عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .
مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ، 1419ق . = -1377.
مشخصات ظاهری : ج.
فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.
شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال : ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال : ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال : ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال : ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال : ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال : ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال : ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :
يادداشت : عربی .
يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.
يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.
يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.
يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...
يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).
يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).
يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).
يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).
يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).
يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).
يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).
يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).
يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).
يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.
يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).
يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).
يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).
مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س
موضوع : قرآن -- واژه نامه ها
Qur'an -- Dictionaries
موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها
Qur'an -- Encyclopedias
شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، 1385-1304.
شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، 1308 -
شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar
شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، 1322 -
شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا
شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن
شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی
رده بندی کنگره : BP66/4 /م57 1377
رده بندی دیویی : 297/13
شماره کتابشناسی ملی : 582410
اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا
ص: 1
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الموسوعة القرآنيّة الكبرى
المعجم فى فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته
المجلّد السابع عشر
تأليف و تحقيق
قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلاميّة
بإشراف مدير القسم الاستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانىّ
ص: 2
المؤلّفون
الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ
ناصر النّجفيّ
قاسم النّوريّ
محمّد حسن مؤمن زاده
حسين خاك شور
السيّد عبد الحميد عظيمي
السيّد جواد سيّدي
السيّد حسين رضويان
علي رضا غفراني
محمّد رضا نوري
السيّد علي صبّاغ دارابي
أبو القاسم حسن پور
و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص
إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين
ص: 3
مؤتمر تكريم خدمة القرآن الكريم في ميدان الأدب المصنّف.1421 ق
الكتاب النّخبة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.1422 ق
مؤتمر الكتاب المنتخب الثّالث للحوزة العلميّة في قم.1422 ق
الدّورة الثّانية لانتخاب و عرض الكتب و المقالات الممتازة في حقل القرآن.1426 ق
الملتقى الثّاني للكتاب النّخبة الّذي يعقد كلّ سنتين في محافظة خراسان الرّضويّة.1426 ق
ص: 4
تصدير 7
خ ل ف 9
خ ل ق 285
خ ل ل 687
خ ل و 743
خ م د 785
خ م ر 795
الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 907
الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 915
ص: 5
ص: 6
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للّه ربّ العالمين،و الصّلاة و السّلام على خير خلقه و أفضل بريّته سيّدنا و نبيّنا محمّد المصطفى خاتم النّبيّين،و على آله الطّاهرين و صحبه المنتجبين،و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.
و بعد،فنشكر اللّه عزّ اسمه و عمّت رحمته على أن وفّقنا لتقديم المجلّد السّابع عشر من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى:«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و إهدائه إلى روّاد العلوم القرآنيّة الرّاغبين في معرفة كتاب ربّهم بمعرفة فقه لغته،و أسرار بلاغته، و رموز إعجازه،و طرائف تفسيره،و فنون معارفه،و الّذين يتابعون بشوق بالغ مجلّدا بعد مجلّد،و مفردة بعد مفردة،سواء القاطنون في بلدنا هذه،أو في البلاد الإسلاميّة الأخرى الّذين يشعروننا برغبتهم هذه كتابة و مشافهة،مشكورين.
و قد حوى هذا المجلّد ستّ موادّ قرآنيّة من حرف الخاء،ابتداء ب«خلف» و انتهاء ب«خمر».و كان أوسع موادّها نصّا،و بحثا،و تنقيبا،و تحقيقا،و دراسة،مادّة «خلق»فقد استوعبت 402 صفحة منه.و هي أطول الموادّ الّتي مرّت علينا إلى الآن في هذا المعجم الكبير،و هذا العدد الجمّ يعكس اهتمام القرآن بأمر«الخلق»الدّالّ على وجود الخالق،و علمه،و قدرته،و رحمته،و سائر صفاته العليا و أفعاله الكبرى.و نحن نعلم أنّ أهمّ مرامي هذا الكتاب الكريم معرفة اللّه تعالى،و أنّ خلقه أقوى و أوضح
ص: 7
عامل لعرفانه،و أكثر آيات«الخلق»-إن لم تكن جميعها-تهدف إلى هذا المرمىّ العظيم.
و تلي«الخلق»مادّة«الخلف»الّتي شملت 275 صفحة.هذا مع أنّا لخّصنا كثيرا من نصوص هاتين المفردتين،و اكتفينا بذكر منابعها حذرا من التّطويل.
نسأله تعالى دوام التّوفيق و التّسديد،و نتوكّل عليه أوّلا و آخرا،و الحمد للّه ربّ العالمين.
محمّد واعظزاده الخراسانيّ
مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة
في الآستانة الرضويّة المقدّسة
25 ذي الحجّة الحرام 1430 ه ق
ص: 8
52 لفظا،127 مرّة:77 مكّيّة،50 مدنيّة
في 40 سورة:29 مكّيّة،11 مدنيّة
خلف 2:1-1 خلفة 1:1
خلفتمونى 1:1 اخلفوا 1:-1
يخلفون 1:1 اخلفتم 1:1
اخلفنى 1:1 اخلفتكم 1:1
الخالفين 1:-1 اخلفنا 1:1
الخوالف 2:-2 يخلف 6:2-4
خليفة 2:1-1 يخلفه 1:1
خلائف 4:4 تخلف 1:-1
خلفاء 3:3 نخلفه 1:1
خلف 2:1-1 تخلفه 1:1
خلفه 4:3-1 مخلف 1:1
خلفهم 12:7-5 خلّفوا 1:-1
خلفها 1:-1 المخلّفون 3:-3
خلفك 1:1 للمخلّفين 1:-1
خلفكم 1:-1 يخالفون 1:-1
خلفنا 1:1 اخالفكم 1:1
خلاف 5:3-2 مختلفون 1:1
خلافك 1:-1 مختلفين 1:1
اختلف 4:2-2 اختلاف 6:4-2
اختلفوا 11:5-6 اختلافا 1:-1
اختلفتم 2:1-1 يتخلّفوا 1:-1
اختلف 2:2 استخلف 1:-1
يختلفون 10:9-1 يستخلف 2:2
تختلفون 6:3-3 ليستخلفنّهم 1:-1
مختلف 4:4 يستخلفكم 1:1
مختلفا 4:3-1 مستخلفين 1:-1
ص: 9
الخليل :الخلف:حدّ الفأس،تقول:فأس ذات خلفين،و ذات خلف؛و جمعه:خلوف،و كذلك المنقار الّذي يقطع به الحجر.
و الخلف:أصغر ضلع يلي البطن؛و جمعه:خلوف، و هو القصيرى.
و الخلف من الأطباء:المؤخّر،و القادم:هو المقدّم.
و يقال:الخلف:الضّرع نفسه،و القادمان و الآخران:
المتقدّمان و المتأخّران؛و الجميع:الأخلاف.
و خلوف فم الصّائم:نكهته في غبّه.
و خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:مخالفته في القرآن.
و رجل خالف و خالفة،أي يخالف،ذو خلاف، و خلفة.و اختلفت اختلافة واحدة.
و الخلاف بمنزلة«بعد»،و منه قوله تعالى:
لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ الإسراء:76،أي بعدك،و يقرأ:
(خلفك) .
و الخلاف:شجر؛و الواحدة:خلافة.و يقال:جاء الماء ببزره فنبت مخالفا لأصله،فسمّي خلافا.
و الخلف:الخليفة بمنزلة مال يذهب فيخلف اللّه خلفا،و والد يموت فيكون ابنه خلفا له،أي خليفة فيقوم مقامه.
و الخلف:القرن من النّاس؛و يجمع على خلوف.
و الخلف:خلف سوء بعد أبيه.
و الخلف:من الصّالحين،و لا يجوز أن يقال:من الأشرار خلف،و لا من الأخيار خلف.
و في الحديث:«في الصّالحين كلّ خلف عدوله».
قال الضّرير:يقول:يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله،يعني من كلّ قوم يحمله العدول من كلّ خلف من النّاس.
و الخلف:مصدر قولك:أخلفت وعدي،و أخلف ظنّي.
و لحم خالف:به رويحة،و لا بأس بمضغه،و قد خلف يخلف.و منه اشتقّ خلوف الفم،يقال:خلف ريح فمه،أي تغيّر.
و قوله تعالى: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ التّوبة:87،يعني النّساء.
و الخلف:قوم يذهبون من الحيّ يستقون و خلّفوا أثقالهم.يقال:أبيناهم و هم خلوف،أي غيّب.
و يقال:بعثنا فلانا يخلف لنا،أي يستقي،فهو مخلف.
و الخلفة و الإخلاف:الاستقاء،يقال:من أين خلفتكم؟
و يقال للقطا:مخلفات،لأنّها تستخلف لأولادها الماء و تخلف.
و المخلاف:الكورة،بلغة أهل اليمن،و مخاليفها:
كورها.
و الخليفة:من استخلف مكان من قبله،و يقوم مقامه.و الجنّ كانت عمّار الدّنيا،فجعل اللّه آدم و ذرّيّته خليفة منهم،يعمرونها؛و ذلك قوله عزّ اسمه:
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30،و قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ الأنعام:
165،أي مستخلفين في الأرض.
ص: 10
و الخالفة:الأمّة الباقية بعد السّالفة.
و المخلف:الغلام إذا راهق الحلم.
و خلف فلان بعقب فلان،إذا خالفه إلى أهله.
و خلفك اللّه بأحسن الخلافة،و فلان يخلف فلانا في عياله بخلافة حسنة
و إذا تمّت للإبل بعد البزول سنة قيل:مخلف عام، و مخلف عامين،و مخلف ثلاثة أعوام،فإذا جاوز ذلك أخذ في الانتقاص.
و المتوشّح يخالف بين طرفي ثوبه.
و الخلفة:ما أنبت الصّيف من العشب بعد ما يبس من الرّبعيّ،و منه سمّي زرع الحبوب:خلفة،لأنّه يستخلف من البرّ و الشّعير.
و الخلفة:مصدر الاختلاف،و منه قوله تعالى:
جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ الفرقان:62.
يقول:إن فاته أمر بالنّهار من العبادة تداركه باللّيل،و إن فاته باللّيل تداركه بالنّهار.
و الخليفان من الإبل كالإبطين من النّاس.
و الخلفة من النّوق:الحامل،و الخلفات جماعة، فإذا جمعت الخلفات قلت لهنّ:مخاض إلى مطلع سهيل،ثمّ قيل لهنّ:متلئة،و إتلاؤها:أن تعظم بطونها و تثقل.
و الخليف:فرج بين قنّتين أو بين جبلين،متدان قليل العرض و الطّول،و سدّ القارة و القنّة و نحوهما، و ليس بشعب،لأنّ الشّعب يكون بين الجبال الطّوال، و ليس في الرّمل شعب و لا خليف،و ربّما كثر نبته.
و الخلّيفى على بناء هجّيرى:الخلافة،و مثله جاءت أحرف،نحو:ردّيدى من الرّدّ،و دلّيلى من الدّلالة،و خطّيبى من الخطبة،و حجّيزى من حجزت،و هزّيمى من الهزيمة.
و الخليف:مدافع الأودية،و من الطّريق:أفضلها، لأنّك لا تضلّ فيه،و هو جدد،و إنّما ينتهي المدفع إلى خليف يفضي إلى سعة.
و البوانان هما الخالفتان،و هما عمودا البيت؛ و أحدهما:خالفة.
و رجل خالفة:كثير الخلاف،و قوم خالفون، كقولك:رجل راوية و لحّانة و نسّابة،إذا كان النّعت واحدا،فإذا جمعت قلت:خالفون و راوون.و أدخلت الهاء،لأنّه نعت واجب لازم له،و كذلك المرأة،و هذا في مكان له فعل يفعله.
و إذا كان النّعت فاعلا و لا فعل له كان بغير الهاء، الذّكر و الأنثى سواء،كقولك:رجل رامح و رجل كاس،و امرأة رامح و امرأة كاس،أي معهما رماح و أكسية و نحوه.
و الواجب في نعت النّساء ربّما ألقيت منه الهاء للوجوب.
[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](4:265)
اللّيث:الخلف:ضدّ قدّام.(الأزهريّ 7:393)
و الخلف:اسم وضع موضع الإخلاف.
يقال:هو يختلفني في النّصيحة،أي يخلفني.
يقال:فلان من مخلاف كذا و كذا.و هو عند أهل اليمن كالرّستاق؛و الجميع:مخاليف.
(الأزهريّ 7:410،411)
ص: 11
خلف للأشرار خاصّة،و بالتّحريك ضدّه.
(الفيروزآباديّ 3:141)
سيبويه :الخلّيفى:كثرة تشاغله بالخلافة و امتداد أيّامه فيها.(4:41)
خليفة و خلفاء،كسّروه تكسير«فعيل»،لأنّه لا يكون إلاّ للمذكّر،و أمّا«خلائف»فعلى لفظ «خليفة»،و لم يعرف«خليفاء».(ابن سيده 5:197)
الكسائيّ: يقال لكلّ شيئين اختلفا:هما خلفان و خلفتان.و يقال:له ابنان خلفان،و له عبدان خلفان، و له أمتان خلفان،إذا كان أحدهما طويلا و الآخر قصيرا،أو كان أحدهما أبيض و الآخر أسود.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:398)
يقال منه:الخلوف،خلف فمه يخلف خلوفا.
(الأزهريّ 7:401)
الخلف:القرن بعد القرن.(الأزهريّ 7:416)
اليزيديّ: خلف اللّه عليك بخير خلافة.
(الأزهريّ 7:403)
يقال:أخلف اللّه لك.(الأزهريّ 7:405)
يقال:إنّما أنتم في خوالف من الأرضين،أي في أرضين،لا تنبت إلاّ في آخر الأرضين نباتا.
و الأخلف:الأعسر.[ثمّ استشهد بشعر]
(الصّغانيّ 4:467)
مثله أبو زيد.(الأزهريّ 7:414)
ابن شميّل: الخلف يكون في الخير و الشّرّ،و كذلك الخلف.(الأزهريّ 7:416)
الخلف-بجزم اللاّم و إسكانها-في غير القرآن:
السّوء واحد،فأمّا في القرآن:الصّالح،بفتح اللاّم لا غير.[ثمّ استشهد بشعر](الثّعلبيّ 4:299)
أبو عمرو الشّيبانيّ: الخوالف:زوايا المظلّة،كلّ زاوية خالفة.[ثمّ استشهد بشعر](1:219)
الخلفة:الكلأ يؤكل،ثمّ يخرج بعد ما يؤكل، و لم يصبه مطر.
و الخليف:الأرض بين الجبلين،يجيز النّاس منها مقبلين و مدبرين.(1:220)
الخالفة:عمود في وسط كسر البيت،و البوان:
عمود مقدّم الكسر.
خلفت ثوبي،إذا قطعه من وسطه و جمع بين طرفيه،يخلف.
خلفك اللّه في أهلك،يخلف.
و يقال:خلف فوه،إذا تغيّر،و خلف النّبيذ،إذا تغيّر.و أبل و أخلف.(1:222)
و الخلفة من النّصيّ،ما نبت منه أخضر.
ولد فلان رجالا خلوفا؛و الواحد:خالف،إذا لم يكن فيهم خير.
إنّ فيه لخلفة،إذا كان أحمق.(1:224)
قد أخلف الكوكب،إذا استسرّ.(1:227)
الخليف:اللّبن بعد اللّبإ.(1:228)
يوم خليف النّاقة،من الغد،من يوم تنتج،أو الفرس أو المرأة.(1:234)
قال العجلانيّ: الخلف من اللّبن:ما ليس بلبن و لا لبإ.(1:238)
قد خلف فوه،إذا تغيّرت ريحه،و خلف الشّراب،
ص: 12
إذا تغيّر،و خلفه في أهله،و هو خالفة أهل بيته.
و ثوب مخلوف،إذا قطع وسطه و خيط طرفاه.
و الأخلف:الأعسر.
و تقول:أخلف بعيرك،إذا جعل الحقب خلف الثّيل.(1:239)
في الحديث:«خلفة فم الصّائم».أصلها في النّبات أن ينبت الشّيء بعد الشّيء،فاستعير هاهنا،لأنّها رائحة بعد الرّائحة الأولى.(المدينيّ 1:610)
الخلف:الاستقاء.(إصلاح المنطق:12)
الفرّاء: و يقال:إذا مات للرّجل بنيّ صغير قد يبدل:أخلف اللّه لك.و كذلك إذا ذهب له مال قلت:
أخلف اللّه لك.و إذا مات أبو الرّجل أو الأمّ،أو ذهب له ما لا يخلف،قيل:خلف اللّه عليك،بغير ألف.
(الأزهريّ 7:396)
أخلف ولدي،إذا أراد سيفه،و أخلف إلى الكنانة.
(الأزهريّ 7:406)
في الحديث:«يكون بعد ستّين سنة خلف أضاعوا الصّلاة».و أمّا الخلف فما أجد لك بدلا ممّا أخذ منك.
(الهرويّ 2:585)
أبو عبيدة :يقال للصّدق أيضا:خلف صدق.
(الأزهريّ 7:393)
أبو زيد :يقال:له غلامان خلفان،إذا اختلفا، فكان أحدهما طويلا و الآخر قصيرا،أو كان أحدهما أسود و الآخر أبيض،و كلّ شيئين اختلفا فهما خلفان.
(15)
يقال:خوت النّجوم تخوي خيّا،و أخلفت إخلافا، إذا أمحلت فلم يكن بها مطر،فذلك الخيّ[بالخاء] و الإخلاف.[ثمّ استشهد بشعر](ابن السّكّيت:25)
يقال:اختلف فلان صاحبه في أهله اختلافا؛ و الاسم:الخلفة،و ذلك أن يباصره حتّى إذا غاب عن أهله جاء فدخل عليهم،فتلك الخلفة.
(ابن دريد 2:238)
الخالف:الفاسد الأحمق،و قد خلف يخلف خلافة.
و يقال:جاء فلان خلافي و خلفي،و هما واحد.
خلف الشّراب و اللّبن يخلف خلوفا،إذا حمض ثمّ أطيل إنقاعه ففسد.(القاليّ 1:159)
يقال خلفت نفسه عن الطّعام تخلف خلوفا،إذا أضربت عنه من مرض...لا يقال ذلك إلاّ من المرض.
(القاليّ 1:159)
خالفة البيت:تحت الأطناب في الكسر،و هى الخصاصة أيضا،و هي الفرجة.
و جمع الخالفة:خوالف،و هي الزّوايا.
(الأزهريّ 7:415)
و يقال:القوم خلفة،أي مختلفون.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 4:1355)
يقال:أخلف اللّه تعالى مالك،و أخلف عليك بخير، و خلف عليك مالك.(المدينيّ 1:609)
الأخفش: رجي فلان فأخلف.
(الأزهريّ 7:407)
هما[الخلف و الخلف]سواء،منهم من يحرّك، و منهم من يسكّن فيهما جميعا إذا أضاف.و منهم من
ص: 13
يقول:خلف صدق بالتّحريك،و يسكّن الآخر،و يريد بذلك الفرق بينهما.[ثمّ استشهد بشعر]
(الجوهريّ 4:1354)
الأصمعيّ: خلف فلان عن خلق أبيه،إذا تغيّر، و خلف فوه يخلف خلوفا،إذا تغيّرت رائحته.
خلّف خلف صدق بإسكان اللاّم،إذا ترك عقبا.
الخلف:الرّديء من الكلام المحال.
الخلفة:الاستقاء،يقال:من أين خلفتكم؟أي من أين تستقون.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:نتاج فلان خلفة،أي عام ذكر و عام أنثى، و الخلفة:الشّيء من الثّمر يخرج بعد الشّيء.
الخليف:الطّريق في الجبل.
حيّ خلوف،أي غيّب و خلوف حضور.
و الإخلاف:أن تعيد على النّاقة فلا تلقح.
و الإخلاف:أن تعد الرّجل عدة فلا تنجزها.
و الإخلاف:أن تضرب يدك إلى قراب السّيف لتأخذه.
و الإخلاف:أن تجعل الحقب وراء الثّيل.و الثّيل:
وعاء مقلمه و هو قضيبه،يقال:أخلف عن بعيرك.
(القاليّ 1:159،160)
الخلفة من البطن،يقال:به خلفة،أي به بطن،و هو الاختلاف.(الأزهريّ 7:400)
يقال:خلف فلان عن كلّ خير،فهو يخلف خلوفا،إذا فسد و لم يفلح،فهو خالف و هي خالفة.
و يقال:خلفت نفسه عن الطّعام فهي تخلف خلوفا،إذا أضربت عن الطّعام من مرض.
(الأزهريّ 7:401)
يقال:«خلف اللّه عليك بخير»إذا أدخلت الباء ألقيت الألف،و«أخلف اللّه عليك خيرا».
و يقال:أخلف اللّه لك،أي أبدل اللّه لك ما ذهب.
و خلف اللّه عليك،أي كان اللّه خليفة والدك عليك.
و الإخلاف:أن يكون في الشّجر ثمر،فيذهب،ثمّ تعود فيه خلفة،فيقال:قد أخلف الشّجر،فهو يخلف إخلافا.(الأزهريّ 7:405)
أخلف بيده إلى سيفه.
و أخلفت الأرض،إذا أصابها برد آخر الصّيف، فيخضرّ بعض شجرها.(الأزهريّ 7:406)
يقال:فرس به شكال من خلاف،إذا كان في يده اليمنى و رجله اليسرى بياض.(الأزهريّ 7:408)
يقال:خلف فلان على فلانة خلافة،إذا تزوّجها بعد زوج.(الأزهريّ 7:413)
الخلف في البعير:أن يكون مائلا في شقّ.يقال منه:
بعير أخلف.(الأزهريّ 7:415)
يقال:أخلفت عن البعير؛و ذلك إذا أصاب حقبه ثيله فيحقب،أي يحتبس بوله،فتحوّل الحقب فتجعله ممّا يلي خصيي البعير،و لا يقال ذلك في النّاقة،لأنّ بولها من حيائها،و لا يبلغ الحقب الحياء.
(الجوهريّ 4:1357)
يقال:خلف اللّه تعالى لك بخير،و أخلف عليك خيرا.إذا أسقطت الباء أثبتّ الألف.
و يقال:أخلف اللّه تعالى لك،أي أبدلك ما ذهب منك.(المدينيّ 1:609)
اللّحيانيّ: عبد خالف،أي لا خير فيه.
ص: 14
يقال:نوم الضّحى مخلفة للفم.
الخلف:الولد الصّالح،و الخلف:الرّديء،يقال:
بقيت في خلف سوء أي في بقيّة سوء.قال اللّه عزّ و جلّ:
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ مريم:59.[ثمّ استشهد بشعر]
و الخلف:الرّديء من الكلام المحال.
(القاليّ 1:159)
المخلفة:الطّريق أيضا،يقال:عليك المخلفة الوسطى.(القاليّ 1:160)
خلف فلان فلانا في أهله و في مكانه يخلف خلافة حسنة؛و لذلك قيل:أوصى له بالخلافة.
(الأزهريّ 7:403)
الخليف:الطّريق خلف الجبل،أو الطّريق بين الجبلين.(الأزهريّ 7:404)
[الخالفة:عمود]تكون الخالفة في آخر البيت.
(الأزهريّ 7:409)
هذا رجل خالف،إذا اعتزل أهله.
و المخلفة:الطّريق.يقال:عليك المخلفة الوسطى.
(الأزهريّ 7:410)
الخلف:في الظّلف،و الخفّ.و الطّبي:في الحافر و الظّفر.(الأزهريّ 7:415)
بقينا في خلف سوء،أي في بقيّة سوء،و بذلك فسّر قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ مريم:59،أي بقيّة.(ابن سيده 5:198)
سررت بمقعدي خلاف أصحابي،أي مخالفهم، و خلف أصحابي،أي بعدهم.(ابن سيده 5:199)
ذهب المستخلفون يستقون،أي المتقدّمون.
(ابن سيده 5:200)
هذا رجل خلفناة،و امرأة خلفناة،و كذلك الاثنان و الجمع.
يقال لكلّ شيئين اختلفا:هما خلفان.
(ابن سيده 5:201)
خلف الطّعام و الفم،و ما أشبههما،يخلف خلوفا، إذا تغيّر.
الخالفة:العمود الّذي يكون قدّام البيت.
إنّما يقال:أخلف الحقب،أي نحّه عن الثّيل و حاذ به الحقب،لأنّه يقال:حقب بول الجمل،أي احتبس،يعني أنّ الحقب وقع على مباله.
(ابن سيده 5:203)
الإخلاف:ألاّ يفي بالعهد.
و خلفت النّاقة خلفا:حملت.(ابن سيده 5:204)
الخالفة:النّاس،فأدخل عليه الألف و اللاّم.
و فرس ذو شكال من خلاف.(ابن سيده 5:206)
أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«...و لخلوف فم الصّائم عند اللّه جلّ ثناؤه أطيب من ريح المسك».
قوله:في الخلوف،فإنّه تغيّر طعم الفم لتأخير الطّعام.
و منه حديث عليّ رضى اللّه عنه حين سئل عن القبلة للصّائم،فقال:«و ما أربك إلى خلوف فيها»؟
(1:195)
[في أسماء الإبل في دية قتل شبه العمد:]
...ثلاث و ثلاثون حقّة،و ثلاث و ثلاثون جذعة،
ص: 15
و أربع و ثلاثون ما بين ثنيّة إلى بازل عامها كلّها خلفة،و الأنثى ثنيّة.[إلى أن قال:]
فلا يزال بازلا حتّى تمضي[النّاقة]التّاسعة،فإذا مضت و دخل في العاشرة فهو حينئذ مخلف.ثمّ ليس له اسم بعد الإخلاف،و لكن يقال له:بازل عام و بازل عامين،و مخلف عام و مخلف عامين،إلى ما زاد على ذلك.(1:410)
...الخلّيفى و هي الخلافة،و إيّاها أراد عمر بقوله:
«لو أطيق الأذان مع الخلّيفى لأذّنت».(2:65)
الخلف بكسر الخاء:الاستقاء،و المستخلف:
المستقي؛و الخلف:الاسم منه.يقال:أخلف،و استخلف [ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:395)
في باب الأضداد،قال غير واحد:
الخلوف:الغيب،و يقال:الحيّ خلوف،أي غيب.
و الخلوف:المتخلّفون.[ثمّ استشهد بشعر]
(الأزهريّ 7:400)
قال الأصمعيّ: خلف فلان بعقبي؛و ذلك إذا ما فارقه على أمر،ثمّ جاء من ورائه،فجعل شيئا آخر بعد فراقه.
أبو عمرو:خلفت القميص أخلفه فهو خليف؛ و ذلك أن يبلى وسطه فتخرج البالي منه ثمّ تلفقه.
(الأزهريّ 7:403)
الخليف من الجسد:ما تحت الإبط.
(الأزهريّ 7:404)
الخالفة:عمود من أعمدة الخباء؛و جمعها:
خوالف.(الأزهريّ 7:409)
الخلف:حلمة ضرع النّاقة(الأزهريّ 7:415)
و بعير أخلف بيّن الخلف،إذا كان مائلا إلى شقّ.
(الجوهريّ 4:1354)
الخلفة:ما نبت في الصّيف.(الجوهريّ 4:1355)
ابن الأعرابيّ: يقال:أبيعك العبد و أبرأ إليك من خلفته،و رجل ذو خلفة،و رجل خالفة و خالف و خلفنة و خلفناة،و فيه خلفناة.(القاليّ 1:159)
الخلف:المربد.و الخلف:الظّهر.
(الأزهريّ 7:397)
الخلوف:العبد اللّجوج،و الخلوف:الحيّ إذا خرج الرّجال و بقي النّساء،و الخلوف،إذا كان الرّجال و النّساء في الدّار،مجتمعين في الحيّ.و هذا من الأضداد.
و الخالفة:اللّجوج من الرّجال.
(الأزهريّ 7:402)
امرأة خليف،إذا كان عهدها بعد الولادة بيوم أو يومين.(الأزهريّ 7:404)
الخلاف:كمّ القميص.يقال:اجعله في متى (1)خلافك،أي في وسط كمّك.و الخلاف:الصّفصاف، و الخلاف:الخلف.(الأزهريّ 7:409)
الخالفة:القاعدة من النّساء في الدّار.
(الأزهريّ 7:410)
الخلفة:وقت بعد وقت.(الأزهريّ 7:415)
المخاليف من الإبل:الّتي رعت البقل،و لم ترع6)
ص: 16
اليبيس،فلم يغن عنها رعيها الخضرة شيئا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 7:417)
كان أعرابيّ مع قوم فحبق حبقة فتشوّر،فأشار بإبهامه نحو استه،و قال:إنّها خلف نطقت خلفا.
(الجوهريّ 4:1354)
الخلف بالفتح:الصّالح،و بالجزم:الطّالح.[ثمّ استشهد بشعر](الثّعلبيّ 4:299)
أخلفت القوم:حملت إليهم الماء العذب،و هم في ربيع ليس معهم ماء عذب،أو يكونون على ماء ملح.
و لا يكون«الإخلاف»إلاّ في الرّبيع،و هو في غيره مستعار منه.
و الخلاف:المضادّة،و قد خالفه مخالفة و خلافا، و في المثل:«إنّما أنت خلاف الضّبع الرّاكب»،أي تخالف خلاف الضّبع،لأنّ الضّبع إذا رأت الرّاكب هربت منه.(ابن سيده 5:200)
إذا استبان حملها[النّاقة]فهي خلفة حتّى تعشر.
(ابن سيده 5:204)
أبو نصر الباهليّ: الخليف:الطّريق وراء الجبل أو في أصله.(القاليّ 1:160)
ابن السّكّيت: الخالف:الفاسد الّذي ليست له جهة،يقال:خلف ففسد.(189)
إنّه لخالف و خالفة،إذا كان أحمق،و هو خالفة أهل بيته،و إنّه لبيّن الخلفة.و قال:أبيع العبد فأبرأ من خلفته.(193)
المخلف:المستقي،و الخلف:الرّديء من القول.
و يقال في مثل:«سكت ألفا،و نطق خلفا»، للرّجل يطيل الصّمت فإذا تكلّم تكلّم بالخطإ.
و يقال:هذا خلف سوء،و هؤلاء خلف سوء،قال اللّه عزّ و جلّ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ مريم:59.
[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:هذه فأس ذات خلفين،إذا كان له رأسان.
و المستخلف:الّذي يحمل الماء من بعد إلى أهله.
و الخلف بالكسر:واحد الأخلاف،و هي أطراف جلد الضّرع.(إصلاح المنطق:12)
يقال:أخلف الرّجل فهو مخلف،إذا استعذب الماء.و استخلف الرّجل يستخلف.
و يقال:قد أخلفت النّجوم إخلافا،إذا أمحلت فلم يكن فيها مطر،و قد أخلف الرّجل في ميعاده.
و يقال لمن ذهب منه مال أو يستعاض:أخلف اللّه عليك.
و يقال لمن هلك له والد أو عمّ:خلف اللّه عليك،أو كان اللّه عليك خليفة والدك.
و قد خلف فلان فلانا،إذا كان خليفته.
و يقال:خلفته،إذا جئت بعده.
و قد خلف فوه من الصّيام يخلف خلوفا،إذا تغيّر.
و قد خلف فلان،إذا فسد.
و فلان خالف أهل بيته،و خالفة أهل بيته.
و الخلف من القول:الرّديء.
(إصلاح المنطق:270)
ألححت على فلان في الاتّباع حتّى اختلفته،أي جعلته خلفي.(الأزهريّ 7:411)
أبو حاتم: الخلف بسكون اللاّم:الأولاد؛
ص: 17
و الواحد و الجميع فيه سواء.
و الخلف بفتح اللاّم:البدل،ولدا كان أو غريبا.
(الثّعلبيّ 4:299)
شمر:قال أبو الدّقيش:يقال:مضى خلف من النّاس،و جاء خلف لا خير فيه،و خلف صالح.
خفّفهما جميعا.(الأزهريّ 7:416)
الدّينوريّ: الخلفة:أن يأتي الكرم بحصرم جديد.(ابن سيده 5:198)
الخليف من السّهام:الحديد،كالطّرير.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 5:204)
المبرّد: يقال:هو خلف فلان،لمن يخلفه من رهطه،و هؤلاء خلف فلان،إذا قاموا مقامه من غير أهله.و قلّما يستعمل خلف إلاّ في الشّرّ،و أصله ما ذكرنا.(2:325)
قولهم:«سكت ألفا و نطق خلفا»أي سكت عن ألف كلمة و نطق بواحدة رديئة.(القاليّ 1:159)
النّاس كلّهم يقولون:خلف صدق و خلف سوء.
و خلف للسّوء لا غير.(الأزهريّ 7:393)
في حديث:«جاء رجل إلى أبي بكر الصّدّيق فقال له:أنت خليفة رسول اللّه؟فقال:لا أنا الخالفة بعده».
أراد القاعد بعده،و الخالفة:الّذي يستخلفه الرّئيس على أهله و ماله ثقة به،و قد خلفه يخلفه خلافة بكسر الخاء،إذا صار خليفة له.
(الهرويّ 2:587)
الزّجّاج: خمّ اللّحم و أخمّ إخماما،أي تغيّرت رائحته.و خلف فم الصّائم و أخلف وعده فهو خالف.(فعلت و أفعلت:13)
جاز أن يقال للأئمّة:خلفاء اللّه في أرضه،بقوله عزّ و جلّ: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ص:
26.
و قد يقال:«خلف»بفتح اللاّم،في الطّلاح، و«خلف»بإسكانها،في الصّلاح.(ابن سيده 5:197)
ابن دريد :[ذكر نحو العين و غيره مع تكرار كثير فلاحظ](2:237)،و(3:437)،و(3:509)
ابن الأنباريّ: إنّما يختلف[الخالفة]في المصدر، فيقال:خلفه يخلفه خلافة،إذا صار خليفة له، و خلافة إذا كان متخلّفا لا خير فيه،ميئوسا من رشده.(الخطّابيّ 2:230)
القاليّ: ...فإذا دخل[النّتاج]في العاشر فهو مخلف،ثمّ ليس له اسم بعد الإخلاف،و لكن يقال:
بازل عام و بازل عامين،و مخلف عام و مخلف عامين.(1:23)
يقال:هو خالفة أهل بيته،إذا كان أحمقهم، و الخالفة:عمود في مؤخّر البيت...
و رجل ذو خلفة،و رجل خالفة و خالف و خلفنة و خلفناة،و فيه خلفناة.
و يقال:خذ هذا خلفا من مالك بتحريك اللاّم، أي بدلا منه،و هو خلف من أبيه،أي بدل منه.
و الخلف:المربد يكون وراء البيت.[ثمّ استشهد بشعر]
الخلفة:النّبت في الصّيف،و الخلفة:اللّيل و النّهار لاختلافهما،و الخلفة:اختلاف البهائم و غيرها،
ص: 18
و يقال:حلب النّاقة خليف لبئها،يعنى الحلبة الّتي بعد ذهاب اللّبإ.
و الخوالف:النّساء إذا غاب عنهنّ أزواجهنّ،قال اللّه عزّ و جلّ: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ التّوبة:93.(1:159)
الخلف:ما يقبض عليه الحالب من ضرع الشّاة و البقرة و النّاقة.(1:174)
و ما خالفت درّة جرّة،و ما اختلفت الدّرّة و الجرّة، و اختلافهما أنّ الدّرّة تسفل إلى الرّجلين و الجرّة تعلو إلى الرّأس.(1:238)
الأزهريّ: [له نصوص أكثرها تكرار فلاحظ]
(7:395-416)
الصّاحب:[ذكر نحو من سبقه فلاحظ:]
(4:345)
الخطّابيّ: في حديث النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم:«...قالوا:لقد علمنا أنّ محمّدا لم يترك أهله خلوفا».قوله:«لم يترك أهله خلوفا»،أي لم يخلفهنّ لا حامي لهنّ و لا رجل معهنّ.
يقال:الحيّ خلوف،إذا خلّفوا أثقالهم و خرجوا في رعي أو سقي أو نحو ذلك.
يقال:أخلف الرّجل،إذا استقى الماء و استخلف مثله.[ثمّ استشهد بشعر](1:105،106)
في حديث سعيد في قصّة أبيه أنّه لمّا خالف دين قومه،قال له الخطّاب بن نفيل:إنّي لأحسبك خالفة بني عديّ،هل ترى أحدا يصنع من قومك ما تصنع؟
يقال:رجل خالفة،أي مخالف،كثير الخلاف،كما قيل:راوية و لحّانة و نسّابة.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:فلان خالفة من الخوالف،إذا كان فاسدا لا خير فيه،و ما أبين الخلافة فيه!أي الجهل.
و قال بعضهم:اشتقاقه من قولهم:لحم خالف، و هو الّذي قد بدا يروح،و منه أخذ خلوف الفم،و هو تغيّر ريحه من صوم أو نحوه.(2:229)
نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 1:390)
قوله:«لخلوف فم الصّائم أطيب عند اللّه من ريح المسك».
أصحاب الحديث يقولون:خلوف بفتح الخاء، و إنّما هو خلوف مضمومة الخاء،مصدر خلف فمه يخلف خلوفا،إذا تغيّر.فأمّا الخلوف:فهو الّذي يعد ثمّ يخلف.[ثمّ استشهد بشعر](3:239)
الجوهريّ: [ذكر نحو من سبقه فلاحظ:]
(4:1353).
ابن فارس: الخاء و اللاّم و الفاء أصول ثلاثة:
أحدها:أن يجيء شيء شيئا يقوم مقامه،و الثّاني:
خلاف قدّام،و الثّالث:التّغيّر.
فالأوّل الخلف،و الخلف:ما جاء بعد.و يقولون:
هو خلف صدق من أبيه،و خلف سوء من أبيه.فإذا لم يذكروا صدقا و لا سوء،قالوا للجيّد:خلف، و للرّديء خلف.قال اللّه تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ مريم:59.
و الخلّيفى:الخلافة،و إنّما سمّيت خلافة،لأنّ الثّاني يجيء بعد الأوّل قائما مقامه.و تقول:قعدت خلاف فلان،أي بعده.
ص: 19
و الخوالف في قوله تعالى: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ التّوبة:87،هنّ النّساء،لأنّ الرّجال يغيبون في حروبهم و مغاوراتهم و تجاراتهم،و هنّ يخلفنهم في البيوت و المنازل؛و لذلك يقال:الحيّ خلوف،إذا كان الرّجال غيّبا و النّساء مقيمات.
و يقولون في الدّعاء:«خلف اللّه عليك»أي كان اللّه تعالى الخليفة عليك لمن فقدت من أب أو حميم.
و«أخلف اللّه لك»أي عوّضك من الشّيء الذّاهب ما يكون يقوم بعده و يخلفه.
و الخلفة:نبت ينبت بعد الهشيم.و خلفة الشّجر:
ثمر يخرج بعد الثّمر.
و من الباب:الخلف،و هو الاستقاء،لأنّ المستقيين يتخالفان،هذا بعد هذا،و ذاك بعد هذا.
يقال:أخلف،إذا استقي.
