذه الجملة قد يبنى-على الفتح-تكلّف،و ادّعاء ظهوره مكابرة.

و الدّعاء قيل:مجاز عن البعث،و كذا الاستجابة في قوله تعالى:(فتستجيبون)مجاز عن الانبعاث،أي يوم يبعثكم فتنبعثون فلا دعاء و لا استجابة،و هو نظير قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ البقرة:117،في أنّه لا خطاب و لا مخاطب في المشهور.و تجوّز بالدّعاء و الاستجابة عن ذلك للتّنبيه على السّرعة و السّهولة، لأنّ قول:قم يا فلان،أمر سريع لا بطء فيه،و مجرّد النّداء ليس كمزاولة الايجاد بالنّسبة إلينا،و على أنّ المقصود الاحضار للحساب و الجزاء،فإنّ دعوة السّيّد لعبده إنّما تكون لاستخدامه أو للتّفحّص عن أمره.و الأوّل منتف لأنّ الآخرة لا تكليف فيها،فتعيّن الثّاني،[و نقل قول أبي حيّان ثمّ قال:]

و يقال:إنّ إسرافيل عليه السّلام و في رواية جبرائيل عليه السّلام ينادي على صخرة بيت المقدس:أيّتها الأجسام البالية و العظام النّخرة و الأجزاء المتفرّقة عودي كما كنت.

[و نقل حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال:]

و لعلّ هذا عند الدّعاء للحساب،و هو بعد البعث من القبور.و اقتصر كثير على التّجوّز السّابق،فقيل:

إنّ فيه إشارة إلى امتناع الحمل على الحقيقة،لما يلزم من الحمل عليها خطاب الجماد،و هو الأجزاء المتفرّقة، و لو لم تمتنع إرادة الحقيقة،لكان ذلك كناية عن البعث و الانبعاث لا مجاز.و المجوّز لإرادتها يقول:إنّ الدّعوة بالأمر التّكوينيّ و هو ممّا يوجّه إلى المعدوم،و قد قال جمع به في قول:(كن)و لم يتجوّزوا في ذلك،و أمّا أنّه لو لم تمتنع إرادة الحقيقة،لكان كناية لا مجاز فأمر سهل، كما لا يخفى،فتدبّر.(15:92)

المراغيّ: أي ذلك يوم يدعوكم،فتستجيبون له من قبوركم،بقدرته و دعائه إيّاكم.(15:57)

ابن عاشور : يَوْمَ يَدْعُوكُمْ بدل من الضمير المستتر في(يكون)من قوله: أَنْ يَكُونَ قَرِيباً، و فتحته فتحة بناء،لأنّه أضيف إلى الجملة الفعليّة.

و يجوز أن يكون ظرفا ل(يكون،)أي يكون

ص: 568

يوم يدعوكم،و فتحته فتحة نصب على الظّرفيّة.

و الدّعاء يجوز أن يحمل على حقيقته،أي دعاء اللّه النّاس بواسطة الملائكة الّذين يسوقون النّاس إلى المحشر.

و يجوز أن يحمل على الأمر التّكوينيّ بإحيائهم، فأطلق عليه الدّعاء،لأنّ الدّعاء يستلزم إحياء المدعوّ و حصول حضوره،فهو مجاز في الإحياء و التّسخير لحضور الحساب.و الاستجابة مستعارة لمطاوعة معنى (يدعوكم،)أي فتحيون و تمثّلون للحساب،أي يدعوكم و أنتم عظام و رفات.و ليس للعظام و الرّفات إدراك و استماع،و لا ثمّ استجابة،لأنّها فرع السّماع،و إنّما هو تصوير لسرعة الإحياء و الإحضار و سرعة الانبعاث و الحضور للحساب؛بحيث يحصل ذلك كحصول استماع الدّعوة و استجابتها،في أنّه لا معالجة في تحصيله و حصوله،و لا ريث و لا بطء في زمانه.(14:103)

الطّباطبائيّ: (يوم)منصوب بفعل مضمر،أي تبعثون يوم كذا و كذا.و الدّعوة هي أمره تعالى لهم أن يقوموا ليوم الجزاء،و استجابتهم هي قبولهم الدّعوة الإلهيّة.(13:117)

عبد الكريم الخطيب :هو بيان لميقات هذا البعث الّذي سأل المشركون عنه هذا السّؤال الإنكاريّ،بقولهم:«متى هو»؟

إنّه اليوم الّذي ينتظر أمر اللّه،و دعوته الموتى من قبورهم،كما يقول سبحانه: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ الرّوم:25(8:499)

4- وَ ما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ... الحديد:8

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره: وَ ما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ، و ما شأنكم أيّها النّاس لا تقرّون بوحدانيّة اللّه،و رسوله محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم يدعوكم إلى الإقرار بوحدانيّته،و قد أتاكم من الحجج على حقيقة ذلك،ما قطع عذركم،و أزال الشّكّ من قلوبكم.(11:672)

نحوه الطّوسيّ.(9:522)

لاحظ:و ث ق:«ميثاقكم».

يدعون

1- ...أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ... البقرة:221

مضى في:«يدعوا».

2- وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ... آل عمران:104

الفخر الرّازيّ: هذه الآية اشتملت على التّكليف بثلاثة أشياء:أوّلها:الدّعوة إلى الخير،ثمّ الأمر بالمعروف،ثمّ النّهي عن المنكر،و لأجل العطف يجب كون هذه الثّلاثة متغايرة.

فنقول:أمّا الدّعوة إلى الخير فأفضلها الدّعوة إلى إثبات ذات اللّه و صفاته و تقديسه عن مشابهة الممكنات.و إنّما قلنا:إنّ الدّعوة إلى الخير تشتمل على ما ذكرنا،لقوله تعالى: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ النّحل:125،و قوله تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي

ص: 569

يوسف:108.إذا عرفت هذا فنقول:الدّعوة إلى الخير جنس تحته نوعان:أحدهما:التّرغيب في فعل ما ينبغي، و هو الأمر بالمعروف.

و الثّاني:التّرغيب في ترك ما لا ينبغي،و هو النّهي عن المنكر،فذكر الجنس أوّلا ثمّ أتبعه بنوعيه مبالغة في البيان.(8:178)

لاحظ:خ ي ر:«الخير».

3- وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ... الأنعام:52

ابن عبّاس: يعني الصّلوات المكتوبة.

مثله مجاهد.(الطّبريّ 5:201)

نحوه الشّعبيّ(الطّبريّ 5:202)،و الضّحّاك (الطّبريّ 5:201).

يريد:يعبدون ربّهم بالصّلاة المكتوبة،يعني صلاة الصّبح و العصر.

مثله مجاهد،و الحسن،و قتادة.

(الطّبرسيّ 2:306).

ابن عمر:إنّهم الّذين يشهدون الصّلوات المكتوبة.(الطّبريّ 5:202)

النّخعيّ: هي الصّلوات الخمس الفرائض.و لو كان ما يقول القصّاص،هلك من لم يجلس إليهم.

(الطّبريّ 5:201)

أهل الذّكر.(الطّبريّ 5:203)

مجاهد :الصّلاة المفروضة،الصّبح و العصر.

(الطّبريّ 5:201)

الصّلوات الخمس.

مثله النّخعيّ.(الطّبريّ 5:202)

الضّحّاك: يعني يعبدون؛أ لا ترى أنّه قال:

لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ المؤمن:43،يعني تعبدون.(الطّبريّ 5:203)

أنّه عبادة اللّه.(الماورديّ 2:117)

الحسن :المحافظون على الصّلوات في الجماعة.

(الطّبريّ 5:201)

المراد به:صلاة مكّة الّتي كانت مرّتين في اليوم بكرة و عشيّا.(ابن عطيّة 2:295)

قتادة :هما الصّلاتان:صلاة الصّبح،و صلاة العصر.(الطّبريّ 5:202)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في الدّعاء الّذي كان هؤلاء الرّهط،الّذين نهى اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن طردهم، يدعون ربّهم به:فقال بعضهم:هي الصّلوات الخمس.

و قال آخرون:هي الصّلاة،و لكنّ القوم لم يسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم طرد هؤلاء الضّعفاء عن مجلسه،و لا تأخيرهم عن مجلسه،و إنّما سألوه تأخيرهم عن الصّفّ الأوّل،حتّى يكونوا وراءهم في الصّفّ.

و قال آخرون:بل معنى دعائهم كان،ذكرهم اللّه تعالى ذكره.

و قال آخرون:بل كان ذلك تعلّمهم القرآن و قراءته.

و قال آخرون:بل عنى بدعائهم ربّهم:عبادتهم إيّاه.

و الصّواب من القول في ذلك أن يقال:إنّ اللّه تعالى

ص: 570

ذكره نهى نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أن يطرد قوما كانوا يدعون ربّهم بالغداة و العشيّ،و الدّعاء للّه يكون بذكره و تمجيده و الثّناء عليه قولا و كلاما،و قد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمال الّتي كان عليهم فرضها،و غيرها من النّوافل الّتي ترضي عن العامل له عابده بما هو عامل له.

و قد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلّها،فوصفهم اللّه بذلك بأنّهم يدعونه بالغداة و العشيّ،لأنّ اللّه قد سمّى العبادة دعاء،فقال تعالى ذكره: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60،و قد يجوز أن يكون ذلك على خاصّ من الدّعاء.

و لا قول أولى بذلك بالصّحّة،من وصف القوم بما وصفهم اللّه به:من أنّهم كانوا يدعون ربّهم بالغداة و العشيّ،فيعمّون بالصّفة الّتي وصفهم بها ربّهم، و لا يخصّون منها بشيء دون شيء.(5:201)

الزّجّاج: دعاء اللّه تعالى بالتّوحيد و الإخلاص و عبادته.(أبو حيّان 4:136)

الماورديّ: و في قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ أربعة تأويلات:

أحدها:[قول ابن عبّاس و مجاهد]

و الثّاني:[قول النّخعيّ]

و الثّالث:تعظيم القرآن،قاله أبو جعفر.

و الرّابع:[قول الضّحّاك](2:117)

الطّوسيّ: يعني أنّه نهاه عن طردهم،لأنّهم يريدون بإسلامهم و دعائهم وجه اللّه.و قال قوم:

الدّعاء هاهنا هو التّحميد و التّسبيح.(4:155)

القشيريّ: و يقال:تقيّدت دعوتهم بالغداة و العشيّ،لأنّها من الأعمال الظّاهرة،و الأعمال الظّاهرة مؤقّتة،و دامت إرادتهم فاستغرقت جميع أوقاتهم،لأنّها من الأحوال الباطنة،و الأحوال الباطنة مسرمدة غير مؤقّتة،فقال: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ. (2:171)

الزّمخشريّ: دعاء ربّهم،أي عبادته،و يواظبون عليها.(2:21)

القرطبيّ: قيل:الذّكر و قراءة القرآن.و يحتمل أن يريد الدّعاء في أوّل النّهار و آخره،ليستفتحوا يومهم بالدّعاء رغبة في التّوفيق،و يختموه بالدّعاء طلبا للمغفرة.(6:432)

أبو حيّان : يَدْعُونَ رَبَّهُمْ يسألونه و يلجئون إليه و يقصدونه بالدّعاء و الرّغبة.[و نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و قال بعض القصّاص:إنّه الاجتماع إليهم غدوة و عشيّا فأنكر ذلك ابن المسيّب و عبد الرّحمن بن أبي عمرة و غيرهما،و قالوا:إنّ (1)الآية في الصّلوات في الجماعة.و قال أبو جعفر:هي قراءة القرآن و تعلّمه.

(4:135)

الآلوسيّ: و المراد بالدّعاء حقيقته،أو الصّلاة أو الذّكر أو قراءة القرآن،أقوال:ّ.

ص: 571


1- و في الأصل:إلاّ.

و أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن مجاهد:

أنّهما عبارة عن صلاتي الصّبح و العصر،لأنّ الزّمان كثيرا ما يذكر و يراد به ما يقع فيه،كما يقال:صلّى الصّبح،و المراد صلاته،و قد يعكس فيراد بالصّلاة زمانها،نحو قربت الصّلاة،أي وقتها،و قد يراد بها مكانها،كما قيل-في قوله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى النّساء:43-:إنّ المراد بالصّلاة:

المساجد،و خصّا بالذّكر لشرفهما.و الأقوال في الدّعاء جارية على هذا القول خلا الثّاني.(7:159)

ابن عاشور :و معنى يَدْعُونَ رَبَّهُمْ: يعلنون إيمانهم به دون الأصنام إعلانا بالقول،و هو يستلزم اعتقاد القائل بما يقوله؛إذ لم يكن يومئذ نفاق،و إنّما ظهر المنافقون بالمدينة.(6:115)

الطّباطبائيّ: و إنّما ذكر دعاءهم بالغداة و العشيّ و هو صلاتهم أو مطلق دعائهم ربّهم،للدّلالة على ارتباطهم بربّهم بما لا يداخله غيره تعالى، و ليوضّح ما سيذكره من قوله: أَ لَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ الأنعام:53.(7:100)

4- وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ... الأنعام:108

لاحظ:س ب ب:«تسبّوا».

5- تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً. السّجدة:16

لاحظ:خ و ف:«خوفا».

6- مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَ شَرابٍ. ص:51

الطّوسيّ: أي يستدعون الفواكه للأكل و الشّراب للشّرب.(8:573)

الطّبرسيّ: أي يتحكّمون في ثمارها و شرابها، فإذا قالوا لشيء منها:أقبل حصل عندهم.(4:481)

ابن عاشور :و يَدْعُونَ يأمرون بأن يجلب لهم.يقال:دعا بكذا،أي سأل أن يحضر له.و الباء في قولهم:دعا بكذا،للمصاحبة،و التّقدير:دعا مدعوّا يصاحبه كذا.[ثمّ استشهد بشعر]

قال تعالى: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ يس،:57.(23:174)

الطّباطبائيّ: و قوله: يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ أي يتحكّمون فيها بدعوة الفاكهة،و هي كثيرة، و الشّراب،فإذا دعيت فاكهة أو دعي شراب أجابهم المدعوّ،فأتاهم من غير حاجة إلى من يحمله و يناوله.

(17:218)

لاحظ:ف ك ه:«بفاكهة».

يدعونه

...لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا...

الأنعام:71

سيأتي في:«ندعوا».

يدعوننى

قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ...

يوسف:33

الإمام السّجّاد عليه السّلام:إنّ النّسوة لمّا خرجن من

ص: 572

عندها،أرسلت كلّ واحدة منهنّ إلى يوسف سرّا من صاحبته،تسأله الزّيارة.(الطّبرسيّ 3:231)

السّدّيّ: مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ من الزّنى.

(الطّبريّ 7:208)

ابن إسحاق :أي السّجن أحبّ إليّ من أن آتي ما تكره.(الطّبريّ 7:208)

الطّبريّ: و هذا الخبر من اللّه يدلّ على أنّ امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه و توعّدته بالسّجن و الحبس إن لم يفعل ما دعته إليه، فاختار السّجن على ما دعته إليه من ذلك،لأنّها لو لم تكن عاودته و توعّدته بذلك كان محالا أن يقول:

رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، و هو لا يدعى إلى شيء،و لا يخوّف بحبس.

و تأويل الكلام:قال يوسف:يا ربّ،الحبس في السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه من معصيتك، و يراودنني عليه من الفاحشة.(7:208)

الماورديّ: و هذا يدلّ على أنّها دعته إلى نفسها ثانية بعد ظهور حالهما،فقال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ يعني الحبس في السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه.

و يحتمل وجهين:

أحدهما:أنّه أراد امرأة العزيز فيما دعته إليه من الفاحشة،و كنّى عنها بخطاب الجمع:إمّا تعظيما لشأنها في الخطاب،و إمّا ليعدل عن التّصريح إلى التّعريض.

الثّاني:أنّه أراد بذلك جماعة النّسوة اللاّتي قطّعن أيديهنّ حين شاهدنه،لاستحسانهنّ له و استمالتهنّ لقلبه.(3:33)

الطّوسيّ: و الدّعاء:طلب الفعل من المدعوّ، و صيغته صيغة الأمر إلاّ أنّ الدّعاء لمن فوقك و الأمر لمن دونك.(6:134)

البغويّ: قيل:كان الدّعاء منها خاصّة،و لكنّه أضاف إليهنّ خروجا من التّصريح إلى التّعريض.

و قيل:إنّهنّ جميعا دعونه إلى أنفسهنّ.(2:490)

الزّمخشريّ: و قال: يَدْعُونَنِي على إسناد الدّعوة إليهنّ جميعا لأنّهنّ تنصحن له و زيّنّ له مطاوعتها،و قلن له:إيّاك و إلقاء نفسك في السّجن و الصّغار،فالتجأ إلى ربّه عند ذلك،و قال:ربّ نزول السّجن أحبّ إليّ من ركوب المعصية.

فإن قلت:نزول السّجن مشقّة على النّفس شديدة و ما دعونه إليه لذّة عظيمة،فكيف كانت المشقّة أحبّ إليه من اللّذّة؟

قلت:كانت أحبّ إليه و آثر عنده،نظرا في حسن الصّبر على احتمالها لوجه اللّه،و في قبح المعصية،و في عاقبة كلّ واحدة منهما،لا نظرا في مشتهى النّفس و مكروهها.(2:318)

ابن عطيّة: روي أنّه لمّا توعّدته امرأة العزيز، قال له النّسوة:أطع مولاتك و افعل ما أمرتك به فلذلك قال: مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ قال نحوه الحسن، و وزن«يدعون»في هذه الآية«يفعلن»بخلاف قولك:الرّجال يدعون.(3:241)

الطّبرسيّ: معناه:يا ربّ إنّ السّجن أحبّ إليّ

ص: 573

و أسهل عليّ ممّا يدعونني إليه من الفاحشة.و في هذا دلالة على أنّ النّسوة دعونه إلى مثل ما دعته إليه امرأة العزيز...

و قيل:إنّهنّ قلن له:أطع مولاتك،و اقض حاجتها،فإنّها المظلومة،و أنت ظالم.

و قيل:إنّهنّ لمّا رأين يوسف،استأذن امرأة العزيز بأن تخلو كلّ واحدة منهنّ به،و تدعوه إلى ما أرادته منه إلى طاعتها،فلمّا خلون به،دعته كلّ واحدة منهنّ إلى نفسها،فلذلك قال: مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ.

(3:231)

النّيسابوريّ: لأنّ السّجن و إن كان مشقّة فهي زائلة،و الّذي يدعونه إليه و إن كان لذّة إلاّ عاجلة مستعقبة لخزي الدّنيا و عذاب الآخرة.(12:104)

الشّربينيّ: فإن قيل:إنّ الدّعاء كان منها فلم أضافه إليهنّ جميعا؟أجيب:بأنّهنّ خوّفنه من مخالفتها و زيّنّ له مطاوعتها.و قيل:إنّهنّ دعونه إلى أنفسهنّ.

(2:106)

أبو السّعود : مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ. من مؤاتاتها الّتي تؤدّي إلى الشّقاء و العذاب الأليم.و هذا الكلام منه عليه السّلام مبنيّ على ما مرّ من انكشاف الحقائق لديه و بروز كلّ منها بصورتها اللاّئقة بها.فصيغة التّفضيل ليست على بابها؛إذ ليس له شائبة محبّة لما دعته إليه، و إنّما هو و السّجن شرّان أهونهما و أقربهما إلى الإيثار السّجن...و إسناد الدّعوة إليهنّ جميعا لأنّ النّسوة رغّبته في مطاوعتها و خوّفته من مخالفتها.

و قيل:دعونه إلى أنفسهنّ(3:389)

نحوه البروسويّ(4:252)،و الآلوسيّ(12:

235).

ابن عاشور :أسند فعل(يدعوننى)إلى نون النّسوة،فالواو الّذي فيه هو حرف أصليّ و ليست واو الجماعة،و النّون ليست نون رفع،لأنّه مبنيّ لاتّصاله بنون النّسوة،و وزنه«يفعلن.»و أسند الفعل إلى ضمير جمع النّساء مع أنّ الّتي دعته امرأة واحدة،إمّا لأنّ تلك الدّعوة من رغبات صنف النّساء،فيكون على وزان جمع الضّمير في(كيدهن)يوسف:33، و 34،و إمّا لأنّ النّسوة اللاّتي جمعتهنّ امرأة العزيز لمّا سمعن كلامها تمالأن على لوم يوسف عليه السّلام و تحريضه على إجابة الدّاعية،و تحذيره من وعيدها بالسّجن.

و على وزان هذا يكون القول في جمع الضّمير في (كيدهن)أي كيد صنف النّساء،مثل قول العزيز:

إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يوسف:28،أي كيد هؤلاء النّسوة.(12:58)

الطّباطبائيّ: إنّ النّسوة دعونه و راودنه كما دعته امرأة العزيز إلى نفسها و راودته عن نفسه،و إمّا أنّهنّ دعونه إلى أنفسهنّ أو إلى امرأة العزيز أو أتين بالأمرين،فدعينه بحضرة من امرأة العزيز إليها،ثمّ أسرّت كلّ واحدة منهنّ داعية إيّاه إلى نفسها،فالآية ساكتة عن ذلك سوى ما يستفاد من قوله: وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ يوسف:34،إذ لو لا دعوة منهنّ إلى أنفسهنّ لم يكن معنى ظاهر للصّبوة إليهنّ.

و الّذى يشعر به قوله تعالى حكاية عن قوله في

ص: 574

السّجن لرسول الملك: قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إلى أن قال: قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ* ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَ أَنَّ اللّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ يوسف:50-52،أنّهنّ دعينه إلى امرأة العزيز،و قد أشركهنّ في القصّة،ثمّ قال:لم أخنه بالغيب،و لم يقل:لم أخن بالغيب،و لا قال:

لم أخنه و غيره،فتدبّر فيه.

و مع ذلك فمن المحال عادة أن يرين منه ما يغيبهنّ عن شعورهنّ و يدهش عقولهنّ و يقطّعن أيديهنّ،ثمّ ينسللن انسلالا و لا يتعرّض له أصلا و يذهبن لوجوههنّ،بل العادة قاضية إنّهنّ ما فارقن المجلس إلاّ و هنّ متيّمات فيه والهات لا يصبحن و لا يمسين إلاّ و هو همّهنّ و فيه هواهنّ يفدينه بالنّفس و يطمعنه بأيّ زينة في مقدرتهنّ و يعرضن له أنفسهنّ و يتوصّلن إلى ما يردنه منه بكلّ ما يستطعن.

و هو ظاهر ممّا حكاه اللّه من يوسف في قوله:

رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ... فإنّه لم يعرض عن تكليمهنّ إلى مناجاة ربّه الخبير بحاله السّميع لمقاله،إلاّ لشدّة الأمر عليه،و إحاطة المحنة و المصيبة من ناحيتهنّ به.(11:153)

لاحظ:س ج ن:«السّجن».

يدعوننا

...إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ. الأنبياء:90

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و كانوا يعبدوننا رغبا و رهبا،و عنى بالدّعاء في هذا الموضع:العبادة،كما قال: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ أَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا مريم:48.

(9:80)

الطّوسيّ: و قال الجبّائيّ:إجابة الدّعاء لا تكون إلاّ ثوابا.و قال ابن الأخشاذ:يجوز أن تكون استصلاحا لا ثوابا،و لذلك لا يمتنع أن يجيب اللّه دعاء الكافر و الفاسق.فأمّا قولهم:فلان مجاب الدّعوة،فلا يجوز إطلاقه على الكفّار و الفسّاق لأنّ فيه تعظيما،و أنّ له منزلة جليلة عند اللّه.و الأمر بخلاف ذلك.

(7:275)

ابن عطيّة: و قرأت فرقة (يدعوننا) و قرأت فرقة (يدعونا) .(3:98)

لاحظ:ر غ ب:«رغبا».

تدعهم

...وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً.

الكهف:57

راجع:ه د ى:«الهدى».

تدعوا

1- قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى... الإسراء:110

ابن عبّاس: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ساجدا يدعو يا رحمان يا رحيم،فقال المشركون:هذا يزعم أنّه يدعو واحدا، و هو يدعو مثنى مثنى،فأنزل اللّه تعالى:الآية...

(الطّبريّ 8:165)

ص: 575

مجاهد:قوله: أَيًّا ما تَدْعُوا بشيء من أسمائه.

(الطّبريّ 8:166)

الضّحّاك: قال أهل الكتاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إنّك لتقلّ ذكر الرّحمن،و قد أكثر اللّه في التّوراة هذا الاسم، فأنزل اللّه تعالى:الآية...(الثّعلبيّ 6:141)

مكحول:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يتهجّد بمكّة ذات ليلة،يقول في سجوده:يا رحمان يا رحيم،فسمعه رجل من المشركين،فلمّا أصبح قال لأصحابه:انظروا ما قال ابن أبي كبشة،يدعو اللّيلة الرّحمن الّذي باليمامة،و كان باليمامة رجل يقال له الرّحمن فنزلت:الآية...(الطّبريّ 8:165)

ميمون بن مهران:كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في أوّل ما أوحي إليه يكتب:باسمك اللّهمّ حتّى نزلت هذه الآية:

إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ النّمل :30،فكتب: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ،فقال مشركو العرب:هذا الرّحيم نعرفه فما الرّحمن؟فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.(الثّعلبيّ 6:141)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه:قل يا محمّد لمشركي قومك المنكرين دعاء الرّحمن اُدْعُوا اللّهَ أيّها القوم أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى بأيّ أسمائه جلّ جلاله تدعون ربّكم،فإنّما تدعون واحدا،و له الأسماء الحسنى،و إنّما قيل ذلك له صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ المشركين فيما ذكر سمعوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يدعو ربّه:

يا ربّنا اللّه،و يا ربّنا الرّحمن،فظنّوا أنّه يدعو إلهين، فأنزل اللّه على نبيّه عليه الصّلاة و السّلام هذه الآية احتجاجا لنبيّه عليهم.

و لدخول(ما)في قوله: أَيًّا ما تَدْعُوا وجهان:

أحدهما:أن تكون صلة،كما قيل: عَمّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ المؤمنون:40.

و الآخر:أن تكون في معنى«إن»كرّرت لمّا اختلف لفظاهما،كما قيل:ما إن رأيت كاللّيلة ليلة.

(8:165)

الثّعلبيّ: أَيًّا ما تَدْعُوا من هذين الاسمين و من جميع أسمائه فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى مجازه:أيّا تدعو،كقوله: عَمّا قَلِيلٍ المؤمنون:40.و جُنْدٌ ما هُنالِكَ ص:11.(6:141)

الطّوسيّ: هذا أمر من اللّه تعالى لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أن قل يا محمّد لمشركي قومك المنكرين لنبوّتك الجاحدين لدعائك و تسميتك اللّه تعالى بالرّحمن: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أيها القوم أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى معناه بأيّ أسمائه تعالى تدعون ربّكم به،و إنّما تدعون واحدا،فله الأسماء الحسنى، و إنّما أمره بذلك،لأنّ مشركي قومه لمّا سمعوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يدعو اللّه تارة بأنّه اللّه و تارة بأنّه الرّحمن،فظنّوا أنّه يدعو إلهين،حتّى قال بعضهم:الرّحمن رجل باليمامة،فأنزل اللّه هذه الآية احتجاجا لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بذلك،و أنّه شيء واحد،و إن اختلفت أسماؤه و صفاته،و به قال ابن عبّاس و مكحول و مجاهد و غيرهم.(6:533)

البغويّ: معناه اسمان لواحد، أَيًّا ما تَدْعُوا (ما)صلة معناه:أيّا تدعوا من هذين الاسمين و من جميع أسمائه فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى. (3:168)

ص: 576

الزّمخشريّ: و الدّعاء بمعنى التّسمية لا بمعنى النّداء،و هو يتعدّى إلى مفعولين،تقول:دعوته زيدا ثمّ يترك أحدهما استغناء عنه،فيقال:دعوت زيدا،و اللّه و الرّحمن المراد بهما الاسم لا المسمّى.و(او)للتّخيير، فمعنى اُدْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ سمّوا بهذا الاسم أو بهذا،و اذكروا إمّا هذا و إمّا هذا.و التّنوين في (ايّا)عوض من المضاف إليه،و(ما)صلة للإبهام المؤكّد لما في«أيّ»أي أيّ هذين الاسمين سمّيتم و ذكرتم فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى. (2:470)

نحوه الفخر الرّازيّ.(21:70)

ابن عطيّة: [و اكتفى بنقل أقوال السّابقين]

(3:492)

الطّبرسيّ: (تدعوا)مجزوم بالشّرط الّذي يتضمّنه«أيّ»و علامة الجزم فيه سقوط النّون.و(ما) مزيدة مؤكّدة للشّرط.و(ايّا)منصوب ب(تدعوا) [إلى أن قال:]

معناه أيّ أسمائه تدعو.و(ما)هاهنا:صلة، كقوله: عَمّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ المؤمنون:40، و قيل:هي بمعنى أيّ شيء كرّرت مع«أيّ»لاختلاف اللّفظين توكيدا،كما قالوا:ما رأيت كاللّيلة ليلة، و تقديره:أيّ شيء من أسمائه تدعونه به كان جائزا، فإنّ معنى(او)في قوله: أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ الإباحة، أي إن دعوتم بأحدهما كان جائزا،و إن دعوتهم بهما كان جائزا، فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، فإنّ أسماء تنبئ عن صفات حسنة،و أفعال حسنة.(3:445)

أبو حيّان :[ذكر أسباب النّزول ثمّ قال:]

و الظّاهر من أسباب النّزول أنّ الدّعاء هنا قوله:

«يا رحمان يا رحيم»أو«يا اللّه يا رحمان»فهو من الدّعاء بمعنى النّداء،و المعنى:إن دعوتم اللّه فهو اسمه و إن دعوتم الرّحمن فهو صفته.[و نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و«دعوت»هذه من الأفعال الّتي تتعدّى إلى اثنين،ثانيهما بحرف جرّ،تقول:دعوت والدي بزيد ثمّ تتّسع فتحذف الباء.و قال الشّاعر في«دعا»هذه:

دعتني أخاها أمّ عمرو و لم أكن

أخاها و لم أرضع لها بلبان

و هي أفعال تتعدّى إلى واحد بنفسها و إلى الآخر بحرف الجرّ،يحفظ و يقتصر فيها على السّماع.و على ما قال الزّمخشريّ يكون الثّاني،لقوله:(ادعوا) لفظ الجلالة،و لفظ(الرحمن)و هو الّذي دخل عليه الباء ثمّ حذف و كأنّ التّقدير:ادعوا معبودكم باللّه أو ادعوه بالرّحمن،و لهذا قال الزّمخشريّ:[و نقل قوله ثمّ قال:]

و كذا قال ابن عطيّة،هما اسمان لمسمّى واحد،فإن دعوتموه باللّه فهو ذاك،و إن دعوتموه بالرّحمن فهو ذاك.

و«أيّ»هنا شرطيّة،و التّنوين قيل:عوض من المضاف،و(ما)زائدة مؤكّدة.و قيل:(ما)شرط و دخل شرط على شرط.

و قرأ طلحة بن مصروف (ايّا من تدعوا) فاحتمل أن تكون(من)زائدة على مذهب الكسائيّ؛إذ قد ادّعي زيادتها في قوله:

*يا شاة من قنص لمن حلّت له*

ص: 577

و احتمل أن يكون جمع بين أداتي شرط على وجه الشّذوذ،كما جمع بين حرفي جرّ نحو قول الشّاعر:

*فأصبحن لا يسألنني عن بما به*

و ذلك لاختلاف اللّفظ.(6:90)

الشّربينيّ: و عن ابن عبّاس«سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن قول اللّه تعالى: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ إلى آخر الآية فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:هو أمان من السّرقة»فإنّ رجلا من المهاجرين تلاها حين أخذ مضجعه،فدخل عليه سارق فجمع ما في البيت و حمله و الرّجل ليس بنائم،حتّى انتهى إلى الباب فوجد الباب مردودا،فوضع الكارة ففعل ذلك ثلاث مرّات، فضحك صاحب الدّار،فقال:«إنّي أحصن بيتي».

فإن قيل:إذا قال الرّجل:ادع زيدا أو عمروا،فهم منه كون زيد مغايرا لعمرو،فيوهم كون اللّه تعالى غير الرّحمن و حينئذ تقوى شبهة أبي جهل لعنه اللّه تعالى؟

أجيب:بأنّ الدّعاء هنا بمعنى التّسمية لا بمعنى النّداء،و التّسمية تتعدّى إلى مفعولين،يقال:دعوته زيدا ثمّ يترك أحدهما استغناء عنه،فيقال دعوت زيدا.

و اللّه و الرّحمن المراد بهما الاسم لا المسمّى،و(او) للتّخيير،فمعنى الآية:ادعوا باسم اللّه أو ادعوا باسم الرّحمن،أي اذكروه بهذا الاسم أو اذكروه بذلك الاسم،فقوله: اُدْعُوا اللّهَ ينبّه على ملزم في كرمه بحكم الوعد من إفاضة الرّحمة و الكرم،و أيضا تخصيص هذين الاسمين بالذّكر يدلّ على أنّهما أشرف من سائر الأسماء.و تقديم اسم اللّه على اسم الرّحمن يدلّ على أنّ قولنا اللّه أعظم الأسماء،و تقدّم الكلام على ذلك في تفسير بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

و التّنوين في قوله تعالى: أَيًّا ما تَدْعُوا عوض عن المضاف إليه،و(ما)صلة للإبهام المؤكّد،و المعنى:أيّا تدعوا فهو حسن،فوضع موضعه.(2:345)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و الدّعاء بمعنى التّسمية،و هو يتعدّى إلى مفعولين، حذف أوّلهما استغناء عنه،و(او)للتّخيير،و التّنوين في(ايّا)عوض عن المضاف إليه،و(ما)مزيدة لتأكيد (ما)في«أيّ»من الإبهام،و الضّمير في(له) للمسمّى،لأنّ التّسمية له لا للاسم،و كان أصل الكلام:أيّاما تدعوا فهو حسن،فوضع موضعه.

(4:163)

البروسويّ: و الدّعاء بمعنى التّسمية لا بمعنى النّداء،و المراد:باللّه و الرّحمن الاسم لا المسمّى،و(او) للتّخيير،و المراد أنّهما سيّان في حسن الإطلاق و الإفضاء إلى المقصود.و المعنى:سمّوا بهذا الاسم أو بهذا،و اذكروا إمّا هذا و إمّا هذا أَيًّا ما تَدْعُوا و التّنوين عوض عن المضاف إليه،و(ما)صلة لتأكيد ما في«أيّ»من الإبهام،أي أيّ هذين الاسمين سمّيتم و ذكرتم فَلَهُ. [إلى أن قال:]

قال في«التّأويلات النّجميّة»: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ يشير إلى أنّ اللّه اسم الذّات، و الرّحمن اسم الصّفة، أَيًّا ما تَدْعُوا أي بأيّ اسم من اسم الذّات و الصّفات تدعونه فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى. (5:212)

الآلوسيّ: و قوله تعالى: أَيًّا ما تَدْعُوا يطابق

ص: 578

الرّدّ على اليهود،لأنّ المعنى،أيّ اسم من الاسمين دعوتموه فهو حسن،و هو لا ينطبق على اعتراض المشركين،ثمّ قال:هذا مسلّم إذا كان(او)للتّخيير، و يجوز أن تكون للإباحة،و الانطباق حينئذ ظاهر، فإنّ المشركين حظروا الجمع بين الاسمين،فيكون ردّهم بإباحة الجمع بين الأسماء المتكاثرة فضلا عن الجمع بين الاسمين.على أنّ الجواب بالتّخيير في الرّدّ على أهل الكتاب غير مطابق،لأنّهم اعترضوا بالتّرجيح.

و أجيب بالتّسوية،لأنّ(او)تقتضيها،و كان الجواب العتيد أن يقال:إنّما رجّحنا(الله)على(الرحمن) في الذّكر،لأنّه جامع لجميع صفات الكمال بخلاف (الرحمن)و سيأتي قريبا إن شاء اللّه تعالى تتمّة الكلام فيما يتعلّق بهذا.(15:191)

ابن عاشور :و«أيّ»اسم استفهام في الأصل، فإذا اقترنت بها(ما)الزّائدة أفادت الشّرط كما تفيده «كيف»إذا اقترنت بها(ما)الزّائدة.و لذلك جزم الفعل بعدها و هو(تدعوا)شرطا،و جيء لها بجواب مقترن بالفاء،و هو: فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى.

و التّحقيق:أنّ فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى علّة الجواب،و التّقدير:أي اسم من أسمائه تعالى تدعون، فلا حرج في دعائه بعدّة أسماء؛إذ له الأسماء الحسنى، و إذ المسمّى واحد.

و معنى اُدْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ادعوا هذا الاسم أو هذا الاسم،أي اذكروا في دعائكم هذا أو هذا، فالمسمّى واحد.و على هذا التّفسير قد وقع تجوّز في فعل(ادعوا)مستعملا في معنى اذكروا أو سمّوا في دعائكم.

و يجوز أن يكون الدّعاء مستعملا في معنى«سمّوا» و هو حينئذ يتعدّى إلى مفعولين.و التّقدير:سمّوا ربّكم اللّه أو سمّوه الرّحمن،و حذف المفعول الأوّل من الفعلين و أبقي الثّاني لدلالة المقام.(14:187)

الطّباطبائيّ: لفظة(او)للتّسوية و الإباحة، فالمراد بقوله:(الله)و(الرحمن)الاسمان الدّالاّن على المسمّى دون المسمّى،و المعنى:ادعوا باسم اللّه أو باسم الرّحمن فالدّعاء دعاؤه.

و قوله: أَيًّا ما تَدْعُوا شرط،و(ما)صلة للتّأكيد،نظير قوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ آل عمران:

159،و قوله: عَمّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ المؤمنون:

40 و(ايّا)شرطيّة و هي مفعول تَدْعُوا. [و له بحث مستوفى سيأتي في:س م و:«الأسماء»]

(13:223)

عبد الكريم الخطيب :في هذه الآية يعود الخطاب إلى المشركين،بعد أن وقفت بهم الآيتان السّابقتان إزاء أهل الكتاب،و أرتهم منهم أنّهم يتعاملون مع هذا القرآن الّذي لم يدعوا إليه بعد، و يلقونه بهذا الاحتفاء العظيم،على حين أنّهم-أي المشركين-يلقون هذا القرآن الّذي دعوا إليه بوجوه منكرة،و قلوب مغلقة،و عقول شاردة.

و في تجديد الخطاب إليهم،دعوة مجدّدة لهم إلى أن يتدبّروا أمرهم هذا الّذي هم فيه،و أن يبادروا فيصلحوا موقفهم من القرآن،و يصطلحوا معه،و يلقوه لقاء كريما غير هذا اللّقاء الّذي كان منهم،هذا إن كان

ص: 579

لهم حاجة في أنفسهم،و في استنقاذها من الضّلال و الضّياع،و إلاّ فهم و ما اختاروا.

و في قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ تصحيح لمعتقد المشركين في اللّه،ذلك أنّهم كانوا لا يعرفون عن اللّه إلاّ أنّه«اللّه»أي الإله الأكبر،الّذي يرأس الآلهة الآخرين،الّذين يعبدونهم من دونه،من ملائكة و كواكب،مثّلوها في تلك الأصنام الّتي نحتوها من أحجار،و سوّوها من خشب،أو ذهب،كاللاّت، و العزّى،و مناة،و غيرها.

فاسم«اللّه»هو عند هؤلاء المشركين،هو العلم الّذي يطلقونه على الإله الأكبر،ليس له عندهم اسم أو صفة أخرى.

و لهذا عجب هؤلاء المشركون حين كانوا يسمعون من النّبيّ تلك الأسماء و الصّفات الّتي كان يذكرها فيما يذكر القرآن الكريم،من أسماء اللّه و صفاته،كالرّحمن، و الرّحيم،و السّميع،و البصير،و العليم،و الحكيم، و كانوا يقولون:أ إله هو أم آلهة هذا الّذي يدعونا محمّد صلّى اللّه عليه و آله إلى الإيمان به؟و هذا ما يشير إليه قوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَ مَا الرَّحْمنُ أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَ زادَهُمْ نُفُوراً الفرقان:

60.

فكان قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ... تصحيحا لمعتقدهم الفاسد في اللّه،و أنّه سبحانه و تعالى ليس كما تصوّروا ذاتا كذواتهم،أو ذوات معبوداتهم،يطلق عليهم اسم واحد،يستدلّ به عليه،و يتعامل معه به، فاللّه سبحانه و تعالى متّصف بصفات الكمال كلّها، فأيّ وصف من أوصاف الكمال،هو للّه سبحانه،و هو اسم و صفة معا لذاته،فاللّه هو الرّحمن،و هو الرّحيم، و هو العليم،و هو السّميع،و هو البصير،و هو الخالق، و هو الرّازق...إلى ما يمكن أن تحمل اللّغة من صفات الكمال و الجلال،الّتي لا يشاركه أحد فيها.

فكلّ اسم حسن يدعى اللّه به،و يعبد عليه،هو إيمان باللّه،و إقرار بالعبوديّة له.و ذلك بأيّة لغة،و بأيّ لسان.(8:573)

فضل اللّه :و لعلّ هذا الاستيحاء من الآية كان منطلقا ممّا رواه في«الدّرّ المنثور»عن ابن عبّاس أنّه قال:صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمكّة ذات يوم،فدعا اللّه فقال في دعائه:يا اللّه،يا رحمان،فقال المشركون:انظروا إلى هذا الصّابئ ينهانا عن أن ندعو إلهين و هو يدعو إلهين فأنزل اللّه: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ....

فإن نلاحظ على ذلك،أنّ هذا التّوجيه لا يظهر من الآية،فإنّ الظّاهر منها هو تأكيد عدم الاقتصار على أيّ اسم من أسماء اللّه في الدّعاء،لأنّها-بأجمعها-تشير إليه،و ليست في معرض الحديث عن تعدّد الآلهة في العبادة و وحدتها.و قد يكون من البعيد أنّ الوثنيّين يتوجّهون إلى الأسماء حتّى لو كان مظاهرها الأبناء من الملائكة و الجنّ،فإنّ التّدبّر في حديث القرآن عن هؤلاء يوحي بأنّهم يعبدون الأوثان أو الملائكة أو الجنّ،باعتبار قربهم إلى اللّه،بطريقة أو بأخرى، لا باعتبار أنّهم مظهر الأسماء أو ما يقرب من ذلك، و اللّه العالم.(14:253)

مكارم الشّيرازيّ: آخر الذّرائع و الأعذار

ص: 580

بعد سلسلة من الذّرائع الّتي تشبّث بها المشركون أمام دعوة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله نصل مع الآيات الّتي بين أيدينا إلى آخر ذريعة لهم،و هي قولهم:لما ذا يذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الخالق بأسماء متعدّدة بالرّغم من أنّه يدّعي التّوحيد.القرآن ردّ على هؤلاء بقوله: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ... إنّ هؤلاء عميان البصيرة و القلب،غافلون عن أحداث و وقائع حياتهم اليوميّة؛حيث كانوا يذكرون أسماء مختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد،و كلّ اسم من هذه الأسماء كان يعرّف بشطر أو بصفة من صفات ذلك الشّخص أو المكان.

بعد ذلك،هل من العجيب أن تكون للخالق أسماء متعدّدة تتناسب مع أفعاله و كمالاته،و هو المطلق في وجوده و في صفاته و المنبع لكلّ صفات الكمال و جميع النّعم،و هو وحده عزّ و جلّ الّذي يدير دقّة هذا العالم و الوجود؟

أساسا،فإنّ اللّه تعالى لا يمكن معرفته و مناجاته باسم واحد؛إذ ينبغي أن تكون أسماؤه مثل صفاته غير محدودة حتّى تعبّر عن ذاته،و لكن لمحدوديّة ألفاظنا -كما هي أشياؤنا الأخرى أيضا-لا نستطيع سوى ذكر أسماء محدودة له،و إنّ معرفتنا مهما بلغت فهي محدودة أيضا،حتّى إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-و هو من هو في منزلته و روحه و علوّ شأنه-نراه يقول:ما عرفناك حق معرفتك.

إنّ اللّه تعالى في قضيّة معرفتنا إيّاه لم يتركنا في أفق عقولنا و درايتنا الخاصّة،بل ساعدنا كثيرا في معرفة ذاته،و ذكر نفسه بأسماء متعدّدة في كتابه العظيم،و من خلال كلمات أوليائه تصل أسماؤه-تقدّس و تعالى- إلى ألف اسم.

و طبيعيّ أنّ هذه أسماء،و أحد معاني الأسماء:

العلامة،لذا فإنّ هذه علامات على ذاته الطّاهرة، و جميع هذه الخطوط و العلامات تنتهي إلى نقطة واحدة،و هي لا تقلّل من شأن توحيد الذّات و الصّفات.(9:159)

2- فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ.

محمّد:35

الطّوسيّ: و قوله:(و تدعوا)يجوز أن يكون جرّا عطفا على(تهنوا،)أي لا تهنوا و لا تدعوا إلى السّلم.و يجوز أن يكون في موضع نصب على الظّرف.

(9:308)

الزّمخشريّ: و قرئ (و لا تدّعوا) من«ادّعى القوم و تداعوا»إذا دعوا،نحو قولك ارتموا الصّيد و تراموه.و(تدعوا)مجزوم لدخوله في حكم النّهي، أو منصوب لإضمار«أن»و نحو قوله تعالى: وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ قوله تعالى: إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى طه:68.

(3:539)

ابن عطيّة: و قرأ جمهور النّاس (و تدعوا) ،و قرأ أبو عبد الرّحمن (و تدّعوا) بشدّ الدّال.(5:122)

الطّبرسيّ: أي و لا تدعوا الكفّار إلى المسالمة و المصالحة.(5:107)

أبو حيّان :و قرأ الجمهور وَ تَدْعُوا مضارع

ص: 581

دعا،و السّلميّ: بتشديد الدّال،أي تفتروا،[و نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و التّلاوة،بغير لا،و كان يجب أن يأتي بلفظ التّلاوة فيقول:و قرئ: و تدعوا معطوف على (تهنوا،)فهو مجزوم.و يجوز أن يكون مجزوما بإضمار«إن».(8:85)

أبو السّعود :أي و لا تدعوا الكفّار إلى الصّلح خورا،فإنّ ذلك إعطاء الدّنيّة.و يجوز أن يكون منصوبا بإضمار«أن»على جواب النّهي.و قرئ (و لا تدّعوا) من ادّعى القوم تداعوا،نحو ارتموا الصّيد و تراموه،و منه:تراء و الهلال.فإنّ صيغة«التّفاعل» قد يراد بها صدور الفعل عن المتعدّد من غير اعتبار وقوعه عليه،و منه قوله تعالى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ النّبأ:ا،على أحد الوجهين.(6:94)

البروسويّ: مجزوم بالعطف على(تهنوا.)أي و لا تدعوا الكفّار إلى الصّلح فورا،فإنّ ذلك فيه ذلّة، يعني لا تطلب الصّلح منهم،لأنّ هذا دليل على ضعفكم و ذلّتكم(8:523)

الآلوسيّ: وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ عطف على (تهنوا)داخل في حيّز النّهي،أي و لا تدعوا الكفّار إلى الصّلح خورا و إظهارا للعجز،فإنّ ذلك إعطاء الدّنيّة.و جوّز أن يكون منصوبا بإضمار«أن»فيضعف المصدر المسبوك على مصدر متصيّد ممّا قبله،كقوله:

*لا تنه عن خلق و تأتي مثله*

و استدلّ الكيا بهذا النّهي على منع مهادنة الكفّار إلاّ عند الضّرورة و على تحريم ترك الجهاد إلاّ عند العجز.

و قرأ السّلميّ (و تدّعوا) بتشديد الدّال،من ادّعى بمعنى دعا.و في«الكشّاف»ذكر(لا)في هذه القراءة و لعلى (1)ذلك رواية أخرى.(26:80)

ابن عاشور :و عطف(و تدعوا)على(تهنوا) فهو معمول لحرف النّهي،و المعنى:و لا تدعوا إلى السّلم و هو عطف خاصّ على عامّ من وجه،لأنّ الدّعاء إلى السّلم مع المقدرة من طلب الدّعة لغير مصلحة.

و إنّما خصّ بالذّكر لئلاّ يظنّ أنّ فيه مصلحة استبقاء النّفوس و العدّة بالاستراحة من عدوان العدوّ على المسلمين،فإنّ المشركين يومئذ كانوا متكالبين على المسلمين،فربّما ظنّ المسلمون أنّهم إن تداعوا معهم للسّلم أمنوا منهم،و جعلوا ذلك فرصة لينشوا الدّعوة،فعرّفهم اللّه أنّ ذلك يعود عليهم بالمضرّة،لأنّه يحطّ من شوكتهم في نظر المشركين،فيحسبونهم طلبوا السّلم عن ضعف،فيزيدهم ذلك ضراوة عليهم، و تستخفّ بهم قبائل العرب بعد أن أخذوا من قلوبهم مكان الحرمة،و توقع البأس.

و لهذا المقصد الدّقيق جمع بين النّهي عن الوهن و الدّعاء إلى السّلم و أتبع بقوله: وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ.

فتحصّل ممّا تقرّر أنّ الدّعاء إلى السّلم المنهيّ عنه، هو طلب المسالمة من العدوّ في حال قدرة المسلمين و خوف العدوّ منهم،فهو سلم مقيّد بكون المسلمينك.

ص: 582


1- هكذا في الأصل،و الظّاهر:و لعلّ ذلك.

داعين له،و بكونه عن وهن في حال قوّة.(26:110)

الطّباطبائيّ: وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ معطوف على تَهِنُوا واقع في حيّز النّهي،أي و لا تدعوا إلى السّلم.(18:248)

و تمام الكلام سيأتي في:س ل م:«السّلم».

3- تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّى. المعارج:17

مضى بيانها في:د ب ر:«ادبر».

4- وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً.

الجنّ:18

سعيد بن جبير: قالت الجنّ لنبيّ اللّه:كيف لنا أن نأتي المسجد و نشهد معك الصّلاة و نحن ناءون عنك؟

فنزلت الآية...(الثّعلبيّ 10:54)

الحسن :لا تدعوا مع اللّه أحدا،أي أفردوا له التّوحيد،و أخلصوا له العبادة.(الثّعلبيّ 10:55)

من السّنّة إذا دخل المسجد أن يقول:لا إله إلاّ اللّه، لا أدعو مع اللّه أحدا.(الطّوسيّ 10:155)

قتادة :كانت اليهود و النّصارى إذا دخلوا كنائسهم و بيعهم أشركوا باللّه،فأمر اللّه نبيّه أن يوحّد اللّه وحده.(الطّبريّ 12:271)

ابن عطاء:مساجدك:أعضاؤك الّتي أمرت أن تسجد عليها،لا تذلّلها لغير خالقها.(الثّعلبيّ 10:54)

الطّبريّ: و لا تشركوا به فيها شيئا،و لكن أفردوا له التّوحيد،و أخلصوا له العبادة.(12:271)

الثّعلبيّ: إنّ الأرض جعلت للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مسجدا، و كان المسلمون بعد نزول هذه الآية إذا دخل أحدهم المسجد قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و السّلام على رسول اللّه.[و نقل قول الحسن ثمّ قال:]

و قيل:معناه فردّوها لذكر اللّه و عبادته، فلا تتّخذوها متجرا و لا مجلسا و لا طرقا و لا تجعلوا فيها لغير اللّه نصيبا.(10:54)

الماورديّ: أي فلا تعبدوا معه غيره،و في سببه ثلاثة أقاويل:

أحدها:ما حكاه الأعمش أنّ الجنّ قالت:يا رسول اللّه ائذن لنا نشهد معك الصّلاة في مسجدك، فنزلت هذه الآية.

الثّاني:ما حكاه أبو جعفر محمّد بن عليّ:أنّ الحمس من مشركي أهل مكّة و هم كنانة و عامر و قريش كانوا يلبّون حول البيت:لبّيك اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك،إلاّ شريكا هو لك،تملكه و ما ملك، فأنزل اللّه هذه الآية نهيا أن يجعل للّه شريكا.

و روى الضّحّاك عن ابن عبّاس:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا دخل المسجد قدّم رجله اليمنى،و قال: «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً اللّهمّ أنا عبدك و زائرك،و على كلّ مزور حقّ و أنت خير مزور، فأسألك برحمتك أن تفكّ رقبتي من النّار»،و إذا خرج من المسجد قدّم رجله اليسرى و قال:«اللّهمّ صبّ الخير صبّا و لا تنزع عنّي صالح ما أعطيتني أبدا، و لا تجعل معيشتي كدّا،و اجعل لي في الخير جدّا».

(6:119)

الطّوسيّ: و المعنى:الإخبار منه تعالى بأن

ص: 583

لا يذكر مع اللّه في المساجد-و هي المواضع الّتي وضعت للصّلاة-أحد على وجه الاشتراك في عبادته،كما يدعو النّصارى في بيعهم و المشركون في الكعبة.و قيل:

معناه إنّه يجب أن يدعوه بالوحدانيّة.[و بعد بيان معنى المساجد قال:]

و المعنى:أنّه لا ينبغي أن يسجد بهذه الأعضاء لأحد،سوى اللّه تعالى.(الطّوسيّ 10:155)

الزّمخشريّ: وَ أَنَّ الْمَساجِدَ من جملة الموحي.و قيل:معناه:و لأنّ المساجد للّه فلا تدعوا على أنّ اللاّم متعلّقة ب(لا تدعوا)أي فلا تدعوا مع اللّه أحدا في المساجد،لأنّها اللّه خاصّة و لعبادته.(4:170)

لاحظ:س ج د:«المساجد».

تدعوهم

1- وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ. الأعراف:193

مضى بيانها في:«ادعوتموهم».

2- وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا...

الأعراف:198

مجاهد :أراد به المشركين.(الطّوسيّ 5:73)

مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 5:73)

الحسن :المعنى:و إن تدع يا محمّد المشركين،فلم يجعل الكناية عن الأوثان.(الطّوسيّ 5:72)

الفرّاء: المعنى إن دعوتم هؤلاء الّذين تعبدونهم من الأصنام إلى صلاح و منافع لا يسمعوا دعاءكم، و تراهم فاتحة أعينهم نحوكم على ما صوّرتموهم عليه من الصّور،و هم مع ذلك لا يبصرونكم.

مثله الزّجّاج.(الطّوسيّ 5:72)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:قل للمشركين:و إن تدعوا،أيّها المشركون،آلهتكم إلى الهدى و هو الاستقامة إلى السّداد لا يَسْمَعُوا يقول:

لا يسمعوا دعاءكم.(6:151)

الرّمّانيّ: الكناية عن الأوثان،لأنّهم جعلوها تضرّ و تنفع،كما يكون ذلك فيما يعقل.

(الطّوسيّ 5:73)

الطّوسيّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

فعلى هذا يكون قوله: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ خطابا للنّبيّ عليه السّلام أنّه إن دعا المشركين إلى الهدى لا يسمعوا، بمعنى لا يقبلوا و هم يرونه و لا ينتفعون برؤيته.(5:73)

ابن عطيّة: و قوله تعالى: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ...

قالت فرقة:المخاطبة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أمّته،و الهاء و الميم في قوله: تَدْعُوهُمْ للكفّار،و وصفهم بأنّهم لا يسمعون و لا يبصرون؛إذ لم يتحصّل لهم عن النّظر و الاستماع فائدة،و لا حلّوا منه بطائل،قاله السّدّيّ و مجاهد.و قال الطّبريّ:المراد بالضّمير المذكور:

الأصنام،و وصفهم بالنّظر كناية عن المحاذاة و المقابلة، و ما فيها من تخييل النّظر،كما تقول:دار فلان تنظر إلى دار فلان،و معنى الآية على هذا تبيّن جموديّة الأصنام و صغر شأنها،و ذهب بعض المعتزلة إلى الاحتجاج بهذه الآية،على أنّ العباد ينظرون إلى ربّهم و لا يرونه، و لا حجّة لهم في الآية،لأنّ النّظر في الأصنام مجاز

ص: 584

محض.

و إنّما تكرّر القول في هذا و تردّدت الآيات فيه، لأنّ أمر الأصنام و تعظيمها كان متمكّنا من نفوس العرب في ذلك الزّمن،و مستوليا على عقولها،فأوعب القول في ذلك،لطفا من اللّه تعالى بهم.(2:490)

الطّبرسيّ: يعني إن دعوتم هؤلاء الّذين تعبدونهم من الأصنام.(2:512)

القرطبيّ: وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى شرط، و الجواب لا يَسْمَعُوا و تَراهُمْ مستأنف.

(7:344)

راجع:س م ع:«يسمعوا».

3- وَ إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

المؤمنون:73

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و إنّك يا محمّد لتدعو هؤلاء المشركين من قومك إلى دين الإسلام،و هو الطّريق القاصد و الصّراط المستقيم الّذي لا اعوجاج فيه.(9:235)

الطّوسيّ: ثمّ قال لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله وَ إِنَّكَ يا محمّد لَتَدْعُوهُمْ أي هؤلاء الكفّار إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ من التّوحيد،و إخلاص العبادة،و العمل بالشّريعة.(7:384)

الزّمخشريّ: قد ألزمهم الحجّة في هذه الآيات، و قطع معاذيرهم و عللهم بأنّ الّذي أرسل إليهم رجل معروف أمره و حاله،مخبور سرّه و علنه،خليق بأن يجتبى مثله للرّسالة من بين ظهرانيهم،و أنّه لم يعرض له حتّى يدّعي بمثل هذه الدّعوى العظيمة بباطل، و لم يجعل ذلك سلّما إلى النّيل من دنياهم و استعطاء أموالهم،و لم يدعهم إلاّ إلى دين الإسلام الّذي هو الصّراط المستقيم.(3:38)

راجع:ص ر ط«صراط مستقيم».

4- كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ...

الشّورى:13

قتادة :أنكرها المشركون و كبر عليهم شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،فصادمها إبليس و جنوده،فأبى اللّه تبارك و تعالى إلاّ أن يمضيها و ينصرها و يفلجها و يظهرها على من ناوأها.(الطّبريّ 11:135)

الطّبريّ: أي كبر على المشركين باللّه من قومك يا محمّد ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة للّه، و إفراده بالألوهيّة،و البراءة ممّا سواه من الآلهة و الأنداد.(11:135)

الثّعلبيّ: من التّوحيد و رفض الأوثان.(8:306)

مثله البغويّ(4:141)،و القرطبيّ(16:11).

الماورديّ: [نقل قول قتادة ثمّ قال:]

و يحتمل أن يكون من الاعتراف بنبوّته،لأنّه عليهم أشدّ،و هم منه أنفر.(5:197)

الطّوسيّ: معناه:كبر عليهم و استعظموا كونك داعيا إلى اللّه،و دعاؤك يا محمّد-و أنت مثلهم بشر و من قبيلتهم-أنّك نبيّ،و ليس لهم ذلك.(9:150)

الميبديّ: من التّوحيد و خبر البعث،و قيل:ما خصّصت به من النّبوّة و الرّسالة.(9:10)

ص: 585

الزّمخشريّ: من إقامة دين اللّه و التّوحيد.

(3:464)

الطّبرسيّ: من توحيد اللّه،و الإخلاص له، و رفض الأوثان،و ترك دين الآباء،لأنّهم قالوا:

أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ص:5.(5:24)

نحوه أبو السّعود(6:12)،و البروسويّ(8:297).

الفخر الرّازيّ: من إقامة دين اللّه تعالى على سبيل الاتّفاق و الإجماع،بدليل أنّ الكفّار قالوا:

أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ ص:5.(27:156)

أبو حيّان :من توحيد اللّه،و ترك عبادة الأصنام، و إقامة الدّين.(7:512)

الشّربينيّ: أيّها النّبيّ الفاتح الخاتم من الاجتماع أبدا على ما اجتمعوا عليه وقت الاضطرار،من وحدانيّة الواحد القهّار،فلأجل كبره عليهم هم يسعون في تفرّقكم،فإن تفرّقتم كنتم تابعتم العدوّ الحسود،و خالفتم الوليّ الودود.(3:532)

الآلوسيّ: على سبيل الاستمرار التّجدّديّ من التّوحيد و رفض عبادة الأصنام،و يشعر بإرادته التّعبير بالمشركين،و هو أصل الأصول و أعظم ما شقّ عليهم،كما تنبئ بذلك الآيات،أو ما تدعوهم إليه من إقامة الدّين و عدم التّفرّق فيه.(25:22)

المراغيّ: أي شقّ على المشركين دعوتهم إلى التّوحيد،و ترك عبادة الأصنام و الأوثان،و تقريعهم على ذلك،لأنّهم توارثوا ذلك كابرا عن كابر،و نقلوه عن الآباء و الأجداد،كما حكى سبحانه عنهم بقوله:

إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ الزّخرف:23.(25:25)

ابن عاشور :عبّر عن دعوة الإسلام ب(ما) الموصولة اعتبارا بنكران المشركين لهذه الدّعوة و استغرابهم إيّاها،و عدّهم إيّاها من المحال الغريب، و قد كبر عليهم ذلك من ثلاث جهات:

جهة الدّاعي لأنّه بشر مثلهم،قالوا: أَ بَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَسُولاً الإسراء:94،و لأنّه لم يكن قبل الدّعوة من عظماء القريتين لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ الزّخرف:31.

و جهة ما به الدّعوة،فإنّهم حسبوا أنّ اللّه لا يخاطب الرّسل إلاّ بكتاب ينزله إليه دفعة من السّماء،فقد قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ الإسراء:93، وَ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا الفرقان:

21، وَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللّهُ البقرة:

118،و القائلون هم المشركون.

و من جهة ما تضمّنته الدّعوة ممّا لم تساعد أهواؤهم عليه،قالوا: أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ سبأ:7.و جيء بالفعل المضارع في(تدعوهم)للدّلالة على تجدّد الدّعوة و استمرارها.(25:122)

الطّباطبائيّ: المراد بقوله: ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ دين التّوحيد الّذي كان يدعو إليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا أصل التّوحيد فحسب،على ما تشهد به الآية التّالية،

ص: 586

و المراد بكبره على المشركين:تحرّجهم من قبوله.

(18:30)

فضل اللّه :من الإيمان بتوحيد اللّه و رسوله و رسالته،و ما تشتمل عليه من التزامات أخلاقيّة في أنفسهم و أموالهم و علاقاتهم.و لكن ما قيمة هذا الموقف المتشنّج المعقّد من الأنبياء،فلن يستطيع المشركون-مهما بلغوا من القوّة-أن يوقفوا خطّ الرّسالات،فإذا كان هؤلاء قد كفروا بها،فإنّ هناك كثيرا ممّن انفتحوا على اللّه و على رسله،كما أن لا قيمة لاستغرابهم لأن يكون النّبيّ منهم،في الوقت الّذي لم يكن في الموقع الكبير الّذي يتناسب مع مركزهم، لأنّ اللّه هو الّذي يصطفي رسله و يجتبي أنبياءه،عبر مقاييس تختلف عن مقاييسهم،فإذا كانوا يعتبرون المال و القوّة و المركز الاجتماعيّ و نحوها من الأسس الّتي يرتكز عليها الموقع النّبويّ،إذا أمكن للبشر أن يكونوا أنبياء،فإنّ اللّه يعتبر العقل و الرّوحيّة و الخلق العظيم و الكفاءة الرّساليّة في إبلاغ الدّعوة و الثّبات في مواقع الاهتزاز و نحو ذلك،ممّا يؤهّل الإنسان لاحتلال موقع متقدّم يلتقي فيه،هي المقياس الّذي يرفع من مقام الإنسان لديه و يعلي من درجته.

(20:156)

مكارم الشّيرازيّ: ...و بعد ذلك تقول: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ.

فلقد تطبّع هؤلاء على الشّرك و عبادة الأصنام بسبب الجهل و التّعصّب لسنين طويلة،و عشعش ذلك في أعماقهم؛بحيث أصبحت الدّعوة إلى التّوحيد تخيفهم و توحشهم.إضافة لذلك،فإنّ مصالح زعماء المشركين غير المشروعة محفوظة في الشّرك،في حين أنّ التّوحيد هو أساس ثورة المستضعفين،و يقف حائلا دون أهواء الطّغاة و مظالمهم.(15:448)

تدعون

1-2- أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ. الأنعام:40،41

الطّبريّ: و تأويل الكلام:قل،يا محمّد،لهؤلاء العادلين باللّه الأوثان و الأصنام:أخبروني،إن جاءكم، أيّها القوم،عذاب اللّه كالّذي جاء من قبلكم من الأمم الّذين هلك بعضهم بالرّجفة و بعضهم بالصّاعقة، أو جاءتكم السّاعة الّتي تنشرون فيها من قبوركم، و تبعثون لموقف القيامة:أغير اللّه هناك تدعون لكشف ما نزل بكم من البلاء،أو إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم ممّا نزل بكم من عظيم البلاء؟...

يقول تعالى ذكره،مكذّبا لهؤلاء العادلين به الأوثان:ما أنتم،أيّها المشركون باللّه الآلهة و الأنداد،إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم السّاعة،بمستجيرين بشيء غير اللّه في حال شدّة الهول النّازل بكم من آلهة و وثن و صنم،بل تدعون هناك ربّكم الّذي خلقكم،و به تستغيثون،و إليه تفزعون،دون كلّ شيء غيره فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ يقول:فيفرّج عنكم عند استغاثتكم به و تضرّعكم إليه،عظيم البلاء النّازل بكم إن شاء أن يفرّج ذلك عنكم،لأنّه القادر على كلّ

ص: 587

شيء،و مالك كلّ شيء،دون ما تدعونه إلها من الأوثان و الأصنام.(5:190)

نحوه الفخر الرّازيّ.(12:223)

الثّعلبيّ: (تدعون)في صرف العذاب،ثمّ قال:

بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ تخلصون.(4:147)

الطّوسيّ: و قوله: بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ معنى(بل) استدراك و إيجاب بعد نفي،تقول:ما جاءني زيد بل عمرو.و أعلمهم اللّه تعالى إنّهم لا يدعون في حال الشّدائد إلاّ إيّاه،لأنّه إذا لحقتهم الشّدائد و الأهوال في البحار و البراري القفار،التجئوا فيه إليه و تضرّعوا لديه،كما قال وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ يونس:22،و في ذلك أعظم الحجج عليهم،لأنّهم عبدوا الأصنام.

و قوله: فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إن شاء معناه يكشف الضّرّ الّذي من أجله دعوتم،و هو مجاز،كقوله:

وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82،و معناه و اسأل أهل القرية.(4:144)

القشيريّ: ثمّ قال: بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ أي إنّكم إن تذلّلتم بنفوسكم،أو فكّرتم طويلا بقلوبكم لن تجدوا من دونه أحدا،و لا عن حكمه ملتحدا،فتعودون إليه في استكشاف الضّرّ،و استلطاف الخير و البرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

فإذا جرّبت الكلّ،و ذقت الحلو و المرّ،أفضى بك الضّرّ إلى بابه،فإذا رجعت بنعت الانكسار،و شواهد الذّلّ و الاضطرار،فإنّه يفعل ما يريد:إن شاء أتاح اليسر و أزال العسر،و إن شاء ضاعف الضّرّ و عوّض الأجر،و إن شاء ترك الحال على ما قبل السّؤال و الابتهال.(2:166)

الزّمخشريّ: أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ بمعنى أ تخصّون آلهتكم بالدّعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرّ،أم تدعون اللّه دونها؟ بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ بل تخصّونه بالدّعاء دون الآلهة، فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ أي ما تدعونه إلى كشفه.(2:18)

نحوه الشّربينيّ.(1:419)

ابن عطيّة: أ تدعون أصنامكم و تلجئون إليها في كشف ذلك،إن كنتم صادقين في قولكم:إنّها آلهة، بل تدعون اللّه الخالق الرّزّاق،فيكشف ما خفتموه إن شاء.[إلى أن قال:]

بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ... المعنى:بل لا ملجأ لكم إلاّ اللّه و أصنامكم مطرحة منسيّة،و(ما)بمعنى الّذي تدعون إليه من أجله،و يصحّ أن تكون(ما)ظرفيّة و يصحّ أن تكون مصدريّة على حذف في الكلام قال الزّجّاج هو مثل وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82.

(2:290)

الطّبرسيّ: أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ أي أ تدعون فيها لكشف ذلك عنكم هذه الأوثان الّتي تعلمون أنّها لا تقدر أن تنفع أنفسها و لا غيرها،أو تدعون اللّه الّذي هو خالقكم و مالككم لكشف ذلك عنكم.[ثمّ أدام نحو الطّوسيّ](2:300)

القرطبيّ: بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ (بل)إضراب عن الأوّل و إيجاب للثّاني.(اياه)نصب ب(تدعون،)

ص: 588

فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ، أي يكشف الضّرّ الّذي تدعون إلى كشفه إن شاء كشفه.(6:423)

أبو حيّان :[نقل كلام ابن عطيّة و قال:]

و لا يضطرّ إلى هذا التّأويل الّذي ذكره بل إذا حلّ بالإنسان العذاب و استمرّ عليه لا يدعو إلاّ اللّه.

(4:124)

أبو السّعود : أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ هذا مناط الاستخبار و محطّ التّبكيت.و قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ متعلّق ب(أ رأيتكم)مؤكّد للتّبكيت كاشف عن كذبهم،و جواب الشّرط محذوف ثقة بدلالة المذكور عليه،أي إن كنتم صادقين في أنّ أصنامكم آلهة كما أنّها دعواكم المعروفة،أو إن كنتم قوما صادقين فأخبروني أغير اللّه تدعون إن أتاكم عذاب اللّه...فإنّ صدقهم بأيّ معنى كان من موجبات إخبارهم بدعائهم غيره سبحانه.

و أمّا جعل الجواب ما يدلّ عليه قوله تعالى:

أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ، أعني فادعوه،على أنّ الضّمير لغير اللّه فمخلّ بجزالة النّظم الكريم،كيف لا و المطلوب منهم إنّما هو الإخبار بدعائهم غيره تعالى عند إتيان ما يتأتّى،لا نفس دعائهم إيّاه،و قوله تعالى:

بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ عطف على جملة منفيّة ينبئ عنها الجملة الّتي تعلّق بها الاستخبار إنباء جليّا،كأنّه قيل:

لا غيره تعالى تدعون بل إيّاه تدعون،و قوله تعالى:

فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ أي إلى كشفه،عطف على تَدْعُونَ أي فيكشفه إثر دعائكم.

و قوله تعالى:(ان شاء)أي إن شاء كشفه،لبيان أنّ قبول دعائهم غير مطّرد بل هو تابع لمشيئته المبنيّة على حكم خفيّة،قد استأثر اللّه تعالى بعلمها،فقد يقبله كما في بعض دعواتهم المتعلّقة بكشف العذاب الدّنيويّ،و قد لا يقبله كما في بعض آخر منها،و في جميع ما يتعلّق بكشف العذاب الأخرويّ الّذي من جملته السّاعة.(2:381)

نحوه البروسويّ(3:29)،و الآلوسيّ(7:149).

المراغيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و ما منشأ ذلك التّقديس إلاّ اعتقاد القدرة على النّفع و الضّرّ من غير طريق الأسباب المعروفة،لكنّهم عند الشّدائد و تراكم الأهوال و الكروب،ينسونهم و يدعون اللّه وحده.

و لهذا الحبّ و التّعظيم ثلاث درجات:

1-أعرقها في الجهل أن يعتقد المرء في شيء من المخلوقات أنّه إله ينفع و يضرّ بذاته،فيتوجّه إليه و يدعوه و يتضرّع إليه.

2-المرتبة الوسطى أن يعتقد أنّ الإله قد حلّ في بعض المخلوقات و اتّحد بها،كما تحلّ الرّوح في البدن و تدبّره،فيكونان شيئا واحدا.

3-أضعف درجاته أن يعتقد أنّ اللّه تعالى هو الخالق لكلّ شيء،القادر على كلّ شيء،المتصرّف في كلّ شيء،و لكن له وسطاء بينه و بين عباده،يقرّبونهم إليه زلفى و يشفعون لهم عنده،فهو لأجلهم يعطي و يمنع و يضرّ و ينفع،و هذه هي الدّرجة الّتي كان عليها مشركو قريش،فقد حكى اللّه عنهم: ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى الزّمر:3، هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا

ص: 589

عِنْدَ اللّهِ يونس:18.

و التّوحيد الخالص هو الإيمان بأنّ اللّه يفعل ما يشاء و يختار،و أنّ جميع الخلق مسخّرون لإرادته و تدبيره،خاضعون لسننه و تقديره،لا يملك أحد منهم لنفسه و لا لغيره شيئا إلاّ في دائرة الأسباب الّتي شرعها لعباده،و أنّ الوساطة بينه و بين عباده محصورة في تبليغ الرّسول رسالته إليهم دون تصرّفه فيهم،و أنّ شفاعة الآخرة للّه وحده يأذن بها إن شاء لمن شاء ممّن ارتضى،يرشد إلى ذلك قوله تعالى لخاتم رسله:

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، و قوله: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلاّ ما شاءَ اللّهُ الأعراف:188، و قوله: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً* إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللّهِ وَ رِسالاتِهِ الجنّ:

22،23.

و قد بيّن سبحانه أنّ تلك الوساطة الشّركيّة تنسى عند اشتداد الكروب و الأهوال،فقال: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ العنكبوت:65،و قال: وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ لقمان:32(7:121)

ابن عاشور :و مفعول:(تدعون)محذوف و هو ضمير اسم الجلالة،أي ما تدعونه.و الضّمير المجرور ب(الى)عائد على(ما)من قوله(ما تدعون،)أي يكشف الّذي تدعونه إلى كشفه.و إنّما قيّد كشف الضّرّ عنهم بالمشيئة،لأنّه إطماع لا وعد.

و عدّي فعل(تدعون)بحرف(الى)لأنّ أصل الدّعاء نداء،فكأنّ المدعوّ مطلوب بالحضور إلى مكان اليأس.[إلى أن قال:]

و في قوله: فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ دليل على أنّ اللّه تعالى قد يجيب دعوة الكافر في الدّنيا تبعا لإجراء نعم اللّه على الكفّار.و الخلاف في ذلك بين الأشعريّ و الماتريديّ آئل إلى الاختلاف اللّفظيّ.

(6:96)

الطّباطبائيّ: و في الآية تجديد احتجاج على المشركين،و إقامة حجّة على بطلان شركهم من وجه، و هو أنّها تفرض عذابا آتيا من جانب اللّه أو إتيان السّاعة إليهم،ثمّ تفرض أنّهم يدعون في ذلك من يكشف العذاب عنهم،على ما هو المغروز في فطرة الإنسان أنّه يتوجّه بالمسألة إذا بلغت به الشّدّة نحو من يقدر أن يكشفها عنه.

ثمّ تسألهم أنّه من الّذي تدعونه و تتوجّهون إليه بالمسألة إن كنتم صادقين؟أغير اللّه تدعون من أصنامكم و أوثانكم الّتي سمّيتموها من عند أنفسكم آلهة أم إيّاه تدعون؟و هيهات أن تدعوا غيره و أنتم تشاهدون حينئذ أنّها محكومة بالأحكام الكونيّة مثلكم،لا ينفعكم دعاؤها شيئا.

بل تنسون هؤلاء الشّركاء المسمّين آلهة،لأنّ الإنسان إذا أحاطت به البليّة و هزهزته الهزاهز ينسى كلّ شيء دون نفسه،إلاّ أنّ في نفسه رجاء أن ترتفع عنه البليّة،و الرّافع الّذي يرجو رفعها منه هو ربّه، فتنسون شركاءكم و تدعون من يرفعها من دونهم

ص: 590

و هو اللّه عزّ اسمه،فيكشف اللّه سبحانه ما تدعون كشفه إن شاء أن يكشفه،و ليس هو تعالى بمحكوم على الاستجابة و لا مضطرّا إلى الكشف إذا دعي بل هو القادر على كلّ شيء في كلّ حال.

فإذا كان اللّه سبحانه هو الرّبّ القدير الّذي لا ينساه الإنسان و إن نسي كلّ شيء إلاّ نفسه، و يضطرّ إلى التّوجّه إليه ببعث من نفسه عند الشّدائد القاصمة الحاطمة دون غيره من الشّركاء المسمّين آلهة،فهو سبحانه هو ربّ النّاس دونها.

فمعنى الآية:(قل)يا محمّد(أ رأيتكم) أخبروني إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السّاعَةُ فرض إتيان عذاب من اللّه و لا ينكرونه،و فرض إتيان السّاعة و لم يعبأ بإنكارهم لظهوره أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ لكشفه.و قد حكى اللّه في كلامه عنهم سؤال كشف العذاب في الدّنيا و يوم القيامة جميعا لما أنّ ذلك من فطريّات الإنسان إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و جئتم بالنّصفة(بل اياه)اللّه سبحانه دون غيره من أصنامكم تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ من العذاب(ان شاء)أن يكشفه،كما كشف لقوم يونس،و ليس بمجبر و لا مضطرّا إلى القبول لقدرته الذّاتيّة، وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ من الأصنام و الأوثان على،ما في غريزة الإنسان أن يشتغل عند إحاطة البليّة به عن كلّ شيء بنفسه،و لا يهمّ إلاّ بنفسه لضيق المجال به أن يتلهّى بما لا ينفعه،فاشتغاله و الحال هذه بدعاء اللّه سبحانه و نسيانه الأصنام، أصرح حجّة أنّه تعالى هو اللّه لا إله غيره،و لا معبود سواه.

و بما تقدّم من تقرير معنى الآية يتبيّن أوّلا:أنّ إتيان العذاب أو السّاعة،و كذا الدّعاء لكشفه مفروضان في حجّة الآية،و المطلوب بيان أنّ المدعوّ حينئذ هو اللّه عزّ اسمه دون الأصنام.و أمّا أصل الدّعاء عند الشّدائد و المصائب،و أنّ للإنسان توجّها جبلّيّا -عند ما تظلّ عليه البليّة و يتقطّع عنه كلّ-سبب إلى من يكشفها عنه،فهو حجّة أخرى غير هذه الحجّة، و المطلوب بهذه الحجّة و هي الّتي في هذه الآية:

التّوحيد و بتلك الحجّة:إثبات الصّانع من غير نظر إلى توحيده،و إن تلازم المطلوبان.

و ثانيا:أنّ تقييد قوله: فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ بقوله:(ان شاء)لبيان إطلاق القدرة،فللّه سبحانه أن يكشف كلّ شديدة حتّى السّاعة الّتي لا ريب فيها، فإنّ قضاءه الحتم لأمر من الأمور و إن كان يحتمه و يوجبه،لكنّه لا يسلب عنه القدرة على التّرك،فله القدرة المطلقة على ما قضى به،و ما لم يقض به،و مثل السّاعة في ذلك كلّ عذاب غير مردود و أمر محتوم،إن يشأ يأت به و إن لم يشأ لم يأت به،و إن كان يشاء دائما ما قضى به قضاء حتما،و وعده وعدا جزما،و اللّه لا يخلف الميعاد،فافهم ذلك.

و له سبحانه أن لا يجيب دعوة أيّ داع دعاه،و إن عرّف نفسه بأنّه مجيب،فقال: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:

186،و وعد الاستجابة لداعيه وعدا بتّيّا،فقال:

اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60،فإنّ وعد

ص: 591

الاستجابة لا يسلب عنه القدرة على عدم الاستجابة و إن كان يستجيب دائما كلّ من دعاه بحقيقة الدّعاء، و تجري على ذلك سنّته صراطا مستقيما لا تخلّف فيه.

(7:85)

عبد الكريم الخطيب :و قوله: أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ هو استفهام تقريريّ،يراد به أخذ اعتراف هؤلاء المشركين باللّه.

و جوابهم في تلك الحال الّتي يسألون فيها،-و هم فى أمن عافية،لا يذكرون معها تلك الحال الّتي يكونون فيها تحت قهر البلاء و الشّدّة،أو في مواجهة أهوال القيامة-جوابهم فى تلك الحال،لا يكون إلاّ جحودا للّه،و كفرا به،و استغناء عنه.

و قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إشارة إلى هذا الجواب الّذي سيعطونه فى تلك الحال،و أنّه ليس الجواب الّذي يعطونه لو كانوا في مواجهة المحنة و البلاء،و لهذا جاء قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ كاشفا عن حالهم تلك،و أنّهم لو صدقوا أنفسهم، و تدبّروا الموقف و تصوّروه على حقيقته،لكان جوابهم:لن ندعو غير اللّه،و لن نشرك به أحدا، و لكنّهم لم يفعلوا و لن يفعلوا،و لهذا ضرب اللّه على الجواب المنتظر منهم،و تولّى سبحانه الجواب عنهم، و ألزمهم به إلزام من يؤمنون باللّه،و يقدرونه حقّ قدره،فقال تعالى: بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ أي إنّكم مع ما تقولون الآن من كذب و شرك،و أنتم في سعة من أمركم،ستقولون هذا القول الحقّ،و أنتم فى يد البلاء و المحنة.(4:177)

3- قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ... الأنعام:56

الطّوسيّ: إن اللّه قد نهاني أن أعبد هذه الأوثان الّتي تعبدونها من دون اللّه و تدعونها آلهة،و أنّها تقرّبكم إلى اللّه زلفى.(4:163)

ابن عطيّة: و(تدعون)معناه تعبدون،و يحتمل أن يريد:تدعون في أموركم،و ذلك من معنى العبادة و اعتقادها آلهة.(2:298)

الطّبرسيّ: تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ يعني الأصنام الّتي تعبدونها،و تدعونها آلهة.(2:309)

القرطبيّ: قيل:(تدعون)بمعنى تعبدون.و قيل:

تدعونهم في مهمّات أموركم على جهة العبادة،أراد بذلك الأصنام.(6:437)

أبو حيّان : اَلَّذِينَ تَدْعُونَ هم الأصنام،عبّر عنها ب اَلَّذِينَ على زعم الكفّار حين أنزلوها منزلة من يعقل.و(تدعون)قال ابن عبّاس:معناه:

تعبدون.و قيل:تسمّونهم آلهة،من دعوت ولدي زيدا:

سمّيته.و قيل:تدعون في أموركم و حوائجكم.و في قوله: تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ استجهال لهم و وصف بالاقتحام فيما كانوا منه على غير بصيرة.(4:142)

الشّربينيّ: (تدعون،)أي تعبدون مِنْ دُونِ اللّهِ، و هي الأصنام الّتي يعبدونها،أو ما تدعونها آلهة،أي تسمّونها،لأنّ الجمادات أخسّ من أن تدعى.

(1:424)

البروسويّ: أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ أي عن عبادة ما تعبدونه.(3:40)

ص: 592

ابن عاشور:و معنى(تدعون)تعبدون و تلجئون إليهم في المهمّات،أي تدعونهم.و مِنْ دُونِ اللّهِ حال من المفعول المحذوف،فعامله (تدعون.)و هو حكاية لما غلب على المشركين من الاشتغال بعبادة الأصنام و دعائهم عن عبادة اللّه و دعائه،حتّى كأنّهم عبدوهم دون اللّه،و إن كانوا، إنّما أشركوهم بالعبادة مع اللّه،و لو في بعض الأوقات.

و فيه نداء عليهم باضطراب عقيدتهم؛إذا أشركوا مع اللّه في العبادة من لا يستحقّونها،مع أنّهم قائلون:

بأنّ اللّه هو مالك الأصنام و جاعلها شفعاء،لكن ذلك كالعدم،لأنّ كلّ عبادة توجّهوا بها إلى الأصنام قد اعتدوا بها على حقّ اللّه في أن يصرفوها إليه.(6:128)

4- قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنّا وَ شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ.

الأعراف:37

الطّبريّ: يقول:قالت الرّسل:أين الّذين كنتم تدعونهم أولياء من دون اللّه و تعبدونهم،لا يدفعون عنكم ما قد جاءكم من أمر اللّه الّذي هو خالقكم و خالقهم،و ما قد نزل بساحتكم من عظيم البلاء؟ و هلاّ يغيثونكم من كرب ما أنتم فيه فينقذونكم منه؟

(5:481)

الثّعلبيّ: تعبدون من دون اللّه.(4:232)

نحوه القرطبيّ.(7:204)

الطّوسيّ: حكاية سؤال الملائكة لهم و توبيخهم أنّ الّذين كانوا يدعونهم من دون اللّه من الأوثان و الأصنام لم ينفعوهم في هذه الحال،بل ضرّوهم.

(4:426)

ابن عطيّة: و(تدعون)معناه:تعبدون و تؤمّلون.(2:398)

الفخر الرّازيّ: معناه:أين الشّركاء الّذين كنتم تدعونهم و تعبدونهم من دون اللّه؟و لفظة(ما)وقعت موصولة ب(اين)في خطّ المصحف.

قال صاحب«الكشّاف»:و كان حقّها أن تفصل، لأنّها موصولة،بمعنى أين الآلهة الّذين تدعون.

(14:72)

أبو حيّان :التّقدير:أين الآلهة الّتي كنتم تعبدون؟ و قيل:معنى(تدعون)أي تستغيثونهم لقضاء حوائجكم.(4:295)

أبو السّعود :أي أين الآلهة الّتي كنتم تعبدونها في الدّنيا،و(ما)وقعت موصولة ب(اين)في خطّ المصحف،و حقّها الفصل،لأنّها موصولة.(2:492)

نحوه البروسويّ.(3:159)

الآلوسيّ: أي أين الآلهة الّتي كنتم تعبدونها في الدّنيا،و تستعينون بها في المهمّات.(8:115)

ابن عاشور :يعني أين آلهتكم الّتي كنتم تزعمون أنّهم ينفعونكم عند الشّدائد،و يردّون عنكم العذاب فإنّهم لم يحضروكم،و ذلك حين يشهدون العذاب عند قبض أرواحهم.(8:90)

الطّباطبائيّ: من الشّركاء الّذين كنتم تدعون أنّهم شركاء اللّه فيكم و شفعاؤكم عنده؟.(8:112)

فضل اللّه :من شركاء ممّا تصنعون من أصنام،أو

ص: 593

تخضعون لهم من بشر.(10:119)

5- إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ.

الأعراف:194

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان،موبّخهم على عبادتهم ما لا يضرّهم و لا ينفعهم من الأصنام: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ أيّها المشركون،آلهة مِنْ دُونِ اللّهِ و تعبدونها،شركا منكم و كفرا باللّه.(6:149)

الطّوسيّ: و معنى مِنْ دُونِ اللّهِ غير اللّه،كأنّه قال:كلّ مدّع إلها غير اللّه عِبادٌ أَمْثالُكُمْ و(من) لابتداء الغاية،في أنّ الدّعاء دون دعاء اللّه إلى حيث انتهى إنّما هو لعباد اللّه.(5:68)

الزّمخشريّ: أي تعبدونهم و تسمّونهم آلهة من دون اللّه.(2:138)

القرطبيّ: (تدعون)تعبدون.و قيل:تدعونها آلهة.(7:342)

أبو حيّان :هذه الجملة على سبيل التّوكيد لما قبلها،في انتفاء كون هذه الأصنام قادرة على شيء من نفع أو ضرّ،أي الّذين تدعونهم و تسمّونهم آلهة من دون اللّه الّذي أوجدها و أوجدكم هم عباد.و سمّي الأصنام عبادا و إن كانت جمادات،لأنّهم كانوا يعتقدون فيها أنّها تضرّ و تنفع،فاقتضى ذلك أن تكون عاقلة.(4:442)

أبو السّعود :تقرير لما قبله من عدم اتّباعهم لهم، أي إنّ الّذين تعبدونهم من دونه تعالى من الأصنام و تسمّونهم آلهة.(3:68)

نحوه البروسويّ.(3:295)

الآلوسيّ: تقرير لما قبله من عدم اتّباعهم لهم، و الدّعاء:إمّا بمعنى العبادة تسمية لها بجزئها،أو بمعنى التّسمية كدعوته زيدا،و مفعولاه محذوفان،أي إنّ الّذين تعبدونهم.(9:143)

ابن عاشور :و المراد ب اَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ: الأصنام،فتعريفها بالموصول لتنبيه المخاطبين على خطإ رأيهم في دعائهم إيّاها من دون اللّه،في حين هي ليست أهلا لذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجيء على الوجه الثّاني في الخطاب السّابق:أن تكون هذه الجملة بيانا و تعليلا لجملة وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ الأعراف:193،أي لأنّهم عباد،أي مخلوقون.(8:393)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ...

إلى قوله: يَسْمَعُونَ بِها احتجاج على مضمون الآيات الثّلاث السّابقة،و المعنى:إنّما قلنا:إنّهم مخلوقون لا يقدرون على شيء،لأنّهم عباد أمثالكم، فكما أنّكم مخلوقون مدبّرون،كذلك هم.

و الحجّة عليه أنّهم لا يستجيبون لكم إن دعوتموهم،فادعوهم إن كنتم صادقين في دعواكم أنّ لهم علما و قدرة،و إنّما نسب إليهم دعوى كونهم ذوي علم و قدرة،لما في دعوتهم من الدّلالة على ذلك و كيف يستجيبون لكم-و ليست ما عبأتم لهم من الأرجل و الأيدي ماشية و باطشة،و لا ما صوّرتم لهم من الأعين و الآذان مبصرة و سامعة-لأنّهم جمادات؟

(8:377)

ص: 594

عبد الكريم الخطيب:فهؤلاء الّذين يعبدهم المشركون من دون اللّه جمادا كانوا أم شياطين أم ملائكة،هم خلق مثلهم،مخلوقون للّه،لا يملكون لأنفسهم نفعا و لا ضرّا،فكيف يكون منهم لغيرهم نفع أو ضرّ؟

و ها هو ذا الواقع يكشف عن هذه الحقيقة و يقرّرها،فليدع المشركون آلهتهم الّتي يعبدونها من دون اللّه،ثمّ لينظروا ما ذا يبلغ هذا الدّعاء منهم؟

هل يسمعون؟و إذا سمعوا،هل يعقلون؟و إذا عقلوا،هل يقدرون على تحقيق المطلوب منهم؟و كيف و هم لا يستطيعون لأنفسهم جلب خير،أو دفع ضرّ؟

(5:540)

6- وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ. الأعراف:197

الطّبريّ: و هذا أيضا أمر من اللّه جلّ ثناؤه لنبيّه أن يقوله للمشركين،يقول له تعالى ذكره:قل لهم:إنّ اللّه نصيري و ظهيري،و الّذين تدعون أنتم،أيّها المشركون،من دون اللّه من الآلهة لا يستطيعون نصركم،و لا هم مع عجزهم عن نصرتكم يقدرون على نصرة أنفسهم،فأيّ هذين أولى بالعبادة و أحقّ بالألوهة؟أمّن ينصر وليّه و يمنع نفسه ممّن أراده،أم من لا يستطيع نصر وليّه و يعجز عن منع نفسه ممّن أراد و بغاه بمكروه؟(6:150)

الطّوسيّ: و إنّما قال: تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ و هم يدعونهم معه،لأنّ معنى مِنْ دُونِهِ من غيره،و مع ذلك فإنّه بمنزلة من أفرد غيره بالعبادة في عظم الكفر و الشّرك.(5:72)

القرطبيّ: كرّره ليبيّن أنّ ما يعبدونه لا ينفع و لا يضرّ.(7:344)

أبو السّعود :أي تعبدونهم مِنْ دُونِهِ تعالى، أو تدعونهم للاستعانة بهم عليّ حسبما أمرتكم به.

(3:69)

نحوه الآلوسيّ.(9:146)

ابن عاشور :و جملة: وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ عطف على جملة إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الأعراف:

196،و سلوك طريق الموصوليّة في التّعبير عن الأصنام للتّنبيه على خطإ المخاطبين في دعائهم إيّاها من دون اللّه،مع ظهور عدم استحقاقها للعبادة،بعجزها عن نصر أتباعها و عن نصر أنفسها.(8:397)

عبد الكريم الخطيب :فهذه هي آلهتكم الّتي تدعون من دون اللّه،لا يستطيعون لكم نصرا،لأنّهم أعجز من أن ينصروا أنفسهم،فكيف يكون منهم نصر لغيرهم؟

و شتّان بين من يدعو اللّه،و يطلب نصره و عونه، و بين من يدعو هذه الأحجار و تلك الدّمى.(5:542)

تدعونه

قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً. الأنعام:63

راجع:خ ف ي:«خفية».

ص: 595

تدعوننى

وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ* تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ* لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ ... المؤمن:41-43

مجاهد : ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ: الإيمان باللّه.(الطّبريّ 11:63)

لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا: الوثن ليس بشيء.

(الطّبريّ 11:64)

الضّحّاك: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ معناه:ليس لهذه الأصنام استجابة دعاء أحد في الدّنيا و لا في الآخرة.

مثله قتادة و السّدّيّ.(الطّوسيّ 9:81)

الحسن :حكى اللّه تعالى إنّ مؤمن آل فرعون قال لهم وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ يعني إلى ما فيه خلاصكم:من توحيد اللّه،و إخلاص العبادة له، و الاقرار بموسى عليه السّلام.

مثله ابن زيد.(الطّوسيّ 9:80)

قتادة : لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ أي لا ينفع و لا يضرّ.(الطّبريّ 11:64)

ابن زيد : ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ هذا مؤمن آل فرعون يدعونه إلى دينهم و الإقامة معهم.(الطّبريّ 11:63)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هذا المؤمن لقومه من الكفرة: ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ من عذاب اللّه و عقوبته بالإيمان به،و اتّباع رسوله موسى و تصديقه فيما جاءكم به من عند ربّه وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ، يقول:و تدعونني إلى عمل أهل النّار.

و قوله: تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ يقول:و أشرك باللّه في عبادته أوثانا لست أعلم أنّه يصلح لي عبادتها و إشراكها في عبادة اللّه،لأنّ اللّه لم يأذن لي في ذلك بخبر و لا عقل.

و قوله: وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ، يقول:و أنا أدعوكم إلى عبادة العزيز في انتقامه ممّن كفر به،الّذي لا يمنعه إذا انتقم من عدوّ له شيء.

القول في تأويل قوله تعالى: لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ يقول:حقّا أنّ الّذي تدعونني إليه من الأوثان،ليس له دعاء في الدّنيا و لا في الآخرة،لأنّه جماد لا ينطق و لا يفهم شيئا.(11:63)

الثّعلبيّ: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ ينتفع بها.

و قال السّدّيّ: يعني لا يستجيب لأحد في الدّنيا و لا في الآخرة،فكان معنى الكلام:ليست له استجابة دعوة.

و قال قتادة:ليست له دعوة مستجابة.و قيل:

ليس له دعوة في الدّنيا و لا في الآخرة إلاّ عبدوها،لأنّ الأوثان لم تأمر بعبادتها في الدّنيا،و لم تدّع الرّبوبيّة، و في الآخرة تتبرّأ من عابديها.(8:277)

الطّوسيّ: و تَدْعُونَنِي أنتم إِلَى النّارِ

ص: 596

لأنّهم إذا دعوا إلى عبادة غير اللّه الّتي يستحقّ بها النّار،فكأنّهم دعوا إلى النّار،لأنّ من دعا إلى سبب الشّيء فقد دعا اليه،و من صرف عن سبب الشّيء فقد صرف عنه،فمن صرف عن معصية اللّه فقد صرف عن النّار،و من دعا إليها فقد دعا إلى النّار.و الدّعاء:طلب الطّالب الفعل من غيره،فالمحقّ يدعو إلى عبادة اللّه و طاعته و كلّ ما أمر اللّه به أو نهى عنه،و المبطل يدعو إلى الشّرّ و العصيان،فمنهم من يدري أنّه عصيان و منهم من لا يدري،ثمّ بيّن ذلك فقال: تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ و أجحد نعمه وَ أُشْرِكَ بِهِ في العبادة ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ مع حصول العلم ببطلانه.لأنّه لا يصحّ أن يعلم شريك له و ما لا يصحّ أن يعلم باطل، فدلّ على فساد اعتقادهم للشّرك من هذه الجهة،ثمّ قال: وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ معاشر الكفّار إلى عبادة اَلْعَزِيزِ...

لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ و المعنى:ليس له دعوة ينتفع بها في أمر الدّنيا و لا في الآخرة،فأطلق لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ لأنّه أبلغ و إن توهّم جاهل أنّ له دعوة ينتفع بها،فإنّه لا يعتدّ بذلك لفساده و تناقضه.[ثمّ نقل أقوال الضّحّاك و قتادة و السّدّيّ و قال:]

و قيل:معناه:ليس لها دعوة تجاب بالإلهيّة في الدّنيا،و لا في الآخرة.(9:80)

القشيريّ: ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ و هذا كلّه من قول مؤمن آل فرعون،و يقوله على جهة الاحتجاج لقومه،و يلزمهم الحجّة به.

تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ تدعونني لأكفر باللّه و أشرك به من غير علم لي بصحّة قولكم،و أنا أدعوكم إلى اللّه و إلى ما أوضّحه بالبرهان،و أقيم عليه البيان.

لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ... باطل،فليس لتلك الأصنام حياة و لا علم.و لا قدرة،و هي لا تنفع و لا تضرّ.و لقد علمنا بقول الّذين ظهر صدقهم بالمعجزات،كذبكم فيما تقولون.(5:307)

الزّمخشريّ: وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ... [إلى أن قال:]

لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ معناه:أنّ ما تدعونني إليه ليس له دعوة إلى نفسه قطّ،أي من حقّ المعبود بالحقّ أن يدعو العباد إلى طاعته،ثمّ يدعو العباد إليها إظهارا لدعوة ربّهم،و ما تدعون إليه و إلى عبادته لا يدعو هو إلى ذلك،و لا يدّعي الرّبوبيّة،و لو كان حيوانا ناطقا لضجّ من دعائكم.و قوله: فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ يعني أنّه في الدّنيا جماد لا يستطيع شيئا من دعاء و غيره،و في الآخرة إذا أنشأه اللّه حيوانا تبرّأ من الدّعاة إليه و من عبدته.و قيل:معناه ليس له استجابة دعوة تنفع في الدّنيا و لا في الآخرة.

أو دعوة مستجابة،جعلت الدّعوة الّتي لا استجابة لها و لا منفعة فيها كلا دعوة،أو سمّيت الاستجابة باسم الدّعوة كما سمّي الفعل المجازي عليه باسم الجزاء في قولهم:«كما تدين تدان».قال اللّه تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ الرّعد:14.(3:429)

ابن عطيّة: قد تقدّم ذكر الخلاف،هل هذه المقالة

ص: 597

لموسى أو لمؤمن آل فرعون؟و الدّعاء إلى طاعة اللّه و عبادته و توحيده هو الدّعاء إلى سبب النّجاة،فجعله دعاء إلى النّجاة اختصارا و اقتضابا،و كذلك دعاؤهم إيّاه إلى الكفر و اتّباع دينهم هو دعاء إلى سبب دخول النّار،فجعله دعاء إلى النّار اختصارا.ثمّ بيّن عليهم ما بين الدّعوتين من البون في أنّ الواحدة شرك و كفر، و الأخرى دعوة إلى الإسناد إلى عزّة اللّه و غفرانه.

[إلى أن قال:]

و قوله: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ أي قدر و حقّ يجب أن يدّعي أحد إليه،فكأنّه تدعونني إلى ما لاغناء له، و بين أيدينا خطب جليل من الرّدّ إلى اللّه.(4:561)

الطّبرسيّ: وَ يا قَوْمِ ما لِي أي ما لكم،كما يقول الرّجل:ما لي أراك حزينا،معناه:ما لك؟و معناه:

أخبروني عنكم كيف هذه الحال أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ من النّار بالإيمان باللّه وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ أي إلى الشّرك الّذي يوجب النّار.و من دعا إلى سبب الشّيء،فقد دعا إليه.ثمّ فسّر الدّعوتين بقوله: تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ و لا يجوز حصول العلم به،إذ لا يجوز قيام الدّلالة على إثبات شريك للّه تعالى،لا من طريق السّمع،و لا من طريق العقل. وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ، أي إلى عبادة القادر الّذي لا يقهر، و لا يمنع،فينتقم من كلّ كفّار عنيد.[إلى أن قال:]

أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ أي وجب بطلان دعوته،يقول:لا بدّ أنّما تدعونني إليه من عبادة الأصنام،أو عبادة فرعون،ليس له دعوة نافعة فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ فأطلق أنّه لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ ليكون أبلغ،و إن توهّم جاهل أنّ له دعوة ينتفع بها، فإنّه لا يعتدّ بذلك لفساده و تناقضه.

و قيل:معناه ليست لهذه الأصنام استجابة دعوة أحد في الدّنيا،و لا في الآخرة،فحذف المضاف،عن السّدّيّ و قتادة و الزّجّاج.

و قيل:معناه ليست له دعوة في الدّنيا،لأنّ الأصنام لا تدعو إلى عبادتها فيها،و لا في الآخرة، لأنّها تبرّأ من عبّادها فيها.(4:525)

الفخر الرّازيّ: وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ... يعني أنا أدعوكم إلى الإيمان الّذي يوجب النّجاة و تدعونني إلى الكفر الّذي يوجب النّار.[إلى أن قال:]

و لمّا ذكر هذا المؤمن أنّه يدعوهم إلى النّجاة و هم يدعونه إلى النّار،فسّر ذلك بأنّهم يدعونه إلى الكفر باللّه و إلى الشّرك به،أمّا الكفر باللّه فلأنّ الأكثرين من قوم فرعون كانوا ينكرون وجود الإله، و منهم من كان يقرّ بوجود اللّه إلاّ أنّه كان يثبت عبادة الأصنام.(27:70)

القرطبيّ: قوله تعالى: وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ... أي إلى طريق الإيمان الموصل إلى الجنان وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ. بيّن أنّ ما قال فرعون من قوله: وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرَّشادِ المؤمن:

29،سبيل الغيّ عاقبته النّار،و كانوا دعوه إلى اتّباعه، و لهذا قال: تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ و هو فرعون وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ

ص: 598

اَلْغَفّارِ، (لا جرم)تقدّم الكلام فيه،و معناه:حقّا.

أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ، (ما)بمعنى الّذي، لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ قال الزّجّاج:ليس له استجابة دعوة تنفع،و قال غيره:ليس له دعوة توجب له الألوهيّة فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ و قال الكلبيّ:

ليس له شفاعة في الدّنيا و لا في الآخرة.

و كان فرعون أوّلا يدعو النّاس إلى عبادة الأصنام،ثمّ دعاهم إلى عبادة البقر،فكانت تعبد ما كانت شابّة،فإذا هرمت أمر بذبحها،ثمّ دعا بأخرى لتعبد،ثمّ لمّا طال عليه الزّمان قال:أنا ربّكم الأعلى.

(15:317)

أبو حيّان :و بدأ أوّلا بجملة اسميّة،و هو الاستفهام المتضمّن التّعجّب من حالتهم،و ختم أيضا بجملة اسميّة ليكون أبلغ في توكيد الأخبار.و جاء في حقّهم وَ تَدْعُونَنِي بالجملة الفعليّة الّتي لا تقتضي توكيدا؛ إذ دعوتهم باطلة لا ثبوت لها،فتؤكّد.و ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ هي الأوثان،أي لم يتعلّق به علمي؛إذ ليس لها مدخل في الألوهيّة و لا لفرعون.[إلى أن قال:]

(انّما)،أي إنّ الّذي تدعونني إليه،أي إلى عبادته، لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ، أي قدر و حقّ يجب أن يدعى إليه،أو ليس له دعوة إلى نفسه،لأنّ الجماد لا يدعو،و المعبود بالحقّ يدعو العباد إلى طاعته،ثمّ يدعو العباد إليها إظهارا لدعوة ربّهم.

و قال الزّجّاج:المعنى ليس له استجابة دعوة توجب الألوهيّة في الدّنيا و لا في الآخرة،أو دعوة مستجابة جعلت الدّعوة الّتي لا استجابة لها و لا منفعة كلا دعوة،أو سمّيت الاستجابة باسم الدّعوة، كما سمّي الفعل المجازيّ عليه باسم الجزاء،في قوله:كما «تدين تدان».(7:467)

الشّربينيّ: وَ يا قَوْمِ ما أي أيّ شيء من الحظوظ و المصالح(لى)في أنّي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ و الجنّة شفقة عليكم و رحمة لكم و اعترافا بحقّكم، وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ و الهلاك بالكفر، فالآية من الاحتباك،ذكر النّجاة الملازمة للإيمان أوّلا دليلا على حذف الهلاك الملازم للكفران ثانيا،و النّار ثانيا دليلا على حذف الجنّة أوّلا.و قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو و هشام بفتح ياء (ما لى) و الباقون بسكونها،و اتّفقوا على سكون الياء من(تدعوننى.)

و لمّا أخبر ذلك المؤمن بقلّة إنصافهم إجمالا،بيّنه بقوله:(تدعوننى،)أي توقّعون دعائي إلى معبوداتكم،(لاكفر)أي لأجل أن أكفر(بالله) الّذي له مجامع القهر و العزّ و العظمة و الكبرياء، وَ أُشْرِكَ بِهِ أي أجعل له شريكا ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ، أي بربوبيّته(علم)أي نوع من العلم بصلاحيّته لشيء من الشّركة،فهو دعاء إلى الكذب في شيء لا يحلّ الإقدام عليه إلاّ بالدّليل القطعيّ الّذي لا يحتمل نوعا من الشّرك،فالمراد بنفي العلم نفي الإله، كأنّه قال:و أشرك به ما ليس بإله،و ما ليس بإله كيف يعقل جعله شريكا للإله.

و لمّا بيّن أنّهم يدعونه إلى الكفر بيّن أنّه يدعوهم إلى الإيمان،بقوله: وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ، أي أوقع دعاءكم الآن و قبله و بعده إِلَى الْعَزِيزِ أي البالغ العزّة

ص: 599

الّذي يغلب كلّ شيء و لا يغلبه شيء.

و أمّا فرعون فهو في غاية العجز فكيف يكون إلها،و أمّا الأصنام فإنّها أحجار منحوتة فكيف يعقل كونها آلهة...(انما)أي الّذي تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ من هذه الأنداد لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ بوجه من الوجوه،فإنّه لا إدراك له،هذا إن أريد ما لا يعقل،و إن أريد شيء ممّا يعقل فلا دعوة له مقبولة بوجه،فإنّه لا يقوم عليها دليل بل و لا شبهة موهمة فِي الدُّنْيا أي الّتي هي محلّ الأسباب الظّاهرة، وَ لا فِي الْآخِرَةِ أي ليس له استجابة دعوة فيهما.

فسمّي استجابة الدّعوة دعوة إطلاقا،لاسم أحد المتضايفين على الآخر،كقوله تعالى: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40،و كقولهم:«كما تدين تدان».

و قيل:ليس له دعوة،أي عبادة في الدّنيا،لأنّ الأوثان لا تدّعي الرّبوبيّة،و لا تدعو إلى عبادتها،و في الآخرة تتبرّأ من عابديها.(3:485)

أبو السّعود : وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ كرّر نداءهم إيقاظا لهم عن سنة الغفلة،و اعتناء بالمنادي له،و مبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصحه،و مدار التّعجّب الّذي يلوح به الاستفهام،دعوتهم إيّاه إلى النّار،و دعوته إيّاهم إلى النّجاة،كأنّه قيل:أخبروني كيف هذه الحال أدعوكم إلى الخير و تدعونني الى الشّرّ؟و قد جعله بعضهم من قبيل:ما لي أراك حزينا.

و قوله تعالى: تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ بدل أو بيان،فيه تعليل،و الدّعاء كالهداية في التّعدية ب«إلى» و«اللاّم» وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ بشركته له تعالى في المعبوديّة،و قيل:بربوبيّته(علم،)و المراد نفي المعلوم و الإشعار بأنّ الألوهيّة لا بدّ لها من برهان موجب بها.(5:420)

نحوه البروسويّ.(8:187)

الآلوسيّ: تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ بدل من تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ أو عطف بيان له،بناء على أنّه يجري في الجمل كالمفردات،أو جملة مستأنفة مفسّرة لذلك،و الدّعاء كالهداية في التّعدية ب«إلى»و«اللاّم » وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ أي بكونه شريكا له تعالى في المعبوديّة أو بربوبيّته و ألوهيّته(علم،)و نفي العلم هنا كناية عن نفي المعلوم،و في إنكاره للدعوة إلى ما لا يعلمه إشعار بأنّ الألوهيّة لا بدّ لها من برهان موجب للعلم بها.[إلى أن قال:]

و لام(له)في جميع هذه الأوجه لنسبة الدّعوة إلى الفاعل،على ما سمعت من المعنى،و جوّز أن يكون لنسبتها إلى المفعول،فإنّ الكفّار كانوا يدعون آلهتهم، فنفي في الآية دعاءهم على معنى نفي الاستجابة منها لدعائهم إيّاها،فالمعنى:أنّ ما تدعونني إليه من الأصنام ليس له استجابة دعوة لمن يدعوه أصلا،أو ليس له دعوة مستجابة،أي لا يدّعي دعاء يستجيبه لداعيه.فالكلام إمّا على حذف المضاف أو على حذف الموصوف.و جوّز التّجوّز فيه بالدّعوة عن استجابتها الّتي تترتّب عليها،و هذا كما سمّي الفعل المجازي عليه باسم الجزاء في قولهم:«كما تدين تدان»

ص: 600

و هو من باب المشاكلة عند بعض.(24:71)

ابن عاشور :أعاد نداءهم و عطفت حكايته بواو العطف للإشارة إلى أنّ نداءه اشتمل على ما يقتضي في لغتهم أنّ الكلام قد تخطّى من غرض إلى غرض،و أنّه سيطرق ما يغاير أوّل كلامه مغايرة ما تشبه مغايرة المتعاطفين في لغة العرب،و أنّه سيرتقي باستدراجهم في درج الاستدلال إلى المقصود بعد المقدّمات،فانتقل هنا إلى أن أنكر عليهم شيئا جرى منهم نحوه،و هو أنّهم أعقبوا موعظته إيّاهم بدعوته للإقلاع عن ذلك و أن يتمسّك بدينهم،و هذا شيء مطويّ في خلال القصّة دلّت عليه حكاية إنكاره عليهم،و هو كلام آيس من استجابتهم لقوله فيه: فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ المؤمن:44،و متوقّع أذاهم لقوله: وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّهِ المؤمن:44،و لقوله تعالى آخر القصّة:

فَوَقاهُ اللّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا المؤمن:45.فصرّح هنا و بيّن بأنّه لم يزل يدعوهم إلى اتّباع ما جاء به موسى،و في اتّباعه النّجاة من عذاب الآخرة،فهو يدعوهم إلى النّجاة حقيقة،و ليس إطلاق النّجاة على ما يدعوهم إليه بمجاز مرسل بل يدعوهم إلى حقيقة النّجاة بوسائط.

و الاستفهام في ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ استفهام تعجّبيّ باعتبار تقييده بجملة الحال و هي وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ فجملة وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ في موضع الحال بتقدير مبتدإ،أي و أنتم تدعونني إلى النّار،و ليست بعطف لأنّ أصل استعمال:

ما لي أفعل،و ما لي لا أفعل و نحوه،أن يكون استفهاما عن فعل أو حال ثبت للمجرور باللاّم و هي لام الاختصاص،و معنى لام الاختصاص يكسب مدخولها حالة خفيّا سببها الّذي علّق بمدخول اللاّم، نحو قوله تعالى: ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ التّوبة:38، ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ النّمل:20،و قولك لمن يستوقفك:ما لك؟ فتكون الجملة الّتي بعد اسم الاستفهام و خبره جملة فعليّة.

و تركيب ما لِيَ و نحوه،هو كتركيب: هَلْ لَكَ و نحوه في قوله تعالى: فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى النّازعات:18.[ثمّ استشهد بشعر]

فإذا قامت القرينة على انتفاء إرادة الاستفهام الحقيقيّ انصرف ذلك إلى التّعجّب من الحالة،أو إلى الإنكار أو نحو ذلك.فالمعنى هنا على التّعجّب يعني أنّه يعجب من دعوتهم إيّاه لدينهم مع ما رأوا من حرصه على نصحهم و دعوتهم إلى النّجاة،و ما أتاهم به من الدّلائل على صحّة دعوته و بطلان دعوتهم.

و جملة تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ بيان لجملة وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ لأنّ الدّعوة إلى النّار أمر مجمل مستغرب فبيّنه ببيان أنّهم يدعونه إلى التّلبّس بالأسباب الموجبة عذاب النّار.و المعنى تدعونني للكفر باللّه و إشراك ما لا أعلم مع اللّه في الإلهيّة.

و معنى ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ما ليس لي بصحّته أو بوجوده علم،و الكلام كناية عن كونه يعلم أنّها ليست آلهة بطريق الكناية بنفي اللاّزم عن نفي الملزوم.

ص: 601

و عطف عليه وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ فكان بيانا لمجمل جملة أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ. و إبراز ضمير المتكلّم في قوله: وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ لإفادة تقوّي الخبر بتقديم المسند إليه على خبره الفعليّ.

و فعل الدّعوة إذا ربط بمتعلّق غير مفعوله يعدّى تارة باللاّم و هو الأكثر في الكلام،و يعدّى بحرف «إلى»و هو الأكثر في القرآن،لما يشتمل عليه من الاعتبارات،و لذلك علّق به معموله في هذه الآية أربع مرّات ب«إلى»،و مرّة باللاّم مع ما في ربط فعل الدّعوة بمتعلّقة الّذي هو من المعنويّات من مناسبة لام التّعليل،مثل تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ، و ربطه بما هو ذات بحرف«إلى»في قوله: أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ فإنّ النّجاة هي نجاة من النّار،فهي نجاة من أمر محسوس،و قوله: وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ و قوله: وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا إلخ،لأنّ حرف «إلى»دالّ على الانتهاء،لأنّ الّذي يدعو أحدا إلى شيء إنّما يدعوه إلى أن ينتهي إليه،فالدّعاء إلى اللّه الدّعاء إلى توحيده بالرّبوبيّة،فشبّه بشيء محسوس تشبيه المعقول بالمحسوس،و شبّه اعتقاده صحّته بالوصول إلى الشّيء المسعى إليه،و شبّهت الدّعوة إليه بالدّلالة على الشّيء المرغوب الوصول إليه، فكانت في حرف«إلى»استعارة مكنيّة و تخييليّة و تبعيّة،و في اَلْعَزِيزِ الْغَفّارِ استعارة مكنيّة،و في أَدْعُوكُمْ استعارة تبعيّة و تخييليّة.[إلى أن قال:]

و قوله: لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إلى قوله:

أَصْحابُ النّارِ واقع موقع التّعليل لجملتي: ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ لأنّه إذا تحقّق أن لا دعوة للأصنام في الدّنيا بدليل المشاهدة، و لا في الآخرة بدلالة الفحوى،فقد تحقّق أنّها لا تنجي أتباعها في الدّنيا و لا يفيدهم دعاؤها و لا نداؤها.و تحقّق إذن أنّ المرجوّ للإنعام في الدّنيا و الآخرة هو الرّبّ الّذي يدعوهم هو إليه.

و هذا دليل إقناعيّ غير قاطع للمنازع في إلهيّة ربّ هذا المؤمن،و لكنّه أراد إقناعهم،و استحفظهم دليله،لأنّهم سيظهر لهم قريبا أنّ ربّ موسى له دعوة في الدّنيا ثقة منه بأنّهم سيرون انتصار موسى على فرعون،و يرون صرف فرعون عن قتل موسى بعد عزمه عليه،فيعلمون أنّ الّذي دعا إليه موسى هو المتصرّف في الدّنيا،فيعلمون أنّه المتصرّف في الآخرة.

و معنى لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ انتفاء أن يكون الدّعاء إليه بالعبادة أو الالتجاء نافعا،لا نفي وقوع الدّعوة، لأنّ وقوعها مشاهد.فهذا من باب«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».و قولهم:ليس ذلك بشيء،أي بشيء نافع،و بهذا تعلم أنّ(دعوة)مصدر متحمّل معنى ضمير فاعل،أي ليست دعوة داع،و أنّ ضمير(له) عائد إلى(ما)الموصولة،أي لا يملك دعوة الدّاعين، أي لا يملك إجابتهم.(24:202)

الطّباطبائيّ: الآية إلى اَلْعَزِيزِ الْغَفّارِ كأنّه لمّا دعاهم إلى التّوحيد،قابلوه بدعوته إلى عبادة آلهتهم،أو قدرها لهم لمّا شاهد جدالهم بالباطل و إصرارهم على الشّرك،فنسب إليهم الدّعوة بشهادة

ص: 602

حالهم،فأظهر العجب من مقابلتهم دعوته الحقّة بدعوتهم الباطلة.

فقال:و يا قوم ما لي أدعوكم إلى النّجاة،أي النّجاة من النّار و تدعونني إلى النّار،و قد كان يدعوهم إلى سبب النّجاة و يدعونه إلى سبب دخول النّار،فجعل الدّعوة إلى السّببين دعوة إلى المسبّبين،أو لأنّ الجزاء هو العمل بوجه.

ثمّ فسّر ما دعوه إليه و ما دعاهم إليه،فقال:

تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ أي إلى أن أكفر باللّه وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ أي أشرك به شيئا لا حجّة لي على كونه شريكا فأفتري على اللّه بغير علم،و أنا أدعوكم إلى العزيز الّذي يغلب و لا يغلب،الغفّار لمن تاب إليه و آمن به،أي أدعوكم إلى الإيمان به و الإسلام له.

قوله تعالى: لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ... لا جرم بمعنى:حقّا أو بمعنى لا بدّ،و مفاد الآية إقامة الحجّة على عدم كون ما يدعون إليه إلها من طريق عدم الدّعوة إليه،و في ذلك تأييد لقوله في الآية السّابقة ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ.

و المعنى:ثبت ثبوتا أنّ ما تدعونني إليه ممّا تسمّونه شريكا له سبحانه،ليس له دعوة في الدّنيا؛إذ لم يعهد نبيّ أرسل إلى النّاس من ناحيته ليدعوهم إلى عبادته، و لا في الآخرة إذ لا رجوع إليه فيها من أحد،و أمّا الّذي أدعوكم إليه و هو اللّه سبحانه،فإنّ له دعوة في الدّنيا،و هي الّتي تصدّاها أنبياؤه و رسله المبعوثون من عنده المؤيّدون بالحجج و البيّنات،و في الآخرة و هي الّتي يتبعها رجوع الخلق إليه لفصل القضاء بينهم،قال تعالى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الإسراء:

52.

و من المعلوم كما قرّرناه في ذيل قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ المؤمن:13،أنّ الرّبوبيّة لا تتمّ بدون دعوة في الدّنيا و نظيرتها الدّعوة في الآخرة،و إذ كان الّذي يدعوهم إليه ذا دعوة في الدّنيا و الآخرة دون ما يدعونه إليه،فهو الإله دون ما يدعون إليه.

(17:333)

عبد الكريم الخطيب :مناظرة بين موقف و موقف،و دعوة دعوة،موقف الرّجل المؤمن من قومه،و موقفهم منه.

إنّه يدعوهم إلى الخلاص و النّجاة من نقمة اللّه في الدّنيا،و عذابه في الآخرة،و هم يدعونه إلى نقمة اللّه في الدّنيا،و إلى عذاب النّار في الآخرة،إنّهم يدعونه ليكفر باللّه الواحد الأحد،و أن يعبد مع اللّه آلهة أخرى لا يعلم لها حقيقة يطمئنّ إليها عقله،و يستسيغها منطقه،و هو يدعوهم إلى إله يقوم على هذا الوجود، و يمسك كلّ ذرّة منه،حفظا و علما،فهو سبحانه (العزيز)الّذي تذلّ لعزّته الجبابرة،(الغفار)الّذي يغفر ذنوب المسيئين،و يقبل توبتهم،إذا هم رجعوا إليه،و وجّهوا وجههم له.

فهل تستوي دعوة و دعوة؟و هل يستوي الضّلال و الهدى؟

و قد جاء النّظم القرآنيّ على غير النّسق الّذي يقتضيه النّظم الكلاميّ،في تقديرنا؛إذ بدأ الرّجل

ص: 603

المؤمن بما يدعوهم إليه أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ و كان مقتضى النّظم الكلاميّ أن يقول بعد هذا:و أدعوكم إلى العزيز الغفّار، و تدعونني لأكفر باللّه و أشرك به ما ليس لي به علم، و لكن جاء النّظم القرآنيّ على تلك الصّورة المعجزة، الّتي جمعت بين دعوتيهم في نسق واحد هكذا:

تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ... تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ثمّ كان من هذه الصّورة المعجزة من النّظم أن بدئت و ختمت بالدّعوة الّتي يدعو بها المؤمن إلى الإيمان هكذا.

أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ و أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ ثمّ كان منها كذلك أن سوّت بينه و بينهم،فقدّم نفسه أوّلا،ثمّ قدّمهم هم ثانيا هكذا:

أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ.

تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ هذا ما ينكشف من هذا النّظم للنّظرة،و وراء هذه النّظرة نظرات و معطيات،لا حدود لها.

قوله تعالى: لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ هو تعقيب من الرّجل المؤمن،على هذا الموقف الّذي بينه و بين قومه.إنّ ما يدعونه إلى عبادته من آلهتهم: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ.

إنّه لا يسمع دعاء داع و لا يستجيب له،سواء أ كان ذلك فى هذه الدّنيا،أو فى الآخرة.(12:1238)

فضل اللّه : وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ من النّار وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ فقد كانوا يحاولون جرّه إلى عقيدتهم و خطّهم الفكريّ و العمليّ في الحياة، لينسجم مع جوّ العائلة المالكة الكبيرة الّتي تريد الإبقاء على وحدتها في الموقف و الانتماء،لكنّه ردّ على المحاولة،بقوّة لا مهادنة فيها و لا مجاملة،لأنّ المسألة تتّصل بالعقيدة الحقّة،الأمر الّذي يجعل الموقف جهادا في سبيل جرّهم إليه.

تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ لا يكون انتمائي إلى مجتمعكم من دون أساس أو حجّة وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ الّذي يملك القوّة كلّها،فهو الّذي يعطي القوّة للأقوياء،كما يملك الرّحمة كلّها الّتي تشمل المذنبين الرّاجعين إليه بالمغفرة.

لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ من عبادة هذا الفرعون الّذي لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرّا إلاّ باللّه، فكيف يملكهما لغيره،و كيف يكون إلها للنّاس و هو مخلوق للّه خالق الحياة و النّاس،فهو لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ لأنّه لا يمثّل آية حقيقة ثابتة في الواقع الدّنيويّ و الأخرويّ.(20:47)

مكارم الشّيرازيّ: و آخر مرحلة يزيل مؤمن آل فرعون الحجب و الأستار عن هويّته؛إذ لم يستطع التّكتّم ممّا فعل،فقد قال كلّ ما هو ضروريّ،أمّا القوم من ملأ فرعون،فكان لهم-كما سنرى ذلك-قرارهم الخطير بشأنه.

يفهم من خلال القرائن أنّ أولئك المعاندين و المغرورين لم يسكتوا حيال كلام هذا الرّجل الشّجاع المؤمن،و إنّما قاموا بطرح«مزايا»الشّرك في مقابل

ص: 604

كلامه،و دعوه كذلك إلى عبادة الأصنام،لذا فقد صرخ قائلا: ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ.

إنّني أطلب سعادتكم و أنتم تطلبون شقائي،إنّني أهديكم إلى الطّريق الواضح الهادي،و أنتم تدعونني إلى الانحراف و الضّلال.نعم،إنّكم: تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ.

نستفيد من الآيات القرآنيّة المختلفة،و من تأريخ مصر،أنّ هؤلاء القوم لم يقتصروا في عبادتهم و شركهم و ضلالهم على الفراعنة و حسب،و إنّما كانت لهم أصنام يعبدونها من دون الواحد القهّار،كما نستفيد ذلك بشكل مباشر من قوله تعالى في الآية:127،من سورة الأعراف؛حيث قوله تعالى: أَ تَذَرُ مُوسى وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ، و الآية تحكي خطاب أصحاب فرعون و الملأ من قومه لفرعون.

و قد تكرّر نفس المضمون على لسان يوسف عليه السّلام إذ قال لرفاقه في سجن الفراعنة: أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ يوسف:39.

لقد ذكّرهم مؤمن آل فرعون من خلال مقارنة واضحة أنّ دعوتهم إلى الشّرك لا تستند على دليل صحيح،و الشّرك طريق وعر مظلم محفوف بالمخاطر و سوء العاقبة و المصير،بينما دعوته«مؤمن آل فرعون»دعوة للهدى و الرّشاد و سلوك طريق اللّه العزيز الغفّار.

إنّ عبارة(العزيز)و(الغفار)تشير من جانب إلى مبدإ«الخوف و الرّجاء».

و من جانب ثان تشير إلى إلغاء ألوهيّة الأصنام و الفراعنة؛حيث لا يملكون العزّة و لا العفو.

ينتقل الخطاب القرآنيّ-على لسان مؤمن آل فرعون-إلى قوله تعالى: لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ فهذه الأصنام لم ترسل الرّسل إلى النّاس ليدعوهم إليهم،و هي لا تملك في الآخرة الحاكميّة على أيّ شيء.(15:246)

تدعونا

وَ إِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ. هود:62 راجع:ش ك ك:«شكّ».

دعى

ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ. المؤمن:12 لاحظ:ك ف ر:«كفرتم».

ادعوكم

مضى ذيل«تدعوننى».

ندع

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ... آل عمران:62

لاحظ:ب ه ل:«نبتهل».

ص: 605

سندع

سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ. العلق:18

لاحظ:ز ب ن:«الزّبانية».

ندعوا

قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَ لا يَضُرُّنا...

لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا... الأنعام:71

ابن عبّاس: هذا مثل ضربه اللّه للآلهة،و من يدعو إليها،و للدّعاة الّذين يدعون إلى اللّه كمثل رجل ضلّ عن الطّريق تائها ضالاّ؛إذ ناداه مناد:

يا فلان بن فلان،هلمّ إلى الطّريق لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ يا فلان،«هلمّ إلى الطّريق»فإن اتّبع الدّاعي الأوّل انطلق به حتّى يلقيه في الهلكة و إن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطّريق.و هذه الدّاعية الّتي تدعو في البرّيّة من الغيلان.يقول:مثل من يعبد هؤلاء الآلهة من دون اللّه،فإنّه يرى أنّه في شيء حتّى يأتيه الموت،فيستقبل الهلكة و النّدامة.

(الطّبريّ 5:232)

السّدّيّ: قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ... قال المشركون للمؤمنين:اتّبعوا سبيلنا و اتركوا دين محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.فقال اللّه تعالى ذكره: قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ...

هذه الآلهة وَ نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللّهُ فيكون مثلنا كمثل الّذي استهوته الشّياطين في الأرض،يقول:مثلكم إن كفرتم بعد الإيمان،كمثل رجل كان مع قوم على الطّريق فضلّ الطّريق فحيّرته الشّياطين،و استهوته في الأرض و أصحابه على الطّريق،فجعلوا يدعونه إليهم يقولون:ائتنا،فإنّا على الطّريق،فأبى أن يأتيهم.فذلك مثل من يتّبعكم بعد المعرفة بمحمّد و محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي يدعو إلى الطّريق و الطّريق هو الإسلام.(الطّبريّ 5:232)

الطّبريّ: و هذا تنبيه من اللّه تعالى ذكره نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم على حجّته على مشركي قومه من عبدة الأوثان.

يقول له تعالى ذكره:قل،يا محمّد،لهؤلاء العادلين بربّهم الأوثان و الأنداد،و الآمرين لك باتّباع دينهم و عبادة الأصنام معهم:أ ندعو من دون اللّه حجرا أو خشبا لا يقدر على نفعنا أو ضرّنا،فنخصّه بالعبادة دون اللّه،و ندع عبادة الّذي بيده الضّرّ و النّفع و الحياة و الموت إن كنتم تعقلون،فتميّزون بين الخير و الشّرّ؟ فلا شكّ أنّكم تعلمون أنّ خدمة ما يرتجى نفعه و يرهب ضرّه،أحقّ و أولى من خدمة من لا يرجى نفعه و لا يخشى ضرّه.

لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى... يقول:لهذا الحيران الّذي قد استهوته الشّياطين في الأرض، أصحاب على المحجّة و استقامة السّبيل يدعونه إلى المحجّة لطريق الهدى الّذي هم عليه،يقولون له:

(ائتنا.)

و هذا مثل ضربه اللّه تعالى ذكره لمن كفر باللّه بعد إيمانه،فاتّبع الشّياطين،من أهل الشّرك باللّه و أصحابه الّذين كانوا أصحابه في حال إسلامه،المقيمون على الدّين الحقّ،يدعونه إلى الهدى الّذي هم عليه مقيمون،و الصّواب الّذي هم به متمسّكون،و هو له مفارق و عنه زائل،يقولون له:(ائتنا)فكن معنا

ص: 606

على استقامة و هدى،و هو يأبى ذلك و يتّبع دواعي الشّيطان،و يعبد الآلهة و الأوثان.(5:231)

الماورديّ: و في دعائها في هذا الموضع تأويلان:

أحدهما:عبادتها.و الثّاني:طلب النّجاح منها.

(2:132)

الطّوسيّ: أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و المؤمنين أن يقولوا لهؤلاء الّذين يدعونهم إلى عبادة الأوثان و الأصنام:

أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا... إن عبدناه، و لا يضرّنا إن تركنا عبادته وَ نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بعد الهدى و الرّشاد و بعد معرفتنا باللّه و تصديق رسله إلى الضّلال.و ذلك مثل،يقال فيمن رجع عن خير إلى شرّ:رجع على عقبيه،و كذلك إذا خاب من مطلبه يقال:ردّ على عقبيه،و يصير في الحيرة كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لا يهتدي إلى طريق،و لا معرفة لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إلى الطّريق الواضح و هو الهدى،و يقولون له:(ائتنا)و لا يقبل منهم،و لا يصير إليهم،غير أنّه لذهاب عقله من فعل اللّه،فيستولي الشّيطان حينئذ عليه،و لا يقبل من أحد لحيرته.[إلى أن قال:]

و قوله: لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى...

قيل:نزلت في عبد الرّحمن بن أبي بكر،كان أبواه يدعوانه إلى الإيمان و يقولان له:(ائتنا)أي تابعنا في إيماننا.(4:182)

الميبديّ: قُلْ أَ نَدْعُوا... هذا جواب للّذين يدعون رسول اللّه بالشّرك و يطلبون المحبّة بينهم و بينه، و في القرآن موارد من هذا: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ النّساء:89، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ القلم:9،و الجواب من هذا في القرآن: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ الكافرون :1،و هذه الآية من هذا الجواب قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ إنّكم أنتم المسلمون أجيبوا الكفّار الّذين يدعونكم بالكفر بهذا الجواب أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا أي لا يملك لنا نفعا في الآخرة و لا يضرّنا، و لا يملك لنا ضرّا في الدّنيا.(3:394)

الزّمخشريّ: قُلْ أَ نَدْعُوا: أ نعبد مِنْ دُونِ اللّهِ الضّارّ النّافع ما لا يقدر على نفعنا و لا مضرّتنا، وَ نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا راجعين إلى الشّرك بعد إذ أنقذنا اللّه منه،و هدانا للإسلام.(2:28)

ابن عطيّة: المعنى قل في احتجاجك أ نطيع رأيكم في أن ندعو من دون اللّه،و الدّعاء يعمّ العبادة و غيرها، لأنّ من جعل شيئا موضع دعائه فإيّاه يعبد و عليه يتّكل.[إلى أن قال:]

و قوله: لَهُ أَصْحابٌ يحتمل أن يريد له أصحاب على الطّريق الّذي خرج منه،فيشبه بالأصحاب على هذا،المؤمنون الّذين يدعون من ارتدّ إلى الرّجوع إلى الهدى،و هذا تأويل مجاهد و ابن عبّاس.و يحتمل أن يريد له أصحاب،أي من الشّياطين الدّعاة أوّلا يدعونه إلى الهدى بزعمهم و إنّما يوهّمونه فيشبه بالأصحاب على هذا،الكفرة الّذين يثبتون من ارتدّ عن الإسلام على ارتداده، و روي هذا التّأويل عن ابن عبّاس أيضا.[إلى أن قال:]

و من قال:إنّ الأصحاب هم على الطّريق المدعوّ إليها،و إنّ المؤمنين الدّاعين للمرتدّين شبّهوا بهم،

ص: 607

و إنّ الهدى هو هدى على حقيقته،يجيء على قوله:

قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ... بمعنى أنّ دعاء الأصحاب و إن كان إلى هدى،فليس بنفس دعائهم تقع الهداية،و إنّما يهتدي بذلك الدّعاء من هداه اللّه تعالى بهداه.

