المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 18

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته/ اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی.

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1419ق. = -1377.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال: ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال: ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال: ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال: ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال: ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال: ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال: ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی، محمدِ، 1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی، ناصر، 1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : BP66/4/م57 1377

رده بندی دیویی : 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الموسوعة القرآنيّة الكبرى

المعجم فى فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته

المجلّد الثامن عشر

تأليف و تحقيق: قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلاميّة

بإشراف

مدير القسم

الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانىّ

ص: 2

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 3

كتاب نخبة:

مؤتمر تكريم خدمة القرآن الكريم في ميدان الأدب المصنّف.1421 ق

الكتاب النّخبة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.1422 ق

مؤتمر الكتاب المنتخب الثّالث للحوزة العلميّة في قم.1422 ق

الدّورة الثّانية لانتخاب و عرض الكتب و المقالات الممتازة في حقل القرآن.1426 ق

الملتقى الثّاني للكتاب النّخبة الّذي يعقد كلّ سنتين في محافظة خراسان الرّضويّة.1426 ق

ص: 4

المحتویات

تصدير7

خ م س 9

خ م ص 65

خ م ط 75

خ ن ز ی ر 83

خ ن س 105

خ ن ق 125

خ و ر 137

خ و ض 149

خ و ف 179

خ و ل 307

خ و ن 329

ح و ی 397

خ ی ب 411

خ ی ر 419

خ ی ط 569

خ ی ل 583

خ ی م 631

حرف الدال 641

دأب 643

داود 671

د ب ب 687

د ب ر 723

دث ر 831

د ح ر 845

د ح ض 858

د ح و - ي 867

د خ ر 883

الاعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء کتبهم 889

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 897

ص: 5

ص: 6

تصدير

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على خير خلقه و أفضل بريته سيدنا و نبينا محمد المصطفى سيد المرسلين، و على آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الميامين المنتجبين، و من تبعهم بإحسان إلى قيام يوم الدين.

و بعد، فنشكر الله تبارك و تعالى على أن سهل لنا الطريق، و وسع لنا التوفيق لإكمال المجلد الثامن عشر من موسوعتنا القرآنية الكبرى: «المعجم في فقه لغة القرآن و بلاغته»، و تقديه إلى رواد العلوم القرآنية الراغبين في الاستئناس بكتاب ربهم، و معرفة أسراره و رموزه، و منها: فقه لغته و سر بلاغته وإعجازه، و استطلاع طرائف تفسيره و فنون معارفه، و الذين يتابعون بشوق بالغ مجلدات هذا المعجم، ويترقبون بسعي وافر مفرداته: مفردة بعد مفردۃ سواء من داخل البلاد أو خارجها ممن يشعر برغبتهم في ذلك ما يبدونه کتابة ومشافهة مما يستوجب منا الشكر والامتنان، و مزید الرغبة و العكوف على هذا العمل الكبير.

وقد احتوى هذا المجلد 29 مادة قرآنية من حرف الخاء و الدال، ابتداء من «خمس»، وانتهاء با «دخ ر»، و أطولها: «خي ر» في 150 صفحة و الخير كله من الله تعالى - ثم «خوف» في 128 صفحة.

ص: 7

وفي الختام تکرر الشكر لله رب العالمين، الذي وفقنا وهدانا إلى هذا العمل الجليل، في سبيل كتابه الكريم، و نسأله تعالى دوام التوفيق و التسديد. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و سلام على المرسلين.

محمد واعظ زاده الخراساني

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلامية

في الآستانة الرضوية المقدسة

7 جمادى الأولى، عام 1431 هق

ص: 8

حرف الخاء

خ م س

اشارة

خ م س

4 ألفاظ، 8 مرّات: 3 مكّيّة، 5 مدنيّة

في 7 سور: 3 مكّيّة، 4 مد نيّة

الخامِسَة 2: 2 خُمُسَه 1: 1

خمسة 3: 1 2 خمسين 2: 2

النُّصوص اللُّغويّة

أبوعمروابن العلاء: إنّماقيل للثّوب: خميس، لأنّ أوّل من عمله مَلِك باليمن يقال له: الخِمْس، أمر بعمل هذه الثّياب فنُسبت إليه. [ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهَريّ 7: 194)

الخَليل: الخُماسيّ و الخُماسيّة من الوصائف: ما كان طوله خمسة أشبار، و لايقال: سُداسيّ و لاسُباعيّ في هذا. و في غير ذلك: الخماسيّ: ما بلغ خَمْسَة، و كذلك السُّداسيّ و العُشاريّ.

و الخميسيّ و المَخمُوس من الثّوب: الّذي طوله خَمْس أذرع، و يقال: بل الخميسيّ ثوب منسوب إلى ملك من مُلوك اليمن، كان أمر بعمل هذه الثّياب، فنُسبت إليه.

و الخَمْس: تأنيث الخَمْسَة.

و الخَمْس: أخذُك واحدًا من خسمة.

تقول: خَمَسْتُ مال فلان، و تقول: هذا خامس خَمْسَة، أي واحد من خمسة.

و الخُمْس: جزء من خَمْسَة.

و خَمَسْتُ القوم، أي تمّوا بي خمسة.

و الخِمْس: شُرْب الإبل يوم الرّابع من يوم صَدَرَتْ، لأ نّهم يحسبون يوم الصّدر فيه.

و الخميس: الجَيْش.

و الخميس: الخُمْس، كالعشير من العُشْر.

و الأخماس: بُرُود من بُرُود اليمن.

و المُخامِس: الّذي يُقاسمك الخُمْس و تُقاسمه.(4: 204)

اللَّيث: الخميس: يوم من أيّام الأُسبوع، و ثلاثة

ص: 9

أخمسة، و خماسَ و مَخمَسَ، كما يقال: ثُناءَ و مَثْنى و رُباع و مَربَعَ. (الأزهَريّ 7: 193)

ابن شُمَيّل: يقال: غلام خُماسيّ و رُباعيّ.

خَمْسَة أشبار و أربعة أشبار، و إنّما يقال: خُماسيّ و رُباعيّ فيمن يزداد طولا . (الأزهَريّ 7: 191)

أبوعُبَيْدَة: قالوا: ضَرْب أخماسٍ لأسْداس.يقال: للّذي يُقدّم الأمر يريد به غيره فيأتيه من أوّله، فيعمل فيه رُوَيْدًا رُوَيْدًا.

و الخِمْس: الوِرْد يوم الخامس من يوم صدَرِها، و السِّدْس: الوِرْد يوم السّادس. (الأزهَريّ 7: 192)

أبوزَيْد: عشَرتُ المال أعشُره عُشْرًا و عُشُورًا، و خمَسْتُه أخمُسُه خَمْسًا: أخَذتُ عُشْرَه و خُمْسَه.

(الحَرْبيّ 1: 157)

الأصمَعيّ: في حديث معاذ أ نّه كان يقول باليمن: «ائتوني بخميس أو لبيس...». الخميس: الثّوب الّذي طوله خمس أذرع، كأ نّه يعني الصّغير من الثّياب. (أبوعُبَيْد2: 240)

أبوعُبَيْد: في حديث معاذ أ نّه كان يقول باليمن: «ائتوني بخميس أو لبيس...» يقال له أيضًا: مَخمُوس ، مثل جريح و مَجرُوح، و قتيل و مَقتُول.[ ثمّ استشهد بشعر] (2: 240)

ابن الأعرابيّ: هما في بُردة أخماس، أي يفعلان فعلا واحدًا، كأ نّهما في ثوب واحد، لاشتباههما.

(الأزهَريّ7: 194)

< لاتَكُ خميسًا >، أي ممّن يصوم الخميس وحده.

(ابن سيده5: 91)

ابن السّكّيت: يقال في مثَل: « ليتنا في بُرْدة أخماس » أي ليتنا، تقارَ بْنا.

و يُراد ب < أخماس » أنّ طولها خمسة أشبار.

و البُرْدة شِمْلَة من صوف مُخطّطة؛ و جمعها: البُرَد.

(الأزهَريّ7: 192)

خَمَستُ القوم أخمسهم خَمْسًا، إذا أخَذتَ خُمسَ أموالهم. أو كُنتَ لهم خامسًا.

و الخِمْس: من أظماء الإبل. (الأزهَريّ7: 193)

ابن دُرَيْد: الخَمْس: نوع من العدد، و الخَمْس مصدر خمَسْتُ القوم أخمِسُهم خَمْسًا إذا أخَذتَ خُمْس أموالهم أوكُنتَ لهم خامسًا.

و الخُمْس: قسم مال على خمسة.

و الخِمْس: ظِمأ من أظماء الإبل.

و الخميس: يوم من أيّام الأُسبوع معروف، و الجمع: أخمِسَة و أخمساء، مثل نصيب و أنصباء.

و جمع خُمْس: أخماس، و جمع خِمْس: أخماس أيضًا، و مثَل من أمثالهم: «يضرب أخماسًا لأسداس» يقال ذلك للرّجل إذا لُبِّس الشّيء علىصاحبه.

و غلام خماسيّ: حين أيفع، و ثوب خُماسيّ: خمسة أذرع، و حبل مَخمُوس، من خمس قوًى. [ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك وَتَرٌ مخموس، إذا جُعل على خمس قوًى.

و الخميس: الجيش يخمس ما وجد، أي يأخذه.

(2: 220)

الأزهَريّ: [نقل قول الخَليل: « و الخِمْس: شُرْب الإبل يوم الرّابع من يوم صَدَرَتْ »ثمّ قال:]

ص: 10

قلت: هذا غلط لايُحسَب يوم الصّدَر في وِرْد النّعَم. و الخِمْس أن تشرب يوم وِرْدِها، و تَصْدُر يومها ذلك، و تظَلّ بعد ذلك اليوم في المرعى ثلاثة أيّام سوى يوم الصّدَر، و ترد اليوم الرّابع، فذلك الخِمْس.

و إبل خامسة و خوامس.

و يقال: فلاة خِمْس: إذا انتاط ماؤها حتّى يكون وِرْد النّعم في اليوم الرّابع، سوى اليوم الّذي شَرِبَتْ فيه و صَدَرتْ.

و يقال: خِمْس بَصْباصٌ، و قَعْقاعٌ: إذا لم يكن في سيرها إلى الماء وَتِيرة، و لافُتور، لبُعْده.

و يقال لصاحب الإبل الّتي تَرِد خِمْسًا: مُخْمِس. [ ثمّ نقل قول اللّيث، و قال:]

و يقال: بل الخميس ثوب منسوب إلي مَلِك من مُلوك اليمن، و كان أمَرَ بعمل هذه الثّياب، فنُسِب إليه.

و يقال: هما في بُردة أخماس، إذا تقاربا و اجتمعا و اصطلحا. [ثمّ استشهدبشعر] (7: 192)

الصّاحِب: [نحوالخَليل و أضاف:]

و الخِمْس: شُربُ الإبل يوم الرّابع. و أخمَس الرّجل: سقى خِمْسًا.

و الخميس: الجيش الكثير، و اسم اليوم، و ثلاثة أخمسة.

و يقولون: ما أدري أيّ خميس النّاس هو، أي أيّ جماعة النّاس هو.

وفي المثَل:«لَيْتَنا في بُرْدة أخماس» أي ليتنا تقارَ بْنا.

و «ظلّ يضرب أخماسًا لأسداس» و له حديث.

و الخِمْس: من الرّمل، في قول الطّرمّاح:

* عادت تميم بأخفى الخِمس.*

و يقال : خَمْسون وخَمِسون. (4: 271)

الخَطّابيّ: في حديث النّبي ّ(صلی الله علیه و آله) : « أ نّه صبّح خيبر يوم الخميس بُكْرَ ةً، فجاء و قد فتَحوا الحِصْن، و خرجوا منه معهم المساحي، فلمّا رأوه حالوا إلى الحِصْن: و قالوا: محمّد و الخميس، محمّد و الخميس ». و الخميس: الجيش، و سمّيت خميسًا، لأ نّها تَخْمس ما تجده من شيء. [ثمّ استشهد بشعر] (1: 605)

نحوه الهَرَويّ. (2: 597)

الجَوهَريّ: الخَمْسَة: عدد. يقال: خَمْسَة رجال،و خمس نسوة، و التّذكير بالهاء.

و جاء فلان خامسًا، و خاميًا أيضًا.

و الخِمْس بالكسر من أظماء الإبل: أن ترعى ثلاثة أيّام و ترد اليوم الرّابع.

و قد أخمَس الرّجل، أي ورَدَتْ إبله خِمْسًا. و الإبل خوامس. و الرّجل مُخمِس.

و أخمَس القوم: صاروا خَمْسَة.

و الخِمْس أيضًا: بُرْدٌ من بُرُود اليمن.

و يوم الخميس؛ جمعه: أخْمِساء و أخمِسَة.

و الخميس: الجيش، لأ نّهم خَمسُ فِرَق: المقدّمة، و القلب، و الميمَنَة، و الميسَرة، و السّاق.

و الخميس: الثّوب الّذي طوله خمس أذرُع.

و منه حديث معاذ بن جبل(رضی الله عنه): « ائتوني بخميس أو لبيس» كأ نّه يعني الصّغير من الثّياب.

و كذلك المخموس، مثل جريح و مَجرُوح، و قتيل و مَقتُول.

ص: 11

و خَمَستُ القوم أخمُسُهم بالضّمّ، إذا أخَذت َمنهم خُمْس أموالهم. و خَمَستُهم أخمِسُهم بالكسر، إذا كنت خامسَهم، أو كمّلتهم خمسةً بنفسك.

و شيء مُخَمّسٌ، أي له خمسة أركان.

و حَبْل مَخمُوس، أي من خَمْس قُوًى.

و تقول: عندي خمسة دراهم، الهاء مرفوعة، و إن شئت أدغمت، لأنّ الهاء من <خمسة> تصير تاء في الوصل، فتُدغَم في الدّال. فإن أدخلتَ الألف و اللام في الدّراهم قلت: عندي خمسة الدّراهم بضمّ الهاء. و لايجوزأن تدغم، لأ نّك قد أدغمت اللام في الدّال، و لايجوزأن تدغم الهاء من خمسة، و قد أدغمت ما بعدها.

و تقول في المؤنّث: عندي خمس القدور.

و تقول: هذه الخسمة الدّراهم، و إن شئت رفعت الدّراهم و تجريها مجرى النّعت. و كذلك إلى العشرة.

و قولهم: « فلان يضرب أخماسًا لأسداس »، أي يسعى في المكر و الخديعة، و أصله في أظماء الإبل. و غلام رُباعيّ و خُماسيّ. و لايقال: سباعيّ، لأ نّه إذا بلغ سبعة أشبار صار رجلا . [و استشهد بالشّعر 8 مرّات] (3: 923)

ابن فارِس: الخاء و الميم و السّين أصل واحد، و هو في العدد. فالخَمْسَة معروفة، و الخُمْس: واحد من خمسة. يقال خمَسْتُ القوم: أخَذتُ خُمس أموالهم، أخمُسُهم. و خمَستُهم: كنت لهم خامسًا، أخمِسُهم.

و الخِمْس ظِمْءٌ من أظماء الإبل. [ثمّ نقل قول الخَليل إلى أن قال:]

و ممّا شذّ عن الباب: الخميس، و هو الجيش الكثير. و من ذلك الحديث: «أنّ رسول لله(صلی الله علیه و آله)، لمّا أشرف على خيبر، قالوا: محمّد و الخميس » يريدون الجيش. (2: 217)

ابن سيده: الخَمْسَة من عدد المذكّر، والخَمْس، من عدد المؤنّث، معروفان.

و المُخَمَّس من الشّعر: ما كان على خمسةأجزاء، و ليس ذلك في وضع العَرُوض.

قال أبوإسحاق: إذا اختلفت القوافي و اختلطت فهو المخَمَّس.

و خمَسَهم يَخمِسُهم خَمْسًا، كان له خامسًا. و أخمَس القوم: صاروا خَمسَة.

و رُمحٌ مَخمُوس: طوله خمسة أذرع.

و الخمسون من العدد، معروف.

و كلّ ما قيل في الخَمسَة، و ماصُرِّ ف منها مقول في الخمسين و ما صُرِّف منها.

و حكى ابن الأعرابيّ عن أبي مَرْجَح: شَربتُ خمَسَة هذا الكوز، أي خمسة بمثله.

و الخِمْس: أن تَرِد الإبل الماء اليوم الخامس، و الجمع: أخماس.

سيبَوَيه: لم يجاوز به هذا البناء.

و قالوا: < ضرب أخماسًالأسداس > إذا أظهرأمرًا يُكنى عنه بغيره.

قال ابن الأعرابيّ: أصل هذا أنّ شيخًا كان في إبل له ومعه أولاده رجالا يرعونها، قد طالت غُربتهُم عن أهلهم، فقال لهم ذات يوم: ارعَوْا إبلكم رِبعًا، فرَعَوَها

ص: 12

رِبْعًا نحو طريق أهلهم، فقالوا له: لو رعيناها خِمْسًا ؟ فقال: ارعَوْها خِمْسًا. فزادوا يومًا قِبَل أهاليهم، فقالوا: لورعيناها سِدْسًا؟ ففطن الشّيخ لما يريدون، فقال: ما أنتم إلا ضَرْب أخماس لأسداس ! و ضَرْبُ أخماس لأسداس! ما همّتكم رَعيُها إنّما همّتكم أهلُكم.

ثمّ ضُرِب مثلا للّذي يُراوغ صاحبه ويُريه أنّه يطيعه.

و قد خمِسَت الإبل، و أخمَسَ صاحبها: وردت إبله خِمْسًا.

و التّخميس في سقي الأرض: السّقيّة الّتي بعد التّربيع.

و خمَسَ الحَبْلَ يَخمِسُه خَمْسًا: فتَله على خَمْس قُوًى.

و غلام خُماسيّ طوله خمسة أشبار.و الأُنثى: خُماسيّة، و لايقال هذا في غير الخمسة.

و ثوب خُماسيّ، و خميس و مخموس: طوله خَمسَة.

و قيل: الخميس ثوب منسوب إلى ملك كان باليمن، أمَر أن تعمل هذه الأردية.

و الخميس من الأيّام: معروف، و إنّما أرادوا الخامس، و لكنّهم خصّوه بهذا البناء، كما خصّوا النّجم بالدَّبران.

قال اللِّّحيانيّ: كان أبوزَيْد يقول: مضى الخميس بما فيه، فيُفرد و يذكِّر، و كان أبو الجرّاح يقول: مضى الخميس بما فيهنّ،فيجمع ويؤنّث، يُخرجه مخرج العدد.

و الجمع أخمسة، و أخمساء، و أخامس، حُكيت الأخيرة عن الفَرّاء.

و الخُمُسُ و الخُمْس و الخِمْس: جُزء منخمسة، يطّرد ذلك في جميع هذه الكسور عند بعضهم، و الجمع: أخماس.

و خَمَسَهم يَخمُسُهم خَمْسًا: أخذ خُمس أموالهم.

و الخميس: الجيش يَخمُس ما يجده.

و أخماس البَصْرة: خمسة؛ فالخُمسُ الأوّل العالية، و الخُمس الثّاني بكربن وائل و الخمس الثّالث تميم، و الخمس الرّابع عبد القيس، و الخمس الخامس الأزد.

و الخِمْس قبيلة. و ابن الخِمْس: رجل. [واستشهد بالشّعر7 مرّات] (5: 89)

الرّاغب: أصل الخَمْس في العدد، قال تعالى: { وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ } الكهف: 22 و قال: { فَلَبِثَ فيهِمْ اَلْفَ سَنَة اِلا خَمْسينَ‘ عَامًا } العنكبوت: 14.

و الخَميس ثوب طوله خَمْس أذرع، و رمح مخموس كذلك.

و الخِمْس من أظماء الإبل.

و خَمَسْتُ القوم أخمِسُهم: أخذت خمُس أموالهم، و خَمَستُهم أخمسهم: كنت لهم خامسًا، و الخميس في الأيّام معلوم.

(159)

الزّمَخْشَريّ: غزاهم الخَميس. و الخِمْسُ شرّ الأظماء.

و خَمَسْتُ القوم: أخَذتَ خُمُس أموالهم و كنتَ لهم خامسًا، و خَمستُ ما لهم: أخَذتَ خُمُسَه.

و ثوب مَخمُوس و خميس.

ص: 13

و رمح مَخمُوس: طوله خمسة أذرع.

و حَبْل مَخمُوس: فُتِل من خمس قُوًى.

(أساس البلاغة :120)

[في كلام] لعمروبن معدي كرب: «أعظمُنا خميسًا، و أكثرنا رئيسًا وأشدّنا شريسًا ...». الخَميس: الجيش له خمسة أركان . (الفائق 2: 415)

المَدينيّ: في حديث خالد: «... خُذ منّي غلامَين خُماسيّين، أو عِلجًا أمْرَد...».

الخُماسيّان: وصيفان طول كلّ واحد خَمْسة أشبار، و لايقال: سُداسيّ أوسُباعيّ. و الخُماسيّة: الوصيفة كذلك، و الخميس: الثّوب المخموس: الّذي طوله خمس أذرع. هذا كلّه في الخمس خاصّة دون ما سواه من العدد.

في حديث عديّ بن حاتم: « رَ بَعْتُ في الجاهليّة، و خَمَسْتُ في الإسلام » أي قُدتُ الجيشَ في الحالين، لأنّ الأمير في الجاهليّة يأخذ رُبع ما غَنِموا، و لهذا قال (صلی الله علیه و آله) له: «إنّك تأخذ المِرْباع و في الإسلام الخُمس».

(1: 618)

ابن الأثير: [نقل الأحاديث المتقدّمةثمّ قال:]

في حديث الحجّاج: « أنّه سأل الشّعبيّ عن المُخَمَّسَة » هي مسألة من الفرائض اختلف فيها خمسة من الصّحابة: عثمان، و عليّ، و ابن مَسعود، و زَيْد، و ابن عبّاس، و هي: أُمّ، و أُخت، وجدّ. (2: 79)الفَيُّوميّ:خمَسْتُ القوم خَمْسًا، من باب< ضَرَب> : صِرْتُ خامِسَهم وخمَسْتُ المال خَمْسًا من باب<قتَل > : أخَذْتُ خُمْسَه. و الخُمُس بضمّتين و إسكان الثّاني لغة، و الخميس مثال كريم: لغة ثالثة، هو جزء من خمسة أجزاء؛ و الجمع: أخماس.

و يوم الخميس جمعه: أخمِسَة و أخمِساء مثل نصيب و أنصبة و أنصباء.

و قولهم: غلام خُماسيّ أو رباعيّ: معناه طوله خمسَة أشبار أو أربعة أشبار. قال الأزهَريّ: و إنّما يقال :خُماسيّ أو رباعيّ فيمن يزداد طولا . و يقال في الرّقيق و الوصائف: سُداسيّ أيضًا، و في الثّوب سُباعيّ، أي طوله سبعة أشبار.

و خمّسْتُ الشّيء بالتّثقيل: جعلتُه خَمْسَة أخماس.

(1: 182)

الفيروزاباديّ: الخَمْسَة من العدد: معروف.

و الحامي: الحامس، إبدال.

و ثَوبٌ و رُمْح مخموس و خميس: طوله خَمْسُ أذرع.

و حَبْل مخموس: من خَمْسِ قُوًى.

و خمَسْتُهم أخمُسُهم، بالضّمّ: أخَذْتُ خُمْس أموالهم.

و أخمِسُهم، بالكسر: كنت خامسُهم، أو كمَّلْتُهم خَمسَةً بنفسي.

و يوم الخميس: معروف. جمعه: أخمِساء و أخمِسَة.

و الخميس: الجيش، لأ نّه خَمْسُ فِرَق: المقدِّمة، و القلب ، و الميمنة، و الميسرة، و السّاقة، و اسم.

و ما أدري أيّ خميس النّاس هو، أيّ جماعتهم.

و خميس الحَوْزيّ، و ابن خميس الموصليّ: محدّثان.

و الخِمْس، بالكسر: من أظماء الإبل، و هي أن

ص: 14

تَرْعى ثلاثة أيّام، و تَرِد الرّابع، و هي إبل خوامس، و اسم رجل، و مَلِك باليمن ، أوّل من عُمِل له البُرْد المعروف بالخِمْس.

و فلاة خِمْس: انتاط ماؤها حتّى يكون وِرْد النّعم اليوم الرّابع سوى اليوم الّذي شَربَتْ فيه.

و هما في بُرْدَة أخماس، أي تقاربا، و اجتمعا، و اصطلحا، أو فعَلا فعلا واحدًا يشتبهان فيه، كأنّهما في ثوب واحد.

و « يَضرِب أخماسًا لأسداس » يسعى في المكر و الخديعة، يُضرَب لمن يُظهِر شيئًا، و يريد غيره، لأنّ الرّجل إذا أراد سفرًا بعيدًا، عوّد إبلَه أن تَشرَب خِمْسًا سِدْسًا، و < ضرَب > بمعنى بيّن، أي: يُظهِر أخماسًا لأجل أسداس، أي رقّى إبله من الخِمْس إلى السِّدس.

و الخُمْس، و بضمّتين: جزء من خَمْسَة. و جاؤوا خُماسَ و مَخْمَس، أي: خمْسَةً خَمْسَةً.

و خَماساء، كبَراكاء: موضع.و أخمسوا: صاروا خَمْسَة، و الرّجل: ورَدَتْ إبله خِمْسًا.

و خمّسَه تَخْميسًا: جعله ذا خَمْسَة أركان.

و غلام خُماسيّ: طوله خمسة أشبار. و لايقال: سُداسيّ، و لاسُباعيّ، لأ نّه إذا بلغ ستّة أشبار، فهو رجل. (2: 219)

الطُّرَيحيّ: الخُمُس بضمّتين، و إسكان الثّاني لغة: اسم لحقّ يجب في المال يستحقّه بنوهاشم. و قد اختُلف في كيفيّة القسمة. و الظّاهر منها عند فقهاء الإماميّة أن تُقسَّم ستّة أقسام: ثلاثة للرّسول(صلی الله علیه و آله) في حياته، و بعده للإمام القائم مقامه، و هو المعنيّ بذي القُربى، و الثّلاثة الباقية لمن سمّاهم الله تعالى من بني عبد المطّلب خاصّة دون غيرهم.

و خمَسْتُ المال، من باب < قتَل >: أخَذتُ خُمْسَه.

و الخميس بالفتح: الجيش، سمّي به لأ نّه خمسة أقسام: الميمنة، و الميسرة، و المقدّم، و السّاقة، و القلب

و شَرَطَة الخميس: أعيانه. و منه حديث عبد الله بن يحيى الحضرميّ: « إنّك و أباك من شَرَطَة الخميس » و إنّما سُمّوا < شَرَطَة > قيل: من الشّرَط و هو العلامة، لأنّ لهم علامة يُعرَفون بها،أو من الشَّرْط و هو تهّيؤ لأ نّهم متهيّئون لدفع الخصم. و قوله: « إنّك و أباك من شَرَطَة الخميس » يريد أنّهما من أعيان حزبنا يوم القيامة...

و الأخماس: الأصابع الخمس. و منه في وصفه تعالى « لايُدرَك بالحواس و لايُمَس بالأخماس »...

و أخماس القرآن: ما يكتب في هامشه، و كذلك أسباعه و أعشاره. (4: 66)

العَدْنانيّ: أخمِسَة، أخمِساء، أخامِس لاخُمْسان.

و يجمعون يوم الخميس على خُمْسان، و الصّواب:

أ أخمِسَة: الفَرّاء، و الصِّحاح، و معجم مقاييس اللُّغة، و المختار، و اللّسان، و المصباح، و القاموس، و التّاج، و المدّ، و محيط المحيط، و أقرب الموارد، و المتن، و الوسيط.

ب: و أخامِسُ: الفَرّاء، و اللّسان، و التّاج، و المدّ، و ذيل أقرب الموارد و المتن، و الوسيط.

ج و أخمساء: الفَرّاء، و الصِّحاح، و معجم

ص: 15

مقاييس اللّغة، و المختار، و اللّسان و المِصباح، و القاموس، و التّاج، و المدّ، و محيط المحيط، و أقرب الموارد، و المتن، و الوسيط. (206)

خامسةُ معركة: و يقولون: هذه خامسُ معركة انتصر فيها جيشنا. و الصّواب: هذه خامسة معركة، لأنّ العدد التّرتيبيّ

يطابق المعدود في التّذكير و التّأنيث، سواء أكان صفة، أم مضافًا إلى المعدود.

ضرَب أخماسًا لأسداس: و يقولون: ضرب أخماسًا بأسداس. و الصّواب: ضرب أخماسًالأسداس. و هو مثَل يُضرَب لمن يسعى في المكر و الخديعة.

الأخماس: جمع خِمْس، و الأسداس: جمع سِدْس و هما من أضماء الإبل.

و أصل هذا المثل: أنّ الرّجل إذا أراد سفرًابعيدًا، عوّد إبله أن تَشْرب خِمْسًا، أي كلّ خمسة أيّام مرّة، ثمّ سِدْسًا: حتّى إذا أخذتْ في السّير صَبَرَتْ على الظّمإ. [ثمّ استشهد بشعر] (معجم الأخطاء الشّائعة: 86)

مَجْمَعُ اللُّغة:1 الخمسة و الخمسون: العددان المعروفان.

2 و الخامس هو ما يُكمَل به عدد خمسة؛ و المؤنّث بالهاء.

3 الخُمُس جزء من خمسة. (1: 364)

محمّدإسماعيل إبراهيم: خمّسَ الشّيء: جعله ذا خَمْسَة أجزاء. و الخُمُس، جزء من خمسة أجزاء،

و خمسون: خمس عشرات. (1: 175)

المُصْطَفَويّ: و التّحقيق: أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو العدد المخصوص المعيّن، و المشتقّات منه كلّها انتزاعيّة، مأخوذ معناها من هذا المفهوم.

فيقال: خمسته أخمسه فهو خامس و خميس.

و لمّا كان المميَّّز في الثّلاثة إلى العشرة مجموعًا، فيؤنّث اللّفظ باعتبارالجماعة، فيقال: خمسة آلاف من الملائكة، ويقولون خمسة. و أمّا التّذكير في المؤنّث، فلحصول الفرق بين المذكّر و المؤنّث. و هذا أحسن وجه في تحقيق الامتياز.

و أمّا الخمسون فهو صيغة جمع انتزاعيّة من الخمس، و يدلّ على جماعة من الخمس، و يختصّ بالعدد المخصوص منها، و هوالخمسون.

و أمّا الخُمْس: و صيغته < فُعْل >، و تدلّ على صفة المفعول، أي ما يُفعَل و مايُخمَس و يكون مخموسًا، و هذا معنى الانقسام إلى خمسة أقسام. (3: 132)

النُّصوص التّفسيريّة الْخَامِسَة

وَ الْخَامِسَةُ اَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ اِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِ بينَ‘.

النّور:7

الطّبَريّ: يقول و الشّهادة الخامسة. (9: 271)

نحوه الزّجّاج (4 : 33)، و البَيْضاويّ (2: 119).

الطُّوسيّ: من نصب { اَرْ بَعُ شَهَادَات } فقياسه أن ينصب{ وَ الْخَامِسَةُ} لأ نّها شهادة، و إذا رفع { اَرْ بَع ُشَهَادَات} و نصب { الْخَامِسَةُ } قدّر له فعلا ينصبها به، و تقديره: و يشهد الخامسة. و من رفع { اَرْ بَعُ شَهَادَات } رفع { الْخَامِسَةُ } جعلها معطوفة عليه، وإذا نصب{ الْخَامِسَةُ }، لم يجعلها معطوفة عليه

ص: 16

وجعلها مفعولا ، و قدّر فعلا ينصبها به (7: 411)ابن عَطيّة: قرأ حفص عن عاصم{ وَ الْخَامِسَةَ} بالنّصب في الثّانية، و قرأها بالنّصب فيهما طلحة بن مُصرّف و أبوعبد الرّحمان و الحسن و الأعمش، و قرأ الجمهور فيهما { و الْخَامِسَةُ } بالرّفع.

فأمّا من نصب، فإن كان من قراءته نصب قوله: (اَرْ بَعَ شَهَادَات ) فإنّه عطف (الْخَامِسَةَ ) على ذلك،

لأ نّها من الشّهادات، و إن كان يقرأ { اَرْ بَعُ } بالرّفع، فإنّه جعل نصب قوله: ( وَ الْخَامِسَةَ )على فعل يدلّ عليه متقدّم الكلام، تقديره: وتشهد الخامسة.

و أمّا من رفع قوله: { وَ الْخَامِسَةُ} فإن كان يقرأ: { اَرْ بَعُ } بالرّفع فقوله: { وَ الْخَامِسَةُ }عطف على ذلك ، وإن كان يقرأ : ( اَرْ بَعَ ) بالنّصب فإنّه حمل قوله: { وَ الْخَامِسَةُ } على المعنى، لأنّ معنى قوله: شهادة أحدهم عليهم أربع شهادات و الخامسة.[ ثمّ استشهد بشعر]

و لاخلاف في السّبع في قوله: { وَ الْخَامِسَةُ} في الأُولى، و إنّما خلاف السّبع في الثّانية فقط، فنصبه حمل على قوله: { اَنْ تَشْهَدَ اَرْ بَعَ }، { وَ الْخَامِسَةُ } على القطع، و الحمل على المعنى. (4: 166)

نحوه أبوحَيّان. (6: 434)

النّسَفيّ:لاخلاف في رفع { الْخَامِسَةُ }هنا في المشهور، و التّقدير: و الشّهادة الخامسة. (3: 133)

أبوالسُّعود : أي الشّهادة الخامسة للأربع المتقدّمة، أي الجاعلة لها خمسًا بانضمامها إليهنّ، وإفرادها عنهنّ، مع كونها شهادة أيضًا لاستقلالها بالفحوى، و وكادتها في إفادة ما يُقصَد بالشّهادة من تحقيق الخبر و إظهار الصّدق، و هي مبتدأ خبره { اَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ اِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبينَ‘ }. (4: 441)

نحوه البُرُوسَويّ ( 6: 121) ،و

الآلوسيّ (18: 104) .

خَمْسينَ‘

وَ لَقَدْ اَرْسَلْنَا نُوحًا اِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فيهِمْ اَلْفَ سَنَة اِلا خَمْسينَ‘ عَامًا فَاَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَ هُمْ ظَالِمُونَ.

العنكبوت : 14

لاحظ: أ ل ف: <اَلْف>.

خُمُسَه

وَ اعْلَمُوا اَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَاَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى وَ الْيَتَامى وَ الْمَسَاكينِ‘ وَ ابْنِ السَّبيلِ‘ اِنْ كُنْتُمْ امَنْتُمْ بِاللهِ وَ مَا اَنْزَلْنَا عَلى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَ اللهُ عَلى كُلِّ شَىْء قَدير‘ٌ.

الأنفال : 41

الإمام عليّ (علیه السلام): [في حديث] و أعظم من ذلك كلّه سهم ذي القربى الّذين قال الله تعالى: { اِنْ كُنْتُمْ ا مَنْتُمْ بِاللهِ وَ مَا اَ نْزَلْنَا عَلى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْ قَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ } نحن و الله عُني بذي القربى، و الّذين قرَنهم اللهبنفسه و نبيّه، فقال: فإنّ لله خُمُسَه و للرّسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل منّا خاصّة، و لم يجعل لنا في سهم الصّدقة نصيبًا، أكرم الله نبيّه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي النّاس.

(العَرُوسيّ 2: 155)

ولاني رسول الله (صلی الله علیه و آله) خُمس الخُمس، فوضَعتُه

ص: 17

مواضعه: حياة رسول الله (صلی الله علیه و آله) و أبي بكر و عمر.

(الدُّرّالمنثور 4: 71)

عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، قال: سألت عليًّا 2فقلت: يا أميرالمؤمنين، أخبرني كيف كان صنع أبي بكر و عمر رضي الله عنهما في الخمس نصيبكم؟ فقال: أمّا أبو بكر فلم تكن في ولايته أخماس، وأمّا عمر فلم يزل يدفعه إليّ في كلّ خمس حتّى كان خمس السّوس و جند نيسابور. فقال و أنا عنده : هذا نصيبكم أهل البيت من الخمس. و قد أحلّ ببعض المسلمين و اشتدّت حاجتهم، فقلت: نعم. فوثب العبّاس بن عبد المطّلب فقال: لاتعرض في الّذي لنا. فقلت: ألسنا أحقّ من المسلمين و شفّع أمير المؤمنين؟ فقبضه، فوالله ما قبضناه و لاصدرت عليه في و لاية عثمان رضي الله عنه. ثمّ أنشأ عليّ 2يحدّث، فقال: إنّ الله حرّم الصّدقة على رسوله، فعوّضه سهمًا من الخمس عوضًا ممّا حرّم عليه، و حرّمها على أهل بيته خاصّة دون أُمّته، فضرب لهم مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) سهمًا عوضًا ممّا حرّم عليهم. (الدُّرّالمنثور 4: 68)

ابن عبّاس: كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا بعث سريّة فغنموا، خمّس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة. ثمّ قرأ { وَ اعْلَمُوا اَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَاَنَّ ِللهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ } و قوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } مفتاح كلام،لله ما فى السّماوات و ما فى الأرض، فجعل سهم الله و سهم الرّسول واحدًا. (الطّبَريّ 6: 249)

كانت الغنيمة تُقسَم على خمسة أخماس: فأربعة منها لمن قاتل عليها، وخُمس واحد يُقسَم على أربع: فرُبع لله و الرّسول و لذي القربى، يعني قرابة النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، فما كان لله و الرّسول فهو لقرابة النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و لم يأخذ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) من الخمس شيئًا، و الرُّبع الثّاني لليتامى، و الرُّبع الثّالث للمساكين، و الرُّبع الرّابع لابن السّبيل.

(الطّبَريّ 6: 250)

جُعِل سهم الله و سهم الرّسول واحدًا، و لذي القربى، فجُعِل هذان السّهمان في الخيل و السّلاح، و جُعِل سهم اليتامى و المساكين و ابن السّبيل لايُعطى غيرهم. (الطّبَريّ 6: 253)

أنّه مفتاح كلام اقترن بذكر الله، و ليس للرّسول من ذلك شيء، كما لم يكن لله من ذلك شيء، و أنّ الخمس مقسوم على أربعة أسهم. (الماوَرْديّ 2: 320)

إنّ نجدة الحروريّ أرسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى الّذين ذكرالله، فكتب إليه: « إنّا كنّا نرى أنّاهم، فأبى ذلك علينا قومنا، و قالوا: و يقول: لمنتراه؟ فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: هو لقربى رسول الله (صلی الله علیه و آله)، قسمه لهم رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضًا رأيناه دون حقّنا. فرددناه عليه و أبَينا أن نقبله، و كان عرض عليهم أن يعين ناكحهم، و أن يقضي عن غارمهم، و أن يُعطي فقيرهم، و أبى أن يزيدهم على ذلك». (الدُّرّ المنثور 4: 68)

أبوالعالية: كان يُجاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمهارسول الله (صلی الله علیه و آله) خمسة أسهم، فيجعل أربعة بين النّاس و يأخذ سهمًا، ثمّ يضرب بيده في جميع ذلك السّهم، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الّذي سمّي لله، و يقول: لاتجعلوا لله نصيبًا، فإنّ لله الدّنيا

ص: 18

و الآخرة، ثمّ يقسم بقيّته على خمسة أسهم: سهم للنّبيّ(صلی الله علیه و آله)، و سهم لذوي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لابن السّبيل. (الطّبَريّ 6: 250)

ابن المُسيَّب : لمّا قسم رسول الله(صلی الله علیه و آله) سهم ذي القربى من خَيبَر على بني هاشم و بني المطّلب، مشيت أنا و عثمان بن عفّان ، فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء إخوتك بنوهاشم لاننكر فضلهم لمكانك الّذي جعلك الله به منهم، أرأيت إخواننا بني المطّلب أعطيتهم و تركتنا، و إنّما نحن و هم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال: إنّهم لم يفارقونا في جاهليّة و لاإسلام، إنّما بنوهاشم و بنو المطّلب شيء واحد. ثمّ شبَّك رسول الله (صلی الله علیه و آله)يديه إحداهما بالأُخرى. (الطّبَريّ 6: 252)

سعيد بن جُبَيْر: قوله: { وَ اعْلَمُوا اَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء } يعني من المشركين. { فَاَنَّ ِللهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِ ى الْقُرْ بى...} يعني قرابة النّبيّ 9 { وَ الْيَتَامى وَ الْمَسَاكينِ ‘وَابْنِ السَّبيلِ‘ } يعني الضّيف، و كان المسلمون إذا غنموا في عهد النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أخرجوا خُمْسَه، فيجعلون ذلك الخمس الواحد أربعة أرباع: فرُبعُه لله و للرّسول و لقرابة النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، فما كان لله فهو للرّسول و القرابة، و كان للنّبيّ (صلی الله علیه و آله) نصيب رجل من القرابة، و الرُّبع الثّاني للنّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و الرُّبع الثّالث للمساكين، و الرُّبع الرّابع لابن السّبيل، و يعمدون إلى الّتي بقيت فيقسمونها على سُهمانهم، فلمّا توفّي النّبيّ (صلی الله علیه و آله) ردّ أبو بكر رضي الله تعالى عنه نصيب القرابة، فجعل يحمل به في سبيل الله تعالى، و بقي نصيب اليتامى و المساكين و ابن السّبيل. (الدُّرّ المنثور 4: 69)

النّخعيّ: لله كلّ شيء. (الطّبَريّ6: 249)

أنّ ذلك مصروف في الكراع و السّلاح.

(الماوَرْديّ 2 : 320)

الشّعبيّ: سهم الله و سهم النّبيّ (صلی الله علیه و آله) واحد.

(الدُّرّ المنثور 4: 70)

مُجاهِد : كلّ شيء لله، الخمس للرّسول، و لذي القربى، و اليتامى، و المساكين، و ابن السّبيل.

(الطّبَريّ 6: 250 )

كان النّبيّ (صلی الله علیه و آله) و أهل بيته لايأكلون الصّدقة، فجعل لهم خُمس الخُمس. (الطّبَريّ 6: 251)

قد علم الله أنّ في بني هاشم الفقراء، فجعللهم الخُمس مكان الصّدقة. (الطّبَريّ 6: 251)

الحسَن: هذا مفتاح كلام، لله الدّنيا و الآخرة.

(الطّبَريّ 6 : 249)

أوصى أبو بكر رضی الله عنه بالخُمس من ماله، و قال: ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه؟.

(الطّبَريّ 6: 250)

الإمام الباقر علیه السلام: لنا حقّ في كتاب الله في الخُمس، فلومحوه فقالوا: ليس من الله أو لم يعلموا به، لكان سواء. (العيّاشيّ 2: 200)

عطاء:خمس الله وخمس رسوله واحد،كان النّبيّ (صلی الله علیه و آله) يحمل منه و يصنع فيه ما شاء. (الطّبَريّ 6: 250)

قَتادَة : كانت الغنيمة تُقسَم خمس أخماس: فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، و يُقسَم الخمس الباقي على خمسة أخماس، فخمس لله و الرّسول.

(الطّبَريّ 6: 250)

ص: 19

كان نبيّ الله (صلی الله علیه و آله) إذا غنم غنيمة جُعلت أخماسًا، فكان خمس لله و لرسوله، و يقسم المسلمون ما بقي. وكان الخمس الّذي جُعل لله و لرسوله و لذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل، فكان هذا الخُمس خمسة أخماس: خمس لله و رسوله، و خمس لذوي القربى، و خمس لليتامى، و خمس للمساكين، و خمس لابن السّبيل. (الطّبَريّ 6: 251)

إ نّه للخليفة بعده. (الماوَرْديّ 2: 320)

الإمام الصّادق (علیه السلام): [عن ابن سنان سمعته يقول في الغنيمة:]يُخرَج منها الخمس ، ويُقسّم ما بقي فيمن قاتل عليه و ولي ذلك، فأمّا الفيء و الأنفال فهو خالص لرسول الله 9. (العيّاشيّ 2: 199)

[عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: سمعته]أنّ نجدة الحروريّ كتب إلى ابن عبّاس يسأله عن موضع الخمس لمن هو؟ فكتب إليه : أمّا الخمس فإنّا نزعُم أنّه لنا، و يزعم قومنا أنّه ليس لنا، فصبرنا.

(العيّاشيّ 2: 199)

[عن زرارة و محمّد بن مسلم و أبي بصير أنّهم قالوا له: ما حقّ الإمام في أموال النّاس؟ قال:]

الفيء و الأنفال و الخمس، و كلّ ما دخل منه فيء أو أنفال أو خمس أو غنيمة، فإنّ لهم خمسه، فإنّ الله يقول: { وَ اعْلَمُوا اَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَاَنَّ ِللهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى...} و كلّ شيء في الدّنيا فإنّ لهم فيه نصيبًا، فمن وصلهم بشيء فممّا يَدَعون له أكثر ممّا يأخذون منه. (العيّاشيّ 2: 199)

يُخرَج خُمس الغنيمة ثمّ يقَسَّم أربعة أخماس، على من قاتل على ذلك و وليّه. (العيّاشيّ2: 200)

إنّ أشدّ ما يكون النّاس حالا يوم القيامة، إذا قام صاحب الخمس، فقال: يا ربّ خُمسي، و إنّ شيعتنا من ذلك لفي حِلّ. (العيّاشيّ2: 200)

لايُعذَر عبد اشترى من الخُمس شيئًا أن يقول: يا ربّ اشتريته بمالي، حتّى يأذن له أهل الخُمس.

(العيّاشيّ2: 201)[عن إسحاق عن رجل عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: سألته عن سهم الصّفوة؟ فقال:]

كان لرسول الله(صلی الله علیه و آله)، و أربعة أخماس للمجاهدين و القُوّام، و خمس يُقسّم بين مقسّم رسول الله (علیه السلام)، و نحن نقول: هو لنا، و النّاس يقولون: ليس لكم، و سهم لذى القربى و هو لنا، و ثلاثة أسهام لليتامى و المساكين و أبناء السّبيل، يُقسّمه الإمام بينهم، فإن أصابهم درهم درهم لكلّ فرقة منهم نظرالإمام بعد، فجعلها في ذي القربى، قال: يردّها إلينا.

(العيّاشيّ 2: 201)

أمّا خُمس الله فالرّسول(صلی الله علیه و آله) يضعه في سبيل الله، و لنا خمس الرّسول و لأقاربه، و خُمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، و اليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة الأسهُم فيهم. و أمّا المساكين و أبناء السّبيل فقد علمت أنّا لانأكل الصّدقة و لاتحلّ لنا، فهو للمساكين و أبناء السّبيل. (العيّاشيّ 2: 202)

إنّ الله لاإله إلا هو، لمّا حرّم علينا الصّدقة أنزل لنا الخُمس، و الصّدقة علينا حرام، و الخُمس لنا فريضة، و الكرامة أمر لنا حلال. (العيّاشيّ 2: 202)

ص: 20

[عن الحلبيّ عن أبي عبد الله (علیه السلام) في الرّجل من أصحابنا في لوائهم، فيكون معهم فيصيب غنيمة ؟ قال:]

يؤدّي خمسنا و يطيب له. (العيّاشيّ 2: 202)

ابن جُرَيْج : { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } أربعة أخماس لمن حضر البأس، و الخمس الباقي لله و الرّسول: خُمسه يضعه حيث رأى، و خُمسه لذوي القربى، و خُمسه لليتامى، و خُمسه للمساكين، و لابن السّبيل خمسه.

(الطّبَريّ 6: 251)

الإمام الكاظم (علیه السلام): [في جواب سؤال عن الخمس قال:]

في كلّ ما أفاد النّاس من قليل أو كثير.

[وفي رواية أُخرى]: الخُمس من خمسة أشياء : من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و المِلاحة، يؤخذ من كلّ هذه الصّنوف الخُمس، فيُجعل لمن جعل الله له، و يُقسَم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه و ولي ذلك. و يُقسّم بينهم الخُمس على ستّة أسهم: سهم لله، و سهم لرسوله، و سهم لذى القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السّبيل. فسهم الله و سهم رسوله لأُولى الأمر من بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله) وراثةً، فله ثلاثة أسهم: سهمان وراثةً، وسهم مقسوم له من الله، فله نصف الخمس كمَلا ، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته: فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم يُقسَّم بينهم على الكتاب و السّنّة ما يستغنون به في سنَتِهم، فإن فضل منهم شيء فهو للوالي، و إن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدرما يستغنون به. و إنّما صار عليه أن يموّنهم، لأنّ له ما فضل عنهم. و إنّماجعل الله هذا الخمس خاصّة لهم دون مساكين النّاس و أبناء سبيلهم، عوضًا لهم عن صدقات النّاس، تنزيهًا من الله لقرابتهم من رسول الله(صلی الله علیه و آله)، و كرامةً من الله لهم من أوساخ النّاس، فجعل لهم خاصّة من عنده و ما يُغنيهم به من أن يُصيّرهم في موضع الذّلّ والمسكنة، و لابأس بصدقة بعضهم على بعض. و هؤلاء الّذين جعل الله لهم الخُمس هم قرابة النّبيّ(صلی الله علیه و آله) الّذين ذكرهم الله فقال: { وَ اَ نْذِرْ عَشيرَ‘تَكَ الاَقْرَبينَ‘} الشّعراء: 214، و هم بنو عبد المطّلب أنفسهم الذّكر منهم و الأُنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش، و لامن العرب أحد، و لافيهم و لامنهم في هذا الخُمس من مواليهم. و قد تحلّ صدقات النّاس لمواليهم، و هم و النّاس سواء. و من كانت أُمّه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فإنّ الصّدقات تحلّ له، و ليس له من الخُمُس شيء، لأنّ الله يقول: { اُدْعُوهُمْ لا‚ بَائِهِمْ}.الأحزاب:5.

(البَحْرانيّ 4: 332)

الإمام الرّضا (علیه السلام): الخمس لله و للرّسول، و هو لنا. (العيّاشيّ2: 200)

الشّافعيّ: أنّه مصروف في مصالح المسلمين العامّة. (الماوَرْديّ2: 320)

الإمام الهاديّ(علیه السلام): [عن إبراهيم بن محمّد قال: كتبت إلى أبي الحسن الثّالث (علیه السلام) أسأله عمّا يجب في الضّياع فكتب]

الخُمس بعد المُؤنة، قال: فناظرت أصحابنا، فقالوا:

ص: 21

المُؤنة بعد ما يأخذ السّلطان، و بعد مُؤنة الرّجل، فكتبت إليه أنّك قلت: الخمس بعد المُؤنة و إنّ أصحابنا اختلفوا في المَؤُونة ؟ فكتب: الخمس بعدما يأخذ السّلطان و بعد مُؤنة الرّجل و عياله.

(العيّاشيّ 2: 201)

الطّبَري: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: قوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } مفتاح كلام ، ولله الدّنيا والآخرة وما فيهما، وإنّما معنى الكلام: فإنّ للرّسول خُمُسَه.

وقال آخرون: معنى ذلك: فإنّ لبيت الله خُمُسَه وللرّسول.

وقال آخرون: ما سمّي لرسول الله (صلی الله علیه و آله) من ذلك فإنّما هو مراد به قرابته، وليس لله ولا لرسوله منه شيء.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: قوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } افتتاح كلام؛ و ذلك لإجماع الحجّة على أنّ الخُمس غير جائز قسمه على ستّة أسهم، و لو كان لله فيه سهم كما قال أبوالعالية لوجب أن يكون خُمس الغنيمة مقسومًا على ستّة أسهم. و إنّما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها، فأمّا على أكثر من ذلك فما لا نعلم قائلا قاله غير الّذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية، و في إجماع من ذكرت الدّلالة الواضحة على صحّة ما اخترنا.

فأمّا من قال: سهم الرّسول لذوي القربى، فقد أوجب للرّسول سهمًا، و إن كان (صلی الله علیه و آله) صرفه إلىذوي قرابته، فلم يخرج من أن يكون القَسْم كان على خمسة أسهم.

و قال آخرون: بل هم قريش كلّها.

و قال آخرون: سهم ذي القربى كان لرسول الله (صلی الله علیه و آله)، ثمّ صار من بعده لوليّ الأمر من بعده.

و قال آخرون: بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم و بني المطّلب خاصّة.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب عندي، قول من قال: سهم ذي القربى كان لقرابة رسول الله (صلی الله علیه و آله) من بني هاشم و حلفائهم من بني المطّلب، لأنّ حليف القوم منهم، و لصحّة الخبر الّذي ذكرناه بذلك عن رسول الله(صلی الله علیه و آله). و اختلف أهل العلم في حكم هذين السّهمين، أعني سهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) و سهم ذي القربى بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) فقال بعضهم: يصرفان في معونة الإسلام و أهله.

و قال آخرون: سهم ذوي القربى من بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) مع سهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى وليّ أمر المسلمين.

و قال آخرون: سهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) مردود في الخُمس، و الخُمس مقسوم على ثلاثة أسهم: على اليتامى، و المساكين، و ابن السّبيل. و ذلك قول جماعة من أهل العراق.

و قال آخرون: الخمس كلّه لقرابة رسول الله (صلی الله علیه و آله).

و الصّواب من القول في ذلك عندنا: أنّ سهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) مردود في الخُمس، و الخُمس مقسوم على أربعة أسهم، على ما روي عن ابن عبّاس: للقرابة سهم، و لليتامى سهم، و للمساكين سهم، و لابن السّبيل سهم، لأنّ الله أوجب الخُمس لأقوام موصوفين

ص: 22

بصفات، كما أوجب الأربعة الأخماس لآخرين. و قد أجمعوا أنّ حقّ الأربعة الأخماس لن يستحقّه غيرهم، فكذلك حقّ أهل الخُمس لن يستحقّه غيرهم، فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم، كما غير جائز أن تخرج بعض السُّهمان الّتي جعلها الله لمن سمّاه في كتابه بفقد بعض من يستحقّه إلى غير أهل السُّهمان الأُخر.

(6: 249 254)

الزّجّاج: كثراختلاف النّاس في تأويل هذه الآية والعمل بها. و جملتها أنّها مال من الأموال الّتي فرض الله جلّ ثناؤه فيها الفروض. و الأموال الّتي جرى فيها ذكر الفروض للفقراء والمساكين و من أشبههم ثلاثة أصناف، سمّى الله كلّ صنف منها: فسمّى ما كان من الأموال الّتي يأخذها المسلمون من المشركين في حال الحرب: أنفالا و غنائم، و سمّى ما صار إلى المسلمين، ممّا لم يؤخذ في الحرب من الخراج و الجزية: فيئًا، و سمّى ما خرج من أموال المسلمين، كالزّكاة، و ما نذروا من نذر، و تقرّبوا به إلى الله جلّ و عزّ: صدقة، فهذه جملة تسمية الأموال.

و نحن نبيّن في هذه الآية ما قاله جمهور الفقهاء و ما توجبه اللّغة إن شاء الله.

أجمعت الفقهاء أنّ أربعة أخماس الغنيمة لأهلالحرب خاصّة، و الخُمس الّذي سمّي في قوله: { فَاَنَّ ِللهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ } إلى آخر الآية، في الاختلاف.

فأمّا الشّافعيّ فذكر: « أنّ هذا الخُمس مقسوم على ما سمّى الله جلّ و عزّ من أهل قسمته، و جعل قوله: { فَاَنَّ ِللهِ خُمُسَهُ } افتتاح كلام».

وأحسب معنى افتتاح كلام عنده في هذا أنّ الأشياء كلّها لله عزّوجلّ، فابتدأ و افتتح الكلام.

فإن قال قائل: { فَاَنَّ ِللهِ خُمُسَهُ } كما قال: { يَسَْلُو=نَكَ عَنِ الاَ نْفَالِ قُلِ الاَ نْفَالُ للهِ‚ وَ الرَّسُولِ } الأنفال: 1، ثمّ قسّم هذا الخُمس على خمسة أنصباء: خمس للنّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و خمس ليتمامى المسلمين لا ليتامى آل النّبيّ (صلی الله علیه و آله) ،وخمس في المساكين، مساكين المسلمين لا مسا كين النّبيّ (صلی الله علیه و آله) و خمس لابن السّبيل، و لايرى الشّافعيّ أن يترك صنفًا من هذه الأصناف بغير حظّ في القسمة((1)).

و بلغني أنّه يرى أن يُفضّل بعضهم على بعض على قدر الحاجة، و يرى في سهم الرّسول أن يُصرف إلى ما كان النّبيّ (صلی الله علیه و آله) يصرفه فيه، و الّذي روي أنّه كان يصرف الخُمس في عُدَد للمسلمين، نحو اتّخاذ السّلاح الّذي تقوى به شوكتهم. فهذا مذهب الشّافعيّ، و هوعلى لفظ مافي الكتاب.

فأمّا أبوحنيفة و من قال بقوله: فيُقسّم هذا الخمس على ثلاثة أصناف، يُسقط ما للرّسول من القسمة، و ما لذوي القربى. و حجّته في هذا أنّ أبا بكر و عمر لم يعطيا سهم ذوي القربى، و أنّ سهم النّبيّ(صلی الله علیه و آله) ذهب بوفاته، لأنّ الأنبياء لاتورث فيُقسِّم على اليتامى و المساكين و ابن السّبيل، على قدر حاجة كلّ فريق منهم، و يعطي بعضًا دون بعض منهم خاصّة، إلا أنّه

ص: 23


1- (1) لم يأت جواب الشّرط في < فإن قال قائل> و لم يذكر غير أربعة أخماس ،لأ نّه ترك ذوي القربى.

لايخرج القَسْم عن هؤلاء الثّلاثة.

و أمّا مذهب مالك فيُروى أنّ قوله في هذا الخُمس، و في الفيء أنّه إنّما ذكر هؤلاء المسمّون، لأ نّهم من أهمّ من يدفع إليهم، فهو يجيز أن يَقسِم بينهم، و يجيز أن يُعطي بعضًا دون بعض، و يجوز أن يُخرجهم من القَسْم إن كان أمر غيرهم أهمّ من أمرهم، فيفعل هذا على قدر الحاجة.

و حجّته في هذا: أنّ أمرالصّدقات لم يزل يجري في الاستعمال على ما يراه النّاس، وقال الله عزّوجلّ: { اِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكينِ‘ وَالْعَامِلينَ ‘عَلَيْهَا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِى الرِّ قَابِ وَ الْغَارِمينَ‘ وَ فى سَبيلِ‘ اللهِ وَ ابْنِ السَّبيلِ‘} التّوبة :60، فلو أنّ رجلا وجبت عليه خمسة دراهم لأخرجها إلى صنف من هذه أو إلى ما شاء من هذه الأصناف، و لو كان ذكر التّسمية يوجب الحقّ للجماعة لما جاز أن يُخَصواحد دون غيره، و لا أن يُنقَص واحد ممّا يُعْطى غيره.

و من حُجَج مالك: في أنّ ذكر هؤلاء إنّما وقع للخصوص قوله تعالى: { مَنْ كَانَ عَدُوًّا للهِ‚ وَ مَلئِكَتِهِ’ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْريلَ‘ وَ ميكَالَ } البقرة : 98، فذكر جملة الملائكة ، فقد دخل جبريل وميكال في الجملة و ذُكرا بأسمائهم لخصوصهما، و كذلك ذكر هؤلاء في القَسْمة و الفيء و الصّدقة، لأ نّهم من أهمّ من يصرف إليه الأموال من البرّ و الصّدقة.

و من الحجّة لمالك أيضًا: قول الله عزّ وجلّ: { يَسَْلُو=نَكَ مَاذَايُنْفِقُونَ قُلْ مَا اَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْر فَلِلْوَالِدَيْنِ وَ الاَقْرَبينَ‘ وَ الْيَتَامى وَ الْمَسَاكينِ ‘} البقرة: 215، فللرّجل أن ينفق في البِرّ على هذه الأصناف و على صنف منها، و له أن يخرج عن هذه الأصناف، لااختلاف بين النّاس في ذلك.

هذا جملة ماعلمناه من أقوال الفقهاء في هذه الآية.

(2: 413)

نحوه البَيْضاويّ (1: 394) و النّسَفيّ (2: 104).

النّحّاس: اختُلف في معنى هذه الآية، فقال قوم: يُقسَم الخُمس على خمسة أجزاء: فأربعة منها لمدّة شهر الحرب، و واحد منها مقسوم على خمسة، فما كان منه للرّسول صُيّر فيما كان رسول الله(صلی الله علیه و آله) يُصيّره فيه.

و يُروى أنّه كان يُصيّره تقوية للمسلمين و أربعة لذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل. و هذا مذهب الشّافعيّ رحمه الله.

و قال بعضهم: يُقسَم هذا السّهم على قلّته أجزاء للفقراء و المساكين و ابن السّبيل، لأنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: « لانُورّث ما تركنا صدقة ». و هذا مذهب أبي حنيفة.

و قال بعضهم :إذا رأى الإمام أن يُعطي هؤلاء المذكورين أعطاهم و إن رأى أنّ غيرهم أحقّ منهم أعطاهم. قال: و لو كان ذكرهم بالسّهميّة يوجب أن لايخرج عن جملتهم لما جاز إذا ذُكر جماعة أن يُعطى بعضهم دون بعض، و قد قال الله عزّ وجلّ: { اِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكينِ‘...} إلى آخر الآية، و لو جعلت في بعضهم دون بعض لجاز، ولكنّهم ذُكروا لأ نّهم من أهمّ من يُعطى.

و قال جلّ و عزّ: { قُلْ مَا اَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْر فَلِلْوَالِدَيْنِ

ص: 24

وَ الاَقْرَبينَ ‘} البقرة: 215، و له أن يُعطى غير من سمّي. و هذا مذهب مالك.

و أمّا معنى { فَاَنَّ ِللهِ } فهو افتتاح كلام، قال قيس ابن مسلم الجَدَبيّ: سألت الحسن بن محمّد { وَ اعْلَمُوا اَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَاَنَّ ِللهِ خُمُسَهُ } فقال: هو افتتاح كلام ليس لله نصيب، لله الدّنيا و الآخرة. [ ثمّ نقل قول أبي العاليةكما تقدّم عن الطّبَريّ ]و قيل معنى { فَاَنَّ ِللهِ خُمُسَهُ } فأنّ لسبيل الله مثل: { وَ سَْلِ= الْقَرْ يَةَ } يوسف: 82. (3: 155)

الجصّاص: قال الله تعالى: { فَاَنَّ ِللهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى...}. و اختلف السّلف في كيفيّة قسمة الخُمس في الأصل. [ و ذكرقول ابن عبّاس و قَتادَة و غيرهماثمّ قال:]

و قال محمّد بن مسلمة و هو من المتأخّرين من أهل المدينة جعل الله الرّأي في الخُمس إلى نبيّه (صلی الله علیه و آله) كما كانت الأنفال له قبل نزول آية قَسْمة الغنيمة، فنسخت الأنفال في الأربعة الأخماس، و تُرك الخُمس على ما كان عليه موكولا إلى رأي النّبيّ (صلی الله علیه و آله) و كما قال: { مَا اَفَاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ اَهْلِ الْقُرى فَلِلهِ \ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى وَ الْيَتَامى وَ الْمَسَاكينِ‘ وَ ابْنِ السَّبيلِ‘ كَىْ لايَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } ثمّ قال: { وَ مَا اتيكُمُ’ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } الحشر : 7، فذكر هذه الوجوه، ثمّ قال: {وَ مَا اتيكُمُ’ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } فبيّن في آخره أ نّه موكول إلى رأي النّبيّ (صلی الله علیه و آله).

و كذلك الخُمس قال فيه: إنّه لله و للرّسول، يعني قَسْمَته موكولة إليه، ثمّ بيّن الوجوه الّتي يُقسَم عليها على ما يرى و يختار، و يدلّ على ذلك حديث عبد الواحد بن زياد، عن الحجّاج بن أرطاة، قال: حدّثنا أبوالزّبيرعن جابر أنّه سُئل كيف كان النّبيّ (صلی الله علیه و آله) يصنع بالخُمس قال : « كان يحمل منه في سبيل الله الرّجل ثمّ الرّجل ثمّ الرّجل ». و المعنى في ذلك: أنّه كان يُعطي منه المستحقّين، و لم يكن يَقسِمه أخماسًا.

و أمّا قول من قال: إنّ القَسْمة كانت في الأصل على ستّة، و إنّ سهم الله كان مصروفًا إلى الكعبة، فلامعنى له، لأ نّه لو كان ذلك ثابتًا لورد النّقل به متواترًا، و لكانت الخلفاء بعد النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أولى النّاس باستعمال ذلك، فلمّا لم يثبت ذلك عنهم علم أنّه غير ثابت، و أيضًا فإنّ سهم الكعبة ليس بأولى بأن يكون منسوبًا إلى الله تعالى من سائر السّهام المذكورة في الآية؛ إذ كلّها مصروف في وجوه القرب إلى الله عزّ وجلّ، فدلّ ذلك على أنّ قوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } غير مخصوص بسهم الكعبة، فلمّا بطل ذلك، لم يخلُ المراد بذلك من أحد وجهين:

إمّا أن يكون مفتاحًا للكلام، على ما حكيناه عن جماعة من السّلف، و على وجه تعليمنا التّبرّ ك بذكر الله و افتتاح الأُمور باسمه، أو أن يكون معناه: أنّ الخمس مصروف في وجوه القُرَب إلى الله تعالى. ثمّ بيّن تلك الوجوه، فقال:{ وَ لِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبى } الآية، فأجمل بديًّا حكم الخُمس ثمّ فسّر الوجوه الّتي أجملها

فإن قيل: لو أراد ما قلت لقال: « فأنّ لله خمسه للرّسول ولذي القربى » و لم يكن يدخل < الواو > بين اسم الله تعالى و اسم رسول الله. قيل له: لايجب ذلك

ص: 25

من قبَل أ نّه جائز في الّلغة إدخالالواو و المراد إلغاؤها، كما قال تعالى: { وَ لَقَدْ اتَيْنَا مُوسى وَ هرُونَ الْفُرْ قَانَ وَضِيَاءً } الأنبياء:48، والواو ملغاة و الفرقان ضياء، و قال تعالى: { فَلَمَّا اَسْلَمَا وَ تَلَّهُ لِلْجَبينِ‘ } الصّافّات: 103، معناه: لمّا أسلما تلّه للجبين، لأنّ قوله: { فَلَمَّا اَسْلَمَا } يقتضي جوابًا، و جوابه: تلّه للجبين، و كما قال الشّاعر:

بلى شيء يوافق بعض شيء

و أحيا نًا و باطله كثير

و معناه يوافق بعض شيء أحيانًا، و الواو ملغاة، و كما قال الآخر:

فإنّ رشيدًا و ابن مروان لم يكن

ليفعل حتّى يصدرالأمر مصدرًا

و معناه فإنّ رشيد بن مروان و قال الآخر:

إلى المَلِك القَرْم و ابن الهُمام

و ليثِ الكتيبة في المزدحم

و الواو في هذه المواضع دخولها و خروجها سواء.

فثبت بما ذكرنا أنّ قوله:{ فَاَنَّ ِللهِ خُمُسَهُ } على أحد المعنيين اللّذين ذكرنا، و جائز أن يكون جميعًا مرادين لاحتمال الآية لهما، فينتظم تعليمنا افتتاح الأُمور بذكرالله تعالى، و أنّ الخمس مصروف في وجوه القرب إلى الله تعالى، فكان للنّبيّ (صلی الله علیه و آله) سهم من الخمس، و كان له الصّفيّ و سهم من الغنيمة، كسهم رجل من الجند إذا شهد القتال. و روى أبو حمزة عن ابن عبّاس عن النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أنّه قال لوَفْد عبد القيس: « آمركم بأربع: شهادة أن لا إله إلا الله، و تقيموا الصّلاة، و تعطوا سهم الله من الغنائم، و الصّفيّ ».

و اختلف السّلف في سهم النّبيّ (صلی الله علیه و آله) بعد موته، فروى سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسَن بن محمّد ابن الحنفيّة، قال: اختلف النّاس بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) في سهم الرّسول و سهم ذي القربى، فقالت طائفة: سهم الرّسول للخليفة من بعده، و قالت طائفة: سهم ذي القربى لقرابة الخليفة، و أجمعوا على أن جعلوا هذين السّهمين في الكُراع و العُدّة في سبيل الله.

قال أبوبكر: سهم النّبيّ (صلی الله علیه و آله) إنّما كان له ما دام حيًّا، فلمّا تُوفّي سقط سهمه كما سقط الصّفيّ بموته، فرجع سهمه إلى جملة الغنيمة، كما رجع إليها و لم يَعد للنّوائب.

و اختُلف في سهم ذوي القربى، فقال أبوحنيفة في « الجامع الصّغير »: يُقسَم الخمس على ثلاثة أسهم: للفقراء و المساكين و ابن السّبيل. و روى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، قال: خُمس الله و الرّسول واحد، و خُمس ذوي القربى لكلّ صنف سمّاه الله تعالى في هذه الآية خُمس الخُمس. و قال الثّوري: « سهم النّبيّ (صلی الله علیه و آله) من الخُمس هو خُمس الخُمس، و ما بقي فللطّبقات الّتي سمّى الله تعالى».

و قال مالك: يعطي من الخمس أقرباء رسول الله (صلی الله علیه و آله) على ما يرى و يجتهد. قال الأوزاعيّ:خُمس الغنيمة لمن سمّي في الآية. و قال الشّافعي: يُقسَّم سهم ذوي القربى بين غنيّهم و فقيرهم.

قوله تعالى: { لِذِى الْقُرْبى } لفظ مجمل مفتقر إلى البيان، و ليس بعموم؛ و ذلك لأنّ ذا القربى لايختص

ص: 26

بقرابة النّبيّ (صلی الله علیه و آله) دون غيره من النّاس، و معلوم أ نّه لم يُرِد بها أقرباء سائر النّاس، فصار اللّفظ مجملا مفتقرًا إلى الببيان.

و قد اتّفق السّلف على أنّه قد أُريد أقرباء النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، فمنهم من قال: إنّ المستحقّين لسهم الخمس من الأقرباء، هم الّذين كان لهم نصرة، و إنّ السّهم كان مستحقًّا بالأمرين من القرابة و النّصرة، و إنّ من ليس له نصرة ممّن حدث بَعدُ، فإنّما يستحقّه بالفقر كما يستحقّه سائر الفقراء، و يستدلّون على ذلك بحديث الزُّهريّ عن سعيد بن المُسيَّب عن جُبَيْر بن مطعم، قال: لمّا قسّم رسول الله (صلی الله علیه و آله) سهم ذوي القربى، بين بني هاشم و بني المطّلب، أتيته أنا و عثمان، فقلنا يا رسول الله: هؤلاء بنوهاشم لاننكر فضلهم بمكانك الّذي وضعك الله فيهم، أرأيت بني المطّلب أعطيتهم و منعتنا، و إنّما هم و نحن منك بمنزلة؟ فقال(صلی الله علیه و آله) : « إنّهم لم يفارقوني في جاهليّة و لاإسلام، و إنّما بنوا هاشم و بنوا المطّلب شيء واحد » و شبّك بين أصابعه. فهذا يدلّ من وجهين على أنّه غير مستحقّ بالقرابة فحسب:

أحدهما: أنّ بني المطّلب و بني عبد شمس في القرب من النّبيّ (صلی الله علیه و آله) سواء، فأعطى بني المطّلب و لم يُعطِ بني عبد شمس، و لو كان مستحقًّا بالقرابة لساوى بينهم.

و الثّاني: أنّ فعل النّبيّ (صلی الله علیه و آله) ذلك خرج مخرج البيان لما أجمل في الكتاب من ذكر ذي القربى، وفعل النّبيّ (صلی الله علیه و آله) إذا ورد على وجه البيان فهو على الوجوب، فلمّا ذكر النّبيّ (صلی الله علیه و آله) النّصرة مع القرابة دلّ على أنّ ذلك مراد الله تعالى، فمن لم يكن له منهم نصرة، فإنّما يستحقّه بالفقر.

و أيضًا فإنّ الخلفاء الأربعة متّفقون على أ نّه لايستحق إلا بالفقر.

و قال محمّد بن إسحاق: سألت محمّد بن عليّ، فقلت: ما فعل عليّ 2بسهم ذوي القربى حين وُلّي فقال: سلك به سبيل أبي بكر و عمر، و كره أن يُدعى عليه خلافهما. قال أبو بكر: لولم يكن هذا رأيه لما قضى به، لأ نّه قد خالفهما في أشياء، مثل: الجدّ و التّسوية في العطايا و أشياء أُخر، فثبت أنّ رأيه و رأيهما كان سواء في أنّ سهم ذوي القربى إنّما يستحقّه الفقراء منهم، و لمّا أجمع الخلفاء الأربعة عليه، ثبتت حجّته بإجماعهم، لقوله (صلی الله علیه و آله): « عليكم بسنّتي و سنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي ».

و في حديث يزيدبن هُرمُزعن ابن عبّاس فيما كتب به إلى نجدة الحَرُوريّ حين سأله عنسهم ذي القربى فقال: «كنّا نرى أنّه لنا، فدعانا عمر إلى أن نُزوّج منه أيِّمَنَا و نقضي منه عن مغرمنا، فأبينا أن لايُسلّمه لنا، و أبى ذلك علينا قومنا ». و في بعض الألفاظ « فأبى ذلك علينا بنوعمّنا » فأخبر أنّ قومه و هم أصحاب النّبيّ (صلی الله علیه و آله) رأوه لفقرائهم دون أغنيائهم. و قول ابن عبّاس:« كنّا نرى أ نّه لنا» إخبار أ نّه قاله: من طريق الرّأي، و لاحظّ للرّأي مع السّنّة و اتّفاق جُلّ الصّحابة من الخلفاء الأربعة.

و يدلّ على صحّة قول عمر فيما حكاه ابن عبّاس عنه حديث الزُّهريّ عن عبد الله بن الحارث

ص: 27

ابن نوفل عن المطّلب بن ربيعة بن الحارث، أ نّه و الفضل بن العبّاس قالا: يا رسول الله قد بلغنا النّكاح فجئناك لتُؤمّرنا على هذه الصّدقات، فنؤدّي إليك ما يؤدّي العمّال، و نصيب ما يصيبون. فقال النّبيّ (صلی الله علیه و آله): « إنّ الصّدقة لاتنبغي لآل محمّد إنّما هي أوساخ النّاس » ثمّ أمر مَحْمِيَّةَ أن يصدقهما من الخُمس. و هذا يدلّ على أنّ ذلك مستحقّ بالفقر؛ إذ كان إنّما اقتضى لهما على مقدار الصّداق الّذي احتاجا إليه للتّزوّج، و لم يأمر لهما بما فضل عن الحاجة. و يدلّ على أنّ الخُمس غير مستحقّ قسمته على السُّهمان و أنّه موكول إلى رأي الإمام قوله: «مالي من هذا المال إلا الخُمس و الخُمس مردود فيكم » و لم يخصّص القرابة بشيء منه دون غيرهم، دلّ ذلك على أ نّهم فيه كسائر الفقراء يستحقّون منه مقدار الكفاية و سدّ الخلّة. و يدلّ عليه قوله: (صلی الله علیه و آله) « يذهب كسرى فلاكسرى بعده أبدًا و يذهب قيصر فلاقيصر بعده أبدًا و الّذي نفسي بيده لَتُنفَقُنّ كنوزهما في سبيل الله ». فأخبر أنّه ينفق في سبيل الله. و لم يخصّص به قومًا من قوم.

و يدلّ على أنّه كان موكولا إلى رأي النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أ نّه أعطى المؤلّفة قلوبهم، و ليس لهم ذكر في آية الخُمس، فدلّ على ما ذكرنا.

و يدلّ عليه أنّ كلّ من سمّي في آية الخمس لايستحقّ إلا بالفقر، و هم اليتامى و ابن السّبيل فكذلك ذوالقربى، لأ نّه سهم من الخمس.

و يدلّ عليه أنّه لمّا حُرّم عليهم الصّدقة أُقيم ذلك لهم مقام ما حُرّم عليهم منها، فوجب أن لايستحقّه منهم إلا فقير،كما أنّ الأصل الّذي أُقيم هذا مقامه لايستحقّه إلا فقير.

فإن قيل: موالي بني هاشم لاتحلّ لهم الصّدقة، و لم يدخلوا في استحقاق السّهم من الخمس؟

قيل له: هذا غلط، لأنّ موالي بني هاشم لهم سهم من الخُمس إذا كانوا فقراء، على حسب ما هو لبني هاشم.

فإن قيل: إذا كانت قرابة رسول الله (صلی الله علیه و آله) يستحقّون سهمهم بالفقر و الحاجة، فما وجه تخصيصه إيّاهم بالذّكر،و قد دخلوا في جملة المساكين؟

قيل له: كما خص اليتامى و ابن السّبيلبالذّكر و لايستحقّونه إلا بالفقر، و أيضًا لمّا سمّى الله الخمس لليتامى و المساكين و ابن السّبيل، كما قال: { اِنَّمَا الصَّدَ قَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكينِ‘...} التّوبة:60، ثمّ قال النّبيّ (صلی الله علیه و آله): « إنّ الصّدقة لاتحلّ لآل محمّد » فلو لم يسمّهم في الخُمس جازأن يظنّ ظانّ أنّه لايجوزإعطاؤهم منه، كما لايجوزأن يُعطوا من الصّدقات، فسمّاهم إعلامًا منه لنا أنّ سبيلهم فيه، بخلاف سبيلهم في الصّدقات.

فإن قيل: قد أعطى النّبيّ (صلی الله علیه و آله) العبّاس من الخُمس و كان ذا يسار، فدلّ على أنّه للأغنياء و الفقراء منهم.

قيل له: الجواب عن هذا من وجهين:

أحدهما: أ نّه أخبر أ نّه أعطاهم بالنّصرة و القرابة، لقوله(صلی الله علیه و آله): « إنّهم لم يفارقوني في جاهليّة و لاإسلام » فاستوى فيه الفقير و الغنيّ، لتساويهم في النّصرة و القرابة.

ص: 28

و الثّاني: أنّه جائزأن يكون النّبيّ (صلی الله علیه و آله) إنّما أعطى العبّاس ليفرّقه في فقراء بني هاشم، و لم يعطه لنفسه.

و قداختُلف في ذوي القربى مَن هم؟ فقال أصحابنا: قرابة النّبيّ (صلی الله علیه و آله) الّذين تُحرَّم عليهم الصّدقة، هم ذو قراباته و آله، و هم: آل جعفر، و آل عقيل، و ولد الحارث بن عبد المطّلب. و روي نحو ذلك عن زَيْد بن أرقم. و قال آخرون: بنو المطّلب داخلون فيهم، لأنّ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أعطاهم من الخُمس. و قال بعضهم: قريش كلّها من أقرباء النّبيّ (صلی الله علیه و آله) الّذين لهم سهم من الخُمس إلاّ أنّ للنّبيّ (صلی الله علیه و آله) أن يُعطيه من رأى منهم.

أمّا من ذكرناهم فلاخلاف بين الفقهاء أنّهم ذوو قراباته، و أمّا بنوالمطّلب فهم و بنوعبد شمس في القرب من النّبيّ (صلی الله علیه و آله) سواء، فإن وجب أن يدخلوا في القرابة الّذين تحرم عليهم الصّدقة، فواجب أن يكون بنوعبد شمس مثلهم لمساواتهم إيّاهم في الدّرجة. و أمّا إعطاء سهم الخمس فإنّما خصّ هؤلاء به دون بني عبد شمس بالنّصرة، لأ نّه قال:« لم يفارقوني في جاهليّة و لا إسلام » و أمّا الصّدقة فلم يتعلّق بتحريمها بالنّصرة عند جميع الفقهاء، فثبت أنّ بني المطّلب ليسوا من آل النّبيّ (صلی الله علیه و آله) الّذين تحرم الصّدقة عليهم كبني عبد شمس. و موالي بني هاشم تحرم عليهم الصّدقة و لا قرابة لهم و لايستحقّون من الخمس شيئًا بالقرابة. و قد سألته فاطمة رضي الله عنها خادمًا من الخمس فوكلها إلى التّكبير و التّحميد و لم يعطها.

فإن قيل: إنّما لم يعطها لأ نّها ليست من ذوي قرباه، لأ نّهاأقرب إليه من ذوي قرباه.

قيل له: فقد خاطب عليًّا بمثل ذلك و هو من ذوي القربى، و قال لبعض بنات عمّه حين ذهبت مع فاطمة إليه تستخدمه:« سبقَكُنّ يتامى بَدْر » و في يتامى بَدْر من لم يكن من بني هاشم، لأنّ أكثرهم من الأنصار و لو استحقّتا بالقرابة شيئًالايجوز منعهما إيّاه لما منعهما حقّهما، و لاعَدَل بهما إلى غيرهما.

و في هذا دليل على معنيين: أحدهما: أنّ سهمهم من الخمس أمره كان موكولا إلى رأي النّبيّ (صلی الله علیه و آله) في أن يعطيه من شاء منهم. و الثّاني: أنّ إعطاءهم من الخمس أو منعه لا تعلّق له بتحريم الصّدقة.

و أمّا من قال: إنّ قرابة النّبيّ (صلی الله علیه و آله) قريش كلّها، فإنّه يحتجّ لذلك بأ نّه لمّا نزلت : { وَ اَ نْذِرْعَشيرَ ‘تَكَ

ا لاَقْرَبينَ ‘} الشّعراء :214، قال النّبيّ(صلی الله علیه و آله): « يا بني فِهْر يا بني عديّ يا بني فلان » لبطون قريش « إنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد > و روي عنه أنّه قال: « يا بني كَعْب بن لُؤيّ » و أنّه قال: « يا بني هاشم، يا بني قُصَي يا بني عبد مَناف ».

و روي عنه أنّه قال لعليّ: « اجْمَعْ لي بني هاشم » و هم أربعون رجلا قالوا: فلمّا ثبت أنّ قريشًا كلّها من أقربائه و كان إعطاء السّهم من الخمس موكولا إلى رأي النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أعطاه من كان له منهم نصرة دون غيرهم.

اسم القرابة واقع على هؤلاء كلّهم، لدعاء النّبيّ (صلی الله علیه و آله) إيّاهم عند نزول قوله تعالى: { وَ اَنْذِرْعَشيرَ‘تَكَ

الاَ قْرَبينَ ‘} الشّعراء :214، فثبت بذلك أنّ الاسم يتناول الجميع، فقد تعلّق بذوي قربى النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أحكام

ص: 29

ثلاثة:

أحدها: استحقاق سهم من الخمس بقوله تعالى: { وَ للِرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْ بى } و هم الفقراء منهم على الشّرائط الّتي قدّمنا ذكرها عن المختلفين فيها.

و الثّاني تحريم الصّدقة عليهم، و هم آل عليّ وآل العبّاس و آل عقيل و آل جعفر، و ولد الحارث بن عبد المطّلب، و هؤلاء هم أهل بيت النّبيّ (صلی الله علیه و آله) ،و لاحظّ لبني المطّلب في هذا الحكم، لأ نّهم ليسوا أهل بيت النّبيّ، (صلی الله علیه و آله) و لو كانوا من أهل بيت النّبيّ (صلی الله علیه و آله) لكانت بنو أُميّة من أهل بيت النّبيّ (صلی الله علیه و آله) و من آله، و لاخلاف أ نّهم ليسوا كذلك، فكذلك بنو المطّلب لمساواتهم إيّاه في نسبهم من النّبيّ (صلی الله علیه و آله).

و الثّالث: تخصيص الله تعالى لنبيّه بإنذارعشيرته الأقربين، فانتظم ذلك بطون قريش كلّها، على ما ورد به الأثر في إنذاره إيّاهم عند نزول الآية. و إنّما خص عشيرته الأقربين بالإنذار، لأ نّه أبلغ عند نزول الآية في الدّعاء إلى الدّين، و أقرب إلى نفي المحاباة و المداهنة في الدّعاء إلى الله عزّ وجلّ، لأنّ سائرالنّاس إذا علموا أنّه لم يحتمل عشيرته على عبادة غيرالله، و أنذرهم و نهاهم أنّه أولى بذلك منهم؛ إذ لو جازت المحاباة في ذلك لأحد، لكانت أقرباؤه أولى النّاس بها. (3: 79)

الثّعلبيّ: اختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: قوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } مفتاح الكلام؛ ولله الدّنيا و الآخرة، فإنّما معنى الكلام: فأنّ للرّسول خُمُسَه و هو قول الحسَن و قَتادَة و عطاء، فإنّهم جعلوا سهم الله و سهم الرّسول واحدًا، و هي رواية الضّحّاك عن ابن عبّاس. قالوا: كانت الغنيمة تُقسّم خمسة أخماس: فأربعة أخماس لمن قاتل عليها، و قسّم الخمس الباقي على خمسة أخماس: خمس للنّبيّ (صلی الله علیه و آله) كان له و يصنع فيه ما شاء، و سهم لذوي القربى، و خمس اليتامى، و خمس للمساكين، و خُمس لابن السّبيل. فسهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) خمُس الخُمس.

و قال بعضهم: معنى قوله: { فَاَنَّ للهِ ‚} فإنّ لبيت الله خُمُسه. و هو قول الرّبيع و أبي العالية قالا: كان يُجاء بالغنيمة فيقسمها رسول الله (صلی الله علیه و آله) خمسة أسهم، فجعل أربعة لمن شهد القتال، و يعزل أسهمًا فيضرب يده في جميع ذلك، فما قبض من شيء جعله للكعبة، و هو الّذي سمّي لله، ثمّ يُقسّم ما بقي على خمسة أسهم: سهم للنّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و سهم لذي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و خمس لابن السّبيل، و سهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) خُمس الخُمس.

و قال ابن عبّاس : سهم الله و سهم رسوله جميعًا لذوي القربى، و ليس لله و لا لرسوله منه شيء.

و كانت الغنيمة تُقسّم على خمسة أخماس، فأربعة منها لمن قاتل عليها، و خمس واحد تُقسَّم على أربعة، فربع لله و الرّسول و لذي القربى. فما كان لله و الرّسول فهو لقرابة النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و لم يأخذ النّبيّ من الخمس شيئًا، و الرّبع الثّاني لليتامى، و الرّبع الثّالث للمساكين، و الرّبع الرّابع لابن السّبيل. [ثمّ ذكر مصاديق ذوي القربى] (4: 357)

نحوه البغَويّ (2: 292)، و الخازن (3: 27).

الماوَرْديّ: اختلفوا في سهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) بعده

ص: 30

على خمسة أقاويل:

أحدها: [قول قَتادَة المتقدّم]

والثّاني: أنّه لقرابة النّبيّ (صلی الله علیه و آله) إرثًا، و هذا قول من جعل النّبيّ(صلی الله علیه و آله) موروثًا.

و الثّالث : أنّ سهم الرّسول (صلی الله علیه و آله) مردود على السّهام الباقية، و يقسم الخمس على أربعة.[الرّابع و الخامس قول الشّافعيّ و النّخعيّ المتقدّم] (2: 320)

الطُّوسيّ: أمّا خُمس الغنيمة ، فإنّه يُقسّم عندنا ستّة أقسام: فسهم لله، و سهم لرسوله للنّبيّ، و هذان السّهمان مع سهم ذي القربى للقائم مقام النّبيّ(صلی الله علیه و آله) ينفقها على نفسه و أهل بيته من بني هاشم، و سهم لليتامى ،و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السّبيل من أهل بيت الرّسول،لايُشركهم فيها باقي النّاس، لأنّ الله تعالى عوّضهم ذلك عمّا أباح لفقراء المسلمين و مساكينهم، و أبناء سبيلهم من الصّدقات، إذ كانت الصّدقات محرّمة على أهل بيت الرّسول:. و هو قول عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، و محمّد بن عليّ الباقر ابنه :.رواه الطّبَريّ بإسناده عنهما.و قال الحسين بن عليّ المغربيّ حاكيًا عن الصّابونيّ من أصحابنا:إنّ هؤلاء الثّلاثة فِرَق لايدخلون في سهم ذي القُربى و إن كان عموم اللّفظ يقتضيه، لأنّ سهامهم مفردة، و هو الظّاهر من المذهب.

و الّذين يستحقّون الخمس عندنا مَن كان من وُلد عبد المطّلب، لأنّ هاشمًا لم يعقب إلامنه ، من الطّالبييّن و العبّاسيّين و الحارثيّين و اللّهبيّين. فأمّا وُلد عبد مناف من المطّلبيّين، فلاشيء لهم فيه.

و عند أصحابنا: الخُمس يجب في كلّ فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التّجارات و الكنوز و المعادن و الغَوص و غير ذلك، ممّا ذكرناه في كُتُب الفقه. و يمكن الاستدلال على ذلك بهذه الآية، لأنّ جميع ذلك يسمّى غنيمة.

و قال ابن عبّاس و إبراهيم وقَتادَة و عطاء: الخُمس يقسّم خمسة أقسام، فسهم الله و سهم الرّسول واحد.

و قال قوم: يقسّم أربعة أقسام: سهم لبني هاشم، و ثلاثة للّذين ذكروا بعد ذلك من سائر المسلمين، ذهب إليه الشّافعيّ.

و قال أهل العراق: يقسّم الخمس ثلاثة أقسام، لأنّ سهم الرّسول صَرَفه الأئمّة الأربعة إلى الكراع و السّلاح. و قال مالك: يُقسّم على ما ذكره الله . ويجوز للإمام أن يُخرج عنهم حسب ما يراه وإنّما جاء على طريق الأولى في بعض الأحوال. (5: 143)

الواحديّ: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } هذا إفتتاح كلام، لأنّ الأشياء كلّها لله، و قوله: { وَ لِلرَّسُولِ } كان لرسول الله (صلی الله علیه و آله) خُمس الخُمس من الغنيمة، يصنع فيه ما شاء. و أمّا اليوم فإنّه يُصرف إلى مصالح المسلمين، والأهمّ السّلاح والكراع، و قوله: { وَ لِذِى الْقُرْبى }

هم: بنو هاشم و بنو المطّلب خاصّة دون سائر قريش، يقسّم بينهم خمُس الخُمس حيث كانوا { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُ نْثَيَيْنِ } النّساء :11، و هم الّذين حُرّمت عليهم الصّدقة المفروضة. قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): « إنّ الله تعالى أغناكم عن أوساخ النّاس بهذا الخمس ». [ ثمّ بيّن

ص: 31

معنى اليتامى و المسكين و ابن السّبيل و قال:]

فلايُترك صنف من هذه الأصناف بغير حظّ في قسمة الخُمس و يجوزتفصيل بعضهم على بعض بمقدار الحاجة. هذا الّذي ذكرناه كيفيّة قسمة الخمس من الغنيمة، وهي المذكورة في القرآن، و الباقي في أربعة أخماس، و هي للغانمين الّذين باشروا القتال: للفارس ثلاثة أسهم، و للرّاجل سهم عند الشّافعيّ، و عند أبي حنيفة للفارس سهمان و للرّاجل سهم. (2: 460)

الزّمَخْشَريّ: { فَاَنَّ للهِ‚ } مبتدأ، خبره محذوف، تقديره: فحقّ أو فواجب أنّ لله خُمُسَه. وروى الجعفيّ عن أبي عمرو( فَاِنَّ للهِ‚) بالكسر، و تقوّيه قراءة النّخعيّ: ( فَلِلّهِ خُمُسَه ). و المشهورة آكد و أثبت للإيجاب، كأ نّه قيل: فلابدّ من ثباتالخمس فيه، و لاسبيل إلى الإخلال به و التّفريط فيه، من حيث إنّه إذا حُذف الخبر و احتمل غير واحد من المقدّرات، كقولك: ثابت واجب حقّ لازم و ما أشبه ذلك، كان أقوى لإيجابه من النّص على واحد.

و قرئ (خُمْسَه) بالسّكون. [ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة في قول الزّجّاج و أضاف:]

فإن قلت : ما معنى ذكر الله عزّوجلّ و عطف الرّسول و غيره عليه.

قلت: يحتمل أن يكون معنى{ للهِ‚ وَ لِلرَّسُولِ }: لرسول الله (صلی الله علیه و آله) كقوله: { وَ اللهُ وَ رَسُولُهُ اَحَقّ ُاَنْ يُرْضُوهُ} التّوبة : 62، و أن يراد بذكره إيجاب سهم سادس يُصرف إلى وجه من وجوه القرب ، و أن يراد بقوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } أنّ من حقّ الخمس أن يكون متقرّ بًا به إليه لاغير، ثمّ خص من وجوه القرب هذه الخمسة تفضيلا لها على غيرها، كقوله تعالى: { وَجِبْريلَ‘ وَ ميكَا‘لَ } فعلى الاحتمال الأوّل مذهب الإمامَين، و على الثّاني ما قال أبوالعالية أ نّه يُقسّم على ستّة أسهم، سهم الله تعالى يُصرف إلى رتاج الكعبة.

(2: 158)

ابن عَطيّة: و هذه الآية الّتي في الأنفال ناسخة لقوله في سورة الحشر:7، { مَا اَفَاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ اَهْلِ الْقُرى } و ذلك أنّ تلك كانت الحكم أوّ لا ، ثمّ أعطى الله أهلها الخمس فقط، و جعل الأربعة الأخماس في المقاتلين.

و هذا قول ضعيف نص العلماء على ضعفه، و أن لاوجه له من جهات: منها: أنّ هذه السّورة نزلت قبل سورة الحشر، هذه ببدر، و تلك في بني النّضير و قُرى عرينة، ولأنّ الآيتين متّفقتان، و حكم الخمس و حكم تلك الآية واحد، لأ نّهانزلت في بني النّضير حين جَلَوا و هربوا، و أهل فدك حين دعوا إلى صلح و نال المسلمون ما لهم دون إيجاف.

و حكى ابن المنذر عن الشّافعيّ: أنّ في الفيء الخمس، وأ نّه كان في قرى عرينة زمن النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و أنّ أربعة أخماسها كان للرّسول (صلی الله علیه و آله) خاصّة دون المسلمين، يضعها حيث شاء. وقال أبو عُبَيْدَة: هذه الآية ناسخة لقوله في أوّل السّورة { قُلِ الاَ نْفَالُ للهِ‚ وَ الرَّسُولِ } الأنفال:1، و لم يُخمّس رسول الله(صلی الله علیه و آله) غنائم بدر، فنُسخ حكمه في ترك التّخميس بهذه الآية.

و يظهر في قول عليّ بن أبي طالب في البخاريّ:

ص: 32

« كانت لي شارق من نصيبي من المغنم ببدر وشارق أعطانيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) من الخمس » [فيظهر]حينئذ أنّ غنيمة بدر خُمّسَتْ، فإن كان ذلك فسد قول أبي عُبَيْدَ ة. و يحتمل أن يكون الخمس الّذي ذكره عليّ بن أبي طالب من إحدى الغزوات الّتي كانت بين بدر وأُحد، فقد كانت غزوة بني سليم و غزوة السّويق و غزوة ذي أمر و غزوة نجران، و لم يُحفَظ فيها قتال، و لكن يمكن أن غُنمت غنائم،والله أعلم.

و قوله في هذه الآية: { مِنْ شَىْء } ظاهره عامّ، و معناه الخصوص. فأمّا النّاض و المتاع و الأطفال

و النّساء، و ما لايؤكل لحمه من الحيوان و يصحّ تملّكه، فليس للإمام في جميع ذلك، ما كثر منه و ما قلّ كالخائط و المخيط، إلا أن يأخذ الخُمس و يقسم الباقي في أهل الجيش.

و أمّا الأرض فقال فيها مالك: يقسمها الإمام إن رأى ذلك صوابًا، كما فعل النّبيّ(صلی الله علیه و آله) بخيبر، و لايقسمها إن أدّاه اجتهاده إلى ذلك، كما فعل عمر بأرض مصر سواد الكوفة،لأنّ فعل عمر ليس بمخالف لفعل النّبيّ (صلی الله علیه و آله)؛ إذ ليست النّازلة واحدة بحسب قرائن الوقتَين و حاجة الصّحابة و قلّتهم، و هذا كلّه انعكس في زمان عمر.

و أما الرّجال و مَن شارف البلوغ من الصّبيان، فالإمام عند مالك و جمهور العلماء مخيّر فيهم على خمسة أوجه:

منها: القتل، و هو مستَحسَن في أهل الشّجاعة و النّكاية.

و منها: الفداء، و هو مستَحسَن في ذي المنصب الّذي ليس بشجاع، و لايخاف منه رأي و لامكيدة، لانتفاع المسلمين بالمال الّذي يؤخذ منه. و منها: المنّ، و هو مستَحسَن فيمن يُرجى أن يحنو على أسرى المسلمين ونحو ذلك من القرائن.

و منها: الاسترقاق.

و منها: ضرب الجزية و التّرك في الذّمّة. و أمّا الطّعام و الغَنَم و نحوهما ممّا يُؤكل، فهو مباح في بلد العدوّ، يأكله النّاس فما بقي كان في المغنم.

و أمّا أربعة أخماس ما غنم فيَقْسِمه الإمام على الجيش، و لايختص بهذه الآية ذكر القَسْمَة فأنا أختصره هنا. و أمّا الخُمس فاختلف العلماء فيه: فقال مالك رحمه الله: الرّأي فيه للإمام، يُلحقه ببيت الفيء، ويُعطي من ذلك البيت لقرابة رسول الله (صلی الله علیه و آله) ما رآه، كما يعطي منه اليتامى والمساكين و غيرهم، و إنّما ذُكر من ذكر على وجه التّنبيه عليهم، لأ نّهم من أهمّ من يُدفع إليه. قال الزّجّاج محتجًّا لمالك:قال الله تعالى: { يَسَْلُو=نَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا اَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْر فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالاَقْرَبينَ‘ وَ الْيَتَامى وَ الْمَسَاكينِ‘ وَ ابْنِ السَّبيلِ ‘} البقرة:215،. و للإمام بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك.

و قالت فرقة: كان الخميس يُقسَم على ستّة أقسام: قسم لله وهو مردود على فقراء المسلمين أوعلى بيت الله، وقسم للنّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و قسم لقرابته، و قسم لسائر من سمّي، حكى القول منذر بن سعيد و ردّ عليه. قال أبوالعالية الرّياحي: كان النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، يقبض من خُمس

ص: 33

الغنيمة قبضة فيجعلها للكعبة فذلك لله، ثمّ يُقسّم الباقي على خمسة: قسم له، و قسم لسائر من سمّي.

و قال الحسن بن محمّد و ابن عبّاس وإبراهيم النّخعيّ و قَتادَة والشّافعيّ: قوله:{ فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } استفتاح كلام، كما يقول الرّجل لعبده: قد أعتقك الله و أعتقتُك، على جهة التّبرّك وتفخيم الأمر، و الدّنيا كلّها لله. و قسم الله و قسم الرّسول واحد، و كان الرّسول عليه الصّلاة و السّلام يَقسِم الخُمس على خمسة أقسام، كما تقدّم. و قال ابن عبّاس أيضًا فيما روى عنه الطّبَريّ: الخمس مقسوم على أربعة أقسام، و سهم الرّسول(صلی الله علیه و آله)، لقرابته، و ليس لله ولاللرّسول شيء.

وقالت فرقة: قسم الرّسول (صلی الله علیه و آله)، بعد موته مردود على أهل الخمس: القرابة وغيرها. وقالت فرقة: هو مردود على الجيش أصحاب الأربعة الأخماس. و قال عليّ بن أبي طالب: يلي الإمام منهم سهم الله ورسوله. و قالت فرقة: هو موقوف لشراء العدد و للكراء في سبيل الله. و قال إبراهيم النّخعيّ: و هو الّذي اختاره أبو بكر و عمر فيه.

و قال أصحاب الرّأي: الخُمس بعد النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، مقسوم ثلاثة أقسام: قسم لليتامى، و قسم للمساكين، و قسم لابن السّبيل، ورسول الله(صلی الله علیه و آله) لم يُورّث، فسقط سهمه وسهم ذوي القربى، وحجّتهم فيه منع أبي بكر

و عمر وعثمان لذوي القربى.

و لم يثبت المنع، بل عورض بنو هاشم بأن قريشًا قربى. و قيل: لم يكن في مدّة أبي بكر مَغنَم. و قال الشّافعيّ: يُعطي أهل الخمس منه و لابدّ، و يُفضّل الإمام أهل الحاجة، و لكن لايحرم صنفًا منهم حرمانًا تامًّا. و قول مالك رحمه الله: إنّ للإمام أن يُعطي الأحوج و إن حرم الغير. و كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) مخصوصًا من الغنيمة بثلاثة أشياء: كان له خمس الخمس، و كان له سهم في سائر الأربعة الأخماس، و كان له صفيّ يأخذه قبل القسمة: دابّة أو سيف، أو جارية، و لا صفيّ لأحد بعده بإجماع إلا ما قال أبو ثور: من أنّ الصّفيّ باقٍ للإمام، و هو قول معدود في شواذّ الأقوال.

و ذوو القربى: قرابة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فقال عليّ بن الحسين وعبد الله بن الحسن و عبد الله بن عبّاس: هم بنو هاشم فقط، فقال مُجاهِد: كان آل محمّد (صلی الله علیه و آله) لاتحلّ لهم الصّدقة، فجُعل لهم خمس الخمس. قال ابن عبّاس: و لكن أبى ذلك علينا قومنا، و قالوا: قريش كلّها قربى. و قال الشّافعيّ: هم بنو هاشم و بنو المطّلب فقط. و قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) لعثمان بن عفّان و جُبَيْر بن مطعم في وقت قسمة سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم و بني المطّلب: < إنّما بنو هاشم و بنو المطّلب شيء واحد ما فارقونا في جاهليّة و لا في الإسلام> كانوا مع بني هاشم في الشِّعب، و قالت فرقة: قريش كلّها قربى. وروي عن عليّ بن الحسين وعبد الله بن محمّد بن عليّ أنّهما قالا: الآية كلّها في قريش، و المراد يتامى قريش و مساكينها. و قالت فرقة: سهم القرابة بعد النّبيّ (صلی الله علیه و آله) موقوف على قرابته، و قد بعثه إليهم عمر ابن عبدالعزيز إلى بني هاشم و بني المطّلب فقط.

ص: 34

و قالت فرقة: هو لقرابة الإمام القائم بالأمر. و قال قَتادَة: كان سهم ذوي القربى طعمة لرسول الله (صلی الله علیه و آله) ما كان حيًّا، فلمّا تُوفّي جُعل لوليّ الأمر بعده، و قاله الحسن بن أبي الحسن البصريّ. و حكى الطّبرَيّ أيضًا عن الحسن أنّه قال: اختلف النّاس في هذين السّهمين بعد و فاة النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، فقال قوم: سهم النّبيّ (صلی الله علیه و آله) للخليفة، و قال قوم: سهم النّبيّ (صلی الله علیه و آله) لقرابة النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و قال قوم : سهم القرابة لقرابة الخليفة، فاجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السّهمين في الخيل و العُدّة، فكان على ذلك مدّة أبي بكر. (2: 528)

نحوه أبوالسُّعود(3: 98 )،و البُرُوسَويّ (3: 348).

ابن العَرَبيّ : فيها ثلاث عشرة مسألة.

المسألة الأُولى: [في معنى الفيء والغنيمة فلاحظ: ف يء: و غ ن م]

المسألةالثّانية: إذا عرفتم أنّ الغنيمة هي ما أُخذ من أموال الكفّار؛ فإنّ الله قد حكم فيها بحكمه، و أنفذ فيها سابق علمه، فجعل خُمسها للخمسة الأسماء، و أبقى سائرها لمن غنمها، و نحن نسمّيها، ثمّ نعطف على الواجب فيها فنقول:

أمّا سهم الله ففيه قولان:

أحدهما: أنّه و سهم الرّسول واحد، و قوله: ( للهِ‚ ) استفتاح كلام، فللّه الدّنيا و الآخرة و الخلق أجمع.

الثّاني: [قول أبي العالية]

و أمّا سهم الرّسول فقيل: هو استفتاح كلام، مثل قوله:( للهِ‚ )، ليس لله منه شيء و لاللرّسول، و يُقسّم الخمس على أربعة أسهم: سهم لبني هاشم، و لبني المطّلب سهم((1)) و لليتامى سهم، و للمساكين سهم، و لابن السّبيل سهم، قاله ابن عبّاس.

و قيل: هو للرّسول، ففي كيفيّة كونه له أربعة أقوال: فقيل: لقرابته إرثًا، و قيل: للخليفة بعده، و قيل: هو يلحق بالأسهم الأربع، و قيل: هو مصروف في الكُراع و السِّلاح، و قيل: إنّه مصروف في مصالح المسلمين العامّة، قاله الشّافعيّ.

و أمّا سهم ذوي القربى فقيل: هم قريش، و قيل: بنو هاشم، و قيل بنو هاشم و بنو المطّلب؛ و هو قول الشّافعيّ.

و قيل: ذهب ذلك بموت النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و يكون لقرابة الإمام بعده. و قيل: هو للإمام يَضَعُه حيث يشاء.

و أمّا سهم اليتامى، فإنّ اليتيم من فيه ثلاثة أوصاف: موت الأب، و عدم البلوغ، و وجود الإسلام أصلا فيه أو تبعًا لأحد أبويه، و حاجته إلى الرِّفْد.و أمّا المسكين فهو المحتاج، و أمّا ابن السّبيل فهو الّذي يأخذه الطّريق محتاجًا، و إن كان غنيًّا في بلده.

المسألة الثّالثة: في التّنقيح، أمّا قول أبي العالية فليس من النّظر في المرتبة العالية، فإنّ الأرض كلّها لله ملكًا و خلقًا، و هي لعباده رزقًاوقسمًا

و أمّا الرّسول فهو ممّن أنعم عليه و ملّكه. و لكنّه ثبت في الصّحيح عنه (صلی الله علیه و آله) قال: « ما لي ممّا أفاء الله عليكم إلا الخُمس، و الخمسُ مردود فيكم » و هذا

ص: 35


1- (1) كذا و الظّاهر أ نّه زائد أو مكرّر، لأنّ لبني هاشم و لبني المطّلب سهمًا واحدًا.

يعضد قول من قال: إنّه يرجع في مصالح العامّة.

و أمّا قول من قال: إنّه يرجع لقرابته إرثًا، فإنّه باطل بإجماع من الصّحابة، فإنّ فاطمة رضي الله عنها أرسَلَتْ تطلب ميراثها من أبي بكر، فقال لها: سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: « نحن لانوّرث، ماتركناه صدقة» و قد بيّنّا ذلك في مسائل الأُصول و سائر الأقوال دعاوي لابرهان عليها.

و أمّا سهم ذوي القربى فأصحّها أنّهم بنو هاشم، و بنو المطّلب، و سائر الأقسام صحيحة في الأقوال و التّوجيه.

و قد روي عن ابن القاسم، وأشهب، و عبدالملك، عن مالك أنّ الفيء و الخُمس يُجعلان في بيت المال، و يُعطي الإمام قرابة رسول الله (صلی الله علیه و آله) منهما.

وروى ابن القاسم، عن مالك: أنّ الفيء و الخمس واحد.

و روى داود بن سعيد عن مالك عن عمّه، عن عمر بن عبدالعزيز أنّ القرابة لا يُعطون منه إلا بالفقر.

و هي:المسألة الرّابعة قاله مالك وبه أقول. و قد قال أبو حنيفة: لايُعطى القرابة إلا أن يكونوا فقراء. فزاد الفقر على النّص، والزّيادة عنده على النّص نَسْخ، و لايجوز نسخ القرآن إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر.

فأمّا مالك فاحتجّ بأنّ ذلك جعل لهم عوضًا عن الصّدقة. و قد قال عمر بن عبدالعزيز قوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ }، يعني في سبيل الله. و هذا هو الصّحيح كلّه.

و الدّليل عليه ما رُوي في < الصّحيح (1)>

أنّ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) بعث سَرِيّة قِبَل نَجْد، فأصابوا في سُهْمانهم اثني عشر بعيرًا، ونُفّلوا بعيرًابعيرًا. وثبت عنه (علیه السلام) أ نّه قال في أُسارى بَدْر: < لو كان المطعم بن عديّ حيًّا و كلّمني في هؤلاء الثّنيّ لتركتُهم له>.

و ثبت عنه(صلی الله علیه و آله) أنّه ردّ سَبْيَ هوازن و فيه الخمس.

و ثبت في < الصّحيح > عن عبدالله بن مَسعود قال: آثر النّبيّ (صلی الله علیه و آله) يوم حُنَين أُناسًا في الغنيمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، و أعطى عُيَيْنَة مائة من الإبل، و أعطى أُناسًا منأشراف العرب و آثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: و الله إنّ هذه القسمة ما عُدِل فيها، أو ما أُريد بها وجه الله. فقلت: و الله لأخبرنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) فأخبرته، فقال: « يرحم الله أخي موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر».

و في <الصّحيح> : « إنّما أنا قاسم، بُعثت أن أقسم بينكم فالله حاكم، و النّبيّ قاسم، و الحقّ للخلق».

و صحّ عن عليّ أنّه قال: « كان لي شارف من نصيبي يوم بَدْر، و أعطاني رسول الله شارفًا من الخُمس».

و روى مسلم و غيره، عن عبد المطّلب بن ربيعة، قال: اجتمع ربيعة بن الحارث، و العبّاس بن عبد المطّلب، فقالا: و الله لو بعثنا هذين، فقالا لي و للفضل ابن عبّاس: اذهبا إلى رسول الله فكلّماه يُؤمّنكما على هذه الصّدقة، فأدّيا ما يؤدّي النّاس، و أُصيبا ممّا

ص: 36


1- (1) صحيح مسلم : 1368.

يصيب النّاس. فبينما هما في ذلك إذ دخل عليّ بن أبي طالب، فوقف عليهما، فذكرا ذلك له، فقال عليّ(علیه السلام): لاتفعلا، فوالله ما هو بفاعل. فابتدأه ربيعة بن الحارث، فقال: و الله ما هذا إلا نفاسةً منك علينا، فوالله لقد نِلْتَ صِهْر رسول الله فما نَفِسْناه عليك. فقال عليّ: أنا أبو حسن القوم أرسلوهما، فانطلقا، و اضطجع عليّ، فلمّا صلّى رسول الله (صلی الله علیه و آله) الظّهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتّى جاء، فأخذ بآذاننا، ثمّ قال: « أخرجا ما تُصَرِّران»؛ ثمّ دخل، ودخلنا عليه، و هو يومئذ عند زينب بنت جَحْش قال: فتزايلنا الكلام، ثمّ تكلّم أحدنا، فقال: يا رسول الله، أنت أبرّ النّاس، و أوصل النّاس، و قد بلغنا النّكاح، فجئناك لتؤمِّرنا على بعض هذه الصّدقات، فنؤدّي إليك ما يؤدِّي النّاس، و نصيب كما يصيبون.قال: فسكت طويلا حتّى أردنا أن نكلّمه. قال: و جعلت زينب تُلْمِع إلينا من وراء الحجاب ألا تكلّماه.

ثمّ قال: « إنّ الصّدقة لاتحلّ لآل محمّد؛ إنّما هي أوساخ النّاس، ادعوا لي مَحْمِيَّة » و كان على الخُمس و نوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب. قال: فجاءاه، فقال: لمحميّة: « أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل ابن عبّاس » يعني لي، فأنكحه.

و قال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام بنتك يعني لي، فأنكحني. و قال لمحميّة، أصدق عنهما من مال الخُمس كذا و كذا. و في رواية أنّه قال لهما: « إنّ الصّدقة أوساخ النّاس، و لكن انظروا إذا أخذت بحلقة الجنّة، هل أُوثر عليكم أحدًا؟ » وقد قال أصحاب الشّافعيّ: خُمْس الخمس للرّسول، و الأربعة أخماس من الخمس للأربعة أصناف المسمّين معه، و له سهم كسائر سهام الغانمين إذا حضر الغنيمة، و له سهم الصّفيّ يصطفي سيفًا أو خادمًا أو دابّة.

فأمّا سهم القتال فبكونه أشرف المقاتلين، و أمّا سهم الصّفيّ فمنصوص له في السِّيَر، منه ذوالفقار، و صفيّة، و غير ذلك. و أمّا خُمْس الخمس فبحقّ التقسيم في الآية.

قد بيّنّا الرّدّ عليه، و أوضحنا أنّ الله إنّما ذكر نفسه تشريفًا لهذا المكتسب، و أمّا رسوله فقد قال: « إنّما أنا قاسم، و الله المعْطي ». و قال: « ما لي ممّا أفاء الله عليكم إلا الخمس، و الخمس مُردود فيكم »، و قد أعطى جميعه و بعضه، و أعطى منه للمؤلّفة قلوبهم، و ليسوا ممّن ذكر الله في التّقسيم، و ردّه على المجاهدين بأعيانهم تارة أُخرى؛ فدلّ على أنّ ذكر هذه الأقسام بيان مَصْرف و محلّ، لابيان استحقاق و ملك؛ و هذا ما لاجواب عنه لمُنصف.

و أمّا الصّفيّ فحقّ في حياته، و قد انقطع بعد موته إلا عند أبي ثور؛ فإنّه رآه باقيًا للإمام، فجعله مَجْعل سهم النّبيّ. و هذا ضعيف، و الحكمة فيه أنّ الجاهليّة كانوا يرون للرّ ئيس في الغنيمة ما قال الشّاعر:

لكَ المِرْباع منهاو الصّفايا

وحُكمُك و النّشيطة و الفضول

فكان يأخذ بغير شرع و لادين الرّبع من الغنيمة؛ و يصطفي منها، ثمّ يتحكّم بعد الصّفيّ في أيّ شيء أراد، و كان ما شذّ منها له و ما فضل من خُرثِيّ ومتاع،

ص: 37

فأحكم الله الدّين بقوله: { وَاعْلَمُوا اَنَّمَاغَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَاَنََّ للهِ‚ خُمُسَهُ } و أبقى سهم الصّفيّ لرسوله، وأسقط حكم الجاهليّة، ومن أحسَن من الله حُكمًا أو أوسع منه علمًا؟!

المسألةالخامسة: ادّعى المقصّرون من أصحاب الشّافعيّ أنّ خُمس الخُمس كان لرسول الله(صلی الله علیه و آله) يَصْرفه في كفاية أولاده و نسائه، و يدّخر من ذلك قوتَ سنَته، و يصرف الباقي إلى الكُراع و السّلاح. و هذا فاسد من وجهين:

أحدهما: أنّ الدّليل قد تقدّم على أنّ الخمس كلّه لرسوله، بقوله:(صلی الله علیه و آله): « ما لي ممّا أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم ».

الثّاني: ما ثبت في < الصّحيح > عن مالك بن أوس ابن الحدثان، قال: بينا أنا جالس عند عمر أتاه حاجبه بَرْفَأ، فقال: هل لك في عثمان، و عبدالرّحمان بن عوف، و الزّبير، و سعد بن أبي وقّاص يستأذنون؟ قال: نعم، فأذن لهم، فدخلوا فسلّموا و جلسوا، ثمّ جلس بَرْفَأ يسيرًا، ثمّ قال: هل لكَ في عليّ و عبّاس؟ قال: نعم، فأذن لهما فدخلا فسلّما وجلسا. فقال العبّاس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني و بين هذا، و هما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من بني النّضير. فقال الرّهط عثمان و أصحابه: يا أمير المؤمنين، اقض بينهما، وأرِحْ أحدهما من الآخر.

فقال عمر: يا تَيْد((1))

كم أُنشدكم بالله الّذي بإذنه تقوم السّماء و الأرض، هل تعلمون أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: « لانُورَث، ما تَرَكْنا صدقة » يريد رسول الله نفسه.قال الرّهط: قد قال ذلك. فأقبل عمر على عليّ و عبّاس فقال: أُنشدكما بالله تعلمان أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) قد قال ذلك؟ قالا: نعم. قال عمر: فإنّي أُحدّ ثكم عن هذا الأمر: إنّ الله قد خصّ رسوله في هذا الفيء بشيء لم يُعْطِه غيره، قال: {وَ مَا اَفَاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا اَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَ لارِكَاب وَ لكِنَّ’ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشَاءُ...} الحشر: 6.

فكانت هذه خالصة لرسول الله (صلی الله علیه و آله)، و الله ما أختارها دونكم و لا أستأثر بها عليكم، قد أعطاكموها، و بثّها فيكم حتّى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يُنفِق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثمّ يأخذ ما بقي، فيجعله مَجْعَل مال الله.

فهذا حديث مالك بن أوس قال فيه: إنّ بني النّضير كانت لرسول الله ينفق منها على أهله نفقة سنتهم.

و في حديث عائشة في < الصّحيح >: ترك رسول الله (صلی الله علیه و آله) خَيْبَر و فَدَك و صدقته بالمدينة، فأمّا صدقتُه بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ و عبّاس، و أمّا خَيْبَر و فَدَك فأمسكهما عمر، و قال: هما صدقة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، كانت لحقوقه الّتي تَعرُوه و نوائبه(صلی الله علیه و آله)، و أمرها إلى من و لي الأمر بعده.

فقد ثبت أنّ خَيبَرو فَدَك و بني النّضير كانت لقوت رسول الله(صلی الله علیه و آله) لنفسه و عياله سَنَة، و لحقوقه و نوائبه

ص: 38


1- (1)جاء في الهامش: التّيد: الرّفق.

الّتي تَعْرُوه، لاخمس الخمس الّذي ادّعاه أصحاب الشّافعيّ. و هذا نص لاغبار عليه و لا كلام لأحد فيه.

المسألة السّادسة : [ في بيان المقصودبذوي القربى ]

المسألة السّابعة : [ في بيان سهم الغانمين، فلاحظ]

(2: 854 862)

نحوه القُرطُبيّ (8: 5)، و الصّابونيّ (1: 604).

الطَّبْرِسيّ: اختلف العلماء في كيفيّة قسمة الخمس، و من يستحقّه على أقوال: أحدها: ما ذهب إليه أصحابنا، و هو أنّ الخمس يُقسّم على ستّة أسهم: فسهم لله، و سهم للرّسول، و هذان السّهمان مع سهم ذي القربى للإمام القائم مقام الرّسول(صلی الله علیه و آله)، و سهم ليتامى آل محمّد، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم، لايشركهم في ذلك غيرهم ، لأنّ الله سبحانه حرّم عليهم الصّدقات، لكونها أوساخ النّاس، و عوّضهم من ذلك الخمس. و روى ذلك الطّبَريّ عن عليّ بن الحسين زين العابدين (علیه السلام)، و محمّد بن عليّ الباقر 8. و روي أيضًا عن أبي العالية، و الرّبيع: أنّه يُقسّم على ستّة أسهم، إلا أنّهما قالا: سهم الله للكعبة، و الباقي لمن ذكره الله. و هذا القسم ممّا يقتضيه ظاهر الكتاب، و يقوّيه.

و الثاّني: [قول ابن عبّاس و قَتادَة و عطاء المتقدّم]و الثّالث :[قول الشّافعيّ المتقدّم]

و الرّابع:[قول أبي حنيفة المتقدّم]

و قال أصحابنا: إنّ الخمس واجب في كلّ فائدة تحصل للإنسان من المكاسب، و أرباح التّجارات، و في الكنوز، و المعادن، و الغوص، و غير ذلك ممّا هو مذكور في الكتب، و يمكن أن يُستدلّ على ذلك بهذه الآية، فإنّ في عرف اللّغة يُطلق على جميع ذلك اسم الغُنْم والغنيمة.

و نعود إلى تأويل الآية قوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } قالوا: افتتح الكلام ب ( الله ) على جهة التّيمّن و التّبرّك، لأنّ الأشياء كلّها له، عزّ و جلّ، و المراد به مصروف إلى الجهات المقرّبة إلى الله تعالى. { وَ لِلرَّسُولِ } قالوا: كان للنّبيّ(صلی الله علیه و آله)سهم من خمسة أسهم، يصرفه في مؤنته، و ما فضل من ذلك يصرفه إلى الكُراع، و السّلاح، و المصالح، و لذي القربى.

قال بعضهم: سقط هذان السّهمان بموت الرّسول(صلی الله علیه و آله)على ما ذكرناه.

قال الشّافعيّ: يُصرف سهم الرّسول إلى الخيل و الكُراع في سبيل الله، و سهم ذي القربى لبني هاشم، و بني المطّلب، يستحقّونه بالاسم و النّسب ، فيشترك فيه الغنيّ و الفقير.

و روي عن الحسَن، وقَتادَة: أنّ سهم الله و سهم الرّسول وسهم ذي القربي للإمام القائم من بعده، ينفقه على نفسه، و عياله، و مصالح المسلمين، و هو مثل مذهبنا. { وَ الْيَتَامى وَ الْمَسَاكينِ‘ وَ ابْنِ السَّبيلِ‘ } قالوا:إنّ هذه الأسهم الثّلاثة لجميع النّاس، و أنّه يُقسَم على كلّ فريق منهم بقدر حاجتهم. و قد بيّنّا أنّ عندنا يختص باليتامى من بني هاشم و مساكينهم و أبناء سبيلهم. (2: 543)

ابن الجَوْزيّ: في المراد بالكلام قولان:

أحدهما: أنّ نصيب الله مستحقّ يصرف إلى بيته.

ص: 39

[و هوقول أبي العالية]

و الثّاني: أنّ ذكرالله هاهنا لأحد وجهين:

أحدهما: لأ نّه المتحكّم فيه و المالك له، و المعنى فأنّ للرّسول خمسه و لذي القربى، كقوله: { يَسَْلُو=نَكَ عَنِ الاَ نْفَالِ قُلِ الاَنْفَالُ للهِ‚ وَ الرَّسُولِ } الأنفال: 1.

و الثّاني: أن يكون المعنى: أنّ الخمس مصروف في وجوه القرب إلى الله تعالى، وهذا قول الجمهور. فعلى هذا تكون الواو زائدة، كقوله : { فَلَمَّا اَسْلَمَا وَ تَلَّهُ لِلْجَبينَ‘ *وَنَادَيْنَاهُ } الصّافّات: 103و 104، أي المعنى ناديناه و مثله كثير.[ثمّ لخّص أقوال المتقدّمين]

(3: 358)

الفَخْرالرّازيّ: اعلم أنّ هذه الآية تقتضي أن يؤخذ خُمسها، و في كيفيّة قسمة ذلك الخمس قولان:

القول الأوّل، و هو المشهور: أنّ ذلك الخمس يُخمّس، فسهم لرسول الله، و سهم لذوي قرباه منبني هاشم و بني المطّلب، دون بني عبد شمس و بني نوفل. [إلى أن قال:]

و ثلاثة أسهم لليتامى و المساكين و ابن السّبيل. [ثمّ نقل قول الشّافعيّ و أبي حنيفة و مالك و أضاف:]

و اعلم أنّ ظاهر الآية مطابق لقول الشّافعيّ رحمه الله وصريح فيه، فلايجوزالعدول عنه إلا لدليل منفصل أقوى منها، و كيف و قد قال في آخر الآية: { اِنْ كُنْتُمْ امَنْتُمْ بِاللهِ } يعني إن كنتم آمنتم بالله فاحكموا بهذه القسمة، و هو يدلّ على أنّه متى لم يحصل الحكم بهذه القسمة، لم يحصل الإيمان بالله.

و القول الثّاني، و هو قول أبي العالية: إنّ خمس الغنيمة يقسّم على ستّة أقسام: فواحد منها لله، و واحد لرسول الله، و الثّالث لذوي القربى، و الثّلاثة الباقية لليتامى و المساكين و ابن السّبيل. قالوا: و الدّليل عليه أنّه تعالى جعل خمس الغنيمة لله، ثمّ للطّوائف الخمسة. ثمّ القائلون بهذا القول منهم من قال: يُصرف سهم الله إلى الرّسول، و منهم من قال: يُصرف إلى عمارة الكعبة. و قال بعضهم: إنّه (علیه السلام)كان يضرب يده في هذا الخمس، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، و هو الّذي سمّي لله تعالى.

و القائلون بالقول الأوّل أجابوا عنه: بأنّ قوله: ( للهِ‚ ) ليس المقصود منه إثبات نصيب لله، فإنّ الأشياء كلّها مُلك لله، و ملكه، و إنّما المقصود منه افتتاح الكلام بذكر الله على سبيل التّعظيم، كما في قوله: { قُلِ الاَنْفَالُ للهِ‚ وَ الرَّسُولِ }.

و احتجّ القفّال على صحّة هذا القول بما روي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله)، أ نّه قال لهم في غنائم خيبر: « مالي ممّا أفاء الله عليكم إلا الخمس و الخمس مردود فيكم » فقوله: < مالي إلا الخمس > يدلّ على أنّ سهم الله و سهم الرّسول واحد، و على الإضمام سهمه السّدس لا الخمس. و إن قلنا: إنّ السّهمين يكونان للرّسول. صار سهمه أزيد من الخمس، و كلا القولين ينافي ظاهر قوله:« مالي إلا الخمس> هذا هو الكلام في قسمة خمس الغنيمة.

و أمّا الباقي و هو أربعة أخماس الغنيمة فهي للغانمين. لأ نّهم الّذين حازوه و اكتسبوه كما يُكتَسب الكلأ بالاحتشاش، و الطّير بالاصطياد. و الفقهاء

ص: 40

استنبطوا من هذه الآية مسائل كثيرة مذكورة في كتب الفقه. (15: 165)

ابن عَرَبي: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } و هو شهادة أن لا إله إلا الله و أنّ محمّدًا رسول الله، باعتبار التّوحيد الجمعيّ، و لرسول القلب { وَ لِذِى الْقُرْبى } الّذي هوالسّرّ، و يتامى العاقلة النّظريّة و العمليّة، و القوّة الكفريّة، و مساكين القوى النّفسانيّة { وَابْنِ السَّبيلِ‘} الّذي هوالنّفس السّالكة الدّاخلة في الغُربة الجائبة منازل السّلوك، النّابية عن مقرّها الأصليّ باعتبار التّوحيد التّفصيليّ في العالم النّبويّ. و الأخماس الأربعةالباقية تقسم على الجوارح، و الأركان، و القوى الطّبيعيّة.{ اِنْ كُنْتُمْ امَنْتُمْ } الإيمان الحقيقيّ بالله جميعًا. (1: 477)

النَّيسابوريّ: و اعلم أنّ الآ ية تقتضي أخذ الخمس من الغنائم، و اختلفوا في كيفيّة قسمة ذلك الخمس على أقوال: أشهرها أنّ ذلك الخمس يُخمّس حتّى يكون مجموع الغنيمة مقسومًا بخمسة و عشرين قسمًا: عشرون للغانمين بالاتّفاق، لأ نّهم كسبوها كالاحتطاب و الاصطياد.

و أمّا الخمسة الباقية: فواحد منها كان لرسول الله، و يُصرف الآن إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين: كسدّ الثّغور، و عمارة الحصون، و القناطر، و المساجد، و أرزاق القضاة و الأئمّة، الأهمّ فالأهمّ. و واحد لذوي القربى، يعني أقارب رسول الله من أولاد هاشم و المطّلب ابني عبد مناف دون عبد شمس و نوفل، و هما ابنا عبد مناف أيضًا.[ إلى أن قال:]

وثلاثة أخماس الخمس الباقية لليتامى و المساكين و ابن السّبيل.[ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة] (10: 5)

أبوحَيّان: قال الواقديّ: كان الخُمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر و ثلاثة أيّام للنّصف من شوّال، على رأس عشرين شهرًا من الهجرة. و مناسبة هذه الآية لما قبلها أنّه لمّا أمر تعالى بقتال الكفّار حتّى لاتكون فتنة، اقتضى ذلك و قائع و حُروبًا، فذكر بعض أحكام الغنائم، و كان في ذلك تبشير للمؤمنين بغلبتهم للكفّار، و قسّم ما تحصّل منهم من الغنائم، و الخطاب في { وَ اعْلَمُوا } للمؤمنين...

و الظّاهر أنّ ما غنم يُخمّس كائنًا ما كان، فيكون خُمسه لمن ذكر الله. فأمّا قوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } فالظّاهر أنّ ما نُسب إلى الله يُصرف في الطّاعات، كالصّدقة على فقراء المسلمين و عمارة الكعبة و نحوهما و قال بذلك فرقة و أ نّه كان الخُمس يُقسّم على ستّة، فما نُسب إلى الله قُسّم على من ذكرنا. و قال أبو العالية: سهم الله يُصرف إلى رتاج الكعبة، و عنه كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يأخذ الخمس، فيضرب بيده فيه، فيأخذ بيده قبضة فيجعلها للكعبة، و هو سهم الله تعالى، ثمّ يُقسّم ما بقي على خمسة.

و قيل: سهم الله لبيت المال، و قال ابن عبّاس و الحسَن و النّخعيّ و قَتادَة و الشّافعيّ قوله: { فَاَنَّ للهِ† خُمُسَهُ } استفتاح كلام، كما يقول الرّجل لعبده: أعتقك الله و أعتقتك على جهة التّبرّك، و تفخيم الأمر، و الدّنيا كلّها لله، و قَسْم الله و قَسْم الرّسول واحد، و كان الرّسول (صلی الله علیه و آله) يُقسّم الخمس على خمسة أقسام،

ص: 41

و هذا القول هو الّذي أورده الزّمَخْشَريّ احتمالا ، فقال: يحتمل أن يكون معنى { للهِ‚ وَ لِلرَّسُولِ } كقوله تعالى:{ وَ اللهُ وَرَسُولُهُ اَحَقُّ اَنْ يُرْضُوهُ } التّوبة: 62، و أن يراد بقوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } أي من حقّ الخمس أن يكون متقرّبًا به إليه لاغير. ثمّ خص من وجوه القرب هذه الخمسة تفضيلا لها على غيرها، كقوله تعالى:{ وَ جِبْريلَ‘ وَ ميكَا‘لَ } البقرة: 98، و الظّاهر أنّ للرّسول عليه الصّلاة و السّلام سهمًا من الخمس.

و قال ابن عبّاس فيما روى الطّبرَيّ: ليس لله و لاللرّسول شيء، و سهمه لقرابته، يُقسّم الخُمس على أربعة أقسام. و قالت فرقة: هو مردود على الأربعة الأخماس. و قال عليّ: يلي الإمام سهم الله و رسوله. و الظّاهر أنّه ليس له (علیه السلام) غير سهم واحد من الغنيمة....

و قالت فرقة: لم يورّث الرّسول (صلی الله علیه و آله) فسقط سهمه. و قيل: سهمه موقوف على قرابته، و قد بعثه إليهم عمر ابن عبد العزيز. و قالت فرقة: هو لقرابة القائم بالأمر بعده. و قال الحسَن و قَتادَة: كان للرّسول (صلی الله علیه و آله) في حياته، فلمّا تُوفّي جُعل لوليّ الأمر من بعده انتهى.[إلى أن قال:]

و الظّاهر بقاء هذا السّهم لذوي القربى، و أ نّه لغنيّهم و فقيرهم. و قال ابن عبّاس: كان على ستّة: لله و للرّسول سهمان، و سهم لأقاربه حتّى قُبض، فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة، و لذلك((1)

)روي عن عمر و من بعده من الخلفاء، و روي أنّ أبا بكر منع بني هاشم الخمس، و قال: إنّما لكم أن يُعطى فقيركم و يزوَّج أيّمكم و يُخدَم من لاخادم له منكم. و إنّما الغنيّ منكم فهو بمنزلة ابن السّبيل الغنيّ، لايُعطى من الصّدقة شيئًا، و لايتيم موسر.

و عن زَيْد بن عليّ: ليس لنا أن نبني منه قصورًا، و لا أن نركب منه البراذين. و قال قوم: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة.و الظّاهرأنّ اليتامى و المساكين و ابن السّبيل عامّ في يتامى المسلمين و مساكينهم و ابن السّبيل منهم. و قيل: الخمس كلّه للقرابة، و قيل لعليّ: إنّ الله تعالى قال: { وَ الْيَتَامى وَ الْمَسَاكينِ‘ } فقال: أيتامنا و مساكيننا.

و روي عن عليّ بن الحسين و عبد الله بن محمّد بن عليّ أنهما قالا: الآية كلّها في قريش و مساكينها. و ظاهر العطف يقتضي التّشريك فلايُحرَم أحد، قاله الشّافعيّ، قال: و للإمام أن يُفضّل أهل الحاجة لكن لايُحرِم صنفًا منهم. و قال مالك: للإمام أن يُعطي الأحوج و يحرم غيره من الأصناف. و لم تتعرّض الآية لمن يصرف أربعة الأخماس.

و الظّاهر أنّه لايُقسّم لمن لم يغنم، فلو لحق مدد للغانمين قبل حوز الغنيمة لدار الإسلام، فعند أبي حنيفة هم شركاؤهم فيها. و قال مالك و الثّوريّ و الأوزاعيّ و اللّيث و الشّافعيّ: لايشاركونهم. و الظّاهر أنّ من غنم شيئًا خمّس ما غنم إذا كان وحده و لم يأذن الإمام، و به قال الثّوريّ و الشّافعيّ. و قال أصحاب أبي حنيفة: هو له خاصّة و لايُخمّس. و عن

ص: 42


1- (1) كذا، و الظّاهر: و كذلك.

بعضهم فيه تفصيل. و قالالأوزاعيّ: إن شاء الإمام عاقبه وحرمه وإن شاء خمّس و الباقي له...

و قال الزّمَخْشَريّ: { فَاَنَّ للهِ ‚} مبتدأ، خبره محذوف، تقديره: حقّ أو فواجب أنّ لله خمسه، انتهى، و هذا التّقدير الثّاني الّذي هو < أو فواجب أنّ لله خمسه> تكون (أنّ) و معمولاها في موضع مبتدإ، خبره محذوف، و هو قوله: فواجب. و أجاز الفَرّاء أن تكون < ما > شرطيّة منصوبة ب { غَنِمْتُمْ } و اسم ( اَنّ) ضمير الشّأن محذوف تقديره: أنّه. و حذف هذا الضّمير مع (اَنَّ) المشدّدة مخصوص عند سيبَوَيه بالشّعر.

و روى الجعفيّ عن هارون عن أبي عمرو (فَاِنَّ للهِ‚) بكسر الهمزة، و حكاها ابن عَطيّة عن الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم، و يقوّي هذه القراءة قراءة النّخعيّ (فَلِلّهِ خُمُسَه). و قرأ الحسَن و عبد الوارث عن أبي عمرو: (خُمْسَهُ) بسكون الميم، و قرأ النّخعيّ: (خِمْسَه) بكسر الخاء على الإتباع يعني إتباع حركة الخاء لحركة ما قبلها، كقراءة من قرأ: (وَ السَّمَاءِ ذَاتِ الحِبُك) الذّاريات: 7، بكسر الحاء اتباعًا لحركة التّاء، و لم يعتدّ بالسّاكن، لأ نّه ساكن غيرحصين. و انظر إلى حُسن هذا التّركيب كيف أفرد كينونة الخمس لله، و فصل بين اسمه تعالى و بين المعاطيف، بقوله: { خُمُسَهُ } ليظهر استبداده تعالى بكينونة الخمس له، ثمّ أشرك المعاطيف معه على سبيل التّبعية له، و لم يأت التّركيب: فأنّ لله و للرّسول و لذى القُربى و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل خمسه، و جواب الشّرط محذوف، أي إِن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنّ الخمس من الغنيمة يجب التّقرّب به، و لايراد مجرّد العلم، بل العلم و العمل بمقتضاه، ولذلك قدّره بعضهم:إن كنتم آمنتم بالله فاقبلوا ما أُمرتم به في الغنائم. و أبعد من ذهب إلى أنّ الشّرط متعلّق معناه بقوله:{ نِعْمَ الْمَوْ لى وَ نِعْمَ النَّصير‘ُ } الأنفال: 40، و التّقدير فاعلموا أنّ الله مولاكم.

(4: 496)

السّمين: [نقل قراءة ( فَاِنَّ للهِ‚ ) بكسرالهمزة و قال:]

و خرّجها أبو البقاء على أنّها و ما في حيّزها في محل رفع خبرًا ل ( اَنَّ) الأُوّل.[ ثمّ نقل قول الحسَن و عبد الوارث و قد سبق عن أبي حَيّان، و فيه لأ نّه حاجز غير حصين ثم ّقال:]

ليت شعري و كيف يقرأُ الجعفيّ و الحالة هذه؟ فإنّه إن قرأ كذلك مع ضمّ الميم، فيكون في غاية الثّقل لخروجه مِن كسر إلى ضمّ، و إن قرأ بسكونها و هو الظّاهر فإنّه نقلها قراءةً عن أبي عمرو أو عن عاصم، و لكن الّذي قرأ (ذَاتِ الحِْبُك) يُبقي ضمّة الباء فيؤدّي إلى < فِعُل > بكسر الفاء و ضمّ العين، و هو بناء مرفوض. و إنّما قلت: إنّه يقرأ كذلك، لأ نّه لو قرأ بكسر التّاء لما احتاجوا إلى تأويل قراءته على الإتباع، لأنّ في (الْحُبُك) لغتين: ضمّ الحاء و الباء أو كسرهما،حتّى زعم بعضهم أنّ قراءة الخروج من كسر إلى ضمّ من الدّاخل. (3: 420)

ابن كثير: قوله تعالى: { وَ اعْلَمُوا اَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } توكيد لتخميس كلّ قليل و كثير، حتّى الخيط و المخيط، قال الله تعالى: { وَ مَنْ

ص: 43

يَغْلُلْ يَاْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيمَةِ ثُمَّ تُوَ فّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَ هُمْ لايُظْلَمُونَ } آل عمران: 161، و قوله : { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ } اختلف المفسّرون هاهنا، فقال بعضهم: لله نصيب من الخمس يُجعل في الكعبة. [ثم ّنقل قول أبي العالية المتقدّم]

و قال آخرون: ذكر الله هاهنا استفتاح كلام للتّبرّ ك، و سهم لرسوله(علیه السلام). [ثمّ نقل القول الأوّل لابن عبّاس المتقدّم]

و هكذا قال إبراهيم النّخعيّ و الحسن بن محمّد بن الحنفيّة و الحسَن البصريّ و الشّعبيّ و عطاء بن أبي رباح و عبد الله بن بريدة و قَتادَة و مغيرة و غير واحد: إنّ سهم الله و رسوله واحد. [و أيّده بروايات ثم ّقال:]

فهذه أحاديث جيّدة تدلّ على تقرير هذا وثبوته، ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له صلوات الله وسلامه عليه.

و قال آخرون: إنّ الخمس يتصرّف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين، كما يتصرّف في مال الفيء. و قال شيخنا الإمام العلامة ابن تيميّة رحمه الله: و هذا قول مالك وأكثر السّلف، و هو أصحّ الأقوال.

فإذا ثبت هذا و عُلم فقد اختلف أيضًا في الّذي كان يناله (علیه السلام) من الخمس ماذا يصنع به مَن بعده، فقال قائلون: يكون لمن يلي الامر من بعده، روي هذا عن أبي بكرو عليّ و قَتادَة و جماعة. و جاء فيه حديث مرفوع.

و قال آخرون: يصرف في مصالح المسلمين، و قال آخرون: بل هو مردود على بقيّة الأصناف: ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل، اختاره ابن جرير.

و قال آخرون: بل سهم النّبيّ(صلی الله علیه و آله) و سهم ذوي القربى مردودان على اليتامى و المساكين و ابن السّبيل. قال ابن جرير: و ذلك قول جماعة من أهل العراق. وقيل: إنّ الخمس جميعه لذوي القربى، كما رواه ابن جرير حدّثنا الحارث حدّثنا عبد العزيز حدّثنا عبد الغفّار حدّثنا المنهال بن عمرو، سألت عبد الله بن محمّد بن عليّ، و عليّ بن الحسين عن الخمس، فقالا: هو لنا. فقلت لعليّ: فإنّ الله يقول: {وَ الْيَتَامى وَ الْمَسَاكينِ ‘وَ ابْنِ السَّبيلِ‘ } فقالا يتامانا و مساكيننا...

ثمّ اختلف النّاس في هذين السّهمين بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فقال قائلون: سهم النّبيّ (صلی الله علیه و آله) تسليمًا للخليفة من بعده.

و قال آخرون: لقرابة النّبيّ (صلی الله علیه و آله).و قال آخرون: سهم القرابة لقرابة الخليفة، و اجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السّهمين في الخيل و العُدّة في سبيل الله، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر و عمر رضي الله عنهما. قال الأعمش عن إبراهيم كان أبوبكروعمر يجعلان سهم النّبيّ(صلی الله علیه و آله)في الكراع و السّلاح فقلت لإبراهيم: ما كان عليّ فيه ؟ قال: كان أشدّهم فيه.وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء رحمهم الله.

و أمّا سهم ذوي القربى، فإنّه يُصرف إلى بني هاشم وبني المطّلب، لأنّ بني المطّلب و ازَرُوا بني هاشم في الجاهليّة و في أوّل الإسلام، و دخلوا معهم في الشّعب غضبًا لرسول الله (صلی الله علیه و آله) و حماية له: مسلمهم طاعةً لله

ص: 44

و لرسوله، و كافرهم حميّةً للعشيرة و أنفةً، و طاعةً لأبي طالب عمّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) .و أمّا بنو عبد شمس و بنو نوفل و إن كانوا بني عمّهم، فلم يوافقوهم على ذلك بل حاربوهم و نابَذُوهم، و مالَؤُوا بطون قريش على حرب الرّسول، و لهذا كان ذمّ أبي طالب لهم في قصيدته اللاميّة أشدّ من غيرهم لشدّة قربهم، و لهذا يقول في أثناء قصيدته:

جزى الله عنّا عبد شمس و نوفل

عقوبة شرّعاجل غيرآجل

و هذا قول جمهور العلماء أ نّهم بنو هاشم و بنو المطّلب .[ثمّ نقل كلام الطّبَريّ فلاحظ] (3: 320)

الفاضل المقداد: و اعلم أنّ البحث في هذه الآية على أقسام ثلاثة:

القسم الأوّل: الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة و النّفل. و اصطلح جماعة على أنّ ما أُخذ من الكفّار إن كان من غير قتال فهو فيء، و إن كان مع القتال فهو غنيمة، و هو مذهب أصحابنا و الشّافعيّ، و هو مرويّ عن الباقر والصّادق 8. و قيل: إنّهما بمعنى واحد.

ثمّ إنّ عند أصحابنا أنّ الفيء للإمام خاصّة و الغنيمة يخرج منها الخمس كما يجيء، و الباقي بعد المُؤَن للمقاتلين و من حضر، و سيأتي بيانه. أمّا في باب الخمس فعمّم أصحابنا موضوعها بأنّه جميع ما يُستفاد من أرباح التّجارات و الزّراعات والصّناعات زائدًا عن مُؤنة السّنة، والكنوز، و المعادن و، الغَوْص، و الحلال المختلط بالحرام، و لايتميّز المالك و لاقدر الحرام، وأرض الذّمّي الّذي اشتراه من مسلم، وما يُغنَم من دار الحرب، كما تقدّم.

و عند الفقهاء: أنّ الغنيمة هنا هي ما أُخذ من دار الحرب لاغير، دون الأشياء المذكورة. نعم أوجب الشّافعيّ في معدن الذّهب و الفضّة الخمس دون باقي المعادن. و قال أبو حنيفة: يجب في المنطبع خاصّة. فقد ظهر لك أنّ أصحابنا عمّموا موضوع الخمس، و على قولهم دلّت الرّوايات عن أئمّتهم:.

إن قلت قوله تعالى:{ مِنْ شَىْء }يدلّ على وجوب الخمس في كلّ ما يُغنَم حتّى الخيط و المخيط كما قيل و هو لايتوجّه على قولكم،فإنّكم تشترطون النّصاب في الكنز و المعدن و الغوص.

قلت: اللّفظ و إن اقتضى العموم لكنّ البيان من الأئمّة: خصّصه و حصره.

القسم الثّاني: في كيّفيّة قسمته، و يظهر منه من يستحقّه.

فنقول: اتّفق علماء الجمهور على أنّ اسم الله هنا للتّبرّك، و أنّ قسمة الخُمس على الخمسة المذكورين في الآية في حياة الرّسول(صلی الله علیه و آله)،و أنّ المراد بذي القربى: هم بنو هاشم و بنو عبد المطّلب دون بني عبد الشّمس و بني نوفل، لقوله (علیه السلام): < إنّ بني المطّلب ما فارقونا في جاهليّة و لاإسلام و بنو هاشم و بنو المطّلب شيء واحد > و شبّك بين أصابعه، و إنّ الثّلاثة الباقية من با قي المسلمين.

و أمّا بعد حياة الرّسول(صلی الله علیه و آله) فقال مالك: الأمر فيه إلى الإمام يصرفه إلى ما يراه أهمّ من وجوه القرب.

ص: 45

و قال أبو حنيفة: يسقط سهمه(صلی الله علیه و آله) و سهم ذي القربى، و صار الكلّ مصروفًا إلى الثّلاثة الباقية من المسلمين. و قال الشّافعيّ: إنّ سهم الرّسول(صلی الله علیه و آله) يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين. و قيل: إلى الإمام، و قيل: إلى الأقسام الأربعة. و نقل الزّمَخْشَريّ في «الكشّاف»عن ابن عبّاس: أنّه كان يقسّم على ستّة: لله و الرّسول سهمان، و سهم لأقاربه حتّى قُبض، فأجرى أبوبكر الخمس على ثلاثة، و كذلك روي عن عمر، و باقي الخلفاء بعده.

قال: و روي أنّ أبابكر منع بني هاشم من الخمس. و قال: إنّما لكم أن يُعطى فقيركم، و يزوَّج أيّمكم، و يُخدَم من لاخادم له منكم، فأمّا الغنيّ منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غنيّ لايُعطى من الصّدقة شيئًا، و لايتيم موسر. و نُقل عن عليّ (علیه السلام) أنّه قيل له: إنّ الله تعالى يقول: { وَ الْيَتَامى وَ الْمَسَاكينِ ‘} فقال: «أيتامنا و مساكيننا » و عن الحسَن البصريّ: أنّ سهم رسول الله(صلی الله علیه و آله) لوليّ الأمر بعده هذا.

و قال أصحابنا الإماميّة: إنّه يُقسّم ستّة أقسام: ثلاثة للرّسول(صلی الله علیه و آله) في حياته، و بعده للإمام القائم مقامه، و هو المعنيّ بذي القربى، و الثّلاثة الباقية لمن سمّاهم الله تعالى من بني عبد المطّلب خاصّة دون غيرهم. و قولهم هو الحقّ:

أمّا أوّلا: فلأ نّه لايلزمهم مخالفة الآية الكريمة بسبب إسقاط سهم الله من البين، و كذا إسقاط سهم الرّسول بعد حياته.

و أمّا ثانيًا فلما و رد من النّقل الصّحيح عن أئمّتنا :، و كذا نقله الخصم عن عليّ (علیه السلام) و عن ابن عبّاس، كما حكيناه عن الزّمَخْشَريّ.

و أمّا ثالثًا: فلأ نّا إذا أعطيناه لفقراء ذوي القربى من اليتامى و المساكين و ابن السّبيل، جاز بالإجماع و برئت الذّمّة يقينًا، و إذا أعطيناه غيرهم لم يجز عند الإماميّة، فكان التّخصيص بذوي القربى أحوط.إن قلت : لفظ الآية عامّ؟ قلت: ما من عامّ إلا و قد خُصّ، فهذا مخصوص بما رويناه عن أئمّة الهُدى كزين العابدين و الباقر و الصّادق و أولادهم: على أ نّا نقول: لفظ الآية عامّ مخصوص بالاتّفاق، فإنّ ذي القُربى مخصوص ببني هاشم، و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل عامّ في المشرك و الذّمّيّ و غيرهم، مع أنّه مخصوص بمن ليس كذلك.

قال السّيّد المرتضى: « كون ذي القربى مفردًا يدلّ على أنّه الإمام القائم مقام النّبيّ(صلی الله علیه و آله) إذ لو أراد الجميع لقال ذوي القربى » و فيه نظر لجواز إرادة الجنس.

قوله: «إذ لو كان المراد جميع قرابات بني هاشم، لزم أن يكون ما عطف عليه أعني اليتامى و المساكين و ابن السّبيل من غيرهم لامنهم، لأنّ العطف يقتضي المغايرة ». و فيه نظر أيضًا لجواز عطف الخاصّ على العامّ، لمزيد فائدة و وفورعناية. فالأولى حينئذ الاعتماد في هذه المجملات على بيانه(صلی الله علیه و آله) و بيان الأئمّة :بعده.

القسم الثّالث: في الآية المذكورة من التّواكيد ما ليس في غيرها، فإنّه صدّرها بالأمر بالعلم. أي يتحقّق عندكم ذلك حتّى أنّه لم يرد لها ناسخ اتّفاقًا، ثمّ أتى

ص: 46

ب ( اَنَّ )المؤكّدة في موضعين، ثمّ قال: { اِنْ كُنْتُمْ امَنْتُمْ بِاللهِ } و هو متعلّق بمحذوف، أي كون الخمس لهؤلاء المذكورين واجب، فأدّوه إن كنتم آمنتم بدليل { فَاعْلَمُوا } لأنّ المراد هنا من العلم العمل بمقتضاها. قال الواقديّ: نزل الخمس في غزاة بني قينقاع بعد بدر بشهر و ثلاثة أيّام للنّصف من شهر شوّال، على رأس عشرين شهرًا من الهجرة، و عن الكَلْبيّ نزلت ببدر.

(1: 248)

الشِّربينيّ: كانت [الغنيمة] في صدر الإسلام له خاصّة، لأ نّه كالمقاتلين كلّهم نصرة و شجاعة بل أعظم، ثمّ نُسخ ذلك و استقلّ الأمر على أنّها تُجعل خمسة أقسام متساوية، و يؤخذ خَمس رقاع، و يُكتَب على واحدة لله أو للمصالح، و على أربع للغانمين، ثمّ تُدرج في بنادق مستوية، و يُخرَج لكلّ خمس رقعة، فما خرج لله أو للمصالح جُعل بين أهل الخمس على خمسة أصناف، و هو النّبيّ (صلی الله علیه و آله) و من معه، و ذُكرالله تعالى في الآية للتّبرّك. و أمّا ما كان له (صلی الله علیه و آله) فهو لمصالح المسلمين، كسدّ الثّغور و أرزاق علماء بعلوم تتعلّق بمصالحنا، كتفسير و فقه و حديث. [ثمّ ذكر الأصناف]

(1: 571)

الآلوسي: [بيّن إعراب الآية و قراءتها نحو أبي حَيّان ثمّ قال:]

و كيفيّة القسمة عند الأصحاب أنّها كانت على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله) على خمسة أسهم: سهم له عليه الصّلاة و السّلام، و سهم للمذكورين من ذوي القربى، و ثلاثة أسهم للأصناف الثّلاثة الباقية. و أمّا بعد وفاته عليه الصّلاة و السّلام فسقط سهمه(صلی الله علیه و آله)،كما سقط الصّفيّ، و هو ما كان يصطفيه لنفسه من الغنيمة، مثل درع و سيف وجارية بموته (صلی الله علیه و آله)، لأ نّه كان يستحقّه برسالته و لا رسول بعده (صلی الله علیه و آله)، و كذا سقط سهم ذوي القربى، و إنّما يُعطون بالفقر و تقدّم فقرائهم على فقراء غيرهم، و لاحقّ لأغنيائهم، لأنّ الخلفاء الأربعة الرّاشدين قسّموه كذلك، و كفى بهم قُدوةً. و روي عن أبي بكر أنّه منع بني هاشم الخمس، و قال: إنّما لكم أن يُعطى فقيركم و يزوَّج أيّمكم، و يُخدَم ما لاخادم له منكم، فأمّا الغنيّ منكم فهو بمنزلة ابن السّبيل غنيّ لايُعطى من الصّدقة شيئًا، و لايتيم موسر.

و عن زَيْد بن عليّ كذلك قال: « ليس لنا أن نبني منه القصور و لا أن نركب منه البراذين »، و لأنّ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) إنّما أعطاهم للنّصرة لاللقرابة، كما يُشير إليه جوابه لعثمان، و جُبَيْر رضي الله تعالى عنهما، و هو يدلّ على أنّ المراد ب { الْقُرْبى} في النّص: قرب النّصرة لاقرب القرابة؛ و حيث انتهت النّصرة انتهى الإعطاء، لأنّ الحكم ينتهي بانتهاء علّته، و اليتيم صغيرلاأب له، فيدخل فقراء اليتامى من ذوي القربى في سهم اليتامى المذكورين دون أغنيائهم، و المسكين منهم في سهم المساكين. و فائدة ذكر اليتيم مع كون استحقاقه بالفقر و المسكنة لا باليتيم((1) دفع توهّم أنّ اليتيم لايستحقّ من الغنيمة شيئًا، لأنّ استحقاقها بالجهاد، و اليتيم صغير فلايستحقّها.

ص: 47


1- (1) كذا، و الظّاهر: لاباليُتْم.

و في < التّأويلات > لعلم الهدى الشّيخ أبي منصور: أنّ ذوي القربى إنّما يستحقّون بالفقر أيضًا، و فائدة ذكرهم دفع ما يُتوهّم أنّ الفقير منهم لايستحقّ، لأ نّه من قبيل الصّدقة، و لاتحلّ لهم. و في « الحاوي القدسيّ » و عن أبي يوسف: أنّ الخمس يُصرف لذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل و به نأخذ، انتهى. و هو يقتضي أنّ الفتوى على الصّرف إلى ذوي القربى الأغنياء، فليحفظ.

و في « التّحفة » أنّ هذه الثّلاثة مصارف الخمس عندنا لاعلى سبيل الاستحقاق، حتّى لو صُرف إلى صنف واحد منهم جاز، كما في الصّدقات، كذا في « فتح القدير ».

و مذهب الإمام مالك : أنّ الخمس لايلزم تخميسه، و أنّه مفوّض إلى رأي الإمام، كما يُشعر به كلام خليل. و به صرّح ابن الحاجب، فقال: و لايُخمّس لزومًا، بل يُصرف منه لآله عليه الصّلاة و السّلام بالاجتهاد و مصالح المسلمين، و يبدأون استحبابًا كما نقل التّتائيّ عن السّنباطيّ بالصّرف على غيرهم، و ذكر أنّهم بنو هاشم، وأنّهم يوفّر نصيبهم لمنعهم من الزّكاة، حسبما يُرى من قلّة المال و كثرته. و كان عمر بن عبد العزيز يخصّ و لد فاطمة رضي الله تعالى عنها كلّ عام باثني عشر ألف دينار سوى ما يُعطى غيرهم من ذوي القربى. و قيل: يساوى بين الغنيّ و الفقير، و هو فعل أبي بكر و كان عمر بن الخطاب يعطي حسب ما يراه، و قيل: يُخيّر، لأنّ فعل كلّ من الشيّخين حجّة.

و قال عبد الوهّاب: أنّ الإمام يبدأ بنفقته و نفقة عياله بغير تقدير. و ظاهر كلام الجمهور أنّه لايبدأ بذلك، و به قال ابن عبد الحكم. و المراد بذكر الله سبحانه عند هذا الإمام: أنّ الخمس يُصرف في وجوه القربات لله تعالى، و المذكور بَعدُ ليس للتّخصيص بل لتفضيله على غيره، و لايرفع حكم العموم الأوّل، بل هو قارّ على حاله؛ و ذلك كالعموم الثّابت للملائكة و إن خُص جبريل و ميكائيل 8 بعد.

و مذهب الشّافعيّ في قسمة الغنيمة أن يُقدّم من أصل المال السّلب، ثمّ يُخرج منه حيث لامتطوّع مُؤنة الحفظ و النّقل و غيرهما من المُؤَن اللازمة للحاجة إليها، ثمّ يُخمّس الباقي فيُجعل خمسة أقسام متساوية، ويُكتب على رقعة< لله > تعالى أو <للمصالح> و على رقعة < للغانمين > و تُدرج في بنادق، فما خرج لله تعالى قُسّم على خمس: مصالح المسلمين كالثّغور، و المشتغلين بعلوم الشّرع و آلاتها و لو مبتدين، و الأئمّة، و المؤذّنين و لو أغنياء، و سائر من يشتغل عن نحو كسبه بمصالح المسلمين لعموم نفعهم. و أُلحق بهم العاجزون عن الكسب و العطاء إلى رأي الإمام معتبرًا سَعة المال و ضيقه. و هذا هو السّهم الّذي كان لرسول الله (صلی الله علیه و آله) في حياته، و كان ينفق منه على نفسه و عياله، و يدّخر منه مُؤنة سنة، و يصرف الباقي في المصالح.

و هل كان عليه الصّلاة و السّلام مع هذا التّصرّف مالكًا لذلك أو غير مالك؟ قولان: ذهب إلى الثّاني الإمام الرّافعيّ، و سبقه إليه جمع متقدّمون، قال: إنّه عليه الصّلاة و السّلام مع تصرّفه في الخمس المذكور، لم

ص: 48

يكن يملكه و لاينتقل منه إلى غيره إرثًا.

و رُدّ بأنّ الصّواب المنصوص أ نّه كان يملكه، و قد غلّط الشّيخ أبو حامد من قال: لم يكن (صلی الله علیه و آله) يملك شيئًا، و إن أُبيح له ما يحتاج إليه. و قد يُؤوّل كلام الرّافعيّ بأ نّه لم ينف المِلْك المطلق، بل الملك المقتضي للإرث عنه.و يؤيّد ذلك اقتضاء كلامه في الخصائص أ نّه يملك.

و بنو هاشم و المطّلب، و العبرة بالانتساب للآباء دون الأُمّهات، و يشترك فيه الغنيّ و الفقير لإطلاق الآية، و إعطاؤه عليه الصّلاة و السّلام العبّاس و كان غنيًّا و النّساء، و يفضّل الذّكَر كالإرث واليتامى، و لايمنع وجود جدّ، و يدخل فيهم ولد الزّنى و المنفيّ لااللّقيط على الأوجه. و يشترط فقره على المشهور،و لابدّ في ثبوت اليُتْم و الإسلام و الفقر هنا من البيّنة، و كذا في الهاشميّ و المطّلبيّ، و اشترط جمع فيهما معها استفاضة النّسبة، و المساكين و ابن السّبيل و لو بقولهم بلا يمين. نعم يظهر في مدّعي تلف مال، له عرف أو عيال أنّه يكلَّف بيّنة. و يُشتَرط الإسلام في الكلّ، و الفقر في ابن السّبيل أيضًا، و تمامه في كتبهم.

و تعلّق أبو العالية بظاهر الآية الكريمة، فقال: يُقسّم ستّة أسهم و يُصرف سهم الله تعالى لمصالح الكعبة، أي إن كانت قريبة، وإلا فإلى مسجد كلّ بلدة وقع فيها الخمس، كما قاله ابن الهمام. و قد روى أبو داود في « المراسيل » و ابن جرير عنه أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان يأخذ منه قبضة فيجعلها لمصالح الكعبة، ثمّ يُقسّم ما بقي خمسة أسهم.

و مذهب الإماميّة أنّه ينقسم إلى ستّة أسهم أيضًا كمذهب أبي العالية، إلا أنّهم قالوا: إنّ سهم الله تعالى و سهم الرّسول (صلی الله علیه و آله) و سهم ذوي القربى للإمام القائم مقام الرّسول عليه الصّلاة و السّلام. و سهم ليتامى آل محمّد(صلی الله علیه و آله)، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم لايُشركهم في ذلك غيرهم، و روَوا ذلك عن زين العابدين، و محمّد بن عليّ الباقر رضي الله تعالى عنهم. و الظّاهر أنّ الأسهم الثّلاثة الأُول الّتي ذكروها اليوم تُخبأ في السّرداب؛ إذ القائم مقام الرّسول قد غاب عندهم فتُخبأ له حتّى يرجع من غيبته. و قيل: سهم الله تعالى لبيت المال، و قيل: هو مضموم لسهم الرّسول (صلی الله علیه و آله).

هذا، و لم يبيّن سبحانه حال الأخماس الأربعة الباقية؛ و حيث بيّن جلّ شأنه حكم الخمس و لم يُبيّنها، دلّ على أنّها مِلك الغانمين. و قسمتها عند أبي حنيفة: للفارس سهمان، و للرّاجل سهم واحد. لما روي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنّ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) فعل كذلك و الفارس في السّفينة يستحقّ سهمين أيضًا و إن لم يمكنه القتال عليها فيها للتّأهّب و المتأهّب للشّيء كالمباشر كما في « المحيط » و لافرق بين الفَرَس المملوك و المستأجَر و المستعار، و كذا المغصوب على تفصيل فيه.

و ذهب الشّافعيّ و مالك إلى أنّ للفارس ثلاثة أسهم، لما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أسهَمَ للفارس ذلك، وهو قول الإمامين.

و أُجيب بأنّه قد روي عن ابن عمر أيضًا أنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) قسّم للفارس سهمَين فإذا تعارضت روايتاه

ص: 49

تُرجّح رواية غيره بسلامتها عن المعارضة، فيُعمل بها، و هذه الرّواية رواية ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما.

و في « الهداية » أنّه عليه الصّلاة و السّلام تعارض فعلاه في الفارس، فنرجع إلى قوله عليه الصّلاة و السّلام، وقد قال (صلی الله علیه و آله):للفارس سهمان وللرّاجل سهم، و تعقّبه فيالعناية بأنّ طريقة استدلاله مخالفة لقواعد الأُصول، فإنّ الأصل: أنّ الدّليلين إذا تعارضا و تعذّر التّوفيق و التّرجيح، يصار إلى ما بعده لا إلى ما قبله، و هو قال: فتعارض فعلاه، فنرجع إلى قوله، و المسلك المعهود في مثله أن نستدلّ بقوله، و نقول: فعله لايعارض قوله، لأنّ القول أقوى بالاتّفاق. و ذهب الإمام إلى أ نّه لايُسهَم إلا لفرس واحد، و عند أبي يوسف يُسهم لفرسين، و ما يستدلّ به على ذلك محمول على التّنفيل عند الإمام، كما أعطى عليه الصّلاة و السّلام سلمة بن الأكوع سهمين و هو راجل، و لايُسهَم لثلاثة اتّفاقًا { اِنْ كُنتُمْ امَنْتُمْ بِاللهِ } شرط جزاؤه محذوف، أي إن كنتم آمنتم بالله تعالى فاعلموا أنّه تعالى جعل الخمس لمن جعل، فسلّموه إليهم، واقنعوا بالأخماس الأربعة الباقية. و ليس المراد مجرّد العلم بذلك، بل العلم المشفوع بالعمل و الطّاعة لأمره تعالى. و لم يجعل الجزاء ما قبل، لأ نّه لايصحّ تقدّم الجزاء على الشّرط على الصّحيح عند أهل العربيّة. و إنّما لم يقدّر العمل قصرًا للمسافة كما فعله النّسَفيّ، لأنّ المطّرد في أمثال ذلك أن يقدَّر ما يدلّ ما قبله عليه، فيقدّر من جنسه. (10: 2)

نحوه القاسميّ. (8: 2998)

رشيد رضا: [بيّن كيفيّة قسمة الخمس كماتقدّم عن ابن عَطيّة و الآلوسيّ و غيرهماو أضاف:]

وحكمة تقسيم الخمس على هذا النّحو أنّ الدّولة الّتي تُدير سياسة الأُمّة لابدّ لها من مال تستعين به على ذلك، و هو أقسام:

أوّلها: ما كان للمصلحة العامّة كشعائر الدّين و حماية الحوزة، و هو ماجعل لله في الآية.

و ثانيها: ماكان لنفقة إمامها و رئيس حكومتها، و هو سهم الرّسول (صلی الله علیه و آله) فيها.

و ثالثها: ماكان لأقوى عصبته و أخلصهم له وأظهرهم تمثيلا لشرفه و كرامته، و هو سهم أُولي القربى.

و رابعها: ما يكون لذوي الحاجات من ضعفاء الأُمّة، و هم الباقون. و هذا الاعتبار كلّه أو أكثره لايزال مراعى و معمولا به في أكثر الدُّول و الأُمم، مع اختلاف شؤون الاجتماع و المصالح العامّة و الخاصّة.

فأمّا المال الّذي يُرصد لهذه المصالح، فهو في هذا العصر أنواع، يدخل كلّ نوع منه في ميزانيّة الوِزارة الموكول إليها أمر المصلحة الّتي خُصّص لها المال، إن كان من الأُمور الجهريّة، و إلا وُكِّل إلى المخصّصات السّرّ يّة، و لاسيّما إذا كان من الأعمال الحربيّة، كالتّجسّس و ما يتعلّق به، و هو كثير عند جميع الدّول العسكريّة.

و كذلك راتب ممثِّل دولة من مَلِك أورئيس جمهوريّة أو غيره، فهو يوضع في الميزانيّة العامّة للدّولة، و له عندهم مصارف: منها: ما هوخاص

ص: 50

بشخصه و عياله، و منها: ما يبذله من الإعاناتللجمعيّات الخيريّة و العلميّة و نحوها، و منها: ما يتعلّق بعظمة الدّولة و مكانتها، كالمال الّذي ينفقه في ضيافة الملوك و الرّؤساء و العظماء الّذين يزورون عاصمته، و الدّعوات الّتي تقام في قصره لكبراء الأجانب و كبراء الأُمّة في بعض المواسم و الأحوال. و قدكان الرّسول (صلی الله علیه و آله) أولى من جميع الملوك و الرّؤساء في العالم بمال يختص به، لأنّ و ظائفه و أعماله للأُمّة أكبر و أكثر، و مقامه أجلّ و أعظم، و هو عن الكسب و الاستقلال أبعد، و أوقاته عنهما أضيق.[إلى أن قال:]

و لايبعد أن يقال: إنّه لمّا كان من أُصول التّشريع للحكومة الإسلاميّة أن تقوم على قاعدة الشّورى، و أن يكون الإمام الأعظم فيها منتخبًا من أيّ بطن من بطون قريش، و كان من المعقول المعهود من طباع البشر التّنافس في المُلك المؤدّي إلى أن يكون الإمام الأعظم من غير أُولي القربى، و أن يغلبهم النّاس على حقوقهم في الولايات و مناصب الدّولة، فجعل لهم هذا الحقّ في الخمس تشريعًا ثابتًا بالنّص لايحلّ لأحد إبطاله بالاجتهاد.

و من العجب أنّ أكثر فقهاء المسلمين لم يعتبروا هذه المعاني، لأ نّهم لم يكونوا يفكّرون و لايبحثون في مقوّمات الأُمَم و الدّول القوميّة و الملّيّة، بل غلب عليهم روح المساواة، و ما يعبّر عنه في هذا العصر ب < الدّمقراطيّة > حتّى أسقط بعضهم سهم آل بيت الرّسول(صلی الله علیه و آله) من بعده، مع بقاء تحريم مال الصّدقات عليهم [إلى أن قال:]

فالأصل في الخمس أنّه كان المرباع عادةً مستمرّةً في الجاهليّة، يأخذه رئيس القوم و عصبته، فتمكّن ذلك في علومهم، و ما كادوا يجدون في أنفسهم حرجًا منهم، و فيه قال القائل:

و إنّ لنا المرباع من كلّ غارة *** تكون بنجد أوبأرض التّهائم

فشرّع الله تعالى الخُمس لحوائج المدينة والملّة نحوًا ممّا كان عندهم، كما أنزل الآيات على الأنبياء : نحوًا ممّا كان شائعًا ذائعًا فيهم.

وكان المرباع لرئيس القوم وعصبته تنويهًا بشأنهم، ولأ نّهم مشغولون بأمر العامّة، محتاجون إلى نفقات كثيرة؛ فجعل الله الخمس لرسول الله (صلی الله علیه و آله) لأ نّه (علیه السلام) مشغول بأمر النّاس لايتفرّق أن يكتسب لأهله، فوجب أن تكون نفقته في مال المسلمين، ولأنّ النّصرة حصلت بدعوة النّبيّ(صلی الله علیه و آله) و الرُّعب الّذي أعطاه الله إيّاه، فكان كحاضر الوقعة. و لذوي القربى لأ نّهم أكثرالنّاس حميّةً للإسلام؛ حيث اجتمع فيهم الحميّة الدّينيّة إلى الحميّة النّسبيّة، فإنّه لافخرَ لهم إلا بعلوّ دين محمّد (صلی الله علیه و آله)، و لأنّ في ذلك تنويهًا بأهل بيت النّبيّ(صلی الله علیه و آله) و تلك مصلحة راجعة إلى الملّة. وإذا كان العلماء و القُرّاء يكون توقيرهم تنويهًا بالملّة، يجب أنيكون توقير ذوي القربى كذلك بالأولى. و للمحتاجين و ضَبِطهم با لمساكين و الفقراء و اليتامى، و قد ثبت أنّ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أعطى المؤلّفة قلوبهم و غيرهم من الخمس.

و على هذا فتخصيص هذه الخمسة بالذّكر للاهتمام بشأنها، و التّوكيد أن لايتّخذ الخُمس

ص: 51

و الفيء أغنياؤهم دُولةً، فيهملوا جانب المحتاجين، و لسدّ باب الظّنّ السّيّء بالنّسبة إلى النّبيّ(صلی الله علیه و آله) و قرابته.

(10: 8)

نحوه ملخّصًا المَراغيّ. (10: 4)

ابن عاشور: و المصدر المؤوّل بعد ( اَنَّ ) في قوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } مبتدأ حُذف خبره، أو خبر حُذف مبتدؤه، و تقدير المحذوف بما يناسب المعنى الّذي دلّت عليه لام الاستحقاق، أي فحقّ لله خُمُسَه. و إنّما صيغ على هذا النّظم، مع كون معنى اللام كافيًا في الدّلالة على الأحقّيّة، كما قرئ في الشّاذّ (فَلِلهِ \خُمُسَهُ ) لما يفيده الإتيان بحرف ( اَنَّ ) من الإسناد مرّتين تأكيدًا، و لأنّ في حذف أحد ركني الإسناد تكثيرًا لوجوه الاحتمال في المقدّر، من نحو تقدير: حقّ، أو ثبات، أو لازم، أو واجب.

و اللام للملك، أو الاستحقاق، و قد علم أنّ أربعة الأخماس للغُزاة الصّادق عليهم ضمير { غَنِمْتُمْ }، فثبت به أنّ الغنيمة لهم عدا خمسها.

قد جعل الله خمس الغنيمة حقًّا لله و للرّسول و من عطف عليهما، و كان أمر العرب في الجاهليّة أنّ ربع الغنيمة يكون لقائد الجيش، و يسمّى ذلك « المِرباع » بكسر الميم.

و في عرف الإسلام إذا جُعل شيء حقًّا لله، من غير ما فيه عبادة له: أنّ ذلك يكون للّذين يأمرالله بتسديد حاجتهم منه، فلكلّ نوع من الأموال مستحقّون عيّنهم الشّرع، فالمعنى في قوله: { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } أنّ الابتداء باسم الله تعالى للإشارة إلى أنّ ذلك الخمس حقّ الله يصرفه حيث يشاء، و قد شاء فوكّل صرفه إلى رسوله (صلی الله علیه و آله) و لمن يخلف رسوله من أئمّة المسلمين. و بهذا التّأويل يكون الخمس مقسومًا على خمسة أسهم، و هذا قول عامّة علماء الإسلام.

و شذّ أبو العالية رُفَيع الرّياحيّ و لاءً من التّابعين، فقال: إنّ الخمس يقسّم على خمسة أسهم، فيُعزل منها سهم، فيضرب الأمير بيده على ذلك السّهم الّذي عزله، فما قبضت عليه يده من ذلك جعله للكعبة، أي على وجه يُشبه القرعة، ثمّ يُقسّم بقيّة ذلك السّهم على خمسة: سهم للنّبيّ (صلی الله علیه و آله) ،و سهم لذوي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لابن السّبيل. و نسب أبو العالية ذلك إلى فعل النّبيّ(صلی الله علیه و آله).

و أمّا الرّسول عليه الصّلاة و السّلام فلحقّه حالتان: حالة تصرّفه في مال الله بما ائتمنه الله على سائر مصالح الأُمّة، و حالة انتفاعه بما يحبّ انتفاعه به من ذلك. فلذلك ثبت في < الصّحيح >:أنّ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) كان يأخذ من الخمس نفقته و نفقة عياله، و يجعل الباقي مجعل مال الله. (9: 103)

الطَّباطَبائيّ: فمعنى الآية و الله أعلم و اعلموا أنّ خمس ما غنمتم أيّ شيء كان هو لله و لرسوله و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل، فرُدّوه إلى أهله إن كنتم آمنتم بالله و ما أنزله على عبده محمّد(صلی الله علیه و آله) يوم بدر. و هوأنّ الأنفال و غنائم الحرب لله و لرسوله لايشارك الله و رسوله فيها أحد، و قد أجازالله لكم أن تأكلوا منها، و أباح لكم التّصرّف فيها، فالّذي أباح لكم التّصرّف فيها، يأمركم أن تُؤدّوا

ص: 52

خمسها إلى أهله.

و ظاهر الآية أنّها مشتملة على تشريع مؤبّد كما هو ظاهر التّشريعات القرآنيّة و أنّ الحكم متعلّق بما يسمّى غنمًا و غنيمةً، سواء كان غنيمة حربيّة مأخوذة من الكفّار، أو غيرها ممّا يُطلق عليه الغنيمة لغةً ،كأرباح المكاسب و الغَوْص و الملاحة، و المستخرج من الكنوز و المعادن، و إن كان مورد نزول الآية هو غنيمة الحرب، فليس للمورد أن يخصَّص. و كذا ظاهرما عُدّ من موارد الصّرف بقوله:{ فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِى الْقُرْبى وَ الْيَتَامى وَ الْمَسَاكينِ‘ وَ ابْنِ السَّبيلِ ‘} انحصار الموارد في هؤلاء الأصناف، و أنّ لكلّ منهم سهمًا بمعنى استقلاله في أخذ السّهم، كما يستفاد مثله من آية الزّكاة من غيرأن يكون ذكرالأصناف من قبيل التّمثيل.

فهذا كلّه ممّا لاريب فيه بالنّظر إلى المتبادر من ظاهر معنى الآية ، و عليه وردت الأخبار من طرق الشّيعة عن أئمّة أهل البيت :. و قد اختلفت كلمات المفسّرين من أهل السّنّة في تفسير الآية و سنتعرّض لها في البحث الرّوائيّ التّالي إن شاء الله تعالى. (9: 90)

[ونقل روايات عن أئمّة أهل البيت :ثمّ قال:]

أقول: و الأخبار عن أئمّه أهل البيت : متواترة في اختصاص الخمس بالله و رسوله و الإمام من أهل بيته، و يتامى قرابته و مساكينهم و أبناء سبيلهم، لايتعدّاهم إلى غيرهم، و أنّه يُقسّم ستّة أسهم على ما مرّ في الرّوايات، و أنّه لايختص بغنائم الحرب بل يعمّ كلّ ما كان يسمّى غنيمة لغةً، من أرباح المكاسب و الكنوزو الغوص و المعادن و الملاحة، و في رواياتهم كما تقدّم إنّ ذلك موهبة من الله لأهل البيت بما حرّم عليهم الزّكوات و الصّدقات.

(9: 104)

[ و نقل الرّوايات المتقدّمة عن< الدُّرّ المنثور > ثمّ قال: ]

و الرّوايات في هذا الباب كثيرة من طُرُق أهل السّنّة، و قد اختلفت الرّوايات الحاكية لعمل النّبيّ(صلی الله علیه و آله)من طُرُقهم بين ما مضمونه أ نّه(صلی الله علیه و آله)كان يُقسّم الخمس على أربعة أسهم، و بين ما مضمونه التّقسيم على خمسة أسهم. غير أنّه يقرب منالمسلّم فيها أنّ من سهام الخمس ما يختص بقرابة النّبيّ(صلی الله علیه و آله) وهم المعنيّون بذي القربى في آية الخمس، على خلاف ما في الرّوايات المرويّة عن أئمّه أهل البيت :. و ممّا يقرب من المسلّم فيها أنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) كان يُقسّمه بين المطّلبيّين ما دام حيًّا، و أنّه انقطع عنهم على هذا الوصف في زمن الخلفاء الثّلاث، ثمّ جرى على ذلك الأمر بعدهم.

و من المسلّم فيها أيضًا أنّ الخمس يختص بغنائم الحرب على خلاف ما عليه الرّوايات من طرق أئمّه أهل البيت : و لايتعدّاها إلى كلّ ما يصدق عليه اسم الغنيمة لغة. و ما يتعلّق بالآية من محصل البحث التّفسيريّ هو الّذي قدّمناه، و هناك أبحاث أُخر كلاميّة أو فقهيّة خارجة عن غرضنا.

و هناك بحث حقوقيّ اجتماعيّ في ما يؤثّره

ص: 53

الخمس من الأثر في المجتمع الإسلاميّ، سيوافيك في ضمن الكلام على الزّكاة.

بقى الكلام فيما تتضمّنه الرّوايات أنّ الله سبحانه أراد بتشريع الخمس إكرام أهل بيت النّبيّ(صلی الله علیه و آله)

و أُسرته، و ترفيعهم من أن يأخذوا أوساخ النّاس في أموالهم. و الظّاهر أنّ ذلك مأخوذ من قوله تعالى في آية الزّكاة، خطابًا لنبيّه(صلی الله علیه و آله): { خُذْ مِنْ اَمْوَ الِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ‘ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ اِنَّ صَلوتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } التّوبة : 103، فإنّ التّطهير و التّزكية إنّما يتعلّق بما لايخلو من دَنَس و وَسَخ و نحوهما، و لم يقع في آية الخمس ما يشعر بذلك. (9: 106)

عبدالكريم الخطيب: الخمس لله و للرّسول، و لذي القربى، و اليتامى، و المساكين، و ابن السّبيل. فهذا الخمس من الغنائم موّزع على خمسة أقسام: قسم لله، و ماكان لله فهو لرسول الله، و قسم لذوي القربى من رسول الله من بني عبد المطّلب و بني هاشم، و ثلاثة أقسام للفقراء و المساكين و ابن السّبيل.

أمّا أربعة الأخماس الباقية من المغانم بعد مخرج هذا الخمس منها، فهي للمجاهدين الّذين قاتلوا على تلك الغنائم، تُقسّم بالسّويّة بينهم، لكلّ مقاتل سهم. [إلى أن قال:]

هذا، و قد اختُلف في الخمس الّذي كان للرّسول، مع الخمس الّذي كان لقرابته ممّا جعله الله لهما في خمس الغنائم الّذي تُوزّع إلى خمسة أخماس؛ و ذلك بعد وفاة الرّسول صلوات الله و سلامه عليه.

أمّا خُمس الرّسول، فهو خُمس الله الّذي أضافه الله سبحانه إلى رسوله، وعلى هذا يضاف هذا الخمس إلى ثلاثة الأخماس الّتي لليتامى والمساكين وابن السّبيل.

وأمّا خُمس ذوي القربى فقد أباه أبوبكر عليهم بعد وفاة النّبيّ ، و اعتبره ميراثًا، فقد كان النّبيّ ينفق منه على ذوي قرابته، فلمّا تُوفّي صلوات الله و سلامه عليه، لم يكن لذوي قرابته حقّ فيه عملا بقول الرّسول الكريم:« نحن معاشر الأنبياء لانورّث ما تركناه صدقة ».

و قد أخذ عمربهذا بعد أبي بكر، كما أخذ به عثمان، ثمّ عليّ 2، و أبى عليّ كرّم الله وجهه أن يخرج على ما سار عليه الخلفاء الرّاشدون قبله، و إن كان من رأيه كاجتهاد له أنّ خُمس ذوي القربى حقّ لهم بعد الرّسول، كما هو حقّ لهم في حياته. و بهذا الرّأي أخذ الإمام الشّافعيّ، و بعض الأئمّة، كما أنّه هو الرّأي المعتمد عند الشّيعة. (5: 616)

مكارم الشّيرازيّ: الخُمس فرض إسلاميّ مهمّ، وجدنا في بداية هذه السّورة كيف أنّ بعضًا من المسلمين تشاجروا في شأن تقسيم الغنائم بعد غزوة بدر، و قد أمرالله سبحانه درءً لأُصول الخلاف أن توضع الغنائم تحت تصرّف النّبيّ(صلی الله علیه و آله) لينفقها بما يراه صالحًا، فقام بتقسيمها بالتّساوي بين المقاتلين المسلمين

و في هذه الآية في الحقيقة عود إلى مسألة الغنائم، لتناسب الآيات الّتي سبقتها، و الّتي كانت تتكلّم على الجهاد؛ إذ وجدنا في بعضها إشارات مختلفة لموضوع الجهاد. و لمّا كان الجهاد يرتبط بمسألة الغنائم غالبًا،

ص: 54

فكان في المقام تناسب بين الجهاد و بين ذكر أحكام الغنائم، بل سنلاحظ أنّ القرآن تعدّى في حكمه إلى أبعد من مسألة الغنائم، و نظرإلى جميع الموارد. [ و ذكر الآية ثمّ قال:]

و ينبغي الالتفات إلى هذه اللّطيفة، و هي أنّه على الرّغم من أنّ الخطاب في الآية موجّه إلى المؤمنين، لأ نّهاتبحث في غنائم الجهاد الإسلاميّ، و بديهيّ أنّ المجاهد مؤمن، لكنّها مع ذلك تقول: { اِنْ كُنْتُمْ امَنْتُمْ بِاللهِ } و في ذلك إشارة إلى أنّ ادّعاء الإيمان وحده لايعدّ دليلا على الإيمان ،بل حتّى المشاركة في سوح الجهاد قد لاتكون دليلا على الإيمان، فقد تكون وراء ذلك أُمورأُخرى. فالمؤمن الكامل هوالّذي يذعن لأوامر الله كافّة و ينقاد لها، و خاصّةً الأوامر و الأحكام الماليّة، و لايأخذ ببعض و يترك بعضًا، و تشير الآية في نهايتها إلى قدرة الله غير المحدودة، فتقول: { وَ اللهُ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ‘ } أي بالرّغم من قلّتكم يوم بدر و كثرة عدوّكم في الظّاهر، لكنّ الله القادر خذلهم و أيّدكم فانتصرتم عليهم. [إلى أن قال:]

هل الغنائم منحصرة في غنائم الحرب؟

إنّ الموضوع المهمّ الّذي يجب أن يُبحَث في الآية ، و هو في الحقيقة بمثابة العمدة فيها، هو: هل لفظ < الغنيمة > المذكور فيها يُطلق على الغنائم الحربيّة فحسب، أو الموضوع أوسع بكثير فيشمل كلّ زيادة في المال؟!

ففي الصّورة الأُولى فإنّ الآية تبيّن الخُمس في غنائم الحرب فحسب، و أمّا الخُمس في سائر الموارد فينبغي معرفته من السّنّة و الأخبار المتواترة وصحيح الرّوايات، و لامانع أن يشيرالقرآن إلى قسم من أحكام الخمس بما يناسب مسائل الجهاد، و أن تتناول السّنّة الشّريفة بيان أقسامه الباقية.

فمثلا قد وردت الصّلوات الخمس اليوميّة صريحة في القرآن، كما أُشير إلى صلاة الطّواف الّتي هي من الصّلوات الواجبة أيضًا، و لم ترد أيّة إشارة في القرآن إلى صلاة الآيات المتّفق على وجوبها من قِبَل الفِرَق الإسلاميّة من أهل السّنّة و الشّيعة كافّة، و لانجد قائلا يقول: بأ نّه لايجب الإتيان بصلاة الآيات، لأ نّها لم تُذكَر في القرآن و إن وردت في السّنّة، أو أنّ القرآن أشار إلى بعض الأغسال و لم يذكر غيرها، فيجب ترك ما لم يشر إليه القرآن! فهذا المنطق لايقرّه أيّ مسلم أبدًا.

فبناء على ذلك لا إشكال في أن يبيّن القرآن قسمًا واحدًا من أقسام الخمس فحسب، و يَكِل توضيح الباقي إلى السّنّة، و في الفقه الإسلاميّ نظائر كثيرة لهذه المسألة.

إلا أ نّه مع هذه الحال ينبغي أن ننظر إلى معنى « الغنيمة » في اللّغة و العرف، فهل هي منحصرة في غنائم الحرب؟ أم تشمل كلّ أنواع الأرباح والزّيادة في المال؟

الّذي يستفاد من كتب اللّغة هو أنّ جَذْرها اللُّغوي لم يرد في معنى ما يُؤخذ من العدوّ في الحرب، بل تشمل كلّ أنواع الزّيادة الماليّة وغيرها. [ثمّ نقل أقوال المفسّرين و اللُّغويّين لإثبات أنّ الغنيمة « الفوز

ص: 55

بالشّيء مطلقًا » و أضاف:]

ألا يُعَدّ تخصيص نصف الخمس لبني هاشم تبعيضًا بين المسلمين ؟! يتصوّر بعض أنّ هذه الضّريبة الإسلاميّة الشّاملة لخمس الكثير من الأموال، أي نسبة « عشرين بالمائة »، و الّذي يُعطى للسّادة من أبناء الرّسول (صلی الله علیه و آله) ، نوع من التّمييز العنصريّ أوملاحظة العلاقات العائليّة، و أنّ هذا الأمر لاينسجم و روح العدالة الاجتماعيّة للإسلام، و كونها شاملة لجميع العالم.

الجواب: إنّ اللّذين يفكّرون هذا التّفكير لم يدرسوا ظروف هذا الحكم و خصوصيّاته بدقّة كافية، لأنّ الإجابة على هذا السّؤال كامنة في تلك الخصوصيّات.

و توضيح ذلك: أوّ لا : أنّ نصف الخمس المتعلّق ببني هاشم إنّما يُعطى للمحتاجين و الفقراء منهم فحسب، و لما يكفيهم لسنة واحدة لا أكثر، فبناءً على ذلك فإنّما يستطيع الحصول على هذه الأموال المُقعدون عن العمل، و المرضى و اليتامى من الصّغار، أو مَن يكون في ضيق و حرج.

و بناءً على ذلك، فإنّ القادرين على العمل بالفعل أو بالقوّة، و الّذين بإمكانهم أن يديروا حياتهم المعاشيّة ، ليس لهم بأيّ وجه أن يأخذوا هذا القسم من الخمس.

أمّا ما يقوله بعض العامّة من النّاس: بأنّالسّادة يمكنهم أخذ الخمس حتّى و لو كان ميزاب بيتهم من ذهب، فليس هذا إلا قولا ساذجًا، و لا أساس له أبدًا.

ثانيًا: أنّ المحتاجين و الضّعفاء من سادات بني هاشم لايحقّ لهم أكل شيء من الزّكاة، و يستطيعون عوض ذلك أن يأخذوا من هذا القسم من الخُمس فحسب.

ثالثًا: إذا زاد القسم المخصَّص لبني هاشم عن احتياجاتهم، فإنّه يرجع إلى بيت المال حتّى يُنفَق في مصارف أُخرى، كماأنّه إذا لم يكف هذا السّهم للسّادة يُدفَع الباقي من بيت المال إليهم أو من سهم الزّكاة.

و بملاحظة تلك النّقاط الثّلاث يتّضح لنا عدم وجود فرق في الواقع من النّاحية المادّ يّة بين السّادة و غيرهم.

فالمحتاجون من غيرهم يمكنهم سدّ حاجتهم من الزّكاة و يُحرَمون من الخمس، و المحتاجون من السّادة يسدّون حاجتهم من الخمس و يُحرَمون من الزّكاة.

فيوجد في الحقيقة صندوقان: هما صندوق الخمس، و صندوق الزّكاة، فيحقّ لكلّ من القسمين الأخذ من أحد الصّندوقَين ،و بصورة التّساوي فيما بينهما، أي ما يحتاجه كلّ لعام واحد، فتأمّل.

فالّذين لم يُمعِنوا النّظر في هذه الشّروط و الخصوصيّات يتصوّرون أنّ حقّ السّادة من بيت المال أكثر من غيرهم، فهم يتمتّعون به بما اختُصّوا به من مَيزة.

و السّؤال الوحيد الّذي يطرح نفسه هنا هو: إذا ما انعدم الفرق بين الاثنين آخر الأمر، فما جدوى هذه الخطّة إذًا؟

و يمكن أن ندرك جواب هذا التّساؤل بملاحظة

ص: 56

شيء واحد، و هو أنّ بين الزّكاة و الخمس بونًا شاسعًا، إذ أنّ الزّكاة من ضرائب الأموال العامّة للمجتمع الإسلاميّ فتُصرف عمومًا في هذه الجهة، و لكنّ الخمس من ضرائب الحكومة الإسلاميّة فيُصرف على القيادة و الحكومة الإسلاميّة و تؤمّن حاجتها منه.

فالتّحريم على السّادة من مدّ أيديهم للأموال العامّة الزّكاة، كان في الحقيقة ليجتنبوا عن هذا المال باعتبارهم أقارب النّبيّ، و لكيلاتكون ذريعة بيد الأعداء بأنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) سلّط أقرباءه على الأموال العامّة.

إلا أنّه من جانب آخر ينبغي سدّ حاجة الضّعفاء و الفقراء من السّادة، لذلك جعلت هذه الخطّة لسدّ حاجتهم من ميزانيّة الحكومة الإسلاميّة، ففي الحقيقة إنّ الخمس ليس امتيازًا لبني هاشم، بل هو لإبعادهم لأجل الصّالح العامّ، و لئلا ينبعث سوء الظّنّ بهم.

و الّذي يسترعي النّظر أنّ هذا الأمر أشارت إليه أحاديث الشّيعة و السّنّة ففي حديث عن الإمام الصّادق(علیه السلام) نقرأ: « إنّ أُناسًا من بني هاشم أتوا رسول الله(صلی الله علیه و آله) فسألوه أن يستعملهم علىصدقات المواشي، و قالوا: يكون لنا هذا السّهم الّذي جعل الله عزّوجلّ للعاملين عليها، فنحن أولى به. فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): يابني عبد المطّلب< هاشم >إنّ الصّدقة لاتحلّ لي و لالكم ، و لكنّي وُ عِدت الشّفاعة، إلى أن قال : أتروني مؤثرًا عليكم غيركم؟! ».

و يدلّ هذا الحديث على أنّ بني هاشم كانوا يرون في ذلك الأمر حرمانًا، و قد و عدهم النّبيّ(صلی الله علیه و آله) أن يشفع لهم.

و نقرأ حديثًا في صحيح مسلم الّذي يُعدّ من أهمّ مصادر الحديث عند أهل السّنّة، خلاصته: أنّ العبّاس و ربيعة بن الحارث جاءا إلى النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، و طلبا منه أن يأمر ابنيهما، و كانا فتيَين و هما عبد المطّلب بن ربيعة و الفضل بن العبّاس، بجمع الزّكاة ليتمكّنا أن يأخذا سهمًا منه، شأنهما كشأن الآخرين، ليؤمّنا لنفسَيْهما المال الكافي لزواجهما، فامتنع النّبيّ(صلی الله علیه و آله) و أمر بسدّ حاجتهما عن طريق آخر، و هو الخُمس.

و يستفاد من هذا الحديث الّذي يطول شرحه أنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) كان مصرًّا على إبعاد أقاربه عن الحصول على الزّكاة الّتي هي من أموال عامّة النّاس.

و من مجموع ما قلناه يتّضح أنّ الخمس ليس امتيازًا للسّادة، بل هو نوع من الحرمان لحفظ المصالح العامّة.

ما هو المراد من سهم الله؟ إنّ ذِكْر سهمٍ على أ نّه سهم الله، لتأكيد أهمّيّة مسألة الخمس و إثباتها، ولتأكيد و لاية الرّ سول و القيادة الإسلاميّة، و حاكميّة النّبيّ(صلی الله علیه و آله) أيضًا.

أي كما أنّ الله جعل سهمًا باسمه و هو أحقّ بالتّصرّف فيه فقد أعطى النّبيّ و الإمام حقّ الولاية و التّصرّف فيه كذلك، و إلا فإنّ سهم الله هو تحت تصرّف النّبيّ أو الإمام، يصرفه في المكان المناسب، و ليس لله حاجة في سهم معيّن. (5 : 394)

فضل الله: { وَ اعْلَمُوا } أيّها المؤمنون { اَ نَّمَا غَنِمْتُم مِنْ شَىْء } من غنائم الحرب،على قول فريق

ص: 57

من المفسّرين من أهل السّنّة ، و من كلّ الغنائم و الفوائد و الأرباح، من التّجارة و الصّناعة و الزّراعة و الغَوْص و الكنز و المعادن وغير ذلك ... في ما جاء في التّفسير عن أئمّة أهل البيت :، و تبعهم في ذلك المفسّرون من المسلمين الشّيعة ... و ربّما كانت وجهة النّظر الأُولى، تنطلق من سياق الآية الواقعة في أجواء معركة بدر، ممّا يوحي بأنّها تتحدّث عن قضايا المعركة وأحكامها.أمّا وجهة النّظر الثّانية، فتنطلق من القاعدة الّتي تقول: إنّ المورد لايخصّص الوارد، و إنّ المناسبة لاتخصّص الآية. و كلمة < الغنيمة > مطلقة في الآية، و على هذا الأساس كان مذهب أهل البيت في أنّ الخُمس يشمل الفوائد و الأرباح من كلّ المداخيل الماليّة { فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ } بعد توزيع الأربعةأخماس على المقاتلين، أو إبقائها لصاحب المال.

ما معنى أن يكون لله سهم؟

و لكن ما معنى أن يكون لله سهم و هو المالك لكلّ شيء في السّماوات و الأرض؟

و قد أجاب البعض بأنّه قد ذُكر للتّبرّك، أو لما يُشبه ذلك. و لكن ربّما كان الأقرب إلى الجوّ التّشريعيّ في الآية، أن يكون سهم الله من أجل الغايات الّتي ترتبط باسم الله، كسبيل الله و نحوه... و لعلّ السّياق يبعد عن موضوع التّبرّك، لأ نّه ذُكِر بالطّريقة نفسها الّتي ذُكرت فيها بقيّة الأصناف، { وَ لِلرَّسُولِ } في ما يحتاجه في شؤونه العامّة المتعلّقة بشخصيّته الرّسوليّة، لابلحاظ ذاته بصفته الشّخصيّة، لأنّ الله سبحانه قد جعلها له بصفة المسؤوليّة العامّة، ممّا يوحي بدَور المسؤوليّة في قضيّة هذه الضّريبة.

ذوو القربى في الآية:

{ وَ لِذِ ى الْقُرْبى } و هو الإمام المعصوم، في تفسير أهل البيت : و لذا أفرده بالذّكر و قرابة الرّسول بقول مطلق، في أقوال المفسّرين الآخرين، { وَ الْيَتَامى } الّذين فقدوا آباءهم، { وَ الْمَسَاكينِ‘ } الّذين لايملكون العيش الكريم الّذي يكفيهم في سنتهم، أو من هم أكثر بؤسًا من ذلك. { وَ ابْنِ السَّبيلِ‘} الّذي انقطعت به الطّريق، فلم يكن لديه المال الذّي يستعين به للرّجوع إلى بلده.

و تضافرت الأحاديث عن أئمّة أهل البيت : بتخصيص هذه الأصناف، بأيتام آل بيت الرّسول(صلی الله علیه و آله) و مساكينهم و أبناء سبيلهم، و لكن جمهور المفسّرين أطلقوا ذلك. و ربما استوحى بعضهم من بعض الأحاديث أنّ هذا التّقسيم على سبيل المورد والمصرف لاعلى سبيل التّخصيص، و لذا فإنّ وليّ الأمر يعطيهم ما ينقص عن حاجتهم، كما يأخذ منهم ما يزيد عليها.

لما ذا تأخّر تطبيق هذا التّشريع عن زمن الرّسول؟

و هناك عدّة أسئلة يوجّهها بعض الباحثين حول السّرّ في تأخّر تطبيق هذا التّشريع عن زمن الرّسول(صلی الله علیه و آله) حتّى عهد الأئمّة : مع أنّه يتّسع لما لاتتّسع له الزّكاة، لشموله لبعض الموارد الّتي لاتجب فيها الزّكاة، كما أنّ كمّيّته أكثر منها ؟!

و أجاب بعض المحقّقين عن ذلك بأ نّنا نلاحظ في بعض رسائل الرّسول(صلی الله علیه و آله) إلى القبائل الّتي دخلت في

ص: 58

الإسلام، أنّه يأمرهم فيها بالخمس، في الوقت الّذي لم تكن لديهم أيّة ظروف حربيّة تسمح بوجود الغنائم.

و قد أثار بعض آخر عدم التّحدّث في القرآن عن الخمس إلا في هذه الآية، مع أنّه تحدّ ث عن الزّكاة في أكثر من مرّة.

و أُجيب عنه، بأنّ المقصود ما يشمل كلّ الضّرائب الماليّة حتّى الخمس، باعتبار أنّها تُزكّي المال وتنميه.

(10: 383)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة الخَمْس: العدد المعروف، يقال في التّذكير:

خَمْسَة رجال، و في التّأنيث: خَمس نِسوَة، وصُمنا خَمْسًا من الشّهر، فيغلّبون اللّيالي على الأيّام إذا لم يذكروا الأيّام، و صُمنا خَمْسَة أيّام، و له خَمْسٌ من الإبل، و إن عنَيتَ جمالا ، لأنّ الإبل مؤنّثة، و كذلك له خَمْسٌ من الغنم، و عندي خَمْسَة دراهم، وعندي خَمْسَة الدّراهم، وعندي خَمْسُ القدور، و هذه الخمسة دراهم. و خمَسَهم يَخمِسُهم خَمْسًا: كان لهم خامسًا، و أخمَسَ القوم: صاروا خمسة.

و حَبْل مخموس: من خمس قُوى، يقال: خَمَس الحبل يَخمِسه خَمْسًا، أي فتله على خَمْس قُوى، و رُمح مخموس: طوله خمس أذرع، و شيء مخمّس: له خمسة أركان، والمخمّس من الشّعر: ما كان على خمسة أجزاء.

و الخُماسيّ: ما بلغ خمسة، يقال: غلام خُماسي، أي طوله خمسة أشبار، و جارية خُماسيّة: طولها خمسة أشبار، و ثوب خُماسي و خميس و مخموس: طوله خمسة.

و الخِمْس: من أظماء الإبل، و هو أن ترد الإبل الماء اليوم الخامس، و الجمع: أخماس، يقال: خمَسَت الإبل، و أخمس صاحبها، أي وردت إبله خِمْسًا، و الإبل خامسة وخَوامس، و صاحبها مُخمِس.

و فلاة خِمْس، إذا بَعُد وِرْدها حتّى يكون وِرْد النّعَم اليوم الرّابع، سوى اليوم الّذي شربت و صدرت فيه، وخِمْس بَصْباص و قعقاع و حثحاث، إذا لم يكن في سيرها إلى الماء وتيرة ولافتور لبُعْده، و التّخميس في سقي الأرض: السّقية الّتي بعد التّربيع.

و الخِمْس: ضَربٌ من بُرُود اليمن، نسبة إلى ملِك باليمن يقال له:الخِمْس، أمر بعمل هذه الثّياب، و في المثل: < ليتنا في بُردة أخماس >، أي ليتنا تقاربنا، و يراد بأخماس أي طولها خمسة أشبار.

و الخُمْس و الخُمُس و الخِمْس: جزءٌ من خمسة، و الجمع: أخماس، يقال: خَمَسَهم يَخمُسهم خَمْسًا، أي أخذ خُمْس أموالهم. و يقال مجازًا: فلان يضرب أخماسًا لأسداس، أي يسعى في المكر و الخديعة، و أصله من أظماء الإبل.

و الخميس: من أيّام الأُسبوع، و الجمع: أخمسة و أخمساء وأخامس، سمّي بذلك، لأ نّه اليوم الخامس من الأُسبوع، يقال: مضى الخميس بما فيه.

و الخميس: الجيش، لأ نّه خمس فِرَق: المقدّمة و القلب والميمنة و الميسرة و السّاقة، أي المؤخّرة، أو

ص: 59

لأ نّه تُخمّس في الغنائم.

2 و الخمسون: اسم عدد يُعطَف عليه كسائرالعقود، ولم يعدّ النّحاة هذا الضّرب من العدد جمعًا مذكّرًا سالمًا، بل ألحقوه به، و حجّتهم أ نّه لاواحد له من لفظه.

و لكن ما يمنع لوجعلنا عشرين و ثلاثين و أربعين وخمسين و ستّين و سبعين و ثمانين و تسعين، جمعًا لعشر و ثلاث و أربع و خمس و ستّ و سبع و ثمان و تسع

و قد جاءت العقود جمعًا لهذه الأعداد في سائر اللّغات السّاميّة، فلفظ خَمْس مثلا في اللّغة العبريّة < حَمْشَه >، و في الآراميّة < حَمْشا >، و في السّريانيّة < حَمِش >، و جمعه في العبريّة: < حَمْشيم >، و في اللّغتين الأُخريين: < حَمْشين >.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها العدد بأربعة ألفاظ: ( خَمْسَة ) ثلاث مرّات، و ( خَمْسين‘ ) و ( الخَامِسَة ) كلّ منهما مرّتين، و ( خُمُس ) مرّة في 8 آيات:

1 خمسة و خمسين و الخامسة

1 {... وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ...} الكهف: 22

2 {...مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلثَة اِ’لا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَة اِلا هُوَ سَادِسُهُمْ} المجادلة: 7

3 {...يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ الاف مِنَ الْمَلئِكَةِ’ مُسَوِّ مينَ ‘} آل عمران : 125

4 { تَعْرُجُ الْمَلئِكَةُ’ وَ الرُّوحُ اِلَيْهِ فى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسينَ‘ اَلْفَ سَنَة }

المعارج: 4

5 {...فَلَبِثَ فيهِمْ اَلْفَ سَنَة اِلا خَمْسينَ‘ عَامًا...}

العنكبوت: 14

6 { وَ الْخَامِسَةُ اَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ اِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبينَ ‘} النّور: 7

7 { وَالْخَامِسَةَ اَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا اِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقينَ‘ } النّور: 9

2 خُمُس

8 { وَ اعْلَمُوا اَ نَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ...} الأنفال: 41

و يلاحظ أوّ لا : أ نّه جاء من هذا العدد الألفاظ التّالية: خمسة، و خمسون، و خامسة، و خُمُس، و فيها بُحُوثٌ:

1 أخبر الله بما سيقوله النّاس في عدد أصحاب الكهف رجمًا بالغيب في (1) : { سَيَقُولُونَ ثَلثَةٍ’ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَ ثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ }، فذكر ثلاثة أقوال لهم من الثّلاثة إلى الثّمانية، و يجوز أن يكون بينهما قولان آخران: الأوّل: بين الأربعة و الخمسة، و تقديره: و يقولون أربعة خامسهم كلبهم، و الثّاني: بين السّتّة و السّبعة، و تقديره: و يقولون ستّة سابعهم كلبهم، فتكون الأقوال خمسة.

بيد أنّ هذا التّقدير يخلّ بنسق الآية و سياقها،إذ صِيغ معناها بإيجاز و ترتيب، دون إسهاب و اقتضاب، فاشتملت على الثّلاثة حتّى الثّمانية، و جاء ما يخص الفتية من الأعداد وَترًا، و ما يخص كلبهم شَفعًا، و لعلّ

ص: 60

ذلك إشارة إلى أنّهم كانوا بهذا النّسق، و لكن { قُلْ رَبّىاَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ اِلا قَليلٌ‘ }.

2 إن قيل:لِمَ ابتدئ بالثّلاثة و الأربعة و عطف عليه الخمسة و السّتّة في(2):{ اَلَمْ تَرَ اَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّموَاتِ’ وَمَا فِى الاَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلثَة’ اِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَة اِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا اَدْنى مِنْ ذلِكَ’ وَلا اَكْثَرَ اِلا هُوَ مَعَهُمْ اَيْنَ مَا كَانُوا }؟

يقال: إنّ الثّلاثة أدنى الجمع، و هو يناسب قوله: { وَلا اَدْنى مِنْ ذلِكَ’ وَلا اَكْثَرَ } ، فلو قال: مايكون من نجوى اثنين إلا هو ثالثهم، لكان أدنى الاثنين الواحد، و لانجوى إلا بين اثنين فأكثر و هو لايغني عن ذكر قوله: { وَلا خَمْسَة اِلا هُوَ سَادِسُهُمْ }، لأ نّه جاء تأكيدًا هنا لإحاطة الله تعالى بأسرار المنافقين و اليهود و نجواهم و إن كثروا، فلذا عطف عليه.

3 شرط الله على المسلمين الصّبر و التّقوى لإمدادهم بالملائكة في (3):

{بَلى اِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَاْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذَا يُمْدِدْ كُمْ رَ بُّكُمْ بِخَمْسَةِ الاف مِنَ الْمَلئِكَةِ’ مُسَوِّمينَ‘ } و هذا أكثر عدد من الملائكة، و يليه في كثرتهم ما جاء في الآية السّابقة من هذه السّورة: { اِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنينَ‘ اَلَنْ يَكْفِيَكُمْ اَنْ يُمِدَّ كُمْ رَ بُّكُمْ بِثَلثَةِ ’

ا لاف مِنَ الْمَلئِكَةِ’ مُنْزَلينَ‘ }، ثمّ قوله: { اِِذْ تَسْتَغيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ اَنّى مُمِدُّكُمْ بِاَلْف مِنَ الْمَلئِكَةِ’مُرْدِفينَ‘} الأنفال: 9.

كما ذُكر عَدَدان آخران للملائكة في غير الإمداد في الحرب: الأوّل: عدد من يحمل العرش منهم يوم القيامة: { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْ قَهُمْ يَوْمَئِذ ثَمَانِيَةٌ } الحاقّة : 17، و الثّاني: عدد خزنة جهنّم:{ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } المدّثّر: 30.

4 ذكر في (5) و هي راجعة إلى يوم القيامة أيضًا مدّة عروج الملائكة و الرّوح إلى السّماء: { تَعْرُجُ الْمَلئِكَةُ’ وَالرُّوحُ اِلَيْهِ فى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسينَ‘ اَلْفَ سَنَة }، فقال بعض: إنّ هذا العدد مجاز، و هو تمثيل لطول مدّة القيامة في الموقف و ما يلقى النّاس فيه من الشّدائد. و قال آخرون: إنّه حقيقة، و المراد به أ نّه لو أراد أحد أن يقطع المسافة الّتي قطعها الملائكة في يوم واحد، لقطعها في خمسين ألف سنة.

فلو كان المراد به التّمثيل فيحكى عن الكثرة، من غير حدّ دون عدد خاص، فينطبق على ما اصطلح عليه الفلكيّون المتأخّرون < السّنة الضّوئيّة >.

و هي تساوي عندهم 9461 مليار ( بليون )كيلومتر، أي 9460800000000 كيلومتر على الأدقّ. و هي المسافة الّتي يقطعها الملائكة في يوم واحد خلال عروجهم إلى المكان الّذي هو محلّهم، وهو في السّماء، أو الموضع الّذي يأمرهم الله به.

و إذا أردنا أن نعرف بُعْد هذه المسافة عن الأرض بالزّمن ، قسّمنا هذا العدد على وحدة السّنة الضّوئيّة (300000)، و هو سرعة الضّوء في الثّانية، فيكون النّاتج:1576800000000 سنة ضوئيّة، و هذا عدد كثير جدًّا إذا ما قيس ببُعد الشّمس عن الأرض مثلا ، فهي تبعد عن كوكبنا مسافة 150 مليون كيلومتر، أي تبعد عنّا 500 سنة ضوئيّة!

ص: 61

و لكن كلّ ذلك خاص بهذا العالم، دون عالم الآخرة اللّتي تتحدّث الآية عنها، فلاوجه لانطباقها على ما اصطلح عليه الفلكيّون، الّذين لاشأن لهم بعالم الآخرة.

5 إن قيل: لم اختصر العدد في (5): { فَلَبِثَ فيهِمْ اَلْفَ سَنَة اِلا خَمْسينَ‘ عَامًا } و هو مدّة لبث نوح النّبيّ (علیه السلام) في قومه يدعوهم إلى دينه و كان الأصل فيه : تسعمئة و خمسين ، أو خمسين و تسعمئة؟يقال: كانت العرب تعزف عن الحساب و لاتخوض في الأعداد، و روي عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله) أنّه قال: < إنّا أُمّة أُمّيّة، لانحسب و لانكتب >. فلفّق هنا بين الألف.و الخمسين تلفيقًا حسنًا، فاستغنى عن ذكر ثلاثة أعداد، كما في جميع مواضع القرآن، و نظيره قوله : { وَلَبِثُوا فى كَهْفِهِمْ ثَلثَ مِائَة سِنينَ‘ وَازْدَادُوا تِسْعًا } الكهف: 25، إذ لم يقل: ثلاثمئة و تسعًا ، فيجمع ثلاثة أعداد تباعًا.

[لاحظ جواب هذا السّؤال أيضًا في:أ ل ف: < اَلْف سَنَة > الآية:4، النُّصوص التّفسيريّة]

6 جاء العدد < الخامسة > على وزن < فاعلة > في (6): { وَالْخَامِسَةُ اَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ اِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِِ بينَ‘ } و في (7): { وَالْخَامِسَةَ اَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا اِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقينَ‘ }، صفة لموصوف محذوف، و التّقدير: الشّهادة الخامسة.

و الغالب في < فاعل > و < فاعلة > من العدد مجيئه صفة ، سواء كان محلّى ب <أل > أم مجرّدًا منها دون أن يضاف، و نظيره: { سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } الزّمر: 4، و { اِنَّ هذِهِ اُمَّتُكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً } الأنبياء: 92، و { وَمَنوةَ الثَّالِثَةَ الاُخْرى } النّجم: 20.

7 اُسند الخُمس في (8) إلى الله و الرّسول و ذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل: { وَاعْلَمُوا اَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَاَنَّ للهِ‚ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبى وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكينِ‘ وَابْنِ السَّبيلِ‘ }، و قُدّم لفظ الجلالة( للهِ‚ ) على اسم ( اَنّ ) للحصر، أي إثبات خُمس الغنيمة لله خاصّة و من عطف عليه عامّة. و لعلّ الخصوص هنا يفيد ثبات هذا الحكم له تعالى دون انقطاع، سواء في حياة الرّسول أم بعده، أو للتّبرّك و أنّ كلّشيء ملكه لله خاصّة كما سبق في النُّصوص. فتأمّل.

8 و الخلاف البيّن في الآية إضافة إلى ما بين المذاهب الفقهيّة عند أهل السّنّة من الخلاف، هو ما وقع بينها و بين المذهب الإماميّ من أنّ الخُمس بسهامه السّتّة خاص بالإمام من آل البيت: و ذرّ يّتهم، لاتحلّ لأحد غيرهم، كما جاء في النُّصوص تفصيلا ، فلاحظ.

ثانيًا: ثلاث منها: (1 و 4 و 5)مكّيّة، واحدة (4) تنديد للمشركين، و اثنتان قصّة، و الباقي كلّها تشريع مدنيّ.

ثالثًا: ليس للأعداد نظائر إلا معاني تدلّ على

الجمع من ثلاثة إلى العشرة أو أكثر:

البضع: { فَلَبِثَ فِى السِّجْنِ بِضْعَ سِنينَ‘ }

يوسف:42

الطّائفة: { فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْ قَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فىِ الدّينِ } التّوبة:122

ص: 62

القبيلة: { يَا ءَ يُّهَا النَّاسُ اِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ اُ نْثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا اِنَّ اَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ اَتْقيكُمْ ’اِنَّ اللهَ عَليمٌ‘ خَبيرٌ‘ }

الحجرات: 13

الرّهط: { وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا اَنْتَ عَلَيْنَا

بِعَزيز‘ } هود: 91

النّفر: { قُلْ اُوحِىَ اِلَىَّ اَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ }

الجنّ: 1

القوم: { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ ا مَنُوا لايَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} الحجرات: 11

ص: 63

ص: 64

خ م ص

اشارة

مَخْمَصَة

لفظ واحد، مرّتان، في سورتين مدنيّتين.

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: الخَمُص: خَماصَة البطن، و هو دقّة خلقته.

و الخَمْص: الخمَص و المَخْمَصَة. أيضًا: خَلاء البطن من الطّعام.

و امرأة خميصة البطن خُمْصانَة. و هنّ خُمْصانات.

و فلان خميص البطن من أموال النّاس، أي عفيف عنها، و هم خِماص البطون.

و الطّير تغدو خِماصًا و تروح بِطانًا.

و الخميصة: كِساء أسود مُعْلَم من المِرْعِزّى و الصّوف و نحوها.

و الأخمَص: خَصْر القدَم، و الأخمَص: باطن القدم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجميع: الأخامص. و الخَمْصَة: بطن من الأرض صغير، ليّن المَوطِئ. (4: 191)

اللّيث: الأخمَص: خَصْرالقدَم، و الخَمْصَة: بطن من الأ رض صغير ليّن المَوطِئ.

و التّخامص: التّجافي عن الشّيء. [ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهَريّ7: 156)

أبوزَيْد: يقال: خمَصَ الجُرْح يَخمُص خُمُوصًا، و حمَص يَحمُص حُمُوصًا، وانخَمَص انخماصًا ، وانحَمَص انحماصًا، إذا ذهب وَرَمُه. [بالحاء و الخاء]

(الإبدال: 99)

الأصمَعيّ: الخمائص: إنّها ثياب من خزّ أو صوف، و هي مُعلَمَة، و هي سود كانت من لباسالنّاس. (أبوعُبَيْد 1: 138)

أبوعُبَيْد: الخميصة: كِساء أسود مربّع له علَمان.

ص: 65

[ثمّ استشهدبشعر] (الأزهَريّ 7: 156)

ابن أبي اليمان: و الخَمْص: ضُمُورالبطن من الجوع. (487)

المُبَرِّد: سألت ابن الأعرابيّ عن قول عليّ 2 : «كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) خُمْصان الأخمَصَين» فقال: إذا كان خَمَص الأخمَص بقدر لم يرتفع جدًّا، و لم يستو أسفل القدم جدًّا فهو أحسن ما يكون، و إذا استوى أو ارتفع جدًّا فهوذمّ. (الأزهَريّ 7: 157)

ابن دُرَيْد: و الخَمْص من قولهم: خَمِص بطنه يَخمَص خَمَصًا، و رجل خميص؛ و الجمع: خُمُص، إذا كان ضامر البطن.

و أكثر ما يقال: خميص البطن، فإذا قالوا: خُمْصان لم يذكروا البطن.

و الخَمْص: الجوع، و مثَل من أمثالهم: <لابدّ للبِطْنة من خَمْصَة تتبعها> و أخمَصُ القدم: بطنها اللاحق، أي المرتفع الّذي لايصيب الأرض؛ و الجمع: أخامص.

و المَخمَصَة: المَجاعَة، و كذلك فُسّر في التّنزيل.

و الخميص: الجائع. و قد قالوا: رجل خَمْصان

و امرأة خَمْصانة، بفتح الخاء.

و ربّما قالوا خُمْصان البطن، و بطن خميص

و خُمْصان .

و الخميصة : كِساء مربّع مُعْلَم ، كان النّاس يلبسونها في ما مضى. و أكثر ما تكون سوداء . [و استشهد بالشّعرمرّتين]

(2: 227)

الأزهَريّ: و في الحديث: «خِماص البطون خِفاف الظّهور».

و في حديث آخر في الطّير: «تغدوا خِماصًا و تروح بطانًا» أراد أنّها تغدو جياعًا و تروح شباعًا...

و يقال للرّجل: تخامَصْ للرّجل عن حقّه و تجافَ له عن حقّه، أي أعطِه.

و تخامَصَ اللّيل تخامُصًا إذا رقّت ظلمته عند و قت السّحر. [ثمّ استشهد بشعر] (7: 155)

الصّاحِب: [ اكتفى بنقل قول الخَليل و ابن زَيْد و الأزهَريّ] (4: 254)

الجَوهَريّ: خمَصَ الجُرح: لغة في <حَمَص>، أي سكن وَرَمُه. ذكره ابن السّكّيت في كتاب القلب و الإبدال.

و الأخمَص: ما دخل من باطن القدم فلم يُصب الأرض.

و رجل خُمْصان و خميص الحَشا، أي ضامر البطن؛ و الجمع: خِماص. و امرأة خميصة و خُمْصانة، عن يعقوب.

و الخَمْصَة: الجَوْعَة. يقال: ليس للبِطنَة خير من خَمْصَة تتبعها.

و المَخْمَصَة: المَجاعَة، و هومصدر،مثل المَغْضَبَة

و المَعْتَبة. و قد خَمَصَه الجوع خَمْصًا و مَخمَصَةً.و الخميصة: كِساء أسود مربّع له علَمان. فإن لم يكن مُعْلَمًا فليس بخميصة. [ثمّ استشهد بشعر]

(3: 1038)

ابن فارِس: الخاء و الميم والصّاد أصل واحد يدلّ على الضُّمْر و التّطامن، فالخميص: الضّامر البطن؛ و المصدر: الخَمْص. و امرأة خُمْصانَة: دقيقة الخَصْر.

ص: 66

و يقال لباطن القدم: الأخمَص. و هو قياس الباب، لأ نّه قد تداخل.

و من الباب المَخمَصَة، و هي المَجاعَة؛ لأنّ الجائع ضامر البطن.

و يقال للجائع: الخميص و امرأة خَميصَة.

فأمّا الخميصة فالكِساء الأسود.

فإن قيل: فأين قياس هذا من الباب؟

فالجواب أنّا نقول على حدّ الإمكان و الاحتمال: إنّه يجوز أن يسمّى خميصة، لأنّ الإنسان يشتمل بها فيكون عند أخمَصِه، يريد به: وسطه. فإن كان ذلك صحيحًا و إلا عُدّ فيما شذّ عن الأصل. [واستشهد بالشّعرمرّتين]

(2: 220)

الهَرَويّ: في صفة رسول الله (صلی الله علیه و آله) : « خُمْصان الأخَمصَين». الأخمَصُ من القدم: الّذي لايلصق بالأرض في الوطء من باطنها، أخبر أنّ ذلك الموضع من رجله شديد التّجافي عن الأرض، و أنّه لم يكن أرْوَحَ، و هوالّذي يستوي باطن رجله. و سمّي الأخمص أخمص، لظهوره و دخوله في الرِّجل. و رجل خُمْصان، و امرأة خُمْصانَة إذا كانا ضامري البطن.

و في الحديث: «خِماص البطون خِفاف الظّهور» الخِماص: جمع الخميص البطن، و هو الضّامر، أخبر أنّهم الجفاء((1))

عن أموال النّاس.

و منه الحديث: «أنّ الطّير تغدو خِماصًا وتروح بطانًا». (2: 598)

الثّعالبيّ: إذا كانت لطيفة البطن، فهي: هيفاء. وقبّاء، و خُمْصانة. (166)

ابن سيده: الخُمْصان و الخَمْصان: الجائع الضّامر البطن؛ و الأُنثى: خُمْصانة و خَمْصانة؛ و جمعهما: خِِماص . و لم يجمعوه بالواو ، و إن دخلت الهاء في مؤنّثه، حملا له على <فعلان> الّذي أُنثاه فَعْلى، لأ نّه مثله في العدّة و الحركة و السّكون.

و حكى ابن الأعرابيّ: امرأة خَمْصَى.

و قد خَمِص بطنه يَخمَص، و خَمُصَ خَمْصًا و خَمَصًا ، و خَماصَةً.

و الخَميص: كالخُمْصان، والأُنثى: خميصة.

و المِخْماص: كا لخميص.

و الخَمْص و الخَمَص، و المَخمَصَة: الجوع.

و فلان خميص البطن عن أموال النّاس، أي عفيف.

و الأخمَص: باطن القدم، و مارقّ من أسفلهاو تجافَى عن الأرض.

و الخَمْصَة: بطن من الأرض صغير، ليّن المَوطِئ.

وخمَص الجرح يَخمُص خَمُوصًا، و انخمص: ذهب وَرَمُه كحمَص وانحمَص حكاه يعقوب وعدّه في البدل.

قال ابن جنّيّ: لاتكون الخاء فيه بدلا من الحاء، و لاالحاء بدلا من الخاء؛ ألا ترى أنّ كلّ واحد من المثالين يتصرّف في الكلام تصرّف صاحبه، فليست لأحدهما مزيّة من التّصرّف، و العموم في الاستعمال يكون بها أصلا ليست لصاحبه.

ص: 67


1- (1) الظّاهر: <أ نّهم أعفّاء عن أموال النّاس> كما جاء في النّهاية و اللّسان.

و الخميصة: كساء أسود مربّع له علَمان.

و قيل الخمائص: ثياب من خزّ ثِخان، سُود و حُمُر، و لها أعلام ثخان أيضًا.

و خُماصَة: اسم موضع. [واستشهد بالشّعر 3 مرّات] (5: 68)

الطُّوسيّ: و المَخمَصَة <مَفعَلَة>، مثل المَجنَبَة و المَنجَلَة، من خَمْص البطن و هو طيّه، و اضطماره من الجوع، و شدّة السّغب هاهنا دون أن يكون مخلوقًا كذلك.

و قال بعض نحويّي البصريّين: المَخمَصَة: المصدر من: خمَصَه الجوع. و غيره يقول: هو اسم للمصدر، و كذلك تقع <المَفعَلَة> اسمًا في المصادر للتّأنيث، و التّذكير. [و استشهدبالشّعرمرّتين]

(3: 436)

الرّاغِب: قوله تعالى: {فى مَخْمَصَةٍ} أي مَجاعَة تورث خَمْص البطن، أي ضموره. يقال: رجل خامص، أي ضامر، و أخمَص القدم: باطنها و ذلك لضمورها. (159)

الزّمَخْشَريّ: خمَصَ بطنه بثلاث لغات خَمْصًا،

و هو خميص البطن، و هي خميصة البطن، و هو خُمْصان، و هي خُمْصانَة، و هو خميص البطن من الجوع، و هم خِماص و هنّ خمائص.

و أصابتهم مَخمَصَة و خَمَص و خَمْصَة.

و ليس للبِطنَة خير من خَمْصَة تتبعها.

و لبس خميصةً، و هي كساء أسود مُعْلَم، و كأنّ أخمَصَها منتعل بالشّوك.

و من المجاز: زَمَنٌ خميص: ذومَجاعَة.

و هو خميص البطن من أموال النّاس: عفيف عنها.

و في الحديث «خِماص البطون من أموال النّاس خِفاف الظّهور من دمائهم».

و كلّ شيء كرهت الدُّنوّ منه فقد تخامصتَ عنه. تقول: مَسِسْتُه بيدي وهي باردة فتخامص عن بَرْد يدي.

و تخامص لفلان عن حقّه، و تجافَ له عن حقّه، أي أعطِه.

و قدتخامَص اللّيل، إذا رقّت ظلمته عند وقت السّحر.[واستشهد بالشّعر 4 مرّات]

(أساس البلاغة: 120)ابن الأثير: و منه حديث جابر: « رأيت بالنّبيّ (صلی الله علیه و آله) خَمْصًا شديدًا». و يقال: رجل خُمْصان و خميص، إذا كان ضامر البطن؛ و جمع الخميص: خِماص.

و منه الحديث: «كالطّيرتغدو خِماصًا و تروح بِطانًا» أي تغدو بُكرة و هى جياع، و تروح عِشاء و هى ممتلئة الأجواف.

و فيه: «جئت إليه و عليه خَميصَة جَونيّة» قد تكرّر ذكر <الخميصة> في الحديث، و هي ثوب خزّ أو صوف مُعْلَم.

و قيل: لاتسمّى خميصةً إلا أن تكون سوداء مُعْلَمَة، و كانت من لباس النّاس قديمًا؛ و جمعها: الخمائص. (2: 80)

الفَيُّوميّ: الخَميصَةُ: كِساء أسود مُعْلَم الطّرفين، و يكون من خزّ أوصوف، فإن لم يكن مُعْلَمًا فليس بخميصة.

ص: 68

و خَمِص القدم خمَصًا من باب <تعب>: ارتفعت عن الأرض فلم تمسّها، فالرّجل أخْمَصُ القدم، و المرأة: خَمْصَاء؛ و الجمع: خُمْصٌ، مثل أحمَر و حمراء و حُمْر،لأ نّه صفة.

فإن جمَعتَ القدَم نفسها قلت: الأخَامِص، مثل الأفضل والأفاضل، إجراءً له مجرى الأسماء.

فإن لم يكن بالقدَم خمَص فهي رَحّاءُ ب < راءٍ

و حاءٍ> مشدّدة مهملتين، و بالمدّ.

و المَخمَصَة: المَجاعَة و خَمُص الشّخص خُمْصًا فهو خميص، إذا جاع، مثل قرُب قُربًا فهو قريب.

(1: 182)

الفيروزاباديّ: خمَصَ الجُرح و انخمص: سكن وَرَمُه.

و الخَمْصَة: الجَوْعَة، و بطن من الأرض صغير ليّن الموطِئ.

و المَخمَصَة: المَجاعَة، و قد خَمَصَه الجُوع خَمْصًا و مَخمَصَة.

و خَمِص البَطن، مثلّثة الميم: خلا.

و المَخْمِص، كمنزل: اسم طريق.

و رجل خُمْصان، بالضّمّ و بالتّحريك، و خميص الحشا: ضامر البطن، و هي خُمْصانة، و خميصة، من خمائص. و هم خِماص: جياع.

و الخميصة: كِساء أسود مربّع له علَمان.

و تخامَص عنه: تجافى، و اللّيل: رقّت ظُلمتُه عند السّحر.

و تخامَصْ عن حقّه، أي أعطِه.

والأخمَص من باطن القدم: ما لم يصب الأرض، وكان (صلی الله علیه و آله)، خُمْصان الأخمَصَيْن. (2: 313)

الطُّرَيحيّ: فى حديث المشتبه موته: «فإذا رأيته قد خمَصَ وجهُه و سالت عينه اليُمنى فاعلم أنّه ميّت».

قوله: «خمَص وجهُه» أي سكن وَرَمُه من خمَص الجُرح، إذا سكن وَرَمُه. و قوله: <فاعلم أنّه> أي قد مات.

و أخمَصُ القدَم: باطنها الّذي لايصيب الأرض، يقال: خَمِصَت القدم من باب <تعب>: ارتفعت عن الأرض، فلم تمسّه. (4: 169)

مَجْمَعُ اللُّغة: المَخمَصَة: المَجاعَة و خَلاء البطن، و هي مصدر كالمَغضَبَة و المَعتَبَة.

يقال: خَمِص البطن يَخمَص و خَمُص يَخمُص، و خمَصَه الجُوع خَمْصًا و خُمُوصًا و مَخمَصَة: جعله خميص البطن. (1: 365)

محمّدإسماعيل إبراهيم: خمِص: ضمر بطنه من الخلوّمن الطّعام.

و المَخمَصَة: المَجاعَة الشّديدة الّتي تجعل الإنسان خميص البطن، أي ضامره. (1: 175)

المُصْطَفَويّ:الأصل الواحد في هذه المادّة: هونحو من التّقَعّر و الميل إلى الدّاخل، و هوحادث أو غير متوقّع. و التّقَعّرأعمّ منه.

و مفهوم التّطامن و سكون الورَم و دقّة الخَصْر والضُّمر، يلاحظ في كلّ منها هذه الخصوصيّة. و أمّا الكِساء المُعْلَم، أي المطَرّز بطراز من أطرافه، فكأنّ وسطه قد حصل له التّقَعّر.

ص: 69

{لايُصيبُهُمْ ظَمَاٌوَ لانَصَبٌ وَ لامَخْمَصَةٌ فى سَبيلِ‘ اللهِ} التّوبة: 120، { فَمَنِ اضْطُرَّ فى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِ‚ثْمٍ } المائدة: 3 ، يراد الجوع.

و لكنّ المَخمَصَة أشدّ دلالة منه، فإنّها جوع يصل إلى حدّ تقعّر البطن و ضُمْره، و يمكن تعميم مفهومه لكلّ ضُمْر في البدن من بطنه و خَصْره و جنبه و وجهه، و هو يحصل في أثر الابتلاء. وهذا المعنى يعبّر عنه بالفارسيّة ب <فرورفتگي>.

و يدلّ على مفهوم الشّدّة في الجوع في كلمة <المَخمَصَة> أو الابتلاء الموجب للضُّمر: الآية الثّانية، فإنّ الاضطرار و رفع التّكليف لايتحصّل بالجوع المطلق.

و هذا لطف التّعبيربهذه المادّة في الموردَين، مضافًا إلى التّعبير بصيغة المصدر الميميّ، فإنّه آكد دلالة من مطلق المصدر. (3: 133)

النُّصوص التّفسيريّة

1 ...فَمَنِ اضْطُرَّ فى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِ‚ثْمٍ فَاِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘ المائدة: 3

ابن عبّاس: في مَجاعَة. (88)

مثله قَتادَة و السُّدّيّ (الطّبَريّ4: 424)، و أبو عُبَيْدَة (1: 153)، و الزّمَخْشَريّ (1: 594).

معناه: فمن دعَتْه الضّرورة في مَجاعَة حتّى لايمكنه الامتناع من أكله.

مثله قَتادَة و السُّدّيّ. (الطَّبْرِسيّ 2: 159)

ابن زَيْد: الجُوع. (الطّبَريّ4: 425)

ابن قُتَيْبَة: المَخمَصَة: المَجاعَة. و الخَمْص: الجُوع (141)

الطّبَريّ: يعني تعالى ذكره بقوله:{فَمَنِ اضْطُرَّ} فمن أصابه ضرّ في مَخمَصَة يعني في مَجاعَة، و هي <مَفعَلَة> مثل المَجبَنَة و المَبخَلَة والمَنجَبَة، من خَمْص البطن، و هو اضطماره. و أظنّه هو في هذا الموضع معنيّ به اضطماره من الجوع و شدّة السّغب، و قد يكون في غير هذا الموضع اضطمارًا من غير الجوع والسّغب، و لكن من خلقة.[و استشهد بشعرين ثمّ قال:]

و كان بعض نحويّي البصرة يقول: المَخمَصَة: المصدرمن خمَصَه الجوع، وكان غيره من أهل العربيّة يرى أنّها اسم للمصدر و ليست بمصدر، و لذلك تقع <المَفعَلَة>اسمًا في المصادرللتّأنيث والتّذكير. (4: 424)

الزّجّاج: أي فمن دعَته الضّرورة في مَجاعَة ، لأنّ المَخمَصَة شدّة ضمور البطن. (2: 148)

نحوه النّحّاس. (2: 262)

الثّعلبيّ: { فى مَخْمَصَةٍ}: مَجاعَة. يقال: هو خميص البطن، إذا كان طاويًا خاويًا ، و رجل خُمْصان و امرأة خمصانة، إذا كانا ضامرين مضيمين، و الخَمْص والخُمْص: الجوع. (4: 17)

الماوَرْديّ: أي في مَجاعَة، و هي <مَفعَلَة> مثل مَجهَلَة و مَبخَلَة و مَجنَبَة و مَخزَية من خَمْص البطن، و هو اصطباره((1)) من الجوع. [ثمّ استشهد بشعر]

(2: 13)

ص: 70


1- (1)هكذا في الأُصول، و الصّواب: اضطماره.من<الضّمور>.

الطُّوسيّ: [نحو الماوَرْديّ و أضاف:]

المَخمَصَة: المصدر من: خمصه الجوع، و غيره يقول: هو اسم للمصدر، و كذلك تقع<المَفعَلَة> اسمًا في المصادر للتّأنيث،و التّذكير.

(3: 437)

الواحديّ: المَخمَصَة: خَلاء البطن من الطّعام جوعًا. (2: 155)

نحوه البغَويّ. (2: 13)

ابن عَطيّة: <المخْمَصَة>: المَجاعَة الّتي تخمص فيها البطون، أي تضمر. و الخَمْص: ضمور البطن، فالخلقة منه حسنة في النّساء، و منه يقال خُمْصانة، و بطن خميص، و منه أخمَصُ القدَم ، و يُستعمل ذلك كثيرًا في الجوع و الغرَث. [ثمّ استشهد بشعر] (2: 155)

وهكذا في أكثر التّفاسير

2 ...مَا كَانَ لاَ‚هْلِ الْمَدينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الاَعْرَابِ اَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ ذ لِكَ بِاَ نَّهُمْ لايُصيبُهُمْ ظَمَاٌ وَ لانَصَبٌ وَ لامَخْمَصَةٌ فى سَبيلِ‘ اللهِ.

التّوبة: 120.

و هي مثل ماقبلها.

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخَمَص، أي ضمور البطن و دقّته. يقال: خَمِص بطنُه يَخمَص، و خَمُص يَخمُص خَمْصًا و خَمَصًا و خَماصَةً، أي خلا وضَمُر، و هو خَمْصان و خُمْصان، و هي خَمْصانة و خُمْصانة؛ و الجمع:خِماص، و رجل خميص البطن، و امرأة خميصة البطن، و هنّ خُمْصانات، و المِخْماص: الخميص.

و الخَمْص و الخَمَص و المَخْمَصَة: الجوع، و هو خَلاء البطن من الطّعام جوعًا، و المَخمَصَة: المَجاعَة، و قد خَمَصَه الجوع خَمْصًا و مَخمَصَةً، و الخَمْصَة: الجَوْعَة. يقال: ليس البطنة خيرًا من خَمْصَة تتبعها، و فلان خميص البطن عن أموال النّاس: عفيف عنها، على المجاز.

والأخمص: باطن القدم و مارقّ من أسفلها و تجافى عن الأرض، تشبيهًا بظمور البطن و تداخله ، و الخُمْصان: المبالغ منه، أي أنّ ذلك الموضع من أسفل قدمه شديد التّجافي عن الأرض. و مثله: الخَمْصَة: بطن من الأرض صغير ليّن المَوْطِئ.

و الخميصة: كِساء أسود مربّع له علَمان، فإن لم يكن مُعلَمًا فليس بخميصة؛ و الجمع: خمائص، كأنّ من يلبسه يبدوا خُمْصانًا، أو كما قال ابن فارِس:<لأنّ الإنسان يشتمل بها، فيكون عند أخمَصِه،يرد به وسطه>.

و التّخامص: التّجافي عن الشّيء. يقال: تَخامَصْ للرّجل عن حقّه، و تجافَ له عن حقّه، أي أعطِه، و تخامَص اللّيل تخامُصًا: رقّت ظلمتُه عند وقت السّحر، و هو من هذا الباب.

2 وروى ابن السّكّيت عن أبي زَيْد قوله: <يقال: خمَصَ الجُرح يَخمُص خُمُوصًا، و انخمص انخماصًا، و انحمص انحماصًا، إذا ذهب وَرَمُه>((1))فعدّه

في البدل.

ص: 71


1- (1) الإبدال: 99.

و تعقّبه ابن جنّيّ قائلا : <لاتكون الخاء فيه بدلا من الحاء، و لاالحاء بدلا من الخاء؛ألا ترى أنّ كلّ واحد من المثالين يتصرّف في الكلام تصرّف صاحبه؟ فليست لأحدهمامزيّة من التّصرّف، و العموم في الاستعمال يكون بها أصلا ليست لصاحبه>.((1))

وهذا الكلام عجيب من ابن جنّيّ،وهو المدقّق في كلام العرب والمستقصي لأسراره وخفاياه! إذكيف قاس حكمه على مثال واحد؟ و فاته أنّ مادّة

<ح م ص > تفيد السّكون، أو الجفاف، كما قال معاصره ابن فارِس في <المقاييس>، كقولهم: حمّصَه الدّواء وحمَزَه هو حمَصَه، أي سكّن وَرَمُه((2)).

فهذه مزيّة لمادّة <ح م ص>،ليست لمادّة <خ م ص>، و هذا يدلّ على أنّ لغة الخاء مُبْدَلة من الحاء.

و الأعجب من ذلك أنّ ابن جنّيّ ردّمَن قوله ثَبْتٌ، عاش في القرن الثّاني و الثّالث الهجريّين، و لقي فصحاء الأعراب و شافههم،و أخذ العربيّة عن ثُقاة، كأبي عمرو الشّيبانيّ و الفَرّاء و ابن الأعرابيّو اللِّحيانيّ، و حكى عن الأصمَعيّ و أبي عُبَيْدَة و أبي زَيْد الأنصاريّ و غيرهم!فمن شافه الأعراب حُجّة على من لم يشافههم،و ليس العكس.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها « مَخْمَصَة » مرّتين في آيتين:

1 {... فَمَنِ اضْطُرَّ فى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِ‚ثْمٍ فَاِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘ } المائدة : 3

2 {... ذلِكَ بِاَنَّهُمْ لا يُصيبُهُمْ ظَمَاٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فى سَبيلِ‘ اللهِ...}

التّوبة : 120

يلاحظ أوّ لا : أنّ هذا اللّفظ وحيد الجذر في القرآن و فيه بُحُوثٌ:

1 رُخّص عند الاضطرار في مَخْمَصَة تناول ما حُرّم في (1) : { ... حُرِّ مَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزيرِ‘ وَمَا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّ يَةُ وَالنَّطيحَةُ وَمَا اَكَلَ السَّبُعُ اِِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَاَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالاَزْ لامِ}. و وصف حال المضطرّ بالعزوف عن الإثم : { فَمَنِ اضْطُرَّ فى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِ‚ثْمٍ فَاِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘ }، و كأ نّه شرط في التّرخيص و الغفران.

2 عُدّت اللّحوم و الدّم مزيلة للمَخْمَصَة ، و منها الاستقسام بالأزلام ، و هي قداح الميسر ، و ليست سهام الجاهليّين الّتي كانوا يتفاءلون بها في أسفارهم و ابتداء أُمورهم ، أو كعاب الفُرس و الرّوم الّتي كانوا يتقامرون بها ، أو الشّطرنج كما قيل لأ نّها غير مزيلة للمَخْمَصَة.لاحظ: ز ل م: «الأزلام »، و: ق س م « تَسْتَقسِمُوا».

3 إن قيل : حُلّلت اللّحوم المحرّمة و الدّم عند المَخمَصَة ، فهل يجوز شرب الخمر عند الظّمإ؟

الجواب : إذا اشتدّ الظّمأ و لم يوجد ماء ، أو مشروب آخر، و تحقّق الاضطرار و المخمصة فهذا موضع السّؤال، و محلّه: خ م ر : <الخمر>.

ص: 72


1- (1) لسان العرب (خ م ص ).
2- (2) المصدر السّابق:<ح م ص>.

4 جعلت المَخمَصَة في (2) : { ذلِكَ بِاَ نَّهُمْ لا يُصيبُهُمْ ظَمَاٌ وَلا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فى سَبيلِ‘ اللهِ}، كالظّمإ و النّصَب في الثّواب عند الجهاد في سبيل الله، لأنّ الأوّل يؤود قوام الإنسان ، لخواء معدته ، و الثّاني يُخلّ بحركته ، لحرّ أعضائه، والثّالث يهدّ كيانه ، لغلبة الضّعف عليه و لانرى أشدّ على الإنسان من هذه الأُمور الثّلاثة إلا حضور الموت.

ثانيًا : الآيتان مدنيّتان ، و سياقهما التّشريع ،و المدينة كانت دار التّشريع. لاحظ:«المدخل»، فصل المكّيّ و المدنيّ من السّور و الآيات.

ثالثًا: من نظائر المَخمَصَة في القرآن:

المَسْغَبَة : { اَوْ اِطْعَامٌ فى يَوْمٍ ذى‘ مَسْغَبَةٍ}

البلد : 14

الجوع :{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَىْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ}

البقرة : 155

ص: 73

ص: 74

خ م ط

اشارة

لفظ واحد، مرّة واحدة، في سورة مكّيّة

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: الخَمْط: ضرب من الأراك يُؤكل، و في القرآن: يريد بالخَمْط هذا المعنى. و الخَمْط : سَلْخَك الحَمَل الخميط، تَشويه.

و يقال للحَمَل خاصّة إذا نُزع جلده: خَمْط، فإذا نُزع شَعْره فهو سَميط، و يقال : الخَمْط و السَّمْط واحد.

و الخَمْطَة: ريح نَوْر الكَرْم و ما أشبَهه، ممّا له ريح طيِّبة، و ليست بالشّديدة الذّكاء طِيبًا.

و لبَن خَمْط: يُجعَل في سِقاء، ثمّ يُوضع على حشيش، حتّى يأخُذ من ريحه، فيكون خَمْطًا طيّب الرّيح و الطّعم.

و رجل مُتَخَمَّطٌ و خَمِط: شديد الغضب، له فورة و جَلَبة من شدّة غضَبه.

و يقال: للبحر إذا التَطَمَتْ أمواجه: إنّه لخَمِط الأمواج. [و استشهد بالشّعر مرّتين] (4 : 227)

أبوعمروالشّيبانيّ: الخَمْط: الخاثرمن اللّبن. ألبان الإبل. [ثمّ استشهد بشعر] ( 1 : 221)

أبو عُبَيْدَة: الخَمْط: كلّ شجرة ذي شَوك.

(2 : 147)

أبوزَيْد: خَمَطتُ اللّحم أخمِطُه خَمْطًا، إذا شَويتُه.

( الأزهَريّ 7 : 260)

الأصمَعيّ: إذا ذهب عن اللّبن حلاوة الحلب و لم يتغيّر طعمه، فهو سامط، فإن أخذ شيئًا من الرّيح، فهو خامط.

و الخميط: المشويّ؛ و السّميط: المنزوع منه شَعره.

( الأزهَريّ 7 : 260 )

التّخمّط: القهر، و الأخذ بغلبة. [ ثمّ استشهدبشعر]

(الأزهَريّ 7 : 261)

أبوعُبَيْد: إنّ اللّبن إذا ذهب عنه حلاوة الحلَب و لم يتغيّر طعمه، فهو سامط. فإن أخذ شيئًا من الرّيح،

ص: 75

فهو خامط و خميط. و إن أخذشيئًا من الطّعم فهو ممحَّل . فإذاکان فيه طعم الحلاوة، فهوقُوهَة.

(الجَوهَريّ 3: 1125)

ابن الأعرابيّ: الخَمْط: ثمرشجريقال له: فَسْوَ ة الضّبُع، على صورة الخشخاش، يتفرّك و لايُنتفع به.

(الأزهَري ّ7 : 260 )

ابن أبي اليمان: الخَمْط: اللّبن الّذي قد أخذ طعمًا و لم يُدرك.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخَمْط أيضًا و الهَمْط جميعًا: شدّ ة الأكل. و الخَمْط أيضًا: الثّمر البَشِع. (511)

الحَرْبيّ: و فَأدْتُ اللّحم وخمَطْتُه: أي شَويتُه.

( 3 : 1061)

ابن دُرَيْد: و الخَمْط: كلّ شجر لاشوك فيه، و كذلك فُسّر في التّنزيل، و الله أعلم. و لبن خامط، أي حامض.

و تخَمّطَ الفَحْل، إذا هدَر للصّيال، أو إذاصال.

و يقال: خمَطتُ الجَدْي و الشّاة، إذا سمَطتَه و شَويتَه.

و قال بعض أهل اللّغة: لايسمّى خميطًا حتّى يشتوي بجلده، فهو حينئذٍ خميط و مخموط. و أكثر ما يقال ذلك للضّأن، و لايقال للمَعْز.

و السّميط: المسموط الّذي قد نُزع شعره أو صوفه و لم يُشوَ بَعدُ.

و اختلفوا فيه، فقالوا: خمَطتُ الجَدْي إذا شَوَيتَه بجلده، و سمَطتَه إذا نحَيتَ عنه شَعرَه و لم يُشْوَ بَعدُ .

(2 : 232)

الصّاحِب: [ نحو الخَليل وأضاف:]

و خَلٌّ خَمْطَة: حامضة؛ و جمعها خِماط.

و الخِماط: الغنم البيض. (4 : 297)

الجَوهَريّ: الخَمْط: ضرب من الأراك له حَمْل يُؤكل. و قرئ: (ذَوَاتَىْ اُكُلِ خَمْطٍ) بالإضافة.

و الخَمْط من الّلبن: الحامض.

و تخَمّطَ الفَحْل: هدَر. و تخَمّطَ فلان، أي تغَضّبَ

و تكبّر. [ثمّ استشهد بشعر]

و تخَمَّط البَحْر، إذا التَطَم.

و خمَطْتُ الشّاة أخْمِطها خَمْطًا، إذا نزَعتَ جلدها و شَويتَها، فهي خميط. فإن نزَعتَ شَعْرها و شَويتَها، فهي سميط.

و الخَمْطَة: الخمر الّتي قد أخَذَتْ ريح الإدراك كريح التّفّاح، و لم تُدرِك بعد. و يقال: هي الحامضة .

(3: 1125)

ابن فارِس: الخاء و الميم و الطّاء أصلان: أحدهما: الانجراد و المَلاسَة، و الآخر: التّسلّط و الصِّيال.فأمّا الأوّل: فقولهم: خمَطتُ الشّاة؛ و ذلك إذا نزَعتَ جلدها و شَويتَها. فإن نُزع الشّعر، فذلك السّمط. و أصل ذلك من الخَمْط، و هو كلّ شيء لاشوك له.

و الأصل الثّاني: قولهم: تخَمّطَ الفَحْل، إذا هاج

و هدَر. و أصله من تخمُّط البحر؛ و ذلك خِبّه و التِطام أمواجه.

(2 : 220)

الرّاغِب: الخَمْط: شجر لاشوك له، قيل: هو شجر

ص: 76

الأراك.

و الخَمْطَة: الخمر إذا حمَضَتْ، وتخَمّطَ، إذا غضِب. يقال: تخَمّطَ الفَحْل: هدَر. (159)

الزّمَخْشَريّ: خمر خَمْطَة: حامضة، و لبن خامط: قارص متغيّر، و تخَمّطَ الفَحْل: هدَر.

(أساس البلاغة : 120)

المَدينيّ: في حديث رفاعة بن رافع: «الماء من الماء فتَخَمّطَ((1))

عُمَر».

تخَمّطَ الرّجل: غضِب، و الفَحْل هدَر، و البَحْر: التَطَم. (1 : 619)

مثله ابن الأ ثير. (2: 81)

الفيروزاباديّ: خمَطَ اللّحم يَخمِطُه: شواه، أو فلم يُنْضِجُه، و الجَدْي: سَلَخَه، فشَواه، فهو خميط، فإن نزع شَعَره و شَواه: فسميط، و اللّبَن يَخمِطُه و يَخمُطه: جعَله في سِقاء.

و الخَمّاط: الشّوّاء. و الخَمْطَة: ريح نَوْر العِنَب وشبهه، و الخمر الّتي أخَذَتْ ريحًا، أو الحامضة مع ريح.

و لبن خَمْط و خَمْطَة و خامط: طَيّب الرّيح، أو أخذ ريحًا كريح النّبِق، و التُّفّاح، و كذا سقاء خامط.

و خمَط ، كنصَر و فرِح، خَمْطًا و خُموطًا و خمَطًا: طاب ريحه، و تغيّرَت؛ ضدّ.

و خَمْطَتُه، و يُحَرّك: رائحتُه.

و الخَمْط: الحامض، أو المُرّ من كلّ شيء، و كلّ نبت أخذ طَعْمًا من مرارة، و الحَمْل القليل من كلّ شجر، و شجر كالسّدر، و شجر قاتل، أو كلّ شجر لاشوك له، و ثمر الأراك، و ثمر فَسْوة الضّبُع .

و تخَمّطَ: تكبّر، و غضِب، كخَمِط، بالكسر، و الفَحْل: هدَر، و البحر: التَطَم.

و المُتَخَمِّط: القهّار الغَلاب، و الشّديد الغضب له جَلَبَة من شدّة غضبه. و أرض خَمْطَة، و تُكسَر ميمه: طَيّبة الرّيح.

و بَحْر خَمِط الأمواج، ككَتِف: مُلتَطِمها

(2: 372)

مَجْمَعُ اللُّغة: الخَمْط: هو كلّ نبت أخذ طعمًا من مرارة أوحموضة، و تعافه النّفس. (1 : 365)

المُصْطَفَويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة: هو ما كان عاريًا عن الشّوك، و له استحكام و استكبار وارتفاع، و أثماره غير مطبوعة، و قد يُطلق على تلك: الأثمار، كما في سائر الأشجار.و بلحاظ هذه الخصوصيّة يقال: تخَمّطَ إذا غضِب و قهر، و في البحر يقال: إنّه لخَمِط، أي متلاطم، و في الفحل: إنّه تخَمّطَ أي هاج . و هذه المعاني بلحاظ الاستكبار و الرّفع، فيكون في كلّ مورد بحسبه.

و أمّا نزع الجلد والشّعر: فبمناسبة العراء من الشّوك و الخلوّ منه .{ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ اُكُلٍ خَمْطٍ وَ اَثْل وَ شَىءٍ مِنْ سِدْرٍ قَليلٍ‘} سبأ: 16، الخَمْط و كذلك الأثْل و الشّيء: عطف بيان، و القليل: صفة للشّيء.

هذا بناء على أن يكون المراد من الخَمْط و الأثْل و السّدر: أثمارها. و قال في <اللّسان> نقلا عن أبي زياد: و له ثمرة حمراء كأنّها أُبنَة، يعني عُقدة الرّشاء.

ص: 77


1- (1) أي غضِب.

و المراد من كون الألفاظ الثّلاثةعطف بيان، هو من جهة المعنى . و في اللّفظ: الأثْل و الشّيء معطوفان بالحروف علي الخَمْط.

و يمكن أن يكون المراد منها هو الأشجار لا الأثمار؛ و ذلك باعتبار السّببيّة و المجاورة و الإطلاق العرفيّ، فإنّ إطلاق اللّفظ للشّجر و يراد منه الثّمر، أمر شايع في عرف النّاس.

أو يقال إنّ الخَمْط عطف بيان، و الأثْل عطف على الأُكل، راجع:< الأثل>. (3 : 134)

النُّصوص التّفسيريّة

... جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ اُكُلٍ خَمْطٍ وَ اَثْلٍ وَ شَىء مِنْ سِدْرٍ قَليلٍ‘. سبأ: 16

ابن عبّاس: ثمر خَمْط أراك. (360)

نحوه مُجاهِد و الضّحّاك و الحسَن و قَتادَة و ابن زَيْد. (الطّبَريّ 10 : 364)

الفَرّاء: ذكروا في التّفسير أنّه [ الخَمْط] البرير، و هو ثمر الأراك. (2 : 359)

أبوعُبَيْدَة: و الخَمْط: كلّ شجرة ذي شوك.

(2 : 147)

نحوه المَيْبُديّ. (8 : 128)

ابن قُتَيْبَة: الخَمْط: شجر العضاه، و هي كلّ شجرة ذات شوك. (356)

الزّجّاج:ومعنی{خَمْطٍ}:يقال لكلّ نبت قد أخذ طعمًا من مرارة، حتّى لايمكن أكله: خَمْطٌ. و قد جاء في التّفسير أنّ الخَمْط: الأراك، و أُكُله: ثمره. (4 : 249)

الثّعلبيّ: و الخَمْط: الأراك في قول أكثر المفسّرين. و قيل: شجرة الغضا. (8 : 84)

القَيْسيّ: من أضاف < الاُكُل > إلى <الخَمْط> جعل الأُكُل هو الثّمر، و الخَمْط: شجر، فأضاف الثّمر إلي شجره، كما تقول: هذا ثمر نخل و عِنَب كَرْم.

و قيل: لمّا لم يحسن أن يكون الخَمْط نعتًا للأُكل، لأنّ الخَمْط اسم شجر بعينها، و لم يحسن أن يكون بدلا ، لأ نّه ليس هو الأوّل، و لا هو بعضه، و كان الجَنْي و الثّمرمن الشّجر، أُضيف على تقدير <مِن >،كقولک: هذا ثوب خزٍّ.

فأمّا من نَوّنه فإنّه جعل «الخَمْط» عطف بيان على الأُكل، فبيّن أنّ الأُكل لهذا الشّجر الّذي هو< الخَمْط> إذ لم يمكن أن يكون وصفًا و لا بدلا ، فبيّن به أُكل أيّ شجر هو. (2 : 207)

نحوه ابن الأنباريّ. (2 : 278)

الطُّوسيّ: قرأ أبو عمرو: (ذَوَاتَىْ اُكُلِ خَمْطٍ) مضافًا، الباقون { اُكُلٍ خَمْطٍ } منوّ نًا. و الاختيار عندهم التّنوين، لأنّ الأُكل نفس الخمط، و الشّيء لايضاف إلى نفسه.

و من أضاف قال: الخَمْط، هو جنس مخصوص من المأكولات، و الأُكل أشياء مختلفة، فأُضيفت إلى الخَمْط، كما تضاف الأنواع إلى الأجناس، و الخَمْط: ثمر الأراك، و هو البرير أيضًا؛ واحدها: بريرة، و سمّيت به جارية عائشة. و البرير: شجر السّواك. (8 : 386)

الواحديّ: القراءة الجيّدة بالإضافة، لأنّ الخَمْط عند المفسّرين اسم شجرة، قالوا:هوالأراك، و أُكُله:

ص: 78

جناه، و هوالبرير

قال أبوعُبَيْدَة: الخَمْط كلّ شجرة مُرّة ذات شوك. قال الأخفش: الأحسن في مثل هذه الإضافة مثل دارحرّ و ثوب خزّ. و قال ابن الأعرابيّ: الخَمْط ثمرشجر يقال له: فَسْوة الضّبُع، على صورة الخشخاش، ينفرك و لايُنتفع به. و قال المُبَرِّد و الزّجّاج يقال : لكلّ نبت قد أخذ طعمًا من المرارة حتّى لايمكن أُكله: خَمْط، و على هذا يحسن التّنوين في (اُكُلٍ) إذا جعَلتَ الخَمْط اسمًا للمأكولات . (3 : 491)

البغَويّ: قرأ العامّة بالتّنوين، و قرأ أهل البصرة

( اُكُلِ خَمْطٍ) بالإضافة. الأُكل: الثّمر، و الخَمْط: الأراك و ثمره، يقال له: البرير، هذا قول أكثر المفسّرين [ثمّ نقل الأقوال و أضاف:]

و من جعله أصلا و جعل <الأُكُل> ثمرة، فالإضافة فيه ظاهرة، و التّنوين سائغ. تقول العرب: في بستان فلان أعنابُ كَرْم، و أعنابٌ كَرْمٌ يُترجّم عن الأعناب بالكَرْم لأ نّها منه . (3 : 677)

الزّمَخْشَريّ: [نقل قول أبوعُبَيْدَة و الزّجّاج ثمّ قال:]

و وجه من نَوّن، أصله: ذواتي أُكُل، أُكل خَمْط؛ فحذف المضاف و أُقيم المضاف إليه مقامه، أو وصف الأُكل بالخَمْط، كأنّه قيل: ذواتي أُكل بشع. و من أضاف وهو أبوعمرو و حده فلأنّ< أُكل الخَمْط> في معنى <البرير>كأنّه قيل: ذواتي برير. (3 : 285)

نحوه البَيْضاويّ. (2 : 259)

ابن عَطيّة: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و قرأ جمهور القرّ اء بتنوين{ اُكُلٍ } وَصَفتْه ب {خَمْطٍ} و مابعده. قال أبو عليّ: البدل هذا لايحسن، لأنّ الخَمْط ليس بالأُكل، و الأُكل ليس بالخمط نفسه، و الصّفة أيضًا كذلك، لأنّ الخَمْط اسم لاصفة، و أحسن ما فيه عطف البيان، كأ نّه بيّن أنّ الأُكل هذه الشّجرة ومنها. و يُحسِّن قراءة الجمهور أنّ هذا الاسم قد جاء بمجيء الصّفات في قول الهذليّ:

عقار كماء النّي ليس بخَمْطة

و لاخلّة يكوي الشّروب شبابها

و قرأ أبوعمرو بإضافة ( اُكُل ) إلى (خَمْطٍ) و بضمّ كاف (اُُكُلِ خَمْطٍ). و رجّح أبوعليّ قراءة الإضافة.

(4: 415)

الطَّبْرِسيّ: أي صاحبتَي أُكُل، وهو اسم لثمر كلّ شجرة. و ثمرالخمط: البرير. (4 : 386)

العُكْبَريّ: قوله تعالى: {اُكُلٍ خَمْطٍ} يُقرأ بالتّنوين و التّقدير: أُكُلُ أُكُلِ خمط، فحُذف المضاف، لأنّ الخَمْط شجر، و الأُكُل: ثمرة. و قيل: التّقدير: أُكُل ذي خمط. و قيل: هو بدل منه، و جُعل خَمْط أُكلا لمجاورته إيّاه، و كونه سببًا له. و يُقرأ بالإضافة و هو ظاهر. (2 : 1066)

أبوحَيّان: قرأ الجمهور (اُكُلٌ) منوّ نًا، و الأُكُلُ: الثّمر المأكول. فخرّجه الزّمَخْشَريّ على أنّه على حذف مضاف، أي أُكُل خَمْط، قال: أو وصف الأُكل بالخَمْط، كأ نّه قيل ذواتي أُكُل بَشْع، انتهى. و الوصف بالأسماء لايطّرد و إن كان قد جاء منه شيء نحو قولهم :

*مررت بقاع عرفج كلّه*

ص: 79

و قال أبوعليّ: البدل في هذا لايَحسُن، لأنّ الخَمْط ليس بالأُكل نفسه، انتهى. وهو جائز على ما قاله الزّمَخْشَريّ، لأنّ البدل حقيقة هوذلك المحذوف، فلمّا حُذف أُعرب ما قام مقامه بإعرابه. قال أبو عليّ: و الصّفة أيضًا كذلك يريد بجنّتَين، لأنّ الخَمْط اسم لاصفة، و أحسن ما فيه عطف البيان، كأ نّه بيّن أنّ الأُكل هذه الشّجرة و منها، انتهى.

و هذا لايجوز علی مذهب البصريّين؛ إذ شرط عطف البيان أن يكون معرفة و ما قبله معرفة، و لايجيز ذلك في النّكرة من النّكرة إلا الكوفيّون، فأبو عليّ أخذ بقولهم في هذه المسألة. (7: 271)

الشِّربينيّ: أي ثمر بشع، و الخَمْط: الأراك و ثمره، يقال له: البرير. هذا قول أكثر المفسّرين. (3 : 291)

أبوالسُّعود: أي ثمر بشع، فإنّ الخَمْط كلّ نبت أخذ طعمًا من مرارة، حتّى لايمكن أكله. (5 : 253)

نحوه القاسميّ. (14 : 4945)

البُرُوسَويّ: [ نحو أبي السُّعود و أضاف:]

و المعنى جنّتَين صاحبتي ثمرمُرّ. فيكون الخَمْط نعتًا للأُكل. و جاء في بعض القراءات بإضافة الأُكل إلى الخَمْط، على أن يكون الخَمْط كلّ شجر مُرّ الثّمر أو كلّ شجر له شوك، أو هو الأراك، على ماقاله البخاريّ؛ و الأُكل: ثمره. (7 : 284)

ابن عاشور: و الخَمْط: شجر الأراك، و يُطلق الخَمْط على الشّيء المُرّ ... و قرأ الجمهور{اُكُلٍ} بالتّنوين مجرورًا، فإذا كان {خَمْطٍ} مرادً ا به: الشّجر المسمّى بالخمط، فلايجوز أن يكون {خَمْطٍ} صفة ل {اُكُلٍ} لأنّ الخَمْط شجر، و لاأن يكون بدلا من {اُكُلٍ} كذلك، و لاعطف بيان، كما قدّره أبوعليّ، لأنّ عطف البيان كالبدل المطابق، فتعيّن أن يكون {خَمْطٍ} هنا صفة. يقال: شيء خامط، إذا كان مُرًّا.

(22: 39 )

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخَمْط، و هو شجر ذو شوك و حمل مُرّ أو حامض، و شُبّه به كلّ طريّ أخذ طعمًا، و لم يستحكم. و منه: الخَمْط من اللّبن، أي الحامض. يقال: خمَط السّقاء يَخمُط و خَمِط خَمْطًا و خَمَطًا، أي تغيّرت رائحته، فهو خَمِط. و لبن خَمْط، و هو الّذي يُحْقَن في سقاء، ثمّ يوضع على حشيش حتّى يأخذ من ريحه، فيكون خَمْطًا طيّب الرّيح، طيّب الطّعم. و لبن خَمْط و خامط، وهو الّذي قد أخذ شيئًا من الرّيح، كريح النّبق أو التّفّاح،وكذلك: سقاء خامط.

و الخَمْطَة: الخمرة الّتي أعجلت عن استحكام ريحها، فأخذت ريح الإدراك، كريح التّفّاح و لم تُدرِك بَعدُ، يقال: خَمِطَت الخمر. و حمل عليه الخَمْطَة، أي ريح الكرم و ما أشبهه، ممّا له ريح طيّبة، و ليست بشديدة الذّكاء طيبًا.

و منه خمَط الحَمَل و الشّاة و الجَدْي يَخمِطه خَمْطًا، أي سلخه و نزع جَلْده و شواه فلم يُنضجه، و هو خميط، أي مشويّ، و الخمّاط: الشّواء، لأنّ سلخ الجلد كنزع الشّوك، نحو: قشَر الشّيء،أي أزال قشره، و عدم

ص: 80

الإنضاج كاللّبن الطّريّ الّذي أخذ طعمًا و لم يستحكم.

و خَمِط الرّجل و تخَمّطَ: غضِب و تكبّر و ثار، و رجل متَخمِّط: شديد الغضب له ثورة و جَبَلَة، و تخَمّطَ الفَحْل: هدَر، و تخَمّطَ البَحْر: التَطَم. و يقال له إذا التَطمَت أمواجه: إنّه لخَمِط الأمواج. وكلّ ذلك على التّشبيه بشجر الخَمْط، لشوكه و مرارة حمله المُرّ أو الحامض، و إن لم يكن كذلك فهو شاذّ عن هذه المادّة.

2 و ذكر ابن بطوطة في رحلته (172) أنّ أهل الطّائف يُسمّون التّين خَمْطًا. و هذا غريب في اللُّغة، و لعلّه أراد به الحَماط فصُحّف، و حذفت منه الألف تبعًا لرسم الخطّ القديم، نحو: ثلث، يراد به ثلاث، فظنّه النّاسخ دون ألف.

و الحَماط: شجر التّين الجبليّ، كما قال ابن سيده، أو ثمرٌ يُشبه التّين عند أهل اليمن، كما قال الأزهَريّ. و قال أبو حنيفة: <أخبرني بعض الأعراب أنّه في مثل نبات التّين، غير أنّه أصغر ورقًا، و له تين كثير صغار من كلّ لون: أسود و أملح وأصفر، و هو شديد الحلاوة، يحرق الفم إذا كان رطبًا و يعقره>((1)).

لاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسمٌ (خَمْطٍ) مرّة في آية:

{... وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ اُكُلٍ خَمْطٍ وَ اَثْلٍ...}

سبأ : 16

يلاحظ أوّ لا : أنّ الخَمْط كالأثْل وحيد الجذر في القرآن، و فيه بُحُوثٌ:

1 ورد هذا اللّفظ مع خمسة ألفاظ أُخرى، متتابعة نكرة مجرورة منوّنة، في آخر هذه الآية: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ اُكُلٍ خَمْطٍ وَ اَثْلٍ وَشَىْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَليلٍ‘}، فكأنّ الخفض و هو ضدّ الرّفع يحكي ضعة معانيها. و تفسير الخَمْط بالشّجرذي الشّوك و ليس الأراك يناسب هذا الرّأي، كما يناسبه وصف السّدر بالقلّة، و أنّه صلة {شَىْءٍ} أو صلة نعت له محذوف، و لفظ{شَىْءٍ} أنكر النّكرات كما ذكرالشّريف الاستراباديّ في <الكافية> و كلّ هذا خفض للسّدر، ليساوي الخَمْط و الأثْل في القدر.

و قد وردت أربعة ألفاظ متتابعة نكرة مرفوعة منوّنة في آخر الآية السّابقة: { لَقَدْ كَانَ لِسَبَاٍ فى مَسْكَنِهِمْ ايَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمينٍ‘ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ بَلْدَ ةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }،كما جاء فيها (جَنَّتَانِ) مرفوعًا فكأنّ الرّفع يحكي جلالة قدر هذه الأرض قبل سيل العَرِم، و لمّا أرسله الله على أهلها، أضحت كما وصفها.

2 إن قيل: لِمَ ذكر ما في جنّتي سبإ بعد سيل العَرِم من خَمْطٍ و أثْلٍ، و ما ذكر ما فيهما قبله؟

يقال: لأ نّه مفهوم لدى المخاطب، فهو يعلم أنّ في الجنّات نخيلا و كرومًا و سدرًا كثيرًا و فاكهة متنوّعة، فاستغنى عن ذكره، و نظيره قوله:{فَاَمَّا مَنْ تَابَ

ص: 81


1- (1) أُنظر <ح م ط>من< لسان العرب>.

وَ امَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسى اَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحينَ‘} القصص : 67، و ماذكر من لم يتب و يؤمن و يعمل صالحًا ،كما هو المطّردفي التّقسيم بحرف الشّرط و التّفصيل <أمّا> في جميع المواضع، عدا هذا الموضع من القرآن، لعلم السّامع بضدّه؛ إذ الأشياء تُعرف بأضدادها.

3 إنّ ذكر الخَمْط و الأثْل و قلّة السّدر، يناسب أرض مكّة و وديانها، لأنّ المخاطب بما جاء في هذه السّورة أهلها، فهي حجاج و وعد و وعيد لهم. كماذكر أهل سبأ ليعتبروا بهم، فهم عرب مثلهم، و أرضهم

قريبة من أرضهم، و تعيش طائفة منهم بين ظهرانيهم، و هم الأوس و الخزرج، و كانوا ممّن فرّوا من سيل العَرِم بعد انهيار سدّ مَأْرَب، فلجأُوا إلى يثرب و استوطنوها، و سمّوا بعد الإسلام بالأنصار. لاحظ: ج ن ن: <جنّة>، و: أ ث ل: <أثْل>، و: أ ك ل: <أُكل>.

و ثانيًا: جاءت منها آية مكّيّة في قصّة قوم سبإ.

و ثالثًا: لانظير لها في القرآن.

ص: 82

خ ن زي ر

اشارة

3 ألفاظ، 5 مرّات: 2 مكّيّة، 3 مدنيّة

في4 سور: 2 مكّيّة، 2 مدنيّة

خِنْزير 1:1 الخِنْزير 3 :1 2

الخَنازير 1: 1

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: ... خزَرتُ فلا نًا خَزْرًا: نظرت إليه بلحاظ عيني...

و الخنزير مأخوذ من الخَزَر، لأنّ ذلك لازم له. قال:

لا تَفخَرُنّ فإنّ الله أنزلكم

با خُزْرَ ثعلبَ دارَ الذُّلّ و العاري

يعني يا خنازير، و كلّ خنزير أخْزَر. (4: 206)

خَنْزَرَ فلان خَنْزَرةً كما تُخَنزر الخنازير.

(4: 338)

أبو عمروالشّيبانيّ: الخُنزُوان: الخَنزير.

(الأزهَريّ 7: 672)

الجاحظ: [ذكر مختصّاته و حياته في مواضع شتّى من كتابه فراجع] (7: 304)

ابن دُرَيْد: الخزَر: ضيق العين وصغرها... و اشتقاق <الخنزير> من صِغَر العين، و النّون و الياء زائدتان.

و الخَنْزَرة: فأس غليظة للحجارة. (2: 205)

و الخَنْزَرة منها: اشتقاق الخِنزير، و هي الغِلَظ، أو يكون من الخزَر، و هو صِغَر العين.

و الخَنْزَرة أيضًا: فأس غليظة، تُكسَر بها الحجارة.

(3: 332)

و الخنزير: معروف، و الخنزير: جبَل قريب مناليمامة.[ثمّ استشهد بشعر] (3: 374)

ص: 83

الأزهَريّ: و خَنْزَرٌ: اسم رجل.

و خَنْزَرٌ: اسم موضع. [ثمّ استشهد بشعر]

قال بعضهم: خَنْزَر الرّجل خَنْزَرةً، إذا نظر بمُؤْخِر((1))

عينه. جعله «فَنْعَلَ» من الأخْزَر. (7: 672)

الصّاحِب: خَنْزَر فلان خَنْزَرةً، أي غَلُظَ كما يُخَنزِر الخنزير.

و الخَنْزَرة: فأس عظيمة.

و دارة الخَنْزَرَين هي لبني حمَل. (4: 464)

الجَوهَريّ: الخنزير: واحد الخنازير.

و الخنازير أيضًا: علّة معروفة، و هي قُروح صُلْبة تَحدُث في الرّقبة. (2: 644)

الثّعالبيّ: الخنازير: أشباه الغُدَد في العنق. (147)

ابن سيده: و الخنزير: من الوحش العاديّ، معروف، مأخوذ من «الخَزَر»، لأنّ ذلك لازم له. و قيل: هو رباعيّ. و سيأتي. (5: 94)

و الخَنْزَرة: الغِلَظ.

و الخَنْزَرة: الفأس الغليظة.

و خَنْزَرة، و الخَنْزَر: موضعان.

و خَنْزَرٌ: اسم رجل، و هو الحلال، ابن عمّ الرّ اعيّ، يتهاجيان.و زعموا أنّ الرّاعيّ هو الّذي سمّاه خَنْزَرًا.

و قال كُراع: هو[الخنزير] من الخزَر في العين، فهو على هذا ثلاثيّ، و قد تقدّم.

و خَنْزَرَ: فعَل فِعْل الخنزير.

و خِنْزِرٌ: اسم موضع.

و خنزير: اسم ابن أسلَم بن هُناءة الأسديّ، فيما أرى.

[و استشهدبالشّعر مرّتين] (5: 335)

الخنزير: حيوان ثدييّ ثقيل ذو فِرْطيسَة طويلة، و أنياب كبيرة ،خصوصًا عند الذّكور منها.

الجمع: خنازير. مشتقّ من الخَنْزَرة، و هي الغِلَظ.

(الإفصاح 2: 822)

الخَنْزَرة: فأس غليظة يُكسَر بها الحجارة.

(الإفصاح 2: 1033)

الزّمَخْشَريّ: رجل أخزَر: ينظر بمُؤخِرعينه... و هو نظرالعداوة ... و كلّ خِنْزير أخزر...

و خَنْزَر الرّجل، إذا نظر بمُؤخِر عينه، و إذا قبض جفنيه ليحدّد النّظر، قيل: قد تخازر.

[ثمّ استشهد بشعر] (أساس البلاغة: 109)

العُكْبَريّ: و النّون في <خنزير> أصل، و هو على مثال: غِرْبيب، و قيل: هي زائدة، و هو مأخوذ من الخَزر. (1: 141)

الصَّغانيّ: و اختلفوا في اشتقاق <الخنزير> فقال ابن دُرَيْد: هو من الخَنْزَرة، و هي الغِلْظَة.و قال غيره: هو من الخزَر، سمّي به لضيق عينيه...

و دارَةُ خَنْزَر، بالفتح: من دارات العرب، مثل:دارَة جُلْجُل، و دارَة صُلْصُل. [ثمّ استشهد بشعر]

(2: 493)

القُرطُبيّ: ذهب أكثر اللُّغويّين إلى أنّ لفظة <الخنزير> رباعيّة. [ثمّ ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و جمع الخنزير: خنازير. و الخنازير أيضًا علّة

ص: 84


1- (1) جاء في الهامش، بمؤخَّربتشديدالخاء مفتوحةً.

معروفة، و هي قروح صلبة تحدث في الرّقبة. (2: 223)

أبو حَيّان: الخنزير: حيوان معروف، و نونه أصليّة فهو<فِعْليل>، و زعم بعضهم أنّ نونه زائدة، و أنّه مشتقّ من خزَر العين لأ نّه كذلك ينظر. يقال: تخازر الرّجل: ضيّق جفنه ليُحدّد النّظر.

و الخزَر: ضيق العين و صِغَرها، و يقال: رجل أخزَر بيّن الخزَر. و قيل: هو النّظر بمُؤخِر العين، فيكون كالشَّوَس. (1: 477)

الفَيُّوميّ: و الخنزير، <فِنْعيل>، حيوان خبيث. و يقال: إنّه حُرّم على لسان كلّ نبيّ؛ و الجمع: خنازير.

(1: 168)

الدّميريّ: الخنزير بكسر الخاء المعجمة؛ جمعه: خنازير، و هو عند أكثر اللُّغويّين رباعيّ... [ثمّ ذكر الأقوال في أوصافه فراجع] (1: 430)

الفيروزاباديّ: و الخنزير: معروف، و عين باليمامة، أو جبَل، و الخنازير: الجمع، و قرُوح تَحْدُث في الرّقبة...

و دارَة الخنازير، و دارَة خَنْزَر، و يُكسَر، و دارَة الخنزيرَين، و يقال: الخَنزَرتَين: مواضع. (2: 20)

الخَنْزَرة: الغِلَظ،وفأس عظيمة يُكسَر بها الحجارة.

و دارَةُ خَنْزَر و الخَنزَرتَين و الخنزيرَين: من داراتهم.

و الخنزير: في «خ ز ر». (2: 20، 25)

القَلْقَشَنْديّ: هو حيوان في نحو مقدار الحمار، و شعره كالإبر، و له نابان بارزان من فكّه الأسفل.

و من خاصّته أنّه لايُلقي شيئًا من أسنانه، بخلاف سائر الحيوان، فإنّها تُلقي أسنانه خلا الأضراس. و هو كثير السِّفاد كثيرالنّسل، حتّى أنّه ربما بلغت عدّة خنانيصه، و هي أولاده اثني عشر خِنَّوْصًا.

قال في <المصايد و المطارد>: و هو من الحيوان البرّيّ الجاهل الّذي لايقبل التّأديب و التّعليم، و يقبل السِّمَن سريعًا. و يقال: إنّه إذا جُعل بين الخيل سمِنَت.

(2: 52)

الزّبيديّ: ... و اختُلف في وزنه ، فقال أهل التّصريف: هو <فِعْليل>، بالكسر، رباعيّ مزيد فيه الياء، و النّون أصليّة، لأ نّها لاتزاد ثانية مطّردة، بخلاف الثّالثة كقرنفل فإنّها زائدة.

و قيل: وزنه <فِنْعيل>، فإنّ النّون قد تزاد ثانية، و حكى الوجهين ابن هشام اللّخميّ في «شرح الفصيح»، و سبقه إلى ذلك الإمام أبو زَيْد، و أورده الشّيخ أكمل الدّين البابرتيّمن علمائنا في «شرح الهداية» بالوجهين، و كذا غيره، و لم يُرجّحوا أحدهما.

و ذكره صاحب< اللّسان> في الموضعين، و كأنّ المصنِّف [الفيروزاباديّ] اعتمد زيادة النّون، لأ نّه الّذي رواه أهل العربيّة عن ثَعْلَب، و ساعده على ذلك اتّفاقهم على أنّه مشتقّ من الخزر، لأنّ الخنازير كلّها خَزَرٌ.

ففي «الأساس»: و كلّ خنزير أخزَر، و منه خنزر الرّجل: نظر بمُؤخِر عينيه. قلت: فجعله «فَنْعَل» من الأخزَر، و كلّ مومسة أخزر.

و قال كُراع: هو من الخزَر في العين، لأنّ ذلك لازم له، و قد صرّح بهذا الزّبيدي في «المختصر» و عبد

ص: 85

الحقّ و الفِهْريّ و اللّبليّ و غيرهم. (3: 174)

الخَنْزَرة، أهمله الجَوهَريّ هنا، و أورده في تركيب «خ زر» و قال ابن دُرَيْد: هو الغِلَظ، قال: و منه اشتقاق الخنزير، على رأي.

و الخَنْزَرة: فأس غليظة عظيمة تُكسَر بها الحجارة، أوردوه في تركيب «خ زر»…

و الخنزير: حيوان معروف، و قد ذُكر في «خ زر»، و أعاده [الفيروزاباديّ] هنا على رأي من يقول: إنّ النّون في ثاني الكلمة لاتُزاد إلا بثبت، و قد تقدّم الكلام عليه. (3: 191)

الطُّرَيحيّ: [الخنزير] هو واحد الخنازير: حيوان معروف.

و في الحديث: <إنّه ممسوخ>.

و الخنازير: علّة معروفة، و هو قُروح تحدث في الرّقبة.

و منه الحديث: «خرجت بجارية لنا خنازير في عنقها».

(3: 285)

مَجْمَعُ اللُّغة: الخنزير: الحيوان المعروف؛ و يُجمع على الخنازير. (2: 365)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم. (1: 175)

المُصْطَفَويّ: إنّ كلمة <الخنزير> اسم للحيوان المعلوم، و لايبعد اشتقاقه من <الخَزَر>، لمناسبة في المعنيين.

و هو أحد الحيوانات الّتي له حافر و ظِلْف، أي إنّ حوافرها مشقوقة، و له جسم ثقيل و أرجل قصيرة، و خرطوم قويّ يحفر به الأرض بحثًا عن جذور النّباتات. (3: 136)

النُّصوص التّفسيريّة

خِنْزيرٍ‘

قُلْ لا اَجِدُ فى مَا اُوحِىَ اِلَىَّ مُحَرَّ مًا عَلى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ اِلا اَنْ يَكُونَ مَيْتَةً اَوْ دَمًا مَسْفُوحًا اَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ‘فَاِنَّهُ رِجْسٌ... الأنعام:145

راجع: ر ج س: <رِجْسٌ>.

الْخِنْزيرِ‘

1 اِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزيرِ‘ وَ مَا اُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لا عَادٍ فَلا اِثْمَ عَلَيْهِ اِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘. البقرة: 173الإمام الباقر(علیه السلام): [في حديث:]... قلت له: لِمَ حرّم الله لحم الخنزير؟ قال:

«...و أمّا الخنزير، فإنّ الله جلّ و عزّ مسخ قومًا في صُوَر شتّى مثل الخنزير و القِرَد و الدُّبّ».

(العَرُوسيّ 1: 154)

الإمام الرّضا(علیه السلام): [في حديث:] «... و حرّم الخنزير، لأ نّه مشوّه، جعله الله تعالى عظة للخلق، و عبرة و تخويفًا، و دليلا على ما مسخ على خلقته و صورته، و جعل فيه شبهًا من الإنسان، ليدلّ على أنّه من الخلق المغضوب عليه>. (العَرُوسيّ 1: 153)

الماوَرْديّ: فيه قولان:

أحدهما: التّحريم مقصور على لحمه دون غيره اقتصارًا على النّص، و هذا قول داود بن عليّ.

ص: 86

و الثّاني: أنّ التّحريم عامّ في جملة الخنزير، و النّص على اللّحم تنبيه على جميعه، لأ نّه معظمه، و هذا قول الجمهور. (1: 222)

الواحديّ: أراد الخنزير بجميع أجزائه، و خص اللّحم لأ نّه المقصود بالأكل. (1: 257)

نحوه البغَويّ (1: 200)، و الطَّبْرِسيّ (1: 257)،

و ابن الجَوْزيّ (1: 175) و طه الدُّرّة (1: 267).

ابن العَرَبيّ: اتّفقت الأُمّة على أنّ لحم الخنزير حرام بجميع أجزائه. و الفائدة في ذكر اللّحم أنّه حيوان يُذبَح للقصد إلى لحمه، و قد شغفت المبتدعة بأن تقول: فما بال شحمه، بأيّ شيء حُرّم؟ و هم أعاجم لايعلمون أنّه من قال: لحمًا، فقد قال: شحمًا، و من قال: شحمًا، فلم يقل: لحمًا؛ إذ كلّ شحم لحم، و ليس كلّ لحم شحمًا من جهة اختصاص اللّفظ، و هو لحم من جهة حقيقة اللّحميّة، كما أنّ كلّ حمد شكر، و ليس كلّ شكر حمدًا من جهة ذكر النّعم، و هو حمد من جهة ذكر فضائل المنعم.

ثمّ اختلفوا في نجاسته، فقال جمهور العلماء: إنّه نجس، و قال مالك: إنّه طاهر، و كذلك كلّ حيوان عنده، لأنّ علّة الطّهارة عنده هي الحياة. و قد قرّرنا ذلك عند مسائل الخلاف بما فيه كفاية، و بيّنّاه طَرْدًا و عكسًا، و حقّقنا ما فيه من الإحالة و الملاءمة و المناسبة، على مذهب من يرى ذلك، و من لايراه بما لامَطْعَن فيه، و هذا يُشير بك إليه. فأمّا شَعره فسيأتي ذكره في سورة النّحل إن شاء الله تعالى. (1: 54)

ابن عَطيّة: و خص ذكر اللّحم من الخنزير، ليدلّ على تحريم عينه، ذُكّي أو لم يُذكّ، و ليعمّ الشّحم و ما هنالك من الغضاريف و غيرها، و أجمعت الاُمّة على تحريم شحمه، و في خنزير الماء كراهية، أبى مالك أن يجيب فيه، و قال: أنتم تقولون: خنزيرًا.

و ذهب أكثر اللُّغويّين إلى أنّ لفظة <الخنزير> رباعيّة، و حكى ابن سيده عن بعضهم أنّه مشتقّ من خزَر العين، لأ نّه كذلك ينظر، فاللّفظة على هذا ثلاثيّة.(1: 240)

أبو الفُتُوح: أجمعت الأُمّة على تحريم شحمه و عصَبه و جلده، و إن ذكر اللّحم في الآية دون ذلك، كما أجمعت على نجاسته. و لكنّها اختلفت في جواز الانتفاع بشعره. قال أبوحنيفة: و محمّدبن الحسن: يجوز الخرز به، و قال: أبو يوسف: مكروه، و قال الأوزاعيّ: لابأس، و لايجوز في مذهبنا و في مذهب الشّافعيّ.

و لافر ق عندنا في التّحريم بين خنزير الماء و خنزير الآجام، و كذا عند أصحاب أبي حنيفة، و ذهب مالك و الشّافعيّ و الأوزاعيّ و ابن أبي ليلى: إلى أنّ لحم ما في البحر حلال، و سمّاه بعض أصحاب الشّافعيّ: حمار الماء، فحلّلوا لحمه. و مذهب اللّيث: أنّ ميتة الماء و خنزير الماء حرام، و حكم الخنزير و الكلب في النّجاسة واحد، فإذا كانا مبلّلين و لمَسا لباسًا و جب غَسله، و إذا لمسا لباسًا و كانا جافّين وجب تطهيره بالماء. (2: 297)

الفَخْرالرّازيّ: أجمعت الأُمّة على أنّ الخنزير بجميع أجزائه محرّم، و إنّما ذكر الله تعالى لحمه، لأنّ معظم الانتفاع متعلّق به، و هو كقوله: {اِذَا نُودِىَ

ص: 87

لِلصَّلوةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا اِلى ذِكْرِ اللهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ}الجمعة: 9، فخص البيع بالنّهي، لما كان هو أعظم المهمّات عندهم. أمّا شَعر الخنزير فغير داخل في الظّاهر، و إن أجمعوا على تحريمه و تنجيسه...

اختلفوا في <خنزير الماء>، قال ابن أبي ليلى

و مالك و الشّافعيّ و الأوزاعيّ: لا بأس بأكل شيء يكون في البحر، و قال أبو حنيفة و أصحابه: لايؤكل. حجّة الشّافعيّ قوله تعالى: { اُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعَامُهُ } المائدة: 96، و حجّة أبي حنيفة: أنّ هذا خنزير فيُحرم لقوله تعالى: {حُرِّ مَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ‘} المائدة: 3.

و قال الشّافعيّ: الخنزير إذا أُطلق فإنّه يتبادر إلى الفهم خنزير البرّ لاخنزير البحر، كما أنّ اللّحم إذا أُطلق يتبادر إلى الفهم لحم غير السّمك لا لحم السّمك بالإتّفاق، و لأنّ خنزير الماء لايسمّى: خنزيرًا على الإطلاق، بل يسمّى: خنزير الماء... (5: 22)

نحوه ملخّصًا النَّيسابوريّ. (2: 71)

ابن عرَبيّ: { اِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ... لَحْمَ الْخِنْزيرِ‘} لغلبة السّبعيّة و الشّرَه، و مباشرة القاذورات و الدّباثة على طبعه، فيولد في أكله مثل ذلك. (1: 109)

القُرطُبيّ: خص الله تعالى ذكر اللّحم من الخنزير، ليدلّ على تحريم عينه، ذُكّي أو لم يُذَكّ، و ليعمّ الشّحم، و ما هنالك من الغضاريف و غيرها.

أجمعت الأُمّة على تحريم شحم الخنزير، و قد استدلّ مالك و أصحابه على أنّ من حلف ألا يأكل شحمًا فأكل لحمًا، لم يحنث بأكل اللّحم. فإن حلف ألا يأكل لحمًا فأكل شحمًا، حنث، لأنّ اللّحم مع الشّحم يقع عليه اسم اللّحم، فقد دخلالشّحم في اسم اللّحم و لايدخل اللّحم في اسم الشّحم. و قد حرّم الله تعالى لحم الخنزير، فناب ذكر لحمه عن شحمه، لأ نّه دخل تحت اسم اللّحم. و حرّم الله تعالى على بني إسرائيل الشّحوم، بقوله: {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} الأنعام:146، فلم يقع بهذا عليهم تحريم اللّحم، و لم يدخل في اسم الشّحم، فلهذا فرّق مالك بين الحالف في الشّحم و الحالف في اللّحم، إلا أن يكون للحالف نيّة في اللّحم دون الشّحم فلا يحنث و الله تعالى أعلم.

و لايحنث في قول الشّافعيّ و أبي ثور و أصحاب الرّأي إذا حلف ألا يأكل لحمًا فأكل شحمًا. و قال أحمد: إذا حلف ألا يأكل لحمًا فأكل الشّحم لابأس به، إلا أن يكون أراد اجتناب الدّسم.

لاخلاف أنّ جملة الخنزير محرّمة إلا الشّعر، فإنّه يجوز الخرازة به. و قد روي أنّ رجلا سأل رسول الله (صلی الله علیه و آله) عن الخرازة بشعر الخنزير، فقال: «لا بأس بذلك» ذكره ابن خويز مَنداد، قال: و لأنّ الخرازة على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله) كانت، و بعده موجودة ظاهرة، لانعلم أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنكرها، و لاأحد من الأئمّة بعده. و ما أجازه الرّسول (صلی الله علیه و آله) فهو كابتداء الشّرع منه.

لاخلاف في تحريم خنزير البرّ كما ذكرنا؛ و في خنزير الماء خلاف. و أبى مالك أن يجيب فيه بشيء، و قال: أنتم تقولون: خنزيرًا، و قد تقدّم. و سيأتي بيانه في «المائدة» إن شاء الله تعالى. (2: 222)

البَيْضاويّ: إنّما خص اللّحم بالذّكر، لأ نّه معظم

ص: 88

ما يؤكل من الحيوان، و سائر أجزائه كالتّابع له.

(1: 96)

نحوه الشِّربينيّ (1: 113)، و أبو السُّعود (1: 232) ، و المشهديّ (1: 403)، و شُبّر (1: 175).

ابن كثير: ... و كذلك حُرِّم عليهم لحم الخنزير سواء ذُكّي أم مات حتف أنفه، و يدخل شحمه في حكم لحمه: إمّا تغليبًا أو أنّ اللّحم يشمل ذلك، أو بطريق القياس على رأي. (1: 361)

القَلْقَشَنْديّ: الخنزير، و هو حرام بنص القرآن، نجس في مذهب الشّافعيّ 2قياسًا على الكلب. بل قالوا: إنّه أسوأحالا منه، لعدم حلّ اقتنائه، إلا أنّه مباح القتل، فيكون في معنى الصّيد. (2: 52)

البُرُوسَويّ: [نحو البَيْضاويّ إلى أن قال: من باب التّأويل:]

{وَ لَحْمَ الْخِنْزيرِ} إشارة إلى هوى النّفس، و تشبيه النّفس بالخنزير لغاية حرصها و شرَهها و خسّتها، و خباثة ظاهرها و باطنها. (1: 277، 278)

الشَّوْكانيّ: هذه الآية و الآية الأُخرى، أعني قوله تعالى: { قُلْ لا اَجِدُ فى مَا اُوحِىَ اِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ اِلا اَنْ يَكُونَ مَيْتَةً اَوْ دَمًا مَسْفُوحًا اَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ‘} الأنعام: 145، أنّ المحرّم إنّما هو: اللّحم فقط. [ثمّ ذكر قول القُرطُبيّملخّصًا] (1: 216)

الآلوسيّ: خص اللّحم بالذّكر مع أنّ بقيّة أجزائه أيضًا حرام، خلافًا للظّاهريّة، لأ نّه معظم ما يؤكل من الحيوان، و سائر أجزائه كالتّابع له. و قيل: خص اللّحم ليدلّ على تحريم عينه ذُكّي أو لم يُذَكّ، و فيه ما لايخفى. و لعلّ السّرّ في إقحام لفظ اللّحم هنا، إظهار حرمة ما استطيبوه و فضّلوه على سائر اللّحوم، و استعظموا وقوع تحريمه.

و استدلّ أصحابنا بعموم الخنزير على حرمة خنزير البحر، و قال الشّافعيّ: لا بأس به. و روي عن الإمام مالك أنّه قال له شخص: ما تقول في خنزير البحر؟ فقال: حرام. ُثمّ جاء آخر، فقال له: ما تقول في حيوان في البحر على صورة الخنزير؟ فقال:حلال، فقيل له: في ذلك، فقال: إنّ الله تعالى حرّم الخنزير و لم يُحرّم ما هو على صورته. و السّؤال مختلف في الصّورتين. (2: 42)

القاسميّ: و أمّا خبث لحم الخنزير، فلأذاه للنّفس، كما حرّم ماقبله لمضرّتها في الجسم، لأنّ من حكمة الله في خلقه: أنّ من اغتذى جسمه بجسمانيّة شيء، اغتذت نفسانيّته بنفسانيّة ذلك الشّيء: الكِبْر و الخيلاء في الفدّادين((1))

أهل الوبر، و السّكينة في أهل الغنم. فلمّا جعل في الخنزير من الأوصاف الذّميمة، حرّم على من حوفظ على نفسه من ذميم الأخلاق؛ نقله البقاعيّ.

و قد كُشِف لأطبّاء هذا العصر من مضارّ لحم الخنزير المبنيّة على التّجارب الحسّيّة، غير ما قالوه القدماء. فمن مضارّه: أنّه يورث الدّودة الوحيدة المتسبّب من وجودها في الأمعاء أعراض كثيرة:

ص: 89


1- (1) الفدّ ادين: المتكبّرين...و ما لك المئين من الإبل إلى الألف؛ واحده فَدّاد.

كالمغص، و الإسهال، و القيء، و فقد شهوة الطّعام أو النّهم الشّديد، و آلام الرّأس، و الإغماء، و الدّوار، و اضطراب الفكر، و عروض نوبات صرعيّة، و تشنّجات عصبيّة، و إصابة مرض دودة الشّعر الحلزونيّة الّذي يفوق الحُمّى، و يؤدّي بحياة المصاب إلى غير ذلك من التّعب،و عسر الهضم،و مضارّ سواها .

قال حكيم: فالإسلام لم يأت لإصلاح الرّوح فقط، بل لإصلاح الرّوح و الجسم معًا، فلم يترك ضارًّا لأحدهما إلا و نبّه عليه تصريحًا أو تلويحًا. و قد بسط الحكماء المتأخّرون الكلام على مضرّات لحم الخنزير، في مقالات عديدة. (3: 382)

رشيد رضا: [و حرّم لحم الخنزير] فإنّه قذر، لأنّ أشهى غذاء الخنزير إليه القاذورات و النّجاسات، و هو ضارّ في جميع الأقاليم و لا سيّما الحارّة، كما ثبت بالتّجربة. و أكل لحمه من أسباب الدّودة الوحيدة القتّالة. و يقال: إنّ له تأثيرًا سيّئًا في العفّة و الغيرة.

(2: 98)طنطاوي: أمّا الخنزير، فقد أجمعت الأُمّة على تحريم جميع أجزائه، و جمهور العلماء أنّه نجس، و قال مالك: بطهارته، فإنّ كلّ حيّ عنده طاهر. و مذهب الشّافعيّ الجديد أنّه كالكلب إذا ولغ في الإناء، و في القديم يكفي في ولوغه غَسْلةً واحدة. (1: 166)

المَراغيّ: {وَ لَحْمَ الْخِنْزيرِ‘} لأ نّه ضارّ و لا سيّما في البلاد الحارّة، كما دلّت على ذلك التّجربة. (2: 49)

سيّد قُطْب: فأمّا الخنزير فيجادل فيه الآن قوم. و الخنزير بذاته منفِّر للطّبع النّظيف القويم، و مع هذا فقد حرّمه الله منذ ذلك الأمد الطّويل، ليكشف علم النّاس منذ قليل أنّ في لحمه و دمه و أمعائه دودة شديدة الخطورة الدّودة الشّريطيّة و بويضاتها المتكيّسة و يقول الآن قوم: إنّ وسائل الطّهو الحديثة قد تقدّمت، فلم تعدّ هذه الدّيدان و بويضاتها مصدر خطر، لأنّ إبادتها مضمونة بالحرارة العالية الّتي توافرها وسائل الطَّهو الحديثة. و ينسى هؤلاء النّاس أنّ علمهم قد احتاج إلى قرون طويلة، ليكشف آفة واحدة. فمن ذا الّذي يجزم بأن ليس هناك آفات أُخرى في لحم الخنزير، لم يُكشَف بَعدُ عنها؟ أفلاتستحقّ الشّريعة الّتي سبقت هذا العلم البشريّ بعشرات القرون أن نثق بها، و ندع كلمة الفصل لها، و نحرّم ما حرّمت، و نحلّل ما حلّلت، و هي من لدن حكيم خبير! (1: 156)

ابن عاشور: و لحم الخنزير هو لحم الحيوان المعروف بهذا الاسم. و قد قال بعض المفسّرين:إنّ العرب كانوا يأكلون الخنزير الوحشيّ دون الإنسيّ، أي لأ نّهم لم يعتادوا تربية الخنازير. و إذا كان التّحريم واردًا على الخنزير الوحشيّ فالخنزير الإنسيّ أولى بالتّحريم أو مساو للوحشيّ.

و ذكر اللّحم هنا، لأ نّه المقصود للأكل، فلادلالة في ذكره على إباحة شيء آخر منه، و لا على عدمها، فإنّه قد يعبّر ببعض الجسم على جميعه، كقوله تعالى عن زكريّا: {رَبِّ اِنّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّى} مريم:4، و أمّا نجاسته و نجاسة شعره أو إباحتها، فذلك غرض آخر ليس هو المراد من الآية.

ص: 90

و قد قيل في وجه ذكر اللّحم هنا و تركه في قوله: {اِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} وجوه قال ابن عَطيّة: <إنّ المقصد الدّ لالة على تحريم عينه ذُكّيَ أم لم يُذَكّ > انتهى. و مراده بهذا ألا يتوهّم متوهِّم أنّه إنّما يحرم إذا كان ميتة، و فيه بُعد. و قال الآلوسيّ: <خصّه لإظهار حرمته، لأ نّهم فضّلوه على سائر اللّحوم، فربّما استعظموا وقوع تحريمه> انتهى. يريد أنّ ذكره لزيادة التّغليظ، أي ذلك اللّحم الّذي تذكرونه بشراهة. و لاأحسب ذلك، لأنّ الّذين استجادوا لحم الخنزير هم الرّوم دون العرب،

و عندي أنّ إقحام لفظ اللّحم هنا: إمّا مجرّد تفنّن في الفصاحة، و إمّا للإيماء إلى طهارة ذاتهكسائر الحيوان، و إنّما المحرّم أكله لئلا يُفضي تحريمه بالنّاس إلى قتله أو تعذيبه، فيكون فيه حجّة لمذهب مالك بطهارة عين الخنزير كسائر الحيوان الحيّ، و إمّا للتّرخيص في الانتفاع بشعره، لأ نّهم كانوا يغرزون به الجلد.

و حكمة تحريم لحم الخنزير أنّه يتناول القاذورات بإفراط، فتنشأُ في لحمه دودة ممّا يقتاته، لاتهضمها معدته، فإذا أُصيب بها آكله قتلته.

و من عجيب ما يتعرّض له المفسّرون و الفقهاء البحث في حرمة خنزير الماء، و هي مسألة فارغة؛ إذ أسماء أنواع الحوت روعيت فيها المشابهة، كما سمّوا بعض الحوت: فرَس البحر و بعضه حَمام البحر و كلب البحر، فكيف يقول أحد بتأثير الأسماء و الألقاب في الأحكام الشّرعيّة؟! و في «المدوّنة» توقّف مالك أن يجيب في خنزير الماء، و قال: أنتم تقولون: خنزير. قال ابن شَأْس: رأى غير واحد أنّ توقّف مالك حقيقة لعموم {اُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} المائدة: 96، و عموم قوله تعالى: {وَ لَحْمَ الْخِنْزيرِ}.

و رأى بعضهم أنّه غير متوقّف فيه حقيقة، و إنّما امتنع من الجواب إنكارًا عليهم تسميتهم إيّاه خنزيرًا، و لذلك قال: أنتم تسمّونه خنزيرًا، يعني أنّ العرب لم يكونوا يسمّونه خنزيرًا، و أنّه لاينبغي تسميته خنزيرًا، ثمّ السّؤال عن أكله حتّى يقول قائلون: أكلوا لحم الخنزير، أي فيرجع كلام مالك إلى صون ألفاظ الشّريعة ألا يُتلاعَب بها.

و عن أبي حنيفة أ نّه منع أكل خنزير البحر غير متردّد، أخذًا بأ نّه سمّي خنزيرًا. و هذا عجيب منه، و هو المعروف بصاحب الرّأي، و من أين لنا ألايكون لذلك الحوت اسم آخر في لغة بعض العرب، فيكون أكله محرّمًاعلى فريق، و مباحًا لفريق. (2: 117)

مَغْنِيّة: ذكر في هذه الآية أربعة أنواع ممّا يحرم أكله... الثّالث: الخنزير، لحمه و شحمه و جميع أجزائه، خلافًا لداود الظّاهريّ الّذي قال: يحرم لحم الخنزير دون شحمه، عملا بظاهر اللّفظ. و إنّما ذكر اللّحم بالخصوص، لأ نّه أظهر الأجزاء الّتي ينتفع بها.

(1: 264)

عبد الرّزّاق نوفل: [راجع: خ م ر: <الخمر>]

(1: 85)

المُصْطَفَويّ: هذه الآية الكريمة تدلّ على حرمة هذه الموضوعات، و كذلك آيات: {حُرِّ مَتْ عَلَيْكُمُ

ص: 91

الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ} المائدة: 3، {اِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزيرِ} النّحل: 115.

و أمّا التّعبيرباللّحم و التّقييدبه، فراجع: اللّحم.

و أمّا جهة الطّهارةو النّجاسة في هذه الموضوعات، فلابدّ أن يُفهم من دليل خارج، و التّعبير عن لحم الخنزير ب<الرّجس> {قُلْ لا اَجِدُ فِى مَا اُوحِىَ اِِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلى طَاعِمٍيَطْعَمُهُ اِلا اَنْ يَكُونَ مَيْتَةً اَوْ دَمًا مَسْفُوحًا اَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ‘فَاِِنَّهُ رِجْسٌ} الأنعام: 145، لايدلّ على النّجاسة، فإنّ الرّجس هو الرّجز و القذر، و هو أعمّ من النّجاسة {فَاجْتَنِبُوا الرِّ جْس مِنَ الاَوْ ثَانِ } الحجّ : 30 . (3: 136)

مكارم الشّيرازيّ: تذكر الآية ثلاثة أنواع من اللّحوم المحرّمة إضافة إلى الدّم، و هي من أكثر المحرّمات انتشارًا في ذلك العصر، في بعضها خُبث ظاهر، لايخفى على أحد، كالميتة و الدّم و لحم الخنزير، و في بعضها خبث معنويّ كالّتي ذبحت من أجل الأصنام...

فلسفة تحريم اللّحوم المحرّمة:

الأغذية المحرّمة التّي ذكرتها الآية الكريمة أعلاه لها كسائر المحرّمات الإلهيّة فلسفتها الخاصّة، و قد شُرّعت انطلاقًا من خصائص الإنسان جسميًّا و روحيًّا. و الرّوايات الإسلاميّة ذكرت علل بعض هذه الأحكام، و العلوم الحديثة أماطت اللّثام أيضًا عن بعض هذه العلل.[إلى أن قال:]

ثالث المحرّمات المذكورة في الآية {لَحْمَ الْخِنْزيرِ‘}.

الخنزير حتّى عند الأُوروبيّين المولعين بأكل لحمه رمز التّحلّل الجنسيّ، و هو حيوان قذر للغاية، و تأثير تناول لحمه على التّحلّل الجنسيّ لدى الإنسان مشهود.

حرمة تناول لحمه صرّحت بها شريعة موسى(علیه السلام) أيضًا، و في الأناجيل شُبّه المذنبون بالخنزير، كما أنّ هذا الحيوان مظهر الشّيطان في القصص.و من العجيب أنّ أُناسًا يرون بأعينهم قذارة هذا الحيوان، حتّى أنّه يأكل عذرته، و يعلمون احتواء لحمه على نوعين خطرين من الدّيدان، و مع ذلك يصرّون على أكله.

دودة «التّريشين» الّتي تعيش في لحم هذا الحيوان تتكاثر بسرعة مدهشة، و تبيض في الشّهر الواحد خمسة عشر ألف مرّة، و تسبّب للإنسان أمراضًا متنوّعة كفقر الدّم، و الغثيان، وحُمّى خاصّة، و الإسهال، و آلام المفاصل، و توتّر الأعصاب، و الحَكّة، و تجمّع الشّحوم داخل البدن، و الإحساس بالتّعب، و صعوبة مضغ الطّعام و بلعه، و التّنفّس و...

و قد يوجد في كيلو واحد من لحم الخنزير «400» ميليون دودة من هذه الدّيدان!! و لذلك أقدمت بعض البلدان الأُوروبيّة في السّنوات الماضية على منع تناول لحم هذا الحيوان.و هكذا تتجلّي عظمة الأحكام الإلهيّة بمرور الأيّام أكثر فأكثر.

يقول البعض: إنّ العلم تطوّر بحيث استطاع أن يقضي على ديدان هذا الحيوان، و لكن على فرض أنّنا استطعنا بواسطة العقاقير، أو بالاستفادة من الحرارة الشّديدة في طبخه، إلا أنّ أضراره الأُخرى ستبقى.

ص: 92

و قد ذكرنا أنّللأطعمة تأثيرًا على أخلاق الإنسان عن طريق تأثيرها على الغدد و الهورمونات؛ و ذلك الأصل علميّ مسلّم، و هو أنّ لحم كلّ حيوان يحوي صفات ذلك الحيوان أيضًا. من هنا تبقى للحم الخنزير خطورته في التّأثير على التّحلّل الجنسيّ للآكلين، و هي صفة بارزة في هذا الحيوان.

و لعلّ تناول لحم هذا الحيوان أحد عوامل التّحلُّل الجنسيّ في أُوربّا. (1: 425 429)

فضل الله: و قد ذكر أ نّه يشتمل على بعض الدّيدان الخطرة على الصّحّة العامّة للإنسان، من خلال طبيعتها الضّارّة، و منها دودة التّريشيّ الّتي تعيش في لحم هذا الحيوان، و تتكاثر بسرعة مدهشة، و تضع في الشّهر خمسة عشَر ألف بيضة، و تسبّب للإنسان أمراضًا متنوّعة كفقر الدّم، و الغثيان، و الحُمّى خاصّة، و الإسهال، و آلام المفاصل، و توتّر الأعصاب، و الحَكّة، و تجمّع الشّحوم داخل البدن، و الإحساس بالتّعب، و صعوبة مضغ الطّعام و بلعه، و التّنفّس و...، و قد يوجد في كيلو واحد من لحم الخنزير «400» ميليون دودة من هذا الدّيدان. و يضيفون إلى مضارّه تأثيره في التّحلُّل الجنسيّ للإنسان. (3: 190)

لاحظ: م و ت: <الميتة>.

2 حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ‘ ‘وَ مَا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ... المائدة:3

الطّبَريّ: و أمّا قوله: {وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ}، فإنّه يعني و حُرّم عليكم لحم الخنزير، أهليّه وبَرّ يّه.

فالميتة و الدّم مخرجهما في الظّاهر مخرج عموم، و المراد منهما الخصوص. و أمّا لحم الخنزير، فإنّ ظاهره كباطنه، و باطنه كظاهره، حرام جميعه، لم يخصَّص منه شيء. (4: 407)

الجصّاص: فإنّه قد تناول شحمه و عظمه و سائر أجزائه. ألا ترى أنّ الشّحم المخالط للّحم قد اقتضاه اللّفظ، لأنّ اسم اللّحم يتناوله؟ و لاخلاف بين الفقهاء في ذلك، و إنّما ذكر اللّحم، لأ نّه معظم منافعه. و أيضًا فإنّ تحريم الخنزير لمّا كان مبهمًا اقتضى ذلك تحريم سائر أجزائه كالميتة و الدّم، و قد ذكرنا حكم شَعره و عظمه فيما تقدّم.

(2: 382)

ابن عَطيّة: { وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ} مقتض لشحمه بإجماع، و اختُلف في استعمال شَعره و جلده بعد الدّباغ، فأُجيز و مُنع. و كلّ شيء من الخنزير حرام بإجماع، جلدًا كان أو عظمًا. (2: 150)

الطَّبْرِسيّ: و إنّما ذكر لحم الخنزير، ليبيّن أنّه حرام بعينه، لالكونه ميتة، حتّى أنّه لايحلّ تناوله، و إن حصل فيه ما يكون ذكاة لغيره. و فائدة تخصيصه بالتّحريم مع مشاركة الكلب إيّاه في التّحريم، حالة وجود الحياة، و عدمها، و كذلك السّباع، و المسوخ، و ما لا يحلّ أكله من الحيوانات أنّ كثيرًا من الكفّار اعتادوا أكله،و ألفوه أكثر ما اعتادوا في غيره.

(2: 157)

أبو الفُتُوح: و هذا عامّ في اللّفظ و المعنى، و اللام فيه للجنس بالإجماع، لا بظاهر اللّفظ، سواء كان أهليًّا أو برّ يًّا. و كلّما يتعلّق بظاهره و باطنه من شحم

ص: 93

و جلد فهو حرام و خبيث. (6: 236)

الفَخْرالرّ ازيّ: قال أهل العلم: الغذاء يصير جزءًا من جوهر المُغتذي، فلابدّ أن يحصل للمغتذي أخلاق و صفات من جنس ما كان حاصلا في الغذاء، و الخنزير مطبوع على حرص عظيم و رغبة شديدة في المشتهيات، فحُرّم أكله على الإنسان لئلا يتكيّف بتلك الكيفيّة. و أمّا الشّاة فإنّها حيوان في غاية السّلامة، فكأنّها ذات عارية عن جميع الأخلاق، فلذلك لا يحصل للإنسان بسبب أكل لحمها كيفيّة أجنبيّة عن أحوال الإنسان. (11: 132)

نحوه النَّيسابوريّ (6: 37)، و الشِّربينيّ (1: 352).

ابن عرَبيّ: {وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ} و وجوه التّمتّعات الحاصلة بالحرص، و الشّرَه، فإنّ قوّة الحرص أخبث القُوى، و أسدّها لطرق الكمال و النّجاة. (1: 309)

ابن كثير: و قوله: {وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ} يعني إنسيّه و وحشيّه، و اللّحم يعمّ جميع أجزائه حتّى الشّحم، و لايحتاج إلى تحذلق الظّاهريّة في جمودهم هاهنا، و تعسّفهم في الاحتجاج بقوله: {فَاِنَّهُ رِجْسٌ اَوْ فِسْقًا}، يعنون قوله تعالى: {اِلااَنْ يَكُونَ مَيْتَةً اَوْ دَمًا مَسْفُوحًا اَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ‘فَاِنَّهُ رِجْسٌ } الأنعام: 145،أعادوا الضّمير فيما فهموه على <الخنزير> حتّى يعمّ جميع أجزائه. و هذا بعيد من حيث اللّغة، فإنّه لايعود الضّمير إلا إلى المضاف دون المضاف إليه. و الأظهر أنّ اللّحم يعمّ جميع الأجزاء، كما هو المفهوم من لغة العرب، و من العرف المطّرد.

و في صحيح مسلم عن بريدة بن الخصيب الأسلميّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : «من لعب بالنّردشير، فكأنّما صبغ يده في لحم الخنزير و دمه». فإذا كان هذا التّنفير لمجرّد اللّمس، فكيف يكون التّهديد و الوعيد الأكيد على أكله و التّغذّي به؟! و فيه دلالة على شمول اللّحم لجميع الأجزاء من الشّحم و غيره.

و في الصّحيحين: أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: «إنّ الله حرّم بيع الخمر و الميتة و الخنزير و الأصنام». فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنّها تُطلى بها السّفن، و تُدهن بها الجلود، و يستصبح بها النّاس؟ فقال: «لا، هو حرام».

و في صحيح البخاريّ من حديث أبي سفيان، أنّه قال لهِرقِل ملك الرّوم: نهانا عن الميتة و الدّم.

(2: 479)

الكاشانيّ: {وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ} و إن ذُكّي،و إنّما خص بالذّكر دون الكلب و غيره، لاعتيادهم أكله دون غيره. (2: 7)

مثله المشهديّ (3: 9)، و شُبّر (2: 139).

البُرُوسَويّ: {وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ} لعينه لا لكونه ميتة حتّى لا يحلّ تناوله، مع وجود الذّكاة فيه. و فائدة تخصيص لحم الخنزير بالذّكر دون لحم الكلب و سائر السّباع، أنّ كثيرًا من الكفّار ألفوا لحم الخنزير، فخُص بهذا الحكم، و ذلك أنّ سائر الحيوانات المحرّم أكلها إذا ذبحت، كان لحمها طاهرًا لايفسد الماء إذا وقع فيه و إن لم يحلّ أكله، بخلاف لحم الخنزير. [ثمّ قال نحو الفَخْر الرّ ازيّ و أضاف:]

ص: 94

و من جملة خبائث الخنزير أنّه عديم الغيرة، فإنّه يرى الذّكر من الخنازير ينزو على أُنثى له، و لايتعرّض له لعدم غيرته، فأكل لحمه يورث عدم الغيرة.

(2: 340)

الآلوسيّ: {وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ} إقحام اللّحم لما مرّ. و أخذ داود و أصحابه بظاهره، فحرّموا اللّحم و أباحوا غيره، و ظاهر العطف أنّه حرام حُرمة غيره. و أخرج عبد الرّزّاق في «المصنّف» عن قَتادَة أ نّه قال: <من أكل لحم الخنزير عرضت عليه التّوبة، فإن تاب، و إلا قُتل>. و هو غريب، و لعلّ ذلك، لأنّ أكله صار اليوم من علامات الكفر كلبس الزُّ نّار؛ و فيه تأمّل.

(6: 57)

القاسميّ: قال المهايميّ: {وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ} لأ نّه نجس في حياته، و صفاته الذّميمة، و هي و إن زالت بالموت فهو منجِّس و لم يقبل التّطهير، لأ نّه لمّا كان نجسًا حال الحياة و الموت أشبه النّجس بالذّات، فكأ نّه زيد تنجيسه بالموت. و إنّما ذكر اللّحم إشارة إلى أنّه، و إن لم يكن موصوفًا في الحياة بالصّفات المنجّسة لروحه، كان متنجِّسًا بنجاسة روحه، ثمّ بزوال الرّوح. (6: 1815)

رشيد رضا: و حكمة تحريمه: ما فيه من الضّرر، و كونه ممّا يُستقذر أيضًا، و إن كان استقذاره ليس لذاته كالميتة و الدّم، بل هو خاص بمن يتذكّر ملازمته للقاذورات و رغبته فيها...

و أمّا كون أكل لحم الخنزير ضارًّ ا فهو ممّا يُثبته الطّبّ الحديث، و جُلّ ضرره نا شئ من أكله للقاذورات. فمنه: أنّه يولد الدّيدان الشّريطيّة كالدّودة الوحيدة نعوذ بالله منها و سبب سريان ذلك إليه أكل العَذِرة. و منه: أ نّه يولد دودة أُخرى يسميّها الأطبّاء: الشّعرة الحلزونيّة، و هي تسري إلى الخنزير من أكل الفئران الميتة. و منه: لحمه أعسر اللّحوم هضمًا لكثرة الشّحم في أليافه العضليّة، و قد تحُول الأنسجة الدّهنيّة الّتي فيه دون عصير المعدّة، فيعسر هضم الموارد الزّلا ليّة للعضلات، فتُتعب معدة آكله، و يشعر بثقل في بطنه و اضطراب في قلبه. فإن ذرعه القيء، فقذفهذه الموادّ الخبيثة و إلا تهيّجت الأمعاء و أُصيب بالإسهال.

و لولا العادة الّتي تسهل على كثير من النّاس تناول السّموم أكلا و شربًا و تدخينًا، و لولا ما يعالجون به لحم الخنزير لتخفيف ضرره، لما أمكن النّاس أن يأكلوه و لاسيّما أهل البلاد الحارّة...

فإن قلت: إنّ آية الأنعام علّلت تحريم أكل لحم الخنزير بكونه رجسًا، فهل معنى ذلك أكله للقذر، أم ما فيه من الضّرر؟

فاعلم أنّ لفظ <الرّجس> يُطلق على كلّ ضارّ مستقبَح حسًّا أو معنًى، فيسمّى النّجس رجسًا و يسمّى الضّارّ رجسًا، و من الأخير قوله تعالى: {اِِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الاَنْصَابُ وَ الاَزْ لامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان ِ} المائدة: 90، فتعليل آية الأنعام يشمل الأمرين الّذين ذكرناهما معًا، فهي من إيجاز القرآن الّذي لايصل النّاس إلى شرحه و تفصيله إلا باتّساع دائرة علومهم و تجاربهم. (6: 135)

ص: 95

نحوه المَراغيّ. (6: 48).

سيّد قُطْب: و تعليل هذا الحكم في حدود ما يصل إليه العلم البشريّ، بحكمة التّشريع الإلهيّ، عند استعراض آية سورة البقرة الخاصّة بهذه المحرّمات: ص: 156 ،157، من الجزء الثّاني من < الظّلال> . و سواء وصل العلم البشريّ إلى حكمة هذا التّحريم أم لم يصل، فقد قرّر العلم الإلهيّ أنّ هذه المطاعم ليست طيّبة، و هذا وحده يكفي. فالله لايُحرّم إلا الخبائث، و إلا ما يؤذي الحياة البشريّة في جانب من جوانبها، سواء علم النّاس بهذا الأذى أو جهلوه. و هل عَلِم النّاس كلّ ما يؤذي، و كلّ ما يفيد؟! (2: 840)

ابن عاشور: و معنى تحريم هذه المذكورات تحريم أكلها، لأ نّه المقصود من مجموع هذه المذكورات هنا، و هي أحوال من أحوال الأنعام تقتضي تحريم أكلها. و أدمج فيها نوع من الحيوان ليس من أنواع الأنعام و هو الخنزير، لاستيعاب محرّمات الحيوان. و هذا الاستيعاب دليل لإباحة ما سوى ذلك، إلا ما ورد في السُّنّة من تحريم الحُمُر الأهليّة، على اختلاف بين العلماء في معنى تحريمها. و الظّاهر أنّه تحريم منظور فيه إلى حالة لا إلى الصّنف. [إلى أن قال:]

وإنّما قال: {وَ لَحْمَ الْخِنْزيرِ} و لم يقل: و الخنزير، كما قال: {وَمَا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} إلى آخر المعطوفات. و لم يذكر تحريم الخنزير في جميع آيات القرآن إلا بإضافة لفظ {لَحْمَ} إلى {الْخِنْزيرِ‘}، و لم يأت المفسّرون في توجيه ذلك بوجه ينثلج له الصّدر. و قد بيّنّا ذلك في نظير هذه الجملة من سورة البقرة :173.

و يبدو لي أنّ إضافة لفظ {لَحْمَ} إلى {الْخِنْزيرِ‘} للإيماء إلى أنّ المحرّم أكل لحمه، لأنّ اللّحم إذا ذُكر له حكم، فإنّما يراد به أكله. وهذا إيماء إلى أنّ ما عدا أكل لحمه من أحوال استعمال أجزائه هو فيها، كسائر الحيوان في طهارة شَعره، إذا انتزع منه في حياته بالجَزّ، و طهارة عرَقه و طهارة جلده بالدَّبغ، إذا اعتبرنا الدّبغ مطهّرًا جلد الميتة، اعتبارًا بأنّ الدّبغ كالذّكاة. و قد روي القول بطهارة جلد الخنزير بالدّبغ عن داود الظّاهريّ وأبي يوسف، أخذًا بعموم قوله (صلی الله علیه و آله) <أيّما إهاب دبغ فقد طهر» رواه مسلم و التّرمذيّ عن ابن عبّاس.

و علّة تحريم الخنزير: أنّ لحمه يشتمل على جراثيم مضرّة لاتقتلها حرارة النّار عند الطّبخ، فإذا و صلت إلى دم آكِلِه عاشت في الدّم، فأحدثت أضرارًا عظيمة، منها مرض الدّيدان الّتي في المعدة.(5: 20)

الطَّباطَّبائيّ: هذه الأربعة مذكورة فيما نزل من القرآن قبل هذه السّورة كسُورتَي الأنعام و النّحل، و هما مكّيّتان، و سورة البقرة و هي أوّل سورة مفصّلة نازلة بالمدينة . قال تعالى: {قُلْ لا اَجِدُ فى مَا اُوحِىَ اِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ اِلا اَنْ يَكُونَ مَيْتَةً اَوْ دَمًا مَسْفُوحًا اَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ‘فَاِنَّهُ رِجْسٌ اَوْ فِسْقًا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لا عَادٍ فَاِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘ } الأنعام: 145، و قال تعالى: {اِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزيرِ‘وَ مَا اُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لا عَادٍ فَلا اِثْمَ عَلَيْهِ اِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘} البقرة: 173.

ص: 96

و الآيات جميعًا كما ترى تُحرّم هذه الأربعة المذكورة في صدر هذه الآية، و تماثل الآية أيضًا في الاستثناء الواقع في ذيلها بقوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ فى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِ‚ثْمٍ فَاِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘} فآية المائدة بالنّسبة إلى هذه المعاني المشتركة بينها و بين تلك مؤكِّدة لتلك الآيات.

بل النّهي عنها و خاصّة عن الثّلاثة الأُوَل أعني: الميتة، و الدّم، و لحم الخنزير، أسبَقُ تشريعًا من نزول سُورتَي الأنعام و النّحل المكّيّتَين، فإنّ آية الأنعام تعلّل تحريم الثّلاثة، أو خصوص لحم الخنزير بأنّه رجس، فتدلّ على تحريم أكل الرّجز، و قد قال تعالى في سورة المدّثّر 5، و هي من السّور النّازلة في أوّل البعثة :{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}.

وكذلك ما عدّه تعالى بقوله: {وَ الْمُنْخَنِقَةُ

وَ الْمَوْ قُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّ يَةُ وَ النَّطيحَةُ

وَ مَا اَكَلَ السَّبُعُ} جميعًا من مصاديق الميتة، بدليل قوله: {اِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} فإنّما ذُكرت في الآية لنوع عناية، بتوضيح أفراد الميتة، ومزيد بيان للمحرّمات من الأطعمة، من غير أن تتضمّن الآية فيها على تشريع حديث.

و كذلك ما عدّه الله تعالى بقوله: {وَ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ اَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالاَزْ لامِ ذلِكُمْ ’ ِفسْقٌ} فإنّهما و إن كانا أوّل ماذُكرا في هذه السّورة، لكنّه تعالى علّل تحريمهما أو تحريم الثّاني منهما على احتمال ضعيف بالفسق، و قدحرّم الفسق في آية الأنعام، و كذا قوله: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِ‚ثْمٍ} يدلّ على تحريم ما ذكر في الآية لكونه إثما، و قد دلّت آية البقرة على تحريم الإثم، و قال تعالى أيضًا: {وَ ذَرُوا ظَاهِرَ الاِثْمِ وَ بَاطِنَهُ} الأنعام: 120، و قال تعالى: { قُلْ اِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالاِثْمَ} الأعراف: 33.

فقد اتّضح و بانَ أنّ الآية لاتشتمل فيما عدّته من المحرّمات على أمر جديد غير مسبوق بالتّحريم، فيما تقدّم عليها من الآيات المكّيّة أو المدنيّة، المتضمّنة تعداد محرّمات الأطعمة من اللّحوم و نحوها. (5 :163)

عبد الكريم الخَطيب: لحم الخنزير الّذي حرّمته الشّرائع السّماويّة كلّها، للشّبه الكبير الّذي بينه و بين السّباع و الكلاب.

و التّوراة الّتي هي شريعة اليهود كماهي شريعة المسيحيّين تحرّم الخنزير، و قد التزم اليهود بهذا التّحريم، و كذلك أتباع المسيح مدّة حياته معهم، و شطرًا كبيرًا من عهد الحوارييّن بعده.

و لكن حين انتقلت الدّعوة المسيحيّة إلى الوثنيّين في أُوربّا، و كان لحم الخنزير من طعامهم، و اقتناؤه و تربيته مصدر ثروة لهم، أباح لهم المبشّرون بدعوة المسيح أن يأكلوا لحم الخنزير، حتّى يقرّبوهم من دعوة المسيح، و يجذبوهم إليها.

ففي التّوراة: «و الخنزيرَ لاتأكل... يشقّ الظِّلف لكنّه لايجترّ... فهو نجس لكم» تثنية14: 8.

فهذا حكم ملزم لأتباع هذه الشّريعة، و التّوراة هي شريعة اليهود و المسيحييّن كما قلنا و لكن هكذا تلعب الأهواء حتّى بشرائع السّماء!

ولاندري كيف يخالف المسيحيّون نصًّا صريحًا من كتابهم المقدّس، يقرؤونه و يتعبّدون به ؟ و لاندري

ص: 97

كيف يظلّ هذا النّص الصّريح في الكتاب المقدّس قائمًا بين أعينهم، ثمّ يخالفونه عن عمد و إصرار! (3: 1028)

3 اِِِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزيرِ‘ وَ مَا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لا عَادٍ فَاِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘. النّحل:115

البُرُوسَويّ: و الإشارة أنّ {الْمَيْتَةَ}: جيفة الدّنيا، و الحيوان هي الدّ ار الآخرة. و لو لم يكن للآخرة حياة لكانت جيفة... و أنّ{الدَّمَ} شهوات الدّنيا، و { لَحْمَ الْخِنْزيرِ‘}: الغيبة، و الحسد، و الظّّلم...

(5: 91)

و جاءت فيهَا أُمور، قد سبق نحوها في المائدة: 3، و راجع أيضًا: ح ر م: <حَرَّمَ>.

الْخَنَازير‘

قُلْ هَلْ اُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ ’مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازيرَ‘ وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ اُولئِكَ ’شَرٌّ مَكَانًا وَ اَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبيلِ‘. المائدة:60

ابن عبّاس: في زمن عيسى بعد أكلهم من المائدة.

(97)

إنّ المَسْخَين من أصحاب السّبت: شبابهم مُسخوا قردة، و مشايخهم خنازير. (الواحديّ 2: 204)

نحوه القاسميّ. (6: 2053)

مُجاهِد: مُسخت من يهود. (الطّبَريّ 4: 634)

مُقاتِل: {الْقِرَدَةَ} في شأن الحيتان،و{الْخَنَازيرَ‘ } في شأن المائدة. (1: 488)

الطّبَريّ: و أمّا سبب مسخ الله من مسَخ منهم خنازير، فإنّه كان فيما حدّثنا: ... أنّ المسخ في بني إسرائيل من الخنازير، كان أنّ امرأة من بني إسرائيل كانت في قرية من قُرى بني إسرائيل، و كان فيها مَلِك بني إسرائيل، و كانوا قد استجمعوا على الهلكة، إلا أنّ تلك المرأة كانت على بقيّة من الإسلام متمسّكة به، فجعلت تدعو إلى الله، حتّى إذا اجتمع إليها ناس فتابعوها على أمرها، قالت لهم: إنّه لابدّ لكم من أن تجاهدوا عن دين الله، و أن تنادوا قومكم بذلك، فاخرُجوا فإنّي خارجة. فخرجت، و خرج إليها ذلك المَلِك في النّاس، فقُتل أصحابها جميعًا، و انفلتت من بينهم. قال: و دعَت إلى الله حتّى تجمّع النّاس إليها، حتّى إذا رضيت منهم، أمرتهم بالخروج، فخرجوا و خرجت معهم، و أُصيبوا جميعًا و انفلتت من بينهم. ثمّ دعَت إلى الله حتّى إذا اجتمع إليها رجال و استجابوا لها، أمرتهم بالخروج، فخرجوا و خرجت، فأُصيبوا جميعًا، و انفلتت من بينهم، فرجعت و قد أيست، و هي تقول: سبحان الله، لو كان لهذا الدّين وليٌّ و ناصرٌ، لقد أظهره بَعْدُ! قال: فباتت محزونة، و أصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازير، قد مسخهم الله في ليلتهم تلك، فقالت حين أصبحت و رأت ما رأت: اليوم أعلم أنّ الله قد أعزّ دينه و أمر دينه! قال: فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلا على يدَي تلك المرأة.

و للمسخ سبب فيما ذُكر غير الّذي ذكرنا، سنذكره في موضعه إن شاء الله. (4: 633)

الثّعلبيّ: { الْقِرَدَةَ} : أصحاب السّبت،

ص: 98

و {الْخَنَازيرَ‘ } : كفّار أهل مائدة عيسى. (4: 85)

مثله الواحديّ (2: 204)، و البغَويّ. (2: 66)، و نحوه المَيْبُديّ (3: 165)، و الطَّبْرِسيّ (2: 216)، و الفَخْر الرّ ازيّ (12: 36)، و البَيْضاويّ (1: 282)، و النّسَفيّ (1: 290)، و أبو حَيّان: (3: 518)، و المشهديّ (3: 127)، و الشَّوْكانيّ (2: 69).

الزّمَخْشَريّ: [نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

و روي أنّها لمّا نزلت كان المسلمون يعيّرون اليهود و يقولون: يا إخوة القردة و الخنازير، فينكسون رؤوسهم. (1: 626)

نحوه النَّيسابوريّ (6: 123)، و الخازن (2: 57)، و البُرُوسَويّ (2: 411).ابن عَطيّة: [نحو الطّبَريّ، إلا أنّه ذكر الرّواية بتفاوت يسير، فراجع:] (2: 211)

ابن الجَوْزيّ: [نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

و كان ابن قُتَيْبَة يقول: أنا أظنّ أنّ هذه القردة، و الخنازير، هي المسوخ بأعيانها توالدت. قال: و استَدْلَلْتُ بقوله تعالى: {وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنَازيرَ‘} فدخول الألف و اللام يدلّ على المعرفة، و على أنّها القردة الّتي تعاين، و لو كان أراد شيئًا انقرض و مضى، لقال: (و جعل منهم قردة و خنازير)، إلا أن يصحّ حديث أُمّ حبيبة في «المسوخ» فيكون كما قال (علیه السلام). قلت أنا: و حديث أُمّ حبيبة في «الصّحيح» انفرد بإخراجه مسلم، و هو أنّ رجلا سأل النّبيّ (صلی الله علیه و آله) فقال: يا رسول الله، القردة، و الخنازير هي ممّا مُسخ؟ فقال النّبيّ عليه السّلام: «إنّ الله لم يمسخ قومًا أو يهلك قومًا، فيجعل لهم نسلا و لاعاقبة، و إنّ القردة و الخنازير قد كانت قبل ذلك» و قد ذكرنا في سورة البقرة عن ابن عبّاس زيادة بيان ذلك، فلايُلتفت إلى ظنّ ابن قُتَيْبَة. (2: 387)

ابن كثير: عن ابن مَسعود قال: سُئل رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن القردة و الخنازير، أهي ممّا مسخ الله ؟ فقال: «إنّ الله لم يهلك قومًا، أوقال: لم يمسخ قومًا فيجعل لهم نسلا و لاعقبًا، و إنّ القردة و الخنازير كانت قبل ذلك»، و قد رواه مسلم من حديث سفيان الثّوريّ و مسعر، كلاهما عن مغيرة بن عبد الله اليشكريّ به.

و قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا...عن ابن مَسعود قال: سألنا رسول الله (صلی الله علیه و آله) عن القردة و الخنازير، أهي من نسل اليهود؟ فقال: «لا إنّ الله لم يلعن قومًا قطّ فيمسخهم، فكان لهم نسل، و لكن هذا خلق كان، فلمّا غضب الله على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم». و رواه أحمد... عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «الحيّات مسخ الجنّ، كما مسخت القردة و الخنازير». هذا حديث غريب جدًّا. (2: 602)

أبو السُّعود: [نحو الثّعلبيّ ثمّ أضاف:]

و جمع الضّمير الرّاجع إلى الموصول في {مِنْهُمْ} باعتبار معناه، كما أنّ إفراد الضّميرَين الأوّلين باعتبار لفظه، و إيثار وضعه موضع ضمير الخطاب المناسب ل {اُنَبِّئُكُمْ} للقصد إلى إثبات الشّرّيّة بما عدّد، في حين صلته من الأُمور الهائلة الموجبة لها، على الطّريقة البرهانيّة، مع ما فيه من الاحتراز عن تهييج لجاجهم.

(2: 292)

ص: 99

نحوه الآلوسيّ. (6: 175)

رشيد رضا: و أمّا جعله منهم القردة و الخنازير، فتقدّم في سورة البقرة، و سيأتي في سورة الأعراف. قال تعالى في الأُولى: {وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذينَ‘ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِى السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِينَ=‘ }البقرة: 65، و قال بعد بيان اعتدائهم في السّبت من الثّانية: {فَلَمَّا عَتَوْ ا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةًخَاسِينَ=‘} الأعراف:166، و جمهور المفسّرين على أنّ معنى ذلك أنّهم مُسخوا فكانوا قردة و خنازير حقيقة، و انقرضوا، لأنّ الممسوخ لايكون له نسل، كما ورد. و في <الدُّرّ المنثور> : <أخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم في قوله: {قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِينَ= } قال: مُسخت قلوبهم و لم يُمسخوا قردة، و إنّما هو مثَل ضربه لهم مثل الحمار يحمل أسفارًا>. فالمراد على هذا أ نّهم صاروا كالقردة في نزواتها، و الخنازير في اتّباع شهواتها. و تقدّم في تفسير آية البقرة ترجيح هذا القول من جهة المعنى، بعد نقله عن مُجاهِد من رواية ابن جرير. قال: <مُسخت قلوبهم و لم يُمسخوا قردة، و إنّما هو مثَل ضربه الله لهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ اَسْفَارً ا}» الجمعة: 5.

و لاعبرة بردّ ابن جرير قول مُجاهِد هذا، و ترجيحه القول الآخر فذلك اجتهاده، و كثيرًا ما يردّ به قول ابن عبّاس و الجمهور. و ليس قول مُجاهِد بالبعيد من استعمال اللّغة، فمن فصيح اللّغة أن تقول: ربَّى فلان الملك قومه أو جيشه على الشّجاعة و الغزو، فجعل منهم الأسود الضّواري، و كان له منهم الذّئاب المفترسة. (6: 448)

نحوه ملخّصًا المَراغيّ. (6: 148)

عزّة دروزة: و هذه ثالث مرّة ترد فيها الإشارة إلى مسخ بعض اليهود، غير أنّها تذكر مسخهم قردة و خنازير، في حين أنّ المرّتين الأُوليَين في سورتي البقرة و الأعراف ذُكر فيهما المسخ قردة فقط، و ليس في هذا تناقض أو تعديل جديد ممّا قد يرد على الوهم. فالإشارة القرآنيّة هنا و في المرّتين السّابقتَين لم تستهدف ذكر الحادث تاريخيًّا و قصصيًّا، و إنّما استهدفت التّنديد باليهود، و تذكيرهم بحادث نكال و خزي ربّانيّ، في بعض بني قومهم. و روحها تُلهم أنّهم كانوا يتناقلون خبر هذا الحادث، و أنّ في هذا الخبر خبر مسخ بعضهم قردة و بعضهم خنازير في آن واحد. و الآيات القرآنيّة تُتلى علنًا، و لم يُروَ أنّ اليهود أنكروا ذلك.

و لقد أورد المفسّرون روايات عن أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) و تابعيهم في أسباب و كيفيّة مسخ فريق من اليهود قردة و خنازير، في دور من أدوار تاريخهم في سياق هذه الآيات، كما أوردوا مثل ذلك في سياق المرّتين السّابقتَين ممّا يدلّ على أنّ ذلك كان متداولا في بيئة النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و المتبادر أنّ ذلك مقتبس من اليهود، و لقد علّقنا على الحادث بذاته في سياق المرّتين السّابقتَين، فلا نرى محلا للإعادة. (11: 138)

عبد الكريم الخَطيب: ثمّ إذ يعرض القرآن اليهود المعاصرين للنّبوّة في هذا المعرض، ينتقل بهم في لمحة خاطفة تردّهم إلى الماضي البعيد، و تُشرف بهم

ص: 100

على آبائهم و أجدادهم، الّذين كان لهم موقف من رسل الله، كهذا الموقف الّذي يقفونه هم من رسول الله، و من المكر بآيات الله. فكانعقابهم أليمًا شديدًا؛ إذ جعل الله منهم القردة و الخنازير و عبدة الطّاغوت، بهذه اللّعنة الّتي رماهم الله بها، فمُسخت آدميّتهم، و نسخت طبيعتهم، فإذا هم قردة و خنازير في صور آدميّة، يعبدون الطّاغوت و يوالون الشّيطان.

و الأبناء يعرفون عن يقين خبر هذا البلاء الّذي حلّ بآبائهم، فكانوا مُثَلة في النّاس، فإذا كان هؤلاء الأبناء لم يُمسخوا بعد قردة و خنازير و عبدة للطّاغوت، فإنّهم على الطّريق الّذي يقودهم إلى هذا البلاء، إذا هم ظلّوا على هذا الموقف من النّبيّ، و من دعوته، و لم يفيئوا إلى السّلامة و العافية، بموادعة النّبيّ أو مطابعته على دينه. (3: 1128)

المُصْطَفَويّ: جعلهم خنازير: إمّا من جهة الصّفات النّفسانيّة، حتّى تنقلب صورهم البرزخيّة الباطنيّة على صورها، و يُحشرون في القيامة على صورهم، كما في الرّوايات الواردة؛ أو بمعنى المسخ المعروف، و انقلاب الصّورة المادّ يّة الظّاهريّة على صورة جسم الخنزير. أمّا الأوّل فهو مسلّم مقطوع به، بل محسوس عند أهل البصيرة و النّورانيّة، و أمّا الثّاني فلا بدّ في إثباته أن يُستدلّ عليه بالرّوايات المسلّمة، راجع: م س خ:<المسخ>. (3: 136)

مكارم الشّيرازيّ: الآية تقارن المعتقدات المحرّفة و أعمال أهل الكتاب، و العقوبات الّتي تشملهم بوضع المؤمنين الأبرار من المسلمين، لكي يتبيّن أيّ الفريقين يستحقّ النّقد و التّقريع. و هذا بذاته جواب منطقيّ للفت انتباه المعاندين و المتطرّفين في عصبيّتهم.

و في هذه المقارنة تطلب الآية من النّبيّ(صلی الله علیه و آله) أن يسأل هؤلاء: هل أنّ الإيمان بالله الواحد و بكتبه الّتي أنزلها على أنبيائه أجدر بالنّقد و الاعتراض، أم الأعمال الخاطئة الّتي تصدر من أُناس شملهم عقاب الله؟

فتُخاطب الآية النّبيّ بأن يسأل هؤلاء: إن كانوا يريدون التّعرّف على أُناس لهم عند الله أشدّ العقاب جزاء ما اقترفوه من أعمال؛ حيث تقول: {قُلْ هَلْ اُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ’ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ}.

و لا شكّ أنّ الإيمان بالله و كتبه ليس بالأمر غير المحمود، و أنّ المقارنة الجارية في هذه الآية بين الإيمان و بين أعمال و أفكار أهل الكتاب، هي من باب الكناية، كما ينتقد إنسان فاسد إنسانًا تقيًّا، فيسأل الإنسان التّقيّ ردًّا على هذا الفاسد: أيّهما أسوأ، الأتقياء أم الفاسدون.

بعد هذا تُبادر الآية إلى شرح الموضوع، فتُبيّن أنّ أُولئك الّذين شملتهم لعنة الله فمسخهم قرودًا و خنازير، و الّذين يعبدون الطّاغوت و الأصنام، إنّما يعيشون في هذه الدّنيا و في الآخرة و ضعًا أسوأ من هذا الوضع، لأ نّهم ابتعدوا كثيرًا عن طريق الحقّ، و عن جادّة الصّواب، تقول الآية الكريمة: {مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ...} و سنتطرّق إلى معنى <المسخ> الّذي يتغيّر بموجبه شكل الإنسان، و هل أنّ هذا التّغيّرفي

ص: 101

الشّكل يشمل صورته الجسميّة، أم المراد التّغيّر الفكريّ و الأخلاقيّ ؟ و ذلك عند تفسير الآية: 163، من سورة الأعراف، و بصورة مفصّلة بإذن الله. (4: 65)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخنزير: الحيوان المعروف. يقال: خَنْزَر، أي فعَل فِعْل الخنزير، و الجمع: خنازير. و قولهم: خَنْزَر الرّجل، أي نظر بمُؤخِر عينه، هو <فَنْعَل> من <خ ز ر>.

و الخنازير: علّة معروفة، و هي قروح صلبة تحدث في الرّقبة، تشبيهًا بهذا الحيوان لخبثها، و قد وردت هذه الكلمة في السّريانيّة بلفظ <حزيرت>.

2 و ذهب بعض اللُّغويّين إلى أنّ الخِنْزير <فِنْعيل> من مادّة <خ ز ر> الّتي تعني ضيق العين و صغرها، و النّظر بلحاظها، و هو بعيد؛ إذ ليس كذلك الخنزير.

و نراه رباعيًّا و نونه أصليّة، فهو على وزن <فِعْليل>، مثل: قِنْديل، و تلحظ هذه النّون في بعض اللّغات السّاميّة، كالمندنائيّة والحبشيّة، ممّا أغرى <آرثر جفري> بالقول بأنّ هذا اللّفظ حبشيّ الأصل. و لمّا رأى اختلاف صيغه في هذه اللّغة، عدل عن رأيه، لئلا يقال: إنّه عربيّ الأصل و الأحباش أخذوه من العرب! ثمّ قال: الأصحّ أنّه آراميّ المنشإ، إلا أنّ العرب أضافوا إليه <النّون>، فجعلوها بين <الخاء> و <الزّاي>((1))

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد اسمًا: (الخِنْزير‘) مفردً ا 4 مرّ ات ، و جمعًا مرّةً في 5 آيات:

1 {...اِلا اَنْ يَكُونَ مَيْتَةً اَوْ دَمًا مَسْفُوحًا اَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ‘ فَاِنَّهُ رِجْسٌ...} الأنعام : 145

2 و 3 { اِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزيرِ‘ وَ مَا اُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ...}

النّحل : 115 و البقرة : 173

4 {حُرِّ مَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزيرِ‘ وَ مَا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ...} المائدة : 3

5 {...مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنَازيرَ‘ وَعَبَدَالطَّاغُوتَ...}

المائدة : 60

يلاحظ أوّ لا : أنّ الخنزير جاء مذمومًا اسمًا و عينًا، و فيها بُحُوثٌ:

1 ردّ الله على مشركي مكّة ما حرّموه في (1)، فحصر ما حرّمه تعالى في أربعة أعيان: {قُلْ لا اَجِدُ فى مَا اُوحِىَ اِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ اِلا اَنْ يَكُونَ مَيْتَةً اَوْ دَمًا مَسْفُوحًا اَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ‘ فَاِنَّهُ رِجْسٌ اَوْ فِسْقًا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِفَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لاعَادٍ فَاِنَّ رَ بَّكَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘}.

و جاء لفظ <الخنزير> نكرة كسائر المحرّمات هنا، إنكارًا على تحليلهم إيّاها و ازدراء لها، و علّل حرمتها

ص: 102


1- (1) راجع: < معجم الألفاظ الدّخيلة في القرآن الكريم>.

بقوله: {فَاِنَّهُ رِجْسٌ}. كما وصف الفسق بأنّه {اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ}، و كان قد أكّد في الآيات السّابقة أنّ ذلك فسق، فقال:{ وَ لاتَاْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَاِنَّهُ لَفِسْقٌ} الأنعام : 121، فإذا كانت هذه المحرّمات الأربعة رجسًا، و كان أحدهما و هو الإهلال لغير الله فسقًا، فهي جميعًا فسق أيضًا، للتّبعيّة و عدم الخصوص.

2 جاءت المحرّمات الأربعة معرفة في (2) و (3):{اِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزيرِ‘

وَ مَا اُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ}، و (4): {حُرِّ مَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزيرِ‘ وَ مَا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ}.

و ذهب المفسّرون إلى أنّ الألف و اللام في {الْمَيْتَةُ} وَ {الدَّمُ} للجنس، و لفظ {لَحْمُ} معرّف بالإضافة كما ترى، و (مَا) اسم موصول، و هو من المعارف، و ما بعده صلة له. و لكنّ بعضًا يرى أنّه نكرة موصوفة، و ما بعده صفة له، و هو ليس بشيء.

و ليس بعيدًا إن قلنا: الألف و اللام في{الْمَيْتَةُ} و{الدَّمُ} للعهد، فهي في (3) أي آية البقرة و (4) للعهد الذّكريّ، لأنّها ذكرت بهذين اللّفظين في (2) أي آية النّحل و هي مكّيّة، و في (2) للعهد الذّهنيّ، لأنّ مشركي مكّة كانوا يعهدون الميتة و الدّم.

3 جاء القردة و الخنازير جمعًا في (5): {مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنَازيرَ‘ وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ}، و هذا ما حمل بعضهم على أن يقرأ (عُبُدُ الطّاغُوت)، و (عُبَّد الطّاغُوت)، و (عُبّادُ الطّاغُوت)، و (عِبادُ الطّاغوت)، على الجمع عطفًا على {الْخَنَازيرَ‘}، فيكون عامله {جَعَلَ}.

و هذه القراءات ليست بذي بال، لأ نّها تنسب خلق عبدة الطّاغوت إلى الله، و هذا ما يتشبّث به المجبّرة، و الصّواب أنّ جملة و {عَبَدَ الطَّاغُوتَ} معطوفة على{مَنْ لَعَنَهُ اللهُ} حسب القراءة المشهورة.

4 و قد بحثوا كثيرًا فيما يرجع إلى التّشريع، أو إلى سرّ التّشريع.

فمن الأوّل: كلامهم في طهارة الخنزير و نجاسته، و في اختصاص التّحريم بلحمه أو شموله لجميع أجزائه و لابن عاشور بحث خاص في وجه إضافة لفظ{لَحْمَ} إلى{الْخِنْزير‘ِ} و كذا في جواز الانتفاع بشعره و جلده، و في تحريم خنزير البحر، و لعبد الكريم الخطيب بحثٌ في حرمة الخنزير في التّوراة و عند اليهود، و عند قدماء النّصارى قبل انتقال الدّعوة المسيحيّة إلى الوثنيّين في أُروبّا، و كان لحمالخنزير من طعامهم، و اقتناؤه مصدر ثروة لهم، فأباحه لهم المبشّرون ليجذبوهم إليها.

ومن الثّاني : بسطهم الكلام و لاسيّما المتأخّرين منهم في آثاره السّيّئة في الجسم و الرّوح، فلاحظ.

5 ذُكرت محرّمات أُخرى ممّا يؤكل في القرآن: {وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّ يَةُ وَالنَّطيحَةُ وَمَا اَكَلَ السَّبُعُ اِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ اَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالاَزْ لامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ} المائدة : 3، و المحرّمات الّتي تُشرب: الخمر فقط:{يَسَْلُو=نَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فيهِمَا اِثْمٌ كَبيرٌ‘ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَ اِثْمُهُمَا اَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} البقرة : 219.

ص: 103

و ثانيًا: جاء <خنزير> في خمس آيات: ثلاث مدنيّة، و اثنتين مكّيّتين، و كلّها سوى واحدة (5) تشريعٌ مشتركٌ بين المكّيّ و المدنيّ، و هو حرمة لحم الخنزير منضمّة بحرمة الميتة و الدّم. و{ الْخِنْزيرِ‘} فيها مفرد أُضيف إليه {لَحْم}، و في واحدة منها (1) جاء (خِنْزير‘) نكرة تعميمًا أو تحقيرًا، و في الباقي معرفة جنسًا أو عهدًا كما سبق. و قد جاءت اثنتان منها (2) و (3) بلفظ واحد، رغم أنّ واحدة منهما (3) مدنيّة، و الأُخرى مكّيّة، فلاحظ.

أمّا في(5) فجاء <خنزير> جمعًا مع القردة {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنَازيرَ‘} حكاية لما أُصيب اليهود من أهل الكتاب سابقًا، الّذين كانت ذرّيّاتهم أوّل جماعة من أهل الكتاب واجهوا النّبيّ 7 في المدينة و وقفوا أمامه، و أعانوا عليه إلى آخر حياته الشّريفة، فسنّوا به سنّة آبائهم مع موسى و غيره من أنبيائهم :، حتّى أجلى كثيرًا منهم، و قتل آخرين.

فهذه رغم أنّها قصّة تناسب المكّيّات مدنيّة و إنذار لليهود القاطنين بها. كما حدّث القرآن عن اليهود، تفصيلا في نحو من مائة آية من سورة البقرة،

أوّل سورة مدنيّة عند المفسّرين، إعلامًا لليهود بسابقة آباءهم، و تحذيرًا لهم عن اتّباعهم. و كذلك إعلامًا للمؤمنين بحال اليهود و سابقتهم لئلايُخْدَعوا بهم.

و ثالثًا: و ليس للخنزير بين الحيوانات نظير في القرآن، سوى الكلب فهو نجس عينًا في غيرالقرآن،

و مذموم اسمًا في القرآن مثل الخنزير، فقال ذمًّا لمن اتّبعه الشّيطان:{ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ اِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ اَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} الأعراف : 176، رغم أنّه ذكر كلب أصحاب الكهف خلال قصّتهم في سورة الكهف الآيات 18 إلى 22 أربع مرّ ات مدحًا، و ذكر في المائدة :4،{وَ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبينَ‘ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ} مرّةً تشريعًا بلاذمّ. لاحظ ك ل ب: <الكلب>.

ص: 104

خ ن س

اشارة

لفظان مرّتان، في سورتين مكّيّتين

اَلْخنّاس 1:1 اَلْخُنَّس 1:1

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: الخَنْس((1)): انقباض قصَبة الأنف،و عِرَض الأرنبة، كأنف البقرة الخنساء. [ثمّ استشهدبشعر]

و التُّرْك: خُنْسٌ.

و الخُنُوس: الانقباض و الاستخفاء.

و «الشّيطان يوسوس في القلب، فإذا ذُكرالله خَنَس»، أي انقبض.

الخُنَّس: الكواكب الخمسة الّتي تجري و تَخنُس في مجراها، حتّى يخفى ضَوْء الشّمس. و خُنُوسُها: اختفاؤها بالنّهار. (4: 199)

الكِسائيّ: يقال: خنَس يَخنِس خُنُوسًا.

(الحَرْبيّ 3: 1040)

ابن شُمَيّل: في حديث رواه: «يَخرُج عُنُقٌ من النّار فيَخنُس بالجبّارين في النّار»يريد تدخل بهم في النّار. و يقال: خنَس به، أي واراه، و يقال: تَخنِس بهم، أي تغيب بهم.

و خنَس الرّجل، إذا توارى و غاب، وأخنَستُه أنا، أي خَلّفتُه. (الأزهَريّ 7: 173)

الفَرّاء: خنَس الرّجل تأخّر يَخنس، و أنا أخنَستُه، بالألف.

أخنَستُ عنه بعض حقّه. (الأزهَريّ7: 173)

الخِنَّوس بالسّين : من صفات الأسد في وجهه وأنفه، و بالصّاد: ولد الخِنزير. (الأزهَريّ7: 176)

أبوعُبَيْدَة: فرس خَنُوس، و هوالّذي يعدل و هومستقيم في حُضْره ذات اليمين و ذاتالشِّمال، و كذلك الأُنثى بغيرهاء؛ و الجميع: خُنُسٌ، و المصدر: الخَنْس، بسكون النّون. (الأزهَريّ 7: 175)

ص: 105


1- (1) كذا، و جاء في كتب اللّغة: بفتح النّون، و هو الظّاهر.

أبوزَيْد: خنَس يَخنِس خِناسًا، إذا توارى فذهب، فجمع في القوافي((1))

بين الصّاد والسّين. قال يونس: فأخنَس الكتاب، يقال: خنَسَ و أخنَستُه أنا.

(168)

الأصمَعيّ: الخنَس في الأنف: تأخُّرالأرنبَة في الوجه، و قِصَرالأنف. (الأزهَري 7: 175)

الخنَس: تأخّرالأنف إلى الرّأس، و ارتفاعه عن الشّفة، و ليس بطويل و لامشرف. (ابن دُرَيْد221:2)

أبوعُبَيْد: في حديث أبي المنهال سيّاربن سلامة، قال: «بلغني أنّ في النّار أودية في ضحضاح، في تلك الأودية حيّات أمثال أجواز الإبل، وعقارب أمثال البغال الخُنْس...»...أمّا الخُنْس: فالقصار الأنف.

(2: 401)

ابن الأعرابيّ: الخُنُس: مأوى الظِّّباء.والخُنُس: الظِّباء أنفسها. (الأزهَريّ173:7)

ابن السِّكّيت: و قالوا: خُنْسٌ و خُنُسٌ، لأنّ القمر يَخنِس فيهنّ، و هوجمع خَنساء. (403)

ابن أبي اليمان: و الخنَس: قصرالأنف. (462)

الحَرْبيّ: عن ابن عبّاس: «أتيت النّبيّ (صلی الله علیه و آله) و هو يصلّي، فأقامني حذاءه، فلمّا أقبل على صلاته انخَنَستُ».

عن النّبيّ صلّى الله عليه: «الشّهر هكذا وهكذا، وخنَس إبهامه».

قوله: «انخَنَستُ» يقول: اختَفيتُ، و مثله: «خنَس إبهامه»، يقول: ضمّها و أخفاها و لم يُظهرها في العدد لمّا ضمّها إلى راحته.

و قال الله تعالى: { فَلا اُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ } التّكوير : 15، فقال المفسّرون في ذلك أشياء، كلّها ترجع إلى الاختفاء و التّغيّب. [إلى أن قال:]

و يقال: أصابنا جَوْدٌ فلم أزل فيه حتّى خنَس عنّي بمكان كذا و كذا، وحتّى انقطع عنّي بمكان كذا، ثمّ أخَذتُ مطرًا دونَ، حتّى إذا بلَغتُ كذا اقتَطَعتُه على مطردونه. (3: 1038)

الزّجّاج: الخنّاس: صيغة مبالغة، من <خنَس> بمعنى انقبَض وتأخّر؛ والمصدر:خُنُوس، كجُلُوس. و المادّة كلّها تدور على هذا الأصل، فالنّجوم الخُنَّس هي الّتي تخنس عن مجراها و تختفي بضياء الشّمس.

و في الحديث: «الشّيطان يوسوس إلى العبد، فإذا ذكَرالله خنَس» أي انقبَض و تأخّر. و الخَنَس في الأنف: تأخّره إلى الرّأس، و ارتفاعه عن الشّفة.

(381:5)

ابن دُرَيْد: الخنَس: ارتفاع أرنبة الأنف وانحطاط القصبة، ... رجل أخنَس و امرأة خنساء و قوم خُنْس.

و قد خَنِس يَخنَس خنَسًا، و به سمّيت المرأة خنساء و خُناس.

و خنَس الرّجل عن القوم، إذا مضى في خِفيَة فهو خانس.[و استشهد بالشّعر مرّتين] (221:2)

الأزهَريّ: يقال: خنَسَ من بين القوم، و انخنَس.

و في الحديث: «الشّيطان يوسوس للعبد، فإذا ذكَرالله خنَس» أي انقبَض منه.

ص: 106


1- (1) يعني في أبيات الشّعر الّتي ذكرها.

قلت: و هكذا قال الفَرّ اء في قول الله جلّ و عزّ: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} النّاس:4.

قال: إبليس يوسوس في صدورالنّاس فإذا ذُكر الله خنَس.

قلت: و <خنَس> في كلام العرب يكون لازمًا و متعدّيًا.

يقال: خنَستُ فلانًا فخنَس، أي أخّرته فتأخّر، و قبَضتُه فانقبَض؛ وأخنَستُه أكثر.

وأنشدني أبوبكرالإياديّ لشاعرقَدِم على النّبيّ (صلی الله علیه و آله) ،فأنشده هذه الأبيات الّتي فيها:

و إن دَحَسُوا بالشّرّ فاعف تكرّمًا

و إن خنَسُوا عنك الحديث فلاتَسَلْ

و هذا حجّة لمن جعل«خنَسَ» واقعًا.

وممّا يدلّ على صحّة هذه اللّغة ما روينا عن النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أنّه قال: «الشّهرهكذا و هكذا، و هكذا، و خنَسَ إصبعه في الثّالثة» أي قبضها يُعلِمهم أنّ الشّهر يكون تسعًا و عشرين.

و أنشد أبوعُبَيْد في «أخنَسَ» و هي اللّغة المعروفة:

إذا ما القلاسي و العمائم أخنَسَتْ

ففيهنّ عن صُلْع الرّجال حُسُور

وسمعت عُقيليًّا يقول لخادم له كان معه في طريق فتخلّف عنه لِمَ خنَسْتَ عنّي؟ أراد لِمَ غِبتَ و تخلّفتَ؟

(7: 173)

الصّاحِب: [نحو الخَليل و أضاف:]

و الأخنَس: القُراد.

والخَنْساء: اسم امرأة، و كذلك خُناس. (264:4)

الخَطّابيّ: في حديث عبدالملك بن عُمير...

«و قال المَدنيّ: و الله لفُطسٌ خُنْسٌ بزُبدٍ جُمْسٍ يغيب فيها الضّرس أطيَب من هذا». و الخُنْس: جمع الأخنَس، و هو الّذي قد انخنَس أنفه، و لذلك قيل للظّباء: الخُنْس. (3: 161)

الجَوهَريّ: خنَسَ عنه يَخنُس بالضّمّ، أي تأخّر.

وأخنَسَه غيره، إذا خلّفه و مضى عنه.

و الخنَس: تأخّرالأنف عن الوجه، مع ارتفاع قليل في الأرنبة. و الرّجل أخنَس، و المرأة خَنْساء، و البقركلّها خُنْسٌ.

و الخنّاس: الشّيطان، لأ نّه يَخنِس إذا ذُكرالله عزّ و جلّ.و الخُنّس: الكواكب كلّها، لأ نّها تَخنِس في المغيب، أو لأ نّها تخفى بالنّهار. و يقال: هي الكواكب السّيّارة منها دون الثّابتة. [إلى أن قال:]

و يقال: سمّيت خُنّسًا لتأخّرها، لأ نّها الكواكب المتحيّرة الّتي ترجع وتستقيم. (3: 925)

ابن فارِس: الخاء والنّون و السّين أصل واحد يدلّ على استخفاء و تستّر. قالوا: الخَنْس: الذّهاب في خِفيَة، يقال: خنَستُ عنه، و أخنَستُ عنه حقّه.

و الخُنّس: النّجوم تَخنِس في المغيب. و قال قوم: سمّيت بذلك لأ نّها تخفى نهارًا و تَطلُع ليلا . و الخنّاس: في صفة الشّيطان، لأ نّه يَخنِس إذا ذُكرالله تعالى.

و من هذا الباب: الخنَس في الأنف: انحطاط القصبة. و البقركلّهاخُنْسٌ. (223:2)

الهَرَويّ: و في حديث كَعْب: «فتَخنِس بهم النّار»

ص: 107

أي تجتذبهم و تتأخّر، كما تخنس النّجوم الخُنّس، و كما يَخنِس الشّيطان إذا ذُكرالله تعالى.

و في الحديث: «الشّيطان يوسوس إلى العبد، فإذا ذَكر الله خنَس» أي انقبَض و تأخّر، و هو قوله عزّ و جلّ:{مِنْ شَرِّالْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} النّاس:4، يقال: خَنّستُه فخنس، أي أخّرته فتأخّر، و أخنَستُه أيضًا.

و منه قول العلاء بن الحضرميّ: «أنشده رسول الله (صلی الله علیه و آله):

و إن دَحَسُوا بالشّرّفَاعْفُ تكرّمًا

و إن خَنَسُوا عنك الحديث فلاتَسَلْ

و في الحديث: «و خنَسَ إبهامه» أي قبضَها.

و في حديث آخر: «فتَخنِس الجبّارين في النّار» أي تدخلهم و تغيبهم فيها. (2: 600)

الثّعالبيّ: الخنَس: تأخّر الأنف عن الوجه. (125)

إذا كان [الإبل] مُذلّلا فهو: مُنَوّق، و معَبّد

و مُخَنّس، و مُديّث. (175)

أبوسهل الهَرَويّ: و خنَستُ عن الرّجل، إذا تأخّرتَ عنه، و أخنَستُ عنه حقّه بالألف، إذا ستَرتَه و أخّرتَه. (21)

ابن سيده: خنَس من بين أصحابه يَخنِس و يَخنُس، خُنُوسًا و خِناسًا، و انخنَس: انقبَض و تأخّر، و قيل: رجع، و أخنَسَه هو.

و قوله: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} النّاس: 4، جاء في التّفسير أنّه الشّيطان، و أنّه له رأس كرأس الحيّة يجثم على القلب، فإذا ذَكر الله العبد تنحّى و خنَس، و إذا ترك ذكر الله رجع إلى القلب يوسوس.

و الكواكب الخُنّس: الدّراري الخمسة: زُحَل، و المشتري، و المرّيخ، و الزُّهرة، و عُطارد، لأ نّها تَخنِس أحيانًا حتّى تخفى تحت ضوء الشّمس. و خنوسها: استخفاؤها بالنّهار، بينا تراها في آخر البرج كرّت راجعة إلى أوّله.

و فرس خَنُوس: يستقيم في حُضْره ثمّ يَخنِس، كأنّه يرجع القهقرى.و الخنَس في الأنف: تأخّره إلى الرّأس و ارتفاعه عن الشّفة، و ليس بطويل و لامُشرف.

و قيل: الخنَس: قريب من الفَطَس، و هو لُصُوق القصَبة بالوجه، و ضِخَم الأرنبة.

و قيل: هو قِصَر الأنف و لزوقه بالوجه، و أصله في الظّباء و البقر.

خَنِس خنَسًا و هو أخنَس.

و قيل: الأخنَس الّذي قَصُرت قصَبتُه و ارتدّت أرنبته إلى قصبته.

و البقر كلّها خُنْسٌ.

و استعاره بعضهم للنّبل. [ثمّ استشهد بشعر]

و خنَسَ من ماله: أخذ.

و الخنَس في القدم: انبساط الأخمَص وكثرة اللّحم؛ قَدَم خَنْساء.

و الخُنّاس: داء يصيب الزّرع فيَتَجَعْثَن منه الحرث فلايطول.

و خَنْساء، و خُناس، و خُناسى، كلّه اسم امرأة.

و خُنَيْس: اسم.

و بنو أخنَس: حيّ.

ص: 108

و الثّلاث الخُنّس: من ليالي الشّهر، قيل لها ذلك، لأنّ القمر يَخنِس فيها، أي يتأخّر. (5: 79)

الزّمَخْشَريّ: خنَس الرّجل من بين القوم خُنُوسًا، إذا تأخّر و اختفى، و خنّستُه أنا و أخنَستُه.

و أشار بأربع و خنَس إبهامه، و منه الخنّاس.

و في الحديث: «الشّيطان يوسوس إلى العبد، فإذا ذَكر الله خنَسَ». و في أنفه خنَسٌ و هو انخفاض القصَبة و عِرَض الأرنبة. و البقر خُنْسٌ.

و من المجاز: خنَس الكوكب: رجع { فَلا اُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ } التّكوير: 15، و خنَس عنّي حقّي و أخنَسَه: أخّره و غيّبه. و خنَس الطّريق عنّا، إذا جازوه و خلّفوه وراءهم. [ثمّ استشهد بشعر]

و أخنَسُوا أو عار الطّريق: جازوها.

(أساس البلاغة: 121)

كعب 2: «تُمسك النّار يوم القيامة حتّى تَبِصّ كأنّها متن إهالة، فإذا استوت عليها أقدام الخلائق نادى مناد: أمسكي أصحابك و دَعي أصحابي فتَخنُس بهم...».خنَس به يَخنِس، إذا أخّره و غيّبه.

(الفائق 1: 115)

في الحديث: «يخرج عُنُق من النّار فتَخنَس بالجبّارين في النّار» أي تغيب بهم فيها، من خنَس النّجم. (الفائق 1: 400)

و قال المَدنيّ: «و الله لفُطْسٌ خُنْسٌ، بزُبدٍ جَمْس، يغيب فيها الضّرس أطيَب من هذا».

فُطْسٌ خُنْسٌ: يريد تمر المدينة، لأ نّها صغار الحبّ، لاطئة الأقماع. (الفائق 2: 204)

[أتى بحديث طويل من الحجّاج و أضاف:]

«فقال الحجّاج: أللإبل حفَرْتَها؟ إنّ الإبلضُمَّز((1)) خُنّس ما جُشّمَتْ جَشِمَتْ...».

الخُنّس: جمع خانس، من خنَسَه إذا أخّره، و خنَسَ بنفسه إذا تأخّر. يعني أنّها صوابر على العطش تؤخّر الشّرب. أو تتأخّر إلى العَشْر و فوق ذلك، على مايُحكى عن ضيف حاتِم: أنّ إبله كانت تظمأ غِبًّا بعد العَشْر. (الفائق 2: 224)

و في حديث أبي المِنْهال، قال: <بلغني أنّ في النّار أوديةً في ضحضاح... و عقارب أمثال البغال الخُنْس،...>الخُنْسُ: القصار الأُنوف. (الفائق 2: 332)

«ابن عبد العزيز ; قال: إنّ رجلا سأل ربّه أن يُريه موقع الشّيطان من قلب ابن آدم،... فإذا ذكر الله خنَسَه».خنَسَه: أخّره. (الفائق 3: 396)

الطَّبْرِسيّ: الخُنَّس:جمع خانس، و الكُنّس: جمع كانس، و أصلهما: السّتر.

و الشّيطان خنّاس، لأ نّه يخنس إذا ذُكر الله تعالى، أي يذهب و يستتر... (5: 445)

الخُنُوس: الاختفاء بعد الظّهور، خنَس يَخنِس.

و منه الخَنَس في الأنف، لخفائه بانخفاضه عند ما يظهر بنَبْوَة. (5: 570)

المَدينيّ : في الحديث : « تُقاتلون قومًا خُنْس الأُ نُف» .

الخنَس: انخفاض قصَبة الأنف و عِرَض الأرنبة

ص: 109


1- (1) أي صوابر على العطش.

و تأخّرها. و المراد بهم: التُّرك، لأ نّه صفتهم؛ و هو جمع أخنَس.

و حديث عبدالملك [قد مضى في الخطّابيّ]

شَبّه العَجْوَة في اكتنازها و انحنائها بالآ نُف الخُنْس لأ نّها صغار الحَبّ لاطِئَة الأقماع. و يقال: خُنْس: صغار الأنوف. (1: 622)

ابن الأثير: [نقل بعض الأحاديث الّتي مضت عن الهَرَويّ وقال:]

و منه حديث أبي هريرة: أنّ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) لقيه في بعض طُرق المدينة، قال: <فانخنَستُ منه»، و في رواية «اختَنَستُ» على المطاوعة بالنّون و التّاء. و يُروى «فانتَجَشْتُ» بالجيم و الشّين، و سيجيء.

و حديث الطُّفيل: «أتيت ابن عمر فخنَس عنّي أو حبَس». هكذا جاء بالشّكّ.

و حديث صوم رمضان: «و خنَس إبهامه في الثّالثة» أي قبضها.

و في حديث جابر: «أنّه كان له نَخْل فخَنسَت النّخل» أي تأخّرت عن قبول التّلقيح، فلم يُؤثّر فيها، و لم تحمل تلك السّنة. (2: 83)

الفَيُّوميّ: خَنِس الأ نْف خنَسًا، من باب <تَعِب> انخفَضَت قصَبتُه، فالرّجل أخنَس، و المرأة خَنْساء.

و خنَستُ الرّجل خَنْسًا، من باب <ضَرَب>: أخَّرْته، أو قبَضتُه و زَوَيتُه فانخَنَس مثل كسَرته فانكسَر. و يستعمل لازمًا أيضًا، فيقال: خنَسَ هو.

و من المتعدّي في لفظ الحديث: و <خنَس إبهامه> أي قبضَها. و من الثّاني <الخنّاس> في صفة الشّيطان، لأ نّه اسم فاعل للمبالغة، لأ نّهيَخنِس إذا سمع ذكر الله تعالى، أي ينقبض، و يُعدّى بالألف أيضًا. (1: 183)

الفيروزاباديّ: خنَسَ عنه يَخنِس و يَخنُس خَنْسًا و خُنُوسًا: تأخّر، كانخنَسَ، و زيدًا: أخّره كأخنَسَه، و الإبهام: قبضَها،و بفلان: غاب به كتخنّس به.

و الخنّاس: الشّيطان.

و الخُنَّس كرُكّع: الكواكب كلّها، أو السّيّارة، أو النّجوم الخمسة: زُحَل، و المُشتري، و المرّيخ، و الزُّهرة، و عُطارِد. و خُنُوسها أنّها تغيب كما يَخنِس الشّيطان إذا ذُكر الله عزّو جلّ.

و الخنَسَ محرّكةً: تأخُّر الأنف عن الوجه، مع ارتفاع قليل في الأرْنبَة؛ و هو أخنَسٌ، و هي خَنْساء.

و الأخنَس: القُراد، و الأسد كالخِنَّوْس كسِنَّوْر.

و الخَنْساء: البقرة الوحشيّة، صفة لها.

و الخُنُس بضمّتين: الظّباء، و موضعها أيضًا، و البقر.

و انخنَسَ: تأخّر و تخلّف و تخنّس بهم تغيّب.

(2: 220)

مَجْمَعُ اللُّغة: خنَسَ يَخنِس و يَخنُس خَنْسًا و خُنُوسًا: تأخّر و انقبَض.

و الخنّاس: الشّيطان لأ نّه يَخنِس إذا ذُكر الله عزّ و جلّ أي ينقبض.

و الخُنَّس: الكواكب كلّها، لأ نّهاتدخل في المغيب، و لأ نّها تختفي نهارًا. و قيل: هي كواكب مخصوصة سمّيت خُنّسًا لتأخّرها. (1: 365)

ص: 110

محمّد إسماعيل إبراهيم: خنَسَ: تأخّر و رجع، و الكواكب الخُنّس: جمع خانس، هي الّتي تجري مع الشّمس في النّهار دون أن تُرى، فإذا غابت الشّمس ظهرت، فكأنّها تأخّرت عن الشّمس.

و الوسواس الخنّاس: الشّيطان الّذي يوسوس، ومن عادته أن يَخنِس أي يختفي و يرجع كلّما رأى مانعًا؛ و ذلك إذا ذَكر العبد ربّه. (1: 176)

المُصْطَفَويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التّأخّر و الانقباض، إذا كان من شأنه التّقدّم و الانبساط. و أمّا الاستتار و الاختفاء و الغيبة و المواراة و مطلق التّأخّر و مطلق الانبساط، فليست حقيقة.

و المصداق الحقيقيّ من هذا الأصل: هو الخنَسَ في الأنف، و من شأنه أن يكون مرتفعًا، و قَبْض الإبهام و من شأنه البسط، و تأخّر المُوِسوس و من شأنه التّقدّم و التّقرّب، لا التّنحّي و التّبعّد.

و بهذا يظهر الفرق بينها و بين هذه الكلمات.

(3: 138)

النُّصوص التّفسيريّة

الْخَنَّاس

وَ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ النّاس: 4النّبيّ(صلی الله علیه و آله): إنّ الشّيطان واضع خَطمَه((1))على

قلب ابن آدم، فإذا ذكَرالله خنَس، و إذا نسي التَقَم فذلك الوسواس الخنّاس. (العَرُوسيّ 5: 725)

ابن عبّاس: إذا ذكرالله خنَس نفسه و سترها، وإذا لم يذكر {يُوَسْوِسُ فى صُدُورِ النَّاسِ}. (522)

الشّيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها و غفل وسوس، و إذا ذكَر الله خنَس. (الطّبَريّ 12: 752)

مُجاهِد: ينبسط، فإذا ذكرالله خنس و انقبض، فإذا غفل انبسط. (الطّبَريّ 12: 752)

الشّيطان يكون على قلب الإنسان، فإذا ذكرالله خنَس. (لطّبَريّ 12: 753)

إذا ذكر العبد ربّه خنَس، فإذا غفَل وسوس إليه.

(الطُّوسيّ10: 437)

قَتادَة: يعني الشّيطان، يوسوس في صدر ابن آدم، و يخنس إذا ذُكر الله. (الطّبَريّ 12: 753)

{الْخَنَّاسِ}: له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان، فإذا ذكرالعبد ربّه خنَس.

(البغَويّ 5: 336)

مُقاتِل: هو الشّيطان في صورة خنزيرمعلّق بالقلب في جسد ابن آدم، و هو يجري مجرى الدّم، سلّطه الله على ذلك من الإنسان. (4: 933)

ابن زَيْد: {الْخَنَّاسِ}: الّذي يوسوس مرّة و يخنس مرّة، من الجنّ و الإنس. و كان يقال: شيطان الإنس أشدّ على النّاس من شيطان الجنّ، و شيطان الجنّ يوسوس و لاتراه، و هذا يعاينك معاينة.

(الطّبَريّ12: 753)

الفَرّاء: إبليس يوسوس في صدر الإنسان، فإذا ذكَرالله عزّ و جلّ خنَس. (3: 302)

ص: 111


1- (1) الخطم : أنف الإنسان، و من الدّابّة مقدم أنفها و فمها.

ابن قُتَيْبَة:إبليس يوسوس في الصّدورو القلوب، فإذا ذُكرالله: خنَس، أي أقصَر و كفّ. (543)

الطّبَريّ:{الخَنَّاسِ}الّذي يخنس مرّة، ويوسوس أُخرى، و إنّما يخنس فيماذُكر عند ذكر العبد ربّه. [إلى أن قال:]

و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّ الله أمر نبيّه محمّدًا (علیه السلام) أن يستعيذ به من شرّشيطان يوسوس مرّة و يخنس أُخرى، و لم يخص وسوسته على نوع من أنواعها، و لاخنوسه على وجه دون وجه. و قد يوسوس بالدّعاء إلى معصية الله، فإذا أُطيع فيها خنَس، و قديوسوس بالنّهي عن طاعة الله فإذا ذكرالعبد أمر ربّه، فأطاعه فيه، و عصى الشّيطان، خنَس. فهو في كلّ حالتيه وسواس خنّاس، و هذه الصّفة صفته. (12: 752)

الزّجّاج: يعني الشّيطان إذًا((1)) ذا الوسواسالخنّاس الرّجّاع، و هو الشّيطان جاثمٌ على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله خنَس و إذا غفل وسوس.

(البغَويّ 5: 336)

الطُّوسيّ: معناه الكثير الاختفاء بعد الظّهور، خنَس يَخنِس خُنُوسًا. و منه قوله:{ فَلا اُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} أي بالنّجوم الّتي تخفى بعد ماتظهر، بتصريف الحكيم الّذي أجراها، على حقّ حسن التّدبير.و منه: الخنَس في الأنف، لخفائه بانخفاضه عند مايظهر بنتوئه. (10: 437)

القُشَيْريّ: الّذي يغيب و يخنس عن ذكر الله، و هو من أوصاف الشّيطان. (6: 356)

البغَويّ: يعني الشّيطان، يكون مصدرًا و اسمًا. [ثمّ نقل قول الزّجّاج و قَتادَة و أضاف:]

و يقال: رأسه كرأس الحيّة، واضع رأسه على ثمرة القلب يُمنّيه و يُحدّثه، فإذا ذكر الله خنَس، و إذا لم يذكر يرجع و يضع رأسه. (5: 336)

الزّمَخْشَريّ: الّذي عادته أن يخنس، منسوب إلى الخُنوس و هو التّأخّر، كالعوّ اج و البتّات، لما روي عن سعيد بن جُبَيْر: «إذا ذكرالإنسان ربّه خنس الشّيطان و ولّى، فإذا غفل وسوس إليه». (4: 302)

مثله الفَخْرالرّ ازيّ ( 32: 198)، و النّسَفيّ(4: 386) .

ابن عَطيّة: معناه على عقبه المستتر أحيانًا؛ و ذلك في الشّيطان متمكّن إذا ذكرالعبد و تعوّذ و تذكّر فأبصر، كما قال تعالى: {اِنَّ الَّذينَ‘ اتَّقَوْ ا اِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَاِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} الأعراف:201.

و إذا فرضنا ذلك في الشّهوات و الغضب و نحوه، فهويخنس بتذكير النّفس اللّوّ امة بلمّة الملك، و بأنّ الحياء يردع، و الإيمان يردع بقوّة فتخنس تلك العوارض المتحرّكة، و تنقمع عند مَن أُعِينَ بتوفيق.

(5: 540)

الطَّبْرِسيّ: قيل: {الْخَنَّاسِ} معناها الكثير الاختفاء بعد الظّهور، و هو المُستَتر المختفي من أعيُن

ص: 112


1- (1) كذا، و الظّاهر أنّه زائدة. أو يُقرأ: يعني الشّيطانَ إذًا، ذاالوسواس الخنّاس.

النّاس، لأ نّه يوسوس من حيث لايُرى بالعين.

(5: 571)

القُرطُبيّ: وُصف ب { الْخَنَّاسِ}، لأ نّه كثير الاختفاء، ومنه قوله تعالى: {فَلا اُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} التّكوير: 15،يعني النّجوم، لاختفائها بعد ظهورها.

و قيل: لأ نّه يخنُس إذا ذكَر العبد الله، أي يتأخّر...

[ثمّ ذكر قول قَتادَة و أضاف:]

يقول: خنَستُه فخنَسَ، أي أخّرتُه فتأخّر و أخنَستُه أيضًا.

و قيل: سمّي خنّاسًا، لأ نّه يرجع إذا غفل العبد عن ذكر الله. و الخَنْس: الرّجوع. [ثمّ استشهد بشعر]

(20: 262)

البَيْضاويّ: الّذي عادته أن يخنس، أي يتأخّرإذا ذكر الإنسان ربّه. (2: 584)مثله أبوالسُّعُود. (6: 493)

أبوحَيّان: {الْخَنَّاسِ}: الرّ اجع على عقبه المستتر أحيانًا؛ و ذلك في الشّيطان متمكّن، إذا ذكر العبد الله تعالى تأخّر. و أمّا ((1))الشّهوات

فتخنس بالإيمان وبلمّة الملك و بالحياء، فهذان المعنيان يندرجان في الوسواس. (8: 532)

الشِّربينيّ: أي الّذي عادته أن يخنس أي يتوارى و يتأخّر، و يختفي بعد ظهوره مرّة بعد مرّة، كلّما كان الذّكر خنَس و كلّما بطل عاد إلى وسواسه، فالذّكر له كالمقامع الّتي تقمع المُفسد، فهو شديد النّفور منه، و لهذا كان شيطان المؤمن هزيلا كما حكي عن بعض السّلف: أنّ المؤمن يُضني شيطانه كما يُضني الرّجل بعيره في السّفر. (4: 616)

البُرُوسَويّ: الّذي عادته أن يخنس، أي يتأخّر إذا ذكر الإنسان ربّه.

حكي أنّ بعض الأولياء سأل الله تعالى أن يريه كيف يأتي الشّيطان و يوسوس؟ فأراه الحقّ تعالى هيكل الإنسان في صورة بلّور و بين كتفيه خال أسود كالعُشّ والوكر، فجاء الخنّاس يتحسّس من جميع جوانبه و هو في صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء بين الكتفين فأدخل خرطومه قِبَل قلبه، فوسوس إليه فذكَر الله، فخنَس وراءه، و لذلك سمّي بالخنّاس، لأ نّه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذّكر في القلب. و لهذا السّرّ الإلهيّ كان (علیه السلام)يحتجم بين كتفيه، و يأمر بذلك، و وصّاه جبرائيل بذلك لتضعيف مادّة الشّيطان، و تضييق مرصده، لأ نّه يجري وسوسته مجرى الدّم، و لذلك كان خاتم النّبوّة بين كتفيه (علیه السلام) إشارة إلى عصمته من وسوسته، لقوله:<أعانني الله عليه فأسلم> أي بالختم الإلهيّ، وشرح الصّدر أيّده، و بالعصمة الكلّيّة خصّه، فأسلم قرينه، و ما أسلم قرين آدم (علیه السلام) فوسوس إليه لذلك.

و يجوز أن يدخل الشّيطان في الأجسام، لأ نّه جسم لطيف، و هو و إن كان مخلوقًا في الأصل من نار، لكنّه ليس بمُحرق، لأ نّه لمّا امتزج النّار بالهواء، صار

ص: 113


1- (1) كذا،و الظّاهر: و إمّا الشّهوات، أي المراد ب {الْخَنَّاسِ} إمّا الشّيطان،وإمّا الشّهوات، كما قال بعدها: فهذان المعنيان يندرجان في الوسواس.

تركيبه مزاجًا مخصوصًا، كتركيب الإنسان. و في {الْوَسْوَاسِ} إشارة إلى الوسواس الحاصل من القوّة الحسّيّة و الخياليّة، و في {الْخَنَّاسِ} إلى القوّة الوهميّة المتأخّرة عن مرتبتَي القوّتين، فإنّها تساعد العقل في المقدّمات، فإذا آل الأمر إلى النّتيجة خنست و تأخّرت توسوسه و تشكّكه، كما يحكم الوهم بالخوف من الموتى، مع أنّه يوافق العقل في أنّ الميّت جماد، و الجماد لايُخاف منه، المنتج لقولنا:<الميّت لايخاف منه>. فإذا وصل العقل و الوهم إلى النّتيجة، نكص الوهم و أنكرها. (10: 549)

الآلوسيّ: {الْخَنَّاسِ} صيغة مبالغة أو نسبة، أي الّذي عادته أن يخنس و يتأخّر إذا ذكرالإنسان ربّه عزّو جلّ. (30: 286)

المَراغيّ: أي ألجأ إليك ربّ الخلق و إلاههم

و معبودهم أن تُنجينا من شرّ الشّيطان الموسوس الكثير الخُنوس و الاختفاء، لأ نّه يأتي من ناحية الباطل، فلايستطيع مقاومة الحقّ إذا صدمه، و لكنّه يذهب بالنّفس إلى أسوإ مصير، إذا انجرّت مع وسوسته، و انساقت معه إلى تحقيق ما خطر بالبال.

و هذه الأحاديث النّفسيّة إذا سُلّط عليها نظر العقل، خفيت و اضمحلّت، و لكنّ الموسوس عند إلقائها.

و حديث النّفس بالفواحش و ضروب الأذى للنّاس، يذهب هباءً إذا تنبّهت النّفس لأوامر الشّرع. و هكذا إذا وسوس لك امرؤ و بعثَك على فعل السّوء، ثمّ ذكّرته بأوامر الدّين، يخنس و يُمسك عن القول، إلى أن تسنح له فرصة أُخرى. (30: 270)

سيّد قُطْب: الخُنُوس: الاختباء و الرّجوع، و {الْخَنَّاسِ} هو الّذي من طبعه كثرة الخُنوس. [إلى أن قال:]

وهناك لفتة ذات مغزى في وصف الوسواس بأنّه {الْخَنَّاسِ}، فهذه الصّفة تدلّ من جهة على تخفّيه واختبائه، حتّى يجد الفرصة سانحة فيدبّ و يوسوس. و لكنّها من جهة أُخرى توحي بضعفه أمام من يستيقظ لمكره، ويحمي مداخل صدره. فهو سواء كان من الجِنّة أم كان من النّاس إذا وُ وجِه خنَس، و عاد من حيث أتى، و قبع و اختفى، أو كما قال الرّسول الكريم في تمثيله المصوِّر الدّقيق: «فإذا ذكر الله تعالى خنَس، و إذا غفل وسوس.

وهذه اللّفتة تُقوّي القلب على مواجهة الوسواس. فهو خنّاس. ضعيف أمام عُدّة المؤمن في المعركة.

ولكنّها من ناحية أُخرى معركة طويلة لا تنتهي أبدًا، فهو أبدًا قابع خانس، مترقّب للغفلة. و اليقظة مرّة، لاتغني عن اليقظات، و الحرب سِجال إلى يوم القيامة، كما صوّرها القرآن الكريم في مواضع شتّى، و منها هذه الصّورة العجيبة في سورة الإسراء: { وَ اِذْ قُلْنَا لِلْمَلئِكَةِ’ اسْجُدُوا لا‚دَمَ فَسَجَدُوا اِِلااِِبْليسَ قَالَ ءَ اَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طينًا‘ * قَالَ اَرَاَيْتَكَ هذَا الَّذى‘ كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ اَخَّرْ تَنِ اِلى يَوْمِ الْقِيمَةِ ’لاَحْتَنِكَنَّ ذُرِّ يَّتَهُ اِلا قَليلا‘ * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَاِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ

ص: 114

مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَاَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى الاَمْوَالِ وَالاَوْ لادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ اِلاغُرُورًا * اِنَّ عِبَادى‘ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكيلا‘ } الإسراء: 61 65.

و هذا التّصوّر لطبيعة المعركة و دوافع الشّرّ فيها سواء عن طريق الشّيطان مباشرة أو عنطريق عملائه من البشر من شأنه أن يشعر الإنسان أنّه ليس مغلوبًا على أمره فيها، فإنّ ربّه و ملكه و إلهه مسيطر على الخلق كلّه، و إذا كان قد أذن لإبليس بالحرب، فهو آخذ بناصيته. و هو لم يسلّطه إلا على الّذين يغفلون عن ربّهم و ملكهم و إلاههم، فأمّا من يذكرونه فهم في نجوة من الشّرّ و دواعيه الخفيّة. فالخير إذن يستند إلى القوّة الّتي لا قوّة سواها، و إلى الحقيقة الّتي لاحقيقة غيرها، يستند إلى الرّبّ الملك الإله. و الشّرّ يستند إلى وسواس خنّاس، يضعف عن المواجهة، و يخنس عند اللّقاء، و ينهزم أمام العياذ بالله.

و هذا أكمل تصوّر للحقيقة القائمة عن الخير والشّرّ كما أنّه أفضل تصوّر يحمي القلب من الهزيمة، و يفعمه بالقوّة و الثّقة و الطّمأنينة. (6: 4010)

ابن عاشور: الشّديد الخنس و كثيره. و المراد أ نّه صار عادةً له؛ و الخنس و الخُنوس: الاختفاء. و الشّيطان يُلقّب ب {الْخَنَّاسِ} لأ نّه يتّصل بعقل الإنسان و عزمه من غير شعور منه، فكأنّه خنَس فيه. و أهل المكر و الكيد و التّختّل خنّاسون، لأ نّهم يتحيّنون غفلات النّاس، و يتستّرون بأنواع الحيل، لكيلايشعر النّاس بهم.

فالتّعريف في {الْخَنَّاسِ} على وزان تعريف موصوفه، و لأنّ خواطر الشّرّ يهمّ بها صاحبها، فيطرق و يتردّد و يخاف تبعاتها، و تزجره النّفس اللّوّامة، أو يزعه وازع الدّين أو الحياء، أو خوف العقاب عند الله أو عند النّاس، ثمّ تعاوده حتّى يطمئنّ لها و يرتاض بها، فيصمّم على فعلها فيقترفها. فكأنّ الشّيطان يبدو له ثمّ يختفي، ثمّ يبدو ثمّ يختفي، حتّى يتمكّن من تدليته بغرور. (30: 555)

مَغْنِيّة: من <خنس> إذا تأخّر و تنحّى. و المراد بهذا الوصف هنا: أنّ الإنسان إذا تنبّه للوسوسة الشّيطانيّة، و تعوّذ بالله منها مُخلصًا ذهبت عنه و اختفت.

(7: 628)

الطَّباطَبائيّ: صيغةٌ مبالغةٌ من الخُنوس بمعنى الاختفاء بعد الظّهور. قيل: سمّي الشّيطان خنّاسًا، لأ نّه يوسوس الإنسان، فإذا ذكر الله تعالى رجع و تأخّّّّّّّر، ثمّ إذا غفل عاد إلى وسوسته. (20: 397)

مكارم الشّيرازيّ:صيغةٌ مبالغةٌ من الخُنوس و هو التّراجع، لأنّ الشّّّياطين تتراجع عند ذكر اسم الله، و الخُنوس له معنى الاختفاء أيضًا، لأنّ التّراجع يعقبه الاختفاء عادةً. (20: 524)

فضل الله: و ذلك في ما يثيره في النّفس من أفكار شريرة و خيالات معقّدة، و أحلام كاذبة، و مشاعر حادّة، بحيث تؤدّي إلى إثارة الفتنة في حركة النّاس، في علاقاتهم العامّة و الخاصّة، من خلال الإيحاءات الّتي يثيرها في داخل الكلمات، ليعقّد الأوضاع من حولهم، و إلى إضلال العقل و الإحساس من خلال

ص: 115

الشّبهات الّتي يحرّكها أمام العقيدة، ليدفع النّاس إلى الكفر و الضّلال. أو منخلال علامات الاستفهام المعقّدة أمام القضايا الّتي تدخل في منطقة الشّعور، أو تتحرّك في دائرة العاطفة، و إلى إثارة الغريزة في حركة الشّهوات في الجسد في أجواء الإغراء و الإغواء، و إلى تحريك الذّهنيّة المسيطرة في أجواء العلوّ و الاستكبار، و السّيطرة الّتي يعيشها السّلاطين على الأرض في خطّ الظّلم و الفساد، و غير ذلك ممّا يثيره الوسواس الّذي يكمُن للإنسان في مواقع الغفلة، فيدفع بالكلمة إلى السّمع، و باللّمسة إلى الإحساس، و بالفكرة إلى الذّهن، ثمّ يبتعد و يختفي، ليترك الكلمات في موقع التّفاعل في الذّات، و في الإحساس، و في العقل، ثمّ يعود من جديد إلى الوسوسة الّتي تترك تأثيراتها في الكيان الرّوحيّ للإنسان.

و قد ورد في الحديث المرويّ عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، في ما يروى عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «إنّ الشّيطان ليجثم على قلب بني آدم، له خرطوم كخرطوم الكلب، إذا ذكر العبد الله عزّ و جلّ خنَس أي رجع على عقبيه و إذا غفل عن ذكر الله وسوس».

و ورد في حديث الإمام الصّادق (علیه السلام) قال: <قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): ما من مؤمن إلا و لقَلبِه في صدره أُذنان: أُذن ينفث فيها الملَك، و أُذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس، فيؤيّد الله المؤمن بالملَك، و هو قوله سبحانه: {وَ اَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} المجادلة: 22>. و قد ورد في حديث أهل البيت :: أنّ الوسواس الخنّاس يوسوس للإنسان فيُوقعه في الذّنب، ثمّ يوسوس له فينسيه التّوبة. (24: 501)

لاحظ: و س و س: «الوَسْوَ اس».

الخُنَّس

فَلا اُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * اَلْجَوَارِ الْكُنَّسِ.

التّكوير: 15، 16

ابن مَسعود: إنّ الخُنّس بقر الوحش.

(الماوَرْديّ 6: 216)

الإمام عليّ (علیه السلام): خمسة الأنجم، و هي: زحل، و عطارد، و المشتري، و المرّيخ، و الزّهرة.

(الماوَرْديّ 6: 216)

هي النّجوم تخنس بالنّهار، وتكنس باللّيل.

[وفي رواية] هل تدرون ما {الْخُنَّسِ}؟ هي النّجوم تجري باللّيل، و تخنس بالنّهار.

[وفي رواية] يعني النّجوم، تكنس بالنّهار، وتبدو باللّيل. (الطّبَريّ12: 467)

ابن عبّاس: و هي النّجوم الّتي يخنَسْنَ بالنّهار و يَظهَرن باللّيل. (503)

نحوه الحسَن. (الطّبَريّ 12: 467)

لأ نّها تقطع المَجَرّة. (الماوَرْديّ 6: 216)

سعيد بن جُبَيْر: أنّها الظّباء..((1) )

(الماوَرْديّ 6: 216)

مُجاهِد: هي النّجوم. (الطّبَريّ12: 467)

ص: 116


1- (1) الغزال: مفردها: ظبْيَة.

مثله أبوعُبَيْدَة. (2: 287)

الحسَن: النّجوم الّتي تخنس بالنّهار و إذا غربت.

مثله قَتادَة. (الماوَرْديّ 6: 216)

الإمام الباقر (علیه السلام): { الْخُنَّسِ}: إمامٌ يخنس في زمانه عند انقطاع علمه، من عند النّاس سنة ستّين و مئتين، ثمّ يبدو كالشّهاب الواقد في ظلمة اللّيل، فإن أدركت ذلك قرّت عينك.[و هذا تأويل، و كذا ما بعده]

[وفي حديث عن أُمّ هانئ الثّقفيّة]

غدَوتُ على سيّدي محمّد بن عليّ الباقر 8 فقلت: يا سيّدي آية من كتاب الله عزّوجلّ:{ فَلا اُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * اَلْجَوَارِ الْكُنَّسِ}، قال: نعم المسألة سألتني يا أُمّ هانئ، هذا مولود في آخر الزّمان، هو المهديّ من هذه العترة، يكون له حيرة و غيبة، يضلّ فيها قوم

و يهتدي فيها قوم، فياطوبى لك إن أدركتيه، و يا طوبى لمن أدركه. (العَرُوسيّ 5: 517)

ابن زَيْد: النّجوم الخنّس، إنّها تَخنِس تتأخّر عن مطلعها، هي تتأخّر كلّ عام، لها في كلّ عام تأخّر عن تعجيل ذلك الطّلوع تخنس عنه. (الطَّبَريّ 12: 467)

الفَرّاء: و هي النّجوم الخمسة تخنس في مجراها، ترجع، و تَكنِس: تستتر، كما تكنس الظِّباء في المغار، و هو الكِناس. و الخمسة: بَهرام، و زُحَل، و عُطارد، و الزُّهرة، و المشتري. (3: 242)

الطّبَريّ: اختلف أهل التّأويل في { الْخُنَّسِ* اَلْجَوَارِ الْكُنَّسِ }.فقال بعضهم:[وذكرنحو قول الفَرّ اء]

و قال آخرون: هي بقر الوحش الّتي تكنس في كناسها.

و قال آخرون: هي الظِّباء.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ الله تعالى ذكره أقسم بأشياء تخنس أحيانًا، أي تغيب، و تجري أحيانًا و تكنس أُخرى. (12: 469)

الزّجّاج: {الخُنَّسِ}: جمع خانس، و {اَلْجَوَارِ} : جمع جارية، من جرى يجري. و{ الْخُنَّسِ}: جمع خانس و خانسة، و كذلك {الْكُنَّسِ}: جمع كانس و كانسة.

و { الْخُنَّسِ} هاهنا أكثر التّفسير يعني بها: النّجوم، لأ نّها تَخنِس أي تغيب، لأنّ معنى {وَ الَّيْلِ اِِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ اِذَا تَنَفَّس } التّكوير: 17 ،18، و معنى {الْخُنَّسِ}. و {الْكُنَّسِ} في النّجوم، أنّها تطلع جارية، و كذلك تخنس أي تغيب، و كذلك تَكنِس تدخل في كناسها، أي تغيب في المواضع الّتي تغيب فيها.

و قيل: {الْخُنَّسِ} هاهنا يعني بقر الوحش و ظِباء الوحش، و معنى خُنّس: جمع خانس، و الظِّباء خُنّس، و البقر خُنّس. و الخنَس: قِصَر الأنف و تأخّره عن الفم، و إذا كان للبقر أو كانللظِّباء فمعنى {الْكُنَّسِ} أي الّتي تَكنِس، أي تدخل الكِناس و هو الغُصْن من أغصان الشّجر. (5: 291)

القُمّيّ: و هو اسم النّجوم. (2: 408)

الماوَرْديّ: إنّها الملائكة، لأ نّها تخنس فلاتُرى.

( 6: 216)

الطُّوسيّ: {الْخُنَّسِ}): جمع خانس، و هو الغائب عن طلوع؛ خنست الوحشيّة في الكنّاس، إذا

ص: 117

غابت فيه بعد طلوع. (10: 285)

القُشَيْريّ: و {الْخُنَّسِ} و {الْكُنَّسِ} هي النّجوم إذا غربت، و يقال: البقر الوحشيّ. (6: 262)

الواحديّ: يعني النّجوم، و هي تخنس بالنّهار فتخفى، و لاتُرى، و تكنس في وقت غروبها، فهذا وقت خنوسها و كنوسها. (4: 430)

البغَويّ: [نقل أقوال المتقدّمين و أضاف:]

وأصل الخُنُوس: الرّجوع إلى وراء، و الكُنوس : أن تأوي إلى مكانسها، و هي المواضع الّتي تأوي إليها الوحوش. (5: 217)

الزّمَخْشَريّ: {الْخُنَّسِ}: الرّواجع، بينا تُرى النّجم في آخر البُرج إذ كَرّ راجعًا إلى أوّله. و <الجَواري>: السّيّارة، و {الْكُنَّسِ}: الغُيّب من كنس الوحش، إذا دخل كناسه. قيل: هي الدّراري الخمسة: بهرام، و زُحل، و عطارد، و الزُّهرة، والمشتري، تجري مع الشّمس و القمر، و ترجع حتّى تخفى تحت ضوء الشّمس. فخنوسها: رجوعها، و كنوسها: اختفاؤها تحت ضوء الشّمس.

و قيل: هي جميع الكواكب، تخنس بالنّهار فتغيب عن العيون، و تكنس باللّيل، أي تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها (4: 223)

نحوه النّسَفيّ (4: 336)، و الشِّربينيّ (4: 493)،

و أبو السُّعود ( 6: 387)، و القاسميّ (17: 6077).

الطَّبْرِسيّ: و هي النّجوم تخنس بالنّهار و تبدو باللّيل. (5: 446)

الفَخْر الرّازيّ: اختلفوا في خُنوس النّجوم و كنوسها على ثلاثة أوجه: فالقول الأظهر أنّ ذلك إشارة إلى رجوع الكواكب الخمسة السّيّارة و استقامتها، فرجوعها هو الخُنوس، و كنوسها: اختفاؤها تحت ضوء الشّمس. و لاشكّ أنّ هذه حالة عجيبة، و فيها أسرار عظيمة باهرة.

القول الثّاني: ما روي عن عليّ (علیه السلام)، و عطاء، و مُقاتِل، و قَتادَة: أنّها هي جميع الكواكب. و خنوسها: عبارة عن غيبوبتها عن البصر في النّهار، و كنوسها: عبارة عن ظهورها للبصر في اللّيل، أي تظهر في أماكنها كالوحش في كنسها.

و القول الثّالث: أنّ السّبعة السّيّارة تختلف مطالعها و مغاربها على ما قال تعالى: {بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَ الْمَغِارِبِ} المعارج: 40، و لاشكّ أنّ فيها مطلعًا واحدًاو مغربًا واحدًا هما أقرب المطالع و المغارب إلى سمت رؤوسنا، ثمّ إنّها تأخذ في التّباعد من ذلك المطلع إلى سائر المطالع طول السّنة، ثمّ ترجع إليه؛ فخنوسها: عبارة عن تباعدهاعن ذلك المطلع، و كنوسها: عبارة عن عودها إليه، فهذا محتمل.

فعلى القول الأوّل يكون القسم واقعًا بالخمسة المتحيّرة، و على القول الثّاني يكون القسم واقعًا بجميع الكواكب. و على هذا الاحتمال الّذي ذكرته يكون القسم واقعًا بالسّبعة السّيّارة، و الله أعلم بمراده.

(31: 71)

البَيْضاويّ: بالكواكب الرّواجع، من <خنس> إذا تأخّر، و هي ما سوى النّيّرين من الكواكب السّيّارات، و لذلك وصفها بقوله تعالى: { اَلْجَوَارِ

ص: 118

الْكُنَّسِ}.

(2: 543)

البُرُوسَويّ: المعنى أُقسم بالكواكب الرّواجع، و هي ماعدا النّيّرين من الدّراري الخمسة، و هي: المرّيخ بالكسر و يسمّى بهرام أيضًا و زُحل و يسمّى كيوان أيضًا و عطارد و يسمّى الكاتب أيضًا و زهرة و تسمّى أناهيذ أيضًا و المشتري و يسمّى راويس و برجيس أيضًا و ما من نجم يقطع المَجَرّة غير الخمسة. (10: 349)

المَراغيّ: أي بالكواكب جميعها، و هي تخنس بالنّهار فتغيب عن العيون، و تكنس باللّيل، أي تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها. و قد أقسم بها سبحانه، لما في حركاتها و ظهورها طورًا و اختفائها طورًا آخر من الدّلائل، على قدرة مُصرّفها، و بديع صنعه، و إحكام نظامه.

و يرى بعض العلماء أنّ المراد بها: الدّراري الخمسة، و هي عُطارد، و الزُّهرة، و المرّيخ، والمشتري، و زُحل، لأ نّها تجري مع الشّمس، ثمّ تُرى راجعة حتّى تختفي في ضوئها؛ فرجوعها في رأي العين هو خنوسها، و اختفاؤها هو كنوسها. (30: 58)

مَغْنِيّة: المراد بالخُنّس الكنّس: جميع النّجوم. و قيل: بل النّجوم الخمس فقط: عطارد، و الزّهرة، و المرّيخ، و المشتري، و زُحل، و هي جوار لأ نّها تدور في أفلاكها. و اختلفوا لماذا وُصفت بالخُنّس الكنّس؟

قال الشّيخ محمّد عبده ما معناه: إنّ الله سبحانه وصفها ب {الْكُنَّسِ} لأ نّها تختفي عن الرّائيّ في ضوء الشّمس، كما تختفي الظّبية في كناسها. و وصفها سبحانه ب {الْخُنَّسِ} لأ نّها ترجع إلى الظّهور للعيان بعد غياب الشّمس. و يتّفق هذا في نتيجته مع تفسير الطَّبْرِسيّ في <مجمع البيان> حيث قال ما نصّه بالحرف :«هي النّجوم تخنس بالنّهار، و تبدو باللّيل». و الفرق بين التّفسيرين: أنّ الخَنْس هنا عند صاحب <المجمع> هو الاختفاء، و الكَنْس: الظّهور، و العكس عند الشّيخ محمّد عبده... و على أيّة حال، فإنّ الله سبحانه أقسم بالنّجوم للتّنبيه إلى ما في صنعها من الدّلائل على قدرة المُبدِع و حكمته. (7: 526)

الطَّباطَبائيّ: تعقّب قوله: {فَلا اُقْسِمُبِالْخُنَّسِ} بقوله: { وَالَّيْلِ اِذَا عَسْعَس * وَالصُّبْحِ اِِذَا تَنَفَّسَ }، يؤيّد كون المراد ب {الْخُنَّسِ*اَلْجَوَارِ الْكُنَّسِ}: الكواكب كلّها أو بعضها. لكن صفات حركة بعضها أشدّ مناسبة، و أوضح انطباقًا على ما ذكر من الصّفات المُقسم بها: الخُنوس، و الجري، و الكنوس، و هي السّيّارات الخمس المتحيّرة: زُحل، و المشتري، و المرّيخ، و الزّهرة، و عطارد، فإنّ لها في حركاتها على ما تُشاهَد استقامة، و رجعة، و إقامة: فهي تسير و تجري حركةً متشابهةً زمانًاو هي الاستقامة، و تنقبض و تتأخّر و تخنس زمانًا و هي الرّجعة، و تقف عن الحركة استقامةً و رجعةً زمانًا كأنّها الوحش تكنس في كناسها و هي الإقامة.