و الأصل الآخر:خلف،و هو غير قدّام.يقال:هذا خلفي،و هذا قدّامي،و هذا مشهور.
و من الباب:الخلف،الواحد من أخلاف الضّرع، و سمّي بذلك،لأنّه يكون خلف ما بعده.
و أمّا الثّالث فقولهم:خلف فوه،إذا تغيّر،و أخلف.
و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله:«لخلوف فم الصّائم أطيب عند اللّه من ريح المسك».
و منه الخلاف في الوعد.و خلف الرّجل عن خلق أبيه:تغيّر.
و يقال:الخليف:الثّوب يبلى وسطه فيخرج البالي منه ثمّ يلفق،فيقال:خلفت الثّوب أخلفه.و هذا قياس في هذا و في الباب الأوّل.
و يقال:وعدني فأخلفته،أي وجدته قد أخلفني.
و أمّا قولهم:اختلف النّاس في كذا،و النّاس خلفة، أي مختلفون.فمن الباب الأوّل،لأنّ كلّ واحد منهم ينحّي قول صاحبه،و يقيم نفسه مقام الّذي نحّاه.
و أمّا قولهم للنّاقة الحامل:خلفة،فيجوز أن يكون شاذّا عن الأصل،و يجوز أن يلطف له،فيقال:إنّها تأتي بولد،و الولد خلف.و هو بعيد.و جمع الخلفة:المخاض، و هنّ الحوامل.
و من الشّاذ عن الأصول الثّلاثة:الخليف،و هو الطّريق بين الجبلين.فأمّا الخالفة من عمد البيت،فلعلّه أن يكون في مؤخّر البيت،فهو من باب«الخلف و القدّام».و لذلك يقولون:فلان خالفة أهل بيته،إذا كان غير مقدّم فيهم.
و من باب التّغيّر و الفساد:البعير الأخلف،و هو الّذي يمشي في شقّ،من داء يعتريه.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](2:210)
أبو هلال :الفرق بين الاختلاف و التّفاوت:أنّ التّفاوت كلّه مذموم،و لهذا نفاه اللّه تعالى عن فعله، فقال: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ الملك:
3،و من الاختلاف ما ليس بمذموم،أ لا ترى قوله تعالى: وَ لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ المؤمنون:80، فهذا الضّرب من الاختلاف يكون على سنن واحد، و هو دالّ على علم فاعله.و التّفاوت هو الاختلاف الواقع على غير سنن،و هو دالّ على جهل فاعله.
الفرق بين الاعوجاج و الاختلاف:أنّ الاعوجاج من الاختلاف:ما كان يميل إلى جهة،ثمّ يميل إلى
ص: 20
أخرى.و ما كان في الأرض و الدّين و الطّريقة،فهو عوج مكسور الأوّل،تقول:في الأرض عوج و في الدّين عوج مثله.و العوج بالفتح:ما كان في العود و الحائط و كلّ شيء منصوب.
الفرق بين الاختلاف في المذاهب و الاختلاف في الأجناس:أنّ الاختلاف في المذاهب هو ذهاب أحد الخصمين إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر،و الاختلاف في الأجناس:امتناع أحد الشّيئين من أن يسدّ مسدّ الآخر.و يجوز أن يقع الاختلاف بين فريقين و كلاهما مبطل،كاختلاف اليهود و النّصارى في المسيح.
الفرق بين المختلف و المتضادّ:أنّ المختلفين اللّذين لا يسدّ أحدهما مسدّ الآخر في الصّفة الّتي يقتضيها جنسه مع الوجود كالسّواد و الحموضة،و المتضادّان هما اللّذان ينتفي أحدهما عند وجود صاحبه،إذا كان وجود هذا على الوجه الّذي يوجد عليه ذلك، كالسّواد و البياض.
فكلّ متضادّ مختلف،و ليس كلّ مختلف متضادّا، كما أنّ كلّ متضادّ ممتنع اجتماعه،و ليس كلّ ممتنع اجتماعه متضادّا،و كلّ مختلف متغاير،و ليس كلّ متغاير مختلفا.
و التّضادّ و الاختلاف قد يكونان في مجاز اللّغة سواء،يقال:زيد ضدّ عمرو،إذا كان مخالفا له.(129)
الفرق بين الخلف و الخلف:أنّه يقال لمن جاء بعد الأوّل:خلف،شرّا كان أو خيرا،و الدّليل على الشّرّ قول لبيد.[ثمّ استشهد بشعره]و على الخير قول حسّان.[ثمّ استشهد بشعره]
و الخلف بالتّحريك:ما أخلف عليك بدلا ممّا أخذ منك.(257)
الهرويّ: في الحديث:«يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ينفون عنه تحريف النّاس...»،يعني من كلّ قرن.
و يقال:خلف سوء و خلف صدق.
و يقال:«الحيّ خلوف»،أي خرج الرّجال و بقي النّساء.[إلى أن قال:]
و يقال:ما أبين الخلافة في وجهه!-بفتح الخاء- أي الجهل و الحمق،...
و في الحديث:«أنّ رجلا قال:...فأخلفني عمر فجعلني عن يمينه»أي ردّني إلى خلفه.
و في الحديث:«فلينفض فراشه فإنّه لا يدري ما خلفه عليه».يقول:لعلّ هامّة دبّت،فصارت فيه بعده.
و في حديث جرير:«خير المراعي الأراك،و السّلم، إذا أخلف كان لجينا»يريد:إذا أخرج الخلفة،و هو ورق يخرج بعد الورق الأوّل في الصّيف.
و منه حديث خزيمة السّلميّ فقال:«حتّى آل السّلاميّ و أخلف الخزاميّ»يريد:طلعت من أصولها خلفة بالمطر.يقال:أخلفت الشّجرة،إذا لم تحمل، و أخلف الغرس،إذا لم يعلق.(2:585)
الثّعالبيّ: خلف النّاقة بمنزلة ضرع البقرة و ثدي المرأة.(46)
فإذا كان[ولد النّاقة]في العاشرة فهو مخلف،ثمّ مخلف عام،ثمّ مخلف عامين،فصاعدا.(114)
ص: 21
الخلوف:رائحة فم الصّائم.(139)
الخلفة:أن لا يلبث الطّعام في البطن اللّبث المعتاد، بل يخرج سريعا،و هو بحاله لم يتغيّر مع لذع و وجع و اختلاف صديدي.(145)
أبو سهل الهرويّ: خلف النّاقة بالكسر،هو رأس ضرعها الّذي يخرج منه اللّبن،و هو بمنزلة الحلمة من ثدي المرأة.
و ليس لوعده خلف بالضّمّ،أي إنّه صادق فيما يعد به من الخير و الإحسان.(67)
فلان خلف صدق من أبيه بالتّثقيل،أي بدل منه في صدق أفعاله و أخلاقه المحمودة،و خلف سوء بالتّخفيف،و هو اسم لكلّ رديء مذموم من المستخلفين.[ثمّ استشهد بشعر]
و الخلف بالتّخفيف أيضا:كلّ من يجيء من النّاس بعد،أي بعد قوم هلكوا.(68)
ابن سيده: خلف:نقيض قدّام،مؤنّثة،و هي تكون اسما و ظرفا،فإذا كانت اسما جرت بوجوه الإعراب،و إذا كانت ظرفا لم تزل نصبا على حالها.
و قوله تعالى: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ البقرة:255،قال الزّجّاج:(خلفهم):ما قد وقع من أعمالهم،و ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: من أمر القيامة،و جميع ما يكون،و قوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَ ما خَلْفَكُمْ يس:45، ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: ما أسلفتم من ذنوبكم، وَ ما خَلْفَكُمْ: ما تعملونه فيما تستقبلون.
و قيل: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: ما نزل بالأمم قبلكم من العذاب، وَ ما خَلْفَكُمْ: عذاب الآخرة.[ثمّ أطال نحو من تقدّمه،و استشهد بالشّعر 18 مرّة](5:196)
الخلف:هو من الشّاة و من النّاقة:كالثّدي للإنسان.و قيل:هو طرف الضّرع.(الإفصاح 2:776)
الخلفة:نبات ينبت في دبر القيظ بعد يبس الأرض إذا أحسّ بانكسار الحرّ و برد له اللّيل،فمنه ما يكون ذلك أوّل نباته،و منه ما يكون نباتا في أصول قد ذهبت فروعها فأكلت،و منه ما ينبت و النّبات الأوّل بحاله أخضر،غير أنّه يتجدّد له ورق و أفنان رطبة، كهيئة ما ينبت في أوّل الزّمان.و يقال:استخلف النّبات و أخلف،من الخلفة.(الإفصاح 2:1082)
«خلف اللّه عليك»،يقال لمن هلك له ما لا يعتاض منه كالأب و الأمّ،أي كان اللّه خليفة أبيك و أمّك، و«أخلف اللّه عليك».
و«خلف اللّه لك»،يقال لمن هلك له ما يعتاض منه،أي ردّ عليك مثل ما ذهب منك.
(الإفصاح 2:1291)
الرّاغب: خلف:ضدّ القدّام.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]
و خلف:ضدّ تقدّم و سلف.و المتأخّر لقصور منزلته،يقال له:خلف،و لهذا قيل:الخلف الرّديء، و المتأخّر لا لقصور منزلته،يقال له:خلف،قال تعالى:
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ مريم:59،و قيل:سكت ألفا و نطق خلفا،أي رديئا من الكلام.
و قيل للاست إذا ظهر منه حبقة:خلفة،و لمن فسد كلامه،أو كان فاسدا في نفسه.
ص: 22
يقال:تخلّف فلان فلانا،إذا تأخّر عنه،و إذا جاء خلف آخر،و إذا قام مقامه؛و مصدره:الخلافة بالكسر.
و خلف خلافة بفتح الخاء:فسد،فهو خالف،أي رديء أحمق،و يعبّر عن الرّديء بخلف،نحو: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ مريم:59.
و يقال لمن خلف آخر فسدّ مسدّه:خلف.
و الخلفة يقال:في أن يخلف كلّ واحد الآخر،قال تعالى: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً الفرقان:62،و قيل:أمرهم خلفة،أي يأتي بعضه خلف بعض.[ثمّ استشهد بشعر]
و أصابته خلفة:كناية عن البطنة و كثرة المشي.
و خلف فلان فلانا:قام بالأمر عنه،إمّا معه و إمّا بعده،قال تعالى: وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ الزّخرف:60.
و الخلافة:النّيابة عن الغير:إمّا لغيبة المنوب عنه، و إمّا لموته،و إمّا لعجزه،و إمّا لتشريف المستخلف، و على هذا الوجه الأخير:استخلف اللّه أولياءه في الأرض.و الخلائف:جمع خليفة،و خلفاء:جمع خليف.
[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]
و الاختلاف و المخالفة:أن يأخذ كلّ واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله.
و الخلاف أعمّ من الضّدّ،لأنّ كلّ ضدّين مختلفان و ليس كلّ مختلفين ضدّين.و لمّا كان الاختلاف بين النّاس في القول قد يقتضي التّنازع،استعير ذلك للمنازعة و المجادلة.[إلى أن قال:]
و أخلفت فلانا:وجدته مخلفا.
و الإخلاف:أن يسقي واحد بعد آخر.
و أخلف الشّجر،إذا اخضرّ بعد سقوط ورقه.
و أخلف اللّه عليك،يقال:لمن ذهب ماله،أي أعطاك خلفا،و خلف اللّه عليك،أي كان لك منه خليفة.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]
و الخالفة:عمود الخيمة المتأخّر،و يكنّى بها عن المرأة،لتخلّفها عن المرتحلين؛و جمعها:خوالف،قال:
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ التّوبة:87.
و وجدت الحيّ خلوفا،أي تخلّفت نساؤهم عن رجالهم.
و الخلف حدّ الفأس الّذي يكون إلى جهة الخلف، و ما تخلّف من الأضلاع إلى ما يلي البطن.
و الخلاف:شجر كأنّه سمّي بذلك،لأنّه يخلف فيما يظنّ به،أو لأنّه يخلف مخبره منظره.
و يقال للجمل بعد بزوله:مخلف عام و مخلف عامين.(155)
نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:561)
الزّمخشريّ: خلفه:جاء بعده خلافة،و خلفه على أهله فأحسن الخلافة.
و مات عنها زوجها فخلف عليها فلان،إذا تزوّجها بعده.
و خلفه بخير أو شرّ:ذكره به من غير حضرته
و خلفه:أخذه من خلفه.
و خلف له بالسّيف:جاءه من خلفه فضرب عنقه به.
ص: 23
و هو خلف صدق من أبيه و خلف سوء.
و أخلف اللّه عليك:عوّضك ممّا ذهب منك خلفا.
و خلف اللّه عليك:كان خليفة من كافلك.
و فلان مخلف متلف و مخلاف متلاف.
و جلست خلاف فلان و خلفه،أي بعده.
و خالف عن أمره فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ النّور:63،و خالفه إلى كذا أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ هود:88.
و لمّا رأى العدوّ أخلف بيده إلى السّيف، أي ضرب بها إليه فاستلّه.
و من أين خلفتكم؟
و من أين تخلفون أو تستخلفون؟أي تستقون.
و غزوهم و الحيّ خلوف،أي رجالهم غيّب ليس منهم إلاّ من يستقي الماء.
و فلان يلبس الخليف،و هو الثّوب يبلى وسطه فيخرج و يلفق طرفاه،و خلفت الثّوب،و أخلف ثوبك،و اَللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً الفرقان:62، يخلف أحدهما الآخر.
و أنبت اللّه الخلفة،و هي النّبات بعد النّبات و الثّمر بعد الثّمر.
و أخلف الشّجر.
و أخلف الطّائر:نبت له ريش بعد الرّيش.
و بقيت في الحوض خلفة من ماء:بقيّة بعد ذهاب معظمه.
و علينا خلفة من النّهار:بقيّة منه.
و نتاج فلان خلفة:عامّا ذكور و عاما إناث.
و ولده خلفة:ذكور و إناث.
و أخذته خلفة:اختلاف إلى المتوضّإ.
و رجل مخلوف.
و أخلفني موعده و أخلفت موعده:وجدته مخلفا.
و له خلفة و خلفات:نوق حوامل،و بعير مخلف:
بعد البازل.
و من المجاز:ناقة مخلفة:ظنّ بها حمل ثمّ لم يكن، و نوق مخاليف.
و أخلفت النّجوم و الشّجر:لم تمطر و لم تثمر.
و خلف اللّبن:تغيّر،و معناه:خلف طيّبه تغيّره.
و خلف فوه خلوفا.
و خلف فلان عن خلق أبيه.
و خلف عن كلّ خير:تحوّل و فسد.
و هو خالفة أهل بيته،أي فاسدهم و شرّهم،و ما أدري أيّ خالفة هو.
و درّت لفلان أخلاف الدّنيا.
(أساس البلاغة:119)
في حديث:«ثلاث آيات يقرؤهنّ أحدكم في صلاته خير له من ثلاث خلفات سمان عظام».الخلفة:
النّاقة الحامل.(الفائق 1:390)
أبو بكر رضى اللّه عنه:«جاءه أعرابيّ فقال:أنت خليفة رسول اللّه؟قال:لا،قال:فما أنت؟قال:أنا الخالفة بعده».
الخالف و الخالفة:الّذي لا غناء عنده و لا خير فيه،
ص: 24
و هو بيّن الخلافة بالفتح.يقال:هو خالفة أهل بيته.
و هو خالفة من الخوالف،و ما أدري أيّ خالفة هو؟ أراد تصغير شأن نفسه و توضيعها.(الفائق 1:391)
[في حديث:]«...فإنّه لا يدري ما خلفه عليه...» خلفه عليه،أي صار بعده فيه،من هامّة أو غيرها،ممّا يؤذي المضطجع.(الفائق 1:420)
[في حديث:]«...خير المرعى الأراك و السّلم،إذا أخلف كان لجينا...».
أخلف:أخرج الخلفة،و هي الورق بعد الورق الأوّل.(الفائق 1:433)
[في حديث:]«كيف أنتم إذا مرج الدّين،و ظهرت الرّغبة،و اختلف الإخوان...»اختلاف الإخوان:أن يختلفوا في الفتن،و يتحزّبوا في الأهواء و البدع،حتّى يتباغضوا،و يتبرّأ بعضهم من بعض.(الفائق 3:358)
المدينيّ: في الحديث:«دع داعي اللّبن،قال:
فتركت أخلافها قائمة».
الأخلاف:جمع خلف،و هو مقبض يد الحالب من الضّرع،و قيل:هو الضّرع نفسه لذي الخفّ و الظّلف، كالظّبي لذي الحافر و السّباع.
في حديث الدّية:«كذا و كذا خلفة»،و هي الحامل من الإبل؛و الجمع:الخلفات.يقال:خلفت،إذا حملت،و أخلفت،إذا حالت فلم تحمل،و هنّ المواخض أيضا.و لا واحد له من لفظه،إنّما واحدته:
خلفة،كالنّساء جمع؛واحدتها:امرأة.
في حديث الدّعاء:«أخلف لي خيرا منه».
و في حديث آخر:«تكفّل اللّه للغازي أن يخلف نفقته».
و في حديث أبي الدّرداء:«أنّه كان يقول في الدّعاء للميّت:اخلفه في عقبه».
و في الحديث:«سوّوا صفوفكم،و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»قيل:إذا اختلفوا فتقدّم بعضهم على بعض،تغيّر قلب بعضهم على بعض،و وقع بينهم الاختلاف.
و في حديث آخر:«لتسوّنّ صفوفكم،أو ليخالفنّ اللّه بين وجوهكم»ذكر لي بعضهم أنّه أراد ليحوّلنّ اللّه وجوهكم إلى أقفائكم.
في حديث سعد:«أتخلّف عن هجرتي»،معناه:
خوف الموت بمكّة،و هي دار تركوها للّه عزّ و جلّ، و هاجروا إلى المدينة،فلم يحبّوا أن تكون مناياهم بها.
و في الحديث:«فكان يختلف بالماء»،أي يجيء و يذهب.(1:608)
ابن الأثير: في الحديث:«يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله،ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين،و تأوّل الجاهلين».
الخلف بالتّحريك و السّكون:كلّ من يجيء بعد من مضى،إلاّ أنّه بالتّحريك في الخير،و بالتّسكين في الشّرّ.يقال:خلف صدق،و خلف سوء،و معناهما جميعا القرن من النّاس.و المراد في هذا الحديث المفتوح.
و في حديث الدّعاء:«اللّهمّ أعط كلّ منفق خلفا»، أي عوضا.يقال:خلف اللّه لك خلفا بخير،و أخلف عليك خيرا:أي أبد لك بما ذهب منك و عوّضك عنه.
ص: 25
و قيل:إذا ذهب للرّجل ما يخلفه مثل المال و الولد،قيل:أخلف اللّه لك و عليك،و إذا ذهب له ما لا يخلفه غالبا كالأب و الأمّ،قيل:خلف اللّه عليك.
و قد يقال:خلف اللّه عليك،إذا مات لك ميّت،أي كان اللّه خليفة عليك،و أخلف اللّه عليك،أي أبد لك.
و حديث أبي الدّرداء في الدّعاء للميّت:«اخلفه في عقبه»،أي كن لهم بعده.
و حديث أبي اليسر:«أخلفت غازيا في سبيل اللّه في أهله بمثل هذا؟».يقال:خلفت الرّجل في أهله،إذا أقمت بعده فيهم،و قمت عنه بما كان يفعله،و الهمزة فيه للاستفهام.
[ثمّ نقل حديث سعد و بيانها كما في المدينيّ و أضاف:]
و كان يومئذ مريضا.
و التّخلّف:التّأخّر،و منه حديث سعد:«فخلّفنا فكنّا آخر الأربع»أي أخّرنا و لم يقدّمنا.
و الحديث الآخر:«حتّى أنّ الطّائر ليمرّ بجنباتهم فما يخلّفهم»أي ما يتقدّم عليهم و يتركهم وراءه.
و منه الحديث الآخر:«لتسوّنّ صفوفكم،أو ليخالفنّ اللّه بين وجوهكم».
يريد أنّ كلاّ منهم يصرف وجهه عن الآخر، و يوقع بينهم التّباغض،فإنّ إقبال الوجه على الوجه من أثر المودّة و الألفة.
و قيل:أراد بها تحويلها إلى الأدبار،و قيل:تغيير صورها إلى صور أخرى.
يقال:حيّ خلوف،إذا غاب الرّجال و أقام النّساء،و يطلق على المقيمين و الظّاعنين.
و منه حديث المرأة و المزادتين:«و نفرنا خلوف» أي رجالنا غيّب.
و منه حديث هدم الكعبة:«لمّا هدموها ظهر فيها مثل خلائف الإبل»،أراد بها صخورا عظاما في أساسها،بقدر النّوق الحوامل.
و فى حديث عائشة و بناء الكعبة:«قال لها:لو لا حدثان قومك بالكفر لبنيتها على أساس إبراهيم، و جعلت لها خلفين،فإنّ قريشا استقصرت من بنائها».
الخلف:الظّهر،كأنّه أراد أن يجعل لها بابين، و الجهة الّتي تقابل الباب من البيت ظهره،فإذا كان لها بابان فقد صار لها ظهران.و يروى بكسر الخاء،أي زيادتين كالثّديين؛و الأوّل الوجه.
و فى حديث الصّلاة:«ثمّ أخالف إلى رجال فأحرّق عليهم بيوتهم»أي آتيهم من خلفهم،أو أخالف ما أظهرت من إقامة الصّلاة و أرجع إليهم، فآخذهم على غفلة،أو يكون بمعنى أتخلّف عن الصّلاة بمعاقبتهم.
و منه حديث السّقيفة:«و خالف عنّا عليّ و الزّبير»،أي تخلّفا.
و منه الحديث:«أيّما مسلم خلف غازيا في خالفته»أي فيمن أقام بعده من أهله و تخلّف عنه.
و في حديث عمر:«لو أطقت الأذان مع الخلّيفى لأذّنت».الخلّيفى بالكسر و التّشديد و القصر:الخلافة و هو و أمثاله من الأبنية،كالرّمّيّا و الدّلّيلا،مصدر يدلّ على معنى الكثرة.يريد به كثرة اجتهاده في ضبط
ص: 26
أمور الخلافة و تصريف أعنّتها.
و فيه ذكر«خليفة»بفتح الخاء و كسر اللاّم:جبل بمكّة يشرف على أجياد.
و فى حديث معاذ:«من تحوّل من مخلاف إلى مخلاف فعشره و صدقته إلى مخلافه الأوّل إذا حال عليه الحول».
المخلاف في اليمن كالرّستاق في العراق؛و جمعه:
المخاليف،أراد أنّه يؤدّي صدقته إلى عشيرته الّتي كان يؤدّي إليها.
و منه حديث ذي المشعار:«من مخلاف خارف و يام».هما قبيلتان من اليمن.[و قد تركنا كثيرا من الأحاديث حذرا من التّكرار](2:65)
الصّغانى:خلف فلان بيته يخلفه،إذا جعل له خالفة.و يقال:ما أدري أيّ الخوالف هو،و أيّ خالفة هو،و أيّ خافية هو،مصروفتين،أي أيّ النّاس هو...
قيل:الأخلف:المخالف العسر الّذي كأنّه يمشي على أحد شقّيه.
و قيل:الأخلف:الأحول.
و الخلفة:البقيّة،يقال:علينا خلفة من ثمار،أي بقيّة.و بقي في الحوض خلفة من ماء.
و الخلفة:ما يعلّق خلف الرّاكب.[ثمّ استشهد بشعر]
و رجل خلفف،أي أحمق،و امرأة خلففة:حمقاء.
و يقال لها:خلفف أيضا،بغير هاء.
و قد سمّوا خليفة،و خلفا بالتّحريك،و خليفا مصغّرا.و يقال:أخلف الغلام،فهو مخلف:إذا راهق الحلم.
و اختلف الرّجل في المشي اختلافا؛و ذلك إذا كان به بطن.
و الخليف:المرأة إذا سدلت شعرها خلفها.و يوم خليف النّاقة بعد انقطاع لبئها.
و خلف:صعد الجبل.
و المخالف:صدقات العرب.
و الأخلف:الأحمق،و السّيل،و الحيّة الذّكر.
و أمّ خلفف:الدّاهية العظمى.
و الخلف بالكسر:اللّجوج من الرّجال.و الخلف بالفتح:المربد.(4:467)
الفيّوميّ: خلف فم الصّائم خلوفا،من باب «قعد»:تغيّرت ريحه،و أخلف بالألف:لغة.و زاد في «الجمهرة»من صوم أو مرض.
و خلف الطّعام:تغيّرت ريحه أو طعمه،و خلفت فلانا على أهله و ماله خلافة:صرت خليفته.
و خلفته:جئت بعده.[ثمّ ذكر نحوا ممّا سبق فلاحظ:](1:178)
الجرجانىّ:الخلاف:منازعة تجري بين المتعارضين،لتحقيق حقّ أو لإبطال باطل.(45)
الفيروزآباديّ: خلف،أو الخلف:نقيض قدّام، و القرن بعد القرن،و منه:هؤلاء خلف سوء،و الرّديء من القول،و الاستقاء،و حدّ الفأس أو رأسه،و من لا خير فيه،و الّذين ذهبوا من الحيّ،و من حضر منهم، ضدّ،و هم خلوف،و الفأس العظيمة،أو برأس واحد، و رأس الموسى،و النّسل،و أقصر أضلاع الجنب؛
ص: 27
جمعه:خلوف،و المربد،أو الّذي وراء البيت،و الظّهر، و الخلق من الوطاب،و لبث خلفه:بعده.
و بالكسر:المختلف،كالخلفة،و اللّجوج،و الاسم من الاستقاء،كالخلفة،و ما أنبت الصّيف من العشب، و ما ولي البطن من صغار الأضلاع،و حلمة ضرع النّاقة أو طرفه،أو المؤخّر من الأطباء،أو هو للنّاقة كالضّرع للشّاة.
و ولدت الشّاة خلفين:ولدت سنة ذكرا و سنة أنثى،و ذات خلفين،و يفتح:اسم الفأس؛جمعه:ذوات الخلفين.
و ككتف:المخاض،و هي الحوامل من النّوق؛ الواحدة:بهاء.
و بالتّحريك:الولد الصّالح،فإذا كان فاسدا أسكنت اللاّم،و ربّما استعمل كلّ منهما مكان الآخر، يقال:هو خلف صدق من أبيه،إذا قام مقامه،أو الخلف،و بالتّحريك سواء،و ما استخلفت من شيء، و مصدر الأخلف للأعسر و الأحول،و للمخالف العسر الّذي كأنّه يمشي على شقّ.
و خلف،بضمّتين:قرية باليمن.
و الأخلف:الأحمق،و السّيل،و الحيّة الذّكر، و القليل العقل.
و الخلف،بالضّمّ:الاسم من الإخلاف،و هو في المستقبل كالكذب في الماضي،أو هو أن تعد عدة و لا تنجزها،و جمع الخليف في معانيه.
و الخلفة،بالكسر:الاسم من الاختلاف،أو مصدر الاختلاف،أي التّردّد.و جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً الفرقان:62،أي هذا خلف من هذا أو هذا يأتي خلف هذا،أو معناه من فاته أمر باللّيل أدركه بالنّهار و بالعكس.
و الخلفة أيضا الرّقعة يرقع بها،و ما ينبته الصّيف من العشب،و زرع الحبوب خلفة،لأنّه يستخلف من البرّ و الشّعير.و اختلاف الوحوش مقبلة مدبرة،و ما علّق خلف الرّاكب،و ما يتفطّر عنه الشّجر في أوّل البرد،أو ثمر يخرج بعد ثمر،أو نبات ورق دون ورق، و شيء يحمله الكرم بعد ما يسودّ العنب،فيقطف العنب و هو غضّ أخضر ثمّ يدرك،و كذلك هو من سائر الثّمر، أو أن يأتي الكرم بحصرم جديد،و أن يناظر الرّجل الرّجل،فإذا غاب عن أهله خالفه إليهم،و الدّوابّ الّتي تختلف،و ما يبقى بين الأسنان من الطّعام، و الهيضة،و وقت بعد وقت،و نبت ينبت بعد نبت،أو ينبت من غير مطر،بل ببرد آخر اللّيل،و القوم المختلفون،و المخالفة،و يضمّ.و له ولدان،أو عبدان، أو أمتان خلفتان و خلفان،إذا كان أحدهما طويلا و الآخر قصيرا أو أحدهما أبيض و الآخر أسود؛ جمعه:أخلاف و خلفة.
و كلّ لونين اجتمعا فهما خلفة.
و خلفة الإبل:أن يوردها بالعشيّ بعد ما يذهب النّاس.
و من أين خلفتكم؟من أين تستقون؟
و أخذته خلفة:كثر تردّده إلى المتوضّإ.
و بالضّمّ:العيب،و الحمق،كالخلافة،كسحابة، و العته،و الخلاف،و من الطّعام:آخر طعمه.
ص: 28
و بالفتح و كصرد:ذهاب شهوة الطّعام من المرض و مصدر خلف القميص،إذا أخرج باليه و لفقه.
و المخلاف:الرّجل الكثير الإخلاف،و الكورة، و منه:مخاليف اليمن.
و رجل خالفة:كثير الخلاف.
و ما أدري أيّ خالفة هو-مصروفة و ممنوعة- و أيّ الخوالف هو،و أيّ خافية،أي أيّ النّاس.
و هو خالفة أهل بيته،و خالفهم:غير نجيب لا خير فيه.
و الخوالف:النّساء،قال اللّه تعالى: مَعَ الْخَوالِفِ و الأراضي الّتي لا تنبت إلاّ في آخر الأرضين.
و الخالفة:الأحمق،كالخالف،و الأمّة الباقية بعد الأمّة السّالفة،و عمود من أعمدة البيت في مؤخّره.
و الخالف:السّقاء،كالمستخلف،و النّبيذ الفاسد، و الّذي يقعد بعدك،قال اللّه تعالى: مَعَ الْخالِفِينَ.
التّوبة:83.
و الخلّيفى،بكسر الخاء و اللاّم المشدّدة:الخلافة.
و كأمير:الطّريق بين الجبلين،أو الوادي بينهما، و منه:ذيخ الخليف،أو مدفع الماء،و الطّريق في الجبل أيّا كان أو الطّريق فقط،و السّهم الحديد الطّرير، و الثّوب يشقّ وسطه فيوصل طرفاه،و النّاقة في اليوم الثّاني من نتاجها،يقال:ركبها يوم خليفها،و اللّبن بعد اللّبإ،جمع الكلّ:ككتب،و جبل،و قرية بين مكّة و اليمن،و المرأة الّتي أسبلت شعرها خلفها.
و خليفا النّاقة:ما تحت إبطيها،لا إبطاها،و وهم الجوهريّ.
و الخليفة:جبل مشرف على أجياد،الكبير.
و الخليفة:السّلطان الأعظم،و يؤنّث،كالخليف؛ جمعه:خلائف و خلفاء.
و خلفه خلافة:كان خليفته،و بقي بعده،و فم الصّائم خلوفا و خلوفة:تغيّرت رائحته كأخلف، و منه:«نومة الضّحى مخلفة للفم»،و اللّبن،و الطّعام:
تغيّر طعمه أو رائحته كأخلف،و فلان:فسد،و صعد الجبل،و فلانا:أخذه من خلفه،و اللّه تعالى عليك،أي كان خليفة من فقدته عليك،و بيته:جعل له عمودا في مؤخّره،و أباه:صار خلفه أو مكانه،و مكان أبيه خلافة:صار فيه دون غيره،و الفاكهة بعضها بعضا:
صارت خلفا من الأولى،و ربّه في أهله خلافة:كان خليفة عليهم،و فوه خلوفا و خلوفة،بضمّهما:تغيّر، و الثّوب:أصلحه،كأخلف،فيهما،و لأهله:استقى ماء،كاستخلف و أخلف،و النّبيذ:فسد.
و يقال لمن هلك له ما لا يعتاض منه،كالأب و الأمّ:خلف اللّه عليك،أي كان عليك خليفة،و خلف اللّه تعالى عليك خيرا،أو بخير،و أخلف عليك،و لك خيرا.و لمن هلك له ما يعتاض منه:أخلف اللّه لك، و عليك،و خلف اللّه لك.أو يجوز:خلف اللّه عليك في المال و نحوه،و يجوز في مضارعه:يخلف كيمنع،نادر.
و خلف عن أصحابه:تخلّف،و فلان خلافة، كصدارة و صدور:حمق،فهو خالف و خالفة،و عن خلق أبيه:تغيّر عنه،و فلانا:صار خليفته في أهله.
و خلف البعير،كفرح:مال على شقّ فهو أخلف، و النّاقة:حملت.
ص: 29
و الخلاف،ككتاب،و شدّه لحن:صنف من الصّفصاف،و ليس به،سمّي خلافا لأنّ السّيل يجيء به سبيا،فينبت من خلاف أصله،و موضعه:مخلفة.
و رجل خلّيفة،كبطّيخة،و خلفنة كربحلة، و خلفناة،و نونهما زائدة،و هما للمذكّر و المؤنّث و الجمع،أي كثير الخلاف.
و في خلقه خلفنة و خلفناة أيضا،و خالف و خالفة،و خلفة،بالكسر و الضّمّ:خلاف.
و كمرحلة:الطّريق،و المنزل،و مخلفة منى حيث ينزل النّاس.
و كمقعد:طرق النّاس بمنى حيث يمرّون.
و رجل خلفف،كقنفذ:أحمق،و هي خلفف و خلففة،و أمّ الخلفف،كقنفذ و جندب:الدّاهية أو العظمى.
و أخلفه الوعد:قال و لم يفعله،و فلانا:وجد موعده خلفا،و النّجوم:أمحلت فلم يكن فيها مطر، و فلان لنفسه:إذا ذهب له شيء فجعل مكانه آخر، و النّبات:أخرج الخلفة،و أهوى بيده إلى السّيف ليسلّه،و عن البعير:حوّل حقبه،فجعله ممّا يلي خصييه و ذلك إذا أصاب حقبه ثيله فاحتبس بوله، و فلانا:ردّه إلى خلفه،و اللّه تعالى عليك:ردّ عليك ما ذهب،و الطّائر،خرج له ريش بعد ريشه الأوّل، و الغلام:راهق الحلم،و الدّواء فلانا:أضعفه.
و الإخلاف:أن تعيد الفحل على النّاقة إذا لم تلقح بمرّة.
و المخلف:البعير جاز البازل،و هي مخلف و مخلفة،أو المخلفة:النّاقة ظهر لهم أنّها لقحت ثمّ لم تكن كذلك.
و خلّفوا أثقالهم تخليفا:خلّوه وراء ظهورهم، و بناقته:صرّ منها خلفا واحدا،و فلانا:جعله خليفته، كاستخلفه.
و الخلاف:المخالفة،و كمّ القميص.
و هو يخالف فلانة،أي يأتيها إذا غاب زوجها.
و خالفها إلى موضع آخر:لازمها.
و تخلّف:تأخّر،و اختلف:ضدّ اتّفق،و فلانا:كان خليفته،و إلى الخلاء:صار به إسهال،و صاحبه:
باصره،فإذا غاب دخل على زوجته.(3:140)
الطّريحيّ: [ذكر نحوا ممّن سبق و زاد:]
و في الدّعاء:«اللّهمّ أنت الخليفة في السّفر»، و المعنى أنت الّذي أرجوه و أعتمد عليه في غيبتي عن أهلي،أن تلمّ شعثهم،و تقوّم إودهم،و تداوي سقمهم، و تحفظ عليهم دينهم و أمانتهم.
و مثله:«أنت الصّاحب في السّفر،و الخليفة في الأهل،و لا يجمعهما غيرك».و فيه تنزيه للّه تعالى عن الجهة و الجسميّة إذا كان اجتماع الأمرين في الجسم الواحد محال،كما علّله عليه السّلام بقوله:«لأنّ المستخلف لا يكون مستصحبا و المستصحب لا يكون مستخلفا».
و الخلافة بالكسر:خلافة الخلفاء...(5:53)
الجزائريّ: الفرق بين الخلف و الكذب:قال في «أدب الكاتب»:الكذب فيما مضى،و هو أن تقول:
فعلت كذا،و لم تفعله!و الخلف لما يستقبل،و هو أن تقول:سأفعل كذا و لا تفعله،انتهى.و يرشد إليه قوله
ص: 30
تعالى: وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ المنافقون:
1،أي فيما أخبروا به من إيمانهم فيما مضى،و قوله تعالى: فَلا تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إبراهيم:
47،أي فيما وعدهم بالنّصر و إهلاك أعدائهم في المستقبل.(95)
مجمع اللّغة :1-خلف فلان فلانا يخلفه:جاء بعده.
2-و خلف فلان فلانا:قام بالأمر بعده.
3-الخليفة:من يخلف غيره و يقوم مقامه؛ و يجمع على:خلائف و خلفاء.
4-الخالف:المتأخّر الّذي يقعد عن القتال، و جمعه:خالفون.
5-و الخالفة:مؤنّث الخالف،و يكنّى بها عن المرأة لتخلّفها في البيت،و من جموعها:خوالف.
6-خالفهم إلى كذا:قصده و هم مولّون عنه.
7-خالفوا عن كذا:ولّوا عنه و انصرفوا معرضين.
8-أخلف الوعد و أخلفه الوعد:لم يف به،فهو مخلف.
9-أخلف اللّه عليه:ردّ عليه ما ذهب عنه.
10-خلّفه تخليفا:أخّره.و اسم المفعول:مخلّف.
11-تخلّف:تأخّر.
12-اختلف القوم:ذهب كلّ منهم إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر.
و اختلاف الألوان و الألسنة و الطّعوم:تنوّعها و تفاوتها.و اختلاف الكلام:تناقضه أو تفاوته.
و اختلاف اللّيل و النّهار:تعاقبهما،أو اختلافهما في الطّول و القصر،و النّور و الظّلمة.
13-استخلفهم اللّه في الأرض:جعلهم خلفاء متصرّفين فيها بأمره،أو جعلهم خلفا من الّذين لم يكونوا على حالهم فهم مستخلفون.
14-الخلف:القرن بعد القرن.
15-و خلف:ضدّ قدّام،و ما يأتي بعدك.
16-و الخلفة:ما يخلف الآخر.
17-و خلاف:
أ:بمعنى خلف و بعد.
ب:بمعنى مخالفة و اختلاف.(1:351)
العدنانيّ: أخلف الوعد،أخلفه الوعد.
و يقولون:أخلف فلان بوعده،أو في وعده،أي لم يف به.و الصّواب:أخلف فلان وعده،كما جاء في المصباح.
و يعدّيه آخرون إلى مفعولين:أخلفه الوعد:
الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و المختار،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن.
و ذكر آخرون:أنّه يجوز أن يعدّى إلى مفعول واحد،أو إلى مفعولين،قال سبحانه و تعالى في الآية:
86،من سورة طه: فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي. و ورد الفعل «أخلف»متعدّيا إلى مفعول به واحد،إحدى عشرة مرّة أخرى في آي الذّكر الحكيم.