(2:306)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ المقصود من هذه الآية الرّدّ على عبدة الأصنام،و هي مؤكّدة لقوله تعالى قبل ذلك: قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الأنعام:56،فقال: قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أي أ نعبد من دون اللّه النّافع الضّارّ ما لا يقدر على نفعنا و لا على ضرّنا.[إلى أن قال:]

قوله تعالى: لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قالوا:نزلت هذه الآية في عبد الرّحمن بن أبي بكر،فإنّه كان يدعو أباه إلى الكفر،و أبوه كان يدعوه إلى الإيمان،و يأمره بأن يرجع من طريق الجهالة إلى الهداية،و من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان.

و قيل:المراد أنّ لذلك الكافر الضّالّ أصحابا يدعونه إلى ذلك الضّلال،و يسمّونه بأنّه هو الهدى؛ و هذا بعيد.

و القول الصّحيح:هو الأوّل.(13:29)

البروسويّ: قُلْ أَ نَدْعُوا: أ نعبد،و الاستفهام للإنكار.[إلى أن قال:] يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى أي يهدونه إلى الطّريق المستقيم.(3:52)

ابن عاشور :و جملة: لَهُ أَصْحابٌ حال ثانية، أي له رفقة معه حين أصابه استهواء الجنّ،فجملة يَدْعُونَهُ صفة ل أَصْحابٌ.

و الدّعاء:القول الدّالّ على طلب عمل من المخاطب.و الهدى:ضدّ الضّلال،أي يدعونه إلى ما فيه هداه.و إيثار لفظ(الهدى)هنا لما فيه من المناسبة للحالة المشبّهة.ففي هذا اللّفظ تجريد للتمثيليّة،كقوله تعالى: فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ البقرة:17،و لذلك كان لتعقيبه بقوله:

قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى وقع بديع.و جوّز في «الكشّاف»أن يكون(الهدى)مستعارا للطّريق المستقيم.

و جملة:(ائتنا)بيان ل يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى لأنّ الدّعاء فيه معنى القول،فصحّ أن يبيّن بما يقولونه إذا دعوه،و لكونها بيانا فصّلت عن الّتي قبلها،و إنّما احتاج إلى بيان الدّعاء إلى الهدى لتمكين التّمثيل من ذهن السّامع،لأنّ المجنون لا يخاطب بصريح المقصد، فلا يدعى إلى الهدى بما يفهم منه أنّه ضالّ،لأنّ من خلق المجانين العناد و المكابرة،فلذلك يدعونه بما يفهم منه رغبتهم في صحبته و محبّتهم إيّاه،فيقولون:ائتنا، حتّى إذا تمكّنوا منه أوثقوه و عادوا به إلى بيته.

و قد شبّهت بهذا التّمثيل العجيب حالة من فرض ارتداده إلى ضلالة الشّرك بعد هدى الإسلام-لدعوة المشركين إيّاه،و تركه أصحابه المسلمين الّذين يصدّونه عنه-بحال الّذي فسد عقله باستهواء من الشّياطين و الجنّ،فتاه في الأرض بعد أن كان عاقلا عارفا بمسالكها،و ترك رفقته العقلاء يدعونه إلى موافقتهم.و هذا التّركيب البديع صالح للتّفكيك بأن يشبّه كلّ جزء من أجزاء الهيئة المشبّهة بجزء من أجزاء

ص: 608

الهيئة المشبّهة بها،بأن يشبّه الارتداد بعد الإيمان بذهاب عقل المجنون،و يشبّه الكفر بالهيام في الأرض، و يشبّه المشركون الّذين دعوهم إلى الارتداد بالشّياطين،و تشبّه دعوة اللّه النّاس للإيمان و نزول الملائكة بوحيه بالأصحاب الّذين يدعون إلى الهدى.

و على هذا التّفسير يكون(الذى)صادقا على غير معيّن،فهو بمنزلة المعرّف بلام الجنس.(6:162)

الطّباطبائيّ: احتجاج على المشركين بنحو الاستفهام الإنكاريّ،و إنّما ذكر من أوصاف شركائهم كونها لا تنفع و لا تضرّ،لأنّ اتّخاذ الآلهة-كما تقدّم- كان مبنيّا على أحد الأساسين:الرّجاء و الخوف،و إذ كانت الشّركاء لا تنفع و لا تضرّ فلا موجب لدعائها و عبادتها و التّقرّب منها.(7:143)

عبد الكريم الخطيب :و الاستفهام هنا إنكاريّ، ينكر فيه المؤمنون على أنفسهم أن يأخذوا طريق هؤلاء القوم الضّالّين،الّذين ساقهم الضّلال إلى هذا المصير المشئوم،و أن يتخلّوا عن هذا الطّريق المستقيم الّذي أقامهم الرّسول عليه،ليأخذوا وجهتهم فيه إلى رضوان اللّه،و إلى جنّات لهم فيها نعيم مقيم...

و في قوله تعالى: لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا إشارة إلى أنّ المؤمنين هم دعاة هدى مع النّبيّ، يحملون إلى النّاس هذا الخير الّذي بين أيديهم، و يطعمونهم ممّا طعموا منه،إنّ ذلك أشبه بالزّكاة المفروضة على المسلمين للفقراء و المساكين،و هؤلاء المشركون هم فقراء و مساكين،يستحقّون العطف و الإحسان،و لكنّ كثيرا منهم يموت على ضلاله و كفره،دون أن يمدّ يده إلى تلك اليد الّتي تقدّم له مركب النّجاة.(4:214)

فضل اللّه :المشركون و دعوتهم إلى الضّلال:

ثمّ يتحرّك الجوّ في مناجاة ذاتيّة،ينطلق-من خلالها-المؤمنون في استيحاء أجواء الإيمان،في مواجهة أضاليل الكفر،من أجل تسجيل النّقاط السّلبيّة ضدّ الكافرين،بأسلوب الاستفهام الإنكاريّ.

ما ذا يريد منهم هؤلاء الكافرون و المشركون،في ما يدعونهم إليه من عبادة هؤلاء الآلهة من دون اللّه؟ فهل يملكون أساسا لهذه الدّعوة؟هل تنفع هذه الآلهة أو تضرّ؟ما ذا لديها من عناصر القوّة و القدرة لتدافع عن الّذين يؤمنون بها أو يعبدونها؟إنّ ذلك هو أبسط الشّروط للمعبود،و لكنّهم-و هذه هي طبيعة الواقع بكلّ وضوح و بساطة-لا يملكون شيئا من ذلك،لأنّهم مجرّد أحجار جامدة لا حسّ فيها و لا حركة و لا حياة، فكيف يطلبون منّا عبادتها من دون اللّه الّذي هو الخالق لكلّ شيء،و القادر على أن ينفعنا و يضرّنا و يحمينا من كلّ سوء،و هل يفكّر الإنسان العاقل بالتّراجع إلى الوراء،بعد أن انطلق بخطواته إلى الأمام؟ قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَ لا يَضُرُّنا، و لا يحمل أيّ مقوّم بسيط من مقوّمات الألوهيّة،و هي القدرة على النّفع و الضّرر، وَ نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللّهُ ؟ و هل يمكن للإنسان الّذي أبصر الهدى بعينين مفتوحتين،أن يعيش الضّلال في أفكاره و خطواته؟و قد لا يكون من المفروض أن تكون الآية دليلا على وجود ضلال سابق على الهدى لهؤلاء

ص: 609

القائلين،لأنّ الفقرة واردة على سبيل الكناية في التّعبير عن طبيعة الضّلال الّتي تمثّل خطوة تراجعيّة،في مقابل الإيمان الّذي يمثّل خطوة متقدّمة.(9:159)

مكارم الشّيرازيّ: كان المشركون يصرّون على دعوة المسلمين إلى العودة إلى الكفر و عبادة الأصنام،فنزلت هذه الآية تأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالرّدّ عليهم ردّا يدحض رأيهم و يفنّد دعوتهم،في جواب بصيغة الاستفهام الاستنكاريّ:أ تريدون منّا أن نشرك مع اللّه ما لا يملك لنا نفعا فنعبده لذلك،و لا يملك لنا ضررا فنخافه؟ قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَ لا يَضُرُّنا.

هذه الآية تشير إلى أنّ أفعال الإنسان تنشأ عادة عن دافعين،فهي إمّا أن تهدف إلى استجلاب منفعة -مادّيّة كانت أم معنويّة-و إمّا إلى دفع ضرر-مادّيّا كان أم معنويّا-فكيف يقدم الإنسان على أمر ليس فيه أيّ من هذين العاملين؟

ثمّ يأتي باستدلال آخر على المشركين،فيقول:إذا عدنا إلى عبادة الأصنام،بعد الهداية الإلهيّة،نكون قد رجعنا القهقرى،و هذا يناقض قانون التّكامل الّذي هو قانون حياتيّ عامّ وَ نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللّهُ.

ثمّ يضرب مثلا لتوضيح الأمر،فيقول:إنّ الرّجوع عن التّوحيد إلى الشّرك أشبه بالّذي أغوته الشّياطين، أو غيلان البوادي الّتي كان عرب الجاهليّة يعتقدون أنّها تكمن في منعطفات الطّرق،و تغوي السّابلة و تضلّهم عن الطّريق،فتاه عن مقصده،و ظلّ حيرانا في البادية كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ بينما له رفاق يرشدونه إلى الصّراط السّويّ المستقيم و ينادونه:هلمّ إلينا،و لكنّه من الحيرة و التّيه بحيث لا يسمع النّداء،أو إنّه غير قادر على اتّخاذ القرار: لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا.

(4:315)

ندعوه

إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ.

الطّور:28

الطّبريّ: إنّا كنّا في الدّنيا من قبل يومنا هذا ندعوه:نعبده مخلصا له الدّين لا نشرك به شيئا.

(11:493)

الثّعلبيّ: نخلص له العبادة.(9:130)

الطّوسيّ: يعني في دار التّكليف ندعوه إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ أي ندعوه بهذا،فيمن فتح الهمزة،و من كسرها أراد إنّا كنّا ندعوه و نتضرّع إليه.(9:411)

الزّمخشريّ: نعبده و نسأله الوقاية.(4:25)

مثله أبو السّعود(6:147)،و البروسويّ(9:

197)،و الآلوسيّ(27:35).

ابن عطيّة: نَدْعُوهُ يحتمل أن يريد:نعبده، و يحسن هذا على قراءة من قرأ(انّه)بفتح الألف، و هي قراءة نافع بخلاف،و الكسائيّ و أبي جعفر و الحسن و أبي نوفل،أي من أجل(انّه).و قرأ باقي السّبعة و الأعرج و جماعة(انّه)على القطع و الاستئناف،و يحسن مع هذه القراءة أن يكون

ص: 610

(ندعوه)بمعنى نعبده،أو بمعنى الدّعاء نفسه،و من رأى(ندعوه)بمعنى الدّعاء نفسه،فيحتمل أن يجعل قوله:(انّه)بالفتح،هو نفس الدّعاء الّذي كان في الدّنيا.(5:190)

نحوه أبو حيّان.(8:150)

الطّبرسيّ: أي ندعو اللّه تعالى،و نوحّده،و نعبده.

(5:166)

القرطبيّ: أي في الدّنيا بأن يمنّ علينا بالمغفرة عن تقصيرنا.و قيل:(ندعوه،)أي نعبده.(17:70)

الشّربينيّ: (ندعوه،)أي نسأله و نعبده بالفعل، و أمّا خوفنا بالقوّة فقد كان في كلّ حركة و سكون.ثمّ علّلوا دعاءهم إيّاه مؤكّدين،لأنّ إنعامه عليهم مع تقصيرهم ممّا لا يكاد يفعله غيره،فهو ممّا يتعجّب منه غاية التّعجّب.(4:116)

ابن عاشور :و جملة إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ تعليل لمنّة اللّه عليهم،و ثناء على اللّه بأنّه استجاب لهم، أي كنّا من قبل اليوم ندعوه،أي في الدّنيا.

و حذف متعلّق(ندعوه)للتّعميم،أي كنّا نبتهل إليه في أمورنا،و سبب العموم داخل (1)ابتداء،و هو الدّعاء لأنفسهم و لذرّيّاتهم بالنّجاة من النّار،و بنوال نعيم الجنّة.

و لمّا كان هذا الكلام في دار الحقيقة لا يصدر إلاّ عن إلهام و معرفة،كان دليلا على أنّ دعاء الصّالحين لأبنائهم و ذرّيّاتهم مرجوّ الإجابة،كما دلّ على إجابة دعاء الصّالحين من الأبناء لآبائهم على ذلك، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث»،فذكر:و ولد صالح يدعو له بخير».(27:70)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ تعليل لقوله: فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْنا...

الطّور:27،كما أنّ قوله: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ تعليل له.

و تفيد هذه الآية مع الآيتين قبلها أنّ هؤلاء كانوا في الدّنيا يدعون اللّه بتوحيده للعبادة و التّسليم لأمره، و كانوا مشفقين في أهلهم يقرّبونهم من الحقّ و يجنّبونهم الباطل،فكان ذلك سببا لمنّ اللّه عليهم بالجنّة و وقايتهم من عذاب السّموم.و إنّما كان ذلك سببا لذلك،لأنّه تعالى برّ رحيم فيحسن لمن دعاه و يرحمه.

فالآيات الثّلاث في معنى قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ العصر:2،3.(19:15)

عبد الكريم الخطيب :هو تعقيب بعد تعقيب على قولهم: إِنّا كُنّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ الطّور:

26،أي و كنّا ندعو اللّه،و نطلب النّجاة من شرّ هذا اليوم،و من العذاب الواقع بأهل الشّقاء فيه،و قد استجاب اللّه لنا بفضله،و إحسانه.(14:569)

فضل اللّه :و نلجأ إليه في المهمّات،و نبتهل إليه في الملمّات،و نتضرّع إليه عند الخطيئة،و نخشع له عند الرّهبة.(21:240)ا.

ص: 611


1- كذا.
يدعى

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ هُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ... الصّف:7

الزّمخشريّ: و قرأ طلحة بن مصرّف: (و هو يدّعى) (1)بمعنى يدعى،دعاه و ادّعاه نحو:لمسه و التمسه.و عنه:يدّعي بمعنى يدعو،و هو اللّه عزّ و جلّ.

(4:99)

نحوه ابن عطيّة(5:303)،و القرطبيّ(18:84)، و أبو السّعود(6:244)،و الآلوسيّ(28:87).

أبو حيّان :و قرأ الجمهور: (يدعى) مبنيّا للمفعول،و طلحة: (يدّعى) مضارع:ادّعى،مبنيّا للفاعل،و«ادّعى»يتعدّى بنفسه إلى المفعول به،لكنّه لمّا ضمّن معنى الانتماء و الانتساب عدّي ب«إلى».

(8:262)

البروسويّ: و اعلم أنّ الدّاعي في الحقيقة هو اللّه تعالى كما قال تعالى: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ يونس:25،[و]بأمره الرّسول عليه السّلام كما قال: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ النّحل:125.

و في الحديث عن ربيعة الجرشي:«قال:أتى نبيّ اللّه عليه السّلام فقيل له:لتنم عينك و لتسمع أذنك و ليعقل قلبك،قال:فنامت عيناي و سمعت أذناي و عقل قلبي، فقيل لي:سيّد بنى دارا فصنع مأدبة و أرسل دعايا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار و أكل من المأدبة و رضي عنه السّيّد،و من لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار و لم يأكل من المأدبة و سخط عليه السّيّد،قال:

فاللّه السّيّد و محمّد الدّاعي و الدّار الإسلام و المأدبة الجنّة،و دخل في دعوة النّبيّ دعوة ورثته،لقوله:

أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي يوسف:

108،و لا بدّ أن يكون الدّاعي أميرا أو مأمورا.و في «المصابيح في كتاب العلم»قال عوف بن مالك رضي اللّه عنه:لا يقصّ إلاّ أمير أو مأمور أو مختال.(9:502)

ابن عاشور :كانت دعوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مماثلة دعوة عيسى عليه السّلام،و كان جواب الّذين دعاهم إلى الإسلام من أهل الكتابين و المشركين مماثلا لجواب الّذين دعاهم عليه السّلام.فلمّا أدمج في حكاية دعوة عيسى بشارته برسول يأتي من بعده،ناسب أن ينقل الكلام إلى ما قابل به قوم الرّسول الموعود دعوة رسولهم، فلذلك ذكر في دعوة هذا الرّسول دين الإسلام، فوصفوا بأنّهم أظلم النّاس تشنيعا لحالهم.(28:167)

لاحظ:ظ ل م:«اظلم»و:ف ر ي:«افترى».

تدعون

1- لَمَقْتُ اللّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ. المؤمن:10

راجع:م ق ت:«لمقت».

2- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ... محمّد:38

لاحظ:ب خ ل:«يبخل»و:ن ف ق:«لتنفقوا».

ص: 612


1- هكذا ذكره ابن عطيّة و القرطبيّ بالبناء للفاعل...و امّا ابن مسعود فذكره بالبناء للمفعول(يدّعى).

3- قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ. الفتح:16

لاحظ:ق و م:«قوم».

ادع

1- وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ... البقرة:61

الطّبريّ: فاسأل لنا ربّك يخرج لنا ممّا تنبت الأرض من البقل و القثّاء،و ما سمّى اللّه مع ذلك،و ذكر أنّهم سألوه موسى.(1:349)

الثّعلبيّ: (فادع)فاسأل و ادع.(1:205)

ابن عطيّة: و لغة بني عامر(فادع)بكسر العين.

(1:153)

الطّبرسيّ: أي فاسأل ربّك و ادعه لأجلنا.

(1:124)

الفخر الرّازيّ: [لاحظ:ص ب ر:«نصبر»]

(3:98)

القرطبيّ: لغة بني عامر(فادع)بكسر العين لالتقاء السّاكنين،يجرون المعتلّ مجرى الصّحيح و لا يراعون المحذوف.(1:423)

أبو حيّان :معناه:اسأله لنا،و متعلّق الدّعاء محذوف،أي ادع لنا ربّك بأن يخرج كذا و كذا.و لغة بني عامر(فادع)بكسر العين،جعلوا«دعا»من ذوات الياء،كرمى يرمي.و إنّما سألوا من موسى أن يدعو لهم بما اقترحوه و لم يدعوهم،لأنّ إجابة الأنبياء أقرب من إجابة غيرهم،و لذلك قالوا:ربّك،و لم يقولوا:

ربّنا،لأنّ في ذلك من الاختصاص به ما ليس فيهم من مناجاته و تكليمه و إتيانه التّوراة،فكأنّهم قالوا:ادع لنا الّذي هو محسن لك،فكما أحسن إليك في أشياء، كذلك نرجو أن يحسن إلينا في إجابة دعائك.

(1:232)

نحوه الآلوسيّ.(1:273)

الشّربينيّ: أي:فسل لأجلنا ربّك.(1:64)

أبو السّعود : فَادْعُ لَنا رَبَّكَ أي سله لأجلنا بدعائك إيّاه،و الفاء لسببيّة عدم الصّبر للدّعاء، و التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة لتمهيد مبادئ الإجابة.

(1:140)

نحوه البروسويّ.(1:150)

لاحظ:ص ب ر:«نصبر»و:ن ب ت:«تنبت».

2-4- قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ...* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها...* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا...

البقرة:68-70

لاحظ:ب ي ن:«يبيّن»و:ب ق ر:«البقرة».

5- اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... النّحل:125

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد:صلّى اللّه عليه و سلّم (ادع)يا محمّد من أرسلك إليه ربّك بالدّعاء إلى طاعته.(7:663)

الطّوسيّ: أمر اللّه تعالى نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله أن يدعو

ص: 613

عباده المكلّفين بالحكمة،و هو أن يدعوهم إلى أفعالهم الحسنة الّتي لها مدخل في استحقاق المدح و الثّواب عليها،لأنّ القبائح يزجر عنها،و لا يدعو إليها، و المباح لا يدعو إلى فعله،لأنّه عبث،و إنّما يدعو إلى ما هو واجب أو ندب،لأنّه يستحقّ بفعله المدح و الثّواب.(6:439)

مضى في:ح ك م:«الحكمة»،و سيأتي الباقي في:

س ب ل:«سبيل».

6- فَلِذلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ... الشّورى:15

ابن عبّاس: أي إلى القرآن فادع الخلق.

(القرطبيّ 16:13)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فإلى ذلك الدّين الّذي شرع لكم و وصّى به نوحا و أوحاه إليك يا محمّد فادع عباد اللّه و استقم على العمل به و لا تزغ عنه و اثبت عليه،كما أمرك ربّك بالاستقامة.و قيل:

فَلِذلِكَ فَادْعُ و المعنى:فإلى ذلك،فوضعت اللاّم موضع«إلى»كما قيل: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:5،و قد بيّنّا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا.

و كان بعض أهل العربيّة يوجّه معنى ذلك في قوله:

فَلِذلِكَ فَادْعُ إلى معنى«هذا»و يقول:معنى الكلام:فإلى هذا القرآن فادع و استقم.و الّذي قال من هذا القول قريب المعنى ممّا قلناه،غير أنّ الّذي قلنا في ذلك أولى بتأويل الكلام،لأنّه في سياق خبر اللّه جلّ ثناؤه عمّا شرع لكم من الدّين لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بإقامته، و لم يأت من الكلام ما يدلّ على انصرافه عنه إلى غيره.(11:137)

الماورديّ: و في قوله:(فادع)وجهان:

أحدهما:فاعتمد.الثّاني:فاستدع.(5:198)

الطّوسيّ: و قوله: فَلِذلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ معناه:فإلى ذلك فادع،كما قال: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:5،أي أوحى إليها،يقال:دعوته لذا و بذا و إلى ذا.و قيل:معناه:فلذلك الدّين فادع،و قيل:

معناه:فلذلك القرآن فادع.و الأوّل أحسن و أوضح.

(9:151)

ابن عطيّة: اللاّم في قوله:(فلذلك)قالت فرقة:

هي بمنزلة«إلى»كما قال تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:5،أي إليها،كأنّه قال:فإلى ما وصّى به الأنبياء من التّوحيد(فادع)و قالت فرقة:بل هي بمعنى:من أجل،كأنّه قال:فمن أجل أنّ الأمر كذا و لكونه كذا(فادع)أنت إلى ربّك و بلّغ ما أرسلت به.(5:30)

الطّبرسيّ: فَلِذلِكَ فَادْعُ أي فإلى ذلك فادع، عن الفرّاء و الزّجّاج.يقال:دعوت لفلان و إلى فلان، و ذلك إشارة إلى ما وصّى به الأنبياء من التّوحيد، و معناه:فإلى الدّين الّذي شرّعه اللّه تعالى،و وصّى به أنبياءه،فادع الخلق يا محمّد.

و قيل:إنّ اللاّم للتّعليل،أي فلأجل الشّكّ الّذي هم عليه،فادعهم إلى الحقّ،حتّى تزيل شكّهم.

(5:25)

ص: 614

الفخر الرّازيّ: ثمّ قال تعالى: فَلِذلِكَ فَادْعُ يعني فلأجل ذلك التّفرّق و لأجل ما حدث من الاختلافات الكثيرة في الدّين،فادع إلى الاتّفاق على الملّة الحنيفيّة و استقم عليها و على الدّعوة إليها،كما أمرك اللّه،و لا تتّبع أهواءهم المختلفة الباطلة.

(27:158)

القرطبيّ: قوله تعالى: فَلِذلِكَ فَادْعُ لمّا أجاز أن يكون الشّكّ لليهود و النّصارى،أو لقريش،قيل له: فَلِذلِكَ فَادْعُ، أي فتبيّنت شكّهم فادع إلى اللّه، أي إلى ذلك الدين الّذي شرّعه اللّه للأنبياء و وصّاهم به.فاللاّم بمعنى«إلى»كقوله تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:5،أي إليها.و(ذلك)بمعنى هذا.و قد تقدّم أوّل البقرة،و المعنى:فلهذا القرآن فادع.

و قيل:في الكلام تقديم و تأخير،و المعنى كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع.

و قيل:إنّ اللاّم على بابها،و المعنى:فمن أجل ذلك الّذي تقدّم ذكره فادع و استقم.(16:13)

أبو حيّان :(فلذلك)أن يكون إشارة إلى إقامة الدّين،أي فادع لدين اللّه و إقامته،لا تحتاج إلى تقدير اللاّم بمعنى لأجل،لأنّ«دعا»يتعدّى باللاّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و احتمل أن تكون اللاّم للعلّة،أي فلأجل ذلك التّفرّق.و لما حدث بسببه من تشعّب الكفر شعبا، (فادع)إلى الاتّفاق و الائتلاف على الملّة الحنيفيّة.

(7:513)

الشّربينيّ: (فلذلك،)أي التّوحيد(فادع)يا أشرف الخلق و النّاس،(و استقم)أي على الدّعوة.

(3:532)

أبو السّعود :(فلذلك)أي فلأجل ما ذكر من التّفرّق و الشّكّ المريب،أو فلأجل أنّه شرع لهم الدّين القويم القديم الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون.

(فادع)أي النّاس كافّة إلى إقامة ذلك الدّين بموجبه،فإنّ كلاّ من تفرّقهم و كونهم في شكّ مريب و من شرع ذلك الدّين لهم على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم سبب للدّعوة إليه و الأمر بها،و ليس المشار إليه ما ذكر من التّوصية و الأمر بالإقامة و النّهي عن التّفرّق حتّى يتوهّم شائبة التّكرار.

و قيل:المشار إليه نفس الدّين المشروع،و اللاّم بمعنى«إلى»كما في قوله تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:5،أي فإلى ذلك الدّين فادع.(6:13)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و فيه إشارة إلى افتراق أهل الأهواء و البدع ثنتين و سبعين فرقة،و دعوتهم إلى صراط مستقيم السّنّة لإبطال مذاهبهم.و فى الحديث:«من انتهر (1)صاحب بدعة سيّئة ممّا هو عليه من سوء الاعتقاد و الفحش من القول و العمل،ملأ اللّه قلبه أمنا و إيمانا،و من أهان صاحب بدعة،آمنه اللّه يوم القيامة من الفزع الأكبر» و هو حين الانصراف إلى النّار،كما قال ابن السّمّاك:

«إنّ الخوف المنصرف للمتفرّقين قطع نياط قلوب العارفين».(8:299)ظ.

ص: 615


1- أي منع بكلام غليظ.

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و قال:]

و قيل:الإشارة إلى قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ و ما يتّصل به،و نقل عن الواحديّ:أي و لأجل ذلك من التّوصية الّتي شوركت فيها مع نوح و من بعده و لأجل ذلك الأمر بالإقامة و النّهي عن التّفرّق فَادْعُ و ما ذكر أوّلا أولى،لأنّ قوله تعالى: أَنْ أَقِيمُوا شمل النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام و أتباعه كما سمعت،و يدلّ عليه كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ الشّورى:13،فقوله تعالى: فَلِذلِكَ فَادْعُ...

لا يتسبّب عنه لما يظهر من التّكرار،و هو تفرّع الأمر عن الأمر.و أمّا تسبّبه عن تفرّقهم فظاهر على معنى، فلمّا أحدثوا من التّفرّق و أبدعوا،فاثبت أنت على الدّعاء الّذي أمرت به.(25:23)

ابن عاشور :الفاء للتّفريع على ما قبلها: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً الشّورى:13،إلى آخره،المفسّر بقوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ، المخلّل بعضه بجمل معترضة من قوله: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إلى مَنْ يُنِيبُ.

و اللاّم يجوز أن تكون للتّعليل،و تكون الإشارة بذلك إلى المذكور،أي جميع ما تقدّم من الأمر بإقامة الدّين و النّهي عن التّفرّق فيه و تلقّي المشركين للدّعوة بالتّجهّم و تلقّي المؤمنين لها بالقبول و الإنابة، و تلقّي أهل الكتاب لها بالشّكّ،أي فلأجل جميع ما ذكر فادع و استقم،أي لأجل جميع ما تقدّم من حصول الاهتداء لمن هداهم اللّه،و من تبرّم المشركين،و من شكّ أهل الكتاب فادع.

و لم يذكر مفعول(ادع)لدلالة ما تقدّم عليه،أي ادع المشركين و الّذين أوتوا الكتاب و الّذين اهتدوا و أنابوا.و تقديم(لذلك)على متعلّقه و هو فعل (ادع)للاهتمام بما احتوى عليه اسم الإشارة،إذ هو مجموع أسباب للأمر بالدّوام على الدّعوة.

و يجوز أن تكون اللاّم في قوله:(فلذلك)لام التّقوية،و تكون مع مجرورها مفعول(ادع.) و الإشارة إلى الدّين من قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ الشّورى:13،أي فادع لذلك الدّين،و تقديم المجرور على متعلّقه للاهتمام بالدّين.

و فعل الأمر في قوله:(فادع)مستعمل في الدّوام على الدّعوة،كقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ النّساء:136،بقرينة قوله: كَما أُمِرْتَ و في هذا إبطال لشبهتهم في الجهة الثّالثة المتقدّمة عند قوله تعالى: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ الشّورى:13.

و الفاء في قوله:(فادع)يجوز أن تكون مؤكّدة لفاء التّفريع الّتي قبلها،و يجوز أن تكون مضمّنة معنى الجزاء،لما في تقديم المجرور من مشابهة معنى الشّرط، كما في قوله تعالى: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا يونس:58.

(25:127)

عبد الكريم الخطيب :«الفاء»في قوله تعالى:

(فبذلك)للسّببيّة،و الإشارة إلى هذا الخلاف الّذي وقع بين أهل الكتاب في دينهم،و الّذي أدّى بهم إلى الشّكّ و الارتياب في النّبيّ،و فيما يدعو إليه من دين اللّه.

ص: 616

أي فلأجل هذا فلا تلتفت إلى أهل الكتاب، و لا تقف طويلا معهم؛إذ كانوا و تلك حالهم من الشّكّ و الارتياب.(13:34)

فضل اللّه :(فادع)إلى هذا الدّين بكلّ ما تملكه من وسائل الدّعوة بما يقيمه في الحياة،و يثبّته في العقول و المشاعر.(20:159)

مكارم الشّيرازيّ: أي أدعوهم إلى الدّين الإلهيّ الواحد،و امنع الاختلافات.(15:453)

ادعهنّ

...قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً...

البقرة:260

مجاهد :هو أنّه أمر أن يقول لأجزائه الأطيار بعد تفريقهنّ على كلّ جبل:تعالين بإذن اللّه.

(الطّبريّ 3:60)

الطّبريّ: إن قال قائل:أمر إبراهيم أن يدعوهنّ و هنّ ممزّقات أجزاء على رءوس الجبال أمواتا أم بعد ما أحيين؟فإن كان أمر أن يدعوهنّ و هنّ ممزّقات لا أرواح فيهنّ،فما وجه أمر من لا حياة فيه بالإقبال؟ و إن كان أمر بدعائهنّ بعد ما أحيين،فما كانت حاجة إبراهيم إلى دعائهنّ،و قد أبصرهنّ ينشرن على رءوس الجبال؟

قيل:إنّ أمر اللّه تعالى ذكره إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم بدعائهنّ و هنّ أجزاء متفرّقات،إنّما هو أمر تكوين،كقول اللّه للّذين مسخهم قردة بعد ما كانوا إنسا: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ البقرة:65،لا أمر عبادة فيكون محالا إلاّ بعد وجود المأمور المتعبّد.(3:60)

أبو مسلم الأصفهانيّ: أنّه فرّقهنّ أحياء،ثمّ دعاهنّ فأجبنه و عدن إليه،يستدلّ بعودهنّ إليه بالدّعاء،على عود الأموات بدعاء اللّه أحياء، و لا يصحّ من إبراهيم أن يدعو أمواتا له.

(الماورديّ 1:335)

الماورديّ: و اختلفوا هل قطّع إبراهيم الطّير أعضاء صرن به أمواتا،أم لا؟على قولين:

أحدهما:أنّه قطّعهنّ أعضاء صرن به أمواتا،ثمّ دعاهنّ فعدن أحياء،ليرى كيف يحيي اللّه الموتى كما سأل ربّه،و هو قول الأكثرين.

و الثّاني:[قول أبي مسلم الأصفهانيّ](1:335)

الطّوسيّ: إن قيل:كيف قال: ثُمَّ ادْعُهُنَّ و دعاء الجماد قبيح؟

قلنا:إنّما أراد بذلك الإشارة إليها و الإيماء لتقبل عليه إذا أحياها اللّه.فأمّا من قال:إنّه جعل على كلّ جبل طيرا ثمّ دعاها فبعيد،لأنّ ذلك لا يفيد ما طلب، لأنّه إنّما طلب ما يعلم به كونه قادرا على إحياء الموتى،و ليس في مجيء طير حيّ بالإيماء إليه ما يدلّ عليه.

و في الكلام حذف،فكأنّه قال:فقطّعهنّ و اجعل على كلّ جبل منهنّ جزء فإنّ اللّه يحييهنّ،فإذا أحياهنّ فادعهنّ يأتينك سعيا،فيكون الإيماء إليها بعد أن صارت أحياء،لأنّ الإيماء إلى الجماد لا يحسن.

فإن قيل:إذا أحياها اللّه كفى ذلك في باب الدّلالة

ص: 617

فلا معنى لدعائها،لأنّ دعاء البهائم قبيح؟

قلنا:وجه الحسن في ذلك أنّه يشير إليها،فسمّي ذلك دعاء لتأتي إليه،فيتحقّق كونها أحياء،و يكون ذلك أبهر في باب الإعجاز.(2:330)

نحوه الطّبرسيّ.(1:373)

القشيريّ: و الإشارة من هذا أنّ حياة القلب لا تكون إلاّ بذبح هذه الأشياء يعني النّفس،فمن لم يذبح نفسه بالمجاهدات لم يحي قلبه باللّه.

و فيه إشارة أيضا،و هو أنّه قال:قطّع بيدك هذه الطّيور،و فرّق أجزاءها،ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا،فما كان مذبوحا بيد صاحب الخلّة،مقطّعا مفرّقا بيده، فإذا ناداه استجاب له كلّ جزء مفرّق،كذلك الّذي فرّقه الحقّ و شتّته،فإذا ناداه استجاب.(1:215)

الزّمخشريّ: و قل لهنّ:تعالين بإذن اللّه.

(1:392)

مثله البيضاويّ(1:137)،و البروسويّ(1:

416).

الفخر الرّازيّ: إنّ الضّمير في قوله: ثُمَّ ادْعُهُنَّ عائد إليها- أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ -لا إلى أجزائها،و إذا كانت الأجزاء متفرّقة متفاصلة و كان الموضوع على كلّ جبل بعض تلك الأجزاء،يلزم أن يكون الضّمير عائدا إلى تلك الأجزاء لا إليها،و هو خلاف الظّاهر.(7:45)

أبو حيّان : ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً أمره بدعائهنّ و هنّ أموات،ليكون أعظم له في الآية، و لتكون حياتها متسبّبة عن دعائه،و لذلك رتّب على دعائه إيّاهنّ إتيانهنّ إليه.(2:300)

الآلوسيّ: ثُمَّ ادْعُهُنَّ أي نادهنّ،أخرج ابن المنذر عن الحسن قال:إنّه عليه الصّلاة و السّلام نادى:

أيّتها العظام المتمزّقة و اللّحوم المتفرّقة و العروق المتقطّعة اجتمعي،يردّ اللّه تعالى فيكنّ أرواحكنّ، فوثب العظم إلى العظم و طارت الرّيشة إلى الرّيشة و جرى الدّم إلى الدّم،حتّى رجع إلى كلّ طائر دمه و لحمه و ريشه.[إلى أن قال:]

و استشكل بأنّ دعاء الجماد غير معقول.و أجيب بأنّه من قبيل دعاء التّكوين.

و قيل:في الآية حذف كأنّه قيل:فقطّعهنّ ثمّ اجعل على كلّ جبل من كلّ واحد منهنّ جزء،فإنّ اللّه تعالى يحييهنّ،فإذا أحياهنّ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً فالدّعاء إنّما وقع بعد الإحياء،و لا يخفى أنّ الآثار مع ما فيه من التّكلّف لا تساعده.

و أعظم منه فسادا ما قيل:إنّه عليه الصّلاة و السّلام جعل على كلّ جبل منهنّ طيرا حيّا ثمّ دعاها فجاءت،فإنّ ذلك ممّا يبطل فائدة الطّلب و يعارض الأخبار الصّحيحة،فإنّ أكثرها ناطق بأنّه دعاها ميّتة متفرّقة الأجزاء،و في بعضها أنّ رءوسهنّ كانت بيده فلمّا دعاهنّ،جعل كلّ جزء منهنّ يأتي إلى صاحبه حتّى صارت جثثا،ثمّ أقبلن إلى رءوسهنّ فانضمّت كلّ جثّة إلى رأسها،فعادت كلّ واحدة منهنّ إلى ما كانت عليه من الهيئة.(3:29)

لاحظ:ط ي ر:«الطّير».

ص: 618

ادعوا

1- وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ... البقرة:23

مجاهد :إنّ المعنى دعاء استحضار.

(ابن عطيّة 1:107)

الثّعلبيّ: يعني استعينوا بآلهتكم الّتي تعبدونها من دون اللّه.و إنّما ذكر الاستعانة بلفظ الدّعاء،على عادة العرب في دعائهم القائل في الحروب و الشّدائد.[ثمّ استشهد بشعر](1:168)

الطّوسيّ: و الدّعاء أراد به:الاستعانة.[ثمّ استشهد بشعر](1:104)

ابن عطيّة: معناه دعاء استصراخ.(1:107)

الفخر الرّازيّ: المراد من(ادعوا)فيه الإلهيّة (1)و هي الأوثان،فكأنّه قيل لهم:إن كان الأمر كما تقولون من أنّها تستحقّ العبادة لما أنّها تنفع و تضرّ، فقد دفعتم في منازعة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إلى فاقة شديدة و حاجة عظيمة في التّخلّص عنها،فتعجّلوا الاستعانة بها و إلاّ فاعلموا أنّكم مبطلون في ادّعاء كونها آلهة و أنّها تنفع و تضرّ،فيكون في الكلام محاجّة من وجهين:

أحدهما:في إبطال كونها آلهة.

و الثّاني:في إبطال ما أنكروه من إعجاز القرآن، و أنّه من قبله.(2:118)

أبو حيّان :و فسّر هنا(ادعوا:)باستغيثوا.قال أبو الهيثم:الدّعاء طلب الغوث،دعا:استغاث و استحضر،و ادّعا فلان فلانا إلى الحاكم:استحضره.

(1:105)

الشّربينيّ: فإنّه تعالى أمر أن يستعينوا بكلّ من ينصرهم و يعينهم سواء كان مثله أم لا.(1:35)

أبو السّعود :و يتعاونوا على الإتيان بقدر يسير مماثل في صفات الكمال لما أتى بجملته واحد من أبناء جنسهم.(1:88)

الآلوسيّ: الدّعاء:النّداء و الاستعانة،و لعلّ الثّاني مجاز أو كناية مبنيّة على النّداء،لأنّ الشّخص إنّما ينادي ليستعان به،و منه أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ الأنعام:40.(1:195)

ابن عاشور :و الدّعاء يستعمل بمعنى طلب حضور المدعوّ،و بمعنى استعطافه و سؤاله لفعل ما.[ثمّ استشهد بشعر](1:333)

لاحظ:ش ه د:«شهداءكم».

2- اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. الأعراف:55

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:ادعوا أيّها النّاس، ربّكم وحده،فأخلصوا له الدّعاء،دون ما تدعون من دونه من الآلهة و الأصنام.(5:514)

الزّجّاج: اُدْعُوا رَبَّكُمْ معناه:اعبدوا ربّكم.

(ابن عطيّة 2:410)

الطّوسيّ: أمر اللّه تعالى عباده المكلّفين أن يدعوه،و الدّعاء،طلب الفعل بطريقة«اللّهمّ افعل»

ص: 619


1- كذا و الظّاهر:الآلهة.

و قد يجيء بطريقة:غفر اللّه له،فهذه صيغة الخبر، و الأوّل صيغة الأمر،غير أنّه إنّما يسمّى أمرا إذا كان المقول له دون القائل،و إن كان فوقه سمّي دعاء و طلبا.و أمّا قول القائل:يا اللّه يا رحمان يا رحيم يا غفور يا قدير يا سميع،و ما أشبه ذلك من أسماء اللّه، فإنّما هو على جهة النّداء،و معناه التّعظيم.(4:454)

ابن عطيّة: هذا أمر بالدّعاء و تعبّد به.(2:410)

مثله القرطبيّ.(7:223)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر الدّلائل الدّالّة على كمال القدرة و الحكمة و الرّحمة،-و عند هذا تمّ التّكليف المتوجّه إلى تحصيل المعارف النّفسانيّة، و العلوم الحقيقيّة-أتبعه بذكر الأعمال اللاّئقة بتلك المعارف،و هو الاشتغال بالدّعاء و التّضرّع،فإنّ الدّعاء مخّ العبادة،فقال: اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً، و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:قوله: اُدْعُوا رَبَّكُمْ فيه قولان:

قال بعضهم:اعبدوا،و قال آخرون:هو الدّعاء.و من قال بالأوّل غفل من الدّعاء أنّه طلب الخير من اللّه تعالى،و هذه صفة العبادة،لأنّه يفعل تقرّبا،و طلبا للمجازاة،لأنّه تعالى عطف عليه قوله: وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً الأعراف:56،و المعطوف ينبغي أن يكون مغايرا للمعطوف عليه.

و القول الثّاني هو الأظهر،لأنّ الدّعاء مغاير للعبادة في المعنى.

إذا عرفت هذا فنقول:اختلف النّاس في الدّعاء، فمنهم من أنكره،و احتجّ على صحّة قوله بأشياء:

الأوّل:أنّ المطلوب بالدّعاء إن كان معلوم الوقوع كان واجب الوقوع،لامتناع وقوع التّغيير في علم اللّه تعالى،و ما كان واجب الوقوع لم يكن في طلبه فائدة،و إن كان معلوم اللاّوقوع كان ممتنع الوقوع، فلا فائدة أيضا في طلبه.

الثّاني:أنّه تعالى إن كان قد أراد في الأزل إحداث ذلك المطلوب،فهو حاصل سواء حصل هذا الدّعاء أو لم يحصل،و إن كان قد أراد في الأزل أن لا يعطيه فهو ممتنع الوقوع فلا فائدة في الطّلب.و إن قلنا:إنّه ما أراد في الأزل إحداث ذلك الشّيء لا وجوده و لا عدمه،ثمّ إنّه عند ذلك الدّعاء،صار مريدا له لزم وقوع التّغيّر في ذات اللّه و في صفاته،و هو محال.لأنّ على هذا التّقدير:يصير إقدام العبد على الدّعاء علّة لحدوث صفة في ذات اللّه تعالى،فيكون العبد متصرّفا في صفة اللّه بالتّبديل و التّغيير،و هو محال.

و الثّالث:أنّ المطلوب بالدّعاء-إن اقتضت الحكمة و المصلحة-إعطاؤه،فهو تعالى يعطيه من غير هذا الدّعاء،لأنّه منزّه عن أن يكون بخيلا،و إن اقتضت الحكمة منعه،فهو لا يعطيه سواء أقدم العبد على الدّعاء أو لم يقدم عليه.

و الرّابع:أنّ الدّعاء غير الأمر،و لا تفاوت بين البابين إلاّ كون الدّاعي أقلّ رتبة،و كون الآمر أعلى رتبة،و إقدام العبد على أمر اللّه سوء أدب،و إنّه لا يجوز.

الخامس:الدّعاء يشبه ما إذا أقدم العبد على إرشاد ربّه و إلهه إلى فعل الأصلح و الأصوب،و ذلك

ص: 620

سوء أدب،أو أنّه ينبّه الإله على شيء ما كان منتبها له،و ذلك كفر،و أنّه تعالى قصر في الإحسان و الفضل، فأنت بهذا تحمله على الإقدام على الإحسان و الفضل، و ذلك جهل.

السّادس:أنّ الإقدام على الدّعاء يدلّ على كونه غير راض بالقضاء؛إذ لو رضي بما قضاه اللّه عليه لترك تصرّف نفسه،و لما طلب من اللّه شيئا على التّعيين، و ترك الرّضا بالقضاء أمر من المنكرات.

السّابع:كثيرا ما يظنّ العبد بشيء كونه نافعا و خيرا،ثمّ إنّه عند دخوله في الوجود يصير سببا للآفات الكثيرة و المفاسد العظيمة،و إذا كان كذلك كان طلب الشّيء المعيّن من اللّه غير جائز،بل الأولى طلب ما هو المصلحة و الخير،و ذلك حاصل من اللّه تعالى سواء طلبه العبد بالدّعاء أو لم يطلبه،فلم يبق في الدّعاء فائدة.

الثّامن:أنّ الدّعاء عبارة عن توجّه القلب إلى طلب شيء من اللّه تعالى،و توجّه القلب إلى طلب ذلك الشّيء المعيّن يمنع القلب من الاستغراق في معرفة اللّه تعالى،و في محبّته و في عبوديّته،و هذه مقامات عالية شريفة،و ما يمنع من حصول المقامات العالية الشّريفة كان مذموما.

التّاسع:روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام قال حاكيا عن اللّه سبحانه:«من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين»و ذلك يدلّ على أنّ الأولى ترك الدّعاء.

العاشر:أنّ علم الحقّ محيط بحاجة العبد،و العبد إذا علم أنّ مولاه عالم باحتياجه،فسكت و لم يذكر تلك الحاجة كان ذلك أدخل في الأدب و في تعظيم المولى ممّا إذا أخذ يشرح كيفيّة تلك الحالة،و يطلب ما يدفع تلك الحاجة،و إذا كان الحال على هذا الوجه في الشّاهد،وجب اعتبار مثله في حق اللّه سبحانه،و لذلك يقال:إنّ الخليل عليه السّلام لمّا وضع في المنجنيق ليرمى إلى النّار،قال جبريل عليه السّلام:ادع ربّك،فقال الخليل عليه السّلام:

حسبي من سؤالي علمه بحالي.فهذه الوجوه هي المذكورة في هذا الباب.

و اعلم أنّ الدّعاء نوع من أنواع العبادة،و الأسئلة المذكورة واردة في جميع أنواع العبادات،فإنّه يقال:إن كان هذا الإنسان سعيدا في علم اللّه فلا حاجة إلى الطّاعات و العبادات،و إن كان شقيّا في علمه فلا فائدة في تلك العبادات.و أيضا يقال:وجب أن لا يقدم الإنسان على أكل الخبز و شرب الماء،لأنّه إن كان هذا الإنسان شبعان في علم اللّه تعالى فلا حاجة إلى أكل الخبز،و إن كان جائعا فلا فائدة في أكل الخبز.

و كما أنّ هذا الكلام باطل هاهنا،فكذا فيما ذكروه

بل نقول:الدّعاء يفيد معرفة ذلّة العبوديّة و يفيد معرفة عزّة الرّبوبيّة،و هذا هو المقصود الأشرف الأعلى من جميع العبادات و بيانه:أنّ الدّاعي لا يقدم على الدّعاء إلاّ إذا عرف من نفسه كونه محتاجا إلى ذلك المطلوب و كونه عاجزا عن تحصيله،و عرف من ربّه و إلهه أنّه يسمع دعاءه،و يعلم حاجته و هو قادر على دفع تلك الحاجة،و هو رحيم تقتضي رحمته إزالة تلك الحاجة.و إذا كان كذلك فهو لا يقدم على الدّعاء

ص: 621

إلاّ إذا عرف كونه موصوفا بالحاجة و بالعجز،و عرف كون الإله سبحانه موصوفا بكمال العلم و القدرة و الرّحمة،فلا مقصود من جميع التّكاليف إلاّ معرفة ذلّ العبوديّة و عزّ الرّبوبيّة،فإذا كان الدّعاء مستجمعا لهذين المقامين،لا جرم كان الدّعاء أعظم أنواع العبادات.

و قوله تعالى: اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إشارة إلى المعنى الّذي ذكرناه،لأنّ التّضرّع لا يحصل إلاّ من النّاقص في حضرة الكامل،فما لم يعتقد العبد نقصان نفسه و كمال مولاه في العلم و القدرة و الرّحمة، لم يقدم على التّضرّع،فثبت أنّ المقصود من الدّعاء ما ذكرناه،فثبت أنّ لفظ القرآن دليل عليه.و الّذي يقوّي ما ذكرناه ما روي أنّه عليه السّلام قال:«ما من شيء أكرم على اللّه من الدّعاء و الدّعاء هو العبادة»ثمّ قرأ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60،و تمام الكلام في حقائق الدّعاء مذكور في سورة البقرة،في تفسير قوله: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ البقرة:186،و اللّه أعلم.

(14:127)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ الدّعاء هو مناجاة اللّه بندائه،لطلب أشياء و لدفع أشياء.(4:310)

الشّربينيّ: أمرهم أن يدعوه متذلّلين مخلصين، بقوله تعالى: اُدْعُوا رَبَّكُمْ لأنّ الدّعاء هو السّؤال و الطّلب،و هو نوع من أنواع العبادة،لأنّ الدّاعي لا يقدم على الدّعاء إلاّ إذا عرف من نفسه الحاجة إلى ذلك المطلوب و هو عاجز عن تحصيله،و عرف أنّ ربّه سبحانه و تعالى يسمع الدّعاء و يعلم حاجته،و هو قادر على إيصالها إلى الدّاعي فعند ذلك يعرف العبد نفسه بالعجز و النّقص،و يعرف ربّه بالقدرة و الكمال، و هو المراد من قوله تعالى:(تضرعا)(1:481)

ابن عاشور :و الخطاب ب(ادعوا)خاصّ بالمسلمين،لأنّه تعليم لأدب دعاء اللّه تعالى و عبادته، و ليس المشركون بمتهيّئين لمثل هذا الخطاب،و هو تقريب للمؤمنين و إدناء لهم،و تنبيه على رضى اللّه عنهم و محبّته،و شاهده قوله بعده: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:56،و الخطاب موجّه إلى المسلمين بقرينة السّياق.

و الدّعاء:حقيقته:النّداء،و يطلق أيضا على النّداء لطلب مهمّ،و استعمل مجازا في العبادة لاشتمالها على الدّعاء و الطّلب بالقول أو بلسان الحال،كما في الرّكوع و السّجود،مع مقارنتها للأقوال،و هو إطلاق كثير في القرآن.

و الظّاهر أنّ المراد منه هنا الطّلب و التّوجّه،لأنّ المسلمين قد عبدوا اللّه و أفردوه بالعبادة،و إنّما المهمّ إشعارهم بالقرب من رحمة ربّهم،و إدناء مقامهم منها.

(8:131)

و تمام الكلام سيأتي في:ض ر ع:«تضرّعا».

3- قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى... الإسراء:110

لاحظ:«تدعوا».

ص: 622

4- وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً. الفرقان:14

لاحظ:ث ب ر:«ثبور».

5- وَ قِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ... القصص:64

لاحظ:«فدعوهم».

6- ...قالُوا فَادْعُوا وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ. المؤمن:50

الطّبريّ: و قوله: قالُوا فَادْعُوا يقول جلّ ثناؤه:قالت الخزنة لهم:فادعوا إذن ربّكم الّذي أتتكم الرّسل بالدّعاء إلى الإيمان به.

و قوله: وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ يقول:قد دعوا و ما دعاؤهم إلاّ في ضلال،لأنّه دعاء لا ينفعهم و لا يستجاب لهم بل يقال لهم: اِخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ المؤمنون:108.(11:68)

راجع:ض ل ل:«ضلال».

ادعوه

1- وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. الأعراف:29

الثّعلبيّ: وَ ادْعُوهُ: و اعبدوه.(4:228)

مثله الزّمخشريّ(2:75)،و الشّربينيّ(1:471) و أبو السّعود(2:488)،و الآلوسيّ(8:107)،و ابن عاشور(8:68).

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فاعلم أنّه تعالى لمّا أمر في الآية الأولى بالتّوجّه إلى القبلة،أمر بعده بالدّعاء.و الأظهر عندي أنّ المراد به أعمال الصّلاة،و سمّاها دعاء،لأنّ الصّلاة في أصل اللّغة:عبارة عن الدّعاء،و لأنّ أشرف أجزاء الصّلاة هو الدّعاء و الذّكر،و بيّن أنّه يجب أن يؤتى بذلك الدّعاء مع الإخلاص،و نظيره قوله تعالى:

وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة:5.(14:58)

القرطبيّ: أي وحّدوه و لا تشركوا به.(7:188)

أبو حيّان :قيل:الدّعاء على بابه أمر به مقرونا بالإخلاص،لأنّ دعاء من لا يخلص الدّين للّه لا يجاب، و قيل:معناه اعبدوا،و قيل:قولوا:لا إله إلاّ اللّه.

(4:288)

البروسويّ: أي و اعبدوه،فهو من إطلاق الخاصّ على العامّ،فإنّ الدّعاء من أبواب العبادة، و هو الخضوع للباري مع إظهار الافتقار و الاستكانة، و هو المقصود من العبادة و العمدة فيها.(3:152)

عبد الكريم الخطيب :و قوله تعالى: وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ معطوف على وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ و الدّعاء:صلاة و عبادة، بل هو مخّ العبادة،-كما يقول العابدون-إذ هو التّطبيق العمليّ للإيمان باللّه،و الإقرار بالعبوديّة له، و تعلّق الرّجاء فيه،و التماس الخير منه وحده، و الانقطاع عمّا سواه.و هذا هو التّوحيد الخالص و الإيمان المصفّى،و لهذا اقترن الدّعاء بالصّلاة و جاء بعدها،ليكون التّطبيق العمليّ لما تركت الصّلاة في نفس المصلّي من ولاء للّه،و قرب منه.(4:388)

ص: 623

فضل اللّه:لا تدعوا غيره،و لا تشركوا به أحدا، فله الدّعاء و إليه المشتكى،و عليه المعوّل في الشّدّة و الرّخاء،فالجئوا إليه في كلّ أموركم،و تعبّدوا له بإخلاص الدّين له،حتّى يكون الدّين كلّه له في فكركم و شعوركم و خطوات حياتكم،في الخطّ و المنهج و الممارسة،فليس لكم أن تتّبعوا غير منهجه، أو تسيروا في غير طريقه،أو تتّخذوا وليّا غيره،و ذلك هو خطّ التّوحيد،و خطّ الإخلاص،و معنى الدّين الحقّ.(10:76)

2- وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

الأعراف:56

الطّبريّ: وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً يقول:

و اخلصوا له الدّعاء و العمل،و لا تشركوا في عملكم له شيئا غيره من الآلهة و الأصنام و غير ذلك،و ليكن ما يكون منكم في ذلك خوفا من عقابه،و طمعا في ثوابه.و إنّ من كان دعاؤه إيّاه على غير ذلك،فهو بالآخرة من المكذّبين،لأنّ من لم يخف عقاب اللّه و لم يرج ثوابه،لم يبال ما ركب من أمر يسخطه اللّه و لا يرضاه.(5:515)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤالات:

السّؤال الأوّل:قال في أوّل الآية: اُدْعُوا رَبَّكُمْ ثمّ قال: وَ لا تُفْسِدُوا ثم قال: وَ ادْعُوهُ و هذا يقتضي عطف الشّيء على نفسه و هو باطل؟

و الجواب:أنّ الّذين قالوا في تفسير قوله: اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً أي اعبدوه،إنّما قالوا ذلك خوفا من هذا الإشكال.

فإن قلنا بهذا التّفسير:فقد زال السّؤال،و إن قلنا:

المراد من قوله: اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً هو الدّعاء، كان الجواب أنّ قوله: اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً يدلّ على أنّ الدّعاء لا بدّ و أن يكون مقرونا بالتّضرّع و بالإخفاء،ثمّ بيّن في قوله: وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً أنّ فائدة الدّعاء هو أحد هذين الأمرين،فكانت الآية الأولى في بيان شرط صحّة الدّعاء،و الآية الثّانية في بيان فائدة الدّعاء و منفعته.

السّؤال الثّاني:أنّ المتكلّمين اتّفقوا على أنّ من عبد و دعا لأجل الخوف من العقاب و الطّمع في الثّواب لم تصحّ عبادته؛و ذلك لأنّ المتكلّمين فريقان:

منهم من قال:التّكاليف إنّما وردت بمقتضى الإلهيّة و العبوديّة،فكونه إلها لنا و كوننا عبيدا له يقتضي أن يحسن منه أن يأمر عبيده بما شاء كيف شاء،فلا يعتبر منه كونه في نفسه صلاحا و حسنا،و هذا قول أهل السّنّة.

و منهم من قال:التّكاليف إنّما وردت لكونها في أنفسها مصالح،و هذا هو قول المعتزلة.

إذا عرفت هذا فنقول:أمّا على القول الأوّل:

فوجه وجوب بعض الأعمال،و حرمة بعضها مجرّد أمر اللّه بما أوجبه،و نهيه عمّا حرّمه،فمن أتى بهذه العبادات صحّت.أمّا من أتى بها خوفا من العقاب،أو طمعا في الثّواب،وجب أن لا يصحّ،لأنّه ما أتى بها لأجل وجه وجوبها.

ص: 624

و أمّا على القول الثّاني:فوجه وجوبها هو كونها في أنفسها مصالح،فمن أتى بها للخوف من العقاب،أو للطّمع في الثّواب فلم يأت بها لوجه وجوبها،فوجب أن لا تصحّ،فثبت أنّ على كلا المذهبين من أتى بالدّعاء و سائر العبادات لأجل الخوف من العقاب، و الطّمع في الثّواب،وجب أن لا يصحّ.

إذا ثبت هذا فنقول:ظاهر قوله: وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً يقتضي أنّه تعالى أمر المكلّف بأن يأتي بالدّعاء لهذا الغرض،و قد ثبت بالدّليل فساده،فكيف طريق التّوفيق بين ظاهر هذه الآية و بين ما ذكرناه من المعقول؟

و الجواب:ليس المراد من الآية ما ظننتم،بل المراد:و ادعوه مع الخوف من وقوع التّقصير،في بعض الشّرائط المعتبرة في قبول ذلك الدّعاء،و مع الطّمع في حصول تلك الشّرائط بأسرها،و على هذا التّقدير فالسّؤال زائل.

السّؤال الثّالث:هل تدلّ هذه الآية على أنّ الدّاعي لا بدّ و أن تحصل في قلبه هذا الخوف و الطّمع؟

و الجواب:أنّ العبد لا يمكنه أن يقطع بكونه آتيا بجميع الشّرائط المعتبرة في قبول الدّعاء،و لأجل هذا المعنى يحصل الخوف،و أيضا لا يقطع بأنّ تلك الشّرائط مفقودة،فوجب كونه طامعا في قبولها فلا جرم.

قلنا:بأنّ الدّاعي لا يكون داعيا إلاّ إذا كان كذلك،فقوله: خَوْفاً وَ طَمَعاً أي أن تكونوا جامعين في نفوسكم بين الخوف و الرّجاء في كلّ أعمالكم،و لا تقطعوا أنّكم و إن اجتهدتم فقد أدّيتم حقّ ربّكم.و يتأكّد هذا بقوله: يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ المؤمنون:60.(14:134)

ابن عاشور :عود إلى أمر الدّعاء،لأنّ ما قبله من النّهي عن الإفساد أشبه الاحتراس المعترض بين أجزاء الكلام،و أعيد الأمر بالدّعاء ليبنى عليه قوله:

خَوْفاً وَ طَمَعاً قصدا لتعليم الباعث على الدّعاء بعد أن علّموا كيفيّته.و هذا الباعث تنطوي تحته أغراض الدّعاء و أنواعه،فلا إشكال في عطف الأمر بالدّعاء على مثله،لأنّهما مختلفان باختلاف متعلّقاتهما.(8:135)

الطّباطبائيّ: ثمّ كرّر الدّعوة إليه و أعاد البعث إلى دعائه بالجمع بين الطّريقين اللّذين لم يزل البشر يعبد الرّبّ أو الأرباب من أحدهما،و هما طريق الخوف و طريق الرّجاء،فإنّ قوما كانوا يتّخذون الأرباب خوفا فيعبدونهم ليسلموا من شرورهم،و كان قوما يتّخذون الأرباب طمعا فيعبدونهم لينالوا خيرهم و بركتهم،لكن العبادة عن محض الخوف ربّما ساق الإنسان إلى اليأس و القنوط فدعاه إلى ترك العبادة، و قد شوهد ذلك كثيرا.و العبادة عن محض الطّمع ربّما قاد إلى استرسال الوقاحة و زوال زيّ العبوديّة فدعاه إلى ترك العبادة،و قد شوهد أيضا كثيرا،فجمع سبحانه بينهما،و دعا إلى الدّعاء باستعمالهما معا، فقال: خَوْفاً وَ طَمَعاً ليصلح كلّ من الصّفتين ما يمكن أن تفسده الأخرى،و في ذلك وقوع في مجرى النّاموس العامّ الجاري في العالم،أعني ناموس الجذب و الدّفع.(8:159)

ص: 625

مكارم الشّيرازيّ: و من المسلّم أنّ الأدعية إنّما تكون عند اللّه أقرب إلى الإجابة إذا تحقّقت فيها الشّرائط اللاّزمة،و من جملة ذلك أن يكون الدّعاء مقترنا بالجوانب البنّاءة و العمليّة في حدود المستطاع، و أن تراعى حقوق النّاس،و أن تلقى حقيقة الدّعاء بأنوارها و ظلالها على وجود الإنسان الدّاعي بأسره، و لهذا فلا تستجاب أدعية المفسدين و العصاة، و لا تنتهي إلى أيّة نتيجة مرجوّة.[إلى أن قال:]

و في خاتمة الآية يقول تعالى للمزيد من التّوطيد على أسباب الأمل بالرّحمة الإلهيّة إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، و يمكن أن تكون هذه العبارة إحدى شرائط إجابة الدّعاء،يعني إذا كنتم تريدون أن لا تكون أدعيتكم خاوية،و مجرّد لقلقة لسان،فيجب أن تقرنوها بعمل الخير و الإحسان،لتشملكم الرّحمة الإلهيّة بمعونة ذلك و تثمر دعواتكم،و بهذا تكون الآية قد تضمّنت الإشارة إلى خمسة من شرائط قبول الدّعاء و إجابته،و هي باختصار كالتّالي:

1-أن يكون الدّعاء عن تضرّع و خفية.

2-أن لا يتجاوز حدّ الاعتدال.

3-أن لا يكون مقرونا بالإفساد و المعصية.

4-أن يكون مقرونا بالخوف و الاصل المعتدلين.

5-أن يكون مقرونا بالبرّ و الإحسان،و فعل الخيرات.(5:74)

3- وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها.

الأعراف:180

الثّعلبيّ: قال مقاتل:و ذلك أنّ رجلا دعا اللّه في صلاته و دعا الرّحمن،فقال رجل من مشركي مكّة:

أ ليس يزعم محمّد و أصحابه أنّهم يعبدون ربّا واحدا فما بال هذا يدعو ربّين اثنين،فأنزل اللّه وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى. (4:310)

الماورديّ: و في دعائه بها وجهان:

أحدهما:نداؤه بها عند الرّغبة إليه في الدّعاء و الطّلب.

و الثّاني:تعظيمه بها تعبّدا له بذكرها.(2:282)

الطّوسيّ: و أمر تعالى أن يدعوه خلقه بها و أن يتركوا أسماء أهل الجاهليّة،و تسميتهم أصنامهم آلهة و لاتا و غير ذلك.(5:46)

الزّمخشريّ: فسمّوه بتلك الأسماء.(2:132)

مثله أبو السّعود.(3:57)

ابن عطيّة: و قوله: فَادْعُوهُ بِها: إباحة بإطلاقها.(2:481)

الطّبرسيّ: أي بهذه الأسماء الحسنى،و دعاؤه بها أن يقال:يا اللّه يا رحمان،يا رحيم،يا خالق السّماوات و الأرض،و كلّ اسم للّه سبحانه،فهو صفة مفيدة،لأنّ اللّقب لا يجوز عليه،فإنّه بمنزلة الإشارة إلى الحاضر.

(2:503)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها يدلّ على أنّ الإنسان لا يدعو ربّه إلاّ بتلك الأسماء الحسنى.و هذه الدّعوة لا تتأتّى إلاّ إذا عرف معاني تلك الأسماء،و عرف بالدّليل أنّ له إلها و ربّا خالقا موصوفا بتلك الصّفات الشّريفة المقدّسة،

ص: 626

فإذا عرف بالدّليل ذلك فحينئذ يحسن أن يدعو ربّه بتلك الأسماء و الصفات،ثمّ إنّ لتلك الدّعوة شرائط كثيرة مذكورة بالاستقصاء في كتاب«المنهاج»لأبي عبد اللّه الحليميّ.و أحسن ما فيه أن يكون مستحضرا لأمرين:

أحدهما:عزّة الرّبوبيّة.

و الثّاني:ذلّة العبوديّة.فهناك يحسن ذلك الدّعاء و يعظم موقع ذلك الذّكر.فأمّا إذا لم يكن كذلك كان قليل الفائدة.

و أنا أذكر لهذا المعنى مثالا،و هو أنّ من أراد أن يقول في تحريمة صلاته:اللّه أكبر،فإنّه يجب أن يستحضر في النّيّة جميع ما أمكنه من معرفة آثار حكمة اللّه تعالى في تخليق نفسه و بدنه و قواه العقليّة و الحسّيّة أو الحركيّة،ثمّ يتعدّى من نفسه إلى استحضار آثار حكمة اللّه في تخليق جميع النّاس،و جميع الحيوانات، و جميع أصناف النّبات و المعادن،و الآثار العلويّة من الرّعد و البرق و الصّواعق الّتي توجد في كلّ أطراف العالم،ثمّ يستحضر آثار قدرة اللّه تعالى في تخليق الأرضين و الجبال و البحار و المفاوز،ثمّ يستحضر آثار قدرة اللّه تعالى في تخليق طبقات العناصر السّفليّة و العلويّة،ثمّ يستحضر آثار قدرة اللّه تعالى في تخليق أطباق السّماوات على سعتها و عظمها،و في تخليق أجرام النّيّرات من الثّوابت و السّيّارات،ثمّ يستحضر آثار قدرة اللّه تعالى في تخليق الكرسيّ و سدرة المنتهى، ثمّ يستحضر آثار قدرته في تخليق العرش العظيم المحيط بكلّ هذه الموجودات،ثمّ يستحضر آثار قدرته في تخليق الملائكة من حملة العرش و الكرسيّ و جنود عالم الرّوحانيّات،فلا يزال يستحضر من هذه الدّرجات و المراتب أقصى ما يصل إليه فهمه و عقله و ذكره و خاطره و خياله.ثمّ عند استحضار جميع هذه الرّوحانيّات و الجسمانيّات على تفاوت درجاتها و تباين منازلها و مراتبها،و يقول:اللّه أكبر،و يشير بقوله:«اللّه»إلى الموجود الّذي خلق هذه الأشياء و أخرجها من العدم إلى الوجود،و رتّبها بما لها من الصّفات و النّعوت،و بقوله:«أكبر»أي إنّه لا يشبه لكبريائه و جبروته و عزّه و علوّه و صمديّته هذه الأشياء،بل هو أكبر من أن يقال:إنّه أكبر من هذه الأشياء.

فإذا عرفت هذا المثال الواحد فقس الذّكر الحاصل مع العرفان و الشّعور،و عند هذا ينفتح على عقلك نسمة من الأسرار المودعة تحت قوله: وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها. (15:70)

القرطبيّ: قوله تعالى: فَادْعُوهُ بِها أي اطلبوا منه بأسمائه،فيطلب بكلّ اسم ما يليق به.تقول:يا رحيم ارحمني،يا حكيم احكم لي،يا رازق ارزقني، يا هادي اهدني،يا فتّاح افتح لي،يا توّاب تب عليّ، هكذا.فإن دعوت باسم عامّ قلت:يا مالك ارحمني، يا عزيز احكم لي،يا لطيف ارزقني.و إن دعوت بالأعمّ الأعظم فقلت:يا اللّه،فهو متضمّن لكلّ اسم.

و لا تقول:يا رزّاق اهدني،إلاّ أن تريد يا رزّاق ارزقني الخير.قال ابن العربيّ:و هكذا،رتّب دعاءك تكن من المخلصين.و قد تقدّم في البقرة شرائط الدّعاء،و في هذه

ص: 627

السّورة أيضا.و الحمد للّه.(7:327)

أبو حيّان :و معنى فَادْعُوهُ بِها أي نادوه بها، كقولك:يا اللّه يا رحمان يا رحيم يا مالك،و ما أشبه ذلك.(4:429)

الشّربينيّ: أي فسمّوه بتلك الصّفات،و للدّعاء شروط منها:أن يعرف الدّاعي معاني الأسماء الّتي يدعو بها،و منها:أن يستحضر في قلبه عظمة المدعوّ سبحانه و تعالى،و منها:أن يخلص إليه في دعائه.

(1:539)

البروسويّ: أي فادعوا اللّه بكلّ اسم مشتقّ من صفة من صفاته،بأن تتّصفوا و تتخلّقوا بتلك الصّفة، فالاتّصاف بها بالأعمال و النّيّات الصّالحات كصفة الخالقيّة،فإنّ الاتّصاف بها بأن تكون مناكحته للتّوالد و التّناسل بخلاف الخالق،كما قيل لحكيم هو يواقع زوجته ما تعمل؟قال:إن تمّ فإنسان.و الاتّصاف بصفة الرّازقيّة بأن ينفق ما رزقه اللّه على المحتاجين و لا يدّخر منه شيئا،و على هذا فقس البواقي.

و أمّا التّخلّق بها فبالأحوال؛و ذلك بتصفية مرآة القلب و مراقبته عن التّعلّق بما سوى اللّه و التّوجّه إليه، ليتجلّى له بتلك الصّفات فيتخلّق بها،و هذا تحقيق قوله:«كنت له سمعا و بصرا فبي يسمع و بي يبصر».

(3:285)

الآلوسيّ: [لاحظ:س م و:«الأسماء»](9:121)

ابن عاشور :[لاحظ:س م و:«الأسماء»](8:362)

الطّباطبائيّ: و قوله: فَادْعُوهُ بِها إمّا من الدّعوة بمعنى التّسمية،كقولنا:دعوته زيدا و دعوتك أبا عبد اللّه،أي سمّيته و سمّيتك.و إمّا من الدّعوة بمعنى النّداء،أي نادوه بها فقولوا:يا رحمان يا رحيم و هكذا.

أو من الدّعوة بمعنى العبادة،أي فاعبدوه مذعنين أنّه متّصف بما يدلّ عليه هذه الأسماء من الصّفات الحسنة و المعاني الجميلة.

و قد احتملوا جميع هذه المعاني،غير أنّ كلامه تعالى في مواضع مختلفة يذكر فيها دعاء الرّبّ يؤيّد هذا المعنى الأخير،كما في الآية السّابقة: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الإسراء:110،و قوله: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60،حيث ذكر أوّلا الدّعاء ثمّ بدّله ثانيا من العبادة إيماء إلى اتّحادهما، و قوله: وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ* وَ إِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ الاحقاف:5،6،و قوله: هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ المؤمن :65 يريد إخلاص العبادة.(8:344)

عبد الكريم الخطيب :و اللّه سبحانه و تعالى متّصف بكلّ كمال،منزّه عن كلّ نقص،و لعباد اللّه أن يدعوا اللّه و يتعبّدوا له بكلّ اسم يفرد اللّه سبحانه و تعالى بالكمال و العبوديّة،فهو اللّه لا إله إلاّ هو الرّحمن الرّحيم،الملك القدّوس السّلام المؤمن، المهيمن،العزيز،الجبّار،المتكبّر،الخالق،البارئ، المصوّر.إلى غير ذلك من الأسماء الّتي ينفرد بها سبحانه

ص: 628

عن المخلوقين،فكلّ ما يدعو به العبد ربّه من أسمائه الحسنى،هو ولاء و عبادة و تسبيح،و اللّه سبحانه و تعالى يقول: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الإسراء:110.

(5:527)

فضل اللّه :و اذكروه بها في دعائكم له و عبادتكم، فهذا ما يلتقي بالخطّ المستقيم للعقيدة و الأفق الواسع للإيمان،و هو الّذي ينمّي في وعي الإنسان المؤمن العلاقة الرّوحيّة العميقة باللّه،في ما توحي به الصّفات الإلهيّة من أنّ كلّ الأشياء الّتي تحتاجها الحياة،تلتقي عنده و تخضع لإرادته،ممّا يجعل من مسألة الدّعاء و العبادة،مسألة فكريّة و روحيّة و عمليّة،في تنمية علاقة الإنسان بربّه،و تأكيد الإحساس بمعنى العبوديّة في نفسه.(10:294)

مكارم الشّيرازيّ: و في الآية التّالية إشارة إلى حال أهل الجنّة و بيان لصفاتهم،فتبدأ الآية بدعوة النّاس إلى التّدبّر و التّوجّه إلى أسماء اللّه الحسنى، كمقدّمة للخروج من صفّ أهل النّار،فتقول: وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها.

و المراد من«أسماء اللّه الحسنى»هي صفات اللّه المختلفة الّتي هي حسنى جميعا،فنحن نعرف أنّ اللّه عالم قادر رازق عادل جواد كريم رحيم،كما أنّ له صفات أخرى حسنى من هذا القبيل أيضا.

فالمراد من دعاء اللّه بأسمائه الحسنى،ليس هو ذكر هذه الألفاظ و جريانها على اللّسان فحسب،كأن نقول مثلا:يا عالم يا قادر يا أرحم الرّاحمين.بل ينبغي أن نتمثّل هذه الصّفات في وجودنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا،و أن يشعّ إشراق من علمه و شعاع من قدرته و جانب من رحمته الواسعة فينا و في مجتمعنا.

و بتعبير آخر:ينبغي أن نتّصف بصفاته و نتخلّق بأخلاقه،لنستطيع بهذا الشّعاع،شعاع العلم و القدرة و الرّحمة و العدل أن نخرج أنفسنا و مجتمعنا الّذي نعيش فيه من سلك أهل النّار.(5:276)

ادعوهم

1- فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

الأعراف:194

ابن عبّاس: معناه فاعبدوهم هل يثيبونكم،أو يجاوزونكم.(الطّبرسيّ 2:511)

الطّبريّ: ...أنّها تضرّ و تنفع،و أنّها تستوجب منكم العبادة لنفعها إيّاكم،فليستجيبوا لدعائكم إذا دعوتموهم،فإن لم يستجيبوا لكم،لأنّها لا تسمع دعاءكم،فأيقنوا بأنّها لا تنفع و لا تضرّ،لأنّ الضّرّ و النّفع إنّما يكونان ممّن إذا سئل سمع مسألة سائله و أعطى و أفضل،و من إذا شكي إليه من شيء سمع، فضرّ من استحقّ العقوبة،و نفع من لا يستوجب الضّرّ.

(6:150)

الطّوسيّ: فادعوهم ليستجيبوا لدعائكم.و هذه لام الأمر على معنى التّهجين،كما قال: هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ النّمل:64،فإذا لم يستجيبوا لكم،لأنّها لا تسمع دعاءكم،فاعلموا أنّها لا تنفع و لا تضرّ و لا تستحقّ العبادة.فأمّا من قال:

ص: 629

الأصنام تعبد اللّه على الحقيقة كما يعبد العقلاء،-و إن كنّا لا نفقه-ذلك فقد تجاهل،لأنّ العبادة ضرب من الشّكر،و الشّكر هو الاعتراف بالنّعمة مع ضرب من التّعظيم،و العبادة و إن كانت شكرا،فإنّه يقارنها خضوع و تذلّل،و كلّ ذلك يستحيل من الجماد.

(5:68)

ابن عطيّة: أي فاختبروا فإن لم يستجيبوا فهم كما وصفنا.(2:489)

الطّبرسيّ: هذا الدّعاء ليس الدّعاء الأوّل، و المراد به:فادعوهم في مهمّاتكم،و لكشف الأسواء عنكم.[ثمّ أدام نحو الطّوسيّ](2:511)

القرطبيّ: و لمّا اعتقد المشركون أنّ الأصنام تضرّ و تنفع أجراها مجرى النّاس،فقال:(فادعوهم) و لم يقل:فادعوهنّ...أي فاطلبوا منهم النّفع و الضّرّ.

(7:342)

نحوه الشّربينيّ.(1:546)

أبو حيّان :أي فاختبروهم بدعائكم هل يقع منهم إجابة أو لا يقع؟و الأمر بالاستجابة هو على سبيل التّعجيز،أي لا يمكن أن يجيبوا.(4:445)

أبو السّعود :تحقيق لمضمون ما قبله بتعجيزهم و تبكيتهم،أي فادعوهم في جلب نفع أو كشف ضرّ.

(3:68)

نحوه البروسويّ(3:295)،و الآلوسيّ(9:

144).

ابن عاشور :و فرّع على المماثلة أمر التّعجيز بقوله: فَادْعُوهُمْ فإنّه مستعمل في التّعجيز باعتبار ما تفرّع عليه من قوله: فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ المضمّن إجابة الأصنام إيّاهم،لأنّ نفس الدّعاء ممكن و لكن استجابته لهم ليست ممكنة،فإذا دعوهم فلم يستجيبوا لهم تبيّن عجز الآلهة عن الاستجابة لهم، و عجز المشركين عن تحصيلها مع حرصهم على تحصيلها لإنهاض حجّتهم،فآل ظهور عجز الأصنام عن الاستجابة لعبادها إلى إثبات عجز المشركين عن نهوض حجّتهم لتلازم العجزين،قال تعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ فاطر:14.

و الأظهر:أنّ المراد بالدّعوة المأمور بها:الدّعوة للنّصر و النّجدة كما قال ذاك المازنيّ:إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم لأيّة حرب أم بأيّ مكان.

و بهذا يظهر أنّ أمر التّعجيز كناية عن ثبوت عجز الأصنام عن إجابتهم،و عجز المشركين عن إظهار دعاء للأصنام تعقبه الاستجابة.(8:394)

عبد الكريم الخطيب :فليدع المشركون آلهتهم الّتي يعبدونها من دون اللّه،ثمّ لينظروا ما ذا يبلغ هذا الدّعاء منهم؟هل يسمعون؟و إذا سمعوا،هل يعقلون؟ و إذا عقلوا،هل يقدرون على تحقيق المطلوب منهم؟ و كيف و هم لا يستطيعون لأنفسهم جلب خير،أو دفع ضرّ؟(5:540)

2- اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ.

الأحزاب:5

ابن عبّاس: أنسبوهم إلى آبائهم.(350)

ص: 630

السّدّيّ: فدعاه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى حارثة،و عرف كلّ نسبه،فأقرّوا به و أثبتوا نسبه.(الماورديّ 4:372)

الطّبريّ: يقول اللّه تعالى ذكره:أنسبوا أدعياءكم الّذين ألحقتم أنسابهم بكم لآبائهم،يقول لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:ألحق نسب زيد بأبيه حارثة،و لا تدعه زيد بن محمّد.(10:257)

الماورديّ: قوله تعالى: اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ يعني التّبنّيّ.قال عبد اللّه بن عمر:ما كنّا ندعو زيد بن حارثة إلاّ زيد بن محمّد،إلى أن نزل قوله تعالى:

اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ. (4:372)

الطّوسيّ: ثمّ أمر المكلّفين بأن يدعوا الأدعياء (لآبائهم)الّذين ولّدوهم و ينسبونهم إليهم أو إلى من ولدوا على فراشهم.(8:315)

نحوه الطّبرسيّ.(4:337)

الميبديّ: تقول العرب:فلان يدعى لفلان،يعني ينسب إليه.(8:6)

الزّمخشريّ: و بيّن أنّ دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في القسط و العدل.و في فصل هذه الجمل و وصلها:من الحسن و الفصاحة ما لا يغبى على عالم بطريق النّظم.(3:250)

ابن عطيّة: أمر اللّه تعالى في هذه الآية بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصّلب،فمن جهل ذلك فيه كان مولى و أخا في الدّين،فقال النّاس:زيد بن حارثة و سالم مولى أبي حذيفة،إلى غير ذلك.(4:369)

الشّوكانيّ: ثمّ صرّح سبحانه بما يجب على العباد من دعاء الأبناء للآباء،فقال:ادعوهم لآبائهم للصّلب و أنسبوهم إليهم،و لا تدعوهم إلى غيرهم،و جملة أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ تعليل للأمر بدعاء الأبناء للآباء، و الضّمير راجع إلى مصدر اُدْعُوهُمْ. (4:327)

ابن عاشور :استئناف بالشّروع في المقصود من التّشريع،لإبطال التّبنّيّ و تفصيل لما يحقّ أن يجريه المسلمون في شأنه.و هذا الأمر إيجاب أبطل به ادّعاء المتبنّيّ متبنّاه ابنا له.و المراد بالدّعاء:النّسب،و المراد من دعوتهم بآبائهم:ترتّب آثار ذلك،و هي أنّهم أبناء آبائهم لا أبناء من تبنّاهم.[إلى أن قال:]

و قوله: اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ يعود ضمير أمره إلى الأدعياء،فلا يشمل الأمر دعاء الحفدة أبناء لأنّهم أبناء.و قد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في الحسن رضي اللّه عنه:«إنّ ابني هذا سيّد»و قال:«لا تزرموا ابني»أي لا تقطعوا عليه بوله.و كذلك لا يشمل ما يقوله أحد لآخر غير دعيّ له:يا ابني،تلطّفا و تقرّبا،فليس به بأس لأنّ المدعوّ بذلك لم يكن دعيّا للقائل،و لم يزل النّاس يدعون لداتهم بالأخ أو الأخت.[ثمّ استشهد بشعر]

(21:188)

عبد الكريم الخطيب :هو التّطبيق العمليّ،لما كشفت عنه الآية السّابقة من بطلان التّبنّيّ.فيترتّب على هذا أن يلحق الأدعياء بآبائهم،و أن ينتسبوا إلى من ولدوا في فراشهم،فذلك هو الحقّ،و العدل:

اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ أي هذا العمل هو المقبول عند اللّه،لأنّ اللّه حقّ،و لا يقبل إلاّ حقّا.

و في تعدية الفعل اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ باللاّم، إشارة إلى تضمّنه معنى الفعل:أنسبوهم،أو ردّوهم،

ص: 631

و نحو هذا.(11:650)

لاحظ:ق س ط:«اقسط».

دعاء

1- وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً وَ نِداءً. البقرة:171

راجع:ن ع ق:«ينعق».

2- ...وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ. الرّعد:14 لاحظ:د ع و:«دعوة».

3- وَ أَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا.

مريم:48

الطّبريّ: وَ أَدْعُوا رَبِّي يقول:و أدعو ربّي بإخلاص العبادة له،و إفراده بالرّبوبيّة، عَسى أَلاّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا يقول:عسى أن لا أشقى بدعاء ربّي،و لكن يجيب دعائي،و يعطيني ما أسأله.

(8:349)

راجع:ش ق و:«شقيّا».

4- لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً... النّور:63

ابن عبّاس: دعوة الرّسول عليكم موجبة، فاحذروها.(الطّبريّ 9:360)

أنّه نهي من اللّه عن التّعرّض لدعاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بإسخاطه،لأنّ دعاءه يوجب العقوبة،و ليس كدعاء غيره.(الماورديّ 4:128)

لا تقولوا له عند دعائه:يا محمّد،أو يا ابن عبد اللّه، و لكن قولوا:يا رسول اللّه،يا نبيّ اللّه،في لين و تواضع و خفض صوت.

مثله مجاهد و قتادة.(الطّبرسيّ 4:158)

إنّه نهي عن التّعرّض لدعاء رسوله عليهم،فالمعنى احذروا دعاءه عليكم إذا أسخطتموه،فإنّ دعاءه موجب مجاب بغير شكّ،و ليس كدعاء غيره.

(الطّبرسيّ 4:158)

مجاهد :أمرهم أن يدعوا:يا رسول اللّه،في لين و تواضع،و لا يقولوا:يا محمّد،في تجهّم.(الطّبريّ 9:360)

أنّه نهي من اللّه عن دعاء رسول اللّه بالغلظة و الجفاء و ليدع بالخضوع و التّذلّل:يا رسول اللّه، يا نبيّ اللّه.

مثله قتادة.(الماورديّ 4:128)

نحوه سعيد بن جبير(الفخر الرّازيّ 24:40)

قتادة :أمرهم أن يفخّموه و يشرّفوه.

(الطّبريّ 9:360)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم:نهى اللّه بهذه الآية المؤمنين أن يتعرّضوا لدعاء الرّسول عليهم،و قال لهم:اتّقوا دعاءه عليكم، بأن تفعلوا ما يسخطه،فيدعو لذلك عليكم فتهلكوا، فلا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من النّاس،فإنّ دعاءه موجبة.

و قال آخرون:بل ذلك نهي من اللّه أن يدعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بغلظ و جفاء،و أمر لهم أن يدعوه بلين و تواضع.

و أولى التّأويلين في ذلك بالصّواب عندي التّأويل الّذي قاله ابن عبّاس؛و ذلك أنّ الّذي قبل قوله:

ص: 632

لا تَجْعَلُوا دُعاءَ نهي من اللّه المؤمنين أن يأتوا من الانصراف عنه في الأمر الّذي يجمع جميعهم ما يكرهه، و الّذي بعده وعيد للمنصرفين بغير إذنه عنه،فالّذي بينهما بأن يكون تحذيرا لهم سخطه أن يضطرّه إلى الدّعاء عليهم أشبه من أن يكون أمرا لهم بما لم يجر له ذكر من تعظيمه و توقيره بالقول و الدّعاء.(9:360)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ المعنى:ليس الّذي يأمركم به الرّسول،و يدعوكم إليه،كما يدعو بعضكم بعضا،لأنّ في القعود عن أمره قعودا عن أمر اللّه تعالى.

(الطّبرسيّ 4:158)

الرّمّانيّ: أنّه نهي من اللّه عن الإبطاء عند أمره و التّأخّر عند استدعائه لهم إلى الجهاد،و لا يتأخّرون كما يتأخّر بعضهم عن إجابة بعض.

(الماورديّ 4:128)

الزّمخشريّ: إذا احتاج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم،فلا تفرّقوا عنه إلاّ بإذنه،و لا تقيسوا دعاءه إيّاكم على دعاء بعضكم بعضا،و رجوعكم عن المجمع بغير إذن الدّاعي،أو لا تجعلوا تسميته و نداءه بينكم كما يسمّي بعضكم بعضا و يناديه باسمه الّذي سمّاه به أبواه و لا تقولوا يا محمّد،و لكن يا نبيّ اللّه و يا رسول اللّه،مع التّوقير و التّعظيم و الصّوت المخفوض و التّواضع.

و يحتمل:لا تجعلوا دعاء الرّسول ربّه مثل ما يدعو صغيركم كبيركم و فقيركم غنيّكم يسأله حاجة،فربّما أجابه و ربّما ردّه،فإنّ دعوات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مسموعة مستجابة.(3:79)

ابن عطيّة:هذه الآية مخاطبة لجميع معاصري رسول اللّه،و أمرهم اللّه أن لا يجعلوا مخاطبة رسول اللّه في النّداء كمخاطبة بعضهم لبعض،فإنّ سيرتهم كانت التّداعي بالأسماء و على غاية البداوة و قلّة الاهتبال، فأمرهم اللّه تعالى في هذه الآية و في غيرها أن يدعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بأشرف أسمائه؛و ذلك هو مقتضى التّوقير و التّعزيز،فالمنبغي في الدّعاء أن يقول:يا رسول اللّه و أن يكون ذلك بتوقير و خفض صوت و برّ،و أن لا يجري ذلك على عادتهم بعضهم في بعض، قاله مجاهد و غيره.

و قال ابن عبّاس:المعنى في هذه الآية إنّما هو لا تحسبوا دعاء الرّسول عليكم كدعاء بعضكم على بعض،أي دعاؤه عليكم مجاب فاحذروه.

و لفظ الآية يدفع هذا المعنى،و الأوّل أصحّ.

(4:198)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها:و هو اختيار المبرّد و القفّال:و لا تجعلوا أمره إيّاكم و دعاءه لكم كما يكون من بعضكم لبعض، إذ كان أمره فرضا لازما،و الّذي يدلّ على هذا قوله عقيب هذا: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ.

و ثانيها:لا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا يا محمّد،و لكن قولوا:يا رسول اللّه يا نبيّ اللّه،عن سعيد ابن جبير.

و ثالثها:لا ترفعوا أصواتكم في دعائه،و هو المراد من قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ الحجرات:3،عن ابن عبّاس.

ص: 633

و رابعها:احذروا دعاء الرّسول عليكم إذا أسخطتموه،فإنّ دعاءه موجب ليس كدعاء غيره.

و الوجه الأوّل أقرب إلى نظم الآية.(24:39)

نحوه البروسويّ.(6:185)

أبو حيّان :خطاب لمعاصري الرّسول عليه السّلام لمّا كان التّداعي بالأسماء على عادة البداوة،أمروا بتوقير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بأحسن ما يدعى به،نحو:يا رسول اللّه، يا نبيّ اللّه.أ لا ترى إلى بعض جفاة من أسلم كان يقول:

يا محمّد،و في قوله: كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً إشارة إلى جواز ذلك مع بعضهم لبعض،إذ لم يؤمر بالتّوقير و التّعظيم في دعائه عليه السّلام إلاّ من دعاه لا من دعا غيره.

و كانوا يقولون:يا أبا القاسم يا محمّد،فنهوا عن ذلك.

و قيل:نهاهم عن الإبطاء و التّأخّر إذا دعاهم، و اختاره المبرّد و القفّال،و يدلّ عليه فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ. و هذا القول موافق لمساق الآية و نظمها.[ثمّ نقل بعض الأقوال](6:476)

نحوه الشّربينيّ.(2:644)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و أمّا ما قيل:من أنّ المعنى:لا تجعلوا نداءه صلّى اللّه عليه و سلّم كنداء بعضكم بعضا باسمه و رفع الصّوت و النّداء من وراء الحجرات،و لكن بلقبه المعظّم،مثل:يا رسول اللّه، يا نبيّ اللّه،مع غاية التّوقير و التّفخيم و التّواضع و خفض الصّوت،فلا يناسب المقام.(4:488)

الآلوسيّ: [نقل الأقوال و أضاف:]

و في«أحكام القرآن»للسّيوطيّ أنّ هذا النّهي تحريم ندائه صلّى اللّه عليه و سلّم باسمه،و الظّاهر استمرار ذلك بعد وفاته إلى الآن.و ذكر الطّبرسيّ أن من جملة المنهى عنه النّداء بيا ابن عبد اللّه،فإنّه ممّا ينادي به العرب بعضهم بعضا،و تعقّب هذا القول بأنّ الآية عليه لا تلائم السّياق و اللّحاق.

و قال بعضهم:وجه الارتباط بما قبلها عليه الإرشاد إلى أنّ الاستئذان ينبغي أن يكون بقولهم:

يا رسول اللّه أنّا نستأذنك و نحوه،و كذا خطاب من معه في أمر جامع إيّاه صلّى اللّه عليه و سلّم ينبغي أن يكون بنحو:يا رسول اللّه،لا بنحو يا محمّد،و يكفي هذا القدر من الارتباط بما قبل،و لا حاجة إلى بيان المناسبة،بأنّ في كلّ منهما ما ينافي التّعظيم اللاّئق بشأنه العظيم صلّى اللّه عليه و سلّم.نعم الأظهر في معنى الآية ما ذكرناه أوّلا،كما لا يخفى.(18:224)

ابن عاشور :لمّا كان الاجتماع للرّسول في الأمور يقع بعد دعوته النّاس للاجتماع،و قد أمرهم اللّه أن لا ينصرفوا عن مجامع الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ لعذر بعد إذنه،أنبأهم بهذه الآية وجوب استجابة دعوة الرّسول إذا دعاهم،و قد تقدّم قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ الأنفال:24.

و المعنى لا تجعلوا دعوة الرّسول إيّاكم للحضور لديه مخيّرين في استجابتها كما تتخيّرون في استجابة دعوة بعضكم بعضا،فوجه الشّبه المنفيّ بين الدّعوتين هو الخيار في الإجابة.و الغرض من هذه الجملة أن لا يتوهّموا أنّ الواجب هو الثّبات في مجامع الرّسول إذا حضروها،و أنّهم في حضورها إذا دعوا إليها بالخيار؛ فالدّعاء على هذا التّأويل مصدر دعاه،إذا ناداه أو

ص: 634

أرسل إليه ليحضر.

و إضافة(دعاء)إلى(الرسول)من إضافة المصدر إلى فاعله.و يجوز أن تكون إضافة(دعاء) من إضافة المصدر إلى مفعوله،و الفاعل المقدّر ضمير المخاطبين،و التّقدير:لا تجعلوا دعاءكم الرّسول، فالمعنى نهيهم.

و وقع الالتفات من الغيبة إلى خطاب المسلمين حثّا على تلقّي الجملة بنشاط فهم،فالخطاب للمؤمنين الّذين تحدّث عنهم بقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ النّور:62،نهوا عن أن يدعوا الرّسول عند مناداته كما يدعو بعضهم بعضا في اللّفظ أو في الهيئة.

فأمّا في اللّفظ فبأن لا يقولوا:يا محمّد،أو يا ابن عبد اللّه،أو يا ابن عبد المطّلب،و لكن يا رسول اللّه،أو يا نبيّ اللّه،أو بكنيته يا أبا القاسم.

و أمّا في الهيئة فبأن لا يدعوه من وراء الحجرات، و أن لا يلحّوا في دعائه إذا لم يخرج إليهم،كما جاء في سورة الحجرات،لأنّ ذلك كلّه من الجلافة الّتي لا تليق بعظمة قدر الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.فهذا أدب للمسلمين و سدّ لأبواب الأذى عن المنافقين،و إذ كانت الآية تحتمل ألفاظها هذا المعنى صحّ للمتدبّر أن ينتزع هذا المعنى منها؛إذ يكفي أن يأخذ من لاح له معنى ما لاح له.

(18:247)

الطّباطبائيّ: دعاء الرّسول هو دعوته النّاس إلى أمر من الأمور،كدعوتهم إلى الإيمان و العمل الصّالح،و دعوتهم ليشاورهم في أمر جامع،و دعوتهم إلى الصّلاة جامعة،و أمرهم بشيء في أمر دنياهم أو أخراهم،فكلّ ذلك دعاء و دعوة منه صلّى اللّه عليه و آله،و يشهد بهذا المعنى قوله ذيلا: قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً و ما يتلوه من تهديد مخالفي أمره صلّى اللّه عليه و آله،كما لا يخفى.و هو أنسب لسياق الآية السّابقة،فإنّها تمدح الّذين يلبّون دعوته و يحضرون عنده،و لا يفارقونه حتّى يستأذنوه،و هذه تذمّ و تهدّد الّذين يدعوهم، فيتسلّلون عنه لواذا غير مهتمّين بدعائه و لا معتنين.

و من هنا يعلم عدم استقامة ما قيل:إنّ المراد بدعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله خطابه،فيجب أن يفخم و لا يساوى بينه و بين غيره من النّاس،فلا يقال له:يا محمّد و يا ابن عبد اللّه،بل:يا رسول اللّه.

و كذا ما قيل:إنّ المراد بالدّعاء:دعاؤه عليهم لو أسخطوه،فهو نهي عن التّعرّض لدعائه عليهم بإسخاطه،فإنّ اللّه تعالى لا يردّ دعاءه هذا؛و ذلك لأنّ ذيل الآية لا يساعد على شيء من الوجهين.

(15:166)

عبد الكريم الخطيب :الدّعاء:الأمر الّذي يحمل دعوة،أو الدّعوة الّتي تحمل أمرا.

و الآية تحثّ المسلمين على الامتثال لأمر الرّسول الكريم،و الاستجابة لما يدعوهم إليه،من غير مهل،أو تردّد،فليست دعوة الرّسول للمسلمين مثل دعوة بعضهم لبعض؛حيث يكون للإنسان الخيار في أن يجيب دعوة الدّاعي أو لا يجيب.

إنّ دعوة الرّسول هي أمر من أمر اللّه،ليس لمؤمن و لا مؤمنة الخيار في هذا الأمر،و إنّما عليه الطّاعة

ص: 635

و الامتثال،و اللّه سبحانه و تعالى يقول: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ الأحزاب:36،و دعاء الرّسول هنا،هو دعاء إلى الجهاد في سبيل اللّه،و هو أمر ملزم لكلّ قادر على حمل السّلاح،و في هذا يقول اللّه تعالى: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ التّوبة:120،و قد يكون الدّعاء لأمر غير الجهاد،و هو أيّا كان أمر ملزم لمن تلقّى الأمر من الرّسول،فإنّه لا يأمر إلاّ بخير،و اللّه سبحانه و تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ الأنفال:24.

(9:1336)

فضل اللّه :آداب التّعامل مع الرّسول صلّى اللّه عليه و آله:

لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً و هذا تأكيد من اللّه على التزام الأدب الإيمانيّ في التّعامل مع الرّسول،في ما يدعوهم إليه من قضايا ترتبط برسالته،أو ترتبط بقيادته و ولايته على المسلمين،في إدارة شئونهم العامّة،عند ما يدعوهم إلى العمل الصّالح،أو ليشاورهم في أمور الحرب و السّلم، أو إلى الصّلاة جامعة،أو إلى غير ذلك،فعليهم أن يعتبروا الدّعوة ملزمة على مستوى الواجبات الشّرعيّة تماما،كما هي العبادات في ذاتها،و لا ينظروا إلى دعوته نظرتهم إلى دعوة بعضهم بعضا باعتبار أنّها غير ملزمة لهم،لأنّ طبيعة علاقة القيادة بالقاعدة تختلف عن علاقة القاعدة ببعضها البعض،لأنّ الأولى -أي علاقة القاعدة بالقيادة-تتّصل بالجانب المصيريّ في تنظيم المجتمع،من أجل سلامة خطّه و توازن موقعه،بينما تتّصل الثّانية بالعلاقات الاجتماعيّة الخاصّة الّتي يملك فيها كلّ واحد حرّيّته أمام الآخر،بعيدا عن كلّ حالات الإلزام الذّاتيّ و الاجتماعيّ،و عن القضايا العامّة في مضمونها المصيريّ الّذي يرقى إلى مستوى الأهمّيّة الكبرى.

و قد جاء في بعض احتمالات التّفسير للآية أنّ المراد به:أن لا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا،أي لا تسمّوه إذا دعوتموه:يا محمّد،و لا تقولوا:يا ابن عبد اللّه،و لكن شرّفوه و عظّموه في الدّعاء،و قولوا:

يا رسول اللّه.

و ذكر بعضهم:أنّ المراد به دعاؤه عليهم لو أغضبوه،أي لا تتعرّضوا لمواقع دعائه عليكم، فتستهينوا به كما يستهين أحدكم بدعاء صاحبه عليه، فإنّ اللّه لا يردّ له دعاء.

و لكنّ الأقرب هو ما ذكرناه من الوجه الأوّل، لأنّ سياق الآية مع الآيات الّتي قبلها يوحي بأنّ الجوّ هو جوّ الطّاعة و الانسجام مع خطّ قيادته في إدارة شئون الأمّة،كما أنّ الفقرة الّتي بعدها توحي بذلك أيضا.(16:368)

مكارم الشّيرازيّ: إن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله عند ما يدعوكم للاجتماع،فإنه لا بدّ من أن يكون لمسألة إلهيّة مهمّة،لهذا يجب عليكم الاهتمام بدعوته، و الالتزام بتعليماته،و ألاّ تهملوها،فأمره من اللّه و دعوته منه سبحانه و تعالى.

ص: 636

ثمّ تضيف الآية...[إلى أن قال:]

و ممّا يجب الانتباه إليه في تفسير هذه الآية وجود احتمالين،إضافة إلى ما ذكرناه،هما:

الأوّل:أنّ القصد من قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً أنّكم عند ما تدعو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فينبغي أن تدعوه بأدب و احترام يليق بمنزلته،و ليس كما تدعون بعضكم بعضا،و السّبب يكمن في أنّ جماعة من المسلمين لم يتعلّموا-بعد-الآداب الإسلاميّة في التّعامل مع الآخرين،فكانوا ينادون الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بعبارة:يا محمّد، يا محمّد،و هذا لا يليق بنداء قائد إلهيّ كبير.و تستهدف الآية تعليم النّاس أن يدعوا الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بعبارات رزينة و بأسلوب مؤدّب،كأن يدعوه:يا رسول اللّه، أو:يا نبىّ اللّه.

و هذا التّفسير ورد في بعض الرّوايات أيضا إلاّ أنّه لا ينسجم مع ظاهر الآية الّتي تحدّثت عن الاستجابة لدعوة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،و وجوب عدم الغياب عن الجماعة دون استئذان منه صلّى اللّه عليه و آله إلاّ أن نقول:إنّ كلا المعنيين مقصودان للآية واحدة،و أنّ مفهوم الآية شامل للتّفسيرين الأوّل و الثّاني.

و الآخر:يبدو أنّه ضعيف جدّا،و هو ألاّ تجعلوا دعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على أحد الأشخاص و لعنه له كدعاء بعضكم على بعض،لأنّ دعاء و لعن النّبىّ صلّى اللّه عليه و آله يتمّ وفق حساب دقيق و خاضع للتّعاليم الإلهيّة،و هو نافذ حتما.

و لكن ليس لهذا التّفسير علاقة بأوّل الآية و نهايتها،و لم يرد حديث إسلاميّ خاصّ به،و لهذا السّبب لا يمكن قبوله.(11:158)

5- لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ. فصّلت:49

لاحظ:خ ي ر:«الخير».

6- وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ. فصّلت:51

لاحظ:ع ر ض:«عريض».

7- إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ... فاطر:14

راجع:س م ع:«يسمعوا».

8- رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ. إبراهيم:40

الطّبريّ: يقول:ربّنا و تقبّل عملي الّذي أعمله لك و عبادتي إيّاك.و هذا نظير الخبر الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إنّ الدّعاء هو العبادة»ثمّ قرأ وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60.(7:467)

نحوه الثّعلبيّ(5:323)،و الزّمخشريّ(2:382) و القرطبيّ(9:375).

الطّوسيّ: رغبة منه إليه تعالى أن يجيب دعاءه

ص: 637

فيما سأله.(6:302)

ابن عطيّة: و قرأ طلحة و الأعمش (دعاء ربّنا) بغير ياء،و قرأ أبو عمرو و ابن كثير (دعائى) بياء ساكنة في الوصل،و أثبتها بعضهم دون الوقف في الوصل.و قرأ نافع و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ بغير ياء في وصل و لا وقف.و روى ورش عن نافع إثبات الياء في الوصل.(3:343)

الطّبرسيّ: [نقل القراءات و قال:]

و أمّا من وصل(دعائى)ب«ياء»فهو القياس من شمّ الياء في الوصل،و لا يثبتها،فلدلالة الكسرة على الياء.قال أبو عليّ:حذف الياء في الوقف أقيس من حذفها في الوصل،لأنّ الوقف موضع تغيير يغيّر فيه الحرف الموقوف عليه كثيرا.[إلى أن قال:]

أي و أجب دعائي،فإنّ قبول الدّعاء إنّما هو الإجابة،و قبول الطّاعة الإثابة.(3:317)

الفخر الرّازيّ: أنّه عليه السّلام لمّا دعا اللّه في المطالب المذكورة،دعا اللّه تعالى في أن يقبل دعاءه،فقال:

رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ و قال ابن عبّاس:يريد عبادتي بدليل قوله تعالى: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مريم:48.(19:139)

أبو السّعود :أي دعائي هذا المتعلّق بجعلي و جعل بعض ذرّيّتي مقيمي الصّلاة ثابتين على ذلك،مجتنبين عن عبادة الأصنام،و لذلك جيء بضمير الجماعة.

(3:496)

نحوه البروسويّ.(4:429)

الآلوسيّ: [نقل كلام أبي السّعود و قال:]

و قيل:الدّعاء بمعنى العبادة،أي تقبّل عبادتي.

و تعقّب بأنّ الأنسب أن يقال فيه دعاءنا حينئذ.و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و حمزة و هبيرة عن حفص (دعائى)بياء ساكنة في الوصل.و في رواية البزيّ عن ابن كثير أنّه يصل و يقف بياء،و قال قنبل:إنّه يشمّ الياء في الوصل و لا يثبتها،و يقف عليها بالألف.

(13:243)

ابن عاشور :و دعاؤه بتقبّل دعائه ضراعة بعد ضراعة.

و حذفت ياء المتكلّم في(دعاء)في قراءة الجمهور تخفيفا،كما تقدّم في قوله تعالى: وَ إِلَيْهِ مَتابِ الرّعد:30.(12:265)

الطّباطبائيّ: و من تطابق الفقرتين أنّه أكّد دعاءه في هذه الفقرة بقوله: رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ فإنّ سؤال تقبّل الدّعاء إلحاح و إصرار و تأكيد،كما أنّ التّعليل في الفقرة الأولى بقوله: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النّاسِ تأكيد في الحقيقة لما فيها من الدّعاء بقوله: وَ اجْنُبْنِي.... (12:78)

عبد الكريم الخطيب :و قوله: رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ هو دعاء بأن يتقبّل اللّه منه ما يدعو به لنفسه و لذرّيّته،فإذا قبل اللّه سبحانه قوله: وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ كان ذلك إذنا منه سبحانه بقبول ما يدعوه به،و كان مستجاب الدّعوة عند اللّه.و هذا غاية ما يطمح إليه المؤمن من رضا ربّه عليه،و لطفه به،و رحمته له.

و قد كان إبراهيم عليه السّلام مستجاب الدّعوة عند ربّه، و كان نبيّنا محمّد صلوات اللّه و سلامه عليه دعوة

ص: 638

مستجابة من دعوات إبراهيم؛حيث دعا إبراهيم ربّه بما حكاه القرآن الكريم عنه في قوله تعالى: رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ البقرة:129،و في هذا يقول النّبيّ صلوات اللّه و سلامه عليه:«أنا دعوة إبراهيم.».(7:197)

مكارم الشّيرازيّ: الدّعوات السّبعة لإبراهيم:

دعا إبراهيم عليه السّلام في هذه الآيات سبع دعوات في مجال التّوحيد و المناجاة و محاربة الأصنام و عبادتها و محاربة الظّالمين:

أوّل هذه الدّعوات هو أمان مكّة القاعدة العظيمة لمجتمع التّوحيد،و ما أعمق معنى هذا الطّلب.

الثّاني:دعاؤه في الاجتناب عن عبادة الأصنام و الّتي هي الأساس و القاعدة لجميع العقائد و البرامج الدّينيّة.

الثّالث:دعاؤه في تمايل قلوب المؤمنين و ارتباطهم العاطفيّ بالنّسبة لأبنائه و التّابعين لدينه.

دعاؤه الرّابع:أن يرزقهم اللّه من أنواع الثّمرات، لتكون عنوانا للشّكر،و الالتفات بشكل أعمق لخالق النّعم.

الدّعاء الخامس:التّوفيق لإقامة الصّلاة،و الّتي هي أقوى صلة بين الإنسان و ربّه،و دعاؤه عليه السّلام ليس له فقط،بل حتّى لأبنائه.

دعاؤه السّادس:قبول دعائه،و نحن نعلم أنّ اللّه يقبل الدّعاء من مواقع الإخلاص و القلوب الطّاهرة و الأرواح السّامية،و في الواقع إنّ هذا الطّلب من إبراهيم عليه السّلام يحتوي ضمنا الحصول على القلب الطّاهر و الرّوح السّامية.

و آخر دعائه عليه السّلام:أن يشمله اللّه بلطفه و رحمته فيما إذا صدر منه ذنب أو خطيئة،و أن يرحم أمّه و أباه و جميع المؤمنين يوم القيامة.

و بهذا التّرتيب،فإنّ دعواته تبدأ بالأمن و تنتهي بالعفو و الغفران،و من الطّريف أنّه لم يطلبها لنفسه فقط،بل للآخرين كذلك،لأنّ عباد الرّحمن ليسوا أنانيّين.(7:463)

الدّعاء

1- ...قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ. آل عمران:38

راجع:س م ع:«سميع».

2- اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ. إبراهيم:39

الطّبريّ: يقول:إنّ ربّي لسميع دعائي الّذي أدعوه به،و قولي: اِجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ و غير ذلك من دعائي و دعاء غيري،و جميع ما نطق به ناطق لا يخفى عليه منه شيء.

(7:467)

الطّوسيّ: هذا حكاية من اللّه تعالى باعتراف إبراهيم عليه السّلام بنعم اللّه تعالى،و حمده إيّاه على إحسانه بما وهب له على كبر سنّه ولدين:إسماعيل و إسحاق، و أنّه أخبر بأنّ ربّه الّذي خلقه يجيب الدّعاء لمن

ص: 639

يدعوه.[إلى أن قال:]

و الدّعاء:طلب الفعل بدلالة القول،و ما دعا اللّه عزّ و جلّ إليه فقد أمر به و رغّب فيه،و ما دعا العبد به ربّه فالعبد راغب فيه،و لذلك لا يجوز أن يدعو الإنسان بلعنه و لا عقابه،و يحوز أن يدعو على غيره به.(6:301)

لاحظ:س م ع:«لسميع».

دعائك

وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا. مريم:4

الطّبريّ: و قوله: وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا يقول:و لم أشقّ يا ربّ بدعائك،لأنّك لم تخيّب دعائي قبل إذ كنت أدعوك في حاجتي إليك،بل كنت تجيب و تقضي حاجتي قبلك.(8:306)

الطّوسيّ: تمام حكاية ما دعا به زكريّا،و إنّه قال:لم أكن يا ربّ بدعائي إيّاك شقيّا،أي كنت أدعوك وحدك و أعترف بتوحيدك.و قيل:معناه:إنّي إذا دعوتك أجبتني،و الدّعاء:طلب الفعل من المدعوّ، و في مقابلته الإجابة،كما أنّ في مقابلة الأمر الطّاعة.

(7:104)

الطّبرسيّ: أي و لم أكن بدعائي إيّاك فيما مضى مخيّبا محروما.و المعنى:إنّك قد عوّدتني حسن الإجابة، و ما خيّبتني فيما سألتك،و لا حرّمتني الاستجابة فيما دعوتك،فلا تخيّبني فيما أسألك،و لا تحرمني إجابتك فيما أدعوك.(3:502)

لاحظ:ش ق و:«شقيّا».

دعاؤكم

قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً. الفرقان:77

ابن عبّاس: لو لا إيمانكم.(الطّبريّ 9:427)

مجاهد :لو لا دعاؤكم إيّاه لتعبدوه و تطيعوه.

(الطّبريّ 9:427)

معناه:لو لا دعاؤه إيّاكم إلى طاعته،لم يكن في فعلكم ما تطالبون به.(الطّوسيّ 7:513)

الطّبريّ: و قوله: لَوْ لا دُعاؤُكُمْ يقول:لو لا عبادة من يعبده منكم و طاعة من يطيعه منكم.

(9:427)

الزّجّاج: معناه:لو لا توحيدكم و إيمانكم.

(الطّوسيّ 7:513)

البلخيّ: معناه:لو لا كفركم و شرككم ما يعبأ بعذابكم.و حذف العذاب و أقام المضاف إليه مقامه.

(الطّوسيّ 7:513)

الثّعلبيّ: لَوْ لا دُعاؤُكُمْ إيّاه،و قيل:لو لا عبادتكم،و قيل:لو لا إيمانكم.و اختلف العلماء في معنى هذه الآية،فقال قوم:معناها قل:ما يعبأ بخلقكم ربّي لو لا عبادتكم و طاعتكم إيّاه،يعني أنّه خلقكم لعبادته،نظيرها قوله سبحانه: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ الذّاريات:56،و هذا معنى قول ابن عبّاس و مجاهد.

قال ابن عبّاس في رواية الوالبيّ: أخبر اللّه سبحانه الكفّار أنّه لا حاجة لربّهم بهم؛إذ لم يخلقهم مؤمنين، و لو كان له بهم حاجة لحبّب إليهم الإيمان كما حبّب

ص: 640

إلى المؤمنين.

و قال آخرون:قل ما يعبأ بعذابكم ربّي لو لا دعاؤكم إيّاه في الشّدائد،بيانه فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ العنكبوت:65،و نحوها من الآيات.

و قال بعضهم:قل ما يعبأ بمغفرتكم ربّي لو لا دعاؤكم معه آلهة و شركاء،بيانه قوله سبحانه و تعالى:

ما يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ النّساء:

147،و هذا المعنى قول الضّحّاك.

ربيعة الجمحيّ قال:سمعت الوليد بن الوليد يقول:

بلغني أنّ تفسير هذه الآية قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ يقول:ما خلقتكم و بي إليكم حاجة إلاّ أن تسألوني فأغفر لكم،و تسألوني فأعطيكم.(7:153)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:لو لا عبادتكم و إيمانكم به،و الدّعاء:

العبادة.

الثّاني:[قول مجاهد]

و يحتمل ثالثا:لو لا دعاؤكم له إذا مسّكم الضّرّ و أصابكم السّوء رغبة إليه و خضوعا إليه.(4:162)

الطّوسيّ: [نقل قول مجاهد ثمّ قال:]

و هو مصدر أضيف إلى المفعول،كقولهم:أعجبني بناء هذه الدّار،و خياطة هذا الثّوب.(7:513)

الزّمخشريّ: و لو لا عبادتهم لم يكترث لهم البتّة،و لم يعتدّ بهم،و لم يكونوا عنده شيء يبالي به.

و الدّعاء:العبادة.و(ما)متضمّنة لمعنى الاستفهام، و هي في محل النّصب،و هي عبارة عن المصدر،كأنّه قيل:و أيّ عبء يعبأ بكم لو لا دعاؤكم.يعني أنّكم لا تستأهلون شيئا من العبء بكم لو لا عبادتكم.

(3:102)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في قوله: لَوْ لا دُعاؤُكُمْ وجهين:

أحدهما:لو لا دعاؤه إيّاكم إلى الدّين و الطّاعة.

و الدّعاء على هذا،مصدر مضاف إلى المفعول.

و ثانيهما:أنّ الدّعاء مضاف إلى الفاعل،و على هذا التّقدير ذكروا فيه وجوها:

أحدها: لَوْ لا دُعاؤُكُمْ: لو لا إيمانكم.

و ثانيها:لو لا عبادتكم.

و ثالثها:لو لا دعاؤكم إيّاه في الشّدائد،كقوله:

فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ العنكبوت:65.

و رابعها: دُعاؤُكُمْ يعني لو لا شكركم له على إحسانه،لقوله: ما يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ النّساء:147.

و خامسها:ما خلقتكم و بي إليكم حاجة إلاّ أن تسألوني فأعطيكم،و تستغفروني فأغفر لكم.

(24:117)

أبو حيّان :و(دعاؤكم)مصدر أضيف إلى الفاعل،أي لو لا عبادتكم إيّاه،أي لو لا دعاؤكم و تضرّعكم إليه،أو ما يعبأ بتعذيبكم لو لا دعاؤكم الأصنام آلهة.و قيل:أضيف إلى المفعول،أي لو لا دعاؤه إيّاكم إلى طاعته.

و الّذي يظهر أنّ قوله: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ خطاب لكفّار قريش القائلين:نسجد لما تأمرنا،أي

ص: 641

لا يحفل بكم ربّي لو لا تضرّعكم إليه و استغاثتكم إيّاه في الشّدائد.(6:517)

الآلوسيّ: أي عبادتكم له عزّ و جلّ،حسبما مرّ تفصيله،فإنّ ما خلق له الإنسان معرفة اللّه تعالى و طاعته جلّ و علا و إلاّ فهو و البهائم سواء ف(ما) متضمّنة لمعنى الاستفهام،و هي في محلّ النّصب،و هي عبارة عن المصدر.[إلى أن قال:]

و يجوز أن تكون(ما)نافية،أي ليس يعبأ،و أيّا ما كان،فجواب(لو لا)محذوف لدلالة ما قبله عليه، أي لو لا دعاؤكم لما اعتدّ بكم،و هذا بيان لحال المؤمنين من المخاطبين.(19:54)

ابن عاشور :و الدّعاء:الدّعوة إلى شيء،و هو هنا مضاف إلى مفعوله،و الفاعل يدلّ عليه(ربى) أي لو لا دعاؤه إيّاكم،أي لو لا أنّه يدعوكم.و حذف متعلّق الدّعاء لظهوره من قوله: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ، أي الدّاعي و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فتعيّن أنّ الدّعاء:الدّعوة إلى الإسلام.

و المعنى أنّ اللّه لا يلحقه من ذلك انتفاع و لا اعتزاز بكم.و هذا كقوله تعالى: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ* ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ الذّاريات:56،57.

و ضمير الخطاب في قوله:(دعاؤكم)موجّه إلى المشركين بدليل تفريع فَقَدْ كَذَّبْتُمْ عليه و هو تهديد لهم،أي فقد كذّبتم الدّاعي و هو الرّسول عليه الصّلاة و السّلام.و هذا التّفسير هو الّذي يقتضيه المعنى، و يؤيّده قول مجاهد و الكلبيّ و الفرّاء.

و قد فسّر بعض المفسّرين الدّعاء بالعبادة،فجعلوا الخطاب موجّها إلى المسلمين،فترتّب على ذلك التّفسير تكلّفات،و قد أغنى عن التّعرّض إليها اعتماد المعنى الصّحيح،فمن شاء فلينظرها بتأمّل،ليعلم أنّها لا داعي إليها.(19:104)

الطّباطبائيّ: قيل:(دعاؤكم)من إضافة المصدر إلى المفعول،و فاعله ضمير راجع إلى(ربى) و على هذا فقوله: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ من تفريع السّبب على المسبّب بمعنى انكشافه بمسبّبه،و قوله: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً أي سوف يكون تكذيبكم ملازما لكم أشدّ الملازمة،فتجزون بشقاء لازم و عذاب دائم.

و المعنى:قل لا قدر و لا منزلة لكم عند ربّي، فوجودكم و عدمكم عنده سواء،لأنّكم كذّبتم فلا خير يرجى فيكم،فسوف يكون هذا التّكذيب ملازما لكم أشدّ الملازمة،إلاّ أنّ اللّه يدعوكم ليتمّ الحجّة عليكم،أو يدعوكم لعلّكم ترجعون عن تكذيبكم.و هذا معنى حسن.

و قيل:(دعاؤكم)من إضافة المصدر إلى الفاعل،و المراد به عبادتهم للّه سبحانه،و المعنى ما يبالي بكم ربّي أو ما يبقيكم ربّي لو لا عبادتكم له.

و فيه أن هذا المعنى لا يلائم تفرّع قوله: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ عليه،و كان عليه من حقّ الكلام أن يقال:

و قد كذّبتم،على أنّ المصدر المضاف إلى فاعله يدلّ على تحقّق الفعل منه و تلبّسه به،و هم غير متلبّسين بدعائه و عبادته تعالى،فكان من حقّ الكلام على هذا التّقدير أن يقال:لو لا أن تدعوه،فافهم.(15:245)

ص: 642

فضل اللّه:الدّعاء يمنح الرّعاية الإلهيّة.

قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ أي أنّ اللّه لا يبالي بكم و لا يعتني بشأنكم و لا يجعل لكم منزلة عنده لو لا دعاؤكم.و هذا المعنى واضح لا يحتاج إلى تفسير،و لكن ما هو المراد من كلمة(دعاؤكم)هل المراد بها الدّعاء إلى اللّه في ما يدعو الإنسان إليه من الإيمان به و عبادته،و العودة إليه من الضّياع الّذي يلفّ الإنسان في أجواء الضّلال،فيكون المعنى:أنّ اللّه لا يعبأ بكم في أيّ وضع من الأوضاع،لو لا دعاؤه لكم لتهتدوا،و لتعبدوه وحده لا شريك له؟أو أنّ المراد بها دعاء العبد للّه في ما يهمّه من أمور الحياة،أو في ما يحسّه من مشاعر الإيمان به،و الخشوع له،و الخضوع إليه، ليعبّر عن توحيده،بالكلمة و الحركة و الابتهال، فيكون المعنى:أنّ اللّه لا يعبأ بكم لو لا دعاؤكم إيّاه،في ما يمثّله ذلك من التّصديق بوجوده،و الإذعان بوحدانيّته،و الإخلاص لعبادته.(17:83)

مكارم الشّيرازيّ: لو لا دعاؤكم،لما كانت لكم قيمة:

هذه الآية الّتي هي الآية الأخيرة في سورة الفرقان،جاءت في الحقيقة نتيجة لكلّ السّورة، و للأبحاث الّتي بصدد صفات«عباد الرّحمن»في الآيات السّابقة،فيقول تبارك و تعالى مخاطبا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ.

و لو أنّ احتمالات كثيرة ذكرت هنا في معنى الدّعاء،لكن أساس جميعها يعود إلى أصل واحد.

فذهب البعض:أنّ الدّعاء هو نفس ذلك المعنى المعروف للدّعاء.

و بعض آخر فسّره بمعنى الإيمان.

و بعض بمعنى العبادة و التّوحيد.

و آخر،بمعنى الشّكر.

و بعض:بمعنى التّضرّع إلى اللّه في المحن و الشّدائد.

لكنّ أساس جميعها هو الإيمان و التّوجّه إلى اللّه.

و بناء على هذا،يكون مفهوم الآية هكذا:إنّ ما يعطيكم الوزن و القيمة و القدر عند اللّه،هو الإيمان باللّه و التّوجّه إليه،و العبوديّة له.

ثمّ يضيف تعالى: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً.

من الممكن التّصوّر أنّ تضادّا بين بداية الآية و نهايتها،أو أنّه لا يبدو على الأقلّ الارتباط و الانسجام اللاّزم بينهما،و لكن إذا دقّقنا قليلا يتّضح أنّ المقصود أساسا هو:أنّكم قد كذّبتم فيما مضى بآيات اللّه و بأنبيائه،فإذا لم تتوجّهوا إلى اللّه، و لم تسلكوا طريق الإيمان به و العبوديّة له،فلن تكون لكم أيّة قيمة أو مقام عنده،و ستحيط بكم عقوبات تكذيبكم.

و من جملة الشّواهد الواضحة الّتي تؤيّد هذا التّفسير،الحديث المنقول عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه سئل:«كثرة القراءة أفضل أو كثرة الدّعاء؟ فقال عليه السّلام:كثرة الدّعاء أفضل،و قرأ هذه الآية».

الدّعاء طريق إصلاح النّفس و معرفة اللّه:

معلوم أنّ مسألة الدّعاء أعطيت أهمّيّة كبيرة في آيات القرآن و الرّوايات الإسلاميّة؛حيث كانت الآية

ص: 643

أعلاه أنموذجا منها،غير أن قد يكون القبول بهذا الأمر ابتداء صعبا على البعض،كأنّه يقال:الدّعاء عمل سهل جدّا،و يمكن أن يؤدّيه الجميع،أو يتوسّعون أكثر فيقولون:الدّعاء عمل المغلوبين على أمرهم،الأمر الّذي لا أهمّيّة له.

لكن الاشتباه هنا ينشأ من أنّهم ينظرون إلى الدّعاء الخالي من شرائطه،في حين إذا أخذت الشّرائط الخاصّة للدّعاء بنظر الاعتبار،فإنّ هذه الحقيقة تثبت بوضوح.و هي أنّ الدّعاء وسيلة مؤثّرة في إصلاح النّفس،و الارتباط القريب بين اللّه و الإنسان.

أوّل شرائط الدّعاء،معرفة المدعوّ.

الشّرط الثّاني:تخلية القلب و إعداد الرّوح لدعائه تبارك و تعالى،ذلك لأنّ الإنسان حينما يذهب باتّجاه أحد،ينبغي أن يملك الاستعداد للقائه.

الشّرط الثّالث للدّعاء:هو جلب رضا و مسرّة من يدعوه الإنسان،ذلك لأنّه لا يحتمل التّأثير بدون ذلك إلاّ نادرا.

و أخيرا فالشّرط الرّابع لاستجابة الدّعاء:هو أن يستخدم الإنسان كلّ قدرته و قوّته و استطاعته في عمله،و يؤدّيه بأعلى درجة من الجدّ و الاجتهاد،ثمّ يرفع يديه و يوجّه قلبه إلى بارئه بالدّعاء في ما وراء ذلك.

ذلك لأنّه ورد صريحا في الرّوايات الإسلاميّة،أنّ الإنسان إذا قصّر في العمل الّذي يستطيع أن يؤدّيه بنفسه،ثمّ يتوسّل بالدّعاء فلن يستجاب دعاؤه.

من هنا،فإنّ الدّعاء وسيلة لمعرفة الخالق و معرفة صفاته الجماليّة و الجلاليّة،و وسيلة أيضا للتّوبة من الذّنب،و لتطهير الرّوح،و سبب أيضا لأداء الحسنات للجهاد و الجدّ و الاجتهاد إلى منتهى الاستطاعة.

لهذا نجد عبارات مهمّة حول الدّعاء لا يمكن فهمها إلاّ على ضوء ما قلناه.مثلا:نقرأ في رواية عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«الدّعاء سلاح المؤمن،و عمود الدّين، و نور السّماوات و الأرض».

و نقرأ في حديث آخر عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام:

«الدّعاء مفاتيح النّجاح و مقاليد الفلاح،و خير الدّعاء ما صدر عن صدر نقيّ،و قلب تقيّ».

و نقرأ في حديث عن الإمام الصّادق عليه السّلام:«الدّعاء أنفذ من السّنان».

فضلا عن كلّ ذلك،فإنّ من الطّبيعيّ أنّ حوادث تقع في حياة الإنسان،فتغرقه في اليأس من حيث الأسباب الظّاهريّة،فالدّعاء يمكنه أن يكون شرفة على أمل الفوز،و وسيلة مؤثّرة في مواجهة اليأس و القنوط.لهذا فالدّعاء إزاء الحوادث الصّعبة المرهقة، يمنح الإنسان قدرة و قوّة و أملا و طمأنينة،و أثرا لا يمكن إنكاره من النّاحية النّفسيّة.(11:288)

دعائى

فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاّ فِراراً. نوح:6

راجع:ف ر ر:«فرارا».

دعوة

وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ

ص: 644

يَرْشُدُونَ. البقرة:186

لاحظ:د ع و:«دعان».

دعوتكما

قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. يونس:89

عكرمة :كان موسى يدعو،و هارون يؤمّن.

(الطّبريّ 6:603)

نحوه ابن كعب القرظيّ،و الرّبيع،و أبي العالية، و ابن زيد،و أبي صالح.(الطّبريّ 6:603)

الطّبريّ: و هذا خبر من اللّه عن إجابته لموسى صلّى اللّه عليه و سلّم و هارون دعاءهما على فرعون و أشراف قومه و أموالهم.يقول جلّ ثناؤه:قال اللّه لهما: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما، في فرعون و ملئه و أموالهم.

فإن قال قائل:و كيف نسبت الإجابة إلى اثنين، و الدّعاء إنّما كان من واحد؟

قيل:إنّ الدّاعي و إن كان واحدا،فإنّ الثّاني كان مؤمّنا،و هو هارون،فلذلك نسبت الإجابة إليهما،لأنّ المؤمّن داع.و كذلك قال أهل التّأويل.

و قد زعم بعض أهل العربيّة،أن العرب تخاطب الواحد خطاب الاثنين.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:602)

الزّجّاج: يروى في التّفسير أنّ موسى دعا،و أنّ هارون أمّن على دعائه.و في الآية دليل أنّهما دعوا جميعا،لأنّ قوله: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما يدلّ أنّ الدّعوة منهما جميعا،و المؤمّن على دعاء الدّاعي داع أيضا،لأنّ قوله«آمين»تأويله استجب فهو سائل كسؤال الدّاعي.(3:31)

الثّعلبي:و قرأ عليّ و السّمليّ (دعواتكما) بالجمع.(5:145)

الطّوسيّ: و الدّعوة طلب الفعل بصيغة الأمر، و قد يدعى بصيغة الماضي،كقولك:غفر اللّه لك و أحسن إليك،و جزاك اللّه خيرا.و إنّما قال:

أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و الدّاعي موسى،لأنّ دعاء موسى كان مع تأمين هارون-على ما قاله الرّبيع و ابن زيد و عكرمة و محمّد بن كعب و أبو العالية- و المؤمّن داع،لأنّ المعنى في التّأمين:اللّهمّ أجب هذا الدّعاء.(5:242)

الزّمخشريّ: قرئ: (دعواتكما) قيل:كان موسى يدعو و هارون يؤمّن،و يجوز أن يكونا جميعا يدعوان.و المعنى:أنّ دعاءكما مستجاب و ما طلبتما كائن،و لكن في وقته.(2:250)

ابن عطيّة: و قرأ النّاس(دعوتكما)و قرأ السّدّيّ و الضّحّاك(دعواتكما).و روي عن ابن جريج و محمّد بن عليّ و الضّحّاك:أنّ الدّعوة لم تظهر إجابتها إلاّ بعد أربعين سنة،و حينئذ كان الغرق.

و أعلما أنّ دعاءهما صادق مقدورا،و هذا معنى إجابة الدّعاء.و قيل لهما: لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي في أن تستعجلا قضائي،فإنّ وعدي لا خلف له،و قوله:(دعوتكما)و لم يتقدّم الدّعاء إلاّ لموسى.

و روي أنّ هارون كان يؤمّن على دعاء موسى

ص: 645

قاله محمّد بن كعب القرظيّ،نسب الدّعوة إليهما، و قيل:كنّي عن الواحد بلفظ التّثنية،كما قال:«قفا نبكي»و نحو هذا.

و هذا ضعيف،لأنّ الآية تتضمّن بعد مخاطبتهما من غير شيء.قال عليّ بن سليمان:قول موسى:

(ربنا)يونس:88،دالّ على أنّهما دعوا معا.(3:139)

نحوه الآلوسيّ.(11:174)

الطّبرسيّ: و الدّاعي كان موسى عليه السّلام،لأنّه كان يدعو،و كان هارون يؤمّن على دعائه،فسمّاهما داعيين-عن عكرمة و الرّبيع و أبي العالية و أكثر المفسّرين-و لأنّ معنى التّأمين:اللّهمّ استجب هذا الدّعاء.(3:130)

نحوه الطّباطبائيّ.(10:116)

الفخر الرّازيّ: و فيه وجهان:

الأوّل:قال ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما:إنّ موسى كان يدعو و هارون كان يؤمّن،فلذلك قال:

قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما؛ و ذلك لأنّ من يقول عند دعاء الدّاعي:«آمين»فهو أيضا داع،لأنّ قوله:

«آمين»تأويله«استجب»فهو سائل،كما أنّ الدّاعي سائل أيضا.

الثّاني:لا يبعد أن يكون كلّ واحد منهما ذكر هذا الدّعاء،غاية ما في الباب أن يقال:إنّه تعالى حكى هذا الدّعاء عن موسى بقوله: وَ قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالاً يونس:88،إلاّ أنّ هذا لا ينافي أن يكون هارون قد ذكر ذلك الدّعاء أيضا.(17:152)

نحوه الشّربينيّ(2:34)،و ابن عاشور(11:

167).

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و قرأ الرّبيع (دعوتيكما) ،و هذا يؤكّد قول من قال:إنّ هارون دعا مع موسى.و قراءة (دعوتيكما) تدلّ على أنّه قرأ (قد اجبت) على أنّه فعل و فاعل.

(5:187)

أبو السّعود :يعنى موسى و هارون عليهما السّلام،لأنّه كان يؤمّن كما يشعر به إضافة«الرّبّ»إلى ضمير المتكلّم مع الغير في المواقع الثّلاثة.(3:270)

فضل اللّه :العبرة من دعاء موسى

و قد نستوحي من ذلك أنّ الطّغاة و الظّالمين يتوصّلون إلى إضلال النّاس و السّيطرة عليهم،من خلال الحالة الاستعراضيّة الّتي يحاولون من خلالها التّأثير على نفسيّة النّاس،لإضعافها بمظاهر الزّينة و المال و الجاه الّتي تبهر الأبصار و تعشي العقول،ما قد يقتضينا معالجة هذه المؤثّرات الضّاغطة،بمختلف أساليب التّوعية الّتي تضع القضيّة في نصابها و حجمها الطّبيعيّ،و ذلك من جهة تخفيف الضّغط على مواقفهم من خلال ذلك.