و قيل: المراد بها مطلق الكواكب. و خنوسها: استتارها في النّهار تحت ضوء الشّمس، و جريها: سيرها المشهود في اللّيل، و كنوسها: غروبها في مغربها و تواريها.

ص: 119

و قيل: المراد بها: بقر الوحش، أو الظّبي. و لايبعد أن يكون ذكر بقر الوحش أو الظّبي من باب المثال، و المراد: مطلق الوحوش.

و كيف كان فأقرب الأقوال أوّلها، و الثّاني بعيد، والثّالث أبعد. (20: 217)

مكارم الشّيرازيّ: {الْخُنَّسِ}: جمع خانس، من «خنس» و هو الانقباض و الاختفاء. و يقال للشّّّيطان: <الخنّاس>، لأ نّه ينقبض إذا ذُكر الله تعالى. و كما ورد في الحديث الشّريف: «الشّيطان يوسوس إلى العبد، فإذا ذَكر الله خنَس».

{اَلْجَوَارِ}: جمع جارية، وهي الشّيء الّذي يتحرّك بسرعة.{الْكُنَّسِ}: جمع كانس، من <كنَس>، على وزن <شمَس>، و هو الإختفاء. و كناس الطّير و الوحش: بيت يتّخذه.

و لكن. ما هي الأشياء المقصودة بهذا القسم؟

يعتقد كثير من المفسّرين أنّها الكواكب الخمسة السّيّارة الّتي في منظومتنا الشّمسيّة، و الّتي يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة: عطارد، الزّهرة، المرّيخ، المشتري، و زحل.

و نقول توضيحًا: لو تأمّلنا السّماء عدّة ليال، لرأينا أنّ نجوم السّماء أو القبّة السّماويّة تظهر و تغيب بشكل جماعيّ، من دون أن تتغيّر الفواصل و المسافات فيما بينها، و كأنّها لئالئ خيطت على قطعة قماش داكن اللّون. و هذه القطعة تتحرّك من المشرق إلى المغرب، إلا خمسة كواكب قد خرجت عن هذه القاعدة، فنراها تتحرّك و ليس بينها و بين بقيّة النّجوم فواصل ثابتة، و كأنّها لئالئ قد وُضعت على تلك القطعة وضعًا، من دون أن تخيط بها.

و هذه الكواكب الخمس هي المقصود في هذا التّفسير، و ما نلاحظه من حركتها، إنّما تكون لقربها مِنّا لانتمكّن من تمييز حركات بقيّة النّجوم، لعظم المسافة فيما بيننا و بينها.و من جهة أُخرى: ينبغي التّنويه إلى أنّ علماء الفلك يُطلقون على هذه الكواكب اسم <الكواكب المتحيّرة>، لأ نّها لاتتحرّ ك على خطّ مستقيم ثابت، فتراها تسير باتّجاه معيّن من الزّمن ثمّ تعود قليلا

و من ثمّ تُتابع مسيرها الأوّل و هكذا... و لهؤلاء العلماء من البحوث العلميّة في تحليل هذه الظّاهرة.

و عليه يمكن حمل إشارة الآيات إلى الكواكب السّيّارة الجوار، الّتي في سيرها لها رجوع الخُنّس، ثمّ تختفي عند طلوع الفجر وشروق الشّمس... فهي تُشبه غزالا يتصيّد طعامه في اللّيل، و ما أن يحلّ النّهار حتّى يختفي عن أنظار الصّيّادين و الحيوانات المفترسة فيذهب إلى كناسه، و لذا وصفت الكواكب ب {الْكُنَّسِ}.

و ثمّة احتمال آخر: {الْكُنَّسِ}: اختفاء الكواكب في ضوء الشّمس،أي إنّها حينما تدور حول الشّمس، تصل في بعض الوقت إلى نقطة مجاورة للشّمس، فيختفي نورها تمامًا عن الأبصار، و هو ما يعبّر عنه علماء الفلك ب <الاحتراق>.

و {الْكُنَّسِ} في نظر بعض آخر، إشارة إلى دخول الكواكب في البروج السّماويّة؛ و ذلك الدّخول يُشبه

ص: 120

اختفاء الغزلان في أماكن أمنها.

و كما هو معروف أنّ كواكب مجموعتنا الشّمسيّة لاتنحصر بهذه الكواكب الخمس، بل ثَمّة ثلاثة كواكب أُخرى<أُورانوس، بلوتون، نبتون> و لكنّها لا تُرى بالعين المجرّدة لبعدها عنّا، و للكثير من هذه السّيّارات قمر أو أقمار، فعدد كواكب هذه المجموعة بالإضافة إلى الأرض، هو تسعة كواكب.

و <الجواري>: توصيف جميل لحركة الكواكب؛ حيث شُبّه بحركة السُّفن على سطح البحر.

و على أيّة حال، فكأنّ القرآن الكريم يريد بهذا القسم المليء بالمعاني الممتزجة بنوع من الإبهام، كأنّه يريد إثارة الفكر الإنسانيّ، وتوجيهه صوب الكواكب السّيّارة، ذات الوضع الخاص على القبّة السّماويّة، ليتأمّل أمرها، و قدرة و عظمة خالقها سبحانه و تعالى.

(19: 407)

فضل الله: أي لاأحتاج في إثبات حقيقة الوحي و صدقه إلى القسم بهذه الظّواهر الكونيّة، الّتي يتّصل بعضها بالنّجوم المعلّقة في السّماء، و بعضها بحركة الزّمن في الحياة. و {الْخُنَّسِ} و {اَلْجَوَارِ الْكُنَّسِ} هي الكواكب الّتي ترجع في دورتها الفلكيّة، و تجري و تختفي، فإنّ لها في حركتها على ما تُشاهَد استقامةً و رجعةً و إقامةً: فهي تسير و تجري في حركة متشابهة زمانًا و هي الاستقامة، و تنقبض و تتأخّر و تخنس زمانًا و هي الرّجعة، و تقف عن الحركة استقامةً و رجعةً زمانًا، كأنّها الوحش تكنس في كناسها و هي الإقامة. و ربّماكان التّعبير بها يطلّ على حياة الظّباء و هي تجري و تختبئ في كناسها و ترجع من ناحية أُخرى. (24: 96)

لاحظ: ك ن س : «الْكُنَّس».

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخنَس، و هو انقباض قصبة الأنف و عِرَض الأرنبة، و تأخّرها عن الوجه؛ و أصله في الظّباء و البقر. يقال: خَنِس يَخنَس خنَسًا، و هو أخنَس، و هي خَنْساء؛ و الجمع: خُنْس.

و الخُنُس: الظّباء، و مأواها أيضًا، سمّي به للمقاربة.

و الخنَس: انبساط الأخمص في القدم، و كثرة اللّحم. على التّشبيه يقال: قَدَم خَنْساء.

و الخِنَّوس: من صفات الأسد في وجهه و أنفه.

و فرَس خَنُوس: يستقيم في حُضره ثمّ يَخنِس، كأنّه يرجع القهقرى؛ و الجمع: خُنُس.

و الخُناس: داءٌ يصيب الزّرع، فيَتَجَعثن منه الحرث فلايطول، أي ينقبض.

و كوكب خانس: كوكب سيّار، يَخنِس في مجراه ثمّ يرجع؛ والجمع: خُنّس. و الكواكب الخُنّس هي: زُحل، و المشتري، و المرّيخ، و الزُّهرة، و عُطارد، سمّيت بذلك، لأ نّها تَخنِس في المغيب، أولأ نّها تخفى نهارًا، أو لتأخّرها، لأ نّها الكواكب المتحيّرة الّتي ترجع وتستقيم.

و الثّلاث الخُنّس: من ليالي الشّهر، قيل لها ذلك، لأنّ القمر يَخنِس فيها، أي يتأخّر.

ص: 121

و الخُنوس: الانقباض و الاستخفاء. يقال: خنَس من بين أصحابه يَخنِس و يَخنُس خُنُوسًا و خِناسًا، أي انقبض و تأخّر، و أخنَسَه غيره: خلّفه و مضى عنه، و خنَستُ فلانًا فخنَس: أخّرته فتأخّر، و خنَس به: واراه، و يَخنِس بهم: يغيب بهم. و خنَس الرّجل: توارى و غاب، و أخنَستُه أنا: خلّفته، و أخنَستُ عنه بعض حقّه: أخّرته، فهو مُخنَس.

2 و تطلق العامّة لفظ الخانس على من يلزم الصّمت والسّكون، فيقولون: مالي أراك خانسًا؟ و يستعملون له فعلا ، يقال: خنَس يَخنِس، و ليس له مصدر عندهم. كما يصغّرونه على خُوَيْنِس، و يريدون به السّاكت خَتْلا و مكرًا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها صفتان مبالغةً و جمعًا: {الْخَنَّاسِ} و {الْخُنَّسِ} في آيتين:

1 {قُلْ اَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ*اِلهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} النّاس : 1 4

2 { فَلا اُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ*اَلْجَوَارِ الْكُنَّسِ}

التّكوير : 15 ، 16

يلاحظ أوّ لا : أنّ {الْخَنَّاسِ} و {الْخُنَّسِ} جاءا رويًّا في آخر المفصّل، و فيهما بُحُوثٌ:1 جاء لفظ {الْخَنَّاسِ} صفة للشّيطان في (1):{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}، لأ نّه يخنس و ينقبض أو يختفي عند ذكر الله. و صرّح باسمه في جميع القرآن إلا في هذه الآية؛ حيث ذكر نعته دون اسمه. كما اقترن هنا بلفظ{النَّاسِ}، لأ نّه لازَمَهم منذ خلق آدم 7، و ما فتئ يغويهم و يوسوس في صدورهم،

و سوف يُحشَر مع من يتّبعه منهم:{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطينَ‘} مريم : 68، فأينما ذكر لفظ <الشّيطان> اقترن بالإنسان إلا موضعين، و أينما ذكرلفظ <إبليس> اقترن بآدم 7 إلا موضعين أيضًا، أُنظر لفظي <ابليس> و <الشّيطان>.

2 و لهم في تصوير<خنوس الشّيطان> عبارات شتّى، و من أمثالها كلام سيّد قُطْب؛ حيث قال: <و هنا لفتة ذات مغزَى في وصف الوسواس بأنّه {الْخَنَّاسِ}، فهذه الصّفة تدلّ من جهة على تخفّيه و اختبائه، حتّى يجد الفرصة سانحة فيدبّ و يُوسوس. و لكنّها من جهة أُخرى توحي بضعفه أمام من يستيقظ لمكره، و يحمي مداخل صدره. فهو سواء كان من الجِنّة، أم كان من النّاس إذا وُوجهه خنس، و عاد من حيث أتى، و قبع و اختفى. أو كما قال الرّسول الكريم في تمثيله المصوِّر الدّقيق: <فإذا ذكر الله تعالى خنس، و إذا غفل وسوس>.

و هذه اللّفتة تُقوّي القلب على مواجهة الوسواس، فهو خنّاس ضعيف أمام عُدّة المؤمن في المعركة، و لكنّها من ناحية أُخرى معركة طويلة لاتنتهي أبدًا إلى أن قال : و هذا التّصوّر لطبيعة المعركة و دوافع الشّرّ فيها... من شأنه أن يشعر الإنسان أ نّه ليس مغلوبًا على أمره ...>

و قال ابن عاشور: <و الشّيطان يُلقّب ب {الْخَنَّاسِ}، لأ نّه يتّصل بعقل الإنسان و عزمه من غير

ص: 122

شعور منه، فكأ نّه خنَس فيه. و أهل المكر و الكيد والتّختّل خنّاسون، لأ نّهم يتحيّنون غفلات النّاس...>.

و قال فضل الله: <و ذلك ما تثيره في النّفس من أفكار شريرة، و خيالات معقَّدة، و أحلام كاذبة، و مشاعرحادّة، بحيث تؤدّي إلى إثارة الفتنة في حركة النّاس في علاقاتهم العامّة و الخاصّة، من خلال الإيحاءات الّتي يثيرها في داخل الكلمات، ليُعقّد الأوضاع من حولهم، و إلى إضلال العقل و الإحساس من خلال الشّبهات الّتي يحرّكها أمام العقيدة، ليدفع النّاس إلى الكفر و الضّلال، أو من خلال علامات الاستفهام المُعقّدة أمام القضايا الّتي تدخل في منطقة الشّعور...>.

3 الخُنّس في (2): { فَلا اُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ*اَلْجَوَارِ الْكُنَّسِ} جمع خانس، و فيه ثلاثة أقوال:

أ الأنجم الخمسة أو جميع النّجوم، لأ نّها تخنس عن الأبصار نهارًا و تكنس ليلا .ب بقر الوحش أو الظّباء، لأ نّها من الخنَس، أي قصر أُنوفها و تأخّرها عن الفم.

ج الملائكة، لأ نّها تخنس و لاتُرى.

و الأوّل هو الأقرب، لأ نّه قول الرّعيل الأوّل من الصّحابة، كالإمام عليّ 7 و ابن عبّاس ، و استدلّ عليه الطَّباطَّبائيّ بتعقّبه بقوله: {وَالَّيْلِ اِذَا عَسْعَسَ * وَ الصُّبْحِ اِذَا تَنَفَّس} و هو حسَن و قال: <و كيف كان فأقرب الأقوال أوّلها، و الثّاني بعيد،

و الثّالث أبعد>.

4 و اختلفوا في {الْخُنَّسِ} و {الْكُنَّسِ} وصفًا للكواكب، بأنّ خَنْسها بالنّهار: لضوء الشّمس، و كَنْسها: طلوعها في ظلام اللّيل، عند الطَّبْرِسيّ وغيره.

5 شاكل{الْخُنَّسِ}لفظ{الْكُنَّسِ} في (2) في الجناس و الطّباق و في صفات الحروف، فالنّون فيهما حرف مجهور، و السّين مهموس، و كذلك الخاء و الكاف، فهما حرفان مهموسان. غير أنّ همس الكاف شديد، و همس الخاء رخو؛ فشدّة الهمس تناسب معنى الكنس، و هو الظّهور، و رخاوة الهمس تناسب الخنس، و هو الاختفاء و الغياب.

ثانيًا: جاءت في آيتين مكّيّتين من السّور القصار و أكثرها مكّيّة أُولاهما في وصف الشّيطان، و ضلاله، و ثانيتهما في وصف القرآن، و صدقه. و قد اهتمّ الله بهما في بدو نزول الوحي في المكّيّات.

ثالثًا: جاءت بعض نظائر هذه المادّة في القرآن، في المعنيين التّاليين:

1 الخُنوس: التّأخّر.

النّكوص:{فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ} الأنفال : 48

2 الخُنوس: الغياب.

الأُفول:{ فَلَمَّا اَفَلَ قَالَ لا اُحِبُّ الا فِلينَ‘}

الأنعام : 76

ص: 123

ص: 124

خ ن ق

اشارة

المُنْخَنِقَة

لفظ واحد، مرّة واحدة، في سورة مدنيّة

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: خنَقَه فاختَنَق، و اختَنَق((1))، و انخنَق. فأمّا الانخناق فهوانعصار الخِناق في عنُقه، و الاختناق: فعله بنفسه.

و الخِناق: الحبل الّذي يُخنَق به. و يقال: رجل خَنِق، مَخنُوق، و رجل خانق.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخنّاق: نعت لمن يكون ذلك شأنه و فعله بالنّاس.

و أخذ بمُخَنّقِه، أي بموضع الخِناق. و منه اشتُقّت المِخْنَقَة، أي القِلادة.

و فرس مَخنُوق، من <الخُناقيّة>. و الخُناقيّة: داء يأخذ الطّير في رؤوسها و حُلُوقها، و يعتري الفرس أيضًا، فيقال: خُنِق الفرس فهو مَخنُوق. و أكثر ما يظهر في الحَمام.

و الخانق: اسم موضع، ذكره جرير. (4 : 153)

اللّيث: والخُناقيّة: داء أو ريح يأخذ النّاس والدّوابّ في حلوقهم، وقد يأخذ الطّير في رأسها وحلقها.

و رجل خنِق: ذو خِناق. [ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهَريّ 7 : 33)

أبو عمرو الشّيبانيّ: خنَقتُ به، أي وَلَدْتُه.

(1 : 222)

الخانق: خانق الغدير؛ حيث تضايق من الجبال.

(1 : 229)

ابن الأعرابيّ: الخُنُق: الفُروج الضّيّقة من فروج

ص: 125


1- (1) كذا ،في الأصل.

النّساء.

(الأزهَريّ 7 : 33)

ابن أبي اليمان: و الخنَق: الضّيق. (601)

أبو سعيد البغداديّ: المُختَنِق من الخيل: الّذي أخَذَتْ غُرّ تُه لَحْيَيْه إلى أُصول أُذنَيْه. و خَنّقتُ الحوض تخنيقًا،إذا شدَدتَ مَلأه. [ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهَريّ 7 : 33)

ثَعْلَب: فَلْهَمٌ خنّاق: ضيّق حُزُقّةٌ قصير السَّمْك.

(الأزهَريّ 7 : 33)

ابن دُرَيْد: الخَنِق: مصدر خنَقَه يَخنُِقه خَنِقًا، بكسر النّون. و لايقال: خَنْقًا. و المُخَنَّق((1)):

الحلق، يقال: أخذ منه بالمُخَنَّق، إذا كربه.

و كلّ شيء خنَقتَ به من حَبْل أو وَتَر، فهو خِناق.

و المِخْنَقَة: قِلادة تُطيف بالعُنق ضيّقة.

و الخانق: شِعْب ضيّق في أعلى الجبَل؛ و الجمع : خوانق.

و أهل اليمن يُسمّون الزُّقاق: خانقًا.

و الخُناق: داء يصيب في الحلق.

و مِخنَقَة الكلب: قلادة قِدٍّ تُتّخذله. (2 : 241)

لم يجئ في كلامهم فعَل فَعِلا إلا حرفان: خنَقَ خَنِقًا، و ضَرَط ضَرِطًا. (3 : 283)

القاليّ: قالوا: <الخَنِق يُخرج الوَرِق>يقول: إذا اشتدّ عليك فخَنَقَك أعطَيتَه. الخَنِق: اسم الفعل هنا.

(2: 12)

الأزهَريّ: و مُخْتنَق الشِّعْب: مضيقه.

و خانقين: موضع معروف. (7 : 34)

الصّاحِب: خنَقتُه فاختَنَق و انخَنَق.

و الخِناق: الحَبْل الّذي يُخنَق به.

و رجل خَنِق و مخنُوق و خانق و خنيق.

و الخُناقيّة: داء يأخذ الطّير في رأسها، و الفرس في حلقها فيَخنُقها.

و الخَنّاقة: من أسماء حبائل السِّباع.

و الخانق: المضيق ما بين الجبلَين و الرّملتَين.

(4 : 197)

الجَوهَريّ: الخَنِق، بكسر النّون: مصدر قولك: خنَقَه يَخنُقُه خَنِقًا، و كذلك خَنّقَه؛ و منه: الخُنّاق.

و اختَنَق هو، و انخنَقَت الشّاة بنفسها، فهي مُنخَنِقة.

و موضعه من العنُق: مُخَنَّق بالتّشديد. يقال: بلغ منه المُخَنَّق، و أخَذتُ بمُخَنّقه. و كذلك الخُناق بالضّمّ. يقال: أخذ بخُناقه.

و الخِناق بالكسر: حَبْل يُخنَق به.

و المِخنَقَة بالكسر: القِلادة.

و الخانِق: شِعْب ضيّق. و أهل اليمن يُسمّون الزُّقاق: خانِقًا.

و المُختنَق: المَضيق. (4 : 1472)

ابن فارِس: الخاء و النّون و القاف أصلواحد يدلّ على ضيق. فالخانق: الشِّعْب الضّيّق. و قال بعض أهل العلم: إنّ أهل اليمن يسمّون الزُّقاق: خانقًا.

و الخَنِق: مصدر خنَقَه يَخنِقُه خَنِقًا. قال بعض أهل العلم: لايقال خَنْقًا.

و المِخْنَقَة: القِلادة. (2 : 224)

ص: 126


1- (1) موضع الخناق.

الثّعالبيّ: الخِناق : الحَبْل يُخنَق به الإنسان.

(259)

أبو سَهْل الهَرَويّ: و الخَنِق مصدر: خنَقَ، إذا عصر حَلقَه. (49)

ابن سيده: خنَقَه يَخنُقه خَنْقًا وخَنِقًا فهو مَخنُوق وخنيق، وخَنّقَه، و قد انخنَق و اختَنَق.

و الخِناق: ما يُخنَق به.

و المِخنَقَة: القلادة الواقعة على المُخَنَّق.

و الخُناق و الخُناقيّة: داء يأخذ النّاس و الدّوابّ في الحُلوق، و قد يأخذ الطّير في رؤوسها. و أكثر ما يظهر في الحَمام، فإذا كان ذلك، فهو غير مشتقّ، لأنّ الخَنْق إنّما هو في الحلق.

و الخَانِق: مضيق في الوادي.

و الخانِق: شِعْب ضيّق في الجبَل، و أهل اليمن يسمّون الزُّقاق: خانقًا.

و خانِقَين وخانِقُون: موضع، و في النّصب و الخفض: خانِقِين. (4 : 540)

خنَقَه يَخنُقه خَنْقًا و خَنّقَه: عصَر حَلقَه حتّى يموت، فانخنَق و اختَنَق.

الفاعل: خانق و خَنّاق، و المفعول: خَنِق و خَنِيق

و مخنُوق، و هي خنيقة و مخنُوقة.

و الخِناق: الحَبْل الّذي يُخنَق به.

(الإفصاح1 : 635)

الرّاغِب: قوله تعالى: {وَ الْمُنْخَنِقَةُ} أي الّتي خُنِقت حتّى ماتت، و المَخْنَقَة: القِلادة.

(160)

الزّمَخْشَريّ: خنَقَه يَخنُقه خَنْقًا فانخنَق، و خَنّقَه، إذا عصَر حَلقَه، و اختَنَق، إذا فعل الخَنْقَ بنفسه.

و ألقى الخِناق في عنقه، و هو ما يُخنَق به من حبل أو غيره.

و أصابه الخُناق، و هو داء يأخذه في حلقه.

و رجل خنيق: مخنُوق.

«و لُعِنَ الخَنّاقُون » و هم قوم يسرقون النّاس و يَخنُقونهم.

و في جيدها المِخنقَة، و في أجيادهنّ المَخانِق و هذه مِخنَقَة الكلب.

و من المجاز: خَنّقتُ الحوض: ملأتُه، و حوض مُخَنَّق. [ثمّ استشهد بشعر]

و فرس مُختَنِق: أخَذَتْ غُرّتُه لَحْيَيْه إلى أُصول أُذنيه، فإذا أخَذَتْ وجهَه و أُذنيه، فهو مُبَرْ نس.

و أُخذ السّبُع بالخِناقة، و هي حِبالة تأخذ بحلقه.

و أخذ منه بالمُخَنَّق، إذا لزّه و ضيّق عليه.

و أخذنا في الخانق، و هو شِعْب ضيّق بينجبلَين. و يقال للزُّ قاق الضّيّق: الخانق.

(أساس البلاغة:121)

المَدينيّ: في الحديث: «و خَنْق الشّيطان».يقال: خَنْق، و خَنِق؛ بالكسر أجود. (1: 624)

ابن الأثير: في حديث مُعاذ: «سيكون عليكم أُمراء يُؤخّرون الصّلاة عن ميقاتها، و يَخنُقونها إلى شرَق الموتى» أي يُضيّقون وقتها بتأخيرها. يقال خنَقتُ الوقت أخنُقه، إذا أخّرتَه و ضيّقتَه. و هم في خُناق من الموت، أي في ضيق. (2 : 85)

الفَيُّوميّ: خنَقَه: يَخنُقه، من باب <قتَل> خَنِقًا،

ص: 127

مثل كَتِف، و يُسَكّن للتّخفيف. و مثله الحَلِف و الحَلْف، إذا عصَر حَلقَه حتّى يموت.

فهو خانق و خنّاق؛ و في المُطاوع فانخنَق. و شاة خنيقة و مُنخَنِقة من ذلك.

و المِخنَقَة بكسر الميم: ا لقِلادة، سمّيت بذلك لأ نّها تُطيف بالعنُق، و هو موضع الخَنْق. (1: 183)

الفيروز اباديّ: خنَقَه خَنِقًا، ككتف، فهو خَنِق أيضًا و خنيق و مخنُوق، كخَنّقَه فاختَنَق.

و انخنَقَت الشّاة بنفسها.

و الخانق الشِّعب الضّيّق، و الزُّقاق.

و خانق الذّئب و النّمِر و الكلب و الكَرْ سَنَة: أربع حشائش.

و خانقِين و خانِقُون: بلدة بسواد بغداد، لأنّ النُّعمان خنَق به عديّ بن زيد العَبّاديّ حتّى قتله، و بلدة بالكوفة.

و الخانوقة: بلدة على الفرات.

و ككتاب: الحَبْل يُخنَق به.

و كغُراب: داء يمتنع معه نفوذ النّفَس إلى الرّ ئة

و القلب. و يقال أيضًا: أخذه بخُِناقه، بالكسر و الضّمّ،

و مُخَنّقِه، أي بحلقه.

و الخُناقيّة: داء في حُلوق الطّير و الفرس.

و الخنُق، بضمّتين: الفروج الضّيّقة. و خَنُوقاء، كجَلُولاء:موضع.

و الخَنُوقة، كتَنُوفة: واد بديار عقيل.

و كمِكنَسَة: القِلادة.

و كمعظّم: موضع حَبْل الخَنْق.

و غلام مُخَنّق الخَصْر: أهْيَف.

و خنّق السّراب الجبال تَخْنيقًا: كاد يُغطّي رُؤوسها، و فلانٌ الأربعينَ: كاد يبلغها، و الإناء: ملأه.

و المُختَنِق: فرس أخذت غُرّ تُه لَحْيَيْه.

وافتَدِ مَخنُوق: يُضرَب في تخليص نفسك من الشّدّة.

و خانقاه: قرية بين إسفراين و جُرجان و قرية بفارياب. (3: 237)

الطُّرَيحيّ: و في الحديث: «المُنخَنِقة هي الّتي انخنَقَت بإخناقها حتّى تموت».

و فيه: «أُطلب لنفسك أمانًا قبل أن تأخذ الأظفار، و يُلزمك الخِناق».

الخِناق بالكسر: حَبْل يُخنَق به، و استعير هنا للموت، و لابُعد أن يراد ب <الأظفار> هنا المنيّة.[ثمّ استشهد بشعر]و خنَقَه يَخنُقه من باب <قتل>، و خَنِقَ من باب <تعب>: اغتاض.

و الخَنِق بكسر النّون: مصدر قولك: خنَقَ يَخنُق؛ و منه الخُنّاق.

و الخُناق كغُراب: داء يمنع منه نفوذ النّفس إلى الرّئة و القلب.

و المِخنَقَة بكسر الميم: القِلادة، و سمّيت بذلك لأ نّها تُطيف بالعنُق، و هو الموضع الخَنْق. (5 : 159)

الزّبيديّ: [نحوالفيروز اباديّ إ لا أنّه أضاف بعد قوله: و خانق الذّئب و النّمِر و الكلب و الكَرْ سَنَة: أربع حشائش:]

ص: 128

الأوّل: مشرف الأوراق مُزغِب يُشبه الدُّ لب، و الثّانيّ: كذنَب العقرب برّاق نحو شبر، لاتزيد أوراقه عن خمسة، و كلاهما ربعيّ من أنواع السّموم، يقتل سائر الحيوانات. و إنّما خُصّ النّمِر و الذّئب لسرعة الفعل فيهما.

و قال الرّئيس في القانون :<ورق خانق النّمر إذا خُلط بالشّحم و خُبز بالخُبز و أُطعم للذّئاب و الكلاب و الثّعالب و النّمر قتلها>، و إذا عرفت ذلك فالصّحيح أنّها حشيشتان، أو حشيشة واحدة، فتأمّل ذلك...

و الخنّاق: كشدّ اد لمن يبيع السّمك بالخِناقة، و هي حبالة تأخذ ب <الأندلس>. (6: 339)

العَدْنانيّ: خنَقه خَنِقًا و خَنْقًا

يخطّئ الفارابيّ من يذكر المصدر: خَنْقًا، و يقول معجم مقاييس اللُّغة: « قال بعض أهل العلم: لايقال خَنْقًا» و اكتفى المُغرِب، و المختار، و القاموس بذكر المصدر: خَنِقًا.

ولكن: أجاز استعمال المصدرين: خَنِقًا و خَنْقًا كليهما: الصِّحاح ذكر خَنْقًا في الهامش ، و اللّسان، و المصباح، و التّاج، و المدّ، و محيط المحيط بعضهم يسكّن النّون. و أقرب الموارد بعضهم يسكّن النّون ، و عثرات الأقلام في اللّغة.

و اكتفى بذكر المصدر خَنْقًا: الأساس، و المتن، و الوسيط.

أمّا فعله فهو: خنَقَه يَخنُقه خَنِقًا، و خَنْقًا: عصَر حَلقَه حتّى مات، فالفاعل: خانِق، و المفعول: مخنُوق، وخنيق، وخَنِق و هي بتاء فيهما.

و أنا و إن كانت المعجمات تكاد تُجمِع على أنّ المصدر <خَنِقًا> أعلى أرى أن لانستعمل إلا المصدر <خَنْقًا> للأسباب الآتية:

أ لأنّ استعماله جائز.

ب و لأنّ الخاصّة و العامّة في البلاد العربيّة كافّة يسكّنون النّون: الخَنْق.

ج و لأنّ المصدر «فَعِلا » نادر الوجود في اللُّغة العربيّة كحلَفَ يَحلِف حَلِفًا.

د و لأنّ المصدر« فَعْل» كثير جدًّا في اللُّغة العربيّة. على أن لانخطّئ من يستعمل المصدر الشّاذّ النّادر «خَنِقًا». (207)

مَجْمَعُ اللُّغة: خنَقَه يَخنُقه خَنْقًا: عصَر حَلقَه حتّى يموت، فانخنق، و هو مُنخَنِق، و هي مُنخَنِقة.

(1 : 366)نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم. (1 : 176)

المُصْطَفَويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التّضيّق و الانعصار في الحلق؛ و ذلك الانعصار أعمّ من أن يكون ظاهرًا أو بداء باطنيّ.

و الحَزْق و الخَزْق، و الخَرْزَق، تدلّ على مفهوم الضّيق و الشّدّ و الطّعن.و الحلق و العنُق : يدلان على الحلق المجرّد.

و أمّا مفهوم الزُّقاق و ما يماثله، فمعنى مجازيّ استعارة: {حُرِّ مَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ‘ وَ مَا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ...} المائدة : ،3، أي مامات بالخَنِق و الانخِناق من دون ذبح. (3: 140)

ص: 129

النُّصوص التّفسيريّة

المُنْخَنِقَة

حُرِّ مَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزيرِ‘ وَ مَا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ... المائدة : 3

ابن عبّاس: الّتي تُخنَق فتموت.

مثله الضّحّاك. (الطّبَريّ 4: 407)

و مثله أيضًا البغَويّ. (2: 10)

كان أهل الجاهليّة يخنقون الشّاة حتّى إذا ماتت أكلوها. (البغَويّ 2: 10)

مثله قَتادَة. (الطّبَريّ 4: 407)

الضّحّاك: الّتي تختنق فتموت. (الطّبَريّ 4: 407)

مثله الثّعلبيّ. (4 : 12)

الشّاة توثق، فيقتلها خَنّاقها، فهي حرام.

(الطّبَريّ 4: 407)

قَتادَة: الّتي تموت في خِناقها. (الطّبَريّ 4: 407)

نحوه البَيْضاويّ (1 : 261)، و أبو السُّعود (2 : 237)، و شُبّر (2 : 139)، و سيّد قُطْب (2 : 840).

زَيْد بن عليّ: الّتي أُخنقت في خِناقها حتّى ماتت (178)

السُّدّيّ: الّتي تدخل رأسها بين شُعْبتَين من شجرة، فتنخنق فتموت. (222)

أنّها تُخنَق بحبل الصّائد و غيره، حتّى تموت.

مثله الضّحّاك. (الماوَرْديّ 2 : 11)

نحوه ابن جُزَيّ. (1 : 167)

الإمام الصّادق(علیه السلام): الّتي تختنق في رباطها.

(العيّاشيّ 2 : 9)

نحوه ابن قُتَيْبَة. (140)

{الْمُنْخَنِقَةُ}: الشّاة توثق، فيقتلها خَنّاقها، فهي حرام. (الطّبَريّ 4: 407)

نحوه الماوَرْديّ. (2 : 11)

الفَرّاء: ما اختنقت فماتت و لم تُدرَك. (1 : 301)

أبو عُبَيْدَة: الّتي انخنقت في خِناقها حتّى ماتت.

(1 : 151)

و هكذا روي عن الإمام الجواد (علیه السلام) .

(البَحْرانيّ 3: 286)

الطّبَريّ: اختلف أهل التّأويل في صفة الانخناق الّذي عنى الله جلّ ثناؤه بقوله: { وَ الْمُنْخَنِقَةُ}،فقال بعضهم: ... [ذكر قول السُّدّيّوالقول الأوّل من الضّحّاك و قَتادَةو أضاف:]

و قال آخرون: هي الّتي توثق فيقتلها بالخِناق وَثاقُها.

و قال آخرون: بل هي البهيمة من النَّعم كان المشركون يخنقونها حتّى تموت، فحرّم الله أكلها.

و أولى هذه الأقوال بالصّواب، قول من قال: هي الّتي تختنق: إمّا في وثاقها، و إمّا بإدخال رأسها في الموضع الّذي لاتقدر على التّخلّص منه، فتختنق حتّى تموت .

و إنّما قلنا: ذلك أولى بالصّواب في تأويل ذلك من غيره، لأنّ{الْمُنْخَنِقَةُ} هي الموصوفة بالانخناق، دون خنق غيرها لها، و لو كان معنيًّا بذلك أنّها مفعول بها، لقيل: و المخنوقة، حتّى يكون معنى الكلام ما قالوا.

(4 : 407)

ص: 130

الزّجّاج: و هي الّتي تنخنق برِبْقَتها، أي بالحبل الّذي تُشكّ به، و بأيّ جهة اختنقت فهي حرام.

(2 : 145)

نحوه المَيْبُديّ (3 : 11)، و ابن العَرَبيّ (2 : 538)، و حسنين مخلوف (1 : 183).

القُمّيّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ...} فإنّ المجوس كانوا لايأكلون الذّبائح و يأكلون الميتة، و كانوا يخنقون البقر و الغنم، فإذا ماتت أكلوها. (1 : 161)

السِّجستانيّ: الّتي تُخنَق فتموت و لاتُدرك ذكاتها.

(49)

الجَصّاص: فإنّه روي عن الحسَن و قَتادَة و السُّدّيّ و الضّحّاك: أنّها الّتي تختنق بحبل الصّائد أو غيره حتّى تموت، و من نحوه حديث عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج، أنّ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) قال: «ذكّوا بكلّ شيء إلا السِّنّ و الظُّفر». و هذا عندنا على السِّنّ و الظُّفر غير المنزوعين، لأ نّه يصير في معنى المخنوق.

(2 : 382)

الطُّوسيّ: [ذكر أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و الأولى حمل الآية على عمومها في جميع ذلك، و هي الّتي تختنق حتّى تموت، سواء كان في وثاقها، أو بإدخال رأسها في موضع لاتقدر على التّخلّص، أو غير ذلك، لأنّ الله تعالى وصفها بأنّها{الْمُنْخَنِقَةُ}، و لو كان الأمر على ما حكي عن قَتادَة، لقال:و المخنوقة . (3: 430)

نحوه الرّ اونديّ (2 : 270)،و ابن الجَوْزيّ(2 : 279)، و الآلوسيّ: (6 : 57).

القُشَيْريّ: و أمّا{الْمُنْخَنِقَةُ} فالإشارة منه إلى الّذي ارتبك في حبال المُنى و الرّغائب، و أخذه خِناق الطّمع، و خنقه سلاسل الحِرْص، فحرام على السّالكين سلوك خطّتهم، و محظور على المريدين متابعة مذهبهم. (2 : 94)

الواحديّ: و هي الّتي تنخنق فتموت. و الانخناق : انعصار الحلق، يقال: خنقه فانخنق. (2 : 151)

الزّمَخْشَريّ: الّتي خنقوها حتّى ماتت، أوانخنقت بسبب. (1 : 592)

نحوه النّسَفيّ. (1 : 269)

ابن عَطيّة: معناه: الّتي تموت خنقًا و هو حبس النّفس، سواء فعل بها ذلك آدميّ، أو اتّفق لها ذلك في حجَر أو شجرة أو بحبل أو نحوه، و هذا إجماع.

(2 : 150)

نحوه القُرطُبيّ (6 : 48)، و الشِّربينيّ (1 : 352)، و الشَّوْكانيّ (2 : 12)، ، و محمّد جواد مَغْنِيّة (3 : 11)،

و طه الدُّرّة (3 : 212).

الطَّبْرِسيّ: [اكتفى بنقل بعض الأقوال]

(2 : 157)

أبو الفُتوح: [نحو الطُّوسيّ وأضاف:]

والانخناق مطاوع خنق، يقال: خنقته فانخنق.

(6 : 237)

الفَخْر الرّازيّ: يقال: خنَقه فاختَنَق، و الخنق و الاختناق: انعصار الحلق.

و اعلم أنّ{الْمُنْخَنِقَةُ} على وجوه: منها: أنّ أهل الجاهليّة كانوا يخنقون الشّاة فإذا ماتت أكلوها،

ص: 131

و منها: ما يُخنَق بحبل الصّائد، و منها: ما يدخل رأسها بين عودين في شجرة فتختنق فتموت، و بالجملة فبأيّ وجه اختنقت فهي حرام.

و اعلم أنّ هذه{الْمُنْخَنِقَةُ} من جنس الميتة، لأ نّها لمّا ماتت و ما سال دمها، كانت كالميّت حتف أنفه.

(11 : 133)

نحوه النَّيسابوريّ. (6 : 37)

ابن عَرَبيّ: أي حَبْس النّفس عن الرّذائل، و منعها عن القبائح، بحصول صور الفضائل، و صدور الأفعال الحسنة صورة مع كون الهوى فيها، فإنّ الأفعال النّفسيّة إنّما تَحسُن بقمعها، و قهرها لله، و خروج الهوى الّذي هو قوّتها، و حياتها عنها، و قيامها بإرادة القلب، كخروج الدّم الّذي هو قوّة الحيوان، و حياته منه بذبحه لله. (1 : 309)

الخازن: و {الْمُنْخَنِقَةُ} من جنس الميتة، لأ نّها لمّا ماتت لم يَسِل دمها. و الفرق بينهما: أنّ الميتة تموت بلاسبب أحد، و المنخنقة تموت بسبب الخنق . (2 : 6)

ابن كثير: و هي الّتي تموت بالخنق: إمّا قصدًا و إمّا اتّفاقًا، بأن تتخبّل في وثاقتها، فتموت به، فهي حرام. (2 : 480)

البُرُوسَويّ : [نحو الواحديّ و الزّجّاج]

(2 : 341)

الآلوسيّ: [نقل أقوال السُّدّيّ و الضّحّاك و قَتادَ ة و ابن عبّاس و أضاف:]

و الأولى أن تُحمَل على الّتي ماتت بالخنق مطلقًا.

(6 : 57)

القاسميّ: [نحو ابن كثير، و الخازن، وأضاف:]

قال المهايميّ: {الْمُنْخَنِقَةُ} و إن ذُكر اسم الله عليها، فقد عارضه سريان خباثة الخانق إليها، مع تنجّسها بالموت. (6 : 1818)

رشيد رضا: [ذكر قول الطّبَريّ، ثمّ قال:]

و هو المختار عندنا، لأ نّه هو المعنى اللُّغويّ المنطبق على حكمة الشّارع.

و يغلط من يقول: إنّ فعل الانخناق هنا ممّا يسمّونه فعل المطاوعة، كما قال الصّرفيّون في مثل: كسَرتُه فانكسَر. و يتوهّم من لاذوق له في اللُّغة أنّ هذه الصّيغة لاتجيء إلا لما كان أثرًا لفعل فاعل مختار ككسَرتُه فانكسَر.

و الصّواب أنّ هذه فلسفة باطلة، و أنّ العربيّ القُحّ إنّما يقول: انكسر الشّيء، إذا كان يعلم أنّه انكسر بنفسه أو يجهل من كسره. إلا إذا كان المقام مقام تعبير عن شيء تعاصى كسره على الكاسرين ثمّ انكسر بفعل أحدهم، و هذا لايتأتّى إلا في بعض الموارد.

و أرى ذوقي يوافق في مادّة الخنق ما يفهم من عبارة القاموس: من أنّ مطاوع خنَق هو اختَنَق من <الافتعال>، و إنّ انخنق لايُفهَم منه إلا ما كان بفعل الحيوان بنفسه، كما قال ابن جرير.

و يؤيّد هذا الفهم الّذي جزم ابن جرير بأ نّه هو الصّواب الجمع به بين هذه الزّوائد في سورة المائدة، و بين حصر المحرّمات في الأربعة الأُولى منها.

فالمنخنقة بهذا المعنى من قبيل ما مات حَتْف أنفه، من حيث إنّه لم يمت بتذكية الإنسان له لأجل أكله،

ص: 132

فهي داخلة في عموم الميتة بالمعنى الشّرعيّ الّذي بيّنّاه في تفسيرها.

و إنمّا خصّها بالذّكر، لأنّ بعض العرب في الجاهليّة كانوا يأكلونها، و لئلا يشتبه فيها بعض النّاس، لأنّ لموتها سببًا معروفًا. و إنّما العبرة في الشّرع بالتّذكية الّتي تكون بقصد الإنسان لأجل الأكل، حتّى يكون واثقًا من صحّة البهيمة الّتي يريد التّغذّي بها.

و لو أراد تعالى ب {الْمُنْخَنِقَةُ}:المنخنقة المخنوقة بفعل الإنسان، لعبّر بلفظ المخنوقة أو الخنيق، لأ نّه حينئذ يفيد أنّ الخنق و إن كان ضربًا من التّذكية بفعل الفاعل لايحلّ، و يُفهَم منه تحريم{الْمُنْخَنِقَةُ} بالأولى، بل يُفهمَ هذا من لفظ الميتة أيضًا، كما تقدّم. فالعدول إلى صيغة{الْمُنْخَنِقَةُ} لاتعقل له حكمة إلا الإشعار بكون{الْمُنْخَنِقَةُ} في معنى الميتة.

(6 : 137)

ابن عاشور: هي الّتي عرض لها ما يخنقها.

و الخنق : سدّ مجاري النّفَس بالضَّغط على الحلق، أو بسدّه. و قد كانوا يربطون الدّابّة عند خشبة، فربّما تخبّطت فانخنقت، و لم يشعروا بها، و لم يكونوا يخنقونها عند إرادة قتلها. و لذلك قيل هنا: {الْمُنْخَنِقَةُ}، و لم يقل: المخنوقة، بخلاف قوله: {وَ الْمَوْقُوذَةُ}. فهذا مراد ابن عبّاس بقوله : كان أهل الجاهليّة يخنقون الشّاة و غيرها،فإذا ماتت أكلوها.

و حكمة تحريم{الْمُنْخَنِقَةُ}: أنّ الموت بانحباس النّفس يفسد الدّم باحتباس الحوامض الفحميّة الكائنة فيه، فتصير أجزاء اللّحم المشتمل على الدّم مضرّة لآكله. (5 : 22)

الطَّباطَبائيّ: هي البهيمة الّتي تموت بالخنق، و هو أعمّ من أن يكون عن اتّفاق أو بعمل عامل اختيارًا، و من أن يكون بأيّ آلة و وسيلة كانت، كحبل يُشَدّ على عنقها، و يسدّ بضغطه مجرى تنفّسها، أو بإدخال رأسها بين خشبتين، كما كانت هذه الطّريقة وأمثالها دائرة بينهم في الجاهليّة. (5 : 164)

حجازي: هي ما ماتت خنقًا بأيّ شكل كان، و هي نوع من الميته الّتي لم تُذكّ ذكاةً شرعيّة. و إنّما خصّها القرآن بالذّكر مع اندراجها في الميتة، لئلا يُظنّ أنّها ما ماتت حتف أنفها بل بفعل فاعل فتحلّ، و لكن الشّرع شرط الذّكاة، ليتأكّد الإنسان ممّا يأكل، و يثق من أنّ ما يتغذّى به سليمًا من هذا الدّم الفاسد الّذي يُراق بالذّبح. (6 : 26)

عبد الكريم الخَطيب: هي الّتي تموت خنقًا من الحيوان، إنّها في حكم الّتي تموت حتف أنفها، في تعفّف النّفس الطّيّبة عنها. (3: 1030)

مكارم الشّيرازيّ: الحيوانات المخنوقة، سواء كان الخنق بسبب الفخّ الّذي تقع فيه، أو بواسطة الإنسان، أو بنفسها. و كان الجاهليّون يخنقون الحيوانات أحيانًا للانتفاع بلحومها، و قد أشارت الآية إلى هذا النّوع باسم {الْمُنْخَنِقَةُ}.

و ورد في بعض الرّوايات: أنّ المجوس كان من عادتهم أن يخنقوا الحيوانات الّتي يريدون أكلها، و لهذا يمكن أن تشملهم الآية أيضًا. (3: 521)

فضل الله: الميتة بطريقة الخنق عمومًا. يقال: خنَقه خنقًا، إذا ضغطه؛ و منه: المنخنقة للقِلادة.

ص: 133

و{الْمُنْخَنِقَةُ} على وجه الخصوص، هي الّتي يدخل رأسها بين شُعبتَين من شجرة فتختنق فتموت.

(8 : 32)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخِناق، أي الحلق، و هو الخُناق والمُخنَّق. يقال:

أخذ بخِناقه و خُناقه، أي بحلقه، و بلغ منه المُخنَّق، وأخَذتُ بمُخنَّقه: موضعالخِناق.

و الخِناق: الحَبْل الّذي يُخنَق به، أي يُعصَر به الخِناق، و ما يُختنَق به أيضًا، و الخِناق و المِخنَقة: القِلادة الواقعة على المُخنَّق.

و الخَنِق: عصر الحلق. يقال: خنَقه يَخنُقه خَنْقًا و خَنِقًاو خنّقه، أي عصَر حَلقَه، فهو مخنُوق و خنيق و خَنِق، و الانخناق: انعصار الخُِناق في خَنْقه، و الاختناق: فعله بنفسه. يقال: انخنَق و اختَنق، و انخنقت الشّاة بنفسها، فهي مُنخَنِقة، و الخَنّاق: نعت لمن يكون ذلك شأنه و فعله بالنّاس.

و الخِناق من الفروج: الضّيّق. يقال: فَلْهَمٌ خِناق، أي ضيّق حُزُقّة قصير السَّمْك، و الخُنُق:الفروج الضّيّقة من فروج النّساء، تشبيهًا بضيق الحلق.

و الخانق: شِعْب ضيّق في الجبَل، و مضيق الوادي، و الزُّقاق، كما يسمّيه أهل اليمن.

و المُختنَق: المضيق، و مُختنَق الشِّعب: مضيقه.

و الخُناق و الخُناقيّة: داءٌ أو ريح يأخذ النّاس و الدّوابّ في الحلوق، و يعتري الخيل أيضًا. يقال: خُنِق الفرس فهو مخنُوق.

و يقال مجازًا: خَنّقتُ الحوض تخنيقًا، أي شَددتُ ملأه، و خنَقتُ الوقت أخنُقه: أخّرته و ضيّقته، و هم في خُناق من الموت: في ضيق.

2 و الخَنّاق: بائع السّمك بالخِناقة، هكذا قال الزّبيديّ في <تاج العروس> و فسّر الخِناقة بقوله: <هي حبالة تأخذ ب <الأندلس>، و هذا مولّد غير معروف في اللّغة.

و في محيط المحيط: <و العامّة تقول: تخانق الرّجلان، أي تشاغبا؛ و الاسم منه الخِناق>.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مزيدًا من الانفعال اسم الفاعل: {الْمُنْخَنِقَةُ} مرّة في آية واحدة:

{حُرِّ مَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزيرِ‘ وَ مَا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ...}

المائدة : 3

يلاحظ أوّ لا : أنّ هذا اللّفظ وحيد الجذر و النّظير في القرآن، و فيه بُحُوثٌ:

1 ذُكرت في سورة المائدة سبعة من المحرّمات زيادة على المحرّمات الأربعة المذكورة قبلها:{حُرِّ مَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزيرِ‘ وَ مَا اُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّ يَةُ وَ النَّطيحَةُ وَ مَا اَكَلَ السَّبُعُ اِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ اَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالاَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ}.

وكانت المحرّمات الأربعة قد ذُكرت في الأنعام و النّحل و البقرة أيضًا، كما تقدّم في <خ ن ز ر> و هي من التّشريع المشترك بين المكّيّ و المدنيّ. و لعلّ ذكرما زاد

ص: 134

عليها هنا و هو مصداق الميتة لشيوع أكلها عند بعض أهل المدينة و من حولها من الأعراب، لأنّ المائدة من آخر ما جاء به الوحي على المشهور، فهذا من التّشريع المدنيّ. قال السُّدّيّ: <إنّ أُناسًا من العرب كانوا يأكلون جميع ذلك و لايعدّونه ميّتًا، إنّما يعدّون الميّت الّذي يموت من الوجع>((1)).

2 لمّاتشدّد في الحرمة تشدّد في الإباحة، فأينما ذكرت المحرّمات الأربعة وحدها، تلاها قوله:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَ لا عَادٍ} ، وهو رخصة عامّة في المجاعة و الإكراه و نحوهما ممّا ذكره الفقهاء، غيرأنّه تلا المحرّمات المذكورة في هذه الآية قوله:{فَمَنِ اضْطُرَّ فى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاِ‚ثْمٍ}، و هو رخصة في المجاعة فقط، و لكن بشرط أن لايعرِّض المسلم نفسه لها فيكلتا الحالتين.

3 يشعرلفظ{الْمُنْخَنِقَةُ} السّامع بأنّه من فعل الحيوان نفسه كما صرّح به الطّبَريّ و تبعه آخرون و ليس من فعل فاعل غيره، و لو كان كذلك، لقال: المخنوقة، فيشاكل {الْمَوْقُوذَةُ} وزنًا، و يزين العبارة إيقاعًا. و لكنّه ليس كذلك، فالمراد و الله أعلم أنّ الحيوان اختنق بأيّ نحو كان، دون فعل فاعل، كاختناقها في رباطها، أو في حبل الصّيّاد، أو في أعواد

الشّجرة.

4 و قد اعتبرها القُشَيْريّ إشارةً إلى الّذي ارتبك

في حبال المُنى و الرّغائب، و أخذه خناق الطّمع، و خنقه سلاسل الحِرْص. و حرام على السّالكين سلوك خطّتهم، و محظور على المريدين متابعة مذهبهم، فقد جعل{الْمُنْخَنِقَةُ} صفة ذمّ.

و حمل ابن عرَبيّ على حبس النّفس عن الرّذائل ، و منعها عن القبائح، و شبّه خروج الهوى منها لدى حصول الفضائل بخروج الدّم الّذي هو قوّة الحيوان و حياته عند ذبحه، فقد عدّها صفة ممدوحة. و كلاهما تاويل عرفانيّ، و تحويل للتّشريع إلى التّزكية و العمل بالشّريعة إلى السّلوك.

5 اختلفت أسباب موت الإنسان موت الأنواع الأربعة من الميتة، فسبب موت{الْمُنْخَنِقَةُ} الحيوان نفسه عند بعضهم، و سبب موت{الْمَوْقُوذَةُ} الإنسان، و سبب موت {الْمُتَرَدِّ يَةُ} البيئة، و سبب موت {النَّطيحَةُ } حيوان آخر.

و ثانيًا: هذه الآية المدنيّة تشريع مدنيّ، و لعلّ سرّه ما جاء في بعض النّصوص: أنّ المجوس لايأكلون الذّبائح، و كانوا يخنقون البقر و الغنم، فإذا ماتت أكلوها. و لعلّ بعض الأعراب حول المدينة كانوا يفعلون ذلك.

و ثالثًا: لانظيرلها في القرآن.

ص: 135


1- (1) رواه الطَّبْرِسيّ في تفسير هذه الآية.

ص: 136

خ و ر

اشارة

خُوَارٌ

لفظ واحد، مرّتان: في سورتين مكّيّتين

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: الخَوْر: مصبّ المياه الجارية في البحر إذا اتّسع و عرض.

و الخَوَر: رَخاوة و ضَعْف في كلّ شيء. تقول: خارَ يَخُور خَوَرًا، و رجل خَوّار؛ و خَوّرَ تخويرًا.

و سهم خَوّار و خَؤُور.

و الخَوّار: عَيْبٌ في كلّ شيء إلافي هذه الأشياء: ناقة خَوّارة، و شاة خَوّارة: كثيرة اللّبن، و نخلة خَوّارة، أي صفيّ كثيرة الحَمْل، و بعير خَوّار: رقيق حسَن، و فرَس خَوّار: حُسّان، أي ليّن العِطْف؛ و جمعه: خُور، و العدد: خَوّ ارات.

و الخَوْر: خليج البحر.

و الخَوْران: رأس المِعى الّذي يسمّى المَبْعَر ممّا يلي الدُّبر؛ و يجمع على: خَوْرانات.

و كلّ اسم كان مذكّرًا لغير النّاس فجمعته، إذا حسن على لفظ إناث الجمع، جاز ذلك مثل: سرادقات و حمّامات و حَوْرانات.

و يقال للدُّ بُر: الخَوْران و الخَوّارة، لضَعف فَقْحتِها.

و الخُوار: صوت الثّور، و ما اشتدّ من صوت البقرة و العِجْل. تقول: خارَ يَخُور خَوْرًا و خُوارًا. (4: 302)

اللّيث: الخَوّار: الضّعيف الّذي لا بقاء له على الشّدّة. (الأزهَريّ 7 :551)

الفَرّاء: يقال: لك خُوارها، أي خيارها، و في بني فلان خُورَى من الإبل، أي كرام. (الأزهَريّ 7: 550)

خَوِر الرّجل خَوَرًا، إذا ضَعُف.

(الأزهَريّ 7: 553)

ابن الأعرابيّ: الخُوَيرة: تصغير الخُوَرة، وهي خيار المال. (الأزهَريّ 7: 550)

ص: 137

خَوّ ار الصّفا: الّذي له صوت من صلابته.

(ابن سيده 5: 292)

ابن السِّكّيت: و الخَوْر من الأرض: المنخفض بين نشزين، و الخُور: الغزار من الإبل.

(إصلاح المنطق: 124)

شَمِر: الخَوْر: عُنُق من البحر يدخل في الأرض؛ و جمعه: خُؤُور.[ثمّ استشهد بشعر] (الأزهَريّ 7: 550)

أبو الهَيْثَم: رجل خَوّار، و قوم خَوّ ارُون، و رجل خؤُور، و قوم خُور و ناقة خَوّ ارَة: رقيقة الجلد. غزيرة.

و خارَ الرّجل يَخُور، فهو خائر، و قوم خارَة، و قد خارَ خُؤُورًا.

و الخَوْر: خليج البحر.

و يُجمَع الخَوْران: الدُّ بُرُ: خَوَرانات.و كذلك كلّ اسم كان مذكرًا لغير النّاس، فجمعه على لفظ تاءات الجمع: جائز،نحو: حمّامات، و سُرادقات و ما أشبهها.

(الأزهَريّ 7: 552)

المُبَرِّد: الخَوّار: الضّعيف. (1: 331)

كُراع النّمل: أصله: [الاستخارة] أن تُعرَك أُذُن الجُؤْذر فتَسمع أُمّه خُوارَه فتخرج فتُصاد.

(ابن سيدة 5: 293)

ابن دُرَيْد: خارَ الثّور يَخُور خُوارًا، إذا صاح.

و خارَ الرّجل يَخُور خَوَرًا و خُؤُورًا، إذا صار

خَوّ ارًا ضعيفًا. و رجل خَوّ ار من قوم خُور. و ما أبيَن الخَوَر في فلان. و كذلك عود خَوّار بَيِّن الخَوَر.

و الخَوْران: الفَجْوة الّتي فيها الدُّ بُر من الإنسان و غيره. يقال: طعن الحمار فخارَه، إذا أصاب خَوْرانه.

و ناقة خَوّ ارة، إذا كانت رِخْوَة اللّحم سَبْطَة العظام غزيرة؛ و الجمع: خُور. [ثمّ استشهد بشعر]

و الخَوّ ار العُذريّ: رجل من العرب كان عالمًا بالنّسَب. فأمّا الخَوْر، و هو الخليج من البحر، فأحسبه معرَّ بًا. (2: 215)

و الخَور: خليج من البحر يمعن في البرّ، فارسيّ معرّب.

و خارَ الثّور خُوارًا، إذا صاح.

و خارَ الرّجل، إذا صار خَوّ ارًا. و أرخيت السّتر فهو مُرخًى، إذا أسبلته.

و فلان رَخيّ البال. (3: 237)

الأزهَريّ: الخَوْر: المُنخفض من الأرض بين نشزين؛و لذلك قيل للدُّبر: خَوْران، لأ نّه كالهَبْطة بين رَ بْوَتين.

و يقال: طعن الحمار فخارَه خَوْرً ا إذا طعَنه في خَوْرانه، و هو الهواء الّذي فيه الدُّبر من الرّجل، و القُبُل من المرأة.

و أمّا الأرض الخَوّ ارة: فهي اللّيّنة السّهلة.

و يقال: بَكْرَة خَوّ ارة، إذا كانت سهلة مَجْرَى المِحْور في القَعْو.[ثمّ استشهد بشعر]و يقال: فرَس خَوّ ار العنان، إذا كان ليّن العِطْف، كثير الجري.

و خيل خُور.

خارَ البَرْد يَخُور خُؤُورًا إذا فتر و سكن.

و يقال: إنّ في بعيرك هذا لشاربَ خَوَر؛يكون مَدْحًا، و يكون ذمًّا.

ص: 138

فالمدح أن يكون صَبُورًا على العطش و التّعب، و الذّمّ أن يكون غير صبور عليهما. (7: 551)

الصّاحِب: [نحو الخَليل و أضاف:]

و خارَت الأرض تَخُور خَوْرة، أي استرخت.

و الاستخارة: أن تستعطف الإنسان و تدعوه إليك، و هو أن تستنطقه، مأْخوذ من الخُوار.

و خارَ البَرْد: انكسَر، خُؤُورًا و خُؤُورة. (4: 407)

الجَوهَريّ: الخَوْر مثل الغَوْر: المنخفض من الأرض بين النّشزين. و الخَوْران: مجرى الرَّوث. و يقال: طعنه فخارَه خَوْرًا، أي أصاب خَوْرانه.

و خارَ الثَّوْر يَخُور خُوارًا: صاح. و منه قوله تعالى:{فَاَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} الأعراف : 148.

وخارَ الحَرّ و الرّجل يَخُور خُؤُورة: ضَعُف و انكسَر.

والاستخارة: الاستعطاف؛ يقال: هو من الخُوار و الصّوت. و أصله أنّ الصّائد يأتي ولد الظّبية في كِناسه فيعرك أُذنه فيخور، أي يصيح، يستعطف بذلك أُمّه كي يصيدها.

و يقال أخَرْنا المَطايا إلى موضع كذا نُخيرها إخارَة: صرفناها و عطفناها.

و الخَوَر بالتّحريك: الضّعف. رجل خَوّ ار، و رُمح خَوّ ار، و أرض خَوّ ارة، و الجمع: خُور.

و ناقة خَوّ ارة، أي غزيرة؛ و الجمع: خُور.

[واستشهد بالشّعرمرّتين] (2: 651)

ابن فارِس: الخاء والواو والرّ اء أصلان: أحدهما يدلّ على صوت، و الآخر على ضَعْف.

فالأوّل قولهم: خارَ الثّور يَخُور، و ذلك صوته. قال الله تعالى: { فَاَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} طه: 88.

و أمّا الآخر: فالخَوّ ار: الضّعيف من كلّ شيء. يقال: رُمح خوّ ار، و أرض خَوّارة؛ و جمعه: خُور.

و أمّا قولهم للنّاقة العزيزة: خَوّ ارة و الجمع: خُور فهو من الباب، لأنّها إذا لم تكن عَزُوزًا و العَزُوز: الضّيّقة الإحليل، مشتقّة من الأرض العَزاز فهي حينئذ خَوّ ارة؛ إذ كانت الشّدّة قد زايلَتْها. (2: 227)

الهَرَويّ: والخُوار: بلاهمز، و الجُؤار بالجيم و الهمز، كلاهما: الصّوت.

في حديث عمر: < لن تَخُور قُوًى ما دام صاحبها ينزع وينزو» أي لن يضعف صاحب قُوى يقدر بها على أن ينزو في ظهر دابّته، و ينزع في قوسه.

و في حديث عمروبن العاص: < ليس أخو الحرب من يضع خُور الحشايا عن يمينه و عن شماله».قوله: < خور الحشايا» يعني الوطأة منها؛ و ذلك أنّها تُحشى حَشْوً ا لاتصلب منه.

و منه قيل للضّعيف: خَوّ ار، و للنُّوق الغزار إذا كان في لبنها رقّة: خُور. ألاترى أ نّهم يقولون للّذي لاتَغدُر غزرها: الجِلاد، قال ذلك القُتَيْبيّ. (2: 603)

الثّعالبيّ: فرَس خَوّ ار العِنان، إذا كان ليّن المَعطَف. (66)

[ فصل في أصوات ذات الظّلف ] الخُوار: للبقر.

(220)

ص: 139

ابن سيده: الخُوار: من أصوات البقر و الغنم و الظّباء و السِّهام.و قد خارَ يَخُور.

واستخار الرّجل: استَعطَفه.

قال كُراع: أصله: أن تُعرَك أُذنُ الجُؤْذر فتَسمَع أُمّه خُواره فتخرج فتُصاد، قال الكُمَيْت:

ولن يَستَخير رُسوم الدّيار

لعَوْلته ذو الصِّبا المُعْول

فعين: <استخرت> على هذا، واو.

وقد تقدمّ ذلك في الياء، لأ نّك إذا استَعطَفته ودعَوتَه فإنّك إنّما تطلب خيره.

وخارَ الرّجل خُؤُورً ا، و خَوِر خَوَرًا، و خَوّر: ضَعُف.

و رجل خائر، و خَوّار: ضعيف.

و كلّ ما ضَعُف، فقد خارَ.

و خوّره: نسبه إلى الخَوَر.

و الخَوّارة: الإست، لضعفها.

وسهم خَوّ ار، وخَؤُور: ضعيف.

والخُور، من النّساء: الكثيرات الرّيب، لفسادهنّ و ضعف أحلامهنّ. لا واحد له.

و ناقة خَوّ ارة: غزيرة اللّبن، و كذلك الشّاة،

و الجمع: خُور؛ على غير قياس.

و نخلة خَوّ ارة: غزيرة الحمل.

و فرَس خَوّ ار العِنان: سهل المَعْطِف.

و جمل خَوّار: رقيق حسن؛ والجمع: خَوّ ارات. و نظيره ما حكاه سيبَوَيه من قولهم: جمل سِبَحْلٌ و جمال سِبَحْلات، أي إنّه لايُجمع إلابالألف و التّاء.

و ناقة خَوّ ارة: سَبِطَة اللّحم هَشّة العظم.

و زَنْد خَوّ ار: قَدّ اح.

و الخَوْر: مَصَبّ الماء في البحر، و قيل: هو خليج من البحر.

و الخَوْر: المُطمئنّ من الأرض.

و الخَوْران: المَبْعَر الّذي يشتمل عليه حِتار الصُّلب من الإنسان و غيره، و قيل: رأس المَبْعَر. و قيل: الخَوْران: الّذي فيه الدُّ بُر.

و الجمع، من كلّ ذلك: خَوْرانات، و خَوارين.

و طعَنه فخارَه: أصاب خَوْرانه.

و الخُوار: اسم موضع.

[و استشهد بالشّعر 8 مرّ ات] (5: 292)

الرّاغِب: الخُوار مختصّ بالبقر، و قد يستعار للبعير.

و يقال: أرض خوّ ارة، و رُمح خوّ ار، أي فيهخَوَر. و الخَوْران: يقال لمجرى الرّوث، و صوت البهائم.

(161)

الزّمَخْشَريّ: له صوت كخُوار الثّور، و تخاورت الثّيران.

و قصَبة خَوّ ارة.

و سهم خَوّار: فيه رخاوة ،و قد خارَ يَخُور، و خَوِر يَخَْور. و فيه خَوَرٌ.

و من المجاز: رجل خَوّ ار: جبان، و فرَس خَوّ ار العِنان: ليّن العطف.

و أرض خَوّ ارة: سَهلَة، و ناقة و شاة خَوّ ارة: غزيرة سهلة الدَّ رّ.و نخلة خَوّ ارة: كثيرة الحمل.

ص: 140

و استخار الرّجل صاحبه: استَعطَفه فخار عليه. و أصله من أن يثغو الغزال أو الجُؤْذَر إلى أُمّه يستخيرها، أي يطلب خُوارها، ثمّ كثر حتىّ استُعمل في كلّ استعطاف واسترحام.

و خارَ عنّا البرد: سكن. [ و استشهد بالشّعر 3مرّ ات ] ( أساس البلاغة:122)

ابن الأثير: في حديث الزّكاة: <يحمل بعيرًا له رُغاء، أو بقرة لها خُوار>. الخُوار: صوت البقر.

و منه حديث مقتل أُبيّ بن خلَف <فخَرّ يَخُور كما يَخُور الثَّوْر>. (2: 87)

الفَيُّوميّ: خارَ يَخُور ضَعُف، فهو خَوّ ار.

و أرض خَوّ ارة: ليّنة سهلة، و رُمح خَوّ ار: ليس بصُلب. (1: 183)

الفيروزاباديّ: الخُوار بالضّمّ: من صوت البقر و الغنم و الظّباء و السّهام.

و الخَوْر: المُنخفِض من الأرض، و الخليج من البحر، و مصَبّ الماء في البحر، و موضع بأرض نجد، أو وادٍ وراء بِرْجِيل، و إصابة الخَوْران للمَبْعَر؛ يجتمع عليه حِتار الصُّلب، أو رأس المَبْعَرة، أو الّذي فيه

الدُّ بُر؛جمعه: الخَوْرانات، و الخَوَارين.

و الخُور، بالضّمّ: النّساء الكثيرات الرّيب لفسادهنّ، بلاواحد، و النّوق الغُزُر؛ جمع خَوّ ارة.

و بالتّحريك: الضّعف، كالخُؤُور و التّخوير.

و الخَوّ ار، ككتّان: الضّعيف، كالخائر، و من الزّناد: القَدّ اح،و من الجِمال: الرّقيق الحسَن؛ جمعه: خَوّ ارات، و رجل نسّابة.

و خَوّ ار العِنان: سهل المَعْطِف، كثير الجَري.

و الخَوّ ارة: الإست، و النّخلة الغزيرة الحمل.

و استخاره: استَعطَفه، و الضّبُع: جعل خشبة في ثقب بيتها حتىّ تخرج من مكان آخر. و المنزل: استنظفه.

و أخارَه: صرَفه و عطَفه.

و نَحَرْنا خُورَة إبلِنا بالضّمّ، أي خِيَرتها.

(2: 25)

الآلوسيّ: خُوار هو صوت البقر خاصّة، كالثّغاء للغنم، و اليعار للمعز، و النّبيب للتّيس، و النّباح للكلب، و الزّئير للأسد، و العَواء و الوَعْوَعة للذّئب، و الضّباح للثّعلب، و القباع للخنزير، و المؤاء للهرّة، و النّهيق و السّحيل للحمار،و الصّهيل و الضّبح و القنع و الحمحمة للفرس، و الرّغاء للنّاقة، و الصّني للفيل، و البتغم للظّبي، و الضّعيب للإرنب، و العرار للظّليم، و الصّرصرة للبازي، و العقعقة للصّقر، و الصّفير للنّسر، و الهدير للحمام، و السّجع للقُمري، و السّقسقة للعصفور، و النّعيق والنّعيب للغراب، و الصّقاء و الزّقاء للدّيك، و القوقاء و النّقيقة للدّجاجة، و الفحيح للحيّة، و النّقيق للضّفدع، و الصّبيء للعقرب و الفأرة، و الصّرير للجراد،إلى غير ذلك. (9: 63)

مَجْمَعُ اللُّغة: خارَ الثّور يَخُور خُوارًا: صاح.

(1:366)

محمّد إسماعيل إبراهيم: خارَت البقرة خُوارً ا: صاحت. و الخُوار: صوت البقرة أو الغنم أو الظِّباء أو السّهام. (1: 176)

ص: 141

المُصْطَفَويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الانخفاض من ارتفاع والتّسفّل في عُلُوّ. و بمناسبة هذا المعنى تُستعمل في موارد الضّعف والانكسار، و التّعاطف، والصّوت الخفيّ، و الأرض اللّينة و السّهلة، و في مجرى الغائط، و في خليج البحر، بشرط أن يكون قيود الأصل ملحوظًا فيها.

و بهذا القيد يظهر الفرق بين هذه المادّة و بين الموادّ المذكورة إذا أُطلقت من دون القيد.[ثمّ ذكر الآيتين{عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَ ارٌ}الأعراف: 148، و طه: 88.]

و لايبعد أن يكون الأصل الأوّ ليّ في المادّة: هو الصّوت المنخفض من البقر وضعًا، أو بمناسبة جوهر الصّوت، ليكون من قبيل أسماء الأصوات، ثمّ اشتُقّت منها المشتقات، ثمّ استُعملت في مفاهيم قريبة منه.

و على أيّ حال فيراد من الكلمة في الآيتين: الصّوت المنخفض المخصوص. و الظّاهر أن يكون المراد هو هذا المعنى، لاالصّوت المرتفع كالصّياح.

و يمكن أن يقال: إنّ صوت البقر من حيث هو بالنّسبة إلى كِبَر جثّته و عِظَم بدنه، وبالقياس إلى سائر الحيوانات كالحمار و الفرس منخفض، و ضعيف.

(3: 141)

النُّصوص التّفسيريّة

خُوَارٌ

وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدً ا لَهُ خُوَارٌ... الأعراف: 148

ابن عبّاس: صوت صاغ لهم السّامريّ. (138)

أبوعُبَيْدَة: أي صوت كخوار البقر إذا خارَ، و هو يَخُور. (1: 228)

الطّبَريّ: و الخُوار: صوت البقر. يُخبر جلّ ذكره عنهم أنّهم ضلّوا بما لا يضلّ بمثله أهل العقل؛ و ذلك أنّ الرّبّ جلّ جلاله الّذي له ملك السّماوات و الأرض، و مدبّر ذلك، لايجوز أن يكون جسدًا له خُوار، لايكلّم أحدًا و لايرشد [إلا] إلى خير. و قال هؤلاء الّذين قص الله قصَصَهم لذلك: هذا إلهنا و إله موسى، فعكفوا عليه يعبدونه، جهلا منهم، و ذهابًا عن الله و ضلالا .

(6: 63)

الزّجّاج: أي له صوت. و قيل: له جُؤار بالحاء و الجيم وكلاهما من الصّوت، و كان قد عمله، كما تُعمل هذه الآلات الّتي تُصوّت بالخيل، فجعله في بيت و أعلمهم أنّ إلههم و إله موسى عنده. و يقال في التّفسير: إنّه سمع صوته مرّة واحدة فقط. (2: 377)

الطُّوسيّ: و الخُوار: صوت الثّور، و هو صوت غليظ كالجُؤار، و بناء <فُعَال> يدلّ على الآفة، نحو الصُّراخ، و العُوار والسُّكات و العُطاش و النُّباح.

و في كيفيّة خُوار العِجْل مع أنّه مصوغ من الذّهب خلاف، فقال الحسَن: قبض السّامريّ قبضة من تراب من أثر فرس جبرائيل (علیه السلام) يوم قطع البحر، فقذف ذلك التّراب في فم العِجْل، فتحوّل لحمًا و دمًا، و كان ذلك معتادًا غير خارق للعادة، و جاز أن يفعل الله لمجرى العادة.

و قال الجُبّائيّ و البلخيّ: إنّما احتال بإدخال

ص: 142

الرّيح فيه حتىّ سمع له كالخُوار، كما قد يحتال قوم اليوم كذلك. (4: 578)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (2: 480)

البغَويّ: و هو صوت البقر، و هذا قول ابن عبّاس و الحسَن و قَتادَة و جماعة أهل التّفسير. و قيل: كان جسَدًا مجسّدًا من ذهب لاروح فيه، كان يُسمع منه صوت. و قيل: كان يُسمَع صوت هفيف الرّيح يدخل في جوفه و يخرج؛ والأوّل أصحّ.

و قيل:إنّه ما خارَ إلامرّة واحدة.

و قيل: إنّه كان يَخُور كثيرًا، فكلّما خار سجدوا له، فإذا سكت رفعوا رؤوسهم. و قال وَهْب: كان يُسمَع منه الخُوار و هو لايتحرّك. (2: 235)

نحوه الخازن. (2: 238)

الزّمَخْشَريّ: و الخُوار: صوت البقر... و قرأ عليّ رضي الله عنه: (جُؤار) بالجيم و الهمزة، من جأر إذا صاح. (2: 118)

الفَخْرالرّازيّ: قيل: إنّ بني إسرائيل كان لهم عيد يتزيّنون فيه، و يستعيرون من القِبْط الحُليّ، فاستعاروا حُليّ القبط لذلك اليوم، فلمّا أغرق الله القبط بقيت تلك الحُليّ في أيدي بني إسرائيل، فجمع السّامريّ تلك الحُليّ و كان رجلا مطاعًا فيهم ذا قدر و كانوا قد سألوا موسى (علیه السلام) أن يجعل لهم إلهًا يعبدونه، فصاغ السّامريّ عِجْلا .

ثمّ اختلف النّاس، فقال قوم: كان قد أخذ كفًّا من تراب حافر فرس جبريل (علیه السلام) فألقاه في جوف ذلك العِجْل، فانقلب لحمًا و دمًا، و ظهر منه الخُوار مرّة واحدة، فقال السّامريّ: هذا إلهكم و إله موسى.

و قال أكثر المفسّرين من المعتزلة: إنّه كان قد جعل ذلك العِجْل مُجَوّفًا، و وضع في جوفه أنابيبعلى شكل مخصوص، و كان قد وضع ذلك التّمثال على مهبّ الرّياح، فكانت الرّيح تدخل في جوف الأنابيب و يظهر منه صوت مخصوص يُشبه خُوار العِجْل.

و قال آخرون: إنّه جعل ذلك التّمثال أجوف، و جعل تحته في الموضع الّذي نصب فيه العِجْل من ينفخ فيه، من حيث لايشعر به النّاس، فسمعوا الصّوت من جوفه كالخُوار.

قال صاحب هذا القول: و النّاس قد يفعلون الآن في هذه التّصاوير الّتي يجرون فيها الماء، على سبيل الفوّارات ما يشبه ذلك، فبهذا الطّريق و غيره أظهر الصّوت من ذلك التّمثال، ثمّ ألقى إلى النّاس أنّ هذا العِجْل إلههم و إله موسى.

بقي في لفظ الآية سؤالات: [إلى أن قال:]

السّؤال الرّابع: هل انقلب ذلك التّمثال لحمًا و دمًا على ما قاله بعضهم أو بقي ذهبًا، كما كان قبل ذلك؟

والجواب: الذّاهبون إلى الاحتمال الأوّل احتجّوا على صحّة قولهم بوجهين:

الأوّل: قوله تعالى:{عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ}، و الجسد اسم للجسم الّذي يكون من اللّحم و الدّم. و منهم من نازع في ذلك و قال: بل الجسد اسم لكلّ جسم كثيف، سواء كان من اللّحم و الدّم، أو لم يكن كذلك.

ص: 143

و الحجّة الثّانية: أنّه تعالى أثبت له خوارً ا؛ و ذلك إنّما يتأتّى في الحيوان.

و أُجيب عنه: بأنّ ذلك الصّوت لمّا أُشبه الخُوار،

لم يبعد إطلاق لفظ الخُوار عليه. و قرأ عليّ رضي الله عنه (جُؤار) بالجيم و الهمزة، من جأر إذا صاح. فهذا ما قيل في هذا الباب. (15: 5)

نحوه النَّيسابوريّ (9: 49)، و البُرُوسَويّ (3: 242).

القُرطُبيّ: {لَهُ خُوَارٌ} رفع بالابتداء. يقال: خارَ يَخُور خُوارً ا، إذا صاح. و كذلك جأر يجأر جُؤارًا.

و يقال: خَوِر يَخوَر خَوَرً ا، إذا جبن و ضعف.

(7: 284)

الآلوسيّ: و{خُوَارٌ} مبتدأ، و الجملة في موضع النّعت ل {عِجْلا }.

روي أنّ السّامريّ لمّا صاغ العِجْل ألقى في فمه من تراب أثر فرس جبريل (علیه السلام) فصار حيًّا. و ذكر بعضهم في سرّ ذلك أنّ جبريل (علیه السلام) لكونه الرّوح الأعظم، سرت قوّة منه إلى ذلك التّراب، أثّرت ذلك الأثر بإذن الله تعالى لأمر يريده عزّ و جلّ. و لايلزم من ذلك أن يحيا مايطؤه بنفسه (علیه السلام)، لأنّ الأمر مربوط بالإذن، و هو إنّما يكون بحسب الحِكَم الّتي لايعلمها إلاالحكيم الخبير، فتدبّر.

و إلى القول بالحياة ذهب كثير من المفسّرين،

و أُيّد بأنّ الخُوار إنّما يكون للبقر لالصورته، و بأنّ ما سيأتي إن شاء الله تعالى في سورة: طه، كالصّريح فيما دلّ عليه الخبر.

و قال جمع من مفسّري المعتزلة: إنّ العِجْلكان بلاروح، و كان السّامريّ قد صاغه مُجَوّفًا، و وضع في جوفه أنابيب على شكل مخصوص، و جعله في مهبّ الرّيح، فكانت تدخل في تلك الأنابيب، فيُسمَع لها صوت يُشبه خُوار العِجْل، و لذلك سمّي خُوارً ا. و ما في: طه، سيأتي إن شاء تعالى الكلام فيه.

و اختُلف في هذا الخُوار، فقيل: كان مرّة واحدة، و قيل: كان مرّ ات كثيرة ، و كانوا كلّما خار سجدوا له، و إذا سكت رفعوا رؤوسهم.

(9: 64)

ابن عاشور: {لَهُ خُوَارٌ}، فلو كان لحمًا و دمًا لكان ذكره أدخل في التّعجيب منه.

و الخُوار بالخاء المعجمة: صوت البقر، و قد جعل صانع العِجْل في باطنه تجويفًا على تقدير من الضّيق مخصوص، و اتّخذ له آلة نافخة خفيّة، فإذا حُرّكت آلة النّفخ انضغط الهواء في باطنه، و خرج من المضيق، فكان له صوت كالخُوار. و هذه صنعة كصنعة الصّفّارة و المزمار، وكان الكنعانيّون يجعلون مثل ذلك لصنعهما المسمّى بَعْلا . (8:292)

الطَّباطَبائيّ: و الخُوار صوت البقرة خاصّة، و في قوله تعالى: {جَسَدً ا لَهُ خُوَارٌ } وهو بيان للعِجْل دلالة على أنّه كان غير ذي حياة، و إنّما وجدوا عنده خُوارًا كخُوار البقر. (8: 248)

مكارم الشّيرازيّ: و الخُوار هو الصّوت الخاصّ الّذي يصدر من البقر أو العِجْل. و قد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ السّامريّ بسبب ما كان عنده من معلومات، وضع أنابيب خاصّة في باطن صدر

ص: 144

العِجْل الذّهبيّ، كان يخرج منها هواء مضغوط، فيصدر صوت من فم ذلك العِجْل الذّهبيّ شبيه بصوت البقر.

و يقول آخرون: كان العِجْل قد وُضع في مسير الرّيح؛ بحيث كان يُسمع منه صوتٌ على أثر مرور الرّيح، على فمه الّذي كان مصنوعًا بِهيئة هندسيّة خاصّة.

أمّا ما ذهب إليه جماعة من المفسّرين من أنّ السّامريّ أخذ شيئًا من تراب من موضع قدم جبرئيل، و صبّه في العِجْل فصار كائنًا حيًّا، و أخذ يَخُور خُوارًا طبيعيًّا فلاشاهد عليه في آيات القرآن الكريم.

(5: 205)

2 {فَاَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هذَا اِلهُكُمْ’ وَ اِلهُ مُوسى فَنَسِىَ} طه: 88

بمعنى ماقبلها.

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخُوار: صوت الثّور، و الخَوَر: الضّعف. فمن الأوّل قولهم: خارَ الثّور يَخُور خُوارً ا، و خَوّ ار الصّفا: الّذي له صوت من صلابته التّشبيه.

و الاستخارة: الاستعطاف، و استخار الرّجل: استَعطَفه، و هو من الخُوار، و أصله: أنّ الصّائديأتي ولد الظّبية في كناسه، فيعرك أُذنه فيخور، أي يصيح، يستعطف بذلك أُمّه كي يصيدها.

و من الثّاني قولهم: خارَ الرّجل و الحَرّ يَخُور خُؤُورً ا، و خَوِر خَوَرًا و خَوّر، أي ضعف و انكسر، فهو خائر، و الخَوّ ار: الضّعيف الّذي لابقاء له على الشّدّة، و رجل خَؤُور و قوم خَوَرة وخَوّ ارون، و خَوّره: نسَبه إلى الخَوَر. و من المجاز: خارَ البرد يَخُور خُؤُورًا: فتَر و سكن.

و رُمح خَوّ ار: ضعيف، و كذلك سهم خَوّ ار و خَؤُور، و بعير خَوّ ار: رقيق حسَن، و فرَس خَوّ ار: ليّن العطف؛ و الجمع: خُور.

و الخَوّ ارة: الإست لضعفها، و أرض خَوّ ارة: ليّنة سهلة، و بكرة خَوّ ارة: سهلة جري المحور في القَعْو، و ناقة خَوّ ارة: سَبِطة اللّحم هَشّة العظم؛ و الجمع: خُور.

و الخَوْران: الدُّ بُر، و مجرى الرّوث، لضعف فقحتها؛ و الجمع: خَوْرانات و خَوارين. يقال: طعَنه فخارَه خَوْرً ا، أي أصاب خَوْرانه، و هو الهواء الّذي فيه الدُّ بُر من الرّجل، و القُبُل من المرأة.

و الخُور: الإبل الحُمر إلى الغبرة، رقيقات الجلود طوال الأوبار، لها شعر ينفذ، و وَ بَرها أطول من سائر الوَ بَر. و الخُور من النّساء: الكثيرات الرّيب، لفسادهنّ و ضعف أحلامهنّ، لاواحد له من لفظه.

و الخَوْر: المنخفض المطمئنّ من الأرض بين النّشزين، و مصَبّ المياه الجارية في البحر؛ و الجمع: خُؤُور.

و ناقة خَوّ ارة: غزيرة اللّبن، و كذلك الشّاة، لأ نّها ضيّقة الإحليل؛ إذ كانت الشّدّة قد زايلتها، كما قال ابن فارِس. و نخلة خَوّ ارة: غزيرة الحمل، على

ص: 145

التّشبيه، و زَ نْد خَوّ ار: قَدّ اح.

2 و تسمّي العامّة دوّ ارة الماء الخَوْرة، لأ نّها تُصدر صوتًا كخُوار الثّور، و فصيحها الدّوّ امة و الدّرْدُور، و هو موضع في وسط البحر يجيش ماؤه، لاتكاد تسلم منه السّفينة.

3 و جاء في محيط المحيط: <الخُوري، بتخفيف الياء: كاهن النّصارى الّذي يخدم القرية و قد يعمّ يونانيّة، معناها مدير القرية؛ و الجمع: خَوارنة>.

وممّن تلقّب به في لبنان الشّاعران: بشّارة الخُوري، الملقّب بالأخطل الصّغير، و رشيد سليم الخُوري، الملقّب بالشّاعر القرويّ.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسم الصّوت: (خُوَارٌ) مرّتين في آيتين:

1 {وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} الأعراف : 148

2 {فَاَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هذَا اِلهُكُمْ’ وَاِلهُ مُوسى فَنَسِىَ} طه : 88

يلاحظ: أوّ لا : أنّ {عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} جاء مرّتين، في سورتين مكّيّتين بهذهالصّفات الثّلاث، و فيه بُحُوثٌ:

1 أنّ الخُوار اسم لصوت البقر، و اقترانه هنا بالعِجْل دليل على أ نّه {خُوَارٌ} حقًّا، و إليه ذهب أغلب المفسّرين. و ذهب بعضهم إلى أنّه صوت كالخُوار، يحدث من أثر الرّيح في جوف العجل: إمّا بوضع الجسد في مهبّ الرّيح، فتدخل في أنابيب وضعها السّامريّ في جوفه، فينبعث منها صوت يُشبه الخُوار؛ و إمّا بالنّفخ في جوفه دون أن يشعر بذلك النّاس، فيخرج منه صوت كالخوار.

و القول الأوّ ل يناسب السّياق، و ظاهر اللّفظ دون تخريج أو تقدير، و الثّاني يفرض تقدير كاف التّشبيه أو ما يضارعه في{خُوَارٌ} أي كخُوار، أو مثل خُوار، و تناسبه قراءة من قرأ(عِجْلا لَهُ جُؤار)، لأ نّه صوت يكون للبقر و غيره، لاحظ: ج أ ر: <تجأرُوا>.

2 أصرّ بعض المتقدّمين من المعتزلة و بعض المتأخّرين على سلب تأثير قدَم جبرئيل 7 في التّراب الّذي وَطِئه، فراحوا يخرّجون و يتمحّلون دون شاهد لهم في ذلك أو خبر، و الله تعالى يحكي قول السّامريّ:{فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ اَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا} طه : 96، و كان من أثرذلك خُوار العِجْل.

و نقل الآلوسيّ عن بعض المفسّرين في سرّ ذلك: <أنّ جبريل 7 لكونه الرّوح الأعظم سرت قوّة منه إلى ذلك التّراب، أثّرت ذلك الأثر بإذن الله تعالى، لأمر يريده عزّ و جلّ. و لايلزم من ذلك أن يحيا ما يطؤه بنفسه 7، لأنّ الأمر مربوط بالإذن، و هو إنّما يكون بحسب الحِكَم الّتي لايعلمها إلا الحكيم الخبير، فتدبّر>.

3 إن قيل: أفلاقال: عِجْلا جسَدًا يَخُور، فيُجمل في الكلام؟

يقال: نعم، و لكنّه إجمال مخلّ بالمعنى، لأنّ جملة {لَهُ خُوَارٌ} صفة للّفظ {عِجْلا }، و هو المراد هنا في بيان صفة العِجْل، و أمّا على تقدير <يَخُور> فلايناسبه،

ص: 146

لأ نّه يفرض تقديره حالا ، و الصّفة أنسب من الحال هنا.

و ثانيًا: جاء {خُوَارٌ} في جملة مكرّرة:{عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} في آيتين مكّيّتين من قصص بني إسرائيل، و الأصل في القصص كما سبق مرارًا كونها مكّيّة.

و ثالثًا: لم يرد من أسماء الأصوات في القرآن إلا

< الخُوار> غيرأنّه أُشير إلى النّهيق دون التّصريح به، في قوله:{اِنَّ اَنْكَرَ الاَصْوَ اتِ لَصَوْتُ الْحَميرِ‘} لقمان : 19.

ص: 147

ص: 148

خ و ض

اشارة

8 ألفاظ،12 مرّة: 7 مكّيّة، 5 مدنيّة

في 7 سور: 5 مكّيّة، 2 مدنيّة

خاضُوا 1: 1 نَخُوض 2: 1 1

خُضتُم 1: 1 الخائضين 1: 1

يَخُوضُون 1: 1 خَوْض 1: 1

يَخوضُوا 4: 3 1 خَوْضِهم 1: 1

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: خُضْتُ الماء خَوْضًا و خِياضًا، و اختَضتُ، و خَوّضتُ تخويضًا، أي مشيت فيه.

و الخَوْض: اللَّبس في الأمر.

و الخَوْض من الكلام: ما فيه الكَذِب و الباطل.

و المِخْوَض: الِمجْدَح الّذي تخوض به السّويق.

(4: 282)

أبوعمرو الشّيبانيّ: الخَوْضَة: خَوضَة القُرط، تُؤَمَتُه. (1: 222)

ابن السِّكّيت: و يقال للمرعى إذا كثُر عُشْبُه و التفّ: قد اختاض اختياضًا. [ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهَريّ 7: 468)

المُبَرِّد: إنّ النّاقة إذا لقِحَت قيل لها: خَلِفَة،

و للجميع: المخاض. و هذا جمع على غير واحده، إنّما هو بمنزلة امرأة و نساء، ثمّ جُمع الجمع: مخائض.

(1: 61)

ابن دُرُيْد: خُضْتُ الماء و غيره أخُوضه خَوْضًا، وخُضْتُ له سويقًا و غيره من الشّراب، إذاأوخَضتَه بالماء، أي ضربته بالماء حتىّ يختلط.

و المِخوَض: كلّ شيء خوّضت به السّويق حتّى يختلط.

ص: 149

و خاض القوم في الحديث و تخاوضُوا فيه خَوْضًا و مُخاوضَةً، إذا تفاوضوا. (2: 230)

و الخَوْض: مصدر: خُضْتُ الماء أخُوضه خَوْضًا.

(3: 238)

الأزهَريّ: [نقل قول الخَليل و أضاف:]

و قال غيره:<خُضْتُه بالسّيف أخُوضُه خَوْضًا>،

و ذلك إذا وضَعتَ السّيف في أسفل بطنه، ثمّ رفعتَه إلى فوق.

و اختاضَه بالسّهم: كذلك.

و أخاض القوم خَيلَهُم الماء إخاضةً، إذا خاضُوا بها الماء.

و الخِياض: أن تُدخِل قِدْحًا مُستعارًا بين قِداح المَيسِر تتَيَمّن به.

يقال: خُضْتُ به في القِداح خِياضًا، و خاوَضتُ القِداح. خِواضًا.

و يقال لذلك المكان من الوادي: مَخاض؛ و جمعه: مَخائض، إذا كان يُخاض لرقّته و قلّته.

و في النّوادر: <سيف خَيّضٌ> إذا كان مخلوطًا من حديد أنيثٍ، و حديد ذَكيرٍ.

و المَخاض من النّهر الكبير: الموضع الّذي يتَضَحْضَح ماؤه، فيُخاض عند العبور عليه.و يقال له: المَخاضَة بالهاء أيضًا. [و استشهد بالشّعرمرّتين]

(7: 467)

الصّاحِب: خُضْتُ الماء خَوْضًا و خِياضًا، أي مشَيتُ فيه، و اختاض اختياضًا، و خَوّض تخويضًا.

و الخَوْض: اللَّبس في الأمر. و هو من الكلام: ما فيه كَذِب و باطل. و المِخوَض: مِجْدَح يُخَوّض به السّويق. (4: 377)

الجَوهَريّ: خُضْتُ الماء أخُوضُه خَوْضًا و خِياضًا، و الموضع: مَخاضَة، و هو ما جاز النّاس فيها مُشاةً و ركبانًا. و جمعها: المَخاض، و المَخاوِض أيضًا.

و أخَضْتُ في الماء دابّتي. و أخاض القوم، أي خاضت خيلهم الماء.

و خُضتُ الغمرات: اقتَحَمتُها.

و يقال: خاضَه بالسّيف، أي حرّك سيفه في المضروب. و خَوّض في نجيعه؛ شُدّد للمبالغة.

و المِخوَض للشّراب كالمِجْدَح للسّويق. يقال: خُضتُ الشّراب.

و خاضَ القوم في الحديث و تخاوضُوا، أي تفاوضوا فيه. (3: 1075)

ابن فارِس: الخاء و الواو و الضّاد أصل واحد، يدلّ على توسّط شيء و دخول. يقال خُضتُ الماء و غيره، و تخاوضُوا في الحديث و الأمر، أي تفاوضُوا و تداخل كلامهم. (2: 228)

الثّعالبيّ: الّذي تُحرّك به الأشربة: مِخْوَض.(194)

إذا مُخِض [اللّبن] و استُخرجت منه الزُّبدة، فهو المخيض. (270)

ابن سيده: خاضَ الماء يَخُوضه خَوْضًا، و خِياضًا و اختاضَه، و تخوّضه: مشى فيه.

و أخاض فيه غيره.

و خاض الشّراب في المِجْدَح، و خوّضه: خلَطه و

ص: 150

حرّكه.

و المِخوَض: ما خُوّض فيه.

و الخَوْض: اللَّبس في الأمر.

و الخَوْض من الكلام: ما فيه الكَذِب، و قد خاض فيه، و في التّنزيل: {وَ اِذَا رَاَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا} الأنعام: 68.

و خاوَضَه في البيع: عارضه. هذه رواية عن ابن الأعرابيّ؛ و رواية أبي عُبَيْد، عن أبي عمرو. بالصّاد. و خَوْضُ الثّعلب: موضع باليمامة، حكاه ثَعْلَب. [و استشهد بالشّعر مرّتين] (5: 278)

الرّاغِب: الخَوْض: هو الشّروع في الماء و المرور فيه، و يُستعار في الأُمور. و أكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يُذمّ الشّروع فيه، نحو قوله تعالى: {وَ لَئِنْ سَاَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ} التّوبة:65، و قوله: {وَ خُضْتُمْ كَالَّذى‘ خَاضُوا} التّوبة:69، {ذَرْهُمْ فى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} الأنعام:91، {وَ اِذَا رَاَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ غَيْرِهِ} الأنعام: 68.

و تقول: أخَضْتُ دابّتي في الماء.

و تخاوضُوا في الحديث: تفاوضُوا. (161)

الزّمَخْشَريّ: خاضَ الماء خَوْضًا و خِياضًا و خَوْضَةً. و اقتحم المَخاضَة. و أخَضتُه دابّتي و أخاضوا الماء، إذا خاضوه بدوابّهم، و خاوَضتُه في الماء.

و خُضتُ السّويق بالمِخوَض: جدَحتُه و خوّضته.

و من المجاز: خاضُوا في الحديث و تخاوضُوا فيه. و هو يَخُوض مع الخائضين، أي يُبطل مع المبطلين{هُمْ فى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} الطّور: 12.

و خُضتُه بالسّيف، إذا وضَعتُه في أسفل بطنه، ثمّ رفَعتُه إلى فوق.

و خُضتُ بقِدْحي في القِداح: ألقَيتُه فيها.

و خاوَضَه في البيع: عارضَه.

و خاوضُوا السّرى.[ثمّ استشهد بشعر]

و خاضَ إليه الرّماح حتّى أخذه.

و خاضَ البرق الظّلام.

و خاضَت الإبل لُجّ السّراب.

(أساس البلاغة: 122)

المَدينيّ: في الحديث: <رُبّ مُتخَوّض في مال الله تعالى>.أصل الخَوْض: المشي في الماء و تحريكه، ثمّ يستعمل في التّلبّس بالأمر و التّصرّففيه، و التّخوّض <تفعّل> منه، أي رُبّ متصرّف فيه بما لايرضاه الله عزّ و جلّ. (1: 626)

ابن الأثير: [نقل قول المَدينيّ و أدام:]

و قيل: هو التّخليط في تحصيله من غير وجهه كيف أمكن.

و في حديث آخر: <يتخَوّضون في مال الله>.

(1: 88)

الفَيُّوميّ: خاضَ الرّجل الماء يَخُوضه خَوْضًا: مشى فيه. و المَخاضَة بفتح الميم: موضع الخَوْض، و الجمع: مخاضات.

و خاضَ في الأمر: دخل فيه، و خاضَ في الباطل كذلك.

و أخاض الماء بالألف: قَبِل أن يُخاض، و هو لازم

ص: 151

على عكس المتعارف، فإنّه من النّوادر الّتي لزم رباعيّها و تعدّى ثلاثيّها.

و مَخُوض بفتح الميم: اسم مفعول من الثّلاثيّ، و مُخِيض بضمّها اسم فاعل من الرّباعيّ اللازم. (184)

الفيروز اباديّ: خاضَ الماء يَخُوضه خَوْضًا و خِياضًا: دخله، كخَوّضه و اختاضَه، و بالفرَس: أورده، كأخاضَه و خاوَضَه، و الشّراب: خلَطَه، و الغمراتِ: اقتَحَمَها، و بالسّيف: حرّكه في المضروب.

و المَخاضَة: ما جاز النّاس فيه مُشاة و رُكبانًا؛ جمعه: مَخاض و مَخاوِض.

{وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضينَ‘} المدّثّر: 45، أي في الباطل، و نتبع الغاوين.

و {وَخُضْتُمْ كَالَّذى ‘خَاضُوا} التّوبة:69، أي كخوضهم.

و المِخْوَض، كمنبر، للشّراب: كالمِجْدَح للسّويق.

و الخَوْض: وادٍ بشِقّ عُمان. و خَوْض الثّعلب: موضع وراء هَجَر.

و الخَوْضَة: اللّؤلؤة.

و سيف خيِّض، ككيّس: من حديد أنيثٍ و حديدٍ ذَكَرٍ.

و تخوّض: تكلّف الخوض.

و تخاوضُوا في الحديث: تفاوضُوا. (2: 342)

الطُّرَيحيّ: في حديث الوضوء: <يَخُوض الرّجل برِجْلَيه الماء خَوْضًا>، أي يُدخلهما في الماء ماشيًا. يقال: خُضتُ الماء أخُوضُه خَوْضًا و خِياضًا: مشَيتُ فيه.

و منه المَخاضَة بالفتح، و هو موضع خوض الماء و ما جاز النّاس فيها مُشاةً و رُكبانًا؛ و جمعها: المخاض، و المخاوض أيضًا. و خُضتُ الغمرات، اقتَحَمتُها.

(4: 204)

مَجْمَعُ اللُّغة: خاضَ في الماء يَخُوض خَوْضًا: مشى فيه و خاضُوا في الحديث: تفاوضُوا فيه.

و من المجاز فلان يُخُوض في الكلام، إذا تكلّم فيه على غير هدى ، فهو خائض و هم خائضون.و ما جاء في القرآن من هذه المادّة عدا آيتين هو من المجاز المراد به: التّكلّم على غير هدى. (1: 366)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم. (1: 176)

المُصْطَفَويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الانغماس في شيء فيه فساد، و يعبّر عنه بالفارسيّة:بكلمة فرو رفتن .و الشّرّ و الفساد من لوازم مفهوم الخوض، و هذا المعنى مرتبة شديدة بعد الورود و الدّخول، و الغمس مخصوص بالماء.

و هذه المادّة قريبة لفظًا و معنى من موادّ الغَوْر

و الغَوْض و الغَيْب و الغَوْص و الغَوْط و الغَمْس. و في الغَوْر يلاحظ نفس الانغماس من دون نسبة إلى مؤثّر و موجب كالغيبة، و هذا بخلاف الخَوْض و الغَوْص.

و الغيبة في مقابل الحضور. و الغَوْص أعمّ من أن يكون الورود في خير أو فساد. يقال: غاص في الماء، و على المعاني: { وَ لَئِنْ سَاَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ } التّوبة:65، { وَخُضْتُمْ كَالَّذي ‘خَاضُوا} التّوبة:69، واردة في خصوص المنافقين، أي كقوم خاضوا {وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضينَ‘} المدّثّر: 45،

ص: 152

راجعة إلى أصحاب العصيان، {وَ اِذَا رَاَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ} الأنعام: 68، {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّ بينَ‘* اَلَّذينَ‘ هُمْ فى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} الطّور: 11،12، فالخَوْض في جميع هذه الموارد: عبارة عن الدّخول في الشّرّ، و الغَوْص فيما يوجب الضّرّ و الفساد، و الاشتغال بما ينتج الحيرة و الضّلال و الهلاك.

و لايخفى أنّ الخوض و اللّعب أعظما سببين للضّلال و الانحراف و الهلاك و المحروميّة، عن السّعادة الأبديّة و الهداية الرّوحانيّة، فإنّ الإنسان إذا خاض فيما يشغله عن السّير إلى الله و التّوجّه إلى لقائه، و استغرق في التّمايلات النّفسانيّة، و انغمس في ظلمات الحياة الدّنيّوية الماديّة، ثمّ جعل برنامج أُموره لعِبًا لاجدّ في سيره و لا استهداف و لاغرض صحيحًا، فهو من الأخسرين الضّالّين. فإذا كان الخائض في الضّلال و الشّرّ و البطول: يضاف عليه قصد الهزء و اللّعب و التّلاهي، فهو ممّن لايُرتجى فيه خير و لاصلاح و لااهتداء.

و بهذا يظهر سرّ ذكر مادّة الخوض مجرّدًا أو منضمًّا إلى اللّعب.

و أمّا الخَوْض في الآيات و في الحديث: معناه الخوض و الانغماس في خصوص الآيات و الحديث. و لايقال: خاض القرآن و خاض الدّين، فإنّهما مطلوبان لا شرّ فيهما، و يقال: خاض في القرآن، أي خاض الباطل و الشّرّ في القرآن. (3: 142)

النُّصوص التّفسيريّة

خَاضُوا خُضْتُمْ

وَ خُضْتُمْ كَالَّذى خَاضُوا. التّوبة: 69

ابن عبّاس: {وَ خُضْتُمْ} في الباطل{كَالَّذى‘ خَاضُوا}، و كذّبتم محمّد (صلی الله علیه و آله) في السّرّ كالّذين خاضوا و كذّبوا أنبياءه، يعني أنبياء الله. (161)

الفَرّاء: يريد: كخوضهم الّذي خاضوا. (1: 446)

الطّبَريّ: {وَخُضْتُمْ} في الكذب و الباطل على الله {كَالَّذى ‘خَاضُوا} و خُضتُم أنتم أيضًا، أيّها المنافقون، كخوض تلك الأُمم قبلكم. (6: 412)

الطُّوسيّ: خطاب للمنافقين بأن قيل لهم: خُضتُم في الباطل و الكذب على الله، كالّذين بايعوهم على ذلك من المنافقين و غيرهم من الكفّار.

(5: 297)

البغَويّ: {وَخُضْتُمْ} في الباطل و الكذب على الله تعالى و تكذيب رسله، و بالاستهزاء بالمؤمنين {كَالَّذى ‘خَاضُوا}، أي كما خاضوا. و قيل: {كَالَّذى‘} يعني كالّذين خاضوا، و ذلك أنّ <الّذي> اسم ناقص، مثل <ما> و <مَنْ> يُعبّر به عن الواحد و الجمع. (2: 368)

الزّمَخْشَريّ: الخَوْض: الدّخول في الباطل و اللّهو، {كَالَّذى ‘خَاضُوا}، كالفوج الّذي خاضوا، أو كالخوض الّذي خاضوه.فإن قلت: أيّ فائدة في قوله: { فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ}، و قوله: {كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ} مُغنٍ عنه، كما أغنى قوله: {كَالَّذى ‘خَاضُوا} عن أن يقال: و خاضوا فخُضتُم

ص: 153

كالّذي خاضوا؟

قلت: فائدته أن يذمّ الأوّلين بالاستمتاع بما أُوتوا من حظوظ الدّنيا و رضاهم بها، و التهائهم بشهواتهم الفانية عن النّظر في العاقبة، و طلب الفلاح في الآخرة، و أن يُخسّس أمر الاستمتاع، و يهجن أمر الرّ اضى به، ثمّ يُشبّه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم، كما تريد أن تُنبّه بعض الظّلمة على سماجة فعله، فتقول: أنت مثل فرعون، كان يقتل بغير جُرم و يعذّب و يعسف، و أنت تفعل مثل فعله. و أمّا {وَخُضْتُمْ كَالَّذى‘ خَاضُوا} فمعطوف على ما قبله مستند إليه، مستغن باستناده إليه عن تلك التّقدّمة. (2: 201)

نحوه البَيْضاويّ (1: 422)، و النّسَفيّ (2: 135)، و النَّيسابوريّ ( 10: 125 ) ، و الخازن ( 3: 98 ) ، و الشِّربينيّ ( 1 : 629 ) ، و أبوالسُّعود ( 3: 167 ). و القاسميّ ( 8 : 3198 ).

ابن عَطيّة: أي خلَطتُم كالّذي خلطوا و هو مستعار من الخوض في المائعات. و لايستعمل إلافي الباطل، لأنّ التّصرّف في الحقائق إنّما هو على ترتيب و نظام، و أُمور الباطل إنّما هي خوض، و منه قول النّبيّ (صلی الله علیه و آله): <رُبّ متخوّض في مال الله له النّار يوم القيامة>. (3: 57)

الطَّبْرِسيّ: و خُضتُم خَوْضًا مثل خوضهم. قال جامع العلوم النّحويّ البصير: كالّذي خاضوا، تقديره على قياس قول سيبَوَيه :كالّذي خاضوا فيه، فحذف <في>، فصار كالّذي خاضوه، ثمّ حذف الهاء. و هو على قول يونس و الأخفش:{الَّّذى‘} مصدريّ، و التّقدير:كالخوض الّذي خاضوا فيه. [إلى أن قال:]

أي و خُضتُم في الكفر و الاستهزاء بالمؤمنين، كما خاض الأوّلون. (3: 48)

ابن الجَوْزيّ: أي في الطّعن على الدّين و تكذيب نبيّكم كما خاضوا. (3: 467)

القُرطُبيّ: {وَ خُضْتُمْ} خروج من الغيبة إلى الخطاب. {كَالَّذى‘ خَاضُوا} أي كخوضهم، فالكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، أي و خُضتُم خوضًا كالّذين خاضوا. و (الَّذى‘) اسم ناقص مثل <مَن>، يُعبّر به عن الواحد و الجمع، و قد مضى في <البقرة>. [إلى أن قال:]

فالمعنى: خُضتُم في أسباب الدّنيا باللّهو و اللّعب،

و قيل: في أمر محمّد (صلی الله علیه و آله) بالتّكذيب. (8: 201)

أبوحَيّان: هذا التفات من ضمير الغيبة إلى ضمير الخطاب. قال الفَرّاء: التّشبيه من جهة الفعل، أي فعلتم كأفعال الّذين من قبلكم، فتكون<الكاف> في موضع نصب.

و {خُضْتُمْ}: أي دخلتم في اللّهو و الباطل، و هو مستعار من الخوض في الماء، و لايستعمل إلافي الباطل، لأنّ التّصرّف في الحقّ إنّما هو على ترتيب و نظام، و أُمور الباطل إنّما هي خوض. و منه: <رُبّ متخوّض في مال الله له النّار يوم القيامة>. {كَالَّذى‘ خَاضُوا} : أي كالخوض الّذي خاضوا، قاله الفَرّاء. و قيل: كالخوض((1))

الّذين خاضوا. وقيل: النّون

ص: 154


1- (1) كذا و الصّحيح: كخوض الّذين خاضوا.

محذوفة، أي كالّذين خاضوا، أي كخوض الّذين. و قيل:{الَّذى‘} مع ما بعدها يسبك منهما مصدر، أي كخوضهم. (5: 68،69)

نحوه الآلوسيّ. (10: 134)

البُرُوسَويّ: أي دخلتم في الباطل و شرعتم فيه {كَالَّذى‘} أي كالفوج الّذي {خَاضُوا}. و يجوز أن يكون أصله <الّذين> حذفت النّون تخفيفًا. (3: 462)

رشيد رضا: أي و خُضتُم في حمأة الباطل كالخوض الّذي خاضوه من كلّ وجه، على ما بين حالكم و حالهم من الفرق، الّذي كان يقتضي أن تكونوا أهدى منهم.

و قال الفَرّ اء من علماء العربيّة: إنّ {الَّذى‘} تأتي مصدريّة ك<ما>، فيكون التّقدير: و خُضتُم كخوضهم. و قيل: إنّ { الَّذى ‘} هنا للجنس ك< من> و <ما> إنّه بمعنى <الّذين>. و لكن هذا ضعيف لفظًا و معنىً؛ إذ المراد أنّكم تخوضون كخوض مَن قبلكم، و هو الّذي يقتضيه العطف، لا كالّذين خاضوا مطلقًا من أيّ فريق كانوا. (10: 537)

طه الدُّرّة: [نقل الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و الصّواب أنّه [الَّذى‘] موصول اسميّ، مراد به الجمع، حذفت نونه تخفيفًا، و الدّليل على ذلكجمع الضّمير العائد عليه. (5: 408)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ جملة {كَالَّذى‘ خَاضُوا} في الواقع بمعنى كالّذي خاضوا فيه، و بعبارة أُخرى، فإنّها تشبيه لفعل منافقي اليوم بفعل المنافقين السّابقين، كما شُبّهت الجملة السّابقة استفادة هؤلاء من النّعم و المواهب الإلهيّة في طريق الشّهوات كالسّابقين منهم. و على هذا فإنّ هذا التّشبيه ليس تشبيه شخص بشخص، لنضطرّ إلى أن نجعل (الَّذى‘) بمعنى <الّذين> أي المفرد بمعنى الجمع، بل هو تشبيه عمل بعمل. (6: 109)

يَخُوضُونَ يَخُوضُوا

1 وَ اِذَا رَاَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتى| يَخُوضُوا فى حَديث غَيْرِهِ... الأنعام: 68

ابن عبّاس: يستهزؤن بك و بالقران{ فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ} : فاترُك مجالسهم {حَتى| يَخُوضُوا فى حَديث غَيْرِهِ }: كي يكون خوضهم و حديثهم في غير القرآن و الاستهزاء بك. (112)

نحوه البغَوي (2: 133)، و الشِّربينيّ (1: 427).

سعيدبن جُبَيْر: { يَخُوضُونَ } يكذبون.

مثله الحسَن. (الطُّوسيّ 4: 178)

مُجاهِد: هم الّذين يستهزؤن بكتاب الله، نهاه الله أن يجلس معهم.

(النّحّاس2: 442)

السُّدّيّ: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقّعُوا في النّبيّ و القرآن، فسبّوه، و استهزأوا به، فأمرهم الله أن لايقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره.

(244)

مُقاتِل: {وَ اِذَا رَاَ يْتَ} يعني سمعت يا محمّد {الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا}يعني يستهزؤن بالقرآن، و قالوا مالايصلح، قال الله لنبيّه (صلی الله علیه و آله): {فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتى| يَخُوضُوافى حَديث ‘غَيْرِهِ} يعني فقم عنهم،

ص: 155

لاتجالسهم حتّى يكون حديثهم في غيرأمرالله.

(1: 567)

الطّبَريّ: و إذا رأيت، يا محمّد، المشركين الّذين يخوضون في آياتنا الّتي أنزلناها إليك، و وَحْيُنا الّذي أوحيناه إليك، و خوضهم فيها، كان استهزاؤهم بها ، و سبّهم من أنزلها و تكلّم بها، و تكذيبهم بها، { فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ}، يقول: فصدّ عنهم بوجهك، و قم عنهم، و لا تجلس معهم { حَتى| يَخُوضُوافىحَديثٍ‘ غَيْرِهِ} ، يقول: حتّى يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بآيات الله، من حديثهم بينهم. (5: 225)

القُمّيّ: يعني الّذين يكذبون بالقرآن ويستهزؤن.

(1: 204)

عبد الجَبّار: ذكر تعالى بعده ما يدلّ على أنّه قد نهى عن النّظر و التّدبّر، فقال تعالى: {وَ اِذَا رَ اَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘غَيْرِهِ}.

و الجواب عن ذلك: أنّ ظاهر الكلام يقتضي أنّ الخوض في آياته يقتضي أن يُعرض لأجله، و هذا ممّا لايذهب إليه مسلم، لأ نّهم أجمع يقولون: إنّه يحسن أن تعرف و تتدبّر ! و إن كانت ممّا يُحفَظ أن تُحفَظ و يُعرَف معناها. فحمله على ماذكروه يوجب الخروج من جملة الآية، و إذا حُمل على خوض مخصوص فقد تُرك الظّاهر. و بعدفإنّ هذه الآية عقّبت ذمّهم بإعراضهم عن الآيات، و نسبهم إلى أنّهم اقترحوا سوى إنزاله من الآيات و القرآن ، و ذلك يوجب أنّهم خاضوا فيه لطلب الطّعن فيه و التّكذيب.

فلذلك أمره تعالى أن يُعرِض عنهم. و لايجوز أن يأمرهم بتدبّره و النّظر فيه، و مع ذلك يذمّهم متى خاضوا فيها على هذا الوجه! (1: 248)

الطُّوسيّ: قال الحسَن، و سعيد بن جُبَيْر: معنى {يَخُوضُونَ} يكذّبون {بِايَاتِنَا} و ديننا. و الخوض: التّخليط في المفاوضة على سبيل العبث و اللّعب، و ترك التّفهّم و اليقين. و مثله قول القائل: تركت القوم يخوضون، أي ليسوا على سَداد، فهم يذهبون و يجيئون من غير تحقيق و لا قصد للواجب. أمره حينئذ أن يُعرض عنهم: {حَتى| يَخُوضُوافىحَديثٍ غَيْرِهِ} ، لأنّ من حاجّ مَن هذه حاله، و أراد التّبيين له، فقدوضع الشّئ في غير موضعه، و حطّ من قدر الدّعاء، و البيان و الحجاج. (4: 178)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (2: 316)

الزّمَخْشَريّ: { يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا } في الا ستهزاء بها، و الطّعن فيها و كانت قريش في أنديتهم يفعلون ذلك { فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ} فلاتجالسهم و قم عنهم، { حَتى| يَخُوضُوافىحَديثٍ‘ غَيْرِهِ} فلا بأس أن تجالسهم حينئذ. (2: 26)

نحوه البَيْضاويّ (1: 315)، و النّسَفيّ (2: 17).

ابن عَطيّة: لفظ هذا الخطاب مجرّد للنّبيّ(صلی الله علیه و آله) وحده، و اختُلف في معناه، فقيل: إنّ المؤمنين داخلون في الخطاب معه.و هذا هو الصّحيح، لأنّ علّة النّهي و هي سماع الخوض في آيات الله تشملهم و إيّاه.

و قيل: بل بالمعنى أيضًا، إنّما أُريد به النّبيّ(صلی الله علیه و آله) وحده، لأنّ قيامه عن المشركين كان يشقّ عليهم،

ص: 156

و فراقه لهم على معارضته، و إن لم يكن المؤمنون عندهم كذلك، فأمر النّبيّ(صلی الله علیه و آله) أن يُنابذهم بالقيام عنهم إذا استهزؤوا و خاضوا ليتأدّبوا بذلك، و يَدَعُوا الخوض و الاستهزاء. و هذا التّأويل يتركّب على كلام ابن جرير، يرحمه الله.

و الخَوْض: أصله في الماء، ثمّ يستعمل بعدُ في غمرات الأشياء الّتي هي مجاهل، تشبيهًا بغمرات الماء.

(2: 304)

الفَخْرالرّازيّ: قيل: إنّه خطاب للنّبيّ(صلی الله علیه و آله) والمراد غيره، و قيل: الخطاب لغيره، أي إذا رأيت أيّها السّامع الّذين يخوضون في آياتنا.

و نقل الواحديّ أنّ المشركين كانوا إذا جالسوا المؤمنين وقّعُوا في رسول الله(صلی الله علیه و آله) و القرآن، فشتموا و استهزؤوا، فأمرهم أن لا يقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غيره.

و لفظ<الخوض> في اللّغة: عبارة عن المفاوضة على وجه العبث و اللّعب، قال تعالى حكاية عن الكفّار: {وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضينَ‘}، و إذا سئل الرّجل عن قوم فقال: تركتهم يخوضون، أفاد ذلك أنّهم شرعوا في كلمات لا ينبغي ذكرها.

و من الحشويّة من تمسّك بهذه الآية في النّهي عن الاستدلال و المناظرة في ذات الله تعالى و صفاته.قال: لأنّ ذلك خوض في آيات الله، و الخوض في آيات الله حرام بدليل هذه الآية. و الجواب عنه: أنّا نقلنا عن المفسّرين أنّ المراد من الخوض: الشّروع في آيات الله تعالى، على سبيل الطّعن و الاستهزاء.و بيّنّا أيضًا أنّ لفظ <الخوض>، وُضع في أصل اللّغة لهذا المعنى، فسقط هذا الاستدلال؛ و الله أعلم. (13: 24)

نحوه الخازن. (2: 120)

القُرطُبيّ: [نحو ابن عَطيّة وأضاف:]

و قيل: هو مأخوذ من الخلط. و كلّ شيء خُضتَه فقد خلَطتَه، و منه خاض الماء بالعسل: خلَط. فأدّب الله عزّ وجلّ نبيّه(صلی الله علیه و آله) بهذه الآية، لأ نّه كان يقعد إلى قوم من المشركين يعظهم و يدعوهم فيستهزؤون بالقرآن، فأمره الله أن يُعرض عنهم إعراض مُنكر. و دلّ بهذا على أنّ الرّجل إذا علم من الآخر مُنكرًا، و علم أنّه لايقبل منه، فعليه أن يُعرض عنه إعراض مُنكر، و لايُقبِل عليه. (7: 12)

النَّيسابوريّ: و الخوض في اللّغة: عبارة عن المفاوضة على وجه اللّغو و العبث، و يقرب منه قول المفسّرين: إنّه في الآية الشّروع في آيات الله على سبيل الطّعن و الاستهزاء. و كانت قريش في أنديتهم يفعلون ذلك { فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ} بالقيام عنهم، لقوله بعد ذلك:{فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى}.

و قيل: المطلوب إظهار الإنكار، و كلّ طريق أفاد هذا الغرض و إن كان غير القيام عن مجلسهم فإنّه يجوز المصير إليه. هذا عند عدم الخوف، أمّا مع الخوف فهذا الفرض ساقط، و التّقيّة واجبة. نعم كلّ ما أوجب على الرّسول (صلی الله علیه و آله) فعله وجب عليه، سواء ظهر أثر الخوف أو لم يظهر، وإلا لم يبق الاعتماد على التّكاليف الّتي يُبلّغها. (7: 131)

أبوحَيّان: هذا خطاب للرّسول(صلی الله علیه و آله)، و يدخل فيه

ص: 157

المؤمنون، لأنّ علّة النّهي و هو سماع الخوض في آيات الله يشمله و إيّاهم. و قيل: هو خاص بتوحيده، لأنّ قيامه عنهم كان يشقّ عليهم، و فراقه على مغاضبه، و المؤمنون عندهم ليسوا كهو. و قيل: خطابللسّامع، و الّذين يخوضون المشركون أو اليهود أو أصحاب الأهواء، ثلاثةأقوال.

و{رَاَيْتَ} هنا بصريّة، و لذلك تعدّت إلى واحد، و لابدّ من تقدير حال محذوفة، أي{وَ اِذَا رَ اَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا} و هم خائضون فيها، أي و إذا رأيتهم ملتبسين بهذه الحالة. و قيل: {رَاَيْتَ} علميّة، لأنّ الخوض في الآيات ليس ممّا يُدرك بحاسّة البصر. و هذا فيه بُعد. لأ نّه يلزم من ذلك حذف المفعول الثّاني من باب <علمت> فيكون التّقدير: {وَ اِذَا رَ اَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا} خائضين فيها، و حذفه اقتصارًا لايجوز، و حذفه اختصارًا عزيز جدًّا، حتّى أنّ بعض النّحويّين منعه.

و الخوض في الآيات كناية عن الاستهزاء بها و الطّعن فيها، و كانت قريش في أنديتها تفعل ذلك. {فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي لاتجالسهم و قم عنهم.

(4: 152)

أبوالسُّعود: أي بالتّكذيب و الاستهزاء بها و الطّعن فيها، كما هو دأب قريش و ديدَنهم، فأعرض عنهم بترك مجالستهم، و القيام عنهم. و قوله تعالى: {حَتى| يَخُوضُوافى حَديثٍ‘ غَيْرِهِ} غاية للإعراض، أي استمرّ على الإعراض إلى أن يخوضوا في حديث غير آياتنا، و التّذكير باعتبار كونها حديثًا، فإنّ وصف الحديث بمغايرتها مشير إلى اعتبارها بعنوان الحديثيّة. و قيل: باعتبار كونها قرآنًا. (2: 397)

نحوه البُرُوسَويّ. (3: 49)

الآلوسيّ: [نحو أبي السُّعود و أضاف:]

و المراد بالخوض هنا: التّفاوض لابقيد التّكذيب والاستهزاء. و ادّعى بعضهم أنّ المعنى: حتّى يشتغلوا بحديث غيره، و أنّ ذكر {يَخُوضُوا} للمشاكلة، و استظهر عود الضّمير إلى الخوض.

و استدلّ بعض العلماء بالآية على أنّ (اِذَا) تفيد التّكرار لحرمة القعود مع الخائض كلّما خاض. و نُظِر فيه، بأنّ التّكرار ليس من(اِذَا) بل من ترتّب الحكم على مأخذ الاشتقاق. (7: 182)

القاسميّ: أي بالطّعن و الاستهزاء {فى ايَاتِنَا} أي المنسوبة إلى مقام عظمتنا، الّتي حقّها أن تعظم بما يناسب عظمتنا. و الموصول كناية عن مشركي مكّة. [ثمّ أدام نحوأبي السُّعود] (6: 2359)

رشيد رضا: [نقل روايتين في أنّ الآية نزلت في المشركين أو أهل الأهواء من المسلمين، ثمّ قال:]

أصل الخوض و حقيقته: الدّخول في الماء و المرور فيه مشيًا أو سباحةً، .و جدح السّويق أي لتّ الدّقيق باللّبن. و يستعار لمرور الإبل في السّراب، و وميض البرق في السّحاب، و للاندفاع في الحديث و الاسترسال فيه، و للدّخول في الباطل مع أهله؛ و بهذين المعنيين استُعمل في القرآن. و فُسّر<الخوض> هناعلى القول الأوّل بالكفر بالآيات و الاستهزاء بها. [ثمّ نقل قول السُّدّيّ و مُقاتِل و أدام:]

ص: 158

و فُسّر <الخوض> في الآيات على القول الآخر لمفسّري السّلف بالمراء و الجدال و الخصومة فيها، اتّباعًا للأهواء، و انتصارًا للمذاهب و الأحزاب...

و الصّواب من القول في الآية: أنّها عامّة، و أنّ المخاطب بها أوّ لا بالذّات سيّدنا الرّسول (صلی الله علیه و آله) و كلّ من كان معه من المؤمنين. فكلّ ما ورد عن السّلف في تفسيرها صحيح، و المعنى العامّ الجامع المخاطب به كلّ مؤمن في كلّ زمن.

{وَ اِذَا رَ اَيْتَ} أيّها المؤمن{الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا} المُنزَلة، من الكفّار المكذّبين، أو من أهل الأهواء المفرّقين،{فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي انصرف عنهم، و أرِهم عرض ظهرك، بدلا من القعود معهم أو الإقبال عليهم بوجهك. {حَتى| يَخُوضُوافى حَديثٍ‘غَيْرِهِ}، أي غيرذلك الحديث الّذي موضوعه الكفر بآيات الله، و الاستهزاء بها من قبل الكفّار،.أو تأويلها بالباطل من قبل أهل الأهواء، لتأييد ما استحدثوا من المذاهب و الآراء، و تفنيد أقوال خصومهم بالجدل و المراء. فإذا خاضوا في غيره فلا بأس بالقعود معهم. و قيل: إنّ الضّميرفي {غَيْرِهِ} للقرآن، لأ نّه هو المراد بالآيات، فأُعيد الضّميرعليها بحسب المعنى.

و سبب هذا النّهي أنّ الإقبال على الخائضين و القعود معهم أقلّ ما فيه أنّه إقرار لهم على خوضهم، و إغراء بالتّمادي فيه. و أكبره أنّه رضاء به و مشاركة فيه، و المشاركة في الكفر و الاستهزاء كفر ظاهر، لايقترفه باختياره إلامنافق مُراء، أو كافر مجاهر.

و في التّأويل لنصر المذاهب أو الآراء، مزلقة في البِدَع و اتّباع الأهواء، و فتنته أشدّ من فتنة الأوّل. فإنّ أكثرالّذين يخوضون في الجدل و المراء من أهل البدع و غيرهم، تغشّهم أنفسهم بأنّهم ينصرون الحقّ و يخدمون الشّرع، و يؤيّدون الأئمّة المهتدين، و يخذلون المبتدعين المضلّين، و لذلك حذَر السّلف الصّالحون من مجالسة أهل الأهواء، أشدّ ممّا حذروا من مجالسة الكفّار؛ إذ لايُخشى على المؤمن من فتنة الكافر ما يُخشى عليه من فتنة المبتدع، لأ نّه يحذر من الأوّل على ضعف شبهته، ما لايحذر من الثّاني، و هو يجيئه من مأمنه.

و لايُعقل أن يقعد المؤمن باختياره مع الكفّار في حال استهزائهم بآيات الله و تكذيبهم بها و طعنهم فيها، كما يقعد مختارًا مع المجادلين فيها المتأوّلين لها، و إنّما يُتصوّر قعود المؤمن مع الكافر المستهزئ في حال الإكراه و ما يقرب منها، كشدّة الضّعف، و لاسيّما إذا كان في دار الحرب، و لم تكن مكّة دار إسلام عند نزول هذه الآيات.

و يدخل في أهل الأهواء: المقلّدون الجامدونالّذين يحاولون تطبيق آيات الله و سُنن رسوله على آراء مقلَّديهم بالتّكليف، أو يردّونها و يحرّمون العمل بها، بدعوى احتمال النّسخ، أو وجود معارض آخر.

(7: 504)

نحوه المَراغيّ. (7: 159)

سيّد قُطْب: و لقد كان هذا الأمر للرّسول(صلی الله علیه و آله)

و يمكن في حدود النّص أن يكون أمرًا لمن وراءه من المسلمين كان هذا الأمر في مكّة؛ حيث كان عمل

ص: 159

الرّسول(صلی الله علیه و آله) يقف عند حدود الدّعوة،و حيث كان غير مأمور بقتال، للحكمة الّتي أرادها الله في هذه الفترة، و حيث كان الاتّجاه واضحًا لعدم الاصطدام بالمشركين ما أمكن. فكان هذا الأمر بألايجلس النّبيّ (صلی الله علیه و آله) في مجالس المشركين، متى رآهم يخوضون في آيات الله و يذكرون دينه بغير توقير، و المسارعة إلى ترك هذه المجالس لو أنساه الشّيطان بمجرّد أن يتذكّر أمر الله و نهيه. و كان المسلمون كذلك مأمورين بهذا الأمر، كما تقول بعض الرّوايات. و القوم الظّالمون المقصود بهم هنا: القوم المشركون، كما هو التّعبير الغالب في القرآن الكريم.

فأمّا بعد أن قامت للإسلام دولة في المدينة، فكان للنّبيّ (صلی الله علیه و آله) شأن آخر مع المشركين و كان الجهاد و القتال حتّى لا تكون فتنة و يكون الدّين كلّه لله. حيث لايجترئ أحد على الخوض في آيات الله !

(2: 1127)

ابن عاشور: عطف على جملة { وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ } الأنعام: 66، و العدول عن الإتيان بالضّمير إلى الإتيان بالاسم الظّاهر و هو اسم الموصول فلم يقل: و إذا رأيتهم فأعرض عنهم يدلّ على أنّ الّذين يخوضون في الآيات فريق خاص من القوم الّذين كذّبوا بالقرآن أو بالعذاب. فعموم القوم أنكروا و كذّبوا دون خَوْض في آيات القرآن، فأُولئك قسم، و الّذين يخوضون في الآيات قسم كان أبذى و أقذع، و أشدّ كفرًا وأشنع، و هم المتصدّون للطّعن في القرآن. و هؤلاء أُمِر الرّسول(صلی الله علیه و آله) بالإعراض عن مجادلتهم و ترك مجالسهم، حتّى يرعُووا عن ذلك. و لو أمر الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بالإعراض عن جميع المكذّبين لتعطّلت الدّعوة و التّبليغ.

و معنى: {وَ اِذَا رَاَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ}: إذا رأيتهم في حال خوضهم. و جاء تعريف هؤلاء بالموصوليّة دون أن يقال: الخائضين أو قومًا خائضين، لأنّ الموصول فيه إيماء إلى وجه الأمر بالإعراض، لأ نّه أمر غريب؛ إذ شأن الرّسول عليه الصّلاة و السّلام أن يمارس النّاس لعرض دعوة الدّين، فأمْرُ الله إيّاه بالإعراض عن فريق منهم يحتاج إلى توجيه و استئناس، و ذلك بالتّعليل الّذي أفاده الموصول و صلته، أي فأعرض عنهم لأ نّهم يخوضون فيآياتنا.

و هذه الآية أحسن ما يمثّل به، لمجيء الموصول للإيماء إلى إفادة تعليل ما بُني عليه من خبر أو إنشاء. ألاترى أنّ الأمر بالإعراض حُدّد بغاية حصول ضدّ الصّلة، و هي أيضًا أعدل شاهد لصحّة ما فسّر به القُطب الشّيرازيّ في «شرح المفتاح» قولَ السّكّاكيّ: <أو أن تُومئ بذلك إلى وجه بناء الخبر> بأنّ وجه بناء الخبر هو علّته و سببه، و إن أبى <التّفتازانيّ> ذلك التّفسير.

و الخَوْض حقيقته: الدّخول في الماء مشيًا بالرِّجلين دون سباحة، ثمّ استعير للتّصرّف الّذي فيه كلفة أو عنَت، كما استُعير التّعسّف و هو المشي في الرّمل لذلك. و استُعير الخوض أيضًا للكلام الّذي فيه تكلّف الكذب و الباطل، لأ نّه يتكلّف له قائله. قال الرّ اغِب: و أكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يُذمّ

ص: 160

الشّروع فيه>. قال تعالى: {يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا}،{نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ } التّوبة: 65، {وَخُضْتُمْ كَالَّذى ‘خَاضُوا } التّوبة: 69، {ذَرْهُمْ فى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} الأنعام: 91، فمعنى { يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا} : يتكلّمون فيها بالباطل و الاستهزاء.

و الخطاب للرّسول(صلی الله علیه و آله) مباشرة، و حكم بقيّة المسلمين كحكمه، كما قال في ذكر المنافقين في سورة النّساء :140، { فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘غَيْرِهِ } و الإعراض تقدّم تفسيره عندقوله تعالى : { فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ عِظْهُمْ } النّساء:63، و الإعراض عنهم هنا هو ترك الجلوس إلى مجالسهم، و هو مجاز قريب من الحقيقة، لأ نّه يلزمه الإعراض الحقيقيّ غالبًا، فإن هم غشُوا مجلس الرّسول عليه الصّلاة و السّلام، فالإعراض عنهم أن يقوم عنهم. و عن ابن جُرَيْج: <فجَعَل إذا استهزؤوا قام فحَذِروا و قالوا لاتستهزئوا فيقوم>.

و فائدة هذا الإعراض زجرهم و قطع الجدال معهم، لعلّهم يرجعون عن عنادهم.

و (حَتى|) غاية للإعراض، لأ نّه إعراض فيه توقيف دعوتهم زمانًا، أوجبه رعي مصلحة أُخرى هي من قبيل الدّعوة، فلا يضرّ توقيف الدّعوة زمانًا، فإذا زال موجب ذلك، عادت محاولة هديهم إلى أصلهم، لأ نّها تمحّضت للمصلحة.

و إنّما عبّر عن انتقالهم إلى حديث آخر ب <الخوض> لأ نّهم لايتحدّثون إلافيما لاجدوى له من أحوال الشّرك و أُمور الجاهليّة.

و {غَيْرِهِ} صفة ل {حَديثٍ‘}، و الضّمير المضاف إليه عائد إلى الخوض باعتبار كونه حديثًا، حسبما اقتضاه وصف { حَديث } بأنّه غيره. (6: 151)

الطَّباطَبائيّ: [نقل قول الرّ اغِب ثمّ قال:]

و هو الدّخول في باطل الحديث، و التّوغّل فيه، كذكر الآيات الحقّة و الاستهزاء بها، و الإطالة في ذلك.

و المراد بالإعراض: عدم مشاركتهم فيمايخوضون فيه، كالقيام عنهم و الخروج من بينهم، أو ما يشابه ذلك ممّا يتحقّق به عدم المشاركة. و تقييد النّهي بقوله: {حَتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘ غَيْرِهِ} للدّلالة على أنّ المنهيّ عنه ليس مطلق مجالستهم و القعود معهم و لو كان لغرض حقّ، و إنّما المنهيّ عنه مجالستهم ما داموا مشتغلين بالخوض في آيات الله سبحانه.

و من هنا يظهر أنّ في الكلام نوعًا من إيجاز الحذف، فإنّ تقدير الكلام: و إذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا يخوضون فيها، فأعرض عنهم... فحذفت الجملة المماثلة للصّلة استغناء بها عنها، و المعنى و الله أعلم : و إذا رأيت أهل الخوض و الاستهزاء بآيات الله يجرون على خوضهم و استهزائهم بالآيات الإلهيّة، فأعرض عنهم، و لا تدخل في حلَقهم حتّى يخوضوا في حديث غيره، فإذا دخلوا في حديث غيره فلامانع يمنعك من مجالستهم. و الكلام و إن وقع في سياق الاحتجاج على المشركين، لكن ما أُشير إليه من الملاك يعمّمه، فيشمل غيرهم كما يشملهم. و قد وقع في آخر الآية قوله: {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ

ص: 161

الظَّالِمينَ‘} الأنعام: 68، فالخوض في آيات الله ظلم، و الآية إنّما نهت عن مشاركة الظّالمين في ظلمهم، و قد ورد في مورد آخر من كلامه تعالى:{اِنَّكُمْ اِذًا مِثْلُهُمْ} النّساء: 140.

فقد تبيّن: أنّ الآية لا تأمر بالإعراض عن الخائضين في آيات الله تعالى، بل إنّما تأمر بالإعراض عنهم إذا كانوا يخوضون في آيات الله ما داموا مشتغلين به.

و الضّمير في قوله: {غَيْرِهِ} راجع إلى الحديث الّذى يُخاض فيه في آيات الله، باعتبار أنّه خوض، و قد نُهي عن الخوض في الآية. (7: 139)

عبد الكريم الخطيب: بعد أن صرف الله الآيات للنّاس، و أبان لهم فيها معالم الطّريق إليه، فآمن من آمن، و كفر من كفر، أمر سبحانه النّبيّ الكريم، أن يخلص بنفسه و بدينه من المشركين، وألا يتحكّك بهم، حتّى لايسمع منهم ما يكره، أو يرى منهم ما يسوء.

وإذ كان النّبيّ صلوات الله وسلامه عليه حريصًا على هداية قومه، و إذ كان بينه و بينهم هذه الرّابطة من صِلات القُربى، و المخالطة في الحياة، الأمر الّذي يشقّ على النّبيّ و يَعنَتُه، إذا هو اعتزلهم عُزلة كاملة، و قطع ما بينه و بينهم من صِلات، فإنّ الله سبحانه و تعالى قد قصر هذا الأمر للنّبيّ باعتزال قومه و الإعراض عنهم، على الحال الّتي يخوضون فيها في آيات الله، و يتّخذونها هزوًا و سُخريّة، ففي تلك الحال ينبغي على النّبيّ ألايخوض معهم في هذا الحديث،

و ألايجادلهم فيما يخوضون فيه، بل يترك هذا المجلس الّذي هم فيه، لأ نّهم على منكر، و هو لايستطيع أن يغيّر هذا المنكر بيده، أو لسانه،فليغيّره بقلبه. بتلك الصّورة الّتي يُريهم منها منطقًا عمليًّا لما ينكره عليهم { وَ اِذَا رَ اَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ} .

و الخوض في الحديث: معناه إرسال القول جُزافًا، بلاحساب و لاتقدير، و ذلك لايكون إلافي مجال الاستهزاء و الاستخفاف بالحديث الّذي يُدار.

و ليس الإعراض الّذي يكون من النّبيّ في تلك الحالة ، هو إعراض دائم متّصل أبدًا، و إنّما هو إعراض موقوت بهذا المجلس، و بكلّ مجلس يكون فيه مثل هذا الخوض في آيات الله من المشركين، فإذا كان منهم بعد هذا مجلس يجري فيه حديث جِدّ و وقار، و التزام عقل و منطق، فلابأس على النّبيّ من أن يعود إلى الجلوس معهم، و هذا ما يشير إليه قوله تعالى: {حَتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘ غَيْرِهِ} أي في حديث غير حديث الدّين الّذي يُدعَون إليه، أو الدّين الّذي هم فيه . فإذا خاضوا في أُمور غير أُمور الدّين، ممّا يتّصل بحياتهم الخاصّة، من تجارة و حرب و سَلْم، و غير ذلك، فإنّ الخوض هنا لايمس الدّين،و لايجرح مشاعر النّبيّ؛ و إنّه لابأس على النّبيّ من الجلوس معهم.

(4 : 209)

مكارم الشّيرازيّ: بما أنّ المواضيع الّتي تتطرّق إليها هذه السّورة تتناول حال المشركين و عبَدة الأصنام، فهاتان الآيتان تبحثان موضوع آخر من المواضيع الّتي تتعلّق بهم، ففي البداية تقول للرّسول

ص: 162

(صلی الله علیه و آله):{ وَ اِذَا رَاَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتى| يَخُوضُوا فى حَديث غَيْرِهِ}.

على الرّغم من أنّ الكلام هنا موجّه إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله)، إلا أ نّه لايقتصر عليه وحده، بل هو موجّه إلى المسلمين كافّة. إنّ فلسفة هذا الحكم واضحة؛ إذ لو اشترك المسلمون في مجالسهم، لاستمرّ المشركون في خوضهم في آيات الله بالباطل نكاية بالمسلمين، و استهزاءً بكلام الله، و لكنّ المسلمين إذا مرّوا دون أن يبالوا بهم، فسيكفّون عن ذلك و يُغيّرون الحديث إلى أُمور أُخرى، لأ نّهم كانوا يتقصّدون إيذاء رسول الله(صلی الله علیه و آله) و المسلمين. (4: 309)

فضل الله: توحي إلينا هذه الآيات بالانفتاح على الآفاق الرّوحيّة الّتي يتحرّك بها الإيمان في وجدان الإنسان و عقله، لينطلق معها في مواجهة المواقف الصّعبة، و ليثبت أمام التّحدّيات الكافرة و الضّالّة الّتي تفرضها ساحة الصّراع، و ليدخل الإنسان معها في محاكمة ذاتيّة تعتمد على إثارة علامات الاستفهام، ثمّ تقديم الأجوبة الحاسمة الّتي تؤكّد الموقف، و تدعم الفكرة في خطّ الإسلام، من خلال الإيحاء بالتّصوّر الدّقيق للكثير من مظاهر عظمة الله.

و هنا في هذه الآيات عدّة نقاط:النّقطة الأُولى: في آية {وَ اِذَا رَاَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا...} لقد أعطت الأحاديث الواردة عن أهل البيت:و عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله) لهذه الآية بُعدًا واسعًا في عالم التّطبيق على واقع الانحراف و الموقف منه، بما يتجاوز مدلولها في مسألة الخوض في آيات الله النّازلة على النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، و في النّبيّ و القرآن، فقد جاء في تفسير القُمّيّ بإسناده عن عبد الأعلى بن أعين، قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): <من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يُسَبّ فيه إمام، أو يُغتاب فيه مسلم> فإنّ الله يقول في كتابه: {وَ اِذَا رَاَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘ غَيْرِهِ وَ اِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاتَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ‘}. و في<الدُّرّ المنثور> أخرج عبد بن حُمَيْد و ابن جرير و أبو نُعَيْم في الحلية عن أبي جعفر الباقر(علیه السلام)، قال: <لاتجالسوا أهل الخصومات، فإنّهم الّذين يخوضون في آيات الله>.

و فيه: أخرج عبد بن حُمَيْد وابن المنذر عن محمّد بن عليّ الباقر، قال: <إنّ أصحاب الأهواء من الّذين يخوضون في آيات الله>. و في تفسير العيّاشيّ عن ربعيّ بن عبد الله عمّن ذكره عن أبي جعفر(علیه السلام) في قول الله: {وَ اِذَا رَاَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا} قال: <الكلام في الله و الجدال في القرآن، {فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘ غَيْرِهِ} قال: منه القصّاص>.

و في ضوء ذلك، يمكن أن نستوحي منه الحديث في كل خطّ باطل و موقف ضلال على مستوى قضايا الفكر و السّياسة و الاجتماع و نحو ذلك، ممّا يمثّل قضيّة الإسلام كلّه و الأُمّة كلّها، في صعيد النّظريّة و التّطبيق...

(9: 162)

2 وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ اَنْ اِذَا سَمِعْتُمْ ايَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَ يُسْتَهْزَاُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتى

ص: 163

يَخُوضُوا فى حَديث غَيْرِهِ. النّساء: 140

ابن عبّاس: فلا تجلسوا { مَعَهُمْ } في الخوض { حَتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘غَيْرِهِ } حتّى يكون خوضهم و حديثهم في غير محمّد و القرآن. (83)

و دخل في هذه الآية كلّ مُحدِث في الدّين، و كلّ مُبتدِع إلى يوم القيامة. (الثّعلبيّ 3: 403)

أبوعُبَيْدَة: { حَتّىيَخُوضُوا } يأخذوا في حديث غيره. (1: 141)

الطّبَريّ: يعني بعد ما علموا نهي الله عن مجالسة الكفّار الّذين يكفرون بحُجَج الله و آي كتابه، و يستهزئون بها {حَتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘غَيْرِهِ} يعني بقوله: {يَخُوضُوا}، يتحدّثوا حديثًا غيره.

و قوله:{ اِنَّكُمْ اِذًا مِثْلُهُمْ}، يعني و قد نزل عليكم أنّكم إن جالستم من يكفر بآيات الله و يستهزئ بها و أنتم تسمعون، فأنتم مثله، يعني فأنتم إن لم تقوموا عنهم في تلكالحال، مثلهم في فعلهم، لأ نّكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم و أنتم تسمعون آياتِ الله يُكفَر بها و يُستَهزأ بها، كما عصوه باستهزائهم بآيات الله، فقد أتيتم من معصية الله نحو الّذي أتَوْه منها، فأنتم إذًا مثلهم في ركوبكم معصية الله، و إتيانكم ما نهاكم الله عنه.

و في هذه الآية الدّلالة الواضحة على النّهي عن مجالسة أهل الباطل من كلّ نوع، من المبتدعة و الفسَقة، عند خوضهم في باطلهم.

و بنحو ذلك كان جماعة من الأئمّة الماضين يقولون، تأوّ لا منهم هذه الآية: إنّه مراد بها النّهي عن مشاهدة كلّ باطل عند خوض أهله فيه. (4: 328)

نحوه الواحديّ (2: 129)، و ابن الجَوْزيّ (2: 228) ، والخازن (1: 509)، و القاسميّ (5: 1612).

الثّعلبيّ: أي يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بمحمّد و أصحابه و القرآن؛ و ذلك أنّ المنافقين كانوا يجلسون إلى أحبار اليهود فيستهزئون بالقرآن و يكّذبون به و يحرّفونه عن مواضعه، فنهى الله تعالى المسلمين عن مجالستهم و مخالطتهم. و الّذي نزل في الكتاب قوله تعالى: {وَ اِذَا رَاَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ...} . (3: 403)

الطُّوسيّ: أعلم الله تعالى في هذه الآية المؤمنين، أنّ المنافقين يهزؤون بكتاب الله الّذي هوالقرآن، و أمرهم أن لايقعدوا معهم حتّى يخوضوا، يعني يأخذوا في حديث غير القرآن، ثمّ قال: إنّكم إن جالستموهم على الخوض في كتاب الله و الهزء به، فأنتم مثلهم. و إنّما حكم بأ نّهم مثلهم متى رضوا بما هم فيه، و لم ينكروا عليهم مع القدرة على الإنكار، و لم يُظهروا كراهية، فإنّهم متى كانوا راضين بالكفر، كانوا كفّارًا، لأنّ الرّضاء بالكفر كفر. و في الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر مع القدرة على ذلك، و زوال العذر عنه. و إنّ من ترك ذلك مع القدرة عليه كان مخطئًا آثمًا. و كذلك فيها دلالة على أنّه لايجوز مجالسة الفُسّاق، و المبتدعين من أيّ نوع كان.

و به قال جماعة من المفسّرين، ذهب إليه أبووائل، و إبراهيم و عبدالله. و قال إبراهيم: من ذلك إذا تكلّم الرّجل في مجلس بكذب، يضحك منه جلساؤه،

ص: 164

فسخط الله عليهم. و به قال عمر بن عبدالعزيز، و قيل: إنّه ضرب صائمًا كان قاعدًا مع قوم يشربون الخمر. وقال ابن عبّاس: أمرالله بذلك الاتّفاق، و نهاهم عن الاختلاف و الفُرقة، و المراء و الخصومة، و به قال الطّبَريّ و الجُبّائيّ و البلخيّ و جماعة من المفسّرين.

قال أبوعليّ الجُبّائيّ: أمّا الكون بالقرب منهم بحيث يسمع صوتهم و لايقدر على إنكاره، فليس بمحظور، و إنّما المحظور مجالستهم من غير إظهار كراهية ماسمعه أو يراه. (3: 362)

نحوه الطَّبرِْسيّ (2: 127)، و مَغْنِيّة (2:464).

الزّمَخْشَريّ: و ذلك أنّ المشركين كانوا يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم فيستهزئون به فنُهي المسلمون عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه. و كان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين فنُهوا.أن يقعدوا معهم، كما نُهوا عن مجالسة المشركين بمكّة.

و كان الّذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار، هم المنافقون، فقيل لهم: إنّكم إذاً مثل الأحبار في الكفر. (1: 572)

الفَخْرالرّازيّ: قال المفسّرون: إنّ المشركين كانوا في مجالسهم يخوضون في ذكر القرآن و يستهزئون به، فأنزل الله تعالى: {وَ اِذَا رَاَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘غَيْرِهِ} الأنعام: 68.و هذه الآية نزلت بمكّة، ثمّ إنّ أحبار اليهود بالمدينة كانوا يفعلون مثل فعل المشركين، و القاعدون معهم و الموافقون لهم على ذلك الكلام، هم المنافقون، فقال تعالى مخاطبًا المنافقين: إنّه { قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ اَنْ اِذَا سَمِعْتُمْ ايَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَاُ بِهَا} و المعنى: إذا سمعتم الكفر بآيات الله و الاستهزاء بها. و لكن أوقع فعل السّماع على الآيات، و المراد به: سماع الاستهزاء.قال الكسائي: و هو كما يقال: سمعت عبدالله يلام.

و عندي فيه وجه آخر و هو أن يكون المعنى: إذا سمعتم آيات الله حال ما يُكفَر بها و يُستَهزأ بها، و على هذا التّقدير فلاحاجة إلى ما قال الكِسائيّ، فلا تقعدوا معهم حتّى يخوضوا في حديث غير الكفر و الاستهزاء.

(11: 81)

نحوه النَّيسابوريّ. (5: 167)

النّسَفيّ: حتّى يشرعوا في كلام غير الكفر

و الاستهزاء بالقرآن. و الخوض: الشّروع، و(اَنْ) مخفّفة من الثّقيلة، أي إنّه إذا سمعتم، أي نزل عليكم أنّ الشّأن كذا، و الشّأن ما أفادته الجملة بشرطها و جزائها. و (اَنْ) مع ما في حيّزها في موضع الرّفع ب <نُزلَ> أو في موضع النّصب ب {نَزَّ لَ} و المنزّل عليهم في الكتاب هو ما نُزّل عليهم بمكّة، من قوله: {وَ اِذَا رَاَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ ...} الأنعام: 68.[ثمّ ذكر نحو الزّمَخْشَريّ]

(1: 257)

نحوه رشيدرضا (5: 463)، و المَراغيّ (5: 183).

أبوحَيّان: الخطاب لمن أظهر الإيمان من مخلص و منافق. و قيل: للمنافقين الّذين تقدّم ذكرهم، و يكون التفاتًا. و كانوا يجلسون إلى أحبار اليهود و هم يخوضون في القرآن يسمعون منهم، فنُهوا عن

ص: 165

ذلك، و ذُكّروا بما نزل عليهم بمكّة، من قوله:{وَ اِذَا رَ اَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ...} الأنعام: 68.[إلى أن قال:]

و الضّمير في {مَعَهُمْ} عائد على المحذوف الّذي دلّ عليه قوله: {يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَاُ} أي فلا تقعدوا مع الكافرين المستهزئين. و (حَتّى) غاية لترك القعود معهم، و مفهوم الغاية أنّهم إذا خاضوا في غير الكفر و الاستهزاء ارتفع النّهي، فجاز لهم أن يقعدوا معهم. و الضّمير عائد على ما دلّ عليه المعنى، أي في حديث غير حديثهم الّذي هو كفر و استهزاء.

و يحتمل أن يُفرَد الضّمير، و إن كان عائدًا على الكفر و على الاستهزاءالمفهومَين من قوله: {يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَاُ بِهَا}، لأ نّهما راجعان إلى معنى واحد، و لأ نّه أجرى الضّمير مجرى اسم الإشارة في كونه لمفرد، و إن كان المراد به اثنين. (3: 374)

أبوالسُّعود: و هذا يقتضى الانزجار عن مجالستهم في تلك الحالة القبيحة، فكيف بموالاتهم

و الاعتزاز بهم.

و (اَنْ) هي المخفّفة من <أنّ>، و ضمير الشّأن الّذي هو اسمها محذوف، و الجملة الشّرطيّة خبرها، و قوله تعالى: {يُكْفَرُ بِهَا}حال من آيات الله، و قوله تعالى: {وَ يُسْتَهْزَاُ بِهَا} عطف عليه داخل في حكم الحاليّة. و إضافة الآيات إلى الاسم الجليل لتشريفها و إبانة خطرها، و تهويل أمر الكفر بها، أي نزّل عليكم في الكتاب أنّه إذا سمعتم آيات الله مكفورًا بها و مستهزأً بها.

و فيه دلالة على أنّ المنزّل على النّبيّ (علیه السلام) و إن خوطب به خاصّة منزّل على الأُمّة، و أنّ مدار الإعراض عنهم هو العلم بخوضهم في الآيات، و لذلك عبّر عن ذلك تارةً بالرّؤية و أُخرى بالسّماع، و أنّ المراد بالإعراض: إظهارالمخالفة بالقيام عن مجالسهم، لا الإعراض بالقلب أو بالوجه فقط. و الضّمير في{مَعَهُمْ} للكفرة المدلول عليهم بقوله تعالى: { يُكْفَرُ بِهَا وَ يُسْتَهْزَاُ بِهَا}.

(2: 209)

نحوه البُرُوسَويّ (2: 304)،والآلوسيّ (5: 172).

الطَّباطَبائيّ:قوله تعالى: {قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فىِ الْكِتَابِ ....} يريد مانزّله في سورة الأنعام68، {وَ اِذَا رَاَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا...} فإنّ سورة الأنعام مكّيّة، و سورة النّساء مدنيّة.

و يستفاد من إشارة الآية إلى آية الأنعام أنّ بعض الخطابات القرآنيّة وُجّه إلى النّبيّ(صلی الله علیه و آله) خاصّة، و المراد بها ما يعمّ الأُمّة.

(5: 116)

عبد الكريم الخطيب: للنّفاق مداخل كثيرة إلى القلوب، فهو يتدسّس إلى الإنسان في خفاء، و يتحسّس مواطن الضّعف منه، فينفذ إليها، حتّى يتمكّن منها، وإذا المرء و قد عشش فيه النّفاق، ثمّ باض و أفرخ، و إذا هو في المنافقين، لايملك دفع هذا الدّاء الّذي جثم على صدره.

لهذا كان الإسلام حريصًا على أن يُنبّهالمسلمين إلى هذا الخطر، و يحذّرهم من أن يُلمّوا به، أو يحوموا حوله، حتّى لاتصيبهم عَدْواه، فيتعذّر شفاؤهم منه.

و في طبّ الأجسام: <أنّ الوقاية خير من العلاج>، و هي في طبّ الأرواح أوجَب و ألزَم.

ص: 166

و قوله تعالى: {قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ...} هو تنبيه للمسلمين من داء النّفاق أن ينفذ إليهم، إذا هم جلسوا مجلسًا مع أعداء الله من المنافقين الكافرين، ثمّ ذُكرت في هذا المجلس آيات الله على لسان هؤلاء المنافقين الكافرين، في معرض الاستهزاء و السُّخريّة، ثمّ لم يكن من المسلمين، إنكار لهذا المُنكَر ودفع له باليد أو اللّسان؛ و ذلك بأن يكونوا في حال ضعف، لايقدرون معه على مواجهة هؤلاء المجتمعين على المُنكَر!.

و الموقف الّذي يجب أن يتّخذه المؤمن في تلك الحال، هو أن يُخلّص بنفسه من هذا المجلس الآثم، و ألايستمع لهذا المُنكَر الّذي يدور فيه، فإنّه إن لم يفعل، و سكت على ما يسمع و هو مغلوب على أمره كان صمته هذا و لو في ظاهره دليلا على رضاه، و مظاهرة لأهل المُنكَر على مُنكَرهم. و ليس و الحال كذلك من شفيع يشفع له بأنّه ليس من أهل هذا المجلس، يقتسم معهم الإثم الّذي يدور بينهم، و يحمل نصيبه منه.

و في قوله تعالى: {قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ...} إشارة إلى ما نزل قبل هذا من قرآن في مثل هذا الموقف، و هو قوله تعالى: {وَ اِذَا رَاَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ ...} .

فهذه الآية هي توكيد لهذا التّنبيه الّذي سبق نزول القرآن به من قبل، و تحذير جديد لأُولئك الّذين لم ينتهوا عمّا نهوا عنه. و الخطاب في الآية موجّه إلى النّبيّ (صلی الله علیه و آله) هو أمر ملزم لأتباع النّبيّ؛ إذ كان النّبيّ إمامهم و قدوتهم.

و قوله تعالى: { يُكْفَرُ بِهَا وَ يُسْتَهْزَاُ بِهَا} هو حال كاشفة للصّفة الّتي تدور بها آيات الله على ألسنة الكافرين و المنافقين، و هي أنّها تدور للسّخريّة و العبث.

و قوله تعالى: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘ غَيْرِهِ} هو نهي للمسلمين عن الجلوس في هذا المجلس القائم على تلك الصّفة، و ليس نهيًا عامًّا مطلقًا على تجنّب الجلوس مع المنافقين و الكافرين، ففي ذلك إعنات للمؤمنين، فقد تستدعي أحوالهم أن يكونوا بحيث لامنصرف لهم عن الحياة مع هذه الجماعة، و تبادل المنافع معها.

على أنّ من السّلامة لدين المؤمن أن يتجنّب مجالس هؤلاء القوم ما استطاع، فإذا مسّت هذه المجالس دينه بما يسوء، كان أمرًا لازمًا عليه أن يتحوّل عن هذه المجالس في الحال، و لايخلط نفسه بها، و إلا حمل وزره من الإثم الّذي يتعاطاه فيها أهل النّفاق والكفر، و هذا ما يُشير إليه قوله تعالى:{ اِنَّكُمْ اِذًا مِثْلُهُمْ} أي لافرقبينكم أيّها المؤمنون و بين هؤلاء الأثَمَة، الّذين يهزؤون بآيات الله و يسخرون منها، إذا أنتم استمعتم إلى هذا المُنكَر و لم تنكروه. (3: 936)

مكارم الشّيرازيّ: النّهي عن المشاركة في مجالس يُعصَى الله فيها:

لقد ورد في الآية (68) من سورة الأنعام أمر صريح إلى النّبيّ(صلی الله علیه و آله) في أن يعرض عن أُناس يستهزئون بآيات القرآن، و يتكلّمون بما لايليق.

ص: 167

و طبيعيّ أنّ هذا الحكم لاينحصر بالنّبيّ(صلی الله علیه و آله) وحده، بل يعتبر حكمًا و أمرًا عامًّا يجب على جميع المسلمين اتّباعه. و قد جاء هذا الحكم على شكل خطاب موجّه إلى النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، و فلسفته جليّة واضحة، لأ نّه يكون بمثابة كفاح سلبيّ ضدّ مثل تلك الأعمال.

و الآية هذه تُكرّر الحكم المذكور مرّة أُخرى،

و تُحذّر المسلمين مذكّرة إيّاهم بحكم سابق في القرآن نهي فيه المسلمون عن المشاركة في مجالس يُستَهزأ فيها و يُكفَر بالقرآن الكريم، حتّى يكفّ أهل هذه المجالس عن الاستهزاء، و يدخلوا في حديث آخر. تقول الآية: { وَ قَدْ نَزَّ لَ عَلَيْكُمْ فىِ الْكِتَابِ اَنْ اِذَا سَمِعْتُمْ ايَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا...}، بعد ذلك تبيّن الآية لنا نتيجة هذا العمل، و تؤكّد أنّ من يشارك في مجالس الاستهزاء بالقرآن، هو كمن استهزأ بنفسه، و سيكون مصيره نفس مصير أُولئك المستهزئين، تقول الآية : {اِنَّكُمْ اِذًا مِثْلُهُمْ}.

(3: 439)

فضل الله: ضرورة ابتعاد المؤمن عن تجمّعات المستهزئين بآيات الله.

في هذه الآية تذكير بالآية الثّامنة و السّتّين من سورة الأنعام الّتي سبقت هذه الآية في النّزول، لأ نّها نزلت في مكّة قبل الهجرة، و هي قوله تعالى: {وَ اِذَا راَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتى| يَخُوضُوا ...} فقد نزلت هذه الآية لتُحدّد للمسلمين المجالس الّتي لايجوز لهم الجلوس فيها، وهي المجالس الّتي يدور الخوض فيها بطريقة سلبيّة في ذمّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، و التّشكيك بالقرآن أو الإنكار و الاستهزاء، في الوقت الّذي لايملك فيه المسلمون قوّة تُتيح لهم الرّدّ الحاسم على المشركين الّذين يُثيرون هذا النّوع من الحديث و يخوضون فيه. فلا بدّ لهم من الانسحاب منها إذا بدأ الحديث بهذه الطّريقة، للتّعبير عن الرّفض لذلك و الاحتجاج عليه، لأنّ ذلك هو السّبيل الوحيد في إظهار التّصميم، على الصّمود في خطّ الإيمان.

و قد واجه المسلمون هذا النّوع من المجالس في المدينة؛ و ذلك في مجتمع اليهود و المنافقين، الّذين كانوا يحاولون الخوض في آيات الله بالطّريقة نفسها، و جاءت هذه الآية لتذكّر المؤمنين بأنّ الموقف الآن في المدينة هو الموقف السّابق في مكّة، وفي كلّ موقف مماثل في كلّ زمان و مكان، فلا بدّ للمسلم أنيعبّر عن رفضه لهذه الأحاديث المضادّة للحقّ و أهله: إمّا بالرّدّ الحاسم إذا كان يملك القوّة على الرّدّ، أو الانسحاب من المجلس إلى أن ينتهي هذا الحديث، و ينتقل الجالسون إلى غيره.

أمّا إذا لم يفعلوا ذلك، و استمرّوا في الجلوس في المجلس من دون خوف و لاضرورة فإنّ الموقف يتحوّل إلى موقف نفاق، متمثّل في سلوك صاحبه الّذي يحاول أن يظهر مع الكافرين بمظهر الرّ اضي بكلامهم، المنسجم مع أحاديثهم، طلبًا لمرضاتهم أو طمعًا في أموالهم. و عليه أن ينتظر في نهاية المطاف في الآخرة عذاب جهنم الّذي أعدّه الله للمنافقين و الكافرين، لأنّ القضيّة تتّصل بالواقع على مستوي النّتائج المتحرّكة، في موقف الكفر في ساحة القوّة، لا على مستوي الكلمات الّتي لاتتحوّل إلى موقف. فإنّ الله

ص: 168

يرفض الكفر و يرفض تشجيع الكافرين على الامتداد في كفرهم و مجاملتهم في التّعبير، عن أحقادهم ضدّ الإسلام، لأنّ الّذين يجاملونهم و يداهنونهم، يعبّرون عن تجاوبهم و انسجامهم مع المضمون الكافر السّاخر بالإسلام وأهله؛ الأمر الّذي يحمل دلالة كبيرة على أنّ روحيّة هذا الإنسان الّذي يتمظهر بمظهر الإسلام، تتّفق مع روحيّة الكفر و الكافرين، فإنّ المسلم الحقّ لا يمكن أن يتقبّل الإساءة إلى دينه و إلى مقدّساته، من دون أن يعبّر عن رفضه بكلّ الوسائل الإيجابيّة و السّلبيّة الموجودة عنده.

و في ضوء ذلك، نفهم أنّ الإسلام لا يريد أن يفرض على المسلمين العُزلة عن مجتمعات الكفر، لاسيّما إذا كانت لديهم مصالح ثقافيّة و اقتصاديّة وأمنيّة تتّصل بهم، و لكنّه يريد لهم أن لايواجهوا التّحدّيات الكافرة بموقف ضعف و استسلام و استخذاء، بل يريد لهم أن يعبّروا عن رفضهم لذلك بالطّريقة المذكورة، و هي الخروج من المجلس، باعتبار أنّه أضعف الإيمان. (7: 508)

3 وَ اِذَا رَاَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى اياتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتى| يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘غَيْرِهِ.

الأنعام: 68

تقدّم الكلام فيها في (يَخُوضُونَ).

4 و5 فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا حَتى| يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذى‘ يُوعَدُونَ. الزّخرف: 83، و المعارج:42

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: فذر يا محمّد هؤلاء المفترين على الله الواصفة بأنّ له ولدًا، يخوضوا في باطلهم، و يلعبوا في دنياهم.

(11: 217)

و نحوه أكثر التّفاسير.

نَخُوضُ

1 وَ لَئِنْ سَاَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ... التّوبة: 65

ابن عبّاس: فنحدّث عن الرّكب،{وَ نَلْعَبُ} نضحك فيما بيننا. (161)الحسَن: هؤلاء قالوا في غُزاة تبوك: أيرجو هذا الرّجل أن يفتح قصور الشّام و حصونها، هيهات هيهات، فاطّلع الله نبيّه(صلی الله علیه و آله) على ما قالوه، فلمّا سألهم النّبيّ عن ذلك على وجه التّأنيب لهم و التّقبيح لفعلهم: لِمَ طعنتم في الدّين بالباطل و الزّور؟ فأجابوا بما لاعذرفيه، بل هو وبال عليهم: بأنّا كنّا نخوض ونلعب.

مثله قَتادَة. (الطُّوسيّ 5: 292)

قَتادَة: بينا رسول الله(صلی الله علیه و آله) يسير في غزوته إلى تبوك، و بين يديه ناس من المنافقين، فقالوا: يرجو هذا الرّجل أن يفتح قصور الشّام و حصونها! هيهات هيهات! فاطّلع الله نبيّه(صلی الله علیه و آله) على ذلك، فقال نبيّ الله(صلی الله علیه و آله): <احبسوا عليّ الرَّكْب! فأتاهم، فقال: قلتم كذا، قلتم كذا. قالوا: يا نبيّ الله، إنّما كنّا نخوض ونلعب>، فأنزل الله تبارك و تعالى فيهم ما تسمعون. (الطّبَريّ 6: 409)

نحوه الزّمَخْشَريّ (2: 200)، و أبو السُّعود (3: 166) .

الطّبَريّ: يقول تعالى جلّ ثناؤه لنبيّه محمّد(صلی الله علیه و آله):

ص: 169

و لئن سألت يا محمّد هؤلاء المنافقين عمّا قالوا من الباطل و الكذب، ليقولنّ لك: إنّما قلنا ذلك لعبًا، و كنّا نخوض في حديث لعبًا و هزؤًا! يقول الله لمحمّد(صلی الله علیه و آله): قل يا محمّد: أبالله و آيات كتابه و رسوله كنتم تستهزئون؟. (6: 408)

الزّجّاج: و ذلك أنّهم قالوا: إنّما كنّا نخوض كما يخوض الرّكب. (2: 459)

الطُّوسيّ: خاطب الله تعالى نبيّه(صلی الله علیه و آله) فأقسم، لأنّ اللام لام القسم بأنّك يا محمّد(صلی الله علیه و آله) إن سألت هؤلاء المنافقين عمّا تكلّموا به {لَيَقُولُنَّ اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ}.

و الخوض: دخول القدم فيما كان مائعًا من الماء أو الطّين. هذا في الأصل، ثمّ كثر حتّى صار في كلّ دخول منه أذى و تلويث. (5: 292)

الواحديّ: أي في الباطل من الكلام كما يخوض الرّكب نقطع به الطّريق. (2: 507)

الطَّبْرِسيّ: و اللام للتّأكيد و القسم، و معناه لقالوا: كنّا نخوض خوض الرّكب في الطّريق، لا على طريق الجدّ، و لكن على طريق اللّعب و اللّهو، فكان عذرهم أشدّ من جرمهم. (3: 47)

الفَخْرالرّازيّ: [نقل الرّوايات في شأن نزول الآية ثمّ قال:]

اعلم أنّه لاحاجة في معرفة هذه الآية إلى هذه الرّوايات، فإنّها تدلّ على أنّهم ذكروا كلامًا فاسدًا على سبيل الطّعن و الاستهزاء، فلمّا أخبرهم الرّسول بأنّهم قالوا ذلك، خافوا و اعتذروا عنه، بأنّا إنّما قلنا ذلك على وجه اللّعب لا على سبيل الجدّ؛ و ذلك قولهم: {اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ}، أي ما قلنا ذلك إلالأجل اللّعب.

و هذا يدلّ على أنّ كلمة (اِنَّمَا) تفيد الحصر؛ إذ لو لم يكن ذلك، لم يلزم من كونهم لاعبين أن لايكونوا مستهزئين، فحينئذ لايتمّ هذا العذر.و الجواب: قال الواحديّ: أصل الخوض الدّخول في مائع من الماء و الطّين، ثمّ كثر حتّى صار اسمًا لكلّ دخول فيه تلويث و أذى. و المعنى: أنّا كنّا نخوض و نلعب في الباطل من الكلام، كما يخوض الرّكب لقطع الطّريق، فأجابهم الرّسول بقوله: {اَبِاللهِ وَ ايَاتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ} التّوبة: 65. (16: 122)

نحوه النَّيسابوريّ (10: 123)، والخازن (3: 96).

الطَّباطَبائيّ: تذكر الآيات شأنًا آخر من شؤون المنافقين، وتكشف عن سوأة أُخرى من سوآتهم ستروا عليها بالنّفاق، و كانوا يحذرون أن تظهر عليهم، و تنزل فيها سورة تقص ما همّوا به منها.

و الآيات تنبئ عن أنّهم كانوا جماعة ذوي عدد كما يدلّ عليه قوله: {اِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً}، و أنّه كان لهم بعض الاتّصال و التّوافق مع جماعة آخرين من المنافقين، كما في قوله: {الْمُنَافِقُونَ وَ الْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ...}.

و أنّهم كانوا على ظاهر الإسلام و الإيمان حتّى اليوم، و إنّما نافقوا يومئذ، أي تفوّهوا بكلمة الكفر فيما بينهم، وأسرّوا بها يومئذ، كما في قوله: {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ ايمَانِكُمْ}.

ص: 170

و أ نّهم تواطؤوا على أمر دبّروه فيما بينهم، فأظهروا عند ذلك كلمة الكفر، و همّوا على أمر عظيم، فحال الله بينهم و بينه، فخاب سعيهم و لم يؤثّر كيدهم، كما في قوله: {وَ لَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ اِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا}.

و أنّه ظهر ممّا همّوا به بعض ما يُستدلّ عليه من الآثار و القرائن فسُئلوا عن ذلك، فاعتذروا بما هو مثله قبحًا وشناعةً، كما في قوله: {وَ لَئِنْ سَاَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ}. والآيات التّالية لهذه الآيات في سياق متّصل منسجم، تدلّ على أنّ هذه الوقعة أيًّا مّا كانت وقعت بعد خروج النّبيّ(صلی الله علیه و آله) إلى غزوة تبوك و لمّا يرجع إلى المدينة، كما يدلّ عليه قوله: { فَاِنْ رَجَعَكَ اللهُ اِلى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ }: آية: 83، من السّورة، و قوله: { سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ اِذَا انْقَلَبْتُمْ اِلَيْهِمْ} آية: 95، من السّورة.

فيتلخّص من الآيات: أنّ جماعة ممّن خرج مع النّبيّ(صلی الله علیه و آله) تواطؤوا على أن يمكروا بالنّبيّ(صلی الله علیه و آله)، و أسرّوا عند ذلك فيما بينهم بكلمات كفروا بها بعد إسلامهم، ثمّ همّوا أن يفعلوا ما اتّفقوا عليه بفتك أو نحوه، فأبطل الله كيدهم و فضحهم و كشف عنهم، فلمّا سُئلوا عن ذلك قالوا: {اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ}، فعاتبهم الله بلسان رسوله(صلی الله علیه و آله) بأنّه استهزاء بالله و آياته و رسوله، و هدّدهم بالعذاب إن لم يتوبوا، و أمر نبيّه(صلی الله علیه و آله) أن يجاهدهم و يجاهد الكافرين.

فالآيات كما ترى أوضح انطباقًا علىحديث العقبة منها على غيره من القصص الّتي تتضمّنها الرّوايات الأُخر الواردة في بيان سبب نزول الآيات، و سنورد جلّها في البحث الرّوائيّ الآتي إن شاء الله تعالى. (9: 325)

مكارم الشّيرازيّ: أي إذا سألتهم عن الدّافع لهم على هذه الأعمال المشينة قالوا: نحن نمزح؛ و بذلك ضمنوا طريق العودة، فهم من جهة كانوا يخطّطون المؤامرات، و يبثّون السّموم، فإذا تحقّق هدفهم فقد وصلوا إلى مآربهم الخبيثة. أمّا إذا افتضح أمرهم فإنّهم سيتذرّعون و يعتذرون بأنّهم كانوا يمزحون، و عن هذا الطّريق سيتخلّصون من معاقبة النّبيّ(صلی الله علیه و آله) و النّاس لهم.

إنّ المنافقين في أيّ زمان، تجمعهم وحدة الخُطَط، و الضّرب على نفس الوَتر، لذا فلهم نغمة واحدة، و هم كثيرًا ما يستفيدون و يتّبعون هذه الطُّرُق، بل إنّهم في بعض الأحيان يطرحون أكثر المسائل جدّيّة، لكن بلباس المزاح السّاذج البسيط، فإن وصلوا إلى هدفهم و حقّقوه فهو، و إلا فإنّهم يفلتون من قبضة العدالة بحجّة المزاح.

غير أنّ القرآن الكريم واجه هؤلاء بكلّ صرامة، و جابههم بجواب لا مفرّ معه من الإذعان للواقع، فأمر النّبيّ(صلی الله علیه و آله) أن يخاطبهم { قُلْ اَبِاللهِ وَ ايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ } ، أي إ نّه يسألهم: هل يمكن المزاح و السّخريّة حتّى بالله و رسوله و آيات القرآن؟!

هل إنّ هذه المسائل الّتي هي أدقّ الأُمور وأكثرها جدّ يّة قابلة للمزاح؟!

هل يمكن إخفاء قضيّة تنفير البعير و سقوط النّبيّ(صلی الله علیه و آله) من تلك العقبة الخطيرة، و الّتي تعني الموت،

ص: 171

تحت عنوان و نقاب المزاح؟ أم أنّ السّخريّة

و الاستهزاء بالآيات الإلهيّة وإخبار النّبيّ بالانتصارات المستقبليّة من الأُمور الّتي يمكن أن يشملها عنوان اللّعب؟ كلّ هذه الشّواهد تدلّ على أنّ هؤلاء كان لديهم أهداف خطيرة مستترة خلف هذه الأستار و العناوين. (6: 104)

فضل الله: و لكن هذا عذر أقبح من ذنب، فهل يمكن أن تكون قضيّة الرّسالة و الوحي و الرّسول و الجهاد في سبيل الله، من القضايا الّتي يخوض النّاس فيها كما يخوضون في أحاديث الباطل، أو يتلاعب بها اللاعبون كما لو كانت شيئًا من الهزل الّذي لايمثّل قيمة حقيقيّة في حياة النّاس؟ إنّه العذر الّذي يؤكّد حقيقة الجريمة، بسبب ما يمثّله من روحيّة سلبيّة ضدّ الله والرّسول {قُلْ اَبِاللهِ وَ ايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ} من خلال ما يمثّله الخوض واللّعب من عدم احترام واستهزاء بطريقة غير مباشرة. (11: 152)

2 وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضينَ‘.

المدّثّر: 45

قَتادَة:كلّما غوى غاوٍغوى معه.

(الطّبَريّ 12: 319)السُّدّيّ: كنّا نُكذّب مع المكذّبين. (467)

ابن زَيْد: نخوض مع الخائضين في أمر محمّد (صلی الله علیه و آله) فنقول: إنّه كاذب، ساحر، مجنون، و في أمر القرآن فنقول: إنّه سحر و شعر و كِهانة، إلى نحو أُولئك من الأباطيل. (المَراغيّ 29: 140)

الطّبَريّ: و كنّا نخوض في الباطل، و فيما يكرهه الله مع من يخوض فيه. (12: 319)

نحوه المراغيّ. (29: 140)

الزّجّاج: أي نتّبع الغاوين. (5: 249)

الماوَرْديّ: و كنّا أتباعًا و لم نكن متبوعين.

(6: 148)

الطُّوسيّ: أي كنّا نُلوّث أنفسنا بالمرور في الباطل، كتلويث الرّجل بالخوض. فلمّا كان هؤلاء يخرجون مع من يكذّب بالحقّ مشيّعين لهم في القول، كانوا خائضين معهم. (10: 186)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (5: 392)

القُشَيْريّ: نشرع في الباطل، و نكذّب بيوم الدّين. (6: 220)

المَيْبُديّ: أي كنّا نشرع في الباطل مع الشّارعين فيه، أي كلّما غوى غاوٍ بالدّخول في الباطل غوينا معه. (10: 290)

نحوه البَيْضاويّ (2: 520)، وأبوالسُّعود (6: 332)،والكاشانيّ(5: 251).

الزّمَخْشَريّ: الخوض: الشّروع في الباطل، و ما لاينبغي.

(4: 187)

نحوه النّسَفيّ. (4: 312)

الفَخْرالرّازيّ: و المراد منه الأباطيل.

(30: 211)

القُرطُبيّ: أي كنّا نخالط أهل الباطل في باطلهم... و قيل: معناه: كنّا أتباعًا و لم نكن متبوعين. (19: 86)

الشِّربينيّ: أي نوجد الكلام الّذي هو في غير مواقعه و لاعلم لنا به إيجاد المشي من الخائض في

ص: 172

ماء غمر {مَعَ الْخَائِضينَ‘} بحيث صار لنا هذا وصفًا راسخًا، فنقول في القرآن: إنّه سحر، و إنّه شعر، و إنّه كهانة، و غير هذا من الأباطيل، لانتورّع عن شيء من ذلك، و لانقف مع عقل، و لانرجع إلى صحيح نقل.

فليأخذ الّذين يبادرون إلى الكلام في كلّ ما يسألون عنه من أنواع العلم، من غير تثبّت منزلتهم من هنا. (4: 436)

البُرُوسَويّ: أ:ي نشرع في الباطل مع الشّارعين فيه. و المراد بالباطل: ذمّ النّبيّ(علیه السلام) و أصحابه رضي الله عنهم، و غيبتهم، و قولهم: بأنّه شاعر أو ساحرأو كاهن، و غير ذلك.

و الخوض في الأصل بمعنى الشّروع مطلقًا في أيّ شيء كان، ثمّ غلب في العرف بمعنى الشّروع في الباطل و القبيح و ما لاينبغي. و في الحديث:<أكثر النّاس ذنوبًا يوم القيامة، أكثرهم خوضًا في معصية الله>.

(10: 240)

الآلوسيّ: الخائضين، أي نشرع في الباطلمع الشّارعين فيه. و الخوض في الأصل: ابتداء الدّخول في الماء و المرور فيه، و استعماله في الشّروع في الباطل من المجاز المرسل أو الاستعارة، على ما قرّروه في المشفر و نحوه.

و عن بعضهم: أنّه اسم غالب في الشّرّ، و أكثر ما استُعمل في القرآن بما يُذمّ الشّروع فيه. و أُريد بالباطل ما لاينبغي من القول و الفعل.

(29: 133)

ابن عاشور: و أصل الخوض: الدّخول في الماء، و يستعار كثيرًا للمحادثة المتكرّرة. و قد اشتهر إطلاقه في القرآن على الجدال و اللّجاج غير المحمود، قال تعالى: {ثٌمَّ ذَرْهُمْ فى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون} ، و غير ذلك. و قد جمع الإطلاقين قوله تعالى: {وَ اِذَا رَاَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا ...} و باعتبار مجموع الأسباب الأربعة في جوابهم فضلا عن معنى الكناية، لم يكن في الآية ما يدلّ للقائلين بأنّ الكفّار مخاطبون بفروع الشّريعة. (29: 304)

مَغْنِيّة: نستهين بكلّ شيء إلاباللّهو و اللّعب، و ندخل كلّ مدخل إلامداخل الحقّ و الخير. (7: 465)

الطَّباطَبائيّ: المراد بالخوض: الاشتغال بالباطل قولا أو فعلا، و الغور فيه. (20: 97)

عبد الكريم الخطيب: لم يتأثّموا من منكر، و لم يتحرّجوا من فاحشة بل كانوا مع كلّ جماعة ضالّة، و على كلّ مورد آثم. (15: 1304)

مكارم الشّيرازيّ: و كنّا نصدّق أقوالهم، ونضفي الصّحّة على ما ينكرون و يكذّبون، و نلتذّ باستهزائهم الحقّ.

نخوض: من مادّة <خوض> على وزن <حوض>، و تعني في الأصل: الغَوْر و الحركة في الماء، و يُطلق على الدّخول و التّلوّث بالأُُمور. و القرآن غالبًا ما يستعمل هذه اللّفظة في الاشتغال بالباطل و الغور فيه.

و الخوض في الباطل له معان واسعة، فهو يشمل الدّخول في المجالس الّتي تتعرّض فيها آيات الله للإستهزاء، أو ما تروج فيها البدع، أو المزاح الواقح، أو التّحدّث عن المحارم المرتكبة بعنوان الافتخار و التّلذّذ بذكرها، و كذلك المشاركة في مجالس الغيبة و الاتّهام

ص: 173

و اللّهو و اللّعب و أمثال ذلك. و لكن المعنى الّذي انصرفت إليه الآية: هو الخوض في مجالس الاستهزاء بالدّين و المقدّسات و تضعيفها، و ترويج الكفر و الشّرك. (19: 167)

فضل الله: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضينَ‘} في وحول الأفكار و المواقف و الكلمات غير المسؤولة، فلم تكن عندنا قاعدة فكريّة ننطلق منها، لنحدّد مواقفنا على أساسها، و لم يكن لدينا منطلق للانتماء لنتعرّف من خلاله على مواقعنا. و على ضوء ذلك، كنّا نحدّق بالنّاس أين يتحرّكون لنتحرّك معهم، و كنّا نلاحق الأوضاع كيف تتغيّر لنتغيّر معها. و كانت أحاديث النّاس الّتي تدور حول شخص مّا، أو جهة معيّنة، هي الأحاديثالّتي ننفتح عليها، و نندمج فيها، و نبتني كلّ أفكارها، لنردّدها مع الّذين يردّدونها، أو لنؤيّدها مع الّذين يؤيّدونها، فليست المشكلة عندنا انسجامها مع الحقيقة، بل المشكلة هي كيف ينظر النّاس إليها، و كيف يلتزمونها في الوجدان العامّ؟

و هذا الّذي جعلنا نخطئ من حيث لايجوز لنا الخطأ، و نظلم من لايستحقّ الظّلم، و نحكم بالباطل من دون حجّة، و نتنكّر للحقّ من دون أساس، لأ نّنا كنّا نعيش((1)

) فكرنا بفعل ما ينتهي إليه العقل من نتائج، و لاتتحرّك مسؤوليّتنا بفعل ما تُحدّده المسؤوليّة لنا من مواقع، بل كان الآخرون هم الّذين يُحدّدون لنا ذلك كلّه. و لهذا فقدنا رضوان الله علينا، لأنّ الله يرضى عن الّذين يملكون الحجّة، من حيث يملكون حركة عقولهم، و يواجهون القضايا من موقع المسؤوليّة الواعي، بين يدي الله. (23: 226)

خَوْض

اَ لَّذينَ‘ هُمْ فى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ. الطّور:12

أبوعُبَيْدَة: الخوض: الفتنة و الاختلاط.

(2: 231)

الطّبَريّ: يقول: الّذين هم في فتنة و اختلاط في الدّنيا يلعبون، غافلين عمّا هم صائرون إليه من عذاب الله في الآخرة. (11: 485)

الزّجّاج: أي يشاغلهم بكفرهم لعب عاقبته العذاب. (5: 62)

القُمّيّ: يخوضون في المعاصي. (2: 332)

الواحديّ: يخوضون في حديث محمّد (علیه السلام) بالتّكذيب و الاستهزاء، يلهون بذكره. (4: 185)

مثله ابن الجَوْزيّ. (8: 49)

البغَويّ: يخوضون في الباطل يلعبون غافلين لاهين. (4: 291)

المَيْبُديّ: [مثل البغَويّ و أضاف:]

الخوض و اللّعب و الكذب واحد. و التّأويل: الّذين هم في إنكارالبعث و تكذيب محمّد(صلی الله علیه و آله) و سائرالأنبياء، يلعبون من غيربيان و حجّة. و قيل: في أسباب الدّنيا يلعبون من غير فكر في ثواب و عقاب.

(9: 334)

ص: 174


1- (1)في الأصل لانعيش.

الزّمَخْشَريّ: غلب الخوض في الاندفاع في الباطل و الكذب، و منه قوله تعالى:{وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضينَ‘} المدّثّر: 45، {وَخُضْتُمْ كَالَّذى‘ خَاضُوا} التّوبة: 69. (4: 23)

نحوه النّسَفيّ (4: 190)، و أبو حَيّان (8: 147)، و أبو السُّعود (6: 145).

ابن عَطيّة: الخوض: التّخبّط في الأباطيل، يُشبّه بخوض الماء. و منه قوله تعالى: {وَ اِذَا رَاَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا} . (5: 187)

الفَخْرالرّازيّ: و الخوض نفسه خُص فياستعمال القرآن بالاندفاع في الأباطيل، و لهذا قال تعالى:{وَ خُضْتُمْ كَالَّذى‘ خَاضُوا} و قال تعالى: { وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضينَ ‘}.

و تنكيرالخوض يحتمل و جهين:

أحدهما: أن يكون للتّكثير، أي في خوض كامل عظيم.

ثانيهما: أن يكون التّنوين تعويضًا عن المضاف إليه، كما في قوله تعالى: (اِلا ) التّوبة: 8. و قوله: { وَاِنَّ كُلا } هود: 111، و {بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} البقرة: 251.

و الأصل في خوضهم: المعروف منهم. و قوله:

{ اَ لَّذينَ‘ هُمْ فى خَوْضٍ} ليس وصفًا للمكذّبين بما يميّزهم، و إنّما هو للذّمّ كما أنّك تقول: الشّيطان الرّجيم. و لا تريد فصله عن الشّيطان الّذي ليس برجيم، بخلاف قولك: أكرم الرّجل العالم، فالوصف بالرّجيم للذّمّ به لاللتّعريف: و تقول: في المدح:< الله الّذي خلق>، و <الله العظيم> للمدح، لاللتّمييز

و لاللتّعريف عن إله لم يخلق، أو إله ليس بعظيم، فإن الله واحد لاغير. (28: 245)

القُرطُبيّ: أي في تردّد في الباطل، و هو خوضهم في أمر محمّد بالتّكذيب.

و قيل: في خوض في أسباب الدّنيا يلعبون، لايذكرون حسابًا و لاجزاءً. (17: 64)

ابن كثير: أي هم في الدّنيا يخوضون في الباطل

و يتّخذون دينهم هزؤًا و لَعِبًا. (6: 431)

الشِّربينيّ: أي أقوالهم و أفعالهم أفعال الخائض في الماء، فهو لايدري أين يضع رجله. (4: 112)

البُرُوسَويّ: أي اندفاع عجيب في الأباطيل و الأ كاذيب ،... قال في <فتح الرّحمن>: الخوض: التّخبّط في الأباطيل شُبّه بخوض الماء و غوصه. و في <حواشي الكشّاف>: الخوض: من المعاني الغالبة، فإنّه يصلح في الخوض في كلّ شىء إلاأنّه غلب في الخوض في الباطل، كالإحضار لأ نّه عامّ في كلّ شيء، ثمّ غلب استعماله في الإحضار للعذاب، قال: {لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرينَ‘} الصّافّات:57، و قوله: { اَ لَّذينَ‘ هُمْ فى خَوْضٍ} ليس صفة قُصِد بها تخصيص المكذّبين و تمييزهم،وإنّما هو للذّمّ، كقولك: <الشّيطان الرّجيم>.

(9: 189)

نحوه الآلوسيّ. (27: 29)

ابن عاشور: و الخوض: الاندفاع في الكلام الباطل و الكذب. و المراد: خوضهم في تكذيبهم بالقرآن، مثل ما حكى الله عنهم: {وَ قَالَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْ انِ وَ الْغَوْا فيهِ ‘لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}

ص: 175

فصّلت: 26، و هو المراد بقوله تعالى: { وَ اِذَا رَاَ يْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَا تِنَا ...} ، و (فى) للظّرفيّة المجازيّة، و هي الملابسة الشّديدة كملابسة الظّرف للمظروف، أي الّذين تمكّن منهم الخوض، حتّى كأنّه أحاط بهم. (27: 57)

الطَّباطَبائيّ: الخوض هو الدّخول في باطلالقول. [ثمّ نقل قول الرّاغِب و قال:]

و تنوين التّنكير في {خَوْضٍ} يدلّ على صفة محذوفة، أي في خوض عجيب. (19: 10)

فضل الله: فهم يخوضون في الأحاديث المطروحة في ساحة الصّراع بين الرّسالة و خصومها، تمامًا، كما لو كانت حركةً لاعبةً لاهيةً، في ما يخوض فيه الخائضون من إثارة الضّجيج و تبادل الصّراخ، لينتهي كلّ شيء بعد ذلك إلى الفراغ الّذي لايحمل معه الإنسان أيّ شيء.

و تلك هي المشكلة الّتي يعانيها الرّسل في مجتمعاتهم عندما يعملون بكلّ الوسائل المتاحة لديهم على إخراجها من أجواء اللّعب، إلى أجواء الجدّ يّة المسؤولة، الّتي تتابع الواقع الجديد باهتمام و تفكير، ليواجهوا الخوف الحقيقيّ من المصير الأُخرويّ. (21: 234)

خَوْضِهِمْ

ثُمَّ ذَرْهُمْ فى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ. الأنعام: 91

راجع: و ذ ر: <ذَرْهُمْ>.

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخَوْض، أي المشي في الماء. يقال: خاض الماء يَخُوضه خَوْضًا و خِياضًا، و اختاض اختياضًا، واختاضَه و تخوّضه، أي مشى فيه، و أخاض فيه غيره، و خوّض تخويضًا، و أخَضتُ في الماء دابّتي، و أخاض القوم: خاضت خيلهم في الماء، و أخاض القوم خيلهم الماء إخاضةً: خاضوا بها الماء.

و المَخاض من النّهر الكبير: الموضع الّذي يتخضخض ماؤه، فيُخاض عند العبور عليه، و هو المَخاضة أيضًا؛ و الجمع: مَخاوض.

و المِخوَض: مِجدَح يُخاض به السّويق. يقال: خاض الشّراب في المِجدَح و خوّضه، أي خلطه و حرّكه.

و الخَوْضَة: اللّؤلؤة، لأنّ الغوّاص يَخُوض الماء لأجلها.

و خُضتُه بالسّيف أخُوضه خَوْضًا: وضَعتُ السّيف في أسفل بطنه ثمّ رفَعتُه إلى فوق، و خوّض في نجيعه، مبالغة في ذلك.

و اختاض المرعى اختياضًا: كثر عُشْبُه و التف، تشبيهًا بخوض الماء الكثير.

و الخِياض: أن تدخل قِدْحًا مستعارًا بين قِداح الميسر يُتيمّن به، لأ نّه يُجال به في اللّعب، كما يُخاض في الماء.

و الخَوْض: اللَّبس في الأمر على التّشبيه، و منه الخَوْض من الكلام، أي ما فيه الكذب و الباطل. يقال: خاض القوم في الحديث و تخاوضوا، أي تفاوضوا فيه،

ص: 176

و خُضتُ الغمرات: اقتَحَمتُها.

2 و استعمل المولّدون الخَوْض بمعنى الخبط. قالوا: خاض في ظلام اللّيل، أي خبطه وسار فيه على غير هدى، كما في كتاب <ألف ليلة وليلة>، و فلان يخوض اللّيل: يختبط فيه غير مكترث بالأهوال، كما في <محيط المحيط>.

الاستعمال القرآ نيّ

جاء منها <الماضي> مرّتين، و <المضارع> 6 مرّات، و <اسم الفاعل> مرّة، و المصدر : <خَوْض> مرّتين، في 9 آيات:

1 {وَخُضْتُمْ كَالَّذى‘ خَاضُوا...} التّوبة : 69

2 {وَلَئِنْ سَاَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ...} التّوبة :65

3 {...اِذَا سَمِعْتُمْ ايَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَ يُسْتَهْزَاُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فى حَديث غََيْرِهِ اِنَّكُمْ اِذًا مِثْلُهُمْ...} النّساء : 140

4 و 5 {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذى‘ يُوعَدُونَ} المعارج : 42، و الزّخرف : 83

6 {وَ اِذَا رَاَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتى |يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘ غَيْرِهِ ...}

الأنعام : 68

7 {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضينَ‘}

المدّثّر :45

8 { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّ بينَ‘* اَ لَّذينَ‘ هُمْ فى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} الطّور : 11،12

9 {... قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}

الأنعام : 91

يلاحظ أوّلا : أنّ الخوض استُعمل مجازًا في القرآن، و فيه بُحُوثٌ:

1 لهم في التّعبير عن معنى <الخوض> عبارات شتّى، سعيًا في تصويره و تجسيمه، فقالوا في (1):{وَخُضْتُمْ كَالَّذى‘ خَاضُوا}: خُضتُم في الباطل، في الكذب و الباطل على الله، و تكذيب رسله و بالاستهزاء بالمؤمنين الخوض: الدّخول في الباطل و اللّهو خلفتم كالّذي خلفوا، و هو مستعار من الخوض في المائعات. و لايستعمل إلا في الباطل، أي في الطّعن على الدّين و تكذيب نبيّهم. خُضتُم في أسباب الدّنيا باللّهو و اللّعب في أمر محمّد 9، التّشبيه من جهة الفعل، أي فعلتم كأفعال الّذين من قبلكم، دخلتم في اللّهو و الباطل، خفتم في حمأة الباطل، كالخوض الّذي خاضوه من كلّ وجه.

و قالوا في (2) {اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ}: الخوض: دخول القدم فيما كان مائعًا، ثمّ كثر حتّى صار في كلّ دخول منه أذًى و تلويث، في الباطل من الكلام، ما قلنا ذلك إلا لأجل اللّعب، قالوا نحن نمزح، و نحوها غيرها ممّا هو ذمّ.

و قالوا في (3) {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘ غَيْرِهِ}: حتّى يكون خوضهم و حديثهم في غير محمّد و القرآن، يتحدّثوا حديثًا غيره، يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بمحمّد و أصحابه و القرآن، يأخذوا في حديث غير القرآن، حتّى يشرعوا في كلام غيرالكفر الاستهزاء بالقرآن.و الخوض: الشّروع فيحديث غير حديثهم الّذي هو كفر و استهزاء، و نحوه.

ص: 177

فالخوض فيها ليس هو الخوض في الباطل، فهذه الآية كالمستثناة من سائر الآيات؛ حيث إنّها ترخيص و تلك ذمّ و تحريم.

2 جاء <الخوض> في خصوص المشركين في الآيات المكّيّة، و في خصوص المنافقين في الآيات المدنيّة. و هي إمّا خطاب للنّبيّ كما في (2): {وَلَئِنْ سَاَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ اِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ}، و (4) و (5):{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا}، و (6):{وَ اِذَا رَاَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘ غَيْرِهِ }، و (9): { قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}. و إمّا خطاب للمسلمين في (3):{فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘ غَيْرِهِ}، أو للمنافقين في (1):{وَخُضْتُمْ كَالَّذى‘ خَاضُوا}. و أراد المشركين بقوله في (8): {اَ لَّذينَ‘ هُمْ فى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ}، و أهل النّار في (7): {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضينَ‘}.

3 ردف اللّعب الخوض و هو فعل في خمسٍ؛ منها: (2) و (4) و (5) و (8) و (9)، و جاء الخوض فعلا فيها أيضًا، ‘إلا في (8) و (9) فجاء مصدرًا. ففي (8) تأخّر {خَوْض} عن الضّمير (هُمْ) و نكّر: { اَ لَّذينَ‘ هُمْ فى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ}، بينما تقدّم عليه في (9) و اتّصل به فعُرّف:{ثُمَّ ذَرْهُمْ فى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}.

و الفرق بينهما أنّ (الخوض)في (9)آكدو أشدّ لأ نّه مضاف إليهم و المضاف إليه: (هم) تأكيد ل (هم) في (ذَرْهُمْ) أمّا (خَوْض) في (8) فليس فيه تأكيد بل التّنكير فيه يفيد الخفّة و القلّة ، بل الحقارة له: مقابل تلك التّأكيد و الشّدّة و التّكبير.

و فرق آخر بينهما أنّ الجارّ و المجرور (فى خوض) في(8) متعلّق ب (يلعبون) تقدّم عليه من أجل الاحتفاظ برويّ جملة من آيات السّورة .

أمّا في (9) ففيه وجوه كما قيل فهو إمّا متعلّق

ب (ذَرْهُمْ ) أو ب (يَلْعَبُونَ) كما في (8)، أو بمحذوف هو حال من مفعول (ذَرْهُمْ) أي ذرهم عابثين في خوضهم.

4 إنّ قوله في (3) و (6):{حَتى |يَخُوضُوا فى حَديثٍ‘ غَيْرِهِ} رخصة في الإقبال على الكافرين، و القعود مع المنافقين، ماداموا لايخوضون في آيات الله و لايستهزئون بها، لما في ذلك هدايتهم و كسب ودّهم، كما أطالوا فيه الكلام فلاحظ النُّصوص.

5 و الفرق بين هاتين: (3) و (6) كما سبق أنّ (3) خطاب للمسلمين فيشملهم جميعًا، و (6) خطاب للنّبيّ 7، و عندهم بحث طويل في أنّه حكم خاص به 7، أو يعمّ المسلمين إذا كانوا في نفس حالته 7، و هذا أظهر حكمًا لاخطابًا.

ثانيًا: الثّلاث الأُولى منها مدنيّة خاصّة بالمنافقين و المؤمنين و ضعفاء الإيمان، و السّتّ الباقية مكّيّة خاصّة بالمشركين.ثالثًا: استُعملت ألفاظ أُخرى بمعنى الخوض،

و منها:

الخلط:{وَ ا خَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَ اخَرَ سَيِّئًا}

التّوبة : 102

اللَّبس:{وَ لاتَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} البقرة : 42

الدّخول: {يَا ءََ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً}

البقرة : 208

ص: 178

خ و ف

اشارة

36 لفظًا ، 119 مرّة : 72 مكّيّة ، 47 مدنيّة

في 42 سورة : 30 مكّيّة ، 12 مدنيّة

خاف 6: 4 2 تخافى 1: 1

خافوا 1 : 1 اَخاف 23: 19 4

خافت 1: 1 نخاف 2: 1 1

خِفْتُم 7: 7 خافون

1: 1

خِفْتِ 1 : 1 خائفًا

2: 2

خِفْتُ 1 : 1 خائفين

1: 1

خِفتُكُم 1 : 1 خيفَة

4 : 4

يخا ف 5 : 5 خيفته

1: 1

يخافه 1: 1 خيفتكم

1: 1

يخافا 1 : 1 خَوْف

16: 8 8

يخافون 11 : 4 7 الخوف 5 : 1 4

يخافوا 1 : 1 خوفًا

4: 2 2

تخاف 1 : 1 خوفهم 1: 1

تخَفْ 9 : 9 يُخوّف

2: 1 1

تخافنّ 1 : 1 يُخوّفونك 1: 1تخافا 1 : 1 نُخوّفهم 1: 1

تخافونهم 1 : 1 تخويفًا 1: 1

تخافوهم 1 : 1 تخَوّف 1: 1

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: الخافة تصغيرها: خُوَيْفَة، و اشتقاقها من < الخَوْف >، و هي جُبّة يلبسها العسّال و السّقّاء.

و الخافَة: العَيْبَة.

و صار ت الواو في < يخاف > ألِفًا، لأ نّه على بناء < عَمِل يَعْمَل > فألقوا الواو استثقالا . و فيها ثلاثة أشياء: الحرف و الصّرف و الصّوت. و ربّما ألقوا الحرف و أبقوا الصّرف و الصّوت، و ربّما ألقوا الحرف بصرفها و أبقوا الصّوت، فقالوا: يخاف، و أصله يَخْوَف، فألقوا الواو و اعتمدوا الصّوت على صرف الواو.

ص: 179

و قالوا: خاف، و حَدّه خَوِف، فألقوا الواو بصرفها و أبقوا الصّوت، و اعتمدوا الصّوت على فتحة الخاء، فصار منها ألِفًا ليّنةً، و كذلك نحو ذلك فافهم.

و منه: التّخويف و الإخافة و التّخوّف. و النّعت: خائف و هو الفَزِع، و تقول: طريق مَخُوف: يخافه النّاس، و مُخيف: يُخيف النّاس.

و التّخوّف: التّنقّص، و منه قوله تعالى: { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّف } النّحل:47.

و خَوّفتُ الرّجل: جعَلت فيه الخَوْف.

و الخيفة: الخوف، و قد جرّت كسرة الخاء الواو.

و قد يقال: خَوّفتُ الرّجل، أي صيّرته بحال يخافه النّاس. (4: 312)

سيَبَويه: سألت الخَليل عن < خاف >، فقال: يصلح أن يكون < فاعلا >: ذهبت عينُه، و يصلح أن يكون < فَعِلا >، قال: و على أيّ الوجهين وجّهتَه، فتحقيره بالواو. (ابن سيده 5: 307)

اللّيث: وجَعٌ مَخُوف و مُخيف، يُخيف من رآه. و حائط مخوف، و ثَغْرٌ مَخُوف، يُفرَق منه، و يجيء الخوف من قبله. (الأزهَريّ7: 593)

نحوه الأصمَعيّ. (الحَرْبيّ 2: 834)

الكِسائيّ: ماكان من ذوات الثّلاثة من بنات الواو، فإنّه يُجمَع على <فُعَّل >. و فيه ثلاثة أوجه: يقال: خائف: و خُيَّف، و خِيَّف و خُوّفٌ.

(الأزهَري 7: 594)

الأصمَعيّ: الخيف: جماعة خيفة، من الخوف.[ثمّ استشهد بشعر] (الحَرْبيّ 2: 834)

اللِّحيانيّ: و أخافه إيّاه إخافةً، و إخافًا.

(ابن سيده 5: 306)

و حائط مَخُوف، إذا كان يُخْشى أن يقع هو.

خوِّفنا، أي رقّق لنا القرآن و الحديث حتّى نخاف.

(ابن سيده 5: 307)

ابن الأعرابيّ: تحَوّفتُ الشّيء و تحيّفتُه وتخوّفته و تخيّفته، إذاتنقّصتُه. (الأزهَريّ 7: 594)

ابن السّكّيت: أخاف القوم، إذا أتَوْا خَيْفَ مِنى، فنزلوا.

يقال: هو يتَحَوّف المال و يتَخَوّ فه، أي يتنقّصه

و يأخذمن أطرافه. [ثمّ استشهدبشعر]

(الأزهَريّ 7: 594)

البندنيجيّ: و التّخوّف: من الخوف، و التّخوّف: أن تأخذ مال الرّجل قليلا، قال الله تعالى: { اَوْ ياْخُذَهُمْ عَلىتَخَوُّف } النّحل: 47، أي شيئًا بعد شيء. (587)

الحَرْبيّ: [في حديث عن النّبيّ (صلی الله علیه و آله)] < من أخاف أهل المدينة أخافه الله>. قوله:<من أخاف أهل المدينة> الخوف: الفزع، و كذلك: التّخويف، و طريق مخوف: يخافه النّاس، و مُخيف: يُخيف النّاس. (2: 834)

كراع النّمل: و الخوف: أديم أحمر تُقَدّ منه أمثال السُّيور، ثمّ يُجعَل على تلك السُّيور شَذَرٌ تلبسه الجارية. (ابن سيده 5: 307)

ابن دُرَيْد: و الخوف: ضدّ الأمن، من خاف يخاف خوفًا.

و الخيفة من الخوف؛ و الجمع: خِيْف.

ص: 180

و طريق مخوف، إذا استهدم. و قول مُخيف: خطأ.

و أخاف الرّجل، و هو مُخيف. و خُواف: موضع.

(2: 239)

و الخَوْف: معروف. و الخيفة: الخوف، قلبت الواو ياءً لكسرة ما قبلها.

و المَخاوف: مواضع الخوف. (3: 239)

الصّاحِب: خاف يخاف خوفًا، و منه التّخويف

و الإخافة.

و الخوف: الفزع.

و طريق مَخُوف: يخافه النّاس، و مُخيف: يُخيف النّاس، و خائف: ذو خوف.

و خَوّفتُه: جعلت فيه الخَوْف، و صيّرته بحال يخافه النّاس.

و الخِيْفة: الخوف؛ و جمعه: خِيْف.

و أخاف الثّغر فهو مُخيف. و خاوفني فخُفتُه أخُوفه.

و الخافة: العَيْبَة و الخريطة، و هي أيضًا: جُبّة من أدَم يلبسها العَسّال و السّقّاء، و تصغيرها خُوَيْفَة.

و سمعت خواف القوم و خواتهم: أي ضجّتهم.

و تخوّف من مالي، أي تنقّصه، و تخوّفَتْنا السّنة،

و تخوّفني حقّي. (4: 423)

الجَوهَريّ: خاف الرّجل يخاف خوفًا و خيفةً و مخافةً، فهو خائف، و قوم خُوّفٌ على الأصل، و خُيّفٌ على اللّفظ. و الأمر منه: خَفْ، بفتح الخاء.

و ربّما قالوا: رجل خافٌ، أي شديدالخوف، جاءوا به على < فَعِل >، مثل فَرِق و فَزِع، كما قالوا: رجل صاتٌ، أي شديد الصّوت.و الخيفة: الخوف؛ و الجمع: خيفٌ، و أصله الواو.

و خاوفه فخافه يخوفه: غلبه بالخوف، أي كان أشدّ خوفًا منه.

و الإخافة: التّخويف.

يقال: وجَعٌ مُخيف، أي يُخيف من رآه.

و طريق مَخوف، لأ نّه لايُخيف، و إنّما يُخيف فيه قاطع الطّريق. و تخوّفت عليه الشّيء، أي خِفتُ.

وتخوّفه،أي تنقّصه.ومنه قوله تعالى: { اَوْ يَاْ خُذَهُمْ عَلى تَخَوُّف } .

و الخافة: خريطَةٌ من أدم يُشتار فيها العسل. [واستشهد بالشّعر 3مرّات] (4: 1358)

ابن فارِس:الخاء و الواو والفاء أصل واحد، يدلّ على الذُّعْر و الفَزَع. يقال: خِفْتُ الشّيء خوفًا وخيفةً. و الياء مُبدَلة من واو لمكان الكسرة.

و يقال: خاوَفني فلان فخُفتُه، أي كنت أشدّ خوفًا منه.

فأمّا قولهم: تخوّفت الشّيء، أي تنَقّصتُه، فهو الصّحيح الفصيح، إلا أ نّه من الإبدال، و الأصل النّون من التّنقّص، و قد ذُكر في موضعه. (2: 230)

أبوهلال: الفرق بين الخوف و الخشية: [تقدّم في < خ ش ي >]

الفرق بين الخوف و الرّهبة: أنّ الرّهبة طول الخوف و استمراره، و من ثمّ قيل للرّاهب راهب، لأ نّه يديم الخوف. و الخوف: أصله من قولهم: جمل رَهِبٌ، إذا كان طويل العظام مشبوح الخلق.

ص: 181

و الرّهابة: العَظْم الّذي على رأس المعدة، يرجع إلى هذا.

و قال عليّ بن عيسى: الرّهبة: خوف يقع على شريطة لامخافة، و الشّاهد أنّ نقيضها الرّغبة، و هي السّلامة من المخاوف مع حصول فائدة؛ و الخوف مع الشّكّ بوقوع الضّرر، و الرّهبة مع العلم به يقع على شريطة كذا، و إن لم تكن تلك الشّريطة لم تقع.

الفرق بين التّخويف و الإنذار: أنّ الإنذار تخويف مع إعلام موضع المخافة، من قولك: نذرت بالشّيء إذا علمته فاستعددت له. فإذا خوّف الإنسان غيره، و أعلمه حال ما يخوّفه به فقد أنذره، و إن لم يُعلمه ذلك لم يقل: أنذره.

و النّذر ما يجعله الإنسان على نفسه إذا سلم ممّا يخافه، و الإنذار إحسان من المُنذر، و كلّما كانت المخافة أشدّ كانت النّعمة بالإنذار أعظم، و لهذا كان النّبيّ(صلی الله علیه و آله)أعظم النّاس منّة بإنذاره لهم عقاب الله تعالى.

الفرق بين الخوف و الحذر و الخشية و الفزع: [تقدّم في < ح ذ ر >]

الفرق بين الخوف و الهلَع و الفزع: أنّ الفزع مفاجأة الخوف عند هجوم غارة، أو صوت هدّة و ما أشبه ذلك، و هو انزعاج القلب بتوقّع مكروه عاجل. و تقول: فزعت منه، فتُعدّيه ب <من >، و خفته فتُعدّيه بنفسه. فمعنى خفته، أي هو نفسه خوفي، و معنى فزعت منه، أي هو إبتداء فزعي، لأنّ < من > لابتداء الغاية و هو يؤكّد ما ذكرناه.

و أمّا الهلع فهو أسوأ الجزع، و قيل: < الهلوع >، على ما فسّره الله تعالى في قوله تعالى: { اِنَّ الاِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * اِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَاِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا } المعارج: 1921، و لايسمّى هلُوعًا حتّى تجتمع فيه هذه الخصال.

الفرق بين الخوف و الهول: أنّ الهول مخافة الشّيء، لايدري على ما يقحم عليه منه، كهول اللّيل و هول البحر، و قد هالني الشّيء و هو هائل. و لايقال: أمر مهول إلا أنّ الشّاعر قال في بيت:

و مهول من المناهل وحش

ذي عراقيب أُخر مذقان

و تفسير المهول: أنّ فيه هولا ، و العرب إذا كان الشّيء له يخرجونه على < فاعل >، كقولهم: دارع، و إذا كان الشّيء أُنشئ فيه، أخرجوه على < مفعول >، مثل يحبّون فيه ذلك و مديون عليه ذلك، و هذا قول الخليل.

الفرق بين الخوف و الوجَل: أنّ الخوف خلاف الطّمأنينة، و وَجِل الرّجل يَوجَل وجَلا ، إذا قلق و لم يطمئنّ. و يقال: أنا من هذا على وجل و من ذلك على طمأنينة، و لايقال: على خوف في هذا الموضع.

و في القرآن { الَّذينَ‘ اِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَت قُلُوبُهُمْ } الأنفال:2، أي إذا ذكرت عظمة الله و قدرته لم تطمئن قلوبهم إلى ما قدّموه من الطّاعة، و ظنّوا أ نّهم مقصّرون، فاضطربوا من ذلك و قلقوا.

فليس< الوجل > من الخوف في شيء، و خافَ متعدّ و وَجِل غير متعدّ و صيغتاهما مختلفتان أيضًا؛ و ذلك يدلّ على فرق بينهما في المعنى. (200)

ص: 182

ابن سيده: الخَوْف: الفزع. خافه يخافه خَوفًا، و خيفةً، و مخافة، و قوم خُوّفٌ، و خُيّف، و خِيّف، و خُوفٌ؛ الأخيرة اسم للجمع، كلّهم: خائفون.

و تخوّفه، كخافه.

و خوّف الرّجل: جعل النّاس يخافونه، و في التّنزيل: { اِنَّمَا ذ لِكمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } آل عمران: 17 ، أي يجعلهم يُخافون أولياءه.

و العرب تُضيف المخافة إلى المَخوُف، فتقول: أنا أخافك كخوف الأسد، أي كما أُخوَّف بالأسد. حكاه ثَعْلَب.

و الّذي عندي في كلّ ذلك أنّ المصدر يضاف إلى الفاعل، و في التّنزيل: { لايَسَْمُ =الاِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ } فصّلت: 49، فأضاف الدّعاء، و هو مصدر، إلى الخير، و هو مفعول. و على هذا قالوا: أعجبني ضرب زيد عمرو، فأضافوا المصدر إلى المفعول، الّذي هو زيد.

والاسم من ذلك كلّه:الخيفة، في التّنزيل:{ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً‘ } الأعراف: 204.و الجمع: خِيْف،

و قال اللِّحيانيّ: خافه خِيفةً، و خِيفًا، فجعلهما مصدَرين.

و رجل خافٌ: خائف.

و المَخاف و المَخِيف: موضع الخوف، الأخيرة عن الزّجّاجيّ.

و طريق مَخُوف، و مُخِيف، و وَجَع مَخُوف و مُخيف.

و خص يعقوب ب < المخوف > : الطّريق ،

و< بالمُخيف> : الوجع .

و ثَغْرٌ مُتخَوَّف، و مُخيف، إذا كان الخوف يجيء من قِبَله.

و أخافَ الثّغْر: أفزَع، و دخل القومَ الخوف منه.

و الخوف: القتل،و الخوف: القتال، و الخوف: العلم.

و الخَوّاف: طائر أسود، لاأدري لِمَ سُمّي بذلك.

و الخافة: خريطَةٌ من أدم ضيّقة الأعلى واسعة الأسفل، يُشتار فيها العسَل.

و الخافة: جُبّة يلبسها العسّال. و قيل: هي فَرْوٌ من أدم يلبسها الّذي يدخل في بيت النّحل لئلا تلسعه.

و الخافة: العَيْبَة.

و التّخوّف: التّنقّص، و كذلك التّخويف، يقال: خوّفه، و خوّف منه.

و خوّف غنمه: أرسلها قِطعةً قطعةً. [و استشهد بالشّعر7 مرّ ات] (5: 305)

الطُّوسيّ: و الخوف: انزعاج النّفس بتوقّع الشّرّ و نقيضه الأمن، و هو سكون النّفس بتوقّع الخير.

(6: 63)

و الخوف و الفزع و القلق نظائر، و نقيضه: الأمن.

(6: 108)

و الخوف: انزعاج النّفس بتوهّم وقوع الضّرر، خاف من كذا يَخاف خوفًا فهو خائف. و الشّيء مخوف. (6: 229)

و الخوف و الخشية و الفزع نظائر، و هو انزعاج

ص: 183

النّفس ممّا لاتأمن معه من الضّرر، و ضدّ الأمن الخوف.

(6: 244)

و الخوف: انزعاج النّفس بتوقّع الضّرر، و نقيضه: الأمن، و هو سكون النّفس إلى خلوص النّفع، و نظير الخوف: الفزع و الذُّعر و الجزع.

(8: 9)

الخوف: توقّع ضرر لايُؤمَن به. (8: 131)

الرّ اغِب: الخوف: توقّع مكروه عن أمارة مظنونة، أو معلومة، كما أنّ الرّجاء و الطّمع توقّع محبوب عن أمارة مظنونة، أو معلومة. و يضادّ الخوف: الأمن، و يُستعمل ذلك في الأُمور الدّ نيويّة و الأُخرويّة. [ ثمّ ذكر بعض الآيات]

و قوله: { وَ اِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} النّساء:35، فقد فُسّر ذلك بعَرِفتُم، و حقيقته: و إن وقع لكم خوف من ذلك لمعرفتكم.

و الخوف من الله لايراد به ما يخطر بالبال من الرّعب، كاستشعار الخوف من الأسد، بل إنّما يراد به الكفّ عن المعاصي و اختيار الطّاعات، و لذلك قيل: لايعدّ خائفًا من لم يكن للذّنوب تاركًا.

و التّخويف من الله تعالى: هو الحثّ على التّحرّز، و على ذلك قوله تعالى: { ذلِكَ ’يُخَوِّ فُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ } الزّمر: 16، و نهى الله تعالى عن مخافة الشّيطان، و المبالاة بتخويفه، فقال: { اِنَّمَا ذلِكُمُ’ الشَّيْطَانُ يُخَوِّ فُ اَوْلِيَاءَهُ فَلاتَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْ مِنينَ ‘} آل عمران: 175، أي فلاتأتمروا للشّيطان و ائتمروا لله، و يقال: تخوّفناهم أي تنقّصناهم تنقّصًا اقتضاه الخوف منه. و قوله تعالى:{ وَ اِنّى خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِنْ وَرَائى } مريم: 5، فخوفه منهم: أن لايراعوا الشّريعة،

و لايحفظوا نظام الدّين، لاأن يرثوا ماله كما ظنّه بعض الجهلة، فالقنيّات الدّنيويّة أخس عند الأنبياء : من أن يشفقوا عليها.

و الخيفة: الحالة الّتي عليها الإنسان من الخوف، قال تعالى: { فَاَوْجَسَ فى نَفْسِهِ خيفَةً مُوسى * قُلْنَا لا تَخَف } طه: 67، 68 و استُعمل استعمال الخوف في قوله: { وَ الْمَلئِكَةُ’ مِنْ خيفَتِهِ} الرّعد:13، و قوله : { تَخَافُونَهُمْ كَخيفَتِكُمْ اَنْفُسَكُمْ } الرّوم: 28،أي كخوفكم . و تخصيص لفظ < الخيفة > تنبيهًا أنّ الخوف منهم حالة لازمة لاتفارقهم.

و التّخوّف: ظهور الخوف من الإنسان، قال: { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّ ف } . (161)

الزّمَخْشَريّ: خِفتُه على مالي خوفًا و خيفةً، و تخوّفتُه عليه، و ما أخوَفني عليك، و هذا أمر مخوف، < و أخْوَف ما أخاف عليكم ضعف الإيمان > و هرب مخافة الشّرّ، و أدركته المخاوف، و القوم خُوَّف و أخافه و خوّفه و تخوّفه: جعله مخوفًا.

تقول: ما كنت خائفًا فخوّفني فلا ن.

و ما كان الطّريق مخوفًا فخوّفه السّبع أو العدوّ،

و أخاف الطّريق و الثّغر، و طريق و ثغر مخيف.

و من المجاز: طريق خائف.

و تخوّفه: تنقّصه و أخذمن أطرافه.

و يقال: تخوّفَتْنا السّنة.

و تخوّفني حقّي، إذا تهضمك { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّف } ، أي يصابون في أطراف قراهم بالشّرّ حتّى

ص: 184

يأتي ذلك عليهم. (أساس البلاغة: 122)

ابن الأ ثير: في حديث عُمر < نِعْم المرء صُهَيْب لو لم يخف الله لم يعصه >. أراد أنّه إنّما يطيع الله حبًّا له لاخوف عقابه، فلو لم يكن عقاب يخافه ماعصى الله. ففي الكلام محذوف تقديره:لو لم يخف الله لم يعصِه فكيف و قد خافه!

و فيه< أخيفُوا الهَوامّ قبل أن تُخيفكم > أي احترسوا منها، فإذا ظهرمنها شيء فاقتلوه. المعنى اجعلوها تخافكم، و احملوها على الخوف منكم، لأ نّها إذا رأتكم تقتلونها فرّت منكم.

و في حديث أبي هريرة < مثل المؤمن كمثل خافة الزّرع > الخافة: وعاء الحَبّ، سمّيت بذلك لأ نّها وِقاية له. و الرّواية بالميم، و ستجيء. ( 2: 88)

الفَيُّوميّ: خاف يخاف خوفًا و خيفةً و مخافةً.

و خِفتُ الأمر يتعدّى بنفسه، فهو مَخُوف.

وأخافني الأمرفهو مُخيف بضمّ الميم اسم فاعل فإنّه يُخيف من يراه.

و أخاف اللُّصوص الطّريق، فالطّريق مُخاف على < مُفعَل > بضمّ الميم، و طريق مَخُوف بالفتح أيضًا، لأنّ النّاس خافوا فيه.

و مال الحائط فأخاف النّاس فهو مُخيف، و خافوه فهو مَخُوف.

و يتعدّى بالهمزة و التّضعيف، فيقال: أخفته الأمر فخافه، و خوّفتُه إيّاه فتخوّفه. (1: 184)

الفيروزاباديّ: خاف يخاف خوفًا و خيفًا و مخافةً و خيفةً، بالكسر، و أصلها: خِوْفَة؛ و جمعها خِيْف: فزع، و هم خُوَّف و خِيَّف، كسُكّر و قِنَّب، و خَوْف، أو هذه: اسم للجمع.

و الخوف أيضًا: القتل، قيل: و منه:{ وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَىْء مِنَ الْخَوْفِ } البقرة: 155، و القتال، و منه: { فَاِذَا جَاءَ الْخَوْفُ } الأحزاب: 19، و العلم، و منه: { وَ اِنِ امْرَاَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوْ اِعْرَاضًا } النّساء: 128، و { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوص جَنَفًا } البقرة: 182.

و أديم أحمر يُقَدّ أمثال السُّيور، لغة في < الحوف > بالمهملة .

و رجل خاف: شديد الخوف.

و الخافة: جُبّة من أدم يلبسها العَسّال أو خريطة يُشتار فيها العسل، أو سُفرة كالخريطة مُصَعّدة، قد رُفع رأسها للعسل.

و خُفتُه، كقلته: غلبته بالخوف.

و طريق مَخُوف: يخاف فيه، و وجَع مُخيف، لأنّ الطّريق لاتُخيف، و إنّما يُخيف قاطعها.

و المُخيف: الأسد. و حائط مُخيف، إذا خِفتَ أن يقع عليك.

و خوّفه أخافه، أو صيّره بحال يخافه النّاس.

و تخوّف عليه شيئًا: خافه، و الشّيء: تنقّصه، و منه: { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّ ف } .

و خواف، كسحاب: ناحية بنيسابور.

و سمع خوافَهُم: ضجّتهم. (3: 144)

العَدْنانيّ: خاف العدوّ، خاف العدوّ العرب، خاف من العرب، خافه على كذا.

ص: 185

و يخطّئون من يقول: خاف العدوّ من العرب، و يقولون: إنّ الصّواب هو: خاف العدوّ العرَبَ.و الحقيقة هي:

أ خاف العدوّ: < خاف > فعل لازم، كما تقول المعجمات كلّها.

ب خاف العدوّ العرَبَ: جاء في الآية: 28، من سورة المائدة{ اِنّى اَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمينَ ‘}. و في حديث عمر:< نعم المرء صُهَيْب لو لم يخف الله لم يعصِه > أي لو لم يخف الله لم يعصِه، فكيف و قد خافه!

و ممّن قال < خافه > أيضًا: معجم ألفاظ القرآن الكريم، و الصّحاح، و معجم مقاييس اللُّغة، و مفردات الرّاغِب الأصفهانيّ، و الأساس، و النّهاية، و اللّسان، و المصباح، و القاموس، و التّاج، و المدّ، و محيط المحيط، و أقرب الموارد.

ج خاف العدوّ من العرب: قال تعالى في الآية العاشرة من سورةالدّهر:

{ اِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَريرًا ‘} و ممّن قال: خاف من كذا أيضًا: مفردات الرّاغِب الأصفهانيّ، و النّهاية، و اللّسان، و المدّ، و محيط المحيط، و أقرب الموارد، و الوسيط.

د و ممّن قال: خافه على كذا: الأساس، و المدّ، و محيط المحيط، و الوسيط.

و في وسعنا أن نقول أيضًا: خِفْت على فلان.

أمّا فعله فهو: خافه يخافه خوفًا، و خيفًا، و خيفةً، و مخافةً، فهو: خائف، و هم: خُوّفٌ، و خُيّفٌ، و خِيّفٌ. و ربّما قالوا: خافٌ أي شديد الخوف. (208)

مَجْمَعُ اللُّغة: 1 الخوف: الفزع لتوقّع مكروه. يقال: خاف يخاف خوفًا و خيفةً، فهو خائف، و هم خائفون.

و ضدّ الخوف: الأمن.

2 خوّفه تخويفًا: جعل فيه الخوف، و منه قولهم: فلان يُخوّف النّاس بوعظه.

3 و خوّفه فلانًا وخوّفه بفلان أو بكذا تخويفًا: حمله على أن يخافه.

4 تخوّفه تخوّفًا: تنقّصه و أخذ من أطرافه، و هو تعبير مجازيّ، و معناه: نقصه قليلا قليلا كأ نّه يخافه.

(1: 368)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم. (1: 176)

محمود شيت: أ خافه خوفًا: غلبه بالخوف، أي كان أشدّ خوفًا منه.

ب خاف خوفًا و مَخافةً و خيفةً: توقّع حلول مكروه أو فوت محبوب. و يقال: خافه على كذا، و خاف منه، و خاف عليه، فهو خائف؛ جمعه: خُوّف، و خُيّف. و المفعول: مَخُوف.

و خاف: فزع، و خاف: علم و تيقّن، قال تعالى: { وَ اِن ِامْرَاَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوْ اِعْرَاضًا } النّساء: 128.

ج أخاف الطّريق أوالثّغر، إخافةً، وإخافًا:أفزع.و يقال: أخافه الأمرأو غيره. و أخافه الأمر: فزّعه منه .

و أخاف فلانًا أو الشّيء: جعله مخوفًا.

د خاوفه: خوّف كلّ منهما صاحبه. يقال:

ص: 186

خاوفه فخافه.

ه خوّفه: فزّعه. و يقال: خوّفه الأمر: فزّعه منه.

و تخوّف مطاوع: خوّفه. و تخوّف عليه شيئًا، خافه.

و يقال: تخوّفه على كذا.

ز الخاف: يقال: رجل خافٌ: شديد الخوف.

ح الخوّاف: يقال: سمع خوافهم: ضجّتهم.

ط الخوف: القتال.

الخوف: يقال: يوم الخوف: يوم القتال. (1: 225)

المُصْطَفَويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة، هو ما يقابل الأمن، كما أنّ الوحش ما يقابل الأُنس، و الرّهبة ما يقابل الرّغبة.

و يعتبر في الخوف: توقّع ضرر مشكوك و الظّن بوقوعه، و إذا أراد التّوقّي منه، فيقال في هذا المقام الحذر. و إذا أدام الخوف و استمرّ، فهو الرّهب.

و إذا حصل الخوف و أثره مفاجأة و لم يتحمّل به و انزعج قلبه، فهوالفزع.

كما أنّ الهَلَع و الذُّعر: مرتبتان من الفزع و الجزع.

فالخوف: حالة تأثّر و اضطراب بتوقّع ضرر مستقبل، أو مواجه يذهب بالأمن.

و يدلّ على كونه ضدّ الأمن، قوله تعالى: { وَ لاتَخَف اِنَّكَ مِنَ الامِنينَ ‘} القصص: 31،{ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ اَمْنًا } النّور:55،{ وَ امَنَهُمْ مِنْ خَوْف} قريش: 4.

و يتعدّى إلى مفعول واحد مذكورًا أو مقدّرًا { لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الاخِرَ ’ةِ} هود: 103. [ ثمّ ذكر آيات أُخرى ]

فيُحذف المفعول إذا كان معلومًا، أو ليدلّ على الإطلاق و لايكون أمر مخصوص مقصودًا، أو لأولويّة تركه ذكرًا.

و يُذكر مع المفعول ما يكون الخوف ناشئًا منه، كما في { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوص ٍجَنَفًا }البقرة: 182. [ثمّ ذكر آيات أُخرى]

و قد يُذكر مايكون الخوف مستعليًا عليه و مرتبطًا به كما في{ ذُرِّ يَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ } النّساء: 9. [ثمّ ذكر آيات أُخرى]

و الخيفة: أصلها خِوْفة على < فِعْلَة > كالقِعْدة، أُبدلت الواو ياءً، و تدلّ على نوع مخصوص من الخوف { تَضَرُّعًا وَخيفَةً‘ } الأعراف: 205. [ثمّ ذكر آيات أُخرى]

فتدلّ على خوف مخصوص في هذه الموارد.

و التّخويف يتعدّى إلى مفعولين مذكورين أو مقدّرين { وَ مَا نُرْسِلُ بِالايَاتِ ’اِلا تَخْويفًا ‘} الإسراء: 59، أي جعلهم خائفين، { يُخَوِّفُاَوْلِيَاءَهُ } آل عمران : 175، أي يجعل أولياءه خائفين ، { وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذينَ‘ مِنْ دُونِهِ } الزّمر: 36، أي و يجعلونك خائفًا.

و التّخوّف: تفَعّل لمطاوعة التّفعيل. يقال: خوّفتُه فتخوّف، أي اختار الخوف، كما في{ اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلىتَخَوُّف فَاِنَّ رَ بَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحيمٌ ‘}. [ ثمّ ذكر آيات أُخرى ]

فإنّ من أطاع الله و عمل بوظيفة عبوديتّه

ص: 187

و اجتنب عن الخلاف، فهو من الآمنين من سخط مولاه الرّبّ، و من الواردين في زمرة عبيده المطيعين، و هو يعيش تحت سيطرته و حكومته القاهرة، و الله عزّوجلّ غالب على أمره، و لايبقى له وحشة و لااضطراب و لاخوف، و لايحزن على ما فات عنه، فإنّه يُفوّض أمره إليه و يتوكّل عليه و هو حسبه.

فمرجع الأُمور المذكورة في الآيات الكريمة: إلى الطّاعة و العبوديّة، و قد صرّح بها في قوله: { اِنَّ الَّذينَ‘ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاهُمْ يَحْزَنُونَ } الأحقاف: 13،{ يَا عِبَادِ لاخَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَ لا اَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } الزّخرف:68.

و على هذا المبنى نزلت الآيات الكريمة. [ثمّ ذكر آيات أُخرى]

فهذه الآيات ذكرى و إرشاد إلى ما ذُكر من أنّ الطّاعة و العبوديّة توجب رفع الخوف.

و أمّا الآيات { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ } القصص:21،{ فَاَصْبَحَ فِى الْمَدينَةِ خََائِفًا يَتَرَقَّبُ } القصص: 18، { وَ لَهُمْ عَلَىَّ ذَنْبٌ فَاَخَافُ اَنْ يَقْتُلُونِ } الشّعراء: 14، فالخوف فيها نتيجة ذنب واقع و بالنّسبة إلى خطإ صادر. (3: 145)

النُّصوص التّفسيريّة

خَافَ

1 فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوص جَنَفًا اَوْ اِثْمًا فَاَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلااِثْمَ عَلَيْهِ اِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘. البقرة: 182

ابن عبّاس: علم من الميّت. (25)

الطُّوسيّ: فإن قيل: كيف قال: { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوص } لما قد وقع، و الخوف إنّما يكون لما لم يقع؟ قيل فيه قولان:

أحدهما: أنّه خاف أن يكون قد زلّ في وصيّته، فالخوف للمستقبل، و ذلك الخوف هو أن يظهر مايدلّ على أ نّه قد زلّ، لأ نّه من جهة غالب الظّنّ.

الثّاني: لما اشتمل على الواقع، و ما لم يقع جاز فيه {خَافَ} ذلك، فيأمره بما فيه الصّلاح، و ما وقع ردّه إلى العدل بعد موته. (2: 111)

الواحديّ: أي علم. و الخوف يُستعمل بمعنى العلم، لأنّ في الخوف طرقًا من العلم؛ و ذلك أنّ القائل إذا قال: أخاف أن يقع أمركذا، كأ نّه يقول: أعلم. و إنّما يخاف لعلمه بوقوعه،فاستُعمل الخوف في العلم، و منه قوله تعالى:{ وَ اَنْذِرْ بِهِ الَّذينَ‘ يَخَافُونَ اَنْ يُحْشَرُوا } الأنعام: 51، و قوله: { اِلا اَنْ يَخَافَا اَ لايُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } البقرة: 229. (1: 270)

نحوه البغَويّ. (1: 213)

الزّمَخْشَريّ: فمن توقّع و علم، و هذا في كلامهم شائع. يقولون: أخاف أن تُرسل السّماء، يريدون: التّوقّع و الظّنّ الغالب الجاري مجرى العلم. (1: 334)

نحوه البَيْضاويّ (1: 100)، و النّسَفيّ (1: 93)، و أبوالسُّعود (1: 240)، و البُرُوسَويّ(1: 287)،و شُبّر (1: 184)، و القاسميّ (3: 411).

الطَّبْرِسيّ: أي خشى، و قيل: علم، لأنّ في الخوف طرفًا من العلم، و ذلك أنّ القائل إذا قال: أخاف أن يقع أمر كذا، فكأ نّه يقول: أعلم. و إنّما يخاف

ص: 188

لعلمه بوقوعه، و منه قوله: { وَاَنْذِرْ بِهِ الَّذينَ‘ يَخَافُونَ اَنْ يُحْشَرُوا اِلى رَبِّهِمْ } الأنعام: 51، و قوله: { اِلا اَنْ يَخَافَا اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } البقرة: 229. [ثمّ أدام نحو الطُّوسيّ] (1: 269)

الفَخْرالرّازيّ: في قوله تعالى: { فَمَنْ خَافَ } قولان: أحدهما: أنّ المراد منه هو الخوف و الخشية.

فإن قيل: الخوف إنّما يصحّ في أمر منتظر، و الوصيّة وقعت، فكيف يمكن تعلّقها بالخوف؟

و الجواب من وجوه:

أحدها: أنّ المراد أنّ هذا المصلح إذا شاهد الموصي يوصي، فظهرت منه أمارات الجنف الّذي هو الميل عن طريقة الحقّ مع ضرب من الجهالة، أو مع التّأويل، أو شاهَد منه تعمّدًا بأن يزيد غير المستحقّ، أو ينقص المستحقّ حقّه، أو يعدل عن المستحقّ، فعند ظهور أمارات ذلك و قبل تحقيق الوصيّة يأخذ في الإصلاح، لأنّ إصلاح الأمر عند ظهور أمارات فساده و قبل تقرّر فساده يكون أسهل، فلذلك علّق تعالى بالخوف من دون العلم، فكأنّ الموصي يقول و قد حضر الوصيّ و الشّاهد على وجه المشورة :أُريد أن أُوصي للأباعد دون الأقارب، و أن أزيد فلانًا مع أ نّه لايكون مستحقًّا للزّيادة، أو أُنقص فلانًا مع أ نّه مستحقّ للزّيادة، فعند ذلك يصير السّامع خائفًا من جنف و إثم لاقاطعًا عليه، و لذلك قال تعالى: { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوص جَنَفًا } فعلّقه بالخوف الّذي هو الظّنّ، و لم يعلّقه بالعلم.

الوجه الثّاني: في الجواب: أ نّه إذا أوصى على الوجه الّذي ذكرناه، لكنّه يجوز أن لايستمرّ الموصي على تلك الوصيّة بل يفسخها، و يجوز أن يستمرّ، لأنّ الموصي ما لم يمت فله الرّجوع عن الوصيّة و تغييرها بالزّيادة و النّقصان، فلمّا كان كذلك لم يصرّ الجنف و الإثم معلومين، لأنّ تجويز فسخه يمنع من أن يكون مقطوعًا عليه، فلذلك علّقه بالخوف.

الوجه الثّالث في الجواب: أنّ بتقدير أن تستقرّ الوصيّة و مات الموصي، فمن ذلك يجوز أن يقعبين الورثة و الموصي لهم مصالحة على وجه ترك الميل

و الخطإ، فلمّا كان ذلك منتظرًا لم يكن حكم الجنف و الإثم ماضيًا مستقرًّا، فصحّ أن يعلّقه تعالى بالخوف و زوال اليقين. فهذه الوجوه يمكن أن تُذكر في معنى الخوف و إن كان الوجه الأوّل هو الأقوى.

القول الثّاني: في تفسير قوله تعالى: { فَمَنْ خَافَ } أي فمن علم، و الخوف و الخشية يُستعملان بمعنى العلم، و ذلك لأنّ الخوف عبارة عن حالة مخصوصة متولّدة من ظنّ مخصوص، و بين العلم و بين الظّنّ مشابهة في أُمور كثيرة، فلهذا صحّ إطلاق اسم كلّ واحد منهما على الآخر. و على هذا التّأويل يكون معنى الآية: أنّ الميّت إذا أخطأ في وصيّته أو جارَ فيها متعمّدًا، فلاحرج على من علم ذلك أن يغيّره و يردّه إلى الصّلاح بعد موته. و هذا قول ابن عباس و قَتادَة و الرّبيع. (5: 72)

نحوه النَّيسابوريّ. (2: 96)

الخازن: أي علم، و هو خطاب عامّ لجميع المسلمين.

(1: 127)

ص: 189

أبوحَيّان: الظّاهر أنّ الخوف هو الخشية هنا، جريًا على أصل اللُّغة في الخوف، فيكون المعنى بتوقّع الجنف أو الإثم من الموصي.

وقيل: يراد بالخوف هنا: العلم، أي فمن علم، و خُرّج عليه قوله تعالى: { اِلااَنْ يَخَافَا اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ }، و قول أبي محجن:

*أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها*

و العُلْقة بين الخوف و العلم حتّى أُطلق على العلم الخوف، وأنّ الإنسان لايخاف شيئًاحتّى يعلم أ نّه ممّا يخاف منه، فهو من باب التّعبير بالمسبّب عن السّبب. و قال في < المنتخب > الخوف و الخشية يُستعملان بمعنى العلم، و ذلك لأنّ الخوف عبارة عن حالة مخصوصة متولّدة من ظنّ مخصوص، و بين الظنّ و العلم مشابهة في أُمور كثيرة، فلذلك صحّ إطلاق كلّ واحد منهما على الآخر. انتهى كلامه. (2: 23)

الفيروزاباديّ: [نحو الرّاغِب و أضاف:]

و الخوف أجلّ منازل السّالكين و أنفعها للقلب. وهو فرض على كلّ أحد. قال تعالى: { وَ خَافُو ن ِ اِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنينَ ‘}آل عمران:175، و قال: { وَ اِيَّاىَ فَا تَّقُون ِ} البقرة: 41، و مدح الله تعالى أهله فى كتابه و أثنى عليهم فقال: { اِنَّ الَّذينَ‘ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَ بِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَ الَّذينَ‘ هُمْ بِايَاتِ رَبِّهِمْ يُؤمِنُونَ * وَ الَّذينَ‘ هُم بِرَبِّهِمْ لايُشْرِكُونَ * وَ الَّذينَ‘ يُؤْتُونَ مَا

اتَوْ ا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ اَ نَّهُمْ اِلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * اُولئِكَ ’ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَ هُمْ لَهَا سَابِقُونَ } المؤمنون: 57 61.

و قال الجُنَيْد: الخوف توقّع العقوبة على مجاري الأنفاس.

و قيل: الخوف: اضطراب القلب و حركته منتذكُّر المخُوف. و قيل: الخوف هرب القلب من حلول المكروه و عند استشعاره.

و قيل: الخوف: العلم بمجاري الأحكام. و هذا سبب الخوف لانفسه.

و قال أبو حفص: الخوف: سوط الله يقوّم به الشّاردين عن بابه. و قال: الخوف: سراج في القلب يُبصر به ما فيه من الخير و الشّرّ. و كلّ واحد إذا خِفْتَه هربت منه، إلاالله فإنَّك إذا خفته هربت إليه.

و قال إبراهيم بن سفيان: إذا سكن الخوفُ القلب أحرق مواضع الشّهوات منه و طرد الدّنيا عنه. و قال ذو النّون: النّاس على الطّريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلّوا عن الطّريق.

و الخوف ليس مقصودًا لذاته بل مقصود لغيره. و الخوف المحمود الصّادق: ما حال بين صاحبه و محارم الله، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس و القنوط.

و قال أبو عثمان: صِدْق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرًا و باطنًا.

وقال الأنصارىّ: الخوف هو الانخلاع عن طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر، يعني الخروج من سكون الأمن باستحضار ما أخبر الله به من الوعد و الوعيد. [ إلى أن قال:]

و فى مواضع كثيرة قُرِن الخوف فى القرآن ب (لا) النّافية وب (لا) النّاهية، نحو { لاتَخَف وَ لاتَحْزَنْ اِنَّا

ص: 190

مُنَجُّوكَ وَ اَهْلَكَ } العنكبوت : 33، { لاتَخَافَا اِنَّنى مَعَكُمَا }طه:46،{ لاتَخَف اِنَّكَ اَنتَ الاَعْلى }طه : 68، { وَلاتَخَافى وَ لاتَحْزَنى اِنَّا رَادُّوهُ اِلَيْكِ } القصص: 7، { لاتَخَف اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ } النّمل: 10، { اَقْبِلْ وَ لاتَخَف اِنَّكَ مِنَ الا مِنينَ‘ } القصص:31، { لاتَخَافُ دَرَكًاوَ لاتَخْشى} طه:77، { وَ لايَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } المائدة: 54، { فَلايَخَافُ بَخْسًاوَ لارَهَقًا } الجنّ: 13، { فَلاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاهُمْ يَحْزَنُونَ } البقرة:38، { اَ لاتَخَافُوا وَ لا تَحْزَ نُوا } فصّلت: 30.

(بصائرذوي التّمييز2: 576)

الشِّربينيّ: أي توقّع و علم، كقوله تعالى: { فَاِنْ خِفْتُمْ اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ} البقرة: 229، أي علمتم.

(1: 117)

الآلوسيّ: معنى { خَافَ } توقّع و علم و منه قوله:

إذا متّ فادفنّي إلى جنب كَرْمة

تُروّي عظامي بعد موتي عروقها

و لاتدفِنَنّي بالفلاة فإنّني

أخاف إذا ما متّ أن لاأذوقها

و تحقيق ذلك أنّ الخوف حالة تعتري عند انقباض من شرّ متوقّع فلتلك الملابسة استُعمل في التّوقّع، و هو قد يكون مظنون الوقوع و قد يكونمعلومه، فاستعمل فيهما بمرتبة ثانية. و لأنّ الأوّل أكثر، كان استعماله فيه أظهر. ثمّ أصله أن يُستعمل في الظّنّ و العلم بالمحذور، و قد يتّسع في إطلاقه على المطلق. و إنّما حُمل على المجاز هنا، لأ نّه لامعنى للخوف من الميل و الإثم بعد وقوع الإيصاء. (2: 55)

ابن عاشور: و معنى { خَافَ } هنا: الظّنّ و التّوقّع، لأنّ ظنّ المكروه خوف، فأُطلق الخوف على لازمه و هو الظّنّ و التّوقّع إشارةً إلى أنّ ما توقّعه المتوقّع من قبيل المكروه، و القرينة هي أنّ الجنَف و الإثم لايُخيفان أحدًا، و لاسيّما من ليس من أهل الوصيّة و هو المصلح بين أهلها. [ثمّ استشهد بقول أبي محجن] (2: 151)

طه الدُّرّ ة: { خَافَ } توقّع، و قيل: معناه علم، و هو مجاز. و العلاقة بينهما هو أنّ الإنسان لايخاف شيئًا حتّى يعلم أنّه ممّايخاف منه، فهو من باب التّعبير عن السّبب بالمسبّب. و من مجيء الخوف بمعنى العلم قوله تعالى: { اِلا اَنْ يَخَافَا اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } البقرة: 229. (1: 282)

2 اِنَّ فى ذلِكَ’ لا يَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الاخِرَ ’ةِ ذلِكَ’ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ’ يَوْمٌ مَشْهُودٌ.

هود: 103

الطُّوسيّ: أي لمن خشي عقوبة الله يوم القيامة.

(6: 63)

الزّمَخْشَريّ: لعبرة له، لأ نّه ينظر إلى ما أحلّ الله بالمجرمين في الدّنيا، و ما هو إلا أُنموذج ممّا أعدّ لهم في الآخرة، فإذا رأى عِظَمه و شدّته اعتبر به عِظَم العذاب الموعود، فيكون له عبرة وعِظَة و لطفًا في زيادة التّقوى، و الخشية من الله تعالى، و نحوه: { اِنَّ فى ذلِكَ’ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى } النّازعات: 26. (2: 292)

ص: 191

نحوه الخازن (3: 206)، و الشِّربينيّ (2: 79).

الطَّبْرِسيّ: [مثل الطُّوسيّ و أضاف:]

و خص الخائف بذلك، لأ نّه هو الّذي ينتفع به بالتّدبّر و التّفكّر فيه. (3: 191)

الفَخْرالرّازيّ: قال القفّال: تقرير هذا الكلام أن يقال: إنّ هؤلاء إنّما عُذّبوا في الدّنيا لأجل تكذيبهم الأنبياء و إشراكهم بالله، فإذا عُذّبوا في الدّنيا على ذلك و هي دار العمل، فلأن يُعذّبوا عليه في الآخرة الّتي هي دار الجزاء كان أولى.

و اعلم أنّ كثيرًا ممّن تنبّه لهذا البحث من المفسّرين، عوّلوا على هذا الوجه، بل هو ضعيف؛

و ذلك لأنّ على هذا الوجه الّذي ذكره القفّال، يكون ظهور عذاب الاستئصال في الدّنيا دليلا على أنّ القول بالقيامة و البعث و النّشر حقّ و صدق. و ظاهر الآية يقتضي أنّ العلم بأنّ القيامة حقّ كالشّرط في حصول الاعتبار بظهور عذاب الاستئصال. و هذا المعنى كالمضادّ لما ذكره القفّال،لأنّ القفّال يجعل العلم بعذاب الاستئصال أصلا للعلم بأنّ القيامة حقّ؛ فبطل ما ذكره القفّال،

و الأصوب عندي أن يقال: العلم بأنّ القيامة حقّ موقوف على العلم بأنّ المدبّر لوجود هذه السّماوات و الأرضين فاعل مختار لاموجَب بالذّات، و ما لم يعرف الإنسان أنّ إله العالم فاعل مختار و قادر على كلّ الممكنات، و أنّ جميع الحوادث الواقعة في السّماوات و الأرضين لاتحصل إلابتكوينه و قضائه، لايمكنه أن يعتبر بعذاب الاستئصال؛ و ذلك لأنّ الّذين يزعمون أنّ المؤثّر في وجود هذا العالم موجب بالذّات لافاعل مختار، يزعمون أنّ هذه الأحوال الّتي ظهرت في أيّام الأنبياء مثل الغرق و الحرق و الخسف و المسخ

و الصّيحة كلّها إنّما حدثت بسبب قرانات الكواكب، و اتّصال بعضها ببعض. و إذا كان الأمر كذلك، فحينئذ لايكون حصولها دليلا على صدق الأنبياء.

فأمّا الّذي يؤمن بالقيامة، فلايتمّ ذلك الإيمان إلاإذا اعتقد أنّ إله العالم فاعل مختار و أنّه عالم بجميع الجزئيّات، و إذا كان الأمر كذلك لزم القطع بأنّ حدوث هذه الحوادث الهائلة و الوقائع العظيمة إنّما كان بسبب أنّ إله العالم خلقها و أوجدها، و أنّها ليست بسبب طوالع الكواكب و قراناتها. و حينئذ ينتفع بسماع هذه القصص، و يستدلّ بها على صدق الأنبياء، فثبت بهذا صحّة قوله: { اِنَّ فى ذلِكَ’لايَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الاخِرَةِ ’}. (18: 58)

النّسَفيّ: { لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الاخِرَةِ } أي اعتقد صحّته و وجوده

(ذلِكَ’) إشارة إلى يوم القيامة، لأنّ عذاب الآخرة دلّ عليه { يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ }.

(2: 204)

النَّيسابوريّ: أي لمن هو أهل لأن يخاف، { عَذَابَ الاخِرَةِ ’}كقوله: { هُدًى لِلْمُتَّقينَ ‘} لأنّ انتفاعه يعودإليه. (12: 62)

أبوالسُّعود: { لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الاخِرَةِ’ } فإنّه المعتبر به حيث يستدلّ بما حاقّ بهم من العذاب الشّديد بسبب ما عملوا من السّيّئات، على أحوال عذاب الآخرة، و أمّا من أنكر الآخرة و أحال فناء

ص: 192

العالم، و زعم أن ليس هو و لاشيء من أحواله مستندًا إلى الفاعل المختار، و أنّ ما يقع فيه من الحوادث، فإنّما يقع لأسباب تقتضيه من أوضاع فلكيّة تتّفق في بعض الأوقات لالما ذكر من المعاصي الّتي يقترفها الأُمم الهالكة فهو بمعزل من هذا الاعتبار، تبًّا لهم و لما لهم من الأفكار. (3: 351)

الآلوسيّ: فإنّه إذا رأى ما وقع في الدّنيا بالمجرمين من العذاب الأليم، اعتبر به حال العذاب الموعود، فإنّه عصا من عصيّة و قليل من كثير، و انزجر بذلك عن المعاصي الّتي يترتّب عليها العذاب، و أكبّ على التّقوى و الخشية من اللهتعالى. و قد أُقيم { مَنْ خَافَ...} مُقام من صدق بذلك، لما بينهما من اللّزوم، و لأنّ الاعتبار إنّما ينشأ من الخوف. و ذكر هذا القيد، لأنّ من أنكر الآخرة و أحال فناء هذا العالم، أسند الحوادث إلى أسباب فلكيّة و أوضاع مخصوصة، فلم يعتبر بذلك أصلا و لم ينزجر عن الضّلالة قطعًا، و قال: إنّ ما وقع إنّما وقع لهاتيك الأسباب و الأوضاع، لا للمعاصي الّتي اقترفتها الأُمم المهلكة.

و قيل: المراد أنّ فيما ذُكر دليلا على عذاب المجرمين في الآخرة، لأ نّهم إذا عُذّبوا في الدّنيا لإجرامهم و هي دار العمل فلأن يُعذّ بوا في الآخرة عليه و هي دار الجزاء أولى.

و قيل: المراد أنّ فيه دليلا على البعث و الجزاء؛

و ذلك أنّ الأنبياء عليهم السّلام قد أخبروا باستئصال من كذّبهم و أشرك بالله، و وقع ما أخبروا به وَفْق إخبارهم، و ذلك أحد الشّواهد على صدقهم، فيكونون صادقين فيما يُخبرون به من البعث و الجزاء، فلابدّ أن يقع لامحالة. و التّقييد بما ذُكر هنا كالتّقييد في قوله سبحانه: { هُدًى لِلْمُتَّقينَ‘ }، و هو كما ترى.

(12: 137)

فضل الله: ذلك أنّ صدق الله وعده بالعذاب في الدّنيا، يوحي لعباده بصدق وعيده في الآخرة، ممّا يبعث في نفس الإنسان الواعي الخوف الوجدانيّ من العذاب؛ بحيث يتحرّك في حياته على أساس انتظار ذلك اليوم. (12: 130)

3 وَ لَنُسْكِنَنَّكُمُ الاَرْض مِنْ بَعْدِهِمْ ذ لِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامى وَ خَافَ وَعيدِ.‘

إبراهيم: 14

راجع: ق و م: < مقام >.

4 وَ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ.

الرّحمن: 46

ابن عبّاس: { وَ لِمَنْ خَافَ } عند المعصية { مَقَامَ رَبِّهِ } بين يدي ربّه مقامه فانتهى عن المعصية. (452)

خاف ثمّ اتّقى، و الخائف: من ركب طاعة الله، و ترك معصيته. (الطّبَريّ 11: 602)

النّخعيّ: إذا أراد أن يذنب أمسك مخافة الله.

(الطّبَريّ11: 602)

مُجاهِد: هو الرّجل يهمّ بمعصية الله تعالى، ثمّ يتركها مخافة الله. (الطّبَريّ11: 602)

قَتادَة: إنّ المؤمنين خافوا ذاكم المقام فعملوا له، ودانوا له،وتعبَّدوا باللّيل و النّهار. (الطّبَريّ 11: 602)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: و لمن اتّقى الله من

ص: 193

عباده، فخاف مقامه بين يديه، فأطاعه بأداء فرائضه، و اجتناب معاصيه جنّتان، يعني بستانين. (11: 601)

الطُّوسيّ: و المعنى: و لمن خاف المقام الّذي يقفه فيه ربّه للمسائلة، عمّا عمل في ما يجب عليه ممّا أمره به أو نهاه عنه، فيكفّه ذلك عمّا يدعوه هواه إليه، يصبر صبر مؤثّر للهدى على طريقالرّدى. (9: 479)

القُشَيْريّ: يقال: لمن خاف قرب ربّه منه

و اطّلاعه عليه.

و يقال: لمن خاف وقوفه غدًا بين يدي الله جنّتان.

(6: 79)

ابن عَطيّة: (مَن) في قوله تعالى: (وَ لِمَنْ) يحتمل أن تقع على جميع المتّصفين بالخوف الزّاجر عن معاصي الله تعالى، و يحتمل أن تقع لواحد منهم. و بحسب هذا قال بعض النّاس في هذه الآية: إنّ كلّ خائف له جنّتان، و قال بعضهم: جميع الخائفين لهم جنّتان. (5: 233)

البَيْضاويّ: { وَ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } موقفه الّذي يقف فيه العباد للحساب، أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه، أو مقام الخائف عند ربّه للحساب بأحد المعنيين. (2: 443)

نحوه النّسَفيّ. (4: 212)

الآلوسيّ: [نقل الأقوال المتقدّمة و قال:]

و الّذي يظهر أنّ ذلك [قول مُجاهِد]تفسير باللازم، و قد يقال: إنّ ارتكاب الذّنب قديجامع الخوف من الله تعالى؛ و ذلك كما إذا غلَبَتْه نفسه ففعله خائفًامن عقابه تعالى عليه. (27: 116)

القاسميّ: أي قيامه عند ربّه للحساب، فأطاعه بأداء فرائضه، و اجتناب معاصيه. فإضافته للرّبّ لأ نّه عنده، فهو كقول العرب: ناقة رقود الحلب، أي رقود عند الحلب، أو موقفه الّذي يقف فيه العباد للحساب. فإضافته للرّبّ لاميّة لاختصاص الملك يومئذ به تعالى. أوهو كناية عن خوف الرّبّ، و إثبات خوفه له بطريق برهانيّ بليغ، لأنّ من حصل له الخوف من مكان أحد يهابه وإن لم يكن فيه فخوفه منه بالطّريق الأولى، و هذا كما يقول المترسّلون: المقام العالي، و المجلس السّامي. (15: 5630)

ابن عاشور: و اللام في{ لِمَنْ خَافَ } لام الملك، أي يعطي من خاف ربّه و يملك جنّتين، و لاشُبهة في أنّ من خاف مقام ربّه جنس الخائفين، لاخائف معيّن، فهو من صيغ العموم البدليّ، بمنزلة قولك: و للخائف مقام ربّه. (27: 246)

الطَّباطَبائيّ: و الخوف من الله تعالى ربّما كان خوفًا من عقابه تعالى على الكفر به و معصيته، و لازمه أن يكون عبادة من يعبده خوفًا بهذا المعنى، يراد بها التّخلّص من العقاب لالوجه الله محضًا، و هو عبادة العبيد يعبدون مواليهم خوفًا من السّياسة، كما أنّ عبادة من يعبده طمعًا في الثّواب غايتها الفوز بما تشتهيه النّفس دون وجهه الكريم، و هي عبادة التّجّار كما في الرّوايات و قد تقدّم شطر منها.

و الخوف المذكور في الآية { وَ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} ظاهره غير هذا الخوف، فإنّ هذا خوف من العقاب و هو غير الخوف من قيامه تعالى على عبده بما

ص: 194

عمل، أو الخوف من مقامه تعالى مَنعبده، فهو تأثّر خاص ممّن ليس له إلا الصّغار و الحقارة، تجاه ساحة العظمة و الكبرياء، و ظهور أثر المذلّة و الهوان و الاندكاك، قبال العزّة و الجبروت المطلقَين.

و عبادته تعالى خوفًا منه بهذا المعنى من الخوف، خضوع له تعالى، لأ نّه الله ذو الجلال و الإكرام، لالخوف من عقابه و لاطمعًا في ثوابه، بل فيه إخلاص العمل لوجهه الكريم. و هذا المعنى من الخوف هو الّذي وصف الله به المكرّمين من ملائكته، و هم معصومون آمنون من عقاب المخالفة، و تبعة المعصية، قال تعالى: { يَخَافُونَ رَ بَّهُمْ مِنْ فَوْ قِهِمْ } النّحل: 50. فتبيّن ممّا تقدّم أنّ الّذين أشار إليهم بقوله:{ وَ لِمَنْ خَافَ } أهل الإخلاص، الخاضعون لجلاله تعالى، العابدون له، لأ نّه الله عزّ اسمه، لاخوفًا من عقابه و لاطمعًا في ثوابه، و لايبعد أن يكونوا هم الّذين سمّوا سابقين في قوله:

{ وَ كُنْتُمْ اَزْوَاجًا ثَلثَةً} إلى أن قال:

{ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * اُولئِكَ ’الْمُقَرَّ بُونَ } الواقعة:7 11.

(19: 108)

عبد الكريم الخطيب: و هذا من ثمرة الخوف من الله، و من الوقوف بين يديه يوم القيامة؛ ذلك الخوف الّذي يدخل على الإنسان من هذه النّار الّتي أُعدّت لأهل الشّرك و الضّلال. فمن عرف أنّ هناك حسابًا و جزاءً يوم القيامة، و أنّ هناك نارًا أُعدّت للكافرين و الضّالّين، و خاف حساب الله و عقابه، نجا من هذا البلاء بإيمانه بالله، و تجنّبه ما يغضبه، و استقامته على سبيله المستقيم، و كان له الجزاء الحسن عند ربّه، فأوسع له من فضله و إحسانه، و أدخله الجنّة يتبوّأ منها حيث يشاء. (14: 690)

مكارم الشّيرازيّ: الخوف من مقام الله، جاء بمعنى الخوف من مواقف يوم القيامة و الحضور أمام الله للحساب، أو أ نّها بمعنى الخوف من المقام العلميّ لله، و مراقبته المستمرّة لكلّ البشر.

و التّفسير الثّاني يتناسب مع ما ذكر في الآية: 33 ، من سورة الرّعد: { اَ فَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَت }.

وُجد هنا تفسير ثالث، هو أنّ الخوف من الله تعالى لايكون بسبب نار جهنّم، و الطّمع في نعيم الجنّة، بل هو الخوف من مقام الله و جلاله فقط.

و هنالك تفسير رابع أيضًا، و هو أنّ المقصود من

< مقام الله > هو الخوف من مقام عدالته، لأنّ ذاته المقدّسة لاتستلزم الخوف، إنّما هو الخوف من عدالته، الّذي مردّه هو خوف الإنسان من أعماله، و الإنسان المنزّه لايخشى الحساب.

و من المعروف أنّ المجرمين إذا مرّوا بالمحكمة أو السّجن ينتابهم شيء من الخوف بسبب جناياتهم، على عكس الأبرار حيث يتعاملون بصورة طبيعيّة مع الأماكن المختلفة.

و للخوف من الله أسباب مختلفة: فأحيانًا يكون بسبب قبح الأعمال و انحراف الأفكار، وأُخرى بسبب القرب من الذّات الإلهيّة؛ حيث الشّعور بالخوف و القلق من الغفلة و التّقصير في مجال طاعة الله، و أحيانًا أُخرى لمجرّد تصوّرهم لعظمة الله اللامتناهية

ص: 195

و ذاته اللامحدودة، فينتابهم الشّعور بالخوف و الضّعة أمام قدسيّته العظيمة. و هذا النّوع من الخوف يحصل من غاية المعرفة لله سبحانه، و يكون خاصًّا بالعارفين و المخلصين لحضرته.و لاتضادّ بين هذه التّفاسير، فيمكن جمعها في مفهوم الآية. (17: 385)

5 وَ اَ مَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْس عَنِ الْهَوى * فَاِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَاْوى. النّازعات: 40، 41

ابن عبّاس: عند المعصية { مَقَامَ رَبِّهِ } : مقامه بين يدي ربّه فانتهى عن المعصية. (501)

مُجاهِد: هو خوفه في الدّنيا من الله عند مواقعة الذّنب فيقلع. (الماوَرْديّ 6: 200)

الرّبيع: هو خوفه في الآخرة من وقوفه بين يدي الله للحساب. (الماوَرْديّ 6: 200)

الكَلْبيّ: زجر النّفس عن المعاصي و المحارم.

(الماوَرْديّ6: 200)

الإمام الصّادق (علیه السلام): من علم أنّ الله يراه و يسمع ما يقول و يفعل، و يعلم ما يعمله من خير أو شرّ، فيحجزذلك عن القبيح من الأعمال، فذلك الّذي خاف مقام ربّه، و نهى النّفس عن الهوى.

(الكاشانيّ 5: 283)

الطّبَريّ: يقول: و أمّا من خاف مسألة الله إيّاه عند وقوفه يوم القيامة بين يديه، فاتّقاه بأداء فرائضه، و اجتناب معاصيه.

(12: 440)

القُمّيّ: هوى العبد إذا وقف على معصية الله و قدر عليها، ثمّ تركها مخافة الله و نهى النّفس عنها، فمكافأته الجنّة. (2: 404)

الطُّوسيّ: معناه من خاف مقام مسألة ربّه عمّا يجب فعله أو تركه، و عمل بموجب ذلك، بأن فعل الطّاعة و امتنع من المعصية. (10: 264)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (5: 435)

الفَخْرالرّازيّ: و اعلم أنّ الخوف من الله، لابدّ و أن يكون مسبوقًا بالعلم بالله، على ما قال: { اِ نَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمؤُا } فاطر: 28، و لمّا كان الخوف من الله هو السّبب المعيّن لدفع الهوى، لاجرم قدّم العلّة على المعلول، و كما دخل في ذينك الصّفتين: < الطّغيان وإيثارالحياة الدّنيا > جميع القبائح، دخل في هذين الوصفين: < الخوف و نهي النّفس عن الهوى > جميع الطّاعات و الحسنات. (31: 51)

البَيْضاويّ: { وَ اَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَ بِّهِ } مقامه بين يدي ربّه لعلمه بالمبدإ و المعاد. (2: 539)

البُرُوسَويّ: أي مقامه بين يدي مالك أمره يوم الطّامّة الكبرى يوم يتذكّر الإنسان ما سعى؛ وذلك لعلمه بالمبدإ و المعاد، فإنّ الخوف من القيام بين يديه للحساب لابدّ أن يكون مسبوقًا بالعلم به تعالى...

جعل الخوف مقابلا للطّغيان، مع أنّ الظّاهر مقابلته للانقياد و الإطاعة، بناء على أنّ الخوف أوّل أسباب الإطاعة، ثمّ الرّجاء، ثمّ المحبّة. فالأوّ ل للعوامّ، و الثّاني للخواص، و الثّالث لأخص الخواص. [إلى أن قال:]

يقول الفقير: إنّ الإنسان برزخ بين الحقيقة الإلهيّة و الحقيقة الكونيّة،و كذا بين الحقيقة الملكيّة و الحقيقة

ص: 196

الحيوانيّة، فهو من حيث الحقيقة الأُولى ينهى النّفس من حيث الحقيقة الثّانية، كما أنّ النّبيّ (علیه السلام) يخاطب نفسه بقوله(علیه السلام): السّلام عليك أيّها النّبيّ، من جانب ملَكيّته إلى جانب بشريّته، أو من مقام جمعه إلى مقام فرقه. (10: 327)

الآلوسيّ: أي مقامه بين يدي مالك أمره يوم الطّامّة الكبرى، يوم يتذكّر الإنسان ما سعى. على أنّ الإضافة مثلها في < رقود حلب > أو < و أمّا من خاف ربّه سبحانه > على أنّ لفظ (مَقَامَ) مقحم، و الكلام معه كناية عن ذلك، و إثبات للخوف من الرّبّ عزّ وجلّ بطريق برهانيّ بليغ، نظير ما قيل في قوله تعالى: { اَكْرِمى مَثْويهُ } يوسف: 21. (30: 36)

المَراغيّ: أي و أمّا من حذر وقوفه بين يدي ربّه يوم القيامة، و أدرك مقدار عظمته و قهره، و غلبة جبروته و سطوته، و جنّب نفسه الوقوع في محارمه، فالجنّة مثواه و قراره. (30: 34)

فضل الله: و عرف عظمته في ربوبيّته المطلقة المهيمنة على الكون و ما فيه، ممّا يجعل الإنسان يستشعر موقع العبوديّة في ذاته في موقعه من ربّه، من خلال استشعاره للأُلوهيّة في مقام الله الّتي تستتبع الإيمان و الطّاعة في كلّ شيء. الأمر الّذي يجعل الحياة بالنّسبة إليه تُمثّل فرصة المسؤوليّة الخاشعة في ما يأمر به الله أو ينهى عنه، لتكون إرادته مرتبطةً بإرادة الله، فإذا أرادت منه نفسه أن يتمرّد على الله، انطلاقًا من رغباتها الذّاتيّة، و أهوائها الغريزيّة، فإنّه يبادر إلى أن ينهى نفسه عن السّير في هذا الاتّجاه، ليجعل هواه تبعًا للإيمان، لأنّ المسلم الحقّ، الّذي أسلم كلّ حياته لله، هو الّذي يحاول أن يصوغ نفسه صياغةً إيمانيّةً على خطّ التّقوى، ليكون العبد المطيع لله، و هذا كلّه نتيجة الخوف من مقام ربّه. (24: 48)

خَافُوا

وَ لْيَخْشَ الَّذينَ‘ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّ يَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْ لا سَديدًا‘.

النّساء: 9

راجع، خ ش ي: < وَلْيَخْشَ >.

خَافَت

وَ اِن ِامْرَاَةٌ خَافَت مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوْاِعْرَاضًا فَلاجُنَاحَ عَلَيْهِمَا اَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ... النّساء: 128

ابن عبّاس: علمت من زوجها. (81)

الطّبَريّ: علمت من زوجها { نُشُوزًا }، يعني استعلاءً بنفسه عنها إلى غيرها، أثَرَة عليها، و ارتفاعًا بها عنها: إمّا لبغضة، و إمّا لكراهة منه بعض أسبابها، إمّا دَمامتها، و إمّا سنّها و كِبَرها، أو غير ذلك من أُمورها { اَوْ اِعْرَاضًا}، يعني انصرافًا عنها بوجهه أو ببعض منافعه الّتي كانت لها منه { فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا اَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا }. (4: 304)

نحوه الواحديّ. (2: 124)

الطُّوسيّ: [نحو الطّبَريّ و أضاف:]

فإن قيل: قوله: { وَ اِن ِامْرَ اَةٌ خَافَت } ليس فيه أنّ

ص: 197

الرّجل نشز على امرأة، و الخوف ليس معه يقين؟ قلنا: عنه جوابان:

أحدهما: أنّ الخوف في الآية بمعنى العلم و تقديره، و إن امرأة علمت.

و الثّاني: أ نّها لاتخاف النّشوز من الرّجل إلا و قد بدأ منه ما يدلّ على النّشوز، و الإعراض من أمارات ذلك و دلائله. (3: 346)

الزّمَخْشَريّ: { خَافَت مِنْ بَعْلِهَا }: توقّعت منه ذلك لما لاح لها من مخايله و أماراته. (1: 568)

نحوه البَيْضاويّ (1: 247)، و النّسَفيّ (1: 254)، و الشِّربينيّ ( 1 : 336 ) ، و أبو السُّعود ( 2 : 203 ) ،

و الكاشانيّ (1: 469)، و البُرُوسَوي(2: 295).

الفَخْرالرّازيّ: قال بعضهم: { خَافَت } أي علمت، و قال آخرون: ظنّت. و كلّ ذلك ترك للظّاهر من غير حاجة، بل المراد نفس الخوف إلا أنّ الخوف لايحصل إلا عند ظهور الأمارات الدّالّة على وقوع الخوف، و تلك الأمارات هاهنا أن يقول الرّجل لامرأته: إنّك دميمة أو شيخة، و إنّي أُريد أن أتزوّج شابّة جميلة. (11: 65)

النَّيسابوريّ (5: 160)، و أبوحَيّان (3: 363).

القُرطُبيّ: و{ خَافَت } بمعنى توقّعت. و قول من قال: { خَافَت} تيقّنت خطأ. (5: 403)

الآلوسيّ: و الخوف إمّا على حقيقته أو بمعنى التّوقّع أي و إن امرأة توقّعت لما ظهر لها من المخايل.

(5: 161)

رشيد رضا: الخوف: توقّع ما يُكره بوقوع بعض أسبابه، أو ظهور بعض أماراته. (5: 445)

خِفْتُمْ

1 وَ لايَحِلُّ لَكُمْ اَنْ تَاْخُذُوا مِمَّا اتَيْتُمُوهُنَّ شَيًْا= اِلا اَنْ يَخَافَا اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ فَاِنْ خِفْتُمْ اَ لا يُقيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاجُنَاحَ عَلَيْهِمَا فيمَا ‘افْتَدَت بِهِ.

البقرة: 229

ابن عبّاس: علمتم. (32)

الفَرّ اء: و في قراءة عبدالله ( اِلا اَنْ تَخَافُوا ) فقرأها حمزة على هذا المعنى ( اِلا اَنْ يُخَافَا ) و لايعجبني ذلك. و قرأها بعض أهل المدينةكما قرأها حمزة و هي في قراءة أُبَيّ ( اِلا اَنْ يَظنَّا اَلايُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ ) و الخوف و الظّنّ متقاربان في كلام العرب. من ذلك أنّ الرّجل يقول: قد خرج عبدك بغير إذنك، فتقول أنت: قد ظننت ذاك، و خفت ذاك، و المعنى واحد.

وقد روي عنه(صلی الله علیه و آله) < أُمرتُ بالسّواك حتّى خِفتُ لأدْرَدَنّ >[أي تسقط أسناني] كما تقول: ظنّ ليذهبنّ.

و أمّا ما قال حمزة، فإنّه إن كان أراد اعتبار قراءة عبدالله، فلم يصبه و الله أعلم لأنّ الخوف إنّما وقع على (اَنْ) وحدها؛ إذ قال: ألا يخافوا أن لا، و حمزة قد أوقع الخوف على الرّجل و المرأة، و على (اَنْ). ألا ترى أنّ اسمهما في الخوف مرفوع بما لم يسمَّ فاعله. فلو أراد ألا يُخاف على هذا، أو يُخافا بذا، أو من ذا فيكون على غير اعتبار قول عبدالله كان جائزًا، كما تقول للرّجل: تُخاف لأ نّك خبيث، و بأ نّك، و على أ نّك... [و استشهد بالشّعرمرّتين] (1: 145)

أبوعُبَيْدَة: { اِلا اَنْ يَخَافَا } معناه: يوقنا،{ فَاِنْ خِفْتُمْ } معناه فإن أيقنتم. (الطُّوسيّ 2: 245)

ص: 198

الطّبَريّ: و اختلفت القرأة في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: { اِلا اَنْ يَخَافَا اَلا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ }؛ و ذلك قراءة مُعظم أهل الحجاز و البصرة، بمعنى: إلا أن يخاف الرّجل و المرأة أن لايقيما حدود الله. و قد ذكر أنّ ذلك في قراءة أُبيّ بن كعب: ( اِلااَنْ يَظُنَّا اَلا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ).

و العرب قد تضع الظّن موضع الخوف، و الخوف موضع الظّن في كلامها، لتقارب معنييهما، كما قال الشّاعر:

أتاني كلام عن نُصَيب يقوله

وما خفت يا سلام أ نّك عائبي

بمعنى ما ظننت.

و قرأه آخرون من أهل المدينة و الكوفة: (اِلااَنْ يُخَافَا اَلايُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ). فأمّا قارئ ذلك كذلك من أهل الكوفة، فإنّه ذُكر عنه أ نّه قرأه كذلك، اعتبارًا منه بقراءة ابن مَسعود، و ذكر أ نّه في قراءة ابن مَسعود: (اِلااَنْ تَخَافُوا اَلايُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ). و قراءة ذلك كذلك، اعتبارًا بقراءة ابن مَسعود الّتي ذُكرت عنه، خطأٌ؛ و ذلك أنّ ابن مَسعود إن كان قرأه كما ذكر عنه، فإنّما أعمل الخوف في (اَنْ) وحدها، و ذلك غير مدفوعة صحّته، كما قال الشّاعر:

إذا متّ فادفنّي ...

[ و قد سبق البيان في ص 193]

فأمّا قارئه: (اِلااَنْ يُخَافَا) بذلك المعنى، فقد أعمل في متروكة تسميته، و في(اَنْ) فأعمله في ثلاثة أشياء: المتروك الّذي هو اسم ما لم يسمّ فاعله، و في (اَنْ) الّتي تنوب عن شيئين، و لاتقول العرب في كلامها: < ظُنّا أن يقوما >.

و لكن قراءة ذلك كذلك صحيحة، على غير الوجه الّذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك، اعتبارًابقراءة عبد الله الّذي وصفنا، و لكن على أن يكون مرادًا به إذا قرئ كذلك: إلاأن يخاف بأن لايقيما حدود الله، أو: على أن لايقيما حدود الله، فيكون العامل في (اَنْ) غير < الخوف >، و يكون < الخوف >، عاملا فيما لم يسمّ فاعله. و ذلك هو الصّواب عندنا من القراءة لدلالة ما بعده على صحّته، وهو قوله: { فَاِنْ خِفْتُمْ اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } فكان بيّنّا أنّ الأوّل بمعنى: إلاأن تخافوا أن لايقيما حدود الله.

فإن قال قائل: و أيّة حال الحال الّتي يُخاف عليهما أن لايقيما حدود الله، حتّى يجوز للرّجل أن يأخذ حينئذ منها ما آتاها؟

قيل: حال نشوزها و إظهارها له بِغْضَته، حتّى يخاف عليها ترك طاعة الله فيما لزمها لزوجها من الحقّ، و يخاف على زوجها بتقصيرها في أداء حقوقه الّتي ألزمها الله له تركه أداء الواجب لها عليه. فذلك حين الخوف عليهما أن لايقيما حدود الله، فيطيعاه فيما ألزم كلّ واحد منهما لصاحبه... [إلى أن قال:]

و أمّا أهل التّأويل فإنّهم اختلفوا في معنى: الخوف منهما أن لا يقيما حدود الله.

فقال بعضهم: ذلك هو أن يظهر من المرأة سوء الخلق و العشرة لزوجها، فإذا ظهر ذلك منها له، حلّ له أن يأخذ ما أعطته من فدية على فراقها.

و قال آخرون: بل الخوف من ذلك: أن لاتبرّ له

ص: 199

قسمًا، و لاتطيع له أمرًا.

و قال آخرون: بل الخوف من ذلك أن تبتدئ له بلسانها قولا أ نّها له كارهة.

و قال آخرون: بل الّذي يُبيح له أخذ الفدية، أن يكون خوف أن لايقيما حدود الله منهما جميعًا، لكراهة كلّ واحد منهما صحبة الآخر.

و أولى هذه الأقوال بالصّحّة قول من قال: لا يحلّ للرّجل أخذ الفدية من امرأته على فراقه إيّاها، حتّى يكون خوف معصية الله من كلّ واحد منهما على نفسه، في تفريطه في الواجب عليه لصاحبه منهما جميعًا،...

لأنّ الله تعالى ذكره إنّما أباح للزّوج أخذ الفدية من امرأته، عند خوف المسلمين عليهما أن لايقيما حدود الله.[وسيأتي مصاديقه في: ق و م: < اَ لا يُقيمَا‘> فلاحظ] (2: 474)

الزّجّاج: [نقل قول أبي عُبَيْدَة و أضاف:]

و حقيقة قوله: { اِلا اَنْ يَخَافَا اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } أن يكون الأغلب عليهما وعندهما أ نّهما على ما ظهر منهما من أسباب التّباعد الخوف من أن لايقيما حدودالله. (1: 308)

الفارسيّ: < خَافَ > فعل يتعدّى إلى مفعول واحد؛ و ذلك المفعول يكون (اَنْ) و صلتها، و يكون غيرها. فأمّا تعدّيه إلى غير (اَنْ) فنحو قوله عزّ وجلّ: { تَخَافُونَهُمْ كَخيفَتِكُمْ اَ نْفُسَكُمْ } الرّوم: 28، و تعديته إلى (اَنْ) كقوله تعالى: { تَخَافُونَ اَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ } الأنفال:26، و قوله: { اَمْ يَخَافُونَ اَنْ يَحيفَ اللهُعَلَيْهِمْ} النّور:50، فإن عدّيته إلى مفعول ثان، ضعّفت العين، أو اجتلبت حرف الجرّ، كقولك: خوّفت النّاس ضعيفهم قويّهم، و حرف الجرّ كقوله:

*لو خافك الله عليه حرّمه*

و من ذلك قوله: { اِ نَّمَا ذ لِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } آل عمران: 175، ف { يُخَوِّفُ } قد حذف معه مفعول يقتضيه، تقديره: يخوّف المؤمنين بأوليائه، فحذف المفعول و الجارّ، فوصل الفعل إلى المفعول الثّاني. ألاترى أ نّه لايخوّف أولياءه على حدّ قولك: خوّفت اللُّص، إنّما يخوّف غيرهم ممّن لااستنصار له بهم. و مثل هذه في حذف المفعول منه قوله تعالى: { فَاِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَاَلْقيهِ ‘فِى الْيَمِّ } القصص: 7.

المعنى إذا خفت عليه فرعون، أو الهلاك. فالجارّ المظهرفي قوله: { فَاِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } بمنزلة المحذوف من قوله: { اَوْلِيَاءَهُ }. و إذا كان تعدّي هذا الفعل على ما وصفنا، فقول حمزة: ( اِلا اَن يُخَافَا)، مستقيم، لأ نّه لمّا بنى الفعل للمفعول به، أسند الفعل إليه، فلم يبق شيء يتعدّى إليه، فأمّا (اَنْ) في قوله: {اَ لا يُقيمَا‘ }، فإنّ الفعل يتعدّى إليه بالجارّ، كما تعدّى بالجارّ في قوله:

*لو خافك الله عليه حرّمه*

و موضع(اَنْ) في قوله: ( اِلا اَنْ يُخَافَا) جرّ بالجارّ المقدّر، على قول الخَليل، و الكِسائيّ. و نصب على قول غيرهما، لأ نّه لمّا حذف الجارّ، وصل الفعل إلى المفعول الثّاني، مثل:< استغفر الله ذنبًا> و <أمرتُك الخير> فقوله: مستقيم على ما رأيت.

فإن قال قائل: لو كان(يُخَافَا) كما قرأ، لكان

ص: 200

ينبغي أن يكون: فإن خيفا. قيل: لايلزمه هذا السّؤال لمن خالفه في قراءته، لأ نّهم قد قرأوا: { اِلا اَنْ يَخَافَا } و لم يقولوا: فإن خافا، فهذا لايلزمه لهؤلاء؛ و ليس يلزم الجميع هذا السّؤال لأمرين:

أحدهما: أن يكون انصرف من الغيبة إلى الخطاب، كما قال: { اَلْحَمْدُ للهِ ‚} ثمّ قال: { اِيَّاكَ نَعْبُدُ }، و قال: { وَ مَا اتَيْتُمْ مِنْ زَكوة تُريدُ‘ونَ وَجْهَ اللهِ فَاُولئِكَ’ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } الرّوم: 39، و هذا النّحوكثيرفي التّنزيل و غيره.

و الآخر: أن يكون الخطاب في قوله تعالى: { فَاِنْ خِفْتُمْ} مصروفًا إلى الوُلاة و الفُقهاء الّذين يقومون بأُمور الكافّة. و جاز أن يكون الخطاب للكثرة، فيمن جعله انصرافًا من الغيبة إلى الخطاب، لأنّ ضمير الاثنين في (يُخَافَا ) ليس يراد به اثنان مخصوصان، إنّما يراد به أنّ كلّ من كان هذا شأنه، فهذا حكمه.

فأمّا من قرأ: { يَخَافَا } بفتح الياء، فالمعنى أ نّه إذا خاف كلّ واحد من الزّوج و المرأة ألا يقيما حدود الله تعالى، حلّ الافتداء، و لايحتاج في قولهم إلى تقدير الجارّ؛ و ذلك أنّ الفعل يقتضي مفعولا يتعدّى إليه، كما يقتضيه في نحو قوله تعالى: { فَلاتَخَافُوهُمْ وَ خَافُونِ } آلعمران: 175، و لابدّ من تقدير الجارّ في قراءة من ضمّ الياء، لأنّ الفعل قد أُسند إلى المفعول، فلايتعدّى إلى المفعول الآخر إلا بالجارّ.

فأمّا ما قاله الفَرّاء: في قراءة حمزة: ( اِلا بِاَنْ يُخَافَا) من أ نّه اعتبر قراءة عبدالله ( إلا أن تَخَافُوا) فلم يصبه، لأنّ الخوف في قراءة عبدالله واقع على (اَنْ)، و في قول حمزة على< الرّجل > و< المرأة.> فإن بلغه ذلك في رواية عنه فذاك، و إلا، فإذا اتّجه قراءته على وجه صحيح، لم يجز أن ينسب إليه الخطأ. (1: 443)

الواحديّ: أي يعلما و يوقنا.

و الخوف يكون بمعنى العلم؛ و ذلك أنّ في الخوف طرفًا من العلم، لأ نّك تخاف ما تعلم، و ما لاتعلم لاتخافه، كما أنّ الظّنّ لمّا كان فيه طرف من العلم جاز أن يكون علمًا.

و معنى الآية: أنّ المرأة إذا خافت أن تعصي الله في أمر زوجها بُغضًاله، و خاف الزّوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها، حلّ له أن يأخذ الفدية منها، إذا دعت إلى ذلك...

{ فَاِنْ خِفْتُمْ } أيّها الوُ لاة و الحُكّام، أي علمتم و غلب على ظنّكم أنّ الزّوجين لايقيمان حدود الله في حسن العشرة و جميل الصّحبة { فَلاجُنَاحَ عَلَيْهِمَا فيمَا‘ افْتَدَتْ بِهِ }. (1: 336)

البغَويّ : أي يعلما { اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } قرأ أبوجعفر و حمزة و يعقوب ( اِلااَنْ يُخَافَا) بضمّ الياء، أي يعلم ذلك منهما، يعني يعلم القاضي و الوليّ ذلك من الزّوجين، بدليل قوله تعالى: { فَاِنْ خِفْتُمْ } فجعل الخوف لغير الزّوجين، و لم يقل: فإن خافا. و قرأ الآخرون { يَخَافَا } بفتح الياء، أي يعلم الزّوجان من أنفسهما {اَِ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } تخاف المرأة أن تعصي الله في أمر زوجها، و يخاف الزّوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها. (1: 305)

الزّمَخْشَريّ: فإن قلت: لمن الخطاب في قوله:

ص: 201

{ وَ لايَحِلُّ لَكُمْ اَنْ تَاْخُذُوا } إن قلت للأزواج،

لم يطابقه قوله: { فَاِنْ خِفْتُمْ اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ }، و إن قلت: للأئمّة و الحُكّام، فهؤلاء ليسوا بآخذين منهنّ و لابمؤتيهنّ.

قلت: يجوز الأمران جميعًا: أن يكون أوّل الخطاب للأزواج و آخره للأئمة و الحُكّام و نحو ذلك غير عزيز في القرآن و غيره، و أن يكون الخطاب كلّه للأئمة و الحكّام، لأ نّهم الّذين يأمرون بالأخذ و الإيتاء عند التّرافع إليهم، فكأ نّهم الآخذون و المؤتون، { مِمَّا اتَيْتُمُوهُنَّ }: ممّا أعطيتموهنّ من الصّدقات { اِلا اَنْ يَخَافَا اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } إلا أن يخاف الزّوجان ترك إقامة حدود الله فيما يلزمهما من مواجب الزّوجيّة، لما يحدث من نشوز المرأة و سوء خلقها. (1: 367)

ابن عَطيّة: قرأ جميع السّبعة إلاحمزة {يَخَافَا } بفتح الياء على بناء الفعل للفاعل. فهذا باب< خاف > في التّعدّي إلى مفعول واحد، وهو (اَنْ). وقرأ حمزة وحده (يُخَافَا) بضمّ الياء على بناء الفعل للمفعول. فهذا على تعدية < خاف > إلى مفعولين: أحدهما أُسند الفعل إليه، و الآخر(اَنْ) بتقدير حرف جرّ محذوف، فموضع(اَنْ) خَفْضٌ بالجار ّالمقدّر عند سيبَوَيه و الكِسائيّ، و نَصْبٌ عند غيرهما، لأ نّه لمّا حذف الجارّ و صار الفعل إلى المفعول الثّاني مثل:< استغفر الله ذنبًا> و <أمرتك الخير>.

و في مصحف ابن مَسعود ( اِلااَنْ يَخافُوا) بالياء و واو الجمع، و الضّمير على هذا للحكّام ومتوسّطي أُمور النّاس. (1: 307)

الفَخْرالرّازيّ: اختلفوا في أنّ قوله تعالى: { اِلااَنْ يَخَافَا } هو استثناء متّصل أو منقطع. و فائدة هذا الخلاف تظهر في مسألة فقهيّة: وهي أنّ أكثر المجتهدين قالوا: يجوز الخلع في غير حالة الخوف

و الغضب. [ثمّ ذكرأقوالهم و ثمرتها، فلاحظ]

الخوف المذكور في هذه الآية يمكن حمله على الخوف المعروف، و هو الإشفاق ممّا يكره وقوعه، و يمكن حمله على الظّنّ؛ و ذلك لأنّ الخوف حالة نفسانيّة مخصوصة، و سبب حصولها ظنّ أ نّه سيحدث مكروه في المستقبل. و إطلاق اسم المعلول على العلّة مجاز مشهور، فلاجرم أطلق على هذا الظّنّ اسم الخوف. و هذا مجاز مشهور، فقد يقول الرّجل لغيره: قد خرج غلامك بغير إذنك، فتقول: قد خفت ذلك على معنى ظننته و توهّمته. [ثمّ استشهد بشعر و قال:]

ثمّ الّذي يؤكّد هذا التّأويل قوله تعالى فيما بعد هذه الآية: { فَاِنْ طَلَّقَهَا فَلاجُنَاحَ عَلَيْهِمَا اَنْ يَتَرَاجَعَا اِنْ ظَنَّا اَنْ يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } البقرة: 230.

اعلم أنّ ظاهر هذه الآية يدلّ على أنّ الشّرط هو حصول الخوف للرّجل و للمرأة، و لابدّ هاهنا من مزيد بحث، فنقول: الأقسام الممكنة في هذا الباب أربعة. لأ نّه: إمّا أن يكون هذا الخوف حاصلا من قبل المرأة فقط، أو من قبل الزّوج فقط، أو لايحصل الخوف من قبل واحد منهما، أو يكون الخوف حاصلا من قبلهما معًا. [ثمّ بيّن حكم كلّ منها، لاحظ: ف د ي: < افتَدَت >] (6: 107)

ص: 202

القُرطُبيّ: حرّم الله تعالى في هذه الآية ألا يأخذ إلا بعد الخوف ألا يقيما حدود الله، و أكّد التّحريم بالوعيد لمن تعدّى الحدّ. و المعنى أن يظنّ كلّ واحد منهما بنفسه ألا يقيم حقّ النّكاح لصاحبه حسب ما يجب عليه فيه، لكراهة يعتقدها، فلا حرج على المرأة أن تفتدي، و لاحرج على الزّوج أن يأخذ. و الخطاب للزّوجين، و الضّمير في { اَنْ يَخَافَا } لهما، و { اَ لا يُقيمَا‘} مفعول به، و < خفي > يتعدّى إلى مفعول واحد.ثمّ قيل: هذا الخوف هو بمعنى العلم، أي أن يعلما ألايقيما حدود الله، و هو من الخوف الحقيقيّ، و هو الإشفاق من وقوع المكروه، و هو قريب من معنى الظّنّ... (3: 137)

البَيْضاويّ: أي الزّوجان، و قرئ ( يَظُنّا ) و هو يؤيّد تفسير الخوف بالظّنّ أن لايقيما حدود الله، بترك إقامة أحكامه من موجب الزّوجيّة. (1: 121)

أبوحَيّان: الألف في{ يَخَافَا } و { يُقيمَا‘ } عائد على صنفي الزّوجين، و هو من باب الالتفات، لأ نّه إذااجتمع مخاطب و غائب، و أُسند إليهما حكم، كان التّغليب للمخاطب. فتقول: أنت و زيد تخرجان، و لايجوز يخرجان، و كذلك مع التّكلّم نحو:أنا و زيد نخرج.و لمّاكان الاستثناء بعد مضيّ الجملة للخطاب جاز الالتفات. و لو جرى على النّسق الأوّل لكان: (اِلا اَنْ تَخافُوا اَنْ لاتَقيمُوا)، و يكون الضّمير إذ ذاك عائدًا على المخاطبين و على أزواجهم، و المعنى: إلا أن يخافا، أي صنفا الزّوجين، ترك إقامة حدود الله فيما يلزمهما من حقوق الزّوجيّة، بما يحدث من بغض المرأة لزوجها حتىّ تكون شدّة البغض سببًا لمواقعة الكفر، كما في قصّةجميلة مع زوجها ثابت((1)).

{ وَ اَنْ يَخَافَا } قيل: في موضع نصب على الحال، التّقدير: إلاخائفَين، فيكون استثناء من الأحوال، فكأنّه قيل: فلايحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا في كلّ حال، إلافي حال الخوف أن لايقيما حدود الله، و ذلك أنّ (اَنْ) مع الفعل بتأويل المصدر، و المصدر في موضع اسم الفاعل، فهومنصوب على الحال. و هذا في إجازته نظر، لأنّ وقوع المصدر حالا لاينقاس، فأحرى ما وقع موقعه، و هو (اَنْ) و الفعل، و يكثر المجاز، فإنّ الحال إذ ذاك يكون (اَنْ) و الفعل، الواقعان موقع المصدر الواقع موقع اسم الفاعل.

و قد منع سيبَوَيه وقوع: (اَنْ) و الفعل، حالا ، نص على ذلك في آخر: < هذا باب ما يختار فيه الرّفع و يكون فيه الوجه في جميع اللّغات > و الّذي يظهر أ نّه استثناء من المفعول له، كأ نّه قيل: و لايحلّ لكم أن تأخذوا بسبب من الأسباب

إلابسبب خوف عدم إقامة حدود الله، فذلك هو المُبيح لكم الأخذ، و يكون حرف العلّة قد حذف مع: (اَنْ )، و هو جائز فصيحًا كثيرًا.

و لايجيء هنا، خلاف الخَليل و سيبَوَيه أ نّه إذا حذف حرف الجرّ من ( اَنْ )، هل ذلك في موضع نصب أو في موضع جرّ؟ بل هذا في موضع نصب، لأ نّه مقدّر

ص: 203


1- (1) قد ذكروا في شأن نزول الآية قصّة جميلة بنت عبد الله ابن أبي سلول و زوجها ثابت بن قيس.

بالمصدر لو صرّح به كان منصوبًا، واصلا إليه العامل بنفسه، فكذلك هذا المقدّر به، و هذا الّذي ذكرناه من أنّ: (اَنْ) و الفعل، إذا كانا في موضع المفعول من أجله،فالموضع نصب لاغير منصوص عليه من النّحويّين و وجهه ظاهر.

و معنى الخوف هنا الإيقان، قاله أبو عُبَيْدَة، أو العلم، أي إلاأن يعلما، قاله ابن سلمة. [ثمّ استشهد بشعر]

و الأولى بقاء الخوف على بابه، و هو أن يراد به الحذر من الشّيء، فيكون المعنى: إلا أن يعلم، أو يظنّ أو يوقن أو يحذر، كلّ واحد منهما بنفسه، أن لايقيم حقوق الزّوجيّة لصاحبه حسبما يجب، فيجوز الأخذ.

و قرأ عبد الله: (اِلاأن يخَافُوا اَنْ لايُقيمُوا حقوق) أي إلا أن يخاف الأزواج و الزّوجات. و هو من باب الالتفات؛ إذ لو جرى عليه النّسق الأوّل لكان بالتّاء. و روي عن عبد الله أنّه قرأ أيضًا: ( اِلا اَنْ تَخَافُوا ) بالتّاء. و قرأ حمزة، و يعقوب، و يزيد بن القعقاع؛ ( اِلا اَنْ يُخافُوا )، بضمّ الياء، مبنيًّا للمفعول، و الفاعل المحذوف: الولاة. و ( اَنْ لايُقيما )، في موضع رفع بدل من الضّمير، أي إلا أن يخاف عدم إقامتهما حدود الله، و هو بدل اشتمال، كما تقول: الزّيدان أعجباني حسنهما و الأصل: إلا أن يخافوا، أ نّها: الولاة، عدم إقامتهما حدود الله. [ثمّ نقل كلام ابن عَطيّة و قال:]

و هو نص كلام أبي عليّ الفارسيّ، نقله من كتابه إلاالتّنظيرب <استغفرالله>. و ليس بصحيح تنظير ابن عَطيّة < خاف > ب <استغفر>، لأنّ < خاف > لايتعدّى إلى اثنين، ك < استغفر الله > و لم يذكر ذلك النّحويّون حين عدّوا ما يتعدّى إلى اثنين. و أصل أحدهما بحرف الجرّ، بل إذا جاء: خفت زيدًا ضربه عمرًا، كان ذلك بدلا ، إذ مَن ضربه عمرًا كان مفعولا من أجله، و لايفهم ذلك على أنّه مفعول ثان. و قد وهم ابن عَطيّة في نسبة (اَنْ) الموضع خفض في مذهب سيبَوَيه، و الّذي نقله أبو عليّ و غيره أنّ مذهب سيَبَويه: أنّ الموضع بعد الحذف نصب، و به قال الفَرّاء، و أنّ مذهب الخَليل أنّه جرّ، و به قال الكِسائيّ.

و قدّر غير ابن عَطيّة ذلك الحرف المحذوف:

< على> فقال: و التّقدير إلا أن يخافا على أن يقيما، فعلى هذا يمكن أن يصحّ قول أبي عليّ و فيه بُعدٌ.

و قد طعن في هذه القراءات من لايُحسن توجيه كلام العرب، و هي قراءة صحيحة مستقيمة في اللّفظ و في المعنى. و يؤيّدها قوله بعد: { فَاِنْ خِفْتُمْ }، فدلّ على أنّ الخوف المتوقّع هو من غير الأزواج، و قد اختار هذه القراءة أبو عُبَيْد.

قال أبو جعفر الصّفّار: ما علمت في اختيار حمزة أبعد من هذا الحرف، لأ نّه لايوجبه الإعراب و لااللّفظ و لاالمعنى.

أمّا الإعراب فإن يحتجّ له بقراءة عبد الله بن مَسعود: (اِلااَن يخَافُوا اَنْ لايقيموا )، فهو في العربيّة إذ ذاك لما لم يُسمّ فاعله، فكان ينبغي أنلو قيل: إلاأن يخافا أن لا يقيما؟ و قد احتجّ الفرّاء لحمزة، و قال: إنّه اعتبرقراءة عبد الله: ( اِلا اَنْ يخَافُوا). و خطّأه أبو عليّ، و قال: لم يُصب، لأنّ الخوف في قراءة عبد الله واقع

ص: 204

على(اَنْ)، و في قراءة حمزة واقع على< الرّجل > و < المرأة >.

و أمّا اللّفظ فإن كان صحيحًا فالواجب أن يقال: < فإن خيفا >، و إن كان على لفظ، ف ( اَنْ ) وجب أن يقال < اِلا اَنْ يخافوا.>.

و أمّا المعنى فإ نّه يبعد أن يقال: لايحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلا أن يخاف غيركم، و لم يقل جلّ و عزّ: فلاجناح عليكم أن تأخذوا له منها فدية، فيكون الخُلع إلى السّلطان، و قد صحّ عن عمر و عثمان أ نّهما أجازا الخُلع بغير سلطان. انتهى كلام الصّفّار.

و ما ذكره لايلزم، و توجيه قراءة الضّمّ ظاهر، لأ نّه لمّا قال: { وَ لايَحِلُّ لَكُمْ} وجب على الحكّام منع من أراد أن يأخذ شيئًا من ذلك. ثمّ قال: { اِلا اَنْ يَخَافَا }، فالضّمير للزّوجين، و الخائف محذوف، و هم: الولاة و الحكّام، و التّقدير: إلاأن يخاف الأولياء الزّوجين أن لايقيما حدود الله، فيجوز الافتداء. و تقدّم تفسير < الخوف > هنا.

و أمّا قوله: فوجب أن يقال: < فإن خيفا >، فلايلزم،لأنّ هذا من باب الالتفات، و هو في القرآن كثير، و هو من محاسن العربيّة. و يلزم من فتح الياء أيضًا على قول الصّفّار أن يقرأ: < فإن خافا >، و إنّما هو في القراءتين على الالتفات.

و أمّا تخطئة الفَرّاء فليست صحيحة، لأنّ قراءة عبد الله ( اِلا اَنْ يَخافُوا )، دلالة على ذلك، لأنّ التّقدير: إلاأن يخافوهما أن لايقيما. و الخوف واقع في قراءة حمزة على (اَنْ)، لأ نّها في موضع رفع على البدل من ضميرهما، و هو بدل الاشتمال كما قرّرناه قبل فليس على ما تخيّله أبوعليّ، و ذلك كما تقول: خيف زيد شرّه.

و أمّا قوله: يبعد من جهة المعنى، فقد تقدّم الجواب عنه، و هو أنّ لهما المنع من ذلك، فمتى ظنّوا أو أيقنوا ترك إقامة حدود الله، فليس لهم المنع من ذلك. و قد اختار أبو عُبَيْدَة قراءة الضّمّ، لقوله تعالى: { فَاِنْ خِفْتُمْ} ، فجعل الخوف لغير الزّوجين، و لو أراد الزّوجين لقال: فإن خافا. (2: 196)

السّمين: قوله: { اِلااَنْ يَخَافَا } هذا استثناء مفرّغ، و في{ اَنْ يَخَافَا } وجهان:

أحدهما: أنّه في محلّ نصب على أ نّه مفعول من أجله، فيكون مستثنى من ذلك العامّ المحذوف، و التّقدير: و لايحلّ لكم أن تأخذوا بسبب من الأسباب إلابسبب خوف عدم إقامة حدود الله. و حُذف حرف العلّة لاستكمال شروط النّصب، لاسيّما مع (اَنْ)، و لايجيء هنا، خلاف الخَليل و سيبَوَيه: أهي في موضع نصب أو جرّ بعد حذف اللام، بل هي في محلّ نصب فقط، لأنّ هذا المصدر لو صُرّح به لنُصب، وهذا قدنص عليه النّحويّون، أعني كون (اَنْ) و ما بعدها في محلِّ نصب بلاخلاف، إذا وقعَتْ موقع المفعول له.

و الثّاني: أ نّه في محلّ نصب على الحال، فيكون مستثنى من العامّ أيضًا، تقديره: و لا يحلّ لكم في كلّ حال من الأحوال إلافي حال خوف ألايقيماحدود الله.

ص: 205

قال أبو البقاء: و التّقدير: إلاخائفَين، و فيه حذف مضاف تقديره: ولايحلّ أن تأخذوا على كلّ حال أو في كلّ حال إلافي حال الخوف.

و الوجه الأوّل أحسن؛ و ذلك أنّ (اَنْ) و ما في حيّزها مؤوّلة بمصدر، و ذلك المصدر واقع موقع اسم الفاعل المنصوب على الحال، و المصدر لايطّرد وقوعه حالا فكيف بما هو في تأويله!! و أيضًا فقد نص سيبَوَيه على أنّ (اَنْ) المصدريّة لاتقع موقعَ الحال. [ثم ذكركلام أبي حَيّان و قال:]

و الخوف هنا فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أ نّه على بابه من الحَذَر و الخشية، فتكون (اَنْ) في قراءة غير حمزة في محلّ جرّ أو نصب على حَسَب الخلاف فيها بعد حذف حرف الجرّ، إذ الأصل: من ألايقيما، أو في محلّ نصب فقط على تعدية الفعل إليها بنفسه، كأ نّه قيل: إلاأن يَحذَرا عدم إقامة حدود الله.

و الثّاني: أ نّه بمعنى < العلم > و هو قول أبي عُبَيْدَة. [ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و لذلك رُفع الفعل بعد ( اَن )، و هذا لايصحّ في الآية لظهور النّصب.

و الثّالث: الظّنّ، قاله الفَرّاء، ويؤيّده قراءة أُبيّ: (اِلااَنْ يَظُنَّا).

وعلى هذين الوجهين فتكون ( اَنْ ) و ما في حيّزها سادّةً مسدّ المفعولين عند سيبَوَيه، و مسدّ الأوّل و الثّاني محذوف عند الأخفش، كما تقدّم تقريره غيرمرّة.

و الأوّل هو الصّحيح؛ وذلك أنّ< خاف > من أفعال التّوقّع، و قد يميل فيه الظّنّ إلى أحد الجائزَين، و لذلك قال الرّاغِب: < الخوف: يقال لما فيه رجاء ما، و لذلك لايقال: خِفْت ألاأقدر على طلوع السّماء أو نَسْف الجبال >. (1: 559)

أبوالسُّعود: { اِلا اَنْ يَخَافَا } أي الزّوجان. و قرئ ( يظنّوا ) و هو مؤيّد لتفسير الخوف بالظّنّ { اَ لايُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ }، أي أن لايُراعيا مواجب أحكام الزّوجيّة. و قرئ ( يُخَافَا ) على البناء للمفعول و إبدال (اَنْ) بصلته من الضّمير بدل الاشتمال. و قرئ ( تَخَافَا و تُقيمَا ) بتاء الخطاب { فَاِنْ خِفْتُمْ } أيّها الحكّام { اَ لايُقيمَا‘ } أي الزّوجان حدود الله بمشاهدة بعض الأمارات و المخايل، فلاجناح عليهما أي على الزّوجين فيما افتدت به، لاعلى الزّوج في أخذ ما افتدت به، و لاعليها في إعطائه إيّاه. (1: 272)

البُرُوسَويّ: قوله تعالى: { فَاِنْ خِفْتُمْ } فإ نّهخطاب مع الحكّام، و الحكّام و إن لم يكونوا آخذين و مؤتين حقيقةً إلا أ نّهم هم الّذين يأمرون بالأخذ

و الإيتاء عند التّرافع إليهم، فكأ نّهم هم الّذين يأخذون و يؤتون. [إلى أن قال:]

{ اِلا اَنْ يَخَافَا } أي الزّوجان { ا َلايُقيمَا‘حُدُودَ اللهِ} أي أن لايُراعيا مواجب الزّوجيّة. قوله { اِلا اَنْ يَخَافَا } استثناء مفرّغ و { اَنْ يَخَافَا } محلّه النّصب على أ نّه مفعول من أجله مستثنى من العامّ المحذوف، تقديره: و لايحلّ لكم أن تأخذوا بسبب من الأسباب شيئًا إلا بسبب خوف عدم إقامة حدود الله،{ فَاِنْ

ص: 206

خِفْتُمْ } أيّها الحكّام { اَ لايُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } أي الحقوق الّتي أثبتها النّكاح؛ و ذلك بمشاهدة بعض الأمارات و المخايل { فَلاجُنَاحَ عَلَيْهِمَا فيمَا‘ افْتَدَتْ بِهِ }.

(1: 356)

الآلوسيّ: و الخطاب مع الحكّام، و إسناد الأخذ و الإيتاء إليهم، لأ نّهم الآمرون بهما عند التّرافع، و قيل: إنّه خطاب للأزواج، و يُردّ عليه أن فيه تشويشًا للنّظم الكريم، لأنّ قوله تعالى: { اِلااَنْ يَخَافَا} أي الزّوجان كلاهما أو أحدهما { اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } بترك إقامة مواجب الزّوجيّة غير منتظم معه، لأنّ المعبّر عنه في الخطاب الأزواج فقط، و في الغيبة الأزواج و الزّوجات. و لايمكن حمله على الالتفات؛ إذ من شرطه أن يكون المعبّر عنه في الطّريقين واحدًا، و أين هذا الشّرط؟

نعم لهذا القيل وجه صحّة، لكنّها لاتُسمن و لاتُغني، و هو أنّ الاستثناء لمّا كان بعد مضيّ جملة الخطاب من أعمّ الأحوال أو الأوقات أو المفعول له على أن يكون المعنى بسبب من الأسباب، إلابسبب الخوف جاز تغيير الكلام من الخطاب إلى الغيبة لنكتة، و هي: أن لايخاطب مؤمن بالخوف من عدم إقامة حدود الله. و قرئ( تَخَافَا) و ( تُقيمَا ‘) بتاء الخطاب، و عليها يهون الأمر، فإنّ في ذلك حينئذ تغليب المخاطبين على الزّوجات الغائبات. و التّعبير بالتّثنية باعتبار الفريقين، و قرأ حمزة و يعقوب ( يُخَافَا) على البناء للمفعول و إبدال (اَنْ) بصلته من ألف الضّمير، بدل اشتمال، كقولك: خيف زيد تركه { حُدُودَ اللهِ }، و يعضده قراءة عبدالله ( اِلا اَنْ تخافوا ) ...و في قراءة أُبيّ ( اِلا اَنْ يظنّا ) و هو يؤيّد تفسيرالظّنّ بالخوف { فَاِنْ خِفْتُمْ } خطاب للحكّام لاغير، لئلايلزم تغيير الأُسلوب قبل مضيّ الجملة. (2: 139)

رشيدرضا: و الخوف هنا على ظاهره، و هو توقّع المكروه، و فسّره بعضهم بالظّنّ و بعضهم بالعلم. و توقّع الشّيء لايكون إلا بوجود ما يدلّ عليه. فإن كان الدّليل قطعيًّا فهو من العلم، و إلا فهو من الظّنّ.

و قدجعل بعض المفسّرين الخطاب الأوّلللأزواج و الثّاني للحكّام، و جعل بعضهم الخطاب للحكّام أوّلا و آخرًا، لتناسق الضّمائر. و يقول الأُستاذ الإمام: إنّ الخطاب في مثل هذا للأُمّة، لأ نّها متكافلة في المصالح العامّة، و أُولو الأمر هم المطالَبون أوّلا و بالذّات بالقيام بالمصالح، و الحكّام منهم، و سائر النّاس رقباء عليهم. (2: 388)

نحوه المَراغيّ. (2: 173)

ابن عاشور: و الخطاب في قوله: { فَاِنْ خِفْتُمْ اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } للحكّام، لأ نّه لو كان للأزواج لقيل: فإن خفتم ألا تقيموا، أو ألا تقيما. قال في « الكشّاف >: و نحو ذلك غير عزيز في القرآن انتهى. يعني لظهور مرجع كلّ ضمير من قرائن المُقام .

و نظّره في « الكشّاف » بقوله تعالى في سورة الصّفّ:13: {وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنينَ ‘} على رأي صاحب < الكشّاف > ، إذ جعله معطوفًا على{ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ } لأ نّه في معنى آمنوا و جاهدوا، أي فيكون معطوفًا على الخطابات العامّة للأُمّة ، و إن كان

ص: 207

التّبشير خاصًّا به الرّسول (صلی الله علیه و آله) ، لأ نّه لايتأتّى إلامنه. و أظهر من تنظير صاحب « الكشاف » أن تُنظّره بقوله تعالى فيما يأتي: { وَ اِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ اَجَلَهُنَّ فَلاتَعْضُلُوهُنَّ } البقرة : 232، إذ خوطب فيه المطلّق و العاضل، و هما متغايران.[إلى أن قال:]

و الخوف: توقّع حصول ما تكرهه النّفس، و هو ضدّ الأمن. و يطلق على أثره، و هو السّعي في مرضاة المخوف منه، و امتثال أوامره، كقوله: { فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُون ِاِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} آل عمران: 175. و ترادفه الخشية، لأنّ عدم إقامة حدود الله ممّا يخافه المؤمن، و الخوف يتعدّى إلى مفعول واحد، قال تعالى:

{ فَلاتَخَافُوهُمْ }.[ثمّ استشهد بشعر]

و حذفت < على > في الآية لدخولها على < اَنْ > المصدريّة.

و قد قال بعض المفسّرين: إنّ الخوف هنا بمعنى الظّنّ، يريد ظنّ المكروه؛ إذ الخوف لايطلق إلا على حصول ظنّ المكروه، و هو خوف بمعناه الأصليّ.

(2: 388)

الطَّباطَبائيّ: الخوف هو الغلبة على ظنّهما أن لايقيما حدود الله، و هي أوامره و نواهيه من الواجبات و المحرّمات في الدّين؛ و ذلك إنّما يكون بتباعد أخلاقهما و ما يستوجبه حوائجهما، و التّباغض المتولّد بينهما من ذلك.

قوله تعالى: { فَاِنْ خِفْتُمْ اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ ...} العدول عن التّثنية إلى الجمع في قوله: { خِفْتُمْ }، كأ نّه للإشارة إلى لزوم أن يكون الخوف خوفًا يعرفه العُرف و العادة، لا ما ربّما يحصل بالتّهوّس و التّلهّي، أو بالوسوسة و نحوها، و لذلك عدل أيضًا عن الإضمار، فقيل: { اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ } ، و لم يقل: < فإن خفتم ذلك >لمكان اللّبس. (2: 234)

فضل الله: [لاحظ كلامه في: ف د ي: < افتدت >]

(4: 306)

2 فَاِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا فَاِذَا اَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ. البقرة: 239

الفَخْرالرّازيّ: اختلفوا في الخوف الّذي يفيد هذه الرّخصة؛ و طريق الضّبط أن نقول: الخوف إمّا أن يكون في القتال، أو في غير القتال.

أمّا الخوف في القتال، فإمّا أن يكون في قتال واجب، أو مباح، أو محظور.

أمّا القتال الواجب فهو كالقتال مع الكفّار، و هو الأصل في صلاة الخوف، و فيه نزلت الآية، و يلتحق به قتال أهل البغي، قال تعالى:{ فَقَاتِلُوا الَّتى تَبْغىحَتى| تَفىءَ اِلى اَمْرِ اللهِ } الحجرات: 9.

و أمّا القتال المباح فقد قال القاضي أبو المحاسن الطّبَري في كتاب < شرح المختصر >: إنّ دفع الإنسان عن نفسه مباح غير واجب، بخلاف ما إذا قصد الكافر نفسه، فإنّه يجب الدّفع، لئلا يكون إخلالا بحقّ الإسلام.

إذا عرفت هذا فنقول: أمّا القتال في الدّفع عن النّفس و في الدّفع عن كلّ حيوان محترم، فإنّه يجوز فيه صلاة الخوف. أمّا إذا قصد أخذ ماله، أو إتلاف حاله،

ص: 208

فهل له أن يصلّي صلاة شدّة الخوف؟ فيه قولان: الأصحّ أن يجوز. و احتجّ الشّافعيّ بقوله 3: < من قُتل دون ماله فهو شهيد >. فدلّ هذا على أنّ الدّفع عن المال كالدّفع عن النّفس. و الثّاني: لايجوز، لأنّ حرمة الزّوج أعظم.

أمّا القتال المحظور فإنّه لاتجوز فيه صلاة الخوف، لأنّ هذا رخصة و الرّخصة إعانة، و العاصي لايستحقّ الإعانة.

أمّا الخوف الحاصل لا في القتال، كالهارب من الحرق و الغرق و السّبع، و كذا المُطالَب بالدَّين إذا كان معسرًا خائفًا من الحبس، عاجزًا عن بيّنة الإعسار، فلهم أن يُصلّوا هذه الصّلاة، لأنّ قوله تعالى: { فَاِنْ خِفْتُمْ } مطلق يتناول الكلّ. (6: 166)

أبوحَيّان: و الخوف يشمل الخوف من: عدّو، و سبُع، و سيل و غير ذلك، فكلّ أمر يُخاف منه فهو مبيح ما تضمّنته الآية هذه. (2: 243)

ابن عاشور: و الخوف هنا خوف العدوّ، و بذلك سُمّيت صلاة الخوف. و العرب تسمّي الحرب بأسماء الخوف، فيقولون: الرَّوْع، و يقولون: الفَزَع. [إلى أن قال:]

و أيضًا شملت هذه الآية كلّ خوف من سباع، أو قُطّاع طريق، أو من سيل الماء. (2: 449)

و راجع: ر ج ل: < رجالا >.

3 و 4 وَ اِنْ خِفْتُمْ اَ لا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنى وَ ثُلثَ وَ رُ بَاعَ فَاِنْ خِفْتُمْ اَ لا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً... النّساء: 3أبوعُبَيْدَة: { اِنْ خِفْتُمْ اَ لاتَعْدِلُوا } مجازه: أيقنتم.

(1: 116)

ابن قُتَيْبَة: أي فإن علمتم أ نّكم لاتعدلون بين اليتامى. (119)

ابن العَرَبيّ: قال جماعة من المفسّرين: معناه أيقنتم و علمتم، و الخوف و إن كان في اللّغة بمعنى الظّنّ الّذي يترجّح وجوده على عدمه، فإنّه قد يأتي بمعنى اليقين و العلم. و الصّحيح عندي أ نّه على بابه من الظّنّ لا من اليقين، التّقدير: من غلب على ظنّه التّقصير في القسط لليتيمة فليعدل عنها (1: 310)

ابن عَطيّة: قال أبو عُبَيْدَة: { خِفْتُمْ } هنا بمعنى أيقنتم. و ما قاله غير صحيح، و لايكون الخوف بمعنى اليقين بوجه، و إنّما هو من أفعال التّوقّع ،إلا أنّه قد يميل الظّنّ فيه إلى إحدى الجهتين، و أمّا أن يصل إلى حدّ اليقين فلا. (2: 6)

الخازن: يعني فإن خشيتم. (1: 398)

نحوه الشِّربينيّ. (1: 280)

أبوحَيّان: و معنى { خِفْتُمْ }: حذرتم، و هو على موضوعه في اللُّغة من أنّ الخوف هو الحذر. و قال أبو عُبَيْدَة: معنى{ خِفْتُمْ } هنا: أيقنتم، و < خاف > تكون بمعنى أيقن، و دليله قول الشّاعر:

* فقلت لهم خافوا بألفي مدحج *

و ما قاله لايصحّ،[و] لايثبت من كلام العرب < خاف > بمعنى أيقن، و إنّما خاف من أفعال التّوقّع، و قد يميل فيه الظّنّ إلى أحد الجائزين. (3: 162)

أبوالسُّعود: و المراد بالخوف: العلم، كما في قوله

ص: 209

تعالى: { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوص جَنَفًا } البقرة: 182، عبّر عنه بذلك إيذانًا بكون المعلوم مخوفًا محذورًا، لامعناه الحقيقيّ، لأنّ الّذي علّق به الجواب هو العلم بوقوع الجور المخوف لاالخوف منه، و إلا لم يكن الأمر شاملا لمن يصرّ على الجور و لايخافه. (2: 95)

نحوه البُرُوسَويّ (2: 162)،والآلوسيّ (4: 189).

الطَّباطَبائيّ: و قد علّقه تعالى على الخوف من ذلك دون العلم، لأنّ العلم في هذه الأُمور و لتسويل النّفس فيها أثر بيّن لايحصل غالبًا، فتفوت المصلحة.

(4: 168)

5 وَ اِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ اَهْلِهِ وَ حَكَمًا مِنْ اَهْلِهَا... النّساء: 35

ابن عبّاس: علمتم. (69)

نحوه الطّبَريّ (4: 73)، و الواحديّ (2: 47)، و الشِّربينيّ (1: 301).

أبوعُبَيْدَة: أيقنتم. (1: 126)

الزّجّاج: قال بعضهم: { خِفْتُمْ } هاهنا في معنى أيقنتم، و هذا خطأ، لو علمنا الشّقاق على الحقيقة، لم يحتج إلى الحكمين، وإنّما يخاف الشّقاق (2: 48)

الطُّوسيّ: في معناه قولان:

أحدهما: إن علمتم.

الثّاني: الخوف الّذي هو خلاف الأمن، و هوالأصحّ، لأ نّه لوعلم الشّقاق يقينًا لم يحتج إلى الحكمين، فإن أُريد به الظّنّ كان قريبًا ممّا قلناه.

(3: 191)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (2: 44)

البغَويّ: و الخوف بمعنى اليقين، و قيل:هو بمعنى الظّنّ، يعني: إن ظننتم شقاق بينهما. (1: 613)

نحوه الخازن. (1: 434)

الفَخْرالرّازيّ: قال ابن عبّاس { خِفْتُمْ } أي علمتم.

قال: و هذا بخلاف قوله: { وَ التى\ تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ }النّساء: 34، فإنّ ذلك محمول على الظّنّ، و الفرق بين الموضعين أنّ في الابتداء يظهر له أمارات النّشوز، فعند ذلك يحصل الخوف، و أمّا بعد الوعظ و الهجر و الضّرب لمّا أصرّت على النّشوز، فقد حصل العلم بكونها ناشزة؛ فوجب حمل الخوف هاهنا على العلم.

طعن الزّجّاج فيه فقال: { خِفْتُمْ } هاهنا بمعنى أيقنتم خطأ، فإنّا لو علمنا الشّقاق على الحقيقة لم نحتج إلى الحكمين.

و أجاب سائر المفسّرين بأنّ وجود الشّقاق و إن كان معلومًا، إلا أنّا لانعلم أنّ ذلك الشّقاق صدر عن هذا أو عن ذاك، فالحاجة إلى الحكمين لمعرفة هذا المعنى.

و يمكن أن يقال: وجود الشّقاق في الحال معلوم، و مثل هذا لايحصل منه خوف، إنّما الخوف في أ نّه هل يبقى ذلك الشّقاق أم لا؟ فالفائدة في بعث الحكمين ليست إزالة الشّقاق الثّابت في الحال فإنّ ذلك محال، بل الفائدة إزالة ذلك الشّقاق في المستقبل. (10: 92)

نحوه النَّيسابوريّ. (5: 38)

ص: 210

أبوالسُّعود: و الخوف هاهنا بمعنى العلم، قاله ابن عبّاس. و الجزم بوجود الشّقاق لاينافي بعث الحكمين، لأ نّه لرجاء إزالته لالتعرّف وجوده بالفعل و قيل: بمعنى الظّنّ. (2: 134)

نحوه البُرُوسَويّ. (2: 204)

6 وَاِذَا ضَرَ بْتُمْ فِى الاَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلوةِ اِنْ خِفْتُمْ اَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا اِنَّ الْكَافِرينَ‘ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّ ا مُبينًا‘. النّساء: 101

راجع: ق ص ر: < تقصروا >.

7 وَ اِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنيكُمُ ا للهُ مِنْ فَضْلِهِ اِنْ شَاءَ اِنَّ اللهَ عَليمٌ ‘حَكيمٌ ‘.

التّوبة:28

راجع: ع ي ل: < عيلة >.

خِفْتِ لاتَخَافىوَاَوْحَيْنَا اِلى اُمِّ مُوسى اَنْ اَرْضِعيهِ ‘فَاِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَاَلْقيهِ ‘فِى الْيَمِّ وَ لاتَخَافى وَلا تَحْزَنى اِنَّا رَادُّوهُ اِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلينَ ‘. القصص: 7

ابن عبّاس: { فَاِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } أن يضيع [إلى أن قال:]

{ وَ لاتَخَافى } من الغرق { وَ لاتَحْزَنى } من الضّيعة أن لايُردّ إليك. (323)

ابن زَيْد: لاتخافي عليه البحر، و لاتحزني لفراقه.

(الطّبَريّ10: 30)

الطّبَريّ: لاتخافي على ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه، و لاتحزني لفراقه. (10: 30)

الطُّوسيّ: فالخوف توقّع ضرر لايُؤمَن به...

{ وَ لاتَخَافى وَ لاتَحْزَنى } نهي من الله تعالى لها من الخوف و الحزن، فإ نّه تعالى أراد أن يزيل خوف أُمّ موسى بما وعدها الله من سلامته على أعظم الأُمور، في إلقائه في البحر الّذي هو سبب الهلاك في ظاهر التّقدير، لولا لطف الله تعالى بحفظه حتّى يردّه إلى أُمّه.

(8 : 131)

البغَويّ: { فَاِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } يعني: من الذّبح، { فَاَلْقيهِ‘ فِى الْيَمِّ } و اليمّ: البحر، و أراد هاهنا النّيل، { وَ لاتَخَافى } قيل: لاتخافي عليه من الغرق، و قيل: من الضّيعة،{ وَ لاتَحْزَنى } على فراقه. (3: 522)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (4: 240)

الزّمَخْشَريّ: فإن قلت: ما المراد بالخوفين حتّى أوجب أحدهما و نهَى عن الآخر؟

قلت: أمّا الأوّل فالخوف عليه من القتل، لأ نّه كان إذا صاح خافت أن يسمع الجيران صوته فينموا عليه. و أمّا الثّاني فالخوف عليه من الغرق و من الضّياع و من الوقوع في يد بعض العيون المبثوثة من قبل فرعون، في تطلّب الولدان و غير ذلك من المخاوف.

فإن قلت: ما الفرق بين الخوف و الحزن؟

قلت: الخوف غمّ يلحق الإنسان لمتوقّع، و الحزن: غمّ يلحقه لواقع، و هو فراقه و الإخطار به، فنُهيت عنهما جميعًا. (3: 165)

نحوه النّسَفيّ (3: 226)، و الشِّربينيّ (3: 81).

الفَخْرالرّازيّ: أن يفطن به جيرانك، و يسمعون صوته عند البكاء { فَاَلْقيهِ‘ فِى الْيَمِّ }، و المراد باليمّ

ص: 211

ها هنا: النّيل، { وَ لاتَخَافى وَ لاتَحْزَنى } و الخوف غمّ يحصل بسبب مكروه يتوقّع حصوله في المستقبل، و الحزن غمّ يلحقه بسبب مكروه حصل في الماضي، فكأ نّه قيل: و لاتخافي من هلاكه، و لاتحزني بسبب فراقه.

(24: 227)

البَيْضاويّ: { وَ لاتَخَافى } عليه ضيعة و لاشدّة ، { وَ لاتَحْزَنى } لفراقه. (2: 187)

أبوحَيّان: { فَاِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ } من جواسيس فرعون و نقبائه الّذين يقتلون الأولاد، { فَاَلْقيهِ‘فِى اليَمِّ }. قال الجُنَيْد: إذاخِفْتِ حفظه بواسطة، فسلّميه إلينا بإلقائه في البحر، و اقطعي عنك شفقتك و تد بيرك ... { وَ لاتَخَافى } أي من غرقه و ضياعه، و من التقاطه، فيُقتل، { وَ لاتَحْزَنى } لمفارقتك إيّاه.

(7: 105)

نحوه أبو السُّعود(5: 113)،و الآلوسيّ (20: 45).

ابن عاشور: و الخوف: توقّع أمر مكروه، و الحزن: حالة نفسيّة تنشأ من حادث مكروه للنّفس، كفوات أمر محبوب، أو فقد حبيب، أو بُعده، أو نحو ذلك.

و المعنى لاتخافي عليه الهلاك من الإلقاء في اليمّ،

و لاتحزني على فراقه.

و النّهي عن الخوف و عن الحزن، نهيٌ عن سببيهما، و هما توقّع المكروه، و التّفكّر في وحشة الفراق. (20: 17)

خِفْتُ

وَاِنّى خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِنْ وَرَائى وَكَانَتِ امْرَاَتى عَاقِرًا فَهَبْ لى مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا... مريم:5

راجع: و ل ي: < المَوالى >.

خِفْتُكُمْ

فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لى رَبّى حُكْمًا وَجَعَلَنى مِنَ الْمُرْسَلينَ‘ الشّعراء: 21

الطّبَريّ: { لَمَّا خِفْتُكُمْ } أن تقتلوني بقتلي القتيل منكم. (9: 438)

نحوه الواحديّ (3: 352)، و الطَّبْرِسيّ (4: 187).

الزّمَخْشَريّ: فإن قلت: لِمَ جمع الضّمير في { مِنْكُمْ} و { خِفْتُكُمْ } مع إفراده في { تَمُنُّهَا } و { عَبَّدْتَ }؟ الشّعراء: 22.

قلت: الخوف و الفرارلم يكونا منه وحده، و لكن منه و من ملئه المؤتمرين بقتله، بدليل قوله: { اِنَّ الْمَلاَ يَاْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } القصص:20، و أمّا الامتنان فمنه وحده. (3: 109)

الفَخْرالرّازيّ: فالمراد: أنّي فعلت ذلك الفعل و أنا ذاهل عن كونه مهلكًا، و كان منّي في حكم السّهو، فلم أستحقّ التّخويف الّذي يوجب الفرار، و مع ذلك فررت منكم عند قولكم: { اِنَّ الْمَلاَ يَاْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ }. (24: 126)

الآلوسيّ: أي حين توقّعت مكروهًا يصيبني منكم. (19: 69)

لايَخَافُ

1 وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ

ص: 212

فَلايَخَافُ ظُلْمًا وَ لاهَضْمًا. طه: 112

ابن عبّاس: لايخاف ابن آدم يوم القيامة أن يظلم فيزاد عليه في سيّئاته، و لايظلم فيهضم في حسناته.

(الطّبَريّ 8 : 463)

الضّحّاك: لايخاف أن يؤخذ بذنب لم يعمله،ولا أن تبطل حسنة عملها. (الطَّبْرِسيّ4: 31)

قَتادَة: لايخاف أن يظلم فلايُجزى بعمله، و لايخاف أن ينتقص من حقّه فلايوفى عمله.

(الطّبَريّ 8: 463)

ابن زَيْد: لايخاف ظلمًا بأن لايجزى بعمله، و لا هضمًا بالانتقاص من حقه. (الطَّبْرِسيّ4: 31)

الطّبَريّ: فلايخاف من الله أن يظلمه، فيحمل عليه سيّئات غيره، فيعاقبه عليها. (8: 462)

أبوزُرْعَة: قرأ ابن كثير ( فَلا يَخَفْ ظُلْمًا ) جزمًا على النّهي، وعلامة الجزم سكون الفاء، و سقطت الألف لسكونها و سكون الفاء.

و قرأ الباقون: { فَلايَخَافُ } رفعًا على الخبر.

(464)

نحوه الطُّوسيّ. (7: 212)

الواحديّ: أي فهو لايخاف، و قرأ ابن كثير ( فَلايَخَفْ ) على النّهي فهو حسن، لأنّ المعنى: و من يعمل من الصّالحات و هو مؤمن فليأمن،لأ نّه لم يُفرط فيما وجب عليه، و نهيه عن الخوف أمر بالأمن.

(3: 222)

الطَّبْرِسيّ: و من قرأ ( فَلا يَخَفْ ) على النّهي، فمعناه: فليأمن، و لايخف الظّلم و الهضم، و النّهي عن الخوف أمر بالأمن. وفي هذه الآية دلالة على بطلان التّحابط. (4: 31)

الفَخْرالرّازيّ: فقوله: { فَلايَخَافُ } في موضع جزم، لكونه في موضع جواب الشّرط، و التّقدير: فهو لايخاف. و نظيره: { وَ مَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ } المائدة: 95، { فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَ بِّهِ فَلايَخَافُ بَخْسًا وَ لارَهَقًا } الجنّ: 13. [ثمّ أدام نحوالواحديّ]

(22: 120)

ابن عاشور: { فَلايَخَافُ } جواب الشّرط، و اقترانه بالفاء علامة على أنّ الجملة غير صالحة لموالاة أداة الشّرط، فتعيّن: إمّا أن تكون (لا) الّتي فيها ناهية، و إمّا أن يكون الكلام على نيّة الاستئناف، و التّقدير: فهو لايخاف.

و قرأ الجمهور { فَلايَخَافُ } بصيغة المرفوع بإثبات ألف بعد الخاء، على أنّ الجملة استئناف غير مقصود بها الجزاء، كأنّ انتفاء خوفه أمر مقرّر، لأ نّه مؤمن و يعمل الصّالحات.

و قرأه ابن كثير بصيغة الجزم بحذف الألف بعد الخاء، على أنّ الكلام نهي مستعمل في الانتفاء. و كُتبت في المصحف بدون ألف، فاحتملت القراءتين. و أشار الطّيّبيّ: إلى أنّ الجمهور توافق قوله تعالى: { وَ قَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} طه: 111، في أنّ كلتا الجملتين خبريّة.

و قراءة ابن كثير تفيد عدم التّردّد في حصول أمنه من الظّلم و الهضم، أي في قراءة الجمهور خصوصيّة لفظيّة، و في قراءة ابن كثير خصوصيّة معنويّة.

ص: 213

و معنى { لايَخَافُ ظُلْمًا }: لايخاف جزاءالظّالمين، لأ نّه آمن منه بإيمانه و عمله الصّالحات . (16: 186)

2 وَ اَلْقِ عَصَاكَ فَلمَّا رَ اهَا تَهْتَزُّ كَاَ نَّهَا جَانٌّ وَ لى| مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسى لاتَخَف اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ. النّمل:10

ابن عبّاس: لايخاف عندي من أرسلته برسالتي.

(الواحديّ 3: 369)

الحسَن: إنّي إنّما أخفتك لقتلك النّفس، كانت الأنبياء تذنب فتعاقب. (الطّبَريّ9: 499)

ابن جُرَيْج: لايُخيف الله الأنبياء إلابذنب يُصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتّى يأخذه منه.

(الطّبَريّ9: 499)

الفَرّاء: يقول القائل. كيف صُيّر خائفًا؟ قلت: فى هذه وجهان:

أحدهما: أن تقول: إنّ الرّسل معصومة مغفور لها آمنة يوم القيامة، و من خلط عملا صالحًا و آخر سيّئًا، فهو يخاف و يرجو؛ فهذا وجه.

و الآخر: أن تجعل الاستثناء من الّذين تركوا في الكلمة، لأنّ المعنى: لايخاف المرسلون إنّما الخوف على غيرهم. (2: 287)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: فناداه ربّه: يا موسى لاتخف من هذه الحيّة،{ اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ} يقول: إنّي لا يخاف عندي رسلي و أنبيائي الّذين اختصّهم بالنّبوّة، إلا من ظلم منهم، فعمل بغير الّذي أُذن له في العمل به. (9: 498)

النّحّاس: في معناه أقوال: منها أنّ في الكلام حذفًا، و المعنى: إنّي لايخاف لديّ المرسلون، إنّما يخاف غيرهم ممّن ظلم، { اِلا مَنْ ظَلَمَ }طه: 11، ثمّ تاب فإنّه لايخاف.

و قيل: المعنى: لايخاف لديّ المرسَلون، لكن من ظلم من المرسلين و غيرهم، ثمّ تاب فليس يخاف.

(5: 117)

الطُّوسيّ: و قوله: { يَا مُوسى لاتَخَف} نداء من الله تعالى لموسى و تسكين منه، و نهي له عن الخوف. و قال له: إنّك مرسل و { لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ} لأ نّهم لايفعلون قبيحًا، و لايخلّون بواجب، فيخافون عقابه عليه، بل هم منزّهون عن جميع ذلك. (8: 78)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (4: 212)

القُشَيْريّ: أي لاينبغي لهم أن يخافوا. (5: 27)

الواحديّ: المعنى لايخيف الله الأنبياء، أي إذا أمنهم لايخافونه فكيف تخاف الحيّة؟! نهى عن الخوف من الحيّة، و نبّه على أمن المرسلين عند الله، ليعلم أنّ من آمنه الله من عذابه بالنّبوّة، لايستحقّ أن يخاف الحيّة. (3: 369)

البغَويّ: يريد إذا آمنهم لايخافون، أمّا الخوف الّذي هو شرط الإيمان فلايفارقهم، قال النّبيّ(صلی الله علیه و آله) : < أنا أخشاكم لله >. (3: 491)

نحوه الخازن. (5: 111)

ابن عَطيّة: فإنّ رسلي الّذين اصطفيتهم للنّبوّة لايخافون عندي و معي. [ثمّ ذكر قول الحسَن و ابن جُرَيْج و أضاف:]

ص: 214

قال كثير من العلماء: لم يُعِر أحد من البشر من ذنب إلاما روي عن يحيى بن زكريّا.

و أجمع العلماء: أنّ الأنبياء : معصومون من الكبائر و من الصّغائر الّتي هي رذائل، و اختُلف فيما عدا هذا، فعسى أن يشير الحسن و ابن جُرَيْج إلى ما عدا ذلك. و في الآية على هذا التّأويل حذف اقتضى الإيجاز و الفصاحة ترك نصّه، تقديره: < فمن ظلم ثمّ بدّل > و قال الفَرّاء و جماعة: الاستثناء منقطع و هو إخبار عن غير الأنبياء، كأنّه قال: لكن من ظلم من النّاس ثمّ تاب { فَاِنّى غَفُورٌ رَحيمٌ ‘}. (4: 251)

الفَخْرالرّازيّ: و إنّما خاف لظنّه أنّ ذلك لأمر أُريد به، و يدلّ عليه { اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ }. و قال بعضهم: المراد إنّي إذا أمرتهم بإظهار معجز فينبغي أن لايخافوا، فيما يتعلّق بإظهار ذلك، و إلا فالمرسَل قد يخاف لامحالة. (24: 184)

القُرطُبيّ: فإن قال قائل: فما معنى الخوف بعد التّوبة و المغفرة؟

قيل له: هذه سبيل العلماء بالله عزّ و جلّ أن يكونوا خائفين من معاصيهم وجلين، و هم أيضًا لايأمنون أن يكون قد بقي من أشراط التّوبة شيء لم يأتوا به، فهم يخافون من المطالبة به. (13: 161)

البَيْضاويّ: { يَا مُوسى لاتَخَف} أي من غيري ثقة بي أو مطلقًا ، لقوله : { اِنّى لا يَخَافُ لَدَ ىَّ الْمُرْسَلُونَ} أي حين يُوحى إليهم من فرط الاستغراق فإنّهم أخوف النّاس من الله، أو لايكون لهم عندي سوء عاقبة فيخافون منه. (2: 171)

النّسَفيّ: أي لايخاف عندي المرسلون حال خطابي إيّاهم أو لايخاف لديّ المرسلون من غيري.

(3: 203)

النَّيسابوريّ: و سبب نفي الخوف عن الرّسل مشاهدة مزيد فضل الله و عنايته في حقّهم. (19: 82)

الشِّربينيّ: { يَا مُوسى لاتَخَف } أي منها و لا من غيرها ثقة بي. ثمّ علّل هذا النّهي بقوله تعالى مبشّرًا بالأمن و الرّسالة: { اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ } أي عندي

{ الْمُرْسَلُونَ } أي من حيّة و غيرها، لأ نّهم معصومون من الظّلم لايخاف من الملك العدل إلا ظالم. (3: 44)

أبو السُّعود: أي من غيري ثقة بي أو مطلقًا، لقوله تعالى: { اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ }، فإنّه يدلّ على نفي الخوف عنهم مطلقًا، لكن لا في جميع الأوقات، بل حين يُوحى إليهم كوقت الخطاب، فإنّهم حينئذ مستغرقون في مطالعة شؤون الله عزّ وجلّ، لايخطر ببالهم خوف من أحد أصلا و أمّا في سائر الأحيان فهم أخوف النّاس منه سبحانه أو لايكون لهم عندي سوء عاقبة ليخافوا منه. (5: 71)البُرُوسَويّ: [نحو أبي السُّعود و أضاف:]

و في< التّأويلات النّجميّة > يعني من فرّ إلى الله عمّا سواه، يؤمِّنه الله ممّا سواه، و يقول له: لاتخف فإنّك لديّ، و لا يخاف لديّ من غيري القلوب المنوّرة الملهمة المرسلة إليها الهدايا و التُّحف من ألطافي.

و في < عرائس البيان > لاتخف من الثّعبان فإنّ ما ترى ظهور تجلّي عظمتي، ولايخاف من مشاهدة عظمتي و جلالي في مقام الالتباس المرسلون، فإنّهم

ص: 215

يعلمون أسرار ربوبيّتي. و لمّا علم أنّ موسى كان مستشعرًاحقيقة من قتله القبطيّ قال تعريضًا به: { اِلامَنْ ظَلَمَ }.

(6: 323)

الآلوسيّ: أي من غيري أيّ مخلوق كان حيّةً أو غيرها، ثقةً بي و اعتمادًا عليّ، أو لاتخف مطلقًا على تنزيل الفعل منزلة اللازم. و هذا إمّا لمجرّد الإيناس دون إرادة حقيقة النّهي، و إمّا للنّهي عن منشإ الخوف و هو الظّنّ الّذي سمعته. و قوله تعالى: { اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ } تعليل للنّهي عن الخوف و هو على ما قيل يؤيّد أنّ الخوف كان للظّنّ المذكور، و أنّ المراد { لاتَخَف } مطلقًا. و المراد من { لَدَىَّ } في حضرة القرب منّي، و ذلك حين الوحي.

و المعنى: أنّ الشّأن لاينبغي للمرسلين أن يخافوا حين الوحي إليهم بل لايخطر ببالهم الخوف و إن وجد ما يخاف منه لفرط استغراقهم إلى تلقّي الأوامر، و انجذاب أرواحهم إلى عالم الملكوت. و التّقييد ب { لَدَىَّ } لأنّ المرسلين في سائر الأحيان أخوف النّاس من الله عزّ وجلّ، فقد قال تعالى: { اِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمؤُا} فاطر: 28، و لا أعلم منهم بالله تعالى شأنه.

و قيل: المعنى: لاتخف من غيري أو لاتخف مطلقًا، فإنّ الّذي ينبغي أن يخاف منه أمثالك المرسلون إنّما هو سوء العاقبة، و أنّ الشّأن لايكون للمرسلين عندي سوء عاقبة، ليخافوا منه. (19: 163)

القاسميّ: أي لحفظي لهم و عنايتي بهم و عصمتي إيّاهم ممّا يؤذيهم.و فيه تبشير له باصطفائه بالرّسالة و النّبوّة، و تشجيع له بنزع الخوف، إذ لايتمكّن من أداء الرّسالة ما لم يزل خوفه من المرسَل إليه.

و قوله تعالى: [بعد هذه الآية]{ اِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَاِنّىغَفُورٌ رَحيمٌ‘ } استثناء منقطع، استدرك به ما عسى يختلج في الخلد من نفي الخوف عن كلّهم، مع أنّ منهم من فرطت منه صغيرة مّا، ممّا يجوز صدوره عن الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام. فإنّهم و إن صدر عنهم شيء من ذلك، فقد فعلوا عقيبه ما يُبطله، و يستحقّون به من الله تعالى مغفرة و رحمة. و قد قُصد به التّعريض بما وقع من موسى (علیه السلام) ، من وكزه القبطيّ و الاستغفار. (13: 4660)

ابن عاشور: و قوله: { يَا مُوسى’لاتَخَف } مقول قول محذوف، أي قلنا له. و النّهي عن الخوف مستعمل في النّهي عن استمرار الخوف. لأنّ خوفه قد حصل. و الخوف الحاصل لموسى (علیه السلام) خوف رغب من انقلاب العصا حيّة، و ليس خوف ذَنب. فالمعنى: لايجبن لديّ المرسلون لأ نّي أحفَظُهم.

و { اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ } تعليل للنّهي عن الخوف و تحقيق لما يتضمّنه نهيه عن الخوف من انتفاء موجبه.

و هذا كناية عن تشريفه بمرتبة الرّسالة؛ إذ عُلّل بأنّ المرسلين لايخافون لدى الله تعالى. و معنى { لَدَىَّ} في حضرتي، أي حين تلقّي رسالتي. و حقيقة { لَدَىَّ } مستحيلة على الله، لأنّ حقيقتها المكان.

و إذا قد كان انقلاب العصا حيّة حصل حين الوحي، كان تابعًا لما سبقه من الوحي، و هذا تعليم

ص: 216

لموسى (علیه السلام) التّخلّق بخُلق المرسلين من رِباطة الجأش. و ليس في النّهي حطّ لمرتبة موسى(علیه السلام) عن مراتب غيره من المرسلين، و إنّما هو جار على طريقة: مثلك لايبخل. و المراد النّهي عن الخوف الّذي حصل له من انقلاب العصا حيّة، و عن كلّ خوف يخافه، كما في قوله: { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَريقًا‘ فِى الْبَحْرِ يَبَسًا لاتَخَافُ دَرَكًا وَ لاتَخْشى} طه: 77. (19: 228)

الطَّباطَبائيّ: و قوله: { لاتَخَف } نهي مطلق يُؤمّنه عن كلّ ما يسوء ممّا يخاف منه، ما دام في حضرة القرب و المشافهة، سواء كان المخوف منه عصًا أو غيرها، و لذا علّل النّهي بقوله: {اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ } فإنّ تقييد النّفي بقوله: { لَدَىَّ } يفيد أنّ مقام القرب و الحضور يلازم الأمن، و لايجامع مكروهًا يُخاف منه، و يؤيّده تبديل هذه الجملة في القصّةمن سورة القصص من قوله: { اِنَّكَ مِنَ الا مِنينَ ‘} فيتحصّل المعنى: لاتخف من شيء إنّك مرسَل، و المرسلون و هم لديّ في مقام القرب في مقام الأمن و لاخوف مع الأمن.

و أمّا فرار موسى(علیه السلام) من العصا، و قد تصوّرت بتلك الصّورة الهائلة و هي تهتزّ كأ نّها جانّ فقد كان جريًا منه على ما جبل الله الطّبيعة الإنسانيّة عليه، إذا فاجأه من المخاطر ما لاسبيل له إلى دفعه عن نفسه إلا الفرار، و قد كان أعزل لاسلاح معه إلا عصاه، و هي الّتي يخافها على نفسه. و لم يرد عليه من جانبه تعالى أمر سابق أن يلزم مكانه، أو نهي عن الفرار ممّا يخافه على نفسه، إلا قوله تعالى: { وَ اَلْقِ عَصَاكَ } و قد امتثله، و ليس الفرار من المخاطر العظيمة الّتي لادافع لها إلا الفرار، من الجبن المذموم حتّى يُذمّ عليه.

و أمّا أنّ الأنبياء و المرسلين لايخافون شيئًا و هم عند ربّهم على ما يدلّ عليه قوله: { اِ نّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ } فهم لايملكون هذه الكرامة من عند أنفسهم، بل إنّما ذلك بتعليم منالله و تأديب؛ و إذ كان موقف ليلة الطّور، أوّل موقف من موسى قرّبه الله إليه فيه، و خصّه بالتّكليم، و حباه بالرّسالة و الكرامة، فقوله: { لاتَخَف اِنَّكَ مِنَ الا مِنينَ‘ } القصص: 31، و قوله: { لاتَخَف اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ } تعليم و تأديب إلهيّ له(علیه السلام).

فتبيّن بذلك أنّ قوله: { لاتَخَف اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ } تأديب و تربية إلهيّة لموسى(علیه السلام)و ليس من التّوبيخ و التّأنيب في شيء. (15: 344)

مكارم الشّيرازيّ: فهنا مقام القرب، و حرم أمن الله القادر المتعال،و هنا لامعنى للخوف و الوحشة. و معنى الآية: أن يا موسى إنّك بين يدي خالق الوجود العظيم، و الحضور عنده ملازم للأمن المطلق .و نقرأ نظير هذا التّعبير في الآية: 31، من سورة القصص : { يَا مُوسى اَقْبِلْ وَ لاتَخَف اِنَّكَ مِنَ الامِنينَ‘’} .

(12: 20)

فضل الله: فأنت هنا أمام الله و لم يحدث ما حدث لك إلا بأمره، فكيف تخاف و أنت في أمنه و قد أعطاك الدّور الكبير في حياتك و حياة النّاس، و هو الرّسالة الإلهيّة الّتي أرادك أن تبلّغها للنّاس؟ و إذا كان الأمر كذلك فكيف يخاف لديه المرسلون، و هو الّذي تكفّل

ص: 217

لهم بالأمن و النّصرة و التّأييد؟ و كان هذا أوّل إعلان للرّسالة بشكل عفويٍّ غير مباشر.

و هكذا يؤكّد لنا القرآن نقاط الضّعف البشريّ لدى الأنبياء بشكل طبيعيّ غريزيّ، ثمّ يتدخّل الوحي ليثبِّت النّبيّ في وعيه لعناصر القوّة في ذاته، بما يحشده الله من تعاليمه، و ما يفيض عليه من ألطافه، و ما يثيره النّبيّ في تجربته من إرادته.

و قد أوحى الله إلى موسى من خلال هذه الآية كيف يمكن له أن يحصل على الطّمأنينة الدّاخليّة في نفسه من كلّ عوامل الخوف الّتي تتحرّك في شخصيّته في الدّاخل، أمام مظاهر التّخويف من الخارج، ليعرف أنّ الله قد تكفّل له بالرّعاية و الأمن، فلامجال لأيّ شيء من بشر أو غير بشر أن يضغط على نفسه بالتّخويف و التّرهيب، لأ نّه لن يترك أيّ تأثير ضدّه أمام رعاية الله له. (17: 189)

3 نَحْنُ اَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا اَ نْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّار فَذَكِّرْ بِالْقُرْ انِ مَنْ يَخَافُ وَعيدِ‘. ق: 45

راجع: و ع د: < وعيد >.

4 فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَ لارَهَقًا.

الجنّ: 13

راجع: ب خ س: < بخَسًا >.

5 وَ لا يَخَافُ عُقْبيهَا. الشّمس: 15

ابن عبّاس: لايخاف الله من أحد تبعة.

(الطّبَريّ 12: 606)

الضّحّاك: لم يخف الّذي عقرها عقباها.(الطّبَريّ 12: 607)

الحسَن: لايخاف تبعة ممّا صنع بهم.

(الطّبَريّ 12: 607)

نحوه قَتادَة (الطّبَريّ 12: 606)، والسُّدّيّ (478).

الفَرّاء: أهل المدينة يقرؤون(فَلايَخَافُ عُقْبيهَا)’ بالفاء ، و كذ لك هي في مصاحفهم، و أهل الكوفة و البصرة : { وَ لايَخَافُ عُقْبيهَا}’ بالواو، و الواو في التّفسير أجود، لأ نّه جاء: عقرها و لم يخف عاقبة عقرها، فالواو ها هنا أجود. و يقال: لايخاف عقباها. لايخاف الله أن ترجع و تعقّب بعد إهلاكه، فالفاء بهذا المعنى أجود من الواو، و كلّ صواب.

(3: 269)

الطّبَريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: لايخاف تبعة دَمْدَمته عليهم.

و قال آخرون: بل معنى ذلك: و لم يخف الّذي عقرها عقباها، أي عُقبى فعلته الّتي فعل.

و اختلفت القرّ اء في قراءة ذلك. [ثمّ نقل القرائتين نحو الفَرّاء] (12: 606)

الزّجاج: أكثر ما جاء في التّفسير: لايخاف الله تعالى تبعة ما أنزل بهم. و قيل: لايخاف رسول الله صالح (علیه السلام) الّذي أُرسل إليهم عقباها.

و قيل: إذا انبعث أشقاها و هو لايخاف عقباها.

(5: 333)

الفارسيّ: [نقل القراءتين وأدام]

الواو يجوز أن تكون في موضع حال: فسوّاها غير خائف عقباها، أي غير خائف أن يتعقّب عليه شيء ممّا

ص: 218

فعله، و فاعل { يَخَافُ } الضّمير العائد إلى قوله: { رَبُّهُمْ }.

و قيل: إنّ الضّمير يعود إلى النّبيّ(صلی الله علیه و آله) الّذي أُرسل إليهم.

و قيل: إذ انبعث أشقاها، و هو لايخاف عقباها، أي لايخاف من إقدامه على ما أتاه ممّا نُهي عنه، ففاعل { يَخَافُ } العاقر على هذا، و الفاء للعطف على قوله: { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } الشّمس:14، ( فَلايَخَافُ ) كأ نّه تبع تكذيبهم و عقرهم أن لمّا يخافوا. (4: 129)

الماوَرْديّ:[نقل قول ابن عبّاس والحسَن ثمّ قال:]

و يحتمل ثالثًا: و لايخاف صالح عقبى عقرها، لأ نّه قد أنذرهم، و نجّاه الله تعالى حين أهلكهم. (6: 285)

نحوه الواحديّ. (4: 500)

القُشَيْريّ: أي أنّ الله لايخاف عاقبة ما فعل بهم من العقوبة. (6: 302)

الزّمَخْشَريّ: أي عاقبتها و تبعتها، كما يخاف كلّ معاقب من الملوك فيبقى بعض الإبقاء.

و يجوز أن يكون الضّمير لثمود، على معنى فسوّ اها بالأرض.، أو في الهلاك، و لايخاف عقبى هلاكها. و في مصاحف أهل المدينة و الشّأم ( فَلا يَخَافُ). و في قراءة النّبيّ(صلی الله علیه و آله) : ( و لم يخف). (4: 260)الفَخْرالرّازيّ: فيه وجوه:

أوّلها: أ نّه كناية عن الرّب تعالى؛ إذ هو أقرب المذكورات. ثمّ اختلفوا: فقال بعضهم: لايخاف تبعة في العاقبة إذ العقبى و العاقبة سواء، كأ نّه بيّن أنّه تعالى يفعل ذلك بحقّ. و كلّ من فعل ما يكون حكمة و حقًّا، فإنّه لايخاف عاقبة فعله.

و قال بعضهم: ذكر ذلك لا على وجه التّحقيق، لكن على وجه التّحقير لهذا الفعل، أي هو أهون من أن تخشى فيه عاقبة، و الله تعالى يُجلّ أن يوصف بذلك.

و منهم من قال: المراد منه التّنبيه على أ نّه بالغ في التّعذيب، فإنّ كلّ ملك يخشى عاقبة، فإنّه يتّقي بعض الاتّقاء، و الله تعالى لمّا لم يخف شيئًا من العواقب، لاجرم ما اتّقى شيئًا.

و ثانيها: أ نّه كناية عن صالح الّذي هو الرّسول، أي و لايخاف صالح عقبى هذا العذاب الّذي ينزل بهم؛ و ذلك كالوعد لنصرته و دفع المكاره عنه،لوحاول محاول أن يؤذيه لأجل ذلك.

و ثالثها: المراد أنّ ذلك الأشقى الّذي هو أُحيمر ثمود، في ما أقدم من عقر النّاقة{ وَ لايَخَافُ عُقْبيهَا}’ و هذه الآية و إن كانت متأخّرة لكنّها على هذا التّفسير في حكم المتقدّم، كأ نّه قال: < إذ انبعث أشقاها و لايخاف عقباها > و المراد بذلك: أ نّه أقدم على عقرها، و هو كالأمن من نزول الهلاك به و بقومه ففعل مع هذا الخوف الشّديد فعل من لايخاف ألبتّة، فنُسب في ذلك إلى الجهل و الحمق.

و في قراءة النّبيّ (علیه السلام) ( و لم يخف ) و في مصاحف أهل المدينة و الشّام ( فَلا يَخَافُ ) و الله أعلم.

(31: 197)

القُرطُبيّ: و في الكلام تقديم و تأخير، مجازه: إذ انبعث أشقاها و لايخاف عقباها. و قيل: لا يخاف رسول الله صالح، عاقبة إهلاك قومه، و لايخشى ضررًا

ص: 219

يعود عليه من عذابهم، لأ نّه قد أنذرهم، و نجّاه الله تعالى حين أهلكهم.

و قرأ نافع و ابن عامر ( فلا ) بالفاء، و هو الأجود، لأ نّه يرجع إلى المعنى الأوّل، أي فلايخاف الله عاقبة إهلاكهم. و الباقون بالواو، و هي أشبه بالمعنى الثّاني، أي و لايخاف الكافر عاقبة ما صنع. (20: 80)

النّسَفيّ: و لايخاف الله عاقبة هذه الفعلة، أي فعل ذلك غير خائف أن تلحقه تبعة من أحدكما يخاف من يعاقب من الملوك، لأ نّه فعل فى ملكه، و ملكه لايُسأل عمّا يفعل و هم يُسألون (فَلا يَخَافُ ) مدنيّ و شاميّ.

(4: 361)

النَّيسابوريّ: كما يخاف ملوك الدّنيا فينزجر عن استيفاء العقوبة. و جُوّز أن يكون الضّمير لثمود، أي فسوّاها بالأرض، أو في الهلاك، و لايخاف تبعةً بهلاكها، و هو تعالى أعلم. (30: 107)

الخازن: أي لايخاف الله تبعةً من أحد فيهلاكهم، كذا قال ابن عبّاس. و قيل: هو راجع إلى العاقر، و المعنى لايخاف العاقر عقبى ما قدم عليه من عقر النّاقة. و قيل: هو راجع إلى صالح عليه الصّلاة و السّلام، و المعنى: لايخاف صالح عاقبة ما أنزل الله بهم من العذاب أن يؤذيه أحد بسبب ذلك و الله أعلم.

(7: 211)

أبوالسُّعود: أي عاقبتها و تبعتها، كما يخاف سائر المعاقبين من الملوك، فيُبقي بعض الإبقاء؛ و ذلك أ نّه تعالى لايفعل فعلا إلا بحقّ، و كلّ من فعل بحقّ فإنّه لايخاف عاقبة فعله، و إن كان من شأنه الخوف. و الواو للحال أو للاستئناف. و قرئ ( فَلايَخَافُ )و قرئ ( لم يخف ). (6: 435)

البُرُوسَويّ: الواو للاستئناف أو للحال من المنويّ في { فَسَو|يهَا}الرّاجع إلى الله تعالى، أي فسوّاها الله غير خائف عاقبة الدّمدَمة و تبعتها، أو عاقبة هلاك ثمود، كما يخاف سائر المعاقبين من الملوك و الولاة فيترحّم بعض التّرحّم؛ و ذلك أنّ الله تعالى لايفعل إلا بحقّ، و كلّ من فعل بحقّ فإنّه لا يخاف عاقبة، و لايبالي بعاقبة ما صنع و إن كان من شأنه الخوف.

و قال بعضهم: و لايخاف هو أي < قدار > و لا هم ما يعقب عقرها و يتبعه، و ما يترتّب عليه من أنواع البلاء و المصيبة و العقاب، مع أنّ صالحًا (علیه السلام) قد أخبرهم بها. (10: 446)

الآلوسيّ: { وَ لايَخَافُ } أي الرّبّ عزّ و جلّ عقباها، أي عاقبتها و تبعتها، كما يخاف المعاقبون من الملوك عاقبة ما يفعلونه و تبعته. و هو استعارة تمثيليّة لإهانتهم، و أنّهم أذلاء عند الله جلّ جلاله. و الواو للحال أو للاستئناف، و جُوّز أن يكون ضمير { لايَخَافُ } للرّسول، و الواو للاستئناف لاغير على ما هو الظّاهر،أي و لايخاف الرّسول عقبى هذه الفعلة بهم؛ إذ كان قد أنذرهم و حذّرهم.

و قال السُّدّيّ و الضّحّاك و مُقاتِل و الزّجّاج و أبو عليّ: الواو للحال و الضّمير عائد على { اَشْقيهَا}’ أي انبعث لعقرها، و هو لايخاف عقبى فعله لكفره و طغيانه. و هو أبعد ممّا قبله بكثير. (30: 146)

ص: 220

نحوه القاسميّ. (17: 6171)

المَراغيّ: أي إنّ الله أهلكهم و لايخاف عاقبة إهلاكهم، لأ نّه لم يظلمهم فيُخيفه الحقّ، و ليس هو بالضّعيف حتّى يناله منهم مكروه، تعالى عن ذلك عُلوًّا كبيرًا.

و المراد أ نّه بالغ في عذابهم إلى غاية ليس فوقها غاية، فإنّ من يخاف العاقبة لايبالغ في الفعل، أمّا الّذي لايخاف العاقبة و لاتبعة العمل فإنّه يبالغ فيه، ليصل إلى ما يريد. (30: 171)

سيّد قُطْب: .. و من ذا يخاف ؟ و ماذا يخاف؟ و أنّى يخاف؟ إنّما يراد من هذاالتّعبير لازمه المفهوم منه. فالّذي لايخاف عاقبة ما يفعل، يبلغ غاية البطش حين يبطش، و كذلك بطش الله كان { اِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَديدٌ ‘} البروج:12، فهو إيقاع يراد إيحاؤه و ظلّه في النّفوس...

و هكذا ترتبط حقيقة النّفس البشريّة بحقائق هذا الوجود الكبيرة، و مشاهده الثّابتة، كما ترتبط بهذه و تلك سنّة الله في أخذ المكذّبين و الطّغاة، في حدود التّقدير الحكيم الّذي يجعل لكلّ شيء أجلا ، و لكلّ حادث موعدًا، و لكلّ أمر غايةً، و لكلّ قدر حكمةً، و هو ربّ النّفس و الكون و القدر جميعًا. (6: 3919)

ابن عاشور: تذييل للكلام و إيذان بالختام. و يجوز أن يكون قوله: (فَلا يَخافُ عُقْبيهَا) تمثيلا لحالهم في الاستئصال بحال من لم يترك من يثأر له، فيكون المثَل كناية عن هلاكهم عن بكرة أبيهم، لم يبق منهم أحد.... و معنى التّفريع بالفاء على هذه القراءة تفريع العلم بانتفاء خوف الله منهم مع قوّتهم، ليرتدع بهذا العلم أمثالهم من المشركين.

(30: 331)

مَغْنِيّة: [نقل الأقوال المتقدّمة و أدام]

و يجوز أن يعود الضّميرإليه تعالى على معنى أنّ الله سبحانه لامعارض له و لامنازع في أمره { قُلْ اِنَّ الاَمْرَ كُلَّهُ للهِ ‚} آل عمران: 154. (7: 572)

الطَّباطَبائيّ: الضّمير للدّمدمة أو التّسوية، و الواو للاستئناف أو الحال، و المعنى: و لايخاف ربّهم عاقبة الدّمدمة عليهم و تسويتهم، كما يخاف الملوك و الأقوياء عاقبة عقاب أعدائهم و تبعته، لأنّ عواقب الأُمور هي ما يريده و على وفق ما يأذن فيه، فالآية قريبة المعنى من قوله تعالى:{ لايُسَْلُ= عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسَْلُو=نَ } الأنبياء: 23.

و قيل: ضمير { لايَخَافُ } للأشقى، و المعنى:

و لايخاف عاقر النّاقة عقبى ما صنع بها.

و قيل: ضمير{ لايَخَافُ } لصالح، و ضمير

{ عُقْبيهَا}’ للدّمدمة، و المعنى: و لايخاف صالح عقبى الدّمدمة عليهم لثقته بالنّجاة. و ضعف الوجهين ظاهر.

(20: 299)

عبدالكريم الخطيب: أي أنّ الله سبحانه فعل بهم ما فعل...و ذِكْر الخوف هنا تمثيل، يراد منه الإشارة إلى هذا التّدمير الشّامل المتمكّن، فإنّ الّذي يخاف عاقبة أمر لاتتسلّط عليه يده تسلّطًا كاملا ، بل يحول بينه و بين تصرّفه المطلق فيه، خوف الحساب و الجزاء، ممّن يحاسبه و يجازيه و تعالى الله عن ذلك عُلوًّا كبيرًا.

(15: 1588)

ص: 221

فضل الله: أي لايخاف عاقبة ذلك و نتائجه، لأنّ الله هو الّذي يملك القوّة كلّها، فلاقوّة لأحد معها، و هو المهيمن على الأمر كلّه الّذي يخافه النّاس جميعًا، لأ نّه الأعلى و الأعظم و الأقوى والأكبر، فكيف يخاف من عباده الّذين لايملكون لأنفسهم من الأمر شيئًا في الدّنيا و الآخرة؟!. (24: 287)

يَخَافُهُ

لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذ لِكَ فَلَهُ عَذَابٌ اَليمٌ.‘ المائدة: 94

الطّبَريّ: ليختبرنّكم الله... ومَن الّذي يخاف الله فيتّقي ما نهاه عنه، و يجتنبه خوف عقابه{ بِالْغَيْبِ }، بمعنى: في الدّنيا، بحيث لايراه.[إلى أن قال:]

فتأويل الكلام إذًا: ليعلم أولياء الله من يخاف الله فيتّقي محارمه الّتي حرّمها عليه من الصّيد و غيره، بحيث لايراه و لايعاينه. (5: 41)

الطُّوسيّ: يعني من يخشى عقابه إذا توارى؛بحيث لايقع عليه الحس في قول الحسَن تقول: غاب يغيب غيابًا فهو غائب عن الحس، و منه الغيبة، و هي الذّكر بظهر الغيب بالقبيح. و قال قوم: معناه من يخاف صيد الحرم في السّرّ كمايخافه في العلانية، فلايعرضون له على حال. (4: 24)

الواحديّ: من يخاف الله و لم يره كقوله: { مَنْ خَشِىَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ } ق:33. (2: 228)

نحوه المَيْبُديّ (3: 228)، و الطَّبْرِسيّ(2: 243).

البغَويّ: أي يخاف الله و لم يره، كقوله تعالى: { اَ لَّذينَ‘ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ } الأنبياء: 49،أي يخافه فلايصطاد في حال الإحرام. (2: 83)

نحوه الخازن. (2: 75)

الزّمَخْشَريّ: ليتميّز من يخاف عقاب الله و هو غائب منتظر في الآخرة، فيتّقي الصّيد ممّا لايخافه، فيُقدم عليه. (1: 643)

نحوه الشِّربينيّ. (1: 396)

الطَّبْرِسيّ: معناه ليعاملكم معاملة من يطلب منكم أن يعلم مظاهرة في العدل، و وجه آخر ليظهر المعلوم، و هو أن يخاف بظهر الغيب، فينتهي عن صيد الحرم طاعة له تعالى.

و قيل: ليعلم وجود خوف من يخافه بالوجود لأ نّه لم يزل عالمًا بأ نّه سيخاف. فإذا وجد الخوف علم ذلك موجودًا، و هما معلوم واحد، و إن اختلفت العبارة عنه، فالحدوث إنّما يدخل على الخوف، لاعلى العلم.

(2: 244)

نحوه أبوحَيّان. (4: 17)

النّسَفيّ: ليعلم الله خوف الخائف منه بالامتناع عن الاصطياد موجودًا، كما كان يعلم قبل وجوده أنّه يوجد ليثيبه على عمله لاعلى علمه فيه.

(1: 301)

النَّيسابوريّ: ليظهر معلومة و هو خوف الخائف، أو ليعاملكم معاملة من يطلب أن يعلم، أو ليعلم أولياء الله. (7: 25)

أبوالسُّعود: أي ليتميّز الخائف من عقابه الأُخرويّ، و هو غائب مترقّب لقوّة إيمانه فلايتعرّض للصّيد ممّن لايخافه كذلك لضعف إيمانه

ص: 222

فيُقدم عليه. و إنّما عبّر عن ذلك بعلم الله تعالى اللازم له إيذانًا بمدار الجزاء ثوابًا و عقابًا، فإنّه أدخل في حملهم على الخوف.

و قيل: المعنى ليتعلّق علمه تعالى بمن يخافه بالفعل، فإنّ علمه تعالى بأ نّه سيخافه و إن كان متعلّقًا به قبل خوفه، لكن تعلّقه بأ نّه خائف بالفعل و هو الّذي يدور عليه أمر الجزاء إنّما يكون عند تحقّق الخوف بالفعل. (2: 319)

نحوه البُروُسَويّ (2: 439)، و الآلوسيّ (7: 22).

الطَّباطَبائيّ: معنى الخوف بالغيب أن يخاف الإنسان ربّه و يحترز ما ينذره به من عذاب الآخرة و أليم عقابه، و كلّ ذلك في غيب من الإنسان لايشاهد شيئًا منه بظاهر مشاعره، قال تعالى: { اِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِىَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ } يس,: 11، و قال: { وَ اُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقينَ‘ غَيْرَ بَعيدِ‘ * هذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ اَوَّاب حَفيظِ‘* مَنْ خَشِىَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جَاءَ بِقَلْب مُنيب‘ } ق: 31 33، و قال: { اَ لَّذينَ‘ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } الأنبياء: 49. (6: 138)

يَخَافَا

وَ لايَحِلُّ لَكُمْ اَنْ تَاْخُذُوا مِمَّا اتَيْتُمُوهُنَّ شَيًْا= اِلااَنْ يَخَافَا اَلا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ فَاِنْ خِفْتُمْ اَلا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فيمَا‘ افْتَدَتْ بِهِ. البقرة: 229

لاحظ: < خِفْتُمْ>.

يَخَافُونَ

1 قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذينَ‘ يَخَافُونَ اَ نْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ. المائدة:23

قَتادَة: يخافون الله عزّ و جلّ. (الطُّوسيّ3: 486)

نحوه الواحديّ (2: 173)، و البغَويّ (2: 34).

الجُبّائيّ: يخافون الجبّارين، أي لم يمنعهم الخوف من الجبّارين أن قالوا الحقّ. (الطُّوسيّ 3: 486)

الزّمَخْشَريّ: من الّذين يخافون الله و يخشونه، كأ نّه قيل: رجلان من المتّقين. و يجوز أن تكون الواو لبني إسرائيل و الرّاجع إلى الموصول محذوف، تقديره: من الّذين يخافهم بنوإسرائيل و هم الجبّارون، و هما رجلان منهم. (1: 604)

ابن عَطيّة: و معنى { يَخَافُونَ } أي الله، و أنعم عليهما بالإيمان الصّحيح، و ربط الجأش، و الثّبوت في الحقّ. و قال قوم: المعنى يخافون العدوّ، لكن{ اَ نْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا } بالإيمان و الثّبوت مع خوفهما. و يقوّي التّأويل الأوّل أنّ في قراءة ابن مَسعود قال: ( رجلان من الّذين يخافون الله أنعَم عليهما )و أمّا من قرأ بضمّ الياء فلقراءته ثلاثة معان:

أحدها: ما روي من أنّ الرّجلين كانا منالجبّارين آمنّا بموسى و اتّبعاه، فكانا من القوم الّذين يخافون، لكن { اَ نْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا } بالإيمان بموسى، فقالا: نحن أعلم بقومنا.

و المعنى الثّاني: أ نّهما يوشع و كالوث لكنّهما من الّذين يُوقَّرون و يُسمَع كلامهم، و يُهابون لتقواهم و فضلهم، فهم يخافون بهذا الوجه.

ص: 223

و المعنى الثّالث: أن يكون الفعل من < أخاف > و المعنى: من الّذين يخافون بأوامر الله و نواهيه و وعيده و زجره، فيكون ذلك مدحًا لهم على نحو المدح في قوله تعالى: { اُولئِكَ ’الَّذينَ‘ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى } الحجرات: 3. (2: 175)

القُرطُبيّ: { يَخَافُونَ } أي من الجبّارين. و قال الضّحّاك: هما رجلان كانا في مدينة الجبّارين على دين موسى، فمعنى { يَخَافُونَ } على هذا، أي من العمالقة من حيث الطّبع، لئلا يطّلعوا على إيمانهم فيفتنوهم،

و لكن وثقا بالله. و قيل: يخافون ضعف بني إسرائيل و جبنهم. و قرأ مُجاهِد و ابن جُبَيْر (يُخَافُونَ) بضمّ الياء، و هذا يقوّي أ نّهما من غير قوم موسى. (6: 127)

النّسَفيّ: يخافون الله و يخشونه، كأ نّه قيل: رجلان من المتّقين. و هو فى محلّ الرّفع صفة لرجلان، و كذا { اَ نْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا } بالخوف منه. (1: 278)

الخازن: يعني يخافون الله و يراقبونه. (3: 27)

أبوحَيّان: فمعنى قوله: { يَخَافُونَ }، أي يخافون الله، و يكون إذ ذاك مع موسى أقوام يخافون الله فلايبالون بالعدوّ، لصحّة إيمانهم و ربط جأشهم، و هذان منهم. أو يخافون العدوّ، و لكن أنعم الله عليهما بالإيمان و الثّبات. أو يخافهم بنو إسرائيل، فيكون الضّمير في{ يَخَافُونَ } عائدًا على بني إسرائيل، و الضّمير الرّابط للصّلة بالموصول محذوفًا تقديره: من الّذين يخافونهم، أي يخافهم بنو إسرائيل. و يدلّ على هذا التّأويل قراءة ابن عبّاس، و ابن جُبَيْر، و مُجاهِد،(يُخَافُونَ) بضمّ الياء.

و تحتمل هذه القراءة أن يكون < الرّجلان > يوشع و كالب، و معنى (يخَافُونَ) أي يُهابون و يوقَّرون و يُسمَع كلامهم لتقواهم و فضلهم. و يحتمل أن يكون من < أخاف > أي يُخيفون: بأوامر الله و نواهيه و زجره و وعيده، فيكون ذلك مدحًا لهم كقوله:{ اُولئِكَ’ الَّذينَ‘ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى } الحجرات: 3.

(3: 455)

أبوالسُّعود: أي يخافون الله تعالى دون العدوّ و يتّقونه في مخالفةأمره و نهيه، و به قرأ ابن مَسعود، و فيه تعريض بأنّ من عداهما لايخافونه تعالى، بل يخافون العدوّ.

و قيل: من الّذين يخافون العدوّ، أي منهم فيالنّسب لا في الخوف، و هما يوشع بن نون و كالب بن يوقنا من النّقباء.

و قيل: هما رجلان من الجبابرة أسلما و صارا إلى موسى (علیه السلام). فالواو حينئذ لبني اسرائيل، و الموصول عبارة عن الجبابرة، و إليهم يعود العائد المحذوف، أي من الّذين يخافهم بنو إسرائيل، و يعضده قراءة من قرء (يُخَافُون) على صيغة المبنيّ للمفعول، أي المخوفين.

و على الأوّل يكون هذا من الإخافة، أي من الّذين يخوّفون من الله تعالى بالتّذكير،أو يخوّفهم الوعيد، { اَ نْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا } أي بالتّثبيت و ربط الجأش و الوقوف على شؤونه تعالى، و الثّقة بوعده أو بالإيمان، و هو صفة ثانية ل {رَجُلان ِ} أو اعتراض. و قيل: حال من الضّمير في { يَخَافُونَ } أو من {رَجُلان ِ} لتخصّصه بالصّفة أي قال: مخاطبين لهم

ص: 224

و مشجّعين. (2: 256)

الآلوسيّ: و المراد: يخافون العدوّ، و معنى كون الرّجلين منهم أنّهما منهم في النّسب لافي الخوف. و قيل: في الخوف أيضًا، و المراد أ نّهما لم يمنعهما الخوف عن قول الحقّ. و أخرج ابن المنذر عن ابن جُبَيْر أنّ الرّجلين كانا من الجبابرة أسلما و صارا إلى موسى(علیه السلام). فعلى هذا يكون { الَّذينَ‘ } عبارة عن الجبابرة، و الواو ضمير بنى إسرائيل، و عائد الموصول محذوف، أى يخافونهم و قرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما و مُجاهِد و سعيد بن جُبَيْر (يُخَافُون) بضمّ الياء، و جعلها الزّمَخْشَرىّ شاهدة على أنّ الرّجلين من الجبّارين كأ نّه قيل: من المخوفين أي يخافهم بنو إسرائيل.

و فيها احتمالان آخران:

الأوّل: أن يكون من الإخافة، و معناه من الّذين يخوّفون من الله تعالى بالتّذكير و الموعظة، أو يخوّفهم وعيد الله تعالى بالعقاب.

و الثّانى: أنّ معنى: ( يخافون ) يُهابون و يوقّرون،

و يُرجع إليهم لفضلهم و خيرهم.

و مع هذين الاحتمالين لاترجيح فى هذه القراءة لكونهما من الجبّارين، و ترجيح ذلك بقوله تعالى: { اَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا } أي بالإيمان و التّثبيت غير ظاهر أيضًا، لأ نّه صفة مشتركة بين يوشع و كالب و غيرهما، و كونه إنّما يليق أن يقال: لمن أسلم من الكفّار لا لمن هو مؤمن في حيّز المنع.

و الجملة صفة ثانية لرجلين أو اعتراض، و قيل : حال بتقدير< قد > من ضمير { يَخَافَونَ }أو من { رَجُلان ِ} لتخصيصه بالصّفة، أو من الضّمير المستتر فى الجارّ و المجرور أي قالا مخاطبين لهم و مشجّعين.

(6: 107)

القاسميّ: أي يخافون الله تعالى دون العدوّ، و يتّقونه في مخالفة أمره و نهيه. (6: 1934)

ابن عاشور: فيجوز أن يكون المراد بالخوففي قوله: { يَخَافُونَ }: الخوف من العدوّ، فيكون المراد باسم الموصول بني إسرائيل. جعل تعريفهم بالموصوليّة للتّعريض بهم بمذمّة الخوف و عدم الشّجاعة، فيكون « مِن » في قوله: { مِنَ الَّذينَ‘ يَخَافُونَ } اتّصاليّة و هي الّتي في نحو قولهم: لستُ منك و لستَ منّي، أي ينتسبون إلى الّذين يخافون. و ليس المعنى أ نّهم متّصفون بالخوف، بقرينة أنّهم حرّضوا قومهم على غزو العدوّ. و عليه يكون قوله: { اَ نْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا } أنّ الله أنعم عليهما بالشّجاعة، فحُذف متعلّق فعل

{ اَ نْعَمَ} اكتفاءً بدلالة السّياق عليه.

و يجوز أن يكون المراد بالخوف: الخوف من الله تعالى، أي كان قولهما لقومها: { ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ } ناشئًا عن خوفهما الله تعالى، فيكون تعريضًا بأنّ الّذين عصوهما لايخافون الله تعالى، و يكون قوله: { اَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا } استئنافًا بيانيًّا لبيان منشإ خوفهما الله تعالى، أي الخوف من الله نعمة منه عليهما. و هذا يقتضي أنّ الشّجاعة في نصر الدّين نعمة من الله على صاحبها.

و معنى { اَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا } أنعم عليهما بسلب الخوف من نفوسهم، و بمعرفة الحقيقة. (5: 78)

ص: 225

الطَّباطَبائيّ: ظاهر السّياق أنّ المراد بالمخافة: مخافة الله سبحانه، و أنّ هناك رجالا كانوا يخافون الله أن يعصوا أمره و أمر نبيّه، و منهم هذان الرّجلان اللّذان قالا ما قالا، و أ نّهما كانا يختصّان من بين أُولئك الّذين يخافون بأنّ الله أنعم عليهما.و قد مرّ في موارد تقدّمت من الكتاب، أنّ النّعمة إذا أُطلقت في عرف القرآن يراد بها: الولاية الإلهيّة، فهما كانا من أولياء الله تعالى. و هذا في نفسه قرينة على أنّ المراد بالمخافة: مخافة الله سبحانه، فإنّ أولياء الله لايخشون غيره، قال تعالى: { اَ لا اِنَّ اَوْلِيَاءَ اللهِ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاهُمْ يَحْزَنُونَ } يونس: 62.

ويمكن أن يكون متعلّق { اَ نْعَمَ } المحذوف، أعني المنعَم به هو الخوف، فيكون المراد أنّ الله أنعم عليهما بمخافته، و يكون حذف مفعول { يَخَافُونَ } للاكتفاء بذكره في قوله: { اَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا } إذ من المعلوم أنّ مخافتهما لم يكن من أُولئك القوم الجبّارين و إلا لم يدعو بني اسرائيل إلى الدّخول بقولهما: { ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ }.

و ذكر بعض المفسّرين: أنّ ضمير الجمع في { يَخَافُونَ } عائد إلى بني إسرائيل، و الضّمير العائد إلى الموصول محذوف، و المعنى: و قال رجلان من الّذين يخافهم بنو إسرائيل قد أنعم الله على الرّجلين بالإسلام. و أيّدوه بما نُسب إلى ابن جُبَيْر من قراءة (يُخَافُونَ) بضمّ الياء. قالوا: و ذلك أنّ رجلين من العمالقة كانا قد آمنا بموسى، و لحقا بني إسرائيل، ثمّ قالا لبني إسرائيل ما قالا إراءةً لطريق الظّفر على العمالقة، و الاستيلاء على بلادهم و أرضهم.و كان هذا التّفسير باستناد منهم إلى بعض الأخبار الواردة في تفسير الآيات، لكنّه من الآحاد المشتملة على ما لا شاهد له من الكتاب و غيره.

(5: 291)

مكارم الشّيرازيّ: ...مع كلّ الاحتمالات العديدة الواردة في تفسير جملة { مِنَ الَّذينَ‘ يَخَافُونَ } إلاأنّ الواضح من ظاهر هذه الجملة، هو أنّ الرّجلين المذكورين في الآية هما من جماعة تخاف الله و تخشاه وحده دون غيره، و يؤيّد هذا التّفسير ما جاء في جملة { اَ نْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا...} فأيّ نعمة أكبر و أرفع من أن يخاف الإنسان من الله وحده، و لايخشى أحدًا سواه.

(3: 595)

2 يُجَاهِدُونَ فى سَبيلِ‘ اللهِ وَ لايَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ’ فَضْلُ اللهِ يُؤْ تيهِ‘ مَنْ يَشَاءُ وَ اللهُ وَاسِعٌ عَليمٌ ‘.

المائدة: 54

الطّبَريّ: يقول: و لايخافون في ذات الله أحدًا، و لايصدّهم عن العمل بما أمرهم الله به من قتال عدوّهم، لومة لائم لهم في ذلك.

(4: 627)

الزّجّاج: لأنّ المنافقين كانوا يراقبون الكفّار و يظاهرونهم و يخافون لومهم، فأعلم الله عزّوجلّ أنّ الصّحيح الإيمان لايخاف في نصرة الدّين بيده و لالسانه لومة لائم. (2: 183)

نحوه الخازن. (2: 55)

القُشَيْريّ: أي لايلاحظون نصح حميم،

ص: 226

و لايركنون إلى استقلال حكم، و لايجنحون إلى حظّ و نصيب، و لايزيغون عن سُنن الوفاءبحال. (2: 128)

الزّمَخْشَريّ: { وَ لايَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } يحتمل أن تكون الواو للحال، على أ نّهم يجاهدون و حالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين، فإنّهم كانوا موالين لليهود، فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود فلايعملون شيئًا ممّا يعلمون أ نّه يلحقهم فيه لوم من جهتهم. و أمّا المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله، لايخافون لومة لائم قطّ.

و أن تكون للعطف، على أنّ من صفتهم المجاهدة في سبيل الله، و أ نّهم صُلاب في دينهم إذا شرعوا في أمر من أُمور الدّين إنكار منكَر أو أمر بمعروف مضوا فيه كالمسامير المحماة، لايرعبهم قول قائل و لا اعتراض معترض، و لالومة لائم، يشقّ عليهم جِدّهم في إنكارهم و صلابتهم في أمرهم.

(1: 623)

نحوه الفَخْرالرّازيّ: (12: 24)، و البَيْضاويّ (1: 280)، و النّسَفيّ (1: 289)، و النَّيسابوريّ (6: 113)، و الشِّربينيّ (1: 382)، و البُرُوسَويّ (2: 406).

ابن عَطيّة: إشارة إلى الرّدّ على المنافقين في أ نّهم كانوا يعتذرون بملامة الأخلاق و المعارفمن الكفّار، و يراعون أمرهم. (2: 208)

أبوحَيّان: أي هم صُلاب في دينه، لايبالون بمن لام فيه. فمتى شرعوا في أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أمضوه لايمنعهم اعتراض معترض، ولاقول قائل.

هذان الوصفان أعني: الجهاد و الصّلابة في الدّين هما نتيجة الأوصاف السّابقة، لأنّ من أحبّ الله لايخشى إلا إيّاه، و من كان عزيزًا على الكافر جاهَد في إخماده و استئصاله.و ناسب تقديم الجهاد على انتفاء الخوف من اللا ئمين لمحاورته((1))

{ اَعِزَّ ةٍ عَلَى الْكَافِرينَ‘} ، و لأنّ الخوف أعظم من الجهاد، فكان ذلك ترقّيًا من الأدنى إلى الأعلى.

و يحتمل أن تكون الواوفي: { وَ لايَخَافُونَ }، واو الحال، أي يجاهدون، و حالهم في المجاهدة غير حال المنافقين، فإنّهم كانوا موالين لليهود، فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود و تخاذلوا و خُذلوا حتّى لايلحقهم لوم من جهتهم. و أمّا المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله، لايخافون لومة لائم.

(3: 513)

الآلوسيّ: { وَ لايَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } في ما يأتون من الجهاد، أو في كلّ ما يأتون و يذرون، و هو عطف على { يُجَاهِدُونَ } بمعنى أنّهم جامعون بين المجاهدة و التّصلّب في الدّين، و فيه تعريض بالمنافقين. و جُوّز أن يكون حالا من فاعل { يُجَاهِدُونَ }، أى يجاهدون و حالهم غير حال المنافقين. و التّعريض فيه حينئذ أظهر.

و قيل: إنّه على الأوّل لاتعريض فيه بل هو تتميم لمعنى{ يُجَاهِدُونَ } مفيد للمبالغة و الاستيعاب و ليس بشيء. و اعترض القول ب < الحاليّة > بأ نّهم نصّوا على أنّ المضارع المنفيّ ب < لا > أو < ما > كالمثبت

ص: 227


1- (1) كذا في الأصل، و الظّاهر: لمجاورته.

في عدم جواز دخول الواو عليه. و أُجيب بأنّ ذلك مبنيّ على مذهب الزّمَخْشَريّ القائل بجواز اقتران المضارع المنفيّ ب < لا > و < ما > بالواو، فإن النّحاة جوّزوه في المنفيّ ب < لم > و <لمّا > و لافرق بينهما.

(6: 164)

رشيدرضا: و جملة هذا الوصف معطوفة على الّتي قبلها، أو مبيّنة لحال المجاهدين، و فيها تعريض بالمنافقين الّذين كانوا يخافون لوم أوليائهم من اليهود لهم، إذا هم قاتلوا مع المؤمنين. و الأبلغ أن تكون للوصف المطلق، أي إنّهم لتمكّنهم في الدّين،

و رسوخهم في الإيمان، لايخافون لومة ما من أفراد اللّوم أو أنواعه، من لائم ما، كائنًا من كان، لأ نّهم لايعملون العمل رغبة في جزاء أو ثناء من النّاس، و لاخوفًا من مكروه يُصيبهم منهم، فيخافون لومهذا أو ذاك، و إنّما يعملون العمل لإحقاق الحقّ و إبطال الباطل، و تقرير المعروف و إزالة المنكر، ابتغاء مرضاة الله تعالى بتزكية أنفسهم و ترقيتها. (6: 440)

مَغْنِيّة: لايظهر الإيمان على حقيقة إلا عند المحنة، فهي المحك الصّحيح لإيمان المؤمن، ينكر المنكَر إرضاءً لربّه و ضميره، أمّا ما يصيبه من وراء ذلك فيهون و يزدري. (3: 78)

مكارم الشّيرازيّ: و آخر صفة تذكرها الآية لهؤلاء العظام، هي أنّهم لايخافون لوم اللائمين في طريقهم، لتنفيذ أوامر الله و الدّفاع عن الحقّ؛ حيث تقول الآية: { وَ لايَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ...} فهؤلاء بالإضافة إلى امتلاكهم القدرة الجسمانيّة، يمتلكون الجرأة و الشّجاعة لمواجهة التّقاليد الخاطئة، و الوقوف بوجه الأغلبيّة المنحرفة الّتي اعتمدت على كثرتها في الاستهزاء بالمؤمنين.

و هناك الكثير من الأفراد المعروفين بصفاتهم الطّيّبة، لكنّهم يبدون الكثير من التّحفّظ أمام الفوضى السّائدة في المجتمع، و هجوم الأفكار الخاطئة لدى سواد النّاس، أو من الأغلبيّة المنحرفة، و يتملّكهم الخوف و الجبن، و سرعان ما يتركون السّاحة و يخلونها للمنحرفين، في حين أنّ القائد المُصلح و من معه من الأفراد بحاجة إلى الجرأة و الشّهامة لتطبيق أفكارهم و إصلاحاتهم. و على عكس هؤلاء فالّذين لا يمتلكون هذه الصّفات الرّوحيّة الرّفيعة، يقفون سدًّ ا و حائلا دون حصول الإصلاحات المطلوبة. (4: 41)

3 وَ اَ نْذِرْ بِهِ الَّذينَ‘ يَخَافُونَ اَنْ يُحْشَرُوا اِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَ لِىٌّ وَ لاشَفيعٌ ‘لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.

الأنعام:51

ابن عبّاس: يعلمون و يستيقنون. (110)

نحوه الضّحّاك. (الطَّبْرِسيّ2: 304)

يريد المؤمنين يخافون يوم القيامة، و ما فيها من شدّة الأهوال.

مثله الحسَن. (الطَّبْرِسيّ2: 304)

الفَرّاء: يخافون أن يُحشَروا إلى ربّهم علمًا بأ نّه سيكون، و لذلك فسّر المفسّرون { يَخَافُونَ } يعلمون.

(1: 336)

نحوه الواحديّ. (2: 274)

ص: 228

الجُبّائيّ: أمر الله أن يخوّف بالعقاب من هو خائف، لأ نّه لمّا أعلمهم أنّ الله يعذّبهم بكفرهم إذا حُشروا، كانوا يخافون الحشر لكونهم شاكّين فيما أخبرهم به النّبيّ(صلی الله علیه و آله) من الحشر و العذاب. و كانوا يخافون ذلك لشكّهم فيه، و إن كانوا غير مؤمنين.

(الطُّوسيّ4: 153)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد(صلی الله علیه و آله): و أنذر يا محمّد، بالقرآن الّذي أنزلناه إليك، القومالّذين يخافون أن يُحشَروا إلى ربّهم، علمًا منهم بأنّ ذلك كائن، فهم مصدّقون بوعد الله و وعيده، عاملون بما يرضى الله، دائبون في السّعي، فيما ينقذهم في معادهم من عذاب الله. (5: 198)

الزّجّاج: إنّما ذكر الّذين يخافون الحشر، دون غيرهم و هو (صلی الله علیه و آله) منذر جميع الخلق، لأنّ الّذين يخافون الحشر الحجّة عليهم أوجب، لأ نّهم أفهم بالميعاد، فهم أحد رجلين: إمّا رجل مسلم فيؤدّي حقّ الله في إسلامه، و إمّا رجل من أهل الكتاب، فأهل الكتاب أجمعون معترفون بأنّ الله جلّ ثناؤه خالقهم، و أ نّهم مبعوثون. (2: 251)

القُمّيّ: أي يرجون. (1: 201)

الطُّوسيّ: أي يعلمون ذلك، فهم خائفون منه، أي عاملون بمايؤدّيهم إلى السّلام عنده.[ثمّ ذكر قول الفَرّاء و الجُبّائيّ و قال:]

و الأوّل: قول البلخيّ و الزّجّاج. (4: 153)

القُشَيْريّ: الإنذار: إعلام بمواضع الخوف، و إنّما خص الخائفين بالإنذار، كما خص المتّقين بإضافة الهدى إليهم، حيث قال: { هُدًى لِلْمُتَّقينَ ‘} البقرة: 2، لأنّ الانتفاع و الاتّباع بالتّقوى، و الإنذار اختص بهم.

و يقال: الخوف هاهنا: العلم، و إنّما يخاف مَن عَلِم، فأمّا القلوب الّتي هي تحت غطاءالجهل فلاتباشرها طوارق الخوف. (2: 169)

ابن عَطيّة: و { يَخَافُونَ } على بابها في الخوف، أي الّذين يخافون ما تحقّقوه من أن يُحشَروا و يستعدّون لذلك، و رُبّ متحقّق لشيء مخوف و هو لقلّة النّظر و الحزم لايخافه و لايستعدّ له.

و قيل: { يَخَافُونَ } هنا بمعنى يعلمون، و هذا غير لازم، و قوله: { الَّذينَ‘ يَخَافُونَ اَنْ يُحْشَرُوا اِلى رَبِّهِمْ } يعمّ بنفس اللّفظ كلّ مؤمن بالبعث من مسلم و يهوديّ و نصرانيّ. (2: 294)

الفَخْرالرّازيّ: ففيه أقوال: الأوّل: أ نّهم الكافرون الّذين تقدّم ذكرهم؛ و ذلك لأ نّه(صلی الله علیه و آله) كان يخوّفهم من عذاب الآخرة، و قد كان بعضهم يتأثّر من ذلك التّخويف، و يقع في قلبه أنّه ربّما كان الّذي يقوله محمّد(صلی الله علیه و آله) حقًّا؛ فثبت أنّ هذا الكلام لائق بهؤلاء، لايجوز حمله على المؤمنين لأنّ المؤمنين يعلمون أ نّهم يُحشَرون إلى ربّهم، و العلم خلاف الخوف و الظّنّ.

و لقائل أن يقول: إنّه لايمتنع أن يدخل فيه المؤمنون، لأ نّهم و إن تيقّنوا الحشر فلم يتيقّنوا العذاب الّذي يُخاف منه، لتجويزهم أن يموت أحدهم على الإيمان و العمل الصّالح، و تجويز أن لايموتوا على هذه الحالة، فلهذا السّبب كانوا خائفين من الحشر، بسبب أ نّهم كانوا مجوّزين لحصول العذاب و خائفين منه.

ص: 229

و القول الثّاني: أنّ المراد منه المؤمنون، لأ نّهم هم الّذين يقرّون بصحّة الحشر و النّشر و البعث و القيامة، فهم الّذين يخافون من عذاب ذلك اليوم.

و القول الثّالث: أ نّه يتناول الكلّ، لأ نّه لاعاقلإلاو هو يخاف الحشر، سواءٌ قطع بحصوله أو كان شاكًّا فيه، لأ نّه بالاتّفاق غير معلوم البطلان بالضّرورة. فكان هذا الخوف قائمًا في حقّ الكلّ،و لأ نّه (علیه السلام) كان مبعوثًا إلى الكلّ، وكان مأمورًا بالتّبليغ إلى الكلّ.

وخص في هذه الآية الّذين يخافون الحشر، لأنّ انتفاعهم بذلك الإنذار أكمل، بسبب أنّ خوفهم يحملهم على إعداد الزّاد ليوم المعاد.

(12: 232)

نحوه النَّيسابوريّ. (7: 114)

القُرطُبيّ: فالمعنى { يَخَافُونَ } يتوقّعون عذاب الحشر. (6: 430)

أبوحَيّان: و { يَخَافُونَ } باق على حقيقته، أي يخافون ما يترتّب على الحشر من مؤاخذتهم بذنوبهم، و أمّا الحشر فمتحقّق. (4: 135)

البُرُوسَويّ: أي خوف من العذاب بما يُوحى { الَّذينَ‘ يَخَافُونَ اَنْ يُحْشَرُوا اِلى رَبِّهِمْ } أي يُبعثوا و يُجمعوا إلى ربّهم، أي إلى موضع لايملك أحد فيه نفعهم و لا ضرّهم إلا الله تعالى.

و قيل: { يَخَافُونَ }: يعلمون، لأنّ خوفهم إنّما كان من علمهم. (3: 34)

ابن عاشور: هم المؤمنون الممثّلون بحال البصير. و عُرّفوا بالموصول لما تدلّ عليه الصّلة من المدح، و من التّعليل بتوجيه إنذاره إليهم دون غيرهم، لأنّ الإنذار للّذين يخافون أن يُحشروا إنذار نافع، خلافًا لحال الّذين ينكرون الحشر، فلايخافونه فضلا عن الاحتياج إلى شفعاء.

و { اَنْ يُحْشَرُوا } مفعول{ يَخَافُونَ }، أي يخافون الحشر إلى ربّهم، فهم يقدّمون الأعمال الصّالحة، و ينتهون عمّا نهاهم، خيفة أن يلقوا الله و هو غير راض عنهم. و خوف الحشر يقتضي الإيمان بوقوعه. ففي الكلام تعريض بأنّ المشركين لاينجع فيهم الإنذار، لأ نّهم لايؤمنون بالحشر فكيف يخافونه؟! (6: 113)

الطَّباطَبائيّ: و المراد بالخوف معناه المعروف دون العلم و ما في معناه؛ إذ لا دليل عليه بحسب ظاهر المعنى المتبادر من السّياق، و الأمر بإنذار خصوص الّذين يخافون أن يُحشَروا إلى ربّهم لاينافي عموم الإنذار لهم و لغيرهم، كما يدلّ عليه قوله في الآيات السّابقة: { وَ اُوحِىَ اِلَىَّ هذَا الْقُرْ انُ لاُ ‚نْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ } الأنعام: 19، بل لمّا كان خوف الحشر إلى الله معينًا لنفوسهم على القبول و مقرّبًا للدّعوة إلى أفهامهم، أفاد تخصيص الأمر بالإنذار بهم.

و وصفهم هذا الوصف تأكيدًا لدعوتهم و تحريضًا له أن لايسامح في أمرهم، و لايضعهم موضع غيرهم بل يخصّهم بمزيد عناية بدعوتهم، لأنّ موقفهم أقرب من الحقّ، و إيمانهم أرجى. فالآية بضميمة سائر آيات الأمر بالإنذار العامّ تفيد من المعنى أن أنذر النّاس عامّة و لاسيّما الّذين يخافون أن يُحشَروا إلى ربّهم. (7: 98)

مكارم الشّيرازيّ: أي أنّ هؤلاء لهم هذاالقدر من البصيرة؛ بحيث يتحمّلون وجود حساب و جزاء.

ص: 230

و في ضوء هذا الاحتمال و الخوف من المسؤوليّة تتولّد فيهم القابليّة على التّلقّي و القبول.

سبق أن قلنا: إنّ وجود القائد المؤهَّل و البرنامج التّربويّ الشّامل لايكفيان وحدهما لهداية النّاس، بل ينبغي أن يكون لدى هؤلاء النّاس الاستعداد لتقبّل الدّعوة، تمامًا مثل أشعّة الشّمس الّتي لاتكفي وحدها لتشخيص معالم الطّريق، بل لابدّ من وجود العين الباصرة أيضًا، و مثل البذرة السّليمة الّتي لايمكن أن تنمو بغير وجود الأرض الصّالحة للزّراعة.

يتّضح من هذا أنّ الضّمير في (بِهِ) يعود على القرآن، و هذا يتبيّن من القرائن، على الرّغم من أنّ القرآن لم يذكر في الآيات السّابقة صراحة.

كما أنّ المقصود من { يَخَافُونَ } أي يحتملون وجود الضّرر؛ إذ يخطر ببال كلّ عاقل يستمع إلى دعوة الأنبياء الإلهيّين، بأنّ من المحتمل أن تكون دعوة هؤلاء صادقة، و أنّ الإعراض عنها يوجب الخسران و الضّرر، و يستنتج من ذلك أنّ من الخير له أن يدرس الدّعوة و يطّلع على الأدلّة.

و هذا واحد من شروط الهداية، و هو ما يطلق عليه علماء العقائد اسم <لزوم دفع الضّرر المحتمل > و يعتبرونه دليل وجوب دراسة دعوى من يدّعي النّبوّة، و لزوم المطالعة لمعرفة الله. (4: 278)

4 وَ الَّذينَ‘ يَصِلُونَ مَا اَمَرَ اللهُ بِهِ اَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ. الرّعد:21

الطّبَريّ: و يحذرون مناقشة الله إيّاهم في الحساب، ثمّ لايصفح لهم عن ذنب، فهم لرهبتهم ذلك جادُّون في طاعته، محافظون على حدوده. (7: 374)

راجع: خ ش ي:< يَخْشَوْنَ >.

5 يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ.

النّحل:50

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: يخاف هؤلاء الملائكة الّتي في السّماوات، و ما في الأرض من دابّة، ربّهم من فوقهم، أن يعذّبهم إن عصوا أمره، و يفعلون ما يُؤمرون. يقول: و يفعلون ما أمرهم الله به، فيؤدّون حقوقه، و يجتنبون سُخْطه. (7: 594)

الزّجّاج: أي يخافون ربّهم خوف مخلَّدين معظَّمين.

(3: 203)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما: يعني عذاب ربّهم من فوقهم، لأنّ العذاب ينزل من السّماء.

الثّاني: يخافون قدرة الله الّتي هي فوق قدرتهم، و هي في جميع الجهات. (3: 192)

نحوه الطُّوسيّ (6: 389) ، و القُشَيْريّ (2: 300 ) ، و ابن عَطيّة (3: 399).

الواحديّ: و في هذه الآية قولان:أحدهما: أنّ الآية من باب حذف المضاف، على تقدير: يخافون من عقاب ربّهم من فوقهم، لأنّ أكثر مايأتي العقاب المهلك إنّما يأتي من فوق.

و الآخر: أنّ الله تعالى لمّاكان موصوفًا بأ نّه عليٌّ متعال عُلوّ الرّتبة في القدرة حسُن أن يقال:{ مِنْ

ص: 231

فَوْقِهِمْ } ليدلّ على أ نّه في أعلى مراتب القادرين.

(3: 65)

نحوه، الطَّبْرِسيّ (3: 364)، و النَّيسابوريّ (14: 75) ، و أبوالسُّعود (4: 67)، و الآلوسيّ (14: 158).

الزّمَخْشَريّ: { يَخَافُونَ } يجوز أن يكون حالا من الضّمير في { لايَسْتَكْبِرُونَ } أي لايستكبرون خائفين، و أن يكون بيانًا لنفي الاستكبار و تأكيدًا له، لأنّ من خاف الله لم يستكبر عن عبادته.{ مِنْ فَوْ قِهِمْ} إن علّقته ب { يَخَافُونَ } فمعناه يخافونه أن يُرسل عليهم عذابًامن فوقهم، و إن علّقته ب { رَبِّهِمْ }حالا منه فمعناه يخافون ربّهم عاليًا لهم قاهرًا.كقوله: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } الأنعام: 61 ،{ وَ اِ نَّا فَوْ قَهُمْ قَاهِرُونَ} الأعراف: 127. و فيه دليل على أنّ الملائكة مكلّفون مدارون على الأمر و النّهي و الوعد و الوعيد كسائر المكلّفين وأ نّهم بين الخوف و الرّجاء. (2: 412)

نحوه البَيْضاويّ (1: 558)، و النّسَفيّ (2: 288)، و البُرُوسَويّ: (5: 41).

القُرطُبيّ: قيل: المعنى يخافون قدرة ربّهم الّتي هي فوق قدرتهم. ففي الكلام حذف. و قيل: معنى { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } يعني الملائكة يخافون ربّهم و هي من فوق ما في الأرض من دابّة، و مع ذلك يخافون، فلأن يخاف مَن دونهم أولى؛ دليل هذا القول قوله تعالى: { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } يعني الملائكة.

(10: 113)

الطَّباطَبائيّ: توضيح ذلك أنّ قوله: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْ قِهِمْ } يثبت لهم الخوف من ربّهم، و الله سبحانه ليس عنده إلا الخير و لاشرّ عنده، و لاسبب شرّ يُخاف منه إلا أن يكون الشّرّ و سببه عند العبد.

و قد أخذ متعلّق الخوف هو ربّهم لا عذابه تعالى أو عصيان أمره، كما في قوله: { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } الإسراء: 57.

فهذه المخافة هي المخافة منه تعالى، و هو و إن لم يكن عنده إلا الخير، و الخوف إنّما يكون من شرّ مترقّب، إلا أنّ حقيقته التّأثّر و الانكسار و الصّغار. و تأثّر الضّعيف قبال القويّ الظّاهر بقوّته، و انكسار الصّغير الوضيع أمام الكبير المتعال القاهر بكبريائه و تعاليه ضروريّ، فمخافتهم هي تأثّرهم الذّاتيّ عمّا يشاهدونه من مقام ربّهم، و لايغفلون عنه قطّ.

و يؤيّد ما ذكرناه تقييد قوله: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} بقوله{ مِنْ فَوْقِهِمْ } فإنّ فيه إشارة إلى أنّ كونه تعالى فوقهم قاهرًا لهم متعاليًا بالنّسبة إليهم هو السّبب في مخافتهم، و ليس هذا إلا الخوف من مقامه تعالى لا من عذابه، فهو خوف ذاتيّ، و يرجع إلى نفي الاستكبار عن ذواتهم. [إلى أن قال:]

ومن عجيب الاستدلال ما استدلّ به بعضهم بالآية، على أنّ الملائكة مكلّفون مدارون بين الخوف و الرّجاء كمثلنا. أمّا دلالتها على التّكليف فلمكان الأمر، و أمّا إدارتهم بين الخوف و الرّجاء، فلأنّ الآية ذكرت خوفهم، و الخوف يستلزم الرّجاء.

وهو ظاهر الفساد: أمّا الأمر فقد ورد في كلامه تعالى في موارد لاتكليف فيها قطعًا كالسّماء والأرض وغيرهما، قال تعالى: { فَقَالَ لَهَا وَلِلاَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا

ص: 232

اَوْ كَرْهًا قَالَتَا اَتَيْنَا طَائِعينَ‘ } فصّلت: 11، و قال: { وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ } الأنعام: 73.

و أمّا استلزام الخوف للرّجاء، فإنّما الملازمة ما بين الخوف من نزول العذاب و إصابة المكروه و بين الرّجاء، و قد تقدّم أنّ الّذي في الآية إنّما هو خوف مهابة و إجلال، بمعنى تأثّر الضّعيف من القويّ و انكسار الصّغير الحقير قبال العظيم الكبير الظّاهر عليه بعظمته و كبريائه، و لامقابلة بين الخوف بهذا المعنى و بين الرّجاء. (12: 267)

فضل الله: و لكنّه ليس الخوف الّذي ينطلق من الإحساس بشرّ مرتقَب، بل هو الشّعور بالعظمة الّذي يدعوهم إلى الانضباط و الالتزام بإرادة الله، و الإحساس بالانسحاق الكلّيّ أمامه. و هذا ما نستوحيه من الإشارة إلى فوقيّة موقع الإله منهم، الواردة بمدلولها المعنويّ لاالحسّيّ، في إيحاء بالقاهريّة الّتي تستتبع المقهوريّة. (13: 238)

6 اُولئِكَ ’ الَّذينَ‘ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ اِلى رَ بِّهِمُ الْوَسيلَةَ‘ اَ يُّهُمْ اَ قْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ اِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا. الإسراء: 57

الزّجّاج: أي الّذين يزعمون أنّهم آلهة يرجون و يخافون. (3: 246)

الماوَرْديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون هذا الرّجاء و الخوف في الدّنيا.

الثّاني: أن يكونا في الآخرة.

فإن قيل: إنّه في الدّنيا احتمل وجهين:

أحدهما: أنّ رجاء الرّحمة التّوفيق و الهداية، و خوف العذاب، شدّة البلاء.

و إن قيل: إنّ ذلك في الآخرة احتمل وجهين:

أحدهما: أنّ رجاء الرّحمة دوام النّعم و خوف عذاب النّار.

الثّاني: أنّ رجاء الرّحمة العفو، و خوف العذاب مناقشة الحساب.

و يحتمل هذا الرّجاء و الخوف وجهين:أحدهما: أن يكون لأنفسهم إذا قيل: إنّ أصل الدّعاء كان لهم.

الثّاني: لطاعة الله تعالى إذا قيل: إنّ الدّعاء كان لغيرهم. و لايمتنع أن يكون على عمومه في أنفسهم و فيمن دعوه.

قال سهل بن عبد الله : الرّجاء و الخوف ميزانان على الإنسان، فإذا استويا استقامت أحواله، و إن رُجّح أحدهما بطل الآخر.

قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): « لو وزن رجاء المؤمن و خوفه لاعتدلا ». (3: 251)

الطَّبْرِسيّ: أي و هم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم، فيرجون رحمته إن أطاعوا، و يخافون عذابه إن عصوا، و يعملون عمل العبيد. (3: 422)

القُرطُبيّ: أي مخوفًا لا أمان لأحد منه، فينبغي أن يحذر منه و يخاف. (10: 280)

7 وَتَرَكْنَا فيهَا‘ ايَةً لِلَّذينَ‘ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الاَليمَ‘.

الذّاريات:37

راجع: أ ي ي: < آية > المعجم (4: 420).

ص: 233

8 كَلابَلْ لايَخَافُونَ الاخِرَةَ.’ المدّ ثِّر: 53

الواحديّ: و المعنى أ نّهم لو خافوا النّار لما اقترحوا الآيات بعد قيام الدّلالة. (4: 388)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (5: 392)

أبوحَيّان: قرأ الجمهور { يَخَافُونَ } بياء الغيبة و أبوحَيْوَة بتاء الخطاب التفاتًا. (8: 381)

ابن عاشور: أي ليس ما قالوه إلاتنصّلا فلو أنزل عليهم كتابٌ ما آمنوا و هم لا يخافون الآخرة، أي لايؤمنون بها، فكُنّي عن عدم الإيمان بالآخرة بعدم الخوف منها، لأ نّهم لو آمنوا بها لخافوها؛ إذ الشّأن أن يخاف عذابها إذ كانت إحالتهم الحياة الآخرة أصلا لتكذيبهم بالقرآن. (29: 308)

الطَّباطَبائيّ: و المراد أنّ اقتراحهم نزول كتاب على كلّ امرئ منهم، قول ظاهريّ منهم، يريدون به صرف الدّعوة عن أنفسهم. و السّبب الحقيقيّ لكفرهم و تكذيبهم بالدّعوة أ نّهم لايخافون الآخرة، و لو خافوها لآمنوا، و لم يقترحوا آية بعد قيام الحجّة بظهور الآيات البيّنات. (20: 100)

مكارم الشّيرازيّ: إذا كانوا يخافون الآخرة، فما كانوا يتذرّعون بكلّ هذه الذّرائع، ما كانوا ليكذّبوا رسول الله(صلی الله علیه و آله)، و ما كانوا ليستهزئوا بآيات الله تعالى، و لا بعدد ملائكته. و من هنا يتّضح أثر الإيمان بالمعاد في التّقوى و الطّهارة، من المعاصي و الذّنوب الكبيرة. و الحقّ يقال: إنّ الإيمان بعالم البعث و الجزاء و عذاب القيامة، يهب للإنسان شخصيّة جديدة، يمكنه أن يغيّر إنسانًا متكبّرًا و مغرورًا و ظالمًا إلى إنسان مؤمن متواضع و متّق عادل. (19: 174)

9 يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطيرًا‘. الدّهر:7لاحظ: و ف ي: < يُوفُونَ >.

تَخَافُ

وَ لَقَدْ اَوْحَيْنَا اِلى مُوسى اَنْ اَسْرِ بِعِبَادى‘ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَريقًا‘ فِى الْبَحْرِ يَبَسًا لاتَخَافُ دَرَكًا وَ لاتَخْشى.

طه: 77

ابن عبّاس: { لاتَخَافُ } من آل فرعون { دَرَكًا وَ لاتَخْشى } من البحر غرقًا. (الطّبَريّ8: 438)

قَتادَة: لاتخاف أن يُدركك فرعون من بعدك، و لاتخشى الغرق أمامك. (الطّبَريّ8: 438)

ابن جُرَيْج: قال أصحاب موسى: هذا فرعون قد أدركنا، و هذا البحر قد غشينا، فأنزل الله { لاتَخَافُ دَرَكًا } أصحاب فرعون { وَ لاتَخْشى } من البحر وَحَلا . (الطّبَريّ8: 439)

الطّبَريّ: يعني لاتخاف من فرعون و جنوده أن يدركوك من ورائك، و لاتخشى غرقًا من بين يديك و وَحَلا .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: { لا تَخَافُ دَرَكًا } فقرأته عامّة قرّاء الأمصار غير الأعمش و حمزة: { لاتَخَافُ دَرَكًا } على الاستئناف ب (لا)كما قال: { وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهَا لانَسْئَلُك رِزْقًا } طه: 132، فرفع. و أكثر ما جاء في هذا الأمر الجواب مع ( لا ). و قرأ ذلك الأعمش و حمزة ( لاتَخَف دَرَكًا ) فجزما

ص: 234

{ لاتَخَافُ } على الجزاء، و رفعًا { وَ لاتَخْشى } على الاستئناف، كما قال جلّ ثناؤه: { يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايُنْصَرُونَ }آل عمران: 111، فاستأنف ب (ثُمَّ). و لو نوى بقوله: { وَ لاتَخْشى } الجزم، و فيه الياء، كان جائزًا. [ثمّ استشهد بشعر]

و أعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها { لاتَخَافُ } على وجه الرّفع، لأنّ ذلك أفصح اللّغتين، و إن كانت الأُخرى جائزة. و كان بعض نحويّي البصرة يقول: معنى قوله: { لاتَخَافُ دَرَكًا } اضرب لهم طريقًا لاتخاف فيه دركًا. قال: و حذف < فيه >، كما تقول: زيد أكرمت، و أنت تريد أكرمته، و كما تقول: { وَ ا تَّقُوا يَوْمًا لاتَجْزى‘ نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيًْا =} البقرة: 48، أي لاتجزى فيه. و أمّا نحويّو الكوفة فإنّهم ينكرون حذف < فيه > إلا في المواقيت، لأ نّه يصلح فيها أن يقال: قمت اليوم و في اليوم، و لايُجيزون ذلك في الأسماء. (8: 438)

الزّجّاج: و يجوز) لاتَخَف دَركًا و لاتَخْشى )، فمن قرأ { لاتَخَافُ }، فالمعنى لست تخاف دَرَكًا، و من قال: ( لاتَخَف دَرَكًا )، فهو نهي عن أن يخاف، و معناه لاتخف أن يدركك فرعون و لاتخشى الغرق. (3: 370)

الزّمَخْشَريّ: ({ لاتَخَافُ }، حال من الضّمير في { فَاضْرِبْ }، و قرئ ( لاتَخَف ) على الجواب.

(2: 547)الفَخْرالرّازيّ: أي لاتخاف أن يدركك فرعون فإنّي أحول بينك و بينه بالتّأخير. قال سيبَوَيه: قوله: { تَخَافُ } رفعه على وجهين:

أحدهما: على الحال، كقولك غير خائف و لاخاش.

و الثّاني: على الابتداء، أي أنت لاتخاف، و هذا قول الفَرّاء. قال الأخفش و الزّجّاج: المعنى لاتخاف فيه، كقوله: { وَ ا تَّقُوا يَوْمًا لاتَجْزى‘ نَفْسٌ عَنْ نَفْس ٍ} البقرة: 48، أي لاتجزي فيه نفس. و قرأ حمزة ( لاتَخَف) و فيه وجهان:أحدهما: أ نّه نهي، و الثّاني : قال أبو عليّ : جعله جواب الشّرط، على معنى إن تضرب لاتخف. (22: 92)

لاتَخَف

1 فَلمَّا رَ ا اَيْدِيَهُمْ لاتَصِلُ اِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ اَوْجَسَ مِنْهُمْ خيفَةً‘ قَالُوا لاتَخَف اِنَّااُرْسِلْنَا اِلى قَوْمِ لُوط.

هود:70

ابن عبّاس: وقع في نفسه خوفًا منهم، و ظنّ أ نّهم لصوص؛ حيث لم يأكلوا من طعامه، فلمّا علموا خوفه قالوا: لاتخف منّا ياإبراهيم. (188)

قَتادَة: و ذلك أ نّهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم، ظنّوا أ نّه لم يأت بخير و إنّما جاء بشرّ. { قَالُوا لاتَخَف } يا إبراهيم. (البغَويّ2: 456)

نحوه الفَرّاء. (2: 22)

الطّبَريّ: قالت الملائكة، لمّا رأت ما بإبراهيم من الخوف منهم: لاتخف منّا و كن آمنًا، فإنّا ملائكة ربّك. (7: 70)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما : أضمر في نفسه خوفًا منهم.

ص: 235

و الثّاني: أحس من نفسه تخوّفًا منهم. [ثمّ استشهد بشعر]

{ قَالُوا لاتَخَف اِ نَّااُرْسِلْنَا اِلى قَوْمِ لُوط } يعني بهلاكهم. و في إعلامهم إبراهيم بذلك وجهان:

أحدهما : ليزول خوفه منهم.

و الثّاني: لأنّ إبراهيم قد كان يأتي قوم لوط، فيقول: ويْحَكم أينهاكم عن الله أن تتعرّضوا لعقوبته فلايطيعونه؟ (2: 483)

الطُّوسيّ: أي أضمر الخوف منهم، و الإيجاس: الإحساس. [ثمّ استشهدبشعر]

و قيل: أوجس: أضمر، و إنّما خافهم حين لم ينالوا من طعامه، لأ نّه رآهم شبابًا أقوياء، و كان ينزل طرفًا من البلد لم يأمن من حيث لم يتحرّموا بطعامه أن يكون ذلك لبلاء، حتّى قالوا له: لاتخف يا ابراهيم { اِنَّا اُرْسَلْنَا اِلى قَوْمِ لُوْط} بالعذاب و الإهلاك.

و قيل: إنّهم دعوا الله فأحيا العجل الّذي كان ذبحه إبراهيم و شواه، فظهر و رعى، فعلم حينئذأ نّهم رسل الله. (6: 28)

القُشَيْريّ: أي خاف أ نّه وقع له خَلَل فيحاله؛ حيث امتنع الضّيفان عن أكل طعامه، فأوجس الخيفة لهم لامنهم.

و قيل: إنّ الملائكة في ذلك الوقت ما كانوا ينزلون جهرًا إلا لعقوبة، فلمّا امتنعوا عن الأكل، و علم أ نّهم ملائكة، خاف أن يكونوا قد أُرسلوا لعقوبة قومه.

(3: 146)

الزّمَخْشَريّ: و إنّما قالوا: { لاتَخَف } لأ نّهم رأوا أثر الخوف و التّغيّر في وجهه، أو عرفوه بتعريف الله، أو علموا أنّ علمه بأ نّهم ملائكة موجب للخوف، لأ نّهم كانوا لاينزلون إلا بعذاب. (2: 280)

الطَّبْرِسيّ: أي أضمر منهم خوفًا. و اختُلف في سبب الخوف، فقيل: إ نّه، لمّا رآهم شُبّانًا أقوياء، و كان ينزل طرفًا من البلد، و كانوا يمتنعون من تناول طعامه، لم يأمن أن يكون ذلك لبلاء؛ و ذلك أنّ أهل ذلك الزّمان، إذا أكل بعضهم طعام بعض، أمنه صاحب الطّعام على نفسه و ماله. و لهذا يقال: تحَرّم فلان بطعامنا أي أثبت الحرمة بيننا بأكله الطّعام.

و قيل: إنّه ظنّهم لصوصًا يريدون به سوءً، أو قيل: إنّه ظنّ أ نّهم ليسوا من البشر، و أ نّهم جاءُوا لأمر عظيم. و قيل: علم أ نّهم ملائكة، فخاف أن يكون قومه المقصودين بالعذاب، حتّى { قَالُوا } له { لاتَخَف } يا إبراهيم. (3: 179)

الفَخْرالرّازيّ: و اعلم أنّ الأضياف إنّما امتنعوا من الطّعام لأ نّهم ملائكة، و الملائكة لايأكلون و لايشربون، و إنّما أتوه في صورة الأضياف ليكونوا على صفة يحبّها، و هو كان مشغوفًا بالضّيافة.

و أمّا إبراهيم(علیه السلام)فنقول: إمّا أن يقال: إنّه (علیه السلام) ما كان يعلم أ نّهم ملائكة، بل كان يعتقد فيهم أ نّهم من البشر، أو يقال: إنّه كان عالمًا بأ نّهم من الملائكة.

أمّا على الاحتمال الأوّل فسبب خوفه أمران:

أحدهما: أ نّه كان ينزل في طرف من الأرض بعيد عن النّاس، فلمّا امتنعوا من الأكل خاف أن يريدوا به مكروهًا.

ص: 236

و ثانيها: أنّ من لايُعرف إذا حضر و قُدّم إليه طعام، فإن أكل حصل الأمن، و إن لم يأكل حصل الخوف.

و أمّا الاحتمال الثّاني: و هو أ نّه عرف أ نّهم ملائكة الله تعالى، فسبب خوفه على هذا التّقدير أيضًا أمران:

أحدها: أ نّه خاف أن يكون نزولهم لأمر أنكره الله تعالى عليه.

و الثّاني: أ نّه خاف أن يكون نزولهم لتعذيب قومه.

فإن قيل: فأيّ هذين الاحتمالين أقرب و أظهر؟

قلنا: أمّا الّذي يقول: إنّه ما عرف أ نّهم ملائكة الله تعالى، فله أن يحتجّ بأُمور:أحدها: أ نّه تسارع إلى إحضار الطّعام، و لو عرف كونهم من الملائكة لما فعل ذلك.

و ثانيها: أ نّه لمّا رآهم ممتنعين من الأكل خافهم، و لو عرف كونهم من الملائكة لما استدلّ بترك الأكل على حصول الشّرّ.

و ثالثها: أ نّه رآهم في أوّل الأمر في صورة البشر؛

و ذلك لايدلّ على كونهم من الملائكة.

و أمّا الّذي يقول: إنّه عرف ذلك، احتجّ بقوله:

{ قَالُوا لاتَخَف اِنَّااُرْسِلْنَا اِلى قَوْمِ لُوط } و إنّما يقال هذا لمن عرفهم و لم يعرف بأيّ سبب أُرسلوا.

ثمّ بيّن تعالى أنّ الملائكة أزالوا ذلك الخوف عنه، فقالوا: { قَالُوا لاتَخَف اِنَّااُرْسِلْنَا اِلى قَوْمِ لُوط } و معناه: أُرسلنا بالعذاب إلى قوم لوط، لأ نّه أضمر لقيام الدّليل عليه في سورة أُخرى، و هو قوله: { اِنَّااُرْسِلْنَااِلى قَوْمٍ مُجْرِمينَ‘ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً } الذّاريات: 33. (18: 24)

نحوه النَّيسابوريّ. (12: 44)

البَيْضاويّ: أنكر ذلك منهم، و خاف أن يريدوا به مكروهًا. و نكر و أنكر و استنكر بمعنى. و الإيجاس: الإدراك، و قيل: الإضمار، قالوا له لمّا أحسّوا منه أثر الخوف: { قَالُوا لاتَخَف اِنَّا اُرْسِلْنَا اِلى قَوْمِ لُوط } .

(1: 474)

النّسَفيّ: أي أضمر منهم خوفًا، قالوا: لاتخف إنّا أُرسلنا إلى قوم لوط بالعذاب. و إنّما يقال هذا لمن عرفهم و لم يعرف فيم أُرسلوا، و إنّما قالوا: لاتخف لأ نّهم راوا أثر الخوف و التّغيّر فى وجهه. (2: 197)

الخازن: يعني و وقع في قلبه خوف منهم

و الوجس هو رعب القلب و إنّما خاف إبراهيم (صلی الله علیه و آله) منهم، لأ نّه كان ينزل ناحية من النّاس، فخاف أن يُنزلوا به مكروهًا لامتناعهم من طعامه، و لم يعرف

أ نّهم ملائكة. و قيل: إنّ إبراهيم عرف أ نّهم ملائكة و إنّما خاف أن يكونوا نزلوا بعذاب قومه فخاف من ذلك.

و الأقرب أنّ إبراهيم لم يعرف أ نّهم ملائكة في أوّل الأمر، و يدلّ على صحّة هذا أ نّه (علیه السلام) قدّم إليهم الطّعام. و لو عرف أ نّهم ملائكة لما قدّمه إليهم، لعلمه أنّ الملائكة لايأكلون و لايشربون، و لأ نّه خافهم، و لو عرف أ نّهم ملائكة لما خافهم. فلمّا رأت الملائكة خوف إبراهيم (علیه السلام) قالوا: لاتخف يا إبراهيم. (3: 197)

الآلوسي: أي خوفًا و أصلها الحالة الّتي عليها

ص: 237

الإنسان من الخوف. و لعلّ اختيارها بالذّكر للمبالغة؛ حيث تفرّس لذلك مع جهالته لهم من قبل، و عدم معرفته من أيّ النّاس يكونون كما ينبئ عنه ما في < الذّاريات > 25، من قوله سبحانه حكاية عنه: { قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} أ نّهم ملائكة، و ظنّ أ نّهم أُرسلوا لعذاب قومه، لأمر أنكره الله تعالى عليه. { قَالُوا }حين رأوا أثر ذلك(علیه السلام) أو أعلمهم الله تعالى به، أو بعد أن قال لهم ما في الحجر: 52،{ اِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ }، فإنّ الظّاهر منه أنّ هناك قولا بالفعل لابالقوّة، كما هو احتمال فيه، على ما ستراه إن شاء الله تعالى.

و جُوّز أن يكون ذلك لعلمهم أنّ علمه(علیه السلام) أ نّهم ملائكة يوجب الخوف، لأ نّهم لايُنزلون إلابعذاب. و قيل: إنّ الله تعالى جعل للملائكة مطلقًا ما لم يجعل لغيرهم من الاطّلاع، كما قال تعالى: { يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } الانفطار:12.

و في < الصّحيح > قالت الملائكة: ربّ عبدك هذا يريد أن يعمل سيّئة الحديث، و هو قول بأنّ الملائكة يعلمون الأُمور القلبيّة. و في الأخبار الصّحيحة ما هو صريح بخلافه، و الآية و الخبر المذكوران لايصلحان دليلا لهذا المطلب. و إسناد القول إليهم ظاهر في أنّ الجميع قالوا: { لاتَخَف } و يحتمل أنّ القائل بعضهم، و كثيرًا ما يُسند فعل البعض إلى الكلّ في أمثال ذلك.

و ظاهر قوله سبحانه: { اِنَّا اُرْسِلْنَا } أ نّه استئناف في معنى التّعليل للنّهي المذكور، كما أنّ قوله سبحانه: { اِنَّا نُبَشِّرُكَ } الحجر: 53، استئناف كذلك، فإنّ إرسالهم إلى قوم آخرين يوجب أمنه من الخوف، أي { اُرْسِلْنَا } بالعذاب { اِلى قَوْمِ لُوط } خاصّة. و يُعلم ممّا ذكرنا أ نّه(علیه السلام) أحس بأ نّهم ملائكة، و إليه ذهب ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما.

و قد يستدلّ له بقولهم { لاتَخَف اِنَّا اُرْسِلْنَا } فإنّه كما لايخفى على من له أدنى ذوق إنّما يقال لمن عرفهم و لم يعرف فيم أُرسلوا، فخاف، و أنّ الإنكار المدلول عليه بنكرهم غير المدلول عليه بما في الذّاريات، فلاإشكال في كون الإنكار هناك قبل إحضار الطّعام، و هنا بعده. [إلى أن قال:]

و ذهب بعضهم إلى أ نّه(علیه السلام) لم يعرف أ نّهم ملائكة، حتىّ قالوا له: { لاتَخَف اِنَّا اُرْسِلْنَا } و كأنّ سبب خوفه منهم أ نّهم لم يتحرّموا بطعامه، فظنّ أ نّهم يريدون به سوء؛ إذ كانت العادة إذ ذاك كذلك، و كان (علیه السلام) نازلا في طرف من الأرض، منفردًا عن قومه، و هي رواية عن ابن عبّاس...

و قيل: كان سبب خوفه أ نّهم دخلوا بغير إذن و بغير وقت.

و قال العلامة الطّيّبيّ: الحقّ أنّ الخوف إنّما صدر عن مجموع كونهم منكَرين، و كونهم ممتنعين من الطّعام، كما يُعلم من الآيات الواردة في هذه القصّة، و لأ نّه لو عرفهم بأ نّهم ملائكة لم يحضر بين أيديهم الطّعام، و لم يحرّضهم على الأوّل، و إنّما عدلوا إلى قولهم: { اِنَّااُرْسِلْنَا اِلى قَوْمِ لُوط } ليكون جامعًا للمعاني؛ بحيث يُفهم منه المقصود أيضًا. انتهى.

و فيه إشارة إلى الرّدّ على الزّمَخْشَريّ و قد اختلف كلامه في تعليل الخوف فعلّله تارة بعرفانه

ص: 238

أ نّهم ملائكة، و أُخرى بأ نّهملم يتحرّموا طعامه، و لعلّه أراد بذلك العرفان بعد إحضار الطّعام. و ما ذكره الطّيّبيّ من أ نّه لو عرفهم بأنّهم ملائكة لم يحضر إلخ، غير قادح، إذ يجوز أن يخافهم بعد الإحضار أوّلا لعدم التّحرّم، ثمّ بعد تفرّس أ نّهم ملائكة خافهم، لأ نّهم ملائكة أُرسلوا للعذاب. و الزّمَخْشَريّ حكى أحد الخوفين في موضع، و الآخر في آخر. (12: 95)

ابن عاشور: أي أحس في نفسه خيفة منهم وأضمر ذلك و مصدره الإيجاس. و ذلك أ نّه خشي أن يكونوا مضمرين شرًّا له، أي حسبهم قطّاعًا، وكانوا ثلاثة، و كان إبراهيم عليه السّلام وحده.

و جملة { قَالُوا لاتَخَف } مفصولة عمّا قبلها ، لأ نّها أشبهت الجواب، لأ نّه لمّا أوجس منهم خيفة ظهر أثرها على ملامحه، فكان ظهور أثرها بمنزلة قوله: إنّي خفت منكم، و لذلك أجابوا ما في نفسه بقولهم: { لاتَخَف }، فحكي ذلك عنهم بالطّريقة الّتي تُحكى بها المحاورات. أو هو جواب كلام مقدّر دلّ عليه قوله: { وَ اَوْجَسَ مِنْهُمْ خيفَةً ‘}، أي و قال لهم: إنّي خفت منكم، كما حُكي في سورة الحجر: 52، { قَالَ اِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ }. و من شأن النّاس إذا امتنع أحد من قبول طعامهم أن يقولوا له: لعلّك غادر أو عدوّ، و قد كانوا يقولون للوافد: أحَرْبٌ أم سِلْمٌ. (11: 295)

الطَّباطَبائيّ: و المراد أ نّه استشعر في نفسه خوفًا، و لذلك أمّنوه و طيّبوا نفسه بقولهم:{ لاتَخَف اِنَّااُرْسِلْنَا اِلى قَوْمِ لُوط }.

و معنى الآية أنّ إبراهيم (علیه السلام)لمّا قدّم إليهم العِجْل المشويّ رآهم لايأكلون منه كالممتنع من الأكل و ذلك أمارة الشّرّ، استشعر في نفسه منهم خوفًا، قالوا تأمينًا له و تطييبًا لنفسه لاتخف إنّا أُرسلنا إلى قوم لوط، فعلم أ نّهم من الملائكة الكرام المنزّهين من الأكل و الشّرب، و ما يناظر ذلك من لوازم البدن المادّ يّة، و أ نّهم مرسلون لخطب جليل.

و نسبة استشعار الخوف إلى إبراهيم(علیه السلام) لاينافي ما كان عليه من مقام النّبوّة الملازم للعصمة الإلهيّة من المعصية و الرّذائل الخلقيّة، فإنّ مطلق الخوف و هو تأثّر النّفس عن مشاهدة المكروه الّتي تبعثها إلى التّحذّر منه و المبادرة إلى دفعه ليس من الرّذائل، و إنّما الرّذيلة هي التّأثّر الّذي يستوجب بطلان مقاومة النّفس و ظهور العيّ و الفزع، و الذّهول عن التّدبير لدفع المكروه و هو المسمّى بالجبن كما أنّ عدم التّأثّر عن مشاهدة المكروه مطلقًا و هو المسمّى تهوّرًا ليس من الفضيلة في شيء. (10: 321)

2 قَالَ خُذْهَا وَ لاتَخَف سَنُعيدُ‘هَا سيرَ‘تَهَا الاُولى.

طه:21

الطُّوسيّ: أخبر الله تعالى أنّ العصا حينصارت حيّة تسعى خاف موسى منها، فقال الله له { خُذْهَا } يا موسى فإنّا { سَنُعيدُ‘هَا } إلى ما كانت أوّل شيء في يدك عصا. و معنى { خُذْهَا }: تناولها بيدك. و الخوف : انزعاج النّفس بتوقّع الضّرر، خافَه خَوْفًا، فهو خائف و ذاك مخوف. و ضدّ الخوف الأمن، و مثل الخوف: الفزع و الذُّعر.

(7: 168)

ص: 239

الفَخْرالرّازيّ: ففيه سؤالات:

السّؤال الأوّل: لمّا نُودي موسى و خُص بتلك الكرامات العظيمة، و علم أ نّه مبعوث من عند الله تعالى إلى الخلق، فلِمَ خاف؟

و الجواب من وجوه:

أحدها: أنّ ذلك الخوف كان من نفرة الطّبع، لأ نّه (علیه السلام) ما شاهد مثل ذلك قطّ.و أيضًا فهذه الأشياء معلومة بدلائل العقول، و عند الفزع الشّديد قد يذهل الإنسان عنه.

قال الشّيخ أبو القاسم الأنصاريّ رحمه الله تعالى: و ذلك الخوف من أقوى الدّلائل على صدقه في النّبوّة، لأنّ السّاحر يعلم أنّ الّذي أتى به تمويه، فلايخافه ألبتّة.

و ثانيها: قال بعضهم: خافها لأ نّه(علیه السلام) عرف ما لقي آدم منها.

و ثالثها: أنّ مجرّد قوله:{ لاتَخَف } لايدلّ على حصول الخوف، كقوله تعالى: { وَ لاتُطِعِ الْكَافِرينَ ‘} الأحزاب:1، لايدلّ على وجود تلك الطّاعة، لكن قوله:{ فَلَمَّا رَ اهَا تَهْتَزُّ كَاَ نَّهَا جَانٌّ وَلى| مُدْبِرًا } النّمل: 10،يدلّ عليه، و لكن ذلك الخوف إنّما ظهر ليظهر الفرق بينه و بين محمّد (صلی الله علیه و آله) فإنّه (علیه السلام) أظهر تعلّق القلب بالعصا و النّفرة عن الثّعبان، و أمّا محمّد (علیه السلام) فما أظهر الرّغبة في الجنّة، و لاالنّفرة عن النّار. [إلى أن قال:]

السّؤال الثّالث: كيف أخذه، أمعَ الخوف أو بدونه؟

و الجواب: روي مع الخوف، و لكنّه بعيد، لأنّ بعد توالي الدّلائل يبعد ذلك.

و إذا علم موسى (علیه السلام) أ نّه تعالى عند الأخذ سيُعيدها سيرتها الأُولى فكيف يستمرّ خوفه، و قد علم صدق هذا القول؟ و قال بعضهم: لمّا قال له ربّه: { لا تَخَف } بلغ من ذلك ذهاب خوفه و طمأنينة نفسه، إلى أن أدخل يده في فمها و أخذ بلحيتها. (22: 28)

نحوه الشِّربينيّ. (2: 457)

البَيْضاويّ: فإنّه لمّا رآها حيّة تسرع و تبتلع الحجر و الشّجر، خاف و هرب منها. (2: 48)

البُرُوسَويّ: روي أ نّها انقلبت ثعبانًا ذَكرًا يبتلع كلّ شيء يمرّ به من صخر و حجر، و عيناه تتّقدان كالنّار، و يُسمَع لأنيابه صريف شديد، و كان بين لحيَيه أربعون ذراعًا أو ثمانون، فلمّا رآه كذلك خاف و نفر، لأنّ الخوف و الهرب من الحيّات و نحوها من طباع البشر.

فإن قيل: لِمَ خاف موسى من العصا و لم يخف إبراهيم من النّار؟قلنا: لأنّ الخليل كان أشدّ تمكينًا؛ إذ فرّق بين بداية الحال و نهايتها. و قدأزال الله هذا الخوف من موسى بقوله: { وَ لاتَخَف }، و لذا تمكّن من أخذ العصا كما يأتي فصارأهل تمكين كالخليل 8ألا ترى أنّ نبيّنا (علیه السلام) أوّل ماجاءه جبريل خافه، فرجع من الجبل مرتعدًا، ثمّ كان من أمره ما كان، حتى| استعدّ لرؤيته على صورته الأصليّة ليلة المعراج، كما قال تعالى: { وَ لَقَدْ رَ اهُ نَزْلَةً اُ خْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى } النّجم : 12، 13. و في < التّأويلات النّجميّة>: { خُذْهَا وَ لاتَخَف } يعني كنت تحسب أنّ لك فيها المنافع و المآرب في البداية، ثمّ رأيتها و أنت خائف من

ص: 240

مضارّها، فخذها و لاتخف، لتعلم أنّ الله تعالى هو الضّارّ و النّافع، فيكون خوفك و رجاؤك منه إليه لامن غيره. و في المثنويّ:

هركه ترسيد از حق وتقوى گزيد

ترسد ازوى جنّ و انس و هركه ديد

إنّ الّذي خاف الإله و ارعَوى

منه يخاف الإنس و الجنّ معَا

(5: 376)

الآلوسيّ: [نقل حديث انقلاب الحيّة، كما تقدّم عن البُرُوسَويّ و أضاف:]

و لعلّ ذلك الخوف ممّا اقتضته الطّبيعة البشريّة، فإنّ البشر بمقتضى طبعه يخاف عند مشاهدة مثل ذلك، و هو لاينافي جلالة القدر.

و قيل: إنّما خاف (علیه السلام)، لأ نّه رأى أمرًا هائلا صدر من الله عزّ و جلّ بلا واسطة، و لم يقف على حقيقة أمره، و ليس ذلك كنار إبراهيم(علیه السلام)، لأ نّها صدرت على يد عدوّ الله تعالى، و كانت حقيقة أمرها كنار على علَم، فلذلك لم يخف (علیه السلام) منها، كما خاف موسى (علیه السلام)من الحيّة.

و قيل: إنّما خاف لأ نّه عرف ما لقي من ذلك الجنس؛ حيث كان له مدخل في خروج أبيه من الجنّة، و إنّما عطف النّهي على الأمر للإشعار بأنّ عدم المنهيّ عنه مقصود لذاته، لالتحقيق المأمور به فقط.

(16: 177)

المَراغيّ: هذا الخوف ممّا تقتضيه الطّبيعة البشريّة حين مشاهدة الأمرالجلل الّذي لايُعرف له نظير، و لايُدرك له سبب. و لاينقص ذلك من جلالة قدره(علیه السلام). (16: 103)

الطَّباطَبائيّ: { وَ لاتَخَف سَنُعيدُ‘هَا سيرَ ‘تَهَا الاُولى } أي حالتها الأُولى، و هي أ نّها عصا. فيه دلالة على خوفه(علیه السلام) ممّا شاهده من حيّة ساعية، و قد قصّه تعالى في موضع آخر؛ إذ قال: { فَلَمَّا رَ اهَا تَهْتَزُّ كَاَ نَّهَا جَانٌّ وَلى| مُدْبِرً ا وَ لَمْ يُعَقِّب يَا مُوسى اَقْبِلْ وَ لاتَخَف } القصص: 31. و الخوف و هو الأخذ بمقدّمات التّحرّز عن الشّرّ غير الخشية الّتي هي تأثّر القلب و اضطرابه، فإنّ الخشية رذيلة تنافي فضيلة الشّجاعة بخلاف الخوف، والأنبياء : يجوز عليهم الخوف دون الخشية، كما قال الله تعالى: { اَ لَّذينَ‘ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَ يَخْشَوْ نَهُ وَ لايَخْشَوْنَ اَحَدًا اِلا اللهَ } الأحزاب: 39. (14: 144)

مكارم الشّيرازيّ: و بالرّغم من أنّ خوف موسى هنا قد أثار التّساؤل لدى بعض المفسّرين، بأنّ هذه الحالة كيف تناسب موسى مع الشّجاعة الّتي عهدناها لدى موسى، و أثبتها عمليًّا طوال عمره عند محاربته الفراعنة؟ إضافة إلى صفات و شروط الأنبياء بصورة عامّة؟

إلاأنّ الجواب عن هذا السّؤال يتّضح بملاحظة نكتة واحدة، و هي أنّ من الطّبيعيّ أنّ كلّ إنسان، مهما كان شجاعًا و غير هياب إذا رأى فجأةً قطعة خشب تتحوّل إلى حيّة عظيمة و تتحرّك بسرعة، فلابدّ أن يرتبك و يخاف و لو لمدّة قصيرة و يسحب نفسه جانبًا توقّيًا، إلاأن يكون هذا المشهد قد تكرّر أمامه

ص: 241

مرارًا، وردّ الفعل الطّبيعيّ هذا لايكون نقطة ضعف ضدّ موسى أبدًا. و لاتنافي الآية:39 ،من سورة الأحزاب؛ حيث تقول: { اَ لَّذينَ‘ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَ يَخْشَوْ نَهُ وَ لايَخْشَوْنَ اَحَدًا اِلااللهَ } فإنّ هذا الخوف طبيعيّ و موقّت، و سريع الزّوال أمام حادثة لم تحدث من قبلُ قطّ، و خارق للعادة. (9: 479)

3 فَاَوْجَسَ فى نَفْسِهِ خيفَةً‘ مُوسى * قُلْنَا لاتَخَف اِنَّكَ اَنْتَ الاَعْلى. طه:67، 68

ابن عبّاس: أضمر موسى في قلبه الخوف، خاف أن لايظفربهم فيقتلون من آمن به، { قُلْنَا } لموسى { لاتَخَف }. (263)

نحوه الطّبَريّ. (8: 434)

الحسَن: إنّ ذلك الخوف إنّما كان لما طبع الآدميّ عليه من ضعف القلب، و إن كان قد علم موسى(علیه السلام) أ نّهم لايصلون إليه و أنّ الله ناصره.

(الفَخْرالرّازيّ22: 84)

مُقاتِل: خاف موسى إن صنع القوم مثل صنعه أن يشكّوا فيه فلايتّبعوه، و يشكّ فيه مَن تابعه. (3: 32)

الزّجّاج: أصلها: خِوْفَة، و لكن الواو قُلبت ياءً لانكسارما قبلها. (3: 367)

الماوَرْديّ: و في خوفه وجهان:

أحدهما: أ نّه خاف أن يلتبس على النّاس أمرهم، فيتوهّموا أ نّهم فعلوا مثل فعله، و أنّه من جنسه.

الثّاني: لما هو مركوز في الطّباع من الحذر. و{ اَوْجَسَ }: بمعنى أسرّ.

{ قُلْنَا لاتَخَف...} تثبيتًا لنفسه، و إزالةً لخوفه.

(3: 413)

نحوه الطُّوسيّ. (7: 187)

الواحديّ: أي أحس و وجد خوفًا، لأنّ سحرهم كان من جنس ما أراهم في العصا، فخافأن يلتبس على النّاس أمره و لايؤمنوا به فقال الله: { قُلْنَا لاتَخَف اِنَّكَ اَ نْتَ الاَعْلى } عليهم بالظّفر و الغلبة. (3: 214)

البغَويّ: أي وجد، و قيل: أضمر في نفسه خوفًا. و اختلفوا في خوفه: قيل: خوف طبع البشريّة، و ذلك أ نّه ظنّ أ نّها تقصده. [ثمّ نقل قول مُقاتِل] (3: 268)

الزّمَخْشَريّ: إيجاس الخوف: إضمار شيء منه، و كذلك توجّس الصّوت: تسمع نبأة يسيرة منه، و كان ذلك لطبع الجبلّة البشريّة و أ نّه لايكاد يمكن الخلوّ من مثله.

و قيل: خاف أن يُخالج النّاس شكّ فلايتّبعوه.

(2: 544)

ابن عَطيّة: { خيفَةً } يصحّ أن يكون أصلها: خِوْفَة، قُلبت الواو ياءً للتّناسب. و خوف موسى (علیه السلام) إنّما كان على النّاس أن يضلّوا لهول ما رأى. (4: 52)

الطَّبْرِسيّ: معناه: فأحس موسى، و وجد في نفسه ما يجده الخائف و يقال: أوجس القلب فزعًا، أي أضمر و السّبب في ذلك أ نّه خاف أن يلتبس على النّاس أمرهم، فيتوهّموا أ نّهم فعلوا مثل فعله، و يظنّوا المساواة، فيشكّوا و لايتّبعونه، عن الجُبّائيّ.

و قيل: إنّه خوف الطّباع إذا رأى الإنسان أمرًا فظيعًا، فإنّه يحذره و يخافه في أوّل وهلة.

ص: 242

و قيل: إنّه خاف أن يتفرّق النّاس قبل إلقائه العصا.

و قيل: أن يعلموا ببطلان السّحرة، فيبقوا في شبهة.

و قيل: إنّه خاف لأ نّه لم يدر أنّ العصا إذا انقلبت حيّة هل تظهر المزيّة؟ لأ نّه لايعلم أ نّها تتلقّفها، فكان ذلك موضع خوف، لأ نّها لو انقلبت حيّة، و لم تتلقّف ما يأفكون، ربّما ادّعوا المساواة لاسيّما و الأهواء معهم، و الدّولة لهم. فلمّا تلقفت زالت الشّبهة، و تحقّق عند الجميع صحّة أمر موسى و بطلان سحره. { قُلْنَا لاتَخَف ا ِنَّكَ اَنْتَ الاَعْلى } عليهم بالظّفر و الغلبة.

(4: 20)

ابن الجَوْزيّ: و في خوفه قولان:

أحدهما: أ نّه خوف الطّبع البشريّ.

و الثّاني: أ نّه لمّا رأى سحرهم من جنس ما أراهم في العصا، خاف أن يلتبس على النّاس أمره، و لايؤمنوا، فقيل له: { لاتَخَف اِنَّكَ اَنْتَ الاَعْلى } عليهم بالظّفر و الغلبة، و هذا أصحّ من الأوّل.

(5: 305)

الفَخْرالرّازيّ: الإيجاس: استشعار الخوف، أي وجد في نفسه خوفًا.

فإن قيل: إنّه لامزيد في إزالة الخوف على ما فعله الله تعالى في حقّ موسى(علیه السلام)، فإنّه كلّمه أوّ لا و عرض عليه المعجزات الباهرة كالعصا و اليد، ثمّ إنّه تعالى صيّرها كما كانت بعد أن كانت كأعظَمثعبان، ثمّ إنّه أعطاه الاقتراحات الثّمانية، و ذكر ما أعطاه قبل ذلك من المنن الثّمانية، ثمّ قال له بعد ذلك كلّه: { اِنَّنى مَعَكُمَا اَسْمَعُ وَ اَرى } طه: 46، فمع هذه المقدّمات الكثيرة كيف وقع الخوف في قلبه، و الجواب عنه من وجوه:

أحدها: [قول الحسَن و قد تقدّم]

و ثانيها: [قول مُقاتِل و قد تقدّم]

و ثالثها: أ نّه خاف حيث بدأُوا و تأخّر إلقاؤه أن ينصرف بعض القوم قبل مشاهدة ما يُلقيه فيدوموا على اعتقاد الباطل.

و رابعها: لعلّه(علیه السلام) كان مأمورًا بأن لايفعل شيئًا إلا بالوحي، فلمّا تأخّر نزول الوحي عليه في ذلك الوقت خاف أن لاينزل عليه الوحي في ذلك الوقت، فيبقى في الخجالة.

و خامسها: لعلّه(علیه السلام) خاف من أ نّه لو أبطل سحر أُولئك الحاضرين فلعلّ فرعون قد أعدّ أقوامًا آخرين فيأتيه بهم، فيحتاج مرّة أُخرى إلى إبطال سحرهم، و هكذا من غير أن يظهر له مقطع، و حينئذ لايتمّ الأمر و لايحصل المقصود. ثمّ إنّه تعالى أزال ذلك الخوف بالإجمال أوّ لا و بالتّفصيل ثانيًا.

أمّا الإجمال فقوله تعالى: { قُلْنَا لاتَخَف اِ نَّكَ اَ نْتَ الاَعْلى} و دلالته على أنّ خوفه كان لأمر يرجع إلى أنّ أمره لا يظهر للقوم، فآمنه الله تعالى بقوله: { ا ِنَّكَ اَ نْتَ الاَعْلى } و فيه أنواع من المبالغة:

أحدها: ذكر كلمة التّأكيد و هي (اِنَّ)، و ثانيها: تكرير الضّمير، و ثالثها: لام التّعريف، و رابعها: لفظ العُلوّ، و هو الغلبة الظّاهرة. و أمّا التّفصيل [لاحظ: ل ق ي:< ألق >.] (22: 84)

ص: 243

نحوه الشِّربينيّ. (2: 471)

ابن عَرَبيّ: { خيفَةً } عن غلبة الجهّال، ودولة الضّلال، كما قال أمير المؤمنين عليّ (علیه السلام): <لم يوجس موسى خيفةً على نفسه إنّما خاف من غلبة الجهّال و دولة الضّلال >. (2: 49)

القُرطُبيّ: أي أضمَر. و قيل: وجد. و قيل: أحس، أي من الحيّات؛ و ذلك على ما يعرض من طباع البشر على ما تقدّم. و قيل: خاف أن يفتتن النّاس قبل أن يُلقي عصاه. و قيل: خاف حين أبطأ عليه الوحي بإلقاء العصا أن يفترق النّاس قبل ذلك فيفتتنوا.

(11: 222)

أبوالسُّعود: أي أضمَر فيها بعض خوف من مفاجأته بمقتضى البشريّة المجبولة على النّفرة من الحيّات، و الاحتراز من ضررها المعتاد من اللّسع و نحوه. و قيل: من أن يُخالج النّاس شكّ فلايتّبعوه. و ليس بذاك كما ستعرفه. و تأخير الفاعل لمراعاة الفواصل. { قُلْنَا لاتَخَف } أي ما توهّمت، { ا ِنَّكَ اَ نْتَ الاَعْلى } تعليل لما يوجبه النّهي من الانتهاء عن الخوف، و تقرير لغلبته على أبلغ وجه و آكده،كما يُعرب عنه: الاستئناف و حرف التّحقيق، و تكرير الضّمير، و تعريف الخبر، و لفظ العلوّ المُنبئ عن الغلبة الظّاهرة، و صيغة التّفضيل.

(4: 292)

البُرُوسَويّ: الوجس: الصّوت الخفيّ، و التّوجّس : التّسمّع، و الإيجاس: وجود ذلك في النّفس. و الخيفة: الحالة الّتى عليها الإنسان من الخوف، و هي مفعول { اَوْجَسَ } و { مُوسى } فاعله.

و المعنى أضمَر موسى في نفسه بعض خوف من مفاجأته بمقتضى البشريّة المجبولة عن النّفرة من الحيّات، و الاحتراز عن ضررها المعتاد من اللّسع و نحوه، كما دلّ عليه قوله { فى نَفْسِهِ }،لأ نّه من خطرات النّفس لا من القلب، و في الحقيقة أنّ الله تعالى ألبس السّحر لباس القهر، فخاف موسى من قهر الله لا من غيره ،لأ نّه لايأمن من مكر الله إلا القوم الفاسقون.

{ قُلْنَا لا تَخَف } ما توهّمت ( ا ِنَّكَ )أي لأ نّك { اَ نْتَ الاَعْلى } أي الغالب القاهر لهم، و نحن معك في جميع أحوالك، فإنّك القائم بالمسبّب، و هم القائمون المعتمدون على الأسباب. و أيضًا معك آياتنا الكبرى، و هو لباس حفظنا.

و في < التّأويلات النّجميّة >: يشيرإلى أنّ خوف البشريّة مركوز في جبلّة الإنسان و لو كان نبيًّا إلى أن ينزع الله الخوف منه انتزاعًا ربّانيًّا، بقول صمدانيّ، كما قال تعالى: { قُلْنَا لا تَخَف اِنَّكَ اَنْتَ الاَعْلى} أي أعلى درجة من أن تخاف من المخلوقات دون الخالق.

و فيه معنى آخر:أنّ خوف موسى ما كان من المكوّنات بل من المكوِّن؛ إذ رأى عصاه ثعبانًا تلقف سحر السّحرة، و قد علم أ نّها صارت مظهر صفة قهّاريّة الحقّ، فخاف من الحقّ و قهره لا من العصا و ثُعبانها، فلهذا قال تعالى: { لاتَخَف اِنَّكَ اَنْتَ الاَعْلى } أي لأ نّك أعلى درجة عندنا منها، لأ نّها عصاك مصنوعة لنفسك و أنت رسولي و كليمي و اصطنعتك لنفسي، فإن كانت هي مظهر صفة قهري

ص: 244

فأنت مظهر صفات لطفي و قهري كلّها. (5: 402)

الآلوسيّ: الإيجاس: الإخفاء، و الخيفة: الخوف، و أصله: خِوْفَة، قلبت الواو ياءً لكسرة ما قبلها. و قال ابن عَطيّه: يحتمل أن يكون < خَوْفَة > بفتح الخاء، قلبت الواو ياءً، ثمّ كُسرت الخاء للتّناسب. والأوّ ل أولى.

و التّنوين للتّحقير، أي أخفى فيها بعض خوف من مفاجأة ذلك، بمقتضى طبع الجبلّة البشريّة عند رؤية الأمر المهول. و هو قول الحسَن.

و قال مُقاتِل: خاف (علیه السلام)من أن يعرض للنّاس و يختلج فى خواطرهم شكّ و شبهة في معجزة العصا، لمّا رأوا من عِصيّهم. و إضمار خوفه (علیه السلام)من ذلك لئلا تقوى نفوسهم إذا ظهر لهم، فيؤدّى إلى عدم اتّباعهم.وقيل: التّنوين للتّعظيم أي أخفى فيها خوفًا عظيمًا .

و قال بعضهم: إنّ الصّيغة لكونها < فِعْلَة > و هى دالّة على الهيئة، و الحالة اللاّزمة تُشعر بذلك، و لذا اختيرت على الخوف في قوله تعالى: { وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلئِكَةُ ’مِنْ خيفَتِهِ } الرّعد:13، ولايأباه الإيجاس. و قيل: يأباه.

والأوّل هو الأنسب بحال موسى (علیه السلام)إن كان خوفه ممّا قاله الحسَن، و الثّانى هو الأنسب بحاله (علیه السلام)إن كان خوفه ممّا قاله مُقاتِل.

و قيل: إنّه أنسب أيضًا بوصف السّحر بالعِظَم في قوله تعالى: { وَجَاؤُا بِسِحْر عَظيمٍ‘ } الأعراف: 116.

و أيّد بعضهم كون التّنوين لذلك بإظهار موسى و عدم إضماره، فتأمّل.

و قيل: إنّه (علیه السلام) سمع لمّا قالوا: { اِمَّا اَنْ تُلْقِىَ... }، ألقُوا يا أولياء الله تعالى، فخاف لذلك؛ حيث يعلم أنّ أولياء الله تعالى لايُغلَبون. و لايكاد يصحّ و النّظم الكريم يأباه.

و تأخير الفاعل لمراعاة الفواصل { قُلْنَا لاتَخَف } أي لاتستمرّ على خوفك ممّا توهّمت، وادفع عن نفسك ما اعتراك، فالنّهي على حقيقته.

و قيل : حرج عن ذلك للتّشجيع و تقوية القلب { اِنَّكَ اَ نْتَ الاَعْلى} تعليل لما يوجبه النّهي من الانتهاء عن الخوف، و تقرير لغلبته على أبلغ وجه و آكده، كما يُعرب عن ذلك الاستئناف البيانيّ، وحرف التّحقيق، و تكرير الضّمير، و تعريف الخبر، و لفظ العلوّ المنبئ عن الغلبة الظّاهرة، و صيغة التّفضيل، كما قاله غير واحد.

و الّذي أميل إليه: أنّ الصّيغة المذكورة لمجرّد الزّيادة، فإنّ كونها للمشاركة و الزّيادة يقتضي أن يكون للسّحرة علوّ و غلبة ظاهرة أيضًا، مع أ نّه ليس كذلك. و إثبات ذلك لهم بالنّسبة إلى العامّة كما قيل ليس بشيء؛ إذ لامغالبة بينهم و بينهم. (16: 228)

ابن عاشور: { خيفَةً‘} اسم هيئة من الخوف، أُريد به مطلق المصدر، و أصله: خِوْفَة، فقُلبت الواو ياءً لوقوعها إثر كسرة.

و زيادة { فى نَفْسِهِ } هنا للإشارة إلى أ نّها خيفة تفُكّر لم يظهر أثرها على ملامحه. و إنّما خاف موسى من أن يظهر أمر السّحرة فيُساوي ما يظهر على يديه

ص: 245

من انقلاب عصاه ثُعبانًا، لأ نّه يكون قد ساواهم في عملهم، و يكونون قد فاقوه بالكثرة. أو خشي أن يكون الله أراد استدراج السّحرة مدّة، فيُملي لهم بظهور غلبهم عليه و مدّه لما تكون له العاقبة، فخشي ذلك. و هذا مقام الخوف، و هو مقام جليل، مثله مقام النّبيّ(صلی الله علیه و آله) يوم بدر؛ إذ قال: < اللّهمّ إنّي أسألك نصرك و وعدك، اللّهمّ إن شئت لم تُعبد في الأرض >.

و الدّليل على هذا قوله تعالى: { قُلْنَا لاتَخَف اِ نَّكَ اَ نْتَ الاَعْلى } فتأكيد الجملةبحرف التّأكيد، و تقوية تأكيدها بضمير الفصل و بالتّعريف في { الاَعْلى} دليل على أنّ ما خامره من الخوف إنّما هو خوف ظهور السّحرة عند العامّة، و لو في وقت مّا.

(16: 148)

مَغْنِيّة: قال أكثر المفسّرين أو الكثير منهم: إنّ موسى خاف على نفسه، كما هو مقتضى الطّبيعة البشريّة، و الصّحيح أ نّه ما خاف على نفسه، كيف و هو يعلم أنّ السّحرة مفترون، و أنّ الله قال له و لأخيه: إنّي معكما؟! و إنّما خاف أن يلتبس الأمر على النّاس، و ينخدعوا بأباطيل السّحرة، { قُلْنَا لاتَخَف اِنَّكَ اَنْتَ الاَعْلى } : لاتخف أن يلتبس الحقّ على النّاس. (5: 229)

الطَّباطَبائيّ: إيجاس الخيفة في النّفس: إحساسها فيها، و لايكون إلاخفيفًا خفيًّا، لا يظهر أثره في ظاهر البشرة، و يتّبع وجوده في النّفس ظهور خاطر سوء فيها، من غير إذعان بما يوجبه من تحذّر وتحرّز، و إلالظهر أثره في ظاهر البشرة و عمل الإنسان قطعًا، و إلى ذلك يومئ تنكير< الخيفة >، كأ نّه قيل: أحس في نفسه نوعًا من الخوف لا يعبأ به. و من العجيب قول بعضهم: أنّ التّنكير للتّفخيم، وكان الخوف عظيمًا. و هو خطأ، و لو كان كذلك لظهر أثره في ظاهر بشرته، و لم يكن لتقييد الخيفة بكونها في نفسه وجه.

فظهر أنّ الخيفة الّتي أوجسها في نفسه، كانت إحساسًا آنيًّا لها نظيرة الخاطر الّذي عقّبها، فقد خطرت بقلبه عظمة سحرهم، و أ نّه بحسب التّخيّل مماثل أو قريب من آيته، فأوجس الخيفة من هذا الخطور، و هو كنفس الخطور لاأثر له.

و قيل: إنّه خاف أن يلتبس الأمر على النّاس، فلايميّزوا بين آيته و سحرهم للتّشابه، فيشكّوا و لايؤمنوا و لا يتّبعوه، و لم يكن يعلم بعد أنْ عصاه ستلقف ما يأفكون.

و فيه أنّ ذلك ينافي اطمئنانه بالله و وثوقه بأمره،

و قد قال له ربّه قبل ذلك: { بِايَاتِنَا اَ نْتُمَا وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } القصص: 35.

و قيل: إنّه خاف أن يتفرّق النّاس بعد رؤية سحرهم، و لايصبروا إلى أن يُلقي عصاه فيُدّعى التّساوي و يخيب السّعي.

و فيه: أ نّه خلاف ظاهر الآية، فإنّ ظاهر تفريع قوله: { فَاَوْجَسَ فى نَفْسِهِ خيفَةً‘...}على قوله: { فَاِذَا حِبَالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ اِلَيْهِ...} طه:66، أنّه إنّما خاف ما خُيّل إليه من سحرهم، لا أ نّه خاف تفرُّق النّاس قبل أن يتبيّن الأمر بإلقاء العصا، و لو خاف ذلك لم يسمح له بأن يُلقوا حبالهم و عصيّهم أوّ لا ، على أنّ

ص: 246

هذا الوجه لايلائم قوله تعالى في تقوية نفسه(علیه السلام): { قُلْنَا لاتَخَف اِنَّكَ اَ نْتَ الاَعْلى } و لقيل: لاتخف لاندعهم يتفرّقون حتّى تُلقي العصا.

و كيفما كان، يظهر من إيجاسه(علیه السلام)خيفةً فينفسه أ نّهم أظهروا للنّاس من السّحر ما يشابه آيته المعجزة أو يقرب منه، و إن كان ما أتوا به سحرًا لاحقيقه له، و ما أتى به آيةً معجزهً ذات حقيقة. و قد استعظم الله سحرهم، إذ قال: { فَلَمَّا اَلْقَوْ ا سَحَرُوا اَعْيُنَ النَّاسِ وَ ا سْتَرْ هَبُوهُمْ وَجَاؤُ بِسِحْر عَظيم‘ٍ } الأعراف: 116.

و لذا أيّده الله هاهنا بما لا يبقى معه لبس لناظر ألبتّة، و هو تلقّف العصا جميع ما سحروا به.

قوله تعالى: { قُلْنَا لاتَخَف اِ نَّكََ اَ نْتَ الاَعْلى } إلى قوله: { حَيْثُ اَتى } نهي بداعي التّقوية و التّأييد، و قد علّله بقوله: { اِنَّكَ اَنْتَ الاَعْلى }، فالمعنى إنّك فوقهم من كلّ جهة، و إذا كان كذلك لم يضرّ ك شيء من كيدهم و سحرهم، فلا موجب لأن تخاف. (14: 177)

مكارم الشّيرازيّ: و كلمة { اَوْجَسَ } أُخذت من مادّة < إيجاس > وفي الأصل من <وجَس> على وزن <حبس> بمعنى الصّوت الخفيّ، و بناءً على هذا فإنّ الإيجاس يعني الإحساس الخفيّ و الدّاخليّ، و هذا يوحي بأنّ خوف موسى الدّاخليّ كان سطحيًّا و خفيفًا، و لم يكن يعني أنّه أولى إهتمامًا لهذا المنظر المرعّب لسحر السّحرة، بل كان خائفًا من أن يقع النّاس تحت تأثير هذا المنظر بصورة يصعب معها إرجاعهم إلى الحقّ.

أو أن يترك جماعة من النّاس الميدان قبل أن تتهيّأ الفرصة لموسى لإظهار معجزته، أو أن يُخرجوهم من الميدان و لايتّضح الحقّ لهم، كما نقرأ في خطبة الإمام عليّ (علیه السلام) الرّقم < 6 > من نهج البلاغة: < لم يوجس موسى (علیه السلام) خيفة على نفسه، بل أشفق من غلبة الجهّال و دول الضّلال >. و مع ما قيل لانرى ضرورة لذكر الأجوبة الأُخرى الّتي قيلت في باب خوف موسى (علیه السلام).

علىّ كلّ حال، فقد نزل النّصر و المدد الإلهيّ على موسى في تلك الحال، و بيّن له الوحي الإلهيّ أنّ النّصر حليفه، كما يقول القرآن: ﴿ قُلْنَا لاتَخَف اِ نَّكَ اَ نْتَ الاَعْلى}.

إنّ هذه الجملة و بتعبيرها المؤكّد قد أثلجت قلب موسى بنصره المحتّم فإنّ ( اِنّ ) و تكرار الضّمير، كلّ منهما تأكيد مستقلّ لهذا المعنى، و كذلك كون الجملة اسميّة و بهذه الكيفيّة، فقد أرجعت لموسى اطمئنانه الّذي تزلزل للحظات قصيرة. (10: 27)

فضل الله: حين راوده الضّعف البشريّ، خاصّةً و أنّ موسى لم يطّلع على التّدبير الإلهيّ بكافّة تفاصيله و جزئيّاته، فتسرّب إلى نفسه الخوف، و لذا فإنّه كان ينتظر نداء الله و تعليماته حتىّ يطمئنّ قلبه للفوز.

{ قُلْنَا لاتَخَف اِنَّكَ اَ نْتَ الاَعْلى} لأنّ موقفك هو موقف الحقّ الّذي يستمدّ مصداقيّته و قوّته من الله سبحانه خالق كلّ شيء و مصدر القوّة لكلّ قويّ، فلا قوّة إلامنه، و هو الأعلى في كلّموقع. (15: 132)

4 { فَاَوْجَسَ مِنْهُمْ خيفَةً ‘قَالُوا لاتَخَف وَبَشَّرُوهُ

ص: 247

بِغُلامٍ عَليمٍ ‘. الذّاريات: 28

مثل ماقبلها.

5 وَ قَالُوا لاتَخَف وَ لاتَحْزَنْ اِنَّا مُنَجُّوكَ وَ اَهْلَكَ اِلا امْرَاَتَكَ كَانَت مِنَ الْغَابِرينَ‘. العنكبوت: 33

الطّبَريّ: قالت الرّسل للوط: لاتخف علينا أن يصل إلينا قومك، و لاتحزن ممّا أخبرناك من أنّا مهلكوهم. (10: 138)

الطَّبْرِسيّ: فلمّا رأى الملائكة حزنه، و ضيق صدره { قَالُوا لاتَخَف } علينا و عليك { وَ لاتَحْزَنْ } بما نفعله بقومك. و قيل: لاتخف و لاتحزن علينا، فإنّا رسل الله، لايقدرون علينا. (4: 281)

الفَخْرالرّازيّ: ثمّ إنّهم جاؤا من عند إبراهيم إلى لوط على صورة البشر، فظنّهم بشرًا، فخاف عليهم من قومه، لأ نّهم كانوا على أحسن صورة خلق الله، و القوم كما عرف حالهم فسيء بهم، أي جاءه ما ساءه و خاف، ثمّ عجز عن تدبيرهم فحزن، و ضاق بهم ذرعًا، كناية عن العجز في تدبيرهم... و ذلك لأنّ من طال ذراعه يصل إلى ما لا يصل إليه قصير الذّراع.

و الاستعمال يحتمل وجهًا معقولا غير ذلك، و هو أنّ الخوف و الحزن يوجبان انقباض الرّوح، و يتبعه اشتمال القلب عليه، فينقبض هو أيضًا، و القلب هو المعتبر من الإنسان، فكان الإنسان انقبض و انجمع، و ما يكون كذلك يقلّ ذرعه و مساحته فيضيق، و يقال في الحزين: ضاق ذرعه. و الغضب و الفرح يوجبان انبساط الرّوح فينبسط مكانه و هو القلب و يتّسع. فيقال: اتّسع ذرعه.

ثمّ إنّ الملائكة لمّا رأوا خوفه في أوّل الأمر و حزنه بسبب تدبيرهم في ثاني الأمر، قالوا: لاتخف علينا و لاتحزن بسبب التّفكّر في أمرنا، ثمّ ذكروا ما يوجب زوال خوفه و حزنه. فإنّ مجرّد قول القائل: لاتخف، لايوجب زوال الخوف، فقالوا معرضين بحالهم: { اِنَّا مُنَجُّوكَ وَ اَهْلَكَ } و إنّا منزلون عليهم العذاب حتىّ يتبيّن له أ نّهم ملائكة، فيطول ذرعه، و يزول روعه. [إلى أن قال:]

قولهم: { لاتَخَف وَ لاتَحْزَنْ } لايناسبه { اِنَّا مُنَجُّوكَ } لأنّ خوفه ما كان على نفسه؟. نقول: بينهما مناسبة في غاية الحسن، و هي أنّ لوطًا لمّا خاف عليهم و حزن لأجلهم قالوا له: لاتخف علينا و لاتحزن لأجلنا فإنّا ملائكة، ثمّ قالوا له: يا لوط خفت علينا و حزنت لأجلنا، ففي مقابلة خوفك وقت الخوف نُزيل خوفك و ننجّيك، و في مقابلة حزنك نُزيل حزنك و لانتركك تفجع في أهلك، فقالوا: { اِنَّا مُنَجُّوكَ وَاَهْلَكَ}. (25: 61)الآلوسيّ: و الخوف للمتوقّع و الحزن للواقع في الأكثر، و عليه فالمعنى: لاتخف من تمكّنهم منّا و لا تحزن على قصدهم إيّانا و عدم اكتراثهم بك، و نهيهم عن الخوف من التّمكّن إن كان قبل إعلامهم إيّاه أ نّهم رسل الله تعالى فظاهر، و إن كان بعد الإعلام فهو لتأنيسه، و تأكيد ما أخبروه به.

(20: 155)

الطَّباطَبائيّ:أي لاخطر محتملا يهدّدك و لامقطوعًا يقع عليك، فإنّ الخوف إنّما هو في المكروه

ص: 248

الممكن، و الحزن في المكروه الواقع. (16: 125)

مكارم الشّيرازيّ: ما الفرق بين كلمتي < الخوف > و< الحزن >؟

ورد في تفسير <الميزان> أنّ الخوف يقع على الحوادث غير المستساغة احتمالا ، أمّا الحزن فيقع في الموارد القطعيّة.

و قال بعضهم: الخوف يُطلق على الحوادث المستقبليّة، أمّا الحزن فعلى ما مضى!

كما يرد هذا الاحتمال، و هو أنّ الخوف في المسائل الخطرة، أمّا الحزن فهو في المسائل الموجعة، و إن لم يكن فيها أيّ خطر! (12: 351)

لاحظ: ح ز ن : <يحزنون>.

تَخَافَنَّ

وَاِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ اِلَيْهِمْ عَلى سَوَاء اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ الْخَائِنينَ‘ ‘ الأنفال: 58

ابن عبّاس: تعلمنّ. (150)

نحوه الثّعلبيّ (4: 369)، و البغَويّ (2: 302).

الفَرّاء: قوله: { تَخَافَنَّ } في موضع جزم. و لاتكاد العرب تدخل النّون الشّديدة و لاالخفيفة في الجزاء حتى| يصلوها ب (مَا)، فإذا وصلوها آثروا التّنوين. و ذلك أ نّهم وجدوا ل (اِمَّا) و هي جزاء شبيهًا ب (اِمَّا) من التّخيير، فأحدثوا النّون ؛ليُعلم بها تفرقة بينهما. (1: 414)

أبوعُبَيْدَة: مجاز (و إمّا) و إن، و معناها: و إمّا توقننّ منهم خيانة، أي غدرًا. (1: 249)

الطّبَريّ: فإن قال قائل: و كيف يجوز نقض العهد بخوف الخيانة، و الخوف ظنّ، لايقين؟

قيل: إنّ الأمر بخلاف ما إليه ذهبت، و إنّما معناه: إذا ظهرت أمارُ الخيانة من عدوّك، و خفت وقوعهم بك، فألقِ إليهم مقاليد السَّلم وآذنهم بالحرب. و ذلك كالّذي كان من بني قريظة؛ إذ أجابوا أبا سفيان و من معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله(صلی الله علیه و آله) و محاربتهم معهم، بعد العهد الّذي كانوا عاهدوا رسول الله (صلی الله علیه و آله) على المسالمة، و لن يقاتلوا رسول الله(صلی الله علیه و آله) ، فكانت إجابتهم إيّاه إلى ذلك موجبًا لرسول الله(صلی الله علیه و آله) خوف الغدر به و بأصحابه منهم. فكذلك حكم كلّ قوم أهل موادعة للمؤمنين، ظهر لإمام المسلمين منهم من دلائل الغدر، مثل الّذي ظهرَ لرسول الله (صلی الله علیه و آله) و أصحابه من قريظة منها، فحقّ على إمام المسلمين أن ينبذإليهم على سواء، و يؤذنهم بالحرب. (6: 272)

ابن العَرَبيّ: إن قيل: كيف يجوز نقض العهد مع خوف الخيانة، و الخوف ظنّ لايقين معه، فكيف يسقط يقين العهد بظنّ الخيانة؟ فعنه جوابان:

أحدهما: أنّ الخوف هاهنا بمعنى اليقين، كما يأتي الرّجاء بمعنى العلم، كقوله: { لاتَرْجُونَ للهِ‚ وَ قَارًا } نوح: 13.

الثّاني: أ نّه إذا ظهرت آثار الخيانة، و ثبتت دلائلها، وجب نبذ العهد، لئلا يوقِع التّمادي عليه في الهلكة، و جاز إسقاط اليقين هاهنا بالظّنّ للضّرورة، و إذا كان العهد قد وقع فهذا الشّرط عادة، و إن لم يصرَّح به لفظًا، إذ لايمكن أكثر من هذا. (2: 871)

ص: 249

أبوالسُّعود: و الخوف مستعار للعلم، أي و إمّا تعلمنّ من قوم من المعاهدين نقض عهد فيما سيأتي، بما لاح لك منهم من دلائل الغدر و مخايل الشّرّ.

(3: 108)

نحوه البُرُوسَويّ(3: 362)، والآلوسيّ (10: 23).

رشيدرضا: أي و إن تتوقّع من قوم خيانة بنقض عهدك معهم، بأن يظهرلك من الدّلائل و القرائن ما يُنذر به، فاقطع عليهم طريق الخيانة لك قبل وقوعه.

(10: 51)

ابن عاشور: و الخوف: توقّع ضرّ من شيء، و هو الخوف الحقّ المحمود. و أمّا تخيّل الضّرّ بدون أمارة، فليس من الخوف، و إنّما هو الهوس و التّوهّم. و خوف الخيانة ظهور بوارقها، و بلوغ إضمارهم إيّاها، بما يتّصل بالمسلمين من أخبار أُولئك، و ما يأتي به تجسّس أحوالهم، كقوله تعالى: { فَاِنْ خِفْتُمْ اَ لا يُقيمَا حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فيمَا‘ افْتَدَتْ بِهِ } البقرة: 229 و قوله: { فَاِنْ خِفْتُمْ اَ لاتَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } النّساء: 3 .[إلى أن قال:]

و{ قَوْمٍ } نكرة في سياق الشّرط، فتفيد العموم، أي كلّ قوم تخاف منهم خيانة. (9: 141)

الطَّباطَبائيّ: و معنى الخوف: ظهورأمارات تدلّ على وقوع ما يجب التّحرّز منه، و الحذر عنه.

(9: 113)

تَخَافَا نَخَافُ

قَالا رَبَّنَا اِنَّنَا نَخَافُ اَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا اَوْ اَنْ يَطْغى* قَالَ لاتَخَافَا اِنَّنى مَعَكُمَا اَسْمَعُ وَ اَر ى. طه:45،46

الطُّوسيّ: و لاتخشيا. (7: 176)

القُشَيْريّ: في الآية دليل على أنّ الخوف الّذي تقتضيه جَبْلَة الإنسان غير ملوم صاحبه عليه؛ حيث قال مثل موسى و مثل هارون8: { اِنَّنَا نَخَافُ }. ثمّ إنّه سبحانه سكّن ما بهما من الخوف بوعد النّصرة لهما.و يقال: لم يخافا على نفسَيْهما شفقة عليهما، و لكن قالا: إنّنا نخاف أن تحلّ بنا مكيدة من جهته، فلايحصل فيما تأمرنا به قيام بأمرك، فكان ذلك الخوف لأجل حقّ الله، لا لأجل حظوظ أنفسهما.

و يقال: لم يخافا من فرعون، و لكن خافا من تسليط الله إيّاه عليهما، و لكنّهما تأدّ بافي الخطاب.

{ قَالَ لاتَخَافَا اِنَّنى مَعَكُمَا اَسْمَعُ وَ اَرى } تلَطّفَ في استجلاب هذا القول من الحقّ سبحانه، و هو قوله: { اِنَّنى مَعَكُمَا } بقولهما: { اِنَّنَا نَخَافُ }، و كان المقصود لهما أن يقول الحقّ لهما: { اِنَّنى مَعَكُمَا} و إلا فأ نّى بالخوف لمن هو مخصوص بالنّبوّة؟!

و يقال سكّن فيهما الخوف بقوله: { اِنَّنى مَعَكُمَا }، فقويا على الذّهاب إليه؛ إذ من شرط التّكليف التّمكين. (4: 132)

الطَّبْرِسيّ: أي نخشى أن يتقدّم فينا بعذاب و يُعجّل علينا. [إلى أن قال:]

{ قَالَ لاتَخَافَا اِنَّنى مَعَكُمَا} بالنّصرة و الحفظ، معناه: إنّي ناصركما و حافظكما. (4: 13)

البُرُوسَويّ: { اِنَّنَا نَخَافُ } الخوف: توقّع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة، كما أنّ الرّجاء و الطّمع

ص: 250

توقّع محبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة. و يضادّ الخوف: الأمن، و يستعمل ذلك فى الأُمور الدّنيويّة و الأُخرويّة، قال تعالى: { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ }.الإسراء: 57، و الخوف من الله لايراد به ما يخطر بالبال من الرّعب، كاستشعار الخوف من الأسد، بل إنّما يراد به الكف عن المعاصي و اختيار الطّاعات. [إلى أن قال:]

فإن قلت: كيف هذا الخوف و قد علما أ نّهما رسولا ربّ العزّ ة إليه؟

قلت: جريًا على الخوف الّذي هو مجبول فى طينة بني آدم، كما في < التّأويلات النّجميّة > يشيرإلى أنّ الخوف مركوز في جبلّة الإنسان، حتّى أ نّه لو بلغ مرتبة النّبوّة و الرّسالة، فإنّه لايخرج الخوف من جبلّته، كما قالا: { رَبَّنَا اِنَّنَا نَخَافُ اَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا } يعني أن يقتلنا. و لكنّ الخوف ليس بجهة القتل، و إنّما نخاف فوات عبوديّتك بالقيام لأداء الرّسالة و التّبليغ كما أمرتنا، أو يتمرّد بجهله و لاينقاد لأوامرك و يسبّك، انتهى.

{ قَالَ } استئناف بيانيّ، كأ نّه قيل: فماذا قال لهما ربّهما عند تضرّعهما إليه، فقيل: قال: { لاتَخَافَا } ما توهّمتما من الأمرين، يشير إلى أنّ الخوف إنّما يزول عن جبلّة الإنسان بأمر التّكوين، كما قال: { قُلْنَا

يَا نَارُ كُونى بَرْدًا وَ سَلامًا عَلى اِبْرهيمَ’‘ } الأنبياء: 69، فكانت بتكوين الله إيّاها بردًا و سلامًا:

قال ابن الشّيخ فى < حواشيه >: ليس المراد منه النّهي عن الخوف، لأ نّه من حيث كونه أمرًا طبيعيًّا لامدخل للاختيار فيه لايدخل تحت التّكليف ثبوتًا و انتفاء بل المراد به التّسلّيّبوعد الحفظ و النّصرة، كما يدلّ عليه قوله: { اِنَّنى مَعَكُمَا } بكمال الحفظ و النّصرة، فإنّ الله تعالى منزّه عن المعيّة المكانيّة.

(5: 390)

الطَّباطَبائيّ: و استُشكل على الآية بأنّ قوله تعالى في موضع آخر لموسى، في جواب سؤاله إشراك أخيه في أمره قال: { سَنَشُدُّ عَضُدَ كَ بِاَخيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ اِلَيْكُمَا } القصص: 35، يدلّ على إعطاء الأمن لهما في موقف قبل هذا الموقف لقوله: { سَنَشُدُّ عَضُدَ كَ بِاَخيكَ } فلامعنى لإظهارهما الخوف بعد ذلك؟.

و أُجيب بأنّ خوفهما قبل كان على أنفسهما، بدليل قول موسى هناك:

{ وَ لَهُمْ عَلَىَّ ذَنْبٌ فَاَخَافُ اَنْ يَقْتُلُون ِ} الشّعراء: 14، و الّذي في هذه الآية خوف منهما على الدّعوة، كما تقدّم.

على أنّ من الجائز أن يكون هذا الخوف المحكيّ في الآية، هو خوف موسى قبل في موقف المناجاة، و خوف هارون بعد بلوغ الأمر إليه، فالتُقِطا و جُمِعا معًا في هذا المورد...

قوله تعالى: { قَالَ لاتَخَافَا اِنَّنى مَعَكُمَا اَسْمَعُ وَاَرى } أي لاتخافا من فرطه و طغيانه، إنّني حاضر معكما أسمع ما يقال و أرى ما يُفعَل فأنصُركما و لا أخذُلكما، فهو تأمين بوعد النّصرة. فقوله: { لاتَخَافَا } تأمين، و قوله: { اِنَّنى مَعَكُمَا اَسْمَعُ وَاَرى} تعليل للتّأمين بالحضور و السّمع و الرّؤية،

ص: 251

و هو الدّليل على أنّ الجملة كناية عن المراقبة و النّصرة، و إلا فنفس الحضور و العلم يعمّ جميع الأشياء و الأحوال. (14: 156)

فضل الله: و كانت قوّة فرعون و سطوته و جبروته في وعيهما؛ حيث عاشاه في الواقع الظّالم القاسي الّذي كان يمثِّل الظّلم كأبشع ما يكون، و الطّغيان كأقسى ما يكون. و لذلك فقد كانا يخافان ألايستمع إليهما و لايستقبلهما، لأ نّهما لايملكان أمامه أيّ موقع اجتماعيّ متقدّم، يسمح لهما بمقابلته و الجلوس إليه، فكيف يتمكّنان إذًا من مواجهته بالموعظة و النّصح و الدّعوة إلى الإيمان، و ما يستلزمانه من التّنازل عن امتيازاته؟ لقد كانت التّجربة شبه مستحيلة، و لهذا أعلنا خوفهما هذا أمام الله بأن يتقدّم إليهما بالعقوبة، و يطردهما و لايسمح لهما بالحديث، و إتمام الدّعوة و تقديم الحجّة، أو يتجاوز الحدّ في ظلمه لهما أو لقومهما باللّجوء إلى وسائل ضاغطة قاسية.

و ربّما أثار بعض المفسّرين الرّأي القائل: إنّ هذه الآية لاتنسجم مع الجوّ الّذي توحي به آية سورة القصص: 35{ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِاَخيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلايَصِلُونَ اِلَيْكُمَا } إذ أنّها توحي بأنّ الله قد أعطاهما الأمان في مثل هذا الموقف، فكيف يخافان بعد ذلك؟

و الجواب: أنّ آية القصص تمثّل اختصار الموقف الّذي فصّلته هذه الآية، على الطّريقة القرآنيّة الّتي تشير إلى جزئيّات الموقف في مورد، و تهمله في مورد آخر. و ربّما كان الأمر بالعكس، بأن كانت هذه الآية تصويرًا للحالة النّفسيّة الّتي يعيشانها في مواجهة الموقف، لتكون الآية الأُخرى تقريرًا للموقف في طبيعته، فتكون المسألة هنا مسألة اختلاف في الأُسلوب. و قد أجاب بعضهم بأنّ خوفهما في تلك الآية على نفسَيْهما، و في هذه الآية على الدّعوة، أو على قومهما. و هو غير ظاهر، لأنّ الظّاهر أنّ الموقف واحد في الآيتين، و الله العالم.

و نلاحظ في هذه الآية نقاط الضّعف البشريّ الّتي يعيشها النّبيّ و الّتي تتحرّك في شخصيّته بشكل طبيعيّ، حتّى في مقام حمل الرّسالة، فيتدخّل اللّطف الإلهيّ من أجل أن يمنحه القوّة الرّوحيّة الّتي تفتح قلبه بعمق على التّأييد الإلهيّ في أوقات الشّدّة، الأمر الّذي يعطي الفكرة بأنّ النّبيّ يتكامل في وعيه و قوّته و حركته في الرّسالة.

{ قَالَ لاتَخَافَا اِنَّنى مَعَكُمَا اَسْمَعُ وَاَرى } فإنّكما لاتحملان رسالة عاد يّة تبلغانها بالطّرق العاد يّة المألوفة، لتُواجِها الموقف بهذه الطّريقة، بل إنّكما تحملان رسالة الله الّذي يملك الأمر كلّه، و يحيط بالموقف كلّه، فلايُعجزه شيء، و لايغيب عنه شيء. فلاتتعاملا مع المسألة من زاوية المعطى المادّيّ فقط، بل انظرا إلى إيمانكما في العمق لتنفتحا على الله سبحانه في حضوره الشّامل الّذي يوحي بالثّقة و الاطمئنان إليه، و لا تكترثا للقوّة البشريّة الطّاغية مهما علا شأنها.

لاتخافا من فرعون و جبروته لأ نّكما تؤمنان بالله، و تحملان رسالته، و تعيشان رعايته و عنايته، فأنتما

ص: 252

مستندان إلى قوّة الله، فلاتخافا إنّني معكما، كأقوى ما يكون الحضور، أسمع و أرى، كأفضل ما يكون السّماع الّذي لايغيب عنه شيء، و كأوضح ما تكون الرّؤية الّتي لن يحجبها شيء. (15: 115)

و لاحظ: ف ر ط :< يَفْرُطُ >و: ط غ ي: < يَطْغى >.

تَخَافُونَهُمْ خيفَتِكُمْ

فَاَ نْتُمْ فيهِ‘ سَوَ اءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخيفَتِكُمْ اَ نْفُسَكُمْ كَذلِكَ’ نُفَصِّلُ الايَاتِ’ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. الرّوم: 28

ابن عبّاس: { تَخَافُونَهُمْ } تخافون لا ئمتهم

{ كَخيفَتِكُمْ اَنْفُسَكُمْ }كلائمة آبائكم و أبناءكم و إخوانكم إذا لم تؤدّوا حقوقهم في الميراث. قالوا: لا، قال: أفترضون لي ما لاترضون لأنفسكم تشركون عبيدي في ملكي،ولاتشركون عبيدكم فيما رزقناكم؟.

(340)نحوه يحيى بن سلام. (الماوَرْديّ4: 311)

السُّدّيّ: تخافون أن يرثوكم كما تخافون ورثتكم. (الماوَرْديّ4: 311)

أبومِجْلَزْ: تخافون أن يشاركوكم في أموالكم، كما تخافون ذلك من شركائكم. (الماوَرْديّ 4: 311)

الواحديّ: أي يشاركونكم فيما ترثونه من آبائكم { كَخيفَتِكُمْ اَنْفُسَكُمْ} كما يخاف الرّجل الحرّ شريكه الحرّ في المال يكون بينهما أن ينفرد فيه دونه بأمر، فكما يخاف الرّجل شريكه في الميراث أن يشاركه لأ نّه يحبّ أن ينفرد به، فهو يخاف شريكه كما أن يرثه عصبته من ذرّ يّته، يعني أنّ هذه الخيفة لاتكون بين المالكين و المملوكين، كما بين الأحرار. (3: 433)

نحوه البغَويّ ( 3 : 576 ) ، و الطَّبْرِسيّ (4: 303) ، و الخازن (5: 172).

النّسَفيّ: { تَخَافُونَهُمْ } حال من ضميرالفاعل في { سَوَاءٌ } أي متساوون، خائفًا بعضكم بعضًا مشاركته فى المال. و المعنى: تخافون معاشرة السّادة عبيدكم فيها، فلاتمضون فيها حكمًا دون إذنهم، خوفًا من لائمة تلحقكم من جهتهم،{ كَخيفَتِكُمْ اَنْفَسَكُمْ } يعني كما يخاف بعض الأحرار بعضًا فيما هو مشترك بينهم. فإذا لم ترضوا بذلك لأنفسكم، فكيف ترضون لربّ الأرباب و مالك الأحرار و العبيد أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء؟. (3: 271)

أبوالسُّعود: { تَخَافُونَهُمْ } خبر آخر ل{ اَنْتُمْ } أو حال من ضمير الفاعل في { سَوَاءٌ } أي تهابون أن تستبدُّوا بالتّصرّف فيه بدون رأيهم { كَخيفَتِكُمْ اَنْفَسَكُمْ }، أي خيفة كائنة مثل خيفتكم من الأحرار المساهمين لكم، فيما ذُكر.

و المعنى: نفي مضمون ما فصّل من الجملة الاستفهاميّة، أي لاترضون بأن يشارككم فيما هو معار لكم مماليككم، و هم أمثالكم في البشريّة غير مخلوقين لكم بل لله تعالى، فكيف تشركون به سبحانه في المعبوديّة الّتي هي من خصائصه الذّاتيّة مخلوقَه، بل مصنوع مخلوقِه حيث تصنعونه بأيديكم، ثمّ تعبدونه؟.

(5: 174)

نحوه البُرُوسَويّ (7: 28)، الآلوسيّ (21: 38)، و القاسميّ (13: 4777).

ص: 253

ابن عاشور: و جملة { تَخَافُونَهُمْ } في موضع الحال من ضمير الفاعل في { سَوَاءٌ } و الخوف: انفعال نفسانيّ ينشأ من توقّع إصابة مكروه يبقى، و هو هنا التّوقّي من التّفريط في حظوظهم من الأرزاق، و ليس هو الرّعب بقرينة قوله:{ كَخيفَتِكُمْ اَ نْفُسَكُمْ}، أي كما تتوقّون أنفسكم من إضاعة حقوقكم عندهم.

(21: 44)

تَخَافُوهُمْ خَافُونِ يُخَوِّفُ

اِنَّمَا ذلِكُمُ’ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ فَلاتَخَافُوهُمْ وَخَافُون ِاِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ‘ ‘

آل عمران: 175ابن عبّاس: يقول: يخوّفكم بأوليائه الكفّار، { فَلاتَخَافُوهُمْ } بالخروج { وَخَافُون ِ} بالجلوس.

(61)

الشّيطان يخوّف المؤمنين بأوليائه.

(الطّبَريّ3: 525)

مُجاهِد: يخوّف المؤمنين بالكفّار.

(الطّبَريّ3: 525)

الحسَن: أ نّه يخوّف أولياءه المنافقين ليقعدوا عن قتال المشركين. (الماوَرْديّ1: 438)

قَتادَة: يخوّف و الله المؤمنَ بالكافر، و يُرهب المؤمن بالكافر. (الطّبَريّ3: 525)

السُّدّيّ: ذكر أمر المشركين وعظّمهم في أعين المنافقين، فقال تعالى: { ذ لِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ} ، أي يعظّم أولياءه في صدوركم فتخافوهم.

(193)

الفَرّاء: يخوّفكم بأوليائه { فَلاتَخَافُوهُمْ } و مثل ذلك قوله: { لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ } المؤمن: 15، معناه: لينذركم يوم التّلاق. و قوله: { لِيُنْذِرَ بَاْسًا شَديدً ‘ا} الكهف:2، المعنى لينذركم بأسًا شديدًا. البأس لايُنذَر، و إنّما يُنذَر به. (1: 248)

نحوه ابن قُتَيْبَة. (116)

الطّبَريّ: يعني بذلك تعالى ذكره: إنّما الّذي قال لكم، أيّها المؤمنون: { اِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ }، فخوّفوكم بجموع عدوّكم و مسيرهم إليكم، من فعل الشّيطان ألقاه على أفواه مَن قال ذلك لكم، يخوّفكم بأوليائه من المشركين أبي سفيان وأصحابه من قريش لترهبوهم، و تجبنوا عنهم.

و قال آخرون: معنى ذلك: إنّما ذلكم الشّيطان يعظّم أمر المشركين، أيّها المنافقون في أنفسكم فتخافونهم.

فإن قال قائل: و كيف قيل: { يُخَوِّ فُ اَوْلِيَاءَهُ }؟ و هل يخوّف الشّيطان أولياءه؟ و كيف قيل: إن كان معناه يخوّفكم بأوليائه، يخوّف أولياءه ؟

قيل: ذلك نظير قوله: { لِيُنْذِرَ بَاْسًا شَديدً‘ ا} بمعنى: لينذركم بأسه الشّديد؛ و ذلك أنّ البأس لايُنذر، و إنّما يُنذَر به.

و قد كان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يقول: معنى ذلك: يخوّف النّاسَ أولياءه، كقول القائل: < هو يُعطي الدّراهم، و يكسو الثّياب >، بمعنى هو يعطي النّاس الدّراهم و يكسوهم الثّياب، فحذف ذلك للاستغناء عنه.

ص: 254

و ليس الّذي شبّه من ذلك بمشتبه،لأنّ< الدّراهم > في قول القائل: < هو يعطي الدّراهم >، معلوم أنّ المُعطَى هي< الدّراهم >، و ليس كذلك < الأولياء > في قوله: { يُخَوِّ فُ اَوْلِيَاءَهُ } مخوَّفين، بل التّخويف من الأولياء لغيرهم، فلذلك افترقا.

القول في تأويل قوله: { فَلاتَخَافُوهُمْ وَخَافُون ِ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ‘ } فلا تخافوا، أيّهاالمؤمنون المشركين، و لايَعْظُمْن عليكم أمرهم، و لاتَرهَبوا جمعهم، مع طاعتكم إيّاي، ما أطعتموني و اتّبعتم أمري، و إنّي متكفِّل لكم بالنّصر و الظّفر. و لكن خافونِ و اتّقوا أن تعصوني و تخالفوا أمري، فتهلكوا. { اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ‘} يقول: و لكن خافون دون المشركين و دون جميع خلقي، أن تخالفوا أمري، إن كنتم مصدّقي رسولي و ما جاءكم به من عندي. (3: 525)

الزّجّاج: أي ذلك التّخويف الّذي كان فعل الشّيطان، أي هو قوله للمخوفين، يخوّف أولياءه. قال أهل العربيّة: معناه يخوّفكم أولياءه، أي من أوليائه، و الدّليل على ذلك قوله جلّ و عزّ: { فَلاتَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} أي كنتم مصدّقين، فقد أعلمتكم أنّي أنصركم عليهم، فقد سقط عنكم الخوف.

و قال بعضهم: يخوّف أولياءه، أي إنّما يخاف المنافقون، و من لاحقيقة لإيمانه، فلاتخافوهم، أي لاتخافوا المشركين. (1: 490)

الثّعلبيّ: أي يخوّفكم بأوليائه،أي أولياء إبليس حتىّ يخوّف المؤمنين بالكافرين. (3: 214)

الماوَرْديّ: التّخويف من الشّيطان و القول من النّاس، و في تخويف أوليائه قولان: [و قد تقدّما]

(1: 438)

الطُّوسيّ: [نقل بعض أقوال المتقدّمين و أضاف:]

و قيل: إنّ { يُخَوِّفُ } يتعدّى إلى مفعولين ، لأ نّك تقول: خِفتُ زيدًا وخوّفت زيدًا عمرًا. ويكون في الآية حذف أحد المفعولين، كماقلناه في قولهم: فلان يعطي الدّراهم و يكسو الثّياب.

و قال بعضهم: هذا لايُشبه الآية، لأ نّه إنّما أجازوا حذف المفعول الثّاني في < أعطى الدّراهم >، لأ نّه لايُشتبه أنّ الدّراهم هي الّتي أُعطيت. و في الآية تشتبه الحال في من المخوف و من المخوِّف.

و قال قوم: { يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } أي إنّما خاف المنافقون و من لاحقيقة لإيمانه. و قال الحسَن، والسُّدّيّ: يُخوّف أولياءه المنافقين، ليقعدوا عن قتال المشركين.و{ يُخَوِّفُ } يتعدّى إلى مفعولين، كما يتعدّى،<يعطي> لأنّ أصله:خاف زيد القتال، و خوّفته القتال. كما تقول: عرف زيد أخاك و عرّفته أخاك.

فإن قيل: كيف يكون < الأولياء > على المفعول الثّاني، و إنّما التّخويف من الأولياء لغيرهم؟

قيل: ليس التّقدير هكذا، و إنّما هو على: خاف المؤمنون أولياء الشّيطان، و هو خوّفهم أولياءه.

قال الرُّمّانيّ: و غلط من قدّر التّقدير الأوّل، و قوله: { فَلاتَخَافُوهُمْ } يعني: لاتخافوا المشركين. و إنّما قال: ( ذلِكَ) و هي إنّما يشار بها إلى ماهو بعيد لأ نّه أراد ذلكالقول تقدّم من المُخوِّف لهم من قوله: { اِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ }

ص: 255

آل عمران: 173. (3: 55)

القُشَيْريّ: الإشارة في تسليط دواعي الشّيطان على قلوب الأولياء صدق فرارهم إلى الله؛ كالصّبيّ الّذي يُخوَّف بشيء يفزع الصّبيان، فإذا خاف لم يهتد إلى غير أُمّه، فإذا أتى إليهاآوته إلى نفسها، و ضمّته إلى نحرها، و ألصقت بخدّه خدّها.

كذلك العبد إذا صدق في ابتهاله إلى الله، و رجوعه إليه عن مخالفته، آواه إلى كنف قربته، و تداركه بحسن لطفه. (1: 310)

الواحديّ: أي ذلك الّذي يخوّفكم أيّها المؤمنون هو الشّيطان، يوقع في قلوبكم الخوف من الكفّار، و هو قوله: { يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } أي يخوّفكم بأوليائه و هم مشركون فحذف المفعول الثّاني و حرف الجرّ. [ثمّ نقل قول الفَرّاء و أضاف:]

و الّذي يدلّ على هذا قراءة أُبيّ بن كعب (يُخَوّفِكُم باَوْلِيَائِه).

{فَلاتَخَافُوهُمْ } أي لاتخافوا أولياء الشّيطان، { وَخَافُون ِاِ نْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ‘} أي خافوني في ترك أمري إن كنتم مصدّقين بوعدي، و قد أعلمتكم أنّي أنصركم عليهم فقد سقط عنكم الخوف. (1: 523)

نحوه البغَويّ (1: 542)، و الخازن (1: 380).

الزّمَخْشَريّ: و{ يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } جملة مستأنفة بيان لشيطنته. أو { الشَّيْطَانُ } صفة لاسم الإشارة. و {يُخَوِّفُ } الخبر. و المراد ب { الشَّيْطَانُ }: نُعيم أو أبو سفيان. و يجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف، بمعنى إنّما ذلكم قول الشّيطان، أي قول إبليس لعنه الله: { يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } يخوّفكم أولياءه الّذين هم أبو سفيان و أصحابه. و تدلّ عليه قراءة ابن عبّاس و ابن مَسعود: ( يُخَوّفُكُم اَوليَاءَه). و قوله: { فَلاتَخَافُوهُمْ }. و قيل: يخوّف أولياءه القاعدين عن الخروج مع رسول الله(صلی الله علیه و آله).

فإن قلت: فإلامَ رجع الضّمير في { فَلاتَخَافُوهُمْ } على هذا التّفسير؟ قلت: إلى{ النَّاس } في قوله: { اِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } آل عمران: 173، فلا تخافوهم فتقعدوا عن القتال و تجبنوا، { وَخَافُون ِ}: فجاهدوا مع رسولي، و سارعوا إلى ما يأمركم به. { وَخَافُون ِاِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} يعني أنّ الإيمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله على خوف النّاس { وَ لايَخْشَوْنَ اَحَدًا اِلا اللهَ } الأحزاب: 39.

(1: 481)

نحوه النّسَفيّ(1: 196)، و النَّيسابوريّ (4: 128).

ابن عَطيّة: و { ذلِكُمُ } في الإعراب ابتداء و { الشَّيْطَانُ } مبتدأ آخر، و { يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } خبر عن الشّيطان، و الجملة خبر الابتداء الأوّل. و هذا الإعراب خير في تناسق المعنى من أن يكون{ الشَّيْطَانُ } خبر {ذلِكُمُ } لأ نّه يجيء في المعنى استعارة بعيدة. و{ يُخَوِّفُ } فعل يتعدّى إلى مفعولين لكن يجوز الاقتصار على أحدهما؛ إذ الآخر مفهوم من بنية هذا الفعل، لأ نّك إذا قلت: خوّفت زيدًا، فمعلوم ضرورة أ نّك خوّفته شيئًا حقّه أن يخاف.

و قرأ جمهور النّاس{ يُخَوِّ فُ اَوْلِيَاءَهُ }، فقال قوم: المعنى: يخوّفكم أيّها المؤمنون أولياءه الّذين هم كفّار قريش، فحذف المفعول الأوّل. و قال قوم: المعنى يخوّف

ص: 256

المنافقين و من في قلبه مرض و هم أولياؤه، فإذًا لايعمل فيكم أيّها المؤمنون تخويفه؛ إذ لستم بأوليائه. و المعنى: يخوّفهم كفّار قريش، فحذف هنا المفعول الثّاني، و اقتصر على الأوّل.

و قرأ ابن عبّاس فيما حكى أبو عمرو الدّاني ( يُخَوّفُكُم اَوْليَاءَه )، المعنى يخوّفكم قريش و من معهم؛ و ذلك بإضلال الشّيطان لهم، و ذلك كلّه مضمحلّ، و بذلك قرأ النّخعيّ. و حكى أبو الفتح بن جنّيّ عن ابن عبّاس أنّه قرأ ( يُخَوّفُكُم اَوْليَاءَه )، فهذه قراءة ظهر فيها المفعولان، و فسّرت قراءة الجماعة { يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } قراءة أُبيّ بن كعب ( يُخَوّفُكُم باَوليَائه ) و الضّمير في قوله:{ فَلا تَخَافُوهُمْ } لكفّار قريش و غيرهم من أولياء الشّيطان. حقّر الله شأنه و قوّى نفوس المؤمنين عليهم، و أمرهم بخوفه هو تعالى، و امتثال أمره من الصّبر و الجلَد، ثمّ قرّر بقوله تعالى: { اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘}، كما تقول: إن كنت رجلا فافعَل كذا. (1: 543)

الطَّبْرِسيّ: و قوله: { يُخَوِّفُ } يتعدّى إلى مفعولين، يقال: خاف زيد القتال، و خوّفته القتال.

ثمّ ذكر أنّ ذلك التّخويف و التّثبيط عن الجهاد، من عمل الشّيطان، فقال: { اِنَّمَاذ لِكُمُ’ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ }. و المعنى إنّما ذلك التّخويف الّذي كان من نعيم بن مَسعود، من فعل الشّيطان، و بإغوائه و تسويله، يخوّف أولياءه المؤمنين.

قال ابن عبّاس و مُجاهِد و قَتادَة: يخوّف المؤمنين بالكافرين.

و قال الزّجّاج و أبو عليّ الفارسيّ و غيرهما: إنّ تقديره: و يخوّفكم أولياءه، أي من أوليائه، بدلالة قوله: { فَلاتَخَافُوهُمْ وَخَافُون ِاِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} أي إن كنتم مصدّقين بالله، فقد أعلمتكم أنّي أنصركم عليهم. و مثله قوله: { لِيُنْذِرَ بَاْسًا شَديدً ‘ا} أي لينذركم ببأس شديد، فلمّا حذف الجارّ نصبه.

و قيل: معناه: إنّ الشّيطان يخوّف المنافقين الّذين هم أولياؤه، و إنّهم هم الّذين يخافون من ذلك التّخويف، بأن يوسوس إليهم و يُرهبهم، و يعظّم أمر العدوّ في قلوبهم، فيقعدوا عن متابعة الرّسول. و المسلمون لايخافونه، لأ نّهم يثقون بالنّصر الموعود. ونظيره قوله:{ اِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذينَ‘ امَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } النّحل: 99. و الأوّل أصحّ.

(1: 541)

الفَخْرالرّازيّ: قوله تعالى: { يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } ففيه سؤال: و هو أنّ الّذين سمّاهم الله بالشّيطان إنّما خوّفوا المؤمنين، فما معنى قوله: { الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ }؟ و المفسّرون ذكروا فيه ثلاثة أوجه:

الأوّل: تقدير الكلام: ذلكم الشّيطان يخوّفكم بأوليائه، فحذف المفعول الثّاني، و حذف الجارّ. و مثال حذف المفعول الثّاني قوله تعالى: { فَاِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَاَلْقيهِ ‘فِى الْيَمِّ } القصص: 7، أي فإذا خفت عليه فرعون. و مثال حذف الجارّ قوله تعالى: { لِيُنْذِرَ بَاْسًا شَديدًا ‘} معناه: لينذركم ببأس، وقوله: { لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ }المؤمن: 15، أي لينذركم بيوم التّلاق. و هذا قول الفَرّاء، و الزّجّاج، و أبي عليّ.قالوا: و يدلّ عليه

ص: 257

قراءة أُبيّ بن كعب ( يُخَوّفُكُمْ باَوليَائِه ).

القول الثّاني: أنّ هذا على قول القائل: خوّفت زيدًا عمرً ا، و تقدير الآية: يُخوّفكم أولياءه، فحذف المفعول الأوّل، كما تقول: أعطيت الأموال، أي أعطيت القوم الأموال. قال ابن الأنباريّ: و هذا أولى من ادّعاء جارّ لادليل عليه.

و قوله: { لِيُنْذِرَ بَاْسًا } أي لينذركم بأسًا، و قوله: { لِيُنْذِر يَوْمَ التَّلاقِ } أي لينذركم يوم التّلاق. و التّخويف يتعدّى إلى مفعولين من غير حرف جرّ، تقول: خاف زيد القتال، و خوّفته القتال. و هذا الوجه يدلّ عليه قراءة ابن مَسعود: ( يُخَوّفُكُم اَوْليَاءَه ).

القول الثّالث: أنّ معنى الآية يخوّف أولياءه المنافقين، ليقعدوا عن قتال المشركين. و المعنى: الشّيطان يخوّف أولياءه الّذين يطيعونه و يُؤثرون أمره. فأمّا أولياء الله فإنّهم لايخافونه، إذا خوّفهم، و لاينقادون لأمره، و مراده منهم، و هذا قول الحسَن و السُّدّيّ. فالقول الأوّل فيه محذوفان، و الثّاني فيه محذوف واحد، و الثّالث لاحذف فيه.

و أمّا الأولياء فهم المشركون و الكفّار، و قوله: { فَلاتَخَافُوهُمْ } الكناية في القولين الأوّلين عائدةإلى الأولياء،و في القول الثّالث عائدة إلى { النَّاسَ } في قوله: { اِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } آل عمران: 173، { فَلاتَخَافُوهُمْ } فتقعدوا عن القتال و تجبنوا، { وَخَافُون ِ} : فجاهدوا مع رسولي، و سارعوا إلى ما يأمركم به، { اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} يعني أنّ الإيمان يقتضي أن تُؤثروا خوف الله على خوف النّاس. (9: 102)

العُكْبَريّ: قوله تعالى: { ذلِكُمُ } مبتدأ و { الشَّيْطَانُ } خبره، و { يُخَوِّفُ } يجوز أن يكون حالا من الشّيطان، و العامل الإشارة.و يجوز أن يكون الشّيطان بدلا ، أو عطف بيان، و{ يُخَوِّفُ }، الخبر، و التّقدير: يخوّفكم بأوليائه.

و قُرئ في الشّذوذ ( يُخَوِّفُكُمْ اَوْلِيَاؤُهُ ).

و قيل: لاحذف فيه، و المعنى: يخوّف من يتّبعه، فأمّا من توكّل على الله فلايخافه.

{ فَلاتَخَافُوهُمْ } : إنّما جمع الضّمير، لأنّ الشّيطان جنس.و يجوز أن يكون الضّمير للأولياء. (1: 311)

القُرطُبيّ: [نقل الأقوال المتقدّمة في كلام الفَخْر الرّازيّ و أدام:]

{ فَلاتَخَافُوهُمْ } ، أي لاتخافوا الكافرين المذكورين في قوله: { اِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ }. أو يرجع إلى< الأولياء > إن قلت: إنّ المعنى يخوّف بأوليائه، أي يخوّفكم أولياءه.

قوله تعالى: { وَخَافُون ِ} أي خافوني في ترك أمري إن كنتم مصدّقين بوعدي. و الخوف في كلام العرب: الذُّعر، و خاوفني فلان فخُفته، أي كنت أشدّ خوفًا منه. و الخوفاء: المفازة لا ماء بها، و يقال: ناقة خوفاء، و هي الجرباء. و الخافة كالخريطة من الأدم يُشتار فيها العسل.

فالخائف من الله تعالى هو أن يخاف أن يعاقبه: إمّا في الدّنيا و إمّا في الآخرة، و لهذا قيل: ليس الخائف الّذي يبكي و يمسح عينيه، بل الخائف الّذي يترك ما يخاف أن يعذّب عليه. ففرض الله تعالى على العباد أن

ص: 258

يخافوه، فقال: { وَخَافُون ِاِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘}، و قال: { وَاِيَّاىَ فَارْهَبُونَ }. و مدح المؤمنين بالخوف، فقال: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْ قِهِمْ } النّحل: 50. و لأرباب الإشارات في الخوف عبارات مرجعها إلى ما ذكرنا.

(4: 282)

البَيْضاويّ: يعني إبليس عليه اللّعنة يخوّف أولياءه القاعدين عن الخروج مع الرّسول أو يخوّفكم أولياؤه الّذين هم أبو سفيان و أصحابه. { فَلاتَخَافُوهُمْ } الضّمير للنّاس الثّاني على الأوّل، و إلى الأولياء على الثّاني { وَ خَافُون ِ} من مخالفة أمري، فجاهدوا مع رسولي { اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} فإنّ الإيمان يقتضي إيثار خوف الله تعالى على خوف النّاس. (1: 193)

أبوحَيّان: و التّشديد في { يُخَوِّفُ } للنّقل، كان قبله يتعدّى لواحد، فلمّا ضُعّف صار يتعدّى لاثنين. و هو من الأفعال الّتي يجوز حذف مفعولَيْها، و أحدهما، اقتصارً ا و اختصارً ا. و هنا تعدّى إلى واحد، و الآخر محذوف، فيجوز أن يكون الأوّل، و يكون التّقدير: يخوّفكم أولياءه، أي شرّ أوليائه في هذا الوجه. لأنّ الذّوات لاتخاف، و يكون المخوَّ فون إذ ذاك المؤمنين.

و يجوز أن يكون المحذوف المفعول الثّاني، أي يخوّف أولياءه شرّ الكفّار، و يكون { اَوْلِيَاءَهُ } في هذا الوجه هم المنافقون، و مَن في قلبه مرض، المتخلّفون عن الخروج مع رسول الله(صلی الله علیه و آله)، أي أ نّه لايتعدّى تخويفه المنافقين، و لايصل إليكمتخويفه.

و على الوجه الأوّل يكون { اَوْلِيَاءَهُ } هم الكفّار: أبو سفيان و من معه. و يدلّ على هذا الوجه قراءة ابن مَسعود و ابن عبّاس: ( يُخوِّ فُكُمْ اَوْلِيَاءَه )، إذ ظهر فيها أنّ المحذوف هو المفعول الأوّل.

و قرأ أُبيّ و النّخعيّ: ( يَخَوّفكُم باَوْليَائِه )، فيجوز أن تكون الباء زائدة مثلها في: يقرأن بالسّور و يكون المفعول الثّاني هو ( بَاَوْلِيَائِه )، أي أولياءه، كقراءة الجمهور. و يجوز أن تكون الباء للسّبب، و يكون مفعول { يُخَوِّفُ } الثّاني محذوفًا، أي يخوّفكم الشّرّ بأوليائه، فيكونون آلة للتّخويف.

و قد حمل بعض المُعربين قراءة الجمهور { يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } على أنّ التّقدير: بأوليائه، فيكون إذ ذاك قدحذف مفعولا { يُخَوِّفُ } لدلالة المعنى على الحذف، و التّقدير: يخوّفكم الشّرّ بأوليائه، و هذا بعيد.

و الأحسن في الإعراب أن يكون { ذلِكُمُ } مبتدأ، و{ الشَّيْطَانُ } خبره، و { يُخَوِّفُ } جملة حاليّة، يدلّ على أنّ هذه الجملة حال، مجيء المفرد منصوبًا على الحال مكانها، نحو قوله تعالى: { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} النّمل: 52، { وَهذَا بَعْلى‘ شَيْخًا } هود: 72. [ثمّ نقل قول العُكْبَريّ و الزّمَخْشَريّ و أدام:]

فعلى هذا القول تكون الجملةلاموضع لها من الإعراب. و إنّما قال: و المراد ب { الشَّيْطَانُ } نُعيم، أو أبو سفيان، لأ نّه لايكون صفة، و المراد به: إبليس، لأ نّه إذا أُريد به إبليس كان إذ ذاك علَمًا بالغلبة؛ إذ أصله صفة ك < العيّوق > ثمّ غلب على إبليس، كما غلب < العيّوق > على النّجم الّذي ينطلق عليه. [ثمّ نقل قول

ص: 259

ابن عَطيّة و أضاف:]

و هذا الّذي اختاره إعراب لايجوز، إن كان الضّمير في{ اَوْلِيَاءَهُ } عائدًا على{ الشَّيْطَانُ ،}، لأنّ الجملة الواقعة خبرًا عن{ ذلِكُمُ } ليس فيها رابط يربطها بقوله:{ ذلِكُمُ }،و ليست نفس المبتدإ في المعنى، نحو قولهم: هجّيري أبي بكرلا إله إلا الله، و إن كان عائدًا على { ذلِكُمُ } ، و يكون ذلك عن الشّيطان جاز، و صار نظير: إنّما هند زيديضرب غلامها.

و المعنى إذ ذاك: إنّما ذلكم الرّكب، أو أبو سفيان الشّيطان يخوّفكم أولياءه، أي أولياء الرّكب، أو أبي سفيان. و الضّمير المنصوب في { تَخَافُوهُمْ } الظّاهر عوده على{ اَوْلِيَاءَهُ }، هذا إذا كان المراد بقوله: { اَوْلِيَاءَهُ } كفّار قريش، و غيرهم من أولياء الشّيطان. و إن كان المراد به المنافقين، فيكون عائدًا على{ النَّاسَ } من قوله: { اِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } آل عمران: 173.

قوّى نفوس المسلمين فنهاهم عن خوف أولياء الشّيطان، و أمر بخوفه تعالى، و علّق ذلك على الإيمان. أي إنّ وصف الإيمان يناسب أنلايخاف المؤمن إلا الله كقوله: { وَ لايَخْشَوْنَ اَحَدًا اِلا اللهَ } الأحزاب: 39.

و أبرز هذا الشّرط في صفة الإمكان، و إن كان واقعًا إذهم متّصفون بالإيمان، كما تقول: إن كنت رجلا فافعل كذا. و أثبت أبو عمرو ياء { وَ خَافُون ِ} و هي ضمير المفعول، و الأصل الإثبات. و يجوزحذفها للوقف على نون الوقاية بالسّكون، فتذهب الدّلالة على المحذوف. (3: 120)

أبوالسُّعود: { يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } جملة مستأنفة مبيّنة لشيطنته، أو حال كما في قوله تعالى: { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } النّمل: 52، و إمّا صفته و الجملة خبره. و يجوز أن تكون الإشارة إلى قوله على تقدير مضاف، أي إنّما ذلكم قول الشّيطان، أي إبليس. و المستكنّ في { يُخَوِّفُ } إمّا للمقدّر و إمّا للشّيطان بحذف الرّاجع إلى المقدّر، أي يخوّف به.

و المراد ب { اَوْلِيَاءَهُ }: إمّا أبو سفيان و أصحابه، فالمفعول الأوّل محذوف، أي يخوّفكم أولياءه، كما هو قراءة ابن عبّاس و ابن مَسعود، و يؤيّده قوله تعالى: { فَلاتَخَافُوهُمْ }أي أولياءه.و { خَافُون ِ} في مخالفة أمري.

و إمّا القاعدون، فالمفعول الثّاني محذوف، أي يخوّفهم الخروج مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) ،و الضّمير البارز في { فَلاتَخَافُوهُمْ } للنّاس الثّاني، أي فلاتخافوهم فتقعدوا عن القتال و تجبنوا، و خافوني فجاهدوا مع رسولي و سارعوا إلى ما يأمركم به.

و الخطاب لفريقي الخارجين و القاعدين، و الفاء لترتيب النّهي أو الانتهاء على ماقبلها، فإنّ كون المخوف شيطانًا ممّا يوجب عدم الخوف و النّهي عنه. { اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} فإنّ الإيمان يقتضي إيثار خوف الله تعالى على خوف غيره، و يستدعي الأمن من شرّ الشّيطان و أوليائه. (2: 66)

البُرُوسَويّ: { يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ } المنافقين غلبة المشركين و قهرهم ليقعدوا عن قتالهم، فهم المنافقون الّذين في قلوبهم مرض، و قد تخلّفوا عن رسول الله في

ص: 260

الخروج. و المعنى: أنّ تخويفه بالكفّار إنّما يتعلّق بالمنافقين الّذين هم أولياؤه، و أمّا أنتم أيّها المؤمنون فأولياء الله و حزبه الغالبون، لايتعلّق بكم تخويفه، { فَلاتَخَافُوهُمْ } أي الشّيطان و أولياء من أبي سفيان و غيره { وَ خَافُون ِ} في مخالفة أمري { اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘}. [و ذكر مثل أبي السُّعود و أضاف:]

و الخوف على ثلاثةأقسام: خوف العامّ و هو من عقوبة الله، و خوف الخاص و هو من بُعد الله، و خوف الأخص و هو من الله.و إلى هذه المراتب أشار النّبيّ(علیه السلام) بقوله: « أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك ».

فعلى السّالك أن يفني عن نفسه و صفاتها،و لايرى فى الكون وجودًا غير وجوده، فلايخاف إلا منه، فإنّه هو القاهر فوق عباده، و هو الكافي جميع الأُمور. (2: 128)

الآلوسيّ: و قوله تعالى: { يُخَوِّ فُ اَوْلِيَاءَهُ } جملة مستأنفة مبيّنة لشيطنته، أو حال، كما في قوله تعالى: { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } النّمل: 52. و يجوز أن يكون{ الشَّيْطَانُ } صفة لاسم الإشارة على التّشبيه أيضًا. و يحتمل أن يكون مجازًا؛ حيث جعله هو و { يُخَوِّفُ } هو الخبر.

و جُوّز أن يكون ( ذا ) إشارة إلى قول المثبّط، فلابدّ حينئذ من تقدير مضاف، أي قول الشّيطان، و المراد به: إبليس أيضًا. و لاتجَوّز فيه على الصّحيح، و إنّما التّجوّز في الإضافة إليه، لأ نّه لمّا كان القول بوسوسته و سببه، جعل كأ نّه قوله. و المستكنّ في { يُخَوِّفُ } إمّا للمقدّر و إمّا للشّيطان بحذف الرّاجع إلى المقدّر، أي يخوّف به.

و المراد ب { اَوْلِيَاءَهُ } إمّا أبو سفيان و أصحابه، فالمفعول الأوّل ل { يُخَوِّفُ } محذوف، أي يخوّفكم أولياءه، بأن يعظّمهم في قلوبكم. و نظير ذلك قوله تعالى: { لِيُنْذِرَ بَاْسًا شَديدًا ‘} و بذكر هذا المفعول قرأ ابن عبّاس. و قرأ بعضهم ( يُخَوّفكُم باَوْليائه )، و على هذا المعنى أكثر المفسّرين، و إليه ذهب الزّجّاج و أبو عليّ الفارسيّ و غيرهما. و يؤيّده قوله تعالى: { فَلاتَخَافُوهُمْ } أي فلاتخافوا أولياءه الّذين خوّفكم إيّاهم، { وَخَافُون ِ} في مخالفة أمري.

و إمّا المتخلّفون عن رسول الله(صلی الله علیه و آله)، ف { اَوْلِيَاءَهُ } هو المفعول الأوّل، و المفعول الثّاني: إمّا متروك أو محذوف للعلم به، أي يوقعهم في الخوف أو يخوّفهم من أبي سفيان و أصحابه. و على هذا لايصحّ عود ضمير { تَخَافُوهُمْ } إلى الأولياء، بل هو راجع إلى النّاس الثّاني، كضمير{ اخْشَوْهُمْ }آل عمران: 173، فهو ردّ له، أي فلاتخافوا النّاس و تقعدوا عن القتال و تجبنوا، { وَخَافُونِ } فجاهدوا مع رسولي، و سارعوا إلى امتثال ما يأمركم به. و إلى هذا الوجه ذهب الحسَن و السُّدّيّ، و ادّعى الطّيّبيّ أنّ النّظم يساعد عليه. و الخطاب حينئذ لفريقي الخارجين و المتخلّفين، و القصد التّعريض بالطّائفة الأخيرة.

و قيل: الخطاب لها، و { اَوْلِيَاءَهُ } إذ ذاك من وضع الظّاهر موضع المضمر، نعيًا عليهم بأ نّهم أولياء الشّيطان. و استظهر بعضهم هذا القيل مطلقًا معلّلا له

ص: 261

بأنّ الخارجين لم يخافوا إلا الله تعالى { وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللهُ } و أنت تعلم أنّ قيام احتمال التّعريض يُمّرض هذا التّعليل، و الفاء لترتيب النّهي، أو الانتهاء على ما قبلها، فإنّ كون المخوف شيطانًا أو قولا له، ممّا يوجب عدم الخوف و النّهي عنه. و أثبت أبو عمرو ياء { وَخَافُون ِ} وصلا و حذفها وقفًا، و الباقونيحذفونها مطلقًا، و هي ضمير المفعول. (4: 129)

ابن عاشور: و قوله: { يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ }، تقديره يخوّفكم أولياءه، فحذف المفعول الأوّل لفعل { يُخَوِّفُ} بقرينة قوله بعده:{ فَلاتَخَافُوهُمْ }، : فإنّ < خوّف > يتعدّى إلى مفعولين؛ إذ هو مضاعف < خاف > المجرّد، و < خاف > يتعدّى إلى مفعول واحد، فصار بالتّضعيف متعدّ يًا إلى مفعولين من باب <كسا>كما قال تعالى:{ وَ يُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ } آل عمران : 28.

و ضمير { فَلاتَخَافُوهُمْ } على هذا يعود إلى { اَوْلِيَاءَهُ } و جملة { وَ خَافُون ِ} معترضة بين جملة { فَلاتَخَافُوهُمْ } و جملة { اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘}.

(3: 288)

مَغْنِيّة: إنّهم يُطيعونه إذا خوّفهم، أمّا أولياء الله فلايخافون الشّيطان إذاخوّفهم ومعنى{ فَلاتَخَافُوهُمْ} لاتخافوا المشركين، فإنّهم أولياء الشّيطان، وهو يحاول أن يجعلهم مصدر الخوف و الرّعب، و يُضفي عليهم سمة القوّة و الرّهبة ليخلو لهم الجوّ، و يعثوا فسادًا في الأرض، و المؤمن لايخاف إلاالله وحده.

(2: 207)

مكا ر م الشّير از يّ : { وَ خَافُون ِاِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} يعني أنّ الإيمان بالله و الخوف من غيره لا يجتمعان، و هذا كقوله سبحانه في موضع آخر: { فَمَنْ يُؤْمِنُ بِرَبِّهِ فَلايَخَافُ بَخْسًا وَ لارَهَقًا } الجنّ: 13.

و على هذا الأساس، فإن وُجد في قلب أحد الخوف من غير الله، كان ذلك دليلا على نقصان إيمانه، و تأثيره بالوساوس الشّيطانيّة، لأ نّنا نعلم أ نّه لاملجأ و لامؤثّر بالذّات في هذا الكون العريض سوى الله الّذي ليس لأحد قدرة في مقابل قدرته.

و أساسًا لو أنّ المؤمنين قارنوا وليّهم و هو الله سبحانه بوليّ المشركين و المنافقين الّذي هو الشّيطان، لعلموا أ نّهم لايملكون تجاه الله أيّة قدرة، و لهذا لايخافونهم قيد شعرة.

و خلاصة هذا الكلام و نتيجته، هي أنّ الإيمان أينما كان، كانت معه الشّجاعة و الشّهامة، فهما توأمان لايفترقان. (3: 12)

فضل الله: فليس الخوف الّذي يحدث للإنسان إلامن خلال تسويلات الشّيطان الّذي يوحي له بالمشاعر السّلبيّة، الّتي تُعطي الأشياء من حوله صورة غير واقعيّة، فتُضخّم في وعيه القضايا الصّغيرة، و تُصغّر القضايا الكبيرة، و تضع أمامه صورة الموت الّذي يُلغى أطماعه و شهواته، فيضعف أمام ذلك كلّه، و يتضاءل و يصغر و يتراجع عن مواقفه، و ينسحب من مواقع الجهاد الصّعب، تحت تأثير عامل الخوف النّاتج من ذلك كلّه، و ذلك هو شأن أولياءالشّيطان،

ص: 262

يصغون بمسامع قلوبهم لوسوسته.

أمّا أولياء الله فهم الّذين لايرتبطون بالحياة إلامن خلال الإيمان بالله الّذي يمسك مقاليدها بيده، و يحرّكها بقدرته، و يضع خططها بحكمته، فهو الّذي ينفع و يضرّ، و هو الّذي يحيي و يميت، و إليه المصير... و ليست الحياة الدّنيا نهاية المطاف، ليسقطوا أمام صورة النّهاية في صورة الموت، بل هي بداية لحياة جديدة أُخرى.

و لهذا فإنّ الموت لايمثِّل حالة سلبيّة في عمق الشّعور الإنساني المطيع لله، بل يحدث له حالة عكسيّة من الشّعور الإيجابيّ بالشّوق للقاء الله، للحصول على رضوانه و نعيمه في الدّار الآخرة. و هذا هو شعار المؤمنين في المعركة، في ما حدّثنا الله عنه في قوله تعالى: { قُلْ هَلْ تَرَ بَّصُونَ بِنَا اِلااِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } التّوبة:52، النّصر أو الشّهادة. { فَلاتَخَافُوهُمْ }لأ نّهم لايملكون القوّة الذّاتيّة الّتي تخيف المؤمنين، { وَخَافُون ِ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} بالوقوف أمام حدود الله، في الثّبات على خطّ الجهاد، و عدم الانهزام أمام تحدّيات الأعداء. فإنّ الإيمان موقف لحساب الله ، و ليس كلمة عابرة تنطلق به الشّفاه، في حالة شعوريّة سلبيّة في حركة الذّات. (6: 391)

اَخَافُ

1 لَئِنْ بَسَطْتَ اِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنى مَا اَنَا بِبَاسِط يَدِىَ اِلَيْكَ لاَ‚قْتُلَكَ اِنّى اَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمينَ‘. المائدة: 28

لاحظ: ب س ط: < بَسَطْتَ >.

2 قُلْ ا ِِنّى اَخَافُ اِنْ عَصَيْتُ رَ بّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ ‘. الأنعام: 15

ابن عبّاس: أعلم. (106)

الطُّوسيّ: أمر الله تعالى نبيّه(صلی الله علیه و آله) بهذه الآية أن يقول لهؤلاء الكفّار: إنّه يخاف إن عصاه عذابه و عقوبته في يوم عظيم، و هو يوم القيامة. و معنى < العظيم> هاهنا أ نّه شديد على العباد، و عظيم في قلوبهم.

و في الآية دلالة على أنّ من زعم: أنّ من علم الله

أ نّه لايعصي، فلايجوز أن يتوعّده بالعذاب. و على من زعم: أ نّه لايجوز أن يقال فيما قد علم الله: إنّه لايكون أنّه لوكان لوجب فيه كيت و كيت، لأ نّه كان المعلوم لله تعالى أنّ النّبيّ(علیه السلام) لايعصي معصية يستحقّ بها العقاب يوم القيامة، و مع هذا فقد توعّده به. (4: 95)

القُشَيْريّ: أي إنّي بعجزي متحقّق، و من عذاب ربّي مُشفق، و بمتابعة أمره مُتَخلّق. (2: 159)

الفَخْرالرّازيّ: و المقصود: أنّي إن خالفته في هذا الأمر و النّهي صرت مستحقًّا للعذاب العظيم.

فإن قيل: قوله:{ قُلْ اِنّى اَخَافُ ...} يدلّ على أ نّه(علیه السلام) كان يخاف على نفسه من الكفر و العصيان، و لولا أنّ ذلك جائز عليه لما كان خائفًا؟.و الجواب: أنّ الآية لاتدلّ على أ نّه خاف على نفسه، بل الآية تدلّ على أنّه لو صدر عنه الكفر و المعصية فإنّه يخاف.

و هذا القدر لايدلّ على حصول الخوف، و مثاله قولنا: إن كانت الخمسة زوجًا كانت منقسمة

ص: 263

بمتساويين، و هذا لايدلّ على أنّ الخمسة زوج، و لا على كونها منقسمة بمتساويين، و الله أعلم. (12: 170)

أبوحَيّان: الظّاهر أنّ الخوف هنا على بابه، و هو توقّع المكروه.و الخوف ليس بحاصل لعصمته، بل هو معلّق بشرط هو ممتنع في حقّه(صلی الله علیه و آله)، و جوابه محذوف، و لذلك جاء بصيغة الماضي. (4: 86)

ابن عاشور: تجنّبٌ للشّرك خوفًا من العقاب و طمعًا في الرّحمة. و قدجاءت مترتّبة على ترتيبها في نفس الأمر. (6: 40)

3 وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ اَتُحَاجُّونّى فِى اللهِ وَقَدْ هَدينِ وَ لااَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ اِلا اَنْ يَشَاءَ رَبّى شَيًْا= وَسِعَ رَبّى كُلَّ شَىْء عِلْمًا اَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. الأنعام:80

الطّبَريّ: و لا أرهب من آلهتكم الّتي تدعونها من دونه شيئًا ينالني به في نفسي من سوء و مكروه؛ و ذلك أ نّهم قالوا له: إنّا نخاف أن تمسّك آلهتنا بسوء من برص أو خبَل، لذكرك إيّاها بسوء! فقال لهم إبراهيم: لاأخاف ما تشركون بالله من هذه الآلهة أن تنالني بضرّ و لامكروه، لأ نّها لاتنفع و لاتضرّ.

(5: 248)

نحوه ابن الجَوْزيّ (3: 76)، و المَراغيّ (7: 176).

الزّجّاج: أي هذه الأشياء الّتي تعبدونها لاتضرّ

و لاتنفع، و لاأخافها. (2: 268)

الثّعلبيّ: و ذلك إنّهم قالوا له: أما تخاف أن تمسّك آلهتنا بسوء من برص أو خبَل لعيبك إيّاها؟فقال لهم: و لاأخاف ما تشركون به من الأصنام. (4: 165)

نحوه البغَويّ. (2: 140)

الطُّوسيّ: أي لاأخاف منه ضررًا إن كفرت به و لا أرجو نفعًا إن عبدته، لأ نّه بين صنم قد كسر، فلم يدفع عن نفسه، أو نجم دلّ أُفوله على حدوثه، فكيف تحاجّونني و تدعونني إلى عبادة من لايُخاف ضرره و لايُرجى نفعه. (4: 202)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (2: 326)

الواحديّ: أي هذه الأشياء الّتي تعبدونها لاتضرّ و لاتنفع، و لاأخافها. (2: 292)

الزّمَخْشَريّ: يعني لاأخاف معبوداتكم في وقت قط لأ نّها لاتقدر على منفعة و لامضرّة، إلا إذا شاء ربّي أن يُصيبني بمخوف من جهتها، إن أصبت ذنبًا استوجب به إنزال المكروه، مثل أن يرجمني بكوكب أو بشقّة من الشّمس أو القمر ،أو يجعلها قادرة على مضرّتي. (2: 32)

نحوه النّسَفيّ. (2: 20)

الفَخْرالرّازيّ: { وَ لا اَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} لأنّ الخوف إنّما يحصل ممّن يقدر على النّفع و الضّرّ، و الأصنام جمادات لاتقدر و لاقدرة لها على النّفع و الضّرّ، فكيف يحصل الخوف منها؟! (13: 58)

نحوه النَّيسابوريّ. (7: 145)

أبوالسُّعود: جواب عمّا خوّفوه(علیه السلام)في أثناء المحاجّة من إصابة مكروه من جهة أصنامهم، كما قال لهود(علیه السلام) قومه: { اِنْ نَقُولُ اِلا اعْتَريكَ بَعْضُ الِهَتِنَا بِسُوء } هود:54، و لعلّهم فعلوا ذلك حين فعل (علیه السلام) بآلهتهم ما فعل. (2: 407)

نحوه القاسميّ. (6: 2386)

ص: 264

الطَّباطَبائيّ:[ذكر شبهتهم بأنّ بعض آلهتهم أبعد عن القول بربوبيّتهم ، و لقّنك هذه الحجج لماوجده من فساد رأيك فأجاب عنها:] فقوله(علیه السلام):{ وَ لا اَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } ينفي هذه الشّبهة، و كما أ نّه ينفي هذه الشّبهة فإنّه حجّة تامّة تنفي ربوبيّة شركائهم.

و محصّله: أنّكم تدعونني إلى القول بربوبيّة شركائكم و رفض القول بربوبيّة ربّي بما تخافونني من أن تمسّني شركاؤكم بسوء، و ترهبونني بإلقاء الشّبهة فيما اهتديت به، و إنّي لاأخاف ما تشركون به، لأ نّها جميعًا مخلوقات مدبّرة لاتملك نفعًا و لا ضرًّا و إذ لم أخفها سقطت حجّتكم و ارتفعت شبهتكم.

و لو كنت خفتها لم يكن الخوف الحاصل في نفسي من صنع شركائكم لأ نّها لاتقدر على شيء بل كان من صنع ربّي و كان هو الّذي شاء أن أخاف شركاءكم فخفتها فكان هذا الخوف دليلا آخر على ربوبيّته.

(7: 194)

4 وَكَيْفَ اَخَافُ مَا اَشْرَكْتُمْ وَ لاتَخَافُونَ اَنَّكُمْ اَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّ لْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا...

الأنعام:81

محمّدبن إسحاق: كيف أخاف وثنًا تعبدون من دون الله لايضرّ ولاينفع، و لاتخافون أنتم الّذي يضرّ و ينفع، و قد جعلتم معه شركاء لاتضرّ و لاتنفع ؟!

(الطّبَريّ5: 249)

الطّبَريّ: و هذا جواب إبراهيم لقومه حين خوّفوه من آلهتهم أن تمسّه، لذكره إيّاها بسوء في نفسه بمكروه، فقال لهم: و كيف أخاف و أرهب ما أشركتموه في عبادتكم ربّكم فعبدتموه من دونه، و هو لايضرّ و لاينفع ؟ و لو كانت تنفع أو تضرّ، لدفعت عن أنفسها كسرِي إيّاها و ضربي لها بالفأس! و أنتم لاتخافون الله الّذي خلقكم و رزقكم، و هو القادر على نفعكم

و ضرّكم في إشراككم في عبادتكم إيّاه. (5: 249)

نحوه ابن الجَوْزيّ (3: 77)، و المَراغيّ (7: 177).

الزّجّاج: أي ولاتخافون أنتم شرككم بالله مالم ينزّل به عليكم سلطانًا. (2: 269)

الطُّوسيّ: في هذه الآية احتجاج من إبراهيم (علیه السلام) على قومه، و تأكيد لماقدّم من الحجاج، لأ نّه قال لهم: و كيف تلزمونني أن أخاف ماأشركتم به من الأوثان المخلوقة و قد تبيّن حالهم؟ و أ نّهم لايضرّون و لاينفعون، و أنتم لاتخافون من هو القادر على الضّرّ و النّفع بل تتجرّؤون عليه، و تتقدّمون بين يديه بأن تجعلوا له شركاء في مُلكه و تعبدونهم من دونه، فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن نحن المؤمنون الّذين عرفنا الله بأدلّته، و وجّهنا العبادة نحوه؟ أم أنتم المشركون بعبادته غيره من الأصنام و الأوثان؟ و لو أطرحتم الميل و الحميّة و العصبيّة لما وجدتم لهذا الحجاج مَدْفعًا.

(4: 203)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (2: 327)

الواحديّ: و هذا سؤال تعجيز عن تصحيح الخوف. (2: 292)

الزّمَخْشَريّ: و كيف أخاف لتخويفكم شيئًا مأمون الخوف لايتعلّق به ضرر بوجه، و أنتم

ص: 265

{ لاتَخَافُونَ } ما يتعلّق به كلّ مخوف، و هو إشراككم بالله ما لم ينزّل بإشراكه{ سُلْطَانًا }. (2: 32)

الفَخْرالرّازيّ: اعلم أنّ هذا من بقيّة الجواب عن الكلام الأوّل، و التّقدير: و كيف أخاف الأصنام الّتي لاقدرة لها على النّفع و الضّرّ، و أنتم

لاتخافون من الشّرك الّذي هو أعظم الذّنوب. (13: 60)

القُرطُبيّ: ففي (كَيْفَ) معنى الإنكار، أنكر عليهم تخويفهم إيّاه بالأصنام، و هم لايخافون الله عزّ و جلّ، أي كيف أخاف مواتًا و أنتم لاتخافون الله القادر على كلّ شيء؟! (7: 30)

أبوحَيّان: استفهام معناه التّعجّب و الإنكار، كأ نّه تعجّب من فساد عقولهم؛ حيث خوّفوه خشبًا

و حجارةً لاتضرّ و لاتنفع، و هم لايخافون عُقبى شركهم بالله، و هو الّذي بيده النّفع و الضّرّ و الأمر كلّه. { وَ لاتَخَافُونَ } معطوف على { اَخَافُ } فهو داخل في التّعجّب و الإنكار. و اختلف متعلّق الخوف، فبالنّسبةإلى إبراهيم علّق الخوف بالأصنام، و بالنّسبة إليهم علّقه بإشراكهم بالله تعالى تركًا للمقابلة، و لئلايكون الله عديل أصنامهم لو كان التّركيب: <و لاتخافون الله تعالى> . (4: 170)

أبوالسُّعود: قوله تعالى: { وَكَيْفَ اَخَافُ مَا اَشْرَكْتُمْ } استئناف مسوق لنفي الخوف عنه(علیه السلام) بحسب زعم الكفرة بالطّريق الإلزاميّ كما سيأتي بعد نفيه عنه بحسب الواقع و نفس الأمر. و الاستفهام لإنكار الوقوع و نفيه بالكلّيّة، كما في قوله تعالى: { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكينَ ‘عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ....} التّوبة:7، لا لإنكار الواقع و استبعاده مع وقوعه، كما في قوله تعالى: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ...} البقرة:28.

و في توجيه الإنكار إلى كيفيّة الخوف من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى نفسه، بأن يقال: أأخاف؟ لما أنّ كلّ موجود يجب أن يكون وجوده على حال من الأحوال و كيفيّة من الكيفيّات قطعًا، فإذا انتفى جميع أحواله و كيفيّاته، فقد انتفى وجوده من جميع الجهات بالطّريق البرهانيّ.

و قوله تعالى: { ولاتَخَافُونَ اَنَّكُمْ اَشْرَكْتُمْ بِاللهِ } حال من ضمير { اَخَافُ } بتقدير مبتدإ، و الواو كافية في الرّبط من غير حاجة إلى الضّميرالعائد إلى ذي الحال، و هو مقرِّر لإنكار الخوف و نفيه عنه (علیه السلام)، و مفيد لاعترافهم بذلك، فإنّهم حيث لم يخافوا في محلّ الخوف، فلأن لايخاف (علیه السلام) في محلّ الأمن أولى و أحرى، أي و كيف أخاف أنا ما ليس في حيّز الخوف أصلا و أنتم لاتخافون غائلة ما هو أعظم المخلوقات و أهولها؟ و هو إشراككم بالله الّذي ليس كمثله شيء في الأرض و لافي السّماء ما هو من جملة مخلوقاته.

و إنّما عبّر عنه بقوله تعالى: { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ } أي بإشراكه { عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا } على طريقة التّهكّم، مع الإيذان بأنّ الأُمور الدّينيّة لايعوّل فيها إلا على الحجّة المُنزَلة من عند الله تعالى. و في تعليق الخوف الثّاني بإشراكهم، من المبالغة و مراعاة حسن الأدب ما لايخفى .

هذا و أمّا ما قيل: من أنّ قوله تعالى: { وَ لاتَخَافُونَ... } معطوف على { اَخَافُ }داخل معه في

ص: 266

حكم الإنكار و التّعجيب، فممّا لاسبيل إليه أصلا ، لإفضائه إلى فساد المعنى قطعًا، كيف لا، و قد عرّفتك أنّ الإنكار بمعنى النّفي بالكلّيّة، فيؤول المعنى إلى نفي الخوف عنه عليه الصّلاة و السّلام و نفي نفيه عنهم، و أ نّه بيّن الفساد. و حمل الإنكار في الأوّل على معنى نفي الوقوع، و في الثّاني على استبعاد الواقع، ممّا لامساغ له.

على أنّ قوله تعالى: { فَاَىُّ الْفَريقَيْنِ اَحَقُّ بِالاَمْنِ} ناطق ببطلانه حتمًا، فإنّه كلام مرتّب على إنكار خوفه عليه الصّلاة و السّلام في محلّ الخوف، مسوق لإلجائهم إلى الاعتراف باستحقاقه عليه الصّلاة و السّلام لما هو عليه من الأمن، و بعدم استحقاقهم لما هم عليه.

(2: 407)

نحوه البُرُوسَويّ (3: 58)، و الآلوسيّ (7: 206).

5 لَقَدْ اَرْسَلْنَا نُوحًا اِلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ اِله غَيْرُهُ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ‘. الأعراف: 59

ابن عبّاس: أعلَم أن يكون عليكم. (129)

الطُّوسيّ: و لم يجعل خوفه عليهم على وجه الشّكّ، بل أخبرهم أنّ هذا العذاب سيحلّ بهم إن لم يقبلوا ما أتاهم به، لأنّ الخوف قد يكون مع اليقين كما يكون مع الشّكّ؛ ألاترى أنّ الإنسان يخاف من الموت، و لايشكّ في كونه؟ (4: 466)

الزّمَخْشَريّ: فإن قلت: فما موقع الجملتينبعد قوله: { اعْبُدُوا اللهَ }؟

قلت: الأُولى بيان لوجه اختصاصه بالعبادة، و الثّانية: بيان للدّاعي إلى عبادته لأ نّه هو المحذور عقابه دون ما كانوا يعبدونه من دون الله. (2: 85)

الفَخْرالرّازيّ: و اعلم أ نّهم اختلفوا في معنى قوله: { اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ} هل هو اليقين، أو الخوف بمعنى الظّنّ و الشّكّ.

قال قوم: المراد منه الجزم و اليقين، لأ نّه كان جازمًا بأنّ العذاب ينزل بهم: إمّا في الدّنيا و إمّا في الآخرة إن لم يقبلوا ذلك الدّين.

و قال آخرون: بل المراد منه الشّكّ، و تقريره من وجوه: الأوّل: أ نّه إنّما قال: { اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ } لأ نّه جوّز أن يؤمنوا كما جوّز أن يستمرّوا على كفرهم، و مع هذا التّجويز لايكون قاطعًا بنزول العذاب، فوجب أن يذكره بلفظ الخوف.

و الثّاني: أنّ حصول العقاب على الكفر و المعصية أمر لايُعرَف إلا بالسّمع، و لعلّ الله تعالى ما بيّن له كيفيّة هذه المسألة، فلاجرم بقي متوقّفًا مجوّزًا أ نّه تعالى هل يعاقبهم على ذلك الكفر أم لا؟

و الثّالث: يحتمل أن يكون المراد من الخوف: الحذر، كما قال في الملائكة: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ } النّحل: 50، أي يحذرون المعاصي خوفًا من العقاب.

الرّابع: أ نّه بتقدير أن يكون قاطعًا بنزول أصل العذاب، لكنّه ما كان عارفًا بمقدار ذلك العذاب، و هو أ نّه عظيم جدًّا أو متوسّط، فكان هذا الشّكّ راجعًا إلى وصف العقاب، و هو كونه عظيمًا أم لا، لافي أصل حصوله. (14: 149)

ص: 267

نحوه النَّيسابوريّ. (8: 155)

ابن عاشور: و جملة: { اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ ‘}. يجوز أن تكون في موقع التّعليل، كما في « الكشّاف » أي لمضمون قوله: { مَا لَكُمْ مِن اِله غَيْرُهُ} كأ نّه قيل: أُتركوا عبادة غير الله خوفًا من عذاب يوم عظيم، و بُني نظم الكلام على خوف المتكلّم عليهم، دلالة على إمحاضه النّصح لهم و حرصه على سلامتهم، حتّى جعل ما يُضرّ بهم كأ نّه يُضِرّ به، فهو يخافه كما يخافون على أنفسهم؛ و ذلك لأنّ قوله هذا كان في مبدإ خطابهم بما أُرسل به.ويُحتَمل أ نّه قاله بعد أن ظهر منهم التّكذيب، أي إن كنتم لاتخافون عذابًا فإنّي أخافه عليكم، و هذا من رحمة الرّسل بقومهم.

و فعل الخوف يتعدّى بنفسه إلى الشّيء المخوف منه، و يتعدّى إلى مفعول ثان بحرف < على > إذا كان الخوف من ضرّ يلحق غير الخائف. [ثمّ استشهدبشعر]

و يجوز أن تكون مستأنفة ثانية بعد جملة { اعْبُدُوا اللهَ } لقصد الإرهاب و الإنذار، و نكتة بناء نظم الكلام على خوف المتكلّم عليهم هي هي. (8: 146)6 اِنّى اَرى مَا لاتَرَوْنَ اِنّى اَخَافُ اللهَ وَ اللهُ شَديدُ‘ الْعِقَابِ. الأنفال: 48

الحسَن: إبليس عدوّ الله لايخاف الله، لكن كلّما استؤصل جند من جنوده وقعت بذلك عليه مخافة و ذلّة. (الطُّوسيّ5: 158)

عطاء: إنّي أخاف الله أن يُهلكني فيمن يُهلك.

(البغَويّ2: 300)

قَتادَة: كان إبليس يقول: { اِنّى اَرى مَا لاتَرَوْنَ } و صدق. و قال: { اِنّى اَخَافُ اللهَ } و كذب، و الله ما به من مخافة الله، و لكن علم أ نّه لا قوّة به و لامِنعَة فأوردهم و أسلمهم؛ و ذلك عادة عدوّ الله في من أطاعه، إذا التقى الحقّ و الباطل أسلمهم و تبرّأ منهم.

(البغَويّ2: 300)

الكَلْبيّ: خاف أن يأخذه جبريل(علیه السلام) و يُعرِّف حاله فلايطيعوه.

(البغَويّ2: 300)

الطُّوسيّ: حكاية عن قول إبليس حين ولّى فقال لقريش: إنّي أرى من الملائكة ما لاترون إنّي أخاف الله و الله شديد العقاب.

و إنّما خافه من أن يأخذه في تلك الحال بعقوبته دون أن يكون خاف معصيته فامتنع منها. (5: 158)

البغَويّ: و قيل: معناه إنّي أخاف الله، أي أعلم صدق وعده لأوليائه، لأ نّه كان على ثقة من أمره.

(2: 300)

الطَّبْرِسيّ: أي أخاف عذاب الله على أيدي من أراهم.

(2: 549)

البَيْضاويّ: أي تبرّأ منهم و خاف عليهم و أيس من حالهم لمّا رأى إمداد الله المسلمين بالملائكة.

(1: 397)

البُرُوسَويّ: { اِنّى اَخَافُ اللهَ } من أن يُصيبنى بمكروه من الملائكة أو يُهلكني، على أن يكون الوقت هو الوقت المعلوم الّذي أنظرإليه، { وَ اللهُ شَديدُ‘ الْعِقَابِ } لمن يخاف منه.

و قد صدق الكذّاب أ نّه يخاف من شدّة عذاب الله،

ص: 268

فإنّ عقابه لو وقع عليه لتلاشى... و إنّما خوفه من الله من شدّة عقابه، لأ نّه يعلم أ نّه لانهاية لشدّة عقابه، و الله قادر على أن يعاقبه بعقوبة أشدّ من الأُخرى.

و فيه إشارة إلى أنّ خوفه من الله يدلّ على أ نّه غير منقطع الرّجاء منه. (3: 356)

الآلوسيّ: تبرّأ منهم إمّا بتركهم أو بترك الوسوسة لهم الّتي كان يفعلها أوّلا ، و خاف عليهم و أيس من حالهم، لمّا رأى إمداد الله تعالى المسلمين بالملائكة :. و إنّما لم نقل: خاف على نفسه، لأنّ الوسوسة بخوفه عليهم أقرب إلى القبول، بل يبعد وسوسته إليهم بخوفه على نفسه. و قيل: إنّه لايخاف على نفسه، لأ نّه من المُنظرين؛ و ليس بشيء.

و قد يقال: المقصود من هذا الكلام أ نّه عظُمَ عليهم الأمر و أخذ يخوّفهم بعد أن كان يُحرّضهمو يُشجّعهم، كأ نّه قال: يا قوم الأمر عظيم و الخَطْب جسيم، و إنّي تارككم لذلك، و خائف على نفسي الوقوع في مهاوي المهالك، مع أنّي أقدَر منكم على الفرار و على مراحل هذه القفار. و حينئذ لايبعد أن يراد من الخوف: الخوف على نفسه؛ حيث لم يكن هناك قول حقيقة.

و قال غير واحد من المفسّرين: إنّه لمّا اجتمعت قريش على المسير، ذكرت ما بينها و بين كنانة من الأحنّة و الحرب، فكاد ذلك يُثبّطهم، فتمثّل لهم إبليس بصورة سُراقة بن مالك الكنانيّ و كان من أشراف كنانة فقال لهم: لاغالب لكم اليوم، و إنّي جار لكم من بني كنانة و حافظكم و مانع عنكم، فلايصل إليكم مكروه منهم، فلمّا رأى الملائكة تنزل من السّماء نكص و كانت يده في يد الحرث بن هشام، فقال له: إلى أينَ؟ أتَخذُلنا في هذه الحالة؟ فقال له: { اِنّى اَرى مَا لاتَرَوْنَ }، فقال: و الله ما نرى إلا جعاسيس يثرب، فدفع في صدر الحرث، و انطلق و انهزم النّاس، فلمّا قدموا مكّة قالوا: هزم النّاس سُراقة، فبلغه الخبر فقال: و الله ما شعرت بمسيركم حتّى بلغتني هزيمتكم، فلمّا أسلموا علموا أ نّه الشّيطان.

و روي هذا عن ابن عبّاس و الكَلْبيّ و السُّدّيّ

و غيرهم، و عليه يحتمل أن يكون معنى قوله:{ اِنّى اَخَافُ اللهَ } إنّي أخاف أن يُصيبني بمكروه من الملائكة أو يُهلكني، و يكون الوقت هو الوقت الموعود؛ إذ رأى فيه ما لم ير قبله. (10: 15)

ابن عاشور: و قوله:{ اِنّى اَخَافُ اللهَ } بيان لقوله: { اِنّى اَرى مَا لاتَرَوْنَ } أي أخاف عقاب الله فيما رأيت من جنود الله. و إن كان ذلك كلّه من قول سُراقة، فهو إعلان لهم بردّ جواره إيّاهم لئلايكون خائنًا لهم، لأنّ العرب كانوا إذا أرادوا نقض جوار أعلنوا ذلك لمن أجاروه...

و أمّا قوله: { اِنّى اَخَافُ اللهَ وَ الله ُشَديدُ‘ الْعِقَابِ } فعلى احتمال أن يكون الإسناد إلى الشّيطان حقيقة، فالمراد من خوف الله توقّع أن يصيبه الله بضرّ، من نحو الرّجم بالشُّهب، و إن كان مجازًا عقليًّا و أنّ حقيقته قول سُراقة، فلعلّ سُراقة قال قولا في نفسه، لأ نّه كان عاهد رسول الله (صلی الله علیه و آله) على أن لايدلّ عليه المشركين، فلعلّه تذكّر ذلك و رأى أنّ فيما وعد المشركين من الإعانة ضربًا من خيانة العهد، فخاف سوء عاقبة

ص: 269

الخيانة.

(9: 127)

عبد الكريم الخطيب: إنّه[الشّيطان] يخاف الله، و يخاف ما يحلّ به من عقاب الله، و إنّه لعقاب شديد.

و السّؤال هنا:

كيف يُعلن الشّيطان أ نّه يخاف الله، و يخشى عقابه الشّديد، و هوقائم على عصيان الله ومحادّته، بفتنة النّاس، و إغوائهم بالضّلال، و صدّهم عن سبيل الله، أهذا يكون ممّن يعترف بالله، و يخشىعقابه؟

و الجواب: أنّ الشّيطان معترف بوجود الله، مؤمن بسلطانه و سطوته، و لكنّه مبتلًى بعصيان الله في بني آدم و إغوائهم، و إفساد ما بينهم و بين الله. هكذا كان قضاءالله، فيما بينه و بين آدم، و ذرّ يّة آدم. (5: 631)

7 اِنّى اَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمينَ‘ الحشر: 16

نحو ماقبلها.

8 اِنّى اَخَافُ اِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ‘.

يونس: 15

ابن عبّاس: أعلم. (171)

الطّبَريّ: يقول: إنّي أخشى من الله إن خالفت أمره، و غيّرت أحكام كتابه، و بدّلت وحيه، فعصيته بذلك، عذاب يوم عظيم هولُه؛ و ذلك: { يَوْمَ تَرَوْ نَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَة عَمَّا اَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَ تَرَى النَّاسَ سُكَارى وَ مَا هُمْ بِسُكَارى...} الحجّ: 2. (6: 540)

9 يَا اَبَتِ اِنّى اَخَافُ اَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَان ِوَ لِيًّا. مريم:45

ابن عبّاس: أعلم. (256)

نحوه البغَويّ. (3: 236)

الفَرّاء: يريد: إنّي أعلم، و هو مثل قوله: {فَخَشينَا‘ اَنْ يُرْهِقَهُمَا } الكهف: 80، أي فعلمنا.

(2: 169)

نحوه الطّبَريّ. (8: 347)

الواحديّ: أخشى أن يصيبك عذاب الله بطاعتك للشّيطان.

(3: 185)

ابن عَطيّة: قال الطّبَري و غيره { اَخَافُ } بمعنى أعلَم.

و الظّاهر عندي أ نّه خوف على بابه؛ و ذلك أنّ إبراهيم (علیه السلام) لم يكن في وقت هذه المقاولة يائسًا من إيمان أبيه، فكان يرجو ذلك، و كان يخاف أن لايؤمن و يتمادى على كفره إلى الموت، فيمسّه العذاب.

(4: 18)

نحوه الخازن (4: 201)، و أبوحَيّان (6: 194).

القُرطُبيّ: و يكون { اَخَافُ } بمعنى أعلم. و يجوز أن يكون{ اَخَافُ } أن تموت على كفرك فيمسّك العذاب. (11: 111)

النَّيسابوريّ: قال الفَرّاء: معنى{ اَخَافُ } أعلم. و الأكثرون على أ نّه محمول على ظاهره، لأنّ إبراهيم(علیه السلام) لم يكن جازمًا بموت أبيه على الكفر و إلا لم يشتغل بنصحه. و الخوف على الغير: ظنّ وصول الضّرر إلى ذلك الغير مع تألّم قلبه من ذلك، كما يقال:

ص: 270

أنا خائف على ولدي. (16: 63)

ابن عاشور: و التّعبير بالخوف الدّالّ على الظّنّ دون القطع تأدّب مع الله تعالى، بأن لايُثبت أمرًا فيما هو من تصرّف الله، و إبقاء للرّجاء فينفس أبيه، لينظر في التّخلّص من ذلك العذاب، بالإقلاع عن عبادة الأوثان. (16: 47)

10 قُلْ اِنّى اَخَافُ اِنْ عَصَيْتُ رَ بّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ‘.

الزّمر: 13

ابن عَطيّة: و قوله: { اَخَافُ اِنْ عَصَيْتُ } فعل معلّق بشرط و هو العصيان، و قد علم أ نّه(علیه السلام) معصوم منه، و لكنّه خطاب للأُمّة يعمّهم حكمه و يحفّهم وعيده. (4: 524)

11 وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونى اَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ اِنّى اَخَافُ اَنْ يُبَدِّ لَ دينَكُمْ اَوْ اَنْ يُظْهِرَ فِى الاَرْضِ الْفَسَادَ. المؤمن: 26

ابن عاشور : و جملة { اِنّى اَخَافُ اَنْ يُبَدِّ لَ دينَكُمْ } تعليل للعزم على قتل موسى. و الخوف مستعمل في الإشفاق، أي أظنّ ظنًّا قويًّا أن يبدّ ل دينكم.و حذفت < مِنْ > الّتي يتعدّى بها فعل { اَخَافُ} لأ نّها وقعت بينه و بين ( اَنْ ). (24: 181)

خَائِفينَ‘

وَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ اَنْ يُذْكَرَ فيهَا‘ اسْمُهُ وَسَعى فى خَرَابِهَا اُولئِكَ ’مَا كَانَ لَهُمْ اَنْ يَدْخُلُوهَا اِلا خَائِفينَ‘ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى الاخِرَةِ’ عَذَابٌ عَظيمٌ‘. البقرة: 114

لاحظ: د خ ل :< يَدْخُلُونَ >.

خيفَةً‘

وَاذْكُرْ رَبَّكَ فى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً‘ وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالاصَالِ’ وَلاتَكُنْ مِنَ الْغَافِلينَ‘.

الأعراف: 205

الطّبَريّ: و خوفًا لله من أن يعاقبك على تقصير يكون منك في الاتّعاظ به و الاعتبار، و غفلة عمّا بيّن الله فيه من حدوده. (6: 165)

الماوَرْديّ: أمّا الخيفة فمعناه مخافة منه.

(2: 291)

ابن عَطيّة: و { خيفَةً‘ } أصلها: خِوْفَة بُدّلت الواو ياءً لأجل الكسرة الّتي تقدّمها. (2: 494)

ابن الجَوْزيّ: و الخيفة: الحذر من عقابه.

(3: 314)

الفَخْرالرّازيّ: و هاهنا بحث، و هو أنّ معرفة الله من لوازمها التّضرّع، و الخوف، و الذّكر القلبيّ يمتنع انفكاكه عن التّضرّع و الخوف،فما الفائدة في اعتبار هذا التّضرّع و الخوف؟

و أُجيب عنه بأنّ المعرفة لايلزمها التّضرّع و الخوف على الإطلاق، لأ نّه ربّما استحكم في عقل الإنسان أ نّه تعالى لايعاقب أحدًا، لأنّ ذلك العقاب إيذاء للغير، و لافائدة للحقّ فيه.و إذا كان كذلك لايعذّب، فإذا اعتقد هذا لم يكمل التّضرّع و الخوف. فلهذا السّبب نص الله تعالى على أ نّه لابدّ منه.

و أُجيب عنه بأنّ الخوف على قسمين:

الأوّل: خوف العقاب، و هو مقام المبتدئين.

و الثّاني: خوف الجلال، و هو مقام المحقّقين. و هذا

ص: 271

الخوف ممتنع الزّوال، و كلّ من كان أعرف بجلال الله، كان هذا الخوف في قلبه أكمل.و أُجيب عن هذا الجواب بأنّ لأصحاب المكاشفات مقامَين: مكاشفة الجمال، و مكاشفة الجلال، فإذا كوشفوا بالجمال عاشوا، و إذا كوشفوا بالجلال طاشوا، و لابدّ في مقام الذّكر من رعاية الجانبين.

قوله: { وَخيفَةً‘ } و في قراءة أُخرى (وخفيَة).

و قال الزّجّاج: أصلها < خِوْفَة >، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

أقول: هذا الخوف يقع على وجوه:

أحدها: خوف التّقصير في الأعمال.

و ثانيها: خوف الخاتمة. و المحقّقون خوفهم من السّابقة، لأ نّه إنّما يظهر في الخاتمة ما سبق الحكم به في الفاتحة، و لذلك كان (علیه السلام) يقول: < جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة >.

و ثالثها: خوف أنّي كيف أُقابل نعمة الله الّتي

لا حصر لها، و لاحدّ بطاعاتي النّاقصة و أذكاري القاصرة؟ و كان الشّيخ أبو بكر الواسطيّ يقول: الشّكر شرك، فسألوني عن هذه الكلمة فقلت: لعلّ المراد و الله أعلم أنّ من حاول مقابلة وجوه إحسان الله بشكره فقد أشرك، لأنّ على هذا التّقدير يصير كأنّ العبد يقول: منك النّعمة و منّي الشّكر، و لاشكّ أنّ هذا شرك. فأمّا إذا أتى بالشّكر مع خوف التّقصير و مع الاعتراف بالذّلّ و الخضوع، فهناك يشمّ فيه رائحة العبوديّة.

و أمّا القراءة الثّانية: و هو قوله: ( وخفية ) فالإخفاء في حقّ المبتدئين يراد لصون الطّاعات عن شوائب الرّياء و السّمعة، و في حقّ المنتهين المقرّبين منشؤه الغيرة؛ و ذلك لأنّ المحبّة إذا استكملت أوجبت الغيرة، فإذا كمل هذا التّوغّل و حصل الفناء، وقع الذّكر في حين الإخفاء، بناءً على قوله (علیه السلام): < من عرف الله كَلّ لسانه >. (15: 107)

نحوه النَّيسابوريّ. (9: 113)

البُرُوسَويّ: قال ابن الشّيخ: < و هذا الخوف يتناول خوف التّقصير في الأعمال و خوف الخاتمة، و خوف السّابقة، فإنّ ما يكون في الخاتمة ليس إلا ما سبق به الحكم في الفاتحة، و لذلك قال(علیه السلام): « جفّ القلم بما هو كائن الى يوم القيامة » انتهى.

يقول الفقير: هذا بالنّسبة إلى أن يكون المراد بالخطاب في الآية هو الأُمّة و إلا فالأنبياء، بل و كُمّل الأولياء آمنون به من خوف الخاتمة و الفاتحة. نعم لهم خوف، لكن من نوع آخر يناسب مقامهم. و لمّا كان أكمل أحوال الإنسان أن يظهر عزّة ربوبيّة الله و ذلّة عبوديّة نفسه، أمر الله بالذّكر ليتمّ المقصود الأوّ ل، و قيّده بالتّضرّع والخيفة ليتمّ المقصود الثّانى. (3: 305)

الطَّباطَبائيّ: و الخيفة: بناء نوع من الخوف، و المراد به نوع من الخوف يناسب ساحة قدسه تعالى. ففي التّضرّع معنى الميل إلى المتضرَّع إليه و الرّغبة فيه و التّقرّب منه، و في الخيفة معنى اتّقائه و الرّهبة و التّبعّد عنه. (8: 382)

و لاحظ:< لاتخَفْ >.

ص: 272

خيفَتِهِ

وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلئِكَةُ’ مِنْ خيفَتِهِ.. .

الرّعد: 13

ابن عبّاس: إنّهم خائفون من الله و ليس كخوف ابن آدم، لايعرف أحدهم مَن على يمينه و مَن على يساره، لايشغله عن عبادة الله طعام و لاشراب و لاشيء. (الواحديّ 3: 10)

الطّبَريّ: تسبّح الملائكة من خيفة الله و رهبته.

(7: 360)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما: [قول الطّبَريّ]

الثّاني: من خيفة الرّعد. (3: 101)

الطُّوسيّ: و قوله: { وَ الْمَلئِكَةُ’ مِنْ خيفَتِهِ } تقديره و يسبّحه الملائكة من خيفته. و الفرق بين الخيفة و الخوف: أنّ الخيفة صفة للحال، مثل قولك: هذه ركبة، أي حال من الرّكوب الحسن، و كذلك هذه خيفة شديدة. و الخوف مصدره مطلق غير مضمّن بالحال. (6: 230)

الواحديّ: يعني و يسبّح الملائكة من خيفة الله وخشيته. (3: 10)

نحوه الطَّبْرِسيّ (3: 283)، و الفَخْرالرّازيّ (19: 26).

الزّمَخْشَريّ: و يسبّح الملائكة من هيبته و إجلاله. (2: 353)

نحوه البَيْضاويّ (1: 516)، و النّسَفيّ (2: 244)، و أبوالسُّعود (3: 444).

أبوحَيّان: و الظّاهر عود الضّمير في قوله:{ مِنْ خيفَتِهِ } على الله تعالى، كما عاد عليه في قوله: { بِحَمْدِهِ }. و معنى { خيفَتِهِ }: من هيبته و إجلاله.

و قيل: يعود على { الرَّعْدُ }، و الملائكةأعوانه جعل الله له ذلك، فهم خائفون خاضعون طائعون له، و{ الرَّعْدُ } و إن كان مندرجًا تحت لفظ { الْمَلئِكَةِ’ }، فهو تعميم بعدتخصيص، انتهى. و هو قول ضعيف.

(5: 375)

نحوه الآلوسيّ. (13: 120)

البُرُوسَويّ: يسبّح الملائكة من خوف الله و خشيته و هيبته و جلاله. (4: 353)

نحوه القاسميّ. (9: 3660)

مكارم الشّيرازيّ: فهم يخافون من تقصيرهم في تنفيذ الأوامر المُلقاة على عاتقهم، و بالتّالي فهم يخشون العقاب الإلهيّ، و نحن نعلم أنّ الخوف يُصيب أُولئك الّذين يحسّون بمسؤوليّاتهم و وظائفهم، خوف إيجابيّ يحثّ الشّخص على السّعي و الحركة.

(7: 321)

فضل الله: {وَ الْمَلئِكَةُ’ مِنْ خيفَتِهِ } بما يتمثّلونه من خشية لله و إحساس بعظمته، فيسبّحونه إعلا نًا للطّاعة، و ابتعادًا عن المعصية، ورغبةً في ثوابه، و خوفًا من عقابه. إنّه الخوف الّذي يحرّ ك الإحساس بالمسؤوليّة في وعي المخلوق، انطلاقًا من الإحساس الواعي بالعظمة، و ليس الخوف الّذي يسحق الذّات، و يسقط إحساسها بالحياة. (13: 31)

ص: 273

خَوْفٌ

اَ لَّذينَ‘ يُنْفِقُونَ اَمْوَالَهُمْ فى سَبيلِ‘ اللهِ ثُمَّ لايُتْبِعُونَ مَا اَ نْفَقُوا مَنًّا وَ لا اَذى لَهُمْ اَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاهُمْ يَحْزَنُونَ. البقرة: 262

الطُّوسيّ: الخوف يوقع الضّرر الّذي لايؤمن وقوعه { وَ لاهُمْ يَحْزَنُونَ } فالحزن: الغمّ الّذي يغلظ على النّفس، و منه الحزن: الأرض الغليظة. و قيل في معناه قولان:

أحدهما: لاخوف عليهم لفوت الأجر.

و الثّاني: لاخوف عليهم لأهوال الآخرة.

و قيل: إنّه دليل على أنّ الوعد بشرط، لأ نّه مغموم الكلام، لأنّ تقديره في المعنى: إن لم يتّبعوا ما أنفقوا منًّا و لا أذى ، فلهم من الأجر كذا. و ليس في الآية ما يدلّ على صحّة القول بالإحباط أصلا ، لأنّ الوعد متى كان مشروطًا بأن لايُتّبع بالمنّ و الأذى، فمتى اتُّبع بهما لم يحصل الشّرط الّذي يوجب استحقاق الثّواب، فلم يحصل شيء أصلا ثمّ انحبط. و إنّما كان فيه لبس لو ثبت استحقاقهم بنفس الإنفاق، فإذا اتُّبع بالمنّ انحبط ذلك. و هذا ليس في الاية.

(2: 334)

ابن عَطيّة: ضمن الله الأجر للمُنفق في سبيل الله، و الأجر: الجنّة، و نفى عنه الخوف بعد موته لما يُستقبل، و الحزن على ما سلف من دنياه، لأ نّه يغتبط بآخرته.

(1: 356)

الفَخْرالرّازيّ: فيه قولان: الأوّل: أنّ إنفاقهم في سبيل الله لايضيع، بل ثوابه موفّر عليهم يوم القيامة، لايخافون من أن لايوجد، و لايحزنون بسبب أن لا يوجد، و هو كقوله تعالى: { وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلايَخَافُ ظُلْمًا وَ لاهَضْمًا} طه: 112.

و الثّاني: أن يكون المراد أ نّهم يوم القيامة لايخافون العذاب ألبتّة، كما قال: { وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذ امِنُونَ } النّمل: 89، و قال: { لايَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاَكْبَرُ } الأنبياء: 103. (7: 51)

نحوه النَّيسابوريّ. (3: 44)

لاحظ: ح ز ن: < يَحْزَ نُونَ >.

الْخَوْ ف

1 وَ لَنَبْلُوَ نَّكُمْ بِشَىْء مِنَ الْخَوْ فِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْص مِنَ الاَمْوَالِ وَالاَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَ بَشِّرِ الصَّا بِرينَ‘. البقرة: 155

2 وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا قَرْ يَةً كَانَت امِنَةًمُطْمَئِنَّةً يَاْتيهَا‘ رِزْ قُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَان فَكَفَرَتْ بِاَنْعُمِ اللهِ فَاَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ.

النّحل: 112

راجع:ج و ع: < الجُوع >.

3 وَ اِذَا جَاءَهُمْ اَمْرٌ مِنَ الاَمْنِ اَوِ الْخَوْفِ اَذَاعُوا بِهِ... النّساء: 83

ابن عبّاس: و إن جاء خبر خوف من العسكر أو القتل أو الهزيمة { اَذَاعُوا بِهِ }. (75)

ص: 274

الزّجّاج: أُعلم تجمّع قوم يخاف من جمع مثلهم.

(2: 83)

الثّعلبيّ: كالهزيمة و القتل. (3: 351)

نحوه الخازن (1: 470)، و الشِّربينيّ (1: 319).

الماوَرْديّ: ما يعزم عليه النّبيّ من الحرب والقتال.

(ابن الجَوْزيّ2: 146)

الواحديّ: يعني الهزيمة. (2: 87)

ابن عَطيّة: و إذا طرأت لهم شبهة خوف المسلمين أو مصيبة عظّموها، و أذاعوا ذلك التّعظيم. (2: 84)

الطَّبْرِسيّ: يريد ما كان يرجف به من الأخبار في المدينة: إمّا من قِبَل عدوّ يقصدهم و هو الخوف، أو من ظهور المؤمنين على عدوّهم و هو الأمن. (2: 82)

ابن الجَوْزيّ: و في « الخوف » ثلاثة أقوال:

أحدها: أنّه النّكبة الّتي تصيب السّريّة، ذكره جماعة من المفسّرين.

و الثّاني: و الثّالث: [قول الزّجّاج والماوَرْديّ]

(2: 146)

و راجع: ذ ي ع: < اَذَاعُوا >.

4 و 5 فَاِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَاَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ اِلَيْكَ تَدُورُ اَعْيُنُهُمْ كَالَّذى‘ يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَاِذَا ذَهَبَ الْخَوْ فُ سَلَقُوكُمْ بِاَلْسِنَة حِدَاد. الأحزاب: 19

ابن عبّاس: خوف العدوّ. (352)

السُّدّيّ: إذا جاء الخوف من قتال العدوّ إذا أقبل.

(الماوَرْديّ4: 385)

الطّبَريّ: فإذا حضر البأس، و جاء القتال خافوا الهلاك و القتل، رأيتهم يا محمّد ينظرون إليك لواذًا بك، تدور أعينهم خوفًا من القتل، و فرارًا منه.

(10: 275)

الماوَرْديّ: فيه قولان:

أحدهما: [قول السُّدّيّ]

الثّاني: الخوف من النّبيّ إذا غلب. قاله ابن شجرة.

(4: 385)

الفَخْرالرّازيّ: إشارة إلى غاية جبنهم و نهايةروعهم، و اعلم أنّ البخل شبيه الجبن، فلمّا ذكر البخل بيّن سببه و هو الجبن. و الّذي يدلّ عليه هو أنّ الجبان يبخل بماله و لاينفقه في سبيل الله لأ نّه لايتوقّع الظّفر،فلايرجو الغنيمة، فيقول: هذا إنفاق لابدل له، فيتوقّف فيه. و أمّا الشّجاع فيتيقّن الظّفر و الاغتنام فيهون عليه إخراج المال في القتال، طمعًا فيما هو أضعاف ذلك.

و أمّا بالنّفس و البدن فكذلك، فإنّ الجبان يخاف قرنه و يتصوّر الفَشَل، فيجبن و يترك الإقدام، و أمّا الشّجاع فيحكم بالغلبة و النّصر فيُقدم. (25: 201)

الشِّربينيّ: أي بمجيء أسبابه من الحرب و مقدّماته. (3: 232)

الآلوسيّ: من العدوّ و توّقع أن يستأصل أهل المدينة. (21: 165)

ابن عاشور: { الْخَوْفُ } : توقّع القتال بين الجَيشَيْن، و منه سمّيت صلاة الخوف. و المقصود: وصفهم بالجبن، أي إذا رأوا جيوش العدوّ مُقبلة رأيتهم ينظرون إليك.

ص: 275

و الظّاهر أنّ الآية تشير إلى ما حصل في بعض أيّام الأحزاب من القتال بين الفُرسان الثّلاثة الّذين اقتحموا الخندق من أضيق جهاته، و بين عليّ بن أبي طالب و من معه من المسلمين كما تقدّم. (21: 218)

الطَّباطَبائيّ: فإذا جاء الخوف بظهور مخائل القتال، تراهم ينظرون إليك من الخوف نظرًا لاإرادة لهم فيه، و لااستقرار فيه لأعينهم، تدور أعينهم كالمغشيّ عليه من الموت، فإذا ذهب الخوف ضربوكم و طعنوكم بألسنة حداد قاطعة، حال كونهم بخلاء على الخير الّذي نلتموه. (16: 288)

عبدالكريم الخطيب: أي حضر البأس و القتال. و قد عبّر القرآن عنه بالخوف، بالإضافة إليهم، لأنّ القتال يطلع عليهم بما يملأ نفوسهم خوفًا وهلعًا...

و في إقامة الخوف مقام القتال إشارة إلى أنّ المنافقين أجبن النّاس، و أشدّهم حرصًا على الحياة، و أنّ مجرّد ذكر كلمة الحرب عندهم تملأ قلوبهم فزعًا و رُعبًا، فالحرب بالإضافة إليهم خوف متجسّد.

(11: 674)

مكارم الشّيرازيّ: و بعد تبيان بخل هؤلاء و امتناعهم عن أيّ نوع من المساعدة و الإيثار، تتطرّق الآية إلى بيان صفات أُخرى لهم، و الّتي لها صفة العموم في كلّ المنافقين، و في كلّ العصور و القرون، فتقول: { فَاِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَاَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ اِلَيْكَ تَدُورُ اَعْيُنُهُمْ كَالَّذى‘ يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ }.

فلأ نّهم لمّا لم يذوقوا طعم الإيمان الحقيقيّ،

و لم يستندوا إلى عماد قويّ في الحياة، فإنّهم يفقدون السّيطرة على أنفسهم تمامًا، عندما يواجهون حادثًا صعبًا و مأزقًا حرجًا، و كأ نّهم يواجهون الموت.(13: 178)

خَوْفًا

1 وَ لاتُفْسِدُوا فِى الاَرْضِ بَعْدَ اِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا اِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَريبٌ‘ مِنَ الْمُحْسِنينَ.‘

الأعراف: 56

ابن عبّاس: { خَوْفًا } منه و من عذابه. (129)

عطاء: خوفًا من النّيران، و طمعًا في الجنان .

(الطَّبْرِسيّ2: 429)

ابن جُرَيْج: خوفًا من عدله، و طمعًا في فضله.

(الطَّبْرِسيّ2: 429)

الطّبَريّ: و أخلِصُوا له الدّعاء و العمل، و لاتشركوا في عملكم له شيئًا غيره، من الآلهة و الأصنام و غير ذلك، و ليكن ما يكون منكم في ذلك خوفًا من عقابه، و طمعًا في ثوابه. و إنّ من كان دعاؤه إيّاه على غير ذلك، فهو بالآخرة من المكذِّبين، لأنّ من لم يخف عقاب الله و لم يَرْجُ ثوابه، لم يُبال ما ركب من أمر يسخطه الله و لايرضاه. (5: 515)

الزّجّاج: أي أُدعوه خائفين عذابه و طامعين في رحمته. (2: 344)

النّحّاس: و المعنى خوفًامنه، و رجاءً لما عنده.

(3: 44)

الماوَرْديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما: خوفًا من عقابه، و طمعًا في ثوابه.

ص: 276

و الثّاني: خوفًا من الرّدّ، و طمعًا في الإجابة.

(2: 231)

مثله ابن الجَوْزيّ (3: 216)، و نحوه الطَّبْرِسيّ (2: 429).

الطُّوسيّ: أمر من الله تعالى لهم أن يدعوه خوفًا و طمعًا، و هما منصوبان على المصدر، و هما في موضع الحال. و تقديره: ادعوا ربّكم خائفين من عقابه طامعين في ثوابه. و الخوف: هوالانزعاج بمالايؤمن، و الأمن: سكون النّفس إلى انتفاء المضارّ. و الخوف يكون بالعصيان. و الأمن بالإيمان. و الطّمع: توقّع المحبوب، و نقيضه: اليأس، و هو القطع بانتفاء المحبوب.

(4: 456)

ابن عَطيّة: أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترَقّب و تحَزّن و تأميل لله عزّ و جلّ، حتّى يكون الرّجاء و الخوف كالجناحين للطّائر، يحملانه في طريق استقامة، و إن انفرد أحدهما هلك الإنسان. و قد قال كثير من العلماء: ينبغي أن يغلب الخوف الرّجاء طول الحياة، فإذا جاء الموت غلب الرّجاء. و قد رأى كثير من العلماء أن يكون الخوف أغلب على المرء بكثير. و هذا كلّه احتياط.

(2: 411)

نحوه القُرطُبيّ. (7: 227)

البَيْضاويّ: ذي خوف من الرّدّ لقصورأعمالكم و عدم استحقاقكم، و طمع في إجابته، تفضّلا و إحسانًا لفرط رحمته. (1: 352)

النّسَفيّ: حالان، أي خائفين من الرّدّ، طامعين في الإجابة، أو من النّيران و في الجنان، أو من الفراق و في التّلاقي، أو من غيب العاقبة و في ظاهر الهداية، أو من العدل و في الفضل. (2: 57)

راجع: د ع و: < اُدعُوه >.

2 هُوَ الَّذى يُريكُمُ ا لْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ. الرّعد: 12

راجع: ب ر ق: < البَرْق >. (المعجم 5: 339)

3 وَ مِنْ ايَاتِهِ يُريكُمُ ا لْبَرْقَ خَوْفًا وَ طَمَعًا...

الرّوم: 24

الضّحّاك: { خَوْفًا } من الصّواعق، { وَ طَمَعًا } في الغيث. (الماوَرْديّ4: 307)

نحوه الواحديّ (3: 432)، و البغَويّ (3: 575)،

و الطَّباطَبائيّ (16: 168).

قَتادَة: { خَوْفًا } للمسافر، { وَ طَمَعًا } للمقيم.

(الطّبَريّ10: 177)

يحيى بن سلام: خوفًا من البرد أن يهلك الزّرع، و طمعًا في المطرأن يحيي الزّرع. (الماوَرْديّ4: 307)

الطّبَريّ: و من حُجَجه { يُريكُمُ ا لْبَرْقَ خَوْفًا } لكم إذا كنتم سفرًا، أن تمطروا فتتأذّوا به { وَطَمَعًا } لكم إذا كنتم في إقامة أن تُمطروا، فتحيوا و تخصبوا.

(10: 176)

الزّجّاج: { خَوْفًا وَ طَمَعًا } منصوبان على المفعول له، المعنى يريكم البرق للخوف و الطّمع، و هو خوف للمسافر، و طمع للحاضر. (4: 182)

أبومسلم الأصفهانيّ: { خَوْفًا } أن يكون

ص: 277

البرق برقًا خُلّبًا لايمطر، { وَ طَمَعًا } أن يكون ممطرًا.

(الماوَرْديّ4: 307)

الزّمَخْشَريّ: { خَوْفًا } من الصّاعقة أو من الإخلاف { وَطَمَعًا } في الغيث. و قيل: { خَوْفًا } للمسافر { وَطَمَعًا } للحاضر. و هما منصوبان على المفعول له.

فإن قلت: من حقّ المفعول له أن يكون فعلا لفاعل الفعل المعلّل، و الخوف و الطّمع ليسا كذلك.

قلت: فيه وجهان:

أحدهما: أنّ المفعولين فاعلون في المعنى، لأ نّهم راءُون، فكأ نّه قيل: يجعلكم رائين البرق خوفًا و طمعًا.

و الثّاني: أن يكون على تقدير حذف المضاف، أي إرادة خوف و إرادة طمع، فحذف المضاف و أُقيم المضاف إليه مقامه. و يجوز أن يكون حالين، أي خائفين و طامعين. (3: 219)

نحوه النّسَفيّ. (3: 270)

ابن عَطيّة: [نقل قول قَتادَة ثمّ قال:]و لاوجه لهذا التّخصيص و نحوه، بل فيه الخوف و الطّمع لكلّ بشر. (4: 334)

البَيْضاويّ: { خَوْفًا } من الصّاعقة أو للمسافر، { وَ طَمَعًا } في الغيث أو للمقيم. و نصبهما على العلّة لفعل يلزم المذكور، فإنّ إراءتهم تستلزم رؤيتهم، أو له على تقدير مضاف، نحو إرادة خوف و طمع، أو تأويل الخوف و الطّمع بالإخافة و الإطماع، كقولك: فعلته رغمًا للشّيطان، أو على الحال مثل كلّمتُه شفاهًا.

(2: 219)

نحوه أبوالسُّعود. (5: 172)

الخازن: أي للمسافر ليستعدّ للمطر، { وَ طَمَعًا } يعني للمقيم ليستعدّ المحتاج إليه من أجل الزّرع و تسوية طرق المصانع. (5: 171)

الشِّربينيّ: أي للإخافة من الصّواعق المحرقة، { وَ طَمَعًا } أي و للإطماع في المياه العذبة. (3: 164)

البُرُوسَويّ : { خَوْفًا } مفعول له بمعنى الإخافة، كقوله: فعلته رغمًا للشّيطان، أي إرغامًا له. و المعنى: يريكم ضوء السّحاب إخافة من الصّاعقة ، خصوصًا لمن كان في البريّة من أبناء السّبيل و غيرهم. {وَطَمَعًا} أي إطماعًا في الغيث لاسيّما لمن كان مقيمًا.

فإن قلت: المقيم يطمع لضرورة سقي الزّروع و الكروم و البساتين و نحوها، و أمّا المسافر فلا؟

قلت: يطمع المسافر أيضًا في الأرض القفر. [إلى أن قال:]

و في< التّأويلات النّجميّة >: { وَ مِنْ

ايَاتِهِ يُريكُمْ ا لْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا } أي برق شواهد الحقّ عند انحراق سحاب حُجُب البشريّة،وظهور تلألؤ أنوارالرّوحانيّة: أوّلها البروق، ثمّ اللّوامع، ثمّ الطّوالع، ثمّ الإشراق، ثمّ التّجلّي. فبنور البرق يرى شهوات الدّنيا أ نّها نيران، فيخاف منها و يتركها، و يرى مكروهات تكاليف الشّرع على النّفس أ نّها جنان، فيطمع فيها و يطلبها.

(7: 24)

الآلوسي: [ذكر أقوال المتقدّمين و أضاف:]

و نصبهما على العلّة عند الزّجّاج و هو على

ص: 278

مذهب من لايشترط في نصب المفعول له اتّحاد المصدر و الفعل المعلّل في الفاعل، ظاهر. و أمّا على مذهب الأكثرين المشترطين لذلك، فقيل في توجيهه: إنّ ذلك على تقدير مضاف، أي إرادة خوف و طمع، أو على تأويل الخوف و الطّمع بالإخافة و الإطماع: إمّا بأن يجعل أصلهما ذلك على حذف الزّوائد، أو بأن يُجعلا مجازين عن سببيهما.

و قيل: إنّ ذلك لأنّ إراءتهم تستلزم رؤيتهم، فالمفعولون فاعلون في المعنى، فكأ نّه قيل: لجعلكم رائين خوفًا و طمعًا.

و اعتُرض بأنّ الخوف و الطّمع ليسا غرضين للرّؤية و لاداعيَيْن لها بل يتّبعانها، فكيف يكونان علّة على فرض الاكتفاء بمثل ذلك عندالمشترطين؟

و وُجّه بأ نّه ليس المراد بالرّؤية مجرّد و قوع البصر بل الرّؤية القصديّة بالتّوجّه و الإلتفات، فهو مثل قعَدتُ عن الحرب جُبْنًا.

و لم يرتض ذلك أبو حَيّان أيضًا، ثمّ قال: لو قيل على مذهب المشترطين: إنّ التّقدير يريكم البرق فترونه خوفًا و طمعًا، فحذف العامل للدّلالة عليه، لكان إعرابًا سائغًا.

و قيل : لعلّ الأظهر نصبهما على العلّة للإراءة، لوجود المقارنة و الاتّحاد في الفاعل، فإن الله تعالى هو خالق الخوف و الطّمع. و كون معنى قول النّحاة< لابدّ أن يكون المفعول له فعل الفاعل > أ نّه لابدّ من كونه متّصفًا به، كالإكرام في قولك: < جئتك إكرامًا لك >إن سلم، فلاحجر من الانتصاب على التّشبيه في المقارنة و الاتّحاد المذكور.

و تعقّب بأنّ كون المعنى ما ذكر ممّا لاشبهة فيه، وقد ذكره صاحب < الانتصاف > و غيره، فإنّ الفاعل اللُّغويّ غير الفاعل الحقيقيّ، فالتّوقّف فيه و إدّعاء أ نّه لاحجر من الانتصاب على التّشبيه، ممّا لاوجه له.

وأنا أميل إلى عدم اشتراط الاتّحاد في الفاعل، لكثرة النّصب مع عدم الاتّحاد، كما يشهد بذلك التّتبّع و الرّجوع إلى شرح الكافية للرّضيّ.و التّأويل مع الكثرة ممّا لاموجب له.

و جُوّز أن يكون النّصب هنا على المصدر، أي تخافون خوفًا و تطمعون طمعًا، على أن تكون الجملة حالا . و أولى منه أن يكونا نصبًا على الحال، أي خائفين و طامعين. (21: 33)

ابن عاشور: و قوله: { خَوْفًا وَ طَمَعًا } مفعول لأجله معطوف عليه. و المراد: خوفًا تخافونه و طمعًا تطمعونه. فالمصدران مؤوّ لان بمعنى الإرادة، أي إرادة أن تخافوا خوفًا و تطمعوا. (21: 39)

عبد الكريم الخطيب: قوله تعالى: { خَوْفًا وَ طَمَعًا } إشارة إلى أنّ لمعان البرق و إن طلع على النّاس بما يبشّر بالغيث فإنّه يضع المشاعر المترقّبة للمطر، المتلهّفة عليه، في موضع متأزّم، بين الخوف و الرّجاء، بل إنّ الخوف ليغلب على الرّجاء، و خاصّة إذا كانت الحاجة إلى المطر شديدة، و الطّلب له ملحًّا. و هذا هوالسّرّ في تقديم الخوف على الطّمع.

(11: 505)

مكارم الشّيرازيّ: الخوف ممّا يخطر على البال

ص: 279

من احتمال نزول الصّاعقة مع البرق، فتحرق كلّ شيء تقع عليه، و تحيله رمادًا.

و الطّمع من جهة نزول الغيث الّذي ينزل بعد البرق و الرّعد على هيئة قطر أو مُزْنة! (12: 459)

4 تَتَجَافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَ طَمَعًا وَ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ.

السّجدة: 16

ابن عبّاس: خوفًا من النّار، و طمعًا فيالجنّة.

(البغَويّ 3: 601)

قَتادَة: خوفًا من عذاب الله، و طمعًا في رحمة الله.

(الطّبَريّ10: 241)

نحوه الطَّبْرِسيّ (4: 331)، والبَيْضاويّ (2: 235)، و النّسَفيّ (3: 289)، والشِّربينيّ (3: 210).

الزّجّاج: [مثل قَتادَة و أضاف:]

و انتصاب{ خَوْفًا وَ طَمَعًا } لأ نّه مفعول له، كما تقول: فعلت ذلك حذار الشّرّ أي لحذار الشّرّ. و حقيقته أ نّه في موضع المصدر، لأنّ { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } في هذا الموضع يدلّ على أ نّهم يخافون عذابه و يرجون رحمته، فهو في تأويل يخافون خوفًا و يطمعون طمعًا.

(4: 207)

نحوه الطُّوسيّ (8: 303)، و القُرطُبيّ (14: 103).

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما: خوفًا من حسابه، و طمعًا في رحمته.

الثّاني: خوفًا من عقابه، و طمعًا في ثوابه.

و يحتمل ثالثًا: يدعونه في دفع ما يخافون و التماس ما يرجون، و لايعدلون عنه في خوف و لارجاء. (4: 363)

الفَخْرالرّازيّ: قوله: { خَوْفًا وَطَمَعًا } يحتمل أن يكون مفعولا له، و يحتمل أن يكون حالا ، أي خائفين طامعين، كقولك جاؤوني زُوّرًا، أي زائرين. و كأنّ في الآية الأُولى إشارة إلى المرتبة العالية، و هي العبادة لوجه الله تعالى مع الذّهول عن الخوف و الطّمع، بدليل قوله تعالى: { اِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا } السّجدة: 15، فإنّه يدلّ على أنّ عند مجرّد الذّكر يوجد منهم السّجود و إن لم يكن خوف و طمع.

و في الآية الثّانية إشارة إلى المرتبتين الأخيرتين و هي العبادة خوفًا، كمن يخدم الملك الجبّار مخافة سطوته، أو يخدم الملك الجواد طمعًا في برّه. (25: 181)

أبوالسُّعود: { خَوْفًا } من سخطه و عذابه و عدم قبول عبادته، { وَطَمَعًا } في رحمته. (5: 204)

نحوه البُرُوسَويّ ( 7: 119 )، و الآلوسيّ ( 21 : 131) .

ابن عاشور: و انتصب { خَوْفاً وَ طَمَعًا } على الحال بتأويل خائفين و طامعين، أي[خوفًا] من غضبه و طمعًا في رضاه و ثوابه، أي هاتان صفتان لهم. و يجوز أن ينتصبا على المفعول لأجله، أي لأجل الخوف من ربّهم و الطّمع في رحمته. (21: 161)

الطَّباطَبائيّ: و قوله: { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا } حال من ضمير{ جُنُوبُهُمْ} و المراد: اشتغالهم بدعاء ربّهم في جوف اللّيل، حين تنام العيون و تسكن الأنفاس، لاخوفًا من سخطه تعالى فقط حتى يغشيهم اليأس من رحمة الله، و لاطمعًافي ثوابه فقط حتّى

ص: 280

يأمنوا غضبه و مكره بل يدعونه خوفًا و طمعًا، فيُؤثرون في دعائهم أدب العبوديّة على ما يبعثهم إليه الهُدى. و هذا التّجافي و الدّعاء ينطبق على النّوافل اللّيليّة. (16: 263)

مكارم الشّيرازيّ: و هنا تذكر الآية صفتين أُخريين لهؤلاء، هما: < الخوف > و < الرّجاء >، فلا يأمنون غضب الله عزّوجلّ، و لاييأسون من رحمته، و التّوازن بين < الخوف > و < الرّجاء > هو ضمان تكاملهم و توغّلهم في الطّريق إلى الله سبحانه، و الحاكم على وجودهم دائمًا، لأنّ غلبة الخوف تجرّ الإنسان إلى اليأس و القنوط، و غلبة الرّجاء تُغري الإنسان و تجعله في غفلة، و كلاهما عدوّ للإنسان في سيره التّكامليّ إلى الله سبحانه. (13: 113)

فضل الله: لأ نّهم لايخافون إلامن عقابه، و لايطمعون إلابرحمته و نعمته من دون إحساس بالذّلّ في السّؤال، لأنّ الذّلّ أمام الله من موقع العبوديّة، هي قاعدة العزّة أمام الآخرين. و كيف يحس الإنسان بالذّلّ في سؤاله لربّه، و كلّ وجوده تجسيد لعبوديّته له و خضوعه له، ما يفرض عليه أن يؤكّد ارتباطه به، ليؤكّد انفصاله عن غيره، فليس للآخرين إلادور الأداة في قضاء حاجاته.

(18: 235)

خَوْ فِهِمْ

... وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِى ارْ تَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ اَمْنًا... النّور: 55

راجع: ب د ل: < لَيُبَدِّ لَنَّهُمْ >.

يُخَوِّفُ

1 اِنَّمَا ذلِكُمُ ’الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ فَلاتَخَافُو هُمْ وَخَافُونِ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘. آل عمران: 175

لاحظ: < تَخَافُوهُمْ > و<خَافُونى >.

2 لَهُمْ مِنْ فَوْ قِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ’ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُون ِ.

الزّمر: 16

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: هذا الّذي أخبرتكم أيّها النّاس به، ممّا للخاسرين يوم القيامة من العذاب، تخويف من ربّكم لكم، يخوّفكم به لتحذروه، فتجتنبوا معاصيه، و تُنيبوا من كفركم إلى الإيمان به، و تصديق رسوله، و اتّباع أمره و نهيه، فتنجوا من عذابه في الآخرة. (10: 624)

الزّجّاج: أي ذلك الّذي وصف من العذاب و ما أعدّه لأهل الضّلال الّذي يخوّف الله به عباده.

(4: 349)

الطُّوسيّ: و التّخويف: الإعلام بموضع المخافة لتُتّقى، و مثله التّحذير و التّرهيب. (9: 15)

القُشَيْريّ: إن خفت اليوم كُفيَت خوف ذلك اليوم، و إلافبين يديك عَقبَة كؤُود. (5: 274)الواحديّ: يعني أنّ ما ذُكر من العذاب معدّ للكفّار، و هو تخويف للمؤمنين ليخافوا، فيتّقوه بالطّاعة و التّوحيد. (3: 575)

نحوه الطَّبْرِسيّ (4: 493)، و الخازن (6: 59).

ص: 281

الزّمَخْشَريّ: و يخوّفهم ليجتنبوا ما يوقعهم فيه.

(3: 392)

نحوه البَيْضاويّ(2: 319)،و أبوالسُّعود(5: 385)، و البُرُوسَويّ(8: 88).

ابن عَطيّة: يريد جميع العالم، خوّفهم الله النّار و حذّرهم منها، فمن هدى و آمن نجا، و من كفر حصل فيما خُوّف منه. (5: 525)

الفَخْرالرّازيّ: أي ذلك الّذي تقدّم ذكره من وصف العذاب، فقوله: ( ذلِكَ ) مبتدأ و قوله: { يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ } خبر، و في قوله: { يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ } قولان:

الأوّل: التّقدير: ذلك العذاب المُعَدّ للكفّار هو الّذي يخوّف الله به عباده، أي المؤمنين، لأ نّا بيّنّا أنّ لفظ < العباد > في القرآن مختص بأهل الإيمان، و إنّما كان تخويفًا للمؤمنين، لأجل أ نّهم إذا سمعوا أنّ حال الكفّار ما تقدّم خافوا فأخلصوا في التّوحيد و الطّاعة.

الوجه الثّاني: أنّ هذا الكلام في تقدير جواب عن سؤال، لأ نّه يقال: إنّه تعالى غنيّ عن العالمين منزّه عن الشّهوة و الانتقام و داعية الإيذاء، فكيف يليق به أن يُعذّب هؤلاء المساكين إلى هذا الحدّ العظيم؟

و أُجيب عنه بأنّ المقصود منه تخويف الكفّار و الضّلال عن الكفر و الضّلال، فإذا كان التّكليف لايتمّ إلابالتّخويف، و التّخويف لايكمل الانتفاع به إلابإدخال ذلك الشّيء في الوجود، وجب إدخال ذلك النّوع من العذاب في الوجود، تحصيلا لذلك المطلوب الّذي هو التّكليف.

و الوجه الأوّل عندي أقرب، و الدّليل عليه أنّه قال بعده: { قَليلا ‘ وَاِيَّاىَ فَاتَّقُون ِ} البقرة: 41، و قوله: { يَا عِبَادِ} الأظهر منه أنّ المراد منه المؤمنون، فكأ نّه قيل: المقصود من شرح عذاب ا لكفّار للمؤمنين تخويف المؤمنين فيا أيّها المؤمنون بالغوا في الخوف و الحذر و التّقوى. (26: 257)

نحوه الشِّربينيّ. (3: 438)

النّسَفيّ: ليؤمنوا به و يجتنبوا مناهيه. (4: 53)

أبوحَيّان: أي ذلك العذاب يخوّف الله به عباده ليعلموا ما يُخلّصكم منه. (7: 420)

الآلوسيّ: يذكّره سبحانه لهم بآيات الوعيد، ليخافوا فيجتنبوا ما يوقعهم فيه. و خص بعضهم العباد بالمؤمنين، لأ نّهم المنتفعون بالتّخويف، و عمّم آخرون.

(23: 251)

ابن عاشور: و التّخويف: مصدرخوّفه، إذا جعله خائفًا، إذا أراه و وصف له شيئًا يُثير في نفسه الخوف، و هو الشّعور بما يُؤلم النّفسبواسطة إحدى الحواسّ الخمس. (24: 48)

يُخَوِّ فُونَكَ

اَلَيْسَ اللهُ بِكَاف عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذينَ‘ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد. الزّمر: 36

السُّدّيّ: و يخوّفونك بآلهتهم الّتي كانوا يعبدون.

(418)

ابن زَيْد: يخوّفونك بآلهتهم الّتي من دونه.

(الطّبَري11ّ: 7)

ص: 282

نحوه الزّجّاج. (4: 355)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد(صلی الله علیه و آله): و يخوّفك هؤلاء المشركون يا محمّد بالّذين من دون الله من الأوثان و الآلهة أن تصيبك بسوء، ببراءتك منها، و عيبك لها، و الله كافيك ذلك. (11: 7)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما: أ نّهم كانوا يخوّفونه بأوثانهم يقولون: تفعل بك و تفعل، قاله الكَلْبيّ و السُّدّيّ.

الثّاني: يخوّفونه من أنفسهم بالوعيد و التّهديد.

(5: 127)

البغَويّ: و ذلك أ نّهم خوّفوا النّبيّ (صلی الله علیه و آله) مَعَرّة معاداة الأوثان، و قالوا: لتَكُفّنّ عن شتم آلهتنا، أو ليُصيبنّك منهم خبَل أو جنون. (4: 90)

الفَخْرالرّازيّ: يعني لمّا ثبت أنّ الله كاف عبده كان التّخويف بغير الله عبثًا و باطلا ...روي أنّ قريشًا قالت للنّبيّ (صلی الله علیه و آله): إنّا نخاف أن تخبلك آلهتنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية. (26: 281)

نحوه البَيْضاويّ (2: 323)، و النّسَفيّ (4: 58)، و البُرُوسَويّ (7: 110)، و الآلوسيّ (24: 5).

أبوحَيّان: قوله: { يُخَوِّفُونَكَ } تهكّم بهم، لأ نّهم خوّفوه بما لايقدر على نفع و لاضرر، و نظير هذا التّخويف قول قوم هود له: { اِنْ نَقُولُ اِلا اعْتَريكَ بَعْضُ الِهَتِنَا بِسُوء } هود: 54. (7: 429)

ابن عاشور: و الخطاب في { وَيُخَوِّفُونَكَ }للنّبيّ (صلی الله علیه و آله) و هو التفات من ضمير الغيبة العائد على { عَبْدَهُ} و نكتة هذا الالتفات هو تمحيض قصد النّبيّ بمضمون هذه الجملة، بخلاف جملة { اَلَيْسَ اللهُ بِكَاف عَبْدَهُ }.

(24: 91)

عبدالكريم الخطيب: و المشركون يخوّفونك بآلهتهم، و ما يقدرون أن يلحقوه بك من سوء، فهل يقع في نفسك شيء من هذا الخوف الموهوم، و أنت في حراسة الله و رعايته؟ (12: 1155)

نُخَوِّ فُهُمْ

وَاِذْ قُلْنَا لَكَ اِنَّ رَبَّكَ اَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّ ؤْ يَا الَّتى اَرَيْنَاكَ اِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْ انِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزيدُهُمْ اِلا طُغْيَانًا كَبيرً ا‘. الإسراء:60

ابن عبّاس: { وَ نُخَوِّفُهُم } بشجرة الزّ قّوم.

(238)الطّبَريّ: و نخوّف هؤلاء المشركين بما نتوعّدهم من العقوبات و النّكال، فما يزيدهم تخويفنا إلاطغيانًا كبيرًا. يقول: إلاتماديًّا و غيًّا كبيرًا في كفرهم؛ و ذلك أ نّهم لمّا خُوّفوا بالنّار الّتي طعامهم فيها الزّ قّوم دعوا بالتّمرو الزّبد، و قالوا: تزقّموا من هذا. (8: 106)

الطُّوسيّ: أي نُرهبهم بما نقص عليهم من هلاك من مضى بها. (6: 495)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (3: 424)

الزّمَخْشَريّ: أي نخوّفهم بمخاوف الدّنيا

و الآخرة. (2: 455)

نحوه النّسَفيّ (2: 320)، و النَّيسابوريّ(15: 51).

الفَخْرالرّازيّ: و المقصود منه ذكرسبب آخر في أ نّه تعالى ما أظهر المعجزات الّتي اقترحوها؛ و ذلك

ص: 283

لأنّ هؤلاء خُوّفوا بمخاوف الدّنيا و الآخرة و بشجرة الزّ قّوم، فما زادهم هذا التّخويف إلاطغيانًا كبيرًا.

(20: 238)

أبوالسُّعود: و نخوّفهم بذلك و بنظائرها من الآيات، فإنّ الكلّ للتّخويف، و إيثار صيغة الاستقبال للدّلالة على التّجدّد و الاستمرار. (4: 142)

نحوه البُرُوسَويّ ( 5: 179 ) ،و الآلوسيّ ( 15: 106) .

الطَّباطَبائيّ: و المراد بالتّخويف: إمّا التّخويف بالموعظة و البيان، أو بالآيات المخوّفة الّتي هي دون الآيات المهلكة المبيدة، و المعنى و نخوّف النّاس.

(13: 139)

تَخْويفًا

...فَظَلَمُو بِهَا.وَمَا نُرْسِلُ بِالايَاتِ’ اِلا تَخْويفًا‘.

الإسراء: 59

ابن عبّاس: بالعذاب لنهلكهم إن لم يؤمنوا بها.

(238)

الطُّوسيّ: أي لم نبعث الآيات و نُظهرها إلالتخويف العباد من عقوبة الله و معاصيه. (6: 493)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (3: 423)

القُشَيْريّ: التّخويف بالآيات ذلك من مقتضى تجمّله، فإن لم يخافوا وقع عليهم العذاب. ثمّ إنّه علم أ نّه لايفوته شيء بتأخير العقوبة عنهم، فأخّر العذاب، و له أن يفعل ما يشاء بمقتضى حكمه و علمه. (4: 27)

الواحديّ: { تَخْويفًا ‘} للعباد ليتّعظوا و يخافوا.

(3: 114)

الزّمَخْشَريّ: { وَ مَا نُرْسِلُ بِالايَاتِ’ }إن أراد بها الآيات المقترحة، فالمعنى لانرسلها { اِلا تَخْويفًا ‘} من نزول العذاب العاجل كالطّليعة و المقدّمة له، فإن لم يخافوا وقع عليهم. و إن أراد غيرها فالمعنى: و ما نرسل ما نرسل منالآيات كآيات القرآن وغيرها إلاتخويفًا وإنذارًا بعذاب الآخرة. (2: 454)

نحوه النّسَفيّ (2: 319)،و النَّيسابوريّ (15: 50)، و البُرُوسَويّ (5: 177)، و الآلوسيّ (15: 104).

الفَخْرالرّازيّ: قيل: لاآية إلاو تتضمّن التّخويف بها عند التّكذيب: إمّا من العذاب المعجّل، أو من عذاب الآخرة. (20: 235)

البَيْضاويّ: { اِلاتَخْويفًا ‘} من نزول العذاب المستأصِل، فإن لم يخافوا نزل، أو بغير المقترحة كالمعجزات و آيات القرآن { اِلاتَخْويفًا } بعذاب الآخرة، فإنّ أمر من بعَثتَ إليهم مؤخّر إلى يوم القيامة. (1: 589)

أبوالسُّعود: { وَ مَا نُرْسِلُ بِالا يَاتِ } المقترحة { اِلاتَخْويفًا ‘} لمن أُرسلت هي عليهم ممّا يعقبها من العذاب المستأصِل كالطّليعة له؛ و حيث لم يخافوا ذلك فُعل بهم ما فُعل؛ فلامحلّ للجملة حينئذ من الإعراب.

و يجوز أن تكون حالا من ضمير { ظَلَمُوا }، أي ظلموا بها و لم يخافوا عاقبته، و الحال أنّا ما نرسل بالآيات الّتي هي من جملتها إلا تخويفًا من العذاب الّذي يعقبها فنزل بهم ما نزل. (4: 141)

الطَّباطَبائيّ: أي إنّ الحكمة في الإرسال بالآيات: التّخويف و الإنذار، فإن كانت من الآيات

ص: 284

الّتي تستتبع عذاب الاستئصال، ففيها تخويف بالهلاك في الدّنيا و عذاب النّار في الآخرة، و إن كانت من غيرها ففيها تخويف و إنذار بعقوبة العقبى.

و ليس من البعيد أن يكون المراد بالتّخويف: إيجاد الخوف و الوحشة بإرسال ما دون عذاب الاستئصال، على حدّ ما في قوله تعالى: { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّف فَاِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحيمُ ‘} النّحل: 47، فيرجع محصّل معنى الآية إنّا لانرسل بالآيات المقترحة، لأ نّا لانريد أن نعذّبهم بعذاب الاستئصال، و إنّما نرسل ما نرسل من الآيات تخويفًا، ليحذروا بمشاهدتها عمّا هو أشدّ منها و أفظع. (13: 136)

تَخَوُّف

اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلىتَخَوُّف فَاِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحيمٌ‘.

النّحل:47

ابن عبّاس: على تنقّص رؤسائهم و أصحابهم.

(225)

يعني على تنقّص بأن يهلك واحد بعد واحد فيخافون الفناء. على تقريع بما قدّموه من ذنوبهم.

(الماوَرْديّ3: 190)

الضّحّاك: يعني يأخذالعذاب طائفة و يترك أُخرى، و يعذّب القرية و يُهلكها، و يترك أُخرىإلى جنبها. (الطّبَريّ7: 591)

نحوه مُقاتِل. (2: 471)

الحسَن: أن يُهلك القرية فتخالف القرية الأُخرى.

(الماوَرْديّ3: 190)

الفَرّاء: جاء التّفسير بأ نّه التّنقّص؛ و العرب تقول: تحوّفته بالحاء: تنقّصته من حافاته. فهذا الّذي سمعت. و قد أتى التّفسير بالخاء، و هو معنى. و مثله ممّا قرئ بوجهين قوله: { اِنَّ لَكَ فِى النَّهَارِ سَبْحًا طَويلا‘ } المزّمّل: 7، و ( سَبْخًا ) بالحاء و الخاء؛ و السّبخ: السّعة. و سمعت العرب تقول: سَبّخي صُوفك، و هو شبيه بالنّدف، و السّبح نحو من ذلك، و كلّ صواب بحمد الله.

(2: 101)

أبوعُبَيْدَة: مجازه على تنقّص. [ثمّ استشهد بشعر]

(1: 360)

ابن قُتَيْبَة: أي على تنقّص، و مثله التّخوّن. يقال: تخوّفته الدّهور و تخوّنته، إذا نقصته و أخذت من ماله أو جسمه. (243)

الجُبّائيّ: معناه على تنقّص من الأموال

و الأنفس، بالبلايا و الأسقام، إن لم يعذّبهم بعذاب الاستئصال، لينبّه غيرهم، ويزجرهم.

(الطَّبْرِسيّ3: 364)

الطّبَريّ: فإنّه يعني أو يهلكهم بتخوّف؛ و ذلك بنقص من أطرافهم و نواحيهم الشّيء بعد الشّيء حتّى يهلك جميعهم. يقال منه: تخوّف مالَ فلان الإنفاق، إذا انتقصه.[ثمّ استشهد بشعر] (7: 590)

نحوه البغَويّ. (3: 80)

الزّجّاج: أي أويأخذهم بعد أن يُخيفهم، بأن يُهلك فرقة فتخاف الّتي تليها. (3: 201)

أن يعاقبهم بالنّقص من أموالهم و ثمارهم.

(الماوَرْديّ3: 190)

ص: 285

القُمّيّ: على تيقّظ. (1: 386)

الواحديّ: قال عامّة المفسّرين: على تنقّص إمّا بقتل أو بموت، يعني تنقّص من أطرافهم و نواحيهم، يأخذهم منهم الأوّل فالأوّل، حتّى يأتي الأخذعلى جميعهم. و التّخوّف: التّنقّص. (3: 64)

نحوه الطَّبْرِسيّ (3: 364)، و الخازن (4: 76).

الزّمَخْشَريّ: متخوّفين، و هو أن يُهلك قومًا قبلهم فيتخوّفوا، فيأخذهم بالعذاب و هم متخوّفون متوقّعون، و هو خلاف قوله: { مِنْ حَيْثُ

لايَشْعُرُونَ } النّحل: 45. (2: 411)

نحوه النّسَفيّ(2: 287) و النَّيسابوريّ(14: 72).

الفَخْرالرّازيّ: و في تفسير التّخوّف قولان:

القول الأوّل: التّخوّف < تفعّل > من الخوف. يقال خِفتُ الشّيء و تخوّفته، و المعنى أ نّه تعالى لايأخذهم بالعذاب أوّ لا بل يُخيفهم أوّ لا ثمّ يعذّبهم بعده. و تلك الإخافة هو أ نّه تعالى يُهلك فرقةً فتخاف الّتي تليها، فيكون هذا أخذًا ورد عليهم بعد أن يمرّ بهم قبل ذلك زمانًا طويلا فيالخوف و الوحشة.

و القول الثّاني: أنّ التّخوّف هو التّنقّص، قال ابن الأعرابيّ يقال: تخوّفت الشّيء و تخيّفته إذا تنقّصته.

(20: 38)

نحوه الشِّربينيّ. (2: 233)

البَيْضاويّ: بأن يُهلك قومًا قبلهم فيتخوّفوا، فيأتيهم العذاب و هم متخوّفون، أو على أن ينقص شيئًا بعد شيء في أنفسهم و أموالهم حتّى يهلكوا، من: تخوّفته، إذا تنقّصته. (1: 557)

نحوه الكاشانيّ(3: 138)، و البُرُوسَويّ (5: 39).

أبوالسُّعود: أي مخافة و حذر عن الهلاك و العذاب، بأن يُهلك قومًا قبلهم فيتخوّفوا، فيأخذهم العذاب و هم متخوّفون. و حيث كانت حالتا التّقلّب

و التّخوّف مظنّةً للهرب، عبّر عن إصابة العذاب فيهما بالأخذ، و عن إصابته حالة الغفلة المنبئة عن السّكون بالإتيان.

و قيل: التّخوّف التّنقّص قال قائلهم:

تخوّف الرّحل منها تامكًا قردا

كما تخوّف عود النّبعة السّفَن

أي يأخذهم على أن ينقصهم شيئًا بعد شيء في أنفسهم و أموالهم حتّى يهلكوا. و المراد بذكر الأحوال الثّلاث بيان قدرة الله سبحانه على إهلاكهم بأيّ وجه كان، لاالحصر فيها. (4: 65)

نحوه الآلوسيّ. (14: 151)

الطَّباطَبائيّ: التّخوّف: تمكّن الخوف من النّفس و استقراره فيها، فالأخذ على تخوّف هو العذاب مبنيًّا على المخافة بأن يشعروا بالعذاب، فيتّقوه و يحذروه بما استطاعوا من توبة و ندامة و نحوهما، فيكون الأخذ على تخوّف مقابلا لإتيان العذاب، من حيث لايشعرون.

و ربّما قيل: إنّ الأخذ على تخوّف، هو العذاب بما يُخاف منه من غير هلاك، كالزّلزلة و الطّوفان و غيرهما.

و ربّما قيل: إنّ معنى التّخوّف: التّنقّص بأن يأخذهم الله بنقص النّعم واحدة بعد واحدة تدريجيًّا،

ص: 286

كأخذ الأمن ثمّ الأمطار ثمّ الرّخص ثمّ الصّحّة و هكذا.

(12: 263)

عبدالكريم الخطيب: أي على توقّع للبلاء، بين يدي إرهاصات

تهدّد به و تُنذر بوقوعه، إنّ عذاب الله يقع حيث يشاء الله، و متى يشاء، و ما هو من الظّالمين ببعيد.

(7: 303)

فضل الله: و هم يعيشون حالة التّرقّب و الحذر من العذاب، الّتي تدفعهم إلى الشّعور بالخوف الدّاخليّ، الّذي يجعل الإنسان في حالة صعبة من القلق، فلايفاجئه العذاب بل يكون مستعدًّا له.

و ذكر بعض المفسّرين أنّ المراد بالتّخوّفالتّنقّص، و هو إيقاع النّقص بهم؛ و ذلك بأن يأخذهم الله بنقص النّعم واحدة بعد واحدة تدريجيًّا، كأخذ الأمن ثمّ المطر ثمّ الرّخص ثمّ الصّحّة، و ربّما كانت المناسبة في هذا المعنى أنّ هذه التّدريجيّة في إنزال العذاب، تدفع إلى الخوف من المستقبل الّذي يكون العذاب الحاضر نذيرًا به. (13: 236)

الوُجوه و النّظائر

الحيريّ: الخوف على أربعة أوجه:

أحدها: الخشية، كقوله في البقرة: 38، و المائدة: 69، و الأعراف: 35، و يونس: 62، و الأحقاف: 13، { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ } ، و قوله: { وَ يَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ } الرّعد:21، و قوله: { يَخَافُونَ رَ بَّهُمْ مِنْ فَوْ قِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } النّحل:50.

والثّاني: العلم، كقوله: { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوص جَنَفًا اَوْ اِثْمًا } البقرة: 182، و قوله: { وَ اِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } النّساء:35، و قوله: { وَ اِنِ امْرَاَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا } النّساء:128.

و الثّالث: القتل، كقوله: { وَ اِذَا جَاءَهُمْ اَمْرٌ مِنَ الاَمْنِ اَوِ الْخَوْفِ اَذَاعُوا بِهِ } النّساء: 83.

والرّابع: القتال، كقوله: { فَاِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَاَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ اِلَيْكَ } و فيها{ فَاِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ } الأحزاب: 19. (228)

الدّامغانيّ: الخوف على خمسة أوجه:القتل، القتال ، العلم، العذاب، التّنقّص.[نحوالحيريّ و قال:]

و الوجه الرّابع: الخوف من العذاب، قوله: { اَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاهُمْ يَحْزَنُونَ } آل عمران:170، كقوله: { اَلاتَخَافُوا } فصّلت:30، أي من العذاب، كقوله: { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَ طَمَعًا } الأعراف: 56، يعنى من عذابه.

و الوجه الخامس: الخوف يعني التّنقّص، قوله: { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلىتَخَوُّف } النّحل:47، يعني على تنقّص. (299)

نحوه الفيروزاباديّ. ( بصائرذوي التّمييز2: 578 )

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخَوْف: الفزَع، يقال: خافه يَخافُه خَوْفًا و خيفةً و مَخافةً، أي فَزِع، و هوخائف من قوم خُوّف و خُيَّف و خِيَّف

ص: 287

وخَوْف،ورجل خافٌ: خائف، و أنا أخافُك كخوف الأسد، أي كما أُخوَّف بالأسد.

و أخافه إيّاه إخافةً و إخافًا و خوّفه؛ و خوّفه أيضًا: جعل فيه الخَوْف، و كذا جعله بحالة يخافه النّاس، و تخوّفه: خافه، و تخوّف عليه الشّيء: خاف، وخاوفني فخُفتُه أخوفه: غلبته بما يخوّف، و كنتُ أشدّ خوفًا منه.و المَخاف و المَخيف: موضع الخَوْف.

و طريق مَخُوف و مُخيف: تخافه النّاس، و حائط مَخُوف: يُخشى أن يقع هو، و وجع مَخُوف و مُخيف: يُخيف من رآه.

و ثغر مُتخوّف و مُخيف: يُخاف منه. يقال: أخاف الثّغر، أي أفزع، ودخل القوم الخَوْف منه.

و الخَوّاف: طائر أسود، و لعلّه سُمّي بذلك لشدّة خوفه و ذعره.

2 و الخافة: خريطة من أدم، ضيّقة الأعلى واسعة الأسفل، يشتار فيها العسل. قال ابن برّيّ: < عين خافة عند أبي عليّ ياء مأخوذة من قولهم: النّاس أخياف، أي مختلفون، لأنّ الخافة خريطة من أدم منقوشة بأنواع مختلفة من النّقش >((1))

كما خطّأ أبو منصور قول اللّيث: < تصغيرها خُوَيفَة، و اشتقاقها من الخَوْف > ، و قال معقّبًا: < و الّذي أراه الحَوْف بالحاء>((2)).

و التّحوّف: التّنقّص. يقال: تحوّفته، أي تنقّصته من حافاته، و خوّفه وخوّف منه: تنقّصتُه، و هو يتحوّف المال و يتخوّفه: يتنقّصه و يأخذ من أطرافه، وتحَوّفتُ الشّيء و تحيّفتُه، و تحَوّفتُه و تخَيّفتُه: تنقّصتُه.

و قال ابن سيده: < حكاه يعقوب، و عدّه في البدل، و الحاء أعلى>. ((3))

و ما ذهب إليه الأزهَريّ و ابن سيده أي أصالة الحاء في هذين الحرفين هو عين الصّواب؛ إذ يشهد له الاشتقاق بذلك، أُنظر مادّة < ح ي ف >.

و الحاء و الخاء تتعاقبان كثيرًا في اللُّغة، قال ابن السّكّيت: < يقال: هو يتخوّف مالي و يتحوّفه، أي يتنقّصُه و يأخذ من أطرافه >((4).)و

قال أيضًا: < و قد فاحت منه ريح طيّبة و فاخت >.((5) ).

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدًا ( الماضي ) معلومًا 18 مرّة، و ( المضارع ) معلومًا 65 مرّة، و( الأمر ) مرّة، و ( الفاعل ) 3 مرّات، و المصدر ( خَوْف ) 26 مرّة، و ( خيفة ) 6 مرّات. و مزيدًا من التّفعيل ( المضارع ) 4 مرّات، و ( المصدر ) مرّة، و من التّفعّل ( المصدر ) مرّة كلّها في 111 آية:

ص: 288


1- (1) اللّسان:< خ و ف >.
2- (2) اللّسان: « خ ي ف ».
3- (3 ) المحكم: 5 : 269.
4- (4) الإبدال: 100.
5- (5) الإبدال: 99.

1 التّشريع:

1 { فَاِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا اَوْ رُكْبَانًا...} البقرة: 239

2 { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍٍ جَنَفًا اَوْ اِثْمًافَاَصْلَحَ بَيْنَهُمْ...} البقرة: 182

3 {...فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ اَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلوةِ اِنْ خِفْتُمْ اَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا} النّساء: 101

4 { وَ اِن ِامْرَ اَ ةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوْ اِعْرَاضًا...} النّساء: 128

5 { وَ اِنْ خِفْتُمْ شِقَاق بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ اَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ اَهْلِهَا...} النّساء: 35

6 { ... وَ التى\ تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ...}

النّساء: 34

7 {... وَ لايَحِلُّ لَكُمْ اَنْ تَاْخُذُوا مِمَّا اتَيْتُمُوهُنَّ شَيًْا= اِلا اَنْ يَخَافَا اَلا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ فَاِنْ خِفْتُمْ اَلا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ فَلاجُنَاحَ عَلَيْهِمَا فيمَا‘ افْتَدَتْ بِهِ...}

البقرة: 229

8 { وَ اِنْ خِفْتُمْ اَ لا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنى وَ ثُلثَ و َرُ بَاعَ فَاِنْ خِفْتُمْ اَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً اَوْ مَا مَلَكَتْ اَيْمَانُكُمْ...}

النّساء: 3

9 { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ ا مَنُوا ... وَ اِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنيكُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ...}

التّوبة: 28

10 { ذلِكَ ’اَدْنى اَنْ يَاْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلى وَجْهِهَا اَوْ يَخَافُوا اَنْ تُرَدَّ اَيْمَانٌ بَعْدَ اَيْمَانِهِمْ...}

المائدة: 108

11 { وَ اِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ اِلَيْهِمْ عَلى سَوَاء ...} الأنفال: 58

12 { مُحَلِّقينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرينَ لاتَخَافُونَ }

الفتح: 27

13 {...لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَىْء مِنَ الصَّيْدِتَنَالُهُ اَيْديكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ...}

المائدة: 94

14 { وَ اذْكُرُوا اِذْ اَنْتُمْ قَليلٌ‘ مُسْتَضْعَفُونَ فِى الاَرْضِ تَخَافُونَ اَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَا ويكُمْ...}

الأنفال: 26

15 { وَ اِذَا جَاءَهُمْ اَمْرٌ مِنَ الاَمْنِ اَوِ الْخَوْفِ اَذَاعُوا بِهِ...} النّساء :83

16 { فَلْيَعْبُدُوا رَب هذَا الْبَيْتِ * اَ لَّذى‘ اَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ امَنَهُمْ’ مِنْ خَوْف } قريش: 3 ، 4

2 القصص:

17 {... مَا اَنَا بِبَاسِط يَدِىَ اِلَيْكَ لاَ‚قْتُلَكَ اِنّى اَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمينَ ‘}

المائدة: 28

18 { اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ ‘}

الشّعراء: 135

19 { يَا اَبَتِ اِنّى اَخَافُ اَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَان ِوَلِيًّا } مريم: 45

20 {...لاتَخَف وَ لاتَحْزَنْ اِنَّا مُنَجُّوكَ وَ اَهْلَكَ اِلا امْرَاَتَكَ كَانَت مِنَ الْغَابِرينَ ‘} العنكبوت: 33

21 { قَالَ اِنّى لَيَحْزُنُنى اَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَاَخَافُ اَنْ يَاْكُلَهُ الذِّ ئْبُ وَ اَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } يوسف:13

22 { وَ اَخى هرُونُ’ هُوَ اَفْصَحُ مِنّى لِسَانًا فَاَرْسِلْهُ مَعِىَ رِدْءًا يُصَدِّ قُنى اِنّى اَخَافُ اَنْ يُكَذِّ بُونِ }

القصص: 34

23 { وَ اَوْحَيْنَا اِلى اُمِّ مُوسى اَ’نْ اَرْضِعيهِ ‘فَاِذَا

ص: 289

خِفْتِ عَلَيْهِ فَاَلْقيهِ‘ فِى الْيَمِّ وَ لا تَخَافى وَ لا تَحْزَنى...}

القصص: 7

24 { قَالَ رَبِّ اِنّى اَخَافُ اَنْ يُكَذِّ بُون ِ}

الشّعراء: 12

25 { وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنْبٌ فَاَخَافُ اَنْ يَقْتُلُون ِ}

الشّعراء: 14

26 {...اِنّى اَخَافُ اَنْ يُبَدِّ لَ دينَكُمْ اَوْ اَنْ يُظْهِرَ فِى الاَرْضِ الْفَسَادَ }

المؤمن: 26

27 { قَالَ رَبِّ اِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَاَخَافُ اَنْ يَقْتُلُون ِ} القصص: 33

28 { فَمَا امَنَ لِمُوسى اِلا ذُرِّ يَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْف مِنْ فِرْعَوْنَ...} يونس: 83

29{فَاَصْبَحَ فِى الْمَدينَةِ‘ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ...}

القصص: 18

30 { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ ‘} القصص: 21

31 { فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لى رَبّى حُكْمًا وَجَعَلَنى مِنَ الْمُرْسَلينَ‘ } الشّعراء: 21

32 { وَ قَالَ الَّذى امَنَ يَا قَوْمِ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الاَحْزَابِ }

المؤمن: 30

33 { وَ يَا قَوْمِ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ }

المؤمن: 32

34 {...فَاضْرِبْ لَهُمْ طَر يقًافِى الْبَحْرِ يَبَسًا لاتَخَافُ دَرَكًا وَ لا تَخْشى }

طه: 77

35 { قَالَ لا تَخَافَا اِنَّنى مَعَكُمَا اَسْمَعُ وَ اَرى }

طه: 46

36 { قَالَ خُذْهَا وَ لا تَخَف سَنُعيدُ‘هَا سيرَ ‘تَهَا الاُولى } طه: 21

37 { قُلْنَا لا تَخَف اِنَّكَ اَنْتَ الاَعْلى } طه: 68

38 {...يَا مُوسى لاتَخَف اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ } النّمل: 10

39 {...فَلَمَّا جَاءَهُ وَ قَص عَلَيْهِ الْقَصَص قَالَ لاتَخَف نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ ‘} القصص: 25

40 { يَا مُوسى اَقْبِلْ وَ لاتَخَف اِنَّكَ مِنَ الامِنينَ‘’} القصص: 31

41 { قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذينَ‘ يَخَافُونَ اَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا...} المائدة: 23

42 { اِذْ دَخَلُوا عَلى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاتَخَف ...} ص: 22

43 { وَ اِنّى خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِنْ وَرَائ وَكَانَتِ امْرَاَتى عَاقِرًا...} مريم: 5

3 الموعظة و العذاب:

44 { وَ لْيَخْشَ الَّذينَ‘ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّ يَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْ لا سَديدًا‘} النّساء: 9

45 { اِنَّ فى ذلِكَ ’لا يَةً ’لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الا خِرَ ةِ’ ... } هود: 103

46 { وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الاَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامى وَ خَافَ وَعيدِ‘ } إبراهيم: 14

47 { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَ بِّهِ جَنَّتَان ِ}

الرّحمن: 46

48 { وَ اَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَ بِّهِ وَ نَهَى النَّفْس عَنِ

ص: 290

الْهَوى * فَاِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَاْوى } النّازعات:40، 41

49 { قُلْ اِنّى اَخَافُ اِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ ‘} الأنعام: 15

50 {... وَ لا اَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ اِلا اَنْ يَشَاءَ رَبّى شَيًْا=...} الأنعام: 80

51 { وَ كَيْفَ اَخَافُ مَا اَشْرَكْتُمْ وَ لاتَخَافُونَ اَنَّكُمْ اَشْرَكْتُمْ بِاللهِ...} الأنعام: 81

52 {...اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ‘ }

الأعراف: 59

53 {... اِنّى بَرئ ٌ‘مِنْكُمْ اِنّى اَرى مَا لاتَرَوْنَ اِنّى اَخَافُ اللهَ ...} الأنفال: 48

54 { اِنّى اَخَافُ اِنْ عَصَيْتُ رَ بّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ ‘} يونس: 15

55 {...وَ اِنْ تَوَلَّوْا فَاِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبير ‘} هود: 3

56 { اَنْ لاتَعْبُدُوا اِلا اللهَ اِ نّى‘ اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ اَليمٍ } هود: 26

57 {...اِنّى اَريكُمْ’ بِخَيْر وَ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحيطٍ } هود: 84

58 { وَ اذْكُرْ اَخَا عَاد اِذْ اَ نْذَرَ قَوْمَهُ بِالاَحْقَافِ وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ اَ لاتَعْبُدُوا اِلا اللهَ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ‘ }

الأحقاف: 21

59 { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ اِذْ قَالَ لِلاِنْسَان ِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ اِنّى بَرئٌ‘ مِنْكَ اِنّى اَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمينَ‘}

الحشر: 16

60 { قُلْ اِنّى اَخَافُ اِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظيمٍ ‘} الزّمر: 13

61{قَالا رَبَّنَا اِنَّنَا نَخَافُ اَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا اَوْ اَنْ يَطْغى} طه: 45

62 { اِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَريرًا‘ }

الدّهر: 10

63 { وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلايَخَافُ ظُلْمًا وَ لاهَضْمًا } طه: 112

64 { نَحْنُ اَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَ مَا اَنْتَعَلَيْهِمْ بِجَبَّار فَذَكِّرْ بِالْقُرْ انِ مَنْ يَخَافُ وَعيدِ ‘} ق: 45

65 { وَ اَ نَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى امَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَ بِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَ لارَهَقًا } الجنّ: 13

66 { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَو|يهَا* وَ لايَخَافُ عُقْبيهَا}

الشّمس: 14 ، 15

67 {... يُجَاهِدُونَ فى سَبيلِ‘ اللهِ وَ لايَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْ تيهِ‘ مَنْ يَشَاءُ وَ اللهُ وَاسِعٌ عَليمٌ‘ }

المائدة: 54

68 { وَ اَ نْذِرْ بِهِ الَّذينَ‘ يَخَافُونَ اَنْ يُحْشَرُوا اِلى رَ بِّهِمْ ...}

الأنعام: 51

69 { وَالَّذينَ‘ يَصِلُونَ مَا اَمَرَ اللهُ بِهِ اَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَ بَّهُمْ وَ يَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ } الرّعد: 21

70 { يَخَافُونَ رَ بَّهِمُ مِنْ فَوْ قِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } النّحل: 50

71 {...يَبْتَغُونَ اِلى رَ بِّهِمُ الْوَسيلَةَ‘ اَيُّهُمْ اَقْرَبُ وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخَافُونَ عَذَا بَهُ ...} الإسراء :57

ص: 291

72 {...يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فيهِ ‘الْقُلُوبُ وَ الاَبْصَارُ } النّور: 37

73 { اَفى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ اَمِ ارْتَابُوا اَمْ يَخَافُونَ اَنْ يَحيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ ...}

النّور: 50

74 { وَ لايَاْتُونَ الْبَاْسَ اِلاقَليلا ‘ * اَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَاِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَاَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ اِلَيْكَ...فَاِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِاَلْسِنَة حِدَاد...}

الأحزاب: 18 ، 19

75 { وَ تَرَكْنَا فيهَا‘ ايَةً لِلَّذينَ‘ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الاَليمَ‘ } الذّاريات: 37

76 { كَلا بَلْ لايَخَافُونَ الاخِرَةَ ’}

المدّثّر: 53

77 { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطيرًا ‘} الدّهر: 7

4 الخوف و الحزن:

78 { قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَميعًا‘ فَاِمَّا يَاْتِيَنَّكُمْ مِنّى‘ هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَاىَ فَلاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَ نُونَ} البقرة: 38

79 { ...مَنْ امَنَ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الا خِرِ ’وَ عَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ اَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ }. البقرة: 62

80 {اَ لَّذينَ‘ يُنْفِقُونَ اَمْوَ الَهُمْ فى سَبيلِ‘ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا اَنْفَقُوا مَنًّا وَ لا اَذًى لَهُمْ اَجْرُهُمْ عِنْدَ رَ بِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَ نُونَ}

البقرة:262

81 {اَ لَّذينَ‘ يُنْفِقُونَ اَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلا نِيَةً فَلَهُمْ اَجْرُهُمْ عِنْدَ رَ بِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْز َنُونَ } البقرة: 274

82 { اِنَّ الَّذينَ‘ امَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ اَقَامُوا الصَّلوةَ و اتَوُا الزَّ كوةَ لَهُمْ اَجْرُهُمْ عِنْدَ رَ بِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة: 277

83 { بَلى مَنْ اَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِِ‚ وَ هُوَمُحْسِنٌ فَلَهُ اَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ }

البقرة: 112

84 {...وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذينَ‘ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ اَ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ }

آل عمران: 170

85 { مَنْ امَنَ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الاخِرِ وَ’ عَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ }

المائدة: 69

86 { وَ مَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلينَ‘ اِلا مُبَشِّرينَ‘

وَ مُنْذِرينَ‘ فَمَنْ امَنَ وَ اَصْلَحَ فَلاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَ نُونَ } الأنعام: 48

87 { يَا بَنى ادَمَ اِمَّا يَاْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ايَاتى فَمَنِ ا تَّقى وَ اَصْلَحَ فَلاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاهُمْ يَحْزَ نُونَ }

الأعراف: 35

88 {...اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ لاخَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا اَنْتُمْ تَحْزَ نُونَ } الأعراف: 49

89 { اَلا اِنَّ اَوْلِيَاءَ اللهِ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْز َنُونَ} يونس: 62

90 { اِنَّ الَّذينَ‘ قَالُوا رَ بُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلئِكَةُ’ اَلا تَخَافُوا وَ لا تَحْزَنُوا...} فصّلت: 30

91 { يَا عِبَادِ لاخَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَ لا اَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } الزّخرف :68

92 {اِنَّ الَّذينَ‘ قَالُوا رَ بُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ}

الأحقاف: 13

ص: 292

5 الخوف و الجوع:

93 {... فَاَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } النّحل: 112

6 الخوف و الطّمع:

94 { وَ لاتُفْسِدُوا فِى الاَرْضِ بَعْدَ اِصْلاحِهَا

وَ ادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا...} الأعراف: 56

95 { هُوَ الَّذى‘ يُريكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا...}

الرّعد: 12

96 { وَ مِنْ ايَاتِهِ يُريكُمُ ا لْبَرْقَ خَوْفًا وَ طَمَعًا...}

الرّوم: 24

97 { تَتَجَافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }

السّجدة: 16

7 الخوف و الأمن:

98 {...وَلَيُبَدِّ لَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ اَمْنًا ...}

النّور: 55

99 { ... اُولئِكَ ’مَا كَانَ لَهُمْ اَنْ يَدْخُلُوهَا اِلا خَائِفين‘ } البقرة: 114

8 خيفة:100 { وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً‘...}

الأعراف: 205

101 { فَلَمَّا رَ ا اَيْدِيَهُمْ لاتَصِلُ اِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَ اَوْجَسَ مِنْهُمْ خيفَةً‘ قَالُوا لاتَخَف اِنَّا اُرْسِلْنَا اِلى قَوْمِ لُوط } هود: 70

102 { فَاَوْجَسَ مِنْهُمْ خيفَةً قَالُوا لاتَخَف وَ بَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَليمٍ‘ }

الذّاريات: 28

103 { فَاَوْجَسَ فى نَفْسِهِ خيفَةً مُوسى }

طه: 67

104 {...فَاَنْتُمْ فيهِ‘ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخيفَتِكُمْ اَنْفُسَكُمْ ...} الرّوم: 28

105 { وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلئِكَةُ’ مِنْ خيفَتِهِ. ..} الرّعد: 13

9 التّخويف و التّخوّف:

106 {... وَمَا نُرْسِلُ بِالايَاتِ’ اِلا تَخْويفًا ‘}

الإسراء: 59

107 {...وَ مَا جَعَلْنَا الرُّؤْ يَا الَّتى اَرَيْنَاكَ اِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فىِ الْقُرْ

ان ِوَ نُخَوِّ فُهُمْ فَمَا يَزيدُهُمْ اِلا طُغْيَانًا كَبيرًا‘ } الإسراء: 60

108 { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّف فَاِنَّ رَ بَّكُمْ لَرَ ؤُفٌ رَحيمٌ ‘} النّحل: 47

109 { لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَا تَّقُون ِ}

الزّمر: 16

110 { اِ نَّمَا ذ لِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ اَوْلِيَاءَهُ فَلاتَخَافُوهُمْ وَخَافُون ِاِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ‘ }

آل عمران: 175

111 { اَ لَيْسَ اللهُ بِكَاف عَبْدَهُ وَ يُخَوِّ فُونَكَ بِالَّذينَ‘ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد }

الزّمر: 36

يلاحظ أوّ لا أنّ فيها محورين: مجرّد و مزيد:

المحور الأوّ ل: المجرّد بصيغ مختلفة و قد جاء بمعنيين: الخوف النّفسانيّ من شيء أو شخص، و توقّع السّوء

ص: 293

من عمل و الأوّل حقيقة و الثّاني كأنّه مجاز. فالأوّل الخوف النّفسانيّ و أكثره جاء خلال القصص و المواعظ على أقسام:

القسم الأوّل: الخوف من الله في تسع آيات:

(13) { لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ...}

المائدة: 94

(17) {... مَا اَنَا بِبَاسِط يَدِىَ اِلَيْكَ لاَ‚قْتُلَكَ اِنّى اَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمينَ ‘} المائدة: 28

(53) {...اِنّى بَرئٌ‘ مِنْكُمْ اِنّى اَرى مَا لاتَرَوْنَ اِنّى‘ اَخَافُ اللهَ...} الأنفال: 48(59) { فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ اِنّى بَرئٌ‘ مِنْكَ اِنّى اَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمينَ‘} الحشر: 16

(110) { اِنَّمَا ذ لِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّ فُ اَوْلِيَاءَهُ فَلاتَخَافُوهُمْ وَخَافُون ِ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘}

آل عمران: 175

(70) { يَخَافُونَ رَ بَّهُمْ مِنْ فَوْ قِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } النّحل: 50

(46) { وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الاَرْض مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامى‘ وَ خَافَ وَعيدِ ‘} إبراهيم: 14

(47) { وَ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } الرّحمن: 46

(48) { وَ اَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَ بِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَاِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَاْوى } النّازعات: 40، 41

و فيها بُحُوثٌ:

1 جاء في (17) و (59): { اِنّى اَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمينَ ‘}، و في (53): {اِنّى اَخَافُ اللهَ }، و في (13): { مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ }، و في (110): {فَلاتَخَافُوهُمْ وَخَافُون ِ}، و في (46): { لِمَنْ خَافَ مَقَامى‘ }، و في (47) و (48): { مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } و المعنى واحد إلا أنّ بعضها آكدٌ و أبلغ من بعض و بعضها أخفّ: فخوف الله ربّ العالمين آكدٌ من غيره، و بعده خوف مقام الرّبّ، و بعده خوف الرّبّ من فوقهم، و قد عبّر عن نفسه ب ( الله ) أو بضميره في الخَمْس الأُولى، وب < الرّبّ > أو < مقام الرّبّ > في الأربع الأخيرة، و لكلّ منها مزيّة لاتخفى على العارف بسياق كلام الله تعالى، فقد جمع في (13) و (59) بين لفظ الجلالة و توصيفه ب { رَبَّ الْعَالَمينَ‘ } كما جمع في (47) و (48) بين (مَقَامَ) و (رَ بِّهِ) و أُريد به مقام العبد بين يدي الله، كما عن أكثرهم، أو مقام الله، أي موضعه و مرتبته العالية و هذان الجمعان فيهما من تعظيم لله ليس في غيره من تلك الآيات.

2 إضافة إلى ذلك فقدجاء في بعضها قيد يزيده تشديدًا لخوف الله، مثل (13) { لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ }، ففي كلّ من < علم الله > و { يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ } مزيد تشديد للخوف.

و مثل (59):{ اِنّى بَرئٌ‘ مِنْكَ اِنّى اَخَافُ اللهَ }، حيث جمع بين البراءة منه والخوف من الله. و مثل (70): { يَخَافُونَ رَ بَّهُمْ مِنْ فَوْ قِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } حيث جمع بين خوف ربّهم و العمل بما يؤمرون، و مثل (110): { فَلاتَخَافُوهُمْ وَخَافُون ِ}، حيث جمع بين النّهي عن خوفهم و الأمر بخوفه تعالى، و مثل(46): {ذلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامى‘ وَ خَافَ وَعيدِ‘ }، حيث جمع بين خوفه و خوف وعيده، و مثل (48):

ص: 294

{ وَ اَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى }، حيث جمع بين خوفه و نهي النّفس عن الهوى. و كلّ ذلك تشديد للخوف.

3 ما المراد بخوف الله؟ قال الرّاغِب (161): < و الخوف من الله لايراد به ما يخطر بالبال منالرّعب، كاستشعار الخوف من الأسد، بل إنّما يراد به الكفّ عن المعاصي و اختيار الطّاعات، و لذلك قيل: لايُعدّ خائفًا من لم يكن للذّنوب تاركًا...>، و يشهد له (48) : { وَ اَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى}، و (70): { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }.

و أيضًا قال الطُّوسيّ (8 :78) في قوله(38): { اِنّى لايَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ }: < لأ نّهم لايفعلون قبيحًا، و لايُخلّون بواجب، فيخافون عقابه عليه، بل هم منزّهون عن جميع ذلك >. و في معناه عن غيره. و هذا راجع إلى الخوف من عذابه، أيضًا كما يأتي.

و لو قيل: إنّ خوف الله هو خوف عذابه لما كان بعيدًا. و يشهد له(46): {ذلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامى‘ وَ خَافَ وَعيدِ ‘}، فإنّ خوف مقامه كما سبق هو خوف العبد عند قيامه بين يدي الله للحساب، فيبدو أنّ{ خَافَ وَعيدِ ‘} كالتّفسير لما قبله مثل: { اِنّى اَخَافُ اللهَ وَ اللهُ شَديدُ‘ الْعِقَابِ } الأنفال : 48، و{وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ } الرّعد : 21.

قال البُرُوسَويّ (2 : 128): < و الخوف على ثلاثةأقسام: خوف العامّ و هو من عقوبة الله، و خوف الخاص و هو من بُعد الله، و خوف الأخص و هو من الله. وإلى هذه المراتب أشار النّبيّ(علیه السلام) بقوله: « أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك ».

فعلى السّالك أن يُفنى عن نفسه و صفاتها،

و لايرى في الكون وجودًا غير وجوده، فلايخاف إلا منه، فإنّه هو القاهر فوق عباده، و هو الكافي جميع الأُمور>.

و قال الطَّباطَبائيّ (12: 267)في قوله (70): { يَخَافُونَ رَ بَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ }: < يثبت لهم الخوف من ربّهم، و الله سبحانه ليس عنده إلا الخير و لاشرّ عنده، و لاسبب شرٍّ يخاف منه إلا أن يكون الشّرّ و سببه عند العبد، و قد أخذ متعلّق الخوف هو ربّهم لا عذابه تعالى أو عصيان أمره، كما في قوله: { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} الإسراء: 57.

فهذه المخافة هي المخافة منه تعالى، و هو و إن لم يكن عنده إلا الخير والخوف إنّما يكون من شرّ مترقّب إلا أنّ حقيقته التّأثّر و الانكسار و الصّغار وتأثّر الضّعيف قبال القويّ الظّاهر بقوّته، و انكسار الصّغير الوضيع أمام الكبير المتعال القاهر بكبريائه و تعاليه ضروريّ، فمخافتهم هي تأثّرهم الذّاتيّ عمّا يشاهدونه من مقام ربّهم، و لايغفلون عنه قطّ.

و يؤيّد ما ذكرناه تقييد قوله: { يَخَافُونَ رَ بَّهُمْ } بقوله{ مِنْ فَوْ قِهِمْ } فإنّ فيه إشارة إلى أنّ كونه تعالى فوقهم قاهرًا لهم متعاليًا بالنّسبة إليهم، هو السّبب في مخافتهم و ليس هذا إلا الخوف من مقامه تعالى لامن عذابه. فهو خوف ذاتيّ،ويرجع إلى نفي الاستكبار عن

ص: 295

ذواتهم...>.

و للخوف من الله عند العرفاء شأن كبير. لاحظ < إحياء العلوم > بحث الخوف و الرّجاء و غيره، من كتب الأخلاق و العرفان.

4 و قد جاء خوف الله في كثير من الآيات مع ما يرادفه أو يضادّه فيما يأتي:

أ الخوف و الحزن:

قد جمع الله بين الخوف و الحزن في 17 آية: (20

و 21) و (78 92) حتّى صارت الآية: { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ }كمثل قرآنيّ، و قد سبق بحثهما في: ح ز ن: < يحزنون > خلال الاستعمال القرآنيّ، و بقي من بحثهما ذكر المواضيع الّتي جمع فيها الخوف والحزن بترتيب رقم آياتهما في قائمة الآيات:

(20) قصّةلوط: { لاتَخَف وَ لاتَحْزَنْ اِنَّا مُنَجُّوكَ} العنكبوت: 33.

(21) قصّةيعقوب { اِنّى لَيَحْزُ نُنى اَنْ تَذْهَبُوا بِهِ } و أضاف:{ اَنْ يَاْكُلَهُ الذِّ ئْبُ } يوسف: 13، و الخوف فيهما من أمر دنيويّ.

(78) اتّباع الهدى: { فَمَنْ تَبِعَ هُدَاىَ فَلا خَوْفٌ }.

(79)و (85) الإيمان و العمل الصّالح: البقرة :62،

و المائدة: 69.

(80) الإنفاق في سبيل الله بلامنّ و لاأذى: البقرة: 262.

(81) الإنفاق ليلا و نهارًا و سرًّا و علانيةً: البقرة: 274.

(82) الإيمان و العمل الصّالح و إقامة الصّلاة

و إيتاء الزّكاة: البقرة: 277.

(83) من أسلم وجهه لله و هو محسن : البقرة: 112.

(84) استبشار من الشّهداء لمن لم يلحقوا بهم:

آل عمران: 170.

(86) من آمن و أصلح : الأنعام: 48.

(87) من اتّقى و أصلح : الأعراف: 35.

(88) من خطاب أصحاب الأعراف لأهل الجنّة : الأعراف: 49.

(89) أولياء الله : يونس: 62.

(90) خطاب الملائكة للّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا : فصّلت: 30.

(91) عباد الله : الزّخرف: 68.

(92) الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا : الأحقاف: 13.

و يلاحظ أنّ الآيات من رقم (78 92) و هي خمس عشرة آية نافية للخوف و الحزن في الآخرة و إطلاقها يشمل الدّنيا عن من اتّصف بالإيمان والعمل الصّالح و بالهداية و التّقوى و العبادة و الاستقامة، و هي أوصاف تلازم بعضها بعضًا، فالنّجاة لأهل التّقوى.

ب الخوف و الخشية :جمع الله بينهما في ثلاث آيات سبق بحثها في < خ ش ي > خلال الاستعمال القرآنيّ فلاحظ.

ج الخوف و الفزع:

آية واحدة (42): { اِذْ دَخَلُوا عَلى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ

ص: 296

قَالُوا لاتَخَف }، لاحظ: ف ز ع : < فزع >.

د الخوف و التّرقّب:

آيتان كلاهما من جملة قصّةموسى (علیه السلام):

(29){ فَاَصْبَحَ فِى الْمَدينَةِ‘خَائِفًا يَتَرَقَّبُ...}

(30) { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ‘} لاحظ: ر ق ب: < يترقّب >.

ه الخوف و التّقلّب:

آية واحدة:

(72) { ...يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فيهِ‘ الْقُلُوبُ وَ الاَبْصَارُ } النّور: 37.لاحظ: ق ل ب : <تتقلّب>.

و الخوف و الأمن:

أربع آيات: (15 و 16 و 40 و 98) و قد سبق بحثهما في < أ م ن > خلال الاستعمال القرآنيّ. و لاحظ: ذ ي ع: < اَذاعُوا >، و: ب د ل: < يُبدّلُونَهُم >.

ز الخوف و الرّجاء:

آية واحدة (71): { وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخَافُونَ عَذَابَهُ }، و لهما بحث طويل في علم الأخلاق، فلاحظ: < إحياء العلوم > و غيره و لاحظ: رج و: <يَرجُونَ >.

ح الخوف و الطّمع:

أربع آيات: (94 97) لاحظ: ط م ع: < طمَعًا >.

ط الخوف و الجوع:

آيتان: (16 و 93) لاحظ: ج و ع: < الجوع > خلال الاستعمال القرآنيّ.

ي الخوف و التّضرّع:

مرّة (100): { وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً‘...}لاحظ: ض ر ع: <تضرّعًا >.

ك الخوف و الفرار:

مرّة (31): { فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } لاحظ: ف ر ر: < فَرَرْتُ >.

ل الخوف و الإيجاس:

ثلاث مرّات: مرّتين في قصّةإبراهيم (علیه السلام) (101) و (102):{ وَاَوْجَسَ فَاَوْجَسَ مِنْهُمْ خيفَةً } ، و مرّة في قصّة موسى (علیه السلام) (103): { فَاَوْجَسَ فى نَفْسِهِ خيفَةً‘ مُوسى}.

القسم الثّاني: خوف عذاب الله و أكثره عذاب الآخرة و قد جاء بألفاظ شتّى:

1 الآخرة أو عذاب الآخرة،أو عذاب من الرّحمان، كلّ واحدة مرّة:

(76) { كَلا بَلْ لا يَخَافُونَ الاخِرَةَ ’}.

(45){ اِنَّ فى ذلِكَ ’لايَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الاخِرَةِ ’}

(19) { يَا اَبَتِ اِنّى اَخَافُ اَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌمِنَ الرَّحْمنِ}.

2 عذاب يوم عظيم ستّ مرّات: (18) و (49) و ( 52) و (54) و (58) و (60).

3 عذاب يوم كبير مرّة: (55).

4 عذاب يوم أليم مرّة: (56).

5 عذاب يوم محيط مرّة: (57).

6 يومًا عبوسًا قمطريرًا مرّة: (62).

7 يوم التّناد مرّة: (33).

8 يوم الأحزاب مرّة: (32): { يَا قَوْمِ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الاَحْزَابِ} وهذه إشارة إلى عذاب الدّنيا في غزوة الأحزاب.

ص: 297

9 يوم تقلّب القلوب مرّة: (72) : { يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فيهِ‘ الْقُلُوبُ وَ الاَبْصَارُ }

10 يوم الشّرّ مرّ ةً: (77): { وَ يَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطيرً‘ا}

11 وعيد مرّتين: (46): { ذلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامى‘ وَ خَافَ وَعيدِ ‘}، و(64) { فَذَكِّرْ بِالْقُرْ انِ مَنْ يَخَافُ وَعيدِ ‘}

12 سوء الحساب : مرّة: (69): { يَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ }

13 الحشر مرّة: (68): { الَّذينَ‘ يَخَافُونَ اَنْ يُحْشَرُوا اِلى رَ بِّهِمْ }

14 درك مرّة: (34): { لاتَخَافُ دَرَكًا وَ لا تَخْشى }

15 الظّلم و الهضم مرّة: (63): { فَلايَخَافُ ظُلْمًا وَ لا هَضْمًا }

16 البخس و الرّهق مرّةً : (65) : { فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَ لارَهَقًا }

و هذه الثّلاث خاصّة بالدّنيا، أو الأعمّ منها و من الآخرة.

17 عُقبى مرّة : (66): { وَ لايَخَافُ عُقْبهَا }.

و اختُلف في ضمير الفاعل: أي لايخاف الله، أو صالح النّبيّ، أو العاقر، ومعناها: عاقبتها. لاحظ النُّصوص.

و هذا كلّه سوى الإنذار و التّخويف في الآيات بأنواع شتّى، من دون ذكر <الخوف > فإنّ القرآن كتاب الإنذار و التّبشير.

القسم الثّالث: الخوف من غير الله، و أكثره جاء في القصص، و في الخوف من شخص أو أمر، مثل آيات الأبحاث المتقدّمة:

و (101) قصّةإبراهيم (علیه السلام): { لا تَخَف اِنَّا اُرْسِلْنَا اِلى قَوْمِ لُوط }.

و قصّةلوط (20): { وَ قَالُوا لاتَخَف وَ لاتَحْزَنْ اِنَّا مُنَجُّوكَ وَ اَهْلَكَ اِلا امْرَاَتَكَ }.

و قصّةأُمّ موسى(23): { فَاِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَاَلْقيهِ فِى الْيَمِّ وَ لاتَخَافى وَ لا تَحْزَنى }.

و قصّةموسى(25): { وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنْبٌ فَاَخَافُ اَنْ يَقْتُلُون ِ}، و (27): { قَالَ رَبِّ اِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَاَخَافُ اَنْ يَقْتُلُون ِ}، و كذلك الآيات (28 41) فكلّها قصص موسى (علیه السلام).

و قصّةداود (42): { اِذْ دَخَلُوا عَلى دَاوُدَفَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاتَخَف ...}.

و قصّةذكريّا (43): { وَ اِنّى خِفْتُ الْمَوَالِىَ مِنْ وَرَائ }.

القسم الرّابع: جاء الخوف بمعناه الحقيقيّ اسم فاعل و مصدرًا: < خوف وخيفة > من دون متعلّق؛ فتتحمّل الأقسام الثّلاثة: خوف الله، خوف عذابه، وخوف غيره.

أمّا اسم الفاعل فجاء ثلاث مرّات: مفردًا مرّتين: (29): { فَاَصْبَحَ فِى الْمَدينَةِ‘ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ }، (30): { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} و كلاهما في قصّةموسى (علیه السلام) و المراد بهما خوف موسى من فرعون.

و جمعًا مرّةً (99) : { وَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ

ص: 298

اللهِ اَنْ يُذْكَرَ فيهَا‘ اسْمُهُ وَ سَعى فى خَرَابِهَا اُولئِكَ’ مَا كَانَ لَهُمْ اَنْ يَدْخُلُوهَا اِلا خَائِفينَ‘ لَهُمْ فِى الدُّ نْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى الاخِرَةِ ’ عَذَابٌ عَظيمٌ‘ }.

و المراد بهؤلاء حسب النّزول إمّا المشركون في منعهم المؤمنين من دخول المسجد الحرام، أو نصارى الرّوم في منعهم المؤمنين من دخول المسجد الحرام، أو نصارى الرّوم في منعهم المؤمنين من دخول بيت المَقْدِس،أو مطلق المساجد،لاحظ: د خ ل:<يَدخُلوهَا> و كيف كان فالمراد بها الخوف من عقوبة المؤمنين للمانعين من دخولهم المساجد.

و أمّا المصدر: < الخوف > فجاء في آيات الخوف و الحزن، و الأمن و الخوف، و الجوع و الخوف، و الخوف و الطّمع:

أمّا آيات الخوف و الحزن و هي 17 آية و أكثرها: { لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ } و قد سبق بحثها في: ح ز ن: < الحزن > فظاهر بعضها خوف عذاب الله، فإنّ سياقها الآخرة.

و جاء الخوف فيها مع الأجر أو الجنّة و نحوهما (79 82) : { فَلَهُمْ اَجْرُهُمْ عِنْدَ رَ بِّهِمْ وَ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ } و (83) : { فَلَهُ اَجْرُهُ عِنْدَ رَ بِّهِ } و(88): { اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ لاخَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا اَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } و (84): { يَسْتَبْشِرُونَ أي الشّهداء بِالَّذينَ‘ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ اَلاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

و ظاهر بعضها خوف الله أو عذابه في الدّنيا، أو الأعمّ منها و من الآخرة وهذا مقتضى الإطلاق مثل: (90): { اِنَّ الَّذينَ‘ قَالُوا رَ بُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّ لُ عَلَيْهِمُ الْمَلئِكَةُ’ اَ لاتَخَافُوا وَ لا تَحْزَ نُوا }: و(89) : { اَلا اِنَّ اَوْلِيَاءَ اللهِ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاهُمْ يَحْزَنُونَ } و (92): { اِنَّ الَّذينَ‘ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاهُمْ يَحْزَنُونَ } و غيرها.

و أمّا آيات الأمن و الخوف، و الجوع و الخوف، و الطّمع و الخوف، فظاهرهابل صريح بعضها خوف عذاب الله في الدّنيا مثل(98):{ وَلَيُبَدِّ لَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ اَمْنًا } و نحوها غيرها و (93): { فَاَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }و(95):

{ هُوَ الَّذى يُريكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا } و نحوها غيرها.

و أمّا <الخيفة> فقد جاءت 6 مرّات (100 105) و المراد باثنتين منها خوف الله في الدّنيا، و هما (100): { وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً‘} و ( 105): { وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلئِكَةُ’ مِنْ خيفَتِهِ ...} و المراد من الباقي خوف النّاس، فلاحظ.

الثّاني: تمنّي السّوء

هذا كلّه في المعنى الأوّل و هو الخوف النّفسانيّ، أمّا المعنى الثّاني و هو تمنّي السّوء من عمل، فكثير منها جاء في خلال آيات القصص و المواعظ، و أكثر منها في التّشريع. أمّا القصص ففي بعض ما ذكر من الآيات، مثل:

قصّةيوسف نقلا عن أبيه يعقوب (21): {... وَ اَخَافُ اَنْ يَاْكُلَهُ الذِّ ئْبُ }، وقصّةموسى (22) و (24): { اِنّى اَخَافُ اَنْ يُكَذِّ بُون ِ}، و قصّةفرعون:

ص: 299

(26) : { اِنّى اَخَافُ اَنْ يُبَدِّلَ دينَكُمْ اَوْ اَنْ يُظْهِرَ فِى الاَرْضِ الْفَسَادَ }.

و أمّا المواعظ مثل(44): { وَ لْيَخْشَ الَّذينَ‘ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّ يَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ}، و (50): { وَ لا اَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ اِلا اَنْ يَشَاءَ رَ بّىشَيْ ا= }، و(51):{ وَ كَيْفَ اَخَافُ مَا اَشْرَكْتُمْ وَ لا تَخَافُونَ اَنَّكُمْ اَشْرَكْتُمْ بِاللهِ }، و (61): { قَالا رَبَّنَا اِنَّنَا نَخَافُ اَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا اَوْ اَنْ يَطْغى } ،و (63) : { وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلايَخَافُ ظُلْمًا وَ لا هَضْمًا }، و(65): { فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَ لارَهَقًا} و يصحّ في هذه الثّلاث الأخيرة الخوف النّفسانيّ أيضًا، بدل توقّع المكروه و (67): { وَ لايَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } ، و ( 73 ) : { اَمْ يَخَافُونَ اَنْ يَحيفَ‘ اللهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ}.

و أمّا آيات التّشريع:ففيها بحثان:

الأوّل: أنّ الخوف في جميعها سوى (17) و (18) هو تمنّي المكروه و الظّنّ به، كما يشهد به سياقها، و قد نص عليه المفسّرون أيضًا:

فجاء في (2): { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوص جَنَفًا اَوْ اِثْمًا...} نقلا عن الواحديّ: <أي علم، و الخوف يستعمل بمعنى العلم، لأنّ في الخوف طرقًا من العلم، و ذلك أنّ القائل إذا قال: أخاف أن يقع أمركذا، كأ نّه يقول: أعلم...>.

و نقلا عن الزّمَخْشَريّ: < فمن توقّع و علم، و هذا في كلامهم شائع، يقولون: أخاف أن تُرسل السّماء، يريدون التّوقّع و الظّنّ الغالب الجاري مجرى العلم >، ونحوه عن آخرين.

و جاء في (8) : { وَ اِنْ خِفْتُمْ اَ لا تُقْسِطُوافِى الْيَتَامى ... } ، نقلا عن ابن عَطيّة: < قال أبوعُبَيْدَة: {خِفْتُمْ} هنا بمعنى أيقنتم. و ما قاله غير صحيح، و لايكون الخوف بمعنى اليقين بوجه، و إنّما هو من أفعال التّوقّع، إلا أ نّه قد يميل الظّنّ فيه إلى إحدى الجهتين، و أمّا أن يصل إلى حدّ اليقين فلا >.

و عن ابن العَرَبيّ: <... من غلب على ظنّه التّقصير في القسط لليتيمة فليعدل عنها >، و نظيرها تكرّر في سائر الآيات، فلاحظ النُّصوص.

فجاء في (7): {...اِلا اَنْ يَخَافَا اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ فَاِنْ خِفْتُمْ اَ لا يُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ...} نقلا عن الفَرّاء: < و هي في قراءة أُبَيّ: ( اِلا اَنْ يَظنَّا اَ لايُقيمَا‘ حُدُودَ اللهِ) والخوف و الظّنّ متقاربان في كلام العرب...>.

و نقلا عن الطّبَريّ: < و العرب قد تضع الظّنّ موضع الخوف، و الخوف موضع الظّنّ في كلامها، لتقارب معنييهما و استشهد بشعر >.

و نقلا عن الواحديّ: < { فَاِنْ خِفْتُمْ } أيّها الوُلاة و الحُكّام، أي علمتم وغلب على ظنّكم أنّ الزّوجين لايقيمان حدود الله في حسن العشرة و جميل الصّحبة ... > و نحوه عن غيرهم. و لهم في قراءة هذه الآية و معناها كلام كثير فلاحظ.

الثّاني: أنّ متعلّق الخوف مذكور في أكثرها: إمّا مفردًا مثل < النّشوز و الإعراض > في (4) و (6)، و < شقاق > في (5)، و < عيلة > في (9)، و < خيانة > في (11)، و < الله > أو ضميره في (15) و (16)، و العذاب

ص: 300

فيما تقدّمت من الآيات.

و إمّا جملة مبدوءةً ب (اَنْ) مثل (22): { اِنّى اَخَافُ اَنْ يُكَذِّ بُون ِ}، و غيرها من الآيات.

و قد قال الفارسيّ في ذلك: < خافَ فعل يتعدّى إلى مفعول واحد، و ذلك المفعول يكون (اَنْ) و صلتها، و يكون غيرها ثمّ ذكر أمثلة من الآيات للقسمين و أضاف: فإن عدّيتَه إلى مفعول ثان، ضعّفت العين و سنبحثه في المحور الثّاني أو اجتلبت حرف الجرّ، كقولك: خوّفت النّاس ضعيفهم قويّهم، وحرف الجرّ كقولهم: لو خافك الله عليه حرّمه >.

و مثاله في الآيات ( 23): { فَاِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَاَلْقيهِ فِى الْيَمِّ } في قصّةأُمّ موسى، و (32) و (33): { يَا قَوْمِ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ }، وكذا (55 و 58 62)، ومثلها آيات:{ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَ نُونَ }، حيث تعدّى فيها < الخوف > ب (على)، و ليس المراد بها الخوف منه ليتعدّى إليه بنفسه أو ب (مِنْ)، كما جاء في (28): { عَلى خَوْ ف مِنْ فِرْعَوْنَ }، بل المراد الخوف على من ذُكر فيها.

المحور الثّاني: المزيد من بابي: التّفعيل و التّفعّل في ستّ آيات (106 111):

106 {... وَمَا نُرْسِلُ بِالا يَاتِ اِلا تَخْويفًا ‘}107 {...وَ مَا جَعَلْنَا الرُّ ؤْ يَا الَّتى اَرَيْنَاكَ اِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فىِ الْقُرْ انِ وَ نُخَوِّ فُهُمْ فَمَا يَزيدُهُمْ اِلا طُغْيَانًا كَبيرًا‘ }

108 { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّف فَاِنَّ رَ بَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحيمٌ‘ }

109 { لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّ فُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُون ِ}.

110 { اِنَّمَا ذ لِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّ فُ اَوْلِيَاءَهُ فَلاتَخَافُوهُمْ وَخَافُون ِاِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘}

111 { اَلَيْسَ اللهُ بِكَاف عَبْدَهُ وَ يُخَوِّ فُونَكَ بِالَّذينَ‘ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد }

و الخوف فيها بمعناه الحقيقيّ، و هوالخوف النّفسانيّ ففي ثلاث منها التّخويف فعل الله تعالى، و في واحدة فعل الشّيطان، و في واحدة فعل المشركين، و في واحدة التّخويف فعل النّاس، و فيها بُحُوثٌ:

1 سياق ما هو من فعل الله هو تخويفه تعالى النّاس بالآيات، كما قال في(106): { وَمَا نُرْسِلُ بِالايَاتِ ’اِلا تَخْويفًا ‘}، فالله هو المخوِّف، و النّاس هم المخوَّفون، و الآيات هي ما به يقع التّخويف، و عذاب الآخرة هو ما يُخوّفون منه، كما صرح به في (109) في وصف النّار: { لَهُمْ مِنْ فَوْ قِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّ فُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ }، أو عذاب الدّنيا، كما يأتي في (110).

2 المراد بالآيات في (106) كما يقتضيه السّياق المعجزات؛ حيث قال قبلها: { وَ مَا مَنَعَنَا اَنْ نُرْسِلَ بِالايَاتِ ’اِلا اَنْ كَذَّبَ بِهَا الاَوَّ لُونَ وَ اتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَ مَا نُرْسِلُ بِالا يَاتِ اِلا تَخْويفًا‘ }، و لامانع من شمولها لكلّ مانزل تخويفًا، كما هوظاهر من آيات السّورة، و لاسيّما الآية بعدها: { وَ اِذْ قُلْنَا لَكَ اِنَّ رَبَّكَ اَحَاطَ بِالنَّاسِ وَ مَاجَعَلْنَا الرُّؤْ يَا الَّتى اَرَيْنَاكَ اِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْ انِ

ص: 301

وَ نُخَوِّ فُهُمْ فَمَا يَزيدُ‘هُمْ اِلا طُغْيَا نًا كَبيرًا‘ }.

و قد جاء الاحتمالان في كلماتهم: قال القُشَيْريّ: < التّخويف بالآيات ذلك من مقتضى تجمّله، فإن لم يخافوا وقع عليهم العذاب. ثمّ إنّه علم أنّه لايفوته شيء بتأخيرالعقوبة عنهم فأخّر العذاب، و له أن يفعل ما يشاء بمقتضى حكمه وعلمه >.

و قال الزّمَخْشَريّ و نحوه غيره : < إن أراد بها الآيات المقترحة، فالمعنى لانرسلها { اِلا تَخْويفًا ‘} من نزول العذاب العاجل، كالطّليعة و المقدّمة له، فإن لم يخافوا وقع عليهم. و إن أراد غيرها فالمعنى: و ما نرسل ما نزل من الآيات كآيات القرآن وغيرها إلاتخويفًا وإنذارًا بعذاب الآخرة >.و قال الفَخْرالرّازيّ: < قيل: لا آية إلاو تتضمّن التّخويف بها عند التّكذيب: إمّا من العذاب المعجّل، أو من عذاب الآخرة >.

و قال البَيْضاويّ: < { اِلاتَخْويفًا } من نزول العذاب المستأصل، فإن لم يخافوا نزل، أو بغير المقترحة كالمعجزات و آيات القرآن...>.

و نحوه أبوالسُّعود، وأضاف: < فلا محلّ للجملة حينئذ من الإعراب، و يجوز أن تكون حالا من ضمير {ظَلَمُوا} أي ظلموا بها و لم يخافوا عاقبته، و الحال أنّا ما نرسل بالآيات الّتي هي من جملتها إلا تخويفًا من العذاب الّذي يعقبها، فنزل بهم ما نزل >.

و قال الطَّباطَبائيّ: < أي أنّ الحكمة في الإرسال بالآيات: التّخويف والإنذار، فإن كانت من الآيات الّتي تستتبع عذاب الاستئصال، ففيها تخويف بالهلاك في الدّنيا و عذاب النّار في الآخرة، و إن كانت من غيرها ففيها تخويف وإنذار بعقوبة العقبى >. ثمّ احتمل أن يكون المراد من التّخويف: إيجاد الخوف والوحشة بإرسال ما دون عذاب الاستئصال، كما قال في(108): { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّف }، وأنّ محصّل معنى الآية: < إنّا لانرسل بالآيات المقترحة، لأ نّا

لانريد أن نعذّبهم بعذاب الاستئصال، و إنّما نرسل ما نرسل من الآيات تخويفًا ليحذروا بمشاهدتها عمّا هو أشدّ منها و أفظع >.

3 المراد بالتّخويف في (110): { اِنَّمَا ذ لِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّ فُ اَوْلِيَاءَهُ }، ما جاء في آيتين قبلها من تهديد المنافقين المؤمنين بأنّ الكفّار أي مشركو مكّة قد تهيّأوا للهجوم عليهم، فزاد ذلك إيمان المؤمنين.

و هذا فضل كبير للمؤمنين الصّادقين، تتميمًا لآيات قبلها: { الَّذينَ‘ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ اِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ ايمَانًا‘ وَ قَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَ نِعْمَ الْوَكيلُ‘ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَة مِنَ اللهِِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَ اللهُ ذُو فَضْلٍ عَظيمٍ‘}، ثمّ قال: { اِنَّمَا ذلِكُمُ’ الشَّيْطَانُ يُخَوِّ فُ اَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْ مِنينَ ‘}. و قد جاء في الآية الأُولى { النَّاسُ } مرّتين، و المراد بالأوّل: المنافقون الّذين كانوا يخوّفون المؤمنين تضعيفًا لإيمانهم وتثبيطا لهم عن جهادهم، و بالثّاني: المشركون في مكّة الّذين غلبوا على المؤمنين في غزوة < أُحُد > و رجعوا إلى مكّة.

فقد عبّر الله عن تخويفهم بأنّ ذلك في الحقيقة

ص: 302

تخويف الشّيطان الّذي لاتأثير له إلا في أوليائه من المؤمنين ضِعاف الإيمان. و أمّا المؤمنون الصّادقون فإنّما يزيدهم هذا التّخويف إيمانًا، فلايخافون المشركين بل يخافون الله.

هذا هو الظّاهر من سياق الآيات. و قال الطَّبْرِسيّ (1 : 541): < ثمّ ذكر أنّ ذلك التّخويف و التّثبيط عن الجهاد من عمل الشّيطان، فقال:{ اِنَّمَا ذلِكُمُ’ الشَّيْطَانُ يُخَوِّ فُ اَوْلِيَاءَهُ }، و المعنىإنّما ذلك التّخويف الّذي كان من نُعيم بن مسعود من فعل الشّيطان و بإغوائه و تسويله يُخوّف أولياءه المؤمنين >. ثمّ ذكر اختلافهم و قال: <قال ابن عبّاس و مُجاهِد و قَتادَة: يخوّف المؤمنين بالكافرين. و قال الزّجّاج و أبو عليّ الفارسيّ و غيرهما: إنّ تقديره: و يخوّفكم أولياءه، أي من أوليائه، بدلالة قوله: { فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} أي إن كنتم مصدّقين بالله فقد أعلمتكم أنّي أنصركم عليهم.

و مثله قوله: { لِيُنْذِرَ بَاْسًا شَديدً‘ا } الكهف: 2، أي ليُنذركم ببأس شديد... و قيل: معناه: أنّ الشّيطان يخوّف المنافقين الّذين هم أولياؤه، و أنّهم هم الّذين يخافون من ذلك التّخويف، بأن يوسوس إليهم و يُرهبهم و يعظّم أمر العدوّ في قلوبهم، فيقعدوا عن متابعة الرّسول، و المسلمون لايخافونه لأ نّهم يثقون بالنّصر الموعود. و نظيره قوله: { اِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذينَ ‘ امَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } النّحل : 99. و الأوّل أصحّ >. و عندنا أنّ الثّاني هو الأصحّ، بل هو الصّحيح.

و قد وجّه الطّبَريّ أيضًا الوجه الأوّل و هو يُخوّفكم بأولياءه بقول بعض أهل العربيّة من أهل البصرة و نقده، و كذلك غيره، فلاحظ النُّصوص.

و قال الزّمَخْشَريّ: < { يُخَوِّ فُ اَوْلِيَاءَهُ } جملة مستأنفة بيان لشيطنته، أو{ الشَّيْطَانُ} صفة لإسم الإشارة. و { يُخَوِّ فُ } الخبر و المراد بالشّيطان نُعيم أو أبو سفيان و يجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف، بمعنى إنّما ذلكم قول الشّيطان، أي قول إبليس لعنه الله: { يُخَوِّ فُ اَوْلِياءَهُ } يخوّفكم أولياءه الّذين هم أبوسفيان و أصحابه. و تدلّ عليه قراءة ابن عبّاس و ابن مَسعود: (يخوّفكم أولياءه). و قوله: { فَلاتَخَافُوهُمْ }. و قيل: يخوّف أولياءه القاعدين عن الخروج مع رسول الله(صلی الله علیه و آله) ثمّ قال:

فإن قلت: فإلامَ رجع الضّمير في { فَلاتَخَافُوهُمْ } على هذا التّفسير؟

قلت: إلى { النَّاس } في قوله: { اِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } آل عمران: 173، فلاتخافوهم فتقعدوا عن القتال و تجبنوا، { وَخَافُونِ }: فجاهدوا مع رسولي و سارعوا إلى ما يأمركم به، { وَخَافُونِ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} يعني أنّ الإيمان يقتضي أن تُؤثروا خوف الله على خوف النّاس { وَ لا يَخْشَوْنَ اَحَدًا اِلا اللهَ } الأحزاب: 39 >.

و قال ابن عَطيّة أيضًا في ترجيح الوجه الأوّل: < و { ذ لِكُمُ } في الإعراب ابتداء، و { الشَّيْطَانُ } مبتدأ آخر، و{ يُخَوِّفُ اَوْلِياءَهُ } خبر عن{ الشَّيْطَانُ} والجملة خبر الابتداء الأوّل، و هذا الإعراب خير في

ص: 303

تناسق المعنى من أن يكون { الشَّيْطَانُ } خبر { ذلِكُمُ } لأ نّه يجيء في المعنى استعارة بعيدة، و{يُخَوِّفُ } فعل يتعدّى إلى مفعولين، لكن يجوزالاقتصار على أحدهما؛ إذ الآخر مفهوم من بنية هذا الفعل، لأ نّك إذا قلت: <خوّفت زيدًا> فمعلوم ضرورةً أنّك خوّفته شيئًا حقّه أن يخاف >، ثمّ ذكر القراءتين و رجّح بالقراءة الثّانية الوجه الأوّل، فلاحظ.

و للقُشَيْريّ كلام لطيف في الفرار عن تسليط الشّيطان قال: < الإشارة في تسليط دواعي الشّيطان على قلوب الأولياء صدق فرارهم إلى الله؛ كالصّبيّ الّذي يُخوَّف بشيء يفزع الصّبيان، فإذا خاف لم يهتد إلى غير أُمّه، فإذا أتى إليهاآوته إلى نفسها، و ضمّته إلى نحرها، و ألصقت بخدّه خدّها.

كذلك العبد إذا صدق في ابتهاله إلى الله، و رجوعه إليه عن مخالفته، آواه إلى كنف قربته، و تداركه بحسن لطفه>.

4 الآية (109): { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّف...} عطف على آيتين قبلها: { اَ فَاَمِنَ الَّذينَ‘ مَكَرُوا السَّيِّاتِ

اَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الاَرْضَ اَوْ يَاْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لايَشْعُرُونَ * اَوْ يَاْخُذَهُمْ فى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزينَ ‘* اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّف فَاِنَّ رَبَّكُمْ لَرَ ؤُ فٌ رَحيمٌ ‘}.

فقد أوعد الله بها الّذين يمكرون السّيّئات بأنواع من العذاب و هي أربع وكلّها دنيويّ : أن يخسف بهم الأرض، أو يأتيهم العذاب من حيث لايشعرون، أو يأخذهم الله خلال تقلّباتهم من دون أن يُعجزوه، أو أخذهم على تخوّف.

قال الطَّبْرِسيّ(3: 363): <فاللّفظ لفظ الاستفهام، و المراد به الإنكار، ومعناه أيّ شيء أمّن هؤلاء القوم الّذين دبّروا التّدابير السّيّئة في توهين أمر النّبيّ(صلی الله علیه و آله) وإطفاء نور الدّين، و إيذاء المؤمنين من{ اَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الاَرْضَ } من تحتهم عقوبةً لهم، كما خسف بقارون: { اَوْ يَاْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لايَشْعُرُونَ}. قال ابن عبّاس: يعني يوم بدر{ اَوْ يَاْخُذَهُمْ فى تَقَلُّبِهِمْ } يعني أو أن يأخذهم العذاب في تصرّفهم في أسفارهم و تجاراتهم. و قيل: يريد في تقلّبهم في كلّ الأحوال إلى أن قال: { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّ ف }. قال أكثر المفسّرين: معناه على تنقّص إمّا بقتل أو بموت، أي ينقّص من أطرافهم و نواحيهم، فيأخذ منهم الأوّل فالأوّل حتّى يأتي على جميعهم. و قيل: معناه في حال تخوّ فهم من العذاب، أي يعذّب أهل قرية و يخوّف به أهل قرية أُخرى، فيتخوّفون أن ينزل بهم من العذاب ما نزل بالأُولى، عن الحسَن.

و قيل: معناه على تنقّص من الأموال و الأنفس بالبلايا و الأسقام إن لم يعذّبهم بعذاب الاستئصال و هو ما جاء فيها من خسف الأرض و ما بعده لينبّه غيرهم و يزجرهم، عن الجُبّائيّ >.

و يُعرَف من ذلك أنّ < التّنقّص > الّذي جاء في أكثر التّفاسير في معنى <التّخوّف > هو أحدمعنييه، و معناه المحتمل الآخر: الخوف الحاصل من التّخويف، كما يومئ إليه صيغة < التّفعّل > ففيه وجهان بل قولان: التّنقّص و الخوف.

ص: 304

و الّذين فسّروه ب < التّنقّص > اختلفوا: تنقّص رؤساؤهم و أصحابهم بأن يهلك واحدًا منهم بعد واحد، بأخذ العذاب طائفةً و ترك أُخرى، أو قرية و يترك أُخرى، على تنقّص من الأموال و الأنفس بالبلايا و الأسقام، بنقص من أطرافهم و نواحيهم الشّيء بعد الشّيء، حتّى يهلك جميعهم، يأخذهم بنقص النّعم واحدة بعد واحدة، تدريجيًّا كأخذ الأمن، ثمّ الإمطار، ثمّ الرّخص، ثمّ الصّحّة، و هكذا.

و هؤلاء احتجّوا بأنّ التّخوّف مثل التّخوّن. يقال: تخوّفته الدّهور و تخوّنته، إذا نقصته و أخذت من ماله أو جسمه، ومنه تخوّف مالَ فلان الإنفاقُ، إذا انتقصه. و عن ابن العَرَبيّ: <يقال: تخوّفت الشّيء و تخفّفته، إذا تنقّصته >.

و قال الزّمَخْشَريّ: < متخوّفين، و هو أن يهلك قومًا قبلهم فيتخوّفوا فيأخذهم بالعذاب و هم متخوّفون متوقّعون، و هو خلاف قوله: { مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ } النّحل: 45 >.

و قال الفَخْرالرّازيّ: < التّخوّف تفعّل من الخوف. يقال: خفت الشّيء وتخوّفته، و المعنى: أنّه تعالى لايأخذهم بالعذاب أوّ لا ، بل يُخيفهم أوّلا ثمّ يعذّبهم بعده، و تلك الإخافة هو أنّه تعالى يُهلك فرقة فتخاف الّتي تليها، فيكون هذا أخذًا ورد عليهم بعد أن يمرّ بهم قبل ذلك زمانًا طويلا في الخوف و الوحشة >.

و قال البَيْضاويّ: < بأن يُهلك قومًا قبلهم فيتخوّفوا، فيأتيهم العذاب و هم متخوّفون>.

و نحوه أبو السُّعود وأضاف: < و حيث كانت حالتا التّقلّب و التّخوّف مظنّة للهرب عبّرعن إصابة العذاب فيهما ب < الأخذ >، و عن إصابته حالة الغفلة المنبئة عن السّكون ب < الإتيان > و استشهد بشعر ثمّ قال: و المراد بذكر الأحوال الثّلاث يعني الخسف، و إتيان العذاب، و الأخذ في آيتين بيان قدرة الله سبحانه على إهلاكهم بأيّ وجه كان لا الحصر فيها >.

و قال الطَّباطَبائيّ: < التّخوّف: تمكّن الخوف من النّفس و استقراره فيها، فالأخذ على تخوّف هو العذاب مبنيًّا على المخافة بأن يشعروا بالعذاب، فيتّقوه

و يحذروه بما استطاعوا من توبة و ندامة و نحوهما، فيكون الأخذ على تخوّف مقابلا لإتيان العذاب من حيث لايشعرون.و ربّما قيل: إنّ الأخذ على تخوّف هو العذاب بما يخاف منه من غير هلاك كالزّلزلة و الطّوفان و غيرهما...>.

و قال الخطيب: < أي على توقّع للبلاء بين يدي إرهاصات تُهدّد به وتُنذر بوقوعه، إنّ عذاب الله يقع حيث يشاء الله، و متى يشاء، و ما هو منالظّالمين ببعيد>.

و قال فضل الله: < و هم يعيشون حالة التّرقّب و الحذر من العذاب، الّتي تدفعهم إلى الشّعور بالخوف الدّاخليّ الّذي يجعل الإنسان في حالة صعبة من القلق، فلايفاجئه العذاب، بل يكون مستعدًّا له...>.

و قد انفرد القُمّيّ بتفسير التّخوّف ب < التّيقّظ > فلاحظ.

و يلاحظ ثانيًا: أنّ منها 34 آية مدنيّة و أكثرها تشريع، و جملة منها جاءت بشأن المنافقين أو

ص: 305

قصّةمدنيّة، و الباقي و هي مكّيّة فقسم منها قصص، و قسم عقيدة و إنذار للمشركين.

ثالثًا: وردت نظائركثيرة لهذه المادّة في القرآن، و قد ذكرت في < خ ش ي >.

ص: 306

خ و ل

اشارة

7 ألفاظ، 8 مرّ ات: 3 مكّيّة، 5 مدنيّة

في 5 سور: 2 مكّيّتان، 3 مدنيّة

خَوّلَه 1: 1 اَخْوالِكم 1: 1

خَوّلْنَاه 1: 1 خالاتِك 1: 1

خَوّلْنَاكُم 1: 1 خالاتِكم 2: 2

خالِكَ 1: 1

النُّصوص اللُّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء: في حديث النّبيّ(صلی الله علیه و آله): « إنّه كان يتخوّلهم بالموعظة...> إنّما هو يتخوّلهم بالموعظة، أي ينظر حالاتهم الّتي يَنشَطُون فيها للموعظة و الذِّكر فيَعظهم فيها، و لايُكثر عليهم فيَملّوا.

(أبو عُبَيْد 1 : 79)

الخَليل: أخْوَل الرّجل، إذا كان ذا أخوال، فهو مُخْوِل و مُخْوَل، و هو كريم الخال أيضًا. و الخُؤُولَة: مصدر الخال...

و الخَوَل: ما أعطاك الله من العبيد و النَّعم.

و هؤلاء خَوَلٌ لفلان، أي اتّخذهم كالعبيد ذُ لا

و قهرًا.

و خَوَلُ اللِّجام: أصل فأْسه. (4: 304)

إذا كان [الرّجل] كريم الطّرفين، شريف الجانبين، فهو: مُعِمّ مُخْوَِل. ( الثّعالبيّ: 165)

اللّيث: الخال: أخ الأُمّ، و الخالة أُختها.

(الأزهَريّ 7: 559)

الكِسائيّ: رجل مَخيل، و مَخْيُول، و مَخُول، من < الخال >. و تصغيره < خُيَيْل > في منقال: مَخيل، و < خُوَيْل > في من قال: مَخُول. (الأزهَريّ 7: 559)

أبو عمرو الشّيبانيّ: النّاس يتخوّلون متاعهم: يأخذونه مرّة بعد مرّة. (1: 229)

الخائل: القائم على النّخل و المال. يقال: خال

ص: 307

يَخُول خيالةً حسنةً، و هو خائلُ مالٍ، أي حسَن القيام عليه. (1: 235)

في حديث النّبيّ(صلی الله علیه و آله): « إنّه كان يتخَوّلُهم بالموعظة...»، أي يتعهّدهم بها؛ و الخائل: المتعهّد للشّيء، و الحافظ له، و القائم به. (أبو عُبَيْد 1: 79)

الفَرّاء: و الخائل: الرّاعي للشّيء و الحافظ له، و قد خال يَخُول خَوْلا . (أبو عُبَيْد 1: 79)

أبو زَيْد: قوله((1)):

أخْوَلَ أخوَلا، أي واحدًا فواحدًا. و قال الأصمَعيّ: أخوَلَ بعضه على بعض، و وصفه بيديه و أومأ بهما، كأ نّه يقع بعضه على بعض.

(أبوزَيْد: 145)

تخَوّلَتْني ، إذا قالت: ياخالاه. (206)

غلام مُعَمّ مُخْوَل،إذا كان كريم الأعمام والأخوال و لايقال: مُعِمّ و لامُخْوِل. (الأزهَريّ 7: 559)

أبو عُبَيْد: في حديث النّبيّ(صلی الله علیه و آله): « يتخوّلنا بالموعظة ».

أهل الشّام يسمّون القائم بأمر الغنم و المتعهّد لها: الخَوَليّ، و لم يعرفها الأصمَعيّ، و قال: أظنّها بالنّون: يتَخَوّ نُهم، قال: و هو التّعهّد أيضًا. [ثمّ استشهد بشعر]

(1: 79)

ابن الأعرابيّ: الخَوْلَة: الظّبْيَة.

و خالَ يَخُول خَوْلا ، إذا صار ذا خَوَل بعد انفراد.

(الأزهَريّ 7: 568)

ابن السِّكّيت: و الخَوَل يقع على العبد و الأمة، و هو يكون واحدًا و جمعًا. و يقال: خَوّله الله مالا ، أي ملّكه. (477)

يقال: هو خالُ مالٍ، و خائلُ مالٍ، إذا كان حسَن القيام على ماله. (603)

و يُجمَع خال الرّجل: أخوالا ، و الخال الّذي في الجسد: خِيلانًا. و رجل أخيلُ: به خِيلان.

(إصلاح المنطق: 364)

يقال: هما ابنا عمّ، و لاتقل: هما ابنا خال. و تقول: هما ابنا خالة، و لاتقل: ابنا عمّة.

و يقال: تعمّمت عمًّا و تخوّلت خالا ، إذا اتّخذت عمًّا، أو خالا .

و الخُؤولة: جمع الخال، و العُمومة: جمع العمّ.

(الأزهَريّ 7: 559)

ابن أبي اليمان: الخَوْل: القيام بالمال. و يقال: فلان يَخُول ماله، أي يقوم عليه، و هو خالُ مالٍ، و خائل مالٍ. (625)

الحَرْبيّ: و الخَوَل : العطاء، و المُخَوِّل: الله تعالى.(2: 485)

الزّجّاج: و خالٌ بيّن الخُؤُولة، أي ظاهر في ذلك، لاعلى ما شاركه في اللّفظ. (فعلت و أفعلت: 32)

ابن دُرَيْد: الخَوَل: حَشَم الرّجل الّذين يستَخوِلهم ، و هو جمع لاواحد.

و يقال: استَخوَل فلان بني فلان، إذا اتّخذهم أخوالا و استَخوَلهم إذا أخذهم خَوَلا.

و خَوّله الله، أي مَلّكه الله مالا و غيره.

و قد سمّت العرب: خَوْليًّا، و خولان: قبيلة منهم.

ص: 308


1- (1)قول الشّاعر العجّاج.

و خولة: اسم امرأة.

و يقال: « تفرّق القوم أخْوَلَ أخْوَلَ » و هو مأخوذ من شرر الحديد، إذا ضربه القَيْن فتفرّق.[ثمّ استشهد بشعر]

و الخُوَيْلاء: موضع. (2: 243)

و تخَوّل فلان بني فلان، إذا جعلهم أخواله.

و تخَوّلهم بالموعظة، إذا تعاهدهم بها.

و التّخَوّل و التّخَوّن واحد...

و استَخوَلهم، إذا جعلهم خَوَلا .

و فلان يَخُول على أهله، إذا كان يرعى عليهم. و الخَوَل: الخَدَم.

و الخال: أخو الأُمّ.

و رجل خالُ مالٍ، و خائلُ مالٍ، إذا كان حسَن القيام عليه. (3: 240)

القاليّ: يقال: إنّه لخالُ مال، و خائلُ مال، إذا كان حسَن القيام عليه. (2: 327)

الأزهَريّ: و قال ابن بُزُرْج: الخائل: الحافظ، و راعي القوم.. يَخُول عليهم، أي يَحلُب و يَسقي و يَرعى.

و يقال: خالَ المالَ، يَخُوله، إذا ساسَه.

و الخَوْليّ: القائم بأمر النّاس، السّائس له. [ثمّ نقل حديث النّبيّ(صلی الله علیه و آله) إلى أن قال:]

قلت: و العرب تقول: مَن خالُ هذا الفرس؟ أي مَن صاحبها؟ [ثمّ استشهد بشعر]

و الخُوّال: الرِّعاء الحُفّاظ للمال. [إلى أن ذكر قول الخَليل: و خَوَلُ اللِّجام: أصل فأْسِه. و أضاف:]

قلت: لاأعرف خَوَ لُ اللِّجام، و لاأدري ما هو؟

(7: 561 565)

الصّاحِب: الخال: أخو الأُمّ، والخالَة أُختها. والمصدر: الخُؤُولة.

وأخْوَل الرّجل، إذا كان ذا أخْوال ، فهو مُخْوِل ومُخوَل: كريم الخال.[إلى أن قال:]

الخَوَلُ: العبيد والنَّعم، من قولك: خوّلكَ الله الشّيء، أي ملّكك إيّاه.

وخَوَلُ اللِّجام: أصل فأْسِه.

وخالاني فلان: أي خالفني.

وذهبوا أخْوَلَ أخْوَلَ، أي متفرّقين واحدًا في إثْرِ واحد كتفرّق الشّرر من الحديد. وقيل: الشّررهو الأخْوَل بعينه.

والخائل: الرّاعي يَخُول الغنم.

وتخَوّلتُ الشّيء: تعَهّدتُه، و في الحديث:<كان يتخوّلهم بالموعظة >.

و رجل خَوْلانيّ، إذا كان عامّ المنفعة للقريب و البعيد، و هو من قولهم: خال عليهم، أي ساسَهم.

و الخُول: الأخوال و هم جمع الخُولَة.

و رجل مُخال مُعَمّ: بمعنى مُخْوَل.

و الخَوْ لانيّة من النِّصال: الرّقيق السّخيف.

(4: 410)

الجَوهَريّ: الخائل: الحافظ للشّيء. يقال: فلان يَخُول على أهله، أي يرعى عليهم.

و خَوّله الله الشّيء، أي ملّكه إيّاه.

و قد خُلْتُ المال أخُوله، إذا أحسنت القيام عليه.

ص: 309

يقال: هو خالُ مالٍ و خائلُ مالٍ وخَوْليّ مالٍ، أي حسَن القيام عليه.

و التّخَوّل: التّعَهّد، و في الحديث: < كان النّبيّ (صلی الله علیه و آله) يتَخَوّلنا بالموعظة مخافة السّآمة >... و ربّما قالوا: تخَوّلتِ الرّيح الأرضَ، إذا تعَهّدَتْها.

و تخَوّلتُ في فلان خالا من الخير، أي أخَلْتُ و توَسّمتُ.

و خَوَلُ الرّجل: حَشَمه؛ الواحد: خائِل.

و قد يكون < الخَوَل > واحدًا، و هو اسم يقع على العبد و الأمَة. قال الفَرّ اء: هو جمع خائل، و هو الرّاعي. وقال غيره: هو مأخوذ من التّخويل، و هو التّمليك.

و الخال: أخو الأُمّ، و الخالة أُختها. يقال: خالٌ بيّن الخُؤُولة، و بيني و بين فلان خُؤُولة.

و تقول: اسْتَخِل خالا غير خالك واسْتَخْوِل خالا غير خالك، أي اتّخِذْ. والاستِخوال أيضًا: مثل الاستخيال.

و الخال: لواء الجيش.

و الخال نوع من البرود.

و يقال: تطايَر الشّرر أخْوَلَ أخْوَلَ، أي متفرّقًا،

و هو الشّرر الّذي يتطايَر من الحديد الحارّ إذا ضُرب.

و ذهب القوم أخْوَلَ أخْوَلَ، إذا تفرّقوا شتّى. و هما اسمان جُعلا واحدًا و بُنيا على الفتح. [ و استشهد بالشّعر مرّتين] (4: 1690)

ابن فارِس: الخاء و الواو و اللام أصل واحد، يدلّ على تعهّد الشّيء، من ذلك: « إنّه كان يتَخَوّلهم بالموعظة » أي كان يتعهّدهم بها.

و فلان خَوْليُّ مال، إذا كان يُصلِحه. و منه: خوّلك الله مالا ، أي أعطاكَه، لأنّ المال يُتَخَوّل، أي يُتَعَهّد.

و منه خَوَلُ الرّجل، و هم حَشَمُه. أصله أنّ الواحد خائل، و هو الرّاعي.

يقال فلان يَخُول على أهله، أي يرعى عليهم. و من فصيح كلامهم: تخَوّلت الرّيح الأرض، إذا تصَرّفَتْ فيها مرّةً بعد مرّة. (2: 230)

أبوهِلال: الفرق بين التّخويل و التّمويل: أنّ التّخويل: إعطاء الخَوَل. يقال: خَوّله، إذا جعل له خَوَلا ، كما يقال: مَوّله، إذا جعل له مالا و سَوّده، إذا جعل له سُودَدًا.

و قيل:أصل التّخويل: الإرعاء. يقال: أخوَلهإبله، إذا استَرعاه إيّاها؛ فكثر حتّى جُعل كلّ هبة و عطيّة تخويلا ، كأ نّه جعل له من ذلك ما يرعاه. (144)

الفرق بين العبيد و الخَوَل: أنّ الخَوَل هم الّذين يختصّون بالإنسان من جهة الخدمة و المهنة، و لاتقتضي المِلك كما تقتضيه العبيد. و لهذا لايقال: الخلق خَوَلُ الله، كما يقال: عبيده. (183)

الهَرَويّ:يقال: خَوَلُ فلان، أي أتباعه؛ الواحد: خائل.

و الخَوَل: الرُّعاة. تقول: هو يَخُول عليهم، أي يرعى عليهم. و كلّ من أعطى عطاء على غير جزاء فقد خوّ ل، و هو قوله: { ثُمَّ اِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ...}. الزّمر: 8.

و يقال: الخَوَل: كلّ ما أعطى الله العبد من العبيد

ص: 310

و النَّعم فهو الخَوَل.

و في الحديث: « كان يتَخوّلنا بالموعظة » أي يتعهّدنا، و الخائل: المتعهّد للشّيء الحافظ. قال أبو عمرو: و الصّواب: يتحوّلهم بالحاء أي يطلب أحوالهم الّتي ينشطون فيها للموعظة، فيَعظهم فيها، و لايُكثر عليهم فيملّوا.

و في حديث طلحة: أ نّه قال لعمر: « إنّا لاننبوا في يديك و لانخول عليك »

يقال: خالَ الرّجل و اختال، و رجل خالٍ و ذو خالٍ، أي ذو مَخيلة. (2: 605)

ابن سيده: الخال: أخو الأُمّ؛ و الجمع: أخوال و أخْوِلَة، هذه عن اللِّحيانيّ. و هي شاذّة، و الكثير: خُؤُول، و خُؤُولة، كلاهما من اللِّحيانيّ؛ و الأُنثى بالهاء،

و هما ابنا خالة، و لاتقل: ابنا عمّة، و هما ابنا عَمّ، ولاتقل: ابنا خال.

و المصدر: الخُؤُولة، و لافعل له.

و قد تخَوّ ل خالا .

و تخَوّلتني المرأة: دَعَتْني خالها.

و أخَوَل الرّجل، و أُخوِل، إذا كان ذا أخوال.

و رجل مُعِمّ مُخوِل: كريم الأعمام و الأخوال، لايكاد يُستعمل إلامع مُعِمّ و مُعَمّ.

و استَخوَل في بني فلان: اتّخذهم أخوالا .

و الخَوَل: العبيد و الإماء و غيرهم من الحاشية، الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث في ذلك سواء.

و هو ممّا جاء شاذًّا عن القياس، و إن اطّرد في الاستعمال، و لايكون مثل هذا في الياء، أعني أ نّه لايجيء مثل: البَيعَة و السَّيرة، في جمع: بائع، و سائر. و علّة ذلك قُرب الألف من الياء و بُعدها عن الواو، فإذا صحّت نحو: الخَوَل، و الحَوَكة، و الخَوَلة، كان أسهل من تصحيح نحو: البَيِّعة؛ و ذلك أنّ الألف لمّا قربت من الياء أسرع انقلاب الياء إليها، و كان ذلك أسوغ من انقلاب الواو إليها، لبعد الواو عنها.

ألاترى إلى كثرة قلب الياء ألفًا، استحسانًا لاوجوبًا، في « طيِّئ »: طائيّ، و في « الحيرة »: حاريّ، و قولهم: عَيْعَيْتُ، و صَيْخَيْت، و هَيْهَيْت: عاعَيْت، و صاخَيْتُ، و هاهَيْت،و قلّما ترى في الواو مثل هذا، فإذا كان مثل هذه القُربى بين الألف و الياء كان تصحيح نحو: بَيعَة وسَيرَة، أشقّ عليهم من تصحيح نحو: الخَوَل، و الحَوَكة، و الخَوَنة، لبُعد الواو من الألف، ويقدر بُعدها عنها ما يقلّ انقلابها إليها.

و لأجل هذا الّذي ذكرنا ما كثر عنهم، نحو: اجتَوَروا، و اعترفوا، و احتوشوا، و لم يأت عنهم شيء من هذا التّصحيح في الياء، لم يقولوا: ابتَيَعُوا، و لااشتَرَيُوا، و إن كان في معنى تبايعوا، و تشاريوا، على أ نّه جاء حرف واحد من الياء في هذا فلم يأت إلا مُعلا ، و هو قولهم: استافوا، في معنى تسايفوا، و لم يقولوا استَيَفُوا، لما ذكرناه من جفاء ترك قلب الياء ألفًا في هذا الموضع الّذي قد قويت فيه داعية القلب.

و استَخْوَل في بني فلان: اتّخذهم خَوَلا .

و خَوّله المال: أعطاه إيّاه، و قيل: أعطاه إيّاه تفضُّلا . و قول الهذليّ:

ص: 311

و خَوّال لمولاه إذا ما أتاه عائلا قَرِع المُراح

يدلّ على أ نّهم قد قالوا: خالَه، ولايكون على النّسب، لأ نّه قد عدّاه باللام، فافهم.

و خَوّله الله نعمةً: مَلّكه.

و الخَوْليّ: الرّاعيّ الحسَن القيام على المال و الغنم؛ و الجمع: خَوَل، كعربيّ و عرَب.

و إنّه لخالُ مالٍ، و خائله: يُدبّره و يقوم عليه.

و الخَوَل، أيضًا: اسم لجمع « خائِل »، كرائح و رَوَح، و ليس بجمع « خائل> لأنّ « فاعلا » لاتكسر على « فَعَل ».

و قد خالَ يُخُول خَوْ لا .

و خال على أهله خَوْلا و خيالا .

و تخوّ ل الرّجل: تعهّده، و في الحديث: « كان رسول الله(صلی الله علیه و آله) ، يتَخَوّلنا بالموعظة أي يتعهّدنا بها مخافة السّآمة ».

و الخَوَلُ: أصل فأْسِ اللِّجام.

و ذهب القوم أخْوَلَ أخْوَلَ، أي متفرّقين.

و كان الغالب إنّما هو إذا نَجَل الفرس الحَصى برِجله، و شَرار النّار إذا تتابع. [ثمّ استشهد بشعر]

قال سيبَوَيه: يجوز أن يكون أخْوَلَ أخْوَلَ، كشَغرَ بَغرَ: و أن يكون كيَوْمَ يَوْمَ.

و إنّه لمخِيل للخير، أي خليق له.

و الخال: ما توَسّمتَ فيه من الخير.

و أخال فيه خالا ، و تخوّل: تفرّس.و قد تقدّم ذلك في الياء، أعني تخيّله.

و خَوَلة، و خُوَيْلة: اسما امرأة.و الخُوَيلاء: موضع.

و خَوْليّ: اسم.و خَوْلان: قبيلة.

و كُحْل الخَوْلان: ضرب من الأكحال، لاأدري لِمَ سمّي بذلك. (5: 300)

الطُّوسيّ: التّخويل: العطيّة العظيمة على جهة الهِبَة، و هي المِنْحَة. [ثمّ استشهد بشعر] (9: 12)

الرّاغِب: قوله تعالى: { وَ تَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } الأنعام: 94، أي ما أعطيناكم.التّخويل في الأصل:إعطاء الخَوَل، و قيل: إعطاء ما يصير له خَوَلا ، و قيل: إعطاء ما يحتاج أن يتعهّده، من قولهم: فلان خالُ مالٍ، و خائل مالٍ، أي حسَن القيام به.

و الخال: ثوب يُعلّق فيُخيّل للوُحوش، و الخال في الجسد: شامة فيه. (163)

الزّمَخْشَريّ: خَوّله الله مالا .

قال أبو النّجم:

* كُومَ الذُّرى من خَوَل المُخَوَّل *

و لفلان خيل و خَوَل، أي حَشَم؛ جمع خائل.

يقال: فلان خائلُ مالٍ، أي راعيه و مُصلِحه و قد خال المال يَخُوله خَوْ لا .

و هو يَخُول على أهله: يرعى عليهم أغنامهم و يكفيهم.قال:

* و لاتحسبنّ أ نّي لأُ مّك خائل *

و يقال للفهارمة: الخُوّ ال.

«وكان رسول الله(صلی الله علیه و آله) يتخوّل أصحابه بالموعظة» : يتعهّدهم بها.

و فلان تخَدّم بني فلان و استَخْوَلهم أي اتّخذهم

ص: 312

خَوَ لا .

و أدلى بالخُؤُولة و العمومة، و هو مُعَِمّ مُخْوَِل.

و تعمّمت عمًّا و تخوّلت خالا و استَخْوَلْته.

يقال: استَخْوِل خالا غير خالك.

و من المجاز: جاؤا الأوّل فالأوّل، ثمّ تفرّقوا أخْوَلَ أخْوَلَ. و كان أصله في الرُّعاة يتفرّقون في الكلإ، فيأخذ هذا في شقّ وهذا في شقّ،وكلّهم يقول: أنا أخْوَلُ من الآخرين، أي أحسن رَعْيَة و تعهّدًا للمال. [ثمّ استشهد بشعر] (أساس البلاغة:122)

في حديث طلحة: «...و لانخول عليك».لانخول: لانتكبّر. قال:

فإن كنت سيّدنا سُدْتنا

و إن كنت للخال فاذهب فخُل

و هو مع الخُيَلاء و الخيل شاذّ. (الفائق 1: 324)

< كان (صلی الله علیه و آله) يتخوّلهم بالموعظة مخافة السّآمة عليهم> أي يتعهّدهم، من قولهم: فلان خائلُ مالٍ، و هو الّذي يُصلحه و يقوم به، و قد خالَ يَخُول خَوْلا و هي الخَوَليّ عند أهل الشّام . و روي : < يتخوّنهم > على هذا المعنى. [ثمّ استشهد بشعر]

و قيل : < يتحوّلهم >، أي يتأمّل حالاتهم الّتي يَنشَطون فيها للموعظة. (الفائق 1: 401)

و في حديث أبي هريرة: < إذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان دين الله دخَلا ، و مال الله نُحْلا ، و عباد الله خَوَ لا >.

و الخَوَل: الخَدَم ؛جمع خائل. (الفائق1: 420)

الطَّبْرِسيّ: التّخويل: العطيّة العظيمة على وجه الهبَة، و هي المِنْحَة، خوّله الله مالا ، و منه الحديث: « كان يتخوّلهمبالموعظة...» أي يتعبّدهم((1)). و الحديث الآخر: « إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا ، اتّخذوا مال الله دُوَلا ، و دين الله دَخَلا ، و عباد الله خَوَلا » أي يظنّون عباد الله عبيدهم، أعطاهم الله ذلك. قال أبو النّجم:

أعطى فلم يَبْخَل، و لم يُبَخَّل

كُومَ الذُّرى مِن خَوَل المُخَوّل

(4: 490)

السُّهَيْليّ: و الخَوْليّ في اللُّغة هو الّذي يقوم على الخيل و يخدمها. و في الخبر أنّ جميلا الكَلْبيّ كان خَوْليًّا لمعاوية ، و في هذا ما يدلّ على أنّ الياء في < الخيل > أصلها الواو.

(3: 173)

و قوله:((2)) أخْوَ لَ أخْوَ لا ، أي متفرّقين، و وقع تفسيره في بعض النّسخ من قول ابن هشام، و كان أصله من الخال، و هو الخُيَلاء و الكبر. تقول: فلان أخْوَل من فلان، أي أشدّ كِبْرًا منه و اختيالا . فمعنى قولهم: إذا جاء القوم أخْوَلَ أخْوَ لا ، أي انفرد كلّ واحد منهم بنفسه. و ازدهاء الخال أن يكون تابعًا لغيره، فكلّما رأيت أحدًا منهم قلت : هذا أخْوَ ل من الآخر.

هذا هو الأصل ،ثمّ كثر حتّى استُعمل في التّفرّق

ص: 313


1- (1) هكذا في الأصل، والظّاهر: يتعهّدهم.كما جاء عند أبي عمروابن العلاء و أبي عمرو الشّيبانيّ و الزّمَخْشَريّ و غيرهم .
2- (2) من شعر حجّاج بن عِلاط يمدح عليًّا(علیه السلام).

مثلا ، و إن لم يكن هناك من معنى الخال شيء. و قد قيل في أخْوَ ل: إنّه من: تخَوّلتُ بالموعظة، و نحوها، إذا فعلت ذلك شيئًا فشيئًا، و في الحديث: < كان رسول الله (صلی الله علیه و آله): يتخوّلنا بالموعظة مخافة السّآمة علينا . (3: 342)

المَدينيّ: في حديث عبد الله بن عمر: « أ نّه دعا خَوْليّه ».

الخَوْليّ: القيِّم بأمر الإبل و المتعهّد لها، و هو من الخائل أيضًا. يقال: هو خائلُ مالٍ، إذا كان حسَن القيام عليه. و التّخوّل: حُسن الرّعاية، و هو من قولهم: خَوّله الله عزّو جلّ، أي ملّكه. (1: 626)

ابن الأثير: و في حديث العبيد: « هم إخوانكم وخَوَلكم، جعَلهُم الله تحت أيديكم ». الخَوَل: حَشَم الرّجل و أتباعه؛ و احدهم خائل. و قد يكون واحدًا، و يقع على العبد و الأمَة، و هو مأخوذ من التّخويل: التّمليك. و قيل من الرّعاية...

و منه حديث أبي هريرة: « إذا بلغ بَنُو أبي العاص ثلاثين كان عباد الله خَوَلا >أي خَدَمًا و عبيدًا، يعني أ نّهم يستَخدِمونهم و يستَعبِدونهم.. . (2: 89)

الفَيُّوميّ: الخال من النّسب؛ جمعه أخوال، و جمع الخالة: خالات.

وأخْوَل الرّجل وِزان < أكرَم > فهو مُخوِل بالكسر على الأصل، و بالفتح على معنى أنّ غيره جعله ذا أخوال كثيرة.و رجل مُعِمّ مُخوِل، أي كريم الأعمام و الأخوال، و منع الأصمَعيّ الكسر فيهما و قال: كلام العرب الفتح. و ربّما جُمع الخال على خُؤُولة.

و الخَوَل مثال الخَدَم و الحَشَم وزنًا و معنًى

و خوّ له الله مالا : أعطاه، و تخَوّلتُهم بالموعظة: تعَهّدتُهُم. (1: 184)

الفيروز اباديّ: الخال: أخو الأُمّ؛ جمع: أخوال و أخوِلَة و خُؤُول و خُوَّ ل و خُؤولة و هي: بهاء و ما توسّمت من خير، و لواء الجيش، و بُرْدٌ معروف، و الفحل الأسود من الإبل.

و أنا خال هذا الفرس: صاحبها.

و أخال فيه خالا من الخير.

و تخيّل و تخوّل: تفرّس.

و هو خالُ مالٍ، و خائله: إزاؤه قائم عليه.

و تخوّل خالا : اتّخذه، و فلانًا: تعهّده.

و أخْوَل و أُخْوِل، إذا كان ذا أخوال.

و رجل مُعَِمّ مُخوَِِ ل كمُحسِن و مُكرَم و مُخال مُعَمّ بضمّهما: كريم الأعمام و الأخوال، لايُستَعمل إلا مع < مُعَمّ >.

و الخَوَل، محرّكة: أصل فأْس اللِّجام، و ما أعطاك الله تعالى من النَّعم و العبيد و الإماء و غيرهم من الحاشية؛ للواحد و الجميع، و المذكّر و المؤنّث. و يقال للواحد: خائل.

و استَخْوَلهم: اتّخذهم خَوَلا ، و فيهم: اتّخذهم أخوالا « كاستَخال »، و بيني و بينه خُؤُولة، و يقال: خالٌ بيِّن الخُِؤُولة، و هما ابنا خالة، و لاتقل: ابنا عمّة.

و خوّله الله تعالى المال: أعطاه إيّاه متفضّلا .

و الخَوْلي: الرّاعيّ الحسَن القيام على المال؛ جمعه: خَوَلٌ محرّكة، و قد خال خَوْلا و خِيالا .

ص: 314

و ذهبوا أخْوَلَ أخْوَلَ: متفرّقين.

و إنّه لمَخيل للخير: خليق.

و الخُوَيلاء: عين. و خَوْلان: قبيلة باليمن.

و كُحْل الخَوْلان: عصارة الحُضُض.

و الخَوْلة: الظّبية. و بلا لام: عشر صحابيّات، أو أربع، منهنّ: خُوَيلَة، كجُهَينَة، بنت حكيم و بنت ناجي، و بنت قيس، و بنت ثعلبة المجادلة. (3: 382)

الطُّرَ يحيّ: في الحديث: « النّاس كلّهم أحرار، ولكنّ الله خوّل بعضكم على بعض » أي فضّل بعضكم على بعض، من خوّله المال: أعطاه إيّاه متفضّلا .

و فيه: « اتّقوا الله فيما خوّلكم » أي ملّككم

و أعطاكم.

و في حديث الصّحابة: « كان رسول الله(صلی الله علیه و آله) يتخوّلنا بالموعظة » أي يتعهّدنا، من التّخوّل: التّعهّد و حسن الرّعاية. يقال: تخوّلتِ الأرضَ الرّيحُ، أي تعهّدتها.و الخائل: المتعهّد للشّيء الحافظ له.

و المعنى: أ نّه كان يتفقّدنا بالموعظة في مظانّ القبول، و لايُكثر علينا لئلانسأم.

و زعم بعض الشّارحين أ نّه« يتَحَوّلنا » بالحاءالمهملة، و هو أن يطلب أحوالهم الّتي ينشطون فيها للموعظة.

و الخال: أخو الأُمّ، و الخالة: أُختها. و قد يُتجوّز فيه، و منه حديث الهذيليّ: « ما أشدّ ما قبض خالك عليها » أي صاحبك، من قولهم: أنا خال هذا الفرس، أي صاحبه، مع احتمال الحقيقة. و يكون عبد الله بن عبّاس منتسبًا من جانب الأُمّ إلى هُذَيْل.

و خَوْلان: قبيلة من اليمن. و في حديث زينب العطّارة الخولاء. وخولة بنت حكيم هي امرأة عثمان ابن مظعون، وهي الّتي وهبت نفسها للنّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و كانت امرأة صالحة فاضلة، و كانت من أجلاء نساء ثقيف، كما تقدّم. (5: 366)

مَجْمَعُ اللُّغة: خَوّله كذا: ملّكه إيّاه.

الخال: أخو الأُمّ؛ و جمعه: أخوال و الخالة: أُخت الأُمّ؛ و جمعها: خالات. ( 1: 370)

محمّد إسماعيل إبراهيم: خَوّله الشّيء: أعطاه إيّاه متفضّلا و ملّكه إيّاه.

و الخَوَل: العبيد و الإماء و غيرهم، والخال: أخو الأُمّ؛ و الجمع: أخوال، و الخالة: أُخت الأُمّ؛ و الجمع: خالات. (1: 177)

العَدْنانيّ: خَوّله الأمر

و يقولون: خَوّل إلى فلان الأمر، و الصّواب: خَوّله الأمر،أي أعطاه إيّاه متفضّلا ، قال تعالى:{ ثُمَّ اِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ...} الزّمر: 8.

و ممّن ذكروا: خَوّله الأمر أيضًا: معجم ألفاظ القرآن الكريم، و جامع الكَرْمانيّ، و الصّحاح، و معجم مقاييس اللُّغة، و الأساس، و المختار، و اللّسان، و المصباح، و القاموس، و التّاج، و المدّ، و محيط المحيط، و أقرب الموارد، و المتن، و الوسيط. (208)

خَوّله الحقّ.

و يقولون: خَوّل إليه حقّ التّصرّف بأمواله، و الصّواب: خَوّله حقّ التّصرّف بأمواله.

و جاء في الصّحاح: خَوّله الله الشّيء: ملّكه إيّاه.

ص: 315

و جاء في المصباح: خَوّله الله مالا : أعطاه.

و أضاف المتن و الوسيط: خَوّله الشّيء: أعطاه إيّاه تفضّلا . (معجم الأخطاء الشّائعة: 86)

المُصْطَفَويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة، هو الرّعاية و المراقبة، مع إعطاء: مالا أو كلامًا أو عملا . و هذا القيد هو الفارق بينها و بين موادّ الرّعاية و التّعهّد و التّفقّد و المراقبة و غيرها.

و أمّا مفاهيم الحفظ و الإعطاء و التّعهّد و الرّعي و التّصرّف و التّمليك والتّدبير و السّياسة و حسن القيام بالأمر: فإمّا مصاديق للأصل إذا روعي القيدان، و إمّا معاني مجازيّة بمناسبات قريبة، و علائق معلومة.

و التّخويل: هو جعل شخص ذا تخوّل و خائلا . يقال: خوّلته مالا و نعمةً و أنعامًا و أهلا ، فتَخَوّل، أي جعلته خائلا و راعيًا لهافصار كذلك، و اختار الخائليّة لها. و بهذه المناسبة يُطلَق الخال و الخالة على أخ الأُمّ و أُختها، فإنّهما يصيران بالمصاهرة خائلَين و راعيَين و مراقبين.

و أمّا اشتقاق أخْوَل الرّجل فهو مُخوِل و مُخوَل، فمن الانتزاعيّ.

و أمّا مفهوم الخَدَم و الحَشَم: فمن مصاديق الأصل.

و كذلك مفهوم التّعهّد بالموعظة: يقال: خوّلته بالموعظة و القول فتَخَوّل، أي جعلته خائلا و راعيًا بالموعظة، فاختار هذا العمل.

و أمّا قولهم: ذهب القوم أخْوَلَ أخْوَلَ: فكأنّ كلا منهم خائل برأسه و بالاستقلال، و لا ارتباط بينهم، و ليسوا على نظم و اجتماع واحد، بل إنّهم متفرّقون. [ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فظهر لطف التّعبير بهذه المادّة دون الإنعام و التّمليك و الإعطاء و غيرها، فإنّ فيها قيدًا زائدًا، و هو التّسلّط و النّفوذ و الرّعي. و هذا يقتضي أبلغ استفادة، و أحسن استنتاج من النّعمة. (3: 149)

النُّصوص التّفسيريّة

خَوَّلَهُ

وَ اِذَا مَسَّ الاِ نْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَ بَّهُ مُنيبًا ‘اِلَيْهِ ثُمَّ اِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُوا اِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ...

الزّمر : 8

ابن عبّاس: بدّله. (386)

زَيْدبن عليّ: معناه أعطاه. (350)

نحوه السِّجستانيّ(162)، و الواحديّ (3: 572)، و البغَويّ (4: 81)، و الطَّبْرِسيّ (4: 491)، و الفَخْر الرّازيّ (26: 249)، و النّسَفيّ (4: 51)، و الخازن (6: 57)، و ابن جُزَيّ (3: 192)، و القاسميّ (14: 5130)، و مَغْنِيّة (6: 397).

الكَلْبيّ: إذا أصابته نعمة ترك الدّعاء.

(الماوَرْديّ 5: 116)

أبو عُبَيْدَة: كلّ مالك و كلّ شيء أُعطيتَه فقد خُوّلتَه [ثمّ استشهد بشعر]

(2: 188)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: ثمّ إذا منحه ربّه نعمة منه، يعني عافية، فكشف عنه ضرّه، و أبدله بالسّقم صحّة، و بالشّدّة رخاء. و العرب تقول لكلّ من أعطى غيره من مال أو غيره: قد خوّله. [ثمّ استشهد بشعر]

ص: 316

(10: 618)

الزّجّاج: أي أذهب الضُّرّ عنه و أنعم عليه.

(4: 346)

النّحّاس: أي أعطاه و أباحه. (6: 155)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما: قاله الكَلْبيّ .[و قد تقدّم]

الثّاني: إذا أصابته عافية نسي الضّرّ. و التّخويل: العطيّة العظيمة من هبة أو منحة. [ثمّ استشهد بشعر](5: 116)

الطُّوسيّ: إنّه إذا أعطاه نعمة عظيمة، فالتّخويل: العطيّة العظيمة على جهة الهبَة، و هي المِنْحَة. [ثمّ استشهد بشعر] (9: 12)

نحوه أبوالفُتُوح الرّازيّ. (16: 304)

المَيْبُديّ: أي أعطاه { نِعْمَةً مِنْهُ } أي من الله. التّخويل: التّمليك.

و الخَوَل على وجهين:

الخَوَل: الخَدَم و المماليك، و ربّما أدخلوا فيه الأنعام. و الخَول: السّاسة، يقال: فلان تخَوّل أهله، أي يسوسهم و يُمَوّنهم؛ و واحد الخَوَل: خائل.

و في الخبر في صفة ملوك آخر الزّمان: « يتّخذون دين الله دَخَلا و مال الله دُوَلا و عباد الله خَوَلا » معناه يقهرونهم و يتّخذونهم عبيدًا. (8: 384)

الزّمَخْشَريّ: أعطاه. [ثمّ استشهد بشعر]

و في حقيقته وجهان:

أحدهما: جعله خائلَ مالٍ، من قولهم: هو خائلُ مالٍ و خالُ مالٍ، إذا كان متعهّدًا له حسن القيام به. و منه ما روي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله):أ نّه كان يتَخَوّ ل أصحابه بالموعظة.

و الثّانيّ جعله يخول، من خالَ يَخُول إذا اختال و افتَخر، و في معناه قول العرب:

* إنّ الغنيّ طويل الذَّيل ميّاس *.

(3: 389)

نحوه الشِّربينيّ .(3: 434)

ابن عَطيّة: معناه: ملّكه و حكّمه فيها ابتداءً لامجازاة. و لايقال في الجزاء: خوّل؛ و منه: الخول. [ثمّ استشهد بشعر] (4: 521)

ابن الجَوْزيّ: أي أعطاه و ملّكه. (7: 165)

نحوه الشَّوْكانيّ (4: 567)، و المَراغيّ (23: 148)، و حجازي (23: 66).

القُرطُبيّ: [نحو ابن الجَوْزيّ و قال:]

يقال: خوّلك الله الشّيء، أي ملّكك إيّاه. [ثمّ استشهد بشعر] (15: 237)

البَيْضاويّ: أعطاه، من الخَوَل، و هو التّعهّد. أو من الخَوْل، و هو الافتخار. (2: 318)

نحوه فريد وجدي. (607)

النَّيسابوريّ: أعطاه، لا لاستجرار العوض.

(23: 117)

أبو حَيّان: أي أعطاه ابتداءً من غير مجازاة. و لايقال في الجزاء: خوّل.[ثمّ استشهد بشعرإلى أن قال:]

أناله و أعطاه بعد كشف ذلك الضُّرّ عنه. و حقيقة { خَوَّلَهُ } أن يكون من قولهم : هو خائله، قال: إذا كان

ص: 317

متعهّدًا حسن القيام عليه، أو من خالَ يَخُول، إذا اختال و افتَخَر. و تقول العرب :

* إنّ الغنيّ طويل الذّيل ميّاس *

(7: 413، 418)

أبو السُّعود: أي أعطاه نعمة عظيمة من لدنه تعالى من < التّخَوّل > و هو التّعهّد، أي جعله خائلَ مالٍ، من قولهم: فلان خائلُ مالٍ، إذا كان متعهّدًا له حسَن القيام به، أو من الخَوْل و هوالافتخار، أي جعله يَخُول أي يختال و يفتخر. (5: 380)

الكاشانيّ: أعطاه تفضّلا ، فإنّ التّخويل مختص بالتّفضّل. (4: 315)

مثله شُبّر. (5: 303)

البُرُوسَويّ: أي أعطاه نعمة عظيمة من جنابه تعالى، و أزال عنه ضُرّه و كفاه أمره، و أصلح باله و أحسن حاله، من < التّخَوّل > و هو التّعهّد، أي المحافظة و المراعاة. أي جعله خائلَ مالٍ، من قولهم: فلان خائلُ ماله، إذا كان متعهّدًا له حسَن القيام به، و من شأن الغنيّ الجواد أن يراعي أحوال الفقراء. أو من < الخَوْل > و هو الافتخار، لأنّ الغنيّ يكون متكبّرًا طويل الذّيل، أي جعله يخول، أي يختال و يفتخر بالنّعمة.

(8 : 79)

الآلوسيّ: أي أعطاه نعمة عظيمة من جنابه، من < الخَوَل > بفتحتين، و هو تعهّد الشّيء، أي الرّجوع إليه مرّة بعد أُخرى. و أُطلق على العطاء لما أنّ المُعطي الكريم يتعهّد من هو ربيب إحسانه و نشو امتنانه، بتكرير العطاء عليه مرّة بعد أُخرى.

و قال بعضهم : معنى { خَوَّلَهُ } في الأصل: أعطاه خَوَلا بفتحتين، أي عبيدًا و خَدَمًا، أو أعطاه ما يحتاج إلى تعهّده و القيام عليه، ثمّ عُمّم لمطلق العطاء.

و جوّز الزّمَخْشَريّ كونه من: خَالَ يَخُول خَوْلا بسكون الواو، إذا افتَخَر. و اعتَرض بأ نّه صرّح في الصّحاح أنّ < خال > بمعنى افتخر يائيّ، و < الخُيَلاء > بمعنى التّكبّر يدلّ عليه دلالة بيّنة. و أيضًا خَوّل متعدّ إلى مفعولين، و أخذه منه لايقتضي أن يتعدّى للمفعول الثّاني.

و أُجيب عن الأوّل: بأنّ الزّمَخْشَريّ من أئمّة النّقل، و قد ثبت عنده. و أصله من < الخال > الّذي هو العلامة، و قد نُقل فيه الواو و الياء، ثمّ قيل لسيما الجمال و الخير: خال من ذلك، و أُخذ منه: الخيال.

و أمّا < الاختيال > بمعنى التّكبّر، فهو مأخوذ من < الخيال > لأ نّه خال نفسه فوق قدره، أو جعل لنفسه خال الخير، كما يقال : أعجب الرّجل. فقد وضح أنّ الاشتقاق يناسبهما و لايُنكَر ثبوت الياء بدليل الخُيَلاء، لكن لامانع من ثبوت الياء أيضًا، و ليس

< الاختيال > مأخوذًا من الخُيَلاء بل الخُيَلاء هو الاسم منه، فلايصلح مانعًا، لكن يصلح مثبتًا للياء.

و عن الثّاني بأ نّه ليس المراد أنّ < خَوّل > مضعّف < خال > بمعنى افتَخَر، حتّى يشكل تعديته للمفعول الثّاني، بل إنّه موضوع في اللّغة لمعنى < أعطى > و ما ذُكر بيان لمأخذ اشتقاقه، و أصل معناه الملاحظ في وضعه له و مثله كثير فأصل خوّله: جعله مفتخرًا بما أنعم عليه، ثمّ قُطع النّظر عنه، و صار بمعنى إعطاء

ص: 318

مطلقًا. (23: 244)

عزّة دروزة: { خَوَّلَهُ }، بمعنى منَحَه أو مكّنه.

(5: 62)ابن عاشور: التّخويل: الإعطاء و التّمليك دون قصد عوض، و عينه واو لامحالة. و هو مشتقّ من < الخَوَل > بفتحتين، و هو اسم للعبيد و الخَدَم، و لاالتفات إلى فعل < خال > بمعنى: افتخر، فتلك مادّة أُخرى غير ما اشتُقّ منه فعل < خَوَّل >.

24: 32)

عبد الكريم الخطيب: أي ساق إليه نعمة، و ألبسه إيّاها. و أصل اللّفظ من < الخال > الّذي يزيّن المرأة. و من حقّ نعم الله الّتي تُلبس عباده أن تكون زينةَ كمالٍ و جمالٍ لهم. (12: 1125)

طه الدُّرّ ة: أي أعطاه و ملّكه، و فرّج كُربته. يقال: خوّلك الشّيء،أي ملّكك إيّاه. [ثمّ استشهد بشعر] (12: 381)

المُصْطَفَويّ: أي فإذا جعله خائلا نعمةً و رأى نفسه مسلّطًا مقتدرًا و النّعمة في اختياره ، نسي ما كان يدعو إليه. (3: 151)

مكارم الشّيرازيّ:{ خَوَّلَهُ } من مادّة« خَوِل» على وزن « عَمِل »، و تعني المراقبة المستمّرة لشيء مّا، و لكونها تُعطي هنا معنى العطاء و الهبة، فقد استُخدِمت هنا بمعنى الهبَة.

لقد قال البعض: إنّ < خَوِل > على وزن « عَمِل » و تعني الخادم، و لهذا فإنّ كلمة «خول» تعني: < هبته الخَدَم >كما يصطلح على كافّة أشكال هبة النّعم بالتّخويل.

و البعض الآخر قال: إنّها تعني الفخر و التّباهي، و لهذا فإنّ العبارة المذكورة أعلاه تعني حصول الإنسان على فخر عن طريق منحه وهبته النَّعم.

و بصورةٍ عامّةٍ فإنّ هذه الجملة تعكس إضافة إلى العطاء و الهبة، اهتمام البارئ عزّوجلّ الخاص بعبده.

(15: 32)

خَوَّلْنَاهُ

فَاِذَا مَسَّ الاِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ اِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ اِنَّمَا اُوتيتُهُ‘ عَلى عِلْم... الزّمر:49

ابن عبّاس: بدّلناه. (391)

مُجاهِد: أعطيناه. (الطّبَريّ 11: 13)

نحوه الواحديّ (3: 585)، و البغَويّ (4: 93)، و الخازن (6: 66)، و شُبّر (5: 321)، و الشَّوْكانيّ (4: 588).

الطّبَريّ: يقول: ثمّ إذا أعطيناه فرجًا ممّا كان فيه من الضُّرّ، بأن أبدلناه بالضُّرّ رخاءً و سعَة، و بالسُّقم صحّة و عافية.. .(11: 12)

نحوه المَيْبُديّ (8: 422)، و الطَّبْرِسيّ (4: 502)، و طه الدُّ رّ ة (12 :455).

الزّجّاج: أعطيناه ذلك تفضّلا ، و كلّ من أُعطي على غير جزاء فقد خَوّل. (4: 357)

نحوه النّحّاس (6: 182)، و الطُّوسيّ: (9: 35)، و النّسَفيّ (4: 61)، و الكاشانيّ (4: 325).

الزّمَخْشَريّ: التّخويل: مختص بالتّفضّل.يقال خوّلني إذا أعطاك على غير جزاء. (3: 401)

ص: 319

نحوه البَيْضاويّ (2: 325)، و الشِّربينيّ (3: 453)، و أبو السُّعود (5: 398)، و البُرُوسَويّ (8: 122).

ابن عَطيّة: ملّكناه. (4: 536)

الفَخْرالرّازيّ: التّخويل هو التّفضّل، يعني نحن نتفضّل عليه، و هو يظنّ أ نّه إنّما وجده بالاستحقاق.

(26: 288)

الآلوسيّ: أي أعطيناه إيّاها تفضّلا ، فإنّ التّخويل على ما قيل مختص به لايُطلَق على ما أُعطي جزاءً. (24: 12)

المَراغيّ: و إذا نالتهم بعض النّعم من فضله.

(24: 18)

عزّة دروزة: إذا استجاب له و أزاله عنه و بدّله نعمةً و يسرًا. (5: 92)

الطَّباطَبائيّ: التّخويل: الإعطاء على نحو الهبة، و تقييد النّعمة بقوله: { مِنَّا } للدّلالة على كون وصف النّعمة محفوظًا لها. و المعنى: خوّلناه نعمةً ظاهرًا كونها نعمة. (17: 273)

خَوَّلْنَاكُمْ

وَ لَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَ ادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ اَوَّلَ مَرَّة وَ تَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ... الأنعام: 94

ابن عبّاس: أعطيناكم. (115)

مثله ابن عَطيّة. (2: 324)

السُّدّيّ: من المال و الخَدَم

(247)

الطّبَريّ: يقول: خلّفتم أيّها القوم ما مكّنّاكم في الدّنيا ممّا كنتم تتباهون به فيها خلفكم في الدّنيا، فلم تحملوه معكم.

و هذا تعبير من الله جلّ ثناؤه لهؤلاء المشركين بمباهاتهم الّتي كانوا يتباهون بها في الدّنيا بأموالهم.

و كلّ ما ملّكته غيرك و أعطَيتَه: فقد خوّلته. يقال منه: خال الرّجل يَخال أشدّ الخيال، بكسر الخاء، و هو خائل.[ثمّ استشهد بشعر]

(5: 273)

نحوه الطُّوسيّ (4: 224)، و الطَّبْرِسيّ (2: 337)، و الخازن (2: 133).

السِّجستانيّ: ملّكناكم. (60)

نحوه ابن الجَوْزيّ (3: 88)، و النّسَفيّ (2: 24).

الثّعلبيّ: أعطيناكم و مكّنّاكم من الأموال و الأولاد و الخَدَم. (4: 171)

نحوه الواحديّ (2: 301) )، و البغَويّ (2: 145)، و المَيْبُديّ (3: 431)، و القُرطُبيّ (7: 43)، و ابن جُزَيّ (2: 16).

الماوَرْديّ: يعني ما ملّكناكم من الأموال، و التّخويل: تمليك المال. [ثمّ استشهد بشعر] (2: 145)

الزّمَخْشَريّ: ما تفضّلنا به عليكم في الدّنيا فشُغِلتم به عن الآخرة. (2: 36)

مثله البَيْضاويّ (1: 322)، و الشِّربينيّ (1: 438)، و أبوالسُّعود (2: 417)، و الكاشانيّ (2: 140)، و نحوه النَّيسابوريّ (7: 163)، و أبو حَيّان(4: 182)، و القاسميّ (6: 2419)، و طه الدُّرّة (4: 214).

ابن عَرَبيّ: من الوسائل و العلوم، و الفضائل.

(1: 389)

ابن كثير: أي من النّعم و الأموال الّتي اقتنيتموها في الدّ ار الدّنيا. (3: 67)

ص: 320

البُرُوسَويّ: يعني من تعلّقات الكونين. (3: 70)

شُبّر: { مَا خَوَّلْنَاكُمْ } في الدّنيا، و التّخويل: الإعطاء، و أصله: تمليك الخَوَل كما أنّ التّمويل تمليك المال. (2: 290)

نحوه فضل الله. (9: 215)

الشَّوْكانيّ: أي أعطيناكم، و الخَوَل: ما أعطاه الله للإنسان من متاع الدّنيا. (2: 176)

نحوه رشيد رضا. (7: 628)

الآلوسيّ: أي ما أعطيناكم في الدّنيا من المال و الخَدَم، و هو متضمّن للتّوبيخ، أي فشغلتم به عن الآخرة. (7: 225)

المَراغيّ: أي إنّ ما كان شاغلا لكم من المال

و الولد و الخَدَم و الحشَم و الأثاث و الرّياش عن الإيمان بالرّسل، و الاهتداء بما جاء، و لم ينفعكم كما كنتم تتوهّمون... (7: 194)

عزّة دروزة: منحناكم، و أعطيناكم، و متّعناكم به. (4: 192)

ابن عاشور: و التّخويل: التّفضّل بالعطاء. قيل: أصله إعطاء الخَوَل بفتحتين، وهو الخَدَم، أي إعطاء العبيد. ثمّ استُعمل مجازًا في إعطاء مطلق ما ينفع، أي تركتم ما أنعمنا به عليكم من مال و غيره. (6: 227)

مَغْنِيّة: يعود الإنسان إلى الأرض تاركًا الأهل و الأصحاب، و المال و السّلطان. (3: 229)

الطَّباطَبائيّ: و التّخويل: إعطاء الخَوَل، أي المال و نحوه الّذي يقوم الإنسان به بالتّدبير و التّصرّف.

(7: 285)

عبد الكريم الخطيب : في قوله تعالى: { خَوَّ لْنَاكُمْ } تذكير لهم بأنّ كلّ ما كان لهم في هذه الدّنيا هو ممّا لله عندهم، فهو الّذي خوّلهم، أي أعطاهم هذا الّذي كان لهم، و هم يحسبون أنّ ذلك كان من صنع أيديهم، و من معطيات حَوْلهم و حيلتهم.

(4: 242)

المُصْطَفَويّ : أي وتركتم ما جعلناكم خائلين به، و كان تحت سلطتكم و تصرّفكم و رعيكم، من المال والمُلك و العنوان و سائر الأُمور الدّنيويّة، فما استطعتم حفظها و تدبيرها، و حسن القيام بأُمورها والاستفادة منها. ففي التّعبير بهذه المادّة، إشارة إلى كمال سلطتهم و اختيارهم التّامّ، من جهة التّدبير و التّربية و الاستنتاج منها. (3: 150)

مكارم الشّيرازيّ: الإنشدادات المادّ يّة و المعبودات الخياليّة المصطنعة، و جميع ما اصطنعوه لأنفسهم في الحياة الدّنيا، ليكون سندًالهم يستعينون به في يوم بؤسهم... (4: 361)

خَالِكَ خَالاتِكَ

يَاءَ يُّهَا النَّبِىُّ اِنَّا اَحْلَلْنَا لَكَ اَزْوَاجَكَ اللاتى اتَيْتَ اُجُورَهُنَّ... وَ بَنَاتِ خَالِكَ وَ بَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتى هَاجَرْنَ مَعَكَ... الأحزاب: 50

ابن عبّاس: من بني عبد مناف بن زهرة. (355)

نحوه الثّعلبيّ (8: 53)، و الواحديّ (3: 477)،

و البغَويّ (3: 650)، و المَيْبُديّ (8: 67)، و الطَّبْرِسيّ (4: 364)، و ابن الجَوْزيّ (6: 404).

ص: 321

الضّحّاك: يقول في حرف ابن مَسعود (وَ اللاتى هَاجَرْنَ مَعَكَ): يعني بذلك: كلّ شيء هاجر معه ليس من بنات العمّ و العمّة، و لامن بنات الخال و الخالة.

(الطّبَرىّ 10: 309)

الفَرّاء: و في قراءة عبد الله (وَ بَنَاتِ خَالِكَ وَ بَنَاتِ خَالاتِكَ وَ اللاتى هَاجَرْنَ مَعَكَ) فقد تكون المهاجرات من بنات الخال و الخالة، و إن كان فيه الواو. فقال: (وَ اللاتى). و العرب تنعَت بالواو و بغير الواو. [ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و أنت تقول في الكلام: إن زُرتَني زُرتُ أخاك و ابن عمّك القريب لك، و إن قلت: و القريب لك، كان صوابًا. (2: 345)

الطّبَريّ: و قد ذُكر أنّ ذلك في قراءة ابن مَسعود: (وَ بَنَاتِ خَالاتِكَ وَ اللاتىهَاجَرْنَ مَعَكَ) بواو، وذلك و إن كان كذلك في قراءته محتمل أن يكون بمعنى قراءتنا بغير الواو، و ذلك أنّ العرب تُدخِل الواو في نعت من قد تقدّم ذكره أحيانًا. [ثمّ استشهد بشعر]

و كان الضّحّاك بن مزاحم يتأوّل قراءة عبد الله هذه أ نّهنّ نوع غير بنات خالاته، و أ نّهنّ كلّ مهاجرة هاجَرَتْ مع النّبيّ (صلی الله علیه و آله). (10: 309)

ابن العَرَبيّ: قوله: { وَ بَنَاتِ عَمِّكَ }، فذكره مفردًا، و قال: { وَ بَنَاتِ عَمَّاتِكَ }، فذكرهنّ جميعًا، و كذلك قال: { وَ بَنَاتِ خَالِكَ } فردًا { وَ بَنَاتِ خَالاتِكَ } جمعًا. و الحكمة في ذلك أنّ العمّ و الخال في الإطلاق اسم جنس كالشّاعر و الرّاجز، و ليس كذلك في العمّة و الخالة، و هذا عُرف لغويّ. فجاء الكلام عليه بغاية البيان لرفع الإشكال؛ و هذا دقيق، فتأمّلوه.

(3: 1556)

ابن كثير: { وَ بَنَاتِ عَمِّكَ وَ بَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَ بَنَاتِ خَالِكَ وَ بَنَاتِ خَالاتِكَ} هذا عدل وسط بين الإفراط و التّفريط، فإنّ النّصارى لايتزوّجون المرأة إلا إذا كان الرّجل بينه و بينها سبعة أجداد فصاعدًا، و اليهود يتزوّج أحدهم بنت أخيه و بنت أُخته، فجاءت هذه الشّريعة الكاملة الطّاهرة بهدم إفراط النّصارى، فأباح بنت العمّ و العمّة، و بنت الخال و الخالة، و تحريم ما فرّطت فيه اليهود من إباحة بنت الأخ و الأُخت، و هذا شنيع فظيع.و إنّما قال:{ وَ بَنَاتِ عَمِّكَ وَ بَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَ بَنَاتِ خَالِكَ وَ بَنَاتِ خَالاتِكَ } فوحّد لفظ الذّكَر لشرفه، و جمع الإناث لنقصهنّ، كقوله: { عَنِ الْيَمينِ‘ وَ الشَّمَائِلِ} النّحل: 48، و { يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ اِلَى النُّورِ } البقرة: 257، و { وَ جَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَ النُّورِ } الأنعام: 1، و له نظائر كثيرة. (5: 481)

البقاعيّ: { وَ بَنَاتِ عَمِّكَ } الشّقيق و غيره،من باب الأولى، فإنّ النّسب كلمّا بعُد كان أجدر بالحلّ.

... و لمّا بدأ بالعمومة لشرفها أتبعها قوله تعالى: { وَ بَنَاتِ خَالِكَ } جاريًا في الإفراد و الجمع على ذلك النّحو، { وَ بَنَاتِ خَالاتِكَ }أي من نساء بني زُهرة ، و يمكن أن يكون في ذلك احتباك عجيب، و هو بنات عمّك و بنات أعمامك و بنات عمّاتك و بنات عمّتك و بنات خالك و بنات أخوالك و بنات خالاتك و بنات خالتك. (6: 119)

ص: 322

نحوه الشّربينيّ. (3: 257)

البُرُوسَويّ: الخال أخ الأُمّ و الخالة أُختها، و المراد نساء بني زُهرة، يعني أولاد عبد مناف بن زُهرة، لاإخوة أُمّه و لا أخواتها، لأنّ آمنة بنت وَهْب أُمّ رسول الله لم يكن لها، أخ، فإذا لم يكن له(علیه السلام) خال

و لاخالة، فالمراد بذلك الخال و الخالة عشيرة أُمّه، لأنّ بني زُهرة يقولون: نحن أخوال النّبيّ (علیه السلام) لأنّ أُمّه منهم، و لهذا قال (علیه السلام) لسعد بن أبي وقّاص: هذا خالي.

و إنّما أُفرد العمّ و الخال و جُمع العمّات و الخالات في الآية و إن كان معنى الكلّ الجمع لأنّ لفظ العمّ و الخال لمّا كان يُعطي المفرد معنى الجنس، استُغني فيه عن لفظ الجمع، تخفيفًا للّفظ، و لفظ العمّة و الخالة وإن كان يُعطي معنى الجنس ففيه < الهاء> و هي تؤذن بالتّحديد و الإفراد، فوجب الجمع لذلك؛ ألا ترى أنّ المصدر إذا كان بغير < هاء > لم يُجمع، و إذا حُدّد بالهاء جُمع. (7: 204)

القاسميّ: و لهم في إفراد العمّ و الخال و جمع العمّة و الخالة عِدّة أوجه، فيها اللّطيف و الضّعيف. و عندي أنّ الإفراد و الجمع تابع لمقتضى السّبك و النّظم، و رقّة التّعبير و رشاقة التّأدية. كما يدريه من يذوق طعم بلاغة القول، و يشرب من عين فصاحته. فالإفراد فيهما هنا أرقّ و أعذب من الجمع، كما أنّ الجمع في آية: { بُيُوتِ اَعْمَامِكُمْ اَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ } النّور: 61، أمتن و أبلغ من الإفراد. و لكلّ مقام مقال، و لكلّ مجال حال. (13: 4885)

ابن عاشور: و بنات خاله هنّ بنات عبد مناف ابن زُهرة و هنّ أخوال النّبيّ(صلی الله علیه و آله) عبد يغوث بن وهب أخو آمنة، و لم يذكروا أنّ له بنات، كما أنّي لم أقف على ذكر خالة لرسول الله، فيما رأيت من كتب الأنساب و السّير. و قد ذكر في « الإصابة » فريعة بنتَ وَهْب، و ذكروا هالة بنت وَهْب الزُّهريّة، إلا أ نّها لكونها زوجةعبد المطّلب و ابنتها صفيّة عمّة رسول الله، فقد دخلت من قبل في بنات عمّه.

و إنّما أُفرد لفظ < عَمّ > و جُمع لفظ < عَمّات > لأنّ العمّ في استعمال كلام العرب يُطلق على أخي الأب، و يُطلق على أخي الجدّ و أخي جدّ الأب و هكذا، فهم يقولون: هؤلاء بنو عمّ أو بنات عمّ، إذا كانوا لعمّ واحد أو لعدّة أعمام، و يُفهَم المراد من القرائن. [ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا لفظ « العمّة » فإنّه لايراد به الجنس في كلامهم، فإذا قالوا: هؤلاء بنو عمّة، أرادوا أ نّهم بنو عمّة معيّنة، فجيء في الآية { عَمَّاتِكَ } جمعًا، لئلايُفهَم منه بنات عمّة معيّنة. و كذلك القول في إفراد لفظ « الخال » من قوله: { بَنَاتِ خَالِكَ} و جمع < الخالة > في قوله: { وَ بَنَاتِ خَالاتِكَ }.

و قال قوم: المراد ببنات العمّ و بنات العمّات: نساء قريش، و المراد ببنات الخال: النّساء الزُّهريات، و هو اختلاف نظريّ محض لاينبني عليه عمل، لأنّ النّبيّ قد عُرفت أزواجه.

(21: 292)

مَغْنِيّة: و تسأل: أنّ بنات الأعمام و العمّات و الأخوال و الخالات يدخلن في النّوع الأوّل من النّساء، فما هو الغرض من ذكرهنّ بالخصوص؟

ص: 323

الجواب: غير بعيد أن يكون ذكرهنّ بالخصوص للتّنبيه إلى أنّ الأليق بمقام الرّسول أن يتزوّج من القرشيّات اللاتي هاجرن من دار الكفر إلى دار السّلام، أمّا المؤمنات منهنّ غير المهاجرات فالأولى ترك الزّواج بهنّ.

سؤال ثان: ذكر أهل السّير أنّ للنّبيّ(صلی الله علیه و آله) عشرة أعمام، وهم: العبّاس و حمزة و عبد الله((1)) و أبو طالب و الزّبير و الحارث و حَجْل و المقوَّم و ضرار و أبو لهب، و ستّ عمّات، و هنّ: صفيّة و أُمّ حكيم البيضاء و عاتكة و أُميمة و أروى و برّة. « السّيرة النّبويّة لابن هشام ». و قالوا: إنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) لم يكن له خال و لاخالة، لأنّ أُمّه آمنة بنت وَهْب 3لاأخ لها و لاأُخت. « تفسير روح البيان». إذن ما هو الوجه لقوله تعالى: { وَ بَنَاتِ خَالِكَ وَ بَنَاتِ خَالاتِكَ }؟

الجواب: المراد بأخوال النّبيّ(صلی الله علیه و آله) و خالاته عشيرة أُمّه بنو زُهرة، و كانوا يقولون: نحن أخوال النّبيّ. (6: 231)

الطَّباطَبائيّ: قيل: يعني نساء بني زُهرة.

(16: 335)

طه الدُّرّة: [نقل كلام ابن العَرَبيّ و أضاف:]

و قال الجمل رحمه الله تعالى: و قد سأل كثير عن حكمة إفراد العمّ و الخال دون العمّة و الخالة،حتّى إنّ السُّبكيّ صنّف جزءً فيه، سمّاه < بذل الهمّة في إفراد العمّ و جمع العمّة > و قد رأيت لهم فيه كلمات كلّها ضعيفة، كقول الرّازيّ:< إنّ العمّ و الخال على زنة المصدر،

و المصدر يستوي فيه المفرد و الجمع، بخلاف العمّة و الخالة >. و قيل: إنّهما يعمّان إذا أُضيفا، و العمّة و الخالة لايعمّان لتاء الواحدة؛ انتهى، نقلا من الشّهاب.

(11: 392)

اَخْوَالِكُمْ خَالاتِكُمْ

لَيْسَ عَلَى الاَعْمى حَرَجٌ... اَنْ تَاْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ... اَوْ بُيُوتِ اَخْوَ الِكُمْ اَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ ... النّور: 61

لاحظ: ح ر ج: < حَرَجٌ >.

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخال، أي سائس المال و الغنم و الخيل. يقال: خالَ المال يَخُوله، أي ساسه و أحسن القيام عليه، وإنّه لخالُ مالٍ، و خائلُ مالٍ، و خَوَل مالٍ، أي حسَن القيام على نَعَمِه، يدبّره و يقوم عليه، و مَن خالُ هذا الفرس، أي مَن صاحبها؟

و الخَوْليّ و الخَوَليّ: الرّاعي الحسَن القيام على المال، القائم بأمره، السّائس له؛ و الجمع: خَوَل.

و الخائل: الرّاعي للشّيء الحافظ له، و قد خال على أهله خَوْلا وخيالا ، و راعي القوم يَخُول عليهم: يحلب و يسعى ويرعى. و الخَوَل: اسم جمع له.

و الخَوْلَة: الظّبية، لأ نّها ترعى ولدها و تحسن القيام عليه.

و الخَوَل: العبيد و الإماء و غيرهم من الحاشية، الواحد و الجمع والمذكّر و المؤنّث في ذلك سواء. يقال:

ص: 324


1- (1) كذا في الأصل.

القوم خَوَل فلان، أي أتباعه، و هؤلاء خَوَل فلان، إذا اتّخذهم كالعبيد و قهرهم، واستَخْوَل في بني فلان: اتّخذهم خَوَلا ، و خالَ يَخال خَوْلا : صار ذا خَوَل بعد انفراد.

و التّخَوّل: التّعَهّد. يقال: تخوّل الرّجل، أي تعهّده، و خوّله الله نعمةً: ملّكه إيّاها، و خوّله المال: أعطاه إيّاه تفضّلا ، و خوّلك الله مالا : ملّكك.

و الخال: أخ الأُمّ، لأ نّه يرعاها و يرعى أولادها؛

و الجمع: أخوال وأخْوِلة. يقال: خالٌ بيّن الخُؤُولة، و بيني و بين فلان خُؤُولة، و تخوّ ل خالا : اتّخذ خالا ، و تخوّلتني المرأة: دعتني خالها، واستَخِلْ و استَخْوِل خالا غير خالك: اتّخذ، و استخول في بني فلان: اتّخذهم أخوالا ، و أخْوَل الرّجل و أُخوِل، إذا كان ذا أخوال، فهو مُخوِل و مُخوَل، و رجل مُعِمّ مُخوِل، و مُعَمّ مُخوَل: كريم الأعمام و الأخوال. و الخالة: أُخت الأُمّ، يقال: هما ابنا خالة.

2 وللخال معان أُخرى، سنذكرها في:< خ ي ل> إن شاء الله. و قولهم: تخَوّلتُ في بني فلان خالا من الخير، أي تفَرّستُ و توَسّمتُ؛ أصلهالياء.

و خال الرّجل يَخُول خَوْلا و اختال: تكبّر، وهوذو مَخيلة، لغة في الياء، و سيأتي في: < خ ي ل >.

3 و أطلق المولّدون لفظ الخَوْليّ على من يرعى البساتين والأراضي الزّراعيّة، فقالوا: الخَوْليّ: رئيس المساحة و تقسيم الأراضي و متولّيها.((1))

و رئيس العمّال في المزرعة؛ و جمعه: خَوَل.((2)) و الوكيل على البساتين، و جمعه: خَوْليّة. و الخَوْليّة عندهم أيضًا: أُجرة الخَوْليّ.((3))

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مزيدًا من التّفعيل: ( الماضي ) 3 مرّ ات،

و مجرّدًا الاسم مفردًا: (خال) مرّة، و جمعًا (خَالات) 3 مرّات، و (اَخْوال) مرّة، في 6 آيات:

التّخويل:

1 {... وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ...}

الأنعام : 94

2 {...ثُمَّ اِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ اِنَّمَا اُوتيتُهُ‘ عَلى عِلْمٍ...} الزّمر : 49

3 {...ثُمَّ اِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو اِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ...} الزّمر : 8

الخال و الخالة:

4 {...وَ بَنَاتِ عَمِّكَ وَ بَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَ بَنَاتِ خَالِكَ وَ بَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتى هَاجَرْنَ مَعَكَ ...}

الأحزاب : 50

5 {...اَوْ بُيُوتِ اَخْوَالِكُمْ اَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ اَوْ مَامَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ...} النّور :61

6 { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ اُمَّهَاتُكُمْ وَ بَنَاتُكُمْ وَ اَخَوَاتُكُمْ وَ عَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ...} النّساء :23

ص: 325


1- (1) صفة مصر (11: 480) و (12: 67).
2- (2) المعجم الوسيط.
3- (3) محيط المحيط.

يلاحظ أوّ لا : أنّ مشتقّات هذه المادّة جاءت في محورين:

الأوّل: التّخويل في (1 3)، و فيه بُحُوثٌ:

1 جاء التّخويل في هذه الآيات بمعنى الإعطاء

و التّفضّل تبعًا لما في اللُّغة، غير أنّ فريقًا من المفسّرين جعله من الاختيال و الافتخار و العُجب، و به قطع الطّبَريّ في(1):{وَ تَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} و نحا نحوه الطُّوسيّ و الطَّبْرِسيّ،و حقّقه الزّمَخْشَريّ في (3): { ثُمَّ اِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِىَ }، و حذا مثاله أبوحَيّان و أبو السُّعود و البُرُوسَويّ و الآلوسيّ

و غيرهم.

و لكنّ هذا الرّأي مردود بقول بعض اللُّغويّين كالجَوهَريّ، وبعض المحقّقين كابن فارِس و ابن سيده، و قد نافح الآلوسيّ عن رأي الزّمَخْشَريّ،وانتصرله بكلام طويل، و وصفه بأ نّه < من أئمّة النّقل و قد ثبت عنده >، و قطع بأنّ معنى الاختيال و العُجب < أصله من الخال الّذي هو العلامة...>، و نقل قول صاحب الصّحاح، غير أ نّه طوى عنه كشحه.

و ظاهر كلامه كما ترى يلزم الجَوهَريّ متابعة الزّمَخْشَريّ، والجَوهَريّ ممّن شافه الأعراب و سمع كلامهم! أمَا علم أنّ من شافههم حجّة على من

لم يشافههم؟ و ما علينا إلا التّسليم لقولهم و التّصديق بكلامهم. قال السُّيوطيّ في كتاب < الاقتراح >: <قال ابن الخشّاب: مخالفة المتقدّمين لاتجوز>.((1))

ثمّ إنّ الخال هو اللّواء الّذي يعقد لولاية الوالي، لأ نّه كان يعقد من برود الخال، و هو ضرب من برود اليمن المو شِيّة، كما أُثر عن الرّعيل الأوّل من اللُّغويّين، و ليس العلامة كما قال، أُنظر: < خ ي ل >.

2 تعدّى التّخويل في الآيات الثّلاث إلى مفعولين: فالمفعول الأوّل في (1) الضّمير المتّصل به: { وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ }، و الثّاني: الضّمير الرّابط إلى ( ما )، و هما ظاهران في (2 و 3): { ثُمَّ اِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا }، و :{ ثُمَّ اِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ}، فالمفعول الأوّل فيهما الضّمير المتّصل به، و الثّاني { نِعْمَةً } وقُيّدت فيهما بلفظ { مِنَّا }، و { مِنْهُ } و هو متعلّق بصفة محذوفة للفظ { نِعْمَةً } تشريفًا و تكريمًا لها.

و لعلّ ذكر النّعمة و ما يتعلّق بها في (2) و (3) لاختصاصهما بالدّنيا؛ و عدم ذكرها لفظًا في (1) لاختصاصها بالآخرة، فحُذفت تفضيلا و تكبيرًا لها: < ليذهب ذهن كلّ سامع إلى كلّ مذهب ممكن >، و ما ذُكرت النّعمة في الآخرة إلا في قوله: { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَة مِنَ اللهِ وَ فَضْل } آل عمران : 171، و ستقف على سرّ ذلك في: < ن ع م > إن شاء الله.

3 في هذه الآيات الثّلاث تقريع للكافرين و مواساة لفقراء المسلمين، فهي تُوبّخ مشركي مكّة و تؤنّبهم على سدورهم في غيّهم و تماديهم في باطلهم. وروي أنّ الآية (1) نزلت في النّضر بن الحرث بن كلدة، و لم يُذكر سبب لنزول (2) و (3)، غير أنّ سياقها ينبئ بما ذكرناه. و أمّا مواساتها لفقراء المسلمين، فهي

ص: 326


1- (1) الاقتراح في علم النّحو < 89 >.

تبيّن مصير من كان يغترّ بخَدَمه و حشَمه، و يقع في الطّفش و القفش، فإذا به في الآخرة يعيل من الفقر، و يعول من العذاب، و هذا تطييب لخاطرهم و راحة لبالهم.

والمحور الثّاني: الخال و الخالة مفردًا و جمعًا في (4 6)، و فيها بُحُوثٌ:

1 الخطاب في (4) إلى شخص النّبيّ (علیه السلام)، وفي (5 و 6) إلى عامّة المسلمين. و جاء فيها الخال مفردًا و < الخالات > جمعًا، و كلاهما مضاف إلى ضمير الخطاب، فيبدو منها أنّ له (علیه السلام) خال واحد و خالات متعدّدة، مع أ نّهم أنكروا أن يكون لأُمّه آمنة أخٌ كي يكون أخا للنّبيّ (علیه السلام) و سنشير إليه.

2 وجاء الخال مفردًا مضافًا إليه { بَنَاتِ } في (4): { وَ بَنَاتِ خَالِكَ }، و جمعًا مضافًا إليه { بُيُوتِ } في (5): { اَوْ بُيُوتِ اَخْوَالِكُمْ }. و جاء الخالة جمعًا في الآيات الثّلاث مضافًا إليه { بَنَاتِ } في (4): { وَ بَنَاتِ خَالاتِكَ }، و { بُيُوتِ } في (5): { اَوْ بُيُوتِ خَالا تِكُمْ }، وغير مضاف إليه شيء في (6): { وَخَالاتِكُمْ }. كما أنّ كلا اللّفظين مضاف إلى الضّمير في هذه المواضع الخمسة.

و ذكروا في إفراد الخال و العمّ في (4) و جمع الخالة و العمّة في (4 6) أقوالا كثيرةً، لاطائل تحتها، و الصّواب ما قاله القاسميّ؛ حيث ذكر أنّ ذلك: < تابع لمقتضى السّبك و النّظم، و رقّة التّعبيرو رشاقة التّأدية، كما يدريه من يذوق طعم بلاغة القول، و يشرب من فصاحته. فالإفراد فيهما هنا أرقّ وأعذب من الجمع، كما أنّ الجمع في آية (5): { بُيُوتِ اَعْمَامِكُمْ اَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ }، أمتن وأبلغ من الإفراد، و لكلّ مقام مقال، و لكلّ مجال حال >.

3 ذُكرت في هذه الآيات الأحكام الثّلاثة: الحلال و الحرام و الإباحة الاصطلاحيّة، فلمّا حُلّل نكاح من ذُكر في (4)، خوطب النّبيّ بذلك، و لمّا أُبيح الأكل في بيوت من ذُكر في (5)، خوطب المؤمنون بذلك، و لمّا حُرّم نكاح من ذُكر في (6)، خوطب المؤمنون بذلك أيضًا. و لعلّ إفراد الخال و العمّ في (4) مشاكلة لحال المخاطب، أي النّبيّ، و جمع الخالة و العمّة في هذه الآيات الثّلاث مشاكلة لحال المراد في التّحليل و الإباحة و التّحريم، و هم المؤمنون و المؤمنات.

4 رخّص في (5) الأكل من بيوت ذوي القربى، و ألحق بهم الصّديق لبيان مقامه و التّنويه بفضله. غير أ نّه أخرج منهم الأبناء و الأولاد و هم داخلون في النّسب، و وجّه بعضهم ذلك بأنّ قوله: { اَنْ تَاْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ } يراد به: من بيوت أولادكم، فنُسبوا إليهم لأنّ الأولاد كسبهم، و أموالهم كأموالهم.

و لعلّ عدم ذكر الأولاد و الله أعلم يدلّ على أ نّهم المخاطبون هنا، والمراد كافّة المسلمين، كما أنّ المخاطب في (4) النّبيّ، و المخاطب في (6) الآباء، لذكر الأبناء دونهم: { وَحَلائِلُ اَبْنَائِكُمُ }.

ثانيًا: الثّلاث الأُولى مكّيّة: عقيدةٌ و موعظةٌ،

و الثّلاث الأخيرة مدنيّة: تشريع.

ثالثًا: من نظائر التّخويل في القرآن:

ص: 327

العطاء: { اِنَّا اَعْطَيْنَاكَ الْكَوْ ثَرَ }

الكوثر : 1الهبة:{ وَ هَبْ لى مُلْكًا لايَنْبَغى‘ لاَ‚حَد مِنْ بَعْدى‘ اِنَّكَ اَ نْتَ الْوَهَّابُ } ص :35

الرّفد:{ وَ اُتْبِعُوا فى هذِهِ لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيمَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ } هود : 99

ص: 328

خ و ن

اشارة

12 لفظًا، 16مرّة: 3 مكّيّة، 13 مدنيّة

في 8 سورة: 2 مكّيّة، 6 مدنيّة.

خا نُوا 1: 1 خَوّان 1: 1

خانتاهما 1: 1 خَوّانًا 1: 1

تَخُونوا 2: 2 خيانةً 1: 1

اَخُنْهُ 1: 1 خيانتَك 1: 1

الخائنين3: 1 2 يَختانُون 1: 1

خائنَة 2: 1 1 تَختانُون 1: 1

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: خُنْتُ مَخانَةً و خَوْ نًا، و ذلك في الوُدِّ و النُّصح.

و تقول: خانه الدّهر و النّعيم خَوْ نًا، و هو تغيّر حاله إلى شرّ منها. و خانني فلان خيانة.

الخَوْن في النّظر: فَتْرُه((1))، و من ذلك يقال للأسد: خائن العين.

و خائنة العين: ما تَخُون من مُسارَقة النّظر، أي تنظر إلى مالايحلّ.

و إذا نبَأ سيفك عن الضّريبة فقد خانك، كقول القائل: أخوك و ربّما خانك.

و كلّ ما غيّرك عن حالك فقد تخَوّ نَك. [ثمّ استشهد بشعر]

و التّخَوّن: التّنَقّص.

و الخَوان: من أسماء الأسد.و الخِوان: المائدة، معرّبة؛ و جمعه: الخُون، و العدد: أخْونَة. (4: 309)

ص: 329


1- (1) هكذا في الأصل..و في كتب اللّغة: فَتْرَةٌ.

اللّيث: و في الحديث: « المؤمن يُطبَع على كلّ خُلُق إلا الخيانة و الكذب».

و تقول: خانه الدّهر و النّعيم خَوْ نًا، و هو تغيّر حاله إلى شرّ منها. (الأزهَريّ7: 581)

أبوعمروالشّيبانيّ: التّخَوّن: التّعهّد. يقال: الحُمّى تَخَوّنه. أي تعَهّدَه. [ثمّ استشهد بشعر]

( الجَوهَريّ5: 2109)

أبوعُبَيْدَة: خِوان و خُوان: للّذي يُؤكل عليه.

(إصلاح المنطق: 106)

الأصمَعيّ: التّخَوّن: التّعهّد. [ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهَريّ7: 582)

أبوعُبَيْد: في حديث النّبيّ (علیه السلام)قال : « لاتجوز شهادة خائن و لاخائنة و لاذي غِمْر على أخيه، و لاظنين في ولاء و لاقرابة، و لاالقانع من أهل البيت لهم >.

قوله: < خائن و لاخائنة > فالخيانة تدخل في أشياء كثيرة سوى الخيانة في المال، منها أن يُؤتمَن على فرج فلايؤدّي فيه الأمانة، و كذلك إن استودع سرًّا يكون إن أفشاه، فيه عطب المستودع أو يشينه. و ممّا يبيّن ذلك أنّ السّرّ أمانة حديث يروى عن النّبيّ (صلی الله علیه و آله): < إذا حدّث الرّجل بالحديث ثمّ التفت فهو أمانة> فقد سمّاه رسول الله (صلی الله علیه و آله) أمانة و لم يستكتمه، فكيف إذا استكتمه؟

و منه قوله(صلی الله علیه و آله): < إنّما تتجالسون بالأمانة > و منه الحديث الآخر: < من أشاع فاحشة فهو كمن أبدأها > فصار هاهنا كفاعلها، لإشاعته إيّاها هو ولم يستكتمها، و كذلك: إن اؤتُمن على حكم بين اثنين أو فوقهما فلم يعدل، و كذلك: إن غَلّ من المغنم، فالغال في التّفسير هو الخائن، لأ نّه يقال في قوله: {وَ مَا كَانَ لِنَبِىٍّ اَنْ يَغُلَّ }آل عمران:161، قال: يخان.

فهذه الخصال كلّها و ما ضاهاها لاينبغي أن يكون أصحابها عدولا في الشّهادة، على تأويل هذا الحديث. (1: 289)

ابن السّكّيت: و يقال: الحُمّى تخَوّنه، أي تعَهّده. قال ذُو الرّمّة:

لاينعَش الطّرف إلا ما تَخَوّنه

داعٍ يناديه باسم الماء مبغوم

و التّخَوّن في غير هذا: النّقص، و التّخَوّف أيضًا: التّنقّص. قال الله جلّ ثناؤه: { اَوْ يَاْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّف } النّحل: 47، أي تنقّص. [ثمّ استشهد بشعر]

(إصلاح المنطق: 273)

المُبَرِّد: و قوله: ((1))« حتّى تخَوّ نها » أي تنقّصها، يقال: تخَوّ نني السّفر، أي تنقّصني. (1: 167)

و قوله: « و لم تكن للغدر خائنة »، و لميقل: خائنًا. فإنّما وضع هذا في موضع المصدر، و التّقدير: و لم تكن ذا خيانة. (1: 211)

و المَخانة: مصدر من الخيانة. (2: 325))

ابن دُرَيْد: الخَوْن: مصدر خان يَخُون خَوْ نًا

و خيانةً.

ص: 330


1- (1) قول الشّاعر.

و الخِوان: معروف، و هو أعجميّ معرّب.

و خَوّان اسم من أسماء الأيّام في الجاهليّة.

(2: 244)

و رجل خائنة و خائن.

و الخِوان: عربيّ معروف؛((1)) و الجمع: خُون، و خَوّان.

و يقال: خُوّان: يوم من أيّام الأُسبوع، من اللُّغة الأُولى.و خُوان و خَوّان: شهر من شهور السّنة بالعربيّة الأُولى. (3: 240)

الأزهَريّ: و قد يكون التّخَوّن بمعنى التّنقّص. [ثمّ استشهد بشعر]

و يقال: تَخَوّ نَتْه الدّهور و تَخَوّفَتْه، أي تنَقّصَتْه.

فالتّخَوّن له معنيان: أحدهما التّنقّص، و الآخر: التّعهّد.

و من جعله تعهّدًا جعل النّون مُبدَلة من اللام.

يقال: تخَوّله و تخَوّنه، بمعنى واحد.

و منه حديث ابن مَسعود: « كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يتَخَوّ لنا بالموعظة مَخافة السّآمة علينا ».

و كان الأصمَعيّ يرويه: < يتَخَوّ ننا > بالنّون.

و يقال: رجل خائن و خائنة، إذا بُولغ في وصفه بالخيانة. (7: 582)

الصّاحِب: المَخانَة: خَوْن النُّصْح و الوُدّ، خانَني خيانَةً و خانَةً.

و خانه النّعيم و الدّهر خَوْ نًا.

و الخَوْن في النّظر: فَتْرةٌ، و لذلك يقال للأسد: خائن العين.

و خائنة العين: ما تَخُون من مُسارَ قة النّظر إلى ما لايَحِلّ لك.

و الخِوان: المائدة، و الجميع: أخْوِنَة و خُوْن.

و التّخَوّن: التّنَقّص.

و الخَوّان: من أسماء الأسد، لأ نّه يَخُون.

و خَوّان: من أسماء ربيع الأوّل، و يقال: خِوان، و يُجمَع أخْوِنةً و خِوانات.

و إنّ في ظهره لَخَوْناً أي ضَعْفًا.

و تَخَوّ نْتُ الشّيء: إذا تعاهَدْته. (4: 419)

الخَطّابيّ: في حديث النّبيّ (صلی الله علیه و آله)أ نّه قال: « تخرج الدّ ا بّة و معها عصا موسى و خاتم سليمان، فتُجلّي وجه المؤمن بالعصا، و تخطم أنف الكافر بالخاتم، حتّى إنّ أهل الإخوان ليجتمعون، فيقول: هذا يا مؤمن، و يقول: هذا يا كافر ».و قوله: « أهل الإخوان » يريد الخِوان الّذي يُنصَب للطّعام، و يُؤكل عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

(1: 374)

الجَوهَريّ: خانه في كذا يَخُونه خَوْ نًا و خيانةً و مَخانَةً، و اختانه. قال الله تعالى: { تَخْتَانُونَ اَنْفُسَكُمْ } أي يخون بعضكم بعضًا.

و رجل خائن و خائنَة أيضًا، و الهاء للمبالغة، مثل علامة و نسّابة.

و قوم خَوَنة، كما قالوا: حَوَكة. و قد ذُكر وجه

ص: 331


1- (1) لقد ذكر قبلا <أ نّه أعجميّ معرّب>..و هو الصّواب، كما في كتب اللّغة.

ثبوت الواو.

و خَوّ نَه: نسبه إلى الخيانة.

و الخَوّان: الأسد.

و التّخَوّن أيضًا: التّنقّص. يقال: تَخَوّنني فلان حقّي، إذا تنقّصَك.

و الخِوان بالكسر: الّذي يُؤكل عليه، معرّب. و ثلاثة أخْوِنة، و الكثير خُون. و لايثَقّل كراهية الضّمّة على الواو.

و الخان: الّذي للتّجّار. [و استشهد بالشّعر مرّتين] (5: 2109)

ابن فارِس: الخاء و الواو و النّون أصل واحد، و هو التّنقّص. يقال خانه يَخُونه خَوْ نًا. و ذلك نقصان الوفاء. و يقال تخَوّنني فلان حقّي، أي تنقّصني.

و يقال: الخَوّان: الأسد، و القياس واحد. فأمّا الّذي يقال: إنّهم كانوايسمّون في العربيّة الأُولى الرّبيع الأوّل: خَوّ انًا، فلامعنى له و لاوجه للشُّغل به.

و أمّا الّذي يؤكل عليه، فقال قوم: هوأعجميّ. و سمعت عليّ بن إبراهيم القَطّان يقول: سُئل ثعلب و أنا أسمَع فقيل: يجوز أن يقال: إنّ الخُِوان يسمّى خُِوانًا، لأ نّه يُتخَوّن ما عليه، أي يُنتَقَص. فقال: ما يبعد ذلك، و الله تعالى أعلم. [و استشهد بالشّعر مرّتين] (2: 231)

الهَرَويّ: أصل الخيانة أن تَنقُص المُؤتَمن لك. [ثمّ استشهد بشعر]

و خيانة العبد ربّه: أن لايؤدّي الأمانات الّتي ائتَمَنَه عليها.

وقوله: { عَلى خَائِنَة مِنْهُمْ } المائدة:13 الخائنة: يعني الخيانة أيضًا، قوم خَوَنة، وتُفسَّربهما جميعًا، و < فاعلة > في المصادر معروفة يقال: عافاه عافية و سمعت راعية الإبل ثاغية الشّاة. (2: 606)

ابن سيده: الخَوْن: أن يُؤتمن الإنسان فلايَنْصَح.

خانه خَوْ نًا، و خيانةً، و خانةً، و مَخانةً، و اختانه، و في التّنزيل: { عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ } البقرة: 187.

و رجل خائن، و خائنة، و خَؤُوُن، و خَوّان، و الجمع: خانة، و خَوَنة، الأخيرة شاذّة، و لم يأت شيء من هذا في الياء، أعني أ نّه لم يجئ مثل سائر، و سيرة، و إنّما شذّ منهذا ممّا عينه واو لاياء، و خُوّان.

و قد خانه العهد والأمانة.

و خوّن الرّجل: نسبه إلى الخَوْن.

و خانه سَيفُه: نبا، كقوله:< السّيف أخوك و ربّما خانك >.

و خانه الدّهر: غيّر حالَه من اللّين إلى الشّدّة.

و كذلك: تخَونّه.

و تخَوّنه، و خَوّنه، و خَوّن منه: نقَصَه.

و خَوّنه، و تخَوّنه: تعهّده.

و الخَوْن: فَتْرَة في النّظر، يقال للأسد: خائن العين. و به سمّي الأسد: خَوّ انًا.

و خائنة الأعين: ما تُسارق من النّظر إلى ما لايَحِلّ، و في التّنزيل: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ }.

ص: 332

المؤمن: 19.و قال ثَعْلَب: معناه أن ينظر نظرة ريبة، و هو نحو ذلك.

و الخِوان، و الخُوان: الّذي يُؤكل عليه؛ و الجمع: أخْوِنة، و خُون. قال سيَبَويه: و لم يحرّكوا الواو كراهية الضّمّة قبلها، و الضّمّة فيها.

و الإخوان، كالخِوان، و في الحديث: « حتّى إنّ أهل الإخوان يجتمعون ».

و الخَوّانة: الإست.

و العرب تسمّي ربيعا الأوّل: خَوّانًا، و خُوّانًا،

و جمعه: أخْوِنة، و لاأدري كيف هذا.

و خَيْوان: بلد باليمن، ليس « فَعْلان »، لأ نّه ليس في الكلام اسم عينه ياء و لامه واو، و تُرك صرفه، لأ نّه اسم للبُقعَة... [و استشهد بالشّعر4 مرّات] (5: 303)

الطُّوسيّ: و يقال: خانَه يَخُونُه خَوْ نًا و خيانةً، و خَوّنه تخوينًا، و اختانه اختيانًا، و تخَوّنه تخَوّ نًا، و التّخَوّن: التّنقّص، و التّخَوّن: تغيير الحال إلى ما لاينبغي.{ وَ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ }: مشارفة النّظر إلى مالايحلّ.و أصل الباب: منع الحقّ. (2: 133)

و الخيانة: نقض العهد فيما ائتُمن عليه. تقول: خانَه يَخُونُه خيانةً، و اختان المال اختيانًا، و تخَوّنه تخَوّ نًا و خَوّنه تخوينًا. (5: 169)

الرّاغِب: الخيانة و النّفاق واحد، إلا أنّ الخيانة تقال: اعتبارًا بالعهد و الأمانة، و النّفاق يقال: اعتبارًا بالدّين. ثمّ يتداخلان، فالخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ.

و نقيض الخيانة: الأمانة، يقال: خُنت فلا نًا، و خُنتُ أمانة فلان، و على ذلك قوله: { لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } الأنفال:27، و قوله تعالى: { ضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِلَّذينَ‘ كَفَرُوا امْرَاَتَ نُوحٍ وَ امْرَاَتَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا } التّحريم:10، و قوله: { وَ لاتَزَالُ تَطَّلِعُ عَلى خَائِنَة مِنْهُمْ }.المائدة:13، أي على جماعة خائنة منهم.

و قيل: على رجل خائن، يقال: رجل خائنٌ، و خائنة، نحو: راوية، و داهية. و قيل: «خائنة » موضوعة موضع المصدر، نحو: قُمْ قائمًا. و قوله: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } المؤمن:19، على ما تقدّم. و قال تعالى: { وَاِنْ يُريدُ‘وا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَاَمْكَنَ مِنْهُمْ } الأنفال:71. و قوله: { عَلِمَ اللهُ

اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَنْفُسَكُمْ } البقرة:187. و الاختيان : مراودة الخيانة، و لم يقل: تخونون أنفسكم، لأ نّه لم تكن منهم الخيانة، بل كان منهم الاختيان، فإنّ الاختيان تحرّك شهوة الإنسان لتحرّي الخيانة؛ و ذلك هو المشار إليه بقوله تعالى: { اِنَّ النَّفْس لاَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } يوسف:53. (163)

نحوه الفيروزاباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز2: 582)

الزّمَخْشَريّ: خانَه في العهد، و خانه العهد: { لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } الأنفال:27، و هو شديد الخون و الخيانة و المخانة.

و تقول: استَبدل بالنّصح المخانة و بالسّتر

ص: 333

المجانة.و اختان المال و اختان نفسه، و هو خَوّان، و قوم خَوَ نَة

و كفاك من الخيانة أن تكون أمينًا للخَوَ نَة .

و خَوّنه: نسبه للخيانة، و كان فلان أمينًا فتخَوّن.

و من المجاز: خا نَه سَيفه: نبا عن الضّريبة.

و قيل في الرُّمح: أخوك و ربّما خانك.

و خانته رِجْلاه إذا لم يقدر على المشي.

و خان الدّلو الرّشاء، إذا انقطع.

و إنّ في ظهره لخونًا، أي ضعفًا و هو من: خانه ظهره.

و تخَوّن فلان حقّي، إذا تنقّصَه كأ نّه خانَه شيئًا فشيئًا.

وكلّ ما غيّرك عن حالك فقد تخَوّنك.

و أمّا تخَوّنته: تعهّدته، فمعناه تجنّبت أن أخونه. « و كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يتَخَوّنهم بالموعظة ».

و الحمّى تتَخَوّنه: تتعهّده و تأتيه في وقتها.

و{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } المؤمن:19، و هي النّظرة المسارقة إلى ما لايحلّ.

و فرَسُه الخَوّان أي الأسد.

و أعوذ بالله من الخوّان، و هو يوم نفاد الميرة.

[و استشهد بالشّعرأربع مرّات] (أساس البلاغة: 123)

[ في حديث ] : « حتّى إنّ أهل الإخوان ليجتمعون... ».الإخوان: الخِوان، و مثاله الإسوار و السِّوار. (الفائق1: 382)

< نهى(صلی الله علیه و آله) أن يَطرُق الرّجل أهله أن يتَخَوّنهم أو يلتمس عوراتهم >.

التّخَوّن: تطلُّب الخيانة و الرّيبة، و الأصل:< لأن يتَخَوّنهم >، فحذف اللام، و حروف الجرّ، تسقط مع «أنْ» كثيرًا، و معناه: متَخَوّ نًا، و قد مرّت له نظائر. (الفائق1: 401)

الجواليقيّ: و الخُِوان: أعجميّ معرّب. و قد تكلّمت به العرب قديمًا.

و فيه لغتان جيّدتان: خِوان و خُوان، و لغة أُخرى دونهما و هي إخوان. و حُكي عن ثَعْلَب أ نّه قال: و قد سُئل أيجوز أن يقال: الخُِوان إنّما سمّي بذلك، لأ نّه يتَخَوّن ما عليه، أي يتَنقّص؟(1) فقال: ما يبعد ذلك.

و الصّحيح أ نّه معرّب؛ و يُجمَع على: أخوِنَة و خُون. [و استشهد بالشّعرمرّتين] (177)

الطَّبْرِسيّ: الاختيان: الخيانة. يقال: خانَه يَخُونه خَوْ نًا و خيانةً، و اختانه اختيانًا. { وَ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } : مُسارقة النّظر إلى ما لايحلّ. و أصل الباب: منع الحقّ. (1: 279)

و الخائنة: الخيانة. و « فاعلة » في أسماء المصادر كثير، نحو:عافاه الله عافية، و أُهلكوا بالطّاغية،

ص: 334


1- (1) وفي الأصل كلاهما بالنّون. و في الهامش جاء في (ي) يتخوّن،و في( ح م) لايتخوّن. و النّفي هنا خطأٌ ظاهرٌ.

و ليس لوقعتها كاذبة، و يقال: سمعت ثاغية الغنم، و راغية الإبل.

و قد يقال: رجل خائنة، على المبالغة. [ثمّ استشهد بشعر] (2: 172)

الخيانة: منع الحقّ الّذي قد ضمن التّأدية فيه، و هي ضدّ الأمانة. و أصلها: أن تنقص من ائتمنك أمانته.[ثمّ استشهد بشعر] (2: 535)

و الخيانة: نقض العهد فيما اؤتُمن عليه.

(2: 553)

المَدينيّ: في الحديث: « ما كان لنبيّ أن تكون له خائنة الأعيُن ».

أي يُضمِر في قلبه غير ما يُظهره، فإذا كفّ لسانه و أومأ بعينه إلى خلاف ذلك فقد خان، و إذا كان ظهور تلك الخيانة من قِبَل العين سُمّيت خائنَة الأعيُن، و الخائنة: الخيانة، كالخاصّة بمعنى الخصوص.

و منه قوله تعالى: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } المؤمن:19، أي ما تخون به من مُسارقة النّظر إلى مالايحلّ.

في الحديث: « أ نّه ردّ شهادة الخائن و الخائنة ».

قال أبو عُبَيْد: لانراه خَص به الخيانة في أمانات النّاس، دون ما افترض الله تعالى على عباده، و ائتمنهم عليه، فإنّه قد سمّى ذلك أمانةً، فقال: { يَاءَ يُّهَا الَّّذينَ‘ امَنُوا لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } الأنفال:27، فمن ضيّعشيئًاممّا أمر الله تعالى به، أو ركب شيئًا ممّا نهى الله عنه، فليس ينبغي أن يكون عدلا ، لأ نّه قد لزمه اسم الخيانة.

في الحديث: « نهى أن يطرق الرّجل أهله ليلا يتخوّنهم »أي يطلب خيانتهم. (1: 627)

ابن الأثير: و في حديث عائشة: و قد تمثّلَتْ ببيت لبيد بن ربيعة:

يتحدّثون مخانةً و مَلاذةً

و يُعاب قائلهم و إن لم يَشغَب

المَخانَة: مصدر من الخيانة، و التّخوّن: التّنقّص.

و منه قصيد كعب بن زهير:

* لم تَخَوَّ نْه الاحاليل *

و في حديث أبي سعيد: « فإذا أنا بأخاوين عليها لحُوم مُنتِنَة » هي جمع: خِوان، و هو ما يوضع عليه الطّعام عند الأكل.

و منه حديث الدّ ا بّة: « حتّى إنّ أهل الخِوان ليجتَمعُون، فيقول: هذا يا مُؤمن، و هذا يا كافر » و جاء في رواية <الإخوان> بهمزة، و هي لغة فيه، و قد تقدّمت.

(2: 89)

الفَيُّوميّ: خان الرّجل الأمانة يخُونُها خَوْ نًا و خيانَةً وَ مَخا نَةً، يتعدّى بنفسه.

و خان العَهْد و فيه، فهو خائن و خائنةٌ مبالغةٌ.

و خائنة الأعيُن قيل: هي كسر الطَّرْف بالإشارة الخفيّة. و قيل: هي النّظرة الثّانية عن تعَمّد.

و فرّ قوا بين الخائن و السّارق و الغاصب، بأنّ الخائن: هو الّذي خان ما جُعل عليه أمينًا. و السّارق: من أخذ خُفيَة من موضع كان ممنوعًا من

ص: 335

الوصول إليه، و رُ بّما قيل: كلّ سارق خائن دون عكس.و الغاصب:من أخذجِهارًا مُعتَمدًا على قوّته.

و الخان: ما يَنزِله المُسافرون؛ و الجمع: خانات. و تَخَوّ نْتُ الشّيء: تنَقّصْتُه.

و الخِوان: ما يُؤكل عليه، معرّب. و فيه ثلاث لغات: كسر الخاء و هي الأكثر و ضمّها حكاه ابن السّكّيت. و إخوان بهمزة مكسورة، حكاه ابن فارِس.

و جمع الأُولى في الكثرة: خُون، و الأصل بضمّتين، مثل: كتاب و كتُب، لكن سُكّن تخفيفًا؛ و في القلّة: أخْوِنَة. و جمع الثّالثة: أخاوين. و يجوز في المضموم في القلّة: أخْوِنَة أيضًا، كغُراب و أغرِبَة.

(1: 184)

الفيروزاباديّ: الخَوْن: أن يُؤتمَن الإنسان فلاينصَح ، خانَه خَوْ نًا و خِيانَة، و خانَة و مَخانَة، و اختانه فهو خائن، و خائنة و خُؤُون و خَوّان؛ جمعه: خانَة و خَوَ نَة و خُوّان.

و قد خانَه العهد و الأمانة.

و خَوّ نَه تخوينًا: نسَبه إلى الخيانة، و نقَصَهكخَوّن منه، و تعَهّدَه كتَخَوّ نَه فيهما.

و الخَوْن: الضّعْف، و فَتْرَة في النّظر، و منه: خائن العين للأسد. و خائنة الأعين: ما يُسارق من النّظر إلى ما لايحلّ، أو أن ينظر نظرة بريبَة.

و كغُراب و كتاب: مايُؤْكل عليه الطّعام كالإخوان. و في الحديث: « حتّى أنّ أهل الإخوان ليجتمعون » جمعه: أخْوِنة و خُون.

و الخَوّان كشدّاد و يُضمّ: شهر ربيع الأوّل، جمعه: أخْوِنة، و بهاء: الإسْت.

و خَيْوان: بلد. و خين بالكسر: بلد.

و الخان: الحانوت أو صاحبه، و خان التّجّار: معروف.

خَيْنين: قرية بطوس منها مظفّر بن منصور.

(4: 222)

الطُّرَيحيّ: يقال: اختان نفسه، أي خانها.

و رجل خائن و خائنة أيضًا، و الهاء للمبالغة، مثل علامة و نسّابة.

و في الدّعاء: « أعوذ بك من الخيانة » هي مخالفة الحقّ بنقض العهد في السِّرّ، و هي نقيض الأمانة.

و الخان: الّذي للتّجارة.

و في الحديث: « ما أكل النّبيّ(صلی الله علیه و آله) على خِوان قطّ ». و قيل: كان تواضعًا لله تعالى، لئلاّيفتقر إلى التّطاول في الأكل. (6: 244)

العَدْنانيّ: الخِوان، الخُوان، الإخوان

و يخطّؤن من يُطلِق على ما نأكل عليه اسم الخُوان، و الحقيقة هو:

1 الخِوان: اللّيث بن سعد، و ثَعْلَب،

و الكَرْمانيّ في الجامع، و الفارابيّ، و الصّحاح، و معجم مقاييس اللُّغة، و ابن سيده في المخصّص، و الحريريّ في المقامة الواسطيّة، و النّهاية، و المُغْرِب، و المختار، و اللّسان، و المصباح، و القاموس،

و التّاج، و المدّ، و محيط المحيط، و أقرب الموارد،

ص: 336

و المتن، و تذكرة عليّ، و الوسيط.

2 و الخُوان: ابن السّكّيت، و ثَعْلَب، و الفارابيّ، و معجم مقاييس اللُّغة، و ابن سيده في المخصّص، و المختار، و اللّسان، والمصباح، و القاموس، و التّاج، و المدّ، و محيط المحيط، و أقرب الموارد، و المتن، و تذكرة عليّ، و الوسيط.

3 و الإخوان: ابن فارِس، و النّهاية، و اللّسان، و المصباح، و القاموس و التّاج، و المدّ، و محيط المحيط، و المتن.

و الخِوان أفصَحُها كما يقول الفارابيّ، و المختار و المصباح، و المتن.

و يُجمَع< الخِوان > على أخْوِنة و خُون.

و يَجمَعُه بعضهم على أخاوين، جاء في حديث أبي سعيد: « فإذا أنا بأخاوين عليها لحوم مُنتِنة ».و ممّن جمَعَه على أخاوين أيضًا: النّهاية،

و اللّسان و التّاج، و المدّ، و أقرب الموارد.

أمّا الإخوان فإنّه يُجمَع على أخاون: المصباح، و التّاج، و المدّ.و الخِوان كلمة معرّبة. (208)

أُعْدِم الخَوَ نَة.

ويقولون: أُعْدِم الخَوَن،والصّواب: أُعْدِم الخَوَ نَة أو الخائنون أو الخانة أو الخُوّان. و فعلها: خانَه يَخُونُه خَوْ نًا و خيانةً و خانةً و مَخانةً، ميمها زائدة فهو خائن و خُؤُون و خَوّان و خائنة. التّاء المربوطة هنا للمبالغة، مثل علامة و نسّابة.

(معجم الأخطاء الشّائعة: 86)

مَجْمَعُ اللُّغة: الخيانة: الإخلال بما اؤتُمِنتَ عليه من حقّ لله أو للنّفس أو للغير، أو هي أن يُؤتَمَن الإنسان فلاينصَح.

خان يَخُون خَوْ نًا و خيانة فهو خائن، و هم خائنون.

و الخائنة: اسم فاعل من خان، أو مصدر جاء على وزن < فاعلة >، مثل العاقبة.

و الاختيان: من الخيانة، فيه زيادة شدّة.

يقال: اختانه، أي خانَه خيانةً بيّنة. (1: 370)

محمّدإسماعيل إبراهيم: خان الشّيء خَوْ نًا و خيانةً نقَصَه. و خان العهد: نقَضَه فهو خائن، و خان الأمانة: لم يؤدّها.

و خَوّنه: نسبه إلى الخيانة.

و اختان المال أو النّفس: حاول خيانتها، و الخَوّان: كثير الخيانة.

و خائنة الأعين: النّظرة المُريبة أو المختلسة.

و الخائنة: اسم بمعنى الخيانة. (1: 178)

محمود شيْت:1 أ خان الشّيء خَوْ نًا و خيانةً، و مَخانةً: نقصَه. يقال: خان الحقّ، و خان العهد و الأمانة: لم يؤدّها أو بعضها، و فلا نًا: غدر به، و النّصيحة: لم يُخلِص فيها.

و يقال: خانه سيفه: نبأ عن الضّريبة، و خانته رِجْلاه: لم يقدر على المَشي، و خانه ظَهرُه: ضَعُف.

ب خَوّن الشّيء: نقّصَه. و فلا نًا: نسبه إلى الخيانة.

ج اختانه: خانه و حاول خيانَتَه. و يقال: اختان المال، و اختان النّفس، قال تعالى: { عَلِمَ اللهُ

ص: 337

اَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَنْفُسَكُمْ } البقرة: 187.

د . تخَوّن: صار خائنًا و الشّيء تنقّصَه.

ه الخائنة: اسم بمعنى الخيانة، و هو من المصادر الّتي جاءت على لفظ < الفاعلة >. كالعاقبة.

و الخان: الفُندق و الحانوت. و المَتْجَر، و الحاكم و الأمير.

ز الخانة: المنزلة.

ه. الخُوان ما يُؤكل عليه، جمعه: أخونة، و خُوَن، و أخاوين.و. الخَوّان: المبالغ في الخيانة بالإصرار عليها،

و الدّهر، و يوم نفاد الميرة، و اسم شهر ربيع الأوّل في الجاهليّة، جمعه: أخْوِنَة.

2 الخيانة العظمى: محاولة سلخ جزءمن البلاد عن إدارة الدّولة، أو وضع البلاد أوجزء منها تحت سيطرة أجنبيّة، و يعاقب من يحاول ذلك بالإعدام.

(1: 226)

المُصْطَفَويّ: و التّحقيق: أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة، هو العمل قولا أو فعلا أو نيّةً، على خلاف التّعهّد، و هو ما يتوقّع منه و يُوظّف عليه، سواء كانت تلك الوظيفة أمرًا تكوينيًّا أو تشريعيًّا.

فيقال: { وَاِنْ يُريدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ } الأنفال:71، فمتعلّق الخيانة تكاليف تشريعيّة و تعهّدات إلاهيّة، نيّة أو عملا أو قولا . [ثمّ نقل الآيات و أضاف:]

و أمّا الخِوان بمعنى المائدة: فهو معرّب من لغة فارسيّة، و الأصل فيها < خانه> بمعنى البيت، فلعلّها بيت صغير فيها أنواع الطّعام،ومظهر لنعم البيت، وبهذه المناسبة يُطلق على الفندق ونظيره.(3: 152)

النُّصوص التّفسيريّة

خَانُوا

وَ اِنْ يُريدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَاَمْكَنَ مِنْهُمْ وَ اللهُ عَليمٌ ‘حَكيمٌ ‘. الأنفال:71

ابن عبّاس: يعني العبّاس و أصحابه في قولهم: « آمنّا بما جئت به، و نشهد أنّك رسول الله، لننصَحنّ لك على قومنا »، يقول: إن كان قولهم خيانة { فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَاَمْكَنَ مِنْهُمْ }.

(الطّبَريّ6: 293)

الإمام الباقر(علیه السلام): خيانة الله و الرّسول: معصيتهما، و أمّا خيانة الأمانة: فكلّ إنسان مأمون على ما افترض الله عليه. (القُمّيّ1: 272)

السُّدّيّ: يقول: قد كفروا بالله ونقضوا عهده، فأمكن منهم ببدر. (الطّبَريّ6: 293)

مُقاتِل: يعني الكفربعد إسلامهم، و استحيائك إيّاهم. { فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ } يقول: فقد كفروا بالله من قبل هذا الّذي نزل بهم ببدر. { فَاَمْكَنَ } الله { مِنْهُمْ }، النّبيّ(علیه السلام) يقول: إن خانوك أمكَنتُك منهم، فقتلتهم و أسرتهم، كمافعلت بهم ببدر.

(2: 128)

ابن جُرَيْج: أراد بالخيانة: الكفر.

(البغَويّ 2: 312)

ابن زَيْد: فقد خانوا بخروجهم مع المشركين.

(ابن الجَوْزيّ 3: 384)

ص: 338

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه: و إن يرد هؤلاء الأُسارى الّذين في أيديكم، { خِيَانَتَكَ }،أي الغدر بك و المكر و الخداع، بإظهارهم لك بالقول خلاف ما في نفوسهم، { فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ }، يقول: فقد خالفوا أمر الله من قبل وقعة بدر، و أمكن منهم ببدر المؤمنين. (6: 293)

الطُّوسيّ: معنى الآية: أنّ هؤلاء الأُسارى إن علم الله في قلوبهم خيرًا، أخلف عليهم خيرًا ممّا أُخذ منهم. و إن عزموا على الخيانة، و نقض العهد، و فعلوا خلاف ما وقع عليه العقد من تأدية فرض الله، فقد خانوا الله من قبل هذا. و المعنى: فقد خانوا أولياء الله، لأنّ الله لايمكن أن يُخان، لأ نّه عالم بالأشياء كلّها، لايخفى عليه خافية.

و الخيانة هاهنا: نقض عقد الطّاعة لله و رسوله، الّتي شهدت بها الدّلالة. و قوله: { فَاَمْكَنَ مِنْهُمْ } المعنى لمّا خانوا بأن خرجوا إلى بدر و قاتلوا مع المشركين، فقد أمكن الله منهم بأن غُلبوا و أُسروا. فإن خانوا ثانيًا فيُمكن الله منهم مثل ذلك.

(5: 187)

البغَويّ: أي إن كفروا بك فقد كفروا بالله من قبل، فأمكن منهم المؤمنين ببدر حتّى قتلوهم و أسروهم. و هذا تهديد لهم إن عادوا إلى قتال المؤمنين و معاداتهم. (2: 312)

الزّمَخْشَريّ: نكث ما بايعوك عليه من الإسلام و الرّدّة و استحباب دين آبائهم. { فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ }في كفرهم به، و نقض ما أخذ على كلّ عاقل من ميثاقه. (2: 169)

نحوه النّسَفيّ (2: 112)، و الشِّربينيّ (1: 584)، و البُرُوسَويّ(3: 376)، و القاسميّ(8: 3041).

ابن عَطيّة: قولٌ أُمر أن يقوله للأسرى و يورد معناه عليهم. و المعنى: إن أخلصوا فعل بهم كذا و كذا، و إن أبطنوا خيانة ما رغبوا أن يُؤتمَنُوا عليه من العهد فلايسّرهم ذلك و لايسكنوا إليه، فإنّ الله بالمرصاد لهم الّذي خانوه قبل، بكفرهم و تركهم النّظر في آياته، و هو قد بيّنها لهم إدراكًا يحصلونها به، فصار كعهد متقرّر، فجعل جزاءهم على خيانتهم إيّاه أن مكّن منهم المؤمنين، و جعلهم أسرى في أيديهم. (2: 555)

الطَّبْرِسيّ: معناه: و إن يرد الّذين أطلقتهم من الأُسارى خيانتك، بأن يُعدّوا حربًا لك، أو ينصروا عدوًّا عليك، { فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ } بأن خرجوا إلى بدر، و قاتلوا مع المشركين. و قيل: بأن أشركوا بالله، و أضافوا إليه ما لايليق به . (2: 560)

ابن الجَوْزيّ: يعني إن أراد الأُسراء خيانتك بالكفر بعد الإسلام، { فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ } إذ كفروا به قبل أسرهم. (3: 384)

الفَخْرالرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأُولى: في تفسير هذه الخيانةوجوه:

الأوّل: أنّ المراد منه: الخيانة في الدّين، و هو الكفر، يعني إن كفروا بك فقد خانوا الله من قبل.

الثّاني: أنّ المراد من الخيانة: منع ما ضمنوا من الفداء.

ص: 339

الثّالث: روي أ نّه (علیه السلام) لمّا أطلقهم من الأسر، عهد معهم أن لايعودوا إلى محاربته و إلى معاهدة المشركين، و هذا هو العادة فيمن يُطلَق من الحبس و الأسر، فقال تعالى: { وَ اِنْ يُريدُوا خِيَانَتَكَ }، أي نكث هذا العهد، فقد خانوا الله من قبل، و المراد: أ نّهم كانوا يقولون: {لَئِنْ اَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرينَ‘} يونس: 22، و { لَئِنْ اتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرينَ ‘} الأعراف: 189، ثمّ إذا و صلوا إلى النّعمة و تخلّصوا من البليّة، نكثوا العهد و نقضوا الميثاق. و لايمنع دخول الكلّ فيه، و إن كان الأظهر هو هذا الأخير. (15: 206)

القُرطُبيّ: أي إن كان هذا القول منهم خيانة و مكرًا، { فَقَدْ خَانُوا للهَ مِنْ قَبْلُ } بكفرهم و مكرهم بك، و قتالهم لك. و إن كان هذا القول منهم خيرًا و يعلمه الله، فيقبل منهم ذلك، و يعوّضهم خيرًا ممّا خرج عنهم، و يغفر لهم ما تقدّم من كفرهم و خيانتهم و مكرهم. و جمع خيانة: خيائن، و كان يجب أن يقال: خوائن، لأ نّه من ذوات الواو، إلا أ نّهم فرّقوا بينه و بين جمع خائنة. و يقال: خائن و خُوّان و خَوَنَة و خا نَة. (8: 55)

البَيْضاويّ: يعني الأسرى، { خِيَانَتَكَ }: نقض ما عاهدوك، { فَقَدْ خَانُوا اللهَ } بالكفر، و نقض ميثاقه المأخوذ بالعقل من قبل. (1: 402)

أبوحَيّان: قيل: المراد بالخيانة: منع ما ضمنوا من الفداء.

(4: 521)

أبوالسُّعود:أي نكث ما بايعوك عليه من الإسلام، و هذا كلام مسوق من جهته تعالى، لتسليته عليه الصّلاة و السّلام بطريق الوعد له و الوعيد لهم. { فَقَدْخَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ }بكفرهم

و نقض ما أُخذ على كلّ عاقل من ميثاقه. (3: 115)

الآلوسيّ: أي الأسرى، { خِيَانَتَكَ } أي نقض ما عاهدوك عليه من إعطاء الفدية، أو أن لايعودوا لمحاربتك، و لا إلى معاضدة المشركين. و يجوز أن يكون المراد: و إن يريدوا نكث ما بايعوك عليه من الإسلام و الرّدّة و استحباب دين آبائهم، فقد خانوا الله من قبل بالكفر، و نقض ميثاقه المأخوذ على كلّ عاقل، بل إدّعى بعضهم أنّه الأقرب. (10: 37)

رشيدرضا: بما يُظهر بعضهم من الميل إلى الإسلام، أو دعوى إبطان الإيمان، أو الرّغبة عن قتال المسلمين من بعد. و هذا ممّا اعتيد من البشر في مثل تلك الحال، فلاتخف ما عسى أن يكون من خيانتهم و عودتهم إلى القتال. {فَقَدْخَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ } باتّخاذ الأنداد و الشّركاء له، و بغير ذلك من الكفر بنعمه ثمّ برسوله.

و قال بعض المفسّرين: إنّ خيانتهم لله تعالى هي ما كان من نقضهم لميثاقه. الّذي أخذه على البشر، بما ركّب فيهم من العقل، و ما أقامه على وحدانيّته من الدّلائل العقليّة و الكونيّة، على الوجه الّذي تقدّم بيانه في آية أخذه تعالى الميثاق على بني آدم من سورة الأعراف: 172. (10: 101)

ابن عاشور: الضّمير في { يُريدُوا } عائد إلى { مَنْ فى اَيْديكُمْ مِنَ الاَسْرى } و هذا كلام خاطب

ص: 340

به الله رسوله (صلی الله علیه و آله) اطمئنانًا لنفسه، و ليبلغ مضمونه إلى الأسرى، ليعلموا أ نّهم لايغلبون الله و رسوله. و فيه تقرير للمنّة على المسلمين الّتي أفادها قوله: { فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا } الأنفال: 69، فكلّ ذلك الإذن و التّطييب بالتّهنئة و الطّمأنة بأن ضمن لهم، إن خانهم الأسرى بعد رجوعهم إلى قومهم، و نكثوا عهدهم و عادوا إلى القتال، بأنّ الله يُمكّن المسلمين منهم مرّة أُخرى، كما أمكنهم منهم في هذه المرّة، أي أن يَنوُوا من العهد بعدم العود إلى الغزو خيانتَك، و إنّما وعدوا بذلك لينجوا من القتل

و الرّقّ، فلايضرّكم ذلك، لأنّ الله ينصركم عليهم ثانيَ مرّة. و الخيانة: نقض العهد و ما في معنى العهد كالأمانة.

فالعهد الّذي أعطَوْه: هو العهد بأن لايعودوا إلى قتال المسلمين. و هذه عادة معروفة في أسرى الحرب إذا أطلقوهم، فمن الأسرى من يخون العهد، و يرجع إلى قتال من أطلقوه. و خيانتهم الله الّتي ذُكرت في الآية يجوز أن يراد بها الشّرك، فإنّه خيانة للعهد الفطريّ، الّذي أخذه الله على بني آدم فيما حكاه بقوله: { وَ اِذْ اَخَذَ رَ بُّكَ مِنْ بَنى ادَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّ يَّتَهُمْ ...} الأعراف: 172، فإنّ ذلك استقرّ في الفطرة، و ما من نفس إلا و هي تشعر به، و لكنّها تغالبها ضلالات العادات، و اتّباع الكُبَراء من أهل الشّرك، كما تقدّم.

و أن يراد بها العهد المجمل المحكيّ في قوله: { دَعَوَا اللهَ رَ بَّهُمَا لَئِنْ اتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرينَ‘ * فَلَمَّا اتيهُمَا’ صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فيمَا‘ اتيهُمَا’} الأعراف 189،190.

و يجوز أن يراد بالعهد: ما نكثوا من التزامهم للنّبيّ (صلی الله علیه و آله)حين دعاهم إلى الإسلام من تصديقه، إذا جاءهم ببيّنة، فلمّا تحدّاهم بالقرآن كفروا به و كابروا.

و جواب الشّرط محذوف، دلّ عليه قوله:

{ فَقَدْخَانُوااللهَ مِنْ قَبْلُ فَاَمْكَنَ مِنْهُمْ } و تقديره: فلاتضرّك خيانتهم، أو لاتهتمّ بها، فإنّهم إن فعلوا أعادهم الله إلى يدك، كما أمكنك منهم من قبل.

(9: 167)مَغْنِيّة: و المعنى لاتخف يا محمّد(صلی الله علیه و آله) من خيانة من سَرّحت و أطلقت من الأسرى، و ماذا عسى أن يفعلوا إذا أرادوا الغدر و الخيانة ؟ فليس بعد الشّرك و إعلان الحرب شيء، و قد حاربوك من قبل، فسلّطك الله عليهم. { وَ مَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَ اللهُ عَزيزٌ‘ ذُو انْتِقَامٍ } المائدة:95، و هذا دليل آخر على أنّ الله أباح الأسر للمسلمين في و قعة بدر. (3: 510)

الطَّباطَبائيّ: قوله تعالى: { فَقَدْخَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَاَمْكَنَ مِنْهُمْ... } أمكنه منه، أي أقدره عليه. و إنّما قال أوّ لا : { خِيَانَتَكَ } ثمّ قال: { فَقَدْخَانُوا } لأ نّهم أرادوا بالفدية أن يجمعوا الشّمل ثانيًا و يعودوا إلى محاربته(صلی الله علیه و آله)، و أمّا خيانتهم لله من قبل، فهي كفرهم و إصرارهم على أن يُطفئُوا نور الله، و كيدهم و مكرهم.

و معنى الآية: إن آمنوا بالله و ثبت الإيمان في

ص: 341

قلوبهم، آتاهم الله خيرًا ممّا أُخذ منهم، و غفر لهم. و إن أرادوا خيانتك و العود إلى ما كانوا عليه من العناد و الفساد، فإنّهم خانوا الله من قبل، فأمكنك منهم و أقدرك عليهم، و هو قادر على أن يفعل بهم ذلك ثانيًا، و الله عليم بخيانتهم لو خانوا، حكيم في إمكانك منهم. (9: 137)

مكارم الشّيرازيّ: و حيث إنّ من الممكن أن يستغلّ بعض الأسرى إظهار الإسلام، ليُسيء إلى الإسلام و يخون النّبيّ و ينتقم من المسلمين، فإنّ الآية التّالية تنذر النّبيّ و المسلمين، و تنذر أُولئك من الخيانة، فتقول: { وَ اِنْ يُريدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْخَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ }.

و أيّ خيانة أعظم من عدم الاستجابة لنداء الفطرة، و العزوف عن نداء الحقّ و العقل، و الشّرك بالله و عبادة الأصنام بدلا من الإيمان بالله و توحيده؟ ثمّ إنّ عليهم أن لا ينسوا نصرة الله لك، { فَاَمْكَنَ مِنْهُمْ }. و إذا أرادوا الخيانة في المستقبل فلن يُفلحوا، و سوف ينالون الخزي و الخسران و الهزيمة مرّة أُخرى، لأنّ الله مطّلع على نيّاتهم، و جميع تعاليم الإسلام في شأن الأسرى وَفْق حكمته. { وَاللهُ عَليمٌ‘ حَكيمٌ ‘}. (5: 454)

فضل الله: { وَ اِنْ يُريدُوا خِيَانَتَكَ } في ما يضمرونه من الشّرّ، و ما يعدّونه من الخُطط العدوانيّة للعودة إلى الحرب، و مقاومة المؤمنين، و الاعتداء على الرّسالة، فلا تخشَ من ذلك و لاتحمل له همًّا، لأ نّهم لن يكونوا القوّة الّتي لاتقهر، كما أ نّها ليست أوّل خيانةٍ لهم، فقد اعتادوها حتّى سرت في دمائهم و مشاعرهم. { فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِن قَبْلُ فَاَمْكَنَ مِنْهُمْ } و أقدرك عليهم، و هو قادر على أن يهزمهم مرّةً ثانية. (10: 427)

فَخَانَتَاهُمَاضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِلَّذينَ‘ كَفَرُوا امْرَاَتَ نُوحٍ وَ امْرَاَتَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيًًْا = وَ قيلَ‘ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلينَ‘.

التّحريم:10

ابن عبّاس: فخالفتا هما في الدّين، و أظهرتا الإيمان باللّسان و أسرّتا النّفاق بالقلب، و لم تخونا بالفجور، لأ نّه لم تفجر امرأة نبيّ قطّ. (478)

كانت امرأة نوح تقول للنّاس: إنّه مجنون. و كانت امرأة لوط تدلّ على الضّيف.

(الطّبَريّ12: 160)

كانت خيانتهما أ نّهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطّلع على سرّ نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، فكان ذلك من أمرها. و أمّا امرأة لوط فكانت إذا ضاف لوطًا أحد خبّرت به أهل المدينة ممّن يعمل السّوء.

(الطّبَريّ12: 161)

ما بغت امرأة نبيّ قطّ، إنّما كانت خيانتهما في الدّين. (الماوَرْديّ 6: 46)

نحوه الضّحّاك. (الطّبَريّ12: 61)

سعيد بن جُبَيْر: [سُئل] ما كانت خيانة امرأة

ص: 342

لوط و امرأة نوح؟ فقال: أمّا امرأة لوط، فإنّها كانت تدلّ على الأضياف، و أمّا امرأة نوح فلاعلم لي بها.

(الطّبَريّ12: 161)

عِكْرِمَة: في الدّين. (الطّبَريّ12: 161)

كانت خيانتهما أ نّهما كانتا مشركتين.

(الطّبَريّ12: 161)

الضّحّاك: كانتا مخالفتين دين النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، كافرتين بالله. (الطّبَريّ12: 161)

إنّ خيانتهما النّميمة، إذا أوحى الله تعالى إليهما شيئًا، أفشتاه إلى المشركين. (الماوَرْديّ 6: 46)

الحسن: خانتاهما بالكفر و الزّنى و غيره.

(ابن عَطيّة5: 335)

السُّدّيّ: إنّهما كانتا كافرتين، فصارتا خائنتين بالكفر. (الماوَرْديّ 6: 46)

الكَلْبيّ: أسرّتا النّفاق و أظهرتا الإيمان.

(الواحديّ4: 322)

مُقاتِل: في الدّين، يقول: كانتا مخالفتين لدينهما. (4: 379)

ابن جُرَيْج: خيانتهما أ نّهما كانتا كافرتين مخالفتين.

(الآلوسيّ 28: 162)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: مَثّل الله مثلا للّذين كفروا من النّاس و سائر الخلق، امرأة نوح و امرأة لوط، كانتا تحت عبدَيْن من عبادنا، و هما نوح و لوط، فخانتا هما.

ذُكر أنّ خيانة امرأة نوح زوجها، أ نّها كانت كافرة، و كانت تقول للنّاس: إ نّه مجنون. و أنّ خيانة امرأة لوط أنّ لوطًا كان يُسرّ الضّيف، و تدلّ عليه.(12: 160)

الزّجّاج: أعلم الله عزّو جلّ أنّ الأنبياء لايُغنُون عمّن عمل بالمعاصي شيئًا.

و جاء في التّفسير: أنّ خيانتهما لم تكن في بغاء، لأنّ الأنبياء لايبتليهم الله في نسائهم بفساد. و قيل: إنّ خيانة امرأة لوط، أ نّها كانت تدلّ على الضّيف، و خيانة امرأة نوح، أ نّها كانت تقول: إنّه مجنون،(صلی الله علیه و آله) و على أنبيائه أجمعين. فأمّا من زعم غير ذلك فمخطئ، لأنّ بعض من تأوّل قوله: { يَا نُوحُ اِنَّهُ لَيْسَ مِنْ اَهْلِكَ اِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } هود: 46، ذهب إلى جنس من الفساد.