و ورد متعدّيا إلى مفعولين في الآية:77،من سورة التّوبة: أَخْلَفُوا اللّهَ ما وَعَدُوهُ.
و ممّن ذكر أيضا أنّه يجوز أن يعدّى إلى مفعول
ص: 31
واحد،أو إلى مفعولين:معجم ألفاظ القرآن الكريم، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس،و المغرب، و المدّ.
و الّذي يخلف وعده أو عهده:مخلف و مخلاف؛ و الاسم:الخلف.
أخلف اللّه عليك،خلف اللّه عليك.
و يخطّئون من يقول:خلف اللّه عليك،و يقولون:
إنّ الصّواب هو:أخلف اللّه عليك،اعتمادا على قوله تعالى في الآية:39،من سورة سبأ: ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ.
و قال معجم ألفاظ القرآن الكريم:«أخلف اللّه عليه:ردّ عليه ما ذهب عنه».
و قال الوسيط:«و في الدّعاء:أخلف اللّه لك و عليك خيرا».
و لكن:
أجاز قول:أخلف اللّه عليك،و خلف اللّه عليك، كلّ من:أبي زيد الأنصاريّ،و أدب الكاتب، و مفردات الرّاغب الأصفهانى،و الأساس،و النّهاية، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.
و انفرد المتن بذكر جملة:«خلف اللّه عليك وحدها».
و ممّا قاله الصّحاح:«و يقال لمن ذهب له مال،أو ولد،أو شيء يستعاض:أخلف اللّه عليك،أي ردّ عليك مثل ما ذهب،فإن كان قد هلك له والد أو عمّ أو أخ،قلت:خلف اللّه عليك،بغير ألف،أي كان اللّه خليفة والدك،أو من فقدته عليك».
و جاء في معجم مقاييس اللّغة:«و يقولون في الدّعاء:خلف اللّه عليك،أي كان اللّه تعالى الخليفة لمن فقدت من أب أو حميم.و أخلف اللّه لك،أي عوّضك من الشّيء الذّاهب ما يكون يقوم بعده و يخلفه».
و ممّا جاء في اللّسان:«يقال لمن هلك له من لا يعتاض منه كالأب و العمّ:خلف اللّه عليك،أي كان اللّه عليك خليفة.و خلف عليك خيرا و بخير.و أخلف لك خيرا،و لمن هلك له ما يعتاض منه،أو ذهب من ولد أو مال:أخلف اللّه لك،و خلف لك».
الخلف:الصّالح و الطّالح.
الخلف:الطّالح و الصّالح.
و يخطّئون من يقول:بئس الخلف الطّالح، و يقولون:إنّ الصّواب هو:بئس الخلف الطّالح،لأنّ لام«الخلف»تسكّن عند ما يكون رديئا،جاء في الآية:59،من سورة مريم: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ.
و جاء في الحديث:«سيكون بعد ستّين سنة خلف أضاعوا الصّلاة».
و ممّن ذكر أيضا أنّ الخلف يعني الطّالح:اللّيث بن سعد،و أبو عبيد البكريّ،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و النّهاية،و المصباح،و الوسيط.
و عند ما تفتح اللاّم«الخلف»،تكون الكلمة خاصّة بالولد الصّالح يبقى بعد أبيه.جاء في الحديث:
«يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله،ينفون عنه تحريف الغالين،و انتحال المبطلين،و تأوّل الجاهلين».
ص: 32
و ممّن ذكر أيضا أنّ لام الخلف تفتح أيضا عند ما يكون الولد صالحا:اللّيث بن سعد،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس،و النّهاية،و الوسيط.
و لكن:
يجيز إطلاق كلمة:«الخلف و الخلف»على الولد الصّالح و الطّالح كليهما:الأخفش و المختار،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.
و ممّا قاله أبو زيد الأنصاريّ: هم أخلاف سوء:
جمع:خلف.
و من شواهد المحمود قول حسّان بن ثابت الأنصاريّ:
لنا القدم الأولى إليك و خلفنا.
لأوّلنا في طاعة اللّه تابع
و من شواهد المذموم قول لبيد:
ذهب الّذين يعاش في أكنافهم
و بقيت في خلف كجلد الأجرب
و يرى ابن برّيّ أنّ«الخلف»يشمل الولد الصّالح و الطّالح كليهما.
و يقول معجم مقاييس اللّغة:«نقول:هو خلف صدق من أبيه،أو خلف سوء من أبيه،فإن لم نذكر الصّدق و السّوء،قلنا للجيّد:خلف،و للرّديء:
خلف».
و يرى المتن أنّ الخلف هو الولد صالحا أو طالحا، أو خاصّ بالصّالح يبقى بعد أبيه.أمّا الخلف فهو خاصّ بالطّالح.
فهذه الفوضى،و هذا الاختلاف يجعلانني أقترح استعمال كلمتي:الخلف و الخلف كلتيهما للولد الصّالح أو الطّالح،إلاّ إذا قلنا:فلان شرّ خلف لخير سلف،فإنّا مضطرّون إلى فتح اللاّم في«خلف» للمشاكلة،أي لتكون حركات الكلمتين متشابهة، كما نفتح السّين في السّلم،عند ما نقول:الحرب و السّلم.و في هذه المشاكلة موسيقيا لفظيّة،تضع اللّغة العربيّة فوق قمّة البلاغة.
اختلفوا في الأمر
و يقولون:اختلفوا على الأمر.و الصّواب:
اختلفوا في الأمر،اعتمادا على قوله تعالى في الآية:
213،من سورة البقرة: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.
و قد جاء الفعل(اختلف)سبعا و عشرين مرّة أخرى في القرآن الكريم،متلوّا بحرف الجرّ«في»،دون أن يأتي مرّة واحدة متلوّا بحرف الجرّ«على».
و أورد حرف الجرّ«في»بعد الفعل(اختلف)كلّ من معجم ألفاظ القرآن الكريم،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب،الّذي قال أيضا:«و الخلاف أعمّ من الضّدّ،لأنّ كلّ ضدّين مختلفان،و ليس كلّ مختلفين ضدّين»،و مدّ القاموس.
و من معاني«اختلف»:
1-اختلف الشّيئان:لم يتساويا.
2-اختلف فلان:أصابته رقّة بطن:«إسهال».
3-اختلف إلى المكان:تردّد.
4-اختلف الشّيء:جعله خلفه.أخذه من خلفه.
ص: 33
5-اختلف فلانا:كان خليفته.
6-اختلف صاحبه:باصره،فإذا غاب دخل على زوجته.
و فعله:اختلف خلفة و اختلافا.(201)
محمود شيت:...المتخلّف:الجنديّ الّذي لا يلبّي دعوة العلم،فلا يحضر دائرة تجنيده،للانخراط في سلك الجنديّة.
المخلّف:الّذي تؤجّل خدمته العسكريّة لأسباب صحّيّة أو لإعالته،و نحو ذلك.(1:224)
المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو ما يقابل القدّام و الاستقبال،أي ما يكون على ظهر شيء و وراءه.و هذا المعنى:إمّا من جهة الزّمان،أو من جهة المكان،أو الكيفيّة.
فالأوّل:كما في مفهوم:الخلف الصّدق،و الخليفة، فيعتبر فيه التّأخّر الزّمانيّ،و وقوع شيء عقيب شيء آخر زمانا.
و الثّاني:يعتبر فيه التّأخّر مكانا،كما فيما يقع خلف شيء و ظهره مكانا،كالتّخلّف في القعود و الذّهاب و القيام.
و الثّالث:يعتبر فيه التّأخّر و التّعقّب في الكيفيّة و الوصف و الخصوصيّة،كما في تغيّر ريح الفم و طعمه، و تخلّف الرّجل عن أبيه في خصوصيّات أخلاقه و كيفيّات سلوكه،و الخلف و الاختلاف في العقيدة و النّظر و الفكر و الطّريقة.
فيلاحظ في جميع هذه المعاني جهة التّعقّب و الوقوع في الخلف و الظّهر،و هذه الخصوصيّة هي الفارقة بينها و بين الظّهر و العقب و التّأخّر و التّغيّر و التّعوّض و التّقدّم و التّسلّف و غيرها،فيلاحظ في كلّ منها خصوصيّة ممتازة.
ثمّ إنّ الخلف يقابله حقيقة كلمة«ما بين الأيدي» كما في الآيات الكريمة: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ الجنّ:27، يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ البقرة:255، وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا يس:9، نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها البقرة:66،و هذه الكلمة في هذه الموارد بمعناها الاسميّ،و لا يبعد أن تكون في الأصل مصدرا ثمّ جعل بكثرة الاستعمال و للدّلالة على المبالغة:اسما يقابل مفهوم:«بين الأيدي».
و قد يلاحظ مفهوم المصدريّة و الاسميّة معا،قريبا من الوصفيّة،كما في فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ مريم:59.
و أمّا الخلف كالحسن:فصفة،بمعنى ذات متّصفة بكونها متأخّرة واقعة عقيب السّابق،فيعتبر فيه مفهوم الوصفيّة،و يفهم من كون شيء خلفا لآخر:تقارنهما و تشابههما في المفهوم و الخصوصيّة الّتي للأوّل.و لعلّ إلى هذا المعنى يرجع قولهم:بأنّ الخلف بالسّكون يستعمل في الأشرار،و الخلف في الأخيار.
و أمّا الخليفة:فهو كالخلف صفة،إلاّ أنّه إذا انتسب إلى اللّه المتعال فيراد منه التّأخّر من جهة الكيفيّة،و هذا المعنى من أشرف الأوصاف الرّوحانيّة، و أعلى المقامات الرّبّانيّة،و لا يتصوّر مقام أعلى و أفضل منه،و إليه يشار في الآيات الكريمة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30، إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ص:26،و في الزّيارات الواردة:
ص: 34
و أمّا الخليفة:فهو كالخلف صفة،إلاّ أنّه إذا انتسب إلى اللّه المتعال فيراد منه التّأخّر من جهة الكيفيّة،و هذا المعنى من أشرف الأوصاف الرّوحانيّة، و أعلى المقامات الرّبّانيّة،و لا يتصوّر مقام أعلى و أفضل منه،و إليه يشار في الآيات الكريمة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30، إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ص:26،و في الزّيارات الواردة:
السّلام عليك يا خليفة اللّه في أرضه.
و جمع الخليفة:الخلائف،مثل كريمة و كرائم،و جمع الخليف:الخلفاء مثل شريف و شرفاء،و التّاء في«الخليفة»للمبالغة،كما في«العلاّمة»،فهو أدلّ على مفهومه من الخليف،كما أنّ«الخلائف»يدلّ على وصف زائد،و تأكيد و تثبيت أزيد من الخلفاء:
جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأنعام:165، جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ يونس:14، وَ جَعَلْناهُمْ خَلائِفَ يونس:
73،و هم الّذين ثبتت الخلفيّة في حقّهم،و أنّهم خلائف زمانا و كيفيّة من السّابقين.و ليس كذلك الخلفاء: إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ الأعراف:69، وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ النّمل:62.
و أمّا الخوالف:فهو جمع الخالفة،و ليس في معناه إلاّ مجرّد الخلفيّة،أي كونهم واقعين بعد جماعة،و في ورائهم ظاهرا: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ التّوبة:87.
و الخلفة:بناء نوع كالقعدة،فيدلّ على نوع مخصوص من الخلفيّة: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً الفرقان:62،أي على نوع خاصّ من التّعقّب.
و الإخلاف:بمعنى جعل شيء ذا خلف و خالفا:
فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي طه:86، ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ طه:87، أَخْلَفُوا اللّهَ ما وَعَدُوهُ التّوبة:77، إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ آل عمران:194، فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ البقرة:80، فَهُوَ يُخْلِفُهُ سبأ:39، مُخْلِفَ وَعْدِهِ إبراهيم:47،أي جعل اللّه الوعد و الموعد و العهد و الميعاد فيما بين أيديه مستقبلا إليه،و متوجّها و ناظرا إليه،و لا يخلفه،أي لا يجعله وراءه و خلفه بأن يتركه و يعرض عنه.
و أمّا الاختلاف:فهو يدلّ على صدور الفعل على وجه الطّوع و الوفاق،أي اختيار التّخلّف و الموافقة في الخلف من دون حصول إباء و منع: وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ البقرة:164، وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ الرّوم:
22، مُخْتَلِفاً أَلْوانُها فاطر:27، لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ الذّاريات:8، مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ الأنعام:141، هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ النّبأ:3، لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ هود:118.يقال:أخلفه فاختلف،أي فصار ذا خلف و في خلف.و الاختلاف في مقابل الاستواء و الاتّفاق، و اختلفوا،أي صاروا خارجين عن الاستواء،و وقعوا متأخّرين و متخلّفين.
و المعنى:و من آياته تعالى عدم الاستواء و الاتّحاد بين اللّيل و النّهار و الألسنة،بل أنّها صارت متأخّرة و متخلّفة عنه.و هكذا التّخلّف في الألوان و غيرها.
ما كانَ النّاسُ إِلاّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا يونس:
19، وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ آل عمران:105،أي تأخّروا و صاروا خلف الوحدة و البيّنات،فتخلّفوا عنها.
فظهر أنّ حقيقة الاختلاف:هو التّخلّف و صيرورة الشّيء متأخّرا و خلف شيء أو أمر آخر،و التّغيّر من لوازم تلك الحقيقة.
وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً
ص: 35
كَثِيراً النّساء:82،أي تأخّرا و تعقّبا و انحطاطا محسوسا عن البلاغة و الفصاحة و الكمال،و ليس المنظور المغايرة و التّناقض-كما يقال-فإنّها غير ملزومة.
و أمّا المخالفة و الخلاف:فبمعنى إدامة الوقوع في التّأخّر و خلف شيء،يقال:خالفته فتخالف،و ليس المعنى المغايرة فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ النّور:63،أي يصيرون خلف مقام الأمر و الطّاعة و متأخّرا عنه.
لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:76،أي في مقام التّخلّف و التّعقّب. أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ المائدة:33، لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ الشّعراء:49، فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ التّوبة:81.فالجارّ متعلّق بمقدّر، و الجملة الظّرفيّة في مقام الحاليّة أو الوصفيّة.
و المعنى:تقطّع أيديهم و أرجلهم حال كونها كائنة من مخالفة،أو متّصفة و كائنة على صفة الخلاف،بمعنى لزوم القطع إذا كانت الأيدي و الأرجل ناشئة و متظاهرة و متحرّكة و متحوّلة على هذه الحالة أو على هذه الصّفة،و ليست الظّرفيّة لغوا متعلّقة بالفعل المذكور،فإنّ القطع من خلاف لا معنى له،و ما ذكره المفسّرون خارج عن مدلول اللّفظ،و لا خصوصيّة لذلك المعنى في مقام التّعذيب.
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ الفتح:
16،التّعبير بالتّخليف إشارة إلى أنّ تخلّفهم و خلافهم ليس من جانب أنفسهم و باقتضاء طبيعتهم السّاذجة من حيث هي،بل بعلل خارجيّة و بدواعي موجبة مضلّة محرّفة أخرى،فإنّ«التّفعيل»يدلّ على جهة الوقوع،يقال:خلّفته فتخلّف،أي جعلته ذا خلف فاختار التّخلّف و تخلّف.
و أمّا الاستخلاف:فهو لطلب الفعل و استدعاء الخلف: وَ يَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ هود:57، لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ النّور:55، وَ أَنْفِقُوا مِمّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ الحديد:7،التّعبير بالاستفعال يدلّ على الميل و الاقتضاء،و تحقّق الطّلب منه تعالى،لوجود المقتضي له.
فاتّضح لطف التّعبير في الموارد بالمادّة و الصّيغ المذكورة.(3:109)
1- فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى... الأعراف:169
ابن عبّاس: فبقي من بعد الصّالحين(خلف) خلف سوء،و هم اليهود.(141)
نحوه ابن زيد.(ابن الجوزيّ 3:280)
مجاهد :النّصارى.(الطّبريّ 6:105)
إنّ الخلف من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(ابن الجوزيّ 3:280)
الفرّاء: (خلف)أي قرن،بجزم اللاّم.و الخلف:
ما استخلفته،تقول:أعطاك اللّه خلفا ممّا ذهب لك، و أنت خلف سوء،سمعته من العرب.(1:399)
ص: 36
أبو عبيدة:(خلف)ساكن ثاني الحروف،و إن شئت حرّكت الحرف الثّاني،و هما في المعنى واحد،كما قالوا:أثر و أثر.و قوم يجعلونه إذا سكّنوا ثاني حروفه إذا كانوا مشركين،و إذا حرّكوه جعلوه خلفا صالحا.
(1:232)
ابن قتيبة :و الخلف:الرّديء من النّاس و من الكلام،يقال:هذا خلف من القول.(174)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فخلف من بعد هؤلاء القوم الّذين وصف صفتهم،(خلف)،يعني:خلف سوء.يقول:حدث بعدهم و خلافهم،و تبدّل منهم، بدل سوء.
يقال منه:هو خلف صدق،و خلف سوء،و أكثر ما جاء في المدح بفتح اللاّم،و في الذّمّ بتسكينها،و قد تحرّك في الذّمّ،و تسكّن في المدح.[ثمّ استشهد بشعر]
و أحسب أنّه إذا وجّه إلى الفساد،مأخوذ من قولهم:خلف اللّبن،إذا حمض من طول تركه في السّقاء حتّى يفسد،فكأنّ الرّجل الفاسد مشبّه به.و قد يجوز أن يكون من قولهم:خلف فم الصّائم،إذا تغيّرت ريحه.
[ثمّ استشهد بشعر]
و قيل:إنّ الخلف الّذي ذكر اللّه في هذه الآية أنّهم خلفوا من قبلهم،هم النّصارى...
و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره،إنّما وصف أنّه خلف القوم الّذين قصّ قصصهم في الآيات الّتي مضت خلف سوء رديء، و لم يذكر لنا أنّهم نصارى في كتابه،و قصّتهم بقصص اليهود أشبه منها بقصص النّصارى.
و بعد،فإنّ ما قبل ذلك خبر عن بني إسرائيل،و ما بعده كذلك،فما بينهما بأن يكون خبرا عنهم أشبه؛إذ لم يكن في الآية دليل على صرف الخبر عنهم إلى غيرهم،و لا جاء بذلك دليل يوجب صحّة القول به.
فتأويل الكلام إذا:فتبدّل من بعدهم بدل سوء...
(6:104)
الزّجّاج: يقال للّذي يجيء في أثر قرن:خلف.
و الخلف:ما أخلف عليك بدلا ممّا أخذ منك،و يقال:
في هذا خلف أيضا.فأمّا ما أخلف عليك بدلا ممّا ذهب منك،فهو«الخلف»بفتح اللاّم.(2:388)
النّحّاس: قال مجاهد:يعني النّصارى.
و قال غيره:يعني أبناءهم.
و هذا أولى القولين-و اللّه أعلم-لأنّه يقال لولد الرّجل:خلفه،يقال للواحد و للاثنين و الجمع، و المؤنّث،على لفظ واحد،و الجمع:خلوف.
و قيل:يستعمل للرّديء من الأبناء.
فأمّا«الخلف»بتحريك اللاّم،فهو البدل من الشّيء،من ولد أو غيره.(3:98)
الثّعلبيّ: (خلف)أي حضر و جاء،و تبدّل من بعد هؤلاء الّذين وصفناهم(خلف...)(4:299)
الماورديّ: معناه فخلفهم خلف،و الخلف بتسكين اللاّم مستعمل في الذّمّ،و بفتح اللاّم مستعمل في الحمد.و قال أبو عبيدة:معناها واحد مثل الأثر و الأثر؛و الأوّل أظهر،و هو في قول الشّعراء أشهر.[ثمّ استشهد بشعر]
و في الخلف وجهان:
ص: 37
أحدهما:القرن،قاله الفرّاء.
و الثّاني:أنّه جمع خالف.(2:274)
الطّوسيّ: [نقل قول مجاهد و قال:]
و هذا الّذي قاله جائز،و جائز أيضا أن يكون المراد به:قوم خلفوهم من اليهود.(5:25)
الواحديّ: (خلف)من اليهود،و هم أولادهم الّذين أتوا بعدهم...(2:422)
البغويّ: أي جاء من بعد هؤلاء الّذين وصفناهم (خلف،)و الخلف:القرن الّذي يجيء بعد قرن...
(2:243)
الزّمخشريّ: (خلف)و هم الّذين كانوا في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:127)
ابن عطيّة: (خلف)معناه حدث خلفهم، و بَعْدِهِمْ خَلْفٌ بإسكان اللاّم يستعمل في الأشهر في الذّمّ.[ثمّ استشهد بشعر]
و قد يستعمل في المدح.[ثمّ استشهد بشعر]
و الخلف بفتح اللاّم يستعمل في الأشهر في المدح.
قال أبو عبيدة و الزّجّاج:و قد يستعمل في الذّمّ أيضا.
(2:472)
الطّبرسيّ: معناه فذهب أولئك و قام مقامهم قوم آخرون.(2:495)
ابن الجوزيّ: قرأ الجونيّ،و الجحدريّ:( خلف ) بفتح اللاّم...
قال ابن الأنباريّ: أكثر ما تستعمل العرب «الخلف»،بإسكان اللاّم،في الرّديء المذموم،و تفتح اللاّم في الفاضل الممدوح.و قد يوقع الخلف على الممدوح،و الخلف على المذموم،غير أنّ المختار ما ذكرناه...
فإن قيل:الخلف واحد،فكيف قال:(يأخذون)، و كذلك قال في مريم:59:(اضاعوا)؟فقد ذكر ابن الأنباريّ عنه جوابين:
أحدهما:أنّ الخلف:جمع خالف،كما أنّ الرّكب:
جمع راكب،و الشّرب:جمع شارب.
و الثّاني:أنّ الخلف مصدر يكون للاثنين و الجميع، و المذكّر و المؤنّث.(3:280)
الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ظاهره أنّ الأوّل ممدوح،و الثّاني مذموم،و إذا كان كذلك،فيجب أن يكون المراد:
فخلف من بعد الصّالحين منهم الّذين تقدّم ذكرهم خلف.[ثمّ نقل بعض أقوال أهل اللّغة في معنى الخلف]
(15:43)
القرطبيّ: يعني أولاد الّذين فرّقهم في الأرض.
[ثمّ ذكر بعض أقوال أهل اللّغة](7:310)
البيضاويّ: (خلف)بدل سوء،مصدر نعت به، و لذلك يقع على الواحد و الجمع،و قيل:جمع.و هو شائع في الشّرّ،و الخلف بالفتح في الخير،و المراد به الّذين كانوا في عصر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:375)
مثله أبو السّعود(3:47)،و نحوه النّسفيّ(2:83)، و الشّربينيّ(1:532)،و الكاشانيّ(2:249)، و القاسميّ(7:2894).
النّيسابوريّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]
فخلف من بعد الأرواح و القلوب لمّا سلكوا
ص: 38
طريق الحقّ و وصلوا إلى مقعد صدق،خلفهم النّفوس الأمّارة بالسّوء.(9:76 و 78)
أبو حيّان :[اكتفى بذكر الأقوال في ذلك]
(4:415)
البروسويّ: أي بدل سوء،و هم الّذين كانوا في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّذين خلفوا من اليهود الّذين فرّقهم اللّه في الأرض أمما موصوفين بأنّهم منهم الصّالحون و منهم دون ذلك...(3:269)
شبّر:(خلف)بدل سوء،و هو بالتّسكين جار في السّوءة،و بالتّحريك في الخير.(2:432)
الآلوسيّ: (خلف)أي بدل سوء،مصدر نعت به،و لذلك يقع على الواحد و الجمع.و قيل:هو اسم جمع،و هو مراد من قال:إنّه جمع،و هو شائع في الشّرّ، و منه:«سكت ألفا و نطق خلفا».و الخلف بفتح اللاّم في الخير،و ادّعى بعضهم الوضع لذلك،و قيل:هما بمعنى،و هو من يخلف غيره صالحا كان أو طالحا.[ثمّ استشهد بشعر]
و عن البصريّين:أنّه يجوز التّحريك و السّكون في الرّديء،و أمّا الجيّد فبالتّحريك فقط،و وافقهم أهل اللّغة إلاّ الفرّاء و أبا عبيدة.و اشتقاقه إمّا من الخلافة أو من الخلوف،و هو الفساد و التّغيّر،و منه خلوف فم الصّائم...و الأكثرون على أنّ المراد بهؤلاء:الخلف الّذين كانوا في عصر رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و حينئذ لا يصحّ تفسير«الصّالحين»بمن آمن به عليه الصّلاة و السّلام،و الظّاهر أنّهم من اليهود،و عن مجاهد:أنّهم النّصارى،و ليس بذاك.(9:96)
ابن عاشور:جملة(فخلف)تفريع على قوله:
وَ قَطَّعْناهُمْ الأعراف:168،إن كان المراد تقطيعهم في بلاد أعدائهم و إخراجهم من مملكتهم،فتكون الآية مشيرة إلى عودة بني إسرائيل إلى بلادهم في عهد الملك «كورش»ملك الفرس في حدود سنة:530،قبل الميلاد،فإنّه لمّا فتح بلاد أشور أذن لليهود الّذين أسرهم«بخت نصّر»أن يرجعوا إلى بلادهم فرجعوا، و بنوا بيت المقدس بعد خرابه على يد«نحميا» و«عزرا»كما تضمّنه سفر نحميا و سفر عزرا،و كان من جملة ما أحيوه أنّهم أتوا بسفر شريعة موسى الّذي كتبه عزرا و قرءوه على الشّعب في أورشليم،فيكون المراد بالخلف:ما أوّله ذلك الفلّ من بني إسرائيل الّذين رجعوا من أسر الآشوريّين.و المراد بإرث الكتاب:إعادة مزاولتهم التّوراة الّتي أخرجها إليهم عزرا المعروف عند أهل الإسلام باسم عزير،و يكون أخذهم عرض الأدنى أخذ بعض الخلف لا جميعه،لأنّ صدر ذلك الخلف كانوا تائبين و فيهم أنبياء و صالحون.
و إن كان المراد من تقطيعهم في الأرض أمما:
تكثيرهم و الامتنان عليهم،كان قوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ تفريعا على جميع القصص المتقدّمة الّتي هي قصص أسلافهم،فيكون المراد بالخلف:من نشأ من ذرّيّة أولئك اليهود بعد زوال الأمّة و تفرّقها،منهم الّذين كانوا عند ظهور الإسلام،و هم اليهود الّذين كانوا بالمدينة،و إلى هذا المعنى في«الخلف»نحا المفسّرون.[ثمّ ذكر معنى الخلف في اللّغة نحوا ممّن
ص: 39
سبقه](8:338)
مكارم الشّيرازيّ: [ذكر الفرق بين خلف و خلف كالسّابقين](5:255)
2-فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصّلوة و اتّبعوا الشّهوات فسوف يلقون غيّا.مريم:59
ابن عبّاس: (فخلف)فبقي(من بعدهم)من بعد الأنبياء و الصّالحين خلف سوء.(257)
هم اليهود،تركوا الصّلاة المفروضة،و شربوا الخمر،و استحلّوا نكاح الأخت من الأب.
(الزّمخشرىّ 4:514)
مجاهد :هم[الخلف]من هذه الأمّة عند قيام السّاعة،و ذهاب صالحي هذه الأمّة،قوم يتنابزون بالزّنى،ينزو بعضهم على بعض في الأزقّة زناة.
(الواحديّ 3:187)
مثله ابن كعب القرظيّ،و قتادة،و عطاء.
(أبو حيّان 6:201)
وهب بن منبّه:هم شرّابو القهوة.
(أبو حيّان 6:201)
السّدّيّ: هم اليهود و النّصارى.(342)
مقاتل:أنّهم[الخلف]اليهود من بعد ما تقدّم من الأنبياء.(الماورديّ 3:379)
الفرّاء: الخلف:يذهب به إلى الذّمّ.و الخلف:
الصّالح.و قد يكون في الرّديء خلف،و في الصّالح خلف،لأنّهم قد يذهبون بالخلف إلى القرن بعد القرن.(2:170)
الزّجّاج:يقال في الرّداءة:خلف بإسكان اللاّم.
تقول:خلف سوء،و في الصّلاح:خلف صدق بفتح اللاّم.و قد يقال في الرّداءة أيضا:خلف بفتح اللاّم، و في الصّلاح بإسكان اللاّم؛و الأجود القول الأوّل.
(3:335)
الماورديّ: [ذكر الفرق بين الخلف و الخلف بوجهين نظير الزّجّاج و استشهد للثّاني بشعر ثمّ قال:]
و في هذا الخلف قولان:
أحدهما:[قول مقاتل]
الثّاني:أنّهم من المسلمين.
فعلى هذا في قوله: مِنْ بَعْدِهِمْ قولان:
أحدهما:من بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،من عصر الصّحابة و إلى قيام السّاعة،كما روى الوليد بن قيس،حكاه إبراهيم عن عبيدة.
الثّاني:أنّهم من بعد عصر الصّحابة.روى الوليد بن قيس عن أبي سعيد،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«يكون بعد ستّين سنة خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ». (3:379)
الزّمخشريّ: خلفه إذا عقبه،ثمّ قيل في عقب الخير«خلف»بالفتح،و في عقب السّوء«خلف» بالسّكون،كما قالوا وعد في ضمان الخير،و وعيد في ضمان الشّرّ.(2:514)
ابن عطيّة: «الخلف»بفتح اللاّم،القرن يأتي بعد آخر يمضي،و الابن بعد الأب،و قد يستعمل في سائر الأمور.و«الخلف»بسكون اللاّم مستعمل إذا كان الآتي مذموما،هذا مشهور كلام العرب،و قد ذكر عن
ص: 40
بعضهم أنّ الخلف و الخلف بمعنى واحد.[ثمّ استشهد بشعر](4:22)
الفخر الرّازيّ: ظاهر الكلام أنّ المراد:من بعد هؤلاء الأنبياء خلف من أولادهم.[ثمّ قال مثل الزّمخشريّ و أضاف:]
و في الحديث:«في اللّه خلف من كلّ هالك».[ثمّ استشهد بشعر](21:235)
مثله الشّربينيّ.(2:435)
ابن عاشور :فرع على الثّناء عليهم،اعتبار و تنديد بطائفة من ذرّيّاتهم،لم يقتدوا بصالح أسلافهم، و هم المعنيّ بالخلف.
و الخلف بسكون اللاّم:عقب السّوء،و بفتح اللاّم عقب الخير...
و هو هنا يشمل جميع الأمم الّتي ضلّت،لأنّها راجعة في النّسب إلى إدريس جدّ نوح؛إذ هم من ذرّيّة نوح،و من يرجع أيضا إلى إبراهيم،فمنهم من يدلي إليه من نسل إسماعيل و هم العرب،و منهم من يدلي إليه من نسل يعقوب و هم بنو إسرائيل.
و لفظ مِنْ بَعْدِهِمْ يشمل طبقات و قرونا كثيرة، ليس قيدا،لأنّ الخلف لا يكون إلاّ من بعد أصله،و إنّما ذكر لاستحضار ذهاب الصّالحين.(16:59)
و لاحظ:نصوص الآية المتقدّمة.
و لمّا رجع موسى الى قومه غضبان اسفا قال بئسما خلفتمونى من بعدى...الأعراف:150
ابن عبّاس: بئس ما صنعتم بعبادة العجل من بعد انطلاقي إلى الجبل.(138)
نحوه الطّبرسيّ(2:482)،و ابن الجوزيّ(3:
264)،و شبّر(2:419).
الطّبريّ: يقول:بئس الفعل فعلتم بعد فراقي إيّاكم،و أوليتموني فيمن خلفت ورائي من قومي فيكم،و ديني الّذي أمركم به ربّكم.
يقال منه:خلفه بخير،و خلفه بشرّ،إذا أولاه في أهله أو قومه،و من كان منه بسبيل من بعد شخوصه عنهم،خيرا أو شرّا.(6:65)
نحوه البغويّ(2:235)،و القرطبيّ.(7:287)
الزّمخشريّ: (خلفتمونى)قمتم مقامي و كنتم خلفائي من بعدي،و هذا الخطاب إمّا أن يكون لعبدة العجل من السّامريّ و أشياعه،أو لوجوه بني إسرائيل و هم هارون عليه السّلام و المؤمنون معه،و يدلّ عليه قوله: اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي و المعنى:بئس ما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة اللّه،أو حيث لم تكفّوا من عبد غير اللّه.
فإن قلت:أين ما تقتضيه(بئس)من الفاعل و المخصوص بالذّمّ؟
قلت:الفاعل مضمر يفسّره(ما خلفتمونى)، و المخصوص بالذّمّ محذوف،تقديره:بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم.
فإن قلت:أيّ معنى لقوله: مِنْ بَعْدِي بعد قوله:
(خلفتمونى؟)
قلت:معناه من بعد ما رأيتم منّي من توحيد اللّه
ص: 41
و نفي الشّركاء عنه و إخلاص العبادة له،أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التّوحيد و أكفّهم عمّا طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر،حين قالوا:
اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ و من حقّ الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف من بعده و لا يخالفوه،و نحوه فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أي من بعد أولئك الموصوفين بالصّفات الحميدة.(2:118)
نحوه الفخر الرّازيّ(15:10)،و البيضاويّ(1:
370)،و النّسفيّ(2:78)،و أبو حيّان(4:395)، و الشّربينيّ(1:518)،و أبو السّعود(3:32)، و البروسويّ(3:245).
الكاشانىّ:أي قمتم مقامي و كنتم خلفائي من بعدي؛حيث عبدتم العجل مكان عبادة اللّه.
(2:239)
الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ مع إضافة فلاحظ]
(9:66)
ابن عاشور :هذا خطاب لهارون و وجوه القوم، لأنّهم خلفاء موسى في قومهم،فيكون(خلفتمونى) مستعملا في حقيقته.و يجوز أن يكون الخطاب لجميع القوم،فأمّا هارون فلأنّه لم يحسن الخلافة بسياسة الأمّة كما كان يسوسها موسى،و أمّا القوم فلأنّهم عبدوا العجل بعد غيبة موسى،و من لوازم الخلافة فعل ما كان يفعله المخلوف عنه،فهم لمّا تركوا ما كان يفعله موسى من عبادة اللّه و صاروا إلى عبادة العجل، فقد انحرفوا عن سيرته فلم يخلفوه في سيرته.و إطلاق «الخلافة»على هذا المعنى مجاز،فيكون فعل(خلفتمونى)مستعملا في حقيقته و مجازه.
و زيادة(من بعدى)عقب(خلفتمونى)للتّذكير بالبون الشّاسع بين حال الخلف و حال المخلوف عنه، تصوير لفظاعة ما خلفوه به،أي بعد ما سمعتم منّي التّحذير من الإشراك و زجركم عن تقليد المشركين، حين قلتم: اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ، فيكون قيد مِنْ بَعْدِي للكشف و تصوير الحالة،كقوله تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ النّحل:26، و معلوم أنّ السّقف لا يكون إلاّ من فوق،و لكنّه ذكر لتصوير حالة الخرور و تحويلها،و نظيره قوله تعالى، بعد ذكر نفر من الأنبياء و صفاتهم فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ الأعراف:196،أي من بعد أولئك الموصوفين بتلك الصّفات.(8:296)
وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ. الزّخرف:60
ابن عبّاس: (يخلفون)خلفاء منكم بدلكم، و يقال:يمشون في الأرض بدلكم.(415)
يخلف بعضهم بعضا.(الطّبريّ 11:204)
مجاهد :يعمرون الأرض بدلا منكم.
(الطّبريّ 11:204)
قتادة :يخلف بعضهم بعضا،مكان بني آدم.
(الطّبريّ 11:204)
السّدّيّ: خلفا منكم.(438)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و لو نشاء معشر بني
ص: 42
آدم أهلكناكم،فأفنينا جميعكم،و جعلنا بدلا منكم في الأرض ملائكة يخلفونكم فيها يعبدونني؛و ذلك نحو قوله تعالى ذكره: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ وَ كانَ اللّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً النّساء:133، و كما قال: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ الأنعام:133.(11:204)
الزّجّاج: معنى(يخلفون)يخلف بعضهم بعضا، و المعنى لجعلنا منهم بدلا منكم.(4:417)
الثّعلبيّ: يعني يكونون خلفا منكم،فيعمرون الأرض و يعبدونني و يطيعونني.(8:341)
نحوه البغويّ.(4:166)
الماورديّ: وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً، فيه وجهان:
أحدهما:يعني لقلبنا بعضكم ملائكة من غير أب، كما خلقنا عيسى من غير أب،ليكونوا خلفاء من ذهب منكم.
الثّاني:جعلنا بدلا منكم ملائكة.
فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ فيه أربعة أوجه:[نقل قول مجاهد و قتادة و السّدّيّ و قال:]
الرّابع:ملائكة يكونون رسلا إليكم بدلا من الرّسل منكم.(5:235)
الطّوسيّ: أي بدلا منكم معاشر بني آدم ملائكة في الأرض(يخلفون)بني آدم،غير أنّه أنشأ بني آدم لإسباغ النّعمة عليهم.(9:211)
القشيريّ: و لو شئنا لأنزلنا ملائكة من السّماء حتّى يكونوا سكّان الأرض بدلكم.(5:372)
الواحديّ: أي لو نشاء أهلكناكم و جعلنا بدلا منكم ملائكة فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ يكونون خلفا منكم.
قال الأزهريّ: و«من»قد تكون للبدل كقوله:
(جعلنا منكم)يريد بدلا منكم.(4:79)
الزّمخشريّ: لَجَعَلْنا مِنْكُمْ: لولّدنا منكم يا رجال(ملائكة)يخلفونكم في الأرض،كما يخلفكم أولادكم،كما ولّدنا عيسى من أنثى من غير فحل، لتعرفوا تميّزنا بالقدرة الباهرة،و لتعلموا أنّ الملائكة أجسام لا تتولّد إلاّ من أجسام،و ذات القديم متعالية عن ذلك.(3:494)
نحوه الفخر الرّازيّ(27:222)،و النّيسابوريّ (25:58).
ابن عطيّة: معناه:لجعلنا بدلا منكم،أي لو شاء اللّه لجعل بدلا من بني آدم ملائكة يسكنون الأرض، و يخلفون بني آدم فيها.(5:61)
الطّبرسىّ:(يخلفون)بني آدم،أي يكونون خلفاء منهم.و المعنى لو نشاء أهلكناكم و جعلنا الملائكة بدلكم سكّان الأرض،يعمرونها و يعبدون اللّه.
[ثمّ استشهد بشعر]
و قيل:معناه و لو نشاء لجعلناكم أيّها البشر ملائكة،فيكون من باب التّجريد،و فيه إشارة إلى قدرته على تغيير بنية البشر إلى بنية الملائكة،يخلفون، أي يخلف بعضهم بعضا.(5:53)
نحوه المراغيّ.(25:104)
القرطبيّ: ...و قيل:لو نشاء لجعلنا من الإنس
ص: 43
ملائكة و إن لم تجر العادة بذلك،و الجواهر جنس واحد و الاختلاف بالأوصاف.و المعنى:لو نشاء لأسكنّا الأرض الملائكة،و ليس في إسكاننا إيّاهم السّماء شرف حتّى يعبدوا،أو يقال لهم:بنات اللّه...