و قد لا يكون النّبيّ موسى عليه السّلام في موقف المنفعل الّذي يريد أن يعالج المسألة بالدّعاء المتحرّك من موقع المأزق الّذي يحيط به،بل كانت القضيّة أنّ التّجارب قد استنفدت معهم،و أنّهم يقفون في الطّريق ليمنعوا الرّسالة من أن تتحرّك في خطّ الدّعوة،و في مجال تحقيق الأهداف،و ليعطّلوا حركة الحرّيّة في نفوس

ص: 646

المستضعفين من خلال دعوة النّبيّ،و ذلك بالضّغوط المباشرة تارة،و بالضّغوط غير المباشرة أخرى، فلم يكن هناك مجال إلاّ بالقضاء عليهم،لتبقى السّاحة خالية من الحواجز الصّعبة الّتي تمنع الانطلاق،لئلاّ تنسحق أمام حالات الشّلل و الجمود الّذي أريد لها أن تنسحق أمامها.

و هكذا كان،فقد أوحى اللّه إلى موسى و هارون بما يريد قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما و سيحلّ العذاب بفرعون و جماعته،فاستقيما في موقع القوّة الجديد الّذي ستحصلان عليه بعد إهلاك الطّاغوت،و تابعا المسيرة في الخطّ الّذي أراد اللّه لكما أن تسيرا عليه،لأنّ الإنسان قد يضعف أمام السّلطة، فيترك ما كان يدعو إليه،و يستسلم للدّوافع الذّاتيّة و المؤثّرات الشّيطانيّة إذا لم ينفتح على اللّه في كلّ الأحوال، وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ طريق الحقّ،و لا يهتدون إلى غايات الخير و العدل و الإيمان و ذلك هو أسلوب التّربية القرآنيّة،الّذي يوحي بأنّ من الضّروريّ متابعة الإيحاء للدّعاة إلى اللّه بالحذر من الانحراف،بعيدا عن أيّة حالة ذاتيّة،ممّا يمكن للنّاس أن يجعلوه مانعا عن توجيه النّصح،من عظمة الشّخصيّة،و حجم الموقع،لأنّ المسألة لا تتّصل بمستوى الذّات،بل ترتبط بضخامة التّحدّيات الّتي قد تزلزل الإنسان،و قد تهوي به إلى مكان سحيق.

و لا نريد في هذا المجال أن نتحدّث عن قصّة العصمة الّتي تمنع النّبيّ عن الانحراف ممّا يمنع من توجيه النّصح إليه في هذا الاتّجاه،لأنّنا نحسب أنّ تأديب اللّه لرسله،هو أحد المؤثّرات في العصمة الّتي تمنحهم مناعة الموقف و قوّة الالتزام.و قد لا تفوتنا الملاحظة في أسلوب القرآن،الّذي يعبّر دائما عن الكافرين و الظّالمين بأنّهم لا يعلمون،ممّا يعني أنّ مشكلة هؤلاء أنّهم لم ينفتحوا على الحقيقة،من موقع جهل،أو من موقع غفلة و تمرّد،فقد لا يعرفون الحقّ مباشرة،و قد لا يعرفون نتائج البعد عنه عند ما يختار الإنسان لنفسه ذلك.(11:359)

دعواهم

1- فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاّ أَنْ قالُوا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ. الأعراف:5

ابن عبّاس: فما كان تضرّعهم إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاّ أَنْ قالُوا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ. فأقرّوا على أنفسهم بالشّرك.(الفخر الرّازيّ 14:21)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فلم يكن دعوى أهل القرية التي أهلكناها،إذ جاءهم بأسنا و سطوتنا بياتا أو هم قائلون،إلاّ اعترافهم على أنفسهم بأنّهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين،و بربّهم آثمين،و لأمره و نهيه مخالفين.

و عنى بقوله جلّ ثناؤه:(دعواهم)في هذا الموضع:دعاءهم.

و ل«الدّعوى»في كلام العرب،وجهان:أحدهما:

الدّعاء،و الآخر:الادّعاء للحقّ.

و من الدّعوى الّتي معناها الدّعاء،قول اللّه تبارك و تعالى: فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ الأنبياء:15،

ص: 647

و منه قول الشّاعر.[ثمّ استشهد بشعر]

و في هذه الآية الدّلالة الواضحة على صحّة ما جاءت به الرّواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من قوله:«ما هلك قوم حتّى يعذروا من أنفسهم».

قال عبد اللّه بن مسعود:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما هلك قوم حتّى يعذروا من أنفسهم»قال:قلت لعبد الملك:كيف يكون ذلك؟قال:فقرأ هذه الآية: فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا.

فإن قال قائل:و كيف قيل: فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاّ أَنْ قالُوا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ؟ و كيف أمكنتهم الدّعوى بذلك،و قد جاءهم بأس اللّه بالهلاك؟أقالوا ذلك قبل الهلاك؟فإن كانوا قالوه قبل الهلاك،فإنّهم قالوا قبل مجيء البأس،و اللّه يخبر عنهم أنّهم قالوه حين جاءهم،لا قبل ذلك؟أو قالوه بعد ما جاءهم،فتلك حالة قد هلكوا فيها،فكيف يجوز وصفهم بقيل ذلك إذا عاينوا بأس اللّه،و حقيقة ما كانت الرّسل تعدهم من سطوة اللّه؟

قيل:ليس كلّ الأمم كان هلاكها في لحظة ليس بين أوّله و آخره مهل،بل كان منهم من غرق بالطّوفان.فكان بين أوّل ظهور السّبب الّذي علموا أنّهم به هالكون،و بين آخره الّذي عمّ جميعهم هلاكه، المدّة الّتي لا خفاء بها على ذي عقل.و منهم من متّع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لأعينهم أيّاما ثلاثة كقوم صالح و أشباههم.فحينئذ لمّا عاينوا أوائل بأس اللّه الّذي كانت رسل اللّه تتوعّدهم به،و أيقنوا حقيقة نزول سطوة اللّه بهم دعوا:يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين،فلم يك ينفعهم إيمانهم مع مجيء و عيد اللّه و حلول نقمته بساحتهم،فحذّر ربّنا جلّ ثناؤه الّذين أرسل إليهم نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم من سطوته و عقابه على كفرهم به و تكذيبهم رسوله ما حلّ بمن كان قبلهم من الأمم إذ عصوا رسله،و اتّبعوا أمر كلّ جبّار عنيد.

(5:429)

الزّجّاج: المعنى-و اللّه أعلم-أنّهم لم يحصلوا ممّا كانوا ينتحلونه من المذهب و الدّين و يدعونه،إلاّ على اعتراف بأنّهم كانوا ظالمين.و الدّعوى اسم لما يدّعيه، و الدّعوى يصلح أن تكون في معنى الدّعاء،لو قلت:

اللّهمّ أشركنا في صالح دعاء المسلمين و دعوى المسلمين جاز،حكى سيبويه ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و موضع(ان)الأحسن أن يكون رفعا،و أن تكون الدّعوى في موضع نصب،كما قال جلّ ثنائه:

ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا الجاثية:25،و يجوز أن يكون في موضع نصب،و يكون«الدّعوى»في موضع رفع إلاّ أنّ«الدّعوى»إذا كانت في موضع رفع فالأكثر في اللّفظ«فما كانت دعواهم»كذا و كذا،«إلاّ أن»لأنّ الدّعوى مؤنّثة في اللّفظ،و يجوز كان دعواه باطلا و باطلة.(2:318)

الطّوسيّ: يعني اعترافهم بذلك على نفوسهم و إقرارهم به،و كان هذا القول منهم عند معاينة البأس و اليقين بأنّه نازل بهم.و يجوز أن يكون قالوه حين لابسهم طرف منه،لم يهلكوا منه.[ثمّ بيّن الإعراب نحو الزّجّاج و أضاف:]

و الدّعوى،و الدّعاء واحد.و فرّق قوم بينهما بأنّ

ص: 648

في الدّعوى اشتراكا بين الدّعاء و الادّعاء،كادّعاء المال و غيره،و أصله الطّلب.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:373)

نحوه الطّبرسيّ.(2:396)

الميبديّ: أي قولهم و دعاؤهم و تضرّعهم.

(3:550)

نحوه البروسويّ.(3:135)

الزّمخشريّ: ما كانوا يدّعونه من دينهم و ينتحلونه من مذهبهم إلاّ اعترافهم ببطلانه و فساده.

و يجوز:فما كان استغاثتهم إلاّ قولهم هذا،لأنّه لا مستغاث من اللّه بغيره،من قولهم:دعواهم:يا لكعب.

و يجوز فما كان دعواهم ربّهم إلاّ اعترافهم لعلمهم أنّ الدّعاء لا ينفعهم و أنّ«لات حين دعاء»فلا يزيدون على ذمّ أنفسهم و تحسّرهم على ما كان منهم، و(دعواهم)نصب خبر ل(كان)و(ان قالوا) رفع اسم له،و يجوز العكس.(2:67)

نحوه أبو السّعود.(2:474)

ابن عطيّة: و الدّعوى في كلام العرب لمعنيين:

أحدهما:الدّعاء،قال الخليل :تقول:اللّهمّ أشركنا في صالح دعوى المسلمين.و منه قوله عزّ و جلّ: فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ الأنبياء:15.

و الثّاني:الادّعاء،فقال الطّبريّ هي في هذا الموضع بمعنى الدّعاء.

و يتوجّه أن يكون أيضا بمعنى الادّعاء،لأنّ من ناله مكروه أو حزّبه حادث،فمن شأنه أن يدعو،كما ذهب إليه المفسّرون في فعل هؤلاء المذكورين في هذه الآية،و من شأنه أيضا أن يدّعي معاذير و أشياء تحسن حاله و تقيم حجّته في زعمه،فيتّجه أن يكون هؤلاء بحال من يدّعي معاذير و نحوها،فأخبر اللّه عنهم أنّهم لم تكن لهم دعوى،ثمّ استثنى من غير الأوّل كأنّه قال:لم يكن دعاء أو ادّعاء إلاّ الإقرار و الاعتراف،أي هذا كان بدل الدّعاء أو الادّعاء.

و تحتمل الآية أن يكون المعنى:فما آلت دعواهم الّتي كانت في حال كفرهم إلاّ إلى اعتراف.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:374)

الفخر الرّازيّ: قال تعالى: فَما كانَ دَعْواهُمْ قال أهل اللّغة:الدّعوى اسم يقوم مقام الادّعاء،و مقام الدّعاء.

حكى سيبويه:اللّهمّ أشركنا في صالح دعاء المسلمين،و دعوى المسلمين.

قال ابن الأنباريّ: فما كان قولهم إذ جاءهم بأسنا إلاّ الاعتراف بالظّلم و الإقرار بالإساءة،و قوله: إِلاّ أَنْ قالُوا الاختيار عند النّحويّين أن يكون موضع (ان)رفعا ب(كان)و يكون قوله:(دعواهم)نصبا، كقوله: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا النّمل:

56،...قال و يجوز أن يكون أيضا على الضّدّ من هذا، بأن يكون«الدّعوى»رفعا،و أَنْ قالُوا نصبا، كقوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا البقرة:177، على قراءة من رفع(البر.)و الأصل في هذا الباب أنّه إذا حصل بعد كلمة(كان)معرفتان فأنت بالخيار في رفع أيّهما شئت،و في نصب الآخر،كقولك كان زيد أخاك و إن شئت كان زيدا أخوك.(14:21)

ص: 649

نحوه القرطبيّ(7:163)،و الآلوسيّ(8:80).

أبو حيّان :و قيل:(دعواهم:)دعاؤهم.و قيل:

ادّعاؤهم،أي ادّعوا معاذير تحسن حالهم و تقيم حجّتهم في زعمهم.[إلى أن نقل كلام الزّمخشريّ في إعراب الآية و قال:]

و الأوّل هو الّذي يقتضي نصوص المتأخّرين أن لا يجوز إلاّ هو،فيكون(دعواهم)الاسم و إِلاّ أَنْ قالُوا الخبر،لأنّه إذا لم تكن قرينة لفظيّة و لا معنويّة تبيّن الفاعل من المفعول،وجب تقديم الفاعل و تأخير المفعول،نحو:ضرب موسى عيسى،و«كان و أخواتها» مشبّهة في عملها بالفعل الّذي يتعدّى إلى واحد، فكما وجب ذلك فيه وجب ذلك في المشبّه به،و هو (كان)و(دعواهم)و إِلاّ أَنْ قالُوا لا يظهر فيهما لفظ يبيّن الاسم من الخبر و لا معنى،فوجب أن يكون السّابق هو الاسم و اللاّحق الخبر.(4:269)

ابن عاشور :و قوله: فَما كانَ دَعْواهُمْ يصحّ أن تكون الفاء فيه للتّرتيب الذّكريّ تبعا للفاء،في قوله: فَجاءَها بَأْسُنا، لأنّه من بقيّة المذكور،و يصحّ أن يكون للتّرتيب المعنويّ،لأنّ دعواهم ترتّبت على مجيء البأس.

و الدّعوى:اسم بمعنى الدّعاء،كقوله: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ يونس:10،و هو كثير في القرآن و الدّعاء هنا لرفع العذاب،أي الاستغاثة عند حلول البأس و ظهور أسباب العذاب،و ذلك أنّ شأن النّاس إذا حلّ بهم العذاب أن يجأروا إلى اللّه بالاستغاثة، و معنى الحصر أنّهم لم يستغيثوا اللّه و لا توجّهوا إليه بالدّعاء،و لكنّهم وضعوا الاعتراف بالظّلم موضع الاستغاثة،فلذلك استثناه اللّه من الدّعوى.

و يجوز أن تكون الدّعوى بمعنى الادّعاء،أي انقطعت كلّ الدّعاوي الّتي كانوا يدعونها من تحقيق تعدّد الآلهة و أنّ دينهم حقّ،فلم تبق لهم دعوى،بل اعترفوا بأنّهم مبطلون،فيكون الاستثناء منقطعا،لأنّ اعترافهم ليس بدعوى.(8:18)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّ الكلمة الّتي استقبل بها القوم هذا البلاء،لم تكن إلاّ إدانة لأنفسهم، و حجّة يقيمها بعضهم على بعض،بأنّ ما حلّ بهم لم يكن إلاّ بما ساقهم إليه سفهاؤهم من كفر باللّه،و صدّ عن سبيله.

و الدّعوى هنا:بمعنى الدّعاء،الّذي يدعو به بعضهم بعضا،فيقول كلّ منهم:هذه فعلة فلان و فلان بنا،و إذا كانت دعوى أهل السّلامة و العافية في الجنّة هي الحمد للّه ربّ العالمين،كما يقول اللّه تعالى: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. يونس:10، فإنّ دعوى أهل العطب و الضّياع: يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ و لكن هيهات،فلن يقبل منهم عذر، و لا يسمع لهم قول فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ الرّوم:57.(4:368)

فضل للّه:كأيّ إنسان ينكر في حالة الاسترخاء، بما يوحي به إلى نفسه من شعور بالقوّة على التّمرّد و الجحود،و لكنّه يحسّ بالضّعف و الانسحاق أمام الواقع المرّ الّذي يصطدم به،فيتحدّاه بكلّ النّتائج القاسية الّتي كان يهرب منها،فيقف وقفة الخائف

ص: 650

المذعور الّذي يبحث عن كلمة اعتراف،أو موقف ندم يوحي إليه بالأمن من العذاب،و لكن دون جدوى.

(10:18)

2- دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

يونس:10

قتادة :قوله: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ، يقول:ذلك قولهم فيها.(الطّبريّ 6:535)

الكلبيّ: دَعْواهُمْ فِيها أي كلامهم و قولهم إذا اشتهوا شيئا من طعام الجنّة: سُبْحانَكَ اللّهُمَّ فيؤتون به.(الميبديّ 4:260)

ابن جريج:إذا مرّ بهم الطّير يشتهونه قالوا:

سُبْحانَكَ اللّهُمَّ، و ذلك دعواهم.(الطّبريّ 6:535)

الثّوريّ: إذا أرادوا الشّيء قالوا:اللّهمّ،فيأتيهم ما دعوا به.(الطّبريّ 6:535)

الطّبريّ: معناه:دعاؤهم فيها: سُبْحانَكَ اللّهُمَّ.

و قوله: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ يقول:و آخر دعائهم.

أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، يقول:و آخر دعائهم أن يقولوا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، و لذلك خفّفت (ان)و لم تشدّد،لأنّه أريد بها الحكاية.(6:535)

الزّجّاج: معنى(دعواهم)دعاؤهم،يعنى أنّ دعاء أهل الجنّة تنزيه اللّه و تعظيمه.(3:8)

نحوه الشّربينيّ.(2:6)

الطّوسيّ: معنى دَعْواهُمْ فِيها أنّ دعاء المؤمنين للّه في الجنّة،و ذكرهم له فيها،هو أن يقولوا:

سُبْحانَكَ اللّهُمَّ و يقولون ذلك و لهم فيها لذّة، لا على وجه العبادة،لأنّه ليس هناك تكليف.

و قيل:إنّه إذا مرّ بهم الطّير و يشتهونه قالوا:

سُبْحانَكَ اللّهُمَّ فيؤتون به،فإذا نالوا منه شهوتهم قالوا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، هذا قول ابن جريج.

و قال الحسن:آخر كلام يجري لهم في كلّ وقت:

الحمد للّه ربّ العالمين،لا أنّه ينقطع.و الدّعوى:قول يدعى به إلى أمر.(5:395)

الميبديّ: الدّعوى و الدّعاء كلاهما سواء،و المراد به النّداء،أي يدعون اللّه بقولهم: سُبْحانَكَ اللّهُمَّ تلذّذا بذكره لا عبادة،و يقولون:إنّ كلّ من في الجنّة يدعون اللّه،و بذكره و ثنائه يسترحون،و كان تنعّمهم و لذائذهم و راحتهم و سكونهم بتسبيح اللّه و ثنائه...

وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، و المعنى:أنّ أهل الجنّة فيما يشاءون مختارون و ينالون بما شاءوا.و قيل:أوّل كلامهم التّسبيح و آخره التّحميد،و هم يتكلّمون بينهما بما أرادوا أن يتكلّموا به.(4:260)

الزّمخشريّ: (دعواهم:)دعاؤهم،لأنّ(اللّهمّ) نداء اللّه،و معناه:اللّهمّ إنّا نسبّحك،كقول القانت في دعاء القنوت:اللّهمّ إيّاك نعبد و لك نصلّي و نسجد.

و يجوز أن يراد بالدّعاء:العبادة وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مريم:48،على معنى:أنّ لا تكليف في الجنّة و لا عبادة،و ما عبادتهم إلاّ أن يسبّحوا اللّه و يحمدوه؛و ذلك ليس بعبادة إنّما يلهمونه

ص: 651

فينطقون به تلذّذا بلا كلفة،كقوله تعالى: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَ تَصْدِيَةً الأنفال:35.

وَ آخِرُ دَعْواهُمْ و خاتمة دعائهم الّذي هو التّسبيح، أن يقولوا: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. (2:226)

نحوه أبو حيّان(5:127)،و أبو السّعود:(3:216) و الآلوسيّ(11:75).

ابن عطيّة: و قوله: دَعْواهُمْ... الدّعوى بمعنى الدّعاء،يقال:دعا الرّجل و ادّعى،بمعنى واحد.[إلى أن قال:]

و قوله: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ يريد:و خاتمة دعواهم في كلّ موطن و كلامهم شكر اللّه تعالى و حمده على سابغ نعمه.(3:107)

الطّبرسيّ: أي:دعاء المؤمنين في الجنّة،و ذكرهم فيها أن يقولوا: سُبْحانَكَ اللّهُمَّ، يقولون ذلك لا على وجه العبادة،لأنّه ليس هناك تكليف،بل يلتذّون بالتّسبيح.

و قيل:إنّهم إذا مرّ بهم الطّير في الهواء يشتهونه قالوا:سبحانك اللّهمّ،فيأتيهم الطّير فيقع مشويّا بين أيديهم،و إذا قضوا منه الشّهوة،قالوا:الحمد للّه ربّ العالمين،فيطير الطّير حيّا كما كان.فيكون مفتتح كلامهم في كلّ شيء التّسبيح،و مختتم كلامهم التّحميد،فيكون التّسبيح في الجنّة بدل التّسمية في الدّنيا،عن ابن جريج.[إلى أن قال:]

و قد ذكرنا معنى قوله: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و ليس المراد أنّ ذلك يكون آخر كلامهم،حتّى لا يتكلّموا بعده بشيء،بل المراد أنّهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كلّ ما ذكروه،عن الحسن، و الجبّائيّ.(3:93)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:في دعواهم وجوه:

الأوّل:أنّ الدّعوى هاهنا بمعنى الدّعاء.يقال:دعا يدعو دعاء و دعوى،كما يقال:شكى يشكو شكاية و شكوى.قال بعض المفسّرين:(دعواهم)أي دعاؤهم.

و قال تعالى في أهل الجنّة: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ يس،:57،و قال في آية أخرى: يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ الدّخان:55،و ممّا يقوّي أنّ المراد من الدّعوى هاهنا الدّعاء،هو أنّهم قالوا:

اللّهمّ.و هذا نداء للّه سبحانه و تعالى،و معنى قولهم:

سُبْحانَكَ اللّهُمَّ أنّا نسبّحك،كقول القانت في دعاء القنوت:«اللّهمّ إيّاك نعبد».

الثّاني:أن يراد بالدّعاء:العبادة،و نظيره قوله تعالى: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مريم:

48،أي و ما تعبدون.فيكون معنى الآية:أنّه لا عبادة لأهل الجنّة إلاّ أن يسبّحوا اللّه و يحمدوه،و يكون اشتغالهم بذلك الذّكر لا على سبيل التّكليف،بل على سبيل الابتهاج بذكر اللّه تعالى.

الثّالث:قال بعضهم:لا يبعد أن يكون المراد من الدّعوى نفس الدّعوى الّتي تكون للخصم على الخصم.و المعنى أنّ أهل الجنّة يدعون في الدّنيا و في الآخرة تنزيه اللّه تعالى عن كلّ المعايب و الإقرار له بالإلهيّة.

ص: 652

قال القفّال:أصل ذلك أيضا من الدّعاء،لأنّ الخصم يدعو خصمه إلى من يحكم بينهما.

الرّابع:قال مسلم:(دعواهم)أي قولهم و إقرارهم و نداؤهم،و ذلك هو قولهم: سُبْحانَكَ اللّهُمَّ.

الخامس:قال القاضي:المراد من قوله:

دَعْواهُمْ أي طريقتهم في تمجيد اللّه تعالى و تقديسه و شأنهم و سنّتهم.

و الدّليل على أنّ المراد ذلك أنّ قوله: سُبْحانَكَ اللّهُمَّ ليس بدعاء و لا بدعوى،إلاّ أنّ المدّعي للشّيء يكون مواظبا على ذكره،لا جرم جعل لفظ الدّعوى كناية عن تلك المواظبة و الملازمة.فأهل الجنّة لمّا كانوا مواظبين على هذا الذّكر،لا جرم أطلق لفظ الدّعوى عليها.

السّادس:قال القفّال:قيل في قوله: لَهُمْ ما يَدَّعُونَ يس،:57،أي ما يتمنّونه،و العرب تقول:

ادع ما شئت عليّ،أي تمنّ.

و قال ابن جريج:أخبرت أنّ قوله: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ هو أنّه إذا مرّ بهم طير يشتهونه قالوا: سُبْحانَكَ اللّهُمَّ فيأتيهم الملك بذلك المشتهى.

فقد خرج تأويل الآية من هذا الوجه،على أنّهم إذا اشتهوا الشّيء قالوا:سبحانك اللّهمّ،فكان المراد من دعواهم ما حصل في قلوبهم من التّمنّيّ.

و في هذا التّفسير وجه آخر هو أفضل و أشرف ممّا تقدّم،و هو أن يكون المعنى أنّ تمنّيهم في الجنّة أن يسبّحوا اللّه تعالى،أي تمنّيهم لما يتمنّونه،ليس إلاّ في تسبيح اللّه تعالى و تقديسه و تنزيهه.

السّابع:قال القفّال أيضا:و يحتمل أن يكون المعنى في الدّعوى ما كانوا يتداعونه في الدّنيا في أوقات حروبهم،ممّن يسكنون إليه و يستنصرونه،كقولهم:

يا آل فلان،فأخبر اللّه تعالى أنّ أنسهم في الجنّة بذكرهم اللّه تعالى،و سكونهم بتحميدهم اللّه،و لذّتهم بتمجيدهم اللّه تعالى.(17:43)

القرطبيّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و قيل:نداؤهم الخدم ليأتوهم بما شاءوا ثمّ سبّحوا.

(8:313)

المراغيّ: أي أنّهم يبدءون كلّ دعاء و ثناء عليه تعالى يناجونه به بهذه الكلمة سُبْحانَكَ اللّهُمَّ أي تنزيها و تقديسا لك يا اللّه،و أنّ تحيّتهم فيها كلمة (سلام)الدّالّة على السّلامة من كلّ مكروه،و هي تحيّة المؤمنين في الدّنيا...

و إنّ آخر كلّ حال من أحوالهم من دعاء يناجون به ربّهم،و مطلب يطلبونه من إحسانه و كرمه اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. (11:71)

ابن عاشور :و جملة: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ و ما عطف عليها أحوال من ضمير اَلَّذِينَ آمَنُوا. و الدّعوى:هنا الدّعاء.يقال:دعوة بالهاء، و دعوى بألف التّأنيث.

و اعلم أنّ الاقتصار على كون دعواهم فيها كلمة سُبْحانَكَ اللّهُمَّ يشعر بأنّهم لا دعوى لهم في الجنّة غير ذلك القول،لأنّ الاقتصار في مقام البيان يشعر بالقصر،و إن لم يكن هو من طرق القصر لكنّه يستفاد

ص: 653

من المقام و لكن قوله: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يفيد أنّ هذا التّحميد من دعواهم، فتحصّل من ذلك أنّ لهم دعوى و خاتمة دعوى.

و وجه ذكر هذا في عدد أحوالهم أنّها تدلّ على أنّ ما هم فيه من النّعيم هو غايات الرّاغبين بحيث إن أرادوا أن ينعموا بمقام دعاء ربّهم الّذي هو مقام القرب لم يجدوا أنفسهم مشتاقين لشيء يسألونه فاعتاضوا عن السّؤال بالثّناء على ربّهم فألهموا إلى التزام التّسبيح لأنّه أدلّ لفظ على التّمجيد و التّنزيه،فهو جامع للعبارة عن الكمالات.[إلى أن قال:]

و جملة وَ آخِرُ دَعْواهُمْ بقيّة الجمل الحاليّة.

و جعل حمد اللّه من دعائهم كما اقتضته«ان»التّفسيريّة المفسّرة به آخِرُ دَعْواهُمْ لأنّ في دعواهم معنى القول إذ جعل آخر أقوال.

و معنى آخِرُ دَعْواهُمْ أنّهم يختمون به دعاءهم فهم يكرّرون سُبْحانَكَ اللّهُمَّ فإذا أرادوا الانتقال إلى حالة أخرى من أحوال النّعيم نهّوا دعائهم بجملة اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

و سياق الكلام و ترتيبه مشعر بأنّهم يدعون مجتمعين،و لذلك قرن دعائهم بذكر تحيّتهم،فلعلّهم إذا تراءوا ابتدروا إلى الدّعاء بالتّسبيح فإذا اقترب بعضهم من بعض سلّم بعضهم على بعض.ثمّ إذا راموا الافتراق ختموا دعاءهم بالحمد،ف(ان)تفسيريّة لآخر دعواهم،و هي مؤذنة بأنّ آخر الدّعاء هو نفس الكلمة اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. (11:26)

داعيا

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً.

الأحزاب:45،46

ابن عبّاس: إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه.

(الماورديّ 4:410)

مثله قتادة.(الطّبريّ 10:307)

الطّبريّ: و قوله: وَ داعِياً إِلَى اللّهِ يقول:

و داعيا إلى توحيد اللّه،و إفراد الألوهة له،و إخلاص الطّاعة لوجهه دون كلّ من سواه من الآلهة و الأوثان.

(10:307)

الزّجّاج: أي داعيا إلى توحيد اللّه و ما يقرّب منه.

(4:231)

النّقّاش:إلى الإسلام.(الماورديّ 4:410)

الرّمّانيّ: إلى طاعة اللّه.(الماورديّ 4:410)

الطّوسيّ: أي و بعثناك داعيا لهم تدعوهم.

(8:349)

الميبديّ: أي إلى توحيده و طاعته.(8:65)

ابن عطيّة: و الدّعاء إلى اللّه تعالى هو تبليغ التّوحيد،و الأخذ به،و مكافحة الكفرة.(4:389)

مثله القرطبيّ.(14:200)

الطّبرسيّ: وَ داعِياً أي و بعثناك داعيا إِلَى اللّهِ و الإقرار بوحدانيّته،و امتثال أوامره و نواهيه.

(4:363)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ حيث لم يقل:و شاهدا بإذنه و مبشّرا،و عند

ص: 654

الدّعاء قال:و داعيا بإذنه؛و ذلك لأنّ من يقول عن ملك:إنّه ملك الدّنيا لا غيره،لا يحتاج فيه إلى إذن منه، فإنّه وصفه بما فيه.و كذلك إذا قال:من يطيعه يسعد و من يعصيه يشقى،يكون مبشّرا و نذيرا،و لا يحتاج إلى إذن من الملك في ذلك.و أمّا إذا قال:تعالوا إلى سماطه،و احضروا على خوانه،يحتاج فيه إلى إذنه، فقال تعالى: وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ.

و وجه آخر و هو أنّ النّبيّ يقول:إنّي أدعو إلى اللّه و الوليّ يدعو إلى اللّه،و الأوّل لا إذن له فيه من أحد، و الثّاني مأذون من جهة النّبيّ عليه السّلام،كما قال تعالى:

قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي يوسف:108،و قال عليه الصّلاة و السّلام:

«رحم اللّه عبدا سمع مقالتي فأدّاها كما سمعها»و النّبيّ عليه السّلام هو المأذون من اللّه في الدّعاء إليه من غير واسطة.

(25:217)

أبو السّعود :أي إلى الإقرار به و بوحدانيّته، و بسائر ما يجب الإيمان به من صفاته و أفعاله.

بِإِذْنِهِ أي بتيسيره،أطلق عليه مجازا لما أنّه من أسبابه،و قيّد به الدّعوة إيذانا بأنّها أمر صعب المنال و خطب في غاية الإعضال،لا يتأتّى إلاّ بإمداد من جناب قدسه،كيف لا و هو صرف للوجوه عن القبل المعبودة،و إدخال للأعناق في قلادة غير معهودة.

(5:230)

البروسويّ: أي إلى الإقرار به و بوحدانيّته، و بسائر ما يجب الإيمان به من صفاته و أفعاله.و فيه إشارة إلى أنّ نبيّنا عليه السّلام اختصّ برتبة دعوة الخلق إلى اللّه من بين سائر الأنبياء و المرسلين،فإنّهم كانوا مأمورين بدعوة الخلق إلى الجنّة،و أيضا دعا إلى اللّه لا إلى نفسه،فإنّه افتخر بالعبوديّة و لم يفتخر بالرّبوبيّة، ليصحّ له بذلك الدّعاء إلى سيّده،فمن أجاب دعوته صارت الدّعوة له سراجا منيرا،يدلّه على سبيل الرّشد،و يبصر عيوب النّفس و غيّها.(7:196)

الآلوسيّ: أي إلى الإقرار به سبحانه و بوحدانيّته ،و بسائر ما يجب الإيمان به من صفاته و أفعاله عزّ و جلّ.و لعلّ هذا هو مراد ابن عبّاس و قتادة من قولهما:أي شهادة أن لا إله إلاّ اللّه.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](22:45)

ابن عاشور :و الدّاعي إلى اللّه،هو الّذي يدعو النّاس إلى ترك عبادة غير اللّه،و يدعوهم إلى اتّباع ما يأمرهم به اللّه.و أصل دعاه إلى فلان:أنّه دعاه إلى الحضور عنده،يقال:ادع فلانا إليّ.و لمّا علم أنّ اللّه تعالى منزّه عن جهة يحضرها النّاس عنده تعيّن أنّ معنى الدّعاء إليه:الدّعاء إلى ترك الاعتراف بغيره، كما يقولون:«أبو مسلم الخراسانيّ يدعو إلى الرّضى من آل البيت».فشمل هذا الوصف أصول الاعتقاد في شريعة الإسلام ممّا يتعلّق بصفات اللّه،لأنّ دعوة اللّه دعوة إلى معرفته،و ما يتعلّق بصفات الدّعاة إليه من الأنبياء و الرّسل و الكتب المنزلة عليهم.(21:281)

الطّباطبائيّ: دعوته إلى اللّه،هي دعوته النّاس إلى الإيمان باللّه وحده،و لازمه الإيمان بدين اللّه،و تقيّد الدّعوة بإذن اللّه،يجعلها مساوقة للبعثة.(16:330)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ الدّعوة إلى اللّه سبحانه

ص: 655

مرحلة تأتي بعد البشارة و الإنذار،لأنّ البشارة و الإنذار وسيلة لتهيئة الأفراد لقبول الحقّ،فعند ما تتهيّأ هذه الأرضيّة عن طريق التّرغيب و التّرهيب، تبدأ مرحلة الدّعوة إلى اللّه سبحانه،و ستكون مؤثّرة في هذه الحالة فقط.(13:273)

الدّاع

1- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ.

القمر:6

الزّجّاج: و يَوْمَ منصوب بقوله: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ القمر:7،فأمّا حذف الواو من«يدعو» في الكتاب فلأنّها تحذف في اللّفظ لالتقاء السّاكنين، و هما الواو من«يدعو»و اللاّم من«الدّاعي» فأجريت في الكتاب على ما يلفظ بها.و أمّا«الدّاعي» فإثبات الياء فيه أجود،و قد يجوز حذفها،لأنّ الكسرة تدلّ عليها.(5:86)

نحوه الطّبرسيّ.(5:185)

الطّوسيّ: قيل:في معناه أقوال:

أحدها:قال الحسن:فتولّى عنهم إلى يوم يدعو الدّاعي.

و الثّاني:فتولّ عنهم و اذكر يوم يدع الدّاعي إلى شيء نكر،يعني لم يروا مثله قطّ فينكرونه استعظاما له.

الثّالث:إنّ المعنى:فتولّ عنهم،فإنّهم يرون ما ينزل بهم من العذاب يوم يدعو الدّاعي،و هو يوم القيامة،فحذف الفاء من جواب الأمر.و الدّاعي هو الّذي يطلب من غيره فعلا.و نقيضه الصّارف،و هو الطّالب من غيره أن لا يفعل بمنزلة النّاطق بأن لا يفعل.تقول:دعا يدعو دعاء فهو داع و ذاك مدعوّ.(9:445)

الميبديّ: يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ أي اذكر يوم يدع الدّاع،و هو إسرافيل يدع الأموات بالنّفخ في الصّور، و هو المنادي في قوله: وَ اسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ ق:

41،قال مقاتل:ينفخ قائما على صخرة بيت المقدس.

(9:388)

الزّمخشريّ: و الدّاعي:إسرافيل أو جبريل، كقوله تعالى: يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ ق:41.(4:36)

ابن عطيّة: و انحذفت الواو من يَدْعُ لأنّ كتبة المصحف اتّبعوا اللّفظ،لا ما يقتضيه الهجاء.و أمّا حذف الياء من اَلدّاعِ و نحوه،فقال سيبويه:

حذفوه تخفيفا.و قال أبو عليّ:حذفت مع الألف و اللاّم؛إذ هي تحذف مع معاقبهما و هو التّنوين.

(5:212)

الفخر الرّازيّ: و الدّاعي معرّف كالمنادي في قوله: يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ ق:41،لأنّه معلوم قد أخبر عنه،فقيل:إنّ مناديا ينادي و داعيا يدعو.

و في الدّاعي وجوه:أحدها:أنّه إسرافيل، و ثانيها:أنّه جبريل،و ثالثها:أنّه ملك موكّل بذلك.

و التّعريف حينئذ لا يقطع حدّ العلميّة،و إنّما يكون ذلك كقولنا:جاء رجل،فقال:الرّجل.(29:32)

أبو حيّان :و حذفت الواو من(يدع)في الرّسم إتباعا للنّطق،و الياء من(الداع)تخفيفا،أجريت «أل»مجرى ما عاقبها،و هو التّنوين.فكما تحذف معه

ص: 656

حذفت معها،و(الداع)هو إسرافيل،أو جبرائيل،أو ملك غيرهما موكّل بذلك،أقوال.(8:175)

أبو السّعود : يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ منصوب ب(يخرجون)أو ب«اذكر»و الدّاعي إسرافيل عليه السّلام.و يجوز أن يكون الدّعاء فيه كالأمر في قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ آل عمران:59،و إسقاط الياء للاكتفاء بالكسر تخفيفا.(6:166)

البروسويّ: أصله:يوم يدعو الدّاعي بالواو و الياء،لمّا حذف الواو من«يدعو»في التّلفّظ لاجتماع السّاكنين،حذفت في الخطّ أيضا إتباعا للّفظ،و أسقطت الياء من«الدّاعي»للاكتفاء بالكسرة تخفيفا.

قال بعضهم:حذفت الياء من«الدّاعي»مبالغة في التّخفيف اجراء ل«أل»مجرى ما عاقبها و هو التّنوين،فكما يحذف الياء مع التّنوين كذلك مع ما عاقبه،و(يوم)منصوب ب(يخرجون)أو ب«اذكر» (1)و الدّاعي إسرافيل عليه السّلام ينفخ في الصّور قائما على صخرة بيت المقدس و يدعو الأموات، و ينادي قائلا:أيّتها العظام البالية و اللّحوم المتمزّقة و الشّعور المتفرّقة،إنّ اللّه يأمركنّ أن تجتمعن لفصل القضاء،أو أنّ إسرافيل ينفخ و جبريل يدعو و ينادي بذلك،و على كلا القولين فالدّعاء على حقيقته.

و قال بعضهم:هو مجاز كالأمر في قوله تعالى:

كُنْ فَيَكُونُ يعني أنّ الدّعاء في البعث و الإعادة مثل(كن)في التّكوين و الابتداء،بأن لا يكون ثمّة داع من إسرافيل أو غيره بل يكون الدّعاء عبارة عن نفاذ مشيئته و عدم تخلّف مراده عن إرادته،كما لا يتخلّف إجابة دعاء الدّاعي المطاع.

يقول الفقير:الأولى بقاؤه على حقيقته،لأنّ إسرافيل مظهر الحياة و بيده الصّور،و اللّه تعالى ربط الأشياء بعضها ببعض و إن كان الكلّ بإرادته و مشيئته.(9:269)

نحوه الآلوسيّ.(27:79)

ابن عاشور :و قد عدّ سبعة من مظاهر الأهوال:

أوّلها:دعاء الدّاعي،فإنّه مؤذن بأنّهم محضرون إلى الحساب،لأنّ مفعول(يدع)محذوف بتقدير:

يدعوهم الدّاعي لدلالة ضمير(عنهم)على تقدير المحذوف.

الثّاني:أنّه يدعو إلى شيء عظيم،لأنّ ما في لفظ (شىء)من الإبهام يشعر بأنّه مهول،و ما في تنكيره من التّعظيم يجسّم ذلك الهول.

و ثالثها:وصف شيء بأنّه(نكر،)أي موصوف بأنّه تنكره النّفوس و تكرهه...(27:171)

الطّباطبائيّ: فقوله: يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ...، كلام مفصول عمّا قبله،لذكر الزّواجر الّتي أشير إليها سابقا،في مقام الجواب عن سؤال مقدّر،كأنّه لمّا قال:

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ سئل فقيل:فإلام يؤول أمرهم؟فقيل:

يَوْمَ يَدْعُ... أي هذه حال آخرتهم،و تلك عاقبة دنيا أشياعهم و أمثالهم من قوم نوح و عاد و ثمود و غيرهم،و ليسوا خيرا منهم.ف.

ص: 657


1- المقدّر المحذوف.

و على هذا فالظّرف في يَوْمَ يَدْعُ متعلّق بما سيأتي من قوله:(يخرجون،)و المعنى يخرجون من الأجداث يوم يدعو الدّاعي إلى شيء نكر إلخ،و إمّا متعلّق بمحذوف،و التّقدير:اذكر يوم يدعو الدّاعي، و المحصّل أذكر ذاك اليوم و حالهم فيه،و الآية في معنى قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ...

الزّخرف:66،و قوله: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاّ مِثْلَ أَيّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ يونس:102.

و لم يسمّ سبحانه هذا الدّاعي من هو؟و قد نسب الدّعوة في موضع من كلامه إلى نفسه،فقال: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الإسراء:52.

و إنّما أورد من أنباء القيامة نبأ دعوتهم للخروج من الأجداث و الحضور لفصل القضاء،و خروجهم منها خشّعا أبصارهم مهطعين إلى الدّاعي،ليحاذي به دعوتهم في الدّنيا إلى الإيمان بالآيات،و إعراضهم و قولهم: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ القمر:2.

و معنى الآية:اذكر يوم يدعو الدّاعي إلى أمر صعب عليهم،و هو القضاء و الجزاء.(19:57)

عبد الكريم الخطيب :هو دعوة إلى النّبيّ الكريم أن يدع هؤلاء الضّالّين،الّذين لا تنفع معهم النّذر، و لا يزيدهم النّور إلاّ عمى و ضلالا،فليدعهم النّبيّ، حتّى يلاقوا يومهم الّذي فيه يصعقون.

و قوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ الدّاعي،هو نافخ النّفخة الثّانية في الصّور،و هي نفخة البعث،كما يقول سبحانه: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ الزّمر:68.

(14:636)

مكارم الشّيرازيّ: ...و هنا يثار السّؤال التّالي:

هل الدّاعي هو اللّه سبحانه؟أم الملائكة؟أم إسرافيل الّذي يدعو النّاس ليوم الحشر عند ما ينفخ في الصّور؟ أم جميع هؤلاء؟

ذكر المفسّرون احتمالات عدّة للإجابة على هذا التّساؤل،و لكنّ بالرّجوع إلى قوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الإسراء:52،يرجّح الرّأي الأوّل.رغم أنّ الآيات اللاّحقة تتناسب مع كون الدّاعي هم الملائكة المختصّون بشئون الحساب و الجزاء.(17:279)

2- مُهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ. القمر:8

لاحظ:ه ط ع:«مهطعين».

الدّاعى

يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ. طه:108

الطّبريّ: يومئذ يتّبع النّاس صوت داعي اللّه الّذي يدعوهم إلى موقف القيامة،فيحشرهم إليه.

(8:459)

الرّمّانيّ: (الداعى)هنا الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي كان يدعوهم إلى اللّه،فيعوجون على الصّراط يمينا و شمالا و يميلون عنه ميلا عظيما،فيومئذ لا ينفعهم اتّباعه.

(أبو حيّان 6:280)

الزّمخشريّ: و المراد:الدّاعي إلى المحشر.قالوا:

ص: 658

هو إسرافيل قائما على صخرة بيت المقدس يدعو النّاس،فيقبلون من كلّ أوب إلى صوبه لا يعدلون.

(2:553)

نحوه أبو السّعود(4:310)و البروسويّ(5:428).

الطّبرسيّ: أي يوم القيامة يتّبعون صوت داعي اللّه الّذي ينفخ في الصّور،و هو إسرافيل عليه السّلام.(4:31)

الفخر الرّازيّ: و في(الداعي)قولان:

الأوّل:أنّ ذلك الدّاعي هو النّفخ في الصّور، و قوله: لا عِوَجَ لَهُ أي لا يعدل عن أحد بدعائه بل يحشر الكلّ.

الثّاني:أنّه ملك قائم على صخرة بيت المقدس ينادي و يقول:أيّتها العظام النّخرة،و الأوصال المتفرّقة،و اللّحوم المتمزّقة،قومي إلى ربّك للحساب و الجزاء،فيسمعون صوت الدّاعي فيتّبعونه.و يقال:

إنّه إسرافيل عليه السّلام يضع قدمه على الصّخرة.

فإن قيل:هذا الدّعاء يكون قبل الإحياء أو بعده؟

قلنا:إن كان المقصود بالدّعاء إعلامهم،وجب أن يكون ذلك بعد الإحياء،لأنّ دعاء الميّت عبث،و إن لم يكن المقصود إعلامهم بل المقصود مقصود آخر،مثل أن يكون لطفا للملائكة و مصلحة لهم،فذلك جائز قبل الإحياء.(22:118)

نحوه أبو حيّان.(6:280)

الآلوسيّ: [نقل قول الزّمخشريّ و الرّمّانيّ ثمّ قال:]و الأوّل أصحّ.(16:264)

ابن عاشور :و(الداعي)قيل:هو الملك إسرافيل عليه السّلام يدعو بنداء التّسخير و التّكوين،فتعود الأجساد و الأرواح فيها و تهطع إلى المكان المدعوّ إليه.و قيل:(الداعي:)الرّسول،أي يتّبع كلّ قوم رسولهم.(16:183)

الطّباطبائيّ: [راجع:ع و ج:«عوج»]

(14:211)

عبد الكريم الخطيب :يستجيب النّاس،بعد أن يبعثوا من قبورهم يستجيبون لصوت الدّاعي الّذي يدعوهم إلى المحشر،دون أن ينحرفوا أو يتلبّثوا.

(8:828)

فضل اللّه :الّذي يدعوهم إليه ليواجهوا الموقف بين يدي اللّه.(15:156)

مكارم الشّيرازيّ: هل إنّ هذا الدّاعي «إسرافيل»أم ملك آخر من ملائكة اللّه المقرّبين؟ القرآن لم يشخّص و يحدّد ذلك بدقّة،و كائنا من كان فإنّ أمره نافذ،لا يقدر أيّ أحد على التّخلّف عنه.

(10:70)

ادعيائهم

...لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ... الأحزاب:37

الطّبريّ: يعني:في نكاح نساء من تبنّوا و ليسوا ببنيهم و لا أولادهم-على صحّة-إذا هم طلّقوهنّ و بنّ منهم.(10:303)

الزّجّاج: أي زوّجناك زينب و هي امرأة زيد الّذي قد تبنّيت به،لئلاّ يظنّ أنّه من تبنّي برجل لم تحلّ امرأته للمتبنّي.(4:229)

الماورديّ: أي أنّ زيدا دعيّ و ليس بابن من

ص: 659

الصّلب فلم يحرم نكاح زوجته.(4:407)

الطّبرسيّ: و إنّما فعلنا ذلك توسعة على المؤمنين حتّى لا يكون عليهم إثم في أن يتزوّجوا أزواج أدعيائهم الّذين تبنّوهم،إذا قضى الأدعياء منهنّ حاجتهم و فارقوهنّ.فبيّن سبحانه أنّ الغرض في ذلك أن لا يجري المتبنّيّ في تحريم امرأته إذا طلّقها على المتبنّيّ،مجرى الابن من النّسب و الرّضاع،في تحريم امرأته إذا طلّقها على الأب.(4:361)

ادعياءكم

وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ... الأحزاب:4

مجاهد :نزلت هذه الآية في زيد بن حارثة.

(الطّبريّ 10:256)

قتادة :و ما جعل دعيّك ابنك،يقول:إذا ادّعى رجل رجلا و ليس بابنه.(الطّبريّ 10:256)

الإمام الصّادق عليه السّلام:كان سبب نزول ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لمّا تزوّج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها،و رأى زيدا يباع و رآه غلاما كيّسا حصيفا،فاشتراه،فلمّا نبّأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دعاه إلى الإسلام فأسلم،و كان يدعى زيدا مولى محمّد.

فلمّا بلغ حارثة بن شراحبيل الكلبيّ خبر ولده زيد قدم مكّة و كان رجلا جليلا،فأتى أبا طالب فقال:يا أبا طالب إنّ ابني وقع عليه السّبي و بلغني أنّه صار إلى ابن أخيك،فسله إمّا أن يبيعه،و إمّا أن يفاديه،و إمّا أن يعتقه،فكلّم أبو طالب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:هو حرّ فليذهب كيف يشاء،فقام حارثة فأخذ بيد زيد،فقال له:يا بنيّ،ألحق بشرفك و نسبك،فقال زيد:لست أفارق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبدا، فقال له أبوه:فتدع حسبك و نسبك و تكون عبدا لقريش؟فقال زيد:لست أفارق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما دمت حيّا،فغضب أبوه،فقال:يا معشر قريش،اشهدوا أنّي قد برئت منه و ليس هو ابني،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

اشهدوا أنّ زيدا ابني أرثه و يرثني.فكان زيد يدعى ابن محمّد،فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحبّه،و سمّاه زيد الحبّ.

(القمّيّ 2:172)

ابن زيد :كان زيد بن حارثة حين منّ اللّه و رسوله عليه،يقال له:زيد بن محمّد،كان تبنّاه،فقال اللّه: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ الأحزاب:

40،و هو يذكر الأزواج و الأخت،فأخبره أنّ الأزواج لم تكن بالأمّهات أمّهاتكم،و لا أدعياءكم أبناءكم.(الطّبريّ 10:256)

الطّبريّ: يقول:و لم يجعل اللّه من ادّعيت أنّه ابنك، و هو ابن غيرك ابنك بدعواك.و ذكر أنّ ذلك نزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من أجل تبنّيه زيد بن حارثة.

(10:256)

الزّجّاج: أي ما جعل من تدعونه ابنا و ليس بولد في الحقيقة ابنا،و كانوا يتوارثون على الهجرة،و لا يرث الأعرابيّ من المهاجر،و إن كان النّسب يوجب له الإرث.فأعلم اللّه أنّ أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض،و أبطل الإرث بالهجرة.(4:214)

الماورديّ: يعني بذلك أدعياء النّبيّ.قال مجاهد:

ص: 660

كان الرّجل في الجاهليّة يكون ذليلا،فيأتي ذا القوّة و الشّرف فيقول:أنا ابنك،فيقول:نعم،فإذا قبله و اتّخذه ابنا أصبح أعزّ أهله،و كان زيد بن حارثة منهم قد تبنّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على ما كان يصنع أهل الجاهليّة،فلمّا جاءت هذه الآية أمرهم اللّه أن يلحقوهم بآبائهم،فقال: وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ في الإسلام.(4:371)

الطّوسيّ: و الأدعياء:جمع دعيّ،و هو الّذي تبنّاه الإنسان.و بيّن اللّه تعالى أنّ ذلك ليس بابن على الحقيقة،و لذلك قال في آية أخرى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ الأحزاب:40.(8:315)

الميبديّ: الدّعيّ من تبنّيته و ادّعيته ابنا،ذلك أنّ الرّجل في الجاهليّة كان يتبنّى الرّجل فيجعله كالابن المولود،و كانوا يورثون الأدعياء ميراث الأبناء فأبطل اللّه تعالى ذلك.(8:5)

الزّمخشريّ: و الدّعوة:إلصاق عارض بالتّسمية لا غير،و لا يجتمع في الشّيء الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل.و هذا مثل ضربه اللّه في زيد بن حارثة و هو رجل من كلب سبي صغيرا.و كانت العرب في جاهليّتها يتغاورون و يتسابّون.[إلى أن قال:]

فإن قلت:الدّعيّ فعيل بمعنى مفعول،و هو الّذي يدعى ولدا،فما له جمع على«أفعلاء»و بابه:ما كان منه بمعنى«فاعل»كتقيّ و أتقياء و شقيّ و أشقياء و لا يكون ذلك في نحو رميّ و سمي.قلت:إنّ شذوذه عن القياس كشذوذ قتلاء و أسراء و الطّريق،أو مثل ذلك التّشبيه اللّفظيّ.(3:249)

ابن عطيّة: أي كما ليس لأحد قلبان،كذلك ليس دعيّه ابنه.(4:368)

الطّبرسيّ: الأدعياء:جمع الدّعيّ،و هو الّذي يتبنّاه الإنسان.بيّن سبحانه أنّه ليس بابن على الحقيقة.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الإمام الصّادق عليه السّلام و أضاف:]

فلمّا تزوّج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله زينب بنت جحش-و كانت تحت زيد بن حارثة-قالت اليهود و المنافقون:تزوّج محمّد امرأة ابنه،و هو ينهى النّاس عنها.فقال اللّه سبحانه:ما جعل اللّه من تدعونه ولدا-و هو ثابت النّسب من غيركم-ولدا لكم.(4:336)

الفخر الرّازيّ: أي و ما جعل اللّه دعيّ المرء ابنه، ثمّ قدّم عليه ما هو دليل قويّ على اندفاع القبح.

(25:192)

أبو السّعود :و أدعياء:جمع دعيّ،و هو الّذي يدعى ولدا،على الشّذوذ،لاختصاص«أفعلاء» بفعيل بمعنى فاعل،كتقيّ و أتقياء،كأنّه شبّه به في اللّفظ فجمع جمعه كقتلاء و أسراء.(5:210)

البروسويّ: جمع دعيّ فعيل بمعنى مفعول،و هو الّذي يدعى ولدا و يتّخذ ابنا،أي المتبنّيّ بتقديم الباء الموحّدة على النّون،و قياسه أن يجمع على فعلى كجرحى،بأن يقال:دعيّا،فإنّ«أفعلاء»مختصّ بفعيل بمعنى فاعل،مثل تقيّ و أتقياء،كأنّه شبّه فعيل بمعنى مفعول في اللّفظ بفعيل بمعنى فاعل،فجمع جمعه.

(7:135)

ص: 661

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

و قيل:إنّ هذا الجمع مقيس في المعتلّ مطلقا،و فيه نظر.(21:146)

ابن عاشور :و الأدعياء:جمع دعيّ بوزن فعيل بمعنى مفعول،مشتقّا من مادّة الادّعاء.و الادّعاء:زعم الزّاعم الشّيء حقّا له من مال أو نسب أو نحو ذلك بصدق أو كذب،و غلب وصف الدّعيّ على المدّعي أنّه ابن لمن يتحقّق أنّه ليس أبا له،فمن ادّعى أنّه ابن لمن يحتمل أنّه أب له،فذلك هو اللّحيق أو المستلحق، فالدّعيّ لم يجعله اللّه ابنا لمن ادّعاه،للعلم بأنّه ليس أبا له،و أمّا المستلحق فقد جعله اللّه ابنا لمن استلحقه بحكم استلحاقه مع إمكان أبوّته له.و جمع على«أفعلاء» لأنّه معتلّ اللاّم،فلا يجمع على فعلى،و الأصحّ أنّ «أفعلاء»يطّرد في جمع فعيل المعتلّ اللاّم سواء كان بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول.

نزلت هذه الآية في إبطال التّبنّيّ،أي إبطال ترتيب آثار البنوّة الحقيقيّة من الإرث،و تحريم القرابة، و تحريم الصّهر،و كانوا في الجاهليّة يجعلون للمتبنّي أحكام البنوّة كلّها،و كان من أشهر المتبنّين في عهد الجاهليّة زيد بن حارثة تبنّاه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و عامر بن ربيعة تبنّاه الخطّاب أبو عمر بن الخطّاب،و سالم تبنّاه أبو حذيفة،و المقداد بن عمرو تبنّاه الأسود بن عبد يغوث،فكان كلّ واحد من هؤلاء الأربعة يدعى ابنا للّذي تبنّاه.(21:186)

الطّباطبائيّ: الأدعياء:جمع دعيّ،و هو المتّخذ ولدا المدعوّ ابنا،و قد كان الادّعاء و التّبنّيّ دائرا بينهم في الجاهليّة،و كذا بين الأمم الرّاقية يومئذ كالرّوم و فارس،و كانوا يرتّبون على الدّعيّ أحكام الولد الصّلبيّ من التّوارث و حرمة الازدواج و غيرهما،و قد ألغاه الإسلام.

فمفاد الآية أنّ اللّه لم يجعل الّذين تدعونهم لأنفسكم أبناء لكم؛بحيث يجرى فيهم ما يجرى في الأبناء الصّلبيّين.(16:275)

فضل اللّه :و الدّعيّ هو ولد الغير الّذي يتّخذه الإنسان ابنا له،فينسبه إلى نفسه و يتبنّاه،و قد كان هذا من العادات الجاهليّة الّتي تدخل في النّظام العامّ للعلاقات النّسبيّة،الّذي يجعل للولد المتبنّى حقّا على أبيه المدّعي،تماما كما هي حقوق الابن الّذي هو من صلبه،في عمليّة التّوارث،و حمل المسئوليّة العامّة و الخاصّة،في ما يخضع النّاس له من نظام المسئوليّات في علاقاتهم ببعضهم البعض.

و قد نقلت كتب السّيرة النّبويّة الشّريفة في أجواء نزول هذه الآية،أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان قد تبنّى زيد ابن حارثة،قبل الإسلام.[ثمّ نقل رواية القمّيّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام و أضاف:]

و لم يقتصر الأمر على الجاهليّين،بل امتدّ هذا النّظام إلى كثير من الشّعوب المتمدّنة القديمة و الحديثة،بإعطاء الولد المتبنّى كلّ حقوق الولد الصّلبيّ.

و قد عالج الإسلام هذه المسألة بالطّريقة نفسها الّتي عالج بها مسألة الظّهار،فإنّ الادّعاء لا يغيّر شيئا من حقائق الواقع،لأنّ البنوّة تعني انتماء الشّخص إلى

ص: 662

شخص آخر،من خلال خروجه من صلبه بالطّريقة التّناسليّة كحقيقة وجوديّة تدخل في نظام الأسرة في دائرة الحقوق و الواجبات.

و إذا كان هناك بعض الأوضاع الاجتماعيّة المتّصلة بحاجة المحرومين من الأبوّة،أو المحرومات من الأمومة،إلى أن يعيشوا هذه المشاعر الحميمة،بفعل الفراغ الهائل الّذي يأكل سعادتهم،و يثير فيهم أحاسيس الحزن و الضّياع،فإنّ هناك فرصة كبيرة لتحقيق الرّغبة الدّاخليّة بالتّبنّيّ التّربويّ الّذي يتكفّلون فيه ببعض الأيتام،أو اللّقطاء،أو أبناء بعض النّاس من ذوي الدّخل المحدود،بالإشراف على رعايتهم و تربيتهم و تقديم كلّ الفرص و الإمكانيّات الّتي تخلّصهم من الفقر و المرض و الحرمان،و إغداق كلّ مشاعر العطف و الحنان عليهم،ممّا يحقّق للمحرومين من الودّ ما يريدونه من ملء الفراغ العاطفيّ،و للمحرومين من الإمكانات الماليّة و نحوها، ما يكفل لهم السّعادة من هذا الجانب،من دون الإساءة إلى حقيقة الواقع أو تبديل طبيعة المواقع في مسألة النّسب،أو اللّعب على قضيّة النّظام التّشريعيّ في هذا المجال.

و ربّما تحدث بعض السّلبيّات العاطفيّة لدى الولد المتبنّى عند ما يكتشف في نهاية المطاف الزّيف الّذي كان يعيش فيه،في اعتقاده بأنّ هذا الرّجل أبوه، و بأنّ هذه المرأة أمّه،عند ما يوحي إليه بعض النّاس بالحقيقة،أو يكتشفها بنفسه،فتنشأ عنده أزمة نفسيّة عنيفة حائرة بين الأب و الأمّ الأصليّين،و بين الأب و الأم الادّعائيّين،ممّا يخلق مشكلة صعبة على أكثر من صعيد.(18:257)

يدّعون

لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ. يس،:57

ابن عبّاس: يسألون.(القرطبيّ 15:45)

الكلبيّ: ما يدعونه فيأتيهم.(الماورديّ 5:26)

يحيى بن سلاّم:ما يشتهون.(الماورديّ 5:26)

أبو عبيدة :ما يتمنّون.(الماورديّ 5:26)

الطّبريّ: يقول:و لهم فيها ما يتمنّون.و ذكر عن العرب أنّها تقول:دع (1)عليّ ما شئت،أي:تمنّ عليّ ما شئت.(10:455)

الزّجّاج: أي ما يتمنّون.يقال:فلان في خير ما ادّعى،أي ما تمنّى،و هو مأخوذ من الدّعاء.المعنى:كلّ ما يدعو أهل الجنّة يأتيهم.(4:292)

الرّمّانيّ: المعنى:أنّ من ادّعى شيئا فهو له لأنّهم قد هذّبت طباعهم فلا يدعون إلاّ ما يحسن منهم.

(ابن عطيّة 4:459)

الماورديّ: فيه أربعة تأويلات:

أحدها:[قول يحيى بن سلاّم]

الثّاني:ما يسألون،قاله ابن زياد.

الثّالث:[قول أبي عبيدة]

الرّابع:[قول الكلبيّ]

ص: 663


1- جاء عن أبي عبيدة في نصّ الطّوسيّ و ابن عطيّة: ادّع عليّ ما شئت.

و يحتمل خامسا:ما يدّعون أنّه لهم فهو لهم لا يدفعون عنه،و هم مصروفون عن دعوى ما لا يستحقّون.(5:26)

الطّوسيّ: أي ما يتمنّون.و قال أبو عبيدة:يقول العرب:ادّع عليّ ما شئت،أي تمنّ ما شئت.و قيل:

معناه:إنّ من ادّعى شيئا فهو له بحكم اللّه تعالى،لأنّه قد هذّبت طباعهم،فلا يدعون إلاّ ما يحسن منهم.

(8:468)

نحوه الطّبرسيّ.(4:429)

الميبديّ: يعني ما يتمنّون.تقول:ادّع عليّ،أي تمنّ.و قيل:(يدعون)«يفتعلون»من الدّعاء،أي لهم فيها ما يدعون اللّه به.و قيل:للمؤمنين في الجنّة ما يدّعون في الدّنيا من الثّواب و الدّرجات فيها،و ينكره الكافرون.(8:241)

الزّمخشريّ: و قرأ ابن مسعود يدعون «يفتعلون»من الدّعاء،أي يدعون به لأنفسهم، كقولك:اشتوى و اجتمل،إذا شوى و جمل لنفسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن يكون بمعنى:يتداعونه،كقولك ارتموه و تراموه.

و قيل:يتمنّون،من قولهم:ادّع عليّ ما شئت،بمعنى تمنّه عليّ،و فلان في خير ما ادّعى،أي في خير ما تمنّى.

(3:327)

ابن عطيّة: و قوله تعالى: وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ بمنزلة ما يتمنّون.قال:أبو عبيدة:العرب تقول:ادّع عليّ ما شئت،بمعنى تمنّ عليّ،و تقول:فلان فيما ادّعى،أي فيما دعي به،لأنّه-افتعل-من دعا يدعو.

و أصل هذا«يدتعيون»نقلت حركة الياء إلى العين و حذفت الياء لاجتماعها مع الواو السّاكنة،فصار «يدتعون»قلبت التّاء دالا فأدغمت الدّال فيها، و خصّت الدّال بالبقاء دون التّاء،لأنّها حرف جلد و التّاء حرف همس.(4:459)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها:لهم فيها ما يدّعون لأنفسهم،أي دعاؤهم مستجاب،و حينئذ يكون هذا افتعالا بمعنى الفعل، كالاحتمال بمعنى الحمل،و الارتحال بمعنى الرّحيل.

و على هذا فليس معناه:أنّهم يدّعون لأنفسهم دعاء فيستجاب دعاؤهم بعد الطّلب،بل معناه:و لهم ما يدعون لأنفسهم،أي ذلك لهم فلا حاجة لهم إلى الدّعاء و الطّلب،كما أنّ الملك إذا طلب منه مملوكه شيئا يقول:لك ذلك،فيفهم منه تارة أنّ طلبك مجاب،و أنّ هذا أمر هيّن بأن تعطى ما طلبت،و يفهم تارة منه الرّدّ، و بيان أنّ ذلك لك حاصل فلم تطلبه،فقال تعالى:

و لهم ما يدّعون و يطلبون،فلا طلب لهم،و تقريره هو أن يكون ما يدّعون بمعنى ما يصحّ أن يطلب و يدّعى، يعني كلّ ما يصحّ أن يطلب فهو حاصل لهم قبل الطّلب، أو نقول:المراد الطّلب و الإجابة؛و ذلك لأنّ الطّلب من اللّه أيضا فيه لذّة،فلو قطع اللّه الأسباب بينهم و بينه لما كان يطيب لهم،فأبقى أشياء يعطيهم إيّاها عند الطّلب،ليكون لهم عند الطّلب لذّة و عند العطاء،فإنّ كون المملوك بحيث يتمكّن من أن يخاطب الملك في حوائجه منصب عظيم،و الملك الجبّار قد يدفع حوائج

ص: 664

المماليك بأسرها قصدا منه لئلاّ يخاطب.

الثّاني:(ما يدعون):ما يتداعون،و حينئذ يكون افتعالا بمعنى التّفاعل كالاقتتال بمعنى التّقاتل، و معناه ما ذكرناه:أنّ كلّ ما يصحّ أن يدعو أحد صاحبه إليه أو يطلبه أحد من صاحبه فهو حاصل لهم.

الثّالث:ما يتمنّونه.

الرّابع:بمعنى الدّعوى،و معناه حينئذ أنّهم كانوا يدّعون في الدّنيا أنّ لهم اللّه و هو مولاهم،و أنّ الكافرين لا مولى لهم.فقال:لهم في الجنّة ما يدّعون به في الدّنيا،فتكون الحكاية محكيّة في الدّنيا،كأنّه يقول:

في يومنا هذا لكم أيّها المؤمنون غدا ما تدّعون اليوم.

لا يقال بأنّ قوله: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ* هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ يس:55 و 56،يدلّ على أنّ القول يوم القيامة،لأنّا نقول:

الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:أنّ قوله:(هم)مبتدأ(و ازواجهم) عطف عليهم،فيحتمل أن يكون هذا الكلام في يومنا هذا يخبرنا أنّ المؤمن و أزواجه في ظلال غدا و له ما يدّعيه.

و الجواب الثّاني:و هو أولى،و هو أن نقول:معناه لهم ما يدّعون،أي ما كانوا يدّعون.لا يقال:بأنّه إضمار؛حيث لا ضرورة،و أنّه غير جائز،لأنّا نقول:

على ما ذكرنا يبقى الادّعاء مستعملا في معناه المشهور، لأنّ الدّعاء هو الإتيان بالعدوى.و إنّما قلنا:إنّ هذا أولى،لأنّ قوله: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يس،:

58،هو في دار الآخرة و هو كالتّفسير لقوله: ما يَدَّعُونَ ،و لأنّ قوله: ما يَدَّعُونَ مذكور بين جمل كلّها في الآخرة،فما يدّعون أيضا ينبغي أن يكون في الآخرة،و في الآخرة لا يبقي دعوى و بيّنة،لظهور الأمور،و الفصل بين أهل الثّبور و الحبور.(26:93)

القرطبيّ: [نقل قول أبي عبيدة و يحيى بن سلاّم و ابن عبّاس ثمّ قال:]

و المعنى متقارب.قال ابن الأنباريّ: وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ وقف حسن،ثمّ تبتدئ(سلام)على معنى ذلك لهم سلام.و يجوز أن يرفع«السّلام»على معنى:

و لهم ما يدّعون مسلّم خالص؛فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على ما يَدَّعُونَ. (15:45)

النّيسابوريّ: إشارة إلى دفع جميع حوائجهم و ما يخطر ببالهم.[ثمّ نقل قول الزّجّاج و الزّمخشريّ و قال:]

و على الوجهين إمّا أن يراد كلّ ما يدعو به اللّه أحد أو كلّ ما يطلبه من صاحبه فإنّه يجاب له بذلك، أو يراد أنّ كلّ ما يصحّ أن يدعى به و يطلب فهو حاصل لهم قبل الطّلب.(23:26)

أبو حيّان :[اكتفى بنقل الأقوال].(7:342)

الشّربينيّ: أي يتمنّون.

تنبيه:في(ما)هذه ثلاثة أوجه:موصولة اسميّة، نكرة موصوفة (1)و العائد على هذين محذوف، مصدريّة.[ثمّ نقل بعض الأقوال و أضاف:]

و قيل:«افتعل»بمعنى«تفاعل»أي ما يتداعونه،ث.

ص: 665


1- لم يذكر الوجه الثّالث.

كقولهم:ارتموا و تراموا بمعنى واحد،ثمّ فسّر الّذي يدّعونه،أي يطلبونه بغاية الاشتياق إليه.(3:357)

أبو السّعود :و(ما)في قوله تعالى: وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ موصولة أو موصوفة،عبّر بها عن مدعوّ عظيم الشّأن معيّن أو مبهم،إيذانا بأنّه الحقيق بالدّعاء دون ما عداه،ثمّ صرّح به روما لزيادة التّقرير بالتّحقيق بعد التّشويق-كما ستعرفه-أو هي باقية على عمومها قصد بها التّعميم بعد تخصيص بعض الموادّ المعتادة بالذّكر،و أيّا ما كان فهو مبتدأ و(لهم) خبره،و الجملة معطوفة على الجملة السّابقة،و عدم الاكتفاء بعطف(ما يدعون)على(فاكهة) لئلاّ يتوهّم كون(ما)عبارة عن توابع الفاكهة و تتمّاتها.

و المعنى:و لهم ما يدّعون به لأنفسهم من مدعوّ عظيم الشّأن،أو كلّ ما يدّعون به كائنا ما كان من أسباب البهجة و موجبات السّرور،و أيّا ما كان ففيه دلالة على أنّهم في أقصى غاية البهجة و الغبطة.[ثمّ أدام الكلام في أصل كلمة(يدعون)](5:305)

نحوه البروسويّ.(7:418)

الآلوسيّ: أي ما يدّعون به لأنفسهم،أي لهم كلّ ما يطلبه أحد لنفسه لا أنّهم يطلبون فإنّه حاصل،كما إذا سألك أحد فقلت:لك ذلك،تعني فلم تطلب،أو لهم ما يطلبون بالفعل على أنّ هناك طلبا و إجابة،لأنّ الغبطة بالإجابة توجب اللّذّة بالطّلب،فإنّه مرتبة سنيّة لا سيّما و المطلوب منه و المجيب هو اللّه تعالى الملك الجليل جلّ جلاله و عمّ نواله.ف(يدعون)من الدّعاء بمعنى الطّلب،و أصله«يدتعيون»على وزن «يفتعلون»سكّنت الياء بعد أن ألقيت حركتها على ما قبلها،و حذفت لسكونها و سكون الواو بعدها.و قيل:

بل ضمّت العين لأجل واو الجمع،و لم يلق حركة الياء عليها و إنّما حذفت استثقالا،ثمّ حذفت الياء لالتقاء السّاكنين،فصار«يدتعون»فقلبت التّاء دالا و أدغمت.و«افتعل»بمعنى«فعل»الثّلاثيّ كثير، و منه اشتوى بمعنى شوى،و اجتمل بمعنى جمل،أي أذاب الشّحم.[و استشهد بشعر لبيد]

و(لهم)خبر مقدّم،و(ما)مبتدأ مؤخّر و هي موصولة،و الجملة بعدها صلة،و العائد محذوف و هو إمّا ضمير مجرور أو ضمير منصوب على الحذف و الإيصال.

و جوّز أن تكون(ما)نكرة موصوفة و أن تكون مصدريّة،فالمصدر حينئذ مبتدأ،و هو خلاف الظّاهر، و الجملة عطف على الجملة قبلها،و عدم الاكتفاء بعطف(ما)على(فاكهة)لئلاّ يتوهّم كونها عبارة عن توابع الفاكهة و متمّماتها.[ثمّ ذكر بعض الأقوال المتقدّمة](23:37)

ابن عاشور :(يدعون)يجوز أن يكون متصرّفا من الدّعاء أو من الادّعاء،أي ما يدعون إليه أو ما يدّعون في أنفسهم أنّه لهم بإلهام إلهيّ.و صيغ له وزن «الافتعال»للمبالغة،و هذا«الافتعال»لك أن تجعله من«دعا»،و«الافتعال»هنا يجعل فعل«دعا» قاصرا،فينبغي تعليق مجرور به.و التّقدير:ما يدّعون لأنفسهم.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 666

و إن جعلته من«الادّعاء»فمعناه:أنّهم يدّعون ذلك حقّا لهم،أي تتحدّث أنفسهم بذلك فيؤوّل إلى معنى:و يتمنّون في أنفسهم،دون احتياج إلى أن يسألوا بالقول،فلذلك قيل:معنى(يدعون)يتمنّون.يقال:

ادّع عليّ ما شئت،أي تمنّ عليّ،و فلان في خير ما ادّعى،أي في خير ما يتمنّى،و منه قوله تعالى: وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ فصّلت:31.(22:250)

الطّباطبائيّ: و قوله:(يدعون)من الادّعاء بمعنى التّمنّيّ،أي لهم في الجنّة فاكهة،و لهم فيها ما يتمنّونه و يطلبونه.(17:101)

عبد الكريم الخطيب : وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ أي لهم ما يشاءون،و ما يطلبون،غير ما يقدّم إليهم من غير طلب.(12:944)

فضل اللّه :ممّا يشتهونه و يتمنّونه و يطلبونه.

(19:157)

مكارم الشّيرازيّ: (يدعون)أي يطلبون، و المعنى:أنّ كلّ ما يطلبونه و يتمنّونه يحصلون عليه، فما يتمنّوه من شيء يحصل و يتحقّق على الفور.

يقول العلاّمة الطّبرسيّ في«مجمع البيان»:العرب يستخدمون هذا التّعبير في حالة التّمنّيّ،فيقول:«ادّع عليّ ما شئت»أي تمنّ عليّ ما شئت.

و عليه فإنّ كلّ ما يخطر على بال الإنسان،و ما لا يخطر من المواهب و النّعم الإلهيّة موجود هناك معدّ و مهيّأ،و اللّه عنده حسن الثّواب.(14:195)

تدّعون

وَ قِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ. الملك:27

ابن عبّاس: تسألون و تقولون:إنّه لا يكون.

(480)

الحسن :معناه:يدّعون أن لا جنّة و لا نار.

(الثّعلبيّ 9:361)

زيد بن أسلم:تستعجلون من العذاب.

(الماورديّ 6:57)

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 12:173)

الكلبيّ: تشكّون في الدّنيا و تزعمون أنّه لا يكون.

(الماورديّ 6:57)

مقاتل:يعني تمترون في الدّنيا.(4:394)

الفرّاء: يريد:تدعون،و هو مثل قوله:تذكرون، و تذكّرون،و تخبرون و تختبرون،و المعنى واحد،و اللّه أعلم.

و قد قرأ بعض القرّاء (ما تدخرون) يريد:

تدّخرون،فلو قرأ قارئ (هذا الّذى كنتم به تدعون) كان صوابا.(3:171)

ابن قتيبة :أي تدعون.و هو«تفتعلون»من الدّعاء،يقال:دعوت و ادّعيت،كما يقال:خبرت، و اختبرت،و دخرت و ادّخرت.(475)

إنّه دعاؤهم بذلك على أنفسهم،و هو«افتعال» من الدّعاء.(الماورديّ 6:57)

الطّبريّ: يقول:و قال اللّه لهم:هذا العذاب الّذي كنتم به تذكرون ربّكم أن يعجّله لكم.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء

ص: 667

الأمصار هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ بتشديد الدّال بمعنى«تفتعلون»من الدّعاء.

و ذكر عن قتادة و الضّحّاك أنّهما قرءا ذلك (تدعون)بمعنى«تفعلون»في الدّنيا.

و عن قتادة أنّه قرأها (الّذى كنتم به تدعون) خفيفة،و يقول:كانوا يدعون بالعذاب،ثمّ قرأ: وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ. الأنفال:32.

و الصّواب من القراءة في ذلك،ما عليه قرّاء الأمصار،لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.(12:173)

نحوه الثّعلبيّ.(9:361)

الزّجّاج: و قرئت(تدعون)من دعوت أدعو.

فأمّا تَدَّعُونَ فجاء في التّفسير تكذّبون،و تأويله في اللّغة:هذا الّذي كنتم من أجله تدّعون الأباطيل و الأكاذيب،أي تدّعون أنّكم إذا متّم و كنتم ترابا و عظاما أنّكم لا تخرجون.و من قرأ (تدعون) بالتّخفيف،فالمعنى:هذا الّذي كنتم به تستعجلون و تدعون اللّه في قولكم: وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ الأنفال:32.

و يجوز أن يكون معنى(تدعون)هذا أيضا تفتعلون،من الدّعاء،و تفتعلون من الدّعوى،يجوز ذلك،و اللّه أعلم.(5:201)

نحوه الميبديّ.(10:177)

الطّوسيّ: أي تطلبون به خلاف ما وعدتم به على طريق التّكذيب بالوعد،كأنّه قيل:هذا الّذي كنتم به تكذّبون في ادّعائكم أنّه باطل.

و الادّعاء:الإخبار بما يوعد إليه القائل دون المعنى،فإذا ظهر دليله خرج من الادّعاء،لأنّه حينئذ يدعو إليه المعنى،و كذلك الإخبار بما يدعو إلى نفسه في الفعل ليس بدعوى.(10:71)

الزّمخشريّ: (تدعون)تفتعلون من الدّعاء، أي تطلبون و تستعجلون به.

و قيل:هو من الدّعوى،أي كنتم بسببه تدّعون أنّكم لا تبعثون.و قرئ (تدعون) و عن بعض الزّهّاد:

أنّه تلاها في أوّل اللّيل في صلاته،فبقي يكرّرها و هو يبكي إلى أن نودي لصلاة الفجر،و لعمري إنّها لوقّادة لمن تصوّر تلك الحالة و تأمّلها.(4:139)

نحوه أبو السّعود(6:281)،و البروسويّ(10:96)

الفخر الرّازيّ: في قوله:(تدعون)وجوه:

أحدها:[قول الفرّاء:]

و ثانيها:أنّه من الدّعوى،معناه:هذا الّذي كنتم تبطلونه،أي تدّعون أنّه باطل لا يأتيكم،أو هذا الّذي كنتم بسببه تدّعون أنّكم لا تبعثون.

و ثالثها:أن يكون هذا استفهاما على سبيل الإنكار،و المعنى:أ هذا الّذي تدّعون،لا بل كنتم تدّعون عدمه؟

قرأ يعقوب الحضرميّ (تدعون) خفيفة من الدّعاء،و قرأ السّبعة (تدّعون) مثقّلة من الادّعاء.

(30:75)

نحوه النّيسابوريّ.(29:13)

القرطبيّ: [نقل أقوال المتقدّمين و أضاف:]

ص: 668

النّحّاس:تدّعون و تدعون بمعنى واحد،كما يقال:

قدر و اقتدر،و عدى و اعتدى،إلاّ أنّ في«افتعل»معنى شيء بعد شيء،و«فعل»يقع على القليل و الكثير.

(18:220)

أبو حيّان :و قرأ الجمهور(تدعون)بشدّ الدّال مفتوحة،فقيل:من الدّعوى.قال الحسن:تدّعون أنّه لا جنّة و لا نار.و قيل:تطلبون و تستعجلون،و هو من الدّعاء،و يقوّي هذا القول قراءة أبي رجاء و الضّحّاك و الحسن و قتادة و ابن يسار عبد اللّه بن مسلم و سلاّم و يعقوب: (تدعون) بسكون الدّال،و هي قراءة ابن أبي عبلة و أبي زيد و عصمة،عن أبي بكر و الأصمعيّ عن نافع.

روي أنّ الكفّار كانوا يدعون على الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه بالهلاك.و قيل:كانوا يتآمرون بينهم بأن يهلكوهم بالقتل و نحوه.(8:303)

نحوه الآلوسيّ.(29:21)

الشّربينيّ: أي:تتمنّون و تسألون و تزعمون أنّكم لا تبعثون،و هذه حكاية حال تأتي،عبّر عنها بطريق المضيّ لتحقّق وقوعها.(4:348)

ابن عاشور :و(تدعون)بتشديد الدّال مضارع ادّعى،و قد حذف مفعوله لظهوره من قوله:

وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الملك:

25،أي تدّعون أنّه لا يكون.

و(به)متعلّق ب(تدعون)لأنّه ضمّن معنى «تكذّبون»فإنّه إذا ضمّن عامل معنى عامل آخر، يحذف معمول العامل المذكور،و يذكر معمول ضمّنه، ليدلّ المذكور على المحذوف،و ذلك ضرب من الإيجاز.

و تقديم المجرور على العامل للاهتمام بإخطاره و للرّعاية على الفاصلة.و القائل لهم: هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ملائكة المحشر أو خزنة جهنّم،فعدل عن تعيين القائل؛إذ المقصود المقول دون القائل، فحذف القائل من الإيجاز.

و القصر المستفاد من تعريف جزأي الإسناد تعريض بهم،بأنّهم من شدّة جحودهم بمنزلة من إذا رأوا الوعد حسبوه شيئا آخر،على نحو قوله تعالى:

فَلَمّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا الأحقاف:24.

و قرأ الجمهور(تدعون)بفتح الدّال المشدّدة و قرأه يعقوب بسكون الدّال من الدّعاء،أي الّذي كنتم تدعون اللّه أن يصيبكم به تهكّما و عنادا كما قالوا: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ الأنفال:32.(29:48)

الطّباطبائيّ: قيل:(تدعون)و تدعون بمعنى واحد،كتدّخرون و تدخرون و المعنى.و قيل لهم:هذا هو الوعد الّذي كنتم تسألونه و تستعجلون به، بقولكم:متى هذا الوعد.و ظاهر السّياق أنّ القائل هم الملائكة بأمر من اللّه،و قيل:القائل من الكفّار يقوله بعضهم لبعض.(19:364)

عبد الكريم الخطيب :أي هذا الّذي كنتم تطلبونه،و تلحّون في الكشف عن وجهه،فها هو ذا قد جاءكم فلم تنكرونه؟و لم تفزعون منه؟و هل يفزع المرء من أمر كان شديد اللّهف على لقائه؟

ص: 669

و(تدعون)معناه تطلبون،و تتمنّون،و منه قوله تعالى عن أصحاب الجنّة: وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ فصلّت:31.

و في تعدية الفعل(تدعون)بحرف الجرّ«الباء» بِهِ تَدَّعُونَ و هو متعدّ بنفسه لتضمّنه معنى الفعل «تهتفون»أو«تستعجلون»و نحوهما،ممّا يدلّ على شدّة الرّغبة للشّيء،و الطّلب له.(15:1071)

فضل اللّه :عند ما كنتم تسألون عنه و تستعجلونه و تطلبونه،و تتساءلون دائما عن سخريّة أو حقيقة متى هذا الوعد؟و قد يلوح من السّياق أنّ الملائكة هم الّذين يواجهونهم بهذا القول.(23:30)

مكارم الشّيرازيّ: (تدعون)من مادّة«دعا» يعني أنّكم كنتم تدعون و تطلبون دائما أن يجيء يوم القيامة،و ها هو قد حان موعده،و لا سبيل للفرار منه.و هذا المضمون يشبه ما جاء في قوله تعالى مخاطبا الكفّار في يوم القيامة: هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ الذّاريات:14.

و على كلّ حال،فإنّ الآية الشّريفة ناظرة إلى عذاب يوم القيامة-كما ذهب إليه أغلب المفسّرين،- و هذا دليل على أنّ جملة مَتى هذَا الْوَعْدُ الملك:

25،إشارة إلى موعد يوم القيامة.(18:459)

ادعوا

1- قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ...

يوسف:108

ابن زيد :و حقّ و اللّه على من اتّبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه،و يذكّر بالقرآن و الموعظة،و ينهى عن معاصي اللّه.(الطّبريّ 7:315)

الطّبريّ: قل،يا محمّد:هذه الدّعوة الّتي أدعو إليها،و الطّريقة الّتي أنا عليها من الدّعاء،إلى توحيد اللّه و إخلاص العبادة له دون الآلهة و الأوثان، و الانتهاء إلى طاعته،و ترك معصيته(سبيلى) و طريقتي و دعوتي، أَدْعُوا إِلَى اللّهِ وحده لا شريك له.(7:314)

الطّوسيّ: هذا خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمره اللّه تعالى أن يقول لهؤلاء الكفّار هذِهِ سَبِيلِي يعني دينه الّذي دعا إليه من توحيد اللّه و عدله،و توجيه العبادة إليه و العمل بشرعه،(ادعوا)النّاس إلى توحيد اللّه و إلى طاعته،و اتّباع سبيله على معرفة منّي بذلك،و حجّة معي إليه،و من تابعني على ذلك،فهو يدعو النّاس إلى مثل ما أدعو إليه من التّوحيد و خلع الأنداد و العمل بشرع الاسلام.(6:205)

راجع:س ب ل:«سبيلي».

2- قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَ لا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَ إِلَيْهِ مَآبِ. الرّعد:36

الطّبريّ: يقول:إلى طاعته و إخلاص العبادة له أدعو النّاس.(7:397)

الطّوسيّ: أدعو إلى اللّه،و الإقرار بتوحيده و صفاته،و توجيه العبادة إليه وحده.(6:261)

نحوه الطّبرسيّ.(3:296)

الفخر الرّازيّ: و المراد منه:أنّه كما وجب عليه

ص: 670

الإتيان بهذه العبادات،فكذلك يجب عليه الدّعوة إلى عبوديّة اللّه تعالى،و هو إشارة إلى نبوّته.(19:61)

القرطبيّ: أي إلى عبادته أدعو النّاس.(9:326)

البروسويّ: أي إلى اللّه و توحيده لا إلى غيره أَدْعُوا العباد،أو أخصّه بالدّعاء إليه في جميع مهامّي.(4:382)

ابن عاشور :و جملة إِلَيْهِ أَدْعُوا وَ إِلَيْهِ مَآبِ بيان لجملة إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ، أي أن أعبده و أن أدعو النّاس إلى ذلك،لأنّه لمّا أمر بذلك من قبل اللّه أستفيد أنّه مرسل من اللّه،فهو مأمور بالدّعوة إليه.

و تقديم المجرور في الموضعين للاختصاص،أي إليه لا إلى غيره أدعو،أي بهذا القرآن،و إليه لا إلى غيره مثابي،فإنّ المشركين يرجعون في مهمّهم إلى الأصنام يستنصرونها و يستغيثونها.و ليس في قوله هذا ما ينكره أهل الكتاب إذ هو ممّا كانوا فيه سواء مع الإسلام.على أنّ قوله: وَ إِلَيْهِ مَآبِ يعمّ الرّجوع في الآخرة و هو البعث.و هذا من وجوه الوفاق في أصل الدّين بين الإسلام و اليهوديّة و النّصرانيّة.(12:198)

عبد الكريم الخطيب :و في قوله تعالى: إِلَيْهِ أَدْعُوا وَ إِلَيْهِ مَآبِ أسلوب قصر،يراد به:أنّ الرّسول لا يدعو إلاّ إلى اللّه وحده،و أنّه إذا كان لأهل الكتاب دعوة إلى إله غير اللّه،فلا شأن له بهم.أمّا هو فإنّ دعوته إلى إله واحد،لا شريك له،و أنّ مآبه و مرجعه إليه،فإذا كان في أهل الكتاب من يرى له مرجعا إلى غير اللّه،فذلك رأيه،و عليه تبعته.أمّا الرّسول فإنّه لا مرجع له إلاّ إلى اللّه.(7:139)

مكارم الشّيرازيّ: و تلك دعوة للموحّدين الصّادقين و المؤمنين الرّساليّين أن يسلّموا أمام الأوامر الإلهيّة،فالرّسول صلّى اللّه عليه و آله كان خاضعا لكلّ ما أنزل عليه،فلا يأخذ ما كان يوافق ميله و يترك غيره.

(7:376)

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير الدّعاء على ستّة وجوه:

فوجه منها:دعاء:يعني قول،فذلك قوله في الأعراف:5، فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا يعني ما كان قولهم إذ جاءهم عذابنا إِلاّ أَنْ قالُوا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ كقوله في الأنبياء:15، فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ، يعني فما زال ذلك الويل قولهم حين قالوا:

قالُوا يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ الأنبياء:14، حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ الأنبياء:15،و قال في يونس:10، دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ يعني قولهم في الجنّة إذا اشتهوا الطّعام سبحانك اللّهمّ.

الوجه الثّاني:دعاء:يعني عبادة،فذلك قوله في الأنعام:71، قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَ لا يَضُرُّنا يعني أ نعبد،و قال في يونس:106، وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ يقول:لا تعبد من دون اللّه ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ و قال في الشّعراء:213، فَلا تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ و قال في العنكبوت:17، إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْثاناً و قال في القصص:

88، وَ لا تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ يعني معه غيره.

و قال في الفرقان:68، وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ

ص: 671

إِلهاً آخَرَ يعني لا يعبدون،و قال أيضا: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ الفرقان:77،يقول:

لو لا عبادتكم.

و الوجه الثّالث:دعاء:يعني نداء،فذلك قوله في القمر: فَدَعا رَبَّهُ يقول:فنادى ربّه: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ القمر:10،و قال أيضا: يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ القمر:6،يوم يقول:ينادي المنادي إلى شيء نكر.و قال أيضا: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الإسراء:52،يقول:يوم يناديكم إسرافيل، و قال: وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ الرّوم:52،يعني النّداء،و قال: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ فاطر:14،يقول:إن تنادوهم لا يسمعوا نداءكم.

و الوجه الرّابع:الدّعاء:يعني الاستغاثة،فذلك قوله في البقرة:23، وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ يعني استغيثوا شهداءكم،و قال في يونس:38، وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ يقول:استغيثوا، و نظيرها في هود:13،و قال في المؤمن:26، وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ يعني و ليستعن بربّه.

و الوجه الخامس:الدّعاء:يعني السّؤال:استفهام، فذلك قوله في البقرة:68،لموسى: اُدْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ و قال أيضا: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها البقرة:69،يعنى سل لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها.و قال في الكهف:52، وَ يَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ يعني فاسألوهم أهم آلهة؟ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ بأنّهم آلهة.

و الوجه السّادس:دعاء:يعنى سؤال في طلبه، فذلك قوله في الأعراف:134، قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا يعني سل لنا، رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ و قال في الزّخرف:49، وَ قالُوا يا أَيُّهَا السّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ يعنى سل لنا ربّك،و قال في المؤمن:60، اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ يقول:سلوني فأعطكم.و قال أيضا في المؤمن:49، وَ قالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ يقول:

سلوا ربّكم و اطلبوا إليه، يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ. (285)

نحوه هارون الأعور(313)،و حبيش تفليسيّ (98).

الحيريّ: الدّعاء على خمسة أوجه:

أحدها:الاستعانة،كقوله: وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ البقرة:23،و في موضعين: وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ يونس:38،و هود:13، و قوله: وَ قالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ المؤمن:26.

و الثّاني:السّؤال،كقوله: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ في البقرة في المواضع الأربعة الآية:61،68،69، 70.و قوله: قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ الأعراف:134،و مثله في الأعراف:55، اُدْعُوا رَبَّكُمْ و قوله: وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً الأعراف:56،و قوله: وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً الأنبياء:90،و قوله: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:

60.

و الثّالث:العبادة:كقوله: قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ

ص: 672

اَللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَ لا يَضُرُّنا الأنعام:71،و قوله:

وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ يونس :106،و قوله: فَلا تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ الشّعراء:

213،و القصص:88،و في الفرقان:55، وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَ لا يَضُرُّهُمْ.

و الرّابع:النّداء،كقوله: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الإسراء:52،و في القمر:6، يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ.

و الخامس:القول،كقوله: فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا في الأعراف:5،و قوله: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يونس:10، و قوله: فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ الأنبياء:15.

(245)

الدّامغانيّ: الدّعاء:على سبعة أوجه:القول، العبادة،النّداء،الاستغاثة،و الاستفهام،السّؤال، العذاب.[ذكر نحو مقاتل إلاّ أنّه قال:]

و الوجه السّابع:الدّعاء:العذاب،قوله: كَلاّ إِنَّها لَظى* نَزّاعَةً لِلشَّوى* تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّى المعارج:15-17،أي تعذّب،قال المبرّد،و قال ثعلب:

دعاك اللّه،أي أماتك اللّه،و قال النّضر عن الخليل :قال الأعرابيّ لآخر:دعاك اللّه،أي عذّبك اللّه.(326)

الفيروزآباديّ: و الدّعاء يرد في القرآن على وجوه:

الأوّل:بمعنى القول: فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ الأنبياء:15،أي قولهم.

الثّانى:بمعنى العبادة: قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَ لا يَضُرُّنا الأنعام:71،أي أ نعبد. يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ الحجّ:13،أي يعبد،و له نظائر.

الثّالث:بمعنى النّداء: وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ الرّوم:52،أي النّداء فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ القمر:

10،أي نادى وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا مريم:4 أي بندائك.

الرّابع:بمعنى الاستعانة و الاستغاثة: وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ البقرة:23،أي استعينوا بهم وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ يونس:38،أي استعينوا بهم.

الخامس:بمعنى الاستعلام و الاستفهام: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا البقرة:69،أي استفهم.

السّادس:بمعنى العذاب و العقوبة: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّى المعارج:17،أي تعذّب.

السّابع:بمعنى العرض: وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ أى أعرضها عليكم وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ المؤمن:41،أي تعرضونها عليّ النّار.

الثّامن:دعوة نوح قومه: إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهاراً. نوح:5.

التّاسع:دعوة خاتم الأنبياء لكافّة الخلق: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ النّحل:125.

العاشر:دعوة الخليل للطّيور: ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً البقرة:260.

الحادي عشر:دعاء إسرافيل بنفخ الصّور يوم النّشور لساكني القبور: يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ. القمر:6.

ص: 673

الثّانى عشر:دعاء الخلق ربّهم تعالى: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ المؤمن:60.

و ممّا ورد في القرآن أيضا من وجوه ذلك دعوة إبليس: إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ فاطر:6، وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ القصص:41،و دعوة الهادين من الأئمّة الأعلام: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا الأنبياء:

73،و دعوة إسرافيل: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ الرّوم:25،و دعوة الكفرة الضّالّين: وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ الرّعد:14،و دعوة الحقّ تعالى إلى الجنّة ذات الظّلال: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ يونس:25، وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ البقرة:221، فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ إبراهيم:10.

(بصائر ذوي التّمييز 2:601)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّعاء،أي النّداء.يقال:

دعا الرّجل يدعوه دعوا و دعاء:ناداه و صاح به،فهو داع و ذاك مدعوّ و الدّعوة:المرّة منه،و لو دعونا لاندعينا:لأجبنا،و منه حديث الإمام عليّ عليه السّلام:

«منيت بمن لا يطيع إذا أمرت،و لا يجيب إذا دعوت» (1)

و يقال أيضا:هو منّي دعوة الرّجل و دعوة الرّجل أي قدر ما بيني و بينه،و لبني فلان الدّعوة على قومهم:

يبدأ بهم في الدّعاء إلى أعطياتهم،و قد انتهت الدّعوة إلى بني فلان.

و التّداعي:التّنادي.يقال:تداعى القوم،أي دعا بعضهم بعضا حتّى يجتمعوا.

و التّداعي و الادّعاء:الاعتزاء في الحرب،و هو أن يقول الرّجل:أنا فلان ابن فلان،لأنّهم يتداعون بأسمائهم.

و قولهم:ما بالدّار دعويّ،أي أحد،-من:دعوت- أي ليس فيها من يدعو،لا يتكلّم به إلاّ مع الجحد.

و الدّعّاءة:الأنملة يدعى بها،كأنّها هي الّتي تدعو كالسّبّابة كأنّها تسبّ.

و الدّعاء:الرّغبة إلى اللّه.يقال:دعاه دعاء و دعوى،و دعوت اللّه له بخير و عليه بشرّ،و يجمع الدّعاء على أدعية.

و الدّعاية:الدّعوة،و منه:كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى هرقل:«فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام».

و الدّعاة:قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحدهم:داع.

و رجل داعية:يدعو النّاس إلى بدعة أو دين.

و الدّاعية:صريخ الخيل في الحروب،لدعائه من يستصرخه.يقال:أجيبوا داعية الخيل.

و دعا الميّت:ندبه،كأنّه ناداه،و دعت الحمامة:

ناحت،و منه:التّدعّي،و هو تطريب النّائحة في نياحتها على ميّتها إذا ندبت.

و دعاه إلى الأمير:ساقه،و هو من هذا الباب،لأنّه يدعوه ثمّ يسوقه إليه.

ص: 674


1- نهج البلاغة:الخطبة:39.

و دعانا غيث وقع ببلد فأمرع،أي كان ذلك سببا لانتجاعنا إيّاه.

و ما الّذي دعاك إلى هذا الأمر،أي ما الّذي جرّك إليه و اضطرّك.

و داعية اللّبن:ما يترك في الضّرع ليدعو ما بعده.

يقال:دعّى في الضّرع،أي أبقى فيه داعية اللّبن،و منه حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«دع داعي اللّبن لا تجهده»،أي إذا حلبت فدع في الضّرع بقيّة من اللّبن.

و الدّعوة و الدّعوة و المدعاة و المدعاة:ما دعوت إليه من طعام و شراب.يقال:كنّا في مدعاة فلان،أي في وليمة فلان،أي الدّعاء إلى الطّعام،و هو في مدعاتهم:في دعوة عرسهم،و منه كتاب الإمام عليّ عليه السّلام إلى بعض عمّاله:«دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها». (1)

و تداعت الحيطان،إذا سقط واحد و آخر بعده، فكأنّ الأوّل دعا الثّاني،و داعيناها من جوانبها:

هدمناها عليهم.

و تداعت الدّار:تصدّعت نواحيها،و هو من قولهم:تداعى الكثيب،أي هيل فانهال،و منه حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسّهر و الحمّى».

و تداعى الثّوب:أخلق.و يقال للرّجل إذا أخلقت ثيابه:قد دعت ثيابك،أي احتجت إلى أن تلبس غيرها من الثّياب،و منه حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«كم أداريكم كما تدارى البكار العمدة و الثّياب المتداعية»،أي الثّياب المخلولقة.

و تداعت إبل فلان فهي متداعية،أي تحطّمت هزالا.

و تداعت السّحابة بالبرق و الرّعد من كلّ جانب:

أرعدت و برقت من كلّ جهة.

و تداعى عليه العدوّ من كلّ جانب:أقبل، و تداعت القبائل على بني فلان:تألّبوا و دعا بعضهم بعضا إلى التّناصر،و منه حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«تداعت عليكم الأمم».

و الدّعوى:اسم من:ادّعيت الشّيء،أي زعمته لي حقّا كان أو باطلا؛يقال:دعا يدعو دعوة و دعاء، و ادّعى يدّعي ادّعاء و دعوى،و لي في هذا الأمر دعوى و دعاوى و دعاوة و دعاوة.

و يقال أيضا:فلان يدّعي بكرم فعاله،أي يخبر عن نفسه بذلك،و منه قول الإمام عليّ عليه السّلام:«هلك من ادّعى و خاب من افترى». (2)

و المداعي:المساعي و المكارم.يقال:إنّه لذو مداع و مساع.

و فلان في خير ما ادّعى:ما تمنّى،و ادّع عليّ ما شئت:تمنّ.

و دعاه اللّه بما يكره:أنزله به،و دواعي الدّهر:

صروفه.

و دعوته بزيد و دعوته إيّاه:سمّيته به.6.

ص: 675


1- نهج البلاغة:الكتاب:45.
2- نهج البلاغة الخطبة:16.

و الدّعوة:الحلف.يقال:دعوة بني فلان في بني فلان.

و الدّعوة في الطّعام،و الدّعوة في النّسب.يقال:لي فيهم دعوة،أي قرابة و إخاء.

و الدّعوة:ادّعاء الولد الدّعيّ غير أبيه.يقال:

دعيّ بيّن الدّعوة و الدّعاوة.

و المدّعى:المتّهم في نفسه،و هو الدّعيّ.

و الدّعيّ: المتبنّى الّذي تبنّاه رجل فدعاه ابنه و نسبه إلى غيره،و منه قول الإمام الحسين عليه السّلام في يوم عاشوراء:«ألا و إنّ الدّعيّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين:السّلّة و الذّلّة،و هيهات منّا الذّلّة»،يريد به عبيد اللّه بن زياد؛روى الكلبيّ أنّ عبّادا استلحقه زياد، كما استلحق معاوية زيادا،كلاهما لدعوة.

و التّداعي:التّحاجي،لأنّ المتحاجين يدعو بعضهم بعضا إلى المغالبة في الأحاجي.يقال:بينهم أدعيّة يتداعون بها و أحجيّة يتحاجون بها،و الأدعيّة و الأدعوّة:ما يتداعون به.

و المداعاة:المحاجاة.يقال:داعاه،أي حاجاه و فاطنه.

2-و يستعمل المعاصرون لفظ«الدّعاية»في الدّعوة إلى مذهب أو رأي،و التّرغيب في شراء سلعة أو نحوها بالكتابة أو الخطابة،عبر وسائل الإعلام السّمعيّة و البصريّة،و يجمع على دعايات،و يطلق عليه في الفارسيّة لفظ«تبليغات».

و أصل الدّعاية:«دعاوة»،من قولهم:لي في هذا الأمر دعوى و دعاوى و دعاوة و دعاوة،فقلبت واوه ياء،و ألحق بما ورد على وزن«فعالة»من المصادر المعتلّة اليائيّة،نحو:وقاية و دراية و ولاية و نحوها،لأنّ أغلب المصادر المعتلّة من«فعالة»يائيّة.و نظير ما حمل على الياء من وزن«فعالة»الواويّ:شكاية و إثاية و نحوهما.

و لم يرد لفظ الدّعاية إلاّ في الحديث:«أدعوك بدعاية الإسلام»،أي بدعوته،و يريد بها كلمة الشّعار الّتي يدعى إليها أهل الملل الكافرة-كما قال المدينيّ- أو كلمة الشّهادة-كما قال ابن الأثير-و لكنّهما روياه أيضا برواية:«أدعوك بداعية الإسلام»،و فسّراه بأنّه مصدر بمعنى الدّعوة،كالعافية و العاقبة.

3-و جوّز العدنانيّ لمن يقول:دعاه إلى النّزول و للنّزول،و استشهد بثلاث آيات تعدّت أفعالها باللاّم،و لكنّ ما ادّعاه مقصور على السّماع،فلا يجوز القياس عليه،لأنّه غير مطّرد في اللّغة،و قد فسّرت اللاّم في هذه الآيات ب«إلى»،وفاقا للأصل.

الاستعمال القرآنيّ

و قد جاء منها مجرّدا«الماضي»معلوما 25 مرّة، و مجهولا 5 مرّات،و«المضارع»معلوما 99 مرّة، و مجهولا 8 مرّات،و«الأمر»31 مرّة،و«اسم الفاعل»7 مرّات،و«المصدر»(دعاء)20 مرّة، و(دعوة)6 مرّات،و(دعوى)4 مرّات،و(ادعياء) جمع دعيّ مرّتين.و مزيدا من الافتعال«المضارع»3 مرّات،في 160 آية:

و يلاحظ أوّلا:أنّها حسب المورد تتمحور حول

ص: 676

ثمانية عشر محورا،و الدّعاء في كثير منها بمعنى الدّعوة، أي دعوة شخص إلى شيء،مثل دعاء اللّه و الأنبياء النّاس إلى الدّين،و نحن ننبّه عليه في مواضعها،و في أكثرها جاءت بمعناها المعروف،و هو دعاء شخص طلبا منه،مثل دعاء آدم و زوجته اللّه في فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما الأعراف:189،و المحوران السّابع و الثّامن كلاهما في الدّعوة إلى اللّه و إلى الإيمان و الإسلام و غيرهما.

المحور الأوّل:دعاء اللّه النّاس في الدّنيا-و هو بمعنى الدّعوة-في 3 آيات،و في كلّ منها بحوث:

(1) وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. البقرة:221

1-فرّق اللّه فيها-بعد النّهي عن نكاح المشركات و المشركين،و التّرغيب إلى نكاح المؤمنة و المؤمن- بين الأمرين بأنّ هؤلاء المشركات و المشركين يدعونكم إلى النّار،أي إلى عمل يدخلكم النّار،و اللّه يدعو إلى الجنّة و المغفرة،أي إلى عمل يدخلكم الجنّة، و يمحو ذنوبكم فتشملكم المغفرة،فهي نظير قوله:

وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ المؤمن:.41

2-و قد سأل الفخر الرّازيّ-كعادته-كيف يدعون إلى النّار،و ربّما لم يؤمنوا بالنّار أصلا؟و كيف يدعون إلى النّار مع أنّ احتمال المحبّة حاصل من الجانبين،فربّما يصير الكافر مسلما بسبب الألفة و المحبّة دون العكس،و أجاب عنهما بوجوه،فلاحظ.

3-و ذكر في وَ اللّهُ يَدْعُوا قولين:أولياء اللّه يدعون إلى الجنّة،كما أنّ أعداء اللّه يدعون إلى النّار.

أو أنّ اللّه-لمّا بيّن هذه الأحكام-يدعو من تمسّك بها إلى الجنّة.

و عندنا أنّ هذه الأسئلة و الأجوبة من قبيل توضيح الواضحات،و أنّ نصّ الآية لا غبار عليها.

و قد تكرّرت في النّصوص أبحاث أخرى من هذا القبيل فلاحظ.

(2) وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يونس:25

(3) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِي اللّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى... إبراهيم:10

1-و قد جاء في(2 و 3)أيضا ما جاء في(1)من الدّعوة إلى الجنّة و المغفرة:فإنّ دارِ السَّلامِ في(2) هي الجنّة،و غفران الذّنوب في(3)هو نفس«المغفرة بإذنه».و الدّعاء في هذه الثّلاث من اللّه،فإنّ الأحكام موجّه إلى النّاس في هذه الحياة،و نتيجتها في الآخرة.

2-و دارِ السَّلامِ في(2)-كما قلنا-هي الجنّة،لأنّ القاطنين فيها في سلامة تامّة من كلّ سوء.

إلاّ أنّ الزّجّاج قال:«السّلام هو اللّه جلّ و عزّ،فاللّه يدعو إلى داره،و داره الجنّة.و يجوز-و اللّه أعلم-أن يكون دارِ السَّلامِ الدّار الّتي يسلم من الآفات».

ص: 677

و الّذي قاله أوّلا:«إنّ السّلام هو اللّه»مأخوذ من قوله تعالى: هُوَ اللّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ... الحشر:23، فإنّ(السلام)جاء فيها رديفا لسائر صفات اللّه ك(القدوس)و(المهيمن)و غيرها.

و قد جاء(دار السلام)و أريد به الجنّة في لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ الأنعام:127،كما جاء بمعنى التّحيّة في وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ يونس:10، و خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ إبراهيم:23،كما جاء في آيات أنّه يسلّم فيها على المؤمنين،مثل: وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ الأعراف:46،و غيرها،لاحظ:س ل م:

«سلام».

و قال ابن عطيّة:«إضافة السّلام إلى اللّه إضافة ملك إلى مالك».

3-المضارع فيها:(يدعوا)يفيد الاستمرار،أي إنّ اللّه دائما يدعوا النّاس إلى دار السّلام.قال الشّربينيّ:«أي يعلّق دعاءه على سبيل التّجدّد و الاستمرار بالمدعوّين».كما أنّ حذف مفعول (يدعوا)للتّعميم،أي يدعو كلّ النّاس.

4-و قوله بعدها: وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بيان لما هو وسيلة دعوته إلى دار السّلام، و هو هدايته من يشاء إلى صراط مستقيم.

كما قال القشيريّ: «دعاهم إلى دار السّلام،و في الحقيقة دعاهم إلى ما يوجب لهم الوصول إلى دار السّلام،و هو اعتناق أوامره و الانتهاء عن زواجره.

و الدّعاء من حيث التّكليف،و تخصيص الهداية لأهلها من حيث التّشريف.و يقال:الدّعاء تكليف و الهداية تعريف،فالتّكليف على العموم و التّعريف على الخصوص...».

و قال الميبديّ: «وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ ببعث الرّسل و نصب الأدلّة».

و قال الزّمخشريّ: «و معناه يدعو العباد كلّهم إلى دار السّلام و لا يدخلها إلاّ المهديّون».

و قال ابن عطيّة:«نصّت هذه الآية أنّ الدّعاء إلى الشّرع عامّ في كلّ بشر،و الهداية الّتي هي الإرشاد مختصّة بمن قدّر إيمانه».

5-و قد ربط القرطبيّ-و كذا غيره-بين هذه الآية و ما قبلها،و هي إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ.... فقال:«لمّا ذكر وصف هذه الدّار-و هي دار الدّنيا-وصف الآخرة فقال:إنّ اللّه لا يدعوكم إلى جمع الدّنيا بل يدعوكم إلى الطّاعة، لتصيروا إلى دار السّلام،أي إلى الجنّة».

و قال أبو السّعود:«ترغيب للنّاس في الحياة الأخرويّة الباقية إثر ترغيبهم عن الحياة الدّنيا الفانية...».

و قال البروسويّ-و نحوه الخطيب-:(«يدعوا) النّاس جميعا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم و على السّنّة، ورثته الكمّل الّذين اتّبعوه قولا و فعلا و حالا من الدّار الّتي أوّلها البكاء،و أوسطها العناء،و آخرها الفناء إِلى دارِ السَّلامِ أي إلى دار السّلامة من كلّ مكروه و آفة و هي الجنّة أوّلها العطاء،و أوسطها الرّضاء،

ص: 678

و آخرها اللّقاء...».

و قال المراغيّ: «أي ذلك الإيثار لمتاع الدّنيا و الغرور بها،هو ما يدعو إليه الشّيطان،فيوقع متّبعيه في جهنّم دار النّكال و الوبال،و اللّه يدعو عباده إلى دار السّلام،إذ يأمرهم بما يوصّل إليها».

و قد شدّد ابن عاشور العلاقة بين الآيتين،فقال:

الجملة-أي وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ -معطوفة على جملة كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ يونس:24،أي نفصّل الآيات الّتي منها آية حالة الدّنيا و تقضّيها، و ندعو إلى دار السّلام:دار الخلد».و أضاف:أنّ كلاّ من هاتين الجملتين مستقلّتان،و لهذا عدل عن الإضمار إلى الإظهار،فقال: وَ اللّهُ يَدْعُوا... دون «ندعو».و عندنا أنّها من قبيل عطف آية على آية لا جملة على جملة،فلاحظ.

6-و قد نبّه الطّباطبائيّ هنا على نكات:

أ-فقال في«الدّعاء»:«أعمّ من النّداء،فإنّ النّداء يختصّ بباب اللّفظ و الصّوت،و الدّعاء يكون باللّفظ و الإشارة و غيرهما،و النّداء إنّما يكون بالجهر و لا يقيّد به الدّعاء».

ب-قسّم الدّعاء إلى تكوينيّ و تشريعيّ، و التّكوينيّ:إيجاد ما يريده لشيء،كأنّه يدعوه إلى ما يريده،قال تعالى: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الإسراء:52،و التّشريعيّ و هو تكليف النّاس بما يريده من دين بلسان أنبيائه.

ج-فرّق بين دعاء اللّه العبد-و هو ما ذكر-و بين دعاء العبد لربّه:و هو عطف رحمته و عنايته إلى نفسه، بنصب نفسه في مقام العبوديّة و المملوكيّة،و لذا كانت العبادة في الحقيقة دعاء،لأنّ العبد ينصب فيها نفسه في مقام المملوكيّة و الاتّصال بمولاه بالتّبعيّة و الذّلّة، ليعطفه بمولويّته و ربوبيّته إلى نفسه،و هو الدّعاء.

و إليه أشار بقوله تعالى: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60،حيث عبّر أوّلا بالدّعاء ثمّ بدّله ثانيا العبادة.

و الآية:(3)من تتمّة آيات قبلها جاء فيها دعوة الرّسل،و إباء أقوامهم عن قبولها،و آخرها: جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَ قالُوا إِنّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَ إِنّا لَفِي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ إبراهيم:9.و بعدها: قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِي اللّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ.

1-ضمير الفاعل في(يدعوكم)راجع إلى (الله.)و اختلف المفسّرون فيما يدعوهم إليه لفظا لا معنى،فقالوا:يدعوكم إلى توحيده و طاعته إلى التّوبة،أو إلى عبادته،إلى الإيمان لينفعكم لا ليضرّكم، إلى طاعته بالرّسل و الكتب،إلى الإيمان ببعثنا،إلى الإيمان بإرساله إيّانا،لا أنّا ندعوكم إليه من تلقاء أنفسنا،كما يوهمه قولكم: مِمّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ، و نحوها.

2-حكى البروسويّ عن«التّأويلات النّجميّة»:

ص: 679

(يدعوكم)من المكوّنات إلى الكون لا لحاجته إليكم بل لحاجتكم إليه».

و قال القشيريّ: «ليس العجب ممّن تكلّف لسيّده المشاقّ و تحمّل ما لا يطاق،و ألاّ يهرب من خدمة أو يجنح إلى راحة،إنّما العجب من سيّد عزيز كريم يدعو عبده ليغفر له و قد أخطأ،و يعامله بالإحسان و قد جفا».

3-و قد نبّه ابن عاشور هنا-كعادته-على نكات أدبيّة:

أ-جملة(يدعوكم)حال من اسم الجلالة،أي يدعوكم أن تنبذوا الكفر ليغفر لكم ما أسلفتم من الشّرك،و يدفع عنكم عذاب الاستئصال فيؤخّركم في الحياة إلى أجل معتاد.

ب-الدّعاء حقيقة النّداء،فأطلق على الأمر و الإرشاد مجازا،لأنّ الآمر ينادي المأمور.

ج-و يعدّى فعل«الدّعاء»إلى الشّيء المدعوّ إليه بحرف«إلى»غالبا نحو: وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ المؤمن:41.

و قد يعدّى بلام التّعليل داخلة على ما جعل سببا للدّعوة كقوله: وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ نوح:

7،و مثل هذه الآية: يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إبراهيم:10.

و قد يعدّى إلى المدعوّ إليه باللاّم،تنزيلا للشّيء الّذي يدعى إلى الوصول إليه منزلة الشّيء الّذي لأجله يدعى،و استشهد بشعر.

المحور الثّاني:دعاء الأنبياء:آدم عليه السّلام آية واحدة، و فيها بحوث:

(4) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ. الأعراف:189

1-الظّاهر أنّ هذه أوّل دعاء دعا بشر اللّه:أوّل أبوين هما آدم و زوجته،دعوا اللّه أن يجعل ما حملته زوجه صالحا،ليكونا له شاكرين.فقد بدأ.الدّعاء بصلاح الولد مجزيّا بالشّكر للّه تعالى على إعطائهم إيّاهما ولدا صالحا،فنعم الدّعاء،و نعم العطاء،و نعم الجزاء.

2-قال أبو حيّان-و تبعه الآلوسيّ-:«و متعلّق الدّعاء محذوف يدلّ عليه جملة جواب القسم،أي دعوا اللّه و رغبا إليه في أن يؤتيهما صالحا،ثمّ أقسما على أنّهما يكونان من الشّاكرين إن آتاهما صالحا...».

3-ظاهرها أنّ الدّاعيين هما آدم و حوّاء،لا كلّ أبوين-كما احتمله ابن عاشور و ناقش فيه-فلاحظ، و لكن ينبغي لكلّ أبوين أن يدعوا بمثله.قال فضل اللّه:

«و استجاب اللّه بدعائهما،دعاء كلّ أب و أمّ،لأنّ القضيّة ليست قضيّة آدم و حوّاء أو إنسانين معيّنين، بل هي قضية النّوع الإنسانيّ كلّه،الّذي يعيش هذا الجوّ النّفسيّ أمام حالة الخوف،و إن لم يعبّر عن ذلك بالكلمات».

4-و قال أيضا:«ولدا(صالحا)سالما من كلّ عيب أو تشويه أو نقص في البدن و العقل».

ص: 680

نوح عليه السّلام خمس آيات،و فيها بحوث:

(5-8) قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهاراً* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاّ فِراراً* وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً نوح:5-8

(9) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَ قالُوا مَجْنُونٌ وَ ازْدُجِرَ* فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ

القمر:9،10

1-لقد كان دعاء آدم و حوّاء-و هو أوّل دعاء في القرآن صدر من البشر كما سبق-دعاء حسنا مجزيّا بالشّكر،و كان بلفظ واحد،و أمّا الدّعاء الثّاني -الّذي حكاه القرآن عن نوح النّبيّ عليه السّلام-فجاء فيها خمس مرّات لفظ الدّعاء،أو ما اشتقّ منه،ذمّا في سورتين:إحداهما:سورة نوح،و كلّها ذمّ لقومه و دعاء عليهم،مع استجابة دعائه عليهم بالغرق.و الأخرى:سورة القمر،و هي ذمّ للأقوام السّابقة المكذّبة دعوة أنبيائهم بدء بقوم نوح،و استدامة بعذاب الغرق إلى الآية:16: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ.

2-سياق الآيات الخمس ذكر العذاب،إلاّ أنّ الدّعاء في الأربع الأولى بمعنى دعوة قومه إلى دينه دون دعاء اللّه تعالى،كما في الأخيرة: فَدَعا رَبَّهُ.

و الغرض منها الاستنصار عليهم من اللّه،و هذا شرّ لهم، كما أنّ الغرض من الثّالثة وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ، الاستغفار و هذا خير لهم.

3-لقد كرّر نوح دعوة قومه فيها أربع مرّات:ليلا و نهارا و جهارا و سرّا،و اكتفى بدعاء اللّه مرّة واحدة بلفظ فَدَعا رَبَّهُ تنبيها على رحمة اللّه من ناحية، و على شقاوتهم و شدّة عنادهم من ناحية أخرى،كما قال: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاّ فِراراً و جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً.

4-قال الفخر الرّازيّ: «لمّا دعاهم عاملوه بأشياء.

[و ذكر الأربع:جعل أصابعهم في آذانهم،و استغشاء ثيابهم،و الإصرار على ضلالتهم،و استكبارهم استكبارا عظيما]

5-دلّت الآيات من صدر سورة نوح أنّه بدأ دعوة قومه-إنذارا و تبشيرا-بلين و لطف بهم،و وعد الاستغفار لهم: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. كما كرّر وعد الاستغفار لهم بعدها: وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ لكنّه واجه إنكارهم بما ذكر من الوجوه الشّاقّة الخبيثة.و قال القرطبيّ: «وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ أي إلى سبب المغفرة،و هي الإيمان بك و الطّاعة لك».

و قال أبو حيّان:«ثمّ كرّر صفة دعائه بيانا و توكيدا،لمّا ذكر شمول دعاءه عموم الأوقات،و عموم حالات الدّعاء،و كُلَّما دَعَوْتُهُمْ يدلّ على تكرّر الدّعوات،فلم يبيّن حالة دعائه أوّلا،و ظاهره أن يكون دعاؤه إسرارا،لأنّه يكون ألطف بهم.و لعلّهم يقبلون منه كحال من ينصح في السّرّ،فإنّه جدير أن يقبل منه،فلمّا لم يجد له الإسرار،انتقل إلى أشدّ منه،

ص: 681

و هو دعاؤهم جهارا صلتا بالدّعاء إلى اللّه لا يحاشي أحدا،فلمّا لم يجد عاد إلى الإعلان و إلى الإسرار».

6-و قال البروسويّ في وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ نقلا عن«التّأويلات النّجميّة»:«كلّما دعوتهم بلسان الأمر مجرّدا عن انضمام الإرادة الموجبة لوقوع المأمور،فإنّ الأمر إذا كان مجرّدا عن الإرادة لا يجب أن يقع المأمور به،بخلاف ما إذا كان مقرونا بالإرادة فإنّه لا بدّ حينئذ من وقوع المأمور به».

و هذا لا ربط له بالآية،و كأنّه أراد الاحتفاظ باعتقاده الجبر في أفعال العباد.

7-و قال الخطيب في الآية:«هو بيان للأساليب المختلفة الّتي اتّخذها نوح،لينفذ بدعوته من هذه الحجب الصّفيقة الّتي أقامتها القوم على أسماعهم، و أبصارهم،فهو تارة يدعوهم جهارا،صارخا صراخ من يتحدّث إلى أصمّ لا يسمع،حتّى يخترق بصراخه العاصف،هذا السّدّ الّذي أقاموه على آذانهم،فلمّا لم تنفع هذه الوسيلة معهم أمسك لسانه،و زمّ شفتيه، حتّى إذا اطمأنّ القوم إلى أنّه قد كفّ عن الحديث إليهم،همس إليهم همسا خافتا،لا يكاد يسمع،لعلّ كلمة عابرة تصل إلى أسماعهم من هذه النّذر الّتي ينذرهم بها،فهذا إعلان فى إسرار».

و قال في ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً: «يشير إلى أنّ كلّ حال من تلك الأحوال كانت تستغرق وقتا طويلا،يقف فيه نوح،حتّى يملّ الوقوف،و حتّى يستيئس من أنّ أحدا يسمعه،إنّه ينادي أمواتا، و يهتف بعوالم من الجماد».

8-و قال الآلوسيّ فيها-أي في وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ -أي إلى الإيمان:«فمتعلّق الفعل محذوف و جوّز جعله منزلا منزلة اللاّزم،و الجملة عطف على ما قبلها،و ليس ذلك من عطف المفصّل على المجمل- كما توهّم-حتّى يقال:إنّ الواو من الحكاية لا من المحكيّ».

و قال ابن عاشور:«و حذف متعلّق(دعوتهم) لدلالة ما تقدّم عليه،من قوله: أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ نوح :3،و التّقدير:كلّما دعوتهم إلى عبادتك و تقواك و طاعتي فيما أمرتهم به».و هذا أقرب إلى الصّواب ممّا قبله.

9-و لقد جاء اسم نوح في القرآن 33،مرّة كما جاءت قصّته في غير سورتي هود و نوح مرّات أيضا، و لكن ليس فيها دعاء اللّه إلاّ مرّتين،بغير لفظ الدّعاء في سورة نوح:21، قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي...، و 26، وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً. و مرّتين في سورة هود:45، وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، و 47، قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ.

و مرّة في الأنبياء:76، وَ نُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ، و مرّة في الصّافات:75، وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ. و قد جاء استجابة اللّه دعاءه عليهم بالغرق مرّات،مصرّحا بالإجابة في هاتين الآيتين: فَاسْتَجَبْنا لَهُ، و فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ.

إبراهيم عليه السّلام:ثلاث آيات و فيها بحوث:

(10)و(11) اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى

ص: 682

اَلْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ* رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ

إبراهيم:39،40

(12) قالَ [إبراهيم خطابا لأبيه ] سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا* وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ أَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا. مريم:47،48

1-الأوليان من دعاء إبراهيم-و جاء فيهما و في 3،أيضا لفظ الدّعاء-و هما من جملة ما سأل إبراهيم ربّه في السّورة الّتي سمّيت باسمه ابتداء من:35، وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ، إلى 41، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ.

و قد دعا اللّه فيها لأمن بلده«مكّة»،و لبنيه و ذرّيّته ليجتنبوا الأصنام،و ليقيموا الصّلاة،و ليجعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم،و ليرزقهم من الثّمرات، و ليغفر اللّه له و لبنيه و للمؤمنين يوم الحساب.

2-فهذه أدعية حسنة مرغوب فيها،ليس فيها طلب العذاب على أحد،بل فيها اعتراف بأنّ اللّه استجاب دعاءه بقوله: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ إجابة لقوله: وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ.

3-و قوله: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ لا يختصّ بدعائه،بل يعمّ دعاء كلّ من يدعوه،كما قال الطّبريّ:

«سميع لدعائي،و دعاء غيري،و جميع ما نطق به ناطق لا يخفى عليه شيء».

4-و قد فرّق الطّوسيّ بين دعاء اللّه و دعاء العبد بقوله:«و ما دعا اللّه عزّ و جلّ إليه فقد أمر به و رغّب فيه،و ما دعا العبد به ربّه فالعبد راغب فيه،و لذلك لا يجوز أن يدعو الإنسان بلعنه و لا عقابه،و يجوز أن يدعو على غيره به».و قال:«و الدّعاء طلب الفعل من المدعوّ و صيغته صيغة الأمر إلاّ أنّ الدّعاء لمن فوقك،و الأمر لمن دونك».

5-اختلفت القراءة في(11) وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ على ثلاث: (دعاء ربّنا) بغير ياء،و (دعائي) بياء ساكنة في الوصل،و أثبتها بعضهم دون الوقف في الوصل، و بعضهم بغير ياء في وصل و لا وقف.و قد احتجّ الطّبرسيّ لهذه القراءات،فلاحظ.

6-و أمّا(12)فهي خطاب من إبراهيم لأبيه حين دعاه إلى التّوحيد فأنكره،و قال له: قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا. فقال لأبيه-قبال وعيده إيّاه بالرّجم- سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي.... و هذا أدبه مع أبيه إذ سلّم عليه و وعده بأن يستغفر له ربّه،و قد وفى بوعده،كما دلّ عليه قوله تعالى: وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114.

دعاء يوسف عليه السّلام آية واحدة:

(13): قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ* فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يوسف:33،34

ص: 683

و فيها بحوث:

1-قوله: رَبِّ السِّجْنُ... دعاء من يوسف ربّه إلى طاعته،و قوله: مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ دعاء منهنّ يوسف إلى عصيانه،و لم يذكر لفظ الدّعاء في الأوّل، و ذكر في الثّاني إشعارا بإصرارهنّ و تأكيدهنّ عليه.

2-سياق السّورة حكاية دعوة امرأة العزيز يوسف إلى نفسها،لكنّ قول يوسف: مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ يحكي عن دعوة النّساء-سوى امرأة العزيز- إيّاه أيضا،فكنّ يدعونه إلى أنفسهنّ.

فعن الإمام السّجاد عليه السّلام:«إنّ النّسوة لمّا خرجن من عندها،أرسلت كلّ واحدة منهنّ إلى يوسف سرّا من صاحبته،تسأله الزّيارة».

و احتمل الماورديّ فيه وجهين:

«الأوّل:دعته امرأة العزيز فقط،لكن يوسف كنّى عنها بخطاب الجمع:إمّا تعظيما لشأنها في الخطاب، و إمّا ليعدل عن التّصريح إلى التّعريض.

الثّاني:أنّه أراد بذلك جماعة النّسوة اللاّتي قطّعن أيديهنّ حين شاهدنه،لاستحسانهنّ له و استمالتهنّ لقلبه».

و قال الزّمخشريّ: «و قال:(يدعوننى)على إسناد الدّعوة إليهنّ جميعا،لأنّهنّ تنصحن له و زيّنّ له مطاوعتها و قلن له:إيّاك و إلقاء نفسك في السّجن و الصّغار،فالتجأ إلى ربّه عند ذلك.و قال:ربّ نزول السّجن أحبّ إليّ من ركوب المعصية».

و قال الطّبرسيّ: «و في هذا دلالة على أنّ النّسوة دعونه إلى مثل ما دعته إليه امرأة العزيز...و قيل:إنّهنّ قلن له:أطع مولاتك،و اقض حاجتها،فإنّها المظلومة، و أنت ظالم.و قيل:إنّهنّ لمّا رأين يوسف،استأذنّ امرأة العزيز بأن تخلو كلّ واحدة منهنّ به،و تدعوه إلى ما أرادته منه إلى طاعتها.فلمّا خلون به،دعته كلّ واحدة منهنّ إلى نفسها،فلذلك قال: مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ». و نحوها غيرهم.

و لخّص الطّباطبائيّ كلامهم،ثمّ قال:«إنّ الآية ساكتة عن ذلك سوى ما يستفاد من قوله: وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ إذ لو لا دعوة منهنّ إلى أنفسهنّ لم يكن معنى ظاهر للصّبوة إليهنّ.

و الّذى يشعر به قوله تعالى حكاية عن قوله في السّجن لرسول الملك يوسف:50-52، قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ - إلى أن قال:- قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ [إلى ] كَيْدَ الْخائِنِينَ إنّهنّ دعينه إلى امرأة العزيز و قد أشركهنّ في القصّة،ثمّ قال: لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ و لم يقل لم أخن بالغيب و لا قال:لم أخنه و غيره فتدبّر فيه ».إلى آخر ما قال.

3-يستفاد من قوله: اَلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ أنّ يوسف كان يحبّ حسب غريزته البشريّة ما يدعونه إليه من مقاربتهنّ،و قد صرّح به في ذيلها أَصْبُ إِلَيْهِنَّ إلاّ أنّ حبّه هذا كان عصيانا للّه، و حبّه للسّجن كان طاعة له،فقد اختار من الحبّين أقربهما إلى الطّاعة،فصيغة التّفضيل أَحَبُّ على معناها.

و لكنّ أبا السّعود قال:«و هذا الكلام منه عليه السّلام

ص: 684

مبنيّ على ما مرّ من انكشاف الحقائق لديه و بروز كلّ منها بصورتها اللاّئقة بها،فصيغة التّفضيل ليست على بابها؛إذ ليس له شائبة محبّة لما دعته إليه،و إنّما هو و السّجن شرّان،أهونهما و أقربهما إلى الإيثار السّجن...».

دعاء موسى و هارون و مؤمن آل فرعون و بني إسرائيل:إحدى عشرة آية:

(14) وَ قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ* قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يونس:88،89

(15) وَ لَقَدْ فَتَنّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ* أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ*...* فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ* فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ الدّخان:17-23

(16)قول فرعون و ملائه لموسى و قومه:

وَ قالُوا يا أَيُّهَا السّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ* فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ الزّخرف:49،50

(17) وَ قالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ المؤمن:26

(18-20)قول مؤمن آل فرعون لهم: وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ* تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ* لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ وَ أَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللّهِ وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النّارِ المؤمن:41-43

(21)قول بني إسرائيل لموسى و قوله لهم: وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ...

البقرة:61

(22-24) وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ...* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها...* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنّا إِنْ شاءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ البقرة:67-70

و كلّها بمعنى الدّعاء إلاّ ثلاث آيات:(18-20) فجاءت بمعنى الدّعوة.و السّبعة الأولى(14-20) تتحدّث عمّا جرى بين موسى و هارون،و مؤمن آل فرعون من ناحية،و بين فرعون و قومه من ناحية أخرى.

أمّا الأربع الأخرى:(21-24)فتتحدّث عمّا جرى بين موسى و بني إسرائيل،و فيها بحوث:

ففي(14):1-قد بدأ موسى دعائه بقوله: رَبَّنا إِنَّكَ... فذكر ما آتاه اللّه من المال و الزّينة فرعون و ملائه ممّا كان سببا للإضلال عن سبيل اللّه،ثمّ دعا

ص: 685

عليهم بالطّمس على أموالهم،و الشّدّ على قلوبهم عقوبة لهم،فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم، فاستجاب اللّه دعاءهما.و هذا شاهد على أنّ هارون شارك موسى في الدّعاء،و في كلّ أعماله الرّساليّة، كما شهد بها الآيات قبلها.و قال عكرمة و غيره:

«كان موسى يدعو،و هارون يؤمّن».

و زاد الزّجّاج:«و المؤمّن على دعاء الدّاعي داع أيضا،لأنّ قوله:«آمين»تأويله استجب فهو سائل كسؤال الدّاعي».

و قد اعترف به الطّبريّ قبله أيضا لكنّه زاد:«و قد زعم بعض أهل العربيّة،أنّ العرب تخاطب الواحد خطاب الاثنين و استشهد بشعر».و نقول:لعلّ ذلك كان عن ضرورة شعريّة.

و قد احتجّ ابن عطيّة على دعائهما نقلا عن عليّ ابن سلمان،بأنّ قول موسى:(ربنا)دالّ على أنّهما دعوا معا.و قد أطالوا الكلام في ذلك،فلاحظ.

و احتجّ عليه أبو حيّان بقراءة الرّبيع: (دعوتيكما) ، و على أنّه قرأ (قد أجبت) على أنّه فعل و فاعل.

2-و قد استوحى فضل اللّه من الآية أنّ الطّغاة و الظّالمين يتوصّلون إلى إضلال النّاس و السّيطرة عليهم بمظاهر الزّينة و المال و الجاه الّتي تبهر الأبصار و تغشي العقول،ممّا يقتضي معالجة هذه المؤثّرات بمختلف أساليب التّوعية،و قد اكتشف موسى هذه العادة السّيّئة من فرعون و قومه،فدعا اللّه عليهم بسلب هذه الموجبات عنهم،فأجاب اللّه دعوته.و قد أطال في بيانه،فلاحظ.

3-و استنتاجا من ذلك قال:«و ذلك هو أسلوب التّربية القرآنيّة الّذي يوحي بأنّ من الضّروريّ متابعة الإيحاء للدّعاة إلى اللّه بالحذر من الانحراف،بعيدا عن أيّة حالة ذاتيّة،ممّا يمكن للنّاس أن يجعلوه مانعا عن توجيه النّصح،من عظمة الشّخصيّة،و حجم الموقع، لأنّ المسألة لا تتّصل بمستوى الذّات،بل ترتبط بضخامة التّحدّيات الّتي قد تزلزل الإنسان،و قد تهوي به إلى مكان سحيق».

4-ثمّ بحث عن:«قصّة العصمة الّتي تمنع النّبيّ عن الانحراف»فلاحظ.

و في(15):1-جاء فيها: رَسُولٌ كَرِيمٌ توصيفا من اللّه لموسى،و رَسُولٌ أَمِينٌ تعبيرا عن لسان موسى لنفسه.فالجمع بين الوصفين: رَسُولٌ كَرِيمٌ و رَسُولٌ أَمِينٌ من قبل اللّه و رسوله،يقرّب الوصول إلى تسليمهم،و يرجّي إجابتهم اللّه و رسوله.