و القراءة في هذا: (عَمِلَ غَيْر صالح) و{ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } و هما يرجعان إلى معنى واحد. و ذلك أنّ تأويل أ نّه{ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ }: أ نّه ذو عمل غير صالح. و كلّ من كفر فقد انقطع نسبه من أهله المؤمنين، لايرثهم و لايرثونه. (5: 195)

الماوَرْديّ: في خيانتهما أربعة أوجه:

أحدها: [قول السُّدّيّ]

الثّاني:[قول ابن عبّاس]

الثّالث: [قول الضّحّاك]

الرّابع: أنّ خيانة امرأة نوح أ نّها كانت تخبر النّاس أ نّه مجنون، و إذا آمن أحد به أخبرت الجبابرة به. و خيانة امرأة لوط أ نّه كان إذا نزل به ضيف دخّنت لتُعْلِم قومها أ نّه قد نزل به ضيف، لما كانوا عليه من إتيان الرّجال. (6: 46)

ص: 343

الطُّوسيّ: [ذكرالقول الثّالث لابن عبّاس ثمّ قال :]

و ما زنت امرأة نبيّ قطّ، لما في ذلك من التّنفير عن الرّسول و إلحاق الوصمة به، فمن نسب أحدًا من زوجات النّبيّ إلى الزّنى، فقد أخطأ إخطاءً عظيمًا، و ليس ذلك قولا لمحصِّل. (10: 52)

الطَّبْرِسي: قيل: كانتا منافقتين. (5: 319)

نحوه البَيْضاويّ (2: 488)، و شُبّر(6: 247).

الفَخْرالرّازيّ: ما كانت خيانتهما؟ نقول: نفاقهما و إخفاؤهما الكفر، و تظاهرهما على الرّسولين، فامرأة نوح قالت لقومه: إنّه لمجنون. و امرأة لوط كانت تدلّ على نزول ضيف إبراهيم، و لايجوز أن تكون خيانتهما بالفجور. (30: 50)

القُرطُبيّ: عن ابن عبّاس: كانت امرأة نوح تقول للنّاس: إنّه مجنون، و كانت امرأة لوط تُخبر بأضيافه. و عنه: ما بغت امرأة نبيّ قطّ. و هذا إجماع من المفسّرين فيما ذكر القُشَيْريّ، إنّما كانت خيانتهما في الدّين، و كانتا مشركتين. (18: 202)

أبوالسُّعود: بيان لما صدر عنهما من الجناية العظيمة مع تحقيق ما ينفيها من صحبة النّبيّ، أي خانتاهما بالكفر و النّفاق. و هذا تصوير لحالهما المحاكية لحال هؤلاء الكفرة في خيانتهم لرسول الله (صلی الله علیه و آله) بالكفر و العصيان، معتمكّنهم التّامّ من الإيمان و الطّاعة. (6: 270)

البُرُوسَويّ: بيان لما صدر عنهما من الجناية العظيمة، مع تحقّق ما ينفيها من صحبة النّبيّ.

و الخيانة: ضدّ الأمانة، فهي إنّما تقال اعتبارًا بالعهد و الأمانة، أي فخانتاهما بالكفر و النّفاق، و النّسبة إلى الجنون و الدّلالة على الأضياف، ليتعرّضوا لهم بالفجور، لابالبغاء، فإنّه ما بغت امرأة نبيّ قطّ. فالبغي للزّوجة أشدّ في إيراث الأنفة لأهل العار و النّاموس من الكفر، و إن كان الكفر أشدّ منه في أن يكون جرمًا يؤاخذ به العبد يوم القيامة. و هذا تصوير لحالهما، المحاكية لهؤلاء الكفرة فى خيانتهم لرسول الله (علیه السلام) بالكفر و العصيان، مع تمكّنهم التّامّ من الإيمان و الطّاعة. (10: 68)

الآلوسيّ: [نحوأبي السُّعود وأضاف:]

و قيل: كانتا منافقتين... و حمل ما في الآية على هذا، و لاتفسّر هاهنا بالفجور، لما أخرج غير واحد عن ابن عبّاس: < ما زنت امرأة نبيّ قطّ > و رفعه أشرس إلى النّبيّ (صلی الله علیه و آله).

و في « الكشّاف » لايجوز أن يراد بها الفجور، لأ نّه سمج في الطّبع، نقيصة عند كلّ أحد، بخلاف الكفر، فإنّ الكفر لايستسمجونه و يسمّونه حقًّا.

و نقل ابن عَطيّة عن بعض تفسيرها بالكفر و الزّنى و غيره. و لعمري لايكاد يقول بذلك، إلا ابن زنى. فالحقّ عندي أنّ عهر الزّوجات كعهر الأُمّهات من المنفّرات، الّتي قال السّعد: إنّ الحقّ منعها في حقّ الأنبياء :. و ما يُنسَب للشّيعة ممّا يخالف ذلك في حقّ سيّد الأنبياء صلّى الله تعالى عليه و سلّم، كذب عليهم، فلاتعوّل عليه، و إن كان شائعًا،وفي هذا على ما قيل: تصويرلحال المرأتين

ص: 344

المحاكية لحال الكفرة، في خيانتهم لرسول الله صلّى الله تعالى عليه و سلّم بالكفر و العصيان، مع تمكّنهم التّامّ من الإيمان و الطّاعة. (28: 162)

القاسميّ: أي بالمظاهرة عليهما، و الكفر

و العصيان، مع تمكّنهما من الطّاعة و الإيمان.

(16: 5869)

ابن عاشور: و قصّة امرأة نوح لم تُذكر في القرآن في غير هذه الآية، و الّذي يظهر أ نّها خانت زوجها بعد الطّوفان، و أنّ نوحًا لم يعلم بخونها، لأنّ الله سمّى عملها خيانة.

و قد ورد في سفر التّكوين من التّوراة: ذكر امرأة نوح مع الّذين ركبوا السّفينة، و ذكر خروجها من السّفينة بعد الطّوفان، ثمّ طُوي ذكرها، لما ذكر الله بركته نوحًا و بنيه وميثاقه معهم، فلم تذكر معهم زوجه. فلعلّها كفرت بعد ذلك، أو لعلّ نوحًا تزوّج امرأة أُخرى بعد الطّوفان لم تذكر في التّوراة.

و وصف الله فعل امرأة نوح بخيانة زوجها،فقال المفسّرون: هي خيانة في الدّين، أي كانت كافرة مُسرّة الكفر، فلعلّ الكفر حدث مرّة أُخرى في قوم نوح بعد الطّوفان، و لم يُذكر في القرآن.

و أمّا حديث امرأة لوط، فقد ذُكر في القرآن مرّات. و تقدّم في سورة الأعراف.[إلى أن قال:]

و الخيانة و الخون ضدّ الأمانة و ضدّ الوفاء؛ و ذلك تفريط المرء ما اؤتُمِن عليه، و ما عُهد به إليه. و قد جمعها قوله تعالى: { يَاءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لاتَخُونوُا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } الأنفال: 27. (28: 336)

مَغْنِيّة: و قد ضرب الله سبحانه مثلا لذلك، بامرأة نوح و امرأة لوط، فقد كانت الأُولى تؤذي زوجها، و تقول: إنّه مجنون، و تُفشي أسراره بين المشركين، و كانت الثّانية تُعين الطّغاة على زوجها، و تدلّهم على أضيافه، و من أجل هذا وصفهما سبحانه بالخيانة، الّتي هي ضدّ الأمانة، لابمعنى الزّنى، فإنّ المسلمين يعتقدون أ نّه ما زنت امرأة نبيّ قطّ.

و الخلاصة: أنّ الله سبحانه أدخل النّار امرأة نوح و امرأة لوط لكفرهما و نفاقهما، مع أ نّهما كانتا زوجتي نبِيَّين عظيمَين، فكذلك سبحانه يُدخل النّار أزواج الرّسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) اللائي تظاهَرْن عليه، إن لم يتوبا إلى الله و إليه. (7: 368)

مكارم الشّيرازيّ: ورد في كلمات بعض المفسّرين أنّ زوجة نوح كانت تُدعى « والهة » و زوجة لوط « والعة » بينما ذكر آخرون عكس ذلك، أي أنّ زوجة لوط اسمها « والهة » و زوجة نوح اسمها « والعة ».

و على أيّة حال، فإنّ هاتين المرأتين خانتا نبِيَّين عظيمَين من أنبياء الله. و الخيانة هنا لاتعني الانحراف عن جادّة العفّة و النّجابة، لأ نّهما زوجتا نبِيَّين، و لايمكن أن تخون زوجة نبيّ بهذا المعنى للخيانة، فقد جاء عن الرّسول(صلی الله علیه و آله): « ما بغت امرأة نبيّ قطّ ».

كانت خيانة زوجة لوط هي أن أفشَتْ أسرار هذا النّبيّ العظيم إلى أعدائه، و كذلك كانت زوجة

ص: 345

نوح (علیه السلام)...

و تشابه هذه القصّة مع قصّة إفشاء الرّسول(صلی الله علیه و آله)، توجب كون المقصود من الخيانة هو نفس هذا المعنى. و على كلّ حال، فإنّ الآية السّابقة تبَدّد أحلام الّذين يرتكبون ما شاء لهم أن يرتكبوا من الذّنوب، و يعتقدون أنّ مجرّد قربهم من أحد العظماء كاف لتخليصهم من عذاب الله، و من أجل أن لايظنّ أحد أ نّه ناج من العذاب لقربه من أحد الأولياء، جاء في نهاية الآية السّابقة{ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيًْا= وَ قيلَ‘ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلينَ‘ }. (18: 425)

فضل الله: فكانتا زوجتين لنبِيَّين من أنبياء الله هما نوح و لوط، { فَخَانَتَاهُمَا } في موقفهما المضادّ للرّسالة؛ حيث اتّبعتا قومهما في الكفر، و لم تنسجما مع طبيعة موقعهما الزّوجي، الّذي يفرض عليهما أن تكونا من أوائل المؤمنينبالرّسالة، لأ نّهما تعرفان من استقامة زوجَيْهما و أمانتهما و صدقهما و جدّيّتهما ما لايعرفه الآخرون، فلايبقى لهما أيّ عذر في الانحراف عن خط الرّسالة و الرّسول.

و لكن المشكلة أ نّهما كانتا غير جادّتين في مسألة الانتماء الإيمانيّ، و الالتزام العمليّ، فلم تنظرا إلى المسألة نظرةً مسؤولةً، بل عاشتا الجوّ العصبيّ الّذي يربطهما بتقاليد قومهما، فكانتا تُفشيان أسرار النّبيَّيْن في ما قد يُسيء إلى مصلحة الرّسالة و الرّسول. و كانتا تبتعدان في سلوكهما عن منطق القيم الرّوحيّة الإيمانيّة، لتبقيا مع منطق الوثنيّة، ممّا يجعل البيت الزّوجيّ النّبويّ يتحرّك في دائرة الجاهليّة، إلى جانب دائرة الإيمان، و لعلّ ضلال ابن نوح كان خاضعًا لتأثير والدته.

و يقال: إنّ امرأة لوط كانت تُخبر قومها بالضّيوف الّذين يزورون زوجها، ليقوموا بالاعتداء عليهم، فكانت خيانتهما للموقف و للموقع.

(22: 328)

تَخُونُوا

يَاءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. الأنفال: 27

ابن عبّاس : { لاتَخُونُوااللهَ } في الدّين والرّسول في الإشارة إلى بني قريظة أن لاتنزلوا على حكم سعد بن معاذ.{ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } و لاتخونوا في فرائض الله، و هي أماناتكم عليكم.

(147)

يعني لاتنقصوها. (الطّبَريّ6: 221)

لاتخونوا مال الله الّذي جعله لعباده، فلايخن بعضكم بعضًا فيما ائتمنه عليه. (الطُّوسيّ5: 124)

الحسَن: لاتخونوا الله سبحانه و الرّسول(علیه السلام)، كما صنع المنافقون في خيانتهم.

مثله السُّدّيّ. (الماوَرْديّ 2: 310)

نحوه ابن َزيْد. (الطّبَريّ6: 220)

السُّدّيّ: كانوا يسمعون من النّبيّ(صلی الله علیه و آله) الحديث، فيُفشونه حتّى يبلغ المشركين. { وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ} فإنّهم إذا خانوا الله و الرّسول، فقد خانوا أماناتهم. (280)

الكَلْبيّ: أمّا خيانة الله و رسوله فمعصيتهما،

ص: 346

و أمّا خيانة الأمانة فكلّ أحد مؤتمن على ما افترض الله عليه، إن شاء خانها و إن شاء أدّاها لايطّلع عليه أحد إلا الله تعالى. (الواحديّ2: 453)

ابن إسحاق: أي لاتُظهروا لله من الحقّ ما يرضى به منكم، ثمّ تخالفوه في السّرّ إلى غيره، فإنّ ذلك هلاك لأماناتكم، و خيانة لأنفسكم.

(الطّبَريّ6: 221)

ابن زَيْد: الأمانة هاهنا الدّين نزلت في بعض المنافقين.

(الطُّوسيّ 5: 124)

الجُبّائيّ: نهاهم أن يخونوا الغنائم.(الطُّوسيّ 5: 124)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله و رسوله من أصحاب نبيّه(صلی الله علیه و آله): يا أيّها الّذين صدّقوا الله و رسوله { لاتَخُونُوا اللهَ }، وخيانتهم الله و رسوله، كانت بإظهار من أظهر منهم لرسول الله(صلی الله علیه و آله) و المؤمنين الإيمان في الظّاهر و النّصيحة، و هو يستَسرُّ الكفر و الغشّ لهم في الباطن، يدلُّون المشركين على عورتهم، و يُخبرونهم بما خفي عنهم من خبرهم.

و قد اختلف أهل التّأويل فيمن نزلت هذه الآية، و في السّبب الّذي نزلت فيه. فقال بعضهم: نزلت في منافق كتَب إلى أبي سفيان يطّلعه على سرِّ المسلمين.

و قال آخرون: بل نزلت في أبي لبابة، في الّذي كان من أمره و أمر بني قريظة.

و قال آخرون: بل نزلت في شأن عثمان رحمة الله عليه.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إن الله نهى المؤمنين عن خيانته و خيانة رسوله، و خيانة أمانته. و جائز أن تكون نزلت في أبي لبابة، و جائز أن تكون نزلت في غيره. و لاخبر عندنا بأيّ ذلك كان يجب التّسليم له بصحّته.

و اختلفوا في تأويل قوله: { وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فقال بعضهم: لاتخونوا الله و الرّسول، فإن ذلك خيانة لأمانتكم و هلاك لها.

فعلى هذا التّأويل قوله:{ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } في موضع نصب على الصّرف. [ثمّ استشهد بشعر]

و قال آخرون: معناه: لاتخونوا الله والرّسول، و لاتخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون.

عن ابن عبّاس يقول: { لاتَخُونُوا }، يعني لاتنقصُوها.

فعلى هذا التّأويل: لاتخونوا الله و الرّسول، و لاتخونوا أماناتكم. (6: 219)

الماوَرْديّ: فيه قولان:

أحدهما: [قول الحسن و السّدّيّ]

و الثّاني: لاتخونوا الله و الرّسول فيما جعله لعباده من أموالكم.

و يحتمل ثالثًا: أنّ خيانة الله بمعصية رسوله، و خيانة الرّسول، بمعصية كلماته. (2: 310)

الطُّوسيّ: هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين، ينهاهم أن يخونوا الله و الرّسول. و الخيانة: منع الحقّ الّذي قد ضمن التّأدية فيه، و هي ضدّ الأمانة.

ص: 347

و أصل الخيانة: أن تنقص من ائتمنك أمانته. [ثمّ استشهد بشعر] (5: 124)

الزّمَخْشَريّ: معنى الخَوْن: النّقص كما أنّ معنى الوفاء التّمام. و منه: تخَوّنه إذا تنقّصه، ثمّ استُعمل في ضدّ الأمانة و الوفاء، لأ نّك إذاخُنت الرّجل في شيء فقد أدخلت عليه النّقصان فيه.

و قد استُعير فقيل: خان الدّلو الكرب و خان المشتار السّبب، لأ نّه إذا انقطع به فكأ نّه لم يف له. و منه قوله تعالى: { وَتَخُونُواْ اَمَانَاتِكُمْ } و المعنى: لاتخونوا الله بأن تعطّلوا فرائضه، و رسوله بأن لاتستنّوا به. (2: 153)

ابن عَطيّة: هذا خطاب لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة، و هو يجمع أنواع الخيانات كلّها، قليلها و كثيرها. قال الزّهراويّ: و المعنى لاتخونوا بغلول الغنائم. و قال الزّهراويّ و عبد الله بن أبي قَتادَة: سبب نزولها أمر أبي حبابة((1)

و ذلك أ نّه أشار لبني قريظة حين سفر إليهم إلى حلقه، يريد بذلك إعلامهم أ نّه ليس عند رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلا الذّبح، أي فلاتنزلوا، ثمّ ندم و ربط نفسه بسارية من سواري المسجد، حتّى تاب الله عليه، الحديث المشهور. و حكى الطّبَريّ: أ نّه أقام سبعة أيّام لايذوق شيئًا حتّى تيب عليه. و حكي أ نّه كان لأبي لُبابة عندهم مال و أولاد، فلذلك نزلت: {وَ اعْلَمُوا اَ نَّمَا اَمْوَا لُكُمْ وَ اَوْلادُ كُمْ فِتْنَةٌ } الأنفال:28.

و قال عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله: سببها أنّ رجلا من المنافقين كتب إلى أبي سفيان بن حرب بخبر من أخبار رسول الله(صلی الله علیه و آله)، فنزلت الآية، فقوله: { يَاءَ يُّهَا الَّّذينَ‘ امَنُوا } معناه: أظهروا الإيمان، و يحتمل أن يخاطب المؤمنين حقًّا أن لايفعلوا فعل ذلك المنافق...

و الخيانة التّنقّص للشّيء باختفاء، و هي مستعملة في أن يفعل الإنسان خلاف ما ينبغي من حفظ أمر ما، مالا كان أو سرًّا أو غير ذلك. و الخيانة لله تعالى، هي في تنقّص أوامره في سرّ، وخيانة الرّسول: تنقّص ما استحفظ، و خيانات الأمانات، هي تنقّصها و إسقاطها. و الأمانة حال للإنسان يؤمن بها على ما استحفظ فقد اؤتُمن على دينه و عبادته و حقوق الغير. و قيل: المعنى و تخونوا ذوي أماناتكم، و أظنّ الفارسيّ أبا عليّ حكاه. (2: 517)

نحوه أبو السُّعود (3: 92)، و البُرُوسَويّ (3: 335) .

ابن الجَوْزيّ: و في خيانة الله قولان: أحدهما ترك فرائضه، و الثّاني: معصيةرسوله. و في خيانة الرّسول قولان:

أحدهما: مخالفته في السّرّ بعد طاعته في الظّاهر.

و الثّاني: ترك سنّته.

و في المراد بالأمانات ثلاثة أقوال:

أحدها: أنّها الفرائض، قاله ابن عبّاس.

و في خيانتها قولان: أحدهما: تنقيصها، والثّاني: تركها.

ص: 348


1- (1) كذا، و الظّاهر: أبي لبابة.

و الثّاني: أ نّها الدّين، قاله ابن زَيْد. فيكون المعنى: لاتُظهروا الإيمان و تُبطنوا الكفر.

و الثّالث: أ نّها عامّة في خيانة كلّ مؤتمَن، و يؤكّده نزولها في ما جرى لأبي لُبابة. (3: 344)

الفَخْرالرّازيّ: اعلم أ نّه تعالى لمّا ذكر أ نّه رزقهم من الطّيّبات، فهاهنا منعهم من الخيانة، و في الآية مسائل:

المسألة الأُولى: اختلفوا في المراد بتلك الخيانة على أقوال:

الأوّل: قال ابن عبّاس: نزلت هذه الآية في أبي لُبابة، حين بعثه رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلى قُرَيظَة لمّا حاصرهم، و كان أهله و ولده فيهم، فقالوا: يا أبا لبابة، ماترى لنا أننزل على حكم سعد بن معاذ فينا؟ فأشار أبو لُبابة إلى حلقه، أي أ نّه الذّبح فلاتفعلوا، فكان ذلك منه خيانة لله و رسوله.

الثّاني: قال السُّدّيّ: كانوا يسمعون الشّيء من النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، فيُفشونه و يلقونه إلى المشركين، فنهاهم الله عن ذلك.

الثّالث: قال ابن زَيْد: نهاهم الله أن يخونوا كما صنع المنافقون، يُظهرون الإيمان و يسرّون الكفر.

الرّابع: عن جابر بن عبد الله: أنّ أبا سفيان خرج من مكّة، فعلم النّبيّ (صلی الله علیه و آله) خروجه، و عزم على الذّهاب إليه، فكتب إليه رجل من المنافقين أنّ محمّدًا يريدكم فخذوا حذركم، فأنزل الله هذه الآية.

الخامس: قال الزّهري و الكَلْبيّ: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكّة، لمّا همّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) بالخروج إليها، حكاه الأصَمّ.

و السّادس: قال القاضي: الأقرب أنّ خيانة الله غير خيانة رسوله، و خيانة الرّسول غير خيانة الأمانة، لأنّ العطف يقتضي المغايرة.

إذا عرفت هذا فنقول: إنّه تعالى أمرهم أن لايخونوا الغنائم، و جعل ذلك خيانة له، لأ نّه خيانة لعطيّته و خيانة لرسوله، لأ نّه القيّم بقسمها، فمن خانها فقد خان الرّسول. و هذه الغنيمة قد جعلها الرّسول أمانة في أيدي الغانمين، و ألزمهم أن لايتناولوا لأنفسهم منها شيئًا، فصارت وديعة. والوديعة أمانة في يد المودَع، فمن خان منهم فيها فقد خان أمانة النّاس؛ إذ الخيانة ضدّ الأمانة. قال: و يحتمل أن يريد بالأمانة: كلّ ما تعبّد به، و على هذا التّقدير: فيدخل فيه الغنيمة و غيرها، فكان معنى الآية: إيجاب أداء التّكاليف بأسرها على سبيل التّمام و الكمال، من غير نقص و لاإخلال.

و أمّا الوجوه المذكورة في سبب نزول الآية، فهي داخلة فيها، لكن لايجب قصر الآية عليها، لأنّ العبرة بعموم اللّفظ لابخصوص السّبب.

المسألة الثّانية: [قول الزّمَخْشَريّ في معنىالخيانة و قدتقدّم]

المسألة الثّالثة: في قوله: { وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ} وجوه:

الأوّل: التّقدير: و لاتخونوا أماناتكم، و الدّليل عليه ما روي في حرف عبد الله (وَ لاتَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ).

ص: 349

الثّاني: التّقدير: لاتخونوا الله و الرّسول، فإنّكم إن فعلتم ذلك فقد خُنتُم أماناتكم، و العرب قد تذكر الجواب تارةً بالفاء، و أُخرى بالواو، و منهم من أنكر ذلك. (15: 151)

نحوه أبوحَيّان. (4: 486)

القُرطُبيّ: قيل: نزلت الآية في أ نّهم كانوا يسمعون الشّيء من النّبيّ (صلی الله علیه و آله) فيُلقونه إلى المشركين و يُفشونه. و قيل: المعنى بغلول الغنائم، و نسبتها إلى الله، لأ نّه هو الّذي أمر بقسمتها، و إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله)، لأ نّه المؤدّي عن الله عزّ و جلّ و القيّم بها.

و الخيانة: الغدر و إخفاء الشّيء، و منه: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } المؤمن: 19، و كان (علیه السلام) يقول: « اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الجوع فإنّه بئس الضّجيع، و من الخيانة فإنّها بئست البطانة ». خرّجه النّسائيّ عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله(صلی الله علیه و آله) يقول، فذكره. { وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } في موضع جزم، نسقًا على الأوّل. و قد يكون على الجواب، كما يقال: لاتأكل السّمك و تشرب اللّبن. (7: 395)

البَيْضاويّ: و أصل الخَوْن: النّقص، كما أنّ أصل الوفاء: التّمام. و استعماله في ضدّ الأمانة، لتضمّنه إيّاه. { وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } فيما بينكم، و هو مجزوم بالعطف على الأوّل، أو منصوب على الجواب بالواو. (1: 391)

الآلوسي: أصل الخَوْن: النّقص، كما أنّ أصل الوفاء: الإتمام. و استعماله في ضدّ الأمانة، لتضمّنه إيّاه، فإنّ الخائن ينقص المخون شيئًا ممّا خانه فيه. اعتبر الرّاغِب في الخيانة أن تكون سرًّا، و المراد بها هنا: عدم العمل بما أمر الله تعالى به و رسوله عليه الصّلاة و السّلام. و أخرج ابن جرير عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، أنّ خيانة الله سبحانه بترك فرائضه، و الرّسول صلّى الله تعالى عليه و سلّم بترك سننه و ارتكاب معصيته.

و قيل: المراد النّهي عن الخيانة، بأن يُضمروا خلاف ما يُظهرون، أو يغلوا في الغنائم. و أخرج أبو الشّيخ عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله تعالى عنه: أنّ المراد بها الإخلال بالسّلاح في المغازي.[ثمّ ذكر قصّة أبي لبابة، و قول السُّدّيّ إلى أن قال:].

و أخرج أبو الشّيخ و غيره عن جابر بن عبدالله: أنّ أبا سفيان خرج من مكّة، فأتى جبريل عليه السّلام النّبيّ صلّى الله تعالى عليه و سلّم فقال: إنّ أبا سفيان بمكان كذا و كذا، فقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه و سلّم: إنّ أباسفيان بمكان كذا و كذا، فأخرجوا إليه و اكتموا، فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان، أنّ محمّدًا صلّى الله تعالى عليه و سلّم مريدكم فخذوا حذركم، فنزلت: { وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } عطف على المجزوم أوّلا ، و المراد: النّهي عن خيانة الله تعالى و الرّسول، و خيانة بعضهم بعضًا. و الكلام عند بعض على حذف مضاف، أي أصحاب أماناتكم، و يجوز أن تجعل الأمانة نفسها مخونة. و جوّز أبو البقاء: أن يكون الفعل منصوبًا بإضمار(اَنْ) بعد ( الواو ) في جواب النّهي. [ ثمّ استشهد بشعر]

ص: 350

و المعنى: لاتجمعوا بين الخيانتين. و الأوّل أولى، لأنّ فيه النّهي عن كلّ واحد على حِدته بخلاف هذا، فإنّه نهي عن الجمع بينهما، و لايلزمه النّهي عن كلّ واحد على حِدته. (9: 195)

القاسميّ: لمّا ذكّرهم تعالى بإسباغ نعمه عليهم ليشكروه وكان من شكره الوقوف عند حدوده بيّن لهم ما يحذر منها، و هو الخيانة. و يدخل في خيانة الله تعطيل فرائضه، و مجاورة حدوده، و في خيانة رسوله رفض سنّته، و إفشاء سرّه للمشركين، و في خيانة أمانتهم الغلول في المغانم، أي السّرقة منها، و خيانة كلّ ما يُؤتَمن عليه النّاس من مال أو أهل أو سرّ، و كلّ ما تعبّدوا به. (8: 2978)

ابن عاشور: و الخَوْن و الخيانة: إبطال و نقض ما وقع عليه تعاقد من دون إعلان بذلك النّقض، قال تعالى: { وَ اِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ اِلَيْهِمْ عَلى سَوَاء } الأنفال: 58، و الخيانة ضدّ الوفاء قال الزّمَخْشَريّ: « و أصل معنى الخَوْن: النّقص، كما أنّ أصل الوفاء التّمام، ثمّ استُعمل الخَوْن في ضدّ الوفاء، لأ نّك إذا خُنت الرّجل في شيء فقد أدخلت عليه النّقصان فيه » أي و استعمل الوفاء في الإتمام بالعهد، لأنّ من أنجز بما عاهد عليه فقد أتمّ عهده، فلذلك يقال: أوفى بما عاهد عليه.

فالإيمان و الطّاعة لله و رسوله عهد بين المؤمن و بين الله و رسوله، فكما حُذّروا من المعصية العلنيّة حُذّروا من المعصية الخفيّة.

و تشمل الخيانة كلّ معصية خفيّة، فهي داخلة في { لاتَخُونُوا }، لأنّ الفعل في سياق النّهي يعمّ، فكلّ معصية خفيّة فهي مراد من هذا النّهي، فتشمل الغلول الّذي حاموا حوله في قضيّة الأنفال، لأ نّهم لمّا سأل بعضهم النّفل و كانوا قد خرجوا يتتبّعون آثار القتلى ليتنفّلوا منهم، تعيّن تحذيرهم من الغلول، فذلك مناسبة وقع هذه الآية من هذه الآيات سواء صحّ ما حُكي في سبب النّزول أم كانت متّصلة النّزول بقريناتها.

و فعل< الخيانة >أصله أن يتعدّى إلى مفعول واحد، و هو المخون، و قد يُعدّى تعدية ثانية إلى ما وقع نقضه. يقال: خان فلا نًا أمانتَهأو عهَده، و أصله أ نّه نصب على نزع الخافض، أي خانه في عهده أو في أمانته، فاقتصر في هذه الآية على المخوف ابتداءً، و اقتصر على المخون فيه في قوله: { وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } أي في أماناتكم، أي و تخونوا النّاس في أماناتكم.

و النّهي عن خيانة الأمانة هنا، إن كانت الآية نازلةً في قضيّة أبي لبابة، أنّ ما صدر منه من إشارة إلى ما في تحكيم سعد بن معاذ من الضّرّ عليهم يُعتبر خيانة لمن بعثه مستفسرًا، لأنّ حقّه أن لايشير عليهم بشيء، إذ هو مبعوث و ليس بمستشار.

و إن كانت الآية نزلت مع قريناتها، فنهي المسلمين عن خيانة الأمانة استطراد لاستكمال النّهي عن أنواع الخيانة. و قد عدل عن ذكر المفعول الأصليّ إلى ذكر المفعول المتّسَع فيه، لقصد تبشيع الخيانة بأ نّها نقض للأمانة. فإنّ الأمانة وصف

ص: 351

محمود مشهور بالحسن بين النّاس، فما يكون نقضًا له، يكون قبيحًا فظيعًا، و لأجل هذا لم يقل: و تخونوا النّاس في أماناتهم، فهذا حذف من الإيجاز. [إلى أن قال:]

و قوله: { و َتَخُونُوا } عطف على قوله: { لاتَخُونُوا } فهو في حَيّز النّهي، و التّقدير:

و لاتخونوا أماناتكم. و إنّما أُعيد فعل { تَخُونُوا } و لم يُكتف بحرف العطف الصّالح للنّيابة عن العامل في المعطوف للتّنبيه على نوع آخر من الخيانة، فإنّ خيانتهم الله و رسوله نقضُ الوفاء لهما بالطّاعة و الامتثال، و خيانة الأمانة نقض الوفاء بأداء ما ائتمنوا عليه.

و جملة { وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } في موضع الحال من ضمير { تَخُونُوا } الأوّل و الثّاني، و هي حال كاشفة، و المقصود منها تشديد النّهي، أو تشنيع المنهيّ عنه، لأنّ النّهي عن القبيح في حال معرفة المنهيّ أ نّه قبيح يكون أشدّ، و لأنّ القبيح في حال علم فاعله بقبحه يكون أشنَع، فالحال هنا بمنزلة الصّفة الكاشفة في قوله تعالى: { وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ الله اِلهًا اخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَاِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ } المؤمنون: 117، و قوله: { فَلاتَجْعَلُوا للهِ‚ اَنْدَادًا وَ اَ نْتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة: 22، و ليس المراد تقييد النّهي عن الخيانة بحالة العلم بها، لأنّ ذلك قليل الجدوى. فإنّ كلّ تكليف مشروط بالعلم و كون الخيانة قبيحة، أمر معلوم.

و لك أن تجعل فعل{ تَعْلَمُونَ } مُنزلا منزلة اللازم، فلايقدّر له مفعول، فيكون معناه و أنتم ذَوُو علم، أي معرفة حقائق الأشياء، أي و أنتم عُلماء لاتجهلون الفرق بين المَحاسن و القبائح، فيكون كقوله: { فَلاتَجْعَلُوا للهِ‚ اَنْدَادً ا وَ اَ نْتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة: 22.

و لك أن تقدّر له هنا مفعولا دلّ عليه قوله: { وَ تَخَونُوا اَمَانَاتِكُمْ } أي وأنتم تعلمون خيانة الأمانة أي تعلمون قبحها فإنّ المسلمين قد تقرّر عندهم في آداب دينهم تقبيح الخيانة، بل هو أمر معلوم للنّاس حتّى في الجاهليّة. (9: 76)

الطَّباطَبائيّ: الخيانة: نقض الأمانة الّتي هي حفظ الأمن لحقّ من الحقوق بعهد أو وصيّة و نحو ذلك. [إلى أن قال:]

و قوله: { وَ تَخَونُوا اَمَانَاتِكُمْ } من الجائز أن يكون مجزومًا معطوفًا على { تَخُونُوا } السّابق، و المعنى: و لاتخونوا أماناتكم، و أن يكون منصوبًا بحذف «أن» و التّقدير: وأن تخونوا أماناتكم. و يؤيّد الوجه الثّاني قوله بعده: { وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }.

و ذلك أنّ الخيانة و إن كانت إنّما يتعلّق النّهي التّحريميّ بها عند العلم، فلانهي مع جهل بالموضوع و لاتحريم، غير أنّ العلم من الشّرائط العامّة الّتى لايُنجَز تكليف من التّكاليف المولويّة إلا به، فلانكتة ظاهرة في تقييد النّهي عن الخيانة بالعلم، مع أنّ العلم لكونه شرطًا عامًّا مستغنى عن ذكره. و ظاهر قوله: { وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } بحذف متعلّقات الفعل أنّ المراد: و لكم علم بأ نّه خيانة، لا، ما قيل:

ص: 352

إنّ المعنى: و أنتم تعلمون مفاسد الخيانة و سوء عاقبتها و تحريم الله إيّاها، فإنّ ذلك لادليل عليه من جهة اللّفظ و لا من جهه السّياق.

فالوجه أن تكون الجملة بتقدير: و أن تخونوا أماناتكم، و يكون مجموع قوله: { لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } نهيًا واحدًا متعلِّقًا بنوع خيانة، هي خيانة أمانة الله و رسوله، و هي بعينها خيانة لأمانة المؤمنين أنفسهم. فإنّ من الأمانة: ما هي أمانة الله سبحانه عند النّاس كأحكامه المُشرَّعة من عنده، و منها: ما هي أمانة الرّسول كسيرته الحسنة، و منها: ما هي أمانة النّاس بعضهم عند بعض كالأمانات من أموالهم أو أسرارهم، و منها: ما يشترك فيه الله و رسوله و المؤمنون، و هي الأُمور الّتي أمر بها الله سبحانه، و أجراها الرّسول، و ينتفع بها النّاس، و يقوم بها صلب مجتمعهم، كالأسرار السّياسيّة، و المقاصد الحربيّة الّتي تضيع بإفشائها آمال الدّين، و تضلّ بإذاعتها مساعي الحكومة الاسلإميّة، فيبطل به حقّ الله و رسوله، و يعود ضرره إلى عامّة المؤمنين.

فهذا النّوع من الأمانة خيانته خيانة لله و لرسوله و للمؤمنين، فالخائن بهذه الخيانة من المؤمنين يخون الله و الرّسول، و هو يعلم أنّ هذه الأمانة الّتي يخونها أمانة لنفسه و لسائر إخوانه المؤمنين، و هو يخون أمانة نفسه، و لن يُقدِم عاقل على الخيانة لأمانة نفسه. فإنّ الإنسان بعقله الموهوب له يُدرك قُبح الخيانة للأمانة، فكيف يخون أمانة نفسه؟فالمراد بقوله: { وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } و الله أعلم و تخونوا في ضمن خيانة الله و الرّسول أماناتكم، و الحال أ نّكم تعلمون أ نّها أمانات أنفسكم و تخونونها، و أيّ عاقل يُقدِم على خيانة أمانة نفسه و الإضرار بما لايعود إلا إلى شخصه، فتذييل النّهي بقوله: { وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } لتهييج العصبيّة الحقّة، و إثارة قضاء الفطرة، لالبيان شرط من شرائط التّكليف.

فكان بعض أفراد المسلمين كان يُفشي أُمورًا من عزائم النّبيّ(صلی الله علیه و آله) المكتومة من المشركين، أو يخبرهم ببعض أسراره، فسمّاه الله تعالى خيانة، و نهى عنه، و عدّها خيانة لله و الرّسول و المؤمنين.

و يؤيّد ذلك قوله بعد هذا النّهي: { وَ اعْلَمُوا اَنَّمَا اَمْوَا لُكُمْ وَ اَوْ لادُ كُمْ فِتْنَةٌ... } الأنفال: 28.

فإنّ ظاهر السّياق أ نّه متّصل بما قبله غير مستقلّ عنه، و يفيد حينئذ أنّ موعظتهم في أمر الأموال و الأولاد مع النّهي عن خيانة الله و الرّسول و أماناتهم إنّما هو لإخبار المُخبر منهم المشركين بأسرار رسول الله المكتومة، استمالة منهم مخافة أن يتعدّوا على أموالهم و أولادهم الّذين تركوهم بمكّة بالهجرة إلى المدينة، فصاروا يُخبرونهم بالأخبار إلقاءً للمودّة و استبقاءً للمال و الولد أو ما يشابه ذلك، نظير ما كان من أبي لبابة مع بني قرَيظَة.

و هذا يؤيّد ما ورد في سبب النّزول أنّ أبا سفيان خرج من مكّة بمال كثير فأخبر جبرئيل النّبيّ(صلی الله علیه و آله)

ص: 353

بخروجه و أشار عليه بالخروج إليه و كتمان أمره، فكتب إليه بعضهم بالخبر، فأنزل الله: { يَاءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }. (9: 54)

مكارم الشّيرازيّ: الخيانة و أساسها:

يوجّه الله سبحانه في الآية الأُولى إلى المؤمنين، فيقول: { يَاءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لاتَخُونُوا اللهَ

وَ الرَّسُولَ } إنّ الخيانة لله و رسوله، هي وضع الأسرار العسكريّة للمسلمين في تصرّف أعدائهم، أو تقوية الأعداء أثناء محاربتهم، أو بصورة عامّة ترك الواجبات و المحرّمات و الأوامر الإلهيّة، و لذلك فقد ورد عن ابن عبّاس: « إنّ من ترك شيئًا من الأوامر الإسلاميّة فقد ارتكب خيانة بحقّ الله و رسوله >.

ثمّ تقول الآية: { وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ }.

و الخيانة في الأصل معناها: الامتناع عن دفع حقّ أحد مع التّعهّد به، و هي ضدّ الأمانة، و الأمانة و إن كانت تُطلَق على الأمانة الماليّة غالبًا، لكنّها في منطق القرآن ذات مفهوم أوسع، يشمل شؤون الحياة الاجتماعيّة و السّياسيّة و الأخلاقيّة كافّة، و لذلك جاء في الأحاديث: « المجالس بالأمانة ».

و نقرأ في حديث آخر: « إذا حدّث الرّجلبحديث ثمّ التفت فهو أمانة > و من ذلك تكون أرض الإسلام أمانة إلهيّة بأيدي المسلمين و أبنائهم أيضًا. و فوق كلّ ذلك فإنّ القرآن المجيد و تعاليمه كلّ ذلك يُعَدّ أمانة إلهيّة كبرى. و قد قال بعضهم: إنّ أمانة الله هي أوامره، و أمانة النّبيّ(صلی الله علیه و آله) سنّته، و أمانة المؤمنين أموالهم و أسرارهم، و لكن الأمانة في الآية آنفًا تشتمل على كلّ ذلك.

على كلّ حال، فإنّ الخيانة في الأمانة من أقبح الأعمال و شرّ الذّنوب. فإنّ من يخون الأمانة منافق في الحقيقة، كما ورد في الحديث عن الرّسول الأكرم(صلی الله علیه و آله) حيث قال: « آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، و إذا وعد أخلف، و إذا ائتُمن خان، و إن صام و صلّى و زعم أ نّه مسلم ».

كما أنّ ترك الخيانة في الأ مانة يُعَدّ من الحقوق

و الواجبات الإنسانيّة، حتّى إذا كان صاحب الأمانة غير مسلم، فلاتجوز خيانة أمانته.

و يقول القرآن في آخر الآية: { وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي إ نّه قد يصدر منكم على نحو الخطإ ما هو خيانة، و لكن لاتُقدموا على الخيانة و أنتم تعلمون، فإنّ عملا كعمل « أبي لبابة » لم يكن لجهل أو خطإ، بل بسبب الحبّ المفرَط للمال و البنين، و حفظ المصالح الشّخصيّة الّذي قد يسدّ في لحظة حسّاسة كلّ شيء بوجه الإنسان، فكأنّه لايرى بعينه، و لايسمع بأُذنَيْه، فيخون الله و رسوله. و هذه في الحقيقة خيانة مع العلم، و المهمّ أن يستيقظ الإنسان بسرعة كما فعل « أبو لبابة »، ليُصلح ما قام بتخريبه. (5: 367)

فضل الله: نهي إلهيّ عن خيانة أمانته و رسوله و المؤمنين

و هذا هو النّداء الثّالث الّذي يدعو المؤمنين إلى اعتبار الإيمان عهدًا بين المؤمن و بين الله و رسوله،

ص: 354

بإخلاص العبوديّة لله، و إسلام الحياة كلّها له، و إخلاص الالتزام بالشّريعة الّتي جاء بها رسوله، و العمل على تحقيق الأهداف الكبرى الّتي أراد الله للحياة أن ترتكز عليها في مضمونها الرّوحيّ و المادّيّ، و في حركتها الجهاديّة في مواجهة كلّ تحدّيات الباطل، من أجل إقامة الحقّ في واقع الإنسان، كما يدعوهم إلى الإخلاص للأمانات الفرديّة و الاجتماعيّة، في ما يأتمن به الأفراد بعضهم البعض في قضايا المال و العِرْض و النّفس و السّرّ، و في ما يتحمّلونه في نطاق المجتمع من مسؤوليّات سياسيّة أو اجتماعيّة و اقتصاديّة و عسكريّة، ممّا يُعتَبر في مستوى الأمانة العامّة، من أجل سلامة الأُمّة في قضيّة المصير.

و بذلك يكون الفرد المؤمن، هو الفرد الأمين على قضايا النّاس و الحياة، و يكون المجتمعالمؤمن هو المجتمع الّذي يعتبر الأمانة بمثابة المسؤوليّة عن كلّ شيء يتّصل بالآخرين في إطار طاقاته، و القاعدة الصّلبة الّتي يرتكز عليها وجوده، بينما يعتبر الخيانة الفرديّة و الجماعيّة خارجةً عن الخطّ المستقيم، و منفصلةً عن البناء المتماسك للوجود الإيمانيّ الإنسانيّ في الحياة.

و هذا ما أثارته الآية الكريمة في هذا النّداء: { يَاءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا } في ما يوحي به الإيمان من عمق الالتزام و امتداده و قوّته. { لا تَخُونُوا اللهَ } في ما تفرضه حقيقة الأُلوهيّة و الوحدانيّة من إخلاص العبوديّة له { وَ الرَّسُولَ } في ما يعنيه الإيمان بالرّسالة من الالتزام بالمفاهيم العامّة الّتي تدعو إليها، و التّعاليم الشّرعيّة الّتي تأمر بالخير، و تنهى عن الشّرّ، و تدفع إلى الحقّ، و تُبعد عن الباطل، فإنّ خيانة الله و الرّسول في ذلك تعني الكفر و الضّلال { وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } فإنّ الله يريد للحياة الاجتماعيّة أن ترتكز على الثّقة المتبادلة بين الأفراد، القائمة على الإخلاص في حمل الأمانة و في تأديتها إلى أهلها، من دون فرق بين الأمانات الشّخصيّة المتمثّلة بالالتزامات الذّاتيّة التّعاقديّة بين الأفراد، و بين الأمانات العامّة المتمثّلة بالتّشريعات الإلهيّة في المسؤوليّات الّتي حملها الله للنّاس. { وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } قيمة العهد الإلهيّ و الرّساليّ في خطّ الإيمان، و العقد الفرديّ و الجماعيّ في دائرة الأمانة، و إذا كنتم تعلمون ذلك، فإنّ العلم يمثّل الحجّة البالغة الّتي لاتملكون معها أيّ لون من ألوان العذر في ما لو انحرفتم عن الطّريق المستقيم.

(10: 363)

لاحظ: أ م ن: < اَمَانَاتِكُمْ> .

اَخُنْهُ الْخَائِنين‘

ذ لِكَ لِيَعْلَمَ ا ََنّىلَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى كَيْدَ الْخَائِنينَ‘. يوسف: 52

ابن عبّاس: إنّه قول يوسف بعد أن علم بظهور صدقه؛ و ذلك ليعلم العزيز أ نّي لم أخُنه بالغيب عنه في زوجته.

مثله مُجاهِد و الضّحّاك و الحسَن و قَتادَة

ص: 355

و السُّدّيّ. (الماوَرْديّ3: 47)

مُجاهِد: يوسف يقوله: لم أخُن سيّدي.

(الطّبَريّ7: 235)

مُقاتِل : قال يوسف: { ذلِكَ ’لِيَعْلَمَ } ، يقول : هذا ليعلم سيّده { اَ نّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } في أهله، و لم أُخالفه فيهنّ. (2: 340)

ابن إسحاق:يقول يوسف: { ذ لِكَ لِيَعْلَمَ } إطفير سيّده { اَ نّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ }:أ نّي لم أكن لأُخالفه إلى أهله من حيث لايعلمه.

(الطّبَريّ7: 235)أبوسليمان الدّمشقيّ: لم أخُنه في بنت أُخته، و كانت زليخا بنت أُخت المَلك.

(ابن الجَوْزيّ 4: 239)

الطّبَريّ: هذا الفعل الّذي فعَلتُه، من ردّي رسول الملك إليه، و تركي إجابته، و الخروج إليه، و مسألتي إيّاه أن يسأل النّسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ عن شأنهنّ إذ قطّعن أيديهنّ، إنّما فعلته ليعلم أ نّي

لم أخنه في زوجته. (7: 235)

ابن الأنباريّ: لم أخُنه في امرأة وزيره.

(ابن الجَوْزيّ 4: 239)

الرُّمّانيّ: إنّه قول امرأة العزيز عطفًا على ما تقدّم؛ ذلك ليعلم يوسف أ نّي لم أخُنه بالغيب، يعني الآن في غيبه بالكذب عليه، و إضافة السّوء إليه، لأنّ الله لايهدي كيد الخائنين. (الماوَرْديّ3: 47)

الطُّوسيّ: اختلفوا في مَن هذا الكلام حكاية عنه؟

فقال أكثر المفسّرين كالحسَن و مُجاهِد و قَتادَة و الضّحّاك: إنّه من قول يوسف { ذلِكَ ’} يعني ذلك الأمر من فعلي من ردّ الرّسول، ليعلم العزيز أ نّي لم أخُنه بالغيب. و قطع الحكاية عن المرأة، و جاز ذلك، لظهور الكلام الدّالّ على ذلك، كماقال: { وَ كَذلِكَ ’يَفْعَلُونَ } النّمل: 34، و قبله حكاية عن المرأة:{ وَ جَعَلُوا اَعِزَّةَ اَهْلِهَا اَذِلَّةً } النّمل:34، و كما قال: { فَمَاذَا تَاْمُرُونَ} الشّعراء: 35، و مثله حكاية قول الملإ { يُريدُ‘ اَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ اَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } الشّعراء: 35. و قال الجُبّائيّ و البَلْخيّ: إنّه من قول المرأة.

و المعنى أنّ اعترافي على نفسي بذلك، ليعلم يوسف أ نّي لم أخُنه بالغيب، لأنّ العزيز سألها و لم يكن يوسف حاضرًا. و كلا الأمرين جائزان، و الأوّل أشبه.

و الخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ، و ضدّ الخيانة الأمانة، و هي تأدية الحقّ على ماوقع به العقد.

و الفرق بين الخيانة و الغدر: أنّ الخيانة تكون على وجه السّرّ، و الغدر: نقض العهد بخلاف الحقّ جهرًا...

و اللام في قوله: { لِِيَعْلَمَ} لام « كي » و معناها تعليق مادخلت عليه بالفعل الّذي قبله، بمعنى أ نّه وقع من أجله، و إ نّما يتعلّق بذلك الإرادة. و قوله: { وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘} أي لايدعوهم إليها و لايرغبهم فيها، و إنّما يفعلونها بسوء

ص: 356

اختيارهم.

(6: 154)

الواحديّ: يقول: ذلك الّذي فعلت من ردّي رسول الملك إليه في شأن النّسوة، ليعلم العزيز أ نّي لم أخُنه في زوجته بالغيب، { وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘} لايرشد كيد من خان أمانته، يعني أ نّه يتّضح في العاقبة بحرمان الهداية. و لمّا قال يوسف ذلك: { ذ لِكَلِيَعْلَمَ اَ نّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } قال له جبريل(علیه السلام) : و لاحين هممت بها يايوسف؟ فقال: { وَ مَا اُبَرِّئُ نَفْسى‘}يوسف:53. (2: 617)

الزّمَخْشَريّ: من كلام يوسف، أي ذلك التّثبّت و التّشمّر لظهور البراءة، ليعلم العزيز { اَ نّى لَمْ اَخُنْهُ } بظهر الغيب في حرمته...

و { لِيَعْلَمَ } { اَنَّ الله لا يَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘} لايُنفذه و لايُسدّده. و كأنّه تعريض بامرأته في خيانتها أمانة زوجها، و به في خيانته أمانة الله حين ساعدها بعد ظهور الآيات على حبسه. و يجوز أن يكون تأكيدًا لأمانته، و أ نّه لو كان خائنًا لما هدى الله كيده و لاسدّده. (2: 327)

ابن عَطيّة: قالت جماعة من أهل التّأويل: هذه المقالة هي من يوسف (علیه السلام)؛ و ذلك { لِيَعْلَمَ } العزيز سيّدي { اَ نّى لَمْ اَخُنْهُ } في أهله و هو غائب، و ليعلم أيضًا أنّ الله تعالى { لايَهْدى‘ } كيد خائن و لايُرشد سعيه...

و اختلفت هذه الجماعة: فقال ابن جُرَيْج: هذه المقالة من يوسف هي متّصلة بقوله للرّسول: { اِنَّ رَبّى بِكَيْدِهِنَّ عَليمٌ ‘}يوسف: 50، و في الكلام تقديم وتأخير، فالإشارة بقوله: { ذلِكَ } على هذا التّأويل هي إلى بقائه في السّجن و التماسه البراءة، أي هذا ليعلم سيّدي أنّي لم أخُنه.

و قال بعضهم: إنّما قال يوسف: هذه المقالة حين قالت امرأة العزيز كلامها إلى قولها: { وَ اِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقينَ ‘}يوسف: 51، فالإشارة على هذا إلى إقرارها و صنع الله تعالى فيه، و هذا يُضعّف، لأ نّه يقتضي حضوره مع النّسوة عند الملك، و بعد هذا يقول الملك: { ائْتُونى بِهِ } يوسف: 54.

و قالت فرقة من أهل التّأويل: هذه الآية من قول امرأة العزيز، و كلامها متّصل، أي قولي هذا، و إقراري ليعلم يوسف أ نّي لم أخُنه في غيبته بأن أكذب عليه أو أرميه بذنب هو بريء منه، و التّقدير على هذا التّأويل: توبتي و إقراري ليعلم أنّي لم أخُنه، و أن الله لايهدي.

و على أنّ الكلام من يوسف يجيء التّقدير: و ليعلم أنّ الله لايهدي كيد الخائنين. (3: 253)

الطَّبْرِسيّ: ... و اتّصل كلام يوسف بكلام امرأة العزيز، لظهور الدّلالة على المعنى، و نظيره قوله تعالى: { وَ جَعَلُوا اَعِزَّةَ اَهْلِهَا اَذِلَّةً وَ كَذ لِكَ يَفْعَلُونَ } النّمل: 34، و قوله: { يُريدُ ‘اَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ اَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ} الشّعراء : 35، و هو من كلام الملإ. ثمّ قال: فماذا تأمرون؟ و هو حكاية عن قول فرعون. قال الفَرّاء: و هذا من أغمض ما يأتي في الكلام أن يحكي عن واحد، ثمّ يعدل إلى شيء آخر، من قول آخر، لم يجر له ذكر.

ص: 357

و قيل: بل هو من كلام امرأة العزيز، أي ذلك الإقرار ليعلم يوسف أنّي لم أخُنه في غيبتهبتوريك الذّنب عليه، و إن خُنته بحضرته، و عند مشاهدته، عن الجُبّائيّ. { وَ اَنَّ اللهَ لا يَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘}، أي لايهديهم في كيدهم، و مكرهم. (3: 240)

الفَخْرالرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الثّالثة: اختلفوا في أنّ قوله: { ذ لِكَ لِيَعْلَمَ اَ نّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } كلام مَن؟ و فيه أقوال:

القول الأوّل: و هو قول الأكثرين أ نّه قول يوسف(علیه السلام).قال الفَرّاء: و لايبعد وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر إذا دلّت القرينة عليه، و مثاله قوله تعالى: { قَالَتْ اِنَّ الْمُلُوكَ اِذَا دَخَلُوا قَرْ يَةً اَفْسَدُوهَا وَ جَعَلُوا اَعِزَّ ةَ اَهْلِهَا اَذِلَّةً } النّمل: 34، و هذا كلام بلقيس.

ثمّ إنّه تعالى قال: { وَ كَذلِكَ ’يَفْعَلُونَ }، و أيضًا قوله تعالى: { رَ بَّنَا اِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْم لارَيْبَ فيهِ} آل عمران: 9، كلام الدّاعي. ثمّ قال: {اِنَّ اللهَ لايُخْلِفُ الْميعَادَ } بقي على هذا القول سؤالات:

السّؤال الأوّ ل : قوله : { ذ لِكَ } إشارة إلى الغائب، و المراد هاهنا: الإشارة إلى تلك الحادثة الحاضرة.

والجواب : أجبنا عنه في قوله : { ذلِكَ ’الْكِتَابُ} البقرة: 2، و قيل: { ذلِكَ’ } إشارة إلى ما فعله من ردّ الرّسول، كأ نّه يقول ذلك الّذي فعلت من ردّيّ الرّسول إنّما كان ليعلم الملك أ نّي لم أخنه بالغيب.

السّؤال الثّاني: متى قال يوسف (علیه السلام) هذا القول؟

الجواب: روى عطاء عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ يوسف (علیه السلام) لمّا دخل على الملك قال ذلك، ليعلم. و إنّما ذكره على لفظ الغيبة تعظيمًا للملك عن الخطاب، و الأولى أ نّه (علیه السلام) إنّما قال ذلك عند عود الرّسول إليه، لأنّ ذكر هذا الكلام في حضرة الملك سوء أدب.

السّؤال الثّالث: هذه الخيانة وقعت في حقّ العزيز، فكيف يقول: { ذ لِكَ لِيَعْلَمَ اَ نّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ }.

و الجواب: قيل: المراد ليعلم الملك أ نّي لم أخُن العزيز بالغيبة. و قيل: إنّه إذا خان وزيره فقد خانه من بعض الوجوه. و قيل: إنّ الشّرابيّ لمّا رجع إلى يوسف (علیه السلام) و هو في السّجن قال ذلك، ليعلم العزيز أنّي لم أخُنه بالغيب. ثمّ ختم الكلام بقوله: { وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ‘ }. و لعلّ المراد منه: أ نّي لو كنت خائنًا لما خلّصني الله تعالى من هذه الورطة، و حيث خلّصني منها ظهر أنّي كنت مبرّأً عمّا نسبوني إليه.

و القول الثّاني: أنّ قوله: { ذ لِكَ لِيَعْلَمَ اَ نّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } كلام امرأة العزيز، و المعنى: أ نّي و إن أحلّت الذّنب عليه عند حضوره، لكنّي ما أحلّت الذّنبعليه عند غيبته، أي لم أقل فيه و هو في السّجن خلاف الحقّ.

ثمّ إنّها بالغت في تأكيد الحقّ بهذا القول، و قالت: { وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘} يعني

أ نّي لمّا أقدمت على الكيد والمكر لاجرم

ص: 358

افتضحت، و أ نّه لما كان بريئًا عن الذّنب لاجرم طهّره الله تعالى عنه.

قال صاحب هذا القول: و الّذي يدلّ على صحّته أنّ يوسف (علیه السلام) ما كان حاضرًا في ذلك المجلس، حتّى يقال لما ذكرت المرأة قولها: { الْنَ= حَصْحَصَ الْحَقُّ اَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ اِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقينَ ‘} يوسف:51، ففي تلك الحالة يقول يوسف: { ذلِكَ ’لِيَعْلَمَ ا َنّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } بل يحتاج فيه إلى أن يرجع الرّسول من ذلك المجلس إلى السّجن و يذكر له تلك الحكاية، ثمّ إنّ يوسف يقول ابتداءً { ذلِكَ ’لِيَعْلَمَ ا َنّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ }. و مثل هذا الوصل بين الكلامين الأجنبيّين ما جاء ألبتّة في نثر و لانظم، فعلمنا أنّ هذا من تمام كلام المرأة.

المسألة الرّابعة: هذه الآية دالّة على طهارة يوسف (علیه السلام) من الذّنب من وجوه كثيرة:

الأوّل: أنّ الملك لمّا أرسل إلى يوسف (علیه السلام) و طلبه، فلو كان يوسف متّهمًا بفعل قبيح و قد كان صدر منه ذنب و فحش، لاستحال بحسب العرف و العادة أن يطلب من الملك أن يتفحّص عن تلك الواقعة، لأ نّه لو كان قد أقدم على الذّنب، ثمّ إنّه يطلبه من الملك أن يتفحّص عن تلك الواقعة، كان ذلك سعيًا منه في فضيحة نفسه، و في تجديد العيوب الّتي صارت مندرسة مخفيّة، و العاقل لايفعل ذلك.

و هَبْ أ نّه وقع الشّكّ لبعضهم في عصمته أو في نبوّته إلا أ نّه لاشكّ أ نّه كان عاقلا ، و العاقل يمتنع أن يسعى في فضيحة نفسه، و في حمل الأعداء على أن يبالغوا في إظهار عيوبه.

و الثّاني: أنّ النّسوة شهِدنَ في المرّة الأُولى بطهارته و نزاهته؛ حيث قلن: { حَاشَ للهِ‚ مَا هذَا بَشَرًا اِنْ هذَا اِلا مَلَكٌ }يوسف: 31، و في المرّة الثّانية حيث قلن: { حَاشَ للهِ‚ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوء } يوسف:51.

و الثّالث: أنّ امرأة العزيز أقرّت في المرّة الأُولى بطهارته؛ حيث قالت: { وَ لَقَدْ رَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } يوسف: 32، و في المرّة الثّانية في هذه الآية.

و اعلم أنّ هذه الآية دالّة على طهارته من وجوه:

أوّلها: قول المرأة: { اَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ } يوسف: 51.

و ثانيها: قولها: { وَ اِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقينَ ‘} يوسف: 51، و هو إشارة إلى أ نّه صادق في قوله: { هِيَ رَاوَدَتْنى عَنْ نَفْسى } يوسف: 26.و ثالثها: قول يوسف (علیه السلام):{ ذلِكَ ’لِيَعْلَمَ اَ نّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}

و الحشويّة يذكرون أ نّه لمّا قال يوسف هذا الكلام قال جبريل (علیه السلام): < و لاحين هممت >، و هذا من رواياتهم الخبيثة، و ما صحّت هذه الرّواية في كتاب معتمد، بل هم يلحقونها بهذا الموضع سعيًا منهم في تحريف ظاهر القرآن.

و رابعها : قوله : { وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ

ص: 359

الْخَائِنينَ‘} يعني أنّ صاحب الخيانة لابدّ و أن يُفتضَح فلو كنتُ خائنًا لوجب أن أُفتضَح؛ و حيث لم أُفتضَح و خلّصني الله تعالى من هذه الورطة، فكلّ ذلك يدلّ على أ نّي ما كنت من الخائنين.

و هاهنا وجه آخر و هو أقوى من الكلّ، و هو أنّ في هذا الوقت تلك الواقعة صارت مندرسة، و تلك المحنة صارت منتهية، فإقدامه على قوله: { ذلِكَ ’لِيَعْلَمَ ا َنّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } مع أ نّه خانه بأعظم وجوه الخيانة إقدام على و قاحة عظيمة، و على كذب عظيم، من غير أن يتعلّق به مصلحة بوجه ما. و الإقدام على مثل هذه الوقاحة من غير فائدة أصلا لايليق بأحد من العقلاء، فكيف يليق إسناده إلى سيّد العقلاء، و قدوة الأصفياء؟ فثبت أنّ هذه الآية تدلّ دلالة قاطعة على براءته ممّا يقوله الجهّال و الحشويّة. (18: 154)

القُرطُبيّ: اختُلف فيمن قاله، فقيل: هو من قول امرأة العزيز، و هو متّصل بقولها: { الْنَ= حَصْحَصَ الْحَقُّ } يوسف:51، أي أقررت بالصّدق ليعلم أ نّي لم أخُنه بالغيب، أي بالكذب عليه، و لم أذكره بسوء و هو غائب، بل صدَقتُ و حُدتُ عن الخيانة. (9: 209)

البَيْضاويّ: بظهر الغيب، و هو حال من الفاعل أو المفعول، أي لم أخُنه و أنا غائب عنه أو و هو غائب عنّي، أو ظرف، أي بمكان الغيب وراء الأستار و الأبواب المغلقة، { وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘}:لاينفذه و لايسدّده، أو لايهدي الخائنين بكيدهم، فأوقع الفعل على الكيد مبالغة. و فيه تعريض ب < راعيل > في خيانتها زوجها، و توكيد لأمانته، و لذلك عقّبه بقوله: { وَ مَا اُبَرِّئُ نَفْسى‘ } يوسف: 53. (1: 499)

أبوالسُّعود: { اَنّى لَمْ اَخُنْهُ } في حرمته كما زعمه لاعلمًا مطلقًا، فإنّ ذلك لايستدعي تقديم التّفتيش على الخروج من السّجن، بل قبل ما ذكر من نقض ما أبرَمَه. و لعلّه لمراعاة حقوق السّيادة، لأنّ المباشرة للخروج من حبسه قبل ظهور بطلان ما جعله سببًا له و إن كان ذلك بأمر الملك ممّا يوهم الافتيات((1)) على رأيه. و أمّا أن يكون ذلك لئلايتمكّن من تقبيح أمره عند ذلك تمحّلا لإمضاء ما قضاه، فلايليقبشأنه (علیه السلام) في الوثوق بأمره، و التّوكّل على ربّه جلّ جلاله{ بِالْغَيْبِ } أي بظهر الغيب، و هو حال من الفاعل أو المفعول، أي لم أخُنه و أنا غائب عنه، أو و هو غائب عنّي. أو ظرف، أي بمكان الغيب وراء الأستار و الأبواب المغلقة. و أيًّا ما كان فالمقصود بيان كمال نزاهته عن الخيانة و غاية اجتنابه عنها عند تعاضد أسبابها.

و أنّ الله، أي و ليعلم أنّه تعالى: { لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘} أي لاينفذه و لايُسدّده بل يُبطله و يُزهقه، أو لايهديهم في كيدهم إيقاعًا للفعل على الكيد مبالغة، كما في قوله تعالى: { يُضَاهِؤُنَ قَوْ لَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا }التّوبة:30، أي يضاهئونهم في قولهم.

ص: 360


1- (ا) الافتيات: الاستبداد.

و فيه تعريض بامرأته في خيانتها أمانته، و به في خيانته أمانة الله تعالى، حين ساعدها على حبسه بعد ما رأوا آيات نزاهته(علیه السلام). و يجوز أن يكون ذلك لتأكيد أمانته، و أنّه لو كان خائنًا لما هدى الله عزّ و جلّ أمره و أحسن عاقبت (3: 403)

نحوه البُرُوسَويّ. (4: 273)

الآلوسيّ: { لَمْ اَخُنْهُ } في حرمته { بِالْغَيْبِ }، أي بظهر الغيب. و قيل: ضمير{ يَعْلَمُ } للمَلك و ضمير { اَخُنْهُ } للعزيز. و قيل: للمَلِك أيضًا، لأنّ خيانة و زيره خيانة له، و « الباء » إمّا للملابسة أو للظّرفيّة، و على الأوّل: هو حال من فاعل { اَخُنْهُ } أي تركت خيانته و أنا غائب عنه، أو من مفعوله، أي و هو غائب عنّي، و هما متلازمان. و جُوّز أن يكون حالا منهما و ليس بشيء.

و على الثّاني: فهو ظرف لغو لما عنده، أي { لَمْ اَخُنْهُ } بمكان الغيب وراء الأستار و الأبواب المغلقة، و يحتمل الحاليّة أيضًا.

{ وَ اَنَّ اللهَ }، أي و ليعلم أنّ الله تعالى { وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘} و... فيه تعريض بامرأة العزيز في خيانتها أمانته، و به في خيانته أمانة الله تعالى حين ساعدها على حبسه، بعدما رأوا الآيات الدّالّة على نزاهته(علیه السلام). و يجوز أن يكون مع ذلك تأكيدًا لأمانته (علیه السلام)، على معنى: لو كنتُ خائنًا لما هدى الله تعالى كيدي و لاسدّده، و توهّم عبارة بعضهم عدم اجتماع التّأكيد و التّعريض، و الحقّ لامانع من ذلك...

و قيل: إنّ ضمير { يَعْلَمُ } و { لَمْ اَخُنْهُ } لله تعالى، أي ذلك ليعلم الله تعالى أنّي لم أعصه، أي ليظهر أ نّي غير عاص، و يُكرمني به و يصير سبب رفع منزلتي، و ليظهر أنّ كيد الخائن لاينفذ، و أنّ العاقبة للمطيع لاللعاصي، فهو نظير قوله تعالى: { لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ } البقرة:143، و له نظائر أُخر في القرآن كثيرة، إلا أنّ الله تعالى أخبر عن نفسه بذلك. و أمّا غيره فلم يرد في الكتاب العزيز، و فيه نوع إيهام التّحاشي عنه أحسن،على أنّ المقام لما تقدّم أدْعَى. (12: 261)

ابن عاشور: ظاهر نظم الكلام أنّ الجملة من قول امرأة العزيز، و على ذلك حمله الأقلّ من المفسّرين، و عزاه ابن عَطيّة إلى فرقة من أهل التّأويل، و نُسب إلى الجُبّائيّ، و اختاره الماوَرْديّ، و هو في موقع العلّة لما تضمّنته جملة: { اَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ } يوسف: 51، و ما عطف عليها من إقرار ببراءة يوسف(علیه السلام) بما كانت رمَتْهُ به. فالإشارة بذلك إلى الإقرار المستفاد من جملة: { اَنَا رَاوَدْتُهُ } أي ذلك الإقرار، ليعلم يوسف (علیه السلام) أنّي لم أخُنه.

و اللام في { لِيَعْلَمَ } لام « كي »، و الفعل بعدها منصوب ب ( اَنْ ) مضمرة، فهو في تأويل المصدر، و هو خبر عن اسم الإشارة.و الباء في { بِالْغَيْبِ } للملابسة أو الظّرفية، أي في غيبته، أي لم أرمه بما يقدح فيه في مغيبه. و محلّ المجرور في محلّ الحال من الضّمير المنصوب.و الخيانة: هي تُهمَتُه بمحاولة السّوء معها كذبًا، لأنّ الكذب ضدّ أمانة القول

ص: 361

بالحقّ.

و التّعريف في{الغَيْبِ} تعريف الجنس، تمدّحت بعدم الخيانة على أبلغ وجه؛ إذ نَفتِ الخيانة في المغيب، و هو حائل بينه و بين دفاعه عن نفسه، و حالة المغيب أمكن لمريد الخيانة أن يخون فيها من حالة الحضرة، لأنّ الحاضر قد يتفطّن لقصد الخائن، فيدفع خيانته بالحجّة. (12: 78)

مَغْنِيّة: اختلف المفسّرون في هذه الآية، فمن قائل: إنّها من كلام يوسف(علیه السلام)، و إنّ المعنى إنّي طلبت التّحقيق مع النّسوة، ليعلم العزيز أ نّي لم أخنه في زوجته حال غيابه. و من قائل: إنّ الآية من كلام امرأة العزيز و نحن مع هذا القائل، عملا بظاهر السّياق من اتّصال بعض الكلام ببعض، و عليه يكون الضّمير في { لَمْ اَخُنْهُ } ليوسف، و مرادها بعدم خيانته أ نّها لم تذكره بسوء مدّة غيابه في السّجن حتّى هذه السّاعة. أمّا إحالتها الذّنب عليه حين قالت لزوجها ما قالت، فقد كان ذلك بحضور يوسف، لابغيابه.

{ وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘} بل يفضحهم و يهتك سترهم، و ينصر المؤمنين عليهم تمامًا كما فضح النّسوة، ونصر يوسف: { وَ اَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الاَخْسَرينَ‘ } الأنبياء: 70. (4: 325)

الطَّباطَبائيّ: من كلام يوسف(علیه السلام) على ما يدلّ عليه السّياق، و كأ نّه قاله عن شهادة النّسوة على براءة ساحته من كلّ سوء، و اعتراف امرأة العزيز بالذّنب و شهادتها بصدقه، و قضاء الملِك ببراءته.

و حكاية القول كثير النّظير في القرآن، كقوله: { امَنَ الرَّسُولُ بِمَا اُ نْزِلَ اِلَيْهِ مِنْ رَ بِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ امَنَ بِاللهِ وَ مَلئِكَتِهِ’ وَ كُتُبِهِوَ رُسُلِهِ لانُفَرِّقُ بَيْنَ اَحَد مِنْ رُسُلِهِ } البقرة: 285، أي قالوا:{ لانُفَرِّقُ } و قوله: { وَ اِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَ اِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ } الصّافّات: 165، 166.

وعلى هذا فالإشارة بقوله: {ذ لِكَ}إلى إرجاع الرّسول إلى الملِك وسؤاله القضاء، و الضّمير في { لِيَعْلَمَ } و { لَمْ اَخُنْهُ } عائد إلى { الْعَزيزِ‘}. و المعنى: إنّما أرجعت الرّسول إلى الملِك وسألته أن يحقّق الأمر و يقضي بالحقّ، ليعلم العزيز أنّي لم أخُنه بالغيب بمراودة امرأته، و ليعلم أنّ الله لايهدي كيد الخائنين.

يذكر(علیه السلام) لما فعله من الإرجاع و السّؤال غايتين :

أحدهما: أن يعلم العزيز أ نّه لم يخُنه و تطيب نفسه منه، و يزول عنها و عن أمره أيّ شبهة و ريبة.

و الثّاني: أن يعلم أنّ الخائن مطلقًا لاينال بخيانته غايته، و أ نّه سيُفتضَح لامحالة، سنّة الله الّتي قد خلت في عباده، و لن تجد لسنّة الله تبديلا ، فإنّ الخيانة من الباطل، و الباطل لايدوم. و سيظهر الحقّ عليه ظهورًا، و لو اهتدى الخائن إلى بُغيته لم تفتضح النّسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ و أخذن بالمراودة، و لاامرأة العزيز فيما فعلت و أصرّت عليه، فالله لايهدي كيد الخائنين.

ص: 362

و كان الغرض من الغاية الثّانية { وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘} و تذكيره و تعليمه للملك، الحصول على لازم فائدة الخبر، و هو أن يعلم الملِك أ نّه (علیه السلام)عالم بذلك مُذعن بحقيقته، فإذا كان لم يخُنه في عِرْضه بالغيب، و لايخون في شيء ألبتّة، كان جديرًا بأن يُؤتمَن على كلّ شيء، نفسًا كان أو عِرْضًا أو مالا .

و بهذا الامتياز البيّن يتهيّأ ليوسف ما كان بباله أن يسأل الملك إيّاهنّ، و هو قوله بعد أن أشخص عند الملك: { اجْعَلْنى عَلى خَزَائِنِ الاَرْضِ اِنّى حَفيظٌ‘ عَليمٌ ‘} يوسف: 55.

و الآية ظاهرة في أنّ هذا الملِك هو غير عزيز مصر زوج المرأة الّذي أُشير إليه بقوله: { وَ اَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا اْلبَابِ }يوسف: 25، و قوله: { وَ قَالَ الَّذِى اشْتَريهُ مِنْ مِصْرَ لا‚مْرَ اَتِهِ اَكْرِمى‘ مَثْويهُ}’ يوسف : 21.

و قد ذكر بعض المفسّرين أنّ هذه الآية و الّتي بعدها تتمّة قول امرأة العزيز، { الْنَ= حَصْحَصَ اْلحَقُّ اَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ ا ِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقينَ ‘} و سيأتي الكلام عليه. [إلى أن قال:]

و قد ذكر جمع من المفسّرين: أنّ الآيتين، أعني قوله: { ذلِكَ لِيَعْلَمَ اَنّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ... } من تمام كلام امرأة العزيز، و المعنى على هذا: أنّ امرأة العزيز لمّا اعترفت بذنبها و شهدت بصدقه قالت ذلك: أي اعترافي بأنّيراوَدْتُه عن نفسه، و شهادتي بأ نّه من الصّادقين، ليعلم إذا بلغه عنّي هذا الكلام، أنّي لم أخُنه بالغيب، بل اعترَفتُ بأنّ المراودة كانت من قبَلي أنا، و أ نّه كان صادقًا، و أنّ الله لايهدي كيد الخائنين، كما أ نّه لم يهد كيدي أنا؛ إذ كِدتُه بأنواع المراودة، و بالسّجن بضع سنين، حتّى أظهر صدقه في قوله، و طهارة ذيله، و براءة نفسه، و فضحني أمام الملك و الملإ، و لم يهد كيد سائر النّسوة في مراودتهنّ، و ما أُبرّئ نفسي من السّوء مطلقًا، فإنّى كِدْتُ له بالسّجن،ليلجأ به إلى أن يفعل ما آمره { اِنَّ النَّفْسَ لاَ مَّارَ ةٌ بِالسُّوء ِاِلا مَا رَحِمَ رَبّى اِنَّ رَ بّى‘ غَفُورٌ رَحيمٌ‘} يوسف: 53.

و هذا وجه رديء جدًّ ا، أمّا أوّ لا : فلأنّ قوله:

{ ذلِكَ’ لِيَعْلَمَ اَنّى‘ لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } لو كان من كلام امرأة العزيز، لكان من حقّ الكلام أن يقال: و لِيَعْلَمْ أنّي لم أخُنه بالغيب بصيغة الأمر، فإنّ قوله: { ذلِكَ } على هذا الوجه إشارة إلى اعترافها بالذّنب و شهادتها بصدقه. فقوله: { لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} إن كان عنوانًا لاعترافها و شهادتها مشارًا به إلى ذلك، خُلي الكلام عن الفائدة، فإنّ محصّل معناه حينئذ إنّما اعترفت و شهدت ليعلم أنّي اعترفت و شهدت له بالغيب، مضافًا إلى أنّ ذلك يُبطل معنى الاعتراف و الشّهادة، لدلالته على أ نّها إنّما اعترفت و شهدت ليسمع يوسف ذلك و يعلم به، لا لإظهار الحقّ و بيان حقيقة الأمر.

و إن كان عنوانًا لأعمالها طول غيبته، إذ لبث بضع سنين في السّجن، أي إنّما اعترفت و شهدت له، ليعلم أنّي لم أخُنه طول غيبته، فقد خانته؛ إذ كادت

ص: 363

به، فسجن و لبث في السّجن بضع سنين، مضافًا إلى أنّ اعترافها و شهادتها لايدلّ على عدم خيانتها له بوجه من الوجوه، و هو ظاهر.

و أمّا ثانيًا: فلأ نّه لامعنى حينئذ لتعليمها يوسف أنّ الله لايهدي كيد الخائنين. و قد ذكرها يوسف به أوّل حين؛ إذ راوَدَتْه عن نفسه، فقال: { اِنَّهُ لايُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }.

و أمّا ثالثًا: فلأنّ قولها: { وَ مَا اُبَرِّئُ نَفْسى‘ } فقد خنته بالكيد له بالسّجن يناقض قولها: { لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } كما لايخفى مضافًا إلى أنّ قوله: { اِنَّ النَّفْس لاَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ اِلامَا رَحِمَ رَبّى‘ اِنَّ رَبّى‘ غَفُورٌ رَحيمٌ ‘} على ما فيه من المعارف الجليلة التوّحيديّة، ليس بالحريّ أن يصدر من امرأة أحاطت بها الأهواء و هي تعبد الأصنام.

و ذكر بعضهم وجهًا آخر في معنى الآيتين، بإرجاع ضمير { لِيَعْلَمَ } و{ لَمْ اَخُنْهُ } إلى { الْعَزيزِ‘ } و هو زوجها، فهي كأ نّها تقول ذاك الّذي حصل: أقررت به، ليعلم زوجي أنّي لم أخُنه بالفعل فيما كان من خلواتي بيوسف في غيبته عنّا، و أنّ كلّ ما وقع أنّي راودته عن نفسهفاستعصم و امتنع، فبقي عرض زوجي مصونًا و شرفه محفوظًا، و لئن بَرّأت يوسف من الإثم، فما أُبرّئ منه نفسي{ اِنَّ النَّفْس لاَمَّارَةٌ بِالسُّوء ِاِلا مَا رَحِمَ رَ بّى }.

و فيه: أنّ الكلام لو كان من كلامها و هي تريد أن تُطيّب به نفس زوجها وتُزيل أيّ ريبة عن قلبه أنتج خلاف المطلوب، فإنّ قولها: { الْنَ= حَصْحَصَ اْلحَقُّ اَنَا رَاوَدْ تُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ اِ نَّهُ لَمِنَ الصَّادِقينَ ‘} إنّما يفيد العلم بأ نّها راودته عن نفسه.

و أمّا شهادتها إنّه امتنع و لم يطعها فيما أمرته به، فهي شهادة لنفسها لاعليها، و كان من الممكن أ نّها إنّما شهدت له لتُطيّب نفس زوجها و تُزيل ما عنده من الشّكّ و الرّيب، فاعترافها و شهادتها لاتوجب في نفسها علم العزيز أ نّها لم تخنه بالغيب.

مضافًا إلى أنّ قوله: { وَ مَا اُ بَرِّئُ نَفْسى‘...} يكون حينئذ تكرارًا لمعنى قولها: أنا راودته عن نفسه، و ظاهر السّياق خلافه، على أنّ بعض الاعتراضات الواردة على الوجه السّابق وارد عليه. (11: 196)

الْخَائِنينَ‘

1 اِ نَّا اَ نْزَلْنَا اِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا اَريكَ’ ا للهُ وَ لاتَكُنْ لِلْخَائِنينَ‘ خَصيمًا‘.

النّساء:105

الطّبَريّ: يقول: و لاتكن لمن خان مسلمًا أو معاهدًا في نفسه أو ماله { خَصيمًا }...

و ذكر أنّ الخائنين الّذين عاتب الله جلّ ثناؤه نبيّه صلّى الله عليه و سلّم في خصومته عنهم: بنو أُبَيْرِق.

و اختلف أهل التّأويل في خيانته الّتي كانت منه، فوصفه الله بها:

فقال بعضهم: كانت سرقة سرقها. [إلى أن قال:]

و قال آخرون: بل الخيانة الّتي وصف الله بها من وصفه بقوله: { وَ لاتَكُنْ لِلْخَائِنينَ‘ خَصيمًا‘ }،

ص: 364

جحوده وديعة كان أُودِعها.

(4: 265)

الزّجّاج: أي لاتكن مخاصمًا ولادافِعًا عن خائن. (2: 101)

الطُّوسيّ: نهاه أن يكون لمن خان مسلمًا أو معاهدًا في نفسه أو ماله، خصيمًا يخاصم عنه، و يدفع مَن طالبه عنه بحقّه الّذي خانه فيه. (3: 315)

لاحظ: خ ص م :< خَصيمًا >.

2 وَ اِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْ م خِيَانَةً فَانْبِذْ اِلَيْهِمْ عَلى سَوَاء اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ الْخَائِنينَ‘.

الأنفال: 58

الطّبَريّ: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ الْخَائِنينَ ‘} الغادرين بمن كان منه في أمان و عهد بينه و بينه أن يغدر به فيحاربه، قبل إعلامه إيّاه أ نّه له حرب، و أ نّه قد فاسخه العقد. (6: 271)الزّجّاج: { وَ اِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْ م خِيَانَةً } أي نقضًا للعهد.{ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ الْخَائِنينَ ‘}. أي الّذين يخونون في عهدهم و غيره. (2: 421)

نحوه الواحديّ. (2: 468)

لاحظ:ح ب ب: < لايُحِبّ >و:ن ب ذ: < فَانْبِذ>.

خَائِنَة

1 وَ لاتَزَالُ تَطَّلِعُ عَلى خَائِنَة مِنْهُمْ اِلا قَليلا ‘ مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ اِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ ‘.

المائدة:13

ابن عبّاس: تعلم خائنة و معصية. (90)

مُجاهِد: هم يهود مثل الّذي همّوا به من النّبيّ (صلی الله علیه و آله) يوم دخل حائطهم.

مثله عِكْرِمَة. (الطّبَريّ4: 497)

قَتادَة: على خيانة و كذب و فجور.

(الطّبَريّ4: 497)

مُقاتِل: وهو الغش للنّبيّ(صلی الله علیه و آله) . (1: 461)

أبوعُبَيْدَة: أي على خائن منهم، و العرب تزيد « الهاء » في المذكّر، كقولهم: هو راوية للشّعر، و رجل علامة.

و قد قال قوم بل: { خَائِنَة مِنْهُمْ } هاهنا الخيانة، و العرب قد تضع لفظ « فاعِلة » في موضع المصدر، كقولهم للخِوان: مائدة، و إنّما المائدة الّتي تُميدهم على الخِوان، يُميده و يُميحه واحد. [و استشهد بالشّعر مرّتين] (1: 158)

ابن قُتَيْبَة: الخائنة: الخيانة. و يجوز أن يكون صفة للخائن، كما يقال: رجل طاغية و راوية للحديث. (142)

الطّبَريّ: يقول تبارك و تعالى لنبيّه محمّد (صلی الله علیه و آله): و لاتزال يا محمّد تطّلع من اليهود الّذين أنبأتك نبأهم، من نقضهم ميثاقي، و نكثهم عهدي، مع أيادي عندهم، و نعمتي عليهم، على مثل ذلك من الغدر و الخيانة { اِلا قَليلا ‘ مِنْهُمْ }إلا قليلا منهم لم يخونوا.

و الخائنة في هذا الموضع: الخيانة، وُضع و هو اسم موضع المصدر، كما قيل: خاطئة، للخطيئة، و قائلة: للقيلولة.

و قال بعض القائلين: معنى ذلك: و لاتزال تطّلع على خائن منهم، قال: و العرب تزيد « الهاء » في

ص: 365

آخر المذكّر، كقولهم: هو راوية للشّعر، و رجل علامة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الصّواب من التّأويل في ذلك، القول الّذي رويناه عن أهل التّأويل، لأنّ الله عنى بهذه الآية القوم من يهود بني النّضير الّذين همّوا بقتل رسول الله (صلی الله علیه و آله) و أصحابه؛ إذ أتاهم رسول الله(صلی الله علیه و آله) يستعينهم في دية العامريّين، فاطّلعه الله عزّ ذكره على ما قد همّوا به. ثمّ قال جلّ ثناؤه بعد تعريفه أخبار أوائلهم، و إعلامه منهج أسلافهم، و أنّ آخرهم على منهاج أوّلهم في الغدر والخيانة، لئلاّيكبُر فعلهم ذلك على نبيّ الله(صلی الله علیه و آله)، فقال جلّ ثناؤه: و لاتزال تطّلع من اليهود على خيانة و غدر و نقض عهد، و لم يرد أ نّه لايزال يطّلع على رجل منهم خائن؛ و ذلك أنّ الخبر ابتُدئ به عن جماعتهم، فقيل: { يَاءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ اِذْ هَمَّ قَوْمٌ اَنْ يَبْسُطُوا اِلَيْكُمْ اَيْدِيَهُمْ }المائدة:11، ثمّ قيل: { وَ لاتَزَالُ تَطَّلِعُ عَلى خَائِنَة مِنْهُمْ } المائدة:13، فإذ كان الابتداء عن الجماعة، فالختم بالجماعة أولى. (4: 497)

الزّجّاج: { خَائِنَة } في معنى خيانة، المعنى: لاتزال تطّلع على خيانة منهم، و « فاعِلَة » في أسماء المصادر كثيرة، نحو عافاه الله عافية، و قوله: { فَاُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ } الحاقّة:5، و قد يقال: رجل خائنة. [ثمّ استشهدبشعر] (2: 160)

الثّعلبيّ: و اختلفوا في الخائنة: قال المُبرِّد: هي مصدر كالكاذبة و اللاغية، و قيل: هي إسم كالعاقبة و المعاقبة، و قيل: هي بمعنى المبالغة. و « الهاء » هنا للمبالغة، مثل: راوية و علامة

و نسّابة. [ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن يكون جمع الخائن، كقولك: فرقة كافرة، و طائفة خارجة.

قال ابن عبّاس: { خَائِنَة } أي معصية. و قيل: كذب و فجور، و كانت خيانتهم نقضهم العهد و مظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله (صلی الله علیه و آله)، و همّهم بقتله و سَمّه و نحوها، من عمالتهم و خيانتهم الّتي أُخبرت. (4: 38)

نحوه البغَويّ. (2: 31)

الماوَرْديّ: فيه تأويلان:

أحدهما: خيانة منهم.و الثّاني: يعني فرقة خائنة.

(2: 21)

الطُّوسيّ: معناه: على خيانة منهم، و < فاعلة > في أسماء المصادر كثير، نحو عافاه الله عافية. { وَ الْمُؤْتَفِكَاتُ

بِالْخَاطِئَةِ }الحاقّة: 9، و { فَاُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ } الحاقّة: 5، و يقال: قائلة بمعنى القيلولة. كلّ ذلك بمعنى المصدر، و راغية الإبل و ثاغية الشّاة. و يقال: رجل خائنة. [ثمّ استشهد بشعر] (3: 470)

الزّمَخْشَريّ: أي هذه عادتهم و هجّيراهم، و كان عليها أسلافهم، كانوا يخونون الرّسل، و هؤلاء يخونونك ينكثون عهودك و يظاهرون المشركين على حربك، و يهمّون بالفتك بك، و أن يسمّوك { عَلى خَائِنَة } على خيانة أو على فعلة ذات خيانة، أو على نفس أو فرقة خائنة. و يقال: رجل خائنة، كقولهم: رجل راوية للشّعر للمبالغة.

ص: 366

[ثمّ استشهدبشعر]

وقرئ على خيانة. (1: 600)

نحوه أبوحَيّان. (3: 446)ابن عَطيّة: { عَلى خَائِنَة مِنْهُمْ } و غائلة و أُمور فاسدة.

و اختلف النّاس في معنى { خَائِنَة } في هذا الموضع، فقالت فرقة: { خَائِنَة} مصدر كالعاقبة، و كقوله تعالى: { فَاُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}، الحاقّة:5، فالمعنى على خيانة.

و قال آخرون: معناه على فرقة خائنة، فهي اسم فاعل صفة المؤنّث.

و قال آخرون: المعنى على خائن، فزيدت الهاء للمبالغة كعلامة و نسّابة. [ثمّ استشهدبشعر]

و قرأ الأعمش( عَلى خِيَا نَةٍ مِنْهُم ). (2: 169)

الطَّبْرِسيّ: قيل: كِذْبٍ، و زُورٍ، و نقض عَهد،

و مظاهرة للمشركين على رسول الله(صلی الله علیه و آله)، و غير ذلك ممّا كان يظهر من اليهود، من أنواع الخيانات.

و قيل: إنّ معناه تطّلع على فرقة خائنة، أي جماعة خائنة منهم، إذا قالوا قولا خالفوه، و إذا عاهدوا عهدًا نقضوه. (2: 173)

الفَخْرالرّازيّ: و في الخائنة وجهان:

الأوّل: أنّ الخائنة بمعنى المصدر، و نظيره كثير كالكافية و العافية، و قال تعالى: { فَاُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ } أي بالطّغيان، و قال: { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } الواقعة: 2، أي كذب. و قال: { لاتَسْمَعُ فيهَا‘ لاغِيَةً } الغاشية: 11، أي لغوًا. و تقول العرب: سمعت راغية الإبل و ثاغية الشّاء، يعنون رغاءها و ثغاءها.و قال الزّجّاج: و يقال: عافاه الله عافية.

و الثّاني: أن يقال: الخائنة صفة، و المعنى: تطّلع على فرقة خائنة، أو نفس خائنة، أو على فعلة ذات خيانة.

و قيل: أراد الخائن، و الهاء للمبالغة، كعلامة و نسّابة. (11: 187)

القُرطُبيّ: و الخائنة: الخيانة، قاله قَتادَة. و هذا جائزفي اللّغة، و يكون مثل قولهم: قائلة بمعنى قيلولة

و قيل: هو نعت لمحذوف، و التّقدير: فرقة خائنة. و قد تقع { خَائِنَة } للواحد، كما يقال: رجل نسّابة و علامة. فخائنة على هذا للمبالغة؛يقال:رجل خائنة، إذا بالغتَ في وصفه بالخيانة. [ثمّ استشهد بشعر]

و كانت خيانتهم: نقضهم العهد بينهم و بين رسول الله(صلی الله علیه و آله) ، و مظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله(صلی الله علیه و آله) ، كيوم الأحزاب و غير ذلك من همّهم بقتله و سبّه. (6: 116)

البَيْضاويّ: خيانة منهم أو فرقة خائنة أو خائن، و التّاء للمبالغة. و المعنى أنّ الخيانة و الغدر من عادتهم و عادة أسلافهم، لاتزال ترى ذلك منهم.

(1: 267)

نحوه النّسَفيّ (1: 276)، و الكاشانيّ (2: 21)، و شُبّر(2: 155)، و الطَّباطَبائيّ(5: 241).أبوالسُّعود : أي خيانة، على أ نّها مصدر

ص: 367

ك < لاغية > و < كاذبة > أو فعلة خائنة، أي ذات خيانة، أو طائفة خائنة، أو شخص خائنة، على أنّ التّاء للمبالغة، أو نفس خائنة. و { مِنْهُمْ } متعلّق بمحذوف وقع صفة لها، خلا أنّ (مِنْ) على الوجهين الأوّلين ابتدائيّة، أي على خيانة، أو على فعلة خائنة كائنة منهم صادرة عنهم، و على الوجوه الباقية تبعيضيّة، و المعنى أنّ الغدر و الخيانة عادة مستمرّة لهم و لأسلافهم، بحيث لايكادون يتركونها

و يكتمونها، فلاتزال ترى ذلك منهم. (2: 249)

نحوه البُرُوسَويّ(2: 365)،و الآلوسيّ (6: 90) و القاسميّ(6: 1917).

ابن عاشور: انتقال من ذكر نقضهم لعهد الله إلى خَيْسِهم بعهدهم مع النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، و فعل{ لاتَزَالُ } يدلّ على استمرار، لأنّ المضارع للدّ لالة على استمرار الفعل، لأ نّه في قوّة أن يقال: يدوم اطّلاعك. فالاطّلاع مجاز مشهور في العلم بالأمر. و المعنى: و لاتزال تكشف و تشاهد خائنة منهم.

و الخائنة: الخيانة فهو مصدر على وزن < الفاعلة >، كالعاقبة و الطّاغية. و منه { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } المؤمن: 19، و أصل الخيانة: عدم الوفاء بالعهد، و لعلّ أصلها إظهار خلاف الباطن. و قيل: { خَائِنَةَ } صفة لمحذوف، أي فرقة خائنة. (5: 63)

2 يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ.

المؤمن:19

ابن عبّاس: إذا نظرت إليها تريد الخيانة أم لا. (الطّبَريّ11: 50)

هو الرّجل يكون جالسًا مع القوم، فتمرّ المرأة فيُسارقهم النّظر إليها. (الثّعلبيّ8: 271)

هو الرّجل ينظر إلى المرأة، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، فإذا رأى منهم غفلة تدسّسَ بالنّظر، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، و قد علم الله عزّ و جلّ منه أ نّه يودّ لو نظر إلى عورتها.

(القُرطُبيّ15: 303)

مُجاهِد: نظر الأعين إلى ما نهَى الله عنه.

(الطّبَريّ11: 50)

الضّحّاك: هو قول الإنسان ما رأيت و قد رأى، أو رأيت و ما رأى. (الماوَرْديّ5: 150)

الغمز بالعين.

مثله السُّدّيّ. (ابن الجَوْزيّ7: 213)

ابن السّائب: النّظر بعد النّظر.

(ابن الجَوْزيّ7: 213)

نحوه الثّوريّ. (الماوَرْديّ5: 150)

قَتادَة: أي يعلم همزه بعينه، و إغماضه فيما لايحبّ الله و لايرضاه. (الطّبَريّ11: 50)

السُّدّيّ: أنّه الرّمز بالعين. (الماوَرْديّ5: 150)الإمام الصّادق(علیه السلام): [إنّه سُئل عن معناها فقال:]

ألم ترإلى الرّجل ينظر إلى الشّيء و كأ نّه لاينظر إليه، فذلك خائنة الأعين. (الكاشانيّ4: 338)

المؤرّج: فيه تقديم و تأخير، أي يعلم الأعين الخائنة. (القُرطُبيّ15: 303)

ص: 368

الفَرّ اء: يعني الله عزّ و جلّ. يقال: إنّ للرّجل نظرتين: فالأُولى مباحة، و الثّانية محرّمة عليه، فقوله: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } في النّظرة الثّانية. { وَ مَا تُخْفِى الصُّدُورُ } في النّظرة الأُولى. فإن كان النّظرة الأُولى تعمّدًا كان فيها الإثم أيضًا، و إن

لم يكن تعمّدها فهي مغفورة. (3: 7)

ابن قُتَيْبَة: الخائنة و الخيانة واحد.

(ابن الجَوْزيّ7: 213)

الطّبَريّ: يقول جلّ ذكره مخبرًا عن صفة نفسه: يعلم ربّكم ما خانت أعين عباده، و ما أخفته صدورهم، يعني و ما أضمرته قلوبهم. يقول: لايخفى عليه شيء من أُمورهم حتّى ما يُحدّث به نفسه، و يضمره قلبه إذا نظر ماذا يريد بنظره، و ما ينوي ذلك بقلبه. { وَ اللهُ يَقْضى‘ بِالْحَقِّ } يقول: و الله تعالى ذكره يقضي في الّذي خانته الأعين بنظرها، و أخفته الصّدور عند نظر العيون بالحقّ، فيجزي الّذين أغمضوا أبصارهم، و صرفوها عن محارمه، حذار الموقف بين يديه، و مسألته عنه بالحُسنى، و الّذين ردّدوا النّظر، و عزَمَتْ قلوبهم على مواقعة الفواحش إذا قدرت، جزاءها. (11: 50)

الزّجّاج: إذا نظر النّاظر نظرة خيانة علمها الله، فإذا نظر أوّل نظرة غير متعمّد خيانة، فذلك غير إثم. فإن عاد و نيّته الخيانة في النّظر، علم الله ذلك، و الله عزّ و جلّ عالم الغيب و الشّهادة. و لكنّه ذكر العلم هاهنا، ليعلم أنّ المجازاة لامحالة واقعة. (4: 370)

الأزهَريّ: و أمّا قول الله جلّ و عزّ: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ وَ مَا تُخْفِى الصُّدُورُ } فإنّه أراد

و الله أعلم يعلم خيانة الأعين، فأخرج المصدر على « فاعِلَة » كقوله تعالى: { لاتَسْمَعُ فيهَا‘لاغِيَةً} الغاشية: 11، أي لغوًا.و مثله: سمعت راغية الإبل

و ثاغية الشّاء، أي رغاءها و ثغاءها، كلّ ذلك من كلام العرب.

و معنى الآية: أنّ النّاظر إذا نظر إلى ما لايحلّ له النّظر إليه نظر خيانة يسرّها مسارقة، علمها الله، لأ نّه إذا نظر النّظرة الأُولى غير متعمّد نظرًا، فهو غير آثم و لاخائن، فإن أعاد النّظر و نيّته الخيانة، فهو خائن النّظر. (7: 583)

الماوَرْديّ : في تسميتها { خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } وجهان:

أحدهما: لأ نّها أخفى الإشارات، فصارت بالاستخفاء كالخيانة.

الثّاني: لأ نّها باستراق النّظر إلى المحظورخيانة.

(5: 150)

الطُّوسيّ: أي يعلم ما تختان به الأعين من النّظر إلى غير ما يجوز النّظر إليه، على وجه السّرقة.{ وَ مَا تُخْفِى الصُّدُورُ } أي تضمره، لايخفى عليه شيء من جميعه. و قيل: النّظرة الأُولى مباحة، و الثّانية محرّمة.

فقوله: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } في النّظرة الثّانية، { وَ مَا تُخْفِى الصُّدُورُ } في النّظرة الأُولى، فإن كانت الأُولى تعمّدًا، كان فيها الإثم أيضًا، و إن لم تكن تعمّدًا، فهي مغفورة. (9: 66)

ص: 369

نحوه الطَّبْرِسيّ. (4: 519

القُشَيْريّ: فخائنة أعين المحبّين: استحسانهم شيئًا. و لهذا قالوا:

يا قُرّة العين سَلْ عيني هل اكتحلت

بمَنظرٍ حسَن مُذْ غِبْتَ عن بصَري

و لذلك قالوا :

فعيني إذا استَحْسنَتْ غيرَكم

أمَرْتُ السُّهادَ بتعذيبها

و من خائنة أعينهم ، أن تأخذهم السِّنة و السُّبات في أوقات المناجاة، و قد جاء في قصّة داود (علیه السلام) : كذَبَ من ادّعى محبّتي، فإذا جنّه اللّيل نام عنّي!

و من خائنة أعين العارفين: أن يكون لهم خبرٌ بقلوبهم عمّا تقع عليه عيونهم.

و من خائنة أعين الموحّدين: أن تخرج منها قطرة دمع تأسّفًا على مخلوق يفوت في الدّنيا و الآخرة، و لاعلى أنفسهم.

و من خائنة أعين المحبّين: النّظر إلى غير المحبوب بأيّ وجه كان، ففي الخبر: « حُبّك الشّيء يُعمي و يُصمّ ». (5: 302)

الواحديّ: خيانتها: و هي مسارقة النّظر إلى مالايحلّ. (4: 8)

نحوه البغَويّ. (4: 109)

الزّمَخْشَريّ: صفة للنّظرة، أو مصدر بمعنى الخيانة، كالعافية بمعنى المعافاة، و المراد: استراق النّظر إلى ما لايحلّ، كما يفعل أهل الرّيب، و لايحسن أن يراد الخائنة من الأعين، لأنّ قوله: { وَ مَا تُخْفِى الصُّدُورُ } لايساعد عليه.

فإن قلت:بِمَ اتّصل قوله:{يَعْلَمُ خَائِنَةَالاَعْيُنِ}؟

قلت: هو خبر من أخبار( هو) في قوله: { هُوَ الَّذى‘ يُريكُمْ } المؤمن: 13، مثل: { يُلْقِى الرُّوحَ } المؤمن:15، و لكن { يُلْقِى الرُّوحَ } قد علّل بقوله: { لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ } المؤمن: 15. (3: 421)

نحوه النّسَفيّ. (4: 74)

ابن عَطيّة: قوله: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } متّصل بقوله: { سَريعُ‘ الْحِسَابِ} المؤمن : 17،لأنّ سرعة حسابه تعالى للخلق إنّما هي بعلمه الّذي لايحتاج معه إلى رويّة و فكرة، و لالشيء ممّا يحتاجه الحاسبون. و قالت فرقة: { يَعْلَمُ } متّصل بقوله: { لايَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَىْءٌ } المؤمن: 16، و هذا قول حسن يقوّيه تناسب المعنيين، و يضعّفه بُعْد الآية و كثرة الحائل. و الخائنة: مصدر كالخيانة، و يحتمل في الآية أن يكون { خَائِنَةَ } اسم فاعل، كما تقول: ناظرة الأعين، إذا خانت في نظرها.

و هذه الآية عبارة عن علم الله تعالى بجميع الخفيّات، فمن ذلك كسر الجفون و الغمز بالعين، أو النّظرة الّتي تُفهم معنى، أو يريد بها صاحبها معنى. و من هذا قول النّبيّ(صلی الله علیه و آله) حين جاءه عبد الله بن أبي سرح ليُسلم بعد ردّته بشفاعة عثمان، فتلكّأ عليه رسول الله(صلی الله علیه و آله) ثمّ بايعه، ثمّ قال (علیه السلام) لأصحابه: هلاّ قام إليه رجل حين تلكّأتُ عليه فضرب عنقه؟ فقالوا يا رسول الله: ألا أومأتَ إلينا؟ فقال(علیه السلام): ما ينبغي

ص: 370

لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين. و في بعض الكتب المُنزَلة من قول الله عزّ و جلّ: < أنا مرصاد الهمم، أنا العالم بمجال الفكر و كسر الجفون >. و قال مُجاهِد: { خَائِنَةَ الاَعْيُنِ }: مسارقة النّظر إلى ما لايجوز، ثمّ قوّى تعالى هذه الأخبار بأ نّه يعلم ما تُخفي الصّدور ممّا لم يظهر على عين و لاغيرها، و مثّل المفسّرون في هذه الآية: بنظر رجل إلى امرأة هي حرمة لغيره، فقالوا: { خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } هي النّظرة الثّانية، { وَ مَا تُخْفِى الصُّدُورُ } أي عند النّظرة الأُولى الّتي لايمكن المرء دفعها. و هذا المثال جزء من: { خَائِنَةَ الاَعْيُنِ}. (4: 553)

الفَخْرالرّازيّ: و المعنى أ نّه سبحانه عالم لايعزب عن علمه مثقال ذرّة في السّماوات و لا في الأرض، و الحاكم إذا بلغ في العلم إلى هذا الحدّ، كان خوف المذنب منه شديدًا جدًّا. (27: 52)

البَيْضاويّ: النّظرة الخائنة، كالنّظرة الثّانية إلى غير المحرم، و استراق النّظرإليه أو خيانة الأعيُن. (2: 333)

نحوه أبو السُّعود. (5: 414)

الكاشانيّ: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ }: استراق النّظر. (4: 338)

شُبّر: خيانتها أو النّظرة الخائنة، أي استراق النّظر إلى محرّم. (5: 339)

البُرُوسَويّ: أي النّظرة الخائنة للأعيُن. و إسناد الخيانة إلى النّظرة مجاز، لأنّ الخائن هو النّاظر، أو يعلم خائنة الأعين على أ نّها مصدر كالعافية، كقوله تعالى: { وَ لاتَزَالُ تَطَّلِعُ عَلى خَائِنَة مِنْهُمْ } المائدة: 13. و الخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد فى السّرّ، و نقيضها الأمانة. و المراد هنا: استراق النّظر إلى غير المحرَم، كفعل أهل الرّيب، و النّظرة الثّانية إليه. و في الخبر: « يا ابن آدم لك النّظرة الأُولىمعفوّة لوقوعها مفاجأة، دون الثّانية لكونها مقارنة للقصد ».

و هي من قبيل زنى النّظر؛و ذلك لأنّ النّظر سهم مسموم من سهام إبليس، و النّظرة تزرع فى القلب شهوةً و كفى بها فتنة. قال الكاشفيّ: أي الرّمز بالعين على وجه العيب.

و فى« التّأويلات النّجميّة »:خائنة أعين المحبّين: استحسانهم شيئًا غير المحبوب، و النّظر إلى غير المحبوب، و في معناها قيل:

فعيني إذا استَحْسَنَت غيركم

أمرت الدّموع بتأديبها

حُكي أنّ بعضهم مرّ بدكّان و فيه نطاق معلّق، فتعلّق به نظره فاستحسنه، ثمّ لمّا تباعد عن الدّكّان فُقِد النّطاق من محلّه، فأتبعه صاحب الدّكّان، ففتّش عنه فوجده على وسطه، و كان ذلك عقوبة من الله عليه، لاستحسانه ذلك النّطاق، حتّى اتُّهم بسرقته و عُوقب عليه.

قال أبو عثمان: خيانة العين: هو أن لايغضّها عن المحارم، و يرسلها إلى الهوى و الشّهوات.و قال أبو بكر الورّاق: يعلم من يمدّ عينيه إلى الشّيء معتبرًا، و من يمدّ عينيه لإرادة الشّهوة. و قال أبو

ص: 371

جعفر النَّيسابوريّ: زنى العارف نظره بالشّهوة.

(8: 170)

الآلوسيّ: أي النّظرة الخائنة، كالنّظرة إلى غير المحرَم، و استراق النّظر إليه و غير ذلك. ف { خَائِنَةَ } صفة لموصوف مقدّر، و جَعْل النّظرة خائنة إسناد مجازيّ، أو استعارة مصرّحة أو مكنيّة و تخييليّة، و يُجعَل النّظر بمنزلة شيء يسرق من المنظور إليه، و لذا عُبّر فيه بالاستراق. و يجوز أن يكون { خَائِنَةَ } مصدرًا كالكاذبة و العاقبة

و العافية، أي يعلم سبحانه خيانة الأعين. و قيل: هو وصف مضاف إلى موصوفه، كما في قوله:

*و إن سيقت كرام النّاس فأسقينا*

أي يعلم سبحانه الأعين الخائنة، و لايحسن ذلك لقوله تعالى: { وَ مَا تُخْفِى الصُّدُورُ } أي و الّذي تُخفيه الصّدور من الضّمائر، أو إخفاء الصّدور لما تُخفيه من ذلك، لأنّ الملاءمة واجبة الرّعاية في علم البيان، و ملائم الأعين الخائنة: الصّدور المخفيّة.

و ما قيل في عدم حسن ذلك: من أنّ مقام المبالغة يقتضي أن يراد استراق العين، ضمّ إليه هذه القرينة أوّلا ، فغير قادح في التّعليل المذكور؛ إذ لامانع من أن يكون على مطلوب دلائل، ثمّ لولا القرينة لجاز أن تُجعَل الأعين تمهيدًا للوصف، فالقرينة هي المانعة. و هذه الجملة على ما في « الكشّاف » متّصلة بأوّل الكلام، خبر من أخبار هو في قوله تعالى: { هُوَ الَّذى‘ يُريكُمْ } المؤمن: 13، على معنى: هو الّذي يريكم ، و هويعلم خائنة الأعين، و لم يجعله تعليلا لنفي الشّفاعة، [في قوله قبله { وَ لاشَفيعٍ‘ يُطَاعُ}] على معنى: ما لهم من شفيع، لأنّ الله تعالى يعلم منهم الخيانة سرًّا و علانيةً. (24: 59)

القاسميّ: أي نظراتها الخائنة، و هي الممتدّة إلى ما لايحلّ. (14: 5162)

ابن عاشور: يجوز أن تكون جملة: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } خبرًا عن مبتدإ محذوف، هو ضمير عائد إلى اسم الجلالة من قوله: { اِنَّ اللهَ سَريعُ‘ ‘الْحِسَابِ } المؤمن: 17، على نحو ما قُرّر قبله في قوله: { رَفيعُ‘ الدَّرَجَاتِ } المؤمن: 15. و مجموع الظّاهر و المقدّر استئناف للمبالغة في الإنذار، لأ نّهم إذا ذُكّروا بأنّ الله يعلم الخفايا، كان إنذارًا بالغًا يقتضي الحذر من كلّ اعتقاد أو عمل نهاهم الرّسول (صلی الله علیه و آله) عنه، فبعد أن أيْأسهم من شفيع يسعى لهم في عدم المؤاخذة بذنوبهم، أيْأسهم من أن يتوهّموا أ نّهم يستطيعون إخفاء شيء من نواياهم، أو أدنى حركات أعمالهم على ربّهم.

و يجوز أن تكون خبرًا ثانيًا عن اسم(اِنَّ ) في قوله: { اِنَّ اللهَ سَريعُ‘ الْحِسَابِ} المؤمن: 17، و ما بينهما اعتراض، كما مرّ على كلا التّقديرين.

و { خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } مصدر مضاف إلى فاعله، فالخائنة: مصدر على وزن اسم الفاعل مثل العافية للمعافاة، و العاقبة، و الكاذبة في قوله تعالى: { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } و يجوز إبقاء { خَائِنَةَ } على ظاهر

ص: 372

اسم الفاعل، فيكون صفة لموصوف محذوف دلّ عليه { الاَعْيُنِ } أي يعلم نظرة الأعين الخائنة.

و حقيقة الخيانة: عمل من اؤتُمِن على شيء بضدّ ما اؤتُمِن لأجله، بدون علم صاحب الأمانة، و من ذلك نقض العهد بدون إعلان بنبذه. و معنى { خَائِنَةَ الاَعْيُنِ }: خيانة النّظر، أي مسارقة النّظر لشيء بحضرة من لايحبّ النّظر إليه. فإضافة { خَائنَةَ } إلى{ الاَعْيُنِ } من إضافة الشّيء إلى آلته، كقولهم: ضرب السّيف.

و المراد ب { خَائِنَةَ الاَعْيُنِ }: النّظرة المقصود منها إشعار المنظور إليه بما يسوء غيرها الحاضر استهزاءً به أو إغراءً به. و إطلاق الخائنة بمعنى الخيانة على هذه النّظرة، استعارة مكنيّة، شبّه الجليس بالحليف في أ نّه لمّا جلس إليك أو جلست إليه، فكأ نّه عاهدك على السّلامة، ألا ترى أنّ المجالسة يتقدّمها السّلام، و هو في الأصل إنباء بالمسالمة، فإذا نظرت إلى آخر غيركما نظرًا خفيًّا لإشارة إلى ما لايرضى الجليس من استهزاء أو إغراء، فكأ نّك نقضت العهد المدخول عليه بينكما. فإطلاق الخيانة على ذلك تفظيع له، و يتفاوت قرب التّشبيه بمقدار تفاوت ما وقعت النّظرة لأجله في الإساءة وآثار المضرّة. و لذلك قال النّبيّ (صلی الله علیه و آله): «ما يكون لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين »، أي لاتصدر منه.

(24: 173)

الطَّباطَبائيّ: قيل: الخائنة: مصدر كالخيانة، نظيرة الكاذبة و اللاغية بمعنى الكذب و اللّغو، و ليس المراد ب{ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } كلّ معصية من معاصيها، بل المعاصي الّتي لاتظهر للغير كسارقة النّظر، بدليل ذكرها مع { مَا تُخْفِى الصُّدُورُ }.

و قيل: { خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } من قبيل إضافة الصّفة إلى الموصوف، و لازمه كون العلم بمعنى المعرفة، و المعنى: يعرف الأعين الخائنة، و الوجه هو الأوّل. (17: 320)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ الله تبارك و تعالى يعلم الحركات السّرّ يّة للعيون، و ما تُخفيه الصّدور من أسرار، و سيقوم تعالى بالحكم و القضاء العادل عليها، و هو بعلمه سيجعل صباح الظّالمين المذنبين مظلمًا.

و عند ما سئل الإمام الصّادق(علیه السلام) عن معنى الآية فأجاب: « ألم تر إلى الرّجل ينظر إلى الشّيء و كأ نّه لاينظر إليه، فذلك خائنة الأعين >، أي يوهم أ نّه لاينظر إليه.

قد يتطاول البعض بنظره إلى أعراض النّاس و إلى ما يُحرَم النّظر إليه، و قد يستطيع الفاعل أن يُخفي فعلته عن الآخرين، لكن ذلك لايخفى عن علم الله المحيط بكلّ ذرّات الوجود؛ إذ لايعزب عنه مثقال ذرّة في السّماوات و لا في الأرض.

و قد روي أنّه « لمّا جيء بعبد الله بن أبي سرح إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله) بعد ما اطمأنّ أهل مكّة و طلب له الأمان عثمان، صمت رسول الله طويلا ثمّ قال: نعم، فلمّا انصرف قال رسول الله لمن حوله: « ما صُمتُ طويلا إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه »

ص: 373

فقال رجل من الأنصار: فهلا أومَأتَ إليّ يا رسول الله؟ فقال: « إنّ النّبيّ لاتكون له خائنة الأعين ».

و بالطّبع فإنّ لخيانة العين أشكال مختلفة؛ إذ تتمثّل في بعض الأحيان باستراق النّظر إلى ما يحرم كالنّساء و غيرهنّ، و أحيانًا تتمثّل بإشارات معيّنة للعين تهدف تحقير الآخرين و الاستهزاء بكلامهم. و قد تكون حركات العين مقدّمة لمخطّطات شيطانيّة ضدّ الآخرين.

إنّ مَن يؤمن بالحساب الدّقيق في الآخرة، عليه أن يراعي حدود التّقوى في خائنة الأعين، و خطرات الفكر. و واضح أنّ استحضار عناصر الرّقابة هذه لها مؤدّاها التّربويّ الكبير، في سلوك الإنسان و حياته.

و في قصص الوعظ المتداولة في مجالس العلماء، يقال: إنّ أحد كبار العلماء عندما أنهى دراسته الدّينيّة في النّجف الأشرف، طلب من أُستاذه عند ما أراد الرّجوع إلى بلده أن يعظه و ينصحه، فقال له الأُستاذ: بعد كلّ هذاالتّعب و تحمّل مشاقّ الدّراسة و التّحصيل، فإنّ آخر نصيحتي لك هي أن لاتنسى أبدًا قوله تعالى: { اَلَمْ يَعْلَمْ بِاَنَّ اللهَ يَرى } العلق: 14.

المؤمن الحقيقيّ يعتبر العالم كلّه حاضرًا عند الله تعالى، و أنّ كلّ الأعمال تتمّ في حضوره، و ينبغي لهذا الحضور الإلهيّ أن يكون رادعًا كافيًا للخجل و الكف عن المعاصي و الذّنوب. (15: 212)

فضل الله: فيرصد النّظرة الخائنة الّتي تتلصّص وتتجسّس و تخون مشاعر العفّة في الإنسان، ممّا لايطّلع عليه أحد. { وَ مَا تُخْفِى الصُّدُورُ } في ما تختزنه الصّدور من أسرار و خفايا، و في ما تُخفيه المشاعر من عواطف و انفعالات. ممّا لايستطيع النّاس اكتشافه إلا بوسائل خاصّة، و لكنّ الله يعلمه بعلمه الّذي لايخفى عليه شيء.

(20: 27)

خَوَّ ان

اِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذينَ ‘ امَنُوا اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ خَوَّان كَفُور. الحجّ: 38

ابن عبّاس: هم الّذين خانوا الله بأن جعلوا معه شريكًا و كفروا نعمه. (الطَّبْرِسيّ: 4: 87)

مُقاتِل: كلّ عاص. (3: 129)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: إنّ الله يدفع غائلة المشركين عن الّذين آمنوا بالله و برسوله، إنّ الله لايحبّ كل خَوّان يخون الله، فيخالف أمره و نهيه، و يعصيه و يطيع الشّيطان. (9: 160)

الزّجّاج: فعّال من الخيانة، أي من ذكَر اسم غير الله و تقرّب إلى الأصنام بذبيحته، فهو خَوّان كفور. (3: 429)

نحوه ابن الجَوْزيّ. (5: 435)

الطُّوسيّ: و هو الّذي يُظهر النّصيحة، و يُضمر الغش للنّفاق، أو لاقتطاع المال. و قيل: إنّ من ذكر اسم غير الله على الذّبيحة، فهو الخَوّان.

(7: 320)

الزّمَخْشَريّ: و جعل العلّة في ذلك أ نّه لايُحبّ أضدادهم، و هم الخَوَنة الكفَرة الّذين

ص: 374

يخونون الله و الرّسول، و يخونون أماناتهم، و يكفرون نعم الله ويغمطونها. (3: 15)

الفَخْرالرّازيّ: فالمعنى أ نّه سبحانه جعل العلّة في أ نّه يدافع عن الّذين آمنوا، أنّ الله لايحبّ صدّهم، و هو الخَوّان الكفور، أي خوّان في أمانة الله كفور لنعمته، و نظيره قوله: { لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } الأنفال: 27. قال مُقاتِل: أقرّوا بالصّانع و عبدوا غيره، فأيّ خيانة أعظم من هذه؟

(23: 38)

البُرُوسَويّ: بليغ الخيانة في أمانة الله، أمرًا كانت أو نهيًا، أو غيرهما من الأمانات. [إلى أن قال:]و اعلم أنّ الخيانة و النّفاق واحد، لأنّ الخيانة تقال: اعتبارًا بالعهد و الأمانة، و النّفاق يقال: اعتبار بالدّين، ثمّ يتداخلان. فالخيانة: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ؛ و نقيض الخيانة الأمانة. و من الخيانة الكفر، فإنّه إهلاك للنّفس الّتي هي أمانة الله عند الإنسان، و تجري في الأعضاء كلّها، قال تعالى: { اِنَّ السَّمْعَ وَ اْلبَصَرَ وَ الْفُؤَ ادَ كُلُّ اُولئِكَ ’كَانَ عَنْهُ مَسْؤُلا } الإسراء: 36.

و يجري في الصّلاة و الصّوم و نحوهما، إمّا بتركها أو بترك شرط من شرائطها الظّاهرة و الباطنة، فأكل السّحور مع غلبة الظّن بطلوع الفجر، أو الإفطار مع الشّكّ بالغروب خيانة للصّوم، و من أكل السّحور فنام عن صلاة الصّبح حتّى طلع الشّمس، فقد كفر بنعمة الله الّتي هي السّحور،

و خانه بالصّلاة أيضًا، فترك الفرض من أجل السُّنّة تجارة خاسرة. روي أنّ واحدًا ضاع له تسعة دراهم، فقال: من وجدهم و بشّرني فله عشرة دراهم، فقيل: له في ذلك، فقال: إنّ في الوجدان لذّة لاتعرفونها أنتم، فأهل الغفلة وجدوا في المنام لذّة هي أفضل عندهم من ألف صلاة، نعوذ بالله تعالى.

و من الخيانة النّقص في المكيال و الميزان، حُكي أ نّه احتضر رجل فإذا هو يقول: جبَلَين من نار جبَلَين من نار، فسُئل أهله عن عمله، فقالوا: كان له مكيالان يكيل بأحدهما و يكتال بالآخر، و من الخيانة التّسبّب إلى الخيانة.

و كتب رجل إلى الصّاحب بن عبّاد: إنّ فلا نًا مات و ترك عشرة آلاف دينار، و لم يُخْلف إلا بنتًا واحدة. فكتب على ظهر المكتوب: النّصف للبنت و الباقى يُردّ عليها، و على السّاعي ألف ألف لعنة.

ثمّ إنّ المؤمن الكامل منصور على كلّ حال، فلايضرّه كيد الخائنين، فإنّ الله لايحبّ الخائنين، فإذا لم يُحبّهم لم ينصرهم، و يحبّ المؤمن فينصره. و في الآية إشارة إلى أنّ الله تعالى يدافع خيانة النّفس و هواها عن المؤمنين، و أنّ مدافعة النّفس و هواها عن أهل الإيمان إنّما كان لإزالة الخيانة، و كفران النّعمة، لأ نّه لايحبّ المتّصفين بها، و أ نّه يحبّ المؤمنين المخلصين عنها. فالآية تنبيه على إصلاح النّفس الأمّارة، و تخليصها عن الأوصاف الرّذيلة.

(6: 37)

الآلوسيّ: أي إنّ الله تعالى يبغض كلّ خوّان

ص: 375

في أماناته تعالى، و هي أوامره تعالى شأنه و نواهيه، أو في جميع الأمانات الّتي هي معظمها كفُور لنعمه عزّ و جلّ. و صيغة المبالغة فيهما لبيان أنّ المشركين كذلك، لاللتّقييد المشعر بمحبّة الخائن و الكافر، أو لأنّ خيانة أمانة الله تعالى و كفران نعمته لايكونانحقيرين، بل هما أمران عظيمان، أو لكثرة ما خانوا فيه من الأمانات، و ما كفروا به من النّعم، أو للمبالغة في نفي المحبّة على اعتبار النّفي أوّ لا ، و إيراد معنى المبالغة ثانيًا، كما قيل في قوله تعالى: { وَ مَا رَبُّكَ بِظَلامٍٍ لِلْعَبيدِ‘} فصّلت: 46، و قد علمت ما فيه. و أيًّامّا كان فالمراد نفي الحبّ عن كلّ فرد فرد من الخَوَنة الكفَرة. (17: 161)

ابن عاشور: و الخَوّان: الشّديد الخَوْن، و الخَوْن كالخيانة: الغَدْر بالأمانة، و المراد بالخوّان: الكافر، لأنّ الكفر خيانة لعهد الله الّذي أخذه على المخلوقات، بأن يُوحّدوه فجعله في الفطرة، و أبلغه النّاس على ألسنة الرّسل، فنبّه بذلك ما أودعهم في فطرتهم.

و الكفُور: الشّديد الكفر، وأفادت { كُلَّ } في سياق النّفي عموم نفي محبّة الله عن جميع الكافرين؛ إذ لايحتمل المقام غيرذلك. و لايتوهّم من قوله: { لايُحِبُّ كُلَّ خَوَّان } أ نّه يحبّ بعض الخوّانين، لأنّ كلمة{ كُلَّ } اسم جامد لايشعر بصفة، فلايتوهّم توجّه النّفي إلى معنى الكلّيّة المستفاد من كلمة { كُلَّ }، و ليس هو مثل قوله تعالى: { وَ مَا رَبُّكَ بِظَلام لِلْعَبيدِ ‘} فصّلت: 46، الموهم أنّ نفي قوّة الظّلم لايقتضي نفي قليل الظّلم. (17: 196)

الطَّباطَبائيّ: و< الخَوّ ان >: اسم مبالغة من الخيانة، و كذا < الكفُور > من الكفران. و المراد ب{ الَّذينَ‘ امَنُوا }: المؤمنون من الأُمّة، و إن انطبق بحسب المورد على المؤمنين في ذلك الوقت، لأنّ الآيات تشرّع القتال و لايختصّ حكمه بطائفة دون طائفة، و المورد لايكون مخصّصًا.

و المرادب { كُلَّ خَوَّ ان كَفُور }: المشركون، و إنّما كانوا مكثرين في الخيانة و الكفران، لأنّ الله حمّلهم أمانة الدّين الحقّ، و جعلها وديعة عند فطرتهم، لينالوا بحفظه و رعايته سعادة الدّارين، و عرّفهم إيّاه من طريق الرّسالة، فخانوه بالجحد و الإنكار، و غمرهم بنعمه الظّاهرة و الباطنة، فكفروا بها و لم يشكروه بالعبوديّة.

و في الآية تمهيد لما في الآية التّالية من الإذن في القتال، فذكر تمهيدًا أنّ الله يدافع عن الّذين آمنوا، و إنّما يدفع عنهم المشركين، لأ نّه يحبّ هؤلاء و لايحبّ أُولئك لخيانتهم و كفرهم، فهو إنّما يحبّ هؤلاء لأمانتهم و شكرهم، فهو إنّما يدافع عن دينه الّذي عند المؤمنين. (14: 383)

مكارم الشّيرازيّ: و في الختام، توضّح هذه الآية موقف المشركين و أتباعهم بين يدي الله بهذه العبارة الصّريحة { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ خَوَّ ان كَفُور }. أُولئك الّذين أشركوا بالله حتّى أ نّهم ذكروا أسماء أوثانهم عند التّلبية. فثبتت عليهم الخيانة و الكفر لأنعم الله، حيثيسمّون أوثانهم عند تقديم

ص: 376

الأضاحي، و لايذكرون اسم الله عليها، فكيف يحبّ الله قومًا كهؤلاء الخونة الكفرة؟! (10: 318)

فضل الله: فالله لايحبّ الخيانة في سلوك الإنسان، لأ نّها انحراف عن خطّ الاستقامة الّتي هي أساس ثبات حركة الإنسان في قضاياه العامّة،

و سبب استقرارها، كما أنّ الله لايحبّ الكفر الّذي يُسيء إلى خطّ الالتزام بالحقائق الأساسيّة الّتي تمثّل المنهج الفكريّ الممتدّ في الجانب العمليّ منها، لأنّ الله يريد للإنسان أن يتحرّك في خطّ الالتزام، على أساس وضوح الرّؤية في التّصوّر و الحركة. و إذا كان الله لايحبّ هؤلاء الّذين يلتزمون خطّ الخيانة و الكفر، فإنّه يهملهم، و لايدافع عنهم، و لايُنزل عليهم من ألطافه، بل يتركهم لأنفسهم، و لصيرورة الأشياء الطّبيعيّة الّتي قد تُحقّق الهزيمة لهم، فلايتدخّل لمنعها. و قد يقعون في الضّعف، فلايقوّيهم بوحيه و رحمته، بينما يتدخّل في بعض الحالات لمنع هزيمة المؤمنين، كما فعل في معركة بدر و الأحزاب و غيرهما، أو قد ينزل وحيه أو ملائكته، لتقوية موقف المؤمنين إذا ضعفوا.

و خلاصة الفكرة في الآية، أنّ الله ينسب الدّفاع عن الّذين آمنوا إلى نفسه، بالطّريقة نفسها الّتي ينسب فيها الأُمور المتعلّقة بالإنسان و الحياة إلى ذاته، عَبْر الوسائل المألوفة و غير المألوفة، للإيحاء بالرّعاية الخاصّة الّتي يمنحها للمؤمنين بلطفه و رحمته. و الله العالم. (16: 72)

خَوَّ انًا

وَ لاتُجَادِلْ عَنِ الَّذينَ‘ يَخْتَانُونَ اَ نْفُسَهُمْ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا اَثيمًا‘. النّساء: 107

قَتادَة: اختَان رجل عمًّا له دِرْعًا، فقذف بها يهوديًّا كان يغشاهم، فجادل عمّ الرّجل قومه، فكأنّ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) عذره. ثمّ لحق بأرض الشّرك، فنزلت فيه:{ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى} النّساء:115. (الطّبَريّ4: 271)

الطّبَريّ:يعني بذلك جلّ ثناؤه:{ وَ لا تُجَادِلْ} يا محمّد، فتخاصم { عَنِ الَّذينَ‘ يَخْتَانُونَ اَنْفُسَهُمْ } يعني يخونون أنفسهم، يجعلونها خَوَنة بخيانتهم ما خانوا من أموال من خانوه مالَه، و هم بنو أُبيرق. يقول: لاتخاصم عنهم من يطالبهم بحقوقهم، و ما خانوه فيه من أموالهم. { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا اَثيمًا ‘} يقول: إنّ الله لايحبّ من كان من صفته خيانة النّاس في أموالهم، و ركوب الإثم في ذلك و غيره ممّا حرّمه الله عليه. (4: 270)

الطُّوسيّ: نهى الله تعالى نبيّه(صلی الله علیه و آله) أن يجادل عن الّذين يختانون أنفسهم، بمعنى يخونون أنفسهم، فيجعلونها خَوَنة بخيانتهم ماخانوا منالأموال. و هم الّذين تقدّم ذكرهم من بني أُبيرق، فقال: لاتخاصم عنهم فيما خانوا فيه، ثمّ أخبر { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّ انًا اَثيمًا ‘} يعني من كان صنعته خيانة النّاس في أموالهم. { اَثيمًا‘ } يعني مأثومًا، و بمثله قال من تقدّم من المفسّرين. (3: 318)

الواحديّ: و معنى {يَخْتَانُون اَ نْفُسَهُمْ }

ص: 377

يخونونها بالمعصية، و العاصي خائن، لأ نّه مؤتمن على دينه.

و قوله: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا اَثيمًا ‘} أي خائنًا فاجرًا، و ذلك أنّ « طعمة » خان في الدّرع وأثم في رميه اليهوديّ. (2: 112)

البغَويّ : أي يظلمون أنفسهم بالخيانة و السّرقة. { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّ انًا اَثيمًا ‘} خائنًا.

(1: 699)

الزّمَخْشَريّ : يخونونها بالمعصية ، كقوله :

{ عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ } البقرة: 187، جعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم، كما جعلت ظلمًا لها، لأنّ الضّرر راجع إليهم.

فإن قلت: لِمَ قيل: { لِلْخَائِنينَ ‘} البقرة:105،

و { يَخْتَانُونَ اَ نْفُسَهُمْ } و كان السّارق « طعمة » وحده؟ قلت: لوجهين:

أحدهما: أنّ بني ظفر شهدوا له بالبراءة و نصروه، فكانوا شركاء له في الإثم.

و الثّاني: أ نّه جمع ليتناول « طعمة » و كلّ من خان خيانته، فلاتخاصم لخائن قطّ، و لاتجادل عنه.

فإن قلت: لِمَ قيل:{ خَوَّ انًا اَثيمًا ‘}على المبالغة؟

قلت: كان الله عالمًا من « طعمة » بالإفراط في الخيانة و ركوب المآثم، و من كانت تلك خاتمة أمره لم يشكّ في حاله. و قيل: إذا عثَرتَ من رجل على سيّئة فاعلم أنّ لها أخوات. (1: 562)

نحوه الفَخْرالرّازيّ (11: 34)، و النّسَفيّ (1: 249)، و أبوالسُّعود (2: 194).

ابن عَطيّة: و قوله تعالى: { وَ لاتُجَادِلْ عَنِ الَّذينَ‘ يَخْتَانُونَ اَنْفُسَهُمْ } لفظ عامّ يندرج طيّه أصحاب النّازلة، و يتقرّر به توبيخهم، و قوله تعالى: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّ انًا اَثيمًا‘} رفق و إبقاء، فإنّ الخَوّان هو الّذي تتكرّر منه الخيانة، و الأثيم هو الّذي يقصدها، فيخرج من هذا الشّديد السّاقط مرّة واحدة، و نحو ذلك ممّا يجيء من الخيانة بغير قصد أو على غفلة. و اختيان الأنفس هو بما يعود عليها من الإثم و العقوبة في الدّنيا و الآخرة. (2: 110)

الطَّبْرِسيّ: أي يخونون أنفسهم و يظلمونها، أراد مَن سرق الدِّرع، و من شاركه في السّرقة و الخيانة. و قيل: إنّه أراد به قومه الّذين مشوا معه إلى النّبيّ، و شهدوا له بالبراءة، عمّا نُسب إليه من السّرقة. و قيل: أراد به السّارق و قومه، و مَن هو في معناهم.و إنّما قال: { يَخْتَانُونَ اَ نْفُسَهُمْ } و إن خانوا غيرهم، لأنّ ضرر خيانتهم كأ نّه راجع إليهم، لاحق بهم، كما تقول لمن ظلم غيره: ما ظلَمتَ إلا نفسك، و كقوله تعالى: { اِنْ اَحْسَنْتُمْ اَحْسَنْتُمْ لاَ‚ نْفُسِكُمْ } الإسراء:7. { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّ انًا اَثيمًا‘ } هو فعّال الخيانة، أي من كان كثير الخيانة، و قد ألِفها و اعتادها. و قد يُطلَق الخوّان على الخائن في شيء واحد، إذا عظمت تلك الخيانة. و الأثيم: فاعل الإثم. و قيل معناه: لايحبّ من كان خوّانًا، إذا سرق الدّرع. و { اَثيمًا ‘} إذا رمى به اليهوديّ. (2: 106)

القُرطُبيّ: أي لاتحاجج عن الّذين يخونون

ص: 378

أنفسهم؛ نزلت في أسير بن عروة، كما تقدّم...

{ مَنْ كَانَ خَوَّ انًا اَثيمًا‘ } خائنًا. و { خَوَّ انًا } أبلغ؛ لأ نّه من أبنية المبالغة. و إنّما كان ذلك، لعِظَم قدر تلك الخيانة. و الله أعلم. (5: 378)

البَيْضاويّ: يخونونها، فإنّ وبال خيانتهم يعود عليها، أو جعل المعصية خيانة لها كما جعلت ظلمًا عليها. و الضّمير ل « طعمة » و أمثاله أو له و لقومه، فإنّهم شاركوه في الإثم، حين شهدوا على براءته و خاصموا عنه، إنّ الله لايحبّ من كان خوّ انًا مبالغًا في الخيانة مصرًّ ا.

(1: 242)

أبوحَيّان: هذا عامّ يندرج فيه أصحاب النّازلة، و يتقرّر به توبيخهم. و اختيان الأنفس هو ممّايعود عليها من العقوبة في الآخرة و الدّنيا، كما جاء نسبة ظلمهم لأنفسهم. و النّهي عن الشّيء لايقتضي أن يكون المنهيّ ملابسًا للمنهيّ عنه. و روى العوفيّ عن ابن عبّاس: أنّ الرّسول (صلی الله علیه و آله) خاصم عن « طعمة »، و قام يعذر خطيبًا. و روى قَتادَة و ابن جُبَيْر: أ نّه همّ بذلك و لم يفعله.

{ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّ انًا اَثيمًا} أتى بصيغة المبالغة في الخيانة و الإثم، ليخرج منه من وقع منه المرّة، و من صدرت منه الخيانة على سبيل الغفلة و عدم القصد. و في صفتي المبالغة دليل على إفراط < طعمة > في الخيانة، و ارتكاب المآثم.

و قيل: إذا عثَرتَ من رجل سيئة فاعلم أنّ لها أخوات...

و تقدّمت صفة الخيانة على صفة المآثم، لأ نّها سبب للإثم خان فأثم، و لتواخي الفواصل.

(3: 344)

البُرُوسَويّ: الاختيان و الخيانة بمعنى ، أي يخونونها بالمعصية. و إنّما قال: { يَخْتَانُونَ اَ نْفُسَهُمْ } و إن كانوا ما خانوا أنفسهم، لأنّ مضرّة خيانتهم راجعة إليهم، كما يقال فيمن ظلم غيره: ما ظلم إلا نفسه، كذا في تفسير الحدّاديّ. و المراد بالموصول إمّا « طعمة » و أمثاله، و إمّا هو و مَن عاونه و شهد ببراءته من قومه، فإنّهم شركاء له في الإثم و الخيانة. { اِنَّاللهَ لايُحِبُّ } عدم المحبّة كناية عن البغض و السّخط. { مَنْ كَانَ خَوَّانًا } مفرطًا في الخيانة مصرًّا عليها. (2: 279)

الآلوسيّ: أي يخونونها، و جعلت خيانة الغير خيانة لأنفسهم، لأنّ وبالها و ضررها عائد عليهم.

و يحتمل أ نّه جُعلت المعصية خيانة، فمعنى { يَخْتَانُونَ اَ نْفُسَهُمْ }: يظلمونها باكتساب المعاصي و ارتكاب الآثام. و قيل: الخيانة مجاز عن المضرّة و لابُعد فيه.

و المراد بالموصول: إمّا السّارق، أوالمودَع المكافر و أمثاله، و أمّا هو و من عاونه فإنّه شريك له في الإ ثم و الخيانة. و الخطاب للنّبيّ(صلی الله علیه و آله) و هو عليه الصّلاة و السّلام المقصود بالنّهي، و النّهي عن الشّيء لايقتضي كون المنهيّ مرتكبًا للمنهيّ عنه.

و قد يقال: إنّ ذلك من قبيل { لَئِنْ اَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } الزّمر:65، و من هنا قيل: المعنى

ص: 379

لاتجادل أيّها الإنسان إنّ الله لايحبّ من كان خوّانًا كثير الخيانة مفرطًا فيها، أثيمًا مُنهمكًا في الإثم.

و تعليق عدم المحبّة المراد منه البغض و السّخط بصيغة المبالغة ليس لتخصيصه، بل لبيان إفراط بني أُبيرق و قومهم في الخيانة و الإثم. و قال أبوحَيّان:

< أتى بصيغة المبالغة فيهما ليخرج منه من وقع منه الإثم و الخيانة مرّة و من صدر منه ذلك على سبيل الغفلة و عدم القصد > و ليس بشيء.

و إرداف الخوّان بالإثم قيل: للمبالغة، و قيل: إنّ الأوّل باعتبار السّرقة أو إنكار الوديعة، و الثّاني باعتبار تهمة البريء، و روي ذلك عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما. و قُدّمت صفة الخيانة على صفة الإثم لأ نّها سبب له، أو لأنّ وقوعهما كان كذلك، أو لتواخي الفواصل على ماقيل. (5: 140)

ابن عاشور: و { يَخْتَانُونَ } بمعنى يخونون، و هو « افتعال » دالّ على التّكلّف و المحاولة لقصد المبالغة في الخيانة. و معنى خيانتهم أنفسهم أ نّهم بارتكابهم ما يضرّ بهم كانوا بمنزلة من يخون غيره كقوله: { عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ } البقرة:187. و لك أن تجعل{ اَ نْفُسَهُمْ } هنا بمعنى بني أنفسهم، أي بني قومهم، كقوله:{ تَقْتُلُونَ اَ نْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَريقًا‘ مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ } البقرة: 85، و قوله: { فَسَلِّمُوا عَلى اَ نْفُسِكُمْ } النّور: 61، أي الّذين يختانون ناسًا من أهلهم و قومهم. و العرب تقول: هو تميميّ من أنفسهم، أي ليس بمولى و لا لصيق. (4: 248)

الطَّباطَبائيّ: قيل: إنّ نسبة الخيانة إلى النّفس لكون وَبالها راجعًا إليها، أو بعدِّ كّل معصية خيانة للنّفس كماعُدّ ظلمًا لها، و قد قال تعالى: { عَلِمَ اللهُ اَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ} البقرة: 187.

و يمكن أن يستفاد من الآية بمعونة ما يدلّ عليه القرآن، من أنّ المؤمنين كنفس واحدة، و أنّ مال الواحد منهم مال لجميعهم، يجب على الجميع حفظه و صونه عن الضّيعة و التّلف كون تعدّي بعضهم على بعض بسرقة و نحوها اختيانًا لأنفسهم.

و في قوله تعالى: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّ انًا اَثيمًا ‘} دلالة على استمرار هؤلاء الخائنين في خيانتهم، و يؤكّده قوله: { اَثيمًا‘ } فإنّ الأثيم آكد في المعنى من الآثم، و هو صفة مشبّهة تدلّ على الثّبوت، على أنّ قوله: { يَخْتَانُونَ اَنْفُسَهُمْ } لاتخلو عن دلالة على الاستمرار، و كذا قوله: { لِلْخَائِنينَ‘} النّساء: 105، حيث عبّر بالوصف و لم يعبّر بمثل قولنا: للّذين خانوا، كما عبّر بذلك في قوله: { فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَاَمْكَنَ مِنْهُمْ } الأنفال: 71.

فمن هذه القرائن و أمثالها يظهر أنّ معنى الآية بالنّظر إلى مورد النّزول : و لاتكن خصيمًا لهؤلاء، و لاتجادل عنهم، فإنّهم مصرّ ون على الخيانة، مبالغون فيها، ثابتون على الإثم، و الله لايُحبّ من كان خوّانًا أثيمًا.

و هذا يؤيّد ما ورد في أسباب النّزول من نزول الآيات في أبي طعمة ابن الأُبيرق كما سيجيء.

و معنى الآية مع قطع النّظر عن المورد :

ص: 380

و لاتدافع في قضائك عن المصرّ ين على الخيانة المستمرّ ين عليها، فإنّ الله لايحبّ الخَوّان الأثيم، و كما أ نّه تعالى لايحب كثير الخيانة لايحبّ قليلها، و لو أمكن أن يحبّ قليلها أمكن أن يحبّ كثيرها، و إذا كان كذلك، فالله ينهى أن يُدافع عن قليل الخيانة، كما ينهى عن أن يُدافع عن كثيرها. و أمّا من خان في أمر ثمّ نازع في أمر آخر و هو محقّ في نزاعه، فالدّفاع عنه دفاع غير محظور و لاممنوع منه، و لاينهى عنه قوله: { وَ لاتَكُنْ لِلْخَائِنينَ‘ خَصيمًا} النّساء: 105. (5: 73)

مكارم الشّيرازيّ: بعد الآيات الّتي جاءت بتحريم الدّفاع عن الخائنين، تستطرد الآيات الثّلاث الأخيرة في التّشديد على حرمة الدّفاع عن الخائنين، بالأخص أُولئك الّذين يخونون أنفسهم.

و يجب الانتباه هنا إلى أنّ الآية: 107،تشير إلى الّذين يخونون أنفسهم، بينما الّذي عرفنا من سبب نزول الآيات السّابقة، هو أ نّها نزلت في شأن الّذين يخونون الغير. و في هذا إشارة إلى ذلك المعنى الدّقيق الّذي يُنبّه إليه القرآن في العديد من الآيات، و هو أنّ أيّ عمل يصدر عن الإنسان يتأثّر بنتيجته سواء كانت حسنة أو سيّئة الإنسان ذاته قبل غيره، كما جاء في الآية: 7، من سورة الإسراء، إذ تقول: { اِنْاَحْسَنْتُمْ اَحْسَنْتُمْ لاَ‚ نْفُسِكُمْ وَ اِنْ اَسَاْتُمْ فَلَهَا }، أو أنّ الآية المذكورة تشير إلى موضوع آخر أكّده القرآن أيضًا، و هو أنّ جميع أفراد البشر هم جميعًا كأعضاء جسد واحد، فإذا أضرّ أحدهم بغيره فكأ نّما أضرّ بنفسه، أي يكون بالضّبط كالّذي يصنع نفسه بنفسه.

و الأمر الآخر في الآية: أ نّها لاتخص الّذين يرتكبون الخيانة لمرّة واحدة، ثمّ يندمون على ما فعلوا؛ حيث لاضرورة لاستعمال العنف و الشّدّة مع هؤلاء، بل هم بحاجة إلى الرّأفة أكثر، و الشّدّة يجب أن تنطبق على أُولئك الّذين يحترفون الخيانة و تكون جزءً من حياتهم.

و يدلّ على هذه القرينة الواردة في الآية من خلال عبارة: { يَخْتَانُونَ } الّتي هي فعل مضارع يدلّ على الاستمراريّة، بالإضافة إلى القرينة الأُخرى الّتي تُفهَم من عبارتَي < خَوَّ ان > أي كثير الخيانة، و < اَثيم > أي كثير الذّنب، و الكلمة الأخيرة جاءت لتأكيد عبارة: < خَوَّان > في الآية، كما أنّ الآية السّابقة جاءت بكلمة « خائن » الّتي هي اسم فاعل، و الّتي لها معنًى وصفيّ يدلّ على تكرار الفعل.

لقد تعرّض الخائنون في الآية الأُخرى إلى التّوبيخ؛ حيث قالت: إنّ هؤلاء يستحيون أن تظهر بواطن أعمالهم و سرائرهم، و تنكشف إلى النّاس، لكنّهم لايستحيون لذلك من الله سبحانه و تعالى؛ إذ تقول الآية: { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لايَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ...} فلايتورّع هؤلاء من تدبير الخطط الخيانيّة في ظلام اللّيل، و التّحدّث بما لايرضى الله، الّذي يراهم و يراقب أعمالهم أينما كانوا، { وَ هُوَ مَعَهُمْ اِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لايَرْضى مِنَ اْلقَوْلِ وَ كَانَ اللهُ

ص: 381

بِمَا يَعْمَلُونَ مُحيطًا} النّساء: 108.

بعد ذلك تتوجّه الآية: 109، من سورة النّساء بالحديث عن شخص السّارق الّذي تمّ الدّفاع عنه، و تقول بأ نّه على فرض أن يتمّ الدّفاع عن هؤلاء في الدّنيا، فمن يستطيع الدّفاع عنهم يوم القيامة، أو من يقدر أن يكون لهؤلاء وكيلا ليرتّب أعمالهم و يحلّ مشاكلهم؟! حيث تقول الآية: { هَا اَنْتُمْ هؤُلاءِ’ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِى الْحَيوةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ اَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكيلا ‘ } النّساء: 109،و لذلك فإنّ الدّفاع عن هؤلاء الخَوَنة في الدّنيا ليس له أثر إلا القليل، لأ نّهم سوف لايجدون أبدًا من يدافع عنهم أمام الله في الحياة الآخرة الخالدة.

و الحقيقة هي أنّ الآيات الثّلاث الأخيرة تحمل في البداية إرشادات إلى النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، و إلى كلّ قاضٍ يريد أن يحكم بالحقّ، بأن ينتبهوا، حتّى يفوّتوا الفرصة على أُولئك الّذين يريدون انتهاك حقوق الآخرين، عِبَر و سائل مصطنعة و شهود مزوّرين.بعد ذلك تحذّر الآية الخائنين و من يدافع عنهم، بأن ينتظروا عواقب سيّئة لأعمالهم في هذه الدّنيا و في الآخرة أيضًا.

و في تلك الآيات سرّ من أسرار البلاغة القرآنيّة؛ حيث إنّها أحاطت جميع جوانب القضيّة، و أعطت الإرشادات و التّحذيرات اللازمة في كلّ مورد، مع أنّ موضوع القضيّة يبدو موضوعًا صغيرًا بحسب الظّاهر، إذ يدور حول دِرْع مسروقة أو موادّ غذائيّة، أو يهوديّ من أعداء الإسلام.

و قد تناولت الآية أيضًا الإشارة إلى النّبيّ(صلی الله علیه و آله) الّذي يُعتبر إنسانًا معصومًا عن الخطإ، كما أشارت إلى الأفراد الّذين يحترفون الخيانة، أو الّذين يدافعون عن الخائنين إندفاعًا وراء عصبيّات قبليّة، إشارات تتناسب و منزلة الأشخاص المشار إليهم في الآيات المذكورة. (3: 384)

تَخْتَانُونَ

اُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ اِلى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَاَ نْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ... البقرة:187

ابن عبّاس: إنّ جماعة من المسلمين اختانوا أنفسهم و أصابوا النّساء بعد النّوم أو بعد صلاة العشاء على الخلاف. (ابن عَطيّة1: 257)

قَتادَة: { عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ} و كان بدء الصّيام أُمروا بثلاثة أيّام من كلّ شهر، و ركعتين غُدوَة، و ركعتين عشيّة، فأحلّ الله لهم في صيامهم في ثلاثة أيّام، و في أوّل ما افترض عليهم في رمضان إذا أفطروا، و كان الطّعام و الشّراب و غشيان النّساء لهم حلالا ما لم يرقدوا، فإذا رقدوا حُرّم عليهم ذلك إلى مثلها من القابلة. و كانت خيانة القوم أ نّهم كانوا يصيبون أو ينالون من الطّعام و الشّراب و غشيان النّساء

ص: 382

بعد الرّقاد، و كانت تلك خيانة القوم أنفسهم، ثمّ أحلّ الله لهم بعد ذلك الطّعام و الشّراب و غشيان النّساء إلى طلوع الفجر. (الطّبَريّ2: 172)

الماوَرْديّ: سبب هذه الخيانة الّتي كان القوم يختانون أنفسهم، شيئان:

أحدهما: إتيان النّساء.

الثّاني: الأكل و الشّرب؛ و ذلك أنّ الله تعالى أباح في أوّل الإسلام الأكل و الشّرب و الجماع في ليل الصّيام قبل نوم الإنسان، و حرّمه عليه بعد نومه، حتّى جاء عمر بن الخطّاب ذات ليلة من شهر رمضان، يريد امرأته، فقالت له: إنّي قد نمُتُ، و ظنّ أ نّها تعتلّ عليه، فوقع بها، و جاء أبو قيس ابن صرمة، و كان يعمل في أرض له، فأراد الأكل، فقالت له امرأته: نسخّر لك شيئًا، فغلبته عيناه، ثمّ أحضرت إليه الطّعام، فلم يأكل منه فلمّا أصبح لاقى جهدًا. و أخبر عمر و أبو قيس رسول الله(صلی الله علیه و آله) بما كان منهما، فأنزل الله تعالى: { عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ}.

(1: 245)

الطُّوسيّ: معناه أ نّهم كانوا لمّا حرّم عليهم الجماع في شهر رمضان بعد النّوم، خالفوا في ذلك، فذكرهم الله بالنّعمة في الرّخصة الّتي نسخت تلك الفريضة.

فإن قيل: أليس الخيانة انتقاض الحقّ على جهة المساترة، فكيف يساتر نفسه؟قلنا عنه جوابان:

أحدهما: أنّ بعضهم كان يساتر بعضًا فيه فصار كأ نّه يساتر نفسه، لأنّ ضرر النّقص و المساترة داخل عليه.

الثّاني: أ نّه يعمل عمل المساتر له، فهو يعمل لنفسه عمل الخائن له. (2: 133)

الواحديّ: يقال: خانَه و اختَانه، إذا لم يف له، و المعنى: علم الله أ نّكم كنتم تخونون أنفسكم بالمعصية، أي لاتؤدّون الأمانة في الامتناع عن المباشرة. (1: 286)

الزّمَخْشَريّ: تظلمونها و تنقصونها حظّها من الخير. و الاختيان من الخيانة كالاكتساب من الكسب فيه زيادة و شدّة. (1: 338)

الطَّبْرِسيّ: لمّا حرّم عليهم الجماع و الأكل بعد النّوم و خالفوا في ذلك، ذكرهم الله بالنّعمة في الرّخصة الّتي نسخت تلك التّحريمة، فقال: { عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ } بالمعصية، أي. لاتؤدّون الأمانة بالامتناع عن المباشرة.

و قيل: معنى { تَخْتَانُونَ }: تنقصون أنفسكم من شهواتها، و تمنعونها من لذّاتها، باجتناب ما نهيتم عنه، فخفّفه الله عنكم. (1: 281)

الفَخْرالرّازيّ: ففيه مسائل:

المسألة الأُولى: يقال: خانَه يَخُونه خَوْ نًا و خيانةً، إذا لم يف له، و السّيف إذا نَبا عن الضّربة فقد خانك. و خانَه الدّهر، إذا تغيّر حاله إلى الشّرّ، و خان الرّجلُ الرّجلَ، إذا لم يؤدّ الأمانة. و ناقض العهد خائن، لأ نّه كان ينتظر منه الوفاء فغدر، و منه قوله تعالى: { وَ اِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً } الأنفال: 58، أي نقضًا للعهد. و يقال للرّجل المدين: إنّه خائن، لأ نّه لم يف بما يليق بدينه، و منه قوله تعالى: { لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ }

ص: 383

الأنفال: 27، و قال: { وَ اِنْ يُريدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ } الأنفال: 71، ففي هذه الآية سمّى الله المعصية بالخيانة. و إذا علمت معنى الخيانة، فقال صاحب « الكشاف »:< الاختيان من الخيانة، كالاكتساب من الكسب فيه زيادة و شدّة >.

المسألة الثّانية: إنّ الله تعالى ذكر هاهنا أ نّهم كانوا يختانون أنفسهم، إلا أ نّه لم يذكر أنّ تلك الخيانة كانت في ماذا؟ فلابدّ من حمل هذه الخيانة على شيء يكون له تعلّق بما تقدّم و ما تأخّر، و الّذي تقدّم هو ذكر الجماع، و الّذي تأخّر قوله: {فَالْنَ= بَاشِرُوهُنَّ }، فيجب أن يكون المراد بهذه الخيانة: الجماع.

ثمّ هاهنا وجهان:

أحدهما: علم الله أ نّكم كنتم تُسرّون بالمعصية في الجماع بعد العتمة و الأكل بعد النّوم، و ترتكبون المحرّم من ذلك، و كلّ من عصى الله و رسوله فقد خان نفسه و قد خان الله، لأ نّه جلب إليها العقاب. و على هذا القول يجب أن يُقطع على أ نّه وقع ذلك من بعضهم، لأ نّه لايمكن حمله على وقوعه من جميعهم، لأنّ قوله: { عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ

اَ نْفُسَكُمْ } إن حُمل على ظاهره، وجب في جميعهم أن يكونوا مختانين لأنفسهم. لكنّا قد علمنا أنّ المراد به التّبعيض للعادة و الإخبار، و إذا صحّ ذلك فيجب أن يقطع على وقوع هذا الجماع المحظور من بعضهم، فمن هذا الوجه يدلّ على تحريم سابق و على وقوع ذلك من بعضهم، و لأبي مسلم أن يقول: قد بيّنّا أنّ الخيانة عبارة عن عدم الوفاء بما يجب عليه، فأنتم حملتموه على عدم الوفاء بطاعة الله، و نحن حملناه على عدم الوفاء بما هو خير للنّفس. و هذا أولى، لأنّ الله تعالى لم يقل: ( عَلِمَ الله اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَا نُونَ الله )، كما قال: { لاتَخُونُوا اللهَ } الأنفال: 27، بل قال: { كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ } فكان حمل اللّفظ على ما ذكرناه إن لم يكن أولى فلاأقلّ من التّساوي، و بهذا التّقدير لايثبت النّسخ.

القول الثّاني: أنّ المراد: { عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَنْفُسَكُمْ } لو دامت تلك الحرمة، و معناه: أنّ الله يعلم أ نّه لو دام ذلك التّكليف الشّاقّ لوقعوا في الخيانة، و على هذا التّفسير ما وقعت الخيانة. و يمكن أن يقال: التّفسير الأوّل أولى، لأ نّه لاحاجة فيه إلى إضمار الشّرط، و أن يقال بل الثّاني أولى، لأنّ على التّفسير الأوّل يصير إقدامهم على المعصية سببًا لنسخ التّكليف، و على التّقدير الثّاني علم الله أ نّه لو دام ذلك التّكليف لحصلت الخيانة، فصار ذلك سببًا لنسخ التّكليف، رحمةً من الله تعالى على عباده حتّى لايقعوا في الخيانة. (5: 116)

القُرطُبيّ: يستأمر بعضكم بعضًا في مواقعة المحظور من الجماع و الأكل بعد النّوم في ليالي الصّوم، كقوله تعالى: { تَقْتُلُونَ اَ نْفُسَكُمْ } البقرة: 85، يعني يقتل بعضكم بعضًا. و يحتمل أن يريد به كلّ واحد منهم في نفسه بأ نّه يخونها. و سمّاه خائنًا لنفسه من حيث كان ضرره عائدًا عليه، كما تقدّم.

(2: 317)

ص: 384

البَيْضاويّ: تظلمونها بتعريضها للعقاب، و تنقيص حظّها من الثّواب. و الاختيان أبلغ من الخيانة. كالاكتساب من الكسب. (1: 103)

نحوه النّسَفيّ(1: 96)، و أبوالسُعود(1:244)، و البُرُوسَويّ (1: 296).

الآلوسيّ: { تَخْتَانُونَ اَنْفُسَكُمْ } جملة معترضة بين قوله تعالى: { اُحِلَّ...}، و بين ما يتعلّق به، أعني { فَالْن=َ...}، لبيان حالهم بالنّسبة إلى ما فُرّط منهم قبل الإحلال. و معنى { عَلِمَ } تعلّق علمه. و الاختيان تحرّك شهوة الإنسان لتحرّي الخيانة أو الخيانة البليغة، فيكون المعنى: تنقصون أنفسكم تنقيصًا تامًّا بتعريضها للعقاب، و تنقيص حظّها من الثّواب. و يؤول إلى معنى تظلمونها بذلك، و المراد الاستمرار عليه فيما مضى قبل إخبارهم بالحال، كما ينبئ عنه صيغتا الماضي و المضارع، و هو متعلّق العلم، و ما تُفهمه الصّيغة الأُولى من تقدّم كونهم على الخيانة على العلم يأبى حمله على الأزليّ الذّاهب إليه البعض. (2: 65)

ابن عاشور: قال الرّاغِب: « الاختيان: مراودة الخيانة » بمعنى أ نّه « افتعال » من الخَوْن، و أصله: تَخْتَوِنُون فصارت الواو ألِفًا لتحرّكها و انفتاح ما قبلها. و خيانة الأنفس: تمثيل لتكليفها ما لم تُكلَّف به، كأنّ ذلك تعزيرٌ بها؛ إذ يُوهمها أنّ المشقّة مشروعة عليها، و هي ليست بمشروعة، و هو تمثيل لمغالطتها في التّرخّص بفعل ما ترونه محرّمًا عليكم، فتُقدِمون تارةً و تحجمون أُخرى، كمن يحاول خيانة، فيكون كالتّمثيل في قوله تعالى :

{ يُخَادِعُونَ} البقرة: 9.

و المعنى هنا: أ نّكم تُلجئونها للخيانة أو تنسبونها لها. و قيل: الاختيان أشدّ من الخيانة، كالاكتساب و الكسب، كما في « الكشّاف ». قلت: و هو استعمال، كما قال تعالى: { وَ لاتُجَادِلْ عَنِ الَّذينَ‘ يَخْتَانُونَ اَ نْفُسَهُمْ } النّساء: 107. (2: 180)

الطَّباطَبائيّ: الاختيان و الخيانة بمعنى، و فيه معنى النّقص على ما قيل. و في قوله:{ اِنَّكُمْ تَخْتَانُونَ } دلالة على معنى الاستمرار، فتدلّ الآية على أنّ هذه الخيانة كانت دائرة مستمرّة بين المسلمين منذ شرع حكم الصّيام، فكانوا يعصون الله تعالى سرًّا بالخيانة لأنفسهم، و لو لم تكن هذه الخيانة منهم معصية، لم ينزل التّوبة و العفو. و هما و إن لم يكونا صريحين في سبق المعصية، لكنّهما و خاصّة إذا اجتمعا ظاهران في ذلك.

و على هذا، فالآية دالّة على أنّ حكم الصّيام كان قبل نزول الآية حرمة الجماع في ليلة الصّيام، و الآية بنزولها شَرّعت الحلّيّة، و نسخت الحرمة، كما ذكره جمع من المفسّرين. و يشعر به أو يدلّ عليه قوله: { اُحِلَّ لَكُمْ }، و قوله: { كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ }، و قوله: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفَا عَنْكُمْ}، و قوله: { فَالْنَ= بَاشِرُوهُنَّ }، إذ لولاحرمة سابقة كان حقّ الكلام أن يقال: فلاجناح عليكم أن تباشروهنّ، أو ما يؤدّي هذا المعنى، و هوظاهر.

و ربما يقال: إنّ الآية ليست بناسخة لعدم

ص: 385

وجود حكم تحريميّ في آيات الصّوم بالنّسبة إلى الجماع أو إلى الأكل و الشّرب، بل الظّاهر كما يشعر به بعض الرّوايات المرويّة من طرق أهل السّنّة و الجماعة، أنّ المسلمين لمّا نزل حكم فرض الصّوم، و سمعوا قوله تعالى: { يَا ءََ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّّذينَ‘ مِنْ قَبْلِكُمْ} البقرة:183، فهموا منه التّساوي في الأحكام من جميع الجهات، و قد كانت النّصارى كما قيل إنّما ينكحون و يأكلون و يشربون في أوّل اللّيل ثمّ يُمسكون بعد ذلك، فأخذ بذلك المسلمون، غير أنّ ذلك صَعُب عليهم، فكان الشّبّان منهم لايكفّون عن النّكاح سرًّا مع كونهم يرونه معصية و خيانة لأنفسهم، و الشّيوخ ربما أجهدهم الكفّ عن الأكل و الشّرب بعد النّوم، و ربما أخذ بعضهم النّوم فحرّم عليه الأكل و الشّرب بزعمه، فنزلت الآية فبيّنت أنّ النّكاح و الأكل و الشّرب غير محرّمة عليهم باللّيل في شهر رمضان.

و ظهر بذلك: أنّ مراد الآية بالتّشبيه في قوله تعالى: { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّّذينَ‘ مِنْ قَبْلِكُمْ } التّشبيه في أصل فرض الصّوم لافي خصوصيّاته. و أمّا قوله تعالى: { اُحِلَّ لَكُمْ }، فلايدلّ على سبق حكم تحريميّ بل على مجرّد تحقّق الحلّيّة، كما في قوله تعالى: { اُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } المائدة: 96؛ إذ من المعلوم أنّ صيد البحر لم يكن محرّمًا على المُحرِمين قبل نزول الآية.

و كذا قوله تعالى: { عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ } إنّما يعني به أ نّهم كانوا يخونون بحسب زعمهم و حسبانهم ذلك خيانة و معصية، و لذا قال: { تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ } و لم يقل: تختانون الله، كما قال: { لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ } مع احتمال أن يراد بالاختيان النّقص، و المعنى: علم الله أ نّكم كنتم تنقصون أنفسكم حظوظها من المشتهيات من نكاح و غيره، و كذا قوله تعالى: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفَا عَنْكُمْ }، غير صريح في كون النّكاح معصية محرّمة، هذا.

و فيه ما عرفت: أنّ ذلك خلاف ظاهر الآية، فإنّ قوله تعالى:{ اُحِلَّ لَكُمْ }، و قوله: { تَخْتَانُونَ اَنْفُسَكُمْ }، و قوله: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفَا عَنْكُمْ }، و إن لم تكن صريحة في النّسخ، غيرأنّ لها كمال الظّهور في ذلك، مضافًا إلى قوله تعالى: { فَالْنَ= بَاشِرُوهُنَّ...}إذلولم يكن هناك إلاجوازمستمرّ قبل نزول الآية و بعدها، لم يكن لهذا التّعبير وجه ظاهر.

و أمّا عدم اشتمال آيات الصّوم السّابقة على هذه الآية على حكم التّحريم، فلاينافي كونالآية ناسخة، فإنّها لم تبيّن سائر أحكام الصّوم أيضًا، مثل حرمة النّكاح و الأكل و الشّرب في نهار الصّيام. و من المعلوم أنّ رسول الله كان قد بيّنه للمسلمين قبل نزول هذه الآية، فلعلّه كان قد بيّن هذا الحكم فيما بيّنه من الأحكام، و الآية تنسخ ما بيّنه الرّسول و إن لم تشتمل كلامه تعالى على ذلك. (2: 45)

فضل الله: أي تنقصونها حظّها من اللّذّة بامتناعكم عن الجماع في اللّيل، و خيانة النّفس

ص: 386

تكون في ظلمها بمنعها عمّا ترتاح إليه، أو تكون بمعنى ممارسة المعصية تمرّدًا على التّحريم الّذي كان مفروضًا في ليالي الشّهر بالإضافة إلى نهاراته، فلاتؤدّون الأمانة الإلهيّة بالامتناع عن الجماع.

(4: 50)

الوُجوه و النّظائر

هارون الأعور: الخيانة على خمسة وجوه:

فوجه منها: الخيانة: الذّنب في الإسلام، فلذلك قوله:{ عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ } البقرة: 187، يعني المعصية في الإسلام، و قال: {لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ}الأنفال:27يعني المعصية في الإسلام. و ذلك أنّ أبا لبابة كان في أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فأشار إلى يهود قريظة بيده إلاينزلوا على الحكم، فكانت هذه منه خيانة و قال: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } المؤمن:19، هو الّذي يسارق النّظر.

الوجه الثّاني: الخيانة الّذي تكون عنده أمانة فيخونها، وذلك قوله: { لاتَكُنْ لِلْخَائِنينَ‘ خَصيمًا} النّساء:105، وهوالّذي يخون أمانته، نزلت في طعمة بن أُبيرق خان درعًا كان عنده من حديد.

الوجه الثّالث: الخيانة يعني نقض العهد، فذلك قوله: { وَ اِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْ م خِيَانَةً } الأنفال: 58، يعني نقض العهدمن اليهود، نظيرها في المائدة: 13، { وَ لاتَزَالُ تَطَّلِعُ عَلى خَائِنَة مِنْهُمْ } يعني اليهود نقضوا العهد، وهمّوا بقتل النّبيّ صلّى الله عليه و آله، و من معه.

الوجه الرّابع: الخيانة يعني الخلاف في الدّين، فذلك قوله: { فَخَانَتَاهُمَا } التّحريم: 10، يقول الخلاف في الدّين كانتا كافرتين. و قال أبوالحسن: بلغناأ نّه لم تفجرامرأة نبيّ قطّ،و إنّماكانت خيانتهما أنّ امرأة لوط كانت تدلّ على الضّيف، فدعا هو حبلا من باب المدينة إلى باب المدينة، و جعلو عليه جلاجل، فإذا دخلوا حُرّكت الحبل فتحرّكت الجلاجل، فتدلّ على الضّيف، فذلك خيانتها، وأمّا امرأة نوح فكانت تقول: إنّ زوجي مجنون.

و قوله: { اِنْ يُريدُوا خِيَانَتَكَ } الأنفال:71، يعني أُسارى بدر، يقول: و إنيريدوا خلافك في الدّين، أي الكفر بك { فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ } الأنفال:71، و قال: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا} النّساء: 107، نزلت في طعمة، و كان منافقًا.

الوجه الخامس: الخيانة يعني الزّنى، فذلك قوله: { وَاَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘} يوسف: 52، يقول: إنّ الله لايُصلح عمل الزّناة. (76)

نحوه الدّامغانيّ. (297)

الحيريّ: [نحو هارون الأعور إلا أ نّه قال:]

الخامس: الظّلم، كقوله: { تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ } البقرة: 187، { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ الْخَائِنينَ ‘} الأنفال: 57. (235)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخَوْن، أي التّنقّص، كأن يؤتمن الإنسان فلاينصح؛ و ذلك كما قال ابن

ص: 387

فارِس نقصان الوفاء. يقال: خانَه يَخُونه خَوْ نًا وخِيانةً و خانةً و مَخانةً، و اختانه، و خانه العهد

و الأمانة، فهو خائنٌ و خائنةٌ وخَؤُون و خَوّان؛ و الجمع: خانَة و خَوَنة و خُوّان. و خَوّن الرّجل: نسبه إلى الخَوْن.

و تخوّنه و خوّنه و خوّن منه: نقَصَه، و تخوّنني فلان حقّي: تنقّصني، و تخَوّنَتْه الدّهور و تخَوّفَتْه: تنَقّصَتْه، و خانه الدّهرو النّعيم خَوْ نًا: غيّرحاله من اللّين إلى الشّدّة، و خانَه سَيفُه: نبَا، لأ نّه تنقّص. يقال: السّيف أخوك و ربّما خانك.

و الخَوْن: فترة النّظر، و هو من هذا الباب أيضًا. و يقال للأسد: خائن العين، و به سمّي خَوّ انًا، و منه قوله تعالى: { خَائِنَةَ الاَعْيُنِ } المؤمن: 19، أي خيانتها، و هو ما تسارق من النّظر إلى ما لايَحِلّ.

2 و الخُوان و الخِوان و الإخوان: المائدة؛ و الجمع: أخْوِنة وخُون. قال ابن فارِس: < و أمّا الّذي يُؤكل عليه، فقال قومٌ: هو أعجميّ، و سمعت عليّ بن إبراهيم القطّان يقول: سُئل ثَعْلَب و أنا أسمع، فقيل: يجوز أن يقال: إنّ الخوان يسمّى خوانًا، لأ نّه يُتخَوّن ما عليه، أي يُنتقَص؟ فقال: ما يبعد ذلك>.((1))

و اضطرب قول ابن دُرَيْد فيه، فتارة قال: < هو أعجميّ معرّب >،((2))

و تارة أُخرى قال: < عربيّ معروف >.(3) و لعلّه نظر أوّل الأمر إلى الكلمة الفارسيّة:< خَوان >، و هو طبَقٌ كبيرٌ مصنوعٌ من الخشب، والصّغير منه مستديرأومستطيل، وتصغيره عندهم < خَوانجه >، فقال بأعجميّته.

و لكنّه لاحظ الفرق بينهما لفظًا و معنىً، وبدا له فيه أ نّهم يلفظونه < خان > بفتح الخاء و حذف الواو، و كذلك مصغّره. و العرب يلفظونه بضمّ الخاء و كسرها، دون حذف الواو. كما أنّ معناهما ليس واحدًا، فهو عند الفُرس طبَق، و عند العرب مائدة، و من ثمّ قال بعربيّته.

بيد أنّ بعض اللُّغويّين فرّق بين < الخوان >،

و < المائدة >، فقال أبو عليّ الفارسيّ: < لاتسمّى مائدة حتّى يكون عليها طعام، و إلا فهي خوان>. و قال بعضهم: < و إنّما سمّيت المائدة مائدة لأ نّه يزاد عليها>.((4))

3 و الخان: ماينزله المسافرون؛ و الجمع: خانات، و الخانجيّ: صاحب الخان، وهو دخيل في العربيّة، فارسيّ المنشإ.

و الخان أيضًا: السّلطان و الأمير، معرّب لفظ < قاغان > التّركيّ، و هو لقب يُطلقونه على الملوك و الأُمراء، و جاء في العربيّة بلفظ < خاقان > أيضًا،((5))

ص: 388


1- (1) مقاييس اللّغة (2 : 231).
2- (2) الجمهرة (2 : 244).
3- (3) المصدر السّابق (3 : 240).
4- (4) لسان العرب مادّة (م ي د).
5- (5) دائرة المعارف الإسلاميّة (8 : 204).

و في السّريانيّة < كان >.((1))

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدًا الماضي مثنًّى و جمعًا ( خَانَتَا ) و ( خَانُوا ) كلّ واحد مرّة، والمضارع ( تَخُونُوا ) مرّتين، و ( اَخُنْهُ ) مرّة، و اسم الفاعل المذكّر جمعًا ( الْخَائِنينَ‘ ) 3 مرّات، و المؤنّث مفردًا ( الْخَائِنَة )، و المبالغة (خَوَّان)، و المصدر (خِيَانَة)، و مزيدًا من الافتعال ( المضارع ) كلّ من هذه الأربع مرّتين في 11 آية:

1 الخيانة

1 { وَ اِنْ يُريدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَاَمْكَنَ مِنْهُمْ وَ اللهُ عَليمٌ‘ حَكيمٌ ‘}

الأنفال : 71

2{يَاءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

الأنفال : 27

3 { وَ اِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْم خِيَانَةً فَانْبِذْ اِلَيْهِمْ عَلى سَوَ اء اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ الْخَائِنينَ ‘} الأنفال : 58

4 { ذلِكَ ’لِيَعْلَمَ اَنّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘}

يوسف : 52

5 { ضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِلَّذينَ‘ كَفَرُوا امْرَاَتَ نُوحٍ وَ امْرَاَتَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيًْا

= وَ قيلَ‘ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّ اخِلينَ ‘} التّحريم :10

6 { اِنَّا اَنْزَلْنَا اِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا اَر يكَ اللهُ وَ لاتَكُنْ لِلْخَائِنينَ ‘خَصيمًا‘ }النّساء : 105

7 {... وَ لا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلى خَائِنَة مِنْهُمْ اِلا قَليلا‘ مِنْهُمْ...} المائدة : 13

8 { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ وَ مَا تُخْفِى الصُّدُورُ }

المؤمن : 19

9 { اِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذينَ‘ امَنُوا اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ خَوَّان كَفُور } الحجّ : 38

2 الاختتان

10 { وَ لاتُجَادِلْ عَنِ الَّذينَ‘ يَخْتَانُونَ اَ نْفُسَهُمْ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّ انًا اَثيمًا‘ } النّساء : 107

11 {...عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ اَ نْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ...} البقرة : 187

يلاحظ أوّ لا : أنّ فيه محورين: موارد الخيانة و أ نّها مبغوضة عند الله.

المحورالأوّل: أنّ الخيانة جاءت في سبعة موارد:

الأوّل:خيانة الله في (8 ): { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاَعْيُنِ

وَ مَا تُخْفِى الصُّدُورُ }:

اختلف المفسّرون و اللُّغويّون في تفسير هذه الآية، فقال المفسّرون: هو النّظر إلى المرأة خاصّة، سواء كان مرّة واحدة أم مرّات، أو النّظر إلى ما حرّم الله عامّة، أو الهُمَز بالعين، أو إنكار الإنسان ما رآه و هو رآه، أو ادّعاء رؤيته و هو ما رآه.

و أمّا اللُّغويّون فقالوا: هو من باب إضافة الصّفة إلى موصوفها، و أصله: الأعين الخائنة، و هو قول المؤرّج. أو صفة لموصوف مقدّر، أي النّظرة

ص: 389


1- (6) المعجم المقارن (1: 206).

الخائنة، وهو قول الزّمَخْشَريّ. أو هو من المصادر الّتي جاءت على وزن < فاعلة > نحو:لاغية، و كاذبة، و عاقبة و غيرها، فجاء على أصله، دون تقدير أو تقديم وتأخير،و يراد خيانة الأعين، و هو قول الأزهَريّ.

وردّ الزّمَخْشَريّ رأي المؤرّج، و قال :< لايحسن أن يراد الخائنة من الأعين ، لأنّ قوله: { وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ } لايساعد عليه >. و تبعه الآلوسيّ في ذلك، وزعم أنّ هذا الرّأي لايراعي الملاءمة في علم البيان!

و لكن أفلايحسن أن يكون التّقدير: يعلم الأعين الخائنة و خفاء الصّدور، فتكون < ما > مصدريّة غير زمانيّة؟ فتأمّل.

الثّاني: خيانة الله والرّسول في (1) و (2)،و فيهما بُحُوثٌ :

1 يراد بالخيانة في (1) نقض العهد: { وَ اِنْ يُريدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَاَمْكَنَ مِنْهُمْ وَ اللهُ عَليمٌ‘ حَكيمٌ ‘}، لأ نّهم نقضوا من قبل طاعة الله، فعصوا أمره. و فسّر أغلب المفسّرين < الخيانة > هنا بالكفر بالله و الرّسول. و لعلّ ما ذهبنا إليه هو الأقربلغةً و أثرًا، فخيانة الرّسول معصيته فيما عاهدوه، و خيانة الله معصية أمره، أو معصية أوليائه، فلايجوز نسبة خيانتهم إليه تعالى. قال الطُّوسيّ: < لأ نّه عالم بالأشياء كلّها، لا يخفى عليه خافية >.

2 نهى الله المؤمنين في (2) خيانته و خيانة رسوله: { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ } ، و زعم بعض أ نّه تعالى عنى المنافقين بذلك، و أ نّها نزلت في بعضهم، و التّقدير على هذا القول: يا أيّها الّذين آمنوا لاتخونوا الله والرّسول، كما صنع المنافقون في خيانتهم. و لكنّ المشهور أ نّها نزلت في أبي لبابة، ففي الخبر أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) بعثه إلى بني قريظة حين حاصرهم، فقالوا له: يا أبا لبابة ما ترى لنا؟ أننزل على حكم سعد بن معاذ فينا؟

فأشار إلى حلقه، أي أ نّه الذّبح فلاتفعلوا، فعصى الله بذلك، ثمّ ندم على فعله، فربط نفسه بسارية في المسجد حتّى تاب الله عليه.

3 إن قيل: لاغرو في خيانة الكافر لله و الرّسول كما في (1)، و لكن كيف يخونهما المؤمن كما في (2)؟

يقال:إنّ الخيانة هي المعصية كما قلنا، و المؤمن يعصي الله و الرّسول أحيانًا بارتكاب الصّغائر، فإن تاب، تاب الله عليه، و إن أصرّ عليها، فقد نزع ربقة الإيمان من عنقه. و من المعاصي الّتي اقترفها المؤمنون في عهد رسول الله(صلی الله علیه و آله):محاكاة الكافرين: { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لاتَكُونُوا كَالَّذينَ‘ كَفَرُوا وَ قَالُوا لاِ‚خْوَانِهِمْ اِذَا ضَرَبُوا فِى الاَرْضِ اَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَ مَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فى قُلُوبِهِمْ وَ اللهُ يُحْيى وَ يُميتُ وَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرٌ‘ } آل عمران:156، أي الاقتداء بأقوالهم و أفعالهم،كما يفعل أهل زماننا.

وأكل الأموال بالباطل:{ يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لاتَاْكُلُوا اَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ اِلا اَنْ تَكُونَ تِجَارَةً

ص: 390

عَنْ تَرَ اض مِنْكُمْ وَ لاتَقْتُلُوا اَ نْفُسَكُمْ اِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحيمًا ‘} النّساء:29، أي الرّبا و القمار و الظّلم و غير ذلك، و هو شائع في عصرنا أيضًا.

واتّخاذ اليهود و النّصارى أولياء: { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لاتَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارى اَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ اَوْلِيَاءُ بَعْض وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَاِنَّهُ مِنْهُمْ اِنَّ اللهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمينَ ‘} المائدة:51، و هذا ما يفعله اليوم أغلب حكّام الدّول العربيّة و الإسلاميّة سرًّا أوجهرًا؛حيث أباحوا لليهود قتل المسلمين واستئصالهم في فلسطين،إرضاءلأوليائهم النّصارى.

الثّالث: خيانة الأنبياء في (3) و ( 5 ) و ( 7)،

و فيها بُحُوثٌ:1 أمر الله رسوله في (3) بنقض عهد من عاهده ثمّ خانه من الكافرين:

{ وَ اِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْ م خِيَانَةً فَانْبِذْ اِلَيْهِمْ عَلى سَوَاء } فحكى الطّبَريّ عن مُجاهِد أ نّها نزلت في بني قريظة، و روى الطَّبْرِسيّ عن الواقديّ في < المجمع >أ نّها نزلت في بني القينقاع، و قال في < الجوامع >: < هم بنو قريظة، عاهدهم رسول الله(صلی الله علیه و آله) على أن لايمالئوا عليه عدوًّا، فنكثوا بأن أعانوا مشركي مكّة بالسّلاح، وقالوا: نسينا و أخطأنا، ثمّ عاهدهم فنكثوا و مالؤوا عليه الأحزاب يوم الخندق>. و قال القُرطُبيّ: < نزلت في بني قريظة و بني النّضير >.

بيد أنّ ابن عَطيّة غضّ من خطر اليهود و استخفّ بمكائدهم، فقال: < و الّذي يظهر من ألفاظ القرآن أنّ أمر بني قريظة قد انقضى عند قوله:{ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ } الأنفال:57، ثمّ ابتدأ تبارك و تعالى في هذه الآية بأمره بما يصنعه في المستقبل، مع من يخاف منه خيانة إلى سالف الدّهر، و بنو قريظة لم يكونوا في حدّ من تخاف خيانته، فترتّب فيهم هذه الآية، و إنّما كانت خيانتهم ظاهرة مشتهرة.

فهذه الآية عندي فيمن يستقبل حالة من سائر النّاس غير بني قريظة، وخوف الخيانة بأن تبدو جنادع الشّرّ من قبل المعاهدين، و تتّصل عنهم أقوال، وتتحسّس من تلقائهم مبادئ الغدر، فتلك المبادئ معلومة، و الخيانة الّتي هي غايتهم مخوفة لامتيقّنة، و حينئذ ينبذ إليهم على سواء، فإن التزموا السّلم على ما يجب و إلا حُوربوا، و بنو قريظة نبذوا العهد مرّتين >.

ألا ليت ابن عَطيّة حيّ هذه السّاعة، ليرى عيانًا ما يفعله أحفاد بني قريظة والنّضير و القينقاع بالمسلمين في غزّة، فلازالوا منذ عشرين يومًا بلياليها يذيبون أجسامهم بحمم القنابل الفسفوريّة جوًّا، و يمزّقون أشلاءهم بشظايا القذائف المدفعيّة برًّا و بحرًا، فنيّف عدد الشّهداء على الألف و الجرحى على خمسة آلاف، و هم في هذه الحال يستغيثون فلايُغاثون، و يستصرخون فلايُصرَخون!

و ليعلم حينئذ: < من يخاف منه خيانة إلى سالف الدّهر >، أهم اليهود أم غيرهم؟ و لعلّ ابن عَطيّة تأثّر بحالة اليهود المُزرية في الأندلس؛ إذ كانوا

ص: 391

هاجروا إليها فرارًا من ظلم النّصارى و جورهم، فلجأوا إلى العرب بعد أن أبادتهم نكبات الدّهر، و غالتهم أغوال القدر، فقال: < و بنو قريظة لم يكونوا في حدّ من تخاف خيانته >!

2 نزلت الآية (7) في اليهود خاصّة: { وَلاتَزَالُ تَطَّلِعُ عَلى خَائِنَة مِنْهُمْ اِلا قَليلا‘ مِنْهُمْ }، و الخطاب فيها للنّبيّ(صلی الله علیه و آله)، و كأنّ المراد به أُمّته، لأنّ < ما زال > تفيدالاستمرار. قال الاستراباديّ: < ما زال و أخواتها موضوعة لاستمرار مضمون أخبارها في الماضي.فقولك: ما زال زيد أميرًا، أي استمرّت الإمارة ودامت لزيد مذ قبلها و استأهل لها > .((1))

ناهيك من أ نّها جاءت و خبرها في الحال الدّال على الزّمان الحاضر. قال ابن عاشور: < لاتزال> يدلّ على استمرار، لأنّ المضارع للدّلالة على استمرار الفعل، لأ نّه في قوّة أن يقال: يدوم اطّلاعك أي لايزالون يخونون فتطّلع على خيانتهم>.((2))

3 إنّ المراد بالخيانة في (5): الكفر و النّفاق ليس غير { ضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِلَّذينَ‘ كَفَرُوا امْرَاَتَ نُوحٍ وَ امْرَاَتَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيًْا= وَ قيل‘ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلينَ }، و لايراد به الزّنى،كما زعم بعض المتحذلقين! فقد حكى ابن عَطيّة عن الحسَن البصريّ في كتاب < النّقاش> قوله: < خانتاهما بالكفر و الزّنى و غيره >!((3))

وحكى الطّبَريّ عنه أيضًا في قوله:{ قَالَ يَانُوحُ اِنَّهُ لَيْسَ مِنْ اَهْلِكَ اِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } هود:46، قال: لا و الله ما هو بابنه >!((4)

روي ذلك عن مُجاهِد أيضًا.((5)).

و حكى ابن كثير عن بعض قال: < إنّما كان ابن زنية >!((6) )و روى القُرطُبيّ عن ابن جُرَيْج أ نّه قال في قوله:{ وَ نَادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فى مَعْزِل يَابُنَىَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَ لاتَكُنْ مَعَ الْكَافِرينَ‘ } هود:42: < ناداه و هو يحسب أ نّه ابنه، و كان ولد على فراشه، و كانت امرأته خانته فيه، و لهذا قال: { فَخَانَتَاهُمَا } ((7)

)!

و لكنّ هذا كلام من لايتحرّج، و لايبالي بمقام الأنبياء، لأ نّه طَعْن عليهم وتنفير منهم، فحقيق بالمسلم أن يوقّرهم، و يعظّمهم بتنزيههم عمّا يشينهم، و لايقول ما لايليق بهم، و لله درّ ابن عبّاس! حيث قال: < ما زنت امرأة نبيّ قطّ >، وأخرج ابن عساكر عن أشرس حديثًا يُشبهه، يرفعه إلى النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، قال:< ما بغت امرأة نبيّ قطّ > ((8)).

ص: 392


1- (1) شرح الكافية (2: 144 ) و (4: 195).
2- (2) التّحرير و التّنوير (63:5).
3- (3) المحرّر الوجيز (335:5).
4- (4)الطّبَريّ (7: 50).
5- (5) المصدر السّابق.
6- (6) ابن كثير(3: 556).
7- (7) القرطبيّ (9: 46).
8- (8) الدّرّالمنثور (8: 228).

و ما أروع قول الطُّوسيّ معلّلا هذا المعنى:< لما في ذلك من التّنفير عن الرّسول و إلحاق الوصمة به، فمن نسب أحدًا من زوجاتالنّبيّ إلى الزّنى، فقد أخطأ خطأً عظيمًا، و ليس ذلك قولا لمحصّل >.

و ممّا يفتّ في العضد أنّ الآلوسيّ قد وقف على فحوى هذه الأقوال، وعرف أصحابها، فقال: < وما يُنسَب إلى الشّيعة ممّا يخالف ذلك في حقّ سيّد الأنبياء (صلی الله علیه و آله) كذب عليهم، فلاتعوّل عليه و إن كان شائعًا >! و قد قال الطُّوسيّ و هو من أكبر علماء الشّيعة : < فمن نسب أحدًا من زوجات النّبيّ إلى الزّنى فقد أخطأ خطأً عظيمًا، و ليس ذلك قولا لمحصّل>.

الرّابع: خيانة المسلمين في (6): { وَ لاتَكُنْ لِلْخَائِنينَ ‘خَصيمًا‘}:

نهى الله تعالى النّبيّ(صلی الله علیه و آله) عن الانتصار لمن خان مسلمًا، و هو نهي إرشاديّ وليس تحريميًّا، فالنّهي في القرآن إن كان المراد به شخصه الكريم و ليس أُمّته، فهوعلى ضروب:

منها: التّسديد:{ وَ لاتَطْرُدِ الَّذينَ‘ يَدْعُونَ رَ بَّهُمْ بِالْغَدوةِ وَالْعَشِىِّ يُريدُ‘ونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَىْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَىء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمينَ ‘} الأنعام:52، و منه هذه الآية أيضًا.

والتّصبير:{ يَا ءَ يُّهَا الرَّسُولُ لايَحْزُنْكَ الَّذينَ‘ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ مِنَ الَّذينَ‘ قَالُوا امَنَّا بِاَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ } المائدة:41

والتّحذير:{ وَ اِذَا رَ اَيْتَ الَّذينَ‘ يَخُوضُونَ فى ايَاتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فى حَديثٍ غَيْرِهِ وَ اِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاتَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ ‘} الأنعام:68

والتّذكير:{ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فى نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخيفَةً‘ وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الاصَا’لِ

وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلينَ‘ } الأعراف:205

والتّعليم:{ وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لاتُخَافِتْ بِهَا وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبيلا ‘ } الإسراء:110

والتّحريم:{ وَ لاتَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكينَ }

الأنعام:14

الخامس: خيانة الأنفس في (10):{ وَ لاتُجَادِلْ عَنِ الَّذينَ‘ يَخْتَانُونَ ا َنْفُسَهُمْ} ، و في (11): { اُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ اِلى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَ اَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ اَ نَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ

اَ نْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْنَ= بَاشِرُوهُنَّ} و فيهما بُحُوثٌ:

1 استُعمل الاختيان فيهمافي مورد النّفس فقط؛ حيث وقع أثر الفعل عليها سلبًا، غير أنّ صيغة < الافتعال > جاءت في أربعة معان أُخرى إيجابًا، فاثنان منها مسندان إلى النّفس؛ الأوّل: الافتداء: { وَلَوْ اَنَّ لِكُلِّ نَفْس ظَلَمَتْ مَا فىِ الاَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَ اَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَاَوُا الْعَذَابَ وَ قُضِىَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لايُظْلَمُونَ } يونس:54، و الثّاني: الاشتهاء:{ وَلَكُمْ فيهَا‘ مَا تَشْتَهى اَ نْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فيهَا‘ مَا تَدَّعُونَ } فصّلت:31.

ص: 393

و اثنان مختصّان بالنّفس، فالأوّل: اختصاصها بالاهتداء:{ قُلْ يَا ءَ يُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَاِنَّمَا يَهْتَدى‘ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَاِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا اَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكيل ‘} يونس:108، و الثّاني: اختصاصها بالاصطناع: { وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسى } طه:41.

فلِمَ استعمل الاختتان فيهما و هو افتعال في النّفس؟

يقال: لعلّ فيه فتحًا و انتصارًا لها، كما في (11)، لما لحقها من عسر الإمساك عمّا تشتهيه من الطّعام و الشّراب و الجماع، فأُبيح لها ذلك، و كان الاختتان هو الباعث على الإباحة، و كذلك(10)، لأ نّه تزكية لها، فيكون موجبًا فيهما أيضًا.

2 فُسّر الاختتان في (11) بثلاثة معان:

أ الخيانة: و هو ظاهر قول ابن عبّاس، و إليه ذهب أغلب المفسّرين.

ب المشاركة في الخيانة، و هو قول الطُّوسيّ.

ج المبالغة في الخيانة، و هو قول الزّمَخْشَريّ.

و لكلّ من هذه المعاني وجه وجيه، و لعلّ قول الزّمَخْشَريّ هو الأقرب، لما في < الاختتان > من زيادة في الحروف، و كثرة المباني تدلّ على كثرة المعاني كما هو المشهور بيد أ نّه جعل كفّ المسلمين عن الأكل و الشّرب و مباشرة النّساء تفريطًا منهم في حقّ أنفسهم، و ليس تشريعًا من الله تعالى، فقال:<تظلمونها وتنقصونها حظّها من الخير> و لو كان كذلك، لما قال تعالى:{ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْنَ= بَاشِرُوهُنَّ }، و لكنّ المراد: أ نّكم أفرطتم في خيانة أنفسكم بإطلاق العنان لها فيما تشتهي ليلة الصّيام، ثمّ رخّص لهم في هذا الأمر بعد أن تجاوز عنهم.

3 جاء فعل الاختيان في الآية (10) و سائر الأفعال الأُخرى((1)

)فيما بعد في الحال، أي إنّ حكمها مستمرّ في كلّ آنٍ و زمان، و إن كان المراد بالخطاب النّبيّ(صلی الله علیه و آله). وجملة:{ يَخْتَانُونَ اَنْفُسَهُمْ } صفة لاسم الموصول {الَّذينَ‘ }، أي لاتخاصم أ يّها المؤمن من يخون نفسه بالمعصية ويظلمها.

و تتحقّق خيانة النّفس هنا بكلّ حالاتالخيانة قلّة و كثرة؛ إذ عمد المفسّرون إلى تفسير الاختيان بالخيانة إلا ابن عاشور، فذهب إلى أ نّه مبالغة.

السّادس: خيانة عزيز مصر في ( 4 ):{ ذلِكَ لِيَعْلَمَ اَ نّى لَمْ اَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}: اختُلف فيه؛ أهو قول يوسف، أم قول امرأة العزيز؟ فنسبه الرّعيل الأوّل والثّاني من المفسّرين إلى يوسف، كابن عبّاس، و مُجاهِد، والضّحّاك، والحسَن البصريّ، و قَتادَة، و السُّدّيّ، و غيرهم، و نسبه الرّعيل الثّالث منهم إلى امرأة العزيز، كالجُبّائيّ، و البلخيّ، و الرُّمّانيّ، و غيرهم.

ص: 394


1- (1) { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضى مِنَ الْقَوْ لِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحيطًا‘ }

و القول الأوّل هو الصّحيح، لأ نّه ورد فيه ذكر الله تعالى: { وَاَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘}، و المصريّون أُمّة وثنيّة، لايعهدون إلا ما يعبدون، كما خاطبهم يوسف: { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ اِلا اَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا اَنْتُمْ وَ ابَاؤُكُمْ مَا اَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان اِنِ الْحُكْمُ اِلا للهِ‚ اَمَرَ اَ لا تَعْبُدُوا اِلا اِيَّاهُ ذلِكَ الدّينُ‘ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ ’اَكْثَرَ النَّاسِ لايَعْلَمُونَ } يوسف : 40، و قول العزيز لزوجه: { وَ اسْتَغْفِرى‘ لِذَنْبِكِ ا ِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِينَ= ‘} يوسف : 29، يراد به السّتر، من قولهم: غفر المتاع في الوعاء أي أدخله و ستَره و أوعاه، أو يراد به الإصلاح، من قولهم: غفر الأمر، أي أصلحه. و لو أُريد به الاستغفار في الاصطلاح، لقُرن به اسم الله أو أحد أنبيائه أو المؤمنون، كما سيأتي في < غ ف ر >.

و أمّا ورود لفظ الجلالة في قول النّسوة: { حَاشَ للهِ‚ } يوسف :31، و 51، فهو ممّا اصطلح عليه القرآن، و ليس من كلامهنّ في اللّغة القبطيّة، و يعضد رأينا قراءة الحسَن البصريّ: (حَاشَ الاِله)، لأنّ الإله عند النّسوة ما يَعبُدنَه.

و ممّن أنكر الوجه الثّاني جدًّا الطَّباطَبائيّ، فإنّه قال: < و هذا وجه رديء جدًّا >، و ذكر له ثلاثة وُجُوه، فلاحظ. ثمّ حكى للآية وجهًا ثالثًا بناء على الوجه الثّاني بإرجاع ضمير { لِيَعْلَمَ } و{ لَمْ اَخُنْهُ } إلى العزيز و هو زوجها إلى يوسف فهي كأ نّها تقول: ذلك الّذي أقررت به ليعلم زوجي أ نّي لم أخنه بالفعل فيما كان من خلواتي بيوسف في غيبته عنّا ... ثمّ ردّ هذا الوجه أيضًا، فلاحظ.

السّابع: خيانة الأمانة في (2) :{ يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لاتَخُونُوا اللهَ وَ الرَّسُولَ وَتَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ وَاَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }: تضمّنت هذه الآية خطابًا و نهيًا و قيدًا، فالخطاب للمؤمنين: { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا } و ما خوطبوا خطابًا أشدّ من هذا. و النّهي زجرهم عن خيانة الله و الرّسول و الأمانات: { لاتَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا اَمَانَاتِكُمْ }،وما اجتمعت هذه الألفاظ الثّلاثة: الله و الرّسول والأمانات إلا هنا. و القيد هو تشديد النّهي و تشنيع المنهيّ عنه: { وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، و هو حال لما تقدّم، كما في قوله: { فَلاتَجْعَلُوا للهِ‚ اَ نْدَادًا وَ اَ نْتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة : 22.

وقد ورد النّهي عن الخيانة صريحًافي هذه الآية دون سائر الآيات؛ إذ ورد في (1)و (5 8) تعريضًا، و في (3) و (4) و (10) تعميمًا.

المحور الثّاني: أنّ الله يبغض الخيانة و لايسدّد فاعلها، كما في (3) و (4) و (9) و (10) على التّوالي:

{ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ الْخَائِنينَ ‘}

{ وَ اَنَّ اللهَ لايَهْدى‘ كَيْدَ الْخَائِنينَ ‘}

{اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ خَوَّان كَفُور }

{ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا اَثيمًا ‘}

و فيها بُحُوٌث :

1 أُكّدت (3) و (9) و(10) ب < إنّ > المكسورة و (4) ب < أنّ > المفتوحة مسبوقة بواو العطف، و هذا التّأكيد تشنيع على من يرتكب الخيانة، وتقبيح هذا

ص: 395

الفعل عليه. و يترتّب عليه أنّ الخوّان الكفور في (9)، و الخوّان الأثيم في (10) أشدّ خطرًا على الإسلام من الكَفّار الأثيم في قوله: { وَاللهُ لايُحِبُّ كُلَّ كَفَّار اَثيمٍ ‘} البقرة : 276، لما في الخيانة من نكث العهود، و نقض العقود، و إثارة الإحن و الأضغان، و إشاعة المقت و الشّنآن.

2 جاءت الخيانة جمعًا لخائن في (3) و (4)، و مبالغة على وزن < فعّال > موصوفة ب < كَفُور > في (9)، و ب < أثيم > في (10)، وكلا الوصفين للمبالغة أيضًا. و كأنّ هذا الاستعمال يُومئ إلى أنّ الخائن إذا ما جمع يعدل في أثره الخائن المبالغ فيه أو في صفته. و هذا ما يلحظ باطّراد في آيات ما لايحبّه الله و ما لايهديه، فمثال الطّائفة الأُولى من الآيات:

{ فَاِنَّ اللهَ لايُحِبُّ الْكَافِرينَ ‘} آل عمران : 32

{ وَ اللهُ لايُحِبُّ كُلَّ كَفَّار اَ ثيمٍ ‘} البقرة : 276

{ اِنَّهُ لايُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرينَ‘ } النّحل : 23

{ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور } لقمان : 18

و مثال الطّائفة الثّانية:

{ وَ اللهُ لايَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرينَ ‘}

البقرة : 264

{ اِنَّ اللهَ لايَهْدى‘ مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } الزّمر : 3

{ اِنَّ اللهَ لايَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمينَ‘ } المائدة : 51

{ اِنَّ اللهَ لايَهْدى‘ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّ ابٌ }

المؤمن : 28

3 استوعب نفي حبّ الله الخوّان الكفور في

(9) بلفظ < كلّ >، لأ نّه اسم موضوع لاستغراقالأفراد ، فاستُعمل في استغراق الكافرين على الأغلب، و ما جاء في المؤمنين فهو إمّا تذكير: { اِنَّ فى ذ لِكَ لا يَات’ لِكُلِّ صَبَّار شَكُور } إبراهيم: 5.

و إمّا حَثّ: { اِنَّ فى ذلِكَ لايَةً لِكُلِّ عَبْد مُنيب} سبأ : 9، وجاء في المؤمنين في المعاني الآتية:

النّفي: { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ اِلا كُلُّ مُعْتَد اَ ثيمٍ ‘}

المطفّفين : 12

النّهي: { وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاف مَهين‘ }القلم : 10

الإنكار: { وَ اسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّار عَنيد ‘}

إبراهيم : 15

التّهديد: { وَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذلِكَ نَجْزى‘ كُلَّ كَفُور } فاطر : 36

و يلاحظ ثانيًا: اثنتان منها مكّيّتان: (4) و هي قصّة، و (8) و هي عقيدة، و واحدة (9) مختلف فيها و هي تشريع، و الباقي مدنيّ، و كلّها تشريع أو سيرة، فلاحظ.

و ثالثًا : من نظائر الخيانة في القرآن:

الختر : { وَ مَا يَجْحَدُ بِايَاتِنَا اِلا كُلُّ خَتَّار كَفُور }

لقمان : 32

الغلول: { وَ مَا كَانَ لِنَبِىٍّ اَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَاْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيمَةِ } آل عمران : 161

ص: 396

خ و ي

اشارة

خَاوِيَة

لفظ واحد، 5 مرّات: 3 مكّيّة، 2مدنيّتان

في 5 سور: 3 مكيّة، 2 مدنيّتان

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: خَوَى يَخْوي خوًى، و أصابه ذاك من الخَواء.

و في الحديث: < إذا صلّى أحدكم فَليُخَوِّ ما بين عَضُدَيْه و جَنبَيْه > أي ينفتخ و يتجافى.

و خَوَت الدّار: بادَ أهلها، و هي قائمة بلاعامر.

و تقول: خَوّى أي تهَدّم و وقع.

و خَوّى البعير تَخْوِيةً، أي برَك، ثمّ مكّن لثَفِناته في الأرض. و مُخَوّاه: موضع تَخْويَته؛ و جمعه: مُخَوَّيات.

والخَويّة: مَفْرِج ما بين الضَّرْع و القُبُل، للنّاقة و غيرها من النّعَم.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(4 : 318)

الكِسائيّ: خوَّيْتُ للمرأة، إذا عَمِلْتَ لها خَويّةً تأكلها. (الأزهَريّ 7 : 616)

أبوعمرو الشّيبانيّ: قد أخوَى النّجم، إذا ذهب و ليس فيه مطر، و قد خوَى أيضًا.

و يقال: ما أخوَتِ الجَبْهَة قطّ إلا ساء ظنّهم.

و إذا لم تأكل العُشْب فهي مَخاوٍ، و هي مُخوِيَة، الواحدة؛ فيأخذها الهُيام حتّى تكاد تبيض عيونها.

(1 : 223)

خَوَتِ الدّار تَخْوي خُويًّا، إذا خَلَتْ.

مثله أبوزَيْد. (الأزهَريّ 7 : 614)

أبوزَيْد: خَوَت النُّجوم تَخْوي خَيًّا، إذا أمْحَلَتْ فلم تُمْطِر.وخَوّتْ تَخوِيَةً، إذا مالَتْ للمغيب.

خَوّتِ الإبل تَخوِيَةً، إذا خَمُصَتْ بطونها،

ص: 397

و ارتفعت. (الأزهَريّ 7 : 615)

خَوِيَت المرأة خَوًى: إذا لم تأكل عند الولادة.

(الأزهَريّ 7 : 616)

طلَب فأخوَى، إذا لم يُصِب شيئًا.

خاوَت طَرْفَه دوني، أي سارَقه. (1 : 224)

قد اختَوى ولدَ البقرة السّبع، إذا استَرَقه و أكله.

(1 : 225)

قد خوَى القوم، إذا جاعوا.

و قد خَوِيَت النّجوم، إذا لم تُمطر. (1 : 227)

قد خوَى الرّجل، إذا خَلّ لحمه يَخِلّ خُلُولا .

و يقال: للدّ ابّة المهزولة: قدخَوِي. (1 : 229)

خَوِيَت الأرض، إذا خَرِبَت. (1 : 239)

الأصمَعيّ: خَوَى البيت يَخْوَى خَوَاءً ممدود، إذا ماخلا من أهله. (الأزهَريّ 7 : 614)

خَوِي الرّجل يَخْوي خوًى، إذا قلّ الطّعام في بطنه فضَعُف.

يقال للمرأة: خُوِّ يَتْ و هي تُخَوّى تَخوِيَةً، و ذلك إذا حُفِرتْ لها حُفَيْرَة ثمّ أُوقِد فيها، ثمّ تقعد فيها من داء تجده.

و يقال للطّائر إذا أراد أن يقع فيبسط جناحيه و يَمُدّ رجليه: قد خَوّى تَخوِيةً. (الأزهَريّ 7 : 616)

و الخَوِيّ: الوادي السّهل البعيد.

(الأزهَريّ 7 : 617)

أبو عُبَيْد: [في] حديث عليّ رضوان الله عليه:

< إذا صلّى الرّجل فَليُخَوّ، و إذا صَلّت المرأة فَلتَحْتَفز >.

قوله: فَليُخَوِّ يعني فليتفتّح، و ليتجافى حتّى يُخوِّي ما بين عَضُدَيه و جَنبَيْه. (2 : 305)

نحوه الزّمَخْشَريّ. (الفائق 1 : 402)

خوَت النّجوم و أخْوَتْ، إذا سقَطَتْ و لم تُمطر. في نوئها. (الأزهَريّ 7 : 615)

الخَواة: الصّوت. (الجَوهَريّ6 : 2332)

ابن الأعرابيّ: و خَوَى الشّيء خَيًّا، و خَوَايَةً، و اختواه: اختَطَفه. [ثمّ استشهد بشعر]

و خَوَاية الخَيْل: حفيف عَدْوُها، بالهاء.

و خَوَاية المطر: حفيف انهلاله، بالهاء.

و خَوَاة الرّيح: صوتها. (ابن سيده5 : 317)

ابن السِّكّيت: و يقال: قد خَوَت الدّار تَخوِي خَواءً و خُويًّا، و قد خَوِيَت المرأة تَخوَى خَوًى، و قد خَوِي الرّجل و البعير، إذا خلا جوفه من الطّعام.

(إصلاح المنطق: 191)

الدّينَوريّ: الخَوِيّ: بَطْنٌ يكون في السّهل و الجبَل داخلا في الأرض، أعظم من السّهب، مِنْبات.

(ابن سيده5 : 316)

كراع النّمل: و الخاوية: الدّاهية.

(ابن سيده5 : 317)

ابن دُرَيْد: خَوِي الموضع يَخْوَى خَواءً،ممدود، و خُوِيًّا، إذا خَلا. و خَوِيَ جوفه يَخوَى خَوًى، مقصور. و خَوَى النَّوْء خُوِيًّا، إذا أخلف فلم يمطره. و الخَواء: الهواء بين كلّ شيئين.

و خَوّى البعير، إذا برَك متجافيًا.

و خَوٍّ و خُوَيٍّ: موضعان. [و استشهد بالشّعر3 مرّات]

(1 : 173)

ص: 398

الأزهَريّ: يقال: دخَل فلان في خَواء فرسه يعنى ما بين يديه و رِجْلَيه.

و في الحديث: أنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) كان إذا سَجَد خَوّى.

و معناه: أ نّه جَافى بطنه عن الأرض و عَضُدَيْه عن جَنْبَيه.

و منه يقال للنّاقة إذا بَرَكَت فتجافى بطنها في بروكها لضمورها : قد خَوَّتْ.

و قال غيره : [الأصمَعيّ] خَواء الأرض ممدود :

بَرَ احُها.

و يقال لما يَسُدّه الفرَس بذَنَبه من فُرْجَة ما بين رجليه: خَوَاية.

و خَوَى البيت إذا انهَدم.

خَوَى أي انهَدم و وقع.

و منه قوله جلّ و عزّ: { اَعْجَازُ نَخْل خَاوِيَة } الحاقّة: 7.

و قوله عزّ و جلّ: { وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا }. البقرة : 259 (7 : 615)

الصّاحِب: و الخَوَاء: الفُرْجَة بين الشّيئين، دخَل في خَواء فرَسه، أي ما بين رِجلَيه ويَدَيه، وخَوايَةٌ أيضًا.

واختَواه: أي طَعَنَه في خَوائه.

و الخَوَى بالياء : خَلاء الجَوْف و الجوع، خَوِي يَخوَى خَوًى.

و خَوَتِ الدّار: باد أهلها؛ و خَوِيَت.

و خَوّى البعير تَخْوِيَة، إذا برَك ثمّ مكّن لثَفِناته في الأرض. و مُخَوّاه: موضع تَخْوِيَته؛ و الجميع: مُخوَّيات.

و الخَوّة من الأرض: المتَطامنَة.

و خَوّيتُ تَخْوِيَةً: حَفَرْتُ حفيرةً.

و الخَويّ: الوادي السّهل.

و الخَوّ: المكان المسترخي.

وخَوٌّ : كثِيْب معروف بنجد.

و يَوْمُ خَوٍّ: لبني أسد على بني يربوع.

و الخَوِيّة: مَفرَج ما بين الضّرع و القُبُل للنّاقة.

و اختَوَيْتُ ما عنده و أخوَيْتُه: أخذت كلّ شيء منه.

و الاختواء: الذّهاب بالشّيء.

و الخَوَ ات: اسم الصّوت. و خَوَ ات القوم: جلَبَتُهُم.

و خَوَى يَخْوي: صاحَ.

و الطّائر إذا أراد أن يقع فبسط جناحيه: قد خوّى تَخوِيَةً، و الرّجل إذا أراد السّكوت و أطرق.

و خَوّتِ الإبل تَخْوِيَةً: خَمُصَت بطونها.

و خَوِيَت المرأة: لم تأكل عند ولادها، وخَوَتْ أيضًا.

و خَوّيتُ لها: عَمِلْت لها خَوِيّةً.

و خَوّتِ النّجوم تَخْوِيَةً: مالَتْ للغُروب.

و خَوَت تَخْوي خَيًّا: سَقَطَت، و أخْوَت كذلك. و إذا لم تُمطِر أيضًا.

و خَيَوان: حيّ من اليمن.

و اختَوَيْتُ: إذا ذهب عَقْلي. (4 : 435)

الجَوهَريّ: خَوَتِ النّجوم تَخْوي خَيًّا: أمحَلَت؛ و ذلك إذا سقَطَتْ و لم تُمطر في نوئها؛ و أخْوَتْ مثله.

و خَوَتِ الدّار خَواءً ممدود: أقوَتْ، و كذلك إذا سقطت. و منه قوله تعالى: { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً }

ص: 399

النّمل: 52، أي خاليةً، و يقال: ساقطةً، كما قال تعالى: { وَ هِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا } البقرة: 259، أي ساقطة على سقوفها.

و خَوَتِ المرأة و خَوِيَت أيضًا خَوًى، أي خلا جوفها عند الولادة. و خَوّيْتُ لها تَخْوِيَةً، إذا عملت لها خَوِيّةً تأكلها، و هي طعام.

و الخَوِيّ: البطن السّهل من الأرض،على <فعيل>.

و خَوّى البعير تَخوِيَةً، إذا جافى بطنه عن الأرض في بُرُوكه. و كذلك الرّجل في سجوده، و الطّائر إذا أرسل جناحَيْه.

و يقال أيضًا: خَوّتِ النّجوم، إذا مالت للمغيب.

(6 : 2332)

ابن فارِس: الخاء و الواو و الياء أصل واحد يدلّ على الخُلوّ و السّقوط. يقال: خَوَتِ الدّار تَخْوي. و خَوَى النّجم، إذا سقط و لم يكن عند سقوطه مطر؛ و أخوَى أيضًا. [ثمّ استشهد بشعر]

و خَوّت النّجوم تخوِيَةً، إذا مالت للمغيب.

و خَوّت الإبل تَخوِيَةً، إذا خُمِصَتْ بُطونها.

و خَوِيَت المرأة خَوًى، إذا لم تأكل عند الولادة.

و يقال خَوّى الرّجل، إذا تجافى في سجوده، و كذا البعير إذا تجافى في بُرُوكه. و هو قياس الباب، لأ نّه إذا خوّى في سجوده فقد أخلى ما بين عَضُده و جَنْبِه. و خَوّتِ المرأة عند جلوسها على المِجْمَر.

و خوّى الطّائر، إذا أرسل جناحَيْه. فأمّا الخَواة فالصّوت. و قد قلنا: إنّ أكثر ذلك لاينقاس، و ليس بأصل. (2 : 225)

الهَرَويّ: يقال: خَوَت الدّار تَخوي خَوايَة و خَواءً و خَوْيًا، و خَوَى الرّجل فهو خواء، إذا خلا جوفه، و خَوِيَت المرأة.

و في الحديث: < كان إذا سَجَد خوّى >أي جافى بطنه عن الأرض، و منه يقال: خَوَى البعير، إذا تجافى عن الأرض في بُرُوكه. و خواء الفرس: ما بين يديه، و رِجْلَيه. يقال: دخل في خواء فرسه.

و في الحديث: < فأخذ أبا جهل خُوّة فلاينطق > أي فترة، و الأصل فيه الجوع. يقال:خَوَى يَخوي، إذا جاع. (2 : 607)

ابن سيده: خَوَت الدّار: تهدّمت، و في التّنزيل: { وَ هِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا } البقرة:259.

و خَوّت الدّار: و خَوِيَت، خَيًًّا، و خُويًّا، و خَواءً، و خَوايَة: خَلَت من أهلها.

و أرض خاوية: خالية من أهلها، و قد تكون خاوية من المطر.

و الخَواء: خُلُوّ الجَوْف من الطّعام، يُمدّ و يُقصر،

و القَصْر أعلى.

و خَوَى خَوًى، و خَواءً: تتابع عليه الجُوع.

و خَوِيَت المرأة خَوًى، و خَوَتْ: وَلدت فخَوى بطنها.

و كذلك إذا لم تأكل عند الولادة.

و الخَويّة: ما أطعمتها على ذلك.

و خوّاها: و خَوّى لها، الأخيرة عن كُراع: عَمِل لها خَويّة تأكلها.

و خَوّت الإبل: خَمُصَت بُطونها و ارتفعت.

ص: 400

و خَوّى الرّجل: تجافى في سُجوده و فرّج ما بين عَضُدَيه و جَنْبَيه، و كذلك البعير إذا تجافى في بُرُوكه و مَكّن لثَفِناته.

و الخَوَى: الرُّعاف.

و الخَواء: الهواء بين الشّيئين، و كذلك الهواء الّذي بين الأرض و السّماء.

و الخَويّ: الوِطاء بين الجبلين، و هو اللّيّن من الأرض.

و الخَويّة: مَفْرَج ما بين الضّرع، و القُبل من النّاقة و غيرها من الأنعام.

وخَواية السّنان: جُبّته،و هي ما التقَم ثَعلَب الرُّمح.

و خَواية الرّحل: مُتّسع داخله.

و خَوى الزّ ند، و أخْوى: لم يُورِ.

و خَوَت النّجوم خَيًّا، و أخْوَت، و خَوّت: أمحلت فلم تُمطر.

و خَوَت: مالَتْ للمغيب.

و الخَويّ: الثّابت، طائية.

و الخَوّ: العسَل، عن الزُّجاجيّ.

و يومُ خَوًى، و خُوًى، و خُوَيٍّ: يوم معروف.

وخَويٌّ: موضع.

قال سيبَوَيه: خييت خاءً، فإذاكان هذا فهو من باب عيّيت. [ثمّ نقل كلامًا عن سيبَوَيه في حذف آخر المعتلات فلاحظ. و استشهدبالشّعر5 مرّات ]

(5 : 315)

الطُّوسيّ: أصل الخواء: الخلاء. [ثمّ استشهد بشعر ]

و الخَواء: الفُرْجَة بين الشّيئين بخلوّ ما بينهما.

و خَوَت الدّار فهي خاوية، تَخوي خواءً. إذا بادَ أهلها بخلوّها منهم.

و الخَويّ: الجوع، خَوَى يَخوي خَوًى: يخلو البطنَ من الغذاء.

و التّخوية: التّفريج بين العَضُدَين و الجبينينيخلو مابينهما بتباعدهما.

و التّخوية تمكين البعير لنفسه في بُرُوكه، لأ نّه تفحصه الأرض بخلوّها ممّا يمنع من تمكّنه.

و إخواء النّجم: سقوطه من غير مطر بخلوّه من المطر؛ خَوَى النّجم و أخوى.

و خَوَى المنزل، إذا تهدّم، لأ نّه بتهدّمه يَخلُو من أهله. و أصل الباب الخلوّ. (2 : 321)

الرّاغِب: أصل الخَواء: الخلا. يقال: خَوَى بطنه من الطّعام يَخوِي خَوًى؛ و خَوَى الجَوْز خَوًى تشبيهًا به.

و خَوَت الدّار تَخوي خَواءً.

و خَوَى النّجم و أخوى، إذا لم يكن منه عند سقوطه مطر، تشبيهًا بذلك.

و أخوى أبلغ من خَوَى، كما أنّ أسقى أبلغ من سقى.

و التّخوية: ترك ما بين الشّيئين خاليًا. (163)

الزّمَخْشَريّ: خَوَى المنزل: خلا، خَواءً، و دار خاوية، و خَوَى البطن خَوًى: خلا من الطّعام، و أصابه الخَوَى، أي الجوع.

و خَوَى رأسه من الدّم لكثرة الرّعاف.

ص: 401

و خَوّى البعير: تجافى في بُرُوكه.

و خَوّى الرّجل في سجوده.

و خَوّى عند جلوسه على المِجْمَر و هو أن يبقى بينه و بين الأرض خَواء.

يقال: هذا مُخَوّى بعيرك.

و دخل في خَواء فرسه، و هو ما بين يديه و رجليه.

و خَوّى الطّائر: بسط جناحيه و مدّ رجليه عند الوقوع.

و من المجاز: خَوَى النّوء.

و خَوَت النّجوم: خلت من المطر و أخلفت.

و يقال: أخوَت و خَوّت. [و استشهدبالشّعرمرّتين]

(أساس البلاغة : 123)

ابن الأثير: و في حديث صِلَة: < فسمعت كخَواية الطّائر > الخَواية: حفيف الجناح.

و في حديث سهل:< فإذا هم بديار خاوية على عروشها > خوى البيت، إذا سقط و خلا، فهو خاو، و عروشها: سقوفها. (2 : 90)

الفَيُّوميّ: خَوَت الدّار تَخوي، من باب < رَمى > خُويًّا: خلت من أهلها، و خَواءً بالفتح و المدّ، و خَوِيَت خَوًى من باب < تَعِب > لغة.

و خَوَت النّجوم من باب < رَمى >: سقطت من غير مطر، و أخْوَت بالألف مثله.

و خَوّت تَخوِيَةً: مالت للمغيب.

و خَوّت الإبل تخوِيَةً: خَمُصَت بطونها.

و خَوّى الرّجل في سجوده: رفع بطنه عن الأرض، و قيل: جافى عَضُدَيه. (1 : 185)

الفيروزاباديّ: خَوَت الدّ ار: تهدّمت، و خَوّت و خَوِيَت خيًّا و خُويًّا و خَواءً و خَوايَةً: خلت من أهلها.

و أرض خاوية: خالية من أهلها.و الخَوَى: خلوّ الجوف من الطّعام، و يُمدّ،

و الرُّعاف. و بالمدّ: الهواء بين الشّيئين.

و الخَوّ و بالضّمّ: العسل.

و خَوَى كرمى خَوًى و خَواءً: تتابع عليه الجوع.

و الزّند: لم يُورِ كأخْوَى، و النّجوم خيًّا: أمحلت فلم تمطر، كأخْوَت و خَوّت.

و الشّيء خَوًى و خَوايةً: اختطفه، و المرأة: ولدت فخلا بطنها كخوّت، و كذا إذا لم تأكل عند الولادة.

و الخَويّة كغَنيّة: ما أطعمتها على ذلك.

و خوّاها تَخوِيَةً و خَوّى لها: عمل لها خَويّةً.

و خَوّى في سجوده تَخوِيَةً: تجافى و فرّج ما بين عَضُدَيه و جَنبَيْه.

و الخَوَى: الثّابت، و الوِطاء بين الجبلين، و اللّيّن من الأرض.

و بهاء: مَفْرَج ما بين الضّرع و القُبل من الأنعام و يُمَدّ.

و الخَواية من السّنان: جُبّتُه، و من الرّحل: متّسَع داخله، و من الخيل: حفيف عَدْوِها، و بالضّمّ: موضع بالرّيّ.

و يوم خَوًى و يضمّ: معروف.

و اختَوى البلد: اقتطعه، و الفرس: طعنه في خَوائه، أي بين رجليه و يديه. و فلان: ذهب عقله، و ما عند

ص: 402

فلان: أخذ كلّ شيء منه كأخْوَى، و السّبُع ولد البقرة: استَرقه و أكله.

و أخْوَى: جاع ،و المال: بلغ غاية السّمن كخَوّى تَخويَةً.

و الخَيّ: القصد.

و خوّيتَها تَخوِيةً، إذا حفرت حفيرة فأوقدت فيها، ثمّ أقعدتَها فيها لدائها.

وخُوَيّ كسُمَيّ: بلدة بأذربيجان. (4 : 328)

مَجْمَعُ اللُّغة: خَوَت الدّار تَخوي خَواءً: خلت من أهلها، أو سقطت و تهدّمت فهي خاوية.

(1 : 371)

المُصْطَفَويّ: و التّحقيق: أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو السّقوط و وقوع ما كان قائمًا بنفسه أو ظاهرًا. و هذا المعنى يختلف مفهومه بحسب الموارد، و لكنّ القيد لابدّ أن يكون محفوظًا. فيقال: خَوَت الدّار: إذا وقعت و سقطت على الأرض بعد ما كانت متقوّمة بنفسها و قائمة على بنيانها. و خَوَت النّجوم بعد تقوّمها في أنفسها. و خَوَى البطن، إذا خلى و ظهر فيه آثار الضّعف و السّقوط و الانكسار. و خَوَى النّخل، إذا وقعت على الأرض بعد قيامها.

و بهذا يظهر الفرق بين هذه المادّة و بين موادّ السّقوط و الوقوع و الخرّ و غيرها. و قد مرّ أنّ الخرّ هو السّقوط في حالة التّصويت.

و أمّا مفاهيم الخلوّ و الانقعار و الانهدام و غيرها، فمن لوازم الأصل.

{ فَكَاَ يِّنْ مِنْ قَرْيَة اَهْلَكْنَاهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا } الحجّ: 45، أيساقطة بعد تقوّمها على حالة السّقوط على العروش. يقال خرّ ساجدًا، و خرّ عليهم السّقف، يسحبون في النّار على وجوههم، و خَوَى على العرش، أي كان السّقوط و السّحب على تلك الهيئة و الحالة، كما في سقط و خرّ على وجهه.

و هذا التّعبير للدّلالة على السّقوط الشّديد و الانهدام الكلّيّ بعد ما كانت قائمة.

{ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا } النّمل: 52، { كَاَ نَّهُمْ اَعْجَازُ نَخْل خَاوِيَة} الحاقّة: 7، أي قد سقطت بعد ما كانت قائمة و متقوّمة. (3 : 155)

النُّصوص التّفسيريّة

1 اَوْ كَالَّذى‘ مَرَّ عَلى قَرْيَة وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا...

البقرة : 259

ابن عبّاس: ساقطة { عَلى عُرُوشِهَا } على سقوفها.

(37)

نحوه السُّدّيّ. (الطّبَريّ3 : 33)

خراب.

مثله الضّحّاك. (الطّبَريّ3 : 33)

و مثله ابن قُتَيْبَة. (94)

معناه: خالية.

مثله الضّحّاك. و الرّبيع. (الطُّوسيّ2 : 320)

أبوعُبَيْدَة: لاأنيس بها. (1 : 80)

الطّبَريّ: يعني تعالى ذكره بقوله: { وَ هِىَ خَاوِيَةٌ} و هي خالية من أهلها و سكّانها.

ص: 403

يقال من ذلك: خَوَت الدّار تَخوِي خَواءً و خُويًّا. و قد يقال للقرية: خَوِيَت؛ و الأوّل أعرب و أفصح. و أمّا في المرأة إذا كانت نُفساء فإنّه يقال: خَوِيَت تَخوَى خَوًى منقوصًا، و قد يقال فيها: خَوَت تخوِي، كما يقال في الدّار. و كذلك: خَوِي الجوف يَخوَى خَوًى شديدًا. و لو قيل في الجوف ما قيل في الدّار، و في الدّار ما قيل في الجوف، كان صوابًا، غير أنّ الفصيح ما ذكرت. (3 : 32)

نحوه الزّجّاج (1 : 342)، و ابن عَطيّة (1 : 348).

الثّعلبيّ: { وَ هِىَ خَاوِيَةٌ } : ساقطة. يقال: خَوِي البيت يَخوَى خَوًى مقصورًا إذا سقط، و خَوَى البيت بالفتح خَوًا ممدود إذا خلا. (2 : 242)

نحوه البغَويّ (1 : 352)، و الشِّربينيّ (1 : 172).

الماوَرْديّ: في الخاوية قولان: [المتقدّمان]

وأصل الخَواء: الخلوّ. يقال: خَوَت الدّار، إذا خلت من أهلها، و الخواء: الجوع لخلوّ البطن من الغذاء.

(1 : 331)

الطُّوسيّ: معناه خالية. قال قوم: معناه: و هي قائمة على أساسها وقد وقع سقفها. و أصل الخواء: الخلاء. (2 : 320)

الواحديّ: أي ساقطة متهدّمة. يقال: خَوَىالحائط، إذا تهدّم و هو أن ينقلع من أصله، و منه قوله تعالى: { اَعْجَازُ نَخْل خَاوِيَة } الحاقّة:7، أي منقلعة من أُصولها.

(1 : 372)

الطَّبْرِسيّ: أي: خالية.. . و قيل: ساقطة على أبنيتها و سقوفها، كأنّ السقوف سقطت و وقعت البنيان عليها. (1 : 370)

الفَخْرالرّازيّ: أي منهدمة ساقطة خراب، قاله ابن عبّاس رضي الله عنهما. و فيه وجوه:

أحدها: أنّ حيطانها كانت قائمة و قد تهدّمت سقوفها، ثمّ انقعرت الحيطان من قواعدها فتساقطت على السّقوف المنهدمة. و معنى الخاوية المنقعرة، و هي المنقلعة من أُصولها، يدلّ عليه قوله تعالى: { اَعْجَازُ نَخْل خَاوِيَة } الحاقّة:7، و موضع آخر { اَعْجَازُ نَخْل مُنْقَعِر } القمر: 20، و هذه الصّفة في خراب المنازل من أحسن ما يوصف به.

و الثّاني: قوله تعالى: { وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا} أي خاوية عن عروشها، جعل ( عَلى ) بمعنى < عَنْ > كقوله: { اِذَا اكْتَالوُا عَلَى النَّاسِ } المطفّفين: 2، أي عنهم.

و الثّالث: أنّ المراد أنّ القرية خاوية مع كون أشجارها معروشة، فكان التّعجّب من ذلك أكثر، لأنّ الغالب من القرية الخالية الخاوية، أن يبطل ما فيها من عروش الفاكهة، فلمّا خربت القرية مع بقاء عروشها كان التّعجّب أكثر. (7 : 34)

نحوه النَّيسابوريّ. (3 : 30)

العُكْبَريّ: { وَ هِىَ خَاوِيَةٌ } في موضع جرّ صفة ل { قَرْ يَة }.

(1 : 208)

القُرطبيّ: { خَاوِيَةٌ }: معناها خالية. و أصل الخَواء: الخُلُوّ، يقال: خَوَت الدّار و خَوِيَتْ تَخوَى خَواءً ممدود و خُويًّا: أقوَتْ، و كذلك إذا سقطت، و منه قوله تعالى: { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا } النّمل:

ص: 404

52، أي خالية، و .يقال ساقطة، كما يقال: { وَ هِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا } أي ساقطة على سقفها.

(3: 290)

البَيْضاويّ: خالية: ساقطة حيطانها على سقوفها.

(1 : 135)

نحوه الكاشانيّ. (1 : 264)

النّسَفيّ: ساقطة مع سقوفها، أو سقطت السّقوف ثمّ سقطت عليها الحيطان. (1 : 131)

نحوه الخازن(1 : 231)، و أبوالسُّعود (1 : 301)، و

البُرُوسَويّ ( 1 : 412 ) ، و الآلوسيّ (3 : 21)، و القاسميّ (3 : 669).

أبوحَيّان: قيل: المعنى: خاوية من أهلها، ثابتة على عروشها، فالبيوت قائمة.

و قال السُّدّيّ: ساقطة: متهدّمة جُدرانها على سقوفها بعد سقوط السّقوف.

و قيل: (عَلى )، بمعنى< مع >، أي مع أبنيتها،

و العروش على هذهالأبنية. و هذه الجملة في موضع الحال من الفاعل الّذي في { مَرَّ }، أو: من{ قَرْ يَة }،

و الحال من النّكرة إذا تأخّرت تقلّ.

و قيل: الجملة في موضع الصّفة للقرية، و يُبعّد هذا القول الواو، و( عَلى )، متعلّقة بمحذوف إذا كان المعنى: خاوية من أهلها، أي مستقرّة على عروشها، أو ب { خَاوِيَةٌ } إذا كان المعنى ساقطة.

و قيل: { عَلى عُرُوشِهَا } بدل من قوله: { قَرْ يَة } أي مرّ على عروشها. و قيل: في موضع الصّفة

ل{ قَرْ يَة} ، أي مرّ على قرية كائنة على عروشها و هي خاوية. (2 : 291)

ابن كثير: أي ليس فيها أحد، من قولهم: خَوَت الدّار تَخوي خُويًّا. (1 : 558)

ابن عاشور: الخاوية: الفارقة من السُّكّان و البناءو المعنى: أ نّها خاوية ساقطة على سُقُفها؛ و ذلك أشدّ الخراب، لأنّ أوّ ل ما يسقط من البناء السُّقُف ثمّ تسقط الجُدران على تلك السُّقُف. (2 : 509)

مكارم الشّيرازيّ: { خَاوِيَةٌ } في الأصل بمعنى خالية، و لكنّها هنا كناية عن الخراب و الدّمار، فالبيوت العامرة تكون عادةً مسكونة. أمّا الدّور الخالية: فإمّا أن تكون قد تهدّمت من قبل، أو أ نّها تهدّمت بسبب خلوّها من السّاكنين، و عليه فإنّ قوله: { وَ هِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا } تعني أنّ دور تلك القرية كانت كلّها خربة، فقد هوت سقوفها ثمّ انهارت الجدران عليها. و هذا هو الخراب التّامّ؛ إذ أنّ الانهدام يكون عادةً بسقوط السُّقُف أوّلا ، و تبقى الُجدران قائمة بعض الوقت، ثمّ تنهار فوق السّقف.

(2: 192)

فضل الله: فلاأثر فيها للحركة و الحياة و العمران، فقد مات أهلها و سقطت سقوفها و أبنيتها، فهي قرية ميتة في جميع مظاهرها و أوضاعها، فانطلقت أفكاره في قضيّة الحياة و الموت، كأيّة ظاهرة للموت في هذا الحجم يلتقي بها الإنسان، فيطرح السّؤال الكبير الّذي قد ينطلق من فضول المعرفة، أو من خاطرة الشّكّ الطّارئ السّريع الّذي لا يبتعد عن أجواء الإيمان، لأنّ المؤمن قد يطوف به طائف من الشّيطان، في حالة الاستغراق الفكريّ ليتذكّر بعدها. (5 : 73)

ص: 405

2 وَاُحيطَ‘ بِثَمَرِهِ فَاَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى مَا اَنْفَقَ فيهَا‘ وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا.

الكهف: 42

و هذه بمعنى سابقتها.

3 فَكَاَ يِّنْ مِنْ قَرْيَة اَهْلَكْنَاهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا وَبِئْر مُعَطَّلَة وَقَصْر مَشيد‘ .

الحجّ : 45

الزّمَخْشَريّ: و الخاوي: السّاقط، من خَوَى النّجم إذا سقط. أو الخالي، من خَوَى المنزل إذا خلا من أهله، وخَوَى بطن الحامل. و قوله: {عَلى عُرُوشِهَا( لايخلو من أن يتعلّق ب { خَاوِيَةٌ } فيكون المعنى أ نّها ساقطة على سقوفها، أي خرّت سقوفها على الأرض، ثمّ تهدّمت حيطانها فسقطت فوق السّقوف.أو أ نّها ساقطة أو خالية مع بقاء عروشها و سلامتها.

و إمّا أن يكون خبرًا بعد خبر، كأ نّه قيل: هي خالية و هي على عروشها، أي قائمة مُطِلّة على عروشها، على معنى أنّ السّقوف سقطت إلى الأرض فصارت في قرار الحيطان، و بقيت الحيطان مائلة فهي مُشرفة على السّقوف السّاقطة.

(3 : 17)

4 فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا اِنَّ فى ذ لِكَ لا يَةً لِقَوْم يَعْلَمُونَ النّمل : 52

ابن عبّاس: خاليةساقطة. (319)

الطّبَريّ: فتلك مساكنهم خاوية خالية منهم، ليس فيها منهم أحد، قد أهلكهم الله فأبادهم.

(9 : 534)

الطُّوسيّ: أي خالية فارغة. و كان رسمهم أن يكونوا فيها و يأوون إليها، فلمّا أهلكهم الله، صاروا عبرةً لمن نظر إليها و اعتبر بها. (8 : 105)

و جاء بهذالمعنى في أكثرالتّفاسير.

5 سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَال وَثَمَانِيَةَ اَ يَّام حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فيهَا‘ صَرْعى كَاَ نَّهُمْ اَعْجَازُ نَخْل خَاوِيَة.

الحاقّة : 7

السُّدّيّ: ساقطة الأبدان، خاوية الأُصول.

(الماوَرْديّ6: 78)

الأزهَريّ: الخاوية: معناها معنى المُنقلع.فقيل لها إذا انقلَعَت: خاوية، لأ نّها خَوَت من منبتها الّذي كانت نبتت فيه، و خَوَى منبتها منها.

و معنى خَوَت، أي خَلَتْ كما تَخوِي الدّار خُويًّا، إذا خَلَتْ من أهلها. (7 : 614)

الماوَرْديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: البالية، قاله أبو الطّفيل.

الثّاني: الخالية الأجواف، قاله ابن كامل.

الثّالث: [قول السُّدّيّ]

و في تشبيههم بالنّخل الخاوية ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّ أبدانهم خَوَت من أرواحهم، مثل النّخل الخاوية، قاله يحيى بن سلام.

الثّاني: أنّ الرّيح كانت تدخل في أجوافهم من الخَيشُوم، و تخرج من أدبارهم، فصاروا كالنّخل الخاوية، حكاه ابن شجرة.

الثّالث:لأنّ الرّيح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم

ص: 406

فصاروا بقطعها كالنّخل الخاوية. (6 : 78)

نحوه القُرطُبيّ. (18 : 261)

الفَخْرالرّازيّ: أي كأ نّهم أُصول نخل خالية الأجواف لاشيء فيها. و النّخل يؤنّث و يذكّر، قال الله تعالى في موضع آخر:{ كَاَ نَّهُمْ اَعْجَازُ نَخْل مُنْقَعِر } القمر: 20،و قرئ: ( اَعْجَازُ نَخِيل ).

ثمّ يُحتَمل أ نّهم شُبّهوا بالنّخيل الّتي قُلِعَت منأصلها، و هو إخبار عن عظيم خلقهم و أجسامهم.

و يُحتَمل أن يكون المراد به الأُصول دون الجذوع، أي أنّ الرّيح قد قطعتهم حتّى صاروا قطعًا ضخامًا كأُصول النّخل.

و أمّا وصف النّخل بالخَواء، فيحتمل أن يكون وصفًا للقوم، فإنّ الرّيح كانت تدخل أجوافهم، فتصرعهم كالنّخل الخاوية الجوف، و يحتمل أن تكون الخالية بمعنى البالية، لأ نّها إذا بليت خلت أجوافها، فشُبّهوا بعد أن أُهلكوا بالنّخيل البالية. (30 : 105)

نحوه النَّيسابوريّ(29 : 35)،والآلوسيّ(29: 42)

البَيْضاويّ: متآكلة الأجواف. (2 : 499)

مثله أبوالسُّعود. (6 : 294)

الشِّربينيّ: أي متأكّلة الأجواف ساقطة، من خَوَى النّجم إذا سقط للغروب، و من خَوَى المنزل إذا خلا من قُطّانه. قالوا: كانت تدخل من أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم، و الوصف بذلك لعظم أجسامهم، و تقطيع الرّيح لهم، و قطعها لرؤوسهم، و خلوّهم من الحياة، و تسويدها لهم. (4: 369)

البُرُوسَويّ: أصل الخَوَى: الخلاء. يقال: خَوَى بطنه من الطّعام، أي خلا. و المعنى: متأكّلة الأجواف خاليتها لاشيء فيها، يعني أ نّهم متساقطون على الأرض أمواتًا طوالا غلاظًا، كأ نّهم أُصول نخل مُجوّفة بلافروع. شُبّهوا بها من حيث إنّ أبدانهم خوت و خلت من أرواحهم كالنّخل الخاوية.

و قيل: كانت الرّيح تدخل من أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من أدبارهم، فصاروا كالنّخل الخاوية. ففيه إشارة: إلى عِظَم خلقهم و ضخامة أجسادهم،

و لذا كانوا يقولون: مَن أشدّ منّا قوّة. و إلى ألذّ الرّيح، أبْلَتْهم فصاروا كالنّخل الموصوفة.

و فيه إشارة: إلى أنّ أهل النّفس موتى لاحياة حقيقيّة لهم، لأ نّهم قائمون بالنّفس لابالله، كما قال: { كَاَ نَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ } المنافقون: 4، { كَاَنَّهُمْ اَعْجَازُ نَخْل } أي أقوياء بحسب الصّورة لامعنى فيهم، و لاحياة ساقطة عن درجة الاعتبار و الوجود الحقيقيّ؛ إذ لا تقوم بالله.

و إلى أنّ النّفس و صفاتها مجوّفة ليس لها بقاء، لأنّ البقاء إنّما هو بفيض الرّوح، يعنى أنّ الّذي رَش عليه من رطوبة الرّوح حيّ بإذن الله و صلح قابلا للصّفات الإلهيّة، و إلا مات و فسد. (10 : 134)

القاسميّ: أي ساقطة مُجتَثّة من أُصولها كآية { كَاَ نَّهُمْ اَعْجَازُ نَخْل مُنْقَعِر} القمر: 20.

(16 : 5912)

ابن عاشور: و قوله: { خَاوِيَة } مجرور باتّفاق القرّاء، فتعيّن أن يكون صفة { نَخْل }.

ص: 407

و وصفُ { نَخْل }. بأ نّها { خَاوِيَة } باعتبار إطلاق اسم « النّخل » على مكانه، بتأويل الجنّة أو الحديقة، ففيه استخدام. و المعنى: خاليةمن النّاس. و هذا الوصف لتشويه المشبّه به بتشويه مكانه، و لاأثر له في المشابهة. و أحسنه ما كان فيه مناسبة للغرض من التّشبيه كما في الآية، فإنّ لهذا الوصف وقعًا في التّنفير من حالتهم، ليناسب الموعظة و التّحذير من الوقوع في مثل أسبابها. (29 : 110)

الطَّباطَبائيّ: و { خَاوِيَة }: الخالية الجوف الملقاة . (19 : 393)

عبد الكريم الخطيب: و الخاوية: الجوفاء، الّتي فرغ جوفها، بعد موتها و جفافها. (15 : 1127)

مكارم الشّيرازيّ:{ خَاوِيَةٍ } من مادّة<خواء> على وزن < حواء > في الأصل بمعنى كون الشّيء خاليًا، و يُطلَق هذا التّعبير أيضًا على البطون الجائعة، و النّجوم الخالية من المطركما في اعتقاد عرب الجاهليّة، و تُطلَق كذلك على الجوز الأجوف الفارغ من اللّبّ. (18 : 523)

الوُجوه و النّظائر

الحيريّ: الخاوية على وجهين:

أحدهما: السّاقط، كقوله: { وَ هِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا } البقرة : 259، نظيرها في الكهف الآية : 42، و الحجّ الآية : 45.

والثّاني: الخالية، كقوله:{ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا } النّمل : 52. (237)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخَواء، و هو الفُرْجَة بين الشّيئين، كالفراغ الّذي بين الأرض و السّماء. يقال: دخل فلان في خَواء فرسه، أي ما بين يديه و رِجْلَيه. و الخَواية: ما يسدّه الفرس بذنَبِه من فُرْجَة ما بين رِجْلَيه، و خَواء الأرض: براحها، لفراغها من الزّرع و الشّجر.

و الخَواء: خلوّ الجوف من الطّعام. يقال: خَوَى خَوًى و خَواءً، أي تتابع عليه الجوع. و خَوّت الإبل تخويةً: خَمُصَت بطونها و ارتفعت، و خَوِيَت المرأة خَوًا و خَوَتْ : ولدت فخَوَى بطنها، أي خلا، و كذلك إذا

لم تأكل عند الولادة، و الخَويّة: ما أُطعمت على الولادة. يقال: خوّاها و خوّى لها تخويةً، أي عمل لها خَويّةً تأكلها، و هي طعام. و خُوّيَت المرأة تخويةً: حُفِرت لها حفيرةً ثمّ أُوقد فيها، ثم ّ تقعد فيها من داء تجده.

و الخَويّ: < فعيل > من الخَواء، و هوالوِطاء بين الجبلين، أي اللّيّن من الأرض، و الخَوّ و الخَويّ: كلّ واد واسع في جوّ سهل.

و الخَويّة: مَفْرِج ما بين الضّرع و القُبل من النّاقة و غيرها من الأنعام.

و خَواية الرّحل: متّسَع داخله، و خَواية السّنان: جُبّتُه، و هي ما التقم ثعلب الرّمح.

و خَوّى الرّجل: تجافى في سجوده و فرّج ما بين عَضُدَيه و جَنْبَيه، وخَوّى البعير: تجافى في بُرُوكه و مكّن لثَفِناته، و خَوّى الطّائر تخويةً: بسط جناحيه،

ص: 408

و مدّ رجليه عندوقوعه.

و أرضٌ خاوية: خالية من أهلها، و قد تكون خاوية من المطر، تشبيهًا بخَواء الأرض. يقال: خوّت الدّار و خَوِيَت خَيًّا و خُويًّا و خَواءً و خَوايَةً، أي أقوت و خلَت من أهلها.

و خَوَت الدّار: تهدّمت و سقطت، و خَوَى البيت: انهدم. و خَوَت النّجوم تَخوي خَيًّا و أخوَت: سقطت و لم تُمطر في نوئها، و خَوّت تخويةً: مالت للمغيب، و خَوَى الزّند و أخْوى: لم يُورِ، وكلّ ذلك على التّشبيه.

2 و الخَواة: الصّوت. يقال: سمعت خوايته، أي سمعت صوته شِبْه التّوهّم، وخَواة الرّيح: صوتها، قال ابن سيده:<الحَواة: الصّوت كالخَواة، و الخاء أعلى>. ((1)) و منه الخَواية، و هو حفيف الجناح، و خَواية الخيل: حفيف عَدْوُها، و خَواية المطر: حفيف انهلاله. و هذا ليس من الباب، لأ نّه صوت، و هو < لاينقاس و ليس بأصل > كما قال ابن فارِس.((2))

الاستعمال القرآنيّ

و جاء منها اسم الفاعل المؤنّث: ( الخَاويَة ) 5 مرّات في 5 آيات:

1 { اَوْ كَالَّذى‘ مَرَّ عَلى قَرْيَة وَ هِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا ...} البقرة : 259

2 { وَ اُحيطَ‘ بِثَمَرِهِ فَاَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى مَا اَ نْفَقَ فيهَا‘ وَ هِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا...} الكهف : 42

3 {فَكَاَ يِّنْ مِنْ قَرْ يَةٍ اَهْلَكْنَاهَا وَ هِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشيدٍ‘}

الحجّ :45

4 { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا...}

النّمل : 52

5 {...فَتَرَى الْقَوْمَ فيهَا‘ صَرْعى كَاَ نَّهُمْ اَعْجَازُ نَخْل خَاوِيَة } الحاقّة : 7

يلاحظ أوّ لا : أ ن لفظ { خَاوِيَةٌ } أُسند إلى <القرية >في(1) و (3) و إلى <البيوت > في (4) و المراد به هلاك أهلها و إلى < الجنّة > في (2) و المراد به خرابها و إلى <أعجاز النّخل> في (5) و يراد به هلاك القوم. و فيها بُحُوثٌ:

1 استُعملت جملة: { خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا } في القرية كما في (1) و (3) ، و في الجنّة كما في (2)، فإذا كانت بمعنى تهدّم سقوفها وتساقط حيطانها، فإنّ ذلك مصداق (1) و (3) دون (2)؛ إذ ليس فيها كما في القرية حيطان وسقوف.

بيد أنّ في الجنّة عروشًا، و هي خُشُب تدعم بها الكروم، فالمعنى على هذا الرّأي أنّ الأشجارسقطت على العروش، لريح أو نار أصابتها.

ونرى أنّ هذه الجملة كما اصطلح عليه ابن فارِس من الأسباب الإسلاميّة، وتعني خواء الدّار والأرض من أهلها، كما جاء في اللُّغة. و معنى { خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا } في (2) خَواء، أي لا أشجار تسدّ

ص: 409


1- 1 المحكم : 4 : 35.
2- 2 مقاييس اللّغة: 2 : 225.

تفاريجها، و لا أعشاب تكسو أرضها. و من هذا الباب قول النّبيّ(صلی الله علیه و آله) في معركة حنين: < الآن حمي الوطيس > ، أي اشتدّت المعركة و قامت على ساق، وهي كلمة لم تسمع إلا منه(صلی الله علیه و آله).

2 استُعمل لفظ { خَاوِيَة } في(4):{ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } في وصف ديارثمود بعد هلاكهم، وكان قد وصف هلاكهم في الآية السّابقة لها، فقال تعالى: { اَ نَّا دَمَّرْ نَاهُمْ وَ قَوْمَهُمْ اَجْمَعينَ ‘}،النّمل : 51، و يريد بخَواء بيوتهم تسويتها عليهم، فأصبحت ديارهم فرجة بين السّماء والأرض، و هو قوله تعالى: { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَ بُّهُمْ بِذَ نْبِهِمْ فَسَوّيهَا} الشّمس : 14.

3 مثّل هلاك عاد في ( 5 ) بقوله: { كَاَ نَّهُمْ اَعْجَازُ نَخْل خَاوِيَة } ، ويحمل هذا التّمثيل معنيين: قطع النّخل

من أُصولها، و خلوّ أجوافها؛ إذ لايُتصوّر خواء أعجاز النّخل إلا أن تكون مقطوعة، غير أ نّه يمكن أن تكون النّخل مقطوعة وأجوافها ليست خالية، وهو قوله

تعالى: { كَاَ نَّهُمْ اَعْجَازُ نَخْل مُنْقَعِر } القمر: 20.

و المراد بهذه الآية والله أعلم أ نّه جلّت قدرته استأصل عاد واجتثّ دابرهم، ونظيرها قوله فيهم: { وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذينَ‘ كَذَّبُوا بِايَاتِنَا } الأعراف : 72، وجعل أجسادهم جوفًا، و هو قوله: { فَاَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمينَ‘ } المؤمنون:41، وقوله : { وَ فى عَادٍ اِذْ اَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ‘ الْعَقيمَ ‘* مَا تَذَرُ مِنْ شَىْء اَتَتْ عَلَيْهِ اِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّميمِ ‘} الذّاريات : 41 ، 42.

ثانيًا: واحدة منها مدنيّة، و واحدة (3) من سورة الحجّ و هي مختلف فيها، و الثّلاث الباقية مكّيّة، و كلّها قصص عن الأُمم الماضية.

ثالثًا: ومن نظائر الخواء في القرآن:

الخلوّ : { وَ اِذَا خَلا بَعْضُهُمْ اِلى بَعْض قَالُوا اَ تُحَدِّ ثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ } البقرة : 76الفراغ :{ وَ اَصْبَحَ فُؤَادُ اُمِّ مُوسى فَارِغًا }

القصص : 10

ص: 410

خ ي ب

اشارة

لفظان، 5 مرّات:4 مكّيّة، 1 مدنيّة

في4 سور: 3 مكّيّة، 1 مدنيّة

خابَ 4:4 خائبين 1: 1

النُّصوص اللُّغويّة

أبو عمرو بن العلاء: تقول العرب: ذهب فلان في الأخيب و وقع في الخيباء، أي في الخيبة.

(الخطّابيّ 2 : 154)

الخَليل: الخَيْبَة: حرمان الجَدّ، خابَ يَخيبُ. وجعل الله سعي فلان في خَيّاب بن هَيّاب و بَيّاب بن بَيّاب، في مثَل للعرب. و لايقال منه: خابَ و هابَ.

و الخَيّاب: القِدْح الّذي لايوري، و الّذي لايفوز من السّهام أيضًا. (4 : 315)

الكِسائيّ: وقعوا في وادي تُخُيِّبَ على تُفُعِّل، بضمّ التّاء والفاء و كسر العين، غير مصروف، معناه الباطل. (الجَوهَريّ 1 : 123)

الفَرّاء: خاب إذا خسر، و خاب إذا كفر.

(الأزهَريّ 7 : 603)

ابن دُرَيْد: و خاب الرّجل يخيب خَيْبةً، إذا طلب فلم ينجح. و خَيّبَه الله تخييبًا. و رجع فلان بالخيبة، أي بغير النُّجح. و الخَيْبَة: الاسم. وخيبة : اسم المرأة.

(3 : 201)

الصّاحِب: [نحو الخَليل و أضاف:]

و وقع في وادي يُتَخَيِّب، أي في مهلكة. (4 : 426)

الخطّابيّ : في رواية: < اللّهمّ سلّط عليهم غلام ثقيف اعلموا أنّ من فاز بكم فقد فاز بالقِدْحالأخيب > أي بالخائب الّذي لا نصيب له من قداح الميسر... والقداح الّتي لانصيب لها في الميسر ثلاثة: المنيح، و السّفيح، والوَغْد. وأمّا القداح الّتي لها أنصباء معلومة فهي سبعة. (2 : 153)

ص: 411

الجَوهَريّ: خاب الرّجل خَيْبَةً، إذا لم ينل ما يطلب. و خَيّبتُه أنا تخييبًا.

و في المثَل « الهَيْبَة خَيْبَة ».

و يقال: خَيْبَةٌ لزيد و خَيْبَةً لزيد، فالنّصب على إضمار فعل، و الرّفع على الابتداء. (1 : 123)

ابن فارِس: الخاء و الياء و الباء أصل واحد يدلّ على عدم فائدة و حِرْمان.و الأصل: قولهم للقِدْح الّذي لايُوري: هو خَيّاب. ثمّ قالوا: سعى في أمر فخاب، و ذلك إذا حُرِم فلم يُفِدْ خيْرً.ا (2 : 232)

أبوهِلال: الفرق بين اليأس و القنوط و الخَيْبَة: أنّ القنوط أشدّ مبالغة من اليأس. و أمّا الخَيْبَة فلاتكون إلا بعد الأمل، لأ نّها امتناع نيل ما أمل. فأمّا اليأس فقد يكون قبل الأمل و قد يكون بعده.

و الرّجاء و اليأس نقيضان يتعاقبان كتعاقب الخَيْبَةو الظّفر، و الخائب: المنقطع عمّا أمل. (203)

ابن سيده: خاب يَخيبُ خَيْبَةً: حُرِم.و خَيّبَه الله: حَرَمه.

و سعيه في خَيّاب بن هَيّاب، أي في خسار.

و الخَيّاب: القِدْح الّذي لا يُوري. [ثمّ استشهد بشعر]

و وقع في وادي تُخُيِّب، و هو الباطل. (5 : 271)

الرّاغِب: الخَيْبَة: فوت الطّلب. [ثمّ ذكر الآيات]

(160)

الزّمَخْشَريّ: خاب الرّجل. و خَيّبَه الله، و خاب سعيه و أمله، « و الهيب خَيْبَة »، و من هابَ خابَ، و من جسر أسر.

و من المجاز: « وقعوا في وادي تُخُيّب ».

و سعي فلان في خيّاب بن هيّاب.

و قِدْح خيّاب: لايُوري. (أساس البلاغة1 : 123)

ابن الأثير:في حديث عليّ: < من فاز بكم فقد فاز بالقِدْح الأخْيَب > أي بالسَّهْم الخائب الّذي لانصيب له من قِداح المَيْسر، وهي ثلاثة: المَنيح، والسّفيح، والوَغْد. والخَيْبَة: الحِرْمان والخسران، وقد خابَ يَخيبُ ويَخُوب.

ومنه الحديث: < خَيْبَةً لَكَ > و <يا خَيْبَة الدَّهْرِ > . وقد تكرّر في الحديث. (2 : 90)

الفَيُّوميّ: خابَ يَخيبُ خَيْبَةً: لم يظفر بما طلب، و في المثَل: الهَيْبَةُ خَيْبَةٌ.

و خَيّبَهُ الله بالتّشديد: جعله خائبًا. (1 : 185)

الفيروزاباديّ: خابَ يَخيبُ خَيْبَةً: حُرِم، و خَيّبَه الله، و خسر و كفر و لم يَنَل ما طلب.

و في المثَل: الهَيْبَة خَيْبَة.

و يقال: خَيْبَة لزيد بالرّفع و النّصب دعاء عليه.

و سعيه في خَيّاب بن هَيّاب مشدّدين أي خَسار. و الخَيّاب أيضًا: القِدْحلايُوري.

و وقع في وادي تُخُيّبَ بضمّ التّاء و الخاء و فتحها و كسرالياء، غير مصروف، أي في الباطل. (1 : 66)

مَجْمَعُ اللُّغة: خابَ يَخيبُ خَيْبَةً: لم يظفر بما طلب، فهو خائبه و هم خائبون. (1 : 372)

محمّد إسماعيل إبراهيم: خابَ يَخيبُ خَيْبَةً: لم يظفر بما طلب، وانقطع أمله.

و الخائب: مَن فشَل سعيه و لم ينجح. (1 : 178)

ص: 412

المُصْطَفَويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة: هو اليأس و المحروميّة بعد الرّجاء و الأمل، و هذا المعنى قد يلازم الجوع إذا طلب الغنى و لم ينِلْه، و قد يلازم الخسران، و قد يوجب الكفر، و قد يُنتِج المحروميّة و الممنوعيّة. (3 : 156)

النُّصوص التّفسيريّة

1 وَاسْتَفْتَحُوا وَ خَابَ كُلُّ جَبَّار عَنيد‘.

إبراهيم : 15

ابن عبّاس: خسر عند الدّعاء من النُّصرة كلّ متكبّر خَتّال. (212)

الكَلْبيّ:خسر عند الدّعاء.(ابن الجَوْزيّ4 : 351)

مُقاتِل: خسر عند نزول العذاب.

(ابن الجَوْزيّ4 : 351)

أبو سليمان الدّمشقيّ: يئس من الإجابة.

(ابن الجَوْزيّ4 : 351)

الطّبَريّ: هلك كلّ متكبّر جائر حائد عن الإقرار بتوحيد الله و إخلاص العبادة له. (7 : 426)

القُمّيّ: أي خسروا. (1 : 368)

الماوَرْديّ: في { خَابَ } وجهان: أحدهما: خسرعمله، الثّاني: بطل عمله. 3: 127)

الطُّوسيّ: و الخَيْبَة خلاف ماقدّروه من المنفعة. يقال: خابَ يَخيبُ خَيْبَةً، و خيّب تخييبًا، و ضدّه النّجاح، و هو إدراك الطّلبة. (6 : 282)

البغَويّ: خسر. و قيل: هلك. (3 : 33)

مثله الخازن (4 : 30)، و الشِّربينيّ (2 : 174).

المَيْبُديّ: أي خاب ما أراد و لم يدرك ما تمنّى.

(5 : 238)

ابن عَطيّة: معناه: خسر و لم ينجح. (3 : 330)

نحوه النّسَفيّ. (2 : 257)

الطَّبْرِسيّ: أي خسر كلّ متكبّر معاند مجانب للحقّ دافع له. (3 : 308)

مثله شُبّر (3 : 352)، و نحوه أبوالفُتُوح (11 : 261) ، و المَراغيّ(13 : 139).

الفَخْرالرّازيّ: ...و لاشكّ أنّ الإنسان الّذي يكون خلقه هو التّجبّر و التّكبّر، و فعله هو العنود و هو الانحراف عن الحقّ و الصّدق، كان خائبًا عن كلّ الخيرات، خاسرًا عن جميع أقسام السّعادات.

(19 : 102)

البَيْضاويّ: و خاب كلّ عاتٍ متكبّر على اللهمعاند للحقّ فلم يُفلح. و معنى الخَيْبَة إذا كان الاستفتاح من الكفرة أو من القبيلتين كان أوقع.

(1 : 527)

أبو السُّعود: { وَ خَابَ } أي خسر و هلك{ كُلُّ جَبَّار عَنيد ‘( متّصف بضدّ ما اتّصف به المتّقون، أي فنُصِروا عند استفتاحهم و ظُفِروا بما سألوا وأفلحوا { وَ خَابَ كُلُّ جَبَّار عَنيد ‘(و هم قومهم المعاندون. فالخَيْبَة بمعنى مطلق الحرمان عن المطلوب، أو ذلك باعتبار أ نّهم كانوا يزعمون أ نّهم على الحقّ، أو استفتح الكفّار على الرّسل و خابوا و لم يُفلحوا.

و إنّما قيل:) وَ خَابَ كُلُّ جَبَّار عَنيد‘ (ذمًّا لهم و تسجيلا عليهم بالتّجبّر و العناد، لا أنّ بعضهم ليسوا

ص: 413

كذلك، و أ نّه لم يصبهم الخيبة، أو استفتحوا جميعًا فنُصر الرّسل و أُنجز لهم الوعد، و خاب كلّ عات متمرّد. فالخَيْبَة بمعنى الحرمان غبّ الطّلب، و في إسناد الخَيْبَة إلى كلّ منهم مالا يخفى من المبالغة . (3 : 478)

نحوه البُرُسَويّ (4 : 405)،و الآلوسيّ (13 : 201)، و القاسميّ (10 : 3719).

الشَّوْكانيّ: و معنى الآية أ نّه خسر و هلك من كان متّصفًا بهذه الصّفة. (3 : 125)

سيّد قُطْب: والمشهد هنا عجيب. إنّه مشهد الخيبةلكلّ جبّار عنيد.مشهد الخيبة في هذه الأرض. و لكنّه يقف هذا الموقف، و من ورائه تخايل جهنّم و صورته فيها... (4 : 2093)

الطَّبا طَبائيّ: الخَيْبَة: انقطاع الرّجاء و الخسران و الهلاك.

(12 : 35)

المُصْطَفَويّ: { وَ خَابَ كُلُّ جَبَّار عَنيد ‘} إبراهيم:15، { وَ قَدْ خَابَ مَنِ افْتَرى } طه : 61، { وَ قَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا } طه:111،{ وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَسّيهَا } الشّمس : 10،أي وقد منع وحرم ولم يظفر بما يطلب و يأمل، و لم يحصل له مايتوقّع حصوله إذا كان جبّارًا و مفتريًا و ظالمًا.

و هذه الأُمور الثّلاثة توجب خيبة و محروميّة خاصّة في مواردها. و أمّا المحروميّة العامّة و الخيبة الكلّيّة، فهي تتحقّق في مورد تدسيس النّفس، فإنّه مبدأ قاطبة الشّرور و منشأ جميع أنواع المحروميّة في الجهات المختلفة.

فكلّ إنسان لايخلو من إحدى الحالتين: إمّا مزكّى و إمّا مدسَّس، فالمزكّى هو المفلح، و المدسَّس هو الخائب، و لا ثالث لهما.و ظهر أنّ الفلاح و الفتح و الظّفر إنّما هي في مقابلة الخيبة.

و لايخفى أنّ عدم التّوفيق و فقدان حصول الغرض و الوصول إلى الهدف و المقصود في طول الحياة، هو آخر درجة المحروميّة، و نهاية مرتبة اليأس، و يعبّر عنه بالخيبة، و يقابلها الفلاح و فتح الباب للخير و الرّحمة و الظّفر بالمقصود، و لهذا ترى التّعبير بالخيبة في مقام المجازاة الشّديد والمعاقبة الكلّيّة على الكافرين. (3 : 157)

فضل الله: من هؤلاء الّذين عاشوا الكبرياء،في ما كانوا يتمتّعون به من مال و جاه و قوّة، دفعهم إلى العناد و التّمرّد و الجهود، فلم ينفعهم ذلك كلّه.

(13 : 92)

2 وَ قَدْ خَابَ مَنِ افْتَرى. طه: 61

ابن عبّاس: خسر. (263)

مثله قَتادَة (الواحديّ 3 : 211)،و شُبّر (4 : 156).

الطُّوسيّ: و الخَيْبَة: الامتناع على الطّالب ما أمل، و الخيبة: انقطاع الرّجاء.يقال: رجع بخيبة، و هو إذا رجع بغير قضاء حاجته. وأشدّ ما يكون إذا أمل خيرًا من جهة، فانقلب شرًّا منها. (7 : 183)

نحوه الطَّبْرِسيّ (4 : 18)، و أبو الفُتُوح الرّازيّ (13: 16) .

الفَخْرالرّازيّ:الخَيْبَة و الحرمان عن المقصود، وهو المراد بقوله: ) وَ قَدْ خَابَ مَنِ افْتَرى (. (22 : 73)

ص: 414

القُرطُبيّ: أي خسر و هلك، و خاب من الرّحمة و الثّواب. (11 : 215)

الخازن: أي خسر من ادّعى مع الله إلهًا آخر.

(4 : 220)

البُرُوسَويّ: الخَيْبَة: فوت المطلب. (5 : 400)

الشَّوْ كانيّ: أي خسر و هلك. (3 : 467)

الطَّبا طَبائيّ: الخَيْبَة: اليأس من بلوغ النّتيجة المأمولة. (14 : 174)

3 وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا. طه : 111

4 قَدْ اَفْلَحَ مَنْ زَ كيهَا\ * وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَسّيهَا.

الشّمس : 9،10

جاء في التّفاسير لمعنى الآيتين الخسران و اليأس عن المطلوب، نحو ما قبلهما.

خَائِبينَ‘

لِِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا اَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبينَ‘. آل عمران : 127

ابن عبّاس: { خَائِبينَ ‘} من الدّولة و الغنيمة.

(56)

ابن اسحاق:يرجع من بقي منهم فلا ((1)) خائبين، لم ينالوا شيئًا ممّا كانوا يأملون. (الطّبَريّ 3 : 430)

الطّبَريّ: فيرجعوا عنكم خائبين، لم يصيبوا منكم شيئًا ممّا رجوا أن ينالوه منكم. (3 : 430)

نحوه الزّجّاج 1 : 467)، و الثّعلبيّ (3 : 145)، و

الواحديّ ( 1 : 490 )، و ا لبغَويّ ( 1 : 503 ) ، و الطَّبْرِسيّ (1 : 500)، و الخازن (1 : 349)، و ابن كثير (2 : 109).السِّجِستانيّ: أي فاتهم الظّفر و الغنيمة. (37)

الماوَرْديّ: و الفرق بين الخائب و الآيس: أنّ الخَيْبَة لاتكون إلا بعد أمل، و اليأس قد يكون قبل أمل. (1 : 422)

الطُّوسيّ: الخائب: المنقطع عمّا أمل، و لاتكون الخَيْبَة إلا بعد الأمل، لأ نّها امتناع نيل ما أمل. و اليأس قد يكون قبل الأمل و يكون بعده.

و اليأس و الرّجاء نقيضان يتعاقبان كتعاقب الخيبة و الظّفر. يقال: خاب يخيب خيبةً، وخيّبه الله تخييبًا. و الخيبة: حرمان المراد. (2 : 584)

الزّمَخْشَريّ: غير ظافرين بمبتغاهم، ونحوه { وَ رَدَّ اللهُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } الأحزاب : 25. (1 : 462)

نحوه أبو السُّعود. (2 : 30)

الفَخْرالرّازيّ: الخَيْبَة هي الحرمان. و الفرق بين الخيبة و بين اليأس: أنّ الخيبة لا تكون إلا بعد التّوقّع، و أمّا اليأس فإنّه قد يكون بعد التّوقّع و قبله. فنقيض اليأس الرّجاء، و نقيض الخيبة الظّفر، و الله أعلم.

(8 : 231)

نحوه البُرُوسَويّ (2 : 91)، و الآلوسيّ (4 : 49).

الشِّربينيّ: أي لم ينالوا ما راموه. (1 : 245)

ص: 415


1- (1) الفلّ: المنهزمون.

المَراغيّ: و عبّر بالخيبة دون اليأس، لأنّ الأُولى لاتكون إلا بعد توقّع النّصر و انتظاره، و الثّانية بعده و بدونه. و ضدّ الخيبة: الظّفر، و ضدّ اليأس: الرّجاء.

(4 : 60)

مَغْنِيّة: فيرجعوا خائبين لا أمل لهم بالنّصر.

(2 : 153)

المُصْطَفَويّ: أي فلم يظفروا بما يستهدفون، و لم ينالوا بما يريدون في حياتهم الدّنيويّة. (3 : 157)

فضل الله: خاسرين لن يحصلوا على شيء ممّا أرادوه، و عملوا له في الدّنيا و الآخرة. (6 : 255)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة الخَيْبَة: الحرمان. يقال: خابَ يَخيبُ خَيْبَةً، أي حُرِم و لم يَنَل ما طلَب، و خَيّبَه الله: حَرَمه، و خَيّبتُه أنا تخييبًا، وخَيبَةً لزيد، وخَيبَةٌ لزيد، دعاء عليه بالحرمان.

و خابَ: خَسِر و كفر، لأ نّه حرمان من الرّبح و منع من الهدى، و في المثَل: < الهَيبة خَيبَة >، و < سعيه في خَيّاب بن هَيّاب >، أي في خَسار. ووقع في وادي تُخُيّب: في باطل.

2 و الخَيّاب: القَدْح الّذي لايُوري، أي لايُوقد. و القَدْح: مصدر: قَدَح بالزّند يَقْدح قَدْحًا، أي رام الإيراء به، و هو ضرب الحجر بالزّند لتخرج النّار منه، يقال: قَدَحتُ فأورَيتُ.

و الخَيّاب أيضًا: القِدْح الّذي لايفوز من السّهام في الميسر، و منه حديث عليّ (علیه السلام): < من فاز بكمفقد فاز و الله بالسّهم الأخيب >((1)

أي بالسّهم الخائب الّذي لانصيب له من قداح الميسر، و هي ثلاثة: المنيح، و السّفيح، و الوغد.

و ذكر القِدْح في المعاجم عدا القاموس بكلا المعنيين: الإيراء و سهم الميسر. و لاجرم أ نّه تصحيف؛ إذ الصّواب أنّ القَدْح < بالفتح >: الإيراء، و القِدْح < بالكسر >: السّهم الخائب في الميسر.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الماضي: ( خَاب َ) 4 مرّات، و اسم الفاعل: ( خَائِبين ‘) مرّةً في 5 آيات:

1 { وَاسْتَفْتَحُوا وَ خَابَ كُلُّ جَبَّار عَنيد ‘}

إبراهيم : 15

2 {... فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَاب وَ قَدْ خَابَ مَنِ افْتَرى }

طه : 61

3 { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا } طه : 111

4 { قَدْ اَ فْلَحَ مَنْ زَكيهَا\ * وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَ سيهَا\} الشّمس : 9 ، 10

5 { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا اَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبينَ ‘} آل عمران : 127

يلاحظ أوّلا :أنّ الخيبة استُعملت في الكفّار خاصّة ففُسّرت باليأس، و الهلاك، و الخسران، و الحرمان، و البطلان، و غير ذلك ممّا يؤولون إليه في الدّنيا

ص: 416


1- (1) نهج البلاعة الخطبة: 49.

و الآخرة، و فيها بُحُوثٌ:

1 جاءت الآيات (1 4) تهديدًا و وعيدًا لمشركي مكّة، و عتاة قريش دون تخصيص؛ إذ فاعل { خَابَ } في (1) لفظ{ كُلُّ }: { وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خَابَ كُلُّ جَبَّار عَنيد ‘}، و هو يستغرق أفراد الجبابرة، و فاعله في (2 4) لفظ (مَنْ)، و هو اسم موصول يفيد العموم، و هذا من خصائص السّور المكّيّة.

و جاءت (5) تطييبًا لخاطر المسلمين، لما أصابهم يوم أُحد: { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا اَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبينَ ‘}، فنسب الخيبة إلى الكفّار وصفًا لانقلابهم إلى مكّة.

2 ضمّن المفسّرون الخيبة في هذه الآيات معنى اليأس، و الهلاك، و الخُسران، و البُطلان. و الأصل فيها: الحرمان كما مرّ، و هو يناسبها جميعًا، ففي (1): { وَ اسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّار عَنيد ‘}، حُرم الكفّار النّصر، و في (2): { وَ قَدْ خَابَ مَنِ افْتَرى } و قد حُرم النّجاة من افترى، و في (3): { وَ قَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا }، و قد حُرم الشّفاعة من حمل ظلمًا، و في (4): { وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَسيهَا\ }، و قد حُرم الفوز من دسّاها، و في (5): { اَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبينَ‘}، فينقلبوا

محرومين للنّصر.

3 إن قيل: أفلا قال في (1): و خاب الجبّارون المعاندون، و في (2): و قد خاب المفترون، و في (3): و قد خاب الظّالمون، و في (4): و قد خاب المُدِسّون، فيكون أخصر كما في (5)؟

يقال: كلا، لأنّ في هذه الآيات على هذا النّحو ظرائف و لطائف، كما أشرنا إلى نتف منها في التّسلسل (1)، و لو كانت كما قيل: لخلت منها، و لاختلّ التّناسق في رؤوس الآي؛ إذ هي رويّ لما قبلها و بعدها.

ثانيًا: أربع منها (1 4) مكّيّة، وكلّها إنذار و وعيد للمشركين. و الأخيرة مدنيّة، وهي من تتمّة وعد المؤمنين بالنّصر في غزوة أُحد بقوله: { وَ مَا جَعَلَهُ اللهُ اِلا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ اِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزيزِ‘ الْحَكيمِ ‘} آل عمران : 126، ثمّ بهزيمة المشركين.

ثالثًا: و من نظائر الخيبة في القرآن:

الحرمان:{ وَ فى اَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ } الذّاريات : 19.

ص: 417

ص: 418

خ ي ر

اشارة

13 لفظًا، 196 مرّة: 97 مكّيّة، 99مدنيّة

في 56سورة: 40 مكّيّة، 16مدنيّة

خَيْرات 1 1 اخْتارَ 1:1

الخَيْرات 9: 5 4 اختَرتُك 1:1

الاخيار 2:2 اختَرْناهم 1:1

خَيْر 125: 64 61 يَخْتار 1:1

خيْرًا 37: 9 28 يتَخَيّرون 1:1

الخَيْر 14: 10 4 تَخَيّرون 1:1

الخِيَرة 2: 1 1

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل : رجل خَيّر، و امرأة خَيّرة، أي فاضلة في صلاحها؛ و الجميع: خيار و أخيار.

و امرأة خَيْرَة في جمالها و مِيسَمها، قال الله تعالى: { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } الرّحمن:70، أي في الجمال و المِيسَم.

و ناقة خيار، و جمَل خيار؛ و الجميع: خيار.

و خايَرْتُ فلا نًا: فخِرتُه. و الله يخير للعبد إذا استخاره.

و تقول: هذا و هذه و هؤُلاء خِيَرَتي، و هو ما تختاره.

و تقول: أنت بالمختار و بالخيار سواء.

و الرّجل يستخير الضّبُع و اليَرْ بُوع،إذا جعل في موضع النّافقاء، فخرج من القاصعاء.

و الخِيرَة: مصدر اسم الاختيار، مثل ارتَابَ ريبَةً. و كلّ مصدر إذا كان ل <أفْعَل> ممدودً ا، فاسم مصدره <فَعَال> مثل أفاق يُفيق فَواقًا، و أصاب يُصيب صوابًا، و أجاب يُجيب جوابًا؛و المصادر: الإفاقة و الإصابة و الإجابة.

و تقول: عذّب يعذّب عذابًا و هو اسم المصدر،

ص: 419

و المصدر: تعذيب.

و الخِيْر: الهبَة((1)).

[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(4: 301)

الفَرّاء: يقال: الخِيْرة و الخِيَرة و الطِّيْرَ ة و الطِّيَرة.

و العرب تقول: أعطني الخَيْرَ ة منهنّ، و الخِيْرَ ة والخِيَرَ ة؛كلّ ذلك: لما تختاره من رجل أو امرأة أو بهيمة تصلح إحدى هؤلاء الثّلاثة. (الأزهَريّ7 : 549)

أبوزَيْد: يقال: هي خَيْرَ ة النّساء و شرّة النّساء. [ثمّ استشهد بشعر] (الأزهَريّ7 : 546)

يقال: < إنّك ماو خَيرًا > أي إنّك على خَيْر.

(الأزهَريّ7 : 548)

الاستخارة: أن تستعطف الإنسان و تدعوه إليك. [ثمّ استشهد بشعر] (الأزهَريّ7 : 549)

يقال: فَخَرْتُ الرّجل على صاحبه فأنا أفخَره فَخْرًا؛ و ذلك إذا فاخره رجل ففضّله عليه، و كذلك خِرتُه عليه أخِيْره خِيرَةً و خِيْرًا، أو أنفَرتُه عليه إنفارًا، و أفلَجتُه عليه إفلاجًا، و خيّرته عليه تخييرًا، و معنى هذا كلّه واحد. (ابن دُرَيْد2 : 211)

الأصمَعيّ: يقال في مثَل للقادم من سفر:<خير ما رُدّ في أهل و مال> أي جعل الله ما جئت به خير ما رجع به الغائب. (الصّغانيّ 2: 506)

ابن بُزُرْج: قالوا: هم الأخيَرُون و الأشرّون، من <الخيارة > و<الشّرارة >.

و هو أخير منك و أشرّمنك في <الخَيارة>

و <الشَّرارة> بإثبات الألف. و في الخير والشّرّ: هو خير منك، وشرّ منك، و خُيَيْر منك، و شُرَيْر منك، و هو خُيَيْر أهله، و شُرَيْر أهله. (الصّغانيّ2 : 506)

اللِّحيانيّ: و الخِيرُ: الأصل. (ابن سيده5 : 256)

أبوعُبَيْد: في حديث النّبيّ(صلی الله علیه و آله) : <تخيّروا لنُطَفِكم > يقول: لاتجعلوا نطفكم إلا في طهارة، إلا أن تكون الأُمّ يعني أُمّ الولد لغير رِشْدَة، و أن تكون في نفسها كذلك. (1 : 211)

في حديث النّبيّ(صلی الله علیه و آله) :<...فاختَرها ناقة >،يقول: فاختر منها ناقة، و العرب تقول: اختَرتُ بني فلان رجلا ،يريدون: اختَرت منهم رجلا ، قال الله عزّ و جلّ: { وَ اخْتَارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعينَ‘ رَجُلا لِميقا‘تِنَا } الأعراف: 155،يقال: هو في التّفسير: إنّما هو اختار موسى من قومه سبعين رجلا . [ثمّ استشهد بشعر]

و يقال: اختَرتُك من النّاس. (1 : 448)

الخِيرُ: الكرَم . (الأزهَريّ7 : 550)

ابن الأعرابيّ: لعَمْرُ أبيك الخير، برفع الخير على الصّفة ل < لَعَمْر>.و الوجه الجرّ، و كذلك جاء في الشّعر.

و خار الشّيء، و اختاره: انتقاه.[ثمّ استشهد بشعر]

خاره مختار، لأنّ <خار> في قوّة< اختار>.(ابن سيده5 : 255)

و الخِيرُ: الشّرف. (ابن سيده5 : 256)

ابن السّكّيت: الخير ضدّ الشّرّ، و الخير: الكرَم. يقال: فلان ذو خَيْر، أي ذو كرَم. (إصلاح المنطق: 12)

ص: 420


1- (1 ) الظّاهر: الهيئة، كما جاء في كتب اللّغة ...و كذا معناه في استشهاد الشّعريّ.

يقال: محمّد خِيرَة الله من خلقه.

و تقول: إيّاك و الطِّيَرة. و سَبْيٌ طِيَبَة.

(الأزهَريّ 7 : 548)

شمَِِر: في حديث: <رأيت الجنّة و النّار، فلم أرَ مثل الخَيْر و الشّرّ>.

معناه و الله أعلم :لم أر مثل الخير و الشّرّ، لايميّز بينهما فيبالغ في طلب الجنّة و الهرَب من النّار.

(الأزهَريّ7 : 548)

قال أعرابيّ لخَلَف الأحمر: ما خَيْرَ اللّبن للمريض! و ذلك بمحضر من أبي زَيْد، فقال له خَلَفٌ: ما أحسنَها من كلمة.!! لو لم تُدنّسها بإسماعها النّاس.

و كان خَلَفٌ ضنينًا? فرجع أبو زَيْد إلى أصحابه، فقال لهم: إذا أقبل خَلَفٌ فقولوا بأجمعكم: ما خَيْرَ اللّبن للمريض.!! ففعلوا ذلك عند إقباله؛ فعلم أنّه من فعل أبي زَيْد.

و يقال: ما أخْيَرَه، و خَيْرَه. و ما أشرّه، و شَرّه. و هذا خير منه و شرّ منه، و أخيَرُ منه و أشَرّ منه.

و قوله < ما خَيرَ اللّبن للمريض! تعَجّبٌ >.

(الأزهَريّ7 : 553)

الزّجّاج: الخِيَرة: التّخيير. (الأزهَريّ7 : 548)

ابن دُرَيْد: الخَيْر: ضدّ الشّرّ.

و رجل خيّر، إذا كان فيه خير.

و رجل خيار من قوم خيار، و أخيار أيضًا.

و الأخيار: خلاف الأشرار.

و قد سمّت العرب خَيْرًا و خيارًا. و بنو الخيار: قبيلة منهم.

و رجل ذو خير، إذا كان كثير الخَيْر. ( 2 : 216)

و الخَيْر: معروف.و الخِير: الفضل، ذكر أبو عُبَيْدَة أ نّه فارسيّ معرّب يقال: رجل ذو خير، إذا كان ذا فضل. (3 : 237)

الأزهَريّ: قال اللّيث:< رجل خيّر، و امرأة خيّرة: فاضلة في صلاحها، و امرأة خَيْرَة في جمالها و ميسَمَها >.

ففرّق بين<الخيِّرَة> و<الخَيْرَة> و احتجّ بالآية.

و لافرق بين<الخيِّرَة> و<الخَيْرَة> عند أهل المعرفة باللُّغة.

و قال اللّيث: < ناقة خيار، و جمَل خيار >.

قلت: و قد جاء في حديث مرفوع: <أعطُوه جمَلا رَباعيًا خيارًا>.

و يقال: استَخَرتُ فلا نًا فما خار لي،أي فما عطَف.

و الأصل في هذا: أنّ الصّائد يأتي الموضع الّذي يظنّ فيه ولد الظّبية، أو البقرة الوحشيّة، فيَخُور خُوار الغزال فتَستَمع الأُمّ، فإن كان لها ولد، ظنّت أنّ الصّوت صوت ولدها، فتَتْبَع الصّوت،فيعلم الصّائد حينئذ أنّ لها ولدًا، فيطلب موضعه.

فيقال: استخارها، أي خارَ لتَخُور.ثمّ قيل لكلّ من استعطف: قد استخار.

و جعل اللّيث: الاستخارة للضّبُع و اليَرْ بُوع، و هو باطل.إنّما الاستخارة ما فسّرتُه.

وقال أبو عُبَيْد: الخير: الكرم، وهو الصّواب.

(7 : 546)

في حديث أبي ذرّ: < أنّ أخاه أُنَيْسًا نافرَ رجلا عن

ص: 421

صِرْمَة له و عن مثلها، فخُيّر أُنَيْس، فأخذ الصِّرْمة >.

معنى <خُيِّر> أي نُفِّز، يقال: نافَزتُه فنَفَزتُه أي غلَبتُه، وخايَرتُه فَخِرتُه وفاخَرتُه ففَخَرتُه.

(الهَرَويّ2 : 609)

الصّاحِب: [نحو الخَليل و أضاف:]

و خايَرْتُ فلانًا فخِرتُه خيرًا.

و استَخَرتُ الله فخارلي.

و هذه خِيَرتي، أي ما أختار.

و أنت بالمختار و بالخيار: سواء.

و اختَرْ بَني فلان رجلا ، على قوله عزّ و جلّ: { وَ اخْتَارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعينَ‘ رَجُلا } الأعراف : 155.

و الخيْرة خفيفة: مصدر اختار خِيْرَة.

و خاره لأمر كذا، أي اختاره.

و رجل ذو مَخيُورة، أي ذو معروف و فضل

و خُلُق.

و الخِيْرى وا لخُوْرى: لغتان.

و الخُيُورُ: ضدّ الشُّرور.

و الخِيْر: الهيئة، و الطّبيعة، هو كريم الخِيْر و الخِيْم.

و استَخَرتُ الشّيء: تخيّرته. (4 : 406)

الخَطّابيّ: قوله(صلی الله علیه و آله): <...إنّ الخير لايأتي إلا بالخير، و لكنّ الدّنيا حُلْوَة خَضِرة...> مثَل، يريد أنّ جمع المال و اكتسابه غير مُحرّم، و لكنّ الاستكثار منه و الخروج من حدّ الاقتصاد فيه ضارّ، كما أنّ الاستكثار من المأكل مُسقِم، و الاقتصاد فيه محمود.

و نظير هذا من الكلام قول الأحنَف بن قيس، و قيل له:< الحياء خير كلّه، فقال: إنّ منه ضُعْفًا > يريد أنّ ما خرج من حدّ الاعتدال لم يكن خيرًا، لكن ذلك يستحيل ضُعْفًا و خَوَرًا، كالجُود إذا أفرط صار سَرَفًا، و كالشّجاعة إذا أفرطت صارت تهوّرًا، و كالحزم إذا أفرط صار جُبْنًا، إلى ما أشبه هذا. (1 : 711)

الجَوهَريّ : الخَيْر: ضدّ الشّرّ. تقول منه: خِرْتَ يا رجل فأنت خائر، و خار الله لك.

و قوله تعالى :{ اِنْ تَرَكَ خَيْرًا } البقرة: 180، أي مالا .

و الخيار: خلاف الأشرار.

و الخيار: الاسم من الاختيار.

و الخيار: القِثّاء، و ليس بعربيّ.

و رجل خَيّر و خَيْر، مشدّد و مخفّف. و كذلك امرأة خَيّرَة و خَيْرَة. قال الله تعالى:{ اُولئِكَ ’لَهُمُالْخَيْرَاتُ } التّوبة: 88، جمع: خَيْرَة، و هي الفاضلة من كلّ شيء. وقال تعالى: { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } الرّحمن:70، قال الأخفش: إنّه لمّا وُصف به و قيل: فلان خير، أشبه الصّفات، فأدخلوا فيه الهاء للمونّث، و لم يريدوا به <أفعَل>.

فإن أردت معنى التّفضيل قلت: فلانة خير النّاس، و لم تقل: خَيْرَة، و فلان خير النّاس، و لم تقل: أخيَر، لايُثنّى و لايُجمَع، لأ نّه في معنى<أفعَل>.

و الخِير بالكسر: الكرَم.

و الخِيرَة: الاسم، من قولك: خار الله لك في هذا الأمر.

و الخِيَرَة مثال العِنَبَة: الاسم من قولك: اختاره الله. يقال: محمّد خِيَرَة الله من خلقه، و خِيرَة الله أيضًا

ص: 422

بالتّسكين.

و الاختيار: الاصطفاء، و كذلك التّخيّر. و تصغير مختار: مُخيِّر،حذفت منه التّاء، لأ نّهازائدة، و أُبدلت من الألف و الياء، لأ نّها أُبدلت منها في حال التّكبير.

و الاستخارة: الخِيَرة. يقال: استَخِر الله يَخِرْ لك.

و خَيّرتُه بين الشّيئين، أي فوّضْتُ إليه الخيار.

و الخيريّ معرّب.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(2 : 651)

ابن فارِس: الخاء و الياء و الرّ اء أصله: العَطْف

و المَيْل، ثمّ يُحمل عليه.

فالخَيْر: خلاف الشّرّ، لأنّ كلّ أحد يميل إليه و يَعطِف على صاحبه.و الخِيَرة: الخيار.و الخِير: الكرَم.

و الاستخارة: أن تسأل خير الأمرين لك. و كلّ هذا من الاستخارة، و هي الاستعطاف.

و يقال: استَخَرتُه. قالوا: و هو من استخارة الضّبُع، و هو أن تجعل خشَبة في ثُقْبَة بيتها حتّى تَخرُج من مكان إلى آخر.

ثمّ يُصَرّف الكلام، فيقال: رجل خَيّرٌ، و امرأة خَيّرَة: فاضلة.

و قوم خيار وأخيار في صلاحها، و امرأة خَيْرَة في جمالها و ميسَمِها. و في القرآن: { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} الرّحمن:70.

و يقال: خايَرتُ فلانًا فخِرتُه. و تقول: اختَرْ بني فلان رجلا . قال الله تعالى: { وَاخْتَارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعينَ‘ رَجُلا } الأعراف : 155.

تقول: هو الخِيرَة خفيفة، مصدر اختار خِيرَة، مثل ارتَاب رِيبَة. (2 : 232)

أبوهلال: الفرق بين الاختيار و الإرادة: أنّ الاختيار إرادة الشّيء بدلا من غيره، و لايكون مع خطور المختار و غيره بالبال،و يكون إرادة للفعل لم يخطر بالبال غيره.

و أصل الاختيار: الخير، فالمختار هو المريد لخير الشّيئين في الحقيقة، أو خير الشّيئين عند نفسه من غير إلجاء و اضطرار. و لو اضطرّالإنسان إلى إرادة شيء لم يُسمّ مختارًا له، لأنّ الاختيار خلاف الاضطرار. (101)

الفرق بين الإيثار و الاختيار: أنّ الإيثار على ما قيل هو الاختيار المقدّم، و الشّاهد قوله تعالى :

{ قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ ا ثَرَ كَ اللهُ عَلَيْنَا } يوسف: 91، أي قدّم اختيارك علينا؛ و ذلك أنّهم كلّهم كانوا مختارين عند الله تعالى، لأ نّهم كانوا أنبياء

و اتّسع في الاختيار. فقيل لأفعال الجوارح: اختياريّة، تفرقة بين حركة البطش و حركة المُجس و حركة الُمرتعش.

و تقول: اختَرتُ المرويّ على الكتان، أي اختَرتُ لبس هذا على لبس هذا،وقال تعالى:{وَلَقَدِ اخْتَرْ نَاهُمْ عَلى عِلْمٍٍ عَلَى الْعَالمَينَ } الدّخان: 32، أي اخترنا إرسالهم.

و تقول: في الفاعل: مختار لكذا، و في المفعول: مختار من كذا.

و عندنا أن ّقوله تعالى: { اثَرَ كَ اللهُ عَلَيْنَا } يوسف: 91، معناه أنّه فضّلك الله علينا، وأنت من أهل الأثرة عندي، أي ممّن أُفضّله على غيره بتأثير الخير و النّفع

ص: 423

عنده.

و اختَرتُك: أخذتك للخير الّذي فيك في نفسك، و لهذا يقال: آثرتك بهذا الثّوب و هذا الدّينار، و لايقال: اختَرتُك به. و إنّما يقال: اختَرتُك لهذا الأمر، فالفرق بين الإيثار و الاختيار بيّن من هذا الوجه. (102)

الفرق بين البرّ و الخير. راجع: ب ر ر: <البِرّ>.

(139)

الفرق بين المنفعة و الخير: أنّ من المعصية ما يكون منفعة، و قد شهد الله تعالى بذلك في قوله:{ قُلْ فيهِمَا اِثْمٌ كَبيرٌ‘ وَ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ }البقرة: 219، و ما كانت فيه منفعة فهو منفعة، و لاتكون المعصية خيرًا، و قد أُجرِيَت الصّفة ب <نافع> على الموجب للنّفع، فقيل: طعام نافع، و دواء نافع.

الفرق بين الخير و النّعمة: أنّ الإنسان يجوز أن يفعل بنفسه الخير كما يجوز أن ينفعها، و لايجوز أن ينعم عليها، فالخير و النّفع من هذا الوجه متساويان، و النّفع: هو إيجاب اللّذّة بفعلها أو السّبب إليها، و نقيضه الضّرّ، و هو إيجاب الألم بفعله أو التّسبّب إليه.

(161)

الفرق بين الصّلاح و الخير: أنّ الصّلاح: الاستقامة على ما تدعو إليه الحكمة، و يكون في الضّرّ و النّفع، كالمرض يكون صلاحًا للإنسان في وقت دون الصّحّة؛ و ذلك أنّه يؤدّي إلى النّفع في باب الدّين. فأمّا الألم الّذي لايؤدّي إلى النّفع فلايسمّى صلاحًا، مثل عذاب جهنّم، فإنّه لايؤدّي إلى نفع و لاهو نفع في نفسه.

و يقال: أفعال الله تعالى كلّها خير، و لايقال: عذاب الآخرة خير للمعذّبين به.

و قيل: الصّلاح: التّغيّر إلى استقامة الحال،و الصّالح: المتغيّر إلى استقامة الحال، و لهذا لايقال لله تعالى: صالح، و الصّالح في الدّين يجري على الفرائض و النّوافل دون المباحات، لأ نّه مرغب فيه و مأمور به، فلايجوز أن يُرغَب في المباح و لا أن يُؤمَر به، لأنّ ذلك عبث.

و الخير: هو السّرور و الحسَن،و إذا لم يكن حسنًا لم يكن خيرًا، لما يؤدّي إليه من الضّرر الزّائد على المنفعة به، ولذلك لم تكن المعاصي خيرًا و إن كانت لذّة و سرورًا، ولايقال للمرض :خير،كما يقال له: صلاح.

فإذا جعلت خيرًا< أفعَل > فقلت: المرض خير لفلان من الصّحّة، كان ذلك جائزًا.

و يقال: الله تعالى خير لنا من غيره، و لايقال: هو أصلح لنا من غيره، لأنّ <أفعَل> إنمّا يزيد على لفظ فاعل مبالغةً، فإذًا لم يصحّ أن يوصف بأ نّه أصلح من غيره.

و الخير: اسم من أسماء الله تعالى، و في الصّحابة رجل يقال له: عبد خير. و قال أبو هشام: تسمية الله تعالى بأ نّه خير مجاز. قال: و يقال: خار الله لك، و لم يجئ أ نّه خائر. (172)

الفرق بين الاختيار و الاصطفاء: أنّ اختيارك الشّيء: أخذك خير ما فيه في الحقيقة أو خيره عندك، و الاصطفاء: أخذ ما يصفو منه، ثمّ كثر حتّى استُعمل أحدهما موضع الآخر، و استُعمل الاصطفاء فيما لاصفو له على الحقيقة. (236)

ص: 424

الهَرَويّ: في الحديث: < أعطه جملا خيارًا رَباعيًا > يقال: جمَلٌ خيار و ناقةٌ خيار، أي مختار. (2 : 608)

ابن سيده: الخَيْر: ضدّ الشّرّ؛ و جمعه: خُيُور.

و هو خير منك و أخيَر.

و قوله عزّ و جلّ: { تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا } المزّمّل:20، أي تجدوه خيرًا لكم من متاع الدّنيا.

و فلانة الخَيْرَ ة من المرأتين، و هي الخَيْرَ ة، و الخِيَرة، و الخُورى، و الخيرى.

و خاره على صاحبه خَيْرًا، و خِيرَةً، و خَيّرَة: فضّله.

و رجل خَيْرٌ، و خَيِّرٌ، و امرأة خَيْرَ ة، و خَيِّرة.

و الجمع: أخيار، و خيار.

و قد يكون الخيارللواحد و الاثنين و الجميع،

و المذكّر و المؤنّث.

و قيل: الخَيْرَ ة، في الدّين و الصّلاح، و الخَيّرَ ة، في الجمال و الِميسَم.

و خايَرَه فخاره خيرًا: كان خيرًا منه.

و ما أخيَره، و ما خَيّرَه، الأخيرة نادرة.

و خار خيرًا: صار ذا خير.

و إنّك ما و خَيْرًا، أي إنّك مع خير، معناه: سُتصيب خيرًا، و هو مثَل.

و قوله عزّ و جلّ: { فَكَاتِبُوهُمْ اِنْ عَلِمْتُمْ فيهِمْ خَيْرًا } النّور: 33، معناه: إن علمتم أنّهم يكسبون ما يؤدّونه.

و قالوا: لعَمْرُ أبيك الخير، أي الأفضل، أو ذيالخير...

و قال الفرزدق:

و منّا الّذي اختير الرّجال سماحةً

وجودًا إذا هَبّ الرّياح الزّعازع

أراد: من الرّجال، لأنّ اختار ممّا يتعدّى إلى مفعولين بحذف حرف الجرّ، تقول: اختَرتُه من الرّجال،و اختَرتُه الرّجال، و في التّنزيل: { وَاخْتَارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعينَ‘ رَجُلا } الأعراف : 155، و ليس هذا بمطّرد.

و اختَرتُ فلانًا على فلان، عُدّي ب <على> لأ نّه في معنى: فضّلت.

و قيل: ما اختيرت دونه.و تخيّر الشّيء: اختاره. و الاسم: الخِيْرَة، و الخِيَرة؛ و الأخيرة أعرف.

و في الحديث: محمّد(صلی الله علیه و آله) خِيْرة الله من خلقه، و خِيَرة الله من خلقه.

ذلك خِيَرة هذه الإبل و الغنم، و خيارها؛ الواحد و الجميع في ذلك سواء.

و قيل: الخيار من المال و النّاس و غير ذلك: النُّضار.

و جمَل خيار، و ناقة خيار: كريمة فارهة.

و أنت بالخيار، و بالمختار، أي اختَرْ ما شئت.

و استخار الله: طلب منه الخيرة.

و خار لك في ذلك: جعل لك فيه الخيرة.

و الخِير: الكرَم.و الخِير: الهيئة.

و فلان خِيريّ من النّاس، أي صفيِّي.

و استخار المنزل: استَنطَقه.

و استخار الرّجل: استَعطَفه و دعاه.

ص: 425

و استخار الضّبُع و اليَرْ بُوع: جعَل خشَبةً في موضع النّافقاء، فخرج من القاصعاء.

و الخيار: نبات شكل القِثّاء.

و خيار شَنْبَر: ضَرْبٌ من الخَرُّوب، شجره مثل كبار شجر الخَوْخ.

و بنو الخيار: قبيلة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(5 : 254)

الطُّوسيّ: فالخير، و النّفع، و الفضل، و الحظّ نظائر. و ضدّ الخير: الشّرّ. و ضدّ النّفع: الضّرر.

تقول: خار الله له الخير خيرة، و اختار اختيارا، و استخار فلان استخارةً، و تخيّر تخيّرا وتخايرا، و خيّره تخييرا ، و خايَرَه مُخايَرَة.

و رجل خير و امرأة خيرة، أي فاضلة.

و قوم أخيار و خيار.

و امرأة خيرة: حقيقة في جمالها، و ميسَمها،

و منه قوله: { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } الرّحمن:70.

و ناقة((1))

خيار، و رجل خيار. و تقول: و الجمع: خيار. و تقول: هذه و هذا و هؤلاء خيرتي، و ما تختاره.و تقول: أنتَ بالخيار و أنتِ بالخيار سواء.

و الرّجل يستخير الضّبُع و اليَرْ بُوع، إذا جعل حبسه((2) )في موضع النّافقاء، فخرج من القاصعاء.

و الخيرة مصدر: خارَ خِيْرة ساكنة الياء، مثل رابَ ريبَة.

و أصل الباب: الخير نقيض الشّرّ.

و الخير: الهيأة المختارة. (1 : 248)

الرّاغِب: الخير: ما يرغب فيه الكلّ، كالعقل مثلا ، و العدل، و الفضل، و الشّيء النّافع. و ضدّه: الشّرّ.

قيل: و الخير ضربان: خير مطلق، و هو أن يكون مرغوبًا فيه بكلّ حال، و عند كلّ أحد، كما وصف (علیه السلام) به الجنّة، فقال: < لاخير بخير بعده النّار، و لا شَرّ بشرّ بعده الجنّة >.

و خير و شرّ مقيّدان، و هو أن يكون خيرًا لواحد شرًّا لآخر، كالمال الّذي ربّما يكون خيرًا لزيد و شرًّا لعمرو، و لذلك و صفه الله تعالى بالأمرين، فقال في موضع: { اِنْ تَرَكَ خَيْرًا } البقرة:180، و قال في موضع آخر: { اَيَحْسَبُونَ اَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَ بَنينَ‘ * نُسَارِعُ لَهُمْ فىِ الْخَيْرَاتِ بَلْ لايَشْعُرُونَ } المؤمنون 55، 56.

و قوله تعالى: { اِنْ تَرَكَ خَيْرًا } البقرة:180، أي: مالا . و قال بعض العلماء: لايقال للمال: خير حتّى يكون كثيرًا، و من مكان طيّب، كما روي أنّ عليًّا رضي الله عنه دخل على مولى له، فقال: ألا أُوصي يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، لأنّ الله تعالى قال: { اِنْ تَرَكَ خَيْرًا } البقرة:180، و ليس لك مال كثير، و على هذا قوله: { وَ اِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَديدٌ ‘} العاديات:8، أي المال الكثير.

و قال بعض العلماء: إنّما سمّي المال ها هنا خيرًا تنبيهًا على معنى لطيف، و هو أنّ الّذي يحسن الوصيّة

ص: 426


1- (1) في الأصل ناقه.!!
2- (2) كذا: و قدتقدّم عن الهرويّ: جعل خَشَبةً.

به ما كان مجموعًا من المال من وجه محمود، و على هذا قوله: { قُلْ مَا اَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْر فَلِلْوَالِدَيْنِ } البقرة:215، و قال: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرفَاِنَّ اللهَ بِهِ عَليمٌ ‘} البقرة:273، و قوله: { فَكَاتِبُوهُمْ اِنْ عَلِمْتُمْ فيهِمْ خَيْرًا} النّور:33، قيل: عنى به مالا من جهتهم.و قيل: إن علمتم أنّ عتقهم يعود عليكم وعليهم بنفع، أي ثواب.

و الخير و الشّرّ يقالان على وجهين:

أحدهما: أن يكونا اسمين كما تقدّم، و هو قوله: { وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ اِلَى الْخَيْرِ } آل عمران: 104.

و الثّاني: أن يكونا وصفين، و تقديرهما تقدير <أفعَل منه>، نحو: هذا خير من ذاك و أفضل، و قوله: { نَاْتِ بِخَيْر مِنْهَا } البقرة:106، و قوله: { وَ اَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } البقرة:184، ف { خَيْر ٌ} ها هنا يصحّ أن يكون اسمًا، و أن يكون بمعنى <أفعل>، و منه قوله: { و تَزَوَّدُوا فَاِنَّ خَيْرَ الزَّ ادِ التَّقْوى } البقرة: 197، تقديرهتقدير أفعل منه. فالخير يقابل به الشّرّ مرّة، و الضّرّ مرّة، نحو قوله تعالى:{ وَ اِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ اِلا هُوَ وَاِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْر فَهُوَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ } الأنعام:17.

و قوله: { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } الرّحمن:70، قيل أصله: خيّرات، فخُفّف، فالخَيْرات من النّساء: الخيّرات. يقال: رجل خَيْرٌ، و امرأة خَيْرَة، و هذا خَيْرُ الرّجال، و هذه خَيْرَة النّساء، و المراد بذلك: المختارات، أي فيهنّ مختارات لا رَذْلَ فيهنّ.

و الخير: الفاضل المختص بالخير. يقال: ناقة خيار، و جمَل خيار.

و استخار الله العبد فخار له، أي طلب منه الخير فأولاه، و خايَرْتُ فلانًا كذا فخِرتُه.

و الخيرة: الحالة الّتي تحصل للمستخير و المختار، نحو القِعْدَة و الجِلْسَة لحال القاعد و الجالس.

و الاختيار: طلب ما هو خير و فعله، و قد يقال لما يراه الإنسان خيرًا و إن لم يكن خيرًا.

و قوله: { وَلَقَدِ اخْتَرْ نَاهُمْ عَلى عِلْمٍٍ عَلَى الْعَالمَينَ‘} الدّخان: 32، يصحّ أن يكون إشارة إلى إيجاده تعالى إيّاهم خيرًا، و أن يكون إشارة إلى تقديمهم على غيرهم.

و المختار في عرف المتكلّمين: يقال لكلّ فعل يفعله الإنسان لا على سبيل الإ كراه، فقولهم: هو مختار في كذا، فليس يريدون به ما يراد بقولهم: فلان له اختيار، فإنّ الاختيار: أخذ ما يراه خيرًا، و المختار قد يقال للفاعل و المفعول. (160)

الزّمَخْشَريّ: كان ذلك خِيرَة من الله، و رسول الله خِيرَته من خلقه.

و اختَرتُ الشّيء و تخيّرته و استخرته.

و استَخَرتُ الله في ذلك فخارلي، أي طلبت منه خير الأمرين فاختاره لي.

و يقال: أنت على المتخيَّر، أي تخيّر ما شئت، و لست على المتَخيَّر.

و هو من أهل الخَيْر و الخِيْر و هو الكَرم.

هو كريم الخِيْر و الخِيْم و هو الطّبيعة.

ص: 427

و ما أخير فلانًا! و هو رجل خَيْرٌ .

و هو من خيار النّاس و أخيارهم و أخايرهم.

و خيّره بين الأمرين فتخيّر.

و خايره في الخطّ مُخايَرَة، و تخايروا في الخطّ و غيره إلى حَكَم.

و خايَرتُه فخُرتُه، أي كنتُ خيرًا منه.

و إنّ فلا نًا لذو مَخيُورة و شرف، و هي الخير و الفضل. [و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(أساس البلاغة :123)

[ في حديث النّبيّ(صلی الله علیه و آله) ] <...فاخترها ناقة>.

الاختيار: أخذ ما هوخير،وهويتعدّى إلى أحد مفعوليه بوساطة <مِنْ> ثمّ يُحذف و يُوصل الفعل، كقوله تعالى:{ وَ اخْتَارَ مُوسى قَوْمَهُ } الأعراف: 155، أراد فاختر منها ناقة، أي من الإبل. و يجوزأن يرجع الضّمير إلى المطلوبة و تُنصب <ناقة> على الحال، و يكون المختار منه محذوفًا؛ و ذلك سائغ في غير باب < حَسِب >.

< تخيّروا لنُطَفِكم > أي تكلّفوا طلب ماهو خير المناكح و أزكاها و أبعدها من الخُبْث و الفُجُور. و منه حديثه(صلی الله علیه و آله):< إنّه كره أن يُستَرضع بلبن الفاجرة >.

(الفا ئق1 : 403)

[ في قصّة رؤيا ابن زِمْل الجُهَنيّ ]:< ... هذا خير المنزل > يعني أنّهم ركبوا إلى ما في المَرْج من المَرْعى، فأوطنوه و تخلّفوا عن الرّعْلَتَيْن المتقدّمتين.

(الفائق3 : 308)

الجواليقيّ: الخير: الفضل و الكرم. ذكر أبو عُبَيْدَة أ نّه فارسيّ معرّب. يقال: رجل ذوخير، إذاكان ذا فضل. (176)

المَدينيّ: في الحديث: < أنّ صبيّين تخايرا في الخطّ إلى الحسن بن عليّ، فقال له أبوه: احذر يا بنيّ، فإنّ الله تعالى سائلك عن هذا > أي قال كلّ واحد منهما: خطّي خير.

في حديث أبي ذرّ: < فخيّر أُنَيْسًا في شعره > أي فضّله، و قال: شعره خير من الآخر. (1 : 629)

ابن الأثير: فيه: < كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) يُعلّمنا الاستخارة في كلّ شيء >.

الخَيْر ضدّ الشّرّ،. تقول منه: خِرْتَ يا رجل. فأنت خائر و خَيّر. و خار الله لك، أي أعطاك ما هو خير لك. و الخِيْرة بسكون الياء: الاسم منه. فأمّا بالفتح فهي الاسم، من قولك: اختاره الله، و محمّد(صلی الله علیه و آله) خِيَرة الله من خلقه، يقال بالفتح و السّكون. و الاستخارة: طلَب الخِيرَة في الشّيء، و هو استفعال منه. يقال: استَخِر الله يَخِرْ لك.

و منه دعاء الاستخارة: < اللّهمّ خِرْ لي > أي اختَرْ لي أصلَح الأمرَين، واجعَل لي الخِيرَة فيه.

و فيه: < خير النّاس خيرهم لنفسه > معناه إذا جامل النّاس جاملوه، و إذا أحسن إليهم كافأُوه بمثله.

و في حديث آخر: < خيركم خيركم لأهله > هو إشارة إلى صلة الرّحم و الحَثّ عليها.

و في حديث أبي ذرّ: < أنّ أخاه أُنَيْسًا نافَرَ رجلا عن صِرْمَة له و عن مثلها، فخُيّر أُنَيْسٌ فأخذ الصِّرْمة > أي فُضّل و غُلّب. يقال نافَرتُه فنَفَرتُه، و خايَرتُه

ص: 428

فخِرتُه أي غلَبتُه. و قد كان خايرَه في الشّعر.

و في حديث عامر بن الطّفيل: < أنّه خيّر في ثلاث > أي جعل له أن يختار منها واحدًا، و هو بفتح الخاء.

و في حديث بَريرة <أ نّها خُيّرت في زوجها> بالضّمّ.

فأمّا قوله: < خَيّر بين دُور الأنصار > فيريد: فضّل بعضها على بعض.

و فيه: <البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا> الخيار: الاسم من الاختيار، و هو طلب خَيْر الأمرَين: إمّاإمضاء البيع، أو فسخه. و هو على ثلاثة أضرب: خيار المجلس، و خيار الشّرط، و خيار النّقيصة.

أمّا خيار المجلس فالأصل فيه قوله: <البيّعان بالخيار ما لم يتفرّ قا إلا بيع الخيار> أي إلا بيعًا شُرط فيه الخيار فلا يَلْزم بالتّفرّق. و قيل: معناه: إلا بيعًا شُرط فيه نفي خيار المجلس فيلزم بنفسه عند قوم.

و أمّا خيار الشّرط فلاتزيد مُدّته على ثلاثة أيّام عند الشّافعيّ، أوّلها من حال العقد أو من حال التّفرّق.

و أمّا خيار النّقيصة فأن يظهر بالمبيع عَيبٌ يوجب الرّدّ، أو يَلْتَزم البائع فيه شرطًا لم يكن فيه، و نحو ذلك.

(2 : 91)

الصّغانيّ: قد سمّت العرب : خيرًا، وخَيْرَة، و خيارًا.

و يقال :جمَل خيار، و ناقة خيار.

و بنو الخيار: قبيلة من العرب.

و الخير، بالكسر: الهيئة.

و خايَرتُ فلانًا، فخِرتُه، أي نافرته فغَلبتُه.

وخُيّر فلان على فلان، أي حُكم له بالزّيادة عليه.

و تقول: اختَرتُكم رجلا ،أي اختَرتُ منكم رجلا ، قال الله تعالى:{ وَ اخْتَارَ مُوسى قَوْمَهُ } الأعراف: 155، أي من قومه.

و إنّما استُجيز وقوع الفعل عليهم، إذا طُرحت <من> من الا ختيار، لأ نّه مأخوذ من قولك:هؤلاء خير القوم، وخير من القوم، فلمّا جازت الإضافة مكان<من>و لم يتغيّر المعنى، استجازوا ذلك. [ثمّ استشهد بشعر]

وخِيَرة مثال< عِنَبة >: قرية على مرحَلة من صنعاء اليمن. (2 : 506)

الفَيُّوميّ: الخِير بالكسر الكرَم و الجود، و النّسبة إليه خِيريّ على لفظه، و منه قيل: للمنثور خِيريّ لكنّه غلب على الأصفرمنه، لأ نّه الّذي يُخرج دُهنَه و يَدخُل في الأدوية.

و فلان ذو خِير، أي ذو كرَم.

و يقال للخُزامى: خِيريّ البَرّ، لأ نّه أذكى نبات البادية ريحًا.

و الخيرة: اسم من الاختيار، مثل : الفِديَة من الافتداء.

و الخِيَرة بفتح الياء بمعنى الخيار، و الخيار هو الاختيار، ومنه يقال له: خيار الرُّؤيَة، و يقال: هي اسم من تخَيّرتُ الشّيء مثل: الطِّيَرة اسم من تطيّر،و قيل: هما لغتان بمعنًى واحد، و يُؤيّده قول الأصمَعيّ الخِيرة بالفتح، و الإسكان ليس بمختار.

وفي التّنزيل:{ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } القصص: 68،

ص: 429

و قال في < البارع >: خِرْتُ الرّجل على صاحبه أخيره، من باب <باع> خِيَرًا وِزان عِنَب و خِيْرَة و خِيَرَةً، إذا فضّلته عليه.

و خيّرته بين الشّيئين: فوّضت إليه الاختيار فاختار أحدهما و تخيّره.و استَخَرتُ الله: طلَبتُ منه الخِيَرة.

و هذه خِيَرتي بالفتح و السّكون، أي ما أخذته.

و الخير خلاف الشّرّ؛ و جمعه: خُيُور و خيار، مثل : بَحْر و بُحُور و بحار. و منه: خيار المال لكرائمه،

و الأُنثى خَيْرَة بالهاء؛ و الجمع: خيرات، مثل بيضة و بيضات.

و امرأة خيّرة بالتّشديد و التّخفيف، أي فاضلة في الجمال و الخُلُق، و رجل خيّر بالتّشديد: أي ذُو خَيْر. و قوم أخيار.

ويأتي خَيْر للتّفضيل، فيقال: هذا خير من هذا، أي يفضُله. و يكون اسم فاعل لا يُراد به التّفضيل، نحو الصّلاة خَيْرٌ من النّوم، أي هي ذات خَيْر و فضل، أي جامعة لذلك. و هذا أخْيَر من هذا بالألف في لغة بني عامر، كذلك أشرّ منه و سائر العرب تُسقِط الألف منهما. ( 1 : 185)

الفيروزاباديّ: الخيرمعروف؛ جمعه: خُيُور، و المال، و الخيل، و الكثير الخير، كالخَيّر، ككيِّس، و هي بهاء؛ جمعه: أخيار و خيار.

أو المخفّفة: في الجمال و المِيسَم، و المشدّدة: في الدّين و الصّلاح.

و بالكسر: الكرَم، و الشّرف، و الأصل، و الهيئة.

و خارَ يخير: صار ذا خير، و الرّجل على غيره خِيرَةً وخِيَرًا و خِيَرَةً: فضّله، كخيّره، و الشّيء: انتقاه، كتخيّره. و اختَرتُه الرّجال، و اختَرتُه منهم و عليهم؛ و الاسم: الِخيَرة، بالكسر و كعِنَبة.

و خار الله لك في الأمر: جعل لك فيه الخير. و هو أخيَر منك، كخَيْر، و إذا أردت التّفضيل، قلت: فلان خيرة النّاس بالهاء، و فلانة خيرهم بتركها، أو فلانة الخَيْرَة من المرأتين.

و هي الخَيْرَة و الخِيرة و الخِيَرى و الخُورى، و رجل خَيْرَى وخُورى و خِيْرَى، كحَيْرى و طُوبى

و ضِيْزَى: كثير الخير.

وخايَرَه فخاره: كان خيرًا منه.

و الخيار: شبه القِثّاء؛ و الاسم من الاختيار، و نُضار المال.

و أنت بالخيار و بالمختار، أي: اختَر ما شئت.

و ماخيراللّبن! بنصب الرّاء و النّون تعجّب.

و استخار: طلَب الِخيَرَة.

وخيّره: فوّض إليه الخيار.

و إنّك ما وخَيْرًا، أي مع خير، أي ستُصيب خَيْرًا.

(2: 26)

الطُّرَيحيّ: في الحديث:< خيِّركُم خَيرُكُم لأهله > إشارة إلى صلة الرّحم و الحثّ عليها.

و الخَيْر: خلاف الشّرّ؛ و جمعه:خُيُور و خيار، مثل فُلوس و سِهام، و منه جزاه الله خيرًا.

و الخير على ما في< معاني الأخبار >: نهر في الجنّة، مخرجه من الكوثر، و الكوثر مخرجهعن ساق العرش،

ص: 430

عليه منازل الأوصياء و شيعتهم، على حواشي ذلك النّهر جوارٍ نابتات، كلّما قُلعت واحدة نبتت أُخرى باسم ذلك النّهر، و ذلك قوله تعالى:{ فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } الرّحمن: 70، فإذا قال الرّجل لصاحبه: جزاك الله خيرًا، فإنمّا يعني تلك المنازل الّتي أعدّها الله تعالى.

و كتب رجل إلى الحسين بن عليّ (علیه السلام): يا سيّدي أخبرني بخير الدّنيا و الآخرة. فكتب إليه< بسم الله الرّحمن الرّحيم. أمّا بعد: فإنّ من طلب رضا الله بسخط النّاس كفاه الله أُمور النّاس، و من طلب رضا النّاس بسخط الله و كّله الله إلى النّاس >.

و في الحديث:< سُئل عن الخير ما هو ؟ فقال: ليس الخير أن يكثر مالك و ولدك، و لكنّ الخير أن يكثر علمك، و أن يعظم حلمك، و أن تباهي بعبادة ربّك، فإن أحسنت حمدت الله، و إن أسأت استغفرت الله >.

و الأخيار: خلاف الأشرار.

و الخيار: القِثّاء. قال الجَوهَريّ: و ليس بعربيّ.

و خيار المال، كرائمه.

و امرأة خيّرة بالتّشديد و التّخفيف، أي فاضلة في الجمال و الخُلق.

و رجل خيّر بالتّشديد، أي ذو خير.

و الخَيِّران بالتّشديد: الفاعلان للخير.

و في الدّعاء: < أنت خالق الخير و الشّرّ > قيل: هو خلق تقدير لاخلق تكوين، و يتمّ الكلام فيه في <خلق> إن شاء الله تعالى. و في الخبر:<تخيّروا لنُطَفِكم> أي اطلبوا ما هو خير المناكح، أي أزكاها و أبعدها من الخبُث و الفُجُور.

و الخِيْرة بالكسر فالسّكون: من الاختيار. و الاختيار: الاصطفاء.

و< محمّد(صلی الله علیه و آله) خِيَرَتك من خلقك > بكسر الخاء و بالياء و الرّاء المفتوحتين أي المختار المنتخب،

و جاء بتسكين الياء.

و قول عليّ بن الحسين7: < فأنا الخِيَرة بن الخِيَرتَيْن >يريد خيرة الله من العرب هاشم و من العجم فارس.

و في الخبر:< أنا بين خِيَرتَيْن > تثنية خِيَرة كعِنبَة، أي أنا مخيّربين الاستغفار و تركه، في قوله تعالى: { اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ اَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ }التّوبة: 80، و منه:

< خيّرته بين الشّيئين > أي فوّضت إليه الخيار.

و في حديث الأدهان:< إنّ الخَيْريّ لطيف >.

و < رأيت أبا الحسن(علیه السلام) يدهن بالخيريّ > قال الجَوهَريّ: الخَيريّ معرّب. قيل: هو الخطميّ.

و في الحديث: < صبيّان قالا لأمير المؤمنين: خايِرْ بيننا> يعني أيّنا خير و أحسَن.

و خار الله لك، أي أعطاك الله ما هو خير لك.

و <الخيرة> بسكون الياء: اسم منه.

و الاستخارة: طلب الِخيَرة كعِنبَة.

و < أستَخيرك بعلمك> أي أطلب منك الخيرةمتلبّسًا بعلمك بخيري و شرّي، قيل: الباء للاستعانة، أو للقسم الاستعطافي.

و في الحديث: < من استخار الله راضيًا بما صنع الله خار الله له حتمًا > أي طلب منه الخيرة في الأمر.

ص: 431

و فيه: < استَخِر ثمّ استَشِر > و معناه إنّك تستخير الله أوّ لا بأن تقول:< اللّهمّ إنّي أستخيرك خيرةً في عافية > و تكرّر ذلك مرارًا ثمّ تشاور بعد ذلك فيه، فإنّك إذا بدأت بالله أجرى الله لك الخيرة على لسان من شاء من خلقه.

و خِرْ لي و اختَرْلي، أي اجعل أمري خيرًا و ألهمني فعله، و اختَرْ لي الأصلح.

و هذه خيرتي بالسّكون، و هو ما يختار.

و فلان ذو خير أي ذو كرَم. (3 : 294)

العَدْنانيّ: هذا خير من ذاك أو أخيَر منه.

و يخطّئون من يقول: هذا أخيَر من ذاك، و لكنّ < المصباح المنير > يُجيز أن نقول: هذا خير من ذاك، كما ترى سائر العرب، و هذا أخيَر من ذاك في لغة بني عامر. و قال رؤبة:

* بلال خير النّاس و ابن الأخير *

و قال الجَوهَريّ: إنّها لغة قليلة. و قال الآلوسيّ في كشف الطُّرّة: صحّ ورود الأخْيَر نثرًا في أحاديث وقع بعضها في صحيح البخاريّ. و قال الكَرْمانيّ: إنّها تدلّ على أنّه فصيح صحيح، خلافًا لمن أنكره.

(معجم الأخطاء الشّائعة : 86)

مَجْمَعُ اللُّغة: 1 الخير: مافيه نفع و صلاح، و ما هو ضدّ الشّرّ بوجه عامّ.

و يلحق بهذا استعماله فيما هوأداة للنّفع و الصّلاح كالمال و الخيل.

و تارة يكون اسم تفضيل، أصله: أخير. حذفت حمزته على خلاف القياس لكثرة استعماله.

و تارة يكون صفة مُشَبّهة تخفيف خيِّر.

2 خار الشّيء على غيره يَخيرُه خيرةًو خِيَرَة و خَيْرًا، فضّله و انتقاه.

3 الأخيار: جمع خَيْر المخفّفة من خيِّر،كأموات جمع مَيْت أو ميّت. و قيل: هي جمع خَيْر الّذي هو أفعَل تفضيل في الأصل، و جُمع على أفعال للزوم تخفيفه بحذف الهمزة.

4 الخَيْرات: جمع :خَيْرة بالتّخفيف، و هي الصّالحة الفاضلة من النّاس و الأُمور.

5 اختارَ يختار اختيارًا: انتقى و أخذ خَيْر الشّيء، يتعدّى إلى مفعولين ثانيهما مجرور ب <من> و قد تُحذف <من> و يوصل الفعل بالمفعول الثّاني، و قد يتعدّى إلى المفعول الثّاني ب <على> لتضمّنه معنى التّفضيل.

6 تخيّر يتَخَيّر تخيّرًا: اختار و انتقى خير الشّيء، و شاع استعماله في أخذ ما يراد مطلقًا، سواءً أكان خير الشّيء أم لا. (1 : 372)

محمّد إسماعيل إبراهيم : خارَ خَيْرًا: صار ذا خير، خار الله لك في الأمر : جعل لك فيه خيرًا،و خار الشّيء على غيره: فضّله.

و الخيرة: الانتقاء أو الاختيار، و خار الشّيء خيرة: انتقاه و اصطفاه كتخيّره، اللّهمّ خِرْلي: أي اختَرْ لي أصلح الأمرين.

و خيّره في الأمر: فوّض إليه أن يختار. و استخار: طلَب الخير.

و الخَيْر: ضدّ الشّرّ، والخَيْر: النّعم، و المال الكثير،

ص: 432

و صلاح الحال، و خيار النّاس.

و أخيارهم: ضدّ أشرارهم.

و الخيرات: جمع الخيرة، و هي الفاضلة من كلّ شيء، و محمّد خِيَرة الله في خلقه، أي أفضلهم وأحسنهم.

و <خَيْر>: أفعل تفضيل على غير قياس، فلايقال: أخيَر.

و الخَيْر: المال الكثير الطّيّب، و في القرآن: { اِنْ تَرَكَ خَيْرا اَ لْوَ صِيَّةُ لِلْوَالِدَ يْنِ وَ الا َقْرَبينَ } البقرة: 180. (1 : 178)

المُصْطَفَويّ: والتّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو انتخاب شيء و اصطفاؤه و تفضيله على غيره. ففيه قيدان: الانتخاب و الاختيار، و التّفضيل. و هذان القيدان ملحوظان في جميع صيغ اشتقاقها.

فالخير: هو مايقابل الشّرّ، فالخير: مايُختار و يُنتخب من بين الأفراد، و يكون فاضلا و راجحا ،

و له مراتب، كما أنّ الشّرّ: ما يكون مرجوحا و مفضولا، و له أيضا مراتب. [ثمّ ذكر آيات و قال:]

و الخير؛ جمعه: الخُيُور، و الخيار. و الخيرة: في الأُنثى؛ و جمعها: الخيرات{ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } البقرة: 148،{ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ } آل عمران: 114.

و الخَيّر:وزان شريف،بمعنى ما كان مختارًا، و منتخبًا و ذا فضل؛ و الجمع: أخيار، كما في شريف و أشراف : { وَ اِنَّهُمْ عِنْدَ نَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الاَخْيَارِ } ص: 47.

يقال خارَ يَخيُر خَيْرا فهو خيّر، و خيَّرَه فتَخَيّر، و اختار و استخار، فكلّها من الأصل، و اختلاف المعاني إنّما يحصل باختلاف الصّيغ و الهيئات.[إلى أن قال:]

و أمّا مفهوم الأفضليّة الكائنة فيما يُستعمل بحرف<من> فإنّما يستفاد من تلك الحرف لا من كلمة <الخير>، كما قال بعضهم: إنّها أفعل تفضيل في الأصل، مضافا إلى أنّ التّفضيل جزء من مفهوم اللّفظ، و قيد من معناه{ اَنَاخَيْرٌمِنْهُ } الأعراف:12.

فظهر الفرق بين هذه المادّة و موادّ: الحسن و الجميل و الصّالح و غيرها، فإنّ في كلّ واحدة منها قيد و خصوصيّة مخصوصة. (3 : 159)

النُّصوص التّفسيريّة

فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ .

الرّحمن :70النّبيّ(صلی الله علیه و آله):خيرات الأخلاق، حسان الوُجُوه .

(الطّبَريّ11: 614)

نحوه قَتادَ ة (الطّبَريّ11: 614)، و مُقاتِل(4: 205)، والطّبَريّ(11: 613)، و شُبّر(6: 136).

ابن مَسعود: في كلّ خيمة زوجة.

(الطّبَريّ11: 614)

ابن عبّاس: جوارٍ خير لأزواجهنّ حسان الوجوه. (452)

الحسَن: خيرات فاضلات في الصّلاة و الجمال.

(الطَّبْرِسيّ5: 211)

زَيْدبن عليّ(علیه السلام): معناه جوارٍ؛ واحدهاخيرة.

(403)

ص: 433

الإمام الصّادق (علیه السلام): هنّ صوالح المؤمنات العارفات .

[و في حديث آخر] الخيرات: الحسان من نساء أهل الدّنيا، و هنّ أجمل من الحور العين.

[و في حديث آخر أ نّه سئل]عن قول الرّجل للرّجل: جزاك الله خيرا ما يعني به؟ قال: إنّ <خيرًا> نهر في الجنّة، مخرجه من الكوثر، و الكوثر مخرجه من ساق العرش، عليه منازل الأوصياء و شيعتهم على حافّتي ذلك النّهر جوارٍ نابتات، كلّما قلعت واحدة نبتت أُخرى، سمّين باسم ذلك النّهر؛ و ذلك قوله تعالى: { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } فإذا قال الرّجل لصاحبه: جزاك الله خيرا، فإنمّا يعني بذلك تلك المنازل الّتي أعدّها الله لصفوته و خيرته من خلقه.

(العَرُوسيّ 5: 201)

ابن زَيْد: الخيرات الحسان: الحور العين.

(الطّبَريّ11: 614)

الفَرّاء: رجع إلى الجنان الأربع: جنّتان، و جنّتان، [في الآيتين 45و 62،{ وَ جَنَا الْجَنَّتَيْنِ دَان } و { وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ }] فقال: { فيهِنَّ } و العرب تقول: أعطني الخَيْرة منهنّ، و الخِيَرة منهنّ، و الخيّرة منهنّ. ولوقرأقارئ < الخَيْرات >، أو< الخيّرات> كانتا صوابا .

(3: 120)

أبوعُبَيْدَة: امرأة خَيْرَة و رجل خير، و الجميع: خيرات، و رجل أخيار و خيار. [ثمّ استشهد بشعر]

(2: 246)

ابن قُتَيْبَة: نساء خيّرات، فخُفّفت. كمايقال: هيْنٌ و ليْنٌ. (443)

الزّجّاج: أصله في اللُّغة: خيّرات، و المعنى أنّهنّ خيّرات الأخلاق، حسان الخلق. و قد قرئ بها، أعني بتشديد الياء. (5: 104)

القُمّيّ: جوار نابتات على شطّ الكوثر، كلّما أخذ منهم واحدة نبت بمكانها الأُخرى. (2: 346)

الثّعلبيّ: قرأ العامّة بالتّخفيف،و قرأ أبو رجاء العطارديّ (خَيِّرَات) بتشديد الياء.

حدّثنا عبدالله بن أبي بكر عن أبيه أنّه قرأ (فيهِنّ خَيِّرَات) بالتّشديد،و هما لغتان مثل هيْنٌو هيّن،وليْنٌ و ليّن.

و عن أُمّ سلمة قال : قلت لرسول الله: أخبرني عن قوله سبحانه: { خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } قال: (صلی الله علیه و آله)« خيرات الأخلاق، حسان الوجوه ».

و قال الحسَن : خيرات فاضلات. إسماعيل بن أبي خالد : عذارى. جرير بن عبدالله : مختارات.

و قال المفسّرون: خيرات لَسْن بذربات

و لاذفرات و لانجرات و لامتطلّعات و لامتشوّ قات

و لا متسلّطات ولاطمّاحات و لاطوّافات في الطّرق، و لايغرن و لايؤذين.

و عن عقبة بن عبدالغّفار قال : نساء أهل الجنّة يأخذ بعضهنّ بأيدي بعض، و يتغنّين بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها: نحن الرّاضيات فلانسخط،و نحن المقيمات فلانظعن أبدا ،و نحن خيرات حسان حُبّينا لأزواج كرام. (9: 194)

الماوَرْديّ: { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } يعني

ص: 434

الجنّات الأربع، و في< الخيرات> قراءتان:

إحداهما: بالتّخفيف، و في المراد بها قولان:

أحدهما : الخير و النّعم المستحسنة.

الثّاني : خيرات الفواكه و الثّمار، و حسان في المناظر و الألوان.

و القراءة الثّانية: بالتّشديد، و في المراد بها قولان:

أحدهما: مختارات.

الثّاني: ذوات الخير، و فيهنّ قولان:

أحدهما: أنّهنّ الحور المنشآت في الآخرة.

الثّاني: أنّهنّ النّساء المؤمنات الفاضلات من أهل الدّنيا.

و في تسميتهنّ { خَيْرَاتٌ } أربعة أوجه:

أحدها: لأ نّهنّ خيرات الأخلاق، حسان الوجوه، قاله قَتادَة، و روته أُمّ سلمة مرفوعا .

الثّاني : لأ نّهنّ عذارى أبكارًا، قاله أبو صالح.

الثّالث : لأ نّهنّ مختارات.

الرّابع: لأ نّهنّ خيرات صالحات قاله أبوعُبَيْدَة.

(5: 441)

الطُّوسيّ: في الخبر المرفوع: أنّ المعنى: خيرات الأخلاق، حسان الوجوه. و إنمّا قيل للمرأة في الجنّة: خيرة، لأ نّها ممّا ينبغي أن تختار لفضلها في أخلاقها و أفعالها، و هي مع ذلك حسنة الصّورة، فقد جمعت الأحوال الّتي تجلّ بها النّعمة. (9: 484)

القُشَيْريّ: أي حورٌ خيِّرات الأخلاق، حسان الوجوه . واحدها: خيِّرة؛ و الجمع: خيِّرات. و هذا هو الأصل، ثمّ خُفّف فصارت خيرات. (6: 83)

الزّمَخْشَريّ: { خَيْرَاتٌ }: خيّرات، فخفّفت، كقوله:(علیه السلام): هَينُون لَينُون. و أمّا خَيْر الّذي هو بمعنى أخْيَر، فلايقال فيه: خيرون ولاخيرات.

و قرئ: (خَيِّرَات) على الأصل، و المعنى: فاضلات الأخلاق، حسان الخُلق. (4: 50)

نحوه البَيْضاويّ (2: 445)، و النّسَفيّ (4: 213)، و القاسميّ(15: 5633).ابن عَطيّة: جمع خِيرة، و هي أفضل النّساء. [ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ أبوبكر بن حبيب السّهميّ (خَيِّرَات حِسَان) بشدّ الياء المكسورة، وقرأ أبو عمرو بفتح الياء.

(5: 235)

الطَّبْرِسيّ:. حسان في المناظر و الألوان. و قيل: إنّهنّ نساء الدّنيا، ترد عليهم في الجنّة، و هنّ أجمل من الحور العين. و قيل: { خَيْرَاتٌ }: مختارات، عن جرير ابن عبد الله. [ثمّ أدام نحو الثّعلبيّ، و نقل قول عقبة بن عبد الغفّار و أضاف:]

عائشة: الحور العين إذا قلن هذه المقالة، أجابتهنّ المؤمنات من نساء الدّنيا: نحن المصلّيات، و ما صلّيتُنّ، و نحن الصّائمات و ما صمتُنّ، و نحن المتوضّئات و ما توضّأتُنّ، و نحن المتصدّقات و ما تصدّ قتُنّ. فغلبنهنّ و الله. (الطَّبْرِسيّ5: 211)

الفَخْرالرّازيّ: أي في باطنهنّ الخير و في ظاهرهنّ الحُسن. و الخيرات: جمع: خيرة. (29: 134)

القُرطُبيّ: يعني النّساء؛ الواحدة خَيْرَة على معنى ذوات خير. و قيل:خيّرات: بمعنى خيرات، فخفّف،

ص: 435

كهَيّن و ليِّن.

عن سعيد بن عامر قال: لو أنّ خَيْرَة من{ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } اطّلعت من السّماء لأضاءت لها، ولقَهَر ضوء وجهها الشّمس و القمر، و لنَصيفٌ تُكساه خيرة خير من الدّنيا و ما فيها...

و قد قيل: إنّ { خَيْرَاتٌ } جمع خير، و المعنى: ذوات خير. و قيل: مختارات. قال التّرمذيّ : فالخيرات: ما اختارهنّ الله، فأبدع خلقهنّ باختياره، فاختيارالله لايُشبه اختيار الآدميّين. ثمّ قال:{ حِسَانٌ} فوصفهنّ بالحُسن، فإذا وصف خالق الحسن شيئا بالحُسن فانظر ما هناك. و في الأُوليين ذكر{ فيهِنَّ قَا صِرَاتُ الطَّرْفِ } الرّحمن: 56، { كَاَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَ الْمَرْجَانُ } الرّحمن: 58، فانظر كَمْ بين الخيرة و هي مختارة الله، و بين قاصرات الطّرف. (17: 187)

أبوحَيّان: { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ }: جمع خيرة، وَصْفٌ بُني على <فَعلَة> من الخير، كما بنوا من الشّرّ، فقالوا: شرّة. و قيل: مخفّف من خيّرة، و به قرأ بكر بن حبيب و أبو عثمان النّهديّ و ابن مقسم، أي بشدّ الياء. و روي عن أبي عمرو بفتح الياء، كأنّه جمع: خايرة، جمع على <فَعلَة>، و فسّر الرّسول (صلی الله علیه و آله) لأُمّ سلمة ذلك فقال:

< خيرات الأخلاق، حسان الوجوه >. (8: 198)

السّمين: قوله: { خَيْرَاتٌ } فيه وجهان:

أحدهما: أنّه جمع خَيْرَة، بزِنَة <فَعْلَة> بسكون العين. يقال: امرأة خَيْرَة و أُخرى شرّة.

و الثّاني: أنّه جمع < خَيْرة > المخفّفة من خَيِّرَة، و يدلّ على ذلك قراءة ابن مقسم و النّهديّ و بكر بن حبيب ( خَيِّرات ) تشديد الياء. و قرأ أبو عمرو (خَيَرَات) بفتح الياءجمع: خَيْرة، بزِنَة < فعَْلة > بسكون العين، و هي شاذّة، لأنّ العين معتلّة، إلا أنّ بني هُذَيل تُعامِله معاملة الصّحيح، فيقولون: جَوَزات و بَيَضات. [ثمّ استشهد بشعر]

( 6: 249)

أبوالسُّعود: قوله تعالى:{ فيهِنَّ خَيْرَاتٌ } صفة أُخرى ل { جَنَّتَانِ } كالجملة الّتي قبلها، و الكلام في جميع الضّمير كالّذي مرّ فيما مرّ. و { خَيْرَاتٌ } مخفّفة من خيّرات، لأنّ خيرا الّذي بمعنى أخْيَر لايُجمع.

(6: 182)

البُرُوسَويّ: [نحو أبي السُّعود و أضاف:]

و قيل في تفسير الخيرات: أي لسن بدمرات و لابخرات الدّمر: النّتن، و البَخَر بالتّحريك: النّتن في الفم و الإبط و غيرهما و لامتطلّعات. [إلى أن قال:]

في< التّأويلات النّجميّة>:{ فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } من المعاملات الفاضلات المكاشفات العاليات. و هذا الوصف أيضا يدلّ على أنّ جنّة المقرّبين أفضل من جنّة الأبرار و أصحاب اليمين، لأنّ ثمرة تلك الجنّة الفناء و البقاء، و ثمرة هذه الجنّة المعاملات و تحسين الأخلاق. (9: 313)

الآلوسيّ: صفة أُخرى ل {جَنَّتَانِ} أو خبر بعد خبر للمبتدإ المحذوف، كالجملة الّتي قبلها. و يجوز أن تكون مستأنفة، و الكلام في ضمير الجمع هنا كالكلام فيه في قوله تعالى: { فيهِنّ َ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } الرّحمن: 56. [ثمّ نقل قول أبي حَيّان و الزّمَخْشَريّ و أضاف:]

و لعلّه لأنّ أصل اسم التّفضيل أن لايُجمع

ص: 436

خصوصا إذا نُكّر. (27: 122)

ابن عاشور: ضمير { فيهِنَّ } عائد إلى الجنّات الأربع: الجنّتين الأُوليَيْن و الجنّتين اللّتين من دونهما، فيجوز أن يكون لصاحب الجنّتين الأُوليَيْن جنّتان أُخريان، فصارت له أربع جنّات. و يجوز أن يكون توزيعا على من خافوا ربّهم، كما تقدّم.

و { خَيْرَاتٌ } صفة لمحذوف يناسب صيغة الوصف أي نساء خَيْرات، و{ خَيْرَاتٌ } مخفّف من خيّرات بتشديد الياء مؤنّث <خيّر>، و هو المختص بأنّ صفته الخير ضدّ الشّرّ. و خُفّف في الآية طلبا لخفّة اللّفظ مع السّلامة من اللّبس، بما أتبع به من وصف { حِسَانٌ} الّذي هو جمع حسناء، كما خُفّف هَيْن ولَيْن في قول الشّاعر : < هَيْنُون لَيْنُون>

و معنى { خَيْرَاتٌ }: أنّهنّ فاضلات النّفس كرائم الأخلاق.

و معنى { حِِسَانٌ } : أنّهم حسان الخَلْق، أي صفات الذّوات. (27: 253)

الطَّباطَبائيّ: قوله تعالى: { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} ضمير{ فيهِنَّ } للجنان باعتبار أنّها جنّتان من هاتين الجنّتين. و قيل: مرجع الضّمير الجنّات الأربع المذكورة في الآيات، و قيل: الضّمير للفاكهة و النّخل و الرُّمّان.و أكثر ما يستعمل الخير في المعاني، كما أنّ أكثر استعمال الحسَن في الصّور، و على هذا فمعنى: { خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } أنّهنّ حسان في أخلاقهنّ، حسان في وجوههنّ. (19: 111)

محمودصافي: { خَيْرَاتٌ }:جمع خَيْرَة،زِنَة <فَعْلَة> بفتح فسكون، أو جمع خَيِرة بفتح فكسر،و هو مخفّف من خيّرة بالتّشديد، وكلا اللّفظين صفة مشبّهة من الثّلاثيّ خارَ يَخيرُ، و هما صفتان لموصوف محذوف قصد به نساء الجنّة الحور العين. (27: 105)

مكارم الشّيرازيّ: تستعمل كلمة <خَيْر> غالبا للصّفات الجيّدة و الجمال المعنويّ، أمّا <حُسن> فإنّها تستعمل للجمال الظّاهر. لذا فإنّ المقصود ب { خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } اُولئك النّسوة اللّواتي جمعن بين حسن السّيرة، و حسن الظّاهر.

و جاء في الرّوايات في تفسير هذه الآية أنّ الصّفات الحسنة للزّوجات في الجنّة كثيرة، و من جملتها طيب اللّسان و النّظافة و الطّهارة، و عدم الإيذاء، و عدم النّظر للرّجال الأجانب.

و الخلاصة: أنّ جميع صفات الخير و الجمال الّتي يجب أن تكون في الزّوجة الصّالحة موجودة فيهنّ، و هذه الصّفات إشارة للصّفات العالية الّتي يجب أن تكون في نساء هذه الدّنيا و يُجسِّدن الأُسوة بذلك لجميع النّاس.

كما أنّ كلّ صفات الخير في النّاس الأبرار منحصرة بهنّ، و لهذا السّبب، فإنّ القرآن الكريم يعبّر عنهنّ باختصار رائع أنّهنّ { خَيْرَاتٌ حِسَانٌ }.

(17: 400)

فضل الله: من النّساء اللّواتي أعدّهنّ الله للمتّقين من عباده. (21: 321)

ص: 437

الخَيْرَاتِ

1 وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا فَا سْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ اَيْنَ مَا تَكُونُوا يَاْتِ بِكُمُ اللهُ جَميعا اِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَىْءقَديرٌ‘.

البقرة:148

ابن عبّاس: معناه تنافسوا فيما رغبتم فيه من الخير، فلكلّ عندي ثوابه. (الطَّبْرِسيّ1: 231)

الإمام الباقر(علیه السلام): الخيرات: الولاية.

(العُرُوسيّ1: 139)

قَتادَة: لا تُغلَبُنّ على قبلتكم.

(الطّبَريّ2: 33)

ابن زَيْد: الأعمال الصّالحة. (الطّبَريّ2: 33)

هي الطّاعات لله. (الطُّوسيّ2: 24)

نحوه البغَويّ. (1: 181)

الطّبَريّ: أي قد بيّنت لكم أيّها المؤمنون الحقّ، و هديتكم للقِبْلة الّتي ضلّت عنها اليهود و النّصارى و سائر أهل الملل غيركم فبادروا بالأعمال الصّالحة، شكرًا لربّكم وتزوّدوا في دنياكم لآخرتكم، فإنّي قد بيّنت لكم سبُل النّجاة، فلاعذر لكم في التّفريط و حافظوا على قبلتكم فلاتضيّعوها كما ضيّعتها الأُمم قبلكم، فتضلّوا كما ضلّت. (2: 33)الزّجّاج: أي فبادروا إلى القبول من الله عزّ وجلّ، و ولّوا وجوهكم حيث أمركم أن تولّوا. (1: 226)

الزّمَخْشَريّ: فاستبقوا أنتم الخيرات، و استبقوا إليها غيركم من أمر القبلة و غيره.

و معنى آخر: و هو أن يراد: و لكلّ منكم يا أُمّة محمّد وجهة، أي جهة يُصلّي إليها جنوبيّة أو شماليّة أو شرقيّة أو غربيّة، فاستبقوا الخيرات، أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا للجزاء، من موافق و مخالف لاتعجزونه.

و يجوز أن يكون المعنى: فاستبقوا الفاضلات من الجهات، و هي الجهات المسامتة للكعبة و إن اختلفت أينما تكونوا من الجهات المختلفة. (1: 322)

ابن عَطيّة: أي فاستبقوا الخيرات لكلّ وجهة ولاكموها، و لاتعترضوا فيما أمركم من هذه و هذه، أي إنّما عليكم الطّاعة في الجميع. (1: 224)

الفَخْرالرّازيّ: و الظّاهر أنّ المراد من هذه الخيرات ما لكلّ أحد من جهة، و الجهات الموصوفة بالخيريّة ليست إلا جهات الكعبة.[إلى أن قال:]

أي الزموا معاشر المسلمين قبلتكم، فإنّكم على خيرات من ذلك في الدّنيا و الآخرة: أمّا في الدّنيا فلشرفكم بقبلة إبراهيم، و أمّا في الآخرة فللثّواب العظيم الّذي تأخذونه على انقيادكم لأوامره، فإنّ إلى الله مرجعكم. (4: 147)

البَيْضاويّ: من أمر القبلة و غيره ممّا تنال به سعادة الدّارين، أو الفاضلات من الجهات و هي المسامتة للكعبة. (1: 89)

نحوه أبو السُّعود (1: 217)، و القاسميّ(2: 306).

أبوحَيّان: هذا أمر بالبدار إلى فعل الخير و العمل الصّالح، و ناسب هذا أنّ مَن جعل الله له شريعة أو قبلة أو صلاة فينبغي الاهتمام بالمسارعة إليها. (1: 439)

البُرُوسَويّ: أي إلى الخيرات بنزع الجارّ،

و المراد جميع أنواع الخيرات من أمر القبلة و غيره، ممّا ينال به سعادة الدّارين. و المعنى: لكلّ أُمّة قبلة

ص: 438

يتصلّبون في التّوجّه إليها؛ بحيث لاينصرفون عنها إلى القبلة الحقّ، و إن أتيتهم بكلّ آية دالّة على أنّ القبلة هي الكعبة. و إذا كان الأمر كذلك، فاستبقوا أنتم و بادروا إلى الفعلات الخيرات، و هي ما ثبت أنّه من الله تعالى، و لاتقتفوا أثر المكابرين المستكبرين الّذين يتّبعون أهواءهم و يلقون الحقّ وراء ظهورهم، فإنّهم إنّما يستبقون إلى الشّرّ و الفساد؛ إذ ليس بعد الحقّ إلا الضّلال.

قال بعض أهل الحقيقة: معناه:كلّ قوم اشتغلوا بغيرنا عنّا و أقبلوا على غيرنا، فكونوا معاشر العارفين لنا و اشتغلوا بنا عن غيرنا، فإنّ مرجعكم إلينا.

(1: 254)

شُبّر: استبقوا غيركم من أهل القبلة و غيره.

(1: 160)الآلوسيّ: جمع خَيْرة بالتّخفيف، و هي الفاضلة من كلّ شيء. و التّأنيث باعتبار الخصلة، <و اللام> للاستغراق، فيعمّ المحلّى أمر القبلة و غيره، و الخطاب للمؤمنين. و الاستباق متعدّ كما في <التّاج> و قيل : لازم، و <إلى> بعده مقدّرة، أي إذا كان كذلك فبادروا أيّها المؤمنون ما به يحصل السّعادة في الدّارين من استقبال القبلة و غيره و لاتنازعوا مَن خالفكم؛ إذ لاسبيل إلى الاجتماع على قبلة واحدة، لجري العادة على تولية كلّ قوم قبلةً يستقبلها.

و في أمر المؤمنين بطلب التّسابق فيما بينهم كما قال السّعد دلالة على طلب سبق غيرهم بطريق الأولى. و قيل: الاقتصار على سبق بعضهم إشارة إلى أنّ غيرهم ليس في طريق الخير حتّى يتصوّر أمر أحد بالسّبق إلى الخير عليه.و يجوز أن تكون<اللام> للعهد، فالمراد بالخيرات: الفاضلات من الجهات الّتي تسامت الكعبة،و فيه إشارة إلى أنّ الصّلاة إلى عين الكعبة أكثر ثوابا من الصّلاة الّتي جهتها.

و قيل: يحتمل أن يراد بها الصّلوات الفاضلات، و المراد بالاستباق: السّرعة فيها و القيام بها في أوّل أوقاتها. و فيه بُعْد، و أبعَد منه ما قيل: إنّ المعنى فاستبقوا قبلتكم، و عبّر عنها بالخيرات إشارة إلى اشتمالها على كلّ خير. (2: 15)

ابن عاشور:و{ الْخَيْرَاتِ}: جمع خير، على غير قياس، كما قالوا: سرادقات و حمّامات، و المراد عموم الخيرات كلّها. فإنّ المبادرة إلى الخير محمودة، و من ذلك المبادرة بالتّوبة خشية هادم اللّذّات و فجأة الفوات. (2: 43)

مَغْنِيّة: أي دعوا أهل الكتاب و المشركين المعاندين، و اتّجاهاتهم، و إصرارهم على ضلالهم، و انصرفوا إلى عمل الخير و المبادرة إليه، فإنّ مرجعكم غدا إليه سبحانه، فيُثيب المحقّ المحسن، و يعاقب المبطل المسيء. (1: 236)

الطّالقانيّ: الخير: نخبة الكمال، فلابدّ من السّباق في ميدان الخير وحوز قصب السّبق فيه. (2: 12)

فضل الله: فهذا هو الوجه الّذي أراد الله لكم أن تستقبلوه في كلّ مواقع حياتكم في رسالتكم، الّتي حمّلكم الله إيّاها من خلال رسوله بالمسارعة إلى الخيرات الّتي تمثّل حركة الحياة في إيجابيّاتها الرّوحيّة

ص: 439

و الأخلاقيّة في الإنسان بعلاقته بالإنسان الآخر، و بالكون من حوله، عندما يقدّم من عقله و قلبه و روحه وجهده الكثير من الأفكار و المشاعر و العواطف و الأعمال الّتي تفتح آفاقه على عوالم جديدة، كما توجّه خطواته إلى دروب جديدة، و ترتفع بحياته إلى الدّرجات العليا على مستوى تطوير طاقاته، و تنميتها و تحويلها إلى عناصر حيّة، في كلّ اتّجاه من اتّجاهات الحركة في الحياة.

إنّها الخيرات، العنوان الكبير لاستقامة الحياةعلى الخطّ الصالح الّذي يربط بين الله و الإنسان و الحياة في دائرة المسؤوليّات العامّة الّتي يريدها الله للحياة من خلال الإنسان، لتكون على الصّورة الّتي أراد لها أن تتمثّل فيها على أساس الحقّ الّذي أقام عليه الكون كلّه. و هذا ما ينبغي للمسلمين أن يتنافسوا فيه و يلتقوا عليه، ليواجهوا مسؤوليّتهم أمام الله غدا ، فيحاسبهم على ما قدّموه من الخيرات الّتي أمرهم الله بالسّعي إليها و العمل بها، عندما يقوم النّاس لربّ العالمين. (3: 92)

2 فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ اِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَميعًا‘ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فيهِتَخْتَلِفُونَ. المائدة48

الكَلْبيّ: معناه سابقوا الأُمم الماضية إلى الطّاعات و الأعمال الصّالحة. (الطَّبْرِسيّ 2: 203)

نحوه مُقاتِل(1: 482)، و الواحديّ(2: 195).

الجُبّائيّ: بادروا الفوت بالموت.

(الطُّوسي3: 546)

الطّبَريّ: فبادروا أيّها النّاس إلى الصّالحات من الأعمال، و القُرَب إلى ربّكم، بإدمان العمل بما في كتابكم الّذي أنزله إلى نبيّكم، فإنّه إنّما أنزله امتحانًا لكم و ابتلاءً، ليتبيّن المحسن منكم من المسيء، فيجازي جميعكم على عمله جزاءه عند مصيركم إليه.

(4: 613)

الطُّوسي: بادروا فوت الحظّ بالتّقدّم في الخير .

(3: 546)

الطَّبْرِسيّ: [مثل الطُّوسيّ و أضاف:]

و في هذا دلالة على وجوب المبادرة إلى أفعال الخيرات، و يكون محمولا على الواجبات. و مَن قال: إنّ الأمر على النّدب، حمله على جميع الطّاعات.

(2: 203)

القُرطُبيّ: أي سارعوا إلى الطّاعات.و هذا يدلّ على أنّ تقديم الواجبات أفضل من تأخيرها؛و ذلك لا اختلاف فيه في العبادات كلّها إلا في الصّلاة في أوّل الوقت، فإنّ أبا حنيفة يرى أنّ الأولى تأخيرها، و عموم الآية دليل عليه، قاله الكيا. و فيه دليل على أنّ الصّوم في السّفر أولى من الفطر، و قد تقدّم جميع هذا في البقرة. (6: 211)

البَيْضاويّ: فابتدروها انتهازًا للفرصة، و حيازةً لفضل السّبق و التّقدّم. (1: 278)

نحوه الكاشانيّ(2 : 40)، و شُبّر (2: 182).

النّسَفيّ: المراد بالخيرات كلّ ما أمر الله تعالى به.

(1: 287)

أبوالسُّعود: أي إذا كان الأمر كما ذُكر،

ص: 440

فسارعوا إلى ما هو خير لكم في الدّارين من العقائد الحقّة و الأعمال الصّالحة المندرجة في القرآن الكريم، و ابتدروها انتهازًا للفرصة، وإحرازًا لسابقة الفضل و التّقدّم، ففيه من تأكيد التّرغيب في الإذعان للحقّ، و تشديد التّحذير عن الزّيغ، ما لايخفى.

(2: 281)

نحوه البُرُوسَويّ (2: 400)،و الآلوسيّ(6: 154)، و القاسميّ (6: 2018).

الطَّباطَبائيّ: { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } و هي الأحكام و التّكاليف، و لاتشتغلوا بأمر هذه الاختلافات الّتي بينكم و بين غيركم، فإنّ مرجعكم جميعا إلى ربّكم تعالى فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون، و يحكم بينكم حكما فصلا ، و يقضي قضاء عدلا .

(5: 353)

3 لكِنِ ’الرَّسُولُ وَ الَّذينَ‘ امَنُو’ا مَعَهُ جَاهَدُوا بِاَمْوَالِهِمْ وَ اَ نْفُسِهِمْ وَ اُولئِكَ’ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَ اُولئِكَ’ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. التّوبة:88

ابن عبّاس: إنّ الخير لايعلم معناه إلا الله، كما قال جلّ ذكره:{ فَلاتَعْلَمُ نَفْسٌ مَا اُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ اَعْيُنٍ } السّجدة: 17. (البغَويّ2 : 378)

الحسَن: النّساء الحسان. (القُرطُبيّ8 : 224)

أبوعُبَيْدَة: وهي جمع خَيْرة، و معناها الفاضلة في كلّ شيء.[ثمّ استشهد بشعر]. (1: 267)

و الخيرات هي المنافع الّتي تسكن النّفس إليها و ترتاح بها، من النّساء الحسان و غيره من نعيم الجنان؛ واحده: خيرة . (الطُّوسيّ5: 319)

المُبَرِّد: يعني الجواري الفاضلات، قال الله تعالى:

{ فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } الرّحمن: 70، واحدها: الخيرة، وهي الفاضلة من كلّ شيء. [ثمّ استشهد بشعر]

(الثّعلبيّ5: 80)

نحوه الأخفش و أبو عُبَيْدَة. (الواحديّ2: 517)

الطّبَريّ: { الْخَيْرَاتُ } وهي خيرات الآخرة؛

و ذلك نساؤها و جنّاتهاو نعيمها،واحدتها: الخيرة. [ثمّ استشهد بشعر]و الخيرة من كلّ شيء: الفاضلة.

(6: 443)

الثّعلبيّ: الحسنات. (5: 80)

نحوه البغَويّ. (2: 378)

الماوَرْديّ: و هو جمع خيرة، و فيها أربعة أوجه:

أحدها : أنّها غنائم الدّنيا و منافع الجهاد.

و الثّاني: فواضل العطايا.

و الثّالث: ثواب الآخرة.

و الرّابع: حُور الجنان، من قوله تعالى: { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } الرّحمن: 70. (2: 390)

الطُّوسيّ: في الجنّة و نعيمها و خيراتها، و أنّهم المفلحون أيضا الفائزون بكرامة الله. (5: 319)

المَيْبُديّ: جمع <خيرة> و المراد بهنّ: الحور، لقوله:{ فيهِنَّ خَيْراتٌ حِسَانٌ } و يجوز أن يكون عامًّا في جميع الملاذّ، من الأطعمة و الأشربة و المنازل و الجواري و الغلمان. و قيل: الخيرات: الغنائم.

(4: 186)الزّمَخْشَريّ:{ الْخَيْرَات}تتناول منافع الدّارين لإطلاق اللّفظ. و قيل: الحور، لقوله:{ فيهِنَّ خَيْرَاتٌ }

(2: 207)

ص: 441

نحوه الفَخْرالرّازيّ (16: 157)، و القُرطُبيّ(8 : 224)، و النّسَفيّ(2: 140)، و الخازن(3: 110).

ابن عَطيّة: { الْخَيْرَاتِ }: جمع خيرة، و هو المستحسن من كلّ شيء، و كثر استعماله في النّساء، فمن ذلك قوله عزّ وجلّ:{ فيهِنَّ خيْرَاتٌ حِسَانٌ }. [ثمّ استشهد بشعر] (3: 69)

الطَّبْرِسيّ: من الجنّة و نعيمها. و قيل: الخيرات: المنافع و المدح و التّعظيم في الدّنيا، و الثّواب و الجنّة في الآخرة.

(3: 58)

البَيْضاويّ: منافع الدّارين، النّصر و الغنيمة في الدّنيا، و الجنة و الكرامة في الآخرة، و قيل: الحور، لقوله تعالى :{ فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } وهي جمع خيرة تخفيف خيرة. (1 : 427)

نحوه أبو السُّعود(3: 178)،و الكاشانيّ(2: 366)، و المشهديّ(4: 251)، و شُبّر (3: 105)، و القاسميّ (8 : 3229).

البُرُوسَويّ: [نحو البَيْضاويّ و أضاف: ]

و خيرات العابدين هي الحسنات، فهي متعلّقة بأعمالهم، و خيرات العارفين مواهب الحقّ تعالى، فهي متعلّقة بأحوالهم.

(3: 482)

الآلوسيّ: أي المنافع الّتي تسكن النّفس إليها و ترتاح لها. و ظاهر اللّفظ عمومها هنا لمنافع الدّارين، كالنّصر و الغنيمة في الدّنيا، و الجنّة و نعيمها في الآخرة.

و قيل: المراد بها: الحور، لقوله تعالى:{ فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } فإنّها فيه بمعنى الحور فتُحمل عليه هنا أيضا، و نص المُبَرِّد على أنّ الخيرات تطلق على الجواري الفاضلات، و هي جمع <خيرة> بسكون الياء مخفّف خيِّرة المشدّدة تأنيث خيِّر، و هو الفاضل من كلّ شيء المستحسن منه. (10: 157)

ابن عاشور: و الإتيان باسم الإشارة، لإفادة أنّ استحقاقهم الخيرات و الفلاح كان لأجل جهادهم.

و الخيرات:جمع خَيْر على غير قياس، فهو ممّا جاء على صيغة جمع التّأنيث مع عدم التّأنيث و لاعلامته، مثل سرادقات و حمّامات.

و جعله كثير من اللُّغويّين جمع: <خَيْرَة> بتخفيف الياء مُخفّف <خَيِّرة> المشدّد الياء الّتي هي أُنثى <خَيِّر>، أو هي مؤنّث <خَيْر> المخفّف الياء الّذي هو بمعنى أخْيَر. و إنّما أنّثوا وصف المرأة منه، لأ نّهم لم يريدوا به التّفضيل، و على هذا كلّه يكون خيرات هنا مؤوّ لا بالخصال الخيّرة، وكلّ ذلك تكلّف لاداعي إليه مع استقامة الحمل على الظّاهر، و المراد: منافع الدّنيا و الآخرة، فاللام فيه للاستغراق. (10: 176)

مَغْنِيّة: و الخيرات و الفلاح دنيا وآخرة نتيجة حتميّة للإيمان بالله و الجهاد في سبيل الحقّ والعدل، و لاتختص كلمة الخيرات بالخير الماديّ فقط، بل تشمل المادّ يّ و المعنويّ معا . و طريف قول بعض المفسّرين: إنّ المراد ب{الْخَيْرَاتُ} هنا: الحور العين دون غيرهنّ، معبّرا بذلك عن أحبّ الأشياء إلى قلبه، كما يبدو. (4: 82)

الطَّباطَبائيّ: لهم جميع الخيرات على ما يقتضيه الجمع المحلّى باللام، من الحياة الطّيّبة، و نور الهدى

ص: 442

و الشّهادة، و سائر ما يتقرّب به إلى الله سبحانه، و هم المفلحون الفائزون بالسّعادة.

(9: 361)

مكارم الشّيرازيّ: كلمة { الْخَيْرَاتِ } صيغة جمع محلّى بالألف و اللام، و من ذلك يستفاد عموميّتها، فهي تعبير جامع لكلّ توفيق و خير و نصر و موهبة، و هي تشمل المادّ يّة منها و المعنويّة.

كما أنّ تعبير هاتين الجملتين حسب القواعد الّتي قرّرت في المعاني و البيان يدلّ على الحصر، أي إنّ هذا التّعبير يدلّ على أنّ <المخلصين> وحدهم يمثّلون هذا الجانب المقابل، و يدلّ على أنّ هؤلاء وحدهم الّذين يستحقّون كلّ خير و سعادة، هؤلاء الّذين يجاهدون بكلّ وجودهم و بكلّ ما يمتلكون.

و يستفاد بوضوح من هذه الآية أنّ الإيمان

و الجهاد إذا اتّحدا في شخص، فسيصحبهما كلّ خير و بركة، و لاسبيل إلى الفلاح و الإخلاص، أو إلى شيء من الخيرات و البركات المادّ يّة و المعنويّة إلا في ظلّ هذين العاملين. (6: 147)

فضل الله: الّتي تمثّل النّتائج الطّبيعيّة لأعمالهم الخيّرة، على مستوى الدّنيا و الآخرة. (11: 183)

4 وَجَعَلْنَاهُمْ اَئِمَّةً يَهْدُونَ بِاَمْرِنَا وَ اَوْحَيْنَا اِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَ اِقَامَ الصَّلوةِ وَ ايتَا ‘ءَ الزَّكوةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدينَ.‘ الأنبياء:73

ابن عبّاس: شرائع النّبوّة. (الواحديّ3: 245)

البغَويّ: يعني العمل بالشّرائع. (3: 297)

القُرطُبيّ: أن يفعلو الطّاعات. (11: 305)

الآلوسيّ: ليتمّ الكمال بانضمام العمل إلى العلم. (17: 71)

جاء بهذا المعنى :

...إِنَّهُمْ كَا نُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ... الأنبيا: 90

الاَخْيَارِ

وَ اِنَّهُمْ عِنْدَ نَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الاَخْيَارِ.

ص: 47

أبوعُبَيْدَة: الأخيار و الخيار واحد، مثل الشّرار و الأشرار. (2: 185)

الطّبَريّ: الأخيار: الّذين اختر ناهم لطاعتنا و رسالتنا إلى خلقنا. (10: 594)

الطُّوسي: { الاَخْيَارِ }: جمع خير،ّ على وزن أموات: جمع ميّت، و هو من يفعل الأفعال الكثيرة الحسنة. و قيل: هو جمع خَيْر، و مثله الأبرار: جمع بِرّ.(8 : 572)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (4: 481)

الزّمَخْشَريّ: { الاَخْيَارِ } جمع خيّر أو خَيْر على التّخفيف،كا الأموات في جمع ميّت أو مَيْت.

(3: 378)

نحوه النّسَفيّ(4: 44)، و البُرُوسَويّ(8: 47)، و شُبّر(5: 290).

الفَخْرالرّازيّ: أي المختارين من أبناء جنسهم.

و{ الاَخْيَارِ }: جمع خيّر أو خَيْر على التّخفيف، كأموات في جمع ميّت أو مَيْت. و احتجّ العلماء بهذه الآية في إثبات عصمة الأنبياء، قالوا: لأ نّه تعالى حكم عليهم بكونهم أخيارًا على الإطلاق. و هذا يعمّ

ص: 443

حصول الخيريّة في جميع الأفعال و الصّفات، بدليل صحّة الاستثناء، و بدليل دفع الإجمال. (26: 217)

البَيْضاويّ: لمن المختارين من أمثالهم المصطفين عليهم في الخير، جمع خير، كشرّ و أشرار. و قيل: جمع خيّر أو خَيْر على تخفيفه، كأموات في جمع ميّت أو مَيْت.

(2: 312)

نحوه الطَّباطَبائيّ. (17: 212)

الآلوسيّ: الفاضلين عليهم في الخير، و هو جمع خير مقابل شرّ الّذي هو أفعل تفضيل في الأصل، وكان قياس أفعل التّفضيل أن لايُجمع على <أفعال> لكنّه للزوم تخفيفه حتّى أ نّه لايقال: أخيَر إلا شذوذًا أو في ضرورة، جُعل كأ نّه بُنيَة أصليّة. و قيل: جمع خيِّر المشدّد أو خير المخفّف منه، كأموات في جمع ميّت بالتّشديد، أو مَيْت بالتّخفيف. (23: 211)

ابن عاشور: { الاَخْيَارِ }: جمع خيّر بتشديد الياء، أو جمع خَيْر بتخفيفها مثل الأموات جمعا لميّت ومَيْت،وكلتا الصّيغتين تدلّ على شدّة الوصف في الموصوف. (23: 171)

خَيْرٌ

1 وَ اِذْ قَالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ اَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا اِ لى بَارِ ئِكُمْ فَاقْتُلُوا اَ نْفُسَكُمْ ذلِكُمْ ’خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَبَارِ ئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ا ِنَّهُ هُوَ التَّوَّ ابُ الرَّحيمُ‘. البقرة:54

أبوحَيّان: { خَيْرٌ } هي أفعل التّفضيل، حذفت همزتها شذوذا في الكلام، فنقص بناؤها فانصرفت، كما حذفوها شذوذًافي الشّعر، من <أحبّ> الّتي للتّفضيل. و قال الأحوص:

و زادني كلفا بالحبّ أن منعت

وحبّ شيء إلى الإنسان ما منعا

وقد نطقوا بالهمزة في الشّعر، قال الشّاعر:

* بلال خير النّاس و ابن الأخير *

و تأتي <خير> أيضا لا بمعنى التّفضيل، تقول: في زيد خير، تريد بذلك خصلةجميلة، و مخفّفا من خيّر: رجل خير، أي فيه خير، و يمكن أن يكون من ذلك

{ فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ }. (1: 204)

البُرُوسَويّ: أنفع لكم عند الله من الامتناع الّذي هو إصرار، و فيه عذاب لما أنّ القتل طهرة من الشّرك، و وصلة إلى الحياة الأبديّة، و البهجة السّرمديّة. [ إلى أن قال: ]

يعنى قتل النّفس بسيف الصّدق خير لكم، لأنّ بكلّ قتلة رفعة و درجة لكم عند بارئكم، فأنتم تتقرّبون إلى الله بقتل النّفس و قمع الهوى، و هو يتقرّب إليكم بالتّوفيق للتّوبة و الرّحمة عليكم، كما قال: « من تقرّب إليّ شبرًا تَقرّبتُ إليه ذراعا »؛ و ذلك قوله: { فَتَابَ عَلَيْكُمْ اِ نَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ‘ }

(1: 137)

شُبّر: من الحياة الفانية المتعقّبة بالعذاب. (1: 100)

الآلوسيّ: جملة معترضة للتّحريض على التّوبة، أو معلّلة الإشارة إلى المصدر المفهوم ممّا تقدّم. و {خَيْرٌ} أفعل تفضيل حذفت همزته، و نطقوا بها في الشّعر، قال الرّاجز :

* بلال خير النّاس و ابن الأخيَر *.

و قد تأتي و لاتفضيل، و المعنى: أنّ :{ ذ لِكُمْ خَيْرٌ

ص: 444

لَكُمْ } من العصيان و الإصرار على الذّنب، أو خير من ثمرة العصيان و هو الهلاك الدّائم، و الكلام على حدّ العسل أحلى من الخَلّ، أو خير من الخيور كائن لكم.

(1: 260)

2 ...قَالَ اَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذى‘ هُوَ اَدْ نى بِالَّذى‘ هُوَ خَيْرٌ اِهْبِطُوا مِصْرا فَاِنَّ لَكُمْ مَا سَاَلْتُمْ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّ لَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُ بِغَضَب مِنَ اللهِ.. . البقرة:61

الثّعلبيّ: أشرف و أفضل،و معناه : أتتركون الّذي هو خير، و تريدون الّذي هو شرّ.و يجوز أن يكون هذا الخير و الشّرّ منصرفين إلى أجناس الطّعام و أنواعه. و يجوز أن يكونا منصرفين إلى اختيار الله لهم، و اختيارهم لأنفسهم. (1: 206)

البُرُوسَويّ: أي بمقابلة ما هو خير، فإنّ الباء تصحب الزّائل دون الآتي الحاصل، و خيريّة المنّ و السّلوى في اللّذاذة و سقوط المشقّة و غير ذلك، و لا كذلك الفوم و العدس و البصَل و أمثالها.

(1: 150)

نحوه الشِّربينيّ(1: 64)، و شُبّر(1: 104).

3 وَلَوْ اَ نَّهُمْ امَنُوا’ وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. البقرة:103

ابن عبّاس: من السّحر و اليهوديّة. (15)

الطَّبْرِسيّ: أي لأُثيبوا، وثواب الله خير. (1: 177)

أبوحَيّان: { خَيْرٌ } خبرلقوله: { لَمَثُوبَةٌ } و ليس { خَيْرٌ } هنا أفعل تفضيل، بل هي للتّفضيل لا للأفضليّة. فهي كقوله: { اَ فَمَنْ يُلْقى فىِ النَّارِ خَيْرٌ } فصّلت:40، و { خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا } الفرقان: 24 .

(1: 335)الشِّربينيّ: أي خيرممّااشتروا به أنفسهم. (1: 83)

الآلوسيّ: { لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِاللهِ خَيْرٌ } جواب (لَوْ) الشّرطيّة، و أصله لأُثيبوا مثوبة من عند الله خيرًا ممّا شروا به أنفسهم، فحذف الفعل، و غُيّر السّبك إلى ما ترى، ليتوسّل بذلك مع معونة المقام إلى الإشارة إلى ثبات المثوبة، و ثبات نسبة الخيريّة إليها مع الجزم بخيريّتها، لأنّ الجملة إذا أفادت ثبات المثوبة كان الحكم بمنزلة التّعليق بالمشتقّ، كأنّه قيل:{ لَمَثُوبَةٌ } دائمة { خَيْرٌ } لدوامها و ثباتها، و حذف المفضّل عليه إجلالا للمفضّل من أن يُنسب إليه. و لم يقل: <لمثوبة الله> مع أنّه أخصر، ليشعر التّنكير بالتّقليل، فيفيد أنّ شيئًا قليلا من ثواب الله تعالى في الآخرة الدّائمة خير من ثواب كثير في الدّنيا الفانية، فكيف و ثواب الله تعالى كثير دائم! و فيه من التّرغيب و التّرهيب المناسبين للمقام ما لايخفى.

و ببيان الأصل انحلّ إشكالان:لفظيّ، و هو أنّ جواب (لَوْ) إنمّا يكون فعليّة ماضويّة، و معنويّ، و هو أنّ خيريّةالمثوبةثابتة لاتعلّق لها بإيمانهم و عدمه، و لهذين الإشكالين قال الأخفش، و اختاره جمع:لسلامته من وقوع الجملة الابتدائيّة في الظّاهر جوابا ل (لَوْ). و لم يُعهَد ذلك في لسان العرب كما في البحر أنّ اللام جواب قسم محذوف، و التّقدير:ولو أنّهم آمنوا و اتّقوا لكان خيرا لهم، و لمثوبة عند الله خير.

و بعضهم التزم التّمنّيّ، و لكن من جهة العباد

ص: 445

لا من جهته تعالى، خلافا لمن اعتزل دفعا لهما؛ إذ لاجواب لها حينئذ، و يكون الكلام مستأنفًا، كأ نّه لما تمنّى لهم ذلك قيل: ما هذا التّحسّر و التّمنّيّ؟ فأُجيب بأنّ هؤلاء المبتذلين حُرِموا ما شيء قليل منه خير من الدّنيا و ما فيها، و في ذلك تحريض و حثّ على الإيمان.

(1: 347)

نحوه القاسميّ. (2: 215)

4 مَا يَوَدُّ الَّذينَ‘ كَفَرُوا مِنْ اَهْلِ الْكِتَابِ وَ لا الْمُشْرِكينَ ‘اَنْ يُنَزَّ لَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْر مِنْ رَ بِّكُمْ وَ اللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيمِ‘.

البقرة:105

الطَّبْرِسيّ: معناه: ما يحبّ الكافرون من أهل الكتاب، و لامن المشركين بالله من عبدة الأوثان، أن ينزّل الله عليكم شيئا من الخير الّذي هو عنده. و الخير الّذي تمنّوا أن لايُنزّله الله عليهم. ما أوحى إلى نبيّه(صلی الله علیه و آله)، و أنزله عليه من القرآن و الشّرائع، بغيا منهم و حسدا .

(1: 179)

أبوحَيّان:{ مِنْ خَيْر } (مِنْ) زائدة، و التّقدير: خير من ربّكم. و حَسَنٌ زيادتها هنا، و إن كان { يُنَزَّ لَ} لم يباشره حرف النّفي، فليس نظير: ما يكرم من رجل، لانسحاب النّفي عليه من حيث المعنى،لأ نّه إذا نفيت الوِدادة، كان كأنّه نفى متعلّقها، و هو الإنزال.و له نظائر في لسان العرب، من ذلك قوله تعالى:{ اَوَ لَمْ يَرَوْ ا اَنَّ اللهَ الَّذى‘ خَلَقَ السَّموَاتِ وَالاَرْض وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِر } فلمّا تقدّم النّفي حسن دخول الباء، وكذلك قول العرب: ما ظننت أحدا يقول ذلك إلا زيد، بالرّفع على البدل من الضّمير المستكن في <يقول> و إن لم يباشره حرف النّفي، لأنّ المعنى: ما يقول ذلك أحد إلا زيد فيما أظنّ. و هذا التّخريج هو على قول سيبَوَيه و الخَليل.

و أمّاعلى مذهب الأخفش و الكوفيّين في هذا المكان، فيجوز زيادتها، لأ نّهم لايشترطون انتفاء الحكم عمّا تدخل عليه، بل يُجيزون زيادتهافي الواجب و غيره. و يزيد الأخفش: أ نّه يُجيز زيادتها في المعرفة. و ذهب قوم إلى أنّ (مِنْ) للتّبعيض، و يكون على هذا المفعول الّذي لم يسمّ فاعله هو { عَلَيْكُمْ }، و يكون المعنى: أن يُنزّل عليكم بخير من الخير من ربّكم.

{ مِنْ رَ بِّكُمْ } (مِنْ) لابتداء الغاية، كما تقول: هذا الخير من زيد. و يجوز أن تكون للتّبعيض، المعنى: من خير كائن من خيور ربّكم.فإذا كانت لابتداء الغاية تعلّقت بقوله: {يُنَزَّلُ} وإذا كانت للتّبعيض تعلّقت بمحذوف، وكان ذلك على حذف مضاف كما قدّرناه.

و الخيرهنا: القرآن، أو الوحي؛ إذ يجمع القرآن و غيره، أو ما خص به رسول الله(صلی الله علیه و آله) من التّعظيم، أو الحكمة و القرآن و الظّفر، أو النّبوّة و الإسلام، أو العلم و الفقه و الحكمة، أو هنا عامّ في جميع أنواع الخير، فهم يودّون انتفاء ذلك عن المؤمنين، سبعة أقوال: أظهرها الآخر. (1: 340)

أبوالسُّعود: و (مِنْ) مزيدة للاستغراق و النّفي، و إن لم يباشره ظاهرا، لكنّه منسحب عليه معنى .

ص: 446

و الخير: الوحي، و حمله على ما يعمّه و غيره من العلم و النّصرة كما قيل يأباه و صفه فيما سيأتي بالاختصاص، و تقديم الظّرف عليه مع أن ّحقّه التّأخير عنه، لإظهار كمال العناية به، لأ نّه المدار لعدم ودّهم. (1: 178)

البُرُوسَويّ: هو قائم مقام فاعله، و (مِنْ) مزيدة لاستغراق الخير، و الخير: الوحي، و القرآن، و النّصرة.

(1: 199)

نحوه شُبّر. (1: 133)

الآلوسيّ: قوله تعالى:{ مِنْ خَيْر }: الوحي، و هو قائم مقام الفاعل، و (مِنْ) صلة، و زيادة خير، و النّفي الأوّل منسحب عليها، و لذا ساغت زيادتها عند الجمهور، و لاحاجة إلى ما قيل: إنّ التّقدير يودّ أن لايُنزَّل خير. و ذهب قوم إلى أنّها للتّبعيض، و عليه يكون { عَلَيْكُمْ } قائما ذلك المقام. و المراد من الخير: إمّا الوحي، أو القرآن، أو النّصرة، أو ما اختص به رسول الله(صلی الله علیه و آله) من المزايا، أو عامّ في أنواع الخير كلّها، لأنّ المذكورين لايودّون تنزيل جميع ذلك على المؤمنين عداوة و حسدا، و خوفا منفوات الدّراسة و زوال الرّئاسة. و أظهر الأقوال كما في <البحر> الأخير. (1: 350)

5 مَا نَنْسَخْ مِنْ ايَة اَوْ نُنْسِهَا نَاْتِ بِخَيْر مِنْهَا اَوْ مِثْلِهَا اَلَمْ تَعْلَمْ اَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ.‘ البقرة:106

ابن عبّاس: أي نرسل جبريل بأنفع من المنسوخ، و أهون في العمل. (16)

يقول: خير لكم في المنفعة، وأرفق بكم.

(الطّبَريّ1: 525)

نأت بخير منها لكم في التّسهيل و التّيسير، كالأمر بالقتال الّذي سهّل على المسلمين، بدلالة قوله : {اَلْنَ= خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ } الأنفال: 66، أو مثلها كالعبادة بالتّوجّه إلى الكعبة بعد أن كان إلى بيت المقدس. (الطُّوسيّ1: 397)

الحسَن: نأت بخير منها في الوقت الثّاني، أي هي لكم في الوقت الثّاني، خير لكم من الأُولى في الوقت الأوّل، في باب المصلحة، أو مثلها في ذلك.

(الطَّبْرِسيّ1: 181)

قتادَة: آية فيها تخفيف، فيها رحمة، فيها أمر، فيها نهي. (الطّبَريّ1: 525)

السُّدّيّ: أي بخير من الّتي نسخناها. (128)

مُقاتِل: نأت من الوحي مكانها أفضل منها لكم، وأنفع لكم. (1: 129)

ابن قُتَيْبَة:أي بأفضل منها، و معنى فضلها: سهولتها وخفّتها. (61)

الطّبَريّ: { نَاْتِ بِخَيْرمِنْهَا } لأ نّه إمّا بخير منها في العاجل لخفّته على مَن كلّفه، أو في الأجل لعظم ثوابه و كثرة أجره، أو يكون مثلها في المشقّة على البدن و استواء الأجرو الثّواب عليه. (الطّبَريّ1: 526)

الماوَرْديّ: يكون تأويل الآية: ما نغيّر من حكم آية فنبدّله، أو نتركه فلا نبدّله، نأت بخير لكم أيّها المؤمنون حكما منها: إمّا بالتّخفيف في العاجل، كالّذي كان من نسخ قيام اللّيل تخفيفًا، و إمّا بالنّفع بكثرة

ص: 447

الثّواب في الآجل، كالّذي كان من نسخ صيام أيّام معدودات بشهر رمضان. (1: 171)

الطُّوسيّ: المعنى:قيل: فيه قولان:

أحدهما: ]قول ابن عبّاس وقد تقدّم]

و الوجه الثّاني: بخير منها في الوقت الثّاني، أي هي لكم خير من الأُولى في باب المصلحة، أو مثلها في ذلك. و هو قول الحسَن. و هذا الوجه أقوى، و تقديره: كأنّ الآية الأُولى في الوقت الثّاني في الدّعاء إلى الطّاعة، و الزّجر عن المعصية، مثل الآية الأُولى في وقتها. فيكون اللّطف بالثّانية، كاللّطف بالأُولى، إلا أنّه في الوقت الثّاني يسهل بها دون الأُولى. [ثمّ بيّن معنى النّسيان و جواز نسخ القرآن بالسُّنّة و أضاف:]

و قوله: { نَاْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا } لايدلّ على أنّ السُّنّة خير من القرآن، لأنّ المراد بذلك نأت بخير منها في باب المصلحة. على أنّ قوله:{ نَاْتِ بِخَيْرٍمِنْهَا } فمن أين أنّ ذلك الخير((1)

)يكون ناسخا ، فلامتعلّق في الآية يمنع من ذلك، و الأولى جوازه.

على أنّ هذا و إن كان جائزا ، فعندنا أنّه لم يقع، لأ نّه لاشيء من ظواهر القرآن يمكن أن يُدّعى أنّه منسوخ بالسُّنّة إجماعا ، و لابدليل يوجب العلم. و أعيان المسائل فيها خلاف، نذكر ما عندنا فيه إذا مررنا بتأويل ذلك. (1: 397)

الواحديّ: أصلح لمن تُعبّربها، وأنفع لها، و أسهل عليهم، و أكثر لأجرهم، لا أنّ آيةً خيرٌ من آية، { اَوْ مِثْلِهَا } في المنفعة و المثوبة، بأن يكون ثوابها كثواب الّتي قبلها. (1: 190)

نحوه البغَويّ. (1: 154)

الزّمَخْشَريّ: نأت بآية خير منها للعباد، أي بآية العمل بها أكثر للثّواب. (1: 303)

نحوه البَيْضاويّ (1: 75)، و النّسَفيّ(1: 68).

ابن عَطيّة: لفظة { خَيْرٍ } في الآية صفة تفضيل، و المعنى: بأنفع لكم أيّها النّاس في عاجل، إن كانت النّاسخة أخفّ، و في آجل، إن كانت أثقل، و بمثلها، إن كانت مستوية. و قال قوم: ( خَيْر ) في الآية مصدر، و( مِنْ) لابتداء الغاية.

و يقلق هذا القول لقوله تعالى: { اَوْ مِثْلِهَا} إلا أن يُعطف <المثل> على الضّمير في {مِنْهَا} دون إعادة حرف الجرّ وذلك معترض. (1: 194)

الفَخْرالرّازيّ: أمّا قوله تعالى: { نَاْتِ بِخَيْر مِنْهَا اَوْ مِثْلِهَا } ففيه قولان:

أحدهما: أنّه الأخفّ، و الثّاني: أنّه الأصلح. و هذا أولى، لأ نّه تعالى يصرف المكلّف على مصالحه لاعلى ما هو أخفّ على طباعه.

فإن قيل: لو كان الثّاني أصلح من الأوّل لكان الأوّل ناقص الصّلاح فكيف أمر الله به؟

قلنا: الأوّ ل أصلح من الثّاني بالنّسبة إلى الوقت الأوّل، و الثّاني بالعكس منه، فزال السّؤال. (3: 231)

القُرطُبيّ: لفظة { بِخَيْر } هنا صفة تفضيل، و المعنى: بأنفع لكم أيّها النّاس في عاجل، إن كانت النّاسخة أخفّ، و في آجل، إن كانت أثقل، و بمثلها، إن

ص: 448


1- (1) في الأصل: الخبر!!.

كانت مستوية. و قال مالك: محكمة مكان منسوخة. و قيل: ليس المراد بأخْيَر التّفضيل، لأنّ كلام الله لايتفاضل، و إنمّا هو مثل قوله: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } النّمل: 89، أي فله منها خير، أي نفع و أجر، لا الخير الّذي هو بمعنى الأفضل، و يدلّ على القول الأوّل قوله: { اَوْ مِثْلِهَا }. (2: 68)

أبوحَيّان: الظّاهر أنّ <خيرًا> هنا أفعل التّفضيل، و الخيريّة ظاهرة، لأنّ المأتيّ به،إن كان أخفّ من المنسوخ أو المنسوء، فخيريّته بالنّسبة لسقوط أعباء التّكليف، و إن كان أثقل، فخيريّته بالنّسبة لزيادة الثّواب. { اَوْمِثْلِهَا } أو مساو لها في التّكليف و الثّواب و ذلك كنسخ التّوجّه إلىبيت المقدس بالتّوجّه إلى الكعبة.

و ذهب قوم إلى أنّ <خيرا > هنا ليس بأفعل التّفضيل، و إنّما هو خير من الخيور ك{ خَيْر } في قوله: { اَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِنْ خَيْر مِنْ رَبِّكُمْ } البقرة: 105، فهو عندهم مصدر، و (مِنْ) لابتداء الغاية. و يصير المعنى: أنّه ما ننسخ من آية أو نؤخّرها، نأت بخير من الخيور من جهة المنسوخ أو المنسوء. لكن يبعِّد هذا المعنى قوله: { اَوْ مِثْلِهَا }، فإنّه لايصحّ عطفه على قوله:{ بِخَيْر } على هذا المعنى، إلا أن أُطلق الخير على عدم التّكليف، فيكون المعنى: نأت بخير من الخيور، و هو عدم التّكليف، أو نأت بمثل المنسوخ أو المنسوء، فكأ نّه يقول: ما ننسخ من آية أو نؤخّرها، فإلى غير بدل، أو إلى بدل مماثل، و الّذي إلى غير بدل هو خير أتاكم من جهة الآية المنسوخة أو المنسوءة؛ إذ هو راحتكم من التّكاليف.

و أمّا عطف { مِثْلِهَا } على الضّمير المجرور في { مِنْهَا } فيضعف، لعدم إعادة الجارّ. (1: 344)

الشِّربينيّ: أي بما هو أنفع لكم و أسهل عليكم و أكثر لأجركم، و إن كان كلام الله كلّه خيرا . (1: 84)

أبوالسُّعود: أي نوع آخر هو خير للعباد،

و بحسب الحال في النّفع و الثّواب من الذّاهبة.

(1: 179)

الكاشانيّ : بما هوأعظم لثوابكم ، و أجلّ لصلاحكم . (1: 161)

نحوه شُبّر. (1: 133)

البُرُوسَويّ: أي بآية هي خير { مِنْهَا } للعباد، بحسب الحال في النّفع و الثّواب من الذّاهبة. و ليس المقصود أنّ آية خير من آية، لأنّ كلام الله واحد وكلّه خير، فلايتفاضل بعض الآيات على بعض في أنفسها، من حيث إنّه كلام الله و وحيه وكتابه، بل التّفاضل فيها إنّما هو بحسب ما يحصل منها للعباد. (1: 201)

الآلوسيّ: { نَاْتِ بِخَيْر مِنْهَا } أي بشيء هو خير للعباد منها،{ اَوْ مِثْلِهَا} حكما كان ذلك أو عدمه، وحيا متلوا أو غيره. و الخيريّة: أعمّ من أن تكون في النّفع فقط أو في الثّواب فقط أو في كليهما.

(1: 353)

ابن عاشور: ..و قد أجملت جهة الخيريّة و المثليّة، لتذهب نفس السّامع كلّ مذهب ممكن فتجده مرادًا؛ إذ الخيريّة تكون من حيث الاشتمال على ما يناسب مصلحة النّاس، أو ما يدفع عنهم مضرّة، أو ما

ص: 449

فيه جلب عواقب حميدة، أو ما فيه ثواب جزيل، أو ما فيه رفق بالمكلّفين و رحمة بهم في مواضع الشّدّة، و إن كان حملهم على الشّدّة قد يكون أكثر مصلحة.

(1: 641)

الطَّباطَبائيّ: و الدّليل على أنّ المراد: بيان أنّالتّصرّف الإلهيّ يكون دائما على الكمال و المصلحة، هو قوله:{ بِخَيْر مِنْهَا اَوْ مِثْلِهَا }، فإنّ الخيريّة إنّما يكون في كمال شيء موجود، أو مصلحة حكم مجعول، ففي ذلك يكون موجود مماثلا لآخر في الخيريّة، أو أزيد منه في ذلك،فافهم. (1: 254)

الصّابونيّ : قوله تعالى : { نَاْتِ بِخَيْر مِنْهَا اَوْ مِثْلِهَا} المراد بالخير هنا: الأفضليّة، يعني في السّهولة و الخفّة. و ليس المراد الأفضليّة في التّلاوة و النّظم، لأنّ كلام الله تعالى لايتفاضل بعضه عن بعض، إذ كلّه معجز، و هو كلام ربّ العالمين. (1: 98)

6 وَ اَ قيمُوا الصَّلوةَ وَ

اتُوا ’الزَّكوةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لاَ ‚نْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ اِ نَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرٌ‘. البقرة:110

ابن عبّاس: من عمل صالح، و زكاة و صدقة.

(16)

نحوه البغَويّ. (1 :155)

الطّبَريّ: و الخير هو العمل الّذي يرضاه الله.

(1: 538)

نحوه الطُّوسيّ. (1: 409)

الزّمَخْشَريّ: من حسنة صلاة، أو صدقة، أو غيرهما. (1: 304)

نحوه البَيْضاويّ (1: 76 )، و النّسَفيّ (1: 68)، و أبو السُّعود (1: 183)،

الكاشانيّ:كصلاة و مال تنفقونه في طاعة الله، أو جاه تبذلونه لإخوانكم المؤمنين، تجرّون به إليهم المنافع، و تدفعون به المضارّ. (1: 163)

البُرُوسَويّ: إنّ الخير يتناول أعمال البِرّ كلّها، إلا أنّه تعالى خص من بينها إقامة الصّلاة و إيتاء الزّكاة بالذّكر، تنبيها على عظم شأنهما و علوّ قدرهما عند الله تعالى، فإنّ الصّلاة قربة بدنيّة، ليكون عمل كلّ عضو شكرا لما أنعم الله عليه في ذلك، و الزّكاة قربة ماليّة، ليكون شكرا للأغنياء الّذين فضّلهم الله في الدّنيا بالاستمتاع بلذيذ العيش، بسبب سعتهم في صنوف الأعمال. (1: 204)

مَغْنِيّة: التّرغيب في الخير بوجه العموم. (1: 175)

7 اَيَّاما مَعْدُودَات فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَريضًا اَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّ ةٌ مِنْ اَيَّامٍ اُخَرَ وَعَلَى الَّذينَ‘ يُطيقُونَهُ فِدْ يَةٌ طَعَامُ مِسْكين‘ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَاَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. البقرة:184

ابن عبّاس: { فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرا } زاد على منَوَين { فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } بالثّواب { وَ اَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ }من الفدية.

(25)

زاد في الصّدقة على الواحد. (الواحديّ1: 275)

{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} المراد: من أطعم مسكينين فصاعدا .

ص: 450

مثله طاووس و عطاء و السُّدّيّ.

(ابن عَطيّة 1: 253)مُجاهِد: من زاد في الإطعام على مُدّ.

(ابن عَطيّة 1: 253)

أطعم المسكين الواحد أكثر من قدر الكفاية، حتّى يزيده على نصف صاع. (الطَّبْرِسيّ1: 181)

الحسَن: معناه: من عمل بِرًّا في جميع الدّين فهو خير له. (الطَّبْرِسيّ1: 274)

الزُّهريّ : من زاد الإطعام على الصّوم.

(ابن عَطيّة 1: 253)

من صام مع الفدية. (الطَّبْرِسيّ1: 274)

الثّعلبيّ: من الإفطار و الفدية. (2: 65)

نحوه الشِّربينيّ. (1: 119)

الواحديّ: { وَ اَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ } أي الصّوم خير لكم من الإفطار و الفدية، و هذا إنّما كان خيرا لهم قبل النّسخ و بعد النّسخ، لايجوزأن يقال: الصّوم خير من الإفطار و الفدية. (1: 275)

الزّمَخْشَريّ: { فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرا } فزاد على مقدار الفدية{ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } فالتّطوّع أخير له أو الخير((1))...{

خَيْرٌ لَكُمْ } من الفدية وتطوّع الخير.

(1: 335)

نحوه البَيْضاويّ: (1: 101)، و النّسَفيّ (1: 94)، و أبو السُّعود(1: 242)، و شُبّر(1: 187).

ابن عَطيّة : [نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]

{ خَيْرٌ } الثّاني صفة تفضيل، وكذلك الثّالث، و { خَيْرٌ } الأوّل قد نزل منزلة مالا أو نفعا . و قرأ أُبيّ ابن كعب (وَ الصَّوْمُ خَيْرٌ لَكُمْ) بدل{ وَ اَنْ تَصُومُوا }.

(1: 253)

الطَّبْرِسيّ: و يُجمع بين القولين [قول طاووس ومُجاهِد] قول ابن عبّاس: من التّطوّع بزيادة الإطعام: ... و قوله:{ وَ اَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } أي وصومكم خير لكم من الإفطار و الفدية، وكان هذا مع جواز الفدية، فأمّا بعد النّسخ فلايجوز أن يقال: الصّوم خير من الفدية، مع أنّ الإفطار لايجوز أصلا .

و قيل: معناه الصّوم خير لمطيقه، و أفضل ثوابا من التّكفير لمن أفطر بالعجز. (1: 274)

البُرُوسَويّ: أي من تبرّع بخير فزاد في الفدية، أو تطوّع تطوّعا خيرا { فهو } أي التّطوّع { خَيْرٌ لَهُ }.

و ذكر في الخير المتطوّع ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يزيد على مسكين واحد، فيطعم مكان كلّ يوم مسكينين أو أكثر.

و ثانيها: أن يطعم المسكين الواحد أكثر من القدر الواجب.

و ثالثها: أن يصوم مع الفدية فهو خير كلّه.

(1: 290)

الآلوسيّ: [نقل بعض الأقوال و أضاف:]

{ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } أي التّطوّع أو الخير الّذيتطوّعه. و جعل بعضهم الخير الأوّل مصدرخِرْت يارجل و أنت خائر،أي حسَن، و الخير الثّاني أسم تفضيل، فيفيد الحمل أيضا بلامرية. و إرجاع الضّمير إلى (مَنْ) أي

ص: 451


1- (1) الظّاهر: أو الخير ، خير له.

فالمتطوّع خير من غيره لأجل التّطوّع، لايخفى بعده.

(2: 59)

ابن عاشور : والخير مصدرخارَ إذا حسُن و شرُف، و هو منصوب لتضمين { تَطَوَّعَ } معنى <أتى>، أو يكون { خَيْرا } صفةً لمصدر محذوف، أي تطوّعا خيرا .

و لاشكّ أنّ الخير هنا متطوّع به، فهو الزّيادة من الأمر الّذي الكلام بصدده و هو الإطعام لامحالة، و ذلك إطعام غير ...و عن مُجاهِد : مَن زاد في الإطعام على المُدّ، و هو بعيد؛ إذ ليس المُدّ مصرّحا به في الآية، و قد أطعم أنس بن مالك خبزا و لحما عن كلّ يوم أفطره حين شاخ.

و { خَيْرٌ } الثّاني في قوله :{ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ } يجوز أن يكون مصدرا كالأوّل و يكون المراد به خيرا آخر، أي خير الآخرة. و يجوز أن يكون خير الثّاني تفضيلا أي فالتّطوّع بالزّيادة أفضل من تركها، و حذف المفضّل عليه لظهوره . (2: 166)

مَغْنِيّة: أي من زاد في الإطعام على مسكين واحد، أوأطعم المسكين الواحد أكثر من القدر الواجب فهو خير، و له الخيار في أن يدعو المسكين المحتاج، فيطعمه حتّى يشبع، أو يُعطيه من الدّقيق والحبوب الّتي يأكل منها أكثر من 800 غرام بقليل. و يجوز أن يُعطيه الثّمن دراهم على شريطة أن يقول له: اجعله ثمن وجبة من الطّعام. (1: 283)

راجع: ط و ع : <تطوّع>.

8 كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَ عَسىاَنْ تَكْرَهُوا شَيًْا =وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى اَنْ تُحِبُّواشَيًْا= وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللهُ يَعْلَمُ وَ اَ نْتُمْ لاتَعْلَمُونَ. البقرة: 216

ابن عبّاس: تصيبون الشّهادة والغنيمة. (29)

نحوه الطّبَريّ(2: 358)، و الواحديّ (1: 319)، و النّسَفيّ (1: 107).

الزّجّاج: يعني به ها هنا القتال، فمعنى الخير فيه، أنّ من قُتل فهو شهيد، و هذا غاية الخير، و هو إن قتَل مُثاب أيضا وهادم أمر الكُفر، و هو مع ذلك يغنم. و جائز أن يستدعي دخول من يقاتله في الإسلام، لأنّ أمر قتال أهل الإسلام كلّه كان من الدّلالات الّتي تثبت أمر النّبوّة و الإسلام، لأنّ الله أخبر أنّه ينصر دينه، ثمّ أبان النّصر بأنّ العدد القليل يغلب العدد الكثير. فهذا ما في القتال من الخير الّذي كانوا كرهوا.

(1: 289)

ابن عَطيّة: في أنّكم تغلبون و تظهرون و تغنمون و تُؤجَرون، و من مات مات شهيدًا. (1: 289)

نحوه القُرطُبيّ. (3: 39)البَيْضاويّ: و هو جميع ماكُلّفوا به، فإنّ الطّبع يكرهه، و هو مناط صلاحكم و سبب فلاحهم.

(1: 114)

نحوه الشِّربينيّ (1: 140)،و شُبّر (1: 216).

9 وَ يَسَْلُو=نَكَ عَنِ الْيَتَامى قُلْ اِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ اِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَاِخْوَانُكُمْ وَ اللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللهَُ لا َعْنَتَكُمْ اِنَّ اللهَ عَزيزٌ‘ حَكيمٌ‘.

البقرة:220

ص: 452

ابن عبّاس: من ترك مخالطتهم. (30)

السُّدّيّ: يُصلح له ماله و أمره له خير، و إن يخالطه فيأكل معه و يُطعمه، و يركب راحلته و يحمله، و يستخدم خادمه و يخدمه، فهو أجود.

(الطّبَريّ2: 384)

ابن قُتَيْبَة: أي تثمير أموالهم، و التّنزّه عن أكلها لمن وليها خير. (83)

الواحديّ: يعني الإصلاح لأموالهم من غير أُجرة و لاأخذ عون منهم خير، و أعظم أجرا . (1: 326)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (1: 317)

الزّمَخْشَريّ: أي مداخلتهم على وجه الإصلاح لهم و لأموالهم خير من مجانبتهم. (1: 360)

نحوه البَيْضاويّ (1: 116)، و الشِّربينيّ (1: 143)، و شُبّر(1: 221).

10 وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ وَ لاَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَة وَ لَوْ اَعْجَبَتْكُمْ وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكينَ‘ حَتّى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِك...

البقرة:221

ابن عبّاس: { وَ لاَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَة } من نكاح حرّة مشرك{ وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِك } من تزويجكم لحرّ مشرك. (30)

الطّبَريّ: يعني تعالى ذكره بقوله: { وَ لاَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ} بالله و برسوله و بما جاء به من عند الله، خير عند الله و أفضل من حرّة مشركة كافرة، و إن شرُف نسبها و كرُم أصلها. يقول: و لاتبتغوا المناكح في ذوات الشّرف من أهل الشّرك بالله، فإنّ الإماء المسلمات عند الله خير مَنْكحًا منهنّ.

{ وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِك } يعني تعالى ذكره بذلك، أن الله قد حرّم على المؤمنات أن ينكحن مشركًا كائنًا من كان المشرك، و من أيّ أصناف الشّرك كان، فلاتنكحوهنّ أيّها المؤمنون منهم، فإنّ ذلك حرام عليكم، و لأن تزوّجوهنّ من عبد مؤمن مصدّق بالله و برسوله و بما جاء به من عند الله، خير لكم من أن تزوّجوهنّ من حرّ مشرك، و لو شرُف نسبه وكرُم أصله، و إن أعجبكم حسبه و نسبه. (2: 390)

الطَّبْرِسيّ: { وَ لاَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ } معناه مملوكة مصدّ قة مسلمة خير من حرّة مشركة.

{ وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِك } أي عبد مصدّق مسلم خير من حرّ مشرك و لوأعجبكم. (1: 318)11 اِنْ تُبْدُوا الصَّدَ قَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَ اِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّا تِكُمْ وَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ. البقرة:271

ابن عبّاس: من العلانية. (39)

الإمام الصّادق(علیه السلام): كلّ ما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من إسراره، و كلّ ما كان تطوّعا فإسراره أفضل من إعلانه، و لو أنّ رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه، فقسّمها علانية، كان ذلك حسنا جميلا . (شُبّر1: 276)

الطّبَريّ:يقول: فإخفاؤكم إيّاها خير لكم من إعلانها؛ و ذلك في صدقة التّطوّع. (3: 92)

ص: 453

الزّمَخْشَريّ: فالإخفاء خير لكم. (1: 397)

نحوه ابن عَطيّة(1: 366)، و الطَّبْرِسيّ (1: 384)، و القُرطُبيّ(3: 335)، و الآلوسيّ( 3: 44).

الفَخْرالرّازيّ: [نقل معنى الإخفاء و الإبداءثمّ قال:]

فإن قيل: إن كان الأمر على ما ذكرتم فلِمَ رجّح الإخفاء على الإظهار في قوله: { وَ اِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }.

و الجواب من وجهين:

الأوّل: لانسلّم قوله:{ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } يفيد التّرجيح، فإنّه يحتمل أن يكون المعنى أنّ إعطاء الصّدقة حال الإخفاء خير من الخيرات، و طاعة من جملة الطّاعات، فيكون المراد منه بيان كونه في نفسه خيرا و طاعة، لا أن ّالمقصود منه بيان التّرجيح.

و الوجه الثّاني: سلّمنا أنّ المراد منه التّرجيح، لكنّ المراد من الآية أنّه إذا كانت الحال واحدة في الإبداء و الإخفاء، فالأفضل هو الإخفاء. فأمّا إذا حصل في الإبداء أمر آخر لم يبعد ترجيح الإبداء على الإخفاء.

(7: 79)

البَيْضاويّ: فالإخفاء خير لكم، و هذا في التّطوّع و لمن لم يعرف بالمال، فإنّ إبداء الفرض لغيره أفضل لنفي التّهمة عنه. (1: 140)

نحوه الشِّربينيّ(1: 181)، و أبو السُّعود(1: 313)، و البُرُوسَويّ (1: 433).

النّسَفيّ: فالإخفاء خير لكم، قالوا: المراد: صدقات التّطوّع، و الجهر في الفرائض أفضل لنفي التّهمة، حتّى إذا كان المزكّى ممّن لايُعرَف باليسار كان إخفاؤه أفضل، و المتطوّع إن أراد أن يقتدي به كان إظهاره أفضل. (1: 136)

12 لَيْسَ عَلَيْكَ هُديهُمْ ’ وَ لكِنَّ ’اللهَ يَهْدى‘ مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر فَلاَ‚ نْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ اِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر يُوَفَّ اِلَيْكُمْ وَ اَنْتُمْ لاتُظْلَمُونَ . البقرة: 272

ابن عبّاس: من مال على فقراء أصحاب الصُّفّة.

(39)نحوه مُقاتِل (1: 225)، و الزّمَخْشَريّ.(1: 397)، و النّسَفيّ (1: 136)، و شُبّر (1: 276).

ابن عَطيّة: الخير في هذه الآية: المال، لأ نّه اقترن بذكر الإنفاق، فهذه القرينة تدلّ على أ نّه المال، و متى لم يقترن بما يدلّ على أنّه المال، فلايلزم أن يكون بمعنى المال، نحو قوله تعالى: { خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا } الفرقان: 24، و قوله تعالى: { مِثْقَالَ ذَرَّ ة خَيْرًا يَرَهُ } الزّلزال:7، إلى غير ذلك. و هذا الّذي قلناه تحرّز من قول عِكْرِمَة كلّ خير في كتاب الله فهو المال. (1: 368)

نحوه القُرطُبيّ. (3: 339)

الفَخْرالرّازيّ: فالمعنى وكلّ نفقة تنفقونها من نفقات الخير فإنّما هو لأنفسكم، أي ليحصل لأنفسكم ثوابه، فليس يضرّكم كفرهم. (7: 83)

البَيْضاويّ: من نفقة معروفة. (1: 141)

13 وَ اِنْ كَانَ ذُو عُسْرَة فَنَظِرَ ةٌ اِلى مَيْسَرَة وَ اَنْ

ص: 454

تَصَدَّ قُوا خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. البقرة: 280

النّخعيّ: أن تصدّقوا برؤوس أموالكم.

نحوه الضّحّاك، و قَتادَة، و السُّدّيّ، و الرّبيع.

(الطّبَريّ3 : 113)

الضّحّاك : يعني على المُعسر، فأمّا الموسر فلا، ولكن يؤخذ منه رأس المال، و المُعسر الأخذ منه حلال، و الصّدقة عليه أفضل. (الطّبَريّ 3 : 114)

الطّبَريّ: و اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك:

فقال بعضهم: معنى ذلك: و أن تصدّقوا برؤوس أموالكم على الغنيّ و الفقير منهم، خير لكم.

و قال آخرون: معنى ذلك: و أن تصدّقوا به على المعسر خير لكم، نحو ما قلنا في ذلك.

و أولى التّأويلين بالصّواب تأويل من قال: معناه: و أن تصدّ قوا على المعسر برؤوس أموالكم، خير لكم، لأ نّه يلي ذكر حكمه في المعنيين. و إلحاقه بالّذي يليه، أحبّ إليّ من إلحاقه بالّذي بَعُد منه. (3 : 113)

الواحديّ: أعلم الله تعالى أنّ الصّدقة برأس المال على المعسر خير و أفضل من انتظار يسره. (1: 399)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (1: 393)

الفَخْرالرّازيّ: المراد بالخير: حصول الثّناء الجميل في الدّنيا، و الثّواب الجزيل في الآخرة.

(7: 111)

البَيْضاويّ:أكثر ثوابا من الإنظار، أو خير ممّا تأخذونه لمضاعفة ثوابه و دوامه. (1: 143)

نحوه شُبّر

(1: 282)

14 قُلْ اَؤُنَبِّئُُكُمْ بِخَيْر مِنْ ذلِكُمْ’ للَِّذين‘ ا تَّقَوْا عِنْدَ رَ بِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرى‘ مِنْ تَحْتِهَا الاَ نْهَارُ خَالِدينَ‘ فيهَا‘ وَاَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ وَ اللهُ بَصيرٌ‘ بِالْعِبَادِ.

آل عمران: 15

ابن عبّاس: ممّا ذكرت لكم من زينة الدّنيا.

(44)الطّبَريّ: يعني بخير و أفضل لكم. (3: 205)

الزّجّاج: و أعلم الله جلّ وعزّ أنّ خيرا من جميع ما في الدّنيا ما أعدّه لأوليائه. (1: 384)

الطُّوسيّ : قيل في آخر الاستفهام بقوله : { اَؤُنَبِّئُكُمْ } قولان:

أحدهما : أنّ آخره عند قوله:{ بِخَيْر مِنْ ذ لِكُمْ } ثمّ استأنف { لِلَّّذينَ‘ ا تَّقَوْا}.