(16:105)
البيضاويّ: وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ لولّدنا منكم يا رجال،كما ولّدنا عيسى من غير أب،أو لجعلنا بدلكم مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ملائكة يخلفونكم في الأرض.و المعنى أنّ حال عيسى عليه السّلام و إن كانت عجيبة فإنّه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك،و أنّ الملائكة مثلكم من حيث إنّها ذوات ممكنة، يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها إبداعا،فمن أين لهم استحقاق العبوديّة و الانتساب إلى اللّه سبحانه و تعالى؟!(2:370)
نحوه الشّربينيّ.(3:570)
النّسفيّ: أي بدلا منكم،كذا قاله الزّجّاج.و قال «جامع العلوم»:لجعلنا بدلكم،و(من)بمعنى البدل (يخلفون)يخلفونكم في الأرض،أو يخلف الملائكة بعضهم بعضا.و قيل:و لو نشاء لقدرتنا على عجائب الأمور لَجَعَلْنا مِنْكُمْ: لولّدنا منكم...[ثمّ قال مثل الزّمخشريّ](4:122)
أبو حيّان :(منكم)قال بعض النّحويّين:(من) تكون للبدل،أي لجعلنا بدلكم ملائكة،و جعل من ذلكم قوله تعالى: أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ أي بدل الآخرة.[ثمّ استشهد بشعر]
و أصحابنا لا يثبتون ل(من)معنى البدليّة، و يتأوّلون ما ورد ما يوهم ذلك.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]
و هو تخريج حسن،و نحو من هذا التّخريج قول من قال:لجعلنا من الإنس ملائكة،و إن لم تجر العادة بذلك،و الجواهر جنس واحد و الاختلاف بالأوصاف...(8:25)
أبو السّعود :(لجعلنا)أي لخلقنا بطريق التّوالد(منكم)و أنتم رجال ليس من شأنكم الولادة،(ملائكة)كما خلقناهم بطريق الإبداع(فى الارض)مستقرّين فيها،كما جعلناهم مستقرّين في السّماء،(يخلفون)أي يخلفونكم مثل أولادكم،فيما تأتون و ما تذرون،و يباشرون الأفاعيل المنوطة بمباشرتكم،مع أنّ شأنهم التّسبيح و التّقديس في السّماء،فمن شأنهم بهذه المثابة بالنّسبة إلى القدرة الرّبّانيّة،كيف يتوهّم استحقاقهم للمعبوديّة أو انتسابهم إليه؟!تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.(6:40)
البروسويّ: [نحو أبي السّعود مع إضافة فلاحظ]
(8:383)
شبّر:(منكم)بدلكم مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ يقومون مقامكم،و الغرض بيان كمال قدرته،و كون الملائكة في السّماء لا يوجب لهم الألوهيّة.(5:428)
الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ مع إضافة فلاحظ]
(25:93)
عزّة دروزة :لقد تعدّدت أقوال المفسّرين في تأويل الآية.[فذكرها و رجّح القول بأنّها تقرير
ص: 44
لقدرة اللّه على جعل نسل البشر ملائكة](5:221)
ابن عاشور :لمّا أشارت الآية السّابقة إلى إبطال ضلالة الّذين زعموا عيسى عليه السّلام ابنا للّه تعالى، من قصره على كونه عبدا للّه،أنعم اللّه عليه بالرّسالة، و أنّه عبرة لبني إسرائيل،عقّب ذلك بإبطال ما يماثل تلك الضّلالة،و هي ضلالة بعض المشركين في ادّعاء بنوّة الملائكة للّه تعالى المتقدّم حكايتها،في قوله:
وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً الزّخرف:15،الآيات، فأشير إلى أنّ الملائكة عباد للّه تعالى جعل مكانهم العوالم العليا،و أنّه لو شاء لجعلهم من سكّان الأرض بدلا عن النّاس،أي إنّ كونهم من أهل العوالم العليا لم يكن واجبا لهم بالذّات،و ما هو إلاّ وضع بجعل من اللّه تعالى كما جعل للأرض سكّانا،و لو شاء اللّه لعكس،فجعل الملائكة في الأرض بدلا عن النّاس، فليس تشريف اللّه إيّاهم بسكنى العوالم العليا بموجب بنوّتهم للّه،و لا بمقتض لهم إلهيّة،كما لم يكن تشريف عيسى بنعمة الرّسالة و لا تمييزه بالتّكوّن من دون أب مقتضيا له إلهيّة،،و إنّما هو بجعل اللّه و خلقه.
و جعل شرط(لو)فعلا مستقبلا،للدّلالة على أنّ هذه المشيئة لم تزل ممكنة بأن يعوّض للملائكة سكنى الأرض.
معنى(من)في قوله:(منكم)البدليّة و العوض، كالّتي في قوله تعالى: أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ التّوبة:38.
و المجرور متعلّق ب(جعلنا،)و قدّم على مفعول الفعل،للاهتمام بمعنى هذه البدليّة،لتتعمّق أفهام السّامعين في تدبّرها.
و جملة فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ بيان لمضمون شبه الجملة إلى قوله:(منكم،)و حذف مفعول (يخلفون)لدلالة(منكم)عليه،و تقديم هذا المجرور للاهتمام بما هو أدلّ على كون الجملة بيانا لمضمون(منكم.)و هذا هو الوجه في معنى الآية، و عليه درج المحقّقون.و محاولة صاحب«الكشّاف» حمل(منكم)على معنى الابتدائيّة و الاتّصال، لا يلاقي سياق الآيات.(25:278)
مغنيّة:(منكم)أي بدلا منكم مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ أي يخلفونكم.هذا تهديد و وعيد للمشركين،و معناه أنّ اللّه غنيّ عنكم و عن عبادتكم أيّها المشركون،و لو شاء أهلككم و جعل مكانكم ملائكة يخلفونكم في الأرض،يقدّسونه و يسبّحون بحمده و لا يعصون له أمرا.و مثله: وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ محمّد:
38.(6:556)
الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ الآية متّصلة بما قبلها، مسرودة لرفع استبعاد أن يتلبّس البشر من الكمال ما يقصّه القرآن عن عيسى عليه السّلام،فيخلق الطّير،و يحيي الموتى،و يكلّم النّاس في المهد،إلى غير ذلك،فيكون كالملائكة المتوسّطين في الإحياء،و الإماتة،و الرّزق، و سائر أنواع التّدبير،و يكون مع ذلك عبدا غير معبود،و مألوها غير إله،فإنّ هذا النّوع من الكمال عند الوثنيّة مختصّ بالملائكة،و هو ملاك ألوهيّتهم و معبوديّتهم،و بالجملة هم يحيلون تلبّس البشر بهذا
ص: 45
النّوع من الكمال الّذي يخصّونه بالملائكة.
فأجيب:بأنّ للّه أن يزكّي الإنسان و يطهّره من أدناس المعاصي؛بحيث يصير باطنه باطن الملائكة، فظاهره ظاهر البشر و باطنه باطن الملك،يعيش في الأرض يخلف مثله و يخلفه مثله،و يظهر منه ما يظهر من الملائكة.
و على هذا ف(من)في قوله:(منكم)للتّبعيض، و قوله:(يخلفون)أي يخلف بعضهم بعضا.
[ثمّ نقل قول الطّبرسيّ و قال:]
و فيه أنّه لا يلائم النّظم تلك الملاءمة.(18:117)
مكارم الشّيرازيّ: لئلاّ يتوهّموا[المشركين]أنّ اللّه سبحانه محتاج لعبوديّتهم،و أنّه يصرّ عليها،فإنّه تعالى يقول في الآية التّالية: وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ملائكة تخضع لأوامر اللّه،و لا تعرف عملا إلاّ طاعته و عبادته.
و اختار جمع من المفسّرين تفسيرا آخر للآية، يصبح المعنى على أساسه:و لو نشاء لجعلنا أبناءكم ملائكة يخلفونكم في الأرض،بناء على هذا فلا تعجبوا من أن يولد المسيح من دون أب،فإنّ اللّه عزّ و جلّ قادر على أن يخلق ملكا من الإنسان،و هو نوع يختلف عنه.
و لمّا كان تولّد الملك من الإنسان لا يبدو مناسبا، فقد فسّره بعض كبار المفسّرين بولادة الأبناء الّذين يتمتّعون بصفات الملائكة،و قالوا:إنّ المراد لا تعجبوا من أن تكون لعبد كالمسيح القدرة على إحياء الموتى، و إبراء المرضى بإذن اللّه،و هو في الوقت نفسه عبد مخلص مطيع لأمر اللّه،فإنّ اللّه قادر على أن يخلق من أبنائكم من تكون فيه كلّ صفات الملائكة و طبائعهم.
إلاّ أنّ التّفسير الأوّل ينسجم مع ظاهر الآية أكثر من الجميع،و ليست هذه التّفاسير بعيدة.(16:79)
فضل اللّه :(يخلفون)يأخذون موقع الخلافة في الأرض بدلا منكم كما تتحدّثون،فإنّ المسألة ليست بعيدة عن قدرة اللّه الّذي يستطيع أن يصوّر مخلوقاته بأيّة صورة،و يغيّر ما يشاء كما يشاء،و لكنّه رأى بحكمته أن يرسل رسله بشرا ليتمّ التّفاعل بينهم و بين البشر،نظرا للتّشابه في الخصائص النّوعيّة الّتي تلتقي فيها الأفكار و المشاعر و القدرات،و ليمكّن للرّسول أن يكون في موضع القدوة للآخرين في أوضاعه العمليّة المتّصلة برسالته،فلا مصلحة في أن يكون الملك رسولا للبشر،كما لا مصلحة للبشر في أن يكون رسولا للملائكة،لو كان الملائكة يحتاجون إلى رسول.[ثمّ نقل كلام الطّباطبائيّ و أدام:]
ثمّ يرد على ما يلتقي بالوجه الّذي ذكرناه،بأنّه لا يلائم النّظم تلك الملاءمة.
و لكنّنا نلاحظ أنّ المسألة المطروحة لدى الوثنيّين حول ما يقصّه القرآن،ليست متّصلة بالجانب الرّوحيّ العميق الّذي يلتقي بالعصمة من المعاصي و بالطّهارة من الأدناس،بل هي ناشئة من أنّ الطّبيعة البشريّة في ذاتها لا تنسجم مع النّبوّة الّتي هي أمر يتعلّق بالأفق الغيبيّ للّه،لإحساسهم بالعظمة الضّبابيّة، تجاه كلّ الأمور الخفيّة من الموجودات الّتي إذا لم يمنحوها الألوهيّة،فأنّهم يتحدّثون عنها،على أساس العلاقة العضويّة باللّه،كما قالوا عن الملائكة:
ص: 46
بأنّهم بنات اللّه،و كما قالوا أمرا قريبا من ذلك عن الجنّ:ممّا لا يتيسّر للبشر الّذين يعرفونهم-في نقاط قوّتهم و ضعفهم-بالحسّ المباشر.
أمّا مسألة النّظم فقد يكفي فيه أن تكون المسألة واردة في الأجواء الّتي تثيرها رسالة عيسى عليه السّلام الّتي تحدّثت عنها الآية السّابقة على أساس ما جاء في سورة مريم،و هي مسألة العلاقة بين البشريّة و النّبوّة، الّتي أثاروها ضدّ النّبيّ،و اللّه العالم.(20:257)
...و قال موسى لاخيه هارون اخلفنى فى قومى و اصلح و لا تتّبع سبيل المفسدين.الأعراف:142
ابن عبّاس: كن خليفتي.(137)
مثله الثّعلبيّ(4:274)،و البغويّ(2:228)، و الزّمخشريّ(2:111)،و الطّبرسيّ(2:473)، و القرطبيّ(7:277)،و البيضاويّ(1:367)، و النّسفيّ(2:74)،و النّيسابوريّ(9:43)، و الشّربينيّ(1:511)،و أبو السّعود(3:26)، و الكاشانيّ(2:232)،و القاسميّ(7:2849).
الطّبريّ: يقول:كن خليفتي فيهم إلى أن أرجع، يقال منه:خلفه يخلفه خلافة.(6:49)
القشيريّ: كان هارون حمولا بحسن الخلق،لمّا كان المرور إلى فرعون استصحب موسى هارون،فقال اللّه سبحانه: أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي بعد ما قال: أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً. و لمّا كان المرور إلى سماع الخطاب أفرده عن نفسه،فقال: اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي، و هذا غاية لحمل من هارون و نهاية التّصبّر و الرّضاء،فلم يقل:لا أقيم في قومك،و لم يقل:هلاّ تحملني مع نفسك كما استصحبتني حال المرور إلى فرعون؟بل صبر و رضي بما لزم،و هذه من شديدات بلاء الأحباب.[ثمّ استشهد بشعر](2:258)
الفخر الرّازيّ: كن خليفتي فيهم...
فإن قيل:إنّ هارون كان شريك موسى عليه السّلام في النّبوّة،فكيف جعله خليفة لنفسه،فإنّ شريك الإنسان أعلى حالا من خليفته،و ردّ الإنسان من المنصب الأعلى إلى الأدون يكون إهانة؟
قلنا:الأمر و إن كان كما ذكرتم،إلاّ أنّه كان موسى عليه السّلام هو الأصل في تلك النّبوّة.(14:227)
أبو حيّان :معنى(اخلفنى:)استبدّ بالأمر.
(4:381)
البروسويّ: كن خليفتي،و قم مقامي.
(3:228)
الآلوسيّ: [ذكر وجه استخلافه مع أنّه كان نبيّا مثله،ثمّ قال:]
و ذكر الشّيخ الأكبر قدّس سرّه في«فتوحاته»:أنّ هارون ذكر له أنّه نبيّ بحكم الأصالة و رسول بحكم التّبعيّة،فلعلّ هذا الاستخلاف من آثار تلك التّبعيّة.
و قيل:إنّ هذا كما يقول أحد المأمورين بمصلحة للآخر إذا أراد الذّهاب لأمر:كن عوضا عنّي،على معنى ابذل غاية وسعك و نهاية جهدك بحيث يكون فعلك فعل شخصين.(9:44)
المراغيّ: [ذكر وجه استخلافه كغيره](9:56)
ص: 47
ابن عاشور:معنى(اخلفنى)كن خلفا عنّي و خليفة،و هو الّذي يتولّى عمل غيره عند فقده، فتنتهي تلك الخلافة عند حضور المستخلف،فالخلافة وكالة،و فعل«خلف»:مشتقّ من الخلف بسكون اللاّم،و هو ضدّ الأمام،لأنّ الخليفة يقوم بعمل من خلفه عند مغيبه،و الغائب يجعل مكانه وراءه.(8:271)
مكارم الشّيرازيّ: [ذكر وجه نصبه هارون خليفة له و هو نبيّ مثله كما تقدّم](5:181)
...إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ. التّوبة:83
ابن عبّاس: مع النّساء و الصّبيان.(163)
مثله الحسن و قتادة(الماورديّ 2:388)، و البغويّ(2:376).
الخالفون:الرّجال.(الطّبريّ 6:438)
الرّجال الّذين تخلّفوا بغير عذر.(الثّعلبيّ 5:78)
هم الرّجال الّذين تخلّفوا بأعذار و أمراض.
(الماورديّ 2:388)
هم من تأخّر من المنافقين.(الطّوسيّ 5:314)
الضّحّاك: النّساء و الصّبيان و المرضى و الزّمنى.
(الثّعلبيّ 5:78)
نحوه الطّباطبائيّ.(9:360)
قتادة :أي مع النّساء.(الطّبريّ 6:438)
الفرّاء: من الرّجال،خلوف و خالفون،و النّساء خوالف:اللاّتي يخلفن في البيت فلا يبرجن.و يقال:
عبد خالف،و صاحب خالف،إذا كان مخالفا.
(1:447)
أبو عبيدة :الخالف الّذي خلف بعد شاخص فقعد في رحله،و هو من تخلّف عن القوم.و منه:اللّهمّ اخلفني في ولدي.
و يقال:فلان خالفة أهل بيته،أي مخالفهم إذا كان لا خير فيه.(1:265)
ابن قتيبة : ...اَلْخالِفِينَ واحدهم خالف،و هو من يخلف الرّجل في ماله و بيته.(191)
الجبّائيّ: هم كلّ من تأخّر لمرض أو نقص.
(الطّوسيّ 5:314)
الطّبريّ: يقول:فاقعدوا مع الّذين قعدوا من المنافقين خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّكم منهم،فاقتدوا بهديهم،و اعملوا مثل الّذي عملوا من معصية اللّه،فإنّ اللّه قد سخط عليكم.[إلى أن قال:]
ذكر لنا أنّهم كانوا اثنى عشر رجلا من المنافقين، قيل فيهم ما قيل...و الصّواب من التّأويل في قوله:
(الخالفين،)ما قال ابن عبّاس.
فأمّا ما قال قتادة:من أنّ ذلك النّساء،فقول لا معنى له،لأنّ العرب لا تجمع النّساء إذا لم يكن معهنّ رجال،بالياء و النّون،و لا بالواو و النّون.و لو كان معنيّا بذلك النّساء لقيل:فاقعدوا مع الخوالف،أو مع الخالفات.و لكن معناه ما قلنا،من أنّه أريد به فاقعدوا مع مرضى الرّجال و أهل زمانتهم،و الضّعفاء منهم، و النّساء.و إذا اجتمع الرّجال و النّساء في الخبر،فإنّ العرب تغلّب الذّكور على الإناث،و لذلك قيل:
ص: 48
فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ، و المعنى ما ذكرنا.
و لو وجّه معنى ذلك إلى:فاقعدوا مع أهل الفساد، من قولهم:خلف الرّجل عن أهله يخلف خلوفا،إذا فسد،و من قولهم:هو خلف سوء،كان مذهبا.و أصله إذا أريد به هذا المعنى،من قولهم:خلف اللّبن يخلف خلوفا،إذا خبث من طول وضعه في السّقاء حتّى يفسد،و من قولهم:خلف فم الصّائم،إذا تغيّرت ريحه.
(6:438)
النّحّاس: [نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]
فأمّا قول قتادة: فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ أي مع النّساء،فليس بصواب،لأنّ المؤنّث لا يجمع كذا، و لكن يكون المعنى مع الخالفين للفساد،و يجوز أن يكون المعنى:مع مرضى الرّجال،و أهل الزّمانة.
(3:241)
الثّعلبيّ: ...قيل:مع المخالفين...و قيل:ضعفاء النّاس.و يقال:خلاف أهله إذا كان ذويهم،و قيل:مع أهل الفساد،من قولهم:خلف الرّجل على أهله يخلف خلوفا إذا فسد...و قرأ مالك بن دينار (مع المخالفين) .
(5:78)
الطّوسيّ: قيل:معناه مع أهل الفساد،مشتقّا من قولهم:خلف خلوفا،أي تغيّر إلى الفساد.و قيل:
الخالف:كلّ من تأخّر عن الشّاخص.(5:314)
الزّمخشريّ: قرأ مالك بن دينار رحمه اللّه: (مع الخلفين) على قصر الخالفين.(2:206)
ابن عطيّة: [ذكر قول ابن عبّاس و اختاره، و قول قتادة و ردّه،ثمّ قول الطّبريّ و قال:]
و هذا تأويل مقحم،و الأوّل أفصح و أجرى على اللّفظة.و قرأ مالك بن دينار و عكرمة (مع الخلفين) و هو مقصور من الخالفين،كما قال:عردا و بردا،يريد عاردا و باردا.[ثمّ استشهد بشعر](3:66)
الطّبرسيّ: ...مَعَ الْخالِفِينَ في كلّ غزوة.[ثمّ نقل الأقوال الماضية في المراد بالخالفين](3:56)
الفخر الرّازيّ: [نقل الأقوال في تفسير الخالف ثمّ قال:]
إذا عرفت هذه الوجوه الثّلاثة،فلا شكّ أنّ اللّفظ يصلح حمله على كلّ واحد منها،لأنّ أولئك المنافقين كانوا موصوفين بجميع هذه الصّفات.
و اعلم أنّ هذه الآية تدلّ على أنّ الرّجل إذا ظهر له من بعض متعلّقيه مكر و خداع و كيد،و رآه مشدّدا فيه مبالغا في تقرير موجباته،فإنّه يجب عليه أن يقطع العلقة بينه و بينه،و أن يحترز عن مصاحبته.
(16:151)
القرطبيّ: (الخالفين:)جمع خالف،كأنّهم خلفوا الخارجين.[نقل بعض الأقوال في ذلك و قال:]
و هذا يدلّ على أنّ استصحاب المخذّل في الغزوات لا يجوز.(8:217)
البيضاويّ: أي المتخلّفين،لعدم لياقتهم للجهاد، كالنّساء و الصّبيان.و قرئ (مع الخلفين) على قصر الخالفين.(1:426)
نحوه الكاشانيّ.(2:363)
النّسفيّ: مع من تخلّف بعد.(2:139)
أبو حيّان :أي أقيموا،و ليس أمرا بالقعود الّذي
ص: 49
هو نظير الجلوس،و إنّما المراد منعهم من الخروج معه.[ثمّ نقل بعض الأقوال و قال:]
و قيل:الأخسّاء الأدنياء،من قولهم:فلان خالفة قومه،لأخسّهم و أرذلهم.و دلّت هذه الآية على توقّي صحبة من يظهر منه مكر و خداع و كيد،و قطع العلقة بينهما و الاحتراز منه.[و أدام الكلام في ذكر الأقوال]
(5:81)
الشّربينيّ: [نحو البيضاويّ ثمّ نقل كلام الرّازيّ:
و اعلم أنّ...](1:638)
أبو السّعود :أي المتخلّفين الّذين ديدنهم القعود و التّخلّف دائما.و قرئ (الخلفين) على القصر،فكان محو أساميهم من دفتر المجاهدين،و لزّهم في قرن الخالفين عقوبة لهم أيّ عقوبة.و تذكير اسم التّفضيل المضاف إلى المؤنّث هو الأكثر الدّائر على الألسنة، فإنّك لا تكاد تستمع قائلا يقول:هي كبرى امرأة أو أولى مرّة.(3:176)
البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]
فإن قيل:كانت أعمال المنافقين،من الشّهادة و الصّلاة و الزّكاة و الصّيام و الحجّ و الجهاد مقبولة عند النّبيّ عليه السّلام،و إن لم تكن مقبولة عند اللّه تعالى،فكان النّبيّ عليه السّلام يقول:نحن نحكم بالظّاهر،و اللّه يتولّى السّرائر،فما الحكمة في أنّ اللّه تعالى أمر النّبيّ عليه السّلام بأن لا يقبل من المتخلّفين أعمالهم من الخروج معه و القتال مع العدوّ و غير ذلك؟
قلنا:إنّ الحكمة في ذلك-و اللّه أعلم-أنّ المنافقين لمّا كانوا يظهرون الإسلام و الائتمار بأوامر النّبيّ عليه السّلام،مع[ما]كانوا يضمرون من الكفر و النّفاق، كانت أعمالهم مقبولة عند النّبيّ عليه السّلام،و سرائرهم موكولة إلى اللّه تعالى،طمعا في إنابتهم و رجوعهم من النّفاق إلى الوفاق،فلمّا أظهروا ما أضمروا ردّت إليهم أعمالهم،فكان الحكم بالظّاهر أيضا،فافهم.
قال العلماء:أخرجهم اللّه تعالى من ديوان الغزاة، و محا أساميهم من دفتر المجاهدين،و أبعد محلّهم من محفل صحبة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،عقوبة لهم على تخلّفهم،لما فيه من الإهانة،و إظهار نفاقهم،و بيان أنّهم ليسوا ممّن يتقوّى به الدّين و يعزّ الإسلام كالمؤمنين الخلّص.
(3:477)
الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ و غيره و أضاف:]
و الظّرف متعلّق بما عنده (1)أو بمحذوف وقع حالا من ضمير الجمع،و الفاء لتفريع الأمر بالقعود بطريق العقوبة،على ما صدر منهم من الرّضا بالقعود،أي إذا رضيتم بالقعود أوّل مرّة فاقعدوا من بعد.
و قرأ عكرمة (الخلفين) بوزن«حذرين»،و لعلّه صفة مشبّهة مثله،و قيل:هو مقصور من(الخالفين) إذ لم يثبت استعماله كذلك،على أنّه صفة مشبّهة.
(10:153)
المراغيّ: فاقعدوا أبدا مع الّذين تخلّفوا عن النّفر من الأشرار المفسدين،الّذين خرجوا عن سبيل المهتدين.و ربّما كان المراد ب(الخالفين:)الصّبيان و العجزة و النّساء الّذين لا يكلّفون القيام بشرفه.
ص: 50
الجهاد دفاعا عن الحقّ،و إعلاء لكلمة اللّه.(10:175)
ابن عاشور :(الخالفين:)جمع خالف،و هو الّذي يخلف الغازي في أهله،و كانوا يتركون لذلك من لا غناء له في الحرب،فكونهم مع الخالفين تعيير لهم.
(10:170)
مكارم الشّيرازيّ: ملاحظات:
1-لا شكّ أنّ هذه المجموعة من المنافقين كانوا قد ندموا على تخلّفهم و تابوا منه،و أنّهم لو قد قدّموا اقتراحهم هذا في ميدان قتال آخر من أجل غسل ذنبهم السّابق،لقبل اللّه تعالى منهم ذلك،و لم يردّهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فعلى هذا يتبيّن لنا أنّ طلبهم هذا بنفسه نوع من المراوغة و الشّيطنة و عمل نفاقيّ،أو قل:إنّه كان تكتيكا من أجل إخفاء الوجه القبيح لهم،و الاستمرار في أعمالهم السّابقة.
2-إنّ معنى كلمة«خالف»:المتخلّف،و هي إشارة إلى المتخلّفين عن الحضور في ساحات القتال، سواء كان تخلّفهم لعذر أو بدون عذر.
و البعض قال:إنّ«خالف»بمعنى مخالف،أي اذهبوا أيّها المخالفون و ضمّوا أصواتكم إلى المنافقين، لتكونوا جميعا صوتا واحدا.
و فسّرها البعض بأنّ معناها«فاسد»،لأنّ الخلوف بمعنى الفساد،و خالف بمعنى فاسد،قد وردت في اللّغة.
و يوجد احتمال آخر،و هو أنّه قد يراد من الكلمة جميع المعاني المذكورة،لأنّ المنافقين و أنصارهم توجد فيهم كلّ هذه الصّفات الرّذيلة.
3-و كذا ينبغي أن نذكر بأنّ المسلمين يجب أن يستفيدوا من طرق مجابهة المنافقين في الأعصار الماضية،و يطبّقوها في مواجهة منافقي محيطهم و مجتمعهم،كما يجب اتّباع نفس أسلوب النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و يجب الحذر من السّقوط في شباكهم و لو مرّة واحدة،و يجب أن لا ينخدع المسلم بهم،و لا يرقّ قلبه لدموع التّماسيح الّتي يذرفونها،فإنّ الرّجل المسلم لا يقع في نفس الشّراك و الاشتباه مرّتين،و إنّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين.(6:139)
1- رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ. التّوبة:87
ابن عبّاس: مع النّساء و الصّبيان.(163)
مجاهد :النّساء.
مثله الضّحّاك،و الحسن،و قتادة،و ابن زيد (الطّبريّ 6:442)و الكلبيّ(الماورديّ 2:390)، و الثّعلبيّ(5:80)،و البغويّ(2:378).و روي مثل ذلك عن الإمام الباقر عليه السّلام.(شبّر 3:105).
السّدّيّ: يقعدوا كما قعدت النّساء.(295)
مقاتل:مع المنافقين.(الماورديّ 2:390)
ابن شميّل: من لا خير فيه.(ابن عطيّة 3:68)
أبو عبيدة :يجوز أن يكون(الخوالف)هاهنا النّساء،و لا يكادون يجمعون الرّجال على تقدير «فواعل»غير أنّهم قد قالوا:فارس،و الجميع:
فوارس،و هالك في قوم هوالك.[ثمّ استشهد بشعر]
(1:265)
ص: 51
ابن قتيبة:(الخوالف)يقال:النّساء،و يقال:
هم خساس النّاس و أدنياؤهم.يقال:فلان خالفة أهله،إذا كان دونهم.(191)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:رضي هؤلاء المنافقون،الّذين إذا قيل لهم:آمنوا باللّه و جاهدوا مع رسوله،استأذنك أهل الغنى منهم في التّخلّف عن الغزو و الخروج معك،لقتال أعداء اللّه من المشركين،أن يكونوا في منازلهم،كالنّساء اللّواتي ليس عليهنّ فرض الجهاد،فهنّ قعود في منازلهنّ و بيوتهنّ.
(6:442)
الزّجّاج: (الخوالف:)النّساء،و قد يجوز أن يكون جمع:«خالفة»في الرّجال.و الخالف:الّذي هو غير منجب.و لم يأت في«فاعل»«فواعل»إلاّ في حرفين:فارس و فوارس،و هالك و هوالك.
(2:465)
النّحّاس: و أصله من:خلف اللّبن يخلف،إذا حمض من طول مكثه.و خلف فم الصّائم،إذا تغيّر ريحه.و منه:فلان خلف سوء،إلاّ أنّ«فواعل»جمع:
«فاعلة».(القرطبيّ 8:224)
الطّوسيّ: هم النّساء و الصّبيان و المرضى و المقعدون.(5:318)
نحوه الطّبرسيّ(3:58)،و مغنيّة(4:82).
الواحديّ: قال المفسّرون:يعني النّساء اللاّتي يخلفن في البيوت فلا يبرحن.(2:517)
ابن عطيّة: و قوله رَضُوا... تقريع و إظهار شنعة،كما يقال على وجه التّعيير:رضيت يا فلان.
و(الخوالف:)النّساء،جمع:خالفة،هذا قول جمهور المفسّرين،...و قالت فرقة:(الخوالف:)جمع خالف، فهو جار مجرى فوارس و نواكس و هوالك.(3:68)
الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:
[ذكر نحوا ممّا سبق ثمّ قال:]
قال الفرّاء:و لم يأت«فاعل»صيغة جمعه:
«فواعل»،إلاّ حرفان:فارس و فوارس،و هالك و هوالك.و القول الأوّل أولى،لأنّه أدلّ على القلّة و الذّلّة.قال المفسّرون:و كان يصعب على المنافقين تشبيههم بالخوالف.(16:157)
القرطبيّ: (الخوالف:)جمع خالفة،أي مع النّساء و الصّبيان و أصحاب الأعذار من الرّجال.
و قد يقال للرّجل:خالفة و خالف أيضا،إذا كان غير نجيب،يقال:فلان خالفة أهله،إذا كان دونهم.
و لا يجمع«فاعل»صفة على«فواعل»إلاّ في الشّعر، إلاّ في حرفين،و هما فارس و هالك.(8:223)
البيضاويّ: مع النّساء،جمع خالفة،و قد يقال الخالفة:للّذي لا خير فيه.(1:427)
نحوه أبو السّعود.(3:177)
النّسفيّ: أي النّساء،جمع خالفة.(2:140)
الشّربينيّ: جمع خالفة،أي النّساء اللاّتي تخلّفن في البيوت.و قيل:(الخوالف:)أدنياء النّاس و سفلتهم،يقال:فلان خالفة قومه،إذا كان دونهم.قال المفسّرون:كان يصعب على المنافقين تشبيههم بالخوالف.(1:640)
البروسويّ: أي مع النّساء المتخلّفات في البيوت
ص: 52
و الحيّ بعد أزواجهنّ،جمع خالفة،فالتّاء للتّأنيث،و قد يقال:الخالفة:الّذي لا خير فيه،فالتّاء للنّقل من الوصفيّة إلى الاسميّة،لا للتّأنيث.و لعلّ الوجه في تسمية من لا خير فيه من الرّجال«خالفة»كونه غير مجيب إلى ما دعي إليه من المهمّات.(3:481)
شبّر:الّذين تخلّفوا عن الجهاد،جمع خالفة.
(3:105)
الآلوسيّ: هو جمع خالفة،و أطلق على المرأة لتخلّفها عن أعمال الرّجال كالجهاد و غيره،و المراد:
ذمّهم و إلحاقهم بالنّساء في التّخلّف عن الجهاد.
و يطلق الخالفة على من لا خير فيه،و التّاء فيه للنّقل للاسميّة،و حمل بعضهم الآية على ذلك،فالمقصود حينئذ:من لا فائدة فيه للجهاد،و جمعه على«فواعل» على الأوّل ظاهر.و أمّا على الثّاني فلتأنيث لفظه، لأنّ«فاعلا»لا يجمع على«فواعل»في العقلاء الذّكور إلاّ شذوذا.(10:156)
ابن عاشور :(الخوالف:)جمع خالفة،و هي المرأة الّتي تتخلّف في البيت بعد سفر زوجها،فإن سافرت معه فهي الظّعينة،أي رضوا بالبقاء مع النّساء.
(10:175)
عبد الكريم الخطيب :أي قد سوّلت لهم أنفسهم أن يكونوا مع الخوالف،ممّن لا طول لهم و لا حول،من المرضى،و الزّمنى،و أصحاب العاهات و العلل، و الأطفال،و النّساء،و الإماء،و العبيد،رضوا أن يكونوا مع هذه الطّوائف من النّاس،و هم أصحاب طول و حول،لم يكن يرضيهم أبدا أن يكون بينهم و بين هذه الطّوائف،أمر جامع أو صفة مشتركة،فكيف و هم أصحاب الحول[و]الطّول ينزلون إلى هذا المستوى الّذي يضيفهم إلى مجتمع الصّبيان و العبيد؟ و لكن هكذا أرادوا أن يكونوا،و هكذا صنعوا بأيديهم هذا الثّوب الّذي لبسوه،ثوب الصّغار و الامتهان.
(5:862)
مكارم الشّيرازيّ: [ذكر معنى الخوالف كما سبق](6:146)
فضل اللّه :المتخلّفين من أصحاب الأعذار الّذين لا يملكون أيّة حيلة للمواجهة و للمجاهدة.
(11:181)
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى:
2- ...رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. التّوبة:93
1- وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً... البقرة:30
ابن مسعود:إنّ اللّه جلّ ثناؤه قال للملائكة:
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالوا:ربّنا و ما يكون ذلك الخليفة؟قال:يكون له ذرّيّة يفسدون في الأرض و يتحاسدون و يقتل بعضهم بعضا.
مثله ابن عبّاس.(الطّبريّ 1:237)
إنّه خليفة عن اللّه تعالى في إقامة شرعه،و دلائل توحيده،و الحكم في خلقه.
مثله مجاهد.(ابن الجوزيّ 1:60)
ص: 53
ابن عبّاس: (خليفة)بدلا منكم.(6)
أوّل من سكن الأرض الجنّ،فأفسدوا فيها و سفكوا فيها الدّماء و قتل بعضهم بعضا،فبعث اللّه إليهم إبليس في جند من الملائكة،فقتلهم إبليس و من معه حتّى ألحقهم بجزائر البحور و أطراف الجبال،ثمّ خلق آدم فأسكنه إيّاها،فلذلك قال: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً. (الطّبريّ 1:236)
الحسن :أي خلفا يخلف بعضهم بعضا،و هم ولد آدم الّذين يخلفون أباهم آدم،و يخلف كلّ قرن منهم القرن الّذي سلف قبله.(الطّبريّ 1:237)
ابن إسحاق :ساكنا و عامرا يسكنها و يعمرها خلفا،ليس منكم.(الطّبريّ 1:236)
ابن زيد :قال اللّه تعالى ذكره للملائكة:إنّي أريد أن أخلق في الأرض خلقا و أجعل فيها خليفة.و ليس للّه يومئذ خلق إلاّ الملائكة،و الأرض ليس فيها خلق.
(الطّبريّ 1:237)
الطّبريّ: الخليفة:الفعيلة،من قولك:خلف فلان فلانا في هذا الامر،إذا قام مقامه فيه بعده،كما قال جلّ ثناؤه: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يونس:14،يعني بذلك أنّه أبدلكم في الأرض منهم فجعلكم خلفاء بعدهم،و من ذلك قيل للسّلطان الأعظم:خليفة،لأنّه خلف الّذي كان قبله،فقام بالأمر مقامه،فكان منه خلفا.يقال منه:
خلف الخليفة يخلف خلافة و خلّيفى.
و كان ابن إسحاق يقول:ساكنا و عامرا يسكنها و يعمرها خلقا ليس منكم.
و ليس الّذي قال ابن إسحاق في معنى الخليفة بتأويلها،و إن كان اللّه جلّ ثناؤه إنّما أخبر ملائكته أنّه جاعل في الأرض خليفة يسكنها،و لكن معناها ما وصفت قبل.
فإن قال قائل:فما الّذي كان في الأرض قبل بني آدم لها عامرا،فكان بنو آدم بدلا منه و فيها منه خلفا؟
قيل:قد اختلف أهل التّأويل في ذلك.[و نقل القول الثّالث لابن عبّاس و قال:]
فعلى هذا القول إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً من الجنّ،يخلفونهم فيها،فيسكنونها و يعمرونها.[ثمّ ذكر قول الحسن و ابن زيد و قال:]
و هذا القول يحتمل ما حكي عن الحسن،و يحتمل أن يكون أراد ابن زيد أنّ اللّه أخبر الملائكة أنّه جاعل في الأرض خليفة له يحكم فيها بين خلقه بحكمه.
[ثمّ نقل رواية ابن مسعود و قال:]
فكان تأويل الآية على هذه الرّواية الّتي ذكرناها عن ابن مسعود و ابن عبّاس:إنّي جاعل في الأرض خليفة منّي يخلفني في الحكم بين خلقي،و ذلك الخليفة هو آدم و من قام مقامه،في طاعة اللّه و الحكم بالعدل بين خلقه.و أمّا الإفساد و سفك الدّماء بغير حقّها فمن غير خلفائه،و من غير آدم و من قام مقامه في عباد اللّه، لأنّهما أخبرا أنّ اللّه جلّ ثناؤه قال لملائكته إذ سألوه ما ذاك الخليفة؟إنّه خليفة يكون له ذرّيّة يفسدون في الأرض و يتحاسدون و يقتل بعضهم بعضا،فأضاف الإفساد و سفك الدّماء بغير حقّها إلى ذرّيّة خليفته دونه،و أخرج منه خليفته.
ص: 54
و هذا التّأويل و إن كان مخالفا في معنى الخليفة ما حكي عن الحسن من وجه،فموافق له من وجه:فأمّا موافقته إيّاه،فصرف متأوّليه إضافة الإفساد في الأرض و سفك الدّماء فيها إلى غير الخليفة،و أمّا مخالفته إيّاها،فإضافتهما الخلافة إلى آدم بمعنى استخلاف اللّه إيّاه فيها،و إضافة الحسن الخلافة إلى ولده بمعنى خلافة بعضهم بعضا،و قيام قرن منهم مقام قرن قبلهم،و إضافة الإفساد في الأرض و سفك الدّماء إلى الخليفة.[ثمّ أطال الكلام فيما دعا المتأوّلين إلى هذا التّأويل،فلاحظ:](1:236)
ابن الأنباريّ: الأصل في الخليفة:خليف بغير هاء،فدخلت الهاء للمبالغة في مدحه بهذا الوصف، كما قالوا:علاّمة و نسّابة و راوية.