و لكنّهم كانوا-كما قال موسى- قَوْمٌ مُجْرِمُونَ فلم يستسلموا و لم يقبلوا دعوته،بل أصبح موسى معرّضا لإساءتهم بقوله لهم: وَ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ* وَ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ* وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ... .

2-و جاء التّعبير عن موسى توصيفا بهما مرّتين، و عن فرعون و ملئه أيضا التّعبير مرّتين ب قَوْمَ فِرْعَوْنَ و قَوْمٌ مُجْرِمُونَ. فهذا نوع قران و شاكلة في الآية.و زاد ثالثة إعلاما بعذابهم إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ الدّخان:24،و رابعة: وَ إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ* قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَ لا

ص: 686

يَتَّقُونَ الشّعراء:10،11،و قد وصفهم اللّه مرّتين أخريين بوصف«المجرمين».في صدر قصّة موسى و فرعون في سورة يونس:75، ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ، و الآية:82، وَ يُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ.

3-و قال الفخر الرّازيّ-و قبله ابن عطيّة-:

«الفاء في(فدعا)تدلّ على أنّه متّصل بمحذوف قبله،التّأويل:أنّهم كفروا و لم يؤمنوا فدعا موسى ربّه بأنّ هؤلاء قوم مجرمون».و نحوه ابن عاشور إلاّ أنّه قال:«فالتّقدير:فلم يستجيبوا له فيما أمرهم،أو فأصرّوا على أذاه و عدم متاركته فدعا ربّه،و هذا التّقرير الثّاني أليق بقوله: أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ.

و هذا كالتّعقيب الّذي في قوله تعالى: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ الشّعراء:

63.

و في(16 و 17)جاء عن لسان فرعون و ملئه خطابا لقومه،وصفا لموسى يا أَيُّهَا السّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ و ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ ففعل الأمر في الأولى بصيغة الحاضر،و في الثّانية بصيغة الغائب،و كلاهما بمعنى الدّعاء،و الدّاعي فيهما هو موسى و المدعوّ هو اللّه تعالى.

و في(18-20)1-جاء بلسان مؤمن آل فرعون (ادعوكم)مرّتين،و(تدعوننى)خطابا إلى فرعون و قومه ثلاث مرّات،و المؤمن يدعوهم تارة إلى النّجاة،و تارة إلى العزيز الغفّار،و هؤلاء يدعونه تارة إلى النّار،و تارة إلى الكفر باللّه و الشّرك به،و تارة إلى كلّ ذلك.و من ذلك يعلم أنّ دعوتهم كانت أشدّ و آكد من دعوته،لكنّه حكم جزما بكذب دعوتهم و بطلانها: لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ، إذ ليس لآلهتهم الّتي كانوا يعبدونها دعوة أصلا،لأنّها جمادات لا يشعرون،إلاّ أن يريد بها فرعون الّذي كان يدّعي أنّه إلههم،فكانت له دعوة كاذبة.

2-قالوا:في ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ:

النّجاة:الإيمان باللّه،ما فيه خلاصكم من توحيد اللّه، و إخلاص العبادة له،و الإقرار بموسى،النّجاة من عذاب اللّه و عقوبته بالإيمان به و اتّباع رسوله موسى، و تصديقه فيما جاء به من عند ربّه.

3-و قالوا في: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ: لا ينفع و لا يضرّ.و قال الضّحّاك-و نحوه غيره-:«معناه ليس لهذه الأصنام استجابة دعاء أحد في الدّنيا و لا في الآخرة»،و هو بعيد.

و قال الثّعلبيّ: «دعوة ينتفع بها».و قال قتادة:

«دعوة مستجابة».و قيل:«إنّ الأوثان لم تأمر بعبادتها في الدّنيا،و لم تدّع الرّبوبيّة،و في الآخرة تتبرّأ من عابديها».و كلّها تفسير باللاّزم.

4-و قال الطّوسيّ: «تَدْعُونَنِي أنتم إِلَى النّارِ لأنّهم إذا دعوا إلى عبادة غير اللّه الّتي يستحقّ بها النّار،فكأنّهم دعوا إلى النّار،لأنّ من دعا إلى سبب الشّيء فقد دعا اليه،و من صرف عن سبب الشّيء فقد صرف عنه...».

ص: 687

5-قال الزّمخشريّ: «فإن قلت:لم كرّر نداء قومه و لم جاء بالواو في النّداء الثّالث دون الثّاني؟- و مراده بالتّكرار قوله في 38: يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ... و في 39: يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا... و في 41:

وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ... -.

قلت:أمّا تكرير النّداء ففيه زيادة تنبيه لهم، و إيقاظ عن سنة الغفلة.

و فيه:أنّهم قومه و عشيرته و هم فيما يوبقهم و هو يعلم وجه خلاصهم و نصيحتهم عليه واجبة،فهو يتحزّن لهم و يتلطّف بهم،و يستدعي بذلك أن لا يتّهموه،فإنّ سرورهم سروره و غمّهم غمّه،و ينزلوا على تنصيحه لهم كما كرّر إبراهيم عليه السّلام في نصيحة أبيه:

يا أَبَتِ... مريم:42-45.

و أمّا المجيء بالواو العاطفة،فلأنّ الثّاني داخل على كلام هو بيان للمجمل و تفسير له،فأعطى الدّاخل عليه حكمه في امتناع دخول الواو،و أمّا الثّالث فداخل على كلام ليس بتلك المثابة».

6-يظهر من ابن عطيّة وجود الخلاف في أنّ هذه المقالة: وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ لموسى أو لمؤمن آل فرعون،فلاحظ.

7-قال الطّبرسيّ في: «وَ يا قَوْمِ ما لِي كما يقول الرّجل:ما لي أراك حزينا،معناه:ما لك.و معناه:

أخبروني عنكم كيف هذه الحال؟».

8-و قال أبو حيّان:«بدأ أوّلا بجملة اسميّة،و هو استفهام المتضمّن التّعجّب من حالتهم،و ختم أيضا بجملة اسميّة،ليكون أبلغ في توكيد الأخبار.و جاء في حقّهم وَ تَدْعُونَنِي بالجملة الفعليّة الّتي لا تقتضي توكيدا؛إذ دعوتهم باطلة لا ثبوت لها،فتؤكّد».

و لاحظ سائر النّصوص ففيها زيادة بيان للآيات.

و في(21)جاء فيها ما سأل بنو إسرائيل موسى- و هم في سيناء-من أنواع ما تنبت الأرض بعد ما منّ اللّه عليهم،و استخلصهم من شرور فرعون و قومه في أرض مصر،و آتاهم المنّ و السّلوى.

و هذا يكشف عن دناءة طبعهم،و حرمانهم من التّوفيق لشكر اللّه على تلك النّعمة العظمى، و استبدالهم الطّعام الأدنى بالّذي هو خير،و مع ذلك كلّه وعدهم موسى-إذا دخلوا الأرض المقدّسة-بما سألوه فقال لهم: اِهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ.

و في(22-24)جاء فيها حديث ذبح البقرة بين موسى و قومه،و قد كرّروا فيها قولهم لموسى:(ادع لنا ربك)ثلاث مرّات،ممّا يدلّ على سوء فهمهم،أو سوء نيّتهم،و سوء أدبهم لنبيّهم موسى عليه السّلام.

دعاء زكريّا آية واحدة:

(25) هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ آل عمران:38

و فيها بحوث:

1- هُنالِكَ فيها إشارة إلى ما قبلها في آيات 35-37 من قول امرأة عمران-لما في بطنها،و كانت مريم: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ إلى فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَ كَفَّلَها زَكَرِيّا فقد

ص: 688

بعثت هذه القصّة العجيبة زكريّا ليدعو هذا الدّعاء، فاستجاب اللّه دعاءه و بشّره بيحيى،كما جاء في الآيات بعدها:39-41 إلى قوله: وَ سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ.

2-فقد رأى زكريّا إعجازا في مريم كما قال:

كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً...، و كان هو كبيرا في السّنّ و كانت امرأته عاقرا،و مع ذلك دعا ربّه و سأله ذرّيّة طيّبة،فلمّا بشّره اللّه بيحيى،تنبّه أنّه ليس له أن يسأل اللّه مثل هذا السّؤال،فتعجّب من هذه البشارة و قال: رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ....

3-و نستنبط من هذه الآيات في سورة آل عمران،من:35،إلى ما بعدها،ممّا جاء بشأن ولادة عيسى عليه السّلام بلا أب،أنّ قصص زكريّا،و مريم،و عيسى بعضها من بعض في أنّها خارجة عن مسير الطّبيعة، و قد أشار اللّه إلى ذلك بقوله في خاتمتها:44، ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ....

دعاء نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله 8 آيات:

(26) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي وَ سُبْحانَ اللّهِ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يوسف:28

(27) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً* وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللّهِ فَضْلاً كَبِيراً

الأحزاب:45-47

(28) وَ أَنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً الجنّ:19

(29) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً الجنّ:20

(30) اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... النّحل:125

(31) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ الحجّ:67

(32) وَ لا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ

القصص:87

(33) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ قُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ كِتابٍ وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللّهُ... الشّورى:15

و كلّها بمعنى الدّعوة إلى اللّه،إلاّ(28 و 29) فبمعنى دعاء اللّه.و فيها بحوث:

1-و قد جاء في الأوليين«الدّعاء»بصيغتين أَدْعُوا إِلَى اللّهِ و وَ داعِياً إِلَى اللّهِ، و قيّدت أولاهما ب عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي و هي بلسان النّبيّ،لأنّ صدرها قُلْ هذِهِ سَبِيلِي الأخرى قيّدت ب(باذنه)-أي بإذن اللّه-و هي بلسان اللّه،لأنّ صدرها يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ....

2-و قد أمر النّبيّ عليه السّلام في الأولى-و هي مكّيّة خطابا إلى المشركين-بأن يبيّن سبيله بأنّه و من تبعه يدعون إلى اللّه على بصيرة،و أن يقول لهم: وَ سُبْحانَ اللّهِ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

ص: 689

أمّا في الثّانية-و هي مدنيّة خطابا إلى المؤمنين- و فيخاطب اللّه نبيّه بإكرام بالغ و شامل لمناصبه عليه السّلام، و هي خمسة: شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً، و هي بمنزلة التّفسير و التّفصيل لما أجمله في الأولى بقوله: هذِهِ سَبِيلِي، فخصّ الإجمال بالمشركين و التّفصيل بالمؤمنين.و هذا التّقسيم وقع في موقعه،فإنّ المشركين يكفيهم بأن يؤمنوا بأنّه نبيّ يدعوهم إلى اللّه،و لا ينفعهم أزيد من ذلك،بل ربّما يقع موقع السّخريّة منهم.أمّا المؤمنون فقد وقفوا على أعماله و أخلاقه صلحا و حربا مع الأعداء-و قد نزلت سورة الأحزاب بعد غزوة خندق -و قد آمنوا به كنبيّ فيستحقّون بل ربّما يتمنّون أن يعرفوه بتمام أوصافه و مناصبه.و الكلام في هذه الأوصاف يأتي إن شاء اللّه في:ر س ل:«ارسلناك»، و الكلام هنا ينحصر في الدّعوة إلى اللّه.

3-و قد بيّن النّبيّ سبيله-و هو التّوحيد الخالص على بصيرة-قبالا لسبيل المشركين-و هو الشّرك باللّه المختلط عن عمي و جهل و ضلالة،فقد فرّق بين السّبيلين بأحسن بيان.قال الطّبريّ: «سَبِيلِي و طريقتي و دعوتي، أَدْعُوا إِلَى اللّهِ وحده لا شريك له».و قال الطّوسيّ:(«ادعوا)النّاس إلى توحيد اللّه و إلى طاعته،و اتّباع سبيله على معرفة منّي بذلك، و حجّة معي إليه،و من تابعني على ذلك،فهو يدعو النّاس إلى مثل ما أدعو إليه من التّوحيد و خلع الأنداد و العمل بشرع الإسلام».لاحظ:س ب ل:

«سبيلي».

4-قالوا في: داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ: داعيا إلى توحيد اللّه و طاعته،داعيا إلى الإقرار بوحدانيّته و امتثال أوامره و نواهيه،إلى الإقرار به و بوحدانيّته و بسائر ما يجب الإيمان به من صفاته و أفعاله،و نحوها.

و هي تفسير باللّوازم،كما أشار إليه الطّباطبائيّ؛ حيث قال:«دعوته إلى اللّه هي دعوته النّاس إلى الإيمان باللّه وحده،و لازمه الإيمان بدين اللّه».

5-قال البروسويّ: «و فيه إشارة إلى أنّ نبيّنا عليه السّلام اختصّ برتبة دعوة الخلق إلى اللّه من بين سائر الأنبياء و المرسلين،فإنّهم كانوا مأمورين بدعوة الخلق إلى الجنّة.و أيضا دعا إلى اللّه لا إلى نفسه،فإنّه افتخر بالعبوديّة و لم يفتخر بالرّبوبيّة،ليصحّ له بذلك الدّعاء إلى سيّده،فمن أجاب دعوته صارت الدّعوة له سراجا منيرا،يدلّه على سبيل الرّشد،و يبصره عيوب النّفس و غيّها».

و صدر كلامه:من أنّ نبيّنا اختصّ بالدّعوة إلى اللّه،و سائر الأنبياء كانوا مأمورين بالدّعوة إلى الجنّة، لا يوافق الكتاب،و السّنّة،و إجماع المسلمين،و أهل الكتاب،فإنّ دعوته و دعوتهم كانتا عامّة لكلّ ما ذكر.

6-قال أبو السّعود في(باذنه:)«بتيسيره،أطلق عليه مجازا لما أنّه من أسبابه و قيّد به الدّعوة إيذانا بأنّها أمر صعب المنال،و خطب في غاية الإعضال لا يتأتّى إلاّ بإمداد من جناب قدسه كيف لا و هو صرف للوجوه عن القبل المعبودة،و إدخال للأعناق في قلادة غير معهودة؟!!».

ص: 690

و قال الطّباطبائيّ: «و تقيّد الدّعوة بإذن اللّه يجعلها مساوقة للبعثة».

7-و قال الفخر الرّازيّ: «لم يقل:و شاهدا و مبشّرا بإذنه،و قال:(و داعيا باذنه)و ذلك لأنّ من يقول عن ملك:إنّه ملك الدّنيا لا غيره،لا يحتاج فيه إلى إذن منه،فإنّه وصفه بما فيه،و كذلك إذا قال:من يطعه يسعد و من يعصه يشقى يكون مبشّرا و نذيرا، و لا يحتاج إلى إذن من الملك في ذلك.و أمّا إذا قال:

تعالوا إلى سماطه،و احضروا على خوانه يحتاج فيه إلى إذنه.فقال تعالى: وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ.

و وجه آخر،و هو أنّ النّبيّ يقول:إنّي أدعوا إلى اللّه،و الوليّ يدعو إلى اللّه،و الأوّل لا إذن له فيه من أحد،و الثّاني:مأذون من جهة النّبيّ،كما قال: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي يوسف:108.

و قال عليه الصّلاة و السّلام:«رحم اللّه عبدا سمع مقالتي فأدّاها كما سمعها»،و النّبيّ عليه السّلام هو المأذون من اللّه في الدّعاء إليه من غير واسطة».

8-و قال ابن عاشور:«و الدّاعي إلى اللّه هو الّذي يدعو النّاس إلى ترك عبادة غير اللّه،و يدعوهم إلى اتّباع ما يأمرهم به اللّه.و أصل:دعاه إلى فلان:أنّه دعاه إلى الحضور عنده،يقال:ادع فلانا إليّ.و لمّا علم أنّ اللّه تعالى منزّه عن جهة يحضرها النّاس عنده، تعيّن أنّ معنى الدّعاء إليه:الدّعاء إلى ترك الاعتراف بغيره،كما يقولون:«أبو مسلم الخراسانيّ يدعو إلى الرّضى من آل البيت»فشمل هذا الوصف أصول الاعتقاد في شريعة الإسلام ممّا يتعلّق بصفات اللّه،لأنّ دعوة اللّه دعوة إلى معرفته،و ما يتعلّق بصفات الدّعاة إليه من الأنبياء و الرّسل و الكتب المنزلة عليهم».

9-و قد جعل مكارم الشّيرازيّ: الدّعوة إلى اللّه مرحلة بعد البشارة و الإنذار و في هذا القول و ما قبله نظر.

10-و قد ضمّ في(29)إلى دعاء ربّه نفي الشّرك وَ لا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً و لاحظ البحث في باقي الآيات:(28-33)موادّ ما فيها من الكلمات مثل:

لبدا،سبيل،منسكا،يصدّونك،استقم.

المحور الثّالث:دعاء الإنسان ربّه إذا مسّه الضّرّ:6 آيات:

(34) وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ يونس:12

(35) وَ إِذا مَسَّ النّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ... الرّوم:33

(36) وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَ جَعَلَ لِلّهِ أَنْداداً... الزّمر:8

(37) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا... الزّمر:49 و وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنّا مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي... فصّلت:50

لاحظ:م س س:«مسّ»،و:ض ر ر:«ضرّ».

ص: 691

المحور الرّابع:دعاء اللّه مخلصين له الدّين 6 مرّات:

(38) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ... العنكبوت:65

(39) وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ... لقمان:32

(40) ...وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ الأعراف:29

(41) فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ المؤمن:14

(42) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ المؤمن:65

و(43) ...دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ يونس:22

و قد جاء فيها:الدّعاء مخلصين له الدّين،و جاء في عدّة آيات أخرى:العبادة مخلصين له الدّين،مثل:

قُلِ اللّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي الزّمر:14،و دعاء اللّه عبادة له.

لاحظ:خ ل ص:«مخلصين»،و:د ي ن:«الدّين».

المحور الخامس:دعاء اللّه من قبل المؤمنين من الأمم اثنتا عشرة آية:

(44) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ... الإسراء:57

(45) إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً... الأنبياء:90

(46) إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ

الطّور:28

(47) اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ الأعراف:55

(48) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً... الأنعام:63

(49) وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً... الأعراف:56

(50) وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ... الأنعام:52

(51) وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ... الكهف:28

(52) وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها...

الأعراف:180

(53) قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى... الإسراء:110

(54 و 55) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ* دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ

يونس:9،10

و يلاحظ:أنّ دعاء اللّه في هذه كلّها من قبل المؤمنين و كلّ واحدة منها مقرونة بقيد يختلف عن غيرها.

ففي(44) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ و في(45): وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً، و في(46): نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ، و في(47)و(48): اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً، و تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً، و في(49): وَ ادْعُوهُ

ص: 692

خَوْفاً وَ طَمَعاً، و في(50 و 51): يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ، و في(52 و 53): وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها، و قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، و في(54 و 55): دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ، و وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

و كلّ من هذه القيود منضمّا إلى مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ تعدّ من طرق دعاء اللّه المقبولة عنده،فلاحظ موادّ تلك القيود في هذا المعجم.

المحور السّادس:الدّعاء بالخير و الشّرّ 4 آيات:

(56-58) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ* وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنّا مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَ ما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ* وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ فصّلت:49-51

(59) وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً الإسراء:11

لاحظ:خ ي ر:«الخير.»و:ش رر:«الشّرّ».

المحور السّابع:الدّعوة إلى اللّه و إلى الإيمان به 23 آية:

(60) وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فصّلت:33

(61) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ...

يوسف:108

(62) قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَ لا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَ إِلَيْهِ مَآبِ الرّعد:36

(63) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ المؤمن:42

(64) وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ النّور:48

(65) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ النّور:51

(66) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ الحجّ:67

(67) كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ

الشّورى:13

(68) أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَ قالُوا إِنّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَ إِنّا لَفِي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ إبراهيم:9

(69) وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ فصّلت:5

لاحظ في هذا المحور و ما بعده:اللّه،ربّ،الإيمان و

ص: 693

الإسلام و غيرها ممّا ذكر فيهما.

المحور الثّامن:الدّعوة إلى الإيمان و الإسلام و الكتاب و الهدى و النّجاة و الخير و الغفران و الإنفاق و غيرها

(70) إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ... آل عمران:153

(71) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ... الأنفال:24

(72) وَ ما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَ قَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الحديد:8

(73) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ

المؤمن:10

(74) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ هُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ الصّفّ:7

(75) أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ مُعْرِضُونَ آل عمران:23

(76) ...وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً الكهف:57

(77) وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ الأعراف:193

(78) وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ المؤمن:41

(79) وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ آل عمران:104

(80) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ... محمّد:38

(81) وَ إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

المؤمنون:73

(82) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ ماتُوا وَ هُمْ كُفّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ* فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ محمّد:34،35

المحور التّاسع:دعوة الجنّ إلى داعي اللّه آيتان:

(83 و 84) وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ...* ...*يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللّهِ وَ آمِنُوا بِهِ...* وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ... الأحقاف:29-32

لاحظ:ج ن ن:«الجنّ».

المحور العاشر:إجابة الدّعاء 3 آيات:

(85) وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ البقرة:186

(86) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ... النّمل:62

ص: 694

(87) وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ المؤمن:60

لاحظ:ج و ب:«اجيب و يجيب و استجب».

و(11 و 25) إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ و إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ لاحظ:س م ع:«سميع الدّعاء».

المحور الحادي عشر:دعاء غير اللّه مع اللّه،و من دون اللّه،و دعاء الشّركاء،و الولد للّه 48 آية:

(88) فَلا تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ الشّعراء:213

(89) وَ لا تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ...

القصص:88

(90) وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ...

الفرقان:68

(91) وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ... المؤمنون:117

(92) وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظّالِمِينَ

يونس:106

(93 و 94) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ* يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ

الحجّ:12،13

(95) وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ... الإسراء:67

(96) قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَ لا يَضُرُّنا وَ نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا...

الأنعام:71

(97) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلاً

الإسراء:56

(98) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ وَ ما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَ ما لَهُ... سبأ:22

(99) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ الرّعد:14

(100 و 101) قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السّاعَةُ أَ غَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* بَلْ إِيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ الأنعام:40،41

(102) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً وَ إِنْ يَدْعُونَ إِلاّ شَيْطاناً مَرِيداً النّساء:117

(103) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ... الأنعام:56

(104) ...حَتّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ... الأعراف:37

(105) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ... الأعراف:194

(106) وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ

ص: 695

نَصْرَكُمْ وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ الأعراف:197

(107) ...إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ... الحجّ:73

(108 و 109) ...وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ* إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ... فاطر:13،14

(110) ...قُلْ أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ... الزّمر:38

(111) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَمّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ المؤمن:66

(112) قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ... الأحقاف:4

(113) وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً الكهف:14

(114) وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ الأحقاف:5

(115) وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ الأنعام:108

(116) ...فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ... هود:101

(117) وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ النّحل:20

(118 و 119) ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ الحجّ:62 و لقمان:30

(120) وَ اللّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

المؤمن:20

(121) وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ

الزّخرف:86

(122) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِ اللّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللّهُ الْكافِرِينَ المؤمن:73،74

(123) وَ يَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا الكهف:52

(124) ...وَ ما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ شُرَكاءَ... يونس:66

(125) قُلْ أَ رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ... فاطر:40

(126) وَ قِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ... القصص:64

(127) ...قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ الأعراف:195

(128) أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ الصّافّات:125

(129) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ * قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ* أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ الشّعراء:71-73

ص: 696

(130) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً* وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً مريم:90-92

لاحظ:د و ن:«دون»،و:أ ل ه:«إله»،و:و ل د:

«ولدا»و:ب ع ل:«بعلا»و:ص ن م:«اصنام».

المحور الثّاني عشر:دعاء الكافرين،و الظّالمين، و المكذّبين 4 آيات:

(131) ...قالُوا فَادْعُوا وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ المؤمن:50

(132) وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً وَ نِداءً... البقرة:171

(133) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاّ أَنْ قالُوا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ الأعراف:5

(134) فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ الأنبياء:15

لاحظ:ظ ل م:«الظّالمين»و:ك ف ر:«الكافرين» و:ح ص د:«حصيدا».

المحور الثّالث عشر:دعوة الشّيطان إلى العذاب آيتان:

(135) ...أَ وَ لَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ لقمان:21

(136) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ

فاطر:6

لاحظ:ش طن:«الشّيطان».

المحور الرّابع عشر:الدّعاء في الآخرة 7 آيات:

(137) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ...

الإسراء:71

(138) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً

طه:108

(139) وَ أَنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ... إبراهيم:44

(140) وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ الرّوم:25

(141) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:52

(142) وَ قالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ المؤمن:49

(143) كَلاّ إِنَّها لَظى* نَزّاعَةً لِلشَّوى* تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّى* وَ جَمَعَ فَأَوْعى المعارج:15-18

المحور الخامس عشر:الدّعاء بالثّبور 3 آيات:

(144 و 145) وَ إِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً* لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً الفرقان:13،14

(146) وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ

ص: 697

*فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً الانشقاق:10،11

لاحظ:ث ب ر:«ثبورا».

المحور السّادس عشر:الدّعوة إلى النّار آيتان:

(147) وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ القصص:41

(148) ...وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ... البقرة:221

لاحظ:ن و ر:«النّار».

المحور السّابع عشر:دعاء النّاس بعضهم بعضا 10 آيات:

(149) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ

يونس:38

(150) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ هود:13

(151) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً... النّور:63

(152) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ...

آل عمران:61

(153) ...وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا...

البقرة:282

(154) ...وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا... الأحزاب:53

(155) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ... الفتح:16

(156) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ... القصص:25

(157) وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى... فاطر:18

(158) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ

العلق:17،18

لاحظ:المواضيع الّتي جاءت فيها هذه الآيات، كالاستطاعة و الابن و الشّهادة و غيرها.

المحور الثّامن عشر:في الأدعياء آيتان:

(159) ...وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَ اللّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ الأحزاب:4،5

(160) ...لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً الأحزاب:37

1-نزلت هذه الآيات بشأن حلّيّة زواج النّبيّ عليه السّلام زينب زوجة دعيّه زيد بن حارثة،توسعة على المؤمنين في أزواج أدعيائهم،بحجّة أنّ دعيّ الرّجل ليس ابنا له من الصّلب كما قال: وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ، و بهذا جاءت النّصوص،و كذا حديث اشتراء النّبيّ زيدا في سوق عكاظ،و كان زيد

ص: 698

بعد ذلك يسمّى زيد بن محمّد،لأنّ النّبيّ لمّا جاء أبوه ليتّخذه قال:«هو حرّ فليذهب كيف يشاء»لكنّ زيدا لم يفارق النّبيّ،فلاحظ.

2-و الأدعياء:جمع دعيّ-و هو جمع شاذّ كما قال أبو السّعود-و هو الّذي كانوا يتبنّونه في الجاهليّة، و كانوا يورّثون الأدعياء ميراث الأبناء،فأبطل اللّه تعالى ذلك،كذا في النّصوص.

3-قال الزّمخشريّ: «و الدّعوة إلصاق عارض بالتّسمية لا غير».

و يلاحظ ثانيا:أنّ أكثر هذه الآيات مكّيّة و هي دعوة إلى التّوحيد و النّهي عن الشّرك ابتداء أو في خلال القصص-و أكثرها كما قلنا مرارا-مكّيّة و مثلها آيات في سورة الحجّ المختلف فيها،و هي شاهدة على كونها مكّيّة.

بقيت حوالي 40 آية جاءت في سور مدنيّة كالبقرة،و آل عمران،و النّساء،و الأنفال،و النّور، و الأحزاب،و الفتح،و الحديد،و هي إمّا تشريع كالآيتين(1)و(148)-و هما من سورة البقرة-في نكاح المشركات و المؤمنات،و الآيتين:159،160- و هما من سورة الأحزاب-في حكم نكاح الأدعياء، و آيات من سور أخرى قريبة إلى التّشريع في أحكام الجهاد،أو أهل الكتاب،أو المنافقين،و ضعفاء الإيمان، و نحوها.

و جاءت في سورة البقرة آيات بشأن اليهود، و في آل عمران بشأن النّصارى،فلاحظ.

و يلاحظ ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الابتهال: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ آل عمران:61

التّمنّيّ: أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنّى النّجم:24

الزّعم: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ الأنعام:94

ص: 699

ص: 700

د ف أ

اشارة

د ف ء

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الدّفاء:نقيض حدّة البرد.

و الدّفء:ما يدفئك،و ثوب دفيء،أي مدفئ.

و رجل دفئ بوزن«فعل»:قد لبس ما يدفئه.

و يقال للأحمق:إنّه لدفئ الفؤاد.

و ادّفيت و استدفيت أي لبست ما يدفئني، و دفئت من البرد.

و مطر دفئيّ: يكون في الصّيف بعد الرّبيع.

و الدّفأ،مقصور مهموز:الدّفء نفسه،إلاّ أنّ الدّفء كأنّه اسم شبه الظّمء،و الدّفأ:شبه الظّمإ.

و ممّا لا همز فيه من هذا الباب،مصدر الأدفى؛ و الأنثى:دفواء من الطّير:و هو ما طال جناحاه من أصول قوادمه و طرف ذنبه،أو طالت قوادم ذنبه.[ثمّ استشهد بشعر](8:80)

الأمويّ: الدّفء عند العرب:نتاج الإبل، و الانتفاع بها.(النّحّاس 4:54)

أبو زيد :و تقول:رجل أدفأ و امرأة دفواء،من قوم دفء،و هو الّذي يمشي في أحد شقّيه.(228)

كلّ ميرة يمتارونها قبل الصّيف فهي دفئيّة،مثال عجميّة،و كذلك النّتاج.و أوّل الدّفئيّ: وقوع الجبهة، و آخره:الصّرفة.(الجوهريّ 1:50)

الأصمعيّ: و المدفأة:الإبل الكثيرة الأوبار و الشّحوم.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 1:50)

و إذا عظمت الإبل و كثرت قيل:أتانا بمائة من الإبل مدفّئة.

و إذا كثر وبر النّاقة و كانت جلدة قيل:ناقة

ص: 701

مدفأة.[ثمّ استشهد بشعر](الكنز اللّغويّ: 117)

[نحوه ابن السّكّيت إلاّ أنّه أضاف:]

لأنّها تدفّأ بأنفاسها...و إبل مدفآت.(66)

ثوب ذو دفء و ذو دفاءة.

و يقال:ما عليه دفء،و لا يقال:ما عليه دفاءة.

و يكون الدّفء:السّخونة.

و يقال:اقعد في دفء هذا الحائط،أي في كنّه.

(الأزهريّ 14:195)

ابن الأعرابيّ: الدّفئيّ و الدّثئيّ من الأمطار:

وقته إذا قاءت الأرض الكمأة.و كلّ ميرة حملت في قبل الصّيف فهي دفيئيّة.(الأزهريّ 14:195)

ابن السّكّيت: و تقول:هذه إبل مدفأة،إذا كانت كثيرة الأوبار.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذه إبل مدفئة،أي كثيرة،من نام وسطها دفئ من أنفاسها.(إصلاح المنطق:379)

و الدّفئيّ و الدّثئيّ من المطر،و وقته إذا قاءت الأرض الكمأة،فلم يبق فيها شيء.(الإبدال:125)

يقال:هذا رجل دفآن و امرأة دفأى و يوم دفيء و ليلة دفيئة،و كذلك بيت دفيء،و غرفة دفيئة،على «فعيل»و«فعيلة».(الأزهريّ 14:194)

يقال:ما كان الرّجل دفآن و لقد دفئ و ما كان البيت دفئا و لقد دفؤ.(الأزهريّ 14:195)

ابن أبي اليمان :و الدّفء:كلّ ما استدفأت به، و استكننت من جدار أو ثوب.قال اللّه جلّ و عزّ:

وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ النّحل:5.

[ثمّ استشهد بشعر](97)

ثعلب:و الدّفء:ما أدفأ من أصواف الغنم و أوبار الإبل.(ابن سيده 9:380)

الزّجّاجيّ: و الدّفء:الإبل،سمّيت بذلك،لأنّه يتّخذ من أوبارها ما يستدفأ به.(154)

القاليّ: و الدّفئيّ و الدّثئيّ،مثاله:الدّفعيّ من المطر،و وقته إذا قاءت الأرض الكمأة فلم يبق فيها شيء.(2:36)

الأزهريّ: و قال ابن السّكّيت:إبل مدفأة.

قلت:المدفآت:جمع المدفأة.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا الإبل المدفئة فهي الكثيرة،لأنّ بعضها يدفئ بعضا بأنفاسها.(14:194)

الصّاحب:الدّفء:ضدّ حدّة البرد.و الدّفاء:

الشّيء يدفئك،ثوب دفئ.

و رجل دفئ على«فعل»:ليس ما يدفئه.

و أدفأت و استدفأت.و رجل دفآن،و امرأة دفأى و دفئانة.

و ثوب ذو دفء و دفاءة،أي يدفئ لابسه.

و المطر الدّفئيّ: يكون في الصّيف بعد الرّبيع.

و ناقة دفائيّة:اللّقح.

و أدفأت الرّجل:أعطيته عطاء كثيرا،و الاسم:

الدّفء.

و أدفأت القوم إدفاء فدفئوا،أي جمعتهم حتّى اجتمعوا.

و الدّفء:نتاج الإبل و ألبانها.

و هو في كنفه و دفئه:بمعنى.

و إبل مدفأة:كثيرة الأوبار و الشّحوم.و مدفئة:

ص: 702

كثيرة العدد.

و المدفّئة:جماعة من الثّمانين إلى المائة.(9:368)

الجوهريّ: الدّفء:نتاج الإبل و ألبانها،و ما ينتفع به منها.قال اللّه تعالى لَكُمْ فِيها دِفْءٌ، و في الحديث:«لنا من دفئهم ما سلّموا بالميثاق».

و الدّفء أيضا:السّخونة.تقول منه:دفئ الرّجل دفاءة،مثل كره كراهة،و كذلك:دفئ دفأ،مثل ظمئ ظمأ؛و الاسم:الدّفء بالكسر،و هو الشّيء الّذي يدفئك؛و الجمع:الأدفاء.

تقول:ما عليه دفء،لأنّه اسم،و لا تقل:ما عليه دفاءة،لأنّه مصدر.

و تقول:اقعد في دفء هذا الحائط،أي كنّه.

و رجل دفئ-على«فعل»-إذا لبس ما يدفئه، و كذلك رجل دفآن،و امرأة دفأى.

و قد أدفأه الثّوب،و تدفّأ هو بالثّوب،و استدفأ به و ادّفأ به،و هو«افتعل»أي لبس ما يدفئه.

و دفؤت ليلتنا بالضّمّ،و يوم دفيء على«فعيل»، و ليلة دفيئة،و كذلك الثّوب و البيت.

و المدفئة:الإبل الكثيرة،لأنّ بعضها يدفئ بعضا بأنفاسها،و قد يشدّد.

و الدّفئيّ مثال العجميّ:المطر الّذي يكون بعد الرّبيع قبل الصّيف،حين تذهب الكمأة فلا يبقى في الأرض منها شيء.

قال الأصمعيّ: دفئيّ و دثئيّ بالثّاء.(1:50)

ابن فارس: الدّال و الفاء و الهمزة أصل واحد يدلّ على خلاف البرد.فالدّفء:خلاف البرد.يقال دفؤ يومنا،و هو دفيء.قال الكلابيّ:دفئ.و الأوّل أعرف في الأوقات،فأمّا الإنسان فيقال:دفئ فهو دفآن و امرأة دفأى.و ثوب ذو دفء و دفاء.و ما على فلان دفء،أي ما يدفئه.و قد أدفأني كذا،و اقعد في دفء هذا الحائط،أي كنّه.

و من الباب الدّفئيّ من الأمطار،و هو الّذي يجيء صيفا.و الإبل المدفأة:الكثيرة،لأنّ بعضها تدفئ بعضا بأنفاسها.قال الأمويّ:الدّفء عند العرب:نتاج الإبل، و ألبانها،و الانتفاع بها.و هو قوله جلّ ثناؤه: لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ النّحل:5،و من ذلك حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«لنا من دفئهم و صرامهم ما سلّموا بالميثاق».

و من الباب الدّفأ:الانحناء.

و في صفة الدّجّال:«أنّ فيه دفءا»،أي انحناء.فإن كان هذا صحيحا فهو من القياس،لأنّ كلّ ما أدفأ شيئا فلا بدّ من أن يغشاه و يجنأ عليه.(2:287)

الهرويّ: في الحديث:«لنا في دفئهم و صرامهم» معناه:من إبلهم و غنمهم.و قيل:سمّاها دفءا،لأنّها يتّخذ من أوبارها و أصوافها ما يتدفّأ به.

و قال الفرّاء:الدّفء:ما يستدفأ به من أشعارها و أوبارها و أصوافها،و قد يدفأ الرّجل بالمكان،و دفؤ الزّمان فهو دفئ،و دفئ الرّجل فهو دفآن.

و في الحديث:«أنّه أتي بأسير يوعك (1)،فقال:د.

ص: 703


1- يوعك:يرتعد.

أدفوه (1)،فقتلوه؛فوداه».

أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«أدفئوه»فترك الهمز،لأنّه لم يكن من لغته الهمز،و لو أراد معنى القتل،لقال:دافوه أو دافوه.يقال:دففت الأسير و دافيته،أي أجهزت عليه.

و في حديث الدّجّال:«فيه دفء»أي انحناء، و رجل أدفأ،و امرأة دفاء.(2:641)

أبو سهل الهرويّ: و قد دفؤ يومنا بالضّمّ و الهمز أيضا،فهو دفيء على«فعيل»أيضا،إذا سخن.و دفئ الرّجل بالكسر،فهو دفآن و امرأة دفأى،على مثال سكر فهو سكران و امرأة سكرى،إذا زال عنه البرد الّذي يجده و سخن.(28)

ابن سيده: الدّفء و الدّفأ:نقيض حدّة البرد؛ و الجمع:أدفاء.

و قد دفئ،و دفؤ،و تدفّأ،و ادّفأ،و استدفأ.

و أدفأه:ألبسه ما يدفئه.

و الدّفاء:ما استدفئ به.و حكى اللّحيانيّ أنّه سمع أبا الدّينار يحدّث عن أعرابيّة أنّها قالت:الصّلاء و الدّفاء،نصبت على الإغراء،أو الأمر.

و رجل دفآن:مستدفئ،و الأنثى:دفأى، و جمعهما:دفاء.

و الدّفئ كالدّفآن،عن ابن الأعرابيّ.

و منزل دفيء،و بلدة دفيئة،و ثوب دفيء،كلّ ذلك على«فعيل»:يدفئك بهوائه.

و الدّفأة:الذّرا تستدفئ به من الرّيح.

و أرض مدفأة:ذات دفء.

و أرى الدّفي،مقصورا:لغة.و في خبر أبي العارم:

«فيها من الأرطى و النّقار الدّفئة»كذا حكاه ابن الأعرابيّ مقصورا.

و إبل مدفّأة و مدفأة:كثيرة الأوبار،تدفئها أوبارها.و مدفئة و مدفّئة:كثيرة يدفئ بعضها بعضا بأنفاسها.

و قال ثعلب:إبل مدفأة،مخفّفة الفاء:كثير الأوبار، و مدفئة،مخفّفة الفاء أيضا،إذا كانت كثيرة يدفئ بعضها بعضا.

و الدّفئيّة:الميرة تحمل في قبل الصّيف،و هي الميرة الثّالثة،لأنّ أوّل المير الرّبعيّة،ثمّ الصّيفيّة،ثمّ الدّفئيّة،ثمّ الرّمضيّة،و هي الّتي تأتي حين تحترق الأرض.

و الدّفئيّ: المطر بعد أن يشتدّ الحرّ.و قال ثعلب:

هو إذا قاءت الأرض الكمأة.

و الدّفئيّ: نتاج الغنم آخر الشّتاء،و قيل:أيّ وقت كان.

و الدّفء:نتاج الإبل،و أوبارها،و ألبانها، و الانتفاع بها.

و أدفأت الإبل على مائة:زادت.

و الدّفأ:الجنأ كالدّفا.و رجل أدفأ،و امرأة دفئاء.

و في حديث الدّجّال:«فيه دفء»كذا حكاه الهرويّ في «الغريبين»و بذلك فسّره.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](9:379)

الدّفء:السّخونة،و هي نقيض حدّة البرد.و ماط.

ص: 704


1- في الأصل:أدفئوه،و هو غلط.

يدفئ...

دفئ الرّجل و الزّمان و المكان يدفأ دفأ و دفاء و دفاءة،و دفؤ.

و أدفأ فلانا و دفّأه:ألبسه ما يدفئه.

و أدفأه الثّوب:أسخنه،فادّفأ و تدفّأ و استدفأ.

و الدّفئان و الدّفيء:المستدفئ؛و الأنثى:دفأى.

و أرض دفئة و دفيئة و مدفأة:ذات دفء.

و الدّفاء:ما استدفئ به.(الإفصاح 2:935)

الزّمخشريّ: دفئ من البرد دفأ و دفاءة و تدفّأ و ادّفأ و استدفأ.

و دفؤ يومنا و دفؤت ليلتنا،و أدفأه من البرد، و مكان دفئ.

و ما عليه دفء،أي ثوب يدفئه، لَكُمْ فِيها دِفْءٌ النّحل:5،و هو ما استدفئ به من الوبر و الصّوف و الشّعر،لأنّه يتّخذ منها الأكسية و الأخبية و غيرها.

و رجل دفآن،و امرأة دفأى.

و من المجاز:إبل مدفئة و مدفّئة:كثيرة،لأنّ بعضها يدفئ بعضا،و من تخلّلها أدفأته،و قيل:تبنى البيوت بأوبارها.

و أدفأت فلانا و دفّأته:أجزلت عطاءه و أعطيته دفءا كثيرا.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(أساس البلاغة:131)

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أتي بأسير يوعك،فقال لقوم:«اذهبوا به فأدفوه،فذهبوا به فقتلوه،فوداه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

أراد الإدفاء،من الدّفء،فحسبوه الإدفاء بمعنى القتل في لغة أهل اليمن.يقال:أدفأت الجريح و دافأته و داففته و دفوته و دافيته:أجهزت عليه.و الأصل:

أدفئوه فخفّفه بحذف الهمزة،و هو تخفيف شاذّ،و نظيره:

لا هناك المرتع،و تخفيفه القياسيّ أن تجعل الهمزة بين بين.(الفائق 1:428)

في حديث وفد همدان:«...لنا من دفئهم و صرامهم ما سلّموا بالميثاق و الأمانة...».

الدّفء:اسم ما يدفئ،...و يقال:فلان في كنفه و ذراه و دفئه.و قيل للعطيّة:دفء.[ثمّ استشهد بشعر]

(الفائق 3:434)

ابن الأثير: [في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أتي بأسير» نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و تخفيفه القياسيّ أن تجعل الهمزة بين بين،لا أن تحذف،فارتكب الشّذوذ،لأنّ الهمز ليس من لغة قريش.فأمّا«القتل»فيقال فيه:أدفأت الجريح، و دافأته،و دفوته،و دافيته،و داففته،إذا أجهزت عليه.

(2:123)

الفيّوميّ: دفئ البيت يدفأ مهموز،من باب «تعب»قالوا:و لا يقال في اسم الفاعل:دفيء،وزان «كريم»،بل وزان«تعب».

و دفئ الشّخص؛فالذّكر:دفآن،و الأنثى:دفأى، مثل:غضبان و غضبى،إذا لبس ما يدفئه،

و دفؤ اليوم،مثال قرب.

و الدّفء وزان حمل:خلاف البرد.(1:197)

الفيروزآباديّ: الدّفء،بالكسر و يحرّك:

نقيض حدّة البرد،كالدّفاءة؛جمعه:أدفاء.

ص: 705

دفئ،كفرح و كرم،و تدفّأ و استدفأ و ادّفأ.

و أدفأه:ألبسه الدّفاء،لما يدفئه.

و الدّفئان:المستدفئ،كالدّفيء،و هي الدّفأى.

و أرض دفئة و دفيئة و مدفأة.

و إبل مدفأة و مدفئة و مدفّأة و مدفّئة:كثيرة الأوبار و الشّحوم.

و الدّفئيّ: الدّثئي.

و بهاء:الميرة قبل الصّيف.

و الدّفء،بالكسر:نتاج الإبل،و أوبارها، و الانتفاع بها،و العطيّة،و من الحائط:كنّه،و ما أدفأ من الأصواف و الأوبار.

و أدفأه:أعطاه كثيرا،و القوم اجتمعوا.

و الدّفأ،محرّكة:الجنأ،و هو أدفأ،و هي دفأى.

(1:15)

الطّريحيّ: [نحو ما قال الجوهريّ و الفيّوميّ و أضاف:]

و في الحديث:«و كان عليه السّلام لا تدفئه فراء الحجاز» أي لا تقيه من البرد.(1:144)

مجمع اللّغة :دفئ يدفأ دفأ و دفاء و دفاءة، و دفؤ يدفأ دفاءة:سخن.

و الدّفء:اسم لما يحدث سخانة و حرارة،أو هو نقيض حدّة البرد،أو هو نتاج الإبل و أوبارها،و ما ينتفع به منها.(1:400)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يتّقى به من البرد،و ما يدفع البرد و يوجب الحرارة،من لباس و جدار و حائط و أوبار و أصواف و غيرها.

و مفهوم الدّفع مشترك في الدّفء و الدّفر و الدّفع و الدّفق.

فيقال:دفئ،إذا دفع نفسه من البرد،و هو دفئ و دفيء،و تدفّأ بالثّوب و استدفأ و ادّفأه،و أدفأه به، أي ألبسه ما يدفع البرد.

و الدّفء:هو اسم لما يدفأ به؛و الجمع:أدفاء،و إنّه ذو دفء.

فظهر أنّ إطلاق الدّفء على ما ينتفع به من الأنعام ليس بوجيه،و يؤيّده ذكر المنافع بعد كلمة الدّفء في الآية الكريمة.

و أيضا ليس مفهوم المادّة مطلق ما يناقض البرد، و هذا هو الفرق بين هذه المادّة و مادّة الحرارة و السّخونة و غيرها.

و أمّا مفهوم الانحناء:فهو للمعتلّ،أي الدّفي راجع «لسان العرب»و غيره«المادّة.».(3:224)

النّصوص التّفسيريّة

دفء

وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ. النّحل:5

ابن عبّاس: الإدفاء من الأكسية و غيرها.

(221)

الثّياب.(الطّبريّ 7:559)

النّسل.(النّحّاس 4:54)

ص: 706

أي لباس.و مثله مجاهد(الطّبرسيّ 3:350)

مجاهد :لباس ينسج.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 7:560)

الحسن :ما يستدفأ به من أصوافها و أوبارها و أشعارها.(الماورديّ 3:179)

نحوه ابن قتيبة(241)،و الواحديّ(3:59)، و الشّربينيّ(2:216).

الكلبيّ: الدّفء:صغار أولادها،الّتي لا تركب.

(الماورديّ 3:179)

ابن زيد :اللّحف الّتي جعلها اللّه منها.

(الطّبريّ 7:560)

الفرّاء: لَكُمْ فِيها دِفْءٌ و هو ما ينتفع به من أوبارها.و كتبت بغير همز،لأنّ الهمز إذا سكّن ما قبلها حذفت من الكتاب،و ذلك لخفاء الهمزة إذا سكت عليها،فلمّا سكّن ما قبلها و لم يقدروا على همزها في السّكت،كان سكوتهم كأنّه على الفاء.

و كذلك قوله: يُخْرِجُ الْخَبْءَ النّمل:25، و اَلنَّشْأَةَ العنكبوت:20،و مِلْءُ الْأَرْضِ آل عمران:91،و اعمل في الهمز بما وجدت في هذين الحرفين.

و إن كتبت«الدّفء»في الكلام بواو في الرّفع، و ياء في الخفض،و ألف في النّصب،كان صوابا،و ذلك على ترك الهمز و نقل إعراب الهمزة إلى الحرف الّذي قبلها.من ذلك قول العرب:هؤلاء نشء صدق،فإذا طرحوا الهمزة قالوا:هؤلاء نشو صدق،و رأيت نشا صدق،و مررت بنشي صدق.و أجود من ذلك حذف الواو و الألف و الياء؛لأنّ قولهم:يسل أكثر من يسأل، و مسلة أكثر من مسألة،و كذلك(بين المر و زوجه) إذا تركت الهمزة.(2:96)

أبو عبيدة :أي ما استدفئ به من أوبارها، و(منافع)سوى ذلك.(1:356)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و من حججه عليكم أيّها النّاس ما خلق لكم من الأنعام،فسخّرها لكم، و جعل لكم من أصوافها و أوبارها و أشعارها ملابس تدفئون بها.(7:559)

الزّجّاج: ما يدفئهم من أوبارها و أصوافها.

و أكثر ما تستعمل الأنعام في الإبل خاصّة،و تكون للإبل و الغنم و البقر،فأخبر اللّه عزّ و جلّ أنّ في الأنعام ما يدفئنا،و لم يقل:لكم فيها ما يكنّكم و يدفئكم من البرد،لأنّ ما ستر من الحرّ ستر من البرد،و ما ستر من البرد ستر من الحرّ،قال اللّه عزّ و جلّ في موضع آخر:

سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ النّحل:81،فعلم أنّها تقي البرد أيضا،و كذلك إذا قيل: لَكُمْ فِيها دِفْءٌ علم أنّها تستر من البرد،و تستر من الحرّ.(3:190)

القمّيّ: حواشي الإبل.و يقال:بل هي الإدفاء من البيوت و الثّياب.أي ما تستدفئون به ممّا يتّخذ من صوفها و وبرها.(1:382)

النّحّاس: ...عن ابن عبّاس:النّسل،و عن مجاهد:لباس ينسج...و هذا قول حسن،أي ما يدفئ من أوبارها و غير ذلك.و أحسب مذهب ابن عبّاس أنّ«المنافع»:النّسل،لا الدّفء،على أنّ الأمويّ قد روى أنّ الدّفء عند العرب نتاج الإبل،و الانتفاع بها،

ص: 707

فيكون هذا فيه.(4:54)

الثّعلبيّ: يعني من أوبارها و أصوافها و أشعارها ملابس و لحفا و قطن (1)يستدفئون.(6:7)

نحوه البغويّ.(3:71)

الطّوسيّ: ما استدفأت به.[و نقل قول الحسن و أضاف:]

و قال ابن عبّاس:هو اللّباس من الأكسية و غيرها،كأنّه سمّي بالمصدر.و منه دفؤ يومنا دفأ، و نظيره:«الكنّ».(6:361)

الميبديّ: و الدّفء اسم لما يدفأ من البرد.يعني ما يستدفئون به من الأكسية و الأبنية من أشعارها و أصوافها و أوبارها،فيمنع البرد و الحرّ جميعا.لكن اقتصر على ذكر أحد الضّدّين.كقوله: وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ النّحل:81.(5:356)

الزّمخشريّ: و الدّفء:اسم ما يدفأ به كما أنّ الملء اسم ما يملأ به،و هو الدّفاء من لباس معمول من صوف أو وبر أو شعر.و قرئ: (دف) بطرح الهمزة و إلقاء حركتها على الفاء.(2:401)

نحوه النّسفيّ(2:280)،و النّيسابوريّ(14:

47)،و القاسميّ(10:3779).

ابن عطيّة: و الدّفء:السّخانة و ذهاب البرد بالأكسية و نحوها.و ذكر النّحّاس عن الأمويّ أنّه قال:الدّفء في لغة بعضهم:تناسل الإبل.

و قد قال ابن عبّاس:نسل كلّ شيء،و قد قال ابن سيده:الدّفء:نتاج الإبل و أوبارها و الانتفاع بها.

و المعنى الأوّل هو الصّحيح.و قرأ الزّهريّ و أبو جعفر (دفّ) بضمّ الفاء و شدّها و تنوينها.(3:379)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:430)

الطّبرسيّ: قيل:ما يستدفأ به ممّا يعمل من صوفها و وبرها،و شعرها،عن الحسن.فيدخل فيه الأكسية،و اللّحف،و الملبوسات،و غيرها.

و قيل:إنّ معناه و خلق الأنعام لكم،أي لمنافعكم، ثمّ ابتدأ و أخبر و قال: فِيها دِفْءٌ، عن الحسن، و جماعة.(3:350)

الفخر الرّازيّ: أنّه تعالى لمّا ذكر أنّه خلق الأنعام للمكلّفين أتبعه بتعديد تلك المنافع،و اعلم أنّ منافع النّعم منها ضروريّة،و منها غير ضروريّة،و اللّه تعالى بدأ بذكر المنافع الضّروريّة.

فالمنفعة الأولى:قوله: لَكُمْ فِيها دِفْءٌ و قد ذكر هذا المعنى في آية أخرى فقال: وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها النّحل:80،و الدّفء عند أهل اللّغة:ما يستدفأ به من الأكسية(19:227)

نحوه الخازن.(4:66)

العكبريّ: (و لكم)فيها وجهان:

أحدهما:هي متعلّقة ب(خلق)فيكون فِيها دِفْءٌ جملة في موضع الحال من الضّمير المنصوب.

و الثّاني:يتعلّق بمحذوف،ف(دفء)مبتدأ، و الخبر(لكم.)

و في(فيها)وجهان:9)

ص: 708


1- الظّاهر قطف كما في القرطبيّ...لأنّ القطن نباتيّ. (10:69)

أحدهما:هو ظرف للاستقرار في(لكم.)

و الثّاني:هو حال من(دفء.)

و يجوز أن يكون(لكم)حالا من(دفء) و(فيها)الخبر.و يجوز أن يرتفع(دفء)ب(لكم) أو ب(فيها،)و الجملة كلّها حال من الضّمير المنصوب.

و يقرأ (دف) بضمّ الفاء من غير همز،و وجهه أنّه ألقى حركة الهمزة على الفاء و حذفها.(2:789)

القرطبيّ: الدّفء:السّخانة.[ثمّ قال نحو الثّعلبيّ]

(10:69)

مثله الشّوكانيّ.(3:186)

البيضاويّ: ما يدفأ به فيقي البرد.(1:549)

أبو حيّان :و الأظهر أن يكون لَكُمْ فِيها دِفْءٌ استئناف لذكر ما ينتفع بها من جهتها،و(دفء) مبتدأ و خبره(لكم،)و يتعلّق(فيها)بما في(لكم) من معنى الاستقرار.

و جوّز أبو البقاء أن يكون(فيها)حالا من (دفء،)إذ لو تأخّر لكان صفة،و جوّز أيضا أن يكون(لكم)حالا من(دفء)و(فيها)الخبر.

و هذا لا يجوز،لأنّ الحال إذا كان العامل فيها معنى فلا يجوز تقديمها على الجملة بأسرها،لا يجوز:قائما في الدّار زيد،فإن تأخّرت الحال عن الجملة جازت بلا خلاف،أو توسّطت فأجاز ذلك الأخفش،و منعه الجمهور.

و أجاز أيضا أن يرتفع(دفء)ب(لكم)أو نعتها ب(أل)،و الجملة كلّها حال من الضّمير المنصوب انتهى.و لا تسمّى جملة،لأنّ التّقدير:خلقها لكم فيها دفء،أو خلقها لكم كائنا فيها دفء،و هذا من قبيل المفرد،لا من قبيل الجملة.

و جوّزوا أن يكون(لكم)متعلّقا ب(خلقها،) و فِيها دِفْءٌ استئناف لذكر منافع الأنعام.و يؤيّد كون لَكُمْ فِيها دِفْءٌ يظهر فيه الاستئناف مقابلته بقوله: وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ، فقابل المنفعة الضّروريّة بالمنفعة غير الضّروريّة...

و قرأ الزّهريّ و أبو جعفر: (دفّ) بضمّ الفاء و شدّها و تنوينها،و وجهه أنّه نقل الحركة من الهمزة إلى الفاء بعد حذفها،ثمّ شدّد الفاء إجراء للوصل مجرى الوقف،إذ يجوز تشديدها في الوقف.و قرأ زيد ابن عليّ (دف) بنقل الحركة،و حذف الهمزة دون تشديد الفاء.و قال صاحب«اللّوامح»:الزّهريّ (دف)بضمّ الفاء من غير همز،و الفاء محرّكة بحركة الهمزة المحذوفة.و منهم من يعوّض من هذه الهمزة فيشدّد الفاء،و هو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفا...

و أفرد منفعة الأكل بالذّكر،كما أفرد منفعة الدّفء،لأنّهما من أعظم المنافع.(5:474)

نحوه السّمين.(4:313)

أبو السّعود :و قوله تعالى:(لكم)إمّا متعلّق ب(خلقها،)و قوله:(فيها)خبر مقدّم،و قوله:

(دفء)مبتدأ-و هو ما يدفأ به فيقي من البرد- و الجملة حال من المفعول،أو الظّرف الأوّل خبر للمبتدإ المذكور و(فيها)حال من(دفء)إذ لو تأخّر لكان صفة.(4:42)

ص: 709

البروسويّ: و الدّفء نقيض حدّة البرد،أي بمعنى السّخونة و الحرارة،ثمّ سمّي به كلّ ما يدفأ به أي يسخن به من لباس معمول من صوف الغنم أو وبر الإبل أو شعر المعز هذا.و أمّا الفرو فلا بأس به بعد الدّباغة من أيّ صنف كان.(5:7)

شبّر:(لكم)لانتفاع،و بيّنه بقوله: فِيها دِفْءٌ... [أي]ما يستدفأ به من البرد من لباس و نحوه.(3:399)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان إلاّ أنّه قال:]

و المراد به:ما يعمّ اللّباس و البيت الّذي يتّخذ من أوبارها و أصوافها.[ثمّ ذكر قولي ابن عبّاس:أنّه الثّياب،و النّسل،و استظهر الأوّل](14:98)

عزّة دروزة :ما تستدفئون به.و المتبادر أنّ القصد من الجملة الإشارة إلى شعر الأنعام و صوفها و وبرها الّذي يصنع منه الثّياب الّتي تبعث الدّفء في الأجسام.(6:56)

ابن عاشور :و الدّفء بكسر الدّال:اسم لما يتدفّأ به كالملء و الحمل.و هو الثّياب المنسوجة من أوبار الأنعام و أصوافها و أشعارها،تتّخذ منها الخيام و الملابس.

فلمّا كانت تلك مادّة النّسج جعل المنسوج كأنّه مظروف في الأنعام،و خصّ الدّفء بالذّكر من بين عموم المنافع للعناية به.

و عطف(منافع)على(دفء)من عطف العامّ على الخاصّ لأنّ أمر الدّفء قلّما تستحضره الخواطر.

(13:83)

مغنيّة:ما يتدفّأ به،و المراد به هنا:ما يتّخذ من جلود الأنعام و أصوافها للثّياب و الفرش.(4:497)

الطّباطبائيّ: و كأنّ المراد ب«الدّفء»ما يحصل من جلودها و أصوافها و أوبارها من الحرارة للاتّقاء من البرد،أو المراد ب«الدّفء»ما يدفأ به.(12:211)

المصطفويّ: كلمة(لكم)متعلّق بقوله:

(خلقها،)فإنّ المقام للامتنان و بيان نعمائه تعالى له، و إن كان خبرا عن الدّفء،لا يحتاج إلى ذكر كلمة (خلقها)في المورد.و لا يستفاد سلطة الإنسان و حكومته عليها كيفما يشاء.

و ذكر كلمات مَنافِعُ، مِنْها تَأْكُلُونَ، و تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ: يدلّ على أنّ المفهوم من الدّفء ليس مطلق المنافع و لا ما يؤكل منها،كما قال بعض.

فظهر أنّ الدّفء:هو ما يدفع البرد و يتّقى به عنه من صوف و وبر و شعر و جلد.

فالأنعام خلقها اللّه تعالى لتأمين معاش الإنسان:

من طعامه و ملبسه و حمل أثقاله و سفره و تجارته.

و هذه عمدة ما يحتاج اليه الإنسان في حياته.

إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ و هذه النّعم من آثار رأفته و رحمته.(3:225)

فضل اللّه :تتّقون به البرد،بما تلبسونه أو تتدثّرون به،أو تجلسون عليه،من جلودها و أصوافها و أوبارها،الّتي تمنحكم مقدارا من الحرارة،تبعد عنكم الإحساس بالبرد.(13:196)

مكارم الشّيرازيّ: و قد أشارت الآية إلى ثلاث فوائد:أوّلا:«الدّفء»و يشمل كلّ ما يتغطّى به

ص: 710

بالاستفادة من وبرها و جلودها،كاللّباس و الأغطية و الأحذية و الأخبية...(8:123)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّفء:السّخونة؛ و الجمع:أدفاء.يقال:ما عليه دفء،أي ما يدفئ، و اقعد في دفء هذا الحائط،أي كنّه،و هو ما يردّ البرد، و قد دفئ الرّجل من البرد يدفأ دفأ و دفاء،فهو دفئ و دفآن،و هي دفأى؛و جمعهما دفاء،مثل:عطشان و عطشى و عطاش.و دفؤ يدفأ دفاءة،و تدفّأ و ادّفأ و استدفأ كذلك.يقال:تدفّأت و ادّفأت و استدفأت:

لبست ما يدفئني.

و أدفأه:ألبسه ما يدفئه،و أدفأه الثّوب،و تدفّأ هو بالثّوب و استدفأ به،و ادّفأ به،و ثوب ذو دفء و دفاءة.

و الدّفاء:ما استدفئ به،كالثّوب و المنزل و الكنّ.

يقال:ثوب دفيء و منزل دفيء،و ما كان البيت دفيئا و لقد دفؤ،و غرفة دفيئة،و بلدة دفيئة،و يوم دفيء و ليلة دفيئة،و قد دفؤت ليلتنا.

و الدّفأة:الذّرا تستدفئ به من الرّيح،و أرض مدفأة:ذات دفء.

و الدّفء:نتاج الإبل و أوبارها و ألبانها و ما ينتفع به منها،لأنّه يتّخذ من أوبارها و أصوافها ما يستدفأ به.يقال:إبل مدفّأة و مدفأة،أي كثيرة الأوبار و الشّحوم يدفئها أوبارها،و إبل مدفئة و مدفّئة:

كثيرة،يدفئ بعضها بعضا بأنفاسها،و في الحديث:«لنا من دفئهم و صرامهم ما سلّموا بالميثاق»،أي من إبلهم و غنمهم.

و الدّفئيّ: نتاج الغنم آخر الشّتاء.

و الدّفئيّ أيضا:المطر الّذي يكون بعد الرّبيع قبل الصّيف حين تذهب الكمأة.

و الدّفيئة:الميرة تحمل في قبل الصّيف.

و الدّفء:العطيّة،لأنّ الوشائج تستحرّ بها و تدفأ، و أدفأت الرّجل إدفاء:أعطيته عطاء كثيرا.

و أدفأت القوم:جمعتهم حتّى اجتمعوا،لأنّ أنفاسهم تدفئهم عند اجتماعهم،و أدفأت الإبل على مائة:زادت.

2-و تحذف الهمزة في لغة أهل اليمن للتّخفيف.

يقال:ادّفيت و استدفيت،أي لبست ما يدفئني،و منه الحديث:«أنّه أتي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأسير يرعد، فقال لقوم:اذهبوا فأدفوه،فذهبوا به فقتلوه؛فوداه».

و كان يريد الإدفاء،أي الدّفء من البرد،فخفّفه بحذف الهمزة،فحسبوه الإدفاء بمعنى القتل.يقال منه:

دفوت الجريح و دافيته و أدفيته،أي أجهزت عليه.

و أمّا الدّفأ بمعنى الحنأ،فهو على لغة من يهمز.

يقال:رجل أدفأ و امرأة دفأى،و فلان فيه دفء،أي انحناء.و أصله الدّفا؛يقال منه:رجل أدفى،أي فيه انحناء،و في صفة الدّجّال:«فيه دفا»،أي انحناء.

و أبدلت الفاء ثاء في الدّفئيّ،أي نتاج الغنم في الصّيف،و من المطر:الّذي يأتي بعد اشتداد الحرّ،و هو إبدال مشهور في اللّغة،إذ تتعاقب الفاء و الثّاء في طائفة كبيرة من الألفاظ.

ص: 711

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسم المصدر:(دفء)مرّة في آية:

وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ النّحل:5

هذه من جملة آيات هذه السّورة من 3: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ... إلى 16: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ، ذكر اللّه فيها ما خلق للإنسان من النّعم،بدء بخلق السّماوات و الأرض ثمّ خلق الإنسان من نطفة،ثمّ خلق الأنعام،و فصّل ما فيها من المنافع للإنسان إلى الآية رقم:8،ثمّ إنزال الماء من السّماء و منافعه إلى:13،ثمّ البحر و منافعها،ثمّ ما في الأرض من الجبال،و الأنهار و السّبل،ثمّ العلامات و النّجم و الاهتداء بها،و ختمها بقوله في:17 و 18:

أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ* وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

فنرى أنّه تعالى قد خصّ الأنعام بأربع آيات«5- 8»: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ* وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ* وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ.

و ذكر فيها كثيرا من منافعها تصريحا بهذا اللّفظ:

وَ مَنافِعُ في الآية الأولى،و بدء ب دِفْءٌ، ثمّ الأكل،ثمّ الجمال حين الإراحة و السّرح،ثمّ حمل الأثقال إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلاّ بشقّ الأنفس -و قرن بها إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ اهتماما بها-ثمّ ذكر جملة من الأنعام بأسمائها:الخيل،و البغال، و الحمير للرّكوب و الزّينة.و ختمها ب وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ. الظّاهر في أنّ ما يخلقه فيما بعد يكون من جملة ما يركبون،فلعلّه إخبار بما حدث في عصرنا من المراكب البرّيّة،و البحريّة،و الفضائيّة،أو ما سبقها بين الأقوام من الوسائل،و العربات المختلفة للرّكوب و حمل الأثقال،فإنّها و إن كانت من صنع البشر إلاّ أنّها بإلهام و توفيق من اللّه تعالى،كما أنّ سفينة نوح كانت بوحي اللّه و بأعينه تعالى.و نحن نعلم أنّ الكتاب و الخطّ من صنع النّاس،و لكنّ اللّه اعتبره من تعليمه في وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللّهُ البقرة:

282،و في اِقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ* اَلَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ العلق:3-5.لاحظ:ع ل م:

«علّم»،و:ن ع م:«الانعام».

و قال الفخر الرّازيّ: «...و اعلم أنّ منافع النّعم منها ضروريّة،و منها غير ضروريّة،و اللّه تعالى بدأ بذكر المنافع الضّروريّة.فالمنفعة الأولى قوله: لَكُمْ فِيها دِفْءٌ. و قد ذكر هذا المعنى في آية أخرى فقال:

وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها النّحل:

80...».

و قال ابن عاشور:«و خصّ الدّفء بالذّكر من بين عموم المنافع للعناية به».و فيها بحوث:

1-قدّم الفعل فيها(خلق)على مفعوله في خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ...، و خُلِقَ الْإِنْسانُ، و عكس في«الأنعام»،فقدّم المفعول في الآية على

ص: 712

(خلق)،فقال: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ، و لا نرى له وجها سوى الاهتمام الكبير بهذا المخلوق من بين ما خلق،و لا سيّما أنّ العرب-و لعلّ كثيرا من الأقوام- كانت تعيش و تشتغل بالأنعام،و لم تكن وسيلة لمعيشتها سواها.

2-جاء خلق السّماوات و الأرض،و خلق الإنسان خبرا عن الغائب من دون خطاب إلى النّاس.

أمّا«الأنعام،فجاءت خلال خطابات متوالية إليهم:

(لكم)مرّتين،(تاكلون،)(تسرحون،) (اثقالكم،)(لم تكونوا،)(ربكم) (لتركبوها،)(ما لا تعلمون.)

و لا شكّ أنّ هذه الخطابات المكرّرة تسع مرّات، إضافة إلى أصل الخطاب بدل الغيبة،شواهد واضحة على عظمة نعمة خلق الأنعام.

و قال المصطفويّ: «فالأنعام خلقها اللّه تعالى لتأمين معاش الإنسان:من طعامه،و ملبسه،و حمل أثقاله،و سفره،و تجارته.و هذه عمدة ما يحتاج إليه الإنسان في حياته».

3-و يضاف إلى ذلك أنّ اللّه وصف نفسه خلالها بقوله: إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ في جملة مؤكّدة ب(انّ)و(ل)،و بالتّعبير عن نفسه ب(ربكم،) و توصيفا نفسه ب(رؤف رحيم)الدّالّة على نهاية لطفه بالنّاس في خلق الأنعام لهم.

4-قدّم ذكر نعمة خلق الأنعام على ما هو أهمّ منها في نفس الأمر،و هو إنزال الماء من السّماء للشّرب،و إثبات الزّرع و الشّجر،و من كلّ الثّمرات به في الآيتين:10 و 11،تقديما لما هو أهمّ عند النّاس -و هو خلق الأنعام-على غيره-و إن كان أهمّ في الواقع-اعتبارا بعواطف النّاس،و بما يحبّون و يهتمّون به،و يرون أنّه ملاك حياتهم،و عماد معيشتهم و بقائهم.

و في هذا السّبيل أكّد اللّه مرّتين جمال الأنعام، و زينتها عند أربابها تقويما لعواطفهم.

5-و بعد تخصيص الأنعام بأربع آيات،اكتفى في ما جاء بعدها ممّا خلق بأقلّ منها:بآيتين في ماء السّماء،و بواحدة في غيره،فلاحظ.

6-قالوا في(دفء)إنّه مصدر أو اسم-و لعلّه كما اخترناه في صدر البحث اسم مصدر-و قالوا في معناه:ما يستدفئ به من أصواف الأنعام،و أوبارها، و أشعارها،ما ينتفع به من أوبارها،الإدفاء من الأكسية و غيرها،الثّياب،لباس ينسج،اللّحف الّتي جعلها اللّه منها،حواشي الإبل،و الإدفاء من البيوت و الثّياب،ما استدفأت به،هو اللّباس من الأكسية و غيرها،كأنّه سمّي بالمصدر،و منه دفؤ يومنا دفأ، و نظيره:«الكنّ»،اسم لما يدفئ من البرد و الحرّ.

الدّفء:السّخانة،و ذهاب البرد بالأكسية و نحوها،اسم لما يدفئ من البرد...

و قال الفخر الرّازيّ: «الدّفء عند أهل اللّغة:ما يستدفأ به من الأكسية».و قال ابن عاشور:«الدّفء بكسر الدّال:اسم لما يتدفّأ به كالملء و الحمل،و هو الثّياب المنسوجة من أوبار الأنعام،و أصوافها، و أشعارها تتّخذ منها الخيام و الملابس.فلمّا كانت

ص: 713

تلك مادّة النّسج جعل المنسوج كأنّه مظروف في الأنعام».

و قال المصطفويّ: «ذكر كلمات مَنافِعُ، و مِنْها تَأْكُلُونَ، و تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ، يدلّ على أنّ المفهوم من الدّفء ليس مطلق المنافع،و لا ما يؤكل منها،كما قال بعض».

و هذه كلّها راجعة إلى المصدر و الاسم المأخوذ منه.و حكى ابن عطيّة عن ابن عبّاس أنّه قال:«نسل كلّ شيء،و عن الأمويّ في لغة بعضهم:تناسل الإبل، و عن ابن سيده:نتاج الإبل،و أوبارها،و الانتفاع بها».

ثمّ قال ابن عطيّة:«و المعنى الأوّل هو الصّحيح».

و قال النّحّاس:«و أحسب مذهب ابن عبّاس أنّ المنافع:النّسل،لا الدّفء».و لابن عبّاس قول آخر حكاه الطّوسيّ:«إنّه اللّباس من الأكسية و غيرها».

و عندنا أنّ سياق الآية هو ما يدفأ به،و قد عطف عليه مَنافِعُ، و مِنْها تَأْكُلُونَ، و ما بعده من منافعها،و هذا لا يناسب النّسل.

7-حكى الزّمخشريّ و غيره أنّه قرئ (دفّ) بطرح الهمزة و إلقاء حركتها على الفاء.و حكى ابن عطيّة و أبو حيّان أنّ الزّهريّ و أبو جعفر قرءا(دفّ) بضمّ الفاء و شدّها و تنوينها.و قال أبو حيّان:«وجهه أنّه نقل الحركة من الهمزة إلى الفاء بعد حذفها،ثمّ شدّد الفاء إجراء للوصل مجرى الوقف؛إذ يجوز تشديدها في الوقف-ثمّ قال-قرأ زيد بن علي (دف) بنقل الحركة و حذف الهمزة دون تشديد الفاء،و هو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفا...».

و قال الفرّاء:«كتبت بغير همز،لأنّ الهمزة إذا سكّن ما قبلها حذفت من الكتاب؛و ذلك لخفاء الهمزة إذا سكت عليها،فلمّا سكّن ما قبلها و لم يقدروا على همزها في السّكت،كان سكوتهم كأنّه على الفاء.

و كذلك قوله: يُخْرِجُ الْخَبْءَ النّمل:25، اَلنَّشْأَةَ العنكبوت:20، مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً آل عمران:91،و اعمل في الهمز بما وجدت في هذين الحرفين.

و إن كتبت«الدّفء»في الكلام بواو في الرّفع، و ياء في الخفض،و ألف في النّصب،كان صوابا...».

8-و قال الميبديّ-و نحوه الزّجّاج قبله-:

«و الدّفء اسم لما يدفئ من البرد،يعني ما يستدفئون به من الأكسية،...فيمنع البرد و الحرّ جميعا،لكن اقتصر على ذكر أحد الضّدّين كقوله: وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ النّحل:81».

و عندنا أنّ هذا صحيح لو انحصر«الدّفء»لغة بالبرد،أمّا لو عمّ البرد و الحرّ-كما ذكره بعضهم-فلا.

9-و قالوا في إعرابها:(لكم)متعلّق ب(خلقها)أي خلقها لمنافعكم،ثمّ ابتدأ و أخبر و قال:

فِيها دِفْءٌ و هي جملة-مبتدأ و هو(دفء) و خبر و هو(فيها)-في موضع الحال من الضّمير المنصوب في(خلقها)أو(لكم)متعلّق بمحذوف، و هو خبر و(دفء)مبتداء،أي ثابت لكم فيها دفء.و هذا يوافق سياق ما بعدها وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ. و لكنّ المصطفويّ رجّح الأوّل و قال:«فإنّ المقام للامتنان و بيان نعمائه تعالى له،و إن كان خبرا

ص: 714

عن الدّفء لا يحتاج إلى ذكر كلمة(خلقها)في المورد.و لا يستفاد سلطة الإنسان و حكومته عليها كيفما شاء!!»و قد أطال العكبريّ و أبو حيّان و غيرهما الكلام في إعرابها،فلاحظ.

و يلاحظ ثانيا:أنّ هذه الآية كغيرها ممّا جاءت في السّور المكّيّة سياقها التّوحيد،و نفي الشّرك،و هو من أكبر ما اهتمّ به القرآن في مكّة كالبعث و الرّسالة، و قد تصدّرت بها هذه السّورة: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ* يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاتَّقُونِ.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الحرّ: وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا التّوبة:81

الوهج: وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهّاجاً النّبأ:13

العصيب: وَ قالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ هود:77

ص: 715

ص: 716

د ف ع

اشارة

6 ألفاظ،10 مرّات:4 مكّيّة،6 مدنيّة

في 8 سور:4 مكّيّة،4 مدنيّة

دفعتم 1:-1 دفع 2:-2

ادفع 2:2 دافع 2:2

ادفعوا 2:-2 يدافع 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :دفعت عنه كذا و كذا دفعا و مدفعا،أي منعت.

و دافع اللّه عنك المكروه دفاعا،و هو أحسن من دفع.

و الدّفعة:انتهاء جماعة قوم إلى موضع بمرّة.

و أمّا الدّفعة:فما دفع من إناء أو سقاء فانصبّ بمرّة.

و كذلك دفع المطر نحوه.

و الدّفّاع:طحمة الموج و السّيل.

و الدّفّاع:الشّيء العظيم الّذي يدفع بعضه بعضا.

و الدّافعة:التّلعة تدفع في تلعة أخرى من مسايل الماء إذا جرى في صبب و حدور،فتراه يتردّد في مواضع فانبسط شيئا،أو استدار،ثمّ دفع في أخرى أسفل من ذلك،فكلّ واحد من ذلك دافعة؛و جمعه:

دوافع،و ما بين الدّافعتين مذنب.

و الاندفاع:المضيّ في الأمر كائنا ما كان.و أمّا قول الشّاعر:

أيّها الصّلصل المغذّ إلى المد

فع من نهر معقل فالمذار

فيقال:أراد بالمدفع موضعا.و يقال:بل المدفع مذنب الدّافعة الأخرى،لأنّها تدفع إلى الدّافعة الأخرى.

و المدفّع:الرّجل المحقور الّذي لا يقري الضّيف، و لا يجدي إن اجتدي،أي طلب إليه.

ص: 717

و إذا مات أبو الصّبيّ فهو يتيم،و هو مدفّع،أي:

يدفع و يحقر.

و فلان سيّد قومه غير مدافع،أي غير مزاحم فيه، و لا مدفوع عنه.و هذا طريق يدفع إلى مكان كذا.أي ينتهي إليه.

و دفع فلان إلى فلان انتهى إليه.

و قولهم:غشيتنا سحابة فدفعناها إلى بني فلان، أي انصرفت إليهم عنّا.

و الدّافع:النّاقة الّتي تدفع اللّبن على رأس ولدها،إنّما يكثر اللّبن في ضرعها حين تريد أن تضع، و كذلك الشّاة المدفاع.و المصدر:الدّفعة.

و رأيت عليه دفعا،أي دفعة دفعة.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات]

(2:45)

ابن شميّل: الدّوافع:أسافل الميث حيث تدفع في الأودية،أسفل كلّ ميثاء دافعة.(الأزهريّ 2:226)

يقال دفعت بلبنها و باللّبن،إذا كان ولدها في بطنها،فإذا نتجت فلا يقال:دفعت.(الأزهريّ 2:228)

مدفع الوادي:حيث يدفع السّيل و هو أسفله حيث يتفرّق ماؤه.(الأزهريّ 2:228)

أبو عمرو الشّيبانيّ: دفعه فدربأه،و دهوره،إذا ألقاه.(1:244)

المدافع:مجاري الماء.(الأزهريّ 2:228)

الدفّاع:الكثير من النّاس و من السّير،و من جري الفرس إذا تدافع جريه.و فرس دفّاع.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 2:228)

أبو عبيدة:قوم يجعلون المفكه و الدّافع سواء.

يقولون:هي دافع بولد،و إن شئت قلت:هي دافع بلبن،و إن شئت قلت:هي دافع بضرعها،و إن شئت قلت:هي دافع،و تسكت.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 2:227)

أبو زيد :يقال:دافع الرّجل أمر كذا و كذا،إذا أولع به و انهمك فيه.

و يقال:دافع فلان فلانا في حاجته،إذا ماطله فيها فلم يقضها.(الأزهريّ 2:228)

الأصمعي:بعير مدفّع:كالمقرم الّذي يودع للفحلة فلا يركب و لا يحمل عليه.هو الّذي إذا أتي به ليحمل عليه قيل:ادفع هذا،أي دعه إبقاء عليه.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و يقال:جاء دفّاع من الرّجال و النّساء،إذا ازدحموا فركب بعضهم بعضا.

الدّوافع:مدافع الماء إلى الميث،و الميث تدفع إلى الوادي الأعظم.(الأزهريّ 2:228)

أبو حاتم: إنّ العرب تقول:أحسن اللّه عنك الدّفاع و المدافعة.مثل:ناولتك الشّيء.

(النّحّاس 1:256)

الدّينوريّ: و دفع الرّجل قوسه يدفعها:سوّاها.

و يلقى الرّجل الرّجل،فإذا رأى قوسه قد تغيّرت، قال:ما لك لا تدفع قوسك؟أي ما لك لا تعملها هذا العمل.(ابن سيده 2:22)

الحربيّ: تدافع:مشى،استوى و دخل بعضه في بعض.(2:408)

ص: 718

ابن دريد:الدّفعة:ما دفعته بيدك.و الدّفعة:من المطر لا غير.(1:267)

و الدّفع:دفعك الشّيء عن نفسك،و كلّ شيء أزلته عنك فقد دفعته.

و الضّيف المدفّع:الّذي يتدافعه الحيّ فيحيله هذا على هذا.

و تدافع السّيل:تراكب بعضه على بعض.

و دفع الدّم:خروج بعضه في إثر بعض.

و تدافع القوم مدافعة و دفاعا،إذا تدارءوا.

و يقال:دافعت فلانا بحقّه،إذا مطلته.

و رجل مدفّع،إذا دفع عن نسبه.

و دفّاع السّيل:تراكم بعضه على بعض.

و قد سمّت العرب دفّاعا و دافعا و مدافعا.

(2:278)

القاليّ: و قوله:يدفع عنها بعضها عن بعض،أي هي مستوية حسان كلّها،ليست فيها واحدة تبينها فتسبق إليها العين،و لكن إذا قيل:هذه أحسن،قيل:

لا هذه؛فيدفع بعضها عن بعض العين أن تعينها.

(1:81)

الدّوافع:جمع دافعة،و هي الّتي تدفع الماء.

(2:321)

الأزهريّ: ...[و قيل]:المدافع:المجاري و المسائل.[ثمّ استشهد بشعر](2:226)

الصّاحب:[نحو الخليل إلاّ أنّه قال:]

دفع اللّه المكروه عنك،و دافع،جميعا.

و الدّافعة:التّلعة.و مذنبها:المدفع.و إذا ضخم ضرع النّاقة أو الشّاة قبل نتاجها فهي دافع و مدفاع، و قد دفعت.

و النّعجة تسمّى دفاع،لأنّها تدافع فخذها من هاهنا و هاهنا ضخما.

و المدفّع:المحقور لا يجدي إن اجتدي.و من الإبل:

الضّخم العظيم إذا مشى تدافع،و قيل:الّذي يؤتى به ليحمل عليه فيقال:ادفعه شفقة عليه.

و حكى الجاحظ:الدّفّاع:الّذي إذا وضع في القصعة عظم ممّا يليه نحّاه حتّى يصير مكانه قطعة لحم.

(1:427)

نحوه الصّغانيّ.(4:249)

الجوهريّ: دفعت إلى فلان شيئا.و دفعت الرّجل فاندفع.

و اندفع الفرس،أي أسرع في سيره،و اندفعوا في الحديث.

و المدافعة:المماطلة.و دافع عنه و دفع بمعنى.تقول منه:دافع اللّه عنك السّوء دفاعا.

و استدفعت اللّه الأسواء،أي طلبت منه أن يدفعها عنّي.

و تدافع القوم،أي دفع بعضهم بعضا.

و الدّفعة:من المطر و غيره بالضّمّ،مثل الدّفقة.

و الدّفعة بالفتح:المرّة الواحدة.

و المدفّع بالتّشديد:الفقير و الذّليل،لأنّ كلاّ يدفعه عن نفسه.

و الدّافع:الشّاة أو النّاقة الّتي تدفع اللّبأ في ضرعها قبيل النّتاج.يقال:دفعت الشّاة،إذا أضرعت على

ص: 719

رأس الولد.

و المدفع:واحد مدافع المياه الّتي تجري فيها.

و المدفع بالكسر:الدّفوع.و منه قولها:«لا بل قصير مدفع».

و الدّفّاع بالضّمّ و التّشديد:السّيل العظيم.

(3:1208)

ابن فارس: الدّال و الفاء و العين أصل واحد مشهور،يدلّ على تنحية الشّيء.يقال دفعت الشّيء أدفعه دفعا.و دافع اللّه عنه السّوء دفاعا.و المدفّع:

الفقير،لأنّ هذا يدافعه عند سؤاله إلى ذلك.

و الدّفعة:من المطر و الدّم و غيره.و أمّا الدّفّاع فالسّيل العظيم،و كلّ ذلك مشتقّ من أنّ بعضه يدفع بعضا.

و المدفّع:البعير الكريم،و هو الّذي كلّما جيء به ليحمل عليه أخّر و جيء بغيره إكراما له.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:288)

الثّعالبيّ: تفصيل ضروب من الجماعات...فإذا ازدحموا يركب بعضهم بعضا،فهم:دفّاع.(225)

ابن سيده: الدّفع:الإزالة بقوّة،دفعه يدفعه دفعا و دفاعا و دافعه و دفّعه فاندفع،و تدفّع و تدافع.

و تدافعوا الشّيء:دفعه كلّ واحد منهم عن نفسه.

و رجل دفّاع و مدفع:شديد الدّفع.

و ركن مدفع:قويّ.

و دفع عنه الشّرّ،على المثل،و من كلامهم:ادفع الشّرّ و لو إصبعا.حكاه سيبويه.

و الدّفعة:انتهاء جماعة القوم إلى موضع بمرّة.

و الدّفعة:ما دفع من سقاء أو إناء فانصب بمرّة.

و كذلك دفع المطر و نحوه.

و تدفّع السّيل و اندفع:دفع بعضه بعضا.

و الدّفّاع:طحمة السّيل و الموج.

و الدّفّاع:كثرة الماء و شدّته.

و الدّفّاع أيضا:الشّيء العظيم يدفع به عظيم مثله، على المثل.

و الدّافعة:التّلعة من مسايل الماء تدفع في تلعة أخرى.

و المدفّع و المتدافع:المحقور الّذي لا يضيّف إن استضاف،و لا يجدى إن استجدى.و قيل:هو الضّيف الّذي يتدافعه الحيّ.

و المدفّع:المدفوع عن نسبه.

و الدّافع و المدفاع:النّاقة تدفع اللّبن على رأس ولدها لكثرته،و إنّما يكثر اللّبن في ضرعها حين تريد أن تضع.و كذلك الشّاة.

و الدّفوع من النّوق:الّتي تدفع برجلها عند الحلب.

و الاندفاع:المضيّ في الأمر.

و المدافعة:المزاحمة.

و دفع إلى المكان و دفع كلاهما:انتهى.

و غشيتنا سحابة ثمّ دفعناها إلى غيرنا،أي ثنيت عنّا و أراد دفعتنا،أي دفعت عنّا.

و دافع و دفّاع و مدافع:أسماء.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:22)

الدّفوع:القوس الشّديدة الدّفع للسّهم،و هي

ص: 720

قوس دفوع.(الإفصاح 1:604)

دفع العدوّ يدفعه دفعا،و دفّعه:نحّاه.

و دافع عنه مدافعة و دفاعا:حامى عنه.

و تدافعوا في الحرب:دفع بعضهم بعضا.

(الإفصاح 1:626)

الدّفع:الإزالة بقوّة.دفعه يدفعه دفعا،و دفّعه و دافعه فاندفع و تدفّع.(الإفصاح 1:649)

ناقة دفوع:تدفع برجلها عند الحلب،و قد دفعت تدفع دفعا.(الإفصاح 2:725)

الطّوسيّ: أصل الدّفع:الصّرف عن الشّيء،دفع دفعا،و دافع مدافعة و دفاعا،و اندفع اندفاعا،و تدافع تدافعا،و تدفّع تدفّعا،و دفّعه تدفيعا،و استدفع استدفاعا.

و الضّيف المدفّع،لتدافع الحيّ به لاحتقاره.

و الدّفّاع:السّيل،لتدافع بعضه على بعض.

و الدّفعة:اندفاع الشّيء جملة.

و رجل مدفّع أي عن نسبه.(2:301)

الرّاغب: الدّفع،إذا عدّي ب«إلى»اقتضى معنى الإنالة،نحو قوله تعالى: فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ النّساء:6،و إذا عدّي ب«عن»اقتضى معنى الحماية، نحو: إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا الحجّ:38، و قال: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ الحجّ:40،و قوله: لَيْسَ لَهُ دافِعٌ* مِنَ اللّهِ ذِي الْمَعارِجِ المعارج:2-3،أي:حام.

و المدفع:الّذي يدفعه كلّ أحد.

و الدّفعة:من المطر،و الدّفاع:من السّيل.(170)

الزّمخشريّ: دفعته عنّي.و دفعت في صدره.

و دفع اللّه عنك المكروه.

و دافع اللّه عنك أحسن الدّفاع.

و استدفع اللّه تعالى الأسواء.

و دفع إليه مالا.

و دفعته فاندفع.

و رجل دفوع و دفّاع و مدفع،و هو مدفع عن المكارم.

و دفّعته فتدفّع.

و جاءوا دفعة.

و أعطاه ألفا دفعة أي بمرّة.

و انصبّت دفعة من مطر.

و رأيت عليه دما دفعا.

و جاء الوادي بدفّاع و هو السّيل العظيم.

و من المجاز:فلان مدقع مدفّع،و هو الفقير الّذي يدفعه كلّ أحد عن نفسه.

و بعير مدفّع:كريم على أهله إذا قرب للحمل ردّ ضنّا به.

و هذا طريق يدفع إلى مكان كذا أي ينتهي إليه.

و دفع فلان إلى فلان:انتهى إليه.

و دفعت إلى أمر كذا.و أنا مدفوع إليه:

مضطرّ.

و غشيتنا سحابة فدفعناها إلى بني فلان،إذا انصرفت عنّا إليهم.

و جاءني دفّاع من النّاس:للكثير.

ص: 721

و اندفع في الأمر:مضى فيه.

و اندفع الفرس:أسرع في سيره.

و دفعت النّاقة على رأس ولدها،إذا عظم ضرعها و هي حامل.

و ناقة دافع،فإذا كان ذلك بعد النّتاج فهي حافل.

و تدافع السّيل.

و هذا قول متدافع.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(أساس البلاغة:132)

«دفع من عرفات العنق...»أي ابتدأ السّير من عرفات،و حقيقته دفع نفسه منها و نحّاها.[إلى أن قال:]

«خالد رضي اللّه عنه لمّا أخذ الرّاية يوم مؤتة دافع بالنّاس و خاشى بهم.»،و روي:رافع.

«دافع»من الدّفع،بمعنى التّنحية.و«رافع.»من قولهم:رفع الشّيء،إذا أخذه و أحرزه.و«خاشى»:

من الخشية،و المعنى:أنّه نحّى المسلمين عن القتال و صدّهم عنه،و حاذر عليهم منه.و كأنّ مجيء هذه الأفعال على«فاعل»فائدته أنّه ظاهر غيره على ذلك،مبالغة في الإبقاء عليهم.(الفائق 1:429)

نحوه المدينيّ(1:664)،و ابن الأثير.(2:124).

الفيّوميّ: دفعته دفعا:نحّيته،فاندفع.

و دفعت عنه الأذى و دافعت عنه،مثل:حاججت.

و دافعته عن حقّه:ماطلته.

و تدافع القوم:دفع بعضهم بعضا.

و دفعت القول:رددته بالحجّة.

و دفعت الوديعة إلى صاحبها:رددتها إليه.

و دفعت عن الموضع:رحلت عنه.

دفع القوم جاءوا بمرّة.

و دفعت إلى كذا،بالبناء للمفعول:انتهيت إليه.

و الدّفعة بالفتح:المرّة،و بالضّمّ:اسم لما يدفع بمرّة.يقال:دفعت من الإناء دفعة بالفتح بمعنى المصدر؛و جمعها:دفعات،مثل:سجدة و سجدات، و بقي الإناء دفعة بالضّمّ،أي مقدار يدفع.

قال ابن فارس:و الدّفعة:من المطر و الدّم و غيره، مثل:الدّفقة؛و الجمع:دفع و دفعات،مثل:غرفة و غرف و غرفات في وجوهها.(1:196)

الفيروزآباديّ: دفعه،و إليه،و عنه الأذى، ك«منع»،دفعا و مدفعا.

و الدّفعة:المرّة،و بالضّمّ:الدّفعة من المطر؛جمعه:

دفع،كصرد،و ما انصبّ من سقاء أو إناء بمرّة.

و كمقعد:عين،و مذنب (1)الدّافعة،لأنّها تدفع فيه إلى الدّافعة الأخرى،و واحد مدافع المياه الّتي تجري فيها.

و كمنبر:الدّفوع.و كمعظّم:البعير الكريم، و المهان؛ضدّ،و الرّجل المحقور،و الّذي دفع عن نسبه،و ضيف يتدافعه الحيّ يحيله كلّ على الآخر.

و ناقة دافع و دافعة و مدفاع:تدفع اللّبأ في ضرعها قبيل النّتاج.م.

ص: 722


1- و عند الخليل و اللّسان و كتب اللّغة:«مذنب»بكسر الميم.

و الدّوافع:أسافل الميث حيث تدفع فيه الأودية أسفل كلّ ميثاء دافعة.

و كشدّاد:من إذا وقع في القصعة عظم ممّا يليه، نحّاه حتّى تصير مكانه لحمة.

و بالضّمّ:طخمة الموج و السّيل،و الشّيء العظيم يدفع به مثله.

و اندفع في الحديث:أفاض،و الفرس:أسرع في سيره،و مطاوع دفعه.

و المدافعة:المماطلة،و الدّفع.و منه: إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا. الحجّ:38.

و دفاع،معرفة:علم للنّعجة.

و سيّد غير مدافع،بفتح الفاء:غير مزاحم.

و استدفع اللّه الأسواء:طلب منه أن يدفعها عنه.

و تدافعوا في الحرب:دفع بعضهم بعضا.(3:21)

الطّريحيّ: [ذكر نحو الفيّوميّ و أضاف:]

و السّلاح مدفوع عنه في حديث الأئمّة،أي لا يصيبه ضرر من شيء.(4:325)

الجزائريّ: الرّدّ و الدّفع:هما بمعنى في اللّغة.

و فرّق بعضهم بينهما بأنّ الدّفع قد يكون إلى جهة القدّام و الخلف،و الرّدّ لا يكون إلاّ من جهة الخلف.

و يدلّ عليه قوله تعالى: وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ هود:76،فإنّه لا معقّب لحكمه.(106)

العدنانيّ: المدفع.

و يطلقون على آلة الحرب المعروفة الّتي ترمى بها القذائف:اسم المدفع،و على السّاحة الّتي توضع فيها تلك الآلة الّتي تطلق منها قذائف رمضان و العيدين:

اسم ساحة المدفع.و الصّواب:هو:المدفع،و ساحة المدفع،كما تقول المعجمات الّتي ألّفت بعد عام:

1850 م،لأنّ كلمة«مدفع»آلة الحرب هذه، استعملت أوّل مرّة في مصر عام:1850 م.و سمّيت كذلك،لأنّها آلة تدفع القذائف.و من أوزان اسم الآلة مفعل لا مفعل.

و من تلك المعجمات الحديثة الّتي ذكرت أنّ المدفع هو من آلات الحرب:المدّ،و محيط المحيط، و دوزيّ،و الفرائد الدّرّيّة،و بادجر،و المتن، و الوسيط.

و قد ذكر محيط المحيط أنّ العامّة تفتح ميم «المدفع».

و يجمع المدفع على مدافع.

أمّا المدفع فمن معانيه:

أ-مجرى المياه.

ب-مدفع الوادي:أسفله حيث يدفع السّيل.

(223)

مجمع اللّغة :1-دفعه يدفعه دفعا:ردّه بقوّة أو ساقه.

2-و دفع إليه كذا:أعطاه إيّاه.

3-و دفع عن حرمه أو ماله:حماها.

4-دافع عن حرمه:صرف عنها الشّرّ و أذى العدوّ.

و دافع اللّه عن أوليائه:كفاهم شرّ أعدائهم و حماهم.(1:400)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دفعه دفعا:نحّاه و أبعده

ص: 723

بقوّة.

دفع القول:ردّه و أبطله بالبرهان و الحجّة.

و دفع ما عليه من الدّين:أدّاه.

و دفع عنه الأذى:حماه و منعه منه.

دافع عن جاره:حامى عنه و انتصر له.(1:189)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو المنع بقاء أو استدامة،فإنّ المنع هو ناظر إلى جهة أصل الوجود و تحقّق شيء،في مقابل المقتضى و السّبب،و الدّفع ناظر إلى جهة إدامة الشّيء و بقائه.

و التّنحية يلاحظ فيه الإبعاد و بالنّسبة إلى جانب معيّن،و قد سبق في الدّرء اختلاف مفاهيم المنع و الدّفع و الدّرء و الرّدّ و الكفّ،فراجع.

و هذا المفهوم يضاف إليه معاني الهيئات و الحروف المنضمّة،فتتغيّر خصوصيّات المعنى،و لكنّ الأصل محفوظ.فيقال:دفعته،أي منعته،و دافعته،أي أدمت المنع،و استدفعته،أي طلبت منه أن يمنع،و دفعت إليه، أي رددته إليه،و دفعت عنه،أي ماطلته،و دفعت به.

و أمّا الفقير و الذّليل و السّيل و الشّاة و النّاقة و المطر و غيرها:كلّها من مصاديق الأصل،و لا بدّ أن يلاحظ فيها خصوصيّة المفهوم،و لا يصحّ أن تستعمل فيها مطلقة من غير أن يلاحظ فيها القيد المزبور.

فالمعنى الحقيقيّ فيها هو جهة المنع،ملحوظا فيه قيد النّظر إلى البقاء.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فظهر لطف التّعبير بالمادّة في هذه الموارد،دون الرّدّ أو المنع أو التّنحية أو الإبعاد و نظائرها.(3:226)

النّصوص التّفسيريّة

ادفع

1- اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ. المؤمنون:96

ابن عبّاس: يقول:ادفع بلا إله إلاّ اللّه كلمة الشّرك،عن أبي جهل و أصحابه.(290)

أنس بن مالك:قول الرّجل لأخيه ما ليس فيه، يقول:إن كنت كاذبا فأنا أسأل اللّه أن يغفر لك و إن كنت صادقا فأنا أسأل اللّه أن يغفر لي.

(الدّرّ المنثور 6:113)

مجاهد :أعرض عن أذاهم إيّاك.

هو السّلام،تسلّم عليه إذا لقيته.

(الطّبريّ 9:241)

الضّحّاك: ادفع الفحش بالسّلام.

مثله عطاء.(الماورديّ 4:66)

الحسن :و اللّه لا يصيبها صاحبها حتّى يكظم غيظا،و يصفح عمّا يكره.(الطّبريّ 9:241)

بالإغضاء و الصّفح عن إساءة المسيء.

(الماورديّ 4:66)

قتادة :سلّم عليه إذا لقيته.(ابن قتيبة:299)

الكلبيّ: ادفع الشّرك بالتّوحيد.

(ابن الجوزيّ 5:489)

الإمام الصّادق عليه السّلام:ما أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متّكئا منذ بعثه اللّه عزّ و جلّ،إلى أن قبضه،تواضعا للّه عزّ و جلّ،و ما رأى ركبتيه جليسه في مجلس قطّ، و لا صافح رجلا قطّ،فنزع يده من يده حتّى يكون

ص: 724

الرّجل هو الّذي ينزع يده،و لا كافأ صلّى اللّه عليه و آله بسيّئة قطّ، و قد قال اللّه تعالى:(ادفع...)ففعل،و ما منع سائلا قطّ،إن كان عنده أعطى و إلاّ قال:يأتي اللّه به، و لا أعطى على اللّه عزّ و جلّ شيئا قطّ إلاّ أجازه اللّه، إنّه كان ليعطي الجنّة،فيجيز اللّه عزّ و جلّ ذلك له.

(البحرانيّ 7:39)

ابن قتيبة :أي الحسنى من القول.(299)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه:ادفع يا محمّد بالخلّة الّتي هي أحسن،و ذلك الإغضاء و الصّفح عن جهلة المشركين،و الصّبر على أذاهم،و ذلك أمره إيّاه قبل أمره بحربهم.و عنّى بالسّيّئة:أذى المشركين إيّاه و تكذيبهم له فيما أتاهم به من عند اللّه،يقول له تعالى ذكره:اصبر على ما تلقى منهم في ذات اللّه.(9:241)

الرّمّانيّ: ادفع المنكر بالموعظة.(الماورديّ 4:66)

الثّعلبيّ: (ادفع بالتى)يعني بالخلّة الّتي هي أحسن(السيئة)أذاهم و جفاهم،يقول:أعرض عن أذاهم و اصفح عنهم،نسختها آية القتال.(7:55)

نحوه الواحديّ(3:297)،و البغويّ(3:373)، و الخازن(4:35)،و القاسميّ(12:4416).

الماورديّ: فيه خمسة أقاويل:

أحدها:[قول الحسن]

الثّاني:[قول الضّحّاك]

الثّالث:[قول الرّمّانيّ]

الرّابع:معناه امسح السّيّئة بالحسنة،هذا قول ابن شجرة.

الخامس:معناه:قابل أعداءك بالنّصيحة و أولياءك بالموعظة،و هذا و إن كان خطابا له عليه السّلام فالمراد به جميع الأمّة.(4:66)

الطّوسيّ: أمر اللّه تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يدفع السّيّئة من إساءة الكفّار إليه بالّتي هي أحسن منها.و معنى ذلك:أنّهم إذا ذكروا المنكر من القول-الشّرك- ذكرت الحجّة في مقابلته و ذكرت الموعظة الّتي تصرف عنه إلى ضدّه من الحقّ،على وجه التّلطّف في الدّعاء إليه،و الحثّ عليه،كقول القائل:هذا لا يجوز،و هذا خطأ،و عدول عن الحسن.

و أحسن منه أن يوصل بذكر الحجّة و الموعظة، كما بيّنّا.

و قيل:هو خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و المراد به:الأمّة، و المعنى:ادفع الأفعال السّيّئة بالأفعال الحسنة الّتي ذكرها.(7:392)

القشيريّ: الهمزة في(احسن)يجوز ألاّ تكون للمبالغة،و يكون المعنى:ادفع بالحسن السّيّئة.أو أن تكون للمبالغة،فتكون المكافأة جائزة و العفو عنها -في الحسن-أشدّ مبالغة.

و يقال:ادفع الجفاء بالوفاء،و جرم أهل العصيان بحكم الإحسان.

و يقال:ادفع ما هو حظّك إذا حصل ما هو حقّ له.

و يقال:اسلك مسلك الكرم،و لا تجنح إلى طريقة المكافأة.

و يقال:الأحسن:ما أشار إليه القلب،و السّيّئة:

ما تدعو إليه النّفس.

و يقال:الأحسن:ما كان بإشارة الحقيقة،

ص: 725

و السّيّئة:ما كان بوساوس الشّيطان.

و يقال:الأحسن:نور الحقائق،و السّيّئة:ظلمة الخلائق.(4:259)

الميبديّ: أي ادفع بالخصلة الّتي هي أحسن الخصال و هي الحلم و الصّفح و الإغضاء عن جهلهم، و الصّبر على أذاهم،و قوله:(السيئة)يعنى أذاهم إيّاك و تكذيبهم لك.و كان هذا قبل نزول آية القتال.

أمره ربّ العزّة بالعفو و الصّفح في مقابل القول و العمل القبيحين منهم،و الصّبر على أذاهم، وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً المزّمّل:10،ثمّ نسخت بآية القتال.

و قيل:معناه:عظهم برفق و لين،و لا تعظهم بشدّة و عنف،كما قال في موضع أخر: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ سبأ:46،و قال لموسى في دعوته فرعون:

فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً طه:44.

و قيل: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: لا إله إلاّ اللّه، و(السيئة:)الشّرك.(6:466)

أمر اللّه الكريم العظيم الحكيم جلّ جلاله و تقدّست أسماؤه المصطفى في هذه الآية بمكارم الأخلاق و محاسن العادات،و قال:اعف عن المسيئين بوجه طلق،و لسان ذلق،و قلب لين،و خلق زين.

و غضّ طرفك عن المزرين،و أحسن إلى من أساء إليك من المسلمين...(6:474)

الزّمخشريّ: هو أبلغ من أن يقال:بالحسنة السّيّئة،لما فيه من التّفضيل،كأنّه قال:ادفع بالحسنى السّيّئة.و المعنى:الصّفح عن إساءتهم و مقابلتها بما أمكن من الإحسان،حتّى إذا اجتمع الصّفح و الإحسان و بذل الاستطاعة فيه،كانت حسنة مضاعفة بإزاء سيّئة،و هذه قضيّة قوله: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

و قيل:هي منسوخة بآية السّيف.و قيل:محكمة، لأنّ المداراة محثوث عليها ما لم تؤدّ إلى ثلم دين و إزراء بمروءة.(3:41)

نحوه ملخّصا الشّربينيّ(2:590)،و الكاشانيّ (3:409)،و شبّر(4:290).

ابن عطيّة: و قوله:(ادفع...)أمر بالصّفح و مكارم الأخلاق و ما كان منها،لهذا فهو حكم باق في الأمّة أبدا،و ما فيها من معنى موادعة الكفّار و ترك التّعرّض لهم و الصّفح عن أمورهم فمنسوخ بالقتال.

و قوله: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ يقتضي أنّها آية موادعة.(4:155)

مثله القرطبيّ.(12:147)

الطّبرسيّ: أي ادفع بالإغضاء و الصّفح إساءة المسيء،عن مجاهد و الحسن،و هذا قبل الأمر بالقتال.

و قيل:معناه:ادفع باطلهم ببيان الحجج على ألطف الوجوه و أوضحها و أقربها إلى الإجابة و القبول.(4:117)

ابو الفتوح :قال اللّه تعالى لرسوله:ادرأ السّيّئة بما هو أحسن،أي ردّ خصومة الكافرين بأجمل وجه، فادفع باطلهم ببيان الحجّة و الموعظة،فتصرفهم باللّطف عمّا يعملون و يقولون.(14:50)

ص: 726

ابن الجوزيّ: [نحو الماورديّ ثمّ أضاف:]

و ذكر بعض المفسّرين أنّ هذا منسوخ بآية السّيف.(5:488)

الفخر الرّازيّ: المراد منه:أنّ الأولى به عليه السّلام أن يعامل به الكفّار،فأمر باحتمال ما يكون منهم من التّكذيب و ضروب الأذى،و أن يدفعه بالكلام الجميل كالسّلام و بيان الأدلّة على أحسن الوجوه، و بيّن له أنّه أعلم بحالهم منه عليه السّلام و أنّه سبحانه لمّا لم يقطع نعمه عنهم،فينبغي أن يكون هو عليه السّلام مواظبا على هذه الطّريقة.[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ]

(23:118)

ابن عربيّ: أي إذا قابلك أحد بسيّئة فتثبت في مقام القلب،و انظر أيّ الحسنات أحسن في مقابلتها، لتنقمع بها نفس صاحبك و تنكسر،فترجع عن السّيّئة و تندم.و لا تدع نفسك تظهر و تقابله بمثلها،فتزداد حدّة نفسه و سورتها و تزيد في السّيّئة.فإنّك إن قابلته بحسن الحسنات،ملكت نفسك،و غلبت شيطانك، و ثبّتّ قلبك،و استقمت على ما أمرك اللّه به،و حصّلت على فضيلة الحلم،و تمكّنت على مقتضى العلم، و استقررت في طاعة الرّحمن و معصية الشّيطان، و أضفت إلى حسنتك إصلاح نفس صاحبك، و ملكتها إن كان فيه أدنى مسكة،و قوّمتها و شددتها، و تلك حسنة أخرى لك،فكنت حائزا للحسنيين و إن عكست كنت جامعا للسّوأيين.

نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ أي كلّ المسيء إلى علم اللّه.و اعلم أنّ اللّه عالم به،فيجازيه عنك إن كان مستحقّا للعقوبة،و هو أقدر منك عليه،أو يعفو عنه إن أمكن رجوعه،و علم صلاحه بالعفو عنه.(2:129)

البيضاويّ: و هو الصّفح عنها و الإحسان في مقابلتها،لكن بحيث لم يؤدّ إلى وهن في الدّين.

(2:114)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

أو نقول:المكافأة حسنة و لكنّ العفو أحسن.

و قيل:هي منسوخة بآية السّيف.و الأولى أن يقال:

هي محكمة،لأنّ المداراة مستحبّة ما لم تؤدّ إلى محذور.

(18:37)

ابن جزيّ: ...و الأظهر أنّه أمر بالصّفح و الاحتمال و حسن الخلق،و هو محكم غير منسوخ، و إنّما نسخ ما يقتضيه من مسالمة الكفّار.(3:56)

أبو حيّان :أمره تعالى بحسن الأخلاق،و بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و(السيئة) الشّرك...و الأجود العموم في الحسنى و فيما يسوء.

و بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أبلغ من الحسنة للمبالغة الدّالّ عليها أفعل التّفضيل.و جاء في صلة(الّتى)ليدلّ على معرفة السّامع للحالة الّتي هي أحسن.(6:420)

ابن كثير :ثمّ قال تعالى مرشدا له إلى التّرياق النّافع في مخالطة النّاس و هو الإحسان إلى من يسيء إليه-ليستجلب خاطره،فتعود عداوته صداقة و بغضه محبّة،فقال تعالى: اِدْفَعْ... و هذا كما قال في الآية الأخرى: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَ ما يُلَقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا فصّلت:34،35،أي و ما يلهم هذه الوصيّة

ص: 727

أو هذه الخصلة أو الصّفة إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أي على أذى النّاس،فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم القبيح وَ ما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فصّلت:35، أي في الدّنيا و الآخرة.(5:36)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و تقديم الجارّ و المجرور على المفعول في الموضعين للاهتمام.(4:430)

البروسويّ: اِدْفَعْ بِالَّتِي بالطّريقة الّتي هِيَ أَحْسَنُ، أي أحسن طرق الدّفع من الحلم و الصّفح (السيئة)الّتي تأتيك منهم من الأذى و المكروه.و هو مفعول(ادفع)و(السيئة)الفعلة القبيحة و هو ضدّ الحسنة.

قال بعضهم:استعمل معهم ما جعلناك عليه من الأخلاق الكريمة و الشّفقة و الرّحمة،فإنّك أعظم خطرا من أن يؤثّر فيك ما يظهرونه من أنواع المخالفات.

و في«التّأويلات النّجميّة»:يعنى مكافأة السّيّئة جائزة لكنّ العفو عنها أحسن.

و يقال:ادفع بالوفاء الجفاء.و يقال:الأحسن:ما أشار إليه القلب بالمعافاة،و السّيّئة:ما تدعو إليه النّفس للمكافأة.(6:104)

الشّوكانيّ: يقول:أعرض عن أذاهم إيّاك.[ثمّ ذكر بعض الأقوال](3:621)

الآلوسيّ: أي ادفع بالحسنة الّتي هي أحسن الحسنات الّتي يدفع بها السّيّئة،بأن تحسن إلى المسيء في مقابلتها ما استطعت،و دون هذا في الحسن أن يحسن إليه في الجملة،و دونه أن يصفح عن إساءته فقط،و في ذلك من الحثّ له صلّى اللّه عليه و سلّم إلى ما يليق بشأنه الكريم من حسن الأخلاق ما لا يخفى.و هو أبلغ من ادفع بالحسنة السّيّئة لمكان،(احسن)و المفاضلة فيه على حقيقتها على ما ذكرنا،و هو وجه حسن في الآية.

و جوّز أن تعتبر المفاضلة بين الحسنة و السّيّئة على معنى أنّ الحسنة في باب الحسنات أزيد به من السّيّئة في باب السّيّئات،و يطّرد هذا في كلّ مفاضلة بين ضدّين،كقولهم:العسل أحلى من الخلّ،فإنّهم يعنون أنّه في الأصناف الحلوة أميز من الخلّ في الأصناف الحامضة.و من هذا القبيل ما يحكى عن أشعب الماجن أنّه قال:«نشأت أنا و الأعمش في حجر فلان،فما زال يعلو و أسفل حتّى استوينا».فإنّه عنى «استواءهما»في بلوغ كلّ منهما الغاية؛حيث بلغ هو الغاية في التّدلّي و الأعمش الغاية في التّعلّي،و على الوجهين لا يتعيّن هذا الأحسن،و كذا السّيّئة.[إلى أن قال:]

و الآية قيل:منسوخة بآية السّيف،و قيل:هي محكمة،لأنّ الدّفع المذكور مطلوب ما لم يؤدّ إلى ثلم الدّين و الإزراء بالمروءة.(18:61)

المراغيّ: [نحو الطّبريّ ثمّ قال:]

و نحو الآية قوله: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ فصّلت:

34.(18:54)

عزّة دروزة :و في جملة اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ توكيد للمبدإ القرآنيّ المحكم في صدد الدّعوة إلى سبيل اللّه،و في صدد معاملة النّاس بصورة عامّة،على ما

ص: 728

شرحناه في مناسبات سابقة شرحا يغني عن التّكرار.

(6:215)

سيّد قطب :[ذكر أساليب مقابلة الرّسول عليه السّلام أعداءه:سلما و قتالا إلى أن قال:]

أمّا حين نزول هذه السّورة-سورة المؤمن و هي مكّيّة-فكان منهج الدّعوة دفع السّيّئة بالّتي هي أحسن،و الصّبر حتّى يأتي أمر اللّه،و تفويض الأمر للّه.

(4:2479)

ابن عاشور :لمّا أنبأ اللّه رسوله عليه الصّلاة و السّلام،بما يلمح له بأنّه منجز وعيده من الّذين كذّبوه،فعلم الرّسول و المسلمون أنّ اللّه ضمن لهم النّصر،أعقب ذلك بأن أمره بأن يدفع مكذّبيه بالّتي هي أحسن،و أن لا يضيق بتكذيبهم صدره،فذلك دفع السّيّئة بالحسنة،كما هو أدب الإسلام.[إلى أن قال:]

و بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مراد بها الحسنة الكاملة، فاسم التّفضيل للمبالغة،مثل قوله: اَلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ يوسف:33.

و التّخلّق بهذه الآية هو أنّ المؤمن الكامل ينبغي له أن يفوّض أمر المعتدين عليه إلى اللّه،فهو يتولّى الانتصار لمن توكّل عليه،و أنّه إن قابل السّيّئة بالحسنة كان انتصار اللّه أشفى لصدره و أرسخ في نصره،و ما ذا تبلغ قدرة المخلوق تجاه قدرة الخالق، و هو الّذي هزم الأحزاب بلا جيوش و لا فيالق؟

و هكذا كان خلق النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقد كان لا ينتقم لنفسه،و كان يدعو ربّه.(18:97)

مغنيّة:ما هو الدّفاع بالأحسن؟هل هو الصّبر على الأذى و السّكوت عن المؤذي،كما قال كثير من المفسّرين؟

إنّ الدّفاع يختلف باختلاف الموارد،فقد يكون استعمال القوّة و العنف لردع المعتدي دفاعا بالأحسن؛و ذلك إذا كان المعتدى عليه يملك القوّة الرّادعة،و كان السّكوت عن المسيء يغريه بالإساءة و العدوان.قال الإمام عليّ عليه السّلام:«الوفاء لأهل الغدر غدر،و الغدر بأهل الغدر وفاء».و قد يكون السّكوت عن المعتدي و الصّبر على أذاه دفعا بالأحسن إذا أدّى الإغضاء عنه إلى ندمه و توبته من إساءته،أو كان المعتدى عليه عاجزا عن الرّدع،فإنّ المقاومة-و هذه هي الحال-تحدث ما لا تحمد عقباه من تمادي المعتدي في غيّه،و غير ذلك من ردود الفعل.و من أجل هذا صبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على الأذى،-و هو في مكّة- لعجزه عن الرّدع،و أدّب المعتدين بعد هجرته إلى المدينة،لأنّه كان يملك القوّة الرّادعة.(5:387)

الطّباطبائيّ: أي ادفع السّيّئة الّتي تتوجّه إليك منهم بالحسنة،و اختر للدّفع من الحسنات أحسنها، و هو دفع السّيّئة بالحسنة الّتي هي أحسن،مثل أنّه لو أساءوا إليك بالإيذاء أحسن إليهم بغاية ما استطعت من الإحسان،ثمّ ببعض الإحسان في الجملة،و لو لم يسعك ذلك فبالصّفح عنهم.(15:65)

عبد الكريم الخطيب :و إذا كانت خاتمة النّبيّ هى النّصر على هؤلاء المتطاولين عليه،المعاندين له، فإنّ ذلك يهوّن كثيرا من الأذى الّذي يلقاه منهم؛ حيث يكون بصره متعلّقا بيوم النّصر الموعود،غير

ص: 729

ملتفت إلى ما يصادفه على يومه من مشقّة و عناء.

و من هنا،كانت دعوة النّبيّ إلى لقاء إساءات قومه بالإحسان دعوة تلتقي مع مشاعره،الّتي استروحت أنسام الرّضاء،في ظلّ هذا الموعد الكريم بالنّصر المبين لدعوته،و طلوع شمسها على كلّ أفق، فإنّ كلّ صعب يهون،و كلّ بلاء محتمل،إذا كانت العاقبة نجاحا،و نصرا محقّقا.(9:1174)

جعفر شرف الدّين:و قوله تعالى: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، أي الحسنى إرادة التّفضيل،و من أجل ذلك لا يتحقّق إحكام المعنى لو يقال:ادفع بالحسنة السّيّئة.

(6:60)

المصطفويّ: أي ادفع السّيّئات الّتي يكتسبونها و يديمون عملها بالّتي هي أحسن،و بدّلها بالحسنات.

فتدلّ الآية الكريمة على إدامتهم بالسّيّئات، و على أنّ دفعها بالحسنات يفيد إزالة الإدامة،و أمّا بالنّسبة إلى ما مضى فله حكم آخر.(3:227)

فضل اللّه :دفع السّيّئات بالّتي هي أحسن:

إنّه الرّسول،و الدّاعي،و الشّاهد،و لذلك فإنّ عليه أن لا يتعقّد من كلّ ما يقومون به من أعمال غير مسئولة،و من أوضاع متشنّجة،بل يواجه المسألة من المواقع الرّساليّة الّتي تحاول الانفتاح على الآخرين بالأسلوب الأفضل الّذي يفتح القلوب على الرّسالة، من ناحية الكلمة و الجوّ و الحركة و البسمة و إشراقة الرّوح،لئلاّ يكون للنّاس حجّة على اللّه و على الرّسل.

فتلك هي مهمّتك،و ذلك هو دورك و مسئوليّتك، فليست القصّة قصّة صراع يتسابق فيه المتصارعون ليغلب أحدهم الآخر،أو يهزمه أو يسقطه أو يحطّمه، بل هي قصّة هداية ينطلق فيها الرّساليّون،ليفتح أحدهم قلب الآخر،و عقله و روحه و ضميره و حياته على الحقّ النّازل من اللّه،و لذلك لا بدّ من أن لا يخضع الموقف لردّ الفعل الّذي يقابل السّيّئة بالسّيّئة، لتكون التّهمة في مواجهة التّهمة،و الشّتيمة في مقابل الشّتيمة،و ما إلى ذلك،لأنّ ذلك سوف يزيد الموقف تعقيدا،و يؤدّي إلى ابتعاد المواقع عن بعضها البعض، و انغلاق القلوب عن وحي الرّسالة،و لذا كان لا بدّ من مقابلة السّيّئة بالحسنة،لتكون الكلمة الحلوة في مواجهة الكلمة المرّة،و ليكون الأسلوب الطّيّب في مواجهة الأسلوب الخبيث،و القلب المفتوح في مواجهة القلب المغلق،و البسمة في مقابل العبوس.و هكذا.

حتّى يمتصّ هذا الجوّ كلّه المليء بالسّلبيّات و التّعقيدات و المشاكل الصّعبة،ثمّ ما ذا بعد ذلك؟ فليهتد من يهتدي،أو فليضلّ من يضلّ،لأنّ ذلك ليس مشكلتك،بل هي مشكلتهم.فإذا أدّيت واجبك و قمت بمسئوليّتك،انتهى دورك.(16:195)

مكارم الشّيرازيّ: أي ادفع عدوانهم و سيّئاتهم بالعفو و الصّفح و الإحسان،و كلامهم البذيء بالكلام المنطقيّ الموزون، نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ و اللّه يعلم أنّ أعمالهم القبيحة و كلامهم البذيء و أذاهم القاسي يؤلم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،إلاّ أنّه عزّ و جلّ يدعو إلى عدم الرّدّ بالمثل،بل يوجب أن يكون الرّدّ بالّتي هي أحسن، و هذا خير سبيل لإيقاظ الغافلين و المخدوعين.

(10:445)

ص: 730

2- وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.

فصّلت:34

الإمام علىّ عليه السّلام:صافح عدوّك و إن كره،فإنّه ممّا أمر اللّه عزّ و جلّ به عباده،يقول: اِدْفَعْ... ما تكافئ عدوّك بشيء أشدّ من أن تطيع اللّه فيه، و حسبك أن ترى عدوّك يعمل بمعاصي اللّه عزّ و جلّ في الدّنيا.(البحرانيّ 8:472)

ابن عبّاس: (ادفع)يا محمّد الشّرك من أبي جهل أن يفتنك، بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: بلا إله إلاّ اللّه.

(403)

أمر اللّه المؤمنين بالصّبر عند الغضب،و الحلم و العفو عند الإساءة،فإذا فعلوا ذلك عصمهم اللّه من الشّيطان،و خضع لهم عدوّهم،كأنّه وليّ حميم.

(الطّبريّ 11:111)

هما الرّجلان متقاولان،فيقول أحدهما لصاحبه:

يا صاحب كذا و كذا،فيقول له الآخر:إن كنت صادقا عليّ،فغفر اللّه لي،و إن كنت كاذبا،فغفر اللّه لك.

(النّحّاس 6:269)

مجاهد :السّلام عليك إذا لقيته.

(الطّبريّ 11:111)

عطاء:بالسّلام.(الطّبريّ 11:111)

ادفع بالسّلامة إساءة المسيء.(الماورديّ 5:182)

الإمام الصّادق عليه السّلام:لمّا نزلت هذه الآية على رسول صلّى اللّه عليه و آله قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أمرت بالتّقيّة،فسارّ بها عشرا حتّى أمر أن يصدع بما أمر،و أمر بها عليّ، فسارّ بها حتّى أمر أن يصدع بها،ثمّ أمر الأئمّة بعضهم بعضا فسارّوا بها،فإذا قام قائمنا سقطت التّقيّة و جرّد السّيف،و لم يأخذ من النّاس و لم يعطهم إلاّ بالسّيف.

(البحرانيّ 8:472)

الطّبريّ: ادفع يا محمّد بحلمك جهل من جهل عليك،و بعفوك عمّن أساء إليك إساءة المسيء، و بصبرك عليهم مكروه ما تجد منهم،و يلقاك من قبلهم.

و قال آخرون:معنى ذلك:ادفع بالسّلام على من أساء إليك إساءته.(11:111)

الزّجّاج: معناه ادفع السّيّئة بالّتي هي أحسن.

(4:386)

القمّيّ: ثمّ أدّب اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله فقال تعالى:

وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فقال:ادفع سيّئة من أساء إليك بحسنتك، حتّى يكون الّذي بينك و بينه عداوة،كأنّه وليّ حميم.

(2:266)

فرات الكوفيّ: [في حديث:]عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت:جعلت فداك لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ، قال:الحسنة:

التّقيّة،و السّيّئة:الإذاعة.قال:قلت:جعلت فداك، اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، قال:الصّمت.ثمّ قال:

فأنشدتك باللّه هل تعرف ذلك في نفسك أنّك تكون مع قوم لا يعرفون ما أنت عليه من دينك و لا تكون لهم ودّا و صديقا فإذا عرفوك و شعروك أبغضوك؟قلت:

صدقت،قال:فقال لي:فذا من ذاك.(385)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:[قول

ص: 731

ابن عبّاس]

الثّاني:[قول عطاء]

و يحتمل ثالثا:ادفع بالتّغافل إساءة المذنب، و الذّنب من الأدنى،و الإساءة من الأعلى.(5:182)

الطّوسيّ: و قوله: اِدْفَعْ... أمر للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يدفع بالّتي هي أحسن.و قيل:معنى(الحسنة) هاهنا:المداراة.و اَلسَّيِّئَةُ المراد بها:الغلظة.فأدّب اللّه تعالى عباده بهذا الأدب.(9:125)

القشيريّ: ادفع بالخصلة الّتي هي أحسن السّيّئة، يعني بالعفو عن المكافأة،و بالتّجاوز و الصّفح عن الزّلّة،و ترك الانتصاف.(5:331)

الواحديّ: كدفع الغضب بالصّبر،و الإساءة بالعفو.(4:35)

الميبديّ: و هي إشارة إلى مكارم الأخلاق،أي أحسن إلى من أساء إليك و سلّم عليه إذا لقيته.يقول:

من جفاك فأجزه بأحسن الجزاء.و إذا رأيته فسلّم عليه و ادفع جهله بحلمك،كما قال: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ الأعراف:199.

(8:526)

الزّمخشريّ: يعني:إنّ الحسنة و السّيّئة متفاوتتان في أنفسهما،فخذ بالحسنة الّتي هي أحسن من أختها إذا اعترضتك حسنتان،فادفع بها السّيّئة الّتي ترد عليك من بعض أعدائك.

و مثال ذلك:رجل أساء إليك إساءة، ف(الحسنة:)أن تعفو عنه،و(التى هى احسن):أن تحسن إليه مكان إساءته إليك،مثل أن يذمّك فتمدحه،و يقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوّه، فإنّك إذا فعلت ذلك انقلب عدوّك المشاقّ مثل الوليّ الحميم،مصافاة لك.

ثمّ قال:و ما يلقى هذه الخليقة أو السّجيّة الّتي هي مقابلة الإساءة بالإحسان،إلاّ أهل الصّبر و إلاّ رجل خير وفّق لحظّ عظيم من الخير.

فإن قلت:فهلاّ قيل:فادفع بالّتي هي أحسن؟

قلت:هو على تقدير قائل قال:فكيف أصنع؟

فقيل:ادفع بالّتي هي أحسن.

و قيل:(لا)مزيدة.و المعنى:و لا تستوي الحسنة و السّيّئة.

فإن قلت:فكان القياس على هذا التّفسير أن يقال:ادفع بالّتي هي أحسن.

قلت:أجل،و لكن وضع(التى هى احسن) موضع«الحسنة»ليكون أبلغ في الدّفع بالحسنة،لأنّ من دفع بالحسنى هان عليه الدّفع بما هو دونها.

(3:453)

نحوه النّسفيّ(4:94)،و أبو السّعود،ملخّصا، (5:445).

ابن عطيّة: و قوله تعالى: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ آية جمعت مكارم الأخلاق و أنواع الحلم، و المعنى:ادفع أمورك و ما يعرضك مع النّاس و مخالطتك لهم بالفعلة أو بالسّيرة الّتي هي أحسن السّير و الفعلات،فمن ذلك بذل السّلام،و حسن الأدب،و كظم الغيظ،و السّماحة في القضاء و الاقتضاء،و غير ذلك...و فسّر مجاهد و عطاء هذه

ص: 732

الآية بالسّلام عند اللّقاء.و لا شكّ أنّ السّلام هو مبدأ الدّفع بالّتي هي أحسن،و هو جزء منه.(5:16)

ابن العربيّ: فيها مسألتان:

المسألة الأولى:في سبب نزولها:روي أنّها نزلت في أبي جهل؛كان يؤذي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فأمر عليه السّلام بالعفو عنه.

و قيل له: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.

المسألة الثّانية:اختلف ما المراد بها على ثلاثة أقوال:

الأوّل:قيل:المراد بها ما روي في الآية أن نقول:

إن كنت كاذبا يغفر اللّه لك،و إن كنت صادقا يغفر اللّه لي...

الثّاني:المصافحة،[ثمّ ذكر عدّة روايات فيها]

الثّالث:السّلام،لا يقطع عنه سلامه إذا لقيه، و الكلّ محتمل،و اللّه أعلم.(4:1663)

الطّبرسيّ: خاطب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال:ادفع بحقّك باطلهم،و بحلمك جهلهم،و بعفوك إساءتهم.(5:13)

ابن الجوزيّ: و ذلك كدفع الغضب بالصّبر، و الإساءة بالعفو،فإذا فعلت ذلك صار الّذي بينك و بينه عداوة كالصّديق القريب...و قال المفسّرون:

هذه الآية منسوخة بآية السّيف.(7:258)

الفخر الرّازيّ: يعني ادفع سفاهتهم و جهالتهم بالطّريق الّذي هو أحسن الطّرق،فإنّك إذا صبرت على سوء أخلاقهم مرّة بعد أخرى،و لم تقابل سفاهتهم بالغضب،و لا إضرارهم بالإيذاء و الإيحاش،استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة و تركوا تلك الأفعال القبيحة.(27:127)

ابن عربيّ: وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ لكون الأولى من مقام القلب تجرّ صاحبها إلى الجنّة و مصاحبة الملائكة،و الثّانية من مقام النّفس تجرّ صاحبها إلى النّار و مقارنة الشّياطين. اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إذا أمكنك دفع السّيّئة من عدوّك بالحسنة الّتي هي أحسن،فلا تدفعها بالحسنة الّتي دونها،فكيف بالسّيّئة؟!فإنّ السّيّئة لا تندفع بالسّيّئة بل تزيد و تعلو ارتفاع النّار بالحطب،فإن قابلتها بمثلها كنت منحطّا إلى مقام النّفس،متّبعا للشّيطان،سالكا طريق النّار، ملقيا لصاحبك في الأوزار،و جاعلا له و لنفسك من جملة الأشرار،متسبّبا لازدياد الشّرّ،معرضا عن الخير.

و إن دفعتها بالحسنة سكّنت شرارته و أزلت عداوته، و تثبت في مقام القلب على الخير،و هديت إلى الجنّة، و طردت الشّيطان،و أرضيت الرّحمن و انخرطت في سلك الملكوت،و محوت ذنب صاحبك بالنّدامة.و إن دفعتها بالّتي هي أحسن ناسبت الحضرة الرّحيميّة بالرّحموت،و صرت باتّصافك بصفاته تعالى من أهل الجبروت،و أفضت من ذاتك فيض الرّحمة على صاحبك فصار كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ... (2:417)

القرطبيّ: نسخت بآية السّيف،و بقي المستحبّ من ذلك:حسن العشرة،و الاحتمال،و الإغضاء.[ثمّ ذكر بعض الأقوال](15:361)

البيضاويّ: ادفع السّيّئة حيث اعترضتك بالّتي هي أحسن منها و هي الحسنة،على أنّ المراد بالأحسن:الزّائد مطلقا،أو بأحسن ما يمكن دفعها به

ص: 733

من الحسنات.و إنّما أخرجه مخرج الاستئناف على أنّه جواب من قال:كيف أصنع؟للمبالغة،و لذلك وضع أَحْسَنُ موضع«الحسنة».(2:349)

نحوه الكاشانيّ(4:361)،و المشهديّ(9:203).

النّيسابوريّ: (لا)زائدة لتأكيد نفي الاستواء.

و المعنى:لا تستوي الحسنة و السّيّئة قطّ،و مثلهما الإيمان و الشّرك و الحلم و الغضب و الطّاعة و المعصية و اللّطف و العنف.

ثمّ إنّ سائلا كأنّه سأل،فكيف نصنع؟فأجيب:

اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فإنّ الحسنة أحسن من السّيّئة كما يقال:الصّيف أحرّ من الشّتاء.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ](25:9)

أبو حيّان :و لمّا تفاوتت الحسنة و السّيّئة أمر أن يدفع السّيّئة بالأحسن؛و ذلك مبالغة،و لم يقل:ادفع بالحسنة السّيّئة،لأنّ من هان عليه الدّفع بالأحسن هان عليه الدّفع بالحسن،أي و إذا فعلت ذلك، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ صار لك كالوليّ الصّديق الخالص الصّداقة.و(لا)في قوله:

وَ لاَ السَّيِّئَةُ زائدة للتّوكيد،كهي في قوله:

وَ لاَ الظِّلُّ وَ لاَ الْحَرُورُ فاطر:21،لأنّ«استوى» لا يكتفي بمفرد،فإنّ إحدى الحسنة و السّيّئة جنس لم تكن زيادتها كزيادتها في الوجه الّذي قبل هذا؛إذ يصير المعنى:و لا تستوي الحسنات؛إذ هي متفاوتات في أنفسها،و لا السّيّئات لتفاوتها أيضا.[إلى أن قال:]

و قال مجاهد،و عطاء:السّلام عند اللّقاء،انتهى.

أي هو مبدأ الدّفع بالأحسن،لأنّه محصور فيه.و عن مجاهد أيضا:أعرض عن أذاهم.و قال أبو فراس الهمدانيّ:

يجنى عليّ و أجنوا صافحا أبدا

لا شيء أحسن من جان على جان

(7:498)

ابن كثير :أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه.(5:177)

الثّعالبيّ: قوله تعالى: اِدْفَعْ... جمعت مكارم الأخلاق و أنواع الحلم،و المعنى:ادفع ما يعرض لك مع النّاس في مخالطتهم بالفعلة أو بالسّيرة الّتي هي أحسن.(3:114)

الشّربينيّ: (ادفع)كلّ ما يمكن أن يضرّك من نفسك و من النّاس(بالتى)أي بالخصال و الأحوال الّتي هِيَ أَحْسَنُ، على قدر الإمكان من الأعمال الصّالحات.و العفو عن المسيء حسن،و الإحسان إليه أحسن منه.(3:518)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

بيان لحسن عاقبة الحسنة،أي ادفع السّيّئة حين اعترضتك من بعض أعاديك بالّتي هى أحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات،كالإحسان إلى من أساء،فإنّه أحسن من العفو.