الثّاني: عند قوله:{ عِنْدَ رَبِّهِمْ } ثمّ استأنف { جَنَّاتٌ } على تقدير الجواب، كأنّه قيل: ما هو ذلك الخير، فقيل هو جنّات. و مثله: { قُلْ اَفَاُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمْ’ النَّارُ }الحجّ:72،أي هي النّار. (2: 413)

الطَّبْرِسيّ: بأنفع لكم ممّا سبق ذكره في الآية المتقدّمة، من شهوات الدّنيا ولذّاتها و زهراتها.

(1: 418)

البَيْضاويّ: يريد به تقرير أنّ ثواب الله تعالى خير من مستلذّات الدّنيا. (1: 151)

نحوه البُرُوسَويّ (2: 10)، و الآلوسيّ( 3: 100).

أبوالسُّعود: إثر ما بين شأن مزخرفات الدّنيا،

و ذكر ما عنده تعالى من حسن المآب إجمالا ، أمر النّبيّ بتفاصيل ذلك المجمل للنّاس مبالغةً في التّرغيب.

ص: 455

و الخطاب للجميع، والهمزة للتقرير، أي أ أُخبركم بما هو خير ممّا فصّل من تلك المستلذّات المزيّنة لكم؟ و إبهام الخير لتفخيم شأنه و التّشويق إليه. (1: 345)

15 وَ مَكَرُوا و َمَكَرَ اللهُ وَ اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرينَ‘.

آل عمران:54

ابن عبّاس: أقوى المريدين. و يقال: أفضل الصّانعين. (48)

مُقاتِل: يعني أفضل مكرا منهم. (1: 278)

الواحديّ: أفضل المجازين بالسّيّئة العقوبة.

(1: 441)

الشِّربينيّ: أي أعلمهم به. (1: 219)

شُبّر: أقواهم مكرا ، و أنفذهم كيدا . (1: 327)

نحوه البُرُوسَويّ. (2: 40)

الآلوسيّ: أي أقواهم مكرا و أشدّهم، أو أنّ مكره أحسن و أوقع في محلّه، لبُعده عن الظّلم، فإنّه يبعد المشاكلة. (3 : 179)

ابن عاشور: و معنى { وَ اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرينَ‘ } أي أقواهم عند إرادة مقابلة مكرهم بخذلانه إيّاهم.

و يجوز أن يكون معنى{ خَيْرُ الْمَاكِرينَ‘ } : أنّ الإملاء و الاستدراج الّذي يقدّره للفجّار و الجبابرة و المنافقين، الشّبيه بالمكر، في أ نّه حسَن الظّاهر سيّء العاقبة، هو خير محض لايترتّب عليه إلا الصّلاح العامّ، و إن كان يؤذي شخصا أو أشخاصا ، فهو من هذه الجهة مجرّد عمّا في المكر من القُبح، و لذلك كانت أفعاله تعالى منزّهة عن الوصف بالقبح أو الشّناعة، لأ نّها لاتقارنها الأحوال الّتي بها تقبح بعض أفعالالعباد، من دلالة على سفاهة رأي، أو سوء طويّة، أو جُبن، أو ضُعْف، أو طمَع، أو نحو ذلك، أي فإن كان في المكر قُبْح فمكر الله خير محض، و لك على هذا الوجه أن تجعل { خَيْرُ } بمعنى التّفضيل و بدونه. (3 : 106)

16 كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَ لَوْ امَنَ اَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ

وَ اَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ. آل عمران:110

النّبيّ(صلی الله علیه و آله): أنتم وفيتم سبعين أُمّة، و أنت خيرها و أكرمها على الله. (الواحديّ1: 478)

مُجاهِد: خير النّاس، لأ نّه لم يُؤمر أحد بالقتال غير محمّد (صلی الله علیه و آله)، فأنتم تَسبُون الرّوم و فارس تدخلونهم في دينكم.

مثله عِكْرِمَة. (الواحديّ1: 477)

الفَرّاء: و قوله:{ كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة...} في التّأويل: في اللّوح المحفوظ. و معناه: أنتم خير أُمّة، كقوله: { وَ اذْكُرُوا اِذْ كُنْتُمْ قَليلا ‘ فَكَثَّرَكُمْ } الأعراف: 86، و{ اِذْ اَ نْتُمْ قَليلٌ‘

مُسْتَضْعَفُونَ فِى الاَرْضِ } الأنفال: 26، فإضمار <كان> في مثل هذا، و إظهارها سواء.

(1: 229)

الطّبَريّ: فإن سأل سائل فقال: وكيف قيل: { كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة } و قد زعمت أنّ تأويل الآية: أنّ هذه الأُمّة خير الأُمم الّتي مضت، و إنّما يقال: { كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة } لقوم كانوا خيارًا فتغيّروا عمّا كانوا عليه؟

ص: 456

قيل: إنّ معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إليه، و إنّما معناه: أنتم خير أُمّة، كما قيل:{ و ََاذْكُرُوا اِ ذْ اَنْتُمْ قَليلٌ‘} الأنفال: 26، و قد قال في موضع آخر:{ وَ اذْكُرُوا اِذْ كُنْتُمْ قَليلا‘ فَكَثَّرَكُمْ } الأعراف: 86، فإدخال <كان> في مثل هذا، و إسقاطها بمعنى واحد، لأنّ الكلام معروف معناه. ولو قال أيضا في ذلك قائل:{ كُنْتُمْ } بمعنى التّمام،كان تأويله:خُلقتم خير أُمّة أو وُجِدتم خير أُمّة، كان معنًى صحيحًا. (3: 392)

الزّمَخْشَريّ: كأنّه قيل: وُجِدتم خير أُمّة، و قيل: كنتم في علم الله خير أُمّة، و قيل: كنتم في الأُمم قبلكم مذكورين بأ نّكم خير أُمّة موصوفين به. (1: 454)

ابن عَطيّة: [نقل الأقوال في شأن النّزول ثمّ قال:]

فهذا كلّه قول واحد، مقتضاه: أنّ الآية نزلت في الصّحابة، قيل لهم:{ كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة } فالإشارة بقوله: { اُمَّة } إلى أُمّة محمّد معيّنة، فإنّ هؤلاء هم خيرها.

و قال الحسَن بن أبي الحسن و جماعة من أهل العلم معنى الآية: خطاب الأُمّة بأنّهم خيرأُمّة أُخرجت للنّاس، فلفظ{ اُمَّة } على هذا التّأويل اسم جنس، كأنّه قيل لهم: كنتم خير الأُمم، و يؤيّدهذا التّأويل كونهم شهداء على النّاس، و قول النّبيّ (صلی الله علیه و آله): < نحن الآخرون السّابقون > الحديث . و روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه أنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال يوما و هو مُسنِد ظهره إلى الكعبة:< نحن نكمل يوم القيامة سبعين أُمّة نحن آخرها و خيرها >.

قال مُجاهِد: معنى الآية: كنتم خير النّاس، و قال الحسَن: نحن آخرها و أكرمها على الله تعالى، و قال أبوهريرة: معنى الآية: كنتم للنّاس خير النّاس...

و هذه الخيريّة الّتي فرضها الله لهذه الأُمّة، إنّما يأخذ بحظّه منها مَن عمل هذه الشّروط، من الأمر بالمعروف، و النّهي عن المنكر، و الإيمان بالله. و قوله: { تَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} و ما بعده أحوال في موضع نصب.

ثمّ أخبر تعالى عن أهل الكتاب على جهة التّوبيخ المقرون بالنّصح، أنّهم لو آمنوا لنجّوا أنفسهم من عذاب الله، و جاءت لفظة{ خَيْرَ }في هذه الآية و هي صيغة تفضيل، و لامشاركة بين كفرهم و إيمانهم في الخير، و إنّما جاز ذلك لما في لفظة{ خَيْرَ } من الشّياع و تشعّب الوجوه، و كذلك هي لفظة <أفضل> و <أحبّ> و ما جرى مجراها، و قد بُيّن هذا المعنى في غير هذا الموضع بأوعب من هذا. (1: 489)

الطَّبْرِسيّ: قيل فيه أقوال:

أحدها: أنّ معناه أنتم خير أُمّة، و إنّما قال: { كُنْتُمْ } لتقدّم البشارة لهم في الكتب الماضية، عن الحسَن، و يعضده ما روي عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله) أنّه قال: < أنتم زيّنتم ستّين أُمّة، أنتم خيرها و أكرمها على الله >.

و ثانيها: أنّ المراد كنتم خير أُمّة عند الله في اللّوح المحفوظ، عن الفَرّ اء و الزّجّاج.

و ثالثها: أنّ <كان> هاهنا تامّة، و { خَيْرَ اُمَّة }: نصب على الحال، و معناه: وُجدتم خير أُمّة، و خُلقتم خير أُمّة.

و رابعها: أنّ <كان> مزيدة، دخولها كخروجها، إلا أنّ فيها تأكيدا لوقوع الأمر لامحالة، لأ نّه بمنزلة ما قد

ص: 457

كان في الحقيقة، فهي بمنزلة قوله تعالى: { وَ اذْكُرُوا اِذْ اَنْتُمْ قَليلٌ ‘} الأنفال: 26، و في موضع آخر:{ اِذْ كُنْتُمْ قَليلا ‘ فَكَثَّرَكُمْ } الأعراف : 86 ، و نظيره قوله: { وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحيمًا‘} النّساء:96، لأ نّ مغفرته المستأنفة كالماضية في تحقيق الوقوع.

و خامسها: أنّ <كان> بمعنى صار. [ثمّ استشهد بشعر]

و معناه: صرتم خير أُمّة خُلقت، لأمركم بالمعروف، و نهيكم عن المنكر، و إيمانكم بالله. فتصير هذه الخصال على هذا القول شرطا في كونهم خيرا . و قد روي عن بعض الصّحابة أنّه قال: من أراد أن يكون خير هذه الأُمّة، فليؤدّ شرط الله فيه من الإيمان بالله، و الأمر بالمعروف، و النّهي عن المنكر. (1: 486)الفَخْرالرّازيّ: في النّظم وجهان:

الأوّل: أنّه تعالى لمّا أمر المؤمنين ببعض الأشياء و نهاهم عن بعضها، و حذّرهم من أن يكونوا مثل أهل الكتاب في التّمرّد و العصيان، و ذكر عقيبه ثواب المطيعين و عقاب الكافرين، كان الغرض من كلّ هذه الآيات حمل المؤمنين و المكلّفين على الانقياد و الطّاعة، و منعهم عن التّمرّد و المعصية، ثمّ إنّه تعالى أردف ذلك بطريق آخر يقتضي حمل المؤمنين على الانقياد و الطّاعة، فقال:{ كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة } و المعنى: أنّكم كنتم في اللّوح المحفوظ خير الأُمم و أفضلهم. فاللائق بهذا، أن لاتبطلوا على أنفسكم هذه الفضيلة، و أن لاتزيلوا عن أنفسكم هذه الخَصْلة المحمودة، و أن تكونوا منقادين مطيعين في كلّ ما يتوجّه عليكم من التّكاليف.

الثّاني: أنّ الله تعالى لمّا ذكر كمال حال الأشقياء، و هو قوله { فَاَمَّا الَّذينَ‘ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ }

و كمال حال السُّعداء، و هو قوله: { وَ اَمَّا الَّذينَ‘ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ }آل عمران:106و 107، نبّه على ما هو السّبب لوعيد الأشقياء بقوله:{ و َمَا اللهُ يُريدُ‘ ظُلْما لِلْعَالمَينَ‘ }آل عمران: 108، يعني أنّهم إنّما استحقّوا ذلك بأفعالهم القبيحة، ثمّ نبّه في هذه الآية على ما هو السّبب لوعد السّعداء بقوله:{ كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } أي تلك السّعادات و الكمالات و الكرامات إنّما فازوا بها في الآخرة، لأ نّهم كانوا في الدّنيا{ خَيْرَ اُمَّة اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } (8: 189)

البَيْضاويّ: دلّ على خيريّتهم فيما مضى، و لم يدلّ على انقطاع طرأ، كقوله تعالى: { وَ كَانَ غَفُورا رَحيما } .النّساء: 96، و قيل: كنتم في علم الله أو في اللّوح المحفوظ أو فيما بين الأُمم المتقدّمين. (1: 176)

نحوه شُبّر. (1: 360)

النّسَفيّ: كأنّه قيل: وجدتم خير أُمّة، أو كنتم في علم الله أو في اللّوح خير أُمّة، أو كنتم في الأُمم قبلكم مذكورين، بأنّكم خير أُمّة موصوفين به. (1: 175)

نحوه البُرُوسَويّ. (2: 78)

أبوحَيّان: و قال الحسَن و مُجاهِد و جماعة: الخطاب لجميع الأُمّة، بأنّهم خير الأُمم، و يؤيّد هذا التّأويل كونهم: { شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } و قوله: < نحن الآخرون السّابقون >الحديث[إلى أن قال:]

و قيل: في اللّوح المحفوظ، و قيل: فيما أخبر به

ص: 458

الأُمم قديمًا عنكم. و قيل: هو على الحكاية، و هو متّصل بقوله:{ فَفى‘ رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فيهَا‘خَالِدُونَ } آل عمران: 107، أي فيقال لهم في القيامة:كنتم في الدّنيا خير أُمّة. و هذا قول بعيد من سياق الكلام.

و { خَيْرَ } مضاف للنّكرة، و هي أفعل تفضيل، فيجب إفرادهاو تذكيرها و إن كانت جارية على جمع.و المعنى أنّ الأُمم إذا فضّلوا أُمّة أُمّة،كانت هذه الأُمّة خيرها، و حكم عليهم بأنّهم خير أُمّة، و لم يُبيّن جهة الخيريّة في اللّفظ، و هي: سبقهم إلى الإيمان برسول الله(صلی الله علیه و آله)، و بدارهم إلى نصرته، و نقلهم عنه علم الشّريعة، و افتتاحهم البلاد.و هذه فضائل اختصّوا بها مع مالهم من الفضائل. و كلّ من عمل بعدهم حسنةً فلهم مثل أجرها، لأ نّهم سبب في إيجادها؛ إذ هم الّذين سنّوها، و أوضحواطريقها <من سنّ سُنّة حسنةً، فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة » لاينقص ذلك من أجرهم شيئًا. (3: 28)

ابن عاشور: فعل <كَانَ> يدلّ على وجود ما يُسند إليه في زمن مضى، دون دلالة على استمرار، ولاعلى انقطاع، قال تعالى: { وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحيمًا‘} ‘النّساء:96، أي و ما زال، فمعنى: { كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة } وُجِدتم على حالة الأخيريّة على جميع الأُمم، أي حصلت لكم هذه الأخيريّة بحصول أسبابها و وسائلها، لأ نّهم اتّصفوا بالإيمان و الدّعوة للإسلام، و إقامته على وجهه، و الذّبّ عنه النّقصان و الإضاعة، لتحقّق أنّهم لمّا جُعل ذلك من واجبهم. و قد قام كلّ بما استطاع، فقد تحقّق منهم القيام به، أو قد ظهر منهم العزم على امتثاله، كُلّما سنح سانح يقتضيه، فقد تحقّق أنّهم خير أُمّة على الإجمال، فأخبر عنهم بذلك.

هذا إذا بنينا على كون الأمر في قوله آنفا: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ اِلَى الْخَيْرِ وَيَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } و ما بعده من النّهي في قوله: { وَ لاتَكُونُوا كَالَّذينَ‘ تَفَرَّ قُوا } آل عمران : 104و 105، لم يكن حاصلا عندهم من قبل.

و يجوز أن يكون المعنى:{ كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة } موصوفين بتلك الصّفات فيما مضى، تفعلونها إمّا من تلقاء أنفسكم، حرصًا على إقامة الدّين، و استحسانا و توفيقا من الله في مصادفتكم لمرضاته و مراده، و إمّا بوجوب سابق حاصل من آيات أُخرى مثل قوله: { وَ تَوَاصَْوا بِالْحَقِّ } العصر: 3، و حينئذ فلمّا أمرهم بذلك على سبيل الجزم، أثنى عليهم بأنّهم لم يكونوا تاركيه من قبل. و هذا إذا بنينا على أنّ الأمر في قوله: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ } تأكيدٌ ((1))لما

كانوا يفعلونه، و إعلام بأ نّه واجب، أو بتأكيد وجوبه على الوجوه الّتي قدّمتها عند قوله:{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ}. (3: 188)

حسنين مخلوف: أفاد أنّ هذه الأُمّة خير الأُمم وأنفع النّاس للنّاس، لاتّصافها بما وصفها الله به في هذه الآية. (1: 120)

و قد تقدّم بعض نصوص هذه الآيةفي: أ م م: <اُمَّة > فراجع، و بعضها لانص له.

ص: 459


1- (1) و في الأصل: تأكيدًا !!

17 فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذلِكَ ’لِمَنْ خَشِىَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَ اَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَ اللهُ غَفُورٌ رَحيمٌ‘. النّساء:25

ابن عبّاس: تكون أولادكم أحرارًا. (68)

و أن تصبروا عن الأمة خير لكم. (الطّبَريّ4: 29)

سعيد بن جُبَيْر: عن نكاح الأمة.

نحوه مُجاهِد و العَوْفيّ و قَتادَة.

(الطّبَريّ4: 29)

مُقاتِل: من تزويجهنّ. (1: 368)

الماوَرْديّ: يعني الصّبر عن نكاح الأمَة، لئلا يكون ولده عبدًا. (1: 473)

الزّمَخْشَريّ: أي وصبركم عن نكاح الإماء متعفّفين{ خَيْرٌ لَكُمْ } و عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله): < الحرائر صلاح البيت، و الإماء هلاك البيت >. (1: 521)

نحوه البَيْضاويّ. (1: 215)

الطَّبْرِسيّ: معناه: و صبركم عن نكاح الإماء و عن الزّنا خيرلكم. (2: 34)

شُبّر: من نكاح الإماء، للحوق

العار بالولد، و عدم إصلاحهنّ البيت. (2: 33)

مكارم الشّيرازيّ: أي إنّ صبركم عن التّزوّج بالإماء ما استطعتم، و ما لم تقعوا في الزّنى خير لكم و من مصلحتكم.

(3: 175)

18 . ... قُلْ مَتَاعُ الدُّ نْيَا قَليلٌ‘ وَ الاخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَ لا تُظْلَمُونَ فَتيلا ‘. النّساء:77

ابن عبّاس: أفضل. (75)

مُقاتِل: من الدّنيا، يعني الجنّة أفضل من الدّنيا.

(1: 390)

البُرُوسَويّ : { خَيْرٌ } لكم من ذلك المتاع القليل، لكثرته و عدم انقطاعه و صفائه عن الكدورات، و إنّما قيل: { لِمَنِ اتَّقى } حثًّالهم على اتّقاء العصيان و الإخلاص بمواجب التّكليف...

اعلم أنّ الآخرة خير من الدّنيا، لأنّ نعم الدّنيا قليلة، و نعم الآخرة كثيرة، و نعم الدّنيا منقطعة، و نعم الآخرة مؤبّدة، و نعم الدّنيا مشوبة بالهموم و الغموم و المكاره، و نعم الآخرة صافية عن الكدورات، و نعم الدّنيا مشكوكة، فإنّ أعظم النّاس تنعّما لايعرف أنّه كيف تكون عاقبته في اليوم الثّاني، و نعم الآخرة يقينيّة.

فعلى العاقل أن يختار ما هو خير من كلّ وجه و هو الآخرة، على ما هو شرّ من كلّ جهة و هو الدّنيا.

(2: 240)

19 . ...وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ وَ اُحْضِرَتِ الاَ نْفُسُ الشُّحَّ وَ اِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَاِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبيرًا‘.

النّساء:

128

ابن عبّاس: من الجور و الميل.

(81)

نحوه الزّجّاج. (2: 116)

مُقاتِل: من المفارقة. (1: 412)

الماوَرْديّ: يعني خيرًا من النّشوزوالإعراض، و هو قول بعض البصريّين. (1: 533)

الزّمَخْشَريّ: من الفُرقة، أو من النّشوز و الإعراض، و سوء العشرة. أو هو خير من الخصومة في كلّ شيء. أو الصّلح خير من الخيور، كما أنّ

ص: 460

الخصومة شرّ من الشّرور، و هذه الجملة اعتراض.

(1: 568)

نحوه شُبّر. (1: 109)

البَيْضاويّ: من الفُرقة و سوء العشرة، أو من الخصومة، و لايجوز أن يراد به التّفضيل بل بيانه أنّه من الخيور، كما أنّ الخصومة من الشّرور و هو اعتراض.

(1: 248)

نحوه البُرُوسَويّ. (2 : 296)

20 قَالَ عيسَى ابْنُ مَرْ يَمَ اللهُمَّ\ رَ بَّنَا اَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عيدًا‘ لاَ†وَّ لِنَا وَ اخِرِنَاوَ ايَةً مِنْكَ وَ ارْزُقْنَا وَ اَ نْتَ خَيْرُ الرَّ ازِ قينَ‘. المائدة:114

راجع: رزق: <الرّازقين>.

21 وَاِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاكَاشِفَ لَهُ اِلا هُوَ وَ اِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْر فَهُوَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ‘ . الأنعام:17

الطّبَريّ: يقول: و إن يُصبك بخير، أي برخاء في عيش، و سَعة في الرّزق، وكثرة في المال، فتقرّ أ نّه أصابك بذلك. (5: 160)

الثّعلبيّ:عافية و رخاء و نعمة. (4: 139)

الماوَرْديّ: و في الضُّرّ و الخير وجهان:

أحدهما: أنّ الضُّرّ: السُّقم، و الخير: العافية.

و الثّاني : أنّ الضُّرّ: الفقر، و الخير: الغنى. (2: 99)

الواحديّ: يصبك بغنى و سعة في الرّزق، و صحّة في الجسم. (2: 257)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (2: 281)

البغَويّ: عافية و نعمة. (2: 114)

نحوه القُرطُبيّ. (6: 398)

الزّمَخْشَريّ: من غنى أو صحّة. (2: 9)

نحوه البَيْضاويّ ( 1: 305 )، و النّسَفيّ ( 2: 6 ) ، و أبو السُّعود ( 2: 363 ) ، و البُرُوسَويّ ( 3 : 16 ) ، و الآلوسيّ (7: 112).

22 قَالَ مَا مَنَعَكَ اَلا تَسْجُدَ اِذْ اَمَرْتُكَ قَالَ اَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنى مِنْ نَار وَخَلَقْتَهُ مِنْ طين‘. الأعراف:12

رشيد رضا: أي منعني من ذلك أنّني أنا خير منه، لأ نّك خلقتني من نار و خلقته من طين، و النّار خير من الطّين و أشرف، و لاينبغي للأشرف أن يُكرم مَن دونه و يعظّمه، أي و إن أمره بذلك ربّه. و هذا الجواب يتضمّن ضروبا من الجهل الفاضح، ما أوقع اللّعين فيها إلا حسده و كبره، فإنّهما يُعمِيان البصائر. [ثمّ ذكر ثلاث وجوه وقال:]

الرّابع: الاستدلال على الخيريّة بالمادّة الّتي كان منها التّكوين، و هذا جهل ظاهر من وجوه:

أحدها: أنّ خيريّة الموادّ بعضها على بعض ليس من الحقائق الّتي يمكن إثباتها بالبرهان، و إنّما هي أُمور اعتباريّة تختلف فيها الآراء و الأهواء. و أُصول المخلوقات المختلفة التّركيب عناصر بسيطة قليلة، يُرجَّح أنّها متحوّلة عن أصل واحد، كما يُعلم من فنّ الكيمياء.

ثانيها: أنّ بعض الأشياء النّفيسة أصلها خسيس، فالمسك من الدّم، و جوهر الألماس من الكربون الّذي هو أصل الفحم، و الأقذار الّتي تُعاف من مادّة الطّعام

ص: 461

الّذي يُشتهي و يُحبّ.

ثالثها: أنّ الملائكة خُلقوا من النّور، و هو قد خُلق من مارج من نار، و هو الّلهب المختلط بالدّخان. فما فوقه دخان و ماتحته لهب صاف، فإنّ مادّةالمرج معناها الخلط و الاضطراب، و لاشكّ في أنّ النّور خير من النّار، و النّار الصّافية خير من اللَّهب المختلط بالدّخان، و قد سجد الملائكة المخلوقون من النّور امتثالا لأمر الله تعالى، فكان هو أولى، بل أولى بأن يقال له: أولى لك فأولى.

الخامس: إذا سلّمنا جدلا أنّ خيريّة الشّيىء ليست في ذاته و صفاته الخاصّة الّتي تفصلها عن غيرها من مقوّمات نوعه و مشخّصات نفسه و صفاته الّتي يمتاز بها عن غيره، و إنّما هي تابعة للمادّة الّتي هي أصل جنسه، فلانسلّم أنّ النّار خير من الطّين، فإنّ جميع الأحياء النّباتيّة و الحيوانيّة في هذه الأرض مخلوقة من الطّين بالذّات أو بالواسطة، و هي خير ما فيها بكلّ نوع من أنواع الاعتبارات الّتي تعرفها العقول، و ليس للنّار أو لمارجِها: مثل هذه المزايا، و لامايقرب منها.

السّادس: أنّ اللّعين غفل عمّا خصّ الله به آدم من خلقه بيده، و النّفخ فيه من روحه، و جعل استعداده العلميّ فوق استعداد غيره من خلقه، و من تشريفه بأمر الملائكة بالسّجود له، و جعله بتلك المزايا أفضل من أُولئك الملائكة، و هم أفضل من إبليس بعنصر الخلقة و بالطّاعة.

فهذه أُصول الجهل و الغباوة الّتي أوقع إبليس فيها حسَده لآدم، و استكباره عن طاعة الله بالسّجود له. و أنت ترى أنّ أولياءه و نظراءه من شياطين الإنس مرتكسون فيها كلّها، و العياذ بالله تعالى. قال قَتادَة: حسَد عدوّ الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة، و قال: أنا ناريّ و هذا طينيّ، فكان بدء الذّنوب الكبر، و استكبر عدوّ الله أن يسجد لآدم، فأهلكه الله بكبره و حسده. (8 : 330)

لاحظ: خ ل ق: <خلَقْتَنى‘>.

23 وَ اِلى مَدْ يَنَ اَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ اِله غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْبَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَاَوْ فُوا الْكَيْلَ وَالْميزَ انَ وَ لاتَبْخَسُوا النَّاسَ اَشْيَاءَهُمْ وَ لا تُفْسِدُوا فِى الاَرْضِ بَعْدَ اِصْلاحِهَا ذلِكُمْ ’خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ.‘ الأعراف: 85

مُقاتِل: يقول وفاء الكيل و الميزان خير لكم من النّقصان. (2: 48)

الطّبَريّ: هذا الّذي ذكرت لكم و أمرتكم به من إخلاص العبادة لله وحده لاشريك له، و إيفاء النّاس حقوقهم من الكيل و الوزن، و ترك الفساد في الأرض، { خَيْرٌ لَكُمْ } في عاجل دنياكم و آجل آخرتكم عند الله يوم القيامة. (5: 543)

الطُّوسيّ: { ذلِكُمْ ’} إشارة لقومه إلى ما أمرهم به و نهاهم عنه، بأنّ امتثاله و الانتهاء إليه خير لهم وأعوَد عليهم إن كانوا مؤمنين مصدّقين بالله، و إنمّا علّق خيريّته بالإيمان و إن كان هو خيرًا على كلّ حال، من حيث إنّ من لايكون مؤمنا بالله، و عارفا

ص: 462

بنبيّه لم يمكنه أن يعلم أنّ ذلك خير له، و كأ نّه قال لهم:كونوا مؤمنين لتعلموا أنّ ذلك خير لكم. (4: 493)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (2: 447)

الزّمَخْشَريّ: { ذلِكُمْ ’}إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل و الميزان، و ترك البخس و الإفساد في الأرض، أو إلى العمل بما أمرهم و نهاهم عنه، و معنى { خَيْرٌ لَكُمْ } يعني في الإنسانيّة و حسن الأُحدوثة و ما تطلبونه من التّكسّب و التّربّح، لأنّ النّاس أرغب في متاجرتكم إذا عرفوا منكم الأمانة و السّويّة. (2: 94)

نحوه أبوالسُّعود. (2: 516)

ابن عَطيّة: أي نافع عند الله، مُكسِب

فوزه و رضوانه بشرط الإيمان و التّوحيد، و إلا فلاينفع عمل دون إيمان . (2: 426)

الفَخْرالرّازيّ: و المعنى: خير لكم في الآخرة إن كنتم مؤمنين بالآخرة، و المراد: أُترك البخس((1))، و ترك الإفساد خير لكم في طلب المال في المعنى، لأنّ النّاس إذا علموا منكم الوفاء و الصّدق و الأمانة، رغبوا في المعاملات معكم، فكثرت أموالكم. (14: 174)

البَيْضاويّ: إشارة إلى العمل بما أمرهم به و نهاهم عنه. و معنى الخيريّة إمّا الزّيادة مطلقا ، أو في الإنسانيّة و حسن الأُحدوثة و جمع المال. (1: 358)

نحوه القاسميّ. (7: 2811)

النّسَفيّ: في الإنسانيّة و حسن الأُحدوثة.

(2 :64)

أبوحَيّان: الإشارة إلى إيفاء الكيل والميزان، وترك البخس والإفساد، و{ خَيْرٌ } أفعل التّفضيل، أي من التّطفيف والبخس والإفساد، لأنّ خيريّة هذه لكم عاجلة جدًّا منقضية عن قريب منكم؛ إذ يقطع النّاس معاملتكم ويحذرونكم، فإذا أوفيتم وتركتم البخس والإفساد جَمُلت سيرتكم، وحسنت الأُحدوثة عنكم، وقصدكما النّاسبالتّجارات والمكاسب، فيكون ذلك أخيَر ممّا كنتم تفعلون لديمومة التّجارة و الأرباح بالعدل في المعاملات، والتّحلّي بالأمانات.

و قيل: { ذلِكُمْ }إشارة إلى الإيمان الّذي تضمّنه قوله: { اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ اِ لهٍ غَيْرُ هُ} و إلى ترك البخس في الكيل و الميزان، و قيل: {خَيْرٌ } هنا ليست على بابها من التّفضيل، ولذلك فسّره ابن عَطية بقوله: أي ذاك نافع عند الله مكسب فوزه ورضوانه. (4: 337)

البُرُوسَويّ: { خَيْرٌ لَكُمْ } من التّطفيف و البخس و الإفساد. و قيل: { خَيْرٌ } هاهنا ليس على بابه من التّفضيل، بل بمعنى نافع عند الله. (3: 201)

شُبّر: أي الّذي أمرتكم به و نهيتم عنه. قوله تعالى: { خَيْرٌلَكُمْ } أعود عليكم، لأ نّه إذا عُرِفتم بالنّصفة و الأمانة رغب النّاس في متاجرتكم.

(2 :387)

الآلوسيّ: إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل و الميزان و ترك البخس و الإفساد، أو إلى العمل بما أمرهم به و نهاهم عنه، و أيًّا ما كان، فإفراد اسم الإشارة و تذكيره ظاهر.

و معنى الخيريّة :إمّا الزّيادة مطلقًا، أو في الإنسانيّة

ص: 463


1- (1) كذا و الظّاهر: ترك البخس.

و حسن الأُحدوثة و ما يطلبونه من التّكسّب و التّربّح، لأنّ النّاس إذا عرفوهم بالأمانة رغبوا في معاملتهم و متاجرتهم. و قيل: ليس المراد من{ خَيْرٌ} هنا معنى الزّيادة، لأ نّه ليس للتّفضيل، بل المعنى ذلكم نافع لكم.

(8: 177)

المَراغيّ: أي ذلكم الّذي تقدّم من الأمر و النّهي خير لكم في دينكم و دنياكم، فإنّ ربّكم لايأمر إلا بالنّافع،و لاينهى إلا عن الضّارّ. (8 : 210)

ابن عاشور: و الإشارة ب { ذ لِكُمْ ’} إلى مجموع ما تضمّنه كلامه، أي ذلك المذكور، و لذا أفرد اسم الإشارة. و المذكور هو عبادة الله وحده، و إيفاء الكيل و الميزان، و تجنّب بخس أشياء النّاس، و تجنّب الفساد في الأرض. و قد أخبر عنه بأنّه خير لهم، أي نفع و صلاح تنتظم به أُمورهم، كقوله تعالى: { وَ الْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فيهَا‘ خَيْرٌ } الحجّ: 36، و إنّما كان ما ذكر خيرًا، لأ نّه يوجب هناء العيش و استقرار الأمن، و صفاء الوُدّ بين الأُمّة، و زوال الإحَن المفضية إلى الخصومات و المقاتلات، فإذا تمّ ذلك كثرت الأُمّة و عزّت و هابها أعداؤها، و حسنت أُحدوثتها، و كثر مالها بسبب رغبة النّاس في التّجارة و الزّراعة، لأمن صاحب المال من ابتزاز ماله. و فيه خير الآخرة، لأنّ ذلك إن فعلوه امتثالا لأمر الله تعالى بواسطة رسوله أكسبهم رضى الله، فنجوا من العذاب، و سكنوا دار الثّواب. فالتّنكير في قوله:{ خَيْرٌ } للتّعظيم و الكمال، لأ نّه جامع خيري الدّنيا و الآخرة.

(8: 189)

الطَّباطَبائيّ: [ذكر معنى الإيفاء و الكيل والكفّ عن الإفساد في الأرض و قال:]

ثمّ علّل دعوته إلى الأمرين بقوله: { ذ لِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ‘ } أمّا كون إيفاء الكيل و الميزان، و عدم بخس النّاس أشياءهم خيرًا، فلأنّ حياة الإنسان الاجتماعيّة في استقامتها مبنيّة على المبادلة بين الأفراد، بإعطاء كلّ منهم ما يفضل من حاجته،

و أخذ ما يعادله ممّا يتمّم به نقصه في ضروريّات الحياة و ما يتبعها، و هذا يحتاج إلى أمن عامّ في المعاملات تحفظ به أوصاف الاشياء و مقاديرها على ما هي عليه. فمن يجوّز لنفسه البخس في أشياء النّاس فهو يجوّز ذلك لكلّ من هو مثله و هو شيوعه، و إذا شاع البخس و الغشّ والغرر من غير أن يؤمن حلول السّمّ محلّ الشّفا ء، و الرّديء مكان الجيّد، و الخليط مكان الخالص، وبالأخرة كلّ شيء محلّ كلّ شيء بأنواع الحيل و العلاجات، كان فيه هلاك الأموال و النّفوس جميعًا.

و أمّا كون الكفّ عن إفساد الأرض خيرًا لهم، فلأنّ سلب الأمن العامّ يوقف رحى المجتمع الإنسانيّ عن حركتها من جميع الجهات، و في ذلك هلاك الحرث و النّسل و فناء الإنسانيّة.

فالمعنى إيفاء الكيل و الميزان، و عدم البخس و الكفّ عن الفساد في الأرض خير لكم، يظهرلكم خيريّته إن كنتم مصدّقين لقولي، مؤمنين بي، أو المعنى:{ ذلِكُمْ ’خَيْرٌ لَكُمْ } تعلمون أنّه خير إن كنتم ذوي إيمان بالحقّ.

ص: 464

و ربّما قيل: إنّ المعنى ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين بدعوتي، فإنّ غير المؤمن لاينتفع بسبب ما عنده من الكفر، القاضي بشقائه و خسرانه و ضلال سعيه، بهذه الخيرات الدّنيويّة بحسب الحقيقة، لأنّ انتفاعه إنّما هو انتفاع في موطن خياليّ و هو الحياة الدّنيا الّتي هي لعب، و أنّ الدّ ار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون.

هذا كلّه على تقدير كون المشار إليه بقوله: { ذلِكُمْ ’} هو إيفاء الكيل و ما بعده، كما هو ظاهر السّياق، و أمّا أخذ الإشارة إلى جميع ما تقدّم، و جعل المراد بالإيمان هو الإيمان المصطلح دون الإيمان اللُّغويّ، كما احتمله بعضهم، فهو أشبه باشتراط الشّيء بنفسه، لرجوع المعنى إلى نحو قولنا:{ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘} فالعبادة لله وحده بالإيمان به، و إيفاء الكيل و الميزان، و عدم الفساد في الأرض، خير لكم. (8 : 187)

24 اِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَ اِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ اِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِىَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيًْا= وَ لَوْ كَثُرَتْ وَ اَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنينَ‘. الأنفال: 19

ابن عبّاس: من الكفر و القتال. (146)

الطّبَريّ: في دنياكم وآخرتكم. (6: 207)

أبوالسُّعود: و إن تنتهوا عمّا كنتم عليه من الحراب و معاداة الرّسول

فهو، أي الانتهاء خير لكم، أي من الحراب الّذي ذقتم غائلته، لما فيه من السّلامة من القتل والأسر، و مبنى اعتبار أصل الخيريّة في المفضّل عليه هو التّهكّم.

(3 : 88)

نحوه البُرُوسَويّ(3: 328)، و الآلوسيّ(9: 187).

الكاشانيّ: و { اِنْ تَنْتَهُوا }: عن الكفر و معاداة الرّسول و التّكاسل في القتال، و الرّغبة عمّا يستأثره الرّسول{ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }: لتضمّنه سلامة الدّارين، و خير المنزلين.

(2: 288)

25 وَ اِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ اَوْ يَقْتُلُوكَ اَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللهُ وَ اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرينَ‘ . الأنفال:30

ابن عبّاس: أقوى المهلكين. (147)

الثّعلبيّ: خير من استنقذك منهم و أهلكهم.

(4: 350)

الفَخْرالرّازيّ: فإن قيل: كيف قال: { وَ اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرينَ‘ } ولاخير في مكرهم.

قلنا: فيه وجوه:

أحدها: أن يكون المراد أقوى الماكرين فوضع { خَيْرُ } موضع أقوى وأشدّ، لينبّه بذلك على أن كلّ مكر فهو يبطل في مقابلة فعل الله تعالى.

وثانيها: أن يكون المراد خير الماكرين لو قدر في مكرهم ما يكون خيرًا و حسنًا.

و ثالثها: أن يكون المراد من { خَيْرُ الْمَاكِرينَ ‘} ليس هو التّفضيل، بل المراد أنّه في نفسه خير، كما يقال: الثّريد خير من الله تعالى. (16: 155)

نحوه الخازن. (3: 23)

26 وَ اَذَانٌ مِنَ اللهِ وَ رَسُولِهِ اِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ

ص: 465

الاَكْبَرِ اَنَّ اللهَ بَرئٌ‘ مِنَ الْمُشْرِكينَ‘ وَرَسُولُهُ فَاِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ اِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا اَ نَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللهِ وَ بَشِّرِ الَّذينَ‘ كَفَرُوا بِعَذَاب اَليمٍ.‘ التّوبة: 3

ابن عبّاس: من الشّرك. (153)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره:{ فَاِنْ تُبْتُمْ } من كفركم أيّها المشركون، و رجعتم إلى توحيد الله و إخلاص العبادة له دون الآلهة و الأنداد، فالرّجوع إلى ذلك { خَيْرٌ لَكُمْ } من الإقامة على الشّرك في الدّنيا و الآخرة. (6: 318)

الطُّوسيّ: أعلم الله تعالى في هذه الآية المشركين أنّه و رسوله بريء من المشركين، و أنّه إن تبتم و رجعتم إلى الإيمان و طاعة الرّسول { فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}. (5: 200)

الواحديّ: رجع إلى خطاب المشركين، يريد فإن رجعتم عن الشّرك إلى توحيد الله{ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } من الإقامة على الشّرك. (2: 478)

نحوه الطَّبْرِسيّ (3: 5)، و الشِّربينيّ(1: 589)، و القاسميّ (8 : 3071).

القُرطُبيّ: أي أنفع لكم. (8 : 71)

أبوحَيّان: { فَاِنْ تُبْتُمْ } أي من الشّرك الموجب لتبرّئ الله و رسوله منكم. { فَهُوَ } أيالتّوب { خَيْرٌ لَكُمْ } في الدّنيا، لعصمة أنفسكم و أولادكم و أموالكم، و في الآخرة لدخولكم الجنّة، و خلاصكم من النّار. (5: 8)

البُرُوسَويّ: أي فالتّوبة{ خَيْرٌ لَكُمْ } في الدّارين من الإقامة على الكفر و الغدر. (3: 385)

الآلوسيّ: { فَاِنْ تُبْتُمْ } من الكفر و الغدر بنقض العهد { فَهُوَ } أي التّوب خير لكم في الدّارين. و الالتفاف من الغيبة إلى الخطاب، لزيادة التّهديد و التّشديد، و الفاء الأُولى لترتيب مقدّم الشّرطيّة على الأذان المذيَّل بالوعيد الشّديد، المؤذن بلين عريكتهم، و انكسار شدّة شكيمتهم. (10: 48)

ابن عاشور: و الخطاب للمشركين الّذين أُوذنوا بالبراءة، و المعنى: فإن آمنتم فالإيمان خير لكم من العهد الّذي كنتم عليه، لأنّ الإيمان فيه النّجاة في الدّنيا و الآخرة، و العهد فيه نجاة الدّنيا لاغير. (10: 19)

27 اِنْفِرُوا خِفَافًا وَ ثِقَالا وَجَاهِدُوا بِاَمْوَالِكُمْ وَ اَ نْفُسِكُمْ فى سَبيلِ‘ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

التّوبة: 41

ابن عبّاس: من الجلوس. (158)

الطّبَريّ: ِ {ذ لِكُمْ’ خَيْرٌ لَكُمْ } يقول: هذا الّذي آمركم به من النّفر في سبيل الله تعالى خفافا و ثقالا، و جهاد أعدائه بأموالكم و أنفسكم خير لكم من التّثاقل إلى الأرض إذا استنفرتم، و الخلود إليها و الرّضا بالقليل من متاع الحياة الدّنيا عوضا من الآخرة. (6: 379)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما: أنّ الجهاد خير لكم من تركه إلى ما أُبيح من القعود عنه.

و الثّانيّ: معناه: أنّ الخير في الجهاد لافي تركه.

(2: 366)

ص: 466

الطُّوسيّ: قوله: { ذلِكُمْ ’خَيْرٌ لَكُمْ } إشارة إلى الجهاد، و تقديره: ذلك الجهاد خير لكم. و إنّما قال :

{ خَيْرٌ لَكُم ْ} و إن لم يكن في ترك الجهاد خير، لأحد أمرين: أحدهما: خير من تركه إلى المباح. و الثّاني: أنّ فيه الخير لكم لافي تركه، فلايكون خير بمعنى أفعل من كذا. (5: 261)

الواحديّ : أي من التّثاقل إلى الأرض إذا استنفرتم . (2: 500)

الطَّبْرِسيّ: معناه أنّ الخروج و الجهاد بالنّفس و المال خير لكم من التّثاقل و ترك الجهاد إلى مباح.

(3: 33)

الفَخْرالرّازيّ: فإن قيل: كيف يصحّ أن يقال: الجهاد خير من القعود عنه، و لاخير في القعود عنه.

قلنا: الجواب عنه من وجهين:الوجه الأوّل: أنّ لفظ { خَيْرٌ } يستعمل في معنيين:

أحدهما: بمعنى هذا خير من ذاك.

و الثّاني: بمعنى أ نّه في نفسه خير، كقوله: { اِنّى لِمَا اَنْزَلْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقيرٌ ‘} القصص: 24، و قوله: { وَاِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَديدٌ‘ } العاديات: 8، و يقال: الثّريد خير من الله، أي هو خير في نفسه، و قد حصل من الله تعالى، فقوله: { ذلِكُمْ ’خَيْرٌ لَكُم ْ} المراد هذا الثّاني؛ و على هذا الوجه يسقط السّؤال.

الوجه الثّاني: سلّمنا أنّ المراد كونه خيرًا من غيره، إلا أنّ التّقدير: أنّ ما يستفاد بالجهاد من نعيم الآخرة خير ممّا يستفيده القاعد عنه من الرّاحة و الدّعة و التّنعّم بهما، ولذلك قال تعالى: { اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } لأنّ ما يحصل من الخيرات في الآخرة على الجهاد لايُدرك إلا بالتّأمّل، و لايعرفه إلا المؤمن الّذي عرف بالدّليل أنّ القول بالقيامة حقّ، و أنّ القول بالثّواب و العقاب حقّ و صدق. (16: 71)

الشِّربينيّ: أي خاصّ بكم، و يجوز أن يكون أفعل تفضيل، أي عبادة المجاهد بالجهاد خير من عبادة القاعد بغيره، كما قال:(صلی الله علیه و آله) لمن سأله: هل يمكن بلوغ درجة المجاهد؟ فقال: هل تستطيع أن تقوم فلاتفتر و تصوم فلاتفطر؟ (1: 617)

البُرُوسَويّ: أي ما ذكر من النّفير و الجهاد{ خَيْرٌ لَكُمْ } من القعود و ترك الإمداد.

فإن قيل: ما معنى كون الجهاد خيرًا من تركه، و الحال أنّه لاخير فى تركه؟

أُجيب: بأنّ معناه أنّ ما يستفاد من الجهاد من ثواب الآخرة خير ممّا يستفيده القاعد عنه من الرّاحة و سعة العيش و التّنعّم بهما، كما قال في< البحر > الخيريّة في الدّنيا بغلبة العدوّ وراثة الأرض، و في الآخرة بالثّواب و رضوان الله تعالى. قال سعد چلبيّ: و في التّرك خير دنيويّ فيه الرّاحة. (3: 439)

الآلوسيّ: أي ما ذُكر من النّفير و الجهاد، و ما فيه من معنى البعد لما مرّ غير مرّة، خير عظيم في نفسه لكم في الدّنيا أو في الآخرة أو فيهما. و يجوز أن يكون المراد: خير لكم ممّا يبتغي بتركه من الرّاحة و الدّعة

و سعة العيش و التّمتّع بالأموال و الأولاد. (10: 104)

ابن عاشور: و الإشارة ب { ذلِكُمْ } إلى الجهاد المستفاد من{ وَجَاهِدُوا} و إبهام { خَيْرٌ } لقصد توقّع

ص: 467

خير الدّنيا و الآخرة من شعب كثيرة أهمّها الاطمئنان من أن يغزوهم الرّوم، و لذلك عُقّب بقوله : { اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي إن كنتم تعلمون ذلك الخير و شعبه . و في اختيار فعل العلم دون الإيمان مثلا للإشارة إلى أنّ من هذا الخير ما يخفى، فيحتاج متطلّب تعيين شعبه إلى إعمال النّظر و العلم. (10: 104)

28 وَمِنْهُمُ الَّذينَ‘ يُؤْذُونَ النَّبِىَّ وَ يَقُولُونَهُوَ اُذُنٌ قُلْ اُذُنُ خَيْر لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ‘ وَرَحْمَةٌ لِلَّذينَ‘ امَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذينَ‘ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ اَليمٌ ‘. التّوبة:61

الطُّوسيّ: قيل: السّبب في ذلك: أنّ قوما من المنافقين تكلّموا بما أرادوه، و قالوا: إن بلغه اعتذرنا إليه، فإنّه أُذُنٌ يسمع ما يقال له، فقال الله تعالى: قل يا محمّد: أُذن خير لكم لا أُذن شرّ، و ليس بمعنى <أفعل>. و إنمّا معناه أُذن صلاح، و لو رُفع <خيرًا> لكان معناه أصلح، و هي قراءة الحسَن و الأعشى و البرجميّ.

(5: 288)

لاحظ:أ ذ ن: <أُذُن>.

29 اَفَمَنْ اَسَّس بُنْيَانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوَان خَيْرٌ اَمْ مَنْ اَسَّس بُنْيَانَهُ عَلى شَفَا جُرُف هَار فَانْهَارَ بِهِ فى نَارِ جَهَنَّمَ وَ اللهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمينَ‘.

التّوبة:109

الطُّوسيّ: و معنى { خَيْرٌ } في الآية أفضل، وليس فيه اشتراك، يقولون: هذا خير، و هذا شرّ، و لايراد به < أفعل > قال الشّاعر:

و الخير و الشّرّ مقرونان في قرن

فالخير متّبع و الشّرّ محذور

و أمّا قوله لهم: و افعَل الخير، معناه افعلوا الأفضل.

(5: 349)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (3: 73)

ابن عَطيّة: { خَيْرٌ } في هذه الآية تفضيل و لاشركة بين الأمرين في خير إلا على معتقد يأتي مسجد الضّرار، فبحسب ذلك المعتقد صحّ التّفضيل.

(3: 85)

البُرُوسَويّ: إطلاق{ خَيْرٌ}على معتقد أصحاب مسجد الضّرار من اعتقاد الاشتراك في الخيريّة.

(3: 510)

30 وَ اِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ اِلا هُوَ وَ اِنْ يُرِدْكَ بِخَيْر فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيمُ‘. يونس: 107

ابن عبّاس: بنعمة و أمر تسرّ به. (180)

الطّبَريّ: يقول : و إن يُردك ربّك برخاء أو نعمة و عافية وسرور. (6: 618)

الطُّوسيّ: { وَ اِنْ يُرِدْكَ بِخَيْر } تقديره: و إن يرد بك الخير، و جاز على التّقديم و التّأخير،كما يقول القائل: فلان يُريدك بالخير و يريد بك الخير. و المعنى أنّه لارادّ لما يريد الله بخلقه، فإن أرادبهم سوءً لايقدر على دفعه أحد، و إن أرادهم بخير فلا يقدر أحد على صرفه عنهم.{ يُصيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }

ص: 468

يعني بالخير. (5: 508)

ابن عَطيّة: { وَ اِنْ يُرِدْكَ بِخَيْر } لفظ تامّ العموم، وخصّص النّبيّ (صلی الله علیه و آله) الفقه بالذّكر في قوله:< من يُرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين > و هو على جهة التّشريف للفقه. (3: 147)

الفَخْرالرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأُولى: اعلم أنّه سبحانه و تعالى قرّر في آخر هذه السّورة أنّ جميع الممكنات مستندة إليه، و جميع الكائنات محتاجة إليه، و العقول والهة فيه، و الرّحمة و الجود و الوجود فائض منه.

و اعلم أنّ الشّيء: إمّا أن يكون ضارًّا، و إمّا أن يكون نافعا ، و إمّا أن يكون لا ضارًّا و لانافعا ، و هذان القسمان مشتركان في اسم الخير. و لمّا كان الضُّرّ أمرًا وجوديًّا لاجرم قال فيه: { وَ اِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ } و لمّا كان الخير قد يكون وجوديًّا و قد يكون عدميًّا، لاجرم لم يذكر لفظ الإمساس فيه بل قال: { وَ اِنْ يُرِدْكَ بِخَيْر } و الآية دالّة على أنّ الضّرّ و الخير واقعان بقدرة الله تعالى و بقضائه، فيدخل فيه الكفر و الإيمان و الطّاعة و العصيان و السّرور و الآفات و الخيرات

و الآلام و اللّذّات و الرّاحات و الجراحات، فبيّن سبحانه و تعالى أنّه إن قضى لأحد شرًّا فلا كاشف له إلا هو، و إن قضى لأحد خيرًا فلارادّ لفضله ألبتّة.

ثمّ في الآية دقيقة أُخرى، و هي أنّه تعالى رجّح جانب الخير على جانب الشّرّ من ثلاثة أوجه:

الأوّل: أ نّه تعالى لما ذكر إمساس الضُّرّ بيّن أ نّه لا كاشف له إلا هو؛ و ذلك يدلّ على أنّه تعالى يُزيل المضارّ، لأنّ الاستثناء من النّفي إثبات، و لمّا ذكر الخير لم يقل بأ نّه يدفعه بل قال: إنّه لارادّ لفضله؛ و ذلك يدلّ على أنّ الخير مطلوب بالذّات، و أنّ الشّرّ مطلوب بالعرض، كما قال النّبيّ(صلی الله علیه و آله) رواية عن ربّ العزّة أنّه قال: < سبقت رحمتي غضبي >.

الثّاني: أ نّه تعالى قال في صفة الخير: { يُصيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }، و ذلك يدلّ على أنّ جانب الخير و الرّحمة أقوى و أغلب.

و الثّالث: أ نّه قال: { وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيمُ‘ }، و هذا أيضا يدلّ على قوّة جانب الرّحمة. و حاصل الكلام في هذه الآية أ نّه سبحانه و تعالى بيّن أ نّه منفرد بالخلق و الإيجاد و التّكوين و الإبداع، و أ نّه لاموجد سواه و لامعبود إلا إيّاه، ثمّ نبّه على أنّ الخير مراد بالذّات، و الشّرّ مراد بالعرض، و تحت هذا الباب أسرار عميقة، فهذا ما نقوله في هذه الآية...

و أمّا قوله: { وَ اِنْ يُرِدْ كَ ِبخَيْر } فقال الواحديّ : هو من المقلوب، معناه: و إن يرد بك الخير، و لكنّه لما تعلّق كلّ واحد منهما بالآخر جاز إبدال كلّ واحد منهما بالآخر. و أقول: التّقديم في اللّفظ يدلّ على زيادة العناية، فقوله: {وَ اِنْ يُرِدْ كَ ِبخَيْر } يدلّ على أنّ المقصود هو الإنسان، و سائر الخيرات مخلوقة لأجله، فهذه الدّقيقة لاتُستفاد إلا من هذا التّركيب.

(17: 174)

الآلوسيّ: تحقيق لسلب الضّرر الوارد في حيّز الصّلة، أي إن يُرد أن يصيبك بخير فلا رادّ لفضله الّذي من جملته ما أرادك به من خير، فهو دليل على

ص: 469

جواب الشّرط لا نفس الجواب. و فيه إيذان بأنّ فيَضان الخير منه تعالى بطريق التّفضّل و الكرم من غير استحقاق عليه سبحانه، أي لا أحد يقدر على ردّه كائنا من كان، فيدخل فيه الأصنام دخولا أوّليًّا، و هو بيان لعدم ضرّها بدفع المحبوب قبل وقوعه المستلزم لعدم ضرّها برفعه، أو بإيقاع المكروه استلزاما جليًّا.

ولعلّ ذكره الإرادة مع الخير و المسّ مع الضُّرّ مع تلازم الأمرين، لأنّ ما يريده سبحانه يصيب، و ما يصيب لايكون إلا بإرادته تعالى، للإيذان بأنّ الخير مقصود لله تعالى بالذّات، و الضُّرّ إنّما يقع جزاءً على الأعمال، و ليس مقصودًابالذّات. و يحتمل أنّه أُريد معنى الفعلين في كلّ من الخير و الضّرّ لاقتضاءالمقام تأكيد كلّ من التّرغيب و التّرهيب، إلا أ نّه قصد الإيجاز في الكلام، فذكر في أحدهما المس و في الآخر الإرادة، ليدلّ بما ذُكر في كلّ جانب على ما ترك في الجانب الآخر. ففي الآية نوع من البديع يسمّى احتباكا ، و قدتقدّم في غير آية.

و لم يستثن سبحانه في جانب الخير إظهارًا لكمال العناية به، و يُنبئ عن ذلك قوله تعالى:{ يُصيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } حيث صرّح جلّ شأنه بالإصابة بالفضل المنتظم لما أراد من الخير. و قيل : إنّما لم يستثن جلّ و علا في ذلك، لأ نّه قد فرض فيه أنّ تعلّق الخير به واقع بإرادته تعالى، و صحّة الاستثناء تكون بإرادة ضدّه في ذلك الوقت و هو محال، و هذا بخلاف مس الضّرّ، فإنّ إرادة كشفه لاتستلزم المحال، و هو تعلّق الإرادتين بالضّدّين في وقت واحد. و في العدول عن <يُرد بك الخير> إلى ما في النّظم الجليل إيماء كما قيل إلى أنّ المقصود هو الإنسان، و سائر الخيرات مخلوقة لأجله.

و ما أشرنا إليه من رجوع ضمير ( بِهِ ) إلى الفضل هو الظّاهر المناسب، و جُوّز رجوعه لما ذكر و ليس بذاك، و حمل الفضل على العموم أوّلا وآخرا حسبما علمت هو الّذي ذهب إليه بعض المحقّقين رادًّا على من جعله عبارة عن ذلك الخير بعينه، على أن يكون الإتيان به أوّلا ظاهرا من باب وضع المُظهر موضع المضمر، إظهارًا لما ذكر من الفائدة بأنّ قوله سبحانه:

{ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} يأبى ذلك، لأ نّه ينادي بالعموم. و يجوز عندي أن يكون الكلام من باب: عندي درهم و نصفه. (11: 199)

31 وَاتَّبِعْ مَا يُوحى اِ لَيْكَ و َاصْبِرْ حَتى|يَحْكُمَ اللهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمينَ‘ . يونس: (109)

راجع: ح ك م :< الحَاكِمينَ‘>.

32 وَ اِلى مَدْ يَنَ اَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ اِله غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَ الْميزَا‘نَ اِنّى اَريكُمْ ’بِخَيْر وَ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحيط‘. هود:84

ابن عبّاس: بسَعة و مال ورُخص السّعر. (189)

نحوه الحسَن. (الطّبَريّ7: 97)

موسرين في نعمة. (الثّعلبيّ

5: 186)

مثله مُقاتِل. (2: 294)

أي برُخص السّعر والخِصْب.

ص: 470

مثله الحسَن. (الطَّبْرِسيّ3: 187)

مُجاهِد: خِصْب و سَعة، و غيرهم في غلاء السّعر و زوال النّعمة، و حلول النّقمة إن لم يتوبوا.

(الثّعلبيّ 5 : 186)

الضّحّاك: رغد العيش و كثرة المال.

(الثّعلبيّ 5: 186)

الحسَن: الغنى و رُخص السّعر. (الثّعلبيّ 5: 186)

قَتادَة: يعني خير الدّنيا و زينتها.

[و في روايةأُخرى] أبصَر عليهم قشرًا من قشر الدّنيا و زينتها. (الطّبَريّ7: 97)

المال و زينة الدّنيا. (الثّعلبيّ 5: 186)

مثله ابن زَيْد. (الماوَرْديّ 2: 495)

الإمام الصّادق(علیه السلام): كان سعرهم رخيصا .

(العيّاشيّ2: 322)

ابن زَيْد: في دنياكم، كما قال الله تعالى: { اِنْ تَرَ كَ خَيْرا } البقرة: 180،سمّاه خيرًا لأنّ النّاس يسمّون المال خيرًا. (الطّبَريّ7: 97)

الفَرّاء: يقول: كثيرةً أموالكم فلاتُنقصوا المكيال و أموالكم كثيرة، يقال: رخيصةً أسعاركم، و يقال: مدّهِنين حَسنةً سَحْنتكم. (2: 25)

الطّبَريّ: و اختلف أهل التّأويل في الخير الّذي أخبر الله عن شعيب أنّه قال لمدين: إنّه يراهم به.

فقال بعضهم كان ذلك رُخص السّعر، و حذّرهم غلاءه.

قال آخرون: عنى بذلك: إني أرى لكم مالا و زينةً من زين الدّنيا.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب ما أخبر الله عن شعيب أ نّه قال لقومه، و ذلك قوله:{ اِنّىاَريكُمْ ’بِخَيْر} يعني بخير الدّنيا. و قد يدخل في خير الدّنيا: المال و زينة الحياة الدّنيا و رخص السّعر،و لادلالة على أ نّه عنى بقيله ذلك بعض خيرات الدّنيا دون بعض، فذلك على كلّ معاني خيرات الدّنيا الّتي ذكر أهل العلم أ نّهم كانوا أُوتوها.

و إنّما قال ذلك شعيب، لأنّ قومه كانوا في سَعة من عيشهم ورُخص من أسعارهم كثيرة أموالهم، فقال لهم: لا تنقصوا النّاس حقوقهم في مكاييلكم و موازينكم فقد وسّع الله عليكم رزقكم. (7: 97)

الماوَرْديّ: الخِصْب و الكسب. (2: 495)الزّمَخْشَريّ: يريد بثروة و سَعة تُغنيكم عن التّطفيف، أو أراكم بنعمة من الله حقّها أن تقابل بغير ما تفعلون، أو أراكم بخير فلاتُزيلوا عنكم بما أنتم عليه، كقول مؤمن آل فرعون:{ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرينَ‘ فِى الاَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَاْسِ اللهِ اِنْ جَاءَنَا} المؤمن: 29. (2: 285)

نحوه النّسَفيّ (2: 200)، و الشِّربينيّ(2: 73) ، و البُرُوسَويّ (4: 172).

الطَّبْرِسيّ: و المعنى أنّه حذّرهم الغلاء و هو زيادة السِّعر و زوال النّعمة و حلول النّقمة إن لم يتوبوا. [ ثمّ نقل قول قَتادَة وابن زَيْد و الضّحّاك و قال:]

و المعنى: إنّي أراكم في كثرة الأموال و سعة الأرزاق، فلاحاجة بكم إلى نقصان الكيل و الوزن.

(3: 187)

ص: 471

الفَخْرالرّازيّ: فيه وجهان:

الأوّل: أنّه حذّرهم من غلاء السّعر و زوال النّعمة إن لم يتوبوا، فكأنّه قال: أُتركوا هذا التّطفيف، و إلا أزال الله عنكم ما حصل عندكم من الخير و الرّاحة.

و الثّاني: أن يكون التّقدير: أنّه تعالى أتاكم بالخير الكثير و المال و الرُّخص و السّعة، فلاحاجة بكم إلى هذا التّطفيف.

(18: 40)

القُرطُبيّ: أي في سعة من الرّزق، و كثرة من النّعم. (9: 85)

البَيْضاويّ: بخير بسَعة تُغنيكم عن البخس، أو بنعمة حقّها أن تتفضّلوا على النّاس شكرًا عليها، لا أن تنقصوا حقوقهم، أو بسعة فلاتُزيلوها ممّا أنتم عليه، و هو في الجملة علّة النّهي. (1: 477)

نحوه أبوحَيّان ( 5: 252 ) ، و شُبّر ( 3: 239 )، و الآلوسيّ (12: 114).

القاسميّ: أي نعمة و ثروة في رزقكم و معيشتكم، و عافية و تمتّع في وجودكم. يعني فلاتتعرّضوا لزوال ذلك عنكم بما تأتونه ممّا تنهون عنه، كما قال سبحانه: { وَ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحيط ‘}.

(9: 3475)

ابن عاشور: جملة { اِنّى اَريكُمْ ’بِخَيْر } تعليل للنّهي عن نقص المكيال و الميزان. و المقصود من { اِنّى اَريكُمْ ’بِخَيْرٍ}: أنّكم بخير. و إنمّا ذكر رؤيته ذلك، لأ نّها في معنى الشّهادة عليهم بنعمة الله عليهم، فحقّ عليهم شكرها. و الباء في {بِخَيْر } للملابسة.

و الخير: حسن الحالة، و يطلق على المال، كقوله: { اِنْ تَرَكَ خَيْرًا } البقرة: 180، و الأولى حمله عليه هنا، ليكون أدخل في تعليل النّهي، أي إنّكم في غنًى عن هذا التّطفيف بما أُوتيتم من النّعمة و الثّروة. و هذا التّعليل يقتضي قبح ما يرتكبونه من التّطفيف في نظر أهل المروءة، و يقطع منهم العذر في ارتكابه. و هذا حثّ على وسيلة بقاء النّعمة.ثمّ ارتقى في تعليل النّهي بأنّه يخاف عليهم عذابا يحلّ بهم إمّا يوم القيامة و إمّا في الدّنيا. و لصلوحيّته للأمرين أجمله بقوله: { عَذابَ يَوْمٍ مُحيط ‘}، و هذا تحذير من عواقب كفران النّعمة و عصيان واهِبها.

(11: 309)

الطَّباطَبائيّ: قوله: { اِنّى اَ ريكُمْ بِخَيْر } أي أُشاهدكم في خير، و هو ما أنعم الله تعالى عليكم من المال و سعة الرّزق و الرُّخص و الخِصْب فلاحاجة لكم إلى نقص المكيال و الميزان. و اختلاس اليسير من أشياء النّاس طمعا في ذلك من غير سبيله المشروع و ظلما و عتوًّا، و على هذا فقوله: { اِنّى اَريكُمْ ’بِخَيْر } تعليل لقوله: {وَ لاتَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَ الْميزَا‘نَ}.

و يمكن تعميم الخير بأن يراد به: أنّكم مشمولون لعناية الله، معنيّون بنعمه آتاكم عقلا و رشدًا و رزقكم رزقا ، فلامسوغ لأن تعبدوا الآلهة من دونه، و تشركوا به غيره، و أن تُفسدوا في الأرض بنقص المكيال والميزان.وعلى هذا يكون تعليلا لما تقدّمه من الجملتين أعني قوله:{ اعْبُدُوا الله...َ}و قوله :{ وَ لا تَنْقُصُوا...} كما أنّ قوله: { وَ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحيط‘} كذلك.

ص: 472

فمحصّل قوله: { اِنّى اَريكُمْ ’} إلى آخر الآية أنّ هناك رادعين يجب أن يردعاكم عن معصية الله:

أحدهما: أ نّكم في خير، و لاحاجة لكم إلى بخس أموال النّاس من غير سبيل حلّها.

و ثانيهما: أنّ وراء مخالفة أمر الله يوما محيطا يخاف عذابه. و ليس من البعيد أن يراد بقوله:{ اِنّى اَ ريكُمْ ’بِخَيْر } أنّي أراكم برؤية خير، أي أنظر إليكم نظر النّاصح المشفق الّذي لايصاحب نظره إلا الخير، و لايريد بكم غير السّعادة، و على هذا يكون قوله: { وَ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحيط‘ }كعطف التّفسير بالنّسبة إليه. (10: 361)

فضل الله: في ما أغدقه عليكم من النّعم الوافرة: من المال، وسعة الرّزق، و خِصْب الأرض، و ما إلى ذلك، ممّا يجعلكم بغنى عن هذه اللُّعبة الشّيطانيّة، الّتي تتوسّلونها للحصول على الزّيادة عن حقّكم، و سلب الآخرين حقّهم، لأنّ من يحتاجون ذلك هم الّذين يعيشون في ضيق من الحال، الأمر الّذي يوحي بأنّكم تنطلقون في ذلك من موقع عقدة الطّمع لا من موقع الحاجة. (12: 109)

33 بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ مُؤ مِنينَ ‘وَمَا اَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفيظ‘. هود:86

راجع ب ق ي: <بَقيّتُ>.

34 وَ لاَجْرُ الاخِرَ ةِ’خَيْرٌ لِلَّذينَ ‘ ا مَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ يوسف: 57ابن عبّاس: ثواب الآخرة خير من ثواب الدّنيا.

(199)

الجُبّائيّ: أجر الآخرة خير من ثواب الدّنيا، لأنّ ما تقدّم في الآية الأُولى يقتضيه. (الطُّوسيّ6: 159)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما : و لأجر الآخرة خير للّذين آمنوا من أجر الدّنيا، لأنّ أجر الآخرة دائم، و أجر الدّنيا منقطع.

الثّاني: و لأجر الآخرة خير ليوسف من التّشاغل بملك الدّنيا و نعيمها، لما فيه من التّبعة. (3: 53)

الواحديّ: أي ما يُعطي الله تعالى من ثواب الآخرة خير للّذين آمنوا، أي خير ممّا يُعطي الله المؤمنين في الدّنيا. و المعنى: أنّ ما يعطي الله يوسف في الآخرة خير ممّا أعطاه في الدّنيا، وكذلك غيره ممّن يسلك طريقه في الصّبر على المكاره. (2: 619)

الطَّبْرِسيّ: أي ثواب الآخرة{ خَيْرٌ لِلَّذينَ‘ امَنُو’ا و َكَانُوا يَتَّقُونَ } لخلوصه عن الشّوائب و الأقذار. و في هذه إشارة إلى أنّه سبحانه يؤتي يوسف في الآخرة من الثّواب و الدّرجات ما هو خير ممّا آتاه الله في الدّنيا من الملك و النّعمة. (3: 244)

الفَخْرالرّازيّ: في تفسير هذه الآية قولان:

القول الأوّل: المراد منه أنّ يوسف (علیه السلام) و إن كان قد وصل إلى المنازل العالية و الدّرجات الرّفيعة في الدّنيا، إلاأنّ الثّواب الّذي أعدّه الله له في الآخرة خير و أفضل و أكمل. و جهات التّرجيح قد ذكرناها في هذا الكتاب مرارًا و أطوارًا، و حاصل تلك الوجوه: أنّ الخير المطلق هو الّذي يكون نفعا خالصا دائما مقرونا

ص: 473

بالتّعظيم، وكلّ هذه القيود الأربعة حاصلة في خيرات الآخرة و مفقودة في خيرات الدّنيا.

القول الثّاني: أنّ لفظ <الخير> قد يُستعمل لكون أحد الخيرين أفضل من الآخر، كما يقال: الجُلاب خير من الماء. و قد يُستعمل لبيان كونه في نفسه خيرًا من غير أن يكون المراد منه بيان التّفضيل، كما يقال: الثّريد خير من الله، يعني الثّريد خير من الخيرات حصل بإحسان من الله.

إذا ثبت هذا فقوله: { وَ لاَجْرُ الاخِرَةِ’ خَيْرٌ } إن حملناه على الوجه الأوّل لزم أن تكون ملاذّ الدّنيا موصوفة بالخيريّة أيضا ، و أمّا إن حملناه على الوجه الثّاني لزم أن لايقال: إنّ منافع الدّنيا أيضا خيرات بل لعلّه يفيد أنّ خير الآخرة هو الخير، و أمّا ما سواه فعبث.

المسألة الثّانية: لاشكّ أنّ المراد من قوله: { وَ لاَجْرُ الاخِرَةِ ’خَيْرٌ لِلَّذينَ ‘امَنُوا’} شرح حال يوسف (علیه السلام)...

المسألة الثّالثة: قال القاضي: قوله تعالى: { وَ لاَجْرُ الاخِرَةِ ’خَيْرٌلِلَّذينَ ‘امَنُوا’ وَكَانُوا يَتَّقُونَ } يدلّ على بطلان قول المرجئة: الّذينيزعمون أنّ الثّواب يحصل في الآخرة لمن لم يتّق الكبائر.

قلنا: هذا ضعيف، لأ نّا إن حملنا لفظ{ خَيْرٌ } على أفعل التّفضيل لزم أن يكون الثّواب الحاصل للمتّقين أفضل، و لايلزم أن لايحصل لغيرهم أصلا ، و إن حملناه على أصل معنى الخيريّة، فهذا يدلّ على حصول هذا الخير للمتّقين، و لايدلّ على أنّ غيرهم لايحصل لهم هذا الخير. (18: 164)

القُرطُبيّ: أي ما نعطيه في الآخرة خير وأكثر ممّا أعطيناه في الدّنيا، لأنّ أجر الآخرة دائم، و أجر الدّنياينقطع. و ظاهر الآية العموم في كلّ مؤمن متّق.

(9: 220)

البُرُوسَويّ: أي أجرهم في الآخرة، فالإضافة للملابسة، و هو النّعيم المقيم الّذي لانفاد { خَيْرٌ } لأ نّه أفضل في نفسه و أعظم و أدوم { لِلَّذينَ ‘امَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } الكفر والفواحش. [ثمّ استشهد بشعر]

و في الآية إشارة إلى أنّ غير المؤمن المتّقي لانصيب له في الآخرة . قال بعض العارفين: لو كانت الدّنيا ذهبا فانيا و الآخرة خزفا باقيا، لكانت الآخرة خيرًا من الدّنيا، فكيف و الدّنيا خزف فان و الآخرة ذهب باقٍ؟! (4: 284)

35 وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونى بِاَخٍ لَكُمْ مِنْ اَبيكُمْ اَ لا تَرَوْنَ ا َنّى ا ُوفِى الْكَيْلَ وَ اَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلينَ.‘ يوسف:59

ابن عبّاس: أفضل المضيّفين. (199)

مُجاهِد: أنا خير من يُضيّف بمصر.

(الطّبَريّ7: 244)

ابن إسحاق: أي خير لكم من غيري، فإنّكم إن أتيتم به أكرمت منزلتكم و أحسنت إليكم، و ازددتم به بعيرًا مع عدّتكم، فإنّي لا أُعطي كلّ رجل منكم إلا بعيرًا. (الطّبَريّ7: 244)

الطّبَريّ: و أنا خير من أنزل ضيفا على نفسه من النّاس بهذه البلدة، فأنا أُضيّفكم. ( 7: 244)

ص: 474

الزّجّاج: لأ نّه حين أنزلهم أحسن ضيافتهم.

(3: 117)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما: [ قول مُجاهِد وقد تقدّم]

الثّاني : و هو محتمل خير من نزلتم عليه من المأمونين . فهو على التّأويل الأوّل مأخوذ من النّزل و هو الطّعام، و على التّأويل الثّاني مأخوذ من المنزل و هو الدّار. (3: 54)

الطُّوسيّ: { وَ اَنَا خَيْرُ الْمُنْزِ لينَ‘ } فيه قولان:

أحدهما: [قول مُجاهِد و قد تقدّم]

و الثّاني: خير المنزلين في سعر الطّعام. و المُنزل: واضع الشّيء في منزلته. وقد يكون للشّيء منزلتان؛ إحداهما أولى من الأُخرى، فمن وضعها في الأُولى فهو خير المنزلين، كسعر الطّعام الّذي يضعه في أولى منزلتيه.

(6: 160)36 وَ قيلَ‘ لِلَّذينَ‘ اتَّقَوْا مَاذَا اَنْزَلَ رَ بُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذينَ‘ اَحْسَنُوا فى هذِهِ الدُّ نْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الاخِرَةِ ’خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقينَ‘.

النّحل: 30

ابن عبّاس: يعني الجنّة { خَيْرٌ }من الدّنيا و ما فيها. (223)

الماوَرْديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما : أنّ الجنّة خير من النّار. و هذا و إن كان معلوما فالمراد به تبشيرهم بالخلاص منها.

الثّاني : أنّه أراد أنّ الآخرة خير من دار الدّنيا، قاله الأكثرون. (3: 187)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (3: 358)

البَيْضاويّ: أي وَ لثوابهم في الآخرة خير منها، و هو عِدَة للّذين اتّقوا على قولهم. و يجوز أن يكون بما بعده حكاية لقولهم بدلا و تفسيرا ل { خَيْرًا } على أنّه منتصب ب { قَالُوا }. (1: 554)

37 وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ اَحَدُهُمَا اَبْكَمُ لايَقْدِرُ عَلى شَىْء وَ هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْ ليهُ اَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَاْتِ بِخَيْر هَلْ يَسْتَوى‘ هُوَ وَمَنْ يَاْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلى صِرَاط مُسْتَقيمٍ.‘ النّحل: 76

الطّبَريّ: يقول: حيثما يوجّهه لايأت بخير، لأ نّه لايفهم ما يقال له، و لايقدر أن يعبّر عن نفسه ما يريد، فهو لايُفهِم ولايُفهَم عنه، فكذلك الصّنم، لايعقل ما يقال له، فيأتمر لأمر مَن أمره، ولاينطق فيأمر وينهى.

(7: 623)

نحوه الواحديّ. (3: 75)

الزّمَخْشَريّ: حيثما يُرسله و يصرفه في مطلب حاجة أوكفاية مهمّ لم ينفع و لم يأت بنجح. (2: 421)

نحوه الطَّبْرِسيّ (3: 375)، و النّسَفيّ(2: 294)، و شُبّر(3: 433)، و الآلوسيّ(14: 197).

38 وَ لاتَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَليلا‘ اِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . النّحل: 95

ابن عبّاس: من الثّواب { هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }ممّا عندكم من المال. (230)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: ولاتنقضوا عهودكم

ص: 475

أيّها النّاس، وعقودكم الّتي عاقدتموها مَن عاقدتم مؤكّديها بأيمانكم، تطلبون بنقضكم ذلك عرضًا من الدّنيا قليلا، و لكن أوفوا بعهد الله الّذي أمركم بالوفاء به، يُثبكم الله على الوفاء به، فإنّ ما عند الله من الثّواب لكم على الوفاء بذلك، هو خير لكم إن كنتم تعلمون. فضل ما بين العوضين اللّذَين أحدهما الثّمن القليل، الّذي تشترون بنقض عهد الله في الدّنيا، و الآخر الثّواب الجزيل في الآخرة على الوفاء به.

(7: 640)

الطَّبْرِسيّ: معناه: إنّ الّذي عند الله من الثّواب على الوفاء بالعهود، خير لكم، و أشرف ممّا تأخذونه من عرض الدّنيا على نقضها، فإنّ القليلالّذي يبقى، خير من الكثير الّذي يفنى، فكيف بالكثير الّذي يبقى في مقابلة القليل الّذي يفنى.{ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } الفرق بين الخير و الشّرّ، و التّفاوت الّذي بين القليل الفاني،

و الكثير الباقي. (3: 384)

نحوه شُبّر.

(3: 445)

البَيْضاويّ:من النّصروالتّعميم في الدّنياوالثّواب في الآخرة{ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } ممّا يعدونكم. (1: 569)

الآلوسيّ: أي ما أخبأه وادّخره لكم في الدّنيا والآخرة{ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } من ذلك الثّمن القليل.

(14: 224)

39 وَ اَوْفُوا الْكَيْلَ اِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقيمِ ‘ذلِكَ خَيْرٌ وَ اَحْسَنُ تَاْويلا‘ . الإسراء:35

ابن عبّاس:{ ذ لِكَ } الوفاء بالكيل و الوزن

و العهد { خَيْرٌ } من النّقص و البخس. (236)

عطاء: أقرب إلى الله. (الواحديّ 3: 107)

قَتادَة: خير ثوابا . (الواحديّ 3: 107)

الطّبَريّ: { ذ لِكَ خَيْرٌ } يقول: إيفاؤكم أيّها النّاس من تكيلون له الكيل، و وزنكم بالعدل لمن توفون له { خَيْرٌلَكُمْ } من بخسكم إيّاهم ذلك، و ظلمكموهم فيه.

(8: 79)

الطَّبْرِسيّ: قيل: معناه أنّ ايفاء الكيل و الوزن خير لكم في دنياكم فإنّه يكسب اسم الأمانة في الدّنيا.

(3: 414)

نحوه البُرُوسَويّ. (5: 156)

40 اِنَّا امَنَّا بِرَ بِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خََطَايَانَا وَمَا اَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَ اللهُ خَيْرٌ وَ اَبْقى. طه:73

ابن عبّاس: ما عند الله من الثّواب و الكرامة أفضل و أدوم ممّا تعطينا من المال. (264)

ابن كعب القُرَظيّ: خيرمنك إن أُطيع و أبقى منك عذابا إن عُصي.[و كذلك قال الطّبريّ]

( الطّبَريّ 8: 437)

نحوه الماوَرْديّ (3: 415).

ابن إسحاق:خير منك ثوابا و أبقى عذابا .

(الطّبَريّ8: 437)

لاحظ : ب ق ي: <اَبْقى>.

41 وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْف فَاِنْ اَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَاَنَّ بِهِ وَ اِنْ اَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّ نْيَا وَ الاخِرَةَ ’ذ لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبينُ‘. الحجّ:11

ص: 476

ابن عبّاس: نعمة. (278)

كان بعضهم إذا قدم المدينة فإن صحّ جسمه و نتجت فرسه مُهرًا حسنا ، و ولدت امرأته غلامًا، رضي به و اطمأنّ إليه. (الطُّوسيّ7: 296)

الطّبَريّ: هو السّعة من العيش، وما يُشبهه منأسباب الدّنيا.

(9: 115)

الثّعلبيّ: صحّة في جسمه و سعة في معيشته.

(7: 10)

نحوه البغَويّ (3: 326)، و القُرطُبيّ (12: 18)، و النّسَفيّ (3: 95).

الواحديّ : أي أصابه رخاء وعافية وخِصْب وكثر ماله، اطمأنّ على عبادة الله بذلك الخير.

(3: 261)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (4: 75)

الكاشانيّ: يعني عافية في الدّنيا. (3: 366)

42 وَ الْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فيهَا‘ خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ... الحجّ:36

ابن عبّاس:ثواب.

(280)

دنيا وآخرة. (الزّمَخْشَريّ3: 14)

النّخعيّ: اللّبن و الرّكوب إذا احتاج.

(الطّبَريّ 9: 152)

مُجاهد : أجر و منافع في البدن.

(الطّبَريّ 9: 152)

الطّبَريّ: يقول: لكم في البُدْن خير، و ذلك الخير هو الأجر في الآخرة بنحرها و الصّدقة بها و في الدّنيا: الرّكوب إذا احتاج إلى ركوبها. (9: 152)

الثّعلبيّ : النّفع في الدّنيا، و الأجر في العقبى.

(7: 23)

مثله البغَويّ (3: 341)، و النّسَفيّ(3: 102).

الطُّوسيّ: أي منافع في دينكم ودنياكم.

(7: 318)

الزّمَخْشَريّ: { لَكُمْ فيهَا‘ خَيْرٌ } كقوله: لكم فيها منافع، و من شأن الحاجّ أن يحرص على شيء فيه خير و منافع بشهادة الله تعالى. و عن بعض السّلف أنّه لايملك إلا تسعة دنانير فاشترى بها بدنة فقيل له في ذلك، فقال: إنّي سمعت ربّي يقول: { لَكُمْ فيهَا‘ خَيْرٌ }.

(3: 14)

الطَّبْرِسيّ: أي:نفع في الدّنيا و الآخرة. و قيل: أراد بالخير: ثواب الآخرة، و هو الوجه لأ نّه الغرض المطلوب. (4: 86)

الفَخْرالرّ ازيّ: قوله: { لَكُمْ فيهَا‘ خَيْرٌ } فالكلام فيه ما تقدّم في قوله: {لَكُمْ فيهَا‘ مَنَافِعُ } الحجّ: 33، و إذا كان قوله: { لَكُمْ فيهَا‘ خَيْر ٌ}كالتّرغيب، فالأولى أن يراد به الثّواب في الآخرة، و ما أخلق العاقل بالحرص على شيء شهد الله تعالى بأنّ فيه خيرً ا و بأنّ فيه منافع! (23: 36)

القُرطُبيّ: يريد به المنافع الّتي تقدّم ذكرها، و الصّواب عمومه في خير الدّنيا و الآخرة. (12: 61)

البَيْضاويّ: منافع دينيّة و دنيويّة.

(2: 92)

نحوه أبو السُّعود (4 : 382 )، و القاسميّ( 12: 4343).

ص: 477

الفاضل المقداد: أي لكم فيها مال من ظهورها و بطونها. و الخير يطلق على المال كما يجي ء و إنّما ذكر ذلك، لأ نّه فيالمعنى تعليل، لكون نحرها من شعائر الله، بمعنى أنّ نحرها مع كونها كثيرة النّفع و الخير، و شدّة محبّة الإنسان للمال من أدلّ الدّلائل على قوّة الدّين، و شدّة تعظيم أمر الله. (1: 313)

البُرُوسَويّ: نفع كثير في الدّنيا، و أجر عظيم في العقبى، و فيه إشارة إلى قربان بهيمة النّفس عند كعبة القلب، و أنّه من أعلام الدّين و شعار أهل الصّدق في الطّلب، و إنّ الخير في قربانها و ذبحها بسكّين الصّدق.

(6: 35)

ابن عاشور: تقديم { لَكُمْ } على المبتدإ ليتأتّى كون المبتدإ نكرة ليفيد تنوينه التّعظيم، وتقديم { فيهَا} على متعلّقه و هو { خَيْرٌ } للاهتمام بما تجمعه و تحتوي عليه من الفوائد.

و الخير : النّفع، و هو ما يحصل للنّاس من النّفع في الدّنيا، من انتفاع الفقراء بلحومها و جلودها و جِلالها و نعالها و قلائدها . و ما يحصل للمُهدين و أهلهم من الشّبع من لحمها يوم النّحر، و خير الآخرة من ثواب المُهدين، و ثواب الشّكر من المعطَيْن لحومَها لربّهم الّذي أغناهم بها . (17: 190)

43 وَ الَّذينَ‘ هَاجَرُوا فى سَبيلِ‘ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا اَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْ قًا حَسَنًا وَ اِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّ ازِقينَ‘. الحجّ: 58

44 قُلْ اِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا اَنْفَقْتُمْ مِنْ شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقينَ‘. سبأ: 39

45 وَاِذَا رَاَوْا تِجَارَةً اَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا اِلَيْهَا وَ تَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجَارَ ةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقينَ. ‘ الجمعة:11

راجع: رزق:<الرّازقين>.

46 قُلْ اَذ لِكَ خَيْرٌ اَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَ مَصيرًا‘.

الفرقان:15

الزّجّاج: إن قال قائل: كيف يقال: الجنّة خير من النّار، و ليس في النّار خير ألبتّة، و إنّما يقع التّفضيل فيما دخل في صنف واحد؟ فالجنّة و النّار قد دخلا في باب المنازل في صنف واحد، فلذلك قيل: أذلك خير أم جنّة الخلد؟ كما قال الله عزّوجلّ: { خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ اَحْسَنُ مَقيلا ‘ } الفرقان:24. (4: 60)

الطُّوسي: قال تعالى لنبيّه 9:قل لهم يا محمّد { اَ ذ لِكَ خَيْرٌ } يعني ما ذكره من السّعير و أوصافه خير { اَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ } و انّما قال ذلك على وجه التّنبيه لهم على تفاوت مابين الحالين. و إنّما قال: { اَ ذ لِكَ خَيْرٌ اَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ } و ليس في النّار خير، لأنّ المراد بذلك أيّ المنزلين خير؟ ! تبكيتًا لهم و تقريعا .

(7: 476)

نحوه الواحديّ. (3: 336)

ابن عَطيّة: المعنى: قل يا محمّد لهؤلاءالكفرة الّذين هم بسبيل مصير إلى هذه الأحوال من النّار: أذلك خير أم جنّة الخلد؟و هذا على جهة التّوقيف و التّوبيخ، و من حيث كان الكلام استفهاما جاز فيه

ص: 478

مجيء لفظ التّفضيل بين الجنّة و النّار في< الخير> لأنّ الموقف جائز له أن يوقف محاورة على ما يشاء ليرى هل يجيبه بالصّواب أو بالخطإ. و إنمّا يمنع سيبَوَيه و غيره من التّفضيل بين شيئين لا اشتراك بينهما في المعنى الّذي فيه تفضيل إذا كان الكلام خبرًا لأ نّه فيه محاليّة، و أمّا إذا كان استفهاما فذلك سائغ. و قيل: الإشارة بقوله: { اَذ لِكَ } إلى الجنّات الّتي تجري من تحتها الأنهار، و إلى القصور الّتي في قوله: { تَبَارَكَ الَّذى‘اِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ } الفرقان: 10، و هذا على أن يكون الجعل في الدّنيا. و قيل: الإشارة بقوله:{ اَذ لِكَ خَيْرٌ } إلى الكنز و الجنّة الّتي ذكر الكفّار.و الأصحّ إن شاء الله أنّ الإشارة بقوله: { اَذ لِكَ } إلى النّار.

(4: 203)

ابن الجَوْزيّ: قوله تعالى: { قُلْ اَذلِكَ } يعني: السّعير { خَيْرٌ اَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ}. و هذا تنبيه على تفاوت ما بين المنزلتين، لا على أنّ في السّعير خير.

(6: 76)

الفَخْرالرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا وصف حال العقاب المُعدّ للمكذّبين بالسّاعة أتبعه بما يؤكّد الحسرة و النّدامة، فقال لرسوله:{ اَذ لِكَ خَيْرٌ اَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ } أن يلتمسوها بالتّصديق و الطّاعة؟

فإن قيل: كيف يقال العذاب خير أم جنّة الخُلد، و هل يجوز أن يقول العاقل: السّكّر أحلى أم الصّبر؟

قلنا: هذا يحسن في معرض التّفريع، كما إذا أعطى السّيّد عبده مالا فتمرّد و أبى و استكبر فيضربه ضربا وجيعًا، و يقول على سبيل التّوبيخ: هذا أطيب أم ذاك؟

(24: 57)

نحوه النَّيسابوريّ. (18: 144)

القُرطُبيّ: إن قيل: كيف قال:{ اَ ذ لِكَ خَيْرٌ } ولاخير في النّار؟

فالجواب أنّ سيبَوَيه حكى عن العرب: الشّقاء أحبّ إليك أم السّعادة؟ و قد علم أن السّعادة أحبّ إليه.

و قيل: ليس هو من باب: أفعل منك، و إنّما هو كقولك: عنده خير. قال النّحّاس: و هذا قول حسن؛ كما قال:

* فشرّكما لخيركما الفداء*

قيل: إنّما قال ذلك، لأنّ الجنّة و النّار قد دخلتا في باب المنازل، فقال ذلك لتفاوت ما بين المنزلتين.

و قيل: هو مردود على قوله :{ تَبَارَكَ الَّذى‘ اِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذلِكَ } الفرقان: 10.

و قيل: هو مردود على قوله:{ اَوْ يُلْقى اِلَيْهِكَنْزٌ اَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَاْكُلُ مِنْهَا } الفرقان: 8.

و قيل: إنّما قال ذلك على معنى: علمكم و اعتقادكم أيّها الكفّار؛ و ذلك أنّهم لما كانوا يعملون عمل أهل النّار صاروا كأ نّهم يقولون: إن ّفي النّار خيرًا.

(13: 9)

نحوه أبوحَيّان. (6: 486)

البَيْضاويّ: الإشارة إلى العذاب؛ و الاستفهام و التّفضيل و التّرديد للتّقريع مع التّهكّم، أو إلى الكنز أو الجنّة، و الرّاجع إلى الموصول محذوف، و إضافة الجنّة إلى{ الْخُلْدِ} للمدح أو لدلالة على خلودها، أو التّمييز عن جنّات الدّنيا . (2: 140)

ص: 479

النّسَفيّ: أي المذكور من صفة النّار خير أم جنّة الخُلد الّتي وُعد المتّقون؟ أي وعدها، فالرّاجع إلى الموصول محذوف. و إنّما قال:{ اَذ لِكَ خَيْرٌ } و لاخير في النّار توبيخًا للكفّار. (3: 160)

البُرُوسَويّ: فان قيل: كيف يتصوّر الشّكّ في أ نّه أيّهما خير حتّى يحسن الاستفهام و التّرديد، و هل يجوز للعاقل أن يقول: السّكّر أحلى أم الصّبر؟ و هو دواء مُرّ، يقال ذلك في معرض التّقريع و التّهكّم و التّحسير على مافات.

و في< الوسيط > هذا التّنبيه على تفاوت مابين المنزلتين لا على أنّ فى السّعير خيرًا.

و قال بعضهم: هذا على المجاز و إن لم يكن في النّار خير، و العرب تقول: العافية خير من البلاء، و إنّما خاطبهم بما يتعارفون في كلامهم. (6: 195)

المَراغيّ: أي قل لهؤلاء المكذبين تهكّمًا بهم و تحسيرًا لهم على مافاتهم: أهذه النّار الّتي وصفت لكم خير أم جنّة الخلد الّتي يدوم نعيمها و لايبيد؟ و قد وعدها من اتّقاه فى الدّنيا بطاعته فيما به أمره و نهاه؟

(18: 157)

ابن عاشور: الأمر بالقول يقتضي مخاطبًا مقولا له ذلك، فيجوز أن يقصد: قل لهم، أي للمشركين الّذين يسمعون الوعيد و التّهديد السّابق: { اَذ لِكَ خَيْرٌ} ؟ فالجمل متّصلة السّياق، و الاستفهام حينئذ للتّهكّم؛ إذ لاشبهة في كون الجنّة الموصوفة خيرًا .

ويجوز أن يقصد : قل للمؤمنين، فالجملة معترضة بين آيات الوعيد، لمناسبة إبداء البون بين حال المشركين و حال المؤمنين، و الاستفهام حينئذ مستعمل في التّلميح و التّلطّف . و هذا كقوله: { اَذ لِكَ خَيْرٌ نُزُلا اَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ } في سورة الصّافّات: 62.

و الإشارة إلى المكان الضّيق في جهنّم .

و { خَيْرٌ } اسم تفضيل، و أصله أخيَر بوزن اسم التّفضيل، فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال. و التّفضيل على المحمل الأوّل في موقع الآية مستعمل للتّهكّم بالمشركين . و على المحمل الثّاني مستعمل للتّلميح في خطاب المؤمنين، و إظهار المنّة عليهم . (19: 23)مكارم الشّيرازيّ: هذا السّؤال، وطلب هذه المقايسة، ليس لأنّ أحدًا لديه شكّ في هذا الأمر، وليس لأنّ تلك العذابات الأليمة المهولة تستحقّ الموازنة و المقايسة مع هذه النّعم الّتي لانظير لها، بل إنّ هذا النّوع من الأسئلة و المطالبة بالمقارنة لأجل إيقاظ الضّمائر الهامدة؛ حيث تجعلها أمام أمر بديهيّ واحد، و على مفترق طريقين:

فإذا قالوا في الجواب: إنّ تلك النّعم أفضل و أعظم وهو ما سيقولونه حتمًا فقد حكموا على أنفسهم بأنّ أعمالهم خلاف ذلك. و إذا قالوا: إنّ العذاب أفضل من هذه النّعمة، فقد وقّعوا على وثيقة جنونهم، و هذا يُشبه ما إذا حذّرنا شابًّا ترك المدرسة و الجامعة بقولنا: اعلم أنّ السّجن هو مكان الّذين فرّوا من العلم و وقعوا في أحضان الفساد، ترى السّجن أفضل أم الوصول إلى المقامات الرّفيعة؟! (11: 188)

47 اَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ اَحْسَنُ

ص: 480

مَقيلا‘ . الفرقان: 24

مُقاتِل: أفضل منزلا في الجنّة. (3: 231)

مثله الواحديّ (3: 338)، و الطَّبْرِسيّ(4: 167).

الطُّوسي: معناه: إنّ الّذين يحصلون في الجنّة مثابين منعّمين في ذلك اليوم، مستقرّهم خير من مستقرّ الكفّار في الدّنيا و الآخرة. و إنّما قال ذلك على وجه المظاهرة، بمعنى أنّه لو كان لهم مستقرّ خير و منفعة، لكان هذا خيرًا منه. (7: 484)

ابن عَطيّة:جاءت { خَيْرٌ } هاهنا للتّفضيل بين شيئين لاشركة بينهما. (4: 207)

الفَخْرالرّازيّ: فاعلم أنّه سبحانه لمّا بيّن حال الكفّار في الخسار الكلّيّ و الخيبة التّامّة شرح وصف أهل الجنّة، تنبيها على أنّ الحظّ كلّ الحظّ في طاعة الله تعالى، و هاهنا سؤالات:

الأوّل: كيف يكون أصحاب الجنّة خيرًا مستقرًّا من أهل النّار، و لاخير في النّار، و لايقال في العسل: هو أحلى من الخلّ؟

و الجواب من وجوه:

الأوّل: ما تقدّم في قوله: { اَذ لِكَ خَيْرٌ اَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} الفرقان: 15.

و الثّاني: يجوز أن يريد أنّهم في غاية الخير، لأنّ مستقرًّا خير من النّار، كقول الشّاعر:

إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعزّ و أطول

الثّالث: التّفاضل الّذي ذُكر بين المنزلتين إنّما يرجع إلى الموضع، و الموضع من حيث إنّه موضع لاشرّ فيه.

الرّ ابع: هذا التّفاضل واقع على هذا التّقدير، أي لو كان لهم مستقرّ فيه خير لكان مستقرّ أهل الجنّة خيرًا منه. (24: 72)

القُرطُبيّ: تقدّم القول فيه عند قوله تعالى:{ قُلْ اَذ لِكَ خَيْرٌ اَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } الفرقان: 15. قال النّحّاس: والكوفيّون يجيزون< العسل أحلى من الخلّ >و هذا قول مردود، لأنّ معنى: فلان خير من فلان أنّه أكثر خيرًا منه، ولاحلاوة في الخلّ. و لايجوز أن يقال: النّصرانيّ خير من اليهوديّ، لأ نّه لا خير فيهما، فيكون أحدهما أزيد في الخير. لكن يقال: اليهوديّ شرّ من النّصرانيّ، فعلى هذا كلام العرب. و { مُسْتَقَرًّا } نصب على الظّرف إذا قُدّر على غير باب <أفعل منك> و المعنى: لهم خير في مستقرّ. و إذا كان من باب <أفعل منك > فانتصابه على البيان، قاله النّحّاس و المهدويّ. (13: 22)

أبوحَيّان: { خَيْرٌ } قيل: ليست على بابها من استعمالها دلالة على الأفضليّة، فيلزم من ذلك خير في مستقرّ أهل النّار، و يمكن إبقاؤها على بابها و يكون التّفضيل وقع بين المستقرّين و المقيلين باعتبار الزّمان الواقع ذلك فيه. فالمعنى{ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا } في الآخرة من الكفّار المترفين في الدّنيا { وَاَحْسَنُ مَقيلا ‘} في الآخرة من أُولئك في الدّنيا. و قيل: { خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا } منهم لو كان لهم مستقرّ، فيكون التّقدير: وجود مستقرّ لهم فيه خير. (6: 493)

السّمين: في < أفعَل > هنا قولان:

ص: 481

أحدهما: أنّها على بابها من التّفضيل. و المعنى أنّ المؤمنين خير في الآخرة مستقرًّا من مستقرّ الكفّار، و أحسن مقيلا من مقيلهم، لو فُرض أن يكون لهم ذلك، أو على أ نّه خير في الآخرة منهم في الدّنيا. و الثّاني: أن تكون لمجرّد الوصف من غير مفاضلة.

(5: 251)

البُرُوسَويّ: و المعنى خير مستقرًّا من هؤلاء المشركين المتنعّمين في الدّنيا.

و يجوز أن يكون التّفضيل بالنّسبة إلى ما للكفرة في الآخرة .

فإن قلت: كيف يكون أصحاب الجنّة خير مستقرًّا من أهل النّار و لاخير في النّار، و لايقال: العسل أحلى من الخلّ؟

قلت إنّه من قبيل التّقريع و التّهكّم كما في قوله تعالى: { قُلْ اَذ لِكَ خَيْرٌ اَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ } الفرقان: 15، كما سبق، و يجوز أن يكون التّفضيل لإرادة الزّيادة المطلقة، أي هم في أقصى ما يكون من خير. (6: 202)

شُبّر: مكانًا يستقرّ فيه، و التّقضيل بالنّسبةإلى ما للمترفين في الدّنيا، أو أُريد به الزّيادة مطلقًا. (4: 354)

ابن عاشور: و الخير هنا تفضيل، و هو تهكّم بالمشركين. (19: 35)

مَغْنِيّة: ذكر سبحانه المؤمنين عند ذكر الكافرين على عادته، وقال: لهؤلاء عندنا منازل الشّرّ و الجحيم، و لأُولئك منازل الخير و النّعيم، و ليس المراد هنا من كلمة { خَيْرٌ} و { اَحْسَن } التّفضيل، بل المراد إنّ كلا من المستقرّو المقيل هو خير و حسن في نفسه، مثل الله أكبر، أي كبير في ذاته و صفاته. (5: 463)

الطَّباطَبائيّ: و كلمتا { خَيْرٌ } و { اَحْسَنَ }منسلخان عن معنى التّفضيل كما في قوله تعالى: { وَ هُوَ اَهْوَنُ عَلَيْهِ } الرّوم: 27، و قوله: { مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ } الجمعة: 11، كذا قيل. و ليس يبعد أن يقال: إنّ < أفعل > أو ما هو في معناه كخير بناء على ما رجّحنا أنّه صفة مشبّهة تدلّ على التّفضيل بمادّته لابهيئته، في مثل هذه الموارد غير منسلخ عن معنى التّفضيل، و العناية في ذلك أنّهم لما اختاروا الشّرك

و الإجرام و استحسنوا ذلك و لازمه النّار في الآخرة، فقد اثبتوا لها خيريّة و حسنًا، فقوبلوا بأنّ الجنّة و ما فيها خير و أحسن حتّى على لازم قولهم، فعليهم أن يختاروها على النّار، و أن يختاروا الإيمان على الكفر على أي ّحال. و قيل: إنّ التّفضيل مبنيّ على التّهكّم.

(15: 201)

مكارم الشّيرازيّ: ليس معنى هذا الكلام أنّ وضع أهل جهنّم حسن، و وضع أهل الجنّة أحسن، لأنّ صيغة <أفعل التّفضيل> تأتي أحيانًاحيث يكون أحد الأطراف واجدًا للمفهوم، والآخر فاقدًا له كلّيًّا. مثلا نقرأ في الآية: 40، من سورة فصّلت: { اَفَمَنْ يُلْقى فِى النَّارِ خَيْرٌ اَمْ مَنْ يَاْتى امِنًا يَوْمَ الْقِيمَةِ }. (11: 205)

48 قُلِ الْحَمْدُ للهِ‚ وَ سَلامٌ عَلى عِبَادِهِ الَّذينَ‘ اصْطَفى اللهُ خَيْرٌ اَمَّا يُشْرِكُونَ.

النّمل: 59

مُقاتِل : قال الله عزّ و جلّ: { اللهُ خَيْرٌ اَمَّا يُشْرِكُونَ} به يقول الله تبارك و تعالى أفضل أم الآلهة

ص: 482

الّتي تعبدونها؟ يعني كفّار مكّة كان النّبيّ(صلی الله علیه و آله) إذا قرأ هذه الآية قال: <بل الله خير و أبقى و أجلّ و أكرم>.

(3: 313)

نحوه الثّعلبيّ (7: 218)، و الواحديّ (3: 383).

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين زيّنّا لهم أعمالهم من قومك فهم يعمهون: آلله الّذي أنعم على أوليائه هذه النّعم الّتي قصّها عليكم في هذه السّورة و أهلك أعداءه بالّذي أهلكهم به من صنوف العذاب الّتي ذكرها لكم فيها خير. (10: 4)

الطُّوسي: { اللهُ خَيْرٌ اَمَّا }، معناه خير لنا منّا لأنفسنا، ولفظ < أفعل > لايدخل إلا بين شيئين يشتركان في حكم، و يفضل أحدهما على صاحبه، و ما يعبدون من دون الله لاخير فيه. قال أبوعليّ: يجوز أن يقع ذلك في الخير الّذي لاشرّ فيه، و الشّرّ الّذي لاخير فيه. و إن كان يتوهّم بعض الجهّال الأمر على خلاف ما هو به، فيقول((1)):

هذا الخير خير من الشّرّ، و أنكر على من خالف هذا. و أجاز قوم من أهل اللّغة ذلك على ما مضى القول فيه في غير موضع. (8 : 107)

الزّمَخْشَريّ: معلوم أن لاخير فيما أشركوهأصلا حتّى يُوازَن بينه و بين من هو خالق كلّ خير و مالكه، و إنّما هو إلزام لهم وتبكيت و تهكّم بحالهم؛

و ذلك أ نّهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله، ولا يُؤثر عاقل شيئا على شيء إلا لداع يدعوه إلى إيثاره من زيادة خير و منفعة، فقيل لهم مع العلم بأ نّه لاخير فيما آثروه و أنّهم لم يؤثروه لزيادة الخير ولكن هوًى و عبثا لينبّهوا على الخطإ المفرط و الجهل المُورّط، و إضلالهم التّمييز و نبذهم المعقول، و ليعلموا أنّ الإيثار يجب أن يكون للخير الزّائد. و نحوه ما حكاه عن فرعون { اَمْ اَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذى‘ هُوَ مَهين ‘} الزّخرف: 52، مع علمه أ نّه ليس لموسى مثل أنهاره الّتي كانت تجري تحته. ثمّ عدّد سبحانه الخيرات و المنافع الّتي هي آثار رحمته و فضله، كما عدّدها في موضع آخر. (3: 154)

نحوه الفَخْرالرّازيّ (24: 205)، و النّسَفيّ

(3: 217)، و أبوالسُّعود (5: 94)، و البُرُوسَويّ (6: 360)، و القاسميّ (13: 4676).

ابن عَطيّة: في هذا التّفضيل بلفظة { خَيْرٌ } أقوال أحدها: أنّ التّفضيل وقع بحسب معتقد المشركين؛ إذ كانت تعتقد أنّ في آلهتها خيرا بوجه مّا

و قالت فرقة: في الكلام حذف مضاف في موضعين: التّقدير أتوحيد الله خير أم عبادة ما تشركون؛ ف (مَا) في هذه الآية بمعنى < الّذي > و قالت فرقة: (ما) مصدريّة و حذف المضاف إنّما هو أوّ لا تقديره أتوحيد الله خير أم شرككم.

و قيل { خَيْرٌ } هنا ليست بأفعل إنّما هي فعل، كما تقول: الصّلاة خير دون قصد تفضيل.

و قد تقدّم أنّ هذه الألفاظ الّتي تعمّ معاني كثيرة، ك < خير و شرّ وأحبّ > و نحو ذلك، قد يقع التّفضيل بها بين أشياء متباينة، لأنّ المتباينات قد ربما اشترك فيها و لو بوجه ضعيف بعيد. و أيضا فهذا تقرير،

ص: 483


1- (1) في الأصل : فتقول !!

و المجادل يُقرّر خصمه على قسمين؛ أحدهما فاسد، ليرى وقوعه، و قد استوعبنا هذا فيما مضى.

و قالت فرقة: تقدير هذه الآية: الله ذو خير أمّا تُشركون. (4: 266)

الطَّبْرِسيّ: يا أهل مكّة، يعني: الله خير لمن عبده، أم الأصنام لعابديها. و هذا إلزام للحجّة على المشركين، بعد ذكر هلاك الكفّار.و المعنى: أنّ الله تعالى نجّى من عبَده من الهلاك، و الأصنام لم تُغن شيئا عن عابديها عند نزول العذاب، و إنّما قال ذلك لأ نّهم توهّموا في عبادة الأصنام خيرًا. (4: 228)

نحوه الخازن. (5: 127)

ابن الجَوْزيّ: و المعنى: الله خير لمن عبَده، أم الأصنام لعابديها؟ و معنى الكلام: أنّه لما قصّ عليهم قصص الأُمم الخالية، أخبرهم أنّه نجّى عابديه، و لم تغن الأصنام عنهم. (6: 185)

القُرطُبيّ: { خَيْرٌ } هاهنا ليس بمعنى أفضلمنك، و إنّما هو مثل قول الشّاعر:

أ تهجوه و لست له بكفء

فشرّ كما لخيركما الفداء

فالمعنى فالّذي فيه الشّرّ منكما للّذي فيه الخير الفداء. و لايجوز أن يكون بمعنى<من> لأ نّك إذا قلت: فلان شرّ من فلان، ففي كلّ واحد منهما شرّ.

و قيل: المعنى: الخير في هذا أم في هذا الّذي تشركونه في العبادة؟ و حكى سيبويه: السّعادة أحبّ إليك أم الشّقاء؟ وهو يعلم أن ّالسّعادة أحبّ إليه.

و قيل: هو على بابه من التّفضيل، و المعنى: آلله خير أم ما تشركون؟ أي أثوابه خير أم عقاب ما تُشركون؟

و قيل: قال لهم ذلك، لأ نّهم كانوا يعتقدون أن في عبادة الأصنام خير، فخاطبهم الله عزّ و جلّ على اعتقادهم.

و قيل: اللّفظ لفظ الاستفهام و معناه الخبر.

(13: 220)

نحوه الشَّوْكانيّ(4: 183)، و المَراغيّ (20: 7).

البَيْضاويّ: إلزام لهم و تهكّم بهم و تسفيه لرأيهم؛ إذ من المعلوم أن لا خير فيما أشركوه رأسًا حتّى يُوازَن بينه و بين مَن هو مبدأ كلّ خير. (2: 180)

نحوه المشهديّ. (7: 359)

أبوحَيّان: استفهام فيه تبكيت و توبيخ و تهكّم بحالهم، و تنبيه على موضع التّباين بين الله تعالى و بين الأوثان؛ إذ معلوم عند من له عقل أنّه لاشركة في الخيريّة بين الله تعالى و بينهم، و كثيرً ا ما يجيء هذا النّوع من أفعل التّفضيل؛ حيث يعلم و يتحقّق أنّه لاشركة فيها، و إنّما يُذكر على سبيل إلزام الخصم، و تنبيهه على خطإ مرتكبه.

و الظّاهر أنّ هذا الاستفهام هو عن خيريّة الذّوات، فقيل: جاء على اعتقاد المشركين؛ حيث اعتقدوا في آلهتهم خيرًا بوجه ما.

و قيل: في الكلام حذف في موضعين، التّقدير: أتوحيد الله خير أم عبادة ما يشركون؟ ف (ما) في < أم ما> بمعنى < الّذي >.

و قيل: (ما) مصدريّة، و الحذف من الأوّل، أي

ص: 484

أتوحيدالله خير أم شرككم؟

و قيل: { خَيْرٌ } ليست للتّفضيل، فهي كما تقول: الصّلاة خير، يعني خيرًا من الخيور.

و قيل: التّقدير: ذوخير.

و الظّاهر أنّ خيرًا أفعل التّفضيل، و أنّ الاستفهام في نحو هذا يجيء لبيان فساد ما عليه الخصم، و تنبيهه على خطئه،و إلزامه الإقرار بحصر التّفضيل في جانب واحد، و انتفائه عن الآخر. (7: 88)

نحوه السّمين. (5: 321)

الآلوسيّ: [قال نحو الزّمَخْشَريّ و أبي حَيّان]

(20: 3)

ابن عاشور: جاء { خَيْرُ } بصيغة التّفضيل لقصد مجاراة معتقدهم أنّ أصنامهم شركاء الله فيالإلهيّة؛ بحيث كان لهم حظّ وافر من الخير في زعمهم، فعبّر ب { خَيْرٌ } لإيهام أنّ المقام لإظهار رجحان إلهيّة الله تعالى على أصنامهم، استدراجًا لهم في التّنبيه على الخطإ مع التّهكّم بهم؛ إذ آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله . و العاقل لايُؤثر شيئًا على شيء إلا لداع يدعو إلى إيثاره. ففي هذا الاستفهام عن الأفضل في الخير تنبيه لهم على الخطإ المفرط و الجهل الُموّرط لتنفتح بصائرهم إلى الحقّ إن أرادوا اهتداءً. و المعنى ءالله الحقيق بالإلهيّة أم ما تشركونهم معه؟ (19: 284)

الطَّباطَبائيّ: قوله: { اللهُ خَيْرٌ اَمَّا يُشْرِكُونَ } من تمام الخطاب للنّبيّ(صلی الله علیه و آله) و الاستفهام للتّقرير، و محصّل المراد أنّه إذا كان الثّناء كلّه لله و هو المصطفي لعباده المصطفين، فهو خير من آلهتهم الّذين يعبدونهم، و لاخلق و لاتدبير لهم يحمدون عليه و لاخير بأيديهم يفيضونه على عبادهم. (15: 379)

فضل الله: ...ثمّ فكّروا في ما يوحي به ذلك من اختزان عظمة الله في النّفس، و المقارنة بينه وبين غيره، ممّا يُشرك النّاس به في العبادة، ليتساءلوا من قاعدة الفكر المنفتح المقارن:{ الله ُخَيْرٌ اَمَّا يُشْرِكُونَ } وسيخرجون بنتيجة حاسمة واحدة، هي أنّ الله هو الأعظم و الأعلى و الأقوى و الأفضل في كلّ شيء، لأ نّهم المربوبون له و هو الرّبّ، ولأ نّهم المحتاجون إليه و هو الغنيّ، و لأ نّهم المخلوقون الّذين يستمدّون كلّ شيء منه وهو الخالق، فأيّ فضل لهم لايرجع إليه؟! و لعلّ إثارة هذا السّؤال في الموقف العقيديّ هو لتسجيل الفكرة، لالحاجتها إلى الإيضاح و التّحليل.

(17: 224)

49 مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذ امِنُونَ .

النّمل: 89

ابن عبّاس: أي فمنها وصل إليه الخير .

(الطّبَريّ 10: 23)

عِكْرِمَة:ليس شيء خيرًا من لا إله إلا الله، و لكن له منها خير. (الطّبَريّ 10: 23)

الخير: الثّواب.

مثله الحسَن و ابن جُرَيْح. (أبوحَيّان7: 101)

ابن كعب القُرَظيّ: معناه: فله أفضل منها في معظم النّفع، لأ نّه يُعطي بالحسنة عشرًا.

مثله زَيْد بن أسلم، و ابن زَيْد. (الطَّبْرِسيّ 4 : 237)

قَتَادة: له منها حظّ. (الطّبَريّ 10: 23)

ص: 485

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: { مَنْ جَاءَ } الله بتوحيده و الإيمان به، و قول: لا إله إلا الله موقنا به قلبه { فَلَهُ } من هذه الحسنة عند الله { خَيْرٌ } يوم القيامة؛ و ذلك الخير أن يُثيبه الله { مِنْهَا } الجنّة و يؤمِّنه.

(10: 21)

الطُّوسي: أي خير يصيبه منها. و قيل: فله أفضل منها في عظم النّفع، لأنّ له بقيمتها و بالوعد الّذي و عده الله بها، كأنّه قال:من أتى بالحسنة الّتي هي الإيمان و التّوحيد و الطّاعة لله يوم القيامة، يكون آمنا لايفزع، كما يفزع الكفّارو الفسّاق. (8: 124)

الزّمَخْشَريّ: يريد الإضعاف، و أنّ العمل يتقضّى و الثّواب يدوم، و شتّان ما بين فعل العبد و فعل السّيّد. و قيل: فله خير منها، أي له خير حاصل من جهتها و هو الجنّة. (3: 162)

نحوه شُبّر. (4: 445)

ابن عَطيّة: يحتمل أن يكون للتّفضيل، و يكون في قوله: { مِنْهَا } حذف مضاف، تقديره خير من قدرها و استحقاقها، بمعنى أنّ الله تعالى تفضّل عليه فوق ما تستحقّ حسنته. قال ابن زَيْد: يُعطي بالواحدة عشرًا. و الدّاعية إلى هذا التّقدير أنّ الحسنة لايتصوّر بينها و بين الثّواب تفضيل. و يحتمل أن يكون {خَيْرٌ} ليس للتّفضيل بل اسم للثّواب و النّعمة، و يكون قوله تعالى: { مِنْهَا } لابتداء الغاية، أي هذا الخير الّذي يكون له هو من حسنته و بسببها، و هذا قول الحسَن و ابن جُرَيْج. ( 4: 273)

الطَّبْرِسيّ: المعنى: فله من تلك الحسنة خير يوم القيامة و هو الثّواب و الأمان من العقاب. ف { خَيْرٌ } هاهنا اسم، و ليس بالّذي هو بمعنى الأفضل. ( 4: 237)

الفَخْرالرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا تكلّم في علامات القيامة شرح بعد ذلك أحوال المكلّفين بعد قيام القيامة؛ و المكلّف إمّا أن يكون مطيعا أو عاصيا :

أمّا المطيع فهو الّذي جاء بالحسنة، وله أمران:

أحدهما: أنّ له ما هو خير منها، و ذلك هو الثّواب. فإن قيل: الحسنة الّتي جاء العبد بها يدخل فيها معرفة الله تعالى؛ و الإخلاص في الطّاعات و الثّواب إنّما هو الأكل و الشّرب، فكيف يجوز أن يقال: الأكل و الشّرب خير من معرفة الله؟ جوابه من وجوه:

أحدها: أنّ ثواب المعرفة النّظريّة الحاصلة في الدّنيا هي المعرفة الضّروريّة الحاصلة في الآخرة، ولذّة النّظر إلى وجهه الكريم سبحانه و تعالى، و قد دلّت الدّلائل على أنّ أشرف السّعادات هي هذه اللّذّة، ولو لم تحمل الآية على ذلك لزم أن يكون الأكل و الشّرب خيرًا من معرفة الله تعالى و أنّه باطل.

و ثانيها: أنّ الثّواب خير من العمل، من حيث إنّ الثّواب دائم و العمل منقض، و لأنّ العمل فعل العبد، و الثّواب فعل الله تعالى.

و ثالثها: { فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } أي له خير حاصل من جهتها، و هو الجنّة. (24: 221)

البَيْضاويّ: قيل: { خَيْرٌ مِنْها }، أي خير حاصل من جهتها، و هو الجنّة. (2: 185)

النّسَفيّ: أي فله خير حاصل من جهتها و هو الجنّة، و على هذا لايكون { خَيْرٌ } بمعنى أفضل،

ص: 486

و يكون { مِنْهَا } في موضع رفع صفة ل {خَيْرٌ } أي بسببها. (3: 224)الخازن: قيل : معنى { خَيْرٌ مِنْهَا } الأضعاف، أعطاه الله بالواحدة عشر أضعافها، لأنّ الحسنة استحقاق العبد، و التّضعيف تفضيل الرّبّ تبارك وتعالى. (5: 133)

أبوحَيّان: و رتّب على مجيء المكلّف بالحسنة شيئين:

أحدهما: أ نّه له خير منها، و يظهر أنّ خيرً ا ليس أفعل تفضيل، و <من> لابتداء الغاية،أي له خير من الخيور مبدؤه و نشؤه منها، أي من جهة هذه الحسنة، و <الخير> هنا: الثّواب. و هذا قول الحسَن، و ابن جُرَيْج، و عِكْرِمَة.

قال عكرمة: ليس شيء خيرًا من لا إله إلا الله، يريد أنّها ليست أفعل التّفضيل. و قيل: أفعل التّفضيل.

(7: 101)

السّمين: { فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } في{ خَيْرٌ } وجهان:

أحدهما: أنّها للتّفضيل باعتبار زعمهم، أو على حذف مضاف، أي خير من قدرها و استحقاقها، ف { مِنْها }في محلّ نصب.

و أن لاتكون للتّفضيل، فيكون { مِنْهَا } في موضع رفع صفة لها. (5: 329)

الشِّربينيّ: أي أفضل { مِنْهَا } مضاعفًا، أقلّ ما يكون عشرةأضعاف إلى مالايعلمه إلا الله تعالى. و قيل: له خير حاصل من جهتهاو هو الجنّة. و فسّر الجلال المحلّي { الْحَسَنَةِ } ب <لا إله إلا الله> و قال في { فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا }: أي بسببها. فليس للتّفضيل؛ إذ لافعل خير منه، و هذا يناسب القول الثّاني. (3: 78)

أبوالسُّعود: { مِنْهَا } بيان لما أُشير إليه بإحاطة علمه تعالى بأفعالهم من ترتيب أجزيتها عليها، أي من جاء منكم أو من أُولئك الّذين أتوه تعالى بالحسنة، فله من الجزاء ما هو خير منها، إمّا باعتبار أنّه أضعافها، و إمّا باعتبار دوامه و انقضائها. و قيل: فله خير حاصل من جهتها و هو الجنّة. (5: 107)

البُرُوسَويّ: نفع و ثواب حاصل من جهتها و لأجلها و هو الجنّة، ف {خَيْرٌ } اسم من غير تفضيل؛ إذ ليس شيء خيرًا من قول: لا اله الا الله. و يجوز أن يكون صيغة تفضيل إن أُريد ب { الْحَسَنَةِ } غير هذه الكلمة من الطّاعات، فالمعنى: إذا فعله من الجزاء ما هو خير منها إذا ثبت له الشّريف بالخسيس و الباقي بالفاني و عشرة بل سبعمئة بواحد. (6: 376)

الآلوسيّ: و الظّاهر أنّ < خيرًا > للتّفضيل،

و فضل الجزاء على الحسنة كائنة ما كانت، قيل: باعتبار الأضعاف أو باعتبار الدّوام. و زعم بعضهم أنّ الكلام بتقدير مضاف، أي خير من قَدْرها، و هو كما ترى. و قال بعض الأجلّة: ثواب المعرفة النّظريّة و التّوحيد الحاصل في الدّنيا هي المعرفة الضّروريّة على أكمل الوجوه في الآخرة، و النّظر إلى وجهه الكريم جلّ جلاله؛ وذلك أشرف السّعادات.

(20: 37)

ابن عاشور: و { خَيْرٌ مِنْهَا } اسم تفضيل اتّصلت به (مِنْ) التّفضيليّة، أي فله جزاء خير من حسنة واحدة، لقوله تعالى في الآية الأُخرى: { فَلَهُ

ص: 487

عَشْرُاَمْثَالِهَا } الأنعام: 160، أو خير منها شرفًا، لأنّ الحسنة من فعل العبد و الجزاء عليها من عطاء الله.

(19: 322)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا ما أورده بعضهم بأنّه: على فرض العموم في {الْحَسَنَةِ} فسوف تشمل الإيمان بالله. و هل هناك خير من الإيمان حتّى يقول سبحانه:{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا }؟

فالجواب على هذا الإشكال واضح، لأنّ رضا الله خير من الإيمان. و بتعبير آخر: جميع هذه الأُمور مقدّمة له، و ذو المقدّمة خير من المقدّمة! (12: 144)

فضل الله: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } لأنّ الله يريد أن يقوّي عمل الخير في حياة الإنسان، ليعيش من أجله فكرًا و شعورًا و عملا ، من أجل أن يتجسّد في ذاته و يمتدّ في حركته و ينطلق في أهدافه، و لهذا أكّد الله في أكثر من آية أنّ { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ اَمْثَالِهَا } الأنعام: 160، و أنّ الإنفاق في سبيل الله { كَمَثَلِ حَبَّة اَ نْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فى كُلِّ سُنْبُلَة مِائَةُ حَبَّة} البقرة: 261، كما ورد في الحديث أنّ درهم القرض بثمانية عشر. و هكذا يحسّ العاملون بالحسنات أنّهم موضع رعاية الله و كرامته في عالم الثّواب. (17: 251)

50 فَسَقى لَهُمَا ثُمَّ تَوَ لى| اِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ اِنّى لِمَا اَنْزَلْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقيرٌ‘.

القصص:24

الإمام عليّ(علیه السلام): و الله ما سأله إلا خبزًا يأكله، لأ نّه كان يأكل بقلة الأرض. لقد كانت خضرة البقلة تُرى من شفيف صفاق بطنه، لهزاله، و تَشَذُّب لحمه.

(الطَّبْرِسيّ 4: 248)

ابن عبّاس: من طعام. (325)

نحوه مُجاهِد (الطّبَريّ10: 57)، و مُقاتِل(3: 341)، و ابن زَيْد (الطّبَريّ10: 58)، و الثّعلبيّ(7: 244)، و البغَويّ (3: 529)، و شُبّر(5: 17).

ورد الماء و إنّه ليتراءى خُضرة البقل في بطنه من الهُزال { فَقَالَ رَبِّ اِنّى لِمَا اَ نْزَ لْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقيرٌ‘ } : شَبعة.

نحوه سعيدبن جُبَيْر. (الطّبَريّ10: 57)

سأل نبيّ الله فلق خبز يُقيم به صُلبه.

(الطَّبْرِسيّ 4: 248)

لقد قال موسى: ولو شاء إنسان أن ينظر إلى خُضْرة أمعائه من شدّة الجوع و ما يسأل الله إلا أكلة.

(الطّبَريّ10: 57)

الحسَن : سأل الزّيادة في العلم و الحكمة.

(أبو حَيّان 7: 114)

الإمام الباقر(علیه السلام): لقد قالها و إنّه لمحتاج إلىشقّ تمرة. (الثّعلبيّ7: 244)

قَتادَة: { رَبِّ اِنّى لِمَا اَنْزَلْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقيرٌ ‘} كان نبيّ الله بجهد. (الطّبَريّ10: 57)

الإمام الصّادق(علیه السلام): سأل الطّعام. (شُبّر5: 17)

الطّبَريّ: ذُكر أنّ نبيّ الله موسى (علیه السلام) قال هذا القول و هو بجهد شديد، و عَرّض ذلك للمرأتين تعريضا لهما، لعلّهما أن تُطعماه ممّا به من شدّة الجوع.

و قيل: إنّ الخير الّذي قال نبيّ الله: { اِنّى لِمَا

ص: 488

اَنْزَلْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقيرٌ ‘} محتاج، إنّما عنى به: شَبْعَةٌ من طعام. (10: 56)

الزّمَخْشَريّ: { اَ نْزَلْتَ اِلَىَّ } قليل أو كثير غثّ أو سمين ل { فَقيرٌ‘}. و إنّما عدّي فقير باللام، لأ نّه ضمّن معنى سائل و طالب. قيل: ذكر ذلك و إنّ خُضرة البقل تتراءى في بطنه من الهُزال ما سأل الله إلا أكلة. و يحتمل أن يريد: إنّي فقير من الدّنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير الدّين، و هو النّجاة من الظّالمين، لأ نّه كان عند فرعون في مُلك و ثروة. قال: ذلك رضًا بالبدل السَّنيّ و فرحا به و شكرًا له. (3: 171)

نحوه البَيْضاويّ ( 2: 191 )، و النّسَفيّ(3 : 232)، و الشِّربينيّ(3: 91)، و أبوالسُّعود(5: 118)، و القاسميّ (13: 4702).

الفَخْرالرّازيّ: و اعلم أنّ هذا الكلام يدلّ على الحاجة: إمّا إلى الطّعام أو إلى غيره، إلا أنّ المفسّرين حملوه على الطّعام. قال ابن عبّاس: يريد طعاما يأكله، و قال الضّحّاك:مكث سبعة أيّام لم يذق فيها طعاما إلا بقل الأرض.

و روي أنّ موسى(علیه السلام) لمّا قال ذلك رفع صوته ليُسمع المرأتين ذلك. فإن قيل: إنّه(علیه السلام) لمّا بقي معه من القوّة ما قدر بها على حمل ذلك الدّلو العظيم، فكيف يليق بهمّته العالية أن يطلب الطّعام، أليس أنّه (علیه السلام) قال: لاتحلّ الصّدقة لغنيّ و لالذي قوّة سوي؟ قلنا: أمّا رفع الصّوت بذلك لإسماع المرأتين وطلب الطّعام، فذاك لايليق بموسى(علیه السلام) ألبتّة، فلاتقبل تلك الرّواية، ولكن لعلّه (علیه السلام) قال ذلك في نفسه مع ربّه تعالى.

و في الآية وجه آخر، كأ نّه قال: ربّ إنّي بسبب ما أنزلت إليّ من خير الدّين صرت فقيرًافي الدّنيا، لأ نّه كان عند فرعون في مُلك وثروة، فقال ذلك رضًى بهذا البدل و فرحًا به و شكرًا له، و هذا التّأويل أليق بحال موسى (علیه السلام). (24: 240)

القُرطُبيّ : تعرّض لسؤال ما يطعمه بقوله: { اِنّى لِمَا اَنْزَلْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقيرٌ ‘} وكان لم يذق طعامًا سبعة أيّام، و قد لصق بطنه بظهره، فعرض بالدّعاء و لم يصرّح بسؤال. هكذا روى جميع المفسّرين أنّه طلب في هذا الكلام ما يأكله؛ فالخير يكون بمعنى الطّعام كما في هذه الآية و يكون بمعنى المال، كما قال: {اِنْ تَرَكَ خَيْرًا } البقرة: 180، و قول: { وَ اِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَديدٌ ‘} العاديات:8، و يكون بمعنى القوّ ة، كما قال: { اَهُمْ خَيْرٌ اَمْ قَوْمُ تُبَّع }الدّخان:37، و يكون بمعنى العبادة، كقوله: { وَ اَوْحَيْنَا اِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ } الأنبياء: 73.

قال ابن عبّاس: و كان قد بلغ به الجوع، و اخضرّ لونه من أكل البقل في بطنه، وإنّه لأكرم الخلق على الله. ويروى أنّه لم يصل إلى مدين حتّى سقط باطن قدميه. و في هذا معتبر و إشعار بهوان الدّنيا على الله.

و قال أبو بكر بن طاهر في قوله: { اِنّىلِمَا اَ نْزَلْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقيرٌ ‘} أي إنّي لما أنزلت من فضلك و غناك فقير إلى أن تغنيني بك عمّن سواك.

قلت: ما ذكره أهل التّفسير أولى، فإنّ الله تعالى إنّما أغناه بواسطة شعيب. (13: 269)

نحوه الآلوسيّ. (20: 64)

ص: 489

البُرُوسَويّ: أي أيّ شي ء أنزلته إليّ مِنْ{ خَيْر } قليل أو كثير. و حمله الأكثرون على الطّعام بمعونة المقام{ فَقيرٌ‘ } محتاج سائل، و لذلك عُدّي باللام. و فيه إشارة الى أن ّالسّالك إذا بلغ عالم الرّوحانيّة لاينبغى أن يقنع بما وجد من معارف ذلك العالم، بل يكون طالبًا للفيض الإلهيّ بلا واسطة.

قال بعضهم هذا موسى كليم الله لمّا كان طفلا في حجر تربية الحقّ ما تجاوز حدّه بل قال ربّ فلمّا بلغ مبلغ الرّجال ما رضي بطعام الأطفال بل { قَاَل رَبِّ اَرِنى اَنْظُرْاِلَيْكَ } الأعراف: 143، فكان غاية طلبه فى بدايته الطّعام و الشّراب،وفى نهايته رفع الحجاب و مشاهدة الأحباب.

قال ابن عَطاء : نظر من العبوديّة إلى الرّبوبيّة فخشع و خضع و تكلّم بلسان الافتقار، لما ورد على سرّه من أنوار الرّبوبيّة، فافتقاره افتقار العبد إلى مولاه في جميع أحواله لا افتقار سؤال و طلب، انتهى .

(6: 396)

ابن عاشور : قوله : { اِنّى لِمَا اَ نْزَلْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر} ثناء على الله بأنّه معطي الخير.

و الخير: ما فيه نفع و ملاءمة لمن يتعلّق هو به، فمنه خير الدّنيا و منه خير الآخرة الّذي قد يُرى في صورة مشقّة، فإنّ العبرة بالعواقب. قال تعالى: { وَ لا تُعْجِبْكَ اَمْوَالُهُمْ وَاَوْ لادُهُمْ اِ نَّمَا يُريدُ‘ اللهُ اَنْ يُعَذِّ بَهُمْ بِهَا فِى الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ اَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} التّوبة : 85.

و قد أراد النّوعين، كما يرمز إلى ذلك التّعبير عن إيتائه الخير بفعل {اَنْزَلْتَ} المشعر برفعة المعطى. فأوّل ذلك إيتاء الحكمة و العلم.

و من الخير إنجاؤه من القتل، و تربيته الكاملة في بذخة الملك و عزّته، و حفظه من أن تتسرّب إليه عقائد العائلة الّتي ربّي فيها، فكان منتفعًا بمنافعها مجنبًا رذائلها و أضرارها. و من الخير أن جعل نصر قومه على يده، و أن أنجاه من القتل الثّاني ظلمًا، و أن هداه إلى منجى من الأرض، ويسّر له التّعرّف ببيت نبوءة، و أن آواه إلى ظلّ.

و (ما) من قوله:{ لِمَا اَ نْزَلْتَ اِلَىَّ } موصولة، كما يقتضيه فعل المضيّ في قوله:{ اَ نْزَلْتَ } لأنّ الشّيء الّذي أُنزل فيما مضى صار معروفًا غير نكرة، فقوله: { مَا اَ نْزَلْتَ اِلَىَّ } بمنزلة المعرّف بلام الجنس، لتلائم قوله: { فَقيرٌ‘ } أي فقير لذلك النّوع من الخير، أي لأمثاله.

و أحسن خير للغريب وجود مأوى له يطعم فيه ويبيت، و زوجة يأنس إليها و يسكن. (20: 41)

فضل الله: في ما وهبتني من القوّة، و أعطيتني من الأمن، و مكّنتني من الحصول على الغذاء، فقد كنت في حاجة شديدة إلى ذلك، لأ نّي لا أملك لنفسي نفعًا و لاضرًّا إلا بك، وحدك لاشريك لك، فلك الشّكر ولك الحمد. و هذا ما ينبغي للإنسان المؤمن أن يختزنه في داخل نفسه من الشّعور بالحاجة إلى الله في ما أعطاه، و في ما يمكن أن يعطيه في ابتهال خاشع، يحرّك الإيمان في الذّات و يطوّر العلاقة بالله. (17: 285)

51 وَ قَالَ الَّذينَ‘ اُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ

ص: 490

خَيْرٌ لِمَنْ ا مَنَ وَعَمِلَ صَالِحًاوَ لا يُلَقيهَا\ اِلا الصَّابِرُونَ.

القصص:80

ابن عبّاس: في الجنّة أفضل. (331)

مُقاتِل: يعني لمن صدق بتوحيد الله عزّ و جلّ و عمل صالحا خير ممّا أُوتي قارون في الدّنيا .

(3: 357)

نحوه الطّبَريّ (10: 109)،و البَيْضاويّ (2: 201).

52 مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذينَ‘ عَمِلُوا السَّيِّاتِ اِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. القصص:84

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره من جاء الله يوم القيامة بإخلاص التّوحيد فله خير، وذلك الخير هو الجنّة والنّعيم الدّائم. (10: 115)

البُرُوسَويّ: { خَيْرٌ مِنْها } ذاتًا، و وصفًا، و قدرًا:

أمّا الخيريّة ذاتًا فظاهرة في أجزية الأعمال البدنيّة، لأ نّها أعراض و أجزيتها جواهر، و كذا في الماليّة؛ إذ لامناسبة بين زخارف الدّنيا و نفائس الآخرة في الحقيقة. و أمّا وصفًا فلأ نّها أبقى و أنقى من الآلام و الأكدار.

و أمّا قدرًا فللمقابلة بعشر أمثالها لا أقلّ يعني أنّه يجازي بالحسنة الواحدة عشرًا، فيكون الواحد ثوا بًا مستحقًّا و التّسعة تفضّلا و جودًا، و التّسعة خير من الواحد من ذلك الجنس.

و قال بعضهم: الحسنة: المعرفة، و ما هو خير منها هو الرّؤية. أو الأعراض عمّا سوى الله

و ما هو خير منه هو مواهب الحقّ تعالى، لأنّ الأعراض مضاف إلى الفاني و متعلّق بالمخلوق، والمواهب مضافة إلى الباقي و متعلّقة بالقديم. (6: 439)

الطَّباطَبائيّ: أي لأ نّها تتضاعف له بفضل من الله، قال تعالى: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ اَمْثَالِهَا } الأنعام: 160. (16: 82)

53 وَ اِبْرهيمَ‘ ’اِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا الله وَ اتَّقُوهُ ذ لِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. العنكبوت:16

أبوالسُّعود: أي ممّا أنتم عليه، ومعنى التّفضيل مع أنّه لاخيريّة فيه قطعًا باعتبار زعمهم الباطل.

(5: 147)

نحوه البُرُوسَويّ.

(6: 457)

54 فَاتِ ذَا الْقُرْ بى حَقَّهُ وَ الْمِسْكينَ‘ وَ ابْنَ السَّبيلِ‘ ذ لِكَ ’خَيْرٌ لِلَّذينَ‘ يُريدُونَ وَجْهَ اللهِ وَ اُولئِكَ ’هُمُ الْمُفْلِحُونَ. الرّوم:38

الفَخْرالرّازيّ: قوله: { ذ لِكَ خَيْرٌ } يمكن أن يكون معناه ذلك خير من غيره، و يمكن أن يقال: ذلك خير في نفسه، و إن لم يقس إلى غيره، لقوله تعالى: { وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ } الحجّ: 77 { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } البقرة: 148 و الثّاني أولى لعدم احتياجه إلى إضمار، و لكونه أكثر فائدة، لأنّ الخير من الغير قد يكون نازل الدّرجة، عند نزول درجة ما يقاس إليه، كما يقال: السّكوت خير من الكذب، و ما هو خير في نفسه فهو حسن ينفع، و فعل صالح يرفع. (25: 125)

ابن عاشور: و اسم الإشارة في قوله: { ذ لِكَ

ص: 491

خَيْرٌ} للتّنويه بالمأمور به. و { خَيْرٌ } يجوز أن يكون تفضيلا و المفضّل عليه مفهوم من السّياق، أنّ ذلك خير من صنيع أهل الجاهليّة الّذين يُعطون الأغنياء البُعَداء للرّياء و السّمعة، أو المراد: ذلك خير من بذل المال في المراباة الّتي تُذكر بعد في قوله: { وَ مَا اتَيْتُمْ’ مِنْ رِبًا } الرّوم: 39، و يجوز أن يكون الخير ما قابل الشّرّ، أي ذلك فيه خير للمؤمنين، و هو ثواب الله . (21: 59)

55 اَذ لِكَ خَيْرٌ نُزُ لا اَمْ شَجَرَةُ الزَّ قُّومِ.

الصّافّات:62

الزّجّاج: أنعيم الجنّة و طعامها خير نُزلا أم شجرة الزّقّوم خير نُزلا . (4: 306)

الطُّوسيّ: إنّما جاز ذلك مع أنّه لاخير في شجرة الزّقّوم لأمرين:

أحدهما: على الحذف بتقدير: أسبب هذا الّذي أدّى إليه خير أم سبب أدّى. إلى النّار؟ كأنّهم قالوا: هو فيه خير، لما عملوا ما أدّى إليه.

و قيل: معناه خير نُزلا من الأنزال الّتي تقيم الأبدان و تبقى عليها الأرواح. (8 :501)

ابن عَطيّة: الألف من قوله: { اَ ذ لِكَ } للتّقرير، و المراد: تقرير قريش و الكفّار. و جاء بلفظة التّفضيل بين شيئين لا اشتراك بينهما، من حيث كان الكلام تقريرًا، و الاحتجاجيقتضي أن يُوقف المتكلّم خصمه على قسمين: أحدهما فاسد، و يحمله بالتّقرير على اختبار أحدهما، و لو كان الكلام خبرًا لم يجز ولا أفاد أن يقال: الجنّة خير من شجرة الزّ قّوم وأمّا قوله تعالى: { خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} الفرقان: 24، فهذا على اعتقادهم في أنّ لهم مستقرًّا جيّدًا، و قد تقدّم إيعاب هذا المعنى.

(3: 475)

الطَّبْرِسيّ [نقل بعض الأقوال المتقدّمة وأضاف:]

و قيل: إنّما قال: { خَيْرٌ } على وجه المقابلة، فهو مثل قوله: { اَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ اَحْسَنُ مَقيلا ‘ } الفرقان:24، و هذا كما يقول الرّجل لعبده: إن فعلت كذا أكرمتك، و إن فعلت كذا ضربتك أهذا خير أم ذلك؟ و إن لم يكن في الضّرب خيرٌ.

(4: 445)

مكارم الشّيرازيّ: و القرآن الكريم يقول: { اَ ذ لِكَ خَيْرٌ نُزُ لا اَمْ شَجَرَةُ الزَّ قُّومِ } ؟ ولفظة { خَيْرٌ } ليست دليلا على أنّ شجرة الزّ قّوم شيء جيّد، و النّعم الّتي أعدّها الله سبحانه و تعالى لأهل الجنّة أجود؛ إذ أنّ مثل هذه الألفاظ تُستخدم أحيانًا في لغة العرب بشأن بعض الأشياء الّتي لافائدة فيها أبدًا، و يحتمل بأنّها نوع من الكناية، و مثَلها كمثل شخص غارق بالذّنوب و قد فضح أمام النّاس،و هم يقولون له: هل هذه الفضيحة خير، أم الفخرو العزّة و الشّرف؟

(14: 300)

56 ... وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.

الزّخرف:32

راجع: ر ح م: <رحمة>.

57 اَمْ اَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذى‘ هُوَ مَهينٌ‘ وَ لا يَكَادُ

ص: 492

يُبينُ‘ . الزّخرف 52

الزّجّاج: قال سيبَوَيه و الخليل: عطف (اَنَا ) ب (اَمْ) على قوله: { اَفَلا تُبْصِرُونَ } لأنّ معنى: { اَمْ اَنَا خَيْرٌ } معناه: أم تُبصِرون، كأ نّه قال: أفلاتُبصِرون أم تُبصِرون؟ قال: لأ نّهم إذا قالوا: أنت خير منه فقد صاروا عنده بُصَراء، فكأ نّه قال أفلا تُبصِرون أم أنتم بُصَراء. (4: 415)

نحوه الطَّبْرِسيّ(5: 51)، و القُرطُبيّ(16: 99).

الطُّوسيّ: قال قوم: معنى (اَمْ) ( بل). فكأ نّه قال: بل أنا خير من موسى، و قال قوم: مخرجها مخرج المنقطعة، و فيها معنى المعادلة لقوله:{ اَفَلا تُبْصِرُونَ } أم أنتم بُصَراء، لأ نّهم لو قالوا: نعم، لكان بمنزلة قولهم: أنت خير.

و الأصل في المعادلة على أيّ الحالين أنتم، على حال البَصَر أم على حال خلافه؟ و لايجوز أن يكون المعنى: على أي الحالين أنتم، على حال البصر أم حال غيرها؟ في أنّي خير من هذا الّذي هو مَهين، و إنّما المعادلة تفصيل ما أجمله. و قيل:له هاهنا بتقدير: أنا خير من هذا الّذي هو مهين أم هو؟ إلا أنّه ذكر ب (اَمْ) لاتّصال الكلام بما قبله. (9: 207)

الزّمَخْشَريّ: (اَمْ) هذه متّصلة، لأنّ المعنى: أفلا تبصرون أم تبصرون؟ إلا أنّه وضع قوله: { اَنَا خَيْرٌ } موضع: تبصرون، لأ نّهم إذا قالوا له: أنت خير، فهم عنده بُصَراء، و هذا من إنزال السّبب منزلة المسبّب.

و يجوز أن تكون منقطعة على بل أنا خير، و الهمزة للتّقرير، و ذلك أنّه قدّم تعديد أسباب الفضل، و التّقدّم عليهم من ملك مصر و جري الأنهار تحته، و نادى بذلك و ملأ به مسامعهم، ثمّ قال: { اَنَا خَيْرٌ } كأ نّه يقول: أثبت عندكم و استقرّ أنّي أنا خير و هذه حالي.

(3: 492)

البَيْضاويّ: و (اَمْ) إمّا منقطعة و الهمزة فيها للتّقرير؛ إذ قدّم من أسباب فضله، أو متّصلة على إقامة المسبّب مقام السّبب، و المعنى: أفلاتبصرون أم تبصرون فتعلمون أنّي خير منه؟ (2: 369)

الآلوسيّ: (اَمْ) على ما نُقل عن سيبَوَيه و الخليل متّصلة، و قد نزل السّبب بعدها منزلة المسبّب، على ما ذهب إليه الزّمَخْشَريّ، و المعنى: أفلاتبصرون أم تبصرون؟ إلا أنّه وُضع{ اَمْ اَنَا خَيْرٌ } موضع <أم تبصرون> و إيضاح ذلك أنّ فرعون عليه اللّعنة لمّا قدّم أسباب البسطة و الرّياسة بقوله: {اَلَيْسَ لى...} الزّخرف:51، و عقّبه بقوله: { اَفَلا تُبْصِرُونَ } استقصارًا لهم و تنبيهًا، على أنّه من الوضوح بمكان لايخفى على ذي عينين، قال في مقابله: { اَمْ اَنَا خَيْرٌ } بمعنى أم تبصرون أنّي أنا المقدّم المتبوع. و في العدول تنبيه على أنّ هذا الشّقّ هو المسلّم لامحالة عندكم، فكأنّه يحكيه عن لسانهم بعد ما أبصروا، و هو أُسلوب عجيب و فنّ غريب.

و جعله الزّمَخْشَريّ من إنزال السّبب مكان المسبّب، لأنّ كونه خيرًا في نفسه، أي محصّلا له أسباب التّقدّم، و الملك سببٌ لأن يقال فيه: أنت خير منه، و قولهم: أنت خير سبب لكونهم بُصَراء، و سبب السّبب قد يقال له سبب، فلايرد ما يقال: إنّ السّبب

ص: 493

قولهم : أنت خير لاقوله: أنا خير.

و قال القاضيّ البَيْضاويّ:< إنّه من إنزال المسبّب منزلة السّبب > لأنّ عملهم بأنّه خير مستفاد من الإبصار. و فيه أنّ المذكور أنا خير لا أم تعلمون أ نّي خير، وله أن يقول: ذلك يغني غناه، لأ نّه جعله مسلّمًا معلومًا ما عندهم، فقال: { اَمْ اَنَا خَيْرٌ } لاأم تعلمون، كما سلف ولايخفى أنّ ما ذكره الزّمَخْشَريّ أظهر، كذا في <الكشف>.

و قال العلامة الثّاني في تقرير ذلك: إن ّقوله: { اَنَا خَيْرٌ } سبب لقولهم من جهة بعثه على النّظر في أحواله، و استعداده لما ادّعاه، و قوله: أنت خير سبب لكونهم بُصَراء عنده، فأنا خير سبب له بالواسطة. لكن لايخفى أنّه سبب للعلم بذلك به و الحكم به، و أمّا بحسب الوجود فالأمر بالعكس،لأنّ إبصارهم سبب لقولهم: أنت خير، فتأمّل.

و بالجملة إنّ ما بعد (اَمْ) مؤوّل بجملة فعليّة معلولة لفظًا و معنًى هي ما سمعت، و نحو ذلك من حيث التّأويل { اَدَعَوْ تُمُوهُمْ اَمْ اَنْتُمْ صَامِتُونَ }الأعراف: 193، أي أم صمتم، و قوله:< أمخدج اليدين أم أتمّت > أي أم متمًّا. و قيل: حذف المعادل لدلالة المعنى عليه،

و التّقدير: أفلاتبصرون أم تبصرون أنا خير إلخ. و تعقّب بأنّ هذا لايجوز إلا إذا كان بعد (اَمْ) لانحو أيقوم زيد أم لا؟ أي أم لايقوم. فأمّا حذفه دون <لا> فليس من كلامهم. و جُوّز أن يكون في الكلام طيّ على نهج الاحتباك،والمعنى: أهو خير منّي فلا تبصرون ما ذكّرتكم به، أم أنا خير منه لأ نّكم تبصرونه؟ و لاينبغي الالتفات إليه.

و جوّز غير واحد كون (اَمْ) منقطعة مقدّرة ب< بل> و < الهمزة > الّتي للتّقدير، كأنّ اللّعين قال إثر ما عدّد أسباب فضله و مبادئ خيريّته: أثبَتَ عندكم و استقرّ لديكم أنّي خير، و هذه حالي من هذا إلخ، و رجّحه بعضهم لما فيه من عدم التّكلّف في أمر المعادل اللازم أولا لحسن في المتّصلة.

و قال السُّدّيّ و أبو عُبَيْدَة : (اَمْ)بمعنى بل، فيكون قد انتقل من ذلك الكلام إلى إخباره بأ نّه خير، كقول الشّاعر:

بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى

و صورتها أم أنت في العين أملح

و قال أبو البقاء: إنّها منقطعة لفظًا متّصلة معنى ، و أراد ما تقدّم من التّأويل، و ليس فيه مخالفة لما أجمع عليه النّحاة، كما تُوهّم. (25: 90)

الطَّباطَبائيّ: قوله في صدر الآية: { اَمْ اَنَا خَيْرٌ...} ، (اَمْ) فيه إمّا منقطعة لتقرير كلامه السّابق، و المعنى: بل أنا خير من موسى، لأ نّه كذا وكذا. و إمّا متّصلة، و أحد طرفي التّرديد محذوف مع همزة الاستفهام، و التّقدير: أهذا خير أم أنا خير إلخ. [ثمّ نقل كلام الطَّبْرِسيّ وقال:]

أي إن وُضع { اَنَا خَيْرٌ } وضع: أم تبصرون، من وضع المسبّب موضع السّبب أو بالعكس. (18: 111)

58 اَهُمْ خَيْرٌ اَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ اَهْلَكْنَاهُمْ اِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمينَ‘. الدّخان: 37

ص: 494

الواحديّ: أي ليسوا خيرًا منهم، يعني أقوى و أشدّ وأكثر. (4: 90)

الفَخْرالرّ ازيّ: فإن قيل: ما معنى قوله: { اَهُمْ خَيْرٌ اَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } مع أ نّه لاخير في الفريقين؟

قلنا: معناه أهم خير في القوّة و الشّوكة، كقوله: { اَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ اُولئِكُمْ} القمر: 43، بعد ذكر آل فرعون. (27: 249)

القاسميّ: أي في القوّة و المنعة. (14: 5310)

59 اَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ اُولئِكُمْ اَمْ لَكُمْ بَرَ اءَةٌ فِى الزُّ بُرِ. القمر:43الواحديّ: أشدّ أقوى. (4: 213)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (5: 193)

أبوالسُّعود: قوّة وشدّ ة وعُدّة وعدّة أو مكانةً.

(6: 170)

نحوه النّسَفيّ. (4: 205)

شُبّر: من هذه الأُمم الهالكة.

(6: 123)

ابن عاشور: و المعنى الكفّار منكم خير من الكفّار السّالفين، أي أأنتم الكفّار خير من أُولئك’ الكفّار؟

و المراد بالأخيَريّة: انتفاء الكفر، أي خير عند الله الانتقام الإلهيّ، و ادّعاء فارق بينهم و بين أُولئك.

(27: 200)

60 ... وَ مَا تُقَدِّ مُوا لاَ‚ نْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْدَ الله هُوَ خَيْرًا وَ اَعْظَمَ اَجْرً ا وَ اسْتَغْفِرُوا اللهَ اِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘. المزّمّل: 20

الطّبَريّ: يقول: و ما تقدّموا أيّها المؤمنون لأنفسكم في دار الدّنيا من صدقة أو نفقة تنفقونها في سبيل الله، أو غير ذلك من نفقة في وجوه الخير، أو عمل بطاعة الله من صلاة أو صيام أو حجّ، أو غير ذلك من أعمال الخير في طلب ما عند الله، تجدوه عند الله يوم القيامة في معادكم، هو خيرًا لكم ممّا قدّمتم في الدّنيا، و أعظم منه ثوابًا، أي ثوابه أعظم من ذلك الّذي قدّمتموه لو لم تكونوا قدّمتموه. (12: 295)

61 وَ لَلا خِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الاُولى. الضّحى:4

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: و للدّار الآخرة، و ما أعدّ الله لك فيها، خير لك من الدّار الدّنيا و ما فيها. يقول: فلاتحزن على ما فاتك منها، فإنّ الّذي لك عند الله خير لك منها. (12: 624)

62 اِنَّ الَّذينَ‘ امَنُوا’ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ. البيّنة: 7

النّبيّ(صلی الله علیه و آله): هو أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين. (الدُّرّ المنثور8: 589)

وفي هذا المعنى روايات كثيرة لاحظ الطَّبْرِسيّ

(5: 524) ، و السُّيوطيّ ( الدُّرّ المنثور 8 : 589)،

و الشَّوْكانيّ (5: 590).

ابن عبّاس: نزلت في عليّ (علیه السلام)، و أهل بيته.

(الطَّبْرِسيّ5: 524)

الإمام الصّادق(علیه السلام): هم شيعتنا أهل البيت.

(البَحْرانيّ10: 367)

ص: 495

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين آمنوا بالله و رسوله محمّد وعبدوا الله مخلصين له الدّين حنفاء وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة و أطاعوا الله فيما أمر و نهى{ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } يقول: من فعل ذلك من النّاس فهم خير البريّة.

و قد حدّثنا ابن حميد قال: ثنا عيسى بن فرقدعن أبي الجارود عن محمّد بن عليّ { اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} فقال النّبيّ(صلی الله علیه و آله): <أنت يا عليّ و شيعتك>.

(12: 657)

الطُّوسيّ: أخبر عن حال المؤمنين فقال:{ اِنَّ الَّذينَ‘ ا مَنُوا } بالله و أقرّوا بتوحيده و اعترفوا بنبوّة نبيّه {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } أي هم أحسنهم حالة. و إنّما أطلق بأنّهم خير البريّة، لأنّ البريّة هم الخلق، و لايخلو أن لايكونوا مكلّفين، فالمؤمن خير منهم لامحالة. و إن كانوا مكلّفين: فإمّا أن يكونوا مؤمنين أو كافرين أو مستضعفين، فالمؤمن خيرهم أيضًا لامحالة بما معه من الثّواب.

(10: 391)

ابن عَطيّة: في الحديث: أنّ رجلا قال للنّبيّ (صلی الله علیه و آله) :

< يا خير البريّة >فقال له : < ذلك إبراهيم (علیه السلام) >.

(5: 508)

ابن كثير: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله):< ألا أُخبركم بخير البريّة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلّما كانت هيعة استوى عليه>.< ألا أُخبركم بخير البريّة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: رجل في ثُلّة من غنمه يُقيم الصّلاة و يُؤتي الزّكاة>. (7: 346)

الآلوسيّ: قرأ حُمَيْد و عامر بن عبد الواحد( هُمْ خِيَارُ الْبَرِيَّةِ) و هو جمع <خير> كجياد و جيد.[إلى أن قال:]

أخرج ابن مردويه عن عليّ كرّم الله تعالى وجهه، قال: قال لي رسول الله(صلی الله علیه و آله): < ألم تسمع قول الله تعالى:

{ اِنَّ الَّذينَ ‘ا مَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } هم أنت و شيعتك و موعدي و موعدكم الحوض إذا جاءت الأُمم للحساب يدعون غُرًّا محجّلين>. وروى نحوه الإماميّة عن يزيد بن شراحيل الأنصاريّ كاتب الأمير كرّم الله تعالى وجهه. و فيه أ نّه عليه الصّلاة و السّلام قال: ذلك له عند الوفاة، و رأسه الشّريف على صدره رضي الله تعالى عنه.

و أخرج ابن مردويه أيضًا عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت هذه الآية{ اِنَّ الَّذين‘امَنُوا } إلخ، قال رسول الله صلّى الله تعالى عليه و سلّم لعليّ رضي الله تعالى عنه و كرّم وجهه: < هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين > و ذلك في التّخصيص، و كذا ما ذكره الطَّبْرِسيّ الإماميّ في < مجمع البيان > عن مُقاتِل بن سليمان عن الضّحّاك عن ابن عبّاس، أنّه قال في الآية: نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه و أهل بيته. و هذا إن سلمت صحّته لامحذور فيه؛ إذ لايستدعي التّخصيص بل الدّخول في العموم، و هم بلاشبهة داخلون فيه دخولا أوّليًّا.

و أمّاما تقدّم فلاتسلم صحّته، فإنّه يلزم عليه أن يكون عليّ كرّم الله تعالى وجهه خيرًا من رسول الله صلّى الله تعالى عليه و سلّم. و الإماميّةو إن قالوا: إنّه

ص: 496

رضي الله تعالى عنه خير من الأنبياء حتّى أُولي العزم : و من الملائكة حتّى المقرّبين : لايقولون بخيريّته من رسول الله صلّى الله تعالى عليه و سلّم. فإن قالوا: بأنّ البريّة على ذلك مخصوصة بمن عداه عليه الصّلاة و السّلام، للدّليل الدّالّ على أ نّه صلّى الله تعالى عليه و سلّم خير منه كرّم الله تعالى وجهه، قيل: إنّها مخصوصة أيضًا بمن عدا الأنبياء و الملائكة و من قال أهل السّنّة بخيريّته، للدّليل الدّالّ على خيريّتهم.

و بالجملة لاينبغي أن يرتاب في عدم تخصيص { اَ لَّذينَ‘ امَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بالأمير كرّم الله تعالى وجهه و شيعته و لابه رضي الله تعالى عنه و أهل بيته، و إنّ دون إثبات صحّة تلك الأخبار خَرْط القتاد و الله تعالى أعلم. (30: 206)

مكارم الشّيرازيّ: بُحُوثٌ

1 عليّ (علیه السلام) وشيعته خير البريّة.ثمّة روايات كثيرة بطُرق أهل السّنّة في مصادرهم الحديثيّة المعروفة، و هكذا في المصادر الشّيعيّة، فسّرت الآية: {اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } بأنّهم عليّ و شيعته.

الحاكم الحسكانيّ النّيسابوريّ عالم أهل السّنّة المعروف في القرن الخامس الهجريّ، نقل هذه الرّوايات في كتابه المشهور: <شواهد التّنزيل >بطرق مختلفة، و يزيد عدد هذه الرّوايات على العشرين، نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

1 عن ابن عبّاس قال: عندما نزلت آية: { اِنَّ الَّذينَ ‘ا مَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ اُولئِكَ’ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} قال رسول الله لعليّ: هو أنت و شيعتك، تأتي أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين، و يأتي عدوّ ك غضبانًامقحمين.

2 و عن أبي برزة قال: حينما تلارسول الله هذه الآية قال: < هم أنت و شيعتك يا عليّ، و ميعاد ما بيني و بينك الحوض >.

3 و عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ، قال: كنّا جالسين عند النّبيّ جوار الكعبة، فأقدم علينا عليّ، و حين رآه النّبيّ قال: < قد أتاكم أخي، ثمّ التفت إلى الكعبة، و قال: و ربّ هذه البُنْيَة! إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة >.ثمّ التفت إلينا و قال: <أما و الله إنّه أوّلكم إيمانًا بالله، وأقومكم بأمر الله، و أوفاكم بعهد الله،وأقضاكم بحكم الله، وأقسمكم بالسّويّة، و أعدلكم في الرّعيّة وأعظمكم عند الله مزيّة >.

قال جابر: فأنزل الله: :{ اِنَّ الَّذينَ ‘ا مَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } فكان عليّ إذا أقبل قال أصحاب محمّد: قد أتاكم خير البريّة بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله).

نزول هذه الآية جوار الكعبة لايتنافى مع مدنيّة السّورة؛ إذ من الممكن أن تكون من قبيل النّزول المجدّد، أو التّطبيق، أضف إلى ذلك أنّنزول هذه الآيات لايستبعد أن يكون خلال أسفار النّبيّ إلى مكّة من المدينة، خاصّة أنّ الرّ اوي جابر بن عبد الله الأنصاريّ قد التحق بالنّبيّ في المدينة.

بعض هذه الأحاديث رواها ابن حجر في <الصّواعق> و محمّد الشّبلنجيّ في< نور الأبصار> و جلال الدّين السُّيوطيّ نقل القسم الأعظم من

ص: 497

الرّواية الأخيرة عن ابن عساكر عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ.

4 في< الدُّرّ المنثور >عن ابن عبّاس، قال: حين نزلت آية { اِنَّ الَّذينَ ‘ا مَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } قال رسول الله لعليّ: هو أنت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين.

5 و في < الدُّرّ المنثور > أيضًا عن ابن مردويه عن عليّ(علیه السلام) قال: قال لي النّبيّ(صلی الله علیه و آله): ألم تسمع قول الله:

{ اِنَّ الَّذينَ ‘ا مَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ }؟ أنت و شيعتك و موعدي و موعدكم الحوض، إذا جاءت الأُمم للحساب تدعون غرًّا محجّلين.

كثير من علماء السّنّة، سوى من ذكرنا، نقلوا مثل هذه الرّوايات في كتبهم، منهم: الخطيب الخوارزميّ في المناقب، و أبونعيم الأصفهانيّ في كفاية الخصام، و العلامة الطّبَريّ في تفسيره، و ابن صبّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة، و العلامة الشَّوْكانيّ في فتح الغدير، و الشّيخ سليمان القندوزيّ في ينابيع المودّة، و الآلوسيّ في روح المعانيّ.

و باختصار هذا الحديث من الأحاديث المعروفة المشهورة المقبولة لدى أكثر علماء الإسلام، و فيه بيان لفضيلة كبرى من فضائل عليّ و أتباعه.

و هذه الرّوايات تدلّ ضمنًا أنّ كلمة < الشّيعة > باعتبارها اسمًا لأتباع عليّ(علیه السلام)كانت قد شاعت منذ عهد رسول الله(صلی الله علیه و آله) بين المسلمين، على لسان الرّسول نفسه. و أُولئك الّذين يخالون أنّ الكلمة هذه ظهرت في عصور متأخّرة في خطإ كبير. (20: 334)

فضل الله: { هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } لأ نّهم كانوا في موقع الجدّيّة في مواجهة الحقيقة، في ما هو الفكر و السّلوك، كما كانوا في موضع الشّكر لله في نعمه، فكان الإيمان مظهر خضوع و شكر لله، وكان العمل بالصّالحات تجسيدًا، دليل روحيّة الخير في نفوسهم، باعتبار ما يُمَثّله ذلك من الانسجام مع الخطّ المستقيم في الحياة المنفتحة، على مواقع أمر الله و نهيه، و لذلك كانوا خير البريّة، لأنّ قمّة الخير هي أن ينقاد الإنسان لربّه، لتكون حياته العقليّة و العمليّة مرتبطةً بربّه، كما كان وجوده في بدايته و استمراره مربوطًا به. و هذا هو الخير، كلّ الخير، الّذي يتمايز النّاس به. (24: 363)

لاحظ: ب ر أ: <البريّة>.خَيْرًا

1 كُتِبَ عَلَيْكُمْ اِذَا حَضَرَ اَحَدَكُمُ الْمَوْتُ اِنْ تَرَكَ خَيْرً ا اَ لْوَصِيَّةُ لِلْوَ الِدَيْنِ وَالاَقْرَبينَ‘ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقينَ‘. البقرة: 180

ابن عبّاس: يعني مالا .

نحوه الضّحّاك وعطاء و قَتادَة و السُّدّيّ و الرّبيع .

(الطّبَريّ2: 125)

النّخعيّ: ألف درهم إلى خمسمئة.

(الطّبَريّ2: 127)

مُجاهِد : الخير في القرآن كلّه: المال، { لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَديدٌ ‘} العاديات: 8، الخير: المال { اِنّى اَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَ بّى } ص: 32، المال ،

ص: 498

{ فَكَاتِبُوهُمْ اِنْ عَلِمْتُمْ فيهِمْ‘ خَيْرًا } النّور: 33، المال، و { اِنْ تَرَكَ خَيْرًا اَ لْوَصِيَّةُ }: المال. (الطّبَريّ2: 125)

قَتادَة : الخير ألف فما فوقه. (الطّبَريّ2: 126)

الزُّهريّ: جعل الله الوصيّة حقًّا، ممّا قلّ منه أو كثر. (الطّبَريّ2: 127)

عروة: أنّ عليّ بن أبي طالب دخل على ابن عمّ له يعوده فقال: إنّي أُريد أن أُوصي. فقال عليّ: لاتوص، فإنّك لم تترك خيرًا فتوصي. قال: وكان ترك من السّبعمئة إلى التّسعمئة. (الطّبَريّ2: 126)

الطّبَريّ: وأمّا الخير الّذي إذا تركه تارك وجب عليه الوصيّة فيه لوالديه وأقربيه الّذين لايرثون، فهو: المال.[إلى أن قال:]

ثمّ اختلفوا في مبلغ المال الّذي إذا تركه الرّجل كان ممّن لزمه حكم هذه الآية:

فقال بعضهم: ذلك ألف درهم.

و قال بعضهم: ذلك ما بين الخمسمئة درهم إلى الألف.

وأولى هذه الأقوال بالصّواب في تأويل قوله: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ اِذَا حَضَرَ اَحَدَكُمُ الْمَوْتُ اِنْ تَرَكَ خَيْرً ا اَ لْوَصِيَّةُ } ما قال الزُّهريّ، لأنّ قليل المال وكثيره يقع عليه خير ولم يحدّ الله ذلك بحدّ، ولاخص منه شيئًا، فيجوز أن يحال ظاهر إلى باطن. فكلّ من حضرته منيّته وعنده مال قلّ ذلك أو كثر، فواجب عليه أن يوصي منه لمن لايرثه من آبائه وأُمّهاته وأقربائه الّذين لايرثونه بمعروف كما قال الله جلّ ذكره وأمرَ به.

(2: 125)

الرّاونديّ: يعني: مالا ، و اختلفوا في مقدار ما الّذي يستحقّ الوصيّة عنده.[نقل قول النّخعيّ والزّهريّ و قال:]

وروي أنّ عليًّا(علیه السلام) دخل على مولى له في مرضه وله سبعمئة درهم أو ستّمئة، فقال: ألا أُوصي؟ فقال(علیه السلام): لا، إنّما قال سبحانه:{ اِنْ تَرَكَ خَيْرًا } و ليس لك كثير مال.

و بهذا يؤخذ، لأنّ قوله(علیه السلام) عندنا حجّة.

(2: 301)

البُرُوسَويّ: أي مالا قليلا أو كثيرًا، أو مالا كثيرًا؛ يقال: فلان ذو مال، ولايطلق ذلكلمن له مال قليل...

أصل الخير: أن يكون لكلّ ما يرغب فيه ممّا هو نافع، لأ نّه ضدّ الشّرّ.

قال في إخوان الصّفا: الخير فعل ما ينبغي في الوقت الّذي ينبغي، من أجل ما ينبغي (1: 287)

الطَّباطَبائيّ: المراد بالخير: المال، وكأ نّه المال المعتدّ به، دون اليسير الّذي لايُعبأ به. (1: 439)

2 ...فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ اَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

البقرة:184

راجع:خ ي ر:<خيرٌ>.

3 ...وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَاِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى اَنْ تَكْرَهُوا شَيًْا= وَيَجْعَلَ اللهُ فيهِ‘ خَيْرًا كَثيرًا‘.

النّساء: 19

ابن عبّاس: و الخير الكثير: أن يَعطف عليها،

ص: 499

فيرزق الرّجل ولدها و يجعل الله في ولدها خيرًا كثيرًا. نحوه السُّدّيّ. (الطّبَريّ 3: 655)

4 اِنْ تُبْدُوا خَيْرًا اَوْ تُخْفُوهُ اَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَاِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّ ا قَديرً ا‘.

النّساء: 149

الطّبَريّ: يعني بقوله جلّ ثناؤه:{ اِنْ تُبْدُوا } أيّها النّاس{ خَيْرًا }يقول: إن تقولوا جميلا من القول لمن أحسن إليكم. (4: 343)

نحوه الطَّبْرِسيّ.

(2: 131)

البُرُوسَويّ: أيّ خير كان من الأقوال والأفعال.

(2: 312)

5 يَا ءَ يُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَ بِّكُمْ فَا مِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَ اِنْ تَكْفُرُوا فَاِنَّ للهِ‚ مَا فِى السَّموَاتِ’ وَ الاَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَليمًا‘ حَكيمًا‘.

النّساء: 170

الزّجّاج: اختلف أهل العربيّة في تفسير نصب { خَيْرًا } فقال الكِسائيّ: انتصب لخروجه من الكلام، قال: و هذا تقوله العرب في الكلام التّامّ نحو قولك: لتقومنّ خيرًا لك. فإذا كان الكلام ناقصًا رفعوا، فقالوا: إن تنته خير لك . وقال الفَرّاء : انتصب هذا و قوله: { خَيْرًا لَكُمْ }لأ نّه متّصل بالأمر و هو من صفته، ألا ترى أنّك تقول: انتَهِ هو خير لك فلمّاسقطت <هو> متّصل بما قبله، و هو معرفة فانتصب، و لم يقل هو و لاالكِسائيّ من أيّ المنصوبات <هو>، و لاشرحوه بأكثر من هذا.

و قال الخَليل و جميع البصريّين : إنّ هذا محمول على معنى لأ نّك إذا قلت: إنتَهِ خيرًا، فأنت تدفعه عن أمر و تُدخله في غيره، كأنّك قلت: انتَهِ و ائت خير لك، و ادخُل فيما هو خير لك. [ثمّ استشهد بشعر]

(2: 134)

الزّمَخْشَريّ: وكذلك { اِ نْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ }النّساء : 171، انتصابه بمضمر، و ذلك أنّه لمّا بعثهم على الإيمان و على الانتهاء عن التّثليث، علم أنّه يحملهم على أمر، فقال: { خَيْرًا لَكُمْ } أي اقصدوا و ائتوا أمرًا خيرًا لكم ممّا أنتم فيه من الكفر والتّثليث؛ وهو الإيمان و التّوحيد. (1: 584)

البَيْضاويّ: أي إيمانًا خيرًا لكم، أو ائتوا أمرًا خيرًا لكم ممّا أنتم عليه. و قيل: تقديره يكن الإيمان خيرًا لكم. و منعه البصريّون، لأنّ (كانَ) لايُحذف مع اسمه إلا فيما لابدّ منه، و لأ نّه يؤدّي إلى حذف الشّرط و جوابه. (1: 257)

نحوه البُرُوسَويّ. (2: 326)

ابن عاشور: و انتصب { خَيْرًا } على تعلّقه بمحذوف لازم الحذف في كلامهم لكثرة الاستعمال، فجرى مجرى الأمثال، و ذلك فيما دلّ على الأمر و النّهي من الكلام نحو { اِ نْتَهُوا خَيرًا لَكُمْ } النّساء : 171، و وراءك أوسع لك، أي تأخّر، و حسبك خيرًا لك. [ثمّ استشهد بشعر]

و اتّفق عليه أئمّة النّحو، و إنّما اختلفوا في المحذوف: فجعله الخَليل و سيبَوَيه فعلا أمرًا مدلولا عليه من سياق الكلام، تقديره : ايت أو اقصُد، قالا :

ص: 500

لأ نّك لمّا قلت له: انتَهِ، أو افعَل، أو حسبُك، فأنت تحمله على شيء آخر أفضل له.

و قال الفَرّاء من الكوفيّين : هو في مثله صفة مصدر محذوف، و هو لايتأتّى فيما كان منتصبًا بعد نهي، و لافيما كان منتصبًا بعد غير متصرّف، نحو: و راءك و حسبُك.

و قال الكِسائيّ و الكوفيّون : نصب ب < كان > محذوفة مع خبرها، والتّقدير: يكن خيرًا.

و عندي: أنّه منصوب على الحال من المصدر الّذي تضمّنه الفعل، وحدَه، أو مع حرف النّهي، و التّقدير: فآمنوا حال كون الإيمان خيرًا، و حسبك حال كون الاكتفاء خيرًا، و لاتفعل كذا حال كون الانتهاء خيرًا. و عود الحال إلى مصدر الفعل في مثله كعود الضّمير إليه في قوله: { اِعْدِلُوا هُوَ اَقْرَبُ لِلتَّقْوى} المائدة : 8، لاسيّما و قد جرى هذا مجرى الأمثال، و شأن الأمثال قوّة الإيجاز. و قد قال بذلك بعض الكوفيّين وأبو البقاء. (4: 329)

6 وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فيهِمْ خَيْرًا لاَسْمَعَهُمْ وَلَوْ اَسْمَعَهُمْ لَتَوَ لَّوْ ا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ.

الأنفال:23

راجع: س م ع: <اَسْمَعَهُمْ>.

7 يَا ءَ يُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِمَنْ فى اَيْديكُمْ مِنَ الاَسْرى اِ نْ يَعْلَمِ اللهُ فى قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْ تِكُمْ خَيْرًا مِمَّا اُخِذَ مِنْكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللهُ غَفُورٌ رَحيمٌ‘. الأنفال: 70

الطُّوسيّ: يعني إسلامًا. و قيل: معناه: إن يعلم منكم خيرًا في المستقبل بأن يفعلوه فيعلمهالله موجودًا، لأنّ ما لم يفعل لايعلمه موجودًا، و الخير: النّفع العظيم، و هو هاهنا البصيرة في دين الله و حسن النّيّة في أمر الله. و قوله:{ يُؤْ تِكُمْ خَيْرًا } يعني يعطيكم خيرًا ممّا أُخذ منكم من الفداء. و قال الحسَن أطلقهم بالفداء، ولو لم يسلموا لم يتركهم. (5: 186)

الواحديّ: صدقًا و إسلامًا { يُؤْ تِكُمْ خَيْرًا مِمَّا اُخِذَ مِنْكُمْ } من الفداء. (2: 473)

نحوه القُرطُبيّ. (8 : 53)

الزّمَخْشَريّ: خلوص الإيمان و صحّة نيّة

{ يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا اُخِذَ مِنْكُمْ } من الفداء: إمّا أن يُخلفكم في الدّنيا أضعافه، أو يثيبكم في الآخرة.

(2: 169)

نحوه البَيْضاويّ. (1: 402)

8 وَ لا اَقُولُ لَكُمْ عِنْدى‘ خَزَائِنُ اللهِ وَ لا اَعْلَمُ الْغَيْبَ وَ لا اَقُولُ اِنّى مَلَكٌ وَ لا اَقُولُ لِلَّذينَ‘ تَزْدَرى‘ اَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا اَللهُ اَعْلَمُ بِمَا فى اَ نْفُسِهِمْ اِ نّى اِذًا لَمِنَ الظَّالِمينَ‘. هود:31

الطّبَريّ: ذلك الإيمان بالله. (7: 31)

الآلوسيّ: { اَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا } في الدّنيا أو في الآخرة، فعسى الله سبحانه يؤتيهم خيري الدّارين...

و قد أخرج أبو الشّيخ عن السُّدّيّ أنّه فسّر <الخير> بالإيمان، أي لاأقول للّذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله إيمانًا. و استشكل بأنّ الظّاهر أنّ المراد بالموصول أُولئك المتّبعون المسترذلون، و هم مؤمنون

ص: 501

عندهم. فلامعنى لنفي القول بإيتاء الله تعالى إيّاهم الإيمان مساعدة لهم و نزولا على هواهم.

و أُجيب بأنّ المراد من هذا الإيمان هو المعتدّ به الّذي لايزول أصلا كما ينبئ عن ذلك التّعبير عنه ب < الخير > و هم إنّما أثبتوا لهم الاتّباع بادئ الرّأي، وأرادوا بذلك أ نّهم آمنوا إيمانًا لاثبات له، و يجعل ذلك ردًّ ا لذلك القول. (12: 44)

9 فَعَسى رَ بّى اَنْ يُؤْ تِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَ يُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعيدً ا‘ زَ لَقًا.

الكهف:40

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما : خيرًا من جنّتك في الدّنيا فأُساويك فيها.

الثّاني: و هو الأشهرخيرًا من جنّتك في الآخرة فأكون أفضل منك فيها. (3: 307)

10 فَاَرَدْ نَا اَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكوةً وَ اَقْرَبَ رُحْمًا. الكهف: 81

راجع: ز ك و :<زكاة>.

11 وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذينَ‘ لايَجِدُونَ نِكَاحًاحَتى| يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ الَّذينَ‘ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ اَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ اِنْ عَلِمْتُمْ فيهِمْ خَيْرًا....

النّور: 33

النّبيّ (صلی الله علیه و آله): إن علمتم لهم حرفة، فلاتدعوهم كَلا على النّاس. (الفَخْرالرّازيّ 23: 217)

الإمام عليّ(علیه السلام): الخير: المال.

(الآلوسيّ18: 155)

مثله ابن عبّاس، و مُجاهد ( الطّبَريّ9: 314 )، و الضّحّاك، و عطاء ( ابن الجَوْزيّ6: 37)، و مُقاتِل (3: 197).

ابن عبّاس: يقول: إن علمتم لهم حيلة، و لاتلقوا مؤنتهم على المسلمين. (الطّبَريّ9: 313)

أي صلاحًا و رشَدًا. (الطَّبْرِسيّ4: 140)

[وفي رواية] إن علمتم فيهم قدرةً على الاكتساب لأداء مال الكتابة، و رغبة فيه و أمانةً.

مثله ابن عمر، و ابن زَيْد، و الثّوريّ، والزّجّاج.

(الطَّبْرِسيّ4: 140)

سعيد بن جُبَيْر: إن علمتم أنّهم يريدون بذلك الخير. (ابن الجَوْزيّ6: 37)

النّخعيّ: صدقًا و وفاءً، أو أحدهما.

(الطّبَريّ9: 314)

مُجاهِد: مالا وأمانةً.

مثله طاووس. (الطّبَريّ9: 313)

الحسن: صدقًا و وفاءً و أداءً و أمانةً.

(الطّبَريّ9: 313)

نحوه الثّوريّ. (الطّبَريّ9: 314)

إن علمتم فيهم دينًا. (ابن الجَوْزيّ6: 37)

عبيدة السّلمانيّ: إن أقاموا الصّلاة.

(ابن الجَوْزيّ6: 37)

نحوه ابن سيرين. (الفَخْرالرّازيّ 23: 218)

عطاء: أداءً و مالا . (الطّبَريّ9: 314)

ص: 502

الإمام الصّادق(علیه السلام): إن علمتم لهم مالا ودينًا.

[و في رواية] و الخير أن يشهد أن لا إله إلا الله و أنّ محمّدًا رسول الله(صلی الله علیه و آله) و يكون بيده عمل يكتسِب به، أو يكون له حرفة. (البَحْرانيّ7: 78)

مالك بن أنس: إنّه ليقال: الخير: القوّة على الأداء. (الطّبَريّ9: 313)

ابن زَيْد: إن علمت فيه خيرًا لنفسك، يؤدّي إليك و يصدّقك ما حدّثك، فكاتبه. (الطّبَريّ9: 314)

الشّافعيّ: المراد بالخير: الأمانة و القوّة على الكسب. (الفَخْرالرّازيّ 23: 217)

الطّبَريّ: الخير: الّذي أمر الله تعالى ذكره عبادَه بكتابة عبيدهم إذا علموه فيهم، فهو القدرة على الاحتراف و الكسب، لأداء ما كوتبوا عليه.

و قال آخرون: بل معنى ذلك: إن علمتم فيهم صدقًا و وفاءً و أداءً.

و قال آخرون: بل معنى ذلك: إن علمتم لهم مالا .

و أولى هذه الأقوال في معنى ذلك عندي قول من قال: معناه: فكاتبوهم إن علمتم فيهم قوّة علىالاحتراف و الاكتساب، و وفاءً بما أوجب على نفسه و ألزمها و صدق لهجة؛ و ذلك أنّ هذه المعاني هي الأسباب الّتي بمولى العبد الحاجة إليها إذا كاتب عبده ممّا يكون في العبد.

فأمّا المال و إن كان من الخير، فإنّه لايكون في العبد، و إنّما يكون عنده، أو له، لا فيه، و الله إنّما أوجب علينا مكاتبة العبد إذا علمنا فيه خيرًا، لا إذا علمنا عنده، أو له، فلذلك لم نقل: إنّ الخير في هذا الموضع معنيّ به المال. (9: 313)

الزّجّاج: قيل: إن علمتم أداء ما يفارقون عليه، أي علمتم أنّهم يكتبون ما يؤدّونه. (4: 40)

الطُّوسيّ: و < الخَيْر > الّذي يعلم منه هو القوّة على التّكسّب، وتحصيل ما يؤدّي به مال الكتابة.

(7: 433)

الزّمَخْشَريّ: قدرة على أداء ما يفارقون عليه،

و قيل: أمانة و تكسّبًا. و عن سلمان رضي الله عنه: أنّ مملوكًا له ابتغى أن يكاتبه، فقال: أعندك مال؟ قال: لا. قال: أفتأمرني أن آكل غُسالة أيدي النّاس.

(3: 66)

نحوه شُبّر. (4: 316)

ابن عَطيّة: اختلف النّاس في المراد ب < الخير > فقالت فرقة: هو المال، و لم تر على سيّد عبد أن يكاتب إلا إذا علم أنّ له مالا يؤدّي منه أو من التّجر فيه. و روي عن ابن عمر و سلمان أ نّهما أبيا من كتابة عبدَين رغبا في الكتابة و وعدا باسترفاق النّاس، فقال كلّ واحد منهما لعبده: أتريد أن تُطعمني أوساخ النّاس و ...

و قال عبيدة السّلمانيّ: الخير هو الصّلاح في الدّين، و هذا في ضمنه القول الّذي قبله. (4: 181)

الفَخْرالرّازيّ: ذكروا في الخير وجوهًا: [فذكر ثلاثة ثمّ قال:]

رابعها: قال الشّافعيّ; المراد بالخير: الأمانة و القوّة على الكسب، لأنّ مقصود الكتابة قلّما يحصل إلا بهما، فإنّه ينبغي أن يكون كَسوبًا يحصل المال،

و يكون أمينًا يُصرفه في نجومه و لايُضيّعه، فإذا فقد

ص: 503

الشّرطان أو أحدهما لايستحبّ أن يكاتبه. و الأقرب أنّه لايجوز حمله على المال لوجهين:

الأوّل: أنّ المفهوم من كلام النّاس إذا قالوا: فلان فيه خير، إنّما يريدون به الصّلاح في الدّين، ولو أراد المال لقال: إن علمتم لهم خيرًا، لأ نّه إنّما يقال: لفلان مال، ولايقال: فيه مال.

الثّاني: أنّ العبد لا مال له بل المال لسيّده، فالأولى أن يُحمل على ما يعود على كتابته بالتّمام، و هو الّذي ذكره الشّافعيّ; و هو أن يتمكّن من الكسب و يوثق به بحفظ ذلك، لأنّ كلّ ذلك ممّا يعود على كتابته بالتّمام، و دخل فيه تفسير النّبيّ (صلی الله علیه و آله) الخير، لأ نّه عليه الصّلاة و السّلام فسّره بالكسب، و هو داخل في تفسير الشّافعيّ ; . (23: 217)القُرطُبيّ: [نقل الأقوال وأضاف:]

قال الطّحاويّ: و قول من قال: إنّه المال لايصح عندنا، لأنّ العبد مالٌ لمولاه، فكيف يكون له مال؟ و المعنى عندنا: إن علمتم فيهم الدّين و الصّدق، و علمتم أنّهم يعاملونكم على أنّهم متعبّدون بالوفاء لكم بما عليهم من الكتابة و الصّدق في المعاملة فكاتبوهم.

و قال أبو عمر: من لم يقل إنّ الخير هنا المال أنكر أن يقال: إن علمتم فيهم مالا ، و إنّما يقال: علمت فيه الخير و الصّلاح و الأمانة، ولايقال: علمت فيه المال، و إنّما يقال: علمت عنده المال. (12: 245)

البَيْضاويّ: أمانة وقدرة على أداء المال بالاحتراف، و قد روي مثله مرفوعًا. و قيل صلاحًا في الدّين. و قيل: مالا و ضعفه ظاهر لفظا و معنى و هو شرط الأمر، فلايلزم من عدمه عدم الجواز. (2: 126)

أبوحَيّان: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و الّذي يظهر من الاستعمال أنّه الدّين، يقول: فلان فيه خير، فلايتبادر إلى الذّهن إلا الصّلاح، و الأمر بالكتابة مقيّد بهذا الشّرط، فلو لم يعلم فيه خير ا لم تكن الكتابة مطلوبة بقوله: { فَكَاتِبُوهُمْ }.

(6: 452)

أبوالسُّعود: أي أمانة ورشدًا و قُدرة على أداء البدل بتحصيله من وجه حلال، و صلاحًا لايؤذي النّاس بعد العتق، و إطلاق العَنان. (4: 457)

البُرُوسَويّ: [نحو أبو السُّعودوأضاف:]

قال الجُنَيْد: إن علمتم فيهم علمًا بالحقّ وعملا به وهو شرط الأمر، أي الاستحباب للعقد المستفاد من قوله: { فَكَاتِبُوهُمْ } فاللازم من انتفائه انتفاء الاستحباب لا انتفاء الجواز. (6: 149)

الآلوسيّ: و أخرج عبد بن حميد عن عَبِيدَة السّلمانيّ و قَتادَة و إبراهيم و أبي صالح أ نّهم فسّروا الخير بالأمانة.

و ظاهر كلامهم الاكتفاء بها و عدم اشتراط القدرة على الكسب، و نقله أيضًا ابن حجر عن بعضهم، وتعقّبه بأنّ المكاتب إذا لم يكن قادرًا على الكسب، كان في مكاتبته ضرر على السّيّد، و لاوثوق بإعانته بنحو الصّدقة و الزّكاة .

و أخرج ابن مردويه عن عليّ كرّم الله تعالى وجهه أ نّه فسّر الخير بالمال، و أخرجه جماعة عن ابن عبّاس

ص: 504

و عن ابن جُرَيْج وروي عن مُجاهِد و عَطاءو الضّحّاك، و تعقّب بأنّ ذلك ضعيف لفظا و معنى :

أمّا لفظًا فلأ نّه لايقال: فيه مال بل عنده أو له مال، و أمّا معنى فلأنّ العبد لا مال له، و لأنّ المتبادر من الخير غيره، و إن أُطلق الخير على المال في قوله تعالى:{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ اِذَا حَضَرَ اَحَدَكُمُ الْمَوْتُ اِنْ تَرَ كَ خَيْرًا } البقرة: 180.

و أُجيب بأ نّه يمكن أن يكون المراد بالخير عند هؤلاء الأجلّة: القدرة على كسب المال إلاأنّهم ذكروا ما هو المقصود الأصليّ منه، تساهلا في العبارة، و مثله كثير.

و قال أبو حَيّان : الّذي يظهر من الاستعمال أنّه الدّين، تقول : فلان فيه خير، فلايتبادر إلى الذّهن إلا الصّلاح، و تعقّب بأنّه لايناسب المقام، و يقتضي أن لايكاتب غير المسلم. و فسّره كثير من أصحابنا بأن لايضرّوا المسلمين بعد العتق، و قالوا : إن غلب ظنّ الضّرر بهم بعد العتق، فالأفضل ترك مكاتبتهم.

و ظاهر التّعليق بالشّرط أنّه إذا لم يعلموا فيهم خيرًا لايستحبّ لهم مكاتبتهم، أو لاتجب عليهم. و هذا للخلاف في أنّ الأمر هل هو للنّدب أو للوجوب؟ فلاتفيد الآية عدم الجواز عند انتفاء الشّرط، فإنّ غاية ما يلزم انتفاءه انتفاء المشروط، و ليس هو فيها إلا الأمر الدّالّ على الوجوب أو النّدب. (18: 154)

مكارم الشّيرازيّ: أي قد بلغوا من النّموّ الجسميّ، و وجدتم فيهم صلاحيّة لإبرام العقد، و قدرتهم على إنجاز ما تعهّدوا به. (11: 80)

12 عَسى رَ بُّهُ اِنْ طَلَّقَكُنَّ اَنْ يُبْدِلَهُ اَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَات مُؤْمِنَات قَانِتَات تَائِبَات عَابِدَات سَائِحَات ثَيِّبَات وَاَبْكَارًا. التّحريم:5

السُّدّيّ : خيرًا منكنّ في الدّنيا . (الماوَرْديّ6: 41)

نِفْطَوَيه: قوله تعالى: { اَنْ يُبْدِلَهُ اَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ } لم يكن على عهد رسول الله(صلی الله علیه و آله) خير من نسائه، و لكن إذا عصينه فطلّقهنّ على المعصية، فمن سواهنّ خير منهنّ. (بصائر ذوي التّمييز2: 573)

الماوَرْديّ: و في قوله: { خَيْرًا مِنْكُنَّ } ثلاثة أوجه :

أحدها : يعني أطوَع منكنّ.

و الثّاني : أحبّ إليه منكنّ.

و الثّالث: [قول السُّدّيّ ] ( 6: 41)

13 عَلى اَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقينَ‘

المعارج:41

راجع: ب د ل: <نُبَدِّل>.

14 . ...وَمَا تُقَدِّمُوا لاَ‚ نْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَاَعْظَمَ اَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ اِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ‘. المزّمّل:20

الزّجّاج: معناه خيرًا لكم من متاع الدّنيا، و { خَيْرًا } منصوب مفعول ثان ل { تَجِدُوهُ }، ودخلت { هُوَ } فصلا . وقدفسّرنا ذلك فيماسلف من الكتاب. ولوكان في غيرالقرآن لجاز تجدوه هو خير، فكنت ترفع ب { هُوَ } و لكن النّصب أجود في العربيّة،

ص: 505

و لايجوز في القرآن غيره. (5: 244)

الماوَرْديّ: ممّا أعطيتم وفعلتم. (6: 134)

نحوه الواحديّ. (4: 378)

الخَيْر1 قُلِ اللهُمّ\َ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَىْ ء قَديرٌ‘.

آل عمران:26

ابن عبّاس: العزّ و الذُّلّ، و المُلك و الغنيمة، و النّصرة و الدّولة. (45)

نحوه مُقاتِل (1: 269)، و النّقّاش ( القُرطُبيّ 4: 55).

الزّجّاج: أي بيدك الخير كلّه، خير الدّنيا و خير الآخرة. (1: 395)

نحوه الواحديّ.

(1: 426)

الماوَرْديّ: أي أنت قادر عليه، و إنّما خص الخير بالذّكر و إن كان قادرًا على الخير والشّرّ، لأ نّه المرغوب في فعله.

(1: 384)

الطُّوسيّ: قوله: { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } معناه إنّك قادر على الخير، و إنّما خص الخير بالذّكر و إن كان بيده كلّ شيء من خير أو شرّ، لأنّ الغرض ترغيب العبد، و إنّما يرغب في الخير دون الشّرّ.

و قال الحسَن، و قَتادَة: هذه الآية نزلت جوابا لما سأل الله النّبيّ(صلی الله علیه و آله) أن يجعل لأُمّته مُلك فارس و الرّوم، فأنزل الله الآية. (2: 431)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (1: 428)

الزّمَخْشَريّ: فإن قلت: كيف قال:{ بِيَدِكَ الْخَيْرُ} فذكر الخير دون الشّرّ؟

قلت: لأنّ الكلام إنّما وقع في الخير الّذي يسوقه إلى المؤمنين، و هو الّذي أنكرته الكفرة، فقال: بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك،و لأنّ كلّ أفعال الله تعالى من نافع وضارّ صادر عن الحكمة و المصلحة، فهو خير كلّه، كإيتاء الملك و نزعه.

(1: 422)

ابن عَطيّة: و خص الله تعالى: { الْخَيْرُ} بالذّكر، و هو تعالى بيده كلّ شيء؛ إذ الآية في معنى دعاء و رغبة، فكأنّ المعنى بيدك الخير، فأجزل حظّي منه. و قيل: المراد: { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } و الشّرّ، فحُذف، لدلالة أحدهما على الآخر، كما قال: { تَقيكُمُ الْحَرَّ } النّحل: 81، قال النّقّاش { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } أي النّصر و الغنيمة، فحذف، لدلالة أحدهما. (1: 417)

نحوه النّسَفيّ. (1: 152)

الفَخْرالرّازيّ: أمّا قوله تعالى: { بِيَدِكَ الْخَيْرُ }.

فاعلم أنّ المراد من اليد هو القدرة، و المعنى بقدرتك الخير، و الألف و اللام في< الخير > يوجبان العموم، فالمعنى: بقدرتك تحصل كلّ البركات و الخيرات. و أيضا فقوله :{ بِيَدِكَ الْخَيْرُ } يفيد الحصر، كأ نّه قال: بيدك الخير لابيد غيرك، كما أنّ قوله تعالى: { لَكُمْ دينُكُمْ وَ لِىَ دينِ‘ } الكافرين : 6، أي لكم دينكم، أي لا لغيركم، و ذلك الحصر ينافي حصولالخير بيد غيره، فثبت دلالة هذه الآية من

ص: 506

هذين الوجهين، على أنّ جميع الخيرات منه، و بتكوينه و تخليقه و إيجاده و إبداعه، إذا عرفت هذا فنقول:

أفضل الخيرات هو الإيمان بالله تعالى و معرفته، فوجب أن يكون < الخير > من تخليق الله تعالى لا من تخليق العبد، و هذا استدلال ظاهر. و من الأصحاب من زاد في هذا التّقدير، فقال: كلّ فاعلين فِعْل أحدهما أشرف و أفضل من فعل الآخر، كان ذلك الفاعل أشرف و أكمل من الآخر، و لاشكّ أنّ الإيمان أفضل من الخير، و من كلّ ما سوى الإيمان، فلو كان الإيمان بخلق العبد لابخلق الله لوجب كون العبد زائدًا في الخيريّة على الله تعالى، و في الفضيلة و الكمال، و ذلك كفر قبيح؛ فدلّت هذه الآية من هذين الوجهين على أنّ الإيمان بخلق الله تعالى.

فإن قيل: فهذه الآية حجّة عليكم من وجه آخر، لأ نّه تعالى لمّا قال: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ } كان معناه أنّه ليس بيدك إلا الخير، و هذا يقتضي أن لايكون الكفر و المعصية واقعَين بتخليق الله.

و الجواب: أنّ قوله: { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } يفيد أنّ بيده الخير لابيد غيره، و هذا ينافي أن يكون بيد غيره، و لكن لاينافي أن يكون بيده الخير و بيده ما سوى الخير. إلا أنّه خص الخير بالذّكر. لأ نّه الأمر المنتفع به، فوقع التّنصيص عليه لهذا المعنى. قال القاضيّ: كلّ خير حصل من جهة العباد فلولا أنّه تعالى أقدرهم عليه و هداهم إليه لما تمكّنوا منه، فلهذا السّبب كان مضافا إلى الله تعالى. إلا أنّ هذا ضعيف، لأنّ على هذا التّقدير يصير بعض الخير مضافا إلى الله تعالى، و يصير أشرف الخيرات مضافا إلى العبد، و ذلك على خلاف هذا النّص. (8: 9)

القُرطُبيّ: { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } أي بيدك الخير و الشّرّ فحذف،كما قال:{سَرَابيلَ‘ تَقيكُمُ الْحَرَّ } النّحل: 81.

و قيل: خص { الْخَيْرُ } لأ نّه موضع دعاء و رغبة في فضله. (4: 55)

البَيْضاويّ: ذكر الخير وحده، لأ نّه المقضيّ بالذّات، و الشّرّ مقضيّ بالعرض؛ إذ لايوجد شرّ جزئيّ ما لم يتضمّن خيرًا كلّيًّا، أو لمراعاة الأدب في الخطاب، أو لأنّ الكلام وقع فيه. (1: 154)

أبوالسُّعود: تعريف الخير للتّعميم، و تقديم الخبر للتّخصيص، أي بقدرتك الخير كلّه لا بقدرة أحد غيرك، تتصرّف فيه قبضا و بسطا حسبما تقتضيه مشيئتك. و تخصيص الخير بالذّكر لما أنّه مقضيّ بالذّات، و أمّا الشّرّ فمقضيّ بالعرض؛ إذ ما من شرّ جزئيّ إلا و هو متضمّن لخير كلّيّ، أو لأنّ في حصول الشّرّ دخلا لصاحبه في الجملة، لأ نّه من أجزية أعماله. و أمّا الخير ففضل محض، أو لرعاية الأدب، أو لأنّ الكلام فيه. (1: 352)

نحوه البُرُوسَويّ. (2: 18)، و الآلوسيّ(3: 114).

شبّر: والشّرّ ليس منك، لأنّ أفعاله تعالىخير، و الشّرّ يرجع إلينا، و المضارّ الظّاهرة، من الأوجاع و الابتلاء لمصالح، فهي خير. (1: 310)

ابن عاشور: و قوله: { بِيَدِكَ الْخَيْرُ } تمثيل للتّصرّف في الأمر؛ لأنّ المتصرّف يكون أقوى تصرّفه بوضع شيء بيده، ولو كان لايوضع في اليد،[ثمّ

ص: 507

استشهد بشعر]

و هذا يعدّ من المتشابه، لأنّ فيه إضافة اليد إلى ضمير الجلالة، و لاتشابه فيه: لظهور المراد من استعماله في الكلام العربيّ. و الاقتصار على الخير في تصرّف الله تعالى اكتفاءً كقوله تعالى: { سَرَابيلَ‘ تَقيكُمُ‘ الْحَرَّ } النّحل: 81، أي و البرد.

وكان الخير مقتضى بالذّات أصالة و الشّرّ مقتضى بالعَرَض قال الجلال الدّوانيّ في شرح ديباجة هياكل النّور:

«و خُص الخير هنا لأنّ المقام مقام ترجّي المسلمين الخيرمن الله، و قد علم أنّ خيرهم شرّ لضدّهم كما قيل:

* مصائب قوم عند قوم فوائد *>.

أي الخير مقتضى الذّات و الشّرّ مقتضي بالعرض و صادر بالتّبع، لما أنّ بعض ما يتضمّن خيرات كثيرة هو مستلزم لشرّ قليل، فلو تركت تلك الخيرات الكثيرة لذلك الشّرّ القليل، لصار تركها شرًّا كثيرًا، فلمّا صدر ذلك الخير لزمه حصول ذلك الشّرّ .

(3: 68)

مَغْنِيّة: الخير يشمل كلّ ما فيه منفعة محلّلة، معنويّة كانت أو مادّيّة، و قد ساق الله للمسلمين خيرًا كثيرًا ببركة الإسلام. (2: 37)

الطَّباطَبائيّ: الأصل في معنى الخير هو الانتخاب، و إنّما نسمّي الشّيء خيرًا لأ نّا نقيسه إلى شيء آخر نريد أن نختار أحدهما فننتخبه، فهو خير، ولا نختاره إلا لكونه متضمّنًا لما نريده و نقصده، فما نريده هو الخير بالحقيقة، و إن كنّا أردناه أيضًا لشيء آخر فذلك الآخر هو الخير بالحقيقة، و غيره خير من جهته، فالخير بالحقيقة هو المطلوب لنفسه، يسمّى خيرًا لكونه هو المطلوب إذا قيس إلى غيره، و هو المنتخب من بين الأشياء إذا أردنا واحدًا منها وتردّدنا في اختياره من بينها.

فالشّيء كما عرفت إنّما يسمّى خيرًا، لكونه منتخبًا إذا قيس إلى شيء آخر مؤثرًا بالنّسبة إلى ذلك الآخر، ففي معناه نسبة إلى الغير، و لذا قيل: إنّه صيغة التّفضيل،و أصله: أخيَر، و ليس بأفعَل التّفضيل. و إنّما يقبل انطباق معنى التّفضيل على مورده فيتعلّق بغيره، كما يتعلّق أفعل التّفضيل. يقال: زيد أفضل من عمرو، و زيد أفضلهما، و يقال: زيد خير من عمرو، و زيد خيرهما.

و لو كان < خير > صيغة التّفضيل، لجرى فيه ما يجري عليه. و يقال: أفضل و أفاضل و فُضلى و فُضليات، و لايجري ذلك في خير، بل يقال: خير و خِيَرة و أخيار و خيرات، كمايقال: شيخ و شِيَخة و أشياخ و شيخات، فهو صفة مشبّهة.

و ممّا يؤيّده استعماله في موارد لايستقيم فيه معنى أفعل التّفضيل، كقوله تعالى: { قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجَارَةِ } الجمعة : 11، فلاخير في اللّهو حتّى يستقيم معنى أفعَل. و قد اعتذروا عنه و عن أمثاله بأ نّه منسلخ فيها عن معنى التّفضيل، و هو كما ترى.

فالحقّ أنّ الخير إنّما يفيد معنى الانتخاب،

ص: 508

و اشتمال ما يقابله من المقيس عليه على شيء من الخير من الخصوصيّات الغالبة في الموارد. و يظهر ممّا تقدّم أنّ الله سبحانه هو الخير على الإطلاق، لأ نّه الّذي ينتهي إليه كّل شيء، و يرجع إليه كلّ شيء، و يطلبه

و يقصده كلّ شيء. لكن القرآن الكريم لايُطلق عليه سبحانه الخير إطلاق الاسم، كسائر أسمائه الحُسنى جلّت أسماؤه، و إنّما يُطلقه عليه إطلاق التّوصيف، كقوله تعالى:{ وَ اللهُ خَيْرٌ وَاَبْقى } طه: 73، و كقوله تعالى:{ ء َاَرْ بَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ اَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } : يوسف: 39.

نعم، و قع الإطلاق على نحو التّسمية بالإضافة، كقوله تعالى: { وَ اللهُ خَيْرُ الرَّازِقينَ‘ } الجمعة: 11، و قوله: { وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمينَ ‘} الأعراف: 87، و قوله: { وَ هُوَ خَيْرُ الْفَاصِلينَ ‘} الأنعام: 57، و قوله: { وَ هُوَ خَيْرُ النَّاصِرينَ‘ } آل عمران: 150، و قوله:{ وَ اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرينَ‘ } آل عمران: 54، و قوله:{ وَ اَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحينَ ‘} الأعراف: 89، و قوله: { وَ اَنْتَ خَيْرُ الْغَاِفرينَ ‘} الأعراف: 155، و قوله:{ وَ اَنْتَ خَيْرُ

الْوَ ارِثينَ ‘} الأنبياء: 89، و قوله: { وَ اَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزَلينَ ‘} المؤمنون: 29، و قوله: { وَ اَنْتَ خَيْرُ الرَّ احِمينَ‘ } المؤمنون: 109.

و لعلّ الوجه في جميع ذلك اعتبار ما في مادّة الخير من معنى الانتخاب، فلم يُطلق إطلاق الاسم عليه تعالى، صونًا لساحته تعالى أن يقاس إلى غيره بنحو الإطلاق، و قد عنت الوجوه لجنابه. و أمّا التّسمية عند الإضافة و النّسبة و كذا التّوصيف في الموارد المقتضية لذلك، فلا محذور فيه.

و الجملة، أعني قوله تعالى:{ بِيَدِكَ الْخَيْرُ } تدلّ على حصر الخير فيه تعالى، لمكان اللام، و تقديم الظّرف الّذي هو الخبر. والمعنى أنّ أمر كلّ خير مطلوب إليك و أنت المعطي المفيض إيّاه.

فالجملة في موضع التّعليل لما تقدّمت عليها من الجمل، أعني قوله:{ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ } من قبيل تعليل الخاص بما يعمّه و غيره، أعني أنّ الخير الّذي يؤتيه تعالى أعمّ من الملك و العزّة، و هو ظاهر.

و كما يصحّ تعليل إيتاء الملك و الإعزاز بالخير الّذي بيده تعالى، كذلك يصحّ تعليل نزع الملك و الإذلال، فإنّهما و إن كانا شرّين، لكن ليس الشّرّ إلا عدم الخير، فنزعالملك ليس إلا عدم الإعزاز، فانتهاء كلّ خير إليه تعالى هو الموجب لانتهاء كلّ حرمان من الخير بنحو إليه تعالى. نعم الّذي يجب انتفاؤه عنه تعالى، هو الاتّصاف بما لايليق بساحة قدسه من نواقص أفعال العباد و قبائح المعاصي إلا بنحو الخذلان و عدم التّوفيق،كما مرّ البحث عن ذلك.

و بالجملة هناك خير و شرّ تكوينيّان كالملك و العزّة و نزع الملك و الذّ لّة، و الخير التّكوينيّ: أمر وجوديّ من إيتاء الله تعالى، و الشّرّ التّكوينيّ: إنمّا هو عدم إيتاء الخير، و لاضَير في انتسابه إلى الله سبحانه، فإنّه هو المالك للخير لايملكه غيره، فإذا أعطى غيره شيئًا من الخير فله الأمر و له الحمد، و إن لم يعط أو منع فلاحقّ لغيره عليه حتّى يلزمه عليه، فيكون امتناعه من الإعطاء ظلمًا، على أنّ إعطائه و منعه كليهما

ص: 509

مقارنان للمصالح العامّة الدّخيلة في صلاح النّظام الدّائر بين أجزاء العالم.

و هناك خير و شرّ تشريعيّان، و هما أقسام الطّاعات و المعاصي، و هما الأفعال الصّادرة عن الإنسان من حيث انتسابها إلى اختياره، و لاتستند من هذه الجهة إلى غير الإنسان قطعًا، و هذه النّسبة هي الملاك لحسنها و قبحها، و لو لا فرض اختيار في صدورها لم تتّصف بحسن و لاقبح، و هي من هذه الجهة لاتنتسب إليه تعالى إلا من حيث توفيقه تعالى، و عدم توفيقه لمصالح تقتضي ذلك.

فقد تبيّن أنّ الخير كلّه بيد الله، و بذلك ينتظم أمر العالم في اشتماله على كلّ وجدان و حرمان و خير و شرّ. و قد ذكر بعض المفسّرين أنّ في قوله:{ بِيَدِكَ الْخَيْرُ } إيجازًا بالحذف، و التّقدير: بيدك الخير و الشّرّ، كما قيل نظير ذلك في قوله تعالى:{ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابيلَ‘ تَقيكُمُ الْحَرَّ } النّحل: 81، أي و البرد.و كأنّ السّبب في ذلك الفرار عن الاعتزال، لقول المعتزلة بعدم استناد الشّرور إليه تعالى، و هو من عجيب الاجتراء على كلامه تعالى، و المعتزلة و إن أخطأوا في نفي الانتساب نفيًا مطلقًا حتّى بالواسطة، لكنّه لايجوز هذا التّقدير الغريب، و قد تقدّم البحث عن ذلك و بيان حقيقة الأمر. (3: 132)

مكارم الشّيرازيّ: دار الكلام في الآيات السّابقة حول المشركين و أهل الكتاب الّذين كانوا يخصّون أنفسهم بالعزّة و بالملك، وكيف أنّهم كانوا يرون أنفسهم في غنى عن الإسلام. فنزلت هاتان الآيتان تفنّدان مزاعمهم الباطلة، يقول تعالى: { قُلِ اللهُمَّ\ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ } إنّ المالك الحقيقيّ للأشياء هو خالقها، و هو الّذي يُعطي لمن يشاء الملك و السّلطان، أو يسلبهما ممّن يشاء، فهو الّذي يُعزّ، و هو الّذي يُذلّ، و هو القادر على كلّ هذه الأُمور { وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَىء قَديرٌ ‘}. و لاحاجة للقول بأنّ مشيئة الله في هذه الآيات لاتعني أنّه يُعطي بدون حسابولاموجب، أو يأخذ بدون حساب و لاموجب ، بل أنّ مشيئته مبنيّة على الحكمة و النّظام و مصلحة عالم الخلق و عالم الإنسانيّة عموما . و بناءً على ذلك فإنّ أيّ عمل يقوم به إنّما هو خير عمل و أصحّه.

{ بِيَدِكَ الْخَيْرُ }.( خَيْر) صيغة تفضيل يقصد بها تفضيل شيء على شيء، و الكلمة تُطلق أيضا على كلّ شيء حسن، بدون مفهوم التّفضيل. و الظّاهر من الآية أنّها جاءت بالمعنى الثّاني هذا، أي إنّ مصدر كلّ خير بيده و منه سبحانه.

و عبارة{ بِيَدِكَ الْخَيْرُ}.تحصر كلّ الخير بيد الله من جهتين:

1 الألف و اللام في { الْخَيْرُ } هما للاستغراق.

2 أنّ تقديم الخبر{ بِيَدِكَ } و تأخير المبتدإ { الْخَيْرُ } دليل على الحصر، كما هو معلوم، فيكون المعنى: كلّ الخير بيدك وحدك لابيد غيرك.

كذلك يستفاد من{ بِيَدِكَ الْخَيْرُ} أنّ الله هو منبع كلّ خير و سعادة، فإذا أعزّ أحدًا أو أذلّه، أو أعطى

ص: 510

السّلطنة و الحكم لأحد النّاس أو سلبها منه، فذلك قائم على العدل، و لاشرّ فيه. فالخير للأشرار أن يكونوا في السّجن، و الخير للأخيار أن يكونوا أحرارًا.

و بعبارة أُخرى: إنّه لاوجود للشّرّ في العالم، ونحن الّذين نقلب الخيرات إلى شرور، فعندما تحصر الآية الخير بيده تعالى و لاتتحد ّث عن الشّرّ، إنّما هو بسبب أنّ الشّرّ لايصدر من ذاته المقدّسة إطلاقا . (2: 326)

فضل الله: فهو المهيمن على كلّ ما يكفل للحياة امتدادها من خيرات و نِعَم، فهي بيده لابيد غيره، و هو القادر على كلّ شيء منها في جانب المنع و العطاء.

(5: 302)

2 وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ اِلَى الْخَيْرِ وَ يَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اُولئِكَ’ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . آل عمران: 104

ابن عبّاس: إلى الصّلح و الإحسان. (53)

الطّبَريّ: يعني إلى الإسلام و شرائعه الّتي شرّعها الله لعباده. (3: 385)

الزّمَخْشَريّ: عن النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أنّه سُئل و هو على المنبر: مَن خير النّاس؟ قال: آمرهم بالمعروف، و أنهاهم عن المنكر، و أتقاهم لله، و أوصلهم. (1: 452)

الطَّبْرِسيّ: إلى الدّين. (1: 483)

الخازن: و الخير المذكور في الآية، هو كلّ شيء يُرغب فيه من الأفعال الحسنة، و قيل: هو هنا كناية عن الإسلام. و المعنى: لتكن أُمّة أيّ جماعة دُعاة إلى الإسلام، و إلى كلّ فعل حسن يُستَحسن في الشّرع و العقل.

و قيل: الدّعوة إلى فعل الخير يندرج تحتهانوعان :

أحدهما: التّرغيب في فعل ما ينبغي، و هو الأمر بالمعروف.

و الثّاني: التّرغيب في ترك ما لاينبغي، و هو النّهي عن المنكر، فذكر الحسن أوّ لا و هو الخير، ثمّ أتبعه بنوعيه مبالغةً في البيان.

(1: 334)

شُبّر: يعمّ الأفعال والتّروك الحسنة شرعًا وعقلا .

(1: 6 35)

الآلوسيّ: و المراد من الدّعاء إلى الخير: الدّعاء إلى ما فيه صلاح دينيّ أو دنيويّ، فعطف الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر عليه في قوله سبحانه: { وَ يَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } من باب عطف الخاص على العامّ، إيذانا بمزيد فضلهما على سائر الخيرات، كذا قيل.

قال ابن المنير: إنّ هذا ليس من تلك الباب، لأ نّه ذكر بعد العامّ جميع ما يتناوله؛ إذ الخير المدعوّ إليه إمّا فعل مأمور أو ترك منهيّ ،لايعدو واحدًا من هذين، حتّى يكون تخصيصهما بتميّزهما عن بقيّة المتناولات. فالأولى أن يقال: فائدة هذا التّخصيص ذكر الدّعاء إلى الخير عامّا ثمّ مفصّلا ، و في تثنية الذّكر على وجهين ما لايخفى من العناية، إلا أن ثبت عُرف يخص الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ببعض أنواع الخير، و حينئذ يتمّ ما ذُكر، و ما أرى هذا العرف ثابتا ، انتهى.

وله وجه وجيه، لأنّ الدّعاء إلى الخير لو فُسّر بما يشمل أُمور الدّنيا و إن لم يتعلّق بها أمر أو نهي، كان

ص: 511

أعمّ من فرض الكفاية، و لايخفى ما فيه، على أ نّه قد أخرج ابن مردويه عن الباقر2 قال: < قرأ رسول الله(صلی الله علیه و آله):{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ اِلَى الْخَيْرِ } ثمّ قال: الخير: إتّباع القرآن و سنّتي > و هذا يدلّ أنّ الدّعاء إلى الخير لايشمل الدّعاء إلى أُمور الدّنيا.

و من النّاس من فسّر الخير بمعروف خاص، و هو الإيمان بالله تعالى، و جعل المعروف في الآية ما عداه من الطّاعات، فحينئذ لايتأتّى ما قاله ابن المنير أيضا . و يؤيّده ما أخرجه ابن أبي حاتم عن مُقاتِل: أنّ الخير: الإسلام، و المعروف: طاعة الله، و المنكر: معصيته.

(4: 21)

ابن عاشور: و معنى الدّعاء إلى الخير: الدّعاء إلى الإسلام، و بثّ دعوة النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، فإنّ الخير اسم يجمع خصال الإسلام. ففي حديث حذيفة بن اليمان: < قلت : يا رسول الله إنّا كنّا في جاهليّة و شَرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ »؟ الحديث ... و لذلك يكون عطف الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر عليه من عطف الشّيء على مغايره، و هو أصل العطف.

و قيل: أُريد بالخير ما يشمل جميع الخيرات،و منها الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، فيكون العطف من عطف الخاص على العامّ للاهتمام به. (3: 181)

راجع: د ع و: < يَدْعُوا>.

3 قُلْ لا اَمْلِكُ لِنَفْسى ‘نَفْعًا وَ لا ضَرًّا اِلا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْكُنْتُ اَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ اِنْ اَنَا اِلا نَذيرٌ‘ وَ بَشيرٌ‘ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.

الأعراف:188

ابن عبّاس: لو كنت أعلم سنَة الجَدْب لهيّأت لها في زمن الخِصْب ما يكفيني. (القُرطُبيّ7: 336)

مُجاهِد: لاستكثرت من الأعمال الصّالحة قبل اقتراب الأجل، و لم أشتغل بغيرها، و لاخْتَرتُ الأفضل فالأفضل.

مثله ابن جُرَيْج. (الطَّبْرِسيّ 2: 507)

الحسَن: لاستكثرت من العمل الصّالح.

مثله ابن جُرَيْج. (الماوَرْديّ2: 285)

نحوه البغَويّ. (2: 257)

مُقاتِل: يعني من النّفع. (2: 79)

الفَرّاء: لأعددت من السّنة المُخصِبة للسّنة المُجدِبة. (الماوَرْديّ(2: 285)

الزّجّاج: أي لادّخرت زمن الخِصْب لزمن الجَدْب. (2: 394)

نحوه الواحديّ. (2: 434)

لو كنت أعلم ما أسأل عنه من الغيب لاستكثرت من الخير، أي لأجبت في كلّ ما أسأل عنه من الغيب في أمر السّاعة و غيرها.

(الطَّبْرِسيّ 2: 507)

الثّعلبيّ: يعني من المال، وتهيّأت لسنة القحط ما يكفيها. (4: 314)

الماوَرْديّ: فيه ثلاثة أقاويل: [الأوّل والثّاني قول الحسَن و الفَرّاء]

و الثّالث: و هو شاذّ : لاشتَريتُ في الرُّخَص و بِعْت في الغلاء. (2: 285)

ص: 512

الطُّوسيّ: معناه: إنّي لو كنت أعلم الغيب لعلمت ما يربح من التّجارات في المستقبل، و ما يخسر من ذلك، فكنت أشتري ما أربح و أتجنّب ما أخسر فيه، فتكثر بذلك الأموال والخيرات عندي، و كنت أعُدّه في زمان الِخصْب لزمان الجَدْب. (5: 58)

الزّمَخْشَريّ: لكانت حالي على خلاف ما هي عليه، من استكثار الخير و استغزار المنافع، و اجتناب السّوء و المضارّ، حتّى لايمسّني شيء منها. و لم أكن غالبًا مرّة و مغلوبًا أُخرى في الحروب.، و رابحًا و خاسرًا في التّجارات، و مصيبًا و مخطئًا في التّدابير.

(2: 135)

الطَّبْرِسيّ: و لو كنت أعلم الغيب لادّخرت من السّنَة المُخصِبة للسّنَة المُجدِبة، و لاشتَريت و قت الرُّخَص لأيّام الغلاء.

(2: 507)

الفَخْر الرّازيّ: و اختلفوا في المراد من هذا الخير:

فقيل: المراد منه: جلب منافع الدّنيا و خيراتها،و دفع آفاتها و مضرّ اتها، و يدخل فيه ما يتّصل بالِخصْب و الجَدْب و الأرباح و الأكساب.

و قيل: المراد منه: ما يتّصل بأمر الدّين، يعني لو كنت أعلم الغيب كنت أعلم أنّ الدّعوى إلى الدّين الحقّ تؤثّر في هذا و لا تؤثّر في ذاك، فكيف اشتغل بدعوة هذا دون ذاك؟!

و قيل: المراد منه: ما يتّصل بالجواب عن السّؤالات، و التّقدير: لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير.و الجواب: عن هذه المسائل الّتي سألوه عنها مثل السّؤال عن وقت قيام السّاعة و غيره. (15: 84)

نحوه القُرطُبيّ. (7: 336)

البَيْضاويّ: و لو كنت أعلمه لخالفت حالي ما هي عليه، من استكثار المنافع و اجتناب المضارّ حتّى لايمسّني سوء. (1: 380)

النّسَفيّ: [نحو الزّمَخْشَريّ و أضاف:]

و قيل: الغيب:الأجل، و الخير: العمل، و السّوء: الوجل. و قيل: {لاسْتَكْثَرْتُ }: لاعتَدَدتُ من الخِصْب للجَدْب. و السّوء: الفقر و قد رُدّ. (2: 89)

أبوالسُّعود: أي لحصّلتُ كثيرًا من الخير الّذي نيط تحصيله بالأفعال الاختياريّةللبشر بترتيب أسبابه و دفع موانعه. (3: 63)

البُرُوسَويّ: أي لجعلت المال و المنافع كثيرًا على أن يكون بناء استفعل للتّعدية، كما في نحو: استذلّه .

(3: 292)

الآلوسيّ: أي لحصّلت كثيرًا من الخير الّذي نيط بترتيب الأسباب و رفع الموانع. { وَ مَا مَسَّنِىَ السُّوءُ } أي السّوء الّذي يمكن التّفصّي عنه بالتّوقّي عن موجباته و المدافعة بموانعه، و إن كان منه ما لامدفع له. وكأنّ عدم مسّ السّوء من توابع استكثار الخير في الجملة، و لذا لم يسلك في الجملة الثّانية نحو مسلك الجملة الأُولى. و الاستلزام في الشّرطيّة لايلزم أن يكون عقليًّا و كلّيًّا، بل يكفي أن يكون عاديًّا في البعض. و قد حكم غير واحد أنّه في الآية من العاديّ؛. و بذلك دفع الشّهاب ما قيل: إنّ العلم بالشّيء لايلزم منه القدرة عليه، ومنشؤه الغفلة عن المراد، و حمل الخير و السّوء على ما ذُكر هو الّذي ذهب إليه جُلّة

ص: 513

المحقّقين

و فسّر بعض: الأوّل بالرّبح في التّجارة و الفوز بالخِصْب .و الثّاني بضدّ ذلك؛ بناء على ما روي عن الكَلْبيّ أنّ أهل مكّة قالوا: يا محمّد ألا تُخبرنا بالسّعر الرّخيص قبل أن يغلو، فنشتري فنربح، و بالأرض الّتي تريد أن تجدب فنرتحل منها إلى ما قد أخصَب، فنزلت.

و عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما تفسير الأوّل: بالرّبح في التّجارة، و الثّاني: بالفقر.

و قيل: الأوّ ل: الجواب عن السّؤال، و الثّاني: التّكذيب.

و قيل: الأوّل الاشتغال بدعوة من سبقت له السّعادة، و الثّاني: النّصب الحاصل من دعوة منحقّت عليه كلمة العذاب.

و قيل و نسب إلى مُجاهِد و ابن جُرَيْج : المراد من الغيب : الموت، و من الخير: الإكثار من الأعمال الصّالحة، و من السّوء: ما لم يكن كذلك. و قيل: غير ذلك، و الكلّ كما ترى. و منها ما لاينبغي أن يُخَرَّج عليه التّنزيل .و قُدّم ذكر الخير على ذكر السّوء لمناسبة ما قبل؛ حيث قُدّم فيه النّفع على ذكر الضّرّ، و سُلك في ذكرهما هناك كذلك مسلك التّرقّي على ما قيل، فإنّ دفع المضارّ أهمّ من جلب المنافع. (9: 136)

4 كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَاِلَيْنَا تُرْجَعُونَ.

الأنبياء:35

ابن عبّاس: بالرّخاء و الشّدّة، وكلاهما بلاء.

(الطّبَريّ 9: 25)

يقول: نبتليكم بالشّدّة والرّخاء، و الصّحّة

و السّقم، و الغنى و الفقر، و الحلال و الحرام، و الطّاعة و المعصية، و الهدى و الضّلالة. (الطّبَريّ 9: 26)

نحوه الضّحّاك(أبو حَيّان6: 311)، و شُبّر(4: 195).

قَتادَة: يقول: نبلوكم بالشّر ّبلاء، و الخير فتنة.

(الطّبَريّ 9: 25)

الإمام الصّادق (علیه السلام): إنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) مرض، فعاده أخوانه، فقالوا: كيف تجدك يا أمير المؤمنين ؟ قال بشرّ. قالوا: ما هذا كلام مثلك. قال: إنّ الله تعالى يقول:{ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً }، فالخير: الصّحّة و الغنى، و الشّرّ: المرض و الفقر.

(الطَّبْرِسيّ4: 46)

ابن زَيْد: نبلوهم بما يحبّون و بما يكرهون، نختبرهم بذلك لننظر كيف شكرهم فيما يُحبّون، وكيف صبرهم فيما يكرهون.

(الطّبَريّ 9: 26)

نحوه الثّعلبيّ. (6: 275)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: ونختبركم أيّها النّاس بالشّرّ و هو الشّدّة نبتليكم بها، و بالخير و هو الرّخاء و السّعة العافية فنفتنكم به. (9: 25)

نحوه القُرطُبيّ. (11: 287)

الطُّوسيّ: أي نختبركم معاشر العقلاء بالشّرّ و الخير، يعني بالمرض و الصّحّة، و الرُّخَص و الغلاء، و غير ذلك من أنواع الخير و الشّرّ. (7: 246)

ابن عَطيّة: إنّ المراد من الخير و الشّرّ هنا: ما يصحّ أن يكون فتنة و ابتلاء، و ذلك خير المال و شرّه

ص: 514

و خير الدّنيا في الحياة و شرّها. و أمّا الهدى و الضّلال فغير داخل في هذا، و لاالطّاعة و لاالمعصية، لأنّ من هدى فليس نفس هداه اختبار بل قد تبيّن خبره، فعلى هذا ففي الخير و الشّرّ ما ليس فيه اختبار، كما يوجد أيضا اختبار بالأوامر و النّواهي، و ليس بداخل في هذه الآية. (4: 81)

الطَّبْرِسيّ: قال بعض الزّهّاد: الشّرّ: غلبة الهوى على النّفس، و الخير: العصمة عن المعاصي. (4: 46)

الفَخْرالرّازيّ: ففيه مسائل:المسألة الأُولى: الابتلاء لايتحقّق إلا مع التّكليف، فالآية دالّة على حصول التّكليف و تدلّ على أنّه سبحانه و تعالى لم يقتصر بالمكلّف على ما أمر و نهى و إن كان فيه صعوبة، بل ابتلاه بأمرين:

أحدهما: ما سمّاه خيرًا، و هو نعم الدّنيا من الصّحّة و اللّذّة و السّرور و التّمكين من المرادات.

و الثّاني: ما سمّاه شرًّا و هو المضارّ الدّنيويّة من الفقر و الآلام و سائر الشّدائد النّازلة بالمكلّفين. فبيّن تعالى أنّ العبد مع التّكليف يتردّد بين هاتين الحالتين، لكي يشكر على المنح و يصبر في المحن، فيعظم ثوابه إذا قام بما يلزم. (22: 169)

البَيْضاويّ: بالبلاياو النّعم. (2: 72)

نحوه أبوالسُّعود (4: 335)،و الكاشانيّ(3: 339).

النّسَفيّ: { بِالشَّرِّ } بالفقروالضّرّ{ وَ الْخَيْرِ } الغنى والنّفع. (3: 78)

الشِّربينيّ: هو نِعَم الدّنيا من الصّحّة و اللّذّة و السّرور و التّمكّن من المرادات. (2: 504)

البُرُوسَويّ: بالبلايا و النّعم، كالفقر و الألم و الشّدّة و الغنى و اللّذّة و السّرور هل تصبرون و تشكرون أولا؟

و قال بعضهم: بالقهر و اللّطف و الفراق و الوصال و الإقبال و الإدبار و المحنة و العافية و الجهل و العلم

و النّكرة و المعرفة.

قال سهل:{ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ } و هو متابعة النّفس و الهوى بغير هدى { وَ الْخَيْرِ } و الخير: العصمة من المعصية و المعونة على الطّاعة. (5: 478)

القاسميّ: أي نختبركم بما يجب فيه الصّبر من المصائب، و ما يجب فيه الشّكر من النّعم. (11: 4271)

5 يَاءَ يُّهَا الَّذينَ‘ ا مَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَ بَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

الحجّ: 77

ابن عبّاس: العمل الصّالح. (284)

يريد صلة الرّحم و مكارم الأخلاق.

(الواحديّ3: 281)

نحوه الزّمَخْشَريّ(3: 23)، و شُبّر(4: 261).

مُقاتِل: الّذي أمركم به. (3: 139)

نحوه الطّبَريّ (9: 191)، و الزّجّاج(3: 439).

الطُّوسيّ: و الخير: النّفع الّذي يجلّ موقعه، و تعمّ السّلامة به، و نقيضه الشّرّ، و قد أمر الله بفعل الخير، ففعله طاعة له. (7: 343)

ابن عَطيّة: ندب، فيما عدا الواجبات الّتي صحّ وجوبها من غير هذا الموضع. (4: 134)

نحوه القُرطُبيّ. (12: 98)

ص: 515

الطَّبْرِسيّ: قال ابن عبّاس: يريد صلة الرّحم،

و مكارم الأخلاق، و معناه: لاتقتصروا على فعل الصّلاة و الواجبات من العبادات، و افعلوا غيرها من أنواع البرّ، من إغاثة الملهوف، و إعانة الضّعيف، و بِرّ الوالدين، و ما جانسها. (4: 97)

الفَخْرالرّازيّ: قال ابن عبّاس رضي الله عنهما يريد به صلة الرّحم و مكارم الأخلاق. والوجه عندي في هذا التّرتيب أنّ الصّلاة نوع من أنواع العبادة، و العبادة نوع من أنواع فعل الخير، لأنّ فعل الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الّذي هو عبارة عن التّعظيم لأمر الله، و إلى الإحسان الّذي هو عبارة عن الشّفقة على خلق الله، و يدخل فيه البِرّ و المعروف و الصّدقة على الفقراء و حسن القول للنّاس، فكأنّه سبحانه قال: كلّفتكم بالصّلاة بل كلّفتكم بما هو أعمّ منها و هو العبادة، بل كلّفتكم بما هو أعمّ من العبادة، و هو فعل الخيرات. (23: 71)

نحوه النّسَفيّ. (3: 112)

البَيْضاويّ: وتحرّوا ما هو خير و أصلح فيما تأتون و تذرون، كنوافل الطّاعات و صلة الأرحام و مكارم الأخلاق. (2: 100)

نحوه أبوالسُّعود(4: 398)، و الكاشانيّ(3: 391)، و البُرُوسَويّ(6: 63).

أبوحَيّان: قال ابن عبّاس: صلة الأرحام

و مكارم الأخلاق. و يظهر في هذا التّرتيب أنّهم أُمروا أوّ لا بالصّلاة و هي نوع من العبادة، و ثانيا بالعبادة و هي نوع من فعل الخير، و ثالثا بفعل الخير و هو أعمّ من العبادة، فبدأ بخاص ثمّ بعامّ ثمّ بأعمّ. (6: 391)

الآلوسيّ: تعميم بعد تخصيص، أو مخصوص بالنّوافل. (17: 208)

ابن عاشور: قوله { وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ } أمر بإسداء الخير إلى النّاس من الزّكاة، و حسن المعاملة كصلة الرّحم، و الأمر بالمعروف، و النّهي عن المنكر، و سائر مكارم الأخلاق. و هذا مجمل بيّنتُه، و بيّنَتْ مراتبه أدلّة أُخرى. (17: 249)

مكارم الشّيرازيّ: و الأمر بفعل الخير يشمل أعمال الخير دون قيد أو شرط، و ما نُقل عن ابن عبّاس من أنّ هذه الآية تتناول صلة الرّحم و مكارم الأخلاق، هو بيان مصداق بارز لمفهوم الآية العامّ.

(10: 362)

فضل الله: في كلّ مجالات الحياة الفرديّة

و الاجتماعيّة، و في مختلف النّشاطات الإنسانيّة، فذلك يفتح قلب الإنسان و روحه على الجانب الحلو من الحياة، و يمنح الحياة تقدّما و عمقا و حيويّةً، و يربط العنصر الإنسانيّ الطّيّب بحركة الواقع. (16: 125)

6 ...اَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ اُولئِكَ ’لَمْ يُؤْمِنُوا فَاَحْبَطَ اللهُ اَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذ لِكَ عَلَى اللهِ يَسيرًا‘.

الأحزاب: 19

السُّدّيّ: على المال ينفقونه في سبيل الله.

(الماوَرْديّ4: 386)

يحيى بن سلام: على قسمة الغنيمة .

(الماوَرْديّ4: 386)

ص: 516

نحوه الطّبَريّ(10: 276)، و الزّجّاج(4: 221)، و الثّعلبيّ(8 :22)، و الطُّوسيّ (8: 326)، والواحديّ (3: 463)، و الطَّبْرِسيّ (4: 348)، و شُبّر(5: 138).

الجُبّائيّ: معناه بُخَلاء بأن يتكلّموا بكلام فيه خير. (الطَّبْرِسيّ 4: 348).

الماوَرْديّ: على النّبيّ(صلی الله علیه و آله) بظفره. (4: 386)

الزّمَخْشَريّ: هو المال والغنيمة. (3: 255)

ابن عَطيّة: قوله:{ عَلَى الْخَيْرِ } يدلّ على عموم الشُّحّ في قوله أوّ لا {اَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } و قيل: في هذا معناه { اَشِحَّةً } على مال الغنائم، و هذا مذهب من قال: إنّ{ الْخَيْرِ} في كتاب الله تعالى حيث وقع فهو بمعنى المال. ( 4: 376)

الفَخْرالرّازيّ: قوله: { اَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ } قيل: الخير: المال، و يمكن أن يقال: معناه أنّهم قليلو الخير في الحالتين، كثيرو الشّرّ في الوقتين، في الأوّل يبخلون، و في الآخر كذلك. (25: 202)

7 فَقَالَ اِنّى اَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّى حَتّىتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ. ص:32

قَتادَة: أي المال و الخيل أو الخير من المال.

(الطّبَريّ10: 578)

السُّدّيّ: المال. (الطّبَريّ10: 578)

مُقاتِل : يعني المال و هو الخيل الّذي عرض عليه. (3: 644)

الفَرّاء: يقول آثرت حبّ الخيل، و الخير في كلام العرب: الخيل. (2: 505)

الطّبَريّ : و عنى بالخير في هذا المو ضع: الخيل،

و العرب فيما بلغني تُسمّي الخير: الخيل، و المال أيضًا يسمّونه الخير. (10: 578)

الزّجّاج: الخيرهاهنا: الخيل، و النّبيّ(صلی الله علیه و آله) سمّى زيد الخيل: زيد الخير. و إنّما سُمّيت الخيل الخير، لأنّ الخير معقود بنواصي الخيل، كذا جاء في الحديث. (4: 330)

نحوه مكارم الشّيرازيّ. (14: 454)

الثّعلبيّ : يعني الخيل، و العرب تعاقب بين الرّاء و اللام، فيقول : انهملت العين و انهمرت، و ختَلتُ الرّجل و ختَرتُه، أي خدَعتُه. (8: 200)

الطُّوسيّ: قيل في ذلك وجهان:

أحدهما: أ نّه أراد أحببت الخير، ثمّ أضاف الحبّ إلى الخير.

و الثّاني: أ نّه أراد أحببت اتّخاذ الخير، لأنّ ذوات الخير لاتُراد و لاتُحبّ، فلابدّ من شيء يتعلّق بها. و المعنى آثرت حبّ الخيل على ذكر ربّي، و يوضع الاستحباب موضع الإيثار،كما قال تعالى:{ اَ لَّذينَ‘ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيوةَ الدُّ نْيَا عَلَى الا خِرَةِ } إبراهيم:3، أي يؤثرون. (8: 560)

الزّمَخْشَريّ: و الخير: المال، كقوله: { اِنْ تَرَ كَ خَيْرًا } البقرة: 180، و قوله:{ وَ اِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَديدٌ ‘} العاديات: 8، و المال: الخيل الّتي شغلته.

أو سمّي الخيل خيرًا كأنّها نفس الخير لتعلّقالخير بها.

قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): < الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة >. و قال في < زيد الخيل > حين وفد

ص: 517

عليه و أسلم: < ما وُصف لي رجل فرأيته إلا كان دون ما بلغني إلا زيد الخيل > وسمّاه زيد الخير.

و سأل رجل بلالا 2 عن قوم يستبقون: من السّابق؟ فقال: رسول الله(صلی الله علیه و آله). فقال له الرّجل: أردت الخيل؟ فقال: و أنا أردت الخير. (3: 373)

ابن عاشور: و { الْخَيْرِ} : المال النّفيس، كما في قوله تعالى: { اِنْ تَرَكَ خَيْرًا } البقرة: 180.

و الخيل من المال النّفيس. و قال الفَرّاء: الخير بالرّاء من أسماء الخيل. و العرب تعاقب بين اللام و الرّاء، كما يقولون: انهملت العين و انهمرت، و ختَل و ختَر، إذا خدع.

و قلت: إنّ العرب من عادتهم التّفاؤل، و لهم بالخيل عناية عظيمة حتّى وصفوا شياتها((1) )و زعموا دلالتها على بخت أو نحس، فلعلّهم سمّوها الخير تفاؤُلا ، لتتمحّض للسّعد و البخت. (23: 152)

8 لا يَسَْمُ = الاِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَ اِ نْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ. فصّلت: 49

السُّدّيّ : أي لايملّ من دعائه بالخير، و الخير هنا: المال و الصّحّة. (الماوَرْديّ 5: 188)

نحوه ابن زَيْد (الطُّوسيّ9: 136)، و الطَّبْرِسيّ(5: 18).

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: لا يملّ الكافر بالله من دعاء الخير يعني من دعائه بالخير و مسألته إيّاه ربّه. و الخير في هذا الموضع: المال و صحّة الجسم يقول: لايملّ من طلب ذلك. (11: 123)

الطُّوسيّ: قال بعضهم: معناه لايملّ الإنسان من الخير الّذي يصيبه. (9: 136)

ابن عَطيّة: و { الْخَيْرِ } في هذه الآية: المال و الصّحّة و بذلك تليق الآية بالكافر، و إن قدّرناه خير الآخرة فهي للمؤمن. (5: 22)

القُرطُبيّ: و الخير هنا: المال و الصّحّة و السّلطان و العزّ. (15: 372)

البَيْضاويّ: من طلب السّعة في النّعمة. (2: 351)

نحوه النّسَفيّ (4 : 98)، و أبوالسُّعود (6: 4)، و الآلوسيّ (25: 4).

البُرُوسَويّ: أي من دعائه الخير، و طلبه السّعة في النّعمة و أسباب المعيشة، فحذف الفاعل و أُضيف إلى المفعول. و المعنى: أنّ الإنسان في حال إقبال الخير إليه لاينتهي إلى درجة إلا و يطلب الزّيادة عليها،

و لايملّ من طلبها أبدًا. و فيه إشارة إلى أنّ الإنسان مجبول على طلب الخير؛ بحيث لاتتطرّق إليه السّآمة، فبهذه الخصلة بلغ من بلغ رتبة خير البريّة، و بها بلغ مَن بلغ دركة شرّ البريّة، و ذلك لأ نّه لمّا خُلق لحمل الأمانة الّتي أشفق منها البريّة و أبَيْنَ أنيحملنها، و هي عبارة عن الفيض الإلهيّ بلاواسطة، و ذلك فيض لانهاية له، فلحملها احتاج الإنسان إلى طلب غير متناه، فطلب بعضهم هذا الطّلب في تحصيل الدّنيا و زينتها و شهواتها و استيفاء لذّاتها، فما سئم من الطّلب و صار شرّ البريّة. (8: 277)

ص: 518


1- (1) جمع شية، و الشّية : العلامة: المعجم الوسيط.

9 مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَد مُريب‘ ق:25)

مُجاهِد: يعني الزّكاة.

مثله عِكْرِمَة و قَتادَة. (أبوحَيّان8: 126)

نحوه القُرطُبيّ. (17: 17)

الطّبَريّ: و الصّواب من القول في ذلك عندي أنّه كلّ حقّ وجب لله أو لآدميّ فى ماله، و{ الْخَيْرِ } في هذا الموضع هو المال.

و إنّما قلنا: ذلك هو الصّواب من القول لأنّ الله تعالى ذكره عمّ بقوله:{ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ } عنه أنّه يمنع الخير و لم يُخصّص منه شيئًا دون شيء، فذلك على كلّ خير يمكن منعه طالبه. (11: 422)

الماوَرْديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها : [ قول قَتادَة و قدتقدّم]

الثّاني: أنّ الخير: المال كلّه، و منعه: حبسه عن النّفقه في طاعة الله، قاله بعض المتأخّرين.

الثّالث: محمول على عموم الخير من قول و عمل.

(5: 351)

ابن عَطيّة: لفظ عامّ للمال و الكلام الحسَن و المعاون على الأشياء.

و قال قَتادَة و مُجاهِد و عِكْرِمَة: معناه : الزّكاة المفروضة، و هذا التّخصيص ضعيف. (5: 164)

الطَّبْرِسيّ: الّذي أمر الله به من بذل المال في وجوهه. (5: 147)

الفَخْرالرّازيّ: فيه وجهان:

أحدهما:...و الخير هو المال، فيكون كقوله تعالى: { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكينَ ‘* اَ لَّذينَ‘ لا يُؤْتُونَ الزَّكوةَ } فصّلت:6، 7، حيث بدأ ببيان الشّرك، و ثنّى بالامتناع من إيتاء الزّكاة، و على هذا ففيه مناسبة شديدة إذا جعلنا < الكَفّار > في{ اَلْقِيَافى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّار عَنيد‘ } من الكفران، كأنّه يقول: كفر أنعم الله تعالى، و لم يؤدِّ منها شيئًا لشكر أنعُمه.

و ثانيهما: شديد المنع من الإيمان، فهو منّاع للخير، و هو الإيمان الّذي هو خير محض من أن يدخل في قلوب العباد. و على هذا ففيه مناسبة شديدة إذا جعلنا < الكَفّار > من الكفر، كأنّه يقول: كفر بالله، و لم يقتنع بكفره حتّى منع الخير من الغير. (28: 166)

البَيْضاويّ: كثير المنع للمال عن حقوقه المفروضة. و قيل: المراد بالخير: الإسلام، فإنّ الآية نزلت في الوليد بن المغيرة لمّامنع بني أخيه عنه.

(2: 415)

نحوه أبوالسُّعود. (6: 128)

النّسَفيّ: كثير المنع للمال عن حقوقه، أومنّاع لجنس الخير أن يصل إلى أهله. (4: 179)

نحوه شُبّر. (6: 73)

أبوحَيّان: قال قَتادَة ومُجاهِد وعِكْرِمَة: يعني الزّكاة، و قيل: بخيل، و قيل: مانع بني أخيه من الإيمان،كالوليد بن المغيرة، كان يقول لهم: من دخل منكم فيه لم أنفعه بشيء ما عشت. و الأحسن عموم الخير في المال وغيره. (8: 126)

نحوه الآلوسيّ. (26: 185)

ابن عاشور: [نحو أبي حَيّان و أضاف: ]

و يحتمل أن يراد به أيضًا منع الفقراء من المال، لأنّ

ص: 519

الخير يطلق على المال، وكان أهل الجاهليّة يمنعون الفقراء و يُعطون المال لأ كابرهم تقرّ بًا و تلطّفًا.

(26: 259)

10 وَ اِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَديدٌ‘.

العاديات: 8

ابنوَهْب: قال ابن زَيْد: { الْخَيْر }: الدّنيا، و قرأ { اِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} البقرة 18، قال: فقلت له: إن تركَ خَيْرًا : المال؟ قال: نعم و أيّ شيء هو إلا المال؟ قال: و عسى أن يكون حرامًا ولكنّ النّاس يعدّونه خيرًا فسمّاه الله خيرًا، لأنّ النّاس يسمّونه خيرًا في الدّنيا و عسى أن يكون خبيثًا، وسمّي القتال في سبيل الله سوءً و قرأ قول الله: { فَا نْقَلَبُوا بِنِعْمَة مِنَ اللهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } آل عمران:،174، قال: لم يمسسهم قتال، قال: و ليس هو عند الله بسوء و لكن يسمّونه سوءً. (الطّبَريّ12: 673)

المُبَرِّد: { الْخَيْرِ } هاهنا المال، من قوله تعالى: { اِنْ تَرَكَ خَيْرًا اَلْوَصِيَّةُ} البقرة: 180. (1: 211)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره:[في حديث قدسيّ] و إنّ الإنسان لحبّ المال لشديد. (12: 673)

يَخْتَارُ الْخِيرَة

1 وَ رَ بُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

القصص: 68

ابن عبّاس:{ يَخْتَارُ }من خلقه بالنّبوّة من يشاء يعني محمّدًا (صلی الله علیه و آله) { مَا كَانَ لَهُمُ }لأهل مكّة { الْخِيَرَةُ } الاختيار.

(329)

الحسَن: معناه: ما كان لهم الخيرة، أي أن يختاروا الأنبياء، فيبعثوهم. (الطُّوسيّ8: 170)

يحيى بن سلام: من يشاء لنبوّته.

(الماوَرْديّ4 : 262)

ابن قُتَيْبَة: { وَيَخْتَارُ } أي يختار للرّسالة.{ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } أي لايرسل الله الرّسل على اختيارهم. (334)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: { وَرَ بُّكَ } يا محمّد { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أن يخلقه، { وَيَخْتَارُ } لولايته الخيرة من خلقه و مَن سبقت له منه السّعادة. و إنّما قال جلّ ثناؤه:{ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } و المعنى ما وصفت لأنّ المشركينكانوا فيما ذكر عنهم يختارون أموالهم فيجعلونها لآلهتهم فقال الله لنبيّه محمّد(صلی الله علیه و آله): و ربّك يا محمّد يخلق ما يشاء أن يخلقه و يختار للهداية و العمل الصّالح من خلقه ما هو في سابق علمه أنّه خيرتهم نظير ما كان من هؤُلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم فكذلك اختياري لنفسي. و اجتبائي لولايتي و اصطفائي لخدمتي و طاعتي خيار مملكتي وخلقي.

عن ابن عبّاس < كانوا يجعلون خير أموالهم لآلهتهم في الجاهليّة >. فإذا كان معنى ذلك كذلك فلا شكّ أنّ ( ما ) من قوله : { وَ يَخْتَارُ مَاكَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} في موضع نصب بوقوع { يَخْتَارُ } عليها و أنّها بمعنى < الّذي>.

فإن قال قائل: فإن كان الأمركما وصفت من أنّ (ما) اسم منصوب بوقوع قوله: { يَخْتَارُ} عليها فأين

ص: 520

خبر (كَانَ)؟ فقد علمت أنّ ذلك إذاكان كما قلت أنّ في (كان) ذكرًا من (ما) و لابدّ ل (كَانَ) إذا كان كذلك من تمام و أين التّمام؟

قيل: إنّ العرب تجعل لحروف الصّفات إذا جاءت الأخبار بعدها، أحيانًا أخبارًا كفعلها بالأسماء إذا جاءت بعدها أخبارها.[ثمّ استشهد بشعر]

فكذلك قوله: { وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } رُفعت { الْخِيَرَةُ }بالصّفة و هي (لَهُمْ) إن كانت خبرًا ل (ما) لما جاءت بعد الصّفة و وقعت الصّفة موقع الخبر فصار كقول القائل: كان عمرو أبوه قائم. لاشكّ أنّ قائمًا لوكان مكان الأب وكان الأب هو المتأخّر بعده كان منصوبًا فكذلك وجه رفع { الْخِيَرَةُ } و هو خبر ل (ما).

فإن قال قائل: فهل يجوز أن تكون (ما) في هذا الموضع جحدًا و يكون معنى الكلام: و ربّك يخلق ما يشاء أن يخلقه و يختار ما يشاء أن يختاره فيكون قوله: { وَ يَخْتَارُ } نهاية الخبر عن الخلق و الاختيار ثمّ يكون الكلام بعد ذلك مبتدأ بمعنى: لم تكن لهم الخيرة: أي لم يكن للخلق الخيرة و إنّما الخيرة لله وحده؟

قيل: هذا قول لايخفى فساده على ذي حِجًا من وجوه لو لم يكن بخلافه لأهل التّأويل قول فكيف و التّأويل عمّن ذكرنا بخلافه.

فأمّا أحد وجوه فساده فهو أنّ قوله:{ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } لو كان كما ظنّه من ظنّه من أنّ (ما) بمعنى الجحد على نحو التّأويل الّذي ذكرت، كان إنّما جحد تعالى ذكره، أن تكون لهم الخيرة فيما مضى قبل نزول هذه الآية، فأمّا فيما يستقبلونه فلهم الخيرة، لأنّ قول القائل: ما كان لك هذا لاشكّ إنّما هو خبر عن أ نّه

لم يكن له ذلك فيما مضى. و قد يجوز أن يكون له فيما يستقبل؛ و ذلك من الكلام لاشكّ خلف، لأنّ ما لم يكن للخلق من ذلك قديمًا فليس ذلك لهم أبدًا. و بعد، لو أُريد ذلك المعنى، لكان الكلام:< فليس > و قيل: و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ليس لهم الخيرة،ليكون نفيًا عن أن يكون ذلك لهم فيما قبلو فيما بعد.

و الثّاني: أنّ كتاب الله أبين البيان و أوضح الكلام و محال أن يوجد فيه شيء غير مفهوم المعنى، و غير جائز في الكلام أن يقال ابتداء: ما كان لفلان الخيرة، و لمّا يتقدّم قبل ذلك كلام يقتضي ذلك، فكذلك قوله: { وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } و لم يتقدّم قبله من الله تعالى ذكره خبر عن أحد، أ نّه ادّعى أ نّه كان له الخيرة، فيقال له: ما كان لك الخيرة، و إنّما جرى قبله الخبر عمّا هو صائر إليه أمر من تاب من شركه، وآمن و عمل صالحًا، و أتبع ذلك جلّ ثناؤه الخبر عن سبب إيمان من آمن و عمل صالحًا منهم، و أنّ ذلك إنّما هو لاختياره إيّاه للإيمان، و للسّابق من علمه فيه اهتدى. و يزيد ما قلنا من ذلك إبانة قوله: { وَ رَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } فأخبر أنّه يعلم من عباده السّرائر و الظّواهر و يصطفي لنفسه و يختار لطاعته من قد علم منه السّريرة الصّالحة و العلانية الرّضيّة.

و الثّالث: أنّ معنى { الْخِيَرَةُ } في هذا الموضع: إنّما هو الخيرة، و هو الشّيء الّذي يختار من البهائم

ص: 521

و الأنعام و الرّجال و النّساء. يقال منه: أُعطي الخِيَرة والخَيْرة، مثل الطِّيرة والطَّيْرة، وليس بالاختيار. و إذا كانت { الْخِيَرَةُ } ما وصفنا، فمعلوم أنّ من أجود الكلام أن يقال: و ربّك يخلق ما يشاء ويختار ما يشاء لم يكن لهم خير بهيمة أو خير طعام أو خير رجل أو امرأة.

فإن قال: فهل يجوز أن تكون بمعنى المصدر؟ قيل: لا، و ذلك أنّها إذا كانت مصدرًا كان معنى الكلام:

و ربّك يخلق ما يشاء و يختار كون الخيرة لهم. إذا كان ذلك معناه وجب ألا تكن الشّرار لهم من البهائم و الأنعام; إذا لم يكن لهم شرار ذلك وجب ألايكون لها مالك؛ و ذلك ما لايخفى خطؤه،لأنّ لخيارها ولشرارها أربابًا يملكونها بتمليك الله إيّاهم ذلك، و في كون ذلك كذلك فساد توجيه ذلك إلى معنى المصدر. (10: 95)

الزّجّاج: أجود الوقوف على { وَ يَخْتَارُ}

و تكون (ما) نفيًا، المعنى: ربّك يخلق ما يشاء و ربّك يختار ليس لهم الخيرة، و ما كانت لهم الخيرة، أي ليس لهم أن يختاروا على الله، هذا وجه.

و يجوز أن تكون (ما) في معنى < الّذي > فيكون المعنى: و يختار الّذي كان لهم فيه الخيرة، و يكون معنى الاختيار هاهنا: ما يتعبّدهم به، أي و يختار لهم فيما يدعوهم إليه من عبادته ما لهم فيه الخيرة. و القول الأوّل أجود، أي أن تكون (ما) نفيًا. (4: 151)

النّقّاش: { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } : النّبيّ محمّدًا (صلی الله علیه و آله)، { وَ يَخْتَارُ }: الأنصار لدينه. (الماوَرْديّ4 : 262)

الثّعلبيّ: { وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } و هذا جواب لقول الوليد بن المغيرة: { لَوْ لانُزِّ لَ هذَا الْقُرْ انُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْ يَتَيْنِ عَظيمٍ‘} الزّخرف: 31، أخبر الله سبحانه أنّه لايبعث الرّسل باختيارهم. و هذا من الجواب المفصول، و للقرّاء في هذه الآية طريقان:

أحدهما : أن يمرّ على قوله: { وَ يَخْتَارُمَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } ، و يجعل (ما) إثباتًا بمعنى ؛< الّذي >،أي

و يختار لهم ما هو الأصلح و الخير.

و الثّاني: أن يقف على قوله: { وَ يَخْتَارُ } و يجعل (ما) نفيًا، أي ليس إليهم الاختيار. و هذا القول أصوب و أعجب إليّ، كقوله سبحانه : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَة اِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ اَمْرًا اَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ اَمْرِهِمْ } الأحزاب: 36.[ثمّ استشهد بشعر] (7: 257)

نحوه البغَويّ. (3: 541)

الماوَرْديّ: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } و فيه وجهان:

أحدهما : معناه ويختار للمؤمنين ما كان لهم فيه الخيرة، فيكون ذلك إثباتًا.

الثّاني : معناه ما كان للخلق على الله الخيرة، فيكون ذلك نفيًا. و من قال بهذا فلهم في المقصود به وجهان:

أحدهما : أ نّه عنى بذلك قومًا من المشركين جعلوا لله ما ذرأ من الحرث و الأنعام نصيبًا، فقالوا: هذا لله بزعمهم و هذا لشُركائنا، فنزل ذلك فيهم، قاله ابن شجرة.

الثّاني: أ نّها نزلت في الوليد بن المغيرة حين قال ما حكاه الله عنه في سورة الزّخرف:31 { وَقَالُوا لَوْلا

ص: 522

نُزِّ لَ هذَا الْقُرْ انُ عَلى رَجُلٍ } يعني نفسه و عروة بن مسعود الثّقفيّ، فقال الله : { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } أن يتخيّروا على الله الأنبياء . (4: 262)

الطُّوسيّ: أخبر تعالى فقال: و ربّك يا محمّد يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة، قيل: في معناه قولان:

أحدهما: يختار الّذي كان لهم فيه الخيرة، فدلّ بذلك على شرف اختياره لهم.

الثّاني: أن تكون (ما) نفيًا، أي لم يكن لهم الخيرة على الله بل لله الخيرة عليهم، لأ نّه مالك حكيم في تدبيرهم، فيكون على هذا الوجه الوقف على قوله: { وَ يَخْتَارُ } و هو الّذي اختاره الزّجّاج.

(8: 170)

الواحديّ: قال المفسّرون: نزلت هذه الآية جوابًا للمشركين، حين قالوا: { لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْ ا نُ عَلى رَجُلٍ } الزّخرف:31، و معناه: و يختار من يشاء لنبوّته و رسالته، أي فكما أنّ الخلق إليه ما يشاء، فكذلك الاختيار إليه في جميع الأشياء، فيختار ممّا خلق ما يشاء و من يشاء، ثمّ نفى الاختيار عن المشركين، و ذلك أنّهم اختاروا الوليد بن المغيرة من مكّة أو عُروة ابن مَسعود من الطّائف، فقال: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } أي الاختيار، أي ليس لهم أن يختاروا على الله.[إلى أن قال:]و الخيرة: اسم من الاختيار، تقام مقام المصدر. و الخيرة: اسم للمختار أيضًا، يقال: محمّد خيرةا لله من خلقه، أي مختاره. و يجوز التّخفيف فيها. (3: 406)

الزّمَخْشَريّ: الخيرة من التّخيّر كالطّيرة من التّطيّر. تُستعمل بمعنى المصدر و هو التّخيّر، و بمعنى المتخيَّر كقولهم: محمّد خيرةا لله من خلقه. { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ }، بيان لقوله: { وَ يَخْتَارُ } لأنّ معناه: و يختار ما يشاء، و لهذا لم يدخل العاطف. و المعنى: أنّ الخيرة لله تعالى في أفعاله، و هو أعلم بوجوه الحكمة فيها، ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه.

قيل: السّبب فيه قول الوليد بن المغيرة:{ لَوْلا نُزِّل هذَا الْقُرْ ا نُ عَلى رَجُلٍ...ٍ} يعني: لايبعث الله الرّسل باختيار المرسل إليهم.

و قيل: معناه و يختار الّذي لهم فيه الخيرة، أي يختار للعباد ما هو خير لهم و أصلح، و هو أعلم بمصالحهم من أنفسهم، من قولهم في الأمرين: ليس فيهما خيرة لمختار.

فإن قلت: فأين الرّاجع من الصّلة إلى الموصول إذا جعلت (ما) موصولة؟

قلت: أصل الكلام: ما كان لهم فيه الخيرة، فحُذف <فيه> كما حذف منه في قوله: { اِنَّ ذ لِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُ مُورِ } الشّورى: 3 4، لأ نّه مفهوم { سُبْحَانَ اللهِ } أي الله بريء من إشراكهم، و ما يحملهم عليه من الجراءة على الله، و اختيارهم عليه مالايختار.

(3: 188)

ابن عَطيّة: قيل: سببها ما تكلّمت به قريش من استغراب أمر النّبيّ(صلی الله علیه و آله) و قول بعضهم: { لَوْ لا نُزِّل هذَا الْقُرْ ا نُ عَلى رَجُلٍ...} فنزلت هذه الآية بسبب تلك المنازع، و ردّ الله تعالى عليهم، و أخبر أنّه يخلق من عباده و سائر مخلوقاته ما يشاء، و أنّه يختار لرسالته

ص: 523

من يريد و يعلم فيه المصلحة، ثمّ نفى أن يكون الاختيار للنّاس في هذا و نحوه. هذا قول جماعة من المفسّرين أنّ (ما) نافية، أي ليس لهم تخيّر على الله تعالى، فتجيء الآية كقوله تعالى:{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَة اِذَا قَضَى اللهُ...}.

و يحتمل أن يريد و يختار الله تعالى الأديان و الشّرائع، و ليس لهم الخيرة في أن يميلوا إلى الأصنام و نحوها في العبادة، و يؤيّد هذا التّأويل قوله تعالى: {سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ }.

و ذهب الطّبَريّ إلى أنّ (ما) في قوله تعالى: { وَ يَخْتَارُمَا كَانَ } مفعولة ب {يَخْتَارُ }، قال: و المعنى: أنّ الكفّار كانوا يختارون من أموالهم لأصنامهم أشياء، فأخبر الله تعالى أنّ الاختيار إنّما هو له وحده يخلق و يختار من الرّسل و الشّرائع ما كان خيرة للنّاس، لا كما يختارون هم ما ليس إليهم، و يفعلون ما لم يُؤمَروا به.

واعتذر الطّبَريّ عن الرّفع الّذي أجمع القرّاء عليه في قوله تعالى : { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ }بأقوال لاتتحصّل، و قد ردّ النّاس عليه في ذلك. و ذُكر عن الفَرّاء أنّ القاسم بن معن أنشده بيت عنترة البسيط.

أمِن سُميّة دمع العين تذريف

لو كان ذا منك قبل اليوم معروف

و قرن الآية بهذا البيت، و الرّواية في البيت: < لو أنّ ذا > و لكن على ما رواه القاسم يتّجه في بيت عنترة أن يكون الأمر و الشّأن مضمرًا في < كان > و ذلك في الآية ضعيف، لأنّ تفسير الأمر و الشّأن لايكون بجملة فيها مجرور، و في هذا كلّه نظر. و الوقف على ما ذهب إليه جمهور النّاس في قوله :{ وَيَخْتَارُ } و على ما ذهب إليه الطّبَريّ، لايوقف على ذلك، و يتّجه عندي أن يكون(ما) مفعولةً إذا قدّرنا(كَانَ) تامّة، أي أنّ الله تعالى يختار كلّ كائن، و لايكون شيء إلا بإذنه. و قوله تعالى: { لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } جملة مستأنفة معناها:تعديد النّعمة عليهم في اختيار الله تعالى لهم، لو قبلوا و فهموا. (4: 295)

الطَّبْرِسيّ: الخيرة: اسم من الاختيار، أُقيم مقام المصدر. و الخيرة: اسم للمختار أيضًا، يقال: محمّد(صلی الله علیه و آله) خيرة الله من خلقه. و يجوز التّخفيف فيهما.

و اختلف في الآية، و تقديرها: على قولين:

أحدهما: أنّ معناه: { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } من الخلق،{ وَيَخْتَارُ } تدبير عباده، على ما هو الأصلح لهم، و يختار للرّسالة ما هو الأصلح لعباده. ثمّ قال: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } أي ليس لهم الاختيار على الله، بل لله الخيرة عليهم. و على هذا تكون (ما) نفيًا، و يكون الوقف على قوله: { وَيَخْتَارُ }. و فيه ردّ على المشركين الّذين قالوا: { لَوْ لا نُزِّ لَ هذَا الْقُرْ ا نُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْ يَتَيْنِ عَظيم‘ ٍٍ} ، فاختاروا الوليد بن المغيرة من مكّة، و عُروة بن مَسعود الثّقفيّ من الطّائف.

و الآخر: أن يكون (ما) في الآية بمعنى < الّذي > أي و يختار الّذي كان لهم الخيرة فيه، فيكون الوقف على هذا عند قوله: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } و هذا أيضًا في معنى الأوّل، لأنّ حقيقة المعنى فيهما أنّه سبحانه يختار، و إليه الاختيار ليس لمن دونه الاختيار، لأنّ

ص: 524

الاختيار يجب أن يكون على العلم بأحوال المختار، و لايعلم غيره سبحانه جميع أحوال المختار، و لأنّ الاختيار هو أخذ الخير، وكيف يأخذ الخير من الأشياء من لايعلم الخير فيها؟ (4: 262)

الفَخْرالرّازيّ: واعلم أن القوم كانوا يذكرون شُبهة أُخرى، و يقولون: {لَوْ لا نُزِّ لَ هذَا الْقُرْ انُ عَلى رَجُل مِنَ الْقَرْ يَتَيْنِ عَظيمٍ‘ } .

يعنون الوليد بن المغيرة أو أبا مَسعود الثّقفيّ، فأجاب الله تعالى عنه بقوله: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ }، و المراد أ نّه المالك المطلق، و هو منزّه عن النّفع و الضّرّ، فله أن يخص مَن شاء بما شاء، لا اعتراض عليهألبتّة. و على طريقة المعتزلة لمّا ثبت أ نّه حكيم مطلق عُلم أ نّه كلّ ما فعله كان حكمةً و صوابًا، فليس لأحد أن يعترض عليه. و قوله: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ }، و الخيرة: اسم من الاختيار قام مقام المصدر. و الخيرة أيضًا: اسم للمختار، يقال: محمّد خيرة الله في خلقه. إذا عرفت هذا فنقول: في الآية وجهان: [و ذكرهما كما مرّ مرّات]. (25:

9)

القُرطُبيّ: هذا متّصل بذكر الشّركاء الّذين عبدوهم و اختاروهم للشّفاعة، أي الاختيار إلى الله تعالى في الشّفعاء لا إلى المشركين. و قيل: هو جواب الوليد بن المغيرة حين قال: { لَوْ لا نُزِّ لَ هذَا الْقُرْ ا نُ ‘} ، يعني نفسه زعم، و عُروة بن مَسعود الثّقفيّ من الطّائف. و قيل: هو جواب اليهود؛ إذ قالوا: لو كان الرّسول إلى محمّد غير جبريل لآمنّا به.[ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة وأضاف:]

{ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } أي ليس يُرسل من اختاروه هم. قال أبو إسحاق: { وَيَخْتَارُ } هذا الوقف التّامّ المختار. و يجوز أن تكون( ما)في موضع نصب ب {يَخْتَارُ } و يكون المعنى: و يختار الّذي كان لهم فيه الخيرة.

قال القُشَيْريّ: الصّحيح: الأوّل، لإطباقهم على الوقف على قوله:{ وَ يَخْتَارُ}. قال المهدويّ: و هو أشبه بمذهب أهل السُّنّة، و(ما) من قوله: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } نفي عامّ لجميع الأشياء أن يكون للعبد فيها شيء سوى اكتسابه بقدرة الله عزّ و جلّ. [ثمّ ذكر قول الزّمَخْشَريّ و قال:]

و أجاز الزّجّاج و غيره أن تكون (ما) منصوبة ب { يَخْتَارُ } و أنكر الطّبَريّ أن تكون (ما) نافية، لئلا يكون المعنى: أ نّهم لم تكن لهم الخيرة فيما مضى، و هي لهم فيما يستقبل، و لأ نّه لم يتقدّم كلام بنفي. قال المهدويّ:و لايلزم ذلك، لأنّ (ما) تنفي الحال و الاستقبال ك <ليس> و لذلك عملت عملها، و لأنّ الآي كانت تنزل على النّبيّ (صلی الله علیه و آله) على ما يسأل عنه، و على ما هم مصرّون عليه من الأعمال، و إن لم يكن ذلك في النّص.

و تقدير الآية عند الطّبَريّ: و يختارلولايته الخيرة من خلقه، لأنّ المشركين كانوا يختارون خيار أموالهم فيجعلونها لآلهتهم، فقال الله تبارك و تعالى: و ربّك يخلق ما يشاء و يختارللهداية، و من خلقه من سبقت له السّعادة في علمه، كما اختار المشركون خيار أموالهم لآلهتهم، ف (ما) على هذا لمن يعقل، و هي بمعنى

ص: 525

<الّذي> و{ الْخِيَرَ ةُ } رفع بالابتداء، و( لَهُمْ) الخبر، و الجملة خبر (كان) و شبّهه بقولك: كان زيد أبوه منطلق. و فيه ضعف؛ إذ ليس في الكلام عائد يعود على اسم (كان) إلا أن يُقدّر فيه حذف، فيجوز على بُعد. و قد رُوي معنى ما قاله الطّبَريّ عن ابن عبّاس.

قال الثّعلبيّ (ما) نفي، أي ليس لهم الاختيارعلى الله. و هذا أصوب، كقوله تعالي { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَة اِذَا قَضَى الله ُوَرَسُولُهُ }.[ثمّ استشهد بشعر]

(13: 305)

البَيْضاويّ: لاموجب عليه ولامانع له { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } أي التّخيّر، كالطّيرة بمعنى التّطيّر. و ظاهره نفي الاختيار عنهم رأسًا، و الأمر كذلك عند التّحقيق، فإنّ اختيار العباد مخلوق باختيار الله، منوط بدواع لا اختيار لهم فيها.

و قيل: المراد أ نّه ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه، و لذلك خلا عن العاطف، و يؤيّده ما روي أنّه نزل في قولهم: { لَوْ لانُزِّ لَ هذَا الْقُرْ ا نُ } .

و قيل: (ما) موصولة مفعول ل { يَخْتَارُ } و الرّاجع إليه محذوف، و المعنى: و يختار الّذي كان لهم فيه الخيرة، أي الخير و الصّلاح. (2: 199)

نحوه أبوالسُّعود. (5: 133)

أبوحَيّان: [نحو القُرطُبيّ وأضاف:]

و الظّاهر أنّ (ما) نافية، أي ليس لهم الخِيَرة،إنّما هي لله تعالى، كقوله: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } من أمرهم. و ذهب الطّبَريّ إلى أنّ(ما) موصولة منصوبة ب { يَخْتَارُ }،أي و يختار من الرّسل و الشّرائع ما كان خِيَرة للنّاس، كما لايختارون هم ما ليس إليهم،

و يفعلون ما لم يُؤمَروا به. و أنكر أن تكون (ما) نافية، لئلايكون المعنى: أنّه لم تكن لهم الخير فيما مضى، و هي لهم فيما يستقبل، و لأ نّه لم يتقدّم كلام ينفي. وروي عن ابن عبّاس معنى ما ذهب إليه الطّبَريّ.

و قد رُدّ هذا القول تقدّم العائدعلى الموصول. و أُجيب بأنّ التّقدير: ما كان لهم فيه الخيرة، و حُذف لدلالة المعنى. قال الزّمَخْشَريّ: كما حُذف من قوله: { اِنَّ ذ لِكَ

لَمِنْ عَزْمِ الاُمُورِ } الشّورى: 43، يعني أنّ التّقدير: أنّ ذلك فيه لمن عزم الأُمور. و أنشد القاسم ابن معن بيت عنترة :

أمِن سُميّة دمع العين تذريف

لو كان ذا منك قبل اليوم معروف

و قرن الآية بهذا البيت، و الرّواية في البيت: <لو أنّ ذا>، ولكن على ما رواه القاسم يتّجه في بيت عنترة أن يكون في < كان > ضمير الشّأن. فأمّا في الآية، فقال ابن عَطيّة: تفسير الأمر و الشّأن لايكون بجملة فيها محذوف. [ثمّ نقل كلامه و أضاف:]

يعني: و الله أعلم خيرة الله لهم، أي لمصلحتهم. و الخِيَرة من التّخَيّر، كالطِّيَرة من التّطَيّر، يُستعملان بمعنى المصدر، و الجمل الّتي بعد هذا تقدّم الكلام عليها.

(7: 129)

ابن القَيّم: إنّ الله سبحانه و تعالى هو المتفرّد بالخلق و الاختيار من المخلوقات. قال تعالى:{ وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتَارُ } و ليس المرادهاهنا بالاختيار، الإرادة الّتي يُشير إليها المتكلّمون بأ نّه

ص: 526

الفاعل المختار، و هو سبحانه كذلك، و ليس المراد بالاختيار هنا هذا المعنى. و هذا الاختيار داخل في قوله: { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } فإنّه لايخلق إلا باختياره، و داخل في قوله تعالى: { مَا يَشَاءُ } فإنّ المشيئة هي الاختيار. و إنّما المراد بالاختيار هنا: الاجتباء

و الاصطفاء، فهو اختيار بعد الخلق. و الاختيار العامّ اختيار قبل الخلق، فهو أعمّ و أسبق، و هذا أخص و هو متأخّر. فهو اختيار من الخلق و الأوّل اختيار للخلق.

و أصحّ القولين أنّ الوقف التّامّ على قوله: { وَ يَخْتَارُ } و يكون { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } نفيًا، أي ليس هذا الاختيار إليهم، بل هو إلى الخالق وحده. فكما أنّه هو المتفرّد بالخلق، فهو المتفرّد بالاختيار منه. فليس لأحد أن يخلق و لايختار سواه، فإنّه سبحانه أعلم بمواقع اختياره و محالّ رضاه، و ما يصلح للاختيار ممّا لايصلح له، و غيره لايشاركه في ذلك بوجه.

و ذهب بعض من لاتحقيق عنده و لا تحصيل، إلى أنّ (ما) في قوله تعالى: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } موصولة و هي مفعول { يَخْتَارُ} أي و يختار الّذي لهم الخيرة. وهذا باطل من وجوه:[وذكرها نحو الطّبريّ و أضاف:]

الرّابع: أنّه نزّه نفسه سبحانه عمّا اقتضاه شركهم من اقتراحهم و اختيارهم، فقال: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ سُبْحَانَ اللهِ وَ تَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } و لم يكن شركهم مقتضيًا لإثبات خالق سواه، حتّى نزّه نفسه عنه، فتأمّله فإنّه في غاية اللّطف.

الخامس: أنّ هذا نظير قوله: { اِنَّ الَّذينَ‘ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ اِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيًْا= لايَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ * ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ اِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ عَزيزٌ‘ } الحجّ: 73، 74، ثمّ قال: { اَللهُ يَصْطَفى‘ مِنَ الْمَلئِكَةِ’ رُسُلا وَ مِنَ النَّاسِ اِنَّ اللهَ سَميعٌ‘ بَصيرٌ‘ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ اَيْديهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَ اِلَى اللهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ} الحجّ: 75،76، و هذا نظير قوله:{ وَ رَ بُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَ مَا يُعْلِنُونَ } القصص: 69، و نظير قوله: { اَللهُ اَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ }الأنعام: 124، فأخبر في ذلك كلّه عن علمه المتضمّن لتخصيصه محالّ اختياره، بما خصّصها به بعلمه، بأنّه يصلح له دون غيرها، فتقدير السّياق في هذه الآيات تجده متضمّنًا لهذا المعنى دائرًا عليه. و الله أعلم.

السّادس: أنّ هذه الآية مذكورة عقيب قوله: { وَ يَوْمَ يُنَاديهِمْ فَيَقُولُ مَا ذَا اَجَبْتُمُ الْمُرْسَلينَ *‘ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الاَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لايَتَسَاءَ لُونَ * فَاَمَّا مَنْ تَابَ وَ امَنَ وَ عَمِلَ صَالِحًا فَعَسى اَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحينَ‘ * وَ رَ بُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَ يَخْتَارُ } القصص: 65 68، فكما خلقهم وحده سبحانه، اختار منهم من تاب و آمنو عمل صالحًا، فكانوا صفوته من عباده، و خيرته من خلقه، و كان هذا الاختيار راجعًا إلى حكمته و علمه سبحانه، لمن هو أهل له، لا إلى اختيار هؤلاء المشركين و اقتراحهم، فسبحان الله و تعالى عمّا يشركون.[ثمّ أدام الكلام فيما اختار الله من المخلوقين ]

(القاسميّ13: 4719)

البُرُوسَويّ: { وَ يَخْتَارُ } ممّا يخلق ما يشاء

ص: 527

اختياره و اصطفاءه، فكما أنّ الخلق إليه فكذا الاختيار في جميع الأشياء (ما)نافية { كَانَ لَهُمُ } أي المشركين { الْخِيَرَةُ } أي الاختيار عليه تعالى، و هو نفي لاختيارهم الوليد و عُروة . [ثمّ استشهد بشعر]

قال الجُنَيْد قدّس سرّه: كيف يكون للعبد اختيار و الله المختار له؟ و قال بعض العارفين: إذا نظر أهل المعرفة إلى الأحكام الجارية بجميل نظر الله لهم فيها و حسن اختياره فيما أجراه عليهم، لم يكن عندهم شيء أفضل من الرّضى و السّكون.[إلى أن قال:]

و في < التّأويلات النّجميّة > يشير إلى مشيئته الأزليّة في الخلق و الاختيار، و أنّه فاعل مختار يخلق ما يشاء كيف يشاء ممّن يشاء و لما يشاء متى يشاء؟ و له اختيار في خلق الأشياء، فيختار وجود بعض الأشياء في العدم، فيُبقيه فانيًا في العدم و لايوجده، و له الخيرة في أنّه يخلق بعض الأشياء جمادًا و بعض الأشياء نباتًا و بعض الأشياء حيوانًا و بعض الأشياء إنسانًا، و أن يخلق بعض الإنسان كافرًا و بعض الإنسان مؤمنًا و بعضهم وليًّا و بعضهم نبيًّا و بعضهم رسولا ، و أن يخلق بعض الأشياء شيطانًا و بعضها جِنًّا و بعضها ملكًا و بعض المَلَك كرّ وبيًّا و بعضهم روحانيًّا، و له أن يختار بعض الخلق مقبولا و بعضهم مردودًا، إنتهى.

و في الحديث: <إنّ الله خلق السّماوات سبعًا، فاختار العُليا منها فسكنها، و أسكن سائر سماواته من شاء من خلقه، ثمّ خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، و اختار من بني آدم العرب ،و اختار من العرب مضرّ، و اختار من مضرّ قريشًا، و اختار من قريش بني هاشم، و اختارني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار إلى خيار. فمن أحبّ العرب فبحبّي أحبّهم، و من أبغضهم فببغضي أبغضهم>. [إلى أن قال:]

{ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } أي ليس للكفّار الاختيار بل الاختيار للواحد القهّار.[ ثمّ أدام الكلام في ذلك]

(6: 423)

شُبَّر: أي ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه، بل له الخيرة عليهم لعلمه بالمصالح، ردّ لقولهم: {لَوْ لا نُزِّ لَ هذَا الْقُرْ

ا نُ عَلى رَجُلٍ } و مثلهم من اختار على الله إمامًا غير من اختاره، أو ذهب إلى أنّ أمر الإمام مفوّض إلىالخلق، لهم أن يبايعوا من شاءُوا. و ترك العاطف لأ نّه بيان ل { يَخْتَارُ }، و قيل:معناه و يختار الّذي لهم فيه الخيرة، أي الصّلاح، فحذف العائد. ( 5: 36)

الآلوسيّ: { وَ يَخْتَارُ } عطف على { يَخْلُقُ }،

و المعنى على ما قيل يخلق ما يشاؤه باختياره، فلايخلق شيئًا بلااختيار. و هذا ممّا لم يُفهم من { مَا يَشَاءُ}، فليس في الآية شائبة تكرار. و قيل في دفع ما يتوهّم من ذلك غير ما ذُكر ممّا نقله و ردّه الخفاجيّ، و لم يتعرّض للقدح في هذا الوجه، و أراه لايخلو عن بُعد، و لي وجه في الآية سأذكره بَعدُ إن شاء الله تعالى: {مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } أي التّخيّر كالطِّيَرة بمعنى التّطَيّر، و هما و الاختيار بمعنى. و ظاهر الآية نفي الاختيار عن العبد رأسًا، كما يقوله الجبريّة. و من أثبت للعبد اختيارًا قال: إنّه لكونه بالدّواعي الّتي لو لم يخلقها الله تعالى فيه لم يكن، كان في حيّز العدم.

ص: 528

و هذا مذهب الأشعريّ على ما حقّقه العلامة الدّوانيّ، قال: الّذي أثبته الأشعريّ هو تعلّق قدرة العبد و إرادته الّذي هو سبب عاديّ لخلق الله تعالى الفعل فيه، و إذا فتّشنا عن مبادئ الفعل وجدنا الإرادة منبعثة عن شوق له وتصوّر أ نّه ملائم، و غير ذلك من أُمور ليس شيءٌ منها بقدرة العبد و اختياره.

و حقّق العلامة الكورانيّ في بعض رسائله المؤلّفة في هذه المسألة: أنّ مذهب السّلف أنّ للعبد قدرة مؤثّرة بإذن الله تعالى، و أنّ له اختيارًا، لكنّه مجبور باختياره، و ادّعى أنّ ذلك هو مذهب الأشعريّ، دون ما شاع من أنّ له قدرة غير مؤثّرة أصلا بل هي كاليد الشّلاء، و نفى الاختيار عنه. على هذا نحوه على ما مرّ، فإنّه حيث كان مجبورًا به كان وجوده كالعدم.

و قيل : إنّ الآية أفادت نفي ملكهم للاختيار، و يصدق على المجبور باختياره بأنّه غير مالك للاختيار؛ إذ لايتصرّف فيه كما يشاء تصرّف المالك في ملكه. و قيل : المراد لايليق و لاينبغي لهم أن يختاروا عليه تعالى، أي لاينبغي لهم التّحكّم عليه سبحانه بأن يقولوا: لِمَ لم يفعل الله تعالى كذا؟

و يؤيّده أنّ الآية نزلت حين قال الوليد بن المغيرة: { لَوْ لا نُزِّ لَ هذَا الْقُرْ ا نُ عَلى رَجُلٍ }، أو حين قال اليهود: لو كان الرّسول إلى محمّد صلّى الله تعالى عليه و سلّم غير جبريل (علیه السلام) لآمنّا به على ما قيل. و الجملة على هذا الوجه مؤكّدة لما قبلها أو مفسّرة له؛ إذ معنى ذلك: يخلق ما يشاء و يختار ما يشاء أن يختاره، لا ما يختاره العباد عليه، و لذا خلت عن العاطف و هي على ما تقدّم مستأنفة في جواب سؤال تقديره: فما حال العباد أو هل لهم اختيار؟ أو نحوه، فقيل : إنّهم ليس لهم اختيار. و ضُعّف هذا الوجه بأ نّه لا دلالة على هذا المعنى في النّظم الجليل، و فيه حذفالمتعلّق و هو< على الله > تعالى، من غير قرينة دالّة عليه، و كون سبب النّزول ما ذُكر ممنوع، و القول الثّاني فيه يستدعي بظاهره أن يكون ضمير (لَهُمْ) لليهود و فيه من البعد ما فيه.

و قيل: ( ما ) موصولة مفعول { يَخْتَارُ } و العائد محدوف، و الوقف على {يَشَاءُ }لا نافية، و الوقف على{ يَخْتَارُ } كما نصّ عليه الزّجّاج و عليّ بن سليمان و النّحّاس كما في الوجهين السّابقين، أي ويختار الّذي كان لهم فيه الخير و الصّلاح، و اختياره تعالى ذلك بطريق التّفضّل و الكرم عندنا، و بطريق الوجوب عند المعتزلة، و إلى موصوليّة( ما ) وكونها مفعول{ يَخْتَارُ } ذهب الطّبَريّ. [ثمّ نقل كلام الطّبَريّ وأبي حَيّان وابن عَطيّة و أضاف:]

وللفاضل سعديّ جلبيّ نحو هذا، إلا أنّه قال في قوله تعالى : { لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } إنّه في معنى: ألَهُمُ الخيرة؟ بهمزة الاستفهام الإنكاريّ، و ذكر أنّ هذا المعنى يناسبه ما بعد من قوله سبحانه: { سُبْحَانَ اللهِ } إلخ، فإنّه إمّا تعجيب عن إثبات الاختيار لغيره تعالى، أو تنزيه له عزّ و جلّ عنه، ولايخفى ضعف ما قالاه لما فيه من مخالفة الظّاهر من وجوه.

و يظهر لي في الآية غير ما ذُكر من الأوجه، و هو أن يكون { يَخْتَارُ } معطوفًا على { يَخْلُقُ } و الوقف

ص: 529

عليه تامّ، كما نص عليه غير واحد، و هو من الاختيار بمعنى الانتقاء و الاصطفاء.

وكذا{ الْخِيَرَةُ } بمعنى الاختيار بهذا المعنى، و الفعل متعدّ حُذف مفعوله ثقةً بدلالة ما قبله عليه، أي و يختار ما يشاء. و تقديم المسند إليه في كلّ من جانبي المعطوف و المعطوف عليه لإفادة الحصر، وجملة {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } مؤكّدة لما قبلها؛ حيث تكفّل الحصر بإفادة النّفي الّذي تضمّنته.

و الكلام مسوق لتجهيل المشركين في اختيارهم ما أشركوه، و اصطفائهم إيّاه للعبادة و الشّفاعة لهم يوم القيامة، كما يرمز إليه{ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ } الأعراف: 195، و للتّعبير ب (ما) وجه ظاهر، و المعنى: و ربّك لاغيره يخلق ما يشاء خلقه، و هو سبحانه دون غيره ينتقي و يصطفي ما يشاء انتقاءه و اصطفاءه، فيصطفي ممّا يخلقه شفعاء و يختارهم للشّفاعة، و يميّز بعض مخلوقاته جلّ جلاله على بعض، ويفضّله عليه بما يشاء ما كان لهؤُلاء المشركين أن ينتقوا و يصطفوا ما شاءوا، و يميّزوا بعض مخلوقاته تعالى على بعض، و يجعلوه مقدّمًا عنده عزّ و جلّ على غيره، لأنّ ذلك يستدعي القدرةالكاملة، وعدم كون فاعله محجورًا عليه أصلا .

و أنّى لهم ذلك، فليس لهم إلا اتّباع اصطفاء الله تعالى، و هو جل ّو علا لم يصطَف شركاءهم الّذين اصطفوهم للعبادة و الشّفاعة، على الوجه الّذي اصطفوهم عليه، فما هم إلا جُهّال ضُلال صدّوا عمّا يلزمهم وتصدّوا لما ليس لهم بحال منالأحوال. و إن شئت فنزّل الفعل منزلة اللازم، وقل: المعنى: و ربّك لا غيره يخلق ما يشاء خلقه، و هو سبحانه لاغيره يفعل الاختيار و الاصطفاء، فيصطفي بعض مخلوقاته لكذا، و بعضًا آخر لكذا، و يميّز بعضًا منها على بعض، و يجعله مقدّمًا عنده تعالى عليه، فإنّه سبحانه قادر حكيم لايسأل عمّا يفعل، و هو جلّ و علا أعظم من أن يُعترَض عليه و أجلّ.

و يدخل في < الغير > المنفيّ عنه ذلك: المشركون، فليس لهم أن يفعلوا ذلك، فيصطفوا بعض مخلوقاته للشّفاعة و يختارو هم للعبادة، و يجعلوهم شركاء له عزّ و جلّ، و يدخل في الاختيار المنفيّ عنهم ما تضمّنه قولهم: { لَوْ لا نُزِّ لَ هذَا الْقُرْ ا نُ عَلى رَجُلٍ} فإنّ فيه انتفاء غيره(صلی الله علیه و آله) من الوليد بن المغيرة أو عُروة بن مَسعود الثّقفيّ و تمييزه بأهليّة تنزيل القرآن عليه. فإن صحّ ما قيل: في سبب نزول هذه الآية: من أ نّه القول المذكور كان فيها ردّ ذلك عليهم أيضًا، إلا أ نّها لتضمّنها تجهيلهم باختيارهم الشّركاء و اصطفائهم إيّاهم آلهة و شفعاء، كتضمّنها الرّدّ المذكور، جيء بها هنا متعلّقة بذكر الشّركاء، و تقريع المشركين على شركهم.

و ربما يقال: إنّها لمّا تضمّنت تجهيلهم فيما له نوع تعلّق به تعالى كاتّخاذ الشّركاء له سبحانه، و فيما له نوع تعلّق بخاتم رسله عليه الصّلاة و السّلام،كتمييزهم غيره عليه الصّلاة و السّلام بأهليّة الإرسال إليه، وتنزيل القرآن عليه ، جيء بها بعد ذكر سؤال المشركين عن إشراكهم، و سؤالهم عن جوابهم للمرسلين النّاهين لهم عنه الّذين عين أعيانهم

ص: 530

و قلب صدر ديوانهم رسولُه الخاتم لهم صلّى الله تعالى عليه و سلّم. فلها تعلّق بكلا الأمرين، إلا أنّ تعلّقها بالأمر الأوّل أظهر و أتمّ، وخاتمتها تقتضيه على أكمل وجه و أحكم.

و ربما يقال أيضًا: إنّ لها تعلّقًا بجميع ما قبلها، أمّا تعلّقها بالأمرين المذكورين فكما سمعت، و أمّا تعلّقها بذكر حال التّائب، فمن حيث أنّ انتضامه في سلك المفلحين يستدعي اختيار الله تعالى إيّاه و اصطفاءه له و تمييزه على من عداه، و لذا جيء بها بعد الأُمور الثّلاثة.

و ذكر انحصار الخلق فيه تعالى و تقديمه على انحصار الاختيار و الاصطفاء مع أنّ مبنى التّجهيل و الرّدّ إنّما هو الثّاني للإشارة إلى أنّ انحصار الاختيار من توابع انحصار الخلق، و في ذكره تعالى بعنوان الرّبوبية إشارة إلى أنّ خلقه عزّ و جلّ ما شاء على وفق المصلحة و الحكمة، و إضافة الرّبّ إليه صلّى الله تعالى عليه و سلّم لتشريفه عليه الصّلاة و السّلام، و هي في غاية الحسن إن صحّ ما تقدّم عن الوليد سببًا للنّزول .

و يخطر في الباب احتمالات أُخر في الآية، فتأمّل، فإنّي لاأقول: ما أبديته هو المختار، كيف وربّك جلّ شأنه يخلق ما يشاء ويختار.

(20: 103)

القاسميّ: أي بمقتضى مشيئته و عنايته، ما يريد { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } أي في ذلك. بل الخيرة له في أفعاله، و هو أعلم بوجوه الحكمة فيها، ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. (13: 4719)

المَراغيّ: أي و ربّك يخلق ما يشاء خلقه، و هو وحده سبحانه دون غيره، يصطفي ما يريد أن يصطفيه و يختاره، فيختار أقوامًا لأداء الرّسالة و هداية الخلق، و إصلاح ما فسد من نُظُم العالم، و يميّز بعض مخلوقاته عن بعض، و يفضّله بما شاء، و يجعله مقدّمًا عنده. و ليس لهم إلا اتّباع ما اصطفاه، و هو لم يصطف شركاءهم الّذين اختاروهم للعبادة و الشّفاعة. فما هم إلا في ضلال مبين، صدّوا عن عمل ما يجب عليهم فعله طاعةً لله و رسوله، و تصدّوا لما ليس من حقّهم أن يفعلوه بحال.

و نحو الآية قوله: { وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَة اِذَا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ اَمْرًا اَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ اَمْرِهِمْ } [ثمّ استشهد بشعرإلى أن قال:]

{ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } أي ليس لهم أن يختاروا على الله شيئًا، و له الخيرة عليهم، فله أن يرسل من يشاء رسولا بحسب ما يعلمه من الحكمة و المصلحة دون أن يكون ذلك منوطًا بمال أو جاه، كما خُيّل إلى بعض المشركين، فقالوا: {لَوْ لا نُزِّ لَ هذَا الْقُرْ انُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْ يَتَيْنِ عَظيمٍ‘ }. (20: 85)

ابن عاشور: هذا من تمام الاعتراض، و هي جملة: { فَاَمَّا مَنْ تَابَ وَ امَنَ ’وَ عَمِلَ صَالِحًا } القصص: 67، و ظاهر عطفه على ما قبله أنّ معناه آيل إلى التّفويض إلى حكمة الله تعالى في خلق قلوب منفتحة للاهتداء و لو بمراحل، و قلوب غير منفتحة له فهي قاسية صمّاء، و أنّه الّذي اختار فريقًا على فريق.

و في «أسباب النّزول» للواحديّ قال أهل

ص: 531

التّفسير: نزلت جوابًاللوليد بن المغيرة، حين قال فيما أخبر الله عنه: { وَ قَالُوا لَوْ لانُزِّ لَ هذَا الْقُرْ انُ عَلى رَجُلٍ } انتهى. يعنون بذلك الوليد بن المغيرة من أهل مكة، و عُروة بن مَسعود الثّقفيّ من أهل الطّائف، و هما المراد ب { الْقَرْ يَتَيْنِ} . وتبعه الزّمَخْشَريّ و ابن عَطيّة. فإذا كان كذلك كان اتّصال معناها بقوله: { مَاذا اَجَبْتُمُ الْمُرْسَلينَ‘ } القصص : 65، فإنّ قولهم:{ لَوْ لانُزِّ لَ هذَا الْقُرْ انُ عَلى رَجُلٍ ‘} هو من جملة ما أجابوا به دعوة الرّسول (صلی الله علیه و آله) .

و المعنى: أنّ الله يخلق ما يشاء من خلقه من البشر و غيرهم، و يختار من بين مخلوقاته لما يشاء ممّا يصلح له جنس ما منه الاختيار، و من ذلك اختياره للرّسالة من يشاء إرساله. و هذا في معنى قوله: { اَللهُ اَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } الأنعام:124، و أن ليس ذلك لاختيار النّاس و رغباتهم؛ و الوجهان لايتزاحمان.و المقصود من الكلام هو قوله: { وَيَخْتَارُ } فذكر { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } إيماء إلى أنّه أعلم بمخلوقاته.

و تقديم المسند إليه على خبره الفعليّ يفيد القصر في هذا المقام إن لوحظ سبب النّزول، أي ربّك وحده لا أنتم تختارون من يرسل إليكم.

و جُوّز أن يكون (مَا ) من قوله: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } موصولة، مفعولا لفعل { يَخْتَارُ } وأنّ عائد الموصول مجرور ب ( في) محذوفين. و التّقدير: و يختار ما لهم فيه الخير، أي يختار لهم من الرّسل ما يعلم أنّه صالح بهم لا ما يشتهونه من رجالهم.

وجملة: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } استئناف مؤكّد لمعنى القصر، لئلايتوهّم أنّ الجملة قبله مفيدة مجرّد التّقوّي. وصيغة { مَا كَانَ } تدلّ على نفي للكون يفيد أشدّ ممّا يفيد لو قيل: ما لهم الخيرة، كما تقدّم في قوله تعالى: { وَ مَا كَانَ رَ بُّكَ نَسِيًّا } في سورة مريم: 64.

و الابتداء بقوله: { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } تمهيد للمقصود، و هو قوله: { وَ يَخْتَارُمَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } أي كما أنّ الخلق من خصائصه فكذلك الاختيار.

و { الْخِيَرَ ةُ } بكسر الخاء و فتح التّحتيّة : اسم لمصدر الاختيار، مثل الطّيرة اسم لمصدر التّطيّر . قال ابن الأثير : ولانظير لهما . و في «اللّسان» ما يوهم أنّ نظيرهما : سبي طيبة، إذا لم يكن فيه غدر ولانقض عهد. و يحتمل أنّه أراد التّنظير في الزّنة لافي المعنى،

لأ نّها زنة نادرة .

و اللام في { لَهُمُ } للملك، أي ما كانوا يملكون اختيارًا في المخلوقات حتّى يقولوا: {لَوْ لا نُزِّ لَ هذَا

الْقُرْ انُ عَلى رَجُلٍ ‘} و نفي الملك عنهم مقابل لقوله: { مَا يَشَاءُ }، لأنّ { مَا يَشَاءُ } يفيد معنى ملك الاختيار.

و في ذكر الله تعالى بعنوان كونه ربًّا للنّبيّ (صلی الله علیه و آله) إشارة إلى أنّه اختاره، لأ نّه ربّه وخالقه، فهو قد علم استعداده لقبول رسالته . (20: 95)

الطَّباطَبائيّ: { الْخِيَرَ ةُ } بمعنى التّخيّر، كالطّيَرة بمعنى التّطَيّر. و الآية جواب رابع عن قولهم:{ اِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّف مِنْ اَرْضِنَا } القصص: 57، و الّذي يتضمّنه حجّة قاطعة.

بيان ذلك: أنّ الخلق و هو الصّنع و الإيجاد ينتهي

ص: 532

إليه تعالى، كما قال: { اَللهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْء } الزّمر: 62، فلامؤثّر في الوجود بحقيقة معنى التّأثير غيره تعالى، فلاشيء هناك يُلجئه تعالى على فعل من الأفعال. فإنّ هذا الشّيء المفروض: إمّا مخلوق له مُنتَه في وجوده إليه، فوجوده وآثار وجوده ينتهى إليه تعالى، ولامعنى لتأثير الشّيء و لا لتأثير أثره في نفسه، و إمّا غيرمخلوق له ولا مُنتَه في وجوده إليه يؤثّر فيه بالإلجاء و القهر، ولامؤثّر في الوجود غيره، و لا أنّ هناك شيئًا لا ينتهي في وجوده إليه تعالى، فلايعطيه شيء أثرًا، ولايمنعه شيء من أثر، كما قال: { وَاللهُ يَحْكُمُ لامُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } الرّعد: 41، و قال: { وَ اللهُ غَالِبٌ عَلى اَمْرِهِ } يوسف: 21.

و إذ لاقاهر يقهره على فعل، و لامانع يمنعه عن فعل، فهو مختار بحقيقة معنى الاختيار، هذا بحسب التّكوين؛ و التّشريع يتبعه، فإنّ حقيقة التّشريع هي أ نّه فطر النّاس على فطرة لاتستقيم إلا بإتيان أُمور هي الواجبات و ما في حكمها، و ترك أُمور هي المحرّمات و ما في حكمها، فما ينتفع به الإنسان في كماله و سعادته هو الّذي أمر به و ندب إليه، و ما يتضرّر به هو الّذي نهى عنه و حذّر منه.

فله تعالى أن يختار في مرحلة التّشريع من الأحكام و القوانين ما يشاء، كما أنّ له أن يختار في مرحلة التّكوين من الخلق و التّدبير ما يشاء، و هذا معنى قوله:{ وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ } وقد أطلق إطلاقًا.

و الظّاهر أنّ قوله:{ يَخْلُقُ ما يَشَاءُ } إشارة إلى اختياره التّكوينيّ، فإنّ معنى إطلاقه أنّه لاتقصر قدرته عن خلق شيء، و لايمنعه شيء عمّا يشاؤه، و بعبارة أُخرى لايمتنع عن مشيئته شيء لابنفسه ولا بمانع يمنع، و هذا هو الاختيار بحقيقة معناه. و قوله: { وَ يَخْتَارُ } إشارة إلى اختياره التّشريعيّ الاعتباريّ، و يكون عطفه على قوله: { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } من عطف المسبّب على سببه، لكون التّشريع و الاعتبار متفرّعًا على التّكوين و الحقيقة.

و يمكن حمل قوله: { يَخْلُقُ ما يَشَاءُ } على الاختيار التّكوينيّ، و قوله: { وَ يَخْتَارُ } على الأعمّ من الحقيقة و الاعتبار، لكنّ الوجه السّابق أوجه، و من الدّليل عليه كون المنفيّ في قوله الآتي: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } هو الاختيار التّشريعيّ الاعتباريّ، و الاختيار المثبت في قوله :{ وَ يَخْتَارُ } يقابله، فالمراد إثبات الاختيار التّشريعيّ الاعتباريّ.

ثمّ لاريب في أنّ الإنسان له اختيار تكوينيّ بالنّسبة إلى الأفعال الصّادرة عنه بالعلم و الإرادة و إن لم يكن اختيارًا مطلقًا، فإنّ للأسباب و العلل الخارجيّة دخلا في أفعاله؛ إذ أكله لقمة من الطّعام مثلا متوقّف على تحقّق مادّة الطّعام خارجًا، و قابليّته و ملائمته و قربه منه، و مساعدة أدوات الأخذ و القبض و الالتقام و المضغ و البلع، و غير ذلك ممّا لا يحصى.فصدور الفعل الاختياريّ عنه مشروط بموافقة الأسباب الخارجيّة الدّاخليّة في تحقّق فعله، و الله سبحانه في رأس تلك الأسباب جميعًا، و إليه ينتهي الكلّ، و هو الّذي خلق الإنسان منعوتًا بنعت

ص: 533

الاختيار، و أعطاه خيرته كما أعطاه خلقه.

ثمّ إنّ الإنسان يرى بالطّبع لنفسه اختيارًا تشريعيًّا اعتباريًّا فيما يشاؤه من فعل أو ترك، بحذاء اختياره التّكوينيّ، فله أن يفعل ما يشاء و يترك ما يشاء، من غير أن يكون لأحد من بني نوعه أن يحمله على شيء أو يمنعه عن شيء، لكونهم أمثالا له، لايزيدون عليه بشيء في معنى الإنسانيّة، و لايملكون منه شيئًا. و هذا هو المراد بكون الإنسان حُرًّا بالطّبع.

فالإنسان مختار في نفسه حرّ بالطّبع، إلا أن يملك غيره من نفسه شيئًا فيسلب بنفسه عن نفسه الحرّيّة كما أنّ الإنسان الاجتماعيّ يسلب عن نفسه الحرّيّة بالنّسبة إلى موارد السّنن و القوانين الجارية في مجتمعه، بدخوله في المجتمع و إمضائه ما يجري فيه من سنن و قوانين، سواء كانت دينيّة أو اجتماعيّة، وكما أنّ المتقاتلين يملك كلّ منهما الآخر من نفسه ما يغلب عليه، فللغالب منهما أن يفعل بأسيره ما يشاء، و كما أنّ الأجير إذا ابتاع عمله وآجر نفسه، فليس بحرّ في عمله؛ إذ المملوكيّة لا تجامع الحرّ يّة.

فالإنسان بالنّسبة إلى سائر بني نوعه حرّ في عمله مختار في فعله، إلا أن يسلب باختيار منه شيئًا من اختياره، فيملك غيره، و الله سبحانه يملك الإنسان في نفسه و في فعله الصّادر منه مُلكًا مطلقًا بالملك التّكوينيّ و بالملك الوضعيّ الاعتباريّ، فلاخيرة له و لاحرّ يّة بالنّسبة إلى ما يريده منه تشريعًا بأمر أو نهي تشريعيّين، كما لاخيرة و لاحرّ يّة له بالنّسبة إلى ما يشاؤه بمشيئته التّكوينيّة.

و هذا هو المراد بقوله: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } أي لا اختيار لهم إذا اختار الله سبحانه لهم شيئًا من فعل أو ترك حتّى يختاروا لأنفسهم ما يشاؤون، و إن خالف ما اختاره الله، و الآية قريبة المعنى من قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَة اِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ اَمْرًا اَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ اَمْرِهِمْ } و للقوم في تفسير الآية أقاويل مختلفة غير مجدية أغمضنا عنها، مَن أراد الوقوف عليها فعليه بالرّجوع إلى المطوّ لات.

(16: 66)

مكارم الشّيرازيّ : الخلق بيده ، و التّدبير

و الاختيار بيده أيضًا، و هو ذو الإرادة، و ليس لأحد سواه أن يفعل ما يشاء، فكيف بالأصنام؟!

فاختيار الخلق بيده، و الشّفاعة بيده، و إرسال الرّسل بيده أيضًا. و الخلاصة أنّ اختيار كلّ شيء متعلّق بمشيئته و إرادته المقدّسة، فعلى هذا لايمكن للأصنام أن تعمل شيئًا، ولاحتّى الملائكة و الأنبياء، إلا أن يأذن الله لمن يشاء و يرضى.

و على كلّ حال فإطلاق الاختيار دليل على عموميّته.بمعنى أن الله سبحانه صاحب الاختيار في الأُمور التّكوينيّة و الأُمور التّشريعيّة أيضًا، فجميعها يتعلّقان به.

فمع هذه الحال، كيف يسلك هؤلاء طريقالشّرك و يتّجهون نحو غير الله؟ لذلك فإنّ الآية تُنزّه الله عن الشّرك، و تقول: { سُبْحَانَ اللهِ وَ تَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ }.

و في الرّوايات الواردة عن أهل البيت: فسّرت الآية المتقدّمة باختيار الأئمّة المعصومين من

ص: 534

قبَل الله سبحانه، وجملة { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } أيضًا وردت في هذا المعنى، و هي في الواقع من قبيل بيان المصداق الواضح، لأنّ مسألة حفظ الدّين و المذهب و اختيار القائد المعصوم لأجل هذا الهدف، لاتكون إلا من قبَل الله تعالى. (12: 257)

فضل الله: فهو الخالق الّذي يملك أمر الخلق و خصوصيّاته، في ملامحه الذّاتيّة، و في حركته العمليّة، و في كلّ ما يحيط به من أجواء، و ما يتّخذه من أوضاع، و هو الّذي يُقدّر الأمر كلّه في كلّ ما يتعلّق بالنّاس.

و هذه هي الحقيقة الإيمانيّة الّتي لابدّ لهم من إدراكها في موقعهم من الله، فهم مشدودون في وجودهم إلى إرادته، كما هم مشدودون إليه و مرتبطون به في تفاصيل الوجود و امتداده { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ } لأ نّهم لا يملكون من أمرهم شيئًا، فلابدّ لهم من الانقياد إليه، و الاتّكال عليه، و تحريك إرادتهم في خطّ إرادته، لأ نّهم لايملكون حرّيّة التّصرّف بعيدًا عن دائرة التّشريع الإلهيّ، في ما كلّفهم به، كما لايملكون القدرة على التّحرّك بعيدًا عن دائرة الإرادة الإلهيّة في حركة التّكوين، لينسجم الإنسان في ما يعتمد عليه نظام حياته العمليّ، مع ما يعتمد عليه في وجوده الواقعيّ.

و لعلّ الغفلة عن هذه الحقيقة الإيمانيّة في موقع الإنسان من ربّه، الّذي يحدّد موقفه منه، هي الّتي تدفعه إلى الانحراف، و تقوده إلى التّمرّد على الله سبحانه، و البُعد عن طاعته و التّحرّك في دوائر الشّرك، من خلال ما يشاهدونه من عظمة غيره، أو ممّا يتخيّلونه له، و ما يغفلون عنه من عظمة الله المطلقة الّتي تستمدّ الأشياء عظمتها منه. (17: 327)

2 وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لامُؤْمِنَة اِذَا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ اَمْرًا اَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ اَمْرِهِمْ...

الأحزاب: 36

لاحظ: أ م ر:< اَمْرًا > و: ق ض ي: <قَضى>.

اخْتَارَ

وَ اخْتَارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعينَ‘ رَجُلا لِميقَا‘ تِنَا فَلَمَّا اَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ اَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ.

الأعراف: 155

الإمام عليّ(علیه السلام): إنّ اختيارهم إنّما كان بسبب قول بني إسرائيل: إنّ موسى قتل هارون حينذهب معه و لم يرجع، فاختار هؤُلاء ليذهبوا فيكلّمهم هارون بأنّه مات بأجله. (ابن عَطيّة 2: 459)

الفَرّاء: و جاءالتّفسير: اختار منهم سبعين رجلا . و انّما اسْتُجيز وقوع الفعل عليهم إذا طُرحَت <من> لأ نّه مأخوذ من قولك: هؤلاء خير القوم، و خير من القوم.فلمّا جازت الإضافة مكان <من> و لم يتغيّر المعنى، استجازوا أن يقولوا: اخترتكم رجلا و اخترت منكم رجلا . [ثمّ استشهد بشعر] (1: 395)

أبوعُبَيْدَة: مجازه : اختار موسى من قومه. و لكن بعض العرب يجتازون فيحذفون <من>. [ثمّ استشهد بشعر] (1: 229)

الزّجّاج: معناه و اختار موسى من قومه، وكان موسى اختار من اثني عشر سبطًا من كلّ سبط ستّة

ص: 535

رجال، فبلغوا اثنين و سبعين رجلا ، فخلّف منهم رجلين.

و معنى اختار قومه: اختار من قومه، فحُذفت <من> و وُصل الفعل فنُصِب. يقال: اختَرت من الرّجال زيدًا واخترت الرّجال زيدًا.[ثمّ استشهد بشعر] (2: 380)

الطُّوسيّ: الاختيار هو إرادة ماهو خير، يقال: خيّره بين أمرين فاختار أحدهما. و الاختيار و الإيثار بمعنى واحد.

أخبر الله تعالى أنّ موسى(علیه السلام) اختار من قومه سبعين رجلا ، و حذف <من> لدلالة الفعل عليه، مع إيجاز اللّفظ. (4: 588)

الزّمَخْشَريّ: أي من قومه، فحذف الجارّ و أوصل الفعل، كقوله:

*و منّا الّذي اختير الرّجال سماحةً*

قيل: اختار من اثني عشر سبطًا من كلّ سبط ستّة حتّى تتامّوا اثنين و سبعين، فقال: لايتخلّف منكم رجلان، فتشاحّوا، فقال: إنّ لمن قعد منكم مثل أجر من خرج، فقعد كالب و يوشع. و روي: أنّه لم يُصب إلا ستّين شيخًا، فأوحى الله تعالى إليه أن يختار من الشّبّان عشرة، فاختارهم فأصبحوا شيوخًا. (2: 121)

ابن عَطيّة: معنى هذه الآية: أنّ موسى(علیه السلام) اختار من قومه هذه العِدّة ليذهب بهم إلى موضع عبادة و ابتهال و دعاء، ليكون منه و منهم اعتذار إلى الله عزّ و جلّ من خطإ بني إسرائيل في عبادة العجل، و طلب لكمال العفو عمّن بقي منهم. (2: 459)

الطَّبْرِسيّ: و اختُلف في سبب اختياره إيّاهم

و وقته، فقيل: إنّه اختارهم حين خرج إلى الميقات ليكلّمه الله سبحانه بحضرتهم، و يعطيه التّوراة، فيكونوا شهداء له عند بني إسرائيل، لما لم يثقوا بخبره أنّ الله سبحانه يكلّمه. فلمّا حضروا الميقات و سمعوا كلامه تعالى، سألوا الرّؤية، فأصابتهم الصّاعقة، ثمّ أحياهم الله تعالى، فابتدأ سبحانه بحديث الميقات، ثمّ اعترض حديث العجل، فلمّا تمّ عاد إلى بقية القصّة. و هذا الميقات هو الميعاد الأوّل الّذي تقدّم ذكره، عن أبي عليّالجُبّائيّ، و أبي مسلم، و جماعة من المفسّرين، و هو الصّحيح، و رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره.

و قيل: إنّه اختارهم بعد الميقات الأوّل للميقات الثّاني، بعد عبادة العجل، ليعتذروا من ذلك. فلمّا سمعوا كلام الله {فَقَالُوا اَرِنَا اللهَ جَهْرَةً } النّساء: 153، {فَاَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ } الأعراف:78،...و إنّما أمر الله تعالى موسى أن يختار من قومه سبعين رجلا ، فاختارهم و برز بهم ليدعوا ربّهم، فكان فيما دعوا أن قالوا: <اللّهمّ أعطنا ما لم تُعط أحدًا قبلنا، و لاتعطيه أحدًا بعدنا!> فكره الله ذلك من دعائهم، فأخذتهم الرّجفة. (2: 484)

الفَخْرالرّازيّ: في هذه الآية مسائل:

المسألة الأُولى: الاختيار: < افتعال > من لفظ الخير. يقال: اختار الشّيء، إذا أخذ خيره و خياره. و أصل اختار: اختير، فلمّا تحرّكت الياء و قبلها فتحة قلبت ألفًا، نحو: قال و باع، و لهذا السّبب استوى لفظ الفاعل و المفعول، فقيل: فيهما، <مختار>، و الأصل:

ص: 536

مختِير و مختَيْر فقلبت الياء فيهما ألفًا، فاستويا في اللّفظ.

و تحقيق الكلام فيه أن نقول: إنّ الأعضاء السّليمة بحسب سلامتها الأصليّة صالحة للفعل و التّرك، و صالحة للفعل ولضدّه، و ما دام يبقي على هذا الاستواء امتنع أن يصير مصدرًا لأحد الجانبين دون الثّاني، و إلالزم رجحان الممكن من غير مرجّح، و هو محال. فإذا حكم الإنسان بأن ّله في الفعل نفعًا زائدًا و صلاحًا راجحًا، فقد حكم بأنّ ذلك الجانب خير له من ضدّه، فعند حصول هذا الاعتقاد في القلب يصير الفعل راجحًا على التّرك. فلولا الحكم بكون ذلك الطّرف خيرًا من الطّرف الآخر امتنع أن يصير فاعلا ، فلمّا كان صدور الفعل عن الحيوان موقوفًا على حُكمه بكون ذلك الفعل خيرًا من تركه، لاجرم سمّي الفعل الحيوانيّ فعلا اختياريًّا.و الله أعلم.

فإن قيل: إنّ الإنسان قد يقتل نفسه و قد يرمي نفسه من شاهق جبل، مع أنّه يعلم أنّ ذلك ليس من الخيرات بل من الشّرور.

فنقول: إنّ الإنسان لايُقدم على قتل نفسه إلا إذا اعتقد أنّه بسبب ذلك القتل يتخلّص عن ضرر أعظم من ذلك القتل، و الضّرر الأسهل بالنّسبة إلى الضّرر الأعظم يكون خيرًا لاشرًّا.و على هذا التّقدير فالسّؤال زائل،و الله أعلم.

المسألة الثّانية: قال جماعة النّحويّين: معناه: و اختار موسى من قومه سبعين، فحذفت كلمة <من> و وصل الفعل فنصب. يقال: اخترت من الرّجال زيدًا، و اخترت الرّجال زيدًا. [ثمّ استشهد بشعر]

قال أبو عليّ: و الأصل في هذا الباب أنّ من الأفعال ما يتعدّى إلى المفعول الثّاني بحرف واحد، ثمّ يتّسع فيُحذف حرف الجرّ فيتعدّى الفعل إلى المفعول الثّاني، من ذلك قولك: اخترت من الرّجالزيدًا، ثمّ يتّسع فيقال: اخترت الرّجال زيدًا، و قولك أستغفر الله من ذنبي، و أستغفر الله ذنبي. [و استشهد بالشّعرمرّتين]

وعندي فيه وجه آخر، و هو أن يكون التّقدير:

و اختار موسى قومه لميقاتنا، و أراد بقومه المعتبرين منهم، إطلاقًا لاسم الجنس على ما هو المقصود منهم. و قوله: { سَبْعينَ‘ رَجُلا } عطف بيان، و على هذا الوجه فلاحاجة إلى ما ذكروه من التّكلّفات.

(15: 15)

اخْتَرْ تُكَ

وَ اَنَا اخْتَرْ تُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحى. طه:13

الكَلْبيّ: اختَرتُك برسالتي لكي تقوم بأمري.

(الواحديّ3: 202)

الفَرّاء: قوله: { وَا َنَا اخْتَرْ تُكَ...} وتقرأ (وَ اَ نَّا اختَرنَاكَ) مردودة على { نُودِىَ } نودي أ نّا اخترناك، وإنّا اخترناك، فإذا كسرها استأنفها. (2: 176)

الطّبَريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة القُرّ اء الّذين قرأُوا (وَ اَ نَّا) بتشديد النّون، (وَ اَ نَا) بفتح الأ لف من(اَنا)ردًّ ا على { نُودِىَ يَا مُوسى }، كأنّ معنى الكلام عندهم: نودي يا موسى إنّي أنا ربّك، وأنا اخترتك، و بهذه القراءة قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة. وأمّا عامّة قرّاء المدينة و البصرة و بعض أهل الكوفة فقرؤوه: { وَ اَنَا اخْتَرْ تُكَ } بتخفيف النّون

ص: 537

على وجه الخبر من الله عن نفسه أ نّه اختاره.

و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما قرّ اء أهل العلم بالقرآن، مع اتّفاق معنييهما، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب الصّواب فيه. و تأويل الكلام: نودي أنّا اخترناك. فاجتبيناك لرسالتنا إلى من نُرسلك إليه.

(8: 400)

الزّجّاج: و يُقرأ (وَ اِ نَّا اخْتَرنَاكَ) فمن قرأ: (وَ اِ نَّا اخْتَرنَاكَ) فالمعنى يؤدّي بأ نّا اخترناك. و يجوز(وَ اِ نَّا اخْتَرنَاكَ) على وجهين : على الاستئناف و على معنى الحكاية، لأ نّه معنى يؤدّي((1)

)قيل له: إنّا اختر ناك.

(3: 352)

أبوزُرْعَة: قرأ حمزة (وَ اَ نَّا اخْتَرنَاكَ) على معنى: نودي أنا اخترناك، من خطاب الملوك و العظماء، و من حجّته قوله قبله:{ مَا اَ نْزَ لْنَا عَلَيْكَ الْقُرْ

انَ لِتَشْقى } طه:2، و الأصل أ نّنا، كما قال: { اِنَّنى مَعَكُمَا } طه:46، و لكن النّون حذفت لكثرة النّونات، و المحذوف النّون الثّانية في < اَنّ > الأُولى السّاكنة و الثّانيةالمتحرّكة، ف ( نَا) في موضع نصب ب (اَنّ) أنّ و ما بعدها في موضع نصب. المعنى نودي موسى أنا اخترناك.

و قرأ الباقون (وَ اَ نَا ) خفيفة { اخْتَرْ تُكَ }على لفظ التّوحيد، ف ( اَنَا ) موضعه رفع بالابتداء، و خبره { اخْتَرْ تُكَ } فالمعنى في القراءتين واحد، غير أنّ هذه القراءة أشدّ موافقة للخطّ، و أشبه بنسق اللّفظ، لقوله: { ا ِنّى اَنَا رَ بُّكَ } طه: 12، فكذلك: { وَ اَنَا اخْتَرْ تُكَ }.

(451)

نحوه الطُّوسيّ (7: 163)، و القُرطُبيّ: (11: 176).

الزّمَخْشَريّ: اصطفيتك للنّبوّة. وقرأ حمزة ( وَ ا ِنَّا اخْتَرنَاكَ). (2: 531)

نحوه البَيْضاويّ(2: 46)،و النّسَفيّ (3: 50)، و أبو السُّعود(4: 272)، و البُرُوسَويّ(5: 371 )، و شُبّر(4: 145)، و القاسميّ(11: 4173).

الطَّبْرِسيّ: قوله: { وَاَنَا اخْتَرْتُكَ } فالإفراد أكثر في القراءة، و هو أشبه بما قبله من قوله: { اِنّى اَنَا رَبُّكَ} و وجه الجمع أن يكون ذلك قد جاء في نحو قوله تعالى: { سُبْحَانَ الَّذى‘ اَسْرى } ، ثمّ قال: { وَ ا تَيْنا مُوسَى الْكِتَابَ }.الإسراء:1و 2، ويمكن أن يكون الوجه في قراءة حمزة ( وَ ا ِنَّا اخْتَرنَاكَ ) مع أنّه قرأ { اِنّى اَ نَا رَ بُّكَ} بالكسر أن يكون التّقدير: ولأ نّا اخترناك فاستمع. فيكون الجارّ و المجرور في موضع نصب بقوله: { فَاسْتَمِعْ }، و لم يذكره الشّيخ أبو عليّ. (4: 4)

الفَخْرالرّازيّ: معناه: اخترتك للرّسالة، و للكلام الّذي خصّصتك به، و هذه الآية تدلّ على أنّ النّبوّة لاتحصل بالاستحقاق، لأنّ قوله: { وَ اَنَا اخْتَرْتُكَ} يدلّ على أنّ ذلك المنصب العَليّ إنمّا حصل، لأنّ الله تعالى اختاره له ابتداء، لا أنّه استحقّه على الله تعالى. (22: 18 )

ابن عاشور: قوله: {وَ اَ نَا اخْتَرْتُكَ } أخبر عن اختيار الله تعالى موسى بطريق المسند الفعليّ المفيد

ص: 538


1- (1) في الأصل: يؤدّى.

تقوية الحكم، لأنّ المقام ليس مقام إفادة التّخصيص، أي الحصر، نحو: أنا سعيت في حاجتك، و هو يُعطي الجزيل. و موجب التّقوّي هو غرابة الخبرو مفاجأته به دفعًا، لتطرّق الشّكّ في نفسه.

و الاختيار: تكلّف طلب ما هو خير، و استُعملت صيغة التّكلّف في معنى إجادة طلب الخير.

و فُرع على الإخبار باختياره أن أُمِر بالاستماع للوحي، لأ نّه أثر الاختيار؛ إذ لا معنى للاختيار إلا اختياره، لتلقّي ما سيوحي الله.

و المراد : ما يوحى إليه حينئذ من الكلام. و أمّا ما يوحى إليه في مستقبل الأيّام، فكونه مأمورًا باستماعه معلوم بالأحرى.

و قرأ حمزة وحده (وَ اَنَّا اخْتَرنَاكَ) بضميري التّعظيم . (16: 104)

الطَّباطَبائيّ: قوله تعالى: { وَ اَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحى } الاختيار مأخوذ من الخير، و حقيقته أن يتردّد أمر الفاعل مثلا بين أفعال يجب أن يرجّح واحدًا منها ليفعله، فيميّز ما هوخيرها، ثمّ يبني على كونه خيرا من غيره فيفعله. فبناؤه على كونه خيرا من غيره هو اختيار، فالاختيار دائما لغاية هو غرض الفاعل من فعله.

فاختياره تعالى لموسى إنمّا هو لغاية إلهيّة و هي إعطاء النّبوّة و الرّسالة، و يشهد بذلك قوله على سبيل التّفريع على الاختيار:{ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحى } فقد تعلّقت المشيئة الإلهيّة ببعث إنسان يتحمّل النّبوّة و الرّسالة، وكان موسى في علمه تعالى خيرًا من غيره، و أصلح لهذا الغرض، فاختاره(علیه السلام).

و قوله: { وَ اَنَا اخْتَرْتُكَ } على ما يُعطيه السّياق: من قبيل إصدار الأمر بنبوّته و رسالته، فهو إنشاء لا إخبار. ولو كان إخبارًا لقيل: و قد أخترتك، لكنّه إنشاء الاختيار للنّبوّة و الرّسالة بنفس هذه الكلمة، ثمّ لمّا تحقّق الاختيار بإنشائه فرّع عليه الأمر بالاستماع للوحي المتضمّن لنبوّته و رسالته، فقال: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحى } و الاستماع لما يوحى: الإصغاء إليه.

(14: 139)

فضل الله: لتكون رسولا من قبَلي إلى فرعون، لتقوده إلى الإيمان، و لتردعه عن الطّغيان. و إلى هذا الشّعب الّذي عاش العبوديّة في عمق ذاته حتّى أصبحت جزءً من كيانه، بما يقدّمه من فروض الطّاعة لمستعبديه، دون إحساس بضرورة الثّورة أمام المستعبدين، لنيل الحرّ يّة الّتي تستقيم من خلالها إنسانيّتهم. وأنا اخترتك لتكون رسولا إلى الحياة كلّها، ليستقيم لها الطّريق من خلال رسالتك و شريعتك، ولتنتظم خطواتها في الخطّ المستقيم. (15: 99)

اخْتَرْ نَاهُمْ

وَ لَقَدِ اخْتَرْ نَاهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمينَ‘.

الدّخان: 32

مُجاهد: على من هم بين ظَهْرانيه.

(الطّبَريّ11: 239)

قَتادَة: أي اختيروا على أهل زمانهم ذلك و لكلّ زمان عالم. (الطّبَريّ11: 240)

ص: 539

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: ولقد اخترنا بني إسرائيل على علم منّا بهم على عالمي أهل زمانهم يومئذ، و ذلك زمان موسى صلوات الله و سلامه عليه.

(11: 239)

الثّعلبيّ: يعني مؤمني بني إسرائيل.

(8: 354)

الماوَرْديّ: معناه: على علم منّا بهم . و في اختياره لهم ثلاثة أوجه:

أحدها: باصطفائهم لرسالته، و الدّعاء إلى طاعته.

الثّاني : باختيارهم لدينه و تصديق رسله.

الثّالث : بإنجائهم من فرعون و قومه.

(5: 254)

الطُّوسي: قيل: المعنى اخترناهم على عالمي زمانهم، بدلالة قوله لأُمّة نبيّنا: { كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }آل عمران: 110، و ذلك يوجبأنّه ما اختارهم على من هو خير منهم، و إنّما اختارهم على من هو في وقتهم من العالمين. و قال قَتادَة، و مُجاهِد: على عالمي زمانهم.

و إنّما قال:{ اخْتَرْ نَاهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمينَ‘} بما جعل فيهم من الأنبياء الكثيرين، فهذه خاصّة لهم ليست لغيرهم، لما في العلوم من مصالح المكلّفين بأنبيائهم. (9: 235)

الزّمَخْشَريّ: الضّمير في{ اخْتَرْ نَاهُمْ } لبني إسرائيل. (3: 505)

نحوه الواحديّ(4: 90)، و القُرطُبيّ(16: 142)، و البَيْضاويّ(2: 376)، و النّسَفيّ (4: 130).

الطَّبْرِسيّ: أي اخترنا موسى و قومه بني إسرائيل ، و فضّلناهم بالتّوراة، و كثرة الأنبياء منهم. { عَلى عِلْمٍ } أي على بصيرة منّا باستحقاقهم التّفضيل و الاختيار. (5: 66)

ابن عاشور: إشارة إلى أنّ الله تعالى قد اختار الّذين آمنوا بمحمّد(صلی الله علیه و آله) على أُمم عصرهم، كما اختار الّذين آمنوا بموسى (علیه السلام) على أُمم عصرهم، و أنّه عالم بأنّ أمثالهم أهل لأن يختارهم الله.

و المقصود : التّنويه بالمؤمنين بالرّسل، و أنّ ذلك يقتضي أن ينصرهم الله على أعدائهم، و لأجل هذه الإشارة أكّد الخبر ب <اللام> و< قد>، كما أكّد في قوله آنفا { وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنى اِسْرَايلَ= ‘} الدّخان : 30.

(25: 331)

الطَّبا طَبائيّ: أي اختر ناهم على علم منّا باستحقاقهم الاختيار، على ما يفيد ه السّياق.

(18: 141)

يَتَخَيَّرُونَ

وَفَاكِهَة مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ.

الواقعة:20

الزّمَخْشَريّ: يأخذون خيره وأفضله. (4: 54)

القُرطُبيّ: أي يتخيّرون ما شاؤوا لكثرتها. و قيل: و فاكهة متخيّرة مرضيّة، و التّخيّر: الاختيار.

(17: 204)

النَّيسابوريّ: أي يختارون، تخيّرت الشّيء: أخذت خيره. (27: 78)

الخازن: أي يأخذون خيارها. (7: 14)

القاسميّ: أي يختارون ويرتضون، وأصله: أخذ الخيار و الخير. (16: 5649)

ص: 540

تَخَيَّرُونَ

اِنَّ لَكُمْ فيهِ‘ لَمَا تَخَيَّرُونَ. القلم: 38

الطّبَريّ: يقول جلّ ثناؤه: إنّ لكم في ذلك الّذي تخيّرون من الأُمور لأنفسكم. و هذا أمر من الله، توبيخ لهؤلاء و تقريع لهم فيما كانوا يقولون من الباطل، و يتمنّون من الأمانيّ الكاذبة. (12: 196)

الثّعلبيّ: تختارون وتشتهون. (10: 18)

الطُّوسيّ: قوله: { اِ نَّ لَكُمْ فيهِ‘ لَمَا تَخَيَّرُونَ } يحتمل أمرين:أحدهما: أن يكون تقديره: أم لكم كتاب فيه تدرسون بأنّ لكم ما تخيّرون، إلا أنّه حُذفت الباء وكُسرت (اِنَّ) لدخول اللام في الخبر.

الثاّني: أن يكون ذلك خرج مخرج التّوبيخ،

و تقديره: و إنّ لكم لما تخيّرون عند أنفسكم، و الأمر بخلاف ظنّكم، لأ نّه لايجوز أن يكون ذلك خيرًا مطلقًا.

(10: 85)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (5: 339)

الزّمَخْشَريّ: إنّ ما تختارونه و تشتهونه لكم، كقوله تعالى:{ اَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبين‘ٌ* فَاْتُوا بِكِتَابِكُمْ} الصّافّات: 156،157، و الأصل: تدرسون أنّ لكم ما تخيّرون، بفتح ( اَنَّ ) لأ نّه مدروس، فلمّا جاءت اللام كُسرت. و يجوز أن تكون حكاية للمدروس، كما هو كقوله:{ وَ تَرَ كْنَا عَلَيْهِ فِى الاخِرينَ‘ * سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِى الْعَالَمينَ‘ } الصّافّات: 8 7، 79.

و تخيّر الشّيء و اختاره: أخذ خيره، و نحوه: تنخّله و انتخَله: إذا أخذ منخوله. لفلان عليّ يمين بكذا، إذا ضمنته منه، و حلفت له على الوفاء به، يعني أم ضَمنّا منكم و أقسمنا لكم بأيمان مغلّظة متناهية في التّوكيد.

(4: 146)

نحوه الفَخْرالرّازيّ(30: 92)، و البَيْضاويّ (2: 496)، و النّسَفيّ(4: 283)، و أبو السُّعود(6: 289)، و البُرُوسَويّ(10: 119)، وشُبّر(6: 265)، والآلوسيّ (29: 33).

راجع: د ر س: < تَدْرُسُونَ>.

الوُجُوه و النّظائر

هارون الأعور: تفسير < الخير > على ثمانية وجوه.

فوجه منها: الخير: يعني المال، فذلك قوله: { اِنْ تَرَكَ خَيْرًا اَلْوَ صِيَّةُ } البقرة: 180، يعني مالا . وقوله : { قُلْ مَا اَ نْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ } البقرة: 215، يعني مالا و قال:{ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ } البقرة: 273، يعني من مال { فَلاَ ‚نْفُسِكُمْ } البقرة: 273، { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر يُوَف اِلَيْكُمْ } البقرة: 272، الخير: المال.و قال: {اِنّى اَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ } ص :32، يعني المال.و قال: { اِنْ عَلِمْتُمْ فيهِمْ خَيْرًا } النّور: 33، قال أبو الحسَن: فيهم يعني بهم مالا .

الوجه الثّاني: الخير: الإيمان: فذلك قوله عزّ وجلّ: { لَوْ عَلِمَ اللهُ فيهِمْ خَيْرًا} يعني الإيمان، { لاَسْمَعَهُمْ } الأنفال:23، الإيمان.و قال فيها:{ اِنْ يَعْلَمِ اللهُ فى قُلُوبِكُمْ خَيْرًا } الأنفال: 70، يعني إيمانًا.وقال نوح (صلی الله علیه و آله) : { لَنْ يُؤْ تِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا } هود: 31، يعني إيمانًا.

ص: 541

الوجه الثّالث: الخير: الإسلام، فذلك قوله:{ اَنْ يُنَزَّ لَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْر مِنْ رَبِّكُمْ } البقرة: 105، يعني الإسلام. و قوله:{ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} ق: 25، يعنيالإسلام، نزلت في وليد بن مغيرةمنع بني أخيه أن يُسلموا، و نظيرها في ن, و القلم:12 { مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ } للإسلام { مُعْتَد }.

الوجه الرّابع: الخير: يعني أفضل، فذلك قوله : { وَ قُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ واَ نْتَ خَيْرُ الرَّاحِمينَ‘ } المؤمنون: 118، يعني أفضل من يرحم.وقال

أبو الحسن: بلغنا أرحم الرّاحمين يعني الوالدين. و قوله: { خَيْرُ الرَّ ازِقينَ‘ }المائدة: 114، يعني أفضل الرّازقين. و قوله: { خَيْرُ الْحَاكِمينَ‘ }يوسف: 80، يعني أفضل الحاكمين.وكذلك كلّ شيء نحو هذا في القرآن.

الوجه الخامس: الخير: يعني العافية، فذلك قوله: { وَ اِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْر } يعني العافية { فَهُوَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ‘ }الأنعام: 17، نظيرها:{ وَاِنْ يُرِدْ كَ بِخَيْر} يعني بعافية، { فَلارَادَّ لِفَضْلِهِ }. يونس: 107.

الوجه السّادس: الخير: يعني الأجر، فذلك قوله: { لَكُمْ فيهَا‘ خَيْرٌ } الحجّ: 36، يعني في البُدْن خير أجر.

الوجه السّابع: الخير: يعني به الطّعام، فذلك قوله: { اِنّى لِمَااَنْزَلْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقيرٌ ‘}القصص: 24،يعني الطّعام. قال أبو الحسَن:وهو في التّأويل: إنّي لما أنزلت إليّ من الرّسالة و النّبوّة فقير جائع، قالوا:ما طلب إلا خيرًا يأكله.

الوجه الثّامن: الخير: يعني به الظّفر، فذلك قوله: { وَرَدَّ اللهُ الَّذينَ ‘كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } الأحزاب: 25، يعني الظّفر والغنيمة. (74)

نحوه الدّامغانيّ. (293)

الحيريّ: الخير على تسعة عشر وجهًا:

أحدها: الأفضل، كقوله:{ ذ لِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ } البقرة: 54، و قوله: { وَ اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرينَ ‘} آل عمران: 54،و قوله:{ خَيْرُ النَّاصِرينَ‘} آل عمران: 150، وقوله:{ كُنْتُمْ خَيْرَ اُ مَّة } آل عمران: 110، و قوله: { اَ نْتَ وَ لِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَ ارْحَمْنَا وَ اَ نْتَ خَيْرُ

الْغَا ِفرينَ ‘} الأعراف: 155، و في يونس:109، { وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمينَ‘ } ، و في المؤمنون : 109 ، { وَ ا َنْتَ خَيْرُ الرَّ احِمينَ ‘}، و في الجمعة: 11، { وَ اللهُ خَيْرُ الرَّ ازِقينَ ‘} ، و في الأنعام : 32، { وَلَلدَّ ارُ الاخِرَةُ’ خَيْرٌ لِلَّذينَ‘ يَتَّقُونَ}، نظيرها في يونس((1))

و النّحل: 30، { وَ لَدَارُ الاخِرَةِ ’خَيْرٌ} و في الكهف: 46، قوله : { وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ اَمَلا } نظيرها في مريم: 76.

و الثّاني: أشرف، كقوله:{ اَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذى‘ هُوَ اَدْ نى بِالَّذى‘ هُوَ خَيْرٌ } البقرة: 61.

و الثّالث: الإسلام، كقوله:{ مَا يَوَدُّ الَّذينَ‘ كَفَرُوا مِنْ اَهْلِ الْكِتَابِ وَ لا الْمُشْرِكينَ‘ اَنْ يُنَزَّلَعَلَيْكُمْ مِنْ خَيْر مِنْ رَبِّكُمْ } البقرة: 105، و قوله في ن ,والقلم: 12، { مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَد اَثيمٍ ‘}.

و الرّابع: المال، { اِنْ تَرَكَ خَيْرًا اَلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَ الاَ قْرَبينَ‘ } البقرة:180، وقوله:{ مَا مَكَّنى فيهِ رَ بّى

ص: 542


1- (1) كذا، و الصّواب يوسف: الآية: 109.

خَيْرٌ } الكهف: 95، { وَ اِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَديدٌ ‘} العاديات: 8.

و الخامس: الجواب الحسن، كقوله:{ اِنْ تُبْدُوا خَيْرًا اَوْ تُخْفُوهُ اَوْ تَعْفُوا } النّساء: 149.

و السّادس: العافية { وَاِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْر فَهُوَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ ‘} الأنعام: 17.

و السّابع: الإيمان، كقوله:{ لَوْ عَلِمَ اللهُ فيهِمْ خَيْرًا لاَسْمَعَهُمْ } الأنفال: 23، و في هود:31، قوله: { لَنْ يُؤْ تِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا }.

و الثّامن: النّعمة، كقوله:{ وَاِنْ يُرِدْ كَ بِخَيْر فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ } يونس: 107.

التّاسع: الحور العين، كقوله: { لكِنِ’ الرَّسُولُ وَ الَّذينَ ‘ امَنُوا مَعَهُ } إلى قوله: { لَهُمُ الْخَيْرَاتُ } التّوبة: 88، و قوله :{ فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } الرّحمن: 70 .((1))

الحادي عشر: الأجر، كقوله:{ وَ الْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فيهَا‘ خَيْرٌ } الحجّ: 36.

و الثّاني عشر: الطّعام، كقوله: { فَقَالَ رَبِّ اِنّى لِمَا اَ نْزَلْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقيرٌ ‘} القصص: 24.

و الثّالث عشر: الظّفر، كقوله: { بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا } الأحزاب: 25.

و الرّابع عشر: الخيل، كقوله: { فَقَالَ اِنّى اَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَ بّى } ص: 32.

و الخامس عشر:أكثر، كقوله: { اَهُمْ خَيْرٌ اَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } الدّخان:37.

و السّادس عشر: الطّاعة، كقوله: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّ ةٍ خَيْرً ا يَرَهُ } الزّلزال:7.

و السّابع عشر:ترك الفسق و المعصية، كقوله: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر فَاِنَّ اللهَ بِهِ عَليمٌ‘ } البقرة: 273.

و الثّامن عشر: الإحسان، كقوله: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَاِنَّ اللهَ كَانَ بِهِ عَليمًا‘ } النّساء: 127.

و التّاسع عشر: المال الوافر المواشي((2)

كقوله في هود: 84 { اِنّىاَريكُمْ’ بِخَيْرٍ }. (230)

نحوه حبيش التّفليسيّ. (94)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخِيْرة، أي ما يُصطفى و يُفضّل، و هو الخِيْر و الخِيَرة و الخِيار. يقال: هذا و هذه و هؤلاء خِيَرتي، أي تخييري، و لك خِيَرة هذه الإبل والغنم و خيارها، وجمل خيار وناقة خيار: كريمة فارهة، و فلان خَِيْري من النّاس، أي صفيّيّ.

و الخِيْرة و الخِيَرة: الاسم من: خارالله لك في هذا الأمر، أي جعل لك فيه الخِيَرة. و خارالشّيء: انتقاه و اصطفاه، و خاره على صاحبه خَيْرًا وخِيَرةً، وخيّره:

ص: 543


1- (1) لم يذكر وجه العاشر
2- (2) في الهامش: كذا في الكتاب، و لعلّه أراد المواشي جمع الماشية، و هي الإبل و الغنم و البقر، و هو قريب من معنى الوجه الرّ ابع عشر.

فضّله.

و الاستخارة: طلب الخِيْرة في الشّيء. يقال: استَخرِ الله يَخِرْ لك، أي اطلب منه الخِيَرة، و الله يخيرللعبد إذا استخاره.

و الاختيار: الاصطفاء. يقال: اختَرتُ فلانًا على فلان، أي فضّلته عليه، وكذلك التّخيير.

و التّخيير: التّفويض. يقال: خَيّرتُه بين الشّيئين، أي فوّضت إليه الخيار، وأنت بالخيار و بالمختار: اختَر ما شئت.

و الخَيْر: ضدّ الشّرّ، لأ نّه مفضّل عليه؛ و الجمع خُيُور. يقال: خار خَيْرًا، أي صار ذا خير، و خِرْتَ يارجل، فأنت خائر، و خار الله لك: أعطاك ما هو خير لك، و هو خير منك و أخير، و هو خُيَيْر منك و خُيَيْر أهله، و ما أخيَرَه و خَيْرَه، وأشَرّه و شَرّه! و خايره فخاره خَيْرًا: كان خَيْرًا منه.

و رجل خَيْر و خيِّر: ذو خَيْر؛ و الجمع: أخيار و خِيار. و يقال في مثَل للقادم من سفر: خَيْر مارُدّ في أهل و مال، أي جعل الله ما جئتَ خَيْرَ ما رجع به الغائب، و من دعائهم في النّكاح: على يَدَي الخَيْر واليُمن.

و الخَيْرة من النّساء: الكريمة النّسب، الشّريفة الحسب، الحسنة الوجه، الحسنة الخُلُق، الكثيرة المال، الّتي إذا ولدت أنجبت، و فلانة الخَيْرة من المرأتين، و هي الخَيْرة و الخِيَرة و الخُورى و الخِيرى، وفلان خير النّاس، و فلانة خير النّاس، وامرأة خَيْرة و خيِّرة، والجمع أخيار و خيار.

2 و الخيار: القِثّاء، كما قال الجَوهَريّ و أضاف:

< وليس بعربيّ >. و قيل: نبات يُشبه القِثّاء. قال الزّبيديّ: <و هو الأشبه، كما صرّح به غير واحد >.

و خيار شَنْبَر: ضرب من الخرّوب، شجر مثل كبار شجر الخوخ. ويقال له: شَنْبار أيضًا، و هو فارسيّ معرّب، و أصله <چَنْبَر>، وخِيارشنبر عند الفُرس يكون مدوّرًا طويلا ، و هو الّذي يُسمّيه العرب القَثَد.

3 و قال الزّمَخْشَريّ في مقدّمة كتاب أساس البلاغة: < والعثور على مناظم الفصحاء، و المخايرة بين متداولات ألفاظهم، ومتعاورات أقوالهم >، و يريد بالمخايرة هنا المفاضلة. و لكن هذا المعنى لم يُؤثر عن العرب، فهم يقولون: خايره فخار خَيْرًا، أي كان خيرًا منه، كما تقدّم عنأرباب اللُّغة، و عنه أيضًا في هذا الكتاب.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدًا ( الخير ) مفردًا اسم تفضيل وصفة مشبّهة 176 مرّة ، و جمعًا ( اَخْيار ) مرّتين، و اسم المصدر مفردًا ( خيرة ) مرّتين أيضًا، و جمعًا ( خَيْرَات ) 10 مرّات، و مزيدًا من الافتعال ( الماضي ) 3 مرّات، و ( المضارع ) مرّة، و من التّفعّل ( المضارع ) مرّة، وكلّها معلوم ليس فيها مجهول في 177 آية:

1 الله خير

1 { بَلِ اللهُ مَوْ ليكُمْ’ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرينَ‘ }

آل عمران : 150

2 {...اِنِ الْحُكْمُ اِلا للهِ‚ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ

ص: 544

الْفَاصِلينَ ‘} الأنعام : 57

3 {... فَاصْبِرُوا حَتى| يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمينَ ‘} الأعراف :87

4 { وَ اتَّبِعْ مَا يُوحى اِلَيْكَ وَ اصْبِرْ حَتى| يَحْكُمَ اللهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمينَ ‘} يونس : 109

5 { قَالَ كَبيرُ‘هُمْ اَلَمْ تَعْلَمُوا اَنَّ اَبَاكُمْ قَدْ اَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْ ثِقًا مِنَ اللهِ وَ مِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فى يُوسُف فَلَنْ اَبْرَحَ الاَرْض حَتّى يَاْذَنَ لى اَبى اَوْ يَحْكُمَ اللهُ لى وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمينَ‘} يوسف :80

6 { قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِبًا اِنْ عُدْ نَا فى مِلَّتِكُمْ بَعْدَ اِذْ نَجّينَا اللهُ مِنْهَا وَ مَا يَكُونُ لَنَا اَنْ نَعُودَ فيهَا‘ اِلا اَنْ يَشَاءَ اللهُ رَ بُّنَا وَسِعَ رَ بُّنَا كُلَّ شَىء عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَ اَنْتَ خَيْرُالْفَاتِحينَ‘}

الأعراف :89

7 { وَ اخْتَارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعينَ‘ رَجُلا لِميقَا‘تِنَا فَلَمَّا اَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ اَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ اِيَّاىَ اَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا اِنْ هِىَ اِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَ تَهْدى‘ مَنْ تَشَاءُ اَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَ ارْحَمْنَا وَ اَ نْتَ خَيْرُ الْغَافِرينَ ‘} الأعراف : 155

8 { وَ زَكَرِيَّا اِذْ نَادى رَبَّهُ رَبِّ لاتَذَرْنى فَرْدًا وَ اَنْتَ خَيْرُ الْوَارِ ثينَ ‘} الأنبياء : 89

9 { وَ الَّذينَ‘ هَاجَرُوا فى سَبيلِ‘ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا اَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْ قًا حَسَنًا وَ اِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقينَ ‘} الحجّ :58

10 { اَمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقينَ‘ } المؤمنون :72

11 { قَالَ عيسَى ابْنُ مَرْ يَمَ اللهُمَّ\ رَ بَّنَا اَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عيدً‘ ا لاَ‚وَّلِنَا وَ اخِرِنَا وَ ايَةً مِنْكَ وَ ارْزُقْنَا وَ اَ نْتَ خَيرُ الرَّازِقينَ ‘} المائدة : 114

12 { قُلْ اِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ وَ مَا اَنْفَقْتُمْ مِنْ شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقينَ‘ } سبأ : 3913 { وَ اِذَا رَاَوْا تِجَارَةً اَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا اِلَيْهَا وَ تَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجَارَةِ وَ اللهُ خَيْرُ الرَّازِقينَ ‘} الجمعة :11

14 { وَ قُلْ رَبِّ اَنْزِلْنى مُنْزَ لا مُبَارَكًا وَ اَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلينَ ‘} المؤمنون : 29

15 { اِنَّهُ كَانَ فَريقٌ‘ مِنْ عِبَادى‘ يَقُولُونَ رَ بَّنَا امَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَ ارْحَمْنَا وَ اَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمينَ ‘}

المؤمنون : 109

16 { وَ قُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ اَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمينَ ‘} المؤمنون :118

17 { قَالَ هَل امَنُكُمْ عَلَيْهِ اِلا كَمَا اَمِنْتُكُمْ عَلى اَخيهِ‘ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَ هُوَ اَرْحَمُ الرَّاحِمينَ ‘}

يوسف :64

18 { و َمَكَرُوا وَ مَكَرَ اللهُ وَ اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرينَ ‘}

آل عمران :54

19 { وَ اِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ اَوْ يَقْتُلُوكَ اَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللهُ وَ اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرينَ ‘} الأنفال :30

20 { يَا صَاحِبَىِ السِّجْنِ ءَاَرْ بَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ اَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } يوسف :39

ص: 545

21 { هُنَالِكَ الْوَ لايَةُ للهِ‚ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا } الكهف : 44

22 { اِنَّا امَنَّا بِرَ بِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَ مَا اَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَ اللهُ خَيْرٌ وَ اَبْقى } طه : 73

23 { قُلِ الْحَمْدُ للهِ‚ وَ سَلامٌ عَلى عِبَادِهِ الَّذينَ‘ اصْطَفى اللهُ خَيْرٌ اَمَّا يُشْرِكُونَ }

النّمل : 59

2 الخير عند الله

24 { لكِنِ ’الَّذينَ‘ ا تَّقَوْ ا رَ بَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرى‘ مِنْ تَحْتِهَا الاَ نْهَارُ خَالِدينَ‘ فيهَا‘ نُزُ لا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلاَبْرَارِ }

آل عمران :198

25 { وَ لاتَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَنًا قَليلا‘ اِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } النّحل : 95

26 { وَ مَا اُوتيتُمْ‘ مِنْ شَىْء فَمَتَاعُ الْحَيوةِ الدُّ نْيَا وَ زينَتُهَا وَ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَ اَبْقى اَفَلا تَعْقِلُونَ }

القصص:60

27 { فَمَا اُوتيتُمْ‘ مِنْ شَىْء فَمَتَاعُ الْحَيوةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَ اَبْقى لِلَّذينَ‘

امَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } الشّورى :36

28 {... وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْض دَرَجَات لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } الزّخرف :32

29 { وَ قَالَ الَّذينَ‘ اُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ امَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَ لايُلَقيهَا\ اِلا الصَّابِرُونَ }

القصص: 80

30 {...قَالَ اَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذى‘ هُوَ اَدْنى بِالَّذى‘ هُوَ خَيْرٌ ...} البقرة : 6131 { وَلَوْ اَ نَّهُمْ امَنُوا ’وَ ا تَّقَوْ ا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }

البقرة :103

32 { مَا يَوَدُّ الَّذينَ‘ كَفَرُوا مِنْ اَهْلِ الْكِتَابِ وَ لا الْمُشْرِكينَ‘ اَنْ يُنَزَّ لَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرمِنْ رَبِّكُمْ...}

البقرة :105

33 { مَا نَنْسَخْ مِنْ ا يَة اَوْ نُنْسِهَا نَاْتِ بِخَيْر مِنْهَا اَوْ مِثْلِهَا ...} البقرة : 106

34 {... بِيَدِكَ الْخَيْرُ اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ‘ }

آل عمران : 26

35 {بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ‘ وَمَا اَ نَا عَلَيْكُمْ بِحَفيظ‘ }

هود : 86

3 فعل الخير

36 { وَ اَوْفُوا الْكَيْلَ اِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقيمِ‘ ذلِكَ خَيْرٌ وَ اَحْسَنُ تَاْويلا‘ } الإسراء : 35

37 {...وَ يَسَْلُو= نَكَ عَنِ الْيَتَامى قُلْ اِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ...} البقرة : 220

38 { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا اَطيعُوا اللهَ وَ اَطيعُوا الرَّسُولَ وَ اُولِى الاَمْرِ مِنْكُمْ فَاِنْ تَنَازَعْتُمْ فى شَىْء فَرُدُّوهُ اِلَى اللهِ وَ الرَّسُولِ اِنْ كُنْتُمْ تُؤْ مِنُونَ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الاخِرِ ذلِكَ ’خَيْرٌ وَ اَحْسَنُ تَاْويلا ‘} النّساء : 59

39 {...وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَاِنَّ اللهَ كَانَ بِهِ عَليمًا‘} النّساء : 127

40 { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

الحجّ :77

41 { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَ اللهُ عَليمٌ

ص: 546

بِالْمُتَّقينَ‘ } آل عمران : 115

4 الدّعوة إلى الخير

42 { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ اِلَى الْخَيْرِ وَ يَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اُولئِكَ ’هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران :104

5 التّقوى

43 {...وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر يَعْلَمْهُ اللهُ وَ تَزَوَّدُوا فَاِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى...}

البقرة : 197

44 {...وَ لِبَاسُ التَّقْوى ذلِكَ’ خَيْرٌ ذلِك’مِنْ ايَاتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }

الأعراف : 26

45 { اَفَمَنْ اَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَ رِضْوَان خَيْرٌ اَمْ مَنْ اَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلى شَفَا جُرُف هَار...} التّوبة : 109

46 { وَ قيلَ‘ لِلَّذينَ‘ اتَّقَوْا مَاذَا اَنْزَ لَ رَ بُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذينَ‘ اَحْسَنُوا فى هذِهِ الدُّ نْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الاخِرَ ’ةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقينَ ‘} النّحل : 30

47 { قُلْ اَؤُ نَبِّئُكُمْ بِخَيْر مِنْ ذلِكُمْ’ لِلَّذينَ‘ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ...}

آل عمران : 15

48 { وَاِبْرهيمَ اِ‘ذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَ اتَّقُوهُ ذ لِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } العنكبوت : 166 الإيمان

49 { كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِوَتُؤْ مِنُونَ بِاللهِ وَ لَوْ امَنَ اَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَاَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } آل عمران :110

50 { يَا ءَ يُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَا مِنُوا ’خَيْرًا لَكُمْ...} النّساء :170

51 { وَ رَدَّ اللهُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنينَ‘ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزيزًا ‘}

الأحزاب :25

52 {... وَ لاتَقُولُوا ثَلثَةٌ اِنْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ اِنَّمَا اللهُ اِلهٌ وَاحِدٌ...} النّساء : 171

53 { يَا ءَ يُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِمَنْ فى اَيْديكُمْ مِنَ الاَسْرى اِنْ يَعْلَمِ اللهُ فى قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْ تِكُمْ خَيْرًا مِمَّا اُخِذَ مِنْكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللهُ غَفُورٌ رَحيمٌ‘ } الأنفال : 70

54 {وَقَالَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لِلَّذينَ‘ امَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا اِلَيْهِ...}

الأحقاف :11

55 { طَاعَةٌ وَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَاِذَا عَزَمَ الاَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}

محمّد :21

56 {...قُلْ اُذُنُ خَيْر لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ‘...} التّوبة :61

7 التّوبة

57 {...فَتُوبُوا اِلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا اَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ’ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَار ِئِكُمْ...} البقرة : 54

58 {...فَاِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ اِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا اَ نَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى اللهِ...}

التّوبة :3

59 {...فَاِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ...} التّوبة : 74

8 الطّاعة

60 {...وَ لَوْ اَ نَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَ اَطَعْنَا وَ اسْمَعْ وَ ا نْظُرْ نَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ...} النّساء : 46

61 {...وَ لَوْ اَ نَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَ اَشَدَّ تَثْبيتًا‘ }

النّساء : 66

ص: 547

9 الصّبر

62 {...وَ اَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَ اللهُ غَفُورٌ رَحيمٌ‘} النّساء : 25

63 {... وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرينَ ‘}

النّحل : 126

64 { وَ لَوْ اَ نَّهُمْ صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ اِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا ...} الحجرات:5

10 الصّوم

65 {... فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ اَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة : 184

11 الصّلح

66 {...فَلاجُنَاحَ عَلَيْهِمَا اَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ ...}

النّساء : 128

12 الجهاد

67 { وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فى سَبيلِ‘ اللهِ اَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } آل عمران : 157

68 { اِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَ اِنْتَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ...}

الأنفال : 19

69 { اِ نْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَ جَاهِدُوا بِاَمْوَالِكُمْ وَ اَ نْفُسِكُمْ فى سَبيلِ‘ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

التّوبة : 41

13 الحجّ

70 { اِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ اَوِ اعْتَمَرَ فَلاجُنَاحَ عَلَيْهِ اَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَاِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَليمٌ ‘} البقرة : 158

71 { ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ...} الحجّ : 30

72 { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فيهَا‘ خَيْرٌ...} الحجّ : 36

14 ساير الخيرات و ما لاخير فيه

73 {... وَ اَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَ اللهُ سَميعٌ‘ عَليمٌ‘ } النّور : 60

74 { عَسى رَبُّهُ اِنْ طَلَّقَكُنَّ اَنْ يُبْدِلَهُ اَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ...} التّحريم : 5

75 { عَسى رَ بُّنَا اَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا اِ نَّا اِلى رَ بِّنَا رَاغِبُونَ } القلم : 32

76 { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لاتَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَاْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى اَهْلِهَا ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

النّور : 27

77 { اِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَاْجَرْتَ الْقَوِىُّ الاَمينُ‘ }

القصص : 26

78 { يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِىَ خَيْرًا كَثيرًا ‘}

البقرة : 269

79 { فَعَسى اَنْ تَكْرَهُوا شَيًْا= وَيَجْعَلَ اللهُ فيه‘ِ خَيْرًا كَثيرًا ‘} النّساء : 19

80 {...وَ هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْليهُ اَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لايَاْتِ بِخَيْر...} النّحل : 76

81 { لاخَيْرَ فى كَثير‘ مِنْ نَجْويهُمْ’ اِلا مَنْ اَمَرَ بِصَدَقَة اَوْ مَعْرُوف...}

النّساء : 114

15 الخير في الآخرة

82 { وَ مَا اَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ اِلى رَبّى لاَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا } الكهف : 36

ص: 548

83 { تَبَارَكَ الَّذى‘ اِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذلِكَ’ جَنَّات تَجْرى‘ مِنْ تَحْتِهَا الاَ نْهَارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا } الفرقان : 10

84 { اَ ذلِكَ’ خَيْرٌ نُزُلا اَمْ شَجَرَةُ الزَّ قُّومِ }

الصّافّات : 62

85 {... قُلْ مَتَاعُ الدُّ نْيَا قَليلٌ‘ وَ الاخِرَ ةُ ’خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَ لاتُظْلَمُونَ فَتيلا ‘}

النّساء : 77

86 { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيوةَ الدُّ نْيَا * وَ الاخِرَ ةُ ’خَيْرٌ وَ اَبْقى } الأعلى : 16 ، 17

87 { وَ لَلاخِرَ ’ةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الاُولى }

الضّحى : 488 و 89 {... وَ الدَّ ارُ الاخِرَ ’ةُ خَيْرٌ لِلَّذينَ‘ يَتَّقُونَ اَ فَلاتَعْقِلُونَ } الأنعام : 32 و الأعراف : 169

90 {... وَلَدَارُ الاخِرَ ’ةِ’ خَيْرٌ لِلَّذينَ‘ ا تَّقَوْا اَ فَلا تَعْقِلُونَ } يوسف : 109

91 { وَ لاَجْرُ الاخِرَ ةِ’خَيْرٌ لِلَّذينَ ‘ امَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } يوسف : 57

92 {... وَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ اَمَلا } الكهف : 46

93 { وَ يَزيدُ‘ اللهُ الَّذينَ‘ اهْتَدَوْ ا هُدًى وَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا } مريم : 76

94 {...وَ مَا تُقَدِّ مُوا لاَ ‚نْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ اِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرٌ‘ } البقرة : 110

95{...وَ مَا تُقَدِّمُوا لاَ ‚نْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَ اَعْظَمَ اَجْرً...} المزّمّل : 20

96 { يَسَْلُو=نَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا اَ نْفَقْتُمْ مِنْ خَيْر فَلِلْوَالِدَيْنِ وَ الاَقْرَبينَ‘ وَالْيَتَامى وَ الْمَسَاكينِ‘ وَ ابْنِ السَّبيلِ‘ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَاِنَّ اللهَ بِهِ عَليمٌ ‘}

البقرة : 215

97 و 98 { لَيْسَ عَلَيْكَ هُديهُمْ ’وَ لكِنَّ ’اللهَ يَهْدى‘ مَنْ يَشَاءُ وَ مَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر فَلاَ ‚نْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ اِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر يُوَفَّ اِلَيْكُمْ وَاَنْتُمْ لاتُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَاءِ الَّذينَ‘ اُحْصِرُوا فى سَبيلِ‘ اللهِ لايَسْتَطيعُو‘نَ ضَرْبًا فِى الاَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ اَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسيمهُمْ لا’يَسَْلُو=نَ النَّاسَ اِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر فَاِنَّ اللهَ بِهِ عَليمٌ ‘}

البقرة : 272 ، 273

99 { فَا تَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُوا وَ اَطيعُو‘ا وَ اَ نْفِقُوا خَيْرًا لاَ‚ نْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَاُولئِكَ’ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } التّغابن : 16

100 { اِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَ اِنْ تُخْفُوهَا وَ تُؤْ تُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ...}

البقرة : 271

101 { فَاتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكينَ‘ وَ ابْنَ السَّبيلِ‘ ذ لِكَ’ خَيْرٌ لِلَّذينَ‘ يُريدُونَ وَجْهَ اللهِ وَ اُولئِكَ’ ’هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الرّوم : 38

102 { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا اِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّ مُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْويكُمْ صَدَ قَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَاَطْهَرُ فَاِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاِنَّ اللهَ غَفُورٌرَحيمٌ}

المجادلة : 12

103 { وَ اِنْ كَانَ ذُو عُسْرَة فَنَظِرَةٌ اِلى مَيْسَرَة وَ اَنْ تَصَدَّ قُوا خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } البقرة : 280

104 { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَة

ص: 549

يَتْبَعُهَا اَذًى وَ اللهُ غَنِىٌّ حَليمٌ‘}

البقرة : 263

105 { قُلْ بِفَضْلِ اللهِ و َبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ ’فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }

يونس : 58

106 { وَ اِذَا تُتْلى عَلَيْهِمْ ايَاتُنَا بَيِّنَات قَالَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لِلَّذينَ‘ امَنُوا اَىُّالْفَريقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَ اَحْسَنُ نَدِيًّا}

مريم : 73

107 { قُلْ اَذ لِكَ’ خَيْرٌ اَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَ مَصيرًا‘}

الفرقان : 15

108 { وَقَدِمْنَا اِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا * اَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ اَحْسَنُ مَقيلا ‘} الفرقان : 23 ، 24

109 {... يَوْمَ يَاْتى بَعْضُ ايَاتِ رَبِّكَ لايَنْفَعُ نَفْسًا ايمَانُهَا لَمْ تَكُنْ امَنَتْ’ مِنْ قَبْلُ اَوْ كَسَبَتْ فى ايمَانِهَا خَيْرً ا قُلِ انْتَظِرُوا اِنَّا مُنْتَظِرُونَ } الأنعام : 158

16 الخير و المال

110 { وَ اِلى مَدْ يَنَ اَخَاهُمْ شُعَيْبًا ... فَاَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْميزَا‘نَ وَ لاتَبْخَسُوا النَّاسَ اَشْيَاءَهُمْ وَ لاتُفْسِدُوا فِى الاَرْضِ بَعْدَ اِصْلاحِهَا ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْ مِنينَ‘ } الأعراف : 85

111 { وَ اِلى مَدْ يَنَ اَخَاهُمْ شُعَيْبًا ... وَ لاتَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَ الْميزَا‘نَ اِنّى اَريكُمْ’ بِخَيْر ...} هود : 84

112 { وَ لَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونى بِاَخٍ لَكُمْ مِنْ اَبيكُمْ اَلا تَرَوْنَ اَنّى اُوفِى الْكَيْلَ وَ اَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلينَ‘ } يوسف : 59

113 { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا اِذَا نُودِىَ لِلصَّلوةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا اِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } الجمعة : 9

114 {...فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلى اَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنّى فيهِ‘ رَبّى خَيْرٌ }

الكهف : 94 ، 95

115 { فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمنَ قَالَ اَتُمِدُّونَنِ بِمَال فَمَا ا تينِىَ ا’للهُ خَيْرٌ مِمَّا اتيكُمْ’ بَلْ اَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ }

النّمل : 36

116 { فَسَقى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلى\ اِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ اِنّى لِمَا اَ نْزَلْتَ اِلَىَّ مِنْ خَيْر فَقيرٌ ‘} القصص : 24

117 { فَقَالَ اِنّى اَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبّى حَتّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} ص : 32

118 { وَ اِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَديدٌ‘ } العاديات : 8

119 { كُتِبَ عَلَيْكُمْ اِذَا حَضَرَ اَحَدَكُمُ الْمَوْتُ اِنْ تَرَ كَ خَيْرًا اَ لْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَ الاَقْرَبينَ‘ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقينَ ‘} البقرة : 180

120 {...وَ لااَقُولُ لِلَّذينَ‘ تَزْدَرى‘ اَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمَ اللهُ خَيْرًا اَللهُ اَعْلَمُ بِمَا فى اَ نْفُسِهِمْ اِ نّى اِذًا لَمِنَ الظَّالِمينَ ‘} هود : 31

121 { فَعَسى رَ بّى اَنْ يُؤْ تِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَ يُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعيدًا‘ زَلَقًا}

الكهف : 40

122 { فَاَرَدْ نَا اَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكوةً وَ اَقْرَبَ رُحْمًا } الكهف :1 8123 {... وَ لَوْكُنْتُ اَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ مَا مَسَّنِىَ السُّوءُ اِنْ اَنَا اِلا نَذيرٌ‘ وَ بَشيرٌ‘ لِقَوْم يُؤْمِنُونَ } الأعراف : 188

ص: 550

124 { وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ اِلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ اَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَ ةَ الْحَيوةِ الدُّ نْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فيهِ‘ وَ رِزْ قُ رَ بِّكَ خَيْرٌ وَ اَبْقى }

طه : 131

125 { وَ لايَحْسَبَنَّ الَّذينَ‘ يَبْخَلُونَ بِمَا اتيهُمُ ’اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُم...} آل عمران : 180

17 الخير و الشّرّ

126 { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِىَ اِلَيْهِمْ اَجَلُهُمْ...}

يونس : 11

127 { وَ يَدْعُ الاِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كَانَ الاِنْسَانُ عَجُولا } الإسراء : 11

128 { كُلُّ نَفْس ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ اِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } الأنبياء : 35

129 {...لاتَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الاِثْمِ وَ الَّذى‘ تَوَ لى\ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظيمٌ ‘} النّور : 11

130 { اِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَ اِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا } المعارج : 20،21

131 { لايَسَْمُ= الاِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَ اِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ } فصّلت : 49

132 { لَوْ لا اِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنَاتُ بِاَ نْفُسِهِمْ خَيْرًا وَ قَالُوا هذَا اِفْكٌ مُبينٌ ‘}

النّور : 12

133 { اِنْ تُبْدُوا خَيْرًا اَوْ تُخْفُوهُ اَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَاِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَديرًا‘}

النّساء : 149

134 { وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فيهِمْ‘ خَيْرًا لاَسْمَعَهُمْ وَلَوْ اَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } الأنفال :23

135 { اَلْقِيَا فى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّار عَنيد ‘* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَد مُريب‘ } ق : 24 ، 25

136 { مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَد اَثيمٍ ‘} القلم : 12

137 { اَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ اُولئِكُمْ’ اَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِى الزُّ بُرِ } القمر :43

138 { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى اَنْ تَكْرَهُوا شَيًْا =وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى اَنْ تُحِبُّوا شَيًْا= وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللهُ يَعْلَمُ وَ اَنْتُمْ لاتَعْلَمُونَ }

البقرة : 216

139 { وَ اِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاكَاشِفَ لَهُ اِلا هُوَ وَ اِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْر فَهُوَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ ‘}

الأنعام : 17

140 { وَ اِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاكَاشِفَ لَهُ اِلا هُوَ وَ اِنْ يُرِدْكَ بِخَيْر فَلارَادَّ لِفَضْلِهِ يُصيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيمُ‘} يونس :107

141 { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْرًا يَرَه ُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ } الزّلزال : 7 ، 8

142 { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلىحَرْف فَاِنْ اَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَاَنَّ بِهِ وَ اِنْ اَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ...}

الحجّ :11

143 { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذ امِنُونَ * وَ مَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ اِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

النّمل : 89 ، 90

144 { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَ مَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلايُجْزَى الَّذينَ‘ عَمِلُوا السَّيِّاتِ اِلا مَا كَانُوا

ص: 551

يَعْمَلُونَ } القصص : 84

145 { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوء تَوَدُّ لَوْ اَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ اَمَدًا بَعيدًا‘ وَ يُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَ اللهُ رَ ءُوفٌ بِالْعِبَادِ }

آل عمران :30

8 1 الأخيار و الأشرار

146 { وَ قَالُوا ءَ ا لِهَتُنَا خَيْرٌ اَمْ هُوَ مَا ضَرَ بُوهُ لَكَ اِلا جَدَ لا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } الزّخرف :58

147 { اِنَّ الَّذينَ‘ كَفَرُوا مِنْ اَهْلِ الْكِتَابِ وَ الْمُشْرِكينَ‘ فى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدينَ‘ فيهَا‘ اُولئِكَ ’هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * اِنَّ الَّذينَ‘ امَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اُولئِكَ’ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } البيّنة :6 ، 7

148 { قَالَ مَا مَنَعَكَ اَ لا تَسْجُدَ اِذْ اَمَرْتُكَ قَالَ اَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنى مِنْ نَار وَخَلَقْتَهُ مِنْ طين ‘}

الأعراف :12

149 { قَالَ اَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنى مِنْ نَار وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طين ‘} ص : 76

150 { اَمْ اَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذى‘ هُوَ مَهينٌ‘ وَ لايَكَادُ يُبينُ‘ } الزّخرف : 52

151 { وَ اِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الاَخْيَارِ }

ص :47

152 { وَاذْكُرْ اِسْمعيلَ‘’ وَ الْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الاَخْيَارِ } ص : 48

153 { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا‘ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ...} البقرة : 148

154 {...وَ يَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ ...} آل عمران :114

155 {... وَ لكِنْ ’لِيَبْلُوَكُمْ فى مَا اتيكُمْ ’فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ...} المائدة : 48

156 { ... وَ اُولئِكَ ’لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَ اُولئِكَ ’هُمُ الْمُفْلِحُونَ } التّوبة : 88

157 { وَجَعَلْنَاهُمْ اَئِمَّةً يَهْدُونَ بِاَمْرِنَا وَ اَوْحَيْنَا اِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ...}

الأنبياء : 73

158 {...اِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَ يَدْعُونَنَا رَغَبًا وَ رَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعينَ ‘} الأنبياء :90

159 { نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ بَلْ لايَشْعُرُونَ} المؤمنون : 56

160 { اُولئِكَ ’يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِوَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } المؤمنون :61

161 {... وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِاِذْنِ اللهِ...}

فاطر : 32

162 { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } الرّحمن :70

163 { وَ لاتَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ وَ لاَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَة وَلَوْ اَعْجَبَتْكُمْ...}

البقرة :221

164 { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذينَ‘ لايَجِدُونَ نِكَاحًا حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذينَ‘ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ اَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ اِنْ عَلِمْتُمْ فيهِمْ‘ خَيْرًا وَ اتُو هُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذى‘ اتيكُمْ.’..} النّور :33

165 { اَهُمْ خَيْرٌ اَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ اَهْلَكْنَاهُمْ اِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمينَ ‘} الدّخان :37

166 {...فَاِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِاَلْسِنَة

ص: 552

حِدَاد اَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ...} الأحزاب : 19

167 { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ اَلْفِ شَهْر } القدر :3

168 { عَلى اَنْ نُبَدِّ لَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقينَ ‘} المعارج :41

169{ اِنَّ الَّذينَ‘ يُلْحِدُونَ فى ايَاتِنَا لايَخْفَوْنَ عَلَيْنَا اَفَمَنْ يُلْقى فِى النَّارِ خَيْرٌ اَمْ مَنْ يَاْتى امِنًا يَوْمَ الْقِيمَةِ اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ اِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرٌ‘ }

فصّلت : 40

170 { وَلايَحْسَبَنَّ الَّذينَ‘ كَفَرُوا اَ نَّمَا نُمْلى لَهُمْ خَيْرٌ لاَ‚نْفُسِهِمْ اِنَّمَا نُمْلى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا اِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهينٌ ‘} آل عمران :178

171 { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا لايَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى اَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَ لانِسَاءٌ مِنْ نِسَاء عَسى اَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَ لاتَلْمِزُوا اَنْفُسَكُمْ

وَلاتَنَابَزُوا بِالاَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الايمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَاُولئِكَ ’هُمُ الظَّالِمُونَ } الحجرات :11

19 الاختيار و التّخيّر

172 { وَ اَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحى }

طه : 13

173 {وَلَقَدِ اخْتَرْ نَاهُمْ عَلىعِلْم عَلَى الْعَالَمينَ‘} الدّخان :32

174 { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ...} القصص : 68

175 { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَ لامُؤْمِنَة اِذَا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ اَمْرًا اَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ اَمْرِهِمْ }

الأحزاب : 36

176 { اِنَّ لَكُمْ فيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } القلم : 38

177 { وَ فَاكِهَة مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ } الواقعة : .2

و يلاحظ أوّ لا أنّ فيها محورين: الخير مجرّدًا، و الاختيار و التّخيّر مزيدًا. والأوّل فيه أقسام:

القسم

الأوّ ل: توصيف الله بالخير23 آية :(1 23) بأوصاف :

أ خير النّاصرين مرّة: (1) قوله تعالى: { بَلِ اللهُ مَوْليكُمْ ’وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرينَ ‘}.

ب خير الفاصلين مرّة: (2) قول النّبيّ (علیه السلام): { اِنِ الْحُكْمُ اِلا للهِ‚ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفَاصِلينَ ‘}.

ج خير الحاكمين 3 مرّات (3 5): قول شعيب (علیه السلام): { فَاصْبِرُوا حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمينَ ‘}، و { وَ اتَّبِعْ مَا يُوحى اِلَيْكَ وَ اصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمينَ ‘}، و { فَلَنْ اَبْرَحَ الاَرْضَ حَتّى يَاْذَنَ لى اَبى اَوْ يَحْكُمَ اللهُ لى وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمينَ ‘}.

د خير الفاتحين مرّة (6): قول شعيب (علیه السلام) لقومه: { رَ بَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقَّ وَ اَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحينَ ‘} .

ه خير الغافرين مرّة (7) قول موسى (علیه السلام): { اَ نْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَ ارْحَمْنَا وَ اَ نْتَ خَيْرُ الْغَافِرينَ‘} .

و خير الوارثين مرّة (8) قول زكريّا (علیه السلام): { وَ زَكَرِيَّا اِذْ نَادى رَبَّهُ رَبِّ لاتَذَرْنى فَرْدًا وَ اَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثينَ ‘}.

ز خير الرّازقين 5 مرّات (9 13): قول الله للمهاجرين الّذين قُتلوا أو ماتوا: { لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْ قًا

ص: 553

حَسَنًا وَ اِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقينَ ‘}، و قول الله للنّبيّ (علیه السلام):{ اَمْ تَسْئَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقينَ ‘}، و قول عيسى (علیه السلام) سائلا الله إنزال المائدة عليهم: { قَالَ عيسَى ابْنُ مَرْ يَمَ اللهُمَّ\ رَ بَّنَا اَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عيدً ا‘ لاَ‚ وَّ لِنَا وَ اخِرِنَا وَ ايَةً مِنْكَ وَ ارْزُ قْنَا وَ اَ نْتَ خَيرُ الرَّ ازِقينَ‘ }، و قول الله تعالى:{ وَ مَا اَنْفَقْتُمْ مِنْ شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّ ازِقينَ } و { قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجَارَةِ وَ اللهُ خَيْرُ الرَّ ازِقينَ‘ }.

ح خير المنزلين مرّة (14): قول الله لنوح (علیه السلام) لمّا ركب السّفينة: { وَ قُلْ رَبِّ اَ نْزِلْنى مُنْزَلا مُبَارَكًا وَ اَ نْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلينَ ‘}.

ط خير الرّاحمين مرّتين (15 و 16) قول فريق من عباد الله: { اِنَّهُ كَانَ فَريقٌ‘ مِنْ عِبَادى‘ يَقُولُونَ رَ بَّنَا امَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَ ارْحَمْنَا وَ اَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمينَ ‘}، و قول الله للنّبيّ (علیه السلام): { وَ قُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ اَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمينَ ‘}.

ي أرحم الرّاحمين مرّة (17) قول يعقوب لبنيه لمّا سألوه أن يرسل معهم أخاهم: { قَالَ هَلْ ا مَنُكُمْ عَلَيْهِ اِلا كَمَا اَمِنْتُكُمْ عَلى اَخيهِ‘ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ اَرْحَمُ الرَّاحِمينَ‘ }.

ك خير الماكرين مرّتين (18 و 19) قوله تعالى: { و َمَكَرُوا وَ مَكَرَ اللهُ وَ اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرينَ ‘}، و { وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللهُ وَ اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرينَ‘ }.

ل الله الواحد القهّار خير مرّة (20) قول يوسف (علیه السلام): { ءَ اَرْ بَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ اَمِ اللهُ الْوَاحِدُالْقَهَّارُ }.

م الله حقّ و له الولاية و خير ثوابًا و خير عُقْبًا (21) قوله تعالى: { هُنَالِكَ الْوَلايَةُ للهِ‚ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا }.

ن الله خير و أبقى مرّة (22) قول السّحرة لفرعون: { اِنَّا امَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَ مَا اَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَ اللهُ خَيْرٌ وَ اَبْقى }.

س الله خير مرّة (23) قول الله للنّبيّ(علیه السلام):{ قُلِ الْحَمْدُ للهِ‚ وَ سَلامٌ عَلى عِبَادِهِ الَّذينَ‘ اصْطَفى اللهُ خَيْرٌ اَمَّا يُشْرِكُونَ }.

و فيها بُحُوثٌ:

1 هذه كلّها قول الله تعالى و وصف له، لكن عشرة منها و هي:(1 و 4 و 9 و 10 و 12 و 13 و 14 و 16 و 18 و 19) من قبل الله نفسه، و الباقي من قبل أنبياء الله عليهم السّلام و الصّالحين من عباده. فاثنتان (2 و 21) من قبل النّبيّ، وواحدة (17) من يعقوب، و واحدة (20) من يوسف، و واحدة (5) من أخي يوسف، و واحدة (7) من موسى، و واحدة (11) من عيسى، و واحدة (8) من زكريّا، و اثنتان (3 و 6) من شُعيب، و واحدة (15) من فريق من عباد الله، وواحدة (22) من السّحرة.

2 و كلّها أوصاف له تعالى تحكي عن أفعاله الجليلة: فواحدة منها (1) تحكي عن نصرالله: { خَيْرُ النَّاصِرينَ ‘}، و خمس منها : (2 6) تحكي عن عدل الله في حكمه بثلاثة ألفاظ: { خَيْرُ الْفَاصِلينَ‘ }،{ خَيْرُ الْحَاكِمينَ }‘،{ خَيْرُ الْفَاتِحينَ‘ }، و واحدة تحكي عن غفران الله (7): { خَيْرُ الْغَافِرينَ‘ }، و واحدة عن ميراث

ص: 554

الله العالمين (8): { خَيْرُ الْوَارِثينَ ‘}، و خمس عن رزق الله للنّاس (9 13): { خَيْرُ الرَّازِقينَ ‘}، و ثلاث عن رحمة الله (15 17): { خَيْرُ الرَّاحِمينَ ‘}، و { اَرْحَمُ الرَّاحِمينَ ‘}، و اثنتان عن مكر الله الماكرين (18 و 19) { خَيْرُ المْاَكِرينَ‘}، و أربع عن قهره و ثوابه و عقباه و بقاءه و ربوبيّته (20 23).

3 و هذه الأفعال كلّها لطف من الله لعباده، بعضها في الدّنيا كالنّصرة، والرّزق و المكر و الوراثة، و بعضها في الآخرة كالغفران و الثّواب و القهر والعُقبى، أو في الدّنيا و الآخرة معًا كالرّحمة و الحقّ و الولاية، فلاحظ.

القسم الثّاني: الخير عند الله 17 آية: (24 35) و جملة من آيات أُخرى و هي أصناف:

أ خير للأبرار مرّة (24): { وَ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلاَبْرَارِ }.

ب خير و أبقى خمس مرّات:

(22): { وَ اللهُ خَيْرٌ وَ اَبْقى }، و (26): { وَ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَ اَبْقى اَفَلاتَعْقِلُونَ}، و (27): { وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَ اَبْقى لِلَّذينَ‘ امَنُوا }، و (86):{ وَ الاخِرَ ’ةُخَيْرٌ وَ اَبْقى }، و (124):{ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ اَبْقى }.ج خير لكم مرّتين:

(25): { اِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .

(57): { ... فَتُوبُوا اِلى بَارِ ئِكُمْ فَاقْتُلُوا اَنْفُسَكُمْ ذ لِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَار ِئِكُمْ }.

د ثواب الله خير مرّتين:

(29):{ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ امَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا }.

(31):{وَلَوْ اَ نَّهُمْ ا مَنُوا ’وَ اتَّقَوْ ا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }.

ه رحمة الله خير مرّة:

(28):{ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }.

و ما أنزل الله خير مرّتين:

(32):{ مَا يَوَدُّ الَّذينَ‘ كَفَرُوا مِنْ اَهْلِ الْكِتَابِ وَ لا الْمُشْرِكينَ‘ اَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْر مِنْ رَبِّكُمْ }.

(33):{ مَا نَنْسَخْ مِنْ ايَة اَوْ نُنْسِهَا نَاْتِ بِخَيْر مِنْهَا اَوْ مِثْلِهَا }.

ز بقيّة الله خيرٌ مرّة :

(35): { بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ‘ }.

ح و هناك آيات أُخرى جاء فيها: { مَا عِنْدَ اللهِ } ذُكرت تحت أقسام أُخرى مثل: (13): { قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجَارَةِ } ، و (92 و 93 ) :

{ وَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ اَمَلا أو مَرَدًّا }، و (47): { قُلْ اَ ؤُ نَبِّئُكُمْ بِخَيْر مِنْ ذ لِكُمْ لِلَّذينَ ‘اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ }، و (94) و (95):{ وَ مَا تُقَدِّ مُوا لاَ‚نْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ }.

و فيها بُحُوثٌ:

1 جاء في أكثرها النّص على { مَا عِنْدَ اللهِ }، و جاء مكانها في (57): { عِنْدَ بَارِئِكُمْ }، و في (34): { بِيَدِكَ الْخَيْرُ }، و في (24 و 31):{ مِنْ عِنْدِ اللهِ }، و في (32):{ مِنْ رَبِّكُمْ }. و في بعضها الإضافة إليه

ص: 555

تعالى مثل (28):{ وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ }، و (29): { ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ }، و (35):{ بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ }، و نحوها في آيات أُخرى.

2 خُص الخير في بعضها بأصناف خاصّة، مثل: الأبرار في (24):{ خَيْرٌ لِلاَبْرَارِ }، و من آمن في (27): { خَيْرٌ وَ اَ بْقى لِلَّذينَ‘ امَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ، و (29):{ خَيْرٌ لِمَنْ امَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } و في (25): { خَيْرٌلَكُمْ }، وتأتي في آيات الآخرة، في (85):{ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى }، و في (47):{ بِخَيْر مِنْ ذ لِكُمْ’ لِلَّذينَ‘ اتَّقَوْ ا عِنْدَ رَبِّهِمْ }. و أُطلق في بعضها مثل (26):{ خَيْرٌ وَ اَبْقى}، و(28):{ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }، و نحوها.

3 أُطلق الخير في كثير منها، و لم يُقيّد بما هو خير منه كما قُيّد في (13): { خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ }، و في (28):{ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }، و في (33): { نَاْتِ بِخَيْر مِنْهَا اَوْ مِثْلِهَا }، فإذا قُيّد الخير بذلك فلفظ < الخير > يكون أفعل التّفضيل، أمّا في غيرها فالظّاهر أنّ الخير فيها ضدّ الشّرّ، و ليس فيه تفضيل، وسنبحثه.

القسم الثّالث: فعل الخير 46 آية (36 81)،

و لاينحصر بهذا العدد، بل يستفاد من كثير من آيات هذه المادّة، و هي أصناف:

أ الدّعوة إلى الخير و الأمر بالمعروف آيتان: (42 و 49): { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ اِلَى الْخَيْرِ وَ يَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ }، و { كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَاْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }.

ب التّقوى7 آيات: (43 48) و هو مستفاد من آيات أُخرى لاحظ: آياتها و آيات بقيّة الأصناف في قائمة الآيات، و هي منظّمة و معنونة فيها فلانكرّرها.

ج الإيمان 8 آيات: (43 59).

د التّوبة 3 آيات: (57 59).

ه الطّاعة 3 آيات: (60، و 61، و 83): { يَاءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا اَطيعُوا اللهَ وَ اَطيعُوا الرَّسُولَ...}.

و الصّبر3 آيات: (62 64).

ز الصّوم آية: (65).

ح الصّلح و الإصلاح آيتان (66 ،67).

ط الجهاد 3 آيات: (67 69).

ي الحجّ ثلاث آيات: (70 72).

ك سائر الخيرات:

(73): {... وَ اَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَ اللهُ سَميعٌ‘ عَليمٌ ‘}.

(74):{ عَسى رَبُّهُ اِنْ طَلَّقَكُنَّ اَنْ يُبْدِلَهُ اَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ...}.

(75):{ عَسى رَ بُّنَا اَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا اِنَّا اِلى رَ بِّنَا رَاغِبُونَ }.

(77):{...وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْليهُ اَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لايَاْتِ بِخَيْر...}.

(40):{ يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.

(78):{ اِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَاْجَرْتَ الْقَوِىُّ الاَمينُ ‘}.

(36):{ وَ اَوْفُوا الْكَيْلَ اِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقيمِ‘ ذلِكَ خَيْرٌ وَاَحْسَنُ تَاْويلا ‘ }.

ل الخير الكثير آيتان:

ص: 556

(79):{ يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِىَ خَيْرًا كَثيرًا ‘}

(80): { فَعَسى اَنْ تَكْرَهُوا شَيًْا= وَيَجْعَلَ اللهُ فيهِ‘ خَيْرًا كَثيرًا ‘}.

م ما لاخير فيه آيتان:

(80) {اَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَاْتِ بِخَيْرٍ}.

(81) : { لاخَيْرَ فى كَثير‘ مِنْ نَجْويهُمْ’اِلا مَنْ اَمَرَ بِصَدَقَة اَوْ مَعْرُوف...}.

و فيها بُحُوثٌ:

1 جملة من هذه الأفعال مصدرها و موضعها القلب كالإيمان و الصّبر، وجملة منها مصدرها الأعضاء كالطّاعة و التّوبة و الصّوم، و سائر العبادات، وبعض منها مشتركٌ بين القلب و الأعضاء مثل التّقوى قلبًا و قالبًا، و لكن لجميعها و لاسيّما العبادات ربط بالقلب لاعتبار نيّة التّقرّب فيها.

2 و الاهتمام بها يُقدّر بحسب تعداد آياتها، فأهمّها الإيمان، ثمّ التّقوى، ثمّ الصّبر، ثمّ مابعدها من المواضيع، كما يُقدّر بحسب سياقها شدّةً، و تأكيدًا، وتسهيلا ، ولينًا.

3 و للبحث الوافي في كلّ منها يلاحظ موادّها.

القسم الرّابع: الخير في الآخرة23 آية: (82 109)، و هذا مستفاد من آيات كثيرة أُخرى، و فيها بُحُوثٌ:

1 جاء في ثلاث منها:{ وَ الاخِرَ ةُ’خَيْرٌ }:

(85):{... قُلْ مَتَاعُ الدُّ نْيَا قَليلٌ‘ وَ الاخِرَ ةُ’خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَ لاتُظْلَمُونَ فَتيلا ‘ }.

(86): { بَلْ تُؤْ ثِرُونَ الْحَيوةَ الدُّ نْيَا * وَ الاخِرَ ةُ’ خَيْرٌ وَ اَبْقى }.

(87):{ وَ لَلاخِرَ ةُ’ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الاُولى }.

و في أربع:{ وَ الدَّارُ الاخِرَ ’ةُخَيْرٌ } أو { وَ لَدَارُ الاخِرَ ةِ’خَيْرٌ }:

(88 و 89): {... وَ الدَّ ارُ الاخِرَ ’ةُخَيْرٌ لِلَّذينَ‘ يَتَّقُونَ ا َفَلا تَعْقِلُونَ }.

( 9): {... وَلَدَ ارُ الاخِرَ’ةُ خَيْرٌ لِلَّذينَ‘ ا تَّقَوْ ا اَفَلاتَعْقِلُونَ }.

(46): { لِلَّذينَ‘ اَحْسَنُوا فى هذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَ لَدَارُ الاخِرَةِ’خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقينَ‘}.

و في واحدة: { وَ لاَجْرُ الاخِرَ ةِ’خَيْرٌ }:

(91):{ وَ لاَجْرُ الاخِرَةِ’خَيْرٌ لِلَّذينَ‘ امَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }.

و في اثنتين: ({ وَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ }:

(92):{... وَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ اَمَلا }.

(93):{... وَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّ ا}.

و في اثنتين : { وَ مَا تُقَدِّمُوا لاَ ‚نْفُسِكُمْ }.

( 94) : {... وَ مَا تُقَدِّمُوا لاَ‚نْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ اِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرٌ ‘}.

(95): {... وَمَا تُقَدِّمُوا لاَ‚نْفُسِكُمْ مِنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَ اَعْظَمَ اَجْرًا ...}.

و في تسع منها: الإنفاق أو الصّدقة خير(96 104) :

ص: 557

و في واحدة قولٌ معروفٌ خيرٌ:

(104) : { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَة يَتْبَعُهَا اَذًى وَ اللهُ غَنِىٌّ حَليمٌ‘ }.2 و في جملة منها جاء الخير جزاء التّقوى، أو جزاء الإيمان، أو العمل الصّالح، أو جزاء الحسنة، أو جزاء الرّدّ إلى الله و الرّسول فيما تنازعوا فيه، فلاحظ.

3 و < الخير > في جملة منها يفيد التّفضيل بقرينة التّقابل فيها بين الآخرة وغيرها، أو تعديته ب (مِنْ) أو إضافة إلى جمع:

1 (45):{ اَفَمَنْ اَسَّس بُنْيَانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَ رِضْوَانٍ خَيْرٌ اَمْ مَنْ اَسَّس بُنْيَانَهُ عَلى شَفَاجُرُ ف هَار...}.

2 (46):{ لِلَّذينَ‘ اَحْسَنُوا فى هذِهِ الدُّ نْيَا حَسَنَةٌ وَ لَدَارُ الاخِرَ ةِ’خَيْرٌ }.

3 (85):{... قُلْ مَتَاعُ الدُّ نْيَا قَليلٌ‘ وَ الاخِرَ ةُ’خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَ لاتُظْلَمُونَ فَتيلا‘ }.

4 (86):{ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيوةَ الدُّ نْيَا * وَ الاخِرَ ةُ’ خَيْرٌ وَ اَبْقى }.

5 (106):{ وَ اِذَا تُتْلى عَلَيْهِمْ ايَاتُنَا بَيِّنَات قَالَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لِلَّذينَ‘ امَنُوا اَىُّ الْفَريقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَ اَحْسَنُ نَدِيًّا }.

6 (107):{قُلْ اَ ذ لِكَ ’خَيْرٌ اَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصيرًا‘ }.

7 (108):{ وَ قَدِمْنَا اِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا * اَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ اَحْسَنُ مَقيلا ‘}.

8 (82):{ وَ مَا اَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ اِلى رَبّى لاَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا }.

9 (83):{ تَبَارَكَ الَّذى‘ اِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذلِكَ جَنَّات تَجْرى‘ مِنْ تَحْتِهَا الاَ نْهَارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُورً ا}.

10 (87): { وَ لَلاخِرَ ةُ’ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الاُولى }.

11 (105) : { قُلْ بِفَضْلِ اللهِ و َبِرَحْمَتِهِ فَبِذ لِكَ’ ’فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }.

و...من هذا القبيل آيات الخير و الشّرّ و الأخيار و الأشرار، للتّقابل بين الخير و غيره. أمّا في غيرها من الآيات مثل آيات الإنفاق فالظّاهر أنّ < الخير > فيها عار عن التّفضيل.

و كذا مثل:

(41):{ وَ مَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَ اللهُ عَليمٌ ‘بِالْمُتَّقينَ ‘}.

و (109):{... يَوْمَ يَاْتى بَعْضُ ايَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا ايمَانُهَا لَمْ تَكُنْ امَنَت مِنْ قَبْلُ اَوْ كَسَبَتْ فى ايمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا اِنَّا مُنْتَظِرُونَ }.

و هذه الضّابطة جارية في جميع آيات الخير، فلاحظ.

القسم الخامس: الخير و المال 16 آية:(110 125)، و هي أصنافٌ: فثلاث منها نزلت في الكيلو الميزان (110 112).

(110):{ وَ اِلى مَدْ يَنَ اَخَاهُمْ شُعَيْبًا ... فَاَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْميزَا‘نَ وَ لاتَبْخَسُوا النَّاسَ اَشْيَاءَهُمْ

وَ لاتُفْسِدُوا فِى الاَرْضِ بَعْدَ اِصْلاحِهَا ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ

ص: 558

اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ ‘}.

(111):{ وَ اِلى مَدْيَنَ اَخَاهُمْ شُعَيْبًا ... وَ لاتَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَ الْميزَا‘نَ اِنّى اَريكُمْ ’بِخَيْر ...}.

(112):{ وَ لَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونى بِاَخٍ لَكُمْ مِنْ اَبيكُمْ اَلا تَرَوْنَ اَنّى اُوفِى الْكَيْلَ وَ اَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلينَ ‘}.

و الطّريف فيها أ نّها قصص مكّيّة لنبيّين: شعيب و يوسف 3، لكن الخيرفيها لم يستعمل في المال إلا في الأُولى باعتبار إيفاء الكيل، دون الأخيرتين. و البحث فيها موكول إلى: ك ي ل: < الكيل >،و: وز ن: < الميزان >، و:وف ي: < اَوْفُوا >.

و واحدة في البيع:

(113):{ يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا اِذَا نُودِىَ لِلصَّلوةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا اِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }.

و هذه و إن كانت لها علاقة بالمال إلا أنّ < الخير > فيها لم يُطلَق على المال؛ لاحظ: ب ي ع: < البيع >،

و: ذ ك ر: < ذكر الله >. أمّا باقي الآيات فقد أُطلق فيها < الخير > على المال، أو على فعل يتعلّق بالمال و هي: 13آية: (114 125)، و (53).

(53):{ يَا ءَ يُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِمَنْ فى اَيْديكُمْ مِنَ الاَسْرى اِنْ يَعْلَمِ اللهُ فى قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا اُخِذَ مِنْكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللهُ غَفُورٌ رَحيمٌ‘ }.

و الطّريف في هذه الآيات أنّ أربعًا منها: (53 و 113 و 119 و 125) مدنيّة وكلّها تشريع، أو مايرجع إلى التّشريع كالبخل،في (125) و الباقي كلّها قصص مكّيّة، إلا أنّ اثنتين منها: (110 و 111) أيضًا تشريعٌ في الأُمم السّابقة، باعتبار حكم إيفاء الكيل و الميزان فيهما. و البحث المستوفى فيها موكول إلى موادّها، فلاحظ.

القسم السّادس: الخير و الشّرّ 22آية: (126 145)، و (30 و 84).

1 الجدير بالذّكر أنّ ثماني من هذه الآيات و هي (126 131) و (138 و 141) قوبل فيها الخير و الشّرّ بألفاظهما، و في الباقي جاء قبال < الخير > لفظ آخر بمعنى الشّرّ مثل < الأدنى > في (30)، { اَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذى‘ هُوَ اَدْنى بِالَّذى‘ هُوَ خَيْرٌ }، و < الضُّرّ> في (139 و 140)، { وَ اِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ} ، و < السّوء > في (123 و 145): { اَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء }، و { مَا عَمِلَتْ مِنْ سُوء }، و < السّيّئة > في (143 و 144): { مَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ }، و < الفتنة > في (142).{ وَ اِنْ اَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ }و < الإفك > في (132) { هذَا اِفْكٌ مُبينٌ‘ }، و جاءفي واحدة(84) { اَ ذ لِكَ خَيْرٌ نُزُلا اَمْ شَجَرَةُ الزَّ قُّومِ }، و في اثنتين: (135 و 136) { مَنَّاعٍ لِلْخَيْر مُعْتَد اَثيم ٍ}، و في واحدة : (137)

{ اَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ اُولئِكُمْ’ اَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِى الزُّ بُرِ }.

و هذا التّنوّع في التّعبير عن الشّرّ يُوسّع أبعاده في كلّ شأن من شؤون الإنسان و في تطوّرات المجتمع الإنسانيّ.

2 التّقابل بين الخير و الشّرّ كالتّقابل بين التّبشير و الإنذار، و الجنّة و النّار، و الأخيار و الأشرار، و المؤمنين و الكافرين، والحقّ و الباطل.

ص: 559

و نحوها ممّا يصرّ عليه القرآن، و لاتخلو عنه سورة من السّور، حتّى سورة الحمد الّتي يتلوها المصلّون في صلواتهم بقوله: { صِرَاطَ الَّذينَ‘ اَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالّينَ ‘} الفاتحة : 7.

هذا التّقابل من أحسن طرق التّبليغ و الإرشاد و الهداية إلى الحقّ، و هو أوقع في النّفوس، و في الأفراد و الأُمم. فهذا ينبغي أن يُعتَبر من أنحاء بلاغة القرآن، بل من إعجازه البلاغيّ.

3 و ينبغي الخوض في هذه الآيات لتقف على نكتة الإتيان بكلّ واحدة من هذه الألفاظ بدل لفظ < الشّرّ > مع الاحتفاظ في جميعها بلفظ < الخير > إلا في (144): { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَ مَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلايُجْزَى الَّذينَ‘ عَمِلُوا السَّيِّاتِ اِلا مَا كَانُوايَعْمَلُونَ }، فجاء فيها إلى جانب لفظ < الخير > تشديدًا لمفهومه لفظ الحسنة قبالا للسّيّئة، مع تكرار < السّيّئة > فيها مفردًا و جمعًا و تكرار عملها ماضيًا و مضارعًا تأكيدًا لعمل الخير و تحذيرًا عن عمل الشّرّ.

القسم السّابع: الأخيار و الأشرار26 آية: (146 171).

و فيها بُحُوثٌ:

1 جاء فيها لفظ < الأخيار > مرّتين: (151): { وَ اِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الاَخْيَارِ }، و (152): { وَكُلٌّ مِنَ الاَخْيَارِ }، و لفظ < الخيرات > للنّساء مرّة (162): { فيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ }، و لم يأت < الأشرار > بل جاؤُوا بألفاظ أُخرى كالفاسقين، و المجرمين، و الكافرين، و نحوها.

2 و جاء في تسع منها: (153 161) بدل < الأخيار> الخيرات لأعمال الخير، فيبدو أنّ الله يؤكّد فعل الخير أكثر من أهل الخير، فيُعرّف < الأخيار > بأ نّهم الّذين يفعلون الخيرات.

3 وصف< الأخيار > في (151) ب{ الْمُصْطَفَيْنَ} و < الخيرات > في ( 162 ) ب { حِسَانٌ } كما أمر بالاستباق إلى < الخيرات > مرّتين ( 153 و 155 ) : {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ }،و وصفهم بالسّابق مرّة (161): { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ } ، لاحظ : س ب ق : < فاستبقوا > و < السّابق >.

كما جاءت < المسارعة > فيها بدل < الاستباق > أربع مرّات: (154 و 158 160):{ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ } 3 مرّات، و { نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ } مرّة. و ذكر<فعل الخيرات> مرّة: (157) : { وَ اَوْحَيْنَا اِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ }،و اكتفى مرّة أيضًا (156) ب:{وَاُولئِك ’لَهُمُ الْخَيْرَاتُ }ومرّة(147)ب{اُولئِكَ’ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ }، و مرّة (163) ب { وَ لاَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَة} ، و مرّة (146) : ب { ءَ ا لِهَتُنَا خَيْرٌ اَمْ هُوَ } كما ذكرت ثلاث مرّات (148 150): { اَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} .أو { مِنْ هذَا } و لله في كلامه فنون و كلّها بليغ.

المحور الثّاني: الاختيار و التّخيّر 7 آيات بثلاثة صيغ: الاختيار، و الخيرة، والتّخيّر، ففيها ثلاثة أقسام:

القسم الأوّ ل: الاختيار 4 آيات :

(7) : { وَ اخْتَارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعينَ‘ رَجُلا لِميقَا‘تِنَا... }.

(172):{ وَ اَنَا اخْتَرْ تُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحى } .

ص: 560

(173): { وَلَقَدِ اخْتَرْ نَاهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمينَ‘} .

(174): { وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ...} .

فثلاث منها جاءت بشأن موسى و بني إسرائيل، و هذا دالّ على مزيّة عناية الله بهم؛ حيث خصّهم بالاختيار ثلاث مرّات:

فالأُولى: في اختيار موسى من قومه سبعين رجلا لميقات الله.

و الثّانية: في اختيار الله موسى لرسالته و وحيه لمّا رأى النّار في طور سينا، فقد جاء قبلها: { فَلَمَّا اَتيهَا نُودِىَ يَا مُوسى * اِنّى اَنَا رَ بُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ اِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى }، ثمّ قال: { وَ اَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحى }.

و الثّالثة: في اختيار الله بني إسرائيل على العالمين، فقد جاء قبلها:{ و َلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنى اِسْرَ ا ئلَ ‘-مِنَ الْعَذَابِ الْمُهينِ ‘* مِنْ فِرْعَوْنَ اِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفينَ‘}، ثمّ قال: { وَلَقَدِ اخْتَرْ نَاهُمْ عَلى عِلْم ٍعَلَى الْعَالَمينَ ‘}.

و أمّا الرّابعة: فجاءت إبطالا لاختيار المشركين عبادة الأصنام بدل عبادة الله أو غيره، ممّا سنبحثه ذيل الآية بعنوان < ربطها بما قبلها >، و في كلّ منها بُحُوثٌ:

أ في الأُولى : { وَ اخْتَارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعينَ‘ رَجُلا } :

1 قالوا إنّ معناه و اختار موسى من قومه، فحذفت < مِنْ > و وصل الفعل كما يقال: < اختَرتُ من الرّجال زيدًا و اختَرتُ الرّجال زيدًا>، قاله الزّجّاج. وقال الفَرّاء: < و إنّما استُجيز وقوع الفعل عليهم إذا طُرحَت < مِنْ > لأ نّه مأخوذ من قولك: هؤلاء خير القوم، و خير من القوم. فلمّا جازت الإضافة مكان < مِنْ> و لم يتغيّر المعنى، استجازوا أن يقولوا: اختَرتُكم رجلا و اختَرتُ منكم رجلا >.

2 قال الطُّوسيّ: < الاختيار هو إرادة ماهو خير. يقال: خيّره بين أمرين فاختار أحدهما، و الاختيار و الإيثار بمعنى واحد >.

و قال الفَخْرالرّازيّ: < الاختيار: افتعال، من لفظ الخير. يقال: اختار الشّيء، إذا أخذ خيره و خياره >.

و قال ابن عاشور: < و الاختيار: تكلّف طلب ما هو خير، و استُعمِلت صيغة التّكلّف في معنى إجادة طلب الخير >.

وقال الطَّباطَبائيّ:< الاختيار:مأخوذ من الخير...>

و عليه فالعلاقة بين < الاختيار > و < الخير > ماسّة، أي إنّ الاختيار هو إيثار الخير بتكلّف و جدٍّ >.

3 و قال الفَخْرالرّازيّ أيضًا: < و أصل اختار: اختير، فلمّا تحرّكت الياء و قبلها فتحة قلبت ألفًا، نحو: قال و باع، و لهذا السّبب استوى لفظ الفاعل والمفعول، فقيل فيهما: مختار، و الأصل: مختَيِر و مختَيَر، فقلبت الياء فيهما ألفًا، فاستويا في اللّفظ >.

4 ثمّ بحث في كيفيّة اختيار الإنسان الخير بحسب اعتقاده خلال تحليل نفسيّ، فلاحظ. و في معناه قال الطَّباطَبائيّ: < و حقيقة الاختيار أن يتردّد أمر الفاعل مثلا بين أفعال يجب أن يُرجّح واحدًا منها ليفعله، فيميّز ما هو خيرها، ثمّ يبني على كونه خيرا من غيره فيفعله.

ص: 561

فبناؤه على كونه خيرا من غيره هو اختيار، فالاختيار دائما لغاية هو غرض الفاعل من فعله. [إلى أن قال:]

وكان موسى في علمه تعالى خيرًا من غيره، و أصلح لهذا الغرض، فاختاره(علیه السلام) >.

5 و اختلفوا في سبب اختيارهم و وقته و فيمن اختارهم من بينهم كما جاء في كلام الطَّبْرِسيّ، و الزّمَخْشَريّ، و ابن عَطيّة، فلاحظ.

قال الزّمَخْشَريّ: < اختار من اثني عشر سبطًا من كلّ سبط ستّة حتّى تتامّوا اثنين و سبعين >. ثمّ ذكر: قعد منهم اثنان فبقي سبعون. وقال: < و رُوي: أ نّه لم يُصب إلا ستّين شيخًا، فأوحى الله تعالى إليه أن يختارمن الشّبّان عشرة، فاختارهم فأصبحوا شيوخًا >

ب و في الثّانية: { اَنَا اخْتَرْ تُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحى } :

1 ذكروا اختلاف القراءة مفردًا و جمعًا:{ اَنَا اخْتَرْ تُكَ }، أو(اَ نَّا اخْتَرْنَاكَ)، و اعترف الطّبَريّ بأ نّهما قراءتان مشهورتان، و رجّح الطَّبْرِسيّ الإفراد بأ نّه أكثر في القراءة، و هو أشبه بما قبله:{ اِنّى اَنَا رَبُّكَ}، ثمّ وجّه قراءة الجمع بأنّ التّقدير: و لأ نّا اخترناك فاستمع.

2 قال الفَخْرالرّازيّ: < هذه الآية تدلّ على أنّ النّبوّة لاتحصل بالاستحقاق، لأنّ قوله: { وَ اَنَا اخْتَرْتُكَ } يدلّ على أنّ ذلك المنصب العَليّ إنمّا حصل، لأنّ الله تعالى اختاره له ابتداء، لا أ نّه استحقّه على الله تعالى >. لكن هذا لاينفي استعداده لهذا الاختيار، و أ نّه ليس بلامزيّة فيه، كما تؤمئ إليه الآية الثّالثة: { وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلى عِلْم عَلَى الْعَالَمينَ ‘}، فإنّ اختياره لايخلو عن حكمة و مصلحة كما سبق عن الطَّباطَبائيّ و يأتي منه.

3 و قدنبّه ابن عاشور على أنّ هذا السّياق ليس للحصر، بل لتقوية الحكم، فهو من قبيل: < أنا سعَيتُ في حاجتك >، و أنّ موجب التّقوّي هو غرابة الخبر و مفاجأته دفعًا لتطرّق الشّكّ في نفسه، و أ نّه فرّع عليه الأمر بالاستماع،لأ نّه أثر الاختيار، و أنّ المراد ب { مَا يُوحى }: ما يوحى إليه فعلا ، دون ما يوحى إليه في المستقبل، لأ نّه معلوم بالأحرى.

4 و قال فضل الله بعد كلام له في رسالة موسى(علیه السلام): < و أنا اختَرتُك لتكون رسولا إلى الحياة كلّها، ليستقيم لها الطّريق من خلال رسالتك و شريعتك، ولتنتظم خطواتها في الخطّ المستقيم >.

ج و في الثّالثة:{ وَ لَقَدِ اخْتَرْ نَاهُمْ عَلى عِلْم عَلَى الْعَالَمينَ‘ }:

1 اختارهم على أهل زمانهم، و لكلّ زمان عالم، لأ نّه قال لأُمّة نبيّنا: { كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } آل عمران :110.

2 و قال الطُّوسيّ: < بما جعل فيهم من الأنبياء الكثيرين، فهذه خاصّة لهم ليست لغيرهم >.

و قال الطَّبْرِسيّ: < و فضّلناهم بالتّوراة، و كثرة الأنبياء منهم. { عَلى عِلْمٍ }. أي على بصيرة منّا باستحقاقهم التّفضيل و الاختيار>.

3 و قال ابن عاشور: < و المقصود: التّنويه بالمؤمنين بالرّسل، و أنّ ذلك يقتضي أن ينصرهم الله

ص: 562

على أعدائهم، و لأجل هذه الإشارة أُكّد الخبر ب < اللام> و< قد >، كما أُكّد في قوله آنفا { وَ لَقَدْ نَجَّيْنَا بَنى اِسْرَائلَ ‘-} الدّخان : 30 >.

4 و قال الطَّباطَبائيّ: < أي اخترناهم على علم منّا باستحقاقهم الاختيار، على ما يفيده السّياق >.