(ابن الجوزيّ 1:60)
القمّيّ: (خليفة)يكون حجّة لي في الأرض على خلقي.(1:36)
الثّعلبيّ: (خليفة)أي بدلا منكم و رافعكم إليّ، سمّي خليفة لأنّه يخلف الذّاهب و يجيء بعده،فالخليفة من يتولّى إمضاء الأمر عن الآمر.و قرأ زيد بن عليّ:
(خليقة) بالقاف.[ثمّ ذكر خلق الملائكة و الجنّ و ما وقع بين الجنّ من الحسد و البغي،ثمّ خلق الإنسان،فلاحظ](1:175)
نحوه البغويّ.(1:101)
الطّوسيّ: [ذكر معنى الخليفة،ثمّ الفرق بين الخلف و الخلف،ثمّ وجه تسمية آدم خليفة كما سبق عن غيره](1:131)
القشيريّ: يقال:إنّ اللّه سبحانه و تعالى خلق ما خلق من الأشياء،و لم يقل في شأن شيء منه ما قال في حديث آدم؛حيث قال: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فظاهر هذا الخطاب يشبه المشاورة لو كان من المخلوقين.و الحقّ سبحانه و تعالى خلق الجنان بما فيها،و العرش بما هو عليه من انتظام الأجزاء و كمال الصّورة،و لم يقل:إنّي خالق عرشا أو جنّة أو ملكا، و إنّما قال تشريفا و تخصيصا لآدم: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً. (1:86)
الواحديّ: [ذكر معنى الخليفة،و أنّ أصلها:
خليف،و التّاء للمبالغة،و جمعها:خلفاء،نظير ما سبق عن غيره](1:113)
الزّمخشريّ: الخليفة:من يخلف غيره،و المعنى:
خليفة منكم،لأنّهم[الملائكة]كانوا سكّان الأرض، فخلفهم فيها آدم و ذرّيّته.
فإن قلت:فهلاّ قيل:خلائف أو خلفاء؟
قلت:أريد ب«الخليفة»آدم،و استغني بذكره عن ذكر بنيه،كما يستغنى بذكر أبي القبيلة في قولك:مضر و هاشم،أو أريد من يخلفكم،أو خلفا يخلفكم،فوحّد لذلك.
و قرئ (خليفة) بالقاف.و يجوز أن يريد خليفة منّي،لأنّ آدم كان خليفة اللّه في أرضه،و كذلك كلّ نبيّ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ص:26.
فإن قلت:لأيّ غرض أخبرهم بذلك؟
قلت:ليسألوا ذلك السّؤال و يجابوا بما أجيبوا به، فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم،صيانة لهم
ص: 55
عن اعتراض الشّبهة في وقت استخلافهم.
و قيل:ليعلّم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها،و عرضها على ثقاتهم و نصائحهم،و إن كان هو بعلمه و حكمته البالغة غنيّا عن المشاورة.
(1:271)
نحوه النّسفيّ.(1:40)
ابن عطيّة: (خليفة)معناه من يخلف.[و نقل قول الحسن ثمّ قال:]
ففي هذا القول،يحتمل أن تكون[خليفة]بمعنى خالفة،و بمعنى مخلوفة.(1:117)
الطّبرسيّ: أراد ب«الخليفة»:آدم عليه السّلام،فهو خليفة اللّه في أرضه،يحكم بالحقّ...و قيل:إنّما سمّى اللّه تعالى آدم خليفة،لأنّه جعل آدم و ذرّيّته خلفاء للملائكة،لأنّ الملائكة كانوا سكّان الأرض...
(1:74)
الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:[إلى أن قال:]
المسألة الخامسة:اختلفوا في أنّ المراد من قوله:
وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً كلّ الملائكة أو بعضهم،فروى الضّحّاك عن ابن عبّاس:أنّه سبحانه و تعالى إنّما قال هذا القول:
للملائكة الّذين كانوا محاربين مع إبليس،لأنّ اللّه تعالى لمّا أسكن الجنّ الأرض فأفسدوا فيها و سفكوا الدّماء و قتل بعضهم بعضا،بعث اللّه إبليس في جند من الملائكة،فقتلهم إبليس بعسكره،حتّى أخرجوهم من الأرض و ألحقوهم بجزائر البحر،فقال تعالى لهم:
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
و قال الأكثرون من الصّحابة و التّابعين:إنّه تعالى قال ذلك لجماعة الملائكة من غير تخصيص،لأنّ لفظ الملائكة يفيد العموم،فيكون التّخصيص خلاف الأصل.[إلى أن قال:]
المسألة الثّامنة:[ذكر معنى الخليفة و أنّ المراد به آدم و ذرّيّته،ثمّ وجه تسمية خليفة بوجهين،ثمّ قال:]
فإن قيل:ما الفائدة في أن قال اللّه تعالى للملائكة:
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً مع أنّه منزّه عن الحاجة إلى المشورة؟
و الجواب من وجهين:
الأوّل:أنّه تعالى علم أنّهم إذا اطّلعوا على ذلك السّرّ أوردوا عليه ذلك السّؤال،فكانت المصلحة تقتضي إحاطتهم بذلك الجواب،فعرّفهم هذه الواقعة لكي يوردوا ذلك السّؤال،و يسمعوا ذلك الجواب.
الوجه الثّاني:أنّه تعالى علّم عباده المشاورة.
(2:165)
القرطبيّ: فيه سبع عشرة مسألة:[إلى أن قال:]
الثّالثة:قوله تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً... (خليفة)يكون بمعنى فاعل،أي يخلف من كان قبله من الملائكة في الأرض،أو من كان قبله من غير الملائكة،على ما روي.و يجوز أن يكون(خليفة) بمعنى مفعول أي مخلف،كما يقال:ذبيحة بمعنى مفعولة.و الخلف بالتّحريك من الصّالحين،و بتسكينها من الطّالحين،هذا هو المعروف.و(خليفة)بالفاء قراءة الجماعة،إلاّ ما روي عن زيد بن عليّ فإنّه قرأ (خليقة) بالقاف.
ص: 56
و المعنيّ ب«الخليفة»هنا في قول ابن مسعود و ابن عبّاس و جميع أهل التّأويل:آدم عليه السّلام،و هو خليفة اللّه في إمضاء أحكامه و أوامره،لأنّه أوّل رسول إلى الأرض،كما في حديث أبي ذرّ،قال:قلت:يا رسول اللّه أ نبيّا كان مرسلا؟قال:«نعم...»،الحديث.و يقال:
لمن كان رسولا و لم يكن في الأرض أحد،فيقال:كان رسولا إلى ولده،و كانوا أربعين ولدا في عشرين بطنا، في كلّ بطن ذكر و أنثى،و توالدوا حتّى كثروا،كما قال اللّه تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَ نِساءً النّساء:1،و أنزل عليهم تحريم الميتة و الدّم و لحم الخنزير.و عاش تسعمائة و ثلاثين سنة،هكذا ذكر أهل التّوراة.و روي عن وهب بن منبّه أنّه عاش ألف سنة،و اللّه أعلم.
الرّابعة:هذه الآية أصل في نصب إمام و خليفة يسمع له و يطاع،لتجتمع به الكلمة،و تنفّذ به أحكام الخليفة.و لا خلاف في وجوب ذلك بين الأمّة و لا بين الأئمّة،إلاّ ما روي عن الأصمّ حيث كان عن الشّريعة أصمّ،و كذلك كلّ من قال بقوله و اتّبعه على رأيه و مذهبه،قال:إنّها غير واجبة في الدّين،بل يسوغ ذلك،و أنّ الأمّة متى أقاموا حجّهم و جهادهم، و تناصفوا فيما بينهم،و بذلوا الحقّ من أنفسهم، و قسّموا الغنائم و الفيء و الصّدقات على أهلها، و أقاموا الحدود على من وجبت عليه،أجزأهم ذلك، و لا يجب عليهم أن ينصبوا إماما يتولّى ذلك.و دليلنا قول اللّه تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30،و قوله تعالى: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ص:26،و قال: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ النّور:55،أي يجعل منهم خلفاء،إلى غير ذلك من الآي.(1:261)
البيضاويّ: و الخليفة:من يخلف غيره و ينوب منابه،و الهاء فيه للمبالغة،و المراد به:آدم عليه الصّلاة و السّلام،لأنّه كان خليفة اللّه في أرضه،و كذلك كلّ نبيّ استخلفهم اللّه في عمارة الأرض و سياسة النّاس و تكميل نفوسهم و تنفيذ أمره فيهم،لا لحاجة له تعالى إلى من ينوبه،بل لقصور المستخلف عليه عن قبول فيضه،و تلقّي أمره بغير وسط،و لذلك لم يستنبئ ملكا،كما قال اللّه تعالى: وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً الأنعام:9.
أ لا ترى أنّ الأنبياء لمّا فاقت قوّتهم،و اشتعلت قريحتهم بحيث يكاد زيتها يضيء و لو لم تمسسه نار، أرسل إليهم الملائكة و من كان منهم أعلى رتبة،كلّمه بلا واسطة،كما كلّم موسى عليه السّلام في الميقات،و محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة المعراج.و نظير ذلك في الطّبيعة أنّ العظم لمّا عجز عن قبول الغذاء من اللّحم لما بينهما من التّباعد،جعل الباري تعالى بحكمته بينهما الغضروف المناسب لهما، ليأخذ من هذا و يعطي ذلك.
أو خليفة من سكن الأرض قبله،أو هو و ذرّيّته، لأنّهم يخلفون من قبلهم،أو يخلف بعضهم بعضا.
و إفراد اللّفظ:إمّا للاستغناء بذكره عن ذكر بنيه،كما استغني بذكر أبي القبيلة في قولهم:مضر و هاشم.أو على تأويل من يخلفكم،أو خلقا يخلفكم.
ص: 57
و فائدة قوله تعالى هذا للملائكة،تعليم المشاورة، و تعظيم شأن المجعول،بأن بشّر بوجوده سكّان ملكوته،و لقّبه بالخليفة قبل خلقه،و إظهار فضله الرّاجح على ما فيه من الفاسد بسؤالهم و جوابه، و بيان أنّ الحكمة تقتضي إيجاد ما يغلب خيره،فإنّ ترك الخير الكثير لأجل الشّرّ القليل،شرّ كثير إلى غير ذلك.(1:45)
نحوه الشّربينيّ.(1:45)
النّيسابوريّ: [ذكر معنى الخليفة و أنّه صالح للواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث،و أنّ جمعه:خلائف و خلفاء،ثمّ قال:]
و إنّما وحّد بتأويل من يخلف أو خلفا يخلف.
و بالحقيقة:الإنسان يخلف جميع المكوّنات من الرّوحانيّات و الجسمانيّات،و السّماويّات و الأرضيّات،و لا يخلفه شيء منها؛إذ لم يجتمع في شيء منها ما اجتمع فيه،و ليس للعالم مصباح يضيء بنار نور اللّه،فيظهر أنوار صفاته خلافة عنه إلاّ مصباح الإنسان،لأنّه أعطي مصباح السّرّ في زجاجة القلب، و الزّجاجة في مشكاة الجسد،و في زجاجة القلب زيت الرّوح يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ من صفاء العقل وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ النّور:35،و النّور في مصباح السّرّ فتيلة الخفاء،فإذا استنار مصباحه بنار نور اللّه كان خليفة اللّه في أرضه،فيظهر أنوار صفاته في هذا العالم بالعدل و الإحسان،و الرّأفة و الرّحمة،و اللّطف و القهر،و لا تظهر هذه الصّفات لا على الحيوان و لا على الملك،فاعلم.(1:231)
أبو حيّان:[ذكر أنّه بمعنى الخالف أو المخلوف، و أنّ الخليفة هو آدم،و هو خليفة عن الملائكة أو عن الجنّ أو عن إبليس،أو الخليفة ذرّيّته،ثم قال:]
و في المستخلف فيه آدم قولان:
أحدهما:الحكم بالحقّ و العدل.
الثّاني:عمارة الأرض،يزرع و يحصد،و يبني و يجري الأنهار.
و قرأ زيد بن عليّ و أبو البرهسم عمران (خليقة) بالقاف،و معناه واضح.
و خطاب اللّه الملائكة بقوله: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً إن كان للملائكة الّذين حاربوا مع إبليس الجنّ،فيكون ذلك عامّا بأنّه رافعهم إلى السّماء،و مستخلف في الأرض،آدم و ذرّيّته.[ثمّ نقل قول الثّعلبيّ و أضاف:]
و إن كان الملائكة جميع الملائكة،فسبب القول إرادة اللّه أن يطّلع الملائكة على ما في نفس إبليس من الكبر،و أن يظهر ما سبق عليه في علمه،روي عن ابن عبّاس و عن السّدّيّ عن أشياخه،و أن يبلوا طاعة الملائكة،قاله الحسن،أو أن يظهر عجزهم عن الإحاطة بعلمه،أو أن يعظّم آدم بذكر الخلافة قبل وجوده،ليكونوا مطمئنّين له إذا وحّدوا،أو أن يعلمهم بخلقه ليسكن الأرض و إن كان ابتداء خلقه في السّماء،و أن يعلّمنا أن نشاور ذوي الأحلام منّا و أرباب المعرفة؛إذ استشار الملائكة اعتبارا لهم مع علمه بحقائق الأشياء،أو أن يتجاوز الخطاب بما ذكر فيحصل منهم الاعتراف و الرّجوع عمّا كانوا يظنّون
ص: 58
من كمال العلم،أو أن يظهر علوّ قدر آدم في العلم بقوله لآدم: أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ البقرة:33،أو أن يعلّمنا الأدب معه،و امتثال لأمر عقلنا معناه أو لم نعقله،لتحصل بذلك الطّاعة المحضة،أو أن تطمئنّ قلوب الملائكة حين خلق اللّه النّار،فخافت.و سألت:
لمن خلقت هذا؟قال:لمن عصاني؛إذ لم يعلموا وجود خلق سواهم،قاله ابن زيد.
و قال بعض أهل الإشارة في قوله: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً سابق العناية لا يؤثّر فيه حدوث الجناية،و لا يحطّ عن رتبة الولاية،و ذلك أنّه تعالى نصب آدم خليفة عنه في أرضه،مع علمه بما يحدث عنه من مخالفة أمره الّتي أوجبت له الإخراج من دار الكرامة،و أهبطه إلى الأرض الّتي هي محلّ الأكدار، و مع ذلك لم يسلبه ما ألبسه من خلع كرامته،و لا حطّه عن رتبة خلافته،بل أجزل له في العطيّة فقال: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى طه:122.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:إنّ اللّه سبحانه خلق ما خلق،و لم يقل في شيء منها ما قال في حديث آدم؛حيث قال: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فظاهر هذا الخطاب تنبيه لشرف خلق الجنان و ما فيها،و العرش بما هو عليه من انتظام الأجزاء و كمال الصّورة،و لم يقل:إنّي خالق عرشا أو جنّة أو ملكا،و إنّما قال ذلك تشريفا و تخصيصا لآدم.(1:140)
أبو السّعود : إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً في حيّز النّصب على أنّه مقول(قال)،و صيغة الفاعل بمعنى المستقبل،و لذلك عملت عمله.و فيها ما ليس في صيغة المضارع من الدّلالة على أنّه فاعل ذلك لا محالة،و هي من«الجعل»بمعنى التّصيير المتعدّي إلى مفعولين،فقيل:أوّلهما:(خليفة،)و ثانيهما:الظّرف المتقدّم،على ما هو مقتضى الصّناعة،فإنّ مفعولي التّصيير في الحقيقة اسم صار و خبره،أوّلهما الأوّل، و ثانيهما الثّاني،و هما مبتدأ و خبر،و الأصل:في الأرض خليفة،ثمّ قيل:صار في الأرض خليفة،ثمّ مصير في الأرض خليفة،فمعناه بعد اللّتيّا و الّتي:إنّي جاعل خليفة من الخلائف،أو خليفة بعينه كائنا في الأرض،فإنّ خبر«صار»في الحقيقة هو الكون المقدّر العامل في الظّرف.و لا ريب في أنّ ذلك ليس ممّا يقتضيه المقام أصلا،و إنّما الّذي يقتضيه هو الإخبار بجعل آدم عليه السّلام خليفة فيها،كما يعرب عنه جواب الملائكة عليهم السّلام.فإذن قوله تعالى(خليفة) مفعول ثان،و الظّرف متعلّق ب(جاعل،)قدّم على المفعول الصّريح لما مرّ من التّشويق إلى ما أخّر،أو بمحذوف وقع حالا ممّا بعده لكونه نكرة،و أمّا المفعول الأوّل فمحذوف،تعويلا على القرينة الدّالّة عليه،كما في قوله تعالى: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِياماً النّساء:5،حذف فيه المفعول الأوّل، و هو ضمير«الأموال»،لدلالة الحال عليه،و كذا في قوله تعالى: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ آل عمران:180،حيث حذف فيه المفعول الأوّل،لدلالة(يبخلون)عليه،أي لا يحسبنّ البخلاء بخلهم هو خيرا لهم،و لا ريب في
ص: 59
تحقّق القرينة هاهنا.
أمّا إن حمل على الحذف عند وقوع المحكيّ،فهي واضحة لوقوعه في أثناء ذكره على ما سنفصّله، كأنّه قيل:إنّي خالق بشرا من طين و جاعل في الأرض خليفة.و أمّا إن حمل على أنّه لم يحذف هناك، بل قيل مثلا:و جاعل إيّاه خليفة في الأرض،لكنّه حذف عند الحكاية،فالقرينة ما ذكر من جواب الملائكة عليهم السّلام.
قال العلاّمة الزّمخشريّ في تفسير قوله تعالى:
إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ص:
71:إن قلت:كيف صحّ أن يقول لهم بشرا و ما عرفوا ما البشر و لا عهدوا به؟
قلت:وجهه أن يكون قد قال لهم:إنّي خالق خلقا من صفته كيت و كيت،و لكنّه حين حكاه اقتصر على الاسم،انتهى.
فحيث جاز الاكتفاء عند الحكاية عن ذلك التّفصيل بمجرّد الاسم من غير قرينة تدلّ عليه،فما ظنّك بما نحن فيه و معه قرينة ظاهرة.
و يجوز أن يكون من«الجعل»بمعنى الخلق المتعدّي إلى مفعول واحد هو(خليفة)،و حال الظّرف في التّعلّق و التّقديم كما مرّ،فحينئذ لا يكون ما سيأتي من كلام الملائكة مترتّبا عليه بالذّات،بل بالواسطة،فإنّه روي أنّه تعالى لمّا قال لهم: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالوا:ربّنا و ما يكون ذلك الخليفة؟قال تعالى:
يكون له ذرّيّة يفسدون في الأرض،و يتحاسدون، و يقتل بعضهم بعضا،فعند ذلك قالوا ما قالوا،و اللّه تعالى أعلم.[ثمّ ذكر معنى الخليفة،و أنّ المراد به آدم و بنوه،ثمّ قال:]
و المراد بالخلافة:إمّا الخلافة من جهته سبحانه في إجراء أحكامه و تنفيذ أوامره بين النّاس و سياسة الخلق،لكن لا لحاجة به تعالى إلى ذلك،بل لقصور استعداد المستخلف عليهم،و عدم لياقتهم لقبول الفيض بالذّات،فتختصّ بالخواصّ من بنيه،و إمّا الخلافة ممّن كان في الأرض قبل ذلك،فتعمّ حينئذ الجميع.(1:109)
البروسويّ: (خليفة)و هو آدم عليه السّلام،لأنّه خلف الجنّ و جاء بعدهم،و لأنّه خليفة اللّه في أرضه، أي أريد أن أخلق في الأرض بدلا منكم و رافعكم إليّ، فكرهوا ذلك،لأنّهم كانوا أهون الملائكة عبادة.
و اعلم أنّ اللّه تعالى يحفظ العالم بالخليفة،كما يحفظ الخزائن بالختم،و هو القطب الّذي لا يكون في كلّ عصر إلاّ واحدا،فالبدء كان بآدم عليه السّلام،و الختام يكون بعيسى عليه السّلام،و الحكمة في الاستخلاف قصور المستخلف عليه عن قبول فيضه،و تلقّي أمره بغير واسطة،لأنّ المفيض تعالى في غاية التّنزّه و التّقدّس، و المستفيض منغمس غالبا في العلائق الدّنيئة كالأكل و الشّرب و غيرهما،و العوائق الطّبيعيّة كالأوصاف الذّميمة،فالاستفاضة منه إنّما تحصل بواسطة ذي جهتين،أي ذي جهة التّجرّد وجهة التّعلّق،و هو الخليفة أيّا كان،و لذا لم يستنبئ اللّه ملكا،فإنّ البشر لا يقدر على الاستفادة منه لكونه خلاف جنسه،أ لا ترى أنّ العظم لمّا عجز عن أخذ الغذاء من اللّحم لما
ص: 60
بينهما من التّباعد،جعل اللّه تعالى بحكمته بينهما الغضروف المناسب لهما،ليأخذ من اللّحم و يعطي العظم،و جعل السّلطان الوزير بينه و بين رعيّته،إذ هم أقرب إلى قبولهم منه،و جعل المستوقد الحطب اليابس بين النّار و بين الحطب الرّطب.
و فائدة قوله تعالى: لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً أربعة أمور:
الأوّل:تعليم المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها،و عرضها على ثقاتهم و نصحائهم،و إن كان هو بعلمه و حكمته البالغة غنيّا عن المشاورة.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:أعقل الرّجال لا يستغني عن مشاورة أولي الألباب،و أفره الدّوابّ لا يستغني عن السّوط، و أورع النّساء لا تستغني عن الزّوج.
و الثّاني:تعظيم شأن المجعول بأن بشّر بوجوده سكّان ملكوته،و لقّبه بالخليفة قبل خلقه.
و الثّالث:إظهار فضله الرّاجح على ما فيه من المفاسد بسؤالهم،و هو قوله: أَ تَجْعَلُ...، و جوابه و هو قوله: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ.
و الرّابع:بيان أنّ الحكمة تقتضي ما يغلب خيره، فإنّ ترك الخير الكثير لأجل الشّرّ القليل شرّ كثير، كقطع العضو الّذي فيه آكلة شرّ قليل،و سلامة جميع البدن خير كثير،فلو لم يقطع ذلك العضو،سرت تلك الآفة إلى جميع البدن و أدّت إلى الهلاك الّذي هو شرّ كثير.(1:93)
الآلوسيّ: الخليفة:من يخلف غيره و ينوب عنه، و الهاء للمبالغة،و لهذا يطلق على المذكّر.و المشهور أنّ المراد به:آدم عليه السّلام،و هو الموافق للرّواية،و لإفراد اللّفظ،و لما في السّياق.و نسبة سفك الدّم و الفساد إليه حينئذ بطريق التّسبّب،أو المراد ب مَنْ يُفْسِدُ إلخ من فيه قوّة ذلك،و معنى كونه خليفة:أنّه خليفة اللّه تعالى في أرضه،و كذا كلّ نبيّ استخلفهم في عمارة الأرض، و سياسة النّاس و تكميل نفوسهم،و تنفيذ أمره فيهم، لا لحاجة به تعالى،و لكن لقصور المستخلف عليه،لما أنّه في غاية الكدورة و الظّلمة الجسمانيّة،و ذاته تعالى في غاية التّقدّس.و المناسبة شرط في قبول الفيض على ما جرت به العادة الإلهيّة،فلا بدّ من متوسّط ذي جهتي تجرّد و تعلّق،ليستفيض من جهة،و يفيض بأخرى.
و قيل:هو و ذرّيّته عليه السّلام،و يؤيّده ظاهر قول الملائكة،فإلزامهم حينئذ بإظهار فضل آدم عليهم، لكونه الأصل المستتبع من عداه،و هذا كما يستغنى بذكر أبي القبيلة عنهم،إلاّ أنّ ذكر الأب بالعلم،و ما هنا بالوصف.و معنى كونهم خلفاء:أنّهم يخلفون من قبلهم من الجنّ،بني الجانّ أو من إبليس،و من معه من الملائكة المبعوثين لحرب أولئك،على ما نطقت به الآثار،أو أنّه يخلف بعضهم بعضا.
و عند أهل اللّه تعالى المراد بالخليفة:آدم،و هو عليه السّلام خليفة اللّه تعالى و أبو الخلفاء،و المجلي له سبحانه و تعالى،و الجامع لصفتي جماله و جلاله،و لهذا جمعت له اليدان،و كلتاهما يمين،و ليس في الموجودات من وسع الحقّ سواه،و من هنا قال الخليفة الأعظم صلّى اللّه عليه و سلّم:
ص: 61
«إن اللّه تعالى خلق آدم على صورته أو على صورة الرّحمن»و به جمعت الأضداد،و كملت النّشأة و ظهر الحقّ،و لم تزل تلك الخلافة في الإنسان الكامل إلى قيام السّاعة و ساعة القيام،بل متى فارق هذا الإنسان العالم مات العالم،لأنّه الرّوح الّذي به قوامه،فهو العماد المعنويّ للسّماء،و الدّار الدّنيا جارحة من جوارح جسد العالم الّذي الإنسان روحه.
و لمّا كان هذا الاسم الجامع قابل الحضرتين بذاته، صحّت له الخلافة و تدبير العالم،و اللّه سبحانه الفعّال لما يريد،و لا فاعل على الحقيقة سواه،و في القيام ضيق،و المنكرون كثيرون،و لا مستعان إلاّ باللّه عزّ و جلّ.
و فائدة قوله تعالى هذا للملائكة تعليم المشاورة، لأنّ هذه المعاملة تشبهها،أو تعظيم شأن المجعول و إظهار فضله.و يحتمل أنّه سبحانه أراد بذلك تعريف آدم عليه السّلام لهم ليعرفوا قدره،لأنّه باطن عن الصّورة الكونيّة بما عنده من الصّورة الإلهيّة،و ما يعرفه لبطونه من الملإ الأعلى إلاّ اللّوح و القلم.
و كان هذا القول على ما ذكره الشّيخ الأكبر قدّس سرّه في دولة السّنبلة،بعد مضيّ سبعة عشر ألف سنة من عمر الدّنيا،و من عمر الآخرة الّتي لا نهاية له في الدّوام ثمانية آلاف سنة،و من عمر العالم الطّبيعيّ المقيّد بالزّمان المحصور بالمكان إحدى و سبعون ألف سنة، من السّنين المعروفة الحاصلة أيّامها من دورة الفلك الأوّل،هو يوم و خمسا يوم من أيّام ذي المعارج،و للّه تعالى الأمر من قبل و من بعد،و قرأ زيد بن عليّ:
( خليقة )بالقاف و المعنى واضح.(1:220)
القاسميّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
أو تعظيم شأن المجعول،و إظهار فضله،بأن بشرّ بوجود سكّان ملكوته،و نوّه بذكره في الملإ الأعلى قبل إيجاده،و لقّبه بالخليفة.(2:94)
المراغيّ: أي و اذكر لقومك مقال ربّك للملائكة:
إنّي جاعل آدم خليفة عن نوع آخر كان في الأرض، و انقرض بعد أن أفسد في الأرض و سفك الدّماء، و سيحلّ هو محلّه،يرشد إلى ذلك قوله تعالى بعد ذكر إهلاك القرون: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ يونس:14،و من ثمّ استنبط الملائكة سؤالهم بالقياس عليه،و على هذا فليس آدم أوّل أصناف العقلاء من الحيوان في الأرض.
و يرى جمع من المفسّرين أنّ المراد بالخلافة:
الخلافة عن اللّه في تنفيذ أوامره بين النّاس،و من ثمّ اشتهر:«الإنسان خليفة اللّه في الأرض»و يشهد له قوله تعالى: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ص:26.
و هذا الاستخلاف يشمل استخلاف بعض أفراد الإنسان على بعض،بأن يوحي بشرائعه على ألسنة أناس منهم يصطفيهم،ليكونوا خلفاء عنه، و استخلاف هذا النّوع على غيره من المخلوقات بما ميّزه به من قوّة العقل،و إن كنّا لا نعرف سرّها و لا ندرك كنهها،و هو بهذه القوّة غير محدود الاستعداد و لا محدود العلم،يتصرّف في الكون تصرّفا لا حدّ له، فهو يبتدع و يفتنّ في المعدن و النّبات،و في البرّ و البحر
ص: 62
و الهواء،و يغيّر شكل الأرض فيجعل الماحل خصبا، و الحزن سهلا،و يولّد بالتّلقيح أزواجا من النّبات لم تكن،و يتصرّف في أنواع الحيوان كما شاء بضروب التّوليد،و يسخّر كلّ ذلك لخدمته.
و لا أدلّ على حكمة اللّه من جعل الإنسان الّذي اختصّ بهذه المواهب خليفة في الأرض،يظهر عجائب صنعه و أسرار خليقته.(1:80)
ابن عاشور :و الخليفة في الأصل:الّذي يخلف غيره أو يكون بدلا عنه في عمل يعمله،فهو«فعيل» بمعنى«فاعل»و التّاء فيه للمبالغة في الوصف كالعلاّمة.
و المراد من«الخليفة»هنا:إمّا المعنى المجازيّ،و هو الّذي يتولّى عملا يريده المستخلف مثل الوكيل و الوصيّ،أي جاعل في الأرض مدبّرا يعمل ما نريده في الأرض،فهو استعارة أو مجاز مرسل و ليس بحقيقة، لأنّ اللّه تعالى لم يكن حالاّ في الأرض و لا عاملا فيها العمل الّذي أودعه في الإنسان،و هو السّلطنة على موجودات الأرض،و لأنّ اللّه تعالى لم يترك عملا كان يعمله فوكله إلى الإنسان،بل التّدبير الأعظم لم يزل للّه تعالى،فالإنسان هو الموجود الوحيد الّذي استطاع بما أودع اللّه في خلقته أن يتصرّف في مخلوقات الأرض، بوجوه عظيمة لا تنتهي،خلاف غيره من الحيوان.
و إمّا أن يراد من«الخليفة»:معناه الحقيقيّ،إذا صحّ أنّ الأرض كانت معمورة من قبل بطائفة من المخلوقات يسمّون الحن و البن-بحاء مهملة مكسورة و نون في الأوّل،و بموحّدة مكسورة و نون في الثّاني-.
و قيل:اسمهم الطّم و الرّم-بفتح أوّلهما-و أحسبه من المزاعم،و أنّ وضع هذين الاسمين من باب قول النّاس:
هيّان بن بيّان،إشارة إلى غير موجود أو غير معروف.
و لعلّ هذا أنجز لأهل القصص من خرافات الفرس أو اليونان،فإنّ الفرس زعموا أنّه كان قبل الإنسان في الأرض جنس اسمه الطّم و الرّم،و كان اليونان يعتقدون أنّ الأرض كانت معمورة بمخلوقات تدعى«التّيتان»و أنّ«زفس»و هو«المشتري»كبير الأرباب في اعتقادهم،جلاهم من الأرض لفسادهم.
و كلّ هذا ينافيه سياق الآية،فإنّ تعقيب ذكر خلق الأرض ثمّ السّماوات بذكر إرادته تعالى جعل الخليفة، دليل على أنّ جعل الخليفة كان أوّل الأحوال على الأرض بعد خلقها،فالخليفة هنا الّذي يخلف صاحب الشّيء في التّصرّف في مملوكاته،و لا يلزم أن يكون المخلوف مستقرّا في المكان من قبل،فالخليفة آدم، و خلفيّته:قيامه بتنفيذ مراد اللّه تعالى من تعمير الأرض بالإلهام أو بالوحي،و تلقين ذرّيّته مراد اللّه تعالى من هذا العالم الأرضيّ،و ممّا يشمله هذا التّصرّف تصرّف آدم بسنن النّظام لأهله و أهاليهم،على حسب وفرة عددهم و اتّساع تصرّفاتهم،فكانت الآية من هذا الوجه إيماء إلى حاجة البشر إلى إقامة خليفة لتنفيذ الفصل بين النّاس في منازعاتهم؛إذ لا يستقيم نظام يجمع البشر بدون ذلك.
و قد بعث اللّه الرّسل و بيّن الشّرائع،فربّما اجتمعت الرّسالة و الخلافة،و ربّما انفصلتا بحسب ما أراد اللّه من شرائعه،إلى أن جاء الإسلام فجمع
ص: 63
الرّسالة و الخلافة،لأنّ دين الإسلام غاية مراد اللّه تعالى من الشّرائع و هو الشّريعة الخاتمة،و لأنّ امتزاج الدّين و الملك هو أكمل مظاهر الخطّتين،قال تعالى:
وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ النّساء:
64،و لهذا أجمع أصحاب رسول اللّه بعد وفاة النّبيّ على إقامة الخليفة،لحفظ نظام الأمّة و تنفيذ الشّريعة، و لم ينازع في ذلك أحد من الخاصّة و لا من العامّة،إلاّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى، من جفاة الأعراب،و دعاة الفتنة،فالمناظرة مع أمثالهم سدى.[كيف و قد خالفهم عليّ و أصحابه؟أ هو من جفاة الأعراب و دعاة الفتنة؟نعوذ باللّه]
و للخليفة شروط محلّ بيانها كتب الفقه و الكلام، و ستجيء مناسبتها في آيات آتية.
و الظّاهر أنّ خطابه تعالى هذا للملائكة كان عند إتمام خلق آدم عند نفخ الرّوح فيه،أو قبل النّفخ.
و الأوّل أظهر،فيكون المراد بالمخبر عن جعله خليفة هو ذلك المخلوق،كما يقول الّذي كتب كتابا بحضرة جليس:إنّي مرسل كتابا إلى فلان،فإنّ السّامع يعلم أنّ المراد أنّ ذلك الّذي هو بصدد كتابته،كتاب لفلان.
و يجوز أن يكون خطابهم بذلك قبل خلق آدم،و على الوجوه كلّها يكون اسم الفاعل في قوله:(جاعل) للزّمن المستقبل،لأنّ وصف الخليفة لم يكن ثابتا لآدم ساعتئذ.
و قول اللّه هذا موجّه إلى الملائكة على وجه الإخبار،ليسوقهم إلى معرفة فضل الجنس الإنسانيّ على وجه يزيل ما علم اللّه أنّه في نفوسهم،من سوء الظّنّ بهذا الجنس،و ليكون كالاستشارة لهم تكريما لهم،فيكون تعليما في قالب تكريم،مثل إلقاء المعلّم فائدة للتّلميذ في صورة سؤال و جواب و ليسنّ الاستشارة في الأمور،و لتنبيه الملائكة على ما دقّ و خفي من حكمة خلق آدم،كذا ذكر المفسّرون.
و عندي أنّ هاته الاستشارة جعلت لتكون حقيقة مقارنة في الوجود لخلق أوّل البشر،حتّى تكون ناموسا أشربته نفوس ذرّيّته،لأنّ مقارنة شيء من الأحوال و المعاني لتكوين شيء ما،تؤثر تآلفا بين ذلك الكائن و بين المقارن.و لعلّ هذا الاقتران يقوم في المعاني الّتي لا توجد إلاّ تبعا لذوات مقام أمر التّكوين في الذّوات،فكما أنّ أمره إذا أراد شيئا،أي إنشاء ذات،أن يقول له:كن،فيكون،كذلك أمره إذا أراد اقتران معنى بذات أو جنس أن يقدّر حصول مبدإ ذلك المعنى عند تكوين أصل ذلك الجنس أو عند تكوين الذّات،أ لا ترى أنّه تعالى لمّا أراد أن يكون قبول العلم من خصائص الإنسان علّم آدم الأسماء عند ما خلقه.
و هذا هو وجه مشروعيّة تسمية اللّه تعالى عند الشّروع في الأفعال،ليكون اقتران ابتدائها بلفظ اسمه تعالى مفيضا للبركة،على جميع أجزاء ذلك الفعل، و لهذا أيضا طلبت منّا الشّريعة تخيّر أكمل الحالات و أفضل الأوقات للشّروع في فضائل الأعمال و مهمّات المطالب،و تقدّم هذا في الكلام على البسملة و سنذكر ما يتعلّق بالشّورى عند قوله تعالى:
وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ آل عمران:159.
ص: 64
و أسندت حكاية هذا القول إلى اللّه سبحانه بعنوان الرّبّ،لأنّه قول منبئ عن تدبير عظيم في جعل الخليفة في الأرض،ففي ذلك الجعل نعمة تدبير مشوب بلطف و صلاح،و ذلك من معاني الرّبوبيّة،كما تقدّم في قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الفاتحة:2،و لمّا كانت هذه النّعمة شاملة لجميع النّوع،أضيف وصف الرّبّ إلى ضمير أشرف أفراد النّوع،و هو النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم مع تكريمه بشرف حضور المخاطبة.(1:385)
مغنية:[ذكر أنّ المراد بالخليفة آدم و ذرّيّته، و سمّاهم خليفة،لأنّ اللّه أو كل الأرض للإنسان]
(1:80)
الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ...، سيأتي الكلام في معنى القول منه تعالى،و كذا القول من الملائكة و الشّيطان إنشاء اللّه.
قوله تعالى: قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ، إلى قوله: وَ نُقَدِّسُ لَكَ مشعر بأنّهم إنّما فهموا وقوع الإفساد و سفك الدّماء من قوله سبحانه: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، حيث إنّ الموجود الأرضيّ بما أنّه مادّيّ مركّب من القوى الغضبيّة و الشّهويّة،و الدّار دار التّزاحم،محدودة الجهات،وافرة المزاحمات،مركّباتها في معرض الانحلال،و انتظاماتها و إصلاحاتها في مظنّة الفساد و مصبّ البطلان،لا تتمّ الحياة فيها إلاّ بالحياة النّوعيّة، و لا يكمل البقاء فيها إلاّ بالاجتماع و التّعاون،فلا تخلو من الفساد و سفك الدّماء،ففهموا من هناك أنّ الخلافة المرادة لا تقع في الأرض إلاّ بكثرة من الأفراد،و نظام اجتماعيّ بينهم يفضي بالأخرة إلى الفساد و السّفك.
و الخلافة:و هي قيام شيء مقام آخر،لا تتمّ إلاّ بكون الخليفة حاكيا للمستخلف في جميع شئونه الوجوديّة،و آثاره و أحكامه و تدابيره بما هو مستخلف.و اللّه سبحانه في وجوده مسمّى بالأسماء الحسنى،متّصف بالصّفات العليا،من أوصاف الجمال و الجلال،منزّه في نفسه عن النّقص،و مقدّس في فعله عن الشّرّ و الفساد،جلّت عظمته.و الخليفة الأرضيّ بما هو كذلك لا يليق بالاستخلاف،و لا يحكي بوجوده المشوب،بكلّ نقص و شين الوجود الإلهيّ المقدّس المنزّه عن جميع النّقائص و كلّ الأعدام،فأين التّراب و ربّ الأرباب؟.
و هذا الكلام من الملائكة في مقام تعرّف ما جهلوه،و استيضاح ما أشكل عليهم من أمر هذا الخليفة،و ليس من الاعتراض و الخصومة في شيء.