بدى را بدى سهل باشد جزا

اگر مردي أحسن إلى من أسا

و كان عليه السّلام يقول:«صل من قطعك و اعف عمّن ظلمك و أحسن إلى من أساء إليك»و ما أمر عليه السّلام غيره بشيء إلاّ بعد التّخلّق به.(8:262)

ص: 734

شبّر:(ادفع)السّيّئة إذا اعترضتك(بالتى) بالخصلة الّتي،قوله تعالى: هِيَ أَحْسَنُ أي الحسنة، كالجهل بالحلم،و الإساءة بالعفو،و العنف باللّطف،أو بأحسن الحسنات الّتي تدفع بها.(5:378)

الآلوسيّ: و قوله تعالى: اِدْفَعْ... استئناف مبيّن لحسن عاقبة الحسنة[ثمّ قال نحو البيضاويّ إلاّ أنّه قال:]

كالإحسان إلى من أساء،فإنّه أحسن من مجرّد العفو.ف(احسن)على ظاهره و المفضّل عليه عامّ، و لذا حذف،كما في«اللّه تعالى أكبر»و إخراجه مخرج الجواب عن سؤال من قال:كيف أصنع؟للمبالغة و الإشارة إلى أنّه مهمّ ينبغي الاعتناء به و السّؤال عنه.

و للمبالغة أيضا وضع(احسن)موضع«الحسنة» لأنّ من دفع بالأحسن هان عليه الدّفع بما دونه.و ممّا ذكرنا يعلم أن ليس المراد ب(الحسنة)و(السيئة) أمرين معيّنين.[ثمّ ذكر الأقوال في مصاديق (الحسنة)و(السيئة)و قال:]

و جوّز أن يكون المراد بيان تفاوت الحسنات و السّيّئات في أنفسهما،بمعنى أنّ الحسنات تتفاوت إلى حسن و أحسن،و السّيّئات كذلك،فتعريف (الحسنة)و(السيئة)للجنس،و(لا)الثّانية ليست مزيدة و«أفعل»على ظاهره،و الكلام في اِدْفَعْ... على معنى الفاء،أي إذا كان كلّ من الجنسين متفاوت الأفراد في نفسه،فادفع بأحسن الحسنتين السّيّئ و الأسوأ،و ترك الفاء للاستئناف الّذي ذكرنا،و هو أقوى الوصلين،و لعلّ الأوّل أقرب.(24:123)

القاسميّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

قال القاشانيّ: أي إذا أمكنك دفع السّيّئة،[و أدام مثل ما سبق عن ابن عربيّ](14:5207)

المراغيّ: أي ادفع سفاهتهم و جهالتهم بالطّريق الّتي هي أحسن الطّرق،فقابل إساءتهم بالإحسان إليهم،و الذّنب بالعفو،و الغضب بالصّبر و الإغضاء عن الهفوات و احتمال المكاره،فإنّك إن صبرت على سوء أخلاقهم مرّة بعد أخرى و لم تقابل سفههم بالغضب،و لا أذاهم بمثله،استحيوا من ذميم أخلاقهم، و تركوا قبيح أفعالهم.(24:131)

عزّة دروزة :تعليق على آية وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و ما بعدها:

و الآيات الثّلاث منسجمة مع بعضها أوّلا، و متّصلة بسابقتها اتّصال سياق و موضوع ثانيا،فليس من أحد أحسن قولا ممّن دعا إلى اللّه و عمل صالحا في مجال المقايسة و المفاضلة،كما أنّه لا يمكن التّسوية بين الحسنة و السّيّئة.و من حسن خلق المسلم-الّذي قال ربّي اللّه ثمّ استقام-أن يتخلّق بكلّ خلق كريم.

و المتبادر أنّ كلمتي(الحسنة)و(السيئة) تتناولان الأفعال و الأقوال معا،و صيغة الأمر في الآيات يمكن أن تكون موجّهة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و يمكن أن تكون موجّهة للسّامع و بخاصّة للسّامع المسلم،و نحن نرجّح هذا لأنّه متّسق مع روح الآيات،على أنّها إذا كانت موجّهة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فإنّ الخطاب يشمل أيضا كلّ مسلم،كما هو المتبادر.

ص: 735

و في الآيات تعليم قرآنيّ جليل مستمرّ الإلهام و المدى،فمقابلة السّيّئة بالسّيّئة يورث العداء و الأحقاد،بعكس مقابلة السّيّئة بالحسنة الّتي تقلب العدوّ صديقا،و تدلّ على نبل النّفس و كرم الخلق.

و قد يندفع المرء أحيانا إلى مقابلة السّيّئة بالسّيّئة،ففي هذا الموقف يجب على المسلم أن ينتبه إلى أنّ هذا إنّما يكون من نزغات الشّيطان و وساوسه،و ألاّ يندفع فيه،و أن يجنح إلى الأفضل الّذي يليق بإسلامه،و هو الصّبر و دفع السّيّئة بالحسنة.

و لقد مرّ في سورة الأعراف:199،200،آيتان مماثلتان لهذه الآيات بعض الشّيء في العبارة و الهدف، و هما: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ* وَ إِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ حيث يبدو من ذلك اهتمام القرآن العظيم لبثّ روح الخير و التّسامح و ضبط النّفس،و البعد عن النّزق و الغضب،و مقابلة السّوء بمثله في نفس المسلم.

بل إنّ القرآن لم يكتف بهذا حيث احتوى آيات أوجبت على المسلم أن تكون صلاته و معاملاته مع جميع الفئات-من أقارب و أجانب و أغنياء و فقراء و عبيد-على أساس الإحسان.و حثّته على ألاّ يكتفي بما يجب عليه من العدل و تقوى اللّه،بل يتجاوزهما إلى ما هو خير منهما،و هو الإحسان،كما ترى في هذه الآيات:

1- وَ اعْبُدُوا اللّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً النّساء:36

2- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ المائدة:93

3- إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النّحل:90

و قد توهم جملة وَ ما يُلَقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أنّها بسبيل بيان صعوبة الأمر،و على احتمال ذلك،فإنّها قصدت إلى التّنويه بالفعل و فاعله،و تعظيم شأنهما أيضا،بل نحن نظنّ أنّ هذا القصد هو الأكثر ورودا إن شاء اللّه.

و ليس من محلّ لتوهّم التّناقض بين هذا التّلقين المنطوي في الآيات،و بين ما جاء في آيات مكّيّة و مدنيّة عديدة،على ما سوف يأتي بعد من تسويغ مقالة العدوان بمثله،و انتصار المسلم من بغي ينزل به و بإخوانه.فهذا التّلقين-كما يتبادر لنا-هو في صدد السّلوك الشّخصيّ بين النّاس و بين المسلمين،و يمكن أن يصرف إلى ما يكون فيه بغي و عدوان شديدا النّكاية و الأذى،كما أنّ التّنوّع في التّلقين يمكن أن يصرف إلى ما هو طبيعيّ من تنوّع ظروف البشر أفرادهم و جماعاتهم،ليسير النّاس فيما يواجههم من هذه الظّروف سيرا منسجما مع روح القرآن عامّة،

ص: 736

و هي العفو عند المقدرة،حينما لا يكون سببا في ازدياد الشّرّ و البغي،و يؤدّي إلى الهدوء و السّكينة و الرّضا، و مقابلة البغي بمثله حينما لا يكون بدّ من ذلك.

و النّظام العامّ هو عدم بدء المسلم غيره بالسّوء و البغي،و أن يكون هذا منه مقابلة و دفاعا.

و في سورة الشّورى-الّتي تلي هذه السّورة- فصل احتوى تلقينا في صدد هذه المواقف المتنوّعة، يصحّ أن يكون فيه قرينة على صواب ما نقرّره-إن شاء اللّه.-على ما سوف يأتي شرحه بعد هذه السّورة.

(5:146)

سيّد قطب : وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ و ليس له أن يردّ بالسّيّئة،فإنّ الحسنة لا يستوي أثرها -كما لا تستوي قيمتها-مع السّيّئة.و الصّبر و التّسامح،و الاستعلاء على رغبة النّفس في مقابلة الشّرّ بالشّرّ،يردّ النّفوس الجامحة إلى الهدوء و الثّقة،فتنقلب من الخصومة إلى الولاء،و من الجماح إلى اللّين.

اِدْفَعْ... و تصدق هذه القاعدة في الغالبيّة الغالبة من الحالات،و ينقلب الهياج إلى وداعة، و الغضب إلى سكينة،و التّبجّح إلى حياء،على كلمة طيّبة،و نبرة هادئة،و بسمة حانية،في وجه هائج غاضب متبجّح مفلوت الزّمام.

و لو قوبل بمثل فعله ازداد هياجا و غضبا و تبجّحا و مرودا،و خلع حياءه نهائيّا،و أفلت زمامه،و أخذته العزّة بالإثم.غير أنّ تلك السّماحة تحتاج إلى قلب كبير يعطف و يسمح-و هو قادر على الإساءة و الرّدّ- و هذه القدرة ضروريّة لتؤتي السّماحة أثرها.حتّى لا يصوّر الإحسان في نفس المسيء ضعفا،و لئن أحسّ أنّه ضعف لم يحترمه،و لم يكن للحسنة أثرها إطلاقا.

و هذه السّماحة كذلك قاصرة على حالات الإساءة الشّخصيّة،لا العدوان على العقيدة و فتنة المؤمنين عنها.فأمّا في هذا فهو الدّفع و المقاومة بكلّ صورة من صورها،أو الصّبر حتّى يقضي اللّه أمرا كان مفعولا.

و هذه الدّرجة-درجة دفع السّيّئة بالحسنة، و السّماحة الّتي تستعلي على دفعات الغيظ و الغضب، و التّوازن الّذي يعرف متى تكون السّماحة و متى يكون الدّفع بالحسنى-درجة عظيمة لا يلقّاها كلّ إنسان،فهي في حاجة إلى الصّبر،و هي كذلك حظّ موهوب يتفضّل به اللّه على عباده الّذين يحاولون فيستحقّون وَ ما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ... فصّلت:

35.(5:3121)

ابن عاشور :(الحسنة)تعمّ جميع أفراد جنسها،و أولاها تبادرا إلى الأذهان حسنة الدّعوة إلى الإسلام،لما فيها من جمّ المنافع في الآخرة و الدّنيا، و تشمل صفة الصّفح عن الجفاء الّذي يلقى به المشركون دعوة الإسلام،لأنّ الصّفح من الإحسان.

و فيه ترك ما يثير حميّتهم لدينهم،و يقرب لين نفوس ذوي النّفوس اللّيّنة.فالعطف على هذا من عطف غرض على غرض،و هو الّذي يعبّر عنه بعطف القصّة على القصّة،و هي تمهيد و توطئة لقوله عقبها: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. [إلى أن قال:]

ص: 737

و في التّعبير ب(الحسنة)و(السيئة)دون المحسن و المسيء إشارة إلى أنّ كلّ فريق من هذين قد بلغ الغاية في جنس وصفه من إحسان و إساءة،على طريقة الوصف بالمصدر،و ليتأتّى الانتقال إلى موعظة تهذيب الأخلاق،في قوله: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فيشبه أن يكون إيثار نفي المساواة بين الحسنة و السّيّئة توطئة للانتقال إلى قوله: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

و قوله: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يجري موقعه على الوجهين المتقدّمين في عطف جملة وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ.

فالجملة على الوجه الأوّل من وجهي موقع جملة وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ تخلص من غرض تفضيل الحسنة على السّيّئة إلى الأمر بخلق الدّفع بالّتي هي أحسن،لمناسبة أنّ ذلك الدّفع من آثار تفضيل الحسنة على السّيّئة،إرشادا من اللّه لرسوله و أمّته بالتّخلّق بخلق الدّفع بالحسنى.و هي على الوجه الثّاني من وجهي موقع جملة وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ واقعة موقع النّتيجة من الدّليل و المقصد من المقدّمة،فمضمونها ناشئ عن مضمون الّتي قبلها.

و كلا الاعتبارين في الجملة الأولى مقتض أن تكون جملة اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مفصولة غير معطوفة.

و إنّما أمر الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بذلك،لأنّ منتهى الكمال البشريّ خلقه،كما قال:«إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق».و قالت عائشة لمّا سئلت عن خلقه:

«كان خلقه القرآن»لأنّه أفضل الحكماء.

و الإحسان كمال ذاتيّ،و لكنّه قد يكون تركه محمودا في الحدود و نحوها،فذلك معنى خاصّ.

و الكمال مطلوب لذاته فلا يعدل عنه ما استطاع ما لم يخش فوات كمال أعظم،و لذلك قالت عائشة:

«ما انتقم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لنفسه قطّ إلاّ أن تنتهك حرمات اللّه فيغضب للّه».و تخلّق الأمّة بهذا الخلق مرغوب فيه،قال تعالى: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ الشّورى:40.

و روى عياض في«الشّفاء»و هو ممّا رواه ابن مردويه عن جابر بن عبد اللّه و ابن جرير في«تفسيره» لمّا نزل قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ الأعراف:199، سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم جبريل عن تأويلها،فقال له:حتّى أسأل العالم،فأتاه فقال:«يا محمّد إنّ اللّه يأمرك أن تصل من قطعك،و تعطي من حرمك،و تعفو عمّن ظلمك».

و مفعول(ادفع)محذوف دلّ عليه انحصار المعنى بين السّيّئة و الحسنة،فلمّا أمر بأن تكون الحسنة مدفوعا بها تعيّن أنّ المدفوع هو السّيّئة،فالتّقدير:ادفع السّيّئة بالّتي هي أحسن،كقوله تعالى: وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ الرّعد:22،و قوله: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ المؤمنون:96.

و بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ هي الحسنة،و إنّما صيغت بصيغة التّفضيل ترغيبا في دفع السّيّئة بها،لأنّ ذلك يشقّ على النّفس،فإنّ الغضب من سوء المعاملة من طباع النّفس،و هو يبعث على حبّ الانتقام من

ص: 738

المسيء.فلمّا أمر الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يجازي السّيّئة بالحسنة أشير إلى فضل ذلك.و قد ورد في صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«و لا يدفع بالسّيّئة السّيّئة و لكن يعفو و يصفح».و قد قيل:إنّ ذلك وصفه في التّوراة.و فرّع على هذا الأمر قوله: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ لبيان ما في ذلك الأمر من الصّلاح، ترويضا على التّخلّق بذلك الخلق الكريم،و هو أن تكون النّفس مصدرا للإحسان.و لمّا كانت الآثار الصّالحة تدلّ على صلاح مثارها،و أمر اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم بالدّفع بالّتي هي أحسن،أردفه بذكر بعض محاسنه، و هو أن يصير العدوّ كالصّديق.و حسن ذلك ظاهر مقبول،فلا جرم أن يدلّ حسنه على حسن سببه.

(25:56)

مغنيّة:الخطاب في(ادفع)و في(بينك)لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله.و يدلّ السّياق على أنّ المراد ب(الحسنة)هنا:

حسنة الرّسول الدّاعي إلى اللّه،و هي جهاده و صبره على الأذى في سبيل هذه الدّعوة.و المراد ب(السيئة) سيئة السّفيه الجاهل من الدّين،دعاهم الرّسول إلى اللّه.و المعنى:فرق بعيد بين عملك يا محمّد-و أنت تدعو إلى اللّه و تتحمّل الأذى في سبيله صابرا محتسبا- و بين عمل الّذين أجابوا دعوتك إلى اللّه بالإعراض و الأذى و الافتراء.إنّ عملك صلوات و حسنات، و عملهم سيّئات و لعنات.و على الرّغم من ذلك فعليك أن ترفق بهم،و تتسامح معهم،و تصبر على سفاهتهم،فإنّ منهم من لو قابلته بهذه السّماحة،لعاد إلى ربّه و عقله،و انقلبت عداوته لك إلى محبّة،و بغضه إلى مودّة.(6:491)

الطّباطبائيّ: و قوله: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ استئناف في معنى دفع الدّخل،كأنّ المخاطب لمّا سمع قوله: وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ قال:فما ذا أصنع؟فقيل: اِدْفَعْ.... و المعنى:ادفع بالخصلة الّتي هي أحسن الخصلة السّيّئة الّتي تقابلها و تضادّها، فادفع بالحقّ الّذي عندك باطلهم لا بباطل آخر، و بحلمك جهلهم،و بعفوك إساءتهم و هكذا.

(17:391)

عبد الكريم الخطيب :أي ردّ السّيّئة بالّتي هي أحسن،و هي الإحسان في مقابل الإساءة،فإنّ من حقّ الإنسان إذا أسيء إليه أن يردّ السّيّئة بالسّيّئة، كما يقول اللّه تعالى: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ثمّ يعقّب ذلك بقوله: فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ فردّ السّيّئة بمثلها ليس حسنا و لا سيّئا،و العفو عن السّيّئة حسن،و أحسن من هذا الحسن أن تردّ السّيّئة بالحسنة.فهذه درجات ثلاث،و المؤمن بالخيار فيها، و خير المؤمنين من أخذ بالدّرجة الثّالثة،و هي دفع السّيّئة بالحسنة.[إلى أن قال:]

و الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو خطاب لكلّ مؤمن باللّه و رسوله.و قد كان النّبيّ صلوات اللّه و سلامه عليه المثل الكامل في امتثال هذا الأمر الإلهيّ،و تطبيقه على أكمل صورة و أتمّها.و حياة الرّسول كلّها مليئة بالشّواهد لهذا،فعلى كلّ خطوة من خطواته الشّريفة على طريق دعوته،يقوم شاهد يحدّث بإحسان الرّسول الكريم إلى من يسيئون إليه،و يؤذونه.

ص: 739

و حسبنا أن نذكر هنا موقفه في أحد،و قد أثخنه المشركون جراحا،فما زاد صلوات اللّه و سلامه عليه، على أن قال:«اللّهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون».

[إلى أن قال:]

و هنا سؤال:إذا كان المؤمن في مجتمع المؤمنين مطالبا بأن يدفع السّيّئة بالحسنة،حتّى ينال درجة الكمال و الإحسان،فهل يتوقّع أن يرى في مجتمع المؤمنين،من يأتي بالسّيّئة ابتداء،فيسيء إلى من لم يسئ إليه؟

و الجواب على هذا،من وجهين:

أوّلا:أنّ القرآن الكريم حين دعا إلى دفع السّيّئة بالحسنة،إنّما خاطب بذلك مؤمنا في جماعة المسلمين، و ليس في جماعة المؤمنين،و ذلك في قوله تعالى:

وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فصّلت:33،فالمسلمون أعمّ من المؤمنين،و قد يكون الإسلام باللّسان دون القلب،و قد يكون باللّسان و القلب و ليس معه عمل.

أمّا الإيمان،فهو قول باللّسان،و استيقان بالقلب، و تصديق بالعمل،و على هذا يكون كلّ مؤمن مسلما، و ليس كلّ مسلم مؤمنا.

فقوله تعالى: وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ إلى ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، و إن كان دعوة عامّة للمسلمين جميعا،إلاّ أنّه منظور فيه إلى القمّة العالية فيهم،و هم الّذين أشار إليهم قوله تعالى: وَ ما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.

و ثانيا:أنّ المؤمنين ليسوا درجة واحدة في مقام الكمال و الإحسان...

ففي بعضهم من يسيء ابتداء،و في بعضهم الآخر من يردّ الإساءة بالإساءة،و فيهم من يردّ الإساءة بالعفو،و فيهم من يردّ الإساءة بالإحسان،و هذا أعلى درجات الإيمان.(12:1317)

فضل اللّه : وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ في أسلوب الحركة في ساحة الصّراع الواقعيّ،عند ما يختلف النّاس في مواقع الفكر،أو في مواقع الحياة العامّة و الخاصّة،فتثور المشاعر،و تتعقّد المواقف، حتّى تتحوّل إلى خطر كبير على العلاقات الإنسانيّة في المجتمع،و يتّجه الموقف إلى الصّدام الّذي يهدّد حياة الجميع،و يقطع التّواصل بين أفراده.و هو موقف يمكن مواجهته بأسلوبين:أوّلا:أسلوب السّيّئة الّذي يعمل على إثارة الانفعال الّذي يحرّك الحقد و العداوة و البغضاء،و يدفع الموقف إلى القطعيّة الجزئيّة أو الكلّيّة،و هو أسلوب يعتمد الكلمة الحادّة،و النّظرة الغاضبة،و اليد المعتدية.

ثانيا:أسلوب الحسنة الّذي يعمل على الدّراسة العقلانيّة لكلّ مفردات الصّراع المتناثرة،من أفكار و مواقع و مواقف،و محاولة اكتشاف العناصر الدّاخليّة و الخارجيّة الّتي تضيق الهوّة بينها،أو تردمها،و تجمع العقول و القلوب على قاعدة فكريّة و حياتيّة واحدة.

و هو أسلوب يعتمد الكلمة الطّيّبة،و النّظرة الحانيّة و اليد المصافحة،و الالتفات على كلّ المشاعر السّلبيّة بالمشاعر الإيجابيّة الّتي يختزنها الواقع.

و هما أسلوبان في إدارة الصّراع،يريد القرآن الكريم للإنسان أن يقارن دائما بينهما،و يوجّهه إلى

ص: 740

اختيار أسلوب الحسنة،و هو الأسلوب الأفضل الّذي لا يثير المشاعر في حركة عدوانيّة،بل يحتويها في حركة صداقة و أخوّة. اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فإنّ الإيمان يفرض على الإنسان أن يختار الأحسن في العلاقات، كما يريده اختيار الأحسن في حركة الحياة.

(20:118)

مكارم الشّيرازيّ: ادفع الباطل بالحقّ، و الجهل و الخشونة بالحلم و المداراة،و قابل الإساءة بالإحسان،فلا تردّ الإساءة بالإساءة،و القبح بالقبح، لأنّ هذا أسلوب من همّه الانتقام،ثمّ إنّ هذا الأسلوب يقود إلى عناد المنحرفين أكثر.

و تشير الآية في نهايتها إلى فلسفة و عمق هذا البرنامج في تعبير قصير،فتقول:إنّ هذا التّعامل سيقود إلى فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ إنّ ما يبيّنه القرآن هنا،مضافا إلى ما يشبهه في الآية:96،من سورة المؤمنون في قوله تعالى: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ يعتبر من أهمّ و أبرز أساليب الدّعوة،خصوصا حيال الأعداء و الجهلاء و المعاندين.

و يؤيّد ذلك آخر ما توصّلت إليه البحوث و الدّراسات في علم النّفس.

لأنّ كلّ من يقوم بالسّيّئة ينتظر الرّدّ بالمثل، خاصّة الأشخاص الّذين هم من هذا النّمط،و أحيانا يكون جواب السّيّئة الواحدة عدّة سيّئات.

أمّا عند ما يرى المسيء أنّ من أساء إليه لا يردّ السّيّئة بالسّيّئة و حسب،و إنّما يقابلها بالحسنة، عندها سيحدث التّغيير في وجوده،و سيؤثّر ذلك على ضميره بشدّة فيوقظه،و ستحدث ثورة في أعماقه، سيخجل و يحسّ بالحقارة،و ينظر بعين التّقدير و الإكبار إلى من أساء إليه.

و هنا ستزول الأحقاد و العداوات من الدّاخل، و تترك مكانها للحبّ و المودّة.

و من الضّروريّ أن نشير هنا إلى أنّ هذا الأمر لا يمثّل قانونا دائما،و إنّما هو صفة غالبة،لأنّ هناك أقلّيّة تحاول أن تسيء الاستفادة من هذا الأسلوب، فما لم ينزل بها ما تستحق من عقاب،فإنّها لا تترك أعمالها الخاطئة.

و لكن في نفس الوقت الّذي نستخدم العقوبة و الشّدّة ضدّ هذه الأقلّيّة،علينا أن لا نغفل عن أنّ القانون المتحكّم بالأكثريّة هو قانون:«ادفع السّيّئة بالحسنة».

لذلك رأينا أنّ رسول الإسلام صلّى اللّه عليه و آله و القادة من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،كانوا يستفيدون دائما من هذا الأسلوب القرآنيّ العظيم،ففي فتح مكّة مثلا كان الأعداء-و حتّى الأصدقاء-ينتظرون أن تسفك الدّماء و تؤخذ الثّارات من الكفّار و المشركين و المنافقين الّذين أذاقوا المؤمنين ألوان الأذى و العذاب في مكّة و خارجها،من هنا رفع بعض قادة الفتح شعار «اليوم يوم الملحمة،اليوم تسبى الحرمة،اليوم أذلّ اللّه قريشا»لكن ما كان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تنفيذا لأخلاقيّة«ادفع السّيّئة بالحسنة»إلاّ أن عفا عن الجميع و أطلق كلمته المشهورة:«اذهبوا فأنتم الطّلقاء» ثمّ أمر صلّى اللّه عليه و آله أن يستبدل الشّعار الانتقاميّ بشعار آخر

ص: 741

يفيض إحسانا و كرما هو:«اليوم يوم المرحمة،اليوم أعزّ اللّه قريشا» (1).

لقد أحدث هذا الموقف النّبويّ الكريم عاصفة في أرض مشركي مكّة،حتّى أنّه-على حدّ وصف كتاب اللّه تعالى-بدءوا يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْواجاً النّصر:2.

لكن برغم ذلك،نرى أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله استثنى بعض الأشخاص من العفو العامّ هذا،كما نقله أصحاب السّيرة،لأنّهم كانوا خطرين و لم يستحقّوا العفو النّبويّ الكريم الّذي عبّر فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن خلق الإسلام و منطق النّبيّين،حينما قال:«لا أقول لكم إلاّ كما قال يوسف لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ يوسف:92. (2)

(15:373)

ادفعوا

1- وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَ قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاَتَّبَعْناكُمْ...

آل عمران:167

ابن عبّاس: اِدْفَعُوا العدوّ عن حريمكم و ذرّيّتكم أو كثّروا المؤمنين.(60)

نحوه مقاتل(ابن الجوزيّ 1:497)،و الكاشانيّ (1:367).

التّكثير بالعدد.

مثله الحسن و عكرمة و الضّحّاك و ابن جريج.

(ابن الجوزيّ 1:497).

زيد بن عليّ: كثّروا بسوادكم،أي رابطوا.

(165)

السّدّيّ: يقول:أو كثّروا.(الطّبريّ 3:511)

معناه:بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا.

مثله ابن جريج.(الجصّاص 2:54)

نحوه النّحّاس(1:508)،و ابن جزيّ(1:124).

أي كثّروا سواد المسلمين،و رابطوا إن لم تقاتلوا، كون[كذا]ذلك دفعا و قمعا للعدوّ.(الثّعلبيّ 3:200)

نحوه الزّمخشريّ(1:478)،و البروسويّ(2:

122).

ابن جريج:بكثرتكم العدوّ،و إن لم يكن قتال.

(الطّبريّ 3:511)

ابن زيد :إنّه بمعنى القتال.(ابن الجوزيّ 1:497)

الفرّاء: يقول:كثّروا،فإنّكم إذا كثّرتم دفعتم القوم بكثرتكم.(1:246)

مثله ابن قتيبة.(115)

الطّبريّ: بتكثيركم سوادنا...و اختلفوا في تأويل قوله: أَوِ ادْفَعُوا: فقال بعضهم:معناه:أو كثّروا، فإنّكم إذا كثّرتم دفعتم القوم.

و قال آخرون:معنى ذلك:أو رابطوا إن لم تقاتلوا.

عتبة بن ضمرة قال:سمعت أبا عون الأنصاريّ في قوله: أَوِ ادْفَعُوا: رابطوا.(3:510،511)

الجصّاص :[ذكر قول السّدّيّ و ابن جريج و أبي

ص: 742


1- بحار الأنوار 21:109.
2- بحار الأنوار 21:132.

عون الأنصاريّ ثمّ قال:]

و في هذا دلالة على أنّ فرض الحضور لازم لمن كان في حضوره نفع في تكثير السّواد و الدّفع،و في القيام على الخيل إذا احتيج إليهم.(2:54)

الثّعلبيّ: عن أهلكم و بلدتكم و حريمكم.

(3:200)

نحوه البغويّ(1:533)،و الخازن(1:372).

الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:[قول السّدّيّ]

و الثّانيّ: معناه:رابطوا على الخيل إن لم تقاتلوا، و هو قول ابن عون الأنصاريّ.(1:435)

مثله الطّوسيّ.(3:43)

الواحديّ: و قال جماعة من المفسّرين:

أَوِ ادْفَعُوا عن أهلكم و بلدكم و حريمكم إن لم تقاتلوا في سبيل اللّه.(1:518)

الميبديّ: قال السّدّيّ و الفرّاء و جماعة:الدّفع، هو الرّباط،و الرّباط:أن يقوم أحد بثغر الكفّار و يدفع عن بلاد المسلمين بإقامة الحرب أو بإظهار الحجّة.

و فيه قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«رباط يوم في سبيل اللّه خير من الدّنيا و ما عليها».و في رواية:«خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل».(2:339)

ابن عطيّة: اختلف النّاس في معنى قوله: أَوِ ادْفَعُوا، [و ذكر قول السّدّيّ و ابن جريج و غيرهما ثمّ قال:]

و قال أبو عون الأنصاريّ: معناه:رابطوا،و هذا قريب من الأوّل و لا محالة أنّ المرابط مدافع،لأنّه لو لا مكان المرابطين في الثّغور لجاءها العدوّ،و المكثر للسّواد مدافع.و قال أنس بن مالك:رأيت يوم القادسيّة عبد اللّه ابن أمّ مكتوم الأعمى،و عليه درع يجرّ أطرافها،و بيده راية سوداء،فقيل له:أ ليس قد أنزل اللّه عذرك؟قال:بلى،و لكنّي أكثر المسلمين بنفسي.و روي أنّه قال:فكيف بسوادي في سبيل اللّه؟

و ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ قول عبد اللّه بن عمرو: أَوِ ادْفَعُوا إنّما هو استدعاء القتال حميّة، لأنّه دعاهم إلى القتال في سبيل اللّه،و هو أن تكون كلمة اللّه هي العليا،فلمّا رأى أنّهم ليسوا أهل ذلك عرض عليهم الوجه الّذي يحشمهم و يبعث الأنفة،أي أو قاتلوا دفاعا عن الحوزة؛أ لا ترى أنّ«قزمان»قال:

«و اللّه ما قاتلت إلاّ على أحساب قومي.»و أ لا ترى أنّ بعض الأنصار قال يوم أحد لمّا رأى قريشا قد أرسلت الظّهر في زروع قناة،قال:أ ترعى زروع بني قيلة و لمّا نضارب؟و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد أمر أن لا يقاتل أحد حتّى يأمره بالقتال،فكأنّ عبد اللّه بن عمرو بن حرام دعاهم إلى هذا المقطع العربيّ الخارج عن الدّين و القتال في سبيل اللّه.(1:539)

نحوه القرطبيّ.(4:266)

الطّبرسيّ: عن حريمكم و أنفسكم إن لم تقاتلوا في سبيل اللّه.و قيل:معناه:أقيموا معنا،و كثّروا سوادنا.

و هذا يدلّ على أنّ تكثير سواد المجاهدين معدود في الجهاد و بمنزلة القتال.(1:533)

الفخر الرّازيّ: قوله: قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا يعني إن كان في قلبكم حبّ الدّين و الإسلام فقاتلوا للدّين و الإسلام،و إن لم تكونوا كذلك،فقاتلوا

ص: 743

دفعا عن أنفسكم و أهليكم و أموالكم،يعني كونوا إمّا من رجال الدّين،أو من رجال الدّنيا.[و ذكر قول السّدّيّ و أضاف:]

قالوا:لأنّ الكثرة أحد أسباب الهيبة و العظمة، و الأوّل هو الوجه.

[و]قوله تعالى: قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا تصريح بأنّهم قدّموا طلب الدّين على طلب الدّنيا؛ و ذلك يدلّ على أنّ المسلم لا بدّ و أن يقدّم الدّين على الدّنيا في كلّ المهمّات.(9:85)

نحوه النّيسابوريّ(4:121)،و الشّربينيّ(1:

262)،و المراغيّ(4:127).

البيضاويّ: تقسيم للأمر عليهم و تخيير بين أن يقاتلوا للآخرة أو للدّفع عن الأنفس و الأموال.

و قيل:معناه:قاتلوا الكفرة أو ادفعوهم بتكثيركم سواد المجاهدين،فإنّ كثرة السّواد ممّا يروّع العدوّ و يكسر منه.(1:191)

مثله المشهديّ(2:277)،و شبّر(1:397).

النّسفيّ: أي قاتلوا دفعا عن أنفسكم و أهليكم و أموالكم إن لم تقاتلوا للآخرة.(1:193)

نحوه القاسميّ(4:1031)،و الطّباطبائيّ(4:60)، و مكارم الشّيرازيّ(2:602).

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة إلى أن قال:]

و(او)على بابها من أنّها لأحد الشّيئين.و قيل:

يحتمل أن تكون بمعنى الواو،فطلب منهم الشّيئين:

القتال في سبيل اللّه،و الدّفع عن الحريم و الأهل و المال.

فكفّار قريش لا تفرّق بين المؤمن و المنافق في القتل و السّبي و النّهب.

و الظّاهر أنّ قوله: وَ قِيلَ لَهُمْ كلام مستأنف.

قسّم الأمر عليهم فيه بين أن يقاتلوا للآخرة،أو يدفعوا عن أنفسهم و أهليهم و أموالهم.حكى اللّه عنهم ما يدلّ على نفاقهم في هذا السّؤال و الجواب،و يحتمل أن يكون قوله: وَ قِيلَ لَهُمْ معطوف على نافَقُوا فيكون من الصّلة.(3:109)

السّمين:(او)هنا على بابها من التّخيير و الإباحة.و قيل:بمعنى«الواو»لأنّه طلب منهم القتال و الدّفع،و الأوّل هو الصّحيح.(2:253)

ابن كثير :[نقل الأقوال و أضاف:]

و قال الحسن بن صالح:ادفعوا بالدّعاء.(2:152)

أبو السّعود :[نقل بعض الأقوال و أضاف:]

و ترك العطف بين(تعالوا)و(قاتلوا)لما أنّ المقصود بهما واحد و هو الثّاني.و ذكر الأوّل توطئة له،و ترغيب فيه،لما فيه من الدّلالة على التّظاهر و التّعاون.(2:61)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ أضاف:]

و قيل:ترك العاطف للإشارة إلى أنّ كلّ واحدة من الجملتين مقصود بنفسه.و قيل:الأمر الثّاني حال، و لا يخفى بعده.(4:118)

رشيد رضا :قوله تعالى: وَ قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا فمعناه:أنّ هؤلاء الّذين نافقوا قد دعوا إلى القتال على أنّه في سبيل اللّه،أي دفاع عن الحقّ و الدّين و أهله،ابتغاء مرضاة اللّه و إقامة دينه،لا للحميّة و الهوى و لا ابتغاء الكسب

ص: 744

و الغنيمة،أو على أنّه دفاع عن أنفسهم و أهلهم و وطنهم؛فراوغوا و حاولوا،و قعدوا و تكاسلوا.

(4:228)

فضل اللّه : أَوِ ادْفَعُوا: ساهموا في الدّفاع عن أنفسكم و أعراضكم و أموالكم و وطنكم،فيكون المعنى:إذا لم تقاتلوا في سبيل اللّه،فادفعوا العدوّ عن أنفسكم و أموالكم.

و قيل:قاتلوا دفاعا عن الحقّ و الدّين لا للحميّة و الغنيمة.

و قيل:كثّروا فإنّكم إذا كثّرتم دفعتم القوم بكثرتكم.[إلى أن قال:]

أو ادفعوا العدوّ عن ساحة المسلمين بحشد القوّة الّتي ترهبه و تخيفه،و تهزم روحه المعنويّة،و تكسر شوكته.فإنّ الهدف الأساس في ساحة التّحدّيات هي هزيمة العدوّ نفسيّا أو عسكريّا،كوسيلة من وسائل إضعافه و إسقاط معنويّاته،لتنطلق المسيرة بقوّة بعيدا عن مواقع الخطر.و هذا هو الّذي توحي به كلمة اِدْفَعُوا الّتي تتضمّن معنى الدّفع النّفسيّ و العمليّ بالوسائل المتنوّعة الّتي قد تتفادى القتال،لتحقّق النّتائج بدونه.

و قد جاء في تفسير«الكشّاف»عن سهل بن سعد،السّاعديّ-و قد كفّ بصره-أنّه قال:«لو أمكنني لبعت داري و لحقت بثغر من ثغور المسلمين، فكنت بينهم و بين عدوّهم،قيل:و كيف و قد ذهب بصرك؟قال:لقوله: أَوِ ادْفَعُوا أراد كثّروا سواده».

و هكذا نرى أنّ هذا الصّحابيّ الجليل قد فهم آفاق الآية بطريقة واقعيّة،على أساس تنوّع الوسائل في الصّراع،ليكون من بينها-بالإضافة إلى القتال- حشد القوّة الجماهيريّة العدديّة للمسلمين أمام العدوّ، ليشعر بثقل القوّة في ميدان المواجهة،فيمنعه ذلك من الهجوم أو يدفعه إلى التّقهقر.و هذا ما يمكن لنا استيحاؤه في إطلاق شعارات الوحدة بين المسلمين أمام التّحدّيات الكبرى للكفر و الاستكبار،لتكون مظهر صلابة،و قوّة في السّاحة.(6:370-373)

2- وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً. النّساء:6

ابن عبّاس: دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ بعد الرّشد و البلوغ.(65)

الطّبريّ: يعني بذلك تعالى ذكره ولاة أموال اليتامى.يقول اللّه لهم:فإذا بلغ أيتامكم الحلم،فآنستم منهم عقلا و إصلاحا لأموالهم،فادفعوا إليهم أموالهم و لا تحبسوها عنهم.(3:595)

الماورديّ: فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ يعني الّتي تحت أيديكم أيّها الأولياء عليهم.(1:453)

الطّوسيّ: فَادْفَعُوا... فهو خطاب لأولياء اليتيم،أمرهم اللّه تعالى إذا بلغ اليتيم،و أونس منه الرّشد،-على ما فسّرناه-أن يسلّم إليه ماله، و لا يحبسه عنه.(3:118)

ص: 745

الطّبرسيّ: خطاب لأولياء اليتيم،و هو تعليق لجواز الدّفع بالشّرطين:البلوغ و إيناس الرّشد، فلا يجوز الدّفع قبلهما.(2:9)

الفخر الرّازيّ: فَادْفَعُوا... و المراد أنّ عند حصول الشّرطين،أعني:البلوغ و إيناس الرّشد يجب دفع المال إليهم.و إنّما لم يذكر تعالى مع هذين الشّرطين كمال العقل،لأنّ إيناس الرّشد لا يحصل إلاّ مع العقل،لأنّه أمر زائد على العقل.(9:190)

القرطبيّ: إنّ دفع المال يكون بشرطين:إيناس الرّشد و البلوغ،فإن وجد أحدهما دون الآخر لم يجز تسليم المال،كذلك نصّ الآية.[ثمّ ذكر نظر الفقهاء فيه.](5:38)

البيضاويّ: فَادْفَعُوا... من غير تأخير من حدّ البلوغ.(1:204)

نحوه النّسفيّ(1:208)،و الشّربينيّ(1:282)، و البروسويّ(2:166).

أبو السّعود : فَادْفَعُوا... من غير تأخير عن حدّ البلوغ.و في إيثار«الدّفع»على«الإيتاء»الوارد في أوّل الأمر وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ إيذان بتفاوتهما بحسب المعنى،كما أشير إليه فيما سلف.

(2:100)

نحوه الآلوسيّ.(4:205)

دَفَعْتُمْ بعد ما راعيتم الشّرائط المذكورة، و تقديم الجارّ و المجرور على المفعول الصّريح للاهتمام به.(2:101)

القاسميّ: فَادْفَعُوا... أي من غير تأخير.

و ظاهر الآية الكريمة أنّ من بلغ غير رشيد إمّا بالتّبذير أو بالعجز أو بالفسق،لا يسلم إليه ماله،لأنّها مفسدة للمال.(5:1127)

المصطفويّ: أي دفعتم و رددتم أموالهم إليهم.

و قد عبّر بالدّفع إشارة إلى جهة الرّدّ في قبال الاستدامة و إبقاء الأموال عندهم،و الرّدّ لا يلاحظ هذا القيد.(3:227)

راجع:رش د:«رشدا»و:ش ه د:«فاشهدوا».

دفع اللّه

1- ...وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ.

البقرة:251

ابن عبّاس: و لو لا دفع اللّه بجنود المسلمين و سراياهم و مرابطهم،لغلب المشركون على الأرض، فقتلوا المؤمنين،و خرّبوا البلاد و المساجد.

مثله مجاهد.(الواحديّ 1:361)

الطّبريّ: و أمّا القراءة،فإنّها اختلفت في قراءة قوله: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ... فقرأته جماعة من القرّاء دَفْعُ اللّهِ على وجه المصدر،من قول القائل:دفع اللّه عن خلقه،فهو يدفع دفعا.و احتجّت لاختيارها ذلك بأنّ اللّه تعالى ذكره،هو المتفرّد بالدّفع عن خلقه، و لا أحد يدافعه فيغالبه.

و قرأت ذلك جماعة أخرى من القراء: (و لو لا دفاع اللّه النّاس بعضهم) على وجه المصدر،من قول القائل:دافع اللّه عن خلقه،فهو يدافع مدافعة و دفاعا.

ص: 746

و احتجّت لاختيارها ذلك بأنّ كثيرا من خلقه يعادون أهل دين اللّه،و ولايته و المؤمنين به،فهم بمحاربتهم إيّاهم و معاداتهم لهم للّه مدافعون بظنونهم،و مغالبون بجهلهم،و اللّه مدافعهم عن أوليائه و أهل طاعته و الإيمان به.

و القول في ذلك عندي:أنّهما قراءتان قد قرأت بهما القراء،و جاءت بهما جماعة الأمّة.و ليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر؛و ذلك أنّ من دافع غيره عن شيء،فمدافعه عنه بشيء دافع، و متى امتنع المدفوع عن الاندفاع،فهو لدافعه مدافع.

و لا شكّ أنّ جالوت و جنوده كانوا بقتالهم طالوت و جنوده،محاولين مغالبة حزب اللّه و جنده،و كان في محاولتهم ذلك محاولة مغالبة اللّه و دفاعه عمّا قد تضمّن لهم من النّصرة؛و ذلك هو معنى مدافعة اللّه عن الّذين دافع اللّه عنهم بمن قاتل جالوت و جنوده من أوليائه.فبيّن إذا أن[تكون]سواء قراءة من قرأ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ... و قراءة من قرأ: (و لو لا دفاع اللّه النّاس...) في التّأويل و المعنى.(2:647)

الزّجّاج: أي لو لا ما أمر اللّه به المسلمين من حرب الكافرين لفسدت الأرض.

و قيل أيضا:لو لا دفع اللّه الكافرين بالمسلمين لكثر الكفر فنزلت بالنّاس السّخطة،و استؤصل أهل الأرض.(1:333)

الفارسيّ: و اختلفوا في كسر الدّال و فتحها، و إدخال الألف و إسقاطها،من قوله عزّ و جلّ: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ... فقرأ ابن كثير و أبو عمرو بغير ألف هاهنا، و في الحجّ:38، (انّ اللّه يدفع) .

و قرأ نافع (لو لا دفاع اللّه) إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ بألف فيهما جميعا.

و قرأ عاصم و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ و لو لا دفع الله بغير ألف،و ان الله يدافع بألف.

و روى عبد الوهّاب عن أبان عن عاصم(لو لا دفاع اللّه)بألف.

(دفاع)يحتمل أمرين:يجوز أن يكون مصدرا ل«فعل»،كالكتاب و اللّقاء،و نحو ذلك من المصادر الّتي تجيء على«فعال».كما يجيء على«فعال»نحو الجمال و الذّهاب.و يجوز أن يكون مصدرا ل«فاعل»،يدلّ على ذلك قراءة من قرأ إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فالدّفاع يجوز أن يكون مصدرا لهذا،كالقتال،و نظيره«الكتاب»في أنّه جاء مصدرا ل«فاعل»و«فعل»،فقوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ النّور:33، اَلْكِتابَ فيه مصدر«كاتب»كما أنّ المكاتبة كذلك،و قال تعالى: كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ النّساء:24،فالكتاب مصدر ل(كتب)الّذي دلّ عليه قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ النّساء:23،لأنّ المعنى كتب هذا التّحريم عليكم كتابا، و كذلك قوله: كِتاباً مُؤَجَّلاً آل عمران:145،كأنّ معنى دفع و دافع سواء؛أ لا ترى أنّ قوله:

و لقد حرصت بأن أدافع عنهم

فإذا المنيّة أقبلت لا تدفع

فوضع«أدافع»موضع أدفع،كأنّ المعنى حرصت

ص: 747

بأن أدفع عنهم المنيّة،فإذا المنيّة لا تدفع...

و إذا كان كذا،فقوله:إنّ اللّه يدفع،و يدافع يتقاربان،و ليس«يدافع»ك«يضارب.».و ممّا يقوّي ذلك قوله: قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ التّوبة:30، و ليس للمفاعلة الّتي تكون من اثنين هنا وجه.

(1:455)

أبو زرعة:قرأ نافع (و لو لا دفاع اللّه النّاس) بالألف،و قرأ الباقون (دفع الله) مصدر من دفع دفعا، و حجّتهم أنّ اللّه عزّ و جلّ لا مدافع له،و أنّه هو المنفرد بالدّفع من خلقه.و كان أبو عمرو يقول:«إنّما الدّفاع من النّاس و الدّفع من اللّه.».

[و قال في حجّة«نافع»نحو ما ذكرناه عن الفارسيّ إلاّ أنّه قال:]

و يجوز أن يكون مصدرا ل«فاعل»،تقول:دافع اللّه عنك الشّيء يدافع مدافعة و دفاعا.و العرب تقول:

أحسن اللّه عنك الدّفاع،و مثل ذلك:عافاك اللّه،و مثل «فاعلت»للواحد كثير،قال اللّه: قاتَلَهُمُ اللّهُ التّوبة:30.(140)

نحوه ملخّصا ابن عطيّة.(1:338)

الثّعلبيّ: [ذكر قراءة نافع و من تبعه و قال:]

و قرأ الآخرون بغير ألف فيهما[هاهنا و في الحجّ] و اختاره أبو عبيد قال:لأنّ اللّه تعالى لا يغالبه أحد و هو الدّافع وحده.و قال أبو حاتم:و قد يكون «الفعال»من واحد،مثل قول العرب:أحسن اللّه عنك الدّفاع،و عافاك اللّه،و عاقبه اللّه،و ناول شيئا.

(2:224)

نحوه البغويّ.(1:341)

الطّوسيّ: ...و من قرأ(دفاع)بألف،فوجهه:أنّ اللّه لمّا أعان أولياءه على مدافعة أعدائه حتّى هزموهم،حسن إضافة الدّفاع إليه،لمّا كان من معونته،و إرادته له.(2:301)

الواحديّ: [ذكر قول ابن عبّاس و أضاف:]

و قال سائر المفسّرين:لو لا دفع اللّه بالمؤمنين و الأبرار عن الكفّار و الفجّار لفسدت الأرض و من فيها.(1:361)

الفخر الرّازيّ: و هاهنا مسائل:

المسألة الأولى:[ذكر القراءات نحو ما تقدّم عن الطّبريّ و غيره بتقرير أحسن،إلى أن قال:]

المسألة الثّانية:اعلم أنّه تعالى ذكر في هذه الآية المدفوع و المدفوع به،فقوله:(بعضهم)إشارة إلى المدفوع،و قوله:(ببعض)إشارة إلى المدفوع به.

فأمّا المدفوع عنه فغير مذكور في الآية،فيحتمل أن يكون المدفوع عنه الشّرور في الدّين،و يحتمل أن يكون المدفوع عنه الشّرور في الدّنيا،و يحتمل أن يكون مجموعهما.

أمّا القسم الأوّل:و هو أن يكون المدفوع عنه الشّرور في الدّين،فتلك الشّرور إمّا أن يكون المرجع بها إلى الكفر،أو إلى الفسق،أو إليهما،فلنذكر هذه الاحتمالات.

الاحتمال الأوّل:أن يكون المعنى:و لو لا دفع اللّه بعض النّاس عن الكفر بسبب البعض؛و على هذا التّقدير فالدّافعون هم الأنبياء و أئمّة الهدى،فإنّهم

ص: 748

الّذين يمنعون النّاس عن الوقوع في الكفر بإظهار الدّلائل و البراهين و البيّنات،قال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ إبراهيم:1.

و الاحتمال الثّاني:أن يكون المراد:و لو لا دفع اللّه بعض النّاس عن المعاصي و المنكرات بسبب البعض، و على هذا التّقدير فالدّافعون هم القائمون بالأمر بالمعروف،و النّهي عن المنكر،على ما قال تعالى:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ آل عمران:110،و يدخل في هذا الباب:الأئمّة المنصوبون من قبل اللّه تعالى،لأجل إقامة الحدود و إظهار شعائر الإسلام،و نظيره قوله تعالى: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ المؤمنون:96، و في موضع آخر: وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ الرّعد:22.

و الاحتمال الثّالث:و لو لا دفع اللّه بعض النّاس عن الهرج و المرج و إثارة الفتن في الدّنيا بسبب البعض.و اعلم أنّ الدّافعين على هذا التّقدير هم الأنبياء عليهم السّلام،ثمّ الأئمّة و الملوك الذّابّون عن شرائعهم.و تقريره:أنّ الإنسان الواحد لا يمكنه أن يعيش وحده،لأنّه ما لم يخبز هذا لذاك و لا يطحن ذاك لهذا،و لا يبني هذا لذاك،و لا ينسج ذاك لهذا،لا تتمّ مصلحة الإنسان الواحد،و لا تتمّ إلاّ عند اجتماع جمع في موضع واحد،فلهذا قيل:«الإنسان مدنيّ بالطّبع» ثمّ إنّ الاجتماع بسبب المنازعة المفضية إلى المخاصمة أوّلا،و المقاتلة ثانيا،فلا بدّ في الحكمة الإلهيّة من وضع شريعة بين الخلق،لتكون الشّريعة قاطعة للخصومات و المنازعات،فالأنبياء عليهم السّلام الّذين أوتوا من عند اللّه بهذه الشّرائع هم الّذين دفع اللّه بسببهم و بسبب شريعتهم الآفات عن الخلق،فإنّ الخلق ما داموا يبقون متمسّكين بالشّرائع لا يقع بينهم خصام و لا نزاع، فالملوك و الأئمّة متى كانوا يتمسّكون بهذه الشّرائع كانت الفتن زائلة،و المصالح حاصلة.فظهر أنّ اللّه تعالى يدفع عن المؤمنين أنواع شرور الدّنيا،بسبب بعثة الأنبياء عليهم السّلام.و اعلم أنّه كما لا بدّ في قطع الخصومات و المنازعات من الشّريعة،فكذا لا بدّ في تنفيذ الشّريعة من الملك،و لهذا قال عليه الصّلاة و السّلام:«الإسلام و السّلطان أخوان توأمان»،و قال أيضا:«الإسلام أمير،و السّلطان حارس،فما لا أمير له فهو منهزم، و ما لا حارس له فهو ضائع».و لهذا يدفع اللّه تعالى عن المسلمين أنواع شرور الدّنيا،بسبب وضع الشّرائع، و بسبب نصب الملوك و تقويتهم.و من قال بهذا القول قال في تفسير قوله: لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، أي لغلب على أهل الأرض القتل و المعاصي...

و الاحتمال الرّابع:و لو لا دفع اللّه بالمؤمنين و الأبرار عن الكفّار و الفجّار،لفسدت الأرض و لهلكت بمن فيها.و تصديق هذا ما روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«يدفع بمن يصلّي من أمّتي عمّن لا يصلّي...».

و ممّا يدلّ على صحّة هذا القول من القرآن قوله تعالى: وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ... الكهف:82، و قال تعالى: وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَ نِساءٌ مُؤْمِناتٌ إلى قوله: لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً

ص: 749

أَلِيماً الفتح:25،و قال: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ الأنفال:33،و من قال بهذا القول قال في تفسير قوله: لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، أي لأهلك اللّه أهلها لكثرة الكفّار و العصاة.

و الاحتمال الخامس:أن يكون اللّفظ محمولا على الكلّ،لأنّ بين هذه الأقسام قدرا مشتركا و هو دفع المفسدة،فإذا حملنا اللّفظ عليه دخلت الأقسام بأسرها فيه.

المسألة الثّالثة:قال القاضي:هذه الآية من أقوى ما يدلّ على بطلان الجبر،لأنّه إذا كان الفساد من خلقه فكيف يصلح أن يقول تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، و يجب أن لا يكون على قولهم لدفاع النّاس بعضهم ببعض تأثير في زوال الفساد؛و ذلك لأنّ على قولهم الفساد إنّما لا يقع بسبب أن لا يفعله اللّه تعالى و لا يخلقه لا لأمر يرجع إلى النّاس؟

و الجواب:أنّ اللّه تعالى لمّا كان عالما بوقوع الفساد،فإذا صحّ مع ذلك العلم أن لا يفعل الفساد،كان المعنى أنّه يصحّ من العبد أن يجمع بين عدم الفساد و بين العلم بوجود الفساد،فيلزم أن يكون قادرا على الجمع بين النّفي و الإثبات،و هو محال.(6:203)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(2:319)

القرطبيّ: فيه مسألتان:

الأولى:قوله تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ كذا قراءة الجماعة،إلاّ نافعا فإنّه قرأ(دفاع).و يجوز أن يكون مصدرا ل«فعل»كما يقال:حسبت الشّيء حسابا، و آب إيابا،و لقيته لقاء،و مثله:كتبه كتابا،و منه كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ النّساء:24.[قال]النّحّاس:

و هذا حسن،فيكون دفاع و دفع مصدرين ل«دفع» و هو مذهب سيبويه.و قال أبو حاتم:دافع و دفع بمعنى واحد،مثل طرقت النّعل و طارقت،أي خصفت إحداهما فوق الأخرى،و الخصف:الخرز.و اختار أبو عبيدة قراءة الجمهور،و أنكر أن يقرأ(دفاع)، و قال:لأنّ اللّه عزّ و جلّ لا يغالبه أحد.قال مكّيّ:هذا وهم توهّم فيه باب المفاعلة و ليس به.و اسم(الله) في موضع رفع بالفعل،أي لو لا أن يدفع اللّه.و(دفاع) مرفوع بالابتداء عند سيبويه.(النّاس)مفعول، (بعضهم)بدل من(النّاس)،(ببعض)في موضع المفعول الثّاني عند سيبويه،و هو عنده مثل قولك:ذهبت بزيد، فزيد في موضع مفعول،فاعلمه.

الثّانية:و اختلف العلماء في النّاس المدفوع بهم الفساد من هم؟فقيل:هم الأبدال و هم أربعون رجلا...[ذكر أقوال المفسّرين في المسألة كما سبق في «ب ع ض»إلى أن أضاف:]

و قيل:هذا الدّفع بما شرع على ألسنة الرّسل من الشّرائع،و لو لا ذلك لتسالب النّاس و تناهبوا و هلكوا.و هذا قول حسن فإنّه عموم في الكفّ و الدّفع و غير ذلك فتأمّله.(3:259)

[و قال المفسّرون في القراءة نحو ما سبق عن المتقدّمين،و في ذلك غنى،فأضربنا عن البقيّة]

أبو حيّان :[ذكر اختلاف القراءة نحو ما سبق و أضاف:]

ص: 750

و المصدر الّذي هو:دفع،أو:دفاع،مضاف إلى الفاعل،و(بعضهم)بدل من(الناس،)و هو بدل بعض من كلّ،و الباء في(ببعض)متعلّق بالمصدر، و الباء فيه للتّعدية،فهو مفعول ثان للمصدر،لأنّ «دفع»يتعدّى إلى واحد،ثمّ عدّي إلى ثان بالباء.

و أصل التّعدية بالباء،أن يكون ذلك في الفعل اللاّزم،نحو: لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ البقرة:20،فإذا كان متعدّيا فقياسه أن يعدّى بالهمزة،تقول:طعم زيد اللّحم،ثمّ تقول:أطعمت زيدا اللّحم،و لا يجوز أن تقول:طعمت زيدا باللّحم.و إنّما جاء ذلك قليلا بحيث لا ينقاس،من ذلك:«دفع،و صكّ»تقول:صكّ الحجر الحجر،و تقول:صككت الحجر بالحجر،أي جعلته يصكّه.و كذلك قالوا:صككت الحجرين أحدهما بالآخر،نظير: دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فالباء للتّعدية كالهمزة.

قال سيبويه:-و قد ذكر التّعدية بالهمزة و التّضعيف-ما نصّه:و على ذلك دفعت النّاس بعضهم ببعض،على حدّ قولك:ألزمت،كأنّك قلت في التّمثيل:أدفعت،كما أنّك تقول:أذهبت به،و أذهبته من عندنا،و أخرجته،و خرجت به معك،ثمّ قال سيبويه:صككت الحجرين أحدهما بالآخر على أنّه مفعول،من قولك:اصطكّ الحجران أحدهما بالآخر، و مثل ذلك:(و لو لا دفاع اللّه النّاس بعضهم ببعض)،انتهى كلام سيبويه.

و لا يبعد في قولك:دفعت بعض النّاس ببعض،أن تكون الباء للآلة،فلا يكون المجرور بها مفعولا به في المعنى،بل الّذي يكون مفعولا به هو المنصوب،و على قول سيبويه يكون المنصوب مفعولا به في اللّفظ فاعلا من جهة المعنى.و على أن تكون الباء للآلة يصحّ نسبة الفعل إليها على سبيل المجاز،كما أنّك تقول في«كتبت بالقلم»كتبت القلم.و أسند الفساد إلى الأرض حقيقة بالخراب و تعطيل المنافع،أو مجازا،و المراد أهلها.

(2:269)

نحوه ملخّصا السّمين.(1:608)

أبو السّعود :و قرئ (دفاع اللّه) ،على أنّ صيغة المغالبة للمبالغة.(1:291)

شبّر:يدفع الهلاك بالبرّ عن الفاجر،كما عن عليّ عليه السّلام،أو ينصر المسلمين على الكفّار،أو يكفّ فسادهم.(1:255)

رشيد رضا :أي لو لا أنّ اللّه تعالى يدفع أهل الباطل بأهل الحقّ و أهل الفساد في الأرض بأهل الإصلاح فيها،لغلب أهل الباطل و الإفساد في الأرض،و بغوا على الصّالحين،و أوقعوا بهم،حتّى يكون لهم السّلطان وحدهم،فتفسد الأرض بفسادهم.

فكان من فضل اللّه على العالمين و إحسانه إلى النّاس أجمعين،أن أذن لأهل دينه الحقّ المصلحين في الأرض، بقتال المفسدين فيها من الكافرين و البغاة المعتدين، فأهل الحقّ حرب لأهل الباطل في كلّ زمان،و اللّه ناصرهم ما نصروا الحقّ و أرادوا الإصلاح في الأرض.

و قد سمّى هذا«دفعا»على قراءة الجمهور باعتبار أنّه منه سبحانه؛إذ كان سنّة من سننه في الاجتماع البشريّ.و سمّاه«دفاعا»في قراءة نافع باعتبار أنّ كلاّ

ص: 751

من أهل الحقّ المصلحين و أهل الباطل المفسدين يقاوم الآخر و يقاتله.[ثمّ بحث تفصيلا في السّنن الاجتماعيّة في القرآن و في الأمم و غير ذلك إلى أن قال:]

دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض من السّنن العامّة، و هو ما يعبّر عنه علماء الحكمة في هذا العصر بتنازع البقاء،و يقولون:إنّ الحرب طبيعيّة في البشر،لأنّها من فروع سنّة تنازع البقاء العامّة.و أنت ترى أنّ قوله تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ليس نصّا فيما يكون بالحرب و القتال خاصّة،بل هو عامّ لكلّ نوع من أنواع التّنازع بين النّاس الّذي يقتضي المدافعة و المغالبة.و يظنّ بعض المتطفّلين على علم السّنن في الاجتماع البشريّ أنّ تنازع البقاء الّذي يقولون:إنّه سنّة عامّة،هو من أثرة المادّيّين في هذا العصر،و أنّه جور و ظلم،هم الواضعون له و الحاكمون به،و أنّه مخالف لهدى الدّين.و لو عرف من يقولون:هذا معنى الإنسان،أو لو عرفوا أنفسهم،أو لو فهموا هذه الآية و ما في معناها من سورة الحجّ،لما قالوا ما قالوا.(2:491-496)

طنطاوي:[نحو الفخر الرّازيّ في الاحتمال الثّالث](1:231)

المراغيّ: أي و لو لا دفع اللّه أهل البغي و الجور و الشّرور و الآثام بأهل الإصلاح و الخير،لغلب أهل الفساد،و بغوا على الصّالحين،و أوقعوا بهم،و صار لهم السّلطان في الأرض...

و قد نسب عزّ اسمه الدّفع إلى نفسه،لأنّه سنّة من سننه في المجتمع البشريّ،و عليه بنى نظام هذا العالم حتّى يرث اللّه الأرض و من عليها.(2:225)

سيّد قطب :و هنا تتوارى الأشخاص و الأحداث لتبرز من خلال النّصّ القصير حكمة اللّه العليا في الأرض من اصطراع القوى،و تنافس الطّاقات،و انطلاق السّعي في تيّار الحياة المتدفّق الصّاخب الموّار.و هنا تتكشّف على مدّ البصر ساحة الحياة المترامية الأطراف تموج بالنّاس،في تدافع و تسابق و زحام إلى الغايات.و من ورائها جميعا تلك اليد الحكيمة المدبّرة تمسك بالخيوط جميعا،و تقود الموكب المتزاحم المتصارع المتسابق،إلى الخير و الصّلاح و النّماء،في نهاية المطاف...

لقد كانت الحياة كلّها تأسن و تتعفّن لو لا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض،و لو لا أنّ في طبيعة النّاس الّتي فطرهم اللّه عليها أن تتعارض مصالحهم و اتّجاهاتهم الظّاهريّة القريبة،لتنطلق الطّاقات كلّها تتزاحم و تتغالب و تتدافع،فتنفض عنها الكسل و الخمول، و تستجيش ما فيها من مكنونات مذخورة،و تظلّ أبدا يقظة عاملة،مستنبطة لذخائر الأرض،مستخدمة قواها و أسرارها الدّفينة.و في النّهاية يكون الصّلاح و الخير و النّماء،يكون بقيام الجماعة الخيّرة المهتدية المتجرّدة تعرف الحقّ الّذي بيّنه اللّه لها،و تعرف طريقها إليه واضحا،و تعرف أنّها مكلّفة بدفع الباطل و إقرار الحقّ في الأرض،و تعرف أن لا نجاة لها من عذاب اللّه إلاّ أن تنهض بهذا الدّور النّبيل،و إلاّ أن تحتمل في سبيله ما تحتمل في الأرض طاعة للّه و ابتغاء لرضاه...

و هنا يمضي اللّه أمره،و ينفذ قدره،و يجعل كلمة

ص: 752

الحقّ و الخير و الصّلاح هي العليا،و يجعل حصيلة الصّراع و التّنافس و التّدافع في يد القوّة الخيّرة البانية، الّتي استجاش الصّراع أنبل ما فيها و أكرمه،و أبلغها أقصى درجات الكمال المقدّر لها في الحياة.

و من هنا كانت الفئة القليلة المؤمنة الواثقة باللّه تغلب في النّهاية و تنتصر؛ذلك أنّها تمثّل إرادة اللّه العليا في دفع الفساد عن الأرض،و تمكين الصّلاح في الحياة.

إنّها تنتصر،لأنّها تمثّل غاية عليا تستحقّ الانتصار.

(1:270)

ابن عاشور :ذيّلت هذه الآية العظيمة كلّ الوقائع العجيبة الّتي أشارت بها الآيات السّالفة، لتدفع عن السّامع المتبصّر ما يخامره من تطلّب الحكمة في حدثان هذه الوقائع و أمثالها في هذا العالم.

و لكون مضمون هذه الآية عبرة من عبر الأكوان -و حكمة من حكم التّاريخ،و نظم العمران الّتي لم يهتد إليها أحد قبل نزول هذه الآية،و قبل إدراك ما في مطاويها-عطفت على العبر الماضية،كما عطف قوله: وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ البقرة:247،و ما بعده من رءوس الآي،و عدل عن المتعارف في أمثالها من ترك العطف،و سلوك سبيل الاستئناف.

و قرأ نافع و أبو جعفر و يعقوب (و لو لا دفاع اللّه النّاس) بصيغة المفاعلة،و قرأه الجمهور(دفع) بصيغة المجرّد.

و الدّفاع مصدر«دافع»الّذي هو مبالغة في «دفع»لا للمفاعلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و إضافته إلى(الله)مجاز عقليّ،كما هو في قوله:

إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا الحجّ:38،أي يدفع، لأنّ الّذي يدفع حقيقة هو الّذي يباشر الدّفع في متعارف النّاس.و إنّما أسند إلى اللّه،لأنّه الّذي قدّره و قدّر أسبابه،و لذلك قال: بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فجعل سبب الدّفاع بعضهم،و هو من باب: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى الأنفال:17.و أصل معنى الدّفع:الضّرب باليد للإقصاء عن المرام.قال:

فدفعتها فتدافعت...

و هو ذبّ عن مصلحة الدّافع

و معنى الآية:أنّه لو لا وقوع دفع بعض النّاس بعضا آخر بتكوين اللّه،و إيداعه قوّة الدّفع و بواعثه في الدّافع،لفسدت الأرض،أي من على الأرض،و اختلّ نظام ما عليها.ذلك أنّ اللّه تعالى لمّا خلق الموجودات الّتي على الأرض من أجناس و أنواع و أصناف، خلقها قابلة للاضمحلال،و أودع في أفرادها سننا دلّت على أنّ مراد اللّه بقاؤها إلى أمد أراده،و لذلك نجد قانون الخلفيّة منبثّا في جميع أنواع الموجودات،فما من نوع إلاّ و في أفراده قوّة إيجاد أمثالها،لتكون تلك الأمثال أخلافا عن الأفراد عند اضمحلالها.و هذه القوّة هي المعبّر عنها بالتّناسل في الحيوان،و البذر في النّبت،و النّضح في المعادن،و التّولّد في العناصر الكيماويّة.و وجود هذه القوّة في جميع الموجودات أوّل دليل على أنّ موجدها قد أراد بقاء الأنواع،كما أراد اضمحلال الأفراد عند آجال معيّنة،لاختلال أو انعدام صلاحيّتها.و نعلم من هذا أنّ اللّه خالق هذه الأكوان،لا يحبّ فسادها.و قد تقدّم لنا تفسير قوله:

ص: 753

وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها... البقرة :205.

ثمّ إنّ اللّه تعالى كما أودع في الأفراد قوّة بها بقاء الأنواع،أودع في الأفراد أيضا قوى بها بقاء تلك الأفراد بقدر الطّاقة،و هي قوى تطلّب الملائم و دفع المنافي،أو تطلّب البقاء و كراهية الهلاك.و لذلك أودع في جميع الكائنات إدراكات تنساق بها،بدون تأمّل أو بتأمّل،إلى ما فيه صلاحها و بقاؤها،كانسياق الوليد لالتهام الثّدي،و أطفال الحيوان إلى الأثداء و المراعي، ثمّ تتوسّع هذه الإدراكات،فيتفرّع عنها كلّ ما فيه جلب النّافع الملائم عن بصيرة و اعتياد،و يسمّى ذلك بالقوّة الشّاهية.

و أودع أيضا في جميع الكائنات إدراكات تندفع بها إلى الذّبّ عن أنفسها،و دفع العوادي عنها،عن غير بصيرة،كتعريض اليد بين الهاجم و بين الوجه، و تعريض البقرة رأسها بمجرّد الشّعور بما يهجم عليها، من غير تأمّل في تفوّق قوّة الهاجم على قوّة المدافع،ثمّ تتوسّع هاته الإدراكات فتتفرّع إلى كلّ ما فيه دفع المنافر من ابتداء،بإهلاك من يتوقّع منه الضّرّ،و من طلب الكنّ،و اتّخاذ السّلاح،و مقاومة العدوّ عند توقّع الهلاك،و لو بآخر ما في القوّة و هو القوّة الغاضبة.

و لهذا تزيد قوّة المدافعة اشتدادا عند زيادة توقّع الأخطار حتّى في الحيوان.و ما جعله اللّه في كلّ أنواع الموجودات من أسباب الأذى لمريد السّوء به،أدلّ دليل على أنّ اللّه خلقها لإرادة بقائها.و قد عوّض الإنسان عمّا وهبه إلى الحيوان العقل و الفكرة في التّحيّل على النّجاة ممّن يريد به ضررا،و على إيقاع الضّرّ بمن يريده به قبل أن يقصده به،و هو المعبّر عنه بالاستعداد.

ثمّ إنّه تعالى جعل لكلّ نوع من الأنواع،أو فرد من الأفراد خصائص فيها منافع لغيره و لنفسه،ليحرص كلّ على إبقاء الآخر،فهذا ناموس عامّ.و جعل الإنسان بما أودعه من العقل هو المهيمن على بقيّة الأنواع،و جعل له العلم بما في الأنواع من الخصائص، و بما في أفراد نوعه من الفوائد.فخلق اللّه تعالى أسباب الدّفاع بمنزلة دفع من اللّه يدفع مريد الضّرّ بوسائل يستعملها المراد إضراره.

و لو لا هذه الوسائل الّتي خوّلها اللّه تعالى أفراد الأنواع،لاشتدّ طمع القويّ في إهلاك الضّعيف، و لاشتدّت جراءة من يجلب النّفع إلى نفسه على منافع يجدها في غيره،فابتزّها منه،و لأفرطت أفراد كلّ نوع في جلب النّافع الملائم إلى أنفسها بسلب النّافع الملائم لغيرها ممّا هو له،و لتناسى صاحب الحاجة حين الاحتياج ما في بقاء غيره من المنفعة له أيضا.

و هكذا يتسلّط كلّ ذي شهوة على غيره،و كلّ قويّ على ضعيفه،فيهلك القويّ الضّعيف،و يهلك الأقوى القويّ،و تذهب الأفراد تباعا،و الأنواع كذلك حتّى لا يبقى إلاّ أقوى الأفراد من أقوى الأنواع،و ذلك شيء قليل،حتّى إذا بقي أعوزته حاجات كثيرة لا يجدها في نفسه،و كان يجدها في غيره من أفراد نوعه،كحاجة أفراد البشر بعضهم إلى بعض، أو من أنواع أخر،كحاجة الإنسان إلى البقرة،

ص: 754

فيذهب هدرا.

و لمّا كان نوع الإنسان هو المهيمن على بقيّة موجودات الأرض،و هو الّذي تظهر في أفراده جميع التّطوّرات و المساعي،خصّته الآية بالكلام،فقالت:

\ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ... إذ جعل اللّه في الإنسان القوّة الشّاهية لبقائه و بقاء نوعه،و جعل فيه القوّة الغاضبة لردّ المفرط في طلب النّافع لنفسه،و في ذلك استبقاء بقيّة الأنواع،لأنّ الإنسان يذبّ عنها،لما في بقائها من منافع له.

و بهذا الدّفاع حصلت سلامة القويّ-و هو ظاهر-و سلامة الضّعيف أيضا،لأنّ القويّ إذا وجد التّعب و المكدّرات في جلب النّافع سئم ذلك،و اقتصر على ما تدعو إليه الضّرورة.و إنّما كان الحاصل هو الفساد،لو لا الدّفاع،دون الصّلاح،لأنّ الفساد كثيرا ما تندفع إليه القوّة الشّاهية بما يوجد في أكثر المفاسد من اللّذّات العاجلة القصيرة الزّمن،و لأنّ في كثير من النّفوس أو أكثرها الميل إلى مفاسد كثيرة،لأنّ طبع النّفوس الشّريرة ألاّ تراعي مضرّة غيرها،بخلاف النّفوس الصّالحة،فالنّفوس الشّريرة أعمد إلى انتهاك حرمات غيرها،و لأنّ الأعمال الفاسدة أسرع في حصول آثارها و انتشارها،فالقليل منها يأتي على الكثير من الصّالحات،فلا جرم لو لا دفاع النّاس بأن يدافع صالحهم المفسدين،لأسرع ذلك في فساد حالهم، و لعمّ الفساد أمورهم في أسرع وقت.

و أعظم مظاهر هذا الدّفاع هو الحروب،فبالحرب الجائرة يطلب المحارب غصب منافع غيره،و بالحرب العادلة ينتصف المحقّ من المبطل،و لأجلها تتألّف العصبيّات و الدّعوات إلى الحقّ،و الإنحاء على الظّالمين،و هزم الكافرين.

ثمّ إنّ دفاع النّاس بعضهم بعضا يصدّ المفسد عن محاولة الفساد،و نفس شعور المفسد بتأهّب غيره لدفاعه،يصدّه عن اقتحام مفاسد جمّة.(2:477)

مغنيّة:تشير الآية الكريمة إلى أن أيّ مجتمع لا تقوم فيه هيئة قويّة رادعة لا بدّ أن تسوده الفوضى و الانحلال،و أنّ العقل و الشّرع من غير قوّة تنفيذيّة لا يحقّقان الأمن و النّظام،قال الإمام عليّ عليه السّلام:

«السّلطان وزعة اللّه في أرضه...»و لكن طالما أفسد السّلطان الأرض و أهلها،و على الرّغم من ذلك لا يصلح النّاس فوضى لا سراة لهم.(1:382)

الطّباطبائيّ: من المعلوم أنّ المراد بفساد الأرض فساد من على الأرض،أي فساد الاجتماع الإنسانيّ.

و لو استتبع فساد الاجتماع فسادا في أديم الأرض، فإنّما هو داخل في الغرض بالتّبع لا بالذّات.و هذه حقيقة من الحقائق العلميّة ينبّه لها القرآن.

بيان ذلك:أنّ سعادة هذه النّوع لا تتمّ الاّ بالاجتماع و التّعاون.و من المعلوم أنّ هذا الأمر لا يتمّ إلاّ مع حصول وحدة ما في هيكل الاجتماع،بها تتّحد أعضاء الاجتماع و أجزائه بعضها مع بعض؛ بحيث يعود الجميع كالفرد الواحد يفعل و ينفعل عن نفس واحدة و بدن واحد.و الوحدة الاجتماعيّة و مركبها الّذي هو اجتماع أفراد النّوع،حالهما شبيه حال الوحدة الاجتماعيّة الّتي في الكون و مركبها

ص: 755

الّذي هو اجتماع أجزاء هذا العالم المشهود،و من المعلوم أنّ وحدة هذا النّظام-أعني نظام التّكوين- إنّما هي نتيجة التّأثير و التّأثّر الموجودين بين أجزاء العالم.فلو لا المغالبة بين الأسباب التّكوينيّة،و غلبة بعضها على بعض،و اندفاع بعضها الآخر عنه و مغلوبيّتها له،لم يرتبط أجزاء النّظام بعضها ببعض، بل بقي كلّ على فعليّته الّتي هي له،و عند ذلك بطل الحركات،فبطل عالم الوجود.

كذلك نظام الاجتماع الإنسانيّ لو لم يقم على أساس التّأثير و التّأثّر،و الدّفع و الغلبة،لم يرتبط أجزاء النّظام بعضها ببعض،و لم يتحقّق حينئذ نظام، و بطلت سعادة النّوع.فإنّا لو فرضنا ارتفاع الدّفع بهذا المعنى،-و هو الغلبة و تحميل الإرادة من البين-كان كلّ فرد من أفراد الاجتماع فعل فعلا ينافي منافع الآخر سواء منافعه المشروعة أو غيرها،لم يكن للآخر إرجاعه إلى ما يوافق منافعه و يلائمها و هكذا، و بذلك تنقطع الوحدة من بين الأجزاء و بطل الاجتماع.و هذا البحث هو الّذي بحثنا عنه فيما مرّ:

أنّ الأصل الأوّل الفطريّ للإنسان المكوّن للاجتماع هو الاستخدام،و أمّا التّعاون و المدنيّة فمتفرّع عليه و أصل ثانويّ.و قد مرّ تفصيل الكلام في تفسير قوله تعالى: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً البقرة:213.

و في الحقيقة معنى الدّفع و الغلبة معنى عامّ سار في جميع شئون الاجتماع الإنسانيّ و حقيقته حمل الغير بأيّ وجه أمكن على ما يريده الإنسان،و دفعه عمّا يزاحمه و يمانعه عليه،و هذا معنى عامّ موجود في الحرب و السّلم معا،و في الشّدة و الرّخاء،و الرّاحة و العناء جميعا،و بين جميع الأفراد في جميع شعوب الاجتماع.

نعم إنّما يتنبّه الإنسان له عند ظهور المخالفة،و مزاحمة بعض الأفراد بعضهم في حقوق الحياة أو في الشّهوات و الميول و نحوها،فيشرع الإنسان في دفع الإنسان المزاحم الممانع عن حقّه أو عن مشتهاه.و معلوم أنّ هذا على مراتب ضعيفة و شديدة،و القتال و الحرب إحدى مراتبه.

و أنت تعلم أنّ هذه الحقيقة-أعني كون الدّفع و الغلبة من الأصول الفطريّة عند الإنسان-أصل فطريّ أعمّ من أن يكون هذا الدّفع دفعا بالعدل عن حقّ مشروع أو بغير ذلك؛إذ لو لم يكن في فطرة الإنسان أصل مسلّم على هذه الوتيرة،لم يتحقّق منه لا دفاع مشروع على الحقّ و لا غيره،فإنّ أعمال الإنسان تستند إلى فطرته-كما مرّ بيانه سابقا- فلو لا اشتراك الفطرة بين المؤمن و الكافر لم يمكن أن يختصّ المؤمن بفطرة يبني عليها أعماله.

و هذا الأصل الفطريّ ينتفع به الإنسان في إيجاد أصل الاجتماع على ما مرّ من البيان،ثمّ ينتفع به في تحميل إرادته على غيره و تمالك ما بيده تغلّبا و بغيا، و ينتفع به في دفعه و استرداد ما تملكه تغلّبا و بغيا، و ينتفع به في إحياء الحقّ بعد موته جهلا بين النّاس و تحميل سعادتهم عليهم،فهو أصل فطريّ ينتفع به الإنسان أكثر ممّا يستضرّ به.

و هذا الّذي ذكرناه لعلّه هو المراد بقوله تعالى:

وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ

ص: 756

اَلْأَرْضُ و يؤيّد ذلك تذييله بقوله تعالى: وَ لكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ.

و قد ذكر بعض المفسّرين أنّ المراد بالدّفع في الآية:

دفع اللّه الكافرين بالمؤمنين،كما أنّ المورد أيضا كذلك،و ربّما أيّده أيضا قوله تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيراً الحجّ:40.

و فيه:أنّه في نفسه معنى صحيح،لكن ظاهر الآية أنّ المراد بصلاح الأرض مطلق الصّلاح الدّائم المبقي للاجتماع،دون الصّلاح الخاصّ الموجود في أحيان يسيرة،كقصّة طالوت،و قصص أخرى يسيرة معدودة.

و ربّما ذكر آخرون:أنّ المراد بها:دفع اللّه العذاب و الهلاك عن الفاجر بسبب البرّ،و قد وردت فيه من طرق العامّة و الخاصّة روايات،كما في«المجمع» و«الدّرّ المنثور»عن جابر،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«إنّ اللّه يصلح بصلاح الرّجل المسلم ولده و ولد ولده و أهل دويرته و دويرات حوله،و لا يزالون في حفظ اللّه ما دام فيهم».و في«الكافي»و«تفسير العيّاشيّ» عن الصّادق عليه السّلام قال:«إنّ اللّه ليدفع بمن يصلّي من شيعتنا عمّن لا يصلّي من شيعتنا،و لو اجتمعوا على ترك الصّلاة لهلكوا،و إنّ اللّه ليدفع بمن يزكّي من شيعتنا عمّن لا يزكّي،و لو اجتمعوا على ترك الزّكاة لهلكوا،و إنّ اللّه ليدفع بمن يحجّ من شيعتنا عمّن لا يحجّ، و لو اجتمعوا على ترك الحجّ لهلكوا...»و مثلهما غيرهما.

و فيه:أنّ عدم انطباق الآيتين على معنى الحديثين ممّا لا يخفى إلاّ أن تنطبق عليهما من جهة أنّ موردهما أيضا من مصاديق دفع النّاس.

و ربما ذكر بعضهم:أنّ المراد دفع اللّه الظّالمين بالظّالمين،و هو كما ترى.[و له بحث علميّ اجتماعيّ مستوفى في هذا الموضوع ص:300-308 فراجع]

(2:293)

عبد الكريم الخطيب :و قوله تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ... يبيّن أنّ هذا التّدافع بين النّاس،بين الخير و الشّرّ،بين الحقّ و الباطل،بين الأقوياء و الضّعفاء، بين الأغنياء و الفقراء،بين الأفراد و الأفراد،و بين الجماعات و الجماعات،و بين الأمم و الأمم.هذا التّدافع-في كلّ موقع من مواقع الحياة،و في كلّ متّجه فيها،و على كلّ مورد مواردها-هو الّذي يحرّك دولاب العمل على هذه الأرض،و يبعث الحياة في كلّ جانب منها،و لو كان النّاس متّجها واحدا،و مذهبا واحدا،و شعورا واحدا،و تفكيرا واحدا،و منزعا واحدا،لكانوا شيئا واحدا.كانوا كتلّة باردة متضخّمة،أشبه بجبل من الجليد،لا تطلع عليه الشّمس أبدا!!فسبحان من خالف بين النّاس،فجعل من هذا التّخالف مادّة الحياة و البناء و العمران،و لو لا ذلك لفسدت الأرض و ضاع النّاس وَ لكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ. (1:311)

المصطفويّ: أي دفع النّاس خلافهم و عداوتهم و ضررهم و فسادهم بوسيلة بعض آخر.(3:227)

فضل اللّه :ربما نستوحي من هذه الفقرة من الآية،

ص: 757

أنّ هناك قانونا طبيعيّا فطريّا في حركة الحياة الاجتماعيّة الّتي يعيشها النّاس،في ما أودعه اللّه في الحياة من قوانين تنظّم لها سيرها،و تدفع بها إلى المجالات الكبيرة الّتي تحقّق لها أهدافها العليا.

و خلاصته:أنّ كلّ إنسان منّا يعمل في اتّجاه الأشياء الّتي يألفها و يريدها و يؤمن بها،و في اتّجاه مقاومة الأشياء الّتي يكرهها و يرفضها أو يكفر بها، لأنّها تعطّله عن الحصول على ما يريد.و ربّما يتحقّق ذلك في الأفكار،و ربّما يتحقّق في الأشياء العامّة،و قد يحصل في القوى الّتي تحيط به.فإذا لاحظ أنّ هناك فكرا يقاوم فكره،أو شيئا يواجه بعض الأشياء الّتي يحبّها،أو قوّة تريد أن تصادم قوّته فتصرعها و تهزمها، فإنّه يبادر إلى الوقوف أمام تلك الأفكار و الأشياء و القوى،ليحمي فكره و أشياءه و قوّته.و هكذا تسير الحياة في أجواء الصّراع،فيتولّد من ذلك الفكر المتنوّع المتحرّك،و القوّة المتجدّدة بما تلك من أساليب الحرب و أدواتها،و الأوضاع المختلفة المحيطة بالأشياء في وجوهها المختلفة.

إنّ اللّه يريد أن يشير إلى هذا القانون الفطريّ الّذي سارت عليه الحياة،و لا تزال تسير،في حركتها الاجتماعيّة،فيقرّر لنا قيمة هذا القانون و دوره في إصلاح الحياة.فلو لاه لفسدت الأرض،لأنّ الإنسان الّذي يبلغ مقدارا كبيرا من القوّة،يستطيع من خلاله أن يفرض رأيه و موقفه و ذاته على الآخرين،لا بدّ له من ممارسة السّيطرة عليهم من خلال قوّته.فإذا وقفوا منه موقفا سلبيّا ضعيفا و تركوه يفعل ما يشاء،كانت النّتيجة أن يمتدّ في قوّته و فساده،و لا يفسح المجال للخير و للحقّ أن ينمو أو يعيش.

و لمّا كان اللّه يريد للحياة أن تزدهر و تصلح، كان الصّراع في عمليّة دفع النّاس بعضهم ببعض يفسح المجال لقوى الخير أن تؤكّد وجودها،و لو في نهاية المطاف،عند ما تتحرّك نحو أهدافها،لتقاوم كلّ الموانع و القوى الّتي تقف ضدّ الأهداف،فيحصل من خلاله ما يصلح الأرض من قوى جديدة تنشأ بفعل الصّراع، و أفكار كبيرة تندفع من خلال النّزاع،و خطوات عمليّة تنطلق في حياة النّاس.

و تلك هي قصّة الصّراع،في ما يريد أن يوحيه لنا القرآن الكريم،فهو لا يمثّل مزاجا للتّحكّم و للسّيطرة، و إنّما يمثّل دفع سيطرة الشّرّ على الخير،و الحقّ على الباطل،و العدل على الظّلم و الطّغيان،من أجل أن تعيش الأرض في بعض مراحلها،أو المرحلة الأخيرة منها،الجوّ الإنسانيّ المنفتح الّذي يحصل فيه الإنسان على ما يوجب له الطّمأنينة و الرّاحة و الكرامة.

و تلك هي قصّة الدّوافع الفطريّة الّتي أودعها اللّه في تكوين الفرد و المجتمع،فهي الّتي تقود الإنسان إلى ما يبني له حياته و يصلحها و يرفع مستواها في جميع مجالاتها،و ذلك هو فضل اللّه على العالمين.(4:391)

مكارم الشّيرازيّ: و في ختام الآية إشارة إلى قانون كلّيّ،فتقول: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ... فاللّه سبحانه و تعالى رحيم بالعباد،و لذلك يمنع من تسرّي الفساد، و سرايته إلى المجتمع البشريّ قاطبة.

و صحيح أنّ سنّة اللّه تعالى في هذه الدّنيا تقوم على

ص: 758

أصل الحرّيّة و الإرادة و الاختيار،و أنّ الإنسان حرّ في اختيار طريق الخير أو الشّرّ،و لكن عند ما يتعرّض العالم إلى الفساد و الاندثار بسبب طغيان الطّواغيت، فإنّ اللّه تعالى يبعث من عباده المخلصين من يقف أمام هذا الطّغيان،و يكسر شوكتهم.و هذه من ألطاف اللّه تعالى على عباده،و شبيه هذا المعنى ورد في آية:40 من سورة الحجّ.

و هذه الآيات في الحقيقة بشارة للمؤمنين الّذين يقفون في مواقع أماميّة من مواجهة الطّواغيت و الجبابرة،فينتظرون نصرة اللّه لهم.

و يرد هنا سؤال،و هو أنّ هذه الآية هل تشير إلى مسألة تنازع البقاء الّتي تعتبر أحد الأركان الأربعة لفرضيّة«دارون»في مسألة تكامل الأنواع؟تقول الفرضيّة:إنّ الحرب و النّزاع ضروريّ بين البشر،و إلاّ فالسّكون و الفساد سيعمّ الجميع،فتعود الأجيال البشريّة إلى حالتها الأولى،فالتّنازع و الصّراع الدّائميّ يؤدّي إلى بقاء الأقوى و زوال الضّعفاء و انقراضهم،و هكذا يتمّ البقاء للأصلح بزعمهم؟

الجواب:أنّ هذا التّفسير يصحّ فيما إذا قطعنا صلة هذه الآية لما قبلها تماما،و كذلك الآية المشابهة لها في سورة الحجّ.و لكنّنا إذا أخذنا بنظر الاعتبار هذه الآيات،رأيناها تدور حول محاربة الظّالمين و الطّغاة، فلو لا منع اللّه تبارك و تعالى لملئوا الأرض ظلما و جورا،فعلى هذا لا تكون الحرب أصلا كلّيّا مقدّسا في حياة البشريّة.

ثمّ إنّ ما يقال عن قانون«تنازع البقاء»المبنيّ على المبادئ الأربعة لنظريّة«دارون»في«تطوّر الأنواع»ليست قانونا علميّا مسلّما به،بل هو فرضيّة أبطلها العلماء،و حتّى الّذين كانوا يؤيّدون نظريّة تكامل الأنواع لم يعد أيّا منهم يعوّل عليها و يعتبرون تطوّر الأحياء نتيجة الطّفرة (1).

و إذا ما تجاوزنا عن كلّ ذلك و اعتبرنا فرضيّة تنازع البقاء مبدأ علميّا،فإنّه يمكن أن يكون كذلك فيما يتعلّق بالحيوان دون الإنسان،لأنّ حياة الإنسان لا يمكن أن تتطوّر وفق هذا المبدإ أبدا،لأنّ تكامل الإنسان يتحقّق في ضوء التّعاون على البقاء،لا تنازع البقاء.

و يبدو أنّ تعميم فرضيّة تنازع البقاء على عالم الإنسان،إنّما هو ضرب من الفكر الاستعماريّ الّذي يؤكّده بعض علماء الاجتماع في الدّول الرّأسماليّة، لتسويغ حروب حكوماتهم الدّمويّة البغيضة،و إطفاء الطّابع العلميّ على سلوكيّاتهم،و جعل الحرب و النّزاع ناموسا طبيعيّا لتطوّر المجتمعات الإنسانيّة و تقدّمها.أمّا الأشخاص الّذين وقعوا دون وعي تحت تأثير أفكار هؤلاء غير الإنسانيّة،و راحوا يطبّقون هذه الآية عليها،فهم بعيدون عن تعاليم القرآن،لأنّ القرآن يقول بكلّ صراحة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً البقرة:208.

و من العجب أنّ بعض المفسّرين المسلمين،مثل».

ص: 759


1- لمزيد من الاطّلاع راجع الكتاب«الفرضيّة الأخيرة في التّكامل».

صاحب«المنار»و كذلك المراغيّ في تفسيره،وقعوا تحت تأثير هذه الفرضيّة إلى الحدّ الّذي اعتبروها أحد السّنن الإلهيّة،ففسّروا بها هذه الآية،و تصوّروا أنّ هذه الفرضيّة من إبداعات القرآن،لا من ابتكارات و اكتشافات«دارون»و لكن كما قلنا:إنّ الآية المذكورة ليست ناظرة إلى هذه الفرضيّة،و لا أنّ هذه الفرضيّة لها أساس علميّ متين،بل إنّ الأصل الحاكم على الرّوابط بين البشر هو التّعاون على البقاء لا تنازع البقاء.(2:158)

2- ...وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيراً... الحجّ:40

نحو ما قبلها بتفاوت،لاحظ:ه د م:«لهدّمت».

دافع

1- إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ.

الطّور:7،8

ابن عبّاس: من مانع.(443)

الطّبريّ: يدفعه عنهم،فينقذهم منه إذا وقع.

(11:484)

مثله القاسميّ.(15:5543)

القشيريّ: إذا ردّ عبدا أبرم القضاء بردّه.

إذا انصرفت نفسي عن الشّيء لم تكن إليه بوجه آخر الدّهر تقبل (6:40)

الواحديّ: يدفع عنهم ذلك العذاب.(4:185)

الفخر الرّازيّ: و البحث فيه قد تقدّم في قوله تعالى: وَ ما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ فصّلت:46،و قد ذكرنا أنّ قوله: وَ الطُّورِ *...وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ* ...

وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ الطّور:1-6،فيه دلالة على عدم الدّافع،فإنّ من يدفع عن نفسه عذابا قد يدفع بالتّحصّن بقلل الجبال و لجج البحار و لا ينفع ذلك،بل الوصول إلى السّقف المرفوع و دخول البيت المعمور لا يدفع.(28:242)

النّسفيّ: ما لَهُ مِنْ دافِعٍ لا يمنعه مانع.

و الجملة صفة ل(واقع،)أي واقع غير مدفوع، و العامل في(يوم)الطّور:9،(لواقع)أي يقع في ذلك اليوم،أو أذكر.(4:190)

الشّربينيّ: أي مانع،لأنّه لا شريك لموقعه،لما دلّت عليه الأقسام من كمال القدرة و جلال الحكمة.

(4:111)

أبو السّعود :و قوله تعالى: ما لَهُ مِنْ دافِعٍ إمّا خبر ثان ل(انّ)أو صفة ل(واقع.)و(من دافع) إمّا مبتدأ للظّرف أو مرتفع به على الفاعليّة،و(من) مزيدة للتّأكيد.(6:144)

البروسويّ: (من دافع)يدفعه،و هو كقوله تعالى: لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللّهِ الرّوم:43،و هو خبر ثان ل(انّ).

قال بعضهم:الفرق بين الدّفع و الرّفع:أنّ الدّفع بالدّال يستعمل قبل الوقوع،و الرّفع بالرّاء يستعمل بعد الوقوع.(9:187)

ص: 760

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و لا يخفى ما في الكلام من تأكيد الحكم و تقريره.

(27:29)

المراغيّ: لا يدفعه عنهم دافع،و لا يجدون من دونه مهربا،جزاء ما دنّسوا به أنفسهم من الشّرك و الآثام، و دسّوا به أرواحهم من التّكذيب بالرّسل و اليوم الآخر.(27:19)

سيّد قطب :فهو واقع حتما،لا يملك دفعه أحد أبدا.و إيقاع الآيتين و الفاصلتين حاسم قاطع،يلقي في الحسّ أنّه أمر داهم قاصم،ليس منه واق و لا عاصم.و حين يصل هذا الإيقاع إلى الحسّ البشريّ بلا عائق،فإنّه يهزّه و يضعضعه و يفعل به الأفاعيل.(6:3393)

مغنيّة: ما لَهُ مِنْ دافِعٍ تماما،كالموت لا يملك ردّه إلاّ الّذي يحيي و يميت.(7:162)

الطّباطبائيّ: و في قوله: ما لَهُ مِنْ دافِعٍ دلالة على أنّه من القضاء المحتوم الّذي لا محيص عن وقوعه.

قال تعالى: وَ أَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ الحجّ:7.(19:7)

المصطفويّ: ما لَهُ مِنْ دافِعٍ إذا وقع عذابه و نزل على الكافرين و العاصين،لا يمكن دفعه،بل يدوم.(3:227)

فضل اللّه :لأنّه منطلق من إرادة اللّه الّتي لا يمكن لأحد أن يقف أمامها،مهما كانت قوّته،و ذلك في يوم القيامة؛حيث يجتمع النّاس في ظروف مثيرة ضاغطة، لا يملكون أمامها التّماسك.(21:234)

2- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ* مِنَ اللّهِ ذِي الْمَعارِجِ. المعارج:1-3

ابن عبّاس: مانع،فقتل[النّضر]يوم بدر صبرا.

(484)

الطّبريّ: دافع يدفعه عنهم.(12:226)

نحوه المراغيّ.(29:66)

الطّوسيّ: الدّافع:هو الصّارف للشّيء عن غيره باعتماد يزيله عنه،دفعه عن كذا يدفعه دفعا فهو دافع، و ذاك مدفوع.(10:114)

الواحديّ: لا يدفعهم عنهم أحد،و هو قوله:

لَيْسَ لَهُ دافِعٌ* مِنَ اللّهِ...، أي بعذاب من اللّه.

(4:351)

الزّمخشريّ: فإن قلت:قوله: مِنَ اللّهِ بم يتّصل؟قلت:يتّصل ب(واقع)أي واقع من عنده،أو ب(دافع،)بمعنى ليس له دافع من جهته إذا جاء وقته و أوجبت الحكمة وقوعه.(4:156)

نحوه النّسفيّ(4:290)،و الشّربينيّ(4:381)، و البروسويّ(10:154).

الفخر الرّازيّ: بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ...

فيه وجهان:و ذلك لأنّا إن فسّرنا قوله:(سال)بما ذكرنا من أنّ«النّضر»طلب العذاب،كان المعنى أنّه طلب طالب عذابا هو واقع لا محالة،سواء طلب أو لم يطلب؛و ذلك لأنّ ذلك العذاب نازل للكافرين في الآخرة واقع بهم،لا يدفعه عنهم أحد،و قد وقع ب«النّضر»في الدّنيا،لأنّه قتل يوم بدر،و هو المراد من قوله: لَيْسَ لَهُ دافِعٌ.

ص: 761

و أمّا إذا فسّرناه بالوجه الثّاني-و هو أنّهم سألوا الرّسول عليه السّلام،أنّ هذا العذاب بمن ينزل؟فأجاب اللّه تعالى عنه بأنّه واقع للكافرين.و القول الأوّل هو السّديد.

و قوله:(من الله...)فيه وجهان:

الأوّل:أن يكون تقدير الآية:بعذاب واقع من اللّه للكافرين.

الثّاني:أن يكون التّقدير:ليس له دافع من اللّه،أي ليس لذلك العذاب الصّادر من اللّه دافع من جهته،فإنّه إذا أوجبت الحكمة وقوعه،امتنع أن لا يفعله اللّه.

(30:122)

النّيسابوريّ: و الظّاهر أنّ قوله:(من الله) يتعلّق ب(دافع)أي لا دافع له من جهة اللّه،لأنّه قضاء مبرم.و جوّز أن يتّصل ب(واقع)أي نازل من عند ذِي الْمَعارِجِ. (29:47)

أبو السّعود :و قوله تعالى: لَيْسَ لَهُ دافِعٌ صفة أخرى ل(عذاب،)أو حال منه لتخصّصه بالصّفة أو بالعمل أو من الضّمير في(الكافرين)على تقدير كونه صفة ل(عذاب،)أو استئناف(من الله) متعلّق ب(واقع)أو ب(دافع،)أي ليس له دافع من جهته تعالى.(6:300)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

أو جملة مؤكّدة ل«هو»(للكافرين)على ما سمعت آنفا فلا تغفل.(29:56)

القاسميّ: أي رادّ يردّه من جهته،لتعلّق إرادته به.

و هذا كقوله تعالى: وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ الحجّ:47.(16:5924)

مغنيّة:أي إنّ العذاب نازل بالجاحدين لا محالة، سواء أطلبوا التّعجيل أم التّأجيل.(7:414)

يدافع

إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ. الحجّ:38

ابن عبّاس: اَلَّذِينَ آمَنُوا بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن.

(280)

الإمام الصّادق عليه السّلام:نحن الّذين آمنوا،و اللّه يدافع عنّا ما أذاعت عنّا شيعتنا.(البحرانيّ 6:563)

الطّبريّ: إنّ اللّه يدفع غائلة المشركين عن الّذين آمنوا باللّه و برسوله.(9:160)

نحوه الثّعلبيّ(7:25)،و الطّبرسيّ(4:87)، و الكاشانيّ(3:380)،و المشهديّ(6:518).

الزّجّاج: و يدفع عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا. هذا يدلّ على النّصر من عنده،أي فإذا دفعتم،أي فإذا فعلتم هذا،و خالفتم الجاهليّة فيما تفعلونه في نحرهم، و إشراكهم باللّه،فإنّ اللّه يدفع عن حزبه.(3:429)

الفارسيّ: [ذكر القراءة نحو ما نقلنا عنه في الآية:

لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ... البقرة:251،فلاحظ](3:171)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:بالكفّار عن المؤمنين،و بالعصاة عن المطيعين،و بالجهّال عن العلماء.

و الثّاني:يدفع بنور السّنّة ظلمات البدعة،قاله سهل بن عبد اللّه.[و لم يذكر الوجه الثّالث](4:29)

ص: 762

الطّوسيّ: أي ينصرهم و يدفع عنهم عدوّهم تارة بالقهر.و أخرى بالحجّة.(7:320)

القشيريّ: يدفع عن صدورهم نزغات الشّيطان، و عن قلوبهم خطرات العصيان،و عن أرواحهم طوارق النّسيان.(4:219)

الواحديّ: يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا غائلة المشركين بمنعهم منهم و نصرهم عليهم.و قرئ يدافع و هو بمعنى«يدفع»و إن كان من المفاعلة.

(3:273)

نحوه ابن الجوزيّ(5:435)،و الخازن(5:16).

الزّمخشريّ: ...و من قرأ(يدافع)فمعناه يبالغ في الدّفع عنهم،كما يبالغ من يغالب فيه،لأنّ فعل المغالب يجيء أقوى و أبلغ.(3:15)

ابن عطيّة: [ذكر القراءات نحو الفارسيّ ثمّ قال:]

حسن في الآية(يدفع)لأنّه قد عنّ للمؤمنين من يدفعهم و يؤذيهم فتجيء معارضته و دفعه مدافعة عنهم.و حكى الزّهراويّ أنّ«دفاعا»مصدر«دفع» كحسبت حسابا.(4:124)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:[ذكر القراءات في المسألة الأولى ثمّ قال:]المسألة الثّانية:ذكر إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا و لم يذكر ما يدفعه حتّى يكون أفخم و أعظم و أعمّ،و إن كان في الحقيقة أنّه يدافع بأس المشركين،فلذلك قال بعده إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ، فنبّه بذلك على أنّه يدفع عن المؤمنين كيد من هذا صفته.

المسألة الثّالثة:قال مقاتل:إنّ اللّه يدافع كفّار مكّة عن الّذين آمنوا بمكّة،هذا حين أمر المؤمنين بالكفّ عن كفّار مكّة قبل الهجرة،حين آذوهم فاستأذنوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في قتلهم سرّا،فنهاهم.

المسألة الرّابعة:هذه الآية بشارة للمؤمنين بإعلائهم على الكفّار،و كفّ بوائقهم عنهم،و هي كقوله: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاّ أَذىً آل عمران:111، و قوله: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا المؤمن:

51،و قال: إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ الصّافّات:

172، وَ أُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ الصّفّ:13.(23:38)

ابن عربيّ: إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ ظلمة القوى النّفسانيّة بالتّوفيق عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا من القوى الرّوحانيّة.(2:107)

القرطبيّ: و قيل:المعنى:يدفع عن المؤمنين بأن يديم توفيقهم حتّى يتمكّن الإيمان من قلوبهم،فلا تقدر الكفّار على إمالتهم عن دينهم،و إن جرى إكراه فيعصمهم حتّى لا يرتدّوا بقلوبهم.و قيل:يدفع عن المؤمنين بإعلائهم بالحجّة.ثمّ قتل كافر مؤمنا نادر، و إن (1)فيدفع اللّه عن ذلك المؤمن بأن قبضه إلى رحمته.

[ثمّ ذكر القراءات](12:67)

النّسفيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

ثمّ علّل ذلك بقوله: إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ. (3:103)..

ص: 763


1- كذا!!و لعلّ الصّحيح:ثمّ إن قتل كافر مؤمنا نادرا فيدفع اللّه عن ذلك المؤمن...

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و المدفوع هو بأس المشركين و ما كانوا يخونون اللّه و رسوله فيه،يدلّ عليه تعليله بقوله: إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ أي إنّه يدفع عن المؤمنين كيد من هذه صفته.(17:100)

ابن جزيّ: كان الكفّار يؤذون المؤمنين بمكّة، فوعدهم اللّه أن يدفع عنهم شرّهم و أذاهم،و حذف مفعول يُدافِعُ ليكون أعظم و أعمّ.(3:42)

أبو حيّان :[ذكر القراءات نحو الفارسيّ و ذكر قول ابن عطيّة قال:]

يعني فيكون«فاعل»لاقتسام الفاعليّة و المفعوليّة لفظا،و الاشتراك فيهما معنى.[إلى أن قال:]

و لم يذكر تعالى ما يدفعه عنهم،ليكون أفخم و أعظم.(6:373)

نحوه-في ذكر القراءات-السّمين.(5:152)

ابن كثير :يخبر تعالى أنّه يدفع عن عباده الّذين توكّلوا عليه و أنابوا إليه شرّ الأشرار و كيد الفجّار، و يحفظهم و يكلؤهم و ينصرهم،كما قال تعالى:

أَ لَيْسَ اللّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ الزّمر:36،و قال: وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً الطّلاق:3.(4:647)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ في تفسير القراءات ثمّ نحو الفخر الرّازيّ في المسألة الثّانية](2:554)

أبو السّعود : إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ... كلام مستأنف مسوق لتوطين قلوب المؤمنين،ببيان أنّ اللّه تعالى ناصرهم على أعدائهم؛بحيث لا يقدرون على صدّهم عن الحجّ،ليتفرّغوا إلى أداء مناسكه.و تصديره بكلمة التّحقيق لإبراز الاعتناء التّامّ بمضمونه.و صيغة «المفاعلة»إمّا للمبالغة،أو للدّلالة على تكرّر الدّفع؛ فإنّها قد تجرّد عن وقوع الفعل المتكرّر من الجانبين، فيبقى تكرّره كما في الممارسة،أي يبالغ في دفع غائلة المشركين و ضررهم الّذي من جملته الصّدّ عن سبيل اللّه،مبالغة من يغالب فيه،أو يدفعها عنهم مرّة بعد أخرى،حسبما تجدّد منهم القصد إلى الإضرار بالمسلمين،كما في قوله تعالى: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ المائدة:64،و قرئ (يدفع) و المفعول محذوف.و قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ تعليل لما في ضمن الوعد الكريم من الوعيد للمشركين،و إيذان بأنّ دفعهم بطريق القهر و الخزي.(4:383)

البروسويّ: أي يبالغ في دفع ضرر المشركين عن المؤمنين،و يحميهم أشدّ الحماية من أذاهم.

(6:37)

شبّر:بصيغة المغالبة للمبالغة.(4:244)

الشّوكانيّ: [نحو الطّبريّ و أبي السّعود ملخّصا]

(3:571)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و ذكر أنّ ذلك متّصل بقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ الحجّ:25،و أنّ ما وقع في البين من ذكر الشّعائر مستطرد لمزيد تهجين فعلهم،و تقبيحهم لازدياد قبح الصّدّ بازدياد تعظيم ما صدّ عنه.[إلى أن قال:]

ص: 764

و في«البحر»:إنّه لم يذكر ما يدفعه سبحانه عنهم، ليكون أفخم و أعظم و أعمّ.و أنت تعلم أنّ المقام لا يقتضي العموم،بل هو غير صحيح.(17:161)

القاسميّ: كلام مستأنف مسوق لتوطين قلوب المؤمنين ببيان أنّ اللّه تعالى ناصرهم على أعدائهم؛ بحيث لا يقدرون على صدّهم عن الحجّ،ليتفرّغوا إلى أداء مناسكه.كذا قاله أبو السّعود و سبقه الرّازيّ إليه.

و الأولى أن يقال:إنّه طليعة لما بعده من الإذن بالقتال،مبشّرة بغاية النّصرة و الحفظ و الكلاءة و العاقبة للمؤمنين،تشجيعا لهم على قتال من ظلمهم، و تشويقا إلى استخلاص بيته الحرام،ليتسنّى لهم إقامة شعائره و أداء مناسكه.(12:4345)

عزّة دروزة :[له بحث مستوفى في بدو الإذن في القتال.لاحظ:ق ت ل:«يقاتلون»].

(7:104)

سيّد قطب :تلك الشّعائر و العبادات لا بدّ لها من حماية تدفع عنها الّذين يصدّون عن سبيل اللّه،و تمنعهم من الاعتداء على حرّيّة العقيدة و حرّيّة العبادة، و على قداسة المعابد و حرمة الشّعائر،تمكّن المؤمنين العابدين العاملين من تحقيق منهاج الحياة القائم على العقيدة المتّصل باللّه،الكفيل بتحقيق الخير للبشريّة في الدّنيا و الآخرة.

و من ثمّ أذن اللّه للمسلمين بعد الهجرة في قتال المشركين،ليدفعوا عن أنفسهم و عن عقيدتهم اعتداء المعتدين،بعد أن بلغ أقصاه،و ليحقّقوا لأنفسهم و لغيرهم حرّيّة العقيدة و حرّيّة العبادة في ظلّ دين اللّه،و وعدهم النّصر و التّمكين،على شرط أن ينهضوا بتكاليف عقيدتهم الّتي بيّنها لهم فيما يلي من الآيات: إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ... [و ذكر الآيات إلى] وَ لِلّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ [ثمّ قال:]

إنّ قوى الشّرّ و الضّلال تعمل في هذه الأرض، و المعركة مستمرّة بين الخير و الشّرّ و الهدى و الضّلال، و الصّراع قائم بين قوى الإيمان و قوى الطّغيان منذ أن خلق اللّه الإنسان.

و الشّرّ جامح و الباطل مسلّح.و هو يبطش غير متحرّج،و يضرب غير متورّع،و يملك أن يفتن النّاس عن الخير إن اهتدوا إليه،و عن الحقّ إن تفتّحت قلوبهم له.فلا بدّ للإيمان و الخير و الحقّ من قوّة تحميها من البطش،و تقيها من الفتنة،و تحرسها من الأشواك و السّموم.

و لم يشأ اللّه أن يترك الإيمان و الخير و الحقّ عزلا تكافح قوى الطّغيان و الشّرّ و الباطل،اعتمادا على قوّة الإيمان في النّفوس و تغلغل الحقّ في الفطر،و عمق الخير في القلوب.و القوّة المادّيّة الّتي يملكها الباطل قد تزلزل القلوب،و تفتن النّفوس،و تزيغ الفطر.و للصّبر حدّ و للاحتمال أمد،و للطّاقة البشريّة مدى تنتهي إليه،و اللّه أعلم بقلوب النّاس و نفوسهم.و من ثمّ لم يشأ أن يترك المؤمنين للفتنة،إلاّ ريثما يستعدّون للمقاومة،و يتهيّئون للدّفاع،و يتمكّنون من وسائل الجهاد،و عندئذ أذن لهم في القتال لردّ العدوان.

و قبل أن يأذن لهم بالانطلاق إلى المعركة،آذنهم أنّه هو سيتولّى الدّفاع عنهم،فهم في حمايته إِنَّ اللّهَ

ص: 765

يُدافِعُ.... (4:2424)

ابن عاشور :استئناف بيانيّ جوابا لسؤال يخطر في نفوس المؤمنين،ينشأ من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ الحجّ:25،فإنّه توعّد المشركين على صدّهم عن سبيل اللّه و المسجد الحرام بالعذاب الأليم.و بشّر المؤمنين المخبتين و المحسنين بما يتبادر منه ضدّ وعيد المشركين-و ذلك ثواب الآخرة- و طال الكلام في ذلك بما تبعه،لا جرم تشوّقت نفوس المؤمنين إلى معرفة عاقبة أمرهم في الدّنيا،و هل ينتصر لهم من أعدائهم أو يدّخر لهم الخير كلّه إلى الدّار الآخرة.فكان المقام خليقا بأن يطمئن اللّه نفوسهم بأنّه كما أعدّ لهم نعيم الآخرة،هو أيضا مدافع عنهم في الدّنيا و ناصرهم،و حذف مفعول يُدافِعُ لدلالة المقام.

فالكلام موجّه إلى المؤمنين،و لذلك فافتتاحه بحرف التّوكيد،إمّا لمجرّد تحقيق الخبر،و إمّا لتنزيل غير المتردّد منزلة المتردّد لشدّة انتظارهم النّصر و استبطائهم إيّاه.و التّعبير بالموصول لما فيه من الإيماء إلى وجه بناء الخبر و أنّ دفاع اللّه عنهم لأجل إيمانهم.

(17:196)

مغنيّة:لا يخلو المؤمن من ناصر.تدلّ هذه الآية أنّ اللّه سبحانه يمنع في هذه الحياة الكفرة و الطّغاة عن المؤمنين باللّه و اليوم الآخر،و أوضح منها في الدّلالة قوله تعالى: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ المؤمن:51.مع أنّ اللّه سبحانه قد نصّ في العديد من آياته أنّ اليهود كانوا يقتلون الأنبياء بغير حقّ:

منها الآية:21 و 112 و 181،من سورة آل عمران،و الآية:154،من سورة النّساء،بالإضافة إلى أنّ تاريخ البشريّة القديم و الحديث مفعم بالمظالم و الاعتداءات على المتّقين و المخلصين.فما هو وجه الجمع بين الآيات الدّالّة على أنّ اللّه ينصر أهل الحقّ، و الآيات الّتي أخبرت عن قتل الأنبياء؟

الجواب أوّلا:أنّ آيات النّصر تدلّ بسياقها على أنّها خاصّة ببعض الأنبياء دون بعض،كنوح و هود و صالح و لوط و محمّد،و يومئ إلى ذلك قوله تعالى:

وَ اللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ آل عمران:13.

و الآيات الّتي نحن بصددها تدلّ على أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و الصّحابة هم المقصودون بقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، لأنّهم هم الّذين أخرجوا من ديارهم لا لشيء إلاّ لأنّهم قالوا:ربّنا اللّه،و قد جاء في كتب الصّحاح أنّ هذه الآيات نزلت حين هاجر النّبيّ من مكّة إلى المدينة.

ثانيا:أنّ المحقّ المخلص لا يخلو من ناصر ينصره بيده أو ما له أو لسانه،و لا نعرف مجتمعا اتّفق جميع أفراده ضدّ من نطق بكلمة الحقّ و العدل.أجل،إنّ كثيرا من المحقّين قتلوا و أسروا و شرّدوا،و لكنّ اللّه عزّ و جلّ قد أتاح لهم أنصارا يعلنون ظلامتهم، و يشيدون بعظمتهم،و يدينون أعداءهم بحجج دامغة، و أدلّة قاطعة.و هذا مظهر من مظاهر النّصر.و قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ تعليل لقوله:

إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا و يشعر هذا التّعليل

ص: 766

بأنّ على من آمن باللّه أن يناصر المؤمن بما يملك من أسباب النّصر،و أدناها أن يدافع عنه إذا ذكر أمامه بسوء،و إلاّ فهو خوّان كفور،و في الحديث الصّحيح:

«السّاكت عن الحقّ شيطان أخرس».

ثالثا:لو كان مجرّد الإيمان باللّه يدفع العدوان و النّكبات عن المؤمن-إن صحّ التّعبير-لآمن كلّ النّاس إيمانا تجاريّا تماما،كمن يبيع دينه و ضميره لكلّ من يدفع الثّمن.

رابعا:أنّ الإيمان الحقّ أن نطيع اللّه في جميع أحكامه و أوامره،و قد أمر سبحانه إذا أردنا أمرا أن نتّبع الأسباب الطّبيعيّة الّتي جعلها مؤدّية إلى ما نريد.و قد حدّد سبب النّصر بوحدة الكلمة،و إعداد القوّة،قال تعالى: وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ الأنفال:46،و قال: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ الأنفال:60.

و في«الفتوحات المكّيّة»عبّر محي الدّين بن عربيّ عن هذه الأسباب بأيدي اللّه،و قد أخذ هذا التّعبير من قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ يس،:71،انظر ما كتبناه بعنوان:«الدّين لا ينبت قمحا»ج:3،ص:

449.(5:331)

الطّباطبائيّ: المدافعة مبالغة في الدّفع...

و المراد ب اَلَّذِينَ آمَنُوا المؤمنون من الأمّة و إن انطبق بحسب المورد على المؤمنين في ذلك الوقت،لأنّ الآيات تشرع القتال و لا يختصّ حكمه بطائفة دون طائفة،و المورد لا يكون مخصّصا.[إلى أن قال:]

و في الآية تمهيد لما في الآية التّالية من الإذن في القتال،فذكر تمهيدا أنّ اللّه يدافع عن الّذين آمنوا، و إنّما يدفع عنهم المشركين،لأنّه يحبّ هؤلاء و لا يحبّ أولئك لخيانتهم و كفرهم،فهو إنّما يحبّ هؤلاء لأمانتهم و شكرهم،فهو إنّما يدافع عن دينه الّذي عند المؤمنين.فهو تعالى مولاهم و وليّهم الّذي يدفع عنهم أعداءه،كما قال: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ محمّد:11.(14:383)

عبد الكريم الخطيب :مناسبة هذه الآية لما قبلها،هي أنّ الآيات السّابقة دعت إلى تعظيم شعائر اللّه و مناسكه،و إلى ذكر اسم اللّه على بهيمة الأنعام، و إلى إطعام القانع و المعترّ منها.

و هذا لا يقوم على تعظيمه و الوفاء به،إلاّ أهل الإيمان و التّقوى،فناسب هذا أن يذكر ما للمؤمنين المتّقين عند اللّه من فضل و إحسان،و أنّهم جند اللّه، يدافع اللّه عنهم،و ينصرهم.

و في قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ... إشارة إلى أنّ المؤمنين معرضون للابتلاء من أعداء اللّه،الّذين يكيدون لهم،و يريدونهم على أن يكونوا معهم،و ألاّ يخرجوا عن طريقهم.و لكنّ اللّه سبحانه و تعالى يدافع عن الّذين آمنوا،فيربط على قلوبهم،و يثبّت أقدامهم على طريق الهدى،و يمدّهم بالصّبر على احتمال المكروه.و هذا أشبه بالدّروع الحصينة الّتي تتكسّر عليها ضربات أهل الباطل و الكفر،إنّها أمداد من اللّه، و أدوات من أدوات الدّفاع،ثمّ ينتهي الأمر بانحسار جبهة الضّلال،و اندحار أهله،و غلبة الإيمان و انتصار

ص: 767

المؤمنين: كَتَبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ المجادلة:21.

و أنت ترى أنّ دفاع اللّه عن المؤمنين إنّما يكون و المؤمنون في مواطن الإيمان،و في ميدان المعركة.

و هذا يعني أنّ المؤمن الّذي يستسلم لعدوّ اللّه و عدوّ المؤمنين،لا يكون في ميدان المعركة،و من ثمّ فلا يكون من اللّه دفاع عنه؛إذ لا معركة قائمة بينه و بين عدوّه.

و من هنا،كان واجبا على المؤمن الّذي يطمع في دفاع اللّه عنه،ألاّ يلقي السّلاح من يده،و ألاّ يفرّ من الميدان،سواء أ كان ذلك ميدان حرب،أو ميدان رأي، و دعوة إلى اللّه.(9:1041)

المصطفويّ: أي يديم دفع ما يخالفهم و يضرّهم عنهم و عن جانبهم.(3:227)

فضل اللّه : إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا عبر توفير الفرص الملائمة للدّفاع و النّصرة،و عبر إثارة مشاعر الأمن و القوّة في نفوسهم،و تهيئة الظّروف الملائمة لساحات الصّراع بما يحقّق لهم أسباب التّحرّك نحو النّصر،و تقوية الدّوافع الذّاتيّة لمواجهة مواقع التّحدّي الكافر في حياتهم العامّة و الخاصّة.

و ليس معنى ذلك أنّ اللّه قد التزم على نفسه نصر المؤمنين بصورة تكوينيّة،بحيث يصبح نصرهم أمرا حاسما و مباشرا تماما،كما يخلق اللّه الأشياء بشكل مباشر،ممّا لا تنفصل فيه الإرادة الإلهيّة عن مراده.بل معنى ذلك،هو اهتمامه بأمرهم من موقع محبّته و رعايته لهم؛بحيث يلطف لطفا خفيّا لا يلطف به غيرهم،و هو تعبير عن الحبّ عمليّا بالدّفاع عنهم مقابل موقف الرّفض من الكافرين الخائنين لأمانة اللّه، على مستوى الإيمان.[إلى أن قال:]

و خلاصة الفكرة في الآية:أنّ اللّه ينسب الدّفاع عن الّذين آمنوا إلى نفسه،بالطّريقة نفسها الّتي ينسب فيها الأمور المتعلّقة بالإنسان و الحياة إلى ذاته،عبر الوسائل المألوفة و غير المألوفة،للإيحاء بالرّعاية الخاصّة الّتي يمنحها للمؤمنين بلطفه و رحمته،و اللّه العالم.(16:72)

مكارم الشّيرازيّ: و قد تؤدّي مقاومة خرافات المشركين الّتي أشارت إليها الآيات السّابقة إلى إثارة غضب المتعصّبين المعاندين،و وقوع اشتباكات محدودة أو واسعة،لهذا طمأن اللّه سبحانه و تعالى المؤمنين بنصره إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا.

لتتّحد قبائل عرب الجاهليّة مع اليهود و النّصارى و المشركين في شبه الجزيرة العربيّة للضّغط على المؤمنين كما يحلو لهم،فلن يتمكّنوا من بلوغ ما يطمحون إليه،لأنّ اللّه وعد المؤمنين بالدّفاع عنهم وعدا تجلّى صدقه في دوام الإسلام حتّى يوم القيامة، و لا يختصّ الدّفاع الإلهيّ عن المؤمنين في الصّدر الأوّل للإسلام و حسب،بل هو ساري المفعول أبد الدّهر، فإن كنّا على نهج الّذين آمنوا،فالدّفاع الإلهيّ عنّا أكيد.و من ذا الّذي لا يلتمس دفاع اللّه سبحانه عن عباده الصّالحين؟!(10:317)

ص: 768

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّفع،أي الإزالة بقوّة.

يقال:دفعه يدفعه دفعا و دفاعا،و دفعت عنه كذا و كذا دفعا و مدفعا منعته،و دافعه و دفّعه فاندفع و تدفّع و تدافع.و تدافع القوم مدافعة و دفاعا،إذا تدارءوا و دفع بعضهم بعضا،و تدافعوا الشّيء:دفعه كلّ واحد منهم عن صاحبه.و رجل دفّاع و مدفع:شديد الدّفع، و هو الدّفوع أيضا،و ركن مدفع:قويّ.

و الدّفعة:المرّة الواحدة من الدّفع،و ما دفعته بيدك.

و الدّفعة:انتهاء جماعة القوم إلى موضع بمرّة،و منه:

دفع إلى المكان و دفع:انتهى.يقال:هذا طريق يدفع إلى مكان كذا،أي ينتهي إليه،و دفع فلان إلى فلان:انتهى إليه.و غشيتنا سحابة فدفعناها إلى غيرنا،أي ثنيت عنّا و انصرفت عنّا إليهم،أي دفعت عنّا.

و الدّفعة:ما دفع من سقاء أو إناء فانصبّ بمرّة، و الدّفقة من المطر،و تدفّع السّيل و اندفع:دفع بعضه بعضا.

و الدّفّاع:طحمة السّيل العظيم،و الموج و تراكم بعضه على بعض،و كثرة الماء و شدّته،و الشّيء العظيم يدفع به عظيم مثله.

و الدّفّاع أيضا:الكثير من النّاس و من السّيل، و من جري الفرس إذا تدافع جريه.يقال:فرس دفّاع، و جاء دفّاع من الرّجال و النّساء،إذا ازدحموا فركب بعضهم بعضا.

و الدّافعة:الّتي تدفع الماء؛و الجمع:دوافع.

و الدّوافع:أسافل الميث حيث تدفع في الأدوية، و الميث:جمع ميثاء،و هي التّعلة.يقال:أسفل كلّ ميثاء دافعة.

و المدفع:مجرى الماء و مسيله،و الجمع:مدافع، و مدفع الوادي حيث يدفع السّيل،و هو أسفله حيث يتفرّق ماؤه.

و المدفّع و المتدافع:المحقور الّذي لا يضيّف إن استضاف،و لا يجدى إن استجدى،و قيل:هو الضّيف الّذي يتدافعه الحيّ،و قيل:الفقير الذّليل،لأنّ كلاّ يدفعه عن نفسه،و الصّبيّ اليتيم أيضا،فهو يدفع و يحقر.

و المدفّع:المدفوع عن نسبه.يقال:فلان سيّد قومه غير مدافع،أي غير مزاحم في ذلك،و لا مدفوع عنه.

و بعير مدفّع:كالمقرم الّذي يودع للفحلة، فلا يركب و لا يحمل عليه.

و الدّافع و المدفاع:النّاقة الّتي تدفع اللّبن على رأس ولدها لكثرته،و إنّما يكثر اللّبن في ضرعها حين تريد أن تضع،و كذلك الشّاة المدفاع،و قيل:الشّاة الّتي تدفع اللّبأ في ضرعها قبيل النّتاج.يقال:دفعت الشّاة،إذا أضرعت على رأس الولد.و يقال أيضا:

دفعت لبنها و باللّبن،إذا كان ولدها في بطنها،فإذا نتجت فلا يقال:دفعت.

و الدّفوع من النّوق:الّتي تدفع برجلها عند الحلب.

و دفع الرّجل قوسه يدفعها:سوّاها،لأنّه يسوّي خللها بالدّفع؛يلقى الرّجل الرّجل،فإذا رأى قوسه قد تغيّرت قال:ما لك لا تدفع قوسك؟أي مالك لا تعملها

ص: 769

هذا العمل؟

و الاندفاع:المضيّ في الأمر و في الأرض كائنا ما كان.يقال:اندفع الفرس،أي أسرع في سيره،و اندفع القوم في الحديث:مضوا فيه و توسّعوا.

و المدافعة:المماطلة.يقال:دافع فلان فلانا في حاجته،إذا ماطله فيها فلم يقضها.

2-قال الجوهريّ وحده:«دفعت إلى فلان شيئا»، و لم يبيّن معناه،و كذلك فعل من رواه عنه، كالفيروزآباديّ و الزّبيديّ و غيرهما،يريد أعطيته إيّاه، نظرا إلى قوله تعالى: فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ النّساء:6،و لعلّه-كما اصطلح عليه ابن فارس-من الأسباب الإسلاميّة،و هو شائع في هذا العصر.يقال:

دفع إليه مالا،و نحو ذلك.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا«الماضي»مرّة،و«الأمر»4 مرّات،و«الفاعل»مرّتين،و«المصدر»مرّة،و مزيدا من المفاعلة«المضارع»مرّة في 9 آيات:

1-الدّفع:الأداء

1- وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ... فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ.... النّساء:6

2-دفع السّيّئة بالحسنة

2- اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ المؤمنون:96

3- وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... فصّلت:34

3-دفع العذاب

4- إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ

الطّور:7،8

5- سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ المعارج:1،2

4-دفع العدوّ و المدافعة

6- ...وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ... البقرة:251

7- ...وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ... الحجّ:40

8- إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا... الحجّ:38

9- وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَ قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا... آل عمران:167

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها محورين:الأداء،و الطّرد، ثمّ الطّرد ثلاثة أقسام:دفع السّيّئة بالحسنة،و دفع العذاب،و دفع العدوّ،و الدّفاع عن الحقّ و أهله.

أمّا المحور الأوّل ففيه آية واحدة: وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً.

و هذه الآية من جملة ما شرّع اللّه لأموال اليتامى من الأحكام،بدء بقوله من:2، وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ إلى:10، إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى

ص: 770

ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً.

و في خلالها و قبلها و بعدها آيات في أحكام الإرث إلى:13 و 14: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ...

إلى: وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ. و في الآية بحوث:

1-جاءت في هذه الآية فقط دون سائر الآيات كلمتان بمعنى الأداء:(فادفعوا)و(دفعتم،) و الخطاب لأولياء اليتامى.

2-و أداء أموالهم إليهم مشروط بشرطين:

البلوغ،و إيناس الرّشد،كما قال: حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ.

3-قال أبو السّعود:«و في إيثار الدّفع على الإيتاء الوارد في أوّل الأمر: وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ إيذان بتفاوتهما بحسب المعنى،كما أشير إليه فيما سلف».

و خلاصة ما ذكره تفصيلا قبلها ذيل: وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ -ج:2 ص:94-في الفرق بينهما،أنّ المراد بإيتاء أموالهم قطع الطّمع عنها،و وجوب إيصالها إليهم فيما بعد،و أنّه عبّر بالإيتاء مجازا.و المراد بالدّفع:

إيصالها إليهم بالفعل حقيقة.

و قال المصطفويّ: «و قد عبّر بالدّفع إشارة إلى جهة الرّدّ في قبال الاستدامة و إبقاء الأموال عندهم، و الرّدّ لا يلاحظ هذا القيد».

4-و قال الفخر الرّازيّ: «و إنّما لم يذكر تعالى مع هذين الشّرطين كمال العقل،لأنّ إيناس الرّشد لا يحصل إلاّ مع العقل،لأنّه أمر زائد على العقل».

5-و حملوا فعل الأمر(ادفعوا)على الفور،أي بمجرّد حصول الشّرطين يجب دفعها إليهم من دون تأخير،لا إذا وجد أحد الشّرطين دون الآخر.مثل من بلغ غير رشيد،إمّا بالتّنذير أو بالعجز أو بالفسق، فلا يسلّم إليه ماله،لأنّها مفسدة للمال.

6-و قد قدّم اللّه الجارّ و المجرور على المفعول الصّريح مرّتين في فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ و فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ اهتماما به-كما قاله الآلوسيّ-و كأنّه زعم أنّه من قبيل تقديم ما حقّه التّأخير و ليس كذلك،لأنّ«الأيتام»هم الأصل فيها فهم المقدّمون،و الأموال متعلّقة بهم.و قد ابتدأ اللّه الكلام بهم في: وَ ابْتَلُوا الْيَتامى. و إنّما الفرق بين (آتوا)و(ادفعوا)أنّ(اتوا)متعدّ إلى مفعولين بنفسه،و(ادفعوا)متعدّ إلى المفعول الأوّل بالجارّ.

7-و قد سبق في الأصول اللّغويّة أنّ الجوهريّ وحده-دون من قبله و من تبعه من بعده-ذكر مجيء «دفع»بمعنى الإيتاء و الإعطاء،نظرا إلى هذه الآية فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ. و لعلّه-كما اصطلح عليه ابن فارس-من الأسباب الإسلاميّة.

و أمّا المحور الثّاني:و هو الطّرد فهو-كما قلنا أوّلا- ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل:دفع السّيّئة بالحسنة،و فيه آيتان:

(2) اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ.

(3) وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ

ص: 771

حَمِيمٌ، و فيهما بحوث:

1-الفرق بين الآيتين أوّلا:أنّه قد ذكر مفعول اِدْفَعْ في(2)حيث قال: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ، دون(3)اكتفاء بما جاء قبلها:

وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ.

و ثانيا:أنّ(2)جاءت ذيلا لما قبلها من نفي الشّرك،في قوله: فَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ، و قوله في ذيلها: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ، إشارة إلى الشّرك الّذي يصفون اللّه به.أي ادفع السّيّئة بالحسنة و إن كانوا يشركون باللّه،و الشّرك أكبر سيّئاتهم،و مع ذلك فلا تقابلهم بالسّيّئة.

أمّا(3)فيبدو أنّها متّصلة بقوله قبلها: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي من كان قوله أحسن الأقوال -و هو الّذي دعا إلى اللّه و كان عمله صالحا-فلا ينبغي أن يقابل السّيّئة بالسّيّئة،بل حريّ به أن يدفع السّيّئة بالحسنة.

و ثالثا:أنّه تعالى لم يصرّح في(2)بعدم تسوية الحسنة و السّيّئة،و إن استفيد من نفس الآية،أمّا في (3)فقد صرّح في صدرها بعدم التّسوية تعليلا و تمهيدا لما بعدها،أي السّيّئة و الحسنة لا يستويان،فلا تدفع السّيّئة إلاّ بالحسنة دون السّيّئة.و قد صرّح في ذيلها بثمرة هذا الدّفع: وَ ما يُلَقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَ إِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، أي إنّ في دفع السّيّئة بالحسنة مشقّة عاطفيّة؛إذ من طبيعة الإنسان أن يدفع عن نفسه بمثل ما أساءوا به أو بأشدّ سوء،فلا يتحمّل هذا الدّفع الشّاقّ إلاّ الّذين صبروا،و إلاّ ذو حظّ عظيم من الخلق الحسن.

و قد كرّر(يلقيها)إشعارا بشدّة تحمّلها،كما ذكّر بأنّ الشّيطان لا يدع الإنسان ليعمل بهذا العمل الشّاقّ، بل ينزعه بنزعه،و لا مخلص منه إلاّ بالاستعاذة باللّه تعالى،فإنّه هو السّميع العليم.و كلّ من الوصفين في هذه الجملة جاء بصيغة«فعيل»-و هي للمبالغة- كما أنّ سياق الجملة نفسها-بحرف التّأكيد في أوّلها، و تعريف الوصفين في آخرها حصرا-تفيد المبالغة أيضا بأنّ الاستعاذة باللّه تدفع نزع الشّيطان يقينا.

فالآية رقم:(3)أبلغ من(2)في بيان دفع السّيّئة بالحسنة من جهات.

2-و قد جاء في معنى هذه الآية آية أخرى-مع تفاوت و هو ذكر السّيّئة فيها بدل(التى هى احسن)- و هي: وَ الَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:22،حيث صدّرها اللّه أيضا بالصّبر:

لاحظ:د ر ء:«يدرءون».