د و في الرّابعة:{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَ ةُ }:

1 أوّل ما فيها: ما هو وجه العلاقة بين الخلق و الاختيار { يَخْلُقُ } و { يَخْتَارُ }؟

قال الطّبَريّ: < { وَرَ بُّكَ } يا محمّد { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أن يخلقه، { وَيَخْتَارُ} لولايته الخيرة من خلقه، و من سبقت له منه السّعادة >.و قال الطَّبْرِسيّ: < معناه:{ وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} من الخلق،{ وَ يَخْتَارُ } تدبير عباده، على ما هو الأصلح لهم، و يختار للرّسالة ما هو الأصلح لعباده >.

و قال النّقّاش: < { وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ }: النّبيّ محمّدًا(صلی الله علیه و آله)،{ وَ يَخْتَارُ }: الأنصار لدينه >. و هذا بعيد جدًّا.

و قال الواحديّ: < فكما أنّ الخلق إليه ما يشاء، فكذلك الاختيار إليه في جميع الأشياء، فيختار ممّا خلق ما يشاء و من يشاء >.

و قال ابن عَطيّة: < يخلق من عباده و سائر مخلوقاته ما يشاء، و أ نّه يختار لرسالته من يريد و يعلم فيه المصلحة >. و ليس فيه ما يدلّ على العلاقة بين الخلق و الاختيار.

و قال ابن القيّم: < إنّ الله سبحانه و تعالى هو المتفرّد بالخلق و الاختيار من المخلوقات. قال تعالى:

{ وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ } و ليس المراد هاهنا بالاختيار: الإرادة الّتي يُشير إليها المتكلّمون بأ نّه الفاعل المختار و هو سبحانه كذلك و ليس المراد بالاختيار هنا هذا المعنى. و هذا الاختيار داخل في قوله: { يَخْلُقُ مَا يَشاءُ } فإنّه لايخلق إلا باختياره، و داخل في قوله تعالى: { مَا يَشَاءُ } فإنّ المشيئة هي الاختيار. و إنّما المراد بالاختيار هنا: الاجتباء و الاصطفاء، فهو اختيار بعد الخلق. و الاختيار العامّ اختيار قبل الخلق، فهو أعمّ و أسبق، و هذا أخص و هو متأخّر، فهو اختيار من الخلق،و الأوّل اختيار للخلق >

و هذا مع ما فيه من التّطويل و الإبهام يُوافق قول الواحديّ في إطلاق الفعلين.

و نحوه قول البُرُوسَويّ حيث قال: < { وَ يَخْتارُ } ممّا يخلق ما يشاء اختياره و اصطفاءه، فكما أنّ الخلق إليه فكذا الاختيار في جميع الأشياء >.

و إنّه قد حكى عن < التّأويلات النّجميّة > قوله: يُشير إلى مشيئته الأزليّة في الخلق و الاختيار و قد فصّله و كذلك الآلوسيّ و ابن عاشور و الطَّباطَبائيّ ومكارم، مع تفاوت بينها.

و من جملتها أنّ الطَّباطَبائيّ و ابن عاشور و تبعهما مكارم عمَّما اختيار الله في مرحلتي التّكوين و التّشريع، و خُص الطَّباطَبائيّ بالبحث عن حدود اختيار الإنسان تكوينًا و تشريعًا، فلاحظ.

وقال ابن عاشور: <و المقصود من الكلام هو قوله: { وَ يَخْتَارُ } فذكر { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } إيماء إلى أ نّه

ص: 563

أعلم بمخلوقاته إلى أن قال و الابتداء بقوله: { وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } تمهيد للمقصود، و هو قوله: { وَ يَخْتَارُمَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } أي كما أنّ الخلق من خصائصه فكذلك الاختيار >.

2 و فيها اختلاف آخر في { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } هل (ما) موصولة مفعولا ل { يَخْتَار}، و معناه أنّ الله يختار للنّاس أو للمؤمنين ما كان لهم فيه الخيرة، فالجملة متّصلة إثباتًا، أو هي نافية، و الجملة منقطعة عمّا قبلها، و المعنى ليس للخلق على الله الخيرة؟

و قد شغل هذا الخلاف معظم التّفاسير، و اختار الطّبَريّ الوجه الأوّل، وأنّ معناه: < و ربّك يا محمّد يخلق ما يشاء أن يخلقه و يختار للهداية و العمل الصّالح من خلقه ما هو في سابق علمه أ نّه خيرتهم، نظير ما كان من هؤُلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم > وحكاه عن ابن عبّاس. و ذكر أنّ جملة:{ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } هي اسم { كَانَ } و خبره.

ثمّ طرح الوجه الثّاني، و أ نّه قيل فيه: < هذا قول لايخفى فساده على ذي حِجَى من وجوه ثلاثة ذكرها، و ليس فيها شيء يعتمد عليه، فلاحظ.

و اختار كثير منهم الوجه الثّاني، و أنّ الآية نظير قوله تعالى:{ وَ مَا كَانَ لِمُؤْ مِن وَ لامُؤْ مِنَة اِذَا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ اَمْرًا اَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ اَمْرِهِمْ } الأحزاب : 36.

فاختاره الزّجّاج و الثّعلبيّ قال: < و هذا القول أصوب و أعجب إليّ >، والفَخْرالرّازيّ و قال: < و هو الأحسن >. و القُرطُبيّ و قال: < و هذا الوقف التّامّ المختار >. و القُشَيْريّ و قال: < إنّه الصّحيح لإطباقهم على الوقف على قوله: { وَيَخْتَارُ }.

قال المهدويّ: و هو أشبه بمذهب أهل السُّنّة، و(مَا) من قوله: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } نفي عامّ لجميع الأشياء أن يكون للعبد فيها شيء سوى اكتسابه بقدرة الله عزّ و جلّ >.

و البَيْضاويّ و قال: < و ظاهره نفي الاختيار عنهم رأسًا، والأمر كذلك عند التّحقيق، فإنّ اختيار العباد مخلوق باختيار الله، منوط بدواع لااختيار لهم فيها >.

و أبو حَيّان و قال: < و الظّاهر أنّ (مَا) نافية، أي ليس لهم الخِيَرة،إنّما هي لله تعالى >.

و ابن القيّم و قال: < و أصحّ القولين أنّ الوقف التّامّ على قوله: { وَ يَخْتارُ } و يكون { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } نفيًا، أي ليس هذا الاختيار إليهم، بل هو إلى الخالق وحده إلى أن قال: و ذهب بعض من لاتحقيق و لا تحصيل > و ذكر الوجه الأوّل، و أبطله بوجوه ستّة أطال الكلام فيها، فلاحظ.

و البُرُوسَويّ و قال: < أي الاختيارعليه تعالى و هو نفي لاختيارهم ... ثمّ استشهد بقول الجُنَيْد: كيف يكون للعبد اختيار و الله المختار له؟

و قال بعض العارفين: إذا نظر أهل المعرفة إلى الأحكام الجارية بجميل نظر الله لهم فيها وحسن اختياره فيما أجراه عليهم، لم يكن عندهم شيء أفضل من الرّضى والسّكون...>.

و الآلوسيّ و قال: < و ظاهر الآية نفي الاختيار عن العبد رأسًا، كما يقوله الجبريّة. و منأثبت للعبد

ص: 564

اختيارًا قال: إنّه لكونه بالدّواعي الّتي لو لم يخلقها الله تعالى فيه لم يكن، كان في حيّز العدم. و هذا مذهب الأشعريّ على ما حقّقه العلامة الدّوانيّ >. ثمّ حكى قوله و أقوال غيره في مسألة الجبر و الاختيار فلاحظ.

و الطَّباطَبائيّ قال: < أي لااختيار لهم إذا اختار الله سبحانه لهم شيئًا من فعل أو ترك حتّى يختاروا لأنفسهم ما يشاؤون، و إن خالف ما اختاره الله، و الآية قريبة المعنى من قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْ مِن وَ لاَ مُؤْ مِنَة...}، ثمّ قال: للقوم في تفسير الآية أقاويل مختلفة غير مجدية أغمضنا عنها...>.

3 قد ظهرممّا سبق أنّ هذه الآية ممّا اختلف فيها أهل السّنّة و الأشاعرة والمعتزلة و الإماميّة، بناءً على اختلافهم في خلق أفعال العباد، فمن أراد الخوض فيها يجب أن يرجع إلى تفاسير القوم لهذه الآية كما أشرنا إلى بعضها.

4 و لهم اختلاف آخر في ربط هذه الآية بما قبلها من الآيات في سورة القصص، فأكثرهم قالوا: إنّها نزلت في جواب قول المشركين: { وَ قَالُوا لَوْ لا نُزِّ لَ هذَا الْقُرْ انُعَلى رَجُل مِنَ الْقَرْ يَتَيْنِ عَظيم ٍ} الزّخرف : 31، و عليه فلاعلاقة بينها و بين ما قبلها من آيات هذه السّورة، و لكن لاشاهد لربطها بتلك الآية أيضًا.

نعم جاء في قبلها في الآية: 48 و 49:{ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْ لا اُوتِىَ مِثْلَ مَا اُوتِىَ مُوسى اَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا اُوتِىَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَ انِ تَظَاهَرَا وَ قَالُوا اِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ * قُلْ فَاْتُوا بِكِتَاب مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ اَهْدى مِنْهُمَا اَتَّبِعْهُ اِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ ‘}،

و آيات بعدهما راجعة إلى القرآن أيضًا، فيمكن ربط هذه الآية بها.

و أمّا ابن عاشور فربطها بما قبلها 67:{ فَاَمَّا مَنْ تَابَ وَ امَنَ ’وَ عَمِلَ صَالِحًا فَعَسى اَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحينَ ‘}، و ذكر أ نّهما جملتان معترضتان بين ما قبلهما و مابعدهما و هما 66 و 69: { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الاَنْبَاءُ يَوْمَئِذ فَهُمْ لايَتَسَاءَلُونَ }، و { وَ رَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ }، و قال: ظاهرعطفه على ما قبله أنّ معناه آيل إلى التّفويض إلى حكمة الله تعالى في خلق قلوب منفتحة للاهتداء و لو بمراحل، و قلوب غير منفتحة له فهي قاسية صمّاء، و أ نّه الّذي اختار فريقًا على فريق إلى أن قال: و ربّما يقال: إنّ لها تعلّقًا بجميع ما قبلها > و شرحه، فلاحظ.

و أمّا الطَّباطَبائيّ فاعتبرها جوابًا رابعًا على قولهم57: { اِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ اَرْضِنَا } و الجواب الأوّل عنها ذيلها: { اَوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا امِنًا } . و الثّاني : 58: { وَ كَمْ اَهْلَكْنَا مِنْ قَرْ يَة بَطِرَتْ مَعيشَتَهَا }، و الثّالث :60: { وَ مَا اُوتيتُمْ‘ مِنْ شَىْء فَمَتَاعُ الْحَيوةِ الدُّ نْيَا وَ زينَتُهَا ...}.

و قد شرحها إلى أن قال في الرّابع: ما حاصلهأنّ الخلق و الإيجاد ينتهي إليه باختياره، و لايُلجئه شيء على فعل، فهو مختار بحقيقة معنى الاختيار تكوينًا وتشريعًا، و أنّ < الخلق > إشارة إلى التّكوين، و < الاختيار > إلى التّشريع، أو إلى الأعمّ من الحقيقة و الاعتبار، فلاحظ.

و على كلّ حال فذيل الآية: { سُبْحَانَ اللهِ وَ تَعَالى

ص: 565

عَمَّا يُشْرِكُونَ }، صريح في أ نّها إبطال لمزاعم المشركين بأحد الوجوه المذكورة، كما قال ابن عاشور: < والكلام مسوق لتجهيل المشركين في اختيارهم ما أشركوه، و اصطفائهم إيّاه للعبادة و الشّفاعة لهم يوم القيامة ...> فلاحظ.

5 و لابن عاشور كعادته تنبيه على نكات أدبيّة في الآية مثل < أنّ تقديم المسند إليه: { وَ رَ بُّكَ يَخْلُقُ...} يفيد القصر، أي ربّك وحده لا أنتم تختارون من يرسل إليكم، و أنّ جملة: { مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ }، استئناف مؤكّد لمعنى القصر لئلايتوهّم أنّ الجملة قبله مفيدة مجرّد التّقوّي، و أنّ صيغة { مَا كَانَ} تدلّ على نفي للكون يُفيد أشدّ ممّا يُفيد لو قيل: (ما لهم الخيرة)، كما تقدّم في:{ وَ مَا كَانَ رَ بُّكَ نَسِيًّا } مريم :64، و أنّ اللام في { لَهُم } للملك، أي ماكانوا يملكون اختيارًا في المخلوقات حتّى يقولوا: { لَوْ لا نُزِّ لَ هذَا الْقُرْ انُ...} الزّخرف :31، و أنّ ذكر الله بعنوان كونه ربًّا للنّبيّ(صلی الله علیه و آله) إشارة إلى أ نّه اختاره، لأ نّه ربّه و خالقه، فهو قد علم استعداده لقبول رسالته >.

القسم الثّاني: الخيرة آيتان:

(174):{ وَرَ بُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ...}.

(175):{ وَمَا كَانَ لِمُؤْ مِن وَ لامُؤْ مِنَة اِذَا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ اَمْرً ا اَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ اَمْرِهِمْ }.

و فيهما بُحُوثٌ:

1 اختلفوا في < الخيرة >، فقال الطّبَريّ في الآية الأُولى: < إنّ معنى { الْخِيَرَةُ } في هذا الموضع إنّما هو الخَيْرة، و هو الشّيء الّذي يُختار من البهائم والأنعام والرّجال و النّساء. يقال منه: أُعطي الخِيَرة والخَيْرة، مثل الطِّيَرة والطَّيْرة، وليس بالاختيار. و إذا كانت { الْخِيَرَةُ } ما وصفنا، فمعلوم أنّ من أجود الكلام أن يقال: و ربّك يخلق ما يشاء ويختار ما يشاء، لم يكن لهم خير بهيمة أو خير طعام أو خير رجل أو امرأة >، ثمّ نفى أن تكون بمعنى المصدر.

و قال الواحديّ فيها و مثله الطَّبْرِسيّ

و الفَخْرالرّازيّ : < و الخيرة: اسم من الاختيار، تُقام مقام المصدر. و الخيرة: اسم للمختار أيضًا، يقال: محمّد خيرة الله من خلقه، أي مختاره. و يجوز التّخفيف فيها >.

و قال الزّ مَخْشَريّ: < الخيرة من التّخيّر كالطّيرة من التّطيّر. تُستعمل بمعنى المصدر و هوالتّخيّر، و بمعنى المتخيَّر كقولهم: محمّد خيرة ا لله من خلقه >.

و قال الآلوسيّ: < التّخيّر كالطِّيَرة بمعنى التّطَيّر، و هما و الاختيار بمعنى >.

و قال ابن عاشور: < و { الْخِيَرةُ } بكسر الخاء و فتح التّحتيّة : اسم لمصدر الاختيار، مثل الطّيرة اسم لمصدر التّطيّر. قال ابن الأثير: و لانظير لهما. و في « اللّسان » ما يوهم أنّ نظيرهما : سبي طيبة، إذا لم يكن فيه غدر ولانقض عهد. ويحتمل أ نّه أراد التّنظير في الزّنة لافي المعنى، لأ نّها زنة نادرة >.

و قال الطَّباطَبائيّ: < { الْخِيَرَةُ } بمعنى التّخيّر، كالطِّيَرة بمعنى التّطَيّر >.

و قال الطَّبْرِسيّ في الآية الثّانية (4: 359) نقلا عن الزّجّاج: < الخيرة: التّخيير. و قال عليّ بن عيسى:

ص: 566

الخيرة إرادة اختيار الشّيء على غيره >.

فظهر أنّ الخيرة بتحريك الياء و سكونه إمّا مصدر أو اسم مصدر بمعنى التّخيّر أو التّخيير، و إمّا اسم بمعنى المختار. و أمّا ماقاله الطّبَريّ :إنّها بمعنى البهيمة أو غيرها فلامجال له في الآيتين.

2 قد مضى المراد ب < الخيرة > في الآية الأُولى، و أمّا في الثّانية فالسّياق قبلها وبعدها دلّ على أ نّه راجع إلى اختيار الله في أحكامه في النّساء و في أزواج النّبيّ (علیه السلام) و في اختيار زوج زيد بعد انقضاء وطره عنها زوجًا للنّبيّ (علیه السلام)، رفضًا لما شاع في الجاهليّة من تنزيل الأدعياء منزلة الأبناء، فكانوا يحرّمون للرّجل تزويج امرأة دعيّه، فأراد الله رفع هذا الحرج، و لما كان مظنّة الكلام فيه تنقيصًا للنّبيّ (علیه السلام)، فأعلن الله أ نّه قضاء من الله، و أ نّه إذا قضى الله و رسوله أمرًا فليس للمؤمنين أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، و أنّ الكلام في ذلك عصيان لله و رسوله.

3 و الآيتان كلاهما تنفيان الخيرة عن العباد نصًّا، إن كانت (ما) في الأُولى نافية، و إلا فالنّفي فيها يستفاد من مفهوم الحصرفيها. كما يستفاد الحصر بالله والرّسول في الثّانية من مفهوم الشّرط فيها: { اِذَا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ اَمْرًا }.

4 و سياقهما التّحذير و التّنديد، و الأُولى نفي تكوين، و الثّانية نفي تشريع.

القسم الثّالث: التّخيّر آيتان:

(176):{ اِنَّ لَكُمْ فيهِ‘ لَمَا تَخَيَّرُونَ }.

(177):{ وَفَاكِهَة مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ }.

و فيهما بُحُوثٌ:

1 قال الزّمَخْشَريّ و تبعه الآخرون :< و تخيّر الشّيء و اختاره: أخذ خيره، و نحوه: تنخّله و انتخَله، إذا أخذ منخوله >.

و الظّاهر أنّ الصّيغة تدلّ على التّكلّف و تحمّل المشقّة، ففيها زيادة على معنى < اختار >.

2 الفرق بين الآيتين فضلا عن اختلافهما ماضيًا و مضارعًا، أنّ سياق الأُولى التّحذير والتّوبيخ، فقبلها: { اَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمينَ‘ كَالْمُجْرِمينَ ‘* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * اَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فيهِ‘ تَدْرُسُونَ }، ثمّ قال: { اِنَّ لَكُمْ فيهِ‘ لَمَا تَخَيَّرُونَ * اَمْ لَكُمْ اَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ اِلى يَوْمِ الْقِيمَةِ اِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ...}، فهي توبيخ من الله للّذين يجعلون المسلمين كالمجرمين، و أنّ عاقبة الفريقين و جزاؤهم واحد، و أنّ اختيار جزاؤهم بيد المشركين !! ليس الأمر كذلك.

و أمّا سياق الثّانية فالتّبشير، فإنّها من جملة جزاء أهل الجنّة في الآيات 10 24: { وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * اُولئِكَ ’ الْمُقَرَّ بُونَ * فى جَنَّاتِ النَّعيمِ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِاَكْوَاب وَ اَبَاريقَ‘ وَ كَاْس مِنْ مَعين‘ * لايُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَ لايُنْزِفُونَ *

وَ فَاكِهَة مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْر مِمَّا يَشْتَهُونَ إلى جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.

فالله ينفي في الأُولى عن النّاس اختيار جزاء الفريقين، و يُثبته في الثّانية لأهل الجنّة، بأن يتخيّروا لأنفسهم من الفواكه ما يشتهون.

3 و احتمل الطُّوسيّ و تبعه الطَّبْرِسيّ في

ص: 567

الأُولى أن يكون تقديره: أم لكم كتاب فيه تدرسون بأنّ لكم ما تُخيّرون؟ أو خرج مخرج التّوبيخ، و تقديره: وإنّ لكم لما تخيّرون عند أنفسكم و الأمر بخلاف ظنّكم، لأ نّه لايجوز أن يكون ذلك خيرًا مطلقًا. و جعلها الزّمَخْشَريّ خيرًا أ نّها حكاية للمدروس، كقوله: { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاخِرينَ ‘* سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِى الْعَالَمينَ ‘} الصّافّات : 78 ،79.

و يلاحظ ثانيًا: أنّ 70 آية منها مدنيّ و 6 آيات منها مختلف فيها، و الباقي وهي 111 آية مكّيّة. و بملاحظة هذه الأرقام يُعلم أنّ تأكيد الخير كان في مكّة أكثر من المدينة، لأنّ الخير من جملة الأُصول الّتي كان القرآن يُؤكّده و لاسيّما في مكّة، و هي بلد بيان أُصول الإسلام.

و الّذي يجلب النّظرأنّ ما يرجع منها إلى توصيف

الله بالخير و هي 23 آية خمسة منها فقط: (1، 11، 13، 18، 19) مدنيّة، و كذلك ستّ من آيات < الخير عند الله > مع أنّ عدد آيات < فعل الخير > 45 آية، و قد أكّد العمل بها تشريعًا، والمدنيّ منها 34 آية، فإنّ

المدينة كانت دار التّشريع، كما أنّ ما يرجع منها إلى الآخرة و هي 26 آية: (82 109) ثمان منها فقط مدنيّة، لأنّ الآخرة من أركان العقيدة الّتي يتكفّل المكّيّات غالبًا بيانها. و أيضًا من آيات < الخير و المال>، و < الخير و الشّرّ> (110 171) الرّاجعة إلى الأُصول الكلّيّة، 17 آية مدنيّة فقط ممّا فيه تشريع، و الباقي و هي 76 آية مكّيّة أو محتمل لها.

فظهر أنّ < آيات الخير > بما فيها من الأقسام وُزّعت بين المكّيّة و المدنيّة بتناسبمواضيعها.

ثالثًا: لانظير للخير في القرآن.

ص: 568

خ ي ط

اشارة

لفظان ،3 مرّات: 1 مكّيّة ، 2 مدنيّتان

في سورتين: 1 مكّيّة، 1 مدنيّة

الخَيْط 2: 2 الخِياط 1 : 1

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: الخِيط: قطيع من النَّعام؛ الواحدة: خَيْطَى.

و نَعامَةٌ خَيْطَى، و خَيْطُها: طول قصَبها و عُنُقها،

و يقال: هو ما فيها من اختلاط سواد في بياض لازم لها، كالعِيسِ في الإبل العِراب.

و ثوبٌ مَخيط، حدّه مَخْيُوط، فليَّنُوا الياء كما ليَّنُوها في < خاطَ >، فالتقى ساكنان: سكون الياء و سكون الواو السّاكنة، فقالوا: مَخيط، و يقال: مَخُوط بإلقاءالياء لالتقاء السّاكنين، و كذلك مكول و مكيل.

و الخِياط: الإبْرَة، و الخَيّاط الفاعل، و حرفته الخِياطة. و{ الْخَيْطُ الاَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاَسْوَدِ } البقرة: 187، يعني الصّبح.

و خاط فلان خَيْطَةً واحدة، إذا سار سيرة و لم يقطع السّير. [ و استشهد بالشّعرمرّتين]

(4 : 293)

سيبَوَيه: المِخْيَط و نظيره، ممّا يُعتمل به، مكسور الأوّل، كانت فيه الهاء أو لم تكن. (ابن سيده 5 : 249)

ابن شُمَيّل: في ا لبطن مقاطُّه و مخيطُه.

و مخيطُه: مجتمع الصِّفاق، و هو ظاهر البطن.

(الأزهَريّ 7 : 506)

أبوزَيْد: يقال: هَبْ لي خَيْطًا و خِياطًا و نِصاحًا: كلّه الخيط الّذي يُخاط به. (الأزهَريّ 7 : 506)

الأصمَعيّ: خَيّطَ الشّيب رأسَه وفي رأسه ولحيته: صار كالخُيُوط، أو ظهر كالخُيُوط مثل وخَط.و تخيّطَ رأسُه: كذلك. [ثمّ اسثشهد بشعر]

(الأزهَريّ7 : 504)

ابن السِّكّيت: و الخَيْط من الخُيُوط، و الخَيْط قِطعَة من النَّعام، و قد يقال فيه: خَيْط و خَيْطَى مثل

ص: 569

سَكْرى. (إصلاح المنطق:29)

إذا قالوا: مخيط بَنَوْه على النّقصان، لنُقصان الياء في < خِطْتُ >، و الياء في مخيط هي واو < مفعول > انقلبت ياءً لسكونها و انكسار ما قبلها، ليُعلَم أنّ السّاقط ياء. و من قال: < مَخيُوط > أخرجه على التّمام. (الأزهَريّ7 : 501)

ابن دُرَيْد: الخَيْط: واحد الخُيُوط. و خِطْتُ الشّيء أخيطه خياطةً، فهو مخيط و مخيُوط.

و الخَيْطَة، في لغة هذيل: الوَتَد.

و قال بعض أهل اللُّغة: بل الخيطة خيط مشدود في طَرَف الحَبْل و طرفه الآخر في يد المُشتار، فإذا احتاج إلى الحَبْل جذبه بذلك الحَبْل.

و الخِيط و الخَيْط، بكسر الخاء و فتحها: القطيع من النَّعام؛ و الجمع: خِيطان، و كان الأصمَعي يختار الكسر.

و الخَيْط الّذي يُخاط به معروف؛ والجمع: خُيُوط و جمع الخِيط من النَّعام: خِيطان.

و كلّ شيء خُطتَ به فهو مِخْيَط، و كلّ شيءخُطتَه فهو مخيط. [ و استشهد بالشّعر 3 مرّات] (2 : 233)

الأزهَريّ: خاط يخيط، فإنّه يقال: خِطتُ الثّوبَ أخِيطُه، خيطًا فهو مخيط.

و الخِياط: الإبْرَة، و نحوها ممّا يُخاط به و هو المِخْيَط.

و منه قول الله جلّ و عزّ: { يَلِجَ الْجَمَلُ فى سَمِّ الْخِيَاطِ } الأعراف : 40،

أي في خُرْت المِخْيَط.

و مثل خِياط و مِخْيَط: لِحاف و مِلحَف و سِراد و مِسرَد و إزار و مِئْزَر، و قِرام و مِقْرَم.

و الخِياطَة: حِرْفة الخيّاط.

و ثوبٌ مخيط؛ و كان حدّه: مخيُوط فليَّنُوا الياء كما ليَّنُوها في < خاط > فالتقى ساكنان: سكون الياء، و سكون الواو، فقالوا: < مَخِيط > لالتقاء السّاكنين ألقَوْا أحدهما. و كذلك بُرٌّ مكيل: الأصل: مكيُول. [و حكى قول ابن السّكّيت ثمّ قال:]

قلت: و أحسبه حكى هذه العلّة عن الفَرّاء.

عن أبي طالب((1)) أ نّه قال: الخَيْط: اللّون.

و قال غيره: الخَيْط: القطيع من النَّعام؛ واحدها: خَيْطَى.

وقال غيره: يقال للقطيع من النَّعام: خِيْط وَ خَيْط و خَيْطَى.

و إنّما خيّطها أ نّها تتقاطر، و تتابع كالخيطالممدود.

و خاط الحيّة، إذا انساب على الأرض.

و مَخِيط الحيّة: مَزْحَفُها.

و خاط فلان إلى فلان، أي مرّ إليه.

و يقال: خاط فلان بعيرًا ببعير، إذا قرن بينهما.

و في نوادر الأعراب: خاط فلان خَيْطًا إذا مضى سريعًا.

ص: 570


1- (1) أبو طالب: سعد بن محمّد بن عليّ الأزديّ المعروف بالوحيد البغداديّ، تُوفّي سنة 385 ه معجم الأُدباء لياقوت الحمويّ (11: 297).

و تخَوّط تخَوُّطًا مثله.

و كذلك: مَخَط في الأرض مَخْطًا.

و الخَيْطَة: الوَتِد.

وفي الحديث: < أدّوا الخِياط و المِخْيَط >.

أراد بالخِياط هاهنا: الخيط، و بالمِخْيَط: الإبْرَة.

و الخِياط: المِخْيَط في قول الله جلّ و عزّ: { حَتى| يَلِجَ الْجَمَلُ فى سَمِّ الْخِيَاطِ } الأعراف :40. [ و استشهد بالشّعر 5 مرّات] (7 : 501)

الصّاحِب: الخِيْط: قطيع من النَّعام؛ واحدتها: خَيْطاء، و الجميع: خِيْطان و خِيْطى. و خَيَطها: طُولُ قصَبها و عُنُقها. و قيل: ما فيها من اختلاط سَواد في بياض.

و الخِياط: الإبْرَة.

و الخِياطَة: حِرْفَة الخَيّاط.

خِطْتُ الثّوب فهو مَخِيط و مَخُوط.

و أخِطْني، أي خِطْ معي.

و في المثَل:< جاحَشَ فلان عن خِيط رقبَتِه > أي نُخاعِه.

و الخَيْط الأبيض: الصّبح.

و خَيّط الشّيب في رأسه: شاع فيه. و فيه خَيْط من الشّيب، أي وَخْزٌ منه. و خَيّط الرّأس: صار فيه خُيُوط من شَيْب.

و خاط فلان خَيْطَة، إذا سَار و لم ينقطع السَّيْر.

و رأيت خِيْطًا من النّاس و خَيْطانًا و خِيْطانًا، أي جماعةً، و كذلك من المال.

و هذا خَيْطَى من رجال و غيرهم، و هو من الأشياء المتفرّقة.

و خَيْطُ باطلٍ: هو الهواء. و مثَل:< هو أدَقّ من خَيْطِ باطلٍ >. (4 : 390)

الجَوهَريّ: الخَيْط: السِّلْك؛ و جمعه: خُيُوط و خُيُوطة، مثل فَحْل و فُحُول و فُحُولة.

و المِخْيَط: الإ بْرَة، و كذلك الخِياط. و منه قوله تعالى: { يَلِجَ الْجَمَلُ فى سَمِّ الْخِيَاطِ } الأعراف : 40.

و الخَيْط الأسود: الفجر المستطيل، و يقال: سواد اللّيل. و الخَيْط الأبيض: الفجر المعترض.

و خَيْط الرّقبة: نُخاعها. يقال: جاحَشَ فلان عن خَيْط رقبته، أي دافع عن دمه.

و خَيْطُ باطلٍ: الّذي يقال له: لُعاب الشّمس و مُخاط الشّيطان. و كان مروان بن الحكم يلقّب بذلك، لأ نّه كان طويلا مضطربًا.

و الخِيْط بالكسر: القطيع من النَّعام، و كذلك الخَيْطَى مثال سَكْرى.

و نعامة خَيْطاء بيّنة الخَيَط، و هو طُول عنُقِها.و قد خِطْتُ الثّوب خِياطَة فهو < مَخيُوط >

و مَخِيط.

فمن قال: < مَخيُوط > أخرجه على التّمام ، ومن قال: < مخيط > بناه على النّقص لنقصان الياء في خِطتُ. و الياء في < مَخِيط > هي واو < مفعول > انقلبت ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها، و إنمّا حُرّك ما قبلها لسكونها وسكون الواو بعد سقوط الياء . و إنمّا كسروا ليُعلَم أنّ السّاقط ياء. و ناس يقولون : إنّ الياء في < مخيط > هي الأصليّة، و الّذي حذف واو < مفعول >،

ص: 571

ليُعرَف الواويّ من اليائيّ.

و القول هو الأوّل ، لأنّ الواو مزيدة للبناء ، فلاينبغي لها أن تُحذَف ، و الأصليّ أحقّ بالحذف لاجتماع السّاكنين، أو علّة توجب أن يُحذَف حرف. و كذلك القول في كلّ مفعول من ذوات الثّلاثة إذا كان من بنات الياء ، فإ نّه يجيء بالنّقصان و التّمام.

فأمّا من بنات الواو فإ نّه لم يجئ على التّمام إلا حرفان : مسك مَدْوُوف، و ثوب مَصْوُون، فإنّ هذين جاءا نادرين . و في النّحويّين من يقيس على ذلك، فيقول: قول مَقْوُول ، و فرس مَقْوُود ، قياسًا مُطّردًا.

و الخَيْطَة في كلام هُذَيْل: الوَتِد. و خَيّط الشّيب في رأسه، مثل وخَطَ. [ و استشهدبالشّعر4 مرّات]

(3 : 1125)

ابن فارِس: الخاء و الياء و الطّاء أصل واحد، يدلّ على امتداد الشّيء في دقّة، ثمّ يُحمَل عليه فيقال في بعض ما يكون منتصِبًا. فالخَيْط معروف...

فأمّا قولهم للّذي بدا الشّيب في رأسه خُيّط، فهو من الباب، كأنّ البادي من ذلك مشبّه بالخُيُوط.

و يقال: نعامة خَيْطاء، و خَيَطُها طُول عُنُقِها. و الخِياطة: معروفة.

فأمّا الخِيط بالكسر، فالجماعة من النَّعام، و هو قياس الباب، لأنّ المجتَمِع يكون كالّذي خِيط بعضه إلى بعض.

وأمّا قول الهذليّ:

تَدَلّى عليها بين سِبٍّ وَخَيْطَة

بجَرْداء مثل الوَكْفَ يكبُو غرابُها

فقد قيل: إنّ الخَيْطَة: الحَبْل، فإن كان كذا فهو القياس المطّرد. و قد قيل: الخَيْطَة: الوَتِد، و قد ذكرنا أنّ هذا ممّا حُمل على الباب، لأنّ فيه امتدادًا في انتصاب. [ و استشهد بالشّعر مرّتين] (2 : 233)

الهَرَويّ: [و في حديث]: < أدّوا الخياط والمِخْيَط > و الخِياط: ها هنا الخَيْط. (2 : 610)

الثّعالبيّ: جماعة النَّعام: خَيْط. (228)

أبو سَهْل الهَرَويّ: والخَيْط بالفتح: الواحد من الخُيُوط و خِيط من النَّعام و خَيْط تعني القطعة. (55)ابن سيده: الخَيْط: السِّلْك؛ و الجمع: أخياط،

و خُيُوط، و خُيُوطة، زادوا الهاء لتأنيث الجمع.

و خاط الثّوبَ خَيْطًا، و خِياطة.و خَيّطَه، كخاطه.

و الخِياط، و المِخْيَط: ماخِيط به.

و هُما أيضًا: الإبْرَة.

و رجل خائط، و خَيّاط،و خاطٌ، الأخيرة عن كُراع.

و الخِياطة: صناعة الخائط.

وخَيّط الشّيبُ رأسه، و في رأسه و لحيته: صار كالخُيُوط، أو ظهر كالخُيُوط.

و تخَيّطَ رأسه بالشّيب، كذلك.

و خَيْطُ باطلٍ: الضّوء الّذي يدخل في الكُوّة.

و يقال: هو أدقّ من خيط باطلٍ، حكاه ثَعْلَب.

و الخَيْطة: خَيْط يكون مع حَبْل مُشتار العسل، فإذا أراد الخليّة ثمّ أراد الحبل جذبه بذلك الخَيْط، و هو مربوط إليه.

و قيل: الخَيْطة: الوَتِد، و قيل: الحَبْل.

ص: 572

و الخَيْط، و الخِيط: جماعة النَّعام، و قد يكون من البقر، و الجمع: خيطان.

و الخَيْطَى، كالخِيط.

و الخَيْط و الخِيط: القطعة من الجراد؛ و الجمع: خيطان، أيضًا.

و نعامة خَيْطاء: بيّنة الخَيْط، طويلة العُنُق.

و ما آتيك إلا الخَيْطَة، أي الفَينَة.

و خاط إليهم خَيْطَة: مرّ عليهم مرّة واحدة.

و قيل:خاط إليهم خَيْطَة، و اختاط، و اختطى، مقلوب: مرّ مرًّا لايكاد ينقطع.

قال كُراع: هو مأخوذ من الخَطْو، مقلوب عنه.

وهذا خطأ؛ إذ لو كان كذلك لقالوا: خاط خَوْطَة، و لم يقولوا: خَيطَة، و ليس مثل كُراع يؤمن على هذا.

و المَخيط: المَر ّو المَسلَك. [ و استشهد بالشّعر 5 مرّات]

(5 : 248)

الطُّوسيّ: و الخَيْط في اللُّغة معروف. يقال: خاط يَخيط خِياطَة، فهو يخيط، وخيّطه تخييطًا.

و الخَيْط: القطيع من النَّعام، و نعامة خيطاء. قيل: خيَطُها طول قصبتها و عنُقها، و قيل: اختلاط سوادها ببياضها. و كلاهما يحتمل، فالأوّل، لأ نّه كالخيط الممدود. و الثّاني لأ نّه كاختلاط خيوط بيض بسود.

و المِخْيَط: الإبْرَة، و نحوها ممّا يُخاط به.

(2 : 134)

الرّاغِب: الخَيْط معروف؛ و جمعه: خُيُوط، و قد خِطْتُ الثّوب أخيطُه خِياطَة، و خَيّطتُه تخييطًا.

و الخِياط: الإبْرَة الّتي يُخاط بها، قال تعالى: { حَتى| يَلِجَ الْجَمَلُ فى سَمِّ الْخِيَاطِ } الأعراف :40، { حَتى| يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} البقرة: 187، أي: بياض النّهار من سواد اللّيل. [ثمّ استشهد بشعر]

و روي أنّ عديّ بن حاتم عمد إلى عقالين أبيض و أسود، فجعل ينظر إليهما و يأكل إلى أنيتبيّن أحدهما من الآخر، فأخبر النّبيّ (علیه السلام) بذلك، فقال: إنّك لعريض القفا، إنّما ذلك بياض النّهار و سواد اللّيل.

و خيّط الشّيب في رأسه: بدا كالخَيْط، و الخَيط: النَّعام؛ و جمعه: خيطان.

و نعامة خَيْطاء: طويلة العُنُق، كأ نّما عنقها خَيْط.

(161)

الزّمَخْشَريّ: خاط الثّوبَ و خَيّطَه، و سلك الخَيْط في الخِياط و المِخْيَط.

و من المجاز: أخذ اللّيل في طيّ الرّيط، و تبيّن الخَيْط من الخَيْط.

و هو أدقّ من خيطِ باطلٍ و هو الهباء المنبث في الشّمس. و قيل: لُعاب الشّمس، و قيل: الخَيْط الخارج من فم العنكبوت الّذي يقال له: مُخاط الشّيطان.

و جاحَشَ فلان عن خَيْط رقبته و هو النّخاع.

و رأيت خَيْطًا من النَّعام و خِيطًا بالكسر، و هو جمع خَيْطاء.

و خَيْط النّعامة: طول قصَبها و عُنُقها كأ نّها خيوط ممدودة، و قيل: هو ما فيها من بياض في سواد.

و خيّط الشّيب في رأسه و لحيته: جعل فيهما شِبه الخُيُوط، و خُيّط شعره بالبياض.

ص: 573

و خَيّط رأسه، كقولك: نَوّر الشّجر و وَرّد.

و خاط فلان خَيْطَةً: امتدّ في السّير لايلوي على شيء.

و خاط إلى مقصده.

و هذا مخيط الحيّة: لمَزْحَفها. و قد خاطت الحيّة.

و خاط فلان بعيرًا ببعير إذا قرن بينهما. تقول: خِطْ هذا بذاك. [ و استشهد بالشّعر 4 مرّات] (123)

[في حديث] < أدّوا الخِياط و المِخْيَط >.

خَيْط الخياط: الخَيْط يقال : هَبْ لي خياطًا و نصاحًا. و المِخْيَط : الإبْرَة. (الفائق1 : 404)

ابن الأثير: و في حديث عَديّ:< الخَيْط الأبيض من الخَيْط الأسود > يريد بياض النّهار و سواداللّيل.

(2 : 92)

الفَيُّوميّ: الخَيْط: الّذي يُخاط به؛ جمعه: خُيُوط مثل : فَلْس و فُلُوس. و قوله تعالى: { حَتى| يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الاَسْوَدِ }البقرة: 187، المراد بالخَيْطَين: الفجران ؛ فالأ بيض: الصّادق، و الأسود: الكاذب. و حقيقته: حتّى يتبيّن لكم اللّيل من النّهار.

و خاط الرّجل الثّوبَ يَخيطُه من باب < باع > و الاسم: الخِياطة، فهو خَيّاط، و الثّوب مَخِيط على النّقص، و مخيوط على التّمام.

والمِخْيَط والخِياط ما يُخاط به وِزان لِحاف و مِلْحَف وإزار و مِئْزَر و خَيْط النَّعام بالفتح:الجماعة منه. (1 : 186)

الفيروزاباديّ: الخَيْط: السِّلك؛ جمعه: أخياط و خُيُوط و خُيُوطة، و من الرّقبة: نُخاعها، و جبَل معروف، و الخِياطة، و انْسِياب الحيّة على الأرض، و الجماعة من النَّعام و الجراد، كالخَيْطَى، كسَكْرى.

و الخِيط بالكسر فيهما؛ جمعه: خِيطان.

و نعامة خَيْطاء: طويلة العُنُق.

و الخِياط ككِتاب و مِنْبَر: ما خيط به الثّوب، و الإبْرَة، و الممرّ و المَسْلَك، و هو خاطٌ و خائطٌ و خيّاطٌ، و ثوب مَخيط و مَخْيُوط.

و الخَيْط الأبيض و الأسود: بياض الصّبح و سواد اللّيل.

و خَيّط الشّيب في رأسه تخييطًا: بدا، أو صار كالخُيُوط، فتخيّط رأسه بالشّيب.

و خيطُ باطلٍ: الهواء، أو ضوء يدخل من الكُوّة.

و الخَيْطَة: الوَتِد، و الحَبْل، و خَيْط يكون مع حَبْل مشتار العسل، أو دُرّاعة يلبسها.

و خاط إليه خَيْطَة: مرّ عليه مرّة واحدة أو سريعة، كاختاط و اختَطَى.

و مَخيط الحيّة: مَزْحَفُها. (2 : 373)

الطُّرَ يحيّ: الخِياط ككِتاب: الإبْرَة، و المِخْيَط بكسر ميم مثله.

و الخَيْط: السِّلك؛ و جمعه: خُيُوط و خُيُوطة، مثل فُحُول و فُحُولة...

و منه الحديث: < و سأله عن الصّلاة على الخُمْرة المدنيّة ؟ فكتب: صلّ على ما كان فيها معمولا بخُيُوطه لابسيوره >.

و قوله (علیه السلام) في وصف الإمامة: < لأنّ خيط فرضي

ص: 574

لاينقطع و حجّتي لاتخفى > هو على الاستعارة. و مثله < أخاف على خَيْط عنُقي > أي على رقبتي، و يعني به القتل.

و خاط الرّجل الثّوب خياطةً من باب < باع > فهو مخيط، و الياء في < مخيط > ياء مفعول. و قيل: إنّ الياء في مَخِيط أصليّة، و المحذوف واو مفعول. (4 : 247)

مَجْمَعُ اللُّغة: الخَيْط: فتيل رقيق من قُطْن أو صُوف و نحوهما يُخاط به.

والخِياط: الإبْرَة، و سمّها: ثَقْبُها.

(1 : 375)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم. (179)

العَدْنانيّ: مَخِيط و مَخيُوط

و يخطّئون من يقول: الثّوب المخيوط جميل، و يقولون: إنّ الصّواب هو: الثّوب المخيط جميل. و الحقيقة هي أنّ اسم المفعول مَخيُوط صحيح كاسم المفعول مَخيط، كما ذكر الصّحاح، و المختار،

و اللّسان، و المصباح، و القاموس، و التّاج، و المدّ، و محيط المحيط، و أقرب الموارد، و المتن، و الوسيط.

و هنالك خطأ مطبعيّ في التّاج؛ إذ أورد اسم المفعول مَخُوط بدلا من مَخيُوط، وقد نسيمُنضِّد حروف الطّباعة وضع الياء بعد الخاء، و لكنّه لم يذكر في الشّرح إلا كلمة مَخيُوط.

أمّا فعله فهو: خاط الثّوب يَخيطُه خَيْطًا و خِياطَة فهو خائط و خيّاط و خاطٌ، وهي خائطة و خيّاطة و خاطة.

و قد ذكر < الوسيط > أنّ الاسم الثّالث هو خاط بدلا من خاطٌ، و قد عثر هنا، لأنّ كلمة < خاطٌ > ذكرها أبو عُبَيْدَة مَعْمَربن المُثنّى، و كُراع، و الصّاغانيّ في العباب و التّكملة، و اللّسان، و القاموس، والتّاج، و المدّ، و محيط المحيط، و أقرب الموارد، و المتن.

و يعثر آخرون فيقولون: الثّوب المُخاط جميل، فالفعل هو: خاط يَخيطُه فهو: مَخيُوط و مَخِيط، و ليس: أخاطه يُخيطُه فهو مُخاط.

< راجع مادّة < المَرُوم > في هذا المعجم >.

الخُيُوط، الأخياط، الخُيُوطة.

قال السّيّد محمّد توفيق البكريّ في قصيدته الّتي رثى بها أباه:

و يضحك في خِيطانه البرق مَوهِنًا

كما ضحك الباكي إذا أكبر الهمّا

لقد جمع السّيّد الخيط السّلك على خِيْطان خطأً.

والصّواب أن يُجمَع على:

1 خُيُوط، الصّحاح، و الأساس، و المختار، و اللّسان، و المصباح، و القاموس، و التّاج، و المدّ، و المتن، و الوسيط.

2 و أخياط، ابن برّيّ، و اللّسان، و القاموس، و التّاج، و المدّ، و المتن، و الوسيط.

3 و خُيُوطة، الصّحاح، و المختار، و اللّسان،

و القاموس، و التّاج، و المدّ، و المتن، و الوسيط.

أمّا الخِيْطان فهي:

1 جمع خَيْط و خِيط و خَيطَى، و معناها: قطيع النَّعام، أو البقر، أو سرب الجراد.

2 و جمع خُوط، و هو:

أ الغُصْن النّاعم.

ص: 575

ب الغُصْن الّذي عمره سنة.

ج كلّ قضيب من أيّ نوع كان.

قال الشّاعر قيس بن الخطيم:

حوراء جيداء يُستضاء بها

كأ نّها خُوط بانة قَصِف

[وذكر شعرين آخرين] (209)

محمود شيت: 1- أ. خاطَت الحيّة خَيْطًا: انْسابَت على الأرض بسرعة.

و فلان: مشى سريعًا، و في السّير: واصله، و: امتدّ في السّير لايلوي على شيء، و إليه: مرّ به. و الثّوب خَيْطًا، خِياطة: ضمّ بعض أجزائه إلى بعض بالخيط، و الدّرعَ: سردها.

ب خيّط الثّوب: خاطه.

ج اختاط الثّوب: خاطه.

د الخِياط: آلة الخِياطة، كالإبْرَة و نحوها. وسَمّ الخياط: ثَقْبُه.ه الخِياطَة: حِرْفة الخيّاط.

و الخَيْط: السّلك يُخاط به، أو ينظم فيه الشّيء، أو يربط به، جمعه: خُيُوط، و أخياط، و خُيُوطة و : اللّون

ز الخيّاط: مَن حِرْفتُه الخياطة.

ح المِخْيَط: آلة الخياطة كالإبْرَة و نحوها.

2 أ خيّط الثّوبَ: خاطه.

ب الخِياط: آلة الخياطة كالإبْرَة و نحوها.

ج الخِياطة: حِرْفة الخيّاط.

د الخَيْط: السّلك يُخاط به، جمعه: خُيُوط.

ه الخيّاط: من حِرْفتُه الخياطة. و أحد أرباب الحِرَف في الجيش. (1 : 227)

المُصْطَفَويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الخطّ الممتدّ المستقيم سواء كان في التّكوين أو بالصّنع و العمل، فيُطلَق على السّلك، و على الخيط الممتدّ بالسّماء عند الفجر و غيره، و على العُنُق الطّويل من النَّعام، و على الصّف الممتدّ من النَّعام و غيره، و على السّلوك و المرور المستقيم، و على أثر الشّيب الممتدّ في الرّأس.

يقال: خاطه يَخيطُه، إذا عمل به و صنع صناعة بالخيط. و على هذا يقال: هو خيّاط، و الإ بْرَة مِخْيَط، و يُطلَق على السّلك أو الإ بْرَة خِياط مبالغة. والخطّ أعمّ من أن يكون مستقيمًا أو منحنيًاأو منكسرًا، و أكثر استعمال الخيط فيما عرض له الخطّ، أي يُطلَق على معروضه و ما يتّصف به.{ وَ لايَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتى| يَلِجَ الْجَمَلُ فى سَمِّ الْخِيَاطِ } الأعراف:40، السّمّ: ما يدخل و ما يرد فيه السّلك و هو ثقبة المِخْيَط، أو المراد مطلق مَسلك السِّلك و مَنفَذه، يكون المسلك في الإبْرَة، أو في المَخيط.

فعلى الوجه الأوّل: يكون المراد من الخِياط هو المِخيط، باعتبار كونه وسيلة الخياطة، و به تتحقّق الخياطة في الخارج، فيطلق عليه مبالغة.

وعلى الوجه الثّاني: فيراد من الخياط معناه المصدريّ، أي الثّقبة الكائنة في مراحل الخياطة، راجع السّمّ و الجمل.

{ حَتى| يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ

ص: 576

الاَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ } البقرة: 187، يراد البياض المعترض الحاصل من بدوّ الفجر، و لم يعبّر بالخيط الأسود: فإنّ السّواد و هو الظّلمة متن و أصل، و الحادث إنّما هو البياض.

و لايبعد أن نقول: إنّ الاشتقاق في هذه المادّة انتزاعيّ.

(3 : 161)

النُّصوص التّفسيريّة

الْخَيْط

وَكُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتى| يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. البقرة : 187

النّبيّ(صلی الله علیه و آله): الفَجْر فجران، فالّذي كأ نّه ذ نَبُ السِّرحان لايحرّم شيئًا، و أمّا المستطير الّذي يأخذ الأُفق، فإنّه يُحلّ الصّلاة و يُحرّم الصّوم.(الطّبَريّ2 : 179)

قال رجل للنّبىّ (صلی الله علیه و آله): أهو الخَيْط الأبيض و الخَيْط الأسود؟ فقال له النّبيّ (صلی الله علیه و آله): < إنّك لعريض القفا؛ هو اللّيل من النّهار >. (الفَرّاء1 : 115)

ابن عبّاس: يعني يتبيّن لكم بياض النّهار من سواد اللّيل. (26)

نحوه ابن قُتَيْبَة. (74)

أبو عُبَيْدَة: الخَيْط الأبيض: هو الصّبح المصدَّق، و الخَيْط الأسود: هو اللّيل، و الخَيْط: هو اللّون. (1: 68)

السِّجِستانيّ: هو بياض النّهار، و الخَيْط الأسود و هو سواد اللّيل. (22)

الثّعلبيّ: أي بياض النّهار وضوؤه من سواد اللّيل و ظلمته،كذا قال المفسّرون. (2 : 80)

البَيْضاويّ: شبّه أوّل ما يبدو من الفجر المعترض في الأُفق و ما يمتدّ معه من غَبَش اللّيل بخَيْطَيْن أبيض و أسود، و اكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله: { مِنَ الْفَجْرِ } عن بيان { الْخَيْطِ الاَسْوَدِ } لدلالته عليه، و بذلك خرجا عن الاستعارة إلى التّمثيل.

و يجوز أن تكون ( مِنْ ) للتّبعيض فإنّ ما يبدو بعض الفجر، و ما روي أ نّها نزلت و لم ينزل من الفجر، فعمد رجال إلى خَيْطَيْن أسود و أبيض و لايزالون يأكلون و يشربون حتّى يتبيّنّا لهم فنزلت. إن صحّ فلعلّه كان قبل دخول رمضان، و تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائزة، أو اكتفى أوّ لا باشتهارهما في ذلك. (1 : 103)

نحوه النّسَفيّ (1 : 96 )، و أبو السُّعود(1 : 244 )، و الكاشانيّ (1 : 205)، و البُرُوسَويّ (1 : 300) ، و الآلوسيّ (2 : 66)، و القاسميّ (3 : 455).

النَّيسابوريّ: و اعلم أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع بالاتّفاق إلا عند من يجوّز تكليف ما لايطاق، و أمّا تأخيره عن وقت الخطاب فجائز عند الأكثرين.

و لمّا كان من مستعملات العرب إطلاق الخيط الأبيض على أوّل ما يبدو من الفجر المعترض في الأُفق كالخيط الممدود، و الخيط الأسود على ما يمتدّ معه من غبَش اللّيل. [ثمّ استشهد بشعر] اقتصر على الاستعارة أوّلا . ثمّ لمّا اشتبه الأمر على بعض من لادراية له باللُّغة العربيّة نزل{ مِنَ الْفَجْرِ } بيانًا للخيط الأبيض،

ص: 577

و استغنى به عن بيان الخيط الأسود، لأنّ بيان أحدهما يستتبع بيان الآخر. و خرج الكلام من الاستعارة إلى التّشبيه البليغ، كما أنّ قولك: < رأيت أسدًا > مجاز، فإذا زدت < من فلان > رجع تشبيهًا. فالاستعارة و إن كانت أبلغ من التّشبيه و أدخل في الفصاحة، من حيث إنّها استعارة كما بُيّن في موضعه إلا أنّ رفع الاشتباه عن المكلّفين أهمّ و أولى.

فالفصاحة في هذا المقام ترك الاستعارة، و ليس هذا من باب تأخير البيان عن وقت الحاجةعلى الإطلاق، لأنّ المحتاجين هاهنا إلى البيان ساقطون عن درجة الاعتبار، لأنّ فهم المعنى من اللّفظ إنّما يُعتَبر بالنّسبة إلى العارف بقوانين العرب و استعمالاتهم لا بالإضافة إلى الأغبياء منهم. نعم التّفهيم يعمّ البليد و الذّكيّ، و الله المستعان.

و لايسبقنّ إلى الوهم أنّ المشبّه بالخيط الأبيض هو الصّبح الكاذب المستطيل، لأ نّه يناقض ما ورد في الخبر < لايغرّ نّكم الفجر المستطيل فكلوا و اشربوا حتىّ يطلع الفجر المستطير > و إنّما المشبّه هو الفجر الصّادق، و هو أيضًا يبدو دقيقًا و لكن يرتفع مستطيرًا، أي منتشرًا في الأُفق لامستطيلا . و يمكن أن يقال: الفصل المشترك بين ما انفجر من الضّياء، أي انشقّ، و بين ما هو مظلم بعد، يُشبه خَيْطَيْن اتّصلا عرضًا. فالّذي انتهى إليه الضّياء خيط أبيض، و الّذي ابتدأ منه الظّلام خيط أسود. (2 : 125)

الشِّربينيّ: [نحو البَيْضاويّ و أضاف:]

و المعنى على التّبعيض حال كون { الْخَيْطُ الاَبْيَضُ } بعضًا من الفجر، و على البيان حال كونه هوالفجر. (1 : 124)

لاحظ: ب ي ض:< الأبيَض >.

الْخِيَاط

اِنَّ الَّذينَ‘ كَذَّبُوا بِايَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاتُفَتَّحُ لَهُمْ اَبْوَابُ السَّمَاءِ وَ لايَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتى| يَلِجَ الْجَمَلُ فى سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذلِكَ’ نَجْزِى الْمُجْرِمينَ‘.

الأعراف : 40

ابن عبّاس: لايدخل الجمل في سَمّ الخياط: في ثَقْب الإبْرَة. (127)

نحوه مُجاهِد و الحسَن و عِكْرِمَة.

(الماوَرْديّ 2: 223)

السُّدّيّ: هو جحر الإبْرَة. (261)

الفَرّاء: يقال: الخِياط و المِخْيَط، و يراد الإبْرَة. و في قراءة عبدالله ( المِخْيَط ) و مثله يأتي على هذين المثالين، يقال: إزار و مِئزَر، و لِحاف و مِلْحَف، و قِناع و مِقْنَع، و قِرام و مِقْرَم. (1 : 379)

نحوه الطّبَريّ (5 : 487)، و الطُّوسيّ (4 : 430).

أبوعُبَيْدَة: أي في ثَقْب الإبْرَة، و كلّ ثَقْب من عين أو أنف أو أُذُن أو غير ذلك فهو سَمّ، و الجميع: سموم.

(1 : 214)

نحوه ابن قُتَيْبَة (167)، و السِّجِستانيّ (66).

الزّجّاج: فالخِياط: الإبْرَة، و سَمّها: ثَقْبها.

(2 : 338)

الماوَرْديّ: فيه قولان:

ص: 578

أحدهما:[قول ابن عبّاس]

والثّاني: أنّ{ سَمِّ الْخِيَاطِ } هو السّمّ القاتل الدّاخل في مسامّ الجسد أي ثَقْبِه. (2 : 223)الواحديّ: السّمّ: ثَقْب الإبْرَة، و الخِياط ما يُخاط به. (2 : 367)

البغَويّ: أي حتّى يدخل البعير في ثَقْب الإبْرَة، و الخِياط و المِخْيَط واحد و هو الإبْرَة، و المراد منه: أ نّهم لايدخلون الجنّة أبدًا، لأنّ الشّيء إذا عُلّق بما يستحيل كونه دلّ ذلك على تأكيد المنع، كما يقال: لا أفعل كذا حتّى يشيب الغراب أو يبيض القار، يريد لاأفعله أبدًا.

(2 : 191)

نحوه النّسَفيّ(2 : 53)، و الطَّبا طَبائيّ(8 : 115)، و مكارم الشّيرازيّ (5 : 42).

الزّمَخْشَريّ: والخِياط و المِخْيَط كالحزام و الِمحْزَم: ما يُخاط به، و هو الإبْرَة. (2: 79)

نحوه ابن عَطيّة(2 : 400)، و القُرطُبيّ (7 : 207)، و البَيْضاويّ (1 : 349). وهكذا جاء في أكثر التّفاسير.

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخَيْط، أي السِّلك؛ والجمع: خُيُوط، وزاد الجَوهَريّ: خُيُوطَة، ومثّله بفَحْل وفُحُولَة، وكأ نّه قاسه بالجمع الّذي زيدت له الهاء، و زاد ابن سيده: أخياط.

والخِياط: الخَيْط، يقال: هَبْ لي خَيْطا وخِياطا ونِصاحًا، قاله أبو زَيْد، و في الحديث: < أدّوا الخِياط والمِخْيَط >، قال الهَرَويّ: < الخِياط هاهنا: الخَيْط >.

و الخِياط: الإبْرَة، وهو المِخْيَط أيضًا. يقال: خِطتُ الثّوبَ أخيطُه خَيْطا وخِياطةً، فهو مَخِيط و مَخيُوط، والفاعل خيّاط، وحرفته الخِياطة.

والخَيْط: طول قصَبة الحيوان وعنُقه. يقال: نعامةٌ خَيْطَى، ونعامةٌ خَيْطاء بيّنة الخَيْط، وهو طول عنقها، وخَيْط الرّقبة: نُخاعها، يقال: جاحَشَ فلان عن خَيْط رقبته، أي دافع عن دمه، كلّ ذلك على التّشبيه.

والخَيْط والخِيط: القطيع من النَّعام، لأ نّها تتقاطر وتتابع كالخَيْط الممدود، كما في <التّهذيب>.

وخاطَتِ الحيّة: انْسابَت على الأرض، ومَخيطها: مَزحَفُها، تشبيهًا بالخيط.

وخاط فلان بعيرًا ببعير: قرَن بينهما، كأ نّه شدّهما بخَيْط.

وشبّهوا الشَّعر الأبيض بالخُيُوط، فقالوا : خَيّط الشّيبُ رأسه و في رأسه ولحيته وتخَيّط ، أي صار أو ظهر كالخُيُوط، مثل: وخَط.

ومنه: الخَيْط الأبيض، وهو الفجر المعترض، والخَيْط الأسود، وهو الفجر المستطيل.

وخَيطُ باطلٍ: الضّوء الّذي يدخل في الكُوّة، وفي المثَل: < هو أدقّ من خَيْطِ باطلٍ >، ويقال له أيضًا: لعاب الشّمس، ومَخاط الشّيطان.

2 وروى الخَليل قولهم: خاط فلانٌ خَيْطَةً واحدةً، أي سار سَيْرةً ولم يقطع السّير، وقال الأزهَريّ: خاط فلان إلى فلان: مرّ به، وفي نوادرالأعراب: خاط فلان خَيْطا ، إذا مضى سريعًا، وتخَوّط تخَوّطا : مثله، وكذلك مخَطَ في الأرض مَخْطا .

ص: 579

قال كُراع النّمل: هو مأخوذ من < الخطو >، مقلوب عنه. واستدرك عليه ابن سيده قائلا : و هذا خطأ؛ إذ لو كان كذلك لقالوا: خاط خَوْطةً، ولم يقولوا: خاطَ خَيْطَةً، وليس مثل كُراع يؤمن على هذا!

ولكنّ القول ما قاله كُراع، لأنّ الواو والياء تتعاقبان كثيرا في اللُّغة. قال ابن الأثير: في صفة أهل الجنّة < حافتاه الياقوت المُجيَّب >... والّذي جاء في معالم السُّنن < المجيَّب > أو < المجوَّب > ... وأصله من: جُبْتُ الشّيء، إذا قطَعتَه، والشّيء مَجِيب أو مَجوُب، كما قالوا: مَشِيب ومَشُوب، وانقلاب الواو عن الياء كثير في كلامهم. ونحوه ما نقله ابن منظور عن ابن بُزُرْج، قال : جَيّبتُ القميص و جَوّبتُه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم ( الخَيْط ) مرّتين، و ( الخِيَاط ) مرّة في آيتين:

1 {...وَكُلُوا وَ اشْرَ بُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ اَتِمُّوا الصِّيَامَ اِلَى الَّيْلِ...} البقرة : 187

2 { اِنَّ الَّذينَ‘ كَذَّبُوا بِايَاتِنَا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاتُفَتَّحُ لَهُمْ اَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلايَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فى سَمِّ الْخِيَاطِ ...} الأعراف : 40

يلاحظ أوّلا : أ نّه استُعمل الخَيْط والخِياط في هاتين الآيتين على النّحو الآتي:

1 شبّه ما يمتدّ معترضًا ومستطيلا في الأُفق بالخَيْط في (1): { وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ }، فالخَيْط الأبيض: بياض النّهار وضوؤُه، ويسمّيه الفقهاء: الفجر الصّادق، والخَيْط الأسود: سواد اللّيل وظلمته، ويسمّونه الفجر الكاذب.

و وُصف{ الْخَيْط } بالبياض والسّواد، لبيان هيئته ولونه حسًّا. وفسّر أبو عُبَيْدَة { الْخَيْط } هنا باللّون، فهو على هذا القول بيان للّون فقط.

2 قال الشِّربينيّ في{ مِنَ الْفَجْرِ }: < و المعنى على التّبعيض حال كون الخيط الأبيض بعضًا من الفجر، و على البيان حال كونه هو الفجر >. لكنّ الظّاهر التّبعيض، لأنّ الأبيض و الأسود كلّ منهما من الفجر.

أمّا ( مِنْ ) في{ مِنَ الْخَيْطِ الاَسْوَدِ } فهي متعلّقة ب { يَتَبَيَّنَ } و صلة لها، وليست لأحد المعنيين: التّبعيض أو البيان.

3 و طرح البَيْضاويّ بحثًا في أنّ ذكر { الْخَيْطُ الاَبْيَضُ }و { الْخَيْطِ الاَسْوَدِ } كناية، أو تشبيه، و تبعه النَّيسابوريّ، فلاحظ.

4 إن قيل: لِمَ ذُكرت نهاية الأكل و الشّرببدل بداية الإمساك للصّوم، كما ذُكرت نهايته في { اِلَى الَّيْلِ } وذكرت بداية إقامة الصّلاة و غايتها في قوله: { اَقِمِ الصَّلوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ اِلى غَسَقِ الَّيْلِ وَ قُرْ انَ الْفَجْرِ اِنَّ قُرْ انَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } الإسراء : 78؟

يقال:توسيعًا للنّاس في الأكل و الشّرب، فذكرهما صريحًا، و كنّى بهما عن الإمساك عنهما لينًا في بيان الحكم، و لطفًا على العباد.

ص: 580

ونظير هذه الآية في هذا الحكم قوله: { فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ انَائِ الَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ اَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضى } طه:130، فلم تذكر غاية التّسبيح، أي سبّحه في هذه الأوقات وأحمده، وكذا قوله: { فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ } ق: 39.

5 وعد الله تعالى المكذّبين بآياته والمتكبّرين عن قبولها بتغليق أبواب السّماء، ومنع دخولهم الجنّة، في (2): { اِنَّ الَّذينَ‘ كَذَّبُوا بِايَاتِنَا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاتُفَتَّحُ لَهُمْ اَبْوَابُ السَّمَاءِ وَ لايَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فى سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذلِكَ نَجْزِى الْمُجْرِمينَ ‘}. وأكّد هذا الوعد ب < إنّ > في صدرها، وبقوله: { حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فى سَمِّ الْخِيَاطِ }، لأ نّه علّق دخولهم الجنّة بدخول الجمل في ثَقْب الإبْرَة، و هذا لايتوهّمه أحد، و لايتصوّر حصوله أبدًا، ويراد به إياسهم.

ونظيره قولهم: لاأفعل كذا حتّى يشيب الغراب، أو يبيض القار، لأنّ الغراب لايشيب، والقار أي القير

لايبيض ، وكلّفتني بيض الأنوق والأبلق العقوق، أي كلّفتني سؤال ما لايكون و ما لايقدر عليه ، والأنوق: الرّخمة أو العقاب، وأوكارها في رؤوس الجبال والأماكن الصّعبة البعيدة، والأبلق: من ذكور الخيل ، والعقوق : الحامل من البهائم، وهو لايحمل.

ثانيًا: الآية الأُولى مدنيّة تشريع، و الثّانية مكّيّة إنذار و وعيد.

ثالثًا: لم ترد نظائر لهذه المادّة في القرآن، غير أ نّه ورد فيه ماينصح بالخيط، أي الثّياب والملابس وبعض أنواعهما، وهي الحرير والسّندس و الإستبرق، والقميص أيضًا. وما ينظم فيه الخيط من الحليّ وهي القلائد، وما يُشبهه وهو الحبل، وهو المراد في القراءة الشّاذّة: ( حَتّى يَلِجَ الْجُمَّلُفى سَمِّ الْخِيَاطِ )، وكذا التّخفيف : < الْجُمَلُ > و < الْجُمْلُ > و < الْجُمُلُ > و كلّها على ما في < الوسيط > 1 : 136: الحَبْل الغليظ خلافًا للمفسّرين حيث قالوا إنّه البعير كما ورد فيه أيضًا ثَقْب الخِياط، وهو السّمّ في الآية: (2).

ص: 581

ص: 582

خ ي ل

اشارة

6 ألفاظ، 9 مرّات: 4 مكّيّة، 5 مدنيّة

في 9 سور: 4 مكّيّة، 5 مدنيّة

خَيْل 1 : 1 يُخَيّل 1 : 1

الخَيْل 3 : 1 2 مُخْتال 2 : 1 1

بخَيْلِك 1 : 1 مُخْتالا 1 : 1

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: و الخال: بَثْرَة في الوجه تضرب إلى السّواد؛ و جمعه: خِيْلان.

و الخال: ثوب ناعم من ثياب اليمن. قال:

* و الخال ثوب من ثِياب الجهّال *

و يقال: رجل خالٌ و مُختالٌ، أي شديد الخُيَلاء.

و الخال كالظّلَع و الغَمْز في الدّ ا بّة. يقال: خال الفرس يخال خالا ، و الفرس خائل.

و خالاني فلان، أي خالفني.

و الخال: اللِّواء.

و الأخْيَل: تذكير الخُيَلاء.

و الأخْيَل: طائر يسمّيه الفُرس < كاجُول > خُضْرَته مُشْرَبة حُمْرةً، يتشاءم به العرب.

و الأخْيَل: الشّاهين، و الجميع: أخايل.

و الخَيال: كلّ شيء تراه كالظّلّ. و خيالك في المرآة، و هو ما يأتي العاشق أيضًا في النّوم على صورة عشيقته. وتقول: تخَيّل لي الخَيال.

و الخال: الرّجل السّمِح، يشبّه بالغَيْم البارق.

و تخَيّل إليّ، أي شُبّه.

و الخَيال: غَيْم ينشأُ، يُخَيّل إليك أ نّه ماطِر ثمّ يعدوك. فإذا أرعَد و أبرَق فالاسم: المَخيلة، فإذا ذهب غَيْمًا لم يسمّ مَخِيلةً و إن لم يمطر سمّي خُلّبًا و خَيّلَتِ السّماء: أغامَت و لم تُمِطر.

و كلّ خليق لشيء فهو مخيل له. و يقال: خِلتُهخيَلانًا.

و يقال: خَيّل علينا و تخَيّل علينا

ص: 583

أي أدخَل علينا التُّهَمَة و شبّهها.

و إخالُ زيدًا يُكرمك.

و تخَيّل عليك فلان، إذا اختارك و تفرّس فيك الخير.

و يقال: إنّ فلا نًا مُخِيل للخير، و كلّ شيء اشتَبَه عليك فهو مُخِيل، و قد أخالَ.

وأخالت النّاقة فهي مُخِيلة، إذا كانت حَسَنة العَطَل. و إذا كان في ضَرْعها لبن، فهي مُخِيلة أيضًا.

و الخَيْل: جماعة الفرس، لم تُؤخذ من واحد، مثل النَّبْل و الإبل.

و التّخايل: خُيَلاء في مُهلَة. [و استشهد بالشّعر4 مرّات] (4 : 304)

سيبَوَيه: باب ما كان من < أفعل > صفة في بعض اللّغات، و اسمًا في أكثر الكلام؛ و ذلك: أجْدَلٌ و أخْيَلٌ و أفْعًى، فأجْوَد ذلك أن يكون هذا النّحو اسمًا، و قد جعله بعضهم صفة؛ و ذلك لأنّ الجَدْل شدّة الخلق، فصار أجْدَل عندهم بمنزلة شديد.

و أمّا أخْيَل، فجعلوه < أفعل > من الخيلان للونه، و هوطائر أخْضَر،و على جناحه لُمْعَة سوداء مخالفة للونه.

و على هذا المثال جاء أفْعًى، كأ نّه صار عندهم صفة و إن لم يكن له فعل و لامصدر. (3 : 200)

اللّيث: و ربّما مرّ بك الشّيء شِبْه الظِّلّ فهو خَيال.

يقال: تخَيّل لي خَيالُه، و يقال: خِلتُه زيدًا خِيلانًا.

إخالُه و أخالُه.

و من أمثالهم: « من يَسمَع يَخْلَ » أي يظنّ.

و قيل: < من يَشبَع يَخَلْ » و كلام العرب هو الأوّل. (الأزهَريّ 7 : 565)

الكِسائيّ: السّحابة المُخِيلة: الّتي رأيتَها حَسِبتَها ماطرةً و قد أخْيَلْنا.

و تخَيّلتِ السّماء: تهَيّأتْ للمطر.

(الأزهَريّ 7 : 563)

الأحمر: افعَلْ كذا و كذا، إمّا هلَكَتْ هُلْكُ أي على ما خَيّلَت أي على كلّ حال، و نحوه.

(الأزهَريّ 7 : 563)

أبوعمروالشّيبانيّ: الخالة: قيل: الخافية.

(1 : 220)

الأخيلة: جماعة الخيل. (1 : 235)

قد أخالت [السّماء] فهي مُخيلَة، مثلها: رأيت منها خالا حسَنًا، قد خَيّلَتِ السّماء المُخِيلة: أن ترى سحابًا من بعيد. (1 : 236)

الخال: الخُيَلاء. [ثمّ استشهد بشعر] (1 : 240)

الفَرّاء: الأخْيَل: الشِّقْراق عند العرب. و قال شَمِر: كانت العرب تتشاءم به . (الأزهَريّ 7 : 565)

أبو زَيْد: ما خَيّلَتْ، من كلام العرب أي على كلّ حال.ما خَيّلَتْ: ما تهيّأتْ. (26)

تخَيّلتُ عليه تخَيُّلا إذا تخَيّرتَه و تفَرّستَ فيه الخير.

و خَيّلَتْ علينا السّماء،إذا رعَدَت و بَرَقت قبل المطر.

فإذا وقع المطر ذهب اسم التّخييل.

ص: 584

و خَيّلْتُ على الرّجل تخييلا ، إذا وَجّهْتَ التُّهَمَة إليه. (الأزهَريّ 7 : 564)

يقال: لايُخيل ذاك على أحد، أي لايُشكِل.

و شيء مُخِيل: مُشكل. (الأزهَريّ 7 : 568)

الخال من الخُيَلاء، و الخال من قولهم: عسكر خال، و ثوب خال، أي رقيق.

و الخالة: جمع خال من الخُيَلاء. [و استشهد با الشّعرمرّ تين] (ابن دُرَيْد 3 : 496)

الأصمَعيّ: الخَيال: خشَبَة تُوضع فيُلقى عليها الثّوب للغنم، إذا رآها الذّئب ظنّ أ نّه إنسان... [ثمّ استشهد بشعر] (الأزهَريّ 7 : 566)

نحوه الزّمَخْشَريّ. (الفائق 2 : 337)

في حديث عثمان:« فصار خَيال بكذا و خَيال بكذا»تفسير الخَيال أ نّهم كانوا ينصبون خشَبًا عليها ثياب سود ليُعلَم أ نّها حِمًى. (المَدينيّ 1 : 631)

أبو عُبَيْد: في حديث النّبيّ(علیه السلام): « أ نّه كان إذا رأى مَخِيلة أقبل و أدبر و تغيّر...» قوله: مَخِيلة، المَخيلة: السّحابة، و جمعها: مَخايل. و قد يقال للسّحاب أيضًا: الخال، فإذا أرادوا أنّ السّماء قد تغيّمت، قالوا: قد أخالت، فهي مُخِيلة بضمّ الميم، فإذا أرادوا السّحابة نفسها قالوا: هذه مَخِيلة بالفتح.

(1 : 325)

و من أمثالهم: « مَن يَسمَع يَخْلَ » و معناه: من يسمع أخبار النّاس و معايِبَهم يقع في نفسه عليهم المكروه، و معناه: أنّ المُجانَبَة للنّاس أسلَم.

(الأزهَريّ 7 : 565)

ابن الأعرابيّ: وخال يَخِيل خَيْلا، إذا دام على أكل الخِيْل و هو السّذاب. (الأزهَريّ 7 : 567)

ابن السِّكّيت : و يقال: رجل مُختال، و خال، و ذو خُيَلاء، و ذو خال. [ثمّ استشهد بشعر] (155)

و تخَيّلْتُ في المشي تخَيُّلا ؛ و الاسم الخُيَلاء و الخال و الخِيَلَة. [ثمّ استشهد بشعر] (289)

و يقال: قد أخَلْتُ فيه الخير، إذا رأيت فيه مَخِيلتَه. و قد أخَلْتُ السّحابة و أخيَلْْْْْتُها، إذا رأيتها مُخِيلة للمطر.

و يقال: ما أحسَن مَخيلتَها و خالَها، أي خَلاقتَها للمطر، و قد خِلْتُ الشّيء أخالُه خَيْلا و مَخِيلةً، إذا ظنَنتَه. (إصلاح المنطق : 273)

و تقول: قد خَيّلَتِ السّماء للمطر، و السّماء مُخِيلةٌ للمطر، و ما أحسَن مَخيلتَها و خالَها! أي خَلاقتها للمطر.

و قوله: أفعَل ذاك على ما خَيّلَتْ، أي على ما شَبّهَتْ. و إنّه لمُخِيل للخير، أي خليقٌ له. و قد أخَلْتُ فيه خالا من الخير، و تخَوّلتُ فيهخالا . و وجَدتُ أرضًا مُتخَيّلةً، إذا بلغ نبتُها المَدى و خرج زهرها.

(إصلاح المنطق : 371)

و رجل خال: ذو خُيَلاء.

(إصلاح المنطق : 380)

أبو حاتِم: و مثل ظنَنتُ في المعنى حسِبتُ و خِلْتُ، فأجروهما على ذلك أيضًا، فقال أبو ذؤيب يذكر موت بنيها، فجعل « أخالُ » يقينًا؛ إذ كانت في معنى أظُنّ:

ص: 585

فبَقِيتُ بعدهم بعيش ناصب

و أخالُ أ نّي لاحقٌ مستَتْبِع

(الأضداد : 77)

الجاحظ: المَخِيلة: العقاب الذّكر الأشبث.

(6 : 312)

المُبَرِّد: و الفضل((1)):

مِشْيَة فيها اختيال، كأنّ مشيتها تخرج عن حِطامها فتَفضُل عليه. و الأصل في ذلك أن يمشي الرّجل و قد أفضل من إزاره، و تمشي المرأة و قد أفضَلتْ من ذيلها، و إنّما يفعل ذلك من الخُيَلاء، و لذلك جاء في الحديث: < فضل الإزار في النّار >.

و قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) لأبي تميمة الهُجَيميّ: < إيّاك و المَخِيلة، فقال: يا رسول الله نحن قوم عرب فما المَخِيلة؟ فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله) : سَبَل الإزار >. (2 : 4)

ابن دُرَيْد: الخَيْل: جمع لاواحد له من لفظه ؛ و الجمع: خيول.

و الخُيَلاء: التّكبّر في المشي، و لايكون ذلك إلا مع سحب الإزار، و في الحديث: « من سحب إزاره من الخُيَلاء لم ينظر الله إليه ».

و الخَيال معروف. (2 : 243)

و الخال من الخُيَلاء، رجل ذو خال. و قال الرّاجز:

* خالُ أبيه لبَني بناتِه *

أي اختيال أبيه، يصف فحلا من الإبل نزع في بني بناته.

و الخالة: جمع خائل، من الاختيال.[ثمّ استشهد بشعر]

و زعم قوم أنّ الخال لواء الجيش.

و الخَيْل: معروفة، لاواحد لها من لفظها.

و سحابة مَخِيلة: يُستَخال فيها المطر؛ و الجمع: مَخائل.

و الخَيال: ما ظهر لك ليلا أو نهارًا ممّا لاتَحُقّه.

و الخال: ضرب من الثّياب.

و الخال: من الخُيَلاء.

و الخال: الأثر في البدن.

و الخال: الّذي في الوجوه و غيره.

و الأخْيل: طائر يُتشاءم به.

و الخِيْل: الحِلْتِيت، لغة يمانيّة. (3 : 239)

القاليّ: و الخالة: جمع خائل، مثل بائع و باعة.(1 : 227)

الأزهَريّ: [ذكر قول الخَليل: < و الخال: ثوب ناعم من ثياب اليمن.> و أضاف:]

قلت: الخال: ضَرْب من بُرُود اليمن المُوَشِّية.

و الخال: اللّواء الّذي يُعقَد لولاية وال و لا أُراه سميّ خالا . إلا لأ نّه كان يُعقَد من برود الخال.

و الخال: الكِبْر، و الخُيَلاء. و قال الرّاجز:

* و الخال ثَوْب من ثياب الجُهّال *

و جعل اللّيث: الخال هاهنا ثوبًا! و إنّما هو الكِبْر.

و قال الله: جلّ و عزّ: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور } فالمُختال: المتكبّر.

و يقال: رجل خال أي مُختال.

ص: 586


1- (1) يعود إلى الشّعر.

يقال: خالَ الفرس يخال خالا ، فهو خائل.

و الخال: خال السّحابة إذا رأيتها ماطرة.

و في الحديث: « إنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) كان إذا رأى مَخِيلة، أقبَل و أدبَر و تغيّر.

قالت عائشة: فذَكَرتُ ذلك له فقال: وما يُدْرينا؟ لعلّه كما ذكر الله عزّ و جلّ: { فَلَمَّا رَاَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ اَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هذَا عَارِضٌ مُمْطِرُ نَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ريحٌ‘ فيهَا‘عَذَابٌ اَليمٌ ‘} الأحقاف : 24.

و يقال للرّجل المختال: خائل،

و جمعه: خالة.

[و قيل:] خَيّلتُ للنّاقة و أخيَلْتُ، و هو أن تضع لولدها خيالا ليفزع منه الذّئب فلايقرَبه.

و قال ابن هانئ في قولهم: < من يسمع يَخَلْ>: يقال ذلك عند تحقيق الظّنّ.

قال: و يَخَلْ: مشتقّ من يُخيَّل إليّ.

و الخَيال أيضًا ما نُصِب في أرض ليُعلَم أ نّها حِمًى فلاتُقرَب.

و قيل: راعي الخَيال هو الرّ أْلُ يَنصِب له الصّائد خَيالا يألفه، فيجيء فيأخذ الخَيالَ فيَتبَعُه الرّ أْلُ.

و الخَيال: خَيال الطّائر يرتفع في السّماء فينظر إلى ظلّ نفسه، فيرى أ نّه صيد، فينقض، و لايجد شيئًا. و هو خاطِف ظِلّه.

و الخَيال: أرض لبني تَغْلِب.

و يقال: وَرَدْنا أرضًا مُتخيِّلة و قد تخَيّلَتْ، إذا بلغ نبتها أن يرعَى.

و في الحديث: « إنّ قومًا وفَدُوا على النّبيّ(صلی الله علیه و آله) فقال خطيبهم بعد ما وصَف جدوبَة بلدهم : كنّا نستحيل الجَهام، و نستخيل الرِّهام ».

و استحالة الجَهام: أن تنظر إليه هل يَحُول؟ أي يتحرّ ك.

و استخالة الرِّهام: إذا نظرت إليها فخِلْتَها ماطِرة.

و المُخايلة: المُباراة.يقال: خايَلْتُ فلانًا، أي باريتُه و فعلت فعله.

و قال عَرّام: خَيّل فلان عن القوم، إذا كَعَّ عنهم.

قال سَلَمَة: و مثله: غَيّفَ، و خَيّفَ. [و استشهدبالشّعر 6مرّات] (7 : 559 568)

الصّاحِب: [نحو الخَليل إلا أ نّه قال:]

و الأخيَل: تذكُّرالخُيَلاء. و التّخايل: خُيَلاء في مُهلَة.

و خال الرّجل يخيل، إذا تكبّر، و يَخُول: لغة فيه.

و الخِيْلَة: الخُيَلاء.

و رجل أُخائل، أي مُتبَختِر.

و فلان يُخايل فلانًا، أي يُباريه في الخُيَلاء.

و الأخيَل: طائر يُتشاءم به، و قيل: الشّاهين؛ و الجميع: الأخايل.

و يقولون: أفعَل ذلك على ما خَيّلَتْ: أي على ما شَبّهَتْ. و هو يمضي على المُخيَّل: أي على ما خَيّلَتْ.

و خَيّل الرّجل: جَبُن عند القتال.

و التّخيّل: المضيّ و السّرعة و التّلوّن ألوانًا.

و راعي الخَيال: هو الرّ أْلُ يَنصِب له الصّائد خالا .

و الخَيْل: جماعة الفرس.

و الخَيّالة: أصحاب الخَيْل.

ص: 587

و يقولون: « من يَسمَعْ يَخَلْ ».

و خِلتُه خَيْلَةً و خِيلانًا، أي حَبَسْته.

و المُخِيلَة: الرّاية العظيمة كمُخِيلة السّحاب الّتي لاتُخلِف.

و تخَيّلَ الخَرْق بالسَّفْر، و تخيُّله بهم: ما يريهم من تلَوُّنه بالآل. (4 : 410)

الخطّابيّ: عن عائشة: قالت: « كان نبيّ الله (صلی الله علیه و آله) إذا رأى ريحًا سأل الله خيرها و خير ما فيها، و إذا رأى في السّماء اختيالا تغيّر لونه و دخل و خرج و أقبَل و أدبَر »؛ الاختيال من المَخِيلة، و هي السّحابة الّتي يُخال بها المطر. يقال: خيّلَت السّماء و تخَيّلَتْ، إذا أرَتْ أ نّها ماطرة، و الخال: السّحاب الّذي يُخِيلُك المطر. [ثمّ استشهد بشعر] (1 : 681)

الجَوهَريّ: الخَيال والخَيالة: الشّخص، و الطّيف أيضًا.

والخَيال: خشَبة عليها ثياب سود تُنصَب للطّير و البهائم فتَظنُّه إنسانًا.

و الخيال: أرض لبني تَغْلِب.

و الخَيْل: الفرسان، و منه قوله تعالى:{ وَ اَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ } الإسراء : 64، أي بفُرسانك و رجّالتك.

و الخَيْل أيضًا: الخُيُول، و منه قوله تعالى: { وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغَالَ وَ الْحَميرَ ‘لِتَرْكَبُوهَا } النّحل : 8.

و الخَيّالة: أصحاب الخُيُول.

و الخال: الّذي يكون في الجسد؛ و يجمع على خِيلان.

و رجل أخيَل، أي كثير الخِيلان. و كذلك مَخيل

و مَخْيُول، مثل مكيل و مَكيُول. و يقال أيضًا: مَخُول، مثل مَقُول.

و تصغير الخال: خُيَيْل فيمن قال: مَخيل،و مَخيُول، و خُوَيْل فيمن قال: مَخُول.

و الخال و الخُيَلاء و الخِيَلاء: الكِبْر. تقول منه: اختال فهو ذو خُيَلاء، و ذو خال، و ذو مَخِيلة، أي ذو كِبْر.

و قد خال الرّجل فهو خائل، أي مُختال.

و جمع الخائل: خالة، مثل: بائع و باعَة. و كذلك رجل أُخائل، أي مُختال، قالوا: أُباتِر و أُدابِر.

و الخال: اسم جبَل تلقاء الدّثينة.((1))

و الخال: الغَيْم. و قد أخالَت السّحاب و أخيَلَتْ

و خايَلَتْ، إذا كانت تُرَجّى المطر.

و قد أخَلْتُ السّحابة و أخيَلتُها، إذا رأيتَها مَخيلة للمطر.

يقال: ما أحسَن مَخِيلَتَها و خالَها! أي خلاقتَها للمطر.

و فلان مُخيل للخير، أي خليق له.

و تخيّلت السّماء، أي تغيّمت و تهيّأت للمطر.

و وَجَدتُ أرضًا مُتخيِّلة و مُتخايِلة، إذا بلغ نبتُها المَدَى و خرج زَهرها.

و خِلْتُ الشّيء خَيْلا ، و خِيلَةً، و مَخيلَةً، و خَيلُولَةً، أي ظنَنتُه.

ص: 588


1- (1) في اللّسان: <المدينة>.

و في المثل: <من يَسْمَع يَخَلْ > و هو من باب ظننت و أخواتها الّتي تدخل على المبتدإ و الخبر، فإن ابتَدأتَ بها أعمَلْتَ، و إن وسّطتها أو أخّرتَ فأنت بالخيار بين الإعمال و الإلغاء.

و تقول في مستقبله: إخال بكسر الأوّل، و هو الأفصح. و بنو أسد تقول: أخال بالفتح، و هو القياس.

و أخال الشّيء، أي اشتبه. يقال: هذا أمر لايُخِيل.

و خَيّلْتُ للنّاقة و أخيَلْتُ أيضًا، إذا وضَعتَ قُرب ولدها خَيالا ليفزَع منه الذّئب فلايقربَه.

و فلان يمضي على المُخيَّل، أي على ما خيَّلْتَ أي شَبَّهْتَ، يعني على غَرَر من غير يقين.

و خُيِّل إليه أ نّه كذا، على ما لم يسمّ فاعله، من التّخييل و الوهم.

و تخيّل له أ نّه كذا، أي تشبّه و تخايل. يقال: تخيّلته فتخيّل لي، كما يقال: تصوّرته فتصوّر لي، و تبيّنته فتبيّن لي، و تحقّقته فتحقّق.

و المُخايلة: المباراة.

و الأخيَل: طائر، قال الفَرّاء: هو الشِّقِرّاق عند العرب، تتشاءم به.

و هو ينصرف في النّكرة إذا سمّيت به، و منهم من لا يصرف في المعرفة و لا في النّكرة، و يجعله في الأصل صفة من التّخيّل.

و بنو الأخيَل: حيّ من بني عُقَيْل، و رهطُ ليلى الأخيليّة.

[و استشهد بالشّعر 12مرّات] (4 : 1691)

ابن فارِس: الخاء و الياء و اللام أصلواحد يدلّ على حركة في تلوُّن. فمِن ذلك الخَيال، و هو الشّخص. و أصله: ما يتخيّله الإنسان في منامه، لأ نّه يتشبّه و يتلوّن. و يقال خَيّلْتُ للنّاقة، إذا وضعت لولدها خيالا يُفزّع منه الذّئب فلايَقرُبه.

و الخَيْل معروفة. و سمعت من يحكي عن بِشْر الأسديّ عن الأصمَعيّ، قال: كنت عند أبي عمرو ابن العَلاء، و عنده غلام أعرابيّ فسُئل أبو عمرو: لِمَ سمّيت الخَيْل خَيلا ؟ فقال: لا أدري. فقال الأعرابيّ: لاختيالها، فقال أبو عمرو: اكتُبوا. و هذا صحيح، لأنّ المختال في مِشيَته يتلوّن في حركته ألوانًا.

و الأخيَل: طائر، و أظنّه ذا ألوان. يقال هو

الشِّقِرّ اق، و العرب تتشاءم به. يقال: بعير مَخيُول، إذا وقع الأخيَل على عجُزه فقطّعه. [ ثمّ استشهد بشعر]

و يقال تخَيّلَتِ السّماء، إذا تهيّأت للمطر، و لابدّ أن يكون عند ذلك تغيّر لون.

و المَخِيلة: السّحابة. و المَخِيلة: الّتي تَعِد بمطر.

فأمّا قولهم: خَيّلْتُ على الرّجل تخييلا ، إذا وجّهتَ التّهمة إليه، فهو من ذلك، لأ نّه يقال: يُشبه أن يكون كذا يُخيّل إليّ أ نّه كذا، و منه تخَيّلْتُ عليه تخيّلا ، إذا تفَرّسْتَ فيه. (2 : 235)

أبو هِلال: الفرق بين التّصوّر و التّخيّل أنّ التّصوّر تخيّل لايثبت على حال، و إذا ثبت على حال لم يكن تخيّلا ، فإذا تُصوّر الشّيء في الوقت الأوّل و لم يُتصوّر في الوقت الثّاني قيل: إنّه تخيّل.

و قيل: التّخيّل: تصوّر الشّيء على بعض أوصافه دون بعض، فلهذا لايتحقّق.

ص: 589

و التّخيّل و التّوهّم ينافيان العلم، كما أنّ الظّنّ و الشّكّ ينافيانه. (80)

الهَرَويّ: و في الحديث: « كان إذا رأى مَخيلَةً أقبَل و أدبَرَ و تغيّر ».

المَخِيلة: السّحابة الخليقة للمطر، و أخالت السّماء فهي مُخِيلة إذا تغَيّمَتْ بضمّ الميم، و ذاك بفتحها، و أخيَل القوم: توهّموا المطر في السّحاب، و تخَيّلَتِ السّحابة: تهيّأت للمطر.

و في حديث طلحة: أ نّه قال لعمر: « إنّا لاننبوا في يديك و لا نَخُول عليك » يقال: خال الرّجل و اختال، و رجل خالٍ و ذو خالٍ، أي ذو مَخِيلة.

و منه قول ابن عبّاس: < كُلْ ما شئت و ألبِسْ ما شئت إذا أخطأتْك خُلّتان: سَرِف و مَخِيلة » أي خُيَلاء.

و التّخايل: كلّ ما لاأصل له. (2 : 605)

الثّعالبيّ: تخَيّلَتِ السّماء، و تَرَهْيَأت، إذا تهَيّأت للمطر. (188)

إذا كانت فيه [الثّوب] صُوَر الخَيل، فهو: مُخَيّل. [ثمّ استشهد بشعر] (245)

إذا رأيتها [السّحاب] و حسبتها ماطرة، فهيمُخِيلة. (275)

ابن سيده: خال الشّيء يخال خَيْلا ، و خَيْلَةً، و خالا ، و خِيَلا ، و خَيَلا نًا، و مَخالةً، و مخيلةً، و خَيلُولةً: ظنّه.

و خَيّل فيه الخير، و تخيّله: ظنّه و تَفرّسه.

و خَيّل عليه: شَبّه.

و خيّل عليه تَخْييلا و تخيّلا ، الأخيرة على غير الفعل، حكاها أبو زَيْد: وجّه التُّهمَة إليه.

و السّحابة المُخيِّل، و المُخيِّلة، و المُخِيلة: الّتي إذا رأيتها حسبتها ماطرة.و قد أخيَلْنا.

و أخيَلتِ السّماء، و خَيّلَتْ، و تخَيّلَتْ: تهيّأت للمطر فرعَدَتْ و بَرقَتْ، فإذا وقع المطر ذهب اسم ذلك.

و أخَلْنا، و أخيَلْنا: شِمْنا سحابةً مُخِيلة.

و السّحابة المُختالة، كالمُخِيلة.

و ما أحسَن خالَها، و مَخِيلتها!

و الخال: سحاب لايُخلف مطره.

و قيل: الخال: السّحاب الّذي إذا رأيتَه حسِبتَه ماطرًا و لامطر فيه.

و الخال: البرق، حكاه أبو زياد، و يردّه عليه أبو حنيفة. و قد أبَنتُ ما ردّ به أبو حنيفة في ردّه على أبي زياد.

و الخال: الرّجل السَّمْح، يُشَبّه بالغيم حين يَبْرُق.

و الخال، و الخَيْل، و الخُيَلاء، و الخِيلاء، والأخْيَل، والخَيْلة، والمَخِيلة، كلّه: الكِبْر.

و رجل خالٌ، و خائل، و خالٍ على القلب و مختال ، و أُخائِل: ذو خُيَلاء مُعجِب بنفسه، لانظير له من الصّفات إلا رجل أُدابر: لايَقبل قول أحد و لايلوي على شيء، و أُباتِر: يَبتُر رَحِمَه لقطعها.

و قد تَخَيّل، و تَخايل.

و اختالَتِ الأرض بالنّبات: ازدانت.

و الخال: الثّوب الّذي تضعه على الميّت تستُره به.

ص: 590

و قد خَيّل عليه.

و الخال: ضَرْب من بُرُود اليمن.

و الخال: الثّوب النّاعم.

و الخال: شامة سوداء في البدن. و قيل: هي نكتة سوداء فيه؛ و الجمع: خِيلان.

و امرأة خَيْلاء، و رجل أخْيَل، و مَخِيل، و مَخيُول، و لافِعْل له.

و الأخيَل: طائر أخضر، و على جناحَيه لُمْعَة تخالف لونه، سمّي بذلك للخِيلان، و لذلك و جّهه سيبَوَيه على أنّ أصله الصّفة، ثمّ استُعمل استعمال الأسماء، كالأبرق و نحوه.

و قيل: الأخيَل: الشَّقِرّاق، و هو مشؤُوم. تقول العرب: أشأم من أخيَل.

قال ثَعْلَب: وهو يقع على دَ بَرة البعير. انتهت الحكاية عنه.و أراهم إنّما يتشاءمون به لذلك.

و الخال: كالضَّلْع يكون بالدّ ا بّة، و قد خال يخال خالا .و الخال: اللّواء يُعقَد للأمير.

و الخال: الجبَل الضّخم، و البعير الضّخم؛ و الجمع: خِيلان.

و إنّه لمَخِيل للخير، أي خليق له.

و أخالَ فيه خالا من الخير، و تخيّل عليه، كلاهما: اختاره و تفرّس فيه الخير.

و تخَيّل الشّيء له: تشَبّه.

و الخيال،و الخَيالة: ما تشبّه لك في اليقظة و الحِلم من صُورة.

و رأيت خَيالَه، و خيالته، أي شخصه و طَلعَته، من ذلك.

و خَيّل للنّاقة، و أخيَل: وضع لولدها خَيالا ليفزع منه الذّئب فلايقربه...

و الخَيال: كِساء أسود يُنصَب على عُود يُخيّل به.

و الخَيْل: جماعة الأفراس، لاواحد له من لفظه. قال أبو عُبَيْد: واحدها: خائل، لأ نّه يختال في مشيه، و ليس هذا بمعروف.

و الجمع: أخيال، و خُيول. الأُولى عن ابن الأعرابيّ، و الأُخرى أشهر و أعرف.

و فلان لاتُسايَر خَيْلاه، و لا تُواقف خَيْلاه، ولاتُسايَر ولاتُواقف، أي لايُطاق نميمةً و كذِبًا.

و قالوا: < الخَيْل أعلم من فُرسانها > يُضرَب للرّجل تظنّ أنّ عنده غناء، أو أ نّه لاغناء عنده، فتجده على ما ظننت.

و الخيال: نَبْتٌ.

و الخال: موضع. و قد تكون ألفه مُنقلبة عن واو.

و الخِيل: الحِلْتيتُ، يمانيّة. [و استشهد بالشّعر 10 مرّات] (5 : 258)

الطُّوسيّ: و الخَيْل: الأفراس، سمّيت خَيْلا ، لاختيالها في مشيها.

و الاختيال: من التّخيّل، لأ نّه يتخيّل به صاحبه في صورة من هو أعظم منه كِبْرًا.

و الخيال كالظِّلّ، لأ نّه يتخيّل به صورة الشّيء. تقول: خِلتُ زيدًا أخال خيَلا نًا، إذا خشيته، لأ نّه يتخيّل إلى النّفس أ نّه هو.

ص: 591

و الأخيَل: الشِّقِرّاق و هو طائر، الغالب عليه الخضرة مُشرب حُمرة، لأ نّه يتخيّل مرّة أخضَر و مرّة أحمَر.

و أصل الباب التّخيّل: التّشبّه بالشّيء، و منه أخال عليه الأمر يُخيل إذا اشتبه عليه، فهو مخيل.

(2 : 412)

أصل المختال من التّخيّل، و هو التّصوّر، فالمختال لأ نّه يتخيّل بحاله مرح البطر. و منه الخَيْل، لأ نّها تختال في مشيها، أي تتبختر، و الخيال، لأ نّه يتخيّل به صاحبه، و الأخيَل: الشِّقِرّاق، لأ نّه يتخيّل في لونه الخضرة من غير خلوصها.

و خلته راكبًا خيَلا نًا، أي تخَيّلتُه. و الخال: المختال. (3 : 195)

الرّاغِب: الخيال: أصله: الصّورة المجرّدةكالصّورة المتصوّرة في المنام، و في المرآة و في القلب بُعَيْد غيبوبة المرئيّ، ثمّ تُستَعمل في صورة كلّ أمر متصوَّر، و في كلّ شخص دقيق يجري مجرى الخيال.

و التّخييل: تصوير خيال الشّيء في النّفس، و التّخيّل: تصوّر ذلك. و خِلْت بمعنى ظننت، يقال اعتبارًا بتصوّر خيال المظنون.

و يقال خَيّلتِ السّماء: أبدت خيالا للمطر، و فلان مَخِيل بكذا، أي خليق. و حقيقته: أ نّه مظهر خيال ذلك.

و الخُيَلاء: التّكبّر عن تخيّل فضيلة تراءت للإنسان من نفسه، و منها يُتأوّل لفظ الخَيْل لما قيل: إنّه لايركب أحد فرسًا إلا وجد في نفسه نَخوَ ةً.

و الخَيْل في الأصل اسم للأفراس و الفُرسان جميعًا، و على ذلك قوله تعالى: { وَ مِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ } الأنفال:60، و يُستَعمل في كلّ واحد منهما منفردًا نحو ما روي« يا خيل الله اركبي » فهذا للفُرسان، و قوله(علیه السلام) : « عفَوْتُ لكم عن صدقة الخَيْل » يعني الأفراس.

و الأخيَل: الشِّقِرّ اق لكونه متلوّ نًا فيختال في كلّ وقت أنّ له لونًا غير اللّون الأوّل. [ثمّ استشهد بشعر]

(162)

الزّمَخْشَريّ: فيه خُيَلاء و مَخِيلة. و هو يمشي الخُيَلاء.

و إيّاك و المَخِيلة و إسبالَ الإزار.

و اختال في مشيته و تخيّل.

و خايله: فاخَره. وتخايلوا: تفاخروا.

و خِلتُه كريمًا مَخِيلةً. و أخطأتْ في فلان مَخِيلتي أي ظنّي.

و رأيت في السّماء مَخِيلةً و هي السّحابة تخالهُا ماطرة لرعدها و برقها، و رأيت فيها مَخايل.

و السّماء مُخِيلة للمطر: متهيّئة له و قد أخالت السّماء و خيّلت و تخيّلت و خايلت.

و سحابة مُخايلة، إذا رأيتها خلتها ماطرة.

و أخالَ فيه الخير و تخيّل فيه الخير: رأى مَخِيلتَه.

و أخال عليه الشّيء: اشتَبَه و أشكَل. يقال: لايُخِيل ذاك على أحد.

و خُيّل إليه أ نّه دابّة فإذا هو إنسان، و تخيّل إليه.

ص: 592

و أفعَل ذلك على ما خَيّلَتْ أي على ما أرَتْك نفسك و شَبّهَتْ و أوهمَتْ.

و فلان يمضي على المُخيّل، أي على ما خَيّلَتْ.

و تخَيّل الشّيء: تلوّن.

و تخَيّل الخَرْق بالسّفر، و هو ما يُريهم من تلوُّنه بالآل.

و خيّل علينا فلان: أدخل علينا التّهمة.

و تخَيّلْ علينا: تفَرّسْ فينا الخير.تقول: تخَيّلْ على أخيك ولاتُخَيّل عليه.

و خيّلَتْ فلانة في المنام، و تخيّل لي خَيالهُا.

و ظهر خيالُه في المرآة: و نَصَبَ خَيالا في مزرعته، و هو الفزّاعة.

وعن الشّعبيّ: « وجدت رجال هذا الزّمان خَيالات ».

و هؤلاء خَيّالة، أي أصحاب خيل.

و كم عنده من خَيّالة و رَجّالة.

و من المجاز: قول القُطاميّ:

ألمحةً من سنا برق رأى بصري

أم وجه عالية اختالت به الكِلَل

أي تزيّنت به و افتخرت.

و قال رؤبة:

* يَقطَعْنَ خيلان الفلاتَبَوّعًا *

أي علاماته. [و استشهد بالشّعر 7 مرّات]

(أساس البلاغة : 124)

في حديث شريح: <كان يردّالحمّارة من الخيل>.

و الخيل: أصحاب الخيل، من قوله(صلی الله علیه و آله) : «يا خيل الله ارْكبي» و المعنى إنّه ردّهم فلم يلحقهم بالفرسان في السِّهام. (الفائق1: 322)

في حديث النّبيّ(علیه السلام): «...و إذا رأى في السّماء اختيالا تغيّر لونه...».

و روي: « كان إذا رأى مَخِيلة أقبل و أدبر و تغيّر ...».

الاختيال: أن يُخال فيها المطر.

و المَخيِلة: موضع الخيل و هو الظّنّ، كالمَظِنّة

و هي السّحابة الخليقة بالمطر. و يجوز أن تكون مسمّاةً بالمَخِيلة الّتي هي مصدر كالمَحْسِبة، كقولهم: الكتاب و الصّيد. (الفائق1 : 402)

المَدينيّ: في الحديث: « ما أخالُك سَرِقتَ ».يقال: خِلْتُ الشّيء كذا أخاله، بكسر الهمزة و فتحها، خَيَلا نًا و خَيْلَةً، أي حسِبتُه. و القياس فتح الهمزة في مستقبله، و السّماع كسرها، و لعلّه على لغة من يكسر حروف الاستقبال.

و الخَيْل سمّيت بذلك، لاختيالها و اختيال راكبيها بها.

في الحديث: « من الخُيَلاء ما يحبّه الله عزّ و جلّ » يعني في الصّدقة، و هو أن تَهُزّه أريحيّة السّخاء فيُعطيها بطيبة نفسه.

و اختيال الحرب: أن يتقدّم فيها بنَشاط و قوّة جَنان.

و في رواية:« خَيال بإمَّرَة، و خَيال بأسود العين » و هما جبلان.

و في الحديث: « نستخيل الرِّهام »أي نظنّه خليقًا

ص: 593

بالأمطار.

في حديث زيد: «البِرّ أبغي لاالخَال ». أي الخُيَلاء.

(1 : 631)

ابن الأثير: حديث طَهْفَة « و نَستخِيل الجَهام » هو نستَفعِل، من خِلْتُ إخالُ إذا ظنَنتَ، أي نظنّه خليقًا بالمطر. و قد أخَلْتُ السّحابة و أخيَلْتُها.

و منه حديث عائشة: « كان إذا رأى فيالسّماء اختيالا تغيّر لونه ». الاختيال أن يُخال فيها المطر.

و في حديث آخر: « كان إذا رأى مَخِيلةً أقبَل وأدبَر ». المَخِيلَة: موضع الخَيْل، و هو الظّنّ، كالمِظَنّة، وهي السّحابة الخليقة بالمطر. و يجوز أن تكون مُسمّاةً بالمَخِيلة الّتي هي مصدر، كالمَحْبِسَة من الحَبْس.

و منه الحديث: « ما إخالُك سَرَقْتَ » أي ما أظنّك. يقال: خِلْتُ إخالُ بالكسر و الفتح، و الكسر أفصح و أكثر استعمالا ، و الفتح القياس.

و فيه: « من جَرّ ثوبَه خُيَلاء لم ينظر الله إليه » . الخُيَلاء و الخِيَلاء بالضّمّ و الكسر: الكِبْر و العُجْب. يقال: اختال فهو مُختال، و فيه خُيَلاء و مَخِيلة، أي كِبْر.

و منه الحديث: « من الخُيَلاء ما يُحبّه الله » ، يعني في الصّدقة و في الحَرْب، أمّا الصّدقة فأن تَهُزّه أرْيَحِيّة السّخاء فيُعطيها طيّبةً بها نفسُه، فلايستكثر كثيرًا، و لايعطي منها شيئًا إلا و هو له مستقلّ. و أمّا الحرب فأن يتقدّم فيها بنَشاط و قوّة نَخوة و جَنان.

و منه الحديث: « بئس العبد عبد تخَيّل و اختال ». هو تفعَّلَ و افتَعَل منه.

و في حديث عثمان: «... فصار خَيال بكذا و خَيال بكذا »... [ذكر قول الأصمَعيّ كماسبقت عن المَدينيّ و قال:]

و أصلها أ نّها كانت تُنصَب للطّير و البهائم على المُزدَرَعات فتظنّه إنسانًا فلاتسقط فيه.

و في الحديث: « ياخَيْل الله ارْكبي » هذا على حذف المضاف، أراد: يا فُرسان خيل الله ارْكبي. و هذا من أحسن المجازات و ألطفها.

و في صفة خاتم النّبوّة: « عليه خِيلانٌ » هي جمع خال، و هو الشّامة في الجسَد.

و منه الحديث: « كان المسيح (علیه السلام) كثير خِيْلان الوجه ».

(2 : 93)

الصّغانيّ: خِلْتُ يكون بمعنى الشّكّ، و بمعنى اليقين. (الأضداد : 229)

الفَيُّوميّ: الخيل معروفة، و هي مؤنّثة، و لاواحد لها من لفظها؛ و الجمع: خُيُول.

قال بعضهم: و تُطلَق الخَيْل على العِراب و على البَراذين و على الفُرسان.

و سمّيت خَيْلا لاختيالها و هو إعجابها بنفسها مَرَحًا، و منه يقال: اختال الرّجل و به خُيَلاء، و هو الكِبْر و الإعجاب.

و الخال الّذي في الجسد؛ جمعه: خِيْلان و أخْيِلة، مثال أرغِفَة.

و رجل أخيَل: كثير الخِيْلان، و كذلك مَخيل و مَخيُول، مثل مَكيل و مَكيُول. و يقال أيضًا: مِخوَل، مثل مِقوَل، و هذا يدلّ على أ نّه من بنات الواو في لغة،

ص: 594

و يؤيّده تصغيره على خُوَيل.

و الأخيَل: طائر يقال: هو الشِّقِرّاق؛ و الجمع: أخايل، مثل أفضل و أفاضل.

و تخَيّلتِ السّماء: تهيّأت للمطر، و خيّلتو أخالت أيضًا.

و أخال الشّيء بالألف، إذا التبس و اشتبه.

و أخالتِ السّحابة، إذا رأيتها و قد ظهرت فيها دلائل المطر فحسبتها ماطرة، فهي مُخيلة بالضّمّ، اسم فاعل. و مَخيَلة بالفتح، اسم مفعول، لأ نّها أحسبتك فحسبتها.

و هذا كما يقال: مرض مُخيف بالضّمّ، اسم فاعل؛ لأ نّه أخاف النّاس.

و مَخُوف بالفتح، لأ نّهم خافوه.

و منه قيل: أخال الشّيء، للخير و المكروه، إذا ظهر فيه ذلك، فهو مُخيل بالضّمّ.

قال الأزهَريّ: أخالت السّماء، إذا تغيّمت فهي مُخِيلة بالضّمّ، فإذا أرادوا السّحابة نفسها قالوا: مَخِيلة بالفتح. و على هذا فيقال: رأيت مُخيلة بالضّمّ، لأنّ القرينة أخالت، أي أحسبت غيرها، و مَخِيلة بالفتح اسم مفعول، لأ نّك ظننتها.

و خال الرّجل الشّيء يَخاله خَيْلا ، من باب«نالَ»

إذا ظنّه.

و خالَه يَخيله، من باب « باع » لغة، و في المضارع للمتكلّم: إخال بكسر الهمزة، على غير قياس، و هو أكثر استعمالا . و بنو أسد يفتحون على القياس.

و خُيِّل له كذا، بالبناء للمفعول، من الوهم و الظّنّ. و خَيّل الرّجل على غيره تخييلا مثل: لبّس تلبيسًا وزنًا و معنًى، إذا وجّهَ الوهم إليه.

و الخيال: كلّ شيء تراه كالظّلّ.

و خيال الانسان في الماء و المرآة: صورة تمثاله. و ربّما مرّ بك الشّيء يشبه الظِّلّ، فهو خيال. و كلّه بالفتح. و تخَيّلَ لي خياله، قال الأزهَريّ: الخيال: ما نُصب في الأرض ليُعلَم أ نّه حِمًى فلايُقرَب. (1 : 186)

الجُرْجانيّ: الخيال: هو قوّة تحفظ ما يُدركه الحس المشترك من صور المحسوسات بعد غيبوبة المادّة؛ بحيث يشاهدها الحس المشترك، كلّما التفتت إليها فهو خزانة للحس المشترك، و محلّه مؤخّر البطن الأوّل من الدّماغ.

(46)

المخيّلات: هي قضايا يتخيّل فيها فتتأثّر النّفس منها قبضًا و بسطًا فتنفر أو ترغب. كما إذا قيل: الخمر ياقوتة سيّالة، انبسطت النّفس و رغبت في شربها. و إذا قيل: العسل مرّة مهوِّعة، انقبضت النّفس و تنفّرت عنه. و القياس المؤلّف منها يسمّى شعرًا.

(90)

الفيروز اباديّ: خال الشّيء يخال خَيْلا و خَيْلَةً، و يُكسَران و خالا و خيَلا نًا محرّكة و مَخِيلةً و مَخالةً و خَيلُولةً: ظنّه. و تقول: في مستقبله: إخالُ، بكسر الهمزة، و تُفتَح في لُغَيّة:[لغة بعيدة]

و خَيّل عليه تخييلا و تخيّلا : وجّه التُّهَمة إليه، و فيه الخير: تفرّسَه، كتخيّله.

و السّحابة المُخيِّلة و المُخيِّل و المُخِيلة و المختالة: الّتي تَحسِبها ماطرة. و أخيَلْنا و أخَلْنا:شِمْنا سحابة

ص: 595

مُخِيلة.

و أخيَلَتِ السّماء و تخَيّلَتْ و خَيّلَتْ: تهيّأت للمطر.

و الخال: سحاب لايُخلِف مطره، أو لامطرَ فيه، و البرق، و الكِبْر، و الثّوب النّاعم، و بُرْدٌ يمنيّ، و شامَة في البدن؛ جمعه: خِيلان، و هو أخيَل و مَخِيل و مَخيُول، و هي خَيْلاء، و الجبَل الضّخم، و البعير الضّخم، و اللِّواء يُعقَد للأمير، و الظَّلْع بالدّ ا بّة، و قد خال يخال خالا و الثّوب يُستَر به الميّت، و الرّجل السَّمْح، و عين، و المَخِيلة، و الفَحْل الأسود، و صاحب الشّيء، و الخِلافة، و جبَل تلقاء الدّثينة، و المتكبّر المُعجِب بنفسه، و الموضع الّذي لاأنيس به، و الظّنّ و التّوهّم، و الرّجل الفارغ من علاقة الحُبّ، و العَزَبُ من الرّجال، و الحسَن القيام على المال، و الأكَمَة الصّغيرة، و الملازم للشّيء، و لجام الفرس، و الرّجل الضّعيف القلب و الجسم، و نَبْتٌ له نَوْر معروف بنَجْد، و ليس بالأوّل، و البريء من التّهَمَة، و الرّجل الحسن المَخِيلة بما يُتخيّل فيه.

و أخالت النّاقة، إذا كان في ضَرْعها لبَنٌ، و الأرض بالنّبات: ازدانَتْ.

و الأخيَل و الخُيَلاء و الخَيْل و الخَيْلَة و المَخِيلة: الكِبْر.

و رجل خال و خائل و خالٍ مقلوبًا، و مُختالٌ و أُخائل: متكبّر، و قد تخيّل و تخايَل.

و الأخيَل: طائر مشؤوم، أو هو الصُّرَد، أو هو الشِّقِرّاق، سمّي لاختلاف لونه بالسّواد و البياض، جمعه: خِيَل، بالكسر.

و بنو الأخيَل: من بني عُقَيْل رَهْطُ لَيلَى.

و تَخيّل الشّيء له: تشبّه.

و الخَيال و الخَيالة: ما تشبّه لك في اليقظة و الحُلْم من صورة؛ جمعه: أخْيِلَة، و شخص الرّجل، و طَلعَتُه.

و خَيّل للنّاقة، و أخيَل: وَضَع لولدها خَيالا ليفزع منه الذّئب، و عن القوم: كَعَّ عنهم.

و الخَيال: كِساء أسود يُنصَب على عُود، يُخيّل به للبهائم و الطّير، فتظنّه إنسانًا، و أرض لبني تَغْلِب، و نَبْتٌ.

و الخَيْل: جماعة الأفراس، لاواحد له، أو واحده: خائل، لأ نّه يختال، جمعه: أخيال و خُيُول، و يُكسَر، و الفُرسان، و مدينة قرب قزوين. و زيد الخير، كان يُدعَى: زيد الخَيْل لشجاعته، فسمّاه (صلی الله علیه و آله) لمّا وَفَدَ: زيد الخير، لأ نّه بمعناه، و أيضًا أزال توهّم أ نّه سمّي به لما اتّهَمَه به كَعبُ بن زهير من أخذ فرس له.

و فلان لاتُسايَر خَيْلاه، أو لا تُواقَف، أي لايُطاق نميمَةً و كَذِبًا.

و « الخَيْل أعلم من فُرسانها »: يُضرَب لمن تظنّ به ظنًّا فتجده على ما ظنَنتَ.

و الخِيْل، بالكسر: السّذاب، و الحِلْتيت، و يُفتَح.و خال يخال خَيْلا : داوم على أكله.

و المُخايَلة: المُباراة.

و بنو المُخيّل، كمُعظّم: في ضُبَيْعَة أضْجَم.

(3 : 383)

الطُّرَيحيّ: الخَيْل: جماعة من الأفراس لاواحد له

ص: 596

من لفظه كالقوم و الرّهط و النّفر. و قيل: مفرده خايل.

و هي مؤنّثة؛ و الجمع: الخُيُولة.

قيل: أوّل من ركب الخَيْل إسماعيل، و كانت قبل ذلك وحشيّة كسائر الوحوش.

و في الخبر: « بئسَ العبد عبد تخيّل و اختال » هو تفعّل و افتَعَل، أي تخيَّل أ نّه خير من غيره، و اختال: تكبّر.

و المختال: ذوخُيَلاء.

و الخُيَلاء بالضّمّ و الكسر: التّكبّر.

و في الحديث: « لايدخل الجنّة شيخ زانٍ و لاجار إزارَه خُيَلاء » أي تكبّر.

و اختال الرّجل في مشيه أي تجبّر كما يفعله المتكبّرون.

و في حديث وصف المؤمن: « لايظلم الأعداء و لايتخايَل على الأصدقاء».

و في أكثر النّسخ « يتحامل » و قد مرّ.

و خِلْتُ الشّيء خَيْلا و مَخِيلة: ظنَنتُه. و ما إخالك أسرقت: ما أظنّك. و هو من باب ظنَنتُ و أخواتها، تدخل على المبتدإ و الخبر. فإن ابتدأت بها أعملت، و إن وسّطتها أو أخّرت فأنت بالخيار بين الإلغاء و الإعمال.

و تقول في مستقبله: إخال بكسر الألف؛ و هو أفصح، و القياس أخال بالفتح، و هو لغة بني أسد.

و الأخيَل: طائر أخضَر على جناحه لمع يخالف لونه، سمّي بذلك للخِيْلان. و قيل: الأخيَل: الشِّقِرّاق.

و المَخايل: جمع المَخيَلة، و هي ما يوقع في الخيال، يعني به الأمارات. و في حديث الاستسقاء: « و أخلَفتَنا مَخايل الجود » جمع: مَخيَلة، و هي السّحاب الّتي يُظنّ أ نّها تمطر و ليست بماطرة. و الجود: المطر العظيم.

و بنو أخيَل: حيّ من بني عقيل: رهط لَيلَى الأخْيَليّة.

و زيد الخَيْل، أُضيف إليه لشجاعته و فروسيّته، و كان اسمه ذا في الجاهليّة، فسمّاه النّبيّ(صلی الله علیه و آله):زيد الخير بالرّاء. (5 : 367)

البُرُوسَويّ: و الخَيْل نوعان: عتيق و هجين، فالعتيق: ما أبواه عربيّان، سمّي بذلك لعتقه من العيوب و سلامته من الطّعن فيه بالأُمور المنقّصة، و سمّيت الكعبة بالبيت العتيق لسلامتها من عيب الرِّقّ، لأ نّه لم يملكها مَلِك قطّ، و إذا رُبط الفرس العتيق في بيت لم يدخله الشّيطان.

و الهجين: الّذي أبوه عربيّ و أُمّه عجميّة، و الفرق أنّ عظم البرذون أعظم من عظم الفرس، وعظم الفرس أصلب و أثقل، و البرذونة أحمل من الفرس،

و الفرس أسرع منه، و العتيق بمنزلة الغزال، و البرذونة بمنزلة الشّاة. و الفرس يرى المنامات كبني آدم، و لاطحال له. و هو مثل لسرعته و حركته، كما يقال للبعير: لامرارة له، أي له جسارة. (9 : 425)

الزّبيديّ: [نحو الفيروز اباديّ مع شروح، و قال بعد قوله: الخال: الرّجل الحسن المَخيلة بما يُتخيّل فيه:]

أي يتفرّس و يتفطّن فهذه أحد و ثلاثون معنًى للخال. و مرّ الخال: أخو الأُمّ، فتكون اثنين و ثلاثين معنًى، نظّم غالبها الشّعراء في مخاطباتهم. و من أجمع ما

ص: 597

رأيت فيها قصيدة من بحر السّلسلة للشّيخ عبد الله الطّبلاويّ يمدح بها أبا النّصر الطّبلاويّ، ذكر فيها هذه المعاني الّتي سردها المصنّف، و زاد عليه بعض معاني ينظر فيها، فمنها: الصّاحب، و المفتقر، و الماضي، و المخصّص، و القاطع، و المهزول، و المتفرّق، و الّذي يقطع الخلأ من الحشيش، و النّقرس، و الخلق، فهذه عشرة، و ذكر الكِبْر و التّكبّر و الاختيال، و هذه الثّلاثة بمعنى واحد.

و لايخفى أنّ المعاني السّبعة الأُول كلّها من خلّ يخلّ فهو خالّ بتشديد اللام، و خلّ إليه: افتقر، و خلّه خّلا : شكّه، و قطعه.و خلّه في الدّعاء: خصّه كما سبق ذلك كلّه.

و أمّا الّذي يقطع الخلأ فالصّواب فيه الخالئ بالهمز، حُذفت للتّخفيف، فهو ليس من هذا الحرف، و النّقرس مفهوم من الظّلع الّذي ذكره المصنّف، فتأمّل ذلك.

[و قال بعد قوله: أخائل:]

إطلاقه صريح في أ نّه بفتح الهمزة، و ليس كذلك بل هو بضمّها، و المعنى: أي متكبّر ذو خُيَلاء مُعجب بنفسه. و لانظير لأخائل من الصّفات إلا رجل أدابر: لايقبل قول أحد، و لايلوي على شيء، و أباتر: يَبتُر رحمه، أي يقطعها.

[و أضاف بعد قوله: سمّي الأخيَل به لاختلاف لونه بالسّواد و البياض:]

و في < العُباب > هو ينصرف في النّكرة إذا سمّيت به، و منهم من لايصرفه في المعرفة و لافي النّكرة، و يجعله في الأصل صفة من التّخيّل، و يحتجّ بقول حسّان. [ثمّ نقل شعره] (7 : 314)

[و قال بعد قوله: و هو يمضي على المُخّيل، أي على ما خُيّلَتْ أي شُبّهت:]

و منه قولهم: وقع في مُخَيّلي كذا، و في مُخَيّلاتي.

(7 : 315)

العَدْنانيّ: أخالُ و إخالُ

و يكسرون الهمزة في مضارع خال: « ظنّ »، فيقولون: « إخال »، و يقولون: إنّها الفُصحى، مع أنّ همزة المضارعة تكون مفتوحة في جميع الأفعالالأُخرى. فلِما ذا لانسير على القياس، و نرى رأي قبيلة أسد، و نقول: أخالُ؟ و لما ذا نُفرِض على النّاس الموافقة على رأي قبيلة طيّء ليقولوا: إخالُ؟ إنّني أُوثر « أخالُ » دون أن أستطيع تخطئة « إخالُ ».

يُخَيّل إليّ أنّ الأمر كذا و كذا.

و يقولون: يَخال لي أنّ الأمر كذا و كذا، و الصّواب: يُخَيّل إليّ أنّ الأمر كذاوكذا. و معنى: خُيِّل إليه أ نّه كذا: توَهّم أ نّه كذا.

و قد جاء في الآية : 66، من سورة طه: { فَاِذَا حِبَالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ اِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ اَ نَّهَا تَسْعى }.

و أجاز الحريريّ قول: خُيِّل له أ نّه كذا، و اكتفى < المصباح > بقول: خُيِّل له كذا.

مَخايل النّجابة

و يقولون: ظهرت فيه مَخائل النّجابة، و الصّواب: ظهرت فيه مَخايل النّجابة، و مفردها: مَخِيلة، و ياؤها أصليّة. أمّا معنى مَخايل النّجابة فهو: دلائلها و مظنّتها.

ص: 598

و من معاني المَخِيلة:

1 الكِبْر، يقال: فلان ذو مَخِيلة: ذو كِبْر.

2 الظّنّ، يقال: أخطَأتْ في فلان مخِيلتي،أي ظنّي.

3 موضع الخَيْل.

4 السّحابة الّتي تَخالُها ماطرة لرعدها و برقها.

أربعة جِياد لاأربعة خُيُول.

و يقولون: تجرّ العَرَبةَ أربعة خُيُول. و الصّواب: تجرّها أربعة جِياد، لأنّ الخُيُول و الأخيال هي: جمع خَيْل.

و الخَيْل: جماعة الأفراس، لاواحد له، لأ نّه اسم جمع. و قيل: واحده خائل؛ لأ نّه يختال.

و تُطلَق كلمة < خيل > على الفُرسان و الجِياد، و البَراذين : دوابّ الأحمال الثّقيلة . و العدد : < أربعة > لايصحّ أن يكون جمعًا لاسم جمع، و هو أي أربعة من جموع القلّة.

و جاء في <الصِّحاح>: و الخَيْل: الخُيُول.

و بعد ما قال صاحب <اللِّسان> : و الخَيْل الخُيُول، عاد فاستدرك قائلا : و جمع الخيل: أخيال و خُيُول، و الأخير أشهر و أعرف.

و من الأدلّة على أنّ من معاني الخيل: الفُرسان، قوله تعالى في الآية : 64، من سورة الإسراء : { وَ اَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ } أي بفُرسانك و رجّالتك. (معجم الأخطاء الشّائعة : 87)

مَجْمَعُ اللُّغة: الخَيْل: اسم جمع لاواحد له من لفظه، و هي في الأصل اسم للأفراس و الفُرسان جميعًا، و يُستعمل في كلّ منهما منفردًا.

و الخَيال ما تشَبّه لك في اليَقظَة و الحُلُم من صورة مجّرّدة من غير جسم، ثمّ يُستَعمل في كلّأمر متصوّر، و في كلّ شخص دقيق يجري مجرى الخيال. يقال: خَيَّل يُخَيِّل تخْييلا : صوّر خيال الشّيء في النّفس.

و الخُيَلاء: الكِبْر و الظّنّ في النّفس بغرور وازْدِهاء.

يقال: اختال يختال اختيالا فهو مختال: تبَختَر في المشي كِبْرًا و زَهْوًا بفضيلة تراءت له في نفسه. ثمّ استُعمل في كلّ كِبْر و زَهْو في المشي أو غيره.

(1 : 375)

محمّد إسماعيل إبراهيم: خال الشّيء: ظنّه، و خُيّل إليه، توهّم، و اختال و تخايَل: تبَختَر زَهْوًا في مشيته، فهو مختال.

و الخَيْل: جماعة الأفراس، و لاواحد له من لفظه، و تُطلِق العرب كلمة الخَيْل على الفُرسان. و منه قول الرّسول لأصحابه في إحدى غزواته: « يا خيل الله ارْكبي ». (1 : 179)

محمود شيت: خال فلان خَيْلا : تكبّر، و توسّم، و تفرّس. و الشّيء خَيْلا و خَيَلا نًا: ظنّه.

الخال: الغَيْم، و البَرْق، و الكِبْر، و اللّواء يُعقَد للأمير، و الشّامة، و الجبَل الضّخم، و البعير الضّخم؛ جمعه: خِيْلان، و أخْيِلة.

الخَيال: الشّخص و الطّيف.

الخُيَلاء: التّكبّر و العُجْب.

الخَيْل: جماعة من الأفراس، لاواحد له من لفظه، و الفُرسان، جمعه: أخيال و خُيُول.

ص: 599

الخيّالة: صنف من صنوف الجيش مؤلّف من الفُرسان، و خيلهم و سلاحهم، و عتادهم، و تجهيزاتهم.

(1 : 228)

المُصْطَفَويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو حالة مخصوصة منعقدة مهيّأة مرتّبة خارجًا أو ذهنًا. و هذا المفهوم قريب من مفهوم < الخَوْل > السّابق الدّالّ على المراقبة و رعاية شيء مع إعطاء، فإنّه تهيّؤ و حالة مخصوصة منعقدة في نفسه و بالنّسبة إلى الغير. و لعلّ الامتياز بينهما من جهة حرفي الواو و الياء، فإنّ في الياء انكسارًا و انخفاضًا.

فالظّنّ و الوهم و ما تشبّه و اشتبه لك من الصّور: من مصاديق هذا الأصل ذهنًا، و هذا المفهوم أعمّ من الظّنّ و الوهم.

و التّهيّؤ للضّرع و التّكبّر و التّبَختُر: حالات مخصوصة منعقدة في الخارج حاصلة للأفراد، و كذلك حالة العُجْب في الباطن لهم.

و كذلك تخيّل السّماء للمطر، و التّخيّل في النّوم: من مصاديق تلك الحالة.

و أمّا الخَيْل: فباعتبار كون الأفراس مختالة، و على حالة مخصوصة مُعجِبة و لاسيّما إذا كانت مجتمعة، و لاسيّما إذا كانت متهيّئَة للحرب.

و أمّا التّعبير [ب ] خُيّل إليه، خُيّل له، و خُيّلفيه، و خُيّل عليه، و خُيّل عنه، و اختال، و أخالَ عليه، و تخَيّل، و خايل، و تخايل: فاختلاف المعاني فيها بسبب استعمالها بمختلف الحروف، و اختلاف الهيئات و الصّيغ، و تظهر الخصوصيّة في كلّ منها من جهة ملاحظة الضّمائم و العوارض. [ ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و بهذا يظهر أنّ إطلاق المادّة على الشِّقِرّاق باعتبار تشخّصه و عُجبِه و تكبّره، و على السّماء و السّحاب إذا كانا فى التّهيّؤ للمطر و في خياله.

و أمّا الخيال بمعنى الحافظة للحس المشترك: فهو اصطلاح حادث بمناسبة النّقوش المنعقدة و الصّور المُرتسمة من الحس المشترك و فيه.

(3 : 164)

النُّصوص التّفسيريّة

خَيْلٍ

وَ مَا اَفَاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا اَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَ لارِكَاب... الحشر : 6

القَيْسيّ: يجوز في الكلام ( وَ لارِكَابًا ) بالنّصب تعطفه على موضع { مِنْ خَيْلٍ } لأنّ ( مِنْ ) زائدة، و { خَيْل } مفعول به. (2 : 366)

الشِّربينيّ: و ( مِنْ ) في قوله تعالى: { مِنْ خَيْلٍ } مزيدة، أي خَيْلا ، و أكّد بإعادة النّافي دفعًا لظنّ من ظنّ أ نّه غنيمة لإحاطتهم به، بقوله تعالى: { وَ لا رِكَاب } .

(4 : 242)

البُرُوسَويّ: (مِنْ) زائدة بعد النّفي، أي خَيْلا .

[و له كلام تقدّم في النُّصوص اللُّغويّة] (9 : 425)

الآلوسيّ: و (مِنْ) في قوله تعالى: { مِنْ خَيْل } زائدة، في المفعول للتّنصيص على الإستغراق، كأ نّه قيل: { فَمَا اَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ } فردًا من أفراد الخيل أصلا .

(28 : 45)

ص: 600

نحوه الطَّباطَبائيّ. (19 : 203)

ابن عاشور: و (مِنْ) في قوله تعالى: { مِنْ خَيْل } زائدة، داخلة على النّكرة في سياق النّفي، و مدخول (مِنْ) في معنى المفعول به ل { اَوْجَفْتُمْ } أي ما سُقتم خيلا و لاركابًا. (28 : 71)

مكارم الشّيرازيّ: { خَيْل } بمعناه المتعارف عليه، و هي اسم جنس؛ و جمعها: خُيُول. (18 : 170)

لاحظ: و ج ف: < اَوْجَفتُمْ >.

الخَيْل

1 زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَ الْبَنينَ ‘ وَ الْقَنَاطيرِ ‘الْمُقَنْطَرَ ةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الاَنْعَامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ’ مَتَاعُ الْحَيوةِ الدُّ نْيَا وَ اللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَابِ. آل عمران : 14الثّعلبيّ: { الْخَيْل } جمع هو لاواحد له من لفظه، واحده: فرس،كالقوم و النّساء و الرّهط و الجيش و نحوها. (3 : 25)

نحوه الواحديّ (1 : 418)، و البغَويّ ( 1: 417).

المَيْبُديّ: سمّيت الخَيْل خَيْلا لما فيه من الخُيَلاء، ما من أحد يركب فرسًا إلا أن يرى في نفسه خُيَلاء و كِبْرًا. و أصل ذلك: من خيّلت الشّيء و هو ظنّ يقرب من الكذب، و منه الخيال. [إلى أن ذكر بعض الرّوايات في خلق الخيل وغيره، فراجع] (2 : 36)

ابن عَطيّة: { وَ الْخَيْلِ } جمع خائل عند أبي عُبَيْدَة، سمّي بذلك الفرس لأ نّه يختال في مشيه، فهو كطائر و طير. و قال غيره: هو اسم جمع لاواحد له من لفظه. (1 : 409)

أبوالفُتُوح : { الْخَيْلِ } اسم جنس كالجنّ و الإنس و الإبل. و ليس له واحد من لفظه؛ و واحده الفرس. [إلى أن ذكر بعض الرّوايات نحو المَيْبُديّ]

(4 : 209)

الفَخْرالرّازيّ: و سمّيت الأفراس خَيْلا لخُيَلائها في مشيها، و سمّيت حركة الإنسان على سبيل الجَوَ لان اختيالا ، و سمّي الخيال خيالا ، و التّخيّل تخيّلا ، لجَوَ لان هذه القوّة في استحضار تلك الصّورة. و الأخيَل: الشِّقِرّاق، لأ نّه يتخيّل تارة أخضر، و تارة أحمر.

(7 : 211)

نحوه النَّيسابوريّ(3 : 147)،و الخازن (1 : 275).

العُكْبَريّ: { وَ الخَيْلِ } معطوف على{ النِّسَاءِ } لا على{ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ } لأ نّها لاتسمّى قنطارًا.

و واحد الخَيْل خائل، و هو مشتقّ من الخُيَلاء، مثل طير و طائر.

و قال قوم: لاواحد له من لفظه، بل هو اسم للجمع، و الواحد فرس، و لفظه لفظ المصدر.و يجوز أن يكون مخفّفًا من خيل. (1 : 244)

نحوه الآلوسيّ. (3 : 100)

القُرطُبيّ: قوله تعالى:{ الْخَيْلِ } مؤنّثة. قال ابن كيسان: حُدّثت عن أبي عُبَيْدَة أ نّه قال: واحد الخَيْل خائل، مثل طائر و طير، و ضائن و ضين؛ و سمّي الفرس بذلك، لأ نّه يختال في مشيه. و قال غيره: هو اسم جمع لاواحد له من لفظه، و احده فرس، كالقوم و الرّهط و النّساء و الإبل و نحوها.

ص: 601

و في الخبر من حديث عليّ عن النّبيّ (صلی الله علیه و آله) : « إنّ الله خلق الفرس من الرّيح و لذلك جعلها تطير بلاجناح» وَهْبِ بن مُنَبِّه: خلقها من ريح الجنوب. قال وَهْب: فليس تسبيحة و لاتكبيرة و لاتهليلة يكبّرها صاحبها إلا و هو يسمعها فيجيبه بمثلها. و سيأتي لذكر الخيل و وصفها في سورة « الأنفال » ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى.و في الخبر: « إنّ الله عرض على آدم جميع الدّوابّ، فقيل له: اختر منها واحدًا، فاختار الفرس، فقيل له: اخترت عِزّ ك »، فصار اسمه الخير من هذا الوجه. و سمّيت خيلا لأ نّها موسومة بالعزّ فمن ركبه اعتزّ بنِحْلة الله له، و يختال به على أعداء الله تعالى. و سمّي فرسًا لأ نّه يفترس مسافات الجوّ افتراس الأسد و ثبانًا: [ارتفاعًا]، و يقطعها كالالتهام بيديه على شيء خبطًا و تناولا . و سمّي عربيًّا لأ نّه جيء به من بعد آدم لإسماعيل جزاءً عن رفع قواعد البيت، و إسماعيل عربيّ، فصار له نِحْلة من الله تعالى فسمّي عربيًّا.

و في الحديث عن النّبيّ (صلی الله علیه و آله): « لايدخل الشّيطان دارًا فيها فرس عتيق ». و إنّما سمّي عتيقًا لأ نّه قد تخلّص من الهجانة. و قد قال(صلی الله علیه و آله): « خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم، ثمّ الأقرح المحجّل طلق اليمين، فإن لم يكن أدهم فكُمَيت على هذه الشّية ». أخرجه التّرمذيّ عن أبي قَتادَة.

و في مسند الدّارميّ عنه أنّ رجلا قال: يا رسول الله، إنّي أُريد أن أشتري فرسًا فأيّها أشتري؟ قال: « اشتر أدهم أرثم محجّلا طلق اليمين أو من الكُمَيت على هذه الشّية تغنم و تسلم ».

و روى النّسائيّ عن أنس قال: لم يكن أحبّ إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله) بعد النّساء من الخيل. و روى الأئمّة عن أبي هريرة أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: « الخيل ثلاثة لرجل أجر و لرجل ستر و لرجل وزر...» الحديث بطوله، شهرته أغنت عن ذكره.

و سيأتي ذكر أحكام الخيل في « الأنفال » و« النّحل » بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى. (4 : 32)

النّسَفيّ: سمّيت به لاختيالها في مشيها. (1 : 148)

أبوحَيّان: { الْخَيْلِ } جمع لاواحد له من لفظه بل واحده: فرس. و قيل واحده: خائل، كراكب و ركب، قاله أبو عُبَيْدَة. سمّيت بذلك لاختيالها في مشيها. و قيل: اشتقاقه من التّخيّل، لأ نّه يتخيّل في صورة من هو أعظم منه. و قيل: الاختيال مأخوذ من التّخيّل.

(2 : 392)

نحوه البُرُوسَويّ. (2 : 10)

ابن كثير: [ذكر بعض الرّوايات في « الخيل » فراجع] ( 2 : 17)

أبو السُّعود:{ الْخَيْلِ }عطف على{ الْقَنَاطيرِ‘}. [ثمّ قال نحو أبي حَيّان] (1 : 345)

ابن عاشور: { وَ الْخَيْلِ } محبوبة مرغوبة، في العصور الماضية و فيما بعدها، لم يُنسها ما تفنّن فيه البشر من صنوف المراكب برًّا و بحرًا و جوًّا. فالأُمم المتحضّرة اليوم مع ما لديهم من القطارات الّتي تجري بالبخار و بالكهرباء على السّكك الحديديّة ، و من سَفائن البحر العظيمة الّتي تسيّرها آلات البخار، و من

ص: 602

السّيّارات الصّغيرة المسيّرة باللّوالب تحرّكها حرارة النّفط المصفّى، ومن الطّيّارات في الهواء ممّا لم يبلغ إليه البشر في عصر مضى ، كلّ ذلك لم يُغن النّاس عن ركوب ظهور الخيل، و جرّ العربات بمطهّمات الأفراس، و العناية بالمسابقة بين الأفراس.

و ذكر { الْخَيْلِ }لتواطؤ نفوس أهل البَذخ على محبّة ركوبها. [ثمّ استشهد بشعر] (3 : 40)

الطّالقانيّ: { الْخَيْلِ }: جماعة الأفراس و البغال، و يُطلق مجازًا على الفُرسان أيضًا، و هو من: خال الشّيء، أي ظنّه، فيبتلي من يركبها بخيال الغلبة و الاعتلاء. (3 : 36)

الطَّباطَبائيّ: هو الأفراس. (3 : 105)

طه الدُّرّة : { الْخَيْلِ } اسم جمع، لاواحد له من لفظه، و يجمع على خُيُول. و الخيل مؤنّثة، لأنّ أسماء الجموع الّتي لاواحد لها من لفظها، إذا كانت لغير الآدميّين، مثل: خيل و غنم و إبل، فالتّأنيث لها لازم، و إذا قالوا: خَيْلان و غنمان و إبلان، فإنّما يريدون قطيعين من الخيل و الغنم و الإبل. (2 : 95)

مكارم الشّيرازيّ:{ الْخَيْلِ}اسم جمع للفرس، و تُطلق على الفرسان. و المقصود في الآية هو المعنى الأوّل طبعًا. (2 : 306)

2 وَ اَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَ مِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَ عَدُوَّكُمْ...

الأنفال : 60

ابن عبّاس: من الخيل الرّوابط الإناث. (151)

نحوه عِكْرَمة (الطّبَريّ 6 : 275)، و الفَرّاء (1 : 416)، و الثّعلبيّ (4 : 369).

البغَويّ: روي عن خالد بن الوليد أ نّه كان لايركب في القتال إلا الإناث لقلّة صهيلها.

و عن أبي محيريز قال: كان الصّحابة رضي الله عنهم يستحبّون ذكور الخيل عند الصّفوف، و إناث الخيل عند البيات و الغارات. [ثمّ ذكر بعض الرّوايات في الخيل] (2 : 306)

المَيْبُديّ: { الْخَيْلِ } عامّ في الذّكور و الإناث.

(4 : 70)

نحوه ابن الجَوْزيّ. (3: 375)

الزّمَخْشَريّ: تخصيصه للخيل من بين ما يتقوّى به، كقوله: { وَ جِبْريلَ‘ وَ ميكَا‘لَ } البقرة : 98.

و عن ابن سيرين رحمه الله أ نّه سُئل عمّن أوصى بثُلث ماله في الحصون، فقال: يُشترى به الخيل فتُرابط في سبيل الله و يُغزى عليها. فقيل له: إنّما أوصى في الحصون، فقال: ألم تسمع قول الشّاعر:

* إنّ الحصون الخيل لامدر القرى *

(2 : 165)

ابن عَطيّة: لمّا كانت الخيل هي أصل الحروب و أوزارها و الّتي عُقد الخير في نواصيها، و هي أقوى القوّة، و حصون الفُرسان. خصّها الله بالذّكر تشريفًا على نحو قوله: { مَنْ كَانَ عَدُوًّا للهِ‚ وَ مَلئِكَتِهِ’ وَ رُسُلِهِ وَجِبْريلَ‘ وَ ميكَا‘لَ } البقرة : 98، و على نحو قوله: { فَاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ } الرّحمن : 68، و هذا كثير.

نحوه قول رسول الله (صلی الله علیه و آله): « جُعلت لي الأرض

ص: 603

مسجدًا و طَهُورًا »، هذا في البخاريّ و غيره. و قال في صحيح مسلم: « جُعلت لي الأرض مسجدًا و ترابها طَهُورًا »، فذكرت التّراب على جهة التّحفّي به، إذ هو أعظم أجزاء الأرض، مع دخوله في عموم الحديث الآخر... (2 : 545)

القُرطُبيّ: فإن قيل: إنّ قوله: { وَ اَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } كان يكفي، فلِمَ خص الرّمي و الخيل بالذّكر؟

قيل له: إنّ الخيل لمّا كانت أصل الحروب و أوزارها الّتي عُقد الخير في نواصيها، و هي أقوى القوّة و أشدّ العُدّة، و حصون الفُرسان، و بها يُجال في الميدان، خصّها بالذّكر تشريفًا، و أقسم بغبارها تكريمًا. فقال: { وَ الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا } العاديات : 1، و لمّا كانت السّهام من أنجع ما يتعاطى في الحروب و النّكاية في العدوّ و أقربها تناولا للأرواح، خصّها رسول الله(صلی الله علیه و آله) بالذّكر لها و التّنبيه عليها، و نظير هذا في التّنزيل { وَ جِبْريلَ‘ وَ ميكَا‘لَ } البقرة : 98، و مثله كثير.

(8 : 37)

نحوه ملخّصًا طه الدُّرّة. (5 : 271)

مَغْنِيّة: و خصّ سبحانه الخيل بالذّكر، لأ نّها كانت من أعظم مظاهر القوّة آنذاك. (3 : 499)

لاحظ: ر ب ط: < رباط الخيل >.

3 وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغَالَ وَ الْحَميرَ‘ لِتَرْكَبُوهَا وَ زينَةً وَ يَخْلُقُ مَا لاتَعْلَمُونَ.

النّحل : 8

ابن عبّاس: يقول: خلق { الْخَيْلَ }. (221)

الفَرّاء: و قوله: { وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغَالَ وَ الْحَميرَ ‘} تنصبها بالرّدّ على < خَلَقَ.> و إن شئت جعلته منصوبًا على إضمار سخّر؛ فيكون في جواز إضماره مثل قوله: { خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ

وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى اَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} البقرة : 7، من نصب في البقرة نصب الغشاوة بإضمار < جعَل.> و لو رفعت { الْخَيْلَ وَ الْبِغَالَ

وَ الْحَميرَ ‘} كان صوابًا من وجهين:

أحدهما: أن تقول: لمّا لم يكن الفعل معها ظاهرًا رفعته على الاستئناف.

و الآخر: أن يُتوهّم أنّ الرّفع في الأنعام قد كان يصلح فتردّها على ذلك، كأ نّك قلت: و الأنعام خلقها، و الخيلُ و البغالُ على الرّفع. (2 : 97)

الأخفش: قال: { وَ الْخَيْلَ...} نصب، أي و جعل الله الخيل و البِغال و الحمير، و جعلها { زينَةً } .

(2 : 604)

الطّبَريّ: [في كلامه وكذافي أغلب التّفاسيرأقوال في أكل لحوم الخيل، إثباتًا و نفيًا، فراجع: « ر ك ب »](7 : 562)

الطُّوسيّ: و الخيل: هي الدّوابّ الّتي تركب.

(6: 363)

البُرُوسَويّ: [نحو ما سبق عنه في النُّصوص اللُّغويّة فراجع:] (5 : 10)

مَغْنِيّة: بعد أن ذكر سبحانه منافع الأنعام الثّلاث أشار إلى منافع الخيل و البِغال و الحمير، و أهمّها الرّكوب و الزّينة في ذاك العصر. (4 : 499)

ص: 604

خَيْلِكَ

وَ اَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ... الإسراء : 64

ابن عبّاس: بخيل المشركين. (239)

خَيْله: كلّ راكب في معصية الله، و رَجِله: كلّ راجل في معصية الله. (الطّبَريّ 8 : 108)

مُجاهِد: كلّ راكب و ماش في معاصي الله تعالى.

(الطّبَريّ 8 : 108)

مثله الماوَرْديّ. (3 : 255)

ما كان من راكب يقاتل في معصية الله فهو من خيل إبليس، و ما كان من راجل في معصية الله فهو من رجال إبليس. (الطّبَريّ 8 : 108)

نحوه الطُّوسيّ. (6 : 499)

قَتادَة: إنّ له خَيْلا و رَجِلا من الجنّ و الإنس، و هم الّذين يُطيعونه. (الطّبَريّ 8 : 108)

نحوه مُقاتِل. (2 : 540)

الرّجال: المُشاة. (الطّبَريّ 8 : 108)

زَيْد بن عليّ: و خيله: كلّ دابّة سارت في معصية الله تعالى. (251)

مُقاتِل: استَعِن عليهم بركبان جندك و مشاتهم، و الخيل: الرّكبان، والرَّجِل: المشاة. (البغَويّ 3 : 142)

نحوه أبو الفتوح. (12 : 247)

الفَرّاء: يعني خيل المشركين و رجالهم. (2 : 127)

الحَرْبيّ: الخيل: كلّ راكب كان في معصية الله، و كذلك كلّ رِجْل مَشَتْ في معصية الله، فنُسب ذلك إلى إبليس، لأ نّه يرضاه من النّاس، و يُحبّه، و يحملهم عليه. (2 : 419)

الجُبّائيّ: ليس للشّيطان خيل و لارَجْل و لا هو مأمور، إنّما هذا زجر و استخفاف به، كما تقول لمن تهدّده: اذهب فاصنَع ما شئت و استَعِن بما شئت.

(أبوحَيّان 6 : 58)

الطّبَريّ: { وَ اَجْلِبْ...} و أجمِع عليهم من رُكبان جندك و مُشاتهم من يجلب عليها بالدّعاء إلى طاعتك، و الصّرف عن طاعتي. (8 : 108)

الزّجّاج: { وَ اَجْلِبْ...} أي أجمِع عليهم كلّ ما تقدر عليه من مكايدك. [ثمّ ذكر نحو مُجاهِد و قال:]

و جائز أن يكون لإبليس خيل و رِجال.

(3 : 250)

نحوه البغَويّ. (3 : 142)

الفارسيّ: و من أهل التّأويل من يقول: إنّقوله: ( بِخَيْلِكَ وَ رَجْلِكَ )((1))

يجوز أن يكون مثَلا ، كما تقول للرّجل المجدّ في الأمر: جئت بخيلك و رَجْلِك.

و قد قيل: إنّ كلّ راكب في معصية الله فهو من خيل إبليس، و كلّ راجلٍ في معصية الله فهو من رجّالة إبليس ، و في التّنزيل : { وَ جُنُودُ اِ بْليسَ اَجْمَعُونَ } الشّعراء : 95، و الجند يعمّ الفارسَ و الرّاجل، فيجوز أن يكون الخيل و الرَّجْل مثَل من ذُكر من جنوده.

(3 : 65)

الثّعلبيّ: أي ركبان جندهم و مشاتهم. قال المفسّرون: كلّ راكب و ماش في معاصي الله. [ثمّ نقل أقوالهم] (6 : 113)

ص: 605


1- (1) إنّه يُسكّن الجيم و يجعله مخفّفًا من: فَعُلَ أو فَعِلَ.

الزّمَخْشَريّ: و الخيل: الخيّالة، و منه قول النّبيّ (صلی الله علیه و آله): « يا خيل الله ارْكبي».

فإن قلت: ما معنى استفزاز إبليس بصوته و إجلابه بخيله و رجله؟

قلت: هو كلام ورد مورد التّمثيل، مُثّلت حاله في تسلّطه على من يُغويه بمغوار أوقع على قوم فصوّت بهم صوتًا يستفزّهم من أماكنهم، و يقلقهم عن مراكزهم، و أجلب عليهم بجنده من خيّالة و رَجّالة حتّى استأصلهم.

و قيل: بصوته بدعائه إلى الشّرّ. وخيله و رَجله: كلّ راكب و ماش من أهل العبث.

و قيل: يجوز أن يكون لإبليس خيل و رجال.

(2 : 456)

نحوه البَيْضاويّ (1: 591)،و أبو السُّعود (4 : 144) ، و البُرُوسَويّ (5 : 181)، و المَراغيّ (15 : 70)، و جعفر شرف الدّين (5 : 84).

ابن عَطيّة: قيل: هذا مجاز، و استعارة، بمعنى: اسْعَ سَعيَك، و ابلِغ جُهدك. و قيل: معناه: إنّ له من الجنّ خيلا و رجلا ، قاله قَتادَة. و قيل: المراد فرسان النّاس و رَجّالتهم، المتصرّفون في الباطل، فإنّهم كلّهم أعوان لإبليس على غيرهم، قاله مُجاهِد. (3 : 470)

الطَّبْرِسيّ: { وَ اَجْلِبْ...} أي أجمِع عليهم ما قدرت عليه من مكائدك و أتباعك و ذرّيّتك و أعوانك. و على هذا فيكون الباء مزيدة في { بِخَيْلِكَ } و كلّ راكب أو ماش في معصية الله من الإنس و الجنّ فهو من خيل إبليس و رَجْله. (3 : 426)

الفَخْر الرّازيّ: و اختلفوا في تفسير الخيل و الرّجِل، فروى أبو الضّحى عن ابن عبّاس أ نّه قال: « كلّ راكب أو راجل في معصية الله تعالى فهو من خيل إبليس و جنوده »، و يدخل فيه كلّ راكب و ماش في معصية الله تعالى، فعلى هذا التّقدير خيله و رَجِله كلّ من شاركه في الدّعاء إلى المعصية.

و القول الثّاني: يحتمل أن يكون لإبليس جند من الشّياطين، بعضهم راكب و بعضهم راجل.

و القول الثّالث: أنّ المراد منه ضرب المثَل،كما تقول للرّجل المجدّ في الأمر: جئتنا بخيلك و رَجِلك. و هذا الوجه أقرب، و الخيل تقع على الفرسان.

قال عليه الصّلاة و السّلام: « يا خيل الله ارْكبي » و قد تقع على الأفراس خاصّة، و المراد هاهنا الأوّل.

(21 : 6)

مثله الشِّربينيّ (2 : 319)، و نحوه النَّيسابوريّ (15 : 56)، و الخازن (4 : 136).

القُرطُبيّ: [نحو الزّجّاج، ثمّ نقل الأقوال.]

(10 : 288)

النّسَفيّ: فالخيل: الخيّالة، و الرّجِل: اسم جمع للرّاجل، و نظيره: الرّكب و الصّحب... لأنّ أقصى ما يستطاع في طلب الأُمور الخيل و الرّجِل. (2 : 321)

أبوحَيّان: و الظّاهر أنّ إبليس له خيل و رَجّالة من الجنّ جنسه، قاله قَتادَة.

و الخيل تُطلق على الأفراس حقيقة و على أصحابها مجازًا و هم الفرسان، و منه: < يا خيل الله ارْكبي >، و الباء في { بِخَيْلِكَ } قيل: زائدة. و قيل: من

ص: 606

الآدميّين أُضيفوا إليه لانخراطهم في طاعته، و كونهم أعوانهم على غيرهم، قاله مُجاهِد. [ثمّ ذكر قول ابن عَطيّة و الجُبّائيّ و الزّمَخْشَريّ]

(6 : 58)

الكاشانيّ: بفرسانك و راجليك فاجسرهم عليهم، تمثيل لتسلّطه على من يُغويه بمن صوّت على قوم فاستفزّهم من أماكنهم، و أجلب عليهم بجنده حتّى استَأصَلهم. (3 : 203)

شُبّر: فرسانك. (4 : 34)

الشَّوْكانيّ: و الخيل تقع على الفرسان، كقوله(صلی الله علیه و آله): < يا خيل الله ارْكبي » و تقع على الأفراس... الخيل و الرّجِل كناية عن جميع مكائد الشّيطان، أو المراد كلّ راكب و راجل في معصية الله. (3 : 304)

الآلوسيّ: الباء في قوله تعالى: { بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ } مزيدة، كما في < لايقرأن بالسّور >... و الخيل يُطلق على الأفراس حقيقة، و لاواحد له من لفظه. و قيل: إنّ واحده: خائل، لاختياله في مشيه و على الفرسان مجازًا و هو المراد هنا. [إلى أن قال:]

و ظاهر الآية يقتضي أنّ للّعين خَيْلا و رَجِلا ، و به قال جمع، فقيل: هم من الجنّ، و قيل: منهم و من الإنس، و هو المرويّ عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، و مُجاهِد، و قَتادَة...

و قال آخرون: ليس للشّيطان خيل و لارجّالة،

و إنّما هما كناية عن الأعوان و الأتباع، من غير ملاحظة لكون بعضهم راكبًا و بعضهم ماشيًا. [ثمّ ذكر قول الزّمَخْشَريّ في معنى استفزاز إبليس و أضاف:]

و مراده أن يكون في الكلام استعارة تمثيليّة و لايضرّ فيها اعتبار مجاز أو كناية في المفردات، فلاتغفل. (15 : 111)

محمّد عَبْدُه: و المراد بهم أعوان السّوء.(مَغْنِيّة 5 : 63)

القاسميّ: و الخيل: الخيّالة، أي ركبان الخيل مجازًا، و أصل معنى الخيل: الأفراس. (10 : 3947)

فريد وَجْدي: أي بفُرسانك الرّاكبين على الخيل.

(1 : 460)

عزّة دروزة: بمعنى خَيّالتك.[إلى أن قال:]

و التّعبيرات الّتي استُعملت في الآيات بالنّسبة لإبليس مستعارة على ما هو المتبادر من الأساليب العربيّة و خطابهم، و مع هذا فقد رأينا بعض المفسّرين يقولون: إنّ لإبليس خَيّالة و مُشاة و وسائل حرب و تهييج، و أ نّه يشارك النّاس المنحرفين في أكلهم و شربهم و معاشراتهم الجنسيّة، و في هذا تكلّف ظاهر من جهة، و دخول في ماهيّات غيبيّة لاطائل من ورائه من جهة أُخرى. (3 : 249)

ابن عاشور: و الخيل: اسم جمع الفرس، و المراد به عند ذكر ما يدلّ على الجيش: الفرسان، و منه قول النّبيّ (صلی الله علیه و آله): « يا خيل الله ارْكبي » و هو تمثيل لحال صرف قوّته و مقدرته على الإضلال بحال قائد الجيش يجمع فرسانه و رَجّالته.

و لمّا كان قائد الجيش ينادي في الجيش عند الأمر بالغارة، جاز أن يكون قوله: { وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } من جملة هذا التّمثيل. [إلى أن قال:]

ص: 607

و الباء في { بِخَيْلِكَ } إمّا لتأكيد لصوق الفعل لمفعوله، فهي لمجرّد التّأكيد، و مجرورها مفعول في المعنى لفعل { اَجْلِبْ } مثل:{ وَ امْسَحُوا بِرُ ءُوسِكُمْ }المائدة : 6، و إمّا لتضمين فعل { اَجْلِبْ } معنى « أُغزُهم » فيكون الفعل مضمّنًا معنى الفعل اللازم، و تكون الباء للمصاحبة. (14 : 123)

الطَّباطَبائيّ: أي و صِحْ عليهم لسوقهم إلى معصية الله بأعوانك و جيوشك: فرسانهم و رَجّالتهم، وكأ نّه إشارة إلى أنّ قبيله و أعوانه، منهم من يعمل ما يعمل بسرعة، كما هو شأن الفرسان في معركة الحرب، و منهم من يستعمل في غير موارد الحملات السّريعة كالرّجّالة، فالخيل و الرّجِل كناية عن المسرعين في العمل و المبطئين فيه، و فيه تمثيل نحو عملهم.

(13 : 146)

مكارم الشّيرازيّ: « خيل » لها معنيان، فهي تعني الخُيُول، و أيضًا تعني الخيّالة، أمّا في هذه الآية فقد وردت للتّدليل على المعنى الثّاني.

أمّا « رَجِل » فهي تعني معكوس الخيّالة أي جيش الرّجّالة و المشاة، و بهذا يتكوّن جيش الشّيطان مِن الخيّالة و الرّجّالة من جنسه أو من غير جنسه، و هذا يعني أنّ البعض يتأثّر بسرعة بغواية الشّيطان و يُصبح من أعوانه و مساعديه، فهؤلاء كالخيّالة.

أمّا البعض الآخر فيتأثّر ببطء و على مهل كالمشاة و الرّجّالة.

و سائل الشّيطان المختلفة في الوسوسة والإغواء:

بالرّغم من أنّ المخاطب في الآيات أعلاه هو الشّيطان، و أنّ الله جلّ جلاله يتوعّده و يقول له: افعل كلّ ما تريده في سبيل غواية النّاس، و استخدم كلّ طرقك في ذلك، إلا أنّ هذا الوعيد في الواقع هو تهديد و تنبيه لنا نحن بني الإنسان حتّى نعرف الطّرق الّتي ينفذ منها الشّيطان، و الوسائل الّتي يستخدمها في وساوسه و إغوائه.

الطّريف في الأمر أنّ الآيات القرآنيّة أعلاه تُشير إلى أربعة طرق و أساليب مهمّة و أساسيّة من أساليب الشّيطان، و تقول للإنسان: عليك بمراقبة نفسك من خلال الجوانب الأربعة هذه: [الاستفزاز، الإجلاب، المشاركة...، و الوعد، إلى أن قال:]

الاستفادة من القوّة العسكريّة: و هذا لا يخص زماننا؛ حيث إنّ الشّياطين يستخدمون القوّة العسكريّة لأجل الحصول على مناطق للنّفوذ، إنّ الأداة العسكريّة تعتبر أداةً خطرة لكلّ الظّالمين و المستكبرين في العالم، فهؤلاء و في لحظة واحدة يصرخون في قوّاتهم العسكريّة و يُرسلونها إلى المناطق الّتي تحاول الحصول على حرّ يّتها و استقلالها، و تسعى إلى الاعتماد بقوّات على قدراتها الخاصّة.

و في عصرنا الحاضر نرى أ نّهم نظّموا ما يسمّونه بقوّات « التّدخّل السّريع > و الّذي هو نفس مفهوم « الإجلاب » القرآنيّ، و هذا يعني أ نّهم جعلوا جزءً من قوّاتهم العسكريّة على شكل قوّات خاصّة كي يستطيعوا إرسالها في أسرع وقت إلى أيّ منطقة من مناطق العالم، تتعرّض فيها مصالحهم غير المشروعة للخطر، لكي يقضوا بواسطة هذه القوّات على أيّ

ص: 608

حركة تطالب بالحقّ و تنادي بالاستقلال.

و قبل أن تصل القوّات السّريعة الخاصّة هذه، يكون هؤلاء قد هيّأوا الأرضيّة بواسطة جواسيسهم الماهرين، و الّذين هم في الواقع كناية عن جيش المشاة < الرّجّالة >.

إنّ هؤلاء في مخطّطاتهم هذه قد غفلوا عن أنّ الله سبحانه و تعالى قد وعد أولياءه الحقيقيّين في نفس هذه الآيات بأنّ الشّيطان و جيشه لايستطيع أن يسيطر عليهم. (9 : 47)

فضل الله: الجلبة: الصّياح الّذي يصدر عن صاحب الخيل و الرّجّال من خلفه، ليحثّه على السّبق و اللّحاق به، و الرّجِل: جمع رَجْل، و هو وارد على سبيل الكناية و التّمثيل... [فأدام نقلا عن الزّمَخْشَريّ و أضاف:]

و بهذا كانت الفكرة إيحاءً للشّيطان بأن يستعمل كلّ وسائله و إمكاناته و قواه في سبيل الإضلال.

(14 : 169)

يُخَيَّلُ

فَاِذَا حِبَالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ اِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ اَنَّهَا تَسْعى. طه : 66

ابن عبّاس: أرى موسى. (263)

وَهْب بن مُنَبِّه: قالوا: يا موسى { اِمَّا اَنْ تُلْقِىَ

وَ اِمَّا اَنْ نَكُونَ اَوَّلَ مَنْ اَلْقى قَالَ بَلْ اَلْقُوا } فكان أوّل ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى و بصر فرعون، ثمّ أبصار النّاس بعد، ثمّ ألقى كلّ رجل منهم ما في يده من العِصِيّ و الحِبال، فإذا هي حيّات كأمثال الحبال، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضًا. (الطّبَريّ 8 : 433)

الكَلْبيّ: خُيّل إلى موسى أ نّها حيّات كلّها، و أ نّها تسعى على بطنها. (الواحديّ 3 : 214)

الفَرّاء: ( اَ نَّهَا ) في موضع رفع. و من قرأ (تُخَيِّلُ) أو (تَخَيَّلُ) فإنّها في موضع نصب، لأنّ المعنى تتخيّل بالسّعي لهم و تُخَيِّل كذلك، فإذا ألقيت الباء نصبت، كما تقول: أردت بأن أقوم، و معناه: أردت القيام، فإذا ألقيت الباء نصبت. قال الله: { وَ مَنْ يُرِدْ فيهِ ‘بِاِلْحَاد بِظُلْم } و لو ألقيتَ الباء نصبت، فقلت: و من يُرد فيه إلحادًا بظلمٍ. (2 : 186)

الطّبَريّ: و قوله: { فَاِذَا حِبَالُهُمْ...} في هذا الكلام متروك، و هو: فألقوا ما معهم من الحبال و العصيّ، فإذًا حبالهم، تُرك ذكره استغناءً بدلالة الكلام الّذي ذُكر عليه عنه ، و ذُكر أنّ السّحرة سحروا عين موسى و أعين النّاس قبل أن يُلقوا حبالهم و عصيّهم، فخُيّل حينئذ إلى موسى أ نّها تسعى.

و اختلفت القرَأة في قراءة قوله: { يُخَيَّلُ اِلَيْهِ } فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار { يُخَيَّلُ اِلَيْهِ } بالياء، بمعنى يُخيّل إليهم سعيها، و إذا قرئ ذلك كذلك، كانت ( اَنَّ ) في موضع رفع.

و رُوي عن الحسَن البصريّ أ نّه كان يقرؤه ( تُخَيَّلُ ) بالتّاء، بمعنى تخيّل حبالهم و عصيّهم بأ نّها تسعى، و من قرأ ذلك كذلك، كانت ( اَنَّ ) في موضع نصب لتعلّق (تُخيّل) بها.

و قد ذُكر عن بعضهم أ نّه كان يقرؤه: ( تُخَيَّلُ اِلَيْهِ )

ص: 609

بمعنى: تتخيّل إليه، و إذا قرئ ذلك كذلك أيضًا،ف ( اَنَّ) في موضع نصب بمعنى: تتخيّل بالسّعي لهم.

و القراءة الّتي لايجوز عندي في ذلك غيرها { يُخَيَّلُ } بالياء، لإجماع الحجّة من القُرّاء عليه.

(8 : 433)

الزّجّاج: قرئت { يُخَيَّلُ اِلَيْهِ...}، و موضع ( اَنَّ ) على هذه القراءة رفع، المعنى يُخيّل إليه سعيُها. و يُقرأُ: ( تُخَيَّلُ ) بالتّاء، و موضع ( اَنَّ ) على هذه القراءة يجوزأن يكون نصبًا، و يجوز أن يكون رفعًا. فأمّا النّصب فعلى معنى يُخيَّل إليه أنّها ذات سعي. و يجوز أن يكون مرفوعًا على البدل على معنى: يُخيّل إليه سعايتُها، و أُبدل { اَ نَّهَا تَسْعى } من المضمر في { يُخَيَّلُ} لاشتماله على المعنى، و يكون { اِلَيْهِ } الخبر على هذا التّقدير.

و مثل ذلك ما حكاه سيبَوَيه، يقال: ما لي بهمعلم أمرهم، أي مالي علم بأمرهم. [ثمّ استشهد بشعر]

(3 : 366)

نحوه العُكْبَريّ. (2 : 896)

أبو زُرْعَة: قرأ ابن عامر ( تُخَيَّلُ اِلَيْهِ ) بالتّاء، ردّه على الحبال و العِصِيّ.

و قرألباقون { يُخَيَّلُ اِلَيْهِ } بالياء، المعنى يُخيّل إليه سعيها، و يجوز أن تردّه على السّحر. (457)

الثّعلبيّ: [نحو أبو زُرْعَة و أضاف:]

و معناه شُبّه إليه من سحرهم حتّى ظنّ { اَ نَّهَا تَسْعى } أي تمشي، و ذلك أ نّهم كانوا لطّخوا حبالهم و عصِيّهم بالزّ ئبق فلمّا أصابه حرّ الشّمس ارتهشت و اهتزّت، فظنّ موسى أ نّها تقصده. (6 : 252)

نحوه البغَويّ. (3 : 267)

القَيْسيّ: من قرأ{ يُخَيَّلُ } بالياء جعل( اَنَّ ) في موضع رفع، لأ نّه مفعول لم يسمّ فاعله ل ({ يُخَيَّلُ } و من قرأ( تخَيَّل ) بالتّاء و هو ابن ذكوان فإنّه جعل ( اَنَّ ) في موضع رفع على البدل من المضمر في ( تُخَيَّل ) و هو بدل الاشتمال.

و يجوز مثل ذلك في قراءة من قرأ بالياء على أن تجعل الفعل ذُكّر على المعنى. و يجوز أن تكون( اَنَّ ) في قراءة من قرأ بالتّاء في موضع نصب على تقدير حذف الباء، تقديره: تُخَيّل إليه من سحرهم بأ نّها تسعى، و تجعل المصدر أو { اِلَيْهِ } في موضع مفعول لم يسمّ فاعله. (2 : 71)

نحوه أبو البركات. (2 : 147)

الماوَرْديّ: يحتمل وجهين:أحدهما: أ نّه يُخيّل ذلك لفرعون.الثّاني: لموسى كذلك. (3 : 413)

الطُّوسيّ: و إنّما قال: { يُخَيَّلُ } لأ نّها لم تكن تسعى حقيقة، و إنّما تحرّكت لأ نّه قيل: إنّه كان جعل داخلها زئبق، فلمّا حميت بالشّمس طلب الزّ ئبق الصُّعود، فتحرّكت العِصِيّ و الحبال، فظنّ موسى أ نّها تسعى. و قوله: { اَ نَّهَا تَسْعى } قيل: إلى فرعون. و قيل: إلى موسى؛ و هو الأظهر. (7 : 186)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (4 : 18)

الواحديّ: { يُخَيَّلُ اِلَيْهِ } إلى موسى. [و قال بعد قول الكَلْبيّ ]

يقال: « خُيّل إليه » إذا شُبِّهه له: أدخل عليه

ص: 610

التُّهمَة و الشّبهة. (3 : 214)

المَيْبُديّ: التّخائيل: التّصاوير، من خال يخال، إذا ظنّ. يقال: خِلت مخيلة. و المخيلة: ما تخاله شيئًا و لاتتبيّنه؛ و منه سمّي الخيال. و خيال الشّيء: ما يتصوّر في النّفس على مثاله، و ليس به في الحقيقة. و المعنى يرى من سحرهم{ اَ نَّهَا تَسْعى } أي تمشي سريعًا. [ثمّ أدام نحو وَهْبِ بن مُنَبِّه] (6 : 145)

الزّمَخْشَريّ: هذا تمثيل، و المعنى على مفاجأته حبالهم و عصِيّهم مخيّلة إليه السّعي...و قرئ ( تُخَيِّل ) على إسناده إلى ضمير الحِبال

و العِصيّ، و إبدال قوله: { اَ نَّهَا تَسْعى } من الضّمير بدل الاشتمال، كقولك: أعجبني زيد كرمه، و (تُخَيَّل) على كون الحِبال والعِصيّ مُخيّلة سعيها، و (تَخيَّلَ) بمعنى تتخيّل،و طريقه طريق( تُخَيَّل ). و ( نُخَيِّل ) على أنّ الله تعالى هو المخَيِّل للمحنة و الابتلاء.

يروى: أ نّهم لطخوها بالزّ ئبق، فلمّا ضربت عليها الشّمس اضطربت و اهتزّت، فخيّلت ذلك. (2 : 544)

نحوه البَيْضاويّ (2 : 54)، و النّسَفيّ (3 : 58)،

و المشهديّ (6 : 291)، و شُبّر (4 : 158).

ابن عَطيّة: و قرأت فرقة { يُخَيَّلُ } على بناء الفعل للمفعول، فقوله: { اَ نَّهَا } في موضع رفع على ما لم يسمّ فاعله. و قرأ الحسَن و الثّقفيّ ( تُخَيِّل) بضمّ التّاء المنقوطة و كسر الياء و إسناد الفعل إلى الحِبال و العِصِيّ، فقوله: { اَ نَّهَا } مفعول من أجله.

و الظّاهر من الآيات و القصص في كتب المفسّرين أنّ الحِبال و العِصِيّ كانت تنتقل بحِيَل السّحر و بدَسّ الأجسام الثّقيلة الميّاعة فيها، و كان تحرّكها يُشبه تحرّك الّذي له إرادة كالحيوان و هو السّعي، فإنّه لايوصف بالسّعي إلا من يمشي من الحيوان.

و ذهب قوم إلى أ نّها لم تكن تتحرّك لكنّهم سحروا أعين النّاس، و كان النّاظر يُخَيّل إليه أ نّها تتحرّك و تنتقل. و هذا يحتمل، و الله أعلم أيّ ذلك كان.

(4 : 51)

الفَخْرالرّازيّ: الهاء في قوله: { يُخَيَّلُ اِلَيْهِ } كناية عن موسى عليه السّلام، و المراد أ نّهم بلغوا في سحرهم المبلغ الّذي صار يُخَيَّل إلى موسى عليه السّلام أنّها تسعى كسعي ما يكون حيًّا من الحيّات، لا أ نّها كانت حيّة في الحقيقة.

و يقال. إنّهم حشّوها بما إذا وقعت الشّمس عليه يضطرب و يتحرّ ك.و لمّا كثرت و اتّصل بعضها ببعض فمن رآها كان يظنّ أ نّها تسعى.

فأمّا ما روي عن وَهْب أ نّهم سحروا أعين النّاس و عين موسى (علیه السلام) حتّى تَخيَّل ذلك، مستدلا بقوله تعالى: { فَلَمَّا اَلْقَوْا سَحَرُوا اَعْيُنَ النَّاسِ} الأعراف : 116، و بقوله تعالى: { يُخَيَّلُ اِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ اَ نَّهَا تَسْعى } فهذا غير جائز، لأنّ ذلك الوقت وقت إظهار المعجزة و الأدلّة و إزالة الشّبهة، فلو صار بحيث لايُميّز الموجود عن الخيال الفاسد لم يتمكّن من إظهار المعجزة، فحينئذ يفسد المقصود، فإذن المراد أ نّه شاهد شيئًا لولا علمه بأ نّه لاحقيقة لذلك الشّيء لظنّ فيها أ نّها تسعى

(22 : 83)

نحوه النَّيسابوريّ ملخّصًا. (16 : 139)

ص: 611

ابن عربيّ: { فَاِذَا حِبَالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ }أي تخيّلاتهم، و وهميّاتهم، { يُخَيَّلُ اِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ } في التّركيب، و البلاغة، و حسن التّقرير، و تمشية المغالطة و السّفسطة، و هيئة ترتيب القياسالجدليّ، ك { اَ نَّهَا تَسْعى } أي تمشي.

(2 : 49)

القُرطُبيّ: [نقل القراآت و بعض الأقوال]

(11 : 222)

ابن جُزَيّ: استدلّ بعضهم بهذه الآية على أنّ السّحر تخييل لاحقيقة. و قال بعضهم: إنّ حيلة السّحَرة في سعي الحبال و العصيّ هي أ نّهم حشّوها بالزّئبق و أوقدوا تحتها نارًا، و غطّوا النّارلئلايراها النّاس، ثمّ وضعوا عليها حبالهم و عصِيّهم.

و قيل: جعلوها للشّمس فلمّا أحسّ الزّئبق بحرّ النّار أو الشّمس سال و هو في حشو الحبال و العِصيّ فحملها، فتُخُيِّل للنّاس أ نّها تمشي. (3 : 15)

أبوحَيّان: [ذكر قول الزّمَخْشَريّ في (اِذَا) إلى أن قال:]

و أمّا قوله: < و المعنى على مفاجأته حبالهم و عصيّهم مخيلة إليه السّعي > فهذا بعكس ما قُدّر، بل المعنى: على مفاجأة حبالهم وعصيّهم إيّاه، فإذا قلت: خرَجتُ فإذا السّبُع، فالمعنى أ نّه فاجأني السّبُع و هجم ظهوره...

و قرأ الزُّهريّ و الحسَن و عيسى و أبو حَيْوَة و قَتادَة و الجَحْدَريّ و رَوح و الوليدان و ابن ذكوان ( تُخَيَّل ) بالتّاء مبنيًّا للمفعول و فيه ضمير الحبال و العِصيّ و { اَ نَّهَا تَسْعى } بدل اشتمال من ذلك الضّمير. و قرأ أبو السّمال ( تَخيَّل ) بفتح التّاء، أي تتخيّل، و فيها أيضًا ضمير ما ذُكر{ اَ نَّهَا تَسْعى } بدل اشتمال أيضًا من ذلك الضّمير، لكنّه فاعل من جهة المعنى. و قال ابن عَطيّة: إنّها مفعول من أجله. و قال أبو القاسم ابن حبارة الهذليّ الأندلسيّ في كتاب « الكامل » من تأليفه، عن أبي السّمال أ نّه قرأ ( تُخَيِّل) بالتّاء من فوق المضمومة و كسر الياء و الضّمير فيه فاعل، و{ اَ نَّهَا تَسْعى } في موضع نصب على المفعول به. و نسب ابن عَطيّة هذه القراءة إلى الحسَن و الثّقفيّ يعني عيسى.

و من بنى ( تُخَيَّل ) للمفعول فالمُخيِّل لهم ذلك هو الله للمحنة و الابتلاء. و روى الحسن بن أيمن عن أبي حَيْوَة ( نُخَيِّل ) بالنّون و كسر الياء، فالمخيِّل لهم ذلك هو الله، و الضّمير في { اِلَيْهِ } الظّاهر أ نّه يعود على موسى، لقوله قبل: { قَالَ بَلْ اَلْقُوا }، و لقوله بعد: {فَاَوْجَسَ فى نَفْسِهِ خيفَةً‘ مُوسى } و قيل: يعود على فرعون.

و الظّاهر من القصص أنّ الحبال و العصِيّ كانت تتحرّك و تنتقل الانتقال الّذي يُشبه انتقال من قامت به الحياة، و لذلك ذكر السّعي و هو وصف من يمشي من الحيوان، فروى أ نّهم جعلوا في الحبال و العصِيّ زئبقًا

و ألقوها في الشّمس، فأصاب الزّ ئبق حرارة الشّمس فتحرّ ك، فتحرّكت العِصيّ و الحبال معه.

و قيل: حفروا الأرض و جعلوا تحتها نارًا، و كانت العصيّ و الحبال مملوءة بزئبق، فلمّا أصابتها حرارة الأرض تحرّكت، و كان هذا من باب الدّ كّ.

ص: 612

و قيل: إنّها لم تتحرّ ك و كان ذلك من سحر العيون و قد صرّح تعالى بهذا، فقالوا: { سَحَرُوا اَعْيُنَ النَّاسِ } فكان النّاظر يُخَيَّل إليه أ نّها تنتقل. (6 : 259)

نحوه الشَّوْكانيّ. (3 : 469)

الشِّربينيّ: [ذكر بعض القصص كقول وَهْب، و بعض القراءات، و قد سبقت.] (2 : 471)

أبوالسُّعود: ...المعنى فألقَوا ففاجأ موسى عليه الصّلاة و السّلام وقت أن يُخيَّل إليه سعي حبالهم و عصِيّهم من سحرهم، و ذلك أ نّهم كانوا لطّخوها بالزّ ئبق، فلمّا ضربت عليها الشّمس اضطربت

و اهتزّت، فخُيِّل إليه أ نّها تتحرّ ك.[ثمّ ذكر القراآت]

(4 : 292)

نحوه الكاشانيّ. (3 : 311)

البُرُوسَويّ: و التّخيُّل: تصوير خيال الشّيء في النّفس، و التّخيُّل: تصوّر ذلك. و الخيال: أصله الصّورة المجرّدة كالصّورة المتصوّرة فى المنام و في المرآة و في القلب بُعَيْد غيبوبة المرئيّ، ثمّ تستعمل في صورة كلّ أمر متصوّر، و في كلّ شخص دقيق يجري مجرى الخيال، و{ اَ نَّهَا تَسْعى } نائب فاعل ل { يُخَيَّلُ }... و ذلك أ نّهم كانوا لطّخوها بالزّئبق، فلمّا ضربت عليها الشّمس اضطربت و اهتزّت، فخُيِّل إليه أ نّها تتحرّك.

(5 : 402)

الآلوسيّ: [ذكر قول الزّمَخْشَريّ ثمّ قال:]

و عنى بقوله:< هذا تمثيل >، أ نّه تصوير للأعراب

و أنّ (اِذَا) وقتيّة أوقع عليها فعل المفاجأة توسّعًا، لأ نّها سدّت مسدّ الفعل و المفعول، و لأنّ مفاجأة الوقت يتضمّن مفاجأة ما فيه بوجه أبلغ. و ما قيل: إنّه أراد الاستعارة التّمثيليّة فيحتاج إلى تكلّف لتحصيلها.

و ضمير { اِلَيْهِ } الظّاهر أ نّه لموسى(علیه السلام)، بل هو كالمتعيّن. و قيل: لفرعون، و ليس بشيء. و ( اَنَّ ) و ( مَا ) في حيّزها نائب فاعل { يُخَيَّلُ } أي يخيّل إليه بسبب سحرهم سعيها، و كأنّ ذلك من باب السّيمياء، و هي علم يُقتَدر به على إراء الصّورة الذّهنيّة، لكن يُشتَرط غالبًا أن يكون لها مادّة في الخارج في الجملة، و يكون ذلك على ما ذكره الشّيخ محمّد عمر البغداديّ في حاشيته على رسالة الشّيخ عبد الغنيّ النّابلسيّ في وحدة الوجود بواسطة أسماء و غيرها.

و ذكر العلامة البَيْضاويّ في بعض رسائله أنّ علم السّيمياء حاصله إحداث مثالات خياليّة لاوجود لها في الحس و يُطلق على إيجاد تلك المثالات بصورها في الحس، و تكون صورًا في جوهر الهواء، و هي سريعة الزّوال بسبب سرعة تغيّر جوهره. و لفظ < سيمياء > معرّب شيم يه، و معناه: اسم الله تعالى، انتهى.

و ما ذكره من سرعة الزّوال لايسلّم كلّيًّا، و هوعندي بعض من علم السّحر. و عرّفه البَيْضاويّ بأ نّه علم يُستفاد منه حصول ملكة نفسانيّة يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفيّة. ثمّ قال: و السّحر منه حقيقيّ، و منه غير حقيقيّ، و يقال له: الأخذ بالعيون، و سحرة فرعون أتوا بمجموع الأمرين، انتهى.

و المشهور أنّ هؤلاء السّحرة جعلوا في الحبال و العصِيّ زئبقًا، فلمّا أصابتها حرارة الشّمس اضطربت و اهتزّت، فخُيِّل إليه (علیه السلام) أ نّها تتحرّ ك و تمشي كشيء

ص: 613

فيه حياة.

و يروى أ نّه (علیه السلام) رآها كأ نّها حيّات، و قد أخذت ميلا في ميل. و قيل: حفروا الأرض و جعلوا فيها نارًا، و وضعوا فوقها تلك الحبال و العصِيّ، فلمّا أصابتها حرارة النّار تحرّكت و مشت، و في القلب من صحّة كلا القولين شيء.

و الظّاهر أنّ التّخيّل من موسى (علیه السلام) قد حصل حقيقة بواسطة سحرهم.و روي ذلك عن وَهْب. و قيل: لم يحصل، و المراد من الآية أ نّه (علیه السلام) شاهد شيئًا لو لاعلمه بأ نّه لاحقيقة له لظنّ فيها أ نّها تسعى فيكون تمثيلا ، و هو خلاف الظّاهر جدًّا.[إلى أن ذكر القراآت نحو أبي حَيّان] (16 : 227)

ابن عاشور: تقدّمت هذه القصّة و معانيها في سورة الأعراف سوى أنّ الأوّليّة هنا مصرّح بها في أحد الشّقّين. فكانت صريحة في أنّ التّخيير يتسلّط على الأوّليّة في الإلقاء، و سوى أ نّه صرّح هنا بأنّ السّحر الّذي ألقوه كان بتخييل أنّ حبالهم و عِصيّهم ثعابين تسعى، لأ نّها لايُشبهها في شكلها من أنواع الحيوان سوى الحيّات و الثّعابين.

و المفاجأة المستفادة من (اِذَا) دلّت على أ نّهم أعدّوها للإلقاء، و كانوا يخشون أن يمرّ زمان تزول به خاصيّاتها، فلذلك أسرعوا بإلقائها.

و قرأ الجمهور { يُخَيَّلُ } بتحتيّة في أوّل الفعل، على أنّ فاعله المصدر من قوله: { اَ نَّهَا تَسْعى}. و قرأه ابن ذكوان عن ابن عامر ، ورَوح عن يعقوب ( تُخَيَّلُ ) بفوقيّة في أوّله على أنّ الفعل رافع لضمير { حِبَالُهُمْ وَ عِصِيُّهُم }، أي هي تُخيِّل إليه. و { اَ نَّهَا تَسْعى} بدل من الضّمير المستتر بدل اشتمال.

و هذا التّخييل الّذي وجده موسى من سحر السّحرة هو أثر عقاقير يُشرِبونها تلك الحِبال و العِصيّ، و تكون الحبال من صنف خاص، و العِصيّ من أعواد خاصّة فيها فاعليّة لتلك العقاقير، فإذا لاقت شعاع الشّمس اضطربت تلك العقاقير فتحرّكت الحبال و العِصيّ. قيل: وضعوا فيها طِلاء الزّ ئبق.

و ليس التّخييل لموسى من تأثير السّحر في نفسه، لأنّ نفس الرّسول لاتتأثّر بالأوهام، و يجوز أن تتأثّر بالمؤثّرات الّتي يتأثّر منها الجسد كالمرض، و لذلك وجب تأويل ظاهر حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في سحر النّبيّ (صلی الله علیه و آله)، و أخبار الآحاد لاتنقض القواطع. و ليس هذامحلّ ذكره و قد حقّقته في كتابي المسمّى « النّظر الفسيح» على صحيح البخاريّ. (16 : 147)

الطَّباطَبائيّ: و قوله: { فَاِذَا حِبَالُهُمْ...} فيه حذف، و التّقدير: فألقوا و إذا حبالهم و عصيّهم...

و إنّما حُذف لتأكيد المفاجأة، كأ نّه (علیه السلام) لمّا قال لهم: بل ألقوا، لم يلبث دون أن شاهد ما شاهد من غير أن يتوسّط هناك إلقاؤهم الحبال و العِصيّ.

و الّذي خُيِّل إلى موسى خُيِّل إلى غيره من النّاظرين من النّاس، كما ذكره في موضع آخر: { سَحَرُوا اَعْيُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ } الأعراف : 116، غير أ نّه ذكر هاهنا موسى من بينهم، و كأنّ ذلك ليكون تمهيدًا لما في الآية التّالية. (14 : 177)

ص: 614

مكارم الشّيرازيّ: لقد ذكر كثير من المفسّرين أنّ هؤلاء كانوا قد جعلوا في هذه الحبال و العِصيّ موادّ كالزّئبق الّذي إذا مسّته أشعّة الشّمس و ارتفعت حرارته و سخن، فإنّه يولّد لهؤلاء نتيجة لشدّة فورانه حركات مختلفة و سريعة، إنّ هذه الحركات لم تكن سيرًا و سعيًا حتمًا، إلا أنّ إيحاءات السّحرة الّتي كانوا يُلقّنونها النّاس، و المشهد الخاص الّذي ظهر هناك، كان يظهر لأعين النّاس و يُجَسّد لهم أنّ هذه الجمادات قد ولجتها الرّوح، و هي تتحرّك الآن. و تعبير { سَحَرُوا اَعْيُنَ النَّاسِ } إشارة إلى هذا المعنى أيضًا، و كذلك تعبير{ يُخَيَّلُ اِلَيْهِ } يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى أيضًا.

على كلّ حال، فإنّ المشهد كان عجيبًا جدًّ ا، فإنّ السّحرة الّذين كان عددهم كبيرًا، و تمرُّسهم و اطّلاعهم في هذا الفنّ عميقًا، و كانوا يعرفون جيّدًا طريقة الاستفادة من خواص هذه الأجسام الفيزيائيّة و الكيميائيّة الخفيّة، استطاعوا أن ينفذوا إلى أفكار الحاضرين ليُصدّقوا أنّ كلّ هذه الأشياء الميّتة قد ولجتها الرّوح. فعلت صرخات السّرور من الفراعنة، بينما كان بعض النّاس يصرخون من الخوف و الرّعب، و يتراجعون إلى الخلف. (10 : 26)

فضل الله: ...و استعملوا كلّ فنون السّحر الّتي يتقنونها من أجل الإيحاء بالرّهبة الّتي تُزلزل قلب موسى وروحه، وتهزم موقفه. وكانوا يملكون الفنّ العظيم الّذي يسحر العيون ويخلب الألباب حتّى كاد موسى أن يتأثّر بها كبشريّ، طاف به خيال الإنسان الّذي يتأثّر بسرعة بما يحيط به. (15 : 131)

مُخْتَال

1 وَ لاتَمْشِ فِى الاَرْضِ مَرَحًا اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور. لقمان : 18

النّبيّ(صلی الله علیه و آله): خرج رجل يتبختر في الجاهليّة عليه حُلّة، فأمر الله عزّ و جلّ الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. (الثّعلبيّ 7 : 315)

ثلاثة يشنؤهم الله: الفقير المختال، و البخيل المنّان، و البيّع الحلاف. (الماوَرْديّ 4 : 340)

من لبس ثوبًا فاختال فيه، خسف الله به منشفير جهنّم و كان قرين قارون، لأ نّه أوّ ل من اختال فخسف له و بداره الأرض، و من اختال فقد نازع الله في جبروته. (الكاشانيّ4 : 146)

من مشى على الأرض اختيالا لعنه الأرض و مَن تحتها و مَن فوقها.

[وفي رواية] ويل لمن يختال في الأرض معارض جبّار السّماوات و الأرض.

[وفي رواية ذكر مثل الكاشانيّ إلا أنّ فيه: ] <من لبس ثوبًا فاغتال >. (العُرُوسيّ 4 : 207)

أبوذرّ: أ نّه المنّان. (الماوَرْديّ4 : 339)

ابن عبّاس: في مشيته. (345)

مثله الثّعلبيّ (7 : 315)، والبغَويّ (3 : 589)، و المَيْبُديّ (7 : 494)،و الخازن (5 : 18).

سعيد بن جُبَيْر: البطر. (الماوَرْديّ 4 : 340)

مُجاهِد: متكبّر. (الطّبَريّ 10 : 216)

ص: 615

مثله النّسَفيّ. (3 : 282)

الإمام الباقر(علیه السلام): إنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) أوصى رجلا من بني تميم، فقال له: ايّاك و إسبال الإزار و القميص، فإنّ ذلك من المخيلة و الله لايحبّ المخيلة.

(العُرُوسيّ 4 : 207)

الطّبَريّ: متكبّر ذي فخر. (10 : 216)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (4 : 319)

الطُّوسيّ: الاختيال: مشية البطر. (8 : 280)

الزّمَخْشَريّ: يجوز أن يريد: و لاتمشِ لأجل المرح و الأشر، أي لايكن غرضك في المشي البطالة و الأشَر، كما يمشي كثير من النّاس لذلك، لالكفاية مهمّ دينيّ أو دنيويّ. و نحوه قوله تعالى: { وَ لاتَكُونُوا كَالَّذينَ‘ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَ رِئَاءَ النَّاسِ } الأنفال : 47.

و المختال: مقابل للماشي مرحًا. و كذلك الفخور للمصعِّر خدّه كِبْرًا. (3 : 234)

ابن عَطيّة: و المشي{ مَرَحًا } هو في غير شغل و لغير حاجة، و أهل هذا الخلق ملازمون للفخر و الخُيَلاء، فالمرح مختال في مشيه، و قد قال(علیه السلام): « من جرّ ثوبه خُيَلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ».

(4 : 351)

نحوه القُرطُبيّ. (14 : 70)

أبو الفُتُوح: { مُخْتَال } متكبّر، مفتَعل من خُيَلاء، و هي الكِبْر. (15 : 291)

الفَخْر الرّازيّ: يعني من يكون به خُيَلاء، و هو الّذي يُري النّاس عظمة نفسه و هو التّكبّر، { فَخُور } يعني من يكون مفتخرًا بنفسه و هو الّذي يرى عظمة لنفسه في عينه، و في الآية لطيفة و هو أنّ الله تعالى قدّم الكمال على التّكميل؛ حيث قال: { اَقِمِ الصَّلوةَ } ثمّ قال: { وَ اْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ }، و في النّهي قدّم ما يورثه التّكميل على ما يورثه الكمال؛ حيث قال: { وَ لاتُصَعِّرْ خَدَّكَ } ثمّ قال: { وَ لاتَمْشِ فِى الاَرْضِ مَرَحًا } لأنّ في طرف الإثبات من لايكون كاملا لايمكن أن يصير مكمّلا فقدّمالكمال، و في طرف النّفي من يكون متكبّرًا على غيره متبَختِرًا، لأ نّه لايتكبّر على الغير إلا عند اعتقاده أ نّه أكبر منه من وجه، و أمّا من يكون متبَختِرًا في نفسه قد لايتكبّر، و يتوهّم أ نّه يتواضع للنّاس فقدّم نفي التّكبّر ثمّ نفي التّبَختُر، لأ نّه لو قدّم نفي التّبَختُر للزم منه نفي التّكبّر فلايحتاج إلى النّهي عنه.

و مثاله أ نّه لايجوز أن يقال: لاتفطر و لاتأكل، لأنّ من لايفطر لايأكل. و يجوز أن يقال: لاتأكل و لاتفطر، لأنّ من لايأكل قد يفطر بغير الأكل، و لقائل أن يقول: إنّ مثل هذا الكلام يكون للتّفسير، فيقول: لاتفطر و لاتأكل أي لاتفطر بأن تأكل، و لايكون نهيَين بل واحدًا. (25 : 149)

البَيْضاويّ : { اِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ... } علّة للنّهي ، و تأخير < الفخور > و هو مقابل للمصعِّر خدّه . و « المختال » للماشي مرحًا، ليوافق رؤوس الآي.

(2 : 229)

نحوه أبوالسُّعود. (5 : 190)

النَّيسابوريّ: و المختال و الفخور مذكوران في

ص: 616

سورة النّساء، فالمختال هو الماشي لأجل الفرح و النّشاط، لا لمصلحة دينيّة أو دنيويّة. (21 : 51)

أبوحَيّان: لمّا وصّى ابنه بالأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر؛ إذ صار هو في نفسه ممتثلا للمعروف مزدجرًا عن المنكر، أمر به غيره و ناهيًا عنه غيره، نهاه عن التّكبّر على النّاس و الإعجاب و المشي مرحًا، و أخبره أ نّه تعالى: لايحبّ المختال، و هو المتكبّر. (7 : 188)

ابن كثير: أي مختال مُعجب في نفسه. (5 : 386)

نحوه القاسميّ. (13 : 4802)

الشِّربينيّ: أي مُراء للنّاس في مشيه متبَختِر، يرى له فضلا على النّاس. (3 : 190)

البُرُوسَويّ: الاختيال و الخُيَلاء: التّكبّر عن تخَيُّل فضيلة، و منه لفظ الخيل كما قيل: إنّه لايركب أحد فرسًا إلاوجد فى نفسه نخوةً، أي لايرضى عن المتكبّر المتبَختِر في مشيته بل يسخط عليه، و هو بمقابلة الماشي مرحًا. (7 : 85)

الشَّوْكانيّ: و جملة { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتال فَخُور } تعليل للنّهي، لأنّ الاختيال هو المرح؛ و الفخور هو الّذي يفتخر على النّاس بمالَه من المال أو الشّرف أو القوّة أو غير ذلك، و ليس منه التّحدّث بنعم الله، فإنّ الله يقول: { وَ اَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } الضّحى : 11. (4 : 300)

الآلوسيّ: { اِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ...} تعليل للنّهي أو موجبه، و المختال من الخُيَلاء، و هو التّبَختُر في المشي كبرًا ... و في الآية عند الزّمَخْشَريّ لفّ و نشر معكوس؛ حيث قال: المختال مقابل للماشي مرحًا، و كذلك الفخور للمصعِّر خدّه كِبْرًا؛ و ذلك لرعاية الفواصل على ما قيل و لايأبى ذلك كون الوصيّةلم تكن باللّسان العربيّ، كما لايخفى.

و جُوّز أن يكون هناك لفّ و نشر مرتّب، فإنّ الاختيال يناسب الكِبْر و العُجْب، و كذا الفخر يناسب المشي مرحًا. و الكلام على رفع الإيجاب الكلّيّ، و المراد السّلب الكلّيّ.

و جُوّز أن يبقى على ظاهره و صيغة { فَخُور } للفاصلة، و لأنّ ما يُكره من الفخر كثرته، فإنّ القليل منه يكثر وقوعه، فلطف الله تعالى بالعفو عنه، و هذا كما لطف بإباحة اختيال المجاهد بين الصّفّين، و إباحة الفخر بنحو المال لمقصد حسَن. (21 : 90)

المَراغيّ: هو الّذي يفعل الخُيَلاء و هي التّبَختُر في المشي كِبْرًا. (21 : 81)

عزّة دروزة: الّذي يمشي متمايلا منتفخًا بالكبر و الزّهو.

(5 : 10)

ابن عاشور: و موقع { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور } موقع { اِنَّ اللهَ لَطيفٌ‘ خَبيرٌ ‘} لقمان : 16، كما تقدّم. و المختال : اسم فاعل من اختال بوزن < الافتعال > من فعل خَال إذا كان ذا خُيَلاء ، فهو خائل . والخُيَلاء: الكِبْر والازدهاء، فصيغة < الافتعال> فيه للمبالغة في الوصف، فوزن المختال مُختَيِل، فلمّا تحرّك حرف العلة و انفتح ما قبله قُلب ألفًا ، فقوله: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال } مقابل قوله: { وَ لاتُصَعِّرْ خَدَّ كَ لِلنَّاسِ }، و قوله: { فَخُور } مقابل قوله:

ص: 617

{ وَ لاتَمْشِ فِى الاَرْضِ مَرَحًا }.

و معنى{ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور } أنّ الله لايرضى عن أحد من المختالين الفخورين، و لايخطر ببال أهل الاستعمال أن يكون مفاده أنّ الله لايحبّ مجموع المختالين الفخورين إذا اجتمعوا بناءً على ما ذكره عبد القاهر من أنّ« كلّ » إذا وقع في حيّز النّفي مؤخّرًا عن أداته ينصبّ النّفي على الشّمول، فإنّ ذلك إنّما هو في « كلّ » الّتي يراد منها تأكيد الإحاطة لافي « كلّ » الّتي يراد منها الأفراد، و التّعويل في ذلك على القرائن. على أ نّا نرى ما ذكره الشّيخ أمرٌ أغلبيّ غير مطّرد في استعمال أهل اللّسان، و لذلك نرى صحّة الرّفع و النّصب في لفظ « كلّ » في قول أبي النّجم العِجليّ:

قد أصبحتْ أُمّ الخيار تدّعي

عليّ ذنبًا كلّه لم أصنع

و قد بيّنتُ ذلك في تعليقاتي على دلائل الإعجاز.

و موقع جملة { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور } يجوز فيه ما مضى في جملة { اِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ‘ } لقمان : 1، و جملة { اِنَّ اللهَ لَطيفٌ‘ خَبيرٌ‘ } لقمان : 16، و جملة { اِنَّ ذلِكَ’ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ } لقمان : 17.

(21 : 110)

الطَّباطَبائيّ: إنّ الله لايحبّ كلّ من تأخذه الخُيَلاء و هو التّكبّر بتخيُّل الفضيلة و يُكثر منالفخر. (16 : 219)

عبد الكريم الخطيب: و في قوله تعالى: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور } إشارة إلى أنّ صاحب الكبر و التّيه، كما يلقي الكراهية و النّفور من النّاس، فإنّه يلقي البغض من الله، و البعد عن مواقع رضاه، لأنّ الكبر مفتاح كلّ رذيلة، و باب كلّ شرّ و ضلال. و ما أُوتي المشركون الّذين تحدّوا رسالة الإسلام، و عموا عن مواقع الهدى منها إلا من كبرهم، و عُجبهم بأنفسهم، و بما زيّنت لهم أهواؤهم. (11 : 573)

مكارم الشّيرازيّ: و « المختال »: من مادّة الخيال و الخُيَلاء، و تعني الشّخص الّذي يرى نفسه عظيمًا و كبيرًا، نتيجة سلسلة من التّخيّلات و الأوهام.

و « الفخور »: من مادّة الفخر، و يعني الشّخص الّذي يفتخر على الآخرين.

و الفرق بين كلمتي المختال و الفخور: أنّ الأُولى إشارة إلى التّخيّلات الذّهنيّة للكبر و العظمة، أمّا الثّانية فهي تشير إلى أعمال التّكبّر الخارجيّ.

و على هذا، فإنّ لقمان الحكيم يشير هنا إلى صفتين مذمومتين جدًّا، و أساس توهين و قطع الرّوابط الاجتماعيّة الصّميميّة: إحداهما: التّكبّر و عدم الإهتمام بالآخرين، و الأُخرى: الغرور و العُجْب بالنّفس، و هما مشتركتان من جهة دفع الإنسان إلى عالم من التّوهّم و الخيال، و نظرة التّفوّق على الآخرين، و إسقاطه في هذه الهاوية، و بالتّالي تقطعان علاقته بالآخرين و تعزلانه عنهم، خاصّة و أ نّه بملاحظة الأصل اللُّغويّ ل « صعّر » سيتّضح أنّ مثل هذه الصّفات مرض نفسيّ و أخلاقيّ، و نوع من الانحراف في التّشخيص و التّفكير، و إلا فإنّ الإنسان السّالم من النّاحية الرّوحيّة و النّفسيّة لايبتلى مطلقًا

ص: 618

بمثل هذه الظّنون و التّخيّلات.

و لايخفى أنّ مراد لقمان لم يكن مسألة الإعراض عن النّاس، أو المشي بغرور و حسب، بل المراد محاربة كلّ مظاهر التّكبّر و الغرور. و لمّا كانت هذه الصّفات تظهر في طليعة الحركات العاديّة اليوميّة، فإنّه وضع إصبعه على مثل هذه المظاهر الخاصّة. (13 : 44)

فضل الله: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور } لأنّ الاختيال يوحي بالتّكبّر و التّجبّر، و الله لايحبّ المتكبّرين المتجبّرين، و لأنّ الفخر يوحي بانتفاخ الشّخصيّة من غير أساس واقعيّ معقول، و الله لايحبّ الّذين يزكّون أنفسهم من دون واقع، لأنّ ذلك يمثّل حالة كذب في الحركة و المظهر، و إن لم يكن كذبًا في اللّسان. (18 : 197)

و بهذا المعنى جاءت الآية التّالية:

2 وَ اللهُ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور. الحديد : 23

مُخْتَالا

اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا. النّساء : 36النّبيّ(صلی الله علیه و آله): ثلاثة لاخلاق لهم: المختال الفخور. ثمّ قرأ { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا }.

(الواحديّ 2 : 52)

ابن عبّاس: في مشيته. (70)

العظيم في نفسه الّذي لايقوم بحقوق الله.

(الواحديّ 2: 51)

مُجاهِد: متكبّرًا. (الطّبَريّ 4 : 87)

مثله البغَويّ. (1 : 620)

زَيْد بن عليّ: ذو الخُيَلاء و الكبر. (170)

أبوعُبَيْدَة: المختال: ذو الخُيَلاء و الخال، و هما واحد، و يجيء مصدرًا. [ثمّ استشهد بشعر] (1 : 127)

الطّبَريّ: ذاخُيَلاء، و« المختال »: المفتَعل، من قولك: خال الرجل فهو يَخُول خَوْ لا وخالا . [ثمّ استشهد بشعر] (4 : 87)

مثله الماوَرْديّ. (1 : 486)

الزّجّاج: الصّلِف التّيّاه الجهول. و إنّما ذكر الاختيال في هذه القصّة، لأنّ المختال يأنف من ذوي قراباته إذا كانوا فقراء، و من جيرانه إذا كانوا كذلك، فلايُحسِن عِشرَتهم. (2 : 51)

نحوه الزّمَخْشَريّ (1 : 526) ، و البَيْضاويّ (1 : 219) ، و النّسَفيّ (1 : 225)، و النَّيسابوريّ (5 : 40)، و الشِّربينيّ (1 : 302)، و الكاشانيّ (1 : 416)، و المشهديّ (2 : 452)، و شُبّر (2 : 44).

النّحّاس: المختال في اللُّغة: ذو الخُيَلاء. فإن قيل: فكيف ذكر المختال هاهنا و كيف يُشبه هذا الكلام الأوّل؟

فالجواب: أنّ من النّاس من تكبّر على أقربائه إذا كانوا فقراء، فأعلم الله عزّ و جلّ أ نّه لايحبّ من كان كذا. (2 : 85)

الطُّوسيّ: [نحو الزّجّاج ثمّ أضاف:]

فأمّا الاختيال في الحرب فممدوح، لأنّ في ذلك تطاولا على العدوّ و استخفافًا به. (3 : 195)

المَيْبُديّ: يريد أنّ الله لايحبّ المتبَختِر المتكبّر المعتدّ بنفسه. و قيل: المختال: الّذي يرى نفسه عظيمًا

ص: 619

و جليلا ، و من كبره يزري بالنّاس، و لايقوم بأداء حقوق الله. (2 : 502)

ابن عَطيّة: و نفي المحبّة عمّن هذه صفته ضرب من التّوعّد، و خص هاتين الصّفتين هنا؛ إذ مقتضاهما العُجْب و الزّهو، و ذلك هو الحامل على الإخلال بالأصناف الّذين تقدّم أمر الله بالإحسان إليهم، و لكلّ صنف نوع من الإحسان يختص به، و لا يعوق عن الإحسان إليهم إلا العُجْب أو البخل، فلذلك نفى الله محبّته عن المعجبين و الباخلين على أحد التّأويلين حسبما نذكره الآن بعد هذا.

و قال أبو رجاء الهَرَويّ: لاتجده سيّء الملكة إلا وجدته مختالا فخورًا، و لاعاقًّا إلا وجدته جبّارًا شقيًّا، و الفخر عدّ المناقب تطاولا بذلك. (2 : 51)

نحوه القُرطُبيّ. (5 : 192)الطَّبْرِسيّ: أصل المختال من التّخيّل، و هو التّصوّر، لأ نّه يتخيّل بحاله مرح البطر، و المختال الصّلِف التّيّاه، و منه الخيل لأ نّها تختال في مشيها، أي تتبَختَر. [إلى أن قال:]

{ مُخْتَالا } في مشيته { فَخُورًا } على النّاس بكثرة المال تكبّرًا، عن ابن عبّاس. و إنّما ذكرهما لأ نّهما يأنفان من أقاربهم و جيرانهم إذا كانوا فقراء لايُحسنان عشرتهم. و هذه آية جامعة تضمّنت بيان أركان الاسلام، و التّنبيه على مكارم الأخلاق، و من تدبّرها حقّ التّدبّر، و تذكّرها حقّ التّذكّر، أغنَتْه عن كثير من مواعظ البلغاء، و هدته إلى جمّ غفير من علوم العلماء. (2 : 45)

الفَخْرالرّازيّ: و « المختال » ذو الخُيَلاء و الكبر ... و ذكرنا اشتقاق هذه اللّفظة عند قوله: { وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ } آل عمران : 14.

و معنى الفخر: التّطاول، و الفخور: الّذي يُعدِّد مناقبه كِبْرً ا و تطاولا ...

و إنّما خص الله تعالى هذين الوصفين بالذّمّ في هذا الموضع، لأنّ المختال هو المتكبّر، و كلّ من كان متكبّرً ا فإنّه قلّما يقوم برعاية الحقوق، ثمّ أضاف إليه ذمّ الفخور لئلايُقدم على رعاية هذه الحقوق لأجل الرّياء و السّمعة، بل لمحض أمر الله تعالى. (10 : 97)

نحوه القاسميّ. (5 : 1233)

ابن عَرَبيّ: يسعى في السّلوك بنفسه لابالله، معجبًا بأعماله. (1 : 257)

الخازن: المتكبّر: العظيم في نفسه الّذي لايقوم بحقوق النّاس. (1 : 438)

أبو حَيّان: نفى تعالى محبّته عمّن اتّصف بهاتين الصّفتين: الاختيال و هو التّكبّر، و الفخر هو عدّ المناقب على سبيل التّطاول بها، و التّعاظم على النّاس، لأنّ من اتّصف بهاتين الصّفتين، حملتاه على الإخلال بمن ذُكر في الآيةممّن يكون لهم حاجة إليه. [ثمّ ذكر قول أبي رجاء كما تقدّم عن ابن عَطيّة، و قول الزّمَخْشَريّ و أضاف:]

و قال غيره: ذكر تعالى الاختيال، لأنّ المختال يأنف من ذوي قرابته إذا كانوا فقراء، و من جيرانه إذا كانوا ضعفاء، و من الأيتام لاستضعافهم، و من المساكين لاحتقارهم، و من ابن السبيل لبعده عن أهله

ص: 620

و ماله، و من مماليكه لأسرهم في يده، انتهى.

و تظافرت هذه النّقول على أنّ ذكر هاتين الصّفتين في آخر الآية إنّما جاء تنبيهًا على أنّ من اتّصف بالخُيَلاء والفخر يأنف من الإحسان للأصناف المذكورين، و أنّ الحامل له على ذلك اتّصافه بتينك الصّفتين.

و الّذي يظهر لي أنّ مساقهما غير هذا المساق الّذي ذكروه؛ و ذلك أ نّه تعالى لمّا أمر بالإحسان للأصناف المذكورة و التّحفّي بهم و إكرامهم، كان في العادة أن ينشأ عن من اتّصف بمكارم الأخلاق أن يجد في نفسه زهوًا و خُيَلاءً، و افتخارًا بما صدر منه من الإحسان. و كثيرًا ما افتخرتِ العرببذلك و تعاظمت في نثرها و نظمها به، فأراد تعالى أن يُنبّه على التّحلّي بصفة التّواضع، و أن لايرى لنفسه شفوفًا على من أحسن إليه، و أن لايفخر عليه كما قال تعالى: { لاتُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَ الاَذى } البقرة :264، فنفى تعالى محبّته عن المتحلّي بهذين الوصفين.

و كان المعنى أ نّهم أُمروا بعبادة الله تعالى، و بالإحسان إلى الوالدين. و من ذكر معهما: و نُهُوا عن الخُيَلاء و الفخر، فكأ نّه قيل: و لاتختالوا و تفخروا على من أحسنتم إليه، إنّ الله لايحبّ من كان مختالا فخورًا.

إلا أنّ ما ذكرناه لايتمّ إلا على أن يكون { اَ لَّذينَ‘ يَبْخَلُونَ } البقرة : 37، مبتدأ مقتطعًا ممّا قبله، أمّا إن كان متّصلا بما قبله فيأتي المعنى الّذي ذكره المفسّرون، ويأتي إعراب { اَ لَّذينَ‘ يَبْخَلُونَ }، وبه يتّضح المعنى الّذي ذكروه، و المعنى الّذي ذكرناه إن شاء الله تعالى

(3 : 245)

ابن كثير: أي مختالا في نفسه، مُعجبًا متكبّرًا فخورًا على النّاس، يرى أ نّه خير منهم فهو في نفسه كبير، و هو عند الله حقير، و عند النّاس بغيض. [ثمّ ذكر بعض الرّوايات و قد تقدّم] (2 : 284)

أبوالسُّعود: أي متكبّرًا، يأنف عن أقاربه

و جيرانه و أصحابه، و لا يلتفت إليهم. (2 : 135)

مثله البُرُوسَويّ (2 : 206)، و نحوه الآلوسيّ (5 : 29).

رشيد رضا: و المختال: هو المتكبّر الّذي يظهر على بدنه أثر من كبره في الحركات و الأعمال، فيرى نفسه أعلى من نفوس النّاس،و أ نّه يجب على غيره أن يتحمّل من تيهه ما لايتحمّله هو منه، فالمختال مَن تمكّنت في نفسه ملكة الكبر، و ظهر أثرها في عمله و شمائله، فهو شرّ من المتكبّر غير المختال.

و الفخور هو المتكبّر الّذي يظهر أثر الكبر في قوله كما يظهر في فعل المختال، فهو يذكر ما يرى أ نّه ممتاز به على النّاس تبجّحًا بنفسه و تعريضًا باحتقار غيره.

فالمختال الفخور مبغوض عند الله تعالى، لأ نّه احتقر جميع الحقوق الّتي وضعها عزّوجلّ و أوجبها للنّاس، و عمي عن نعمه تعالى عليهم و عنايته بهم، بل لايجد هذا المتكبّر في نفسه معنى عظمة الله و كبريائه لأ نّه لو وجدها لتأدّب و شعر بضعفه و عجزه و صغاره، فهو جاهد أو كالجاهد لصفات الأُلوهيّة الّتي لاتليق إلا بها و لاتكون بحقّ إلا لها. فمن فتّش نفسه

ص: 621

و حاسبها، علم أ نّه لايعينه على القيام بعبادة الله تعالى و يُطهّره من نزعات الشّرك به و منازعته في صفاته، و يسهّل عليه القيام بوصاياه هذه و بغيرها، إلا سكون النّفس و معرفتها قدرها ببراءتها من خلق الكبر الخبيث الّذي تظهر آثار تمكّنه و رسوخه بالخُيَلاءو الفخر. إنّ المختال لايقوم بعبادة الله تعالى، لأنّ عملا ما لايسمّى عبادة إلا إذا كان صادرًا عن الشّعور بعظمة المعبود، و سلطانه الأعلى غير المحدود، و من أُوتي هذا الشّعور خشع قلبه، و من خشع قلبه خشعت جوارحه، فلايكون مختالا ،إنّ المختال لايقوم بحقوق الوالدين و لاحقوق ذوي القربى لأ نّه لايشعر بما عليه من الحقّ لغيره...

و أقول: ليس من الكبر و الخُيَلاء أن يكون المرء و قورًا في غير غلظة، عزيز النّفس مع الأدب و الرّقّة، حسن الثّياب بلاتطرّس و لا ابتغاء شهرة.[ثمّ ذكر بعض الرّوايات و قال:]

و الفخور: كثير الفخر...و الجمع بين هاتين الخلّتين الخُيَلاء و كثرة الفخر هو التّناهي في الكبرياء و العتوّ على الله تعالى باحتقار خلقه، و الامتناع من الإحسان إليهم بالقول و العمل، بدلا من الفخر و الزّهو عليهم بالقول و العمل و لاسيّما أصحاب تلك الحقوق المؤكّدة، و الأحاديث في ذلك كثيرة، و كانوا يتفاخرون في الجاهليّة بآبائهم، فنُهوا عن ذلك في الأحاديث نهيًا صريحًا فتركوه. (5 : 95)

نحوه المَراغيّ. (5 : 37)

ابن عاشور: و الاختيال : التّكبّر... و الفخور: الشّديد الفخر بما فعل، و كلا الوصفين منشأ للغلظة و الجفاء، فهما ينافيان الإحسان المأمور به، لأنّ المراد الإحسان في المعاملة و ترك التّرفّع على من يظنّ به سبب يمنعه من الانتقام. (4 : 125)

حسنين مخلوف: متكبّرًا مُعجبًا بنفسه، يعدّ مناقبه تكبّرًا و تطاولا على النّاس. (1 : 151)

حجازي: ذو الخُيَلاء و الكبر، الّذي يظهر تكبّره في أفعاله و أعماله. (5 : 15)

الطَّبا طَبائيّ: المختال: التّائه المتبَختِر المسخّر لخياله، و منه الخيل للفرس، لأ نّه يتبَختَر في مشيته. و الفخور: كثير الفخر. و الوصفان أعني الاختيال و كثرة الفخر من لوازم التّعلّق بالمال و الجاه و الإفراط في حبّهما، و لذلك لم يكن الله ليحبّ المختال الفخور، لتعلّق قلبه بغيره تعالى.

و ما ذكره تعالى في تفسيره بقوله: { اَ لَّذينَ‘ يَبْخَلُونَ ...} النّساء:37، و قوله: { وَالَّذينَ‘ يُنْفِقُونَ اَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ...} النّساء: 38، يبيّن كون الطّائفتين معروضتين للخُيَلاء و الفخر، فالطّائفة الأُولى متعلّقة القلب بالمال و الثّانية بالجاه، و إن كان بين الجاه و المال تلازم في الجملة.

و كان من طبع الكلام أن يشتغل بذكر أعمالهما من البخل و الكتمان و غيرهما، لكن بدأ بالوصفين ليدلّ على السّبب في عدم الحبّ،كما لايخفى.

(4 : 355)

عبد الكريم الخطيب: قوله: { اِنَّ اللهَلايُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا } تعقيب على هذه الدّعوة إلى البِرّ

ص: 622

و الإحسان، و التّواصل بين النّاس.

و في هذا التّعقيب إشارة إلى أ نّه لايتقبّل هذه الدّعوة الكريمة، و لايفي بها إلا من استشعر قلبَه الأُخوّة، فوصل نفسه بالنّاس، و اختلط بهم، و تحسّس مواقع الآلام، و مواطن العلل فيهم. و ذلك لايكون إلا من إنسان آمن، بأ نّه ابن هذه الإنسانيّة، و أنّ النّاس جميعًا شركاء له في هذا النّسب.

أمّا من عزل نفسه عن النّاس، و غرّه بذاته الغَرُور، و ملكه العُجب، و استبدّ به الكبر، بما آتاه الله من مال أو صحّة أو علم، فرأى أ نّه من عالَم غير عالَم النّاس، و من طينة غير طينتهم، فإنّه لايأخذ منهم و لايُعطي، و لايمدّ إلى أحد يدًا، و لايقبل أن يمدّ إليه أحد يدًا، إنّ المسافة بينهم و بينه بعيدة، إنّهم أرض و هو سماء، و أين الأرض و أين السّماء؟!

و لهذا كان قوله تعالى: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا } كاشفًا عن هذا الصّنف المتعالي المتَغطرِس من النّاس، ذلك الصّنف الّذي لو وجد إنسانًا تتعلّق حياته على قطرة ماء لما التفت إليه، و لما مدّ يده نحوه بتلك القطرة، و لو كانت الأنهار تجري من تحته!

و في هذا التّعقيب إشارة إلى اليهود؛ إذ هم الّذين عزلوا أنفسهم عن المجتمع الإنسانيّ، و عدّوا أنفسهم خلقًا آخر غير خلق النّاس، و نسبوا أنفسهم إلى الله نسبتًا لايشاركهم فيها غيرهم، فقالوا: { نَحْنُ اَبْنَاءُ اللهِ وَ اَحِبَّاؤُهُ } و سمّوا شعبهم شعب الله المختار. (3 : 788)

مكارم الشّيرازيّ: إنّه سبحانه يقول في ختام هذه الآية: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا } و هو بذلك يحذّر كلّ من يتمرّد و يعصي أوامر الله، و يتقاعس عن القيام بحقوق أقربائه و والديه و اليتامى و المساكين و ابن السّبيل و الأصدقاء و الأصحاب بدافع التّكبّر، بأ نّه سيكون معرضًا لسخط الله، و سيُحرَم من عنايته سبحانه، و لاريب أنّ من حُرِم من اللّطف الإلهيّ و العناية الرّبّانيّة، حُرِم من كلّ خير و سعادة.

و تؤيّد هذا المعنى روايات و أخبار قد رويت في ذيل هذه الآية، منها ما عن بعض أصحاب النّبيّ(صلی الله علیه و آله) حيث قال: كنت عند رسول الله(صلی الله علیه و آله) فقرأ هذه الآية: { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور }.

فذكر الكبر فعظّمه، فبكى ذلك الصّحابيّ، فقال له رسول الله:(صلی الله علیه و آله): « ما يبكيك؟» فقال: يا رسول الله: إنّي لأُحبّ الجمال حتّى أ نّه ليُعجبني أن يحسن شراك نعلي، قال: « فأنت من أهل الجنّة، إنّه ليس بالكبر أن تحسن راحلتك و رحلك، و لكنّ الكبر مَن سفه الحقّ و غمص النّاس ».

و الخلاصة أنّ ما يستفاد من العبارة الأخيرةأنّ مصدر الشّرك و هضم حقوق الآخرين هو الأنانيّة و التّكبّر غالبًا، و لايتسنّى للشّخص أداء تلك الحقوق، و خاصّة حقوق الأيتام و المساكين و الأرقّاء، إلا من تحلّى بروح التّواضع و نكران الذّات. (3 : 206)

فضل الله: متبَخترًا يعيش الزَّهْو و الغرور و الشّعور بالخُيَلاء، و الخُيَلاء هو التّكبّر، من تخيّل فضيلة أو ميزة تراءت للإنسان من نفسه. (7 : 254)

ص: 623

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخال، أي السّحاب الّذي إذا رأيته حسبته ماطرًا و لامطر فيه، و هي السّحابة المُخيلة و المُختالة والمُخيِّلة و المُخَيِّل، و هي المَخِيلة أيضًا؛ و جمعها: مَخايل. يقال: خيّلتِ السّحابة، أي أغامت و لم تُمطِر، و قد أخالتِ السّحابة وأخيَلَت و خايلَت، إذا كانت تُرجى للمطر، و أخَلْنا و أخيَلْنا: شِمْنا سحابة مُخِيلة. و أخيَلتِ السّماء وخيّلت و تخيّلت: تهيّأت للمطر، فرعدت و برقت، و ما أحسن مَخِيلتها و خالَها! أي خلاقتها للمطر.

و أخالت النّاقة فهي مُخيلة، إذا كانت حسَنة العَطَل في ضرعها لبن، وأخالت النّاقة، إذا كان في ضرعها لبن، على التّشبيه بالسّحابة.

و الخال: الرّجل السّمح، يُشبّه بالغيم حين يبرق. يقال: إنّ فلا نًا لمَخيل للخير، أي خليق له، و أخال فيه خالا من الخير،وتخيّل عليه تخيّلا :اختاره وتفرّس فيه الخير و رأى مَخيلته،و خيّل فيه الخير و تخيّله: ظنّه

و تفرّسه.

و الخال: شامة سوداء في البدن، و الجمع: خِيلان، تشبيهًا بالثّياب الموَشِّية. يقال: امرأة خَيْلاء، و رجل أخيَل و مَخيُول و مَخُول، أي كثير الخِيلان.

و الأخيَل: طائر أخضر، و على جناحيه لُمعَة تخالف لونه، سمّي بذلك للخيلان، يقال: أشأم من أخيَل.

والخال: ضرب من بروداليمن المَوشِّية،كأنّ وشيها خِيلان، و يوضع على الميّت يُستَر به، و قد خيّل عليه.

و الخال: اللّواء يُعقد لولاية وال، لأ نّه كان يُعقَد من برود الخال.

و الخال: الظّنّ. يقال: خال الشّيء يَخال خَيْلا و خِيلةً و خَيْلةً و خالا وخِيَلا و خَيَلا نًا و مَخالةً و مَخيلةً و خَيْلُولةً، أي ظنّه، كما يُظنّ السّحاب بالمطر عند رؤيته، و خِلتُه زيدًا إخاله و أخاله خَيَلانًا.

و المُخيل: ما اشتبه عليك، و قد أخال الشّيء: اشتبه. يقال: هذا الأمر لايُخيل على أحد، أي لايُشكل، و شيء مُخيل: مشكل، وخُيّل عليه: شُبِّه. يقال: فلان يمضي على المُخيَّل: على ما خَيّلتَ، أي ما شبّهتَ، يعني على غَرَر من غير يقين، وافعل ذلك على ما خيّلت: على ما شبّهتَ،و خيّل عليه تخييلا : وجّه التّهمة إليه، و تخيّل له أ نّه كذا: تشبّه و تخايل. يقال: تخيّلته فتخيّل لي.

و الخال و الخَيْل و الخُيَلاء و الخِيَلاء و الأخيَل و الخَيْلة و المَخيلة: الكِبْر والعُجْب، لأنّ صاحبه يظنّ ما ليس فيه، و قد اختال فهو مُختال، و ذو خُيَلاء وذو خال و ذو مَخيلة، أي ذو كِبْر. و رجلٌ خالٌ: مختال، و رجلٌ خالٌ و خائلٌ وخالٍ على القلب و مختال و أُخائل: ذو خُيَلاء مُعجَب بنفسه.

و اختالت الأرض بالنّبات: ازدانت، على التّشبيه. يقال: وردنا أرضًا متخيِّلة، و قد تخيّلت، إذا بلغ نبتها أن يُرى، و وجدتُ أرضًا متخيِّلة و متخايلة، أي بلغ نبتها المَدى و خرج زهرها.

و الخال: كالظّلع و الغمز يكون بالدّ ا بّة، و قد خال يَخال خالا ، و هو خائلٌ، تشبيهًا بالرّجل الخال.

ص: 624

و الخَيْل: جماعة الأفراس، لاواحد له من لفظه، من الاختيال، لأ نّها تختال في مشيتها؛ و الجمع: أخيال و خيول، و الخَيّالة: أصحاب الخيول، و في المثل: < الخَيْل أعلم من فرسانها >، يُضرب للرّجل تظنّ أنّ عنده غَناء، أو لاغَناء عنده، فتجده على ما ظننت.

و الخَيال و الخَيالة: الشّخص و الطّيف، و كلّ شيء تراه كالظّلّ، و كذلك خيال الإنسان في المرآة و خياله في المنام، أي صورة تمثاله. يقال: رأيت خيالَه وخيالته، أي شخصه و طلعته، وتخيّل لي خياله، و المُخايلة: المباراة. يقال: خايَلتُ فلانًا، أي بارَيتُه و فعَلتُ فِعلَه، كأ نّه ظلّ الشّخص.

و الخَيال: خيال الطّائر يرتفع في السّماء فينظر إلى ظلّ نفسه، فيرى أ نّه صيد فينقضّ عليه و لايجد شيئًا، و هوخاطف ظلّه.

و الخَيال: كساء أسود يُنصب على عود يُخيَّل به، يقال: خيّل للنّاقة وأخيَل، أي وضع لولدها خَيالا ليفزع منه الذّئب فلايقربه.

و الخَيال: خشبة توضع فيُلقى عليها الثّوب للغنم؛ إذ رآها الذّئب ظنّ أ نّه إنسان، و تُنصب للطّير و البهائم أيضًا، فتظنّه إنسانًا.

و الخَيال: ما نُصِب في الأرض، ليُعلَم أ نّها حِمًى فلاتُقرَب، و هو على التّشبيه.

2 و استعمل المولّدون بعض ألفاظ هذه المادّة في معان، منها: خَيْل البحر، و يُراد به أفراس النّهر؛ واحدها: فرس و كان ابن بطّوطة قد رآها خلال رحلاته تخرج من الماء لترعى في البرّ، فسأل عنها، فقيل له: هي خَيْل البحر، ثمّ وصفها قائلا : < و هي أغلظ من الخَيْل، و لها أعراف وأذناب، و رؤوسها كرؤوس الخيل، و أرجلها كأرجل الفيلة>.((1))و خَيال الظّلّ: الفانوس السّحريّ، و هي عارضة صور يدويّة.

و دار الخَيالة: محلّ عرض الصّور المتحرّكة و النّاطقة على صفيحة و رقيّة أو جداريّة، تدار بالكهرباء، و هي مشهورة اليوم باسم < سينما >، و هولفظ إفرنجيّ.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منهامن الاسم مجرّدًا ( الخَيْل ) 5 مرّات، و الفعل مزيدًا من التّفعيل مجهولا ( يُخيَّل ) مرّة، و اسم الفاعل من الافتعال ( مختال ) 3 مرّات، في 9 آيات: بثلاثة معان:

1 الخيال

1 { قَالَ بَلْ اَلْقُوا فَاِذَا حِبَالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ اِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ اَ نَّهَا تَسْعى} طه : 66

2 الاختيال :

2 { وَ لاتُصَعِّرْ خَدَّ كَ لِلنَّاسِ وَ لاتَمْشِ فِى الاَرْضِ مَرَحًا اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور }

لقمان : 18

3 {... وَ اللهُ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور }

الحديد : 23

ص: 625


1- (1) رحلة ابن بطّوطة.

4 { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا }

النّساء : 36

3 الخيل

5 { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنينَ‘ وَالْقَنَاطيرِ‘ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ...} آل عمران : 14

6 { وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغَالَ وَالْحَميرَ ‘لِتَرْكَبُوهَا وَ زينَةً‘ وَ يَخْلُقُ مَا لاتَعْلَمُونَ } النّحل : 8

7 { وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ اَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ...}

الإسراء : 64

8 { وَ اَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَ مِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ...} الأنفال : 60

9 { وَ مَا اَفَاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا اَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَ لارِكَاب...} الحشر : 6

يلاحظ أوّ لا : أنّ هذه المادّة جاءت في ثلاثة محاور:

الأوّل: التّخييل: التّشبيه في(1): { فَاِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ اِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ اَ نَّهَا تَسْعى }

1 عَزى فريق من المفسّرين السّحر إلى تأثير بعض العناصر الكيميائيّة كالزّ ئبق في بصر الإنسان أو عقله، فيُطوّح به الخيال إلى رؤية الأشياء خلاف حقيقتها، و يظنّ الأشياء حقيقة. و لايُنكَر أنّ لبعض هذه العناصر أثرًا في خدع الأبصار و سلب الألباب و استمالة القلوب، كما يفعل المُشَعوِذون في عصرنا. و لكنّ الشّعوذة ليست كالسّحر؛ إذ المشعوذ يخدع حواس النّاس، ويُريهم الأشياء على غير حقيقتها، تعويلا على خفّة يديه و سرعتهما.و أمّا السّحر ففيه وجهة عمليّة: إمّا محمودة و إمّا مذمومة((1)

و الأعمال الّتي يقوم بها السّحرة ذات تأثير في العناصر((2)).

2 و قد تعرّض القرآن الكريم لأثر السّحر، فذكر تأثيره في النّفوس: { فَلَمَّا اَلْقَوْ اسَحَرُوا اَعْيُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاؤُ بِسِحْر عَظيم ٍ} الأعراف : 116، و ضرره أيضًا:{ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّ قُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارّينَ‘ بِهِ مِنْ اَحَد اِلا بِاِذْن ِاللهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَ لايَنْفَعُهُمْ} البقرة : 102، و جاء في الخبر أنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) قد سُحِر و فيه ما فيه.

الثّاني: الاختيال: التّكبّر في (2): { اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور }،و (3): { وَ اللهُ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور }، و (4):{ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا} . و في كلّ منها بُحُوثٌ:

1 جاء هذا المعنى في هذه الآيات الثّلاث بلفظ اسم الفاعل< مُخْتَال >، وأصله: < مُخْتَيِل > من < الافتعال >، فلمّا تحرّكت الياء و فُتح ما قبلها أي التّاء قلبت ألفًا، و فيه تأكيد للخُيَلاء و تشدّد في هذا المعنى، لأنّ < الافتعال > يفيد المبالغة أيضًا، نحو: اكتسب في قوله: { لايُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا اِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } البقرة : 286، كما أُكّدت (2) و (4) ب ( اِنَّ )، و استغرق لفظ ( كُلّ ) أفراد هذا الضّرب من النّاس في (2 ) و (3)، فما أشدّ مقت الله لهم!

ص: 626


1- (1) الفهرست لابن بديم : 430.
2- (2) تاريخ ابن خلدون(1: 496).

2 وصف < مُختَال > ب < فَخُور > في هذه الآيات، فهل هما متلازمان؟

إنّ الاختيال و الفخر سيّان، فكلّ مختال فخور، و كلّ فخور مختال، فهما كزَندَين في وعاء، لأنّ منشأهما هوى النّفس. قال أبو رجاء الهَرَويّ: < لاتجد سيّء الملكة إلا وجدته مختالا فخورًا >.

و عوامل الاختيال و الفخر كثيرة؛ و منها: الجهل و الوهم، قال الطَّباطَبائيّ: < الاختيال و الفخر ناشئان من توهّم الإنسان أ نّه يملك ما أُتِيَه من النّعم باستحقاق نفسه >. و منها: حبّ المال و الجاه، قال الطّبَريّ في تفسير(3): < والله لايحبّ كلّ متكبّر بما أُوتي من الدّنيا، فخور به على النّاس >.

3 قال الكاشانيّ في تفسير (2): < القُمّيّ عن الباقر(علیه السلام): يقول بالعظمة:

{ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور } علّة النّهي> كما فسّر الطَّباطَبائيّ (4) بهذا المعنى أيضًا، قال: < إنّه تعالى عقّب هذا الكلام، أعني قوله:{ وَ اعْبُدُوا اللهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيًْا=}، و علّله بقوله:{ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا }.ونظيرهما ما جاء تعليلا لماسبقهمامن الأمروالنّهي الآيات التّالية:

{وَقَاتِلُوا فى سَبيلِ‘ اللهِ الَّذينَ‘ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاتَعْتَدُوا اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ الْمُعْتَدينَ‘ } البقرة190.

{ وَ اسْتَغْفِرِ اللهَ اِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحيمًا * وَ لاتُجَادِلْ عَنِ الَّذينَ‘ يَخْتَانُونَ اَنْفُسَهُمْ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّ انًا اَثيمًا ‘} النّساء : 106 و 107.

{ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ اِذَا اَثْمَرَ وَ اتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَ لاتُسْرِفُوا اِنَّهُ لايُحِبُّ الْمُسْرِفينَ ‘} الأنعام : 141.

{ يَا بَنى ادَمَ خُذُوا زينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدوَكُلُوا وَ اشْرَبُواوَلاتُسْرِفُوا اِنَّهُ لايُحِبُّ الْمُسْرِفينَ ‘} الأعراف: 31.

{ وَ اَحْسِنْ كَمَا اَحْسَنَ اللهُ اِلَيْكَ وَ لاتَبْغِ الْفَسَادَ فِى الاَرْضِ اِنَّ اللهَ لايُحِبُّ الْمُفْسِدينَ‘ } القصص : 77.

و يلاحظ أنّ الله تعالى جعل المختال الفخور في هذا النّسق من الآيات في عداد المعتدي، و المسرف، و المفسد، و الخوّان الأثيم، فلاجرم أ نّه ندّهم، فتأمّل!

الثّالث : الخَيْل: الأفراس في(5)إلى(9): و فيها بُحُوثٌ :

1 عدّت الخَيْل في (5) ممّا اشتهاه النّاس و أولعوا به: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَ الْبَنينَ‘

‘ وَ الْقَنَاطيرِ‘ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الاَنْعَامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتَاعُ الْحَيوةِ الدُّ نْيَا وَ اللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَابِ }.

فاقترن ذكرها بما ازدانوا و تمتّعوا به في الدّنيا، و تشمل هذه الشّهوات ثلاثة مجالات من حياة الإنسان، وهي المجال الاجتماعيّ، أي النّساء و البنون، والمجال الاقتصاديّ، أي القناطير المقنطرة و الأنعام و الحرث، و المجال التّرفيهيّ، أي الخيل المسوّمة.و هذا ما يبتغيه الإنسان في كلّ آن و مكان؛ إذ غاية أمله دار يقرّ فيها، وزوجة يسكن إليها، و بنون تقرّ بهم عيناه، و مال من حلال اقتناه، وروضة يرتع فيها، و دا بّة يمتطيها. اللّهمّ ارزقنا دارًا فسيحة،وزوجة مطيعة،ودا بّة سريعة.

ص: 627

2 اقترن لفظ الخيل بالبغال و الحمير في (6): { وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغَالَ وَ الْحَميرَ‘ لِتَرْكَبُوهَا وَ زينَةً‘ }، و قد منّ الله على عباده في هذه الآية بخلق هذه الدّواب الثّلاث لركوبهم و زينتهم، غير أنّ هاتين المنفعتين في الخيل أظهر، لأنّ البغال والحمير و كذلك الإبل تُستَخدم في حمل الأثقال غالبًا، فأمّا ظهورها في الزّينة، فكما تقدّم، و أمّا في الرّكوب، فلحديث رسول الله(صلی الله علیه و آله): <علّموا أولادكم العوم والفراسة >قال ابن الأثير: < الفَراسة بالفتح: ركوب الخيلو ركضها من الفُروسيّة>

و قد تأنّق النّاس هذا العصر في الفروسيّة، و جعلوها هواية و رياضة، و وضعوا لها أنظمة و مراسيم خاصّة، و أقاموا حلائب لسباق الخيل و ركوبها، وانتقوا لهذه الغاية الخُيُول العربيّة العتاق.

3 استُعمل لفظ الخيل في (7 9) في الحرب و ما يتعلّق بها.

ففي(7) تهديد لإبليس: { وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ اَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ }، فأمره الله بجمع خيله و مشاته و تأليبهم استهانة به واستصغارًا.

و في (8) استنفار للمسلمين: { وَ اَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ }، حيث أمرهم بالتّأهّب لقتال الكافرين.

وفي (9) بيان حكم الفيء: { وَ مَا اَفَاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا اَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَ لارِكَاب }،

و هو ما ينال بلا قتال، فبيّن الله في هذه الآية أ نّه يخص النّبيّ(صلی الله علیه و آله) دون سائر المسلمين، و يراد بالفيء هنا: أموال اليهود من بني قريظة، و بني النّضير في المدينة، و فدك، و خيبر، و في غيرها من المواضع، مثل: قُرَى عرَينة و يَنبُع.

4 و يلاحظ أنّ لفظ < الخيل > جاء مضافًا في (7) دون سائر الآيات، و هو مضاف إلى الكاف العائد على إبليس، و يراد بالخيل: الفرسان مجازًا.

قال فضل الله الرّاونديّ في< ضوء الشّهاب >:

< الخيل: اسم يقع على الفرسان و الأفراس، فالأوّل كقوله(صلی الله علیه و آله): < يا خيل الله ارْكبي >، و الثّاني كقوله(صلی الله علیه و آله): < عفَوت لك من صدقة الخيل >، يعني الأفراس.

و اشتقاق الخيل من الخُيَلاء، لأنّ الفرس كان له خُيَلاء في نفسه، وكذلك الفارس، ولذا يقال: ما ركب أحد فرسًا إلا وجد في نفسه نخوة.

و في كلام للعجم: إنّ الرّستاقيّ إذا ركب الفرس نسي الله. و لولا الخيل ما فتحت مدينة، و لايغلب على بلد من بلاد الكفّار، و بها استنجد النّبيّ(صلی الله علیه و آله) وصحابته من بعده فيما تيسّر لهم من الاستيلاء، و فتح البلاد، و نشر دعوة الإسلام فيها، و لولاتقوّيهم بها لما تيسّر لهم ذلك و لاتمشّى لهم أمر، ثمّ إنّها من أخص آلات الجهاد وأمرّ العُدَد لأعداء الإسلام >.((1))

5 قيل: إنّ قوله في (7): { وَ اَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ }، تمثيلٌ واختاره الزّمَخْشَريّ، كما يقال للرّجل المجدّ في الأمر: < جئت بخيلك و رَجْلك >، وجاء

ص: 628


1- (1) بحار الأنوار : (16 : 176).

في التّنزيل: { وَجُنُودُ اِبْليسَ اَ جْمَعُونَ } الشّعراء : 95.

و ثانيًا: جاء في كلّ من المحاور الثّلاثة آية أو آيتان مكّيّة و مدنيّة، فمن المحور الأوّل: ( الخيال) (1) مكّيّة و هي قصّة. و من المحور الثّاني: ( الاختيال ) ثلاث آيات واحدة (2) مكّيّة،و اثنتان (3و4) مدنيّتان، و كلّها ذمٌّ و تأديب يناسب المدينتين، و اثنتان (6 و 7) من المحور الثّالث: ( الخيل ) مكّيّتان: إحداهما (6) ذكر لنعم الله توحيدًا، و الأُخرى (7) ذكر لإضلال الشّيطان، و كلاهما يناسب ساحة مكّة، و ثلاث مدنيّة (5) في ذمّ حُبّ ما زيّن للنّاس من أُمور الدّنيا ممّا يمنعهم عن الجهاد و التّفاني في سبيل الله، و اثنتان (8 و 9) تشريع في أمر القتال.

ثالثًا: من نظائر مشتقّات هذه المادّة في القرآن :

التّخيّل

الظّنّ: { ثُمَّ اَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ اَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ اَهَمَّتْهُمْ اَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } آل عمران : 154

الاختيال

الاستكبار: { بَلى قَدْ جَاءَتْكَ ايَاتى فَكَذَّبْتَ بِهَا وَ اسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرينَ ‘}

الزّمر:59

الجبّار: { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِايَاتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا اَمْرَ كُلِّ جَبَّار عَنيد ‘} هود : 59

العُتُوّ:{ وَ كَاَيِّنْ مِنْ قَرْيَة عَتَتْ عَنْ اَمْرِ رَ بِّهَا وَ رُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَديدًا‘ وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا} الطّلاق : 8

العُلوّ:{ اِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِى الاَرْضِ وَجَعَلَ اَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَ بِّحُ اَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيى نِسَاءَهُمْ اِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدينَ‘ } القصص : 4

ص: 629

ص: 630

خ ي م

اشارة

الْخِيَام

لفظ واحد، مرّة واحدة، في سورة مدنيّة

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: خام فلان يخيم خَيْمًا، أي كاد يكيد كيدًا، فرجع عليه و نكص، و كذلك خاموا في الحَرب: فلم يَظْفروا بخير و ضَعُفوا.

و الخامَة: الزّرعة أوّل ما تَنبُت على ساق واحدة.

و الخامَة: الغَضّة الرّطْبَة.

و خَيّم القوم: دخلوا في الخَيْمَة، و هي بيت من بيوت الأعراب، مُستديرة.

و خَيّمَت البقرة: أقامت في موضع.

و تخَيّمَت الرّيح في الثّوب، و في البيت، أي بقيت فيه.

و خَيّمتُه أنا، أي غَطّيْتُه بشيء تَعبَق به ريحُه.

و الخِيَم: سعة الخُلُق. [ و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(4 : 316)

أبوعمروالشّيبانيّ: الخَيْم: عيدان يُبنى عليها الخيام. [ثمّ استشهد بشعر] (الأزهَريّ 7 : 608)

أبوزَيْد: يقال: خيّم القوم بالمكان تَخْييمًا، إذا أقاموا فيه، و خام الرّجل يخيم خَيْمًا و خِيْمانًا، إذا هاب و جَبُن. < خِيْمانًا > لم يعرفه الرّياشيّ، و عَرَفه أبو حاِتم و المازنيّ. (132)

أبوعُبَيْد: الخِيْم: الشِّيمَة، و هي الطّبيعة و الخُلُق.(الأزهَريّ 7 : 608)

ابن الأعرابيّ: الخَيْمَة لاتكون إلا من أربعة أعواد، ثمّ تُسقّفُ بالثُّمام، و لاتكون من ثياب.

ص: 631

و أمّا المَظلّة فمن الثّياب و غيرها. و يقال: مِظَلّة.

(الأزهَريّ 7 : 608)

و أخام الخَيْمَة، و أخيَمَها: بناها.

(ابن سيده 5 : 272)

ابن السّكّيت: خَيّم: جعل خَيمَته في المكان للإقامة. (814)

الدّينَوريّ: و الخام: الدِّبس الّذي لم تمسّه النّار،

و هو أفضَله. (ابن سيده 5 : 273)

ابن دُرَيْد: خَيم: جبل معروف، و خِيَم أيضًا: جبل، و ذو خَيم: موضع.

و الخَيم: جمع خَيمَة في أدنى العدد، و قالوا: خيام و خِيَم.

و خِيم الإنسان: خليقته، يقال: رجل حسَن الخِيم. و ذكر أبو عُبَيْدَة: أ نّه فارسيّ معرّب.

و خام عن الشّيء يخيم خَيْمًا، إذا حاد عنه.

و خيّم بالمكان، إذا أقام به (2 : 243)

و خام الرّجل عن الشّيء يخيم خَيْمًا و خِيامًا، إذا عدل عنه و مال.

و الخَيْمَة: معروفة؛ و الجمع: خَيْم، و خِيام، و خِيَم.

و الخِيم: الطّبيعة أو الغريزة ، فارسيّ معرّب.

و رجل وَخِم((1))

بيِّن الوَخامة. (3 : 240)

الأزهَريّ: و قال غيره: [أبو عُبَيْد] خِيم السّيف: فِرِنْده و خِيمٌ: موضع بعينه.

و العرب تقول: خيّم فلان خَيْمَة،إذا بناها. و تخَيّم، إذا أقام فيها.[ثمّ استشهد بشعر] (7 : 608)

الصّاحِب: خَيّم القوم: دخلوا في الخَيْمَة.

و خَيّمَت البقرة: أقامَتْ في مَرْبِض فلم تَبرَح،

و كذلك الرّيح الطّيّبَة في الثّوب، و خَيّمْتُه أنا،.

و الخِيْم: سَعَة الخُلُق.

و خامَ يخيم، أي كاد كَيدًا فرجع فيه و نكَصَ،. و كذلك الجَبان يخيم عن الحرب.

و الخِيام على كِذاب: مصدر من خام يخيم إذا جَبُنَ.

و الخامَة: الزّرعَة أوّل ما تَنْبُت على ساق واحد.

و الخامة: الغَضّة الرّطْبَة.

و الإخامَة في قيام الخَيْل: أن تُرفع إحدى يَدَيْه أو إحدى رِجْلَيه، و هو مُخِيْم.

و خِيَماءعلى مثال سِيَراء: ماءةلبني أسد.

(4 : 429)

ابن جنّيّ: خام: جَبُن و تراجع.

(ابن سيده 5 : 273)

الجَوهَريّ: الخَيْمَة: بيت تبنيه العرب من عيدان الشّجر؛ و الجمع: خَيْمات و خِيَم. مثلبَدْرات و بِدَر.

و الخَيْم: مثل الخَيْمَة. و الجمع: خِيام. مثل فَرْخ

و فِراخ.

و خَيّمَه، أي جعله كالخَيْمَة.

و خيّم بالمكان، أي أقام به.

و تخيّمَ بمكان كذا: ضرب خَيمَته به.

و الخِيم بالكسر: السّجيّة و الطّبيعة، لاواحدَ له من لفظه.

ص: 632


1- (1) مقلوب.

و خِيَم: اسم جبل.

و خام عنه يخيم خَيمُومَةً، أي جَبُنَ.

و خِمْتُ رِجْلي خَيْمًا، إذا رفعتَها. [و استشهد بالشّعر 4 مرّات] (5 : 1917)

ابن فارِس: الخاء و الياء و الميم أصل واحد، يدلّ على الإقامة و الثّبات. فالخَيْمَة: معروفة، و الخَيْم: عيدان تُبنَى عليها الخَيْمَة. [ثمّ استشهد بشعر]

و يقال: خيّم بالمكان: أقام به، و لذلك سمّيت الخَيْمَة.

و الخِيم: السّجيّة، بكسر الخاء، لأنّ الإنسان يُبنَى عليها، و يكون مرجعُه أبدًا إليها.

و من الباب قولهم للجبان: خائم، لأ نّه من جُبنِه لاحراك به. و يقال: قد خام يخيم. فأمّا قوله:

رأوا فَتْرةً بالسّاق منّي فحاولوا

جُبُوري لما أن رأوني أخيمُها

فإنّه أراد رفعها، فكأ نّه شبّهها بالخَيْم، و هي عيدان الخَيْمَة.

فأمّا الألف الّتي تجيء بعد الخاء في هذا الباب، فإنّها لاتخلو من أن تكون من ذوات الواو أو من ذوات الياء. (2 : 236)

ابن سيده: الخَيْمَة: بيت من بيوت الأعراب مستدير.

و قيل: هي ثلاثة أعواد أو أربعة يُلقى عليها الثُّمام و يُستظلّ بها في الحرّ.

و الجمع: خيمات، و خِيام، و خِيَم، و خَيْم.

و قيل: الخَيْم: أعواد تُنصب في القَيْظ، و تُجعَل لها عوارض و تُظلّل بالشّجر، فتكون أبرد من الأخبية.

و قيل: هي عيدان تُبنى عليها الخيام.

و قيل: الخَيْم: ما بُني من الشّجر و السّعف يَستظلّ به الرّجل إذا أورد إبله الماء.

و الخِيام، أيضًا: الهوادج، على التّشبيه.

و خيّم القوم: دخلوا في الخَيْمَة.

و خيّموا بالمكان: أقاموا.

و خيّم الوحشيّ في كِناسه: أقام.

و خَيّمَت الرّائحة الطّيّبة بالمكان و الثّوب: أقامت.

و خَيّمَه: غطّاه بشيء كي يَعْبَق.

و الخِيم: الخُلُق. و قيل: سعة الخُلُق.

و قيل: الأصل فارسي مُعّرب.

و خام عنه خَيْمًا، و خَيَمانًا، و خُيُومًا، و خِيامًا: نكَص و جَبُنَ. و كذلك إذا كاد كيدًا فرجع عليه و لم ير فيه ما يحبّه و نكَل و نكَص.و خام فيه: جَبُنَ عنه.

و الخامة من الزّرع: أوّل ما يَنبُت على ساق واحدة.

و قيل: هي الطّاقة الغضّة منه.و قيل: هي الشّجرة الغضّة الرَّطْبة.

والخام من الجلود: ما لم يُدبَغ، أو ما لم يبالغ في دَبغِه.

و الخِيمُ: شجر الحَمْض.

و خِيمٌ: موضع معروف.

و خِيم، و المَخيَم: موضعان.

و حكى أبو حنيفة: خامت الأرض تخيم خَيَمانًا، وزعم أ نّه مقلوب من « وخمت »، و ليس كذلك، إنّما

ص: 633

هو في معناه لامقلوب عنه. (5 : 272)

الزّمَخْشَريّ: خيّم بمكان كذا و تخيّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و ضربوا الخِيام و الخَيْم والْخِيَمْ.

و هو كريم الخِيم.

وخام عن الحرب.

و من المجاز: خَيّمَت البقر: أقامت في مرابضها لاتبرح.

و تخَيّمَت الرّيح في الثّوب و البيت: بقيت فيه.

و خيّمتُها أنا، إذا غَطّيت الطّيب بالثّوب حتّى تَعْبَق فيه ريحُه. (أساس البلاغة:124)

المَدينيّ: في الحديث: « الشّهيد في خَيْمَة الله تعالى تحت العرش » الخَيْمَة: ما يُمكَث فيه و يُقام، من قولهم: خيّم بالمكان. (1 : 632)

ابن الأثير: و فيه « من أحَبّ أن يستخيم له الرّجال قيامًا »، أي كما يُقام بين يَدَي المُلوك و الأُمراء، و هو من قولهم: خام يخيم، وخيّم يخَيّم، إذا أقام بالمكان.

و يُروى يستَخِمّ و يستَجِمّ. و قد تقدّما في موضعَيْهما.

(2 : 94)

الفَيُّوميّ: الخَيْمَة: بَيتٌ تبنيه العرب من عيدان الشّجر. قال ابن الأعرابيّ: لاتكون الخَيْمَة عند العرب من ثياب بل من أربعة أعواد، ثمّ يُسْقَف بالثُّمام؛ و الجمع: خَيْمَات و خِيَم، وزان بَيْضَات و قِصَع

و الخَيْم بحذف الهاء لغة؛ و الجمع: خِيام مثل: سَهْم و سِهام.

و خَيّمْتُ بالمكان بالتّشديد، إذا أقمت به.

(1 : 187)

الفيروزابادىّ: الخَيْمَة: أكَمَة فوق أبانَيْن، و كلّ بيت مستدير، أو ثلاثة أعواد أو أربعة يُلقى عليها الثُّمام، و يُستَظلّ بها في الحرّ، أو كلّ بيت يُبْنى من عيدان الشّجر؛جمعه: خَيْمَات و خِيام و خَيْم و خَيَم بالفتح و كعِنَب.

و أخامُها و أخيَمَها: بناها.

و خَيّمُوا: دخلوا فيها، و بالمكان: أقاموا، و الشّيء: غطّاه بشيء كي يَعْبَق.

و خام عنه يَخيم خَيْمًا و خَيَمَانًا و خُيُومًا و خُيُومَةً و خَيمُومَةً و خِيامًا: نكَص و جَبُنَ، و كاد كيدًا فرجع عليه، و رجله: رفعها.و الخامة من الزّرع: أوّ ل ما يَنبُت على ساق، أو الطّاقة الغَضّة منه، أو الشّجرة الغَضّة منه.

و الخام: الجلد لم يُدبَغ أو لم يُبالغ في دَبغِه،

و الكِرْباس لم يُغْسَل مُعَرّب، و الفُجْل.

و تخيّم هنا: ضرَب خَيْمَتَه به، و الرّيح الطّيّبة في الثّوب: عَبِقَتْ به.

و الخِيْم بالكسر: السّجيّة و الطّبيعة بلاواحد، و فِرِنْد السّيف، و إخامة الفرس واويّة يائيّة.

و المِخْيَم كمِكْتَل: أن تجمع جُرَز الحصيد، و وادٍ أو جبَل.

و المُخَيّم و الخَيْمَات: نَخْل لبني سلول ببطن بيشة.

و خَيْم و ذو خَيْم و ذات خَيْم: مواضع.

و الخِيْمَاء بالكسر و يُقصَر و قد تُفتَح الياء: ماء

ص: 634

لبني أسد، و كعِنَب: جبَل. (4 : 111)

الطُّرَيحيّ: في الحديث ذكر« الخَيْمَة » هي كبَيْضَة؛ و جمعهاخَيَمَات كبَيَضات، و خِيَم كقِصَع.

و الخَيْم بحذف الهاء: لغة، و الجمع: خِيام، كسَهْم

و سِهام.

و خَيّمتُ بالمكان بالتّشديد، إذا أقمتَ فيه.

(6 : 60)

مَجْمَعُ اللُّغة: الخَيْمَة: أصلهابَيت يتّخذه الأعراب من الثّياب أو عيدان الشّجر؛ و جمعها: خِيام و خَيمات، و أراد بها القرآن بيوتًايعلم الله حقيقتها.

(1 : 376)

محمّد إسماعيل إبراهيم: خيّم: نصب الخَيْمَة و هي كلّ بيت من الوَ بَر أو الشّجر؛ و الجمع: خِيام.

(1 : 180)

محمودشيت: 1 أ خام فلان خَيْمًا: أقام بالمكان. و كاد لغيره كيدًا فلم ينجح فيه، و رجع عليه. و الأرض خَيَمانًا:وَخُمَت، و عن القتال و فيه خَيْمًا و خِيامًا و خَيَمانًا: جَبُن و تراجع. و رِجْله: رفعها.

ب أخامت الدّ ا بّة: قامت على ثلاث و ثَنَت الرّابعة و أبقت طرفها على الأرض، و الخَيْمَة: نصبها و بناها.

ج خيّم القوم: نصبوا خيامًا، و دخلوا الخَيْمَة،

و فلان أقام بالمكان؛ و يقال: خيّم بالمكان و فيه، و اللّيل غشّى. و على التّشبيه و الشّيء جعله كالخَيْمَة.

د تخيّم القوم: دخلوا الخَيْمَة، و أقاموا في الخَيْمَة.

و مكان كذا: ضرب خَيمَته فيه. و يقال:تخيّم به.

ه. الخَيْمَة: كلّ بيت يُبْنى من أعواد الشّجر، يُلقى عليه نَبْت يُستَظلّ به في الحرّ، و البيت يُتّخذمن الصّوف أو القُطْن. و يقال: على أعواد و يُشدّ بأطناب، و المنزل.جمعه: خَيْمات، و خِيام، و خِيَم، و خَيْم.

و الخِيَميّ: صانع الخِيام.ز الخيّام: صانع الخِيام.

2 أ خيّم الفوج: نصَبوا خيامًا، و القوم: أقاموا معسكرًا من الخيام.

ب الخَيْمَة: بيوت العسكريّين في العَراء أثناء التّمارين و التّدريب الإجماليّ، و عند ما يكونون في واجب خارج معسكراتهم الدّائمة.

يقال: خَيْمَة كبيرة، و خَيْمَة متوسّطة، و خَيْمَة صغيرة.

و يقال: خَيْمَة سفريّة: خَيْمَة تتّسع لعسكريّ واحد أو لعسكريّين، و تُستَعمل أثناء التّدريب الإجماليّ و في الحرب؛ جمعه:خِيام، و خِيَم.

ج الخيّام: صانع الخِيام و مصلحها. و هو من أرباب الحرف في الجيش. (1 : 229)

المُصْطَفَويّ: و التّحقيق: أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الإقامة،و منه: خام يخيم،و خيّم بالمكان، و خَيّمَت الرّائحة. و بمناسبة هذا المفهوم يُطلَق على منزل يُتّخذ مقامًا و يُبنى من أعواد و ثياب، فإنّ النّظر في الخيمة إلى جهة كونها منزل إقامة، بخلاف البيت و الدّار و المنزل و غيرها: فالنّظر فيها إلى جهة البيتوتة و إلى جهة كون وقوعها تحت دائرة و محيط، و إلى جهة النّزول.

ص: 635

و أمّا مفهوم الجُبْن و النّكوص: فباعتبار استعمالها بحرف< من>.

و أمّا قولهم: خيّمه و خيّم القوم و تخيّم و أخام: فاشتقاقات انتزاعيّة من الخيمة، و ليست بمشتقّة من خام يخيم، بمعنى الإقامة.

و يدلّ على هذا الأصل مادّة: قام، دام. { حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِى الْخِيَامِ } الرّحمن: 72، التّعبير بهذه المادّة دون البيوت و المنازل و الدّور، فإنّ في الخيمة كما قلنا إشارة إلى جهة الإقامة، أي في محلّ إقامتهم. و هذا المفهوم ألطف من التّعبير بمحلّ النّزول أو محلّ البيتوتة،أوفي محلّ يدار و يحاط،كما لايخفى.(3 : 167)

النُّصوص التّفسيريّة

الْخِيَام

حُورٌمَقْصُورَاتٌ فِى الْخِيَامِ الرّحمن : 72

النّبيّ(صلی الله علیه و آله): « إنّ للمؤمن في الجنّة لخَيْمَة من لؤلؤة واحدة مجوّفة، عَرْضُها ستّون ميلا ، في كلّ زاوية منها أهل ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن ».

(البغَويّ4 : 346)

ابن مسعود: الدُّرّ المجَوّف. (الطّبَريّ11 : 616)

نحوه ابن عبّاس(452)، و سعيد بن جُبَيْر و مُجاهِد و الضّحّاك و الحسَن و أبو مِجْلَز (الطّبَريّ11 : 617)، و الزّجّاج(5 : 104)، و أبوالسُّعود(6 : 182).

لكلّ زوجة خيمة طولها ستّون ميلا .

(الثّعلبيّ9 : 196)

ابن عبّاس:الخَيْمَة:لؤلؤة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.(الطّبَريّ11 : 616)

الخَيْمَة: دُرّة مجوّفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف باب من ذهب. (الطّبَريّ11 : 617)

نحوه القُشَيْريّ. (6 : 83)

أي محبوسات في الحِجال، مستورات في القِباب.

(الطَّبْرِسيّ5 : 211)

مثله أبوالعالية و الحسَن (الطَّبْرِسيّ5 : 211)، ونحوه ابن كَعْب القُرَظيّ و الرّبيع.(الطّبَريّ11 : 617).

سعيد بن جُبَيْر: أ نّها خيام تُضرب لأهل الجنّة خارج الجنّة كهيئة البداوة . (الماوَرْديّ 5 : 443)

مُجاهد: خيام اللّؤلؤ و الفضّة، كما يقال.

(الطّبَريّ 11 : 617)

الإمام الصّادق (علیه السلام) : الحورهنّ البيض المقصورات المخدّرات في خيام الدُّرّ و الياقوت والمرجان، لكلّ خيمة أربعة أبواب، على كلّ باب سبعون كاعبًا حجابًا لهنّ، و يأتيهنّ في كلّ يوم كرامة من الله عزّ ذكره يُبشّر الله عزّ و جلّ بهنّ المؤمنين.

(الكاشانيّ 5 : 116)

مُقاتِل: يعني الدُّرّ المجوّف، الدّرّة الواحدة مثل القصر العظيم جوفاء على قدر ميل في السّماء، طولها فرسخ و عرضها فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب، فذلك قوله تعالى: { وَ الْمَلئِكَةُ’ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَاب } الرّعد: 23. (4 : 205)

ابن زَيْد: يقال: خيامهم في الجنّة من لؤلؤ.

(الطّبَريّ 11 : 618)

ص: 636

نحوه أبوحَيّان. (8 : 199)

أبوعُبَيْدَة: و { الْخِيَامِ }: البيوت، و الهوادج أيضًا. [ثمّ استشهد بشعر] (2 : 246)

نحوه أبو مسلم الأصفهانيّ. (الماوَرْديّ 5 : 443)

التّرمذيّ: بلغنا في الرّواية أنّ سحابةً أمطرت من العرش فخلقت الحور من قطرات الرّحمة، ثمّ ضرب على كلّ واحدة منهنّ خيمة على شاطئ الأنهار، سعتها أربعون ميلا و ليس لها باب، حتّى إذا دخل وليّ الله الجنّة انصدعت الخيمة عن باب، ليعلم وليّ الله أنّ أبصار المخلوقين من الملائكة و الخدم لم تأخذها، فهي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين، و الله أعلم.

(القُرطُبيّ: 17 : 188)

الطّبَريّ: يعني ب{ الْخِيَامِ}: البيوت، و قد تسمّي العرب هوادج النّساء خيامًا. [ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا في هذه الآية فإنّه عُني بها البيوت.

عن قَتادَة، عن خليد العصريّ قال: لقد ذُكر لي أنّ الخيمة لؤلؤة مجوّفة، لها سبعون مِصْراعًا، كلّ ذلك من دُرّ. (11 : 616)

الزّجّاج: الخيام في لغة العرب: جمع خَيْمَة،

و الخيام شيئان: الخيام: الهوادج و الخيام: البيوت، و جاء في التّفسير أنّ الخيمة من هذه الخيام مندُرّة مُجَوّفة. (5 : 104)

الماوَرْديّ: و في { الْخِيَامِ } ثلاثة أقاويل:

أحدها: [قول أبي مسلم]

الثّاني: [قول سعيد بن جُبَيْر]

الثّالث: أ نّها خيام في الجنّة تضاف إلى القصور. (5 : 443)

الطُّوسيّ: و { الْخِيَام }:جمع خيمة، و هو بيت من الثّياب على الأعمدة، و الأوتاد ممّا يُتّخذ للأصحار، فإذا أصحر هؤلاء الحور، كانت لهنّ الخِيام في تلك الحال و غيرها ممّا ينفي الابتذال. (9 : 485)

الواحديّ: و { الْخِيَام }: جمع خَيْم، وخَيْم، جمع خيمة، وهي أعواد تُنصَب وتُظلّلّ بالنّبات، فتكون أبرد من الأخبية، وأمّا خيام الجنّة فروى قَتادَة عن ابن عبّاس قال: : الخيمة: دُرّة مجوفّة أربعة فرسخ في فرسخ فيها أربعة آلاف مصراع من ذهب. (4 : 229)

الزّمَخْشَريّ: قيل: إنّ الخيمة من خيامهنّ دُرّة مجوَّفة.

(4 : 50)

ابن عَطيّة: { الْخِيَامِ } البيوت من الخشب و الثُّمام و سائر الحشيش، و هي بيوت المرتحلين من العرب، و خيام الجنّة بيوت اللّؤلؤ ...و إذا كان بيت المسكين عند العرب من شعر فهو بيت، و لايقال له: خيمة.[ثمّ استشهد بشعر]

(5 : 236)

نحوه السّمين. (6 : 249)

ابن الجَوْزيّ: في{ الْخِيَامِ } قولان: أحدهما:أ نّها البيوت.

و الثّاني: خيام تضاف إلى البيوت. (8 : 126)

الفَخْرالرّازيّ: إشارة إلى عظمتهنّ، فإنّهنّ ما قصرن حِجْرًا عليهنّ، و إنّما ذلك إشارة إلى ضرب الخيام لهنّ و إدلاء السّتر عليهنّ. و الخيمة مبيت الرّجل كالبيت من الخشب، حتّى إنّ العرب تسمّي البيت من الشّعر خيمة، لأ نّه مُعَدّ للإقامة. إذا ثبت هذا

ص: 637

فنقول: قوله: { حُورٌمَقْصُورَ اتٌ فِى الْخِيَامِ } إشارة إلى معنى في غاية اللّطف، و هو أنّ المؤمن في الجنّة لايحتاج إلى التّحرّك لشيء، و إنّما الأشياء تتحرّك إليه، فالمأكول و المشروب يصل إليه من غير حركة منه، و يطاف عليهم بما يشتهونه، فالحور يكنّ في بيوت، و عند الانتقال إلى المؤمنين في وقت إرادتهم تسير بهنّ للارتحال إلى المؤمنين خيام، و للمؤمنين قصور تنزل الحور من الخيام إلى القصور. (29 : 135)

البُرُوسَويّ: و { الْخِيَامِ } جمع خيمة، و هي القبّة المضروبة على الأعواد. هكذا جمع خيام الدّنيا، و هي لاتُشبه خيام الجنّة إلا بالاسم، فإنّه قد قيل: إنّ الخيمة من خيامهنّ دُرّة مجوّ فة عرضها ستّون ميلا ، في كلّ زاوية منها أهلون مايُرون إلاحين يطوف عليهم المؤمنون. (9 : 313)

الآلوسيّ: و { الْخِيَامِ }: جمع خيمة، و هو على ما في< البحر > بيت من خشب و ثُمام و سائر الحشيش، و إذا كان من شعر فهو بيت و لايقال له: خيمة. و قال غير واحد : هي كلّ بيتمستدير أو ثلاثة أعواد أو أربعة يُلقى عليها الثُّمام و يُستَظلّ بها في الحرّ، أو كلّ بيت يُبنى من عيدان الشّجر. و تُجمع أيضًاعلى خيمات و خَيْم بفتح فسكون، و خَيَم بالفتح، و كعِنَب. و { الْخِيَامِ } هنا بيوت من لؤلؤ. (27 : 123)

ابن عاشور: و{ الْخِيَامِ }: جمع خَيمَة و هي البيت ، و أكثر ما تقال على البيت من أدمٍ أو شَعر تُقام على العَمَد، و قد تُطلَق على بيت البناء. (27 : 254)

مَغْنِِيّة: المراد: الخيام بالذّات، فإنّ لبعضها من الجمال و الرّوعة ما ليس لكثير من البيوت، و هذا أقرب لظاهر اللّفظ من الحجال. (7 : 217)

الطَّباطَبائيّ: { الْخِيَامِ }: جمع خيمة، و هي الفُسطاط. (19 : 111)

مكارم الشّيرازيّ: < خيام >: جمع خيمة، و كما ورد في الرّوايات الإسلاميّة، فإنّ الخِيَم الموجودة في الجنّة لاتُشبه خِيَم هذا العالم من حيث سعتها و جمالها.

و الخيمة كما ذكر علماء اللُّغة و بعض المفسّرين لاتُطلق على الِخيَم المصنوعة من القماش المتعارف فحسب، بل تُطلق أيضًا على البيوت الخشبيّة و كذلك كلّ بيت دائريّ. و قيل: إنّها تُطلق على كلّ بيت لم يكن من الحجر. (17 : 401)

فضل الله: و هي قِباب تُضرب على النّساء الملازمات للبيوت. و قال غيره: إنّ المراد ب { الْخِيَامِ} معناها الطّبيعيّ، لإضفاء جوّ من الجمال و الرّوعة البدويّة الّذي قد لايوجد في البيوت. (21 : 321)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الخَيْمَة ، وهي بيت من بيوت الأعراب مستدير، يبنونه من عيدان الشّجر؛ و الجمع: خَيْمَات و خِيام و خِيَم و خَيْم ، و الخَيْم: أعواد تُنصَب في القيظ و تُجعَل لها عوارض، و تُظلّل بالشّجر فتكون أبرد من الأخبية. يقال: خيّمَه، أي جعله كالخَيْمَة، و أخامَ الخَيْمَة و أخيَمَها و خيّمَها: بناها، و تخيّم: أقام فيها، و خيّم القوم: دخلوا في الخَيْمَة، و تخيّم مكان كذا: ضرب خَيمَتَه، و خامَ يَخِيم و خيّم

ص: 638

بالمكان يخيّم: أقام به.

و الخِيام: الهوادج على التّشبيه، و خَيّمَه: غطّاه بشيء يَعْبَق به، و خيّمت الرّائحة الطّيّبة بالمكان و الثّوب: أقامت و عَبِقَت به، و خيّم الوحشيّ في كِناسه: أقام فيه فلم يبرحه.

و الخَيْم: الجُبن و التّراجع. قال ابن سيده: < و هو عندي من معنى الخَيْمَة، و ذلك أنّ الخَيْمَة تُعطَف و تُثنى على ما تحتها لتقيه و تحفظه، فهي من معنى القصر و الثَّني >. و خام عنه يَخِيم خَيْمًا و خَيَمانًا و خُيُومًا و خِيامًا و خَيمُومةً: نكص وجَبُنَ، و خام عن القتال و خام فيه: جَبُنَ عنه، فهو خائم، أي جبان.

و الإخامة: أن يُصيب الإنسان أو الدّ ا بّة عَنَتٌ في رِجْله، فلايستطيع أن يمكّن قدَمَه من الأرض فيبقى عليها. يقال: إنّه ليُخيم إحدى رِجْلَيه، وخِمتُ رجلي خَيْمًا: رفعتُها، فكأ نّه شبّهها بالخَيْم، و هي عيدان الخيمة كما قال ابن فارِس.

2 و أصرّ المستشرقون على أعجَميّة لفظ

< الخَيْمَة > دون حجّة و برهان،

فبعضهم عدّه حبشيًّا رغم جهله بأصله! و بعضهم عدّ منشأه إيران أو شمال أفريقيا! و بعضهم عدّ وروده في الشّعر الجاهليّ القديم دليلا على أ نّه دخيل قديم!((1))

ولاريب أنّ ما ذكروه لاينبغي أن يُؤبه له أو يُحكى.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم جمعًا: ( الخِيَام ) مرّةفي آية:

{ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِى الْخِيَامِ }

الرّحمن: 72

يلاحظ أوّلا : أنّ لفظ < الخِيام > وحيد الجُذر في القرآن، و فيه بُحُوثٌ:

1 فُسّرت < الخِيَام > بأربعة أقوال:

الأوّل : الدُّرّ المجوّف ، و هو مرويّ عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله). و ذكر ابن عبّاس أنّ سعة الدُّرّة الواحدة فرسخ في فرسخ، أو أربعة فراسخ في أربعة.

الثّاني: الخِيام تضرب لأهل الجنّة خارجها كهيئة البداوة ، قاله سعيد بن جُبَيْر. و عدّه الماوَرْديّ ثاني ثلاثة أقوال، ثمّ ذكر القول الثّالث فقال : < خِيام في الجنّة تضاف إلى القصور > ، و هو بمعنى القول الثّاني كما ترى.

الثّالث: الحجال، و هي القِباب ، قاله ابن عبّاس.

الرّابع: البيوت و الهوادج، قاله أبو عُبَيْدَة، و نسبه الماوَرْديّ إلى ابن حجر، وهو متأخّر عن أبي عُبَيْدَة .

2 استُعمل لفظ < الخِيام > هنا في مقام أهل الجنّة، لشيوع هذا الطّراز من المساكن عند العرب، فكانوا يأنسون بها، و يتوقون إليها، و يخلدون إلى الرّاحة فيها، فشوّقهم الله إلى نعيم الآخرة بما يحبّونه في الدّنيا، و هي الخِيام.و من فيها، وفيها بيض مخدّرات: { حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِى الْخِيَامِ }.

و الفرق بين الخيام و البيوت أنّ الخيام قابلة للنّقل و أنّها مأ وى النّاس في الصّحاريّ و الأسفار للتّنزّه و السّياحة و الإقامة فيها موقّتًا ، وهي المناسبة هنا.

ص: 639


1- (1) لاحظ المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم.

أمّا البيوت فهي مساكن النّاس في بلادهم لإقا متهم فيها دائمًا.

و استُعملت < البيوت > بمعنى القصور في مساكن الأُمم الأُخرى، و هو قوله تعالى: { وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا لِلَّذينَ‘ امَنُوا امْرَ اَتَ فِرْعَوْنَ اِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لى عِنْدَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنى مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَنَجِّنى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ‘ }. التّحريم:11، و اقترحت قريش علىالنّبيّ بيتًا من زخرف، ليس رغبة فيه، بل عنادًا وتماديًا في الغيّ وطلبًا لما لايطاق في قوله: { اَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُف اَوْ تَرْ قى فِى السَّمَاءِ وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّ لَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبّى هَلْ كُنْتُ اِلا بَشَرًا رَسُولا } الإسراء : 93، انظر: ب ي ت: <.بَيْت>.

و من البيوت : الغُرَف، إذ استعملت مقامًا لأهل الجنّة في نحو قوله: { وَ الَّذينَ‘ امَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّ ئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرى‘ مِنْ تَحْتِهَا الاَ نْهَارُ خَالِدينَ‘ فيهَا‘ نِعْمَ اَجْرُ الْعَامِلينَ‘ } العنكبوت: 58.

و منها: الصّرح في وصف قصر سليمان (علیه السلام): { قيلَ‘ لَهَا ادْخُلِى الصَّرْحَ فَلَمَّا رَاَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ اِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَاريرَ‘ قَالَتْ رَبِّ اِنّى ظَلَمْتُ نَفْسى‘ وَ اَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمنَ للهِ‚ رَبِّ الْعَالَمينَ‘ } النّمل: 44.

و منها: الدّار بمعنى القصر أيضًا في قوله : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَ بِدَ ارِهِ الاَرْضَ } القصص: 81.

و منها: القصر في تدمير القُرى و وصف مساكن الكافرين: { فَكَاَ يِّنْ مِنْ قَرْيَة اَهْلَكْنَاهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَة وَقَصْرٍ مَشيد‘} الحجّ : 45، و { وَ اذْكُرُوا اِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَاد وَبَوَّ اَكُمْ فِى الاَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا } الأعراف:74.

3 جاء لفظ < الخِيام > في رأس هذه الآية، و هو يناسب الألفاظ التّالية الواردة خلال هذه السّورة رويًّا: الأنام، و الأكمام، و الأعلام، و الإكرام، و الأقدام، و كلّها مجرورة إمّا بحرف جرّ و إمّا بالإضافة، و جرّ هذا اللّفظ بالحرف < في > دونها، و كلّها جمع سوى < الإكرام > ، فهو مصدر جاء مرّتين.

ثانيًا: سورة الرّحمان اختلفوا في كونه مكّيّة أو مدنيّة، و سياقها يُشبه المكّيّات، فكلّها تبشير و إنذار، و هي إعلام بليغ بالدّار الآخرة و وصف للجنّة و النّار.

ثالثًا : لم يرد من نظائر < الخِيام > في القرآن إلا < البيوت > في قوله تعالى:

{ وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الاَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ اِقَامَتِكُمْ وَمِنْ اَصْوَافِهَا وَ اَوْ بَارِهَا وَ اَشْعَارِهَا اَثَاثًا وَ مَتَاعًا اِلى حين‘ } النّحل: 80.

ص: 640

حرف الدّال

اشارة

وفيه 47 لفظًا

د أ ب

د ا و د

د ب ب

د ب ر

د ث ر

د ح ر

د ح ض

د ح و ي

د خ ر

د خ ل

د خ ن

د ر أ

د ر ج

د ر ر

د ر س

د ر ك

د ر ه م

د ر ي

د س ر

د س س

د س و

د ع ع

د ع و

د ف أ

د ف ع

د ف ق

د ك ك

د ل ك

د ل ل

د ل و

د م د م

د م ر

د م ع

د م غ

د م ي

د ن ر

د ن و

د ه ر

د ه ق

د ه م

د ه ن

د ه ي

د و ر

د و ل

د و م

دو ن

د ي ن

ص: 641

ص: 642

د أ ب

اشارة

3 ألفاظ، 6مرّات: 3مكّيّة، 3 مدنيّة

في 5 سور: 3 مكّيّة، 2 مدنيّتان

دأبًا 1 : 1 دَأب 4 :1 3

دائبين 1 : 1

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: الدُّؤُوب: المبالغة في السّير، و أدْأبَ الرّجل الدّابّة إدآبًا، إذا أتعَبَها، و الفعل اللازم دأبَتِ الدّابّة تدأب دُؤُوبًا. (8 : 85)

أبو زَيْد: قوله:* كدَأب الذِّ ئْبِ يأْدُو، للغزال *

أي كفِعْل الذِّئب. يأدُو: يَخْتِلُ. (141)

أبوعُبَيْد: يقال: ما زال دينك ودَأبُك و دَيْدَ نُك و دَيْدَ يُونك كلّه في العادة. (الأزهَريّ 14 : 202)

ابن السِّكّيت : يقال في المصادر: الظَّعْن و الظَّعَن، و العَذْل و العَذَل، و الدَّ أْبُ و الدَّأب.

(إصلاح المنطق : 97)

ابن أبي اليمان: الدّأب: مصدر، دَأبتُ في الشّيء، أي جدَدتُ فيه. (205)

المُبَرِّد: و قوله[الشّاعر]: دُؤُوب، يقول: و إلحاح عليه، تقول: دَأبتُ على الشّيء. [ثمّ استشهد بشعر]

و قوله جلّ ثناؤه: { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } آل عمران : 11،يقول: كعادتهم و سنّتهم. (1 : 221)

ابن دُرَيْد: و دَأب يَدْأب دُؤُوبًا، و ما زال ذاك دَأبي.

(3 : 202)

الصّاحِب: الدُّؤُوب: المبالغة في السّير، و أدْأبْتُ الدّ ابّة فدَأبَتْ.

و دَأبَ الأمر: طال.

و الدّائبان: اللّيل و النّهار.و الدّأْب: العادة، و الشّأن، و الأصل. (9 : 376)

الجَوهَريّ: دَأبَ فلان في عمله، أي جَدّ و تَعِب، دَأْبًا ودُؤُوبًا، فهو دائب. [ثمّ استشهد بشعر].

و أدْأبْتُه أنا.

ص: 643

و الدّائبان: اللّيل و النّهار.

و الدّأْب: العادة و الشّأن، و قد يُحرّك. قال الفَرّاء: أصله من دَأبْتُ، إلا أنّ العرب حَوّلَتْ معناه إلى الشّأن. (1 : 123)

أبوهِلال: الفرق بين العادة و الدّأب؛ أنّ العادة على ضربين: اختيار أو اضطرار، فالاختيار كتعَوّد شرب النّبيذ و ما يجري مجراه، ممّا يكثر الإنسان فعله فيعتاده، و يصعب عليه مفارقته.

و الاضطرار: مثل أكل الطّعام و شرب الماء لإقامة الجسد و بقاء الرّوح، و ما شاكل ذلك. و الدّأب لايكون إلا اختيارًا، ألا ترى أنّ العادة في الأكل و الشّرب، المقيمين للبدن لاتسمّى دأبًا.

(187)

ابن سيده: الدّأب: العادة و الملازمة،دَأبَ يَدْأبُ دأْ بًا، و دَأ بًا، و دُؤُوبًا، و أدأب غيره، و كلّ ما أدَمْتَه فقد أدْأبْتَه.

و أدْأبه: أحوَجَه إلى الدُّؤُوب.

و رجل دَؤُوب على الشّيء. [إلى أن قال:]

و الدَّ أْبُ و الدَّ أبُ: العادة، و قوله تعالى: { مِثْلَ دَاْبِ قَوْمِ نُوحٍ} المؤمن : 31، قيل: مثل عادة قوم نوح. و جاء في التّفسير: مثل حال قوم نوح.

و بَنُو دَوْأب: حَيّ من غنيّ. [واستشهد بالشّعر 3 مرّات] (9 : 382)

الطّوسيّ: الدّأب: العادة و الطّريقة. تقول: ماذلك دأبه، و دينه و دَيْدَنه. (5 : 162)

الدّأب: استمرار الشّيء على عادة. يقال: هو دَأبَ بفعل كذا، إذا استمرّ في فعله، و قد دَأبَ يَدْأب دأبًا.

(6 : 149)

الدُّؤُوب: مرور الشّيء في العمل على عادة جارية فيه، دَأبَ يَدْأب دأبًا و دُؤُوبًا فهو دائب. (6 : 297)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (3 : 315)

الدّأب: العادة. يقال: دَأبَ يَدْأب دأ بًا فهو دائب في عمله، إذا استمرّ فيه. و العادة: تكرُّر الشّيء مرّة بعد مرّة. (9 : 75)

الزّمَخْشَريّ: دَأبَ الرّجل في عمله: اجتهد فيه.

و دَأبْت الدّ ابّة في سيرها دأْبًا و دأَ بًا و دُؤُوبًا.و عن عاصم { تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنينَ‘ دَاَبًا } يوسف :47.

و دابّة دائبة.

و أدْأبَ نفسَه و أجيره و دابّته.

و فعل ذلك دائبًا.

و من المجاز: هذا دَأبُك، أي شأنك و عملك.

{ كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ }.

و اللّيل و النّهار يَدْأبان في اعتقابهما. { وَ سَخَّرَلَكُمُ الشَّمْس وَ الْقَمَرَ دَائِبَيْنِ } إبراهيم : 33.و يقال للمَلَوَيْن: الدّائبان.

و تقول: قلبك شابّ و فوداك شائبان، و أنت لاعِب، و قد جدّبك الدّائبان. (أساس البلاغة : 125)

الطَّبْرِسيّ: الدّأب: العادة. يقال: دَأبَ يَدْأب دأبًاو دآبًا((1))إذا

اعتاد الشّيء و تمرّن عليه.

و الدّ أب: الاجتهاد، يقال: دَأبَ في كذا دأبًا و دُؤُوبًا، إذا اجتهد فيه و بالغ، و نُقل من هذا إلى العادة،

ص: 644


1- (1) هكذا في الأصل و الظّاهر: دَأَ بًا، كما في كتب اللّغة.

لأ نّه بالغ فيه حتّى صار عادة له. [ثمّ استشهد بشعر]

(1 : 412)

المَدينيّ: في حديث البعير الّذي سجَد له، فقال: « إنّه يشكو أنّك تُجيعُه و تُدْئبُه » أي تُكِدّه و تُتْعِبه.

(1 : 633)

ابن الأثير: فيه: « عليكم بقيام اللّيل، فإنّه دَأبُ الصّالحين قبلكم ». الدّأب: العادة و الشّأن، و قد يحرّك، و أصله من دَأبَ في العمل إذا جَدّ و تَعِب، إلا أنّ العرب حَوّلَتْ معناه إلى العادة و الشّأن.

و منه الحديث: « فكان دَأبي و دَأبُهم » و قد تكرّر في الحديث. (2 : 95)

القُرطُبيّ: الدّأب: العادة و الشّأن. و دَأبَ الرّجل في عمله يَدْأب دأبًا و دُؤُوبًا إذا جَدّ و اجتهد، و أدْأبتُه أنا.

و أدْأبَ بعيره، إذا جهده في السّير.

و الدّائبان: اللّيل و النّهار.

قال أبو حاتِم: و سمعت يعقوب يذكر ( كَدَاَبِ ) بفتح الهمزة، و قال لي و أنا غُلَيِّمٌ: على أيّ شيء يجوز ( كَدَاَبِ )؟ فقلت له: أظنّه من دَئِبَ يَدْأب دَأبًا. فقَبِل ذلك منّي و تعجّب من جودة تقديري على صغري؛ و لاأدري أيقال: أم لا.

قال النّحّاس: < و هذا القول خطأٌ، لايقال ألبتّة: دَئِب، و إنّما يقال: دَأبَ يَدْأب دُؤُوبًا و دَأْبًا؛ هكذا حكى النّحويّون، منهم الفَرّاء...فأمّا الدّأَب فإنّه يجوز، كما يقال: شَعْر و شَعَر و نَهْر و نَهَر، لأنّ فيه حرفًا من حروف الحلق ». (4 : 22)

الفيروزاباديّ: دَ أبَ في عمله، كمَنَع، دَأ بًا، و يُحرّك، و دُؤُوبًا، بالضّمّ: جَدّ وتَعِب، و أدْأبَه.

و الدَّ أب أيضًا و يُحرّك: الشّأن و العادة، و السَّوق الشّديد، و الطّرد.

و الدّائبان: الجديدان.

و دَوْأب، كجَوْهَر: فرس لبني العَنبَر. و بنُو دَوْأب: قبيلة. (1 : 66)

مَجْمَعُ اللُّغة: دَأبَ في عمله يَدْأب دأ ْبًا و دأَبًا و دُؤُوبًا. فهو دَ ئِب ودائب: جَدّ فيه وداوم عليه.

واستُعمل الدّأَب،و الدّأْب في معنى العادة والشّأن. (1 : 377)العَدْنانيّ : دَأبَ في العمل أو على العمل،

و يخطّئون من يقول: دَأبَ فلان على العمل، و يقولون: إنّ الصّواب هو: دَأبَ في عمله يَدْأب دأْ بًا و دأَ بًا و دُؤُوبًا، فهو دَئِب و دائِب، أي يَجِدّ في عمله و يتعب.

و لكنّ المحكم، و اللّسان، و التّاج، و المدّ، يوردون جملة: « رجل دَؤُوب على الشّيء »، أي يَكِدّ و يَتعَب لعمل ذلك الشّيء، ممّا يُجيز لنا أن نقول: دَأبَ في الشّيء و عليه، و إن كانت « دَأبَ فيه » أعلى.

(معجم الأخطاء الشّائعة : 88)

المُصْطَفَويّ: و التّحقيق: أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الجريان المداوم المستمرّ في أمر إذا بولغ و اهتمّ فيه. و بمناسبة هذا الأصل تُستعمل في مفاهيم الشّأن و العادة و الاجتهاد و المداومة و الملازمة و المبالغة في السّير و نظائرها، و ليس كلّ واحد من هذه المفاهيم مجرّدًا بأصل حقيقيّ. [ثمّ ذكرالآيات

ص: 645

وأضاف:]

و لايخفى من التّناسب بين هذه المادّة و مادّة < دبَبَ> .

فظهر لطف التّعبير بهذه المادّة دون نظائرها، لأنّ فيها دلالة على الجريان، و الاستمرار، و الملازمة، والاهتمام.

(3 : 170)

النُّصوص التّفسريّة

دَاَبًا

قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنينَ‘ دَاَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فى سُنْبُلِهِ اِلا قَليلا ‘ مِمَّا تَاْكُلُونَ. يوسف : 47

ابن عبّاس: دائمًا كلّ عام. (198)

نحوه القاسميّ. (9 : 3548)

متوالية. (الواحديّ 2 : 616)

الفَرّاء: قوله: { دَاْبًا } و قرأ بعض قرّائنا{ سَبْعَ سِنينَ‘ دَاَبًا} فعَلا .و كذلك كلّ حرف فُتح أوّله و سُكّن ثانيه، فتثقيله جائز إذا كان ثانيه همزةً أو عينًا أو غينًا أو حاءً أو خاءًأو هاءً. (2 : 47)

نحوه أبو زُرْعَة. (359)

ابن قُتَيْبَة: { دَاْبًا } أي جِدًّا في الزّراعة و متابعة. و تقرأ ( دَاَبًا ): بفتح الهمزة. و هما واحد. يقال: دأبْتُ ، أدْأبُ دَأْبًا و دأَبًا. (218)

نحوه السِّجستانيّ (92)، و البغَويّ (2 : 495)، و المَيْبُديّ (5 : 77).

الطّبَريّ: يقول: تزرعون هذه السّبع السّنين، كما كنتم تزرعون سائر السّنين قبلها، على عادتكم فيما مضى.

و الدّأب: العادة. [ثمّ استشهد بشعر] (7 : 228)

نحوه الخازن (3 : 235)، و ابن عاشور (12 : 73).

الزّجّاج: أي تَدْأبون دَأبًا، و دلّ على تَدْأبون{ تَزْرَعُونَ } و الدّأب الملازمة للشّيء و العادة.((1))

(3 : 114)

نحوه حسَنَين مخلوف. (387)

القُمّيّ: أي ولاءً. (1 : 345)

النّحّاس: أي تباعًا و اعتيادًا. (3 : 433)

الثّعلبيّ: أي كعادتكم. [ثمّ ذكرنحو قول ابن قُتَيْبَة و الفَرّاء] (5 : 227)

القَيْسيّ : نصب على المصدر ، لأنّ معنى {تَزْرَعُونَ} يدلّ على تَدْأبون.

قال أبو حاتِم: من فتح الهمزة في{ دَاَبًا }، و هي قراءة حفص عن عاصم، جعله مصدر « دَئِب ».

و من أسكن جعله مصدر « دأَبْت »، و فتح الهمزة في الفعل هو المشهور عند أهل اللُّغة. و الفتح و الإسكان في المصدر لغتان، كقولهم: النّهْر و النّهَر، و الشّمْع و الشّمَع.

و قيل: إنّما حُرّك و أُسكن لأجل حرف الحلق.

(1 : 431)

نحوه أبو البَرَكات. (2 : 42)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

ص: 646


1- (1)و جاء في الهامش:كلمة دأب، تدلّ على موالاتهم الزّرع فهم يدأبون في عمله.

أحدهما: يعني تباعًا متوالية.

الثّاني: يعني العادة المألوفة في الزّراعة. (3 : 44)

الطُّوسيّ: أي مستمرّة، و قيل: متوالية،و قيل: على عادتكم.

و الدّأب: استمرار الشّيء على عادة. يقال: هو دَأبَ بفعل كذا،إذا استمرّ في فعله،وقد دَأبَ يَدْأب دأ بًا.

و سكّن القرّاء كلّهم الهمزة، إلا حفصًا فإنّه فتحها، و هي لغة مثل سَمْع، وسَمَع، ونَهْر ونَهَر.و نُصب { دَاَبًا} على المصدر، أي تَدْأبون دأ بًا، و كلّهم هَمّزَ إلا مَن مذهبه ترك الهمزة، و أبوعمرو إذا أدرج. (6 : 149)

نحوه أبو الفُتُوح الرّازيّ (11 : 88)، و الكاشانيّ (3 : 24).

الواحديّ: [نحو الطُّوسيّ، ثمّ قال:]

و المعنى زراعة متوالية في هذه السّنين على عادتكم. (2 : 616)

نحوه الطَّباطَبائيّ. (11 : 189)

الزّمَخْشَريّ: ( دَاْبًا )بسكون الهمزة و تحريكها. و هما مصدرا دَأبَ في العمل، و هو حال من المأمورين، أي دائبين. إمّا على تَدْأبون دأبًا، و إمّا على إيقاع المصدر حالا، بمعنى ذوي دأب. (2 : 325)

نحوه البَيْضاويّ (1 : 498)،و النّسَفيّ (2 : 225)، و النَّيسابوريّ (13 : 11)، و أبوالسُّعود (3 : 400)، و البُرُوسَويّ (4 : 268).

ابن عَطيّة: و { دَاَبًا } معناه ملازمة لعادتكمفي الزّراعة. [ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ جمهور السّبعة ( دَاْبًا ) بإسكان الهمزة و قرأ عاصم وحده { دَاَبًا } بفتح الهمزة، و أبو عمرو يُسهّل الهمزة عند درج القراءة، و هما مثل نَهْر و نَهَر. و النّاصب لقوله: (دَأَ بًا){ تَزْرَعُونَ } عند أبي العبّاس المُبَرِّد؛ إذ في قوله:{ تَزْرَعُونَ } تَدْأبون،و هي عنده مثل قولهم: قعد القرفصاء، و اشتمل الصّمّاء. و سيبَوَيه يرى نصب هذا كلّه بفعل مضمر من لفظ المصدر، يدلّ عليه هذا الظّاهر، كأ نّه قال: { تَزْرَعُونَ } تَدْأبون دأبًا.

(3 : 250)

نحوه أبو حَيّان. (5 : 315)

الطَّبْرِسيّ: أي زراعة متوا لية في هذه السّنين على عادتكم في الزّراعة سائر السّنين. و قيل: ( دَاَبًا ) أي بِجِدّ و اجتهاد في الزّراعة. و يجوز أن يكون حالا، فيكون معناه: تزرعون دائبين. (3 : 238)

ابن الجَوْزيّ: [نقل القراءتين و قال:]

و معنى { دَاَبًا } أي زراعة متوالية على عادتكم، و المعنى: تزرعون دائبين، فناب { دَاَبًا } عن« دائبين ».

(4 : 232)

الفَخْرالرّازيّ: [نحو القَيْسيّ و أضاف:]

قيل: إنّه مصدر وُضع في موضع الحال، و تقديره: { تَزْرَعُونَ } دائبين. (18 : 150)

العُكْبَريّ: { دَاَبًا }: منصوب على المصدر، أي تَدْأبون، و دلّ الكلام عليه. و يُقرأ بإسكان الهمزة و فتحها، و الفعل منه دَأبَ دأْ بًا، و دَئِب دأَ بًا.

و يُقرأ بألف من غير همز على التّخفيف.

(2 : 734)

ص: 647

القُرطُبيّ: أي متوالية متتابعة، و هو مصدر على غير المصدر، لأنّ معنى { تَزْرَعُونَ } تَدْأبون كعادتكم في الزّراعة سبع سنين. و قيل: هو حال، أي دائبين. و قيل: صفة ل { سَبْعَ سِنينَ‘ } أي دائبة... (9 : 203)

نحوه الشَّوْكانيّ. (3 : 40)

السّمين: قوله: { دَاَبًا } قرأ حفص بفتح الهمزة، والباقون بسكونها، وهما لغتان في مصدر دَأبَ يَدْأب، أي داوَم على الشّيء و لازمه. و هذا كما قالوا: ضَأْن وضَأَن، و مَعْز ومَعَز بفتح العين و سكونها.

و في انتصابه أوجه:

أحدها: و هو قول سيبَوَيه: أ نّه منصوب بفعل مقدّر تقديره تَدْأبون.

و الثّاني: و هو قول أبي العبّاس: أ نّه منصوب

ب { تَزْرَعُونَ } لأ نّه من معناه، فهو من باب قعد القُرفُصاء. و فيه نظر، لأ نّه ليس نوعًاخاصًّا به بخلاف القُرفُصاء مع القعود.

و الثّالث: أ نّه مصدر واقع موقع الحال، فيكون فيه الأوجه المعروفة: إمّا المبالغة، و إمّا وقوعه موقع الصّفة، و إمّا على حذف مضاف، أي دائبين،أو ذوي دأب، أو جعَلهم نفس الدّأب مبالغة. (4 : 189)

ابن كثير: أي يأتيكم الخصب والمطر سبع سنين متواليات. (4 : 30)

الشِّربينيّ: [نحو الطَّبْرِسيّ، و أضاف:]

و قرأ حفص بفتح الهمزة، و سكّنها الباقون، و أبدلها السُّوسيّ ألفًا وقفًا و وصلا ، وحمزة وقفًا فقط.

(2 : 112)

الآلوسيّ: قرأ حفص بفتح الهمزة و الجمهور بإسكانها، و قُرئ ( دابًا ) بألف من غير همز على التّخفيف، و هو في كلّ ذلك مصدر ل < دَأبَ >. و أصل معناه التّعب، و يُكنّى به عن العادة المستمرّة، لأ نّها تنشأ من مداومة العمل اللازم له التّعب، و انتصابه على الحال من ضمير { تَزْرَعُونَ } أي دائبين أو ذوي دأب. و أُفرد لأنّ المصدر الأصل فيه الإفراد، أو على أ نّه مفعول مطلق لفعل محذوف، أي تَدْأبون دأبًا. و الجملة حاليّة أيضًا، و عند المُبَرِّد مفعول مطلق ل { تَزْرَعُونَ } و ذلك عنده نظير: قعد القُرفُصاء، و ليس بشيء. (12 : 254)

عبد الكريم الخطيب: الدّ أب: المستمرّ، المتّصل في جدّ و مثابرة. (6 : 1281)

المُصْطَفَويّ: أي على طريقة مداومة مستمرّة، و قد اهتمّوا و اجتهدوا في ذلك العمل من غير اختلال و توان. (3 : 170)

فضل الله: { دَاَبًا }: العادة، و المراد به هنا: الدّوام على الزّرع. (12 : 216)

دَ اْب

اشارة

1 كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِايَاتِنَا فَاَخَذَهُمُ اللهُ بِذُ نُوبِهِمْ وَ اللهُ شَديدُ‘ الْعِقَابِ.

آل عمران : 11

ابن عبّاس: كصُنع آل فرعون، و يقول: صنع بك قومك كذّبوك و شتموك، كما صنع قوم موسى بموسى كذّبوه و شتموه، و نصنع بهم يوم بدر كما صنعنا بقوم

ص: 648

موسى يوم الغرق. (43)

نحوه أبوروق، (أبو الفُتُوح الرّازيّ 4 : 196)، و القُمّيّ (1 : 97)، و المَراغيّ (3 : 105).

مُجاهِد: كفعل آل فرعون، كشأن آل فرعون.

مثله عِكْرِمَة. (الطّبَريّ 3 : 190)

الضّحّاك: كعمل آل فرعون. (الطّبَريّ 3 : 190)

زَيْد بن عليّ: معناه كشأنهم و عادتهم.

(157)

السُّدّيّ: ذكرالله الّذين كفروا، و أفعال تكذيبهم كمثل تكذيب الّذين من قبلهم في الجحود و التّكذيب.

(170)

الرّبيع: كسنّتهم. (الطّبَريّ 3 : 190)

نحوه الكِسائيّ. (الطَّبْرِسيّ 1 : 413)

ابن زَيْد: كفعلهم، كتكذيبهم حين كذّبوا الرّسل. و قرأ قول الله: { مِثْلَ دَاْبِ قَوْمِ نُوحٍ } المؤمن : 31، أن يصيبكم مثل الّذي أصابهم عليهمن عذاب الله، الدّأب: العمل. (الطّبَريّ 3 : 190)

ابن شُمَيّل: كعادة آل فرعون.

(البغَويّ 1 : 414)

مثله المُبَرِّد. (أبو الفُتُوح 4 : 196)

قُطْرُب: كحال آل فرعون. (الطَّبْرِسيّ 1 : 413)

الفَرّاء: يقول: كفرت اليهود ككفر آل فرعون و شأنهم. (1 : 191)

أبو عُبَيْدَة: كسنّة آل فرعون و عادتهم. [ثمّ استشهد بشعر] (1 : 87)

الأخفش: يقول: كدأبهم في الشّرّ، من دَأبَ يَدْأب دأ بًا. (1 : 395)

ابن قُتَيْبَة: أي كعادتهم، يريد كفر اليهود ككفر من قبلهم، يقال: هذا دَأبُه، و دينه، ودَيْدَنه. (101)

نحوه السِّجستانيّ. (33)

الطّبَريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه: أنّ الّذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم و لا أولادهم من الله شيئًا عند حلول عقوبتنا لهم، كسُنّة آل فرعون و عادتهم...

و اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } فقال بعضهم: معناه: كسُنّتهم... و قال بعضهم: معناه: كعملهم... و قال آخرون: معنى ذلك: كتكذيب آل فرعون...

و أصل الدّأب من: دأبت في الأمر دَأْبًا، إذا أدمنَت العمل و التّعب فيه. ثمّ إنّ العرب نقلت معناه إلى الشّأن و الأمر و العادة. [ثمّ استشهد بشعر] (3 : 190)

نحوه الثّعلبيّ (3 : 18)، و حسَنَين مخلوف (99).

الزّجّاج: أي كشأن آل فرعون، و كأمر آل فرعون، كذا أهل اللُّغة. و القول عندي فيه و الله أعلم :إنّ « دأب » هاهنا، أي اجتهادهم في كفرهم و تظاهرهم على النّبيّ(صلی الله علیه و آله)كتظاهر آل فرعون على موسى(علیه السلام).

و موضع الكاف رفع، و هو في موضع خبر الابتداء، المعنى: دأبهم مثل دأب آل فرعون،و { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ }.

يقال: دَأبْتُ أدْأبُ دأ بًا و دُؤُوبًا إذا اجتهدت في الشّيء، و لايصلح أن تكون الكاف في موضع نصب ب { كَفَرُوا } لأنّ { كَفَرُوا } في صلة { الَّّذين‘ } لايصلح أنّ الّذين كفروا ككفر آل فرعون، لأنّ الكاف خارجة من الصّلة، و لايعمل فيها ما في الصّلة.

ص: 649

(1 : 380)

النّحّاس: [نقل: قول الضّحّاك و قال:]

كذلك هو في اللُّغة. و يقال: دَأبَ يَدْأب، إذا اجتهد في فعله، فيجوز أن تكون الكاف معلّقة بقوله: { وَقُودُ الْنَّارِ } آل عمران : 10، أي عُذّبوا تعذيبًا كما عُذّب آل فرعون.

و تجوز أن تكون معلّقة بقوله: { لَنْ تُغْنِىَ عَنْهُمْ } و يجوز أن تكون معلّقة بقوله: { فَاَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ}

قال ابن كيسان: و يحتمل على بُعْد أن تكون معلّقة ب { كَذَّبُوا } و يكون في { كَذَّبُوا }ضمير الكافرين ، لاضمير آل فرعون. (1 : 359)

القَيْسيّ: الكاف في موضع نصب على النّعت لمصدر محذوف، تقديره عند الفَرّاء: كفرَت العرب كُفرًا ككُفر آل فرعون؛ و في هذا القول إبهام للتّفرقة بين الصّلة و الموصول. (1 : 127)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما: أنّ الدّأب: العادة، أي كعادة آل فرعون و الّذين من قبلهم.

و الثّاني: أنّ الدّأب هنا الاجتهاد، مأخوذ من قولهم: دأبْتُ في الأمر، إذا اجتهدت فيه.

فإذا قيل: إنّه العادة ففي ما أشار إليه من عادتهم وجهان:

أحدهما: كعادتهم في التّكذيب بالحقّ.

و الثّاني: كعادتهم من عقابهم على ذنوبهم.

و إذا قيل: إنّه الاجتهاد، احتمل ما أشار إليه من اجتهادهم وجهين:

أحدهما: كاجتهادهم في نصرة الكُفر على الإيمان.

و الثّاني: كاجتهادهم في الجحود و البهتان.

و فيمن أشار إليهم أ نّهم{ كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } قولان:

أحدهما((1)): أ نّهم مشركو قريش يوم بدر، كانوا في انتقام الله منهم لرُسله و المؤمنين، كآل فرعون في انتقامه منهم لموسى و بني إسرائيل؛ فيكون هذا على القول الأوّل تذكيرًا للرّسول و المؤمنين بنعمة سبقت، لأنّ هذه الآية نزلت بعد بدر استدعاء لشكرهم عليها. و على القول الثّاني وعدًا بنعمة مستقبلة، لأ نّها نزلت قبل قتل يهود بني قينقاع، فحقّق وعده و جعله مُعجزًا لرسوله. (1 : 372)

الطُّوسيّ: و معنى قوله: {كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ} كعادتهم في التّكذيب بالحقّ، و قيل: في الكفر، و قيل: في قبح الفعل، و قيل: في تكذيب الرّسل، و كلّ ذلك متقارب في المعنى.

و قال قوم: معناه { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } في عقاب الله إيّاهم على ما سلف من ذنوبهم، و معاصيهم،

و الكاف في قوله: { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ} متّصلة بمحذوف.

و تقديره: عادتهم كدأب آل فرعون. و موضع الكاف رفع، لأ نّها في موضع خبر الابتداء، و لايجوز أن يعمل فيها { كَفَرُوا }، لأنّ صلة الّذي قد انقطعت بالخبر، و هو { لَنْ تُغْنِىَ عَنْهُمْ اَمْوَالُهُمْ وَ لااَوْلادُهُمْ}،

ص: 650


1- (1) لم يذكر ثانيهما.

و لكن يجوز نصبه ب{ وَ قُودُ النَّارِ }، لأنّ فيه معنى الفعل، على تقدير: تتّقد النّار بأجسادهم كما تتّقد بأجسام آل فرعون. فهذا تقديره في المعنى.

(2 : 404)

القُشَيْريّ : أصَرّوا في العُتُوّ على سَنَنِهم، و أدَمْنَا لهم في الانتقام سَنَنَنا، فلا عن الإصرار أُقلِعوا، و لافي المَبارّ طَعِمُوا، و لعمري إنّهم هم الّذين نَدِمُواو تحسّروا على ما قدّموا، و لكن حينما وجدوا الباب مسدودًا،

و النّدم عليهممردودًا. (1 : 234)

الواحديّ: [ذكر قول ابن عبّاس و مُجاهِد و السُّدّيّ، ثمّ قال:]

يريد أنّ اليهود كفرت بمحمّد(صلی الله علیه و آله) كعادة آل فرعون في تكذيب موسى بعد ماعرفوا صدقه، و المعنى: دأبهم في الكفر كدأب آل فرعون.

(1 : 416)

نحوه البغَويّ. (1 : 414)

الزّمَخْشَريّ: الدّأب: مصدر دَأبَ في العمل، إذا كدح فيه، فوُضع موضع ما عليه الإنسان من شأنه و حاله. و الكاف مرفوع المحلّ، تقديره: دأب هؤلاء الكفرة كدأب مَن قبلهم من آل فرعون و غيرهم.

و يجوز أن ينتصب محلّ الكاف ب { لَنْ تُغْنِىَ }، أو ب < الوَقُودِ >. أي لن تُغني عنهم مثل ما لم تغني عن أُولئك، أو توقد بهم النّار كما توقد بهم، تقول: إنّك لتظلم النّاس كدأب أبيك، تريد كظلم أبيك و مثل ما كان يظلمهم، و إنّ فلانًا لمحارف كدأب أبيه، تريد كما حورف أبوه. (1 : 414)

نحوه البُرُوسَويّ (2 : 7)، و فريد وجدي (64).

ابن عَطيّة: و الدّ أَب و الدّ أْب بسكون الهمزة و فتحها مصدر دَأبَ يَدْأب إذا لازم فعل شيء و دام عليه مجتهدًا فيه، و يقال للعادة: دأب. فالمعنى في الآية تشبيه هؤلاء في لزومهم الكفر و دوامهم عليه بأُولئك المتقدّمين. و آخر الآية يقتضي الوعيد بأن يصيب هؤلاء مثل ما أصاب أُولئك من العقاب. و الكاف في قوله: { كَدَاْبِ } في موضع رفع التّقدير دأبهم كَدَاْب، و يصحّ أن يكون الكاف في موضع نصب قال الفَرّاء: هو نعت لمصدر محذوف تقديره: كفروا كدأب، فالعامل فيه { كَفَرُوا } وردّ هذا القول الزّجّاج بأنّ الكاف خارجة من الصّلة فلايعمل فيها ما في الصّلة.

و يصحّ أن يعمل فيه فعل مقدّر من لفظ الوَقُود، و يكون التّشبيه في نفس الاحتراق، و يؤيّد هذا المعنى قوله تعالى: { اَلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْ مَ تَقُومُ السَّاعَةُ اَدْخِلُوا الَ فِرْعَوْنَ اَشَدَّ الْعَذَابِ } المؤمن : 46، و القول الأوّ ل أرجح الأقوال أن يكون الكاف في موضع رفع، و الهاء في { قَبْلِهِمْ } عائدة على { الِ فِرْعَوْنَ } و يحتمل أن تعود على معاصري رسول الله (صلی الله علیه و آله): من الكفّار... و اختلفت عبارة المفسرّين في تفسير الدّأب. و ذلك كلّه راجع إلى المعنى الّذي ذكرناه. (1 : 405)

أبوالبَرَكات: الكاف في { كَدَاْبِ } في موضعها وجهان: الرّفع و النّصب. فالرّفع على أن يكون خبر مبتدإمحذوف، و تقديره: دأبهم كدأب آل فرعون. و النّصب على أن يكون متعلّقًا بفعل دلّ عليه ما قبله، و هو قوله: { وَ اُولئِكَ ’هُمْ وَقُودُ النَّارِ * كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ }، أي يتوقّدون توقّد آل فرعون. (1 : 192)

ص: 651

الفَخْرالرّازيّ: [ذكر معناه في اللُّغة و قال:]إذا عرفت هذا، فنقول: في كيفيّة التّشبيه وجوه:

الأوّل: أن يُفسّر الدّأب بالاجتهاد، كما هو معناه في أصل اللُّغة، و هذا قول الأصمّ و الزّجّاج، و وجه التّشبيه أنّ دأب هؤلاء الكفّار، أي جدّهم و اجتهادهم في تكذيبهم بمحمّد (صلی الله علیه و آله) و كفرهم بدينه، كدأب آل فرعون مع موسى (علیه السلام)، ثمّ إنّا أهلكنا أُولئك بذنوبهم، فكذا نهلك هؤلاء.

الوجه الثّاني: أن يُفسّر الدّأب بالشّأن و الصُّنع،

و فيه وجوه:

الأوّل: { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } أي شأن هؤلاء و صُنعهم في تكذيب محمّد (صلی الله علیه و آله)، كشأن آل فرعون في التّكذيب بموسى. و لافرق بين هذا الوجه و بين ما قبله، إلا أنّا حملنا اللّفظ في الوجه الأوّل على الاجتهاد، و في هذا الوجه على الصُّنع و العادة.

و الثّاني: أنّ تقدير الآية: { اِنَّ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِىَ عَنْهُمْ اَمْوَالُهُمْ وَ لااَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْا =} و يجعلهم الله { وَقُودُ النَّارِ } كعادته و صنعه في آل فرعون، فإنّهم لمّا كذّبوا رسولهم أخذهم بذنوبهم. و المصدر تارةً يُضاف إلى الفاعل، و تارةً إلى المفعول، و المراد هاهنا: كدأب الله في آل فرعون، فإنّهم لمّا كذّبوابرسولهم أخذهم الله بذنوبهم.ونظيره قوله تعالى: { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ } البقرة : 165، أي كحبّهم الله،وقال:{سُنَّةَ مَنْ قَدْ اَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} الإسراء : 77، و المعنى سنّتي فيمن أرسلنا قبلك.

و الثّالث: قال القفّال رحمه الله: يحتمل أن تكون الآية جامعة للعادة المضافة إلى الله تعالى، و العادة المضافة إلى الكفّار، كأ نّه قيل: إنّ عادة هؤلاء الكفّار و مذهبهم في إيذاء محمّد(صلی الله علیه و آله) كعادة من قبلهم في إيذاء رسلهم، و عادتنا أيضًا في إهلاك هؤلاء، كعادتنا في إهلاك أُولئك الكفّار المتقدّمين، و المقصود على جميع التّقديرات: نصر النّبيّ (صلی الله علیه و آله) على إيذاء الكفرة و بشارته بأنّ الله سينتقم منهم.

الوجه الثّالث: في تفسير الدّأب و الدُّؤوب، و هو اللّبث و الدّوام و طول البقاء في الشّيء، و تقدير الآية: و أُولئك { هُمْ وَقُودُ النَّارِ * كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ}، أي دُؤوبهم في النّار كدؤوب آل فرعون.

و الوجه الرّابع: أنّ الدّأب هو الاجتهاد كما ذكرناه و من لوازم ذلك التّعب و المشقّة، فيكون المعنى و مشقّتهم و تعبهم من العذاب كمشقّة آل فرعون بالعذاب و تعبهم به. فإنّه تعالى بيّن أنّ عذابهم حصل في غاية القرب، و هو قوله تعالى: { اُغْرِقُوا فَاُدْخِلُوا نَارًا } نوح : 25، و في غاية الشّدّة أيضًا، و هو قوله: { اَلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ اَدْخِلُوا الَ فِرْعَوْنَ اَشَدَّ الْعَذَابِ } .

الوجه الخامس: أنّ المشبّه هو أنّ أموالهموأولادهم لاتنفعهم في إزالة العذاب، فكان التّشبيه بآل فرعون حاصلا في هذين الوجهين، و المعنى: أ نّكم قد عرفتم ما حلّ بآل فرعون ومَن قبلهم من المكذّبين بالرّسل من العذاب المعجّل الّذي عنده، لم ينفعهم مال ولاولد، بل صاروا مضطرّين إلى ما نزل بهم، فكذلك

ص: 652

حالكم أيّها الكفّار المكذّبون بمحمد (صلی الله علیه و آله) في أ نّه ينزل بكم مثل ما نزل بالقوم تقدّم أو تأخّر، ولاتُغني عنكم الأموال والأولاد.

الوجه السّادس: يحتمل أن يكون وجه التّشبيه أ نّه كما نزل بمن تقدّم العذاب المعجّل بالاستئصال فكذلك ينزل بكم أيّها الكفّار بمحمّد (صلی الله علیه و آله)، و ذلك من القتل و السّبي وسلب الأموال، و يكون قوله تعالى: { قُلْ لِلَّذينَ‘ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ اِلى جَهَنَّمَ } آل عمران : 12،كالدّلالة على ذلك، فكأ نّه تعالى بيّن أ نّه كما نزل بالقوم العذاب المعجّل، ثمّ يصيرون إلى دوام العذاب، فسينزل بمن كذّب بمحمّد (صلی الله علیه و آله) أمران؛ أحدهما: المحن المعجّلة وهي القتل والسّبي و الإذلال، ثمّ يكون بعده المصير إلى العذاب الأليم الدّائم، وهذان الوجهان الأخيران ذكرهما القاضي رحمه الله .

(7 : 199)

نحوه النَّيسابوريّ. (3 : 134)

العُكْبَريّ: قوله تعالى: { كَدَاْبِ }: الكاف في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف، و في ذلك المحذوف أقوال:

أحدها: تقديره: كَفرُوا كفْرًا كعادة آل فرعون،

و ليس الفعل المقدّر ها هنا هو الّذي في صلة{ الَّذينَ‘ } ، لأنّ الفعل قد انقطع تعلّقه بالكاف لأجل استيفاء { الَّذينَ‘ } خبره، و لكن بفعل دلّ عليه { كَفَرُوا } الّتي هي صلة.

و الثّاني: تقديره: عُذّبوا عذابًا كدأب آل فرعون،

و دلّ عليه { اُولئِكَ ’هُمْ وَقُودُ النَّارِ }.

و الثّالث: تقديره: بطل انتفاعهم بالأموال و الأولاد كعادة فرعون.

و الرّابع: تقديره: كذّبوا تكذيب{ كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ }، فعلى هذا يكون الضّمير في { كَذَّبُوا} لهم، و في ذلك تخويف لهم لعلمهم بما حلّ بآل فرعون، و في أخذه لآل فرعون. (1 : 241)

القُرطُبيّ: و اختلفوا في الكاف، فقيل: هي في موضع رفع، تقديره: دأبهم { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } أي صنيع الكفّار معك كصنيع آل فرعون مع موسى. و زعم الفَرّاء أنّ المعنى: كفرت العرب ككفر آل فرعون.

قال النّحّاس: لايجوز أن تكون الكاف متعلّقة ب { كَفَرُوا }، لأنّ { كَفَرُوا} داخلة في الصّلة. و قيل: هي متعلّقة ب { اَخَذَهُمُ اللهُ }، أي أخذهم أخذًا كما أخذ آل فرعون. و قيل: هي متعلّقة بقوله: { لَنْ تُغْنِىَ عَنْهُمْ اَمْوَالُهُمْ وَ لااَوْلادُهُمْ...} أي لم تغن عنهم غناء كما لم تغن الأموال و الأولاد عن آل فرعون. و هذا جواب لمن تخلّف عن الجهاد، و قال: { شَغَلَتْنَا اَمْوَالُنَا

وَ اَهْلُونَا.} الفتح : 11.

و يصحّ أن يعمل فيه فعل مقدّر من لفظ<الْوَ قُود>، و يكون التّشبيه في نفس الاحتراق، و يؤيّد هذا المعنى {... وَحَاقَ بِالِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * اَلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ اَدْخِلُوا الَ فِرْعَوْنَ اَشَدَّ الْعَذَابِ} المؤمن: 45،46،و القول الأوّ ل: أرجح، و اختاره غير واحد من العلماء. (4 : 22)

نحوه الشَّوْكانيّ. (1 : 407)

ص: 653

البَيْضَاويّ: { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } متّصل بما قبله، أي لن تغني عنهم كما لم تغن عن أُولئك، أو توقد بهم كما توقد بأُولئك، أو استئناف مر فوع المحلّ، و تقديره: دأب هؤلاءكدأبهم في الكفر و العذاب، و هو مصدر دَأبَ في العمل، إذا كدح فيه، فنُقل إلى معنى الشّأن. (1 : 150)

مثله المشهديّ(2 : 31 )،ونحوه النّسَفيّ(1 : 147)، و الشِّربينيّ (1 : 199).

أبوحَيّان: لمّا ذكر أنّ من كفر و كذّب بالله مآله إلى النّار، ولن يُغني عنه ماله ولاولده، ذكر أنّ شأن هؤلاء في تكذيبهم لرسول الله(صلی الله علیه و آله) و ترتّب العذاب على كفرهم،كشأن مَن تقدّم من كفّار الأُمم، أُخذوا بذنوبهم، و عُذّبوا عليها. و نبّه على آل فرعون، لأنّ الكلام مع بني إسرائيل، و هم يعرفون ما جرى لهم حين كذّبوا بموسى من إغراقهم و تصييرهم آخرًا إلى النّار، و ظهور بني إسرائيل عليهم، و توريثهم أماكن ملكهم. ففي هذا كلّه بشارة لرسول الله (صلی الله علیه و آله) و لمن آمن به، أنّ الكفّار مآلهم في الدّنيا إلى الاستئصال، و في الآخرة إلى النّار، كما جرى لآل فرعون، أُهلكوا في الدّنيا و صاروا إلى النّار.

و اختلفوا في إعراب{ كَدَاْبِ }، فقيل: هو خبر مبتدإ محذوف، فهو في موضع رفع، التّقدير: دأبهم كدأب، و به بدأ الزّمَخْشَريّ و ابن عَطيّة...

و قيل: من معناه، أي عذّبوا تعذيبًا كدأب آل فرعون، و يدلّ عليه { وَقُودُ النَّارِ }.

و قيل: ب { لَنْ تُغْنِىَ } أي لن تغني عنهم مثل ما لم تغن عن أُولئك، قاله الزّمَخْشَريّ. و هو ضعيف، للفصل بين العامل و المعمول بالجملة الّتي هي: { اُولئِكَ ’هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } على أيّ التّقديرين الّذين قدّرناهما فيها، من أن تكون معطوفة على خبر ( اِنَّ ) أو على الجملة المؤكّدة ب ( اِنَّ ) فإن قدّرتها اعتراضيّة، و هو بعيد جاز ما قاله الزّمَخْشَريّ...

و قيل: هو نعت لمصدر محذوف تقديره: كفرًا كدأب، و العامل فيه:{ كَفَرُوا } قاله الفَرّاء. و هو خطأ، لأ نّه إذا كان معمولا للصّلة كان من الصّلة، و لايجوز أن يخبر عن الموصول حتّى يستوفي صلته ومتعلّقاتها، و هنا قد أخبر، فلاتجوز أن يكون معمولا لما في الصّلة.

و قيل: بفعل محذوف يدّل عليه: { كَفَرُوا } التّقدير: كفروا كُفرًا كعادة آل فرعون.

و قيل: العامل في الكاف{ كَذَّبُوا بِايَاتِنَا }، و الضّمير في{ كَذَّبُوا } على هذا لكفّار مكّة و غيرهم من معاصري رسول الله (صلی الله علیه و آله) أي كذّبوا تكذيبًا كعادة آل فرعون.

و قيل: يتعلّق بقوله: { فَاَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ } أي أخذهم أخذًا كما أخذ آل فرعون. و هذا ضعيف، لأنّ ما بعد الفاء العاطفة لايعمل فيما قبلها. وحكى بعض أصحابناعن الكوفيّين أ نّهم أجازوا: زيدًا قمت فضربت، فعلى هذا يجوز هذا القول. فهذه عشرة أقوال في العامل في الكاف. (2 : 388)

نحوه السّمين. (2 : 21)

أبو السُّعود: [نقل كلام الزّمَخْشَريّ و أضاف:]

ص: 654

وأنت خبير بأنّ المذكور في تفسير الدّأب إنّما هو التّكذيب و الأخذ من غير تعرّض لعدم الإغناء لاسيّما على تقدير كون ( مِنْ ) بمعنى البدل كما هو رأي المجوّز، و لا لإيقاد النّار فيحمل على التّعليل و هو خلاف الظّاهر، على أ نّه يلزم الفصل بين العامل و المعمول بالأجنبيّ على تقدير النّصب ب { لَنْ تُغْنِىَ } و هو قوله تعالى: { اُولئِك َ’هُمْ وَقُودُ النَّارِ } إلا أن يجعل استئنافًا معطوفًا على خبر ( اِنَّ ) فالوجه هو الرّفع على الخبريّة أي دأب هؤلاء في الكفر و عدم النّجاة من أخذ الله تعالى، و عذابه كدأب آل فرعون...

(1 : 339)

الآلوسيّ: الدّأب: العادة و الشّأن، و أصله من دَأبَ فى الشّيء دأبًا و دُؤُوبًا، إذا اجتهد فيه و بالغ، أي حال هؤلاء في الكفر و استحقاق العذاب كحال آل فرعون، فالجارّ و المجرور خبر لمبتدإ محذوف، و الجملة منفصلة عمّا قبلها، مستأنفة استئنافًا بيانيًّا بتقدير ما سبب هذا؟ على ما قاله بعض المحقّقين.

و من النّاس من جوّز أن يكون الجارّ متعلّقًا بمحذوف، وقع صفة لمصدر { تُغْنِىَ } أي إغناءً كائنًا كعدم إغناء، أو ب { وَقُودُ } أي توقد بهم كما توقّد بأُولئك. و لايخفى ما في الوجهين:

أمّا الأوّل فقد قال فيه أبو حَيّان: إنّه ضعيف للفصل بين العامل و المعمول بالجملة الّتي هي { اُولئِكَ’... } إذا قُدّرت معطوفة ، فإن قُدّرت استئنافيّة و هو بعيد جاز.

و أمّا الثّاني فقد اعترضه الحلبيّ بأنّ < الوَقُود > على المشهور الأظهر فيه اسم لما يوقد به، و إذا كان اسمًا فلاعمل له. فإن قيل: إنّه مصدر كما في قراءة الحسن صحّ، لكنّه لم يصحّ. و أورد عليهما معًا أ نّهما خلاف الظّاهر، لأنّ المذكور في تفسير الدّأب إنّما هو التّكذيب و الأخذ من غير تعرّض لعدم الإغناء، لاسيّما على تقدير كون( مِنْ ) بدليّة، و لا لإيقاد النّار، فليُفهَم. (3 : 93)

ابن عاشور: و الظّاهر أنّ هذا وعيد بعذاب الدّنيا، لأ نّه شُبّه بأ نّه { كَدَاْب ا لِ فِرْعَوْنَ } إلى قوله: { فَاَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ } و شأن المشبّه به أن يكون معلومًا، و لأ نّه عطف عليه عذاب الآخرة في قوله: { وَ اُولئِكَ ’هُمْ وَقُودُ النَّارِ }، و جيء بالإشارة في قوله:{ وَ اُولئِكَ } لاستحضارهم، كأ نّهم بحيث يشار إليهم، و للتّنبيه على أ نّهم أحرياء بما سيأتي من الخبر، و هو قوله: { هُمْ وَقُودُ النَّارِ }. و عطفت هذه الجملة ، و لم تفصل ، لأنّ المراد من الّتي قبلها لاوعيد في الدّنيا، و هذه في وعيد الآخرة بقرينة قوله ، في الآية الّتي بعد هذه: { سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ اِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ المِْهَادُ } آل عمران : 12...

و قوله: { كَدَاْبِ ا لِ فِرْعَوْنَ } موقع كاف التّشبيه موقع خبر لمبتدإ محذوف، يدلّ عليه المشبّه به، و التّقدير: دأ بُهم في ذلك كدأب آل فرعون ، أي عادتهم و شأنهم كشأن آل فرعون.

و الدّأب: أصله الكَدْح في العمل و تكريره ، و كأنّ أصل فعله متعدّ، و لذلك جاء مصدره على < فَعْل >، ثمّ أُطلق على العادة، لأ نّها تأتي من كثرة العمل ، فصار

ص: 655

حقيقة شائعة. [ثمّ استشهد بشعر]

و هو المراد هنا، في قوله:{ كَدَاْب ا لِ فِرْعَوْنَ }، و المعنى شأنهم في ذلك كشأن آل فرعون؛ إذ ليس في ذلك عادة متكرّرة. و قد ضرب الله لهم هذا المثَل عبرةً و موعظةً، لأ نّهم إذا استَقْرَوا الأُمم الّتي أصابها العذاب وجدوا جميعهم قد تماثلوا في الكفر بالله، و برسله، و بآياته، و كفى بهذا الاستقراء موعظة لأمثال مشركي العرب.

و قد تعيّن أن يكون المشبّه به هو وعيد الاستئصال و العذاب في الدّنيا؛ إذ الأصل أنّ حال المشبّه، أظهر من حال المشبّه به عند السّامع.

(3 : 32)

الطَّباطَبائيّ: الدّأب على ما ذكروه هو السّير المستمرّ، قال تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دَائِبَيْنِ } ابراهيم : 33، و منه تسمية العادة دأبًا لأ نّه سير مستمرّ، و هذا المعنى هو المراد في الآية.

و قوله:{ كَدَاْبِ } متعلّق بمقدّر يدلّ عليه قوله: في الآية السّابقة { لَنْ تُغْنِىَ عَنْهُمْ } و يفسّر الدّأب قوله:{ كَذَّبُوا بِايَاتِنَا } و هو في موضع الحال، و تقدير الكلام كما مرّت إليه الإشارة إنّ الّذين كفروا { كَذَّبُوا بِايَاتِنَا }و استمرّوا عليها دائبين، فزعموا أنّ في أموالهم و أولادهم غِنًى لهم من الله، كدأب آل فرعون و مَن قبلهم، و قد { كَذَّبُوا بِايَاتِنَا }. (3 : 90)

عبد الكريم الخطيب: الدّأب: السّعي و العمل و الحال الّذي يبلغه المرء بسعيه و عمله. و قد ضرب الله سبحانه و تعالى للكافرين مثلا بآل فرعون و هم جماعة الفراعين، الّذيناستكثروا من الدّنيا، و بلغوا من السّلطان و القوّة مابلغوا؛ حيث استطالوا بما في أيديهم من سلطان و قوّة، و قال قائلهم: للنّاس ما حكاه القرآن عنه، فقال: { فَقَالَ اَنَا رَبُّكُمُ الاَعْلى * فَاَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الاخِرَ ةِ ’وَ الاُولى} النّازعات : 24،25.

(2 : 409)

مكارم الشّيرازيّ: الدّأب: إدامة السّير، و العادة المستمرّ ة دائمًا على حالة واحدة. فهذه الآية تشبّه حال الكفّار المعاصرين لرسول الله(صلی الله علیه و آله) بما كان آل فرعون قد اعتادوا عليه و كذلك الأقوام السّابقة من تكذيب آيات الله، فأخذهم الله بذنبهم، و أنزل بهم عقابه الصّارم في هذه الدّنيا.

هذا في الواقع إنذار للكافرين المعاندين على عهد رسول الله(صلی الله علیه و آله)،لكي يعتبروا بمصير الفراعنة و الأقوام السّالفة، و يصحّحوا أعمالهم.

صحيح أنّ الله أرحم الرّاحمين، و لكنّه في المواضع ، و من أجل تربية عبيده شديد العقاب أيضًا، و لا ينبغي أن يغترّ العبيد برحمة مولاهم الواسعة أبدًا.

يستفاد أيضًامن الدّأب أنّ هذا الاتّجاه الخطإ أي العناد إزاء الحقيقة و تكذيب آيات الله أصبح عادة ثابتة فيهم، و لهذا يهدّدهم بعذاب شديد؛ و ذلك لأ نّه ما دام الإثم لم يصبح عادةً و نهجًا في الحياة، فإنّ الرجوع عنه ميسور و عقابه خفيف، و لكنّه إذا نفذ إلى داخل أعماق الإنسان فالرّجوع عنه متعذّر، و العقاب عليه شديد. فخير للكافرين أن ينتهزوا الفرصة قبل فوات الأوان، و يرجعوا عن طريق الضّلال. (2 : 298)

فضل الله: و هذه صورة حيّة من صور التّاريخ

ص: 656

الّتي يحفظها هؤلاء الكافرون، في ما يحفظونه من تاريخ عظماء الكفر و الكبرياء و الضّلال، ليكون ذلك لهم مصدر زهو و خُيلاء، و لكنّ الله يريد أن يربط تصوّرهم لبدايات الأشياء بنهاياتها، فيحدّثهم عن مسيرة آل فرعون، و من سبقهم من الطُّغاة الكافرين بالله المكذّبين بآياته، كيف كانوا، و كيف أخذهم الله بذنوبهم، فلم يغن عنهم مُلكهم شيئًا، و ذاقوا أشدّ العقاب، فهل يتّعظ اللاحقون بالسّابقين؟ (5 : 249)

2 كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِايَاتِ اللهِ فَاَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ اِنَّ اللهَ قَوِىٌّ شَديدُ‘ الْعِقَابِ. الأنفال : 52)

ابن عبّاس: كصنيع آل فرعون. (150)

نحوه عامر وجابر و مُجاهِد و عطاء (الطّبَريّ 6 : 269)، و البغَويّ (2 : 301)، و المَيْبُديّ (4 : 67).

هو أنّ آل فرعون أيقنوا أنّ موسى نبيّ من الله فكذّبوه، كذلك هؤلاء جاءهم محمّد(صلی الله علیه و آله) بالصّدق و الدّين فكذّبوه، و جحدوا نبوّته، فأنزل الله بهم عقوبته كما أنزل بآل فرعون. (الواحديّ 2 : 466)

نحوه ابن الجَوْزيّ.

(3 : 370)الفَرّاء: يريد كذّب هؤلاء كما كذّب آل فرعون، فنزل بهم كما نزل بآل فرعون. (1 : 413)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: فعل هؤلاء المشركين من قريش الّذين قُتلوا ببدر، كعادة قوم فرعون و صنيعهم و فعلهم مَن كذّب بحجج الله و رسله من الأُمم الخاليةقبلهم، ففعلنا بهم كفعلنا بأُولئك. (6 : 269)

نحوه المَراغيّ (10 : 16)، و مَغْنِيّة (3 : 496).

الزّجّاج: معناه: عادة هؤلاء في كفرهم كعادة آل فرعون في كفرهم، فجوزي هؤلاء بالقتل و السّبي كما جوزي آل فرعون بالإغراق و الإهلاك، كذا قال بعض أهل اللُّغة في الدّأب: إ نّه العادة.

و حقيقة الدّأب إدامة العمل، تقول: فلان يدأب في كذا و كذا، أي يداوم عليه و يواظب، و يُتعِب نفسه فيه.و هذا التّفسير معنى < العادة > إلا أنّ هذا أبْيَن و أكْشَف. (2 : 420)

القَيْسيّ: الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، تقديره: فعلنا بهم ذلك فعلا مثل عادتنا في آل فرعون إذ كفروا.

و الدّأب: العادة، و مثله الثّاني [أي في الآية : 54]، إلا أنّ الأوّل للعادة في التّعذيب، و الثّاني للعادة في التّغيير، و تقدير الثّاني: غيّرنا بهم لمّا غيّروا تغييرًا مثل عادتنا في آل فرعون لمّا كذّبوا. (1 : 349)

الطُّوسيّ: العامل في قوله:{ كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } الابتداء، و تقديره: دأبهم كدأب آل فرعون، فموضعه رفع، لأ نّه خبر المبتدإ، كما تقول زيد خلفك، فموضع خلفك رفع بأ نّه خبر المبتدإ، ولفظه نصب بالاستقرار، فكذلك الكاف في { كَدَاْبِ }...

و المعنى أ نّه جوزي هؤلاء بالقتل و الأسر كما جوزي آل فرعون بالغرق. (5 : 162)

نحوه أبو الفُتُوح (9 : 135) ، و ابن عاشور (2 : 399) .

ص: 657

الزّمَخْشَريّ: الكاف في محلّ الرّفع، أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون، و دأبهم: عادتهم و عملهم الّذي دأبوا فيه، أي داومواعليه و واظبوا. (2 : 164)

نحوه البَيْضاويّ (1 : 398)، و النّسَفيّ (2 : 108)، و الكاشانيّ (2 : 309).

ابن عَطيّة : الدّ أب: العادة في كلام العرب. [ثمّ استشهد بشعر]

و قال جابر بن زَيْد و عامر الشّعبيّ و مُجاهِد و عطاء: المعنى كسُنن آل فرعون. و يحتمل أن يراد كعادة آل فرعون و غيرهم، فتكون عادة الأُمم بجملتها لا على انفراد أُمّة؛ إذ آل فرعون لم يكفروا و أُهلكوا مرارًا، بل لكلّ أُمّة مرّة واحدة. و يحتمل أن يكون المراد كعادة الله فيهم، فأضاف العادة إليهم؛ إذ لهم نسبة إليها يضاف المصدر إلى الفاعل و إلى المفعول.

و الكاف من قوله:{ كَدَاْبِ } يجوز أن يتعلّق بقوله: { وَ ذُوقُوا } و فيه بعد و الكاف على هذا في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، ويجوز أن تتعلّق بقوله: { قَدَّمَتْ اَيْديكُمْ } الأنفال:51، و موضعها أيضًا على هذا نصب كما تقدّم، و يجوز أن يكون معنى الكلام الأمر مثل دأب آل فرعون، فتكون الكاف في موضع خبر الابتداء. (2 : 540)

الطَّبْرِسيّ: أي عادة هؤلاء المشركين في الكفر بمحمّد(صلی الله علیه و آله)، كعادة آل فرعون { وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ } في الكفر بالرّسل و ما أُنزل إليهم. و قيل: معناه عقوبة الله تعالى لهؤلاء الكفّار كعقوبته لآل فرعون.

(2 : 551)

نحوه ابن كثير (3 : 336)، و شُبّرملخّصًا (3 : 33).

الفَخْرالرّازيّ: و المعنى عادة هؤلاء في كفرهم كعادة آل فرعون في كفرهم، فجوزي هؤلاء بالقتل و السّبي كما جوزي أُولئك بالإغراق. و أصل الدّأب في اللُّغة: إدامة العمل، يقال: فلان يَدْأب في كذا، أي يداوم عليه و يواظب و يُتعب نفسه، ثمّ سمّيت العادة دأبًا، لأنّ الإنسان مداوم على عادته، و مواظب عليها.

(15 : 180)

نحوه النَّيسابوريّ (10 : 15)، و الشِّربينيّ (1 : 576)، و البُرُوسَويّ (3 : 359).

القُرطُبيّ: الدّأب: العادة، أي العادة في تعذيبهم عند قبض الأرواح و في القبور كعادة آل فرعون .[ثمّ ذكر نحو الطُّوسيّ و قال:]

أي دأبهم كدأب آل فرعون.

(8 : 29)

أبوالسُّعود: { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } في محلّ الرّفع على أ نّه خبر مبتدإ محذوف، و الجملة استئناف مسوق لبيان أنّ ما حلّ بهم من العذاب بسبب كفرهم لابشيء آخر من جهة غيرهم، بتشبيه حالهم بحال المعروفين بالإهلاك بسبب جرائمهم، لزيادة تقبيح حالهم، و للتّنبيه على أنّ ذلك سُنّة مطّردة فيما بين الأُمم المُهلَكة، أي شأنهم الّذي استمرّوا عليه ممّا فعلوا و فُعِل بهم من الأخذ { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } المشهورين بقباحة الأعمال، و فظاعة العذاب و النّكال.

(3 : 103)

نحوه الآلوسيّ (10 : 19)،و القاسميّ (8 : 3017).

ابن عاشور: { كَدَاْبِ } خبر مبتدإ محذوف،

ص: 658

و هو حذف تابع للاستعمال في مثله ، فإنّ العرب إذا تحدّثوا عن شيء ثمّ أتوا بخبر دون مبتدإ عُلم أنّ المبتدأ محذوف ، فقُدّر بما يدلّ عليه الكلام السّابق.

فالتّقدير هنا: دأ بُهم كدأب آل فرعون و الّذين من قبلهم ، أي من الأُمم المكذّبين برسل ربّهم ، مثل عاد و ثمود.

و الدّأب: العادة و السّيرة المألوفة ، و قد تقدّم مثله في سورة آل عمران،. و تقدّم وجه تخصيص آل فرعون بالذّكر . و لا فرق بين الآيتين إلااختلاف العبارة، ففي سورة آل عمران : 11، { كَذَّ بُوا بِايَاتِنَا } و هنا { كَفَرُوا بِايَاتِ اللهِ}، و هنالك { وَ اللهُ شَديدُ‘ الْعِقَابِ } آل عمران : 11، و هنا { اِنَّ اللهَ قَوِىٌّ شَديدُ‘ الْعِقَابِ }.

فأمّا المخالفة بين { كَذَّبُوا } و { كَفَرُوا } فلأنّ قوم فرعون و الّذين من قبلهم شاركوا المشركين في الكفر بالله و تكذيب رسله، و في جحد دلالة الآيات على الوحدانيّة و على صدق الرّسول (صلی الله علیه و آله) ،فذُكروا هنا ابتداء بالأفظع من الأمرين فعبّر بالكفر بالآيات عن جحد الآيات الدّالّة على وحدانيّة الله تعالى ، لأنّ الكفر أصرح في إنكار صفات الله تعالى . و قد عُقّبت هذه الآية ب ( الَّتى ) بعدها ، فذكر في( الَّتى) بعدها التّكذيب بالآيات، أي التّكذيب بآيات صدق الرّسول عليه الصّلاة و السّلام، و جَحْد الآيات الدّالّة على صدقه.

فأمّا في سورة آل عمران : 11، فقد ذكر تكذيبهم بالآيات ، أي الدّالّة على صدق الرّسول(صلی الله علیه و آله)، لأنّ التّكذيب متبادر في معنى تكذيب المخبر، لوقوع ذلك عقب ذكر تنزيل القرآن و تصديق مَن صدق به، و إلحاد من قصد الفتنة بمتشابهه، فعبّر عن الّذين شابهوهم في تكذيب رسولهم بوصف التّكذيب.

فأمّا الإظهار هنا في مقام الإضمار، فاقتضاه أنّ الكفر كفر بما يرجع إلى صفات الله، فأُضيفت الآيات إلى اسم الجلالة، ليدلّ على الذّات بعنوان الإله الحقّ، و هو الوحدانيّة.

و أمّا الإضمار في آل عمران، فلكون التّكذيب تكذيبًا لآيات دالّة على ثبوت رسالة محمّد(صلی الله علیه و آله) فأُضيفت الآيات إلى الضّمير على الأصل في التّكلّم.

و أمّا الاختلاف بذكر حرف التّأكيد هنا، دونه في سورة آل عمران، فلأ نّه قصد هنا التّعريض بالمشركين، و كانوا ينكرون قوّة الله عليهم، بمعنى لازمها، و هو إنزال الضّرّ بهم ، و ينكرون أ نّه شديد العقاب لهم، فأكّد الخبر باعتبار لازمه التّعريضيّ الّذي هو إبلاغ هذا الإنذار إلى من بقي من المشركين، و في سورة آل عمران، لم يقصد إلا الإخبار عن كون الله شديد العقاب إذا عاقب، فهو تذكير للمسلمين، و هم المقصود بالإخبار بقرينة قوله عقِبَه: { قُلْ لِلَّذينَ‘ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ } آل عمران : 12. (9 : 133)

الطَّباطَبائيّ: الدّأب و الدّيدَن: العادة، و هي العمل الّذي يدوم و يجري عليه الإنسان، و الطّريقة الّتي يسلكها، و المعنى: كُفر هؤلاء يشبه كفر آل فرعون و الّذين من قبلهم من الأُمم الخالية الكافرة، كفروا بايات الله و أذنبوا بذلك، فأخذهم الله بذنوبهم إنّ الله قويّ لايضعف عن أخذهم، شديد

ص: 659

العقاب إذا أخذ. (9: 101)

نحوه فضل الله. (10 : 401)

عبد الكريم الخطيب: الدّأب: الحال والشّأن. أي إنّ ما فعله الله بهؤلاء المشركين، الّذين علَوا في الأرض، و بغوا، قد فعله سبحانه بأمثالهم ممّن علَوا و بغَوا. و من هؤلاء آل فرعون، و من كان قبلهم من الطُّغاة و الظّالمين قد أخذهم الله بذنوبهم، و لم يعصمهم من عقاب الله، ما كانوا عليه من جبروت و قوّة، فإنّ قوّة الله لاتدفعها قوّة، و بأسه لايردّه بأس. (5 : 637)

مكارم الشّيرازيّ: في هذه الآيات إشارة إلى سُنّة إلهيّة دائمةتتعلّق بالشُّعوب و الأُمم و المجتمعات لئلايتصوّر بعض أنّ ما أصاب المشركين يوم بدر من عاقبة سيّئة كان أمرًا استثنائيًّا، فإنّ من جاء بمثل تلك الأعمال في السّابق، أو سيقوم بها مستقبلا سينال العاقبة ذاتها.

فتقول الآية الأُولى، من الآيات محلّ البحث: { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ...} فبناءً على هذه فإنّ قريشًا و المشركين و عبدة الأصنام في مكّة، الّذين أنكروا آيات الله و تعنّتوا بوجه الحقّ و حاربوا قادة الإنسانيّة، ليسوا وحدهم الّذين نالوا جزاء ما اقترفوه، بل إنّ ذلك قانون دائم، و سُنّة إلهيّة تشمل من هم أقوى منهم كآل فرعون كما تشمل الشّعوب الضّعيفة كذلك. ثمّ توضّح الآية التّالية أصل هذا الموضوع، فتقول:{ ذلِكَ بِاَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً اَ نْعَمَهَا عَلى قَوْم حَتى| يُغَيِّرُوا مَا بِاَنْفُسِهِمْ } الأنفال : 53.

و بعبارة أُخرى: إنّ الرّحمة الرّ بّانيّة عامّة تسع جميع الخلق، لكنّها تبلغ النّاس و تصل إليهم بما يناسب كفاءتهم و شأنهم، فإنّ الله سبحانه يغدق مبتدئًا بنعمه المادّيّة و المعنويّة على جميع الأُمم، فإذا استفادوا من تلك النّعم في السّير نحو الكمال، و الاستمداد منها في سبيل الحقّ تعالى و الشّكر على نعمائه، بالإفادة منها إفادةً صحيحة، فإنّ الله سبحانه سيثبّت نعماءه و يزيدها.

امّا إذا استغلّت تلك المواهب في سبيل الطُّغيان و الانحراف و العنصريّة، و كفران النّعمة و الغرور و الفساد، فإنّ الله سيسلبهم تلك النّعم أو يُبدّلها إلى بلاء و مصيبة. بناءًً على ذلك فإنّ التّغيير يكون من قِبَلنا دائمًا، و إلا فإنّ النّعماء الإلهيّة لاتزول.

(5 : 419)

3 كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ وَالَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِايَاتِ رَبِّهِمْ فَاَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ اَغْرَقْنَا الَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمينَ‘ . الأنفال : 54

أبوعُبَيْدَة: مجازه: كعادة آل فرعون و حالهم و سنّتهم.

و الدّأب و الدَّيْدَن و الدِّين واحد. [ثمّ استشهد بشعر] (1 : 247)

الطُّوسيّ: إنّما أعاد قوله: { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ

وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ } لاعلىوجه التّكرار بلافائدة. بل لوجهين: أحدهما: قال أبوعليّ: لأ نّه على نوعين مختلفين من العقاب.

و قال الرُّمّانيّ: فيه تصريف القول في الذّمّ، بما

ص: 660

كانوا عليه من قبح الفعل، وتقدير الكلام: دأب هؤلاء الكفّار مثل دأب آل فرعون. و يحتمل أن يكون كناية عن هؤلاء الكفّار، كذّبوا بآياتنا. (5 : 165)

الزّمَخْشَريّ: تكرير للتّأكيد، و في قوله: { بِايَاتِ رَبِّهِمْ } زيادة دلالة على كفران النّعم و جحود الحقّ . (2 : 164)

ابن عَطيّة: الكاف من { كَدَاْبِ } في هذه الآية متعلّقة بقوله: {حَتّى يُغَيِّرُوا }، و هذا التّكرير هو لمعنى ليس للأوّل؛ إذ الأوّل دأب في أن هلكوا لمّا كفروا، و هذا الثّاني دأب في أن لم تُغيَّر نعمتهم حتّى غيّروا ما بأنفسهم. (2 : 541)

نحوه القُرطُبيّ. (8 : 29)

النَّيسابوريّ: و في التّكرير بعد التّأكيد فوائد استنبطهاالعلماء:

منها: أنّ الثّاني كالتّفصيل للأوّل، لأنّ الإغراق كالبيان للأخذ بالذّنوب.

و منها: أنّ الأوّل لعلّه في حال الموت، و الثّاني لما بعد الموت.

قلت: و يُشبه أن يكون بالعكس، لأنّ الإهلاك و الإغراق بحال الموت أنسب.

ومنها: أن الأوّل إخبار عن عذاب لم يمكّن الله أحدًا من فعله، و هو ضرب الملائكة وجوههم و أدبارهم عند نزع أرواحهم. و الثّاني: إخبار عن عذاب مكّن النّاس من فعل مثله، و هو الإهلاك والإغراق.

و منها: أن المراد في الأوّل { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } فيما فعلوا و في الثّاني { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } فيما فُعل بهم، فهم فاعلون في الأوّل ومفعولون في الثّاني.

ومنها: أنّ المراد بالأوّل: كفرهم بالله، وبالثّاني: تكذيبهم الأنبياء، لأنّ التّقدير: كذّبوا الرّسل بردّ آيات ربّهم.

ومنها: أن يُجعَل الضّمير في { كَفَرُوا }و{ كَذَّبُوا} لكفّار قريش، أي كفروا بآيات الله كدأب آل فرعون، وكذّبوا بآيات ربّهم كدأب آل فرعون.

ومنها: أنّ الأوّل: إشارة إلى أ نّهم أنكروا دلائل الإلهيّة، فكان لازمه الأخذ، والثّاني: إشارة إلى أ نّهم أنكروا دلائل التّربية و الإحسان، فكان لازمه الإهلاك والإغراق. (10 : 16)

أبوحَيّان: قال قوم: هذا التّكرير للتّأكيد. [ثمّ نقل قول ابن عَطيّة و قال:]

و قال قوم: كُرّر لوجوه:

منها: أنّ الثّاني جرى مجرى التّفصيل للأوّل، لأنّ في ذلك ذكر إجرامهم، و في هذا ذكر إغراقهم.

و أُريد بالأوّل: ما نزل بهم من العقوبة حال الموت، و بالثّاني: مانزل بهم من العذاب في الآخرة.و في الأوّل: { بِايَاتِ اللهِ } إشارة إلى إنكار دلائل الإلهيّة، و في الثّاني: { بِايَاتِ رَبِّهِمْ } إشارةإلى إنكار نعم مَن ربّاهم، و دلائل تربيته و إحسانه على كثرتها، و تواليها.

و في الأوّل: اللازم منه الأخذ، و في الثّاني: اللازم منه الهلاك و الإغراق. (4 : 507)

ابن كثير: أي كصنعه بآل فرعون و أمثالهم.

(3 : 337)

ص: 661

الشِّربينيّ : أي أهلكناهم بعضهم بالرّجفة

و بعضهم بالخسف، و بعضهم بالحجارة، و بعضهم بالرّيح، و بعضهم بالمسخ، كذلك أهلكنا كفّار قريش بالسّيف. [ثمّ قال:نحو أبي حَيّان] (1 : 577)

أبوالسُّعود: { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ } في محلّ النّصب على أ نّه نعت لمصدر محذوف، أي { حَتى| يُغَيِّرُوا مَا بِاَنْفُسِهِمْ } تغييرًا كائنًا، كدأب آل فرعون، أي كتغييرهم على أنّ دأبهم عبارة عمّا فعلوه فقط، كما هو الأنسب بمفهوم الدّأب، و قوله تعالى { كَذَّبُوا بِايَاتِ رَبِّهِمْ } تفسير له بتمامه.

(3 : 105)

عبد الكريم الخطيب: الجارّ و المجرور : { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } متعلّق بقوله تعالى:{ حَتى| يُغَيِّرُوا مَا بِاَنْفُسِهِمْ } أي إنّ الله سبحانه و تعالى:{ لايُغَيِّرُ مَا بِقَوْم} ، و لايحوّلهم عمّا هم فيه من عافية و نعمة، حتّى يُحدثوا هم تغييرًا في أنفسهم، من سيّئ إلى أسوإ، و من شرّ إلى ما هو أكثر شرًّا منه، كما فعل آل فرعون، الّذين زادهم الهدى الّذي جاءهم به موسى، ضلالا و كفرًا و عُتوًّا، فكأنّ هذا التّغيير الّذي حدث في أنفسهم مؤذنًا بما سيحلّ بهم من سوء و بلاء؛ إذ غيّروا ما بأنفسهم، حين ازدادوا ضلالا إلى ضلال، فغيّر الله ماهم فيه من نعمة و عافية. (5 : 640)

مكارم الشّيرازيّ: قد يرد هنا سؤال، و هو: لِمَ تكرّرت عبارة { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } في الآي بفاصلة قليلة مرّتين، و مع اختلاف يسير في التّعبير؟

و للإجابة على هذا التّساؤل ينبغي الالتفات إلى لطيفة، و هي أ نّه بالرّغم من أنّ التّكرار أو التّأكيد على المسائل الحسّاسة من أُصول البلاغة، و يلاحظ في أقوال البُلغاء والفُصحاء لكنّ في الآيات آنفة الذّكر فرقًا مهمًًّا يُخرج تلك العبارة عن صورة التّكرار.

و هو أنّ الآية الأُولى تشير إلى الجزاء الإلهيّ في مقابل إنكار آيات الحقّ و التّكذيب بها، ثمّ تمثّل حال هؤلاء بقوم فرعون و الأقوام السّابقين.

إلا أنّ الآية الثّانية تشير إلى تبدّل النّعم في الدّنيا و ذهاب المواهب الرّ بّانيّة، مثل الانتصارات و الأمن و القدرات و ما يُفتخَر به. ثمّ مثّلت الآية بحال فرعون و الأقوام السّابقين.

ففي الحقيقة إنّ جانبًا من الكلام كان عن سلب النّعم و ما ينتج عن ذلك من الجزاء، و يقع الكلام في جانب آخر منه على تبدّل النّعم وتحوّلها. (5 : 420)

4 مِثْلَ دَاْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عَاد وَ ثَمُودَ وَ الَّذينَ‘ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ مَا اللهُ يُريدُ‘ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ. المؤمن : 31

ابن عبّاس: مثل عذاب. (395)

مثل حال. (الطّبَريّ 11 : 55)

ابن زَيْد: مثل ما أصابهم. (الطّبَريّ 11 : 55)

الطّبَريّ: يقول: يفعل ذلك بكم فيهلككم مثل سُنّته في قوم نوح و عاد و ثمود، و فعله بهم. (11 : 55)

نحوه الكاشانيّ (4 : 340)، و شُبّر (5 : 343)، و القاسميّ (14 : 5165).

الزّجّاج: مثل عادة. و جاء في التّفسير: مثل حال قوم نوح، أي أخاف عليكم أن تُقيموا على كفرهم،

ص: 662

فينزل بكم ما نزل بالأُمم السّالفة المكذِّبة رسلهم.

(4 : 373)

الطُّوسيّ: لمّا حكى الله تعالى عن مؤمن آل فرعون أ نّه حذّر قومه بالعذاب مثل عذاب يوم الأحزاب، فسّر ذلك فقال: { مِثْلَ دَاْبِ قَوْمِ نُوحٍ } يعني كعادته مع قوم نوح.

والدّأب: العادة. يقال: دَأبَ يَدْأب دأبًا، فهو دائب في عمله إذا استمرّ فيه.و العادة: تكرّر الشّيء مرّة بعد مرّة. و إنمّا فعل بهم ذلك حين كفروا به، فأغرقهم الله و كقوم هود و هم عاد، و كقوم صالح و هم ثمود. و الّذين من بعدهم من الأنبياء و أُممهم الّذين كذّبوهم، فأهلكهم الله بأن استأصلهم جزاء على كفرهم.

(9 : 74)

نحوه الطَّبْرِسيّ (4 : 522)،وأبو الفُتُوح(17 : 29).

الواحديّ: أي مثل حالهم في العذاب، أو مثل عادتهم في الإقامة على التّكذيب حتّي أتاهم العذاب.

(4 : 11)

نحوه البغَويّ (4 : 111)، و الخازن (6 : 79).

المَيْبُديّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و قيل: معنى الآية: أنّي أخاف عليكم أن يجري الله فيكم من العادة ما أجراه في قوم نوح من الطُّوفان، أو في عاد من الرّيح ، أو في ثمود من الصّيحة. و هذا تخويف من عذاب الدّنيا. (8 : 468)

الزّمَخْشَريّ: و دأب هؤلاء: دُؤُوبهم في عملهم من الكفر و التّكذيب، و سائر المعاصي، و كون ذلك دائبًا دائمًا منهم لايفترون عنه، و لابدّ من حذف مضاف يريد: مثل جزاء دأبهم.

فإن قلت: بم انتصب ( مِثْلَ) الثّاني.

قلت: بأ نّه عطف بيان لمثل الأوّل، لأنّ آخر ما تناوله الإضافة قوم نوح. و لو قلت: أهلك الله الأحزاب: قوم نوح و عاد و ثمود، لم يكن إلا عطف بيان، لإضافة قوم إلى أعلام، فسرى ذلك الحكم إلى أوّل ما تناولته الإضافة. (3 : 426)

نحوه الآلوسيّ. (24 : 66)الفَخْرالرّازيّ: و اعلم أ نّه تعالى حكى عن هذا المؤمن أنواعًا من الكلمات ذكرها لفرعون، فالأوّل قوله: { يَا قَوْمِ اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الاَحْزَابِ } المؤمن : 30 ، و التّقدير: مثل أيّام الأحزاب، إلا أ نّه لمّا أضاف اليوم إلى الأحزاب و فسّرهم: بقوم نوح و عاد و ثمود، فحينئذ ظهر أنّ كلّ حزب كان له يوم معيّن في البلاء، فاقتصر من الجمع على ذكر الواحد لعدم الالتباس، ثمّ فسّر قوله: { اِنّى اَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الاَحْزَابِ } بقوله { مِثْلَ دَاْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عَاد وَ ثَمُودَ} و دأب هؤلاء دونهم في عملهم من الكفر و التّكذيب و سائر المعاصي، فيكون ذلك دائبًا و دائمًا لايفترون عنه، و لابدّ من حذف مضاف، يريد مثل جزاء دأبهم. و الحاصل أ نّه خوّفهم بهلاك معجّل في الدّنيا، ثمّ خوّفهم أيضًا بهلاك الآخرة. (27 : 60)

نحوه النّسَفيّ. (4 : 77)

البَيْضاويّ: مثل جزاء ما كانوا عليه دائبًا من الكفر و إيذاء الرّسل. (2 : 335)

نحوه أبو السُّعود. (5 : 419)

ص: 663

النَّيسابوريّ: [ذكر قول الزّمَخْشَريّ ثمّ قال:]

قلت: لابأس مِن جعله بدلا . (24 : 41)

الشِّربينيّ: أي عادة{ قَوْمِ نُوحٍ } أي فيما دهمهم من الهلاك الّذي محقهم، فلم يطيقوه مع ما كان فيهم من قوّة المجادلة و المقاومة لما يريدونه...

تنبيه: لابدّ من حذف مضاف، يريد مثل جزاء دأبهم. (3 : 481)

البُرُوسَويّ: الدّأب: العادة المستمرّ عليها و الشّأن، و ( مِثْلَ ) بدل من الأوّل، و المراد بالدّأب و اليوم واحد؛ إذ المعنى مثل حال قوم نوح و شأنهم في العذاب. (8 : 179)

الشَّوْكانيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

أو مثل جزاء ما كانوا عليه من الكفر، و التّكذيب.

(4 : 615)

عزّة دروزة: دأب: عادة أو عمل. (5 : 113)

ابن عاشور: و الدّأب: العادة و العمل الّذي يَدْأب عليه عامله، أي يلازمه و يكرّره ، و تقدّم في قوله تعالى: { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } آل عمران: 11 .

و انتصب { مِثْلَ دَاْبِ قَوْمِ نُوحٍ } على عطف البيان من { مِثْلَ يَوْمِ الاَحْزَابِ } و لمّا كان بيانًاله كان ما يضافان إليه متحدًّ ا لامحالة، فصار الأحزاب و الدّأب في معنى واحد، و إنمّا يتمّ ذلك بتقدير مضاف متحدّ فيهما ، فالتّقدير : مثلَ يومِ جزاء الأحزاب، مثلَ يومِ جزاء دأب قوم نوح و عاد و ثمود، أي جزاء عملهم. و دأ بُهم الّذي اشتركوا فيه، هو الإشراك بالله.

و هذا يقتضي أنّ القبط كانوا على علم بما حلّ بقوم نوح و عاد و ثمود، فأمّا قوم نوح فكان طوفانهم مشهورًا، و أمّا عاد و ثمود فلقرب بلادهممن البلاد المصريّة و كان عظيمًا لايخفى على مجاوريهم.

(24 : 188)

الطَّباطَبائيّ: و قوله:{ مِثْلَ دَاْبِ قَوْمِ نُوحٍ } بيان للمِثل السّابق، و الدّأب هو العادة.

و المعنى: يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأقوام الماضين، مثل العادة الجارية من العذاب عليهم واحدًا بعد واحد، لكفرهم و تكذيبهم الرّسل، أو مثل جزاء عادتهم الدّائمة من الكفر و التّكذيب. (17 : 330)

نحوه مكارم الشّيرازيّ (15 : 233)، و فضل الله (20 : 40).

عبد الكريم الخطيب: والدّأب: الشّأن و الحال.

هذا، ما أُخذ به المكذّبون برسل الله من عقاب في الدّنيا إنّه الهلاك الجَماعيّ، و الدّمار الشّامل لكلّ ما عمّروا و جمعوا.و هناك عذاب آخرأشدّ و أنكى، ينتظر هؤلاء المكذّبين، هو عذاب الآخرة. (12 : 1231)

دَائِبَيْنِ

وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ . إبراهيم : 33

ابن عبّاس: دائمين إلى يوم القيامة. (214)

دُؤُوبهما في طاعة الله. (الطّبَريّ 7 : 458)

الطّبَريّ: يتعاقبان عليكم أيّها النّاس باللّيل و النّهار، لصلاح أنفسكم و معائشكم { دَائِبَيْنِ } في اختلافهما عليكم. و قيل: معناه أ نّهما دائبان في طاعة

ص: 664

الله. (7 : 457)

نحوه البغَويّ. (3 : 42)

الزّجّاج: معناه: دائبَين في إصلاح ما يُصلحانه من النّاس و النّبات، لايَفتُران. (3 : 163)

نحوه ابن الجَوْزيّ. (4 : 364)

القَيْسيّ: قوله تعالى: { دَائِبَيْنِ } نصب على الحال من { الشَّمْس وَ الْقَمَرَ}، و غلّب { الْقَمَرَ} لأ نّه مذكّر.

(1 : 451)

نحوه أبو البَرَكات (2 : 59)، و العُكْبَريّ (2 : 770) ، و السّمين (4 : 271).

الطُّوسيّ: المعنى دائبين: لايَفتُران في صلاح الخلق والنّبات، و منافعهم. (6 : 297)

نحوه الواحديّ (3 : 32)، و الطَّبْرِسيّ(3 : 316)، و أبو الفُتُوح ( 11 : 280 ) ، و القُرطُبيّ (9 : 367) ، و الكاشانيّ (3 : 88)، و شُبّر (3 : 361).

المَيْبُديّ: أي مقيمين على طاعة الله سبحانه في الجري لايَفتُران. (5 : 259)

الزّمَخْشَريّ: { دَائِبَيْنِ } يَدْأبان في سيرهما، و إنارتهما، و درئهما الظّلمات، و إصلاحهما ما يصلحان من الأرض، و الأبدان، و النّبات. (2 : 379)

نحوه البَيْضَاويّ (1 : 532)، و النّسَفيّ(2 : 262)، والنَّيسابوريّ(13 : 128)، و القاسميّ(10 : 3731).

ابن عَطيّة: { دَائِبَيْنِ } معناه: متماديَيْن. ومنه قول النّبيّ(صلی الله علیه و آله) لصاحب الجمَل الّذي بكى و أجهش عليه: < إنّ هذا الجمَل شكى إليّ أ نّك تُجيعُه و تُديبه>. أي: تُديمه في الخدمة و العمل. و ظاهر الآية أنّ معناه دائبَيْن في الطّلوع و الغروب، ومابينهما من المنافع للنّاس الّتي لاتُحصى كثرة .

وحكى الطّبَريّ عن مُقاتِل بن حَيّان: يرفع إلى ابن عبّاس أ نّه قال: معناه دائبَيْن في طاعة الله. و هذا قول: إن كان يراد به أنّ الطّاعة انقياد منهما في التّسخير، فذلك موجود في قوله: { سَخَّرَ } و إن كان يراد أ نّها طاعة مقصودة كطاعة العبادة من البشر، فهذا جيّد، والله أعلم. (3 : 339)

ابن عَرَبيّ: { وَ سَخَّرَ لَكُمُ } شمس الرّوح، و قمر القلب { دَائِبَيْنِ } في السّير بالمكاشفة، و المشاهدة.

(1 : 656)

الخازن: الدّأب: العادة المستمرّة دائمًا على حالة واحدة، و دَأبَ في السّير: داوَم عليه. و المعنى: أنّ الله سخّر الشّمس و القمر يجريان دائمًا فيما يعودإلى مصالح العباد، لايَفتُران إلى آخر الدّهر، و هو انقضاء عمر الدّنيا و ذهابه. (4 : 38)

نحوه ابن كثير(4 : 139)، و الشِّربينيّ (2 : 182).

أبوالسُّعود: يَدْأبان في سيرهما، و إنارتهما، أصالة ًو خلافةً و إصلاحهما لما نيط بهما صلاحه من المكوّنات. (3 : 489)

البُرُوسَويّ: { الشَّمْس } شمس الكُشُوف. { وَ الْقَمَرَ } قمر المشاهدات. { دَائِبَيْنِ } بالكشف و المشاهدة. (4 : 423)

الآلوسيّ: أي دائمين في الحركة لايَفتُران إلى انقضاء عمر الدّنيا. [إلى أن قال:]

و فسّر بعضهم { دَائِبَيْنِ } بمُجِدّين تَعِبَين، و هو

ص: 665

على التّشبيه و الاستعارة، و أصل الدّأب: العادة المستمرّة، و نُصب الاسم على الحال. (13 : 224)

المَراغيّ: [نحو الآلوسيّ و أضاف:]

كما قال:{ لاالشَّمْسُ يَنْبَغىلَهَا اَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِوَ كُلٌّ فى فَلَك يَسْبَحُونَ} يس,:40 و قال:

{ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثيثًا‘ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِاَمْرِهِ اَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالاَمْرُ تَبَارَ كَ الله ُرَبُّ الْعَالَمينَ‘ } الأعراف : 54. (13 : 156)

ابن عاشور: و معنى{ دَائِبَيْنِ }: دائبين على حالات لاتختلف؛إذلو اختلفت لم يستطع البشر ضبطها فوقعوا في حيرة و شكّ. (12 : 259)

حسَنَين مخلوف: دائمين في إصلاح ما يُصلحان من الأبدان و النّبات و غيرهما. أو دائمين في السّير في مدارهما بغير اختلال، لايَفتُران عن ذلك ما دامت الدّنيا، من الدّأب بسكون الهمزة و فتحها، و هو العادة المستمرّة على حالة واحدة. (1 : 414)

مكارم الشّيرازيّ: قلنا إنّ « دائب » من مادّة « الدُّؤُوب » بمعنى استمرار العمل طبقًا للعادةو السُّنّة، فالشّمس لاتدور حول الأرض بل الأرض تدور حول الشّمس،ونحن نظنّ أنّ الشّمس تدورحولنا، و هذه الحركة ليست المقصودة في معنى « دائب » بل الاستمرار في إنجاز العمل يدخل في مفهوم الدُّؤُوب، و نحن نعلم أنّ الشّمس و القمر لهما برنامج في انبعاث النّور و مايتبعه من توقّف الحياة على الأرض عليه بشكل مستمرّ، و في غاية من الدّ قّة.و هناك حركات أُخرى للشّمس كما يقوله العلماء منهاالحركةحول نفسها، و حركتها مع المجموعة الشّمسيّة. (7 : 456)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الدّ أْب، و هو العادة و الشّأن ، و كذا الدّ أَب أيضًا. يقال: ما زال ذلك دينك و دَأْ بَكَ و دَيدنَك و دَيدَبونَك ، أي ما زالت عادتك. والدّائبان: اللّيل و النّهار.

و الدّ أْب أيضًا: الجِدّ و الجهد، لأ نّه طلب مستمرّ كالعادة. يقال: دَأبْتُ في الشّيء وعليه دَ أْبًا و دَ أ ََبًا و دُؤُوبًا ، أي اعتَدتُه و جَدَدتُ فيه، فأنا دائب و دَؤُوب عليه.

و الدّ أْب: التّعب، لأ نّه من متعلّقات الجدّ و لوازمه، يقال: دَأبَتِ الدّ ا بّة تَدْأبُ دُؤُوبًا، أي تعِبَتْ، و أدأبتُها أنا. و قصّر الخَليل هذا المعنى على الدّوابّ فقط، غير أنّ الجَوهَريّ وسّعه للآدميّين أيضًا، فقال: < دَأبَ فلان في عمله، أي جدّ و تَعِب ، دَأبًا و دُؤُوبًا ، فهو دائب >، و في اللّسان: دَ ئِب، و هو أقيس.

2 قال الخَليل: < الدُّؤُوب: المبالغة في السّير >، و منه قول جسّاس بن قُطَيْب:

و هنّ أمثال السُّرَى الأمراط

يُلِحْنَ من ذي دَأب شِرْواط

ولكن يظهر من قول ابن برّيّ في شرح هذا البيت أنّ الدّأب متعَدّ؛ حيث قال: < الدّأب: شدّة السّير

ص: 666

و السّوق >((1)

< السّوق الشّديد و الطّرد >((2)).

و هذا خلاف للمأثور عنهم ، ناهيك من قول الخَليل ، فقد قيّده باللّزوم و صرّح به، كما تقدّم عنه في النُّصوص.

و اشتقّ منه بعض من تأخّر عن الفيروزاباديّ فعلا ، و لعلّه كان من شرّاح القاموس. غير أنّا وقفنا على هذا الاشتقاق في < الطّراز > للشّريف ابن معصوم المدنيّ، المتوفّى عام ( 1120 ه )، فقال: < دَأبَهُ يَدْأ بُه دَأْباً و دَأَباً: طَرَده ، ودَأبَ الدّابّة: ساقها شديدًا >((3)).

و لم يفطن له الزّبيديّ ، فيستدرك به على صاحب < القاموس>، كما هو دأبه.

3 و الدَّ أب : مصدر سمّي به، و ممّن عُرفبه ابن دَأْب، قال الفيروزاباديّ:

< عبد الرّحمن بن دَأْب معروف >. إلا أنّ ابن معصوم غلّطه، و قال:< هو ابن ذات، بالمعجمة و المثنّاة ، و غلّط الفيروزاباديّ >.

و لكنّه هو الغالط، لأنّ هذا العلَم مجمع عليه بهذا الضّبط، قال الصّغاني:

< عبد الرّحمن بن دَأْب الّذي قال له بعض العرب و هو يحدّث: أهذا شيء رَوَيتُه أم شيء تمنّيتُه؟ أي افتعَلتُه >.

4 تقول العامّة في مصر: يا دُوب ، يريدون بالكاد أو الصّعوبة، فيقولون: يا دُوب لمَستُ ذراعه((4)

تريد به العامّة في العراق الاستمرار و العادة، فيقولون: يادوب آكُلُ، و يا دوب أنام، أي لاأزال آكُلُ و أنام.

و هي لغة ذكرها ابن دُرَيْد في من يُخفّف الهمزة، يقال: دابَ يَدُوبُ دَوْ بًا، أي دَأبَ يَدْأب دَأْ بًا،((5)) و هي بمعنى المهموز أيضًا في معانيه، كما قال الزّبيديّ.((6))

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها ( دَاْب ) و( دَاَب ) 5 مرّات، و اسم الفاعل: ( دَائِبَيْنِ)مرّة، في 6 آيات:

1 { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِايَاتِنَا فَاَخَذَهُمُ اللهُ بِذُ نُوبِهِمْ وَ اللهُ شَديدُ‘ الْعِقَابِ }

آل عمران : 11

2 { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِايَاتِ اللهِ فَاَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ اِنَّ اللهَ قَوِىٌّ شَديدُ‘ الْعِقَابِ } الأنفال : 52

3 { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذينَ‘مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّ بُوا بِايَاتِ رَبِّهِمْ فَاَهْلَكْنَا هُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ اَغْرَقْنَا الَ فِرْعَوْنَ وَ كُلٌّ كَانُوا ظَالِمينَ‘ } الأنفال : 54

4 { مِثْلَ دَاْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عَاد وَ ثَمُودَ وَ الَّذينَ‘ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ مَا اللهُ يُريدُ‘ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ }

المؤمن : 31

5 { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنينَ‘ دَاَبًا فَمَا حَصَدْ تُمْ

ص: 667


1- (1) لسان العرب (ش ط ر)
2- (2) المصدر السّابق (دأب) و المحكم.
3- (3) الطّراز الأوّل: (2 : 5).
4- (4) المعجم المجمعيّ: (3 : 284).
5- (5) جمهرة اللّغة: (1 : 249).
6- (6) تاج العروس: (د و ب).

فَذَرُوهُ فى سُنْبُلِهِ اِلا قَليلا ‘ مِمَّا تَاْكُلُونَ }

يوسف : 47

6 {وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْس وَ الْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَ النَّهارَ } إبراهيم : 33

يلاحظ أوّ لا :

1 أنّ (1 3) استُؤنفت بقوله: { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ } ، و ابتدئت (4) بقوله : { مِثْلَ دَاْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عَاد وَثَمُودَ وَالَّذينَ‘ مِنْ بَعْدِهِمْ }. و ذهب المفسّرون و اللُّغويّون إلى أنّ الكاف في هذه الآيات اسم مرفوع في موضع الخبر، أو منصوب في موضع النّعت، و هو بمعنى مِثْل و مَثَل و شِبْه وشَبَه، و بمعنى المساواة أيضًا، إلا أنّ بينهما فرقًا، سنذكره في: < س و ي >، إن شاء الله.

2 أُضيف الدّ أْب فيها إلى { الِ فِرْعَوْنَ }، و يُراد به فرعون موسى، و ليس من تقدّمه من الفراعنة،

و يدلّ عليه قوله في (3): { وَ اَغْرَقْنَا الَ فِرْعَوْنَ }، وكذا كلّ ما جاء في القرآن بلفظ < فرعون > أو < آل فرعون >.

و عُطف عليه قوله: { وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ } في هذه الآيات الثّلاث، و يراد بهم الأُمم الّتي سبقتهم، و هم قوم نوح و عاد و ثمود، و قوم إبراهيم و لوط و أصحاب مَدْيَن، و قد ورد ذكرهم جميعًا حسب ترتيبهم الزّمنيّ في قوله: { وَ اِنْ يُكَذِّ بُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عَادٌ وَ ثَمُودُ * وَ قَوْمُ اِبْرهيمَ‘ ’وَ قَوْمُ لُوط * وَ اَصْحَابُ مَدْ يَنَ وَ كُذِّبَ مُوسى فَاَمْلَيْتُ لِلْكَافِرينَ‘ ثُمَّ اَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكيرِ‘ } الحجّ: 42 44، كما أنّ المذكورين بعد قوم نوح و عاد و ثمود في هذه الآيات هم المعنيّون بقوله في (4): { وَ الَّذينَ مِنْ بَعْدِهِمْ }.

و لايقتصر من جاء قبل آل فرعون على قوم نوح و عاد وثمو د كما قال ابن زَيْد، أو على عاد و ثمود فحسب، كما قال ابن عاشور و غيره بل يشمل من ذكرناهم أيضًا.

3 ذكروا في وجه تكرار { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذينَ‘ مِنْ قَبْلِهِمْ } في (2) و (3) و جوهًا: التّأكيد و تصريف القول في الذّمّ، و أنّ فيهما نوعين مختلفين من العذاب، و أنّ في قوله في (3): { بِايَاتِ رَبِّهِمْ } بدل <بآيات الله>في (2) زيادة دلالة على كفران النّعم و جحود الحقّ، و أنّ الأوّل إشارة إلى إنكار دلائل الأُلوهيّة، و الثّاني إلى إنكار نِعَم مَن ربّاهم، و دلائل تربيته و إحسانه على كثرتها و تواليها، و أنّ الأوّل دأب في أن هلكوا لمّا كفروا، و الثّاني دأب في أن لن تُغيَّر نعمتهم حتّى غيّروا ما بأنفسهم، و أنّ الثّاني جرى مجرى التّفصيل للأوّل، لأنّ في الأوّل إجرامهم و في الثّاني إغراهم، و أنّ في الأوّل ما نزل بهم من العقوبة في الدّنيا حال الموت، و في الثّاني ما نزل بهم من العذاب في الآخرة، فلاحظ.

4 أمر يوسف (علیه السلام) المصريّين في (5) بزراعة الحنطة سبع سنوات متوالية: { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنينَ‘ دَاَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فى سُنْبُلِهِ اِلا قَليلا‘ مِمَّا تَاْكُلُونَ }، أي لاتتركوا الأرض بورًا، كما يفعل المزارعون عادةً، فهم يتركونها سنَة ليزرعوها من قابل، لأنّ ذلك يؤثّر في انخفاض الانتاج، و هم في هذا

ص: 668

الظّرف يحتاجون إلى ادّخار الحاصل لما يُستقبل من السّنين الشّداد .

5 إن قيل : لِمَ وصف تسخير الشّمس و القمر بالدّؤُوب دون اللّيل و النّهار في (6) و هما يتعاقبان أيضًا، حيث قال:{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسو َالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ }؟

يقال : إنّ اللّيل و النّهار آيتان مسفرتان لاتشتبهان على أحد أبدًا، و أمّا الشّمس و القمر فيلتبس أمرهما على الرّائي أحيانًا لعلّة في السّماء، كالغيم و الرّيح المدلهمَّة ، فيحتجبان عن نظره، فأكّدت هيئتهما بالدُّؤُوب و الاستمرار على منوالهما، رغم احتجابهما الطّارئ.

ثانيًا: جاءت { كَدَاْبِ الِ فِرْعَوْنَ } في ثلاث آيات مدنيّةمن سورتين: الأنفال و آل عمران و هما من أوائل السّور المدنيّة و قد كُرّرت في< الأنفال > النّازلة بعد البقرة احتجاجًا على اليهود القاطنين ب < المدينة > لأنّ < آل فرعون > كانوا أعداءً لهم و لنبيّهم موسى (علیه السلام)، فقصص فرعون و آل فرعون

أوفق بإنذارهم و أدْعَى لهم إلى الإسلام من المشركين

القاطنين ب < مكّة > و كذا هذه احتجاج على المنافقين في المدينة و قد ذُكروا قبل الآيتين في سورة الأنفال،

و كانوا يغترّون بأموالهم و عددهم و عُدّتهم فأنذرهم

الله بعاقبة آل فرعون و كانوا أقوى و أكثر أموالا منهم فلاحظ.

و أمّا في (4) و هي مكّيّة فالخطاب للمشركين فجاء فيها بدل < آل فرعون > قوم نوح و عاد و ثمود و كانا عربًا و مَن بعدهم كما جاءت في سورة الحجّ (42 44) السّابقة و هي مختلف فيها تسمية <من قبلهم> ابتداءً بقوم نوح، و انتهاءً بذكر موسى 8.

أمّا الآيتان (5 و 6) و هما مكّيّتان أيضًا فأُولاهما قصّة، و الأُخرى احتجاج للتّوحيد، فسياقهما أمس بجوّ مكّة.

ثالثًا: من نظائر الدّ أب في القرآن:

الاستمرار: { اِنَّا اَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ

ريحًا صَرْصَرًا فى يَوْمِ نَحْس مُسْتَمِرٍّ } القمر 19

ص: 669

ص: 670

داوُد

اشارة

لفظ واحد، 16 مرّة: 13 مكّيّة، 3 مدنيّة

في 9 سور: 6 مكّيّة، 3 مدنيّة

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: و طعام مُدَوِّد و مُدَيِّد، و قد ادّاد، أي وقع فيه الدُّود. (8 : 91)

الكِسائيّ: دادَ الطّعام يَداد، و أدادَ يُديد.

(الأزهَريّ 14 : 223)

الأصمَعيّ: الدّواديّ: آثار أراجيح الصّبيان؛ واحدتها: دَوْ داة.

كأنّني فوق دَوْداة تُقلّبُني. (الأزهَريّ 14 : 238)

ابن الأعرابيّ: الدُّوّ اديّ مأخوذ من الدُّوّ اد، وهوالخَضْف يخرج من الإنسان. (الأزهَريّ 14 : 224)

ابن دُرَيْد:الدُّود معروف. (3 : 190)

الأزهَريّ:وقال غيره[الكسائيّ]:دوَّد يُدَوِّدمثله، إذا صار فيه الدُّود .[ثمّ استشهد بشعر] (14 : 223)

و قال غيره [ابن الأعرابيّ] : دُودَة واحدة، و دُودٌ كثير، ثمّ ديدان جمع الجمع. و دُودان: قبيلة من بني أسد.

(14 : 224)

الصّاحِب:والدَّوْداة:أُرجُوحَة الصّبيان،و الجميع: الدَّوادي، و طريق النّعَم، و موضع اختلاف النّاس و الجُرَذ، و أثَر النّمل.

و دَوْداة القوم: ضَوْضَأتهم.

و الدِّئْداء: ضَرْب من العَدْو.

و الدُّواد: الرّجل السّريع، و به كُنّي أبو دُواد. و هو أيضًا: صغار الدُّود، و مَثَل: < أحْقَرُ من دُوادَة >.

و في الحديث: < إنّ المؤذّنين لايَدادُون > أي لاتأكلهم الدّيدان.و دادَ الطّعام، وأدَادَ ودَوّدَ. (9 : 391)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ (صلی الله علیه و آله): < أ نّه سمع صوت

ص: 671

الأشعريّ و هو يقرأ، فقال: لقد أُوتي هذا من مزامير آل داود >.

قوله: < آل داود > أراد داوُد نفسه، لأ نّا لانعلم أحدًا من آله أُعطي من حُسن الصّوت ما أُعطيه داود.

(1 : 318)

الجَوهَريّ: الدُّود: جمع دُودَة، و جمع الدُّود: ديدان؛ و التّصغير: دُوَيْدٌ، و قياسه: دُوَيْدَة.

و دادَ الطّعام يَداد، و أدادَ، و دَوَّدَ، كلّه بمعنًى، إذا وقع فيه السُّوس. [ثمّ استشهد بشعر]

و دُودان: أبوقبيلة من أسد، و هو دُودان بن أسد ابن خُزَيمة.

و أبودُواد: شاعر من إياد.

و داوُد: اسم أعجميّ لايُهمَز. (2 : 470)

ابن فارِس: الدّ ال و الواو و الدّ ال ليس أصلا يُفرّع منه، فالدُّود معروف. يقال: دادَ الشّيء يَداد، و أداد يُديد.

و الدّواديّ: آثار أراجيح الصِّبيان؛ واحدتها: دَوْداة. (2 : 310)

ابن سيده: الدُّود، واحدته: دُودَة.

و قد دادَ الطّعام يَداد دَوَدً ا، و أدادَ، و دَوّدَ، و دَيّدَ: صار فيه الدُّود. (9 : 368)

الزّمَخْشَريّ: دَوّدَ الطّعام و أداد و دَيّد: وقع فيه الدُّود.

و طعام مُدَوِّد و مُديد و مَدُود.

و في عزيمة العرب: أعزِم عليك أيّها الجُرح أن لاتزيد و لاتُديد. (أساس البلاغة : 138)

ابن الأثير: فيه < إنّ المؤذّنين لايُدادُون > أي لايأكلهم الدُّود. يقال: دادَ الطّعام، و أدادَ، و دَوّدَ فهو مُدَوِّدٌ بالكسر، إذا وقع فيه الدُّود. (2 : 138)

الفَيُّوميّ: الدُّود: معروف؛ الواحدة: دودة، و الجمع: ديدان، و التّثنية: دُودان.

و بلفظ المثنّى سمّيت قبيلة من بني أسد باسم أبيهم: دُودان بن أسد بن خُزَيمة بن مُدْرِكة بن إلياس بن مُضر ابن نِزار بن مَعَدّ بن عدنان، و إليهم تُنسَب القِسيّ على لفظها، فيقال: دُودانيّة.

و دادَ الطّعام يَدُود، و دادَ يَداد من بابَيْ قَالَ و خَافَ دادً ا و دَيْدًا.

و أدادَ إدادَةً و دَوَّد تَدويدًا: وقع فيه الدُّود.

و اسم الفاعل من كلّ بناء على قياس بابه.

(1 : 202)

الفيروزاباديّ: الدُّودة: معروف؛ جمعه: دُود و ديدان.

دادَ الطّعام يَداد دَوْدًا، و أدادَ و دَوّدَ و دَيّدَ: صار فيه الدُّود.

و دُودان، بالضّمّ: واد، و ابن أسد: أبو قبيلة.

و أبو دُواد، بالضّمّ: شاعر من إياد.

و الدُّواد: صغار الدُّود، أو الخَضْف يخرج من الإنسان، و الرّجل السّريع

و داوُد: أعجميّ لايُهمَز.و الدَّوداة: الجَلَبَة، و الأُرجُوحَة. و دَوّدَ: لعب بها. [ثمّ استشهد بشعر] (1 : 303)

الطُّرَيحيّ: داوُد اسم أعجميّ لايُهمَز، و معناه أ نّه

ص: 672

داوى جُرحَه فودّ. و قيل داوى وُدّه بالطّاعة ،كذا في <معاني الأخبار>.

و في الحديث: < إذا ظهر أمر الأئمّة حكموا بحُكم داود >، أي لايسألون البيّنة.

و فيه ذكر الدّيدان، و هي جمع الدُّود، و الدُّود: جمع دُودَة؛ و التّصغير: دُوَيْد، و القياس: دُوَيْدة.

و دادَ الطّعام و أدادَ و دَوّدَ، كلّه بمعنى إذا وقع فيه السّوس.

و أنواع الدُّود كثير، يدخل فيه الحَلَم و الأرَضَة و دُود الفواكه و دود القَزّ و دُود الأخضر، و منه ما يتولّد من حيوان الإنسان. (3 : 45)

النُّصوص التّفسيريّةو التّاريخيّة

داوُد

اشارة

1 فَهَزَمُوهُمْ بِاِذْنِ اللهِ وَ قَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَ اتيهُ اللهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ... البقرة : 251

الكتا ب المقدّس: [ صموئيل الأوّل: الأصحاح 16 : 453، و صموئيل الثّاني: الأصحاح 5 : 489، و الملوك الأوّل: الأصحاح 2 : 531، و إنجيل متّى: الأصحاح 1 : 3، و فيها مطالب كثيرة قد لخّصها المُصْطَفَويّ كما سيأتي]

ابن قُتَيْبَة: [ له كلام لخّصه المُصْطَفَويّ كما سيأتي] (المعارف : 45)

الطّبَريّ: و داود هذا هو داود بن إيشي، نبيّ الله (صلی الله علیه و آله). (2 : 639)

الثّعلبيّ: هو داود بن أيشا بن سوئل بن ناغر بن سلمون بن يخشون بن عمّي بن يا رب بن رام بن حصرون بن فارض بن يهود بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (علیه السلام). (2 : 223)

المسعوديّ: [له كلام لخّصه المُصْطَفَويّ كما سيأتي]

( مُرُوج الذّهب 1 : 68)

ابن الجَوْزيّ: داود هو نبيّ الله أبو سليمان، و هو اسم أعجميّ.

(1 : 300)

القُرطُبيّ: ذلك أنّ طالوت الملِك اختاره من بين قومه لقتال جالوت، وكان رجلا قصيرًا مِسْقامًا مِصْفارًا أصغر أزرق، و كان جالوت من أشدّ النّاس و أقواهم، و كان يهزم الجيوش وحده. و كان قَتْل جالوت و هو رأس العمالقة على يده، و هو داود بن إيشى بكسر الهمزة، و يقال: داود بن زكريّا بن رشوى، وكان من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم:، وكان من أهل بيت المقدس، جُمع له بين النّبوّ ة و المُلك بعد أن كان راعيًا، و كان أصغر إخوته، و كان يرعى غنمًا. (3 : 256)

ابن الوَرْديّ: [له كلام لخّصه المُصْطَفَويّ كما سيأتي]

(تاريخ الملوك و الأُمم 1 : 29)

محمّد إسماعيل إبراهيم: داوُد من أعلامالقرآن:

ظلّ بنو إسرائيل بعد نبيّهم موسى (علیه السلام) مدّة 356 سنة، ليس لهم مَلِك يحكمهم، و في خلال هذه المدّة كانوا عُرضَة لغزوات جيرانهم من العمالقة و الآراميّين و الفلسطينيّين، و في نهاية هذه المدّة حكمهم طالوت < شاوُل >، و دخل في حرب ضدّ الفلسطينيّين الّذين هم من ضمن الأجناس البحريّة

ص: 673

الّتي جاءت من بحر < إيجة > و سيطروا على الإقليم السّاحليّ، و استطاعوا أن يهزموا العبرانيّين، و أن يستقرّوا في بعض معاقلهم و حصونهم في المناطق الجبليّة الدّ اخليّة، و تمكّنوا من الاستيلاء على تابوت العهد منهم.

و في تلك الأثناء ظهر في بني إسرائيل شابّ متحمّس لقتال أعداء قومه، و هو داود، و استطاع على حداثته أن يقتل جالوت أشجع أبطال الأعداء ، فكافأه طالوت زعيم العبرانيّين بأن زوّجه ابنته. و دخل داود في معارك أُخرى، خرج منها منتصرًا، فزاد إعجاب قومه به، و طلبوا زعامته بدلا من طالوت الّذي تفكّر في التّخلّص منه بالغدر، و لكنّ الله أيّد داود بنصره و آتاه المُلك و النّبوّة.

و قد اتّخذ < أُورشليم > عاصمة لملكه الّذي اتّسع إلى درجة كبيرة، و أنزل الله تعالى عليه < الزّبور > و هو عبارة عن مجموعة من القصائد و الأناشيد، تتضمّن تسبيح الله تعالى و تمجيده و الثّناء عليه. و كان داود (علیه السلام) يُلحّنها و يُردّدها بصوته الجميل أو بمزماره، فتأخذ بمجامع القلوب، و كانت الجبال و الطّيور تردّد تسابيحه الّتي عُرفت بالمزامير. و قد علّمه ربّه كيف يصهر الحديد و يُليّنه و يصنع منه دروعًا يلبسها وقت الحرب، و قد رُزق داود بولده سليمان، فكان معه في مجلس القضاء يُعلّمه كيف يحكم بين النّاس، و هو شابّ في الثّامنة عشرة. (1 : 193)

هاكس: [له كلام لخّصه المُصْطَفَويّ كماسيأتي ]

(368)

المُصْطَفَويّ: قاموس المقدّس: داوُد، أي المحبوب، و هو ابن يسّى من سبط يهودا، تولّد قريبًا من سنة 1033، قبل الميلاد ببيت اللّحم، و قد ذكر حياته الرّوحانيّة في زبوره، و قد اختاره الله لمقام السّلطنة، ليقوم مقام شاءُول ملِك إسرائيل، و ملَك أربعين سنة، و تُوفّي و قد مضى من عمره إحدى و سبعين سنة،

و دُفن في جبل صهيون من بلدة داود.

المعارف: ثمّ استخلف الله بعد إشماويل، داود بن إيشا، و كان سابع سبعة إخوة له، و هو أصغرهم، و كان يرعى على أبيه، و كان تزوّج ابنة طالوت، و كان شرط ذلك على طالوت إن قتل جالوت، فولدت له إيشالوم، ثمّ تزوّج امرأة أوريّا بن حنان بعد أن قُتل، فولدت له سليمان بن داود.

المروج: و ندب طالوت النّاس و جعل لمن يخرج الى جالوت ثلث مُلكه و يتزوّج ابنته، فبرزداود فقتله بحجر كان في مخلاته، رماه بمقلاع، فخرّ جالوت ميّتًا، و قتل داود جالوت، و رفع الله ذكر داود. و أبى طالوت أن يفي لداود بما تقدّم من شرطه، فلمّا رأى ميل النّاس إليه زوّجه ابنته و سلّم إليه ثلث الجباية و ثلث الحُكم و ثلث النّاس. و انقادت بنو إسرائيل إلى داود، و كانت مدّة طالوت عشرين سنة. و ألان الله عزّ و جلّ لداود الحديد، فعمل منه الدّروع و سخّر الجبال، و الطّير يسبّحن له، و أنزل الله عليه الزّبور بالعبرانيّة خمسين و مائة سورة. و بنى داود بيتًا للعبادة بأُورشليم و هي بيت المقدس، و هو البيت الباقي لوقتنا هذا، و هو سنة 332 ه ق يدعى بمحراب داود، ليس في بيت المقدس

ص: 674

أعلى منه في هذا الوقت.

صموئيل الأوّل: فأجاب واحد من الغلمان، و قال هو ذا: قد رأيت ابنًا ليَسَّى البيت لحمى بحُسن الضّرب، و هو جبّارُ بأس و رجلُ حربٍ و فصيح،و رجلٌ جميلٌ و الرّبّ معه، فأرسل شاوُل رُسلا إلى يَسّى يقول: أرسِل إلى داوُد ابنك الّذي مع الغنم. فجاء داوُد إلى شاوُل و وقف أمامه فأحبّه جدًّ ا، و كان معه حامل سلاح، فأرسل شاوُل إلى يسّى ليقف داود أمامي، لأ نّه وجد نعمة في عينيّ، و كان عند ما جاء الرّوح من قبل الله على شاوُل أنّ داود أخذ العود و ضرب بيده.

صموئيل الثّاني: و جاء جميع أسباط بني إسرائيل إلى داوُد إلى حَبْرون، و تكلّموا قائلين هو ذا عَظمُك و لَحمُك نحن، و منذ أمس و ما قبله حين كان شاوُل ملِكًا علينا قد كنتَ أنت تُخرج و تُدخِل إسرائيل، و قد قال لك الرّبّ أنت ترعى شعبي إسرائيل و أنت تكون رئيسًا على إسرائيل.

كان داوُدابن ثلاثين سنة حين ملَك، و ملَك أربعين سنة، في حَبْرون ملَك على يهوذا سبع سنين و ستّة أشهر، و في أُورشليم ملَك ثلاثًا و ثلاثين سنة على جميع إسرائيل و يهوذا.

الملوك الأوّ ل: و لمّا قرُبت أيّام و فات داوُد أوصى سليمان ابنه قائلا : أنا ذاهب في طريق الأرض كلّها فتَشَدّد و كُنْ رجلا ، احفظ شعائر الرّبّ إلهك، إذ تسير في طرقه و تحفظ فرائضه و وصاياه و أحكامه و شهاداته، كما هو مكتوب في شريعة موسى لكي تفلح.

إنجيل متّى:كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داوُد ابن إبراهيم.

إبراهيم وَ لَد إسحاق، و إسحاق ولد يعقوب، و يعقوب ولد يهوذا و إخوته، و يهوذا ولد فارص و زارَح من ثامار، و فارص ولد حَصْرون، و حَصْرون ولد أرام، و أرام ولد عَمّيناداب، و عَمّيناداب ولد نحشون، و نحشون ولد سَلْمون، و سَلْمون ولد بوعَز، و بوعَز ولد عوبيد، و عوبيد ولد يسّى، و يسّى ولد داوُد المَلِك، و داوُد المَلِك ولد سليمان من الّتي لأُوريّا.تاريخ ابن الوَرْديّ: ثمّ حضر بنو إسرائيل إلى شموئيل و سألوه أن يقيم فيهم مَلِكًا، فأقام فيهم شاوُل، و هو طالوت بن قيس من سبط بنيامين، كان راعيًا و قيل: سقّاءً و قيل: دبّاغًا، فمَلك سنتين، و اقتتل هو و جالوت، و جالوت من جبابرة الكنعانييّن. و كان داوُد أصغر بني أبيه راعيًا في غنم أبيه و إخوته، فطلبه طالوت و اعتبره شمويل بالعلامة، و هي دُهن كان يستدير على رأس من يكون فيه السِّرّ، و أحضر أيضًا تنّور حديد، و قال الّذي يقتل جالوت يكون ملأ هذا التّنّور، فلمّا اعتبر داوُد ملأ التّنّور و استدار الدّهن على رأسه؛ فتحقّقت العلامة، فأمره طالوت بمبارزة جالوت، فبارزه و قتل داوُد جالوت، و عمره إذ ذاك ثلاثون سنة، ثمّ مات شموئيل و مال النّاس إلى داود حُبًّا، فحسده طالوت و قصد قتله مرّة بعد أُخرى، فهرب داوُد منه و احترز على نفسه، ثمّ ندم طالوت. و كان مقام داوُد بحبرون، فلمّا استوثق له المُلك

ص: 675

و أطاعه كلّ الأسباط لثمان و ثلاثين سنة من عمر داوُد، انتقل إلى القُدس ثمّ فتح في الشّام كثيرًا ثمّ أرض فلسطين و بلد عَمّان، و ناب و حلب و نصيبين و بلاد الأرمن و غير ذلك.

فظهر أنّ التّلفّظ في العبريّ هو < داويد >، ثمّ استُعمل في اللّغة العربيّة بكلمة داوُد، و في المادّة معنى الوُدّ و الحُبّ الشّديد.

و ظهر أ نّه عاش إحدى و سبعين سنة، و حكومته في أراضي القدس و سوريّة و الأُردن و ما والاها. و يتّصل نسبه إلى يعقوب بعشرة آباء و وسائط، و دُفن في جبل صهيون من بلدة داوُد، و تولّد في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، و القرن السّادس من وفاة موسى (علیه السلام).

و أمّا كتابه الزّبور: فهو مائة و خمسون مزمارًا، قد طُبعت في ضمن الكتاب المقدّس بجميع الألسنة الموجودة، و تشتمل على مناجات و أدعيةو مواعظ و نصائح و حقائق و لطائف، و فيها ما يحتاج إلى التّأويل و التّصحيح.

و أمّا علّة إطلاق كلمة < المزامير > على الزّبور و خصوصيّات الكتاب: يقول في قاموس الكتاب المقدّس ما خلاصته عربيًّا: إنّها أشعار روحانيّةكانت تُقرأ بالصّوت و بالمزمار في مقام التّمجيد و التّقديس و التّوجّه لساحة القدس الإلهيّ، و هذا الكتاب ينقسم على خمسة أقسام، و يذكر في آخر كلّ قسمة لفظ آمين.

و تأليف < المزامير > قد كمل في امتداد زمان موسى(علیه السلام) إلى حياة سليمان(علیه السلام) بمدّة ألف سنة، فمزمور 90، يُنسَب إلى موسى(علیه السلام)، و اثنى عشر مزمورًا منها يُنسَب إلى آساف اللاوي من أصحاب آلات الطّرب في زمان داوُد، و أحد عشر مزمورًا يُنسَب إلى بني قورح سلسلة من الشّعراء الكاهنين في أيّام داوُد، و سبعة مزامير يُنسَب إلى أيّام داوُد و سليمان، انتهى.

و بهذا يظهر أنّ إسناد هذا الكتاب غير مبيَّنتفصيلا ، فلايصحّ الاستناد إليه في الموارد المشتبهة و الجملات المبهمة و الكلمات المخالفة، فهو كسائر الكتب المؤلّفة من أفراد مختلفة.

و نظير هذا الكتاب سائر كتب الكتاب المقدّس، فإنّ كلّ واحد منها على اعتراف علمائهم و بشهادة مضامين الكتب غير مبيّنة إسنادًا، و نبحث عنها إنشاء الله في الموارد المناسبة.

نعم إنّ هذه الكتب مشحونة بكلمات في المعارف و الحقائق و المواعظ و اللّطائف، يستلذّ منها العارف البصير، وأ نّها لاتخلوعن موضوعات ضعيفة و أحكام متناقضة و جملات محرّفة، لعبت بها أيدي الجهَلة.

{ وَ اتَيْنَا دَاوُدَ زَ بُورًا } النّساء: 163، { وَ لَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيّينَ ‘عَلى بَعْض وَ اتَيْنَا ’دَاوُدَ زَبُورًا } الإسراء : 55، { وَ لَقَدْ اتَيْنَادَاوُدَ وَ سُلَيْمنَ عِلْمًا } النّمل : 15، فنزول كتاب على داوُد بعنوان < الزّبور > مسلّم كالتّوراة و الإنجيل، إلا أنّ هذا الكتاب المنزل غير محفوظ، قد لعبت به أيدي الخَوَنة.

{ لُعِنَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا مِنْ بَنى اِسْرَاءيلَ عَلى لِسَانِِ دَاوُدَ } المائدة : 78، قد لُعنوا مرّات على لسان داوُد في

ص: 676

المزامير، كما في مزمار: 55 ، 58، و غيرهما، و في 59: و ليؤخذوا بكبريائهم و من اللّعنة و من الكذب الّذين يحدّثون به، أفن بحنق أفن، و لايكونوا و ليعلموا أنّ الله متسلّط في يعقوب إلى أقاصي الأرض.

و أمّا خصوصيّة داوُد(علیه السلام) في اللّعن: فإنّه كان مَلِكًا و نبيًّا من بني إسرائيل، عارفًا بمصالحهم و مفاسدهم، عالمًا بما هو خير مجتمعهم و شرّه، و هو لايريد إلا ما ينفعهم و فيه صلاحهم و سعادتهم الدّنيويّة و الأُخرويّة، و له قدرة و نفوذ و علم و حكومة يتمكّن من إجراء ما يريد. و مع هذه المقامات فإنّهم اختلفوا فيه و خالفوه و قاتلوه و مانعوا من توسعة قدرة بني إسرائيل، فغضب منهم أشدّ غضب و حزن، و قال في مزمار: 55: فقلت ليت لي جناحًا كالحمامة فأطير و أستريح. أهلِكْ يا ربّ فرّق ألسنتهم، لأ نّي قد رأيت ظلمًا و خصامًا في المدينة نهارًا و ليلا يحيطون بها... إلخ

{ يَا دَاوُدُ اِنَّا جَعَلْنَاكَ خَليفَةً‘ فِى الاَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لاتَتَّبِعِ الْهَوى } ص : 26، { وَ شَدَدْ نَا مُلْكَهُ وَ اتَيْنَاهُ’ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطَابِ } ص : 20، { وَ اذْكُرْ عَبْدَ نَا دَاوُدَ ذَا الاَيْدِ اِنَّهُ اَوَّابٌ } ص : 17، { وَ اِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَاب } ص : 25، { وَ كُلا اتَيْنَا ’حُكْمًا وَ عِلْمًا وَ سَخَّرْ نَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ } الأنبياء : 79، { وَ عَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوس لَكُمْ } الأنبياء : 80. فتدلّ هذه الآيات الكريمة على أنّ لداود مقامات روحانيّة و فضائل عالية مخصوصة،و يجمعها المقام الأعلى و المرتبة الّتي هي فوق المراتب الكماليّة للإنسان، و ليس فوقها درجة متصوّرة له، و هي الخلافة الإلهيّة في الأرض، أي المظهريّة التّامّة لأسمائه و صفاته و مجلّي الرّبّ في أرضه، فمن عرفها فقد عرف الله عزّوجلّ.

و أمّا المقامات الجزئيّة له فهي إيتاء الحكم، فصل الخطاب، الأوّابيّة، و كونه ذا أيد و قوّة ظاهريّة و روحانيّة، و له قرب و زُلفى، إيتاء العلم، تسخير الجبال له، تعليم صنعة اللّبوس.

راجع: الحُكم، الخَطْب، الأوب، الأيد، الخلف.

{ وَ دَاوُدَ وَ سُلَيْمنَ اِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ اِذْ نَفَشَتْ فيهِ‘ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدينَ‘ } الأنبياء : 78، { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمنَ وَ كُلا اتَيْنَا حُكْمًا وَ عِلْمًا } الأنبياء : 79، عطف على قوله: { وَ لَقَدْ اتَيْنَا مُوسىوَهرُونَ الْفُرْ قَانَ } الأنبياء : 48، { وَ لَقَدْ اتَيْنَا اِبْرهيمَ‘ ’رُشْدَهُ } الأنبياء : 51، { وَ لُوطًا اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَ عِلْمًا } الأنبياء : 74، { وَ نُوحًا اِذْ نَادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ } الأنبياء : 76. و الآيات الكريمة في مقام إيتاء النّعم و الألطاف الإلهيّة للأنبياء، ليتوجّه النّاس إليها و ليشكروا بها.

و لمّا كان سليمان مع صغر سنّه قد فهّمه الله تعالى تفصيلا من الحُكم الّذي حكم به أبوه داود فبيّنه و فسّره، و كان مرجع حُكمهما واحدًا، و على هذا نُسب الحُكم إليهما معًا، و صرّح بقوله: { وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدينَ‘ } الأنبياء : 78، { وَ كُلا اتَيْنَا ’حُكْمًا وَ عِلْمًا } الأنبياء : 79، و لايصحّ القول بخطإ داوُد(علیه السلام) في الحُكم، مع تصريح شهادة الله و توجّهه، و إيتائه الحُكم و العلم.

ص: 677

راجع: الحرث، النّفش، الغنم، السّلم.

{ وَ هَلْ اَتيكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ اِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إلى قوله: وَ ظَنَّ دَاوُدُ اَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ } ص : 21 24، هذه الآيات واردة في مقام الدّعوة إلى الصّبر و الاستقامة في صراط الحقّ { اِصْبِرْ عَلىمَا يَقُولُونَ وَ اذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ } ص : 17، ثمّ يذكر جريانًا من تعجيل داوُد في الحُكم قبل التّحقيق من طرف الخصومة غفلة، و لعدم احتماله الخلاف في موضوع الحُكم، و بعد حُكمه توجّه إلى تعجيله فيه، و هذا التّهاون في الجملة خطأٌ من الأنبياء، و لاسيّما أ نّه ظنّ بالقرائن بأ نّه كان في مقام الافتتان من الله المتعال.