و الدّليل على ذلك قولهم فيما حكاه اللّه تعالى عنهم:
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ حيث صدّر الجملة ب(انّ) التّعليليّة المشعرة بتسلّم مدخولها،فافهم.
فملخّص قولهم يعود إلى أنّ جعل الخلافة إنّما هو لأجل أن يحكي الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده، و تقديسه له بوجوده.و الأرضيّة لا تدعه يفعل ذلك، بل تجرّه إلى الفساد و الشّرّ.و الغاية من هذا الجعل، و هي التّسبيح و التّقديس بالمعنى الّذي مرّ من الحكاية،حاصلة بتسبيحنا بحمدك و تقديسنا لك، فنحن خلفاؤك،أو فاجعلنا خلفاء لك،فما فائدة جعل هذه الخلافة الأرضيّة لك؟فردّ اللّه سبحانه ذلك عليهم
ص: 65
بقوله: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ* وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها.
و هذا السّياق يشعر أوّلا:بأنّ الخلافة المذكورة إنّما كانت خلافة اللّه تعالى،لا خلافة نوع من الموجود الأرضيّ،كانوا في الأرض قبل الإنسان و انقرضوا،ثمّ أراد اللّه تعالى أن يخلفهم بالإنسان،كما احتمله بعض المفسّرين؛و ذلك لأنّ الجواب الّذي أجاب سبحانه به عنهم،و هو تعليم آدم الأسماء لا يناسب ذلك.و على هذا فالخلافة غير مقصورة على شخص آدم عليه السّلام،بل بنوه يشاركونه فيها من غير اختصاص.
و يكون معنى تعليم الأسماء:إيداع هذا العلم في الإنسان،بحيث يظهر منه آثاره تدريجا دائما،و لو اهتدى إلى السّبيل،أمكنه أن يخرجه من القوّة إلى الفعل.
و يؤيّد عموم الخلافة قوله تعالى: إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ الأعراف:69،و قوله تعالى:
ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ يونس:14،و قوله تعالى: وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ النّمل:62.
و ثانيا:أنّه سبحانه لم ينف عن خليفة الأرض الفساد و سفك الدّماء،و لا كذّب الملائكة في دعواهم التّسبيح و التّقديس،و قرّرهم على ما ادّعوا،بل إنّما أبدا شيئا آخر،و هو أنّ هناك أمرا لا يقدر الملائكة على حمله و لا تحمّله،و يتحمّله هذا الخليفة الأرضيّ،فإنّه يحكي عن اللّه سبحانه أمرا و يتحمّل منه سرّا ليس في وسع الملائكة،و لا محالة يتدارك بذلك أمر الفساد و سفك الدّماء.
و قد بدّل سبحانه قوله: قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ، ثانيا بقوله: أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، و المراد بهذا«الغيب»هو الأسماء لا علم آدم بها،فإنّ الملائكة ما كانت تعلم أنّ هناك أسماء لا يعلمونها،لا أنّهم كانوا يعلمون وجود أسماء كذلك و يجهلون من آدم أنّه يعلمها،و إلاّ لما كان لسؤاله تعالى إيّاهم عن الأسماء وجه،و هو ظاهر،بل كان حقّ المقام أن يقتصر بقوله: قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ، حتّى يتبيّن لهم أنّ آدم يعلمها،لا أن يسأل الملائكة عن ذلك.فإنّ هذا السّياق يعطي أنّهم ادّعوا الخلافة و أذعنوا بانتفائها عن آدم،و كان اللاّزم أن يعلم الخليفة بالأسماء،فسألهم عن الأسماء فجهلوها و علمها آدم،فثبت بذلك لياقته لها و انتفائها عنهم، و قد ذيّل سبحانه السّؤال بقوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، و هو مشعر بأنّهم كانوا ادّعوا شيئا كان لازمه العلم بالأسماء.(1:115)
عبد الكريم الخطيب :حين أصبحت الأرض صالحة لاستقبال الكائن البشريّ،أعلن اللّه تعالى في الملإ الأعلى هذا الخبر،و آذن الملائكة بأنّ كائنا بشريّا سوف يظهر في الكوكب الأرضيّ،و سيتولّى قيادة هذا الكوكب،و يكون خليفة اللّه فيه.
و الآية صريحة في أنّ هذا الكائن البشريّ أرضيّ المولد و النّشأة و الموطن،و أنّه من طينة الأرض نشأ، و في الأرض يتقلّب،و في شئونها يتصرّف، إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، هكذا من أوّل الأمر،فلم يكن آدم ابن السّماء،فلمّا عصى ربّه طرد منه،
ص: 66
ليكون خليفة اللّه على الأرض،و لو كان ذلك كذلك، لما كان للملائكة أن ينفسوا على آدم هذه الخلافة،الّتي تبدو في هذا التّصوّر عقوبة و تجريما،أكثر منها حباء و تكريما.
و لكن آدم و هو ابن الماء و الطّين،لا يتوقّع منه إلاّ أن ينضح بما في الماء و الطّين،و بما يتخلّق من الماء و الطّين،من طبائع بهيميّة،تغرى بالعدوان و الفساد، و هذا ما جعل الملائكة يقولون هذا القول بين يدي اللّه، في آدم و ما يتوقّع منه،فما هو إلاّ إنسان في مسلاخ حيوان ذي مخالب و أنياب،و ذلك قبل أن يكشف اللّه لهم عن ملكات أخرى لهذا الكائن التّرابيّ،لا يملكها الملائكة في عالمهم العلويّ،عالم النّور و الصّفاء،و تلك آيات بيّنات،تشهد لقدرة الخالق العظيم.(1:49)
مكارم الشّيرازيّ: [حكى الخلاف في المنوب عنه كغيره و اختار أنّ الحقّ هو اللّه](1:137)
فضل اللّه :(...خليفة)يملك العقل و الإرادة، و حرّيّة الحركة،و إمكانات الإبداع،و تنوّع الإنتاج، لينظّم لها حركتها،و ليدبّر أوضاعها،و يصنع فيها مجتمعاتها الّتي تمتلئ بها ساحاتها،فيكون الإنسان في الأرض تماما،كما الملائكة في السّماء،مع فارق نوعيّ، أنّ الإنسان مخلوق حرّ،بينما الملائكة مجبولون على الطّاعة.(1:215)
2- يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ... ص:26
ابن عبّاس: نبيّا ملكا على بني إسرائيل.(382)
السّدّيّ: أي جعلناك ملكا في الأرض.(411)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و قلنا لداود:يا داود إنّا استخلفناك في الأرض من بعد من كان قبلك من رسلنا حكما بين أهلها.(10:575)
أبو مسلم الأصفهانيّ: جعلناك خلف من مضى من الأنبياء في الدّعاء،إلى توحيد اللّه تعالى و عدله و بيان شرائعه.(الطّبرسيّ 4:473)
الماورديّ: فيه وجهان:
أحدهما:خليفة للّه تعالى،و تكون الخلافة هي النّبوّة.
الثّاني:خليفة لمن تقدّمك،لأنّ الباقي خليفة الماضي،و تكون الخلافة هي الملك.(5:90)
الطّوسيّ: الخليفة:هو المدبّر للأمور من قبل غيره بدلا من تدبيره،فداود لمّا جعل اللّه إليه تدبير الخلق فكان بذلك خليفة،و لذلك يقال:فلان خليفة اللّه في أرضه،إذا جعل إليه تدبير عباده بأمره.
و قيل:معناه جعلناك خليفة لمن كان قبلك من رسلنا.(8:556)
نحوه القشيريّ(5:252)،و شبّر(5:282).
الواحديّ: تدبّر أمور العباد من قبلنا بأمرنا.
(3:549)
نحوه البغويّ(4:66)،و الطّبرسيّ(4:473)، و ابن الجوزيّ(7:124).
الزّمخشريّ: أي استخلفناك على الملك في الأرض،كمن يستخلفه بعض السّلاطين على بعض البلاد و يملّكه عليها،و منه قولهم:خلفاء اللّه في أرضه.
ص: 67
أو جعلناك خليفة ممّن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحقّ،و فيه دليل على أنّ حاله بعد التّوبة بقيت على ما كانت عليه لم تتغيّر.(3:371)
نحوه البيضاويّ(2:308)،و النّسفيّ(4:39)، و أبو السّعود(5:358).
ابن عطيّة: استدلّ بعض النّاس من هذه الآية على احتياج الأرض إلى خليفة من اللّه تعالى.و ليس هذا بلازم من الآية،بل لزومه من الشّرع و الإجماع، و لا يقال خليفة اللّه إلاّ لرسوله.و أمّا الخلفاء فكلّ واحد منهم خليفة الّذي قبله،و ما يجيء في الشّعر من تسمية أحدهم خليفة اللّه،فذلك تجوّز و غلوّ.[ثمّ استشهد بشعر]
أ لا ترى أنّ الصّحابة رضي اللّه عنهم حرّروا هذا المعنى،فقالوا لأبي بكر الصّدّيق:خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و بهذا كان يدعى مدّته،فلمّا ولّى عمر قالوا:يا خليفة خليفة رسول اللّه،فطال الأمر،و رأوا أنّه في المستقبل سيطول أكثر،فدعوه أمير المؤمنين،و قصّر هذا الاسم على الخلفاء.(4:502)
الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا تمّم الكلام في شرح القصّة،[قصّة داود و أوريا]أردفها ببيان أنّه تعالى فوّض إلى داود خلافة الأرض.و هذا من أقوى الدّلائل على فساد القول المشهور في تلك القصّة،لأنّ من البعيد جدّا أن يوصف الرّجل بكونه ساعيا في سفك دماء المسلمين،راغبا في انتزاع أزواجهم منهم،ثمّ يذكر عقيبه أنّ اللّه تعالى فوّض خلافة الأرض إليه.
ثمّ نقول في تفسير كونه خليفة وجهان:
الأوّل:جعلناك تخلف من تقدّمك من الأنبياء في الدّعاء إلى اللّه تعالى،و في سياسة النّاس،لأنّ خليفة الرّجل من يخلفه؛و ذلك إنّما يعقل في حقّ من يصحّ عليه الغيبة،و ذلك على اللّه محال.
الثّاني:إنّا جعلناك مالكا للنّاس و نافذ الحكم فيهم،فبهذا التّأويل يسمّى خليفة،و منه يقال:خلفاء اللّه في أرضه.و حاصله:أنّ خليفة الرّجل يكون نافذ الحكم في رعيّته،و حقيقة الخلافة ممتنعة في حقّ اللّه، فلمّا امتنعت الحقيقة جعلت اللّفظة مفيدة اللّزوم في تلك الحقيقة،و هو نفاذ الحكم.(26:199)
القرطبيّ: أي ملّكناك لتأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر،فتخلف من كان قبلك من الأنبياء و الأئمّة الصّالحين.(15:188)
أبو حيّان :جعله تعالى داود خليفة في الأرض، يدلّ على مكانته عليه السّلام عنده و اصطفائه،و يدفع[ما]في صدر من نسب إليه شيئا ممّا لا يليق بمنصب النّبوّة.
و احتمل لفظ«خليفة»أن يكون معناه:تخلف من تقدّمك من الأنبياء أن يعلى قدرك بجعلك ملكا نافذ الحكم،و منه قيل:خلفاء اللّه في أرضه.[ثمّ نقل كلام ابن عطيّة](7:395)
الشّربينيّ: أي تدبّر أمر العباد بأمرنا.[ثمّ قال نحو الفخر الرّازيّ](3:410)
البروسويّ: الخلافة:النّيابة عن الغير:إمّا لغيبة المنوب عنه،و إمّا لموته،و إمّا لعجزه،و إمّا لتشريف المستخلف.و على هذا الوجه الأخير استخلف اللّه أولياءه في الأرض؛إذ الوجوه الأوّل محال في حقّ اللّه
ص: 68
تعالى،فالخليفة عبارة عن الملك النّافذ الحكم،و هو من كان طريقته و حكومته على طريقة النّبيّ و حكومته، و السّلطان أعمّ،و الخلافة في خصوص مرتبة الإمامة أيضا أعمّ.
و المعنى استخلفناك على الملك في الأرض، و الحكم فيما بين أهلها،أي جعلناك أهل تصرّف،نافذ الحكم في الأرض،كمن يستخلفه بعض السّلاطين على بعض البلاد و يملّكه عليها.و كان النّبوّة قبل داود في سبط و الملك في سبط آخر،فأعطاهما تعالى داود عليه السّلام فكان يدبّر أمر العباد بأمره تعالى.
و فيه دليل بيّن على أنّ حاله عليه السّلام بعد التّوبة كما كان قبلها لم يتغيّر قطّ،بل زادت اصطفائيّته،كما قال في حقّ آدم عليه السّلام ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى طه:122.
قال بعض كبراء المكاشفين:ثمّ المكانة الكبرى و المكانة الزّلفى الّتي خصّه اللّه بها التّنصيص على خلافته،و لم يفعل ذلك مع أحد من أبناء جنسه و هم الأنبياء،و إن كان فيهم خلفاء.
فإن قلت:آدم عليه السّلام قد نصّ اللّه على خلافته، فليس داود مخصوصا بالتّنصيص على خلافته.
قلنا:ما نصّ على خلافة آدم مثل التّنصيص على خلافة داود،و إنّما قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30،فيحتمل أن يكون الخليفة الّذي أراده اللّه غير آدم،بأن يكون بعض أولاده،و لو قال أيضا:«إنّي جاعل آدم»،لم يكن مثل قوله: إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً ص:26،بضمير الخطاب في حقّ داود،فإنّ هذا محقّق ليس فيه احتمال غير المقصود...
و كان مدّة ملك داود أربعين سنة ممّا وهبه الخليفة الأوّل من عمره،فإنّ آدم وهب لداود من عمره ستّين سنة،فلذا كان خليفة في الأرض كما كان آدم خليفة فيها.
و في الآية إشارة إلى معان مختلفة:
منها:أنّ الخلافة الحقيقيّة ليست بمكتسبة للإنسان و إنّما هي عطاء و فضل من اللّه يؤتيه من يشاء،كما قال تعالى: إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً ص:26،أي أعطيناك الخلافة.
و منها:أنّ استعداد الخلافة مخصوص بالإنسان كما قال تعالى: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ الأنعام:165.
و منها:أنّ الإنسان و إن خلق مستعدّا للخلافة و لكن بالقوّة،فلا يبلغ درجاتها بالفعل إلاّ الشّواذّ منهم.
و منها:أنّ الجعليّة تتعلّق بعالم المعنى،كما أنّ الخلقيّة تتعلّق بعالم الصّورة،و لهذا لمّا أخبر اللّه تعالى عن صورة آدم قال: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ص:
71،و لمّا أخبر عن معناه قال: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30.
و منها:أنّ الرّوح الإنسانيّ هو الفيض الأوّل،و هو أوّل شيء تعلّق به أمر«كن»،و لهذا نسبه إلى أمره، فقال تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي الإسراء:85، فلمّا كان الرّوح هو الفيض الأوّل،كان خليفة اللّه.
و منها:أنّ الرّوح الإنسانيّ خليقة اللّه بذاته و صفاته:أمّا بذاته فلأنّه كان له وجود من جود
ص: 69
وجوده بلا واسطة،فوجوده كان خليفة وجود اللّه.
و أمّا بصفاته فلأنّه كان له صفات من جود صفات اللّه بلا واسطة،فكلّ وجود و صفات تكون بعد وجود الخليفة،يكون خليفة خليفة اللّه بالذّات و الصّفات،و هلمّ جرّا إلى أن يكون القالب الإنسانيّ هو أسفل سافلين الموجودات،و آخر شيء لقبول الفيض الإلهيّ،و أقلّ حظّ من الخلافة.
فلمّا أراد اللّه أن يجعل الإنسان خليفة خليفته في الأرض،خلق لخليفة روحه منزلا صالحا لنزول الخليفة فيه و هو قالبه،و أعدّ له عرشا فيه،ليكون محلّ استوائه عليه و هو القلب،و نصب له خادما و هو النّفس،فلو بقي الإنسان على فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها،يكون روحه مستفيضا من الحقّ تعالى، فائضا بخلافة الحقّ تعالى على عرش القلب،و القلب فائض بخلافة الرّوح على خادم النّفس،و النّفس فائضة بخلافة القلب على القالب،و القالب فائض بخلافة النّفس على الدّنيا و هي أرض اللّه،فيكون الرّوح بهذه الأسباب و الآلات خليفة اللّه في أرضه، بحكمه و أمره بتواقيع الشّرائع.
و منها:أنّ من خصوصيّة الخلافة الحكم بين النّاس بالحقّ،و الإعراض عن الهوى بترك متابعته، كما أنّ من خصوصيّة أكل الحلال العمل الصّالح،قال تعالى: كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً المؤمنون:51.
و منها:أنّ اللّه تعالى جعل داود الرّوح خليفة في أرض الإنسانيّة،و جعل القلب و السّرّ و النّفس و القالب و الحواسّ و القوى و الأخلاق و الجوارح و الأعضاء كلّها رعيّة له،ثمّ على قضيّة:«كلّكم راع و كلّكم مسئول عن رعيّته»أمر بأن يحكم بين رعيّته بالحقّ،أي بأمر الحقّ لا بأمر الهوى،كما قال تعالى:
فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ ص:26،أي بحكم اللّه تعالى،فإنّ الخلافة مقتضية له حتما،و حكم اللّه بين خلقه هو العدل المحض،و به يكون الحاكم عادلا لا جائرا.(8:20)
الآلوسيّ: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ إمّا حكاية لما خوطب به عليه السّلام مبيّنة لزلفاه عنده عزّ و جلّ،و إمّا مقول لقول مقدّر معطوف على (غفرنا)،أو حال من فاعله،أي و قلنا له أو قائلين له:
يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ أي استخلفناك على الملك فيها و الحكم فيما بين أهلها،أو جعلناك خليفة ممّن قبلك من الأنبياء القائمين بالحقّ، و هو على الأوّل مثل:فلان خليفة السّلطان،إذا كان منصوبا من قبله لتنفيذ ما يريده،و على الثّاني من قبيل هذا الولد خليفة عن أبيه،أي سادّ مسدّه،قائم بما كان يقوم به،من غير اعتبار لحياة و موت و غيرهما.
و الأوّل أظهر و المنّة به أعظم،فهو عليه السّلام خليفة اللّه تعالى بالمعنى الّذي سمعت.[إلى أن قال:]
و ذهب الشّيخ الأكبر محي الدّين قدّس سرّه إلى أنّ الخليفة من الرّسل من فوّض إليه التّشريع.و لعلّه من جملة اصطلاحاته،و لا مشاحّة في الاصطلاح.
و استدلّ بعضهم بالآية على احتياج الأرض إلى خليفة من اللّه عزّ و جلّ،و هو قول من أوجب على اللّه
ص: 70
تعالى نصب الإمام،لأنّه من اللّطف الواجب عليه سبحانه،و الجماعة لا يقولون بذلك،و الإمامة عندهم من الفروع و إن ذكروها في كتب العقائد،و ليس في الآية ما يلزم منه ذلك،كما لا يخفى.و تحقيق المطلب في محلّه.(23:186)
القاسميّ: أي استخلفناك على الملك في الأرض، كمن يستخلفه بعض السّلاطين على بعض البلاد و يملّكه عليها،و منه قولهم:خلفاء اللّه في أرضه.
(14:5094)
المراغيّ: أي يا داود إنّا استخلفناك في الأرض، و جعلناك نافذ الحكم بين الرّعيّة،لك الملك و السّلطان، و عليهم السّمع و الطّاعة،لا يخالفون لك أمرا، و لا يقيمون في وجهك عصا.(23:112)
ابن عاشور :الخليفة:الّذي يخلف غيره في عمل، أي يقوم مقامه فيه.فإن كان مع وجود المخلوف عنه قيل:هو خليفة فلان،و إن كان بعد ما مضى المخلوف قيل:هو خليفة من فلان.و المراد هنا المعنى الأوّل بقرينة قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ.
فالمعنى:أنّه خليفة اللّه في إنفاذ شرائعه للأمّة المجعول لها خليفة،ممّا يوحي به إليه،و ممّا سبق من الشّريعة الّتي أوحي إليه العمل بها،و خليفة عن موسى عليه السّلام و عن أحبار بني إسرائيل الأوّلين المدعوّين بالقضاة،أو خليفة عمّن تقدّمه في الملك و هو شاول.(23:140)
مغنيّة:كلّ إنسان وجد أو يوجد فهو خليفة اللّه في أرضه،بمعنى أنّه مسئول أمام اللّه عن العمل في هذه الحياة لخير الدّنيا و الآخرة.هذا معنى خلافة الإنسان في الأرض أيّا كان.
و الفرق بين الأفراد إنّما هو في نوع العمل المسئول عنه؛حيث يطلب من كلّ حسب طاقته و مهنته،و بما أنّ وظيفة الأنبياء هي التّبشير و التّحذير كيلا يكون للنّاس على اللّه الحجّة،وجب عليهم الحكم بين النّاس بالحقّ،و على غيرهم السّمع و الطّاعة.(6:375)
الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ الكلام بتقدير القول، و التّقدير:فغفرنا له ذلك،و قلنا يا داوُدُ... إلخ.
و ظاهر الخلافة أنّها خلافة اللّه،فتنطبق على ما في قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30،و من شأن الخلافة أن يحاكي الخليفة من استخلفه في صفاته و أعماله.فعلى خليفة اللّه في الأرض أن يتخلّق بأخلاق اللّه،و يريد و يفعل ما يريده اللّه،و يحكم و يقضي ما يقضي به اللّه،- و اللّه يقضي بالحقّ-و يسلك سبيل اللّه و لا يتعدّاها.
و لذلك فرّع على جعل خلافته قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ، و هذا يؤيّد أنّ المراد بجعل خلافته:إخراجها من القوّة إلى الفعل في حقّه،لا مجرّد الخلافة الشّأنيّة،لأنّ اللّه أكمله في صفاته،و آتاه الملك يحكم بين النّاس.
و قول بعضهم:«إنّ المراد بخلافته المجعولة،خلافته ممّن قبله من الأنبياء،و تفريع قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ، لأنّ الخلافة نعمة عظيمة شكرها العدل،أو أنّ المترتّب هو مطلق الحكم بين النّاس الّذي هو من آثار الخلافة،و تقييده ب(الحقّ)لأنّ سداده به»
ص: 71
تصرّف في اللّفظ من غير شاهد.(17:194)
مكارم الشّيرازيّ: محتوى هذه الآية-الّتي تتحدّث عن مقام داود الرّفيع و الوظائف المهمّة الّتي كلّف بها-تبيّن أنّ القصص الخياليّة و الكاذبة الّتي نسجت بشأن زواج داود من زوجة«أوريا»كلّها كاذبة،و لا أساس لها من الصّحّة.
فهل يمكن أن ينتخب الباري عزّ و جلّ شخصا ينظر إلى شرف المؤمنين و المقرّبين منه بعين خئونة، و يلوّث يده بدم الأبرياء،خليفة له في الأرض،و يمنحه حكم القضاء المطلق؟!
هذه الآية تضمّ خمس جمل،كلّ واحدة منها تتابع الحديث عن حقيقة معيّنة:
الأولى:تتابع خلافة داود في الأرض،فهل المقصود منها خلافته للأنبياء السّابقين،أم أنّها تعني خلافة اللّه؟المعنى الثّاني أنسب من المعنى الأوّل، و يتطابق مع ما جاء في الآية:30،من سورة البقرة:
وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.
بالطّبع فإنّ المعنى الواقعيّ للخلافة لا يتعلّق باللّه، و لكنّه يأتي في مورد وفاة شخص أو غيابه.و المراد من الخلافة هنا:هو أن يكون نائبا للّه بين العباد،و المنفّذ لأوامر اللّه سبحانه و تعالى في الأرض.هذه الجملة تبيّن أنّ الحكومة في الأرض يجب أن تستلهم شرعيّتها من الحكومة الإلهيّة،و أيّ حكومة لا تستلهم شرعيّتها من الحكومة الإلهيّة،فإنّها حكومة ظالمة و غاصبة...
(14:445)
فضل اللّه:في ما أعطاك اللّه من موقع الخلافة الشّرعيّة في الأرض،من خلال صفتك الرّساليّة الّتي تبلّغ فيها الرّسالة للنّاس و تحرّكها في حياتهم، و تجسّدها واقعا حيّا في صفاتك الشّخصيّة الّتي تتمثّل فيها المعاني الرّوحيّة،حتّى ترسخ قيم الرّسالة في حياة النّاس،و الالتزام الشّرعيّ الأخلاقيّ بكلّ حلالها و حرامها،لتكون قدوة لهم.و ليست هذه الخلافة مجرّد حالة تكريميّة،أو موقع عمليّ في حركة الحياة العامّة بعيدا عن موقع السّلطة الحاكمة،بل هي حركة في الحكم و السّلطة العادلة.(19:253)
1- وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ....
الأنعام:165
ابن عبّاس: خلف الأمم الماضية في الأرض.
(123)
جعلهم خلفا من الجانّ سكّانا للأرض.
(الماورديّ 2:196)
السّدّيّ: إنّ اللّه أهلك القرون و استخلفنا في الأرض بعدها.(256)
الفرّاء: جعلت أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم خلائف كلّ الأمم.
(1:367)
أبو عبيدة :واحدهم:خليفة في الأرض بعد خليفة.[ثمّ استشهد بشعر](1:209)
ابن قتيبة :أي سكّان الأرض يخلف بعضكم
ص: 72
بعضا،واحدهم:خليفة.(164)
مثله السّجستانىّ.(64)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و أمّته:
و اللّه الّذي جعلكم،أيّها النّاس، خَلائِفَ الْأَرْضِ، بأن أهلك من كان قبلكم من القرون و الأمم الخالية، و استخلفكم،فجعلكم خلائف منهم في الأرض، تخلفونهم فيها،و تعمرونها بعدهم.
و الخلائف:جمع خليفة،كما الوصائف:جمع وصيفة،و هي من قول القائل:خلف فلان فلانا في داره يخلفه خلافة،فهو خليفة.[ثمّ استشهد بشعر]
(5:422)
نحوه الثّعلبيّ(4:213)،و الواحديّ(2:346)،و البغويّ(2:179)،و القرطبيّ(7:158).
الزّجّاج: قيل: خَلائِفَ الْأَرْضِ: أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم خاتم النّبيّين،فأمّته قد خلفت سائر الأمم،و قال بعضهم: خَلائِفَ الْأَرْضِ: يخلف بعضكم بعضا.(2:312)
النّحّاس: يعني أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.و قيل:لأنّهم آخر الأمم،فقد خلفوا من كان قبلهم.
و قيل:لأنّ بعضهم يخلف بعضا،حتّى تقوم السّاعة عليهم،و الحديث يقوّي هذا القول.(2:526)
نحوه أبو حيّان(4:263)،و شبّر(2:342).
الماورديّ: فيه أربعة أوجه:
أحدها:[نقل قول ابن عبّاس]
و الثّاني:أنّ أهل كلّ عصر يخلف أهل العصر الّذي قبله،كلّما مضى أهل عصر خلفه أهل عصر بعده على انتظام،حتّى تقوم السّاعة على العصر الأخير فلا يخلق عصر،فصارت هذه الأمّة خلفا للأمم الماضية.
و الثّالث:جعل بعضهم خليفة لبعض،ليتآلفوا بالتّعاون.
و الرّابع:لأنّهم آخر الأمم و كانوا خلفا لمن تقدّمهم.[ثمّ استشهد بشعر](2:196)
نحوه أبو حيّان(4:263)،و شبّر(2:342).
الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى أنّه الّذي جعل الخلق خلائف الأرض،و معناه أنّ كلّ أهل عصر يخلفون أهل العصر الّذي قبله،كلّما مضى واحد خلفه آخر على انتظام و اتّساق،و ذلك يدلّ على مدبّر أجراه على هذه الصّفة.[ثمّ استشهد بشعر]
و واحد الخلائف:خليفة،مثل صحيفة و صحائف، و سفينة و سفائن،و وصيفة و وصائف،هذا قول الحسن و السّدّيّ.
و قال قوم:معناه أنّه جعلهم خلفاء من الجانّ قبل آدم.و قال آخرون:معناه و المراد به أمّة نبيّنا عليه السّلام،لأنّ اللّه جعلهم خلفاء سائر الأمم.(4:364)
نحوه الطّبرسيّ(2:392)،و الآلوسيّ(8:71).
الزّمخشريّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]
أو هم خلفاء اللّه في أرضه يملكونها و يتصرّفون فيها.(2:65)
مثله الفخر الرّازيّ(14:13)،و البيضاويّ(1:
340)،و النّسفيّ(2:43)،و الشّربينيّ(1:462)، و أبو السّعود(2:470).
ابن عطيّة: (خلائف:)جمع خليفة،أي يخلف
ص: 73
بعضكم بعضا.و هذا يتصوّر في جميع الأمم و سائر أصناف النّاس،لأنّ من أتى خليفة لمن مضى-و لكنّه يحسن في أمّة محمّد عليه السّلام-أن يسمّى أهلها بجملتهم خلائف للأمم،و ليس لهم من يخلفهم؛إذ هم آخر الأمم،و عليهم قيام السّاعة.(2:370)
ابن العربيّ: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في أرضه،بإظهار كمالاته في مظاهركم،ليمكّنكم إنفاذ أمره.(1:419)
النّيسابوريّ: و هو الّذي جعل كلّ واحد من بني آدم وقته خليفة ربّه في الأرض،و سرّ الخلافة أن صوّره على صفات نفسه،حيّا قيّوما،سميعا بصيرا، عالما قادرا،مريدا متكلّما.(8:66)
الكاشانىّ:قيل:أي يخلف بعضكم بعضا،كلّما مضى قرن خلفهم قرن،يجزي ذلك على انتظام و اتّساق إلى يوم القيامة،أو خلفاء اللّه في أرضه تتصرّفون فيها.(2:178)
البروسويّ: [ذكر نحوا ممّا تقدّم عن الزّمخشريّ و النّيسابوريّ](3:131)
ابن عاشور :يظهر أنّ هذا دليل على إمكان البعث و على وقوعه،لأنّ الّذي جعل بعض الأجيال خلائف لما سبقها،فعمروا الأرض جيلا بعد جيل، لا يعجزه أن يحشرها جميعا بعد انقضاء عالم حياتها الأولى.ثمّ إنّ الّذي دبّر ذلك و أتقنه لا يليق به أن لا يقيم بينهم ميزان الجزاء على ما صنعوا في الحياة الأولى،لئلاّ يذهب المعتدون و الظّالمون،فائزين بما جنوا،و إذا كان يقيم ميزان الجزاء على الظّالمين فكيف يترك إثابة المحسنين.و قد أشار إلى الشّقّ الأوّل قوله:
وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ، و أشار إلى الشّقّ الثّاني قوله: وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ، و لذلك عقّبه بتذييله: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.
فالخطاب موجّه إلى المشركين الّذين أمر الرّسول عليه الصّلاة و السّلام بأن يقول لهم: أَ غَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا الأنعام:164،و ذلك يذكّر بأنّهم سيصيرون إلى ما صار إليه أولئك.فموقع هذه عقب قوله: ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ الأنعام:164،تذكير بالنّعمة بعد الإنذار بسلبها،و تحريض على تدارك ما فات،و هو يفتح أعينهم للنّظر في عواقب الأمم و انقراضها و بقائها.
و يجوز أن يكون الخطاب للرّسول عليه الصّلاة و السّلام و الأمّة الإسلاميّة،و تكون الإضافة على معنى اللاّم،أي جعلكم خلائف الأمم الّتي ملكت الأرض فأنتم خلائف للأرض،فتكون بشارة للأمّة بأنّها آخر الأمم المجعولة من اللّه لتعمير الأرض.
و المراد:الأمم ذوات الشّرائع الإلهيّة،و أيّا ما كان فهو تذكير بعظيم صنع اللّه و منّته،لاستدعاء الشّكر و التّحذير من الكفر.
و الخلائف:جمع خليفة،و الخليفة:اسم لما يخلف به شيء،أو يجعل خلفا عنه،أي عوضه،يقال:خليفة و خلفة،فهو«فعيل»بمعنى«مفعول»،و ظهرت فيه التّاء،لأنّهم لمّا صيّروه اسما قطعوه عن موصوفه.
و إضافته إلى(الارض)على معنى«في»على
ص: 74
الوجه الأوّل،و هو كون الخطاب للمشركين،أي خلائف فيها،أي خلف بكم أمما مضت قبلكم،كما قال تعالى حكاية عن الرّسل في مخاطبة أقوامهم:
وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ الأعراف:69، وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ الأعراف:74، عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ الأعراف:129.و الإضافة على معنى«اللاّم»على الوجه الثّاني،و هو كون الخطاب للمسلمين.
و في هذا أيضا تذكير بنعمة تتضمّن عبرة و موعظة،و ذلك أنّه لمّا جعلهم خلائف غيرهم فقد أنشأهم و أوجدهم على حين أعدم غيرهم،فهذه نعمة،لأنّه لو قدّر بقاء الأمم الّتي قبلها لما وجد هؤلاء.
(7:155)
الطّباطبائيّ: الخلائف:جمع خليفة،أي يستخلف بعضكم بعضا،أو استخلفكم لنفسه في الأرض.و قد مرّ كلام في معنى هذه الخلافة،في تفسير قوله تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30.(7:396)
عبد الكريم الخطيب : هُوَ الَّذِي... بيان لنعمة من نعم اللّه الكبرى على بني آدم خاصّة؛ إذ جعلهم خَلائِفَ الْأَرْضِ و في هذا ما فيه من تكريم لهم،و إحسان إليهم.
و في قوله تعالى:(خلائف إشارة إلى مكانة الإنسان،و سموّ قدره،و أنّه ليس مكرّما في جنسه و حسب،بل هو مكرّم في كلّ فرد من أفراده.فكلّ إنسان هو خليفة اللّه في هذه الأرض،و أنّه-و إن كان عضوا في المجتمع الإنسانيّ-فليس ذلك بالّذي يذهب بشيء من مقوّمات شخصيّته،أو يجور على هذا الوضع الكريم الّذي وضعه اللّه فيه،فهو خليفة اللّه أيّا كان مكانه في المجتمع،غنيّا أو فقيرا،عالما أو جاهلا،قويّا أو ضعيفا،إنّه خليفة اللّه في الأرض،و من واجبه أن يعمل بمقتضى هذه الخلافة،و يجمع إلى يديه أسبابها و مقوّماتها.
هذا هو الإنسان كما تنظر إليه شريعة الإسلام، إنسان كريم على اللّه،خلع عليه خلع الخلافة،و توجّه بتاجها،و جعل درّة هذا التّاج هو عقله الّذي يستطيع به أن يبلغ من السّموّ ما يشاء...(4:358)
مكارم الشّيرازيّ: إنّ الإنسان الّذي هو خليفة اللّه في أرضه،و الّذي سخّرت له كلّ منابع هذا العالم، و الّذي صدر أمره على جميع الموجودات من جانب اللّه تعالى،لا يجوز أن يسمح لنفسه بالسّقوط-الّذي يجعله أقلّ من الجماد-إلى درجة السّجود للجمادات.[إلى أن قال:]
خلافة الإنسان في الأرض:
إنّ النّقطة الأخرى الجديرة بالاهتمام،هي أنّ القرآن الكريم وصف الإنسان مرارا بالخلافة،و أنّه خليفة اللّه في أرضه،إنّ هذا الوصف،و هذا التّعبير ضمن بيانه لمكانة الإنسان يبيّن هذه الحقيقة أيضا، و هي أنّ اللّه تعالى هو المالك الأصليّ و الحقيقيّ للأموال و الثّروات و القابليّات،و جميع المواهب الإلهيّة الممنوحة للإنسان،و ما الإنسان-في الحقيقة-إلاّ
ص: 75
خليفة اللّه و وكيل من جانبه،و مأذون من قبله.
و من البديهيّ أنّ الوكيل-مهما كان-فهو غير مستقلّ في تصرّفاته،بل يجب أن تخضع تصرّفاته لإذن صاحبها الأصليّ،و تقع ضمن إجازته...(4:505)
فضل اللّه :ربّما استفاد البعض من هذه الكلمة معنى الجماعات اللاّحقة الّتي تخلف جماعات متقدّمة، على أساس التّتابع التّاريخيّ في حركة الوجود الإنسانيّ،و لكن ذلك قد لا ينسجم مع ظاهر الآية في توجيه الخطاب إلى النّاس كافّة،بقرينة قوله-في ما بعد-: وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ فإنّ ذلك من خصائص البشر في جميع مراحل حياتهم،في اختلاف درجاتهم في المواهب و الكفاءات الذّاتيّة، و في القدرات الماليّة و الجسديّة،و في المواقع الجغرافيّة و الاجتماعيّة و السّياسيّة،و في غير ذلك من الأمور.
فإنّ هذا التّنوّع في الأوضاع الإنسانيّة لا يختصّ بمرحلة زمنيّة عن مرحلة زمنيّة أخرى.[إلى أن قال:]
لقد جعل اللّه الإنسان خليفة في الأرض،ليديرها، و يعمرها و يتحرّك فيها على أساس ما ينطلق به جيل سابق لمصلحة جيل لاحق؛حيث يعدّ له كلّ ما يحتاجه للعيش و للاستمرار،لتأخذ الأرض زينتها و توازنها و امتدادها في إغناء المخلوقات فيها،بما يكفل لها العيش و البقاء.
و لكنّ اللّه لم يمنح الإنسان حرّيّة الفساد و الشّرّ و العدوان و التّخريب،بل وضع له شريعة و قانونا ينظّم له حركته و حياته،على أساس التّوازن بين مصلحة الفرد و المجتمع،و المادّة و الرّوح،و تلك هي خصوصيّة الخلافة الّتي يستمدّ منها الخليفة موقعه و شرعيّته من المستخلف الّذي يملك الأمر كلّه،فلا يجوز له التّعدّي عمّا حدّد له تماما،كما هي حركة الوكيل بالنّسبة إلى الموكّل.(9:402 و 405)
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى:
2- ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. يونس:14
و قوله تعالى:
3- فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَ جَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا...
يونس:73
4- هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ... فاطر:39
ابن عبّاس: سكّان الأرض بعد هلاك الأمم الماضية.(368)
قتادة :أمّة بعد أمّة،و قرنا بعد قرن.
(الطّبريّ 10:419)
الزّجّاج: (خلائف:)جمع خليفة،المعنى:جعلكم أمّة خلفت من قبلها،و رأت و شاهدت فيمن سلف ما ينبغي أن يعتبر به.(4:272)
نحوه الواحدي(3:507)،و ابن الجوزيّ.(6:
495).