و هناك آية أخرى بهذا المعنى.قال عزّة دروزة ذيل(3):«و لقد مرّ في سورة الأعراف-199 و 200-آيتان مماثلتان لهذه الآيات بعض الشّيء في العبارة و الهدف،و هما: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ* وَ إِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ؛ حيث يبدو من ذلك اهتمام القرآن العظيم لبثّ روح الخير و التّسامح،

ص: 772

و ضبط النّفس و البعد عن النّزق و الغضب،و مقابلة السّوء بمثله في نفس المسلم.بل إنّ القرآن لم يكتف بهذا؛حيث احتوى آيات أوجبت على المسلم...».

3-هذا كلّه في الفرق بين الآيتين.و أمّا وجه الوفاق بينهما،فقد جاء فيهما أوّلا:دفع السّيّئة بالّتي هي أحسن-دون بالحسنة-بلفظ واحد اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فقد أمر اللّه فيهما بدفع السّيّئة بالأحسن» لا«بالحسنة».

و ثانيا:قدّم فيهما الجارّ و المجرور على المفعول الصّريح المذكور أو المقدّر اهتماما به،و لم يقل:«ادفع السّيّئة بالّتي هي أحسن».فهذا من قبيل تقديم ما حقّه التّأخير للاهتمام به.لاحظ:ح س ن:«الحسنة»، و:س و ء:«السّيّئة».

و ثالثا:جاء ذيل الآيتين في النّصوص ما يشبه بعضه بعضا،مثل:

4-قالوا في كيفيّة دفع السّيّئة بما هو أحسن:ادفع بلا إله إلاّ اللّه كلمة الشّرك،ادفع الشّرك بالتّوحيد.

يقول له:إن كنت كاذبا فأنا أسأل اللّه أن يغفر لك، و إن كنت صادقا فأنا أسأل اللّه أن يغفر لي.أعرض عن أذاهم إيّاك،هو السّلام تسلّم عليه إذا لقيته.ادفع الفحش بالسّلام.و اللّه لا يصيبها صاحبها حتّى يكظم غيظا و يصفح عمّا يكره بالإغضاء و الصّفح عن إساءة المسيء و الصّبر على أذاه.

و عن الإمام الصّادق عليه السّلام في حديث ذكر أخلاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«و لا كافأ بسيّئة قطّ»الحسنى من القول.ادفع المنكر بالموعظة.ادفع بالخلّة الّتي هي أحسن أذاهم و جفاهم.امح السّيّئة بالحسنة.قابل أعداءك بالنّصيحة و أوليائك بالموعظة.إذا ذكروا المنكر من القول-الشّرك-ذكرت الحجّة في مقابلته، و ذكرت الموعظة الّتي تصرف عنه إلى ضدّه من الحقّ على وجه التّلطّف في الدّعاء إليه و الحثّ عليه،كقول القائل:هذا لا يجوز و هذا خطأ،و عدول عن الحسن، و أحسن منه أن يوصل بذكر الحجّة و«الموعظة».

ادفع الأفعال السّيّئة بالأفعال الحسنة الّتي ذكرها.دفع بالخصلة الّتي هي أحسن الخصال،و هي الحلم و الصّفح و الإغضاء عن جهلهم،و الصّبر على أذاهم.

و عظهم برفق و لين،و لا تعظهم بشدّة و عنف،كما قال في موضع آخر: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ سبأ:46، و قال لموسى في دعوته فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً طه:44.

اعف عن المسيئين بوجه طلق،و لسان ذلق، و قلب لين،و خلق زين،و غضّ طرفك عن المزرين، و أحسن إلى من أساء إليك من المسلمين.الصّفح عن إساءتهم و مقابلتها بما أمكن من الإحسان،حتّى إذا اجتمع الصّفح و الإحسان،و بذل الاستطاعة فيه كانت حسنة مضاعفة بإزاء سيّئة.ردّ خصومة الكافرين بأجمل وجه،فادفع باطلهم ببيان الحجّة و الموعظة،فتصرفهم باللّطف عمّا يعملون و يقولون، و هو الصّفح عنها و الإحسان في مقابلتها،لكن بحيث لم يؤدّ إلى وهن في الدّين.مكافئة السّيّئة جائزة لكنّ العفو عنها أحسن.ادفع بالوفاء الجفاء،بأن تحسن إلى المسيء في مقابلتها ما استطعت.ادفع السّيّئة الّتي

ص: 773

تتوجّه إليك منهم بالحسنة،و اختر للدّفع من الحسنات أحسنها.ادفع السّيّئات الّتي يكتسبونها و يديمون عليها بالّتي هي أحسن،و بدّلها بالحسنات.

عن عليّ عليه السّلام:«صافح عدوّك و إن كره،فإنّه ممّا أمر اللّه عزّ و جلّ به عباده،يقول:(ادفع...»).ادفع سفاهتهم و جهالتهم بالطّريق الّتي هي أحسن الطّرق.

و جاء نحوها ذيل الآيتين،فلاحظ و لا تقتصر على ما ذكرنا.

5-و قد خصّ بعضهم الحسنة:بالتّوحيد، و السّيّئة:بالشّرك،استنادا إلى ما تقدّم في(2).و قال أبو حيّان-و يوافقه غيره-:«و الأجود العموم في الحسنى و فيما يسوء».و هو الصّواب عندنا.

6-و الخطاب في الآيتين للنّبيّ عليه السّلام،و لكنّه يعمّ المؤمنين جميعا،لأنّه عليه السّلام المثل الكامل في امتثال هذا الأمر.و بعضهم اعتبره خطابا إلى كلّ إنسان من أوّل الأمر،و هو خلاف سياق الآيتين.

7-كثير منهم خصّ هذا الحكم بما قبل تشريع حكم السّيف،و أنّه نسخ بهذا الحكم.لكن سياق الآيات في هذا المعنى أنّه خصلة أخلاقيّة دائمة للمسلم،و أنّ حكم الجهاد خاصّ بموضعه.

قال الآلوسيّ: «و الآية قيل:منسوخة بآية السّيف،و قيل:هي محكمة،لأنّ الدّفع المذكور مطلوب ما لم يؤدّ إلى ثلم الدّين و الإزراء بالمروءة».

و قال سيّد قطب ذيل(3)بعد ما ذكره من حكم الجهاد في المدينة:«أمّا حين نزول هذه السّورة -المؤمن و هي مكّيّة-فكان منهج الدّعوة دفع السّيّئة بالّتي هي أحسن،و الصّبر حتّى يأتي أمر اللّه، و تفويض الأمر للّه».

و يبدو من كلامه هذا أنّه«حكم مكّيّ»نسخ بآيات السّيف.لكنّه جمع بينهما ذيل(2)بوجوه، و أنّهما ليسا بمتناقضين.

و الحقّ أنّ القتال مع العدوّ كان ممنوعا في مكّة و شرّع في المدينة،و كان المشركون هم الّذين بدءوا به.

و عندنا أنّ جميع غزوات النّبيّ عليه السّلام كانت دفاعا عن الإسلام و المسلمين لا هجوما بدويّا.و أين ذاك من هذا الحكم الأخلاقيّ الدّائم كما قال النّيسابوريّ-اقتداء بالزّمخشريّ-:«و الأولى أن يقال:هي محكمة،لأنّ المداراة مستحبّة ما لم تؤدّ إلى محذور».لاحظ:ق ت ل، و:ح ر ب.

8-و بعضهم قال:(«احسن)هنا ليس للمبالغة و التّفضيل،و أنّ المعنى ادفع بالحسن السّيّئة».و هو اجتهاد في قبال النّصّ.

قال الآلوسيّ: «و هو أبلغ من ادفع بالحسنة السّيّئة لمكان(احسن)و المفاضلة فيه على حقيقتها...».

و قال جعفر شرف الدّين: «بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي الحسنى إرادة التّفضيل،و من أجل ذلك لا يتحقّق إحكام المعنى لو يقال:ادفع بالحسنة السّيّئة».

و قال مغنيّة في«الدّفاع بالأحسن»:«إنّ الدّفاع يختلف باختلاف الموارد،فقد يكون استعمال القوّة و العنف لردع المعتدي دفاعا بالأحسن؛و ذلك إذا كان المعتدى عليه يملك القوّة الرّادعة،و كان السّكوت

ص: 774

عن المسيء يغريه بالإساءة و العدوان.قال الإمام عليّ عليه السّلام:«الوفاء لأهل الغدر غدر،و الغدر بأهل الغدر وفاء.».

و قد يكون السّكوت عن المعتدي،و الصّبر على أذاه دفعا بالأحسن إذا أدّى الإغضاء عنه إلى ندمه و توبته من إساءته،أو كان المعتدى عليه عاجزا عن الرّدع،فإنّ المقاومة-و هذه هي الحال-تحدث ما لا تحمد عقباه من تمادي المعتدي في غيّه،و غير ذلك من ردود الفعل.

و من أجل هذا صبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على الأذى -و هو في مكّة-لعجزه عن الرّدع».

و قال عزّة دروزة:«فهذا التّلقين كما يتبادر لنا هو في صدد السّلوك الشّخصيّ بين النّاس و بين المسلمين.

و يمكن أن يصرف إلى ما يكون فيه بغي و عدوان شديد النّكاية و الأذى،كما أنّ التّنوّع في التّلقين يمكن أن يصرف إلى ما هو طبيعيّ من تنوّع ظروف البشر أفرادهم و جماعتهم،ليسير النّاس فيما يواجههم من هذه الظّروف سيرا منسجما مع روح القرآن عامّة.

و هي العفو عند المقدرة حينما لا يكون سببا في ازدياد الشّرّ و البغي،و يؤدّي إلى الهدوء و السّكينة و الرّضا و مقابلة البغي بمثله حينما لا يكون بدّ من ذلك.

و النّظام العامّ هو عدم بدء المسلم غيره بالسّوء و البغي،و أن يكون هذا منه مقابلة و دفاعا.و في سورة الشّورى الّتي تلا هذه السّورة فصل احتوى تلقينا في صدد هذه المواقف المتنوّعة،يصحّ أن يكون فيه قرينة على صواب ما نقرّره إن شاء اللّه،على ما سوف يأتي شرحه بعد هذه السّورة».فلاحظ كلامه.

9-و لهم بحوث مطوّلة في ما تحتوي عليه هذه الآيات من مكارم الأخلاق،و محاسن العادات، و أحسن الخصال،و في أنّ النّبيّ عليه السّلام هو المثل الأعلى في جميعها.و من جملتهم ابن عاشور،و فضل اللّه في تفسير الآية:(2)،و سيّد قطب،و عزّة دروزة، و الخطيب،و مكارم الشّيرازيّ،و فضل اللّه ذيل(3)، فلاحظ.

10-و أمّا الإشارة فلابن عربيّ فيها مقال؛حيث قال في تفسير: وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ لكون الأولى من مقام القلب تجرّ صاحبها إلى الجنّة و مصاحبة الملائكة،و الثّانية من مقام النّفس تجرّ صاحبها إلى النّار و مقارنة الشّياطين...»فلاحظ.

القسم الثّاني:دفع العذاب،و فيه آيتان أيضا:

(4) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ

الطّور:7،8

(5) سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ* مِنَ اللّهِ ذِي الْمَعارِجِ المعارج:1-3

و الأولى جواب للأقسام الّتي ابتدأت بها السّورة 1-6 وَ الطُّورِ* وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ* وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ* وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ.

و بعدها ظرف لوقوع هذا العذاب 9-11، يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً* وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً* فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. فهذا العذاب عذاب يوم القيامة.

و الثّانية:ابتدأت بها السّورة،و هي راجعة إلى

ص: 775

عذاب الآخرة أيضا،كما جاء بعدها 4-7: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ* فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً* إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَ نَراهُ قَرِيباً. و فيهما بحوث:

1-قد أكّد اللّه تعالى فيهما العذاب بأنّه واقع ليس له دافع بسياق واحد،جمعا بين لفظي(واقع) و(دافع)بما فيهما من الجناس لفظا،و النّفار معنى بالنّفي و الإثبات،و هذا نموذج من بلاغة القرآن نشاهدها في كثير من آياته،و لا سيّما في السّور القصار -و أكثرها مكّيّ-فيلوح منها أنّ القرآن في بدء نزوله بمكّة-و هي مهد العرب العرباء-كان يراعي الجناس في آيات قصار،أكثر من المدينة الّتي هي دار التّشريع المبنيّ على البسط و التّفصيل.

2-و الفرق بينهما أنّ(4)-بما أنّها مسبوقة بعدّة أقسام،و هي جوابها مقرونا بالتّأكيد في(إنّ)و(اللاّم)- سياقها آكد من(5).

2-و فرق آخر أنّ(4)خطاب من اللّه بدء مقرونة بتعيين وقت العذاب يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً، و تذيلها بأنّه جزاء المكذّبين فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ أمّا(5)فجاءت جوابا للسّائل الّذي ابتدأ بذكره الكلام: سَأَلَ سائِلٌ، و خصّ فيها العذاب ب(الكافرين)بدل«المكذّبين»،و التّكذيب أشدّ نكرا من الكفر،بل هو سبب الكفر.لكنّه قدّم ذكر (الكافرين)فيها بعد ذكر العذاب بِعَذابٍ واقِعٍ* لِلْكافِرينَ...، و أخّر في(5)ذكر«المكذّبين»عن ذكر زمانه،كما سبق.

و فرق ثالث أنّه اكتفى في ذكر من بيده العذاب في (4)ب(عذاب ربك)،و سياقه الرّحمة،أمّا في(5) فقال: لَيْسَ لَهُ دافِعٌ* مِنَ اللّهِ ذِي الْمَعارِجِ...، إلى قوله في 17 و 18: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّى* وَ جَمَعَ... -إلى آخر السّورة-ممّا دلّ على طول العذاب و شدّته و تنوّعه،فلاحظ.

3-و التّصريح فيهما بأنّ العذاب ليس له دافع ييئس الكفّار و المكذّبين من أيّ عفو من اللّه يشملهم.

القسم الثّالث:دفع العدوّ و الدّفاع عن الحقّ،و فيه أربع آيات:

أوّلها(6):قال خلال قصّة طالوت و جالوت و تقاتلهم: وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ.

و الثّانية(7):قال بعد آيتين من ذكر الدّفاع و القتال و نصر المقاتلين فوصفهم بقوله: اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّهُ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.

و الثّالثة(8): إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ.

و الرّابعة(9):قال بشأن المنافقين: وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَ قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاَتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ

ص: 776

أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ.

و فيها بحوث:

1-الثّلاث الأولى جاءت-كما دلّت ما قبلها و ما بعدها و خلالها من ذكر القتال-بشأن قتال أهل الحقّ أعداءهم من أهل الباطل،و أنّ اللّه ينصر من نصره على أعدائه و أعدائهم،و أنّ هذه سنّة من اللّه لا تتغيّر، و وعد لا يتخلّف،كما نصر طالوت و داود على جنود جالوت،و نصر المؤمنين من هذه الأمّة على أعدائهم من المشركين و من أهل الكتاب و غيرهم.و قد كرّر اللّه هذه الحقيقة الهامّة المبشّرة في آيات كثيرة،لاحظ:

«ن ص ر»،و:«و ع د».

2-و قد نسب اللّه فيها الدّفع و الدّفاع إلى نفسه، و إن صدرا عن النّاس،كما قال في(6 و 7):

وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ. و عبّر عنه بالدّفاع في(8): إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا.

و هذا كما نسب النّصر إلى نفسه و إلى النّاس أيضا، و نسب القتل و الرّمي إلى نفسه،و نفاهما عن النّاس في قوله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الأنفال:17،لأنّهما حدثا بيد النّاس بإعجاز من اللّه تعالى،فهذان فعله حقيقة، و الباقي مجاز إسنادا للفعل إلى سببه.قال ابن عاشور:

«و إضافة الدّفع إلى اللّه مجاز عقليّ،كما هو في قوله:

إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا الحجّ:38،أي يدفع، لأنّ الّذي يدفع حقيقة هو الّذي يباشر الدّفع في متعارف النّاس،و إنّما أسند إلى اللّه،لأنّه الّذي قدّره و قدّر أسبابه،و لذلك قال: بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فجعل سبب الدّفاع بعضهم و هو من باب: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ رَمى.

و قد علمت الفرق بين هذه الآية و بين آيات الدّفع،بأنّ نسبة الرّمي و القتل في هذه حقيقة،لأنّهما كانا بإعجاز منه تعالى.

و أيضا نسب القتال إلى نفسه دعاء على النّصارى و المنافقين بإزاء كفرهم و نفاقهم-مع صدوره عادة عن النّاس-في آيتين بلفظ واحد: قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ التّوبة:30،و المنافقون:4.

و يؤيّد ما ذكرنا من وجه نسبة الدّفع إلى اللّه ما جاء عن ابن عبّاس ذيل(6):«و لو لا دفع اللّه بجنود المسلمين و سراياهم و مرابطهم،لغلب المشركون على الأرض،فقتلوا المؤمنين،و خرّبوا البلاد و المساجد».

كما يؤيّده قراءة (دفاع) بدل(دفع)في(6 و 7)، و قراءة(يدفع)بدل(يدافع)في(9).و يؤيّده أيضا قول الفارسيّ:«الدّفاع يحتمل أمرين:يجوز أن يكون مصدرا ل«فعل»،كالكتاب و اللّقاء،و نحو ذلك من المصادر الّتي تجيء على«فعال»،كما يجيء على «فعال»نحو الجمال و الذّهاب.و يجوز أن يكون مصدرا ل«فاعل»...».

3-و قد طوّل الفخر الرّازيّ ذيل(7)الكلام في المدفوع،و المدفوع به،و المدفوع عنه بما لا طائل تحته فلاحظ.

4-كما قال في جواب قول القاضي:«هذه الآية

ص: 777

من أقوى ما يدلّ على بطلان الجبر،لأنّه إذا كان الفساد من خلقه،فكيف يصلح أن يقول تعالى:

وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، و يجب أن لا يكون على قولهم لدفاع النّاس بعضهم ببعض تأثير في زوال الفساد...»،بما لا طائل تحته أيضا فلاحظ.

5-يبدو من المفسّرين المتأخّرين أنّ الآيتين (6 و 7)تحملان قاعدة طبيعيّة و اجتماعيّة،و قد بسطوا القول فيها.قال رشيد رضا:«دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض من السّنن العامّة،و هو ما يعبّر عنه علماء الحكمة في هذا العصر بتنازع البقاء،و يقولون:

إنّ الحرب طبيعيّة في البشر،لأنّها من فروع سنّة تنازع البقاء العامّة.و أنت ترى أنّ قوله تعالى: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ... ليس نصّا فيما يكون بالحرب و القتال خاصّة،بل هو عامّ لكلّ نوع من أنواع التّنازع بين النّاس الّذي يقتضي المدافعة و المغالبة...».ثمّ ردّ على من يزعم أنّ هذه السّنّة من أثرة المادّيّين في هذا العصر،و أنّه جور و ظلم،و أنّه مخالف لهدى الدّين، فلاحظ.

و يبدو منه اعترافه بفرضيّة تنازع البقاء الّتي هي أحد الأركان الأربعة لفرضيّة«داروين»في مسألة تكامل الأنواع.و هذه النّظريّة لا تختصّ المسائل الاجتماعيّة البشريّة،بل تعمّ الموجودات المادّيّة عامّة.

و مكارم الشّيرازيّ أنكر رأي من حمل الآيتين على تلك النّظريّة حتّى في البعد الاجتماعيّ،و أنّ هذا صحيح لو قطعنا صلة الآيتين عمّا قبلهما.و أمّا بناء على حفظها فالآيات تدور حول محاربة الظّالمين و الطّغاة،فلو لا منع اللّه لملئوا الأرض ظلما و جورا، و عليه فليس الحرب أصلا كلّيّا مقدّسا في حياة البشر.

ثمّ ناقش نظريّة«داروين»و نقد المفسّرين الّذين حملوا الآية على هذه النّظريّة،فلاحظ.

6-و قد نبّه اللّه على ثمرة الدّفع مجملا في(6) بقوله: لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، و في(7)تفصيلا بقوله:

لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّهِ كَثِيراً. و يعلم من الآيتين أنّ فساد الأرض ناشئ عن رفع ذكر اللّه عنها،و هدم مواضع ذكره،و عبادته في الأديان كلّها.

7-بقي الكلام في(9): وَ قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا....

و قد علمنا أنّ«الدّفع و الدّفاع»في تلك الآيات معناه القتال في سبيل اللّه،لكنّ اللّه عطف في هذه الآية اِدْفَعُوا على قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ، فليس معناه القتال في سبيل اللّه،و لهذا اختلفوا في تفسيره.

فقال أكثرهم:المراد بها الدّفاع عن أنفسهم،أي إذا لا تقاتلون في سبيل اللّه لعدم اعتقادكم بالإسلام، و لا ترون هذا القتال قتالا في سبيل اللّه،فلا أقلّ لكم عن الدّفاع عن أنفسكم،و أموالكم،و أهليكم.

و قال بعضهم:إنّ المراد به تكثير السّواد،أي إذا لا تقاتلون بالسّلاح فأعينوا المقاتلين بسوادكم و كثرتكم.و هذا مرويّان عن ابن عبّاس،قال:

«ادْفَعُوا العدوّ عن حريمكم و ذرّيّتكم،أو كثّروا المؤمنين».و قال الجصّاص بعد نقل ما ذكر:«و في هذا

ص: 778

دلالة على أنّ فرض الحضور لازم لمن كان في حضوره نفع في تكثير السّواد و الدّفع،و في القيام على الخيل إذا احتيج إليهم».

و قال آخرون:معناه«رابطوا»،فإنّ الرّباط عبارة عن سدّ الثّغور.

و قال الميبديّ: «و الرّباط أن يقوم أحد بثغر الكفّار،و يدفع عن بلاد المسلمين بإقامة الحرب أو بإظهار الحجّة.و فيه قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:رباط يوم في سبيل اللّه خير من الدّنيا و ما عليها،و في رواية:خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل».

و نضيف إلى ذلك أنّ القرآن دعا إلى الرّباط في آيتين:

إحداهما: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا... آل عمران:200.

و ثانيتهما: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ... الأنفال:60.

و الآيتان بعمومهما تشملان سدّ الثّغور،أو المراد بهما سدّ الثّغور بالذّات.لاحظ:ر ب ط:«رابطوا» و«رباط».

و كان للمرابطين دور كبير في الإسلام،و لا سيّما في المغرب الإسلاميّ فقد شكّلوا هناك دولة عظيمة».

و عندنا أنّ ذيل الآية: قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاَتَّبَعْناكُمْ يلوح منه أنّهم فهموا من القتال و الدّفع كليهما شيئا واحدا،و هو المشاركة في القتال كالمؤمنين،إلاّ أنّهم لا يرونه قتالا في سبيل اللّه، فلا يشاركونهم.و كيف كان فاحتمال الرّباط في الآية بعيد جدّا،لأنّها جاءت خلال آيات غزوة أحد، و لم يكن للإسلام يوم ذاك ثغور ثابتة،كما أنّ دعوتهم -و هم منافقون-إلى الحضور في الثّغور،ليست فيها مصلحة للإسلام،بل هي مظنّة الفساد أكثر من مفسدة حضورهم في القتال.

و لعلّ ما حكاه ابن عطيّة عن عبد اللّه بن عمرو في(ادفعوا)أقرب إلى الصّواب.قال:«إنّما هو استدعاء القتال حميّة،لأنّه دعاهم إلى القتال في سبيل اللّه،و هو أن تكون كلمة اللّه هي العليا،فلمّا رأى أنّهم ليسوا أهل ذلك عرض عليهم الوجه الّذي يحشمهم و يبعث الأنفة،أي أو قاتلوا دفاعا عن الحوزة.أ لا ترى أنّ«قزمان»قال:و اللّه ما قاتلت إلاّ على أحساب قومي؟و أ لا ترى أنّ بعض الأنصار قال يوم أحد لمّا رأى قريشا قد أرسلت الظّهر في زروع قناة،قال:

أ ترعى زروع بني قيلة و لمّا نضارب؟و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد أمر أن لا يقاتل أحد حتّى يأمره بالقتال،فكأنّ عبد اللّه بن عمرو بن حرام دعاهم إلى هذا المقطع العربيّ الخارج عن الدّين و القتال في سبيل اللّه».

و يلاحظ ثانيا:أنّ أربعا منها(2-5)مكّيّة، و اثنتان منها(2 و 3)تشريع مكّيّ-و هو دفع السّيّئة بالحسنة-و اثنتان(4 و 5)إنجاز العذاب يوم القيامة -المعاد-و هو أصل مكّيّ بإزاء التّوحيد و النّبوّة.

و الباقي كلّها تشريع مدنيّ.و(7)مختلف فيها.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الدّعّ: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ الماعون:2

ص: 779

الطّرد: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ

الأنعام:52

الدّحر: قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً

الأعراف:18

ص: 780

د ف ق

اشارة

دافق

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :دفق الماء دفوقا و دفقا،إذا انصب بمرّة، و الماء الدّافق.و النّطفة تدفق.

و اندفق الكوز:انصبّ بمرّة و دفق ماؤه.

و يقال في الطّيرة عند انصباب الكوز و نحوه:

دافق خير.

و أدفقته:صببته بمرّة فكدرته الكدر للصّبّ بمرّة.

و جاء القوم دفقة أي بدفعة واحدة.

و ناقة دفاق:اندفقت في سيرها مسرعة، و يقال:ناقة دفقاء،و جمل أدفق و دفاق،و هو شدّة بينونة المرفق عن الجنبين.

و اندفق الدّمع.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(5:120)

أبو عبيدة:الدّفقّى أقصى العنق.

(ابن فارس 2:286)

أبو زيد :يقال:هروز الرّجل و فروز الرّجل، و فاز و فوّز و دفّق و...كلّه بمعنى مات.(196)

العرب تستحبّ أن يهلّ الهلال أدفق، و يكرهون أن يكون مستلقيا قد ارتفع طرفاه.

(الأزهريّ 9:40)

الأصمعيّ: نزلت بأعرابيّة فقالت لابنة لها:

قرّبي إليه العسّ،فجاءتني بعسّ فيه لبن فأراقته، فقالت:دفقت مهجتك.(ابن دريد 2:289)

ابن الأعرابيّ: رجل أدفق،إذا انحنى صلبه من كبر أو غمّ.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 9:40)

ابن السّكّيت: مرّ يمشي الدّفقّى و هو أن يباعد بين الخطو.(282)

ص: 781

و يقال:هو يمشي الهمقّى و الدّفقّى،إذا كان يمشي على هذا الجانب مرّة و على هذا الجانب مرّة.

[ثمّ استشهد بشعر](313)

أبو مالك:هلال أدفق خير من هلال حاقن.

و الأدفق:الأعوج،و الحاقن:الّذي يرتفع طرفاه و يستلقي ظهره.(الأزهريّ 9:40)

ابن دريد :دفق الماء يدفقه دفقا،إذا أراقه.

و كلّ مراق مدفوق.

و يقال:دفق اللّه روحه،إذا دعا عليه بالموت.

و ناقة دفوق و دفاق،إذا كانت تتدفّق في سيرها.

و الدّفقّى:ضرب من السّير واسع الخطو.

و سار القوم سيرا أدفق،أي سريعا؛و يقال:

دفقا أيضا.

و تدفّق النّهر بالماء،إذا امتلأ حتّى يفيض الماء من جوانبه.

و سارت الإبل التّدفّق،إذا كانت تندفق في سيرها مع سرعة مشي.(2:289)

و فرس دفقّ:جواد.(3:350)

ابن الأنباريّ: هو يمشي الدّفقّى،و هي مشية يتدفّق فيها و يسرع.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 9:40)

القاليّ: المقنع:الفم الّذي يكون عطف أسنانه إلى داخل الفم،و ذلك القويّ الّذي يقطع به كلّ شيء،فإذا كان انصبابها إلى خارج فهو أدفق، و ذلك ضعيف لا خير فيه.(2:24)

الأزهريّ: الدّفق في كلام العرب:صبّ الماء، و هو مجاوز.يقال:دفقت الكوز فاندفق،و هو مدفوق.و لم أسمع دفقت الماء فدفق لغير اللّيث، و أحسبه ذهب إلى قول اللّه: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ الطّارق:6.

و هذا جائز في النّعوت.و معنى(دافق)ذو دفق،كما قال الخليل و سيبويه.

و يقال:هلال أدفق،إذا رأيته مرقونا أعقف، و لا تراه مستلقيا قد ارتفع طرفاه.

و في«النّوادر»:هلال أدفق،أي مستو أبيض، ليس بمنتكث على أحد طرفيه.

و رجل أدفق في نبتة أسنانه.

و يقال:فلان يتدفّق في الباطل تدفّقا،إذا كان يسارع إليه.[ثمّ استشهد بشعر](9:39)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الدّفقّى:ضرب من المشي في سرعة.

و الدّفقّ:السّريع من الإبل؛و الدّفقّة الأنثى.

و فم أدفق،إذا كانت أسنانه منتصبة إلى قدّام.

و الأدفق:الأعوج.و الدّيفق:النّاقة السّريعة.

(5:352)

الجوهريّ: دفقت الماء أدفقه دفقا،أي صببته، فهو ماء دافق،أي مدفوق،كما قالوا:سرّ كاتم،أي مكتوم،لأنّه من قولك دفق الماء على ما لم يسمّ فاعله.و لا يقال:دفق الماء.

و يقال:دفق اللّه روحه،إذا دعي عليه بالموت.

و دفّقت كفّاه النّدى،أي صبّتاه؛شدّد للكثرة.

ص: 782

و الاندفاق:الانصباب،و التّدفّق:التّصبّب.

و سيل دفاق بالضّمّ:يملأ الوادي.

و ناقة دفاق بالكسر،أي متدفّقة في السّير.

و الدّفقّ:مثال الهجفّ:السّريع من الإبل.

و يقال أيضا:مشى فلان الدّفقّى،إذا أسرع.

و سير أدفق،أي سريع.[ثمّ استشهد بشعر]

و بعير أدفق:بيّن الدّفق،إذا كانت أسنانه منتصبة إلى خارج.

و يقال:جاء القوم دفقة واحدة بالضّمّ،إذا جاءوا بمرّة واحدة.(4:1475)

ابن فارس: الدّال و الفاء و القاف أصل واحد مطّرد قياسه،و هو دفع الشّيء قدما.من ذلك:دفق الماء،و هو ماء دافق.و هذه دفقة من ماء.

و يحمل قولهم:جاءوا دفقة واحدة،أي مرّة واحدة.و بعير أدفق،إذا بان مرفقاه عن جنبيه.

و ذلك أنّهما إذا بانا عنه فقد اندفعا عنه و اندفقا.

و الدّفقّ،على«فعلّ»من الإبل:السّريع.و مشى فلان الدّفقّى،و ذلك إذا أسرع.

قال أبو عبيدة:الدّفقّى أقصى العنق.و منه حديث الزّبرقان:تمشي الدّفقّى،و تجلس الهبنقعة.

و يقال سيل دفاق:يملأ الوادي.و دفق اللّه روحه،إذا دعي عليه بالموت.(2:286)

الهرويّ: في حديث الاستسقاء«دفاق العزائل».الدّفاق:المطر الواسع الكثير الّذي يتدفّق تدفّقا.(2:643)

الثّعالبيّ: فصل في مقابح الأسنان:الدّفق انصبابها إلى قدّام.(126)

ابن سيده: دفق الماء و الدّمع يدفق دفقا و دفوقا،و اندفق،و تدفّق،و استدفق:انصبّ.

و كلّ مراق:دافق و مندفق.

و قد دفقه يدفقه دفقا،و دفّقه.

و يقال في الطّيرة عند انصباب الإناء:دافق خير.

و في الدّعاء على الإنسان بالموت:دفق اللّه روحه،أي أفاظه.

و تدفّق النّهر و الوادي،إذا امتلأ حتّى يفيض الماء من جوانبه.

و سيل دفاق،يملأ جنبتي الوادي.

و فم أدفق:إذا انصبّت أسنانه إلى قدّام.

و دفق البعير دفقا،و هو أدفق:مال مرفقه عن جانبه.

و تدفّقت الأتن:أسرعت.

و سير أدفق:سريع.

و جمل دفاق،و دفق:سريع يتدفّق في مشيه؛ و الأنثى:دفوق،و دفاق،و دفقّة،و دفقّى.

و هو يمشي الدّفقّى:إذا باعد خطوه.و قيل:إذا أسرع.

و جاءوا دفقة واحدة،أي دفعة.

و دفاق:موضع.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(6:320)

الرّاغب: قال تعالى: ماءٍ دافِقٍ الطّارق:6، سائل بسرعة.و منه استعير:جاءوا دفقة،و بعير

ص: 783

أدفق:سريع،و مشى الدّفقّى،أي يتصبّب في عدوه كتصبّب الماء المتدفّق،و مشوا دفقا.(170)

الزّمخشريّ: دفق الماء يدفقه،و ماء مدفوق، و اندفق الماء و تدفّق.

و اندفق الكوز.

و يقال في الطّيرة عند انصباب الكوز و نحوه:

دافق خير.

و اندفق دمعه.

و من المجاز:ماء دافق،بمعنى ذو دفق ك عِيشَةٍ راضِيَةٍ الحاقّة:21.

و جاء القوم دفقة واحدة:جاءوا بمرّة.

و دفق اللّه روحه.

و ناقة دفاق:مندفقة في سيرها.

و فلان يمشي الدّفقّى،و هي أقصى العنق.

و تدفّق حلمه:ذهب.

[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(أساس البلاغة:132)

ابن الأثير: في حديث الاستسقاء:«دفاق العزائل»،الدّفاق:المطر الواسع الكثير.و العزائل:

مقلوب العزالي،و هو مخارج الماء من المزادة.

و في حديث الزّبرقان«أبغض كنائني إليّ الّتي تمشي الدّفقّى»هي بالكسر و التّشديد و القصر:

الإسراع في المشي.(2:125)

الفيّوميّ: دفق الماء دفقا من باب«قتل»:

انصبّ بشدّة،و دفقته أنا؛يتعدّى و لا يتعدّى،فهو دافق مدفوق.

و أنكر الأصمعيّ استعماله لازما،قال:و أمّا قوله تعالى: مِنْ ماءٍ دافِقٍ فهو على أسلوب لأهل الحجاز،و هو أنّهم يحوّلون المفعول فاعلا إذا كان في محلّ نعت،و المعنى:من ماء مدفوق.

و قال ابن القوطيّة:ما يوافقه:سرّ كاتم أي مكتوم،و عارف أي معروف،و دافق أي مدفوق، و عاصم أي معصوم.

و قال الزّجّاج:المعنى من ماء ذي دفق.

و الدّفقة بالفتح المرّة،و بالضّمّ:اسم المدفوق و جمع المفتوح و المضموم،كما تقدّم في دفعة.

و جاء القوم دفقة واحدة بالضّمّ أي مجتمعين.

و دفقت الدّابّة،أي أسرعت في مشيها، و دفقتها أنا:أسرعت بها،يستعمل لازما و متعدّيا أيضا.(1:197)

الفيروزآباديّ: دفقه يدفقه و يدفقه:صبّه، و هو ماء دافق أي مدفوق،لأنّ«دفق»متعدّ عند الجمهور.

و دفق اللّه روحه:أماته،و الكوز:بدّد ما فيه بمرّة،كأدفقه،و الماء دفقا و دفوقا:انصبّ بمرّة،و هذه عن اللّيث وحده.

و ناقة دفاق،ككتاب و غراب و صيقل:سريعة، و سيل دفاق،كغراب.

و كغراب:موضع،أو واد.

و سير أدفق:سريع.

و الأدفق:الأعوج،و الرّجل المنحني كبرا و غمّا،و البعير المنتصب الأسنان إلى خارج،أو

ص: 784

شديد بينونة المرفق عن الجنبين،و من الأهلّة:

المستوي الأبيض،غير المتنكّب على أحد طرفيه.

و كهجفّ:السّريع من الإبل.

و مشى الدّفقّى،كزمكّى:أسرع،أو تمشّى على هذا الجنب مرّة و على هذا مرّة،أو باعد خطوه.

و جمل دفاق و دفق،ككتاب و خدب:كذلك.

و الدّفقّى،و تفتح الفاء:النّاقة السّريعة الكريمة النّسب،أو الّتي لم تنتج قطّ.

و فرس دفق كخدب و طمرّ:جواد يتدفّق في مشيه،و هي دفوق و دفاق و دفقّة و دفقّى و دفقّى.

و جاءوا دفقة واحدة بالضّمّ،أي:بمرّة.و دفّقت كفّاه النّدى تدفيقا:صبّتاه.و اندفق:انصبّ.و تدفّق تصبّب.(3:239)

الطّريحيّ: و الاندفاق:الانصباب.و سيل دفاق بالضّمّ:يملأ الوادي،و الدّفقة بالفتح:المرّة؛ و بالضّمّ:اسم المدفوق.

و التّدفّق و منه أصبح النّيل يتدفّق من كثرة الماء.

و في الحديث:«لا يجب الغسل إلاّ من الدّفق» هو كناية عن الإنزال،و الحصر إضافيّ.(5:162)

مجمع اللّغة :دفق الماء يدفق و يدفق دفقا و دفوقا:انصبّ مرّة واحدة بدفع،فهو دافق.

و دفق الماء صبّه،و الماء مدفوق.و يقال على هذا الوجه:ماء دافق،أي ذو دفق،إذا وقع عليه هذا الفعل،كما يقال سرّ كاتم.

و بكلا الوجهين فسّر قوله تعالى: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ الطّارق:6.(1:401)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دفق الماء:صبّه بشدّة،و ماء دافق:مدفوق أي منصبّ أو ذو انصباب.(1:189)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الانصباب بشدّة؛بحيث يتراءى منه الدّفع،أي الإراقة بدفع.و يؤيّد هذا المعنى كلمات الدّفع، الدّفّ،و الدّفأ،و الدّفر،فإنّ بين هذه الكلمات اشتقاق أكبر،و يجمعها مفهوم الدّفع.

و يدلّ على هذا الأصل أيضا:مفهوم الكلمة في اللّغة العبريّة.

قاموس عبريّ: «دافق»دقّ،طرق،ضرب، قرع.

و هكذا سائر مشتقات الكلمة.

فهذا القيد هو الفارق بينها و بين مادّة الانصباب،الإهراق،و غيرهما.

و أمّا مفهوم الإسراع في المشي،و دفق اللّه الرّوح،و تدفيق الكفّ النّدى،و سيل دفاق، و غيرها:فبلحاظ الحركة المشبّهة بالانصباب مع دفع،فكأنّ الجريان و المشي و الحركة،انصباب بالدّفع.و لا بدّ أن يلاحظ هذا القيد في جميع المصاديق،و ليست تلك المفاهيم بإطلاقها بحقيقة.

و أمّا كلمة الدّافق:فإنّ صفة الدّفق إذا كانت لازمة لشيء،فكأنّ بعض اجزائه يدفق بعضا آخر، فهو دافق في نفسه،و ليس لفظ الفاعل بمعنى المفعول،و هذا التّعبير للمبالغة و الثّبوت.

ص: 785

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ* يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ الطّارق:

5-7،أي من نطفة تتكوّن من ماء منصبّ بالدّفق من صلب الرّجل و ترائبه.راجع:ت ر ب:

«التّرائب».

و في التّوصيف بالدّفق و بالخروج من بين الصّلب و التّرائب:إشارة إلى غاية خسّته و حقارته،فإنّ الاندفاع هو يعادل الطّرد و الرّدّ خلاف الثّبوت و الجريان الطّبيعيّ،و الخروج من هذا المبدإ أيضا فيه دناءة و اشمئزاز،لقربه من داخل البدن و المعدة،و جهاز الهضم.

هذا مبدأ خلقة الإنسان و مادّة تكوّنه،و أمّا منتهى سيره في الدّنيا فيصير إلى أن تبدّل جيفة منتنة تشمئزّ منها النّفوس.فهو في ما بين الحالتين معجب بنفسه و منحرف عن صراطه،و غافل عمّا استعدّ له من اللّحوق بالملإ الأعلى،و السّير الى وراء عالم المادّة،و استقراره في مقام القرب من الرّوحانيّين و الملائكة،و استئناسه مع الأبرار و المقرّبين و أوليائه المنتخبين.(3:228)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ الطّارق:6

ابن عبّاس: مدفوق و مهراق في رحم المرأة.

(508)

دافِقٍ: لزج.(القرطبيّ 20:4)

الفرّاء: أهل الحجاز أفعل لهذا من غيرهم،أن يجعلوا المفعول فاعلا إذا كان في مذهب نعت،كقول العرب:هذا سرّ كاتم،و همّ ناصب،و ليل نائم، و عيشة راضية.و أعان على ذلك أنّها توافق رءوس الآيات الّتى هنّ معهنّ.(3:255)

الطّبريّ: يعني من ماء مدفوق،و هو ممّا أخرجته العرب بلفظ فاعل،و هو بمعنى المفعول، و يقال:إنّ أكثر من يستعمل ذلك من أحياء العرب سكّان الحجاز إذا كان في مذهب النّعت،كقولهم:

هذا سرّ كاتم،و همّ ناصب،و نحو ذلك.(12:534)

الزّجّاج: معناه من فوق،و مذهب سيبويه و أصحابه أنّ معناه النّسب إلى الاندفاق،المعنى من ماء ذي اندفاق.(5:311)

القمّيّ: النّطفة الّتي تخرج بقوّة.(2:415)

ابن خالويه :و الماء الدّافق فاعل في اللّفظ، مفعول في المعنى،و معناه من ماء مدفوق،أي مصبوب.يقال:دفق ماءه و سفحه و سكبه و صبّه بمعنى واحد.(45)

الهرويّ: أي ذي دفق،و هو المنيّ الّذي خلق منه الإنسان.(2:643)

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة.و حقيقة هذا الماء أنّه مدفوق لا دافق.و لكنّه خرج على مثل قولهم:سرّ كاتم،و ليل نائم.و قد مضت لهذه الآية نظائر كثيرة.

و عندي في ذلك وجه آخر،فإنّ هذا الماء لمّا كان في العاقبة يؤول إلى أن يخرج منه الإنسان المتصرّف،و القادر المميّز،جاز أن يقوى أمره

ص: 786

فيوصف بصفة الفاعل لا صفة المفعول،تمييزا له عن غيره من المياه المهراقة،و المائعات المدفوقة.و هذا واضح لمن تأمّله.(236)

الثّعلبيّ: أي مدفوق مصبوب في الرّحم و هو المنيّ،فاعل بمعنى مفعول،كقولهم سرّ كاتم،و ليل نائم،و همّ ناصب،و عيشة راضية.

و الدّفق:الصّبّ،تقول العرب للموج إذا علا و انحطّ:تدفّق و اندفق.و أراد من ماءين:ماء الرّجل و ماء المرأة،لأنّ الولد مخلوق منهما،و لكنّه جعله ماء واحدا لامتزاجهما.(10:179)

الثّعالبيّ: فصل في المفعول يأتي بلفظ الفاعل:تقول العرب:سرّ كاتم،أي مكتوم،و مكان عامر،أي معمور،و في القرآن: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ هود:43،أي لا معصوم.و قال تعالى:

خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ أي مدفوق،و قال: عِيشَةٍ راضِيَةٍ الحاقّة:21،أي مرضيّة،و قال اللّه سبحانه:

حَرَماً آمِناً القصص:57،أي مأمونا.[ثمّ استشهد بشعر](330)

الطّوسيّ: ثمّ بيّن تعالى ممّا ذا خلقهم،فقال:

خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ فالدّفق هو صبّ الماء الكثير باعتماد قويّ،و مثله الدّفع،فالماء الّذي يكون منه الولد يكون دفقا،و هي النّطفة الّتي يخلق اللّه منها الولد إنسانا أو غيره،و ماءٍ دافِقٍ معناه:

مدفوق،و مثله سرّ كاتم،و عيشة راضية.

(10:324)

نحوه البغويّ(5:239)،و الميبديّ(10:451) و الطّبرسيّ(5:471)،و الخازن(7:194).

الزّمخشريّ: و الدّفق:صبّ فيه دفع،و معنى دافق:النّسبة إلى الدّفق الّذي هو مصدر«دفق» كاللاّبن و التّامر،أو الإسناد المجازيّ،و الدّفق في الحقيقة لصاحبه.(4:241)

نحوه النّسفيّ(4:348)،و النّيسابوريّ(30:

69)،و الشّربينيّ(4:517).

ابن عطيّة: (دافق)قال كثير:هو بمعنى مدفوق،و قال الخليل و سيبويه:هو على النّسب، أي ذي دفق،و الدّفق دفق الماء بعضه إلى بعض، تدفّق الوادي و السّيل،إذا جاء يركب بعضه بعضا، و يصحّ أن يكون الماء دافقا،لأنّ بعضه يدفع بعضا، فمنه دافق و منه مدفوق.(5:465)

ابو الفتوح :[قال نحو الفرّاء و الزّجّاج و أضاف:]

و هذا القول[قول الزّجّاج]أقوى للمحافظة على ظاهر الكلام،و الدّفق:الصّبّ بقوّة،تقول العرب للموج إذا علا و ارتفع:تدفّق و اندفق.

(20:228)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في أنّه لم وصف بأنّه دافق على وجوه:

الأوّل:[قول الزّجّاج]

الثّاني:[قول الفرّاء]

الثّالث:[قول الخليل تقدّم في اللّغة]

الرّابع:صاحب الماء لمّا كان دافقا أطلق ذلك على الماء على سبيل المجاز.(31:129)

ص: 787

القرطبيّ: مِنْ ماءٍ دافِقٍ، أي من المنيّ.

و الدّفق:صبّ الماء،دفقت الماء أدفقه دفقا:صببته، فهو ماء دافق،أي مدفوق،كما قالوا:سرّ كاتم،أي مكتوم،لأنّه من قولك:دفق الماء،على ما لم يسمّ فاعله.و لا يقال:دفق الماء.و يقال:دفق اللّه روحه، إذا دعي عليه بالموت.[إلى أن قال:]

فالدّافق هو المندفق بشدّة قوّته.و أراد ماءين:

ماء الرّجل و ماء المرأة،لأنّ الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما.(20:4)

البيضاويّ: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ جواب الاستفهام،و ماءٍ دافِقٍ بمعنى ذي دفق و هو صبّ فيه دفع.و المراد الممتزج من الماءين في الرّحم لقوله: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ.

(2:552)

نحوه أبو السّعود(6:410)،و الكاشانيّ(5:

313)،و شبّر(6:393).

أبو حيّان(دافق)قيل:هو بمعنى مدفوق، و هي قراءة زيد بن عليّ...و عن ابن عبّاس:معنى (دافق:)لزج،و كأنّه أطلق عليه وصفه،لا أنّه موضوع في اللّغة لذلك.و الدّفق:الصّبّ،فعله متعدّ.[ثمّ نقل كلام ابن عطيّة و أضاف:]

و ركّب قوله هذا على«تدفّق»،و تدفّق لازم:

دفّقته فتدفّق،نحو:كسّرته فتكسّر.و دفق ليس في اللّغة معناه ما فسّر من قوله:و الدّفق:دفع الماء بعضه ببعض،بل المحفوظ أنّه الصّبّ.(8:455)

نحوه السّمين.(6:506)

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و بابه نصر،و إنّما أوّل بالنّسبة،لأنّ الصّبّ لا يتصوّر من النّطفة لظهور أنّها مصبوبة لا صابّة، فتوصيفه بأنّه دافع لمجرّد نسبة مبدإ الاشتقاق إلى ذات الموصوف به،مع قطع النّظر عن صدوره منه.

و قال بعضهم:أي مدفوق و مصبوب في الرّحم نحو سرّ كاتم أي مكتوم و عيشة راضية أى مرضيّة،فهو فاعل بمعنى المفعول،و المراد به الممتزج من الماءين فى الرّحم كما ينبئ عنه ما بعده في الآية.و للنّظر إلى امتزاجهما عبّر عنهما بصيغة الإفراد،و وصف الماء الممتزج بالدّافق من قبيل توصيف المجموع بوصف بعض أجزائه(10:398)

الآلوسيّ: و الدّفق:صبّ فيه دفع و سيلان بسرعة،و أريد بالماء الدّافق:المنيّ.و دافِقٍ قيل:

بمعنى مدفوق،على تأويل اسم الفاعل بالمفعول، و قد قرأ بذلك زيد بن عليّ رضي اللّه تعالى عنهما، و قال الخليل و سيبويه:هو على النّسب كلابن و تامر،أي ذي دفق،و هو صادق على الفاعل و المفعول،و قيل:هو اسم فاعل و إسناده إلى الماء مجاز،و أسند إليه ما لصاحبه مبالغة،أو هو استعارة مكنيّة و تخييليّة،كما ذهب إليه السّكّاكيّ،أو مصرّحة بجعله دافقا،لأنّه لتتابع قطراته كأنّه يدفق، أي يدفع بعضه بعضا.[إلى أن قال:]

و قيل:(من ماء)مع أنّ الإنسان لا يخلق إلاّ من ماءين:ماء الرّجل و ماء المرأة،و لذا كان خلق عيسى عليه السّلام خارقا للعادة،لأنّ المراد به الممتزج من

ص: 788

الماءين في الرّحم،و بالامتزاج صارا ماء واحدا، و وصفه بالدّفق قيل:باعتبار أحد جزئيه و هو منّي الرّجل،و قيل:باعتبار كليهما،و منيّ المرأة دافق أيضا إلى الرّحم.(30:97)

نحوه القاسميّ.(17:6123)

سيّد قطب :و المسافة الهائلة بين المنشإ و المصير،بين الماء الدّافق الّذي يخرج من بين الصّلب و التّرائب،و بين الإنسان المدرك العاقل المعقّد التّركيب العضويّ و العصبيّ و العقليّ و النّفسيّ.هذه المسافة الهائلة الّتي يعبرها الماء الدّافق إلى الإنسان النّاطق،توحي بأنّ هنالك يدا خارج ذات الإنسان،هي الّتي تدفع بهذا الشّيء المائع الّذي لا قوام له و لا إرادة و لا قدرة في طريق الرّحلة الطّويلة العجيبة الهائلة،حتّى تنتهي به إلى هذه النّهاية الماثلة.و تشير بأنّ هنالك حافظا من أمر اللّه يرعى هذه النّطفة المجرّدة من الشّكل و العقل و من الإرادة و القدرة في رحلتها الطّويلة العجيبة.

و هي تحوي من العجائب أضعاف ما يعرض للإنسان من العجائب،من مولده إلى مماته!

(6:3878)

ابن عاشور :و معنى(دافق)خارج بقوّة و سرعة،و الأشهر أنّه يقال على نطفة الرّجل.

و صيغة(دافق)اسم فاعل من«دفق» القاصر،و هو قول فريق من اللّغويّين.و قال الجمهور:لا يستعمل دفق قاصرا،و جعلوا دافقا بمعنى اسم المفعول،و جعلوا ذلك من النّادر.

و عن الفرّاء:أهل الحجاز يجعلون المفعول فاعلا،إذا كان في طريقة النّعت.و سيبويه جعله من صيغ النّسب،كقولهم:لابن و تامر،ففسّر(دافق:) بذي دفق.

و الأحسن أن يكون اسم فاعل،و يكون «دفق»مطاوع دفقه،كما جعل العجّاج«جبر» بمعنى انجبر،في قوله:

*قد جبر الدّين الإله فجبر*

و أنّه سماعيّ.و أطنب في وصف هذا الماء الدّافق لإدماج التّعليم و العبرة بدقائق التّكوين، ليستيقظ الجاهل الكافر،و يزداد المؤمن علما و يقينا.(30:233)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ الدّفق:تصبّب الماء و سيلانه بدفع و سرعة، و الماء الدّافق هو المنيّ،و الجملة جواب عن استفهام مقدّر يهدي إليه قوله: مِمَّ خُلِقَ. (20:260)

فضل اللّه : فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ فلا يستغرق في وجوده الكامل السّويّ الّذي يوحي بالقوّة و الجمال،بل يدرس مبدأ خلقه قبل تكوينه، من خلال ما يلاحظه من طبيعة الطّريقة في التّناسل، خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يندفع و يسيل بدفع و سرعة، و هو المنيّ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ أي صلب الرّجل،و هو عظام ظهره الفقاريّة،و من ترائب المرأة،و هي عظام صدرها العلويّة.و هكذا يكون اللّقاء بينهما و اتّحادهما هو الوسيلة لبداية رحلة الوجود الحيويّ للإنسان،ابتداء من الخليّة

ص: 789

الواحدة الّتي لا تفتأ أن تتكاثر،وصولا إلى إنتاج هذا الإنسان الحيّ الكامل بكلّ خصوصيّاته البشريّة منها.

و توجيه الإنسان إلى أن ينظر إلى ذلك،قد يؤدّي به إلى اكتشاف القوانين المودعة في حركة هذا الماء الدّافق الّذي يمثّل ملايين الخلايا في الدّفقة الواحدة،فكيف تحصل الخليّة الواحدة منها-الّتي يوجد منها الإنسان-على غذائها في جدار الرّحم من حولها الّذي يتحوّل إلى بركة من الدّم السّائل للغذاء الطّازج؟و كيف تنقسم إلى عدّة خلايا، تتخصّص كلّ مجموعة منها لبناء الجسم الإنسانيّ في أجهزته،من الهيكل العظميّ،إلى الجهاز العضليّ، و الجهاز العصبيّ،إلى غير ذلك من الأجهزة الّتي تمثّل أسس الحياة الإنسانيّة الجسديّة؟مع ملاحظة مهمّة،و هي وضع كلّ عضلة أو عصب أو عضو في موضعه،فلا تخطئ عمليّة التّركيب و النّموّ في شيء من ذلك،كما لا تخطئ عمليّة الشّكل و الصّورة في الملامح الدّقيقة الخاضعة لعوامل الوراثة،الّتي قد تمتدّ في تأثيرها إلى عشرات السّنين،فكيف حدث هذا؟و من الّذي ألهم الخليّة الواحدة من هذا الماء الدّافق بهذا التّكاثر و التّقسيم و التّوزيع و التّصوير و التّنظيم؟ثمّ هذه الدّقّة في خصائص الأجهزة و الأعضاء؛بحيث يكون كلّ واحد منها عالما مستقلا،في عناصرها الذّاتيّة،في حال انفرادها بعمل،أو تعاونها في بعض الأعمال.

و لو أراد الإنسان أن يرسم مخطّطا لهذا التّكوين الهائل،في طبيعة عناصر هذا الوجود الإنسانيّ و خصائصه،لاحتاج إلى جهود ضخمة من العلماء و المتخصّصين،و عشرات من السّنين،و لن يستطيعوا أن يبلغوا كلّ الأسرار الّتي ينفتح منها للإنسان في كلّ اكتشاف علميّ سرّ جديد.و يبقى للرّوح سرّها،و للعقل تعقيداته،و للذّاكرة غوامضها،ممّا قد يتعب الفكر،فلا يستطيع استيعابها بشكل مطلق.فكيف هي عظمة الخالق القادر على أن يودع كلّ هذه الأسرار و الحركة و الإبداع في هذه الخليّة الواحدة الّتي لا تدرك بالعين المجرّدة؟ و كيف يمكن أن يستبعد أحد من خلقه قدرته على بعض شئون حركة الإنسان في إعادته إلى الحياة بعد الموت من جديد؟

الآية و الاكتشافات العلميّة

و قد تحدّث بعض المختصّين بأنّ الاكتشافات العلميّة لا توافق أن يكون نشوء هذا الماء الدّافق من الصّلب في الرّجل،و التّرائب في المرأة،لأنّ هناك من ينكر وجود منيّ للمرأة،فضلا عن انطلاقه من ترائبها.و إذا كان المراد بذلك بويضة المرأة الّتي يفرزها جسدها لتلقحها النّطفة،فإنّ التّعبير لا يلائمها-أوّلا-ثمّ إنّ مصدرها ليس التّرائب -ثانيا-فكيف نفسّر ذلك؟

و إذا كنّا لا نملك اختصاصا في هذا المجال، فلا نستطيع أن نخوض في حديث علميّ تحليليّ لهذا الموضوع سلبا أو إيجابا.و لكنّنا قد نلاحظ بأنّ الحديث عن إرادة الماء الممتزج من ماء الرّجل

ص: 790

و المرأة،من كلمة الماء الدّافق،ناشئ من بعض الرّوايات الّتي لا تمثّل سندا قطعيّا،في ما هي الحقيقة الشّرعيّة،كما أنّ هذا الكشف العلميّ النّاشئ من تأمّلات تجريبيّة،لا يفيد إلاّ الظّنّ،فلا يمكن لنا أن نتوقّف هنا أو هناك،لنتحفّظ في الحقيقة القرآنيّة الّتي لا تصدر من تجربة ظنّيّة،بل هي وحي اللّه الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه،و قد يكتشف الإنسان نظريّة علميّة جديدة تقلب موازين هذا الاكتشاف رأسا على عقب،فتثبت بأنّ للمرأة ماء كما هو للرّجل،كما تتحدّث عن مصدره بما لا يتنافى مع القرآن.و من المحتمل أن يكون المراد من الماء ماء الرّجل الّذي يخرج من الصّلب و التّرائب،إذا كانت كلمة التّرائب تتّسع لعظام الصّدر العلويّة للرّجل،كما هي للمرأة.

و الظّاهر أنّ الأمر كذلك،و لذا احتاج التّخصيص بها إلى الإضافة؛و اللّه العالم.(24:182)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الدّفق،أي الانصباب و الاندفاع.يقال:دفق الماء و الدّمع يدفق و يدفق دفقا و دفوقا:انصبّ فهو دافق،أي مدفوق،و كذا استدفق.و دفق النّهر الوادي،إذا امتلأ حتّى يفيض الماء من جوانبه.

و الاندفاق:الانصباب.يقال:اندفق الكوز،إذا دفق ماؤه فهو مندفق.و يقال في الطّيرة عن انصباب الإناء:دافق خير!

و الإدفاق:الصّبّ بمرّة.يقال:أدفقت الكوز،إذا بدّدت ما فيه بمرّة.

و التّدفّق:التّصبّب.يقال:تدفّق النّهر بالماء،إذا امتلأ حتّى يفيض الماء من جوانبه،فهو متدفّق.

و التّدفيق:مثل الدّفق.يقال:دفّقت كفّاه النّدى،أي صبّتا،شدّد للكثرة.

و الدّفاق:المطر الواسع الكثير،و كذا الماء.

يقال:سيل دفاق،أي يملأ جنبتي الوادي.

و الدّفقة:الدّفعة.يقال:جاءوا دفقة واحدة،أي دفعة واحدة.

و التّدفّق:الإسراع،يقال:تدفّقت الأتن،أي أسرعت،و سارت الإبل التّدفّق،إذا كانت تندفق في سيرها مع سرعة مشي.و يقال مجازا:فلان يتدفّق في الباطل تدفّقا،إذا كان يسارع إليه.

و جمل دفقّ:سريع يتدفّق في مشيه؛و الأنثى:

دفوق و دفاق و دفقّة و دفقّى و دفقّى.يقال:هو يمشي الدّفقّى،إذا أسرع و باعد خطوه،و هي مشية يتدفّق فيها و يسرع.و في حديث الزّبرقان:«أبغض كنائني إليّ الّتي تمشي الدّفقّى»،أي الإسراع في المشي.

و ناقة دفاق:هي المتدفّقة في سيرها مسرعة، و قد يقال:جمل دفاق.

و فم أدفق،إذا انصبّت أسنانه إلى قدّام،و بعير أدفق بيّن الدّفق،إذا كانت أسنانه منتصبة إلى خارج.

و رجل أدفق،اذا انحنى صلبه من كبر أو غمّ،

ص: 791

تشبيها بما ينصبّ إلى قدّام.

و دفق البعير دفقا:مال مرفقه عن جانبه فهو أدفق،لأنّه يندفع عنه و يندفق،كما قال ابن فارس.

و هلال أدفق:أعوج.يقال:«هلال أدفق خير من هلال حاقن»،أي خير من هلال مستلق قد ارتفع طرفاه،و كانوا يكرهون فيه أن يكون كذلك.

2-قال الأزهريّ: «الدّفق في كلام العرب:

صبّ الماء،و هو مجاوز.يقال:دفقت الكوز فاندفق و هو مدفوق،و لم أسمع:دفقت الماء فدفق،لغير اللّيث».

و لكن ابن دريد روى الدّفق متعدّيا أيضا.قال:

«دفق الماء يدفقه دفقا،إذا أراقه،و كلّ مراق مدفوق».فكيف لم يسمعه منه و قد روى عنه قوله:

«دفق اللّه روحه،إذا دعا عليه بالموت»؟.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(دافق)مرّة في آية:

فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ.

الطّارق:5،6

و يلاحظ أوّلا أنّ فيها بحوثا:

1-قال الطّبريّ: «يعني من ماء مدفوق،و هو ممّا أخرجته العرب بلفظ«فاعل»و هو بمعنى المفعول.و يقال:إنّ أكثر من يستعمل ذلك من أحياء العرب سكّان الحجاز إذا كان في مذهب النّعت،كقولهم:هذا سرّ كاتم و همّ ناصب،و نحو ذلك».و نحوه الفرّاء و غيره تفصيلا.

و حكى ابن عطيّة عن الخليل و سيبويه أنّه على النّسب،أي ذي دفق.و عن الزّجّاج أنّ معناه:

من فوق.و اختاره أبو الفتوح محافظة على ظاهر الكلام.و قد عدّ الفخر الرّازيّ هذه الوجوه الثّلاثة، و أضاف:الرّابع:«صاحب الماء لمّا كان دافقا أطلق ذلك على الماء على سبيل المجاز».

2-و قال الشّريف الرّضيّ: «هذه استعارة.

و حقيقة هذا الماء أنّه مدفوق لا دافق.[و ذكر نظائره،ثمّ ذكر وجها آخر فقال:]

فإنّ هذا الماء لمّا كان في العاقبة يؤول إلى أن يخرج منه الإنسان المتصرّف،و القادر المميّز،جاز أن يقوى أمره فيوصف بصفة الفاعل لا صفة المفعول تمييزا له عن غيره من المياه المهراقة و المائعات المدقوقة،و هذا واضح لمن تأمّله».

و قال الآلوسيّ: «إسناده إلى الماء مجاز، و أسند إليه ما لصاحبه مبالغة،أو هو استعارة مكنيّة و تخييليّة كما ذهب إليه السّكّاكيّ،أو مصرّحة بجعله دافقا،لأنّه لتتابع قطراته كأنّه يدفق، و أنّه مطاوع«دفقه»كما جعل العجّاج«جبر» بمعنى انجبر في قوله:

*قد جبر الدّين الإله فجبر*

و هذا ما اختاره فضل اللّه،فجعله بمعنى«يندفع» و«يندفق».و أطال الكلام فيها بنقل ما قاله المختصّون من أنّ الاكتشافات العلميّة لا توافق أن يكون نشوء هذا الماء الدّافق من الصّلب في الرّجل، و التّرائب في المرأة،فلاحظ.

ص: 792

و عندنا أنّ المنيّ بنفسه تدفق في الرّحم دفقا بسرعة،فتوصيفه ب(دافق)حقيقة.و لعلّ منشأ الاشتباه أنّهم أردفوا«الدّفق»للصّبّ و هو متعدّ مع أنّ«الدّفق»يأتي غير متعدّ،أيضا.و قد شبّه الثّعالبيّ هذه الآية ب لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ هود:43،و قال:«أي لا معصوم»،مع أنّ (عاصم)فيها بمعناه.أي ليس في هذا اليوم من يعصم الإنسان من أمر اللّه،أي من عذابه،فلاحظ.

3-و كأنّ في هذا التّعبير تحقير لما خلق منه الإنسان،خلق من ماء دافق بنفسه من غير اختيار صاحبه،و سياق السّؤال و الجواب هو التّحقير أيضا.و يظهر من ابن عاشور الميل إلى ما قلناه من أنّه حقيقة،فلاحظ.

4-و قد قال الفرّاء-بعد نقله عن أهل الحجاز أنّهم يجعلون المفعول فاعلا-:«و أعان على ذلك أنّها توافق رءوس الآيات»،فقبلها:الطّارق، و الثّاقب،و حافظ.و بعده قادر،و ناصر،و نحوهما.

5-و قد جعل البيضاويّ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ جواب الاستفهام قبلها: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ و هو واضح.

6-و عن الآلوسيّ أنّ زيد بن عليّ قرأ (مدفوقا.) و لعلّه تفسير،و ليس قراءة.

و ثانيا:أنّ«الدّافق»وحيد الجذر في القرآن.

جاء في سورة مكّيّة،و لعلّه لغة أهلها.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الثّجّ: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً

النّبأ:14

الصّبّ: أَنّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا عبس:25

السّكب: وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ الواقعة:31

الهمر: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ

القمر:11

ص: 793

ص: 794

د ك ك

اشارة

5 ألفاظ،7 مرّات مكّيّة،في 4 سور مكّيّة

دكّت 1:1 دكّة 1:1

دكّتا 1:1 دكّاء 1:1

دكّا 3:3

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الدّكّ:شبه التّلّ؛و الجميع:دككة،و أدكّ:

لأدنى العدد.

و الدّكّ:كسر الحائط و الجبل.قال اللّه عظم عزّه: جَعَلَهُ دَكًّا، الأعراف:143،و يقرأ (دكّاء) .

و دكّته الحمّى دكّا.

و أقمت عنده حولا دكيكا،أي تامّا.

و الدّكداك:الرّمل المتلبّد.

و الدّكادك:جماعة.

و الدّكّان:يقال:هو«فعلان»من الدّكّ،و يقال:

هو«فعّال»من الدّكن.

و الدّكّاوات:تلال خلقة لا يفرد له واحد.

و رجل مدكّ:شديد الوطء.

قال الضّرير:الدّكادك:جماعة الدّكدك.(5:274)

الكسائيّ: كتب أبو موسى إلى عمر:«إنّا وجدنا بالعراق خيلا عراضا دكّا،فما يرى أمير المؤمنين في إسهامها؟».يقال:فرس أدكّ و خيل دكّ،إذا كان عريض الظّهر قصيرا.

و يقال للجبل الذّليل:دكّ؛و جمعه:دككة.

(الأزهريّ 9:437)

أمة مدكّة،و هي القويّة على العمل.و رجل مدكّ:

شديد الوطء على الأرض.(الأزهريّ 9:438)

الدّكّ من الجبال:العراض؛واحدها:أدكّ.

و فرس أدكّ الظّهر،أي عريضه.

(ابن فارس 2:259)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الدّكّ:سقي شديد.

و الدّكوك:الغنم العظيمة.[و استشهد بالشّعر

ص: 795

مرّتين](1:259)

و الدّكّ:مشي على الأرض شديد،و طحن شديد.و الدّكادك:الشّديد.(1:261)

و الدّكوك:الرّحى.[ثمّ استشهد بشعر](1:264)

الدّكدكة،و الدّكّ:هدم القليب.(1:265)

و قال الخزاعيّ: الدّكّ،إذا ضرب البعير النّاقة فأكثر،نقول:ما زال يدكّها منذ اليوم.(1:273)

الدّكيك:الشّهر التّامّ.(الأزهريّ 9:437)

دكّ الرجل جاريته،إذا جهدها بإلقائه ثقله عليها إذا خالطها.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 9:438)

أبو زيد :دككت التّراب عليه أدكّه دكّا،إذا هلته عليه في قبره.(الأزهريّ 9:437)

دكّ الرّجل فهو مدكوك،إذا دكّته الحمّى.

(الجوهريّ 4:1583)

إذا كبس السّطح بالتّراب قيل:دكّ التّراب عليه دكّا.(ابن سيده 6:648)

الأخفش: ناقة دكّاء،إذا ذهب سنامها.

و تجمع الدّكّاء من الأرض دكّاوات و دكّا،مثل حمراوات و حمر.(الأزهريّ 9:437)

الأصمعيّ: الدّكّاوات من الأرض؛الواحدة:

دكّاء،و هي رواب مشرفة من طين،فيها شيء من غلظ.(الأزهريّ 9:436)

الدّكداك من الرّمل:ما التبد بعضه على بعض؛ و الجميع:الدّكادك.(الأزهريّ 9:437)

ابن الأعرابيّ: دكّ:هدم و دكّ:هدم.

و الدّكك:القيزان المنهالة.و الدّكك:الهضاب المفسّخة.و الدّكك:النّوق المنفضخة الأسنمة.

(الأزهريّ 9:436)

ابن السّكّيت: عام دكيك،كقولك:عام كريت، أي تامّ.(الأزهريّ 9:437)

الدّينوريّ: هو[الدّكدك]رمل ذو تراب يتلبّد.

أرض مدكوكة:لا أسناد لها،تنبت الرّمث.

(ابن سيده 6:648)

ابن دريد :دكّ الأرض يدكّها دكّا،إذا سوّى ارتفاعها و هبوطها للزّرع أو غيره.و كذا فسّر جَعَلَهُ دَكّاءَ الكهف:98،و اللّه أعلم.

و اندكّ سنام البعير،إذا افترش في ظهره.و هو أدكّ؛و الأنثى:دكّاء.

و أكمة دكّاء،إذا اتّسع أعلاها؛و الجمع:دكّاوات.

و الدّكّة:بناء يسطّح أعلاه.و منه اشتقاق الدّكّان، كأنّه«فعلان»من ذلك،إن شاء اللّه.(1:76)

الدّكدك و الدّكدك و الدّكداك:أرض فيها غلظ و انبساط،و كذلك الدّكادك؛و الجمع:الدّكادك.و منه اشتقاق:ناقة دكّاء،إذا كانت مفترشة السّنام في ظهرها أو مجبوبة.و قال أبو عثمان:سمعت الأخفش يقول:

اشتقاق الدّكّان من هذا.(1:142)

«دكك»مهمل إلاّ في قولهم:أكمّة دكّاء بيّنة الدّكك،و كذلك جمل أدكّ و ناقة دكّاء،إذا كانت لاطئة السّنام.(3:190)

القاليّ: الدّكادك:ما علا من الأرض.(2:173)

الأزهريّ: يقال:تداكّ عليه القوم،إذا ازدحموا عليه.(9:436)

ص: 796

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

الدّكّ:شبه التّلّ؛و جمعه دكادك.

و الدّكّة من الأرض:الّتي ليست بسهلة و لا غليظة.

و الدّكّ:إرسال الإبل جمعا.و اندكّ سنام البعير:

إذا افترش في ظهره.

و إنّه لدكّ و حبك:أي شديد ضخم.

و الدّككة:شيء يتّخذ من الهبيد و الدّقيق إذا قلّ الدّقيق.

و المدكوك من المراعي:المدعوس الّذي قد كثر به النّاس و رعاه المارّ حتّى أفسده.

و دكّ الرّجل المرأة،إذا جهدها في الجماع.

و الفحل يدكدك النّاقة،إذا ضربها.

و الأدكّ من الخيل:العريض الظّهر؛و جمعه:دكّ و دككت الرّكيّة،إذا كبستها.

و دكّ الرّجل فهو مدكوك:أصابه مرض.

(6:132)

الخطّابيّ: في حديث أبي هريرة أنّه قال:«أنا أعلم النّاس بشفاعة محمّد يوم القيامة،فتداكّ النّاس عليه».

قوله«تداكّ النّاس عليه»،أي ازدحموا حتّى وقع بعضهم على بعض.و أصل الدّكّ:الكسر،و يقال:

الدّقّ.و منه قول اللّه تعالى: كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا الفجر:21،أي دقّت جبالها و أنشازها حتّى استوت.(2:428)

الجوهريّ: الدّكّ:الدّقّ.و قد دككت الشّيء أدكّه دكّا،إذا ضربته و كسرته حتّى سوّيته بالأرض.

[إلى أن قال:]

و دككت الرّكيّ،أي دفنته بالتّراب.

و تدكدكت الجبال،أي صارت دكّاوات،و هي رواب من طين؛واحدتها:دكّاء.

و ناقة دكّاء:لا سنام لها؛و الجمع:دكّ و دكّاوات، مثل حمر و حمراوات.

و الدّكّ:الجبل الذّليل؛و الجمع:الدّككة،مثل جحر و جحرة.

و فرس أدكّ،إذا كان متدانيا عريض الظّهر،من خيل دكّ.

و رجل مدكّ بكسر الميم،أي قويّ شديد الوطء للأرض.

و أمة مدكّة،أي قويّة على العمل.

و الدّكداك من الرّمل:ما التبد منه بالأرض و لم يرتفع.و في الحديث:أنّه سأل (1)جرير بن عبد اللّه عن منزله،فقال:«سهل و دكداك،و سلم و أراك» و الجمع:الدّكادك و الدّكاديك.

و حول دكيك،أي تامّ.

و الدّكّة و الدّكّان:الّذي يقعد عليه،و ناس يجعلون النّون أصليّة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(4:1583)

ابن فارس: الدّال و الكاف أصلان:أحدهما يدلّ على تطامن و انسطاح،من ذلك الدّكّان،و هو معروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه:الأرض الدّكّاء،و هي الأرض العريضةس.

ص: 797


1- و السّائل هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما جاء في نصّ ابن فارس.

المستوية.قال اللّه تعالى: جَعَلَهُ دَكّاءَ الكهف:98، و منه:النّاقة الدّكّاء،و هي الّتي لا سنام لها.

و الأصل الآخر يقرب من باب الإبدال،فكأنّ الكاف فيه قائمة مقام القاف.يقال:دككت الشّيء، مثل دققته،و كذلك دكّكته.و منه دكّ الرّجل فهو مدكوك،إذا مرض.و يجوز أن يكون هذا من الأوّل، كأنّ المرض مدّه و بسطه،فهو محتمل للأمرين جميعا.

و الدّكداك من الرّمل،كأنّه قد دكّ دكّا،أي دقّ دقّا.قال أهل اللّغة:الدّكداك من الرّمل:ما التبد بالأرض فلم يرتفع،و من ذلك حديث جرير بن عبد اللّه حين سأله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن منزله ببيشة،فقال:

«سهل و دكداك،و سلم و أراك».

و من هذا الباب:دككت التّراب على الميّت أدكّه دكّا،إذا هلته عليه.و كذلك الرّكيّة تدفنها.و قيل ذلك لأنّ التّراب كالمدقوق.

و ممّا شذّ عن هذين الأصلين قولهم،-إن كان صحيحا-:أمة مدكّة:قويّة على العمل.و من الشّاذّ قولهم:أقمت عنده حولا دكيكا،أي تامّا.(2:258)

الهرويّ: [نحو الكسائيّ في شرح حديث أبي موسى إلاّ أنّه قال:]

و يقال للخيل الذّليل:دكّ؛و جمعه:دككة.

(2:645)

الثّعالبيّ: في تقسيم الكسر:دكّ الحائط و الجبل.

(241)

في ترتيب ما ارتفع من الأرض:...ثمّ الدّكّ و هو الجبل الذّليل.(287)

ابن سيده:الدّكّ:هدم الجبل و الحائط و نحوهما.

دكّه يدكّه دكّا.

و جبل دكّ:ذليل؛و جمعه:دككة.

و الدّكّ:شبيه بالتّلّ.

و الدّكّاء:الرّابية من الطّين ليست بالغليظة؛ و الجمع:دكّاوات،أجروه مجرى الأسماء لغلبته، كقولهم:«ليس في الخضراوات صدقة».

و أكمة دكّاء،إذا اتّسع أعلاها؛و الجمع:كالجمع، نادر،لأنّ هذا صفة.

و الدّكّاوات:تلال خلقة،لا يعرف لها واحد،هذا قول أهل اللّغة.و عندي:أنّ واحدها:دكّاء،كما تقدّم.

و بعير أدكّ:لا سنام له.و ناقة دكّاء:كذلك.

و قيل:هي الّتي افترش سنامها في جنبيها و لم يشرف؛ و الاسم:الدّكك،و قد تقدّم.

و قد اندكّ.

و فرس مدكوك:لا إشراف لحجبته.

و فرس أدكّ:عريض الظّهر.

و الدّكّة:بناء يسطّح أعلاه.

و اندكّ الرّمل:تلبّد.

و الدّكّان من البناء:مشتقّ من ذلك.

و الدّكّ،و الدّكّة:ما استوى من الرّمل و سهل؛ و جمعها دكاك.

و مكان دكّ:مستو،و في التّنزيل: جَعَلَهُ دَكًّا.

الأعراف:143.

و دكّ الأرض دكّا:سوّى صعودها و هبوطها، و قد اندكّ المكان.

ص: 798

و دكّ التّراب يدكّه دكّا:كبسه و سوّاه.

و دكّ التّراب على الميّت يدكّه دكّا:هاله.

و دكّ الرّكيّة دكّا:دفنها و طمّها.

و الدّكّ:الدّقّ.

و الدّكدك،و الدّكدك،و الدّكداك،من الرّمل:ما تكبّس و استوى.و قيل:هو بطن من الأرض مستو.

و الدّكدك،و الدّكدك،و الدّكداك:أرض فيها غلظ.

و أرض مدكوكة،إذا كثر بها النّاس و رعاة المال حتّى يفسدها ذلك،و تكثّر فيها آثار المال و أبواله، و هم يكرهون ذلك،إلاّ أن يجمعهم آثار سحابة فلا يجدون منه بدّا.

و دكّ الرّجل،على صيغة ما لم يسمّ فاعله:أصابه مرض.

و دكّته الحمّى دكّا:أضعفته.

و أمة مدكّة:قويّة على العمل.

و رجل مدكّ:شديد الوطء على الأرض.

و يوم دكيك:تامّ،و كذلك:الشّهر و الحول.[ثمّ استشهد بشعر]

و حنظل مدكّك:يؤكل بتمر أو غيره.

و دكّكه:خلطه.يقال:دكّكوا لنا.(6:646)

الطّوسيّ: يقال:دككت على الميّت التّراب أدكّه دكّا،اذا دفنته و أهلت عليه،و هما بمعنى واحد.

و دككت الرّكيّة دكّا،اذا دفنته.

و دكّ الرّجل فهو مدكوك،اذا مرض؛و الدّكّ و الدّكّة:مصدره.

و ناقة دكّاء:ذاهبة السّنام.

و الدّكّ:المستوي.[ثمّ استشهد بشعر](4:566)

الدّكّ:حطّ المرتفع بالبسط.يقال:اندكّ سنام البعير،إذا انفرش في ظهره.و ناقة دكّاء،إذا كانت كذلك،و منه الدّكّان لاستوائه.(10:346)

مثله الطّبرسيّ.(5:484)

الرّاغب: الدّكّ:الأرض اللّيّنة السّهلة،و قد دكّه دكّا.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و منه:الدّكّان.

و الدّكداك:رمل ليّنة.

و أرض دكّاء:مسوّاة؛و الجمع:الدّكّ.

و ناقة دكّاء:لا سنام لها،تشبيها بالأرض الدّكّاء.

(171)

الزّمخشريّ: دككته:دققته.

و دكّ الرّكيّة:كبسها.

و جمل أدكّ و ناقة دكّاء:لا سنام لهما.

و اندكّ السّنام:افترش على الظّهر.

و نزلنا بدكداك:رمل متلبّد بالأرض.

و من المجاز:دكّه المرض.

و رجل مدكّ:شديد الوطء.

و أمة مدكّة:قويّة على العمل.

و دكّ الدّابّة:جهدها بالسّير.

و دكّ المرأة:جهدها بالجماع.

و تداكّت عليهم الخيل.(أساس البلاغة:133)

[في حديث جرير]:«سهل و دكداك،و سلم و أراك...».

ص: 799

الدّكداك:الرّمل المتلبّد بالأرض،غير الشّديد الارتفاع.(الفائق 1:432)

الأشعريّ كتب إلى عمر:«إنّا وجدنا بالعراق خيلا عراضا دكّا...».

الأدكّ:العريض الظّهر،القصير،من دككت الشّيء إذا ألصقته بالأرض.و ناقة:دكّاء:لا سنام لها.

(الفائق 1:433)

ابن الأثير: في حديث جرير و وصف منزله فقال:«سهل و دكداك».

الدّكداك:ما تلبّد من الرّمل بالأرض و لم يرتفع كثيرا،أي أنّ أرضهم ليست ذات حزونة؛و يجمع على دكادك.

و منه حديث عمرو بن مرّة:«إليك أجوب القور بعد الدّكادك».

في حديث عليّ«ثمّ تداككتم عليّ تداكك الإبل الهيم على حياضها»،أي ازدحمتم.و أصل الدّكّ:

الكسر.

و منه حديث أبي هريرة«أنا أعلم النّاس بشفاعة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم يوم القيامة،قال:فتداكّ النّاس عليه».

و في حديث أبي موسى«كتب إلى عمر إنّا وجدنا بالعراق خيلا عراضا دكّا»،أي عراض الظّهور قصارها.يقال:فرس أدكّ،و خيل دكّ،و هي البراذين.

(2:128)

الفيّوميّ: الدّكّة:المكان المرتفع يجلس عليه و هو المسطبة،معرّب؛و الجمع:دكك،مثل:قصعة و قصع.

و الدّكّان قيل:معرّب،و يطلق على الحانوت، و على الدّكّة الّتي يقعد عليها.

قال أبو حاتم:قال الأصمعيّ: إذا مالت النّخلة بني تحتها من قبل الميل بناء كالدّكّان،فيمسكها بإذن اللّه تعالى،أي دكّة مرتفعة.

و قال الفارابيّ: الطّلل ما شخص من آثار الدّار كالدّكّان و نحوه.

و أمّا وزنه فقال السّرقسطيّ: النّون زائدة عند سيبويه،و كذلك قال الأخفش.و هي مأخوذة من قولهم:أكمة دكّاء،أي منبسطة،و هذا كما اشتقّ السّلطان من السّليط.

و قال ابن القطّاع و جماعة:هي أصليّة مأخوذة من دكنت المتاع إذا نضدته،و وزنه على الزّيادة«فعلان» و على الأصالة«فعّال»حكى القولين الأزهريّ و غيره.فإن جعلت الدّكّان بمعنى الحانوت،فقد تقدّم فيه التّذكير و التّأنيث.و وقع في كلام الغزاليّ حانوت أو دكّان،فاعترض بعضهم عليه،و قال:الصّواب حذف إحدى اللّفظتين،فإنّ الحانوت هي الدّكّان.

و لا وجه لهذا الاعتراض لما تقدّم أنّ الدّكّان يطلق على الحانوت و على الدّكّة.(1:198)

الفيروزآباديّ: الدّكّ:الدّقّ و الهدم،و ما استوى من الرّمل،كالدّكّة؛جمعه:دكاك،و المستوي من المكان؛جمعه:دكوك،و تسوية صعود الأرض و هبوطها،و قد اندكّ المكان،و كبس التّراب و تسويته،و دفن البئر و طمّها،و التّلّ.

و بالضّم:الشّديد الضّخم،و الجبل الذّليل،جمعه:

ص: 800

كقردة.و جمع الأدكّ:للفرس العريض الظّهر.

و الدّكّاء:الرّابية من الطّين ليست بالغليظة؛ جمعه:دكّاوات،أو لا واحد لها،و الّتي لا سنام لها،أو لم يشرف سنامها،و هو أدكّ؛و الاسم:الدّكك.

و فرس مدكوك:لا إشراف لحجبته.و أدكّ:

عريض الظّهر.

و الدّكّة بالفتح،و الدّكّان بالضّمّ:بناء يسطّح أعلاه للمقعد.

و الدّكدك،و يكسر،و الدّكداك من الرّمل:ما تكبّس و استوى،أو ما التبد منه بالأرض،أو هي أرض فيها غلظ؛جمعه:دكادك و دكاديك.

و أرض مدكدكة:مدعوكة.و مدكوكة:لا أسناد لها،تنبت الرّمث.

و دكّ،مجهولا:مرض،أو دكّه المرض.

و أمة مدكّة،كمصكّة:قويّة على العمل،و هو مدكّ.

و يوم دكيك:تامّ.

و حنظل مدكّك،كمعظّم:و هو أن يؤكل بتمر و غيره.و دكّكه:خلطه.

و الدّكّة:موضع بغوطة دمشق.

و الدّكّان،بالضّمّ:قرية بهمذان.(3:312)

الطّريحيّ: ..و تداكّ عليه النّاس،أي اجتمعوا.

و في الحديث«و تداككتم»أي ازدحمتم.

و تدكدكت الجبال،أي صارت دكّا.

و الدّكّة:المكان المرتفع الّذي يقعد عليه،و الجمع:

دكك،كغرفة و غرف.و الدّكّان مثله.(5:266)

العدنانيّ: التّكّة لا الدّكّة و يسمّون رباط السّراويل:دكّة،و يجمعونها على:

دكك،و الصّواب:تكّة،و جمعها:تكك،كما تقول المعجمات.

أمّا الدّكّة-و العامّة تكسر دالها-فمن معانيها:

1-ما استوى من الرّمل.

2-بناء يسطّح أعلاه للجلوس عليه.

(معجم الأخطاء الشّائعة:91)

مجمع اللّغة :دكّه يدكّه دكّا:فتّته و دقّه.

و الدّكّة:اسم مرّة من دكّ.

و يقال:دكّ الأرض:فتّت أجزاءها و سوّاها، و كذلك دكّ الجبل.

الدّكّاء:الأرض المسوّاة.(1:401)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دكّ الجدار دكّا:هدمه و فتّت أجزاءه حتّى سوّاه بالأرض.

و دكّ الحصى:كبسه و سوّاه.

و الدّكّ:ما استوى من الأرض.

و دكّاء:تربة مستوية،و المراد مدكوكا مستويا بالأرض،أو مثل الدّكّاء،و هي النّاقة لا سنام لها.

(1:189)

محمود شيت:أ-دكّ الجيش مواضع العدوّ:

سوّاها بالأرض:هدمها.

دكّت المدفعيّة أهدافها حطّمتها.

ب-الدّكّة:دكّة المدفع:المكان الّذي يستقرّ عليه.

ج-المدكّ:مدكّ المدفع،مدكّ الرّشّاشة:آلة دفع القنبلة أو القذيفة إلى سبطانة المدفع أو إلى سبطانة

ص: 801

الرّشّاشة.(1:246)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الهدم و القرع؛بحيث يجعله مستويا،و يزيل صورة وجوده و تشخّصه،و يعبّر عنه بالفارسيّة بكلمة «كوبيدن و از هم پاشيدن».و الهدم مطلق الإسقاط، و هو آكد و أشدّ من التّخريب.

و يعتبر في الدّقّ لحاظ التّدقيق،و في القرع ضرب شيء على شيء،و في الكسر جهة الانكسار،و قد سبق في«الحطم»أنّه عبارة عن كسر الهيئة و إزالة نظمه.فقيد الاستواء على الأرض ملحوظ في هذه المادّة دون مترادفاتها،و بهذا اللّحاظ تستعمل في مواردها.

و يقرب منها لفظا و معنى:موادّ الدّقّ،الدّفع، الدّلك.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فمفاهيم الانكسار و الهدم و التّخريب و الدّقّ و القرع و الحطم،لا تلائم هذه الموارد.و الملائم المناسب فيها هو الهدم و جعلها مستوية على الأرض.

و المراد من الدّكّة الواحدة:هدمهما و حطمهما معا.

فظهر لطف التّعبير بالمادّة في الموارد،فإنّ الاندكاك أعلى مرتبة الانكسار و الضّرب و الإسقاط و القرع و الحطم...

و أمّا الدّكّان:فالظّاهر أنّه«فعلان»عربيّ من المادّة،كالدّكّة الّتي يراد منها محلّ يهدم و يسوّى للجلوس فيه،لتجارة أو بيع أو قضاء أو غيره.

و الدّكّان بلحاظ الزّيادة في اللّفظ و المبنى يدلّ على زيادة و وسعة في المعنى.

و أمّا قولهم:إنّه فارسىّ معرّب:فالحقّ أنّ كلمة «دكان»مخفّفة،في اللّغة الفارسيّة و التّركيّة قد أخذت من اللّغة العربيّة لا بالعكس.(3:231)

النّصوص التّفسيريّة

دكّت-دكّا

كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا. الفجر:21

ابن عبّاس: إذا زلزلت الأرض زلزلة بعد زلزلة.

(511)

تحريكها.(الطّبريّ 12:576)

فتّت فتّا.(القمّي 2:420)

يوم القيامة تمدّ الأرض مدّا كالأديم.

(الطّوسيّ 10:347)

الإمام الباقر عليه السّلام:هي الزّلزلة.(القميّ 2:420)

مقاتل:يعنى إذا تركت فاستوت الجبال مع الأرض الممدودة.(4:690)

ابن قتيبة :دقّت جبالها و أنشازها،حتّى استوت.

(527)

نحوه السّجستانيّ.(218)

المبرّد: استوت في الانفراش فذهب دورها و قصورها و جبالها و قلاعها حتّى تصير قاعا صفصفا.

(النّيسابوريّ 30:94)

الطّبريّ: يعني:إذا رجّت و زلزلت زلزلة، و حرّكت تحريكا بعد تحريك.(12:576)

الزّجّاج: إذا زلزلت فدكّ بعضها بعضا.(5:323)

ص: 802

الثّعلبيّ: (كلا)ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر، ثمّ أخبر ممّن تلهّفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم، فقال عزّ من قائل: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا مرّة بعد مرّة،فيكسر كلّ شيء على ظهرها.(10:201)

نحوه الواحديّ(4:484)،و البغويّ(5:252)، و ابن الجوزيّ(9:121).

الطّوسيّ: معناه التّهديد و الوعيد الشّديد،أي حقّا إذا دكّت الأرض،بأن جعلت مثل الدّكّة مستوية، لا خلل فيها و لا تلول،كما قال: لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً طه:107،و هو يوم القيامة.(10:346)

القشيريّ: أي قامت القيامة.(6:295)

الميبديّ: مرّة بعد مرّة،و كسر كلّ شيء على ظهرها من جبل و بناء و شجر،فلم يبق على ظهرها شيء.(10:488)

نحوه الخازن.(7:205)

الزّمخشريّ: (كلا)ردع لهم عن ذلك، و إنكار لفعلهم.ثمّ أتى بالوعيد و ذكر تحسّرهم على ما فرّطوا فيه،حين لا تنفع الحسرة.و(يومئذ)بدل من إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ، و عامل النّصب فيهما(يتذكر) دَكًّا دَكًّا: دكّا بعد دكّ.،كقوله:حسبته بابا بابا،أي كرّر عليها الدّكّ حتّى عادت هباء منبثّا.(4:253)

نحوه النّسفي(4:356)،و أبو حيّان(8:471).

ابن عطيّة: (كلا)ردّا على أفعالهم هذه و توطئة للوعيد،أي سيرون أفعالهم ليس على قوم إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ و دكّ الأرض:تسويتها بذهاب جبالها.و النّاقة الدّكّاء:الّتي لا سمن لها.(5:480)

الطّبرسيّ: (كلا)أي لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا.و قيل:(كلا)زجر،تقديره:لا تفعلوا هكذا.ثمّ خوّفهم،فقال: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا أي كسر كلّ شيء على ظهرها من جبل أو بناء أو شجر حتّى زلزلت،فلم يبق عليها شيء،يفعل ذلك مرّة بعد مرّة...

و المعنى:استوت في انفراشها،و ذهاب دورها و قصورها و سائر أبنيتها،حتّى تصير كالصّحراء الملساء.(5:488)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله:(كلا)ردع لهم عن ذلك و إنكار لفعلهم،أي لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا في الحرص على الدّنيا،و قصر الهمّة و الجهد على تحصيلها،و الاتّكال عليها،و ترك المواساة منها، و جمعها من حيث تتهيّأ من حلّ أو حرام،و توهّم أن لا حساب و لا جزاء.فإنّ من كان هذا حاله يندم حين لا تنفعه النّدامة،و يتمنّى أن لو كان أفنى عمره في التّقرّب بالأعمال الصّالحة،و المواساة من المال إلى اللّه تعالى.ثمّ بيّن أنّه إذا جاء يوم موصوف بصفات ثلاثة، فإنّه يحصل ذلك التّمنّي و تلك النّدامة.

الصّفة الأولى:من صفات ذلك اليوم قوله: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا [ذكر معناه عن الخليل و المبرّد، كما تقدّم في اللّغة و أضاف:]

فمعنى الدّكّ على قول الخليل :كسر كلّ شيء على وجه الأرض من جبل أو شجر حين زلزلت، فلم يبق على ظهرها شيء.و على قول المبرّد:معناه أنّها استوت في الانفراش،فذهبت دورها و قصورها و سائر أبنيتها حتّى تصير كالصّخرة الملساء،و هذا

ص: 803

معنى قول ابن عبّاس:تمدّ الأرض يوم القيامة.

و اعلم أنّ التّكرار في قوله: دَكًّا دَكًّا معناه:دكّا بعد دكّ،كقولك حسبته بابا بابا،و علّمته حرفا حرفا، أي كرّر عليها الدّكّ حتّى صارت هباء منثورا.

و اعلم أنّ هذا التّدكدك لا بدّ و أن يكون متأخّرا عن الزّلزلة،فإذا زلزلت الأرض زلزلة بعد زلزلة و حرّكت تحريكا بعد تحريك،انكسرت الجبال الّتي عليها،و انهدمت التّلال و امتلأت الأغوار و صارت ملساء؛و ذلك عند انقضاء الدّنيا،و قد قال تعالى:

يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ* تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ النّازعات:

6،7 و قال: وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً الحاقّة:14،و قال: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا. الواقعة:4،5.(31:174)

القرطبيّ: قوله تعالى:(كلا)أي ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر.فهو ردّ لانكبابهم على الدّنيا،و جمعهم لها،فإنّ من فعل ذلك يندم يوم تدكّ الأرض،و لا ينفع النّدم.و الدّكّ:الكسر و الدّقّ،و قد تقدّم،أي زلزلت الأرض،و حرّكت تحريكا بعد تحريك.[إلى أن قال:]

دَكًّا دَكًّا أي مرّة بعد مرّة،زلزلت فكسّر بعضها بعضا؛فتكسّر كلّ شيء على ظهرها.(20:54)

البيضاويّ: (كلا)ردع لهم عن ذلك و إنكار لفعلهم،و ما بعده وعيد عليه، إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا، أي دكّا بعد دكّ حتّى صارت منخفضة الجبال و التّلال أو هباء منبثا.(2:558)

نحوه الكاشانيّ.(5:326)

النّيسابوريّ: و معنى دَكًّا دَكًّا: دكّا بعد دكّ كما قيل في«لبّيك»أي كرّر عليها الدّكّ حتّى صارت هباء منبثّا.[ثمّ نقل قول المبرّد و قال:]

و لعلّ هذا الّذي بعد الزّلزلة.(30:36)

السّمين:قوله: دَكًّا دَكًّا فيه وجهان:

أحدهما:أنّه مصدر مؤكّد،و(دكا)الثّاني تأكيد للأوّل تأكيدا لفظيّا،كذا قاله ابن عصفور،و ليس المعنى على ذلك.

و الثّاني:أنّه نصب على الحال،و المعنى:مكرّرا عليه الدّكّ كعلّمته الحساب بابا بابا.و هذا ظاهر قول الزّمخشريّ.(6:522)

ابن كثير :(كلا،)أي حقّا، إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا، أي وطّئت و مهّدت و سوّيت الأرض و الجبال،و قام الخلائق من قبورهم لربّهم.(7:289)

الشّربينيّ: (كلا)ردع لهم عن ذلك،و إنكار لفعلهم.ثمّ أخبر تعالى عن تلهّفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم فقال عزّ من قائل: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ، أي حصل دكّها و رجّها و زلزلتها لتسويتها،فتكون كالأديم الممدود بشدّة المطّ لا عوج فيها بوجه دَكًّا دَكًّا، أي مرّة بعد مرّة،و كسر كلّ شيء على ظهرها من جبل و بناء و شجر،فلم يبق على ظهرها شيء و ينعدم.(4:534)

أبو السّعود :(كلا)ردع لهم عن ذلك،و قوله تعالى: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا استئناف جيء به بطريق الوعيد تعليلا للرّدع،أي إذا دكّت الأرض دكّا متتابعا حتّى انكسر،و ذهب كلّ ما على وجهها من جبال و أبنية و قصور حين زلزلت،و صارت هباء

ص: 804

منبثّا.و قيل:الدّكّ حطّ المرتفع بالبسط و التّسوية، فالمعنى:اذا سوّيت تسوية بعد تسوية،و لم يبق على وجهها شيء حتّى صارت كالصّخرة الملساء.و أيّاما كان،فهو عبارة عمّا عرض لها عند النّفخة الثّانية.

(6:427)

نحوه البروسويّ(10:429)،و المراغيّ(30:

151).

الآلوسيّ: (كلا)ردع لهم عن ذلك،و قوله تعالى: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا استئناف جيء به بطريق الوعيد،تعليلا للرّدع.و تكريره للدّلالة على الاستيعاب،فليس الثّاني تأكيد للأوّل،بل ذلك نظير الحال في نحو قولك:جاءوا رجلا رجلا،و علّمته الحساب بابا بابا،أي إذا دكّت الأرض دكّا متتابعا حتّى انكسر و ذهب كلّ ما على وجهها،من جبال و أبنية و قصور و غيرها،حين زلزلت المرّة بعد المرّة، و صارت هباء منثورا[و نقل قول المبرّد ثمّ قال:]

و المعنى عليه:إذا سوّيت تسوية بعد تسوية، و لم يبق على وجهها شيء حتّى صارت كالصّخرة الملساء،و أيّاما كان،فهو-على ما قيل-عبارة عمّا عرض للأرض عند النّفخة الثّانية.(30:128)

نحوه القاسميّ.(17:6154)

عزة دروزة:القصد من ذلك وصف شدّة الانهيار و التّدمير الّذي يحلّ في الأرض يوم تقوم القيامة،أو وصف هول هذا اليوم،و أثره في الأرض.

(1:155)

سيّد قطب :و دكّ الأرض،و تحطيم معالمها و تسويتها،و هو أحد الانقلابات الكونيّة الّتي تقع في يوم القيامة...(6:3906)

ابن عاشور :و الدّكّ:الحطم و الكسر.و المراد بالأرض الكرة الّتي عليها النّاس،و دكّها:حطمها و تفرّق أجزائها النّاشئ عن فساد الكون الكائنة عليه الآن؛و ذلك بما يحدثه اللّه فيها من زلازل،كما في قوله: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها الزّلزلة:1.

و دَكًّا دَكًّا يجوز أن يكون أوّلهما منصوبا على المفعول المطلق المؤكّد لفعله.و لعلّ تأكيده هنا،لأنّ هذه الآية أوّل آية ذكر فيها دكّ الجبال.و إذ قد كان أمرا خارقا للعادة،كان المقام مقتضيا تحقيق وقوعه حقيقة دون مجاز و لا مبالغة،فأكّد مرّتين هنا و لم يؤكّد نظيره في قوله: فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً في سورة الحاقّة:

14،ف(دكا)الأوّل،مقصود به رفع احتمال المجاز عن(دكتا)الدّكّ أي هو دكّ حقيقيّ،و(دكا) الثّاني منصوبا على التّوكيد اللّفظي ل(دكا):الأوّل لزيادة تحقيق إرادة مدلول الدّك الحقيقيّ،لأنّ دكّ الأرض العظيمة أمر عجيب،فلغرابته اقتضى إثباته زيادة تحقيق لمعناه الحقيقيّ.

و على هذا درج الرّضيّ قال:و يستثنى من منع تأكيد النّكرات-أي تأكيدا لفظيّا-شيء واحد و هو جواز تأكيدها إذا كانت النّكرة حكما لا محكوما عليه، كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«فنكاحها باطل باطل باطل».و مثله قوله تعالى: دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا فهو مثل:ضرب ضرب زيد انتهى.و هذا يلائم ما في وصف دكّ الأرض في سورة الحاقّة:14،بقوله تعالى: وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ

ص: 805

وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً و دفع المنافاة بين هذا و بين ما في سورة الحاقّة.

و يجوز أن يكون مجموع المصدرين في تأويل مفرد منصوب على المفعول المطلق المبيّن للنّوع،و تأويله:

أنّه دكّ يعقب بعضه بعضا،كما تقول:قرأت الكتاب بابا بابا.و بهذا المعنى فسّر صاحب«الكشّاف» و جمهور المفسّرين من بعده.و بعض المفسّرين سكت عن بيانه،قال الطّيّبيّ:قال ابن الحاجب-لعلّه قاله في «أماليه على المقدّمة الكافية»:-و في نسختي منها نقص و لا أعرف غيرها بتونس،و لا يوجد هذا الكلام في«إيضاح المفصّل»:بيّنت له حسابه بابا بابا،أي مفصّلا.و العرب تكرّر الشّيء مرتين فتستوعب تفصيل جنسه باعتبار المعنى الّذي دلّ عليه لفظ المكرّر،فإذا قلت:بيّنت له الكتاب بابا بابا،فمعناه بيّنته له مفصّلا باعتبار أبوابه،انتهى.

قلت:هذا الوجه أوفى بحقّ البلاغة،فإنّه معنى زائد على التّوكيد،و التّوكيد حاصل بالمصدر الأوّل.

و في«تفسير الفخر»:و قيل:فبسطتا بسطة واحدة فصارتا أرضا لا ترى فيها أمتا.و تبعه البيضاويّ،يعني أنّ الدّكّ كناية عن التّسوية،لأنّ التّسوية من لوازم الدّكّ،أي صارت الجبال مع الأرض مستويات لم يبق فيها نتوء.و لك أن تجعل صفة واحدة مجازا في تفرّد الدّكّة بالشّدّة الّتي لا ثاني مثلها،أي دكّة لا نظير لها بين الدّكّات في الشّدّة،من باب قولهم:«هو وحيد قومه،و وحيد دهره» فلا يعارض قوله: دَكًّا دَكًّا بهذا التّفسير.و فيه تكلّف؛إذ لم يسمع بصيغة فاعل،فلم يسمع هو واحد قومه.(30:296)

الطّباطبائيّ: الدّكّ هو الدّقّ الشّديد،و المراد بالظّرف:حضور يوم القيامة،ردع ثان عمّا يقوله الإنسان في حالي الغنى و الفقر.و قوله: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ... في مقام التّعليل للرّدع،و محصّل المعنى:

ليس كما يقوله الإنسان،فإنّه سيتذكّر إذا قامت القيامة أنّ الحياة الدّنيا و ما فيها من الغنى و الفقر و أضرابهما،لم تكن مقصودة بالذّات،بل كانت ابتلاء و امتحانا من اللّه تعالى يميّز به السّعيد من الشّقيّ و يهيّئ الإنسان فيها ما يعيش به في الآخرة.و قد التبس عليه الأمر فحسبها كرامة مقصودة بالذّات،فاشتغل بها و لم يقدّم لحياته الآخرة شيئا،فيتمنّى عند ذلك، و يقول: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي الفجر:24،و لن يصرف التّمنّي عنه شيئا من العذاب.(20:283)

بنت الشّاطئ:الدّكّ لغة:الهدم و تسوية ما ارتفع من الأرض،كالجبال و المباني بما انخفض كالخور و القيعان و الوديان.و الدّكّاء:النّاقة لا سنام لها،و دكّ البئر:طمّها و دفنها.و باستثناء آية الأعراف الّتي جاء الدّكّ فيها للجبل،حين تجلّى اللّه سبحانه لموسى فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً الأعراف:143،يأتي الدّكّ يوم القيامة من أحداث السّاعة و أهوال البعث فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ* وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً الحاقّة:13،14،و معها الكهف:

78.

ص: 806

و كذلك:الدّكّ في آية الفجر للأرض دكّا دكّا و قد نقل الطّبريّ من الأقوال في تفسيرها دكّت:رجّت و زلزلت و حرّكت تحريكا بعد تحريك.و قال الزّمخشريّ:دكّا بعد دكّ كرّر عليها الدّكّ حتّى عادت هباء منثورا.و كأنّهم حملوا تكرار الدّكّ على المرّة بعد المرّة؛و الأقرب أن يكون من التّأكيد.

(التّفسير البيانيّ 2:156)

فضل اللّه :(كلا)ليس الأمر كما تحلمون و تتوهّمون في ما تعيشونه من أحلام المال و أوهام الخيال،فهناك واقع صعب مرير،ستواجهون ثقله و صعوبته في الموعد المحدّد،في يوم الفصل الّذي تسبقه الأوضاع الكونيّة الجديدة الّتي تقلب الكون رأسا على عقب.

إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا بحيث تتغيّر معالمها و تتحطّم،فلا يبقى هناك شاخص على سطحها،في انقلاب كونيّ شديد يطلّ على أجواء القيامة.

(24:251)

مكارم الشّيرازيّ: بعد أن ذمّت الآيات السّابقة الطّغاة و عبدة الدّنيا و الغاصبين لحقوق الآخرين،تأتي هذه الآيات لتحذّرهم و تهدّدهم بوجود القيامة و الحساب و الجزاء.

فتقول:أوّلا:(كلا)فليس الأمر كما تعتقدون بأن لا حساب و لا جزاء،و أنّ اللّه قد أعطاكم المال تكريما و ليس امتحانا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا.

الدّكّ:الأرض اللّيّنة السّهلة،ثمّ استعملت في تسوية الأرض من الارتفاعات و التّعرّجات.و الدّكّان:المحلّ السّويّ الخالي من الارتفاعات،و الدّكّة:المكان السّويّ المهيّأ للجلوس.

و جاء تكرار(دكا)في الآية للتّأكيد.و عموما، فالآية تشير إلى الزّلازل و الحوادث المرعبة الّتي تعلن عن نهاية الدّنيا و بداية يوم القيامة؛حيث تتلاشى الجبال و تستوي الأرض،كما أشارت لذلك الآيات:105-107،من سورة طه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً. (20:178)

دكّتا-دكّة

وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً.

الحاقّة:14

زيد بن عليّ: دقّة واحدة.(431)

ابن زيد :صارت غبارا.(الطّبريّ 29:56)

الفرّاء: و قوله: فَدُكَّتا... و لم يقل:فدككن، لأنّه جعل الجبال كالواحد،و كما قال: أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً الأنبياء:30،و لم يقل:كنّ رتقا،و لو قيل في ذلك:و حملت الأرض و الجبال فدكّت لكان صوابا،لأنّ الجبال و الأرض كالشّيء الواحد.و قوله: دَكَّةً واحِدَةً... و دكّها:زلزلتها.

(3:181)

الطّبريّ: يقول:فزلزلتا زلزلة واحدة.

و قيل:(فدكتا)و قد ذكر قبل(الجبال) و(الارض)،و هي جماع،و لم يقل:فدككن،لأنّه جعل الجبال كالشّيء الواحد.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 807

و كما قيل: أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً الأنبياء:30.(29:56)

القمّيّ: وقعت فدكّ بعضها على بعض.(2:384)

الزّمخشريّ: فدكّت الجملتان:جملة الأرضين و جملة الجبال،فضرب بعضها ببعض حتّى تندقّ و ترجع كثيبا مهيلا و هباء منبثّا.و الدّكّ أبلغ من الدّقّ.

و قيل:فبسطتا بسطة واحدة،فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا،من قولك:اندكّ السّنام إذا انفرش،و بعير أدكّ و ناقة دكّاء.و منه:الدّكّان.

(4:151)

نحوه النّيسابوريّ(29:36)،و المراغيّ(29:53).

الطّبرسيّ: فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً، أي كسرتا كسرة واحدة لا تثنّى،حتّى يستوي ما عليها من شيء مثل الأديم الممدود.و قيل.ضرب بعضها ببعض حتّى تفتّتت الجبال،و سفتها الرّياح،و بقيت الأرض شيئا واحدا،لا جبل فيها،و لا رابية،بل تكون قطعة مستوية.

و إنّما قال:(دكتا)لأنّه جعل الأرض جملة واحدة،و الجبال دكّة واحدة.(5:346)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:رفعت الأرض و الجبال،إمّا بالزّلزلة الّتي تكون في القيامة،و إمّا بريح بلغت من قوّة عصفها أنّها تحمل الأرض و الجبال،أو بملك من الملائكة أو بقدرة اللّه من غير سبب فدكّتا.[ثمّ قال مثل الزّمخشريّ]

المسألة الثّانية:[قول الفرّاء و قد تقدّم](30:107)

القرطبيّ: (فدكتا)أي فتّتا و كسرتا، دَكَّةً واحِدَةً لا يجوز في(دكة)إلاّ النّصب،لارتفاع الضّمير في(دكتا.)(18:264)

الخازن : فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً أي كسرتا و فتّتتا حتّى صارتا هباء منبثّا.و الضّمير عائد إلى الأرض و الجبال،فعبّر عنهما بلفظ الاثنين.(7:119)

أبو حيّان :و ثنّي الضّمير في(فدكتا،)و إن كان قد تقدّمه ما يعود عليه ضمير الجمع،لأنّ المراد جملة الأرض و جملة الجبال،أي ضرب بعضها ببعض حتّى تفتّتت،و ترجع كما قال تعالى: كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:

14،و الدّكّ فيه تفرّق الأجزاء،لقوله:(هباء)الواقعة:

6،و الدّقّ فيه اختلاف الأجزاء.

و قيل:تبسط فتصير أرضا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا،و هو من قولهم:بعير أدكّ و ناقة دكّاء،إذا ضعفا،فلم يرتفع سنامهما،و استوت عراجينهما مع ظهريهما.(8:322)

الشّربيني:(فدكتا،)أي مسحت الجملتان الأرض و أوتادها و بسطت و دقّ بعضها ببعض دَكَّةً واحِدَةً، أي فصارتا كثيبا مهيلا بأيسر أمر،فلم يميّز شيء منهما عن الآخر بل صارتا في غاية الاستواء.

و منه اندكّ سنام البعير،إذا انفرش في ظهره.(4:372)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و الفرّاء]

(10:137)

الآلوسيّ: فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً فضربت الجملتان إثر رفعهما بعضها ببعض ضربة واحدة حتّى تفتّت و ترجع كما قال سبحانه: كَثِيباً مَهِيلاً.

ص: 808

و قيل:تتفرّق أجزاؤها كما قال سبحانه: هَباءً مُنْبَثًّا. الواقعة:6،و فرّقوا بين الدّكّ و الدّقّ بأنّ في الأوّل تفرّق الأجزاء و في الثّاني اختلافها.

و قال بعض الأجلّة:أصل الدّكّ الضّرب على ما ارتفع لينخفض،و يلزمه التّسوية غالبا،فلذا شاع فيها حتّى صار حقيقة.و منه أرض دكّاء للمتّسعة المستوية، و بعير أدكّ و ناقة دكّاء،إذا ضعفا فلم يرتفع سناماهما، و استوت خدجتهما مع ظهريهما.فالمراد هاهنا:

فبسطتا بسطة واحدة و سوّيتا،فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا.و لعلّ التّفتّت مقدّمة للتّسوية أيضا.(29:44)

فريد وجدي:و الدّكّ:التّسوية.يقال:دكّ الحائط يدكّه:سوّاه بالأرض.و من معاني الدّكّ:

الضّرب،فيكون المعنى:فضربت الأرض بالجبال فصارتا هباء منثورا.(المصحف المفسّر:762)

الطّباطبائيّ: الدّكّ:أشدّ الدّقّ،و هو كسر الشّيء و تبديله إلى أجزاء صغار،و حمل الأرض و الجبال:إحاطة القدرة بها،و توصيف الدّكّة بالواحدة للإشارة إلى سرعة تفتّتهما؛بحيث لا يفتقر إلى دكّة ثانية.(19:397)

فضل اللّه :فتحوّلنا إلى أجزاء صغيرة متفتّتة، لا تملك شيئا من التّماسك و الصّلابة؛و ذلك كناية عن الجوّ الجديد الّذي يحدث في الكون بقدرة اللّه،يوم تبدّل الأرض غير الأرض،لتتلاءم مع الحياة الجديدة في أوضاعها و شئونها.(23:73)

مكارم الشّيرازيّ: الدّكّ-كما يقول الرّاغب في«المفردات»-في الأصل بمعنى الأرض المستوية، و لأنّ الأرض غير المستوية تحتاج إلى الدّكّ حتّى تستوي،لذا استعمل هذا المصطلح في الكثير من الموارد بمعنى الدّقّ الشّديد.

كما يستفاد من مصادر اللّغة أنّ أصل معنى«دكّ »هو الدّقّ و التّخريب،و لازم ذلك الاستواء،لذا استعمل هذا المصطلح في هذا المعنى أيضا.

و على كلّ حال فإنّ المقصود من هذه الكلمة في هذه الآية،هو الدّقّ الشّديد للجبال و الأراضي غير المستوية بعضها ببعض؛بحيث تستوي و تتلاشى فيها جميع التّعرّجات.(18:529)

دكّا

فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً... الأعراف:143

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:طارت لعظمته ستّة أجبل،فوقعت ثلاثة بالمدينة:أحد و ورقان،و رضوى،و وقع ثلاثة بمكّة:ثور،و ثبيرة،و حراء.(الثّعلبيّ 4:278)

ابن عبّاس: ترابا.(الطّبريّ 6:53)

أنس بن مالك:النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قرأ هذه الآية قال:

هكذا بإصبعه-و وضع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر-فساخ الجبل.(الطّبريّ 6:54)

مجاهد :فنظر إلى الجبل لا يتمالك،و أقبل الجبل يندكّ على أوّله.فلمّا رأى موسى ما يصنع الجبل،خرّ صعقا.(الطّبريّ 6:54)

عكرمة :دكّاء من الدّكّاوات.لمّا نظر اللّه تبارك و تعالى إلى الجبل صار صحراء ترابا.(الطّبريّ 6:55)

ص: 809

الحسن:ساخ في الأرض حتّى فني.

(الطّبرسيّ 2:475)

نحوه الثّوريّ.(الماورديّ 2:258)

جَعَلَهُ دَكًّا، أي ذاهبا أصلا.(الثّعلبيّ 4:278)

العوفيّ: جَعَلَهُ دَكًّا، أي رملا هائلا.

(الثّعلبيّ 4:278)

قتادة :انقعر بعضه على بعض.(الطّبريّ 6:53)

دكّ بعضه بعضا.(الطّبريّ 6:53)

زيد بن عليّ: مستويا مع وجه الأرض.(199)

الرّبيع:الجبل حين كشف الغطاء و رأى النّور، صار مثل دكّ من الدّكّات.(الطّبريّ 6:54)

الكلبيّ: أي كسرا جبالا صغيرا.

(الثّعلبيّ 4:278)

الإمام الصّادق عليه السّلام:ساخ الجبل في البحر،فهو يهوي حتّى السّاعة.(العروسيّ 2:63)

مقاتل:و كان أعظم جبل بمدين تقطّع ستّ قطع تفرّقت في الأرض،صار منها بمكّة ثلاثة أجبل:ثبير، و غار ثور،و حراء،و بالمدينة ثلاثة أجبل:رضوى و أحد و ورقان.(الماورديّ 2:258)

الثّوريّ: ساخ الجبل في الأرض،حتّى وقع في البحر،فهو يذهب معه.(الطّبريّ 6:54)

أبو عبيدة :أي مستويا مع وجه الأرض،و هو مصدر جعله صفة.و يقال:ناقة دكّاء،أي ذاهبة السّنام مستو ظهرها أملس،و كذلك أرض دكّاء.[ثمّ استشهد بشعر](1:228)

أبو بكر الهذليّ: انقعر فدخل تحت الأرض، فلا يظهر إلى يوم القيامة.(الطّبريّ 6:54)

الأخفش: و قال: جَعَلَهُ دَكًّا، لأنّه حين قال:

(جعله)كان كأنّه قال:دكّه،و يقال:(دكّاء)و اذا أراد ذا (1)ف[قد]أجري مجرى وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82،لأنّه يقال:ناقة دكّاء اذا ذهب سنامها.

(2:531)

ابن قتيبة :أي ألصقه بالأرض.يقال:ناقة دكّاء، إذا لم يكن لها سنام.كأنّ سنامها دكّ،أي ألصق.

و يقال:إنّ دككت:دققت،فأبدلت القاف فيه كافا، لتقارب المخرجين.(172)

الرّمّانيّ: يعني مستويا بالأرض،مأخوذ من قولهم:ناقة دكّاء،إذا لم يكن لها سنام.

(الماورديّ 2:258)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فلمّا اطّلع الرّبّ للجبل،جعل اللّه الجبل دكّا،أي مستويا بالأرض.[إلى أن قال:]

و اختلفت القراء في قراءة قوله:(دكا).فقرأته عامّة قرأة أهل المدينة و البصرة(دكا)،مقصورا بالتّنوين،بمعنى:«دكّ اللّه الجبل دكّا»أي فتّته،و اعتبارا بقول اللّه: كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا الفجر:21، و قوله: وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً الحاقّة:14.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأته عامّة قرأة الكوفيّين (جعله دكّاء) بالمدّ و ترك الجرّ و التّنوين،مثل حمراء و سوداء.و اختلفّ.

ص: 810


1- يعني:ذا دكّ.

أهل العربيّة في معناه إذا قرئ كذلك.

فقال بعض نحويّي البصرة:العرب تقول:ناقة دكّاء:ليس لها سنام.و قال:الجبل مذكّر،فلا يشبه أن يكون منه،إلاّ أن يكون جعله«مثل دكّاء»حذف «مثل»و أجراه مجرى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:

82.و كان بعض نحويّي الكوفة يقول:معنى ذلك:

جعل الجبل أرضا دكّاء،ثمّ حذفت«الأرض»، و أقيمت«الدّكّاء»مقامها،إذ أدّت عنها.

و أولى القراءتين في ذلك بالصّواب عندي،قراءة من قرأ (جعله دكّاء) ،بالمدّ و ترك الجرّ،لدلالة الخبر الّذي رويناه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على صحّته.و ذلك أنّه روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«فساخ الجبل»و لم يقل:

«فتفتّت»و لا«تحوّل ترابا».و لا شكّ أنّه إذا ساخ فذهب،ظهر وجه الأرض،فصار بمنزلة النّاقة الّتي قد ذهب سنامها،و صارت دكّاء بلا سنام.و أمّا إذا دكّ بعضه،فإنّما يكسر بعضه بعضا و يتفتّت و لا يسوخ.

و أمّا الدّكّاء فإنّها خلف من الأرض،فلذلك أنّثت، على ما قد بيّنت.

فمعنى الكلام إذا:فلمّا تجلّى ربّه للجبل ساخ، فجعل مكانه أرضا دكّاء.(6:53)

نحوه ملخّصا.الواحديّ.(2:406)

الزّجّاج: يجوز(دكا)بالتّنوين،و(دكّاء) بغير تنوين،أي جعله مدقوقا مع الأرض.يقال:

دككت الشّيء،إذا دققته،أدكّه دكّا،و الدّكّاء و الدّكّاوات:الرّوابيّ الّتي مع الأرض ناشزة عنها، لا تبلغ أن تكون جبلا.(2:373)

السّجستانيّ: أي مدكوكا،يعني مستويا مع وجه الأرض.و يقال:ناقة دكّاء،و هي المفترشة السّنام في ظهرها،و المجبوبة السّنام،و أرض دكّاء أي ملساء.

(70)

أبو زرعة:قرأ حمزة و الكسائيّ (جعله دكّاء) بالمدّ و الهمز.قال الأخفش:قوله تعالى:(دكّاء)أي جعله مثل دكّاء،ثمّ حذف المضاف،و أقيم المضاف إليه مقامه،كما قال: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ. و العرب تقول:

ناقة دكّاء،أي لا سنام لها.و قال قطرب:قوله:(دكّاء) صفة،التّقدير:جعله أرضا دكّاء،أي ملساء،فأقيمت الصّفة مقام الموصوف،و حذف الموصوف و دلّ عليه الصّفة،كما قال سبحانه: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً البقرة:83،أي قولا حسنا.

و قرأ الباقون(دكا)منوّنا،جعلوا(دكا) مصدرا من:دككت الشّيء،إذا كسرته و فتّته،فتأويله:

جعلته مفتّتا كالتّراب.و حجّتهم قوله تعالى: كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا، المعنى:فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله مدكوكا،فكأنّه دكّه،فيجعل قوله:(دكا):

مصدرا صدر عن معنى الفعل لا عن لفظه.(295)

الثّعلبيّ: قال مسروق:صار صغيرا كالرّابية...

و اختلفت القراءة في هذا الحرف.و قرأ عاصم دكا بالقصر و التّنوين،و الّتي في الكهف بالمدّ.و قرأ غيره من أهل الكوفة و حمير (دكّاء) ممدودة غير مجراة في التّنوين.و قرأ الباقون مقصورة الرّفع منوّنة،و هو اختيار أبي حاتم و أبي عبيد.

فمن قصّره فمعناه:جعله مدكوكا.و الدّكّ و الدّقّ

ص: 811

بمعنى واحد،لأنّ الكاف و القاف يتعاقبان،لقولهم:كلام رقيق و ركيك.و يجوز أن يكون معناه:دكّه اللّه دكّا، أي فتّه اللّه أغبارا،لقوله: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا و قوله: وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً [ثمّ استشهد بشعر]

و من مدّه فهو من قول العرب:«ناقة دكّاء»إذا لم يكن لها سنام،و حينئذ يكون معناه:جعله أيضا دكّاء،أي مستوية لا شيء فيها،لأنّ الجبل مذكّر،هذا قول أهل الكوفة.

و قال نحاة البصرة:معناه:فجعله«مثل دكّا» و حذف«مثل»فأجري مجرى وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ.

قال الأخفش:من مدّ قال في الجمع:دكّاوات،و ذلك مثل حمراوات و حمرة،و من قال:أرض دكّ،قال في الجمع:دكوك.(4:278)

نحوه البغويّ.(2:230)

القيسيّ: قوله:(دكا)من مدّه فعلى تقدير حذف مضاف،أي مثل أرض دكّاء،و الأرض الدّكّاء هي المستوية.و قيل:مثل«ناقة دكّاء»و هي الّتي لا سنام لها مستوية الظّهر،،و معناه:جعله مستويا بالأرض،لا ارتفاع له على الأرض.و لم ينصرف،لأنّه مثل حمراء فيه ألف التّأنيث و هو صفة؛و ذلك علّتان تمنع الصّرف.و من نوّنه و لم يمدّه جعله مصدر«دككت الأرض دكّا»أي جعلتها مستوية.

و قال الأخفش:هو مفعول،و فيه حذف مضاف أيضا،لأنّ الفعل الّذي قبله و هو(جعله)ليس من لفظه،و تقديره:جعله:ذا دكّ،أي ذا استواء.(330)

الطّوسيّ: قرأ أهل الحجاز إلاّ عاصما (دكّاء) بالمدّ و الهمزة من غير تنوين-هاهنا و في الكهف- وافقهم عاصم في الكهف.الباقون(دكا)منوّنة مقصورة في الموضعين.[إلى أن قال:]

قال أبو الحسن:لمّا قال: جَعَلَهُ دَكًّا فكأنّه قال:

دكّه،أي أراد:جعله ذا دكّ.و يقال:(دكّاء)جعلوها مثل النّاقة الدّكّاء الّتي لا سنام لها.قال أبو عليّ الفارسيّ:المضاف محذوف على تقدير أبي الحسن،و في التّنزيل: وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً الحاقّة:14،و قال: كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا الفجر:21.[ثمّ نقل بعض الأقوال و قال:]

و قيل:في معنى قراءة من قرأها ممدودة قولان:

أحدهما:أنّه شبّه الجبل بالنّاقة الّتي لا سنام لها، فيقال لها:(دكّاء)فكأنّه قال:فجعله مثل دكّاء.

الثّاني:فجعله أرضا دكّاء.(4:566)

نحوه أبو الفتوح.(8:378)

الميبديّ: جَعَلَهُ دَكًّا، أي جعل اللّه الجبل دكّا:

قطعا ترابا و رملا.فوقع بعض الجبل بالشّام و اليمن، و صار بعضه هباء منثورا لتجلّي النّور.[ثمّ ذكر القراءات](3:726)

الزّمخشريّ: جَعَلَهُ دَكًّا أي مدكوكا،مصدر بمعنى مفعول كضرب الأمير.و الدّكّ و الدّقّ أخوان كالشّكّ و الشّقّ.و قرئ: (دكّاء) ،و الدّكّاء اسم للرّابية النّاشزة من الأرض كالدّكّة،أو أرضا دكّاء مستوية.و منه قولهم:ناقة دكّاء متواضعة السّنام.

و عن الشّعبيّ:قال لي الرّبيع بن خثيم:ابسط يدك

ص: 812

دكّاء،أي مدّها مستوية.و قرأ يحيى بن وثّاب:(دكا):

،أي قطعا،دكّا:جمع دكّاء.(2:114)

نحوه البيضاويّ(1:368)،و النّسفيّ(2:74)، و النّيسابوريّ(9:45)،و أبو السّعود(3:27)، و ملخّصا الكاشانيّ(2:232)،و الآلوسيّ(9:45).

ابن عطيّة: و الدّكّ:الانسحاق و التّفتّت و قرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و ابن مسعود و أنس بن مالك و الحسن و أبو جعفر و شيبة و مجاهد و ابن كثير و أبو عمرو و نافع و عاصم و ابن عامر(دكا)و قرأ حمزة و الكسائيّ و ابن عبّاس و الرّبيع بن خثيم و غيرهم (دكّاء)على وزن حمراء،و الدّكّاء:النّاقة الّتي لا سنام لها،فالمعنى:جعله أرضا دكّاء،تشبيها بالنّاقة.فروي أنّه ذهب الجبل بجملته،و قيل:ذهب أعلاه و بقي أكثره،و روي أنّ الجبل تفتّت و انسحق حتّى صار غبارا تذروه الرّياح.(2:451)

نحوه ابن الجوزيّ(3:257)،و القرطبيّ(7:278)

الطّبرسيّ: (جعله دكّاء)بالمدّ هاهنا و في الكهف،كوفيّ،غير عاصم،و وافقهم عاصم في الكهف.

و الباقون:(دكا):بالقصر و التّنوين،في الموضعين.

[ثمّ نقل قول الزّجّاج و الأخفش و أبي عبيد و أضاف:]

ناقة دكّاء:ذاهبة السّنام،كأنّه جعله كالنّاقة الدّكّاء،فبقي أكثره.و الدّكّ:المستوي.[ثمّ استشهد بشعر]

جَعَلَهُ دَكًّا أي مستويا بالأرض.و قيل:تقطّع أربع قطع:قطعة ذهبت نحو المشرق،و قطعة ذهبت نحو المغرب،و قطعة سقطت في البحر،و قطعة صارت رملا.

(2:475)

أبو البركات: جَعَلَهُ دَكًّا، يقرأ(دكا) بتنوين من غير مدّ،و (دكّاء) بمدّ من غير تنوين.فمن قرأ بتنوين من غير مدّ،فهو منصوب من وجهين:

أحدهما:أن يكون منصوبا على المصدر من:

«دككت الأرض دكّا»،إذا جعلتها مستوية.

و الثّاني:أن يكون منصوبا على المفعول،و فيه حذف مضاف،لأنّ الفعل الّذي قبله ليس من لفظه و هو«جعل»و تقديره:فجعله ذا دكّ،أي ذا استواء.

و من قرأ «دكّاء» بالمدّ من غير تنوين،فالتّقدير فيه:فجعله مثل أرض دكّاء،أي مستوية،و لم ينصرف لأنّه مثل«حمراء»في آخره ألف التّأنيث الممدودة، و ألف التّأنيث تقوم مقام سببين في منع الصّرف،سواء كانت ممدودة أو مقصورة،لأنّها صيغت عليها الكلمة في أوّل أحوالها،فصار التّأنيث و لزومه قائما مقام سببين ،و ليست كذلك«التّاء»في نحوه طلحة و حمزة.

(1:374)

نحوه ملخّصا العكبريّ.(1:594)

الفخر الرّازيّ: [اكتفى بنقل قول الزّجّاج و الأخفش](14:234)

الخازن :يعني مستويا بالأرض.[ثمّ نقل بعض الأقوال](2:234)

نحوه الشّربينيّ(1:514)،و شبّر(2:412).

أبو حيّان :الدّكّ:مصدر دككت الشّيء فتّته و سحقته،مصدر في معنى المفعول.و الدّكّ و الدّقّ بمعنى واحد[إلى أن ذكر قول الزّمخشريّ و قال:]

ص: 813

و هذا يناسب قول من قال إنّه لم يذهب بجملته، و إنّما ذهب أعلاه و بقي أكثره.

و قرأ يحيى بن وثّاب دكا أي قطعا،جمع:

دكّاء نحو غزّ جمع غزّاء،و انتصب على أنّه مفعول ثان ل(جعله).و يضعّف قول الأخفش أنّ نصبه من باب «قعدت جلوسا.».(4:384)

ابن كثير :[نقل أقوال المفسّرين و قال:]

عن عروة بن رويم قال:كانت الجبال قبل أن يتجلّى اللّه لموسى على الطّور صمّا ملساء،فلمّا تجلّى اللّه لموسى على الطّور دكّ و تفطّرت الجبال،فصارت الشّقوق و الكهوف.(3:219)

البروسويّ: جَعَلَهُ دَكًّا مصدر بمعنى المفعول، أي صيّره مدكوكا مفتّتا.و إذا حلّ بالجبل ما حلّ مع عظم خلقه فما ظنّك بابن آدم الضّعيف؟كما في تفسير الكواشيّ.[ثم نقل بعض الأقوال](3:234)

القاسميّ: (دكا)أي مفتّتا،فلم يستقرّ مكانه.

فنبّه تعالى على أنّ الجبل،-مع شدّته و صلابته،-إذا لم يستقرّ،فالآدميّ مع ضعف بنيته أولى بأن لا يستقرّ.

و فيه تسكين لفؤاد موسى،بأنّ المانع من الانكشاف الإشفاق عليه،و أمّا أنّ المانع محاليّة الرّؤية،فليس في القرآن إشارة إليه.(7:2851)

رشيد رضا :الدّكّ:الدّقّ أو ضرب منه.[ثمّ نقل كلام الزّمخشري عن أساس البلاغة و قال:]

و أقول:إنّ الفرق بين الدّقّ و الدّكّ-كما يؤخذ من الاستعمال العامّ الموروث عن العرب-أنّ الدّقّ ما يخبط به الشّيء ليتفتّت و يكون أجزاء دقيقة.و منه الدّقيق.و كان القمح في عصور البداوة الأولى يدقّ بالحجارة فيكون دقيقا،ثمّ اهتدوا إلى الأرهية الّتي تسحقه و تطحنه.

و أمّا الدّكّ فهو الهدّ و الخبط الّذي يكون به الشّيء المدكوك ملبّدا و مستويا،يقال:أرض مدكوكة و طريقة مدكوكة،و دكّ الحفرة و الرّكيّة-أي البئر الغير المطويّة-:دفنها و طمّها.و لا تزال سلائل العرب تستعمل هذه المادّة بهذا المعنى،و يسمّون ما يوضع في الحفرة أو الرّكيّة من الحصا أو الحصباء لأجل تسويتها:

الدّكّة.[ثمّ نقل القراءتين](9:124)

سيّد قطب :و قد ساخت نتوءاته فبدأ مسوّى بالأرض مدكوكا.و أدركت موسى رهبة الموقف، و سرت في كيانه البشريّ الضّعيف.(3:1369)

ابن عاشور :و قرأ الجمهور(دكا)بالتّنوين.

و الدّكّ:مصدر و هو و الدّقّ مترادفان،و هو الهدّ و تفرّق الأجزاء،كقوله وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مريم:

90،و قد أخبر عن الجبل بأنّه جعل دكّا للمبالغة، و المراد أنّه مدكوك،أي مدقوق مهدوم.و قرأ الكسائيّ و حمزة،و خلف دكاء بمدّ بعد الكاف و تشديد الكاف،و الدّكّاء:النّاقة الّتي لا سنام لها،فهو تشبيه بليغ،أي كالدّكّاء،أي ذهبت قنّته.و الظّاهر أنّ ذلك الّذي اندكّ منه لم يرجع،و لعلّ آثار ذلك الدّكّ ظاهرة فيه إلى الآن.(8:276)

الطّباطبائيّ: و بصيرورة الجبل دكّا،أي مدكوكا متحوّلا إلى ذرّات ترابيّة صغار،بطلت هويّته و ذهبت جبلّيّته و قضى أجله.(8:242)

ص: 814

مكارم الشّيرازيّ: دكّ في الأصل بمعنى سوّى الأرض.و على هذا فالمقصود من عبارة جَعَلَهُ دَكًّا هو أنّه حطّم الجبال و سوّاها كالأرض.و جاء في بعض الرّوايات أنّ الجبل تناثر أقساما،سقط كلّ قسم منه في جانب أو غار في الأرض نهائيّا.(5:192)

دكّاء

قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا. الكهف:98

الكلبيّ: قطعا متكسّرا.(القرطبيّ 11:63)

مقاتل:يعني الرّدم وقع فيخرجون إلى أرض المسلمين.(2:603)

اليزيديّ: ملزقا بالأرض.يقال:ناقة دكّاء أي لا سنام لها.(235)

نحوه ابن قتيبة(271)،و النّحّاس(4:296)، و ابن كثير(4:427).