فالاستغفار و المغفرة راجعتان إلى هذه الغفلة و ترك الدّ قّة لاعمدًا، و هذا المقدار من الخطإ لاينافي مقام العصمة النّبويّة، فإنّه خطأٌ بالنّسبة إلى ساحة قرب الرّبّ الجليل، و ليس بتقصير أو عصيان.

راجع: الخَصْم، النّعجة، السّور، الحرب.

{ وَ سَخَّرْ نَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ} الأنبياء : 79،{ اِنَّا سَخَّرْ نَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِىِّ وَ الاِشْرَاقِ * وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً } ص : 18، 19، { وَ لَقَدْ اتَيْنَا ’دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ اَوِّبى مَعَهُ وَ الطَّيْرَ} سبأ : 10، التّسخير هو التّذليل و التّكليف بالقهر، و التّأويب هو التّرجيع. و قد ذُكرت كلمة معه في الآية الأُولى قبل ذكر الجبال، و في الثّانية بعده، و في الثّالثة بعد التّأويب: فإنّ الآية الأُولى في مقام تخصيص داوُد بعد ذكره مع سليمان: { وَ كُلا اتَيْنَا حُكْمًا وَ عِلْمًا } الأنبياء : 79، أي سخّرنا معه لامع سليمان، فذكر قبلا ، و هذا بخلاف الثّانية فإنّ الملحوظ فيها هو ذكر تسخير الجبال، و أمّا الثّالثة فيُلاحظ فيها جهة التّأويب و التّسبيح.

و لمّاكان النّظر في تسخير الجبال للتّسبيح، أن يكون بتبع داوُد، كما صرّح به في الثّالثة: { اَوِّبى مَعَهُ } سبأ : 10، أي رجّعي تسبيحه معه، فيكون ظرف { مَعَهُ } ظرفًا مستقرًّا، أي مقدّرًا عامله، و التّقدير: و سخّرنا الجبال كائنة مع داوُد، فالجملة الظّرفيّة حاليّة، و لايجوز تعلّقه بفعل { سَخَّرْ نَا }، فإنّ داوُد ليس بمسخَّر للتّسبيح، بل تسبيحه اختياريّ و إراديّ. و لايجوز أيضًا أن يتعلّق بفعل { يُسَبِّحْنَ } فإنّ تسبيح الجبال ليس في عرض تسبيح داوُد و معًا، بل بتبعه.

و أمّا حقيقة تسبيح الجبال معه و تأويبه: فإنّما هي تسخير الجبال و التّكليف القهريّ الجبريّ في إثر تسبيح داوُد، فأُوتي لمناجاته و تسبيحه الرّوحانيّ النّافذ مع التّوجّه الخالص و المحبّة التّامّة و الصّوت الحسن المخصوص، تأثير و نفوذ و تحريك في الجبال؛ بحيث تُؤَوِّبُ و تُرجِّع تسبيحه، كانعكاس الصّوت في بعض الجبال لجهات طبيعيّة.و هذا التّأثير و التّأويب و التّرجيع قد ينقل من بعض أهل المعرفة الصّالحين المحبّين المخلصين في مناجاتهم و أذكارهم، و هذا التّأثير كان من معجزات داوُد(علیه السلام) ، قد أُوتي إليه من جانب الله العزيز.

و أمّا العشيّ و الإشراق: فكأنّ وقت طلوع الشّمس و العشاء كانا من أوقات الدّعاء و المناجات كما في مزمار: 55/ 16:< أمّا أنا فإلى الله أصرخ

ص: 678

و الرّبّ يُخلّصُني مساءً و صباحًا >.

و أمّا ما يُنسَب في بعض الأحاديث العامّة إليه من تزويجه بثَشَْبَعَ زوجة أُوريّا على طريق غير مرضيّ: فهو حديث إسرائيليّ مأخوذ من العهد القديم: صموئيل الثّاني 11/ 4: < فأرسل داوُد رسلا و أخذها فدخلت إليه فاضطجع معها و هي مطهّرة من طمثها، ثمّ رجعت إلى بيتها و حبلت المرأة، فأرسلت و أخبرت داوُد و قالت: إنّي حُبلى: 26، فلمّا سمعت امرأة أُوريّا أ نّه قد مات أُوريّا رجُلها ندبَت بعلها، و لمّا مضت المناخة أرسل داوُد و ضمّها إلى بيته وصارت له امرأةً و ولدت له ابنًا >.

و أمّا الّذي فعَله داوُد فقَبُح في عيني الرّبّ. 13/1 فأرسل الرّبّ ناثانَ إلى داوُدَ، فجاء إليه و قال له: كان رجلان في مدينة واحدة، واحد منهما غنيّ و الآخر فقير. 2 و كان للغنيّ غنم و بقركثيرة جدًّا. 3 و أمّا الفقير فلم يكن له شيء إلا نعجة واحدة صغيرة... 4 فجاء ضيف إلى الرّجل الغنيّ... فأخذ نعجة الرّجل الفقير... فحمي غضب داوُد على الرّجل جدًّا، و قال لناثان... إنّه يقتل الرّجل... 7 فقال ناثان لداودَ: أنت هو الرّجل... انتهى.

هذا ما في صموئيل و هو واحد من الكتب المقدّسة لليهود، و هو كما ترى ينسب عمل القتل و الزّنى إلى ساحة قدس نبيّ جليل معصوم خليفة من الله المتعال في أرضه، و لاتعجّب من هذا المقال المندرج في ذاك الكتاب، فإنّ الكتاب مجهول الاسم و الرّسم، لايُعرَف مؤلّفه و لاخصوصيّة التّأليف. و أمّا نسبته إلى صموئيل النّبيّ: فافتراء محض، فإنّه كما في صموئيل الأوّ ل 25/1 مات قبل أن يملك داوُد، و قد ملك داوُد أربعين سنة. و يقول في آخر صموئيل الثّاني: و بنى داوُد هناك مذبحًا للرّبّ و أصعد مُحرقات و ذبائح سلامة، و استجاب الرّبّ من أجل الأرض، و كفّت الضّربة عن إسرائيل.

فهذا الكتاب قد أُ لّف بعد موت داوُد، و يتضمّن جريان حياة داوُد و ما وقع في أيّام حياته، فهو كتاب تاريخ مجهول التّأليف و المؤلّف، و لايمكن الاعتماد على ما فيه، و فيه ما فيه.

و يقول في قاموس الكتاب: و لعلّ وجه تسمية الكتاب بسموئيل، أنّ أوّله قد احتوى بما يختص بوقائع أيّام سموئيل.

و هذا هو الفرق بين كتاب حقّ سماويّ، و كتاب عاديّ تاريخيّ مجهول، فالقرآن الكريم يقول في مقام تعريف داوُد : { اِنَّا جَعَلْنَاكَ خَليفَةً } ص : 26 ، { وَ اتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } ص : 20، { وَ اِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفى } ص : 25، { اِنَّهُ اَوَّابٌ } ص : 17، { الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ } الأنبياء : 79. و أمّا هذا الكتاب فيقول: فدخلت إليه فاضطجع داوُد معها، و حبلت زوجة أُوريّا و هي في زواجه، و كتب داود: اجعلوا أُوريّا في وجه الحرب الشّديدة و ارجعوا من ورائه فيُضرَب و يموت 11/15، ثمّ يحكم على الرّجل آخذ النّعجة بأ نّه يُقتل.

فكأنّ المؤرّخ مؤلّف صموئيل حُكي له من القصّاصين الجاعلين للرّوايات، و المحرّفين للقضايا

ص: 679

الماضية أحاديث من جريان زواج داوُد و حكمه و وقائع حكومته ما يطابق مندرجات هذا الكتاب.

(3 : 267)

و راجع: ق ت ل:< قتل >.2 وَ اتَيْنَا ’دَ اوُدَ زَ بُورً ا. النّساء : 163

راجع: ز ب ر: < زَبُورًا>.

3 لُعِنَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا مِنْ بَنى اِسْرَاءيلَ عَلى لِسَان ِ دَاوُدَ وَ عيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ’ بِمَا عَصَوْا وَ كَانُوا يَعْتَدُونَ. المائدة : 78

راجع: ل ع ن: < لُعِنَ >.

4 ... وَ مِنْ ذُرِّ يَّتِهِ دَاوُدَ وَ سُلَيْمنَ وَ اَ يُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هرُونَ’ وَ كَذلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنينَ‘.

الأنعام : 84

ابن عاشور: إنّه داود بن يِسيِّ من سبط يهوذا من بني إسرائيل. ولد بقرية بيت لحم سنة:1085 ، قبل المسيح، وتوفّي في أُورشليم سنة: 1015، و كان في شبابه راعيًا لغنم أبيه.و له معرفة النّغَم و العزف و الرّمي بالمقلاع، فأوحى الله إلى < شمويل > نبيّ بني إسرائيل أن يبارك داوُدَ بن يِسيّ، و يمسحه بالزّيت المقدّس ليكون ملِكًا على بني إسرائيل، على حسب تقاليد بني إسرائيل إنباء بأ نّه سيصير ملِكًا على إسرائيل بعد موت < شاوُل > الّذي غضب الله عليه. فلمّا مسحه < شمويل > في قرية بيت لحم دُون أن يعلم أحد خطر لشاول، و كان مريضًا، أن يتّخذ مَن يضرب له بالعود عند مايعتاده المرض، فصادف أن اختاروا له داود، فألحقه بأهل مجلسه ليسمع أنغامه. و لمّا حارب جُندُ < شاول > الكنعانيّين كما تقدّم في سورة البقرة كان النّصر للإسرائيليّين بسبب داوُد، إذ رمى البطل الفلسطينيّ < جالوت > بمقلاعه بين عينيه، فصرعه و قطع رأسه، فلذلك صاهره < شاوُلُ > بابنته < ميكال>، ثمّ إنّ < شاول > تغيّر على داوُد، فخرج داوُد إلى بلاد الفلسطينيّين، و جمع جماعة تحت قيادته. و لمّا قُتل < شاوُل> سنة: 1055، بايعت طائفة من الجُند الإسرائيليّ في فلسطين داوُدَ ملِكًا عليهم، و جعل مقرّ مُلكه < حَبْرُون >، و بعد سبع سنين قُتل ملِك إسرائيل الّذي خلف شاوُلَ فبايعت الإسرائيليّون كلّهم داوُد ملِكًا عليهم، و رجع إلى أُورشليم، و آتاه الله النّبوّةوأمره بكتابة الزّبورالمسمّى عند اليهود بالمزامير. (6 : 192)

5 وَ رَ بُّكَ اَعْلَمُ بِمَنْ فِى السَّموَ اتِ’ وَ الاَرْضِ وَ لََقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيّينَ‘ عَلىبَعْض

ٍوَ اتَيْنَا ’دَاوُدَ زَ بُورً ا الإسراء : 55

راجع: ف ض ل:< فَضَّلَ >.

6 7 وَ دَاوُدَ وَ سُلَيْمنَ اِذْ يَحْكُمَان

ِفِى الْحَرْثِ... * ... وَ سَخَّرْ نَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ وَ كُنَّا فَاعِلينَ.

الأنبياء : 78 ، 79

ابن عاشور: شروع في عداد جمع منالأنبياء الّذين لم يكونوا رسُلا . و قد روعي في تخصيصهم

ص: 680

بالذّكر ما اشتهر به كلّ فرد منهم من المزيّة الّتي أنعم الله بها عليه، بمناسبة ذكر ما فضّل الله به موسى و هارون من إيتاء الكتاب المماثل للقرآن و ما عقّب ذلك. و لم يكن بعد موسى في بني إسرائيل عصر له ميزة خاصّة مثل عصر داوُد و سليمان؛ إذ تطوّر أمر جامعة بني إسرائيل من كونها مسوسة بالأنبياء من عهد يوشع بن نون. ثمّ بما طرأ عليها من الفوضى من بعد موت < شمشون > إلى قيام < شاول > حَمِيّ داوُد، إلا أنّه كان مَلِكًا قاصرًا على قيادة الجُند و لم يكن نبيًّا، و أمّا تدبير الأُمور فكان للأنبياء و القضاة مثل < صمويل >.

فداوُد أوّل من جُمعت له النّبوّة و المُلك في أنبياء بني إسرائيل، و بلغ مُلك إسرائيل في مدّة داوُد حدًّ ا عظيمًا من البأس و القوّة و إخضاع الأعداء، و أُوتي داوُد الزّبور فيه حكمة و عظة، فكان تكملة للتّوراة الّتي كانت تعليم شريعة، فاستكمل زمن داوُد الحكمة و رقائق الكلام.

و أُوتي سليمان الحكمة و سخّر له أهل الصّنائع و الإبداع، فاستكملت دولة إسرائيل في زمانه عظمة النّظام و الثّروة و الحكمة و التّجارة، فكان في قصّتها مثل.

و كانت تلك القصّة منتظمة في هذا السِّلك الشّريف، سلك إيتاء الفرقان و الهدى و الرّشد و الإرشاد إلى الخير و الحُكم و العلم.

وكان في قصّة داوُد و سليمان تنبيه على أصل الاجتهاد و على فقه القضاء، فلذلك خُص داوُد و سليمان بشيء من تفصيل أخبارهما. (17 : 84)

راجع: < ح ك م ، ح ر ث ، س خ ر>.

8 9 وَ لَقَدْ اتَيْنَا ’دَاوُدَ وَ سُلَيْمنَ عِلْمًا وَ قَالا الْحَمْدُللهِ‚ الَّذى‘ فَضَّلَنَا عَلىكَثير‘ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنينَ ‘* وَ وَرِثَ سُلَيْمنُ دَاوُدَ... النّمل : 15 ، 16

مُقاتِل: كان سليمان أعظم ملكًا من داوُد

و أقضى منه، و كان داوُد أشدّ تعبّدًا من سليمان عليهما السّلام. (الثّعلبيّ 7 : 193)

الزّجّاج: جاء في التّفسير أ نّه ورِثه نبوّته و ملكه، و روي أ نّه كان لداوُد(علیه السلام) تسعة عشر ولدًا، فورثه سليمان من بينهم النّبوّة و الملك.

(4 : 111)

نحوه الثّعلبيّ(7 : 193)،و الزّمَخْشَريّ(3 : 140)، و أبوالسُّعود (5 : 74).

لاحظ: ع ل م: <علمًا>. و: و ر ث:< وَرِثَ>.

10 وَ لَقَدْ اتَيْنَا ’دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ اَوِّبى مَعَهُ وَ الطَّيْرَ... سبأ : 10

لاحظ: ف ض ل: < فَضْلا >.

11 ..اعْمَلُوا الَ دَاوُدَ شُكْرًا وَ قَليلٌ‘ مِنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ.

سبأ : 13

لاحظ: ش ك ر: < شُكْرًا >.

12 اِصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَ اذْكُرْ عَبْدَنَادَاوُدَ ذَا الاَيْدِ اِنَّهُ اَوَّابٌ. ص : 17

لاحظ: أ ي د : <الاَيْد> .

13 اِذْ دَخَلُوا عَلى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاتَخَفْ خَصْمَانِ بَغى بَعْضُنَا عَلى بَعْض فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ

ص: 681

وَ لاتُشْطِطْ وَ اهْدِنَا اِلى سَوَ اءِ الصِّرَاطِ. ص : 22

لاحظ : خ ص م : < خَصْمَان > ، و : ش ط ط :

< لاتُشْطِطْ > .

14 ... وَ ظَنَّ دَاوُدُ اَ نَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَ بَّهُ وَ خَرَّ رَاكِعًا وَ اَنَابَ . ص : 24

لاحظ: ف ت ن: < فَتَنَّاهُ >.

15 يَا دَاوُدُ اِنَّا جَعَلْنَاكَ خَليفَةً‘ فِى الاَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ... ص : 26

لاحظ: خ ل ف: < خَليفَة‘>.

16 وَ وَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمنَ نِعْمَ الْعَبْدُ اِنَّهُ اَوَّ ابٌ.

ص: 30

لاحظ: أ و ب: < اَوَّابٌ >.

الأُصول اللُّغوّية

1 أجمع المفسّرون و اللُّغويّون قاطبة على أنّ لفظ < داوُد > أعجميّ ، و لم يعيّن أحد منهم أصله و منشأه إلاّ البَيْضاويّ، فقد ذكره عرضًا عند تفسير قوله تعالى: { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ اِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا } البقرة : 247، فقال: < طالوت : علَم عبريّ كداوُد > ، و هو الصّحيح.

و ورد هذا الاسم في العبريّة بلفظ < داوِد >

و < داويد> ((1)) و في السّريانيّة بلفظ < داوُد >.(2)و يبدو أنّ العرب لم يأخذوه من العبريّة مباشرة، و إلا لألحقوا اللّفظ الأوّل بوزن < فاعِل >، كما في < بابل > ، و ألحقوا الثّاني بلفظي < قابيل > و < هابيل >.

2 الأظهر أنّ < داوُد > دخل العربيّة عبر السّريانيّة، و هو أقرب ألفاظها إليه، فأضافوا إليه < واوًا > لفظًا ، لينضمّ إلى وزن < فاعول >، نحو: سابور وناموس، ثمّ حذفوا إحدى الواوين منه، < لأ نّهم يكرهون تكثير الأشباه في كلمة >، كما قال ابن الشّجريّ(3).

و ذهب < آرثر جفري > إلى القول بأنّ < داوُد > دخل العربيّة من الآراميّة، و لكنّه لم يذكر المصدر الآراميّ ، بل جهل كنهه و حقيقته ، كما اعترف بذلك.(4)

و يعني < داوُد > المحبوب في العبريّة، و هو ابن إيسى من سبط يهوذا بن يعقوب، و قيل: ابنزكريّا بن رشوى.

الاستعمال القرآنيّ

جاء داوُد 16 مرّة: 13 مرّة في 6 سور مكّيّة، و هي الأنعام و الإسراء في كلّ منهما مرّة و النّمل و الأنبياء و السّبأ في كلّ منها مرّتين و ص 5

ص: 682


1- (1) المعجم المقارن (1 : 235). (2) قاموس سريانيّ عربيّ (406). (3) الأمالي الشّجريّة (1 : 55). (4) المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم.

مرّات و 3 مرّات في ثلاث سور مدنيّة، و هي البقرة و النّساء و المائدة في كلّ منها مرّة و جاء في 5 آيات منها مع سليمان، و في الباقي بدونه، في 16 آية:

1 {... وَ اتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا }

النّساء : 163

2 {...وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيّينَ‘ عَلى بَعْض وَ اتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا }

الإسراء : 55

3 { يَا دَاوُدُ اِنَّا جَعَلْنَاكَ خَليفَةً‘ فِى الاَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ...} ص : 26

4 { فَهَزَمُوهُمْ بِاِذْنِ اللهِ وَ قَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ...}

البقرة : 251

5{...وَ نُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّ يَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمنَ ...} الأنعام : 84

6 { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمنَ اِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ اِذْ نَفَشَتْ فيهِ ‘غَنَمُ الْقَوْمِ ...} الأنبياء : 78

7 { وَ وَرِثَ سُلَيْمنُ دَاوُدَ وَ قَالَ يَا ءَ يُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ ...} النّمل : 16

8 { وَ وَ هَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمنَ نِعْمَ الْعَبْدُ اِنَّهُ اَوَّ ابٌ }

ص : 30

9 { وَلَقَدْ اتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمنَ عِلْمًا وَ قَالا الْحَمْدُ للهِ‚ الَّذى‘ فَضَّلَنَا عَلى كَثير‘ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنينَ ‘}

النّمل : 15

10 { لُعِنَ الَّذينَ‘ كَفَرُوا مِنْ بَنى اِسْرَ ائلَ ‘-عَلى لِسَان ِدَ اوُدَ ...} المائدة : 78

11 {... وَسَخَّرْ نَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلينَ ‘}

الأنبياء : 79

12 { وَ لَقَدْ اتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ اَوِّبى مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ اَ لَنَّا لَهُ الْحَديدَ‘} سبأ : 10

13 {...اِعْمَلُوا الَ دَاوُدَ شُكْرًا وَ قَليلٌ‘ مِنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ } سبأ : 13

14 { اِصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَ اذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الاَيْدِ اِنَّهُ اَوَّابٌ } ص : 17

15 { اِذْ دَخَلُوا عَلى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ...} ص : 22

16 {...وَظَنَّ دَاوُدُ اَ نَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَ بَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَ اَنَابَ } ص : 24

يلاحظ أوّ لا : أنّ النّبيّ داوُد (علیه السلام) امتاز عن سائر الأنبياء بأُمور، و اشترك مع بعضهم بأُمور:

أ ما امتاز به:

1 إيتاؤه زبورًا (1) و (2):{وَ اتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورً ا}

2 تعليمه ممّا يشاء (4): { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ }.3 تعليمه صناعة الدُّروع: { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوس لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَاْسِكُمْ فَهَلْ اَنْتُمْ شَاكِرُونَ }

الأنبياء : 80

4 و 5 شدّ مُلكه و إيتاؤه الحكمة و فصل الخطاب: { وَشَدَدْ نَا مُلْكَهُ وَ اتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } ص : 20

6 تسخير الجبال و الطّير معه (11): { وَ سَخَّرْ نَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلينَ‘}،

و (12): { يَا جِبَالُ اَوِّبى مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ اَلَنَّا لَهُ الْحَديدَ‘}.

7 إلانة الحديد له (12): { وَ اَلَنَّا لَهُ الْحَديدَ‘ }.

ص: 683

8 القوّة و الشّدّة (14): { وَ اذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الاَيْدِ }.

ب ما اشترك مع غيره:

1 الخلافة في الأرض:

داوُد (3):{يَا دَاوُدُ اِنَّا جَعَلْنَاكَ خَليفَةً‘ فِى الاَرْضِ }

آدم(علیه السلام): { وَ اِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلئِكَةِ’ اِنّى جَاعِلٌ فِى الاَرْضِ خَليفَةً ‘} البقرة : 30

2 القتل:

داوُد (4) : { فَهَزَمُوهُمْ بِاِذْن ِاللهِ وَ قَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } .

موسى(علیه السلام): { قَالَ رَبِّ اِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَاَخَافُ اَنْ يَقْتُلُون ِ} القصص : 33

الخضر (علیه السلام) : { فَانْطَلَقَا حَتّى اِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ اَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْس لَقَدْ جِئْتَ شَيًْا= نُكْرًا } الكهف : 74

3 إيتاؤه الملك و الحكمة:

داوُد في (4): { وَ اتيهُ اللهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ }.

آل إبراهيم : { فَقَدْ اتَيْنَا الَ اِبْرهيمَ‘ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ اتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظيمًا‘ } النّساء : 54

4 زُلفى و حُسن مآب:

داوُد: { وَ اِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَاب }

ص : 25

سليمان (علیه السلام):{ وَ اِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَاب} ص : 40

5 التّأويب:

داوُد في (14): { اِنَّهُ اَوَّابٌ }.

سليمان في (8): { اِنَّهُ اَوَّابٌ }.

أيّوب (علیه السلام): { اِنَّهُ اَوَّابٌ } ص : 44

6 الفضل و التّفضيل:

1 داوُد في (12): { وَلَقَدْ اتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا }.

2 داوُد و سليمان في (9): { وَ قَالا الْحَمْدُ للهِ‚ الَّذى‘ فَضَّلَنَا عَلى كَثير‘ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنينَ ‘}.

3 بعض الأنبياء: { وَ اِسْمعيلَ‘’ وَ الْيَسَعَ وَيُونُسَ وَ لُوطًا وَكُلا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمينَ ‘} الأنعام : 86

4 محمّد(صلی الله علیه و آله): { وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ

لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ اَنْ يُضِلُّوكَ }

النّساء : 113

7 الإنابة:

1 داوُد في (16): { فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَ اَنَابَ}.

2 إبراهيم (علیه السلام) : { اِنَّ اِبْرهيمَ ‘لَحَليمٌ‘ اَوَّ اهٌ مُنيبٌ‘}

هود : 75

3 شعيب: { وَمَا تَوْفيقى اِلا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ اِلَيْهِ اُنيبُ‘ } هود : 88

4 سليمان: { وَ اَلْقَيْنَا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ اَنَابَ} ص : 34

5 محمّد(صلی الله علیه و آله): { ذلِكُمُ اللهُ رَبّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ اِلَيْهِ اُنيبُ‘ } الشّورى : 10

8 الرّكوع:

داوُد في (16): { وَخَرَّ رَاكِعًا }.

مريم : { يَا مَرْ يَمُ اقْنُتى لِرَبِّكِ وَ اسْجُدى‘ وَ ارْكَعى مَعَ الرَّاكِعينَ‘ } آل عمران : 43

9 إيتاء الحكم و العلم:

ص: 684

1 داوُد و سليمان في (11): { وَكُلا اتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا }، و (9): { وَلَقَدْ اتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمنَ عِلْمًا }.

2 لوط (علیه السلام): { وَ لُوطًا اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا }

الأنبياء : 74

3 يوسف (علیه السلام): { وَلَمَّا بَلَغَ اَشُدَّهُ اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا } يوسف : 22

4 موسى (علیه السلام):{ وَ لَمَّا بَلَغَ اَشُدَّهُ وَ اسْتَوى اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا } القصص : 14

10 الحكم و القضاء:

1 داوُد (3): { فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ }.

2 داوُد و سليمان (6): { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمنَ اِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ...}.

3 النّبيّون: { اِنَّا اَنْزَلْنَا التَّوْريةَ فيهَا‘ هُدًى وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذينَ اَسْلَمُوا...}

المائدة : 44

4 محمّد: { اِنَّا اَنْزَلْنَا اِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ

بَيْنَ النَّاسِ بِمَا اَريكَ ’اللهُ...} النّساء : 10511 تعليمه منطق الطّير (7): { وَ وَرِثَ سُلَيْمنُ دَاوُدَ وَ قَالَ يَا ءَ يُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ }.

12 كونه من ذرّ يّة نوح (5): { وَ نُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمنَ ...}.

13 إنّه نعم العبد:

1 داوُد (8): { نِعْمَ الْعَبْدُ اِنَّهُ اَوَّ ابٌ }.

2 أيّوب: { وَ اذْكُرْ عَبْدَ نَا اَ يُّوبَ....اِنَّا وَجَدْ نَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ اِنَّهُ اَوَّابٌ} ص : 44

و يلاحظ ثانيًا: أنّ جميع آيات هذه المادّة سواءً المكّيّ منها وهي: 13 آية و المدنيّ وهي: 3 آيات كلّها قصَص و تذكير بإرسال الرّسل و النّبوّة، فلاحظ.

ص: 685

ص: 686

د ب ب

اشارة

لفظان، 18 مرّة: 13 مكّيّة، 5 مدنيّة

في 14 سورة: 10 مكّيّة، 4 مدنيّة

دا بّة 14 : 12 2

الدّواب 4 :1 3

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل:دَبالنّمل يَدِب دبيبًا، و المَدِبّ: موضع دبيب النّمل.

ودَبالقوم يَدِبون دبيبًا إلى العَدُوّ، أي مشَوا على هِيْنَتِهم و لم يُسرعُوا.

و الدّيْدَبة: العُجْرُوف من النّمل؛ و ذلك أ نّه أوسع خَطْوًا و أعجَل نقلا .

و الدَّ بّابَة: آلة تُتّخَذ في الحروب يدخل فيها الرّجال بسلاحهم، ثمّ تُدفَع في أصل حِصْن فيَنقُبون و هم في جَوفِها.

و الدُّ بّة: لزوم حال الرّجل في فعاله. و تقول: رَكِب فلان دُ بّةَ فلان وأخَذ بدُ بّتِه أي يعَمَل بعَمَله و يركب طريقته.

والدُّب: من السِّباع مُضِرّ عاد؛ و الأُنثى: دُ بّة،

و الجميع: دِبَبَة.

و كلّ شيء ممّا خلَق الله يسمّى دابّة؛ و الاسم العامّ الدّا بّة لما يُركَب، و تصغيرها: دُوَيْبّة، الياء ساكنة و فيها إشمام من الكسرة، و كذلك كلّ ياء في التّصغير إذا جاء بعدها حرف مُثَقّل في كلّ شيء.

ودَيا بُوذ: ثَوبٌ له سَدّان. ويقال: هو كِساء، ليست بعربيّة، و هو بالفارسيّة دوبود فعُرّ بَتْ. (8 : 12)

سيبَوَيه: يقال للضّبُع : دباب ، يريدون دُ بّي، كما يقال: نزالِ و حذارِ. (الأزهريّ 14 : 77)

و الدَّ بّة: الّتي يُجعَل فيها البَزْر و الزّيت؛ و الجمع: دباب. (ابن سيده 9: 279)

أبو عمروالشّيبانيّ: أدبَبْتُ له ذاتَ الفقار،يعني العقرب. ( 1: 247)

ص: 687

الدَّ بُوب: الغار البعيد القَعْر.

الدَّ بّة من الرّمل: المستوية.[ثمّ استشهدبشعر]

(1 : 253)

دَ بْدَب الرّجل إذا جلب، و دَرْدَب إذا ضرب بالطّبل.

(الأزهَريّ 14 : 76)

أبوعُبَيْد: أرض مَدَ بّة: كثيرة الدَّ بَبَة؛ واحدها: دُب، و الأُنثى: دُ بّة. (الأزهَريّ 14 : 76)

ابن الأعرابيّ: الدَّ بّة: الكثيب، بفتح الدّال.

و دُ بّة الرّجل: طريقته من خير أو شرّ بالضّمّ.

يقال دَب إذا اختَبأ، و دَب إذا مشى، من قولهم:

< أكذَبُ مَنْ دَب و درَج >،فدَب: مشى، و درَج: مات و انقرض عقبه.

الدُّبادب و الجُباجِب: الكثير الصِّياح و الجَلَبَة.

[و استشهد بالشّعرمرّتين]

جمَل أدَب: كثير الدّ بَبِ، و قد دَب يَدِب دَ بَبًا،

و الدّ بَبُ: الشَّعر الّذي على وجه المرأة.

المِدْ بَبُ: الجمَل الّذي يمشي دَبادِب.

والدَّ بُوب: النّاقة السّمينة؛ وجمعها: دُ بُبٌ، و الدُّباب : مشيها. (الأزهريّ 14 : 75)

و الدَّ بّة: الكثيب من الرّمل؛ و الجمع: دِباب.

(ابن سيده 9 : 279)

ابن دُرَيْد:دَبيَدِب دَ بًّا و دبيبًا.

و مثَل من أمثالهم: < أعيَيْتِني من شُبٍّ إلى دُ ب>، أي من لَدُنْ أن شببت إلى أن دببت على العصا. المثَل على مخاطبة التّأنيث، و لك أن تفتح على مخاطبة التّذكير.

و الدُّ ب هذه الدّ ا بّة المعروفة، عربيّة صحيحة.

و في بني شيبان بطن يقال له: دُب، و هو دُب بن مُرّة بن شيبان، و هم قوم دَرِم الّذي يُضرَب به المثَل فيقال: < أودى دَرِم >. (1 : 26)

الأزهَريّ: قال ابن عبّاس:< اتّبعوا دُ بّة قريش و لاتفارقوا الجماعة >.

و الدَّ بّة: الموضع الكثير الرّمل، يُضرَب مثلا للأمر الشّديد: وقع فلان في دَ بّةمن الرّمل، لأنّ الجمل إذا وقع فيه تَعِب.

و دَ بَبْتُ أدِب دِبّةً خفيّة.

و الدّ بَبُ :الزّغب على الوجه.

و الدَّبيب: الزّحف على الوجه.

و معنى قولهم: < فلان أكذَبُ من دَب ودرَج > أي أكذَب الأحياء والأموات.

و في الحديث: < لايدخل الجنّة دَيبُوب و لاقَلاع > الدَّيبُوب: الّذي يَدِب بالنّميمة بين القوم، و هو كقوله(صلی الله علیه و آله): < لايدخل الجنّة قَتّات((1)).

و يقال : رجل دَ بُوب و دَيْبُوب: الّذي يجمع الرّجال و النّساء، سمّي دَيبُوبًا لأ نّه يَدِب بينهم و يستخفي.

و في الحديث: أنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) قال لنسائه: <ليت شعري أيّتُكُنّ صاحبة الجمَل الأدْ بَبِ تنبحَها كلابُ الحوأب >. قالوا: أراد بالأدْ بَبِ: الأدَب فأظهر التّضعيف، و هو الكثير الوَ بَر.

ص: 688


1- (1) و هو النّمّام.

و تصغير الدّا بّة دُوَيْبّة، الياء ساكنة، و فيها إشمام من الكسر، و كذلك كلّ ياء التّصغير إذا جاء بعدها حرف مُثقّل في كلّ شيء.

والمَدِب: موضع دبيب النّمل و غيره.

و دُب في بني شيبان، دُب بن مُرّة بن ذُهْل بن شيبان. [و استشهد بالشّعر مرّتين] (14 : 75)

الصّاحِب: دَب النّمل يَدِب دَبيبًا. و الشّرابُ يَدِب.

و القوم يَدِبّون في الحَرْب، إذا مشَوا على هِيْنَتِهم.

و المَدَب: موضع دَبِيْب النّمل.

و الدّ ا بّة: كلّ ما دَب.

والبِرْذَوْن: دا بّة، و تصغيرها دُوَيْبّة، و يقال: دَأبّة.

و سارَت الإبل دَ بَادَبى، أي دَبيبًا من ثِقَلِها.

و جاء يَسُوق دَ بَادَبى، أي شيئًا كثيرًا من المال. و جاء بِدَ بَادُ بَيان و بدَ بَادُ بَيّات. و في المثَل: < أعيَيْتني من شُبٍّ إلى دُ ب>. و يقولون: < أكْذَبُ مَنْ دَب و درَج > .

و دَ بَّتْ عقاربه، أي أذاه و شرّه.

و الدّ بّابَة: تُتّخَذ في الحروب. و الدُّ بّة: لزوم حال الرّجل في فَعاله، رَكِب دُ بّةَ فلان و أخَذ بدُ بّتِه، أي يعمَل بعَمِله.

و ما بالدّار دُ بِّيّ، أي أحد؛ و دِبِّيّ.

و جاء و هو د اعٍ دابّ. و ما بها دَ بّابَة، أي دا بّة.

و الدُّب: ضَرْب من السِّباع؛ و الأُنثى: دُ بّة،

و الجميع:دِ بَبَة.

و الدَّ بّة للبَزْر: معروفة، و الموضع الكثير الرّمل.

و الدَّ بَبُ: شَعْرُ وجه المرأة.

و الدّبيب من الشَّعْر: ما تراه مَسفُورًا به أسفل الشَّعْر في الجبين غير الوجه، دَ بّبَتِ المرأة قُصّتَها: رفَعَتْها عن الوجه.

و الدُّ ب من الإبل: ذوات الوَ بَر، جمَل أدَب: كثير الوَ بَر.

و ما أكثر دِبَبَةَ هذه الأرض: أي دوا بّها.

و الدُّ بادِب: الضّخم من الرّجال الكثير الجَلَبَة.

و الدَّ بْدَ بَة: صوت الكَمْأة تحت الأرض، و صوت البَطْن.

و الدَّ يْدَ بان: حمار الوحش، و الرّقيب، و كذلك الدَّيْدَب.

و الدَّيبُوب: الّذي يجمع بين الرّجال و النّساء، و في الحديث: < لايدخل الجنّة دَيبُوب >.

و الدَّ بُوب: النّحل.

و الدَّ بَب: ولد البقرة أوّل ما تلده؛ و الاثنان دَ بَبَان؛ و الجميع: دِبَاب.

و الدِّ باب: ثنايا من الأرض مِتَان تعترضللطّريق؛ الواحدة: دَ بّة.

و الدُّ بّاء: اليقطين، و في المثَل: < أغَرّ من الدُّ بّاء >.

و دَ بّاب: اسم مكان. ودُبُّ بن مُرّة بن ذُهْل.

(9 : 266)

الجَوهَريّ:دَبعلى الأرض يَدِب دبيبًا.

و كلّ ماش على الأرض دا بّة و دبيب.

و الدّ ا بّة: الّتي تُرْكَب.

و دا بّة الأرض: أحد أشراط السّاعة.

ص: 689

و قولهم: < أكْذَبُ مَن دب و دَرَجَ > أي أكذَبُ الأحياء و الأموات.

و دَب الشّيخ، أي مشى مشيًا رُوَيْدًا. و أدبَبْتُ الصّبيّ، أي حملته على الدّبيب.

و يقال: ما بالدّ ار دُ بِّيٌّ ودِبِّيٌّ، أي أحد.قال الكِسائيّ: هو من دبَبْتُ، أي ليس فيها من يَدِب، و كذلك ما بها دُعوِيٌّ و دُوريٌّ و طوريٌّ لايُتكلّم بها إلا في الجحد.

و دَ بَبُ الوجه: زَغَبُه.

و الدَّب من السّباع؛ و الأُنثى: دُ بّة.

و أرض مَدَ بّة، أي ذات دِبَبَة.

و مَدِب السّيل و مَدَ بُّه: موضع جَرْيه. يقال: تَنَحّ عن مَدِب السيل، و مَدَ بِّه و مَدِب النّمل وَ مَدَ بِّه؛ فالاسم مكسور، و المصدر مفتوح.

وكذلك < المَفْعَل >من كلّ ما كان على فعَل يَفعِل.

و الدَّ بّة: الّتي للدُّهْن، و الدَّ بّة أيضًا: الكثيب من الرّمل.

و دبَبْتُ دِبّة خَفِيّة، بالكسر.

و الدُ بّة بالضّمّ: الطّريق.يقال: دَعْني و دُ بّتي، أي دَعْني و طريقتي و سجيّتي.

و ناقة دَ بُوب: لاتكاد تمشي من كثرة لحمها، إنّما تَدِب.

و تقول: فعَلْتُ كذا مِن شُبَّ إلى دُبَّ، و إن شئت نَوَّ نْتَ، أي من الشّباب إلى أن دَبَبْتُ على العصا.

و الدّ بْدَ بَة: ضرب من الصّوت. [و استشهد بالشّعر مرّتين] (1 : 124)

ابن فارِس: الدّ ال و الباء أصل واحد صحيح مُنقاس، و هو حركة على الأرض أخَفّ من المشي. تقول:دَبدبيبًا. و كلّ ما مشى على الأرض فهو دا بّة.

و في الحديث: <لايدخل الجنّة دَيبُوب و لا قلاع>. يراد بالدّيبُوب: النّمّام الّذي يَدِب بين النّاس بالنّمائم، و القلاع: الّذي يمشي بالإنسان إلى سلطانه ليَقلَعَه عن مرتبة له عنده.

و يقال: ناقة دَ بُوب، إذا كانت لاتمشي من كثرة اللّحم إلا دبيبًا.

و يقال: ما بالدّار دِبِّيّ ودُ بِّيّ، أي أحد يَدِب. و يقال: طَعنَة دَ بُوب، إذا كانت تَدِب بالدّم.

و يقال رَكِب فلان دُ بّة فلان، و أخذ بدُ بّته، إذا فعَل مثل فعله، كأ نّه مشى مثل مشيه.

و الدُّ بّاء: القَرْع. و يجوز أن يكون شاذًّا، ومحتمل أن يكون سمّي بذلك لملاسّته، كأ نّه يَخِف إذا دُحْرِج.

و أمّا الدَّ بَب في الشَّعْر فمن باب الإبدال، لأنّ الدّ ال فيه مبدلة من زاء.

و الأدْ بَب من الإبل: الأزب. و في الحديث إن صحّ : < أيّتُكُنّ صاحبة الجمَل الأدْ بَب >.

و أمّا الدَّ بُوب، فيقال: إنّه الغار البعيد القَعْر. و ليس هذا بشيء. (2 : 263)

الهَرَويّ: في الحديث: < لايدخل الجنّة دَيبُوب > قيل: هو يَدُب بين النّاس بالنّميمة. يقال للرّجل إذا كان يسعى بين النّاس بالنّمائم: إنّه لتَدِب عقاربه.

و في الحديث: < نهى عن الدُّباء و الحَنْتَم > الدُّباء: القَرْعَة كانت ينتبد فيها فتَضْرَى.

ص: 690

و في الحديث:< ليت شعري أيّتُكُنّ صاحبة الجمل الأدْ بَب تنبحها كلاب الحَوْأب >، قيل: أراد الأدَب، فأظهر التّضعيف، و الأدَب الكثير الدّا بّة. يقال: جمل أدَب إذا كان كثير الدّبب. والدّبب: كثرة شعر الوجه و زَغَبُه.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث ابن عبّاس:< اتّبعُوا دُ بّة قريش و لاتفارقوا الجماعة > أي طريقته و مذهبه. يقال: سلك فلان دُ بّة فلان أي طريقته و مذهبه.

وفي الحديث:< وحملها على حمار من هذه الدّ بّابَة> أراد الحُمُر الضِّعاف الّتي تَدِب و لاتُسرع. (2 : 614)

ابن سيده: دَب النّمل ، و غيره من الحيوان ، يَدِب دَ بًّا ، ودَبيبًا: مشى على هَينَتِه. و قال ابن دُرَيْد : دَب دَبيبًا ، و لم يُفسّر و لاعبّر عنه.

وإنّه لخفيّ الدِّ بّة، أي الضّرب الّذي هو عليه من الدّبيب.

و دَب الشّراب في الجسم و الإناء يَدِب دَبيبًا : سَرَى.

ودَبالسُّقم في الجسم، و البِلَى في الثّوب، و الصّبح في الغَبَش، كلّه من ذلك.

ودَ بَّت عقاربه : سَرَت نمائمه و أذاه.

و الدَّ ا بّة : اسم لمادَبمن الحيوان ، مُميّزةً و غير مُميّزةً ...

و قوله تعالى : { مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِهَا مِنْ دَا بَّة } فاطر : 45. قيل : إنّما أراد العموم ، يدلّ على ذلك قول ابن عبّاس: < كاد الجُعَل يَهلِك في جُحْره بذَ نْب ابن آدم>. و لمّا قالت الخوارج لقَطرِيّ : اُخرُج إلينا يا دا بّة ، فأمرهم بالاستغفار، تَلَوُا الآية حجّة عليه.

وقد غلب هذا الاسم على ما يُركَب من الدّواب، و هو يقع على المذكّر والمؤنّث، وحقيقته الصّفة.

و ذكر عن رُؤبة أ نّه كان يقول: قرِّب ذاك الدّ ا بّة لِبرذَوْن له ، ونظيره من المحمول على المعنى قولهم: هذا شاة ...

و قالوا في المثَل: < أعيَيْتِني من شُبٍّ إلى دُ ب>، أي منذ شَبَبتِ إلى أن دَ بَبْتِ على العصا. ويجوز: من شُبَّ إلى دُبَّ، على الحكاية، و قد أنعَمتُ شرح هذه المسألة في الكتاب< المخصّص >.

ورجل دَيبُوب: نمّام،كأ نّه يَدِب بالنّمائم.

و قيل: دَيبُوب: يجمع بين الرّجال و النّساء، < فَيْعُول > من الدّبيب.

ودُ بّة الرّجل: طريقه الّذي يَدُبعليها.

و ما بها دُ بِّيّ و دِبِّيّ، أي ما بها أحد يَدِب.

وأدَب البلاد: ملأها عَدْلا ،فدَب أهلها: لما لبسوه من أمنه، و استَشعَروه من بركته و يمنه.

ومَدَب السّيل ومَدِبّه : مَجْراه.

و الدّ بّابة: الّتي تُتّخذ للحُروب ، ثمّ تُدفَع في أصل حِصْن، فيَنقُبون و هم في جوفها ، سمّيت بذلك لأ نّها تدفع فتَدِب.

والدَّبدَب: مَشْي العُجرُوف من النّمل، لأ نّها أوسع النّمل خَطْوًا، و أسرعها نقلا .

والدَّ بدَبة: كلّ سرعة في تقارب خَطْو.

والدُّ بّة: الحال.

و ركِبتُ دُ بّتَه ودُ بّه، أي لزمت حاله وطريقته،

ص: 691

و عملت عمله.

و الدُّ بالكُبْرى: من بنات نعش. و قيل: إنّ ذلك يقع على الكُبْرى والصّغرى، فيقال لكلّ واحدة منهما: دُبّ. فإذا أرادوا فصلهما قالوا: الدُّ بالأصغر، و الدُّ بالأكبر.

والدُّب: ضَرْب من السِّباع ، عربيّة صحيحة؛ و الجمع: أدباب ودِبَبَة، و الأُ نثى دُ بّة . و أرض مَدَ بّة: من الدِّ بَبَة.

و الدُّ بّاء: القَرْع؛ واحدته: دُ بّاءة . و قال اللِّحيانيّ: و ممّا تُؤخّذ به نساء الأعراب الرّجال: <أخّذتُه بدُ بّاء، مُملأ من الماء، معلّق بتِرْشاء ، فلايزال في تِمْشاء، وعينه في تِبْكاء >، ثمّ فسّره فقال: التِّرْشاء: الحَبْل و التِّمْشاء: المشي، و التِّبْكاء: البكاء.

و الدَّ بّة كالدُّ بّاء ، و منه قول الأعرابيّ: قاتل الله فلانة، كأنّ بطنها دَ بّة.

و الدَّ بُوب: السّمين من كلّ شيء.

و الدَّ بَب و الدّ بَيان: كثرة الشَّعَر و الوَ بَر. رجل أدب، و امرأة دَ بّاء و دَ بِبَة: كثيرة الشَّعَر في جبينها.

و بعير أدب: أزب.

فأمّا قول النّبيّ (صلی الله علیه و آله) : < ليت شعري أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدْ بَبِ، تخرج فتَنبَحُها كلاب الحَوْأب >، فإنّما أظهر فيه التّضعيف ليوازن به الحَوْأب.

و قيل: الدَّ بَب: الزّغب، هو الدَّ بّة أيضًا على مثال حَبّة؛ و الجمع: دَب، مثل حَب، حكاه كُراع، ولم يقل: الدَّ بّة: الزَّغَبَة بالهاء.

و قد سَمّوا دُ بًّا، و هو دُب بن مُرّ ة بن شَيْبان، وهم قوم دَرِمٍ الّذي يُضرَب به المثَل، فيقال: أودى دَرِمٌ و قد سمّي وبَرَة بن حَيْدان أبو كلب بن وبَرَة دُ بًّا.ودَ بُوب: موضع. و دَ بّاب: أرض.

و الدَّ بْدَ بَة: كلّ صوت أشبَه صوت وَقْع الحوافر على الأرض الصُّلبة.

والدَّ بْداب: الطّبل. [و استشهد بالشّعر 7 مرّات]

(9 : 279)

الرّاغِب: الدَب و الدّبيب: مشي خفيف، و يُستعمل ذلك في الحيوان، و في الحشرات أكثر، و يُستعمل في الشّراب و البِلَى، و نحو ذلك ممّا لاتُدرك حركته الحاسّة، و يُستعمل في كلّ حيوان و إن اختصّت في التّعارف بالفرس. [ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و قوله: { وَاِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ اَخْرَجْنَا لَهُمْ دَ ابَّةً مِنَ الاَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ } النّمل : 82، فقد قيل: إنّها حيوان بخلاف ما نعرفه،يختصخروجها بحين القيامة. و قيل: عنى بها الأشرار الّذين هم في الجهل بمنزلة الدّواب، فتكون الدّا بّة جمعًا اسمًا لكلّ شيء يَدِب، نحو: خائنة جمع خائن. و قوله: { اِنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللهِ } الأنفال : 22، فإنّها عامّ في جميع الحيوانات.

و يقال: ناقة دَ بُوب: تَدِب في مشيها لبُطئها، و ما بالدّار دُ بِّيّ، أي مَن يدب، و أرض مَدبُوبة: كثيرة ذوات الدّبيب فيها. (164)

نحوه الفيروزاباديّ. (بصائر ذوي التّمييز2 : 585)

الزّمَخْشَريّ: يقال في السّيف له أثر: كأ نّه مَدَب النّمل و مداب الذّرّ.

و زحفوا إلى الحِصْن بالدّ بّابات.

ص: 692

و ما أكثر دِبَبَة هذا البلد! و أرض مَدَ بّة.

و لهم دَ بْدَبة، أي جَلَبَة، و قد أجلَبوا و دَبدَبوا.

و من المجاز: دب الشّراب في عروقه.

و ما بالدّار دُ بِّيّ.

و هو يَدِب بين القوم بالنّمائم.

و دَ بّت عقاربه علينا.

و هو يدب علينا عقاربه .و يُحرّش علينا أقاربه.

و ركب دُ ب فلان و دُ بّة فلان، إذا أخذ طريقته.

ودَب الجدول، و أدَب إلى أرضه جدولا . [ثمّ استشهدبالشعر 3 مرّات] (أساس البلاغة : 125)

المَدينيّ: في حديث عمر وسُئل < كيف تصنعون بالحصون ؟ قال نتّخذ دبّابات، يدخل فيها الرّجال يحفرون>الدّ بّابة:جلد مرّبع يُقرَّب إلى الحصون، يدخل تحته الرّجال يَنقُبونها، يقيهم ممّا يُرمَون به من فوق، فإن جُعل مُكنّسًا كهيئة النّعش سمّي ضَبُورًا أو ضَبْرًا.

و في حديث: < عمل عنده عُليِّم يُدَ بّب > أي يدرُج على المشي رُوَيدًا. (1 : 635)

الفَيُّوميّ:دَبالصّغير يَدِب مِن باب < ضرب > دبيبًا ودَب الجيش دَبيبًا أيضًا، ساروا سيرًا ليّنًا.

وكلّ حيوان في الأرض دا بّة؛ وتصغيرها: دُوَ يْبَّة على القياس، وسُمِع: دُوَ ا بّة بقلب الياء ألفًا على غير قياس، وخالف فيه بعضهم فأخرج الطّيرمن الدّواب و رُدّ بالسّماع و هو قوله تعالى: { وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَ ا بَّة مِنْ مَاء } النّور : 45، قالوا: أي خلق الله كلّ حيوان مميّزًا كان أو غير مميّز. وأمّا تخصيص الفرس والبَغْل بالدّ ا بّة عند الإطلاق، فعُرف طارئ.

وتُطلق الدّ ا بّة على الذّكر والأُنثى؛ و الجمع: الدّواب.

والدُّ ب: حيوان خبيث؛ والأُنثى: دُ بّة، والجمع: دِبَبَة وزَ ان عِنَبَة.

والدّ بدَ بَة شِبْه طَبْل؛ والجمع: دَ بَادِب. (1 : 188)

الفيروزاباديّ:دَبيَدِب دَ بًّا و دبيبًا: مشى على هِينَته، و هو خفيّ الدِّ بّة كالجِلْسَة، و الشّراب، و السُّقم في الجسم.

و البِلَى في الثّوب: سرى، و عقاربه: سرَت نمائمه

و أذاه. و هو دَ بُوب و دَيبُوب، أو الدَّيبُوب: الجامع بين الرّجال و النّساء.

و الدّ ا بّة: مادَبمن الحيوان، و غلب على ما يُركَب، و يقع على المذكّر.

و دا بّة الأرض: من أشراط السّاعة، أو أوّلها، تخرج بمكّة من جبل الصّفا، ينصدع لها، و النّاس سائرون إلى منى، أو من الطّائف، أو بثلاثة أمكنة ثلاث مرّات، معهاعصا موسى، و خاتم سليمان،8، تَضرِب المؤمن بالعصا، و تطبع وجه الكافر بالخاتم، فينتقش فيه: هذا كافر.

و أكذَبُ مَندَبو درَج، أي الأحياء و الأموات.

و أد بَبْتُه: حملته على الدّبيب، و البلاد: مَلأتها عَدْلا فدَب أهلها.

و ما بالدّ ار دُ بّيّ، بالضّمّ ويُكسر: أحد.

و الدّيبُوب: النّمّام و القَوّاد، ومَدَب السّيل

و النّمل، و بكسر الدّال: مجراه؛ و الاسم: مكسور، و المصدر: مفتوح، و كذا < المَفْعَل > من كلّ ما كان على

ص: 693

فعَل يَفعِل.

و من شُبَّ إلى دُبَّ، بضمّهما و يُنَوّنان: من الشّباب إلى أندَبعلى العصا.

و طَعنَة دَ بُوب: تَدِب بالدّم. و جِراحَة دَ بُوب : يَدِب الدّم منها سيلا نًا.

و الأدَب: الجمَل الكثير الشَّعَر، و بإظهار التّضعيف جاء في الحديث: صاحبة الجمَل الأدْ بَب.

و الدّ بّابة، مشدّدةً: آلة تُتّخذ للحُروب، فتُدفَع في أصل الحِصْن، فيَنقُبون و هم في جوفها.

و الدَّبدَب: مشي العُجْرُوف من النّمل.

و الدُّ بّة، بالضّمّ: الحال و الطّريقة، كالدُّب، وموضع قُرْب بَدْر.

و بالفتح: ظرف للبَزْر و الزّيت، و الكثيب من الرّمل، أو الرّملة الحمراء، أو المستوية، أو الأرض المستوية، و الفَعْلَة الواحدة من الدّبيب؛ و الجمع: ككتاب، و الزّغَبُ على الوجه؛ و الجمع: دَب، و بَطّة من الزّجاج خاصّة.

و بالكسر: الدّبيب.

والدُّب، بالضّمّ: سَبُع معروف، و هي بهاء؛جمعه: أدباب ودِ بَبَة، كعِنبَة، و اسم، و الكُبرى من بنات نَعْشٍ، قيل: و الصّغرى أيضًا. فإن أُريد الفصل قيل: الدُّبالأصغر و الدُّبالأكبر.

و الدُّ بّاء: القَرْع، كالدَّ بّة، بالفتح؛ الواحدة بهاء.

والدَّ بُوب: الغار القعير، و السّمين من كلّ شيء، وموضع ببلاد هُذَيْل.

و الدّ بَب و الدّ بَبان، محرّكتين: الزّغَبُ، أو كثرة الشَّعَر، هو أدَب، و هي دَ بّاء، و دَبِبَة، كفَرِحَة.

و الدَّبدَبة: كلّ صوت، كوَ قْع الحافر على الأرض الصُّلبَة، والرّائب يُحلَب عليه، أو أخثَر ما يكون من اللّبن، كالدَّبدَ بَى، كجَحْجَبى.

و الدَّبداب: الطّبل.

و الدُّبادِب: الرّجل الضّخم، و الكثير الصّياح.

و كسحاب: جبَل لطّيّئ.

و ككتاب: موضع بالحجاز كثير الرّمل.

و كقَطام: دعاء للضّبُع، أي دِ بِيّ.

و كشدّاد:موضع، و اسم، و رَمْل. و كرُ بّى:موضع بالبصرة. و كسَبَب: ولد البقرة أوّل ما تلده. و دِبّى حَجَل، بالكسر: لُعْبَة لهم.

(1 : 67)

الطُّرَيحيّ : و دبّ ذلك في عروقه: سَرَى.

ودَبالجيش دبيبًا: سارسيرًا ليّنًا،و منه دبيب النّمل .

و <دَبإليكم داء الأُمم الماضية > : يريد الحسد.

و الدّ بّة بفتح المهملة وتشديد الموحّدة: وعاء يوضع فيه الدُّهن و نحوه.

و الدُّ ببضمّ المهملة و تشديد الموحّدة: حيوان خبيث يُعدّ من السّباع، و الأُنثى دُ بّة ، و الجمع دِ بَبَة كعِنَبة. (2 : 55)

مَجْمَعُ اللُّغة:دَبيَدِب دَ بًّا و دبيبًا: مشى على هِينَته.

و الدّ ا بّة: اسم لكلّ حيوان، ذكرًا كان أو أُنثى، عاقلا أو غير عاقل، و غلب على غير العاقل.

(1 : 377)

ص: 694

العَدْنانيّ: الدّ ا بّة

و يقولون: الحُوت دا بّة بحريّة، والصّواب: حيوان بحريّ، لأنّ الدّ ا بّة هي كلّ ما يَدِب على الأرض، و قد غلب على ما يُركَب من الحيوان، كما يقول معجم ألفاظ القرآن الكريم: اسم لكلّ حيوان، و ابن الأعرابيّ: < دَب: مشى >.

و التّهذيب: < دَب: مشى>، و الصّحاح، و معجم مقاييس اللُّغة، و المحكم، و المختار، واللّسان: < كلّ ماش على الأرض >، و المصباح، و القاموس:< ما يمشي على هِينَته من الحيوان >، و التّاج، و المدّ، و محيط المحيط، و أقرب الموارد.

و ذُكرت الدّ ا بّة مرارا في آي الذّكر الحكيم، فشملت أحيانًا الإنسان و غيره، كقوله تعالى في الآية السّادسة من سورة هود: { وَمَا مِنْ دَ ا بَّة فِى الاَرْضِ اِلاعَلَى اللهِ رِزْ قُهَا } و في الآية : 22، من سورة الأنفال: { اِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِالصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذينَ‘ لا يَعْقِلُونَ } و في الآية : 38، من سورة الأنعام: { وَمَا مِنْ دَابَّة فِى الاَرْضِ وَ لا طَائِر يَطيرُ‘ بِجَنَاحَيْهِ } استثنى الطّير.

و في الآية : 18، من سورة الحجّ: { وَ الشَّمْسُ

وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبَالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَ ابُّ وَ كَثيرٌ‘ ‘مِنَ النَّاسِ } لم يشمل الإنسان.

و في الآية : 28، من سورة فاطر: { وَمِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَ ابِّ وَ الاَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ اَلْوَانُهُ كَذلِكَ } استثنى الإنسان و الأنعام.

وفي الآية : 45، من سورة النّور: { وَ اللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشى‘ عَلى بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشى‘ عَلى رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشى‘ عَلى اَرْ بَعٍ } استثنى الأسماك الّتي تَسْبَح و لاتمشي، والحيوانات البَرْمائيّة طبعًا كالسّلاحف و التّماسيح.

و يقول أبو عُبَيْدَة: إنّ القرآن يعني بالدّ ا بّة: الإنسان أيضًا.

و أخرج بعضهم الطّير من الدّواب، لأ نّه لايمشي دائمًا على الأرض.

و يقول معجم مقاييس اللُّغة: إنّ الدّ ا بّة هي كلّ ما مشى على الأرض، و الأسماك لاتمشي. و يقول التّاج: إنّها اسم ما دبّ مشى من الحيوان، والفعل دَبليس من معانيه: سَبَح.

و لكنّ الرّاغِب الأصفهانيّ يقول في < مفرداته >: إنّ الدّا بّة تشمل جميع الحيوانات، و الأسماك حيوانات. و لكنّه يقول أيضًا: الدَب و الدّبيب: المشي الخفيف، و السّباحة لايمكن أن تسمّى مشيًا.

و هذا الاختلاف في المعاني الّتي تؤدّيها كلمة دا بّة، يجعلني أرى أن تشمل كلّ الحيوانات الّتي تَدِب على الأرض، و منها الإنسان الحيوان النّاطق، و يستثنى منها الطّير ، و الأسماك، و الحيوانات البَرْمائيّة.

هذه دا بّة، هذا دا بّة

و يخطّئون من يقول: هذا الدّ ا بّة قويّ، ظنًّا منهم أنّ التّاء المربوطة فيها هي للتّأنيث، و لايؤيّد رأيهم هذا سوى ابن الأثير، الّذي اكتفى بتأنيث الدّ ا بّة في <النّهاية>.

والحقيقة هي أنّ كلمة < الدّ ا بّة > تُؤنّث و تذكّر،

ص: 695

كما يقول معجم ألفاظ القرآن الكريم، والصّحاح، و المحكم، و المختار، واللّسان، و المصباح، و القاموس، و التّاج، والمدّ، و محيط المحيط، و المتن، و الوسيط.

و قد قال الصّحاح و المختار: إنّ كلّ ماشٍ على الأرض دا بّة، و هذا ينطبق على المؤنّث و المذكّر كليهما. و قال معجم ألفاظ القرآن الكريم: إنّ كلمة الدّ ا بّة تغلب على غير العاقل.

و هنالك من اكتفى بتذكير الدّا بّة مثل: رُؤبة بن العجّاج، الّذي قال: قرِّب ذلك الدّ ا بّة ، و معجم مقاييس اللّغة الّذي قال في مادّة < س ي ب > :سَيّبتُ الدّ ا بّة: تركته حيث شاء، و مفردات الرّاغِب الأصفهانيّ في مادّة < ش و ر >: شِرتُ الدّ ا بّة: استَخرَجت عَدْوَه، و أقرب الموارد الّذي قال: إنّ الهاء في الدّا بّة هي للوحدة كما في الحمامة.

دَب السُّقم في الجسم و إلى الجسم

و يخطّئون من يقول:دَبالسُّقم إلى الجسم، و يقولون: إنّ الصّواب هو:دَبالسُّقم أو الشّراب في الجسم، والبِلَى في الثّوب، و الصّبح في الغَبَش < مجاز.> أي سَرَى، و يعتمدون على ما جاء في التّهذيب، و المحكم، والأساس: دَبالشّراب في عروقه < مجاز > واللّسان، و القاموس، و التّاج ، و المدّ، و المتن، و الوسيط.

ولكنّ اللّسان و التّاج قالا أيضًا: <دَبالقوم إلى العدوّ دَبيبًا: إذا مشَوا على هِينَتِهم لم يُسرعوا.>.

والمجاز هنا يُبيح لنا أن نقول:دَبالسّقم إلى الجسم، و البِلَى إلى الثّوب ، و الشّراب إلى العروق، لأ نّها أعداء للجسم و الثّوب و العروق، كما يَدِب القوم إلى عدّوهم.

أمّادَ بّتْ عقاربه فتعني: سَرَتْ نمائمه و أذاه. و نقول أيضًا: يَدِب بين النّاس بالنّمائم، فهو: دَ بُوب و دَيبُوب مجاز.

ودَبالشّيخ: مشى مشيًا رُوَيدًا. قال الشّاعر:

زعَمتَني شيخًا، و لستُ بشيخ

إنّما الشّيخ من يَدِب دبيبًا

أمّا فعله فهو:دَبيَدِب دَ بًّا، و دبيبًا، ومَدَ بًّا، و دَ بَبًا.

لذا قُل:

أ دَبالسُّقم في جسمه.

ب دَبالسُّقم إلى جسمه < مجاز>. (211)

محمود شيت:الدُّب: حيوان من السّباع اللّواحم كبير ثقيل، يمشي على أخمَص أقدامه،جمعه: دِباب، و دَبِبَة

الدّ بّابة: آلة تُتّخذ للحرب و هَدْم الحُصُون. وتُطلق في الحرب الحديثة على سيّارة غليظة مصفّحة، تهجم على صفوف العدوّ، و تُرمى منها القذائف.

والدّبيب: كلّ ما يَدِ بّ على الأرض.

الدّ ا بّة: ما يُركَب من الحيوانات أو يُحمل عليه الأثقال.

والدّ ا بّة: من نقليّة الجيش للقطعات الجبليّة.

الدّ بّابة: سيّارة مدَرّعَة بدروع سميكة، تحمل الأسلحة الثّقيلة و الخفيفة، لمهاجمة مواضع العدوّ المُحَصّنة؛ جمعها: دَ بّابات.

(1 : 233)

ص: 696

المُصْطَفَويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الحركة اللّيّنة الخفيفة، و يقرب من المفهوم المعبّر عنه بالفارسيّة ب < جنبيدن >.

فالدّ ا بّة تعمّ جميع أنواع الحيوان من الإنسان و الأنعام و الحشرات والطّير، أي كلّ ذي حياة له حركة مّا من أيّ نوع.و قد تُطلق على ما يقابل الطّير كما في: { وَمَا مِنْ دَ ا بَّة فِى الاَرْضِ وَ لاطَائِر يَطيرُ‘ بِجَنَاحَيْهِ } الأنعام : 38، و قد تُطلق على ما يقابل الإنسان كما في { وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَ ابُّ وَ كَثيرٌ ‘مِنَ النَّاسِ } الحجّ : 18، و قد تُطلق على ما يقابل النّاس و الأنعام كما في { وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَ ابِّ

وَ الاَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ اَ لْوَ ا نُهُ } فاطر : 28.

و أمّا الإطلاق العامّ، كما في: { وَكَاَ يِّنْ مِنْ دَ ا بَّة لا تَحْمِلُ رِزْ قَهَا اَللهُ يَرْزُ قُهَا وَ اِيَّاكُمْ } العنكبوت : 60، فيراد كلّ حيوان غير الإنسان. و قوله تعالى:{ اِنَّ شَرَّ الدَّوَ ابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذينَ‘ كَفَرُوا } الأنفال : 55،{ وَ بَثَّ فيهَا‘ مِنْ كُلِّ دَابَّة} البقرة : 164، { وَمَا مِنْ دَ ابَّة فِى الاَرْضِ اِلا عَلَى اللهِ رِزْ قُهَا } هود : 6، فيراد جميع أنواع الحيوان.

و أمّا اختلاف التّعبير: فإنّ النّظر في بعض الموارد إلى مطلق ما كان ذا حياة و له حركة في مقابل الجماد و النّبات، فيراد منه حينئذ مطلق ما يرادف الحيوان. و قد يكون النّظر إلى ما يمشي في الأرض و يدب فيها، و يكون الملحوظ هذه الجهة، فيقابل الطّير: الدّ ا بّة المتحرّكة في جوّ السّماء. و قد يكون النّظر إلى جهة كونه دابّة في مقابل الإنسان العاقل. و قد يكون المنظور إلى كونه من الحيوان ضعيفًا و الملحوظ هذه الجهة، فيقابل الأنعام، و الله أعلم.

فظهر اللّطف في هذه التّعابير المختلفة. (3 : 172)

النُّصوص التّفسيريّة

1 وَ بَثَّ فيهَا‘ مِنْ كُلِّ دَ ا بَّة وَ تَصْريفِ الرِّ يَاحِ وَ السَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الاَرْضِ لا يَات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. البقرة : 164

ابن عبّاس: ذكر و أُنثى. (22)

يريد كلّ مادَبعلى وجه الأرض من جميع الخلق من النّاس و غيرهم. (الخازن 1 : 115)

نحوه أبوالسُّعود. (1 : 225)

السُّدّيّ: أي من كلّ خلق. (136)

الطّبَريّ: والدّ ا بّة: اسم لكلّ ذي روح كان غير طائر بجناحيه، لدبيبه على الأرض. (2 : 69)

الماوَرْديّ: يعني جميع الحيوان الّذي أنشأه فيها، سمّاه دا بّة لدبيبه عليها. (1 : 217)

الطُّوسيّ: دالّ على أنّ لها صانعًا مخالفًا لها مُنعمًا بأنواع النّعم. (2 : 55)

ابن عَطيّة: دا بّة: تجمع الحيوان كلّه، و قد أخرج بعض النّاس الطّير من الدّواب و هذا مردود.

(1 : 233)

القُرطُبيّ: و دا بّة: تجمع الحيوان كلّه، و قد أخرج بعض النّاس الطّير، و هو مردود، قال الله تعالى: { وَ مَا مِنْ دَابَّة فِى الاَرْضِ اِلا عَلَى اللهِ رِزْ قُهَا } هود : 6، فإنّ

ص: 697

الطّير يَدِب علىرجليه في بعض حالاته. (1 : 196)

البَيْضاويّ: فإنّ الدّواب ينمون بالخِصْب و يعيشون بالحياة. (1 : 93)

الخازن: يريد كلّ مادَبعلى وجه الأرض من جميع الخلق من النّاس و غيرهم. و الآية في ذلك أنّ جنس الإنسان يرجع إلى أصل واحد و هو آدم، ثمّ ما فيهم من الاختلاف في الصّور و الأشكال و الألوان و الألسنة و الطّبائع و الأخلاق و الأوصاف إلى غير ذلك، ثم ّيقاس على بني آدم سائر الحيوان. (1 : 115)

أبوحَيّان: الدّ ا بّة: اسم لكلّ حيوان، و رُدّ قول من أخرج منه الطّير بقول علقمة :

كأ نّهم صابت عليهم سحابة

صواعقها لطيرهنّ دبيب

وبقول الأعشى:

* دبيب قطا البطحاء في كلّ منهل *

و فعله:دَب يَدِب، و هذا قياسه لأ نّه لازم، وسُمع فيه يَدُببضمّ عين الكلمة. و الهاء في الدّا بّة للتّأنيث: إمّا على معنى نفس دا بّة، و إمّا للمبالغة، لكثرة و قوع هذا الفعل، و تطلق على الذّكر و الأُنثى.

(1 : 455)

الشِّربينيّ: و بثّ فيها من كلّ دا بّة، لأنّ الدّواب ينمون بالخِصْب و يعيشون بالحيا، أي المطر.

(1 : 109)

ابن عاشور: ف ( مِنْ )في قوله: { مِنْ كُلِّ دَ ا بَّة } بيانيّة، و هي في موضع الحال ظرف مستقرّ ، و إن جعلته عطفًا على المعطوف على الصّلة و هو { اَحْيَا } ف ( مِنْ )في قوله: { مِنْ كُلِّ دَ ا بَّة } تبعيضيّة و هي ظرف لغو، أي أكثر فيها عددًا من كلّ نوع من أنواع الدّواب،بمعنى أنّ كلّ نوع من أنواع الدّواب ينبثّ بعض كثير من كلّ أنواعه، فالتّنكير في { دَ ا بَّة } للتّنويع أي أكثر الله من كلّ الأنواع لايختص ذلك بنوع دون آخر. [إلى أن قال:]

و بثّ الدّواب على وجه عطفه على فعل { اَنْزَلَ } هو خلق أنواع الدّواب على الأرض، فعبّر عنه بالبث لتصوير ذلك الخلق العجيب المتكاثر، فالمعنى و خلق فبث ّفيها من كلّ دا بّة.

و على وجه عطف { وَ بَثَّ } على { فَاَحْيَا } فبثّ الدّواب: انتشارها في المراعي بعد أن كانت هازلة جاثمة، و انتشار نسلها بالولادة، و كلّ ذلك انتشار و بثّ. (2 : 82)

لاحظ: ب ث ث: <بَثَثَ>.

2 وَ مَا مِنْ دَ ابَّة فِى الاَرْضِ وَ لا طَائِر يَطيرُ بِجَنَاحَيْهِ اِلا اُمَمٌ اَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِنْ شَىْءٍ ثُمَّ اِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ. الأنعام : 38

الطُّوسيّ: ابتدأ الله تعالى بهذه الآية، فأخبر بشأن سائر الخلق، و بإزاحة علّة عباده المكلّفين في البيان، ليُعجب عباده في الآية الّتى تبيّنها منالكفّار و ذهابهم عن الله تعالى،فقال: { وَ مَا مِنْ دَ ا بَّة فِى الاَرْضِ وَ لا طَائِر يَطيرُ‘ بِجَنَاحَيْهِ} فجمع جمع الخلق بهذين اللّفظين لأنّ جميع الحيوان لايخلو من أن يكون ممّا يطير بجناحيه أو يَدِب. (4 : 136)

الطَّبْرِسيّ: لمّا بيّن سبحانه أ نّه قادر على أن

ص: 698

يُنزِّ ل آية، عقّبه بذكر ما يدلّ على كمال قدرته، و حسن تدبيره و حكمته، فقال: { وَ مَا مِنْ دَ ا بَّة فِى الاَرْضِ } أي ما من حيوان يمشي على وجه الأرض { وَ لا طَائِر يَطيرُ‘ بِجَنَاحَيْهِ } جمع بهذين اللّفظين جميع الحيوانات، لأ نّها لاتخلو: إمّا أن تكون ممّا يطير بجناحيه، أو يدب. (2 : 7)

نحوه البَيْضاويّ. (1 : 309)

الفَخْر الرّازيّ: ما الفائدة في تقييد الدّ ا بّة بكونها في الأرض؟

و الجواب من وجهين:

الأوّل: أ نّه خص ما في الأرض بالذّكر دون ما في السّماء احتجاجًا بالأظهر، لأنّ ما في السّماء و إن كان مخلوقًا مثلنا فغير ظاهر.

و الثّاني: أنّ المقصود من ذكر هذا الكلام أنّ عناية الله تعالى لمّا كانت حاصلة في هذه الحيوانات، فلو كان إظهار المعجزات القاهرة مصلحة لما منع الله من إظهارها.

و هذا المقصود إنمّا يتمّ بذكر من كان أدون مرتبة من الإنسان، لابذكر من كان أعلى حالا منه، فلهذا المعنى قيّد الدّ ا بّة بكونها في الأرض. (12 : 212)

نحوه النَّيسابوريّ. (7 : 102)

القُرطُبيّ: و { دَ ا بَّة } تقع على جميع ما دبّ، و خص بالذّكر ما في الأرض دون السّماء لأ نّه الّذي يعرفونه و يعاينونه. (6 : 420)

أبوالسُّعود: كلام مستأنف مسوق لبيان كمال قدرته عزّ و جلّ، و شمول علمه و سعة تدبيره، ليكون كالدّليل على أ نّه تعالى قادر على تنزيل الآية، و إنمّا لايُنزّلهامحافظة على الحِكَم البالغة و زيادة( مِنْ ) لتأكيد الاستغراق، و هي متعلّقة بمحذوف هو و صف للدّ ا بّة مفيد لزيادة التّعميم، كأ نّه قيل: و ما فرد من أفراد الدّواب يستقرّ في قُطر من أقطار الأرض.

(2 : 379)

الآلوسيّ: كلام مستأنف مسوق كما قال الطَّبْرِسيّ و غيره ، لبيان كمال قدرته عزّ و جلّ و حسن تدبيره و حكمته، و شمول علمه سبحانه و تعالى. فهو كالدّليل على أ نّه تعالى قادر على الإنزال. و إنّما لايُنزل محافظة على الحِكَم الباهرة .

و قيل: إنّه دليل على أ نّه سبحانه و تعالى قادر على البعث و الحشر؛ و الأوّل أنسب. و زيدت ( مِنْ ) تنصيصًا على الاستغراق.

و الدّ ا بّة ما يدب على الأرض من الحيوان و أصله من دَبيَدِب دبيبًا، إذا مشى مشيًا فيه تقارب خَطْو و الجارّ و المجرورمتعلّق بمحذوف أو مجرور أو مرفوع وقع صفة لدابّة، و وُصفت بذلك لزيادة التّعميم، كأ نّه قيل: و ما من فرد من أفراد الدّواب يستقرّ في قُطر من أقطار الأرض وجهها أو جوفها. (7 : 142)

ابن عاشور: إنّ لها خصائص لكلّ جنس و نوع منها، كما لأُمم البشر خصائصها، أي جعل الله لكلّ نوع ما به قوامه، و ألهمه اتّباع نظامه، و أنّ لها حياة مؤجّلة لامحالة. (6 : 86)

الطَّباطَبائيّ: الدّا بّة: كلّ حيوان يدب على الأرض، و قد كثر استعماله في الفرس. و الدَب بالفتح،

ص: 699

و الدّبيب هو المشي الخفيف. (7 : 72)

مكارم الشّيرازيّ: الدّ ا بّة: من دبّ، و الدّبيب: المشي الخفيف، و يُستعمل ذلك في الحيوان و الحشرات أكثر. و قد ورد في الحديث: < لايدخل الجنّة ديبُوب > و هو النّمّام الّذي يمشي بين النّاس بالنّميمة. (4 : 255)

3 وَ مَا مِنْ دَ ا بَّة فِى الاَرْضِ اِلا عَلَى اللهِ رِزْ قُهَا وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَ مُسْتَوْدَ عَهَا كُلٌّ فى كِتَاب مُبين‘. هود : 6

ابن عبّاس: كلّ دا بّة. (الطّبَريّ7 : 3)

أبو عُبَيْدَة: كلّ آكل فهو دا بّة، و مجازه: { وَ مَا مِنْ دَ ا بَّة فِى الاَرْضِ } ، و ( مِنْ ) من حروف الزّوائد.

(1 : 285)

الطّبَريّ: و ما تدب دا بّة في الأرض. (7 : 3)

النّحّاس: يقال لكلّ ما دب من النّاس و غيرهم: داب، و دا بّة على المبالغة تأنيث على الصّفة و الخلقة.

(3 : 331)

الثّعلبيّ: { وَ مَا مِنْ دَ ا بَّة } من بَغْلة و ليس د ا بّة، و هي كلّ حيوان دبّ على وجه الأرض.و قال بعض العلماء: كلّ ما أكل فهو دا بّة. (5 : 157)

نحوه البغَويّ. (2 : 440)

الطُّوسيّ: و الدّ ا بّة: الحيّ الّذي من شأنه أن يدب. يقال:دَبيدب دبيبًا وأدبّه إدبابًا، غيرأ نّه صار بالعرف عبارة عن الخيل و البراذين دون غيرها من الحيوان. (5 : 517)

ابن عَطيّة: و الدّ ا بّة: ما دب من الحيوان، و المراد: جميع الحيوان الّذي يحتاج إلى رزق، و يدخل في ذلك الطّائر و الهوامّ و غير ذلك، كلّها دواب. [ثمّ استشهد بشعر] (3 : 151)

نحوه الطَّبْرِسيّ (3 : 144) و البُرُوسَويّ (4 : 95).

الفَخْرالرّازيّ: قال الزّجاج: الدّ ا بّة اسم لكلّ حيوان، لأنّ الدّ ا بّة اسم مأخوذ من الدّبيب، و بيّنت هذه اللّفظة على هاء التّانيث، و أُطلق على كلّ حيوان ذي روح ذكرً ا كان أو أُنثى، إلا أ نّه بحسب عرف العرب اختصّ بالفرس، و المراد بهذا اللّفظ في هذه الآية: الموضوع الأصليّ اللُّغويّ، فيدخل فيه جميع الحيوانات، وهذا متّفق عليه بينالمفسّرين.

(17 : 185)

نحوه الآلوسيّ. (12 : 2)

الخازن: الدّ ا بّة: اسم لكلّ حيوان دبّ على وجه الأرض، و أُطلق لفظ الدّ ا بّة على كلّ ذي أربع من الحيوان على سبيل العُرف و المراد منه الإطلاق، فيدخل الآدميّ و غيره من جميع الحيوانات.

(3 : 178)

الطَّباطَبائيّ: الدّ ا بّة على ما في كتب اللُّغة : كلّ ما يدب و يتحرّ ك، و يكثر استعماله في النّوع الخاص منه. و قرينة المقام تقتضي كون المراد منه: العموم، لظهور أنّ الكلام مسوق لبيان سعة علمه تعالى. (10 : 148)

عبد الكريم الخطيب: و الدّ ا بّة: كلّ مادب على الأرض من كائنات حيّة، من الحشرات و الهوامّ إلى الإنسان. و اختصاص دواب الأرض بالذّكر، لأ نّها هي الّتي تشاركنا الحياة على هذه الأرض، و هي الّتي

ص: 700

تقع لحواسّنا و مدركاتنا، و هي الّتي تحتاج إلى ما يمسك عليها حياتها، من طعام و شراب، و مأوى و نحو هذا.

(6 : 1105)

4 وَ الله ُخَلَقَ كُلَّ دَ ا بَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشى‘ عَلى بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشى‘ عَلى رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشى‘ عَلى اَرْ بَعٍ. النّور : 45

الزّجّاج: دا بّة: اسم لكلّ حيوان مميّز و غيره.

فلمّا كان لما يعقل ولما لايعقل قال: { فَمِنْهُمْ }، ولو كان لما لايعقل لقيل: فمنها أو منهنّ. (4 : 50)

الواحديّ: يعني كلّ حيوان يشاهد في الدّنيا، و لايدخل الجنّ و الملائكة، لأ نّا لانشاهدهم.

(3 : 324)

نحوه البغَويّ (3 : 423)، و الطَّبْرِسيّ (4 : 148).

المَيْبُديّ: [نحو الواحديّ] و قيل: يريد به جميع المخلوقات، و أصل جميع الخلق من الماء. (6 : 556)

الزّمَخْشَريّ: و لمّا كان اسم الدّ ا بّة موقعًا على المميّز وغير المميّز غُلّب المميَّز فأعطى ما وراءه حكمه، كأنّ الدّواب كلّهم مميّزون، فمن ثمّة قيل: { فَمِنْهُمْ}.

(3 : 71)

ابن عَطيّة: و الدّ ا بّة كلّ من يدب من الحيوان، أي تحرّ ك منتقلا أمامه قدمًا، و يدخل فيه الطّير إذ قد يدب، و منه قول الشّاعر:

* دبيب قطا البطحاء في كلّ منهل *

و يدخل فيه الحوت، و في الحديث: < دا بّة من البحر مثل الظّرب >. (4 : 190)

الفَخْر الرّازيّ: إنّ المراد من الدّ ا بّة: الّتي تدب على وجه الأرض و مسكنهم هناك، فيخرج عنه الملائكة و الجنّ. و لمّا كان الغالب جدًّ ا من هذه الحيوانات كونهم مخلوقين من الماء: إمّا لأ نّها متولّدة من النّطفة، و إمّا لأ نّها لاتعيشإلا بالماء، لاجرم أُطلق لفظ الكلّ تنزيلا للغالب منزلة الكلّ. (24 : 16)

ابن عَرَبيّ: { وَ اللهُ خَلَقَ كُلَّ دَ ا بَّة } من أصناف دواب الدّواعي الّتي تدب في أراضي النّفوس، و تبعثها إلى الأفعال من ماء مخصوص، أي علم مناسب لتلك الدّاعية المتولّدة منه، فإنّ منشأ كلّ داعية إدراك مخصوص. (2 : 149)

القُرطُبيّ: و الدّ ا بّة: كلّ ما دب على وجه الأرض من الحيوان. يقال:دَبيدب فهو دابّ، و الهاء للمبالغة. [إلى أن قال:]

{ دَ ا بَّة } تشمل من يعقل و ما لايعقل، فغلّب من يعقل لمّا اجتمع مع من لايعقل، لأ نّه المخاطب و المتعبّد، و لذلك قال: { فَمِنْهُمْ }. (12 : 291)

نحوه أبوالسُّعود. (4 : 473)

أبوحَيّان: [نحو ابن عَطيّة و أضاف:]

و اندرج في { كُلَّ دَ ا بَّة } المميّز و غيره، فسهل التّفصيل ب( مَنْ ) الّتي لمن يعقل و ما لايعقل إذا كان مندرجًا في العامّ، فحكم له بحكمه، كأنّ الدّواب كلّهم مميّزون. (6 : 465)

البُرُوسَويّ: الدّب و الدّبيب: مشي خفيف، و يستعمل ذلك فى الحيوان و في الحشرات أكثر كما في < المفردات >. و الدّ ا بّة هنا ليست عبارة عن مطلق ما

ص: 701

يمشي و يتحرّ ك، بل هي اسم للحيوان الّذى يَدِب على الأرض و مسكنه هنالك، فيخرج منها الملائكة و الجنّ، فإنّ الملائكة خُلقوا من نور و الجنّ من نار.

و قال في< فتح الرّحمان > خَلْق كلِّ حيوان يُشاهَد في الدّنيا، و لايدخل فيه الملائكة و الجنّ، لأ نّا لانشاهدهم، انتهى. و المعنى خَلْق كلّ حيوان يدب على الأرض. (6 : 167)

الآلوسيّ: أي كلّ حيوان يدب على الأرض، و أدخلوا في ذلك الطّير و السّمك. و ظاهر كلام بعض أئمّة التّفسير: أنّ الملائكة و الجنّ يدخلون في عموم الدّابّة، و لعلّها عنده كلّ ما دب و تحرّك مطلقًا، و معظم اللُّغويّين يفسّرها بما سمعت. و التّاء فيها للنّقل إلى الاسميّة لاللتّأنيث. و قيل: دا بّة: واحد داب كخائنة و خائن. (18 : 192)

حجازي: الدّ ا بّة: اسم لكلّ ما دب و درَج على وجه الأرض، و قد يُستعمل في العرف العام؛ خاصّة بذوات الأربع.

المعنى: و الله سبحانه و تعالى خلق كلّ دا بّة تدب على الأرض، من إنسان و حيوان و طير، و وحش، و غيرها. خلق كلّ ذلك من ماء. (18 : 70)

5 وَ اِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ اَخْرَجْنَا لَهُمْ دَ ا بَّةً مِنَ الاَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ اَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِايَاتِنَا لايُوقِنُونَ.

النّمل : 82

النّبيّ (صلی الله علیه و آله) : [ذكر الدّ ا بّة، فقيل:] يا رسولالله، من أين تخرج؟

قال: من أعظم المساجد حرمةً على الله، بينما عيسى يطوف بالبيت و معه المسلمون، إذ تضطرب الأرض تحتهم تَحَرُّ ك القنديل، و ينشقّ الصّفا ممّا يلي المسعى، و تخرج الدّ ا بّة من الصّفا، أوّل ما يبدو رأسها مُلمَّعَة ذات وَ بَر و ريش، لم يدركها طالب، و لن يفوتها هارب، تَسِم النّاسَ: مؤمن و كافر. أمّا المؤمن فتترك وجهه كأ نّه كوكب دُرّيّ، و تُكتَب بين عَينَيْه مؤمن، و أمّا الكفّار فتنكت بين عَينَيْه نُكتة سوداء: كافر.

[و في رواية أُخرى عنه:]

تخرج الدّ ا بّة معها خاتم سليمان و عصا موسى، فتجلو وجه المؤمن بالعصا، و تختم أنف الكافر بالخاتم، حتّى أنّ أهل البيت ليجتمعون، فيقول هذا: يا مؤمن، و يقول هذا: يا كافر. (الطّبَريّ10 : 15)

إنّه يكون للدّ ا بّة ثلاث خرجات من الدّهر، فتخرج خروجًا بأقصى المدينة، فيفشو ذكرها في البادية، و لايدخل ذكرها القرية: يعني مكّة، ثمّ تمكث زمانًا طويلا ثمّ تخرج خرجة أُخرى قريبًا من مكّة، فيفشو ذكرها في البادية، و يدخل ذكرها القرية: يعني مكّة، ثمّ سار النّاس يومًا في أعظم المساجد على الله عزّ و جلّ حرمةً و أكرمها على الله يعني المسجد الحرام، لم ترعهم إلا و هي في ناحية المسجد تدنو و تدنو، كذا ما بين الرّكن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من ذلك، فيرفض النّاس عنها، و يثبت لها عصابة عُرفوا أ نّهم لن يُعجزوا الله، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التّراب، فمرّت بهم فجَلَت عن وجوههم حتّى تركتها كأ نّها الكواكب الدّ رّ يّة، ثمّ

ص: 702

ولّت في الأرض لايدركها طالب و لايُعجزها هارب، حتّى أنّ الرّجل ليقوم فيتعوّذ منها بالصّلاة، فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان الآن تُصلّي، فيُقبل عليها بوجهه فتَسِمه في وجهه، فيتجاور النّاس في ديارهم و يصطحبون في أسفارهم و يشتركون في الأموال، يعرف الكافر من المؤمن، فيقال للمؤمن: يا مؤمن، و للكافر: يا كافر. (الطَّبْرِسيّ 4 : 234)

تخرج من شعب أجياد. ( ابن الجَوْزيّ 6 : 190)

الإمام عليّ(علیه السلام): إنّها تخرج ثلاثة أيّام، و النّاس ينظرون فلايخرج إلا ثلثها. الزّمَخْشَريّ 3 : 160)

إنّه صاحب العصا و الميسم. (الطّبَريّ 4 : 234)

الإمام الحسَن:(علیه السلام): لايتمّ خروجها إلا بعد ثلاثة أيّام.

الزّمَخْشَريّ 3 : 160)

ابن عبّاس: { اَخْرَجْنَا لَهُمْ دَ ا بَّةً مِنَ الاَرْضِ } بين الصّفا و المروة، و هي عصا موسى، و يقال: معها عصا موسى. (322)

إنّها دابّة ذات زغب و ريش، لها أربع قوائم .

(الماوَرْديّ 4 : 226)

إنّها الثّعبان المشرف على جدار الكعبة الّتي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة.

(ابن عَطيّة 4 : 270)

تخرج من بعض أودية تهامة.(ابن الجَوْزيّ 6 : 190)

ابن عمر: يبيت النّاس يسيرون إلى جَمْع، و تبيت دابّة الأرض تسايرهم، فيُصبحون و قد خطمتهم من رأسها و ذَنبِها، فما من مؤمن إلا مسحته، و لامن كافر و لامنافق إلا تَخَبّطه.

[وفي رواية أُخرى عنه:] لو شِئتُ لانتَعلتُ بنعلي هاتين، فلم أمسّ الأرض قاعدًا حتّى أقف على الأحجار الّتي تخرج الدّ ا بّة من بينها، و لكأ نّي بها قد خرجت في عقب ركب من الحاجّ، فما حَجَجْت قطّ إلا خفت تخرج بعقبنا.

[و في رواية أُخرى عنه:] إنّها تنكت في وجه الكافر نُكتةً سوداء، فتفشو في وجهه، فيسودّ وجهه، و تنكت في وجه المؤمن نُكتةً بيضاء فتفشو في وجه، حتّى يبيضّ وجهُه، فيجلس أهل البيت على المائدة، فيعرفون المؤمن من الكافر، و يتبايعون في الأسواق، فيعرفون المؤمن من الكافر.

[و في رواية أُخرى عنه:] تخرج الدّ ا بّة من شعب، فيمسّ رأسها السّحاب، و رِجْلاها في الأرض ما خرجتا، فتمرّ بالإنسان يصلّي، فتقول: ما الصّلاة من حاجتك فتخطمه. (الطّبَريّ 10 : 15)

تخرج بين الصّفا و المروة فتُخبر المؤمن بأ نّه مؤمن و الكافر بأ نّه كافر، و عند ذلك يرتفع التّكليف و لاتُقبَل التّوبة، و هو علم من أعلام السّاعة. و قيل: لايبقى مؤمن إلا مسحته و لايبقى منافق إلا خطمته، تخرج ليلة جَمْع و النّاس يسيرون إلى منى.

(الطَّبْرِسيّ 4 : 233)

ابن الزّبير: إنّها دا بّة رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأُذنها أُذن فيل وقَرْنها قَرْن أُ يَّل وعنُقها عنُق نعامة و صدرها صدر أسَد و لونها لون نَمِر و خاصرتها خاصرة هرّ و ذَنَبها ذنب كبش و قوائمها

ص: 703

قوائم بعير، بين كلّ مِفصَلَين اثنا عشر ذراعًا، تخرج معها عصا موسى و خاتم سليمان، فتنكت في وجه المسلم بعصا موسى نُكتةً بيضاء،وتنكت في وجه الكافربخاتم سليمان فيسودّ وجهه.

(الماوَرْديّ 4 : 226)

الشّعبيّ: إنّها دا بّة ذات وَ بَر تُناغي السّماء.

(الماوَرْديّ 4 : 226)

وَهْب بن مُنَبِّه : وجهها وجه رجل، و سائر خلقها خلق الطّير، و مثل هذا لايُعرَف إلا من النّبؤات الإلهيّة. (الطَّبْرِسيّ 4 : 233)

تخرج من بحر سدوم. (ابن الجَوْزيّ 6 : 190)

عطاء: رأيت عبد الله بن عمرو وكان منزله قريبًا من الصّفا رفع قدمه وهو قائم و قال: لو شئت لم أضعها حتّى أضعها على المكان الّذي تخرج منه الدّابّة. (الطّبَريّ 10 : 15)

الإمام الصّادق(علیه السلام): انتهى رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) و هو نائم في المسجد، قد جمع رملا و وضع رأسه عليه، فحرّكه برِجْله، ثمّ قال له: قم يا دا بّة الله! فقالرجل من أصحابه: يا رسول الله أيسمّي بعضنا بعضًا بهذا الاسم؟ فقال: لا و الله ما هو إلا له خاصّة، و هو الدّ ا بّة الّتي ذكر الله في كتابه: { وَ اِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ اَخْرَجْنَا لَهُمْ دَ ا بَّةً مِنَ الاَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ اَنَّ النَّاسَ كانُوا بِايَاتِنَا لا يُوقِنُونَ }، ثمّ قال: يا عليّ إذا كان آخر الزّمان أخرجك الله في أحسن صورة و معك مَيسِم تَسِم به أعداءك،فقال رجل لأبي عبد الله(علیه السلام): إنّ النّاس يقولون: هذه الدّ ا بّة إنّما تُكلّمهم، فقال أبوعبد الله (علیه السلام) كلّمهم الله في نارجهنّم،إنّما هو يُكلّمهم من الكلام ،و الدّليل على أنّ هذا في الرّجعة.

(القُمّيّ 2: 130)

قال رجل لعمّار بن ياسر: يا أبا اليقظان آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي و شكَكَتْني. قال عمّار: و أيّ آية هي؟ قال قول الله: { وَ اِذا وَقَعَ الْقَوْ لُ عَلَيْهِمْ اَخْرَجْنَا لَهُمْ دَ ا بَّةً مِنَ الاَرْضِ... }، فأيّ دا بّة هي؟ قال عمّار: و الله ما أجلِسُ و لاآكل و لاأشرب حتّى أُريكها. فجاء عمّار مع الرّجل إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) و هو يأكل تمرًا و زبدًا، فقال له: يا أبا اليقظان هلُمّ، فجلس عمّار و أقبل يأكل معه، فتعجّب الرّجل منه. فلمّا قام عمّار قال له الرّجل: سبحان الله يا أبا اليقظان حَلَفتَ أ نّك لاتأكل و لاتشرب و لاتجلس حتّى تُرينيها، قال عمّار: قد أريتُكها إن كنت تعقل.

(القُمّيّ 2 : 131)

مُقاتِل: تخرج من الصّفا الّذي بمكّة { تُكَلِّمُهُمْ } بالعربيّة، تقول: { اَنَّ النَّاسَ } يعني كفّار مكّة { كَانُوا بِايَاتِنَا } يعنى بخروج الدّ ا بّة{ لايُوقِنُونَ }. هذا قول الدّ ا بّة للنّاس: إنّ النّاس بخروجي لايوقنون، لأنّ خروجها آية من آيات الله عزّ و جلّ.

فإذا رآها النّاس كلّهم عادت إلى مكانها من حيث خرجت، لها أربع قوائم و زغب و ريش، و لها جناحان و اسمها أفضى، فإذا خرجت بلغ رأسها السّحاب. (3 : 317)

الطّبَريّ: عن حُذيفة بن أُسيد الغفاريّ، قال: إنّ الدّ ا بّة حين تخرج يراها بعض النّاس، فيقولون: و الله

ص: 704

لقد رأينا الدّ ا بّة، حتّى يبلغ ذلك الإمام، فيطلب فلايقدر على شي ء. قال: ثمّ تخرج فيراها النّاس، فيقولون: و الله لقد رأيناها، فيبلغ ذلك الإمام فيطلب فلايرى شيئًا، فيقول: أمّا إنّي إذا حدث الّذي يذكرها قال: حتّى يعد فيها القتل، قال: فتخرج، فإذا رآها النّاس دخلوا المسجد يصلّون، فتجي ء إليهم فتقول: الآن تُصلّون، فتخطم الكافر، و تمسح على جبين المسلم غرّة، قال: فيعيش النّاس زمانًا يقول هذا: يا مؤمن، و هذا: يا كافر.

[وفي رواية أُخرى عنه:] للدّ ا بّة ثلاث خَرْجات: خرجة في بعض البوادي ثمّ تكمن، و خَرْجَة في بعض القُرى حين يهريق فيها الأُمراء الدّماء ثمّ تكمن، فبينا النّاس عند أشرف المساجد و أعظمها و أفضلها؛ إذ ارتفعت بهم الأرض،فانطلق النّاس هرابًا، و تبقى طائفة من المؤمنين، و يقولون: إنّه لايُنجينا من الله شي ء، فتخرج عليهم الدّ ا بّة، تجلو وجوههم مثل الكوكب الدّرّيّ، ثمّ تنطلق فلايُدركها طالب و لايفوتها هارب، و تأتي الرّجل يصلّي، فتقول: و الله ما كنت من أهل الصّلاة، فيلتفت إليها فتخطمه، قال: تجلو وجه المؤمن، و تخطم الكافر، قلنا: فما للنّاس يومئذ؟ قال: جيران في الرّباع، و شركاء في الأموال، و أصحاب في الأسفار. (.1 : 15)

الزّجّاج: يُروى أنّ أوّل أشراط السّاعة خروج الدّ ا بّة و طلوع الشّمس من مغربها. و أكثر ما جاء في التّفسير: أ نّها تخرج ب < تهامة.>، تخرج من بين الصّفا و المروة. و قد جاء في التّفسير: أ نّها تخرج ثلاث مرّات في ثلاثة أمكنة. و جاء في التّفسير: تَنكُت في وجه الكافر نُكتةً سوداء، و في وجه المؤمن نكتة بيضاء، فتفشو نكتة الكافرحتّى يسودّ منهاوجهه أجمع،و تفشو نكتة المؤمن حتّى يَبيَضّ منها وجهُه فتجتمع الجماعة على المائدة ، فيُعرَف المؤمن من الكافر. (4 : 129)

الماوَرْديّ: فيها قولان:

أحدهما: ما حكاه محمّد بن كعب عن عليّ بن أبي طالب، أ نّه سُئل عن الدّ ا بّة، فقال: أما و الله لها ذَنَب وإنّ لها لَلِحيَةً، و في هذا القول إشارة إلى أ نّها من الإنس، و إن لم يصرّح.

الثّاني: و هو قول الجمهور: أ نّها دا بّة من دواب الأرض . و اختُلف من قال بهذا في صفتها على ثلاثة أقاويل :[ ثمّ ذكرها كما تقدّم ]

(4 : 226)

الزّمَخْشَريّ: و دا بّة الأرض: الجسّاسة.

جاء في الحديث: أنّ طولها ستّون ذراعًا، لايُدركها طالب، و لايفوتها هارب.

و روي: لها أربع قوائم و زَغَب و ريش و جناحان.

و روي: لاتُخرج إلا رأسها، و رأسها يبلغ أعنان السّماء ، أو يبلغ السّحاب. (3 : 159)

نحوه البَيْضاويّ (2 : 183)، و النّسَفيّ (3 : 222).

ابن عَطيّة: فمعنى الآية: و إذا أراد الله أن ينفذ في الكافرين سابق علمه لهم من العذاب، أخرج لهم دا بّة من الأرض، و روي أنّ ذلك حين ينقطع الخير و لايؤمر بمعروف، و لايُنهى عن منكر، و لايبقى مُنيب و لا تائب، كما أوحى الله إلى نوح: أ نّه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، و وقع، عبارة عن الثّبوت

ص: 705

و اللّزوم. و في الحديث: أنّ الدّ ا بّة و طلوع الشّمس من المغرب من أوّ ل الأشراط، و إن لم تعيّن الأُولى و كذلك الدّجّال.

و ظاهر الأحاديث و الرّوايات أنّ الشّمس آخرها، لأنّ التّوبة تنقطع معها، و تعطي الحال أنّ الإيمان لايبقى إلا في أفراد، و عليهم تهب الرّيح الّتي لاتُبقي إيمانًا و حينئذ يُنفَخ في الصّور. و نحن نروي أنّ الدّ ا بّة تَسِم قومًا بالإيمان، و تجد أنّ عيسى بن مريم يعدل بعد الدّجّال و يؤمنالنّاس به، و هذه الدّ ا بّة روي أ نّها تخرج من جبل الصّفا بمكّة.

و روي أ نّها تخرج من مسجد الكوفة، من حيث فارَ تَنُّور نوح (علیه السلام)،

و روي أ نّها دا بّة مبثوث نوعها في الأرض، فهي تخرج في كلّ بلد و في كلّ قوم، فعلى هذا التّأويل < دَا بَّة > إنمّا هو اسم جنس. (4 : 270)

الطَّبْرِسيّ: لايدركها طالب، و لايفوتها هارب، فتسم المؤمن بين عينيه و تكتب بين عينيه مؤمن، و تَسِم الكافر بين عينيه و تكتب بين عينيه كافر، و معها عصا موسى و خاتم سليمان، فتجلو وجه المؤمن بالعصا، و تختم أنف الكافر بالخاتم، حتّى يقال: يا مؤمن و يا كافر. (4 : 233)

أبوالفُتُوح: [نقل الأقوال و الأحاديث وقال:]

و الّذي يوافق الأخبار الّتي وردت من طرق أصحابنا: أنّ الدّ ا بّة كناية عن المهديّ (علیه السلام). (15: 75)

الفَخْرالرّازيّ: من علامات القيامة دا بّة الأرض، و النّاس تكلّموا فيها من وجوه:

أحدها: في مقدار جسمها، و في الحديث: أنّ طولها ستّون ذراعًا،وروي أيضًا أنّ رأسها تبلغ السّحاب. و عن أبي هريرة: ما بين قرنيها فرسخ للرّاكب.

و ثانيها:في كيفيّة خلقتها،فروي أنّ لها أربع قوائم و زغب و ريش و جناحا ن.

و عن ابن جُرَيْج في وصفها: رأس ثور و عين خنزير و أُذن فيل و قَرْن أ يِّل و صدر أسد و لون نَمِر و خاصرة بقرة و ذَنَب كبش و خُف بعير.

و ثالثها: في كيفيّة خروجهاعن عليّ(علیه السلام): أ نّها تخرج ثلاثة أيّام و النّاس ينظرون فلايخرج إلا ثلثها.

و عن الحسَن: لايتمّ خروجها إلا بعد ثلاثة أيّام.

و رابعها: في موضع خروجها: « سئل النّبيّ(صلی الله علیه و آله) من أين تخرج الدّ ا بّة؟ فقال: من أعظم المساجد حرمةً على الله تعالى المسجد الحرام ».

و قيل: تخرج من الصّفا فتكلّمهم بالعربيّة.

و خامسها: في عدد خروجها، فروي أ نّها تخرج ثلاث مرّات: تخرج بأقصى اليمن، ثمّ تكمن، ثمّ تخرج بالبادية، ثمّ تكمن دهرً ا طويلا ، فبينا النّاس في أعظم المساجد حُرمةً و أكرمها على الله، فما يهولهم إلا خروجها من بين الرّكن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد، فقوم يهربون و قوم يقفون.

و اعلم أ نّه لا دلالة في الكتاب على شي ء من هذه الأُمور، فإن صحّ الخبر فيه عن الرّسول (صلی الله علیه و آله) قُبل و إلا لم يُلتَفت إليه. (24 : 217)

نحوه النَّيسابوريّ. (20 : 17)

ابن عَرَبيّ: { اَخْرَجْنَا لَهُمْ دَ ا بَّةً } من صورة نفس

ص: 706

كلّ شقيّ مختلفة الهيئات و الأشكال هائلة،بعيدة النّسبة بين أطرافها و جوارحها على ما ذكر من قصّتها بحسب تفاوت أخلاقها و ملكاتها من أرض البدن، قُدّ ام القيامة الصّغرى الّتي هي من أشراطها.

(2 : 211)

القُرطُبيّ: اختُلف في تعيين هذه الدّ ا بّة وصفتها و من أين تخرج اختلافًا كثيرًا، قد ذكرناه في كتاب < التّذكرة >و نذكره هنا إن شاء الله تعالى مستوفى. فأوّل الأقوال: إنّه فصيل ناقة صالح؛ و هو أصحّها، و الله أعلم. [ثمّ ذكر نحو الحديث الثّاني المتقدّم عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله) و أضاف:]

و موضع الدّليل من هذا الحديث أ نّه الفصيل قوله: و هي ترغو و الرّغاء إنّما هو للإبل و ذلك أنّ الفصيل لمّا قتلت النّاقة هرب فانفتح له حجر فدخل في جوفه ثمّ انطبق عليه، فهو فيه حتّى يخرج بإذن الله عزّ و جلّ. [ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة و أدام]

قلت: و لهذا و الله أعلم قال بعض المتأخّرين من المفسّرين: إنّ الأقرب أن تكون هذه الدّ ا بّة إنسانًا متكلّمًا يناظر أهل البدع و الكفر و يجادلهم لينقطعوا، فيهلك مَن هلك عن بيّنة، ويَحيا من حَيَّ عن بيّنة.

قال شيخنا الإمام أبو العبّاس أحمد بن عمر القُرطُبيّ في كتاب < المفهم > له: و إنّما كان عند هذا القائل الأقرب لقوله تعالى: { تُكَلِّمُهُمْ } و على هذا فلايكون في هذه الدّ ا بّة آية خاصّة خارقة للعادة، و لاتكون من جملةالعشر الآيات المذكورة في الحديث، لأنّ وجود المناظرين و المحتجّين على أهل البدع كثير، فلاآية خاصّة بها، فلاينبغي أن تُذكر مع العشر، و ترتفع خصوصيّة وجودها إذا وقع القول.

ثمّ فيه العدول عن تسمية هذا الإنسان المناظر الفاضل العالم، الّذي على أهل الأرض أن يسمّوه باسم الإنسان، أو بالعالم، أو بالإمام إلى أن يسمّى بدا بّة. وهذا خروج عن عادة الفصحاء، و عن تعظيم العلماء، وليس ذلك دأب العقلاء، فالأولى ما قاله أهل التّفسير، و الله أعلم بحقائق الأُمور. قلت: قد رفع الإشكال في هذه الدّ ا بّة ما ذكرناه من حديث حذيفة. [ ماتقدّم عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله)] فليُعتَمد عليه.

و اختُلف من أيّ موضع تخرج. [ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة] (13 : 235)

أبوحَيّان: في الحديث: « أنّ الدّ ا بّة و طلوع الشّمس من المغرب من أوّل الأشراط ».

و لم يعيَّن الأوّ ل، و كذلك الدّجّال و ظاهر الأحاديث أنّ طلوع الشّمس آخرها، و الظّاهر أنّ الدّ ا بّة الّتي تخرج هي واحدة.

و روي أ نّه يخرج في كلّ بلد دا بّة ممّا هو مبثوث نوعها في الأرض، و ليست واحدة، فيكون قوله: { دَ ا بّةً } اسم جنس.و اختلفوا في ماهيّتها،و شكلها، و محل خروجها، و عدد خروجها، و مقدار ما تخرج منها، و ما تفعل بالنّاس، و ما الّذي تخرج به، اختلافًا مضطربًا معارضًا بعضه بعضًا، و يكذّب بعضه بعضًا، فأطرحنا ذكره، لأنّ نقله تسويد للورق بما لايصحّ، و تضييع لزمان نقله.

(7 : 96)

ص: 707

أبوالسُّعود: و هي الجسّاسة، و في التّعبير عنها باسم الجنس و تأكيد إبهامه بالتّنوين التّفخيميّ من الدّلالة على غرابة شأنها، و خروج أوصافها عن طور البيان ما لايخفى. [ثمّ نقل الأخبار المتقدّمة] (5 : 102)

البُرُوسَويّ:اسمها<الجسّاسة>لتجسّسها الأخبار للدّجّال، لأنّ الدّجّال كان موثقًا في دير في جزيرة بحر الشّام، و كانت< الجسّاسة > فى تلك الجزيرة. [و ذكر الأحاديث المتقدّمة إلى أن قال:]

و الحاصل أنّ بني الأصفَر و هم الإفرنج على ما ذهب إليه المحدّثون إذا خرجوا و ظهروا إلى الأعماق في ستّ سنين، يظهر المهديّ في السّنة السّابعة ثمّ يظهر الدّجّال، ثمّ ينزل عيسى، ثمّ تخرج الدّابّة، ثمّ تطلع الشّمس من المغرب، و يدلّ عليه أ نّهم قالوا، إذا أُخرجت الدّ ا بّة حبست الحفظة، و رُفعت الأقلام، و شهدت الأجساد على الأعمال؛ و ذلك لكمال تقارب الخروج و الطّلوع، فإنّه لايُغلق باب التّوبة إلا بعد الطّلوع. و العلم عند الله تعالى.

قال بعض العارفين: السّرّ في صورة الدّ ا بّة و ظهور جمعيّة الكون فيها أ نّها صورة الاستعداد الكونيّ الشّهاديّ الحيوانيّ، و مثال الطّبع الكلّيّ الحيوانيّ، و حامل جمعيّة الحقائق الدّنيويّة، و هي أيضًا سرّ البرزخ الكلّيّ العنصريّ، يظهر منها أسرار الحقائق المتضادّة ،كالكفر و الإيمان و الطّاعة و العصيان و الإنسانيّة و الحيوانيّة، و هى آية جامعة فيها معانٍ وأسرار لذوي الأبصار، كذا في كشف الكنوز.

(6 : 372)

الآلوسيّ: [نقل الأخبار و قول أبي حَيّان ثمّ قال:]

و هو كلام حقّ، و أنا إنّما نقلت بعض ذلك دفعًا لشهوة مَن يحبّ الاطّلاع على شيء من أخبارها صدقًا كان أو كذبًا و قد تصدّى < السّفارينيّ > في كتبه < البحور الزّاخرة > للجمع بين بعض هذه الأخبار المتعارضة، و لا أظنّه أتى بشيء.

ثمّ إنّ الأخبار المذكورة أقربها للقبول الخبر الّذي حسّنه التّرمذيّ. و من الأخبار في هذا الباب ما صحّحه الحاكم، و تصحيحه محكوم عليه بين المحدّثين بعدم الاعتبار. و قصارى ما أقول في هذه الدّ ا بّة: إنّها دا بّة عظيمة ذات قوائم ليست من نوع الإنسان أصلا ، يُخرجها الله تعالى آخر الزّمان من الأرض و في تقييدإخراجها بقوله سبحانه: { مِنَ الاَرْضِ } نوع إشارة على ماقيل إلى أنّ خلقها ليس بطريق التّوالد بل هو بطريق التّولّد نحو خلق الحشرات. و قيل: إنّه للإشارة إلى تكوّنها في جوف الأرض، فيكون إخراجها من الأرض رمزًا إلى ما يكون في السّاعة الّتي أُخرجت بين يديها من تشقّق الأرض، و خروج النّاس من جوفها أحياءً، كاملةً خِلقَتُهم. (20 : 24)

القاسميّ: إنّ الدّ ا بّة حيوان بخلاف ما نعرفه،يختصخروجها بحين القيامة. قال بعضهم: و المعنى إذا قامت القيامة بعث الله نوعًا مخصوصًا من دوابّ هذه الأرض، كما يبعث غيره من أنواع الدّواب الأُخرى، و يُنطقه فيُوبّخ الإنسان على كفره، كما ينطق أعضاءه في ذلك اليوم أيضًا. قال: فليس المراد من

ص: 708

قوله:{ دَ ا بَّةً} الفرد، بل النّوع. كما في قولك: < أرسل الله عليهم دُودَ ة أتلفت زرعهم > أي ديدا نًا كثيرة، من نوع واحد مخصوص.

و قد روي فيها أحاديث و آثار كثيرة، لم يصحّح البخاريّ منها شيئًا، لاضطراب متونها و ضعف رجالها. و أمثل مأثورها ما أخرجه مسلم عن عبد الله ابن عمرو مرفوعًا: < إنّ أوّ ل الآيات خروجًا طلوع الشّمس من مغربها، و خروج الدّ ا بّة على النّاس ضُحى، و أيّهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأُخرى على إثرها قريبًا >.

و معلوم أنّ أُمور الآخرة من عالم الغيب، و لايؤخذ فيها إلا بما كان قطعيّ الثّبوت.

(13 : 4686)

ابن عاشور: و الدّ ا بّة: اسم للحيّ من غير الإنسان، مشتقّ من الدّبيب، و هو المشي على الأرض، و هو من خصائص الأحياء. و تقدّم الكلام على لفظ { دَ ا بَّة } في سورة الأنعام : 38، و قد رويت في وصف هذه الدّ ا بّة و وقت خروجها و مكانه أخبار مضطربة ضعيفة الأسانيد، فانظرها في « تفسير القُرطُبيّ» و غيره إذ لاطائل في جلبها و نقدها.

و إخراج الدّ ا بّة من الأرض ليُريهم كيف يحي الله الموتى إذ كانوا قد أنكروا البعث.

و لاشكّ أنّ كلامها لهم خطاب لهم بحلول الحشر، و إنّما خلق الله الكلام لهم على لسان دا بّة تحقيرًا لهم و تنديمًا على إعراضهم عن قبول أبلغ كلام، و أوقعه من أشرف إنسان و أفصحه، ليكون لهم خزيًا في آخر الدّهر، يُعيرون به في المحشر، فيقال: هؤلاء الّذين أعرضوا عن كلام رسول كريم، فخوطبوا على لسان حيوان بهيم. على نحو ما قيل: استفادة القابل من المبدإ، تتوقّف على المناسبة بينهما. (19 : 310)

مَغْنِيّة: أمّا الدّ ا بّة فقد كثر الكلام فيها، و الله سبحانه لم يبيّن لنا ما هي. و الحديث عن المعصوم في بيانها لم يثبت، حتّى و لو صحّ سنده لم نعمل به، لأ نّه خبر واحد، و هو حجّة في الأحكام الفرعيّة، لافي الموضوعات و أُصولالعقيدة، و القول بغير علم حرام. فلم يبق إلا الأخذ بظاهر الآية الّذي يدلّ على أنّ الله سبحانه عند ما يحشر النّاس للحساب يُخرج من الأرض مخلوقًا يُعلِن أنّ الكافرين جحدوا الدّلائل الواضحة و البراهين القاطعة على وجود الله و وحدانيّته، و نبوّة رُسله.

و تسأل: لما ذا لم يبيّن سبحانه حقيقة هذه الدّ ا بّة،

و ترك النّاس في حيرة من أمرها، حتّى قال من قال فيها بالجهل و الوهم؟

الجواب: أنّ الغرض من ذكرها هو مجرّد التّشهير بالكافرين،و أ نّهم يُحشَرون غدًا أذلاء مفضوحين على رؤوس الأشهاد، و هذا الغرض يحصل بمجرّد الإشارة إلى الدّابّة، و إن لم تُعرف باسمها و حقيقتها، فهذه الآية أشبه بقوله تعالى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ } آل عمران : 106. (6 : 40)

الطَّباطَبائيّ: و قوله: { اَخْرَجْنَا لَهُمْ دَ ا بَّةً مِنَ الاَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ } بيان لآية خارقة من الآيات الموعودة في قوله: { سَنُريهِمْ ايَاتِنَا فِى الا فَاقِ وَ فى

ص: 709

اَنْفُسِهِمْ حَتى| يَتَبَيَّنَ لَهُمْ اَ نَّهُ الْحَقُّ } فصّلت: 53، و في كونه وصفًا لأمر خارق للعادة، دلالة على أنّ المراد بالإخراج من الأرض: إمّا الإحياء والبعث بعد الموت، وإمّا أمر يقرب منه. وأمّا كونها دا بّة تكلّمهم، فالدّ ا بّة: ما يَدِب في الأرض من ذوات الحياة إنسا نًا كان أو حيوا نًا غيره، فإن كان إنسا نًا كان تكليمه النّاس على العادة، و إن كان حيوا نًا أعجم كان تكليمه كخروجه من الأرض خرقًا للعادة.

و لانجد في كلامه تعالى ما يصلح لتفسير هذه الآية، و أنّ هذه الدّ ا بّة الّتي سيُخرجها لهم من الأرض فتكلّمهم ما هي؟ و ما صفتها؟ و كيف تخرج؟ و ما ذا تتكلّم به؟ بل سياق الآية نعم الدّليل على أنّ القصد إلى الإبهام، فهو كلام مرموز فيه.

و محصّل المعنى: أ نّه إذا آل أمر النّاس و سوف يؤُول إلى أن كانوا لايوقنون بآياتنا المشهودة لهم، و بطل استعدادهم للإيمان بنا بالتّعقّل و الاعتبار، آن وقت أن نُريهم ما وعدنا إراءته لهم من الآيات الخارقة للعادة المبيّنة لهم الحقّ؛ بحيث يضطرّون إلى الاعتراف بالحقّ ؛فأخرجنا لهم دا بّة من الأرض تكلّمهم.

هذا ما يعطيه السّياق و يهدي إليه التّدبّر في الآية من معناها، و قد أغرب المفسّرون، حيث أمعنوا في الاختلاف في معاني مفردات الآية و جملها و المحصّل منها. و في حقيقة هذه الدّ ا بّة و صفتها و معنى تكليمها

و كيفيّة خروجها و زمان خروجها و عدد خروجها و المكان الّذي تخرج منه في أقوال كثيرة، لامعوّ ل فيها إلا على التّحكّم، و لذا أضربنا عن نقلها و البحث عنها، و من أراد الوقوف عليها فعليه بالمطوّ لات.

(15 : 396)عبد الكريم الخطيب : اضطرب المفسّرون في تفسير هذه الآية، و أكثروا من المقولات في هذه الدّ ا بّة، و في أوصافها العجيبة، و في كيفيّة نطقها، و فيما نطقت به.و هل يكون ذلك في الدّنيا أم في الآخرة؟ فهم يقولون: إنّها من أشراط السّاعة، و يذكرون لذلك أحاديث تُنسَب إلى النّبيّ (صلی الله علیه و آله). [ثمّ ذكر بعض الأحاديث المتقدّمة]

و هذه المقولات في كثرتها، و تناقضها، تُوقع الحيرة و البَلبال، فما يدري المرء ماذا يأخذ منها، و ماذا يدع؟ و لو أ نّه اقتصر منها على مقولة واحدة، مهما كانت غرابتها، و إغراقها في الخيال لكان ذلك على ما فيه أقرب إلى السّلامة من التّخبّط بين هذه المقولات الّتي يلطم بعضها وجه بعض.

و لو أ نّنا نظرنا إلى الآية الكريمة نظرًا مقاربًا، دون شدّها إلى أودية الغرائب و العجائب، لرأينا أ نّها لاتحمل شيئًا تُستَخرج منه هذه المقولات، و لاتحتمل شيئًا يساق إليها ممّا قيل.

فالآية الكريمة ترسم مع الآيات الّتي قبلها، صورة واضحة الألوان و الظّلال، لأُولئك المشركين، الضّالّين، الّذين ماتت مشاعرهم، و عميت أبصارهم و صُمّت آذانهم . فلايعقلون، و لايبصرون، و لايسمعون شيئًا ممّا يُتلى عليهم من آيات الله . فهكذا صوّرتهم الآيتان في قوله تعالى لنبيّه الكريم: { فَاِ نَّكَ لاتُسْمِعُ الْمَوْتى وَ لاتُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرينَ‘*وَ مَا اَنْتَ

ص: 710

بِهَادِ الْعُمْىِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ اِنْ تُسْمِعُ اِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِايَاتِنَا ... فَهُمْ مُسْلِمُونَ } الرّوم : 52 ،53، و هنا في هذه الآية تكتمل الصّورة، حين تصل حياتهم الجارية في ريح الأمن و السّلامة، بحياتهم الّتي يطرقهم فيها طارق الموت.

و في هذه الحالة ينكشف لهم كلّ شى ء، و إذا عقولهم عاقلة، و آذانهم سامعة، و عيونهم مبصرة، كما يقول الله تعالى: { لَقَدْ كُنْتَ فى غَفْلَة مِنْ هذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُ كَ الْيَوْمَ حَديدٌ‘ } ق : 22، ففي هذا الوقت ينكشف الغطاء عن الحقّ الّذي ضلّوا عنه، و إذًا دوابّ الأرض تنطق، و إذا هم يفقهون حديثها، و يفهمون نطقها، و كانوا في دنياهم قد عجزوا عن أن يفقهوا أو يفهموا ما تحدّثهم به آيات الله بلسان عربيّ مبين.

و في هذا يقول الله تعالى: { سَنُريهِمْ ا يَاتِنَا فىِ الا فاقِ ’وَ فىاَنْفُسِهِمْ حَتى| يَتَبَيَّنَ لَهُمْ اَ نَّهُ الْحَقُّ } فصّلت : 53.

ففي هذا العرض يرى المشركون أ نّهم في وضع مقلوب؛ حيث لايفهمون حديث النّاس، حتى لكأ نّهم لايعيشون بين النّاس، و أ نّهم و هم كما يزعمون أصحاب عقول لايعرفون الحقّ الّذي تعرفه دواب الأرض الّتي تعيش معهم. فهذه الدّواب تعرف ما لله سبحانه و تعالى من جلال و عظمة، و هي تُدين لله سبحانه بالولاء، وتسبّح بحمده، كما يقول جلّ شأنه: { اَلَمْ تَرَ اَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِى السَّموَاتِ’ وَ مَنْ فِى الاَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَ ابُّ وَ كَثيرٌ ‘مِنَ النَّاسِ وَ كَثيرٌ ‘حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَ مَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِ م ٍ... } الحجّ : 18.

فهذه الدّواب سيفجؤهم أمرها، عند ما تطلع عليهم بهذا الحديث الّذي تُحدّثهم به في العالم الآخر، و الّذي هو منطق كلّ موجود بأنّ الله هو الحقّ، و أنّ ما يدعون من دونه الباطل. (10 : 288)

المُصْطَفَويّ : أي و إذا تمّت الحجّة عليهم و لم يؤمنوا، و اقترب وعد الأخذ و العذاب، و وقع عليهم الحكم و انقضى أجلهم، فنُخرج لهم من الأرض دا بّة يُبيّن لهم جريان حالهم، و سوء عاقبة سلوكهم، و نتيجة أعمالهم و إعراضهم عن الحقّ.

فهذا قانون إلهي ّعموميّ ((1))، و آية من آيات الرّبّ القهّار. و التّعبير بالدّ ا بّة و تنكيرها، إشارة الى قدرته التّامّة و عظمته الباهرة و إلى أ نّه يفعل ما يشاء بما يشإ كيف يشاء، و ليس لقدرته تعالى حدّ، فهو يُخرج لهذا الأمر أيّ موجود حيّ و أيّ دا بّة من الأرض حتّى تكلّمهم و يبيّن لهم ما عليهم.

فالآية عامّة من جهة المورد و من جهة الدّ ا بّة،

و ينطبق بأيّ مصداق يتحقّق. (3 : 173)

مكارم الشّيرازيّ: ما هي دا بّة الأرض؟!

الدّ ا بّة: معناها ما يدب و يتحرّك، و الأرض معناها واضح. و خلافًا لما يتصوّره بعضهم بأنّ الدّ ا بّة تُطلق على غير الإنسان، بل الحقّ أ نّها ذات مفهوم واسع يشمل الإنسان أيضًا، كما نقرأ في الآية : 6، من

ص: 711


1- (1) الظّاهر: عامّ.

سورة هود: { وَ مَا مِنْ دَ ا بَّة فِى الاَرْضِ اِلا عَلَى اللهِ رِزْ قُهَا }، و في الآية : 61، من سورة النّحل: { وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاس بِظُلْمِهِمْ ما تَرَ كَ عَلَيْها مِنْ دَ ا بَّة }.و في الآية : 22، من سورة الأنفال: { اِنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذينَ ‘لايَعْقِلُونَ }.

إلا أ نّه كما ذكرنا في تفسير الآية آنفًا فإنّ القرآن لايفصّل في بيان هذه الكلمة و إنّما يذكرها على إجمالها، فكأنّ البناء كان على الإجمال و الإبهام، و الوصف الوحيد المذكور لها بأ نّها تُكلّم النّاس و تمُيّز المؤمن من غير المؤمن...

إلا أنّ هناك كلامًا طويلا في الرّوايات الإسلاميّة و أقوال المفسّرين في هذا الشّأن، و يمكن تلخيص مجموعها في تفسيرين:

1 فطائفة تعتقد بأنّ هذه « الدّ ا بّة » حيوان غير مألوف و من غير جنس الإنسان، له شكل عجيب، و نقلوا له عجائب شبيهة بما يخرق العادات و المعاجز!

هذه الدّ ا بّة تخرج في آخر الزّمان، و تتحدّثعن الإيمان و الكفر، و تفضح المنافقين و تَسِمهم بمَيسَمها!

2 و طائفة تعتقد حسب الرّوايات الإسلاميّة الواردة في هذا الشّأن أ نّها إنسان فوق العادة، إنسان متحرّك فعّال! و واحد((1))

من أفعاله الأصليّة تمييز المؤمنين عن المنافقين و وَسْمُهم حتّى أ نّه يُستفاد من بعض الرّوايات أنّ معه عصا موسى (علیه السلام) و خاتم سليمان. و نحن نعرف أنّ عصا موسى رمز للقدرة و الإعجاز، و خاتم سليمان رمز للحكومة و السّلطة الإلهيّة!

فإذًا هذا الإنسان رجل قويّ ذو سلطة و هَيمَنة وقد جاء في حديث عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) في وصف هذه الدّ ا بّة قوله: « لايُدركها طالب و لايفوتها هارب، فتَسِم المؤمن بين عَينَيه، و يكتب بين عَينَيْه مؤمن، و تَسِم الكافر بين عَينَيْه، و يكتب بين عينيه كافر، و معها عصا موسى و خاتم سليمان ».

و قد طُبّق هذا المفهوم في روايات كثيرة على « أمير المؤمنين »(علیه السلام) [ثمّ نقل الأخبار المتقدّمة عن القُمّيّ و أضاف:]

ينقل العلامة المجلسيّ رحمه الله في< بحار أنواره > بسند معتبر عن الإمام الصّادق(علیه السلام)، قال:< انتهى رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) و هو نائم في المسجد، قد جمع رملا و وضع رأسه عليه، فحرّكه برجله، ثمّ قال: قم يا دابّة الله، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله أ نسمّي بعضنا بعضًا بهذا الاسم؟فقال لهم: لاو الله ما هو إلا له خاصّة، و هو الدّ ا بّة الّتي ذكر الله في كتابه { وَ اِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ اَخْرَجْنَا لَهُمْ دَ ا بَّةً مِنَ الاَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ اَنَّ النَّاسَ كانُوا بِايَاتِنَا لا يُوقِنُونَ } ثمّ قال: يا عليّ إذا كان آخر الزّمان أخرجك الله في أحسن صورة، و معك مَيسِم تَسِم به أعداءك ».

و بناء على هذه الرّواية، فالآية تنطبق على الرّجعة و تنسجم هي و الآية الّتي تليها في الرّجعة.

و يقول المرحوم « أبو الفُتُوح الرّازيّ » في < تفسيره > في ذيل الآية: طبقًا للأخبار الّتي جاءتنا

ص: 712


1- (1) و أحد أفعاله...

عن طريق أصحابنا: فإنّ< دا بّة الأرض > كناية عن المهديّ صاحب الزّمان(علیه السلام).

و مع الأخذ بنظر الاعتبار لهذا الحديث و الأحاديث المتقدّمة، يمكن أن يستفاد من < دابّة الأرض > مفهوم واسع، ينطبق على أيّ إمام عظيم يخرج في آخر الزّمان، و يميّز الحقّ عن الباطل.

و هذا التّعبير الوارد في الرّوايات الإسلاميّة بأنّ معه عصا موسى (علیه السلام) الّتي هي رمز القوّة و الانتصار، و خاتم سليمان(علیه السلام) الّذي يرمز للحكومة الإلهيّة، قرينة على أنّ دابّة الأرض إنسان نشط فعّال فوق العادة.كما أنّ ما ورد في الرّوايات الإسلاميّة من أ نّها تَسِم المؤمن بين عينيه فيُكتَب مؤمنٌ، و تَسِم الكافر فيُكتَب كافر ينسجم و القول بأ نّها إنسان.

إضافة إلى ذلك فالتّصريح في القرآن بأ نّها تكلّم النّاس يساعد على هذا المعنى.

و من مجموع ما مرّ نصل هنا إلى أنّ < الدّ ا بّة > تُطلق في الأغلب على غير النّاس، و قد استعملها القرآن في الأعمّ من الإنسان و غيره، أو في خصوص الإنسان، هذا من جهة. و من جهة أُخرى فالقرائن المتعدّدة الموجودة في الآية ذاتها، و الرّوايات الكثيرة في تفسير الآية، تدلّ على أنّ المراد من « دا بّة الأرض» هنا إنسان نشط فعّال، بما ذكرنا له من خصائص آنفًا، فهو يميّز الحقّ من الباطل، و المؤمن من المنافق و الكافر.

إنسان يخرج في آخر الزّمان قُبَيْل يوم القيامة، و هو بنفسه آية من آيات عظمة الخالق. (12 : 127)

فضل الله: [نقل كلام الطَّبا طَبائيّ و أضاف:]

ولكن هذا التّفسير غير ظاهر من الآية؛ وذلك بلحاظ السّياق الّذي دلّ على أنّ المقصود ليس هو اضطرارهم للإيمان من خلال كلام الدّابّة، لأنّ الوقت هو وقت الحساب على الكفر و الضّلال، لا وقت الهداية للإيمان، مع ملاحظة أنّ أمر هذه الدّ ا بّة لايزيد في دلالته عمّا قدّمه الله لهم من آياته الكونيّة أو آياته الإعجازيّة، بل قد تكون من خلال النّظرة السّريعة، أقلّ منها. و أنّ مسألة الاضطرار إلى الإيمان في موعد القيامة أو في موعد العذاب لايحتاج إلى هذه الآية، لأنّ كلّ ما في القيامة من مشاهد يؤدّي إلى اليقين كلّ اليقين بالحقّ كلّه.

إنّ السّياق يوحي بأنّ المقصود هو إعلان الأمر على النّاس بما كانوا يتحرّكون فيه من الأخذ بالكفر، للإيحاء إليهم بأنّ النّتائج ستكون تابعة لذلك لأ نّهم كفروا، من موقع رفض الحجّة، لامن موقع الشّبهة.

وثانيًا: إنّ قوله تعالى: { سَنُريهِمْ

ا يَاتِنَا فِى الا فَاقِ...} لايظهر منه أنّ ذلك سيكون في نهاية العالم، وأنّ المقصود به هو غير الآيات الّتي أودعها الله في الكون و في الإنسان، بل إنّ الظّاهر هو جلاء تلك الآيات الخفيّة بما يمكن أن يُظهره الله منها من خلال وسائل المعرفة الّتي يحصل عليها النّاس بعد ذلك، من خلال تطوّر العلم، في وسائله و مكتشفاته، و الله العالم.

و قد أفاض المفسّرون كثيرًا في الحديث عن

الدّ ا بّة، في طبيعتها الإنسانيّة، و الحيوانيّة، و في صفاتها

ص: 713

الغريبة و في كيفيّة خروجها و مضمون كلامها، ممّا لم يثبت به حجّة قاطعة، و قد لاحظنا أنّ القرآن وضعها في موضع الإبهام، و لم يفصّل أيّ شي ء من هذه الأُمور، فلنترك الخوض في ذلك كلّه، لأ نّه ممّا لافائدة فيه على مستوى النّهج القرآنيّ في مضمونه و إيحاءاته.

(17 : 247

)الدَّواب

1 اِنَّ شَرَّ الدَّوَ ابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذينَ‘ لايَعْقِلُونَ. الأنفال : 22

ابن عبّاس: الخلق و الخليقة. (147)

ابن قُتَيْبَة: يعني شرّ النّاس عند الله. (178)

الماوَرْديّ: أمّا { الدَّوَ ابِّ } فاسم لكلّ مادَبعلى الأرض من حيوانها، لدبيبه عليها مشيًا، و كان بالخيل أخص. و المراد ب { شَرَّ الدَّوَ ابِّ}:الكفّار، لأ نّهم شرّ ما دب على الأرض من الحيوان . (2 : 306)

نحوه الطُّوسيّ (5 : 117)، و الواحديّ (2 : 451)، و الطَّبْرِسيّ (2 : 532).

الزّمَخْشَريّ: أي إنّ شرّ من يدب على وجه الأرض، أو إنّ شرّ البهائم الّذين هم صُمّ عن الحقّ لايعقلونه، جعلهم من جنس البهائم، ثمّ جعلهم شرّها.

(2 : 151)

الفَخْرالرّازيّ: واختلفوا في الدّواب.

فقيل: شبّههم بالدّواب لجهلهم و عدولهم عن الانتفاع بما يقولون.

و يقال لهم: و لذلك وصفهم بالصّمّ و البكم و بأ نّهم لايعقلون.

و قيل: بل هم من الدّواب، لأ نّه اسم لمادَبعلى الأرض، و لم يذكره في معرض التّشبيه، بل وصفهم بصفة تليق بهم على طريقة الذّمّ، كما يقال لمن لايفهم الكلام: هو شبح و جسد و طلل على جهة الذّمّ.

(15 : 144)

نحوه النَّيسابوريّ. (9 : 139)

البَيْضاويّ: { اِنَّ شَرَّ الدَّوَ ابِّ عِنْدَ اللهِ }: شرّ ما يدب على الأرض، أو شرّ البهائم{ الصُّمُّ } عن الحقّ { الْبُكْمُ الَّذينَ‘ لايَعْقِلُونَ } إيّاه عدّهم من البهائم، ثمّ جعلهم شرّها لإبطالهم ما ميّزوا به و فضّلوا لأجله.

(1 : 389)

نحوه النّسَفيّ. (2 : 99)

الخازن : يعني إنّ شرّ من دَبعلى وجه الأرض من خلق الله عند الله { الصُّمُّ } عن سماع الحقّ { الْبُكْمُ } عن النّطق به، فلايقولونه، { الَّذينَ‘ لايَعْقِلُونَ } يعني لايفهمون عن الله أمره و نهيه، و لايقبلونه. و إنّما سمّاهم دوابّ لقلّة انتفاعهم بعقولهم.

(3 : 17)

البُرُوسَويّ: أي شرّ ما يدب على الأرض، فلفظ < الدّ ا بّة > محمول على معناه اللُّغويّ، أو شرّ البهائم فهو محمول على معناه العرفيّ. و البهيمة: كلّ ذات أربع من حيوانات البرّ و البحر. (3 : 3)

نحوه الآلوسيّ. (9 : 188)

2 اِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذينَ ‘كَفَرُوا فَهُمْ لايُؤْمِنُونَ . الأنفال : 55لاحظ:ش ر ر: < شَرَّ الدّواب >.

ص: 714

3 اَلَمْ تَرَ اَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِى السَّموَ اتِ وَ مَنْ فِى الاَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبَالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَ ابِّ وَ كَثيرٌ ‘مِنَ النَّاسِ. الحجّ : 18

4 وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَ ابِّ وَ الاَ نْعَامِ مُخْتَلِفٌ اَلْوَانُهُ... فاطر : 28

مثل ماقبلها. لاحظ: س ج د: <يَسْجُدُ>.

الوُجوه و النّظائر

الحيريّ: الدّواب على ثلاثة أوجه:

أحدها: الخليقة من بني عبد الدّار من المشركين، كقوله: { اِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذينَ‘ لايَعْقِلُونَ } الأنفال : 22.

و الثّاني: الخليقة و هم اليهود، كقوله: { اِنَّ شَرَّ الدَّوَ ابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذينَ‘ كَفَرُوا فَهُمْ لايُؤْمِنُونَ }الأنفال: 55 .

و الثّالث: الدّواب بعينها، كقوله:{ وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَ كَ عَلى ظَهْرِهَا مِنْ دَ ا بَّة } فاطر: 45، و قوله: { وَ بَثَّ فيهَا‘ مِنْ كُلِّ دَ ا بَّة وَ تَصْريفِ‘

الرِّ يَاحِ } البقرة : 164،{ وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَ ابِّ وَ الاَ نْعَامِ مُخْتَلِفٌ اَلْوَانُهُ } فاطر : 28. (246)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة الدّبيب، و هو المشي برفق وتُؤَدَة، و لعلّه خصّص لمشي النّمل ثمّ عمّم، كما يظهر من قول الخَليل. يقال:دَبالنّمل يَدِب دبيبًا و دُ بًّا، أي مشى على هِينَته، و المصدر الأخير عن ابن دُرَيْد. والمَدِب و المَدَب: موضع دبيبه، و مَدِب السّيل و مَدَ بّه: موضع جريه، يقال: تنَحّ عن مَدِب السّيل و مَدَ بّه، ومَدِبّ النّمل و مَدَ بّه.

و الدَّيْدَ بَة: العجروف من النّمل، و هو ذو القوائم. قال الخَليل: < و ذلك أ نّه أوسع خطوًا و أعجَل نقلا >، وكأ نّه يؤثّر في مَدِبّه، إذ زيادة الياء و الهاء تدلّ على الشّدّة في المعنى كالحيدرة، أي الأسد.

ودَبالقوم يَدِ بّون دبيبًا إلى العدوّ: مشوا على هِينَتهم و لم يسرعوا، ودَبالشّيخ: مشى مشيًا رُوَيْدًا. و في المثل: < أعيَيتِني من شُبٍّ إلى دُ ب>، أي مذ شبَبْتُ إلى أن دَبَبتُ على العصا، وأدبَبْتُ الصّبيّ: حمَلتُه على الدّبيب، و ما بالدّار دُ بِّيّ و دِبِّيّ: أحد.

و الدّ ا بّة : اسم لما يمشي على الأرض، أو لما يُركَب عامّة. و قيل: كلّ ما خلق الله، و التّصغير دُوَيْبَّة. يقال: فلان أكذب مَندَبودَرَجَ، أي أكذب الأحياء و الأموات.

والدُّب: من السّباع، سمّي دُ بًّا لأ نّه يمشي على رِسْل و لين لسمنه، و الأُنثى دُ بّة، و الجمع: دِبَبَة، و أرض مَدَ بّة: كثيرة الدِّبَبَة.

و الدّ بُوب: النّاقة السّمينة، لاتكاد تمشي من كثرة لحمها؛ والجمع: دُ بُبٌ، و الدُّباب: مشيها.

و الدّ بّابة: آلة تُتّخَذ في الحرب، يدخل فيها الرّجال بسلاحهم،ثمّ تُدفَع في أصل حِصْن، فينقبونه وهم في أصلها،و هي تمشي برفق لثقلها، فسمّيت دَ بّابة.

و الدّ بّة : الموضع الكثير الرّمل، و الجمع: دِباب. يقال: وقع فلان في دَ بّة من الرّمل، قال الأزهَريّ: < لأنّ

ص: 715

الجمل إذا وقع فيه تَعِبَ >.

و الدّ بَبُ: الشّعر الّذي على وجه المرأة، تشبيهًا بمَدَب النّمل، و جمَل أدَب: كثير الدّ بَب، و قددَبيَدِب دَ بَبًا.

و في الحديث: < أنّ النّبيّ قال لنسائه: ليت شعري أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدْ بَب؛ تنبحها كلاب الحَوْأب> و الأدْ بَب: الكثير الوَ بَر، و أصله ك< الأدَ ب > فأظهر التّضعيف ليوازن به لفظ < الحَوْ أب >.

و الدُّ بّة: لزوم حال الرّجل في فعاله. يقال: ركب فلان دُ بّة فلان، و أخذ بدُ بّته، أي يعمل بعمله و يركب طريقته، و دَعْني ودُ بّتي، أي دَعْني و طريقتي و سجيّتي، وسلك فلان دُبّة فلان، أي طريقته و مذهبه. و في حديث ابن عبّاس:< اتّبعوا دُ بّة قريش و لاتفارقوا الجماعة >، أي طريقتها و مذهبها.

و رجل دَ بُوب و دَيْبُوب: الّذي يجمع الرّجال و النّساء. قال الأزهَريّ: < سمّي دَيْبُوبًا لأ نّه يَدِب بينهم و يستخفي >، و يُطلق على النّمّام أيضًا.

و في الحديث: < لايدخل الجنّة دَيْبُوب و لاقلاع >، و الدَّ يْبُوب هنا إمّا مَن يَدِب بالنّميمة بين القوم، كما قال الأزهَريّ، و إمّا مَن يَدِب بين الرّجال و النّساء، و يسعى للجمع بينهم، كما قال ابن الأثير.

ودَبالشّراب في الجسم و الإناء يَدِب دبيبًا: سَرَى، يقال :دَبالسّقم في الجسم، و البِلى في الثّوب، و الصّبح في الغَبَش.

و في الحديث: <دَبإليكم داءُ الأُمم قبلكم: الحسَد و البغضاء >، أي مشى إليكم و سار. و دَ بّتْ عقاربه : سَرَتْ نمائمُه و أذاه، وأدبَبْتُ له ذات الفقار، أي أدبَبْتُ له العقرب.

2 و نرى الوعاء الّذي يسمّى < الدّ بّة > فارسيّ المنشإ، لشذوذه عن هذا الباب، وكثرة استعماله في الفارسيّة، فهو يُتّخَذ عندهم من الجلد والخزف و المعدن و الخشب، أو من غير ذلك، و يوضع فيه الزّيت، ثمّ يعلّق على الجدار، أو يُدلى من السّقف بسلسلة.

3 قال ابن فارِس: < و أمّا الدّ بَبُ في الشّعَر فمن باب الإبدال، لأنّ الدّال فيه مبدلة من زاء، و الأدْ بَبُ من الإبل: الأزب >. و ليس هذا بشيء، لأنّ الدّ ال لاتُبدَل في الفصيح من الكلام من الزّاي، بل من الذّال، يقال: ما ذاقَ عَذُوفًا، و ما ذاقَعَدُوفًا، أي ما ذاقَ شيئًا((1)). وتُبدَل من التّاء أيضًا، يقال: هَرَتَ القصّار الثّوبَ و هَرَدَه، أي خَرَقه.((2))

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الاسم مفردًا نكرةً: ( دَابّة ) 14 مرّة،

و جمعًا معرفةً: ( الدّواب ) 4 مرّات في 18 آية:

1 الإنسان:

1 { وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاس بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَ كَ عَلَيْهَا مِنْ دَ ا بَّة وَ لكِنْ ’يُؤَخِّرُهُمْ اِلىاَجَلمُسَمًّى...} النّحل : 61

ص: 716


1- 1 تهذيب اللُّغة (2 : 321).
2- 2 المصدر السّابق (6 : 189).

2 { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاس بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَ كَ عَلى ظَهْرِهَا مِنْ دَ ا بَّة وَ لكِنْ’ يُؤَخِّرُهُمْ اِلى اَجَل مُسَمًّى ...} فاطر : 45

3 { اِنَّ شَرَّ الدَّوَ ابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذينَ‘ لايَعْقِلُونَ } الأنفال : 22

4 { اِنَّ شَرَّ الدَّوَ ابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذينَ‘ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } الأنفال : 55

2 الحيوان:

5 { وَ اِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ اَخْرَجْنَا لَهُمْ دَ ا بَّةً مِنَ الاَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ اَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِايَاتِنَا لايُوقِنُونَ}

النّمل : 82

6 { وَكَاَ يِّنْ مِنْ دَ ا بَّة لاتَحْمِلُ رِزْ قَهَا اَللهُ يَرْزُ قُهَا وَ اِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّميعُ‘ الْعَليمُ‘}

العنكبوت : 60

7 {...مَا دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ اِلا دَابَّةُ الاَرْضِ تَاْكُلُ مِنْسَاَتَهُ...} سبأ : 14

8 { وَفى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَ ا بَّة ايَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } الجاثية : 4

9 { اَلَمْ تَرَ اَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِى السَّموَ اتِ’ وَمَنْ فِى الاَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ

وَ الْجِبَالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَ ابُّ..} الحجّ : 18

10 { وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَ ابِّ وَ الاَ نْعَامِ مُخْتَلِفٌ اَلْوَ ا نُهُ كَذلِكَ...} فاطر : 28

11 {...وَمَا اَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاء فَاَحْيَا بِهِ الاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ بَثَّ فيهَا‘ مِنْ كُلِّ دَ ا بَّة وَتَصْريف الرِّ يَاحِ وَ السَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الاَرْضِ لا يَات’لِقَوْم ٍيَعْقِلُونَ }

البقرة : 164

12 { خَلَقَ السَّموَاتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْ نَهَا وَ اَلْقى فِى الاَرْضِ رَوَاسِىَ اَنْ تَميدَ‘ بِكُمْ وَ بَثَّ فيهَا‘ مِنْ كُلِّ دَ ا بَّة وَ اَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَاَنْبَتْنَا فيهَا‘ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَريم ٍ} لقمان : 10

13 { وَمَا مِنْ دَ ا بَّة فِى الاَرْضِ وَ لاطَائِر ٍيَطيرُ‘ بِجَنَاحَيْهِ اِلا اُمَمٌ اَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِنْ شَىْء ثُمَّ اِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } الأنعام : 3814 { وَمَا مِنْ دَ ا بَّة فِى الاَرْضِ اِلا عَلَى اللهِ رِزْ قُهَا وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّ هَا وَ مُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فى كِتَاب مُبين‘ } هود : 6

15 { اِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبّى وَ رَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّة اِلا هُوَ اخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا اِنَّ رَبّى عَلى صِرَاط مُسْتَقيم ‘ٍ} هود : 56

16{ وَ للهِ‚ يَسْجُدُ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الاَرْضِ مِنْ دَابَّة وَ الْمَلئِكَةُ’ وَ هُمْ لايَسْتَكْبِرُونَ }

النّحل : 49

17 { وَ اللهُ خَلَقَ كُلَّ دَ ا بَّة مِنْ مَاء...} النّور : 45

18 { وَ مِنْ ايَاتِهِ خَلْقُ السَّموَاتِ وَ الاَرْضِ وَمَا بَثَّ فيهِمَا مِنْ دَ ا بَّة وَ هُوَ عَلى جَمْعِهِمْ اِذَا يَشَاءُ قَديرٌ ‘}

الشّورى : 29

يلاحظ أوّ لا : أنّ الدّ ا بّة في هذه الآيات يراد بها الإنسان تارةً، و الحيوان تارةً أُخرى، و عموم الدّواب أيضًا:

الإنسان: في الآيات (1 4)، و فيها بُحُوٌث:

1 تكاد الآيتان (1) و (2) تتشابهان في اللّفظ و المعنى: { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَ كَ عَلَيْهَا

ص: 717

مِنْ دَابَّة وَ لكِنْ’ يُؤَخِّرُهُمْ اِلى اَجَل مُسَمًّى فَاِذَا جَاءَ اَجَلُهُمْ لايَسْتَاْخِرُونَ سَاعَةً وَ لايَسْتَقْدِمُونَ }، { وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّة وَ لكِنْ’ يُؤَخِّرُهُمْ اِلى اَجَل مُسَمًّى فَاِذَا جَاءَ اَجَلُهُمْ فَاِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصيرًا ‘}، إلا أنّ صلة { يُؤَاخِذُ } في (1) هي { بِظُلْمِهِمْْ }، و في (2) هي{ بِمَا كَسَبُوا }، و الظّلم أخص من الكسب، لأ نّه نوع منه. و تلا الفعل { تَرَكَ } في (1) الجارّ و المجرور { عَلَيْهَا }، و هما يعودان على الأرض و إن لم يَجرِ لها ذكر، لأنّ الدّا بّة تَدِب عليها عادةً، و لم يرد لفظ{ عَلَيْهَا } في القرآن فيراد بضميره الأرض إلا تقدّم ذكرها عليه، غير هذه الآية. و تلا الفعل { تَرَ كَ } في (2) الجارّ و المجرور { عَلى ظَهْرِهَا }، أي على ظهر الأرض الّتي تقدّم ذكرها. و خُتِمَت (1) بقوله: { فَاِذَا جَاءَ اَجَلُهُمْ لايَسْتَاْخِرُونَ سَاعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ }، و خُتِمَت (2) بقوله: { فَاِذَا جَاءَ اَجَلُهُمْ فَاِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصيرًا‘}.

2 ذهب بعض إلى أنّ المراد بالدّ ا بّة في (1) و (2) الحيوان، و هذا مردود، لأنّ الله تعالى لايؤاخذ أحدًا بذنب غيره، سواء كان إنسانًا أم حيوانًا؛ قال الطَّباطَبائيّ: < وقول بعضهم: ذلك لشؤم المعاصي، و قد قال تعالى: { وَ ا تَّقُوا فِتْنَةً لا تُصيبَنَّ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } الأنفال : 25، مدفوعٌ، بأنّ شؤم المعصية لايتعدّي العاصي إلى غيره، و قد قال تعالى: { وَ لاتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرى } فاطر : 18.

3 إن قيل: لِمَ نفى العقل عن { الصُّمُّ الْبُكْمُ } في (3): { اِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُالَّذينَ‘ لايَعْقِلُونَ } و حالهم ينبئ ضعف عقولهم؟

يقال: { الصُّمُّ الْبُكْمُ } هنا مجاز، و نفي العقل حقيقة في جميع المواضع من القرآن، فلو حُذفت الصّفة { الَّذينَ‘ لايَعْقِلُونَ } لكان تشبيهًا بعدم سماعهم الحقّ و التّكلّم به فحسب، و لوحُذف الموصوف و كان التّقدير: إنّ شرّ الدّواب عند الله الّذين لايعقلون، لشمل الحيوان أيضًا، فانتفى الغرض من الآية بذلك؛ إذ المراد بهم بنو عبد الدّار من المشركين، فكأ نّهم صمٌّ بكم لايعقلون الكلام و لايفكّرون فيما يسمعون.

4 إن قيل أيضًا: لِمَ علّل الكفر في (4) بنفي الإيمان و هما بمعنًى: { اِنَّ شَرَّ الدَّوَ ابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذينَ‘ كَفَرُوا فَهُمْ لايُؤْمِنُونَ }؟

يقال: هذا إخبار عن الله في اليهود بأ نّهم كافرون لايُرجى منهم الإيمان أبدًا، فجاء الكفر فعلا ماضيًا، لبيان إقامتهم عليه سابقًا، و جاء الإيمان فعلا مضارعًامنفيًّا، لبيان استمرارهم عليه لاحقًا، و هذا ما نراه فيهم هذه الأيّام أيضًا.

الحيوان: في الآيات (5 10)، و فيها بُحُوثٌ:

1 جاءت الدّا بّة هنا في عامّة الحيوان، كما في (6): { وَكَاَ يِّنْ مِنْ دَابَّة لاتَحْمِلُ رِزْ قَهَا اَللهُ يَرْزُقُهَا وَ اِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّميعُ‘ الْعَليمُ ‘}، و (8): { وَ فى خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَ ا بَّة ايَاتٌ لِقَوْ م ٍيُوقِنُونَ }، و (9): { اَلَمْ تَرَ اَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِى السَّموَاتِ وَ مَنْ فِى الاَرْضِ

وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبَالُ وَ الشَّجَرُ

وَ الدَّوَ ابُّ وَ كَثيرٌ‘ مِنَ النَّاسِ وَكَثيرٌ‘ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم ٍاِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }.

ص: 718

و جاءت في حيوان خاص أيضًا:

أ دابّة مبهمة (5): { وَاِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ اَخْرَجْنَا لَهُمْ دَ ا بَّةً مِنَ الاَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ اَنَّ النَّاس كَانُوا بِايَاتِنَا لايُوقِنُونَ }، و قد بسطوا القول فيها بنقل الأقوال و الرّوايات الّتي هي ضعيفة عند بعضهم، و أكثرها لولا جميعها تعدّ هذه الدّا بّة في الدّنيا و من أعلام السّاعة، مع أنّ سياق الآية و ما بعدها من الآيات وصف عقاب الآخرة احتجاجًا على المكذّبين، فبعدها: { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ اُمَّة فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِايَاتِنَا...فَهُمْ لايَنْطِقُونَ ... وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِى الصُّورِ...}، إلى آيات بعدها.

و الشّاهد على كونها في الآخرة مجيء: { وَاِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ }، فيها و في آية بعدها: { وَ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا }، و هي في وصف الآخرة قطعًا.

فقوله: { اَخْرَجْنَا لَهُمْ دَ ا بَّةً مِنَ الاَرْضِ } لايدلّ على أنّ هذه الدّ ا بّة مُخْرجَة من أرض الآخرة، بل تدلّ على أ نّها دا بّة من نوع دواب الأرض في الدّنيا.

و على هذا فلايبقى موضع لتلك الأقوالو الرّوايات الكثيرة، لأ نّها راجعة إلى خروج هذه الدّا بّة في الدّنيا، و هذا لايوافق سياق الآيات، فلاحظ.

ب الأرَضَة (7): { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ اِلا دَابَّةُ الاَرْضِ تَاْكُلُ مِنْسَاَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ اَنْ لَوْكَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِى الْعَذَابِ الْمُهينِ‘ }.

ج الفرس (10) : { وَمِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَ ابِّ وَ الاَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ اَلْوَ انُهُ كَذلِكَ ’اِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمؤُا اِنَّ اللهَ عَزيزٌ‘ غَفُورٌ }.

2 قرن الله تعالى الدّ ا بّة بخلقه من بني آدم، بيانًا لقدرته، كما في (5) و (10)، و تذكيرًا بنعمته كما في (6)، و امتهانًا لسلطان غيره كما في (7)، و استدلا لا على آلائه كما في (8)، و تعظيمًا لسلطانه كما في (9).

3 إن قيل: كيف ذكر الله سجود الدّواب له في (9)، و قد وصفها بالضّلال في قوله: { وَ لَقَدْ ذَرَاْنَا لِجَهَنَّمَ كَثيرًا‘ مِنَ الْجِنِّ وَ الاِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لايَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ اَعْيُنٌ لايُبْصِرُونَ بِهَا وَ لَهُمْ اذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا اُولئِكَ ’كَالاَ نْعَامِ بَلْ هُمْ اَضَلُّ اُولئِك’ هُمُ الْغَافِلُونَ} ؟ الأعراف: 179.

يقال : إنّ الله لم يُعط الدّواب العقل، فتجرّدت من العلم و التّمييز، غير أ نّه تعالى ألهمها ما يضرّها و ينفعها، فهي تسمع النّداء و لاتفهمه، و لكن تلهم معرفته، كزجر صاحبها و دعوته إيّاها، و منها دعوة خالقها إلى السّجود.

عامّة الدّواب : في (11 18)، و فيها بُحُوث:

1 جاء لفظ < الدّ ا بّة > في هذه الآيات مجرورًا بإضافة لفظ { كُلِّ} إليه تارة، كما في (11): { اِنَّ فى خَلْقِ السَّموَاتِ وَ الاَرْضِ وَاخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتى تَجْرى‘ فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاس وَمَا اَ نْزَ لَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاء فَاَحْيَا بِهِ الاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ بَثَّ فيهَا‘ مِنْ كُلِّ دَ ا بَّة وَ تَصْريفِ الرِّ يَاحِ وَ السَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الاَرْضِ لايَات ’لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }، و (12): { خَلَقَ السَّموَ اتِ’ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْ نَهَا

ص: 719

وَ اَلْقى فِى الاَرْضِ رَوَاسِىَ اَنْ تَميدَ‘ بِكُمْ وَ بَثَّ فيهَا ‘مِنْ كُلِّ دَ ا بَّة وَاَ نْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَاَنْبَتْنَا فيهَا ‘مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَريمٍ ‘} و (17): { وَ اللهُ خَلَقَ كُلَّ دَ ا بَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشى‘ عَلى بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشى‘ عَلى رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشى‘ عَلى اَرْ بَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ اِنَّ اللهَ عَلىكُلِّ شَىْء قَديرٌ ‘}. و بحرف الجرّ ( مِنْ ) تارة أُخرى، كما في سائر الآيات.

و ( مِنْ ) هنا بيانيّة على الأصحّ، لوقوعها بعد (ما) المبهمة، فيبيّن الجارّ و المجرور { مِنْ دَا بَّة } في هذه الآيات جنس المبهم الّذي سبقها، و هما يتعلّقان بصفة محذوفة للمبهم.2 اقترن عموم الدّواب بعموم المعاني، كالبثّ الّذي يعني البسط والنّشر والإظهار، و ببعض الظّواهر الكونيّة، كخلق السّماوات و الأرض، و إنزال المطر، كما في (11) و (12) و (18): { وَمِنْ ايَاتِهِ خَلْقُ السَّموَاتِ’ وَ الاَرْضِ وَ مَا بَثَّ فيهِمَا مِنْ دَ ا بَّة وَ هُوَ عَلى جَمْعِهِمْ اِذَا يَشَاءُ قَديرٌ ‘}، راجع: ب ث ث: <.بَثَّ >.

3 عدّ الله تعالى الطّائر صنفًا مغايرً ا للدّ ا بّة في (13): { وَ مَا مِنْ دَ ا بَّة فِى الاَرْضِ وَلاطَائِر يَطيرُ‘ بِجَنَاحَيْهِ اِلا اُمَمٌ اَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَابِ مِنْ شَىْء ثُمَّ اِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }، لأ نّه لايدب على الأرض غالبًا، كالملائكة في (16): { وَ للهِ‚ يَسْجُدُ مَا فِى السَّموَاتِ’ وَمَا فِى الاَرْضِ مِنْ دَ ا بَّة وَالْمَلئِكَةُ’ وَ هُمْ لايَسْتَكْبِرُونَ }.

قال الطُّوسيّ: (4 : 137) < قال قوم: إنّما قال: { بِجَنَاحَيْهِ } لأنّ السّمك عند أهل الطّبع طائر في الماء، و لاأجنحة له، و إنّما خرج السّمك عن الطّائر لأ نّه من دواب البحر >. فسمّى السّمك دوابًّا و هو لايدب على الأرض، تبعًا لما اصطلح عليه اللُّغويّون و المحدّثون و غيرهم، ومنه ما رووه عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله) أ نّه قال: < كلّ دا بّة من دواب البحر و البرّ ليس لها دم منعقد، فليست لها ذكاة >؛ قال المناويّ: < جزم الحافظ ابن حجر بضعف سنده>.((1))

ثانيًا: أربع منها (3 و 4 و 11 و 17) مدنيّة، و واحدة (9) مختلف فيها، و الباقي مكّيّ، و (11) و (12) مشتركتان بين مكّيّة و مدنيّة. و الخمس الأُولى و فيها المكّيّ و المدنيّ وعيد و إنذار يعمّان المشركين و المنافقين و أهل الكتاب، و واحدة (7) قصّة، و الباقي كلّها دلائل التّوحيد، و هي مكّيّة سوى واحدة (9) مختلف فيها، وليس فيها تشريع.

ثالثًا: ذُكرت أسماء بعض الدّواب من الحيوان في القرآن، فممّا يُركَب فقط:

الخيل: { وَ اَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّ ة وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ } الأنفال : 60

البغال: {وَالْخَيْلَ وَ الْبِغَالَ وَ الْحَميرَ‘ لِتَرْكَبُوهَا وَزينَةً‘} النّحل : 8

الحمير: { اِنَّ اَنْكَرَ الاَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَميرِ ‘}

لقمان : 19

و ممّا يُركَب و يؤكل:

ص: 720


1- (1) فيض القدير (5 : 25).

الإبل: { اَفَلايَنْظُرُونَ اِلَى الاِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ }

الغاشية : 17

الجمل: { وَ لايَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فى سَمِّ الْخِيَاطِ } الأعراف : 40البعير: { وَ نَميرُ‘ اَهْلَنَا وَ نَحْفَظُ اَخَانَا وَ نَزْدَادُ كَيْلَ بَعير‘ } يوسف : 65

النّاقة: { هذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ ايَةً } الأعراف : 73

البقر: { اِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا }

البقرة : 70

العِجْل: { ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ } النّساء : 153

و ممّا لايركب و لايؤكل:

الكلب: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ اِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ اَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ } الأعراف : 176

الفيل: { اَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِاَصْحَابِ الْفيلِ ‘}

الفيل : 1

الخنزير: { اِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزيرِ‘ وَمَا اُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ}

البقرة : 173

الذّئب: { قَالَ اِنّىلَيَحْزُ نُنى اَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ اَخَافُ اَنْ يَاْكُلَهُ الذِّ ئْبُ وَ اَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ }

يوسف : 13

القِرَدة: { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواقِرَدَ ةً خَاسِينَ=}

البقرة:65

القسورة: { فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَة } المدّثّر : 51

و ممّا يؤكل فقط:

المَعْز: { ثَمَانِيَةَ اَزْوَاجٍ مِنَ الضَّاْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ } الأنعام : 143

النّعجة: { اِنَّ هذَا اَخى‘ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ } ص : 23

الغنم: { قَالَ هِىَ عَصَاىَ اَتَوَكَّؤُعَلَيْهَا وَ اَهُشُّ بِهَا عَلى غَنَمى‘ وَلِىَ فيهَا‘ مَارِبُ اُخْرى } طه : 18

سائر الهوامّ و الدّواب ممّا لايطير:

الثّعبان: { فَاَلْقى عَصَاهُ فَاِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُبينٌ‘ }

الأعراف : 107

الحيّة: { فَاَلْقيهَا فَاِذَا هِىَ حَيَّةٌ تَسْعى} طه : 20

النّملة: { قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا ءَ يُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ } النّمل : 18

العنكبوت:{وَاِنَّ اَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} العنكبوت :41

القُمّل:{فَاَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفَادِعَ وَ الدَّمَ ايَات مُفَصَّلات } الأعراف :3 13

ص: 721

ص: 722

د ب ر

اشارة

16 لفظًا، 41 مرّة: 24 مكّيّة، 17 مدنيّة

في 30 سورة: 20 مكّيّة، 10 مدنيّة

دابِرٌ 4: 3 1 اَدْ بَرَ 4:4

دُ بُرٍ 4: 3 1 اِدْ بَار1: 1

دُ بُرَهُ 1: 1 مُدْبِرًا 2:2

اَدْ بَار 1: 1 مُدْبِرِينَ 6: 5 1

الاَدْ بَار 5: 5 يُدَ بِّرُ 4: 3 1

اَدْ بَارِها 1: 1 المُدَ بِّر ات 1: 1

اَدْ بَارهم 5: 2 3 يتَدَ بّرُون 2: 2

اَدْ بَارَكُم 1: 1 يَدَّ بَّرُوا 2: 2

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: دُ بُر كلّ شيء: خلاف قُبُله، ما خلا قولهم: جعل فلانٌ قَولي دَ بْرَ أُذُنه، أي خَلْفَ أُذُنه و دُ بُرَ أُذُنه.

و يقال للقوم في الحرب: وَلُّوهم الدُّ بُر والإدبار،

و الإدبار: التّولية نفسُها.

و ما لهم من مَقبَل و لامَدْ بَر، أي مذهب في إقبال

و إدبار.{ وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ} ق: 40، أي أواخر الصّلوات.

{ وَاِدْ بَارَ النُّجُومِ } الطّور : 49، عند الصّبح في آخر اللّيل إذا أدبَرَتْ مُوَلّية نحو المغرب.و الدّ ابِر: التّابع، و دَ بَر يَدْ بُرُ دَ بْرً ا، أي تَبِع الأثر، و قوله تعالى: { وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ } المدّثّر: 33،أي وَلّى ليذهَب، و من قرأ: (دَ بَرَ) أي تَبِع النّهار.

و قطع الله دابرهم، أي آخِر من بقي منهم.

و جعَل الدَّ بْرَة عليهم، أي الهزيمة.

و الدَّ بُور: ريح من قِبَل القِبْلة دابِرة نحو المشرق؛ و جمعه: دُ بُر؛ و الدّبائر أصوَب.

والدّ ابرة من الطّائر: إصبَعٌ من خَلف،و هي للدِّيك

ص: 723

أسفل من الصِّيْصِية يَطَأُ بها، و بها يضرب البازي.

و دابِرة الحافر: ماوَليَ مُؤخّرالرُّسْغ. [ثمّ استشهد بشعر]

و مثَل للعرب: « ما يدري فلان قبيلا من دَبير ». القبيل: ما وَ لِيَك، و الدَّبيرُ: ما خالَفَكَ.

و يقال: الدّبير فَتْل الكتّان و الصُّوف، و القبيل: فَتْل القُطْن.

و دُبار: اسم ليلة الأربِعاء في الجاهليّة.

و الدَّبار: الهلاك، و دَ بَرَ القوم يدبُرون دِبارً ا.

و دَبِر ظَهرُ الدّ ا بّة؛ و الاسم: الدَّ بَر، و دابّة دَبِرَة.

و أدبَرَ أمره، أي تَولّى إلى الفساد.

و دابَرْتُه: عادَيتُه.

و المدابِر من المنازل: نقيض المقابل.

و الدّ بْرَة: الكُرْدَة((1)) من مَزْرَعة و مَبْقَلة؛ و تُجمَع على دِبار.

و الدَّ بَرانِ: نَجمٌ بين الثُّر يّا و الجَوْزاء من منازل القمر، نَحس من بُرج الثّور.

و التّدبير: عَِتْق المملوك بعد الموت.

و التّدبير: نَظَرٌ في عواقب الأُمور. و فلان يتدبّر أعجاز أُمور قد وَلّت صدورها.

و استَد بَر من أمره ما لم يكن استَقْبل، أي نظر فيه مُستَدبرًا، فعرف ما عاقبة ما لم يعرف من صدره.

و استَدبَر فلان فلانًا من حينه، أي حين تَولّى تَبِع أمرَه.

و الدَّ بْر: النّحل؛ و الجميع: الدُّبور.

والتّدا بُر: المُصارَمة و الهِجْران، و هو أن يُولِّي الرّجل صاحبَه دُ بُرَه و يُعرض عنه بوجهه. (8 : 31)

الضّبّيّ: القبيل: فَوْز القِداح في القِمار، و الدّبير: خَيبَة القِدْح. (الأزهَريّ 14 : 114)

اللّيث: يقال: شرّ الرّأ ي الدَّبريّ، أي شرّه إذا أدبر الأمر و فات. (الأزهَريّ 14 : 110)

أبوعمروالشّيبانيّ: ضرَبه على دابِر الفَخِذ: أسفل من الأليَة من مؤخّرها. (1 : 244)

الدِّبار: أن تُقطَع جُلَيدَة من آخر الأُذُن. (1 : 248)

جعَلتُ هذا الأمر دَ بْر أُذني، و اجعَله دَ بْر أُذنك لايهِدَّ ك. (1 : 249)لبَنٌ أدْ بَرُ، إذا كَسَعُوا اللّبن.

(1 : 250)

الدّوابِر: القوائم،قال: نقول: قطع الله دوابِرَه.

(1 : 251)

و المُدابَرة: أن تُقامر قمارً ا لاتَرْجع فيه، و ليس فيها رِدِّيدَى.

التّدا بُر: و هو التّقاطع. [ثمّ استشهد بشعر]

(1 : 267)

التّدبير: الهلاك. [ثمّ استشهد بشعر] ( 1: 277)

و الدِّبارُ، المشاراتُ واحدتها دَبرَة.

(الأزهَريّ 14 : 112)

القَبيل: طاعة الرّب و الدَّبير: معصيته.

(الأزهَريّ 14 : 114)

الدّ ابِرَة: آخر الرّمل.

و دابِرَ ة الإنسان: عُرقُوبه.

ص: 724


1- (1) المَشارة.

و دابِرَ ة الطّائر: الّتي يضرب بها، و هي كالإصبع في باطن رِجْلَيه.

و دابِرَ ة الحافر: ما حاذى مُؤخّر الرُّسْغ.

و الدّ ابِرَ ة: ضَرْب من الشَّغْزبيّة في الصِّراع.

(الجَوهَريّ 2 : 653)

الفَرّاء: و هما [أدبَرَ دَ بَر]لغتان، دَ بَر النّهار و أدبَرَ، و دَ بَر الصّيف و أدبَرَ، و كذلك قبَل و أقبَل.

فإذا قالوا: أقبَل الرّ اكب أو أدبَرَ، لم يقولوا إلا بالألف و إنّهما عندي في المعنى لَواحِد، لا أُبعِد أن يأ تي في الرّجال ما أُتي في الأزمنة.

(الأزهَريّ 14 : 111)

أبوعُبَيْدَة: رجل أُدابر: لايقبل قول أحد،

و لايلوي على شيء.

و رجل أُباتِر: يَبتَر رحمه فيقطعها.

و رجل أُخايل، و هو المختال.

و أُجارد: اسم موضع، و كذلك أُجامِر.

(الأزهَريّ 14 : 115)

أبوزَيْد: يقال: جاء فلان بمال دِبْر، أي كثير، و إنّ عليه لمالا دِبْرً ا، أي كثيرًا. (258)

الأصمَعيّ: في حديث النّبيّ(صلی الله علیه و آله) : < إنّه نهى أن يُضحّى بشرقاء أو خرقاء مقابَلةً أو مدابَرةأو جدعاءَ>. المدابَرة: أن يفعل ذلك بمؤخّر الأُذن من الشّاة.

(أبوعُبَيْد 1 : 68)

< قولهم: قطع الله دابره>.الدّ ابِر: الأصل، أي أذهب الله أصله. [ثم استشهد بشعر] (الأزهَريّ 14 : 111)

دَ بَر السّهم الهدف يَد بُرُه دَ بْرً ا، إذا صار من وراء الهدف، و دَبِر البعير يَد بَرُ دَ بَرًا. (الأزهَريّ 14 : 113)

و في حديث النّبيّ (صلی الله علیه و آله):< أ نّه نهى أن يُضحّى بمقابَلة أو مُدابَرة >.

المقابلة: أن يُقطَع من طرف أُذنها شيء ثمّ يُترَك مُعلّقًا لايبين كأ نّه زنمَة،و يقال لمثل ذلك من الإبل: المُزَ نّم و يسمّى ذلك المعلّق الرَّعْل.

و المدابَرة: أن يُفعَل ذلك بمؤخّر الأُذن من الشّاة.

و كذلك إن بان ذلك من الأُذن فهي مُقابلةٌو مُدابَرة بعد أن كان قُطِع.

و يقال: شاة ذات إقبالة و إدبارة، إذا شُقّ مقدّم أُذنها و مؤخّرها، و فُتِلَت كأ نّها زنمَة.

و فلان مُقابِل و مُدابِر، إذا كان محضًا من أبويه.

و يقال: دَ بّرتُ الحديث، أي حَدّثت به عن غيري.

(الأزهَريّ 14 : 113)

الدَّبار: الهلاك، و دابِرَة الحافر: مؤخّره، و جمعها: الدّوابر. (الأزهَريّ 14 : 114)

فلان ما يدري قبيلا من دبير، المعنى ما يدري شيئًا.

(الأزهَريّ 14 : 114)

القبيل: ما أقبَل به الفاتِل إلى حَقْوه، و الدّبير: ما أدبَر به الفاتِل إلى رُكبتيه. (الأزهَريّ 14 : 114)

القبيل: ما فتلته إلى قدّام، و الدّبير: ما فتلته إلى خلف. (ابن دُرَيْد 2 : 242)

يقال: دَبَرَت الرّيح تَدبُر دُ بُورًا، إذا صارت دَ بُورًا.

(ابن دُرَيْد 2 : 243)

اللِّحيانيّ: و د ا بَرَالرّجل: مات.

(ابن سيده 9 : 315)

ص: 725

أبوعُبَيْد: [في حديث النّبيّ (صلی الله علیه و آله) المتقدّم بعد نقل قول الأصمعيّ، قال:]

و قال غير الأصمَعيّ: و كذلك إن بان ذلك من الأُذن أيضًا فهي مقابَلة و مدابَرة بعد أن يكون قد قُطِع.

(1 : 68)

قال النّبيّ (صلی الله علیه و آله) :< لاتُدابِروا ولاتُقاطِعوا >. التّدابر: المصارمة و الهجران، مأخوذ من أن يولّّي الرّجل صاحبَه دَبرَه و يُعرض عنه بوجهه .

(الأزهَريّ 14 : 112)

المدابِر:الّذي يضرب بالقِداح، و قيل: المدابِر: الّذي قُمِر مرّة بعد مرّة فعاود لِيَقمُر. (الأزهَريّ 14 : 115)

ابن الأعرابي: روي عن النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أ نّه قال: < ثلاثة لاتُقبَل لهم صلاة: رجل أتى الصّلاة دِبارً ا، ورجل اعتبد مُحرّرً ا،و رجل أمّ قومًا هم له كارهون >.

قوله: دِبارً ا: جمع دَ بْر و دَ بَر، و هو آخر أوقات الشّيء، الصّلاة و غيرها.

ومنه الحديث الآخر: < و لايأتي الصّلاة إلا

دَ بَرِيًّا > .

والعرب تقول: العلم قَبْليّ وليس بالدَّ بَرِيّ.

قال أبوالعبّاس:معناه أنّ العالِم المتقِن يُجيبك سريعًا، والمتخلِّف يقول: لي فيها نظر.

(الأزهَريّ 14 : 110)

الدّ ابِرة: المشؤومة، و الدّ ابرة: الهزيمة، و الدّابرة: صِيصِيَة الدِّيك.

و الَمدْبور: الكثير المال، و الَمدْبور: المجروح.

(الأزهَريّ 14 : 112)

أدبَر الرّجل، إذا عرف دَبيره من قبيله.

أدبَر الرّجل، إذا سافر في دبار، و هو يومالأربعاء. و مَثّل مُجاهِد عن يوم النّحس، فقال:< هو أربعاء لايدور في شهر >.

أدبَر الرّجل، إذا مات، و أدبر، إذا تغافل عن حاجة صديقه، وأدبَر: صار له دَ بْر، و هو المال الكثير.

دَ بَر: رَدّ، و دَ بَر: تأخّر، و أدبَر، إذا انقلبت فتلة أُذن النّاقة إذا نُحرت إلى ناحية القفا، و أقبل، إذا صارت هذه الفتلة إلى ناحية الوجه. (الأزهَريّ 14 : 114)

ابن السِّكّيت: والدِّ بْر: مالايُدرى ما هو من كثرته، و كذلك الدَّثْربمنزلة الدِّ بْر. [ثمّ استشهد بشعر]

(65)

و الدَّ بْر: النّحل؛ و جمعه: دُ بُور. [ثمّ استشهد بشعر]

و الدِّبْر: المال الكثير. و يقال: مال دِبْر، و مالان دِبْر، و أموال دِبْر، و يقال: مال دَثْر بالثّاء.

(إصلاح المنطق : 4)

و الدِّ بْر: المال الكثير، و الدُّ بْر: دُ بْرالبيت، مؤخّره.

(إصلاح المنطق : 34)

القبيل من الفَتْل: ما أقبَلْتَ به إلى صدرك، و الدّبير: ما أدبَرْتَ به عن صدرك. (ابن فارِس 2 : 324 )

أبوالهَيْثَم: الدَّ بْر: الموت. يقال: دَ ابَرَ الرّجل، إذا مات. (الأزهَريّ 14 : 113)

الدّينَوريّ: الدَّ بْرَة: البُقعة من الأرض تُزرَع؛

و الجمع: دِبار. (ابن سيده 9 : 314)

الدِّ بْر بالكسر: النّحل كالدَّ بْر.

(ابن سيده 9 : 315)

ص: 726

المُبَرِّد: و في الحديث: أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: < نُصِرت بالصّبا، و أُهلِكَتْ عاد بالدَّبور >.

و قلّما يكون بالدَّبور المطر، لأ نّها تُجَفّل السّحاب، و يكون فيها الرَّهَج و الغَبَرَة، و لاتَهُبّ إلا أقلّ ذاك إلا بشدّة، فتكاد تقلع البيوت و تأتي على الزّروع.

(2 : 64)

و الرّأي الدّ بَريّ: الّذي يَعرِض بعد وقوع الشّيء. [ثمّ استشهد بشعر] (2 : 122)

ثَعْلَب: يقال للرّجل إذا مشى خلف الرّجل: هو يَخلُفه و يَذنُبه و يَدبُره. (الخطّابيّ 2 : 63)

الزّجّاج: و د بَرَ اللّيل و أدبَر، أي ولّى.

و دبَرتِ الرّيح دُ بُورًا، و أد بَرالرّجل: صار في الدَّبور. (فعلت و أفعلت : 15)

ابن دُرَيْد: الدَّ بْر: النّحل. يقال: دَ بْرَة ودَ بْرٌ للجمع، و نَحْلة و نَحْل. (1 : 216)

و الدُّ بُر: ضدّ القُبُل. و الإدبار: خلاف الإقبال. وأمس الدّابِر: الذّاهب.

و دَ بَر السّهم يَد بُرُه دَ بْرً ا و دُبورً ا، إذا سقط وراءه.

و الدَّ بْر: النّحل؛ الواحدة: دَبْرَة.

و الدِّبار: واحدها دِبارة، و هي الّتي تسمّى بالفارسيّة الكُرْدَ.

و يقال: ما يعرف فلان قبيله من دَبيره.و رجل مُقا بَل مُدا بَر، إذا كان كريم النّسَب من قِبَل أبويه.

و شاة مقابَلة مدابَرة، فالمقابَلة: الّتي تُشَقُّ أُذنها من قِبَل وجهها، و المدابَرة: الّتي تُشَقُّ أُذنها من قِبَل قفاها، و كذلك هي من النُّوق.

و الدّابِرة: دابِرة النّسر و ما أشبهه من الطّير، و هي الإصبع الّتي في مؤخّر رجله؛ و الجمع: دَوابر.

و دابِرة الإنسان: عُرْقُوبه

و يقال: جاء فلان بمال دَ بْرٍ ودِبْرٍ، إذا جاء بمال كثير.

و يقال: اجعَل هذا الأمر دَ بْرَ أُذنك، أي خلف أُذنك.

و الدَّ بْر: قطعة تغلظ في البحر كالجزيرة يعلوها الماء و ينصبّ عنها.

و الدّ بَرَة في ظهر البعير و غيره: معروفة؛ و الجمع: دَ بَر، بعيٌر أدْ بَرُ و دَبِرٌ، كما قالوا: أجرَبُ و جَرِبٌ.

و تقول العرب: أد بَرَ يَنُجّ ظهره ، إذا كثر الدّ بَر على ظهره.

و دُبار: اسم يوم، أحسبه يوم الأربعاء.

و الدّ بُور: الرّيح المعروفة، و سمّيت دَ بُورً ا لأ نّها تجيء من دُ بُر الكعبة، هكذا يقول الأصمَعيّ.

و بنو دُ بَيْر: حيّ من العرب.

و عَدِيّ الأدْ بَر: رجل من سادات العرب. وحُجْر ابن عَدِيّ الأدْ بَر: الّذي قتله معاوية، وسمّي الأدْ بَر لأ نّه طُعِن مُولّيًا، وله حديث.

و يقولون: على فلان الدَّبار، كما يقولون: العفاء، أي انقطاع الأثر.

و تَدابَر القوم، إذا تقاطعوا وتعادَوا. قال أبو عُبَيْدَة: لايقال ذاك إلا في بني الأب خاصّة.

و عَبدٌ مُدَ بّر: معروف، إذا قيل له: إذا مِتُّ

ص: 727

فأنتَ حُرّ.

و الدّ بَران، و هو الّذي يقال له: حادي النّجم: معروف عندهم، و هو من النُّحوس.

و إنمّا سمّي الدّ بَران، لأ نّه يَد بُرُ الثُّرَيّا، و هو يسمّى المِجْدَح أيضًا.

[و استشهد بالشّعر4 مرّات] (1 : 242)

و يقولون: ما يعرف قبيله من دبيره، فقال قوم: أراد: لايعرف نسب أبيه من نسب أُمّه.

و قال آخرون: القبيل: الخيط الّذي يُفتَل إلى

قُدّ ام، و الدّبير: الّذي يُفتَل إلى خَلْف. (1 : 321)

شاة مُقابَلة و مُدابَرة، كذلك النّاقة، فالمقابَلة: الّتي تُشَقّ أُذُنها من قِبَل و جهها، و المدابَرة: الّتي تُشَقّ أُذُنها من قِبَل قفاها. و الشّقّ: الإقبالة و الإدبارة. (1 : 322)

و يقال للدّ بَران: عين الثّور، و المِجْدَح، و الحادي.

و دبَران: نجم معروف. (3 : 415)

[و ممّا تكلّمت به العرب من فعلت و أفعلت]

...و دَ بَرت و أدبَرَت، وصَبَت وأصْبَت. أجازه أبو زَيْد و أبو عُبَيْدَة و لم يُجزه الأصمَعيّ، ثمّ زعموا أنّ أبا زَيْد رجع عنه. (3 : 435)و قبَل و أقبَل، و دبَر وأدبَر. (3 : 440)

و الأُدَيبر: دويبّة... (3 : 448)

القاليّ: و يقولون: خاسِر دابِر، و خاسِر دامِر، و خَسِر دَمِر، و خَسِر دَبِر.

فالدّ ابر يمكن أن يكون لغة في الدّ امر و هو الهالك، و يمكن أن يكون الدّ ابر الّذي يَد بُرُ الأمر، أي يتبعه و يطلبه بعد ما فات و أدبَر.

و منه قيل لهذا الكوكب الّذي بعد الثّريّا: الدَّ بَران، لأ نّه يَدْ بُرالثّريّا، و منه الرّ أي الدَّ بَريّ، و هو الّذي لا يأتي إلا عن دُ بُر، يقال: فلان لايأتي الصّلاة إلا دَ بَريًّا أي في آخرها، و يمكن أن يكون الدّ ابر: الماضي الذّاهب. [ثمّ استشهد بشعر] (2 : 218)

ابن بُزُرْج: < قولهم: قطع الله دابِرَه > دابرُ الأمر: آخره، و هو على هذا كأ نّه يدعو عليه بانقطاع العَقِب حتّى لايبقى له أحد يخلفه، و عَقِب الرّجل دابِره.

(الأزهَريّ14 : 112)

الأزهَريّ: روي عن النّبيّ (صلی الله علیه و آله) أ نّه قال: < ثلاثة لاتُقبَل لهم صلاة: رجل أتى الصّلاة دِبارً ا، و رجل اعتبد مُحرّرً ا، و رجل أمّ قومًا هم له كارهون >.

قال الأفريقيّ و هو الّذي روى هذا الحديث : معنى قوله: دِبارً ا، بعدما يفوت الوقت.

و يقال: جعل الله عليهم الدّ بَرَة، أي الهزيمة، و جعل لهم الدّ بْرَة على فلان، أي الظّفَرة و النُّصْرة. و قال أبوجهل لابن مسعود يوم بدر و هو مُثبَتٌ جريح : لمن الدَّبرة؟ فقال: لله و لرسوله يا عدوّ الله.

و يقال: إنّ فلا نًا لو استقبل من أمره ما استدبره لهُدِي لوِجْهة أمره، أي لو علم في بدء أمره ما علمه في آخره لاسترشد أمره.

و قال أكثم بن صيفيّ لبنيه: < يا بنيّ لاتتدبّروا أعجاز أُمور قد وَلّتْ صُدورها >. يقول: إذا فاتكم الأمر لم ينفعكم الرّأي و إن كان مُحكمًا.

و التّدبير: أن يُعتِق الرّجل عبده بعد موته، فيقول له: أنت حرٌّ بعد موتي.

ص: 728

و التّدبير أيضًا: أن يُدَ بِّر الرّجل أمره و يتَدبّره، أي ينظر في عواقبه.

و الدّ بَران: نجم بين الثّريّا و الجَوْزاء. و يقال له: التّابع و التُّوَيْبِع، و هو من منازل القمر، سمّي دبَرانًا لأ نّه يَد بُرُ الثُّريّا، أي يتبعه.

و الدَّ بُور ريح تَهُبّ من نحو المغرب، و الصّبا تقابلهما من ناحية المشرق. و قال النّبيّ (صلی الله علیه و آله): < نُصِرتُ بالصَّبا وأُهْلِكَتْ عادٌ بالدَّ بُور >.

و يقال: ناقة مُقابَلة مُدابَرة، أي كريمة الطّرفين من قِبَل أبيها وأُمّها، و غلام مُدابَر مقابَل كريم الطّرفين.

و يقال: ذهب فلان كما ذهب أمس الدّ ابر، و هو الماضي لايرجع أبدً ا.

و يقال: جعلت كلامه دَ بْرَ أُذني، أي أعرضتعنه، ولم ألتفت إليه.

و في حديث النّجاشيّ أ نّه قال:< ما أُحبّ أنّ لي

دَ بْرًا ذهبًا و أ نّي آذيت رجلا من المسلمين > و فُسرّ

< الدَّ بْر > بالجبَل في الحديث، و لاأدري أعربيّ هو أم لا؟. [ و نقل قول الأصمَعيّ ثمّ قال:]

قال شَمِر: < دَ بّرتُ الحديث > ليس بمعروف. قلت: وقد جاء في الحديث:أما سمعته من معاذ يُدَ بِّره عن رسول الله (صلی الله علیه و آله).

و قد أنكر أحمد بن يحيى: يُدَ بِّره، بمعنى يحدّثه،

و قال: إنمّا هو < يُذبّره > بالذّال و الباء أي يُتقِنُه. و أمّا أبو عُبَيْد فإنّ أصحابه رووا عنه: يُدَ بِّره، كما ترى.

قال أبو زَيْد: فلان لايأتي الصّلاة إلا دَ بَرِيًّا.

قال أبوعُبَيْد: و المُحدِّثون يقولون: دُ بُريًّا يعني في آخر وقتها.

قال أبو الهَيْثَم: دَ بْرِيًّا بفتح الدّ ال و جزم الباء. [ و استشهد بالشّعر5 مرّات] (14 : 110)

الصّاحِب: دُ بْرُ كلّ شيء: خِلاف قُبْلِه، ما خلا قولهم: جعل فلان قولك دَبْرَ أُذنه، فإنّ معناه: خَلْف أُذنه. ويقال: دَبار أُذنه، و دَبار ظَهْره، و دَ بْر ظَهْره.

و المُدابَر: نقيض المُقابَل.

ويقال في الحرب: ولَّوْهم الدُّ بُر و الأد بار.

وليس لهذا الأمر قِبْلَة و لادِبْرَ ة، أي جهة.

و الإد بار: التّولية.

و أد بار السُّجود: أواخر الصّلوات. و إد بار النّجوم: عند الصّبح في آخر اللّيل إذا توَلّتْ.

والدّ ابِر: التّابع، في قراءة من قرأ (و الَّيْلِ اِذَا دبَر).

و قطع الله دابرهم، أي آخر ما بقي منهم.

و عليه الدَّ بار، أي انقطاع الأثر.

و التّدابر: المصارمَة و الهجران، و هو أن يولّيَه

دُ بُرَه. و الأخلاف أيضًا.

و الرّأي الدَّ بَريّ: الّذي يكون من غير فكر

و لا رويّة.

و أتَيتُه دَ بَريًّا، أي بعد حين.

و في المثَل: شرّ الرّأي الدَّ بَرِيّ.

و رجل أُدَ ابر بضمّ الألف : أي لايقبل قول أحد، و لايلوي على شيء.

ورجل مُدابِر رحم، أي قاطعها.

و الدَّ بُور: ريح تُقبِل من نحو المغرب ذاهبَةً نحو المشرق، دَبَرَتِ الرّيح و أدبَرَتْ.

ص: 729

و دَ بَر النّهار و أدْ بَر.

و دابِرة الإصبَع: الّتي من خَلْف.

و دابِرة الحافر: ما يلي مُؤخّر الرُّسْغ. و الدّوابِر: مقدّ مات الحوافر.

و قولهم في المثَل: < ما يَدْري قبيلا من دَبير > أي ما قابلك و ما خالفك. و قيل: ما يَدْري أمُقبِل هو أم مُدبِر. و قيل: القبيل: ما أقبلَتْ به المرأة من غَزْلها عند الفَتْل و الدّبير: ما أد بَرَتْ به.و ما لهم مَقبَل و لا مَدبَر: أي مَذْهَب.

و الإد بارة: شَقّ في الأُذن مُدبِرًا، و هي الدّ بْرَ ة أيضًا.

و نهى عليه الصّلاة والسّلام < أن يُضحّى بمُقابلة أو مُدابَرة > : و هي مايُقطَع ممّا يلي العُنُق.

و فلان مُقابَل في الكرم و مُدابَر، و مُستقبل المَجْد مُستدبِره.

والمُستدبِر: المُستأثِر.

و دُبار: اسم ليلة الأربِعاء.

و الدَّبار: الهلاك، و كذلك الدّبير.

و دَبِر ظهر الدّ ابّة، أي قَرِحَ، و بعير أدْ بَرُ و ناقة دَ بْراء.

و أد بَرَ الرّجل: دَبِرَتْ دابّته، فهو مُدبِر.

و أد بَر أمر القوم: تولّى.

و دَ بَر النّهار: ذهب. و ذهب كما ذهب أمْسِ الدّابر، و هو أيضًا : الفائز بالقِمار، دَ بَرَ يَد بُرُ دُبورًا. و هو مُدابَر، أي مقمور.

و دابَرتُ فلا نًا: عادَيتُه. و دا بَرَ فلان، إذا مات، فهو مُدابِر.

و الدّ بَرَ ة و الدَّبار: الكُرْدَ ة من المزْرَعة و المَبقَلة.

و الدَّ بَران: نجم من منازل القمر في بُرْج الثّور.

و التّدبير: عتق المملوك بعد الموت. و النّظر في الأُمور، و قد استَد بَر من أمره ما فاته.

والدَّ بْر: زنابير النّحل و غيرها.

و الدَّ بْر: المال الكثير، لايُثنّى و لايُجمع، و يقال: دَ بْرٌ.

و فلان ليس من شرج فلان و لا دَ بّوره، أي من ضَرْبه.

و الدّ ابِر: رَفرَف البناء.

و الدّابرة: الحوض.

و السّهمُ الدّابرُ: آخر سهم في الكنانة، وقيل: السّهم الغالي، دَ بَرَ السّهم.

و الدّ ابِريّة: ضَرْب من أُخذ الصِّراع.

و الأُدَيْبِر: دُوَيْبّة من الحيّات.

و الدُّ بْرَة: أقصى الوادي.

و الدَّ بْرَة: الدَّولة، و كذلك الدّ ابرة.

و ذات الدَّ بْرَ: ثنيّة.

و في المثَل: < كلّ عَيْر خيرٌ من دُ بَيْر > و دُ بَيْر: اسم حمار، معرفة.

و الدّابِر: آخر القوم، و آخر الأمر. (9 : 299)

الخطّابيّ: في حديث عمر أ نّه لمّا تكلّم بالكلام المذكور عنه يوم وفاة رسول الله(صلی الله علیه و آله) و بُويع لأبي بكر قام فقال:« أمّا بعد فإنّي قد قلت لكم مقالة لم تكن كما قلت، و لكنّني كنت أرجو أن يعيش رسول الله حتّى

ص: 730

يَدْ بُرَنا ».

قوله: يَدْ بُرَنا، معناه: يَخْلُفنا بعد موتنا و يبقى خلافنا. (2 : 63)

و قوله[ (صلی الله علیه و آله) ]:< و من النّاس من لايأتي الصّلاة إلا دَ بْرًا > يُروى على وجهين: بفتح الدّال و ضمّها، و دَ بْر الشّيء و دُ بْره: آخره. يريد أ نّه لايأتي الصّلاة في أوّل وقتها، لكن يغفلها حتّى إذا أدبرت صلاها في آخر وقتها، و بهذا وصف الله المنافقين، فقال: { وَ اِذَا قَامُوا اِلَى الصَّلوةِ قَامُوا كُسَالى } النّساء : 142.

قال أبو زَيْد: فلان لايصلّي الصّلاة إلا دَ بَريًّا، أي في آخر وقتها، قال: و المحدّثون يقولون: دَ بْريًّا.

و روى ابن الأنباريّ: دَ بَريًّا و دَ بْريًّا و دُ بْريًّا، و المعنى أن يأتيها في آخر وقتها. (2 : 268)

جاء في الحديث: < إنّ سُكينَة بنت الحسين جاءت إلى أُمّها الرّباب و هي صغيرة تبكي فقالت: ما بكِ؟ فقالت: مرّت بي دُ بَيْرة فلسَعَتْني بأُبيرة >. دُبَيْرة: تصغير دَ بْرَة، وهي النّحلة. (3 : 211)

الجَوهَريّ: الدَّ بْر بالفتح: جماعة النّحل. قال الأصمَعيّ: لاواحد لها، و يُجمَع على دُبور.

و يقال أيضًا للزّنابير: دَ بْرٌ، و منه قيل لعاصم بن ثابت الأنصاريّ : حَمِيّ الدَّ بْر ، وذلك أنّ المشركين لمّا قتلوه أرادوا أن يمثّلوا به ، فسلّط الله عليهم الزّنابير الكبار تَأبِر الدّارع ، فارتدعوا عنه حتّى أخذه المسلمون فدفنوه

و يقال: جعَلْت كلامه دَ بْرَ أُذُني، أي أغضَيتُ عنه وتصاممت.

و الدَّ بْرَة و الدِّبارة: المشارَة في المَزْرَعة، و هي بالفارسيّة < كُرْد >؛ و الجمع: دَ بْر و دِبار.

وذات الدّ بْر : اسم ثنيّة. قال ابن الأعرابيّ: وقد صحّفه الأصمَعيّ فقال: ذات الدَّيْر.

و الدُّ بْر و الدُّ بُر: الظّهر. قال الله تعالى: { وَيُوَ لُّونَ الدُّ بُرَ } القمر: 45،جعله للجماعة، كما قال:{ لا يَرْتَدُّ اِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } إبراهيم : 43.

و الدُّ بْر و الدُّ بُر: خِلاف القُبُل. و دُ بُر الأمر و دُ بْره: آخره.

ودُ بَيْر : قبيلة من بنى أسد.

و الدِّ بْر، بالكسر: المال الكثير، واحده و جمعه: سَواء. يقال: مالٌ دِبْرٌ، و مالانِ دِ بْرٌ، و أموال دِ بْرٌ.

و رجل ذو دِبْر: كثير الضّيْعَة و المال.

و الدِّ بْرَة: خلاف القبلة. يقال: فلان ماله قِبْلة و لا دِبْرة، إذا لم يهتد لجهة أمره. وليس لهذا الأمر قِبْلة و لادِبْرة، إذا لم يُعرَف وجهه.

و الدَّ بَرَة بالتّحريك: واحدة الدَّ بَر و الأدْبار. مثل شجرة و شجر و أشجار. تقول منه: دَبِر البعير بالكسر، و أدْ بَرَه القتَبُ.

و الدَّ بْرَة، بالإسكان و التّحريك أيضًا: الهزيمة في القتال، و هو اسم من الإدبار.

و يقال أيضًا: شرّ الرّأي الدَّ بَرِيّ، و هو الّذي يسنح أخيرً ا عند فوت الحاجة.

و الدَّ بَران: خمسة كواكب من الثّور، يقال: إنّه سَنامه، و هو من منازل القمر.

و الدّابِر: التّابع. و الدّابِر من السِّهام: الّذي يخرج

ص: 731

من الهدف. و الدّ ابِر من القِداح: خلافالفائز، و صاحبه مُدابر.

و قطع الله دابِرهم، أي آخر من بقي منهم. و يقال رجل أدابِر: للّذي يقطع رحمه مثل أُباتر. و قال أبو عُبَيْدَة: لايقبل قول أحد و لايلْوي على شيء.

و الدّبير: ما أد بَرَتْ به المرأة من غَزْلها حين تَفتِلُه.

و قال يعقوب: القبيل: ما أقبَلْتَ به إلى صدرك،

و الدّبير: ما أد بَرتَ به عن صدرك. يقال: فلان ما يعرف قبيلا من دبير.

وفلان مُقابَل ومُدابَر، إذا كان محضًا من أبويه.

قال الأصمَعيّ : وأصله من الإقبالة والإدبارة،

و هو شقّ في الأُذُن ، ثمّ يُفتَل ذلك ، فإذا أقبل به فهو الإقبالة ، وإذا أدبر به فهو الإدبارة. والجلدة المعلّقة من الأُذُن هي الإقبالة والإدبارة ، كأ نّها زنَمَة . والشّاة مدابَرة ومقابَلة وقد دابرتها وقابلتها. و ناقة ذات إقبالة وإدبارة.

ودُبار بالضّمّ: اسم يوم الأربعاء، من أسمائهم القديمة.

و الدَّبار بالفتح: الهلاك، مثل الدَّمار.

و الدِّبار بالكسر: جمع دبارة، و هي المَشارة.

وفلان يأتي الصّلاة دِبارًا، أي بعد ما ذهَبَ وقتُها.

و الدَّبور: الرّيح الّتي تُقابِل الصَّبا.

و دَ بَرَ السّهم يَد بُرُ دُبورً ا، أي خرج من الهدف. و دَ بَرَ بالشّيء: ذهب به. و دَ بَرَ النّهار و أدبَر بمعنًى.

و يقال: هيهات، ذهب كما ذهب أمسِ الدّ ابر. و منه قوله تعالى : ( وَالَّيْلِ اِذَا دَ بَرَ ) أي تبع النّهار قبله و قُرئ ( اَدْ بَرَ).

و يقال: قبّح الله ما قبَل منه و ما دَ بَر.

و دَ بَر الرّجل: ولّى و شيّخ.

و دَ بَرْتُ الحديث عن فلان: حدّثت به عنه بعد موته.

و دَ بَرْتُ الرّيح، أي تحَوّلت دَ بُورً ا. ودَ بَر : موضع باليمن، و منه فلان الدَّبرِيّ.

و دُبِر القوم، على ما لم يسمّ فاعله، فهم مدبُورون، إذا أصابتهم ريح الدّبور. و أد بَرُوا، أي دخلوا في ريح الدّبور.

و الإدبار: نقيض الإقبال.

وأدبَرْتُ البعير فدَبِر. و أدبَرَ الرّجل، إذا دَبِر بعيره.

و الأدْ بَرُ : لقب حُجر بن عديّ ، لأ نّه طُعِن مُولّيًا.

و دا بَرْتُ فلا نًا: عادَيتُه.

و الاستدبار: خلاف الاستقبال.

و التّدبير في الأمر: أن تنظر إلى ما يؤول إليه عاقبته.

و التّدبير: التّفكّر فيه.

و التّدبير: عتق العبد عن دُ بُر، و هو أن يُعتَق بعد موت صاحبه، فهو مُدبَّر.قال الأصمَعيّ: دَ بّرتُ الحديث، إذا حدّثت به عن غيرك. و هو يُدَ بّر حديث فلان، أي يرويه.

و تدابَرَ القوم، أي تقاطعوا. و في الحديث: لاتَدابَرُوا. [و استشهد بالشّعر خمس مرّات] (2 : 652)

ابن فارِس: الدّ ال و الباء و الرّاء أصل هذا الباب، أنّ جُلّه في قياس واحد، و هو آخر الشّيء

ص: 732

وخَلْفُه خلاف قُبُله. وتشذّ عنه كلمات يسيرة نذكرها.

فمعظم الباب أنّ الدُّ بُر خلاف القُبُل.

و الدّبير: ما أدْ بَرَت به المرأة من غَزْلها حين تفتله.

ودابرة الطّائر: الإصبع الّتي في مُؤخّر رِجْله.

و تقول: جعَلتُ قوله دَ بْر أُذني، أي أغضَيتُ عنه وتصَامَمتُ.

و دَ بَر النّهار و أدبَر، و ذلك إذا جاء آخره، و هو دُ بُره.

و دبّرتُ الحديث عن فلان، إذا حدّثت به عنه، و هو من الباب، لأنّ الآخر المحدِّث يَدْ بُر الأوّل يجيء خلفه.

و دابرة الحافر: ما حاذى مؤخّر الرُّسْغ.

و قطع الله دابرهم، أي آخر من بقي منهم.

و الدّ ابر من السّهام: الّذي يخرج من الهدف، كأ نّه ولّى الرّامي دُ بُره، و قد دَ بَر يَد بُرُ دُ بُورً ا.

والدّ بَران: نجم، سمّي بذلك لأ نّه يَدْ بُر الثّريّا.

و دابَرْتُ فلا نًا: عادَيتُه.

و في الحديث: لاتَدا بَروا، و هو من الباب؛ و ذلك أن يترك كلّ واحد منهما الإقبال على صاحبه بوجهه.

و التّدبير: أن يدبّر الإنسان أمره؛ وذلك أ نّه ينظر إلى ما تصير عاقبته و آخره، و هو دُ بُره.

و التّدبير: عِتْق الرّجل عبده أو أمته عن دُ بُر، و هو أن يَعتِق بعد موت صاحبه، كأنّه يقول: هو حُرّ بعد موتي.

و رجل مقابَل مدابَر، إذا كان كريم النّسب من قبل أبويه، و معنى هذا أنّ من أقبل منهم فهو كريم، و من أدبَر منهم فكذلك.

و المدابَرة: الشّاة تشقّ أُذنها من قِبَل قفاها.

و الدّابر من القِداح: الّذي لم يخرج، و هو خلاف الفائز، و هو من الباب، لأ نّه ولّى صاحبه دُ بُره.

و الدّابر: التّابع، يقال: دَ بَر دُ بُورًا. و على ذلك يفسّر قوله جلّ ثناؤه: { وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ } المدّثّر 33، يقول: تبع النّهار.

و دَ بَر بالقِمار، إذا ذهب به.

و يقال: ليس لهذا الأمر قِبْلَة و لا دِبْرة، أي ليس له ما يُقبِل به فيُعرَف و لايُدبِر به فيُعرَف.

و رجل أُدابِر: يقطع رحمه، و ذلك أ نّه يُدبِر عنها و لايُقبِل عليها.

و الدّ بُور: ريح تُقبِل من دُ بُر الكعبة.

و الدّابرة: ضرب مِن أُخَذِ الصَّرع.

و أمّا الكلمات الأُخر فأُراها شاذّة عن الأصل الّذي ذكرناه، وبعضها صحيح. فأمّا المشكوك فيه،فقولهم: إنّ دُبارًا اسم يوم الأربعاء، و إنّ الجاهليّة كذا كانوا يسمّونه، و في مثل هذا نظر. و أمّا الصّحيح فالدُّبار، و هي المَشارات من الزّرع. [ثمّ استشهد بشعر]

و من ذلك الدَّ بْر، وهو المال الكثير. يقال: مال دَ بْر، و مالان دَ بْر، وأموال دَ بْر. (2 : 324)

أبوهلال: الفرق بين التّدبّر و التّفكّر: أنّ التّدبّر تصرّف القلب بالنّظر في العواقب، و التّفكّر تصرّف القلب بالنّظر في الدّلائل.وسنُبيّن اشتقاق التّدبّر و أصله فيما بعد. (58)

الفرق بين التّدبير و التّقدير: أنّ التّدبير هو تقويم

ص: 733

الأمر على ما يكون فيه صلاح عاقبته، و أصله من: الدُّبر. و أدبار الأُمور عواقبها، و آخر كلّ شيء دُ بُره، و فلان يتدبّر أمره، أي ينظر في أعقابه ليُصلحه على ما يصلحها.

و التّقدير: تقويم الأمر على مقدار يقع معه الصّلاح، و لايتضمّن معنى العاقبة. (157)

الفرق بين السّياسة و التّدبير: أنّ السّياسة في التّدبير المستمرّ، و لايقال للتّدبير الواحد: سياسة، فكلّ سياسة تدبير، و ليس كلّ تدبير سياسة. والسّياسة أيضًا في الدّقيق من أُمور المسوس على ما ذكرنا قبل، فلايوصف الله تعالى بها لذلك. (158)

الفرق بين الحيلة و التّدبير: أنّ الحيلة ما أُحيل به عن وجهه، فيُجلَب به نفع أو يُدفَع به ضرّ. فالحيلة بقدر النّفع و الضّرّ من غير وجه، و هي في قول الفقهاء على ضربين: محظور و مباح:

فالمباح: أن تقول لمن يحلف على وطء جاريته في حال شرائه لها قبل أن يستبرئها: أعتِقْها، و تزَوّجْها ثمّ طِئْها، و أن تقول لمن يحلف على وَطْء امرأته في شهر رمضان: اُخرُج في سفر وطِئْها.

و المحظور: أن تقول لمن ترك صلاته: ارتدّ ثمّ أسلِمْ، يسقط عنك قضاؤها.

و إنمّا سمّي ذلك حيلة، لأ نّه شيء أُحيل من جهة إلى جهة أُخرى، و يسمّى تدبيرًا أيضًا.

و من التّدبير ما لايكون حيلة، و هو تدبير الرّجل لإصلاح ماله و إصلاح أمر ولده و أصحابه، و قد ذكرنا اشتقاق التّدبير قبل. (212)

الهَرَويّ: في حديث عمر: < كنت أرجوا أن يعيش رسول الله(صلی الله علیه و آله) كي يَدْبرنا > أي حتّى يتقدّمه أصحابه و هو يَخلُفُهم.

و في الحديث: < لا تَدابَروا > أي لاتقاطعوا. يقال: تدابر القوم، إذا أدْ بَركلّ واحد عن صاحبه.

و في الحديث: < ثلاثة لاتُقبَل لهم صلاة: رجل أتى الصّلاة دِبارًا > معناه: بعد ما يفوت الوقت. و قال ابن الأعرابيّ: دِبار: جمع دَ بْر ودُ بْر،و هو آخر أوقات الشّيء.

و منه الحديث الآخر: <لايأتي الصّلاة إلا دَ بْرِيًّا > أي إذا أدبَر وفات الأمر.

و منه قوله: < شرّ الرّأي الدَّ بْرِيّ >. و قال أبو الهَيْثَم: دَ بْرَنا، بجزم الباء.قال أبو جهل لابن مسعود: < لمَنِ الدَّ بْرة؟> أي لمن الظّفر و النُّصرة. يقال: لمَنِ الدَّ بْرة، أي الدّولة، و على من الدَّ بْرة، أي الهزيمة.

و في حديث النّجاشيّ: < ما أُحبّ أنّ دَ بْرً ا لي ذهبًا و أ نّني آذيت رجلا من المسلمين >. و فُسّر دَ بْرً ا في الحديث بالجبل، و لا أدري أعَربيّ هو أم لا؟

و في الحديث: < أسلَفتُ من مُعاذ يُدَ بّره عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) >. قال أبو عُبَيْد: يقال: دَبّرتُ الحديث، أي حدّثت به عن غيره، قال أحمد بن يحيى: إنّما هو يُذَ بّره بالذّال أي يُتقِنه.

وفي الحديث: < فأرسل الله عليهم مثل الظُّلمة من الدّبر > الدَّ بْر: النّحل، و يقال أيضًا لها الحَشْرم و الأوْب. و يقال: أصل الأوْب: الموضع الّذي يُرجع

ص: 734

إليه، و سمّي باسم الموضع قاله أبوبكر، و البؤل و النّوب أيضًا النّحل. (2 : 616)

الثّعالبيّ: إذا خرج [السّهم] من الهدف، فهو دابر.

(211)

جماعة النّحل: دَ بْر.

(228)

ابن سيده: و الدُّ بُر و الدَّبير: نقيض القُبُل.

و دُ بُر كلّ شيء: عَقِبه و مؤخّره، و جمعهما: أدبار.

و دُ بُر الشّهر: آخره، على المثل. يقال: جئتك دُ بُر الشّهر ، و في دُ بُره، و على دُ بُره؛ والجمع من كلّ ذلك: أدبار. يقال: جئتك أدبار الشّهر، و في أدباره.

و الأدبار: لذوات الحافر و الظِّلْف و المِخْلَب: ما يجمع الاسْتَ و الحَياء. و خص بعضهم به ذوات الخُفّ، و الحياء من كلّ ذلك وحده دُ بُر.

و دُ بُر البيت: مؤخّره و زاويتُه.

و أدبار النّجوم: تواليها. وأدبارها: أخذها إلى الغرب للغروب آخر اللّيل، هذه حكاية أهل اللُّغة، و لاأدري كيف ذلك؟ لأنّ الأدبار لاتكون الأخذ؛ إذ الأخذ مصدر، و الأدبار أسماء.

و أدبار السّجود، و إدباره: أواخر الصّلوات.

و قد قرئ ( وَاَدْ بَار ) ( وَاِدْ بَار )، فمن قرأ ( وَاَدْ بَار ) فمن باب خَلْفَ و وَراءَ، و من قرأ ( وَاِدْ بَار ) فمن باب خُفُوق النّجم . قال ثَعْلَب: في قوله تعالي: { وَ اِدْ بَارَ النُّجُومِ } الطّور : 49، { وَاَدْ بَارَ السُّجُودِ } ق : 40، قال الكِسائيّ:{ وَاِدْ بَارَ النُّجُومِ } لأنّ لها دُ بُرًا واحدًا في وقت السّحر، { وَاَدْ بَارَ السُّجُودِ } لأنّ مع كلّ سجدة أدبارً ا.

و دَ بَره يَدْ بُره دُ بورًا: تبِعَه من ورائه.

دابِرُ الشّيء: آخره، و في التّنزيل: { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا } الأنعام: 45،أي استُؤصل آخرهم.

و دابِرَة الشّيء، كدابِره.

و دابِرة الحافر: الّتي تلي مؤخّر الرُّسْغ.

و دابِرة الإنسان: عُرقُوبه.و دابِرة الطّائر: الإصبع الّتي من وراء رِجْله، و بها يَضرِب البازيّ، و هي للدّيك أسفل من الصِّيصِيَة يَطأُبها.

و جاء دَ بَريًّا، أي أخيرًا. و فلان < لا يصلّي الصّلاة إلا دَ بَريًّا > أي أخيرًا، رواه أبو عُبَيْد عن الأصمَعيّ، قال: و المحدّثون يقولون دُ بُريًّا.

و تَبِعْتُ صاحبي دَ بَريًّا، إذا كُنتَ معه فتَخلّفْتَ عنه، ثمّ تَبِعْتَه و أنت تحذر أن يفوتك.

و دَ بَره يَدْبِره و يَدْ بُره: تلا دُ بُره.

و جاءيَدْ بُرهم، أي يَتْبعُهم، و هو من ذلك.

و أدْ بَرَ إدْبارًا ودُ بْرًا : ولّى عن كُراع . والصّحيح أنّ الإدبار المصدر، و الدُّ بْرَ الاسم.

وأدْ بَر أمر القوم: ولّى لفساد.

و قوله تعالى: { ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرينَ ‘} التّوبة: 25، هذه حال مؤكّدة، لأ نّه قد علم أنّ مع كلّ تولية إدبارًا، فقال: { مُدْبِرينَ‘ } مؤكّدًا.

و المَدْ بَرة: الإدبار.

و دَ بَر النّهار وأدْ بَر: ذهب.

و أمسِ الدّ ابِر: الذّاهب، وقالوا: مضى أمس

ص: 735

الدّابر، و أمس المُدبِر، وهذا من التّطوّع المُشام للتّوكيد،لأنّ اليوم إذا قيل فيه، أمس: فمعلوم أ نّه دَ بَر، لكنّه أُكّد بقوله:< الدّابِر > كما بيّنّا.

ورجل خاسِر دابِر، إتباع، و قد تقدّم خاسر داثر، و يقال: خاسر دامر، على البدل، و إن لم يلزم أن يكون بدلا .

و استَدبَره: أتاه من ورائه.

و قولهم: ما يعرف قبيله من دَبيره، قد قدّمنا ما قيل فيه من الأقاويل في باب القبيل.

و أد بَر الرّجل: جعله وراءه.

ودَ بَر السّهم الهدف يَدْ بُره دَ بْرً ا، و دُ بُورً ا: جاوزه و سقط وراءه.

و الدّ بَران: نجم يَدْ بُر الثّريّا، لزمته الألف و اللام لأ نّهم جعلوه الشّيء بعينه. قال سيبَوَيه: فإن قلت: أيقال لكلّ شيء صار خلف شيء: دَ بَران؟ فإنّك قائل له: لا، ولكنّ هذا بمنزلة العِدْل و العديل، فالعديل: ما عادلك من النّاس، و العدل: لايكون إلا للمتاع، و هذا الضّرب كثير، أو معتاد.

و جعَلتُ الكلام دَ بْر أُذني، أي خلفي، لم أعبَأْ به، و تَصامَمتُ عنه.

و قالوا: إذا رأيت الثّريّا بدَ بَرْ، فشَهرٌ نِتاج و شَهْر مطَر، أي إذا تدلّت للغروب مع المغرب فذلك وقت المطر، و وقت نِتاج الإبل. و إذا رأيت الشِّعرى بقَبَل، فمَجْد فتًى و حِمْل جمَل، أي إذا رأيتَ الشِّعْرى مع المغرب فذلك صميم القُرّ، فلا يصبر على القِرى و فعل الخير في ذلك الوقت غير الفتى الكريم الماجد الحرّ، وقوله: حِمْل جمَل: أي لايحمل فيه الثِّقَل إلا الجمل الشّديد، لأنّ الجمال تُهزل في ذلك الوقت، و تقلّ المراعي.

و الدّ َبُور: ريح تأتي من دُ بُر الكعبة، ممّا يذهب نحو المشرق. و قيل: هي الّتي تأتي من خلفك إذا وقفت في القبلة. و قال ابن الأعرابيّ: مَهَبّ الدّ بور من مسقط النّسر الطّائر إلى مَطلَعسُهَيْل، من < تذكرة أبي عليّ > تكون اسمًا وصفة،

فمن الصّفة قول الأعشى:

لها رجل كحفيف الحَصا

دِ، صادف باللّيل ريحًا دَ بُورًا

و من الاسم قوله: أنشده سيبَوَيه لرجل من باهلة:

ريح الدَّ بُور مع الشّمال وتارةً

رِهَم الرّبيع و صائب التّهتان

قال: و كونها صفةً أكثر.

والجمع: دُ بُر و دَبائر.

و قد د بَرَتْ تَدْ بُر دُ بُورًا.

و دُ بِر القوم: أصابتهم الدّ بُور.

و أد بَرُوا: دخلوا في الدّ بُور، و كذلك سائر الرّياح.

و رجل أُدابِر: لايقبل قول أحد، ولايلوي على شيء. قال السّيرافيّ: و حكى سيبَوَيه أُدابِرً ا في الأسماء و لم يفسّره أحد على أ نّه اسم، لكنّه قد قرنه بأُحامِر و أُجارِد، و هما موضعان، فعسى أن يكون أُدابِر موضعًا.

و أُذن مُدابَرة: قُطِعَت من خلفها و شُقّت.

و ناقة مُدابَرة: شُقّت أُذنها من قِبَل قفاها. وقيل: هو أن تُقرَض منها قرضة من جانبها ممّا يلي قفاها،

ص: 736

و كذلك الشّاة.

و ناقة ذات إقبالة و إدبارة، إذا شُقّ مقدّم أُذُنها ومؤخّرها، و فتلت، كأنّها زَنمَة.

ورجل مقابَل مُدابَر: مَحْضٌ من أبويه.

و المدا بَر من المنازل: خلاف المقابَل.

و تَدا بَر القوم: تعادوا وتقاطعوا. و قيل: لايكون ذلك إلا في بني الأب.

ودَ بَر القوم يَدبُرون دَبارًا: هلكوا.

و عليه الدَّبار، أي العفاء.

و الدَّ بْرَ ة: نقيض الدّولة، فالدّولة في الخير،

و الدَّ بْرة في الشّرّ. يقال: جعل الله عليه الدَّ بْرة، و هذا أحسن ما رأيتُه في شرح الدَّ بْرة.

و قيل: الدَّ بْرة: العاقبة.

و دَ بّرَ الأمر و تدَ بّرَه: نظر في عاقبته.

و استَدبَره: رأى في عاقبته ما لم ير في صدره.

و عرف الأمر تدَ بُّرًا أي بأُخَرَة.

و دَ بّرَ العبد: أعتقه بعد الموت.

و دَ بّرَ الحديث عنه: رواه.

و الرّأي الدَّ بَريّ : الّذي لايُنعَم النّظر فيه، و كذلك الجواب الدّ بَريّ.

والدّ بَرَة: قَرْحَة الدّ ابّة والبعير،والجمع:دَ بَروأدبار.

و د َبِرَ دَ بَرً ا فهو دَبِرٌ و أدْ بَرُ، والأُنثى دَبِرة و دَ بْراء.

و إبل دَ بْرَى. و قد أدْ بَرَها الحِمْل.

و الأدْ بَرُ: لقب حُجر بن عديّ، نُبز به لأنّ السّلاح أدْ بَرت ظهره. و قيل: سمّي به لأ نّه طُعِن مُولّيًا.و دُ بَيْر الأسديّ منه، كأنّه تصغير أدْ بَر مُرخّمًا.

و الدَّ بْرَة: السّاقية بين المزارع. و قيل: هي المَشارة؛ و جمعها: دِبار.

و قيل: الدِّبار: الكُرْدَة؛ واحدتها: دِبارة.

و الدِّبارات: الأنهار الصّغار الّتي تتفجّر في أرض الزّرع؛ واحدتها: دَ بْرَة، و لاأعرف كيف هذا، إلا أن يكون جمَع دَ بْرَة على دِبار، ثمّ أُلحقت الهاء للجمع: كما قالوا: الفِحالة ،ثمّ جُمع الجمع ،جمع السّلامة.

و الدَّ بْر والدِّ بْر: المال الكثير الّذي لايُحصى كثرة. يقال: مال دَ بْر، و مالان دَ بْر، و أموال دَ بْر. هذا الأعرف؛ و قد كُسِّر على دُ بُور.

و الدَّ بْر: النّحل و الزّنابير. و قيل: هي من النّحل: ما لايأري ، و لاواحد لها، و قيل: واحدته: دَ بْرَة. و جمع الدَّ بْر: أدْ بُر و دُ بُور.

و قد يجوز أن يكون الدُّبور جمع دَ بْرة كصَخْرَة

و صُخُور، و مأنَة و مُؤُون.

و الدَّ بُور بفتح أوّلها: النّحل، لاواحد لها من لفظها.

و حَمِيّ الدَّ بْر: عاصم بن ثابت، من أصحاب النّبيّ (صلی الله علیه و آله) قُتل يوم أُحد، فمنعت النّحل الكفّار منه.

و الدِّ بْر أيضًا: أولاد الجراد عنه.

و دَ بَرَ الكتاب يَدْ بُره دَ بْرًا: كتبه، عن كُراع، و المعروف: ذَ بَرَه، و لم يقل: دَ بَرَه إلا هو.

و الدَّ بْر: رُقاد كلّ ساعة، و هو نحو التّسبيخ.

و دُبار: ليلة الأربعاء، و قيل: يوم الأربعاء، عاديّة، و قال كُراع: جاهليّة.

و الدَّ بْر: قطعة تَغلُظ في البحر، كالجزيرة يعلوها الماء، و يَنضُب عنها.

ص: 737

و الأُدَ يْبِر: دُوَ يْبّة.

و بنو الدُّ بَيْر: بطن. [ و استشهد بالشّعر 16مرّة]

(9: 310)

الطُّوسيّ: الإدبار: تولية الدُّ بُر، و نقيضة:الإقبال.

و أقبل فلان، إذا استقامت له الأُمور على المثل، أي هو كالمُقبل إلى الخير. و أدبَر فلان، إذا اضطربت عليه حاله. (10 : 257)

الرّاغِب: دُ بُر الشّيء: خلاف القُبُل، وكنّي بهما عن العُضْوَين المخصوصَين. و يقال: دُ بْر و دُ بُر؛ وجمعه: أدبار، قال تعالى: { وَمَنْ يُوَ لهِِّمْ يَوْمَئِذ دُ بُرَ هُ } الأنفال:16، و قال: { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَاَدْ بَارَهُمْ } الأنفال:50، أي قدّامهم و خلفهم، و قال: { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } الأنفال:15، و ذلك نهي عن الانهزام، و قوله: { وَاَدْ بَارَ السُّجُودِ } ق:40، أواخر الصّلوات. [إلى أن قال:]

و الدّ ابر: يقال للمتأخّر، و للتّابع: إمّا باعتبار المكان، أو باعتبار الزّمان، أو باعتبار المرتبة.

وأدبَر: أعرَض و ولّى دُ بُره، قال: { ثُمَّ اَدْ بَرَ وَ اسْتَكْبَرَ } المدّثّر:23، و قال: { تَدْعُو مَنْ اَدْ بَرَ وَتَوَلى|} المعارج:17، و قال (علیه السلام): < لاتقاطعواو لاتَدابروا و كونوا عباد الله إخوانًا >، و قيل: لايذكر أحدكم صاحبه من خلفه.

و الاستدبار: طلب دُ بُر الشّيء.

و تدابَر القوم، إذا ولّى بعضهم عن بعض.

و الدِّبار: مصدر دابَرْتُه، أي عاديتُه من خلفه.

و التّدبير: التّفكّر في دُ بُر الأُمور، قال تعالى: { فَالْمُدَ بِّرَ اتِ اَمْرً ا } النّازعات : 5، يعني ملائكة موكّلة بتدبير أُمور.

و التّدبير: عتق العبد عن دُ بُر، أو بعد موته.

و الدِّبار: الهلاك الّذي يقطع دابرتهم.

و سمّي يوم الأربعاء في الجاهليّة دبارًا، قيل: و ذلك لتشاؤمهم به.

و الدّبير من الفَتْل: المدبُور، أي المفتول إلى خلف، و القبيل بخلافه.

و رجل مقابَل مدابَر، أي شريف من جانبيه.

و شاة مقابَلة مدابَرة. مقطوعة الأُذن من قُبُلها و دُ بُرها.

و دابرة الطّائر: أصبُعُه المتأخّرة، و دابرة الحافر ما حول الرُّسْغ.

و الدّ بُور من الرّياح: معروف، و الدّ بْرَة: من المزرعة؛ جمعها: دَبار.

و الدَّ بْر: النّحل و الزّنابير و نحوهما ممّا سلاحها في أدبارها؛ الواحدة: دَ بْرَة.

و الدَّ بْر: المال الكثير الّذي يبقى بعد صاحبه، و لايثنّى و لايجمع.

و دَ بَرَالبعير دَ بَرً ا، فهو أدْبُر و دَبِر: صار بقَرْحه دُ بْرً ا، أي متأخّرًا.

و الدَّ بْرَة: الإدبار. (164)

الزّمَخْشَريّ: أدبَر النّهار و دَ بَر دُ بُورًا. و صاروا كأمس الدّ ابِر. [ثمّ استشهد بشعر]

و قبَح الله ما قَبَل منه و ما دَبَر.

والدّلو بين قابِل ودابِر: بين مَن يُقبِل بها

ص: 738

إلى البئر و بين مَن يُدبِر بها إلى الحوض .

و ما بقي في الكنانة إلا الدّ ابر، وهو آخر السّهام .

و قطع الله دابره و غابره،أي آخره و ما بقي منه .

و صكّ دابرته، أي عُرقُوبه.

وضرَبَه الجارح بدابِرته،والجوارح بدوابرها و هي الأصبع في مؤخّر رجله.

و أفنى دوابر الخيل الرُّ كض: و هي مآخير الحوافر.

و ما لهم من مُقبِل و لا مُدبِر، أي من مذهب في إقبال و لاإدبار.

و دبَرني فلان و خلَفني: جاء بعدي و على أثري.

{ وَ قَدَّتْ قَميصَهُ مِنْ دُ بُر } يوسف : 25.

و المريض إلى الإقبال أو إلى الإدبار، وأمر فلان إلى الإقبال أو إلى الإدبار.

وجاء دبَريًّا: في آخر القوم.و تَدبَّر الأمر: نظر في عواقبه.

و استَدْبَره فرماه.

و استَدْبَر من أمره ما لم يكن استقبل،أي عرف في آخره ما لم يعرف في أوّله.

و تَدابَر القوم: اختلفوا و تعادوا.

ودابَرني فلان. ودابَر رحمه: قطعها.

و دبَر السّهم الهدف: جازه و سقط وراءه.

و دبَرَتِ الرّيح: هبَت دَ بُورً ا.

و أنا أدعو لك في أدبار الصّلوات.

ومن المجاز: ما يعرف قبيلا من دبير.

و جعله دَبْر أُذنه: أعرض عنه.

و رجل مُقابَل مُدابَر: كريم الطّرفين.

و ليس لهذا الأمر قِبْلة و لادِبْرة، إذا لم يُعرَف وجهه.

و دَ بَر فلان: شاخ.

و ولّى دُ بُره: انهزم.

و كانت الدّ بْرَة له إذا انهزم قِرْنه، و كانت الدَّ بْرة عليه إذا انهزم هو.

و جعل الله الدّ ابرة عليهم، بمعنى الدَّبْرة. و ولّوا دَ بْرَة: منهز مين.

و شرّ الرّأي الدّ بَري ّّ.

و فلان لايصلّي إلا دبَريًّا: في آخر وقتها.

و نزلو في دا بَرة الرّملة و في دوابر الرّمال.

و دَ بَرَت له الرّيح بعد ما قبَلَت إذا أدْ بَر بعد الإقبال .

و تقول: عصَفتْ دَ بُوره و سقَطَت عَبُوره، أي غاب نجمه. (أساس البلاغة : 125)

و الدَّ بْر : النّحل، و يمكن أن يُجعل اشتقاقه من التّدبير لما في عمله من النّيقة. (الفائق1 : 373)

النّبيّ(صلی الله علیه و آله):< ثلاثة لاتُقبَل لهم صلاة: رجل أتى الصّلاة دِبارً ا، و رجل اعتَبَد مُحرّرً ا، و رجل أمّ قومًا و هم له كارهون >.

يقال: لايدري فلان ما قِبال الأمر من دِباره و ماقَبِيله من دَبيرِه أي ما أوّله من آخره.

ص: 739

و المراد: أ نّه يأتي في آخر وقت الصّلاة حين أدبَر وكاد يفوت. و انتصابه على الظّرف. و عن ابن الأعرابيّ ;: هو جمع دُ بُر كالأدبار في قوله تعالى : { وَاَدْ بَارَالسُّجُودِ } ق : 40. (الفائق1 : 406)

أبو الدّرداء 2:< لأ نا أعلم بشِراركم من البيطار بالخيل، هم الّذين لا يأتون الصّلاة إلا دَ بْرً ا، و لايستمعون القول إلا هَجْرًا، ولايُعتَق محرّرهم >. أي آخرًا حين كاد الإمام يفرغ. (الفائق1 : 409)

في الحديث:< لايأتي الصّلاة إلا دَبَريًّا > و روي < دَ بْرِيًّا > بالسّكون.

هو منسوب إلى الدَّ بْر و هو الآخر، و التّحريك من تغيّرات النّسب، كقولهم: حِمصيّ و رَمليّ. و انتصابه على الحال من فاعل يأتي.

أما سمِعتَه من مُعاذ يُدَ بِّرُه عن رسول الله(صلی الله علیه و آله).حقيقة قولهم : دَ بّرتُ الحديث أ نّه جعل له دُ بُرً ا، أي آخرًا و مسندً ا كقولك: روى فلان عن فلان عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله).

و عن ثَعْلَب إنمّا هو < يُذَ بِّرُه > بالذّال المعجمة، و فسّره بيُتْقِنُه . و عن الزّجّاج: الذَّبْر: القراءة . و عن بعضهم: ذَبَر إذا نظر فأحسن النّظر. (الفائق1 : 410)

الطَّبْرِسيّ:و الأدبار: جمع دُ بُر،و أصله من الدَّ بْر. يقال: دبَره، يَدبُره، دَ بْرًا، فهو دابر، إذا صار خلفه.

و الدّ ابر: التّابع، و قوله : { وَالَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ } المدّ ثّر:33، معناه تبع النّهار.

و التّدبير: إحكام أدبار الأُمور، و هي عواقبها.

(2: 55)

التّدبُّر: النّظر في عواقب الأُمور.

و التّدابُر: التّقاطع، لأنّ كلّ واحد يولي الآخر دُبره بعداوته له.

و دبَر القوم يَدبرُون، دِبارًا: هلكوا، لأ نّهم يذهبون في جهة الإدبار عن الغرض.

و الفرق بين التّدبّر و التّفكّر: أنّ التّدبّر تصرّف القلب بالنّظر في العواقب، و التّفكّر: تصرّف القلب بالنّظر في الدّلائل. (2 : 81)

دابر القوم: الّذي يَدْ بُرهم؛ و يَدْ بَرهم لغتان: و هو الّذي يتلوهم من خلفهم و يأتي على أعقابهم. [ثمّ استشهد بشعر] (2 : 301)

والإدبار: جمع دُ بُر، هو جهة الخلف، و القُبُل: جهة القدّ ام، و قد يكنّى بهما عن الفرج.

و الدّ ابر: الأصل، و قيل: إنّ الدّابر الآخر. و عَقِب الرّجل: دابره. (3 : 341)

المَدينيّ: قوله تبارك و تعالى: { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْبَارَ } الأنفال: 15،و قوله { وَ يُوَلُّونَ الدُّ بُرَ} القمر:

45، يقال: ولَّوْا الدُّ بُر و الأدبار، إذا انهزموا. { وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ }: ق: 40، أواخره، و بالكسر: أي خلفه. و الأدبار: جمع دُ بُر: خلاف القُبُل في المواضع، إلا قولهم: دَ بْر أُذنه، و دَ بْر ظهره، فإنّه بفتح الدّال.

في حديث عمر 2أنّه قال لامرأة: < أدْ بَرْتِ و أنْقَبْتِ >.يقال: أدْ بَر الرّجل: دَبرَتْ دابّته، و الدَّ بْر: أن يَقرَح خُف البعير.

و منه حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما: < كانوا يقولون يعني في الجاهليّة : إذا بَرَأ الدّ بَر، و عفا

ص: 740

الأثر، و انسلخ صفر، حلّت العمرة لمن اعتمر >.

و في الحديث: < أُهلكت عاد بالدّ بُور >.الدّ بُور: ريح المغرب الّتي هي بإزاء الصّبا، سمّيت به، لأ نّها تأتي من دُ بُر الكعبة، و فعلها: دَبرَت.

في الحديث: < منهم من لايأتي الجُمُعةإلا دُ بْرً ا >. قال أبوزَيْد: الصّواب بضمّ الباء، معناه آخر الوقت.

و في حديث أبي جهل: < و لمن الدَّ بْرَة؟>.قال الفارابيّ: بفتح الباء، و قال غيره: بسكونها، أي لمن النّصرة.في الحديث: < لاتدابَرُوا >. معناه: التّهاجر و التّصارم، من تولية الرّجل دُ بُره أخاه إذا رآه، و إعراضه عنه.

و قال المؤرّج: معناه: آسوا، و لاتستأثروا. [ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما قيل للمستأثِر: مستَدبِر، لأ نّه يُولّي عن أصحابه إذا استأثر بشيء دونهم. (1 : 635)

ابن الأثير: في حديث ابن عبّاس: < كانوا يقولون في الجاهليّة: إذا بَرأ الدّ بَرُ و عَفا الأثَرُ >، الدّ بَرُ بالتّحريك: الجُرْح الّذي يكون في ظهر البعير، يقال دَبِر يَدبَرُ دَ بَرًا. و قيل: هو أن يَقرَح خُف البعير.

ومنه حديث عمر،أ نّه قال لامرأة: < أدْ بَرْتِ وأنْقَبْتِ > أي دَبِر بَعيرك وحَفِي. يقال: أد بَرَ الرّجل إذا دَبِر ظهر بعيره، وأنْقَب إذا حَفِيَ خُفّ بعيره.

و في حديث الدّعاء: < وَ ابْعث عليهم بأسًا تقطع به دَابرهم >، أي جميعهم حتّى لايبقى منهم أحد. و دَابرُ القوم: آخر من يبقى منهم و يجيء في آخرهم.

و منه الحديث <أيّما مُسلم خلَف غازيًا في دَ ابِرته> أي من بقي بعده.

و في حديث عمر: < كنت أرجُو أن يعيش رسول الله (صلی الله علیه و آله) حتّى يَدْ بُرَنا >، أي يَخلُفنا بعد موتنا. يقال دَ بَرتُ الرّ جل، إذا بَقيتَ بعده.

و فيه: < إنّ فلا نًا أعتَق غُلامًا له عن دُ بُر >، أي بعد موته. يقال: دَ بَّرتُ العبد إذا علّقت عِتْقه بموتك، و هو التّدبير، أي أ نّه يُعْتَق بعد ما يُدَ بِّره سيّده ويموت. و قد تكرّر في الحديث.

و في حديث أبي هريرة: <إذا زوّ قتُم مساجدكم وحَلّيتم مصاحفكم فالدَّ بار عليكم > هو بالفتح: الهلاك.

و في الحديث < نُصِرتُ بالصَّبا، وأُهلِكَت عاد بالدّ بُور > هو بالفتح: الرّيح الّتي تُقابل الصَّبا، و القبُول قيل: سمّيت به لأ نّها تأتي من دُ بُر الكعبة، وليس بشيء. و قد كثُر اختلاف العلماء في جهات الرّياح و مَهابّها اختلافًا كثيرًا، فلم نطل بذكر أقوالهم.

و فيه: < أرسل الله عليهم مثل الظُّلّة من الدَّ بْر> هو بسكون الباء: النّحل، و قيل: الزّنابير. و الظُّلّة: السّحاب.

و في حديث النّجاشيّ: < ما أُحبّ أن يكون دَ بْري لي ذهبًاوأ نّي آذيت رجلا من المسلمين > هو بالقصر: اسم جبل. و في رواية < ما أُحبّ أنّ لي دَ بْرًا من ذهب > الدَّ بْر بلسانهم: الجبل، هكذا فسّر، و هو في الأُولى معرفة، و في الثّانية نكرة.

و في حديث قيس بن عاصم: < إنّي لأُفْقِر البَكْر

ص: 741

الضّرع و النّابَ المُدبِر >، أي الّتي أدْ بَر خيرها. [و قد تركنا بعض الأحاديث حذرًا من التّكرار] (2 : 97)الفَيُّوميّ: الدُّ بُر بضمّتين وسكون الباء تخفيف: خلاف القُبُل من كلّ شيء. ومنه يقال لآخر الأمر: دُ بُر، و أصله: ما أدْ بَرَ عنه الإنسان، و منه دَ بّرَ الرّجل عبده تدبيرًا، إذا أعتقه بعد موته، و أعتق عبده عن دُ بُر، أي بعد دُ بُر.

و الدُّ بُر: الفَرْج و الجمع: الأدبار.

و ولاه دُ بُره: كناية عن الهزيمة.

و أدْ بَرَ الرّجل إذا ولّى أي صار ذا دُ بُر.

و دَ بَر النّهار دُ بُورًا من باب < قعد > إذا انصَرم، و أدْ بَرَ بالألف مثله.

و دَ بَر السّهم دُ بُورًا من باب < قعد > أيضًا خرج من الهدف فهو دَابِر، وسهام دَابرة ودَوابِر.

و دَ بَّرْتُ الأمر تدبيرًا: فعلته عن فكر و رَويّة، و تدَ بّرتُه تدَ بُّرً ا: نظرت في دُ بُره، و هو عاقبته وآخره.

و الدَّ بُور وزان رَسُول: ريح تهب من جهة المغرب تُقابل الصّبا. و يقال: تُقبِل من جهة الجَنُوب ذاهبة نحو المشرق. و استَد بَرْتُ الشّيء خلاف استَقبَلْتُه.

(1 : 188)

الجُرْجانيّ: التّدبير: تعليق العتق با لموت.

التّدبير: استعمال الرّأي بفعل شاقّ، و قيل: التّدبير: النّظر في العواقب بمعرفة الخير، و قيل: التّدبير: إجراء الأُمور على علم العواقب، و هي لله تعالى حقيقة، و للعبد مجاز.

التّدبّر: عبارة عن النّظر في عواقب الأُمور، و هو قريب من التّفكّر، إلا أنّ التّفكّر: تصرّف القلب بالنّظر في الدّليل، و التّدبّر: تصرّفه بالنّظر في العواقب. (24)

الفيروز اباديّ: الدُّ بُر، بالضّمّ و بضمّتين: نقيض القُبُل، و من كلّ شيء: عَقِبه و مؤخّره.و جئتك دُ بُرَ الشّهر، و فيه، و عليه، و أدبارَه، و فيها: أي آخره. و الا ست، و الظّهر، و زاوية البيت.

و بالفتح: جماعة النّحل و الزّنابير، و يُكسَر فيهما؛ الجمع: أدْ بُر و دُ بُور، و مَشارات المزرعة، كالدِّبار، بالكسر، و احدهما بهاء، و أولاد الجراد، و يُكسَر، و خلف الشّيء، و الموت، و الجبل، و منه حديث النّجاشيّ: < ما أُحبّ أنّ لي دَ بْرً ا ذهبًا، و أنّي آذيت رجلا من المسلمين >، و رُقاد كلّ ساعة، و الاكتتاب، و قطعة تَغْلُظ في البحر كالجزيرة يعلوها الماء و يَنْضُبُ عنها، و المال الكثير، و يُكسر، و مجاوزة السّهم الهدف، كالدُّبور.

و جعَل كلامَك دَ بْر أُذنه: لم يُصْغِ إليه، و لم يُعرّج عليه.

و الدَّ بْرَة: نقيض الدَّولة، و العاقبة، و الهزيمة في القتال، و البُقعَة تُزرَع.

و بالكسر: خلاف القِبْلَة.

و مالَه قِبْلَة و لادِبْرَة، أي لم يهتد لجهة أمره.

و بالتّحريك: قَرْحَة الدّ ا بّة؛ الجمع: دَ بَر وأدبار.

دبِرَ، كفَرِح، و أدْ بَر، فهو دَبِر.

و هان على الأملس ما لاقى الدَّبِر، يُضرَب في سوء اهتمام الرّجل بشأن صاحبه.

و أدبَرَه القتَب، و دَ بَر: ولّى كأدْ بَر، و بالشّيء:

ص: 742

ذهب به، و الرّجل: شَيّخ، و الحديث: حدّثه عنه بعد موته، و الرّيح: تحوّلت دَ بُورًا، و هي ريح تُقابل الصّبا.و دُبِر كعُني: أصابته. و أدْ بَر: دخل فيها.

و سافر في دُبار، و عَرَف قبيله من دَبيره و معناه: معصيته من طاعته، و مات كدابَرَ، و تَغافَل عن حاجة صديقه، و دَبِر بعيره، و صار له مال كثير، و انقلبت فَتْلَة أُذن النّاقة إلى القفا.

و الدَّ بَريّ، محرّكة: رأي يسنح أخيرًا عند فوت الحاجة، و الصّلاة في آخر وقتها، و تُسكّن الباء، و لاتقل بضمّتين، فإنّه من لحن المحدّثين.

و الدّ ابر: التّابع، و آخر كلّ شيء، و الأصل، و سَهْمٌ يخرج من الهدف، و قِدْح غير فائز، و صاحبه مدابِر، و البناء فوق الحسّيّ، و رَفْرَف البناء.

و بهاء: آخر الرّمل، و الهزيمة، و المشؤومة، و منك: عُرقُوبك، و ضرب من الشّغربيّة،((1))

و ما حاذى مؤخّر الرُّسْغ من الحافر.

و المَدْ بُور: المجروح، و الكثير المال.

و الدَّ بَران، محرّ كة: منزل للقمر.

و رجل أُدابِر، بالضّمّ: قاطع رحمه، و لايقبل قول أحد.

و الدّبير: ما أدْ بَرَتْ به المرأة من غَزْلها حين تَفتِلُه، و ما أدْ بَرتَ به عن صدرك.

و هو مُقابَل و مُدابَر: مَحْضٌ من أبويه، وأصله من الإقبالة و الإدبارة، و هو شقّ في الأُذن، ثمّ يُفتَل ذلك، فإن أُقْبِل به فهو إقبالة، و إن أُدْ بِر به فإدبارة، و الجِلْدة المعلّقة من الأُذن هي الإقبالة و الإدبارة، كأ نّها زَ نَمة.

و الشّاة مُقابَلة و مُدابَرة، وقد دا بَرتُها و قابَلتُها،

و ناقة ذات إقبالة و إدبارة.

و دُبار كغُراب و كِتاب: يوم الأربعاء، وفي كتاب <العين>: ليلته.

و بالكسر: المعاداة، كالمدابَرة، و السّواقي بين الزّروع، و الوقائع، و الهزائم، و بالفتح: الهلاك.

و التّدبير: النّظر في عاقبة الأمر، كالتّدبّر، و عتق العبد عن دُ بُر، و رواية الحديث و نقله عن غيرك.

و تدابَرُوا: تقاطعوا.

و استَدْ بَر: ضدّ استقبل، و الأمر: رأى في عاقبته ما لم ير في صدره، و استأثر.

و { اَفَلَمْ يَدَّ بَّرُوا الْقَوْ لَ } المؤمنون:68، أي : ألم يتفهّموا ما خُوطبوا به في القرآن.

و دُ بَير، كزُ بَير: أبو قبيلة من أسد، و اسمحمار، و بهاء:قرية بالبحرين.

و ذات الدَّ بْر: ثنيّة لهُذَيْل.

و دَ بْر: جبل بين تيماء و جبَلَي طيِّئ.

و الأدْ بَر: لقب حُجر بن عديّ، و لقب جَبَلَة بن قيس الكِنْديّ، قيل: صحابيّ.

و الأُدَيْبِر: ضرب من الحيّات.

و ليس هو من شرج فلان و لادَ بُّورِه، كتنُّوره، أي : من ضَرْبه و زِيّه.

و دَ بُّورِيّة:بلدة قُرْب طبَريّة. (2 : 27)

الطُّرَ يحيّ: و في الدّعاء: < لامقطوعًا دابِري >.

ص: 743


1- (1) نوع من المصارعة.

الدّابِر: بقيّة الرّجل من ولده و نسله.

و في الحديث: < المؤازرة على العمل تقطع دابر الشّيطان >، أي آخره.

و فيه: < إيّاكم و التّدابُر > و هو التّقاطع و المصارمة و الهجران، مأخوذ من أن يولّي الرّجل صاحبه دبرَه بعداوته، و يعرض عنه بوجهه.

و الدَّ بْر بسكون الموحّدة و بالضّمّتين: خلاف القُبُل من كلّ شيء، و منه يقال لآخر الأمر: دَ بْر.

و منه: < فليقل: دُ بْر المكتوبة كذا > بضمّ الدّال أشهر من فتحه، أي آخر أوقات الصّلاة.

و منه: < دَ بّرَ الرّجل العبد تدبيرًا > إذا أعتَقَه بعد موته.

و < أعتق عبده عن دَ بْر > أي بعد دبر.

و التّدبير < تفعيل > منه، فإنّ الحياة دَ بْر الوفاة.

و التّدبير في الأمر: أن تنظر إلى ما يؤول إليه عاقبته.

و تدبّر الأمر: التّفكّر فيه.

و الدُّ بُر: المخرج دون الأليين.

و الفرق بين التّدبّر و التّفكّر على ما قيل هو أنّ التّدبّر تصرّف القلب بالنّظر في العواقب و التّفكّر تصرّف القلب في النّظر بالدّلائل.

و الرّيح الدَّبور: الرّيح الّتي تقابل الصّبا تهبّ من ناحية المغرب، قيل: سمّيت بذلك لأ نّها تأتي من دَ بْر الكعبة، قال في < النّهاية > و ليس بشيء.

و الدَّ بَر: بالتّحريك كالجراحة تحدث من الرّجل و نحوه. ومنه <دبر ظهرالدّابّة > بالكسر.

و دَ بَر البعير دَ بْرًا بالإسكان، و دَ بَرً ا بالتّحريك: من باب فرح.

و الدَّ بَران: خمسة كواكب في الثّور، يقال إنّه سنامه و هو من منازل القمر. (3 : 298)

مَجْمَعُ اللُّغة: 1 دَ بَر يَدْ بُر دُ بُورً ا: ذهب وولّى فهو دابِر.

و دَ بَر فلان القوم يَدْ بُرُهم: صار خلفهم، ومنه

الدّ ابر للتّابع و الآخر.

و قطع الدّ ابر: كناية عن الاستئصال.

2 و الدُّ بُر: مؤخّر كلّ شيء و ظهره و عَقِبه، و هو نقيض القُبُل و جمعه: أدبار.

3 و ولّى المحارب دُ بُره: انهزم.

4 دَ بّرَ الأمرتدبيرًا: نظر في عواقبه و أدباره،ليقع على الوجه المحمود منه.

5 أدْ بَرإدبارًا: بمعنى:

أ أعرض و ولّى دُ بُرًاو ذهب.

ب أدْ بَر اللّيل و النّجم: أخذ في الذّهاب.

6 تدَ بّرَ تَدَ بُّرًا: تأمّل في أدبار الأُموروعواقبها. ثمّ استُعمل في كلّ تأمّل سواء أكان نظرًا في حقيقة الشّيء و أجزائه أم في سوابقه و أسبابه أم في لواحقه و أعقابه.

(1 : 378)

محمّد إسماعيل إبراهيم: دبَّرَ الأمر: تأمّل فيه و نظر في عاقبته، و اعتنى به و نظمه. و تدَ بّر الأمر وفيه: نظر في أدباره، و هي عواقبه.

و أدْ بَر اللّيل: انصرم و مضى.

ولّى مُدبِرًا: فرّ متقهقرًا.

ص: 744

ولّوا الأدبار: جعلوا عدوّهم وراءهم و أعطوا ظهورهم، دلالة على الهزيمة.

يقطع دابر الكافرين: يستأصل شأفتهم، و يقطع آخر من بقي منهم.

و أدْ بَرتِ الدّنيا: ضدّ أقبلت.

و الدُّ بُر: الظّهر ضدّ القُبُل، و يضربون أدبارهم، أي ظهورهم.

أدبار النّجوم: وقت غروبها آخر اللّيل.

و المُدبِّرات: الملائكة تنزّل بأمر الله لتدبير أمر الدّنيا. (1 : 182)

العَدْنانيّ: وَلَّوُا الأدبار.

و يقولون: ولّى أعداؤنا الإدْبار، و الصّواب: ولَّوُ ا الأدبار، أي جعلوا ظهورهم لنا، كنايةً عن فرارهم، لأنّ الفارّ ينتحي الجهة المخالفة لموقف عدوّه. و في الآية : 111، من سورة آل عمران:{ وَ اِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ }.

الدَّ بْر و الزّنابير:

يقولون:لَسَعَتْه الدّبابير، و الصّواب: لسَعَتْه الدَّ بْر أو الدِّ بْر، و هي لاواحد لها من لفظها. و تُجمَع الدَّ بْر على أدْ بُر و دُ بُور، مثل أنفُس و نُفُوس. أو نقول: لسَعَتْه الزّنابير، مفردها، زُنبُور بضمّ الزّاي و تسكين النّون، و قد يكون مفردها زَ نْبارًا.

و قيل: إنّ الدَّ بْر هي النّحل أيضًا. و قد خطّأ الأزهَريّ ذلك، و لاواحد لها من لفظها أيضًا.

أمّا كلمة الدَّ بُّور، فلم أجدها في معجم الدّميريّ

< حياة الحيوان الكُبرى >، و المعاجم اللُّغويّة تقول: إنّ الدَّ بُّورهو: الزِّيّ.

و توجد كلمة دَ بُور، و هي الرّيح الغربيّة، و تقابلها الصّبا، و هي الرّيح الشّرقيّة.

(مُعجم الأخطاء الشّائعة : 88)

محمود شيت: ...مُدبِّر: يقال: دفاع مُدبِّر: أُحكمت خُطّته و جرى تحصين مواضعه.

و هجوم مُدبِّر: هجوم أُعدّت خُطّته سلفًا، و اتّخذت تدابير الإسناد النّاريّ بدقّة و إتقان. يقابله: الهجوم الفوريّ. (1 : 235)

المُصْطَفَويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو ما يقابل القُبُل و الإقبال، و هذا المفهوميختلف باختلاف الصّيغ و الهيئات و الموارد. فيقال: دَ بَرَ يَدْ بُر دُ بُورًا، أي صار دابرًا، فهو دابِر { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا } الأنعام: 45، { وَ يَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرينَ‘} الأنفال:7،{ اَنَّ دَابِرَهؤُ لاءِ مَقْطُوعٌ } الحجر: 66، دابر كلّ شيء آخره و ما يتأخّرمن الشّيء، و قطع الدّابر: عبارة عن الانقطاع و انقضاء الآخر؛ بحيث أن لايكون جريانه مداومًا، و لايكون مستندًا إلى قوّة ثابتة و قدرة جارية، فينقضي أيّام جريان وجوده و حياته قهرًا.

و أمّا الدُّ بُر: فلايبعد أن يكون في الأصل صفة كالجُنُب، بمعنى ما اتّصف بكونه دابرًا، ثمّ يُطلَق على كلّ ما هو متأخّر و تابع { وَ قَدَّتْ قَميصَهُ مِنْ دُ بُر } يوسف: 25، { وَمَنْ يُوَ لِّهِمْ يَوْ مَئِذ دُ بُرَهُ } الأنفال: 16، و هو ما يقابل القُبُل، و هو جهة ظهر الإنسان.

و الجمع: أدبار: { وَ اِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ} آل عمران: 111،{ فَلا تُوَ لُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } الأنفال:

ص: 745

15،{ لايُوَلُّونَ الاَدْ بَارَ } الأحزاب: 15، راجع: و ل ي: < الوليّ >.

والإدبار: يقال: أدْ بَرَ، أي صار ذا دُ بُر، و أدْ بَر عنه، أي جعله في دُ بُره، و هو مُدبِر.{ وَالَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ } المدّ ثّر : 33، { مَنْ اَدْ بَرَ وَ تَوَ لى| } المعارج: 17، { وَ لى| مُدْبِرًا } النّمل: 10، { اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرينَ‘} النّمل: 80.

فالإدبار: أعمّ من أن يكون محسوسًا و في الظّاهر، كما في{ فَلَمَّا رَ اهَا تَهْتَزُّ كَاَ نَّهَا جَانٌّ وَ لى| مُدْبِرًا وَ لَمْ يُعَقِّبْ } النّمل: 10، أو معقولا معنويًّا كما في { وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ اِذَا وَلَّوْ ا مُدْبِرينَ ‘} النّمل: 80، أي بعقولهم.

و أمّا التّدبير: هو تصيير الشّيء ذا دبر، و جعله ذا عاقبة، بأن يكون الشّيء على عاقبة حسنة و نتيجة مطلوبة. و هذا معنى العمل عن فكر و رويّة{ ثُمَّ اسْتوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } يونس: 3، { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ اِلَى الاَرْضِ } السّجدة: 5، { وَمَنْ يُدَبِّرُ الاَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ } يونس:31، { فَا لسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ اَمْرًا } النّازعات: 5، معنى التّدبير بالنّسبة إلى الله تعالى معلوم، و تدبيره تعالى عبارة عن تنظيم أُمور العالم و ترتيبه، وجعل الأُمورعلى أحسن نظام وأتقن صنع منتج.

و أمّا التّدبيرات المنسوبة إلى غير الله تعالى: فهي في الجزئيّات المتعيّنة المحدودة بإذن من الله المتعال و مأموريّة منه، و لا إشكال فيها.

و أمّاالتّدبّر: فهو تفعّل لمطاوعة التّفعيل، فحقيقة معناه: حصول مفهوم التّدبير و تحقّقه و اختيار ذلك المفهوم، فيقال: دَ بّر الأمر فتدبّر الأمر، أي صار ذا عاقبة، و من هذا المعنى يؤخذ مفهوم التّعدية: تدبَّر القرآن، فكأ نّه مرجعه إلى جملة: تدبَّر في القرآن{ اَفَلا يَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ } النّساء: 82.

{ اَفَلَمْ يَدَّ بَّرُوا الْقَوْ لَ} المؤمنون: 68، { لِيَدَّ بَّرُوا ايَاتِهِ } ص: 29، تُقلَب تاء < تفعّل > دالا و تُدغَم، وجيء بالهمزة للتّلفّظ عند الحاجة، فيقال: إدّ بَّر يَدّ بِّرفهو مدّ بِّر، كما في < المدّ ثّر >.

ثمّ إنّ التّدبير إمّا في التّكوينيّات، أو في الأعمال، أو في الأقوال، أو في الأفكار، فيقال: دبّر الخلق أو العمل أو القول أو النّظر. و إذا استُعمل متعلّقًا بالنّظر، فيكون بمعنى الفكر و النّظر و التّفكّر في عاقبة الأُمور.

فظهر أنّ مفهوم التّفكّر ليس بمفهوم حقيقيّ للكلمة مطلقًا، بل من مصاديق الأصل الواحد في مورد خاص. (3 : 174)

النُّصوص التّفسيريّة

دَابِر

1 فَقُطِعَ دَ ابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ للهِ‚ رَبِّ الْعَالَمينَ‘. الأنعام : 45

ابن عبّاس: { فَقُطِعَ دَابِرُ} غاية { الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا }. (109)

السُّدّيّ: يقول: قُطع أصل الّذين ظلموا.

(الطّبَريّ5 : 194)

ابن زَيْد: استُؤصلوا. (الطّبَريّ5 : 194)

نحوه الشِّربينيّ. (1 : 420)

ص: 746

قُطْرُب: أخذهم، يعني استُؤصلوا و أُهلكوا.

(الثّعلبيّ4 : 148)

أبو عُبَيْدَة: أي آخر القوم الّذين يدبرهم.

(1 : 192)

ابن قُتَيْبَة: أي آخرهم. كما يقال: اجْتُثّت أصلهم.

(154)

الطّبَري: يعني تعالى ذكره بقوله: { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ظَلَمُوا } فاستُؤصل القوم الّذين عَتَوا على ربّهم،وكذّبوا رسله،وخالفوا أمره، عن آخرهم فلم يُترَ ك منهم أحدٌ إلا أُهلك بغتةً؛إذ جاءهم عذاب الله.

و دابر القوم: الّذي يَدبرُهم و هو الّذي يكون في أدبارهم وآخرهم. يقال في الكلام: قد دَ بَر القوم فلان يَدبُرُهم دَ بْرًا ودبورًا، إذا كان آخرهم. (5 : 194)

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة، لأنّ الأصل في هذه اللّفظة: دابرة الفرس؛ و جمعها: دوابر، وهي ما يلي حافره من خلفه. و دابرة الطّائر: هي الشّاخصة الّتي خلف رجله، و تُدعى الصِّيصِية أيضًا. فالمراد بقوله سبحانه: { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ظَلَمُوا } و الله أعلم، أي قُطعَت عنهم الأمداد اللاحقة بهم من خلفهم، و التّالون لهم في غيّهم و ضلالهم، أو قُطع خلفهم، من نسلهم، فلم تثبت لهم ذرّ يّة، و لم يبق لهم بقيّة. (25)

الطُّوسيّ: معناه أخذهم الّذي يَدبُرهم، و يَدبِرهم، لغتان بضمّ الباء و كسرها و هوالّذي يكون في أعقابهم. (4 : 148)

القُشَيْريّ: فلم يلبثوا إلا يسيرًا حتّى لم يبقمنهم عين و لا أثر، و لم يَرِد حديث منهم أو خبر، والله سبحانه و تعالى بنعت العِزّ و استحقاق الجلال لاعن فَقْدِهم له استيحاش، و لابوجودهم استرواح أو استبشار. (2 : 166)

البغَويّ: أي آخرهم الّذين يَدبُرهم. يقال: دبَر فلان القوم يَدبُرهم دَ بْرًا و دُ بُورًا، إذا كان آخرهم، و معناه: أ نّهم استُؤصلوا بالعذاب فلم يبق منهم باقية.

(2 : 124)

المَيْبُديّ: يعني أصل القوم وآخرهم و بقيّتهم، أي استُؤصلوا بالهلاك فلم يبق منهم أحد. ودابِر كلّ شيء: آخره، و قطعه: أن لايبق منه شيء. يقال: دبَر فلان القوم يَدبُرهم، إذا كان آخرهم. (3 : 353)

الزّمَخْشَريّ: آخرهم، لم يُترَك منهم أحد قد استُؤصلت شأفتهم.

(2 : 19)

ابن عَطيّة: الدّ ابر: آخر الأمر الّذي يَدبُره، أي يأتي من خلفه. [ثمّ استشهد بشعر]

و هذه كناية عن استئصال شأفتهم و محو آثارهم، كأ نّهم و ردوا العذاب حتّى ورد آخرهم الّذي دبرهم. و قرأ عِكْرِمَة: ( فَقَطَعَ ) بفتح القاف والطّاء ( دَابِرَ ) بالنّصب. (2 : 292)

الطَّبْرِسيّ: معناه: فاستُؤصل الّذين ظلموا بالعذاب ، فلم يبق لهم عقب و لانسل. (2 : 302)

الفَخْرالرّازيّ: الدّ ابر: التّابع للشّيء من خلفه كالولد للوالد. يقال: دبَر فلان القوم يَدبُرهم دُ بُورًا و دَ بْرًا إذا كان آخرهم.[ثمّ استشهد بشعر] (12 : 226)

القُرطُبيّ: الدّ ابر: الآخر. يقال: دَ بَر القوم يَدْبرهم دَ بْرًا إذا كان آخرهم في المجيء... و المعنى هنا: قطع

ص: 747

خلفهم من نسلهم و غيّرهم فلم تبق لهم باقية...

و منه التّدبير لأ نّه إحكام عواقب الأُمور.

(6 : 427)

أبوحَيّان: عبارة عن استئصالهم بالهلاك، و المعنى: فقطع دابرهم، و نبّه على سبب الاستئصال بذكر الوصف الّذي هو الظّلم، و هو هنا الكفر.

و الدّابر: التّابع للشّيء من خلفه.يقال: دبَرالوالدَ الولدُ يَدْبره، و فلان دبَر القوم دُبورًا و دَ بْرًا، إذا كان آخرهم...

و قرأ عِكْرِمَة (فَقَطَعَ دَابِرَ ) بفتح القاف والطّاءوالرّاء، أي فقطع الله. و هو التفات؛ إذ فيه الخروج من ضمير المتكلّم إلى ضمير الغائب.

(4 : 131)

أبوالسُّعود: أي آخرُهم بحيث لم يبق منهم أحد، من دبَره دَ بْرًا و دُبورًا أي تبعه. و وضع الظّاهر موضع الضّمير للإشعار بعلّة الحكم، فإنّ هلاكهم بسبب ظلمهم الّذي هو وضع الكفر موضع الشّكر و إقامة المعاصي مقام الطّاعات.

(2 : 383)

البُرُوسَويّ: أي آخِرهم بحيث لم يبق منهم أحد؛ فالدّ ابر يقال: للتّابع للشّيء من خلفه كالولد للوالد، يقال: دبَر فلان القوم يَدْبر دَ بْرً ا و دُبورًا، إذا كان آخرهم. [ثمّ أدام نحو أبي السُّعود] (3 : 30)

الآلوسيّ: أي آخِرهم كما قال غير واحد، وهو من دبَره إذا تبعه، فكأ نّه في دُ بُره أي خلفه، و منه: < إنّ من النّاس من لايأتي الصّلاة إلا دُبرًا >ا أي في آخِر الوقت.[ و نقل قول الأصمَعيّ ثمّ قال:]

وأيًّا مّا كان فالمراد أ نّهم استُؤصلوا بالعذاب

و لم يبق منهم أحد. و وُضع الظّاهر موضع الضّمير للإشعار بعلّة الحكم. (7 : 152)

سيّد قُطْب: و دابِرالقوم هو آخِر واحد منهم يدبرهم، أي يجيء على أدبارهم، فإذا قُطع هذا فأوائلهم أولى. (2 : 1090)

ابن عاشور: و جملة { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ } معطوفة على جملة { اَخَذْنَاهُمْ } ، أي فأخذناهم أخذ الاستئصال، فلم يبق فيهم أحدًا.

و الدّابر: اسم فاعل من دَ بَره من باب < كتَبَ >، إذا مشى من ورائه. و المصدر: الدُّبور بضمّ الدّ ال. و دابر النّاس: آخرهم، و ذلك مشتقّ من الدُّ بُر، و هو الوراء، قال تعالى: { وَاتَّبِعْ اَدْ بَارَهُمْ } الحجر: 65.

و قطع الدّ ابر كناية عن ذهاب الجميع، لأنّ المستأصل يبدأ بما يليه و يذهب يستأصل إلى أن يبلغ آخِره وهو دَابره . وهذا ممّا جرى مجرى المثل ، وقد تكرّر في القرآن ، كقوله : { اَنَّ دَابِرَ هؤُلاءِ’ مَقْطُوعٌ مُصْبِحينَ‘ } الحجر : 66. (6 : 102)

الطَّباطَباييّ: دُ بُر الشّيء مقابل قُبُله، و هما الجزءان: المقدّم و المؤخّر من الشّيء، و لذا يكنّى بهما عن العضوين المخصوصين، و ربّما توسّع فيهما فأُطلقا على ما يلي الجزء المقدّم أو المؤخّر، فينفصلان عن الشّيء.

و قد اشتُقّ منهما الأفعال بحسب المناسبة، نحو أقبل و أدبر و قبّل ودبّر و تقبّل و تدبّر واستقبل و استدبر، و من ذلك اشتقاق دابر بمعنى ما يقع خلف

ص: 748

الشّيء و يليه من ورائه، و يقال: أمسِ الدّابر، أي الواقع خلف اليوم، كما يقال: عام قابل.

ويُطلق الدّ ابر بهذا المعنى على أثر الشّيء كدابر الإنسان على أخلافه و سائر آثاره، فقوله:{ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا } أي أنّ الهلاك استوعبهم فلم يُبقِ منهم عينًا و لا أثرًا، أو أبادهم جميعًا فلم يخلص منهم أحد، كما قال تعالى: { فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَة } الحاقّة : 8.

و وُضع الظّاهر موضع المضمر في قوله:{ دَ ابِرَ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا } دون أن يقال: دابرهم، للدّ لالة على سبب الحكم، و هو الظّلم الّذي أفنى جمعهم و قطع دابرهم، و هو مع ذلك يمهّد السّبيل إلى إيراد قوله: { وَ الْحَمْدُللهِ‚ رَبِّ الْعَالَمينَ‘ } . (7 : 92)

عبد الكريم الخطيب: هو آخر ما يشيّع به هؤلاء الهالكون، و ما يتبعهم من دنياهم إلى المصير الّذي هم صائرون إليه،لقد قطع دابرهم، أي أُجتُثّت كلّ شيء لهم، و مُحيت آثارهم، و لم تبق منهم باقية. إنّهم وباء و بيل، و مرض خطير، يتهدّد الإنسانيّة بالفساد والضّلال، فكان خلاصالإنسانيّة منهم نعمة من نعم الله، تستوجب الحمد والشّكران { فَقُطِعَ دَ ابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا } أي لم تبق منهم باقية، من أُصول وفروع. (4 : 181)

مكارم الشّيرازيّ: ...و هكذا استُؤصلت جذور أُولئك الظّلمة وانقطع نسلهم { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا }والدّابر:بمعنى المتأخّر و التّابع.

و لمّا كان الله قد وفّر لهؤلاء كلّ وسائل التّربية

و لم يبخل عليهم بأيّ شيء منها، لذلك فإنّ الحمد يختص بالله الّذي يُربّي أهل الدّنيا كافّة، { وَ الْحَمْدُ للهِ‚ رَبِّ الْعَالَمينَ‘ }. (4 : 267)

فضل الله: الدّ ابر: يقال للمتأخّر وللتّابع: إمّا باعتبار المكان أو باعتبار الزّمان، أو باعتبار المرتبة. و المعنى: أنّ الهلاك استأصلهم و أبادهم جميعًا، فلم يَنجُ منهم أحد، و لم يبق لهم عقب و لانسل. (9 : 98)

2 ... وَ قَطَعْنَا دَابِرَ الَّذينَ‘ كَذَّبُوا بِايَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنينَ‘. الأعراف : 72

ابن عبّاس: أي استأصلنا الّذين كذّبوا بكتابنا و رسولنا هود. (131)

الحسَن: معناه: قطعنا أصل الّذين كذّبوا بديننا و ماكانوا مؤمنين. (الطُّوسيّ4 : 478)

ابن زَيْد: استأصلناهم. (الطّبَريّ5 : 529)

الطّبَريّ: و أهلكنا الّذين كذّبوا من قوم هود بحججنا جميعًا عن آخرهم، فلم نُبقِ منهم أحدً ا.

(5 : 529)

نحوه القُرطُبيّ. (7 : 237)

الطُّوسيّ: و الدّ ابر: الكائن خلف الشّيء، و نقيضه: القابل، و يكون القابل الأخذ للشّيء من قبل وجهه. (4 : 478)

البغَويّ: أي: استأصلناهم وأهلكناهم عن آخِرهم. (2 : 203)

المَيْبُديّ: أي أهلكناهم هلاك استئصال. و قطع الدّ ابر في هذا الموضع و في ثلاثة مواضع أُخرى بمعنى

ص: 749

قطع الأصل، والدّ ابرفي كلّ شيء آخِره { وَالَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ } المدّثّر: 33، يعني إذا تأخّر. معنى { وَقَطَعْنَا دَابِرَ } يعني أهلكنا آخرهم، كما قال في موضع آخر: { فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَة } الحاقّة : 8. (3 : 652)

الزّمَخْشَريّ : و قَطعُ دابرهم : استئصالهم و تدميرهم عن آخرهم. (2 : 88)

ابن عَطيّة: استعارة تُستعمل فيمن يُستأصَل بالهلاك، و الدّ ابر: الّذي يدبر القوم و يأتي خلفهم، فإذا انتهى القطع و الاستئصال إلى ذلك فلم يبق أحد.

(2 : 420)

الطَّبْرِسي: أي و استأصلنا الّذين كذّبوا بحججنا بعذاب الاستئصال، فلم يبق لهم نسل، ولاذرّ يّة.(2 : 438)

الفَخْرالرّازيّ: و قطعنا دابر الّذين كذّبوا بالآيات الّتي جعلناها معجزة لهود، و المراد: أ نّه تعالى أنزل عليهم عذاب الاستئصال الّذي هو الرّيح، و قد بيّن الله كيفيّته في غير هذا الموضع. و قطع الدّابر هو الاستئصال، فدلّ بهذا اللّفظ أ نّه تعالى ما أبقى منهم أحدًا، و دابر الشّيء: آخره. (14 : 160)

أبوحَيّان: كناية عن استئصالهم بالهلاك بالعذاب، و تقدّم الكلام في { دَابِرُ } في قوله:{ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا} الأنعام: 45. (4 : 326)

أبوالسُّعود: أي استأصلناهم بالكلّيّة و دمّرناهم عن آخرهم. (2 : 507)

نحوه الآلوسيّ. (8 : 159)

البُرُوسَويّ: أي استأصلناهم، أي أهلكناهم جميعًا بأن قطعنا عِرْقَهم و أصلهم، لأنّ دابر الشّيء آخِره، فقطع دابر القوم: إهلاكهم من أوّلهم إلى آخرهم.

(3 : 187)

الطَّباطَباييّ: الآية كناية عن إهلاكهم و قطع نسلهم، فإنّ الدّابر هو الّذي يلي الشّيء من خلفه، فربّما وُصف به الأمر السّابق على الشّيءكأمسِ الدّابر، و ربّما وُصف به اللاحق كدابر القوم و هو الّذي في آخرهم، فنسبة القطع إلى الدّابر بعناية أنّ النّسل اللاحق دابر متّصل بالإنسان في سبب ممتدّ، و إهلاك الإنسان كذلك، كأ نّه قطع هذا السّبب الموصول فيما بينه و بين نسله. (8 : 180)

عبد الكريم الخطيب: و الدّابر: ظهر الشّيء و خلفه، و دابر القوم: آخرهم، و المراد أ نّهم أُخذوا عن آخِرهم، فلم تبق منهم باقية. (4 : 421)

مكارم الشّيرازيّ: و{ دَابِرُ } في اللّغة بمعنى آخر الشّيء و مؤخّرته، و بناء على هذا المفهوم يكون معنى الآية: أ نّنا أبدنا هؤلاء القوم إبادة كاملة، و استأصلنا شأفتهم. (5 : 89)

3 ... وَ يُريدُ‘ اللهُ اَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَ يَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرينَ‘. الأنفال : 7.

ابن عبّاس: أصل الكافرين و أثرهم. (145)

ابن إسحاق: أي الوقعة الّتي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يوم بدر. (الطّبَريّ6 : 187)

ص: 750

ابن زَيْد: أن يقتل هؤلاء الّذين أراد أن يقطع دابرهم هذا خير لكم من العير. (الطّبَريّ6 : 187)

الطّبَريّ:و قوله: { وَ يَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرينَ ‘}يقول: يريد أن يَجُبّ أصل الجاحدين توحيدَ الله. (6 : 187)

نحوه الطُّوسيّ. (5 : 96)

الزّجّاج: أي ظفركم بذات الشّوكة أقطع لدابرهم. (2 : 402)

الزّمَخْشَريّ: و الدّ ابر: الآخِر، فاعل من دبَر. إذا أدبَر، و منه دابرة الطّائر. و قطع الدّ ابر: عبارة عن الاستئصال، يعني أنّكم تريدون الفائدة العاجلة و سفساف الأُمور، و أن لاتلقوا ما يرزؤكم في أبدانكم و أحوالكم، و الله عزّ و جلّ يريد معاليالأُمور، و ما يرجع إلى عمارة الدّين و نصرة الحقّ و علوّ الكلمة و الفوز في الدّ ارين. و شتّان ما بين المرادين، و لذلك اختار لكم الطّائفة ذات الشّوكة، و كسر قوّتهم بضعفكم، و غلب كثرتهم بقلّتكم، وأعزّكم و أذلهّم،

و حصل لكم ما لاتعارض أدناه العير و ما فيها.

(2 : 145)

نحوه الشِّربينيّ (1 : 558)،و أبو السُّعود (3 : 80)، و البُرُوسَويّ (3: 317)، و الآلوسيّ (9 : 172).

ابن عَطيّة: و الدّ ابر: الّذي يَدبُر القوم أي يأتي في آخِرهم، فإذا قُطع فقد أتى على آخرهم بشرط أن يبدأ الإهلاك من أوّلهم، و هي عبارة في كلّ من أتى الهلاك عليه. (2 : 504)

الطَّبْرِسيّ: أي يستأصلهم فلايبقى منهم أحدً ا، يعني كفّار العرب. (2 : 521)

الفَخْرالرّازيّ: [ذكر مثل الزّمَخْشَريّ ثمّ قال:]

و المراد أ نّكم تريدون العير للفوز بالمال، و الله تعالى يريد أن تتوجّهوا إلى النّفير، لما فيه من إعلاء الدّين الحقّ، و استئصال الكافرين. (15 : 129)

القُرطُبيّ: أي يستأصلهم بالهلاك. (7 : 370)

الطَّباطَباييّ: و الدّ ابر: ما يأتي بعد الشّيء ممّا يتعلّق به و يتّصل إليه. و قطع دابر الشّيء: كناية عن إفنائه واستئصاله؛ بحيث لايبقى بعده شيء من آثاره المتفرّعة عليه المرتبطة به. (9 : 19)

عبدالكريم الخطيب: دابَر الشّيء: آخره، و المراد به: قطع آخرهم و استئصالهم جميعًا؛ إذ كان أوّلهم هو الّذي يتلقّى الضّربة، فإذا بلغت تلك الضّربة آخرهم كان معنى ذلك القضاء عليهم جميعًا. (5 : 570)

فضل الله: و يستأصلهم باستئصال قوّتهم العسكريّة و السّياسيّة، و يهدم عنادهم و كبرياءهم، و يهزم كلّ مواقع التّحدّي الّتي يواجهون بها المسلمين. و لابدّ للوصول إلى هذا الهدف، من معارك ضارية يقف فيها المسلمون في خطّ المواجهة للكافرين المعتدين، لأنّ القوّة لابدّ من أن تُجابه بالقوّة، كما أنّ عمليّة النّصر ليست دعاء يدعو به الدّاعون في مواقف الخشوع في الصّلاة، و ليست تمنّيات يحلم بها الحالمون في ما يعيشونه من أحلام اليقظة و المنام، بل هي موقف صمود و صبر و هجوم ودفاع، و مواقف للتّحدّي المضادّ الّذي يردّ التّحدّيات

و يواجهها بتحدّيات مماثلة. فإذا عاش الإنسان حالة الضّعف قليلا في تلك المواقع، كان الدّعاء سبيل قوّة روحيّة يستمدّها من ارتباطه بالله، و كان النّصر حلمًا روحيًّا يتحرّك في خطّ الواقع و حركته، في تطلّع خاشع نحو الغيب القادم، من

ص: 751

لطف الله و رحمته.

(10 : 337)

4 وَ قَضَيْنَا اِلَيْهِ ذ لِكَ الاَ مْرَ اَنَّ دَابِرَ هؤُ لاءِ’ مَقْطُوعٌ مُصْبِحينَ ‘. الحجر : 66

ابن عبّاس: غابر. (219)يعني استئصال هلاكهم مصبحين.

(الطّبَريّ7 : 525)

الفَرّاء: (اَنَّ) مفتوحة على أن تردّ على الأمر، فتكون في موضع نصب بوقوع القضاء عليها، و تكون نصبًا آخر بسقوط الخافض منها، أي قضينا ذلك الأمر بهذا. و هي في قراءة عبدالله (وَ قُلْنَا اِنَّ دَ ابِرَ) فعلى هذا لو قرئ بالكسر لكان وجهًا. ( 2 : 90)

نحوه الزّجّاج. (3 : 182)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: و فرغنا إلى لوط من ذلك الأمر، و أوحينا أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين. يقول: إنّ آخِر قومك و أوّلهم مجذوذ مستأصل صباح ليلتهم، و (اَنَّ) من قوله: { اَنَّ دَابِرَ } في موضع نصب ردًّا على الأمر بوقوع القضاء عليها. و قد يجوز أن تكون في موضع نصب بفقد الخافض، و يكون معناه: و قضينا إليه ذلك الأمر بأنّ دابر هؤلاء مقطوع مُصبحين. و ذكر أنّ ذلك في قراءة عبد الله، و قلنا: إنّ دابر هؤلاء مقطوع مُصبحين. (7 : 525)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:أحدهما: آخرهم، الثّاني: أصلهم. (3 : 165)

القُشَيْريّ: أي إ نّهم مُهلكون و مُستأصلون بالعقوبة.

(3 : 276)

الزّمَخْشَريّ: دابرهم: آخِرهم، يعني: يستأصلون عن آخِرهم حتّى لايبقى منهم أحد.

(2 : 395)

نحوه الفَخْرالرّازيّ (19 : 201)، و الشِّربينيّ (2 : 208)، و البُرُوسَويّ(4 : 476).

ابن عَطيّة: و( اَنَّ)في موضع نصب، قال الأخفش: هي بدل من (ذ لِكَ) و قال الفَرّاء: بل التّقدير: بأنّ دابر، فحُذف حرف الجرّ، و الأوّل أصوب، و الدّابر: الّذي يأتي آخر القوم، أي في أدبارهم، و إذا قطع ذلك و أتى عليه، فقد أتى العذاب من أوّلهم إلى آخِرهم. و هذه ألفاظ دالّة على الاستئصال و الهلاك التّامّ، يقال: قطع الله دابره، و استأصل شأفته، وأسكت نأمته، بمعنى.

(3 : 368)

الطَّبْرِسيّ: يعني أنّ آخر من يبقى منهم يهلك وقت الصّبح، و هو قوله: { مُصْبِحينَ ‘} أي داخلين في وقت الصّبح، و المراد: أ نّهم مستأصلون بالعذاب وقت الصّباح على وجه لايبقى منهم أثر، و لانسل،

و لاعقب. (3 : 342)

أبوحَيّان: كناية عن الاستئصال، وتقدّم تفسير مثله في قوله: { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا } الأنعام : 45. (5 : 461)

أبوالسُّعود: و إيثار اسم الإشارة على الضّمير للدّلالة على اتّصافهم بصفاتهم القبيحة الّتي هي مدار ثبوت الحكم، أي دابر هؤلاء المجرمين. وإيراد صيغة المفعول بدل صيغة المضارع، لكونها أدخل في الدّلالة على الوقوع، و في لفظ < القضاء > و التّعبير عن

ص: 752

العذاب ب ( الاَمْر ) و الإشارة إليه ب ( ذلِكَ ) و تأخيره عن الجارّ والمجرور و إبهامه أوّ لا ثمّ تفسيره ثانيًا، من الدّلالة على فخامة الأمر و فظاعته، مالايخفى. وقرئ بالكسر على الاستئناف، و المعنى: أ نّهم يستأصلون عن آخِرهم حتّى لايبقى منهم أحد. (4 : 28)

الآلوسيّ: وقرأ زَيْد بن عليّ و الأعمش رحمهم الله تعالى (اِنَّ) بكسر الهمزة، و خرج على الاستئناف البيانيّ، كأ نّه قيل: ما ذلك الأمر؟ فقيل في جوابه: إنّ دابر إلخ، أو على البدليّة بناء على أنّ في الوحي معنى القول، قيل: و يؤيّده قراءة عبدالله (وَ قُلنَا إنَّ دَابِرَ...) و هي قراءة تفسير لاقرآن، لمخالفتها لسواد المصحف. و الدّابر: الآخِر، و ليس المراد قطع آخرهم، بل استئصالهم حتّى لا يبقى منهم أحد. (14 : 70)

مكارم الشّيرازيّ: ...ثمّ ينتقل مجرى الحديث حين يقول تعالى: { وَ قَضَيْنَا اِلَيْهِ ذلِكَ’ الاَ مْرَ اَنَّ دَابِرَ هؤُلاءِ’ مَقْطُوعٌ مُصْبِحينَ‘ } ، أي سوف لايبقى منهم أحد عند الصّباح. (8 : 83)

فضل الله: أي آخرهم، كناية عن استيعاب الهلاك لهم جميعًا، و ذلك بتأكيد الآخِر الّذي يوحي بما يحدث للأوّل. (13 : 169)

دُ بُر

1 وَ اسْتَبَقَا الْبَابَ وَ قَدَّتْ قَميصَهُ مِنْ دُ بُر...

يوسف: 25

2 وَ اِنْ كَانَ قَميصُهُ قُدَّ مِنْ دُ بُر فَكَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصَّادِقينَ‘. ‘يوسف: 25

3 فَلَمَّا رَ ا قَميصَهُ قُدَّ مِنْ دُ بُر قَالَ اِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ اِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظيمٌ‘. يوسف : 28

ابن عبّاس: { مِنْ دُ بُر} من الخلف من وسطه إلى قدميه. (195)

ابن إسحاق: لمّا رأى برهان ربّه انكشف عنها هاربًا و أتبَعَتْه فأخذت قميصه من دُبر، فشقّته عليه.

(الطّبَريّ7 : 190)

الطّبَريّ: يعني: شقّته من خلف لامن قدّام، لأنّ يوسف كان هو الهارب، و كانت هي الطّالبة.

(7 : 189)

الزّجّاج: و القراءة من (قُبُل)و من (دُ بُر)، و من (قُبْلٍ)و من (دُ بْرٍ). و يجوز من (قُبُل) بغير تنوين، و من (دُ بُر) على الغاية، أي من قُبْله. أمّا الفتح فبعيد في قوله: من قُبْلَ و من دُ بْرَ. لأنّ الّذي يفتح يجعله مبنيًّا على الفتح فيُشبّهه بما لاينصرف، فيجعله ممتنعًا من الصّرف، لأ نّه معرفة و مُزال عن بابه، و هذا الوجه يجيزه البصريّون. (3 : 103)

الماوَرْديّ: لأ نّها أدركَتْهُ و قد فتح بعض الأغلاق فجَذبَتْه من ورائه، فشقّت قميصه إلى ساقه. (3 : 27)

الطُّوسيّ: أي شَقّتْه طولا ، { مِنْ دُ بُر } أي من جهة الخلف. (6 : 125)

الزّمَخْشَريّ: اجتَذبَتْه من خلفه فانقدّ، أي انشقّ حين هرب منها إلى الباب، و تبَعَتْه تمنعه.[إلى أن قال:]

فإن قلت: إن دلّ قدّ قميصه من دُ بُر على أ نّها كاذبة، و أنّها هي الّتي تبَعَتْه و اجتَبذَتْ ثوبه إليها فقَدّ تْه، فمن أين دلّ قدّه من قُبُل على أ نّها صادقة،

ص: 753

و أ نّه كان تابعها؟

قلت: من وجهين:

أحدهما: أ نّه إذا كان تابعها و هي دافعته عن نفسها، قدّت قميصه من قدّامه بالدّفع.

و الثّاني: أن يسرع خلفها ليلحقها فيتعثّر في مقادم قميصه فيشقّه.

و قرئ: ( مِنْ قُبُلُ )و( مِنْ دُ بُرُ ) بالضّمّ على مذهب الغايات. و المعنى: من قُبل القميص و من دُبره. و أمّا التّنكير فمعناه من جهة يقال لها: قُبل و من جهة يقال لها: دُبر.

وعن ابن أبي إسحاق أ نّه قرأ:(مِنْ قَبْلَ)و(مِنْ دَ بْرَ) بالفتح كأ نّه جعلهما علمين للجهتين، فمنعهما الصّرف للعلميّة و التّأنيث. و قُرئا بسكون العين. (2 : 313)

ابن عَطيّة: و قرأ جمهور النّاس( مِنْ قُبُلٍ ) و( مِنْ دُ بُر ) بضمّ الباءين و بالتّنوين، و قرأ ابن يعمر و الجارود بن أبي سبرة و نوح و ابن أبي إسحاق( مِنْ قُبُلُ) و( مِنْ دُ بُرُ ) بثلاث ضمّات من غير تنوين. قال أبو الفتح: هما غايتان بُنيتا، كقوله تعالى:{ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْد ُ} الرّوم:4، قال أبو حاتم: و هذا رديء في العربيّة جدًّا و إنّما يقع هذا البناء في الظّروف.

و قرأ الحسَن( مِنْ قُبْل ) و(مِنْ دُ بْر) بإسكان الباءين و التّنوين، و رويت عن أبي عمرو. وروي عن نوح القارئ أ نّه أسكن الباءين و ضمّ الأواخر و لم ينوّن، و رواها عن ابن أبي إسحاق عن يحيى بن يعمر. (3 : 236)

الطَّبْرِسيّ: { وَ قَدَّتْ قَميصَهُ مِنْ دُ بُر } أي لحِقَتْ يوسف، فجَذبَتْ قميصه، و شَقّتْه طولا من خلفه، لأنّ يوسف كان هاربًا، و هي تعدو من خلفه. و قيل: إنّ يوسف رأى الأبواب قد انفتَحَتْ، فعلم أنّ الصّواب هو الخروج، فخرج هاربًا.

و قيل: بل أخذ بفتح الأبواب، و أدركَتْه، فتعلّقت بقميصه من خلفه، فشَقّتْه. [إلى أن قال:]

{ وَاِنْ كَانَ قَميصُهُ قُدَّ مِنْ دُ بُر } أي من خلف { فَكَذَبَتْ } المرأة { وَ هُوَ } أي يوسف { مِنَ الصَّادِقينَ ‘} لأ نّه الهارب، و هي الطّالبة. و هذا أمر ظاهر، و استدلال صحيح { فَلَمَّا رَ ا قَميصَهُ قُدَّ مِنْ دُ بُر } أي فلمّا رأى زوجها قميص يوسف شُقّ من خلف، عرف خيانة المرأة. (3 : 237)

الفَخْرالرّازيّ: و اعلم أنّ يوسف (علیه السلام) سبقها إلى الباب و أراد الخروج و المرأة تعدو خلفه فلم تصل إلا إلى دُبر القميص فقَدّ تْه، أي قطَعَتْه طولا .

(18 : 122)

أبوحَيّان: و { وَ قَدَّتْ } يحتمل أن يكون معطوفًا على { وَ اسْتَبَقَا } ويحتمل أن يكون حالا ، أي و قد قدّت: جَذبَتْه من خلفه بأعلىالقميص من طوقه فانخرق إلى أسفله. (5 : 296)

الشِّربينيّ: أي النّاحية من الخلف منه، و انقطعت منه قطعة فبقيت في يدها. (2 : 102)

البُرُوسَويّ: أي اجتَذبَتْه من ورائه و خلفه فانشقّ طولا نصفين و هو القدّ، كما أنّ الشّقّ عرضًا هو القطّ. (4 : 240)

الآلوسيّ: و قرأ الحسَن و أبو عمرو في رواية

ص: 754

( مِنْ قُبْلٍ وَمِنْ دُ بْرٍ) بسكون الباء فيهما و التّنوين، و هي لغة الحجاز و أسد.

و قرأ أبو يعمر و ابن أبي إسحاق و العطارديّ و أبو الزّناد و آخرون (مِنْ قُبُلُ وَمِنْ دُ بُرُ) بثلاث ضمّات.

و قرأ الأوّلان و الجارود في رواية عنهم بإسكان الباء فيهما مع بنائهما على الضّمّ، جعلوهما ك ( قَبْلُ ) و( بَعْدُ ) بعد حذف المضاف إليه و نيّة معناه. و تعقّب ذلك أبو حاتم، بأنّ هذا رديء في العربيّة و إنّما يقع بعد البناء في الظّروف، و هذان اللّفظان اسمان متمكّنان و ليسا بظرفين.

و عن ابن إسحاق أ نّه قرأ (مِنْ قَبْلَ ومِنْ دَ بْرَ) بالفتح، قيل: كأ نّه جعلهما علمين للجهتين فمنعهما الصّرف للعلميّة و التّأنيث باعتبار الجهة. (12 : 223)

الطَّباطبَائيّ: و الدُّبر و القُبل كالخلف و الأمام.

(11 : 140)

عبد الكريم الخطيب: حين رأى يوسف برهان ربّه، و هو الشّارة الدّالّة على مَقْدم العزيز إليهما رأته معه كذلك امرأة العزيز فأسرعا إلى الباب المغلق دونهما، و أسرع كلّ منهما طالبًا الخروج من المَخْدع، و قد كان يوسف أسرع منها، فتناولته من خلف بيدها لتسبقه، و لتنجو بنفسها، فعلّقت يدها بقميصه فقدّته من دُبر، أي قطعته طولا من الخلف. و ما كاد يفتح الباب حتىّ كان « العزيز » معهما وجهًا لوجه، و كان جوابها حاضرًا؛ إذ كانت تعيش في هذه المحنة أيّامًا و ليالي، و تفكّر فيها و تقلّبها على جميع وجوهها و احتمالاته. 6 : 1259)

مكارم الشّيرازيّ: فضيحة امرأة العزيز

المقاومة الشّديدة الّتي أبداها يوسف جعلت امرأة العزيز آيسة منه تقريبًا، و لكن يوسف الّذي انتصر في هذا الدّور على تلك المرأة المعاندة أحسّ أنّ بقاءه في بيتها في هذا المزلق الخطر غير صالح، و ينبغي أن يبتعد عنه، ولذلك أسرع نحو باب القصر ليفتحه و يخرج، و لم تقف امرأة العزيز مكتوفة الأيدي، بل أسرعت خلفه لتمنعه من الخروج، و سحبت قميصه من خلفه فقَدّ تْه { وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَ قَدَّتْ قَميصَهُ مِنْ

دُ بُر }. (7 : 171)

فضل الله: من الخلف، و مزّ قَتْه عندما كانت تجذبه إليها ليرجع إلى داخل البيت، و كانت المفاجأة لهما بالمرصاد. (12 : 189)4 سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّ بُرَ. القمر : 45

ابن عبّاس: منهزمين، يعني أبا جهل و أصحابه، فمنهم من قُتل يوم بدر و منهم من هُزم. (450)

كان ذلك يوم بدر. (الطّبَريّ:11 : 567)

نحوه عِكْرِمَة، و قَتادَة، و الرّبيع، و ابن زَيْد.

(الطّبَريّ:11 : 567)

الفَرّاء: و هذا يوم بدر.

و قال: { الدُّ بُرَ } فوحّد، و لم يقل: الأدبار، و كلّ جائز. صواب أن تقول: ضربنا منهم الرّؤوس و الأعيُن، و ضربنا منهم الرّأس و اليد، و هو كما تقول: إنّه لكثير الدّينار و الدّرهم، تريد الدّنانير و الدّراهم.

ص: 755

[إلى أن قال:]

و زعم الكِسائيّ أ نّه سمع العرب يقولون: أتينا

فلا نًا فكنّا في لحمة و نبيذة، فوحّد و معناه الكثير.

(3 : 110)

الطّبَريّ: يقول: و يُولّون أدبارهم المؤمنين بالله عند انهزامهم عنه. وقيل: { الدُّ بُرَ } فوحّد، و المراد به الجمع، كما يقال: ضربنا منهم الرّأس أي ضربنا منهم الرّؤوس، إذ كان الواحد يؤدّي عن معنى جمعه، ثمّ إنّ الله تعالى ذكره صدّق و عده المؤمنين به، فهزم المشركين به من قريش يوم بدر، و ولّوهم الدُّبر. (11 : 567)

الطُّوسيّ: و لايثبتون لقتالك، و كان كذلك، فكان موافقته لمّا أخبر به معجزًا له، لأ نّه إخبار بالغيب قبل كونه، و انهزم المشركون يوم بدر و قُتلوا و سُبوا على ما هو معروف. (9 : 459)

المَيْبُديّ: { وَ يُوَلُّونَ الدُّ بُرَ } أي الأدبار، فوحّد لأجل رؤوس الآي، أخبر الله أ نّهم يولّون أدبارهم منهزمين، فصدق الله وعده و هزمهم يوم بدر.

(9 : 395)

نحوه القُرطُبيّ(17 : 145)، و الشِّربينيّ(4 : 153).

الزّمَخْشَريّ: أي الأدبار، كما قال:

* كلوا في بعض بطنكم تعفوا*

وقرئ( الاِدْبار ). (4 : 41)

ابن عَطيّة: هذه عِدَة من الله تعالى لرسوله أنّ جمع قريش سيُهزَم نصرةً له، و الجمهور على أنّ الآية مكّيّة. و روي عن عمر بن الخطّاب أ نّه قال: كنت أقول في نفسي: أيّ جمع يُهزَم، فلمّا كان يوم بدر رأيت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يثبت في الدّرع و يقول: { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّ بُرَ }.

فإنّما كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) في بدر مستشهدً ا بالآية. و قال قوم: إنّ الآية نزلت يوم بدر. (5 : 220)

الطَّبْرِسيّ: أي ينهزمون فيُولّونكم أدبارهم في الهزيمة. ثمّ أخبر سبحانه نبيّه(صلی الله علیه و آله) أ نّه سيُظهره عليهم، و يهزمهم، فكانت هذه الهزيمة يوم بدر، فكان موافقة الخبر للمُخبَر من معجزاته. (5 : 194)

الفَخْرالرّازيّ: و هو أ نّهم ادّعوا القوّة العامّة؛بحيث يغلب كلّ واحد منهم محمّدًّا (صلی الله علیه و آله)، و الله تعالى بيّن ضعفهم الظّاهر الّذي يعمّهم جميعهم بقوله: { وَ يُوَلُّونَ الدُّ بُرَ }.

و حينئذ يظهر سؤال، و هو أ نّه قال: { وَ يُوَلُّونَ

الدُّ بُرَ } ولم يقل: يولّون الأدبار. و قال في موضع آخر: {

يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايُنْصَرُونَ }آل عمران: 111، و قال: {

وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الاَدْ بَارَ } الأحزاب: 15، و قال في موضع آخر: {

فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ }الأنفال: 15، فكيف تصحيح الإفراد و ما الفرق بين المواضع؟

نقول:أمّا التّصحيح فظاهر، لأنّ قول القائل: فعلوا، كقوله: فعل هذا، و فعل ذاك، و فعل الآخر. قالوا: و في الجمع تنوب مناب الواوات الّتي في العطف، و قوله: { يُوَ لُّونَ } بمثابة يولّي هذا الدُّبر، و يولّي ذاك، و يولّي الآخر، أي كلّ واحد يولّي دُبره.

و أمّا الفرق فنقول: اقتضاء أواخر الآيات حسن الإفراد، فقوله: { وَ يُوَلُّونَ الدُّ بُرَ} إفراده إشارة إلى

ص: 756

أ نّهم في التّولية كنفس واحدة، فلايتخلّف أحد عن الجمع، و لايثبت أحد للزّحف، فهم كانوا في التّولية كدبر واحد.

وأمّا في قوله: { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } الأنفال: 15، أي كلّ واحد يوجد به ينبغي أن يثبت و لايولّي دبره، فليس المنهيّ هناك توليتهم بأجمعهم بل المنهيّ أن يولّي واحد منهم دبره، فكلّ أحد منهيّ عن تولية دبره، فجعل كلّ واحد برأسه في الخطاب، ثمّ جمع الفعل بقوله: { فَلاتُوَلُّوهُمُ } ولايتمّ إلا بقوله: { الاَدْ بَارَ }، و كذلك في قوله: { وَ لَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ } الأحزاب : 15، أي كلّ واحد قال: أنا أثبت و لاأُولّي دبري.

و أمّا في قوله: { لَيُوَلُّنَّ الاَدْ بَارَ } الحشر : 12، فإنّ المراد المنافقون الّذين وعدوا اليهود و هم متفرّقون، بدليل قوله تعالى: { تَحْسَبُهُمْ جَميعًا‘ وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى } الحشر: 14، و أمّا في هذا الموضع فهم كانوا يدً ا واحدة على من سواهم. (29 : 67)

أبوحَيّان: و { الدُّ بُرَ } هنا: اسم جنس، و جاء في موضع آخر{ لَيُوَلُّنَّ الاَدْ بَارَ } الحشر: 12، و هو الأصل، و حسَّن اسم الجنس هنا كونه فاصلة. و قال الزّمَخْشَريّ: { وَيُوَلُّونَ الدُّ بُرَ } أي الأدبار، كما قال:

* كلوا في بعض بطنكم تعفوا *

و قرئ:( الاَدْ بَار.) انتهى. و ليس مثل بطنكم، لأنّ مجيء{ الدُّ بُرَ } مفردًاليس بحسن، و لايحسن لإفراد بطنكم. (8 : 183)

أبوالسُّعود: { وَيُوَلُّونَ الدُّ بُرَ } أي الأدبار، و قد قرئ كذلك، و التّوحيد لإرادة الجنس أو إرادة أنّ كلّ واحد منهم يولّي دبره، و قد كان كذلك يوم بدر.

(6 : 170)

نحوه البُرُوسَويّ. (9 : 282)الآلوسيّ: أي الأدبار، و قد قرئ كذلك، و الإفراد لإرادة الجنس الصّادق على الكثير، مع رعاية الفواصل و مشاكلة القرائن، أو لأ نّه في تأويل: يولّي كلّ واحدمنهم دُ بُره على حدّ < كسانا الأمير حلّة > مع الرّعاية المذكورة أيضًا. و قدكان هذا يوم بدر و هو دلائل النّبوّة، لأنّ الآية مكّيّة، و قد نزلت حيث لم يُفرَض جهاد و لا كان قتال. (27 : 92)

ابن عاشور: و { الدُّ بُرَ }: الظّهر، و هو ما أدبَر، أي كان وراء ، و عكسه القُبُل.

و الآية إخبار بالغيب، فإنّ المشركين هُزموا يوم بدر، و ولّوا الأدبار يومئذ، و ولّوا الأدبار في جمع آخر، و هو جمع الأحزاب في غزوة الخندق ففرّوا بليل، كما مضى في سورة الأحزاب. و قد ثبت في « الصّحيح » أنّ النّبيّ (صلی الله علیه و آله) لمّا خرج لصفّ القتال يوم بدر تلا هذه الآية قبل القتال، إيماءً إلى تحقيق وعد الله بعذابهم في الدّنيا.

و أفرد { الدُّ بُرَ}، و المراد الجمع، لأ نّه جنس يصدق بالمتعدّد، أي يولّي كلّ أحد منهم دُبره؛ و ذلك لرعاية الفاصلة و مزاوجة القرائن، على أنّ انهزام الجمع انهزامة واحدة، ولذلك الجيش جهة تَولٍّ واحدة، و هذا الهزم وقع يوم بدر. (27: 202)

الطَّباطَبائيّ: اللام في{ الْجَمْعُ } للعهد الذّكريّ، و في { الدُّ بُرَ } للجنس، تولّي الدّبر: الإدبار، و المعنى

ص: 757

سيُهزَم الجمع الّذي يتبجّحون به و يولّون الأدبار و يفرّون.

و في الآية إخبار عن مغلوبيّة و انهزام لجمعهم، و دلالة على أنّ هذه المغلوبيّة انهزام منهم في حرب سيقدمون عليها، و قد وقع ذلك في غزاة بدر، و هذا من ملاحم القرآن الكريم. (19 : 84)

مكارم الشّيرازيّ: الدُّبربمعنى الظّهر في مقابل القُبُل بمعنى الوجه، و سبب ذكر هذه الكلمة هنا لبيان حالة الفرار من ساحة المعركة بصورة كلّيّة.

لقد صدق هذا التّنبّؤ في معركة بدر و سائر الحروب الأُخرى؛ حيث كانت هزيمة الكفّار ساحقة، فإنّه رغم قدرتهم و قوّتهم فقد تلاشى جمعهم.

(17 : 317)

دُ بُرَهُ

يَاءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا اِذَا لَقيتُمُ‘ الَّذينَ‘ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُ بُرَهُ اِلا مُتَحَرِّ فًا لِقِتَال اَوْ مُتَحَيِّزً ا اِلى فِئَة... الأنفال:15 ، 16

ابن عبّاس: { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } منهزمين.

{ وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُ بُرَهُ } ظهره منهزمًا. (146)

الطّبَريّ: يقول: فلاتولّوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم و لكن أثبتوا لهم، فإنّ الله معكم عليهم. { وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُ بُرَهُ } و من يولّهم منكمظهره.

(6 : 199)

نحوه المَيْبُديّ. (4 : 18)

الزّجّاج: أي لاتنهزموا حتّى تُدبروا. (2 : 405)

الماوَرْديّ: { فَلا تُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } يعني بالهزيمة منهم والانصراف عنهم. (2 : 302)

نحوه الشِّربينيّ. (1 : 561)

الطُّوسيّ: { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } نهي لهم عن الفرار عند لقائهم الكفّار و قتالهم إيّاهم. (5 : 108)

القُشَيْريّ: يقول: إذا لقيتم الكفّار في المعركة زحفًا مجتمعين فأثبتوا لقتالهم و لاتنهزموا، فالشّجاعة ثبات القلوب، وكما قيل: الشّجاعة صبر على الطّاعة و في الجهاد مع العدوّ، فالواجب الثّبات عند الصّولة، هذا في الظّاهر. و في الباطن: جهاد مع الشّيطان، و الواجب فيه الوقوف عن دواعيه إلى الزَّلّة، فمن وقف على حدّ الإمساك عن إجابته، بلاإنجاز لما يدعوه بوساوسه، فقد وفّى الجهاد حقّه. وكذلك في مجاهدة النّفس، فإذا وقف العبد عن إجابة النّفس فيما تدعوه بهواجسها، و لم يُطع شهوته فيما تحمله النّفس عليه من البلاء إلى ابتغاء حظّه،فقدوفّى الجهاد حقّه. (2 : 303)

ابن عَطيّة: و قرأ الجمهور (دُ بُره) بضمّ الباء، و قرأ الحسن بن أبي الحسن (دُبْره) بسكون الباء.

(2 : 510)

الطَّبْرِسيّ: { فَلا تُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } يعني فلا تجعلوا ظهوركم ممّا يليهم، أي فلاتنهزموا. { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُ بُرَهُ } أي ومن يجعل ظهره إليهم يوم القتال، ووجهه إلى جهة الانهزام. (2 : 529)

نحوه الفَخْرالرّازيّ. (15 : 137)

أبوحَيّان: { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } و عدل عن الظّهور إلى لفظ الأدبار تقبيحًا لفعل الفارّ و تبشيعًا

ص: 758

لانهزامه. و تضمّن هذا النّهي الأمر بالثّبات و المصابرة.

(4 : 474)

أبوالسُّعود: { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } إذ لامعنى لتقييد النّهي عن الإدبار بتوجّههم السّابق إلى العدوّ أو بكثرتهم، بل توجّه العدوّ إليهم و كثرتهم هو الدّ اعي إلى الإدبار عادة و المُحوج إلى النّهي عنه. و حمله على الإشعار بما سيكون منهم يوم حنين حيث تولّوا مدبرين و هم زحف من الزّحوف اثنا عشر ألفًا بعيد.

و المعنى إذا لقيتموهم للقتال و هم كثير جمّ و أنتم قليل، فلاتولّوهم أدباركم فضلا عن الفرار، بل قابلوهم و قاتلوهم مع قلّتكم فضلا عن أن تدانوهم في العدد أو تساووهم { وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ }أي يوم اللّقاء { دُ بُرَ هُ } فضلا عن الفرار. و قرئ بسكون الباء... (3 : 86)

نحوه البُرُوسَويّ. (3 : 323)

الآلوسيّ: و المعنى: إذا لقيتم الكفّار ماشين لقتالهم متوجّهين لمحاربتهم، أو ماشيًا كلّ واحد منكم إلى صاحبه، فلاتدبروا. و تقييد النّهي بذلكلإيضاح المراد بالملاقاة، و لتفظيع أمر الإدبار، لما أ نّه مناف لتلك الحال، كأ نّه قيل: حيث أقبلتم فلا تدبروا، و فيه تأمّل.

و المراد من تولية الأدبار: الانهزام، فإنّ المنهزم يولّي ظهره من انهزم منه. و عدل عن لفظ < الظّهور > إلى < الأدبار > تقبيحًا للانهزام و تنفيرًا عنه.

(9 : 180)

رشيد رضا: و{ الاَدْ بَارَ }: جمع دُ بُربضمّتين وهو الخلف، و مقابله القُبُل بوزنه و هو القُدّ ام، ولذلك يكنّى بها عن السّوأتين. و تولية الدّبر و الأدبار: عبارة عن الهزيمة، لأنّ المنهزم يجعل خصمه متولّيًا و متوجّهًا إلى دبره و مؤخّره، و ذلك أعون له على قتله إذا أدركه... { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } أي فلاتولّوهم ظهوركم وأقفيتكم منهزمين منهم و إن كانوا أكثر منكم عددً ا و عُدَدً ا. [إلى أن قال:]

{ وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُ بُرهُ } عبّربلفظ تولية الدّبر في وعيد كلّ فرد، كما عبّر به نهي الجماعة لتأكيد حرمة جريرة الفرار من الزّحف، وكون الفرد فيها كالجماعة، وآثر هذا اللّفظ مفردًا و جمعًا على لفظ < الظّهور > و< الظّهر >أو < القفا > و < الأقفية >زيادةً في تشنيعها،لأ نّه لفظ يكنّى به عن السّوأة، أي وكلّ من يولّهم يوم إذتلقونهم دبره...

(9 : 616)

ابن عاشور: و { الاَدْ بَارَ } جمع دُ بُر، و هو ضدّ قُبُل الشّيء: وجهه، و ما يتوجّه إليك منه عند إقباله على شيء و جَعْلِه أمامه. و دُ بُره: ظهره و ما تراه منه حين انصرافه، و جعله إيّاك وراءه، و منه يقال: استقبل و استَدبَر و أقبل و أدبر. فمعنى توليتهم الأدبار: صرف الأدبار إليهم، أي الرّجوع عن استقبالهم. و تولية الأدبار كناية عن الفرار من العدوّ بقرينة ذكره في سياق لقاء العدوّ، فهو مستعمل في لازم معناه مع بعض المعنى الأصليّ، و إلا فإنّ صرف الظّهر إلى العدوّ بعد النّصر لابدّ منه، و هو الانصراف إلى المعسكر؛ إذ لايفهم أحد النّهي عن إدارة الوجه عن العدوّ، و إلا للزم أن يبقى النّاس مستقبلين جيش عدوّهم، فلذلك تعيّن أنّ المفاد من قوله: { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } النّهي

ص: 759

عن الفرار قبل النّصر أو القتل. (9 : 46)

الطَّباطَبائيّ: { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } و تولية الأعداء الأدبار: جعلهم يلونها، و هو استدبار العدوّ و استقبال جهة الهزيمة.

و خطاب الآية عامّ غير خاص بوقت دون وقت ولاغزوة دون غزوة، فلاوجه لتخصيصها بغزوة< بدر> و قصر حرمة الفرار من الزّحف بها، كما يُحكى عن بعض المفسّرين. على أ نّك عرفت أنّ ظاهر سياق الآيات أ نّها نزلت بعد غزوة بدر لايومها، و أنّ الآيات ذيل ما في صدر السّورة من قوله: { يَسَْلُو=نَكَ عَنِ الاَنْفَالِ قُلِ الاَنْفَالُ للهِ‚ وَ الرَّسُولِ } الأنفال : 1.

(9 : 37)عبد الكريم الخطيب: { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } فهو نداء عامّ للمؤمنين المجاهدين في سبيل الله، بأن يثبتوا للعدوّ، و أن يلقوه لقاءً جادًّ ا مصمّمًا على النّصر، أو الاستشهاد في المعركة، دون أن يدخل على أحد منهم شعور بالفرار من وجه العدوّ، أيًّا كان الموقف، و أيًّا كانت قوّة المشركين و شوكتهم.

و قوله تعالى: { وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُ بُرَ هُ } هو وعيد شديد لمن يدخل على نفسه من المؤمنين شعور بالهزيمة، فينكص على عقبه، و يُعطي العدوّ دبره، فى أيّ موقف من مواقف القتال بين المؤمنين و المشركين.

(5 : 580)

فضل الله: { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ} و لاتنهزموا أمامهم و تستدبروهم، { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُ بُرَهُ } أي ظهره في حالة لقاء العدوّ.... (10 : 347)

اَدْ بَار

وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ. ق : 40

الفَرّاء: ( وَ اِدْ بَارَ). من قرأ: { وَ اَدْ بَارَ } جمعه على دُ بُر وأدبار، و هما الرّكعتان بعد المغرب، جاء ذلك عن عليّ بن أبي طالب أ نّه قال:{ وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ }: الرّكعتان بعد المغرب، { وَ اِدْ بَارَ النُّجُومِ } الطّور: 49، الرّكعتان قبل الفجر، و كان عاصم يفتح هذه الّتي في < ق >، و يكسر الّتي في < الطّور >، وتكسران جميعًا، و تنصبان جميعًا جائزان. (3 : 80)

الطّبَريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: { وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ }، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والكوفة سوى عاصم و الكِسائيّ ( وَاِدْ بَارِ السُّجُودِ ) بكسر الألف على أ نّه مصدر أدبَر يُدبِر إدبارًا. و قرأه عاصم و الكِسائيّ و أبو عمرو { وَاَدْ بَارَ } بفتح الألف على مذهب جمع دُ بُر وأدبار.

و الصّواب عندي: الفتح على جمع دُبر.

(11 : 435)

نحوه الزّجّاج. (5 : 49)

الفارسيّ: اختلفوا في قوله:{ وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ } في فتح الألف وكسرها، فقرأ ابن كثير و نافع وحمزة ( وَ اِدْ بَارَ السُّجُودِ ) بكسر الألف، و قرأ الباقون { وَ اَدْ بَارَ } بفتح الألف.

( اِدْ بَار ): مصدر، و المصادر تُجعَل ظروفًا على إرادة إضافة أسماء الزّمان إليها، و حذفها، كقولهم: جئتك مَقْدم الحاجّ، و خفوق النّجم و خلافة فلان، تريد في ذلك كلّه: وقت كذا، فحذفت، وكذلك يقدّر في

ص: 760

قوله:وقت إدبار السّجود. إلا أنّ المضاف المحذوف في هذا الباب لايكاد يظهر، و لايُستَعمل. فهذا أدخل في باب الظّروف من قول من فتح، فكأ نّه أمر بالتّسبيح بعد الفراغ من الصّلاة...

و من قال: { وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ } جعله جمع دُ بْر أو دُ بُر، مثل قُفْل وأقفال، و طنُب و أطناب. و قد استُعمل ذلك ظرفًا، نحو: جئتك في دُ بْرالصّلاة، و في أدبار الصّلوات، وعلى دُ بُر الشّهر الحرام . [ثمّ استشهد بشعر] (3 : 416)

نحوه القُرطُبيّ (17 : 26)، و الشِّربينيّ (4 : 91).

الزّمَخْشَريّ: و الأدبار جمع: دُ بُر. و قرئ ( وَ اِدْ بَار) من أدبرت الصّلاة، إذا انقضت و تمّت، و معناه: وقت انقضاء السّجود، كقولهم: آتيك خفوق النّجم. (4 : 12)

نحوه أبو حَيّان(8: 130)،و الآلوسيّ(26 : 193).

ابن عاشور: و أمّا قوله: { وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ} فيجوز أن يكون معطوفًا على قوله: { قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ } ق :39، و يجوز أن يكون معطوفًا على قوله: { وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ }.

والإدبار: بكسر الهمزة حقيقته: الانصراف، لأنّ المنصرف يستدبر من كان معه. و استعير هنا للانقضاء، أي انقضاء السّجود، و السّجود: الصّلاة، قال تعالى: { وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ } العلق: 19، و انتصابه على النّيابة عن الظّرف، لأنّ المراد : وقت إدبار السّجود.

و قرأه نافع و ابن كثير و أبو جعفر و حمزة و خلف بكسر همزة ( اِدْ بَارَ )، و قرأه الباقون بفتح الهمزة على أ نّه جمع: دُبر، بمعنى العقب و الآخِر، و على كلتا القراءتين هو وقت انتهاء السّجود . (26 : 273)

الطَّباطَبائيّ: و قوله: { وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ } الأدبار: جمع دُبر، و هو ما ينتهي إليه الشّيء و بعده، وكأنّ المراد ب { وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ } بعد الصّلوات، فإنّ السّجود آخِر الرّكعة من الصّلاة، فينطبق على التّعقيب بعد الصّلوات. (18: 360)

فضل الله: في التّعقيب الدّعائيّ أو الصّلاتيّ في ما يستحبّه الله من ذلك. (21 : 189)

لاحظ: س ب ح:<سَبِّحْهُ>و: س ج د:<السّجود >.

الاَدْ بَار

1 وَ اِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ.

آل عمران : 111

ابن عبّاس: منهزمين. (54)

مثله المَيْبُديّ (2 : 246)، و الطَّبْرِسيّ(1 : 488)، و القُرطُبيّ(4 : 174).

الطّبَريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه: و إن يقاتلكم أهل الكتاب من اليهود و النّصارى يهزموا عنكم، فيولّوكم أدبارهم انهزامًا.

فقوله: { يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ }: كناية عن انهزامهم، لأنّ المنهزم يحوّل ظهره إلى جهة الطّالب0 هربًا إلى ملجإ و موئل يَئِل إليه منه، خوفًا على نفسه، والطّالب في أثره. فدُ بُر المطلوب حينئذ يكون محاذي وجه الطّالب الهازمة. (3 : 303)

الزّجّاج: و أعلمهم في هذه الآية أ نّهم إنقاتلوهم ولّوهم الأدبار و سُلبوا النّصر، و كذلك كان أمر

ص: 761

اليهود. (1 : 457)

القُشَيْريّ: إنّ الحقّ سبحانه و تعالى لايُسلّط على أوليائه إلا بمقدار ما يصدق إلى الله فرارهم ،فإذا حقّ فرارهم أكرم لديه قرارهم ، و إن استطالوا على الأولياء بموجب حسبانهم انعكس الحال عليهم بالصّغار و الهوان.

(1 : 282)

الزّمَخْشَريّ: منهزمين ولايضرّوكم بقتل أو أسر. (1 : 455)

مثله الشِّربينيّ (1 : 240)، و نحوه أبو السُّعود (2 : 18).

ابن عَطيّة: و خصّ { الاَدْ بَارَ } بالذّكر دون الظّهر تخسيسًا للفارّ، و هكذا هو حيث تصرّف.

(1 : 490)

الفَخْرالرّازيّ: و هو إخبار بأ نّهم لو قاتلوا المسلمين لصاروا منهزمين مخذولين { ثُمَّ لايُنْصَرُونَ } أي إنّهم بعد صيرورتهم منهزمين لايحصل لهم شوكة و لاقوّة ألبتّة، و مثله قوله تعالى: { وَ لَئِنْ قُوتِلُوا لايَنْصُرُونَهُمْ وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايُنْصَرُونَ } الحشر: 12، قوله: { قُلْ لِلَّذينَ‘ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ اِلى جَهَنَّمَ } آل عمران: 12، و قوله: { نَحْنُ جَميعٌ‘ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّ بُرَ } القمر: 44 ، 45، وكلّ ذلك و عد بالفتح و النّصرة و الظّفر.

و اعلم أنّ هذه الآية اشتملت على الإخبار عن غيوب كثيرة؛ منها: أنّ المؤمنين آمنون من ضررهم، و منها: أ نّهم لو قاتلوا المؤمنين لأنهزموا، و منها: أ نّه لايحصل لهم قوّة و شوكة بعد الانهزام، وكلّ هذه الأخبار وقعت كما أخبر الله عنها، فإنّ اليهود لم يقاتلوا إلا انهزموا، و ما أقدموا على محاربة و طلب رئاسة إلا خُذلوا، و كلّ ذلك إخبار عن الغيب، فيكون معجزًا.

(8 : 194)

أبوحَيّان: هذه مبالغة في عدم مكافحة الكفّار للمؤمنين إذا أرادوا قتالهم، بل بنفس ماتقع المقابلة ولّوا الأدبار، فليسوا ممّن يغلب و يقتل و هو مُقبِل على قِرْنه غير مُدبِر عنه. و هذه الجملة جاءت كالمؤكّدة للجملةقبلها؛ إذ تضمّنت الأخبار: أ نّهم لاتكون لهم غلبة، و لاقهر، و لادولة على المؤمنين، لأنّ حصول ذلك إنّما يكون سببه صدق القتال و الثّبات فيه، أو النّصر المستمدّ من الله، وكلاهما ليس لهم.

و أتى بلفظ الأدبار لابلفظ الظّهور، لمافي ذكر الأدبار من الإهانة دون ما في الظّهور، و لأنّ ذلك أبلغ في الانهزام و الهرب. ولذلك ورد في القرآن مستعملا دون لفظ< الظّهور > لقوله تعالى:{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّ بُرَ } القمر: 45،{ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُ بُرَ هُ } الأنفال : 16. (3 : 31)

البُرُوسَويّ: مفعول ثان ل { يُوَلُّوكُمُ } أييجعلوا ظهورهم ما يليكم و يرجعوا إلى أدبارهم منهزمين، من غير أن ينالوا منكم شيئًا من قتل أو أسر.

(2 : 79)

الآلوسيّ: أي ينهزموا من غير أن يظفروا منكم بشيء. و تولية الأدبار كناية عن الانهزام معروفة.

(4 : 29)

ص: 762

رشيد رضا: تولية الأدبار: كناية عن الانهزام، لأنّ المنهزم يُحوّل ظهره إلى جهة مقاتله و يستدبره في هربه منه، فيكون دُبره أي قفاه إلى جهة وجه من انهزم هو منه. (4 : 67)

ابن عاشور: و معنى { يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ} يفرّون منهزمين. (3 : 192)

مكارم الشّيرازيّ: تبشّر الآية الأُولى المسلمين الّذين يواجهون ضغوطًا شديدةً، و تهديدات أحيا نًا من جانب قومهم الكافرين بسبب اعتناق الإسلام، تبشّرهم و تَعِدهم بأ نّهم منصورون، و أنّ أهل الكتاب لايقدرون عليهم، و لاتنالهم من جهتهم مضرّة، و أنّ ما سيلحقهم من الأذى من جانبهم لن يكون إلاطفيفًا و عابرًا:{ لَنْ يَضُرُّوكُمْ اِلا اَذًى وَاِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايُنْصَرُونَ }.

إنّ هاتين الآيتين تحتويان في الحقيقة على عدّة أخبار غيبيّة، و بشائر مهمّة للمسلمين، قد تحقّق جميعها في زمن النّبيّ الأكرم(صلی الله علیه و آله) و حياته الشّريفة وهي:

1 أنّ أهل الكتاب لايقدرون على إلحاق أيّ ضرر مهمّ بالمسلمين، و أنّ ما يلحقونه بهم لن يكون إلا أضرارً ا بسيطة، و عابرة { لَنْ يَضُرُّوكُمْ اِلا اَذًى }.

2 أ نّهم لن يثبتوا في القتال أمام المسلمين، بل ينهزمون و يكون الظّفر للمسلمين، و لايجدون ناصرًا و لامعينًا: { وَ اِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايُنْصَرُونَ }.

3 أنّهم لن يستطيعوا الوقوف على أقدامهم و لن يتمكّنوا من العيش مستقلّين، بل سيبقون أذلاء دائمًا، إلا أن يعيدوا النّظر في سلوكهم، و يسلكوا طريق الله، أو أن يعتمدوا على الآخرين و يستعينوا بقوّتهم إلى حين:{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّ لَّةُ اَيْنَ مَا ثُقِفُوا اِلا بِحَبْل مِنَ اللهِ وَ حَبْل مِنَ النَّاسِ }. (2 : 494)

فضل الله: و يهربون من السّاحة. (6 : 224)

2 يَاءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا اِذَا لَقيتُمُ‘ الَّذينَ‘ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ.

الأنفال : 15

مضى في < دُ بُرَهُ >.

3 وَ لَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لايُوَلُّونَ الاَدْ بَارَ وَ كَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُ لا . الأحزاب : 15

ابن عبّاس: منهزمين من المشركين. (351)

قَتادَة: كان ناس غابوا عن وقعة بدر، و رأواما أعطى الله أصحاب بدر من الكرامة و الفضيلة، فقالوا: لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلنّ، فساق الله ذلك إليهم حتّى كان في ناحية المدينة. (الطّبَريّ10 : 272)

يزيد بن رومان: و هم بنو حارثة، و هم الّذين همّوا أن يفشلوا يوم أُحد مع بني سلمة حين همّا بالفشَل يوم أُحد، ثمّ عاهدوا الله لايعودون لمثلها، فذكر الله لهم الّذي أعطوه من أنفسهم. (الطّبَريّ10 : 272)

نحوه أبو السُّعود. (5 : 216)

مُقاتِل: يريد ليلة العقبة. (الطَّبْرِسيّ4 : 347)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: ولقد كان هؤلاء الّذين يستأذنون رسول الله (صلی الله علیه و آله) في الانصراف عنه، و يقولون: إنّ بيوتنا عَوْرة ، عاهدوا الله من قبل ذلك

ص: 763

ألا يولّوا عدوّهم الأدبار، إن لقوهم في مشهد لرسول الله (صلی الله علیه و آله) معهم، فما أوفوا بعهدهم، { وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُ لا } يقول: فيسأل الله ذلك من أعطاه إيّاه من نفسه. (10 : 272)

الطُّوسيّ: أي لايفرّون من الزّحف. (8 : 323)

المَيْبُديّ: يعني بني حارثة، همّوا يوم أُحد أن يفشلوا مع بني سلمة، فلمّا نزل فيهم ما نزل، عاهدوا الله عزّ و جلّ أن لايعودوا لمثلها أبدًا، فذكّرهم الله ذلك العهد. و قيل: { مِنْ قَبْلُ } يعني من قبل مجيء الأحزاب عاهدوا رسول الله(صلی الله علیه و آله) و حلفوا ألاينهزمون، فيولّون أعداءهم أدبارهم، يقال لكلّ منهزم: ولّى دُ بُره. (8 : 25)

الطَّبْرِسيّ: أي بايعوا النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، وحلفوا له أ نّهم ينصرونه، و يدفعون عنه، كما يدفعون عن نفوسهم، و لايرجعون عن مقاتلة العدوّ، و لاينهزمون.

(4 : 347)

أبوحَيّان: كناية عن الفرار و الانهزام. (7 : 219)

البُرُوسَويّ: جواب قسم، لأنّ { عَاهَدُوا } بمعنى حلفوا، كما في< الكواشيّ >، و دُ بُر الشّيء: خلاف القُبُل، و ولاه دُبره: انهزم. و المعنى: لايتركون العدوّ خلف ظهورهم، و لايفرّون من القتال و لاينهزمون،

و لايعودون لمثل ما في يوم أُحد. (7 : 152)

الآلوسيّ: و جاء بصيغة الغيبة على المعنى، ولو جاء كما لفظوا به لكان التّركيب: لاتولّي الأدبار. و تولية الأدبار: كناية عن الفرار و الانهزام، فإنّ الفارّ يولّي دُ بُره مَن فرّ منه. (21 : 162)

ابن عاشور: و جملة { لايُوَلُّونَ الاَدْ بَارَ }: بيان لجملة { عَاهَدُوا }،و { الاَدْ بَارَ } : الظّهور. و تولية الأدبار: كناية عن الفرار، فإنّ الّذي استأذنوا لأجله في غزوة الخندق أرادوا منه الفرار؛ ألاترى قوله: { اِنْ يُريدُ‘ونَ اِلا فِرَارًا } الأحزاب : 13،و الفرار ممّا عاهدوا الله على تركه. (21 : 212)

الطَّباطَبائيّ: أي لايفرّون عن القتال، و هو بيان للعهد، ولعلّ المراد بعهدهم من قبل، هو بيعتهم بالإيمان بالله و رسوله، و ما جاء به رسوله، و ممّا جاء به: الجهاد الّذي يُحرّم الفرار فيه، و معنى الآية ظاهر.(16 : 287)

فضل الله: في خطّ المواجهة للعدوّ. (18 : 277)

لاحظ: ع ه د : < عَاهَدُوا >.

4 وَ لَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لانَصيرًا.

الفتح : 22

ابن عبّاس: منهزمين. (433)

مثله الشِّربينيّ(4 : 49)، و أبو السُّعود(6 : 104).

قَتادَة: { لَوَلَّوُا الاَدْ بَارَ } يعني كفّار قريش.

(الطّبَريّ 11 : 354)

منهزمين بخذلانه إيّاهم و نصرة الله إيّاكم، و معونته لكم. (الطُّوسي9 : 331)

نحوه الجُبّائيّ . (الطَّبْرِسيّ5 : 123)

الطّبَريّ: { لَوَلَّوُا الاَدْ بَارَ } يقول: لانهزموا عنكم فولّوكم أعجازهم و كذلك يفعل المنهزم من قرنه في الحرب. (11 : 354)

ص: 764

المَيْبُديّ: لانهزموا، أي لم يكن قتال، و لو كان قتال لكان بهذه الصّفة. (9 : 227)

الزّمَخْشَريّ: { وَ لَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا } من أهل مكّة و لم يصالحوا. و قيل حلفاء من أهل خيبر، لغلبوا و انهزموا. (3 : 547)

نحوه أبوحَيّان. (8 : 97)

ابن عَطيّة: إشارة إلى قريش و من والاها في تلك السّنة، قاله قَتادَة، و في هذا تقوية لنفوس المؤمنين. و قال بعض المفسّرين: أراد الرّوم و فارس.

و هذا ضعيف و إنّما الإشارة إلى العدوّ الأحضر.

(5 : 135)

الطَّبْرِسيّ: [نقل قول قَتادَة و الجُبّائيّ ثمّ قال:]

و قيل: الّذين كفروا من أسَد وغطفان، الّذين أرادوا نهب ذراريّ المسلمين. (5 : 123)

الفَخْرالرّازيّ: و هو يصلح جوابًا لمن يقول: كفّ الأيدي عنهم كان أمرًا اتّفاقيًّا، ولو اجتمع عليهم العرب كما عزموا لمنعوهم من فتح خيبر و اغتنام غنائمها. فقال: ليس كذلك، بل سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لايُنصَرون، و الغلبة واقعة للمسلمين، فليس أمرهم أمرًا اتّفاقيًّا، بل هو إلهيّ محكوم به محتوم.

(28 : 97)

البُرُوسَويّ: أي لانهزموا و لم يكن قتال، فإنّ تولية الأدبار كناية عن الانهزام. (9 : 42)

نحوه الآلوسيّ. (26 : 110)

ابن عاشور: و { الاَدْ بَارَ } منصوب على أ نّه مفعول ثان ل { وَلَّوُا } و مفعوله الأوّل محذوف لدلالة ضمير { قَاتَلَكُمُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا } عليه. و التّقدير: لولّوكم الأدبار.

و(أل) للعهد، أي أدبارهم، ولذلك يقول كثير من النّحاة: إنّ (أل) في مثله عوض عن المضاف إليه، و هو تعويض معنويّ.و التّولية: جعل الشّيء واليًا ، أي لجعلوا ظهورهم تليكم، أي ارتدّوا إلى ورائهم فصرتم وراءهم.

(26 : 153)

عبد الكريم الخطيب: أي أ نّكم أيّها المؤمنون لاتقاتلون عدوّكم بكثرتكم، و لكن تقاتلونهم بإيمانكم بالله، و توكّلكم عليه، و إخلاص نيّتكم له، و هذا هو ضمان النّصر لكم من ربّكم. و لو أنّ هؤلاء المشركين و هم في عددهم، و شوكتهم، و في بلدهم و بين أهليهم قاتلوكم يوم الحديبيّة، لنصركم الله عليهم، و لَوَلّوا الأدبار منهزمين، ثمّ لايكون لهم وليّ يقوم لهم، و لا ناصر يفزع لنصرهم.

و هذا حكم مطلق على ما سيكون بين المسلمين و المشركين، منذ نزول هذه الآية . فإنّ أيّ لقاء سيلتقي فيه المسلمون بالمشركين، لن يكون للمشركين فيه إلا الهزيمة، الّتي لايُقيلهم منها وليّ و لانصير.

و قد تحقّق هذا، فلم يكن بين المسلمين و المشركين بعد الحديبيّة حرب، و إنّما كان من المشركين استسلام، و إسلام، في يوم الفتح . (13 : 419)

اَدْ بَارَهَا

...مِنْ قَبْلِ اَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلى اَدْ بَارِهَا

ص: 765

اَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا اَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ اَمْرُاللهِ مَفْعُولا . النّساء : 47

راجع: ط م س: < نطمس >.

اَدْ بَارهم

1 وَلَوْ تَرى اِذْ يَتَوَفَّى الَّذينَ‘ كَفَرُوا الْمَلئِكَةُ’ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ اَدْ بَارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَريقِ‘.

الأنفال : 50

ابن عبّاس: على ظهورهم. (150)

نحوه الحسَن. (الطُّوسيّ5 : 160)

سعيد بن جُبَيْر: إنّ الله كنّى و لو شاء لقال: أستاههم و إنّما عنى ب { اَدْ بَارَهُمْ } أستاههم.

(الطّبَريّ6 : 267)

مُجاهِد: و أستاههم، و لكن الله كريم يَكْني.

(الطّبَريّ6 : 267)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد (صلی الله علیه و آله): ولو تعاين، يا محمّد، حين يتوفّى الملائكة أرواح الكفّار، فتنزعها من أجسادهم تضرب الوجوه منهم و الأستاه و يقولون لهم: ذوقوا عذاب النّار الّتي تحرقكم يوم ورودكم جهنّم. (6 : 267)

الماوَرْديّ: قوله عز ّو جلّ: { وَلَوْ تَرى اِذْ يَتَوَفَّى الَّذينَ‘ كَفَرُوا الْمَلئِكَةُ’} فيه قولان:

أحدهما:يتوفّاهم ملك الموت عند قبض أرواحهم، قاله مُقاتِل.

و الثّاني: قتل الملائكة لهم حين قاتلوهم يوم بدر.

{ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ اَدْ بَارَهُمْ } تأويلهعلى القول الأوّل: يضربون وجوههم يوم القيامة إذا واجهوهم، و أدبارهم إذا ساقوهم إلى النّار.

و تأويله على القول الثّاني يحتمل وجهين:

أحدهما: يضربون وجوههم ببدر لمّا قاتلوا، و أدبارهم لمّا انهزموا.

و الثّاني: أ نّهم جاؤوهم من أمامهم و ورائهم، فمن كان من أمامهم ضرب وجوههم، و من كان من ورائهم ضرب أدبارهم. (2 : 326)

الطُّوسيّ: ... و قال أبوعليّ: المعنى ستضربهم الملائكة عند الموت. قال الرُّمّانيّ: و هذا غلط، لأ نّه خلاف الظّاهر، و خلاف الإجماع المتقدّم أ نّه يوم بدر.

و روى الحسَن: أنّ رجلا قال: يا رسول الله إنّي رأيت بظهر أبي جهل مثل الشّراك، فقال: ذاك ضرب الملائكة.

و روي عن مُجاهِد أنّ رجلا قال للنّبيّ(صلی الله علیه و آله): إنّي حملت على رجل من المشركين فذهبت لأضربه فبدر رأسه، فقال: سبقك إليه الملائكة. و عن ابن عبّاس: إنّه كان يوم بدر. (5 : 160)

الزّمَخْشَريّ: [نقل قول مُجاهِد ثمّ قال:]

و إنّما خصّوهما بالضّرب، لأنّ الخزي و النّكال في ضربهما أشدّ. (2 : 163)

ابن عَطيّة: { وَ اَدْ بَارَهُمْ } قال جمهور المفسّرين: يريد أستاههم، و لكن الله كريم كنّى. و قال ابن عبّاس: أراد ظهورهم و ما أدبر منهم، و معنى هذا: أنّ الملائكة كانت تلحقهم في حال الإدبار فتضرب أدبارهم، فأمّا في حال الإقبال فبيّن تمكّن ضرب الوجوه. (2 : 540)

ص: 766

الطَّبْرِسيّ: و قيل:{ وُجُوهَهُمْ }: ما أقبل منهم، و { اَدْ بَارَهُمْ }: ما أدبر منهم. و المراد: يضربون أجسادهم من قُدّامهم و من خلفهم، و المراد به: قتلى بدر، عن ابن عبّاس، و مُجاهِد، و سعيد بن جُبَيْر، و أكثر المفسّرين. (2 : 551)

الفَخْرالرّازيّ: قال ابن عبّاس: كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسّيف، و إذا ولّوا ضربوا أدبارهم، فلاجرم قابلهم الله بمثله في وقت نزع الرّوح.

و أقول: فيه معنى آخر ألطف منه، و هو أنّ روح الكافر إذا خرج من جسده فهو مُعرض عن عالم الدّنيا مُقبل على الآخرة، و هو لكفره لايشاهد في عالم الآخرة إلا الظّلمات، و هو لشدّة حبّه للجسمانيّات، و مفارقته لها لاينال من مباعدته عنها إلا الآلام و الحسرات، فبسبب((1))

مفارقته لعالم الدّنيا تحصل له الآلام بعد الآلام والحسرات، و بسبب إقباله على الآخرة مع عدم النّور و المعرفة، ينتقل من ظلمات إلى ظلمات، فهاتان الجهتان هما المراد من قوله: { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ اَدْ بَارَهُمْ }. (15 : 178)البَيْضاويّ: ظهورهم و أستاههم، و لعلّ المراد تعميم الضّرب، أي يضربون ما أقبل منهم و ما أدبر.

(1 : 398)

نحوه الشِّربينيّ(1 : 576)،و أبوالسُّعود(3 : 103).

أبوحَيّان: و الأدبار كناية عن الأستاه. قال مُجاهِد: وخُصّا بالضّرب لأنّ الخزي والنّكال فيهما أشدّ. و قيل: ما أقبل منهم و ما أدبر، فيكون كناية عن جميع البدن. و إذا كان ذلك يوم بدر، فالظّاهر أنّ الضّاربين هم الملائكة.

و قيل: الضّمير عائد على المؤمنين، أي يضرب المؤمنون، فمن كان أمامهم من المؤمنين ضربوا وجوههم، و من كان وراءهم ضربوا أدبارهم، فإن كان ذلك عند الموت ضربتهم الملائكة بسياط من نار.

(4 : 506)

الآلوسي: ما أدبر و هو كلّ الظّهر، و عن مُجاهِد: أنّ المراد منه أستاههم، و لكنّ الله تعالى كريم يكنّي، و الأوّل أولى. و ذكرهما يحتمل أن يكون للتّخصيص بهما، لأنّ الخزي و النّكال في ضربهما أشدّ، و يحتمل أن يراد التّعميم على حدّ قوله تعالى: { بِالْغُدُوِّ وَ الا صَالِ } الأعراف: 205، لأ نّه أقوى ألمًا و المراد من الّذين كفروا: قتلى بدر، كما روي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما و غيره.

(10 : 17)

الطَّباطَبائيّ: ظاهره أ نّهم يضربون مقاديم أبدانهم و خلاف ذلك، فيكنّى به عن إحاطتهم و استيعاب جهاتهم بالضّرب. و قيل: إنّ الأدبار كناية عن الأستاه، فبالمناسبة يكون المراد ب { وُجُوهَهُمْ } مقدّم رؤوسهم، و ضرب الوجوه و الأدبار بهذا المعنى يراد به الإزراء والإذلال. (9 : 100)

فضل الله: فيحيطون بهم من خلفهم و من قُدّ امهم بالضّرب، كنايةً عن السّخط الّذي يشعرون به ضدّهم

ص: 767


1- (1) و في الأصل. فسبب.

في كفرهم بالله و تمرّدهم عليه. و يقولون لهم، و هم يدفعونهم إلى النّار ليواجهوا عذابها :{ وَ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَريقِ‘} . (10 : 401)

2 فَاَسْرِ بِاَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ الَّيْلِ وَ اتَّبِعْ اَدْ بَارَهُمْ ...

الحجر : 65

ابن عبّاس: امْشِ وراءهم نحو صَعر. (219)

نحوه المَيْبُديّ. (5 : 324)

قَتادَة: أُمر أن يكون خلف أهله، يتّبع أدبارهم في آخرهم إذا مشوا. (الطّبَريّ7 : 525)

ابن زَيْد: أدبار أهله. (الطّبَريّ7 : 525)

الطّبَريّ: واتّبِع يا لوط أدبار أهلك الّذين تسري بهم، وكن من ورائهم، وسِرْ خلفهم و هم أمامك.

(7 : 524)

الطُّوسيّ: و الأدبار: جمع دُ بُر، و هو جهةالخلف. و القُبُل جهة القدّ ام، و يكنّى بهما عن الفرج.

(6 : 346)

الزّمَخْشَريّ: فإن قلت: ما معنى أمره باتّباع أدبارهم و نهيهم عن الالتفات؟

قلت: قد بعث الله الهلاك على قومه، و نجّاه و أهله إجابة لدعوته عليهم، و خرج مهاجرً ا فلم يكن له بدّ من الاجتهاد في شكر الله و إدامة ذكره، و تفريغ باله لذلك ، فأُمر بأن يُقدّمهم لئلا يشتغل بمن خلفه قلبه، وليكون مطّلعًا عليهم و على أحوالهم، فلاتفرط منهم التفاتة احتشامًا منه، و لاغيرها من الهفوات في تلك الحال المهولة المحذورة، و لئلا يتخلّف منهم أحد لغرض له فيصيبه العذاب، و ليكون مسيره مسير الهارب الّذي يُقدّم سِربَه و يفوت به. (2 : 395)

الفَخْرالرّازيّ: معناه: اتّبِع آثار بناتك و أهلك.

(19 : 201)

القُرطُبيّ: { وَ اتَّبِعْ اَدْ بَارَهُمْ } أي كن من ورائهم لئلايتخلّف منهم أحد فيناله العذاب. (10 : 38)

البَيْضاويّ: وكن على أثرهم تذودهم و تسرع بهم و تَطّلع على حالهم. (1 : 544)

نحوه الشِّربينيّ(2 : 208)، و أبو السُّعود(4 : 28)، و الآلوسيّ (14 : 68).

البُرُوسَويّ: جمع دُ بُر، و هو من كلّ شيء عقبه

و مؤخّره، أي و كن على أثرهم لتسوقهم و تسرع بهم و تَطّلع على أحوالهم، فلاتفرط منهم التفاتة استحياء منك، و لاغيرها من الهفوات. (4 : 476)

ابن عاشور: و أمروه أن يجعل أهله قُدّ امه و يكون من خلفهم، فهو يتّبع أدبارهم، أي ظهورهم ليكون كالحائل بينهم و بين العذاب الّذي يحلّ بقومه بعقب خروجه، تنويهًا ببركة الرّسول (علیه السلام)، ولأ نّهم أمروه أن لا يلتفت أحد من أهله إلى ديار قومهم، لأنّ العذاب يكون قد نزل بديارهم. فبكونه وراء أهله يخافون الالتفات لأ نّه يراقبهم. و قد مضى تفصيل ذلك في سورة هود ، و أنّ امرأته التفتت فأصابها العذاب.

(13 : 51)

عبد الكريم الخطيب: و هكذا دبّر الملائكة الأُمور مع « لوط »، و هو أن يسري بأهله، أي يخرج بهم ليلا ، من غير أن يشعر به القوم، و أن يكون هذا

ص: 768

السَّري في آخر اللّيل؛ و ذلك بعد أن تسكن الحياة في القرية، و يستغرق القوم في نوم عميق، و أن يكون وراء أهله السّارين معه، و على أثرهم، كالرّاعى وراء قطيعه. (7 : 251)

مكارم الشّيرازيّ: و على أن يكون نظركم إلى الأمام. (8 : 83)

فضل الله: و كن في آخِرهم لترعاهم و تتفقّدهم، لئلا يضيعوا في هذا الظّلام البهيم. (13 : 169)

لاحظ: ت ب ع: < واتّبع >.3 وَ جَعَلْنَا عَلى قُلُوبِهِمْ اَكِنَّةً اَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فى اذَانِهِمْ وَقْرًا وَ اِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْ انِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى اَدْ بَارِهِمْ نُفُورًا. الإسراء : 46

ابن عبّاس: رجعوا إلى أصنامهم، و عطفوا إلى عبادة آلهتهم. (237)

لاحظ: ن ف ر: < نفورًا >.

4 اِنَّ الَّذينَ‘ ارْتَدُّوا عَلى اَدْ بَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّ لَ لَهُمْ وَ اَمْلى لَهُمْ. محمّد : 25

ابن عبّاس: رجعواإلى دين آبائهم و هم اليهود.

(429)

قَتَادة: هم أعداء الله أهل الكتاب يعرفون بعث محمّد نبيّ الله (صلی الله علیه و آله) و أصحابه عندهم ثمّ يكفرون به.

(الطّبَريّ11 : 322)

نحوه ابن جُرَيْج. (الماوَرْديّ5: 302)

السُّدّيّ: المنافقون قعدوا عن القتال من بعدما علموه في القرآن. (الماوَرْديّ5 : 302)

الطّبَريّ: يقول الله عزّ و جلّ: إنّ الّذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفّارًا بالله، من بعد ما تبيّن لهم الحقّ و قصد السّبيل فعرفوا واضح الحجّة، ثمّ آثروا الضّلال على الهدى، عنادًا لأمر الله تعالى ذكره من بعد العلم. (11 : 322)

الزّجّاج: رجعوا بعد سماع الهدى و تبيّنه إلى الكفر. (5 : 13)

الطُّوسيّ: أي رجعوا عن الحقّ و الإيمان.

(9 : 303)

مثله الطَّبْرِسيّ. (5 : 104)

القُشَيْريّ: الّذي يطلع فجر قلبه، و يتلألأ نور التّوحيد فيه، ثمّ قَبْل متوع نهار إيمانه انكسفت شمس يومه، و أظلم نهار عرفانه، و دجا ليل شكّه، و غابت نجوم عقله، فحدِّث عن ظلماته، و لاحرج.

ذلك جزاؤهم على ممالأتهم مع المنافقين، و تظاهرهم، فإذا توفّتهم الملائكة تتّصل آلامُهم، و لاتنقطع بعد ذلك عقوباتهم. (5 : 413)

المَيْبُديّ: رجعوا كفّارًا. (9 : 194)

مثله الشِّربينيّ. (4 : 32)

ابن عَطيّة: قال قَتادَة: إنّها نزلت في قوم من اليهود كانوا قد عرفوا من التّوراة أمر محمّد (علیه السلام) وتبيّن لهم الهدى بهذا الوجه، فلمّا باشروا أمره حسدوه فارتدّوا عن ذلك القدر من الهدى. و قال ابن عبّاس و غيره: نزلت في منافقين كانوا أسلموا، ثمّ نافقت قلوبهم. و الآية تعمّ كلّ من دخل في ضمن لفظها

ص: 769

غابر الدّهر. (5 : 119)

أبوالسُّعود: أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر، و هم المنافقون الّذين و صفوا فيما سلف بمرض القلوب و غيره من قبائح الأفعال و الأحوال، فإنّهم قد كفروا به عليه الصّلاة و السّلام. (6 : 91)نحوه الآلوسيّ . (26 : 74)

البُرُوسَويّ: و الأدبار: جمع دُ بُر، و دُ بُر الشّيء: خلاف القُبُل، و كُنّي بهما عن العضوين المخصوصين. [ثمّ أدام مثل أبي السُّعود] (8 : 519)

ابن عاشور: لم يزل الكلام على المنافقين، فالّذين ارتدوّ ا على أدبارهم منافقون، فيجوز أن يكون مرادً ا به قوم من أهل النّفاق كانوا قد آمنوا حقًّا ثمّ رجعوا إلى الكفر، لأ نّهم كانوا ضعفاء الإيمان قليلي الاطمئنان، و هم الّذين مثّلهم الله في سورة البقرة:17، بقوله: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْ قَدَ نَارً ا فَلَمَّا اَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ }.

و الارتداد على الأدبار على هذا الوجه: تمثيل

للرّ اجع إلى الكفر بعد الإيمان بحال من سار ليصل إلى مكان ثمّ ارتدّ في طريقه. و لمّا كان الارتداد سيرًا إلى الجهة الّتي كانت وراء السّائر، جُعل الارتداد إلى الأدبار، أي إلى جهة الأدبار. و جيء بحرف (عَلى) للدّلالة على أنّ الارتداد متمكّن من جهة الأدبار، كما يقال: على صراط مستقيم. (26 : 96)

الطَّباطَبائيّ: الارتداد على الأدبار: الرّجوع إلى الاستدبار بعد الاستقبال، و هو استعارة أُريد بها التّرك بعد الأخذ. (18 : 241)

عبد الكريم الخطيب: و في ارتدادهم على الأدبار إشارة إلى أ نّهم كانوا على الإسلام، و أ نّهم إذ يولّون وجوههم إلى المسلمين، يرجعون إلى الوراء شيئًا فشيئًا على أدبارهم، على حين أ نّهم كانوا يواجهون المسلمين. ثمّ ما زالوا كذلك حتّى بعُدَت الشّقّة بينهم و بين المسلمين، و انقطعت بينهم الأسباب. فهم ينظرون إلى المسلمين، و يحسبون أنفسهم عليهم، و لكنّهم في الوقت نفسه يأخذون طريقًا بعيدً ا عنهم، يسيرون فيه في وضع مقلوب على أعقابهم، فلايدرون إلى أين تتّجه بهم خطواتهم العمياء.

(13 : 361)

فضل الله: تراجعوا عن الخطّ المستقيم. (21 : 74)

5 فَكَيْفَ اِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلئِكَةُ’يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ اَدْ بَارَهُمْ.

محمّد : 27

ابن عبّاس: ظهورهم. (429)

لايتوفّى أحد على معصيته إلا تضرب الملا ئكة في وجهه و في دُ بُره. (أبوحَيّان8 : 74)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: و الله يعلم إسرار هؤلاء المنافقين فكيف لايعلم حالهم إذا توفّتهم الملائكة و هم يضربون وجوههم و أدبارهم يقول: فحالهم أيضًا لا يخفى عليه في ذلك الوقت. و يعني بالأدبار: الأعجاز و قد ذكرنا الرّواية في ذلك فيما مضى قبل. (11 : 323)

الزّجّاج: يفعلون بهم ذلك في نار جهنّم و الله أعلم و يكون المعنى: فكيف يكون حالهم إذا توفّتهم

ص: 770

الملائكة و هم يضربون وجوههم و أدبارهم. (5 : 14)

الماوَرْديّ: يكون على احتمال وجهين:أحدهما: يضربون وجوههم في القتال عند الطّلب، و أدبارهم عند الهرب.

الثّاني: يضربون وجوههم عند الموت بصحائف كفرهم، و أدبارهم في القيامة عند سوقهم إلى النّار.

(5 : 304)

الطُّوسيّ: على وجه العقوبة لهم في القبر و يوم القيامة. (9 : 305)

المَيْبُديّ: { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ } عند الموت. { وَ اَدْ بَارَهُمْ } حالة السّوق إلى النّار. (9 : 195)

الفَخْرالرّازيّ: اعلم أ نّه لمّا قال الله تعالى: { وَ اللهُ يَعْلَمُ اِسْرَارَهُمْ } محمّد: 26، قال: فهَبْ أ نّهم يسرّون و الله لايُظهره اليوم، فكيف يبقى مخفيًّا وقت وفاتهم، أو نقول: كأ نّه تعالى قال: { وَاللهُ يَعْلَمُ اِسْرَارَهُمْ } وهَبْ أ نّهم يختارون القتال لما فيه الضّراب و الطّعان، مع أ نّه مفيد على الوجهين جميعًا؛ إن غَلِبوا فالمآل في الحال و الثّواب في المآل، و إن غُلِبوا فالشّهادة و السّعادة، فكيف حالهم إذا ضُرب وجوههم و أدبارهم؟!

و على هذا فيه لطيفة، و هي أنّ القتال في الحال إن أقدم المبارز فربّما يهزم الخصم و يسلّم وجهه و قفاه، و إن لم يهزمه فالضّرب على وجهه إن صبر و ثبت. و إن لم يثبت و انهزم، فإن فات القِرْن فقد سلم وجهه و قفاه، و إن لم يفته فالضّرب على قفاه لا غير، و يوم الوفاة لانصرة له و لامفرّ، فوجهه و ظهره مضروب مطعون، فكيف يحترز عن الأذى و يختار العذاب الأكبر؟! (28: 67)

القُرطُبيّ: و معنى الكلام التّخويف و التّهديد، أي إن تأخّر عنهم العذاب فإلى انقضاء العمر. و قد مضى في الأنفال و النّحل. [ثمّ نقل قول ابن عبّاس و قال:]

و قيل: ذلك عند القتال نصرة لرسول الله (صلی الله علیه و آله)، بضرب الملائكة وجوههم عند الطّلب و أدبارهم عند الهرب. و قيل: ذلك في القيامة عند سوقهم إلى النّار.

(16 : 250)

أبوحَيّان: [نقل قول ابن عبّاس ثمّ قال:]

و الملائكة: ملك الموت و المصرفون معه. و قيل: هو وقت القتال نصرةً للرّسول،يضرب وجوههم إن يثبتوا،و أدبارهم: إن انهزموا. و الملائكة: ملائكة النّصر. (8 : 84)

الشِّربينيّ: تصوير لتوفّيهم بما يخافون منه، و يجبنون عن القتا ل له. (4 : 32)

أبوالسُّعود:حال من فاعل { تَوَفَّتْهُمُ } أو من مفعوله، و هو تصوير لتوفّيهم على أهول الوجوه و أفظعها. (6 : 92)

البُرُوسَويّ: { اَدْ بَارَهُمْ } ظهورهم و خلفهم. [ثمّ أدام مثل أبي السُّعود] (8 : 519)

الآلوسيّ: حال من الملائكة. و جُوّز كونه حالا من ضمير{ تَوَفَّتْهُمُ } و ضعّفه أبو حَيّان. وهو على ما قيل: تصوير لتوفّيهم على أهول الوجوه و أفظعها،

و إبراز لما يخافون منه و يجبنون عن القتال لأجله. فإنّ ضرب الوجوه و الأدبار في القتال و الجهاد ممّا يُتّقى.

ص: 771

[ و ذكر قول ابن عبّاس و أضاف:]

و الكلام على الحقيقة عنده و لامانع من ذلك، و إن لم يحس بالضّرب مَن حضر، و ما ذلك إلا كسؤال الملكين، و سائر أحوال البرزخ.

و المراد بالوجه و الدُّبر قيل: العضوان المعروفان. أخرج ابن المنذر عن مُجاهِد أ نّه قال: يضربون وجوههم و أستاههم، ولكن الله سبحانه كريم يكنّي. و قال الرّاغِب وغيره: المراد القُدّام و الخلف.

و قيل: وقت التّوفّي: وقت سوقهم في القيامة إلى النّار، و الملائكة ملائكة العذاب يومئذ، و قيل: هو وقت القتال، الملائكة ملائكة النّصر تضرب وجوههم إن ثبتوا، و أدبارهم إن هربوا نصرةً لرسول الله (صلی الله علیه و آله)، و كلا القولين كما ترى. (26 : 76)

ابن عاشور: و جملة { يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ

وَ اَدْ بَارَهُمْ } حال من{ الْمَلئِكَةُ’} و المقصود من هذه الحال: وعيدهم بهذه الميتة الفظيعة الّتي قدّرها الله لهم، و جعل الملائكة تضرب وجوههم و أدبارهم، أي يضربون وجوههم الّتي وقَوْهَا من ضرب السّيف حين فرّوا من الجهاد، فإنّ الوجوه ممّا يُقصَد بالضّرب بالسّيوف عند القتال. [ثمّ استشهد بشعر]

و يضربون أدبارهم الّتي كانت محل الضّرب لو قاتلوا، و هذا تعريض بأ نّهم لو قاتلوا لفرّوا فلايقع الضّرب إلا في أدبارهم. (26 : 100)

الطَّباطَبائيّ: متفرّع على ما قبله. و المعنى هذا حالهم اليوم يرتدّون بعد تبيّن الهدى لهم فيفعلون ما يشاؤون، فكيف حالهم إذا توفّتهم الملائكة و هم يضربون وجوههم و أدبارهم؟ (18 : 242)

عبد الكريم الخطيب: جملة حاليّة، من

{ الْمَلئِكَةُ’ } ، أي يتوفّونهم و هم يضربون وجوههم و أدبارهم، أي يضربونهم من أمام إذا أقبلوا، و يضربونهم من خلف إذا أدبَروا.

(14 : 364)

مكارم الشّيرازيّ: نعم، إنّ هؤلاء الملائكة مأمورون أن يذيقوا هؤلاء العذاب و هم على أعتاب الموت ليذوقوا وبال الكفر والنّفاق و العناد، و هم يضربون وجوههم، لأ نّها اتّجهت نحو أعداء الله، و يضربون أدبارهم لأ نّهم أدبروا عن آيات الله و نبيّه.

و هذا المعنى نظير ما ورد في الآية:50، من سورة الأنفال حول الكفّار والمنافقين { وَلَوْ تَرى اِذْ يَتَوَفَّى الَّذينَ‘ كَفَرُوا الْمَلئِكَةُ’يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ اَدْ بَارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَريقِ‘ }. (16 : 351)

اَدْ بَارِكُمْيَا قَوْمِ ادْخُلُوا الاَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتى كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاتَرْتَدُّوا عَلى اَدْ بَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُواخَاسِرينَ‘. المائدة : 21

ابن عبّاس: لاترجعوا إلى خلفكم. (91)

الجُبّائيّ: لاترجعوا عن طاعة الله إلى معصيته.

(الطَّبْرِسيّ 2 : 178)

الطّبَريّ: { وَ لاتَرْتَدُّوا } يقول: لاترجعوا القهقرى مرتدّين { عَلى اَدْ بَارِكُمْ } يعني إلى ورائكم، و لكن امضوا قُدُمًا لأمر الله الّذي أمركم به، من الدّخول على القوم الّذين أمركم الله بقتالهم، و الهجوم عليهم في أرضهم، و أنّ الله عزّ ذكره قد كتبها لكم

ص: 772

مسكنًا و قرارًا.

(4 : 514)

الماوَرْديّ: فيه تأويلان:

أحدهما: لاترجعوا عن طاعة الله إلى معصيته.

و الثّاني: لاترجعوا عن الأرض الّتي أمرتم بدخولها. (2 : 25)

مثله الطُّوسيّ. (3 : 484)

المَيْبُديّ: أي لاترجعوا كفّارًا. (3 : 76)

الزّمَخْشَريّ: و لاتنكصوا على أعقابكم مُدبرين من خوف الجبابرة جُبنًا و هلَعًا. و قيل: لمّا حدّثهم النّقباء بحال الجبابرة و رفعوا أصواتهم بالبكاء و قالوا: ليتنا مِتْنا بمصر، و قالوا: تعالوا نجعل علينا رأسًا ينصرف بنا إلى مصر.

و يجوز أن يراد: لاترتدّوا على أدباركم في دينكم بمخالفتكم أمر ربّكم و عصيانكم نبيّكم. (1 : 603)

نحوه أبوحَيّان. (3 : 454)

ابن عَطيّة: حذّرهم موسى (علیه السلام) الارتداد على الأدبار، و ذلك الرّجوع القهقهرى. و يحتمل أن يكون تولية الدُّبر و الرّجوع في الطّريق الّذي جيء منه.

(2 : 174)

الطَّبْرِسيّ: أي لاترجعوا عن الأرض الّتي أُمرتم بدخولها، عن أكثر المفسّرين. (2 : 178)

الفَخْرالرّازيّ: و فيه وجهان:

الأوّل: لاترجعوا عن الدّين الصّحيح إلى الشّكّ في نبوّة موسى (علیه السلام) و ذلك لأ نّه (علیه السلام) لمّا أخبر أنّ الله تعالى جعل تلك الأرض لهم كان هذا وعدً ا بأنّ الله تعالى ينصرهم عليهم، فلو لم يقطعوا بهذه النّصرة صاروا شاكّين في صدق موسى (علیه السلام) فيصيروا كافرين بالإلهيّة و النّبوّة.

و الوجه الثّاني: المراد لاترجعوا عن الأرض الّتي أُمرتم بدخولها إلى الأرض الّتي خرجتم عنها. يروى أنّ القوم كانوا قد عزموا على الرّجوع إلى مصر.

(11 : 198)

القُرطُبيّ: أي لاترجعوا عن طاعتي و ما أمرتكم به من قتال الجبّارين.

و قيل: لا ترجعوا عن طاعة الله إلى معصيته، و المعنى واحد. (6 : 126)

الشِّربينيّ: أي و لاترجعوا مُدبرين خوفًا من العدوّ.

(1 : 366)أبوالسُّعود: فإنّ ترتيب الخيبة و الخسران على الارتداد يدلّ على اشتراط الكَتْب بالمجاهدة المترتّبة على الإيمان و الطّاعة قطعًا، أي لاترجعوا مدبرين خوفًا من الجبابرة. فالجارّ و المجرور متعلّق بمحذوف هو حال من فاعل { تَرْتَدُّوا } و يجوز أن يتعلّق بنفس الفعل. قيل: لمّا سمعوا أحوالهم من النّقباء بكوا و قالوا: يا ليتنا مِتْنا بمصر، تعالوا نجعل لنا رأسًا ينصرف بنا إلى مصر، أو لاترتدّوا عن دينكم بالعصيان، و عدم الوثوق بالله تعالى. (2 : 256)

نحوه الآلوسيّ. (6 : 106)

البُرُوسَويّ: أي مدبرين خوفًا من الجبابرة، فهو حال من فاعل{ وَ لاتَرْتَدُّوا } و يجوزأن يتعلّق بنفس الفعل، أي و لاترجعوا على أعقابكم بخلاف ما أمر الله.

(2 : 376)

ص: 773

ابن عاشور:وقوله:{وَلاتَرْتَدُّوا عَلى اَدْ بَارِكُمْ} تحذير ممّا يوجب الانهزام، لأنّ ارتداد الجيش على الأعقاب من أكبر أسباب الانخذال. و الارتداد < افتعال > من الرّدّ. يقال: ردّه فارتدّ، و الرّدّ : إرجاع السّائر عن الإمضاء في سيره، و إعادته إلى المكان الّذي سار منه. و الأدبار: جمع دُ بُر، و هو الظّهر، و الارتداد: الرّجوع ، و معنى الرّجوع على الأدبار إلى جهة الأدبار، أي الوراء لأ نّهم يريدون المكان الّذي يمشي عليه الماشي، و هو قد كان من جهة ظهره، كما يقولون: نكص على عقبيه، و ركبوا ظهورهم، وارتدّوا على أدبارهم، و على أعقابهم ، فعدّي ب ( عَلى) الدّ الّة على الاستعلاء ، أي استعلاء طريق السّير، نُزّلت الأدبار الّتي يكون السّير في جهتها منزلة الطّريق الّذي يسار عليه. (5 : 77)

عبد الكريم الخطيب: { وَ لاتَرْ تَدُّوا عَلى اَدْ بَارِكُمْ } إذ لاينتظر من هذه الجماعة إلا أن تصطدم مع هذه الدّعوة، كما تصطدم الكُرَ ة بجدار فترتدّ إلى وراء. و في التّعبير بارتداد القوم على أدبارهم، إشارة إلى أ نّهم إنّما يرتدّون إلى الوراء و عيونهم معلّقة بالمتّجه الّذي تتّجه إليه الدّعوة، و كأنّ هذا المُتّجه حيوان مفترس يتحفّز للوثوب عليهم. فهم يسيرون إلى الوراء، على أقفيتهم، و أبصارهم شاخصة إلى هذا الأمر المخيف الّذي دعاهم إليه.

فهم و الحال كذلك بين خطر يقع عليهم من تصوّراتهم لهذا الأمر الّذي يدعون إليه، و خطر يترصّدهم، و هم يتدافعون إلى الوراء نحو مجهول لايرون لهم منه مهربًا. (3 : 1068)

اَدْ بَرَ

1 تَدْعُوا مَنْ اَدْ بَرَ وَ تَوَ لى|. المعارج : 17

ابن عبّاس:{ مَنْ اَدْ بَرَ } عن التّوحيد{ وَ تَوَ لى|} عن الإيمان ولم يتب من الكفر. (485)

مُجاهِد: عن الحقّ. (الطّبَريّ12 : 233)

قَتادَة: { مَنْ اَدْ بَرَ } عن طاعة الله، { وَتَوَلى| } قال: عن كتاب الله، و عن حقّه. (الطّبَريّ12 : 233)

مُقاتِل: أدبر عن الإيمان و تولّى إلى الكفر.

(الماوَرْديّ6 : 94)

ابن زَيْد: ليس لها سلطان إلا على هوان مَنْ كفر و تولّى و أدبر عن الله، فأمّا من آمن بالله و رسوله، فليس لها عليه سلطان. (الطّبَريّ12 : 233)

الطّبَريّ: يقول: تدعو لظى إلى نفسها من أدبَر في الدّنيا عن طاعة الله، و تولّى عن الإيمان بكتابه و رسله.

(12 : 233)

الزّجّاج: تدعوالكافر باسمه و المنافق باسمه.

(5 : 222)

الماوَرْديّ: و في ما { اَدْ بَرَ وَ تَوَ لى |} عنه أربعة أوجه:

[نقل أقوال مُجاهِد، و قَتادَة، و مُقاتِل ثمّ قال:]

الرّابع : أدبر عن القبول و تولّى عن العمل .

(6 : 94)

الزّمَخْشَريّ: { مَنْ اَدْ بَرَ } عن الحقّ{ وَتَوَ لى| } عنه. (4 : 158)

ص: 774

الفَخْرالرّازيّ: يعني من أدبر عن الطّاعة و تولّى عن الإيمان. (30 : 128)

لاحظ: د ع و: < تدعوا >.

2 ثُمَّ اَدْ بَرَ وَ اسْتَكْبَرَ * فَقَالَ اِنْ هذَا اِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. المدّثّر: 23 ، 24

ابن عبّاس: عن أصحاب محمّد (صلی الله علیه و آله) إلى أهله.

(492)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: ثمّ ولّى عن الإيمان و التّصديق بما أنزل الله من كتابه. و استكبر عن الإقرار بالحقّ. (12 : 310)

الماوَرْديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما: { اَدْ بَرَ } عن الحقّ { وَ اسْتَكْبَرَ } عن الطّاعة .

الثّاني: { اَدْ بَرَ } عن مقامه { وَ اسْتَكْبَرَ } في مقاله.

(6 : 142)

المَيْبُديّ:{ اَدْ بَرَ } أي ولّى إلى قومه {وَاسْتَكْبَرَ} أي تكبّر عن الإيمان. (10 : 285)

الزّمَخْشَريّ:{ ثُمَّ اَدْ بَرَ } عن الحقّ {وَاسْتَكْبَرَ} عنه فقال ما قال. (4 : 183)

ابن عَطيّة: ...ثمّ وصف تعالى إدباره و استكباره، و أ نّه ضلّ عند ذلك و كفر [إلى أن قال:]

فأدبَر و استكبر، أي ارتكس في ضلاله و زال إقباله أوّ لا ليهتدي، و لحِقَتْه الكبرياء. (5 : 395)

الطَّبْرِسيّ: { ثُمَّ اَدْ بَرَ } عن الإيمان { وَ اسْتَكْبَرَ } أي تكبّر حين دعا إليه. (5 : 388)

الفَخْرالرّازيّ: أدبَر عن سائر النّاس إلى أهله {وَ اسْتَكْبَرَ}، أي تعظّم عن الإيمان. (30 : 201)

القُرطُبيّ: أي ولّى و أعرض ذاهبًا إلى أهله، { وَ اسْتَكْبَرَ } أي تعظّم عن أن يؤمن. و قيل:أدبَر عن الإيمان و استكبر حين دُعي إليه. (19 : 74)

أبوحَيّان: { ثُمَّ اَدْ بَرَ }: رجع مُدبرًا، و قيل: أدبَر عن الحقّ. { وَ اسْتَكْبَرَ } قيل: تشارس مستكبرًا، و قيل: استكبر عن الحقّ. وصفه بالهيئات الّتي تشكّل بها حين أراد أن يقول ما قال، كلّ ذلك على سبيل الاستهزاء، وأنّ ما يقوله كذب و افتراء؛ إذ لو كان مُمكَّنًا، لكان له هيئات غير هذه من فرح القلب و ظهور السّرورو الجذل و البِشر في وجهه، و لو كان حقًّا لم يحتج إلى هذا الفكر، لأنّ الحقّ أبلج يتّضح بنفسه من غير إكدادفكر و لا إبطاء تأمّل.

ألاترى إلى ذلك الرّجل و قوله حين رأى رسول (صلی الله علیه و آله) : فعلمت أن وجهه ليس بوجه كذّاب، و أسلم من فوره. و قيل: ثمّ نظر فيما يحتجّ به للقرآن، فرأى ما فيه من الإعجاز و الإعلام بمرتبةالرّسول (صلی الله علیه و آله)، و دام نظره في ذلك.

(8 : 374)

الشِّربينيّ: { ثُمَّ } أي بعد هذا التّروّيّ العظيم { اَدْ بَرَ } أي عمّا أدّ اه إليه فكره من الإيمان بسلامة المنظور فيه و علوّه عن المطاعن، فحاد عن وجوه الأفكار إلى أقفيتها، { وَ اسْتَكْبَرَ } أي أوجد الكبر عن الاعتراف بالحقّ إيجاد من هو في غاية الرّغبة فيه.

(4 : 431)

أبوالسُّعود: {ثُمَّ اَدْ بَرَ }عن الحقّ أو عن رسول

ص: 775

الله (صلی الله علیه و آله)، { وَ اسْتَكْبَرَ } عن اتّباعه. (6 : 329)

مثله الآلوسيّ(29 : 124)، و نحوه البُرُوسَويّ (10 : 230).

ابن عاشور: { ثُمَّ اَدْ بَرَ وَ اسْتَكْبَرَ } عطف على { وَقَدَّرَ } و هي ارتقاء متوال فيما اقتضى التّعجيب من حاله و الإنكار عليه. فالتّراخي تراخي رتبة لاتراخي زمنٍ، لأنّ نظره و عُبُوسه و بَسْره((1))

و إدباره و استكباره مقارنة لتفكيره و تقديره. (29 : 287)

الطَّباطَبائيّ: الإدبار عن شيء: الإعراض عنه، و الاستكبار: الامتناع كِبْرًا و عُتوًّا، و الأمران أعني الإدبار و الاستكبار من الأحوال الرّوحيّة، و إنّما رُتّبا في التّمثيل على النّظر و العبوس و البُسور، و هي أحوال صوريّة محسوسة لظهورهما بقوله: { اِنْ هذَا اِلا سِحْرٌ يُؤْ ثَرُ } ، و لذا عطف قوله:{ فَقَالَ اِنْ هذَا اِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ } ب < الفاء > دون < ثمّ >. (20 : 87)

عبد الكريم الخطيب: { ثُمَّ اَدْ بَرَ وَ اسْتَكْبَرَ } هذه هي الجولة الأخيرة في هذا الصّراع الّذي كان مُحتدمًا في نفسه. لقد انهزم العقل، و انتصر الهوى، و غابت الحكمة، و حضر الطّيش و النّزق. و انتهى الأمر بأن أعطى هذا الشّقيّ العنيد ظهره للحقّ، و أخذته العزّة بالإثم، فأبى أن يتّبع سبيل المؤمنين.

(15 : 1292)

فضل الله: {ثُمَّ اَدْ بَرَ } عن الحقيقة الّتيكانت واضحةً في وحي الله،{ وَ اسْتَكْبَرَ } عن الإذعان له في ما يفرضه الوجدان من قناعة مؤكّدة، لأنّ المشكلة في هؤلاء المستكبرين أ نّهم يعتبرون ذاتهم كلّ شيء في تقييم الحقيقة، فلايتحرّكون أبعد من تلك الدّ ائرة الّتي يحصر بها الكافرون ذواتهم. (23 : 214)

3 وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ. المدّثّر : 33

ابن عبّاس: ذهب. (492)

دُبوره: إظلامه. (الطّبَريّ12 : 315)

إذ ولّى. (الماوَرْديّ6: 146)

مثله قَتادَة. (الطّبَريّ12 : 315)

الفَرّاء: قرأها ابن عباس: ( وَ الَّيْلِ اِذَا دَ بَرَ)

و مُجاهِد و بعض أهل المدينة كذلك، و قرأها كثير من النّاس: { وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ }.

...عن أبي عبدالرّحمان عن زَيْد أ نّه قرأها{ وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ } و هي في قراءة عبدالله: ( وَ الَّيْلِ اِذَا اَدْ بَرَ ) و قرأها الحسن كذلك:( اِذَا اَدْ بَرَ ) كقول عبدالله.

و حدّثني قيس عن عليّ بن الأقمر عن رجل لاأعلمه إلا الأغرّ عن ابن عبّاس أ نّه قرأ:( وَ الَّيْلِ اِذَا دَ بَرَ ).

و قال: إنّما أدبر: ظهر البعير.

و حدّثنا قيس عن عليّ بن الأقمر عن أبي عَطيّة عن عبدالله بن مَسعود أ نّه قرأه: ( اَدْ بَرَ ).

ما أرى أبا عَطيّة إلا الوادعيّ بل هو هو، و ليس في حديث قيس( اِذْ )، و لاأراهما إلا لغتين. يقال: دبر النّهار والشّتاء و الصّيف و أدبَر. وكذلك: قبَل و أقبَل. فإذا قالوا: أقبل الرّاكب و أدبر، لم يقولوه إلا بألف، و إنّهمافي المعنى عندي لواحد، لا أبعُد أن يأتي في

ص: 776


1- (1) تقطيب وجهه.

الرّجل ما أتى في الأزمنة. (3 : 204)

أبوعُبَيْدَة: إذ أقبل عند إدبار النّهار. [و قال في الفرق بين دبَر و أدبَر:]

إ نّه دبَر إذا خلّفتَه خلفك، و أدبَر إذا ولّى أمامك.

(الماوَرْديّ6 : 146)

الطّبَريّ: { وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ } يقول: واللّيل إذ ولّى ذاهبًا.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّ اء المدينة و البصرة{ اِذْ اَدْ بَرَ} ، و بعض قرّاء مكّة و الكوفة ( اِذَا دَ بَرَ ).

و الصّواب من القول في ذلك عندنا، أ نّهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.

وقد اختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك، فقال بعض الكوفيّين: هما لغتان، يقال: دبَر النّهار و أدبَر، و دبَر الصّيف و أدبَر، قال: وكذلك قبَل و أقبَل. فإذا قالوا: أقبَل الرّ اكب و أدبَر لم يقولوه إلا بالألف. و قال بعض البصريّين: ( وَ الَّيْلِ اِذَا دَ بَرَ ) يعني إذا دبَر النّهار و كان في آخره، قال: و يقال: دبَرني: إذا جاء خلفي، و أدبَر، إذا ولّى.و الصّواب من القول في ذلك عندي أ نّهما لغتان بمعنى، و ذلك أ نّه محكيّ عن العرب: قبّح الله ما قبَل منه و ما دبَر. و أُخرى أنّ أهل التّفسير لم يميّزوا في تفسيرهم بين القراءتين؛ و ذلك دليل على أ نّهم فعلوا ذلك كذلك، لأ نّهما بمعنى واحد. (12 : 315)

الزّجّاج: و قوله:{ وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ }، و يقرأ ( اِذَا اَدْ بَرَ ) و كلاهما جيّد في العربيّة. يقال: دبَر اللّيل و أدبَر، و كذلك قبَل اللّيل و أقبَل، و قد قرئت أيضًا: ( اِذَا اَدْ بَرَ وَ الصُّبْحِ اِذَا اَسْفَرَ ) بإثبات الألف فيهما. (5 : 248)

الفارسيّ: قرأ ابن كثير و أبو عمرو و أبو بكر عن عاصم و ابن عامر و الكِسائيّ ( اِذَا دَ بَرَ ) بفتح الدّال.

و قرأ نافع و عاصم في رواية حفص و حمزة

{ وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ } بتسكين الدّال.

ابن سلام عن يونس: دَ بَر: انقضى، و اَدْ بَر: تولّى،... و في حرف عبد الله: ( وَ الَّيْلِ اِذَا اَدْ بَرَ ) فيما زعموا، و روي أنّ مُجاهِدًا سأل ابن عبّاس عنها، فلمّا ولّى اللّيل قال له: يا مُجاهِد، هذا حين دبر اللّيل، قال قَتادَة: ( وَ الَّيْلِ اِذَا دَ بَرَ ): إذا ولّى، و يقال: دبَر و أدبَر. [ثمّ استشهد بشعر]

و الوجهان جميعًا حسنان. (4 : 74)

الماوَرْديّ: [نقل أقوال ابن عبّاس و أبي عُبَيْدَة ثمّ قال:]

و اختُلف في أدبَر و دبَر على قولين:

أحدهما: أ نّهما لغتان و معناهما واحد ، قاله الأخفش.

الثّاني: أنّ معناهما مختلفان، و فيه وجهان:

أحدهما: [قول أبي عُبَيْدَة]

الثّاني : أ نّه دبَر إذا جاء بعد غيره وعلى دُبر، و أدبَر إذا ولّى مدبرًا ، قاله ابن بحر. (6 : 146)

الطُّوسيّ: قرأ نافع و حمزة و حفص عن عاصم

{ اِذْ اَدْ بَرَ } بإسكان الذّال و قطع الهمزةمن { اَدْ بَرَ } الباقون بفتح الذّال و الألف معها ( دَ بَرَ ) بغير ألف،

ص: 777

و قرأ ابن مَسعود بزيادة ألف. و من قال: ( دبَر، واَدبَر ) فهما لغتان، قيل: هو مثل قبَل وأقبَل. و الاختيار عندهم { اَدْ بَرَ } لقوله: { اِذَا اَسْفَرَ }المدّ ثّر : 34، و لم يقل: إذا سَفَر، لأنّ ابن عبّاس قال لعِكْرِمَة: حين دبَر اللّيل، لأنّ العرب تقول: دبر فهو دابر، و حجّة نافع و حمزة قول النّبيّ(صلی الله علیه و آله): < إذا أقبل اللّيل من هاهنا و أدبر النّهار من هاهنا فقد أفطر الصّيام >. (10 : 179)

المَيْبُديّ: دبَر و أدبَر لغتان، يقال: دبَر اللّيل و أدبَر، إذا ولّى ذاهبًا. و قيل: دبَر انقضى، و أدبَر، أي أخذ في الإدبار. و قيل: دبَر جاء بعد النّهار و في دبره، يقال: دبرني فلان و خلفني، أي جاء بعدي و خلفي.

(10 : 288)

الزّمَخْشَريّ: و دبَر بمعنى أدبَر كقبَل بمعنى أقبَل. و منه: صاروا كأمسِ الدّابر. و قيل: هو مندبَر اللّيل النّهار إذا خلفه. و قرئ { اِذْ اَدْ بَرَ }. (4 : 186)

نحوه أبو السُّعود. (6 : 331)

ابن عَطيّة: قرأ ابن كثير و ابن عامر و أبو عمرو و الكِسائيّ و أبو بكر عن عاصم (اِذَا دَ بَرَ) بفتح الدّال و الباء، و هي قراءة ابن عبّاس و ابن المسيَّب و ابن الزّبير و مُجاهِد و عطاء و يحيى بن يَعمُر و أبي جعفر و شيبة و أبي الزّ نّاد و قَتادَة و عمر بن عبد العزيز و الحسَن و طلحة.

و قرأنافع و حمزة و حفص عن عاصم (اِذَا اَدْ بَرَ) بسكون الدّال و بفعل رباعيّ و هي قراءة سعيد بن جُبَيْر و أبي عبد الرّحمان و الحسَن بخلاف عنهم و الأعرج و أبي شيخ و ابن مُحَيْصِن و ابن سيرين. قال يونس بن حبيب: (دَ بَرَ) معناه انقضى، و (اَدْ بَر) معناه تولّى.

وفي مصحف ابن مَسعود وأُبيّ بن كعب:{ اِذْ اَدَ بَرَ} بفتح الدّ ال و ألف و بفعل رباعيّ، و هي قراءة الحسَن و أبي رزين و أبي رجاء و يحيى بن يَعمُر.

و سأل مُجاهِد ابن عبّاس عن دَ بْر اللّيل فتركه، حتّى إذا سمع المنادي الأوّل للصّبح قال له: يا مُجاهِد، هذا حين دَ بْر اللّيل، و قال قَتادَة :دبراللّيل ولّى. [ثمّ استشهد بشعر]

قال أبو عليّ الفارسيّ: فالقراءتان جميعًا حسنتان.

(5 : 397)

نحوه القُرطُبيّ. (19 : 82)

الطَّبْرِسيّ: و أقسم باللّيل إذا ولّى و ذهب، عن قَتادَة. و قيل: دَ بَر إذا جاء بعد غيره، و أدَ بَر إذا ولّى مُدبرًا. فعلى هذا يكون المعنى في { اِذْ اَدَ بَرَ } إذا جاء اللّيل في إثر النّهار، و في( اِذَا اَدْ بَرَ ) إذا ولّى اللّيل فجاء الصّبح عقيبه. و على القول الأوّل فهما لغتان معناهما: ولّى و انقضى. (5 : 391)

الفَخْرالرّازيّ: و فيه قولان:

الأوّ ل: قال الفَرّاء و الزّجّاج: دبَر و أدبَر بمعنى واحد كقَبَل و أقبَل، و يدلّ على هذا قراءة من قرأ( اِذَا دَ بَرَ)، ... و روى أبو الضّحى أنّ ابن عبّاس كان يعيب هذه القراءة، و يقول: إنّما دبَر((1))

ظهر البعير. قال

ص: 778


1- (1) دبَرَ صحيح، كما في موضع آخر عن ابن عبّاس، و في الأصل: يَد بُر!!

الواحدي: و القراءتان عند أهل اللّغة سواء على ما ذكرنا.

القول الثّاني: قال أبو عُبَيْدَة و ابن قُتَيْبَة: دبر، أي جاء بعد النّهار، يقال: دبرني، أي جاء خلفي، و دبر اللّيل، أي جاء بعد النّهار. قال قُطْرُب: فعلى هذا معنى ( اِذَا دَ بَرَ)، إذا أقبَل بعد مضيّ النّهار. (30 : 208)

أبوحَيّان: أي ولّى، ويقال: دبَر و أدبَر بمعنى واحد. أقسم تعالى بهذه الأشياء تشريفًا لها وتنبيهًا على ما يظهر بها، و فيها من عجائب الله و قدرته، و قوام الوجود بإيجادها. [ثمّ قال نحو ابن عَطيّة]

(8 : 378)الشِّربينيّ: أي مضى فانقلب راجعًا من حيث جاء فانكشف ظلامه. (4 : 435)

البُرُوسَويّ: (اِذْ) بسكون الذّال، و هو ظرف لما مضى من الزّمان، { اَدْ بَرَ } على وزن < أفعَل > أي انصرف وذهب، فإنّ الإدبار نقيض الإقبال.

(10 : 238)

الآلوسيّ: أي ولّى. و قرأ ابن عبّاس و ابن الزُّبير و مُجاهِد و عطاء و ابن يَعمُر و أبو جعفر و شيبة و أبو الزّ نّاد و قَتادَة و عُمَر بن عبد العزيز و الحسَن و طلحة و النّحويّان و الابنان و أبو بكر (اِذَا) ظرف زمان مستقبل (دَ بَرَ) بفتح الدّالّ، و هو بمعنى أدبَر المزيد كقبَل و أقبَل، و المعروف المزيد، و حَسّن الثّلاثيّ هنا مشاكلة أكثر الفواصل.

و قيل: دبَر من دبْر اللّيل النّهار، إذا خلفه، و التّعبير بالماضي مع( اِذَا ) الّتي للمستقبل للتّحقيق، و يجوز أن يقال: إنّها تَقلِبه مستقبلا .

و قرأ أبو رزين و أبو رجاء و الأعمش و مطر ويونس بن عبيد و هي رواية عن الحسَن و ابن يَعمُر و السُّلَميّ و طلحة ( اِذَا ) بالألف ( اَدْ بَرَ ) بالهمز، وكذا هو في مصحف عبد الله و أُبيّ، و هو أنسب بقوله تعالى: { وَ الصُّبْحِ اِذَا اَسْفَرَ}. (29 : 130)

ابن عاشور: و إدبار اللّيل: اقتراب تقضيه عند الفجر...

و كلّ من ( اِذْ ) و ( اِذَا ) واقعان اسمي زمان، منتصبان على الحال من { الَّيْلِ } و من { الصُّبْحِ } أي أُقسم به في هذه الحالة العجيبة الدّ الّة على النّظام المحكم المتشابه لمحو الله ظلمات الكفر بنور الإسلام، قال تعالى: { كِتَابٌ اَنْزَلْنَاهُ اِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ اِلَى النُّورِ } إبراهيم : 1.

و قرأ نافع و حمزة و حفص و يعقوب و خلف { اِذْ اَدْ بَرَ } بسكون ذال ( اِذْ ) و بفتح همزة { اَدْ بَرَ } و إسكان داله، أُقسم باللّيل في حالة إدباره الّتي مضت، و هي حالة متجدّدة تَمضي و تَحضُر و تُستَقبل، فأيّ زمن اعتبر معها فهي حقيقة بأن يُقسم بكونها فيه، ولذلك أقسم بالصّبح إذا أسفر مع اسم الزّمن المستقبل.

[ثمّ ذكر القراءات] (29 : 299)

الطَّباطَبائيّ: قسم بعد قسم، و إدبار اللّيل مقابل إقباله. (20 : 94)

عبد الكريم الخطيب: و قوله تعالى: { وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ * وَ الصُّبْحِ اِذَا اَسْفَرَ } معطوفان على { الْقَمَرِ }،

ص: 779

و مقسم بهما معه. فهي ثلاثة أقسام، تجمع: القمر، و اللّيل، و الصّبح.

و قد جاء القسم ب { الْقَمَرِ } مطلقًا، دون ذكر حال من أحواله، أو صفة من صفاته. إنّه القمر، و القمر لايسمّى قمرً ا إلا مع تمامه و كماله.

وجاء القسم ب{ الَّيْلِ } مقيّدً ا بظرف خاص،و هو إدباره ، و تولّيه، على حين جاءالقسم ب {الصُّبْحِ} حال إسفاره، و ظهوره.

و قد فرّق النّظم القرآنيّ المعجز بين الحالين، حال إدبار اللّيل، و حال إسفار الصّبح، إنّها لحظة واحدة، يلتقي عندها إدبار اللّيل، و إسفار الصّبح، و قد وزّع النّظم القرآنيّ هذه اللّحظة، فجعل بعضًا منها يذهب مع اللّيل الذّاهب، و بعضًا منها يتراءى خلف الصّبح المقبل، و لهذا جاء لفظ ( اِذْ ) مع إدبار اللّيل { وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ } و هذا يعني الزّمن الماضي من تلك اللّحظة، فلقد أدبر اللّيل، و مضى، و ذهب سلطانه الّذي كان قائمًا على تلك الرّقعة المبسوط عليها من هذا العالم. أمّا الصّبح، فهو وليد جديد، يخطو خطواته نحو المستقبل، فهو زمن ممتدّ، و لهذا جاء الظّرف المتلبّس به بلفظ ( اِذَا ) الّتي تدلّ على الزّمن المستقبل { وَ الصُّبْحِ اِذَا اَسْفَرَ }.

و لعلّ سائلا يسأل هنا:

و ماذا وراء الجمع بين هذه الأقسام الثّلاثة: القمر، و اللّيل المدبر، و الصّبح المسفر؟ إنّ القرآن الكريم لايجمع بين هذه العوالم إلاو هو يشير من هذا الجمع إلى مَلحظ، فيه عبرة و عظة، فماذا يكون هذا الملحظ؟

نقول و الله أعلم : إنّ القسَم بالقمر، و اللّيل المدبر، و الصّبح المسفر، هو إشارة إلى مبعث النّبيّ صلوات الله و سلامه عليه، و إلى ما بين يدي مبعثه و ما خلفه، من مُجريات الأحداث الّتي تطلّ على النّاس.

فالقمر والله أعلم هو إشارة إلى الرّسالات السّماويّة الّتي سبقت عصر النّبوّة، فقد كانت تلك الرّسالات هي النّور، الّذي يشعّ في وسط هذا الظّلام المخيّم على العالم، و أنّ نور هذا القمر لايمنح النّاس رؤية كاشفة، و إن أراهم مواقع أقدامهم. و ألقى في قلوبهم شيئًا من الطّمأنينة و الأُنس، ثمّ إنّه لايلبس ((1))

أن يختفي، و يتحوّل عن النّاس.

و إسفار الصّبح هو إيذان بمبعث النّبيّ، و أ نّه الشّمس الّتي ستشرق على هذا الوجود، و أنّ أضواء شمس النّبوّة قد أزاحت ظلمة اللّيل عن هذا الوجود، و أ نّه سرعان ما تطلع الشّمس فتملأ الوجود ضياءً، و تكسو العالم حُلّة من بهاء و جلال؛ حيث تنكشف حقائق الأشياء، و تَسفر عن وجهها لكلّ ذي بصر يبصر، و من شمس النّبوّة المحمّديّة استمدّت الرّسالات السّابقة نورها من ضوء هذه الشّمس، قبل أن يستقبل الوجود مطلع هذه الشّمس، فلمّا طلعت مَحَتْ بضوئها آية القمر، و كان على مَن يريدون أن يسيروا على هدى و نور أن يستقبلوا هذا النّور، و أن يملؤوا أعينهم به. (15 : 1300)

مكارم الشّيرازيّ: و أقسم ب { الْقَمَرِ } لأ نّه

ص: 780


1- (1) هكذا في الأصل...و الظّاهر: لايلبث أن...

إحدى الآيات الإلهيّة الكبرى، لما فيه من الخلقة و الدّوران المعظم و النّور والجمال و التّغييرات التّدريجيّة الحاصلة فيه، لتعيين الأيّام باعتباره تقويمًا حيًّا كذلك.

ثمّ يضيف: { وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ * وَ الصُّبْحِ اِذَا اَسْفَرَ }.

في الحقيقة أنّ هذه الأقسام الثّلاثة مرتبطة بعضها بالآخر و مكمّلة للآخر كذلك، لأ نّنا كما نعلم أنّ القمر يتجلّى في اللّيل، و يختفي نوره في النّهار لتأثير الشّمس عليه، و اللّيل و إن كان باعثًا على الهدوء و الظّلام و عنده سرّ عشّاق اللّيل، ولكن اللّيل المُظلم يكون جميلا عندما يدبر و يتّجه العالم نحو الصّبح المضيء و آخر السّحر، و طلوع الصّبح المُنهي للّيل المظلم أصفى و أجمل من كلّ شيء؛ حيث يُوجّه الإنسان إلى النّشاط، و يجعله غارقًا في النّور و الصّفاء.

هذه الأقسام الثّلاثة تتناسب ضمنيًّا مع نور الهداية: < القرآن >واستدبار الظّلمات: < الشّرك و عبادة الأصنام > و طلوع بياض الصّباح: < التّوحيد.>.

(19 : 163)

4 ثُمَّ اَدْ بَرَ يَسْعى * فَحَشَرَ فَنَادى * فَقَالَ اَ نَا رَ بُّكُمُ الاَعْلى. النّازعات : 22 24

ابن عبّاس: أعرض عن الإيمان، و يقال: عن موسى. (500)

نحوه مُجاهِد (ابن عَطيّة 5: 433)، و المَيْبُديّ (10 : 370)، و القُرطُبيّ (19 : 200).

الجُبّائيّ: إنّه لمّا رأى الحيّة في عظمها، خاف منها، فأدبر و سعى هربًا. (الطَّبْرِسيّ 5 : 432)

الطّبَريّ:يقول:ثمّ ولّى مُعرضًا عمّا دعاه إليه موسى من طاعته ربّه،وخشيته و توحيده. (12 : 433)

الطُّوسيّ: أي ولّى فرعون الدُّبر بعد ذلك، فالإدبار تولية الدُّ بُر، و نقيضه الإقبال. و أقبَل فلان، إذا استقامت له الأُمور على المثل، أي هو كالمقبل إلى الخير، و أدبَر فلان إذا اضطربت عليه حاله، ففرعون ولّى الدُّبر ليطلب ما يكسر به حجّة موسى (علیه السلام) في الآية الكبرى، و هي المعجزة العظيمة، فما ازداد إلا غواية، لأ نّه لايقاوم الضّلالُ الحقَّ.

وقوله: { ثُمَّ اَدْ بَرَ يَسْعى } ، فالسّعي الإسراع في المشي، و في إدباره يسعى في هذه الحال دليل على خوفه. و قيل: إنّه لمّا رأى العصا انقلبت حيّة في عظمها خاف منه، فأدبَر يسعى. (10 : 257)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (5 : 432)

الزّمَخْشَريّ: أي لمّا رأى الثّعبان أدبَر مرعوبًا ، { يَسْعى }: يسرع في مشيته. قال الحسَن: كان رجلا طيّا شًا خفيفًا، أو تولّى عن موسى، يسعى ويجتهد في مكايدته، أو أُريد: ثمّ أقبل يسعى، كما تقول: أقبَل فلان يفعل كذا، بمعنى أنشأ يفعل، فوضع{ اَدْ بَرَ } موضع أقبَل لئلا يوصف بالإقبال. (4 : 214)

نحوه الفَخْرالرّازيّ. (31 : 42)

ابن عَطيّة: و قال بعض المفسّرين:{ اَدْ بَرَيَسْعى} حقيقةً قام من موضعه مولّيًا فارًّ ا بنفسه عن مجالسة موسى (علیه السلام). (5 : 433)

نحوه أبوحَيّان. (8 : 421)

ص: 781

الشِّربينيّ: أي تولّى و أعرض عن الإيمان بعد المَهْل و الأناة، إعراضًا عظيمًا بالتّمادي على أعظم ما كان فيه من الطّغيان، بعد خطوب جليلة و مشاهد طويلة. [ثمّ أدام نحو الزّمَخْشَريّ] (4 : 480)

أبوالسُّعود: أي تولّى عن الطّاعة،أو انصرف عن المجلس. (6 : 369)

نحوه البُرُوسَويّ. (10 : 321)

الآلوسيّ: { ثُمَّ اَدْ بَرَ }: تولّى عن الطّاعة... و جُوّز أن يكون الإدبار على حقيقته أي ثمّ انصرف عن المجلس ساعيًا في إبطال ذلك. و قيل: أدبر يسعى هاربًا من الثّعبان، فإنّه روي أ نّه لمّا ألقى العصا انقلبت ثعبانًا أشعَر فاغرًا فاه، بين لحيَيه ثمانون ذراعًا، فوضع لحيه الأسفل على الأرض و الأعلى على سور القصر، فهرب فرعون و أحدث، و انهزم النّاس مزدحمين، فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا من قومه. و في بعض الآثار: أ نّها انقلبت حيّة و ارتفعت في السّماء قدر ميل، ثمّ انحطّت مقبلة نحو فرعون، و جعلت تقول: يا موسى مُرْني بما شئت، ويقول فرعون: أُنشدك بالّذي أرسلك إلا أخذته، فأخذه فعاد عصى.

و أنت تعلم أنّ هذا إن كان بعد حشر السّحرة للمعارضة كما هو المشهور فلاتظهر صحّة إرادته هاهنا إذا أُريد بالحشر بعد حشرهم، و إن كان بعد التّكذيب و العصيان و قبل الحشر، فلايظهر تراخيه عن الأوّلين. نعم قيل: إنّ ( ثُمّ ) عليه للدّ لالة على استبعاد إدباره مرعوبًا مسرعًا مع زعمه الإلهيّة.

و قيل: أُريد بقوله سبحانه: { ثُمَّ اَدْ بَرَ }: ثمّ أقبل، من قولهم: أقبَل يفعل، أي أنشأ، لكن جعل الإدبار موضع الإقبال تلميحًا و تنبيهًا على أ نّه كان عليه دمارًا و إدبارًا. (30 : 30)

ابن عاشور: و عطف { ثُمَّ اَدْ بَرَ يَسْعى } ب ( ثُمَّ ) للدّ لالة على التّراخيّ الرّتبيّ، كما هو شأنها في عطف الجُمَل، فأفادت( ثُمَّ ) أنّ مضمون الجملة المعطوفة بها أعلى رتبة في الغرض الّذي تضمّنته الجملة قبلها، أي

إ نّه ارتقى من التّكذيب و العصيان إلى ما هو أشدّ، و هو الإدبار و السّعي و ادّعاء الإلهيّة لنفسه، أي بعد أن فكّر مليًّا لم يقتنع بالتّكذيب و العصيان، فخشي أ نّه إن سكت ربّما تروّج دعوة موسى بين النّاس، فأراد الحيطة لدفعها و تحذير النّاس منها.

والإدباروالسّعي مستعملان في معنييهما المجازيّين. فإنّ حقيقة الإدبار هو المشي إلى الجهة الّتي هي خَلْف الماشي، بأن يكون متوجّهًا إلى جهة، ثمّ يتوجّه إلى جهة تعاكسها. و هو هنا مستعار للإعراض عن دعوة الدّاعي، مثل قول النّبيّ (صلی الله علیه و آله) لمسيلمة لمّا أبى الإيمان: « و لئن أدبَرت ليَعقِرَ نَّك الله ».و أمّا السّعي فحقيقته: شدّة المشي، و هو هنا مستعار للحرص و الاجتهاد في أمره النّاس بعدم الإصغاء لكلام موسى، و جمع السّحرة لمعارضة معجزته؛ إذ حسبها سحرًا، كما قال تعالى: { فَتَوَلى| فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَه ُ} طه : 60. (30 : 70)

عبدالكريم الخطيب: وفي قوله تعالى: { ثُمَّ اَدْ بَرَ يَسْعى } إشارة إلى أ نّه بعد أن رأى الحيّة و أفاعيلها،

ص: 782

و ما أوقعته في قلبه و قلوب من معه لبس و ثوب((1))

الحيّة، فجعل يسعى في النّاس مهدِّدًا متوعِّدًا، باعثًا الرّعب و الفزع في القلوب، حتّى يخرج منها هذا الفزع الّذي استولى عليها من حيّة موسى.

(15 : 1439)

فضل الله: فتولّى عن الاستمرار في الحديث مع موسى(علیه السلام)، لأ نّه لايريد أن يدخل في حوار فكريّ لايضمن لنفسه الانتصار فيه. و بدأ يخطّط و يسعى للإيقاع بموسى(علیه السلام) و لإظهار ضعفه، بعد أن خيّل إليه أ نّه يستعمل السّحر للوصول إلى هدفه، لأنّ مثل هؤلاء الجبابرة لايتعاملون مع النّاس إلا بمنطق القوّة، لأ نّهم لايؤمنون بمنطق الفكر، و بأُسلوب الحوار، في ما يريدون أن يتوصّلوا إليه من نتائج لمصلحة امتداد جبروتهم و قوّة مركزهم. (24 : 39)

اِدْ بَار

وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ اِدْ بَارَ النُّجُومِ.

الطّور : 49

ابن عبّاس: إدبار النّجم: إذا هوى. (445)

...و ذلك حين تدبر النّجوم، أي تغيب بضوء الصّبح.

و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبدالله 8.

و مثله قَتادَة. (الطَّبْرِسيّ5 : 170)

نحوه الشِّربينيّ. (4 : 121)

الزّجّاج: و قرئت ( وَ اَدْ بَارَ النُّجُومِ ) فمن قرأ { اِدْ بَارَ } بالكسر فعلى المصدر أدْ بَرتُ إدبارًا، و من قرأ(اَدْ بَار ) بالفتح فهو جمع دُبر. (5 : 68)

نحوه الطُّوسيّ. (9 : 419)

الزّمَخْشَريّ: إذا أدبَرتِ النّجوم من آخر اللّيل.

و قرئ ( وَ اَدْ بَارَ) بالفتح، بمعنى في أعقاب النّجوم: آثارها إذا غربت. (4 : 27)

ابن عَطيّة: { وَ اِدْ بَارَ النُّجُومِ } : الصّبح.

(5 : 194)

الفَخْرالرّ ازيّ: نختم هذه السّورة بفائدة، و هي أ نّه تعالى قال هاهنا: { وَ اِدْ بَارَ النُّجُومِ } و قال في ق : 40:{ وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ }، و يحتمل أن يقال: المعنى واحد. [ثمّ أدام الكلام في معنى النّجوم والسّجود و قال:]

و الظّاهر أنّ المراد من { اِدْ بَارَ النُّجُومِ }: وقت الصّبح؛ حيث يدبر النّجم و يخفى و يذهب ضياؤه بضوء الشّمس. (28 : 276)

القُرطُبيّ: و بكسر الهمزة في{ وَ اِدْ بَارَالنُّجُومِ } قرأ السّبعة على المصدر حسب ما بيّنّاه في < ق >، و قرأ سالم بن أبي الجعد و محمّد بن السّميقع (وَ اَدْ بَارَ ) بالفتح، و مثله روي عن يعقوب و سلام و أيّوب، و هو جمع دُ بْر و دُ بُر، و دُ بْر الأمر و دُ بُره: آخره. (17 : 80)

نحوه أبوحَيّان. (8 : 153)

أبوالسُّعود: أي وقت إدبارها من آخر اللّيل، أي غيبتها بضوء الصّباح. و قرئ ( وَ اَدْ بَارَ النُّجُومِ ) بالفتح، أي في أعقابها إذا غربت أو خفِيَت. (6 : 150)

نحوه البُرُوسَويّ(9 : 207)، و الطَّباطَبائيّ (19 : 24).

ص: 783


1- (1) في الأصل :لبس ثوب.

الآلوسيّ: أي عند ظهور نورشمس الوجه.

(27 : 43)

عبد الكريم الخطيب: أي مطلع الفجر، بعد أن يغلب ضوؤه أضواء النّجوم، فتُولّي النّجوم أدبارها، منهزمةً أمام هذا الضّوء الّذي يغزوها بجيشه الزّاحف الّذي لايُهزَم. (14 : 582)

فضل الله: عندما تختفي الكواكب مع ضوء الصّبح، ليبدأ يوم جديد تشرق فيه الحياة بقدرة الله، لتنطلق خطوات الرّسالة في درب المسؤوليّة المنفتحة عليه. (21 : 248)

لاحظ: س ب ح: < فَسَبِّحْه >.

مُدْبِرًا

1 وَ اَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَ اهَا تَهْتَزُّ كَاَ نَّهَا جَانٌّ وَ لى| مُدْبِرً ا وَ لَمْ يُعَقِّبْ. النّمل : 10

ابن عبّاس: أدبَر هاربًا منها. (316)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: ولّى موسى هاربًا خوفًا منها. (9 : 498)

الطَّبْرِسيّ: أي رجع إلى ورائه. (4 : 212)

القُرطُبيّ: خائفًا على عادة البشر. (13 : 160)

الشِّربينيّ: أي التَفَت هاربًا منها مسرعًا جدًّ ا.

(3 : 44)

أبو السُّعود: من الخوف. (5 : 71)

نحوه البُرُوسَويّ. (6 : 322)

الآلوسيّ: أي انهزم. (19: 163)

ابن عاشور: و الإدبار: التّوجّه إلى جهةالخلف و هو ملازم للتّولّي، فقوله: { مُدْبِرًا } حال لازمة لفعل{ وَلى| }.

(19 : 227)

الطَّباطَبائيّ: والإدبار: خلاف الإقبال.

(15 : 343)

عبدالكريم الخطيب:أي انطلق مسرعًا، فأعطاها ظهره، و أطلق ساقيه للرّيح، فرارً ا من هذا الهول الّذي طلع من تلك العصا الّتي كانت خشبة جامدة في يده منذ لحظات. ( 1 : 216)

فضل الله: واستمرّ في هروبه من هذه الحيّة الصّغيرة السّريعة الحركة، الّتي فسّر بها بعض كلمة < الجانّ >. (17 : 189)

مُدْبِرينَ‘

1 لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فى مَوَاطِنَ كَثيرَة‘ وَ يَوْمَ حُنَيْن... وَ ضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الاَرْضُ بِمَارَحُبَت ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرينَ‘.

التّوبة : 25

النّبيّ(صلی الله علیه و آله): منهزمين. (المَيْبُديّ 4 : 113)

مثله الثّعلبيّ. (5 : 26)

ابن عبّاس: منهزمين من العدوّ، و كان عددهم أربعة آلاف رجل. (156)

الطّبَريّ: يقول: ولّيتموهم الأدبار، و ذلك الهزيمة. يُخبرهم تبارك و تعالى أنّ النّصر بيده و من عنده، و أ نّه ليس بكثرة العدد وشدّة البطش، و أ نّه ينصر القليل على الكثير إذا شاء، و يُخلّي الكثير و القليل، فيهزم الكثير. (6 : 340)

الطُّوسيّ: فالإدبار: الذّهاب إلى جهة الخلف،

ص: 784

و الإقبال إلى جهة القُدّ ام. و المعنى: ولّيتم عن عدوّكم منهزمين، و تقديره: ولّيتموهم الأدبار. (5 : 231)

المَيْبُديّ: أي ولّيتم الكفّار ظهوركم مدبرين.

(4 : 113)

الزّمَخْشَريّ: ثمّ انهزمتم. (2 : 182)

ابن عَطيّة: يريد فرار النّاس عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله).

(3 : 19)

الطَّبْرِسيّ: أي: ولّيتم عن عدوّكم منهزمين، و تقديره: ولّيتموهم أدباركم، وانهزمتم. (3 : 17)

أبوحَيّان:أي ولّيتم فارّين على أدباركم منهزمين تاركين رسول الله(صلی الله علیه و آله). (النّهر المادّ من البحر5 : 23)

الشِّربينيّ: { مُدْبِرينَ‘ } أي منهزمين، والإدبار: الذّهاب إلى خلف، خلاف الإقبال. (1 : 599)

نحوه البُرُوسَويّ. (3 : 406)

الآلوسيّ: حال مؤكّدة، و هو من الإدبار بمعنى الذّهاب إلى خلف، و المراد منهزمين. (10 : 75)

الطَّباطبَائيّ: أي جعلتم العدوّ يلي أدباركم،

و هو كناية عن الانهزام، و هذا هو الفرار من الزّحف، ساقهم إليه اطمئنانهم بكثرتهم، و الانقطاع من ربّهم. [ثمّ أطال البحث في أ نّهم فرّوا أم لا؟ فلاحظ]

(9 : 220)

فضل الله: { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُدْبِرينَ ‘}: منهزمين.

ولكن الله أرادها درسًا للعبرة، و لم يردها هزيمةً نهائيّةً. فقد ذكر أهل التّفسير، أنّ عليًّا(علیه السلام) بقي و معه الرّ اية يقاتلهم في نفر قليل، و مرّ المنهزمون برسول الله(صلی الله علیه و آله) لايلوون على شيء، و لمّا رأى هزيمة القوم عنه، قال للعبّاس بن عبد المطّلب و كان جهوريًّا صيّتًا: اصْعَد هذا الظّرب « و هو التّلّ الصّغير » فناد: يا معشر المهاجرين و الأنصار، يا أصحاب سورة البقرة، يا أهل بيعة الشّجرة، إلى أين تفرّون؟ هذا رسول الله ! فلمّا سمع المسلمون صوت العبّاس تراجعوا و قالوا: لبّيك و تبادر الأنصار خاصّة، و قاتلوا المشركين حتّى قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): <الآن حمي الوطيس> و نزل النّصر من عند الله تعالى، وانهزمت هوازن هزيمةً قبيحةً، فمرّوا في كلّ وجه، و لم يزل المسلمون في آثارهم. (11 : 66)2 وَ تَا للهِ لاَكيدَنَّ اَصْنَامَكُمْ بَعْدَ اَنْ تُوَ لُّوا مُدْبِرينَ‘. الأنبياء : 57

ابن عبّاس: ذاهبين إلى العيد. (272)

الفَرّاء: كانوا أرادوا الخروج إلى عيد لهم، فاعتلّ عليهم إبراهيم، فتخلّف. (2 : 206)

الطُّوسيّ: يقال: إنّه انتظرهم حتّى خرجوا إلى عيد لهم فحينئذ كسر أصنامهم. (7 : 258)

المَيْبُديّ: أي لأُكسّرنّها بعد ذهابكم عنها إلى عيد لكم. (6 : 262)

الطَّبْرِسيّ: أي بعد أن تنطلقوا ذاهبين. (4 : 52)

نحوه القُرطُبيّ (11 : 297)،و الشِّربينيّ(2 : 509).