القشيريّ: أهل كلّ عصر خليف عمّن تقدّمهم، فمن قوم هم لسلفهم جمال،و من قوم هم أراذل و أنذال،فالأفاضل زمانهم لهم محنة،و الأراذل هم
ص: 76
لزمانهم محنة.[ثمّ استشهد بشعر](5:208)
البغويّ: أي يخلف بعضكم بعضا.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج](3:699)
مثله الشّربينيّ.(3:331)
الزّمخشريّ: يقال للمستخلف:خليفة و خليف ،فالخليفة:تجمع:خلائف،و الخليف:خلفاء،و المعنى:
أنّه جعلكم خلفاءه في أرضه،قد ملّككم مقاليد التّصرّف فيها،و سلّطكم على ما فيها،و أباح لكم منافعها،لتشكروه بالتّوحيد و الطّاعة.(3:311)
مثله النّسفيّ(3:343)،و نحوه أبو السّعود(5:
285)،و المراغيّ(22:135).
ابن عطيّة: (خلائف:)جمع خليفة،كسفينة و سفائن،و مدينة و مدائن.(4:442)
الطّبرسيّ: و قيل:جعلكم خلائف القرون الماضية،بأن أحدثكم بعدهم و أورثكم ما كان لهم.
(4:411)
الفخر الرّازيّ: أي نبّهكم بمن مضى و حال من انقضى،فإنّكم لو لم يحصل لكم علم بأنّ من كذّب الرّسل أهلك،لكان عنادكم أخفى و فسادكم أخفّ، لكن أمهلتم و عمّرتم و أمرتم على لسان الرّسل بما أمرتم،و جعلتم خلائف في الأرض،أي خليفة بعد خليفة،تعلمون حال الماضين و تصبحون بحالهم راضين.(26:31)
نحوه النّيسابوريّ.(22:83)
البيضاويّ: يلقى إليكم مقاليد التّصرّف فيها.
و قيل:خلفا بعد خلف،جمع خليفة،و الخلفاء:جمع خليف.(2:274)
أبو حيّان :(خلائف:)جمع خليفة،و خلفاء:
جمع خليف.و يقال للمستخلف:خليفة و خليف.و في هذا تنبيه على أنّه تعالى استخلفهم بدل من كان قبلهم، فلم يتّعظوا بحال من تقدّمهم من مكذّبي الرّسل،و ما حلّ بهم من الهلاك،و لا اعتبروا بمن كفر،و لم يتّعظوا بمن تقدّم.(7:317)
البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
أو جعلكم خلفاء ممّن كان قبلكم من الأمم، و أورثكم ما بأيديهم من متاع الدّنيا،لتشكروه بالتّوحيد و الطّاعة.
و فيه إشارة إلى أنّ كلّ واحد من الأفاضل و الأراذل خليفة من خلفائه في أرض الدّنيا، فالأفاضل يظهرون جمال صنائعه في مرآة أخلاقهم الرّبانيّة و علومهم اللّدنّيّة،و الأراذل يظهرون كمال بدائعه في مرآة حرفهم و صنعة أيديهم.
و من خلافتهم أنّ اللّه تعالى استخلفهم في خلق كثير من الأشياء،كالخبز،فإنّه تعالى يخلق الحنطة بالاستقلال،و الإنسان بخلافته يطحنها و يخبزها، و كالثّوب،فإنّه تعالى يخلق القطن،و الإنسان يغزله و ينسج منه الثّوب بالخلافة،و هلمّ جرّا.(7:357)
الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]
أو جعلكم بدل من كان قبلكم من الأمم الّذين كذّبوا الرّسل فهلكوا،فلم تتّعظوا بحالهم و ما حلّ بهم من الهلاك،و الخطاب قيل:عامّ،و استظهره في البحر، و قيل:لأهل مكّة،و الخلائف:جمع خليفة،و قد اطّرد
ص: 77
جمع«فعيلة»على«فعائل».و أمّا الخلفاء:فجمع خليف ككريم و كرماء.و جوّز الواحديّ كونه جمع خليفة أيضا،و هو خلاف المشهور.(22:202)
ابن عاشور :جملة هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ معترضة بين جملة إِنَّ اللّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الآية و بين جملة فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ. [ثمّ ذكر نحوا ممّا سبق في إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً و ذكر لها معنيين:جعلكم خلفاء لمن سبقكم،أو جعلكم متصرّفين في الأرض،و أنّها بشارة للنّبيّ عليه السّلام بأنّ أمّته سيكون لها سلطان في الأرض، و قال:]
و الجملة الاسميّة مفيدة تقوّي الحكم الّذي هو جعل اللّه المخاطبين خلائف في الأرض.(22:173)
الطّباطبائيّ: الخلائف:جمع خليفة،و كون النّاس خلائف في الأرض،هو قيام كلّ لاحق منهم مقام سابقه،و سلطته على التّصرّف و الانتفاع منها، كما كان السّابق مسلّطا عليه،و هم إنّما نالوا هذه الخلافة من جهة نوع الخلقة،و هو الخلقة من طريق النّسل و الولادة،فإنّ هذا النّوع من الخلقة يقسم المخلوق إلى سلف و خلف.
فجعل الخلافة الأرضيّة نوع من التّدبير مشوب بالخلق غير منفكّ عنه،و لذلك استدلّ به على توحّده تعالى في ربوبيّته،لأنّه مختصّ به تعالى لا مجال لدعواه لغيره.
فقوله: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ حجّة على توحّده تعالى في ربوبيّته،و انتفائها عن شركائهم،تقريره:أنّ الّذي جعل الخلافة الأرضيّة في العالم الإنسانيّ هو ربّهم المدبّر لأمرهم،و جعل الخلافة لا ينفكّ عن نوع الخلقة،فخالق الإنسان هو ربّ الإنسان،لكنّ الخالق هو اللّه سبحانه حتّى عند الخصم، فاللّه هو ربّ الإنسان.(17:52)
مكارم الشّيرازيّ: (خلائف)هنا،سواء كانت بمعنى خلفاء و ممثّلي اللّه في الأرض،أم بمعنى خلفاء الأقوام السّابقين-و إن كان المعنى الثّاني هنا أقرب على ما يبدو-فهي دليل على منتهى اللّطف الإلهيّ على البشر،حيث إنّه قيّض لهم جميع إمكانات الحياة؛أعطاهم العقل و الشّعور و الإدراك،أعطاهم أنواع الطّاقات الجسديّة،ملأ للإنسان صفحة الأرض بمختلف أنواع النّعم و البركات،و علّمه طريقة الاستفادة من تلك الإمكانات،فكيف نسي الإنسان- و الحال هكذا-وليّ نعمته الأصليّ،و راح يعبد آلهة خرافيّة و مصنوعة؟[ثمّ ذكر أنّها بيان لتوحيد الرّبوبيّة، كما سبق عن الطّباطبائيّ](14:96)
فضل اللّه : هُوَ الَّذِي... فأراد لكم أن تمارسوا دور بناء الأرض في أمورها و قضاياها و علاقاتها، انسجاما مع الحقّ،كما أقامها في تكوينها الوجوديّ على أساس الحقّ،و تلك هي مسئوليّتكم الّتي تواجهونها غدا أمام اللّه،فإنّ الخلافة الّتي جعلها اللّه للإنسان ليست امتيازا ذاتيّا يزهو به و يطمئنّ إليه،بل هي مسئوليّة رساليّة يتحرّك من خلالها،و يستقيم على خطّها،فمن آمن باللّه و عمل صالحا،و اتّبع رضوانه،فسيجد الخير الكبير في الدّنيا و الآخرة،ثوابا
ص: 78
على قيامه بالمسئوليّة بأمانة،و سيحصل على محبّة اللّه و رضاه.(19:114)
1- ...وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَ زادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً... الأعراف:69
السّدّيّ: المعنى جعلكم سكّان الأرض بعد قوم نوح.
مثله ابن إسحاق.(ابن عطيّة 2:417)
و نحوه الطّبرسيّ.(2:437)
الطّبريّ: اذكروا ما حلّ بقوم نوح من العذاب؛إذ عصوا رسولهم،و كفروا بربّهم،فإنّكم إنّما جعلكم ربّكم خلفاء في الأرض منهم،لمّا أهلكهم أبدلكم منهم فيها.(5:523)
الزّجّاج: خلفاء:جمع خليفة،على التّذكير لا على اللّفظ،مثل ظريف و ظرفاء.و جائز أن يجمع خلائف:على اللّفظ،مثل طريفة و طرائف.(2:347)
نحوه القرطبيّ.(7:236)
الطّوسيّ: خلفاء:جمع خليفة،و هو الكائن بدل غيره،ليقوم بالأمر مقامه في تدبيره.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج](4:475)
القشيريّ: جعل اللّه الخلق بعضهم خلفا عن بعض،فلا يفني فوجا منهم من جنس إلاّ أقام فوجا منهم من ذلك الجنس.فأهل الغفلة إذا انقرضوا خلف عنهم قوم،و أهل الوصلة إذا درجوا خلف عنهم قوم، و لا ينبغي للعبد أن يسمو طرف تأميله إلى محلّ الأكابر،فإنّ ذلك المقام مشغول بأهله،فما لم تنته نوبة أولئك لا تنتهي النّوبة إلى هؤلاء.(2:240)
نحوه البروسويّ.(3:186)
الواحديّ: أي أهلكهم و استخلفكم بعدهم.
(2:383)
الزّمخشريّ: أي خلفتموهم في الأرض،أو جعلكم ملوكا في الأرض قد استخلفكم فيها بعدهم.
(2:87)
ابن عطيّة: (خلفاء:)جمع خليف،ك«ظريف و ظرفاء»،و خليفة:جمعه خلائف،و العرب تقول:
خليفة و خليف.[ثمّ استشهد بشعر](2:417)
ابن الجوزيّ: ذكّرهم النّعمة حيث أهلك من كان قبلهم،و أسكنهم مساكنهم.(3:222)
الفخر الرّازيّ: ذلك بأن أورثهم أرضهم و ديارهم و أموالهم،و ما يتّصل بها من المنافع و المصالح.(14:157)
البيضاويّ: أي في مساكنهم،أو في الأرض،بأن جعلكم ملوكا،فإنّ شدّاد بن عاد ممّن ملك معمورة الأرض من رمل عالج إلي بحر عمّان،خوّفهم من عقاب اللّه،ثمّ ذكّرهم بإنعامه.(1:354)
نحوه الشّربينيّ(1:486)،و أبو السّعود(2:506)، و الآلوسيّ(8:156).
النّسفيّ: أي خلفتموهم في الأرض أو في مساكنهم،و(اذ)مفعول به و ليس بظرف،أي اذكروا وقت استخلافكم.(2:59)
النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ]
(8:159)
ص: 79
ابن عاشور:[ذكر معنى الخليفة كما سبق في إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً و أنّهم خلفاء قوم نوح](8:158)
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى:
2- وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَ بَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً...
الأعراف:74
3- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ.
النّمل:62
و قد ذكروا فيها نحوا ممّا سبق في الآيات السّابقة فلاحظ:ابن عبّاس(320)،و قتادة و الكلبيّ و النّقّاش(الماورديّ 4:223)،و الطّبريّ(10:6)، و الثّعلبيّ(7:219)و الطّوسيّ(8:110)، و الواحديّ(3:382)،و البغويّ(3:511)، و الزّمخشريّ(3:155)،و الطّبرسيّ(4:229)،و ابن الجوزيّ(6:187)،و الفخر الرّازيّ(24:209)، و القرطبيّ(13:224)،و البيضاويّ(2:181)، و النّسفيّ(3:218)،و أبا السّعود(5:97)، و الكاشانيّ(4:71)،و المراغيّ(20:9).
أبو حيّان : وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ انتقال من حالة المضطرّ إلى رتبة مغايرة لحالة الاضطرار، و هي حالة الخلافة،فهما ظرفان.و كم رأينا في الدّنيا ممّن بلغ حالة الاضطرار ثمّ صار ملكا متسلّطا.(7:90)
الشّربينيّ: وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ بمعنى«في»،أي يخلف بعضكم بعضا،لا يزال يجدّد ذلك بإهلاك قرن و إنشاء آخر إلى قيام السّاعة.(3:69)
ابن عاشور :[ذكر نحوا ممّا سبق ثمّ قال:]
و قد جمعت الآية الإشارة إلى مراتب المناسب، و هو ما يجلب نفعا أو يدفع ضررا،و هو من مسالك العلّة في أصول الفقه.
و لمّا اقتضته الخلافة من تجدّد الأبناء عقب الآباء، و الأجيال بعد الأجيال،و ما اقتضته الاستجابة و كشف السّوء من كثرة الدّاعين و المستاءين،عبّر في أفعال الجعل الّتي تعلّقت بها بصيغة المضارع الدّالّ على التّجدّد،بخلاف أفعال الجعل الأربعة الّتي في الآية قبلها.(19:289)
مغنيّة:يخلف الجيل اللاّحق الجيل السّابق في ملك الأرض و عمارتها.(6:34)
الطّباطبائيّ: الّذي يعطيه السّياق أن يكون المراد بالخلافة:الخلافة الأرضيّة الّتي جعلها اللّه للإنسان،يتصرّف بها في الأرض،و ما فيها من الخليفة كيف يشاء،كما قال تعالى: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30.
و ذلك أنّ تصرّفاته الّتي يتصرّف بها في الأرض و ما فيها بخلافته أمور مرتبطة بحياته متعلّقة بمعاشه، فالسّوء الّذي يوقعه موقع الاضطرار و يسأل اللّه كشفه،لا محالة شيء من الأشياء الّتي تمنعه التّصرّف أو بعض التّصرّف فيها،و تغلق عليه باب الحياة و البقاء و ما يتعلّق بذلك،أو بعض أبوابها،ففي كشف السّوء عنه تتميم لخلافته.
ص: 80
و يتّضح هذا المعنى مزيد اتّضاح،لو حمل الدّعاء و المسألة في قوله: إِذا دَعاهُ على الأعمّ من الدّعاء اللّسانيّ،كما هو الظّاهر من قوله تعالى: وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها إبراهيم:34،و قوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الرّحمن:29،إذ يكون على هذا جميع ما أوتي الإنسان و رزقه من التّصرّفات،من مصاديق كشف السّوء عن المضطرّ المحتاج إثر دعائه،فجعله خليفة يتبع إجابة دعائه،و كشف السّوء الّذي اضطرّه عنه.
و قيل:المعنى و يجعلكم خلفاء من قبلكم من الأمم في الأرض،تسكنون مساكنهم و تتصرّفون فيها بعدهم هذا.
و ما قدّمناه من المعنى أنسب منه للسّياق.
و قيل:المعنى:و يجعلكم خلفاء من الكفّار بنزول بلادهم،و طاعة اللّه تعالى بعد شركهم و عنادهم.
و فيه أنّ الخطاب في الآية كسائر الآيات الخمس الّتي قبلها للكفّار لا للمؤمنين كما عليه بناء الوجه.
(15:383)
مكارم الشّيرازيّ: المراد من خُلَفاءَ الْأَرْضِ لعلّه بمعنى سكنة الأرض...و أصحابها،لأنّ اللّه جعل الإنسان حاكما على هذه الأرض،مبسوط اليد فيها، بما أولاه من النّعم و أسباب الرّفاه،و الدّعة و الاطمئنان.
و لا سيّما حين يبتلى الإنسان فيغدو مضطرّا، و يتّجه نحو ساحة اللّه-فيرفع بلطفه البلايا و الموانع- فتستحكم أسس خلافته،و هنا تتجلّى العلاقة بين هذين المفهومين في الآية:المضطرّ و خلفاء الأرض.
كما قد يكون المراد بهذا المعنى،و هو أنّ اللّه جعل ناموس الحياة أن يخلف قوم قوما على الدّوام؛بحيث لو لم يكن هذا التّناوب لم تغد الصّورة متكاملة.
(12:103)
فضل اللّه : وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ في ما يمهّده لكم فيها من ساحات الحياة،و يمكّنكم فيها من القدرات الّتي تستطيعون من خلالها أن تحرّكوا كلّ عناصرها و تنظّموا أوضاعها،و تقودوا حركتها،و ما يسخّره لكم منها من قوى و قوانين،بحيث تخضع لكلّ ما تريدون و تحبّون.
و تلك هي الكرامة الّتي أكرمكم فيها اللّه من موقع إنسانيّتكم،فجعل الأرض تحت تصرّفكم و اختياركم في ما أراده لكم من حركة و خطّة حياة،و حمّلكم من عبء المسئوليّة في وعي الرّسالة،في امتداد الأرض و امتداد الزّمن؛بحيث جعل لكلّ جيل منكم مرحلة يخلف فيها الجيل المتأخّر الجيل المتقدّم،لتبقى مسألة الخلافة في الأرض للإنسان،ساحة للمسئوليّة العامّة.
و حركة في معنى الزّمن الّذي لا يعيش الفراغ في كلّ مواقعه من حركة الإنسان فيه.و بذلك كانت علاقة الإنسان باللّه تنطلق في عمق الحاجة إليه؛حيث يلجأ إليه ليكشف عنه السّوء،في كلّ ما يعرض له من مشاكل الحياة و آلامها،عند ما تضيق به الأمور، فلا يجد ملجأ إلاّ في رحاب اللّه،و في ما يمهّده له من خلافة الأرض،ممّا يجعل وجوده فيها و حركته في
ص: 81
ساحتها خاضعا لإرادته في كلّ شيء.(17:228)
1- لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ... الرّعد:11
قتادة :هذه ملائكة اللّيل يتعاقبون فيكم باللّيل و النّهار،و ذكر لنا أنّهم يجتمعون عند صلاة العصر و صلاة الصّبح.(الطّبري 7:351)
نحوه ابن قتيبة.(225)
ابن جريج:الحسنات من بين يديه،و السّيّئات من خلفه.(الطّبريّ 7:352)
الطّبريّ: مِنْ خَلْفِهِ من وراء ظهره.(7:350)
البيضاويّ: من جوانبه،أو من الأعمال ما قدّم و أخّر.(1:515)
مثله أبو السّعود.(3:443)
النّسفيّ: أي قدّامه و وراءه.(2:244)
مثله الشّربينيّ.(2:150)
البروسويّ: المعنى:له ملائكة يتعاقب بعضهم بعضا،كائنون من أمام الإنسان و وراء ظهره،أي يحيطون به من جوانبه.(4:350)
الآلوسيّ: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ متعلّق بمحذوف وقع صفة ل(معقبات)،أو حالا من الضّمير في الظّرف الواقع خبرا له،فالمعنى:أنّ المعقّبات محيطة بجميع جوانبه،أو هو متعلّق ب(معقبات)،و(من) لابتداء الغاية،فالمعنى:أنّ المعقّبات تحفظ ما قدّم و أخّر من الأعمال،أي تحفظ جميع أعماله...
و قرأ أبيّ: ( من بين يديه و رقيب من خلفه )و ابن عبّاس:(و رقباء من خلفه)و روى مجاهد عنه أنّه قرأ: (له معقّبات من خلفه و رقيب من بين يديه يحفظونه) .(13:112)
ابن عاشور : مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ مستعمل في معنى الإحاطة من الجهات كلّها.
(12:153)
راجع:ح ف ظ:«يحفظونه».
2- لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. فصّلت:42
ابن عبّاس: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ: من قبله وَ لا مِنْ خَلْفِهِ: و لا يكون من بعده كتاب فيخالفه.
و يقال:لا تكذّبه التّوراة و الإنجيل و الزّبور و سائر الكتب من قبله:و لا يكون من بعده كتاب فيكذّبه.
و يقال:لم يأت إبليس إلى محمّد عليه السّلام من قبل إتيان جبريل فزاد في القرآن،و لا من بعد ذهاب جبريل فنقص من القرآن.
و يقال:لا يخالف القرآن بعضه بعضا،و لكن يوافق بعضه بعضا.(404)
قتادة :لا يأتيه الباطل من كتاب قبله،و لا يأتيه من كتاب بعده.(الماورديّ 5:185)
السّدّيّ: الباطل هو الشّيطان،و لا يستطيع أن يزيد فيه حرفا و لا ينقص.(429)
ابن جريج:لا يأتيه الباطل في إخباره عمّا تقدّم، و لا في إخباره عمّا تأخّر.(الماورديّ 5:186)
ص: 82
الفرّاء:يقول:التّوراة و الإنجيل لا تكذّبه و هي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَ لا مِنْ خَلْفِهِ، يقول:لا ينزل بعده كتاب يكذّبه.(3:19)
ابن قتيبة :قالوا:لا يستطيع الشّيطان أن يبطل منه حقّا،و لا يحقّ منه باطلا.(389)
الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها:[قول قتادة]
الثّاني:لا يأتيه الباطل من أوّل التّنزيل و لا من آخره.
الثّالث:[قول ابن جريج]
و يحتمل رابعا:ما بين يديه:لفظه،و ما خلفه:
تأويله،فلا يأتيه الباطل في لفظ و لا تأويل.
(5:185)
البيضاويّ: لا يتطرّق إليه الباطل من جهة من الجهات،أو ممّا فيه من الأخبار الماضية و الأمور الآتية.
(2:350)
النّسفيّ: أي بوجه من الوجوه.(4:96)
النّيسابوريّ: قد يحتجّ أبو مسلم بالآية على عدم وقوع النّسخ في القرآن،زعما منه أنّ النّسخ نوع من البطلان.و لا يخفى ضعفه،فإنّ بيان انتهاء حكم لا يقتضي إبطاله،فإنّه حقّ في نفسه،و مأمور به في وقته.(25:11)
أبو السّعود :أي لا يتطرّق إليه الباطل من جهة من الجهات.(5:446)
ابن عاشور :أنّه لا يتطرّقه الباطل،و لا يخالطه صريحه و لا ضمنيّه،أي لا يشتمل على الباطل بحال.
فمثّل ذلك ب مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ
و المقصود:استيعاب الجهات تمثيلا لحال انتفاء الباطل عنه في ظاهره و في تأويله بحال طرد المهاجم، ليضرّ بشخص يأتيه من بين يديه،فإن صدّه خاتله، فأتاه من خلفه.
فمعنى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ لا يوجد فيه و لا يداخله ،و ليس المراد:أنّه لا يدعى عليه الباطل.(25:71)
المراغيّ: إنّ الباطل لا يتطرّق إليه،و لا يجد لديه سبيلا من جهة من الجهات حتّى يصل إليه،فكلّ ما فيه حقّ و صدق،و ليس فيه ما لا يطابق الواقع.
(24:138)
مكارم الشّيرازيّ: [حملها على معنيين:جميع الجوانب،أو الحال و المستقبل](15:386)
فضل اللّه :هو الحقّ الخالص من شائبة الباطل، لا ينفذ إليه الباطل من قريب أو بعيد،من أيّة جهة كان،و قد نستوحي من ذلك أنّ التّحريف لا يدخله،إذا ما كان المقصود به مجموع الكتاب،فلا يمكن لأحد أن يزيد فيه شيئا،لأنّ كلّ زيادة هي من الباطل،و أيّ تحريف يغيّر بعض الحروف و بعض الكلمات لا يدخله.(20:126)
راجع:ب ط ل:«الباطل».
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى:
3- إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً. الجنّ:27
ص: 83
4- وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. الأحقاف:21
ابن عبّاس: من بعده.(425)
الفرّاء: مِنْ خَلْفِهِ: من بعده،و هي في قراءة عبد اللّه:(من بين يديه و من بعده).(3:54)
الطّبريّ: من بعد هود.(11:291)
مثله الماورديّ.(5:283)
الطّوسيّ: أي قدّامه و ورائه.(9:280)
ابن عاشور : مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ بمعنى قريبا من زمانه و بعيدا عنه،ف مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ معناه القرب،كما في قوله تعالى: إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ سبأ:46،أي قبل العذاب قريبا منه،و قال تعالى: وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً الفرقان:
38،و قال: وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ النّساء:
164.
و أمّا الّذي من خلفه فنوح،فقد قال هود لقومه:
وَ اذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ الأعراف:69،و هذا مراعاة للحالة المقصود تمثيلها، فهو ناظر إلى قوله تعالى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ الأحقاف:9،أي قد خلت من قبله رسل مثل ما خلت بتلك.(26:39)
الطّباطبائيّ: فسّروا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ بالّذين كانوا قبله،و مِنْ خَلْفِهِ بالّذين جاءوا بعده.و يمكن العكس بأن يكون المراد ب اَلنُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ: من كانوا في زمانه، وَ مِنْ خَلْفِهِ: من كان قبله،و الأولى على الأوّل أن يكون المراد بخلوّ النّذر من بين يديه، وَ مِنْ خَلْفِهِ: أن يكون كناية عن مجيئه إليهم و إنذاره لهم على فترة من الرّسل.(18:211)
مكارم الشّيرازيّ: [أرجعها إلى الأنبياء الّذين بعثوا قبله،و استبعد شمولها لمن جاء بعده](16:263)
1- ..يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ. البقرة:255
ابن عبّاس: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: بين أيدي الملائكة من أمر الآخرة لمن تكون الشّفاعة، وَ ما خَلْفَهُمْ: من أمر الدّنيا.(36)
نحوه قتادة.(ابن الجوزيّ 1:303)
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: من السّماء إلى الأرض، وَ ما خَلْفَهُمْ: يريد ما في السّماوات.
(الفخر الرّازيّ 7:11)
مجاهد : يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ما مضى من الدّنيا، وَ ما خَلْفَهُمْ، من الآخرة.(الطّبريّ 3:10)
نحوه عطاء و الحكم و السّدّيّ(الثّعلبيّ 2:231)، و المراغيّ(3:13).
ما بين أيدي الملائكة من أمر الشّفاعة،و ما خلفهم من أمر الدّنيا،أو عكسه.(أبو حيّان 2:279)
الضّحّاك: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يعني الآخرة، لأنّهم يقدمون عليها وَ ما خَلْفَهُمْ: الدّنيا،لأنّهم يخلفونها.
مثله الكلبيّ.(الثّعلبيّ 2:231)
مقاتل بن سليمان:يقول:ما كان قبل خلق
ص: 84
الملائكة،و ما كان بعد خلقهم.(1:212)
مثله ابن جريج.(الثّعلبيّ 2:231)
أو ما فعلوه و ما هم فاعلوه.(أبو حيّان 2:279)
ابن جريج: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: ما مضى أمامهم من الدّنيا، وَ ما خَلْفَهُمْ: ما يكون بعدهم من الدّنيا و الآخرة.(الطّبريّ 3:10)
الإمام الرّضا عليه السّلام: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فأمور الأنبياء و ما كان، وَ ما خَلْفَهُمْ، أي ما لم يكن بعد.
(القمّيّ 1:84)
الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بذلك:أنّه المحيط بكلّ ما كان،و بكلّ ما هو كائن علما،لا يخفى عليه شيء منه.(3:10)
الزّجّاج: أي يعلم الغيب الّذي تقدّمهم،و الغيب الّذي يأتي من بعدهم.(1:337)
الماورديّ: فيه وجهان:
أحدهما: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: هو ما قبل خلقهم، وَ ما خَلْفَهُمْ: هو ما بعد موتهم.
و الثّاني: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: ما أظهروه، وَ ما خَلْفَهُمْ: ما كتموه.(1:324)
القشيريّ: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ، لأنّه لا يخرج عن علمه معلوم،و لا يلتبس عليه موجود،و لا معدوم.(1:209)
البغويّ: قيل: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، أي ما قدّموه من خير و شرّ، وَ ما خَلْفَهُمْ: ما هم فاعلوه.
(1:347)
الزّمخشريّ: ما كان قبلهم و ما يكون بعدهم.
و الضّمير[هم]ل ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ لأنّ فيهم العقلاء،أو لما دلّ عليهم(من ذا)من الملائكة و الأنبياء.(1:385)
نحوه النّسفيّ.(1:128)
ابن عطيّة: الضّميران في قوله: أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ عائدان على كلّ من يعقل ممّن تضمّنه قوله: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ. و قال مجاهد: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: الدّنيا وَ ما خَلْفَهُمْ:
الآخرة،و هذا صحيح في نفسه عند موت الإنسان، لأنّ ما بين اليد هو كلّ ما تقدّم الإنسان،و ما خلفه هو كلّ ما يأتي بعده...(1:341)
الفخر الرّازيّ: في الآية وجوه:[إلى أن قال:]
الرّابع: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: بعد انقضاء آجالهم، وَ ما خَلْفَهُمْ، أي ما كان من قبل أن يخلقهم.
الخامس:ما فعلوا من خير و شرّ،و ما يفعلونه بعد ذلك.(7:11)
البيضاويّ: ما قبلهم و ما بعدهم،أو بالعكس، لأنّك مستقبل المستقبل و مستدبر الماضي،أو أمور الدّنيا و أمور الآخرة،أو عكسه،أو ما يحسّونه و ما يعقلونه،أو ما يدركونه و ما لا يدركونه.[و قال في الضّمائر مثل الزّمخشريّ](1:133)
مثله أبو السّعود(1:296)،و نحوه شبّر(1:
259).
أبو حيّان : يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ، الضّمير يعود على(ما)و هم الخلق،و غلب من يعقل.[إلى أن ذكر بعض الأقوال في المراد بالآية
ص: 85
و أضاف:]
أو ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: من السّماء إلى الأرض، وَ ما خَلْفَهُمْ: ما في السّماوات،أو ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ :الحاضر من أفعالهم و أحوالهم، وَ ما خَلْفَهُمْ: ما سيكون،أو عكسه.ذكر هذين القولين تاج القرّاء في تفسيره...
و الّذي يظهر أنّ هذا كناية عن إحاطة علمه تعالى بسائر المخلوقات من جميع الجهات،و كنّى بهاتين الجهتين عن سائر جهات من أحاط علمه به،كما تقول:ضرب زيد الظّهر و البطن،و أنت تعني بذلك جميع جسده.و استعيرت الجهات لأحوال المعلومات، فالمعنى:أنّه تعالى عالم بسائر أحوال المخلوقات، لا يعزب عنه شيء،فلا يراد بما بين الأيدي و لا بما خلفهم شيء معيّن،كما ذهبوا إليه.(2:279)
البروسويّ: و في«التّأويلات النّجميّة»:
(يعلم)محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، من الأمور الأوّليات قبل خلق اللّه الخلائق،كقوله:«أوّل ما خلق اللّه نوري»، وَ ما خَلْفَهُمْ من أهوال القيامة و فزع الخلق،و غضب الرّبّ،و طلب الشّفاعة من الأنبياء، و قولهم:نفسي نفسي،و حوالة الخلق بعضهم إلى بعض حتّى بالاضطرار يرجعون إلى النّبيّ عليه السّلام،لاختصاصه بالشّفاعة.(1:403)
الآلوسيّ: [نقل الأقوال المتقدّمة في معنى الآية ثمّ قال:]
و الكلّ محتمل،و وجه الإطلاق فيه ظاهر، و ضمير الجمع يعود على(ما)في ما فِي السَّماواتِ...
إلاّ أنّه غلب من يعقل على غيره.و قيل:للعقلاء في ضمنه فلا تغليب.و جوّز أن يعود على ما دلّ عليه(من ذا)من الملائكة و الأنبياء،و قيل:الأنبياء خاصّة.
و العلم ب ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ كناية عن إحاطة علمه سبحانه،و الجملة:إمّا استئناف أو خبر عمّا قبل،أو حال من ضمير(يشفع)،أو من المجرور في(باذنه.)(3:9)
ابن عاشور :[ذكر أقوال السّابقين ثمّ قال:]
و أيّا ما كان،فاللّفظ مجاز،و المقصود عموم العلم بسائر الكائنات.و ضمير(ايديهم)و(خلفهم)عائد إلى ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ بتغليب العقلاء من المخلوقات،لأنّ المراد ب ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ ما يشمل أحوال غير العقلاء،أو هو عائد على خصوص العقلاء من عموم ما في السّماوات و ما في الأرض،فيكون المراد:ما يختصّ بأحوال البشر- و هو البعض-لضمير(و لا يحيطون)-لأنّ العلم من أحوال العقلاء.(2:496)
مغنيّة:المعنى:أنّ اللّه سبحانه يعلم من عباده ما كان و يكون من خير و شرّ،و يعلم الشّافع و المشفوع له،و من يستحقّ العفو و الثّواب،أو العذاب و العقاب، و ما دام الأمر كذلك،فلا يبقى مجال للشّفاعة إلاّ بأمره تعالى،ضمن الحدود الّتي يرتضيها.(1:394)
الطّباطبائيّ: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ سياق الجملة مع مسبوقيّتها بأمر الشّفاعة يقرب من سياق قوله تعالى: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ... وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ الأنبياء:28،فالظّاهر أنّ ضمير
ص: 86
الجمع الغائب راجع إلى الشّفعاء الّذي تدلّ عليه الجملة السّابقة معنى،فعلمه تعالى ب ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ كناية عن كمال إحاطته بهم،فلا يقدرون بواسطة هذه الشّفاعة و التّوسّط المأذون فيه على إنفاذ أمر لا يريده اللّه سبحانه،و لا يرضى به في ملكه،و لا يقدر غيرهم أيضا أن يستفيد سوء من شفاعتهم و وساطتهم،فيداخل في ملكه تعالى،فيفعل فيه ما لم يقدره.
و إلى نظير هذا المعنى يدلّ قوله تعالى: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا مريم:64،و قوله تعالى:
عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً* لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً الجنّ:26،27،فإنّ الآيات تبيّن إحاطته تعالى بالملائكة و الأنبياء،لئلاّ يقع منهم ما لم يرده،و لا يتنزّلوا إلاّ بأمره،و لا يبلغوا إلاّ ما يشاؤه.و على ما بيّنّاه فالمراد ب ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ :ما هو حاضر مشهود معهم،و ب ما خَلْفَهُمْ: ما هو غائب عنهم بعيد منهم كالمستقبل من حالهم،و يؤول المعنى إلى الشّهادة و الغيب.
و بالجملة:قوله: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ، كناية عن إحاطته تعالى بما هو حاضر معهم موجود عندهم،و بما هو غائب عنهم آت خلفهم، و لذلك عقّبه بقوله تعالى: وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ، تبيينا لتمام الإحاطة الرّبوبيّة و السّلطة الإلهيّة،أي إنّه تعالى عالم محيط بهم و بعلمهم، و هم لا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء.(2:333)
مكارم الشّيرازيّ: [جعلها توكيدا لقدرة اللّه الكاملة،ثمّ قال:]
أمّا المقصود من ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ و وَ ما خَلْفَهُمْ فإنّ القرآن يستعمل هذا التّعبير أحيانا للدّلالة على المكان،و أحيانا أخرى للدّلالة على الزّمان.ففي الآية:170،من سورة آل عمران نقرأ:
وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ من الواضح هنا أنّ التّعبير زمانيّ.ثمّ نقرأ في الآية:17،من سورة الأعراف: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ، فهنا المكان هو المقصود.
أمّا في هذه الآية فالتّعبير قد يجمع بين المكان و الزّمان،أي إنّ اللّه يعلم ما كان في الماضي و ما يكون في المستقبل،و ما هو أمام أنظارهم و يعلمونه،و ما هو خلفهم و محجوب عنهم و لا يعلمون عنه شيئا،و على هذا فإنّ اللّه محيط بكلّ أبعاد الزّمان و المكان،و أنّ الشّفعاء لا يستطيعون أن يأتوا بشيء جديد يكشفونه أمام اللّه.(2:177)
فضل اللّه : يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ فكلّ الأشياء حاضرة عنده،لا يغيب شيء منها عن علمه،لأنّ الأشياء مكشوفة لديه،فلا مجال لاختباء الإنسان عن اللّه في أيّ عمل يخفيه،أو سرّ يكتمه،أو خطإ يستره،لأنّ الإخفاء و الكتمان و السّتر معان تلتقي بالحواجز المادّيّة الّتي تحول بين الشّيء و بين
ص: 87
ظهوره،ممّا لا مجال لتصوّره في ذات اللّه الّذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصّدور.و لعلّ هذا الإحساس هو الّذي يتعمّق في وعي الإنسان من خلال حركة إيمانه،فيمنعه عن الجريمة الخفيّة، و المعصية المستورة،و النّيّات الشّريرة الّتي تتحفّز للاندفاع و الظّهور.(5:37)
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى:
2- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً. طه:110
3-و قوله تعالى: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ إِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ. الحجّ:76
4- ...وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ.
آل عمران:170
ابن عبّاس: من إخوانهم الّذين في الدّنيا أن يلحقوا بهم،لأنّ اللّه بشّرهم بذلك.(60)
السّدّيّ: إنّ الشّهيد يؤتى بكتاب فيه من يقدم عليه من إخوانه و أهله،فيقال:يقدم عليك فلان يوم كذا و كذا،و يقدم عليك فلان يوم كذا و كذا،فيستبشر حين يقدم عليه،كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدّنيا.(192)
ابن زيد :هم إخوانهم من الشّهداء ممّن يستشهد من بعدهم.(الطّبريّ 3:517)
الفرّاء: من إخوانهم الّذين يرجون لهم الشّهادة للّذي رأوا من ثواب اللّه،فهم يستبشرون بهم.
(1:247)
الثّعلبيّ: من إخوانهم الّذين فارقوهم و هم أحياء في الدّنيا على منهاجهم من الإيمان و الجهاد.
(3:205)
نحوه الواحديّ(1:521)،و البغويّ(1:538).
الزّمخشريّ: يريد الّذين من خلفهم قد بقوا بعدهم،و هم قد تقدّموهم.و قيل: لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ:
لم يدركوا فضلهم و منزلتهم.(1:479)
راجع:ب ش ر:«يستبشرون»و:ل ح ق:
«لم يلحقوا».
5- وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ... النّساء:9
ابن عبّاس: بعد موتهم.(65)
راجع:خ ش ي:«و ليخش»و:ذ ر ر:«ذرّيّة».
6- ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ.
الأعراف:17
ابن عبّاس: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من قبل الآخرة، أن لا جنّة و لا نار و لا بعث و لا حساب، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ أنّ الدّنيا لا تفنى،و آمرهم بالجمع و المنع و البخل و الفساد.(125)
نحوه قتادة(الطّبريّ 5:446)،و الكلبيّ(الثّعلبيّ 4:221)،و القمّيّ(1:224).
ص: 88
مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ يعني من الدّنيا، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: من الآخرة.(الطّبريّ 5:445)
نحوه إبراهيم[النّخعيّ]و الحكم[بن عتيبة] (الطّبريّ 5:446)،و شبّر(2:350).
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ... و لم يقل:«من فوقهم»،لأنّ الرّحمة تنزل من فوقهم.(الطّبريّ 5:447)
مجاهد : مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ حيث يبصرون، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ حيث لا يبصرون.(الطّبريّ 5:446)
مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ: من الحسنات، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ: من السّيّئات.
(النّحّاس 3:19)
الإمام الباقر عليه السّلام: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ معناه أهوّن عليهم أمر الآخرة، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: آمرهم بجمع الأموال و البخل بها عن الحقوق،لتبقى لورثتهم.
(الطّبرسيّ 2:404)
السّدّيّ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ فالدّنيا أدعوهم إليها و أرغّبهم فيها، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ فمن الآخرة، أشكّكهم فيها،و أبعّدها عليهم.(258)
نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 5:446)
الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:معنى قوله: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ: من قبل الآخرة، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: من قبل الدّنيا.
و قال آخرون:بل معنى قوله: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ:
من قبل دنياهم، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: من قبل آخرتهم.
و قال آخرون:معنى ذلك من حيث يبصرون و من حيث لا يبصرون.