قطرب: أرضا.(الماورديّ 3:345)

الفرّاء: عن الرّبيع بن خيثم الثّوريّ أنّ رجلا قرأ عليه(دكّا)فقال: دكاء فخّمها،يعني أطلها.

(2:160)

أبو عبيدة :أي تركه مدكوكا،أي ألزقه بالأرض.

و يقال:ناقة دكّاء،أي لا سنام لها مستوية الظّهر.

و العرب تصف الفاعل و المفعول بمصدرهما،فمن ذلك جَعَلَهُ دَكًّا، الأعراف:43،أي مدكوكا.

(1:415)

الأخفش: هدما حتّى اندكّ بالأرض فاستوى معها.(الماورديّ 3:345)

الطّبريّ: يقول:فإذا جاء وعد ربّي الّذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمّة و خروجها من وراء هذا الرّدم لهم،جعله دكّاء،يقول:سوّاه بالأرض،فألزمه بها،من قولهم:ناقة دكّاء:مستوية الظّهر لا سنام لها.و إنّما معنى الكلام:جعله مدكوكا،فقيل:دكّاء.

و ذكر أنّ ذلك يكون كذلك بعد قتل عيسى بن مريم عليه السّلام الدّجّال.[إلى أن قال:]

قال العوّام بن حوشب:فوجدت تصديق ذلك في كتاب اللّه تعالى،قال اللّه عزّ و جلّ: حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ* وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا الأنبياء:96،97،و قال: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا يقول:و كان وعد ربّي الّذي وعد خلقه في دكّ هذا الرّدم،و خروج هؤلاء القوم على النّاس،و عيثهم فيه،و غير ذلك من وعده حقّا،لأنّه لا يخلف الميعاد،فلا يقع غير ما وعد أنّه كائن.(8:288)

الزّجّاج: و تقرأ دكاء على فعلاء-يا هذا- و الدّكّاء و الذّكّاء:كلّما انبسط من الأرض من مرتفع.

يعني أنّه إذا كان يوم القيامة،أو في وقت خروج يأجوج و مأجوج صار هذا الجبل دكّا،و الدّليل على أنّ هذا الجبل يصير دكّا قوله: وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً الحاقّة:14.(3:312)

نفطويه:أي جعلت مستوية لا أكمة فيها.

(القرطبيّ 11:63)

ص: 815

القمّيّ: إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزّمان انهدم ذلك السّدّ،و خرج يأجوج و مأجوج إلى الدّنيا، و أكلوا النّاس،و هو قوله: حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الأنبياء:96.

(2:41)

أبو زرعة:قرأ حمزة و عاصم و الكسائيّ جعله دكاء بالمدّ و الهمز،أي جعله مثل دكّاء،ثمّ حذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه.و تقول العرب:ناقة دكّاء،أي لا سنام لها.و لا بدّ من تقدير الحذف،لأنّ الجبل مذكّر فلا يوصف ب دكاء لأنّها من وصف المؤنّث.و قال قطرب:قوله: دكاء صفة،التّقدير جعله أرضا دكّاء،أي ملساء،فأقيمت الصّفة مقام الموصوف،و حذف الموصوف،كما قال سبحانه:

وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً البقرة:83،أي قولا حسنا.

و قرأ الباقون (دكّا) منوّنا غير ممدود.و في هذه القراءة وجهان:

أحدهما:أن تجعل (دكّا) بمعنى مدكوكة دكّا،فقام المصدر مقام المفعول.و العرب تجعل المصدر بمعنى المفعول،فيقولون:هذا درهم ضرب الأمير،أي مضروب الأمير.

و الوجه الآخر:أن يكون معناه:دكّه دكّا،فتجعل «دكّا»مصدرا عن معنى الفعل لا عن لفظه.(435)

نحوه الميبديّ(5:746)،و ابن عطيّة(3:544)، و ابن الجوزيّ(5:195)،و القرطبيّ(11:64).

الثّعلبيّ: ملتزقة مستوية بالأرض،من قولهم:ناقة دكّاء،أي مستوية الظّهر لا سنام لها.و من قرأ: (دكّا) بلا مدّ فمعناه:مدكوك يومئذ.(6:199)

الطّوسيّ: أي مدكوكا مستويا بالأرض،من قولهم:ناقة دكّاء:لا سنام لها،بل هي مستوية السّنام.

و من قرأ (دكّا) منوّنا أراد:دكّه دكّا،و هو مصدر.

و من قرأ بالمدّ أراد:جعل الجبل أرضا دكّاء منبسطة؛ و جمعها:دكاءات.و قال ابن مسعود:في حديث مرفوع:«إنّ ذلك يكون بعد قتل عيسى الدّجّال».

(7:94)

نحوه البغويّ.(3:217)

الزّمخشريّ: أي مدكوكا مبسوطا مسوّى بالأرض،و كلّ ما انبسط من بعد ارتفاع فقد اندكّ.

و منه:الجمل الأدكّ:المنبسط السّنام.و قرئ: دكاء بالمدّ:أي أرضا مستوية.(2:499)

نحوه الفخر الرّازيّ(21:172)،و البيضاويّ (2:26)،و النّسفيّ(3:26)،و النّيسابوريّ(16:27) و الكاشانيّ(3:264)و حسنين مخلوف(1:485).

الطّبرسيّ: قرأ أهل الكوفة دكاء بالمدّ و الهمزة،و الباقون(دكّا)منوّنا غير مهموز.[إلى أن قال:]

و أمّا قوله:(دكّا)فإنّه يحتمل أمرين:أحدهما:إنّه لمّا قال(جعله دكّا)كان بمنزلة خلق و عمل،فكأنّه قال:دكّه دكّا،فحمله على الفعل الّذي دلّ عليه (جعله.)

و الوجه الآخر:أن يكون جعله ذا دكّ،فحذف المضاف،و يمكن أن يكون حالا في هذا الوجه.و من قرأ دكاء فعلى حذف المضاف،كأنّه جعله مثل

ص: 816

دكّاء.قالوا:ناقة دكّاء،أي لا سنام لها.و لا بدّ من تقدير الحذف،لأنّ الجبل مذكّر،فلا يوصف ب دَكّاءَ.

[إلى أن قال:]

جَعَلَهُ دَكّاءَ، أي جعل السّدّ أرضا مستويا مع الأرض مدكوكا،أو ذا دكّ.و إنّما يكون ذلك بعد قتل عيسى بن مريم الدّجّال،عن ابن مسعود.(3:492)

نحوه أبو الفتوح.(13:42)

أبو حيّان :و قرأ الكوفيّون دكاء بالمدّ ممنوع الصّرف،و باقي السّبعة(دكّا)منوّنة مصدر«دككته.».

و الظّاهر أنّ(جعله)بمعنى صيّره،ف«دكّ»مفعول ثان.و قال ابن عطيّة:و يحتمل أن يكون«جعل»بمعنى خلق،و ينصب ف(دكّا)على الحال،انتهى.و هذا بعيد جدّا،لأنّ السّدّ إذا ذاك موجود مخلوق،و لا يخلق المخلوق،لكنّه ينتقل من بعض هيئاته إلى هيئة أخرى.

(6:165)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ]

و فيه بيان لعظم قدرته تعالى بعد بيان سعة رحمته.

(5:299)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان و أضاف:]

و هذا الجعل وقت مجيء الوعد بمجيء بعض مبادئه،و فيه بيان لعظم قدرته تعالى شأنه،بعد بيان سعة رحمته عزّ و جلّ،و كان علمه بهذا الجعل-على ما قيل-من توابع علمه بمجيء السّاعة،إذ من مبادئها دكّ الجبال الشّامخة الرّاسخة،ضرورة أنّه لا يتمّ بدونها.

و استفادته العلم بمجيئها ممّن كان في عصره من الأنبياء عليهم السّلام.و يجوز أن يكون العلم بجميع ذلك بالسّماع من النّبيّ،و كذا العلم بمجيء وقت خروجهم،على تقدير أن يكون ذلك مرادا من الوعد:يجوز أن يكون عن اجتهاد،و يجوز أن يكون عن سماع.(16:42)

القاسميّ: معناه أنّ هذا السّدّ رحمة من اللّه بالأمم القريبة منه،لمنع غارات يأجوج و مأجوج عنهم، و لكن يجب عليهم أن يفهموا أنّ مع متانته و صلابته لا يمكن أن يقاوم مشيئة اللّه القويّ القدير،فإنّ بقاءه إنّما هو بفضل اللّه.و لكن إذا قامت القيامة و أراد اللّه فناء هذا العالم،فلا هذا السّدّ و لا غيره من الجبال الرّاسيات يمكنها أن تقف عثرة لحظة واحدة أمام قدرة اللّه،بل يدكّها جمعاء دكّا في لمح البصر.فمراد ذي القرنين بهذا القول تنبيه تلك الأمم على عدم الاغترار بمناعة هذا السّدّ،أو الإعجاب و الغرور بقوّتهم،فإنّها لا شيء يذكر بجانب قوّة اللّه.فلا يصحّ أن يستنتج من ذلك أنّ هذا السّدّ يبقى إلى يوم القيامة،بل صريحه أنّه إذا قامت القيامة في أيّ وقت كان،و كان هذا السّدّ موجودا،دكّه اللّه دكّا.و أمّا إذا تأخّرت فيجوز أن يدكّ قبلها بأسباب أخرى،كالزّلازل إذا قدم عهده، و كالثّورات البركانيّة كما قلنا،و ليس في الآية ما ينافي ذلك.(11:4113)

مغنيّة:أي مستويا مع الأرض،و المعنى:أنّه متى دنا الوقت الّذي يخرج فيه يأجوج و مأجوج من وراء السّدّ هيّأ اللّه أسباب هدمه و زواله.(5:161)

الطّباطبائيّ: الدّكّاء:الدّكّ و هو أشدّ الدّقّ، مصدر بمعنى اسم المفعول.و قيل:المراد النّاقة الدّكّاء، و هي الّتي لا سنام لها،و هو على هذا من الاستعارة،

ص: 817

و المراد به:خراب السّدّ كما قالوا.(13:365)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّكّ،أي هدم الجبل و الحائط و نحوهما.يقال:دكّه يدكّه دكّا،و قد دككت الشّيء أدكّه دكّا،إذا ضربته و كسرته حتّى سوّيته بالأرض.

و الدّكّ و الدّكّة:ما استوى من الرّمل و سهل؛ و الجمع:دكاك.يقال:مكان دكّ،أي مستو،و الدّكّة:

بناء يسطّح أعلاه.و دكّ الأرض دكّا:سوّى صعودها و هبوطها،و قد اندكّ المكان.و دكّ التّراب يدكّه دكّا:

كبسه و سوّاه.

و الدّكّ:هيل التّراب على الميّت.يقال:دككت التّراب على الميّت أدكّه،إذا هلته عليه.

و دكّ الرّكيّة يدكّها دكّا:دفنها و طمّها.

و الدّكّ:رابية من طين.يقال:جبل دكّ:ذليل، كأنّه مهدوم لاطئ بالأرض؛و الجمع:دككة.

و الدّكك:القيزان المنهالة،و هي الكثبان العالية من الرّمل.

و الدّكّاء:الرّابية من الطّين ليست غليظة؛ و الجمع:دكّاوات.يقال:أكمة دكّاء،إذا اتّسع أعلاها.

و الدّكك:افتراش السّنام في الإبل.يقال:بعير أدكّ،أي لا سنام له،و ناقة دكّاء كذلك،و الجمع:دكّ و دكّاوات.و قيل:النّاقة الدّكّاء:الّتي افترش سنامها في جنبيها و لم يشرف،و قد اندكّ.

و فرس أدكّ،إذا كان متدانيا عريض الظّهر، و خيل دكّ،و هي البراذين،و فرس مدكوك:

لا إشراف لحجبته.

و أرض مدكوكة،إذا كثر بها النّاس و رعاة المال حتّى يفسدها ذلك،و تكثر فيها آثار المال و أبواله، و الّتي لا أسناد لها،تنبت الرّمث.

و رجل مدكوك،إذا دكّته الحمّى و أصابه مرض، و قد دكّ،و دكّته الحمّى دكّا:أضعفته.

و رجل مدكّ:شديد الوطء على الأرض.

و أمة مدكّة:قويّة على العمل.

و الدّكّ:فرط الجماع.يقال:دكّ الرّجل جاريته، أي جهدها في الجماع،و إذا ضرب البعير النّاقة فأكثر، تقول:ما زال يدكّها منذ اليوم.

و التّداكّ:الازدحام.يقال:تداكّ عليه القوم،إذا ازدحموا عليه.و منه:حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«ثمّ تداككتم عليّ تداكك الإبل الهيم على حياضها»،أي ازدحمتم.

و حنظل مدكّك:يؤكل بتمر أو غيره.يقال:دكّكه، أي خلطه،و دكّكوا لنا،لأنّ حلاوة التّمر تدكّ مرورة الحنظل.

و يوم دكيك:تامّ،و كذلك الشّهر و الحول.يقال:

أقمت عنده حولا دكيكا،أي تامّا،و نحوه:عام دكيك، لأنّه ينقض بتمامه،أو لأنّه يستوي بذلك،من الدّكّة، و هو ما استوى من الرّمل و سهل.

2-و الدّكّان:«فعلان»من الدّكّة،و هي الّتي تسوّى للجلوس عليها،و منه الحديث:«فبنينا له دكّانا من طين يجلس عليه».

ص: 818

و أمّا الدّكّان:الحانوت،فهو«فعلال»من قولهم:

دكنت الشّيء أدكنه دكنا و دكّنته تدكينا،أي نضدت بعضه على بعض،و الجمع:دكاكين.

و اختلفوا في أصله،فقال بعض:هو عربيّ،كابن دريد و ابن فارس،و قال آخرون:هو فارسيّ، كالجوهريّ.

و قد جاء هذا اللّفظ في الفارسيّة بلفظ«دوكان» و«دكان»مخفّفا،و في الآراميّة بلفظ يقرب من هذا، فلا ندري أ هو عربيّ أم أعجميّ؟و يرى المصطفويّ -و هو من المحقّقين الفرس-أنّه أخذ من اللّغة العربيّة، لا بالعكس.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها الماضي مجهولا(دكّت)و(دكّتا)مرّتين، و المصدر(دكّا)3 مرّات،و(دكّة)و(دكّاء)كلّ منهما مرة،في 4 آيات:

دكّ

1- كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا الفجر:21

2- وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً الحاقّة:14

3- فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً... الأعراف:143

دكّاء

4- قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ... الكهف:98

و فيها بحوث:

1-كلّها وصف للأرض و الجبال يوم القيامة إلاّ (3)فراجع إلى دكّ الجبل لموسى عليه السّلام.

2-ترجموا«الدّكّ»بالدّقّ الشّديد،و الهدم، و الرّجّ،و تسوية ما ارتفع من الأرض،و تحطيم معالمها،و تدميرها،و زلزالها،و مدّها،و بسطها، و وطئها،و مهدها،و كسرها،و مسحها،و نحوها.

و كثير منها تعبير باللاّزم،و الأوّل هو المعنى اللّغويّ.

و اتّفقوا على أنّ المصدر هنا بمعنى المفعول أي المدكوك.

قال الزّمخشريّ في(2):«و الدّكّ أبلغ من الدّقّ».

و قال الآلوسيّ فيها:«و فرّقوا بين الدّكّ و الدّقّ بأنّ في الأوّل تفرّق الأجزاء،و في الثّاني اختلافها.و قال بعض الأجلّة:أصل الدّكّ:الضّرب على ما ارتفع لينخفض، و يلزمه التّسوية غالبا،فلذا شاع فيها حتّى صار حقيقة،و منه أرض دكّاء للمتّسعة المستوية...».

و قال رشيد رضا في(3)-بعد نقل كلام الزّمخشريّ-:«إنّ الفرق بين الدّقّ و الدّكّ-كما يؤخذ من الاستعمال العامّ الموروث عن العرب-أنّ الدّقّ ما يخبط به الشّيء ليتفتّت و يكون أجزاء دقيقة، و منه الدّقيق.و كان القمح في عصور البداوة الأولى يدقّ بالحجارة فيكون دقيقا،ثمّ اهتدوا إلى الأرهيّة الّتي تسحقه و تطحنه.و أمّا الدّكّ فهو الهدّ و الخبط الّذي يكون به الشّيء المدكوك ملبّدا و مستويا.يقال:

أرض مدكوكة و طريقة مدكوكة،و دكّ الحفرة و الرّكيّة-أي البئر غير المطويّة-:دفنها و طمّها.و

ص: 819

لا تزال سلائل العرب تستعمل هذه المادّة بهذا المعنى، و يسمّون ما يوضع في الحفرة،أو الرّكيّة من الحصا أو الحصباء لأجل تسويتها:الدّكّة».

و قد جاء في النّازعات:6،7 بدلها: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ* تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ.

3-قال ابن عطيّة:(«كلا)في(1)ردّا على أفعالهم هذه،و توطئة للوعيد،أي سيرون أفعالهم ليس على قوم».

و قال الطّبرسيّ-و نحوه الفخر الرّازيّ-:«أي لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا.و قيل:(كلا)زجر تقديره:لا تفعلوا هكذا،ثمّ خوّفهم فقال: إِذا دُكَّتِ...، أكسر كلّ شيء على ظهرها من جبل،أو بناء،أو شجر حتّى زلزلت فلم يبق عليها شيء...».

و قال أبو السّعود:«استئناف جيء به بطريق الوعيد تعليلا للرّدع...».

و زاد الآلوسيّ: «و تكريره للدّلالة على الاستيعاب،فليس الثّاني تأكيدا للأوّل بل ذلك نظير الحال في نحو قولك:جاءوا رجلا رجلا،و علّمته الحساب بابا بابا».

و قال عزّة دروزة:«القصد من ذلك وصف شدّة الانهيار و التّدمير الّذي يحلّ في الأرض يوم تقوم القيامة،أو وصف هول هذا اليوم و أثره في الأرض».

4-و هذه الصّفة الأولى من صفات ذاك اليوم، و تأتي بعدها: وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا* وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنّى لَهُ الذِّكْرى.

5-و قد كرّر فيها: دَكًّا دَكًّا و صَفًّا صَفًّا مبالغة.فلا تنافي دَكًّا دَكًّا في هذه دَكَّةً واحِدَةً في(2): فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً، فإنّ فيها أيضا تأكيدا.

و قال الفخر الرّازيّ في التّكرار:«معناه دكّا بعد دكّ،كقولك:حسبته بابا بابا،و علّمته حرفا حرفا،أي كرّر عليها الدّكّ حتّى صارت هباء منثورا».

6-و قال أيضا:«و اعلم أنّ هذا التّدكدك لا بدّ و أن يكون متأخّرا عن الزّلزلة،فإذا زلزلت الأرض زلزلة بعد زلزلة و حرّكت تحريكا بعد تحريك انكسرت الجبال الّتي عليها،و انهدمت التّلال، و امتلأت الأغوار،و صارت ملساء،و ذلك عند انقضاء الدّنيا».ثمّ ذكر آيات بمعناها جاء فيها الرّجف، و البسّ،و الدّكّ:النّازعات:76،و الحاقّة:14، و الواقعة:4،5،فلاحظ.و كأنّه أراد بزلزالها ما جاء في أوّل سورة الزّلزال: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها.

و قال السّمين:في دَكًّا دَكًّا: «فيه وجهان:

أحدهما أنّه مصدر مؤكّد،و(دكا):الثّاني تأكيد للأوّل تأكيدا لفظيّا،كذا قاله ابن عصفور،و ليس المعنى على ذلك.

و الثّاني:أنّه نصب على الحال،و المعنى:مكرّرا عليه الدّكّ ك«علّمته الحساب بابا بابا»،و هذا ظاهر قول الزّمخشريّ».

و قال ابن عاشور:«يجوز أن يكون أوّلهما منصوبا على المفعول المطلق المؤكّد لفعله.و لعلّ تأكيده هنا، لأنّ هذه الآية أوّل آية ذكر فيها دكّ الجبال؛و إذ قد كان أمرا خارقا للعادة كان المقام مقتضيا تحقيق

ص: 820

وقوعه حقيقة دون مجاز و لا مبالغة،فأكّد مرّتين هنا و لم يؤكّد نظيره في قوله: فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً في سورة الحاقّة:14،ف(دكا)الأوّل مقصود به رفع احتمال المجاز عن(دكتا)الدّكّ،أي هو دكّ حقيقيّ، و(دكا):الثّاني منصوبا على التّوكيد اللّفظيّ ل(دكا):الأوّل...».

7-و قال أيضا:«و المراد بالأرض:الكرة الّتي عليها النّاس،و دكّها:حطمها و تفرّق أجزائها النّاشئ عن فساد الكون الكائنة عليه الآن؛و ذلك بما يحدثه اللّه فيها من زلازل،كما في قوله: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها».

8-و قال الفخر الرّازي في(2):«رفعت الأرض و الجبال،إمّا بالزّلزلة الّتي تكون في القيامة،و إمّا بريح بلغت من قوّة عصفها أنّها تحمل الأرض و الجبال،أو بملك من الملائكة أو بقدرة اللّه من غير سبب فدكّتا...».و أشار بالزّلزلة و الرّيح إلى قوله:

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها، و فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ الحاقّة:13،و لا ينافيهما ما ذكره من قوله:«أو بملك من الملائكة،لأنّ الملك هو المتصدّي للزّلزلة و نفخ الرّيح».

9-و ضمير التّثنية في فَدُكَّتا راجع إلى جملتي الجبال و الأرض.قال الآلوسيّ:«فضربت الجملتان أثر رفعهما بعضها ببعض ضربة واحدة حتّى تتفتّت و ترجع،كما قال سبحانه: كَثِيباً مَهِيلاً المزّمّل:

14،و قيل:تتفرّق أجزاؤها كما قال سبحانه: هَباءً مُنْبَثًّا الواقعة:6-إلى أن قال:-فالمراد هاهنا فبسطتا بسطة واحدة و سوّيتا فصارتا أرضا لا ترى فيها عوجا و لا أمتا.و لعلّ التّفتّت مقدّمة للتّسوية أيضا».

و نقول:قوله: لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً، مأخوذ من قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً* فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً طه:105-107.

10-و يبدو من اختلاف تعابير القرآن عن مآل الجبال و الأرض يوم القيامة-بقوله: دَكًّا دَكًّا، و دَكَّةً واحِدَةً، و كَثِيباً مَهِيلاً، و هَباءً مُنْبَثًّا، و لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً و يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ و وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مريم:90، و نحوها-أنّ الأرض و الجبال تنعدمان يوم القيامة بقدرة اللّه تعالى بحيث لا يبقى أثر منهما.و الآيات باختلافها تعبّر عن شدّة نفوذ قدرته،فكلّ تعبير يحكي عن تلك القدرة بصورة بليغة،كما قال الطّباطبائيّ في (3):«و بصيرورة الجبل دكّا،أي مدكوكا متحوّلا إلى ذرّات ترابيّة صغار بطلت هويّته،و ذهبت جبلّيّته، و قضى أجله».و الفرق بين الدّكّ،و النّسف، و الرّجف،و الصّفصف غير لفظيّ،لاحظ موادّها.

11-و في(4): قالَ هذا رَحْمَةٌ... القائل هو ذو القرنين،و قالَ عطف على ما قبله من الآيات ابتداء من الآية:95، قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي....

و المراد ب فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي يوم القيامة-و هو المرويّ عن عليّ بن إبراهيم القمّيّ-و جعله الآلوسيّ من مبادئ السّاعة،فقال:«إذ من مبادئها دكّ الجبال

ص: 821

الشّامخة الرّاسخة ضرورة أنّه لا يتمّ بدونها...».كما جاء بعدها: وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً* وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً. لكن يظهر من النّصوص ذيل الآية أنّ المراد يوم ظهور أمّة الإسلام،أو بعد قتل عيسى بن مريم،الدّجّال و غيرها.قال الطّبريّ:

«فإذا جاء وعد ربّي الّذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمّة و خروجها من وراء هذا الرّدم لهم.جعله دكّاء- إلى أن قال:-و ذكر أنّ ذلك يكون كذلك بعد قتل عيسى بن مريم عليه السّلام الدّجّال-إلى أن قال نقلا عن العوّام بن حوشب-:فوجدت تصديق ذلك في كتاب اللّه تعالى: حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ* وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا الأنبياء:96،97،ثمّ ذكر: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي...». و طبّقها على خروج يأجوج و مأجوج،فلاحظ.

12-و قد جاء في(3) دكاء وصفا من الدّكّ، و في غيرها(دكا)مصدرا،لكنّ أبو زرعة-و نحوه غيره-قال:قرأ حمزة و عاصم و الكسائيّ: جعله دكاء... و قرأ الباقون: «(دكّا) منوّنا غير ممدود»، ثمّ ذكر فيها وجهين:

«أحدهما:أن تجعل(دكا)بمعنى مدكوكة دكّا، فقام المصدر مقام المفعول،و العرب تجعل المصدر بمعنى المفعول،فيقولون:هذا درهم ضرب الأمير،أي مضروب الأمير.

و الوجه الآخر:أن يكون معناه دكّه دكّا،فتجعل دكّا مصدرا عن معنى الفعل لا عن لفظه».

و قال في دكاء: «أي جعله مثل دكّاء،ثمّ حذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه،و تقول العرب:ناقة دكّاء،أي لا سنام لها.و لا بدّ من تقدير الحذف،لأنّ الجبل مذكّر فلا يوصف ب(دكاء)لأنّها من وصف المؤنّث.و قال قطرب قوله:(دكاء)صفة، التّقدير:جعله أرضا دكّاء،أي ملساء،فأقيمت الصّفة مقام الموصوف و حذف الموصوف،كما قال سبحانه:

وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً البقرة:83،أي قولا حسنا».

13-و قد قالوا في معنى(دكاء:)مستوية.قال الثّعلبيّ:«ملتزقة مستوية بالأرض،من قولهم:ناقة دكّاء،أي مستوية الظّهر لا سنام لها».

و قال الزّمخشريّ: «و كلّ ما انبسط من بعد ارتفاع فقد اندكّ.و منه:الجمل الأدكّ:المنبسط السّنام».

14-و قد بسطوا ذيل الآية حديث سدّ ذي القرنين،فلاحظ.

15-و في(3): جَعَلَهُ دَكًّا حكى الثّعلبيّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«طارت لعظمته ستّة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة:أحد،و ورقان،و رضوى.و وقع ثلاثة بمكّة:ثور،و ثبيرة،و حراء».

و يبدو أنّها من الإسرائيليّات وضعت هتكا للنّبيّ، و أمثالها كثيرة في التّفاسير.و قالوا:وقع في البحر،أو دخل تحت الأرض،أو ألصقه بالأرض،أو مستويا بالأرض،جعله ترابا و نحوها.

16-و الدّكّ أيضا فيها بمعنى المدكوك.و قرأته

ص: 822

عامّة قرّاء أهل المدينة و البصرة دكا، و عامّة قرّاء الكوفة:(دكّاء)كذا عن الطّبريّ،و أولاهما بالصّواب عنده(دكّاء)احتجاجا بحديث ذكره عن النّبيّ عليه السّلام أنّه قال:«فساخ الجبل»،و شرحها ثمّ قال:«فمعنى الكلام إذا:فلمّا تجلّى ربّه للجبل ساخ،فجعل مكانه أرضا دكّاء».و نحوه عن غيره،فلاحظ النّصوص، و لاحظ:ج ل ي:«تجلّى»،و:ج ب ل:«الجبل»، و:ص ع ق:«صعقا».

و يلاحظ ثانيا:أنّ الآيات جميعها مكّيّة.و يبدو أنّ هذه المادّة كانت من لغاتها.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الهدّ: وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا مريم:90

التّهديم: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ الحجّ:40

الانهيار: فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ التّوبة:109

ص: 823

ص: 824

د ل ك

اشارة

دلوك

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :دلكت السّنبل حتّى انفرك قشره عن حبّه.

و الدّليك:طعام يتّخذ من زبد و لبن،شبيه الثّريد.

و دلكت الشّمس دلوكا:غربت.و يقال:إنّ الدّلوك زوالها عن كبد السّماء أيضا.

و الدّليك:نبيذ التّمر.يطبخ التّمر،ثمّ يدلك بالماء، فيسمّى:دليكا.

و المدلّك:الشّديد الدّلك.

و الدّلوك:اسم الشّيء يتدلّك به من طيب أو غيره.(5:329)

أبو عمرو الشّيبانيّ: التّدليك:الغذاء،دلّكها:

غذّاها.[ثمّ استشهد بشعر](1:246)

الفرّاء: المدالك:الّذي لا يرفع نفسه عن دنيّة و هو مدلك،و هم يفسّرونه:المطول.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 10:118)

أبو عبيد: في حديث أبي وائل في قول اللّه عزّ و جلّ: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ دلوكها:

غروبها.قال:و هو في كلام العرب:«دلكت براح».

و قوله:«دلكت براح»،يقول:غابت و هو ينظر إليها و قد وضع كفّه على حاجبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و فيه لغة أخرى يقال:«دلكت براح»مثل قطام و نزال،غير منوّنة.

و قال الكسائيّ: «يقال:هذا يوم راح،إذا كان شديد الرّيح».

و من قال:دلوكها:زيغها،و دلوكها:دحضها، فهما أيضا ميلها.

و قال غير أبي وائل:الدّلوك:ميلها بعد نصف

ص: 825

النّهار.قال:حدّثنيه يحيى بن سعيد عن عبيد اللّه عن نافع عن ابن عمر.

و أصل الدّلوك:أن تزول عن موضعها.فقد يكون هذا في قول ابن عمر،و قول أبي وائل جميعا.

و في هذا الحديث حجّة لمن ذهب بالقرآن إلى كلام العرب إذا لم يكن فيه حكم و لا حلال و لا حرام؛ أ لا تراه يقول:و هو في كلام العرب:دلكت براح.

(2:387)

سئل الحسن عن الرّجل يدالك أهله؟فقال:«نعم إذا كان ملفجا».

قوله:«يدالك»:يعني المطل بالمهر،و كلّ مماطل فهو مدالك.(الأزهريّ 10:118)

ابن الأعرابيّ: قوله:«دلكت براح»،أي أستريح منها.(الأزهريّ 10:117)

الدّلك:عقلاء الرّجال،و هم الحنك.و رجل دليك:حنيك،قد مارس الأمور و عرفها.

و بعير مدلوك،إذا عاود الأسفار و مرن عليها، و قد دلكته الأسفار.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 10:118)

أشفت الشّمس على الغيوب و شفت و ضرعت، و ضجّعت،و دلكت.(الحربيّ 2:819)

و دلكت الأرض:أكلت.

و رجل مدلوك:ألحّ عليه في المسألة.

(ابن سيده 6:754)

ابن السّكّيت: قد دلكت الشّمس،و دلوكها اصفرارها عند غيوبها حين تزول عن كبد السّماء و هو ميلها،.فهي دالك،و قد دلكت براح.[ثمّ استشهد بشعر](392)

الدّينوريّ: الدّليك:ثمر الورد يحمرّ حتّى يكون كالبسر،و ينضج فيحلو فيؤكل،و له حبّ في داخله هو بزره،و سمعت أعرابيّا من أهل اليمن يقول:للورد عندنا دليك عجيب،كأنّه البسر كبرا و حمرة،حلو لذيذ كأنّه رطب يتهادى.(ابن سيده 6:754)

المبرّد: دلوك الشّمس:من لدن زواله إلى غروبها.(الطّبرسيّ 3:433)

ثعلب :يقول:دلكت الشّمس،إذا مالت.

و يقال:أتيتك عند الدّلك،أي العشيّ.

(الهرويّ 2:648)

ابن دريد :و الدّلك من قولهم:دلكت الثّوب و غيره أدلكه دلكا،إذا مصته لتغسله،و كلّ شيء مرسته فقد دلكته.

و التّمر الدّليك و المريس واحد.

و دالكت الرّجل مدالكة و دلاكا،إذا ماطلته دينه.

و قال رجل للحسن:«أ يدالك الرّجل امرأته، قال:نعم إذا كان ملفجا».الملفج:المفلس.

و دلكت الشّمس،إذا مالت عن كبد السّماء دلوكا،و ذلك الوقت يسمّى الدّلك.

و قال قوم من أهل اللّغة:دلكت،إذا مالت للغروب.

و اختلف الفقهاء في«الدّلوك»،فقال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:دلوك الشّمس أن تميل عن كبد

ص: 826

السّماء،و قال غيره من الفقهاء:دلوكها:غيوبها.

و الدّليك:التّراب الّذي تسفيه الرّيح.

و الدّلوك:كلّما تدالكت به من حوض أو غيره و دلكت العود و غيره،إذا مرنته.

و الدّلكة:دويبّة لا أحقّها.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:296)

الأزهريّ: يقال:«قد دلكت براح و براح»أي قد مالت للزّوال حتّى صار النّاظر يحتاج إذا تبصّرها أن يكسر الشّعاع عن بصره براحته.

و في نوادر العرب:دمكت الشّمس و دلكت، و علت،و اعتلت،كلّ هذا:ارتفاعها.و سمّي ارتفاعها «دلوكا»لزوالها عن مطلعها.و قيل له:دموك لدورانها.

و في حديث عمر أنّه كتب إلى خالد بن الوليد:

«أنّه بلغني أنّه أعدّ لك دلوك عجن بالخمر،و إنّي أظنّكم-آل المغيرة-ذرو النّار».و الدّلوك:اسم الدّواء أو الشّيء الّذي يتدلّك به،كالسّحور لما يتسحّر به،و الفطور لما يفطر عليه.

و قال بعضهم:المدالكة:المصابرة.و قال بعضهم:

المدالكة:الإلحاح في التّقاضي،و كذلك:المعاركة.

و يقال:فرس مدلوك الحرقفة،إذا كان مستويا.

(10:118)

الصّاحب:دلكت السّنبل:إذا فركته فانفرك قشره عن حبّه.

و الدّلوك:غروب الشّمس،و قيل:زوالها عن بطن السّماء.و دلكت فهي تدلك،أي مالت.

و الدّلك:لزوق الشّيء بالشّيء.

و الدّواليك في المشي:التّحفّز فيه،و أن يحيك الماشي،و كذلك الدّءاليك.

و قيل:هو جمع:دؤلوك،و هو الأمر العظيم،تركهم في دؤلوك.

و المدالكة:كالمداعكة،و هو ليّان الدّين.

و الدّليكة:السّمن يدلك فيه التّمر حتّى يخرج نواه ثمّ يذبّل.و قيل:هو طعام شبه الثّريد.

و المدلكة:الفهر.(6:210)

الجوهريّ: دلكت الشّيء بيدي أدلكه دلكا.

و دلكت الشّمس دلوكا:زالت.و قال تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ، و يقال:

دلوكها:غروبها.[ثمّ استشهد بشعر]

و دلك الرّجل غريمه،أي ماطله.

و الدّلوك:ما يدلك به من طيب و غيره.

و الدّليك:التّراب الّذي تسفيه الرّيح.و الدّليك:

طعام يتّخذ من زبد و تمر كالثّريد.

و أنا أظنّ الّذي يقال بالفارسيّة:«چنگال خست.»

و تدلّك الرّجل،أي دلك جسده عند الاغتسال.

و فرس مدلوك الحجبة،إذا لم يكن لحجبته إشراف.(4:1584)

ابن فارس: الدّال و اللاّم و الكاف أصل واحد، يدلّ على زوال شيء عن شيء،و لا يكون إلاّ برفق.

يقال دلكت الشّمس:زالت،و يقال:دلكت:غابت.

و الدّلك:وقت دلوك الشّمس.

ص: 827

و من الباب دلكت الشّيء؛و ذلك أنّك إذا فعلت ذلك لم تكد يدك تستقرّ على مكان دون مكان.

و الدّلوك:ما يتدلّك به الإنسان من طيب و غيره.

و الدّليك:طعام يتّخذ من زبد و تمر شبه الثّريد.

و المدلوك:البعير الّذي قد دلكته الأسفار و كدّته.

و يقال:بل هو الّذي في ركبتيه دلك،أي رخاوة؛ و ذلك أخفّ من الطّرق.و فرس مدلوك الحجبة،أي ليس بحجبته إشراف.و أرض مدلوكة،أي مأكولة؛ و ذلك إذا كانت كأنّها دلكت دلكا.

و يقال:الدّلاكة:آخر ما يكون في الضّرع من اللّبن،كأنّه سمّي بذلك لأنّ اليد تدلك الضّرع.

إنّ للّه تعالى في كلّ شيء سرّا و لطيفة.و قد تأمّلت في هذا الباب من أوّله إلى آخره فلا ترى الدّال مؤتلفة مع اللاّم بحرف ثالث إلاّ و هي تدلّ على حركة و مجيء،و ذهاب و زوال من مكان إلى مكان،و اللّه أعلم.(2:297)

ابن سيده: دلك الشّيء يدلكه دلكا:مرسه و عركه.

و دلكت الثّوب،إذا مصته لتغسله.

و دلكه الدّهر:حنّكه و علّمه.

و تدلّك بالشّيء:تخلّق به.

و الدّلوك:ما تدلّك به من طيب أو غيره.

و الدّلاكة:ما حلب قبل الفيقة الأولى،و قبل أن تجتمع الفيقة الثّانية.

و فرس مدلوك الحجبة:ليس لحجبته إشراف فهي ملساء مستوية.و منه قول ابن الأعرابيّ يصف فرسا:

المدلوك الحجبة،الضّخم الأرنبة.

و الدّليك:طعام يتّخذ من الزّبد و اللّبن،شبه الثّريد.

و الدّليك:التّراب الّذي تسفيه الرّياح.

و دلكت الشّمس تدلك دلوكا:غربت.و قيل:

اصفرّت و مالت للغروب،و في التّنزيل: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ الإسراء:78.

و قيل:دلكت:زالت عند كبد السّماء.و اسم ذلك الوقت:الدّلك.

و دالك الرّجل حقّه:مطله.

و الدّليك:نبات؛واحدته:دليكة.

و الدّلكة:دويبّة،قال ابن دريد:و لا أحقّها.

و دلوك:موضع.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(6:753)

الرّاغب: دلوك الشّمس:ميلها للغروب.قال تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ الإسراء:78، هو من قولهم:دلكت الشّمس:دفعتها بالرّاح،و منه:

دلكت الشّيء في الرّاحة.

و دالكت الرّجل،إذا ماطلته.

و الدّلوك:ما دلكته من طيب،و الدّليك:طعام يتّخذ من الزّبد و التّمر.(171)

الزّمخشريّ: كلّ شيء مرسته فقد دلكته.

و دلك السّنبل حتّى انفرك:قشره من حبّه.

و دلكت المرأة العجين.و دلّك الثّوب:ماصه ليغسله.

و دلك العود مرنه.

ص: 828

و دلك الخفّ على الأرض.

و دلكه الدّلاّك في الحمّام.

و أطعمنا من التّمر الدّليك و هو المريس.

و يقال للحيس:الدّليكة.

و فلان يأكل دليكا من نحي أهله.

و تدلّك بدلوك من نورة أو طيب أو غيره.

و من المجاز:بعير مدلوك:قد عاود السّفر و مرن عليه؛و قد دلكته الأسفار.[ثمّ استشهد بشعر]

و فرس مدلوك الحجبة،إذا لم يكن بها إشراف، كأنّما دلكت دلكا.

و دلكت الشّمس دلوكا:زالت أو غابت، لأنّ النّاظر إليها يدلك عينه فكأنّها هي الدّالكة.

و دالك غريمه:ماطله.،مثل داعكه.تقول:ما هذه المداعكة و المدالكة.(أساس البلاغة:134)

[و في حديث:]«...أعدّوا لك دلوكا عجن بخمر...» الدّلوك:ما تدلك به جسدك من طيب و غيره.(الفائق 1:434)

دلكت الشّمس،إذا زالت و إذا غابت.قيل:لأنّ النّاظر إليها يدلك عينه.و نظيره:أفغر النّجم،إذا استوى على رءوسهم،لأنّ النّاظر إليه يفغر فاه.

(الفائق 1:436)

الطّبرسيّ: الدّلوك:الزّوال.و قيل:هو الغروب.

و أصله من«الدّلك»فسمّي الزّوال دلوكا،لأنّ النّاظر إليها يدلك عينيه لشدّة شعاعها.و سمّي الغروب دلوكا،لأنّ النّاظر يدلك عينيه ليتبيّنها.

(3:433)

ابن الأثير:فيه ذكر«دلوك الشّمس»في غير موضع من الحديث،و يراد به زوالها عن وسط السّماء، و غروبها أيضا.و أصل الدّلوك:الميل.

و في حديث عمر[و قد سبق عن الزّهريّ ثمّ قال:] الدّلوك بالفتح:اسم لما يتدلّك به من الغسولات، كالعدس،و الأشنان،و الأشياء المطيّبة.(2:130)

الفيّوميّ: دلكت الشّيء دلكا،من باب«قتل »:مرسته بيدك.و دلكت النّعل بالأرض:مسحتها بها.

و دلكت الشّمس و النّجوم دلوكا من باب«قعد»:

زالت عن الاستواء،و يستعمل في الغروب أيضا.

(1:199)

الفيروزآباديّ: دلكه بيده:مرسه و دعكه، و الدّهر فلانا:أدّبه و حنّكه،و الشّمس دلوكا:غربت، أو اصفرّت،أو مالت،أو زالت عن كبد السّماء.

و كأمير:تراب تسفيه الرّياح،و طعام من الزّبد و اللّبن،أو زبد و تمر،و نبات،و ثمر الورد الأحمر يخلفه و يحلو كأنّه رطب،و يعرف بالشّام بصرم الدّيك،أو هو الورد الجبليّ،كأنّه البسر كبرا و حمرة، و كالرّطب حلاوة،يتهادى به باليمن،و رجل قد مارس الأمور؛جمعه:كعنق.

و تدلّك به:تخلّق.

و كصبور:ما يتدلّك به.

و كثمامة:ما حلب قبل الفيقة الأولى.

و فرس مدلوك:مدكوك،و رجل ألحّ عليه في المسألة،و بعير دلك بالأسفار،أو الّذي في ركبتيه دلك،محرّكة،أي رخاوة.

ص: 829

و دالكه:ماطله.

و كهمزة:دويبّة.

و كصبور:موضع بحلب.

و الدّواليك:التّحفّز في المشي،كالدّءاليك،و هذه بكسر اللاّم.

و الدّؤلوك:الأمر العظيم؛جمعه:دءاليك أيضا.

(3:312)

الطّريحيّ: يقال:دلكت الشّمس و النّجوم،من باب«قعد»دلوكا،إذا زالت و مالت عن الاستواء.

قال الجوهريّ:و يقال:دلوكها:غروبها.و هو خلاف ما صحّ عن الباقر عليه السّلام من أنّ دلوك الشّمس:زوالها.

قال بعض العارفين:و كأنّهم إنّما سمّوه بذلك، لأنّهم كانوا إذا نظروا لمعرفة انتصاف النّهار دلكوا أعينهم بأيديهم،فالإضافة لأدنى ملابسة.

و الدّلوك كرسول:كلّ شيء يدلك به من طيب و غيره.

و تدلّك الرّجل،أي غسل جسده عند الاغتسال.

و في الحديث:سألته عن الدّلك،فقال:«ناكح نفسه لا شيء عليه».(5:266)

العدنانيّ: دلك الجسد

يظنّون أنّ جملة:دلك الجسد،بمعنى دعكه.هي من أقوال العامّة،مع أنّها فصيحة،كما تقول المعجمات كلّها،و فعلها:هو دلك الجسد يدلكه دلكا:دعكه.

و من معاني دلك:

أ-دلكت الشّمس تدلك دلوكا:زالت عن كبد السّماء.قال تعالى في الآية:78،من سورة الإسراء:

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ، هي دالك و دالكة.

ب-دلك السّنبل دلكا:انفرك قشره عن حبّه.

و يقال:دلكت السّنبل حتّى انفرك قشره عن حبّه.

ج-دلك الشّيء:عركه.

د-دلك الحجر:صقله.

ه-دلك الثّوب:دعكه بيده ليغسله.

و-دلك الوجه و نحوه بالطّيب:ضمّخه.

ز-دلك الدّهر فلانا:أدّبه و حنّكه،مجاز.

ح-دلك غريمة:ماطله.

ط-دلك عقبيه للأمر:تهيّأ له.(225)

مجمع اللّغة :دلك يدلك دلوكا:مال.(1:401)

محمّد إبراهيم إسماعيل:و دلكت الشّمس دلوكا:مالت و زالت عن كبد السّماء في وقت وجودها،في سمت الرّأس إلى المغيب.(1:190)

النّصوص التّفسيريّة

دلوك

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ... الإسراء:78

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:أتاني جبرائيل عليه السّلام لدلوك الشّمس حين زالت فصلّى بي الظّهر.(الطّبريّ 8:125)

جاءني جبرئيل صلّى اللّه عليه و سلّم فصلّى صلاة الظّهر حين زاغت الشّمس،ثمّ جاءني فصلّى العصر حين كان ظلّ كلّ شيء مثله،ثمّ صلّى بي المغرب حين غربت الشّمس،ثمّ صلّى بي العشاء حين غاب الشّفق،ثمّ جاءني فصلّى بي الصّبح حين طلع الفجر،ثمّ جاءني في

ص: 830

الغد فصلّى بي الظّهر حين كان ظلّ كلّ شيء مثله،ثمّ صلّى بي العصر حين كان ظلّ كلّ شيء مثليه،ثمّ صلّى بي المغرب حين غربت الشّمس،ثمّ صلّى بي العشاء حين ذهب ثلث اللّيل،ثمّ صلّى بي الصّبح حين أسفر.

ثمّ قال:هذه صلاة النّبيّين من قبلك فالزمهم.

[و جاءت بهذا المعنى روايات أخرى](الثّعلبيّ 6:121)

ابن مسعود:حين غربت الشّمس دلكت،يعني براح مكانا.

نحوه ابن عبّاس.(الطّبريّ 8:123)

حين غربت الشّمس:هذا و اللّه الّذي لا إله غيره وقت هذه الصّلاة.دلوكها:غروبها.(الطّبريّ 8:123)

دلوكها:ميلها،يعني الشّمس.

نحوه ابن عمر.(الطّبريّ 8:124)

الإمام عليّ عليه السّلام:دلوك الشّمس:غروبها.

(الفخر الرّازيّ 21:25)

نحوه النّخعيّ و السّدّيّ و يمان و ابن زيد.

(الثّعلبيّ 6:120)

ابن عبّاس: بعد زوال الشّمس صلاة الظّهر و العصر.(240)

دلوكها:زوالها.(الطّبريّ 8:124)

مثله جابر بن عبد اللّه و ابن عمرو الحسن و مجاهد و عطاء و قتادة و جعفر بن محمّد و عبيد بن حجر و الشّافعيّ و أبو العالية و مقاتل.(الثّعلبيّ 6:120)، و نحوه أبو عبيدة(1:387).

دلوك الشّمس:زيغها بعد نصف النّهار،يعني الظّلّ.(الطّبريّ 8:124)

مجاهد:حين تزيغ.(الطّبريّ 8:124)

الحسن :الظّهر دلوكها،إذا زالت عن بطن السّماء،و كان لها في الأرض فيء.(الطّبريّ 8:124)

الإمام الباقر عليه السّلام:[في حديث أنّه سئل عمّا فرض اللّه من الصّلاة فقال:]

خمس صلوات في اللّيل و النّهار،فقيل:هل سمّاهنّ و بيّنهنّ في كتابه،فقال:نعم.قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله:

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ و دلوكها:زوالها،ففيما بين دلوك الشّمس إلى غسق اللّيل أربع صلوات سمّاهنّ اللّه و بيّنهنّ و وقّتهنّ.(الكاشانيّ 3:210)

قتادة :إذا زالت الشّمس عن بطن السّماء لصلاة الظّهر.(الطّبريّ 8:124)

مقاتل:يعني إذا زالت الشّمس عن بطن السّماء، يعني عند صلاة الأولى و العصر.(2:546)

ابن زيد :كان أبي يقول:دلوكها:حين تريد الشّمس تغرب إلى أن يغسق اللّيل،قال:هي المغرب حين يغسق اللّيل،و تدلك الشّمس للغروب.

(الطّبريّ 8:123)

الفرّاء: رأيت العرب تذهب بالدّلوك إلى غياب الشّمس.[ثمّ استشهد بشعر](2:129)

الأخفش: دلوك الشّمس:من زوالها إلى غروبها.

(الأزهريّ 10:117)

نحوه المبرّد.(الواحديّ 3:1120)

ابن قتيبة :غروبها،و يقال:زوالها.و الأوّل أحبّ إليّ،لأنّ العرب تقول:دلك النّجم،إذا غاب.

ص: 831

و تقول في الشّمس:دلكت براح:يريدون غربت.

و النّاظر قد وضع كفّه على حاجبه ينظر إليها.

و إنّما ينظر إليها من تحت الكفّ،ليعلم كم بقي لها إلى أن تغيب و يتوقّى الشّعاع بكفّه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](259)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في الوقت الّذي عناه اللّه بدلوك الشّمس،فقال بعضهم:هو وقت غروبها،و الصّلاة الّتي أمر بإقامتها حينئذ:صلاة المغرب.

و قال آخرون:دلوك الشّمس:ميلها للزّوال، و الصّلاة الّتي أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بإقامتها عند دلوكها:

الظّهر.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال:

عنى بقوله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ صلاة الظّهر؛و ذلك أنّ الدّلوك في كلام العرب:الميل.يقال منه:دلك فلان إلى كذا،إذا مال إليه.و منه الخبر الّذي روي عن الحسن أنّ رجلا قال له:أ يدالك الرّجل امرأته؟يعني بذلك:أ يميل بها إلى المماطلة بحقّها.[ثمّ استشهد بشعر](8:123)

الزّجّاج: دلوك الشّمس:زوالها و ميلها في وقت الظّهيرة،و كذلك ميلها إلى الغروب هو دلوكها أيضا.

يقال:قد دلكت براح و براح،أي قد مالت للزّوال حتّى صار النّاظر يحتاج إذا تبصّرها أن يكسر الشّعاع عن بصره براحته.[ثمّ استشهد بشعر](3:255)

الأزهريّ: و الّذي هو أشبه بالحقّ في قول اللّه جلّ و عزّ: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ.... أنّ دلوكها:زوالها نصف النّهار حتّى تكون الآية منتظمة للصّلوات الخمس.المعنى-و اللّه أعلم-:أقم الصّلاة يا محمّد أي أدمها في وقت زوال الشّمس إلى غسق اللّيل،فيدخل فيها صلاتا العشيّ،و هما الظّهر و العصر،و صلاتا العشاء في غسق اللّيل،فهذه أربع صلوات،و الخامسة قوله جلّ و عزّ: وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ، أي و أقم صلاة الفجر،فهذه خمس صلوات فرضت على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و أمّته.و إذا جعلت الدّلوك غروب الشّمس كان الأمر في هذه الآية مقصورا على ثلاث صلوات.

فإن قيل:فما معنى الدّلوك في كلام العرب؟

قيل:الدّلوك:الزّوال،و لذلك قيل للشّمس إذا زالت نصف النّهار:دالكة،و قيل لها إذا أفلت:دالكة لأنّها في الحالتين زائلة.(10:117)

الثّعلبيّ: [نقل الأقوال في معنى دلوكها:غروبها و أضاف:]

و دليل هذا التّأويل حديث عبد اللّه بن مسعود،إنّه كان إذا غرب الشّمس صلّى المغرب و أفطر إن كان صائما،و يحلف باللّه الّذي لا إله إلاّ هو أنّ هذه السّاعة لميقات هذه الصّلاة،و هي الّتي قال اللّه أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ. [ثمّ نقل قول جابر بن عبد اللّه و قال:]

و على هذا التّأويل تكون الآية جامعة لمواقيت الصّلاة كلّها،فدلوك الشّمس:صلاة الظّهر و العصر.

(6:120)

الماورديّ: أمّا دلوك الشمس ففيه تأويلان:

ص: 832

أحدهما:أنّه غروبها و الصّلاة المأمور بها صلاة المغرب...

الثّاني:أنّه زوالها و الصّلاة المأمور بها صلاة الظّهر...

فمن جعل الدّلوك اسما لغروبها،فلأنّ الإنسان يدلك عينيه براحته لتبيّنها.و من جعله اسما لزوالها فلأنّه يدلك عينيه براحته لشدّة شعاعها.

و قيل إنّ أصل الدّلوك في اللّغة هو الميل، و الشّمس تميل عند زوالها و غروبها فلذلك انطلق على كلّ واحد منهما.(3:262)

الطّوسي:اختلفوا في الدّلوك،فقال ابن عبّاس، و ابن مسعود،و ابن زيد:هو الغروب و الصّلاة المأمور بها هاهنا هي المغرب.

و قال ابن عبّاس في رواية أخرى و الحسن، و مجاهد،و قتادة:دلوكها:زوالها،و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام.و ذلك أنّ النّاظر إليها يدلك عينيه،لشدّة شعاعها.و أمّا عند غروبها فيدلك عينيه لقلّة تبيّنها،و الصّلاة المأمور بها عند هؤلاء:

الظّهر.(6:508)

الواحديّ: دلوك الشّمس:زوالها و ميلها في وقت الظّهر،و كذلك ميلها للغروب هو دلوكها أيضا.

(3:120)

اللاّم في قوله: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ لام الأجل و السّبب؛و ذلك لأنّ الصّلاة إنّما تجب بزوال الشّمس، فيجب على المصلّي إقامتها لأجل دلوك الشّمس.

(الفخر الرّازيّ 21:25)

البغويّ: [نقل الأقوال المتقدّمة و قال:]

و معنى اللّفظ يجمعهما،لأنّ أصل الدّلوك:الميل، و الشّمس تميل إذا زالت أو غربت.

و الحمل على الزّوال أولى القولين،لكثرة القائلين به،و لأنّا إذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصّلاة كلّها،ف(دلوك الشمس)يتناول صلاة الظّهر و العصر،و إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ يتناول المغرب و العشاء،و قُرْآنَ الْفَجْرِ هو صلاة الصّبح.

(3:148)

الزّمخشريّ: دلكت الشّمس:غربت،و قيل:

زالت.و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أتاني جبريل عليه السّلام لدلوك الشّمس حين زالت الشّمس،فصلّى بي الظّهر» و اشتقاقه من الدّلك،لأنّ الإنسان يدلك عينه عند النّظر إليها.فإن كان الدّلوك؛الزّوال فالآية جامعة للصّلوات الخمس،و إن كان الغروب فقد خرجت منها الظّهر و العصر.(2:462)

ابن عطيّة: قوله: أَقِمِ الصَّلاةَ... هذه بإجماع من المفسّرين إشارة إلى الصّلوات المفروضة...

فالآية على هذا تعمّ جميع الصّلوات.و روى ابن مسعود أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«أتاني جبريل لِدُلُوكِ الشَّمْسِ حين زالت،فصلّى بي الظّهر»...

و قال ابن مسعود و ابن عبّاس و زيد بن أسلم:

(دلوك الشمس):غروبها،و الإشارة بذلك إلى المغرب،و غَسَقِ اللَّيْلِ: اجتماع ظلمته،فالإشارة إلى العتمة و قُرْآنَ الْفَجْرِ: صلاة الصّبح،و لم تقع إشارة على هذا إلى الظّهر و العصر.

ص: 833

و القول الأوّل أصوب لعمومه الصّلوات،و هما من جهة اللّغة حسنان؛و ذلك أنّ الدّلوك هو الميل في اللّغة.فأوّل الدّلوك هو الزّوال،و آخره هو الغروب، و من وقت الزّوال إلى الغروب يسمّى دلوكا،لأنّها في حالة ميل.فذكر اللّه الصّلوات الّتي في حالة الدّلوك و عنده،فيدخل في ذلك الظّهر و العصر و المغرب، و يصحّ أن تكون المغرب داخلة في غَسَقِ اللَّيْلِ.

و من الدّلوك الّذي هو الميل قول الأعرابيّ للحسن بن أبي الحسن:أ يدالك الرّجل امرأته؟يريد:

أ يميل بها إلى المطل في دينها؟فقال له الحسن:نعم إذا كان ملفجا،أي عديما.[ثمّ استشهد بشعر](3:477)

الطّبرسيّ: اختلف المفسّرون في«الدّلوك»، فقال قوم:دلوك الشّمس:زوالها،و هو قول ابن عبّاس،-بخلاف-و ابن عمر،و جابر،و أبي العالية، و الحسن،و الشّعبي و عطاء،و مجاهد،و قتادة.

و الصّلاة المأمور بها على هذا هي صلاة الظّهر،و هو المرويّ عن أبي جعفر عليه السّلام،و أبي عبد اللّه عليه السّلام.و معنى قوله: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ أي عند دلوكها.

و قال قوم:دلوكها:غروبها،و هو قول النّخعيّ، و الضّحّاك،و السّدّيّ.و الصّلاة المأمور بها على هذا هي المغرب،و روي ذلك عن ابن مسعود،و ابن عبّاس.

و القول الأوّل هو الأوجه،لتكون الآية جامعة للصّلوات الخمس.فصلاتا دلوك الشّمس:الظّهر و العصر.(3:434)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:71)

الفخر الرّازيّ: اختلف أهل اللّغة و المفسّرون في معنى دلوك الشّمس على قولين.

أحدهما:أنّ دلوكها:غروبها.و هذا القول مرويّ عن جماعة من الصّحابة،فنقل الواحديّ في«البسيط» عن عليّ عليه السّلام أنّه قال:«دلوك الشّمس غروبها».

و روى زرّ بن حبيش أنّ عبد اللّه بن مسعود قال:

دلوك الشّمس:غروبها،و روى سعيد بن جبير هذا القول عن ابن عبّاس.و هذا القول اختيار الفرّاء و ابن قتيبة من المتأخّرين.

و القول الثّاني:أنّ دلوك الشّمس هو زوالها عن كبد السّماء،و هو اختيار الأكثرين من الصّحابة و التّابعين.و احتجّ القائلون بهذا القول على صحّته بوجوه:

الحجّة الأولى:روى الواحديّ في«البسيط»عن جابر أنّه قال:طعم عندي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه ثمّ خرجوا حين زالت الشّمس،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«هذا حين دلكت الشّمس».

الحجّة الثّانية:روى صاحب«الكشّاف»عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«أتاني جبريل عليه السّلام لدلوك الشّمس حين زالت الشّمس،فصلّى بي الظّهر».

الحجّة الثّالثة:قال أهل اللّغة:معنى الدّلوك في كلام العرب:الزّوال،و لذلك قيل للشّمس إذا زالت نصف النّهار:دالكة،و قيل لها إذا أفلت:دالكة،لأنّها في الحالتين زائلة.هكذا قاله الأزهريّ.و قال القفّال:

أصل الدّلوك:الميل.يقال:مالت الشّمس للزّوال، و يقال:مالت للغروب.

ص: 834

إذا عرفت هذا،فنقول:وجب أن يكون المراد من الدّلوك هاهنا الزّوال عن كبد السّماء،و ذلك لأنّه تعالى علّق إقامة الصّلاة بالدّلوك،و الدّلوك عبارة عن الميل و الزّوال،فوجب أن يقال:إنّه أوّل ما حصل الميل و الزّوال تعلّق به هذا الحكم،فلمّا حصل هذا المعنى حال ميلها من كبد السّماء،وجب أن يتعلّق به وجوب الصّلاة،و ذلك يدلّ على أنّ المراد من «الدّلوك»في هذه الآية:ميلها عن كبد السّماء.و هذه حجّة قويّة في هذا الباب استنبطتها بناء على ما اتّفق عليه أهل اللّغة:أنّ الدّلوك عبارة عن الميل و الزّوال، و اللّه أعلم.

الحجّة الرّابعة:قال الأزهريّ:الأولى حمل «الدّلوك»على الزّوال في نصف النّهار،و المعنى: أَقِمِ الصَّلاةَ، أي أدمها من وقت زوال الشّمس إلى غسق اللّيل،و على هذا التّقدير فيدخل فيه الظّهر و العصر و المغرب و العشاء.ثمّ قال: وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ، فإذا حملنا«الدّلوك»على الزّوال دخلت الصّلوات الخمس في هذه الآية،و إن حملناه على الغروب لم يدخل فيه إلاّ ثلاث صلوات،و هي:المغرب و العشاء و الفجر.و حمل كلام اللّه تعالى على ما يكون أكثر فائدة أولى،فوجب أن يكون المراد من الدّلوك الزّوال.

و احتجّ الفرّاء على قوله:الدّلوك هو الغروب.

[ثمّ استشهد بشعر]

و اعلم أنّ هذا الاستدلال ضعيف،لأنّ عندنا الدّلوك عبارة عن الميل و التّغيّر و هذا المعنى حاصل في الغروب،فكان الغروب نوعا من أنواع الدّلوك،فكان وقوع لفظ الدّلوك على الغروب لا ينافي وقوعه على الزّوال،كما أنّ وقوع لفظ الحيوان على الإنسان لا ينافي وقوعه على الفرس.و منهم من احتجّ أيضا على صحّة هذا القول بأنّ الدّلوك اشتقاقه من الدّلك، لأنّ الإنسان يدلك عينيه عند النّظر إليها،و هذا إنّما يصحّ في الوقت الّذي يمكن النّظر إليها،و معلوم أنّها عند كونها في وسط السّماء لا يمكن النّظر إليها،أمّا عند قربها من الغروب فيمكن النّظر إليها،و عند ما ينظر الإنسان إليها في ذلك الوقت يدلك عينيه،فثبت أنّ لفظ«الدّلوك»مختصّ بالغروب.

و الجواب:أنّ الحاجة إلى ذلك التّبيين عند كونها في وسط السّماء أتمّ،فهذا الّذي ذكرته بأن يدلّ على أنّ الدّلوك عبارة عن الزّوال من وسط السّماء أولى، و اللّه أعلم.(21:25)

القرطبيّ: [اكتفى بنقل الأقوال](10:303)

البيضاويّ: أي لزوالها،و يدلّ عليه قوله عليه السّلام:

«أتاني جبريل لدلوك الشّمس حين زالت فصلّى بي الظّهر».و قيل:لغروبها،و أصل التّركيب للانتقال، و منه الدّلك،فإنّ الدّالك لا تستقرّ يده،و كذا كلّ ما تركّب من الدّال و اللاّم ك«دلج و دلح و دلع و دلف و دله».و قيل:الدّلوك:من الدّلك لأنّ النّاظر إليها يدلك عينيه ليدفع شعاعها،و اللاّم للتّأقيت مثلها في «لثلاث خلون.».(1:594)

نحوه أبو حيّان(6:68)،و أبو السّعود(4:150)، و شبّر(4:41).

ص: 835

النّسفيّ: لزوالها و على هذه الآية جامعة للصّلوات الخمس،أو لغروبها و على هذا يخرج الظّهر و العصر.(2:325)

السّمين:قوله تعالى: لِدُلُوكِ في هذه اللاّم وجهان:

أحدهما:أنّها بمعنى«بعد»،أي بعد دلوك الشّمس،و مثله قول متمّم بن نويرة:

فلمّا تفرّقنا كأنّي و مالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

و مثله قولهم:كتبته لثلاث خلون.

و الثّاني:أنّها على بابها،أي لأجل دلوك.قال الواحدي:لأنّها إنّما تجب بزوال الشّمس.

و الدّلوك:مصدر دلكت الشّمس.و فيه ثلاثة أقوال،أشهرها:أنّه الزّوال،و هو نصف النّهار.

و الثّاني:أنّه من الزّوال إلى الغروب...

و الثّالث:أنّه الغروب.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:412)

الآلوسيّ: [نقل الأقوال و أضاف:]

و أصل مادّة«د ل ك»تدلّ على الانتقال،ففي الزّوال انتقال من دائرة نصف النّهار إلى ما يليها،و في الغروب انتقال من دائرة الأفق إلى ما تحتها،و كذا في الدّلك المعروف انتقال اليد من محلّ إلى آخر،بل كلّ ما أوّله دال و لام-مع قطع النّظر عن آخره-يدلّ على ذلك ك«دلج»بالجيم من الدّلجة و هي سير اللّيل، و كذا دلج بالدّلو إذا مشى بها من رأس البئر للمصبّ، و«دلح»بالحاء المهملة إذا مشى مشيا متثاقلا،و«دلع» بالعين المهملة إذا أخرج لسانه،و«دلف»بالفاء إذا مشى مشية المقيّد،و بالقاف إذا أخرج المائع من مقرّه، و«و له»إذا ذهب عقله،و فيه انتقال معنويّ،إلى غير ذلك.و هذا المعنى يشمل كلا المعنيين السّابقين،و إن قيل:إنّ الانتقال في الغروب أتمّ،لأنّه انتقال من مكان إلى مكان و من ظهور إلى خفاء،و ليس في الزّوال إلاّ الأوّل.

و قيل:إنّ الدّلوك مصدر مزيد مأخوذ من المصدر المجرّد،أعني الدّلك المعروف،و هو أظهر في الزّوال، لأنّ من نظر إلى الشّمس حينئذ يدلك عينه.و يكون على هذا في(دلوك الشمس)تجوّز عن دلوك ناظرها.

و قد يستأنس في ترجيح القول الأوّل مع ما سبق، بأنّ أوّل صلاة صلاّها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم نهار ليلة الإسراء الظّهر،و قد صحّ أنّ جبريل عليه السّلام ابتدأ بها،حين علم النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام كيفيّة الصّلاة في يومين.

و قال المبرّد:«دلوك الشّمس من لدن زوالها إلى غروبها»فالأمر بإقامة الصّلاة لدلوكها أمر بصلاتين الظّهر و العصر،و على القولين الآخرين أمر بصلاة واحدة الظّهر أو العصر.و اللاّم للتّأقيت متعلّقة ب(اقم)و هي بمعنى«بعد».[ثمّ استشهد بشعر]

و منه كتبته لثلاث خلون من شهر،و تكون بمعنى «عند»أيضا.و قال الواحديّ:هي للتّعليل،لأنّ دخول الوقت سبب لوجوب الصّلاة.(15:132)

القاسميّ: أي لزوالها.قال ابن تيميّة:الدّلوك:

الزّوال عند أكثر السّلف،و هو الصّواب.و اللاّم

ص: 836

للتّأقيت،أي بيان الوقت بمعنى«بعد»و تكون بمعنى «عند»أيضا.و قيل:للتّعليل،لأنّ دخول الوقت سبب لوجوب الصّلاة.(10:3959)

المراغيّ: أي أدّ الصّلاة المفروضة عليك بعد دلوك الشّمس و زوالها إلى ظلمة اللّيل،و يشمل ذلك الصّلوات الأربعة:الظّهر و العصر و المغرب و العشاء.

(15:82)

ابن عاشور :كان شرع الصّلوات الخمس للأمّة ليلة الإسراء،كما ثبت في الحديث الصّحيح.و لكنّه كان غير مثبت في التّشريع المتواتر،إنّما أبلغه النّبيّ أصحابه،فيوشك أن لا يعلمه غيرهم ممّن يأتي من المسلمين.و أيضا فقد عيّنت الآية أوقاتا للصّلوات بعد تقرّر فرضها،فلذلك جاءت هذه الآية في هذه السّورة الّتي نزلت عقب حادث الإسراء،جمعا للتّشريع الّذي شرع للأمّة أيّامئذ،المبتدأ بقوله تعالى: وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ... الإسراء:23.

فالجملة استئناف ابتدائيّ،و مناسبة موقعها عقب ما قبلها أنّ اللّه لما امتنّ على النّبيّ بالعصمة و بالنّصر، ذكّره بشكر النّعمة بأن أمره بأعظم عبادة يعبده بها، و بالزّيادة منها طلبا لازدياد النّعمة عليه،كما دلّ عليه قوله في آخر الآية: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً الإسراء:79.

فالخطاب بالأمر للنّبيّ،و لكن قد تقرّر من اصطلاح القرآن أنّ خطاب النّبيّ بتشريع تدخل فيه أمّته،إلاّ إذا دلّ دليل على اختصاصه بذلك الحكم.

و قد علم المسلمون ذلك و شاع بينهم؛بحيث ما كانوا يسألون عن اختصاص حكم إلاّ في مقام الاحتمال القويّ،كمن سأله:أ لنا هذه أم للأبد؟فقال:بل للأبد.

و الإقامة:مجاز في المواظبة و الإدامة،و قد تقدّم عند قوله تعالى: وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ في أوّل سورة البقرة:3.

و اللاّم في لِدُلُوكِ الشَّمْسِ لام التّوقيت،و هي بمعنى«عند».

و الدّلوك:من أحوال الشّمس،فورد بمعنى زوال الشّمس عن وسط قوس فرضيّ في طريق مسيرها اليوميّ.و ورد بمعنى:ميل الشّمس عن مقدار ثلاثة أرباع القوس و هو وقت العصر،و ورد بمعنى غروبها، فصار لفظ الدّلوك مشتركا في المعاني الثّلاثة.

و الغسق:الظّلمة،و هي انقطاع بقايا شعاع الشّمس حين يماثل سواد أفق الغروب سواد بقيّة الأفق،و هو وقت غيبوبة الشّفق؛و ذلك وقت العشاء، و يسمّى العتمة،أي الظّلمة.

و قد جمعت الآية أوقاتا أربعة،فالدّلوك يجمع ثلاثة أوقات باستعمال المشترك في معانيه،و القرينة واضحة.و فهم من حرف(الى)الّذي للانتهاء أنّ في تلك الأوقات صلوات،لأنّ الغاية كانت لفعل أَقِمِ الصَّلاةَ فالغاية تقتضي تكرّر إقامة الصّلاة.و ليس المراد غاية لصلاة واحدة جعل وقتها متّسعا،لأنّ هذا فهم ينبو عنه ما تدلّ عليه اللاّم في قوله: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ من وجوب إقامة الصّلاة عند الوقت المذكور،لأنّه الواجب أو الأكمل.و قد زاد عمل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بيانا للآية.

ص: 837

و أمّا مقدار الاتّساع فيعرف من أدلّة أخرى،و فيه خلاف بين الفقهاء.فكلمة«دلوك»لا تعادلها كلمة أخرى.(14:143)

مغنيّة:اللاّم للتّعليل،أي بسبب دلوك الشّمس، أو بمعنى«عند»مثل:كتبته لخمس خلون من شهر كذا.

و اختلفوا في المراد من الدّلوك،قيل:هو غروب الشّمس،و قيل:بل زوالها عن كبد السّماء،و هو قول الأكثر...

و في تفاسير السّنة و الشّيعة أنّ هذه الآية تشمل الصّلوات الخمس:الظّهر و العصر،و يدخلان في دلوك الشّمس:و المغرب و العشاء...

و تجدر الإشارة إلى أنّ الفقهاء يبدءون في كتبهم بالكلام عن صلاة الظّهر،تبعا لقوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ حيث بدأ سبحانه بوقتها بالإضافة إلى ما جاء في الرّوايات،من أنّ الظّهر أوّل ما فرض من الصّلاة في الإسلام ثمّ غيرها على التّرتيب،و كان ذلك بمكّة ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة.(5:73)

الطّباطبائيّ: و قد اختلف المفسّرون في تفسير صدر الآية،و المرويّ عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام من طرق الشّيعة تفسير(دلوك الشمس):بزوالها، و غَسَقِ اللَّيْلِ بمنتصفه.و سيجيء الإشارة إلى الرّوايات في البحث الرّوائيّ الآتي إن شاء اللّه.

و عليه فالآية تشمل من الوقت ما بين زوال الشّمس و منتصف اللّيل.و الواقع في هذا المقدار من الوقت من الفرائض اليوميّة أربع:صلاة الظّهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة.و بانضمام صلاة الصّبح -المدلول عليها بقوله: وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ... -إليها تتمّ الصّلوات الخمس اليوميّة.(13:174)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو إمرار شيء على شيء؛بحيث يصدق المسح و المرس، و هو أقوى و أشدّ من المسح.و يعتبر في مفهوم المرس جهة الضّغط أيضا.

فمن مصاديق الدّلك:إمرار اليد على شيء، و مسح الطّيب،و دلك الخفّ على الأرض،و دلك الضّرع،و غيرها.

و أمّا دلوك الشّمس:فالظّاهر أنّه مرورها على آخر خطّ من الأرض،فكأنّ الشّمس قد دلكت عليها في الأفق الغربيّ عند الغروب و في نظر النّاظر.و أمّا مرورها على نصف النّهار و عنه:فلا يصدق عليه الدّلك.

فظهر أنّ مفاهيم الزّوال و الغيبوبة و المسح:من لوازم الأصل. أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ الإسراء:78،فيراد منه:مغرب الشّمس المحسوس بدلوكها و مرورها إلى الأفق و عنه.

و هذه الآية الكريمة ليست في مقام بيان أوقات الصّلوات،بل النّظر فيها إلى جهة التّوجّه و الدّعوة المناسبة،في ساعات أوائل اللّيل و آخره.

و يؤيّده آخر الآية وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ الإسراء:79.

ص: 838

و نظير الآية: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ هود :114،و هكذا وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها طه:130،فليس النّظر إلى جهة تعيين أوقات الصّلوات،مع أنّ الآية الأخيرة راجعة إلى مطلق التّسبيح.

و أمّا ما في بعض الرّوايات الشّريفة:من تطبيق الدّلوك على الزّوال،فمن باب التّأويل،و إرادة مطلق مفهوم المرور،و اللّه العالم.

و التّعبير باللاّم في لِدُلُوكِ دون حرف«في» و دون التّعبير بالغروب،إشارة إلى أنّ إقامة الصّلاة ليست محدودة بوقت الدّلوك و الغروب و فيهما،بل لتحقّق الدّلوك و لوقوعه إلى غسق اللّيل،و أنّ الدّلوك قبل الغروب،فبتحقّق الدّلوك يتحقّق الغروب،و هو أوّل وقت الإقامة و التهيّؤ لها.

و أمّا المغرب الشّرعيّ و ذهاب الحمرة المشرقيّة:

فهو علامة تحقّق الدّلوك،و وقوع الغروب الحقيقيّ في الأفق الغربيّ،فإنّ الأفق الحقيقيّ و رؤيته ثمّ العلم بغروب الشّمس فيه مشكل جدّا،و لا سيّما في الأراضي غير المسطّحة.

فظهر لطف التّعبير بالمادّة في هذا المورد.(3:233)

فضل اللّه :و هذا ما أراد اللّه إثارته في وعي الرّسول-بصفته الإنسان المسلم الأوّل-و السّائرين في خطاه،أن يقيم الصّلاة في جميع أوقات اليوم،كي تحتوي الزّمن كلّه،فلا يبتعد الإنسان عن اللّه في وقت، حتّى تأتيه الصّلاة لترجعه إليه في وقت آخر،و بذلك لا يخلو ذهنه من اللّه في أيّة لحظة،لأنّ عمق المسئوليّة المتّصلة باللّه،تفرض تنمية هذا الحضور الدّائم في وعيه و وجدانه،فتتحرّك التّوبة لتطوّق المعصية،و تنطلق الاستقامة لتواجه الانحراف،و يتفجّر النّور ليهزم الظّلام،و هكذا حتّى يستطيع هذا الإنسان أن يغيّر نفسه،و يطوّر حياته بين يدي اللّه.

و هكذا كان اللّه يريد للإنسان أن يقيم الصّلاة عند دلوك الشّمس،المفسّر بالزّوال لدى بعض،أو من لدن زوالها إلى غروبها لدى بعض آخر،لتحدّد له صلاة الظّهر و العصر،و ربّما فسّرها ثالث بالغروب.

و حاول بعض أن يفلسف المسألة في التّفسيرين الأوّلين بأنّ أصله من«الدّلك»فسمّي الزّوال دلوكا، لأنّ النّاظر إليها يدلك عينيه لشدّة شعاعها،و في التّفسير الثّالث،أنّ الغروب سمّي دلوكا،لأنّ النّاظر يدلك عينيه ليتبيّنها،كما ورد في«مجمع البيان.».

و لكنّ الظّاهر هو التّفسير الأوّل،لأنّ الثّالث، يعني عدم التّعرّض لصلاة النّهار،فلا تكون الآية شاملة لأوقات الصّلاة كلّها.(14:201)

مكارم الشّيرازيّ: دلوك الشّمس يعني زوال الشّمس من دائرة نصف النّهار،و الّتي يتحدّد معها وقت الظّهر.و في الأصل:فإنّ«دلوك»مأخوذة من «دلك»حيث إنّ الإنسان يقوم بدلك عينيه في ذلك الوقت لشدّة ضوء الشّمس،أو أنّ كلمة«دلك»تعني «الميل»حيث إنّ الشّمس تميل من دائرة نصف النّهار من طرف المغرب،أو أنّها تعني أنّ الإنسان يضع يده في قبال الشّمس؛حيث يقال:بأنّ الشّخص يمنع النّور عن عينيه و يميله عنه.

ص: 839

على أيّ حال،في الرّواية الّتي وصلتنا عن أهل البيت عليهم السّلام توضّح لنا أنّ معنى«دلوك»هو زوال الشّمس.فقد روى العامليّ في«وسائل الشّيعة»أنّ عبيد بن زرارة سأل الإمام الصّادق عليه السّلام عن تفسير الآية،فقال:عليه السّلام:«إنّ اللّه افترض أربع صلوات أوّل وقتها زوال الشّمس إلى انتصاف اللّيل،منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشّمس إلى غروب الشّمس،إلاّ أنّ هذه قبل هذه،و منها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشّمس إلى انتصاف اللّيل إلاّ أنّ هذه قبل هذه».

و في رواية أخرى رواها المحدّث الكبير زرارة بن أعين عن الإمام الباقر عليه السّلام،في تفسير الآية،قال عليه السّلام:

«دلوكها:زوالها،و غسق اللّيل:إلى نصف اللّيل،ذلك أربع صلوات وضعهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و وقّتهنّ للنّاس، و قرآن الفجر:صلاة الغداة».

لكن وضع بعض المفسّرين احتمالات أخرى لمعنى«دلوك»إلاّ أنّا آثرنا تركها،لأنّها لا تستحقّ الذّكر.(9:77)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّلك،أي المرس و العرك.يقال:دلكت الشّيء بيدي أدلكه دلكا،أي مرسته و عركته،و دلكت السّنبل حتّى انفرك قشره عن حبّه،و دلكت الثّوب،إذا مصته لتغسله.

و تدلّك الرّجل:دلك جسده عند الاغتسال، و تدلّك بالشّيء:تخلّق به و تضمّخ.و الدّلوك:ما يتدلّك به من طيب و غيره،و في الخبر أنّ خالد بن الوليد دخل حمّاما في الشّام،فتدلّك بدلوك عجن بالخمر،فكتب إليه عمر:«بلغني أنّه أعدّ لك دلوك عجن بالخمر،و إنّي أظنّكم-آل المغيرة-ذرو النّار».

و الدّليك:التّراب الّذي تسفيه الرّياح،لأنّه يمرس وجه الأرض.

و الدّليك:نبات؛واحدته:دليكة،و لعلّه سمّي بذلك لأنّه يدلك ورقه أو بذره أو أيّ شيء منه.

و الدّليك:ثمر الورد يحمرّ حتّى يكون كالبسر، و ينضج فيحلو فيؤكل،و له حبّ في داخله هو بزره، و كأنّه يدلك بالأكل أو اليد.

و التّدليك:الغذاء،لأنّه يمرس و يعرك.يقال:

دلّكها،أي غذّاها،و دلكت الأرض:أكلت،لأنّها دلكت دلكا.

و يقال مجازا:دلكه الدّهر،أي حنّكه و علّمه، و رجل دليك:حنيك قد مارس الأمور و عرفها، و الدّلك:عقلاء الرّجال،و هم الحنك،و بعير مدلوك، إذا عاود الأسفار و مرن عليها،و قد دلكته الأسفار.

و الدّلك:المطل و المماطلة.يقال:دلك الرّجل حقّه:مطله،و دلك الرّجل غريمه:ماطله،و رجل مدلوك:ألحّ عليه في المسألة.

و المدالكة:المعاركة و المصابرة و الإلحاح في التّقاضي.يقال:دالكت الرّجل مدالكة و دلاكا،إذا ماطلته دينه،و المدالك:الّذي لا يرفع نفسه عن دنيّة، و هو مدلك.

و منه أيضا:الدّلك،و هو وقت زوال الشّمس عن

ص: 840

كبد السّماء،و كأنّها تدلك السّماء بحركتها.يقال:

دلكت براح و براح،أي قد مالت للزّوال حتّى كاد النّاظر يحتاج إذا تبصّرها إلى أن يكسر الشّعاع عن بصره براحته،و دلكت الشّمس تدلك دلوكا:غربت، و قيل:اصفرّت و مالت للغروب.

2-و ليس الدّلك كالمسح كما ذهب بعض إلى ذلك؛إذ لا نظير للمسح إلاّ المشّ،انظر«م س ح».

و من نظائر الدّلك في اللّغة:الفصع و المرس و المرث و المغث و العرك و الدّعك و الفرك.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المصدر:(دلوك)مرّة،في آية:

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً

الإسراء:78

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها بحوثا:

1-الدّلوك لغة هو المرور،و المراد ب(دلوك الشمس):مرورها.و في المراد به في الآية خلاف بين المفسّرين و في الرّوايات.فحكى الطّبريّ و غيره عن بعضهم أنّ المراد بدلوكها:غروبها،و عن بعضهم:ميلها للزّوال،و جعله أولى بالصّواب بحجّة أنّ«الدّلك»في كلام العرب الميل.يقال منه:دلك فلان إلى كذا،إذا مال إليه،و ذكر خبرا فيه عن الحسن.

و قد جعله الأزهريّ أيضا أشبه بالحقّ،حتّى تكون الآية منتظمة للصّلوات الخمس.و المراد بها الآية الأولى من الآيتين: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً* وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً. فتشمل(دلوك الشمس الى غسق الليل)أربع صلوات:الظّهر، و العصر،و المغرب،و العشاء،و قُرْآنَ الْفَجْرِ صلاة الفجر.و هذا العامّة المؤمنين،و وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ للنّبيّ خاصّة.

2-و هذا القول-كما قال الطّوسيّ-هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام-ثمّ قال:و ذلك أنّ النّاظر إليها يدلك عينيه لشدّة شعاعها،و أمّا عند غروبها فيدلك عينيه لقلّة تبيّنها.و الصّلاة المأمور بها عند هؤلاء الظّهر.

و قال البغويّ-بعد نقله الأقوال-:«و معنى اللّفظ يجمعهما،لأنّ أصل الدّلوك:الميل،و الشّمس تميل إذا زالت أو غربت.و الحمل على الزّوال أولى القولين لكثرة القائلين به،و لأنّا إذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصّلاة كلّها»،و ذكر مثل ما ذكرناه.

و قال ابن عطيّة:«هذه بإجماع من المفسّرين إشارة إلى الصّلوات المفروضة...».

و قد ذكر الطّبرسيّ أسماء الّذين اختلفوا في الدّلوك أنّه الظّهر أو الغروب،ثمّ قال:«و القول الأوّل هو الأوجه لتكون الآية جامعة للصّلوات الخمس، فصلاتا دلوك الشّمس:الظّهر و العصر».

و قد قال الفخر الرّازيّ في كون الدّلوك الغروب:

«و هذا القول مرويّ عن جماعة من الصّحابة».و ذكر منهم عليّا عليه السّلام،و ابن مسعود،و ابن عبّاس في

ص: 841

أحد قوليه و آخرين،و حكى القول الآخر عن أكثر الصّحابة و التّابعين،و ذكر حججهم الثّلاث،و هما روايتان عن النّبيّ عليه السّلام،و كلام العرب أنّ الدّلوك:

الزّوال،و لذلك قيل للشّمس إذا زالت نصف النّهار:

دالكة،و قيل لها إذا أفلت:دالكة،لأنّها في الحالتين زائلة.و قال:«و هكذا قاله الأزهريّ»،ثمّ رجّح الزّوال،لأنّه أوّل ما حصل الميل،و قال:و هذه حجّة قويّة في هذا الباب استنبطتها بناء على ما اتّفق عليه أهل اللّغة أنّ الدّلوك عبارة عن الميل و الزّوال،و اللّه أعلم».

ثمّ ذكر الحجّة الرّابعة و هي ما ذكره الأزهريّ و غيره أنّ الآية تشمل الصّلوات الخمس بناء على الزّوال دون الغروب،ثمّ ذكر احتجاج الفرّاء عليه بالشّعر.ثمّ ردّ على هذه الحجّة بما لا طائل تحته.و نحوه الآلوسيّ فقد أطال الكلام في الدّلوك بنحو ما حكينا عن الآخرين،فلاحظ.و ذكر السّمين القولين، و أضاف قولا آخر و هو أنّ الدّلوك:الزّوال إلى الغروب.

و أمّا ابن عاشور فقد نبّه على أنّ شرع الصّلوات الخمس للأمّة كانت ليلة الإسراء،و لكنّه كان غير مثبت في التّشريع المتواتر،إنّما أبلغه النّبيّ أصحابه، فيوشك أن لا يعلمه غيرهم ممّن يأتي من المسلمين، فلذلك جاءت هذه الآية في هذه السّورة-الإسراء- الّتي نزلت عقيب حادث الإسراء جمعا للتّشريع الّذي شرع يومئذ بقوله في:23، وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ، إلى آخر الآيات إلى أن قال في أَقِمِ الصَّلاةَ...: «فالجملة استئناف ابتدائيّ،و مناسبة موقعها عقب ما قبلها أنّ اللّه لمّا امتنّ على النّبيّ بالعصمة و بالنّصر،ذكّره بشكر النّعمة،بأنّ أمره بأعظم عبادة يعبده بها،و بالزّيادة منها طلبا لازدياد النّعمة عليه،كما دلّ عليه قوله في آخر الآية:79، عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً...».

3-و نقول مع اتّفاق أكثر المفسّرين على أنّ هذه الآية راجعة إلى الصّلوات الخمس-كما اعترف به مغنيّة-قال المصطفويّ-بعد حملها على الغروب في كلام طويل له-:«و هذه الآية الكريمة ليست في مقام بيان أوقات الصّلوات،بل النّظر فيها إلى جهة التّوجّه و الدّعوة المناسبة في ساعات أوائل اللّيل و آخره، و يؤيّده آخر الآية وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ.

و نظير الآية: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ هود:

114،و هكذا: وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها طه:130.فليس النّظر إلى جهة تعيين أوقات الصّلوات مع أنّ الآية الأخيرة راجعة إلى مطلق التّسبيح.و أمّا ما في بعض الرّوايات الشّريفة من تطبيق«الدّلوك»على الزّوال،فمن باب التّأويل،و إرادة مطلق مفهوم المرور،و اللّه العالم».

4-و في اللاّم من لِدُلُوكِ الشَّمْسِ خلاف.

فقال الواحديّ:«لام الأجل و السّبب،و ذلك لأنّ الصّلاة إنّما تجب بزوال الشّمس،فيجب على المصلّي إقامتها لأجل دلوك الشّمس».

و قال البيضاويّ: «و اللاّم للتّأقيت مثلها في لثلاث خلون».و قال الآلوسيّ:«و اللاّم للتّأقيت

ص: 842

متعلّقة ب(اقم)و هي بمعنى«بعد»،و استشهد بشعر يأتي،و بقولهم:«كتبته لثلاث خلون من شهر»، و أضاف:«و تكون بمعنى«عند»أيضا».

و قال السّمين:«في هذه اللاّم وجهان:أحدهما:

أنّه بمعنى«بعد»أي بعد دلوك الشّمس،و مثله قول متمّم بن نويرة:

فلمّا تفرّقنا كأنّي و مالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

و مثله قولهم:كتبه لثلاث خلون.

و الثّاني:قول الواحديّ،و اختاره ابن عاشور أيضا».

و ثانيا:أنّ الآية تشريع مكّيّ جاءت في سورة الإسراء بعد حكاية الإسراء في صدرها.

و ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الغروب: وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ق:39

الوقوب: وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ الفلق:3

الأفول: فَلَمّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ الأنعام:78

الخنوس: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ التّكوير:15

ص: 843

ص: 844

د ل ل

اشارة

5 ألفاظ،7 مرّات:6 مكّيّة،1 مدنيّة

في 5 سور:4 مكّيّة،1 مدنيّة

دلّهم 1:1 ندلّكم 1:1

أدلّك 1:1 دليلا 1:1

أدلّكم 3:2-1

النّصوص اللّغويّة

اشارة

الخليل :الدّلّ:دلال المرأة إذا تدلّلت على زوجها، تريه جراءة عليه في تغنّج و تشكّل،كأنّها تخالفه و ليس بها خلاف.

و الرّجل يدلّ على أقرانه في الحرب:يأخذهم من فوق.

و البازي يدلّ على صيده.

و الدّالّة:ممّا يدلّ الرّجل على من له عنده منزلة أو قرابة قريبة،شبه جراءة منه.

و الدّلالة:مصدر الدّليل،بالفتح و الكسر.

و الدّلّيلاء،يمدّ و يقصر،و معناه:ما دلّكم عليه.

و الدّلدل:شيء أعظم من القنفذ،ذو شوك طوال.

و التّدلدل كالتّهدّل.

و الدّلدل:اسم بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.(8:8)

سيبويه :الدّلّيلى:علمه بالدّلالة،و رسوخه فيها.(ابن سيده 9:270)

الكسائيّ: دلدل في الأرض و بلبل و قلقل:ذهب فيها.(الأزهريّ 14:66)

الفرّاء: الدّلّ:المنّة،و الدّلّة:الإدلال.

(الأزهريّ 14:65)

يقال:دليل بيّن الدّلالة و الدّلالة.

(إصلاح المنطق:111)

أبو زيد :أدللت بالطّريق إدلالا.

(الأزهريّ 14:65)

ص: 845

و سمعت أعرابيّا يقول لآخر:أ ما تندلّ على الطّريق.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:66)

اللّحيانيّ: وقع القوم في دلدال و بلبال،إذا اضطرب أمرهم و تذبذب.

و قوم دلدال،إذا تدلدلوا بين أمرين، فلم يستقيموا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 14:66)

أبو عبيد: الدّلّيلى من الدّلالة،و أكثر كلامهم الدّلالة.(2:65)

في حديث عمر:«أنّ أصحاب عبد اللّه كانوا يرحلون إليه،فينظرون إلى سمته و هديه و دلّه، فيتشبّهون به».

و قوله:«إلى هديه و دلّه»،فإنّ أحدهما قريب المعنى من الآخر،و هما من السّكينة و الوقار في الهيئة و المنظر و الشّمائل،و غير ذلك.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و منه حديث سعد قال:«بينما أنا أطوف بالبيت إذ رأيت امرأة فأعجبني دلّها...».(2:102)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 2:198)

ابن الأعرابيّ: المدلّل:الّذي يتجنّى في غير موضع تجنّ.

و دلّ فلان إذا هدى،و دلّ إذا افتخر.

(الأزهريّ 14:65)

دلّ يدلّ،إذا هدى،و دلّ يدلّ،إذا منّ بعطائه، و الأدلّ:المنّان بعمله.(الأزهريّ 14:66)

من أسماء القنفذ:الدّلدل،و الشّيهم،و الأزيب.

(الأزهريّ 14:66)

ابن السّكّيت:جاء القوم دلدلا،إذا كانوا مذبذبين،لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء،[ثمّ استشهد بشعر]

و تدلدل الشّيء و تدردر،إذا تحرّك.

(الأزهريّ 14:66)

محمّد بن حبيب:دلّ عليّ قومي،أي جرّأهم.

[ثمّ استشهد بالشّعر مرّتين]

و المدلّ بالشّجاعة:الجريء.(الأزهريّ 14:65)

شمر:و روي عن سعد أنّه قال:«بينا أنا أطوف بالبيت إذ رأيت امرأة أعجبني دلّها...»

الدّلال للمرأة،و الدّلّ حسن الحديث و حسن المزح و الهيئة.

و يقال هي تدلّ عليه،أي تجترئ عليه.يقال:ما دلّك عليّ،أي ما جرّأك عليّ.

دللت بهذا الطّريق دلالة،أي عرّفته،و دللت به أدلّ دلالة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(الأزهريّ 14:65)

الزّجّاج: دلّ فلان فلانا على الشّيء من الدّلالة، و أدلّ الرّجل على القوم من الدّالّة،و هو مدلّ.

(فعلت و أفعلت:16)

ابن دريد :الدّلّ،من قولهم:امرأة ذات دلّ،أي شكل.

و أدلّ الرّجل إدلالا،إذا وثق بمحبّة صاحبه فأفرط عليه.و مثل من أمثالهم:«أدلّ فأملّ».

و الدّلالة:حرفة الدّلاّل.و الدّلالة من الدّليل.

و دليل بيّن الدّلالة.

ص: 846

و دلّة:اسم امرأة.

و الدّلّيلى مثل الخصّيصى و ما أشبهه.(1:76)

الدّلدل:زعم قوم أنّه الشّيهم،و هو هذا القنفذ العظيم الطّويل الشّوك.و كانت بغلة النّبيّ،صلّى اللّه عليه و سلّم،تسمّى الدّلدل.

و الدّلدلة:تحريك الرّجل رأسه و أعضاءه في المشي،و الدّلدلة:تحريك الشّيء المنوط.

و قال أبو حاتم:الدّلدلة و النّودلة واحد.يقال:مرّ يدلدل و ينودل،إذا مرّ يضطرب في مشيه.(1:142)

و دليل بيّن الدّلالة و الدّلولة و الدّلّيلى.

و يقال:دلاّل بيّن الدّلالة،و دليل حسن الدّلالة.

(3:427)

الرّمّانيّ: الدّليل يكون وضعيّا قد يمكن أن يجعل على خلاف ما جعل عليه،نحو دلالة الاسم على المسمّى.و أمّا دلالة البرهان فلا يمكن أن توضع دلالة على خلاف ما هي دلالة عليه،نحو دلالة الفعل على الفاعل لامكن أن تجعل دلالة على أنّه ليس بفاعل.

(أبو هلال:55)

الصّاحب.[نحو الخليل و أضاف:]

و الدّالّة:شبه جرأة على من لك عنده منزلة أو قرابة،و كذلك الدّالولاء على عاشوراء.

و يقولون:اقبلوا هدى اللّه و دلّيلاه.

و أدللت الطّريق:اهتديت إليه.و هو لا يدلّ بالطّريق،أي لا يعرفه.و اندلّ على الطّريق.

و يقولون:الشّقاء على الأشقين مندلّ،أي منصبّ.

و دعه على أدلاله،بمعنى الذّال.

و ما أحسن دلّه،أي هيئته.

و الدّلدل:شيء أعظم من القنفذ،ذو شوك طوال و هو أسمع من دلدل.و يقال لها:أمّ دلدل.

و قوم دلدل:يتدلدلون لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء،و قوم دلدال.

و التّدلدل:المجيء و الذّهاب.

دلدل القوم دلدلة و دلدالا أي ضجّوا و صاحوا.

و وقعوا في دلدال.

و دلدل في الأرض:ذهب فيها.

و هو في دؤلول،أي أمر عظيم.و قيل:داهية؛ و الجميع:الدّآليل.

و أدلّ الذّئب فهو مدلّ،أي ضوي.(9:259)

الجوهريّ: الدّليل:ما يستدلّ به،و الدّليل:

الدّالّ.و قد دلّه على الطّريق يدلّه دلالة و دلالة و دلولة؛و الفتح أعلى.

و الدّلّيلى:الدّليل.

و الدّلّ:الغنج و الشّكل.و قد دلّت المرأة تدلّ بالكسر،و تدلّلت،و هي حسنة الدّلّ و الدّلال.

و يقال:أدلّ فأملّ،و الاسم:الدّالّة.

و فلان يدلّ على أقرانه في الحرب،كالبازي يدلّ على صيده.

و هو يدلّ بفلان،أي يثق به.

قال أبو عبيد:الدّالّ قريب المعنى من الهدي،و هما من السّكينة و الوقار في الهيئة و المنظر و الشّمائل و غير ذلك.و في الحديث:«كان أصحاب عبد اللّه

ص: 847

يرحلون إلى عمر فينظرون إلى سمته و هديه و دلّه فيتشبّهون به».

و تدلدل الشّيء،أي تحرّك متدلّيا.و الدّلدال:

الاضطراب.و الدّلدل:عظيم القنافذ.[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:1698)

ابن فارس: الدّال و اللاّم أصلان:أحدهما:إبانة الشّيء بأمارة تتعلّمها،و الآخر:اضطراب في الشّيء.

فالأوّل:قولهم:دللت فلانا على الطّريق، و الدّليل:الأمارة في الشّيء،و هو بيّن الدّلالة و الدّلالة.

و الأصل الآخر:قولهم:تدلدل الشّيء،إذا اضطرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و من الباب:دلال المرأة،و هو جرأتها في تغنّج و شكل،كأنّها مخالفة و ليس بها خلاف؛و ذلك لا يكون إلاّ بتمايل و اضطراب.و من هذه الكلمة:

فلان يدلّ على أقرانه في الحرب،كالبازي يدلّ على صيده.

و من الباب الأوّل قول الفرّاء عن العرب:أدلّ يدلّ،إذا ضرب بقرابة.(2:259)

أبو هلال :الفرق بين الدّلالة و الدّليل:أن الدّلالة تكون على أربعة أوجه:

أحدها:ما يمكن أن يستدلّ به،قصد فاعله ذلك أو لم يقصد،و الشّاهد أنّ أفعال البهائم تدلّ على حدثها و ليس لها قصد إلى ذلك،و الافعال المحكمة دلالة على علم فاعلها و إن لم يقصد فاعلها أن تكون دلالة على ذلك.و من جعل قصد فاعل الدّلالة شرطا فيها احتجّ بأنّ اللّصّ يستدلّ بأثره عليه و لا يكون أثره دلالة، لأنّه لم يقصد ذلك،فلو وصف بأنّه دلالة لوصف هو بأنّه دالّ على نفسه.و ليس هذا بشيء،لأنّه ليس بمنكر في اللّغة أن يسمّى أثره دلالة عليه و لا أن يوصف هو بأنّه دالّ على نفسه،بل ذلك جائز في اللّغة معروف.يقال:قد دلّ الحارب على نفسه بركوبه الرّمل،و يقال:أسلك الحزن،لأنّه لا يدلّ على نفسك، و يقولون:استدللنا عليه بأثره،و ليس له أن يحمل هذا على المجاز دون الحقيقة إلاّ بدليل،و لا دليل.

و الثّاني:العبارة عن الدّلالة،يقال للمسئول:

أعد دلالتك.

و الثّالث:الشّبهة،يقال:دلالة المخالف كذا،أي شبهته.

و الرّابع:الأمارات،يقول الفقهاء:الدّلالة من القياس كذا و الدّليل فاعل الدّلالة،و لهذا يقال لمن يتقدّم القوم في الطّريق:دليل؛إذ كان يفعل من التّقدّم ما يستدلّون به،و قد تسمّى الدّلالة دليلا مجازا.

و الدّليل أيضا فاعل الدّلالة مشتقّ من فعله، و يستعمل الدّليل في العبارة و الأمارة،و لا يستعمل في الشّبه.

و الشّبهة:هي الاعتقاد الّذي يختار صاحبه الجهل أو يمنع من اختيار العلم و تسمّى العبارة عن كيفيّة ذلك الاعتقاد شبهة أيضا و قد سمّي المعنى الّذي يعتقد عنده ذلك الاعتقاد شبهة،فيقال:هذه الحيلة شبهة لقوم اعتقدوها معجزة.

الفرق بين الدّلالة و الشّبهة-فيما قال بعض

ص: 848

المتكلّمين-أنّ النّظر في الدّلالة يوجب العلم، و الشّبهة يعتقد عندها أنّها دلالة فيختار الجهل، لا لمكان الشّبهة و لا للنّظر فيها،و الاعتقاد هو الشّبهة في الحقيقة لا المنظور فيه.(52)

الفرق بين الدّلالة و الأمارة.[لاحظ:«أ م ر»]

الفرق بين الدّلالة و الحجّة.[لاحظ:«ح ج ج»]

الفرق بين الاستدلال و الاحتجاج:[لاحظ:

«ح ج ج»]

الفرق بين دلالة الكلام و دلالة البرهان:أنّ دلالة البرهان هي الشّهادة للمقالة بالصّحّة،و دلالة الكلام إحضاره المعنى النّفس من غير شهادة له بالصّحّة إلاّ أن يتضمّن بعض الكلام دلالة البرهان فيشهد بصحّة المقالة.

و من الكلام ما يتضمّن دلالة البرهان و منه ما لا يتضمّن ذلك؛إذ كلّ برهان فإنّه يمكن أن يظهر بالكلام،كما أنّ كلّ معنى يمكن ذلك فيه،و الاسم دلالة على معناه،و ليس برهانا على معناه و كذلك هداية الطّريق دلالة عليه و ليس برهانا عليه،فتأثير دلالة الكلام خلاف تأثير دلالة البرهان.

الفرق بين الدّلالة و الاستدلال:أنّ الدّلالة ما يمكن الاستدلال به،و الاستدلال فعل المستدلّ و لو كان الاستدلال و الدّلالة سواء لكان يجب أن لو صنع جميع المكلّفين للاستدلال على حدث العالم أن لا يكون في العالم دلالة على ذلك.

الفرق بين الدّلالة و العلامة:أنّ الدّلالة على الشّيء ما يمكّن كلّ ناظر فيها أن يستدلّ بها عليه، كالعالم لمّا كان دلالة على الخالق،كان دالاّ عليه لكلّ مستدلّ به.و علامة الشّيء ما يعرف به المعلم له و من شاركه في معرفته دون كلّ واحد،كالحجر تجعله علامة لدفين تدفنه،فيكون دلالة لك دون غيرك و لا يمكن غيرك أن يستدلّ به عليه إلاّ إذا وافقته على ذلك كالتّصفيق تجعله علامة لمجيء زيد،فلا يكون ذلك دلالة إلاّ لمن يوافقك عليه.ثمّ يجوز أن تزيل علامة الشّيء بينك و بين صاحبك،فتخرج من أن تكون علامة له.و لا يجوز أن تخرج الدّلالة على الشّيء من أن تكون دلالة عليه.فالعلامة تكون بالوضع، و الدّلالة بالاقتضاء.(54)

الفرق بين البرهان و الدّلالة.[لاحظ:«ب ر ه ن»] الفرق بين العلّة و الدّلالة:أنّ كلّ علّة مطّردة منعكسة،و ليس كلّ دلالة تطّرد و تنعكس؛أ لا ترى أنّ الدّلالة على حدث الأجسام هي استحالة خلوّها عن الحوادث،و ليس ذلك بمطّرد في كلّ محدث،لأنّ العرض محدث و لا تحلّه الحوادث،و العلّة في كون المتحرّك متحرّكا هي الحركة و هي مطّردة في كلّ متحرّك،و تنعكس،فليس بشيء يحدث فيه حركة إلاّ و هو متحرّك و لا متحرّك إلاّ و فيه حركة.(56)

الفرق بين الاستدلال و النّظر:أنّ الاستدلال:

طلب معرفة الشّيء من جهة غيره،و النّظر:طلب معرفته من جهته و من جهة غيره،و لهذا كان النّظر في معرفة القادر قادرا من جهة فعله استدلالا،و النّظر في حدوث الحركة ليس باستدلال.[ثمّ ذكر حدّ النّظر لاحظ:ن ظ ر](57)

ص: 849

الفرق بين دلالة الآية و تضمين الآية:أنّ دلالة الآية على الشّيء هو ما يمكن الاستدلال به على ذلك الشّيء،كقوله:«الحمد للّه»يدلّ على معرفة اللّه إذا قلنا:إنّ معنى قوله:«الحمد للّه»أمرا،لأنّه لا يجوز أن يحمد من لا يعرف،و لهذا قال أصحابنا:إنّ معرفة اللّه واجبة،لأنّ شكره واجب،لأنّه لا يجوز أن يشكر من لا يعرف،

و تضمين الآية هو احتمالها للشّيء بلا مانع؛ أ لا ترى أنّه لو احتملته لكن منع منه القياس أو سنّة أو آية أخرى لم تتضمّنه،و لهذا نقول:إنّ قوله:

وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما المائدة:38، لا يتضمّن وجوب القطع على من سرق دانقا،و إن كان محتملا لذلك لمنع السّنّة منه،و هذا واضح و الحمد للّه تعالى.(62)

الهرويّ: و في الحديث:«و يخرجون-يعني أصحاب رسول اللّه-من عنده أدلّة».الأدلّة:جمع دليل،مثل شحيح و أشحّة،و جليل و أجلّة،يريدون أنّهم يخرجون من عنده بما قد علّموه،فيدلّون عليه النّاس و يخبرونهم أي يخرجون من عنده فقهاء.

(2:648)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 2:90)

ابن سيده: أدلّ عليه،و تدلّل:انبسط.

و الدّالّة:ما تدلّ به على حميمك.

و دلّ المرأة،و دلالها:تدلّلها على زوجها؛و ذلك أن تريه جرأة عليه في تغنّج و تشكّل،كأنّما تخالفه و ليس بها خلاف.

و امرأة ذات دلّ،أي شكل تدلّ به.

و الحديث الّذي جاء:«فقلنا لحذيفة:أخبرنا برجل قريب السّمت و الهدي و الدّلّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى نلزمه،فقال:ما أعلم أحدا أقرب سمتا و لا هديا و دلاّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى يواريه جدار الأرض من ابن أمّ عبد».

فسّره الهرويّ في«الغريبين»،فقال:الدّلّ و الهدى قريب بعضه من بعض،و هما من السّكينة و حسن المنظر.

و أدلّ الرّجل على أقرانه:أخذهم من فوق.

و أدلّ البازيّ على صيده كذلك.

و دلّه على الشّيء يدلّه دلاّ و دلالة،فاندلّ:سدّده إليه.

و الدّليل:الّذي يدلّك؛و الجمع:أدلّة و أدلاّء.

و الاسم:الدّلالة،و الدّلالة،و الدّلولة،و الدّلّيلى.

و قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً الفرقان:45،قيل:معناه تنقّصه قليلا قليلا.

و الدّلاّل:الّذي يجمع بين البيّعين؛و الاسم:

الدّلالة.

و الدّلالة:ما جعلته للدّليل أو الدّلاّل.

و التّدلدل كالتّهدّل.

و الدّلدلة:تحريك الرّجل رأسه و أعضاءه في المشي.

و الدّلدلة:تحريك الشّيء المنوط.

و دلدله دلدالا:حرّكه،عن اللّحيانيّ،و الاسم:

الدّلدال.

ص: 850

و الدّلدل:ضرب من القنافذ له شوك طوال.

و قيل:الدّلدل:شبه القنفذ،و هي دابّة تنتفض فترمي بشوك كالسّهام.و فرق ما بينهما كفرق ما بين الفئرة و الجرذان،و البقر و الجواميس و العراب و البخاتيّ.

و دلدل:اسم بغلة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم

و«دل»بالفارسيّة:الفؤاد،و قد تكلّمت به العرب و سمّت به المرأة،فقالوا:«دل»ففتحوه،لأنّهم لم يجدوا في كلامهم دلا،أخرجوه إلى ما في كلامهم، و هو الدّلّ الّذي هو الدّلال و الشّكل.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](9:269)

الرّاغب: الدّلالة:ما يتوصّل به إلى معرفة الشّيء،كدلالة الألفاظ على المعنى،و دلالة الإشارات،و الرّموز،و الكتابة،و العقود في الحساب، و سواء كان ذلك بقصد ممّن يجعله دلالة،أو لم يكن بقصد،كمن يرى حركة إنسان فيعلم أنّه حيّ،قال تعالى: ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاّ دَابَّةُ الْأَرْضِ سبأ:14.

أصل الدّلالة:مصدر،كالكناية و الأمارة، و الدّالّ:من حصل منه ذلك،و الدّليل في المبالغة كعالم و عليم و قادر و قدير ثمّ يسمّى الدّال و الدّليل دلالة، كتسمية الشّيء بمصدره.(171)

الزّمخشريّ: دلّه على الطّريق،و هو دليل المفازة و هم أدلاؤها.

و أدللت الطّريق:اهتديت إليه.

و تدلّلت المرأة على زوجها و دلّت تدلّ،و هي حسنة الدلّ و الدّلال.و ذلك أن تريه جرأة عليه في تغنّج و تشكّل،كأنّها تخالفه و ليس بها خلاف.

و أدلّ على قريبه و على من له عنده منزلة،و أدلّ على قرنه،و هو مدلّ بفضله و شجاعته،و منه:أسد مدلّ.

و لفلان عليّ دلال و دالّة و أنا أحتمل دلاله.

[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:الدّالّ على الخير كفاعله.

و دلّه على الصّراط المستقيم.

و لي على هذا دلائل.

و تناصرت أدلّة العقل و أدلّة السّمع.

و استدلّ به عليه.

و اقبلوا هدى اللّه و دلّيلاه.(134)

المدينيّ: في الحديث:«يمشي على الصّراط مدلاّ» أي منبسطا لا خوف عليه.(1:670)

ابن الأثير: في حديث عليّ في صفة الصّحابة:

«و يخرجون من عنده أدلّة»هو جمع دليل،أي بما قد علّموه،فيدلّون عليه النّاس،يعني يخرجون من عنده فقهاء،فجعلهم أنفسهم أدلّة،مبالغة.

و فيه«كانوا يرحلون إلى عمر فينظرون إلى سمته و دلّه فيتشبّهون به».

و قد تكرّر ذكر«الدّلّ»في الحديث،و هو و الهدي و السّمت عبارة عن الحالة الّتي يكون عليها الإنسان من السّكينة و الوقار،و حسن السّيرة و الطّريقة،و استقامة المنظر و الهيئة.

و فيه:«يمشي على الصّراط مدلاّ»،أي منبسطا لا خوف عليه،و هو من الإدلال و الدّالّة على من لك

ص: 851

عنده منزلة.(2:130)

الفيّوميّ: دللت على الشّيء و إليه من باب «قتل»،و أدللت بالألف لغة.و المصدر:دلولة؛ و الاسم:الدّلالة بكسر الدّال و فتحها،و هو ما يقتضيه اللّفظ عند إطلاقه.

و اسم الفاعل دالّ و دليل،و هو المرشد و الكاشف.

و دلّت المرأة دللا و دلاّ من بابي«تعب» و«ضرب.»و تدلّلت تدلّلا؛و الاسم:الدّلال بالفتح، و هو جرأتها في تكسّر و تغنّج،كأنّها مخالفة و ليس بها خلاف.(1:199)

الجرجانيّ: الدّليل في اللّغة:هو المرشد،و ما به الإرشاد،و في الاصطلاح:هو الّذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر.

و حقيقة الدّليل،هو ثبوت الأوسط للأصغر، و اندراج الأصغر تحت الأوسط.

الدّليل الإلزاميّ: ما سلم عند الخصم،سواء كان مستدلاّ عند الخصم أو لا.

الدّلالة:هي كون الشّيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر،و الشّيء الأوّل هو الدّالّ،و الثّاني هو المدلول.و كيفيّة دلالة اللّفظ على المعنى باصطلاح علماء الأصول محصورة في عبارة النّصّ،و إشارة النّصّ،و دلالة النّصّ،و اقتضاء النّصّ.

و وجه ضبطه أنّ الحكم المستفاد من النّظم إمّا أن يكون ثابتا بنفس النّظم،أولا؛و الأوّل:إن كان النّظم مسوقا له،فهو العبارة،و إلاّ فالإشارة.و الثّاني:إن كان الحكم مفهوما من اللّفظ لغة فهو الدّلالة،أو شرعا فهو الاقتضاء،فدلالة النّصّ عبارة عمّا ثبت بمعنى النّصّ لغة لا اجتهادا.

فقوله:لغة،أي يعرفه كلّ من يعرف هذا اللّسان بمجرّد سماع اللّفظ من غير تأمّل،كالنّهي عن التّأفيف في قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ الإسراء:23 يوقف به على حرمة الضّرب و غيره،ممّا فيه نوع من الأذى بدون الاجتهاد.

الدّلالة اللّفظيّة الوضعيّة:هي كون اللّفظ بحيث متى أطلق أو تخيّل فهم منه معناه،للعلم بوضعه،و هي المنقسمة إلى المطابقة،و التّضمّن،و الالتزام.لأنّ اللّفظ الدّال بالوضع يدلّ على تمام ما وضع له بالمطابقة، و على جزئه بالتّضمّن،و على ما يلازمه في الذّهن بالالتزام،كالإنسان،فإنّه يدلّ على تمام الحيوان النّاطق بالمطابقة،و على جزئه بالتّضمّن،و على قابل العلم بالالتزام.(46)

الفيروزآباديّ: دلّ المرأة،و دلالها و دالولاؤها:

تدلّلها على زوجها،تريه جراءة عليه في تغنّج و تشكّل كأنّها تخالفه و ما بها خلاف،و قد دلّت تدلّ.

و الدّلّ كالهدي،و هما من السّكينة و الوقار و حسن المنظر.

و أدلّ عليه:انبسط كتدلّل،و أوثق بمحبّته فأفرط عليه،و على أقرانه:أخذهم من فوق،و كذا البازي على صيده،و الذّئب:جرب و ضوي.

و الدّالّة:ما تدلّ به على حميمك.

و دلّه عليه دلالة،و يثلّث،و دلولة فاندلّ:سدّده

ص: 852

إليه.

و الدّلّيلى،كخلّيفى:الدّلالة أو علم الدّليل بها، و رسوخه.و قول الجوهري:الدّلّيلى:الدّليل،سهو، لأنّه من المصادر.

و كشدّاد:الجامع بين البيّعين،و اسم جماعة؛ و الاسم:كسحابة و كتابة،و بالكسر:ما جعلته له و للدّليل،و قد يفتح.

و تدلدل:تهدّل و تحرّك متدلّيا.

و الدّلدلة:تحريك الرّأس و الأعضاء في المشي، كالدّلدال بالكسر؛و الاسم:بالفتح.

و الدّلدل و الدّلدول:القنفذ،أو عظيمه،أو شبهه.

و الدّلدل:بغلة شهباء للنّبيّ،صلّى اللّه عليه و سلّم و الأمر العظيم.

و دلّة و مدلّة:بنتا منشجان الحميريّ.

و«دل»بالفارسيّة:الفؤاد،عرّبوها فقالوا:دلّ، بالفتح و الشّدّ و سمّوا بها.

و الدّلدال:الاضطراب.

و قوم دلدال و دلدل،بالضّمّ:تدلدلوا بين أمرين فلم يستقيموا.

و اندلّ:انصبّ.و الدّلّى كربّى:المحجّة الواضحة.

(3:388)

الطّريحيّ: و في الحديث:«إنّ اللّه قد دلّ النّاس على ربوبيّته بالأدلّة»،يعني بعد أن خلق العقل فيهم دلّهم على أنّ لهم مدبّرا على لسان نبيّه بالأدلّة.

و في الدّعاء:«مدلاّ عليك فيما قصدت فيه إليك» هو من دلّت المرأة،من بابي«ضرب»و«تعب،» و تدلّلت،و هو جرأتها في تكسّر و تفتّح،كأنّها مخالفة و ليس بها خلاف؛و الاسم:الدّلال.

يقال تدلّل على غيره:لم يخف منه بل يعدّ نفسه عزيزا عنده.

و ما روي من«أنّ المدلّ لا يصعد من عمله شيء»، و من«أنّ العابد المدلّ بعبادته فكذا»فهو من أدلّ عليه،إذا اتّكل عليه ظانّا بأنّه هو الّذي ينجيه،لا من أدلّ عليه،أي انبسط كتدلّل.

و الدّلدل عظيم القنافذ.و به سمّيت بغلة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الّتي أهديت إليه.و إنّما شبّهت بالقنفذ لأنّه أكثر ما يظهر باللّيل.و لأنّه يخفي رأسه في جسده ما استطاع.

و الدّلال أحد الحيطان السّبعة الموقوفة على فاطمة عليها السّلام.(5:372)

العدنانيّ: تدلّل الطّفل على أمّه لا تدلّع.

و يقولون:تدلّع الطّفل على أمّه،و الصّواب:تدلّل عليها.

جاء في الوسيط:«تدلّلت المرأة على زوجها،أو دلّت عليه:أظهرت الجرأة عليه في تكسّر و ملاحة كأنّها تخالفه،و ما بها من خلاف».[و استشهد بالشّعر مرّتين](224)

متدلّلة أو مدلّلة

و يخطّئون من يقول:دلّله،أي تحبّب إليه و اجترأ عليه.و يقولون:إنّ في الفصحى:دلّه و تدلّل، و لهذا يقولون:امرأة متدلّلة،و لا يقولون:مدلّلة، و يقولون:إنّ المرأة تتدلّل على زوجها،و تدلّ عليه و تدلّ عليه،أي تتجرّأ عليه في تغنّج و دلال،كأنّها تخالفه،و ما بها من خلاف.

ص: 853

و قد أجاز كلّ من مدّ القاموس و محيط المحيط و مستدرك المعاجم لدوزي استعمال الفعلين تدلّل و دلّل متعدّيين،و أجاز الوسيط قول:دلّله،و قال:إنّه مولّد.(معجم الأخطاء الشّائعة:91)

مجمع اللّغة :1-دلّ على الشّيء و إليه يدلّه دلالة و دلالة:أرشده،فهو دالّ،سواء أ كان ذلك بقصد ممّن يجعله دلالة أم لم يكن بقصد،كمن يرى حركة الإنسان فيعلم أنّه حيّ.

2-و الدّليل:صيغة مبالغة من دلّ.(1:402)

محمّد إسماعيل إبراهيم:دلّ إلى الشّيء و عليه:

أرشده و هداه.و الدّليل:ما يقوم به الإرشاد و البرهان و الرّشد.(1:190)

محمود شيت:[نحو المتقدّمين و أضاف:]

أ-دلّ على الموضع الدّفاعيّ دلالة:وضع علامات مميّزة على الطّريق تدلّ عليه.

ب-استدلّ على الموضع الدّفاعيّ بإشارات الدّلالة:اتّخذ الإشارات دليلا عليه.

ج-الدّلالة إشارات خاصّة تدلّ على موضع الاجتماع،أو الموضع الدّفاعيّ،أو المواضع العسكريّة،

و أهداف الدّلالة:أهداف كبيرة واضحة في الجبهة،يستعان بها على الدّلالة إلى الأهداف المطلوبة قصفها أو رميها.يقال:الدّلالة بالعوارض الطّبيعيّة، و الدّلالة بالدّرجات.

و منها:عصا الدّلالة:تستعمل في الحروب الجبليّة لإراءة الأهداف المطلوبة.(1:247)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو صيرورة شيء؛بحيث ينبئ عن شيء آخر و يريه.

و الأوّل أعمّ من أن يكون لفظا أو غيره.و هذا الإنباء أعمّ من أن يتحقّق بقصد أو بغير قصد.

و الهداية ضدّ الضّلال،و هو إراءة الطّريق و تبيينه مادّيّا أو معنويّا،إلى ما كان رحمة و خيرا أو عذابا و شرّا.و هذا بخلاف الإرشاد،فهو هداية إلى الصّلاح و الخير و الرّشد،و هو ضدّ الغيّ.

و أمّا الأمارة:فهو ما يؤدّي النّظر فيه إلى الظّنّ بشيء،بخلاف الدّلالة فهو يفيد العلم و يؤدّي إليه، و الأمارة قريب من العلامة لفظا و معنى.

و لم أجد للدّلالة لفظا يبيّن حقيقة مفهومه أزيد من هذه الكلمات،لا في العربيّة و لا في الفارسيّة.

و لنعم ما قال المقاييس في تقريب حقيقة المادّة:

إنّها إبانة الشّيء بأمارة تتعلّمها.فإنّ اللّفظ مثلا كأمارة تبيّن مفهومه و يريه.

و أمّا الهداية فهو ليس كالأمارة للمعنى،بل هو إراءة لطريق،فتفسير المادّة بالهداية أو بالإرشاد أو المعرفة أو الكشف و غيرها،ليس على ما ينبغي.

و أمّا مفهوم الاضطراب و التّغنّج و التّشكّل:فأمّا الاضطراب فيستفاد من التّضعيف في الكلمة،فكأنّ المفهوم قد تكرّر متزلزلا،و في حال الاضطراب.و أمّا التّغنّج:فيستفاد من صيغة التّفعّل،فإنّها تدلّ على التّظاهر و التّكلّف،فيقال:تدلّل أي تظاهر بالإنباء و الإبانة،و ليس في باطنه هذا المعنى.و هذا هو مفهوم التّغنّج:«ناز كردن»،و كذلك التّدلدل و الدّلدلة،فإنّ التّكرّر و التّضاعف يدلّ على الاضطراب.

ص: 854

و أمّا حسن الحديث و حسن الهيئة و المنّ و الجرأة:

فهي حالات مخصوصة،و إبانة عن حالة أو كيفيّة أو خصوصيّة في قول أو عمل أو سمت.

يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ طه:120، هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ طه:40، هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ الصّفّ:10، هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ سبأ:7،فليس المراد في هذه الموارد:مفهوم الهداية و إراءة الطّريق إلى هذه الموضوعات،و لا الإرشاد و قصد الخير و الصّلاح،بل يراد الإبانة و إراءة موضوع مجهول لهم،حتّى يبيّن و يتّضح لهم.و هذا المعنى أقوى و آكد و أقرب في تفهيم المعنى و الإيصال إلى المطلوب.و هذا هو لطف التّعبير بها في هذه الموارد،دون سائر الموادّ.(3:235)

النّصوص التّفسيريّة

دلّهم

فَلَمّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ... سبأ:14

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فلمّا أمضينا قضاءنا على سليمان بالموت فمات، ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ يقول:لم يدلّ الجنّ على موت سليمان.(10:357)

نحوه مقاتل(3:528)،و الطّبرسيّ.(4:383).

الآلوسيّ: و ضمير دَلَّهُمْ عائد على الجنّ الّذين كان يعملون له عليه السّلام.و قيل:عائد على آل سليمان،و يأباه-بحسب الظّاهر-قوله تعالى بعد:

تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ. (22:121)

المصطفويّ: إنّ الدّابّة و أكلها منسأة سليمان ينبئ و يرى و يدلّ على موت سليمان.(3:236)

ادلّك

...هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى

طه:120

أبو حيّان :ثمّ عرض عليه ما يلقي بقوله: هَلْ أَدُلُّكَ على سبيل الاستفهام الّذي يشعر بالنّصح، و يؤثّر قبول من يخاطبه كقول موسى: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى النّازعات:18،و هو عرض فيه مناصحة.

و كان آدم قد رغّبه اللّه تعالى في دوام الرّاحة و انتظام المعيشة،بقوله: فَلا يُخْرِجَنَّكُما...، و رغّبه إبليس في دوام الرّاحة بقوله: هَلْ أَدُلُّكَ، فجاءه إبليس من الجهة الّتي رغّبه اللّه فيها.و في الأعراف:20، ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ... و هنا هَلْ أَدُلُّكَ و الجمع بينهما أنّ قوله: هَلْ أَدُلُّكَ يكون سابقا على قوله: ما نَهاكُما لمّا رأى إصغاءه و ميله إلى ما عرض عليه،انتقل إلى الإخبار و الحصر.

(6:285)

ابن عاشور : هَلْ أَدُلُّكَ استفهام مستعمل في العرض،و هو أنسب المعاني المجازيّة للاستفهام،لقربه من حقيقته،و الافتتاح بالنّداء ليتوجّه إليه.

(16:195)

ادلّكم

1- إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ... طه:40

ص: 855

ابن عبّاس: إنّ آسية حين أخرجت موسى عليه السّلام من التّابوت و استوهبته من فرعون،فوهبه لها، أرسلت إلى من حولها من كلّ امرأة لها لبن لتختار لها ظئرا فلم يقبل ثدي واحدة منهنّ،حتّى أشفقت أن يمتنع من اللّبن فيموت،فأحزنها ذلك،فأمرت به فأخرج إلى السّوق مجمع النّاس ترجو أن تجد له ظئرا يأخذ ثديها،فلم يفعل،و أصبحت أمّه والهة،و قالت لأخته:قصّي أثره و اطلبيه هل تسمعين له ذكرا،أ حيّ ابني أم قد أكلته الدّوابّ؟و نسيت الّذي كان وعدها اللّه تعالى،فبصرت به عن جنب،فقالت من الفرح:أنا أدلّكم على أهل بيت يكفلونه لكم و هم له ناصحون، فأخذوها،فقالوا:و ما يدريك ما نصحهم له هل يعرفونه؟و شكّوا في ذلك،فقالت:نصحهم له و شفقتهم عليه،لرغبتهم في رضا الملك و التّقرب إليه،فتركوها و سألوها الدّلالة.

فانطلق إلى أمّه فأخبرتها الخبر،فجاءت،فلمّا وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصّه حتّى امتلأ جنباه ريّا،و انطلق البشرى إلى امرأة فرعون يبشّرونها أن قد وجدنا لابنك ظئرا فأرسلت إليها فأتيت بها و به،فلمّا رأت ما يصنع بها قالت لها:امكثي عندي ارضعي ابني هذا،فإنّي لم أحبّ حبّه شيئا قطّ، قالت:لا أستطيع أن أدع بيتي و ولدي فيضيع،فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي،فيكون معي لا آلوه خيرا فعلت،و إلاّ فإنّي غير تاركة بيتي و ولدي.فذكرت أمّ موسى ما كان اللّه عزّ و جلّ وعدها،فتعاسرت على امرأة فرعون لذلك،و أيقنت أنّ اللّه عزّ و جلّ منجز وعده،فرجعت بابنها إلى بيتها من يومها،فأنبته اللّه تعالى نباتا حسنا،و حفظه لما قد قضى فيه...(الآلوسيّ 16:191)

نحوه أبو حيّان.(6:242)

السّدّيّ: قال:لمّا ألقته أمّه في اليمّ وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ القصص:11،فلمّا التقطه آل فرعون، و أرادوا له المرضعات،فلم يأخذ من أحد من النّساء، و جعل النّساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرّضاع،فأبى أن يأخذ،فقالت أخته: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ القصص:12،فأخذوها،و قالوا:بل قد عرفت هذا الغلام،فدلّينا على أهله،قالت:ما أعرفه،و لكن إنّما قلت:هم للملك ناصحون.

نحوه محمّد بن إسحاق.(الطّبريّ 8:413)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:حين تمشي أختك تتبعك حتّى وجدتك،ثمّ تأتي من يطلب المراضع لك، فتقول:هل أدلّكم على من يكفله؟و حذف من الكلام ما ذكرت بعد قوله: إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ استغناء بدلالة الكلام عليه.(8:413)

الطّوسيّ: قيل:إنّ موسى امتنع أن يقبل ثدي مرضعة إلاّ ثدي أمّه،لمّا دلّتهم عليهم أخته،فلذلك قال: فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ.

(7:173)

البغويّ: أي على امرأة ترضعه و تضمّه إليها؛ و ذلك أنّه كان لا يقبل ثدي امرأة،فلمّا قالت لهم أخته ذلك قالوا:نعم،فجاءت بالأمّ فقبل ثديها.(3:261)

ص: 856

الزّمخشريّ: يروى أنّ أخته-و اسمها مريم- جاءت متعرّفة خبره،فصادفتهم يطلبون له مرضعة يقبل ثديها،و ذلك أنّه كان لا يقبل ثدي امرأة،فقالت:

هَلْ أَدُلُّكُمْ فجاءت بالأمّ،فقبل ثديها.(2:537)

نحوه البيضاويّ.(2:50)

الفخر الرّازيّ: يروى أنّه لمّا فشا الخبر بمصر أنّ آل فرعون أخذوا غلاما في النّيل،و كان لا يرتضع من ثدي كلّ امرأة يؤتى بها،لأنّ اللّه تعالى قد حرّم عليه المراضع غير أمّه،اضطرّوا إلى تتبّع النّساء،فلمّا رأت ذلك أخت موسى جاءت إليهم متنكّرة،فقالت: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ القصص:12،ثمّ جاءت بالأمّ فقبل ثديها،فرجع إلى أمّه بما لطف اللّه تعالى له من هذا التّدبير.(22:54)

نحوه البروسويّ(5:384)

الآلوسيّ: [نقل قول ابن عبّاس و قال:]

و من هذا الخبر يعلم أنّ المراد إذ تمشي أختك في الطّريق لطلبك و تحقيق أمرك،فتقول:لمن أنت بأيديهم يطلبون لك ظئرا ترضعك: هَلْ أَدُلُّكُمْ.... (16:191)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ القصص:12.

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. الصّفّ:10

الطّوسيّ: صورته صورة العرض،و المراد به الأمر.(9:596)

ابن عطيّة: من الحضّ و الأمر،و إلى نحو هذا ذهب الفرّاء.(5:304)

الطّبرسيّ: صورته صورة العرض،و المراد به الأمر على سبيل التّلطّف في الاستدعاء إلى الإخلاص في الطّاعة.(5:281)

ابن الجوزيّ: قال المفسّرون:نزلت هذه الآية حين قالوا:لو علمنا أيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه لعملنا به أبدا،فدلّهم اللّه على ذلك،و جعله بمنزلة التّجارة لمكان ربحهم فيه.(8:254)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ في معنى الأمر عند الفرّاء.يقال:هل أنت ساكت،أي اسكت و بيانه:أنّ(هل)،بمعنى الاستفهام، ثمّ يتدرّج إلى أن يصير عرضا و حثّا،و الحثّ كالإغراء، و الإغراء أمر.(29:316)

السّيوطيّ: و قد تستعمل صيغة الاستفهام في غيره مجازا...:التّرغيب،نحو: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ.... (3:272)

أحمد بدوي:و يأتي الاستفهام للتّشويق و التّرغيب و تحسّ الاستفهام بالتّشويق و التّرغيب في قوله سبحانه: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. (165)

دليلا

أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً. الفرقان:45

ابن عبّاس: حيثما تكون الشّمس يكون الظّلّ قبل ذلك.(304)

طلوع الشّمس.(الطّبريّ 9:395)

ص: 857

تدلّ الشّمس على الظّلّ.(الطّبرسيّ 4:173)

مجاهد :تحويه.(الطّبريّ 9:395)

قتادة :دليلا تتلوه و تتّبعه حتّى تأتي عليه كلّه.

(ابن كثير 5:155)

مثله السّدّيّ.(364)

ابن زيد :أخرجت ذلك الظّلّ فذهبت به

(الطّبريّ 9:395)

يعني بإذهابها له عند مجيئها.(الطّوسيّ 7:494)

الفرّاء: يقول:إذا كان في موضع شمس كان فيه قبل ذلك ظلّ،فجعلت الشّمس دليلا على الظّلّ.

(2:268)

الطّبريّ: ثمّ دللناكم أيّها النّاس بنسخ الشّمس إيّاه عند طلوعها عليه أنّه من خلق ربّكم يوجده إذا شاء و يفنيه إذا أراد.و الهاء في قوله:(عليه)من ذكر الظّلّ.و معناه:ثمّ جعلنا الشّمس على الظّلّ دليلا.

قيل:معنى دلالتها عليه أنّه لو لم تكن الشّمس الّتي تنسخه لم يعلم أنّه شيء،إذا كانت الأشياء إنّما تعرف بأضدادها،نظير الحلو الّذي إنّما يعرف بالحامض و البارد بالحارّ،و ما أشبه ذلك.(9:395)

الزّجّاج: الشّمس دليل على الظّلّ،و هي تنسخ الظّلّ.(4:70)

الثّعلبيّ: معنى دلالتها عليه:أنّه لو لم تكن الشّمس لما عرف الظّلّ؛إذ الأشياء تعرف بأضدادها، و الظّلّ يتبع الشّمس في طوله و قصره كما يتبع السّائر الدّليل،فإذا ارتفعت الشّمس قصر الظّلّ و إن انحطّت طال.(7:140)

الطّوسيّ: قيل:لأنّ الظّل يتبع الشّمس في طوله و قصره،فاذا ارتفعت في أعلى ارتفاعها قصر،و إن انحطّت طال بحسب ذلك الانحطاط،و لو شاء لجعله ساكنا بوقوف الشّمس،و الظّلّ يتبع الدّليل الّذي هو الشّمس،كما يتبع السّائر في المفازة الدّليل.(7:494)

الواحديّ: قال ابن عبّاس:تدلّ الشّمس على الظّلّ،يعني أنّه لو لا الشّمس لما عرف الظّلّ،و لو لا النّور لما عرفت الظّلمة،فكلّ الأشياء تعرف بأضدادها.(3:342)

نحوه البغويّ(3:447)،و ابن الجوزيّ.(6:93)، و النّسفيّ.(3:169)،و الخازن(5:85)،و ابن كثير (5:155).