أبوالسُّعود: من عبادتها إلى عيدكم. (4 : 344)

مثله الآلوسيّ. (17 : 61)

البُرُوسَويّ: ذاهبين من عبادتها إلى عيدكم، و هو حال مؤكّد، لأنّ التّولية و الإدبار بمعنى.

(5 : 493)

ص: 785

نحوه ابن عاشور. (17 : 71)

الطَّباطَبائيّ: و في قوله:{بَعْدَ اَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرينَ‘} دلالة على أ نّهم كانوا يخرجون من البلد أو من بيت الأصنام أحيانًا لعيد كان لهم أو نحوه، فيبقى الجوّ خاليًا. (14 : 298)

مكارم الشّيرازيّ: ...على كلّ حال، فإنّ إبراهيم نفّذ خطّته في يوم كان معبد الأوثان خاليًا من النّاس، و لم يكن أحد من الوثنيّين حاضرًا.

و توضيح ذلك: أ نّه طبقًا لنقل بعض المفسّرين، فإنّ عبدة الأوثان كانوا قد اتّخذوا يومًا خاصًّا من كلّ سنة عيدً ا لأصنامهم، و كانوا يحضرون الأطعمة عند أصنامهم في المعبد في ذلك اليوم، ثمّ يخرجون من المدينة أفواجًا، و كانوا يرجعون في آخر النّهار، فيأتون إلى المعبد ليأكلوا من ذلك الطّعام الّذي نالته البركة في اعتقادهم. (10 : 165)

فضل الله: فيخلو الجوّ له في التّحرّ ك بحرّ يّة، في ما يريد أن يقوم به...

وذهب القوم إلى أعمالهم، و بقي إبراهيم هناك، أو أ نّه عاد إليها خلسةً من دون أن يشعر به أحد، و توجّه إليها مكسّرً ا و محطِّمًا.

(15 : 237)

3 اِنَّكَ لاتُسْمِعُ الْمَوْتى وَ لاتُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرينَ‘. النّمل: 80

ابن عبّاس: { مُدْبِرينَ‘ } عن الحقّ و الهدى.

(321)

الطّبَريّ: يقول: إذا هم أدبَروا معرضين عنه لايسمعون له لغلبة رَيْن الكفر على قلوبهم لايُصغون للحقّ و لايتدبّرونه و لاينصتون لقائله، و لكنّهم يُعرضون عنه و ينكرون القول به و الاستماع له.

(10 : 13)

الطُّوسيّ: أي أعرضوا عن دعائك و لم يلتفتوا إليه و لم يفكّروا في ما تدعوهم إليه،فهؤلاء الكفّار بترك الفكر في ما يدعوهم إليه النّبيّ(صلی الله علیه و آله) بمنزلة الموتى الّذين لايسمعون، و بمنزلة الصّمّ الّذين لايُدركون الأصوات. (8 : 117)

المَيْبُديّ: { اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرينَ‘ } خاصّة أن تولّوا على الدّاعي و يذهبون، و لايسمع بسمع ، ولايعلم بالإشارة و الرّمز. (7 : 254)

الزّمَخْشَريّ: فإن قلت: ما معنى قوله: { اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرينَ ‘}؟

قلت: هو تأكيد لحال الأصمّ ،لأ نّه إذا تباعد عن الدّ اعي بأن يولّي عنه مدبرً ا كان أبعد عن إدراك صوته. (3 : 159)

مثله الفَخْرالرّازيّ (24 : 216)، و نحوه أبوحَيّان (7 : 96).

الطَّبْرِسيّ: إنّما قال ذلك، لأنّ الأصمّ إذا كان قريبًا، فالإنسان يطمع في إسماعه. فإذا أعرض و أدبر و تباعد، انقطع الطّمع في إسماعه. (4 : 233)

الشِّربينيّ : أي معرضين . [ثمّ أ دام مثل الزّمَخْشَريّ ] (3 : 73)

أبوالسُّعود: و تقييد النّفي بقوله تعالى: { اِذَا وَلَّوْ ا مُدْبِرينَ‘ } لتكميل التّشبيه و تأكيد النّفي، فإنّهم

ص: 786

مع صممهم عن الدّعاء إلى الحقّ معرضون عن الدّاعي مولّون على أدبارهم. و لاريب في أنّ الأصمّ لايسمع الدّعاء مع كون الدّاعي بمقابلة صماخه قريبًا منه، فكيف إذا كان خلفه بعيدًا منه؟! (5 : 101)

نحوه الآلوسيّ. (20 : 20)

البُرُوسَويّ: أي إذا انصرفوا حال كونهم معرضين عن الحقّ تاركين ذلك وراء ظهرهم، يقال: أدبَر: أعرض وولّى دبره، و تقييد النّفي ب ( اِذَا ) لتكميل التّشبيه و تأكيد النّفي، فإنّ إسماعهم في هذه الحالة أبعد. [ثمّ أدام الكلام نحو أبي السُّعود]

(6 : 370)

ابن عاشور: و ضميرا{ وَلَّوْا مُدْبِرينَ‘ } عائدان إلى { الصُّمَّ }، و هو تتميم للتّشبيه حيث شُبّهوا في عدم بلوغ الأقوال إلى عقولهم بصمّ ولّوا مدبرين، فإنّ المُدْبر يبعد عن مكان من يكلّمه، فكان أبعد عن الاستماع، كما تقدّم آنفًا. (19 : 307)

الطَّباطَبائيّ:..لاتقدر على إسماع الصُّمّ إذا ولّوا مُدبرين ولعلّه قيّد عدم إسماع الصّمّ بقوله: { اِذَا وَلَّوْ ا مُدْبِرينَ‘ } لأ نّهم لو لم يكونوا مدبرين لأمكن تفهيمهم بنوع من الإشارة و لاعلى هداية العمي عن ضلالتهم، و إنّما الّذي تقدر عليه هو أن تسمع من يؤمن بآياتنا الدّ الّة علينا و تهديهم، فإنّهم لإذعانهم بتلك الحُجج الحقّة مسلّمون لنا مصدّقون بما تدلّ عليه.

(15 : 390)

عبد الكريم الخطيب: و قوله تعالى: { اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرينَ‘} هو شرط لإفادة الحكم بعدم سماعهم، و هو في معناه قيد وارد على هذا الحكم ، أشبه بالحال، أي أ نّهم لايسمعون ما يُلقى إليهم، و هم يولّون مدبرين.

و السّؤال هنا: كيف يكون عدم سماعهم مقيّدًابهذا القيد، و هم صُمّ و الأصمّ لايسمع مطلقًا، سواء أقبَل أو أدبَر؟

والجواب على هذا والله أعلم : أنّ الأصمّ و إن كان لايسمع بأُذنيه، فإنّه إذا أقبل على محدّثه، ربما فهم عنه بالإشارة، و ربما قرأ على حركة شفتيه بعض الكلمات، فوقع له من هذا و ذاك شيء من الإدراك و الفهم، و هؤلاء القوم قد ولّواعلى أدبارهم، و أعطوا ظهورهم لما يُتلى عليهم، فلم يسمعوا شيئًا و هذا في آذانهم من وَ قْر و لم يروا شيئًا و قد أعطوا ظهورهم لما يلقى إليهم. (10 : 286)

مكارم الشّيرازيّ: ولعلّهم لو كانواعندك و كنت تصرخ فيهم لبلغت بعض أمواج صوتك إلى مسامعهم، إلا أ نّهم مع صممهم يبتعدون عنك.

كما أ نّهم لو كانوا مع هذه الحال يبصرون بأعينهم لاهتدوا إلى الصّراط المستقيم، ولو ببعض العلامات، إلا أ نّهم عميٌ {وَ مَا اَنْتَ بِهَادِى الْعُمْىِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ} النّمل : 81.

و هكذا فقد أُوصِدَت جميع طرق إدراك الحقيقة بوجوههم، فقلوبهم ميتة، و آذانهم صُمّ موقرة، وأعينهم عُمي.

فأنت يا رسول الله { اِنْ تُسْمِعُ اِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِا يَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} النّمل : 81، و يشعرون في

ص: 787

أنفسهم بالإذعان للحقّ.

و في الحقيقة أنّ الآيتين آنفتي الذّكر تتحدّثان عن مجموعة واضحة من عوامل المعرفة، و ارتباط الإنسان بالعالم الخارجيّ، و هي:

حس التّشخيص و العقل اليقظ، في مقابل القلب الميّت.

الأُذن الصّاغيةلاكتساب الكلام الحقّ، عن طريق السّمع.

و العين الباصرةلرؤية وجه الحقّ و وجه الباطل، عن طريق البصر.

إلا أنّ العناد و اللّجاجة و التّقليد الأعمى و الذّنب... كلّها تُعمي العين الّتي بها يرى الإنسان الحقيقة، و تُوفّر سمعه، و تُميت قلبه.

و مثل هؤلاء المعاندين المذنبين، لو جاء جميع الأنبياء والأولياء و الملائكة لهدايتهم، لما أثّروا فيهم شيئًا، لأنّ ارتباطهم بالعالم الخارجيّ مقطوع، و هم غارقون في مستنقع ذواتهم فحسب.

و نظير هذا التّعبير ورد في سورة البقرة و سورة الرّوم و سور أُخر من القرآن، و كان لنا بحث آخر في نعمة وسائل المعرفةفي تفسير سورة النّحل ذيل الآية : 78.

و مرّة أُخرى نذكّر بهذه اللّطيفة، و هي أنّ المراد من الإيمان و التّسليم ليس معناه أ نّهم قبلوا حقائق الدّين من قبل، فيكون من باب تحصيل الحاصل، بل الهدف من ذلك أنّ الإنسان إذا لم يكن فيه شوق للحقّ و خضوع لأمر الله، فإنّه لا يصغي إلى كلام النّبيّ أبدًا. (12 : 120)

فضل الله: و معرضين عن سماع الدّعوةالرّساليّة، من خلال أجواء العناد الرّوحيّ الّذي يرفض الانفتاح على كلّ دعوة للتّفكير وللحوار حول الرّأي الآخر.

(17 : 243)

4 فَاِنَّكَ لاتُسْمِعُ الْمَوْ تى وَ لاتُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرينَ‘. الرّوم : 52

الطّبَريّ: يقول: لو أنّ أصمّ ولّى مدبرً ا ثمّ ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لايسمع، و لاينتفع بما يسمع.

(10 : 197)

الماوَرْديّ: فالأصمّ لايسمع الدّعاء مقبلا و لامدبرً ا، و لكن إذا دُعي مقبلا فقد يفهم الإشارة و إن لم يسمع الصّوت ، فإذا دُعي مدبرً ا فهو لايفهم الإشارة و لايسمع الصّوت، فلذلك صارت حاله مدبرًا أسوأ، فذكره بأسوإ أحواله. و قيل: إنّها نزلت في بني عبد الدّ ار . (4 : 322)

نحوه المَيْبُديّ. (7 : 470)

الطُّوسيّ: معناه: إذا أعرضوا عن أدلّتنا و عن الحقّ ذاهبين إلى الضّلال غير طالبين لسبيل الرّشاد، و لذلك لزمهم الذّمّ و صفة النّقص. (8 : 264)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (4 : 310)

أبوالسُّعود: تقييد الحكم بما ذُكر لبيان كمال سوء حال الكفرة، و التّنبيه على أ نّهم جامعون لخصلتي السّوء: نبوِّ أسماعهم عن الحقّ،و إعراضهم عن الإصغاء إليه، ولو كان فيهم إحداهما لكفاهم ذلك،

ص: 788

فكيف و قد جمعوهما، فإنّ الأصمّ المقبل إلى المتكلّم ربّما يفطن من أوضاعه و حركاته لشيء من كلامه و إن لم يسمعه أصلا ، و أمّا إذا كان معرضًا عنه فلايكاد يفهم منه شيئًا. (5 : 181)

البُرُوسَويّ: تاركين له وراء ظهورهم فارّين منه. [ثمّ أدام نحو أبي السُّعود] (7 : 55)

ابن عاشور: و هؤلاء هم ساداتهم و مدبّرو أمرهم، يخافون إن أصغوا إلى القرآن أن يملك مشاعرهم، فلذلك يتباعدون عن سماعه، و لهذا قُيِّد الّذي شبّهوا به بوقت تولّيهم مدبرين إعراضًا عن الدّعوة ، فهو تشبيه تمثيل. (21 : 77)

فضل الله: { اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرينَ‘ } إذا ابتعَدوا معرضين عن التّجاوب معك من موقع العُقدة المستحكمة في داخلهم، و الرّفض العدوانيّ في شخصيّتهم. فإنّ أوّل شروط التّفاهم بين النّاس في ما يختلفون فيه، هو إرادة الوصول إلى النّتائج الحاسمة للفكرة، فإذا فقدها أحد الفريقين، تعطّل الموضوع كلّه.

(18 : 159)

5 فَتَوَلَّوْ ا عَنْهُ مُدْبِرينَ‘. الصّافّات : 90

ابن عبّاس: فأعرضوا عنه ذاهبين إلى عيدهم و تركوه. (377)

الطّبَريّ: يقول: فتولّوا عن إبراهيم مدبرينعنه، خوفًا من أن يَعدِيَهُم السّقم الّذي ذُكر أ نّه به.

(10 : 501)

الطُّوسيّ: و قوله: { فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرينَ‘ } إخبار منه تعالى أ نّه حين قال لهم: { اِنّى سَقيمٌ‘} الصّافّات : 89، أعرضوا عنه و تركوه، وخرجوا إلى عيدهم، و هو متخلّف عنهم. (8 : 510)

نحوه ابن عَطيّة (4: 478)،و الطَّبْرِسيّ (4: 450).

الفَخْرالرّازيّ: تولّوا عنه معرضين فتركوه و عذّروه في أن لايخرج اليوم، فكان ذلك مراده.

(26 : 148)

نحوه الشِّربينيّ(3: 384)،و أبوالسُّعود(5 : 332)، و البُرُوسَويّ (7 : 470).

الآلوسيّ: و قوله تعالى: { فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرينَ ‘} تفريع على قوله(علیه السلام): { اِنّى سَقيمٌ‘ } الصّافّات : 89، أي أعرضوا و تركوا قُربه، والمراد: أ نّهم ذهبوا إلى معيدهم و تركوه و { مُدْبِرينَ ‘} إمّا حال مؤكّدة أو حال مقيّدة، بناءً على أنّ المراد ب { سَقيمٌ ‘} مطعون، أو أ نّهم توهّموا مرضًا له عدوَى مرض الطّاعون أو غيره، فإنّ المرض الّذي له عدوَى بزعم الأطبّاء لا يختص بمرض الطّاعون، فكأ نّه قيل: فأعرضوا عنه هاربين مخافة العدوَى. (23 : 123)

ابن عاشور: و { مُدْبِرينَ ‘} حال ، أي ولّوه أدبارهم ، أي ظهورهم. و المعنى: ذهبوا وخلّفوه وراء ظهورهم بحيث لاينظرونه.

و قد قيل: إنّ { مُدْبِرينَ ‘} حال مؤكّدة، و هو من التّوكيد الملازم لفعل التّولّي غالبًا، لدفع توهّم أ نّه تولّى مخالفة و كراهة دون انتقال.

و ما وقع في التّفاسير في معنى نظره في النّجوم و في تعيين سُقْمه المزعوم، كلام لايُمتّع بين موازين المفهوم.

ص: 789

و ليس في الآية ما يدلّ على أنّ للنّجوم دلالة على حدوث شيء من حوادث الأُمم و لا الأشخاص، و من يزعم ذلك فقد ضلّ دينًا ، و اختلّ نظرًا و تخمينًا. و قد دوّنوا كذبًا كثيرًا في ذلك، و سمّوه علم أحكام الفلك أو النّجوم. (23 : 57)

الطَّباطَبائيّ: قوله تعالى:{ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرينَ‘} ضمير الجمع للقوم، و ضمير الإفراد لإبراهيم (علیه السلام)، أي خرجوا من المدينة و خلّفوه. (17 : 149)

فضل الله: { فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرينَ ‘} و لم يعيّروا له انتباهًا، لأ نّهم لم يخطر لهم في البال بأ نّه سوف يقوم بما قام به من حملة مدمِّرة ضدّ الأصنام، فلم يكونوا قد أخذوا حديثه في رفضها مأخذ الجدّ، بل اعتبروه من أحاديث المراهقين الّذين يتحدّثون بطريقة انفعاليّة، لامجال فيها للتّركيز.

(19 : 204)

6 يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرينَ‘ مَا لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ... المؤمن : 33

ابن عبّاس: هاربين من عذاب الله. (395)

مُجاهِد: قوله: { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرينَ ‘}:فارّين غير معجزين. (الطّبَريّ 11 : 58)

الضّحّاك: إذا سمعوا زفير النّار فرّوا هربًا، فلايأتون قُطرً ا من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفًا، فيرجعون إلى أماكنهم. (الشِّربينيّ 3 : 482)

الحسَن: معناه منصرفين إلى النّار.

(الطُّوسيّ 9 : 75)

قَتادَة:{ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرينَ‘ } أي منطَلقًا بكم إلى النّار.

(الطّبَريّ 11 : 58)

أي منصرفين عن موقف الحساب إلى النّار.

(الزّمَخْشَريّ 3 : 426)

مثله المَيْبُديّ (8 : 468)، و نحوه مُقاتِل. (الطَّبْرِسيّ 4 : 523)، و البُرُوسَويّ (8 : 180).

السُّدّيّ: مدبرين في فرارهم من النّار حتّى يُقذَفوا فيها. (الماوَرْديّ 5 : 155)

الطّبَريّ: قوله: { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرينَ ‘} فتأويله على التّأويل الّذي ذكرنا من الخبر عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) [ذكره في معنى { يَوْمَ التَّنَادِ }، المؤمن : 32] : يوم يُولّون هاربين في الأرض حِذار عذاب الله و عقابه عند معاينتهم جهنّم.

و تأويله على التّأويل الّذي قاله قَتادَة في معنى { يَوْمَ التَّنَادِ } المؤمن: 32،، يوم تولّون منصرفين عن موقف الحساب إلى جهنّم. [لاحظ: ن د و <التّناد> ]

و أولى القولين في ذلك بالصّواب القول الّذي رُوي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) و إن كان الّذي قاله قَتادَ ة في ذلك غير بعيد من الحقّ و به قال جماعة من أهل التّأويل. (11 : 58)

الزّجّاج: و جاء في التّفسير: أ نّهم يُؤمَر بهم إلى النّار فيفرّون و لايعصمهم من النّار عاصم. (4 : 374)

الطُّوسيّ: قيل: يولّون مدبرين، والمقامع تردّهم إلى ما يكرهونه من العقاب. (9 : 75)

ابن عَطيّة: معناه على بعض الأقاويل في التّنادي: تفرّون هروبًا من المفزع ، وعلى بعضها: تفرّون مدبرين إلى النّار. (4 : 558)

ص: 790

نحوه أبو السُّعود. (5 : 419)

الطَّبْرِسيّ: أي يوم تُعرضون على النّار فارّين منها، مقدِّرين أنّ الفرار ينفعكم. (4 : 523)

الآلوسيّ: بدل من { يَوْمَ التَّنَادِ } أي يوم تولّون عن الموقف منصرفين عنه إلى النّار، و قيل: فارّين من النّار. فقد روي أ نّهم إذا سمعوا زفير النّار هربوا، فلايأتون قُطرً ا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفًا، فلاينفعهم الهرب. و رُجّح هذا القول بأ نّه أتمّ فائدة، و أظهرارتباطًا بقوله تعالى : {مَالَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ} .

(24 : 67)

ابن عاشور: الإدبار: أن يرجع من الطّريق الّتي وراءه ، أي من حيث أتى هربًا من الجهة الّتي ورد إليها، لأ نّه وجد فيها ما يكره، أي يوم تفرّون من هول ما تجدونه. و { مُدْبِرينَ ‘} حال مؤكّدة لعاملها، و هو { تُوَلُّونَ }. (24 : 190)

الطَّباطَبائيّ: المراد به يوم القيامة، و لعلّ المراد أ نّهم يفرّون في النّار من شدّة عذابها ليتخلّصوا منها فرُدّوا إليها، كما قال تعالى:{كُلَّمَا اَرَادُوا اَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ اُعيدُ‘وا فيهَا‘ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَريقِ‘ } الحجّ : 22. (17 : 330

عبد الكريم الخطيب: أي تلقون جهنّم، فترتدّون على أعقابكم، هلَعًا و فزعًا، و لكن لاعاصم لكم من أمر الله. (12 : 1232)

فضل الله: في حالة فرار و هزيمة خائفة مرعبة.

(20 : 41)

يُدَ بِّرُ

1 اِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذى‘ خَلَقَ السَّموَاتِ’ وَ الاَرْضَ فى سِتَّةِ اَ يَّام ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاَمْرَ مَا مِنْ شَفيعٍ‘... يونس : 3

ابن عبّاس: أمر العباد، و يقال: ينظر في أمر العباد.

(169)

لايشركه في تدبير خلقه أحد. (القُرطُبيّ 8 : 308)

مُجاهِد: { يُدَبِّرُ الاَمْرَ } يقضيه وحده.

(الطّبَريّ 6 : 530)

مثله البغَويّ. (2 : 410)

الطّبَريّ: ... ثّم استوى على عرشه مدبّرًا للأُمور، و قاضيًا في خلقه ما أحبّ، لايضادّه في قضائه أحد، و لايتعقّب تدبيره مُتَعَقّبٌ، و لايدخل أُموره خلل.

(6 : 530)

الماوَرْديّ: فيه وجهان:

أحدهما: يقضيه وحده ، قاله مُجاهِد.

الثّاني: يأمر به و يمضيه. (2 : 422)

الطُّوسيّ: فالتّدبير تنزيل الأُمور في مراتبها على أحكام عواقبها، و هو مأخوذ من الدّبور، فتجري على أحكام الدّ ابر في الباري. (5 : 386)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (3 : 90)

القُشَيْريّ: أي الحادثات صادرة عن تقديره، و حاصلة بتدبيره، فلاشريك يعضده، و ما قضي فلاأحد يردّه. (3 : 78)

المَيْبُديّ: [نحو مُجاهِد و الطُّوسيّ و أضاف:]

قيل: { يُدَبِّرُ الاَمْرَ } يُنزل الوحي.

(4 : 250)

ص: 791

الزّمَخْشَريّ: يقضي و يُقدّر على حسب مقتضى الحكمة، و يفعل ما يفعل المتحرّي للصّواب، النّاظر في أدبار الأُمور و عواقبها، لئلا يلقاه ما يكره آخرًا.

(2 : 225)

ابن عَطيّة: تدبيره لا إله إلا هو إنّما هو الإنفاذ، لأ نّه قد أحاط بكلّ شيء علمًا. (3 : 104)

الفَخْرالرّازيّ: معناه أ نّه يقضي و يقدّر على حسب مقتضى الحكمة، و يفعل ما يفعله المُصيب في أفعاله، النّاظر في أدبار الأُمور و عواقبها، كي لايدخل في الوجود ما لاينبغي.

و المراد من { الاَمْرَ } الشّأن، يعني يدبّر أحوال الخلق، و أحوال ملكوت السّماوات و الأرض.

(17 : 14)

القُرطُبيّ: قيل: يبعث بالأمر، و قيل: ينزل به،و قيل: يأمر به و يمضيه، والمعنى متقارب. فجبريل للوحي، و ميكائيل للقطر، و إسرافيل للصّور، و عزرائيل للقبض. و حقيقته تنزيل الأُمور في مراتبها على أحكام عواقبها، و اشتقاقه من الدُّبر.

(8 : 308)

أبوحَيّان: و التّدبير: تنزيل الأُمور في مراتبها، و النّظر في أدبارها و عواقبها،... و هذه الجملة بيان لعظيم شأنه و ملكه. و لمّا ذكر الإيجاد ذكر ما يكون فيه من الأُمور،و أ نّه المنفرد به إيجادً ا و تدبيرًا، لايشركه أحد في ذلك، وأ نّه لايجترئ أحد على الشّفاعة عنده إلا بإذنه؛ إذهو تعالى أعلم بموضع الحكمة و الصّواب، و في هذه دليل على عظم عزّته و كبريائه.

(5 : 123)

الشِّربينيّ: ... ثمّ بيّن ذلك الاستواء بقوله: { يُدَبِّرُ الاَمْرَ } كلّه، فلايخفى عليه عاقبة أمر من الأُمور، لأنّ التّدبير أعدل أحوال الملك، فالاستواء كناية عنه.

(2 : 3)

أبوالسُّعود: التّدبير: النّظر في أدبار الأُمور و عواقبها، لتقع على الوجه المحمود، و المراد هاهنا: التّقدير على الوجه الأ تمّ الأكمل.و المراد ب{ الاَمْرَ } : أمر ملكوت السّماوات و الأرض و العرش، و غير ذلك من الجزئيّات الحادثة شيئًا فشيئًا على أطوار شتّى، و أنحاء لاتكاد تُحصى من المناسبات

و المباينات في الذّوات و الصّفات و الأزمنة و الأوقات، أي يقدّر ما ذُكر من أمر الكائنات الّذي ما تعجّبوا منه من أمر البعث و الوحي، فردٌ من جملته و شعبةٌ من دوحته، و يهيّئ أسباب كلّ منها حدوثًا

و بقاءً في أوقاتها المعيّنة، و يرتّب مصالحها على الوجه الفائق والنّمط اللائق، حسبما تقتضيه الحكمة، و تستدعيه المصلحة.

و الجملة في محل النّصب على أ نّها حال من ضمير{ اسْتَوى }، و قد جُوّز كونها خبرًا ثانيًا ل ( اِنَّ ) أو مستأنفة لامحلّ لها من الإعراب، مبنيّة على سؤال نشأ من ذكر الاستواء على العرش المنبئ عن إجراء أحكام الملك. و على كلّ حال فإيثار صيغة المضارع، للدّلالة على تجدّد التّدبير و استمراره. (3 : 210)

البُرُوسَويّ: قال الحدّ اديّ: و دخلت ( ثُمَّ ) على الاستواء، و هي في المعنى داخلة على التّدبير كأ نّه قال: ثمّ { يُدَبِّرُ الاَمْرَ } و هو مستو على العرش، فإنّ تدبير

ص: 792

الأُمور كلّها ينزل من عند العرش، ولذا تُرفَع الأيدي في دعاء الحوائج نحو العرش. قال القاضي: { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ }، أي يقدّر أمر الكائنات على ما اقتضته حكمته و سبقت به كلمته، و يُهيّئ بتحريكه أسبابها ويُنزلها منه.

و التّدبير: النّظر في أدبار الأُمور لتجيء محمودة العاقبة. و عن عمرو بن مرّة: يدبّر أمر الدّنيا بأمر الله أربعة: جبرائيل، و ميكائيل، و ملكالموت، و إسرافيل. أمّا جبرائيل فعلى الرّياح و الجنود، و أمّا ميكائيل فعلى القطر و النّبات، و أمّا ملك الموت فعلى الأنفس، و أمّا إسرافيل فيُنزل عليهم ما يُؤمَرون به. (4 : 10)

الآلوسيّ: استئناف لبيان حكمة استوائه جلّ و علا على العرش، و تقرير عظمته. و التّدبير في اللُّغة: النّظر في أدبار الأُمور و عواقبها، لتقع على الوجه المحمود، والمراد به هنا التّقدير الجاري على وفق الحكمة و الوجه الأتمّ الأكمل. و أخرج أبو الشّيخ و غيره عن مُجاهِد: أنّ المعنى يقضي الأمر، والمراد ب { الاَمْرَ } أمر الكائنات علويها و سفليها حتى العرش، ف < أل > فيه للعهد، أي يقدّر أمر ذلك كلّه على الوجه الفائق و النّمط اللائق، حسبما تقتضيه المصلحة و تستدعيه الحكمة. و يدخل فيما ذُكر ماتعجّبوا منه دخولا ظاهرً ا.

و زعم بعضهم أنّ المعنى: يدبّر ذلك على ما اقتضته حكمته، و يُهيّئ أسبابه بسبب تحريك العرش و هو فلك الأفلاك عندهم و بحركته يحرّك غيره من الأفلاك الممثّلة و غيرها لقوّة نفسه.

و قيل: لأنّ الكلّ في جوفه، فيلزم من حركته حركته لزوم حركة المظروف لحركة الظّرف، و هو مبنيّ على أنّ الظّرف مكان طبيعيّ للمظروف، وإلاففيه نظر.

و أنت تعلم أنّ مثل هذا الزّعم على مافيه ممّا لايقبله المحدثون و سلف الأُمّة؛ إذ لايشهد له الكتاب و لاالسّنّة، و حينئذ فلايُفتى به و إن حكم القاضي.

و جوّز في الجملة أن تكون في محلّ النّصب، على أ نّها حال من ضمير { اسْتَوى }، و أن تكون في محلّ الرّفع على أ نّها خبر ثان ل ( اِنَّ )، و على كلّ حال فإيثار صيغة المضارع للدّلالة على تجدّد التّدبير

و استمراره منه تعالى. (11 : 65)

رشيد رضا: و التّدبير في أصل اللُّغة: التّوفيق بين أوائل الأُمور ومبادئها، و أدبارها وعواقبها؛ بحيث تكون المبادئ مؤدِّية إلى ما يريد من غاياتها، كما أنّ تدبُّر الأمر أو القول هو التّفكّر في دُبره، و هو ما وراءه و ما يراد منه و ينتهي إليه.

و وجه دلالة هذه الجملة على ما ذكر أنّ الرّبّ الخالق المدبِّر لجميع أُمور الخلق لايُستَنكر من تربيته لعباده و تدبيره لأُمورهم أن يُفيض ما شاء من علمه على من اصطفى من خلقه، ما يهديهم به لما فيه كمالهم و سعادتهم من عبادته و شكره و صلاح أنفسهم، بل يجب على العاقل العالم بهذا التّدبير و التّقدير الّذي تشهد به آياته تعالى في السّماوات و الأرض، أن يؤمن بأنّ هذا الوحي منه عزّ و جلّ؛ إذ هو من كمال تقديره و تدبيره، و لايقدر عليه غيره.

(11 : 295)

ص: 793

سيّد قُطْب: و يقدِّر أوائله و أواخره و يُنسّق أحواله و مقتضياته و يرتّب مقدّماته و نتائجه، ويختار النّاموس الّذي يحكم خطواته و أطواره و مصائره.

(3 : 1763)

ابن عاشور: و جملة{ يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } في موضع الحال من اسم الجلالة، أو خبر ثان عن { رَبَّكُمُ }.

و التّدبير: النّظر في عواقب المقدّرات و عوائقها، لقصد إيقاعها تامّة فيما تقصد له محمودة العاقبة.

و الغاية من التّدبير: الإيجاد و العمل على وفق ما دُ بّر. و تدبير الله الأُمور: عبارة عن تمام العلم بما يخلقها عليه، لأنّ لفظ التّدبير هو أو فى الألفاظ اللُّغويّة بتقريب إتقان الخلق. (11 : 14)

الطَّباطَبائيّ: و المعنى: إنّ ربّكم معاشر النّاس هو الله الّذي خلق هذا العالم المشهود كلّه سماواته و أرضه في ستّة أيّام، ثمّ استوى على عرش قدرته، و قام مقام التّدبير الّذي إليه ينتهي كلّ تدبير و إدارة، فشرع يدبّر أمر العالم، وإذا انتهى إليه كلّ تدبير من دون الاستعانة بمعين أو الاعتضاد بأعضاد، لم يكن لشيء من الأشياء أن يتوسّط في تدبير أمر من الأُمور و هو الشّفاعة إلا من بعد إذنه تعالى، فهو سبحانه هو السّبب الأصليّ الّذي لاسبب بالأصالة دونه، و من دونه من الأسباب أسباب بتسبيبه، و شفعاء من بعد إذنه.

و إذا كان كذلك كان الله تعالى هو ربّكم الّذي يدبّر أمركم لاغيره، ممّا اتّخذتموها أربابًا من دون الله و شفعاء عنده، و هو المراد بقوله:{ ذ لِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ اَفَلاتَذَكَّرُونَ } أي هلا انتقلتم انتقالا فكريًّا إلى ما يستنير به أنّ الله هو ربّكم لاربّ غيره، بالتّأمّل في معنى الأُلوهيّه و الخلقة و التّدبير. (10 : 9)

عبد الكريم الخطيب: و الله سبحانه، هو الّذي يدبّر أمر المُلك الّذي تحت سلطانه، و يقدّر أقواته و أرزاقه، و يمسك وجوده، ويحفظ نظامه. (6 : 933)

مكارم الشّيرازيّ: التّدبّرمن مادّة التّدبير، و في الأصل من< دُبر > بمعنى الخلف و عاقبة الشّيء. و على هذا فإنّ معنى التّدبير هو التّحقّق من عواقب الأعمال، و تقييم المنافع، ثمّ العمل طبق ذلك التّقييم. إذن، و بعد أن تبيّن أنّ الخالق و الموجِد هو الله سبحانه، اتّضح أنّ الأصنام، هذه الموجودات الميتة والعاجزة لايمكن أن يكون لها أيّ تأثير في مصير البشر، و لهذا قالت الآية في الجملة التّالية: { مَامِنْ شَفيعٍ‘ اِلا مِنْ بَعْدِ اِذْنِهِ } (6 : 274)

فضل الله: { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } بعلمه و قدرته و رحمته في تنظيم الكون، على أساس ما يصلحه في قوانينه الكونيّة و سننه الطّبيعيّة الّتي أودعها في حركة الوجود، و توجيه الإنسان في طاقاته الذّاتيّة نحو صلاح حياته، في علاقته بالحياة، في نطاق حركة المجتمع من حوله. (11 : 266)2 ... وَ مَنْ يُدَ بِّرُ الاَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ اَفَلاتَتَّقُونَ. يونس : 31

ابن عبّاس: من يقدّر أن يدبّر أمر العباد و ينظر في أمر العباد، و يبعث الملائكة بالوحي والتّنزيل

ص: 794

و المصيبة.

(173)

الطّبَريّ: و قل لهم: من يدبّر أمر السّماء والأرض و ما فيهنّ، و أمركم و أمر الخلق؟ (6 : 558)

الطُّوسي: { وَ مَنْ يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } أي و مَن الّذي يدبّر جميع الأُمور في السّماء و الأرض؟ و ليس جواب ذلك لمن أنصف و لم يكابر إلا أن يقول: الله الفاعل لجميع ذلك. وإذا قالوا ذلك و اعترفوا به قيل لهم: { اَفَلا تَتَّقُونَ }؟ و معناه فهلا تتّقون خلافه و تحذرون معاصيه؟

و في الآية دلالة على التّوحيد، لأنّ ما ذكره في الآية يوجب أنّ المدبِّر واحد و لايجوز أن يقع ذلك اتّفاقًا، لإحالة العقل ذلك، و لايجوز أن يقع بالطّبيعة، لأ نّها في حكم الموات لو كانت معقولة، فلم يبق بعد ذلك إلا أنّ الفاعل لذلك قادر عالم يدبّره على ما يشاء، و هو الله تعالى، مع أنّ الطّبيعة مدبَّرة مفعولة فكيف تكون هي المدبِّرة؟! (5 : 426)

المَيْبُديّ: و من يدبّر أمر العالمين، ينظر فيه و ينقض ويبرم؟ (4 : 287)

الزّمَخْشَريّ: ومن يلي تدبير أمر العالم كلّه، جاء بالعموم بعد الخصوص. (2 : 236)

نحوه أبوالسُّعود (3 : 236)، و الآلوسيّ (11 : 110).

ابن عَطيّة: و تدبير الأمر عامّ لهذا و غيره من جميع الأشياء؛ و ذلك استقامة الأُمور كلّها عن إرادته عزّ و جلّ، و ليس تدبيره بفكر و لارويّة و تغيّرات تعالى عن ذلك بل علمه محيط كامل دائم. (3 : 118)

الطَّبْرِسيّ: أي و مَن الّذي يدبّر جميع الأُمور في السّماء و الأرض على ما توجبه الحكمة. (3 : 107)

الفَخْرالرّازيّ: ... ثمّ إنّه تعالى لمّا ذكر هذا التّفصيل ذكر بعده كلامًا كلّيًّا، وهو قوله: { وَ مَنْ يُدَبِّرُ الاَمْرَ } و ذلك لأنّ أقسام تدبير الله تعالى في العالم العلويّ و في العالم السّفليّ، و في عالمَي الأرواح و الأجساد، أُمور لانهاية لها، و ذكر كلّها كالمتعذِّر، فلمّا ذكر بعض تلك التّفاصيل لاجرم عقّبها بالكلام الكلّيّ ليدلّ على الباقي. (17 : 87)

نحوه أبوحَيّان (5 : 154)، و الشِّربينيّ (2 : 18).

القُرطُبيّ: أي يقدّره ويقضيه. (8 : 335)

سيّد قُطْب: { وَ مَنْ يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } في هذا الّذي ذكر كلّه و في سواه من شؤون الكون و شؤون البشر? مَن يدبّر النّاموس الكونيّ الّذي يُنظّم حركة هذه الأفلاك على هذا النّحو الدّقيق? و مَن يدبّر حركة هذه الحياة فتمضي في طريقها المرسوم بهذا النّظام اللّطيف العميق? و مَن يدبّرالسّنن الاجتماعيّة الّتي تصرف حياة البشر و الّتي لاتخطئ مرّة و لاتحيد? و مَن و مَن ?

(3 : 1782)

ابن عاشور: تقدّم القول في نظيره في أوائل هذه السّورة.[يونس] و هو هنا تعميم بعد تخصيص، ذكر ما فيه مزيد عبرة في أنفسهم، كالعبرة في قوله:{ وَفى اَنْفُسِِكُمْ اَفَلاتُبْصِرُونَ * وَ فىِ السَّمَاءِ رِزْ قُكُمْ وَ مَا تُوعَدُونَ } الذّاريات : 21 ، 22. (11 : 72)

مكارم الشّيرازيّ: ثمّ تضيف الآية { وَ مَنْ يُدَ بِّرُ الاَمْرَ }، و الكلام في الواقع بدأ عن خلق

ص: 795

المواهب، ثمّ عن حافظها و حارسها و مدبِّرها.

(6 : 322)

فضل الله: { وَمَن يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } فيدير الكون وينظّمه و يدبّره بقدرته الّتي لايعجزها شيء، و إن عظم؟ (11 : 305)

3 اَللهُ الَّذى‘ رَفَعَ السَّموَاتِ’ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْ نَهَا ... يُدَ بِّرُ الاَمْرَ يُفَصِّلُ الا يَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ.

الرّعد : 2

الطّبَريّ: و قوله: { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } يقول تعالى ذكره: يقضي الله الّذي رفع السّماوات بغير عمد ترونها أُمور الدّنيا و الآخرة كلّها و يدبّر ذلك كلّه وحده بغير شريك و لاظهير و لامعين سبحانه.

(7 : 330)

الزّجّاج: يحكمه. (3 : 136)

الطُّوسيّ: فالتّدبير: تصريف الأُمور على مايقتضيه مستقبل حاله في عاقبته، فتدبير السّماوات و الأرض فيه دلالة على مدبّر حكيم، قد جعل جميع ذلك لما يصلح في عاقبته و عاجلته. (6 : 214)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (3 : 274)

البغَويّ: يقضيه وحده. (3 : 6)

مثله المَيْبُديّ. (5 : 158)

الزّمَخْشَريّ: يدبّر أمر ملكوته و ربوبيّته.

(2 : 349)

ابن عَطيّة: و قوله:{ يُدَ بِّرُ } بمعنى يُبرِم و يُنفِذ، و عبّر بالتّدبير تقريبًا لأفهام النّاس؛ إذ التّدبير إنمّا هو النّظر في أدبار الأُمور و عواقبها، و ذلك من صفة البشر. (3 : 292)

نحوه أبوحَيّان. (5 : 360)

الفَخْرالرّازيّ: و كلّ واحد من المفسّرين حمل هذا على تدبير نوع آخر من أحوال العالم. و الأولى حمله على الكلّ، فهو يدبّرهم بالإيجاد و الإعدام، و بالإحياء و الإماتة و الإغناء و الإفقار، و يدخل فيه إنزال الوحي وبعثة الرّسل و تكليف العباد. و فيه دليل عجيب على كمال القدرة و الرّحمة؛ و ذلك لأنّ هذا العالم المعلوم من أعلى العرش إلى ماتحت الثّرى، أنواع وأجناس لايحيط بها إلا الله تعالى،والدّليل المذكور دلّ على أنّ اختصاص كلّ واحد منهابوضعه و موضعه و صفته و طبيعته و حليته، ليس إلا من الله تعالى.

و من المعلوم أنّ كلّ من اشتغل بتدبير شيء، فإنّه لايمكنه تدبير شيء آخر إلا الباري سبحانه و تعالى، فإنّه لايشغله شأن عن شأن. أمّا العاقل فإنّه إذا تأمّل في هذه الآية، علم أ نّه تعالى يدبّر عالم الأجسام و عالم الأرواح، و يدبّر الكبير كما يدبّر الصّغير، فلايشغله شأن عن شأن، و لايمنعه تدبير عن تدبير؛ و ذلك يدلّ على أ نّه تعالى في ذاته وصفاته و علمه و قدرته غير مشابه للمحدثات و الممكنات. (18 : 234)

نحوه ملخّصًا البَيْضاويّ (1 : 512)، و مفصّلا الشِّربينيّ (2 : 144)، و البُرُوسَويّ (4 : 336).

القُرطُبيّ: يصرفه على ما يريد. (9 : 279)

أبوالسُّعود: يدبّر بما صنع من الرّفع و الاستواء و التّسخير، أي يقضي و يقدّر حسبما تقتضيه الحكمة

ص: 796

و المصلحة. (3 : 436)

الآلوسيّ: أي أمر العالم العلويّ و السّفليّ و المراد أ نّه سبحانه يقضي و يقدّر و يتصرّف في ذلك على أكمل الوجوه، و إلا فالتّدبير بالمعنى اللُّغويّ لاقتضائه التّفكّر في دُبر الأُمور، ممّا لايصحّ نسبته إليه تعالى. [إلى أن قال:]

و جُوّز أن يكون { يُدَ بِّرُ } حالا من فاعل { سَخّر}. (13 : 89)

ابن عاشور: جملة { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } في موضع الحال من اسم الجلالة، و جملة{ يُفَصِّلُ الا يَاتِ } حال ثانية تُرك عطفها على الّتي قبلها، لتكون على أُسلوب التّعداد و التّوقيف، و ذلك اهتمام باستقلالها. و تقدّم القول على { يُدَبِّرُ الاَمْرَ } عند قوله: { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } في سورة يونس:3.

و تفصيل الآيات تقدّم عند قوله:{ اُحْكِمَتْ ا يَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ } في طالعة سورة هود: 1.

و وجه الجمع بينهما هنا: أنّ تدبير الأمر يشمل تقدير الخلق الأوّل و الثّاني، فهو إشارة إلى التّصرّف بالتّكوين للعقول و العوالم، و تفصيل الآيات مشير إلى التّصرّف بإقامة الأدلّة و البراهين، و شأن مجموع الأمرين أن يفيد اهتداء النّاس إلى اليقين، بأنّ بعد هذه الحياة حياة أُخرى، لأنّ النّظر بالعقل في المصنوعات و تدبيرها يهدي إلى ذلك، و تفصيل الآيات و الأدلّة ينبّه العقول و يُعينها على ذلك الاهتداء و يقرّبه، و هذا قريب من قوله في سورة يونس:3 ، 4،{ يُدَ بِّرُ الاَمْرَ مَا مِنْ شَفيعٍ‘ اِلامِنْ بَعْدِ اِذْنِهِ ذ لِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ اَفَلاتَذَكَّرُونَ * اِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَميعًا‘ وَعْدَ اللهِ حَقًّا اِنَّهُ يَبْدَاُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ‘ } و هذا من إدماج غرض في أثناء غرض آخر، لأنّ الكلام جار على إثبات الوحدانيّة. و في أدلّة الوحدانيّة دلالة على البعث أيضًا.

و صيغ{ يُدَبِّرُ } و { يُفَصِّلُ } بالمضارع عكس قوله : { اَللهُ الَّذى‘ رَفَعَ السَّموَاتِ } لأنّ التّدبير و التّفصيل متجدّدمتكرّر بتجدّد تعلّق القدرة بالمقدورات . و أمّا رفع السّماوات و تسخير الشّمس و القمر فقد تمّ و استقرّ دفعةً واحدةً . (12 : 137)

الطَّباطَبائيّ: التّدبير هو الإتيان بالشّيء عقيب الشّيء، و يراد به ترتيب الأشياء المتعدّدة المختلفة و نظمها، بوضع كلّ شيء في موضعه الخاصّ به؛ بحيث يلحق بكلّ منها ما يقصد به من الغرض و الفائدة،

و لايختلّ الحال بتلاشي الأصل و تفاسد الأجزاء و تزاحمها. يقال: دبّر أمر البيت، أي نظّم أُموره و التّصرّفات العائدة إليه، بحيث أدّى إلى صلاح شأنه و تمتّع أهله بالمطلوب من فوائده.

فتدبير أمر العالم: نظم أجزائه نظمًا جيّدًا متقنًا؛ بحيث يتوجّه به كلّ شيء إلى غايته المقصودة منه، و هي آخر ما يمكنه من الكمال الخاص به، و منتهى ما ينساق إليه من الأجل المسمّى. و تدبير الكلّ إجراء النّظام العامّ العالميّ؛ بحيث يتوجّه إلى غايته الكلّيّة، و هي الرّجوع إلى الله، و ظهور الآخرة بعد الدّنيا.

(11 : 289)

عبد الكريم الخطيب: أي يقدّر لكلّ شيء قدره كما يقول سبحانه:

{ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَىْء قَدْرً ا }

ص: 797

الطّلاق: 3. (7 : 66)

فضل الله: { يُدَبِّرُ الاَمْرَ } فيحرّك كلّ شيء في نطاق خطّة حكيمة تضع كلّ شيء في موضعه، و تلاحق كلّ أوضاعه، و ترعاها في تقدير دقيق، و تدبير حكيم. (13 : 16)

4 يُدَ بِّرُ الاَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ اِلَى الاَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ اِلَيْهِ فى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَ ارُهُ اَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ.

السّجدة : 5

ابن عبّاس: يبعث الملائكة بالوحي والتّنزيل

و المصيبة. (347)

يُنزل القضاء و القدر. (القُرطُبيّ 14 : 86)

مُجاهِد: يقضي الأمر. (الماوَرْديّ 4: 353)

السُّدّيّ: يُنزل الوحي. (الماوَرْديّ 4 : 353)

الطُّوسيّ: معناه: أنّ الّذي خلق السّماوات

و الأرض و ما بينهما في هذه المدّة يدبّر الأُمور كلّها، و يقدّرها على حسب إرادته في ما بين السّماء والأرض، و يُنزله مع الملك إلى الأرض. (8 : 294)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (4 : 326)

البغَويّ: أي يحكم الأمر و يُنزل القضاء و القدر.

(3 : 594)

المَيْبُديّ: أي يقضي الله ما يريد أن يقضيه في السّماء، فيُنزل الملائكة به إلى الأرض. و قيل: يُنزل الوحي مع جبرئيل من السّماء إلى الأرض. (7 : 518)

الزّمَخْشَريّ: { الاَمْرَ }: المأمور به من الطّاعات و الأعمال الصّالحة، يُنزله مدبّرً ا { مِنَ السَّمَاءِ اِلَى الاَرْضِ }، ثمّ لايعمل به و لايصعدإليه ذلك المأمور به خالصًاكما يريده و يرتضيه، إلا في مدّة متطاولة لقلّة عُمّال الله و الخُلّص من عباده، و قلّة الأعمال الصّاعدة، لأ نّه لا يوصف بالصّعود إلا الخالص، و دلّ عليه قوله على أثره:{ قَليلا ‘ مَا تَشْكُرُون َ}، أو يدبّر أمر الدّنيا كلّها من السّماء إلى الأرض. (3 : 241)

ابن عَطيّة: الأمر اسم جنس لجميع الأُمور، و المعنى يُنفذ الله تعالى قضاءه بجميع ما يشاؤه.

(4 : 358)

القُرطُبيّ: و قيل: يُنزل الوحي مع جبريل. وروى عمرو بن مرّة عن عبدالرّحمان بن سابط، قال: يدبّر أمر الدّنيا أربعة: جبريل، و ميكائيل، و ملك الموت، و إسرافيل، صلوات الله عليهم أجمعين. فأمّا جبريل فموكَّل بالرّياح و الجنود، و أمّا ميكائيل فموكَّل بالقطر و الماء، و أمّا ملك الموت فموكّل بقبض الأرواح، و أمّا إسرافيل فهو يُنزل بالأمر عليهم.

و قد قيل: إنّ العرش موضع التّدبير، كما أنّ ما دون العرش موضع التّفصيل، قال الله تعالى:{ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرى‘ لاَ‚جَل مُسَمًّى يُدَ بِّرُ الاَمْرَ يُفَصِّلُ الا يَاتِ } الرّعد: 2، و ما دون السّماوات موضع التّصريف، قال الله تعالى:{ وَ لَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا } الفرقان: 50. (14 : 86)

الشِّربينيّ: { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } أي كلّ أمر هذا العالم بأن يفعل في ذلك فعل النّاظر في أدباره، لإتقان خواتمه و لوازمه، كما نظر في إقباله لإحكام فواتحه و عوازمه،

ص: 798

لا يكل شيئًا منه إلى أحد من خلقه. قال الرّازيّ في < اللّوامع >: و هذا دليل على أنّ استواءه على العرش بمعنى إظهاره القدرة، و العرش مظهر التّدبير لامقرّ لمدبّر. (3 : 203)

أبوالسُّعود: قيل: يدبّر أمرالدّنيا بأسباب سماويّة من الملائكة و غيرها نازلة آثارها و أحكامها إلى الأرض. (5 : 199)

البُرُوسَويّ: التّدبير: التّفكّرفي دُبر الأُمور و النّظر في عاقبتهما... و هو بالنّسبة إليه تعالى التّقدير و تهيئة الأسباب، و له تعالى مدبّرات سماويّة كما قال { فَالْمُدَ بِّراتِ اَمْرً ا } النّازعات:5،... و المعنى: يدبّر الله تعالى أمر الدّنيا بأسباب سماويّة كالملائكة و غيرها، نازلة آثارها إلى الأرض. و أضاف التّدبير إلى ذاته إشارة إلى أنّ تدبير العباد عند تدبيره لاأثر له.

(7 : 108)

الآلوسيّ: و أصل التّدبير: النّظر في دابر الأمر

و التّفكّر فيه، ليجيء محمود العاقبة، و هو في حقّه عزّ و جلّ مجاز عن إرادة الشّيء على وجه الإتقان و مراعاة الحكمة، و الفعل مضمّن معنى الإنزال.

(21 : 120)

ابن عاشور: جملة { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } في موضع الحال من اسم الجلالة في قوله تعالى: {اَللهُ الَّذى‘ خَلَقَ السَّموَاتِ’ وَ الاَرْضَ }السّجدة: 4، أي خلق تلك الخلائق مدبِّرًا أمرها. و يجوز أن تكون الجملة استئنافًا، و قوله: { مِنَ السَّمَاءِ } متعلّق ب { يُدَ بِّرُ } أو صفة للأمر أو حال منه ، و (مِنْ) ابتدائيّة . و المقصود من حرفي الابتداء و الانتهاء شمول تدبير الله تعالى الأُمور كلّها في العالمَيْن العُلويّ و السُّفليّ، تدبيرًا شاملا لها من السّماء إلى الأرض. فأفاد حرف الانتهاء شمول التّدبير، لأُمور كلّ ما في السّماوات و الأرض و فيما بينهما.

و التّدبير: حقيقته التّفكير في إصدار فعل متقن أوّله و آخره، و هو مشتقّ من دُ بُر الأمر، أي آخره، لأنّ التّدبير النّظر في استقامة الفعل ابتداءً و نهايةً. و هو إذا وصف به الله تعالى كناية عن لازم حقيقته، و هو تمام الإتقان. (21 : 147)

الطَّباطَبائيّ: ...و إنّما يقولون باستناد التّدبير و هو الرّبوبيّة للعالم إلى آلهتهم ثمّ اختصاص الأُلوهيّة و هي المعبوديّة بآلهتهم. و لله تعالى من الشّأن أنّه ربّ الأرباب و إله الآلهة.

فكان من الواجب عند إقامة الحجّة لإبطال قولهم أن يذكر أمر الخلقة، ثمّ يتعقّب بأمر التّدبير لمكان تلازمهما و عدم انفكاك أحدهما من الآخر، حتّى يكون موجد الأشياء و خالقها هو الّذي يربّها و يدبّر أمرها، فيكون ربًّا و حده و إلهًا وحده، كما أ نّه موجد خالق وحده.

ولذلك بعينه ذكر أمر التّدبير بعد ذكر الخلقة في الآية الّتي نحن فيها؛ إذ قيل: { خَلَقَ السَّموَ اتِ’ وَ الاَرْض وَ مَا بَيْنَهُمَا فى سِتَّةِ اَيَّام ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِىٍّ وَ لاشَفيعٍ‘ } فالولاية و الشّفاعة كالاستواء على العرش من شؤون التّدبير. (16 : 244)

ص: 799

عبد الكريم الخطيب: تدبير الأمر: قضاؤه، و الأمر بإنفاذه. (11 : 606)

مكارم الشّيرازيّ: و تشير الآية الأخيرة إلى توحيد الله سبحانه في البداية، ثمّ إلى مسألة المعاد، و بهذا تكمل هنا فروع و أركان التّوحيد الثّلاثة الّتي اتّضحت في الآيات السّابقة توحيد الخالقيّة و الحاكميّة و العبوديّة بذكر توحيد الربوبيّة، أي تدبير عالم الوجود من قبل الله سبحانه فقط، فتقول: إنّ الله يدبّرأُمور العالم من مقام القرب منه إلى الأرض { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ اِلَى الاَرْضِ }.

و بتعبير آخر، فإنّ الله سبحانه قد جعل عالم الوجود من السّماء إلى الأرض تحت أمره و تدبيره، و لايوجد مدبّر سواه في هذا العالم.[إلى أن قال:]

الملاحظات:

إساءة الاستفادة من آية{ يُدَ بِّرُ الاَمْرَ }.

لقد اتّخذ بعض أتباع المذاهب المصطنعة المبتدعة، الآية أعلاه وسيلة و دليلا لتوجيهمسلكهم و مذهبهم، و أرادوا أن يطبّقوا هذه الآية على مرادهم بارتكاب المغالطات و الاشتباهات، وادّعوا أنّ المراد من { الاَمْرَ } في الآية: الدّين و المذهب، و التّدبيريعني إرسال الدّين، و العروج يعني رفع و نسخ الدّين. و إستنادًا إلى هذا فإنّ كلّ مذهب أو دين لايمكنه أن يعمّر أكثر من ألف سنة، ويجب أن يترك مكانه لدين آخر، و بهذا فإنّهم يقولون: إنّنا نقبل القرآن، لكن و استنادً ا إلى نفس هذا القرآن فإنّ دينًا آخر سيأتي بعد مرور ألف سنة.

و الآن نريد أن نبحث ونحلّل الآية المذكورة بحثًا محايدً ا، لنرى هل يوجد فيها ارتباط بما يدّعيه هؤلاء، أم لا؟ و نغض النّظر عن أنّ هذا المعنى بعيد عن مفهوم الآية إلى الحدّ الّذي لايخطر على ذهن أيّ قارئ خالي الذّهن.

إنّنا نرى بعد الدّ قّة أنّ ما يقولونه لاينسجم مع مفهوم الآية، بل إنّه مشكل بصورة واضحة من جهات كثيرة:

1 إنّ تفسير كلمة { الاَمْرَ } بالدّين لادليل عليه، بل تنفي آيات القرآن الأُخرى ذلك، لأنّ كلمة { الاَمْرَ } قد استُعملت في آيات أُخرى بمعنى أمر الخلق، مثل: { اِنَّمَا اَمْرُهُ اِذَا اَرَادَ شَيًْا=اَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } يس, : 82.

وقد استُعملت كلمة { الاَمْرَ } في هذه الآية، وآيات اُخرى مثل الآية: 50، من سورة القمر، الآية:27، من سورة المؤمنون، الآية :54، من سورة الأعراف، 32: من سورة إبراهيم،12: من سورة النّحل،25: من سورة الرّوم،12: من سورة الجاثية، بمعنى الأمر التّكوينيّ، لابمعنى تشريع الدّين و المذهب.

و أساسًا فإنّ كلّ مورد يأتي الكلام فيه عن السّماء و الأرض، و الخلق و الخلقة و أمثال ذلك، فإنّ { الاَمْرَ } يأتي بهذا المعنى،فتأمّل.

2 كلمةالتّدبيرتُستَعمل أيضًا في مورد الخلقة و الخلق، و تنظيم وضع عالم الوجود، لابمعنى إنزال الدّين و الشّريعة، و لذلك نرى في آيات القرآن الأُخرى و الآيات يفسّر بعضها بعضًا أنّ هذه

ص: 800

الكلمة لم تُستعمل مطلقًا في مورد الدّين و المذهب، بل استُعملت كلمة التّشريع أو التّنزيل أو الإنزال:

{ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ‘ مَا وَصى\ بِهِ نُوحًا } الشّورى: 13.

{ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا اَنْزَلَ اللهُ فَاُولئِكَ ’هُمُ الْكَافِرُونَ } المائدة : 44.

{ نَزَّ لَ عَلَيكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّ قًا لمَِا بَيْنَ يَدَيْهِ} آل عمران : 3.

3 إنّ الآيات الّتي قبل و بعد هذه الآية مرتبطة بالخلقة و خلق العالم، و لاترتبط بتشريع الأديان، لأنّ الكلام في الآية السّابقة كان عن خلق السّماء و الأرض في ستّة أيّام و بعبارةأُخرى ستّ مراحل و الكلام فيالآية التّالية عن خلق الإنسان.

و لايخفى أنّ تناسب و انسجام الآيات يوجب أن تكون هذه الآية المتوسّطة لآيات الخلقة مرتبطة بمسألة الخلقة و تدبير أمر الخلق، و لهذا فإنّنا إذا طالعنا كتب التّفسير الّتي كُتبت قبل مئات السّنين فإنّنا لانجد أحدًا قد احتمل أن تكون الآية متعلّقة بتشريع الأديان، بالرّغم من أ نّهم احتملوا احتمالات مختلفة، فمثلا : مؤلّف تفسير < مجمع البيان > و هو من أشهر التّفاسير الإسلاميّة، و مؤلّفه عاش في القرن السّادس الهجريّ لم ينقل عن أحد علماء الإسلام قولا يدّعي فيه أنّ الآية ترتبط بتشريع الأديان، مع أ نّه ذكر أقوالا مختلفة في تفسير الآية أعلاه. [و للكلام تتمّة فراجع]

(13 : 89)

فضل الله: في ما قد توحيه كلمة السّماء من معنى العُلوّ و السُّموّ الّذي يتحرّك تدبير الله منه، في سلسلة مترابطة تشمل كلّ الظّواهر الموجودة فيه، و تنتهي إلى الأرض لتشمل كلّ مواقعها في السّطح و في العمق و في الفضاء.

و ربّما كان التّعبير بابتداء الأمر، الّذي هو كناية عن الشّأن المتعلّق بالأشياء من السّماء، إشارةً إلى الإيحاء للمقام الإلهيّ السّامي الّذي يقع في آفاق العُلوّ، ما يفرض أن يكون ابتداء الفعل من الموقع نفسه، و في الأُفق نفسه، باعتباره مركز التّدبير الرّ ئيس الّذي تنزل منه الإرادة إلى الأرض. (18 : 224)

الْمُدَ بِّرَاتِ

فَا لْمُدَ بِّرَ اتِ اَمْرًا. النّازعات : 5

الإمام عليّ (علیه السلام): إنّها الملائكة تدبّر أمر العباد من السّنة إلى السّنة. (الطَّبْرِسيّ5 : 430)

ابن عبّاس: و أقسم بالملائكة الّذين يدبّرون أُمور العباد، يعني جبريل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت. (500)

نحوه الزّجّاج. (5 : 277)

قَتادَة: هي الملائكة. (الطّبَريّ 12 : 424)

نحوه عطاء بن سائب. (الطُّوسيّ 10 : 253)

مُقاتِل: فهم الملائكة، منهم الخُزّان الّذين يكونون مع الرّياح، و مع المطر، و مع الكواكب، و مع الشّمس و القمر، و مع الإنس و الجنّ، فكذلك هم. ويقال: جبريل، و ميكائيل، و ملك الموت،: الّذين يدبّرون أمر الله تعالى في عباده و بلاده و بأمره.

(4 : 574)

ص: 801

الفَرّاء: هي الملائكة أيضًا، تنزل بالحلال و الحرام فذلك تدبيرها، و هو إلى الله جلّ و عزّ، ولكن لمّا نزلت به سمّيت بذلك، كما قال عزّ و جلّ: { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَمينُ ‘} الشّعراء:193، وكما قال: { فَاِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ } البقرة : 97، يعنى: جبريل (علیه السلام) نزّله على قلب محمّد (صلی الله علیه و آله) ، و الله الّذي أنزله. (3 : 230)

الطّبَريّ: يقول: فالملائكة المدبّرة ما أُمرت بهمن أمر الله. (12 : 424)

القُمّيّ: إنّها الأفلاك يقع فيها أمر الله تعالى، فيجري بها القضاء في الدّنيا. (الطَّبْرِسيّ5 : 430)

الماوَرْديّ: { فَالمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } فيهم قولان:

أحدهما: هي الملائكة، قاله الجمهور؛ فعلى هذا في تدبيرها بالأمر وجهان:

أحدهما: تدبير ما أُمرت به و أُرسلت فيه.

الثّاني: تدبير ما وُكّلت فيه من الرّياح و الأمطار.

الثّاني : هي الكواكب السّبعة، حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل، و على هذا في تدبيرها للأمر وجهان:

أحدهما: تدبير طلوعها و أُفولها.

الثّاني: تدبير ما قضاه الله فيها من تقلّب الأحوال.

(6 : 194)

الطُّوسيّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

وقيل: تدبير الملائكة في ما وُكّلت به من الرّياح و الأمطار، و نحو ذلك من الأُمور. (10 : 253)

القُشَيْريّ: الملائكة تنزل بالحرام و الحلال.

(6 : 250)

المَيْبُديّ: فهم الملائكة على ما بيّنّاه لاغير، هذه أقسام محذوفة الموضع، و لكن دلّ ما بعدها أ نّها على تثبيت قيام السّاعة. (10 : 368)

الزّمَخْشَريّ: أقسم سبحانه بطوائف الملائكة الّتي تنزع الأرواح... فتدبّر أمرًا من أُمور العباد ممّا يصلحهم في دينهم أو دنياهم كما رسم لهم...

(4 : 212)

ابن عَطيّة: و أمّا{ الْمُدَ بِّرَاتِ } فلاأحفظ خلافًا أ نّها الملائكة، و معناه: أ نّها تدبّر الأُمور الّتي سخّرها الله تعالى و صرّفها فيها كالرّياح و السّحاب و سائر المخلوقات. (5 : 431)

الطَّبْرِسيّ: { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } فيها أقوال:

أحدها: [قول الإمام عليّ(علیه السلام)]

و ثانيها: إنّ المراد بذلك جبرائيل و ميكائيل و ملك الموت و إسرافيل يدبّرون أُمور الدّنيا. فأمّا جبريل فموكَّل بالرّياح و الجنود، و أمّا ميكائيل فموكّل بالقطر و النّبات، و أمّا ملك الموت فموكّل بقبض الأنفس، و أما إسرافيل فهو يتنزّل بالأمر عليهم، عن عبد الرّحمان بن سابط.

وثالثها: [قول القُمّيّ و تقدّم آنفًا] (5 : 430)

الفَخْرالرّازيّ: و أمّا قوله: { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } فأجمعوا على أ نّهم هم الملائكة. قال مُقاتِل: يعني جبريل و ميكائيل، و إسرافيل و عزرائيل: يدبّرون أمر الله تعالى في أهل الأرض، و هم المقسّمات أمرًا، أمّا جبريل فوُكّل بالرّياح و الجنود، و أمّا ميكائيل فوُكّل بالقطر و النّبات، و أمّا ملك الموت

ص: 802

فوُكّل بقبض الأنفس، و أمّا إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم، و قوم منهم موكّلون بحفظ بني آدم، و قوم آخرون بكتابةأعمالهم، و قوم آخرون بالخسف و المسخ و الرّياح و السّحاب و الأمطار.

بقي على الآية سؤالان:

السّؤال الأوّل: ِلمَ قال: { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } و لم يقل: أُمورًا، فإنّهم يدبّرون أُمورًا كثيرة، لاأمرًا واحدًا؟

و الجواب: أنّ المراد به الجنس، و إذا كان كذلك قام مقام الجمع.

السّؤال الثّاني: قال تعالى: إنّ الأمر كلّه لله، فكيف أثبت لهم هاهنا تدبير الأمر.

و الجواب: لمّا كان ذلك الإتيان به كان الأمر كأ نّه له، فهذا تلخيص ما قاله المفسّرون في هذا الباب.

و عندي فيه وجه آخر: و هو أنّ الملائكة لها صفات سلبيّة و صفات إضافيّة: أمّا الصّفات السّلبيّة فهي أ نّها مبرّأة عن الشّهوة و الغضب و الأخلاق الذّميمة، و الموت و الهرم و السّقم و التّركيب من الأعضاء و الأخلاط و الأركان، بل هي جواهر روحانيّة مبرّ أة عن هذه الأحوال. [إلى أن قال:]

و أمّا قوله: { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } فهو إشارة إلى شرح حال قوّتهم العاملة، و ذلك لأنّ كلّ حال من أحوال العالم السّفليّ مفوّض إلى تدبير واحد من الملائكة الّذين هم عُمّار العالم العلويّ و سُكّان بقاع السّماوات، و لمّا كان التّدبير لايتمّ إلا بعد العلم، لاجرم قدّم شرح القوّة العاقلة الّتي لهم على شرح القوّة العاملة الّتي لهم، فهذا الّذي ذكرتُه احتمال ظاهر، و الله أعلم بمراده من كلامه. (31 : 28)

القُرطُبيّ: [نقل قول القُشَيْريّ و الماوَرْديّ ثمّ قال:]

و أنّ الله تعالى علّق كثيرًا من تدبير أمر العالم بحركات النّجوم، فأُضيف التّدبير إليها و إن كان من الله، كما يسمّى الشّيء باسم ما يجاوره. و على أنّ المراد ب { الْمُدَ بِّرَاتِ }: الملائكة، فتدبيرها نزولها بالحلال و الحرام و تفصيله، قاله ابن عبّاس و قَتادَة و غيرهما.

و هو إلى الله جلّ ثناؤه، و لكن لمّا نزلت الملائكة به سمّيت بذلك، كما قال عزّ وجلّ: { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَمينُ ‘} الشّعراء: 193، و كما قال تعالى: { فَاِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ } البقرة : 97، يعني جبريل نزّله على قلب محمّد (صلی الله علیه و آله)، و الله عزّ و جلّ هو الّذي أنزل.

و روى عطاء عن ابن عباس { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرً ا } الملائكة، وُكّلت بتدبير أحوال الأرض في الرّياح و الأمطار و غير ذلك. [إلى أن قال:]

و قيل: أي وُكّلوا بأُمور عرّفهم الله بها.

(19 : 192)

أبوحَيّان: [نقل قول ابن عَطيّة و أضاف:]

و قيل:الملائكة الموكّلون بالأحوال. [ثمّ نقل أقوال المتقدّمين و قال:]

وقال معاذ: هي الكواكب السّبعة، و إضافة التّدبير إليها مجاز، أي يظهر تقلّب الأحوال عندقرانها و تربيعها و تسديسها و غير ذلك. (8 : 419)

الشِّربينيّ: { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } أي الملائكة

ص: 803

تُدبّر أمر الدّنيا، أي تنزل بتدبيره. قال الرّ ازيّ: و يمكن الجواب بأ نّها لمّا أُمرت سبّحت فسبقت فدبّرت ما أُمرت بتدبيره، فتكون هذه أفعالا يتّصل بعضها ببعض. و قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: المدبّرات هي الملائكة وكّلوا بأُمور عرّفهم الله تعالى العمل بها. [إلى أن قال:]

و في تدبيرها بالأُمور وجهان:

أحدهما: تدبير طلوعها و أُفولها.

و الثّاني: في تدبير ما قضى الله تعالى فيها من تقليب الأحوال. (4 : 476)

أبو السُّعود: راجع: ن ز ع: < النّازعات >.

(6 : 364)

البُرُوسَويّ: { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } عطف على { السَّابِقَاتِ } بالفاءللدّ لالة على ترتّب التّدبير على السّبق بغير تراخ. و التّدبير: التّفكّر في دُبر الأُمور و{ اَمْرًا } مفعول للمدبّرات. قال الرّاغِب: يعني الملائكة الموكّلين بتدبير الأُمور انتهى. أي الّتي تدبّر أمرًا من الأُمور الدّنيويّة و الأُخرويّة للعباد، كما رُسم لهم من غير تفريط و تقصير.[ لاحظ: ن ز ع: < النّازعات >.] (10 : 316)

الآلوسيّ:وعن غير واحد تفسير{ الْمُدَ بِّرَاتِ } بجبريل يدبّر الرّياح و الجنود و الوحي، و ميكال يدبّر القطر و النّبات، و عزرائيل يدبّر قبض الأرواح، و إسرافيل يدبّر الأمر المنزل عليهم، لأ نّه ينزل به و يدبّر النّفخ في الصّور. و الأكثرون تفسيرها بالملائكة مطلقًا، بل قال ابن عَطيّة: لاأحفظ خلافًا في أ نّها الملائكة. وليس في تفسير شيء ممّا ذُكر خبر صحيح عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) فيما أعلم، و ما ذكرته أوّ لا هو المرجَّح عندي نظرًا للمقام،والله تعالى أعلم. (30 : 25)

ابن عاشور:و{ الْمُدَ بِّرَ اتِ }:الموصوفة بالتّدبير

و التّدبير: جَوَ لان الفكر في عواقب الأشياء و بإجراء الأعمال على ما يليق بما توجد له، فإن كانت { السَّابِحَاتِ } النّازعات:3،جماعات الملائكة، فمعنى تدبيرها: تنفيذ ما نيط بعُهدتها على أكمل ما أُذنَت به، فعبّر عن ذلك بالتّدبير للأُمور، لأ نّه يُشبه فعل المدبّر المتثبّت.

و إن كانت { السَّابِحَاتِ } خيلَ الغزاة، فالمراد بالتّدبير: تدبير مكائد الحرب من كرّ، و فرّ، و غارة، و قتل، و أسر، و لحاق للفارّين، أو ثبات بالمكان.

و إسناد التّدبير إلى{ السَّابِحَاتِ } على هذا الوجه مجاز عقليّ، لأنّ التّدبير للفُرسان و إنّما الخيل و سائل لتنفيذ التّدبير، كما قال تعالى: { وَ اَذِّنْ فِى النَّاسِ بِا لْحَجِّ يَاْتُوكَ رِجَالا وَ عَلى كُلِّ ّ ضَامِر يَاْتينَ‘ مِنْ كُلِّ ّ فَجٍّ عَميقٍ ‘} الحجّ: 27، فأُسند الإتيان إلى ضمير{ كُلِّ ّ ضَامِر } من الإبل، لأنّ إتيان الحجيج من الفجاج العميقة يكون بسير الإبل.

و في هذا المجاز إيماء إلى حِذْق الخيل و سرعة فهمها مقاصد فُرسانها، حتّى كأ نّها هي المدبّرة لما دبّره فُرسانها.

(30 : 58)

الطَّباطَبائيّ: و قوله: { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } قيل: المراد بها مطلق الملائكة المدبّرين للأُمور، كذا فسّر الأكثرون حتّى ادّعى بعضهم اتّفاق المفسّرين عليه.

ص: 804

و قيل: المراد بها الملائكة الأربعة المدبّرون لأُمور الدّنيا: جبرائيل و ميكائيل و عزرائيل و إسرافيل، فجبرائيل يدبّر أمر الرّياح و الجنود و الوحي، و ميكائيل يدبّر أمر القطر و النّبات، و عزرائيل موكّل بقبض الأرواح، و إسرافيل يتنزّل بالأمر عليهم و هو صاحب الصّور.

قيل: إنّها الأفلاك يقع فيها أمر الله فيجري بها القضاء في الدّنيا.

و هناك قول بأنّ الإقسام في الآيات بمضاف محذوف، و التّقدير: و ربّ النّازعات نزعًا إلخ.

و أنت خبير بأنّ سياق الآيات الخمس سياق واحد متّصل متشابه الأجزاء، لايلائم كثيرًا من هذه الأقوال القاضية باختلاف المعاني المقسَم بها،ككون المراد ب{ النَّازِعَاتِ } الملائكة القابضين لأرواح الكفّار،وب{ النَّاشِطَاتِ } الوحش،وب{ السَّابِحَاتِ} السُّفن، و ب { السَّابِقَاتِ } المنايا تسبق الآمال و ب { الْمُدَ بِّرَاتِ } الأفلاك.

مضافًا إلى أنّ كثيرًا منها لادليل عليها من جهة السّياق، إلا مجرّد صلاحيّة اللّفظ بحسب اللّغة للاستعمال فيه أعمّ من الحقيقة و المجاز.

على أنّ كثيرًا منها لاتناسب سياق آيات السّورة الّتي تذكر يوم البعث، و تحتجّ على و قوعه على ما تقدّم في سورة< المرسلات> من حديث المناسبة بين ما في كلامه تعالى من الإقسام و جوابه.

و الّذي يمكن أن يقال والله أعلم أنّ ما في هذه الآيات من الأوصاف المقسَم بها، يقبل الانطباق على صفات الملائكة، في امتثالها للأوامر الصّادرة عليهم من ساحة العزّة المتعلّقة بتدبيرأُمور هذا العالم المشهود، ثمّ قيامهم بالتّدبير بإذن الله.

و الآيات شديدة الشّبه سياقًابآيات مفتتح سورة < الصّافّات >{ وَ الصَّافَاتِ صَفًّا * فَالزَّ اجِرَاتِ زَجْرً ا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا } و آيات مفتتح سورة < المر سلات> { وَ المُْرْسَلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَ النَّاشِرَاتِ نَشْرًا* فَالْفَا رِقَا تِ فَرْ قًا * فَالمُْلْقِيَاتِ ذِكْرًا } و هي تصف الملائكة في امتثالهم لأمر الله غير أ نّها تصف ملائكة الوحي، و الآيات في مفتتح هذه السّورة تصف مطلق الملائكة في تدبيرهم أمر العالم بإذن الله.

ثمّ إنّ أظهر الصّفات المذكورة في هذه الآياتالخمس في الانطباق على الملائكة قوله: { فَالمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } و قد أُطلق التّدبير و لم يُقيّد بشيء دون شيء، فالمراد به التّدبير العالميّ بإطلاقه، و قوله: { اَمْرًا } تمييز أو مفعول به ل { الْمُدَ بِّرَاتِ }، و مطلق التّدبير شأن مطلق الملائكة، فالمراد ب { الْمُدَ بِّرَاتِ } مطلق الملائكة.

و إذ كان قوله: { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا} مفتتحًا بفاء التّفريع الدّالّة على تفرّع صفة التّدبير على صفة السّبق، و كذا قوله:{ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا } مقرونًا بفاء التّفريع الدّ الّة على تفرّع السّبق على السّبح،دلّ ذلك على مجانسة المعاني المرادة بالآيات الثّلاث: {وَ السَّابِحَاتِ سَبْحًا* فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا* فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرً ا}، فمدلولها أ نّهم يدبّرون الأمر بعد ما سبقوا إليه،

ص: 805

و يسبقون إليه بعد ما سبحوا، أي أسرعوا إليه عند النّزول، فالمراد ب { السَّابِحَاتِ } و { السَّابِقَاتِ } : هم المدبّرات من الملائكة، باعتبار نزولهم إلى ما أُمروا بتدبيره.

فالآيات الثّلاث في معنى قوله تعالى: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ اَمْرِاللهِ } الرّعد: 11، على ما تقدّم من توضيح معناه فالملائكة ينزلون على الأشياء، و قد تجمّعت عليها الأسباب، وتنازعت فيها وجودًا و عدمًا و بقاءً و زوالا ، و في مختلف أحوالها.فما قضاه الله فيها من الأمر و أبرم قضاءه أسرع إليه الملك المأمور به بما عيّن له من المقام و سبق غيره و تمّم السّبب الّذي يقتضيه، فكان ما أراده الله، فافهم ذلك.

و إذا كان المراد بالآيات الثّلاث الإشارة إلى إسراع الملائكة في النّزول على ما أُمروا به من أمر و سبقهم إليه و تدبيره، تعيّن حمل قوله: { وَ النَّازِعَاتِ غَرْ قًا*وَ النَّاشِطَاتِ نَشْطًا } على انتزاعهم وخروجهم من موقف الخطاب إلى ما أُمروا به، فنزعهم غرقًا: شروعهم في النّزول نحو المطلوب بشدّة و جدّ، و نشطهم: خروجهم من موقفهم نحوه، كما أنّ سبحهم، إسراعهم إليه بعد الخروج، و يتعقّب ذلك سبقهم إليه و تدبير الأمر بإذن الله.

فالآيات الخمس إقسام بما يتلبّس به الملائكة من الصّفات عند ما يؤمرون بتدبير أمر من أُمور هذا العالم المشهود، من حين يأخذون في النّزول إليه إلى تمام التّدبير.

و فيها إشارة إلى نظام التّدبير الملكوتيّ عند حدوث الحوادث، كما أنّ الآيات التّالية، أعني قوله:{ هَلْ اَ تيكَ ’} النّازعات:15، إشارة إلى التّدبير الرّبوبيّ الظّاهر في هذا العالم.

و في التّدبير الملكوتيّ حجّة على البعث و الجزاء، كما أنّ في التّدبير الدّنيويّ المشهود حجّة عليه، على ما سيوافيك إن شاء الله بيانه.

هذا ما يعطيه التّدبّر في سياق الآيات الكريمة، و يؤيّده بعض التّأييد ما سيأتي من الأخبار في البحث الرّوائيّ الآتي إن شاء الله.كلام في أنّ الملائكة وسائط في التّدبير:

الملائكة وسائط بينه تعالى و بين الأشياء بدءً و عودًا على ما يُعطيه القرآن الكريم، بمعنى أ نّهم أسباب للحوادث فوق الأسباب المادّ يّة في العالم المشهود قبل حلول الموت، و الانتقال إلى نشأة الآخرة و بعده.

أمّا في العود، أعني حال ظهور آيات الموت و قبض الرّوح، و إجراء السّؤال و ثواب القبر و عذابه، و إماتة الكلّ بنفخ الصّور، و إحياءهم بذلك و الحشر، و إعطاء الكتاب و وضع الموازين و الحساب، و السّوق إلى الجنّة و النّار، فوساطتهم فيها غنيّ عن البيان. و الآيات الدّ الّة على ذلك كثيرة لا حاجة إلى إيرادها، و الأخبار المأثورة فيها عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله) و أئمّة أهل البيت :فوق حدّ الإحصاء.

وكذا وساطتهم في مرحلة التّشريع من النّزول بالوحي، و دفع الشّياطين عن المداخلة فيه، و تسديد

ص: 806

النّبيّ، و تأييد المؤمنين، و تطهيرهم بالاستغفار.

و أمّا وساطتهم في تدبير الأُمور في هذه النّشأة، فيدلّ عليها ما في مفتتح هذه السّورة، من إطلاق قوله: { وَ النَّازِعَا تِ غَرْ قًا * وَ النَّا شِطَاتِ نَشْطًا * وَ السَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } بما تقدّم من البيان.

وكذا قوله تعالى:{ جَاعِلِ الْمَلئِكَةِ ’رُسُلا اُولى اَجْنِحَة مَثْنى وَ ثُلثَ وَ رُ بَاعَ } فاطر : 1، الظّاهر بإطلاقه على ما تقدّم من تفسيره في أ نّهم خُلقوا و شأنهم أن يتوسّطوا بينه تعالى و بين خلقه، و يُرسلوا لإنفاذ أمره الّذي يستفاد من قوله تعالى في صفتهم:{... بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لايَسْبِقُونَهُ بِا لْقَوْلِ وَ هُمْ بِاَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} الأنبياء :26، 27، و قوله:{ يَخَافُونَ رَ بَّهُمْ مِنْ فَوْ قِهِمْ

وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } النّحل : 50، و في جعل الجناح لهم إشارة ذلك.

فلاشغل للملائكة إلا التّوسّط بينه تعالى و بين خلقه بإنفاذ أمره فيهم، و ليس ذلك على سبيل الاتّفاق بأن يجري الله سبحانه أمرًا بأيديهم، ثمّ يجري مثله لابتوسيطهم، فلااختلاف و لاتخلّف في سنّته تعالى { اِنَّ رَبّى عَلى صِرَاط مُسْتَقيم‘ } هود : 56، و قال:{ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْديلا‘ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْويلا‘ } فاطر: 43.

و من الوساطة كون بعضهم فوق بعض مقامًا، و أمر العالي منهم السّافلَ بشيء من التّدبير، فإنّه في الحقيقة توسّط من المتبوع بينه تعالى و بين تابعه في إيصال أمر الله تعالى، كتوسّط ملك الموت في أمر بعض أعوانه بقبض روح من الأرواح، قال تعالى حاكيًا عن الملائكة: { وَ مَا مِنَّا اِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ } الصّافّات: 164، و قال: { مُطَاعٍ ثَمَّ اَمين ‘} التّكوير : 21، و قال:{ حَتى||اِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَاقَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ } سبأ : 23.

و لاينافي هذا الّذي ذكر من توسّطهم بينه تعالى و بين الحوادث، أعني كونهم أسبابًا تستند إليها الحوادث استناد الحوادث إلى أسبابها القريبة المادّ يّة، فإنّ السّببيّة طويلة لاعرضيّة، أي إنّ السّبب القريب سبب للحادث، و السّبب البعيد سبب للسّبب.

كما لاينافي توسّطهم و استناد الحوادث إليهم استناد الحوادث إليه تعالى، و كونه هو السّبب الوحيد لها جميعًا، على ما يقتضيه توحيد الرّبوبيّة، فإنّ السّببيّة طوليّة كما سمعت لاعرضيّة. و لايزيد استناد الحوادث إلى الملائكة استنادها إلى أسبابها الطّبيعيّة القريبة و قد صدّق القرآن الكريم استناد الحوادث إلى الحوادث الطّبيعيّة كما صدّق استنادها إلى الملائكة.

وليس لشيء من الأسباب استقلال قباله تعالى حتّى ينقطع عنه، فيمنع ذلك استناد ما استُند إليه إلى الله سبحانه، على ما يقول به الوثنيّة من تفويضه تعالى تدبير الأمر إلى الملائكة المقرّبين، فالتّوحيد القرآنيّ ينفي الاستقلال عن كلّ شيء من كلّ جهة: لايملكون لأنفسهم نفعًا و لاضرًّا و لاموتًا و لاحياةً و لانشورًا.

فمثَل الأشياء في استنادها إلى أسبابها المترتّبة القريبة و البعيدة، و انتهائها إلى الله سبحانه بوجه بعيد كمثَل الكتابة يكتبها الإنسان بيده و بالقلم، فللكتابة

ص: 807

استناد إلى القلم ثمّ إلى اليد الّتي توسّلت إلى الكتابة بالقلم، و إلى الإنسان الّذي توسّل إليها باليد و بالقلم. و السّبب بحقيقة معناه هو الإنسان المستقلّ بالسّببيّة، من غير أن ينافي سببيّته استناد الكتابة بوجه إلى اليد و إلى القلم.

و لامنافاة أيضًا بين ما تقدّم أنّ شأن الملائكة هو التّوسّط في التّدبير، و بين ما يظهر من كلامه تعالى أنّ بعضهم أو جميعهم مداومون على عبادته تعالى و تسبيحه و السّجود له ، كقوله : { وَ مَنْ عِنْدَهُ لايَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَ لايَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَ النَّهَارَ لايَفْتُرُونَ } الأنبياء : 19 20، و قوله: { اِنَّ الَّذينَ‘ عِنْدَ رَ بِّكَ لايَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَ تِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } الأعراف : 206.

و ذلك لجواز أن تكون عبادتهم و سجودهم و تسبيحهم عين عملهم في التّدبير، و امتثالهم الأمر الصّادر عن ساحة العزّة بالتّوسّط، كما ربّما يؤمي إليه قوله تعالى:{ وَ للهِ‚ ِ يَسْجُدُ مَا فِى السَّموَاتِ’ وَ مَا فِى الاَرْضِ مِنْ دَ ا بَّة وَ الْمَلئِكَةُ’ وَ هُمْ لايَسْتَكْبِرُونَ } النّحل : 49. (20 : 180)

عبد الكريم الخطيب: { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } هي أيضًا نفس هذه الكواكب، السّابحات سبحًا، و السّابقات سبقًا، إنّها في تعاملنا معها، تضبط الزّمن، ساعات، و أيّامًا، و شهورًا. { وَ جَعَلْنَا الَّيْلَ وَ النَّهَارَ ا يَتَيْنِ فَمَحَوْ نَا ا يَةَ الَّيْلِ وَ جَعَلْنَا ا يَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوافَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنينَ‘

وَ الْحِسَابَ } الإسراء : 12.

و تدبير هذه الكواكب لأُمورنا، هو فيما يظهر من آثارها في حياتنا، من حرّ و برد،و من هبوب رياح، و نزول أمطار، و إنضاج ثمار، و مَدّ، و جَزْر في البحار، و غير ذلك ممّا نشهده من حركة الشّمس و القمر، و ما يتبع هذه الحركة من آثارها في عالمنا الأرضيّ، برًّا، و بحرًا، وجوًّا. (15 : 1432)

مكارم الشّيرازيّ:لاحظ:ن ز ع:< النّازعات>.

(19 : 330)

فضل الله: [نقل خلاصة كلام الطَّباطَبائيّ ثمّ قال :]

ثم إنّ أظهر الصّفات المذكورة في هذه الآيات الخمس في الانطباق على الملائكة قوله: { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا }... وإذ كان قوله: {فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } مفتتحًا بفاء التّفريع الدّ الّة على تفرّع صفة التّدبير على صفة السّبق، وكذا قوله: { فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا } مقرونًا بفاء التّفريع الدّ الّة على تفرّع السّبق على السّبح، دلّ ذلك على مجانسة المعاني المرادة بالآيات الثّلاث { وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } فمدلولها أ نّهم يدبّرون الأمر بعد ما سبقوا إليه، و يسبقون إليه بعد ما سبحوا، أي أسرعوا إليه عند النّزول...

وإذا كان المراد بالآيات الثّلاث الإشارة إلى إسراع الملائكة في النّزول على ما أُمروا به من أمر و سبقهم إليه و تدبيره، تعَيّن حمل قوله: { وَ النَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَ النَّاشِطَاتِ نَشْطًا }النّازعات:1، 2. على انتزاعهم و خروجهم من موقف الخطاب إلى ما أُمروا

ص: 808

به، فنزعهم غرقًا، شروعهم في النّزول نحو المطلوب بشدّة و جدٍّ، و نشطهم: خروجهم من موقفهم نحوه...

فالآيات الخمس إقسامٌ بما يتلبّس به الملائكة من الصّفات عندما يؤمرون بتدبير أمر من أُمور هذا العالم المشهود، من حين يأخذون في النّزول إليه إلى تمام التّدبير.

ولنا ملاحظة على الوجه الأوّل، و هو أنّ هناك خلافًا في المراد بالصّافّات و المرسلات في ما هو المراد منها، وليس هناك اتّفاق على إرادة الملائكة منها. و على الوجه الثّاني: أنّ الفاء هنا لا ظهور لها في التّفريع، فيمكن أن تكون لمجرّد العطف على نحو التّرتيب الذّكريّ، من دون ارتباط لأحدها بالآخر. و قد لانجد ضرورةً في تنوّع المعنى المراد من هذه الفقرات، لأنّ المسألة هي مسألة القسم بهذه الأُمور المهمّة، كما يمكن أن يكون المراد منها كلّ ما صدق عليه المعنى من المخلوقات الّتي يتناسب مضمونها مع العناوين المأخوذة فيها، لأنّ كلّ موجود في الكون له سرّه الّذي يمثّل الأهمّيّة المميّزة الّتي تجعل له قيمةً كونيّةً تجعله في مستوى القسَم به، واللهالعالم.

و ربّما كانت هذه الكلمات واردةً في الأجواء الّتي تسبق القيامة أو تتحرّك في داخلها، بعيدًا عن أُسلوب القسم، باعتبار أنّ ذلك يوحي بالجوّ الحركيّ الّذي يهزّ المشاعر الّتي تتصوّر المسألة هناك في حركة العنف المتمثّل بالنّزع و النّشط و السّبح و السّبق و التّدبير، للإيحاء بالجدّ يّة المسؤولة الّتي لايملك أحد أمامها أن يواجه القضيّة باللامبالاة العبثيّة و الاسترخاء الغافل، ليكون ارتباط هذه الفقرات بما بعدها ارتباطًا طبيعيًّا باعتباره من أجواء هذا اليوم. (24 : 31)

يَتَدَ بَّرُونَ

1 اَفَلا يَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ ‘اخْتِلافًا كَثيرًا‘. النّساء : 82

ابن عبّاس: أفلايتفكّرون في القرآن أ نّه يُشبه بعضه بعضًا و يصدّق بعضه بعضًا و فيه ما أمرهم النّبيّ (صلی الله علیه و آله) . (75)

نحوه الثّعلبيّ. (3 : 350)

مُجاهِد: معناه: أ نّه لِمَ لايتفكّرون في القرآن حتّى يعلموا أنه ليس بمخلوق، ولايُشبه كلامَ مخلوق.

(المَيْبُديّ 2 : 603)

الضّحّاك: قوله:{ يَتَدَ بَّرُونَ } النّظر فيه.

(الطّبَريّ 4 : 182)

ابن زَيْد: إنّ القرآن لايكذّب بعضه بعضًا، و لاينقض بعضه بعضًا، ما جهل النّاس من أمر، فإنّما هو من تقصير عقولهم و جهالتهم. ..فحقٌّ على المؤمن أن يقول: كلّ من عند الله، و يؤمن بالمتشابه، و لايضرب بعضه ببعض، و إذا جهل أمرًا و لم يعرفه أن يقول: الّذي قال الله حقّ ،و يعرف أن الله تعالى لم يقل قولا وينقضه، ينبغي أن يؤمن بحقيقة ما جاء من الله.

(الطّبَريّ 4 : 182)

الطّبَريّ: يعني جلّ ثناؤه بقوله: { اَفَلا يَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ } أفلايتدبّر المبيّتون غير الّذي تقول لهم، يا محمّد كتاب الله، فيعلموا حجّة الله عليهم في

ص: 809

طاعتك واتّباع أمرك، و أنّ الّذي أتيتهم به من التّنزيل من عند ربّهم، لا تّساق معانيه، و ائتلاف أحكامه، و تأييد بعضه بعضًا بالتّصديق، و شهادة بعضه لبعض بالتّحقيق. (4 : 182)

الماوَرْديّ: أصل التّدبّر الدُّبور، لأ نّه النّظر في عواقب الأُمور. (1 : 510)

الطُّوسيّ: هذه الآية تدلّ على أربعة أشياء:

أحدها: على بطلان التّقليد، و صحّة الاستدلال في أُصول الدّين، لأ نّه حثّ و دعاء إلى التّدبّر، و ذلك لايكون إلابالفكر و النّظر.

والثّاني: يدلّ على فساد مذهب من زعم أنّ القرآن، لايفهم معناه إلا بتفسير الرّسول له، من الحشويّة و المجبِّرة، لأ نّه تعالى حثّ على تدبّره، ليعلموابه.الثّالث: يدلّ على أ نّه لو كان من عند غيرالله، لكان على قياس كلام العباد من وجود الاختلاف فيه.

الرّابع: تدلّ على أنّ المتناقض من الكلام ليس من فعل الله، لأ نّه لوكان من فعله، لكان من عنده، لامن عند غيره.

و التّدبّر: هوالنّظر في عواقب الأُمور. و أصله: الدُّبر. و التّدابر: التّقاطع، لأنّ كلّ واحد يولّي الآخر دُبره، بعداوته له. (3 : 270)

الواحديّ: يعني المنافقين، و معنى تدبّرت الشّيء:نظرت في عاقبته، يقول: أفلا يتأمّلون القرآن، و يتفكّرون فيه؟ (2 : 86)

البغَويّ: يعني: أفلايتفكّرون في القرآن، و التّدبّر: هو النّظر في آخر الأمر، و دُبر كلّ شيء آخره.

(1 : 667)

المَيْبُديّ: التّدبّر في اللُّغة: النّظر في أدبار الأُمور، ليستقيم أوّله و آخره، و قال ربّ العالمين في هذه الآية: لِمَ لايسمعون المنافقون القرآن، و لِمَ لايتفكّرون فيه و لايتأمّلون؟ و لاينظرون في أوّله و آخره، حتّى يعلموا أنّ آياته يُشبه بعضه بعضًا، و يصدّق بعضه بعضًا، و لاتناقض فيه،و لو اجتمع أهل العالم، و اجتمعت العقول و العلوم، على أن يأتوا بمثله، لايأتون، و يعجزون عنه، كما قال ربّ العزّة: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الاِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى اَنْ يَاْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْ

ا نِ لايَاْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهيرًا‘ } الإسراء : 88. (2 : 603)

الزّمَخْشَريّ: تدبّر الأمر: تأمُّله و النّظر في إدباره، و ما يؤول إليه في عاقبته و منتهاه، ثمّ استعمل في كلّ تأمّل، فمعنى تدبّر القرآن: تأمّل معانيه و تبصّر ما فيه. (1 : 546)

نحوه البُرُوسَويّ. (2 : 244)

ابن عَطيّة: المعنى: هؤلاء المنافقون الطّاعنون عليك، الرّافعون بغير برهان في صدر نبوّتك ألايرجعون إلى النّصفة، و ينظرون موضع الحجّة،

و يتدبّرون كلام الله تعالى، فتظهر لهم براهينه و تلوح أدلّته. و التّدبّر: النّظر في أعقاب الأُموروتأويلات الأشياء.هذاكلّه يقتضيه قوله:{اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ} و هذا أمر بالنّظر و الاستدلال، ثمّ عرّف تعالى بمواقع الحجّة. (2 : 83)

ص: 810

الطَّبْرِسيّ: أي أفلايتفكّر اليهود و المنافقون في القرآن؛ إذ ليس فيه خلل، و لاتناقض، ليعلموا أ نّه حجّة.

و قيل: ليعلموا أ نّهم لايقدرون على مثله، فيعرفوا أ نّه ليس بكلام أحد من الخلق.

و قيل: ليعرفوا اتّساق معانيه، و ائتلاف أحكامه و شهادة بعضه لبعض، و حسن عباراته.

و قيل: ليعلموا كيف اشتمل على أنواع الحِكَم من أمر بحسَن، و نهي عن قبيح، و خبر عن مخبر صدق، و دعاء إلى مكارمالأخلاق، و حثّ على الخير والزّهد، مع فصاحة اللّفظ، و جودة النّظم، و صحّة المعنى، فيعرفوا أ نّه خلاف كلام البشر. و الأولى أن تُحمَل على الجميع، لأنّ من تدبّر فيه، علم جميع ذلك.

(2 : 81)

الفَخْرالرّازيّ: اعلم أ نّه تعالى لمّا حكى عن المنافقين أنواع مكرهم و كيدهم، و كان كلّ ذلك لأجل أ نّهم ما كانوا يعتقدون كونه محقًّا في ادّعاء الرّسالة صادقًا فيه، بل كانوا يعتقدون أ نّه مُفترٍ متخرّص، فلاجرم أمرهم الله تعالى بأن ينظروا و يتفكّروا في الدّ لائل الدّ الّة على صحّة نبوّته،فقال: { اَ فَلا يَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ‘ اخْتِلافًا كَثيرًا ‘} فاحتجّ تعالى بالقرآن على صحّة نبوّته، و في الآية مسائل:

المسألة الأُولى: التّدبير و التّدبّر: عبارة عن النّظر في عواقب الأُمور و أدبارها، و منه قوله: إلامَ تدبّروا أعجاز أُمور قد ولّت صدورها، و يقال في فصيح الكلام: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، أي لو عرفت في صدر أمري ما عرفت من عاقبته.

المسألة الثّانية: اعلم أنّ ظاهر الآية يدلّ على أ نّه تعالى احتجّ بالقرآن على صحّة نبوّة محمّد (صلی الله علیه و آله) ؛ إذ لو لم تحمل الآية على ذلك لم يبق لها تعلّق بما قبلها ألبتّة.

(10 : 196)

القُرطُبيّ: ...ثمّ عاب المنافقين بالإعراض عن التّدبّر في القرآن و التّفكّر فيه و في معانيه... و التّدبير: أن يُدبّر الإنسان أمره، كأ نّه ينظر إلى ما تصير إليه عاقبته. و دلّت هذه الآية و قوله تعالى:{ اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ ا نَ اَمْ عَلى قُلُوب اَقْفَالُهَا }محمّد : 24، على وجوب التّدبّر في القرآن ليعرف معناه. فكان في هذا ردّ على فساد قول من قال: لايؤخذ من تفسيره إلا ما ثبت عن النّبيّ (صلی الله علیه و آله) ، و منع أن يتأوّل على ما يسوغه لسان العرب. و فيه دليل على الأمر بالنّظر و الاستدلال و إبطال التّقليد، و فيه دليل على إثبات القياس. (5 : 290)

أبوحَيّان: قرأ الجمهور: يتدبّرون بياء و تاء بعدها على الأصل. و قرأ ابن مُحَيْصِن: بإدغام التّاء في الدّال، و هذا استفهام معناه الإنكار، أي فلايتأمّلون ما نزل عليك من الوحي، و لايعرضون عنه، فإنّه في تدبّره يظهر برهانه و يسطع نوره، و لايظهر ذلك لمن أعرض عنه و لم يتأمّله. (3 : 304)

الشِّربينيّ: أي يتأمّلون القرآن، و ما فيه من المعاني البديعة. (1 : 318)

أبوالسُّعود: إنكار و استقباح لعدم تدبّرهم

ص: 811

القرآن، و إعراضهم عن التّأمّل فيما فيه من موجبات الإيمان. و تدبّر الشّيء: تأمّله و النّظر في أدباره ما يؤول إليه في عاقبته و منتهاه، ثمّ استُعمل في كلّ تفكّر و نظر. و الفاء للعطف على مقدّر، أي أيعرضون عن القرآن فلايتأمّلون فيه،ليعلموا كونه من عند الله تعالى، بمشاهدة ما فيه من الشّواهد الّتي من جملتها هذا الوحي الصّادق و النّص النّاطق، بنفاقهم المحكيّ على ما هو عليه. (2 : 169)

الآلوسيّ: لعلّه جواب سؤال نشأ من جعل الله تعالى شهيدًا، كأ نّه قيل: شهادة الله تعالى لاشبهة فيها، و لكن من أين يعلم أنّ ماذكرته شهادة الله تعالى محكيّة عنه؟ فأجاب سبحانه بقوله : { اَفَلا يَتَدَ بَّرُونَ }؟ و أصل التّدبّر: التّأمّل في أدبار الأُمور و عواقبها، ثمّ استُعمل في كلّ تأمّل سواء كان نظرًا في حقيقة الشّيء و أجزائه، أو سوابقه و أسبابه، أو لواحقه و أعقابه.

و< الفاء > للعطف على مقدّر، أي أيشكّون في أنّ ماذكر شهادة الله تعالى، فلايتدبّرون القرآن الّذي جاء به هذا النّبيّ (صلی الله علیه و آله) المشهود له، ليعلموا كونه من عند الله، فيكون حجّة، و أيّ حجّة على المقصود.

و قيل: المعنى: أيعرضون عن القرآن فلايتأمّلون فيه، ليعلموا كونه من عند الله تعالى، بمشاهدة مافيه من الشّواهد الّتي من جملتها هذا الوحي الصّادق، و النّص النّاطق بنفاقهم المحكيّ على ماهو عليه. (5 : 92)

رشيد رضا: [له بحث مستو فى حول القرآن، لاحظ: ق ر أ:< القرآن >] (5 : 287)

سيّد قُطْب: [له بحث مستو فى أيضًا حول القرآن، لاحظ: ق ر أ: < القرآن >] (2 : 721)

ابن عاشور: الفاء تفريع على الكلام السّابق المتعلّق بهؤلاء المنافقين أو الكفرة الصّرحاء، و بتولّيهم المعرض بهم في شأنه بقوله : { وَ مَنْ تَوَ لى| فَمَا اَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفيظًا‘ }النّساء: 80، و بقولهم{ طَاعَةٌ } النّساء: 81، ثمّ تدبير العصيان فيما وُعدوا بالطّاعة في شأنه. و لمّا كان ذلك كلّه أثرًا من آثار استبطان الكفر، أو الشّكّ، أو اختيار ما هو في نظرهم أولى ممّا أُمروا به. وكان استمرارهم على ذلك مع ظهور دلائل الدّين منبئًا بقلّة تفهّمهم القرآن، و ضعف استفادتهم، كان المقام لتفريع الاستفهام عن قلّة تفهّمهم. فالاستفهام إنكاريّ للتّوبيخ، و التّعجيب منهم في استمرار جهلهم، مع توفّر أسباب التّدبير لديهم.

تحدّى الله تعالى هؤلاء بمعاني القرآن، كما تحدّ اهم بألفاظه، لبلاغته؛ إذ كان المنافقون قد شكّوا في أنّ القرآن من عند الله، فلذلك يُظهرون الطّاعة بما يأمرهم به، فإذا خرجوا من مجلس النّبيّ (صلی الله علیه و آله) خالفوا ما أمرهم به لعدم ثقتهم، و يشكّكون و يشكّون إذا بدا لهم شيء من التّعارض، فأمرهم الله تعالى بتدبير القرآن، كما قال تعالى: { فَاَمَّا الَّذينَ ‘فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ }آل عمران : 7.

و التّدبّر مشتقّ من الدُّبر، أي الظّهر، اشتقّوا من الدُّبر فعلا ، فقالوا: تدبّر إذا نظر في دُبر الأمر،أي في غائبه أو في عاقبته، فهو من الأفعال الّتي اشتُقّت من الأسماء الجامدة. و التّدبّر يتعدّى إلى المتأمِّل فيه بنفسه، يقال: تدبّر الأمر. فمعنى { يَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ } يتأمّلون

ص: 812

دلالته، و ذلك يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يتأمّلوا دلالة تفاصيل آياته على مقاصده الّتي أرشد إليها المسلمين، أي تدبّر تفاصيله.

و ثانيهما: أن يتأمّلوا دلالة جملة القرآن ببلاغته على أ نّه من عند الله، و أنّ الّذي جاء به صادق. و سياق هذه الآيات يرجّح حمل التّدبّر هنا على المعنى الأوّل، أي لو تأمّلوا و تدبّروا هدي القرآن لحصل لهم خير عظيم، و لمَا بقوا على فتنتهم الّتي هي سبب إضمارهم الكفر مع إظهارهم الإسلام. و كلا المعنيين صالح بحالهم، إلا أنّ المعنى الأوّل أشدّ ارتباطًا بما حكي عنهم من أحوالهم.

وقوله: { وَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ... } يجوز أن يكون عطفًا على الجملة الاستفهاميّة، فيكونوا أُمِروا بالتّدبّر في تفاصيله، وأُعلموا بما يدلّ على أ نّه من عند الله، و ذلك انتفاء الاختلاف منه، فيكون الأمر بالتّدبّر عامًّا. و هذا جزئيّ من جزئيّات التّدبّر، ذُكر هنا انتهازًا لفرصة المناسبة، لغَمْرهم بالاستدلال على صدق الرّسول، فيكون زائدً ا على الإنكار المسوق له الكلام، تعرّض له لأ نّه من المهمّ بالنّسبة إليهم؛ إذ كانوا في شكّ من أمرهم. و هذا الإعراب أليق بالمعنى الأوّل من معنيي التّدبّر هنا.

و يجوز أن تكون الجملة حالا من « القرآن »، و يكون قيدًا للتّدبّر، أي ألايتدبّرون انتفاء الاختلاف منه، فيعلمون أ نّه من عند الله، و هذا أليق بالمعنى الثّاني من معنيي التّدبّر.

و ممّا يستأنس به للإعراب الأوّل، عدم ذكر هذه الزّيادة في الآية المماثلة لهذه من سورة القتال، و هي قوله: { فَاِذَا اُ نْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَ ذُكِرَ فيهَا‘ الْقِتَالُ} إلى قوله: { اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ اَمْ عَلى قُلُوب اَقْفَالُهَا } محمّد : 20 24، و هذه دقائق من تفسير الآية أهملها جميع المفسّرين. (4 : 199)

الطَّباطَبائيّ: الآية تحضيض في صورة الاستفهام التّدبّر: هو أخذ الشّيء بعد الشّيء، و هو في مورد الآية التّأمّل في الآية عقيب الآية، أو التّأمّل بعد التّأمّل في الآية. لكن لمّا كان الغرض بيان أنّ القرآن لااختلاف فيه، و ذلك إنّما يكون بين أزيد من آية واحدة، كان المعنى الأوّل أعني التّأمّل في الآية عقيب الآية هو العمدة، و إن كان ذلك لاينفي المعنى الثّاني أيضًا.

(5 : 19)

عبد الكريم الخطيب: قوله تعالى : { اَفَلا يَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ

انَ } إلفات لجماعات المنافقين و الضّالّين إلى مافاتهم من خير عظيم، حين لميقفوا عند آيات الله، و لم يتدبّروها، و يصحّحوا موقفهم منها، و ذلك بالنّظر فيها نظرًا يرتاد مواقع الخير، و ينشد مطالع الهدى...

إنّهم لو فعلوا ذلك، و أخلُوا أنفسهم من تلك المشاعر الخبيثة المستولية عليهم، لرأوا وجه الحقّ سافرً ا في آيات الله و كلماته، و لأخذوا طريقهم إلى الله مستقيمًا، فآمنوا بالله، و برسوله، و بهذا الكتاب الّذي أُنزل على رسوله.

فإنّ نظرة مخلصة إلى كتاب الله، تصل العقول به، و تفتح القلوب له، لما في كلّ آية و كلّ كلمة منه، من

ص: 813

أمارات مشرقة، تُحدّث بأنّ هذا الكلام هو كلام الله، و أنّ هذا الكتاب هو كتاب الله، و أقرب تلك الأمارات و أظهرها أنّ هذا الكتاب قائم على أُسلوب واحد، و منهج واحد، و مستوى واحد.

(3 : 845)

مكارم الشّيرازيّ :

[ لاحظ :خ ل ف : < اختلافًا>] (3 : 306)

فضل الله: { يَتَدَ بَّرُونَ } يتفكّرون و يتأمّلون معانيه، ويتبصّرون ما فيه. و التّدبّر: هو أخذ الشّيء، و النّظر في عواقب الأُمور. و الفرق بين التّدبّر و التّفكّر هو أنّ التّدبّر تصرّف القلب بالنّظر في العواقب، و التّفكّر تصرّف القلب بالنّظر في الدّلائل. (7 : 368)

و لاحظ: خ ل ف: < اختلافًا>.

2 اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ اَمْ عَلى قُلُوب اَقْفَالُهَا.

محمّد : 24

ابن عبّاس: أفلايتفكّرون بالقرآن ما نزل بهم.

(429)

قَتادَة: إذًا والله يجدون في القرآن زاجرًا عن معصية الله لو تدبّره القوم فعقلوه ولكنّهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك. (الطّبَريّ11 : 321)

الإمام الصّادق(علیه السلام): أفلايتدبّرون القرآن، فيقضوا ما عليهم من الحقّ. (الطَّبْرِسيّ 5 : 104)

مثله الإمام الكاظم(علیه السلام). (الطَّبْرِسيّ 5 : 104)

الطّبَريّ: يقول تعالى ذكره: أفلايتدبّر هؤلاء المنافقون مواعظ الله الّتي يعظهم بها في آي القرآن الّذي أنزله على نبيّه عليه الصّلاة والسّلام و يتفكّرون في حُججه الّتي بيّنها لهم في تنزيله، فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون. (11 : 321)

الطُّوسيّ: معناه: أفلايتدبّرون القرآن بأن يتفكّروا فيه و يعتبروا به، أم على قلوبهم قفل يمنعهم من ذلك، تنبيهًا لهم على أنّ الأمر بخلافه. وليس عليها ما يمنع من التّدبّر و التّفكّر و التّدبّر في النّظر في موجب الأمر و عاقبته، و على هذا دعاهم إلى تدبّر القرآن.

و في ذلك حجّة على بطلان قول من يقول: لايجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن إلا بخبر و سمع.

و فيه تنبيه على بطلان قول الجهّال من أصحاب الحديث: إ نّه ينبغي أن يُروى الحديثعلى ما جاء و إن كان مختلا في المعنى، لأنّ الله تعالى دعا إلى التّدبّر و الفقه؛ و ذلك مناف للتّأجّل و التّعامي.

(9 : 303)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (5 : 104)

المَيْبُديّ: { اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ } فيعرفوامالهم و عليهم. (9 : 194)

الزّمَخْشَريّ: و يتصفّحون و ما فيه من المواعظ والزّواجرو وعيد العصاة، حتّى لايجسروا عن المعاصي (3 : 536)

نحوه أبوحَيّان. (8 : 83)

ابن عَطيّة: قوله تعالى: { اَفَلا يَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ } توقيف و توبيخ، و تدبّر القرآن: زعيم بالتّبيين و الهدى.

(5 : 119)

الفَخْرالرّازيّ: ولنذكر تفسيرها في مسائل:

المسألة الأُولى: لمّا قال الله تعالى: { فَاَصَمَّهُمْ

وَ اَعْمى اَبْصَارَهُمْ } محمّد: 23،كيف يمكنهم التّدبّر في

ص: 814

القرآن؟ قال تعالى: { اَفَلا يَتَدَ بَّرُونَ } و هو كقول القائل للأعمى: أبصِر، و للأصمّ: اسمَع؟ فنقول: الجواب عنه من ثلاثة أوجه مترتّبة، بعضها أحسن من البعض:

الأوّل: تكليفه ما لايطاق جائز، و الله أمر مَن علم أ نّه لايؤمن بأن يؤمن، فكذلك جاز أن يُعميهم ويذمّهم على ترك التّدبّر.

الثّاني: أنّ قوله: { اَ فَلايَتَدَ بَّرُونَ } المراد منه النّاس.

الثّالث: أن نقول: هذه الآية وردت محقّقة لمعنى الآية المتقدّمة، فإنّه تعالى قال: { اُولئِكَ ’الَّذينَ‘ لَعَنَهُمُ اللهُ } محمّد : 23، أي أبعدهم عنه، أو عن الصّدق أو عن الخير، أوغير ذلك من الأُمور الحسنة،{فَاَصَمَّهُمْ } لايسمعون حقيقة الكلام، و أعماهم لا يتّبعون طريق الإسلام. فإذن هم بين أمرين: إمّا لايتدبّرون القرآن فيبعدون منه، لأنّ الله تعالى لعنهم و أبعدهم عن الخير و الصّدق، و القرآن منهما الصّنف الأعلى بل النّوع الأشرف، و إمّا يتدبّرون، لكن لاتدخل معانيه في قلوبهم لكونها مقفّلة. تقديره: أفلايتدبّرون القرآن لكونهم ملعونين مبعودين، أم على قلوب أقفال فيتدبّرون و لايفهمون. و على هذا لا نحتاج أن نقول: ( اَمْ ) بمعنى بل، بل هي على حقيقتها للاستفهام واقعة في وسط الكلام، و الهمزة أُخذت مكانها و هو الصّدر، و ( اَمْ )دخلت على( القلوب ) الّتي في وسط الكلام.

(28 : 65)

القُرطُبيّ: أي يتفهّمونه، فيعلمون ما أعدّ الله للّذين لم يتولّوا عن الإسلام. (16 : 246)

الشِّربينيّ: { اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ } بقلوب منفتحة منشرحة، ليهتدوا إلى كلّ خير { الْقُرْ انَ } أي يجهدوا أنفسهم في أن يتفكّروا في الكتاب الجامع لكلّ خير، الفارق بين الحقّ و الباطل، حتّى لايجسروا على المعاصي. [ثمّ أدام نحوالفَخْرالرّازيّ] (4 : 31)

أبوالسُّعود: أي ألا يلاحظونه و لايتصفّحونه و ما فيه من المواعظ و الزّواجر حتّى لايقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات. (6 : 91)

نحوه البُرُوسَويّ (8 : 518)، و الآلوسيّ (26 : 74) .

ابن عاشور: تفريع على قوله: { فَاَصَمَّهُمْ وَ اَعْمى اَبْصَارَهُمْ } محمّد : 23، أي هلا تدبّروا القرآن عوض شغل بالهم في مجلسك بتتبّع أحوال المؤمنين، أو تفريع على قوله:{ فَاَصَمَّهُمْ وَ اَعْمى اَبْصَارَهُمْ }. و المعنى أنّ الله خلقهم بعقول غير منفعلة بمعاني الخير و الصّلاح، فلايتدبّرون القرآن مع فهمه، أولايفهمونه عند تلقّيه، و كلا الأمرين عجيب.

و الاستفهام تعجيب من سوء علمهم بالقرآن و من إعراضهم عن سماعه. (26 : 95)

عبد الكريم الخطيب: هوسؤال يتردّد في صدور من ينظرون إلى هؤلاء الّذين كانوا على طريق الإيمان، ثمّ لم يلبثوا أن انحرفوا عنه، و ضلّوا سواء السّبيل، ثمّ ألقى بهم بعيدً ا عن دائرة المؤمنين.

فكلّ من كان بمشهد منهم من المؤمنين، يسأل هذا السّؤال: ما بال هؤلاء الأشقياء، قد ألقوا بأنفسهم في مواقع الهلاك، و قد كانت آيات الله بين أيديهم؟ أمع

ص: 815

آيات الله يكون عمى و ضلال؟ و كيف و هي صبح مشرق، و نور مبين؟

أمران لاثالث لهما، هما الّعلة الّتي جاء منها هذا البلاء الّذي حلّ بهؤلاء الأشقياء المناكيد: إمّا لأ نّهم لم يتدبّروا القرآن، و لم يحسنوا الإصغاء إليه، و الاتّصال به، و الأخذ عنه. و إمّا لأ نّهم تدبّروا و أصغوا، و حاولوا أن يتّصلوا بالقرآن، و لكن كانت قلوبهم مغلقة، و مختومًا عليها، فلاينفذ إليها شعاع من هدى أبدًا.

و سواء أ كان هذا أو ذاك، فإنّ الدّ اء منهم، و فيهم، و ليس من آيات الله، و لافي آيات الله، فما في آيات الله هدى، و حقّ و نور.

و هذا مثل قوله تعالى:{ اَ فَلَمْ يَدَّ بَّرُوا الْقَوْلَ اَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَاْتِ ابَاءَهُمُ الاَوَّلينَ‘ } المؤمنون : 68.

و لايصحّ أن يكون الاستفهام في قوله تعالى: { اَفَلا يَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ } للتّحضيض، بمعنى < هلا>، لأنّ التّحضيض إنّما يكون لمن يُرجى منه إتيان ما يحض عليه، و هؤلاء قد سبق الحكم عليهم بأنّ الله قد لعنهم فأصمّهم و أعمى أبصارهم ، فكيف يُدعَون بعد هذا إلى تدبّر القرآن؟. (13 : 359)

مكارم الشّيرازيّ: و تناول آخر آية من هذه الآيات ذكر العلّة الحقيقيّة لانحراف هؤلاء القوم التّعساء، فقالت: { اَفَلا يَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ

انَ اَمْ عَلى قُلُوب اَقْفَالُهَا }؟

نعم، إنّ عامل مسكنة هؤلاء و ضياعهم، أحداثنين: إمّا أ نّهم لايتدبّرون في القرآن، برنامج الهداية الإلهيّة، و الوصفة الطّبّيّة الشّافية تمامًا، أو أ نّهم يتدبّرونه، إلا أنّ قلوبهم مُقفلة نتيجة اتّباع الهوى والأعمال الّتي قاموا بها من قبل، وهي مقفلة بشكل لاتنفذ معه أيّ حقيقة إلى قلوبهم.

و بتعبير آخر، فإنّهم كرجل ضلّ طريقه في الظّلمات، فلاسراج في يده،و لاهو يبصر إذ هو أعمى، فلو كان معه سراج، وكان مبصرًا، فإنّ الاهتداء إلى الطّريق في أيّ مكان سهل و يسير. (16 : 346)

فضل الله: ليتعمّقوا في مفاهيمه، و ينفتحوا على أحكامه، و يتعرّفوا من خلاله على الخطوط الفاصلة بين الحقّ و الباطل، و بين الكفر و الإيمان، ليلتزموا الخطّ القرآنيّ في قضايا العقيدة و الحياة؟ و ما المانع أن يتدبّروه و هم يملكون معرفة اللّغة الّتي نزل بها، و القدرة على الفهم؟ { اَمْ عَلى قُلُوب اَقْفَالُهَا }؟

فلاتنفتح على الحقّ من خلال القرآن، و لاتلتقي بالخير في آياته، كما لو كان على قلوبهم قفل يغلقها عن الوعي والفهم والانفتاح.

و الظّاهر كما قال في < مجمع البيان > أنّ هذه الآية دالّة: « على بطلان قول من قال: لايجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن إلا بخبر و سمع ». فإنّ الله يدعو إلى فهم القرآن و تدبّره حتّى يكتشف النّاس فكره و شريعته و نهجه في الحياة، و ليست هذه الأقوال الّتي تعزل القرآن عن الفهم العامّ للنّاس، إلا لونًا من ألوان تجميد القرآن في الثّقافة العامّة، وإبعاد النّاس عن اكتشاف الزّيف الّذي يحشده البعض في المضمون التّفسيريّ له. (21 : 71)

ص: 816

يَدَّ بَّرُوا

1 اَفَلَمْ يَدَّ بَّرُوا الْقَوْلَ اَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَاْتِ ابَاءَهُمُ الاَوَّلينَ‘. المؤمنون : 68

ابن عبّاس: أفلم يتفكّروافي القرآن وما فيه من الوعيد؟ (288)

نحوه الطّبَريّ (9 : 233)، و الطُّوسيّ (7 : 381)،

والقُشَيْريّ(4: 253)والمَيْبُديّ(6: 453)،والزّمَخْشَريّ (3 : 36)، و ابن عَطيّة (4 : 150)، و الطَّبْرِسيّ (4 : 112).

الفَخْرالرّازيّ: ثمّ إنّه سبحانه لمّا وصف حالهم ردّ عليهم بأن بيّن أنّ إقدامهم على هذه الأُمور لابدّ و أن يكون لأحد أُمور أربعة:

أحدها: أن لايتأمّلوا في دليل نبوّته، و هو المراد من قوله: { اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ } النّساء : 82، فبيّن أنّ القول الّذي هو القرآن كان معروفًا لهم، و قد مكّنوا من التّأمّل فيه من حيث كان مباينًا لكلام العرب في الفصاحة، و مبرأً عن التّناقض في طول عمره، و من حيث ينبّه على ما يلزمهم من معرفة الصّانع و معرفة الوحدانيّة، فلِمَ لايتدبّرون فيه ليتركوا الباطل و يرجعوا إلى الحقّ؟ [و أمّاالأمر الثّاني و الثّالث و الرّابع لاربط لها بالموضوع فلاحظ] (23 : 111)نحوه الشِّربينيّ. (2 : 585)

أبوحَيّان: ذكر تعالى توبيخهم على إعراضهم عن اتّباع الحقّ، و { الْقَوْلَ }: القرآن الّذي أتى به محمّد (صلی الله علیه و آله)، أي أفلم يتفكّروا فيماجاء به عن الله، فيعلموا أ نّه المعجز الّذي لايمكن معارضته، فيصدّقوا به و بمن جاء به. وبّخهم ووقّفهم على تدبّره، وأ نّهم بمكابرتهم و نظرهم الفاسد، قال بعضهم: سحر، و قال بعضهم: شعر، و هو أعظم الدّلائل الباقية على غابر الدّهر. قرعهم أوّ لا بترك الانتفاع بالقرآن، ثمّ ثانيًابأنّ ما جاءهم جاء آباءهم الأوّلين... (6 : 413)

نحوه أبوالسُّعود(4 : 425)، و البُرُوسَويّ (6 : 93) و الآلوسي (18 : 50).

ابن عاشور: الفاء لتفريع الكلام على الكلام السّابق، و هو قوله: { بَلْ قُلُوبُهُمْ فى غَمْرَة مِنْ هذَا } إلى قوله:{ سَامِرا تَهْجُرُونَ } المؤمنون:6367، و هذا التّفريع معترض بين جملة { بَلْ قُلُوبُهُمْ فى غَمْرَة مِنْ هذَا } و جملة { وَ لَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَ كَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرّ لَلَجُّوا فى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } المؤمنون:75.

و المفَرّع استفهامات عن سبب إعراضهم و استمرار قلوبهم في غمرة، إلى أن يحلّ بهم العذاب الموعود.

و هذه الاستفهامات مستعملة في التّخطئة على طريقة المجاز المرسل، لأنّ اتّضاح الخطإ يستلزم الشّكّ في صدوره عن العقلاء، فيقتضي ذلك الشّكّ السّؤال عن وقوعه من العقلاء.

ومآل معاني هذه الاستفهامات أ نّها إحصاء لمثار ضلالهم و خطئهم، و لذلك خصّت بذكر أُمور من هذا القبيل. وكذلك احتجاج عليهم، و قطع لمعذرتهم، و إيقاظ لهم بأنّ صفات الرّسول كلّها دالّة على صدقه.

فالاستفهام الأوّل: عن عدم تدبّرهم فيما يُتلى عليهم من القرآن،وهوالمقصود ب{ الْقَوْلَ } أي الكلام

ص: 817

قال تعالى:{اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ ا نَ}النّساء: 82.

و التّدبّر: إعمال النّظر العقليّ في دلالات الدّلائل على ما نُصِبت له.وأصله أ نّه من النّظر في دُ بُر الأمرأي فيما لايظهر منه للمتأمّل بادئ ذي بدء. و قد تقدّم عند قوله تعالى: { اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِاللهِ لَوَجَدُوا فيهِ‘ اخْتِلافًا كَثيرًا‘ }سورة النّساء: 82.

و المعنى: أ نّهم لو تدبّروا قول القرآن لعلموا أ نّه الحقّ بدلالة إعجازه، و بصحّة أغراضه، فما كان استمرار عنادهم إلا لأ نّهم لم يُدبّروا القول. و هذا أحد العلل الّتي غمرت بهم في الكفر. (18 : 71)

الطَّباطَبائيّ: شروع في قطع أعذارهم في الإعراض عن القرآن النّازل لهدايتهم، و عدم استجابتهم للدّعوة الحقّة الّتي قام بها النّبيّ(صلی الله علیه و آله).

فقوله: { اَفَلَمْ يَدَّ بَّرُوا الْقَوْلَ } الاستفهام فيه للإنكار، و اللام في {الْقَوْلَ } للعهد، و المراد بهالقرآن المتلوّ عليهم. و الكلام متفرّع على ما تقدّمه من كونهم في غفلة منه و شغل يشغلهم عنه، و المعنى: هل إذا كانوا على تلك الحال لم يدّ بّروا هذا القول المتلوّ عليهم، حتّى يعلموا أ نّه حقّ من عند الله فيؤمنوا به. (15 : 45)

مكارم الشّيرازيّ: أعذار المنكرين المختلفة:

تحدّثت الآيات السّابقة عن إعراض الكفّار و استكبارهم إزاء الرّسول الأعظم(صلی الله علیه و آله). و تناولت هذه الآيات أعذارهم في هذا المجال و الرّ دّ عليهم، و شرحت الدّوافع الحقيقيّة لإعراض المشركين عن القرآن و الرّسول(صلی الله علیه و آله).

و يمكن تلخيصها في خمس مراحل:

الأُولى: { اَفَلَمْ يَدَّ بَّرُوا الْقَوْلَ }.

فأوّل سبب لتعاستهم هوتعطيل التّفكّرفي مضمون دعوة النّبيّ(صلی الله علیه و آله) و لو تفكّروا مليًّا لما بقيت مشكلة لديهم. [ و باقي المراحل لاحاجة لنا إلى ذكرها، فلاحظ] (10 : 424)

فضل الله: { اَفَلَمْ يَدَّ بَّرُواْ الْقَوْلَ } الّذي جاءهم به النّبيّ محمّد(صلی الله علیه و آله) ليعرفوا كيف ينطلق من مواقع الصّدق الّذي لامجال فيه للكذب، وكيف يدلّ على نفسه، أُسلوبًا و مضمونًا، أ نّه كلام الله و ليس من كلام البشر، و كيف يحكمون على ما لم يتدبّروا فيه، و كيف يشكّون في ما لم يتأمّلوا فيه؟ و إذا كانوا قد تدبّروه، فماذا وجدوا فيه؟ فليتحدّثوا عن الخلل الّذي يتضمّنه، و عن الشّبهات الّتي يُثيرها. ولكنّهم لايتحدّثون بهذه الطّريقة، بل يواجهون المسألة بأُسلوب العناد الجامد الّذي لايفصح عن شيء، لأ نّهم لايجدون ما يدافعون به عن موقفهم. (16 : 172)

2 كِتَابٌ اَنْزَلْنَاهُ اِلَيْكَ مُبَارَ كٌ لِيَدَّ بَّرُوا ايَاتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ اُولُوا الاَلْبَابِ. ص : 29

ابن عبّاس: لكى يتفكّروا في آياته. (382)

الطّبَريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك فقرأته عامّة القرّاء: { لِيَدَّ بَّرُوا} بالياء يعني ليتدبّر هذا القرآن من أرسلناك إليه من قومك يا محمّد. و قراءة أبو جعفر و عاصم (لِتَدَّ بَّرُوا ايَاتِهِ) بالتّاء بمعنى لتتدبّره أنت يا محمّد و أتباعك.

و أولى القراءتين عندنا بالصّواب في ذلك أن يقال:

ص: 818

إنّهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب. (10 : 576)

نحوه الطُّوسيّ (8 : 556)، و الطَّبْرِسيّ (4 : 473).

الزّجّاج: المعنى: هذا كتاب ليدّ بّروا آياته، ليفكّروا في آياته، و في أدبارأُمورهم، أي عواقبها.

(4 : 329)

الزّمَخْشَريّ: و تدبُّر الآيات: التّفكّر فيها و التّأمّل الّذي يؤدّي إلى معرفة ما يُدبّر ظاهرها من التّأويلات الصّحيحة و المعاني الحسنة، لأنّ من اقتنع بظاهر المتلوّ لم يحل منه بكثير طائل،وكان مثله كمثل من له لقحة درور لايحلبها، و مهرة نثور لايستولدها.

(3 : 372)

ابن عَطيّة: و قرأ جمهور النّاس { لِيَدَّ بَّرُوا } بشدّ الدّ ال و الباء، و الضّمير للعالم، و قرأ حفص عن عاصم ( لِتَدَ بَّرُوا ) على المخاطبة،و قرأ أبوبكر عنه (لِيَتَدَ بَّرُوا) بتخفيف الدّ ال، أصله: تتدبّروا. و ظاهر هذه الآية يُعطي أنّ التّدبّر من أسباب إنزال القرآن، فالتّرتيل إذًا أفضل من الهذّ ((1)

إذ التّدبّر لايكون إلا مع التّرتيل. و باقي الآية بيّن. (4 : 503)

نحوه القُرطُبيّ. (15 : 192)

الفَخْرالرّازيّ: ... و لمّا ذكر الله تعالى هذه الطّريقة الدّ قيقة في الإلزام في القرآن، لاجرم وصف القرآن بالكمال و الفضل، فقال: { كِتَابٌ اَ نْزَلْنَاهُ اِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّ بَّرُوا ايَاتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ اُولُوا الاَلْبَابِ } فإنّ من لم يتدبّر و لم يتأمّل و لم يساعده التّوفيق الإلهيّ،

لم يقف على هذه الأسرار العجيبة المذكورة في هذا القرآن العظيم؛ حيث يراه في ظاهر الحال مقرونًا بسوء التّرتيب، و هو في الحقيقة مشتمل على أكمل جهات التّرتيب، فهذا ما حضرنا في تفسير هذه الآيات، و بالله التّوفيق. (26 : 203)

أبوحَيّان: و قرأ الجمهور: { لِيَدَّ بَّرُوا ايَاتِهِ } بياء الغيبة و شدّ الدّال، و أصله: ليتد بّروا، و قرأ عليّ بهذا الأصل، و قرأ أبو جعفر:بتاء الخطاب و تخفيف الدّال، و جاء كذلك عن عاصم و الكِسائيّ بخلاف عنهما. والأصل: لتتدبّروا بتاءين، فحُذفت إحداهما على الخلاف الّذي فيها،أهي تاء المضارعة أم التّاء الّتي تليها؟ واللام في { لِيَدَّ بَّرُوا }لام < كي >، و أُسند التّدبّر في الجميع، و هو التّفكّر في الآيات،و التّأمّل الّذي يُفضي بصاحبه إلى النّظر في عواقب الأشياء.

(7 : 395)

أبوالسُّعود: و قوله تعالى: { لِيَدَّ بَّرُوا ايَاتِهِ } متعلّق ب{ اَنْزَلْنَاهُ } أي أنزلناه ليتفكّروا في آياته الّتي من جملتها هذه الآيات المعربة عن أسرار التّكوين و التّشريع، فيعرفوا ما يدبر ظاهرها من المعاني الفائقة و التّأويلات اللائقة. (5 : 360)

نحوه البُرُوسَويّ. (8 : 25)

الآلوسيّ: [نحو أبي السُّعودثمّ نقل القراءتين]

(23 : 189)

ابن عاشور: و التّدبّر: التّفكّر و التّأمّل الّذي يبلغ به صاحبه معرفة المراد من المعاني، و إنمّا يكون

ص: 819


1- (1) سرعة القراءة.

ذلك في كلام قليل اللّفظ كثير المعاني الّتي أودعت فيه؛ بحيث كلّما ازداد المتدبِّر تدبّرًا، انكشفت له معان لم تكن بادية له بادئ النّظر. و أقرب مثل للتّدبّر هنا هو ما مرّ آنفًا من معاني قوله تعالى: { وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَاءَوَ الاَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا } إلى قوله:{ اَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقينَ‘ كَا لْفُجَّارِ } ص : 27 ، 28، و تقدّم عند قوله تعالى: { اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ } في سورة النّساء : 82.

وقرأ الجمهور { لِيَدَّ بَّرُوَا } بياء الغيبة و تشديد الدّال . و أصل { يَدَّ بَّرُوا } يتدبّروا ، فقُلبت التّاء دالا لقرب مخرجيهما، ليتأتّى الإدغام لتخفيفه، و هو صيغة تكلّف مشتقّة من فعل: دَ بَرَ بوزن <ضرب>، إذا تبع، فتدبّره بمنزلة تتبّعه، و معناه: أ نّه يتعقّب ظواهر الألفاظ، ليعلم ما يَدْبر ظواهرها من المعاني المكنونة و التّأويلات اللائقة. و تقدّم عند قوله تعالى: { اَفَلَمْ يَدَّ بَّرُوا الْقَوْلَ } المؤمنون : 68. [ثمّ نقل قراءة الأُخرى]

(23 : 148)

الطَّباطَبائيّ: أي هذا كتاب من وصفه كذا و كذا. و توصيفه بالإنزال المشعر بالدّفعة دون التّنزيل الدّ الّ على التّدريج، لأنّ ما ذُكر من التّدبّر و التّذكّر يناسب اعتباره مجموعًا لانجومًا مفرّقة.

و المقابلة بين { لِيَدَّ بَّرُوا } و { لِيَتَذَكَّرَ اُولُوا الاَلْبَابِ } تفيد أنّ المراد بضمير الجمع النّاس عامّة.

المعنى: هذا كتاب أنزلناه إليك كثير الخيرات و البركات للعامّة و الخاصّة، ليتدبّره النّاس فيهتدوا به، أو تتمّ لهم الحجّة، و ليتذكّر به أُولوا الألباب فيهتدوا إلى الحقّ، باستحضار حجّته و تليقها من بيانه.

(17 : 197)

فضل الله: و يتأمّلوها ليأخذوا منها المعرفة الشّاملة بالحقّ، المنفتح على الحياة كلّها، و على الإنسان كلّه. (19 : 257)

الوُجوه و النّظائر

الحيريّ: الدّ ابر على خمسة أوجه:

أحدها: آخِر،كقوله: { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لله ٍِِِِِ‚ رَبِّ الْعَالَمينَ‘ } الأنعام : 45، و قوله: { وَقَطَعْنَا دَ ابِرَ الَّذينَ‘ كَذَّ بُوا بِايَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنينَ‘} الأعراف : 72، و قوله:{ اَنَّ دَابِرَ هؤُ لاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحينَ ‘} الحجر : 66.

والثّاني:الظّهر، كقوله: { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ

دُ بُرَ هُ } الأنفال : 16.

و الثّالث: المنهزمون، كقوله: { وَاِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايُنْصَرُونَ } آل عمران : 111، و قوله:{ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرينَ‘ } التّوبة : 25، نظيرها في الحشر، الآية : 12.

و الرّابع: الخلف، كقوله : { وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ

وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ } ق : 40، و يعني خلف صلاة المغرب ركعتي سنّة، و قوله: { وَ اِدْ بَارَ النُّجُومِ } الطّور : 49، و هي وقت الصّبح، و أراد به ركعتي الفجر.

و الخامس: ذهب ، كقوله : { وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ } المدّثّر: 33. (249)

الدّ امغاني: الدُّبر و الأدبار على ستّة أوجه: الظّهر، الدّين الباطل، عقيب، الذّهاب، الغابر، التّدبّر،

ص: 820

التّفكّر.

فوجه منها: الأدبار: الظّهور، قوله في الأنفال : 15 { فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ } يعني الظّهور، مثلها فيها، { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُ بُرَهُ } الأنفال : 16، يعني ظهره، كقوله: في يوسف : 27، { وَاِنْ كَانَ قَميصُهُ قُدَّ مِنْ دُ بُر} أي من ظهر.

و الوجه الثّاني: الأدبار: أديان آبائهم، قوله في محمّد : 25:{ اِنَّ الَّذينَ ‘ ارْ تَدُّوا عَلى اَدْ بَارِهِمْ } يعني على دين آبائهم و هي اليهوديّة، كقوله في الإسراء: 46: { وَ اِذَا ذَكَرْتَ رَ بَّكَ فِى الْقُرْ انِ وَحْدَهُ وَلَّوْ ا عَلى اَدْ بَارِهِمْ نُفُورًا } يعني رجعوا إلى أصنامهم، و عكفوا على عبادتها.

و الوجه الثّالث: الأدبار: عقيب الشّيء، قوله في ق: 40، : { وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ اَدْ بَارَ السُّجُود ِ} يعني خلف السّجود بعد صلاة المغرب، كقوله[ في ] الطّور : 49:{ وَ اِدْ بَارَ النُّجُومِ } يعني صلاة الغداة.

و الوجه الرّابع: دبَر أي ذهب، قوله في المدّثّر : 33: { وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ } أي ذهب.

و الوجه الخامس: دابرهم يعني غابرهم و آخرهم، فذلك قوله في الأنعام:45:{ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ } يعني أصلهم و آخرهم، مثلهافي الحجر: 66،{ وَ قَضَيْنَا اِلَيْهِ ذ لِكَ الاَمْرَ اَنَّ دَابِرَ هؤُ لا’ءِ } يعني غابر هؤلاء { مَقْطُوعٌ }.

و الوجه السّادس: التّدبّر: التّفكّر، قوله في النّساء: 81 : { اَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْ انَ } أي أفلايتفكّرون في القرآن؟ كقوله في محمّد(صلی الله علیه و آله) : 26. (321)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الدُّ بُر و الدُّ بْر: خلاف القُبُل؛ و الجمع: أدبار، و هو ما يجمع الإست و الحياء لكلّ ذي حافر و ظِلْف و خُف و مِخْلَب، ثمّ توسّع استعماله في الإنسان و كلّ شيء، و منه: الدُّ بْر: الظّهر. يقال: دَ بَرَه يَدبُرُه و يَدبِرُه دُبورًا، أي تلا دُ بُرَه و تبعه من ورائه، فهو دابرو ذاك مدبور، و استَدبَره: أتاه من ورائه.

و دابر الإنسان: عُرقُوبه. يقال: ضربه على دابر فخذه، أي أسفل من الألية من مؤخّرها.

و دابر الطّائر: الّتي يضرب بها، و هي كالإصبع في باطن رِجْلَيه، وهي دابرة الطّائر أيضًا.

و الدّ ابرة : صِيصِيَة الدّيك، و دابرة الحافر: ما حاذى مؤخّر الرّسغ، والدّابرة: آخِر الرّمل؛ و الجمع: دَوابر.

و الدّابر: العقب. يقال: دَ بَرتُ الرّجل، إذا بقيتَ بعده، و دَ بَرَني فلان و خلفني: جاء بعدي. و منه أيضًا: دُ بُر البيت : مؤخّره و زاويته.

و دُ بُر الشّهر: آخِره. يقال: جئتك دُ بُر الشّهر وفي دُ بُره و على دُ بُره، و دُ بُر اللّيل: آخِره ؛ دَ بَرَ اللّيل و أدبرَ، أي ولّى، و أمسِ الدّابر: الذّاهب.

و الدَّ بْر: آخِر كلّ شيء. يقال: دَ بَرَ السّهم الهدف يَدبُرُه دَ بْرًا و دُبورًا، أي صار من وراء الهدف، و جعل فلان قولي دَ بْرَ أُذنه و دُ بُرَ أُذنه: خلف أُذنه.

و قطعَ الله دابرَهم: آخِر من بقي منهم، و من دعاء الإمام زين العابدين لأهل الثّغور: < تقطع به دابرَهم،

ص: 821

و تحصد به شوكتهم ((1))>.

و الدَّ بْريّ: المنسوب إلى الدَّ بْر، و في الحديث: < لايأتي الصّلاة إلا دَ بْريًّا >، أي آخر وقت الصّلاة، و مثله: < ثلاثة لاتُقبل لهم صلاة: رجل أتى الصّلاة

دِبارًا ...> جمع: دَ بْر و دُ بُر ، أي يأتي آخِر أوقات الصّلاة و غيرها. و الرّأي الدَّ بْريّ: الّذي يعرض بعد وقوع الشّيء.

و الدَّبور: ريح تُقابل الصَّبا، تهبّ من قِبَل القبلة دابرةً نحو المشرق؛ و الجمع: دُ بُر و دَبائر، و سمّيت دَ بُورًا لأ نّها تجيء من دُ بُر الكعبة كما قيل ولا يصحّ يقال : دَ بَرَت الرّيح تَدبُر دُبورًا، أي صارت دَ بُورًا، و أدبرَ الرّجل: صار في الدَّبور.

و الدَّبار: الهلاك. يقال: على فلان الدَّبار، كما يقولون: العفاء، أي انقطاع الأثر، و دَ بَرَ القوم يَدبُرون دَبارًا.

و الدّبير: ما أدبرَ به الفاتل إلى ركبتيه، و القبيل: ما أقبل به الفاتل إلى حقوه. و قيل: الدّبير : فَتْل الكتّان و الصّوف، و القبيل: فَتْل القُطن. يقال: أدبَر الرّجل، أي عرف دبيره من قبيله.

و في المثل: < ما يدري فلان قبيلا من دَبير > أي لايعرف شيئًا، و قيل: معناه لايعرف نسب أبيه من نسب أُمّه.

و الدّبير: خيبة القِدْح في القمار، و القبيل: فوز القِدْح، و المدابرة: أن تقامر قمارًا لاترجع فيه، و ليس فيه رِدّيدى. قال ابن فارِس: < و هو من هذا الباب، لأ نّه ولّى صاحبَه دُ بُرُه >.

و التّدبير: عتق المملوك بعد موت سيّده، فيقول له: أنت حرّ بعد موتي ، أو أنت حُرّ دُ بْر حياتي.

و التّدبير : النّظر في عواقب الأُمور و التّفكّر فيها، و هو التّدبّر أيضًا. يقال: فلان يتدبّر أعجاز أُمور قد ولّت صدورها، و استَدبَر من أمره ما لم يكن استقبل:

نظر فيه مستدبرًا، فعرف ما عاقبة ما لم يعرف من صدره.

و التّدبير في الحديث: روايته. يقال: دبّرت الحديث، أي حدّثت به عن غيري، و دبّرتُه عنه: رويتُه. و اشتقّ الجَوهَريّ هذا المعنى من الدَّ بْر و قصره عليه، فقال: < دَ بَرتُ الحديث عن فلان: حدّثت به عنه بعد موته >، و نقله الفيروزاباديّدون أن يغلّطه كعادته.

و الإدبار: خلاف الإقبال، و المُدابر من المنازل: نقيض المُقابل، و شاة مُقابلة و مُدابرة، كذلك النّاقة، فالمُقابَلة الّتي تُشَقّ أُذنها من قِبَل وجهها، و المُدابرة الّتي تُشَقّ أُذنها من قِبَل قفاها.

و في الحديث:< إنّ النّبيّ(صلی الله علیه و آله) نهى أن يضحّى بشرقاء أو خرقاء، مُقابلةً أو مُدابرةً، أو جدعاءً >.

و يقال للقوم في الحرب: ولّوهم الدُّ بُر و الأدبار، و ما لهم من مَقبَل و لامَدبَر، أي مذهب في إقبال و إدبار.

و الدّبرة: الهزيمة في القتال، و هو اسم من الإدبار، أي التّولية. يقال: جعل الدَّبرة عليهم: الهزيمة.

ص: 822


1- (1) الصّحيفة السّجّاديّة : 27.

و رجل أُدابر: يقطع رحمه؛ و ذلك أ نّه يُدبِر عنها

و لايُقبِل عليها، و رجل أُدابر أيضًا: لايقبل قول أحد و لايلوي على شيء.

و التّدابر: المصارمة و الهجران، و هو أن يولّي الرّجل صاحبَه دُ بُرَه و يعرض عنه بوجهه، و في الحديث: < لاتدابروا و لاتقاطعوا > و هو المُدابرة. يقال: دابَرتُه، أي عادَيتُه.

و الدَّ بْر: النّحل؛ و الجمع: دُبور، سمّي بالدَّ بْر لأنّ إبرته الّتي يلسع بها في دُبره، و هو من باب ذكر المكان و المراد به ما فيه، كقولهم: أكَلتُ قِدْرًا طيّبة، أي أكَلتُ ما فيها.

و الدَّ بْر: قطعة تغلظ في البحر كالجزيرة، يعلوها الماء و ينضب عنها، أي ينحسر عنها و ينكشف، فهو يُقبل عليها و يُدبر عنها.

و الدَّ بْر: المال الكثير. يقال : أدبرَ الرّجل إذا صار له دَ بْر، و هو من هذا الباب، لأ نّه لاينفد لكثرته، فيتركه صاحبه لمن يرثه إذا أدبَر، أي مات.

2 و نحو الدَّبار أي الهلاك التّبار. يقال : تَبِر الشّيء يَتبَر تَبارًا، و المتبور: الهالك، و كذا الدَّمار، فبين هذه الموادّ الثّلاث اشتقاق أكبر.

3 و أنكر ثَعْلَب و شَمِر قول المحدّثين: دَبّرتُ الحديث، أي حدّثت به عن غيري، فقال ثَعْلَب: < إنّما هو يَذبُرُه، أي يتقنه > بينما رويت لغة الدّال عن الأصمَعيّ وأبي عُبَيْد، و احتجّ الأزهَريّ بالحديث: < أما سمعتَه من معاذ يدبّره عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) >؟ و هذا من باب الإبدال، نحو قولهم: ما ذاق عَذُوقًا، و ما ذاق عَدُوفًا، أي ما ذاق شيئًا.

4 و أمّا قولهم: دَبِر البعير يَدبَر دَ بَرًا، أي قَرِح ظهره، فلعلّه من: ثَبِرَت القُرْحَة: انفتحت، و نحو إبدال الدّال ثاءً قولهم: مَرَث الشّيء و مَرَدَه، إذا ليّنه بيده.

5 و الدَّ بْرة: السّاقية بين المزارع، و هذا ممّا شذّ عن الأصل، و نحوه: الدَّ بْل، أي الجدول، فهل الدّال فيه مبدلة من اللام، نحو: المعكول و المعكود، أي المحبوس؟

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدًا اسم الفاعل ( دَابِر ) 4 مرّات، و الاسم مفردًا ( دُ بُر )5 مرّات، و جمعًا (اَدْ بَار ) 13 مرّة، و مزيدًا من (الإفعال) الماضي 4 مرّات، و اسم الفاعل مفردًا و جمعًا ( مُدْبِر ) و ( مُدْبِرين‘َ ) 8 مرّات، و المصدر ( اِدْ بَار ) مرّة، و من ( التّفعيل ) المضارع 4 مرّات، و اسم الفاعل مرّة، و من ( التّفعّل ) المضارع 4 مرّات في 44 آية:

1 الدُّ بُر و الأدبار:

1 { وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَ قَدَّتْ قَميصَهُ مِنْ دُ بُر وَ اَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ...} يوسف : 25

2 { وَ اِنْ كَانَ قَميصُهُ قُدَّ مِنْ دُ بُر فَكَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصَّادِقينَ ‘} يوسف : 27

3 { فَلَمَّا رَ ا قَميصَهُ قُدَّ مِنْ دُ بُر قَالَ اِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ اِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظيمٌ‘ } يوسف : 28

4 { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّ بُرَ } القمر : 45

5 و 6 { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا اِذَا لَقيتُمُ‘ الَّذينَ‘ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ

ص: 823

دُ بُرَهُ اِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَال اَوْ مُتَحَيِّزًا اِلى فِئَة ...}

الأنفال :15 و 16

7 { لَنْ يَضُرُّوكُمْ اِلا اَذًى وَ اِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايُنْصَرُونَ } آل عمران : 111

8 { وَ لَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لايُوَلُّونَ الاَدْ بَارَ وَ كَانَ عَهْدُ اللهِ مَسُْو=لا } الأحزاب : 15

9 { وَ لَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لانَصيرًا‘} الفتح : 22

10 { لَئِنْ اُخْرِجُوا لايَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لايَنْصُرُونَهُمْ وَ لَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايُنْصَرُونَ } الحشر : 12

11 { ... وَ لا تَرْ تَدُّوا عَلىاَدْ بَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرينَ ‘} المائدة : 21

12 { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ اُوتُوا الْكِتَابَ امِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّ قًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ اَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلى اَدْ بَارِهَا اَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا اَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ اَمْرُ اللهِ مَفْعُولا } النّساء : 47

13 { وَلَوْ تَرى اِذْ يَتَوَفَّى الَّذينَ‘ كَفَرُوا الْمَلئِكَةُ’ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَاَدْ بَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَريقِ‘ }

الأنفال : 50

14 { فَاَسْرِ بِاَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ الَّيْلِ وَ اتَّبِعْ اَدْ بَارَهُمْ وَ لايَلْتَفِتْ مِنْكُمْ اَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ }

الحجر : 65

15 {...وَ اِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْ انِ وَحْدَهُ وَلَّوْ ا عَلى اَدْ بَارِهِمْ نُفُورًا } الإسراء : 46

16 { اِنَّ الَّذينَ‘ ارْتَدُّوا عَلى اَدْ بَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَاَمْلى لَهُمْ }

محمّد : 25

17 { فَكَيْفَ اِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلئِكَةُ’ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ اَدْ بَارَهُمْ } محمّد : 27

18 {وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ} ق: 40

19 { وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَاِدْ بَارَ النُّجُومِ }

الطّور : 49

2 الإدبار

20 { كَلا اِنَّهَا لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا مَنْ اَدْ بَرَ وَ تَوَلى }\ المعارج : 15 17

21 {ثُمَّ اَدْ بَرَ وَ اسْتَكْبَرَ * فَقَالَ اِنْ هذَا اِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ } المدّثّر : 23 ، 24

22{وَ الَّيْلِ اِذْ اَدْ بَرَ* وَ الصُّبْحِ اِذَا اَسْفَرَ * اِنَّهَا لاِحْدَى الْكُبَرِ} المدّثّر : 33 35

23 {ثُمَّ اَدْ بَرَ يَسْعى * فَحَشَرَ فَنَادى * فَقَالَ اَنَا رَبُّكُمُ الاَعْلى } النّازعات : 22 24

24 و 25 {... فَلَمَّا رَ اهَا تَهْتَزُّ كَاَ نَّهَا جَانٌّ وَ لى\ مُدْبِرً ا وَلَمْ يُعَقِّب ...}

النّمل : 10 ، القصص : 31

26 {... وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الاَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرينَ‘ } التّوبة : 25

27 { وَ تَاللهِ لاَ كيدَ‘نَّ اَصْنَامَكُمْ بَعْدَ اَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرينَ‘ } الأنبياء : 57

28 { اِنَّكَ لاتُسْمِعُ الْمَوْ تى وَ لاتُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرينَ ‘} النّمل : 80

29 { فَاِنَّكَ لاتُسْمِعُ الْمَوْتى وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرينَ‘ } الرّوم : 52

ص: 824

30 {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرينَ‘ }

الصّافّات : 90

31 { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرينَ‘ مَا لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِم وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد } المؤمن : 33

3 الدّ ابر

32 { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ للهِ‚ رَبِّ الْعَالَمينَ ‘} الأنعام : 45

33 {... وَ قَطَعْنَا دَابِرَ الَّذينَ‘ كَذَّبُوا بِايَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنينَ ‘} الأعراف : 72

34 {... وَ يُريدُ‘ اللهُ اَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرينَ‘ } الأنفال : 7

35 { وَ قَضَيْنَا اِلَيْهِ ذلِكَ الاَمْرَ اَنَّ دَابِرَ هؤُ لاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحينَ ‘} الحجر : 66

4 التّدبير:

36 { اِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذى‘ خَلَقَ السَّموَاتِ وَ الاَرْضَ فى سِتَّةِ اَيَّام ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَ بِّرُ الاَمْرَ...} يونس : 3

37 { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَ الاَرْضِ اَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَ الاَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَىِّ وَ مَنْ يُدَ بِّرُ الاَمْرَ...}

يونس : 31

38 { اَللهُ الَّذى رَفَعَ السَّموَاتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْ نَهَا ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرى‘ لاَ‚جَل ٍمُسَمًّى يُدَ بِّرُ الاَمْرَ يُفَصِّلُ الا يَاتِ’ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }

الرّعد : 239 { يُدَبِّرُ الاَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ اِلَى الاَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ اِلَيْهِ فى يَوْم كَانَ مِقْدَ ارُهُ اَلْفَ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ } السّجدة : 5

40 { وَ السَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا } النّازعات : 3 5

5 التّدبّر:

41 { اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ اخْتِلافًا كَثيرًا ‘}

النّساء : 82

42 { اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ

انَ اَمْ عَلى قُلُوب اَقْفَالُهَا} محمّد : 24

43 { اَفَلَمْ يَدَّ بَّرُوا الْقَوْ لَ اَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَاْتِ ابَاءَهُمُ الاَوَّ لينَ‘ } المؤمنون : 68

44 { كِتَابٌ اَنْزَلْنَاهُ اِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّ بَّرُوا ايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ اُولُوا الاَلْبَابِ }

ص : 29

يلاحظ أوّ لا : أنّ مشتقّات هذه المادّة جاءت في خمسة محاور:

أ الدُّ بُر و الأدبار و الإدبار في الآيات (1 31)، و فيها بُحُوثٌ:

1 جاءت الآيات الثّلاث الأُول بلفظ { دُ بُر }، أي خلف حقيقةً (1): { وَ اسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّت قَميصَهُ مِنْ دُ بُر }، (2): { وَ اِنْ كَانَ قَميصُهُ قُدَّ مِنْ دُ بُر فَكَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصَّادِقين ‘}، (3): { فَلَمَّا رَ ا قَميصَهُ قُدَّ مِنْ دُ بُر قَالَ اِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ اِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظيمٌ ‘}.

و جاءت ثلاث آيات بلفظ { اَدْ بَارَهُمْ }، أي ظهورهم حقيقةً أيضًا (13): { وَلَوْ تَرى اِذْ يَتَوَفَّى الَّذينَ‘ كَفَرُوا الْمَلئِكَةُ’ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ اَدْ بَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَريقِ‘ }، (14): { فَاَسْرِ بِاَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ الَّيْلِ وَ اتَّبِعْ اَدْ بَارَهُمْ وَ لايَلْتَفِتْ مِنْكُمْ اَحَدٌ وَ امْضُوا

ص: 825

حَيْثُ تُؤْمَرُونَ }، (17): { فَكَيْفَ اِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلئِكَةُ’ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ اَدْ بَارَهُمْ }.

2 استعمل القرآن اصطلاح تولية الدُّ بُر و الأدبار في معنى الفرار من العدوّ مجازًا، سواءٌ كان الفارّ مسلمًا كما في (5 ) : { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا اِذَا لَقيتُمُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاتُوَلُّوهُمُ الاَدْ بَارَ }، و (6): { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُ بُرَهُ اِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَال اَوْ مُتَحَيِّزً ا اِلى فِئَة فَقَدْ بَاءَ بِغَضَب مِنَ اللهِ وَمَاْويهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصيرُ ‘}. أم كافرًا كما في (4): { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَ لُّونَ الدُّ بُرَ }، و (9): { وَ لَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لانَصيرًا‘ }، أو منافقًا كما في (8 ): { وَ لَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لايُوَلُّونَ الاَدْ بَارَ }، و (10) : { لَئِنْ اُخْرِجُوا لايَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لايَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الاَدْ بَارَثُمَّ لايُنْصَرُونَ }، أو مقاتلا من أهل الكتاب كما في (7 ) : { لَنْ يَضُرُّوكُمْ اِلا اَذًى وَ اِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايُنْصَرُونَ }.كما استعمل في خصوص اليهود الارتداد على الأدبار في (11): { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الاَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتى كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَ لاتَرْتَدُّوا عَلى اَدْ بَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرينَ ‘}، و (16): { اِنَّ الَّذينَ‘ ارْ تَدُّوا عَلى اَدْ بَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ اَمْلى لَهُمْ }. و في أهل الكتاب عامّة اصطلاح الرّدّ على الأدبار في (12): { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ اُوتُوا الْكِتَابَ امِنُوا بِمَا نَزَّ لْنَا مُصَدِّ قًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ اَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلى اَدْ بَارِهَا اَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا اَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ اَمْرُ اللهِ مَفْعُولا }.

3 إن قيل: ِلمَ جُمع الدّ ُبُر و حقّه الإفراد في (18): { وَ مِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ اَدْ بَارَ السُّجُودِ }؟

يقال: جُمع للتّكثير، يقول: أكْثِر يا محمّد من الصّلاة أو التّسبيح أو الدّعاء بعد السّجود. أمره بذلك لينشغل عمّا كان المشركون يجاهرونه به في مكّة.

ب :الإدبار في الآيات 19 31، و فيها بُحُوثٌ:

1 كان سبب الإدبار في بعض هذه الآيات الخوف، كما في (24و 25): { وَ اَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَ اهَا تَهْتَزُّ كَاَ نَّهَا جَانٌّ وَلى\ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} حيث خاف موسى (علیه السلام) و فرّ منها هاربًا أيضًا.

و (23): { فَاَريهُ الايَةَ الْكُبْرى * فَكَذَّبَ وَ عَصى * ثُمَّ اَدْ بَرَ يَسْعى }، حيث خاف فرعون من الحيّة و سعى هاربًا، حسب قول الجُبّائيّ: فيا عجبًا كيف يخاف شقيّ من بيّنة و لايؤمن بها؟! و كيف يخاف نبيّ من معجزة و قد أتى بها؟!

2 جاء لفظ { مُدْبِرًا }، و { مُدْبِرينَ‘ } في (24 31) حالا مؤكّدة لفعلها، لأنّ التّولية و الإدبار بمعنى واحد، كما أنّ اسم الفاعل و المصدر من < أدبَرَ > بمعنى واحد أيضًا، فقوله في (9): { وَ لَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الاَدْ بَارَ ثُمَّ لايَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصيرًا } نظير قوله في (28): { اِنَّكَ لاتُسْمِعُ الْمَوْ تى وَ لاتُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرينَ‘ }، غير أنّ < الأدبار > وقع عليه أثر التّولية، و < مدبرين > وصف لهيئة فاعل التّولية، و هذا هو الفرق بين المفعول به و الحال.

3 أمر الله نبيّه في (18 و 19)بأن يصلّي صلاة

ص: 826

اللّيل في طائفة من اللّيل، في أدبارالسّجود و يصلّي ركعتين في إدبار النّجوم، أي قبل الصّبح، و قد جاء (الإدبار) في (19) بالكسر على القراءة المشهورة، و هو مصدر: أدبَرَ يُدْبر إدبارًا، و بالفتح على القراءة غير المشهورة، و هو الأدبار جمع دُ بُر. كما استُعمل < الأدبار > في (18) بالفتح على القراءة المشهورة، و بالكسر على القراءة غير المشهورة.

ج الدّابر في الآيات (32 35)، و فيها بُحُوثٌ:1 جاء قطع الدّابر في هذه الآيات عدا الآية: (34) كناية عن الاستئصال الّذي حاق بالأقوام الكافرة، فقد وُصفت الأُمم الغابرة بالظّلم في (32):

{ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذينَ‘ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ للهِ‚ رَبِّ الْعَالَمينَ ‘}، لأنّ الظّلم ضرب من الشّرك بالله قال تعالى: { وَ اِذْ قَالَ لُقْمنُ لاِ‚بْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَىَّ لاتُشْرِكْ بِاللهِ اِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ ‘} لقمان : 13، كما وُصف قوم هود بالتّكذيب بآيات الله و الكفر به في (33): { فَاَنْجَيْنَاهُ وَ الَّذينَ‘ مَعَهُ بِرَحْمَة مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذينَ‘ كَذَّ بُوا بِايَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنينَ ‘}.

و جاءت (35) في قوم لوط: { وَ قَضَيْنَا اِلَيْهِ ذ لِكَ الاَمْرَ اَنَّ دَابِرَ هؤُ لاءِ’ مَقْطُوعٌ مُصْبِحينَ ‘}، و قد وُصفوا في الآيات السّابقة لهذه الآية بالإجرام: { قَالُوا اِنَّا اُرْسِلْنَا اِلى قَوْم مُجْرِمينَ ‘}، و بالامتراء أي الافتراء: { قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فيهِ ‘يَمْتَرُونَ}، و كلتا الصّفتين شعبة من الكفر، فمآل مرتكب الجرم جهنّم: { اِنَّ الْمُجْرِمينَ‘ فى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } الزّخرف : 74، و عقوبة من يمتري بالله وآياته العذاب: { خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ اِلى سَوَاءِ الْجَحيمِ ‘* ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَاْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَميمِ‘ * ذُقْ اِنَّكَ اَنْتَ الْعَزيزُ‘ الْكَريمُ ‘* اِنَّ هذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } الدّخان : 47 50.

2 إن قيل: أراد الله مشركي مكّة في (34): { وَ اِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ اِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ اَ نَّهَا لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ اَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَ يُريدُ‘ اللهُ اَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرينَ ‘}، و لكنّه لم يقطع دابرهم، أليس هذا خلفًا لوعده و خلافًا لإرادته؟

يقال: كلا لأ نّه تعالى برّ بوعده و أمضى إرادته؛ حيث قتل من كفّار قريش مَن لايُرجى إيمانه، و أمّا من أبقى عليه فقد أسلم يوم الفتح. و لايزال هذا الحكم ماضيًا إلى يومنا هذا، ألم تر أنّ الأفعال في هذه الآية جاءت في الحال الّذي يدلّ على الاستمرار و الاستقبال؟

3 لمّا كان قوم لوط يأتون دُ بُر الرّجال، عاقبهم بقطع دابرهم و إنزال العذاب عليهم دُ بُر الفجر، و كان عذابهم أن أفك الأرض عن وجهها فائتفكت، أي انقلبت عليهم، فصار عاليها سافلها { وَ الْمُؤْتَفِكَةَ اَهْوى } النّجم : 53، فكما عَكسُوا نُكسوا.

د التّدبير في الآيات (36 40)، و فيها بُحُوثٌ:

1 اقترنت جملة { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } بذكر السّماء و الأرض في (36) و (37) و (39): أو بذكر السّماء فقط في (38)، ثمّ ذكر الأرض في الآية اللاحقة لها: { اَللهُ الَّذى رَفَعَ السَّموَاتِ’ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْ نَهَا ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْس وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرى‘ لاَ‚جَل مُسَمًّى يُدَ بِّرُ الاَمْرَ يُفَصِّلُالايَاتِ ’لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ

ص: 827

تُوقِنُونَ * وَ هُوَ الَّذى مَدَّ الاَرْضَ وَ جَعَلَ فيهَا ‘رَوَاسِىَ وَ اَنْهَارً ا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فيهَا ‘زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ اِنَّ فى ذلِكَ ’لايَات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ }.

و يشير هذا الاستعمال إلى شمول هذا المعنى و سعته، فلايقتصر على تدبير أمر السّماوات كالوحي، أو أمر العباد في الأرض فقط، بل يشمل الكون و ما فيه، و منه قضاء الأمر في قوله: { بَديعُ‘ السَّموَاتِ’ وَ الاَرْضِ وَ اِذَا قَضى اَمْرًا فَاِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } البقرة : 117.

2 أسند الله تدبير الأمر إلى نفسه في (36 39): { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ }، إلا أ نّه أسنده إلى غيره في (40): { فَالْمُدَ بِّرَاتِ اَمْرًا }، و المعنى واحد، لأنّ مآل الأُمور كلّها إليه تعالى؛ و ذلك قوله: { وَللهِ‚ غَيْبُ السَّموَاتِ’ وَ الاَرْضِ وَ اِلَيْهِ يُرْجَعُ الاَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَ مَا رَ بُّكَ بِغَافِل عَمَّا تَعْمَلُونَ } هود : 123.

و منها إرسال الأنبياء إلى النّاس و إنزال الوحي: { وَ جَعَلْنَاهُمْ اَئِمَّةً يَهْدُونَ بِاَمْرِنَا وَ اَوْحَيْنَا اِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَ اِقَامَ الصَّلوةِ وَ ايتَا‘ءَ الزَّكوةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدينَ ‘} الأنبياء : 73. فأضاف الأمر إليه، (بِاَمْرِنَا)

و لكنّ موسى (علیه السلام) أسنده إلى نفسه في قوله: { وَ اَشْرِكْهُ فى اَمْرى‘ } طه : 32، لأ نّه كما قلنا منه تعالى و إليه، وإن جرى إلى من ليس له.

3 وقعت جملة: { يُدَ بِّرُ الاَمْرَ } في (36) حالا من لفظ الجلالة في أوّلها:{ اِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ }، و جعلها بعضهم خبرً ا ثانيًا للفظ { رَبَّكُمْ }، { و َالله } بدلا منه . و الأصحّ ما ذكرناه، لأنّ أغلب ما جاء في هذه السّورة حجاج لمشركي مكّة في توحيد الله و بيان آياته و قدرته، فما دام عماد السّورة التّوحيد، فالأجدر بلفظ الجلالة أن يكون خبرًا، لأنّ الخبر عماد الجملة و أُسّها.

ه : التّدبّر في الآيات (41 44)، و فيها بُحُوثٌ:

1 أنكر الله تعالى على منافقي المدينة إعراضهم عن التّفكّر في القرآن في (41): { اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ اخْتِلافًا كَثيرً‘ا }، و (42): { اَفَلا يَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ اَمْ عَلى قُلُوب اَقْفَالُهَا}، كما أنكر على مشركي مكّة إعراضهم عن ذلك أيضًا في (43): { اَفَلَمْ يَدَّ بَّرُوا الْقَوْ لَ اَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَاْتِ ابَاءَهُمُ الاَوَّلينَ ‘}، و أخبر نبيّه في (44) بأ نّه أنزل إليه القرآن كي يتفكّر فيه مشركو مكّة: { كِتَابٌ اَنْزَلْنَاهُ اِلَيْكَ مُبَارَ كٌ لِيَدَّ بَّرُوا ايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ اُولُوا الاَلْبَابِ }.

2 وردت في (41) و (42) جملة: { اَفَلايَتَدَ بَّرُونَ الْقُرْ انَ }، و في (43) جملة: { اَفَلَمْ يَدَّ بَّرُوا الْقَوْلَ }، و في (44) جملة: { لِيَدَّ بَّرُوا ايَاتِهِ }. فلفظ { يَتَدَ بَّرُونَ} يدلّ على شيوع < التّفعّل> بدون إدغام في المدينة، و { يَدَّ بَّرُوا } يدلّ على خلاف ذلك في مكّة. و المتدبَّر فيه< القرآن> في (41) و (42)، و المدّ بّر فيه < القول > في (43)، و الآيات في (44).

3 فسّر التّدبّر في هذه الآيات بالتّفكّر و النّظر، و هو < تفعّل > يراد به التّكلّف هنا، لأنّ الفاعل عانَى التّدبّر حتّى يظفر به. غير أنّ الكافرين ما جشّموا أنفسهم النّظر في كتاب الله و آياته، فنسب التّدبّر

ص: 828

و هو من الدّبر إليهم إزراءً بهم. و لمّا ذكر المؤمنين نسب إليهم النّظر بهذا المعنى إكرامًا لهم: { يَا ءَ يُّهَا الَّذينَ‘ امَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد وَ اتَّقُوا اللهَ اِنَّ اللهَ خَبيرٌ‘ بِمَا تَعْمَلُونَ } الحشر : 18.

ثانيًا: جاءت في المحور الأوّل < دُ بُر و أدبار > 18 آية، منها سبعة مكّيّة و الباقي مدنيّة، فاللّفظان

مشتركان بين البلدين.

و جاءت في المحور الثّاني: < الإدبار > 26 آية، منها

أربع آيات مدنيّة و الباقي و هي 22 آية مكّيّة.

و جاءت في المحور الثّالث: < الدّابر > 4 آيات، واحدة منها مدنيّة، و الباقي و هي 3 آيات مكّيّة.

و جاءت في المحور الرّابع: < التّدبير > 5 آيات و كلّها مكّيّة.

و جاءت في المحور الخامس: < التّدبّر > 4 آيات : اثنتان منها بلفظ { يَتَدَ بَّرُونَ } و هما مدنيّتان، و اثنتان بلفظ { يَدَّ بَّرُوا } و هما مكّيّتان، فيبدوا أنّ أهل مكّة كما سبق كانوا يدغمون < الافتعال >.

ثالثًا: من نظائر هذه المادّة في القرآن:

التّدبير:

النّظر: { فَلْيَنْظُرِ الاِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ } الطّارق : 5

الحيلة: { اِلا الْمُسْتَضْعَفينَ‘ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ وَ الْوِلْدَانِ لايَسْتَطيعُونَ حيلَةً‘ وَ لايَهْتَدُونَ سَبيلا‘ }

النّساء : 98

التّلطّف: { وَكَذلِكَ ’بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا اَوْ بَعْضَ يَوْم قَالُوا رَبُّكُمْ اَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا اَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ اِلى الْمَدينَةِ‘ فَلْيَنْظُرْ اَ يُّهَا اَزْكى طَعَامًا فَلْيَاْتِكُمْ بِرِزْق مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَ لايُشْعِرَنَّ بِكُمْ اَحَدًا } الكهف : 19

ص: 829

ص: 830

د ث ر

اشارة

الْمُدَّثِّرُ

لفظ واحد، مرّة واحدة، في سورة مكّيّة

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: الدُّثور: كثرة المال، و يقال: هم أهل دَثْر؛ و مال دَ بْر بمعناه.

و دَثَرٌ، أي دَرَسٌ فهو داثِر.

و روي عن الحسَن أ نّه قال: < حادثوا هذه القلوب بذكر الله، فإنّها سريعة الدُّثور >.

و الدّثار: من فعل المتدثّر. (8 : 18)

ابن شُمَيّل: الدّثَر: الوَسَخُ، و قد دَثَر دُثُورًا إذا اتّسَخ.

و دَثَر السّيف، إذا صَدِئ. (الأزهَريّ 14 : 88)

أبوعمرو الشّيبانيّ: الدّاثر، من السّيوف: الّذي ليس له عهد بالصّقال. [ثمّ استشهد بشعر] (1 : 247)

و الدّاثر: الخَلَق، في المنزل، و في الثّوب، و في الحوض. [ثمّ استشهد بشعر]

و قد دثَرَ دُثُورًا. (1: 261)

الدَّثْر: الكثير. [ثمّ استشهد بشعر] (1 : 268)

المتدثّر من الرّجال: المأبون، و هو المتدَأّم

و المتدهَّم، و المِثْفَر و المِثْفار. (الأزهَريّ 14 : 88)

أبوزَيْد: سيف داثِرٌ و هو البعيد العهد بالصّقال.

(الأزهَريّ 14 : 88)

أبوعُبَيْد: ...أمّا الدِّثار، فهو مافوق الشِّعار ممّا يُستَدفأ به. ( 1 : 187)

في حديث الحسَن: < حادِثُوا هذه القلوب بذكر الله فإنّها سريعة الدُّثور...>.

قوله:< سريعة الدُّثُور >، يعني: دروس ذكر الله تبارك، و تعالى، منها يقال للمنزل و غيره إذا عفا و دَرَسَ: قد دَثَر، فهو داثر.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو كثير في الشّعر. و الدُّثور في غير هذا: كثرة

ص: 831

الأموال؛ واحدها: دَثْر. يقال: هم أهل دَثْر و دُثُور.

و منه الحديث الآخر حين قيل: < يا رسول الله ذهب أهل الدُّثور بالأُجور>. واحد الدُّثور: دَثْر، و فيه لغة أُخرى: < دَ بْر > بالباء. (2 : 439)

ابن الأعرابيّ: رجل دَثُورٌ: متدثِّر. [ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده9 : 292)

الجاحظ: إنّهم يقولون: مالٌ دَثْر، و مالٌ دَ بْر، و مالٌ حَوْم، إذا كان كثيرًا. (6 : 230)

شَمِر: دُثُور القلوب: امِّحاء الذّكر منها، و دُروسها.

و دُثُور النّفوس: سرعة نسيانها.

و دَثَر الرّجل إذا عَلَتْه كَبْرَ ة و استِسْنان.

(الأزهَريّ 14 : 87)

الحَرْبيّ: عن رسول الله (صلی الله علیه و آله): < يامعشر الأنصار أنتم الشّعار، والنّاس الدِّثار >... الدّثار: ما لبِسَه فوق الشّعار،أي فأنتم أقرب منهم. (1 : 141، 146)

المُبَرِّد: الدُّثُور: الدّروس. يقال: دَثَر الرَّ بْع، إذا انمحى.

(1 : 123)

كُراع النّمل: الدُّثُور: الكَسْلان.

(ابن سيده9 : 293)

ابن دُرَيْد: الدَّثَر: المال الكثير. يقال: مال دَثَر، و أموال دَثَر، و لايُثنّى و لايُجمَع، و كلّ كثير دَثَر.

و الدِّثار: ما ألقيته عليك من كساء أو غيره.

و المنزل الدّاثر: الدّارس؛ و المصدر: الدُّثُور.

و رجل دَثُور: خامل.

و سيف داثر: بعيد العهد بالصِّقال.

و قد سمّت العرب دِثارًا. (2 : 37)

الأزهَريّ: هذا [قول أبي زَيْد] هو الصّواب، يدلّ عليه قوله: < حادِثُوا هذه القلوب > أي أجلوها و اغسلوا عنها الرَّين و الطّبَع بذكر الله، كما يُحادَث السّيف إذا صُقِل و جُلِي. [ثمّ استشهد بشعر]

و الدِّثار: الثّوب الّذي يُستَدفأُ به من فوق الشِّعار. يقال: تدَثّرَ فلان بالدّثار تَدَثُّرًا و ادِّثارًا، فهو مُدَّثِّرٌ، و الأصل مُتَدَثِّر، فأُدغمت التّاء في الدّال و شُدّدَتْ.

(14 : 88)

الصّاحِب: الدَّثْرُ: كثرة المال. و قول لبيد:

* و في المقام تَداثُر *

من ذلك.

و أدثَر الرّجل: اقتَنى دَثْرًا من المال.

و دثَر الشّيء فهو داثر، أي دارِس.

و الدِّثار: اسم ما تَدَ ثّر به مُدَّثِّر.

و إذا ركب الفرس و وَثَبَ عليه فقد تَدَثّره.

و رجل دَثُورُ الضُّحى، أي نَؤُوم يَتَدثّر بدِثاره للنّوم. و قيل: هو الخامل.

و دُثِّرَ على القتيل، أي نُضِّد عليه الصّخر.

و الشّيء الدّاثر: القديم.و دَثَر السّيف دَثْرًا و دُثُورًا: أي قَدُم.

و فلان دِثْرُ مال، إذا باشره بنفسه.

و الدّاثِر من الرّجال: الّذي لايعبأُ بالزّينة.

(9 : 280)

الجَوهَريّ: الدَّ ثْرُ بالفتح: المال الكثير. يقال: مالٌ دَثْر، ومالان دَثْر، وأمْوال دَثْر.

ص: 832

و عَسْكَرٌدَثَر، أي كثير؛ و هو من الأوّ ل إلا أ نّه جاء بالتّحريك.

و الدِّثار: كلّ ما كان من الثّياب فوق الشّعار. و قد تَدَثّرَ، أي تَلَفّفَ في الدِّثار.

و تَدثّرَ الفَحْل النّاقة، أي تسنّمها.

و تَدَثّر الرّجل فرسه، إذا وَثَبَ عليه فرَكِبه.

و الدُّثُور: الدّروس؛ و قد دَثَرَ الرّسم و تَداثَر.

والدَّثُور: الرّجل الخامل النّؤُوم.

و دَثّرَ الطّائر تدثيرًا، أصلَح عُشّه. (2 : 655)

نحوه الرّازيّ. (218)

ابن فارِس: الدّال و الثّاء أصل واحد مُنقاس مطّرد. و هو تضاعُف شيء و تناضده بعضه على بعض.

فالدَّثْر: المال الكثير.

و الدِّثار: ما تَدَثّرَ به الإنسان، و هو فوق الشِّعار.

و من الباب تدَثّرَ الفحل النّاقة، إذا تسنّمها، كأ نّه صار دِثارًا لها.

و تدَثّرَ الرّجل فرَسَه، إدا وَثَبَ عليه فركبه.

و الدَّثُور: الرّجل النَّؤُوم و سمّي لأ نّه يتدثّر و ينام.

فأمّا قولهم: رسمٌ داثرٌ، فهو من هذا، و ذلك أ نّه يكون ظاهرًا حتّى تهبّ عليه الرّياح و تأتيه الرّوامس، فتصير له كالدِّثار فتُغَطّيه.

(2 : 328)

الثّعالبيّ: كلّ ما يلي الجسد من الثّياب: فهو شِعار، و كلّ ما يلي الشِّعار: فهو دِثار. (39)

ابن سيده: دَثَر الشّيء يَدْثُر دُثُورًا، و اندَثَر: قَدُم ودَرَس.و استعار بعض الشّعراء ذلك للحسَب اتّساعًا.

و سيف داثر: بعيد العهد بالصِّقال.

و رجل خاسر داثر، إتباع، و بعضهم يقول: دابر.

و تدَثّرَ بالثّوب: اشتمل به داخلا فيه.

و الدِّثار: ما يُتَدَثّر به، و قيل: هو مافوق الشِّعار.

و الدَّثُور أيضًا: الخامل.

و الدَّثْر: المال الكثير، لايُثنّى و لايُجمع. و قيل: هو الكثير من كلّ شيء.

و دَثَر الشّجر: أورق و تشَعّبَت خِطْرَته.

و داثِر: اسم. قال السّيرافيّ: لاأعرفه إلا دَثّارًا.

و تدَثّرَ فرسه: ركبها و جال في مَتْنِها، و قيل: ركبها من خلفها. و يُستعار في غير هذا. [و استشهد بالشّعر مرّتين] (9 : 292)

الرّاغِب: قال الله تعالى: { يَا ءَ يُّهَا المُْدَّ ثِّرُ } المدّثّر : 1،أصله: المتَدَثّر فأُدغم، و هو المتَدَرِّعدِثارَه

يقال: دَثَرتُه فتَدَثّر، و الدِّثار: ما يُتَدَثّر به.

و قد تَدَثّر الفحل النّاقة: تسَنّمَها، و الرّجل الفرَسَ: وَثَبَ عليه فركبه.

و رجل دَثُور: خامل مستتر.

و سيف داثر: بعيد العهد بالصِّقال، و منه قيل للمنزل الدّارس: داثر، لزوال أعلامه.

و فلان دِثْر مال، أي حسَن القيام به. (165)

الزّمَخْشَريّ: لبِس الدِّثار فوق الشِّعار.

و هو مُتدثِّر بالكساء و مُدَّثِّر به، و دَثّرَه صاحبُه.

و فلان دَثُور الضُّحى: يتَدَثّر فينام.

و دَثَر المنزل، و هو دراس داثِر.

وتقول: فلان جدّه عاثر، و رسمه داثر.

و من المجاز: تَدَثّرَ الفحل النّاقة: تسَنّمَها.

ص: 833

و تَدَثّر الرّجل فرسه و تجلّله، إذا وثب عليه فركبه.

و رجل دَثُور: خامل.

وفلان دِثاريّ: كسلان ساكن لايتصرّف.

و هو يتَدَثّر بالمال: للمتموّ ل، و ماله دَثْر.

و ذهب أهل الدُّثور بالأُجور.

و سيف داثر: بعيد عهد بالصِّقال، و قد دَثَر دُثُورًا. و منه حديث الحسَن: < حادِثوا هذه القلوب فإنّها سريعة الدُّثور >.

و رجل داثر: لايعبأ بالزّينة و صبغة النّفس بالأدهان و غيرها.[ثمّ استشهد بالشّعر مرّتين]

(أساس البلاغة : 126)

الدُّثور: الدّروس. (الفائق 1 : 268)

النّبيّ(صلی الله علیه و آله): < قيل له: يا رسول الله، ذهب أهل الدُّثور بالأُجور >.جمع دَثْر، و هو المال الكثير.

أبوالدّرداء رضي الله عنه: < إنّ القلب يَدْثُر كما يَدْثُر السّيف، فجلاؤه ذكر الله >.شبّه ما يَغْشى القلب من الرَّين و القسوة بما يركب السّيف، من الصّدإ فيغطّي وجهه، و هو من دُثُور المنزل، و هو أن تَهُبّ عليه الرّياح، فتُغشّي رسومه بالرّمل، و تُغطّيها بالتّراب، و أصلها: من الدِّثار.

(الفائق 1 : 411)

المَدينيّ: أصل الدُّثور : الدّروس و منه حديث عائشة رضي الله عنها:< دَثَر مكان البيت فلم يَحُجّه هود عليه الصّلاة و السّلام >. (1 : 639)

ابن الأثير: ...و منه حديث طَهْفَة: < و ابعَثْ راعيَها في الدَّثْر >، و قيل: أراد بالدَّثْر هاهنا الخِصْب و النّبات الكثير.

و في حديث الأنصار رضي الله عنهم: < أنتم الشِّعار و النّاس الدِّثار > هو الثّوب الّذي يكون فوق الشِّعار، يعني أنتم الخاصّة، و النّاس العامّة.

و منه الحديث: < كان إذا نزل عليه الوحي يقول: دَثِّروني دَثِّروني > أي غطّوني بما أدفأُ به. (2 : 101)

الصّغانيّ: رجل داثر، و أدْثَرُ، أي غافل.

و الدَّثُور، بالفتح: البطيء الّذي لا يكاد يَبرَح مكانه. [ثمّ استشهد بشعر]و دَثَر الرّجل، إذا عَلَتْه كَبْرَة و اسْتِشْنان.((1))..

و فلان دِثْرُ مال، بالكسر، أي حسُن القيام عليه.

و دِثار، من الأعلام.

و ادَّثَر الرّجل، يَدَّثِر ادِّثارًا، فهو مُدَّ ثِّر، أي تَدَثّر تَدَثّرًا، فهو متَدَثِّر. و الأصل في < مُدَّ ثِّر >: متَدَثِّر، فأُدغمت التّاء في الدّال، و شُدّدَت.

و المتَدَثِّر من الرّجال: المأْبون.

دَثَر: من حُصُون ذَمارَ الشّرقيّة.

و أدثَر الرّجل: اقتَنى دَثْرًا من المال.

و دُثّرَ على القتيل: نُضّد عليه الصَّخْر. (2 : 509)

الفَيُّوميّ: الدِّثار: ما يَتَدَ ثّر به الإنسان، و هو ما يُلقيه عليه من كساء أو غيره فوق الشِّعار.

و تَدَثّر بالدِّثار تلفّف به، فهو متَدَثّر و مُدَّ ثِّر بالإدغام.

و دَثَر الرّسم دُثُورًا من باب < قعد > درس، فهو

ص: 834


1- (1) الظّاهر: الإستسنان، كما في كتب اللّغة.

داثر. (1 : 189)

الفيروزاباديّ: الدَّثْر: المال الكثير، مالٌ ومالانِ وأموال دَثْرٌ، و بالتّحريك: الوسخ، و بلالام: حِصْن باليمن.

و الدُّثُور: الدّروس كالاندثار، و للنّفس: سرعة نسيانها، و للقلب:إمحاء الذّكر منه، و بالفتح: الرّجل البطيء الخامل النّؤُوم.

و الدّاثر: الهالك، و الغافل، كالأدثر.

وتدثّر بالثّوب: اشتمل به، و الفحل النّاقة: تسَنّمَها، و الرّجل قِرْنه((1)):

وثب عليه فركبه.

و المتدثّر: المأبون.

و الدّثار، بالكسر: ما فوق الشِّعار من الثّياب.

و دثَرَ الشّجر: أورق، و الرّسم: قَدُم كتَداثر، و الثّوب: اتّسخ، و السّيف: صَدِئ، فهو داثر.

وهو دِثْر مال، بالكسر: حسَن القيام به.

و ادّثر: اقتنى دَثْرًا من المال.

و تدثير الطّائر: إصلاحه عُشّه.

و دُثِر على القتيل: نُضّد عليه الصّخر. (2 : 28)

مَجْمَعُ اللُّغة: تَدَ ثّر يتَدَ ثّر تَدَ ثّرًا: لبس الدِّثار، و هو مافوق الشِّعار، و يقال: ادّ ثّر يَدّ ثّر فهو مُدّ ثِّر على طريق الإدغام. (1 : 380)

محمّد إسماعيل إبراهيم: تَدَ ثّر: تلفّف في الدِّثار، و هو كلّ ثوب فوق الشِّعار، الّذي هو الملابس الدّاخليّة الملاصقة للبدن.

و المدَّثّر: أصلها المتَدثّر، أُدغمت التّاء في الدّال، و معناها: لابِسُ الدِّثار. (182)

محمود شيت: دثَر السّلاح: صَدِئ لبُعد عهده بالتّنظيف.

الدّثْرُ: كثير الأوساخ و الصّدإ. جمعه: دُثُر، و دُثُور. يقال: استُهْلك السّلاح لوجود دُثور فيه. (1 : 236)

المُصْطَفَويّ: التّحقيق: أنّ الأصل الواحد فيهذه المادّة هو التّضاعف مع الإحاطة، فالدِّثار هو ما تُضوعف فوق اللّباس محيطًا به. و بهذه المناسبة و بلحاظ هذا القيد تُطلق على الرّيح الرّامس المغطّي، و الفحل المتسنّم الدّاثر للنّاقة، و هكذا سائر موارد الاستعمال.

) يَا ءَ يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ * قُمْ فَاَ نْذِرْ } المدّثّر : 1 ، 2،أي المتدثّر بما يُحيط به، و المتغطّي بما يحجبه عن الاجتهاد و الفعّاليّة ، من خمول و سكون و كسَل و تلفّف، بما يمنعه عن الحركة و العمل، و تعلّقات زائدة.

فهذه الكلمة لاتختص بلَبْس الدّثار و نحوه.

(3 : 177)

النُّصوص التّفسيريّة

يَا ءَ يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ * قُمْ فَاَ نْذِرْ. المدّثّر : 1 ، 2

ابن عبّاس: يعني به النّبيّ (صلی الله علیه و آله) قد تدثّر بثيابه و نام.

(491)

النّخعيّ:كان متدثّرًا في قطيفة.

(الطّبَريّ 12 : 296)

ص: 835


1- (1)كذافي الأصل،والظّاهر: الفرس، كما في< تاج العروس> و غيره.

نحوه الثّعلبيّ. (10 : 67)

عِكْرِمَة: دُ ثِّرتَ هذا الأمر فقُم به.

(الطّبَريّ 12 : 297)

الفَرّاء: يعني المتَدَثّر بثيابه لينام. (3 : 200)

نحوه قَتادَة. (الطّبَريّ 12 : 297)

أبوعُبَيْدَة: مجازها: المتَدَ ثّر النّائم الّذي يتَدَثّر ثوبه. (2 : 275)

ابن قُتَيْبَة: المتَدَثّر ثيابه إذا نام، فأُدغم التّاء في الدّال. (495)

الطّبَريّ: يا أيّها المتَدَثّر بثيابه عند نومه.

و ذُكر أنّ نبيّ الله (صلی الله علیه و آله) قيل له ذلك، و هو متَدَثّر بقطيفة.

و ذُكر أنّ هذه الآية أوّل شيء نزل من القرآن على رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، و أ نّه قيل له: { يَا ءَ يُّهَا الْمُدَّثِّرُ }.

(12 : 296)

اختلف أهل التّأويل في معنى قوله { يَا ءَ يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ }، فقال بعضهم: معنى ذلك: يا أيّها النّائم في ثيابه.

و قال آخرون: بل معنى ذلك: يا أيّها المتَدَثّر النّبوّة و أثقالها. (الطّبَريّ 12 : 297)

الزّجّاج: القراءة بتشديد، و الأصل: المتدثّر، و العلّة فيها كالعلّة في المتزمّل، و تفسيرها كتفسير المزّمّل. و قد رويت: المتدتّر بالتّاء. (5 : 245)

الطُّوسيّ: هذا خطاب من الله تعالى لنبيّه محمّد(صلی الله علیه و آله) يقول له:{ يَا ءَ يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ } و أصله: المتَدَثّر بثيابه، فأُدغمت التّاء في الدّال، لأ نّها من مخرجها، مع أنّ الدّال أقوى بالجهر فيها. يقال: تَدَثّرَ تَدَثّرًا، و دَثّرَه تدثيرًا، و دَثَر الرّسم يَدثُر دُثُورًا، إذا مُحي أثره، فكأ نّه قال: يا أيّها الطّالب صرف الأذى بالدِّثار اُطلُبه بالإنذار. (10 : 172)نحوه القُشَيْريّ. (6 : 215)

الزّمَخْشَريّ: { الْمُدَّ ثِّرُ } لابس الدّثار و هو ما فوق الشّعار: و هو الثّوب الّذي يلي الجسد.

و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام: < الأنصار شعار و النّاس دثار >.

و قيل: هي أوّل سورة نزلت.

و روى جابر بن عبد الله عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) : كنت على جبل حراء فنوديت: يا محمّد إنّك رسول الله، فنظرت عن يميني و يساري فلم أر شيئًا، فنظرت فوقي فرأيت شيئًا، و في رواية عائشة: فنظرت فوقي فإذا به قاعد على عرش بين السّماء و الأرض يعني الملَك الّذي ناداه فرُعِبت و رجعت إلى خديجة، فقلت: دثّروني دثّروني، فنزل جبريل و قال: { يا ءَ يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ}.

و عن الزّهريّ: أوّل ما نزل: سورة { اقْرَاْ بِاسْمِ رَبِّكَ } إلى قوله:{ مَا لَمْ يَعْلَمْ }، فحزن رسول الله (صلی الله علیه و آله) وجعل يعلو شواهق الجبال، فأتاه جبريل فقال: إنّك نبيّ الله، فرجع إلى خديجة و قال: دَثّروني و صُبّوا عليّ ماءً باردًا، فنزل: { يا ءَ يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ }.

و قيل: سمع من قريش ما كرهه فاغتمّ، فتغطّى بثوبه مفكّرًا، كما يفعل المغموم، فأُمر أن لايدع إنذارهم و إن أسمعوه وآذوه.

ص: 836

و عن عِكْرِمَة: أ نّه قرأ على لفظ اسم المفعول من دَثّره. و قال: دُثِّرتَ هذا الأمر و عُصب بك، كما قال في المزّمّل. (4 : 180)

نحوه أبوالسُّعود. (6 : 326)

ابن العَرَبيّ: فيها مسألتان:

المسألة الأُولى: [نقل رواية جابر إلى أن قال:]

و قال بعض المفسّرين: إنّه جرى على النّبيّ (صلی الله علیه و آله) من عُقبَة بن ربيعة أمر، فرجع إلى منزله مغمومًا، فتلفّف و اضطجع، فنزلت: { يَا ءَ يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ } و هذا باطل.

و قيل: أراد يا من تَدَثّر بالنّبوّة. و هذا مجاز بعيد، لأ نّه لم يكن نبيًّا إلا بعد، على أ نّها أوّل القرآن، و لم يكن تمكّن منها بعد أن كانت ثاني ما نزل. (4 : 1885)

الفَخْر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأُولى: { الْمُدَّثِّرُ }، أصله: المتَدَثّر، و هو الّذي يتَدَثّر بثيابه لينام، أو ليستدفئ، يقال: تَدَثّر بثوبه، و الدِّثار اسم لما يُتَدثّر به، ثمّ أُدغمت التّاء في الدّال لتقارب مخرجهما.

المسألة الثّانية: أجمعوا على أنّ { الْمُدَّثِّرُ } هو رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، و اختلفوا في أنّه عليه الصّلاة و السّلام لِمَ سمّي مدّثّرًا، فمنهم من أجراه على ظاهره، و هو أ نّه كان متَدثّرًا بثوبه، و منهم من ترك هذا الظّاهر.

أمّا على الوجه الأوّل فاختلفوا في أ نّه لأيّ سبب تَدَثّر بثوبه على وجوه:

أحدها: أنّ هذا من أوائل ما نزل من القرآن، روى جابر بن عبد الله [و ذكر الحديث السّابق]و ثانيها: أنّ النّفر الّذين آذوا رسول الله و هم

أبو جهل و أبو لهب و أبو سفيان و الوليد بن المغيرة و النّضر بن الحرث و أُميّة بن خلف و العاص بن وائل اجتمعوا و قالوا: إنّ وفود العرب يجتمعون في أيّام الحجّ و يسألوننا عن أمر محمّد، فكلّ واحد منّا يُجيب بجواب آخر، فواحد يقول: مجنون، و آخر يقول: كاهن، و آخر يقول: شاعر، فالعرب يستدلّون باختلاف الأجوبة على كون هذه الأجوبة باطلة، فتعالوا نجتمع على تسمية محمّد باسم واحد. فقال واحد: إنّه شاعر، فقال الوليد: سمعت كلام عبيد بن الأبرص، و كلام أُميّة بن أبي الصّلت، و كلامه ما يُشبه كلامهما، و قال آخرون: كاهن. قال الوليد: و مَن الكاهن؟ قالوا: الّذي يصدق تارةً و يكذب أُخرى، قال الوليد: ما كذِب محمّد قطّ، فقال آخر: إنّه مجنون، فقال الوليد: و مَن يكون المجنون؟ قالوا: مُخيف النّاس، فقال الوليد: ما أُخيف بمحمّد أحدٌ قطّ. ثمّ قام الوليد و انصرف إلى بيته، فقال النّاس: صبأ الوليد بن المغيرة، فدخل عليه أبو جهل، و قال مالَك يا أبا عبد شمس؟ هذه قريش تجمع لك شيئًا، زعموا أ نّك احتججت و صبأت، فقال الوليد: مالي إليه حاجة، و لكنّي فكّرت في محمّد، فقلت: إنّه ساحر، لأنّ السّاحر هو الّذي يفرّق بين الأب و ابنه و بين الأخوين، و بين المرأة و زوجها، ثمّ إنّهم أجمعوا على تلقيب محمّد عليه الصّلاة و السّلام بهذا اللّقب، ثمّ إنّهم خرجوا فصرخوا بمكّة و النّاس مجتمعون، فقالوا: إنّ محمّدًا لساحر، فوقعت الضّجّة في النّاس أنّ محمّدًا ساحر، فلمّا سمع رسول

ص: 837

الله(صلی الله علیه و آله) ذلك اشتدّ عليه، و رجع إلى بيته محزونًا فتَدَثّر بثوبه، فأنزل الله تعالى: { يَا ءَ يُّهَا المُْدَّ ثِّرُ * قُمْ فَاَ نْذِرْ}.

و ثالثها: أ نّه عليه الصّلاة و السّلام كان نائمًا متَدَثّرًا بثيابه، فجاءه جبريل (علیه السلام) و أيقظه، و قال: { يَا ءَ يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ * قُمْ فَاَ نْذِرْ } كأ نّه قال له: أُترك التّدَثّر بالثّياب و النّوم، و اشتغل بهذا المنصب الّذي نصبك الله له.

القول الثّاني: أ نّه ليس المراد من { المُْدَّ ثِّرُ } المتَدَثّر بالثّياب، و على هذا الاحتمال فيه وُجوه:

أحدها: أنّ المراد كونه متَدَثّرًا بدثار النّبوّة

و الرّسالة، من قولهم: ألبسه الله لباس التّقوى و زيّنه برداء العلم. و يقال: تلبّس فلان بأمر كذا، فالمراد { يَا ءَ يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ } بدثار النّبوّة { قُمْ فَاَ نْذِرْ }.

و ثانيها: أنّ المتَدَ ثّر بالثّوب يكون كالمختفي فيه، و أ نّه عليه الصّلاة و السّلام في جبل حراء كان كالمختفي من النّاس، فكأ نّه قيل: يا أيّها المتَدَثّر بدثار الخمول و الاختفاء، قم بهذا الأمر، و اخرُج من زاوية الخمول، و اشتغل بإنذار الخلق، و الدّعوة إلى معرفة الحقّ.

و ثالثها: أ نّه تعالى جعله رحمةً للعالمين، فكأنّه قيل له: يا أيّها المدّثّر بأثواب العلم العظيم، و الخُلق الكريم، و الرّحمة الكاملة، قم فأنذر عذاب ربّك.

(30 : 189)

نحوه الشِّربينيّ ملخّصًا. (4 : 425)

ابن عَرَبيّ: أي المتلبّس بدثار البدن، المحتجب بصورته. (725)

القُرطُبيّ: أي يا ذا الّذي قد تَدَثّر بثيابه، أي تغشّى بها و نام. و أصله: المتَدَثّر، فأُدغمت التّاء في الدّال لتجانسهما. و قرأ أُبيّ ( المتَدَثِّر) على الأصل.

(19 : 58)

البَيْضاويّ : [نحو الزّمَخْشَريّ و أضاف:]

و قيل: المراد ب { الْمُدَّثِّرُ } المتَدَثّر بالنّبوّة والكمالات النّفسانيّة أوالمختفي فإنّه كان بحراء كا لمختفي فيه، على سبيل الاستعارة. (2 : 516)

البُرُوسَويّ: { يَا ءَ يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ } بتشديدين، أصله: المتَدَثّر، و هو لابس الدِّثار، و هو ما يُلبس فوق الشّعار الّذي يلي الجسد، و منه قوله(علیه السلام): < الأنصار شِعار و النّاس دِثار >، و فيه إشارة إلى أنّ الولاية كالشِّعار من حيث تعلّقها بالباطن، و النّبوّة كالدِّثار من حيث تعلّقها بالظّاهر، و لذلك خوطب(علیه السلام) في مقام الإنذار بالمدّثّر. [ثمّ نقل الرّوايات في النّزول]

(10 : 223)

الآلوسيّ: أصله: المتَدَثّر، فأُدغم، و هو على الأصل في حرف أُبيّ من تَدَثّر لبس الدِّثار بكسر الدّال، و هو ما فوق القميص الّذي يلي البدن، و يسمّى شِعارًا، لاتّصاله بالبشرة و الشَّعر. و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام: <الأنصار شِعار و النّاس دِثار>. و التّركيب على ما قيل داثر مع معنى السّتر على سبيل الشّمول، كأنّ الدِّثار ستر بالغ مكشوف، نُودي (صلی الله علیه و آله) باسم مشتقّ من صفته الّتي كان عليها، تأنيسًا له و ملاطفةً، كما سمعت في { يَا ءَ يُّهَا الْمُزَّمِّلُ }، و تدثّره عليه الصّلاة و السّلام لما سمعت آنفًا.[ و قال نحو

ص: 838

الفَخْرالرّازيّ إلى أن قال:]

و قال بعض السّادة: أي يا أيّها السّاتر للحقيقة المحمّديّة بدثار الصّورة الآدميّة، أو يا أيّها الغائب عن أنظار الخليقة، فلايعرفك سوى الله تعالى على الحقيقة، إلى غير ذلك من العبارات. و الكلّ إشارة إلى ما قالوا في الحقيقة المحمّديّة من أ نّها حقيقة الحقائق الّتي لايقف على كنهها أحد من الخلائق، و على لسانها قال من قال:

و إنّي و إن كنت ابن آدم صورةً

فلي فيه معنى شاهد بأُبوّ تي

و أ نّها التّعيين الأوّل و خازن السّرّ المقفل، و أ نّها إلى أُمور هيهات أن يكون للعقل إليها منتهى

أعيا الورى معناه فليس يرى

في القرب والبعد منه غير منفحم

كالشّمس تظهر للعينين من بعد

صغيرة وتكلّ الطّرف من أُمموكيف يُدرك في الدّنيا حقيقته

قوم نيام تسلّوا عنه بالحُلم

فمبلغ العلم فيه أ نّه بشر

و أ نّه خير خلق الله كلّهم

و قرأ عِكْرِمَة: ( المُدَثِّر ) بتخفيف الدّال و تشديد الثّاء المكسورة على زنة الفاعل، و عنه أيضًا( المُدَثَّر ) بالتّخفيف و التّشديد على زنة المفعول، من دَثَره. و قال: دُثّرتَ هذا الأمر و عُصب بك، أي شُدّ.

و المعنى: أ نّه المعوّل عليه، فالعظائم به منوطة و أُمور حلّها و عقدها به مربوطة، فكأ نّه قيل: يا من توقّف أُمور النّاس عليه، لأ نّه وسيلتهم عند الله عزّ و جلّ. (29 : 115)

القاسميّ: { يَا ء يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ }أي المتلفّف بثيابه لنوم أو استدفاء، من الدِّثار، و هو كلّ ما كان من الثّياب فوق الشِّعار، و الشّعار: الثّوب الّذي يلي الجيد. و أصله: المتَدَثّر، فأُدغم.

خوطب بذلك لحالته الّتي كان عليها وقت نزول الوحي، أو لقوله: دَثِّروني، كما تقدّم. و قيل: معناه المدّثّر بثياب النّبوّة و الرّسالة، من قولهم: ألبسه الله لباس التّقوى، و زيّنه برداء العلم. و يقال: تلبّس فلان بأمر كذا. فجعل النّبوّة كالدِّثار و اللّباس مجازًا.

قال الشّهاب: إمّا أن يراد المتحلّي بها و المتزيّن، كما أنّ اللّباس الّذي فوق الشِّعار يكون حليةً لصاحبه و زينة، و كذا يسمّى < خُلّة >. و التّشبيه بالدِّثار في ظهورها، أو في الإحاطة؛ و الأوّل أتمّ.

(16 : 5970)

ابن عاشور: [نحو البُرُوسَويّ و أضاف:] فالوصف ب { الْمُدَّ ثِّرُ } حقيقة، و قيل: هو مجاز على معنى : المدّثِّر بالنّبوءة ، كما يقال : ارتدى بالمجد وتأزَّر به، على نحو ما قيل في قوله تعالى : { يَا ء يُّهَا

الْمُزَّ مِّلُ} أي يا أيها اللابس خلعة النّبوءة ودِثارها.

والقيام المأمور به ليس مستعملا في حقيقته، لأنّ النّبيّ لم يكن حين أُوحي إليه بهذا نائمًا ولامضطجعًا، ولاهو مأمور بأن ينهض على قدميه، وإنمّا هو مستعمل في الأمر بالمبادرة والإقبال والتّهمُّم بالإنذار مجازًا أو كنايةً. (29 : 273)

ص: 839

الطَّباطَبائيّ: السّورة مكّيّة من العتائق النّازلة في أوائل البعثة و ظهور الدّعوة، حتّى قيل: إنّها أوّل سورة نزلت من القرآن، و إن كان يكذّبه نفس آيات السّورة الصّريحة في سبق قراءته(صلی الله علیه و آله) القرآن على القوم،

و تكذيبهم به و إعراضهم عنه، و رميهم له بأ نّه سحر يؤثر.

و لذا مال بعضهم إلى أنّ النّازل أوّ لا هي الآيات السّبع الواقعة في أوّل السّورة، و لازمه كون السّورة غير نازلة دفعةً، و هو و إن كان غير بعيد بالنّظر إلى متن الآيات السّبع، لكن يدفعه سياق أوّل سورة العلَق، الظّاهر في كونه أوّل ما نزل من القرآن.و احتمل بعضهم أن تكون السّورة أوّل ما نزل على النّبيّ(صلی الله علیه و آله) عند الأمر بإعلان الدّعوة، بعد إخفائها مدّة في أوّل البعثة، فهي في معنى قوله:{ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَ اَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكينَ ‘} الحجر : 94، و بذلك جمع بين ما ورد من أ نّها أوّل ما نزل، و ما ورد أ نّها نزلت بعد سورة العلق،وما ورد أنّ سورتي المزّمّل و المدّثّر نزلتا معًا، و هذا القول لايتعدّى طور الاحتمال.

و كيف كان، فالمتيقّن أنّ السّورة من أوائل ما نزل على النّبيّ(صلی الله علیه و آله) من السّور القرآنيّة، و الآيات السّبع الّتي نقلناها تتضمّن الأمر بالإنذار و سائر الخصال الّتي تلزمه ممّا وصّاه الله به.

قوله تعالى: { يَا ءَ يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ }، { الْمُدَّ ثِّر } بتشديد الدّال و الثّاء، أصله: المتَدَثّر، اسم فاعل من التّدثّر بمعنى التّغطّي بالثّياب عند النّوم.

و المعنى: يا أيّها المتغطّي بالثّياب للنّوم، خطاب للنّبيّ(صلی الله علیه و آله)، و قد كان على هذه الحال فخوطب بوصف مأخوذ من حاله تأنيسًا و ملاطفة، نظير قوله: { يَا ءَ يُّهَا الْمُزَ مِّلُ }.

و قيل: المراد بالتّدثّر: تلبّسه(صلی الله علیه و آله) بالنّبوّة بتشبيهها بلباس يتحلّى به و يتزيّن. و قيل: المراد به اعتزاله(صلی الله علیه و آله)و غيبته عن النّظر، فهو خطاب له بما كان عليه في غار حراء و قيل: المراد به: الاستراحة و الفراغ، فكأ نّه قيل له(صلی الله علیه و آله): يا أيّها المستريح الفارغ قد انقضى زمَن الرّاحة، و أقبل زمَن متاعب التّكاليف و هداية النّاس.

و هذه الوجوه و إن كانت في نفسها لابأس بها، لكنّ الّذي يسبق إلى الذّهن هو المعنى الأوّ ل.

(20 : 79)

مكارم الشّيرازيّ: أورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثّره(صلی الله علیه و آله) و دعوته إلى القيام و النّهوض: [فذكر أوّ لا اجتماع قريش، كما ذكره الفَخْرالرّازيّ في الوجه الثّاني. و ذكر ثانيًا رواية جابر كما ذكرها الزّمَخْشَريّ ثمّ قال:]

ولكن بلحاظ أنّ آيات هذه السّورة تطرّقت للدّعوة العلنيّة، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدّعوة الخفيّة. و هذا لاينسجم الرّويّة المذكورة، إلاّ أن يقال بأنّ بعض الآيات الّتي في صدر السّورة قد نزلت في بدء الدّعوة، و الآيات الأُخرى مرتبطة بالسّنوات الّتي تلت الدّعوة.

3 إنّ النّبيّ كان نائمًا و هو متدثّر بثيابه، فنزل عليه جبرائيل(علیه السلام) موقظًا إيّاه، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قُمْ و اترك النّوم و استعد لإبلاغ الرّسالة.

ص: 840

4 ليس المراد بالتّدثّر:التّدثّر بالثّياب الظّاهريّة، بل تلبّسه بالنّبوّة و الرّسالة، كما قيل في: لباس التّقوى.

5 المراد به: اعتزاله(صلی الله علیه و آله) و انزواؤه و اتّخاذه الوحدة، و لهذا تقول الآية: اخرج من العزلة و الانزواء، و استعدّ لإنذار الخلق و هداية العباد.و المعنى الأوّل هو الأنسب ظاهرًا. (19 : 141)

فضل الله: أي المشتمل على ثيابه اتّقاءً للبرد، أو طلبًا للنّوم. و ربّما لايكون المعنى الحرفيّ مقصودًا بالكلمة، بل يكون المعنى الكنائيّ الّذي يوحي بالاسترخاء و القعود و الاستسلام للرّاحة، و البُعد عن حركة المسؤوليّة في الفترة الّتي قد يعيش فيها الإنسان الشّعور بعدم مسؤوليّته عن الواقع من حوله.

(23 : 202)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الدِّثار ، و هو ما فوق الشِّعار ممّا يُستَدفأ به. يقال: تَدَثّرَ فلان بالدِّثار تَدَثُّرًا و ادِّثارًا ، أي تلفّف فيه ، فهو مُتَدَثِّر ، على الأصل،

و مُدَّثِّرٌ ، على الإدغام ، و رجل دَثُورٌ : مُتَدَثِّر أو نَؤُوم خامل . وفي الحديث: < يا معشر الأنصار أنتم الشِّعار و النّاس الدِّثار >، و هو على المجاز، أي أنتم أقرب من سائر النّاس. و من المجاز أيضًا : تَدَثّرَ الفحل النّاقة: تسَنّمَها. قال ابن فارِس: < كأ نّه صارَ دِثارًا لها>. و تَدَثّرَ الرّجل فرسه : وثَبَ عليه فركبَه.

و الدّ ثَرُ: الوسخ، تشبيهًا بالدِّثار، لأ نّه يعلو سطح الأشياء. يقال: دَثَرَدُ ثُورًا أي اتّسخ، و مثله صدأ الحديد. يقال: سيفٌ داثِرٌ، أي بعيد العهد بالصِّقال.

و دُثُور الرّسم : انمحاؤه. يقال : دَثَرَ الرَّ بْع و الرّسم و تَداثَر، لأ نّه كما قال ابن فارِس يكون ظاهرًا حتّى تهبّ عليه الرّياح و تأتيه الرّوامس ، فتصير له كالدِّثار فتُغطّيه. و كذلك الخَلَق في المنزل و في الثّوب و في الحوض ، و قد دَثَر الشّيء يَدْثُر دُثُورًا و اندَثَرَ، أي قَدُم و درَس. و منه الحديث: < حادِثوا هذه القلوب بذكر الله، فإنّها سريعة الدُّثُور >، يريد دروس ذكر الله، و هو امّحاؤه منها، على المجاز، و قيل: دُثُور النّفوس: سرعة نسيانها. يقال : دَثَرَ الرّجل، أي عَلَتْه كبرة و استِسْنان.

و الدَّثْرُ: كثرة المال و كلّ شيء، لأ نّه يركب بعضه بعضًا من كثرته فيُغطّيه. يقال: هم أهل دَثْر، أي مال كثير، وعسكرٌ دَثَرٌ: كثير أيضًا؛ و الجمع: دُثُور.

2 ورد في <القاموس>: < و ادّثَرَ : اقتنى دَثْرًا من المال >، و هو تصحيف أدثَر، كما في المحيط و التّكملة و التّاج، و ضبط في الأخير بلفظ < أكْرَم >، و لكنّه لم يستدرك عليه، لاختلاف النّسخ على الأظهر؛ إذ لم يرد الادِّثار إلا في الاستدفاء بالدِّثار فقط.

3 قال ابن سيده: < رجل خاسر داثِر ، إتباع، و بعضهم يقول: دابِر >، و يريد بالإتباع أنّ الدّاثر بمعنى الخاسر، أي الهالك. قال ابن برّيّ: < الإتباع أن يكون الثّاني بمعنى الأوّل>.((1))

و قد جيء بالدّاثر هنا توكيدًا

ص: 841


1- (1) لسان العرب(ج و ع ) و (ن و ع ).

للخاسر و مبالغة في وصفه و استقصاء لمعناه. قال أبو عُبَيْد: < إنّما سمّي إتباعًا لأنّ الكلمة الثّانية إنّما هي تابعة للأُولى على وجه التّوكيد لها، و ليس يتكلّم بها منفردة، فلهذا قيل: إتباع >((1)).

و لكنّ الدّاثر ليس كذلك، إذ يُتكلّم بها منفردة، ثمّ لم يذكر شيء من هذا الإتباع في كتب المتقدّمين و من يُعتَدّ بكلامه، و لو قال:خاسر دابر، لاستقام المعنى، لأنّ الدَّ بْر: الموت، غير أ نّه لم ينقل عمّن تقدّمه من اللُّغويّين أيضًا.

الاستعمال القرآنيّ

{ يَا ء يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ * قُمْ فَاَنْذِرْ } المدّثر: 1 ، 2

يلاحظ أوّ لا : أنّ { الْمُدَّ ثِّرُ } وحيد الجُذُر في القرآن، و فيه بُحُوثٌ:

1 اتّفق المفسّرون قاطبة على أنّ المخاطب بقوله: { يَا ء يُّهَا الْمُدَّ ثِّرُ }، هو النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، و كادوا أن يتّفقوا على ما تدثّر به؛ فقالوا: المتَدَثّر بثوبه أو دِثاره، لولا أنّ عِكْرِمَة من المتقدّمين و ابن عاشور من المتأخّرين جَزَما أ نّه دِثار النّبوّة، فقال الأخير: < القيام المأمور به ليس مستَعملا في حقيقته، لأنّ النّبيّ لم يكن حين أُوحي إليه بهذا نائمًا و لامضطجعًا، و لاهو مأمور بأن ينهض على قدميه، و إنّما هو مستعمل في الأمر بالمبادرة و الإقبال، و التّهمّم بالإنذار مجازًا أو كناية >.

و لكن يردّه أنّ السّور المكّيّة تخلو من المجاز أو تكاد، و هذه السّورة من أوائل ما نزل باتّفاق المفسّرين، ثمّ من أدراه أ نّه حين نزول هذه الآيات على النّبيّ(صلی الله علیه و آله) ما كان نائمًا و لامضطجعًا؟

2 أصل { الْمُدَّثِّرُ }: المتَدَثّر، كما قال اللُّغويّون و المفسّرون، فأُدغمت التّاء في الدّال و شُدّدتا، لأ نّهما قريبا المخرج، فاجتمع تشديدان: تشديد الدّال و تشديد الثّاء، و ثلاثة حروف مجهورة، و هي الميم و الدّال و الرّاء. و هذا التّركيب ينبئ السّامع عزمة الله الّتي لاهوادة فيها و لاتريُّث، فقوّضت الدِّثار، و أزالت الغبار؛ إذ لافتور بعد و لاقرار.

3 نادى الله النّبيّ محمّدًا(صلی الله علیه و آله) بصفته دون اسمه، خلافًا لما دأب مناداة سائر أنبيائه في القرآن بأداة النّداء < يا > ، نحو قوله: يا آدم، يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا داود، يا زكريّا، يا يحيى، يا عيسى.

و لقد ناداه بأربع صفات، هي:

الرّسول: { يَا ء يُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنْزِلَ اِلَيْكَ مِنْ رَ بِّكَ ...} المائدة : 67

النّبيّ: { يَا ء يُّهَا النَّبِىُّ اتَّقِ اللهَ وَ لاتُطِعِ الْكَافِرينَ‘ وَ الْمُنَافِقينَ‘...} الأحزاب : 1

المزّمّل: { يَا ءَ يُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ الَّيْلَ اِلا قَليلا‘ * نِصْفَهُ اَوِ ا نْقُصْ مِنْهُ قَليلا‘ *اَوْ زِدْعَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْ انَ تَرْتيلا‘ } المزّمّل : 1 4

المدّ ثّر: { يَا ءَ يُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَاَ نْذِرْ * وَرَ بَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ }

المدّثّر : 1 5.

كما أ نّه ناداه أيضًا و سائر الأنبياء بصفة الرّسالة

ص: 842


1- (1) غريب الحديث (1: 360).

مرّة واحدة: { يَا ءَ يُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَ اعْمَلُوا صَالِحًا اِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَليمٌ‘ }المؤمنون : 51.

و ممّا يسترعي الانتباه أ نّه تلَت النّداء في هذه الآيات أوامر من الله مباشرة؛ إذ أعقب التّدثُّر بخمسة أوامر متوالية في الآيات الخمس الأُولى، و هذا نمط فريد في القرآن، ناهيك من تصدّره بلفظ { يَا ءَ يُّهَا } ، فهو نداء و منادى و تنبيه، يدلّ على عَبْء النّبوّة

و عظمتها، و الندّاء بلفظ < يا محمّد > مثلا لايفي بهذا الغرض.

ثانيًا:جائت مرّة في سورة مكّيّة من أوائل النّزول، و إن قيل: إنّها أوّل ما نزل، و ردّه الطَّباطَبائيّ بما دلّت في السّورة من الآيات على سبق قرائة القرآن.و هذا كما سبق وحيد الجُذر في القرآن.لاحظ:<المدخل>: باب اللّغات الوحيدة الجُذر في القرآن.

ثالثًا: و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

التّزمّل : { يَا ءَ يُّهَا الْمُزَّمِّلُ }

المزّمّل : 1

الاشتمال: { قُلْ ا لذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ اَمِ الاُنْثَيَيْنِ اَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ اَرْحَامُ الاُنْثَيَيْنِ} الأنعام : 143

ص: 843

ص: 844

د ح ر

اشارة

لفظان، 4 مرّات مكّيّة، في 3 سور مكّيّة

دُحُورًا: 1 : 1 مَدْحُورًا: 3 : 3

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: دَحَرْتُه أدْحَرُه دَحْرًا أي بَعّدتُه ونَحّيتُه.

و{ مَلُومًا مَدْحُورًا } الإسراء : 39، أي مطرودًا.

(3 : 177)

اللّيث: الدَّحْر: تبعيدك الشّيء عن الشّيء. يقال: اللّهمّ ادْحَرْ عنّا الشّيطان، أي اطْرُدْه ونحِّه.

(الأزهَريّ4 : 407)

أبوزَيْد: و تقول:... دَحَرتُ الشّيء دَحْرًا،

و طَحَرتُه أطحَره طَحْرًا، إذا دفَعْتَه، و هو رجل مدحُور و مطحُور.

(230)

ابن دُرَيْد: و الدَّحْر: دَفْعك الشّيء عن نفسك، من قولهم: < اللّهمّ ادْحَرْ عنّا الشّيطان دَحْرًا > و الشّيطان مدحُور.

و في التّنزيل: { اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا } الأعراف : 18، أي مبعّدًا، و الله أعلم. (2 : 121)

الأزهَريّ: [اكتفى بنقل بعض الأقوال]

(4 : 407)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ(صلی الله علیه و آله) أ نّه قال: < ما من يوم إبليس فيه أدْحَرُ و لا أدْحَقُ من يوم عرفة إلا ما رأى يوم بدر >. قيل: و ما رأى يوم بدر؟ قال: < أما إ نّه قد رأى جبريل يَزَعُ الملائكة >.

قوله: < أدْحَرُ > معناه: أذلّ و أبعد. يقال: دَحَرتُ الرّجل، إذا طَرَدتَه ونَحّيتَه عن المكان، و منه قول الله تعالى: { فَتُلْقى فى جَهَنَّمَ مَلُومًامَدْحُورًا } الإسراء : 39، يريد و الله أعلم مهجورًا مُقصًى.

(1 : 394)

الجَوهَريّ: الدُّحور: الطَّرْد و الإبعاد. و قد دَحَرَه. قال الله تعالى : { مَدْحُورًا} أي مُقصًى. (2 : 655)

ابن فارس: الدّال و الحاء و الرّاء أصل واحد،

ص: 845

و هو الطّرد و الإبعاد.قال الله تعالى: { اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا } الأعراف : 18. (2: 331)

الهَرَويّ: [ليس فيه سوى تفسير الآيات ممّا سبقه الآخرون] (2: 620)

ابن سيده: دَحَرَه يَدْحَرُه دَحْرًا و دُحُورًا: دَفعَه

و أبعَدَه. (3 : 258)

الدَّحْر: الطّرد و الإبعاد؛ دَحَرَه يَدْحَرُه دَحْرًا و دُحُورًا: دفعه، و أبعده، و طرده. قال تعالى: { وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِب * دُحُورًا...} الصّافّات:8 ، 9، فاندَحَر، و الفاعل: داحِر و دُحُور.

(الإفصاح1 : 258)

الطُّوسيّ: الدَّحْر: الدّفع على وجه الهوان و الإذلال. يقال: دَحَرَه يَدْحَرُه دَحْرًا و دُحُورًا.

(4 : 394)

نحوه الطَّبا طَبائيّ (8 : 33)، و فضل الله (10 : 39).

الرّاغِب: الدَّحْر: الطّرد و الإبعاد. يقال: دَحَرَه دُحُورًا. [ثمّ ذكر الآيات] (165)

الزّمَخْشَريّ: دَحَرَه: طَرَدَه، دُحُورًا { وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِب* دُحُورًا...} و الشّيطان مَطْرُود من رحمة الله. (أساس البلاغة : 127)

[ذكر حديث النّبيّ(صلی الله علیه و آله) كما سبق عن الخطّابيّ ثمّ قال:]

الدَّحْر: الدّفع بعُنف على سبيل الإهانة و الإذلال، و الدّحق : الطّرد و الإبعاد... و أفعل التّفضيل من دُحر و دُحق كقولهم: أشْهَر و أجَنّ من شُهِر و جُنّ...

نُزّل وصف الشّيطان بأ نّه أدحَر و أدحَق منزلة وصف اليوم به، لوقوع ذلك في اليوم و اشتماله عليه، فلذلك قيل: < من يوم عرفة > كأنّ اليوم نفسه هو الأدْحَر الأدْحَق.

و قوله: < إلا ما رأى يوم بدر > استثناء من معنى الدُّحُور، كأ نّه قال: إلا الدُّحُور الّذي أُصيب به يومئذ عند وَزْع جبرئيل الملائكة. (الفائق1 : 415)

ابن الأثير : [ذكر حديث الحجّاج نحو الزّمَخْشَريّ و أضاف:]

و منه حديث ابن ذي يَزَن: < و يُدْحَر الشّيطان >.

(2 : 103)

الصّغانيّ: قال الجَوهَريّ: الدُّحُور: الطَّرْد.

و الصّواب: الدَّحْر، و بناء < فُعُول > للُّزوم لا للتّعدّيّ. (2 : 510)

الرّازيّ: دَحَرَه: طَرَدَه و أبعده، و بابه: « خَضَعَ ».

(219)

الفيروزاباديّ: الدَّحْر: الطّرد و الإبعاد والدّفع، كالدُّحُور، فعلهنّ ك <جَعَل>، و هو داحِر و دَحُور.

(2 : 28)

الطُّرَيحيّ: ... الدُّحور: الدّفع بعنف على الإهانة و منه < الشّهادة مُدْحِرة للشّيطان > أي محلّ لدَحْره، و هو طرده و إبعاده، و ذلك لأنّ غاية الشّيطان من الإنسان الشّرك بالله، و الكلمة بإخلاص تنفيه

و تُبعِده عن مراده. (3 : 300)

مَجْمَعُ اللُّغة: دَحَرَه يَدْحَرُه دَحْرًا ودُحُورًا: دفعه و طرده و أبعده، و اسم المفعول: مدحُور. (1 : 380)

ص: 846

نحوه محمّدإسماعيل إبراهيم. (1 : 182)

العَدْنانيّ: دُحِر العدوّ، لا اندَحَر

و يقولون: إنّ الفعل: اتدَحَر، هو مطاوع الفعل المتعدّي « دَحَرَ »، و لايؤيّدهم في ذلك سوى <الوسيط> بينما أهمل ذكر الفعل: « انْدَحَر» كلّ من الصّحاح، و الأساس، و المختار، و اللّسان، و المصباح الّذي أهمل مادّة < دَحَرَ > كلّها، و القاموس، و التّاج، و المدّ، و محيط المحيط، و أقرب الموارد، و المتن.

و ليس الفعل: « انْدَحَر » قياسيًّا، لأنّ الوسيط لايذكر سوى قياس المطاوعة ل « فَعَّل »، و هو « تفَعَّل». و لايقول الوسيط: إنّ مَجْمَعُ اللُّغة العربيّة بالقاهرة وافق على استعمال الفعل المطاوع « انْدَحَر » لكي نَقْبَل به، و لذلك نستبدل به الفعل المبنيّ للمجهول: دُحِر.

أمّا فعله فهو: دَحَرَه يَدْحَرُه دَحْرًا و دُحُورًا، فهو داحِر و دَحُور، و اسم المفعول منه: مدحُور. [ثمّ ذكر الآيات] (215)

محمود شيت: [نحو مَجْمَعُ اللُّغة و أضاف:]

انْدَحَر: مطاوع دَحَرَه.

دَحَرَ الجيش الأعداء: هزمهم.

الاندحار: الهزيمة. (1 : 236)

المُصْطَفَويّ: و التّحقيق: أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الإبعاد على سبيل الإهانة و الإذلال و الدّفع، أي الإبعاد على تلك الحالة و بهذه الخصوصيّة.

و يقرب منها لفظًا و معنًى في الجملة: الدَّسْر بمعنى المنع، و الدَّحْر بمعنى الذّلّ و الصّغار، و الدّبر مقابل الإقبال، و الدَّحْق بمعنى الطّرْد، و كذلك الدَّحْض.

و أمّا صيغة التّفضيل: فالتّحقيق فيه أنّ الصّفة المشبّهة و صيغة التّفضيل قد يراد فيهما الدّلالة على الحدث و المفهوم من حيث هو هو من دون توجّه إلى جهة الصّدور أو الوقوع، أي كون الفعل لازمًا أو متعدّيًا، فيدلّ اللّفظ حينئذ على ثبوت الحدث أو على الأفضليّة فيه من حيث هو، لا أنّ الصّيغة مأخوذة من المبنيّ للمفعول.[ثمّ ذكر الآيات]

(3 : 178)

النُّصوص التّفسيريّة

دُحُورًا1 وَ يُقْذَ فُونَ مِنْ كُلِّ جَانِب * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ. الصّافّات : 8 ، 9

ابن عبّاس: يَدْحَرُون عن السّماء و استماع كلام الملائكة. (374)

مُجاهِد: مطرودين. (الطّبَريّ10 : 473)

نحوه فضل الله. (19 : 178)

قَتادَة: رميًا في النّار. (النّحّاس6 : 11)

زَيْدبن عليّ: أي إبعادًا. (341)

ابن زَيْد: الشّياطين يَدْحَرُون بها عن الاستماع، و قرأ و قال:{ اِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فاَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } الصّافّات : 10. (الطّبَريّ 10 : 473)

الفَرّاء: بضمّ الدّال. و نصَبها أبو عبدالرّحمان السُّلَميّ. فمن ضمّها جعلها مصدرًا، كقولك: دَحَرْته دُحُورًا. و من فتحها جعلها اسمًا، كأ نّه قال: يُقذفُون

ص: 847

بداحر و بما يَدْحَر. ولستُ أشتهيها، لأ نّها لو وُجّهت على ذلك على صحّة لكانت فيها الباء، كما تقول: يُقذفُون بالحجارة، و لاتقول يُقذفُون الحجارة. و هو جائز. [ثمّ استشهد بشعر] (2 : 383)

أبوعُبَيْدة: مصدر «دحَرت»،... (2 : 166)

المُبَرِّد : الدّحُور: أشدّ الصّغار و الذّلّ.

(الفَخْر الرّازيّ26 : 123)

الطّبَريّ: و يرمون من كلّ جانب من جوانب السّماء دُحُورًا، و الدُّحُور: مصدر، من قولك: دَحَرْته أدحَره دَحْرًا ودُحُورًا. و الدَّحْر: الدّفع و الإبعاد، يقال منه: ادْحَر عنك الشّيطان، أي ادفعَه عنك و أبْعِده.

(10 : 472)

الزّجّاج: معنى قوله: { دُحُورًا } أي يُدْحَرُون أي يباعدون. (الأزهَريّ4 : 407)

ابن قُتَيْبة: يعني طردًا. (3 : 369)

النّحّاس: يقال: دَحَرَه، إذا طرَده و باعَدَه، دُحُورًا، و دَحْرًا.

و يُروى عن أبي عبد الرّحمان أ نّه قرأ ( دَحُورًا ) بفتح الدّال، و المصادر على « فَعُول » قليلة.

و قال بعض النّحويّين: ليس بمصدر، و لكنّه بمعنى بما يَدْحَرهم، و لو كان على ما قال لكان « بِدَحُور » أي بمباعد. (6 : 11)

الرُّمّانيّ: و الدُّحور : الدّفع بعُنف.

(الماوَرْديّ5 : 39)

نحوه الطُّوسيّ (8 : 483)، و الطَّبْرِسيّ (4 : 438).

الماوَرْديّ: فيه تأويلان:

أحدهما: [قول قَتادَة]

الثّاني: طردًا بالشّهب، و هو معنى قول مُجاهِد.

(5 : 39)

الواحديّ: المعنى يَدْحَرُون دُحُورًا، فيُبعَدون عن تلك المجالس الّتي يسترقون فيها السّمع. (3 : 522)

نحوه البَغَويّ . (4 : 27)

المَيْبُديّ: { دُحُورًا } مصدر من غير لفظ الفعل الأوّل، أي يُقذفُون قذفًا. و قيل: فعله مضمر، تقديره: ويُدْحَرُون دُحُورًا، أي يُبعدُون عن مجالسالملائكة. و قيل: { دُحُورًا }: جمع دَحْر، و هو ما يُرمى به، فيكون تقديره: بدُحُور، فحذف الجارّ و نُصِب.

(8 : 259)

الزّمَخْشَريّ: { دُحُورًا } مفعول له، أي و يُقذفُون للدُّحور، و هو الطّرد. أو مدحورين على الحال، أو لأنّ القذف و الطّرد متقاربان في المعنى، فكأ نّه قيل: يُدْحَرُون، أو قذفًا.

و قرأ أبو عبد الرّحمان السُّلَميّ بفتح الدّال، على قذفًا دَحُورًا طرودًا. أو على أ نّه قد جاء مجيء القبول و الوَلوع. (3 : 336)

نحوه النّسَفيّ (4 : 17)، و النَّيسابوريّ (23 : 43)، و أبو السُّعود (5 : 321)، و مَغْنِيّة (6 : 329).

ابن عَطيّة: الدُّحُور: الإصغار و الإهانة، لأنّ الدّحر: الدّفع بعُنف. (4 : 466)

أبو الفُتُوح: الدُّحُور: الطّرد و الإبعاد، و نصبه إمّا على أ نّه مفعول له، و إمّا على أ نّه مصدر محذوف الفعل، و التّقدير: فيُدْحَرون دُحورًا. (16 : 180)

أبوالبَرَكات: منصوب على المصدر، و تقديره:

ص: 848

يُدْحَرُون دُحُورًا. (2 : 303)

ابن الجَوْزيّ: [نقل بعض الأقوال وّ أضاف:]

و قرأ عليّ بن أبي طالب[(علیه السلام)]، و أبو رجاء، و أبو عبد الرّحمان، و الضّحّاك، و أيّوب السّختيانيّ، و ابن أبي عَبْلَة: ( دَحُورًا ) بفتح الدّال. (7 : 47)

الفَخْرالرّازيّ: في انتصاب قوله: { دُحُورًا } وجوه: الأوّل:

أ نّه انتصب بالمصدر، على معنى يُدْحَرُون دُحُورًا، و دلّ على الفعل قوله تعالى: { وَ يُقْذَفُونَ }.

الثّاني: التّقدير: و يُقذفُون للدّحور، ثمّ حذف اللام.

الثّالث: قال مُجاهِد: { دُحُورًا } مطرودين، فعلى هذا هو حال سمّيت بالمصدر، كالرّكوع و السّجود و الحضور. (26 : 123)

العُكْبَريّ: يجوز أن يكون مصدرًا من معنى { يُقْذَفُونَ }، أو مصدرًا في موضع الحال، أو مفعولا له، و يجوز أن يكون جمع داحِر، مثل قاعد و قُعُود، فيكون حالا . (2 : 1088)

ابن عَرَبيّ: يُقذفُون بما يُبطله من الدُّحُور

و الطّرد، أو مدحورين مطرودين. (2 : 337)

القُرطُبيّ: مصدر، لأنّ معنى { يُقْذَفُونَ } يُدْحَرُون، دَحَرْتُه دَحْرًا و دُحُورًا أي طردته. و قرأ السُّلَميّ و يعقوب الحضرميّ ( دَحُورًا ) بفتح الدّال، يكون مصدرًا على « فَعُول ». و أمّا الفَرّاء فإنّه قدّره على أ نّه اسم الفاعل، أي و يُقذفُون بما يَدْحَرهم أي بدحُور، ثمّ حذف الباء؛ و الكوفيّون يستعملون هذا كثيرًا. [ثمّ استشهد بشعر] (15: 65)

البَيْضاويّ: { دُحُورًا } علّة، أي للدُّحور، و هو الطّرد. أو مصدر، لأ نّه و القذف متقاربان. أو حال بمعنى مدحورين. أو منزوع عنه الباء، جمع دحَر، و هو ما يُطرَد به، و يقوّيه القراءة بالفتح. و هو يحتمل أيضًا أن يكون مصدرًا كالقبول، أو صفةله أي قذفًا دَحُورًا.

(2 : 289)

مثله المشهديّ. (8 : 447)

ابن جُزَيّ: [نحو ابن عَطيّة و الزّمَخْشَريّ]

(3 : 168)

أبو حَيّان: و { دُحُورًا } مصدر في موضع الحال. [ثمّ ذكر نحوالزّمَخْشَريّ إلا أ نّه قال:]

و يجوز أن يكون مصدرًا كالقبول و الوَلوع، إلا أنّ هذه الألفاظ ذكر أ نّها محصورة. (7 : 353)

السّمين: العامّة على ضمّ الدّال. و فيه أوجه:

الأوّل: المفعول له، أي لأجل الطّرْد.

الثّاني: أ نّه مصدر ل { يُقْذَفُونَ } أي يُدْحَرُون دُحُورًا، أو يُقذفُون قذفًا. فالتّجوّز: إمّا في الأوّل، و إمّا في الثّاني.

الثّالث: أ نّه مصدر لمقدّر، أي يُدْحَرُون دُحُورًا.

الرّابع: أ نّه في موضع الحال، أي ذوي دُحُور أو مدحورين.

و قيل: هو جمع داحِرنحو: قاعد و قعود. فيكون حالا بنفسه من غير تأويل.

و روي عن أبي عمرو أ نّه قرأ(يَقْذِفُون) مبنيًّا لفاعل.

ص: 849

[و ذكر قراءة الفتح و قال:]

وفيها وجهان:

أحدهما: أ نّها صفة لمصدر مقدّر، أي قذفًا دَحُورًا، و هو كالصّبور و الشّكور.

و الثّاني: أ نّه مصدر كالقبول و الوَلوع. و قد تقدّم أ نّه محصور في ألفاظ. (5 : 496)

ابن كثير: أي رجمًا يُدْحَرُون به و يُزْجَرُون

و يُمنعُون من الوصول إلى ذلك، و يُرجَمون. (6 : 5)

البُقاعيّ: أي قذفًا يردّهم مطرودين صاغرين مبعَدين، فهو تأكيدللقذف بالمعنى، أو مفعول له، أو حال. (6 : 294)

الشَّوْكانيّ: و انتصاب { دُحُورًا } على أ نّه مفعول لأجله، و الدّحور: الطّرد...[ثمّ ذكر بعض الأقوال] (4 : 485)

نحوه الشِّربينيّ (3 : 371)، و الكاشانيّ (4 : 264) و البُرُوسَويّ (7 : 449)، و القاسميّ (14 : 5028).

الآلوسيّ: { دُحُورًا } مفعول له و علّة للقذف، أي للدّحور، و هو الطّرد و الإبعاد، أو مفعول مطلق ل { يُقْذَفُونَ } كقعدت جلوسًا، لتنزيل المتلازمين منزلة المتّحدَين، فيقام دحورًا مُقام قذفًا، أو { يُقْذَ فُونَ} مقام يُدْحَرُون. و على التّقديرين هو مصدر مؤكّد، أو حال من ضمير{ يُقْذَ فُونَ } على أ نّه مصدر باسم المفعول على القراءة الشّائعة، و هو في معنى الجمع لشموله للكثير، أي مدحورين.

و جُوّز كونه جمع داحر، بمعنى مدحور، كقاعد و قعود، و كونه < داحر > من غير تأويل بناء على القراءة الأُخرى.و جُوّز أن يكون منصوبًا بنزع الخافض و هو الباء، على أ نّه جمع دحر، كدهر و دهور، و هو ما يُدحَر به، أي يُقذفون بدحور.

و قرأ السّلَميّ و ابن أبي عَبْلَة و الطّبَرانيّ عن أبي جعفر ( دَحُورًا ) بفتح الدّال، فاحتمل كونه نصبًا بنزع الخافض أيضًا. و هو على هذه القراءة أظهر، لأنّ < فَعُولا > بالفتح بمعنى ما يُفعَل به كثير ، كطهور و غسول لما يُتطهّر و يُغسَل به. و احتمل أن يكون صفة كصبور لموصوف مقدّر، أي قذفًا دحورًا طاردًا لهم.

و أن يكون مصدرًا كالقبول، و فَعُول في المصادر نادر، و لم يأت في كتب التّصريف منه إلا خمسة أحرف: الوَضوء و الطّهور و الوَلوع و الوَقود و القَبول، كما حكي عن سيبَوَيه. و زيد عليه< الوَزُوع > بالزّاي المعجمة. (23 : 70)

عزّة دروزة: طردًا عنيفًا أو دفعًا عنيفًا.

(4 : 247)

ابن عاشور: الدّحُور: الطّرد. و انتصب على أ نّه مفعول مطلق ل { يُقْذَ فُونَ }. (23 : 14)

الطَّبا طَبائيّ: الدّحُور: الطّرد و الدّفع، و هو مصدر بمعنى المفعول، منصوب حالا ، أي مدحورين، أو مفعول له، أو مفعول مطلق. (17 : 123)

محمود صافي: مفعول مطلق نائب عن المصدر، فهو مرادفه.

(23 : 43)

عبد الكريم الخطيب: ...قُذِفوا من كلّ جانب بالشُّهُب، و رُموا من كلّ مكان بالرّجوم، فيرجعون

ص: 850

مدحورين مقهورين، لم يحصلوا على شيء.

(12 : 965)

المُصْطَفَويّ: منصوب على أ نّه مفعول لأجله، كما في ضربت تأديبًا، فإنّ القذف معلّل به و بحصوله.

(3 : 178)

مكارم الشّيرازيّ: إنّهم يُطرَدون من السّماء بشدّة...

{ دُحُورًا } مشتقّة من < دحر > الّتي هي على وزن <دهر> و تعني طرد الشّيء و دفعه. (14 : 261)

مَدْحُورًا

1 قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لاَمْلَنَّ= جَهَنَّمَ مِنْكُمْ اَجْمَعينَ‘. الأعراف : 18

ابن عبّاس: مُقصًى بعيدًا من كلّ خير. (125)

نحوه الكَلْبيّ. (الثّعلبيّ4 : 222)

{ مَذْءُومًا مَدْحُورًا }: مقيتًا. (الطّبَريّ5 : 448)

مُجاهِد: مطرودًا. (الطّبَريّ5 : 448)

مثله السُّدّيّ (258)، و البَيْضاويّ (1 : 344)، و أبو السُّعود (2 : 484)، و الكاشانيّ (2 : 184).

قَتادةَ: منفيًّا. (الطّبَريّ5 : 448)

شقيًّا. (البغَويّ 2 : 183)

زَيْدبن عليّ: مُبعَدًا. (194)

مثله ابن عَطيّة. (2 : 382)الرّبيع: < المدحور >: المصَغّر. (الطّبَريّ5 : 448)

أبوعُبَيْدَة: مُبعَدًا مُقصًى.و منه قولهم: ادْحَر عنك الشّيطان. (1 : 212)

نحوه ابن قُتَيْبَة. (1 : 166)

اليزيديّ: مُقصًى. و دَحَرتُ الشّيطان، من ذلك.

(144)

الطّبَريّ: { مَذْءُومًا مَدْحُورًا }، يقول: معيبًا...

و أمّا المدحور: فهو المُقصَى يقال: دَحَرَه يَدْحَرُه دَحْرًا و دُحُورًا ، إذا أقصاه و أخرجه، و منه قولهم: « ادْحَرْ عنكَ الشّيطان ». (5 : 448)

الزّجّاج: المُبعَد من رحمة الله.

( ابن الجَوْزيّ3 : 178)

القُمّيّ: « المَدْحُور »: المَقْصيّ.

(224)

السِّجستانيّ: أي مُبعَدًا. يقال: اللّهمّ ادحَر عنّي الشّيطان. أي ابْعده. (64)

النّحّاس: المطرود المُبعَد. يقال: اللّهمّ ادحَر عنّا الشّيطان. (3 : 19)

نحوه الخازن. (2 : 178)

الثّعلبيّ: و المدحور: المقصيّ، يقال : دَحَرَه يَدْحَرُه دَحْرًا، إذا أبعده و طرده. (4 : 222)

نحوه البغَويّ (2 : 183)، و القاسميّ (7 : 2638).

الماوَرْديّ: فيه قولان: أحدهما: المدفوع.الثّاني: المطرود. (2 : 208)

القُشَيْريّ: أخرجه من درجته ، و من حالته و رتبته، و نقله إلى ما استوجبه من طرده، و لعنته، ثمّ تخليده أبدًا في عقوبته، و لايُذيقه ذرّةً من بَرْد رحمته ، فأصبح و هو مقدّم على الجملة ، و أمسى و هو أبعد الزُّمرة . و هذه آثار قهر العزّة . فأيّ كَبِد يسمع هذه القصّة ثمّ لايتفتّت؟! (2 : 218)

ص: 851

الواحديّ: منفيًّا مطرودًا. و الدّحر: الطّرد

و الإبعاد. (2 : 356)

المَيْبُديّ: أي مطرودًا مبَعّدًا من رحمة الله. و قيل: مطرودًا من السّماء. (3 : 570)

نحوه النّسَفيّ (2 : 47)، و الشِّربينيّ (1 : 466).

أبوالفُتُوح: أي مدفوعًا على وجه الهوان.

(8 : 147)

العُكْبَريّ: و هو[مَذْءُومًا] و ما بعده حالان.

و يجوز أن يكون { مَدْحُورًا } حالا من الضّمير في { مَذْءُومًا }. (1 : 559)

القُرطُبيّ: المدحور: المُبعَد المطرود؛ عن مُجاهِد و غيره. و أصله: الدّفع. (7 : 176)

ابن جُزَيّ: مطرودًا حيث وقع. (2 : 30)

أبوحَيّان: دحَره: أبعَده و أقصاه. [ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و انتصب { مَدْحُورًا } على أ نّه حال ثانية على من جوّز ذلك، أو حال من الضّمير في { مَذْءُومًا } أو صفة لقوله: { مَذْءُومًا }. (4 : 265 ، 277)

نحوه السَّمين. (3 : 244

ابن كثير: المدحور: المصغّر. (3 : 153)البُرُوسَويّ: أي مطرودًا، فاللّعين مطرود من الجنّة و من كلّ خير لعُجبه و نظره إلى نفسه، ففيه عبرة لكلّ مخلوق بعده. (3 : 143)

الشّريف العامليّ: معنى الدّحر و الدّحُور: الطّرد. و ظاهر أنّ الطّرد من رحمة الله، بل كلّ خير لايكون إلا لتارك الولاية، بل مثل هذا مُطّرد عن أصل الخير الّذي هو الولاية فافهم. (147)

شُبّر: مطرودًا، مبعَدًا من الدّخول. (2 : 351)

الآلوسيّ: و هو من الدّحر بمعنى الطّرد

و الإبعاد، و جُوّز في هذا أن يكون صفة. (8 : 96)

رشيد رضا: يقال: دحَر الجند العدوّ ، إذا طرَده و أبعده، فهو بمعنى اللّعن، و بذلك ورد التّفسير المأثور للّفظين، و الأمر الأوّل بالخروج قد ذُكر لبيان سببه و هذا لبيان صفته، و المعنى:اخرُج من الجنّة أو المنزلة الّتي أنت فيها، حال كونك معيبًا مذمومًا من الله و ملائكته، مطرودًا من جنّته، فهو بمعنى لعنه، و جعله رجيمًا في آيات أُخرى. (8 : 338)

المَراغيّ: مطرود من جنّته. (8 : 116)

ابن عاشور: مفعول من دحَره، إذا أبعده و أقصاه، أي اخرُج خروج مذموم مطرود. فالذّمّ لما ا تّصف به من الرّذائل، و الطّرد لتنزيه عالم القُدس عن مخالطته. (8 : 40)

مَغْنِيّة: الذّ أْم: العيب و الاحتقار، و الدّحْر: الطّرد، و قد خص الله بهما إبليس؛ حيث أنزله الله سبحانه من المقام الّذي كان فيه، أمّا جهنّم فإنّها له و لحزبه الّذين أطاعوه، و عصوا أمر الله. (3 : 309)

عبد الكريم الخطيب:المدحور:المنهزم المغلوب.

(4 : 378)

المُصْطَفَويّ: أي في حالة الإبعاد الخاص، لأ نّه خالف الأمر و اجتهد في إضلال عباد الله المتعال.

(3 : 178)

مكارم الشّيرازيّ: و في آخر آية من الآيات

ص: 852

المبحوثة هنا يصدر مرّة أُخرى الأمر بخروج الشّيطان من حريم القرب الإلهيّ و المقام الرّفيع، بفارق واحد هو أنّ الأمر بطرده هنا اتّخذ صورة أكثر ازدراءً و تحقيرًا، و أشدّ عنفًا و وقعًا. و لعلّ هذا كان لأجل العناد و اللّجاج الّذي أبداه الشّيطان بالإلحاح على الوسوسة للإنسان و إغوائه و إغرائه، يعني أنّ موقفه الأثيم في البداية كان منحصرًا في التّمرّد على أمر الله و عدم امتثاله، و لهذا صدّر الأمر بخروجه فقط، و لكن عندما أضاف معصية أكبر إلى معصيته بالعزم على إضلال الآخرين جاء الأمر المشدّد:{ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا }. (4 : 539)

2 مَنْ كَانَ يُريدُ‘ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فيهَا‘ مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُريدُ‘ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْليهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا.

الإسراء : 18الفَخْرالرّازيّ: و قوله: { مَذْمُومًا } إشارة إلى الإهانة و الذّمّ، و قوله: { مَدْحُورًا } إشارة إلى البُعد و الطّرد عن رحمة الله، و هي تُفيد كون تلك المضرّة خالية عن شوب النّفع و الرّحمة، و تفيد كونها دائمة و خالية عن التّبدّل بالرّاحة و الخلاص. (20 : 178)

3 ذلِكَ مِمَّا اَوْحى اِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ لاتَجْعَلْ مَعَ اللهِ اِلهًا اخَرَ فَتُلْقى فى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا الإسراء : 39

الفَخْرالرّازيّ: الفرق بين المخذول و بين المدحور، فهو أنّ المخذول عبارة عن الضّعيف، يقال: تخاذلت أعضاؤه، أي ضعفت، وأمّا المدحور فهو المطرود.

والطّرد: عبارة عن الاستخفاف والإهانة، قال تعالى: { وَ يَخْلُدْ فيهِ ‘مُهَانًا}الفرقان : 69، فكونه مخذولا عبارة عن ترك إعانته وتفويضه إلى نفسه. وكونه مدحورًا عبارة عن إهانته والاستخفاف به. فثبت أنّ أوّل الأمر أن يصير مخذولا ، وآخره أن يصير مدحورًا والله أعلم بمراده. (20 : 214)

أبوحَيّان: الفرق بين المخذول و المدحور: أنّ المخذول هو المتروك إعانته و نصره و المفوّض إلى نفسه، و المدحور: المطرودالمبعَد على سبيل الإهانة له و الاستخفاف به، فأوّل الأمر الخذلان و آخره الطّرد مهانًا. وكان وصف الذّمّ و الخذلان يكون في الدّنيا، و وصف اللّوم و الدّحور يكون في الآخرة، ولذلك جاء { فَتُلْقى فى جَهَنَّمَ }. (6 : 38)

الآلوسيّ: مبعدًا من رحمة الله تعالى. (15 : 77)

المُصْطَفَويّ: مُبعدًا في حالة الدّفع و الذّلّ و الإهانة ، فإنّه قد توجّه إلى ما لايفيده و تمسّك بمستمسك منفصم، لايُغني عنه شيئًا. (3 : 178)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الدَّحْر، و هو الطّرد و التّنحية. يقال: دَحَرتُه أدحَرُه دَحْرًا ، أي بَعّدتُه و نَحّيتُه ، و قولهم: اللّهمّ ادحَرْ عنّا الشّيطان، أي اطرُده ونحِّه.

2 و زاد الجَوهَريّ الدّحُور ، و غلّطه الصّغانيّ،

و قال: < بناء < فُعُول > للّزوم لاللتّعدّي >. و هو كذلك،

ص: 853

نحو: قعَد قُعُودًا، و بكَر بُكُورًا،وأوى أُويًّا، على< فُعُول> كما ضبطه الجَوهَريّ. و نقل ابن منظور قولهم: أوَيتُ منزلي وإلى منزلي أُويًّا : عُدتُ؛ لازم و متعدّ. و هو يوهم السّامع بأنّ الأُويّ مصدر لكلا الفعلين: اللازم و المتعدّي، و هو مصدر اللازم فقط، راجع < أوي >.

3 روى أبو زَيْد قولهم: دَحَرْتُ الشّيء دَحْرًا ، و طَحَرتُه طَحْرًا ، أي دفَعتُه.

و هو إبدال شائع ، نحو ما ذكره الأصمَعيّ. يقال: مطّ الحرفَ و مدّه بمعنىً واحد.و ماذكره ابن الأثير في حديث يحيى بن يعمر:

< فإنّك تطحرها >، أي تُبعدها وتُقصيها، و قيل: أراد تَدْحَرها ، فقلب الدّال طاءً، و هو بمعناه.((1))

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المصدر ( دُحُور )مرّة، و اسم المفعول ( مَدْحُور ) ثلاث ( مرّات )،في 4آيات:

1 { لايَسَّمَّعُونَ اِلَى الْمَلاِ الاَعْلى وَ يُقْذَ فُونَ مِنْ كُلِّ جَانِب * دُحُورًا وَ لَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ }

الصّافّات : 8 ، 9

2 { قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لاَمْلَنَّ= جَهَنَّمَ مِنْكُمْ اَجْمَعينَ‘ } الأعراف : 18

3 مَنْ كَانَ يُريدُ‘ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فيهَا‘ مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُريدُ‘ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْليهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا }

الإسراء : 18

4 ذلِكَ مِمَّا اَوْحى اِلَيْكَ رَ بُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ لاتَجْعَلْ مَعَ اللهِ اِلهًا’

اخَرَ فَتُلْقى فىجَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا } الإسراء : 39

يلاحظ أوّ لا : أنّ الدَّحْر جاء مسندًا إلى من أُقصي عن جوار الله و حماه، ومقرونًا بالذّ أم و الذّمّ و اللّوم ، و فيه بُحُوثٌ:

1 اختلف المفسّرون في { دُحُورًا } الوارد في (1): { لايَسَّمَّعُونَ اِلَى الْمَلاِ الاَعْلى وَيُقْذَ فُونَ مِنْ كُلِّ جَانِب*دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَ اصِبٌ } فقال أبو عُبَيْدَة: مصدر دَحَرَ ، و هو ظاهر قولَيْ قَتادَة و زَيْد بن عليّ ، و به صرّح الفَرّاء و الطّبَريّ و النّحّاس و غيرهم. وقال العُكْبَريّ: جمع داحر،مثل: قاعد و قعود.

و قال آخرون: جمع دَحْر، وهو ما يُرمى به، و التّقدير: يُقذفُون بدحُور ، فحذف منه الباء ، ثمّ نُصب على الحال. و لكنّ < فُعُولا > يأتي مصدر < فعَل > اللازم قياسًا ، كما ذكرنا في الأُصول اللُّغويّة، و يأتي جمع اسم ثلاثيّ على< فَعِل > و < فَعْل > و < فِعْل > و < فُعْل > اطّرادًا، و لايأتي جمعًا على < فاعل > كما ذكروا.

و نرى القول الثّالث هو الأظهر، و تؤيّده قراءة الإمام عليّ (علیه السلام) و أبي رجاء و أبي عبد الرّحمان السّلَميّ و الضّحّاك و غيرهم: ( دَحُورًا ) بالفتح. و نظيره الرّجم، أي ما يُرجَم به، و جمعه الرّجُوم ، و هو قوله تعالى: { وَلَقَدْ زَ يَّنَّا السَّمَاءَ الدُّ نْيَا بِمَصَابيحَ‘ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطينِ‘ وَ اَعْتَدْ نَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعيرِ‘ } الملك : 5.

ص: 854


1- (1)النّهاية (3 : 116).

2 استُعمل الدّحْر حالا لخروج إبليس من الجنّة في (2): { قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورً ا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لاَمْلَنَّ= جَهَنَّمَ مِنْكُمْ اَجْمَعينَ‘} ، و حالا لصلي من يريد الدّنيا بجهنّم في (3): { مَنْ كَانَ يُريدُ‘ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فيهَا‘ مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُريدُ‘ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْليهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا }، و حالا لإلقاء المشرك في جهنّم في (4): { ذلِكَ مِمَّا اَوْحى اِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ لاتَجْعَلْ مَعَ اللهِ اِلهًا’ اخَرَ فَتُلْقى فى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا }. و كان { مَدْحُورًا } في (3) و(4) رويًّا لهما، و كاد أن يكون رأسًا للآية (2)، لأنّ جملة { لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ } استئنافيّة، لامحلّ لها، و جملة { لاَمْلَنَّ= جَهَنَّمَ مِنْكُمْ اَجْمَعينَ‘ } جواب الشّرط،و لها نظائر كثيرة في القرآن.

3 جاء { دُحُورًا } و { مَدْحُورًا } في آيات مكّيّة يتّصف سياقها بالوعيد والتّهديد، تقريعًا مباشرًا أو غير مباشر لأهل مكّة، فالآية (1) في دَحْر الشّياطين عامّة، و (2) إبليس خاصّة، و (3) في طالب الدّنيا،

و (4) في المشرك؛ إذ هم أتباع الشّيطان و طلاب الدّنيا و عبدة الأصنام و الأوثان

ثانيًا: و الآيات كلّها مكّيّة، فيبدوا أ نّها لغة مكّيّة.

ثالثًا: و من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الطّرد: { وَ لا تَطْرُدِ الَّذينَ‘ يَدْعُونَ رَ بَّهُمْ بِالْغَدو ةِ وَالْعَشِىِّ } الأنعام : 52

النّفي: { اِنَّمَا جَزَاؤُ الَّذينَ‘ يُحَارِبُونَ اللهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِى الاَرْضِ فَسَادًا اَنْ يُقَتَّلُوا اَوْ يُصَلَّبُوا اَوْ تُقَطَّعَ اَيْديهِمْ وَاَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاف اَوْ يُنْفَوْ ا مِنَ الاَرْضِ} المائدة : 33

الذّود: { وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ اُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَاَتَيْنِ تَذُودَ ان ِِ}

القصص : 23

الخسوء: { قَالَ اخْسَؤُا فيهَا‘ وَلاتُكَلِّمُون ِ}

المؤمنون : 108

اللّعن: { اِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرينَ‘ وَ اَعَدَّ لَهُمْ سَعيرًا‘ }

الأحزاب : 64

ص: 855

ص: 856

د ح ض

اشارة

3 ألفاظ، 4 مرّات مكّيّة، في 4 سور مكّيّة

دَاحِضَة 1 : 1 المُدْحَضين‘ 1 : 1

لِيُدْحِضُوا 2 : 2

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: الدَّحْض: الزّلَق، يقال: مَزْلقَة مِدْحَاض.

و الدَّحْض: الماء الّذي تكون منه المَزْلقَة.

و دحَضَتِ الشّمس عن بطن السّماء، أي زالت.

و دحَضَتْ حُجّته، أي بطلت.

و دُحَيْضَة: موضع. [ثمّ استشهد بشعر]

و دحَضَتْ رِجْل البعير: زَلقَت. (3 : 101)

أبوعُبَيْد: في حديث أبي ذرّ أ نّه قال: إنّ خليلي (صلی الله علیه و آله) قال: < إنّ ما دون جِسْر جهنّم طريق ذو دَحْض و مزَلّة >.

الدّحْض: الزّلَق و المَزِلّة، و المَزَلّة مثله لغتان.

(2 : 184)

ابن السِّكّيت: قد دحَضَتِ الشّمس تَدْحَض دُحُوضًا و دَحْضًا، إذا كان بين الظُّهر و الأُولى. و العشيّ: ما سفل من صلاة الأُولى، و ماكان بعد صلاة العصر فهو الأُصُل. (425)

ابن أبي اليَمان: الدّحْض: الزّلل. (496)

المُبَرِّد: الدّاحض: السّاقط، و الدّاحض أيضًا: الزّالق. (1 : 4)

ابن دُرَيْد: الدّحْض: الزّلَق، دحَضَ يَدْحَض دَحْضًا و دُحُوضًا. و كلّ حجر أملس لاتستقلّ عليه الرِّجْل فهو مَدْحَض...

و دحَضَتْ حُجّته دُحُوضًا فهي داحضة، و أدحضها الله إدحاضًا. [ثمّ استشهد بشعر] (2 : 123)

القاليّ: تَدَحّضَ: تزَلّقَ. يقال: مكان دَحْضٌ و مزَلّة و مَدْحَضَة. (2 : 135)

ص: 857

الدَّحْض: الزّلَق. (2 : 266)

الأزهَريّ: يقال: مكان دَحْضٌ ،إذا كان مزَلّة لاتَثبُت عليه الأقدام.

و دَحيضَةُ: ماء لبني تميم.

أبوسعيد: دحَضَ برِجْله و دحَصَ،إذا فحَصَ برِجْله.

(4 : 198)

الصّاحِب: [نحو الخَليل و أضاف:]

و أدحَضتُه عنّي إدحاضًا و دحَضتُه: دفَعتُه.

و دحَضَ عن الأمر و دحَصَ، أي بحَثَ.

و دُحَيْضَة: موضع. (2 : 438)

الخطّابيّ: [في حديث جُهَيْس بن أوس:] <... نُجَباءُ غير دُحّضِ الأقدام >.

دُحّض الأقدام: جمع داحض، و هم الّذين لاثبات لهم و لاعزيمة في الأُمور. و يقال ذلك أيضًا للسّاقط المرتبة، من قولك: دحَضَ الرّجل دَحْضًا، إذا زلّت قدمه، و دحَضَتْ حُجّته، إذا بطلت. (1 : 639)

[و في حديث عبد الله:] < يُوضَع الصّراط على سواء جهنّم مثل حدّ السّيف المُرهَف مَدْحَضَة مزَلّة ...>.

قوله: <مَدْحَضَة>: أي مزَلّة. يقال: دحَضَ الرّجل، إذا زلّ قدمه، و قد أدحَضَتْ حُجّة فلان، إذا أزلَلْتَها و أبطَلتَها.

و يقال: هذه مزَلّة و مزِلّة لغتان. (2 : 247)

[و في حديث الحجّاج بما رواه ابن الأعرابيّ:] <لَبّدَتِ الدِّماث، و دحَضَتِ التِّلاع...>.

قوله:<دحَضَتِ التِّلاع> فإنّ التِّلاع ها هنا ما غلُظَ و ارتفع من الأرض؛ واحدها: تَلعَة.و الدَّحْض: الزّلَق، يريد أ نّها صارت زلَقًا لاتَستَمْسِك عليها الأرجل. يقال: دحَضَتْ رِجْلي: زلِقَتْ. و دحَضَتْ حُجّة فلان، إذا بطلت، و قد أدحَضتُها. (3 : 176)

الجَوهَريّ: مكان دَحْضٌ و دَحَضٌ أيضًا بالتّحريك ، أي زَلَقٌ. [ثمّ استشهد بشعر]

و دحَضَتْ رِجْله تَدْحَض دَحْضًا: زَلِقَت.

و دحَضَتِ الشّمس عن كَبِد السّماء: زالت.

و دحَضَتْ حُجّته دُحُوضًا: بطلت. و أدحضَها الله.

و الإدحاض: الإزلاق. (3 : 1075)

ابن فارِس: الدّال و الحاء و الضّاد أصل يدلّ على زوال و زَلَق. [و أدام نحو الجَوهَريّ] (2 : 332)

أبوهلال: الفرق بين قولك: أبطَل، و بين قولك: أدحَضَ، أنّ أصل الإبطال: الإهلاك، و منه سمّي الشّجاع: بطلا لإهلاكه قِرنه. و أصل الإدحاض: الإذلال، فقولك: أبطله يفيد أ نّه أهلكه، و قولك: أدحَضَه يفيد أ نّه أزاله. و منه مكان دَحْض، إذا لم تثبت عليه الأقدام، و قد دحَضَ، إذا زلّ، و منه قوله تعالى:

{ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ } الشّورى : 16. (196)

ابن سيده: دحَضَتْ رِجْله تَدْحَض دَحْضًاو دُحُوضًا: زلَقَتْ. و دحضَها و أدحضَها: أزلقَها،

و دحَضَتْ حُجّته: زهقَت و اندَفعَت. و في التّنزيل: { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ } و فيه: { لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ } الكهف : 56.

و الدّحْض: الماء الّذي يكون عنه الزّلَق.

و مزَلّة مِدْحاض، يُدْحَض فيها كثيرًا.

ص: 858

و دحَضَتِ الشّمس تَدْحَض دَحْضًا و دُحُوضًا: زلّت عن وسط السّماء.

و الدّحْض: الدّفع.

و الدّحيض: اللّحم.

و دُحَيْضَة: موضع. [ثمّ استشهد بشعر] (3 : 120)

الرّ اغِب: قال تعالى: { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي باطلة زائلة. يقال: أدحَضْتُ فلانًا في حُجّته فدَحَضَ، قال تعالى: { وَ يُجَادِلُ الَّذينَ‘ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ } و أدحَضَتْ حُجّته فدحَضَتْ، و أصله من دَحْض الرِّجل، وعلى نحوه في وصف المناظرة:

*نظرًا يزيل مواقع الأقدام*

و دحَضَتِ الشّمس مستعار من ذلك. (165)

الزّمَخْشَريّ: دحَضَتْ رِجْله: زلقت، دَحْضًا و دُحُوضًا.و أدحَضَ فلان قدمه.

و مَزْلقَة مِدْحَاض. و وقعوا على المَداحض و الأدحاض.

وهذه مَدْحَضَة القدم. و مكان دَحْضٌ .[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز: دحَضَتْ حُجّته، و حُجّتهم داحضَة.

و دحَضَتِ الشّمس عن بطن السّماء: زالت.

(أساس البلاغة : 127)

كان (صلی الله علیه و آله) يصلّي الهجير الّتي يسمّونها الأُولى حين تَدْحَض الشّمس، أي تزول، لأ نّها تنزل حينئذ عن كَبِد السّماء و تزول عنها. (الفائق1 : 413)

ابن عبّاس رضي الله عنهما، قال في حديث إسماعيل (علیه السلام): < فلمّا ظَمِئ إسماعيل (علیه السلام) جعل يَدْحَض الأرض بعقبيه...>. الدّحْض: الفَحْص. يقال: دحَضَ المذبوح برِجْليه. (الفائق1 : 417)

ابن الأثير: في حديث مواقيت الصّلاة: < حين تَدْحَض الشّمس > أي تزول عن وسط السّماء إلى جهة المغرب، كأنّها دحَضَتْ، أي زلقَتْ.

و منه حديث الجمعة:< كرهت أن أُخرجكم فتمشون في الطّين و الدّحْض > أي الزّلَق. (2 : 104)

الصَّغانيّ: و دُحَيْضَةُ، مصَغّرةً: ماء لبني تميم. [ثمّ استشهد بشعر] (4 : 71)

الفَيُّوميّ: دحَضَتِ الحُجّة دَحْضًا من باب< نفع >: بطلت، و أدحضَها الله، في التّعدّي. و دحَضَ الرّجل: زلِقَ. (1 : 190)

الفيروزاباديّ: دحَضَ برِجْله، كمنَع: فحَصَ بها و عن الأمر: بحَثَ، و رِجْلُه: زلِقَت، و الشّمس: زالت، و الحُجّة دُحُوضًا: بطلت، و أدحَضتُها.

و دُحَيضَةُ، كجُهَينَة: ماءة لبني تميم.

و مكان دَحْضٌ، و يُحرّك، و دَحُوض: زَلِقٌ؛جمعه: دِحاض.

و المَدْحَضَة: المزَلّة.

و كصَبُور: موضع بالحجاز. (2 : 342)

الطُّرَيحيّ:... في الدّعاء: < خُذْني من دَحْض المزلّة>، أي أنقِذْني من مَزْلَقة الخطيئة.

و في الحديث: < الحجّ مُدْحِضَة للذّنب > أي مبطل له.

و دحَضَتِ الحُجّة دَحْضًا، من باب < نفع >: بطلت،

ص: 859

و أدحضَها الله، في التّعدّي.

و دحَضَ الرّجل: زلِقَ.و دحَضَتْ رِجْله: زلِقَت.

و مكان دَحِضٌ: زلِق.

و الإدحاض: الإزلاق.

و حين تَدْحَض الشّمس، أي تزول. (4 : 205)

مَجْمَعُ اللُّغة:1 دحَضَتْ رِجْله تَدْحَض دَحْضًا و دُحُوضًا: زلِقَتْ و زَلّت، فهي داحضة.

و دحَضَ الشّيء: بطل.

2 و أدحَض الشّيء: أبطله.

3 و أدحَضَه في المساهمة: غلبه، و اسم المفعول: مُدْحَض، و جمعه: مُدحَضُون. (1 : 380)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم. (183)

العَدْنانيّ: دحَضَتِ الحُجّة، أدحَض الحجّة، لا: دحَضَ الحُجّة

و يقولون: دحَضَ المحامي حُجّةَ المفتري على موكّله، اعتمادًا على قول محيط المحيط، و أقرب الموارد. و الوسيط: دحَضَ الحُجّة: أبطلها.

و قد عثُر هنا محيط المحيط، فعَثَر أقرب الموارد مثلَه، كعادته في جُلّ موادّه. و لم أعثُر على المصدر الّذي اعتمد عليه المعجم الوسيط، فجعلني هذا أُخَطّئُه أيضًا، لأنّ القرآن الكريم و المعجمات اكتفت بقولها:

1 دحَضَتِ الحُجّة، قال تعالى في الآية : 16، من سورة الشّورى: { وَ الَّذينَ‘ يُحَاجُّونَ فِى اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ } أي باطلة.

و ممّن ذكر دحَضَتِ الحُجّة أيضًا: معجم ألفاظ القرآن الكريم، و الصّحاح، و معجم مقاييس اللُّغة، و المرزوقيّ < شرح الحماسة3 : 1166 >، و مفردات الرّاغِب الأصفهانيّ، و مجاز الأساس، و المختار، و اللّسان، و المصباح، و القاموس، و التّاج < مجاز >، و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن < مجاز>،

و الوسيط.

2 و أدحَض الحُجّة: أبطلها. قال تعالى في الآية : 56، من سورة الكهف: { وَ يُجَادِلُ الَّذينَ ‘كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ }.

و جاء في الآية الخامسة من سورة المؤمن: { وَ جَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَاَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }.

و ممّن ذكر أيضًا أنّ معنى أدحَض الحُجّة: أبطلها. معجم ألفاظ القرآن الكريم، و الصّحاح، و مفردات الرّاغِب الأصفهانيّ، و المختار، و اللّسان، و المصباح، و القاموس، و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط < أعمّ >، و أقرب الموارد، و المتن < مجاز >، و الوسيط.

و يُجيز الرّاغِب الأصفهانيّ لنا أن نقول: أدحَضْتُ فلانًا في حجّته.

أمّا فعله فهو: دحَض يَدْحَض دُحُوضًا، و دَحْضًا.

(216)

المُصْطَفَويّ: التّحقيق: أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الزّلَق الشّديد المنتهي إلى الزّوال و البطلان، و أمّا الزّلَق فهو مطلق.

فإطلاق هذه المادّة لازم أن يكون في هذا المورد الخاصّ، أي الزّلق؛ بحيث يكون منتهيًا إلى الزّوال، كالحجّة المنتهية إلى البطلان.

ص: 860

و زلق الرِّجْل و القدم، إذا كان شديدًا يمنع عن السّير و الحركة.

و الزّلَق في العقيدة، إذا تزلزلت و انتهت إلى الزّوال.

و الزّلَق في الشّمس، إذا زالت و انتهت إلى الزّوال.

فالدّحْض أعمّ من أن يكون في المحسوسات، أو في المعقولات.

{ وَ الَّذينَ ‘يُحَاجُّونَ فِى اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} الضّمير في ( لَهُ ) راجع إلى الله تعالى أو إلى الرّسول، و سبق في ال < ج وب > أنّ الاستجابة عبارة عن طلب النّفوذ و التّأثير، أي بعد ما طلبوا منه التّأثير و الإنفاذ و إجراء الحكم فيما بينهم، و بعد ما انقادوا و أطاعوا و أسلموا، و ظهر لهم الحقّ و تبيّن لهم الهدى، فلايتوجّه إلى ما احتجّوا به، فهي داحضة.

{ وَ يُجَادِلُ الَّذينَ ‘كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ } أي ليجعلوا الحقّ متزلزلا و خارجًا عن محلّه، و ليزلقوه حتّى ينتهي إلى المحو، مع أنّ الحقّ هو الثّابت، و لايأتيه الباطل من بين يديه و لامن خلفه.

{ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضينَ ‘} الصّافّات : 141، أدحضوه عن مقامه و مكانه، و أزلقوه حتّى يُلقوه في البحر، و ينتهي إلى الزّوال.

فظهر لطف التّعبير بهذه المادّة في هذه الموارد، دون الزّلَق و المزِلّة و الإفناء، و الإزالة و البطلان و التّنحية و أمثالها. (3 : 179)

النُّصوص التّفسيريّة

دَاحِضَةٌ

وَ الَّذينَ‘ يُحَاجُّونَ فِى اللهِ مِنْ بَعْدِ مَااسْتُجيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَ لَهُمْ عَذَابٌ شَديدٌ‘ الشّورى : 16

ابن زَيْد: خاسرة. (الماوَرْديّ 5 : 200)

الطّبَريّ: يقول: خصومتهم الّتي يخاصمون فيه باطلة ذاهبة عند ربّهم. (11 : 138)

نحوه البغَويّ (4 : 142)، و ابن الجَوْزيّ (7 : 280).

الرُّمّانيّ: باطلة. (الماوَرْديّ 5 : 200)الثّعلبيّ: باطلة زائلة. (8 : 307)

مثله الزّمَخْشَريّ (3 : 465)، و البَيْضاويّ (2 : 355) .

الطُّوسيّ: { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ } لأنّ ما ذكروه لايمنع من صحّة نبوّة نبيّنا بأن ينسخ الله كتابهم، و ما شرّعه النّبيّ الّذي كان قبله. (9 : 154)

القُشَيْريّ: لأ نّهم يحتجّون بالباطل، و هم من الله مستوجبون للّعنة و العقاب. (5 : 347)

الواحديّ: خصومتهم باطلة حين زعموا أنّ دينهم أفضل من الإسلام. (4 : 47)

ابن عَطيّة: { دَ احِضَةٌ } معناه زاهقة، و الدّحْض: الزّلق. (5 : 31)

الفَخْرالرّازيّ: أي باطلة. و تلك المخاصمة هي أنّ اليهود قالوا: ألستم تقولون: إنّ الأخذ بالمتّفق أولى من الأخذ بالمختلف؟ فنبوّة موسى وحقّيّة التّوراة

ص: 861

معلومة بالاتّفاق، و نبوّة محمّد ليست متّفقًا عليها، فإذا بنيتم كلامكم في هذه الآية على أنّ الأخذ بالمتّفق أولى، وجب أن يكون الأخذ باليهوديّة أولى.

فبيّن تعالى أنّ هذه الحجّة داحضة، أي باطلة فاسدة، و ذلك لأنّ اليهود أطبقوا على أ نّه إنمّا وجب الإيمان بموسى (علیه السلام) لأجل ظهور المعجزات على وَفْق قوله، و هاهنا ظهرت المعجزات على وَفْق قول محمّد (علیه السلام) و اليهود شاهدوا تلك المعجزات، فإن كان ظهور المعجزة يدلّ على الصّدق، فهاهنا يجب الاعتراف بنبوّة محمّد (صلی الله علیه و آله) ، و إن كان لايدلّ على الصّدق، وجب في حقّ موسى أن لايقرّوا بنبوّته.

و أمّا الإقرار بنبوّة موسى و الإصرار على إنكار نبوّة محمّد مع استوائهما في ظهور المعجزة، فيكون متناقضًا. (27 : 159)

نحوه النَّيسابوريّ. (25 : 24)

القُرطُبيّ: أي لاثبات لها كالشّيء الّذي يزلّ عن موضعه.

(16 : 14)

المَراغيّ: حجّتهم زائفة، لاتُقبل عند ربّهم.

(25 : 31)

ابن عاشور: الدّاحضة: الّتي دحَضَتْ بفتح الحاء. يقال: دحَضَتْ رِجْله تَدْحَض بفتح الحاء دُحُوضًا، أي زلّت. استُعير الدّحض للبطلان بجامع عدم الثّبوت، كما لاتثبت القدم في المكان الدَّحْض. و لم يبيّن وجه دحضها، اكتفاءً بما بُيّن في تضاعيف ما نزل من القرآن من الأدلّة على فساد تعدّد الآلهة، و على صدق الرّسول (صلی الله علیه و آله)، و على إمكان البعث، و بما ظهر للعيان من تزايد المسلمين يومًا فيومًا، و أمنهم من أن يُعتدى عليهم. (25 : 132)

مَغْنِيّة: [نحو الفَخْرالرّازيّ و أضاف:]

حجّتهم باطلة، لأنّ الفضل يكون بالعمل لابالوقت و تقدُّمه، و إلا كان إبليس أفضل من آدم، لأ نّه أقدم منه. (6 : 517)

فضل الله: { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ } أي باطلة و زائلة { عِنْدَ رَ بِّهِمْ } لأ نّهم لم ينطلقوا من حجّةمفتوحة على الحقّ في العمق و القوّة، بل انطلقوا من الأهواء و الانفعالات السّطحيّة الخاضعة للشّهوات.

(20 : 163)

لاحظ: ح ج ج: < حُجَّتُهُمْ >.

لِيُدْحِضُوا

وَ مَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلينَ‘ اِلا مُبَشِّرينَ‘ وَ مُنْذِرينَ‘ وَ يُجَادِلُ الَّذينَ ‘كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ...

الكهف : 56

ابن عبّاس: { لِيُدْحِضُوا }: ليُبطلوا. (249)

الكَلْبيّ: ليُبطلوا به القرآن و يبدّلوه.

(الماوَرْديّ 3 : 319)

الأخفش: ليُذهبوا به الحقّ، و يُزيلوه.

(الماوَرْديّ 3 : 319)

الطّبَريّ: ليُبطلوا به الحقّ و يُزيلوه و يُذهبوا به. يقال منه: دحَضَ الشّيء، إذا زال و ذهب. و يقال: هذا مكان دَحْضٌ، أي مُزِلّ مُزلق، لايثبت فيه خُفّ و لاحافر و لاقدم. [ثمّ استشهد بشعر]

ص: 862

و أدحَضتُه أنا، إذا أذهبته و أبطلته. (8 : 242)

القُمّيّ: أي يُدفعوه. (2 : 37)

الثَّعْلَبيّ: يُبطلوا و يُزيلوا. (6 : 178)

الماوَرْديّ: فيه ثلاثة أوجه. [إلى أن قال:]

الثّالث: ليهلكوا به الحقّ، و الدّاحض: الهالك، ...

(3 : 319)

الطُّوسيّ: الإدحاض: الإذهاب بالشّيء إلى الهلاك ... (7 : 61)

الواحديّ: ليُبطلوا به ما جاء به محمّد (صلی الله علیه و آله)...

(3 : 154)

الزّمَخْشَريّ: ليُزيلوا و يُبطلوا، من إدحاض القدم، و هو إزلاقها و إزالتها عن موطئها. (2 : 489)

ابن عَطيّة: معناه يُزهقوا، و الدّحض: الطّين الّذي يُزهَق فيه. [ثمّ استشهد بشعر] (3 : 525)

الطَّبْرِسيّ: أي ليُزيلوا الحقّ عن قراره... يقال: أدحَضْتُ حجّته، أي أبطَلتُها. (3 : 477)

النّسَفيّ: ليُزيلوا و يُبطلوا بالجدال النّبوّة.

(3 : 17)

فضل الله: { لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ }و يُبطلوه بهذه الأساليب الملتوية الباطلة الّتي لاتحترم مسؤوليّة الفكرة في الفكر، و لاإنسانيّة الحقيقة في الإنسان.

(14 : 355)

الْمُدْحَضينَ‘

فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضينَ. الصّافّات : 141

ابن عبّاس: من المقروعين ذاهبي الحجّة، فألقى نفسه في الماء. (379)

سعيد بن جُبَيْر: من المغلوبين. (الماوَرْديّ 5 : 67)

مُجاهِد: من المسهومين. (الطّبَريّ 10 : 527)

السُّدّيّ: فكان من المقروعين. (405)أ نّه الباطل الحجّة. (الماوَرْديّ 5 : 67)

الفَرّاء: { الْمُدْحَضينَ‘ } المغلوبين. يقال: أدحَض الله حجّتك فدحَضَتْ.و هو في الأصل أن يزْلَق الرّجل.

(2 : 393)

مثله ابن الجَوْزيّ (7 : 86)، و الفَخْر الرّازيّ (26 : 164).

ابن قُتَيْبَة: أي من المقروعين. يقال: أدحَض الله حجّته فدحَضَتْ، أي أزالها فزالت. و أصل الدَّحْض: الزّلَق. (374)

نحوه الحسَن. (الطُّوسيّ 8 : 528)

الطّبَريّ: يعني: فكان من المسهومين المغلوبين. يقال منه: أدحَض الله حجّة فلان فدحَضَتْ، أي أبطلها فبطلت. و الدّحْض أصله: الزّلَق في الماء و الطّين، و قد ذُكر عنهم: دحَض الله حجّته، و هي قليلة. (10 : 526)

الزّجّاج: المغلوبين. (4 : 313)

مثله الطَّباطَبائيّ (17 : 163)، و فضل الله (19 : 218).

القُمّيّ: أي من المغوصين. (2 : 227)

الثّعلبيّ: المقروعين المخلوعين المغلوبين.

(8 : 170)

الماوَرْديّ: فيه ثلاثة أوجه:...

الثّالث: أ نّه الباطل الحجّة، قاله السُّدّيّ، مأخوذ من دَحْض الحجّة، و هو بطلانها، فلمّا ألقوه في البحر

ص: 863

آمنوا. (5 : 67)

الطُّوسيّ: ... و قيل: معناه فكان من المُلقين في البحر. و الدَّحْض: الزّلَق، لأ نّه يسقط عنه المارّ فيه. و منه قوله: { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ } أي ساقطة، و دَحَض يَدْحَض دحْضًا فهو داحض، و أدحَضتُه إدحاضًا.

(8 : 528)

نحوه الطَّبْرِسيّ. (4 : 458)

الزّمَخَشَريّ : المُدحَض : المغلوب المقروع ،

و حقيقته المزلق عن مقام الظّفر و الغلبة. (3 : 353)

نحوه البَيْضاويّ (2 : 300)، و النّسَفيّ (4 : 28)، و الخازن (6 : 31)، و أبوحَيّان (7 : 375)، و أبوالسُّعود (5 : 338)، و البُرُوسَويّ (7 : 487)، و الآلوسيّ (23 : 143).

ابن عَطيّة: المُدحَض: الزّاهق المغلوب في مخاصمة أو مساهمة أو مسابقة، و منه الحجّة الدّاحضة.

(4 : 486)

ابن عَرَبيّ: المحجوبين، المُزلَقين بالحجّة البرهانيّة اليقينيّة، لأ نّهم بدنيّون أهل البحر و السّفينة، و هو القدسيّ المجرّد من سُكّان الحضرة الإلهيّة، الآبق من سيّده إلى السّفينة، الملقي بيده إلى التّهلكة...

(2 : 345)

ابن عاشور: الإدحاض: جعل المرء داحضًا، أي زالقًا غير ثابت الرِّجْلين و هو هنا استعارةللخسران و المغلوبيّة. (23 : 86)

مكارم الشّيرازيّ: مُدحَض مشتقّة من دَحْض و تعني إبطال مفعول الشّيء أو إزالته أو التّغلّب عليه، و المراد هنا: أنّ اسمه ظهر في عمليّة الاقتراع من بين بقيّة الأسماء. (14 : 364)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الدّحْض، و هو موضع الزّلَق و الزّلل، و هو الدّحَضُ أيضًا، كما قال الجَوهَريّ. يقال: دحَضَتْ رِجْل البعير ، أي زَلقَتْ. و في حديث أبي ذرّ عن النّبيّ(صلی الله علیه و آله) قال: < إنّ ما دون جِسْر جهنّم طريق ذو دَحْض و مزلّة >.

و الإدحاض : الإزلاق، و المِدْحاض: الموضع الّذي يُدْحَض فيه. يقال: مَزْلقةٌ مِدْحاض، و المَدْحَض: الحجر الأملس الّذي لاتستقلّ عليه الرِّجْل.

و الدّاحض: الزّالق السّاقط، و في الحديث: < نُجباء غير دُحّض الأقدام >، جمع داحِض، مثل: ساجد و سُجّد، وهو على المجاز. قال الخَطّابيّ: < و هم الّذين لاثبات لهم و لاعزيمة في الأُمور، و يقال ذلك أيضًا للسّاقط المرتبة >.

و من المجاز أيضًا قول الإمام عليّ (علیه السلام) في ذمّ الدّنيا: < و من وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ ، و من رَكِب لُجَجَكِ غَرِقَ >. مكان دَحْض، أي مَزلّة.((1))

و دحَضَتِ الشّمس عن كَبِد السّماء تَدْحَض دُحُوضًا و دَحْضًا: زالت. و في الحديث: < إنّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) كان يصلّي الهجير حين تَدْحَض الشّمس >. قال ابن قُتَيْبَة: < و جعل الشّمس تَدْحَض، لأ نّها لاتزال

ص: 864


1- (1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (16 : 294).

ترتفع من لدن تطلع إلى أن تصير في كبد السّماء، ثمّ تنحطّ عن الكبد للزّوال، فكأ نّها تزلق في ذلك الوقت، فلاتزال في انحطاط حتّى تغرب >.((1))

و دحَضَتْ حُجّته دُحُوضًا فهي داحضة، أي بطلت، و أدحضها الله إدحاضًا. و من دعاء الإمام عليّ ا بن الحسين (علیه السلام) في يوم الفطر: < حُجّتك قائمة لاتُدْحَض، و سلطانك ثابت لايزول >.

2 روى الأزهَريّ عن أبي سعيد قول: < دَحَضَ برِجْله و دَحَصَ، إذا فحَص برِجْله >، و قال الصّاحب: < دَحَضَ عن الأمر و دَحَصَ: بحَث >، و هو من إبدال الصّاد ضادًا، مثل: مناص و مناض.

3 و زعم ابن سيده أنّ الدّحيض: اللّحم، و هو غير معروف؛ إذ لم يذكره المتقدّمون، و لم ينقله عنه المتأخّرون، حتّى أنّ صاحب القاموس الّذي يأتي بالطِّمّ و الرِّمّ أعرض عن ذكر هذا الحرف، و لم يستدركه عليه صاحب القاموس أيضًا، إلا ابن منظور، فإنّه نقله دون أن يعزوه إلى قائله.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدًا اسم الفاعل { دَاحِضَةٌ } مرّة، و مزيدًا من (الإفعال) المضارع { لِيُدْحِضُوا } مرّتين، واسم المفعول جمعًا { الْمُدْحَضينَ ‘} مرّة، في 4 آيات:

1 { وَ الَّذينَ‘ يُحَاجُّونَ فِى اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجيبَ‘ لََهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ } الشّورى : 16

2 { وَ يُجَادِلُ الَّّذينَ‘ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ...} الكهف : 56

3 { ...وَ جَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَاَخَذْتُهُمْ...} المؤمن : 5

4 { وَ اِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلينَ‘ * اِذْ اَبَقَ اِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضينَ‘ }

الصّافّات : 139 141

يلاحظ أوّ لا : أنّ هذه الآيات الأربع مكّيّة إجماعًا، و فيها بُحُوثٌ:

1 جاء اللّفظ في (1) مجرّدًا اسم فاعل مؤنّث: { دَاحِضَةٌ } و في الباقي مزيدًا من( الإفعال ): فعلا و اسم مفعول جمعًا فيهما.

2 جاء الدَّحْض في الثّلاث الأُولى بعد مجادلة

و حجاج، و في (4)بعد مساهمة، فجاءت(1) في الّذين يحاجّون في الله: { وَ الَّذينَ‘ يُحَاجُّونَ فِى اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَ لَهُمْ عَذَابٌ شَديدٌ‘}.

و جاءت (2) و (3) في الّذين جادلوا بالباطل: { وَ مَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلينَ‘ اِلا مُبَشِّرينَ‘ وَ مُنْذِرينَ‘ وَ يُجَادِلُ الَّّذينَ‘ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوا ايَاتى وَمَا اُنْذِرُوا هُزُوًا } و { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ الاَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ هَمَّتْ كُلُّ اُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَاْخُذُوهُ وَ جَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَاَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }.

وجاءت (4) في مساهمة يونس: { وَاِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلينَ‘ * اِذْ اَبَقَ اِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ *

ص: 865


1- (1) غريب الحديث (1 : 102).

فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضينَ‘ }.

3 و المجادلون في الجميع الكفّار يجادلون الرّسل، كما أنّ المساهم في (4) يعدّ بمنزلة المجادل، مع أ نّه كان من المرسلين؛ إذ بقي في الفلك و لم ينزل.

4 زعم قَتادَة أنّ (3) في اليهود و النّصارى، و ليست كذلك، لأنّ هذه السّورة مكّيّة، و السّور المكّيّة لاتتناول محاججة أهل الكتاب.إلا في سورة البقرة و هي أوّ ل سورة مدنيّة على المشهور، على أنّ هذه المجادلة ابتدءت في الأية: 4، من المؤمن { مَا يُجَادِلُ فى ايَاتِ اللهِ اِلا الَّذينَ‘ كَفَرُوا فَلايَغْرُرْ كَ تَقَلُّبُهُمْ فِى الْبِلادِ}والمراد بهم مشركو قريش.و يلازم المجادلة، و يستعملان معًا ذمًّا.5 إن قيل: كان المُدْحَض واحدًا عند المساهمة،

و هو النّبيّ يونس (علیه السلام)، فلِمَ جمعه و جعله منهم؟

يقال : إنّ شبه الجملة < مِنَ الْمُدْحَضينَ‘ > صلة خبر < كان > المحذوف، و< من> تبعيضيّة، و < أل > في { الْمُدْحَضينَ‘ } لاستغراق الجنس، أي كان بعض كلّ المدحضين.

ثانيًا: الآيات كلّها مكّيّة و يبدو أنّ هذاالجذر كان مكّيًّا أكثر من غيرها.

ثالثًا: من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الإبطال: { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَاب وَلاتَخُطُّهُ بِيَمينِكَ اِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ.}.

العنكبوت : 48

ص: 866

د ح و ي

اشارة

دَحيهَا

لفظ واحد، مرّة واحدة، في سورة مكّيّة

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: المِدْحاة خَشَبَة يَدْحَى بها الصّبيّ، فتَمُرّ على وجه الأرض، لاتأتي على شيء إلا اجْتَحَفَتْه.

و مَطَرٌ داح: يَدْحَى الحصَى عن وجه الأرض.

و الدَّحْو: البَسْط.

و الأُدْحِيّ: سِرْب النَّعام، و موضعه الّذي يبيض فيه و يفرخ.

و الأُدْحِيّ: منزل في السّماء بين النَّعائم وسَعد الذّابح، يقال له: البَلْدَة. (3 : 280)

أبو عمروالشّيبانيّ: تقول: دحيت في ذلك الأمر، أي علمته. (1 : 263)

أبوزَيْد: تقول: دحَيتُ الشّيء فأنا أدحاه دَحْيًا، إذا بسَطتَه. (230)

الِّلحيانيّ: دَحَيْت الشّيء أدْحاه دَحْيًا: بسطته، لغة في دَحَوتُه. (ابن سيده3 : 429)

ابن الأعرابيّ: الدِّحْيَة: رئيس القوم و سيّدهم، بكسر الدّال.

يقال: هو يَدْحُو الحجر بيده،أي يرمي و يدفعه.

و الدّاحيّ: الّذي يَدْحُوالحجر بيده، و قد دَحا به يَدْحُو دَحْوًا و دَحَى يَدْحَى دَحْيًا. (الأزهَريّ5 : 191)

ابن السِّكّيت: إذا كان[في الأرض مو ضع فراخ] للنَّعامة فهو الأُدحيّ، و هو < أُفعُول > من دحَوتُ، لأنّ النَّعامة تَدْحُوه برجليها، أي توسّعه ثمّ

تبيض فيه؛ و الجمع: أداحيّ. ( إصلاح المنطق : 418)

شمِر: أنشدتني أعرابيّةٌ:

* ثمّ دَحا الأرض فما أضاقا *

وفسّرته فقالت: دحا الله الأرض: أوسعها.قالت: و يقال: نام فلان فتَدَحّى أي اضْطَجَع في سعة الأرض.

ص: 867

و قال العِتْريفيّ: تدَحّتِ الإبل إذا تَفَحّصَت في مبارِكها السّهلة حتّى تَدَع فيها قراميص أمثال الحِفار، و إنّما تفعل ذلك إذا سمِنَت.

و قال غيره: دحّ فلان فلانًا يدُحّه و دَحاه يَدْحُوه، إذا دفعه و رمى به. كما يقال: عَراه وعَرّ، إذا أتاه.

المِدْحاة: لُعبَةيَلعَب بها أهل مكّة. و سمعت الأسديّ يصفها، و يقول: هي المَداحي و المسادي، و هي أحجار أمثال القِرَصة، و قد حفروا حفيرةً بقدر ذلك الحجر فيَتنَحّون قليلا ثمّ يدحون بتلك الأحجار إلى تلك الحفيرة، فإن وقع فيها الحجر فقد قَمَر و إلا فقد قُمِر. و هو يَدْحُو و يَسْدُو، إذا دحاها على الأرض إلى الحُفرة. و الحُفرة هي أُدْحيّة، و هي < أُفعُولة > من دحَوتُ . [ثمّ استشهد بشعر] (الأزهَريّ 5 : 191)

كُراع النّمل: الدَّحْو: استرسال البطن إلى أسفَل و عِظَمُه.

(ابن سيده3 : 488)

ابن دُرَيْد: و الدَّحْو: مصدر دَحا يَدْحُو دَحْوًا، إذا دَحا به على وجه الأرض. و قالوا: دَحا يَدْحَى، وليس بثَبْت، و قال مرّة أُخرى:((1))

دَحا يَدْحي دَحْيًا. [ثمّ استشهد بشعر]

وسمّت العرب: دِحْيَة و دُحُيّة ودُحَيًّا.

وبنو دُحَي: بطن من العرب.

وأُدْحيّ النَّعام: الموضع الّذي يبيض فيه؛ والجمع: الأداحيّ. (2 : 126)

الأزهَريّ: و في حديث عليّ رضي الله عنه، أ نّه قال: < اللّهمّ دَاحِي المُدْحِيّات >يعني باسط الأرضين السّبع و موسِّعَها. و هي المدحُوّات بالواو.

و الأُدْحيّ: مَبيض النَّعام.

و هذا المنزل الّذي يقال له: البَلدَة في السّماء بين النَّعائم و سعد الذّابح، يقال له: الأُدْحِيّ.

و فى الحديث: < يدخل البيت المعمور كلّ يوم سبعون ألف دِحْيَة مع كلّ دِحْيَة سبعون ألف مَلَك >. و الدِّحيَة رئيس الجند، و به سمّي دِحيَة الكَلْبيّ.

(5 : 190)

الصّاحِب: الدَّحْو: البَسْط، من قوله: { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذ لِكَ دَحيهَا}’ النّازعات:30.

و المَدْحِيّات والمَدْحُوّ ات: الأرضُون.

ومَرّ الفرس يَدْحُو دَحْوًا، إذا رمى بيَدَيه رميًا، لايرفع سُنْبُكَه عن الأرض.

والمِدْحاة: صحيفة يترامون عليها.

و التّدَحّي و التّدَوُّح واحد: من السّعة.

الأُدْحِيّ: الموضع الّذي تبيض فيه النَّعامة، و منزل في السّماء بين النَّعائم و الذّابح.

والدِّحيَة: الرّئيس؛ عن أبي حاتِم، و به سمّي دِحْيَة الكَلْبيّ. (3 : 180)الخطّابيّ: يقال: دَحَوتُ الشّيء، إذا بسطته و وسّعته كالرّقاقة تدحوها. و منه: أُدحيّ النَّعام و هو موضع بيضها؛ و ذلك أ نّها تَدْحُوه و تُوَسّعه.

يقال: دَحَوتُ الشّيء فاندَحى. (2 : 261)

الجَوهَريّ: دَحَوْتُ الشّيء دَحْوًا: بسطته.

ودَحا المطر الحَصَى عن وجه الأرض.

ص: 868


1- (1) كذا في الأصل.

ويقال للاعب بالجوز: أبْعِد المدى و ادْحُه، أي ارْمِه.

و يقال للفرس: مرّ يَدْحُو دَحْوًا؛ و ذلك إذا رمى بيديه رميًا، لايرفع سُنبُكَه عن الأرض كثيرًا.

ودِحيَة بالكسر، هو دِحيَة بن خليفة الكَلْبىّ، الّذي كان يأتي جبريل النّبيّ (علیه السلام) في صورته، وكان من أجمل الناس.

وأمّا دَحْيَة بالفتح ودَحْوَة، فهما ابنا معاوية بن بكر ابن هوازن.

و مَدْحَى النَّعامة: موضع بَيْضها.

و أُدحيّها: موضعها الّذي تُفرّخ فيه؛ و هو< أُفعُول> من دَحَوْتُ، لأ نّها تَدْحُوه برجلها ثمّ تبيض فيه. وليس للنَّعام عُش. (6 : 2334)

ابن فارِس: الدّال و الحاء و الواو أصل واحد يدلّ على بَسْط و تمهيد.

يقال: دَحا الله الأرض يَدْحُوها دَحْوًا، إذا بسطها. و يقال: دحا المطر الحَصَى عن وجه الأرض. و هذا لأ نّه إذا كان كذا فقد مهّد الأرض.

و يقال للفرس إذا رمى بيديه رميًا، لايرفع سُنْبُكَه عن الأرض كثيرًا: مرّ يَدْحُو دَحْوًا.

و من الباب أُدْحيّ النَّعام: الموضع الّذي يُفرّخ فيه،< أُفعُول > من دَحَوْتُ، لأ نّه يَدْحُوه برِجْله ثمّ يبيض فيه. وليس للنَّعامة عُش. (2 : 333)

الهَرَويّ: قوله: { دَحيهَا ’} النّازعات:30، أي بسطها و وسّعها. و كلّ شيء بسطته و وسّعته فقد دَحَوْته.

و منه قيل لموضع بيت النَّعام: أُدحِيّ، لأ نّها تَدْحُوه بصدرها، أي توسّعه و تبسطه.

و يقال: نام فتَدَحّى، أي انبسط.

و دحا الجناب الرّقاقة، أي وسّعها.

و منه حديث عليّ[(علیه السلام)]: < اللّهمّ داحِيَ الَمدْحُوّات > و روي < المَدْحِيّات >يريد يا باسط الأرضين، و الدّحو: البسط.

و في حديث ابن المسيَّب: < أنّه سُئل عن الدّحو بالحجارة؟ فقال: لابأس به > ،يعني السّبق بالحجارة.

ومنه حديث أبي رافع : < قال: كنت أُلاعِب الحسَن و الحسين بالمداحيّ >. قال: القُتَيْبيّ: و يقال لهاأيضًا: المراصيع. (2 : 623)

ابن سيده: دَحَيتُ الشّيء أدحاه دَحْيًا: بسطته، لغة في: دَحَوتُه، حكاها اللِّحيانيّ.

و في الحديث: < داحِي المَدْحِيّات> يعني الأرضين.

و أُدْحِىّ النَّعام و أُدحيّتها: مبيضها، يكون من الباء و الواو.و الأُدْحِىّ: من منازل القمر، شُبّه بأُدْحيّ النَّعام.

ودِحْيَة الكَلْبيّ، حكاه ابن السِّكّيت بالكسر، وحكاه غيره بالفتح. قال أبو عمرو: وأصل هذه الكلمة: السّيّد بالفارسيّة.

وبنو دُحَيّ: بطن.

والدَّحيّ: موضع. (3 : 429)

دَحا الله الأرض يَدْحُوها و يَدْحاها دَحْوًا: بسطها.

و في الحديث: < ربّ المَدْحُوّ ات > يعني الأرضين، و قد تقدّم هذا في الياء، لأنّ هذه الكلمة واويّة و يائيّة.

ص: 869

و الأُدْحِيّ و الإدْحِيّ و الأُدْحِيّة و الإدْحِيّة

و الأُدْحُوّة: مَبيض النّعام في الرّمل، وزنه< أُفعُول > من ذلك، لأنّ النَّعامة تَدْحُوه برجلها ثمّ تبيض فيه.

و الأُدْحِىّ: منزل بين النَّعائم و الذّابح، يقال له: البَلدَة.

و المطر يَدْحَى الحصَى عن وجه الأرض دَحْوًا: ينزعه. [ثمّ استشهد بشعر]

و دَحا الفرس يَدْحُو دَحْوًا: رمى بيديه رميًا، لايرفع سُنْبُكَه عن الأرض كثيرًا.

و دَحا المرأة يَدْحُوها: نكَحَها. (3 : 488)

الرّاغِب: قال تعالى: { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذ لِكَ

دَحيهَا ’} النّازعات:30، أي: أزالها عن مقرّها، كقوله: { يَوْمَ تَرْجُفُ الاَرْضُ وَ الْجِبَالُ } المزّمّل:14، و هو من قولهم: دحا المطر الحصَى من وجه الأرض، أي جرفها.

و مرّ الفرس يَدْحُوا دَحْوًا، إذا جرّيده على وجه الأرض، فيَدحُو ترابها. و منه أُدحيّ النَّعام، وهو < أُفعُول > من دَحَوْت.

و دِحيَة : اسم رجل. (165)

الزّمَخْشَريّ: خلق الله الأرض مجتمعةً ثمّ دحاها أي بسطها و مدّها و وسّعها، كما يأخذ الخبّاز الفرَزْدَقَة فيدحوها. [ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للاعب بالجوز: أبْعِد و ادْحُه أي ارْمِه

و أزِلْه عن مكانه.

و دحا المطر الحصَى عن الأرض: كشَفَه.

وكأ نّهن البَيْض في الأداحيّ.

و باضت النَّعامة في أُدحيِّها، و هو مَفرَخها لأ نّها تدحوه، أي تبسُطه و توسّعه.

(أساس البلاغة : 127)

عن عليّ(علیه السلام)...< أللّهمّ داحي المَدحُوّ ات...>.

الدّحو : البسط، و المَدحُوّات: الأرضون، وكان خلقَها رَ بْوَة ثمّ بسطها . (الفائق1 : 415)

أبو رافع رضي الله عنه: < كنت أُلاعِب الحسَن و الحسين 8 بالمداحيّ >.

هي أحجار أمثال القِرَصة، يحفرون حفيرة فيدحون بها إليها، و تسمّى المَسادي و المَراصيع.

و الدّحو: رمي الملاعب بالجوز أو غيره، وكذلك الزّدْو و السّدْو والرّصْع: ضَرْبه باليد . (الفائق1 : 418)ابن الأثير: و في الحديث < كان جبريل (علیه السلام) يأتيه في صورة دِحْيَة الكَلْبي > هو دَحْيَة بن خليفة أحد الصّحابة، كان جميلا حسَن الصّورة. ويُروى بكسر الدّال و فتحها.

والدِّحْيَة: رئيس الجُند ومقدّمهم، وكأ نّه من دحاه يَدْحُوه، إذا بسَطه ومهّده، لأنّ الرّئيس له البَسْط والتّمهيد. وقَلْب الواو فيه ياءً نظير قَلْبها في صِبْيَة وفِتْيَة. وأنكر الأصمَعيّ فيه الكسر. [و فيه روايات أُخرى فلاحظ] (2 : 107)

الفَيُّوميّ: دَحا الله الأرض يَدْحُوها دَحْوًا: بسطها، و دَحاها يَدْحاها دَحْيًا: لغة.

ودحا المطر الحصَى عن وجه الأرض: دفعَه.

والدّحْيَة بالفتح المَرّة، و بالكسر الهيئة. (1 : 190)

الفيروزاباديّ: دحا الله الأرض يَدْحُوها

و يَدْحاها دَحْوًا: بسطها، و الرّجل: جامع، و البطن:

ص: 870

عَظُم و استرسل إلى أسفل.

و ادْحَوى: انبسط.

و الأُدْحِيّ كلُجّيّ و يُكسَر و الأُدحِيّة و الأُدحُوّة: مبيض النَّعام في الرّمل.

دحَيتُ الشّيء أدحاه دَحْيًا: بسطته، و الإبل: سُقتُها.

و الأُدحيّ و يُكسر: مبيض النَّعام و منزل للقمر.

وكسُمَيّ: بطن، وكغنيّ: موضع.

و الدِّحْيَة بالكسر: رئيس الجُند.و بن خليفة الكَلْبيّ و يُفتح.

و بالفتح: القِرَدة الأُنثى و ابن معاوية بن بكر.

و المِدْحاة كمِسْحاة: خشبة يَدْحى بها الصّبيّ فتمرّ على الأرض، لاتأتي على شيء إلا اجتَحَفته.

و تدَحّى: تبسّط. (4 : 329)

الطُّرَيحيّ : قوله تعالى: { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذ لِكَ’ دَحيهَا ’} أي بسطها، من دحَوتُ الشّيء دَحْوًا: بسَطتُه.

و في الحديث: < يوم دَحْو الأرض > أي بسطها من تحت الكعبة، و هو اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة... (1 : 134)

مَجْمَعُ اللُّغة: دحا الشّيء يَدْحُوه و يَدْحاه دَحْيًا: بسطه و مهّده.

و دَحْو الأرض: بسطها و تمهيدها للسُّكنى، و التّقلّب في أقطارها. (1 : 381)

المُصْطَفَويّ: و التّحقيق: أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة، هو التّمهيد و تسوية المكان. و هذا المعنى قد يتحقّق بالبسط، و قد يتحقّق بالتّسهيلات المقتضية للتّعيّش فيها، و قد يكون برفع الموانع و دفعها.

{ وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ’دَحيهَا ’} ، أي مهّدها و هيّأها لتعيش الحيوان بالتّسوية و التّسهيلات الممكنة، و رفع ما هو مانع لإدامة الحياة، و إيجاد ما هو لازم لها.

ولايخفى أنّ مفهوم البسط لايلائم هذا المورد، فإنّ الأرض غير مبسوطة بل هي كرويّة، مضافًاإلى الارتفاعات و الانخفاضات المتحقّقة بالجبال و الأودية فيها. فالمراد هو التّمهّد و التّهيّؤ.

ثمّ إنّ المادّة قد جاءت من المعتلّ بالواو و من اليائيّ، والظّاهر بمقتضى الحرف: أنّ اليائيّ يدلّ على بسط و تمهيد زائد، فإنّ الياء يدلّ على الانكسار و الانخفاض، و هذا أشدّ مناسبة للتّمهيد و التّهيّؤ. ولعلّ هذه الخصوصيّة هي الملحوظة في التّعبير باليائيّ، لأنّ رسم الكتابة في الواويّ أن يُكتَب بالألف دون الياء { فَدَعَا رَبَّهُ } القمر : 10. (3 : 181)

النُّصوصُ التّفسيريّة

وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ’دَحيهَا. ’ النّازعات : 30

ابن عبّاس: مع ذلك بسطها على الماء. (500)

حيث ذكر خلق الأرض قبل السّماء، ثمّ ذكر السّماء قبل الأرض، و ذلك أنّ الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يَدْحُوها قبل السّماء، ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ سبع سماوات، ثمّ دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله:{ وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذ لِكَ دَحيهَا ’}.

ص: 871

[و في رواية أُخرى] يعني: أنّ الله خلق السّماوات و الأرض، فلمّا فرغ من السّماوات قبل أن يخلق أقوات الأرض فيها، بعد خلق السّماء، و أرسى الجبال، يعني بذلك دَحْوها الأقوات، و لم تكن تصلح أقوات الأرض و نباتها إلا باللّيل و النّهار، فذلك قوله: { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ’دَحيهَا ’} أ لم تسمع أ نّه قال: { اَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَ مَرْعيهَا }؟! النّازعات : 31

[و في رواية أُخرى] وضع البيت على الماء على أربعة أركان، قبل أن يخلق الدّنيا بألفي عام، ثمّ دُحِيت الأرض من تحت البيت. (الطّبَريّ 12 : 437)

إنّ الله دحا الأرض بعد السّماء، و إن كانت الأرض خُلقت قبل السّماء.

(الطُّوسيّ10 : 260)

مُجاهِد: { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ’دَحيهَا ’} مع ذلك دحاها.

مثله السُّدّيّ. (الطّبَريّ 12 : 438)

قَتادَة: بسطها.

مثله السُّدّيّ و الثّوريّ. (الطّبَريّ 12 : 439 )

نحوه أبو عُبَيْدَة (2 : 285)، و ابن قُتَيْبَة (513)، والقُمّيّ (2 : 403)،والواحديّ (4 : 421)، و الطَّبْرِسيّ (5 : 434).

ابن زَيْد: حرثها و شقّها. (الماوَرْدي6 : 199)

الطّبَريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى قوله:

{ بَعْدَ ذ لِكَ } فقال بعضهم: دُحيتِ الأرض من بعد خلق السّماء.

و قال آخرون: بل معنى ذلك: و الأرض مع ذلك دحاها.

و قالوا: الأرض خُلقت و دُحيت قبل السّماء؛ و ذلك أنّ الله قال: { هُوَ الَّذى ‘خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الاَرْضِ جَميعًا‘ ثُمَّ اسْتَوى اِلَى السَّمَاءِ فَسَو|يهُنَّ سَبْعَ سَموَات ’} البقرة : 29، قالوا: فأخبرالله أ نّه سوّى السّماوات بعد أن خلق ما فيالأرض جميعًا.

قالوا: فإذا كان ذلك كذلك، فلاوجه لقوله: { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ’ دَحيهَا’} إلا ما ذكرنا، من أ نّه مع ذلك دحاها. قالوا: وذلك كقول الله عزّ و جلّ:

{ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ’ زَنيم ‘} القلم : 13، بمعنى: مع ذلك زنيم، وكما يقال للرّجل: أنت أحمق، و أنت بعد هذا لئيم الحسب، بمعنى: مع هذا، و كما قال جلّ ثناؤه: { وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّ بُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ } الأنبياء : 105، أي من قبل الذّكر. [ ثمّ استشهد بشعر]

و القول الّذي ذكرناه عن ابن عبّاس من أنّ الله تعالى خلق الأرض، و قدّر فيها أقواتها، و لم يدحها، ثمّ استوى إلى السّماء فسوّ اهنّ سبع سماوات، ثمّ دحا الأرض بعد ذلك، فأخرج منها ماءها و مرعاها، و أرسى جبالها أشبه بما دلّ عليه ظاهر التّنزيل، لأ نّه جلّ ثناؤه قال: { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ’دَحيهَا ’}، و المعروف من معنى(بَعْدَ) أ نّه خلاف معنى < قبل >، و ليس في دَحْو الله الأرض بعد تسويته السّماوات السّبع، و إغطاشه ليلها، و إخراجه ضحاها، ما يوجب أن تكون الأرض [خُلقت] بعد خلق السّماوات، لأنّ الدّحو إنّما هو البسط في كلام العرب، و المدّ. يقال منه: دحا يَدْحُو دَحْوًا، و دحيت أدحي دَحْيًا لغتان.

(12 : 437)

ص: 872

الماوَرْديّ: في { دَحيهَا ’} ثلاثة أوجه: [ الأوّل و الثّاني قول ابن عبّاس و ابن زَيْد]

الثّالث: سوّاها. (6 : 199)

الطُّوسيّ: معنى{ دَحيهَا} : بسطها، دَحا يَدْحُو دَحْوًا و دَحيتُ أدحي دَحْيًا لغتان. (10 : 260)

الزّمَخْشَريّ: [له كلام تقدّم في< خ ر ج> فراجع]

(4 : 215)

ابن عَطيّة: قوله تعالى: { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ’ دَحيهَا ’} متوجّه على أنّ الله تعالى خلق الأرض و لم يدحها، ثمّ استوى إلى السّماء و هي دخان فخلقها و بناها، ثمّ دحا الأرض بعد ذلك.

و قرأ مُجاهِد: و ( الاَرْضَ مَعَ ذلِكَ )، و قال قوم: إنّ{ بَعْدَ ذلِكَ ’} معناه: مع ذلك، و الّذي قلناه تترتّب عليه آيات القرآن كلّها، و نسب الماء و المرعى إلى الأرض حيث هما يظهران فيها، و دَحْو الأرض: بسطها. (5 : 434)

الفَخْرالرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأُولى: { دَحيهَا ’} بسطها. [ ثمّ استشهد بشعر]

قال أهل اللّغة: في هذه اللّفظة لغتان: دَحَوتُ أدْحُو، و دحَيتُ أدحي، و مثله صفَوت و صفَيت، و لحَوْت العود و لحَيْته، و سأوتُ الرّجل و سأيتُه، و بأوتُ عليه و بأيتُ. و في حديث عليّ (علیه السلام) < اللّهمّ داحِيَ المدحيّات > أي باسط الأرضين السّبع، و هو المدحوّات أيضًا.و قيل: أصل الدّحو: الإزالة للشّيء من مكان إلى مكان، و منه يقال: إنّ الصّبيّ يَدْحُو بالكرة، أي يقذفها على وجه الأرض، و أدحى النَّعامة موضعه الّذي يكون فيه، أي بسَطَتْه و أزالت ما فيه من حصَى، حتّى يتمهّد له. و هذا يدلّ على أنّ معنى < الدّحو >يرجع إلى الإزالة والتّمهيد.

المسألة الثّانية: ظاهر الآية يقتضي كون الأرض بعد السّماء، وقوله: في حم السّجدة: { ثُمَّ اسْتَوى اِلَى السَّمَاءِ } فصّلت : 11، يقتضي كون السّماء بعد الأرض. و قد ذكرنا هذه المسألة في سورة البقرة: 29، في تفسير قوله: { ثُمَّ اسْتَوى اِلَى السَّمَاءِ } و لابأس بأن نُعيد بعض تلك الوجوه:

أحدها: أنّ الله تعالى خلق الأرض أوّ لا ، ثمّ خلق السّماء ثانيًا، ثمّ دحا الأرض، أي بسطها ثالثًا؛ و ذلك لأ نّها كانت أوّ لا كالكرة المجتمعة، ثمّ إنّ الله تعالى مدّها و بسطها.

فإن قيل: الدّ لائل الاعتباريّة دلّت على أنّ الأرض الآن كرة أيضًا، و إشكال آخر وهو أنّ الجسم العظيم يكون ظاهره كالسّطح المستوي، فيستحيل أن يكون هذا الجسم مخلوقًا، و لايكون ظاهره مدحوًّ ا مبسوطًا.

و ثانيها: أن لايكون معنى قوله: { دَحيهَا ’} : مجرّد البسط، بل يكون المراد أ نّه بسطها بسطًا مهيّأً لنبات الأقوات، و هذا هو الّذي بيّنه بقوله: { اَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَ مَرْعيهَا’} وذلك لأنّ هذا الاستعداد لايحصل للأرض إلا بعد وجود السّماء، فإنّ الأرض كالأُم ّو السّماء كالأب، و ما لم يحصلا لم تتولّد أوّ لا المعادن

ص: 873

و النّباتات و الحيوانات.

و ثالثها: أن يكون قوله: { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ’’} أي مع ذلك، كقوله: { عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ’ زَنيم ‘} القلم : 13، أي مع ذلك، و قولك للرّجل: أنت كذا و كذا ثمّ أنت بعدها كذا، لاتريد به التّرتيب، و قال تعالى: { فَكُّ رَقَبَة * اَوْ اِطْعَامٌ فى يَوْم ذى مَسْغَبَة }البلد:13 ،14 ، إلى قوله: 17،{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذينَ‘ امَنُوا } و المعنى: وكان مع هذا من أهل الإيمان بالله. فهذا تقرير ما نُقل عن ابن عبّاس و مُجاهِد والسُّدّيّ و ابن جُرَيْج أ نّهم قالوا في قوله: { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذ لِكَ دَحيهَا’ } أي مع ذلك دحاها.. (31 : 47)

نحوه الخازن (7 : 173)، و الشِّربينيّ (4 : 481).

البَيْضاويّ: بسطها و مهّدها للسّكنى. (2 : 538)

النّسَفيّ: بسطها، وكانت مخلوقة غير مدحوّة، فدُحيت من مكّة بعد خلق السّماء بألفي عام. ثمّ فسّر البسط، فقال:{ اَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا } بتفجير العيون، { وَمَرْعيهَا } : كلأها.و لذا لم يدخل العاطف على { اَخْرَجَ }، أو{ اَخْرَجَ }، حال بإضمار< قد>.

(4 : 331)

أبوالسُّعود: أي بسطها و مهّدها لسكنى أهلهاو تقلّبهم في أقطارها.و انتصاب { الاَرْضَ } بمضمر يفسّره { دَحيهَا.}. (6 : 371)

نحوه القاسميّ. (17 : 6052)

البُرُوسَويّ : { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذ لِكَ دَحيهَا ’} أي قبل ذلك كقوله تعالى:{ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ } أي قبل القرآن بسطها و مهّدها لسُكنى أهلها و تقلّبهم في أقطارها.

و قال بعضهم:( بَعْدَ )على معناه الأصليّ من التّأخّر، فإنّ الله خلق الأرض قبل خلق السّماء من غير أن يدحوها، ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ سبع سماوات ثمّ دحا الأرض بعد ذلك.

و قال في< الإرشاد >:< انتصاب الأرض بمضمر يفسّره { دَحيهَا ’}>. و { ذلِكَ } إشارة إلى ما ذكر من بناء السّماوات و رفع سمكها و تسويتها و غيرها لاإلى أنفسها، و بعديّة الدّحو عنها محمولة على البعديّة في الذّكر، كما هو المعهود في ألسنة العرب و العجم لافي الوجود، فإنّ اتّفاق الأكثر على تقدّم خلق الأرض و ما فيها على خلق السّماء و ما فيها. و تقديم الأرض لايفيد القصر و تعيين البعديّة في الوجود، لما عرفت من أنّ انتصابه بمضمر مقدّم، قد حُذف على شريطة التّفسير، لابما ذُكر بعده ليفيد ذلك.

و فائدة تأخيره في الذّكر: إمّا التّنبيه على أ نّه قاصر في الدّلالة على القدرة القاهرة بالنّسبة إلى أحوال السّماء، وإمّا الإشعار بأ نّه أدخل في الإلزام، لما أنّ المنافع المنوطة بما في الأرض، أكثر، و تعلّق مصالح النّاس بذلك أظهر، و إحاطتهم بتفاصيل أحواله أكمل. و قد مرّ ما يتعلّق بهذا المقام في سورة حم السّجدة. (1 : 325)

الشَّوْكانيّ: أي بعد خلق السّماء، و معنى { دَ حيهَا’} بسطها، و هذا يدلّ على أنّ خلق الأرض بعد خلق السّماء، و لامعارضة بين هذه الآية و بين ما تقدّم في سورة فصّلت:10، من قوله:{ ثُمَّ اسْتَوى اِلَى

ص: 874

السَّمَاءِ } بل الجمع بأ نّه سبحانه خلق الأرض أوّ لا غير مدحوّة، ثمّ خلق السّماء، ثمّ دحا الأرض. و قد قدّمنا الكلام على هذا مستوفى هنالك، و قدّمنا أيضًا بحثًا في هذا في أوّل سورة البقرة:29، عند قوله: { هُوَ الَّذى‘ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الاَرْضِ جَميعًا‘ }.

و ذكر بعض أهل العلم أنّ ( بَعْدَ ) بمعنى < مع > كما في قوله: { عُتُلٍّ بَعْدَ ذ لِكَ زَنيم ٍ} القلم : 13، و قيل: ( بَعْدَ ) بمعنى < قبل > كقوله: { وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّ بُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ } الأنبياء : 105، أي من قبل الذّكر، والجمع الّذي ذكرناه أولى، و هو قول ابن عبّاس و غير واحد، و اختاره ابن جرير. يقال: دحَوتُ الشّيء أدحُوه، إذا بسطته، و يقال لعش النّعامة: أُدحِيّ، لأ نّه مبسوط على الأرض. [ثمّ استشهد بشعر] (5 : 465)

نحوه المَراغيّ. (30 : 31)

الآلوسيّ: { وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ ’} الظّاهر أ نّه إشارة إلى ما تقدّم من خلق السّماء و إغطاش اللّيل و إخراج النّهار، دون خلقالسّماء فقط. و انتصاب { الاَرْضَ } بمضمر قيل: على شريطة التّفسير، و قيل: تقديره :تذَكّر أو تدَ بّر أو اذْكر، و ستعلم ما في ذلك إن شاء الله تعالى.

و معنى قوله تعالى:{ دَحيهَا ’} : بسطها و مدّها لسُكنى أهلها و تقلّبهم في أقطارها، من الدّحو أو الدّحي، بمعنى البسط.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل: { دَحيهَا ’} : سوّاها.[و استشهدلكلّ منهما بشعر]

و الأكثرون على الأوّل...

و الظّاهر أنّ دحوها بعد خلقها، و قيل: مع خلقها، فالمراد خلَقهَا مدحُوّة. و روي الأوّل عن ابن عبّاس، و دفع به توهّم تعارض بين آيتين.أخرج عبدبن حميد و ابن أبي حاتم عنه: أنّ رجلا قال له: آيتان في كتاب الله تعالى تخالف إحداهما الأُخرى، فقال: إنّما أتيت من قبل رأيك اقرأ، قال: { قُلْ اَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذى‘ خَلَقَ الاَرْضَ فى يَوْمَيْنِ } حتّى بلغ { ثُمَّ اسْتَوى اِلَى السَّمَاءِ } فصّلت : 9 11، و قوله تعالى:

{ وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ’ دَحيهَا ’}.

قال: خلق الله تعالى الأرض قبل أن يخلق السّماء، ثمّ خلق السّماء، ثمّ دحا الأرض بعد ما خلق السّماء، و إنّما قوله سبحانه:{ دَحيهَا ’} بسطها. و تعقّبه الإمام:< بأنّ الجسم العظيم يكون ظاهره كالسّطح المستوي، و يستحيل أن يكون هذا الجسم العظيم مخلوقًا و لايكون ظاهره مدحوًّا مبسوطًا >.

و أُجيب أ نّه لعلّ مراد القائل بخلقها أوّ لا ثمّ دحوها ثانيًا خلق مادّتها أوّ لا ثمّ تركيبها و إظهارها على هذه الصّورة و الشّكل مدحوّةً مبسوطةً و هذا كما قيل في قوله تعالى:{ ثُمَّ اسْتَوى اِلَى السَّمَاءِ وَهِىَ دُخَانٌ...* فَقَضيهُنَّ ’سَبْعَ سَموَات’} فصّلت : 11،12، إنّ السّماء خُلقت مادّتها أوّ لا ثمّ سُوّيت و أظهرت على صورتها اليوم.

و عن الحسَن ما يدلّ على أ نّها كانت يوم خُلقت قبل الدّحو كهيئة الفهر، و يُشعَر بأ نّها لم تكن على عظمها اليوم. و تعقبّه بعضهم بشي ء آخر: و هو أ نّه يأبى ذلك قوله تعالى:{ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الاَرْضِ جَميعًا‘

ص: 875

ثُمَّ اسْتَوى اِلَى السَّمَاءِ } البقرة : 29، فإنّه يفيد أنّ خلق ما في الأرض قبل خلق السّماوات، و من المعلوم أنّ خلق ما فيها إنّما هو بعد الدّحو، فكيف يكون الدّحو بعد خلق السّماوات؟!

و أُجيب بأنّ{ خَلَقَ} في الآية بمعنى قدّر أو أراد الخلق، و لايمكن أن يراد به فيها الإيجاد بالفعل، ضرورة، أنّ جميع المنافع الأرضيّة يتجدّد إيجادها أوّ لا فأوّ لا سلّمنا أنّ المراد الإيجاد بالفعل، لكن يجوز أن يكون المراد خلق مادّة ذلك بالفعل. و من النّاس من حمل ( ثُمَّ ) على التّراخي الرّتبيّ لأنّ خلق السّماء أعجب من خلق الأرض.و قال عصام الدّين: إنّ{ بَعْدَ ذلِكَ’} هنا كما في قوله تعالى: { عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ’ زَنيم ٍ} القلم : 13، يعني فعَل بالأرض ما فعَل بعد ما سمعت في السّماء. و المراد: التّأخير في الإخبار، فخَلْق الأرض و دحوها و إخراج مائها و مرعاها و إرساء الجبال عليها، عنده قبل خلق السّماء، كما يقتضيه ظاهر آية البقرة و ظاهر آية الدّخان. و أيّد حمل البعديّة على ما ذُكر، بأنّ حملها على ظاهرها مع حمل الإشارة على الإشارة إلى مجموع ما تقدّم ممّا سمعت، يلزم عليه أنّ إغطاش اللّيل و إبراز النّهار كانا قبل خلق الأرض و دحوها؛ و ذلك ممّا لايتسنّى على تقدير أ نّها غير مخلوقة أصلا .و ممّا يبعد على تقدير أ نّها مخلوقة غير عظيمة.

و أيضًا قيل: لو لم تحمل البعديّة ما ذُكر، و قيل: بنحو ما قال ابن عبّاس من تأخّر الدّحو عن خلق السّماء، مع تقدّم خلق الأرض من غير دحو على خلقها، لم تنحسم مادّة الإشكال؛ إذ آية الدّخان ظاهرة في أنّ جعل الرّواسي في الأرض قبل خلق السّماء و تسويتها، و هذه الآية إلى آخرها ظاهرة في أنّ جعل الرّواسي بَعدُ.

و بالجملة أ نّه قد اختلف أهل التّفسير في أن ّخلق السّماء مقدّم على خلق الأرض أو مؤخّر؟ فقال ابن الطّاشكبرى: < نقل الواحديّ عن مُقاتِل أنّ خلق السّماء مقدّم على خلق الأرض. و اختاره جمع ،لكنّهم قالوا: إنّ خلق ما فيها مؤخّر. و أجابوا عمّا هنا و آية البقرة بأنّ< الخلق > فيها بمعنى التّقدير أو بمعنى الإيجاد و تقدير الإرادة، و أنّ البعديّة هاهنا لإيجاد الأرض و جميع ما فيها. و عمّا هنا و آية الدّخان بنحو ذلك، فقدّروا < الإرادة > في قوله تعالى:{ خَلَقَ الاَرْضَ فى يَوْمَيْنِ }فصّلت : 9، و كذا في قوله سبحانه:{ وَ جَعَلَ فيهَا‘ رَواسِىَ }، و قالوا: يؤيّد ما ذُكر قوله تعالى:

{ فَقَالَ لَهَا وَ لِلاَ رْضِ ائْتِيَا طَوْعًا اَوْ كَرْهًا قَالَتَا اَتَيْنَا طَائِعينَ ‘} فصّلت : 11، فإنّ الظّاهر أنّ المراد ائتيا في الوجود، و لو كانت الأرض موجودة سابقة لما صحّ هذا، فكأ نّه قال سبحانه: أ ئنّكم لتكفرون بالّذي أراد إيجاد الأرض و ما فيها من الرّواسي و الأقوات في أربعة أيّام، ثمّ قصد إلى السّماء فتعلّقت إرادته بإيجاد السّماء و الأرض، فأطاعا لأمر التّكوين، فأوجد سبع سماوات في يومين، و أوجد الأرض و ما فيها في أربعة أيّام.

و نكتة تقديم خلق الأرض و ما فيها في الظّاهر في سورتي البقرة و الدّخان على خلق السّماوات

ص: 876

و العكس هاهنا، أنّ المقام في الأوّلَين مقام الامتنان و تعداد النّعم على أهل الكفر و الإيمان، فمقتضاه تقديم ما هو نعمة بالنّظر إلى المخاطبين من الفريقين، فكأ نّه قال سبحانه: هو الّذي دبّر أمركم قبل السّماء ثمّ خلق السّماء. و المقام هنا مقام بيان كمال القدرةفمقتضاه تقديم ما هو أدلّ انتهى >.

و في < الكشف >:< أطبق أهل التّفسير أ نّه تمّ خلق الأرض و ما فيها في أربعة أيّام، ثمّ خلق السّماء في يومين، إلا ما نقل الواحديّ في< البسيط > عن مُقاتِل: أنّ خلق السّماء مقدّم على إيجاد الأرض، فضلا عن دحوها.

و الكلام مع من فرّق بين الإيجاد و الدّحو و ما قيل: إن ّدحو الأرض متأخّر عن خلق السماء لاعن تسويتها، يُردّ عليه بعد ذلك، فإنّه إشارة إلى السّابق و هو رفع السُّمك، و التّسوية، و الجواب بتراخي الرّتبة لايتمّ لما نقل من إطباق المفسّرين. فالوجه أن يجعل { الاَرْضَ } منصوبًا بمضمر نحو تذكّر و تدبّر و اذْكر الأرض بعد ذلك. و إن جُعل مضمرًا على شريطة التّفسير، جُعل { بَعْدَ ذلِكَ } إشارة إلى المذكور سابقًا من ذكر خلق السّماء، لاخلق السّماء نفسه، ليدلّ على أ نّه متأخّر في الذّكر عن خلق السّماء، تنبيهًا على أ نّه قاصر في الدّلالة عن الأوّل، لكنّه تتميم كما تقول: جملا، ثمّ تقول بعد ذلك: كيت و كيت. و هذا كثير في استعمال العرب و العجم، و كان { بَعْدَ ذلِكَ } بهذا المعنى عكسه إذا استُعمل لتراخي الرّتبة. و قد تستعمل ( ثُمَّ ) بهذا المعنى و كذا < الفاء >، و هذا لاينافي قول الحسَن: إنّه تعالى خلق الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر، عليها دخان ملتزق بها، ثمّ أصعد الدّخان و خلق منه السّماوات، و أمسك الفهر في موضعها، و بسط منها الأرض؛ و ذلك قوله تعالى: { كَانَتَا رَ تْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا... } الأنبياء : 30، فإنّه يدلّ على أنّ كون السّماء دخانًا سابق على دحو الأرض و تسويتها و هو كذلك، بل ظاهر قوله تعالى:{ ثُمَّ اسْتَوى اِلَى السَّماءِ وَ هِىَ دُخَانٌ } فصّلت : 11، يدلّ على ذلك،

و إيجاد الجوهرة النّوريّة و النّظر إليها بعين الجلال المُبطّن بالرّحمة و الجمال و ذوبها، و امتياز لطيفها عن كثيفها، و صعود المادّة الدّخانيّة اللّطيفة و بقاء الكثيف، هذا كلّه سابق على الأيّام السّتّة، و ثبت في الخبر الصّحيح، و لاينافي الآيات.

و أمّا ما نقله الواحديّ عن مُقاتِل و اختاره الإمام فلاإشكال فيه.

و يتعيّن( ثُمَّ ) في سورتي البقرة و السّجدة على تراخي الرّتبة، و هو أوفق لمشهور قواعد الحكماء، لكن لايوافق ما روي <أ نّه تعالى خلق جرم الأرض يوم الأحد و يوم الاثنين، و دحاها و خلق ما فيها يوم الثّلاثاء و يوم الأربعاء، و خلق السّماوات و ما فيها في يوم الخميس و الجمعة، و في آخر يوم الجمعة ثمّ خلق آدم (علیه السلام) انتهى >.

و الّذي أميل إليه: أنّ تسوية السّماء بما فيها سابقة على تسوية الأرض بما فيها، لظهور أمر العلّيّة في الأجرام العلويّة، و أمر المعلوليّة في الأجرام السّفليّة، و يُعلم تأويل ما ينافي ذلك ممّا سمعت.

ص: 877

و أمّا الخبر الأخير ففي صحّته مقال، و الله تعالى أعلم بحقيقة الحال، و قد مرّ شي ء ممّا يتعلّق بهذا المقام، و إنّما أعدنا الكلام فيه تذكيرًا لذوي الأفهام، فتأمّل و الله تعالى الموفّق لتحصيل المرام. (30 : 32)

سيّد قُطْب: و دحو الأرض: تمهيدها و بسط قِشْرتها؛ بحيث تُصبح صالحة للسّير عليها، وتكوين تربة تصلح للإنبات و إرساء الجبال، و هو نتيجة لاستقرار سطح الأرض و وصول درجة حرارته إلى هذا الاعتدال الّذي يسمح بالحياة. و الله أخرج من الأرض ماءها سواءً ما يتفجّر من الينابيع، أو ما ينزل من السّماء، فهو أصلا من مائها الّذي تبخّر ثمّ نزل في صورة مطر. وأخرج من الأرض مرعاها، وهو النّبات الّذي يأكله النّاس والأنعام، وتعيش عليه الأحياء مباشرة و بالواسطة.

وكلّ أُولئك قد كان بعد بناء السّماء و بعد إغطاش اللّيل و إخراج الضّحى. و النّظريات الفلكيّة الحديثة تقرب من مدلول هذا النّص القرآنيّ، حين تفترض أ نّه قد مضى على الأرض مئات الملايين من السّنين و هي تدور دوراتها، و يتعاقب اللّيل و النّهار عليها قبل دحوها و قبل قابليّتها للزّرع، و قبل استقرار قِشْرتها على ما هي عليه من مرتفعات و مستويات.

و القرآن يُعلن أنّ هذا كلّه كان:{ مَتَاعًا لَكُمْ

وَ لاَ‚نْعَامِكُمْ } النّازعات : 33، فيُذكّر النّاس بعظيم تدبير الله لهم من ناحية، كما يشير إلى عظمة تقدير الله في ملكه. فإنّ بناء السّماء على هذا النّحو، و دحو الأرض على هذا النّحو أيضًا لم يكونا، فَلْتةً و لامصادفة، إنمّا كان محسوبًا فيهما حساب هذا الخلق الّذي سيستخلف في الأرض.

و الّذي يقتضي وجوده و نموّه و رقيّه موافقات كثيرة جدًّا في تصميم الكون، و في تصميم المجموعة الشّمسيّة بصفة خاصّة، و في تصميم الأرض بصفة أخص.

و القرآن على طريقته في الإشارة المجملة الموحية المتضمّنة لأصل الحقيقة يذكرهنامن هذه الموافقات بناء السّماوات و إغطاش اللّيل و إخراج الضّحى و دحو الأرض، و إخراج مائها و مرعاها و إرساء جبالها؛ متاعًا للإنسان و أنعامه. و هي إشارة توحي بحقيقة التّدبير و التّقدير في بعض مظاهرها المكشوفة للجميع، الصّالحة لأن يخاطب بها كلّ إنسان في كلّ بيئة و في كلّ زمان، فلاتحتاج إلى درجة من العلم و المعرفة تُزيد على نصيب الإنسان حيث كان. حتّى يعمّ الخطاب بالقرآن لجميع بني الإنسان في جميع أطوار الإنسان في جميع الأزمان.

و وراء هذا المستوى آماد وآفاق أُخرى من هذه الحقيقة الكبرى. حقيقة التّقدير و التّدبير في تصميم هذا الكون الكبير، و استبعاد المصادفة و الجزاف استبعادًا تنطق به طبيعة هذا الكون وطبيعة المصادفة الّتي يستحيل معها تجمّع كلّ تلك الموافقات العجيبة.

هذه الموافقات الّتي تبدأ من كون المجموعة الشّمسيّة الّتي تنتمي إليها أرضنا هي تنظيم نادر بين مئات الملايين من المجموعات النّجميّة. و أنّ الأرض نمط فريد غير مكرّر بين الكواكب بموقعها هذا في

ص: 878

المنظومة الشّمسيّة. الّذي يجعلها صالحة للحياة الإنسانيّة. و لايعرف البشر حتّى اليوم كوكبًا آخر تجتمع له هذه الموافقات الضّروريّة، و هي تُعدّ بالآلاف! ذلك أنّ أسباب الحياة تتوافر في الكوكب على حجم ملائم و بُعد معتدل و تركيب تتلاقى فيه عناصر المادّة على النّسبة الّتي تنشط فيها حركة الحياة. لابدّ من الحجم الملائم، لأنّ بقاء الجوّ الهوائيّ حول الكوكب يتوقّف على ما فيه من قوّة الجاذبيّة.

و لابدّ من البُعد المعتدل لأنّ الجرم القريب من الشّمس حارّ لاتتماسك فيه الأجسام، و الجرم البعيد من الشّمس بارد لاتتخلخل فيه تلك الأجسام. و لابدّ من التّركيب الّذي تتوافق فيه العناصر على النّسبة الّتي تنشط بها حركة الحياة، لأنّ هذه النّسبة لازمة لنشأة النّبات و نشأة الحياة الّتي تعتمد عليه في تمثيل الغذاء و موقع الأرض حيث هي أصلح المواقع لتوفير هذه الشّروط الّتي لاغنى عنها للحياة، في الصّورة الّتي نعرفها، ولانعرف لها صورة غيرها حتّى الآن.

و تقرير حقيقة التّدبير و التّقدير في تصميم هذا الكون الكبير و حساب مكان للإنسان فيه ملحوظ في خلقه وتطويره، أمر يُعدّ القلب و العقل لتلقّي حقيقة الآخرة و ما فيها من حساب و جزاء باطمئنان و تسليم. فما يمكن أن يكون هذا هو واقع النّشأة الكونيّة والنّشأة الإنسانيّة ثمّ لاتتمّ تمامها و لاتلقى جزاءها. و لايكون معقولا أن ينتهي أمرها بنهاية الحياة القصيرة في هذه العاجلة الفانية. و أن يمضي الشّرّ و الطّغيان و الباطل ناجيًا بما كان منه في هذه الأرض، و أن يمضي الخير و العدل و الحقّ بما أصابه كذلك في هذه الأرض. فهذا الفرض مخالف في طبيعته لطبيعة التّقدير والتّدبير الواضحة في تصميم الكون الكبير. و من ثَمّ تلتقي هذه الحقيقة الّتي لمسها السّياق في هذا المقطع بحقيقةالآخرة الّتي هي الموضوع الرّ ئيسيّ في السّورة، و تصلح تمهيدًا لها في القلوب والعقول و يجيء بعده ذكر الطّامّة الكبرى في موضعه و في حينه! (6 : 3816)

نحوه فضل الله. (24 : 44)

مَغْنِيّة: أي بسطها و مهّدها بحيث تُصبح صالحة للسّكن و السّير. و في كتاب < محاولة لفهم عصريّ للقرآن > ما نصّه: { دَحيهَا ’} أي جعلها كالدّحية « البيضة > و هو ما يوافق أحدث الآراء الفلكيّة عن شكل الأرض >. و لفظة < دحا > تعني أيضًا البسط، و هي اللّفظة العربيّة الوحيدة الّتي تشتمل علىالبسط و التّكوير في ذات الوقت، فتكون أولى الألفاظ على الأرض المبسوطة في الظّاهر المكوّرة في الحقيقة. و هذا منتهى الإحكام و الخفاء في اختيار اللّفظ الدّقيق المبين.

(7 : 510)

الطَّباطَبائيّ : أي بسطها و مدّها بعد ما بنى السّماء و رفع سمكها و سوّ اها، و أغطش ليلها، و أخرج ضحاها.

و قيل: المعنى: والأرض مع ذلك دحاها، كما في قوله: { عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنيم ٍ} القلم : 13، وقد تقدّم كلام فيما يظهر من كلامه تعالى في خلق السّماء و الأرض في تفسير سورة الم السّجدة. و ذكر بعضهم

ص: 879

أن الدّحو بمعنى الدّحرَجَة. (20 : 190)

مكارم الشّيرازيّ : { دَحيهَا ’} من الدّحو بمعنى الانبساط، و فسّرها بعضهم: بإزالة الشّيء عن مقرّه.وللمعنيين أصل واحد، لوجود التّلازم بينهما.

و يُقصد بدحو الأرض، إنّها كانت في البداية مُغطّاة بمياه الأمطار الغزيرة الّتي انهمرت عليها من مدّة طويلة، ثمّ استقرّت تلك المياه تدريجيًّا في منخفظات الأرض، فشكّلت البحار و المحيطات، فيما علَتِ اليابسة على أطرافها، و توسّعت تدريجيًّا، حتّى وصلت لما هي عليه الآن من شكل، و حدث ذلك بعد خلق السّماء و الأرض.

و بعد دحو الأرض، و إتمام صلاحيّتها للسّكنى و حياة الإنسان، يأتي الحديث في الآية التّالية عن الماء و النّبات معًا: { اَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعيهَا } .

ويظهر من التّعبير القرآنيّ، أنّ الماء قد نفذ إلى داخل الأرض بادئ ذي بدء، ثمّ خرج على شكل عيون و أنهار، حتّى تشكّلت منهما البُحيرات

و البحار و المحيطات. (19 : 346)

الأُصول اللُّغويّة

1 الأصل في هذه المادّة: الدَّحْو، و هو البسط

و التّمهيد. يقال: دَحَوتُ الشّيء أدحُوه دَحْوًا، و دَحَيتُه أدحيه و أدحاه دَحْيًا ، أي بسَطتُه ، و دَحا المطر الحصى عن وجه الأرض يَدْحُوه و يَدْحيه، أي نزعه. قال ابن فارِس: < لأ نّه إذا كان كذا فقد مهّد الأرض >، و ليس لليائيّ اشتقاق غير هذا. و في حديث عليّ (علیه السلام): < اللّهمّ داحيَ المَدحُوّات > ، أي باسط الأرضين السّبع و موسّعها، و هي جمع المَدْحُوّة.((1))

و المِدْحاة : خشبة يَدْحي بها الصّبيّ؛ و الجمع: المَداحي، و في حديث أبي رافع: < كنتُ أُلاعب الحسَنَ و الحسينَ بالمَداحي >.

و الدّاحي : الّذي يَدْحُو الحجر بيده. و داحي باب خيبر: لقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)؛ قال ابن حمّاد:

أم مَن دَحا بابَ القموص و مَن عَلا

في الحرب مرحبَ بالحسام القاضب

و فيه قال ابن أبي الحديد أيضًا:

يا قالع الباب الّذي عن هزّه

عجزت أكف أربعون و أربع

و دَحا فلان الحجر يَدْحُوه: دفعه و رمى به، و يقال للاعب بالجوز: أبْعِد المرمَى و ادْحُه، أي ارْمِه ، و يقال للفرس : مرّ يَدْحُو دَحْوًا ، و ذلك إذا رمى بيديه رميًا؛ لايرفع سُنبُكَه عن الأرض كثيرًا.

و الأُدحيّ < أُفعُول > من: دَحَوْتُ ، و هو سرب النَّعام، و موضعه الّذي يبيض فيه و يفرخ، و الجمع: الأداحيّ. قال ابن السِّكّيت: < لأنّ النَّعامة تَدْحُوه برجليها، أي توسّعه ثمّ تبيض فيه >، و هو المَدْحى أيضًا. و الأُدحيّ: منزل في السّماء بين النَّعائم و سعد الذّابح.

و الدِّحْيَة: رئيس القوم و سيّدهم، كما قال ابن

ص: 880


1- (1) نهج البلاغة : الخطبة: (72).

الأعرابيّ. و قال ابن الأثير: < رئيس الجُند و مقدّمهم، و كأ نّه من: دَحاه يَدْحُوه، إذا بسَطه و مهّده، لأنّ الرّئيس له البسط و التّمهيد، و قلب الواو فيه ياء نظير قلبها في: صبية و فتية >.

و منه: دِحْيَة بن خليفة الكَلْبيّ؛ قال السّهيليّ: < هو دَحْيَة بفتح الدّال، ويقال: دِحْيَة بكسر الدّال أيضًا، و الدِّحْيَة بلسان اليمن: الرّئيس، و جمعه دِحاء>.

و نقل ابن منظور عن أبي عمرو، قال: < أصل هذه الكلمة السّيّد بالفارسيّة>، و لم نعثر على ما يؤيّد هذا القول.

2 روى ابن سيده عن كُراع، قال : < الدَّحْو: استرسال البطن إلى أسفل وعِظَمُه >، و هو سهو منه، لأنّ هذا الاشتقاق من < د ح ح >.يقال: دَحّ الطّعام بطنه يَدُحّه ، أي ملأه حتّى يسترسل إلى أسفل، و اندَحّ بطنُه انْدِحاحًا: اتّسع من البطنة. أو هو من < د و ح >. يقال: داحَ بطنُه: عظُم و استرسل إلى أسفل، وانداح بطنُه انْدِياحًا: اتّسع.

و قال ابن سيده: < دَحا المرأة: نكحها >، و هو ليس من < د ح و > أيضًا، فأصله إمّا من < د ح ح >. يقال: دَحّها يَدُحّها دَحًّا، أي نكحها. أو من < د ح م >. يقال: دَحَمَ المرأة يَدْحمها دَحْمًا، أي نكحها. أو من < ذ ح و >. يقال: ذَحا المرأة يَذْحُوها ذَحْوًا، أي نكحها. فبين هذه الموادّ الثّلاث اشتقاق أكبر، لأنّ الأصل فيها الدّفع و الطّرد.

و روى شَمِر قولهم: < نام فلانٌ فتَدحّى، أي اضطجع في سعة الأرض >، فلعلّه من < ط ح و >. يقال: طحَيتُ، أي اضْطَجَعتُ، و طحَوتُه، إذا بطَحتُه، وصرَعتُه، فطحّى: انبطَحَ انبطاحًا، و هو من إبدال الطّاء دالا ،و فسّر قوله: { وَ الاَرْضِ وَمَا طَحيهَا} الشّمس:6 فقال : < معناه و من دَحاها، فأبدل الطّاء من الدّال >، راجع: < ط ح و >.

الاستعمال القرآنيّ

{ وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحيهَا ’} النّازعات : 30

يلاحظ أوّ لا : أنّ هذه المادّة وحيدة الجُذُر في القرآن، و فيها بُحُوثُ:

1 بسط الله الأرض و مهّدها بعد خلق السّماء و اللّيل و النّهار: { ءَ اَنْتُمْ اَشَدُّ خَلْقًا اَمِ السَّمَاءُ بَنيهَا ’* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَويهَا\ * وَ اَغْطَشَ لَيْلَهَا وَ اَخْرَجَ ضُحيهَا ’ * وَ الاَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحيهَا ’} النّازعات: 27 30، ثمّ بيّن تعالى أمثلة للبسط و التّمهيد في الآيات التّالية: { اَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعيهَا’* وَ الْجِبَالَ اَرْسيهَا’* مَتَاعًا لَكُمْ وَ لاَ‚ نْعَامِكُمْ } النّازعات: 31 33. و لو دُحِيت الأرض دون خلق السّماء، لفسدت أقواتها و نباتاتها، و اختلّت حياة من يعيش عليها لأنّ صلاحها بتعاقب اللّيل و النّهار، و هذا لايستقيم إلا بخلق السّماء.

2 إن قيل: قدّم الله خلق الأرض على السّماء في قوله: { هُوَ الَّذى‘ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِى الاَرْضِ جَميعًا‘ ثُمَّ اسْتَوى اِلَى السَّمَاءِ فَسَوّيهُنَّ ’سَبْعَ سَموَات’ و هُوَ بِكُلِّ شَىْء عَليمٌ‘ } البقرة : 29، و قدّم خلق السّماء هنا على الأرض، أليس هذا تناقضًا؟

ص: 881

يقال: كلا؛ إذ ليس الدَّحْو كالخلق، فذكره هنا آية من آيات الأرض وضرورة من ضروراتها. و نحو خلق الأرض إنزال الماء من السّماء و جريانه في الأرض، كما في قوله: { اَنْزَ لَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ اَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } الرّعد : 17. و نحو دَحْو الأرض سقي الإنسان و الحيوان و الأرض، و خروج ثمرات الأرض و نباتاتها ، ثمّ هيجانها و اصفرارها، و مايتبع ذلك من ضرورات، كما في قوله تعالى: { اَلَمْ تَرَ اَنَّ اللهَ اَنْزَ لَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابيعَ‘ فِى الاَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا اَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهيجُ‘ فَتَريهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا اِنَّ فى ذلِكَ لَذِكْرى لاُ‚ولِى الاَلْبَابِ } الزّمر : 21.

و للمفسّرين بحث طويل حول دفع التّناقض بين هذه الآيات، فلاحظ النُّصوص. و لاسيّما كلام الآلوسيّ.

كما أشار سيّد قُطْب إلى موافقة القرآن للنّظريّات الفلكيّة الحديثة، فلاحظ.

3 عارض تعالى بناء السّماء بدَحْو الأرض، و رفع سمك السّماء و تسويتها بإخراج ماء الأرض و مرعاها، و إغطاش ليل السّماء و إخراج ضحاها

بإرساء الجبال. و هذا حَثّ للإنسان على التّدبّر في الله و ملكوته، فالإنسان يرى السّماء و زينتها وليلها

و نهارها، مثل ما يرى الأرض و ماءها و نباتها وجبالها، غير أ نّه لايستطيع أن يلمس سمك السّماء و ليلها و نهارها، لأ نّها أشياء معنويّة، و يستطيع أن يلمس الأرض و ما عليها،لأ نّها أشياء مادّ يّة. فسبحان من دلّ بذاته على ذاته، و جلّ بكنهه و صفاته! إذ تراه القلوب بحقائق الإيمان، و تسبره العقول بطرائق البرهان.

ثانيًا: جاء منها لفظ واحد: { دَحيهَا ’} في سورة مكّيّة من السّور القصار النّازلة أكثرها في بدو نزول القرآن.

ثالثًا: من نظائر هذه المادّة في القرآن:

الطّحو: { وَ الاَرْضِ وَمَا طَحيهَا }

الشّمس : 6

البسط: { وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الاَرْضَ بِسَاطًا }

نوح : 19

السّعة : { قَالُوا اَ لَمْ تَكُنْ اَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فيهَا‘ } النّساء : 97

الرّحابة: { وَ ضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الاَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ }

التّوبة : 25

ص: 882

د خ ر

اشارة

لفظان، 4 مرّات مكّيّة، في 4 سور مكّيّة

داخِرُون 2 : 2

داخِرين 2 : 2

النُّصوص اللُّغويّة

الخَليل: الدّاخر: الصّاغر، دخَر يَدْخَر دُخُورًا، أي صغُر يَصْغُر صَغارًا، و هو أن يفعل ما تأمره كرْهًا على صغَر و دُخور. (4 : 229)

نحوه الصّاحِب (4 : 300)، و الطُّوسيّ (6 : 388).

ابن دُرَيْد: دَخِر الرّجل يَدْخَر دَخَرًا إذا ذلّ، و ادّخره غيره ادّخارًا. (2 : 199)

الأزهَريّ: تقول: دخَر يَدْخَر دُخورًا، أي صَغُر يَصْغُر صَغارًا، و هو الّذي يفعل ما تأمره به شاء أو أبى صاغرًا قميئًا. (7 : 270)

نحوه الواحديّ. (3 : 65)

الجَوهَريّ: الدُّخور: الصَّغار و الذّلّ. يقال: دخَر الرّجل بالفتح، فهو داخر، و أدخَره غيره. (2 : 655)

ابن فارِس: الدّال و الخاء و الرّاء أصل يدلّ على الذّلّ. يقال: دخَر الرّجل، و هو داخر، إذا ذلّ، و أدخَره غيره: أذلّه.

فأمّا الدَّخْدار فالثّوب الكريم يُصان. [ثمّ استشهد بشعر]

و ليس هذا من الكلمة الأُولى في شيء، لأنّ هذه معرّبة، قالوا: أصلها: تَخْت دار، أي مصون في تخت.((1))

(2 : 3 33)

ابن سيده: دخَر يَدْخَر دُخُورًا، و دَخِر دَخَرًا: ذلّ و صَغُر.و الدّخَر: التّحيّر. (5 : 137)

الرّاغِب: قال تعالى: { وَ هُمْ دَاخِرُونَ } النّحل :

ص: 883


1- (1) كذا، و الظّاهر أنّها بمعنى صاحب التّخت، أو حافظه.

48، أي أذلاء. يقال: أدخَرتُه فدخَر، أي أذلَلْتُه فذلّ، و على ذلك قوله: { اِنَّ الَّذينَ ‘يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَ اخِرينَ ‘} المؤمن : 60.

و قوله: يَدّخِر أصله: يَذْتَخِر، و ليس من هذا الباب. (166)

الزّمَخْشَريّ: دخَر فلان دُخُورًا و دَخِر دَخَرًا:ذلّ.

و مرّ صاغرًا داخرًا. و أدخَره الله.

و تقول: الأوّل فاخر، و الآخر داخر.

(أساس البلاغة : 127)

الصَّغانيّ: دَخِر بالكسر،يَدْخَر دَخَرًا بالتّحريك، إذا ذلّ.

الدَّخْدار: الذّهب.

و دَخْدَرتْ قُرطَها: أذهبته. (2 : 510)

الفَيُّوميّ: دخَر الشّخص يَدْخَر بفتحتين، دُخُورًا: ذلّ و هان.

و أدخَرته بالألف: في التّعدية. (1 : 190)

الفيروزاباديّ: دخَر كمَنَعَ و فَرِح دُخُورًا و دخَرًا: صَغُر و ذلّ، و أدخَره. (2 : 28)

نحوه الطُّرَيحيّ. (3 : 300)

مَجْمَعُ اللُّغة: دخَر يَدْخَر دُخُورًا، و دَخِر دخَرًا: ذلّ و انقاد، فهو داخر و دَخِر، و هم داخرون و دَخِرون.

(1 : 381)

محمّد إسماعيل إبراهيم: دخَر: ذلّ و صَغُر و هان، و أدخَره: أذلّه و أهانه،و داخرون: صاغرون منقادون. (1 : 183)

المُصْطَفَويّ: التّحقيق: أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة، هو الصَّغار و الذّلّ في نفسه و من حيث هو؛ بحيث يكون منقادًا و ذليلا و صغيرًا، من حيث نفسه و من عنده، من دون تأثير خارجيّ و إكراه أو نسبة.

و الفرق بين هذه المادّة و مادّة: الذّلّ و الصَّغار

و الحقارة و الهون و الدّحر و الدّنخ و الدّقع: أنّ الذّلّ مأخوذ فيه قيد الانقياد على كُره من الأعلى، و في الصَّغار قيد أن يكون صغيرًا بالنّسبة إلى ما هو أكبر منه، فهو في مقابل الكِبَر، كما أنّ الذّلّ في مقابل العزّ.

و الحقارة: ما نقص من المقدار المعهود الّذي يقتضي أن يكون عليه، فهو في مقابل العظمة.

و الهون: صغارة في مقابل الكرامة، سواء كان من الأعلى أم لا.

و الدّقع: يؤخذ فيه قيد اللُّصوق بالتّراب مع حالة الذُّ لّة.

و الدّنخ: يؤخذ فيه قيد النّكس.

و في الدّحر: قيد الإبعاد كما مرّ.

{ وَ كُلٌّّ اَتَوْهُ دَ اخِرينَ ‘} النّمل : 87، { اِنَّ الَّذينَ‘ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَ اخِرينَ‘ } المؤمن : 60، { قُلْ نَعَمْ وَ اَنْتُمْ دَاخِرُونَ} الصّافّات : 18، أي يتحقّق لهم الصَّغار و ذّ لّة ما في أنفسهم في ذواتهم، منقطعين عن الله العزيز المتعال. و مبعدين عمّا ركنوا إليه من الأسباب المادّ يّة، و التّعلّقات الدّ نيويّة.

{ هُمْ دَ اخِرُونَ } فإنّ ما خلق الله في المعنى جمع و شامل جميع المخلوق. و أمّا ذكر { وَ هُمْ دَ اخِرُونَ } بصيغة العقلاء: فبمناسبة الحكم الجاري، فإنّ السّجدة

ص: 884

و الدّخر يناسبان العقل.

و لايخفى ما في المخلوق من الدُّخور تكوينًا؛ حيث إنّه لايقدر على دفع ما يقدّر عليه، و جلب ما لم يُمضَ له، فهو خاضع ذليل مقهور لايملك لنفسه نفعًا و لاضرًّا. (3 : 182

النُّصوص التّفسيريّة

دَ اخِرُونَ

1 اَوَلَمْ يَرَوْا اِلى مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَىْء يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمينِ‘ وَ الشَّمَائِلِ سُجَّدًا للهِ† وَ هُمْ دَاخِرُونَ.

النّحل : 48

ابن عبّاس: مطيعون. (225)

مُجاهِد: صاغرون. (الطّبَريّ 7 : 593)

مثله قَتادَة (الطّبَريّ 7 : 594)، و الثّعلبيّ (6 : 21)، و البغَويّ (3 : 81)، و مَغْنِيّة (4 : 518).

أبوعُبَيْدَة: أي صاغرون. يقال: فلان دخَر لله†، أي ذلّ و خضع. (1 : 360)

نحوه ابن قٌتَيْبَة (243)، و الطّبَريّ (7 : 593).

الزّجّاج: و معنى { دَاخِرُونَ }: صاغرون....

و قوله: { وَ هُمْ دَ اخِرُونَ } أي هذه الأشياء [ المذ كورة في الآية] مجبولة على الطّاعة. (3 : 202)

الماوَرْديّ: أي صاغرون خاضعون. [ثمّ استشهد بشعر] (3 : 191)

مثله الطَّباطَبائيّ. (12 : 265)

الزّمَخْشَريّ: الأجرام في أنفسها داخرة أيضًا صاغرة منقادة لأفعال الله فيها لاتمتنع. (2 : 412)

ابن الجَوْزيّ: في قوله تعالى: { وَ هُمْ دَ اخِرُونَ } قولان:

أحدهما: و الكفّار صاغرون.

و الثّاني: و هذه الأشياء داخرة مجبولة على الطّاعة. (4 : 453)

الفَخْرالرّازيّ: [نحو الأزهَريّ و أضاف:]

و ذلك لأنّ هذه الأشياء منقادة لقدرة الله تعالى و تدبيره. و قوله: { وَ هُمْ دَاخِرُونَ } حال أيضًا من الظّلال. (20 : 43)

البَيْضاويّ: [نحو الزّمَخْشَريّ و أضاف:]

و جُمع{ دَاخِرُونَ } بالواو، لأنّ من جملتها من يعقل، أو لأنّ الدّخور من أوصاف العقلاء. (1 : 557)

أبوالسُّعود: أي صاغرون منقادون، حال من الضّمير في { ظِلالُهُ }، و الجمع باعتبار المعنى. و إيراد الصّيغة الخاصّة بالعقلاء لما أنّ الدّخور من خصائصهم... (4 : 66)

نحوه البُرُوسَويّ. (5 : 40)

الآلوسيّ: حال من ضمير{ ظِلالُهُ } الرّاجعإلى { شَىْء }، والجمع باعتبار المعنى. و صحّ مجيء الحال من المضاف إليه، لأ نّه كالجزء. و إيراد الصّيغة الخاصّة بالعقلاء لما أنّ الدّخول من خصائصهم، فإنّه التّصاغر والذّلّ.[ثمّ استشهدبشعر]

فالكلام على استعارة، أو لأنّ في جملة ذلك من يعقل فغلب، و وجه التّعبير بهم يُعلم ممّا ذُكر. و يجوز أن يُعتَبر وجهه أوّ لا و يُجعل ما بعده جاريًا على المشاكلة له، أي و الحال أنّ أصحاب تلك الظّلال

ص: 885

ذليلة منقادة لحكمه تعالى و وصفها بالدّخور مُغن عن وصف ظلالها به. (14 : 154)

نحوه ابن عاشور ملخّصًا. (13 : 136)

2 ءَ اِذَا مِتْنَا وَ كُنَّا تُرَابًا وَ عِظَامًا ءَ اِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * اَوَ ابَاؤُنَا الاَوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَ اَنْتُمْ دَ اخِرُونَ.

الصّافّات : (16 18)

[مثل ماقبلها]

دَ اخِرينَ‘

1 وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِى الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِى السَّموَاتِ وَ مَنْ فِى الاَرْضِ اِلامَنْ شَاءَ اللهُ وَ كُلٌّ اَتَوْهُ دَاخِرينَ‘.

النّمل : 87

ابن عبّاس: صاغرين ذليلين. (322)

قَتادَة: صاغرين. (الطّبَريّ 10 : 20)

مثله الطّبَريّ. (10 : 20)

السُّدّيّ: راغمين. (الماوَرْديّ 4 : 230)

ابن عَطيّة: قرأ الحسَن: ( دخِرين) بغير ألف.

(4 : 272)

فضل الله: خاشعين خاضعين لله، في حال من الذّلّة و الصّغار الّذي يحس به العبد عندما يسعى إلى لقاء مولاه. في معنى العبوديّة الّتي يعيش فيها الانسحاق أمام الله، و لكنّه ينطلق بالحرّ يّة أمام الكون كلّه، على أساس الفكرة الإيمانيّة الّتي تؤكّد أنّ الإنسان يكون حرًّا في نفسه و مع النّاس بمقدار ما يكون عبدًا لله. (17 : 249)

2 وَ قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونى اَسْتَجِبْ لَكُمْ اِنَّ الَّذينَ‘ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَ تى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَ اخِرينَ‘.

المؤمن : 60

ابن عبّاس: صاغرين. (398)

مثله السُّدّيّ (425)،و ابن قُتَيْبَة (387)،و الطّبَريّ (11 : 73) ، و الزّجّاج( 4 : 377) ، و الزّمَخْشَريّ (3 : 434).

فضل الله: أذلّة، لأنّ الاستكبار لابدّ من أن يقابله الإذلال و السّقوط و الاحتقار. (20 : 63)

الأُصول اللُّغويّة

ا الأصل في هذه المادّة: الدُّخور، أي الذّلّ و الصَّغار. يقال: دخَر يَدْخَر دُخُورًا فهو داخر، أي صَغُر يَصْغُر صَغارًا فهو صاغر، و منه: كلام عليّ (علیه السلام) في صفات الله تعالى: < خلائق مربوبون،و عبادداخرون>. قال ابن أبي الحديد:

< داخرون: ذليلون خاضعون >.((1))

و زاد ابن دُرَ يْد الدَّخْر ، فقال: < دَخِر يَدْخَر دَخَرًا، إذا ذلّ، و أدخَره غيره إدخارًا، و لم يذكره الجَوهَريّ، و قيّد الفعل دخَر بالفتح، فاستدركه الصّغانيّ عليه في التّكملة >.

2 و زعم الزّبيديّ أنّ مصدر: دخَر دُخُورًا جاء على غير قياس. و هذا وهم منه، لأنّ مصدر (فعَل)

ص: 886


1- (1) نهج البلاغة الخطبة: (65) شرح نهج البلاغة (5 : 153).

اللازم يأتي على<فُعُول> قياسًا، نحو: ركَعَ يَرْكَع رُكوعًا، و بكَر يَبْكُر بُكورًا، و جلَس يَجلِس جُلوسًا.

3 و استحدث ابن معصوم دَخِرًا، صفة مشبّهة للفعل: دَخِر يَدْخَر دخَرًا، و استشهد بقراءة الحسَن: ( وَ كُلٌّ اَتَوْهُ دَخِرينَ‘ ). ((1))

4 و قال ابن سيده: < الدّخَر: التّحيّر >، و هو الدّجَر بالجيم. يقال: دَجِر دجَرًا فهو دَجِر و دَجْران، أي حيران في أمره.

5 و قال المُصْطَفَويّ: < يكون الدّاخر منقادًا و ذليلا و صغيرًا من حيث نفسه و من عنده، من دون تأثير خارجيّ و إكراه و نسبة >. و هذا خلاف ما ذكره الخَليل في تفسير الدّاخر،فقال:< هو أن يفعل ما تأمره كرهًا على صِغَر و دُخور > و ما ذكره المُصْطَفَويّ يعني التّذلّل لاالدُّخور.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسم الفاعل جمعًا ( دَاخِرُونَ و دَاخِرينَ‘ )كلّ منهمامرّتين،في 4 آيات:

1 { اَوَ لَمْ يَرَوْا اِلى مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَىْء يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمينِ‘ وَ الشَّمَائِلِ سُجَّدًا للهِ† وَ هُمْ دَاخِرُونَ }

النّحل : 48

2 { ءَ اِذَا مِتْنَا وَ كُنَّا تُرَابًا وَ عِظَامًا ءَ اِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * اَوَ ابَاؤُ نَا الاَوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَ اَنْتُمْ دَ اخِرُونَ }

الصّافّات : 16 18

3 { وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِى الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِى السَّموَاتِ وَ مَنْ فِى الاَرْضِ اِلامَنْ شَاءَ اللهُ وَ كُلٌّ اَتَوْهُ دَاخِرينَ‘} النّمل : 87

4 { اِنَّ الَّذينَ ‘يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَ اخِرينَ‘} المؤمن : 60

يلاحظ أوّ لا : أ نّه استعمل الدُّخور في الإنسان و سائر ما خلق الله في الدّنيا و الآخرة طوعًا وكرهًا ، و فيه بُحُوث:

1 أنكر الله تعالى على المشركين تماديهم في كفرهم، و عاب عليهم استكبارهم عن عبادته و الأشياء تسجد له طائعة صاغرة في (1): { اَوَ لَمْ يَرَوْا اِلى مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَىْء يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمينِ‘

‘ وَ الشَّمَائِلِسُجَّدًا للهِ‚ وَهُمْ دَاخِرُونَ }.

و جُمع داخر بالواو ف (1) رغم إسناده إلى ما لايعقل من الأشياء ، لأ نّه صفة يتّصف بها من يعقل، كما جُمع السّاجد بالواو أيضًا، و كان ممّا لايعقل كالشّمس و القمر و الكواكب، في قوله تعالى: { اِذْ قَالَ يُوسُفُ لاَ‚بيهِ ‘يَا اَبَتِ اِنّى رَاَيْتُ اَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَ الشَّمْس وَالْقَمَرَ رَاَيْتُهُمْ لى سَاجِدينَ‘ } يوسف : 4.

و وجّهه بعضهم بدخول مَن يعقل في جملة { مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَىْءٍ} فجاء به تغليبًا للعقلاءعلى غيرهم، أومن أجل المشاكلة بين هذه الآية و ما قبلها، حيث يرجع الضّمير فيها إلى العقلاء في قوله: { اَوْيَاْ خُذَهُمْ عَلى تَخَوُّ فٍ} النّحل: 47.

2 وقعت جملة { وَاَنْتُمْ دَاخِرُونَ} في (2): { قُلْ نَعَمْ وَ اَنْتُمْ دَاخِرُونَ } حالا ، و الواو فيها حاليّة على

ص: 887


1- (1) الطّراز الأوّل (7 : 428).

الأصحّ. و هذه الآية جواب لسؤال المشركين الإنكاريّ المتقدّم في 16 و 17: { ءَ اِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا ءَ اِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* اَوَ ابَاؤُنَا الاَوَّلُونَ }؟ فبيّن حالهم حين بعثهم، أي داخرين صاغرين أذلاء، تشفّيًا منهم وتطييبًا لخاطر النّبيّ(صلی الله علیه و آله)، لما كانوا عليه حين دعوتهم إلى الإسلام من الكبر والنّزق و العَنْجَهيّة.

و لم يأت في القرآن سؤال إنكاريّ للمشركين

و فيه جواب يثبت ما يقولون إلا هذا و قوله تعالى: { وَ يَسْتَنْبِؤُ نَكَ اَحَقٌّ هُوَ قُلْ اى وَرَبّى اِنَّهُ لَحَقٌّ وَ مَا اَنْتُمْ بِمُعْجِزينَ‘ } يونس : 53.

3 جاء لفظ { دَاخِرينَ‘ } حالا في (3): { وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِى الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِى السَّموَاتِ’ وَ مَنْ فِى الاَرْضِ اِلا مَنْ شَاءَ اللهُ وَكُلٌّ اَتَوْهُ دَاخِرينَ‘ }، و (4): { وَ قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونى اَسْتَجِبْ لَكُمْ اِنَّ الَّذينَ‘ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرينَ‘ } و لو قيل فيهما من غير القرآن: و هم داخرون كما في (1)، لكان صوابًا أيضًا، لأنّ اسم الفاعل مشتقّ من

الفعل المضارع، فهما بمعنىً واحد. و جاءت آيات بكلتا الصّيغتين ، منها:

{ اَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَىْء اَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ }

الطّور : 35

{ اَيُشْرِكُونَ مَا لايَخْلُقُ شَيًْا =وَ هُمْ يُخْلَقُونَ }

الأعراف : 191{ وَ تَزْهَقَ اَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كَافِرُونَ } التّوبة : 55

{ اَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }

النّحل : 72

{ وَ مَا يُؤْمِنُ اَكْثَرُهُمْ بِاللهِ اِلا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ }

يوسف : 106

{ فَلَمَّا نَجّيهُمْ’ اِلَى الْبَرِّ اِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }

العنكبوت : 65

ثانيًا: هذه الآيات كلّها مكّيّة، فيبدو أنّ هذا الجُذُر في الأصل مكّيّ لولم يختص بها.

ثالثًا: لهذه المادّة نظائر في القرآن ، ذكرناها في: <خ ز ي>.

ص: 888

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة وأسماء كتبهم

الآلوسيّ: محمود ((1)) (1270)

روح المعاني، ط: دارإحياء التّراث، بيروت.

ابن أبي الحديد: عبدالحميد (665)

شرح نهج البلاغة، ط: إحياء الكتب، بيروت.

ابن أبي اليمان: يمان (284)

التّقفية، ط: بغداد.

ابن الأثير: مبارك (606)

النّهاية، ط: إسماعيليان، قم.

ابن الأثير: عليّ (630)

الكامل، ط: دار صادر، بيروت.

ابن الأنباريّ: محمّد (328)

غريب اللّغة، ط: دارالفردوس، بيروت.

ابن باديس: عبدالحميد (1359)

تفسيرالقرآن، ط: دارالفكر، بيروت.

ابن جُزَيّ: محمّد (741)

التّسهيل، دارالكتاب العربيّ، بيروت.

ابن الجَوْزيّ: عبد الرّحمان (597)

زادالمسير، ط: المكتب الإسلاميّ، بيروت.

ابن خالَوَيه: حسين (370)

إعراب ثلاثين سورة، ط: حيدرآباد دكَّن.

ابن خَلدُون: عبدالرّحمان (808)

المقدّمة، ط: دارالقلم، بيروت.

ابن دُرَيْد: محمّد (321)

الجمهرة، ط: حيدرآباد دكَّن.

ابن السّكّيت: يعقوب (244)

1 تهذيب الألفاظ، ط:الآستانة الرّضويّة، مشهد.

2 إصلاح المنطق، ط: دارالمعارف بمصر.

3 الإبدال، ط: القاهرة.

4 الأضداد، ط: دارالكتب العلميّة، بيروت.

ابن سيده: عليّ (458)

المحكم، ط: دارالكتب العلميّة، بيروت.

ابن الشّجريّ: هبةالله (542)

الأماليّ، ط: دارالمعرفة، بيروت.ابن شهراشوب: محمّد (588)

متشابه القرآن، ط: طهران.

ابن عاشور: محمّدطاهر (1393)

ص: 889


1- (1) هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة .

التّحريروالتّنوير،ط:مؤسّسةالتّاريخ، بيروت.

ابن العَرَبيّ: عبدالله (543)

أحكام القرآن، ط: دارالمعرفة، بيروت.

ابن عربيّ: مُحيى الدّين (628)

تفسيرالقرآن، ط: دار اليقظة، بيروت.

ابن عَطيّة: عبدالحقّ (546)

المحرّرالوجيز، ط: دارالكتب العلميّة ، بيروت.

ابن فارِس: أحمد (395)

1 المقاييس، ط: طهران.

2 الصّاحبيّ، ط: المكتبةاللّغويّة، بيروت.

ابن قُتَيْبَة: عبدالله (276)

1 غريب القرآن، ط: دارإحياءالكتب ، القاهرة

2 تأويل مشكل القرآن، ط:المكتبة العلميّة ، القاهرة .

ابن القيّم :محمّد (751)

التّفسيرالقيّم ، ط : لجنة التّراث العربيّ ، لبنان.

ابن كثير: إسماعيل (774)

1 تفسيرالقرآن، ط: دارالفكر، بيروت.

2 البداية و النّهاية، ط: المعارف، بيروت.

ابن منظور: محمّد (711)

لسان العرب، ط، دار صادر، بيروت.

ابن ناقيا: عبدالله (485)

الجُمّان، ط:المعارف، الاسكندريّة.

ابن هشام : عبدالله (761)

مغني اللّبيب ، ط :المدنيّ ،القاهرة.

أبوالبركات: عبد الرّحمان (577)

البيان، ط: الهجرة، قم.

أبو حاتِم: سهل (248)

الأضداد، ط: دار الكتب، بيروت.

أبو حَيّان: محمّد (745)

البحر المحيط، ط: دار الفكر، بيروت.

أبو رزق:... (معاصر)

معجم القرآن، ط: الحجازيّ، القاهرة.

أبوزُرْعَة: عبد الرّحمان (403)

حجّةالقراءات، ط: الرّسالة، بيروت.

أبوزُهرة: محمّد (1395)

المعجزةالكبرى، ط: دارالفكر، بيروت.

أبوزَيْد: سعيد (215)

النّوادر، ط:الكاثوليكيّة، بيروت.

أبو السُّعود: محمّد (982)

إرشاد العقل السّليم، ط: مصر.

أبو سهل الهَرَويّ: محمّد (433)

التّلويح، ط:التّوحيد، مصر.

أبو عُبَيْد: قاسم (224)

غريب الحديث، ط: دار الكتب، بيروت .

أبو عُبَيْدَة: مَعْمَر (209)

مجازالقرآن، ط: دارالفكر، مصر.

أبو عمروالشّيبانيّ: إسحاق (206)

الجيم، ط: المطابع الأميريّة، القاهرة.أبوالفتوح: حسين (554)

روض الجنان، ط:الآستانةالرّضويّة، مشهد.

أبوالفداء: إسماعيل (732)

ص: 890

المختصر، ط: دارالمعرفة، بيروت.

أبو هلال: حسن (395)

الفروق اللّغويّة، ط: بصيرتي، قم.

أحمد بدويّ (معاصر)

من بلاغةالقرآن، ط: دار النّهضة، مصر.

الأخفش: سعيد (215)

معاني القرآن، ط: عالم الكتب، بيروت.

الأزهَريّ:محمّد (370)

تهذيب اللّغة، ط: الدّارالمصريّة.

الإسكافيّ: محمّد (420)

دُرّةالتّنزيل، ط: دارالآفاق، بيروت.

الأصمَعيّ: عبدالملك (216)

الأضداد، ط: دار الكتب، بيروت.

ايزوتسو: توشيهيكو (1371)

خدا و إنسان در قرآن، ط: انتشار، طهران.

البحرانيّ: هاشم (1107)

البرهان، ط: مؤسّسة البعثة، بيروت.

البُرُوسَويّ: إسماعيل (1127)

روح البيان، ط: جعفريّ، طهران.

البُستانيّ: بُطرس (1300)

دائرة المعارف، ط: دارالمعرفة، بيروت.

البغَويّ: حسين (516)

معالم التّنزيل،ط:دارإحياءالتّراث العربيّ بيروت.

بنت الشّاطئ: عائشة (1378)

1 التّفسيرالبيانيّ، ط: دار المعارف، مصر.

2 الإعجازالبيانيّ، ط: دار المعارف، مصر.

بهاءالدّين العامليّ: محمّد (1031)

العروة الوثقى، ط: مهر، قم.

بيان الحقّ: محمود (نحو 555)

وَضْح البرهان، ط: دارالقلم، بيروت.

البَيْضاويّ: عبدالله (685)

أنوار التّنزيل، ط: مصر.

التُّستريّ:محمّد تقيّ (1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة، ط: أميركبير، طهران.

التّفتازانيّ : مسعود (793)

المطوّل ، ط : مكتبة الدّاوريّ ، قم.

الثّعالبيّ: عبدالملك (429)

فقه اللّغة، ط: مصر.

ثَعْلَب: أحمد (291)

الفصيح، ط:التّوحيد، مصر.

الثّعلبيّ :أحمد (427)

الكشف و البيان، ط: دارإحياءالتّراث العربيّ، بيروت.

الجاحظ: عمرو (255)

الحيوان،ط: دارإحياءالتّراث العربيّ بيروت.

الجُرْجانيّ: عليّ (816)

التّعريفات، ط: ناصر خسرو، طهران.الجزائريّ: نورالدّين (1158)

فروق اللّغات، ط: فرهنگ إسلامى، طهران.

الجَصّاص: أحمد (370)

أحكام القرآن، ط: دار الكتاب، بيروت.

جمال الدّين عَيّاد (معاصر)

بحوث في تفسيرالقرآن، ط: المعرفة، القاهرة.

ص: 891

الجواليقيّ: مَوهُوب (540)

المعرّب، ط: دارالكتب: مصر.

الجَوهَريّ: اسماعيل (393)

صحاح اللّغة، ط: دارالعلم، بيروت.

الحائريّ : سيّد علي (1340)

مقتنيات الدّرر ، ط :الحيدريّة ، طهران.

الحجازيّ: محمّد محمود (معاصر)

التّفسيرالواضح، ط: دارالكتاب، مصر.

الحَرْبيّ: إبراهيم (285)

غريب الحديث، ط: دار المدنيّ، جدّة.

الحريريّ: قاسم (516)

دُرّة الغوّاص، ط: المثنَّى، بغداد.

حسنين مخلوف (معاصر)

صفوةالبيان، ط: دار الكتاب، مصر.

حِفنيّ:محمّد شرف (معاصر)

إعجازالقرآن البيانيّ، ط:الأهرام، مصر.

الحَمَويّ: ياقوت (626)

معجم البلدان، ط: دار صادر، بيروت.

الحيريّ: إسماعيل (431)

و جوه القرآن ، ط : مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة، مشهد.

الخازن: عليّ (741)

لباب التّأويل، ط:التّجاريّة، مصر.

الخَطّابيّ: حَمْد (388)

غريب الحديث، ط: دارالفكر، دمشق.

الخَليل: بن أحمد (175)

العين، ط: دارالهجرة، قم.

خليل ياسين (معاصر)

الأضواء، ط:الأديب الجديدة، بيروت.

الدّامغانيّ: حسين (478)

الوجوه والنّظائر، ط: جامعة تبريز.

الدّميريّ: محمّد (808)

حياة الحيوان، ط: منشورات الرّضيّ ،قم.

الرّ ازيّ: محمّد (666)

مختارالصّحاح، ط: دارالكتاب، بيروت.

الرّ اغِب: حسين (502)

المفردات، ط: دارالمعرفة، بيروت.

الرّ اونديّ: سعيد (573)

فقه القرآن، ط: الخيّام، قم.

رشيد رضا: محمّد (1354)

المنار، ط: دارالمعرفة، بيروت.

الزّبيديّ: محمّد (1205)

تاج العروس، ط: الخيريّة، مصر.

الزّجّاج: إبراهيم (311)

1 معاني القرآن، ط: عالم الكتب، بيروت.

2 فعلت و أفعلت، ط: التّوحيد، مصر.3 إعراب القرآن، ط: دار الكتاب، بيروت.

الزّركشيّ: محمّد (794)

البرهان، ط: دار إحياء الكُتب، القاهرة.

الزِّرِكْليّ: خيرالدّين (1396)

الأعلام، ط: بيروت.

الزّمَخْشَريّ: محمودذ (538)

1 الكشّاف، ط: دار المعرفة، بيروت.

2 الفائق، ط: دارالمعرفة، بيروت.

ص: 892

3 أساس البلاغة، ط: دار صادر، بيروت.

السِّجستانيّ: محمّد (330)

غريب القرآن، ط:الفنّيّة المتّحدة، مصر.

السّكّاكيّ: يوسف (626)

مفتاح العلوم، ط: دار الكتب، بيروت.

سليمان حييم (معاصر)

فرهنگ عبريّ ، فارسي ، ط : إسرائيل.

السّمين: أحمد. (756)

الدُّرُّ المَصون ، ط : دارالكتب العلمية ، بيروت.

السُّهَيليّ: عبد الرّحمان (581)

روض الأُنف، ط: دارالكتب العلميّة، بيروت.

سيبَوَيه: عمرو (180)

الكتاب، ط: عالم الكتب، بيروت.

السُّيوطيّ: عبدالرّحمان (911)

1 الإتقان، ط: رضي، طهران.

2 الدُّرّالمنثور، ط: بيروت.

3 تفسيرالجلالين، ط: مصطفى البالي، مصر (مع أنوارالتّنزيل).

سيّد قُطْب (1387)

في ظلال القرآن، ط: دارالشّروق، بيروت.

شُبّر: عبدالله (1342)

الجوهر الثّمين، ط: الألفَين، الكويت.

الشِّربينيّ: محمّد (977)

السّراج المنير، ط: دار المعرفة، بيروت.

الشّريف الرّضيّ: محمّد (406)

1 تلخيص البيان، ط: بصيرتي، قم.

2 حقائق التّأويل، ط: البعثة، طهران.

الشّريف العامليّ: محمّد (1138)

مرآةالأنوار، ط:آفتاب، طهران.

الشّريف المرتضى: عليّ (436)

الأمالي، ط: دار الكتب، بيروت.

شريعتي: محمّد تقي (1407)

تفسير نوين، ط: فرهنگ إسلامى، طهران.

شَوْ قي ضَيف (معاصر)

تفسير سورةالرّحمان، ط: دارالمعارف بمصر.

الشَّوْ كانيّ: محمّد (1250)

فتح القدير، دارالمعرفة، بيروت.

الصّابونيّ: محمّد عليّ (معاصر)

روائع البيان، ط:الغزاليّ، دمشق.

الصّاحِب: إسماعيل (385)

المحيط في اللّغة، ط: عالم الكتب، بيروت.

الصّغانيّ: حسن (650)

1 التّكملة، ط: دارالكتب، القاهرة.

2 الأضداد، ط: دارالكتب، بيروت.صدرالمتألّهين: محمّد (1059)

تفسيرالقرآن، ط: بيدار، قم.

الصّدوق: محمّد (381)

التّوحيد، ط: النّشرالإسلاميّ، قم.

طه الدُّرّة :محمّد علي

تفسيرالقرآن الكريم وإعرابه و بيانه ، ط : دار الحكمة، دمشق.

الطّالقانيّ: محمود. (1400)

پرتوی از قرآن، ط: شركت سهامى انتشار.

الطَّباطَبائيّ: محمّد حسين (1402)

ص: 893

الميزان، ط: إسماعيليان، قم.

الطَّبْرِسيّ: فضل (548)

مجمع البيان، ط: الإسلاميّة، طهران.

الطّبَريّ: محمّد (310)

1 جامع البيان، ط: دارالكتب العلميّة،بيروت.

2 اخبارالأُمَم و المُلُوك، ط: الاستقامة، القاهرة.

الطُّرَ يحيّ: فخرالدّين (1085)

1 مجمع البحرين، ط: المرتضويّة، طهران.

2 غريب القرآن، ط: النّجف.

طنطاوي: جوهريّ (1358)

الجواهر، ط: مصطفى البابيّ، مصر.

الطُّوسيّ: محمّد (460)

التّبيان، ط: النّعمان، النّجف.

عبدالجبّار: أحمد (415)

1 تنزيه القرآن، ط: دار النّهضة، بيروت.

2 متشابهالقرآن، ط: دار التّراث، القاهرة.

عبدالرّزّاق نَوفَل (معاصر)

الإعجازالعدديّ، ط: دارالشّعب،القاهرة.

عبدالفتّاح طبّارة (معاصر)

مع الأنبياء، ط: دار العلم، بيروت.

عبدالكريم الخطيب (معاصر)

التّفسيرالقرآنيّ، ط: دارالفكر، بيروت.

عبد اللّطيف البغداديّ (629)

ذيل الفصيح، ط: التّوحيد، القاهرة.

عبدالمنعم الجمّال : محمّد (معاصر)

التّفسيرالفريد، ط: بإذن مجمع البحوث الإسلاميّ الأزهر.

العَدْنانيّ: محمّد (1360)

1 معجم الأغلاط، ط: مكتبة لبنان، بيروت.

2 معجم الأخطاء الشّائعة،ط: مكتبةلبنان، بيروت.

العَرُوسيّ: عبدعليّ (1112)

نورالثّقلين، ط: إسماعيليان، قم.

عزّة دروزة: محمّد (1400)

تفسيرالحديث، ط: دار إحياءالكتب القاهرة.

العُكْبَريّ: عبدالله (616)

التّبيان، ط: دارالجيل، بيروت.

علي أصغر حكمت (معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان، ط: أدبيّات، شيراز.

العيّاشيّ: محمّد (نحو 320)

التّفسير، ط:الإسلاميّة، طهران.الفارسيّ: حسن (377)

الحجّة، ط: دارالمأمون، بيروت.

الفاضل المقداد: عبدالله (826)

كنزالعرفان، ط:المرتضويّة، طهران.

الفَخْرالرّازيّ:محمّد (606)

التّفسيرالكبير، ط: عبدالرّحمان، القاهرة.

فرات الكوفيّ : ابن إبراهيم (نحو 300)

تفسير فرات الكوفيّ ، ط: و زارةالثّقافة و الإرشاد الإسلاميّ ، طهران.

الفَرّاء: يحيى

(207)

معاني القرآن، ط: ناصر خسرو، طهران.

ص: 894

فَريد وَجديّ: محمّد (1373)

المصحف المفسّر، ط: دار مطابع الشّعب، بيروت.

فضل الله: محمّدحسين (1431)

من وحي القرآن، ط: دارالملاك، بيروت.

الفيروزاباديّ: محمّد (817)

1القاموس المحيط، ط: دارالجيل، بيروت.

2 بصائر ذوي التّمييز، ط: دارالتّحرير،القاهرة.

الفَيُّوميّ: أحمد (770)

مصباح المنير، ط:المكتبةالعلميّة، بيروت.

القاسميّ: جمال الدّين (1332)

محاسن التّأويل، ط: دارإحياءالكتب، القاهرة.

القاليّ: إسماعيل (356)

الأمالي، ط: دارالكتب، بيروت.

القُرطُبيّ: محمّد (671)

الجامع لأحكام القرآن، ط: دار إحياء التّراث بيروت

القُشَيْريّ: عبد الكريم (465)

لطائف الإشارات، ط: دارالكتاب، القاهرة.

القُمّيّ: عليّ (328)

تفسيرالقرآن، ط: دارالكتاب، قم.

القَيْسيّ: مكّيّ (437)

مشكل إعراب القرآن، ط: مجمع اللّغة، دمشق.

الكاشانيّ: مُحسن (1091)

الصّافيّ، ط: الأعلميّ، بيروت.

الكَرْمانيّ: محمود (505)

أسرارالتّكرار، ط: المحمّديّة،القاهرة.

الكُلَينيّ: محمّد (329)

الكافي: ط: دارالكتب الإسلاميّة، طهران.

لويس كوستاز (معاصر)

قاموس سريانيّ عربيّ،ط:الكاثوليكيّة ،بيروت.

لويس معلوف (1366)

المنجد في اللّغة ، ط : دار المشرق، بيروت.

الماوَرْديّ: عليّ (450)

النُّكت و العيون، ط: دارالكتب، بيروت.

المبرِّد: محمّد (286)

الكامل، ط: مكتبة المعارف، بيروت.

المجلسيّ: محمّد باقر (1111)

بحار الأنوار، ط: دارإحياءالتّراث، بيروت.

مَجْمَعُ اللُّغة: جماعة (معاصرون)معجم الألفاظ، ط:آرمان، طهران.

محمّدإسماعيل إبراهيم (معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام، ط: دار الفكر، القاهرة.

محمود شيت خطّاب (معاصر)

المصطلحات العسكريّة ، ط : دارالفتح، بيروت.

محمود صافي (1405)

الجدول في إعراب القرآن و صرفه و بيانه: ط: دار الرّشيد.

المَدَنيّ: عليّ (1120)

أنوارالرّبيع، ط: النّعمان، نجف.

المَدينيّ: محمّد (581)

المجموع المغيث، ط: دارالمدنيّ، جدّه.

المَراغيّ: محمّد مصطفى (1364)

1 تفسير سورة الحجرات، ط: الأزهر، مصر.

2 تفسير سورة الحديد، ط: الأزهر، مصر.

المَراغيّ: أحمد مصطفى (1371)

ص: 895

تفسيرالقرآن، ط: دارإحياء التّراث، بيروت.

مشكور : محمّدجواد (معاصر)

فرهنگ تطبيقى ، ط : كاويان ، طهران.

المشهديّ: محمّد (1125)

كنزالدّقائق، مؤسّسةالنّشرالإسلاميّ، قم.

المُصْطَفَويّ: حسن (معاصر)

التّحقيق، ط: دارالتّرجمة، طهران.

معرفة : محمّدهادى (1427)

التّفسير و المفسّرون، ط: الجامعة الرّضوية، مشهد.

مغنيّة: محمّد جواد (1400)

التّفسيرالكاشف، ط : دارالعلم للملايين ، بيروت.

مُقاتِل: ابن سليمان

(150)

1 تفسير مقاتل ، ط : دارإحياءالتّراث العربيّ ، بيروت .

2 الأشباه والنّظائر، ط:المكتبةالعربيّة، مصر.

المَقْدِسيّ: مُطهّر (355)

البدء و التّاريخ، ط: مكتبةالمثنّى، بغداد.

مكارم الشّيرازيّ: ناصر (معاصر)

الأمثل في تفسير كتاب الله المُنزَل، ط: بيروت.

المَيْبُديّ: أحمد (520)

كشف الأسرار، ط:أمير كبير، طهران.

الميلانيّ: محمّد هادي (1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن، ط: مشهد.

النّحّاس: أحمد (338)

معاني القرآن، ط: مكّةالمكرّمة.

النّسَفيّ: أحمد (710)

مدارك التّنزيل، ط: دار الكتاب، بيروت.

النّهاونديّ: محمّد (1370)

نفحات الرّحمان، ط: سنگى، علمى [طهران] .

النَّيسابوريّ: حسن (728)

غرائب القرآن، ط: مصطفى البابيّ، مصر.

هارون الأعور: ابن موسى (249)الوجوه والنّظائر، ط: دارالحرّ يّة، بغداد.

هاكْس: الإمريكيّ (معاصر)

قاموس كتاب مقدّس ط:مطبعةالإمريكيّ بيروت

الهَرَويّ: أحمد (401)

الغريبين، ط: دارإحياءالتّراث.

الهَمذانيّ : عبدالرّحمان (329)

الألفاظ الكتابيّة، ط: دارالكتب، بيروت.

هُوتِسْما: مارتِن تِيُودُر (1362)

دائرةالمعارف الإسلاميّة، ط: جهان، طهران.

الواحديّ: عليّ. (468)

الوسيط ، ط : دارالكتبالعلميّة ، بيروت.

اليزيديّ: يحيى (202)

غريب القرآن، ط: عالم الكتب، بيروت.

اليعقوبيّ: أحمد (292)

التّاريخ، ط: دار صادر، بيروت.

يوسف خيّاط (؟)

الملحق بلسان العرب، ط:أدب الحوزة، قم.

ص: 896

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان. (200)

إبراهيم التّيميّ. (؟)

ابن أبي إسحاق: عبدالله. (129)

ابن أبي عبلة: إبراهيم. (153)

ابن أبي نجيح: يسار. (131)

ابن إسحاق: محمّد. (151)

ابن الأعرابيّ: محمّد. (231)

ابن أنس: مالك. (179)

ابن برّيّ: عبدالله. (582)

ابن بُزُرْج: عبدالرّحمان. ؟)

ابن بنت العراقيّ (704)

ابن تيميّة: أحمد. (728)

ابن جُرَيْج: عبد الملك. (150)

ابن جنّيّ: عثمان. (392)

ابن الحاجب : عثمان. (646)

ابن حبيب: محمّد. (245)

ابن حجر: أحمد بن عليّ. (852)

ابن حجر: أحمد بن محمّد. (974)

ابن حزم : عليّ (456)

ابن حِلزَة:.... (؟)

ابن خَرُوف: عليّ. (609)

ابن ذَكوان: عبدالرّحمان. (202)

ابن رجب: عبدالرّحمان. (795)

ابن الزّبير: عبدالله. (73)

ابن زيد: عبدالرّحمان. (182)

ابن سَميقع: محمّد. (؟)

ابن سيرين: محمّد. (110)

ابن سينا: عليّ. (428)

ابن الشّخّير: مُطَرِّف. (542)

ابن شُرَيح: .... (؟)

ابن شُمَيّل: نَضر. (203)

ابن الشّيخ: .... (؟)

ابن عادل. (؟)

ابن عامر: عبدالله. (118)

ابن عبّاس: عبدالله. (68)

ابن عبدالملك: محمّد. (244)

ص: 897

ابن عساكر (؟)

ابن عصفور: عليّ (696)

ابن عطاء: واصل. (131)

ابن عقيل: عبدالله. (769)

ابن عُمر: عبدالله. (73)

ابن عيّاش: محمّد. (193)

ابن عُيَيْنَة: سُفيان. (198)

ابن فورك: محمّد. (406)

ابن كثير: عبدالله. (120)

ابن كعب القُرَظيّ: محمّد. (117)

ابن الكَلْبيّ: هشام. (204)

ابن كمال باشا: أحمد. (940)

ابن كمّونة: سعد. (683)

ابن كيسان : محّمد (299)

ابن ماجه: محمّد. (273)

ابن مالك: محمّد. (672)

ابن مجاهد: أحمد. (324)

ابن مُحَيصِن: محمّد. (123)

ابن مَسعود: عبدالله. (32)

ابن المسيَّب: سعيد. (94)

ابن ملك: عبداللّطيف. (801)

ابن المنير: عبدالواحد. (733)

ابن النّحّاس: محمّد. (698)

ابن هانئ: .... (؟)

ابن هُرمُز: عبد الرّحمان. (117)

ابن الهيثم: داود. (316)

ابن الورديّ: عُمر. (749)

ابن وَهْب: عبدالله. (197)

ابن يَسْعُون: يوسف. (542)

ابن يعيش : عليّ. (643)

أبو بحريّة: عبدالله. (80)

أبو بكرالإخشيد: أحمد. (366)

أبو بكرالأصمّ: .... (201)

أبوالجزال الأعرابيّ. (؟)

أبو جعفرالقارئ: يزيد. (132)

أبوالحسن الصّائغ. (؟)

أبو حمزة الثّماليّ: ثابت. (150)

أبو حنيفة: النُعمان. (150)

أبو حَيْوَة: شُرَيح. (203)

أبو داود: سليمان. (275)

أبوالدّرداء: عُوَيْمِر. (32)

أبو دُقَيْش: .... (؟)

أبوذَرّ: جُنْدَب. (32)

أبو روق: عطيّة. (؟)

أبوزياد: عبدالله. (؟)

أبو سعيدالخُدْريّ: سعد. (74)

أبو سعيدالبغداديّ: أحمد. (285)

أبو سعيدالخرّ از: أحمد. (285)

أبو سليمان الدّمشقيّ : عبدالرّحمان. (215)

أبوالسِّمال: قَعْنَب. (؟)

أبو شريح الخزاعيّ. (؟)

أبو صالح. (؟)

ص: 898

أبوالطّيّب اللّغويّ. (؟)

أبوالعالية: رُفَيع. (90)

أبو عبدالرّحمان: عبدالله. (74)

أبو عبدالله: محمّد. (؟)

أبو عثمان الحِيريّ: سعيد. (289)

أبوالعلاءالمعرّيّ: أحمد. (449)

أبو عليّ الأهوازيّ: حسن. (446)

أبو عليّ مِسْكَوَيه: أحمد. (421)

أبو عمران الجُونيّ: عبدالملك. (؟)

أبو عمرو ابن العلاء: زبّان. (154)

أبو عمرو الجَرْميّ: صالح. (225)

أبو الفضل الرّازيّ. (؟)

أبو قِلابة: .... (104)

أبو مالك: عمرو. (؟)

أبوالمتوكّل: عليّ. (؟)

أبو مِجْلَز: لاحِق. (؟)

أبو مُحَلِّم: محمّد. (245)

أبو مسلم الأصفهانيّ : محمّد . (322)

أبو مُنذِرالسّلام: .... (؟)

أبو موسى الأشعريّ: عبدالله. (44)

أبو نصرالباهليّ: أحمد. (231)

أبو هُرَيرة: عبدالرّحمان. (59)

أبوالهيثم: .... (276)

أبو يزيدالمدنيّ: .... (؟)

أبو يعلى: أحمد. (307)

أبو يوسف: يعقوب. (182)

أ ُبَيّ بن كعب. (21)

أحمد بن حنبل. (24)

الأحمر: عليّ. (194)

الأخفش الأكبر: عبدالحميد. (177)

إسحاق بن بشير. (206)

الأسديّ. (؟)

إسماعيل بن القاضي. (؟)

الأصمّ: محّمد. (346)

الأعشى: ميمون. (148)

الأعمش: سليمان. (148)

إلياس: .... (؟)

أنس بن مالك. (93)

الأُمويّ: سعيد. (200)

الأوزاعيّ: عبدالرّحمن. (157)

الأهوازيّ: حسن. (446)

الباقِلانيّ: محمّد. (403)

البخاريّ: محمّد. (256)

بَراء بن عازب. (71)

البَرجيّ: عليّ. ذ (؟)

البَرجميّ: ضابئ. (؟)

البَقْليّ. (؟)

البلخيّ: عبدالله. (319)

البَلُّوطيّ: منذر. (355)

بوست: جورج ادوَارْد. (1327)

التّرمذيّ: محمّد. (279)

ثابت البنانيّ. (127)

ص: 899

الثّعلبيّ: أحمد. (427)

الثّوريّ: سفيان. (161)

جابر بن زيد. (93)

الجُبّائيّ: محمّد. (303)

الجَحْدَريّ: كامل. (231)

جمال الدّين الأفغانيّ. (1315)

الجُنَيْدالبغداديّ: ابن محمّد. (297)

جهرم بن صفوان. (128)

الحارث بن ظالم. (22ق)

الحَدّاديّ: .... (؟)

الحَرّانيّ: محمّد. (560)

الحسن بن يسار. (110)

حسن بن حيّ. (؟)

حسن بن زياد. (204)

حسين بن فضل. (548)

حَفص: بن عمر. (246)

حمّاد بن سَلَمة. (167)

حمزة القارئ. (156)

حُمَيْد: ابن قيس.

(؟)

الحَوْفيّ: عليّ. (430)

خصيف: .... (؟)

الخطيب التّبريزيّ: يحيى. (502)

الخَفاجيّ: عبدالله. (466)

خلف القارئ. (299)

الخُوَيّيّ: محمّد. (693)

الخياليّ: أحمد. (862)

الدّقّاق. (؟)

الدّمامينيّ: محمّد. (827)

الدّوانيّ. (918)

الدّينوري: أحمد. (282)

الرّبيع بن أنس. (139)

ربيعة بن سعيد (؟)

الرّضيّ الأستراباديّ. (686)

الرّمّانيّ: عليّ. (384)

رُويس: محمّد. (238)

الزّناتيّ. (؟)

الزُّ بَير: بن بكّار. (256)

الزّجّاجيّ: عبد الرّحمان. (337)

الزّهراويّ: خلف (427)

الزُّهْريّ: محمّد. (128)

زيد بن أسلم. (136)

زيد بن ثابت. (45)

زيد بن عليّ. (122)

السُّدّيّ: إسماعيل. (128)

سعد بن أبي وقّاص. (55)

سعدالمفتيّ. (؟)

سعيد بن جُبَيْر. (95)

سعيد بن عبدالعزيز. (167)

السُّلَميّ القارئ: عبدالله. (74)

السُّلَميّ: محمّد. (412)سليمان بن جمّازالمدنيّ. (170)

سليمان بن موسى. (119)

ص: 900

سليمان التّيميّ. (؟)

سهل التّستريّ. (283)

السَّيرافيّ: حسن. (368)

الشّاذليّ. (؟)

الشّاطبيّ (؟)

الشّافعيّ: محمّد. (204)

الشّبليّ: دُلَف. (334)

الشَّعبيّ: عامر. (103)

شُعيب الجبئيّ. (؟)

الشّقيق بن إبراهيم. (194)

الشّلوبينيّ: عمر. (645)

شَمِر: بن حمدويه. (255)

الشُّمُنّيّ: أحمد (872)

الشّهاب: أحمد. (1069)

شهاب الدّين القرافيّ. (684

شَهْر بن حَوْشب. (100)

شيبان بن عبد الرّحمان. (؟)

شَيبةالضّبّيّ. (؟)

شَيْذلة: عُزيزيّ. (494)

صالح المريّ. (؟)

الصَّيْقليّ: محمّد. (565)

الضّبّيّ: يونس. (182)

الضّحّاك :بن مزاحم. (105)

طاووس: بن كيسان. (106)

الطَّبَقْجَليّ: أحمد. (1213)

طلحة بن مُصَرِّف. (112)

الطّيِّبيّ: حسين. (743)

عائشة: بنت أبي بكر. (58)

عاصم الجَحْدَريّ. (128)

عاصم القارئ. (127)

عامر بن عبدالله. (55)

عبّاس بن الفضل. (186)

عبدالرّحمان بن أبي بَكْرَة. (96)

عبدالعزيز: .... (612)

عبدالله بن أبي ليلى. (؟)

عبدالله بن الحارث. (86)

عبدالله الهبطيّ. (؟)

عبدالوهّاب النّجّار. (1360)

عُبيد بن عُمَير. (؟)

العَتَكيّ: عَبّاد. (181)

العَدَويّ: .... (؟)

عصام الدّين: عثمان. (1193)

عصمة بن عروة. (؟)

العطاء: بن أسلم. (114)

عطاء بن سائب. (136)

عطاءالخراسانيّ: ابن عبدالله. (135)

عِكْرِمَة بن عبدالله. (105)

العلاء بن سيّابة. (؟)

عليّ بن أبي طلحة. (143)

عمارة بن عائد. (؟)عُمر بن ذَرّ. (153)

عَمرو بن عبيد (144)

ص: 901

عَمرو بن ميمون. (؟)

عيسى بن عُمَر. (149)

العَوْفيّ: عطيّة. (111)

العينيّ: محمود. (855)

الغزاليّ: محمّد. (505)

الغزنويّ: .... (582)

الفارابيّ: محمّد. (339)

الفاسيّ (؟)

الفضل الرّقاشي. (200)

قَتادَة بن دعامة. (118)

القزوينيّ: محمّد. (739)

قُطْرُب: محمّد. (206)

القفّال: محمّد. (328)

القلانسي : محمّد. (521)

كُراع النّمل: عليّ. (309)

الكِسائيّ: عليّ. (189)

كعب الأحبار: ابن ماتع. (32)

الكعبيّ : عبدالله. (319)

الكفعميّ: إبراهيم (905)

الكَلْبيّ: محمّد. (146)

كَلَنْبَويّ. (؟)

الكِيا الطّبَريّ (؟)

اللّؤلؤيّ: حسن. (204)

اللِّحيانيّ: عليّ. (220)

اللّيث بن المظفّر. (185)

الماتريديّ: محمّد. (333)

المازنيّ: بكر. (249)

مالك بن أنس. (179)

مالك بن دينار. (131)

المالكيّ (؟)

المَلَويّ. (؟)

مُجاهِد: جَبر. (104)

المحاسبيّ: حارث. (243)

محبوب: .... (؟)

محمّدأبي موسى. (؟)

محمّد بن حبيب. (245)

محمّد بن الحسن. (189)

محمد بن شُريح الأصفهانيّ. (؟)

محمّد عبده: ابن حسن خيرالله. (1323)

محمّد الشّيشنيّ. (؟)

مروان بن الحكم. (65)

المُسْهِر بن عبدالملك. (؟)

مصلح الدّين اللاري: محمّد. (979)

مَعاذ بن جبل. (18)

مُعتمر بن سليمان. (187)

المغربيّ: حسين. (418)

المفضّل الضّبّيّ: ابن محمّد. (182)

مكحول: بن شهراب. (112)

المنذريّ: محمّد. (329)

المهدويّ: أحمد. (440)

مؤرّج السَّدوسيّ: ابن عمر. (195)

موسى بن عمران. (604)

ص: 902

ميمون بن مهران. (117)

النّخعيّ: إبراهيم. (96)

نصر بن عليّ. (؟)

نعّوم بك : بن بشّار. (1340)

نِفطَوَيه: ابراهيم. (323)

النّقّاش: محمّد. (351)

النّوويّ: يحيى. (676)

هارون بن حاتم. (728)

الهُذَليّ : قاسم. (175)

همّام بن حارث. (؟)

وَرْش: عثمان. (197)

وَهْب بن جرير. (207)

وَهْب بن مُنَبِّه. (114)

يحيى بن جعدة. (؟)

يحيى بن سعيد. (؟)

يحيى بن سَلام. (200)

يحيى بن وثّاب. (103)

يحيى بن يَعْمَر. (129)

يزيد بن أبي حبيب. (128)

يزيد بن رومان. (130)

يزيد بن قعقاع. (132)

يعقوب بن اسحاق. (202)

اليَمانيّ: عُمَر. (؟)

ص: 903

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.