الميبديّ: أي على الظّلّ دَلِيلاً لأنّ بالشّمس يعرف الظّلّ،لو لا الشّمس ما عرف الظّلّ.

و قيل: جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً، أي تبيعا يتّبعه فينسخه.و قيل:معناه:جعلنا الشّمس مع الظّلّ دليلا على وحدانيّة اللّه عزّ و جلّ و كمال قدرته.و قيل:

جعلناهما دليلا على أوقات الصّلاة؛و ذلك أنّ اللّه عزّ و جلّ علّق أوقات الصّلاة بالشّمس و الظّلّ.

(7:44)

الزّمخشريّ: و معنى كون الشّمس دليلا:أنّ النّاس يستدلّون بالشّمس و بأحوالها في مسيرها على أحوال الظّلّ،من كونه ثابتا في مكان زائلا و متّسعا و متقلّصا،فيبنون حاجتهم إلى الظّلّ،و استغناءهم عنه على حسب ذلك...

فإن قلت:(ثم)في هذين الموضعين كيف

ص: 858

موقعها؟

قلت:موقعها لبيان تفاضل الأمور الثّلاثة:كان الثّاني أعظم من الأوّل،و الثّالث أعظم منهما،تشبيها لتباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بين الحوادث في الوقت.

و وجه آخر:و هو أنّه مدّ الظّلّ حين بنى السّماء كالقبّة المضروبة،و دحا الأرض تحتها،فألقت القبّة ظلّها على الأرض فينانا[أي طويلا]ما في أديمه جوب لعدم النّير،و لو شاء لجعله ساكنا مستقرّا على تلك الحالة،ثمّ خلق الشّمس و جعلها على ذلك الظّلّ،أي سلّطها عليه و نصبها دليلا متبوعا له،كما يتّبع الدّليل في الطّريق،فهو يزيد بها و ينقص و يمتدّ و يتقلّص،ثمّ نسخه بها فقبضه قبضا سهلا يسيرا غير عسير.

(3:94)

نحوه الشّربينيّ.(2:664)

ابن عطيّة: دليلا عليه مبيّنا لوجوده و لوجه العبرة فيه.(4:212)

الطّبرسيّ: أي على الظّلّ دَلِيلاً. قال ابن عبّاس:تدلّ الشّمس على الظّلّ،بمعنى أنّه لو لا الشّمس لما عرف الظّلّ،و لو لا النّور لما عرفت الظّلمة، و كلّ الأشياء تعرف بأضدادها.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و قيل:إنّ«على»هنا بمعنى«مع»فالمعنى:ثمّ جعلنا الشّمس مع الظّلّ دليلا على وحدانيّتنا.

(4:173)

الفخر الرّازيّ: [بيّن معنى الظّلّ و منافعه و أضاف:]

فلهذا قال سبحانه: ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً، أي خلقنا الظّلّ أوّلا بما فيه من المنافع و اللّذّات،ثمّ إنّا هدينا العقول إلى معرفة وجوده،بأن أطلعنا الشّمس فكانت الشّمس دليلا على وجود هذه النّعمة، ثُمَّ قَبَضْناهُ، أي أزلنا الظّلّ لا دفعة بل يسيرا يسيرا،فإنّ كلّما ازداد ارتفاع الشّمس ازداد نقصان الظّلّ في جانب المغرب،و لمّا كان الحركات المكانيّة لا توجد دفعة بل يسيرا يسيرا،فكذا زوال الإظلال لا يكون دفعة بل يسيرا يسيرا،و لأنّ قبض الظّلّ لو حصل دفعة لاختلّت المصالح،و لكن قبضها يسيرا يسيرا يفيد معه أنواع مصالح العالم،و المراد بالقبض:الإزالة و الإعدام،هذا أحد التّأويلين.

التّأويل الثّاني:و هو أنّه سبحانه و تعالى لمّا خلق الأرض و السّماء و خلق الكواكب و الشّمس و القمر، وقع الظّلّ على الأرض،ثمّ إنّه سبحانه خلق الشّمس دليلا عليه؛و ذلك لأنّ بحسب حركات الأضواء تتحرّك الأظلال،فإنّهما متعاقبان متلازمان لا واسطة بينهما،فبمقدار ما يزداد أحدهما ينقص الآخر،و كما أنّ المهتدي يهتدي بالهادي و الدّليل و يلازمه،فكذا الأظلال كأنّها مهتدية و ملازمة للأضواء،فلهذا جعل الشّمس دليلا عليها.(24:88)

نحوه النّيسابوريّ.(19:17)

القرطبيّ: أي جعلنا الشّمس بنسخها الظّلّ عند مجيئها دالّة على أنّ الظّلّ شيء و معنى،لأنّ الأشياء تعرف بأضدادها،و لو لا الشّمس ما عرف الظّلّ،

ص: 859

و لو لا النّور ما عرفت الظّلمة.-فالدّليل«فعيل» بمعنى الفاعل،و قيل:بمعنى المفعول كالقتيل و الدّهين و الخضيب.-أي دللنا الشّمس على الظّلّ حتّى ذهبت به،أي أتبعناها إيّاه.فالشّمس دليل،أي حجّة و برهان،و هو الّذي يكشف المشكل و يوضحه.

و لم يؤنّث الدّليل و هو صفة الشّمس،لأنّه في معنى الاسم،كما يقال:الشّمس برهان و الشّمس حقّ.

(13:37)

البيضاويّ: فإنّه لا يظهر للحسّ حتّى تطلع، فيقع ضوؤها على بعض الأجرام،أو لا يوجد و لا يتفاوت إلاّ بسبب حركتها.[إلى أن قال:]

أي مسلّطا عليه مستتبعا إيّاه،كما يستتبع الدّليل المدلول،أو دليل الطّريق من يهديه،فإنّه يتفاوت بحركتها،و يتحوّل بتحوّلها.(2:146)

نحوه الكاشانيّ.(4:17)

أبو السّعود :عطف على(مد):داخل في حكمه، أي جعلناها علامة يستدلّ بأحوالها المتغيّرة على أحواله،من غير أن يكون بينهما سببيّة و تأثير قطعا، حسبما نطق به الشّرطيّة المعترضة،و الالتفات إلى نون العظمة،لما في الجعل المذكور العاري عن التّأثير-مع ما يشاهد بين الشّمس و الظّلّ من الدّوران المطّرد المنبئ عن السّببيّة-من مزيد دلالة على عظم القدرة و دقّة الحكمة،و هو السّرّ في إيراد كلمة التّراخيّ.

(5:17)

نحوه البروسويّ.(6:220)

الآلوسيّ: [نقل خلاصة كلام الفخر الرّازيّ و الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:أي ثمّ جعلناها دليلا على وجوده،أي علّة له،لأنّ وجوده بحركة الشّمس إلى الأفق و قربها منه عادة،و لا يخفى ما فيه.أو ثمّ جعلناها علامة يستدلّ بأحوالها المتغيّرة على أحواله،من غير أن يكون بينهما سببيّة و تأثير قطعا،حسبما نطق به الشّرطيّة المعترضة.

و من الغريب الّذي لا ينبغي أن يخرّج عليه كلام اللّه تعالى المجيد أنّ«على»بمعنى«مع»أي ثمّ جعلنا الشّمس مع الظّلّ دليلا على وحدانيّتنا،على معنى جعلنا الظّلّ دليلا و جعلنا الشّمس دليلا على وحدانيّتنا.

و الالتفات إلى نون العظمة...[ثمّ أدام نحو أبي السّعود و قال:]

و(ثم):إمّا للتّراخي الرّتبيّ و يعلم وجهه ممّا ذكر،و إمّا للتّراخي الزّمانيّ كما هو حقيقة معناها، بناء على طول الزّمان بين ابتداء الفجر و طلوع الشّمس.(19:28)

ابن عاشور :و الدّليل:المرشد إلى الطّريق و الهادي إليه،فجعل امتداد الظّل لاختلاف مقاديره، كامتداد الطّريق و علامات مقادير مثل صوى الطّريق، و جعلت الشّمس من حيث كانت سببا في ظهور مقادير الظّلّ كالهادي إلى مراحل،بطريقة التّشبيه البليغ،فكما أنّ الهادي يخبر السّائر أين ينزل من الطّريق،كذلك الشّمس بتسبّبها في مقادير امتداد الظّلّ تعرّف المستدلّ بالظّلّ بأوقات أعماله ليشرع فيها.

ص: 860

و تعدية دَلِيلاً بحرف«على»تفيد أنّ دلالة الشّمس على الظّلّ هنا دلالة تنبيه على شيء قد يخفى،كقول الشّاعر:

*و لا جائيا إلاّ عليّ دليل*

و شمل هذا حالتي المدّ و القبض.(19:65)

الطّباطبائيّ: و الدّليل هي الشّمس من حيث دلالتها بنورها،على أنّ هناك ظلاّ،و بانبساطه شيئا فشيئا على تمدّد الظّلّ شيئا فشيئا،و لولاها لم يتنبّه لوجود الظّلّ،فإنّ السّبب العامّ لتمييز الإنسان بعض المعاني من بعض،تحوّل الأحوال المختلفة عليه من فقدان و وجدان،فإذا فقد شيئا كان يجده تنبّه لوجود و إذا وجد ما كان يفقده تنبّه لعدمه.و أمّا الأمر الثّابت الّذي لا تتحوّل عليه الحال فليس إلى تصوّره بالتّنبّه سبيل.(15:225)

المصطفويّ: فإنّ الشّمس و تبدّل حالاتها و جريان أمرها من الطّلوع و الزّوال و الغروب،تدلّ على مدّ الظّلّ و قبضه و بسطه،و الظّلّ هو وسيلة الاستراحة و الفراغة و الانقطاع و النّوم.فوجود الشّمس و كيفيّة حركتها و جريانها تنبئ عن حدوث ظلّ،و تدلّ عليه.

و من مصاديق الآية الكريمة:بسط نور الوجود و فيض الباري تعالى،و انعكاس نوره،و مراتبه شدّة و ضعفا،حتّى يقال:إنّه ظلّ.فإنّ الظّلّ له مرتبة ضعيفة من النّور،و يتحقّق بالانعكاس.و تكون نور الشّمس و انعكاسها و بسطها و مراتبها في عالم الحسّ و المادّة دليلا عليه.و من سعة بسط نور الشّمس:إنّ تلك النّور تمتدّ و تنبسط إلى كوكب نبتون،و فاصلته من الشّمس4/500/000/000/ ملياردات بالكيلومتر و إلى ما يليه.ثمّ إنّ الدّلالة:في دلالة الشّمس ليست بمقارنة بالقصد،و أمّا تقارنها به:فكما في الآيات المتقدّمة.(3:237)

فضل اللّه : ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً فإنّ طبيعة الشّروق في منطقة تحدّد موقع الظّلّ في المنطقة الأخرى الّتي تنحسر عنها الشّمس أو لا تصل إليها، ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً كلّما امتدّت الشّمس في الأفق و اتّسع نورها في الكون،فإنّ الظّلّ ينكمش و يتضاءل حتّى تصل الشّمس إلى المدى الّذي ترتفع فيه فتشرق على الأفق كلّه،فلا يبقى للظّلّ موقع في الأرض،ليمتدّ بعد ذلك من جديد.(17:60)

مكارم الشّيرازيّ: إشارة إلى أنّ مفهوم الظّلّ لم يكن ليتّضح لو لم تكن الشّمس،فالظّلّ من حيث الأصل يخلق بسبب ضياء الشّمس،لأنّ الظلّ يطلق عادة على الظّلمة الخفيفة اللّون الّتي تظهر الأشياء فيها،و هذا في حالة ما إذا أضاء النّور جسما مانعا لنفوذ النّور،فإنّ الظّلّ يبدو في الجهة المقابلة.بناء على هذا فليس تشخيص الظّلّ يتمّ بواسطة النّور طبقا لقاعدة تعرف الأشياء بأضدادها فقط،بل إنّ وجوده أيضا من بركة النّور.(11:240)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّلّ،أي الانبساط، و هو حسن الحديث و حسن المزح و الهيئة.يقال:امرأة

ص: 861

ذات دلّ،أي شكل تدلّ عليه،و هي حسنة الدّلّ و الدّلال،و دلّها و دلالها:تدلّلها على زوجها؛و ذلك أن تريه جراءة عليه في تغنّج و تشكّل،كأنّها تخالفه و ليس بها خلاف،و هي تدلّ و تتدلّل عليه:تجترئ عليه.

و منه:فلان يدلّ عليك بصحبته إدلالا و دلالا و دالّة،أي يجترئ عليك،كما تدلّ الشّابّة على الشّيخ الكبير بجمالها.و يقال:ما دلّك عليّ،أي ما جرّأك عليّ؟و لفلان عليك دالّة و تدلّل و إدلال.

و الدّالّة:الوثوق و الانبساط.يقال:أدلّ عليه، أي وثق بمحبّته فأفرط عليه،و في المثل:«أدلّ فأملّ»، و هو يدلّ بفلان:يثق به،و في الحديث:«يمشي على الصّراط مدلاّ»،أي منبسطا لا خوف عليه،و هو من الإدلال و الدّالّة على من لك عنده منزلة.

و المدلّ بالشّجاعة:الجريء.يقال:أدلّ الرجل على أقرانه في الحرب،أي أخذهم من فوق،و أدلّ البازي على صيده كذلك.و المدلّل:الّذي يتجنّى في غير موضع تجنّ،تشبيها بتدلّل المرأة على زوجها.

و الدّلّ:قريب المعنى من الهدي،و هما من السّكينة و الوقار في الهيئة و المنظر و الشّمائل و غير ذلك؛يقال:

دلّ فلان يدلّ،إذا هدي،و دلّه على الشّيء يدلّه دلاّ و دلالة فاندلّ:سدّده إليه،و دللته فاندلّ؛يقال:أ ما تندلّ على الطّريق؟و الدّليل:ما يستدلّ به.

و الدّلالة و الدّلالة و الدّلولة و الدّلّيلى:الهدي و الإرشاد؛يقال:دلّه على الطّريق يدلّه دلالة و دلالة و دلولة،و دللت بهذا الطّريق:عرفته،و دللت به أدلّ دلالة،و أدللت بالطّريق إدلالا.

و الدّالّ و الدّليل و الدّلّيلى:الّذي يدلّك؛و الجمع أدلّة و أدلاّء.

و الدّليلة:المحجّة البيضاء،و هي الدّلّى.

و الدّلالة:اسم لعمل من يجمع بين البيّعين،و هو الدّلاّل،لأنّه يدلّ المشتري على السّلعة،كما يدلّ الدّليل التّائه على الطّريق.و الدّلالة:حرفة الدّلاّل.

و الدّلالة و الدّلالة:ما جعلته للدّليل أو الدّلاّل.

2-ولّد العامّة الفعل«دلّل»،و استعملوه متعدّيا في الاحتفاء بالرّجل أو المرأة و اللّطف لهما.يقال:دلّل الرّجل زوجه،و دلّل ابنه أو ابنته.و استعمله صاحب «المعجم الوسيط»بمعنى التّساهل؛قال:«دلّله:

تساهل في تربيته أو معاملته حتّى جرؤ عليه»،و نبّه على أنّه مولّد.

و قد استعملته بعض المعاجم الحديثة متعدّيا في معنى تغنّج المرأة و تجرّئها على الرّجل،غير أنّها نسبت الفعل إليه،فأوقع أثره عليها.يقال:دلّل الرّجل المرأة،أي حملها على التّغنّج و الجرأة عليه.كما ولّدوا الفعل«تدلّل»بهذا المعنى أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا«الماضي»مرّة،و«المضارع» 5 مرّات،و الصّفة(دليل)مرّة في 7 آيات:

1- فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى طه:120

2- إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ

ص: 862

يَكْفُلُهُ... طه:40

3- وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ

القصص:12

4- فَلَمّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ... سبأ:14

5- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ

سبأ:7

6- أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً

الفرقان:45

7- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الصّفّ:10

و يلاحظ أوّلا:أنّ الأربع الأولى قصص للأنبياء عليهم السّلام:(1)قصّة آدم في الجنّة،و(2 و 3)قصّة موسى، و(4)قصّة سليمان.و اثنتان(5 و 6)عقيدة:توحيدا و معادا،و(7)إرشاد إلى النّجاة،و في كلّ منها بحوث:

ففي(1):

1-قوله: هَلْ أَدُلُّكَ... استفهام من الشّيطان لآدم يشعر بالنّصح رجاء بقبوله،كقول موسى عليه السّلام لفرعون: فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى النّازعات:18.

قال ابن عاشور:«استفهام مستعمل في العرض،و هو أنسب المعاني المجازيّة للاستفهام لقربه من حقيقته، و الافتتاح بالنّداء ليتوجّه إليه».

2-قال أبو حيّان:«كان آدم قد رغّبه اللّه تعالى في دوام الرّاحة و انتظام المعيشة بقوله: فَلا يُخْرِجَنَّكُما طه:117،و رغّبه إبليس في دوام الرّاحة بقوله: هَلْ أَدُلُّكَ... فجاء إبليس من الجهة الّتي رغّبه فيها.

3-ثمّ قال:«و قال في الأعراف:20، ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ...، و هنا هَلْ أَدُلُّكَ، يكون سابقا على قوله: ما نَهاكُما لمّا رأى إصغاءه و ميله إلى ما عرض عليه،انتقل إلى الإخبار و الحصر».

و عندنا أنّ القصص القرآنيّة منقولة بالمعنى، و توجد فيها مثل هذه الاختلافات اللّفظيّة من غير أن احتيج إلى ما ذكره في وجه الجمع و نموذج واضح من هذا النّوع من الاختلاف تجده قريبا.

و في(2 و 3):

1-الآيتان كلاهما حكاية قصّة موسى؛إذ ألقته أمّه في اليمّ بوحي من اللّه،فردّه اللّه إليها.و قد حكى اللّه هذه القصّة في سورتين مترتّبتين:طه و القصص،منّة على موسى،بعد ما منّ عليه بمنن أخرى.

ففي طه:37-40 بعد منّته عليه بما سأله موسى من شرح صدره،و حلّ العقدة من لسانه،و جعل هارون وزيرا و شريكا له في أمره،ذكر القصّة موجزة، فقال: وَ لَقَدْ مَنَنّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى* إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى* أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَ عَدُوٌّ لَهُ وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي* إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ....

ص: 863

و في القصص:7-13 بعد أن قال:5، وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ* وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ... ذكر القصّة تفصيلا فقال: وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ* وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ* وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ* وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ* فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

فآيات السّورتين بمنزلة التّفصيل بعد الإيجاز، و الطّائفة الأولى خطاب لموسى،و الثّانية خطاب لأمّه.

2-و قد اشتركت الطّائفتان-مع اختلاف ألفاظها-في ستّة أمور:

أحدها:التّنصيص على وحي اللّه إلى أمّه بقذفه في اليمّ بقوله في الأولى: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى، و في الثّانية: وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى.

و ثانيها:قول أخته لآل فرعون: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ، أو هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ.

و ثالثها:التّنصيص على ردّه إلى أمّه كي تقرّ عينها و لا تحزن بقوله في الأولى: فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ، و في الثّانية: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ.

و رابعها:إلقاء محبّته في القلوب بقوله في الأولى:

وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي، و في الثّانية قول امرأة فرعون له: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ.

و خامسها:البشارة بمستقبل موسى بقوله في الأولى: وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي و في الثّانية وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.

و سادسها:أن يأخذه عدوّ له بقوله في الأولى:

يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَ عَدُوٌّ لَهُ، و في الثّانية: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً.

3-و اختلفت الطّائفتان في سبعة أمور:

أحدها:وعد أمّه بردّه إليها في الثّانية مرّتين بالتّفصيل و الإجمال:

أمّا التّفصيل فقوله لأمّه: وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.

و أمّا الإجمال فقوله: وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ، و ليس في الأولى وعد بل فيها خبر عن ردّه فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ.

ثانيها:منع امرأة فرعون عن قتل موسى وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ لا تَقْتُلُوهُ.

ثالثها:شدّة حزن أمّه على فراغه وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى

ص: 864

قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

رابعها:تحريم المراضع عليه من قبل وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ.

خامسها:توصية أمّه أخته لتقصّه خفاء عنهم بعد أن ألقاه في اليمّ: وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ.

سادسها:أنّهم اتّخذوه نفعا و ولدا لهم،و لم يعلموا أنّه عدوّ و حزن لهم عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ، و لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ.

سابعها:وجود زيادة في كلّ منهما بشأن القذف في اليمّ و الرّدّ منه ليست في الأخرى.

ففي الأولى بعد الوحي إلى أمّها: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسّاحِلِ، و في الثّانية: أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ.

فقد ذكر قذفها في التّابوت،و إلقاء اليمّ إيّاه بالسّاحل في الأولى دون الثّانية،كما ذكر إرضاعه قبل القذف،و إلقاءه في اليمّ إذا خافت عليه،و منعها من الخوف و الحزن في الثّانية دون الأولى.

و هذا النّوع من الاختلاف اللّفظيّ و الإيجاز و التّفصيل-كما قلنا-يوجد في كثير من القصص القرآنيّة ممّا يزيد في بلاغتها.

4-و الاستفهام في الآيتين: هَلْ أَدُلُّكُمْ لعلّه مثل قوله في(1): هَلْ أَدُلُّكَ، و في(5): هَلْ نَدُلُّكُمْ استفهام مستعمل في التّرغيب،و العرض و التّشويق مجازا.و يمكن أن يكون على حقيقته تسألهم احتراما لهم،لتكون دلالتها على من يكفله عن إذن منهم.و ليس كما مضى في النّصوص في(7):

هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ؛ حيث قال الطّوسيّ فيه-و نحوه غيره:«صورته صورة العرض و المراد به الأمر».

و قال الفخر الرّازيّ:«إنّه في معنى الأمر عند الفرّاء، يقال:هل أنت ساكت؟أي أسكت...».

و في(4)لاحظ:ن س ء:«منساته».

و في(5)لاحظ:م ز ق:«مزّقتم»و«ممزّق».

و في(6)لاحظ:ظ ل ل:«الظّلّ»،و:س ك ن:

«ساكنا»،و:ش م س:«الشّمس».

و في(7)لاحظ:ت ج ر:«تجارة»،و:ن ج ي:

«تنجيكم».

و يلاحظ ثانيا:أنّ السّتّ الأولى قصص و عقيدة و هي مكّيّة،و الأخيرة إرشاد و تشريع و هي مدنيّة.

و ثالثا:و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الرّشد: قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً الكهف:66

الهدى: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ

البقرة:2

ص: 865

ص: 866

د ل و

اشارة

5 ألفاظ،5 مرّات:4 مكّيّة،1 مدنيّة

في 4 سور:3 مكّيّة،1 مدنيّة

فادلى 1:1 تدلّى 1:1

تدلوا 1:-1 دلوه 1:1

فدلاّهما 1:1

النّصوص اللّغويّة

اشارة

الخليل :جمع الدّلو:الدّلاء،و العدد:أدل، و الكثير:دليّ و دليّ.

و الدّلاة:الدّلو،و أدليتها:أرسلتها في البئر، و قول اللّه عزّ و جلّ: فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى يوسف:19،و دلوتها:ملأتها و نزعتها من البئر ملأى، [ثمّ استشهد بشعر]

و الدّالية:شيء يتّخذ من خوص و خشب، يستقى به بحبال يشدّ في رأس جذع طويل،و الإنسان يدلي شيئا في مهواة و يتدلّى هو نفسه.

و أدلى فلان بحجّته أي احتجّ بها،و أدلى بها إلى الحاكم:رفعها إليه.(8:69)

أبو عمرو الشّيبانيّ: دلوت الإبل دلوا إذا سقتها سوقا رويدا.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 14:173)

ابن الأعرابيّ: دلي إذا ساق،و دلي إذا تحيّر.

و تدلّى،إذا قرب بعد علوّ،و تدلّى:تواضع.

و داليته،أي داريته.(الأزهريّ 14:173)

ابن السّكّيت: دلوتها دلوا و هو السّوق اللّيّن.

[ثمّ استشهد بشعر](291)

و الدّلو:الغالب عليها التّأنيث؛و تصغيرها:دليّة، و قد تذكّر.[ثمّ استشهد بشعر](اصلاح المنطق:359)

الدّينوريّ: الدّوالي:عنب أسود غير حالك، و عناقيده أعظم العناقيد كلّها،تراها كأنّها تيوس

ص: 867

معلّقة،و عنبه جاف يتكسّر في الفم،مدحرج و يزبّب.

(ابن سيده 9:426)

ابن أبي اليمان :الإدلاء:إلقاءك الدّلو في البئر، و الإدلاء بالحجّة أيضا.(76)

الزّجّاج: تقول:دلوت الدّلو أدلوها،أي أخرجتها من البئر.

و دلوت الإبل:سقتها سوقا رفيقا.

و أدليت الدّلو في البئر،إذا أرسلتها.

و أدلى الرّجل بحجّته،إذا أتى بها.

(فعلت و أفعلت:15)

ابن دريد :المدالاة:«مفاعلة»من الرّفق،من قولهم:دلوته في السّير أدلوه دلوا،إذا رفقت به في السّير.(2:247)

الدّلو:معروفة،مؤنّثة و قد ذكّرت في الشّعر،على معنى الغرب أو السّجل،يقال:دلا دلوه يدلوها دلوا، إذا ألقاها في البئر،و أدلى إدلاء،إذا انتزعها من البئر، و في التّنزيل: فَأَدْلى دَلْوَهُ يوسف:19،أي انتزعها، و اللّه أعلم بكتابه.

و الدّلو:الرّفق في السّير و غيره.[ثمّ استشهد بشعر](2:300)

الدّلاة:الدّلو.

و دلا دلوه إذا طرحها في البئر،و أدلاها إذا أخرجها و قوله عزّ و جلّ: فَأَدْلى دَلْوَهُ أي أخرجها.

و الدّالية:الأرض الّتي تسقى بالدّلو و المنجنون، و المنجنون:البكرة.

و جمع دالية:دوال عربيّ معروف.

و أدلى للفرس و غيره،إذا روّل غرموا له إدلاء.

و أدلى الرّجل بحجّته،إذا أوضحها.

و داليت الرّجل مدالاة،إذا رفقت به.و دلوت البعير أدلوه دلوا،إذا رفقت به في السّوق.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](3:244)

يقال:دلا يدلو دلوا،إذا استقى،و أدلى يدلي إدلاء،إذا أدلى دلوه.

و أدلى بحجّته عند القاضي،لا غير.

و دلوت الرّجل،إذا رفقت به.و يقال:داليت الرّجل مدالاة،إذا رفقت به.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:441)

الأزهريّ: في حديث أمّ المنذر العدويّة قالت:

«...و لنا دوال معلّقة...».الدّوالي:بسر يعلّق،فإذا أرطب أكل.(14:172)

نحوه الهرويّ(2:650)،و الزّمخشريّ(الفائق 1:

433).

الصّاحب:الدّلو:معروفة،و أدليتها:أرسلتها في البئر،و دلوتها أدلوها؛مثله.و الجميع:الدّلاء و الدّليّ و الدّليّ،و العدد:أدل،و يقال:دلاة أيضا؛و الجنس:

الدّلاء.

و مثل:«قد علقت دلوك دلو أخرى»و في المثل:

«ألق دلوك في الدّلاء».

و الدّلو:السّوق الرّفيق،و دلا ركابه دلوا:رفق بها،و اسم أربعة كواكب في السّماء،و الدّاهية.و سمة اللّهزمة و الفخذ.

و الدّالية:شيء يتّخذ من خوص و خشب

ص: 868

يستقى به.

و دلوت حاجتي أدلوها،أي طلبتها بالشّفعاء كما يجرّ الدّلو.

و دلوت به إلى فلان،أي متتّ به إليه.

و الإنسان يدلي شيئا في مهوى،و يتدلّى هو.

و أدلى بحقّه و حجّته،إذا أحضرها و احتجّ بها.

و داليته مدالاة:أي داجيته و داريته.

و دلي يدلى،إذا تدلّه و تحيّر.(9:353)

الخطّابيّ: في حديث العبّاس:أنّ عمر خرج يستسقى به فقال:اللّهمّ إنّا نتقرّب إليك بعمّ نبيّك[إلى أن قال:]«...فقد دلونا به إليك مستشفعين».

قوله:«دلونا به إليك»أي متتنا و استشفعنا، و أصله من الدّلو.[إلى أن قال:]

أمّا قوله:«دلونا به إليك»أي متتنا و استشفعنا فإنّه محرّف عن وجهه و موضوع في غير موضعه إنّما يقال:أدليت بالألف،بمعنى متتّ و توسّلت.

يقال:فلان يدلي بحجّة و يدلي بقرابة و نحو ذلك تمثيلا له بمن يرسل الدّلو يستقي ماء.يقال:أدلى الرّجل دلوه،إذا ألقاها في البئر،و دلاّها.إذا نزعها.

و معنى دلونا في قول عمر:أقبلنا به و سرنا.

قال الفرّاء:الدّلو:السّير الرّويد.و قال غيره:

الدّلو:السّير الرّفيق،و كلاهما واحد.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:243)

الجوهريّ: الدّلو:واحدة الدّلاء الّتي يستقى بها، و كذلك«الدّلا»بالفتح؛الواحدة:دلاة.

و جمع الدّلو في أقلّ العدد:أدل و هو«أفعل» قلبت الواو ياء لوقوعها طرفا بعد ضمّة،و الكثير:دلاء، و دليّ على«فعول.».

و الدّلو:برج من بروج السّماء،و الدّلو:سمة للإبل.

و قولهم:جاء فلان بالدّلو،أي بالدّاهية.

و الدّالية:المنجنون تديرها البقر،و النّاعورة يديرها الماء.

و دلوت الدّلو:نزعتها.و أدليتها:أرسلتها في البئر لتمتلئ.

و دلوت النّاقة دلوا:سرتها سيرا رويدا.

و ادلولى،أي أسرع،و هو«افعوعل».

و دلوت الرّجل و داليته،إذا رفقت به و داريته.

و دلاّه بغرور أي أوقعه فيما أراد من تغريره،و هو من إدلاء الدّلو.

و دلوت بفلان إليك،أي استشفعت به إليك.

و قال عمر لمّا استسقى بالعبّاس رضي اللّه عنهما:

«اللّهمّ إنّا نتقرّب إليك بعمّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم وقفيّة آبائه و كبر رجاله،دلونا به إليك مستشفعين».

و تدلّى من الشّجرة،و قوله تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى النّجم:8،أي تدلّل كقوله تعالى: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطّى القيمة:33،أي يتمطّط.[ثمّ استشهد بشعر]

و أدلى بحجّته،أي احتجّ بها.

و هو يدلي برحمه،أي يمتّ بها.

و أدلى بماله إلى الحاكم:دفعه إليه.و منه قوله تعالى: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ البقرة:188،يعني

ص: 869

الرّشوة.(6:2338)

نحوه ملخّصا الرّازيّ.(229)

ابن فارس: الدّال و اللاّم و الحرف المعتلّ أصل، يدلّ على مقاربة الشّيء و مداناته بسهولة و رفق.

يقال:أدليت الدّلو،إذا أرسلتها في البئر،فإذا نزعت فقد دلوت.

و الدّلو:ضرب من السّير سهل.

و الدّلاة:الدّلو أيضا،و يجمع على الدّلاء.

و يقال:أدلى فلان بحجّته،إذا أتى بها.و أدلى بماله إلى الحاكم،إذا دفعه إليه.قال جلّ ثناؤه: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ البقرة:188.

و يقال:دلوت إليه بفلان:استشفعت به إليه؛و من ذلك حديث عمر في استسقائه بالعبّاس:[و ذكره كما سبق عن الخطّابيّ]

و يحمل على هذا قولهم:جاء فلان بالدّلو،أي الدّاهية.

و يقال:داليت الرّجل،إذا داريته.

و يقال:هو دلاّء مال،إذا كان سائس مال و خائله.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:293)

أبو هلال :الفرق بين الدّلو و الذّنوب:أنّ الدّلو تكون فارغة و ملأى،و الذّنوب لا تكون إلاّ ملأى، و لهذا سمّي النّصيب ذنوبا.[ثمّ استشهد بشعر](258)

الثّعالبيّ: التّجنيس:و هو أن يجانس اللّفظ اللّفظ في الكلام،و المعنى مختلف كقوله تعالى: فَأَدْلى دَلْوَهُ يوسف:19(384)

أبو سهل الهرويّ: أدليت الدّلو،بالألف إذا أرسلتها في البئر لتملأها،و دلوتها إذا أخرجتها و فيها ماء.(23)

ابن سيده: الدّلو:تذكّر و تؤنّث و التّأنيث أعلى و أكثر؛و الجمع:أدل،و دلاء،و دليّ،و دليّ؛و هي الدّلاة،و الدّلا.و قيل:الدّلا:جمع دلاة،كفلا:جمع فلاة.

و الدّلاة أيضا:الدّلو الصّغيرة.

و دلوتها،و أدليتها،إذا أرسلتها لتستقي بها.

و قيل:أدلاها:ألقاها،ليستقي بها،و دلاها:جبذها ليخرجها...

و الدّلو:برج من بروج السّماء معروف،سمّي به تشبيها بالدّلو.

و الدّالية:شيء يتّخذ من خوص و خشب يستقى به بحبال،تشدّ في رأس جذع طويل.

و الدّالية:المنجنون.و الدّالية:الأرض تسقى بالدّلو و المنجنون.

و أدلى الفرس و غيره:أخرج جردانه ليبول أو يضرب،و كذلك أدلى العير،و دلّى.قيل لابنة الخسّ:

ما مائة من الحمر؟قالت:عازبة اللّيل،و خزي المجلس،لا لبن فتحلب،و لا صوف فتجزّ،إن ربط عيرها دلّى،و إن أرسلته ولّى.

و دلّى الشّيء في المهواة:أرسله فيها.

و تدلّيت فيها و عليها.

و أدلى بحجّته:أحضرها.

و أدلى إليه بماله:دفعه،و في التّنزيل: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ

ص: 870

البقرة:188.

و أدليت فيه:قلت قبيحا.

و دلوت الإبل دلوا:سقتها سوقا رفيقا.

[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](9:426)

الرّاغب: دلوت الدّلو،إذا أرسلتها،و أدليتها،أي أخرجتها.و قيل:يكون بمعنى أرسلتها قاله أبو منصور في«الشّامل»،قال تعالى: فَأَدْلى دَلْوَهُ يوسف:19.

و استعير للتّوصّل إلى الشّيء،قال الشّاعر:

و ليس الرّزق عن طلب حثيث

و لكن ألق دلوك في الدّلاء

و بهذا النّحو سمّي الوسيلة المائح.[ثمّ استشهد بشعر]

قال تعالى: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ.

و التّدلّي:الدّنوّ و الاسترسال،قال تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى النّجم:8.(171)

الزّمخشريّ: أدليت دلوي:أرسلتها في البئر،و دلوتها:نزعتها.

و سقى أرضه بالدّالية و بالدّوالي،و هي النّواعير.

و دلّى شيئا في مهواة و تدلّى بنفسه،و دلّى رجليه من السّرير و دلاّه بحبل من سطح أو جبل.و تدلّت الثّمرة من الشّجرة.

و من المجاز:دلا فلان ركابه دلوا،إذا رفق بسوقها.

و دلوت حاجتي:طلبتها.

و دلوت بفلان إلى فلان:متتّ به و تشفّعت به إليه.و منه الحديث:«دلونا به إليك مستشفعين.» و أدلى بحقّه و حجّته:أحضرها.

و أدلى بمال فلان إلى الحكّام:رفعه.

و تدلّى علينا فلان من أرض كذا:أتانا.يقال:

من أين تدلّيت علينا.

و فلان يتدلّى على الشّرّ و ينحطّ عليه.

و تدلّى من الجبل:نزل.

و داريت فلانا و داليته:صانعته و رفقت به.

و أدلى الفرس:روّل.

و في مثل:«ألق دلوك في الدّلاء»حثّ على الاكتساب.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات]

(أساس البلاغة:135)

ابن الزّبير:«وقع حبشيّ في بئر زمزم فأمر أن يدلوا ماءها».

الدّلو:نشط الدّلو و الإدلاء:إرسالها.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 1:435)

المدينيّ: في حديث عثمان:«تطأطأت لكم تطأطأ الدّلاة.».

الدّلاة:جمع دال و هو النّازع بالدّلو.يقال:أدليت الدّلو و دليتها:أرسلتها في البئر،و دلوتها:أخرجتها، فأنا دال و هو يطأطئ ظهره لأخذ الدّلو.و المعنى:

تواضعت لكم و تطامنت.

في حديث ابن الزّبير:«أنّ حبشيّا وقع في بئر زمزم فأمرهم أن يدلوا ماءها».(1:671)

ابن الأثير: في حديث الإسراء:«تدلّى فكان قاب قوسين».التّدلّي:النّزول من العلوّ،و قاب القوس:قدره،و الضّمير في«تدلّى»لجبريل عليه السّلام.

ص: 871

[و تركنا سائر الأحاديث حذرا من التّكرار](2:131)

الفيّوميّ: الدّلو تأنيثها أكثر فيقال:هي الدّلو و في التّذكير يصغّر على دليّ،مثل:فلس و فليس و ثلاثة أدل و في التّأنيث:دليّة بالهاء و ثلاث أدل

و جمع الكثرة:الدّلاء،و الدّليّ و الأصل:فعول مثل:فلوس.

و أدليتها إدلاء:أرسلتها ليستقى بها،و دلوتها أدلوها لغة فيه و دلوتها و دلوت بها:أخرجتها مملوءة.

و أدلى إلى الميّت بالبنوّة و نحوها:وصل بها من إدلاء الدّلو.

و أدلى بحجّته:أثبتها،فوصل بها إلى دعواه.

و الدّالية:دلو و نحوها و خشب يصنع كهيئة الصّليب و يشدّ برأس الدّلو ثمّ يؤخذ حبل يربط طرفه بذلك و طرفه بجذع قائم على رأس البئر و يسقى بها، فهي فاعلة بمعنى مفعولة؛و الجمع:الدّوالي.و شذّ الفارابيّ و تبعه الجوهريّ ففسّرها بالمنجنون.

(1:199)

الفيروزآباديّ: الدّلو:معروف،و قد تذكّر؛جمعه:أدل و دلاء و دليّ و دليّ و دلى كعلى و برج في السّماء و سمة للإبل،و الدّاهية.

و الدّلاة:دلو صغير.

و دلوت و أدليت:أرسلتها في البئر.

و دلاها:جبذها ليخرجها.

و الدّالية:المنجنون و النّاعورة و شيء يتّخذ من خوص يشدّ في رأس جذع طويل،و الأرض تسقى بدلو أو منجنون.

و الدّوالي:عنب أسود غير حالك،و بسر يعلّق فإذا أرطب أكل.

و أدلى الفرس و غيره:أخرج جردانه ليبول أو يضرب،و فلان في فلان:قال قبيحا و برحمه:توسّل، و بحجّته:أحضرها و إليه بماله:دفعه و منه: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ.

و تدلّى:تدلّل و من الشّجر:تعلّق.

و دلوت النّاقة:سيّرتها رويدا و فلانا:رفقت به كداليته.

دلي كرضي:تحيّر.

و تدلّى:قرب و تواضع.

و داليته:داريته.(4:330)

العدنانيّ: هذه الدّلو جديدة،هذا الدّلو جديد

و يخطّئون من يقول:هذا الدّلو جديد،و يقولون:

إنّ الصّواب هو:هذه الدّلو جديدة،لأنّ الدّلو مؤنّثة، كما يرى الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس، و المغرب،و المختار.[ثمّ استشهد بشعر]

و لكن:يقول:إنّ الدّلو مؤنّثة،و قد تذكّر كلّ من اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و متن اللّغة،و الوسيط.

و قد ذكر اللّسان و التّاج و المتن:أنّ التّأنيث أعلى و أكثر.

أمّا فعله فهو:دلا الدّلو و بالدّلو يدلوها دلوا أو أدلى الدّلو و بالدّلو إدلاء:أرسلها في البئر ليملأها.

و جمع الدّلو:دلاء و دليّ و دليّ و أدل و دلا أو دليّ: جمع دلاة،و هي الدّلو الصّغيرة.

ص: 872

و تصغير الدّلو في التّذكير دليّ و في التّأنيث:دليّة.

و من معانى الدّلو:

1-برج من بروج السّماء.

2-سمة للإبل.

3-الدّاهية.

الدّوالي.

يخطّئ الخفاجيّ في«شفاء الغليل»من يطلق اسم «الدّوالي»جمع دالية على عرش الكرم.

و لكن أطلق اسم«الدّوالي»على أشجار الكرمة و نحوها كلّ من المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن.

و ذكرت المعجمات الثّلاثة الأخيرة أنّ كلمة «الدّوالي»مولّدة.

و الدّوالي أيضا:عنب طائفيّ-نسبة إلى الطّائف- أسود يضرب إلى الحمرة:أبو حنيفة الدّينوريّ، و المحكم،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و أنا أرى أنّنا نستطيع إطلاق اسم«الدّواليّ» على أشجار الكرمة و نحوها،اعتمادا:

أ-على ما جاء في المعجمات الأربعة.

ب-و على المجاز المرسل،ما دام هنالك شبه إجماع على أنّ«الدّوالي»تعني أحد أنواع العنب.و هذا يمكّننا-لجوء إلى المجاز المرسل-من إطلاق الجزء المهمّ على الكلّ،كما أطلقنا اسم العين على الجاسوس،لأنّ لها شأنا كبيرا في وظيفته.و نكون بذلك قد أطلقنا الجزء العنب و أردنا الكلّ،العنب مع شجرته.

و من معانى الدّوالي:

1-غلظ في الأوردة و استطالة فيها،يكون غالبا في الطّرفين السّفليّين،و في أوردة أسفل المستقيم،و في الصّفن«وعاء الخصية»،و هذا الغلظ يمنع رجوع الدّم إلى الوراء«مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة».

2-الدّالية:الدّلو و نحوها.

3-خشبة تصنع على هيئة الصّليب،تثبّت برأس الدّلو،ثمّ يشدّ بها طرف حبل،و طرفه الآخر بجذع قائم على رأس البئر يستقى بها.

4-النّاعورة يديرها الماء أو الحيوان.

5-الأرض تسقى بالدّلو و المنجنون:الدّولاب الّتي يستقى عليها.(227)

مجمع اللّغة :الدّلو:الوعاء الّذي يخرج به الماء من البئر و غيرها.

و يقال:أدلى دلوه:أنزلها في البئر يستقى بها.

و أدلى بمال إلى الحاكم:دفعه إليه.

دلاّه بغرور:أطمعه في غير مطمع.أو دلاّه من دلّله بمعنى:جرّأه على ما لا ينبغي.

تدلّى:انحطّ من علوّ إلى أسفل.(1:402)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:190)

المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الإرسال مع الإنزال و الإنحدار،و هذا الانحدار من أعلى إلى أسفل أعمّ من أن يكون في الأمور الحسّيّة أو المعنويّة.يقال:أدلى الدّلو في البئر و دلّى رجليه و تدلّى و تدلّت الثّمرة من الشّجرة،

ص: 873

و تدلّى من الجبل.و يقال في المعنويّة:تدلّى على الشّرّ.

و أمّا مفاهيم إدلاء الحجّة،و المداراة،و التّشفّع، و رفع المال إلى الحكّام،و الإسراع في السّير:فمرجعها جميعا إلى الإرسال من أعلى إلى أسفل،فهذه الخصوصيّة ملحوظة في جميع الموارد،و ليست هذه المفاهيم بأنفسها و من حيث هي منظورة،بل بلحاظ هذه الخصوصيّة.

ثمّ إنّ موادّ:«دول،دنو،دون،دور،دلو،دلى» قريبة اللّفظ و المفهوم،فراجع إلى هذه الكلمات.

و الظّاهر أنّ الأصل في المادّة هو الاعتلال بالواو، و أمّا الياء:فإنّما تتحصّل بالقلب و التّبديل و الإعلال.

و أيضا إنّ كلمة الدّلو مأخوذة من هذا المعنى بمناسبة استعماله غالبا في مقام الإرسال و الانحدار إلى البئر،و إنّ مفهوم النّزع في دلوته:باعتبار الاشتقاق الانتزاعيّ من تلك الكلمة.[ثمّ ذكر بعض الآيات و فسّرها و قال:]

فظهر لطف التّعبير بالمادّة في موارد استعمالاتها.

و ليعلم أنّ الدّنوّ:قرب مع النّزول،و الدّلو:

إرسال مع نزول،و يلاحظ في الدّور:قيد الإحداق، و في الدّول:التّحوّل،و في الدّون:القرب المطلق.

(3:238)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

فادلى-دلوه

وَ جاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ. يوسف:19

ابن عبّاس: فأرخى دلوه في جبّ يوسف،فتعلّق يوسف به،فلم يقدر على نزعه من البئر،فنظر فيه فرأى غلاما قد تعلّق بالدّلو.(195)

ابن قتيبة :أي أرسلها.يقال:أدلى دلوه،إذا أرسلها للاستقاء.و دلا يدلو،إذا جذبها ليخرجها.

(214)

نحوه الشّربينيّ.(2:97)

الطّبريّ: يقول:أرسل دلوه في البئر.

يقال:أدليت الدّلو في البئر،إذا أرسلتها فيها،فإذا استقيت فيها قلت:دلوت أدلو دلوا.

و في الكلام محذوف،استغني بدلالة ما ذكر عليه، فترك،و ذلك: فَأَدْلى دَلْوَهُ، فتعلّق به يوسف، فخرج.(7:164)

نحوه البغويّ.(2:481)

الزّجّاج: يقال:أدليت الدّلو،إذا أرسلتها لتملأها،و دلوتها،إذا أخرجتها.(3:97)

الثّعلبيّ: أي أرسلها.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج]

(5:204)

الماورديّ: أي أرسلها ليملأها،يقال:أدلاها،إذا أرسل الدّلو ليملأها،و دلاّها إذا أخرجها ملأى.

(3:17)

نحوه الطّوسيّ.(6:113)

الواحديّ: أي أرسلها في البئر.(2:604)

نحوه الطّبرسيّ(3:220)،و ابن الجوزيّ(4:

194)،و مغنيّة(4:296)،و المصطفويّ(3:239).

ص: 874

الآلوسيّ: أي أرسلها إلى الجبّ ليخرج الماء.

و يقال:دلا الدّلو،إذا أخرجها ملأى،و الدّلو من المؤنّثات السّماعيّة،فتصغّر على دليّة،و تجمع على:

أدل و دلاء و دليّ.

و قال ابن الشّحنة:إنّ الدّلو الّتي يستقى بها مؤنّثة و قد تذكّر.و أمّا الدّلو مصدر«دلوت»و ضرب من السّير،فمذكّر،و مثلها في التّذكير و التّأنيث«الجبّ» عند الفرّاء على ما نقله عنه محمّد بن الجهم،و عن بعضهم أنّه مذكّر لا غير...

و في الكلام حذف،أي فأدلى دلوه فتدلّى بها يوسف فخرج.(12:203)

ابن عاشور :الإدلاء:إرسال الدّلو في البئر لنزع الماء.

و الدّلو:ظرف كبير من جلد مخيط،له خرطوم في أسفله يكون مطويّا على ظاهر الظّرف،بسبب شدّه بحبل مقارن للحبل المعلّقة فيه الدّلو،و الدّلو مؤنّثة.

(12:38)

تدلوا
اشارة

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ... البقرة:188

ابن عبّاس: لا تلجوا بها.(26)

فهذا في الرّجل يكون عليه مال،و ليس عليه فيه بيّنة،فيجحد المال،فيخاصمهم فيه إلى الحكّام،و هو يعرف أنّ الحقّ عليه،و هو يعلم أنّه آثم،آكل حراما.

(الطّبريّ 2:190)

مجاهد :لا تخاصم و أنت ظالم.(الطّبريّ 2:190)

قتادة:لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم و أنت تعلم أنّك ظالم،فإنّ قضاءه لا يحلّ لك شيئا كان حراما عليك.(الطّبريّ 2:190)

السّدّيّ: أمّا الباطل،يقول:يظلم الرّجل منكم صاحبه ثمّ يخاصمه ليقطع ماله و هو يعلم أنّه ظالم فذلك قوله: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ.

(الطّبريّ 2:190)

الكلبيّ: هو أن يقيم شهادة الزّور.

(البغويّ 1:234)

الفرّاء: في قراءة أبيّ: و لا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل و لا تدلوا بها الى الحكام فهذا مثل قوله:

وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة:42،معناه:و لا تكتموا.و إن شئت جعلته إذا ألقيت منه(لا)نصبا على الصّرف،كما تقول:لا تسرق و تصدّق.معناه:لا تجمع بين هذين كذا و كذا.[ثمّ استشهد بشعر](1:115)

ابن قتيبة :أي تدلي بمال أخيك إلى الحاكم ليحكم لك به و أنت تعلم أنّك ظالم له.فإنّ قضاءه باحتيالك في ذلك عليك لا يحلّ لك شيئا كان محرّما عليك.

و هو مثل قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«فمن قضيت له بشيء من حقّ أخيه فلا يأخذه،فإنّما أقطع له قطعة من النّار».(75)

الطّبريّ: يعني و تخاصموا بها،يعني بأموالكم إلى الحكّام[إلى أن قال:]

و أصل الإدلاء:إرسال الرّجل الدّلو في سبب

ص: 875

متعلّقا به في البئر.فقيل للمحتجّ لدعواه:«أدلى بحجّة كيت و كيت»إذا كان حجّته الّتي يحتجّ بها سببا له،هو به متعلّق في خصومته،كتعلّق المستقي من بئر بدلو قد أرسلها فيها بسببها الّذي الدّلو به متعلّقة.يقال فيهما جميعا أعني من الاحتجاج،و من إرسال الدّلو في البئر بسبب:أدلى فلان بحجّته،فهو يدلي بها إدلاء،و أدلى دلوه في البئر،فهو يدليها إدلاء.

فأمّا قوله: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ، فإنّ فيه وجهين من الإعراب:

أحدهما:أن يكون قوله: وَ تُدْلُوا جزما عطفا على قوله: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ، أي و لا تدلوا بها إلى الحكّام.و قد ذكر أنّ ذلك كذلك في قراءة أبيّ بتكرير حرف النّهي (و لا تدلوا بها الى الحكّام) .

و الآخر منهما:النّصب على الصّرف،فيكون معناه حينئذ:لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و أنتم تدلون بها إلى الحكّام.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو أن يكون في موضع جزم-على ما ذكر في قراءة أبيّ-أحسن منه أن يكون نصبا.(2:189)

الزّجّاج: أي تعملون على ما يوجبه ظاهر الحكم، و تتركون ما قد علمتم أنّه الحقّ.و معنى تُدْلُوا في اللّغة:إنّما أصله من أدليت الدّلو،إذا أرسلتها للملء و دلوتها إذا أخرجتها.و معنى أدلى لي فلان بحجّته:

أرسلها و أتى بها على صحّة،فمعنى: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ، أي تعملون على ما يوجبه الإدلاء بالحجّة و تخونون في الأمانة.(1:258)

الثّعلبيّ: أي تلقون أمور تلك الأموال بينكم و بين أربابها إلى الحكّام.[ثمّ ذكر نحو الطّبريّ](2:83)

نحوه البغويّ.(1:234)

الماورديّ: مأخوذ من إدلاء الدّلو،إذا أرسلته.

و يحتمل وجها ثانيا،معناه:و تقيموا الحجّة بها عند الحاكم،من قولهم:قد أدلى بحجّته إذا قام بها.

(1:248)

الطّوسيّ: و موضع تُدْلُوا يحتمل أمرين:

أحدهما:أن يكون جزما على النّهي،و عطفا على قوله: لا تَأْكُلُوا.

و الثّاني:أن يكون نصبا على الظّرف،و يكون نصبها بإضمار«ان».[ثمّ استشهد بشعر]

و الأوّل أجود.

و قيل في اشتقاق تُدْلُوا قولان:

أحدهما:أنّ التّعلّق بسبب الحكم كتعلّق الدّلو بالسّبب الّذي هو الحبل.

الثّاني:أنّه يمضي فيه من غير تثبّت،كمضيّ الدّلو في الإرسال من غير تثبّت.(2:138)

الواحديّ: أي لا تدلوا بأموالكم إِلَى الْحُكّامِ أي لا تصانعوهم بها،و لا ترشوهم ليقطعوا لكم حقّا لغيركم.(1:289)

الزّمخشريّ: (و لا تدلوا بها)و لا تلقوا أمرها و الحكومة فيها إلى الحكّام،لتأكلوا بالتّحاكم...

و قيل: وَ تُدْلُوا بِها، و تلقوا بعضها إلى حكّام السّوء على وجه الرّشوة و تُدْلُوا مجزوم داخل في حكم النّهي أو منصوب بإضمار«ان»كقوله:

ص: 876

وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ البقرة:42.(1:340)

نحوه ملخّصا البيضاويّ(1:104)،و النّسفيّ(1:

97).

ابن عطيّة: يقال:أدلى الرّجل بالحجّة أو بالأمر الّذي يرجو النّجاح به،تشبيها بالّذي يرسل الدّلو في البئر يرجو بها الماء.

قال قوم:معنى الآية:تسارعون في الأموال إلى المخاصمة إذا علمتم أنّ الحجّة تقوم لكم،إمّا بأن لا تكون على الجاحد بيّنة أو يكون مال أمانة،كاليتيم و نحوه،ممّا يكون القول فيه قوله،فالباء في(بها)باء السّبب.

و قيل:معنى الآية:ترشوا بها على أكل أكثر منها، فالباء إلزاق مجرّد.و هذا القول يترجّح،لأنّ الحكّام مظنّة الرّشا،إلاّ من عصم،و هو الأقلّ.و أيضا فإنّ اللّفظتين متناسبتان، تُدْلُوا من أرسل الدّلو، و الرّشوة من الرّشا،كأنّها يمدّ بها لتقضي الحاجة.

و تُدْلُوا في موضع جزم عطفا على تَأْكُلُوا.

و في مصحف أبيّ(و لا تدلوا)بتكرار حرف النّهي.

و هذه القراءة تؤيّد جزم تُدْلُوا في قراءة الجماعة.

و قيل: تُدْلُوا في موضع نصب على الظّرف.و هذا مذهب كوفيّ أنّ معنى الظّرف هو النّاصب،و الّذي ينصب في مثل هذا عند سيبويه«ان»مضمرة.

(1:260)

ابن العربيّ: أي توردون كلامكم فيها،ضرب للكلام المورود على السّامع،مثلا بالدّلو المورودة على الماء ليأخذ الماء.

و حقيقة اللّفظ:و تدلوا كلامكم،أو يكون الكلام ممثّلا بالحبل،و المال المذكور ممثّلا بالدّلو،لتقطعوا قطعة من أموال غيركم،و ذلك الغير هو المخاصم.

(1:98)

الطّبرسيّ: يقال:أدلى فلان بحجّته،إذا أقامها، و هو من قولهم:أدليت الدّلو في البئر،إذا أرسلتها.

و دلوتها إذا أخرجتها،فمعنى قولهم:أدلى بحجّته:

أرسلها،و أتى بها على صحّة.

و في تشبيه الخصومة بإرسال الدّلو في البئر وجهان:

أحدهما:أنّه تعلّق بسبب الحكم،كتعلّق الدّلو بالسّبب الّذي هو الحبل.

الثّاني:أنّه يمضي فيه من غير تثبيت،كمضيّ الدّلو في الإرسال من غير تثبيت...

وَ تُدْلُوا: محلّه جزم على النّهي،عطفا على قوله: وَ لا تَأْكُلُوا. و يحتمل أن يكون نصبا على الظّرف،و يكون نصبه بإضمار«ان».[ثمّ استشهد بشعر](1:282)

ابن الجوزيّ[نحو الزّجّاج و أضاف:]

و في هاء(بها)قولان:

أحدهما:أنّها ترجع إلى الأموال،كأنّه قال:

لا تصانعوا ببعضها جورة الحكّام.

و الثّاني:أنّها ترجع إلى الخصومة.(1:194)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:الإدلاء مأخوذ من إدلاء الدّلو، و هو إرسالك إيّاها في البئر للاستقاء.يقال:أدليت

ص: 877

دلوي أدليها إدلاء فإذا استخرجتها قلت:دلوتها،قال تعالى: فَأَدْلى دَلْوَهُ يوسف:19،ثمّ جعل كلّ إلقاء قول أو فعل إدلاء.و منه يقال للمحتجّ:أدلى بحجّته، كأنّه يرسلها ليصير إلى مراده،كإدلاء المستقي الدّلو ليصل إلى مطلوبه من الماء.و فلان يدلي إلى الميّت بقرابة أو رحم،إذا كان منتسبا إليه فيطلب الميراث بتلك النّسبة،طلب المستقي بالدّلو الماء.

إذا عرفت هذا فنقول:إنّه داخل في حكم النّهي، و التّقدير:و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، و لا تدلوا إلى الحكّام،أي لا ترشوها إليهم لتأكلوا طائفة من أموال النّاس بالباطل.

و في تشبيه الرّشوة بالإدلاء وجهان:

أحدهما:أنّ الرّشوة رشاء الحاجة،فكما أنّ الدّلو المملوء من الماء يصل من البعيد إلى القريب بواسطة الرّشاء،فالمقصود البعيد يصير قريبا بسبب الرّشوة.

و الثّاني:أنّ الحاكم بسبب أخذ الرّشوة يمضي في ذلك الحكم من غير تثبّت كمضيّ الدّلو في الإرسال،ثمّ المفسّرون ذكروا وجوها:[إلى أن قال:]

و رابعها:قال الحسن:المراد هو أن يحلف ليذهب حقّه.

و خامسها:هو أن يدفع إلى الحاكم رشوة،و هو أقرب إلى الظّاهر،و لا يبعد أيضا حمل اللّفظ على الكلّ،لأنّها بأسرها أكل بالباطل.(5:129)

نحوه النّيسابوريّ.(2:136)

ابن عربيّ: و ترسلوا إلى حكّام النّفوس الأمّارة بالسّوء.(1:117)

القرطبيّ: المعنى في الآية:لا تجمعوا بين أكل المال بالباطل و بين الإدلاء إلى الحكّام بالحجج الباطلة، و هو كقوله: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ البقرة:42،و هو من قبيل قولك:لا تأكل السّمك و تشرب اللّبن.

و قيل:المعنى:لا تصانعوا بأموالكم الحكّام و ترشوهم ليقضوا لكم على أكثر منها،فالباء إلزاق مجرّد.[ثمّ أدام الكلام نحو ابن عطيّة و ابن الجوزيّ]

(2:339)

البيضاويّ: عطف على المنهيّ،أو نصب بإضمار «ان»،و الإدلاء:الإلقاء،أي و لا تلقوا حكومتها إلى الحكّام.(1:104)

نحوه الشّربينيّ(1:125)،و أبو السّعود(1:245)، و الكاشانيّ(1:207).

أبو حيّان وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ هو مجزوم بالعطف على النّهي،أي و لا تدلوا بها إلى الحكّام، و كذا هي في مصحف أبيّ،(و لا تدلوا)بإظهار (لا)النّاهية.و الظّاهر،أنّ الضّمير في(بها)،عائد على الأموال،فنهوا عن أمرين:أحدهما:أخذ المال بالباطل، و الثّاني:صرفه لأخذه بالباطل.و أجاز الأخفش و غيره أن يكون منصوبا على جواز النّهي بإضمار «ان»و جوّزه الزّمخشريّ،و حكى ابن عطية أنّه قيل:

تُدْلُوا في موضع نصب على الظّرف.قال:و هذا مذهب كوفيّ أنّ معنى الظّرف هو النّاصب،و الّذي ينصب في مثل هذا عند سيبويه«ان»مضمرة،انتهى.

و لم يقم دليل قاطع من لسان العرب على أنّ

ص: 878

الظّرف ينصب فتقول به.و أمّا إعراب الأخفش هنا أنّ هذا منصوب على جواب النّهي،و تجويز الزّمخشريّ ذلك هنا،فتلك مسألة:لا تأكل السّمك و تشرب اللّبن،بالنّصب.

قال النّحويّون:إذا نصبت كان الكلام نهيا عن الجمع بينهما،و هذا المعنى لا يصحّ في الآية لوجهين:

أحدهما:أنّ النّهي عن الجمع لا يستلزم النّهي عن كلّ واحد منهما على انفراده،و النّهي عن كلّ واحد منهما يستلزم النّهي عن الجمع بينهما،لأنّ في الجمع بينهما حصول كلّ واحد منهما عنه ضرورة؛أ لا ترى أنّ أكل المال بالباطل حرام،سواء أفرد أم جمع مع غيره من المحرّمات؟

و الثّاني:و هو أقوى،أنّ قوله: لِتَأْكُلُوا علّة لما قبلها،فلو كان النّهي عن الجمع لم تصلح العلّة له،لأنّه مركّب من شيئين لا تصلح العلّة أن يترتّب على وجودهما،بل إنّما يترتّب على وجود أحدهما،و هو:

الإدلاء بالأموال إلى الحكّام.

و الإدلاء هنا قيل:معناه الإسراع بالخصومة في الأموال إلى الحكّام،إذا علمتم أنّ الحجّة تقوم لكم.إمّا بأن لا يكون على الجاحد بيّنة،أو يكون المال أمانة، كمال اليتيم و نحوه ممّا يكون القول فيه قول المدّعى عليه،و الباء على هذا القول:للسّبب.

و قيل:معناه:لا ترشوا بالأموال الحكّام،ليقضوا لكم بأكثر منها.قال ابن عطيّة:و هذا القول يترجّح، لأنّ الحاكم مظنّة الرّشاء إلاّ من عصم،و هو الأقلّ.

و أيضا:فإنّ اللّفظتين متناسبتان: تُدْلُوا من إرسال الدّلو،و«الرّشوة»من الرّشاء،كأنّها يمدّ بها لتقضي الحاجة؛انتهى كلامه.و هو حسن.

و قيل:المعنى لا تجنحوا بها إلى الحكّام،من قولهم:

أدلى فلان بحجّته:قام بها،و هو راجع لمعنى القول الأوّل،و الضّمير في(بها)عائد على الأموال،كما قرّرناه.

و أبعد من ذهب إلى أنّه يعود على شهادة الزّور، أي لا تدلوا بشهادة الزّور إلى الحكّام،فيحتمل على هذا القول:أن يكون الّذين نهوا عن الإدلاء هم الشّهود،و يكون الفريق من المال ما أخذوه على شهادة الزّور.و يحتمل أن يكون الّذين نهوا هم المشهود لهم،و يكون الفريق من المال هو الّذي يأخذونه من أموال النّاس،بسبب شهادة أولئك الشّهود.(2:56)

الآلوسيّ: عطف على تَأْكُلُوا فهو منهيّ عنه مثله،مجزوم بما جزم به،و جوّز نصبه ب«ان»مضمرة.

و مثل هذا التّركيب و إن كان للنّهي عن الجمع إلاّ أنّه لا ينافي أن يكون كلّ من الأمرين منهيّا عنه.

و الإدلاء في الأصل:إرسال الحبل في البئر،ثمّ استعير للتّوصّل إلى الشّيء،أو الإلقاء،و الباء صلة الإدلاء.و جوّز أن تكون سببيّة و الضّمير المجرور للأموال،أي لا تتوصّلوا أو لا تلقوا بحكومتها و الخصومة فيها إلى الحكّام.و قيل:لا تلقوا بعضها إلى حكّام السّوء على وجه الرّشوة و قرأ أبيّ: (و لا تدلوا) .(2:70)

ابن عاشور :عطف على تَأْكُلُوا أي لا تدلوا

ص: 879

بها إلى الحكّام لتتوسّلوا بذلك إلى أكل المال بالباطل.

و خصّ هذه الصّورة بالنّهي بعد ذكر ما يشملها-و هو أكل الأموال بالباطل-لأنّ هذه شديدة الشّناعة جامعة لمحرّمات كثيرة،و للدّلالة على أنّ معطي الرّشوة آثم،مع أنّه لم يأكل مالا بل آكل غيره.[ثمّ أدام نحو الآلوسيّ](2:187)

الطّباطبائيّ: الإدلاء هو إرسال الدّلو في البئر لنزح الماء،كنّي به عن مطلق تقريب المال إلى الحكّام، ليحكموا كما يريده الرّاشي،و هو كناية لطيفة تشير إلى استبطان حكمهم المطلوب بالرّشوة الممثّل لحال الماء الّذي في البئر بالنّسبة إلى من يريده،و الفريق هو القطعة المفروقة المعزولة من الشّيء.

و الجملة معطوفة على قوله: تَأْكُلُوا، فالفعل مجزوم بالنّهي،و يمكن أن يكون الواو بمعنى«مع» و الفعل منصوبا ب«ان»المقدّرة،التّقدير:مع أن تأكلوا،فتكون الآية بجملتها كلاما واحدا مسوقا لغرض واحد،و هو النّهي عن تصالح الرّاشي و المرتشي على أكل أموال النّاس،بوضعها بينهما و تقسيمها لأنفسهما،بأخذ الحاكم ما أدلي به منها إليه، و أخذ الرّاشي فريقا آخر منها بالإثم،و هما يعلمان أنّ ذلك باطل غير حقّ.(2:52)

المصطفويّ: أي توصلوا و تلقوا و تنزلوا عندهم و عليهم،حتّى تستغفروا من حكمهم فيها.

و أصل تدلوا:تدليوا ففيه قلب الواو ياء ثمّ الحذف.(3:239)

فضل اللّه :أي تلقوا بها إلى القضاة الّذين ينظرون في قضايا النّاس لإصدار الأحكام فيها؛و ذلك قد يكون برشوة الحاكم الجائر المنحرف،للحكم بالباطل، و قد يكون بتقديم القضايا للمحاكم من خلال الحجّة الباطلة،و البيّنة الكاذبة،و الضّغط القاسي،و اليمين الكاذبة،للوصول إلى أخذ المال من غير حقّ بفعل الأساليب غير المشروعة.و قد روى المفسّرون عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال للخصمين:«إنّما أنا بشر و أنتم تختصمون إليّ،و لعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه،فمن قضيت له بشيء من حقّ أخيه فلا يأخذنّ منه شيئا،فإنّما أقضي له قطعة من نار»فبكيا و قال كلّ واحد منهما:حقّي لصاحبي،فقال:اذهبا فتوخّيا،ثمّ أسهما،ثمّ ليحلّل كلّ واحد منكما صاحبه».

و ربّما كان الظّاهر من سياق الآية-على ما يخطر بالبال-أنّ المشكلة تتّصل بالإدلاء بالأموال إلى الحكّام؛بحيث تكون المسألة اتّفاقا بين الآكل و الحاكم للحكم بالباطل بواسطة الرّشوة و نحوها،لأنّ الآية تدلّ على الإدلاء بالأموال إلى الحاكم،بمعنى تقريبها منه و جعلها في تصرّفه،ليحكم بها على مزاجه من خلال ما يقدّم إليه منها من الحصّة أو الرّشوة.(4:56)

مكارم الشّيرازيّ: المبادئ الأوّليّة للاقتصاد الإسلاميّ

هذه الآية الكريمة تشير إلى أحد الاصول المهمّة و الكلّيّة للاقتصاد الإسلاميّ الحاكمة على مجمل المسائل الاقتصاديّة،بل يمكن القول:إنّ جميع أبواب الفقه الإسلاميّ في دائرة الاقتصاد تدخل تحت هذه

ص: 880

القاعدة،و لذا نلاحظ أنّ الفقهاء العظام تمسّكوا بهذه الآية في مواضع كثيرة في الفقه الإسلاميّ،و هو قوله تعالى: وَ لا تَأْكُلُوا... [ثمّ أدام الكلام في معنى أكل المال بالباطل إلى أن قال:]

ثمّ يشير في ذيل الآية إلى نموذج بارز لأكل المال بالباطل،و الّذي يتصوّر بعض النّاس أنّه حقّ و صحيح،لأنّهم أخذوه بحكم الحاكم،فيقول:

وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ... .

تُدْلُوا من مادّة«إدلاء»،و هي في الأصل بمعنى إنزال الدلو في البئر لإخراج الماء،و هو تعبير جميل للموارد الّتي يقوم الإنسان فيها بتسبيب الأسباب،لنيل بعض الأهداف الخاصّة.

و هناك احتمالان في تفسير هذه الجملة:

الأوّل:هو أن يكون المراد:أن يقوم الإنسان بإعطاء قسما من ماله إلى القضاة على شكل هديّة أو رشوة-و كليهما هنا بمعنى واحد-ليتملّك البقيّة، فالقرآن يقول:إنّكم بالرّغم من حصولكم على المال بحكم الحاكم أو القاضي ظاهرا،و لكنّ هذا العمل يعني أكل للمال بالباطل،و هو حرام.

الثّاني:أن يكون المراد أنّكم لا ينبغي أن تتحاكموا إلى القضاة في المسائل الماليّة بهدف و غرض غير سليم،كأن يقوم أحد الأشخاص بإيداع أمانة أو مال ليتيم لدى شخص آخر من دون شاهد،و عند ما يطالبه بالمال يقوم ذلك الشّخص بشكايته لدى القاضي،و بما أنّ المودع يفتقد إلى الشّاهد،فسوف يحكم القاضي لصالح الطّرف الآخر،فهذا العمل حرام أيضا و أكل للمال بالباطل.

و لا مانع من أن يكون لمفهوم الآية هذه معنى واسعا يشمل كلا المعنيين في جملة تُدْلُوا، بالرّغم من أنّ كلّ واحد من المفسّرين ارتضى أحد هذين الاحتمالين.

1-جملة تُدْلُوا، عطف على تَأْكُلُوا فعلى هذا يكون مفهومها:لا تدلوا.

و الملفت للنظر أنّه ورد حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إنّما أنا بشر و إنّما يأتيني الخصم،فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له، فإن قضيت له بحقّ مسلّم فإنّما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها»،أي لا تتصوّروا أنّه من أمواله و يحلّ له أكله،لأنّ رسول اللّه حكم له بهذا المال،بل هي قطعة من نار.

بحث وباء الرّشوة

من الأوبئة الاجتماعيّة الّتي ابتلي بها البشر منذ أقدم العصور وباء الارتشاء،و كانت هذه الظّاهرة المرضيّة دوما من موانع إقامة العدالة الاجتماعيّة، و من عوامل جرّ القوانين لصالح الطبقات المقتدرة، بينما سنّت القوانين لصيانة مصالح الفئات الضّعيفة من تطاول الفئات القويّة عليهم.الأقوياء قادرون بما يمتلكونه من قوّة أن يدافعوا عن مصالحهم،بينما لا يملك الضعفاء إلاّ أن يلوذوا بالقانون ليحميهم، و لا تتحقّق هذه الحماية في جوّ الارتشاء،لأنّ القوانين ستصبح ألعوبة بيد القادرين على دفع الرّشوة، و سيستمرّ الضّعفاء يعانون من الظّلم و الاعتداء على

ص: 881

حقوقهم.

و لهذا شدّد الإسلام على مسألة الرّشوة و أدانها و قبّحها و اعتبرها من الكبائر،فهي تفتّت الكيان الاجتماعيّ،و تؤدّي إلى تفشّي الظّلم و الفساد و التّمييز بين الأفراد في المجتمع الإنسانيّ،و تصادر العدالة من جميع مؤسّساته.

جدير بالذّكر أنّ قبح الرّشوة قد يدفع بالرّاشين إلى أن يغطّوا رشوتهم بقناع من الأسماء الأخرى كالهديّة و نظائرها،و لكن هذه التّغطية لا تغيّر من ماهيّة العمل شيئا،و الأموال المستحصلة عن هذا الطّريق محرّمة غير مشروعة.

و هذا الأشعث بن قيس يتوسّل بهذه الطّريقة، فيبعث حلوى لذيذة إلى بيت أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام أملا في أن يستعطف الإمام تجاه قضيّة رفعها إليه، و يسمّي ما قدّمه هديّة،فيأتيه جواب الإمام صارما قاطعا،قال:

«هبلتك الهبول،أ عن دين اللّه أتيتني لتخدعني؟...

و اللّه لو اعطيت الأقاليم السّبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته،و إنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها.

ما لعليّ و نعيم يفنى و لذّة لا تبقى؟!».

الإسلام أدان الرّشوة بكلّ أشكالها،و في«السّيرة» أنّ واحدا ممّن ولاّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل رشوة قدّمت إليه بشكل هديّة،فقال له الرّسول:«كيف تأخذ ما ليس لك بحقّ؟قال:كانت هديّة يا رسول اللّه.قال:

أ رأيت لو قعد أحدكم في داره و لم نولّه عملا أ كان النّاس يهدونه شيئا؟!».

و من أجل أن يصون الإسلام القضاة من الرّشوة بكلّ أشكالها الخفيّة و غير المباشرة،أمر أن لا يذهب القاضي بنفسه إلى السّوق للشّراء،كي لا يؤثّر فيه بائع من الباعة فيبيعه بضاعة بثمن أقلّ،و يكسب على أثرها تأييد القاضي في المرافعة.

أين المسلمون اليوم من هذه التّعاليم الدّقيقة الصّارمة الهادفة إلى تحقيق العدالة الاجتماعيّة بشكل حقيقيّ عمليّ في الحياة؟!

إنّ مسألة الرّشوة مهمّة في الإسلام إلى درجة أنّ الإمام الصّادق عليه السّلام يقول عنها:«و أمّا الرّشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم».

و ورد في الحديث النّبويّ المعروف:«لعن اللّه الرّاشي و المرتشي و الماشي بينهما».(2:7)

فدلّاهما

فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما... الأعراف:22

ابن عبّاس: غرّهما باليمين،و كان آدم لا يظنّ أنّ أحدا يحلف باللّه كاذبا.(الواحديّ 2:357)

مقاتل:يعني زيّن لهما الباطل،لقوله: تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الأعراف:20، و حلف على قوله فغرّهما بهذه اليمين.(2:32)

أبو عبيدة :(دلاهما)أخذ لهما،و كلاهما من تدلين الدّلو إذا أرسلتها في البئر لتملأها.

(الثّعلبيّ 4:224)

ص: 882

الطّبريّ: فخدعهما بغرور.يقال منه:«ما زال فلان يدلّي فلانا بغرور»بمعنى ما زال يخدعه بغرور، و يكلّمه بزخرف من القول باطل.(5:451)

نحوه الشّربينيّ.(1:467)

الثّعلبيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

قال الحسن بن الفضل:يعني تعلّقهما بغرور،يقال:

تدلّى بنفسه و دلّى غيره.و لا يكون التّدلّي إلاّ من علوّ إلى أسفل.و قيل:أصله:دلّلهما فأبدل من إحدى اللاّمات ياء،كقوله:(تمطّى)و(دسّاها).(4:224)

الماورديّ: معناه:فحطّهما بغرور من منزلة الطّاعة إلى حال المعصية.(2:211)

الطّوسيّ: معنى قوله:(فدليهما)حطّهما إلى الخطيئة بغرور،و منه قولهم:«فلان يتدلّى إلى الشّرّ» لأنّ الشّرّ سافل و الخير عال.و قيل:دلاّهما من الجنّة إلى الأرض بغرور.(4:400)

الواحديّ: التّدلية:إرسال الدّلو في البئر، و المعنى هاهنا:غرّهما و أطمعهما.و قال الأزهريّ:

أصله:تدلية العطشان في البئر ليروى فلا يجد الماء، فيكون مدلى بالغرور،ثمّ وضعت التّدلية موضع الإطماع فيما لا يجدي نفعا،فيقال:دلاّه إذا أطمعه في غير مطمع.(2:357)

البغويّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:حطّهما من منزلة الطّاعة إلى حالة المعصية و لا يكون التّدلّي إلاّ من علوّ إلى أسفل،و التّدلية:

إرسال الدّلو في البئر.يقال:تدلّى بنفسه و دلّى غيره.

و قال الأزهريّ:أصله:تدلية العطشان في البئر ليروى من الماء و لا يجد الماء فيكون تدلّى بالغرور،و الغرور إظهار النّصح مع إبطان الغشّ.(2:184)

الزّمخشريّ: فنزلهما إلى الأكل من الشّجرة.

(2:73)

مثله النّسفيّ.(2:48)

ابن عطيّة: يريد فغرّهما بقوله و خدعهما بمكره.

و يشبه عندي أن يكون هذا استعارة من الرّجل يدلّي آخر من هوّة بحبل قد أرم،أو بسبب ضعيف يغترّ به،فإذا تدلّى به و تورّك عليه انقطع به،فهلك،فيشبه الّذي يغرّ بالكلام حتّى يصدّقه فيقع في مصيبة بالّذي يدلّي في هوّة بسبب ضعيف.(2:385)

الطّبرسيّ: أي أوقعهما في المكروه،بأن غرّهما بيمينه.و قيل:معناه دلاّهما من الجنّة إلى الأرض، و قيل:معناه خذلهما و خلاهما،من قولهم:تدلّى من الجبل أو السّطح،إذا نزل إلى جهة السّفل،عن أبي عبيدة،أي:حطّهما عن درجتهما بغروره.

(4:407)

الفخر الرّازيّ: ذكر أبو منصور الأزهريّ لهذه الكلمة أصلين:

أحدهما:أصل الرّجل العطشان يدلي رجليه في البئر ليأخذ الماء فلا يجد فيها ماء،فوضعت التّدلية موضع الطّمع فيما لا فائدة فيه.فيقال:دلاّه إذا أطمعه.

الثّاني: فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ أي أجرأهما إبليس على أكل الشّجرة بغرور،و الأصل فيه:دلّلهما من الدّلّ،و الدّالّة و هي الجرأة.(14:49)

نحوه النّيسابوريّ.(8:91)

ص: 883

ابن عربيّ: أي فنزّلهما إلى التّعلّق بها و السّكون إليها،بما غرّهما من التّزيّي بزيّ النّاصحين،و إفادة توهّم دوام اللّذّات البدنيّة و الرّئاسة الإنسيّة،و سوّل لهما من المنافع البدنيّة و الشّهوات النّفسيّة.(1:428)

القرطبيّ: يقال:أدلى دلوه:أرسلها،و دلاّها:

أخرجها.و قيل:(دلاهما)أي دلّلهما،من الدّالّة و هي الجرأة،أي جرّأهما على المعصية،فخرجا من الجنّة.(7:180)

البيضاويّ: فنزّلهما إلى الأكل من الشّجرة.نبّه به على أنّه أهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة،فإنّ التّدلية و الإدلاء:إرسال الشّيء من أعلى إلى أسفل.(1:344)

نحوه أبو السّعود(2:485)،و البروسويّ(3:

145)،و الآلوسيّ(8:100)،و عبد الكريم الخطيب (4:382)،و فضل اللّه(10:56).

أبو حيّان :أي استنزلهما إلى الأكل من الشّجرة بغروره،أي بخداعه إيّاهما،و إظهار النّصح و إبطان الغشّ و إطماعهما أن يكونا ملكين أو خالدين، و بإقسامه أنّه ناصح لهما،جعل من يغترّ بالكلام حتّى يصدّق فيقع في مصيبة بالّذي يدلي من علوّ إلى أسفل بحبل ضعيف فينقطع به فيهلك...(4:279)

المراغيّ: أي فما زال يخدعهما بالتّرغيب في الأكل من هذه الشّجرة،و القسم على أنّه ناصح لهما، حتّى أسقطهما و حطّهما عمّا كانا عليه من سلامة الفطرة و طاعة الباري لهما،بما غرّهما به و زيّن لهما، و قد اغترّا به،و انخدعا بقسمه،و صدّقا قوله اعتقادا منهما أنّ أحدا لا يحلف باللّه كاذبا.(8:120)

ابن عاشور :معنى(فدليهما:)أقدمهما،ففعلا فعلا يطمعان به في نفع،فخابا فيه.و أصل دلّى،تمثيل حال من يطلب شيئا من مظنّته فلا يجده بحال،من يدلّي دلوه أو رجليه في البئر ليستقي من مائها فلا يجد فيها ماء،فيقال:دلّى فلان،يقال:دلّى كما يقال:أدلى.

و الباء للملابسة،أي دلاّهما ملابسا للغرور،أي لاستيلاء الغرور عليه؛إذ الغرور هو اعتقاد الشّيء نافعا بحسب ظاهر حاله،و لا نفع فيه عند تجربته.

و على هذا القياس يقال:دلاّه بغرور،إذا أوقعه في الطّمع فيما لا نفع فيه،كما في هذه الآية.[ثمّ استشهد بشعر].

و على هذا الاستعمال ففعل«دلّى»يستعمل قاصرا،و يستعمل متعدّيا إذا جعل غيره مدلّيا،هذا ما يؤخذ من كلام أهل اللّغة في هذا اللّفظ،و فيه تفسيرات أخرى لا جدوى في ذكرها.

و دلّ قوله: فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ على أنّهما فعلا ما وسوس لهما الشّيطان،فأكلا من الشّجرة.(8:47)

مغنيّة:(دلاهما)من التّدلية،أي أسقطهما.

(3:312)

الطّباطبائيّ: التّدلية:التّقريب و الإيصال،كما أنّ التّدلّي:الدّنوّ و الاسترسال،و كأنّه من الاستعارة، من دلوت الدّلو،أي أرسلتها.(8:35)

المصطفويّ: أي فجعلهما منهبطين و منحدرين من مقامهما الأعلى،بسبب إغواء و إغرار.(3:239)

ص: 884

تدلّى

ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى. النّجم:8،9

ابن عبّاس: فتقرّب.(446)

دنا ربّه فتدلّى.(الطّبريّ 11:507)

مجاهد :معناه:ثمّ دنا جبريل من ربّه عزّ و جلّ، فكان منه قاب قوسين أو أدنى.(الثّعلبيّ 9:138)

الضّحّاك: ثُمَّ دَنا محمّد من ربّه عزّ و جلّ فَتَدَلّى فأهوى للسّجود.(الثّعلبيّ 9:138)

الحسن :جبريل عليه السّلام.

مثله قتادة و الرّبيع(الطّبريّ 11:507)

الإمام الباقر عليه السّلام: فَتَدَلّى لا تقرأ هكذا اقرأ (ثمّ دنا فتدانى) .(الكاشانيّ 5:86)

الفرّاء: فَتَدَلّى كأنّ المعنى ثمّ تدلّى فدنا، و لكنّه جائز إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدّمت أيّهما شئت،فقلت:قد دنا فقرب،و قرب فدنا، و شتمني فأساء،و أساء فشتمني،و قال الباطل،لأنّ الشّتم و الإساءة شيء واحد.

و كذلك قوله: اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ القمر:1.و المعنى-و اللّه أعلم-انشقّ القمر و اقتربت السّاعة،و المعنى واحد.(3:95)

حسين بن فضل: ثُمَّ دَنا محمّد من ساق العرش فَتَدَلّى، أي جاور الحجب و السّرادقات، لا نقلة مكان،و هو قائم بإذن اللّه كالمتعلّق بالشّيء لا يثبت قدمه على مكان.(الثّعلبيّ 9:138)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره: ثُمَّ دَنا جبريل من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فَتَدَلّى إليه.و هذا من المؤخّر الّذي معناه التّقديم،و إنّما هو«ثمّ تدلّى فدنا»و لكنّه حسن تقديم قوله:«دنا»؛إذ كان الدّنوّ يدلّ على التّدلّي،و التّدلّي على الدّنوّ،كما يقال:زارني فلان فأحسن،و أحسن إليّ فزارنى و شتمني فأساء،و أساء فشتمني،لأنّ الإساءة هي الشّتم:و الشّتم هو الإساءة.

و بنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.

و قال آخرون:بل معنى ذلك: ثُمَّ دَنا الرّبّ من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فَتَدَلّى. (11:506)

الزّجّاج: معنى(دنا):و(تدلى):واحد،لأنّ المعنى أنّه قرب،و(تدلى)زاد في القرب،كما تقول:

قد دنا فلان منّي و قرب،و لو قلت:قد قرب منّي و دنا جاز.(5:70)

أبو مسلم الأصفهانيّ: تعلّق فيما بين و السّفل، لأنّه رآه منتصبا مرتفعا ثمّ رآه متدلّيا.

(الماورديّ 5:393)

القمّيّ: ثُمَّ دَنا يعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من ربّه عزّ و جلّ فَتَدَلّى إنّما نزلت هذه(ثمّ دنا فتدانى).

(2:334)

ابن الأنباريّ: فيه تقديم و تأخير،و تقديره:ثمّ تدلّى فدنا.(الماورديّ 5:393)

الثّعلبيّ: اختلف العلماء في معنى هذه الآية،فقال بعضهم:معناها: ثُمَّ دَنا جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، فَتَدَلّى فنزل إلى محمد صلّى اللّه عليه و سلّم بالوحي و هوى عليه.[إلى أن قال:]

قال أهل المعاني:في الكلام تقديم و تأخير، تقديره:ثمّ تدلّى فدنا،لأنّ التّدلّي:الدّنوّ،و لكنّه سامع

ص: 885

حسن،لأنّ التّدلّي يدلّ على الدّنوّ،و الدّنوّ يدلّ على التّدلّي،و إنّما تدلّى للدّنوّ و دنا للتّدلّي.

و قال آخرون:معناه ثُمَّ دَنا الرّبّ سبحانه من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فَتَدَلّى فقرب منه حتّى كان قاب قوسين أو أدنى.و أصل التّدلّي:النّزول إلى الشّيء حتّى يقرب منه،فوضع موضع القرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا معنى قول أنس،و رواية أبي سلمة عن ابن عبّاس...عن شريك بن أبي نمر قال:سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة المسرى أنّه عرج جبريل برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى السّماء السّابعة،ثمّ علا به بما لا يعلمه إلاّ اللّه عزّ و جلّ حتّى جاء سدرة المنتهى،و دنا الجبّار ربّ العزّة فتدلّى،حتّى كان منه قاب قوسين أو أدنى،فأوحى إليه ما شاء.و دنوّ اللّه من العبد و دنوّ العبد منه بالرّتبة و المكانة و المنزلة،و إجابة الدّعوة و إعطاء المنية،لا بالمكان و المسافة و النّقلة،كقوله سبحانه: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:186.(9:137)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:[نقل قول أبي مسلم]

الثّاني:معناه قرب،و منه قوله تعالى: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ البقرة:188،أي تقربوها إليهم.[ثمّ استشهد بشعر](5:393)

القشيريّ: (دنا):جبريل من محمّد عليه السّلام، فَتَدَلّى جبريل،أي نزل من العلوّ إلى محمّد.

و قيل:(تدلى)تفيد الزّيادة في القرب،و أنّ محمّدا عليه السّلام هو الّذي دنا من ربّه دنوّ كرامة،و أنّ التّدلّي هنا معناها السّجود.

و يقال:(دنا):محمّد من ربّه بما أودع من لطائف المعرفة و زوائدها، فَتَدَلّى بسكون قلبه إلى ما أدناه.(6:49)

الواحديّ: تقديره:ثمّ تدلّى فدنا،أي قرب بعد بعده و علوّه في الأفق الأعلى،فدنا من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(4:193)

الزّمخشريّ: ثُمَّ دَنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فَتَدَلّى فتعلّق عليه في الهواء.و منه:تدلّت الثّمرة و دلّى رجليه من السّرير.و الدّوالي:الثّمر المعلّق.

قال:«تدلّى عليها بين سبّ و خيطة»و يقال:هو مثل القرلّى (1)إن رأى خيرا تدلّى و إن لم يره تولّى.

(4:28)

ابن عطيّة: قال الجمهور:استند إلى جبريل عليه السّلام أي دنا إلى محمّد في الأرض عند حراء.و قال ابن عبّاس و أنس في حديث الإسراء:ما يقتضي أنّه يستند إلى اللّه تعالى،ثمّ اختلف المتأوّلون،فقال مجاهد:كان الدّنوّ إلى جبريل.و قال بعضهم:كان إلى محمّد،و دَنا فَتَدَلّى على هذا القول معه حذف مضاف،أي دنا سلطانه و وحيه و قدره لا الانتقال،و هذه الأوصاف منتفية في حقّ اللّه تعالى.

و الصّحيح عندي أنّ جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل،بدليل قوله: وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى النّجم:13،فإنّ ذلك يقضي بنزلة متقدّمة،و ما روي0.

ص: 886


1- طائر صغير الحجم،حديد البصر،سريع الاختطاف، شديد الحذر.المعجم الوسيط:730.

قطّ أنّ محمّدا رأى ربّه قبل ليلة الإسراء،أمّا أنّ الرّؤية بالقلب لا تمنع بحال،و(دنا):أعمّ من(تدلى):فبيّن تعالى بقوله:(فتدلى):هيئة الدّنوّ كيف كانت.

(5:197)

الطّبرسيّ: قالوا:إنّ جبرائيل كان يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في صورة الآدميّين،فسأله النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يريه نفسه على صورته الّتي خلق عليها.فأراه نفسه مرّتين:

مرّة في الأرض،و مرّة في السّماء.أمّا في الأرض،ففي الأفق الأعلى؛و ذلك أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله كان بحراء،فطلع له جبرائيل عليه السّلام من المشرق،فسدّ الأفق إلى المغرب، فخرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مغشيّا عليه.فنزل جبرائيل عليه السّلام في صورة الآدميّين،فضمّه إلى نفسه،و هو قوله: ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى، و تقديره:ثمّ تدلّى،أي قرب بعد بعده،و علوّه في الأفق الأعلى فدنا من محمّد صلّى اللّه عليه و آله.(5:173)

الفخر الرّازيّ: و فيه وجوه مشهورة:

أحدها:أنّ جبريل دنا من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أي بعد ما مدّ، جناحه و هو بالأفق،عاد إلى الصّورة الّتي كان يعتاد النّزول عليها،و قرب من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و على هذا ففي (تدلى)ثلاثة وجوه:

أحدها:فيه تقديم و تأخير،تقديره:ثمّ تدلّى من الأفق الأعلى فدنا من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

الثّاني:الدّنوّ و التّدلّي بمعنى واحد،كأنّه قال:دنا فقرب.

الثّالث:دنا أي قصد القرب من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و تحرّك عن المكان الّذي كان فيه،فتدلّى فنزل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

الثّاني:على ما ذكرنا من الوجه الأخير في قوله:

وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى النّجم:7،أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم دنا من الخلق و الأمّة و لان لهم و صار كواحد منهم، فَتَدَلّى أي فتدلّى إليهم بالقول اللّيّن و الدّعاء الرّفيق،فقال: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ فصّلت:6،و على هذا ففي الكلام كمالان،كأنّه تعالى قال:إلاّ وحي يوحي جبريل على محمّد، فاستوى محمّد و كمل فدنا من الخلق بعد علوّه،و تدلّى إليهم،و بلّغ الرّسالة.

الثّالث:و هو ضعيف سخيف،و هو أنّ المراد منه هو ربّه تعالى،و هو مذهب القائلين بالجهة و المكان، اللّهمّ إلاّ أن يريد القرب بالمنزلة.و على هذا يكون فيه ما في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم حكاية عن ربّه تعالى:«من تقرّب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا،و من تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت إليه باعا،و من مشى إلىّ،أتيته هرولة»إشارة إلى المعنى المجازيّ.و هاهنا لمّا بيّن أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم استوى و علا في المنزلة العقليّة لا في المكان الحسّيّ،قال:

و قرب اللّه منه تحقيقا لما في قوله:«من تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت إليه باعا».(28:286)

ابن عربيّ: ثُمَّ دَنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى اللّه، و ترقّى عن مقام جبريل بالفناء في الوحدة و التّرقّي عن مقام الرّوح،و في هذا المقام قال جبريل عليه السّلام:«لو دنوت أنملة لاحترقت»،إذا وراء مقامه ليس إلاّ الفناء في الذّات و الاحتراق بالسّبحات. فَتَدَلّى أي مال إلى الجهة الإنسيّة بالرّجوع من الحقّ إلى الخلق حال البقاء بعد الفناء،و الوجود الموهوب الحقّانيّ.(2:554)

القرطبيّ: أي دنا جبريل بعد استوائه بالأفق

ص: 887

الأعلى من الأرض فَتَدَلّى فنزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالوحي.المعنى:أنّه لمّا رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من عظمته ما رأى،و هاله ذلك ردّه اللّه إلى صورة آدميّ حين قرب من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالوحي،و ذلك قوله تعالى: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ يعني أوحى اللّه إلى جبريل و كان جبريل قاب قوسين أو أدنى،قاله ابن عبّاس و الحسن و قتادة و الرّبيع،و غيرهم.

و أصل التّدلّي:النّزول إلى الشّيء حتّى يقرب منه،فوضع موضع القرب.[ثمّ استشهد بشعر]

(17:88)

البيضاويّ: ثُمَّ دَنا من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فتدلّى فتعلّق به،و هو تمثيل لعروجه بالرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و قيل:ثمّ تدلّى من الأفق الأعلى فدنا من الرّسول،فيكون من الرّسول إشعارا بأنّه عرج به غير منفصل عن محلّه تقريرا لشدّة قوّته،فإنّ التّدلّي استرسال مع تعلّق كتدلّي الثّمرة.و يقال:دلّى رجليه من السّرير و أدلى دلوه،و الدّوالي:الثّمر المعلّق.(2:429)

النّسفيّ: ثُمَّ دَنا جبريل من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فَتَدَلّى فزاد في القرب و التّدلّي هو النّزول بقرب الشّيء.(4:195)

النّيسابوريّ: ثُمَّ دَنا جبرائيل من الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم على الصّورة المعتادة فَتَدَلّى. قيل:فيه تقديم و تأخير أي فتعلّق عليه في الهواء،ثمّ دنا منه.

و قيل:(دنا):أي قصد القرب من محمّد،أو تحرّك من المكان الّذي كان فيه،فنزل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.يقال:تدلّت الثّمرة،و دلّى رجليه من السّرير.و قد يقال:الدّنوّ و التّدلّي بمعنى واحد،فلا يفيد إلاّ التّأكيد.(27:27)

أبو حيّان : ثُمَّ دَنا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فَتَدَلّى فتعلّق عليه في الهوى.(8:156)

الشّربينيّ: ثُمَّ دَنا، أي قرب منه، فَتَدَلّى أي زاد في القرب.(4:123)

نحوه المراغيّ.(27:47)

أبو السّعود : ثُمَّ دَنا، أي أراد الدّنوّ من النّبيّ عليهما الصّلاة و السّلام، فَتَدَلّى أي استرسل من الأفق الأعلى مع تعلّق به فدنا من النّبيّ،يقال:تدلّت الثّمرة،و دلّى رجليه من السّرير،و أدلى دلوه.

و الدّوالي:الثّمر المعلّق.(6:153)

الكاشانيّ: ثُمَّ دَنا قيل:يعني جبريل من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فَتَدَلّى فزاد منه دنوّا،هذا تأويله.

و أصل التّدلّي:استرسال مع تعلّق.(5:85)

البروسويّ: ثُمَّ دَنا أي أراد الدّنوّ من النّبيّ عليه السّلام حال كونه في جبل حراء.و الدّنوّ القرب بالذّات أو بالحكم،و يستعمل في الزّمان و المكان و المنزلة،كما في«المفردات.» فَتَدَلّى التّدلّى:استرسال مع تعلّق، أي استرسل من الأفق الأعلى مع تعلّقه به،فدنا من النّبيّ عليه السّلام.يقال:تدلّت الثّمرة و دلّى رجليه من السّرير،و في الحديث:«لو دلّيتم بحبل إلى الأرض السّفلى لهبط على اللّه»أي على علمه و قدرته و سلطانه في كلّ مكان،و أدلى دلوه.و الدّوالي:الثّمر المعلّق.(9:217)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

فالمراد بالتّدلّي:دنوّ خاصّ فلا قلب و لا تأويل

ص: 888

بإرادة الدّنوّ كما في الإيضاح،نعم إن جعل بمعنى التّنزّل من علوّ كما يرشد إليه الاشتقاق،كان له وجه.

(27:48)

ابن عاشور :(ثم):عاطفة على جملة (فاستوى)،و التّراخي الّذي تفيده(ثم):تراخ رتبيّ،لأنّ الدّنوّ إلى حيث يبلّغ الوحي هو الأهمّ في هذا المقام.

و الدّنوّ:القرب،و إذ قد كان فعل الدّنوّ قد عطف ب(ثم):على فَاسْتَوى* وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى النّجم:7،علم أنّه دنا إلى العالم الأرضيّ،أي أخذ في الدّنوّ بعد أن تلقّى ما يبلّغه إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.

و تدلّى:انخفض من علوّ قليلا،أي ينزل من طبقات إلى ما تحتها،كما يتدلّى الشّيء المعلّق في الهواء؛بحيث لو رآه الرّائي يحسبه متدلّيا،و هو ينزل من السّماء غير منقض.(27:103)

مغنيّة:في كلّ من(دنا):و(تدلى):ضمير يعود إلى جبريل،و(دنا)،:أي قرب من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و (تدلى:)نزل.و في الكلام تقديم و تأخير،و الأصل:

ثمّ تدلّى فدنا،و القاب:المقدار.و المعنى أنّ جبريل بعد أن ظهر للنّبيّ كما خلقه اللّه،و ارتفع جسمه بالأفق،بعد هذا عاد إلى الصّورة الّتي كان يلقى النّبيّ بها حين يبلّغه الوحي،و قرب منه حتّى لم يكن بينهما سوى مقدار قوسين بل أقلّ من ذلك.و المعروف أنّ جبريل كان يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في صورة دحية الكلبيّ.(7:174)

الطّباطبائيّ: الدّنوّ:القرب،و التّدلّي:التّعلّق بالشّيء،و يكنّى به عن شدّة القرب.و قيل:الامتداد إلى جهة السّفل مأخوذ من الدّلوّ.

و المعنى على تقدير رجوع الضّميرين لجبريل:ثمّ قرب جبريل فتعلّق بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليعرج به إلى السّماوات.و قيل:ثمّ تدلّى جبريل من الأفق الأعلى فدنا من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليعرج به.و المعنى على تقدير رجوع الضّميرين إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:ثمّ قرب النّبيّ من اللّه سبحانه و زاد في القرب.(19:28)

عبد الكريم الخطيب(دنا):أي قرب من النّبيّ، فَتَدَلّى أي قرب أكثر فأكثر،شيئا فشيئا،في لطف، و رفق.فهو إذ يأخذ طريقه إلى النّبيّ،ينطلق انطلاقا بكلّ قوّته،حتّى إذا دنا من النّبيّ،تخفّف من سرعته شيئا فشيئا،حتّى يلتقي به(14:591)

المصطفويّ: أي فهو مع هذه المرتبة العالية،و في حال كونه بالأفق الأعلى،تقرّب متواضعا و خاضعا، و انحدر عن مقامه و فنى وجوده في قبال نور الجلال، و انطفأ بطلوع الصّبح فكان قاب قوسين.

فالتّدلّى:مرتبة بعد الدّنوّ.و التّعبير ب«التّفعّل» إشارة إلى المطاوعة،و إلى أنّ الإدلاء من جانب اللّه المتعال،فهو يتدلّى.(3:240)

لاحظ:ر أ ي:«راى».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الدّلو:الوعاء المعروف الّذي يستقى به؛جمعها:أدل و دلاء و دليّ و دليّ، و هي الدّلاة و الدّلا أيضا.يقال:دلوت الدّلو أدلوها دلوا و أدليتها إدلاء،إذا أرسلتها في البئر لتستقي بها،

ص: 889

و دلوتها أدلوها دلوا:أخرجتها و جذبتها من البئر ملأى،فأنا دال،و الجمع:دلاة.

و الدّلو:برج من بروج السّماء،سمّي به تشبيها بالدّلو.

و يقال مجازا:دلوت بفلان إليك،أي استشفعت به إليك،و هو يدلي برحمه:يمتّ بها،و في حديث عمر لمّا استسقى بالعبّاس متقرّبا به إلى اللّه:«فقد دلونا به إليك مستشفعين»،أي متتنا و استشفعنا.

و المدالاة:«مفاعلة»من الرّفق،من قولهم:داليت الرّجل و دلوته أدلوه دلوا،إذا رفقت به و داريته، و دلوت الإبل دلوا:سقتها سوقا رفيقا،تشبيها بإرسال الدّلو في البئر على رسلها.

و جاء فلان بالدّلو،أي بالدّاهية،و أدليت فيه:

قلت قولا قبيحا.

و أدلى فلان بحجّته:أتى بها،و أدلى بها إلى الحاكم:

رفعها إليه.

و الدّالية:شيء يتّخذ من خوص و خشب يستقى به بحبال تشدّ في رأس جذع طويل.

و الدّالية:النّاعورة يديرها الماء؛و الجمع:دوال.

و الدّالية:الأرض تسقى بالدّلو و المنجنون،أي البكرة.

و الدّوالي:عنب أسود غير حالك،و عنا قيده أعظم العناقيد كلّها،تراها كأنّها تيوس معلّقة،و عنبه جافّ يتكسّر في الفم،مدحرج و يزبّب.و في حديث العدويّة:«لنا دوال معلّقة»،الدّوالي:بسر يعلّق،فإذا أرطب أكل.

و دلّى الشّيء في المهواة:أرسله فيها،و تدلّيت في المهواة و عليها،و تدلّيت من الشّجرة.

و من المجاز:تدلّى فلان علينا من أرض كذا و كذا، أي أتانا.يقال:من أين تدلّيت علينا؟

و أدلى الفرس و غيره:أخرج جردانه ليبول أو يضرب،و كذلك أدلى العير و دلّى،و هو على التّشبيه.

2-و اضطرب قول الأزهريّ في التّدلّي بمعنى التّواضع،فرواه عن ابن الأعرابيّ تارة بالدّال من «د ل و»،كما تقدّم عنه في النّصوص،و رواه عنه تارة أخرى بالذّال من«ذ ل و»،قال:«تذلّى فلان،إذا تواضع» (1)و هذا هو موضعه على الأصحّ.

و قال الجوهريّ: «ادلولى،أي أسرع،و هو افعوعل»،و أصله الذّال على المشهور،كما رواه الأزهريّ عن أبي العبّاس،عن ابن الأعرابيّ.قال:

«اذلولى،إذا أسرع مخافة أن يفوته شيء» (2)،و هاهنا موضعه أيضا.و منه حديث فاطمة:«فاذلوليت حتّى رأيت وجهه»،أي أسرعت.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا الاسم:(دلوه)مرّة،و مزيدا من الإفعال«الماضي و المضارع»كلّ منهما مرّة،و من التّفعيل و التّفعّل:«الماضي»كلّ منهما مرّة أيضا،في 4 آيات:

ص: 890


1- تهذيب اللّغة(15:12).
2- المصدر السّابق نفسه.

1- فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما... الأعراف:22

2- وَ جاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ... يوسف:19

3- ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى

النّجم:8،9

4- وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ... البقرة:188

و يلاحظ أوّلا:أنّ الإدلاء في أصل اللّغة بمعنى إلقاء الدّلو في البئر-و«الدّلو»مشتقّ من نفس المادّة، و بهذا المعنى جاء في(2)ثمّ استعمل مجازا شائعا في مطلق تقريب شيء إلى شيء أو إلقائه إليه.يقال:أدلى الرّجل بالحجّة أو بالأمر تشبيها بإلقاء الدّلو.و بهذا المعنى المجازيّ جاء في باقي الآيات،و في كلّ منها بحوث.

ففي(1):1-هذه من تتمّة الآيات قبلها و بعدها، و هي: وَ يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ* فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ* وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ* فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ الأعراف:19-22

2-قالوا في فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ: غرّهما باليمين، زيّن لهما الباطل،أخذ لهما،فخدعهما بغرور،تعلّقهما بغرور،فحطّهما بغرور من منزلة الطّاعة إلى حال المعصية،حطّهما إلى الخطيئة بغرور،غرّهما و أطمعهما، فنزّلهما إلى الأكل من الشّجرة،خدعهما بمكره، أوقعهما في المكروه،أجرأهما إبليس على أكل الشّجرة بغرور،فنزّلهما إلى التّعلّق بها و السّكون إليها بما غرّهما من التّزيّي بزيّ النّاصحين،استزلّهما إلى الأكل من الشّجرة بغروره،أي بخداعه إيّاهما،فما زال يخدعهما بالتّرغيب في الأكل من هذه الشّجرة، أقدمهما ففعلا فعلا يطمعان به في نفع فخابا فيه، أسقطهما،و نحوها،و كلّها تفسير بالمعنى.

3-و لهم أقوال في توجيه«التّدلّي»:فقال الثّعلبيّ عن الحسين بن الفضل-و نحوه البغويّ-:«يقال:

تدلّى بنفسه و دلّى غيره.و لا يكون التّدلّي إلاّ من علوّ إلى أسفل.و قيل:أصله:دلّلهما،فأبدل من إحدى اللاّمات ياء،كقوله:(تمطّى)و(دسّاها)».

و قال الأزهريّ: «أصله تدلية العطشان في البئر ليروى من الماء،فلا يجد الماء فيكون مدلّى بالغرور،ثمّ وضعت التّدلية موضع الإطماع فيما لا يجدي نفعا، فيقال:دلاّه،إذا أطمعه في غير مطمع».

و قال الطّوسيّ: «و منه قولهم:«فلان يتدلّى إلى الشّرّ»لأنّ الشّرّ سافل،و الخير عال.و قيل:دلاّهما من الجنّة إلى الأرض بغرور».

و قال ابن عطيّة:«و يشبه عندي أن يكون هذا استعارة من الرّجل يدلّى آخر من هوّة بحبل قد أرم،أو

ص: 891

بسبب ضعيف يغترّ به،فإذا تدلّى به و تورّك عليه انقطع به فهلك،فيشبه الّذي يغرّ بالكلام حتّى يصدّقه فيقع في مصيبة،بالّذي يدلّي في هوّة بسبب ضعيف».

و قال القرطبيّ: «يقال:أدلى دلوه:أرسله.

و دلاّها:أخرجه.و قيل:دلاّهما أي دلّلهما؛من الدّالة و هي الجرأة.أي جرّأهما على المعصية فخرجا من الجنّة».

و قال ابن عاشور:«و الباء للملابسة،أي دلاّهما ملابسا للغرور أي لاستيلاء الغرور عليه-ثمّ فسّر الغرور و قال:-و على هذا الاستعمال ففعل«دلّى» يستعمل قاصرا،و يستعمل متعدّيا إذا جعل غيره مدلّيا،هذا ما يؤخذ من كلام أهل اللّغة في هذا اللّفظ، و فيه تفسيرات أخرى لا جدوى في ذكرها».

و قال الطّباطبائيّ: «التّدلية:التّقريب و الإيصال، كما أنّ التّدلّي:الدّنوّ و الاسترسال،و كأنّه من الاستعارة من دلوت الدّلو،أي أرسلتها».

و في(2):جمع بين(ادلى)و(دلوه)و هو بمعناه الحقيقيّ.و قد قال الطّبريّ فيها:«و في الكلام محذوف،استغني بدلالة ما ذكر عليه فترك،و ذلك:

فَأَدْلى دَلْوَهُ فتعلّق به يوسف فخرج».

و في(3):هذه الآية من جملة آيات أوّل سورة النّجم(3-18)بشأن الوحي إلى النّبيّ و رؤيته جبريل: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى* وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى* ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى* فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى* ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى* أَ فَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى* وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى* عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى* ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى* لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى.

لاحظ:و ح ي:«وحى يوحى»و:س و ي:«فاستوى».

و:ر أ ي:«راى».

و هذه الآية من المتشابهات:و قد اختلفوا في أمور أربعة منها:مرجع ضمير الفاعل في الفعلين(دنا):

و(تدلى):و في معناهما،و في التّقديم و التّأخير منهما،و في موضعهما هل هو الأرض أو السّماء؟ و إليك التّفصيل:

ففي مرجع الضّمير:

1-قال مجاهد-و نحوه غيره-:«ثمّ دنا جبريل من ربّه عزّ و جلّ فكان منه قاب قوسين أو أدنى».

و قال الضّحّاك-و نحوه غيره-:«ثمّ دنا محمّد من ربّه عزّ و جلّ فتدلّى فأهوى للسّجود».

و قال حسين بن فضل:«ثمّ دنا محمّد من ساق العرش فتدلّى،أي جاور الحجب و السّرادقات، لا نقلة مكان...».

و قال الطّبريّ: «ثمّ دنا جبريل من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فتدلّى إليه...و قال آخرون:ثمّ دنا الرّبّ من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فتدلّى».

و نظيره الآخرون.فقال الثّعلبيّ: «قال بعضهم:

معناها ثمّ دنا جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض،فتدلّى نزل إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بالوحي و هوى عليه...».

ص: 892

و قال آخرون:معناه:ثمّ دنا الرّبّ سبحانه من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فتدلّى،فقرب منه...

و قال النّسفيّ و غيره:«ثمّ دنا جبريل من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فتدلّى،فزاد في القرب».

و ذكر الفخر الرّازيّ-خلال الوجوه الّتي ذكرها غيره-:«أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم دنا من الخلق و الأمّة و لان لهم و صار كواحد منهم فَتَدَلّى، أي فتدلّى إليهم بالقول اللّيّن و الدّعاء الرّفيق،فقال: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ فصّلت:6،و على هذا ففي الكلام كمالان كأنّه تعالى قال:إلاّ وحي يوحي جبريل على محمّد،فاستوى محمّد و كمل فدنا من الخلق بعد علوّه، و تدلّى إليهم و بلّغ الرّسالة».

و قال ابن عطيّة بعد ذكر الأقوال:«و الصّحيح عندي أنّ جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل بدليل قوله: وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى النّجم:13،فإنّ ذلك يقضي بنزلة متقدّمة،و ما روي قطّ أنّ محمّدا رأى ربّه قبل ليلة الإسراء...».

2-و في معنى الدّنوّ و التّدلّي قال الثّعلبيّ: «ثمّ اختلف المتأوّلون،فقال مجاهد:كان الدّنوّ إلى جبريل،و قال بعضهم:إلى محمّد-إلى أن قال:-و دنوّ اللّه من العبد و دنوّ العبد منه بالرّتبة و المكانة و المنزلة و إجابة الدّعوة و إعطاء المنية،لا بالمكان و المسافة و النّقلة،كقوله سبحانه: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:186».

و قال القشيريّ: «دنا جبريل من محمّد عليه السّلام فتدلّى جبريل،أي نزل من العلوّ إلى محمّد.

و قيل:تدلّى تفيد الزّيادة في القرب،و أنّ محمّدا عليه السّلام هو الّذي دنا من ربّه دنوّ كرامة،و أنّ التّدلّي هنا معناها السّجود.

و يقال:دنا محمّد من ربّه بما أودع من لطائف المعرفة و زوائدها،فتدلّى بسكون قلبه إلى ما أدناه».

و قال ابن عطيّة:«...و قال بعضهم:كان إلى محمّد، و دَنا فَتَدَلّى على هذا القول معه حذف مضاف،أي دنا سلطانه و وحيه و قدره لا الانتقال،و هذه الأوصاف منتفية في حقّ اللّه تعالى-إلى أن قال:-أمّا أنّ الرّؤية بالقلب لا تمنع بحال...».

و قال الفخر الرّازيّ بعد ذكر ما تقدّم من الوجهين:

«الثّالث:و هو ضعيف سخيف،و هو أنّ المراد منه هو ربّه تعالى،و هو مذهب القائلين بالجهة و المكان،اللّهمّ إلاّ أن يريد القرب بالمنزلة-و ذكر حديث من تقرّب إليّ شبرا و قال-إشارة إلى المعنى المجازيّ،و هاهنا لمّا بيّن أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم استوى و علا في المنزلة العقليّة لا في المكان الحسّيّ،قال:و قرب اللّه منه تحقيقا لما في قوله:

«من تقرّب إليّ...».

و قال الآخرون نحو ذلك.و حاصل كلامهم أنّه لو أريد بالدّنوّ دنوّ محمّد من ربّه،أو دنوّ ربّه منه،فالدّنوّ معنويّ و ليس مكانيّا.

و قد ذكر ابن عربيّ كعادته وجه الإشارة في الآية، فقال:«ثمّ دنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى اللّه،و ترقّى عن مقام جبريل بالفناء في الوحدة،و التّرقّي عن مقام الرّوح، و في هذا المقام قال جبريل عليه السّلام:«لو دنوت أنملة لاحترقت»،إذا وراء مقامه ليس إلاّ الفناء في الذّات

ص: 893

و الاحتراق بالسّبحات. فَتَدَلّى أي مال إلى الجهة الإنسيّة بالرّجوع من الحقّ إلى الخلق حال البقاء بعد الفناء،و الوجود الموهوب الحقّانيّ».

3-و في التّقديم و التّأخير بما في ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى:

قال الزّجّاج:«معنى(دنا)و(تدلى)واحد، لأنّ المعنى أنّه قرب،و(تدلى:)زاد في القرب،كما تقول:قد دنا فلان منّي و قرب،و لو قلت:قد قرب منّي و دنا جاز».

و كثير منهم التزموا فيهما بالتّقديم و التّأخير.

فقال الثّعلبيّ:«قال أهل المعاني:في الكلام تقديم و تأخير،تقديره:ثمّ تدلّى فدنا»،ثمّ ذكر ما يقتضي كونهما بمعنى واحد،و لا فرق بينهما بالتّقديم و التّأخير.

و قد ذكر الفخر الرّازيّ-بناء على أنّ المراد بها دنوّ جبريل من النّبيّ-ثلاثة وجوه:

أحدها:التّقديم و التّأخير،أي ثمّ تدلّى من الأفق الأعلى فدنا من النّبيّ.

ثانيها:الدّنوّ و التّدلّي بمعنى واحد،كأنّه قال:دنا فقرب.

و الثّالث:(دنا)أي قصد القرب من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و تحرّك عن المكان الّذي كان فيه فَتَدَلّى فنزل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قال البيضاويّ: «ثُمَّ دَنا من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فَتَدَلّى فتعلّق به،و هو تمثيل لعروجه بالرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قيل:ثمّ تدلّى من الأفق الأعلى فدنا من الرّسول، فيكون من الرّسول إشعارا بأنّه عرج به غير منفصل عن محلّه،تقريرا لشدّة قوّته،فإنّ التّدلّي استرسال مع تعلّق كتدلّي الثّمرة،و يقال:دلّى رجليه من السّرير و أدلى دلوه،و الدّوالي:الثّمر المعلّق».

و خلاصة كلماتهم:أنّ الدّنوّ و التّدلّي إذا كان بمعنى واحد و هو القرب،و زيادة القرب،فليس فيهما تقديم و تأخير،و إذا كان الدّنوّ بمعنى القرب،و التّدلّي بمعنى الاسترسال من العلوّ إلى السّفل،فالتّدلّي مقدّم من أجل أنّ التّدلّي سبب القرب،فهو مقدّم عليه.

4-و أمّا الكلام في موضع الدّنوّ و التّدلّي،فلو رجع الضّمير إلى اللّه و رسوله-من غير فرق بين دنوّ اللّه إلى رسوله أو عكسه-فلا مكان لها،بل الدّنوّ و التّدلّي بين اللّه و رسوله في الصّورتين قلبيّ و معنويّ، و إنّما ينبغي الحديث عن مكانهما بناء على رجوع الضّميرين إلى جبريل و النّبيّ عليهما السّلام،أي أريد بالآية الظّاهريّ منهما:دنوّ جبريل و تدلّيه إلى الرّسول،أو عكسه يعني دنوّ و تدلّي الرّسول إلى جبريل،و قد اختلفوا في بيان كلا القسمين ينفي المعنويّ.

1-قال ابن عبّاس:«دنا ربّه فتدلّى».و قال الضّحّاك:«ثمّ دنى محمّد من ربّه عزّ و جلّ فتدلّى فأهوى للسّجود».و قد سبق أقوال غيره في توجيه المعنويّ منهما.

2-أمّا الظّاهريّ فقال أبو مسلم:«تعلّق فيما بين و السّفل،لأنّه رآه منتصبا مرتفعا ثمّ رآه متدلّيا».

و حكى الثّعلبيّ عن بعضهم:«ثمّ دنا جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض،فتدلّى،فنزل إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بالوحي و هوى عليه».

ص: 894

و حكى أيضا حديث ليلة المسرى:«أنّه عرج جبريل برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى السّماء السّابعة،ثمّ علا به بما لا يعلمه إلاّ اللّه عزّ و جلّ حتّى جاء سدرة المنتهى، و دنا الجبّار ربّ العزّة فتدلّى،حتّى كان منه قاب قوسين أو أدنى،فأوحى إليه ما شاء-ثمّ قال:-و دنوّ اللّه من العبد و دنوّ العبد منه بالرّتبة»،إلى آخر ما سبق منه،-و مقتضى كلامه أنّ السّير كان مكانيّا،و الدّنوّ كان معنويّا.

و قال ابن عطيّة:«قال الجمهور:استند إلى جبريل عليه السّلام،أي دنا إلى محمّد في الأرض عند حراء...».

و قد حكى الطّبرسيّ-و نحوه القرطبيّ-حديث إراءة جبريل نفسه إلى النّبيّ مرّتين:«مرّة في الأرض، و مرّة في السّماء.أمّا في الأرض ففي الأفق الأعلى؛ و ذلك أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله كان بحراء،فطلع له جبرائيل عليه السّلام من المشرق،فسدّ الأفق إلى المغرب،فخرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مغشيّا عليه،فنزل جبرائيل عليه السّلام في صورة الآدميّين فضمّه إلى نفسه...».

3-و أخيرا نقول:الحديث تفصيلا عن هذه الآيات موكول إلى مادّة:«و ح ي»،فلاحظ.

و في(4):

1-قالوا في: تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ وجوها مختلفة لفظا،متّفقة معنى.فعن ابن عبّاس:«لا تلجوا بها».و عن مجاهد:«لا تخاصم و أنت ظالم».و عن الزّجّاج:«تعملون على ما يوجبه الإدلاء بالحجّة».

و عن الثّعلبيّ-و نحوه البغويّ-:«أي تلقون أمور تلك الأموال بينكم و بين أربابها إلى الحكّام».و عن الماورديّ: «مأخوذ من إدلاء الدّلو إذا أرسلته.

و يحتمل وجها ثانيا معناه:و تقيموا الحجّة بها عند الحاكم،من قولهم:قد أدلى بحجّته،إذا قام بها».و عن الواحديّ:«لا تصانعوهم بها،و لا ترشوهم ليقطعوا لكم حقّا لغيركم».و عن الزّمخشريّ:«و لا تلقوا أمرها و الحكومة فيها إلى الحكّام لتأكلوا بالتّحاكم.

و قيل:و تلقوا بعضها إلى حكّام السّوء على وجه الرّشوة».و قد ذكر ابن عطيّة الوجهين بتفصيل أكثر.

و عن ابن العربيّ: «أي توردون كلامكم فيها ضرب للكلام المورود على السّامع مثلا بالدّلو المورودة على الماء ليأخذ الماء.و حقيقة اللّفظ:و تدلوا كلامكم.أو يكون الكلام ممثّلا بالحبل و المال المذكور ممثّلا بالدّلو لتقطعوا قطعة من أموال غيركم،و ذلك الغير هو المخاصم».

و عن الطّبرسيّ: «أنّه أخذه عن إدلاء الحجّة،ثمّ قال:و في تشبيه الخصومة بإرسال الدّلو في البئر وجهان:

أحدهما:إنّه تعلّق بسبب الحكم،كتعلّق الدّلو بالسّبب الّذي هو الحبل.

الثّاني:إنّه يمضي فيه من غير تثبيت،كمضيّ الدّلو في الإرسال من غير تثبيت».

و عن الفخر الرّازيّ أنّه بعد ما ذكر المعنى اللّغويّ و المجازيّ ل(ادنى):قال:«أي لا ترشوها إليهم لتأكلوا طائفة من أموال النّاس بالباطل.و في تشبيه الرّشوة بالإدلاء وجهان:

أحدهما:أنّ الرّشوة رشاء الحاجة،فكما أنّ الدّلو

ص: 895

المملوء من الماء يصل من البعيد إلى القريب بواسطة الرّشاء فالمقصود البعيد يصير قريبا بسبب الرّشوة.

و الثّاني:أنّ الحاكم بسبب أخذ الرّشوة يمضي في ذلك الحكم من غير تثبّت كمضيّ الدّلو في الإرسال» ثمّ ذكر عن المفسّرين وجوها خمسة،فلاحظ.

و عن أبي حيّان:«معناه:الإسراع بالخصومة في الأموال إلى الحكّام...

و قيل:معناه لا ترشوا بالأموال الحكّام ليقضوا لكم بأكثر منها».قال ابن عطيّة:و هذا القول يترجّح، لأنّ الحاكم مظنّة الرّشا إلاّ من عصم،و هو الأقلّ، و أيضا فإنّ اللّفظتين متناسبتان:«تدلوا»من أرسل الدّلو،و«الرّشوة»من الرّشاء،كأنّها يمدّ بها لتقضي الحاجة».انتهى كلامه و هو حسن.ثمّ قال:و قيل:

المعنى:لا تجنحوا بها إلى الحكّام،من قولهم:أدلى فلان بحجّته...».

و عن البيضاويّ-و نحوه من بعده-:«الإدلاء:

الإلقاء،أي و لا تلقوا حكومتها إلى الحكّام».

و عن الطّباطبائيّ: «كنّي به عن مطلق تقريب المال إلى الحكّام،ليحكموا كما يريده الرّاشي،و هو كناية لطيفة تشير إلى استبطان حكمهم المطلوب بالرّشوة الممثّل لحال الماء الّذي في البئر بالنّسبة إلى من يريده».

و عن المصطفويّ: «أي توصلوا و تلقوا و تنزلوا عندهم و عليهم حتّى تستغفروا من حكمهم فيها».

و عن مكارم الشّيرازيّ أنّه ذكر الوجهين السّابقين،و هما إعطاء الرّشوة،و التّحاكم إلى القضاة بغير غرض صحيح.و نحوها عن فضل اللّه،فلاحظ.

2-ذكر الفرّاء و كثير ممّن بعده للعطف في وَ تُدْلُوا وجهين،و شرحهما الطّبريّ بقوله:

«أحدهما:أن يكون قوله: وَ تُدْلُوا جزما عطفا على قوله: وَ لا تَأْكُلُوا... أي و لا تدلوا بها إلى الحكّام،و قد ذكر أنّ ذلك كذلك في قراءة أبيّ بتكرير حرف النّهي: (و لا تدلوا بها الى الحكّام) .

و الآخر منهما:النّصب على الصّرف،فيكون معناه حينئذ:لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل،و أنتم تدلون بها إلى الحكّام».ثمّ رجّح الوجه الأوّل الّذي قال الفرّاء:إنّه مثل قوله: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ في أنّ تَكْتُمُوا عطف على تَلْبِسُوا أي لا تلبسوا و لا تكتموا.

و نقول:الوجه الثّاني يرجع إلى إرادة الجمع بين الإدلاء و الأكل،و قد حمل الزّمخشريّ و القرطبيّ آية:

وَ لا تَلْبِسُوا على الجمع.

3-و قال ابن الجوزيّ: «في هاء(بها)قولان:

أحدهما:أنّها ترجع إلى الأموال،كأنّه قال:لا تصانعوا ببعضها جورة الحكّام.و الثّاني:أنّها ترجع إلى الخصومة».

و قد أشار أبو حيّان إلى وجهين آخرين،فقال:

«و أبعد من ذهب إلى أنّه يعود على شهادة الزّور،أي لا تدلوا بشهادة الزّور إلى الحكّام،فيحتمل على هذا القول:أن يكون الّذين نهوا عن الإدلاء هم الشّهود، و يكون الفريق من المال ما أخذوه على شهادة الزّور، و يحتمل أن يكون الّذين نهوا هم المشهود لهم،و يكون

ص: 896

الفريق من المال هو الّذي يأخذونه من أموال النّاس، بسبب شهادة أولئك الشّهود».

و نقول:الوجهان الأخيران يرجعان إلى الأوّل، و هو رجوع الضّمير إلى الأموال،و هو الظّاهر من غير تكلّف.

4-و قال ابن عاشور-في الرّبط بين صدر الآية و ذيلها-:«عطف على تَأْكُلُوا أي لا تدلوا بها إلى الحكّام لتتوسّلوا بذلك إلى أكل المال بالباطل.و خصّ هذه الصّورة بالنّهي بعد ذكر ما يشملها،و هو أكل الأموال بالباطل،لأنّ هذه شديدة الشّناعة جامعة لمحرّمات كثيرة،و للدّلالة على أنّ معطي الرّشوة آثم مع أنّه لم يأكل مالا بل أكل غيره...».

5-و قال ابن عربيّ كعادته في بيان الإشارة في الآيات:«و ترسلوا إلى حكّام النّفوس الأمّارة بالسّوء».

6-و ذكر مكارم الشّيرازيّ تحت عنوان:

«المبادئ الأوّليّة للاقتصاد الإسلاميّ»:أنّ تحريم أكل المال بالباطل أحد الأصول المهمّة و الكلّيّة للاقتصاد الإسلاميّ،و يمكن القول بأنّ جميع أبواب الفقه الإسلاميّ في دائرة الاقتصاد تدخل تحت هذه القاعدة...ثمّ أدام الكلام في أكل المال بالباطل.لاحظ:

«أ ك ل»،و:ب ط ل»،ثمّ بحث الرّشوة تفصيلا تحت عنوان«رباء الرّشوة»فلاحظ.

و يلاحظ ثانيا:أنّ واحدة منها و هي(2)تشريع مدنيّ،و الباقي قصص أو عقيدة،و كلّها مكّيّ.

و ثالثا:من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الغرور: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُوداتٍ وَ غَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ

آل عمران:24

المكر: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ آل عمران:54

الكيد: قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ يوسف:5

الخداع: وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ الأنفال:62

التّزيين: قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ الحجر:39

التّحلية: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ

الرّعد:17

الزّخرفة: وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ الأنعام:112

ص: 897

ص: 898

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم

الآلوسيّ:محمود (1)(1270)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس،بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

ابن جزيّ:محمّد(741)

التّسهيل،دار الكتاب العربيّ،بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلاميّ،بيروت.

ابن خالويه:حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده:عليّ(458)

المحكم،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن عاشور:محمّد طاهر(1393)

التّحرير و التّنوير،ط:مؤسّسة التّاريخ،بيروت.

ابن العربيّ:عبد اللّه(543)

ص: 899


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة،بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

2-الصّاحبيّ،ط:المكتبة اللّغويّة،بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:المكتبة العلميّة، القاهرة.

ابن القيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التّراث العربيّ،لبنان.

ابن كثير:إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:المعارف،بيروت.

ابن منظور:محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر،بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمّان،ط:المعارف،الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه(761)

مغني اللّبيب،ط:المدنيّ،القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو رزق:...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ،القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة،بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(224)

غريب الحديث،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر،مصر.

أبو عمرو الشّيبانيّ:إسحاق(206)

الجيم،ط:المطابع الأميريّة،القاهرة.

ابو الفتوح:حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة،بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

ص: 900

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي،قم.

أحمد بدويّ(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:الدّار المصريّة.

الإسكافيّ:محمّد(420)

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق،بيروت.

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و إنسان در قرآن،ط:انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:مؤسّسة البعثة،بيروت.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ:بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة،بيروت.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:دار إحياء التّراث العربيّ بيروت.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ:محمّد(1031)

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم،بيروت.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ:محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:أمير كبير، طهران.

التّفتازانيّ:مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ،قم.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الثّعلبيّ:أحمد(427)

الكشف و البيان،ط:دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت.

الجاحظ:عمرو(255)

الحيوان،ط:دار إحياء التّراث العربيّ بيروت.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو،طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ إسلامى،طهران.

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:المعرفة،القاهرة.

ص: 901

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ:اسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم،بيروت.

الحائريّ:سيّد علي(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة،طهران.

الحجازيّ:محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب،مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ،جدّة.

الحريريّ:قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب،مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر،بيروت.

الحيريّ:إسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة،مشهد.

الخازن:عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة،مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر،دمشق.

الخليل:بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة،بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الدّميريّ:محمّد(808)

حياة الحيوان،ط:منشورات الرّضيّ،قم.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب،بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة،بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:إبراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-فعلت و أفعلت،ط:التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

الزّركليّ:خير الدّين(1396)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود ذ(538)

ص: 902

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة،بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة،بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر،بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب،بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:إسرائيل.

السّمين:أحمد.(756)

الدّرّ المصون،ط:دار الكتب العلمية،بيروت.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

سيبويه:عمرو(180)

الكتاب،ط:عالم الكتب،بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت.

3-تفسير الجلالين،ط:مصطفى البالي،مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

شبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين،الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة،بيروت.

الشّريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي،قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة،طهران.

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ إسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الشّوكانيّ:محمّد(1250)

فتح القدير،دار المعرفة،بيروت.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب،القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

صدر المتألهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ،قم.

طه الدّرّة:محمّد علي

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار

ص: 903

الحكمة،دمشق.

الطّالقانيّ:محمود.(1400)

پرتوى از قرآن،ط:شركت سهامى انتشار.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة،طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

2-اخبار الأمم و الملوك،ط:الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

طنطاوي:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة،بيروت.

2-متشابها لقرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم،بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر،بيروت.

عبد اللّطيف البغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد،القاهرة.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر)

التّفسير الفريد،ط:بإذن مجمع البحوث الإسلاميّ الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

1-معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان،بيروت.

2-معجم الأخطاء الشّائعة،ط:مكتبة لبنان، بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي أصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:أدبيّات،شيراز.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة،طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن،القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم(نحو 300)

ص: 904

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثّقافة و الإرشاد الإسلاميّ،طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو،طهران.

فريد وجديّ:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

فضل اللّه:محمّد حسين(1431)

من وحي القرآن،ط:دار الملاك،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث بيروت

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب،قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة،القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب،بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف،بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان،طهران.

محمّد إسماعيل إبراهيم(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمود شيت خطّاب(معاصر)

المصطلحات العسكريّة،ط:دار الفتح،بيروت.

محمود صافي(1405)

الجدول في إعراب القرآن و صرفه و بيانه:ط:دار الرّشيد.

المدنيّ:عليّ(1120)

ص: 905

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المدينيّ:محمّد(581)

المجموع المغيث،ط:دار المدنيّ،جدّه.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان،طهران.

المشهديّ:محمّد(1125)

كنز الدّقائق،مؤسّسة النّشر الإسلاميّ،قم.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة،طهران.

معرفة:محمّد هادى(1427)

التّفسير و المفسّرون،ط:الجامعة الرّضوية،مشهد.

مغنيّة:محمّد جواد(1400)

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين،بيروت.

مقاتل:ابن سليمان(150)

1-تفسير مقاتل،ط:دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت.

2-الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

مكارم الشّيرازيّ:ناصر(معاصر)

الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل،ط:بيروت.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير،طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن،ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب،بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى،علمى[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحرّيّة،بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس ط:مطبعة الإمريكيّ بيروت

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

الهمذانيّ:عبد الرّحمن(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب،بيروت.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:جهان،طهران.

الواحديّ:عليّ.(468)

الوسيط،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

ص: 906

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 907

ص: 908

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التّيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ(456)

ابن حلزة:...(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:...(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:...(؟)

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ(696)

ص: 909

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد.(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللّطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن النّحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:...(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:...(201)

أبو الجزال الأعرابيّ.(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:النّعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:...(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

أبو سليمان الدّمشقيّ:عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

أبو الطّيّب اللّغويّ.(؟)أبو العالية:رفيع.(90)

ص: 910

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:...(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:محمّد.(322)

أبو منذر السّلاّم:...(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدنيّ:...(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن القاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.ذ(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج ادوارد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

ص: 911

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

حمزة القارئ.(156)

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوري:أحمد.(282)

الرّبيع بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

سهل التّستريّ.(283)

ص: 912

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر:بن حمدويه.(255)

الشّمنّيّ:أحمد(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القرافيّ.(684)

شهر بن حوشب.(100)

شيبان بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

شيذلة:عزيزيّ.(494)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك:بن مزاحم.(105)

طاوس:بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

طلحة بن مصرّف.(112)

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجّار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة بن عروة.(؟)

العطاء:بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة بن عبد اللّه.(105)

العلاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد(144)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

ص: 913

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:...(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ(؟)

الفضل الرّقاشي.(200)

قتادة بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

القلانسي:محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

الكيا الطّبريّ(؟)

اللّؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث بن المظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك بن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد:جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

محبوب:...(؟)

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن الحكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّري:محمّد.(979)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول:بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

ص: 914

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:بن بشّار.(1340)

نفطويه:ابراهيم.(323)

النّقّاش:محمّد.(351)

النّوويّ:يحيى.(676)

هارون بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب بن إسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 915

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.