و أولى هذه الأقوال عندي بالصّواب،قول من قال:معناه ثمّ لآتينّهم من جميع وجوه الحقّ و الباطل، فأصدّهم عن الحقّ،و أحسّن لهم الباطل،و ذلك أنّ ذلك عقيب قوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، فأخبر أنّه يقعد لبني آدم على الطّريق الّذي أمرهم اللّه أن يسلكوه،و هو ما وصفنا من دين اللّه دين الحقّ، فيأتيهم في ذلك من كلّ وجوهه،من الوجه الّذي أمرهم اللّه به،فيصدّهم عنه،و ذلك مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ، و من الوجه الّذي نهاهم اللّه عنه،فيزيّنه لهم و يدعوهم إليه،و ذلك مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ.
و قيل:و لم يقل:«من فوقهم»،لأنّ رحمة اللّه تنزل على عباده من فوقهم.(5:445)
الزّجّاج: معناه-و اللّه أعلم-ثمّ لآتينّهم في الضّلال من جميع جهاتهم.و قيل: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، أي لأضلّنّهم في جميع ما يتوقّع،و قيل أيضا:لأخوّفنّهم الفقر و الحقيقة-و اللّه أعلم-أي أنصرف لهم في الإضلال في جميع جهاتهم.(2:324)
النّحّاس: [نقل قول الحكم و قال:]
و هذا قول حسن،و شرطه أنّ معنى لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من دنياهم،حتّى يكذّبوا بما فيها من الآيات،و أخبار الأمم السّالفة، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: من آخرتهم حتّى يكذّبوا بها.[إلى أن نقل القول الثّاني لابن عبّاس و قال:]
و ذلك القول لا يمتنع،لأنّ الآخرة لم تأت بعد،فهي
ص: 89
بين أيدينا،و هي تكون بعد موتنا،فمن هذه الجهة يقال:هي خلفنا.
و قيل:معنى وَ مِنْ خَلْفِهِمْ يخوّفهم على تركاتهم،و من يخلّفون بعدهم.(3:16)
الماورديّ: فيه أربعة تأويلات:[نقلها إلى أن قال:]
و الرّابع:أراد من كلّ الجهات الّتي يمكن الاحتيال عليهم منها،و لم يذكر«من فوقهم»،لأنّ رحمة اللّه تصدّه،و لا«من تحت أرجلهم»،لما فيه من التّنفير، قاله بعض المتأخّرين.
و يحتمل تأويلا خامسا: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ: فيما بقي من أعمارهم،فلا يقدمون على طاعة، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: فيما مضى من أعمارهم،فلا يتوبون عن معصية...
و يحتمل سادسا: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ: بسط أملهم، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: تحكيم جهلهم.(2:206)
القشيريّ: أخبر أنّه يأخذ عليهم جوانبهم، و يتسلّط عليهم من جميع جهاتهم.و لم يعلم أنّ الحقّ سبحانه قادر على حفظهم عنه،فإنّ ما يكيد بهم من القدرة حصل،و بالمشيئة يوجد،و لو كان الأمر به أو إليه لكان أولى الخلق بأن يؤثّر فيه كدحه نفسه؛ و حيث لم ينفعه جهده في سالف أحواله،لم يضرّهم كيده بما توعّدهم به من سوء أفعاله.(2:218)
الزّمخشريّ: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ من الجهات الأربع الّتي يأتي منها العدوّ في الغالب.و هذا مثل لوسوسته إليهم و تسويله ما أمكنه و قدر عليه،كقوله:
وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ الإسراء:64.
فإن قلت:كيف قيل: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ بحرف الابتداء وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ بحرف المجاوزة؟
قلت:المفعول فيه عدّي إليه الفعل،نحو تعديته إلى المفعول به،فكما اختلفت حروف التّعدية في ذاك اختلفت في هذا،و كانت لغة تؤخذ و لا تقاس،و إنّما يفتّش عن صحّة موقعها فقط.
فلمّا سمعناهم يقولون:جلس عن يمينه و على يمينه،و عن شماله.و على شماله،قلنا:معنى على يمينه:
أنّه تمكّن من جهة اليمين تمكّن المستعلي من المستعلى عليه،و معنى عن يمينه:أنّه جلس متجافيا عن صاحب اليمين،منحرفا عنه غير ملاصق له،ثمّ كثر حتّى استعمل في المتجافي و غيره،كما ذكرنا في«تعال».
و نحوه عن المفعول به قولهم:رميت عن القوس و على القوس و من القوس،لأنّ السّهم يبعد عنها و يستعليها إذا وضع على كبدها للرّمي،و يبتدئ الرّمي منها.كذلك قالوا:جلس بين يديه و خلفه بمعنى فيه،لأنّهما ظرفان للفعل،و من بين يديه و من خلفه، لأنّ الفعل يقع في بعض الجهتين،كما تقول:جئته من اللّيل تريد بعض اللّيل.(2:71)
ابن عطيّة: هذا توكيد من إبليس في أنّه يجدّ في إغواء بني آدم،و هذا لم يكن حتّى علم إبليس أنّ اللّه يجعل في الأرض خليفة،و علم أنّه آدم،و إلاّ فلا طريق له إلى علم أنسال آدم من ألفاظ هذه الآيات.
ص: 90
و مقصد هذه الآية أنّ إبليس أخبر عن نفسه أنّه يأتي إضلال بني آدم من كلّ جهة،و على كلّ طريق يفسد عليه ما أمكنه من معتقده،و ينسيه صالح أعمال الآخرة،و يغريه بقبيح أعمال الدّنيا،فعبّر ذلك بألفاظ تقتضي الإحاطة بهم،و في اللّفظ تجوّز،و هذا قول جماعة من المفسّرين.(2:380)
الطّبرسيّ: ...إنّما دخلت(من)في القدّام و الخلف،و(عن)في اليمين و الشّمال،لأنّ في القدّام و الخلف معنى طلب النّهاية،و في اليمين و الشّمال الانحراف عن الجهة.(2:404)
ابن الجوزيّ: فيه سبعة أقوال:[و قد ذكرت قبلا سوى الرّابع إذ قال:]
الرّابع: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من سبيل الحقّ، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ من سبيل الباطل.(3:176)
الفخر الرّازيّ: في ذكر هذه الجهات الأربع قولان:
القول الأوّل:أنّ كلّ واحد منها مختصّ بنوع من الآفة في الدّين.و القائلون بهذا القول ذكروا وجوها:
أحدها: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ يعني أشكّكهم في صحّة البعث و القيامة وَ مِنْ خَلْفِهِمْ ألقي إليهم أنّ الدّنيا قديمة أزليّة.
و ثانيها: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ المعنى:
أفترهم عن الرّغبة في سعادات الآخرة، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ يعني أقوّي رغبتهم في لذّات الدّنيا و طيّباتها و أحسّنها في أعينهم.و على هذين الوجهين فالمراد من قوله: بَيْنِ أَيْدِيهِمْ: الآخرة،لأنّهم يردون عليها و يصلون إليها،فهي بين أيديهم،و إذا كانت الآخرة بين أيديهم كانت الدّنيا خلفهم،لأنّهم يخلفونها.
و ثالثها:و هو قول الحاكم و السّدّيّ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ يعني الدّنيا،و وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: الآخرة.
و إنّما فسّرنا بَيْنِ أَيْدِيهِمْ بالدّنيا،لأنّها بين يدي الإنسان يسعى فيها و يشاهدها،و أمّا الآخرة فهي تأتي بعد ذلك.
و رابعها: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ: في تكذيب الأنبياء و الرّسل الّذين يكونون حاضرين، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ:
في تكذيب من تقدّم من الأنبياء و الرّسل.[إلى أن قال:]
أمّا حكماء الاسلام فقد ذكروا فيها وجوها أخرى:
أوّلها:و هو الأقوى الأشرف،أنّ في البدن قوى أربعا،هي الموجبة لقوّات السّعادات الرّوحانيّة.
فإحداها:القوّة الخياليّة الّتي يجتمع فيها مثل المحسوسات و صورها،و هي موضوعة في البطن المقدّم من الدّماغ،و صور المحسوسات إنّما ترد عليها من مقدّمها،و إليه الإشارة بقوله: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ.
و القوّة الثّانية:القوّة الوهميّة الّتي تحكم في غير المحسوسات بالأحكام المناسبة للمحسوسات،و هي موضوعة في البطن المؤخّر من الدّماغ،و إليها الإشارة بقوله: وَ مِنْ خَلْفِهِمْ.
و ثانيها:أنّ قوله: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ المراد منه:الشّبهات المبنيّة على التّشبيه:إمّا في الذّات و الصّفات،مثل شبه المجسّمة،و إمّا الأفعال،مثل شبه المعتزلة في التّعديل و التّخويف و التّحسين و التّقبيح.
ص: 91
وَ مِنْ خَلْفِهِمْ المراد منه:الشّبهات النّاشئة عن التّعطيل.و إنّما جعلنا قوله: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ لشبهات التّشبيه،لأنّ الإنسان يشاهد هذه الجسمانيّات و أحوالها،فهي حاضرة بين يديه،فيعتقد أنّ الغائب يجب أن يكون مساويا لهذا الشّاهد.و إنّما جعلنا قوله: وَ مِنْ خَلْفِهِمْ كناية عن التّعطيل،لأنّ التّشبيه عين التّعطيل،فلمّا جعلنا قوله: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ كناية عن التّشبيه،وجب أن نجعل قوله: وَ مِنْ خَلْفِهِمْ كناية عن التّعطيل.[إلى أن قال:]
و ثالثها:نقل عن شقيق رحمه اللّه أنّه قال:ما من صباح إلاّ و يأتيني الشّيطان من الجهات الأربع:من بين يديّ،و من خلفي،و عن يميني،و عن شمالي.أمّا من بين يديّ،فيقول:لا تخف فإنّ اللّه غفور رحيم،فأقرأ وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً طه:
82،و أمّا من خلفي،فيخوّفني من وقوع أولادي في الفقر،فأقرأ وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُها هود:6،و أمّا من قبل يميني،فيأتيني من قبل الثّناء فأقرأ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ القصص:83،و أمّا من قبل شمالي،فيأتيني من قبل الشّهوات فأقرأ: وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ سبأ:54.
و القول الثّاني في هذه الآية:أنّه تعالى حكى عن الشّيطان،ذكر هذه الوجوه الأربعة،و الغرض منه أنّه يبالغ في إلقاء الوسوسة،و لا يقصر في وجه من الوجوه الممكنة البتّة.
و تقدير الآية:ثمّ لآتينّهم من جميع الجهات الممكنة،بجميع الاعتبارات الممكنة.و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إنّ الشّيطان قعد لابن آدم بطريق الإسلام فقال له:تدع دين آبائك فعصاه فأسلم،ثمّ قعد له بطريق الهجرة،فقال له:تدع ديارك و تتغرّب فعصاه و هاجر،ثمّ قعد له بطريق الجهاد فقال له:تقاتل فتقتل، و يقسم مالك،و تنكح امرأتك،فعصاه فقاتل»،و هذا الخبر يدلّ على أنّ الشّيطان لا يترك جهة من جهات الوسوسة إلاّ و يلقيها في القلب.
فإن قيل:فلم لم يذكر مع الجهات الأربع:«من فوقهم»و«من تحتهم»؟
قلنا:أمّا في التّحقيق،فقد ذكرنا أنّ القوى الّتي يتولّد منها ما يوجب تفويت السّعادات الرّوحانيّة، فهي موضوعة في هذه الجوانب الأربعة من البدن.و أمّا في الظّاهر،فيروى أنّ الشّيطان لمّا قال هذا الكلام رقّت قلوب الملائكة على البشر،فقالوا:يا إلهنا كيف يتخلّص الإنسان من الشّيطان مع كونه مستوليا عليه من هذه الجهات الأربع؟فأوحى اللّه تعالى إليهم أنّه بقي للإنسان جهتان:الفوق و التّحت،فإذا رفع يديه إلى فوق في الدّعاء على سبيل الخضوع،أو وضع جبهته على الأرض على سبيل الخشوع غفرت له ذنب سبعين سنة،و اللّه أعلم.
المسألة الثّانية:أنّه قال: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ فذكر هاتين الجهتين بكلمة(من)،ثمّ قال: وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ فذكر هاتين الجهتين بكلمة(عن)،و لا بدّ في هذا الفرق من فائدة.
فنقول:إذا قال القائل جلس عن يمينه،معناه أنّه جلس متجافيا عن صاحب اليمين غير ملتصق به.قال
ص: 92
تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ق:17،فبيّن أنّه حضر على هاتين الجهتين ملكان،و لم يحضر في القدّام و الخلف ملكان،و الشّيطان يتباعد عن الملك، فلهذا المعنى خصّ اليمين و الشّمال بكلمة(عن)، لأجل أنّها تفيد البعد و المباينة،و أيضا فقد ذكرنا أنّ المراد من قوله: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ الخيال و الوهم،و الضّرر النّاشئ منهما هو حصول العقائد الباطلة،و ذلك هو حصول الكفر،و قوله: وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ الشّهوة،و الغضب،و الضّرر النّاشئ منهما هو حصول الأعمال الشّهوانيّة و الغضبيّة،و ذلك هو المعصية.و لا شكّ أنّ الضّرر الحاصل من الكفر لازم،لأنّ عقابه دائم.أمّا الضّرر الحاصل من المعصية فسهل،لأنّه عقابه منقطع،فلهذا السّبب خصّ هذين القسمين بكلمة(عن)،تنبيها على أنّ هذين القسمين في اللّزوم و الاتّصال دون القسم الأوّل،و اللّه أعلم بمراده.
المسألة الثّالثة:قال القاضي:هذا القول من إبليس كالدّلالة على بطلان ما يقال:إنّه يدخل في بدن ابن آدم و يخالطه،لأنّه لو أمكنه ذلك لكان بأن يذكره في باب المبالغة أحقّ.(14:40)
نحوه النّيسابوريّ.(8:86)
القرطبيّ: أي لأصدّنّهم عن الحقّ،و أرغّبنّهم في الدّنيا،و أشكّكهم في الآخرة.و هذا غاية في الضّلالة.(7:176)
البيضاويّ: أي من جميع الجهات الأربع،مثّل قصده إيّاهم بالتّسويل و الإضلال،من أيّ وجه يمكنه بإتيان العدوّ من الجهات الأربع،و لذلك لم يقل:«من فوقهم»و«من تحت أرجلهم».
و قيل:لم يقل من فوقهم،لأنّ الرّحمة تنزيل منه، و لم يقل من تحتهم،لأنّ الإتيان منه يوحش النّاس...
و إنّما عدّي الفعل إلى الأوّلين بحرف الابتداء، لأنّه منهما متوجّه إليهم،و إلى الأخيرين بحرف المجاوزة،فإنّ الآتي منهما كالمنحرف عنهم المارّ على عرضهم،و نظيره قولهم:جلست عن يمينه.(1:343)
نحوه أبو السّعود(2:483)،و القاسميّ(7:2636).
النّسفيّ: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أشكّكهم في الآخرة وَ مِنْ خَلْفِهِمْ أرغّبهم في الدّنيا...
و لم يقل«من فوقهم»و«من تحتهم»،لمكان الرّحمة و السّجدة.و قال في الأوّلين(من)،لابتداء الغاية،و في الأخيرين(عن)،لأنّ(عن)تدلّ على الانحراف.(2:47)
أبو حيّان : وَ مِنْ خَلْفِهِمْ الظّاهر أنّ إتيانه من هذه الجهات الأربع كناية عن وسوسته و إغوائه له، و الجدّ في إضلاله من كلّ وجه يمكن.و لمّا كانت هذه الجهات يأتي منها العدوّ غالبا ذكرها،لا أنّه يأتي من الجهات الأربع حقيقة.[إلى أن قال:]
أقول:إنّما خصّ«بين الأيدي»و«الخلف»بحرف الابتداء الّذي هو أمكن في الإتيان،لأنّهما أغلب ما يجيء العدوّ منهما،فينال فرصته،و قدّم«بين الأيدي» على«الخلف»،لأنّها الجهة الّتي تدلّ على إقدام العدوّ و بسالته في مواجهة قرنه غير خائف منه،و الخلف من جهة غدر و مخاتلة،و جهالة القرن بمن يغتاله،
ص: 93
و يتطلّب غرّته و غفلته.و خصّ الأيمان و الشّمائل الحرف الّذي يدلّ على المجاوزة،لأنّهما ليستا بأغلب ما يأتي منهما العدوّ،و إنّما يتجاوز إتيانه إلى الجهة الّتي هي أغلب في ذلك.(4:276)
الكاشانيّ: من الجهات الأربع جمّع.(2:184)
البروسويّ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أي من قبل الآخرة فأشكّكهم فيها،و أيضا من قبل الحسد فأزيّن لهم الحسد على الأكابر من العلماء و المشايخ في زمانهم،ليطعنوا في أحوالهم و أعمالهم و أقوالهم. وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: من جهة الدّنيا أرغّبهم فيها،و أيضا من قبل العصبيّة ليطعنوا في المتقدّمين من الصّحابة و التّابعين و المشايخ الماضين،و يقدحوا فيهم و يبغضوهم.[ثمّ قال نحو البيضاويّ](3:142)
الآلوسيّ: أي من الجهات الأربع الّتي يعتاد هجوم العدوّ منها،و المراد:لأسوّلنّ لهم و لأضلّنّهم بقدر الإمكان.إلاّ أنّه شبّه حال تسويله و وسوسته لهم كذلك،بحال إتيان العدوّ لمن يعاديه من أيّ جهة أمكنته،و لذا لم يذكر الفوق و التّحت؛إذ لا إتيان منهما، فالكلام من باب الاستعارة التّمثيليّة.و لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ على ما قيل:ترشيح لها.
و بعضهم لم يخرج الكلام على التّمثيل،و اعتذر عن ترك جهة الفوق بأنّ الرّحمة تنزل منها،و عن ترك جهة التّحت بأنّ الإتيان منها يوحش.و الاعتذار عن الأوّل بما ذكر أخرجه غير واحد عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،و روي أيضا عن عكرمة و الشّعبيّ.
و الاعتذار عن الثّاني نسبه الطّبرسيّ إلى الحبر أيضا.
و لا يبعد على ذلك أن يكون الكلام تمثيلا أيضا، و يكون الفرق بين التّوجيهين:بأنّ ترك هاتين الجهتين على الأوّل لعدمهما في الممثّل به،و على الثّاني لعدمهما في الممثّل...(8:95)
ابن عاشور :كما ضرب المثل لهيئة الحرص على الإغواء بالقعود على الطّريق،كذلك مثّلت هيئة التّوسّل إلى الإغواء بكلّ وسيلة بهيئة الباحث الحريص على أخذ العدوّ؛إذ يأتيه من كلّ جهة حتّى يصادف الجهة الّتي يتمكّن فيها من أخذه،فهو يأتيه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله،حتّى تخور قوّة مدافعته.فالكلام تمثيل،و ليس للشّيطان مسلك للإنسان إلاّ من نفسه و عقله بإلقاء الوسوسة في نفسه، و ليست الجهات الأربع المذكورة في الآية بحقيقة، و لكنّها مجاز تمثيليّ بما هو متعارف في محاولة النّاس و مخاتلتهم،و لذلك لم يذكر في الآية الإتيان من فوقهم و من تحتهم؛إذ ليس ذلك من شأن النّاس في المخاتلة و المهاجمة.
و علّق(بين ايديهم)و(خلفهم)بحرف(من)، و علّق(ايمانهم)و(شمائلهم)بحرف(عن)،جريا على ما هو شائع في لسان العرب في تعدية الأفعال إلى أسماء الجهات.و أصل(عن)في قولهم:عن يمينه و عن شماله المجاوزة،أي من جهة يمينه مجاوزا له و مجافيا له، ثمّ شاع ذلك حتّى صارت(عن)بمعنى«على»،فكما يقولون:جلس على يمينه،يقولون:جلس عن يمينه.
و كذلك(من)في قولهم:من بين يديه،أصلها:الابتداء، يقال:أتاه من بين يديه،أي من المكان المواجه له،ثمّ
ص: 94
شاع ذلك حتّى صارت(من)بمنزلة الحرف الزّائد يجرّ بها الظّرف،فلذلك جرّت بها الظّروف الملازمة للظّرفيّة مثل«عند»،لأنّ وجود(من)كالعدم.(8:38)
مغنيّة:إتيانه لهم من هذه الجهات الأربع كناية عن وسوسته،و جدّه في إضلالهم و إغوائهم؛بحيث لا يدع معصية إلاّ أغراهم بها،و لا طاعة إلاّ ثبّطهم عنها.فإن أمرهم اللّه بالجهاد و التّضحية بالنّفس،حبّب إبليس إليهم الحياة،و إن حثّهم سبحانه على بذل المال في سبيله،خوّفهم اللّعين من الفقر،و إن نهاهم الجليل عن الخمر و الزّنى و الميسر و نحوه،زيّن لهم الخبيث الملذّات و حبّ الشّهوات،و إن توعّدهم اللّه بالنّار و وعدهم بالجنّة،قال لهم عدوّ اللّه و عدوّهم:لا جنّة و لا نار،و هكذا يعدّ لكلّ حقّ باطلا،و لكلّ قائم مائلا،و تنطبق هذه الصّورة كلّ الانطباق على الّذين باعوا دينهم للشّيطان،يبرّرون أعمال المستعمرين، و قتل النّساء و الأطفال،و تشريد الآمنين من ديارهم.
(3:308)
الطّباطبائيّ: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ... بيان لما يصنعه بهم،و قد كمن لهم قاعدا على الصّراط المستقيم،و هو أنّه يأتيهم من كلّ جانب من جوانبهم الأربعة.
و إذ كان الصّراط المستقيم الّذي كمن لهم قاعدا عليه أمرا معنويّا،كانت الجهات الّتي يأتيهم منها معنويّة لا حسّيّة،و الّذي يستأنس من كلامه تعالى لتشخيص المراد بهذه الجهات-كقوله تعالى: يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً النّساء:
120،و قوله: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ آل عمران:175،و قوله: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ البقرة:168،و قوله: اَلشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ البقرة:268،إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة-هو أنّ المراد ممّا بَيْنِ أَيْدِيهِمْ:
ما يستقبلهم من الحوادث أيّام حياتهم،ممّا يتعلّق به الآمال و الأماني من الأمور الّتي تهواه النّفوس و تستلذّه الطّباع،و ممّا يكرهه الإنسان و يخاف نزوله به كالفقر يخاف منه لو أنفق المال في سبيل اللّه،أو ذمّ النّاس و لومهم لو ورد سبيلا من سبل الخير و الثّواب.
و المراد ب(خلفهم:)ناحية الأولاد و الأعقاب، فللإنسان فيمن يخلفه بعده من الأولاد آمال و أماني و مخاوف و مكاره،فإنّه يخيّل إليه أنّه يبقى ببقائهم فيسرّه ما يسرّهم و يسوؤه ما يسوؤهم،فيجمع المال من حلاله و حرامه لأجلهم،و يعدّ لهم ما استطاع من قوّة،فيهلك نفسه في سبيل حياتهم.(8:31)
مكارم الشّيرازيّ: إنّه لن يكتفي بالقعود بالمرصاد لهم،بل سيأتيهم من كلّ حدب و صوب، و يسدّ عليهم الطّريق من كلّ جانب.
و يمكن أن يكون هذا التّعبير كناية عن أنّ الشّيطان يحاصر الإنسان من كلّ الجهات،و يتوسّل إليه بكلّ وسيلة ممكنة،و يسعى في إضلاله.و هذا التّعبير دارج في المحاورات اليوميّة أيضا،فنقول:فلان حاصرته الدّيون أو الأمراض من الجهات الأربع.
و عدم ذكر«الفوق»و«التّحت»إنّما هو لأجل أنّ الإنسان يتحرّك عادة في الجهات الأربع المذكورة، و يكون له نشاط في هذه الأنحاء غالبا.(4:538)
ص: 95
فضل اللّه: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ... فليست هناك جهة لا أملك حرّيّة الدّخول منها إلى أفكارهم و مشاعرهم و خطواتهم العمليّة،و علاقاتهم البشريّة،و كلّ أوضاعهم العامّة و الخاصّة،لأنّهم مكشوفون لي بكلّ آفاتهم الدّاخليّة و الخارجيّة،فلهم غرائز يمكن إثارتها،و لهم مطامع يمكن اللّعب عليها،و لهم أهواء يمكن التّحرّك من خلالها.(10:38)
7- فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. الأنفال:57
ابن عبّاس: نكّل بهم من بعدهم.
(الطّبريّ 6:271)
نحوه أبو عبيدة.(1:248)
نكّل بهم من وراءهم.
مثله ابن جريج و ابن اسحاق.(الطّبريّ 6:271)
قتادة :عظ بهم من سواهم من النّاس.
(الطّبريّ 6:271)
السّدّيّ: نكّل بهم من خلفهم من بعد بعدهم من العدوّ.(284)
ابن قتيبة :من وراءهم من أعدائك.(180)
الطّبريّ: فافعل بهم فعلا يكون مشرّدا من خلفهم من نظرائهم،ممّن بينك و بينه عهد و عقد.(6:270)
الثّعلبيّ: أي من وراءهم،و قيل:من يأتي خلفهم.
و قرأ الأعمش: (من خلفهم) بكسر الميم و الفاء، تقديره:فشرّد بهم من خلفهم من عمل قبل عملهم.
(4:369)
الواحديّ: مِنْ خَلْفِهِمْ من أهل مكّة،و أهل اليمن.(2:467)
نحوه البغويّ.(2:302)
الزّمخشريّ: من وراءهم من الكفرة حتّى لا يجسر عليك بعدهم أحد اعتبارا بهم و اتّعاظا بحالهم.
(2:165)
نحوه البيضاويّ(1:399)،و أبو السّعود(3:
108)،و البروسويّ(3:362)،و الآلوسيّ(10:22).
ابن عطيّة: أي لمن يأتي بعدهم بمثل ما أتوا به، و سواء كان معاصرا لهم أم لا،و ما تقدّم الشّيء فهو بين يديه،و ما تأخّر عنه فهو خلفه.(2:542)
ابن عاشور :الخلف هنا:مستعار للاقتداء بجامع الاتّباع،...
و المعنى:فاجعلهم مثلا و عبرة لغيرهم من الكفّار الّذين يترقّبون ما ذا يجتني هؤلاء من نقض عهدهم فيفعلون مثل فعلهم؟!(9:140)
8- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً. طه:110
ابن عبّاس: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: بين أيدي الملائكة من أمر الآخرة، وَ ما خَلْفَهُمْ: من أمر الدّنيا.(266)
مثله الكلبيّ.(الفخر الرّازيّ 22:119)
مجاهد : ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: من أمر الدّنيا و الأعمال، وَ ما خَلْفَهُمْ: من أمر الآخرة و الثّواب و العقاب.(الفخر الرّازيّ 22:119)
ص: 96
الضّحّاك:يعلم ما مضى و ما بقي،و متى تكون القيامة.(الفخر الرّازيّ 22:119)
قتادة : يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: من أمر السّاعة، وَ ما خَلْفَهُمْ: من أمر الدّنيا.(الطّبريّ 8:460)
الطّبريّ: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ يقول تعالى ذكره:يعلم ربّك يا محمّد ما بين أيدي هؤلاء الّذين يتّبعون الدّاعي من أمر القيامة،و ما الّذي يصيرون إليه من الثّواب و العقاب، وَ ما خَلْفَهُمْ يقول:و يعلم أمر ما خلّفوه وراءهم من أمر الدّنيا.
(8:460)
الزّجّاج: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: من أمر القيامة و جميع ما يكون، وَ ما خَلْفَهُمْ: ما قد وقع من أعمالهم.(3:377)
9- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضى. الأنبياء:28
ابن عبّاس: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: من أمر الآخرة، وَ ما خَلْفَهُمْ: من أمر الدّنيا.(270)
مثله الكلبيّ.(الماورديّ 3:443)
ما قدّموا و ما أخّروا من عملهم.
(الماورديّ 3:443)
الطّبريّ: وَ ما خَلْفَهُمْ يقول:و ما مضى من قبل اليوم ممّا خلّفوه وراءهم من الأزمان و الدّهور ما عملوا فيه.(9:17)
الماورديّ: فيه وجهان:[إلى أن قال:]
و فيه الثّالث:ما قدّموا:ما عملوا،و ما أخّروا:
يعني ما لم يعملوا،قاله عطيّة.(الماورديّ 3:443)
الزّمخشريّ: جميع ما يأتون و يذرون ممّا قدّموا و أخّروا بعين اللّه.(2:569)
ابن عطيّة: أي ما تقدّم من أفعالهم و أعمالهم، و الحوادث الّتي لها إليهم تنسب،و ما تأخّر.(4:79)
نحوه البروسويّ.(5:468)
أبو السّعود :استئناف وقع تعليلا لما قبله،و تمهيدا لما بعده،فإنّهم لعلمهم بإحاطته تعالى بما قدّموا و أخّروا من الأقوال و الأعمال،لا يزالون يراقبون أحوالهم،فلا يقدمون على قول أو عمل بغير أمره تعالى.(4:333)
نحوه الآلوسيّ.(17:33)
الطّباطبائيّ: فسّروا ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ: بما قدّموا من أعمالهم و ما أخّروا،و المعنى:
يعلم ما عملوا و ما هم عاملون.
فقوله: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ استئناف في مقام التّعليل،لما تقدّمه من قوله: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، كأنّه قيل:إنّما لم يقدموا على قول أو عمل بغير أمره تعالى،لأنّه يعلم ما قدّموا من قول و عمل و ما أخّروا،فلا يزالون يراقبون أحوالهم؛حيث إنّهم يعلمون ذلك.
و هو معنى جيّد في نفسه،لكنّه إنّما يصلح لتعليل عدم إقدامهم على المعصية،لا لتعليل قصر عملهم على مورد الأمر،و هو المطلوب.على أنّ لفظ الآية لا دلالة فيه على أنّهم يعلمون ذلك،و لو لا ذلك لم يتمّ البيان.
و قد تقدّم في تفسير قوله تعالى: وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ
ص: 97
رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا مريم:64،أنّ الأوجه حمل قوله: ما بَيْنَ أَيْدِينا على الأعمال و الآثار المتفرّعة على وجودهم،و قوله: وَ ما خَلْفَنا على ما هو من أسباب وجودهم ممّا تقدّمهم و تحقّق قبلهم،فلو حمل اللّفظتان في هذه الآية على ما حملتا عليه هناك،كانت الجملة تعليلا واضحا لمجموع قوله: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ إلى قوله: بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ الّذي يذكّرهم بشرافة الذّات و شرافة آثار الذّات من القول و الفعل، و يكون المعنى:إنّما أكرم اللّه ذواتهم و حمد آثارهم، لأنّه يعلم أعمالهم و أقوالهم،و هي ما بين أيديهم،و يعلم السّبب الّذي به وجدوا،و الأصل الّذي عليه نشئوا،و هو ما خلفهم،كما يقال:فلان كريم النّفس، حميد السّيرة،لأنّه مرضيّ الأعمال من أسرة كريمة.
(14:276)
10- أَ فَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ...
سبأ:9
ابن عبّاس: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: فوقهم و تحتهم من السّماء و الأرض، وَ ما خَلْفَهُمْ: فوقهم و تحتهم.
(359)
قتادة :أ لم ينظروا إلى السّماء و الأرض كيف أحاطت بهم؟لأنّك إن نظرت عن يمينك أو شمالك،أو بين يديك أو خلفك،رأيت السّماء و الأرض...
(الماورديّ 4:434)
الفرّاء:يقول:أما يعلمون أنّهم حيثما كانوا فهم يرون بين أيديهم من الأرض و السّماء مثل الّذي خلفهم،و أنّهم لا يخرجون منها.(2:355)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أ فلم ينظر هؤلاء المكذّبون بالمعاد،الجاهدون البعث بعد الممات، القائلون لرسولنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: أَفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ إلى ما بين أيديهم و ما خلفهم من السّماء و الأرض،فيعلموا أنّهم حيث كانوا،فإنّ أرضي و سمائي محيطة بهم من بين أيديهم و من خلفهم،و عن أيمانهم و عن شمائلهم،فيرتدعوا عن جهلهم، و ينزجروا عن تكذيبهم بآياتنا...(10:349)
الثّعلبيّ: أَ فَلَمْ يَرَوْا... فيعلموا أنّهم حيث كانوا،فإنّ أرضي و سمائي محيطة بهم،لا يخرجون من أقطارها،و أنا القادر عليهم،و لا يعجزونني؟(8:71)
مثله البغويّ.(3:671)
الماورديّ: فيه وجهان:[الأوّل:نقل قول قتادة]
الثّاني:يعني ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فمن أهلكهم اللّه تعالى من الأمم الماضية في أرضه، وَ ما خَلْفَهُمْ من أمر الآخرة في سمائه،قاله أبو صالح.(4:434)
الواحديّ: ذلك أنّ الإنسان حيث نظر رأى السّماء و الأرض قدّامه و خلفه و عن يمينه و عن شماله، و المعنى:أنّهم حيث كانوا فإنّ أرضي و سمائي محيطة بهم،و أنا القادر عليهم...(3:487)
نحوه ابن الجوزيّ.(6:435)
الطّوسيّ: أَ فَلَمْ يَرَوْا... فيفكّروا فيه و يعتبروا به،و أنّ اللّه تعالى خلقه و اخترعه...(8:378)
ص: 98
الزّمخشريّ: أعموا فلم ينظروا إلى السّماء و الأرض،و أنّهما حيثما كانوا و أينما ساروا أمامهم و خلفهم محيطتان بهم،لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارها و أن يخرجوا عمّا هم فيه من ملكوت اللّه عزّ و جلّ...(3:281)
نحوه النّسفيّ(3:319)،و البيضاويّ(2:256)
ابن عطيّة: المعنى أ ليس يرون أمامهم و وراءهم سمائي و أرضي،لا سبيل لهم إلى فقد ذلك عن أبصارهم،و لا عدم إحاطته بهم.(4:406)
الطّبرسيّ: أَ فَلَمْ يَرَوْا... كيف أحاطت بهم؟ و ذلك أنّ الإنسان حيث ما نظر رأى السّماء و الأرض قدّامه و خلفه و عن يمينه و عن شماله،فلا يقدر على الخروج منها.و قيل:معناه:أ فلم يتدبّروا و يتفكّروا في السّماء و الأرض،فيستدلّوا بذلك على قدرة اللّه تعالى؟(4:379)
أبو حيّان : ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، أي حيث ما تصرّفوا،فالسّماء و الأرض قد أحاطتا بهم، و لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما،و لا يخرجوا عن ملكوت اللّه فيهما.(7:260)
نحوه البروسويّ.(7:264)
الشّربينيّ: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، أي أمامهم وَ ما خَلْفَهُمْ؛ و ذلك إشارة إلى جميع الجوانب من كلا الخافقين،فقوله تعالى: مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ دليل التّوحيد،فإنّهما يدلاّن على الوحدانيّة،و يدلاّن على الحشر و الإعادة،لأنّهما يدلاّن على كمال القدرة، لقوله تعالى: أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ يس:81.(3:281)
ابن عاشور :المراد ب ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ما يستقبله كلّ أحد منهم من الكائنات السّماويّة و الأرضيّة،و ب ما خَلْفَهُمْ ما هو وراء كلّ أحد منهم،فإنّهم لو شاءوا لنظروا إليه بأن يلتفتوا إلى ما ورائهم؛و ذلك مثل أن ينظروا النّصف الشّماليّ من الكرة السّماويّة في اللّيل،ثمّ ينظروا النّصف الجنوبيّ منها،فيروا كواكب ساطعة بعضها طالع من مشرقه و بعضها هاو إلى مغربه،و قمرا مختلف الأشكال باختلاف الأيّام،و في النّهار بأن ينظروا إلى الشّمس بازغة و آفلة،و ما يقارن ذلك من إسفار و أصيل و شفق.و كذلك النّظر إلى جبال الأرض و بحارها و أوديتها،و ما عليها من أنواع الحيوان و اختلاف أصنافه.(22:23)
الطّباطبائيّ: المراد بقوله: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ: إحاطة السّماء و الأرض بهم من بين أيديهم و من خلفهم،فأينما نظروا وجدوا سماء تظلّهم و أرضا تقلّهم لا مفرّ لهم منهما.(16:359)
نحوه مكارم الشّيرازيّ.(13:360)
11- وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ. يس:9
ابن عبّاس: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ: من أمر الآخرة... وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: من أمر الدّنيا.(369)
ص: 99
البروسويّ: الظّاهر أنّ المراد ليس جهتي القدّام و الخلف فقط،بل يعمّ جميع الجهات،إلاّ أنّ جهة القدّام لمّا كانت أشرف الجهات و أظهرها،و جهة الخلف كان ضدّها،خصّت بالذّكر.(7:371)
نحوه الآلوسيّ.(22:215)
راجع:س د د:«سدّا».
12- إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللّهَ... فصّلت:14
ابن عبّاس: إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ :من قبل عاد و ثمود إلى قومهم، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: من بعدهم أيضا جاءت الرّسل إلى قومهم.(401)
نحوه السّدّىّ.(الماورديّ 5:174)
الحسن :ما بين أيديهم:عذاب الدّنيا،و ما خلفهم:
عذاب الآخرة.(الماورديّ 5:174)
الفرّاء: أتت الرّسل آباءهم،و من كان قبلهم، و مِنْ خَلْفِهِمْ يقول:و جاءتهم أنفسهم رسل من بعد أولئك الرّسل،فتكون«الهاء و الميم»في(خلفهم) للرّسل،و تكون لهم تجعل من خلفهم لما معهم (1).
(3:13)
الطّبريّ: عنى بقوله: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ الرّسل الّتي أتت آباء الّذين هلكوا بالصّاعقة من هاتين الأمّتين،و عنى بقوله: وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: من خلف الرّسل الّذين بعثوا إلى آبائهم رسلا إليهم؛و ذلك أنّ اللّه بعث إلى عاد هودا،فكذّبوه من بعد رسل قد كانت تقدّمته إلى آبائهم أيضا،فكذّبوهم،فأهلكوا.
(11:94)
الثّعلبيّ: يعني قبلهم و بعدهم.و أراد بقوله: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ: الرّسل الّذين أرسلوا إلى آبائهم من قبلهم و(من خلفهم)يعني من بعد الرّسل الّذين أرسلوا إلى آبائهم،و هو الرّسول الّذي أرسل إليهم،هود و صالح عليهما السّلام،و الكناية في قوله مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ راجعة إلى عاد و ثمود،و في قوله تعالى: وَ مِنْ خَلْفِهِمْ راجعة إلى الرّسل.(8:288)
الطّوسيّ: منهم من تقدّم زمانه و منهم من تأخّر عنه...و قال قوم:معناه قبلهم و بعد أن بلّغوا و تعبّدوا بأمر الرّسل الّذين تقدّموهم.
قال البلخيّ: و يجوز أن يكون المراد:أتتهم أخبار الرّسل من هاهنا و هاهنا مع ما جاءهم منهم.
(9:113)
نحوه الطّبرسيّ.(5:7)
الزّمخشريّ: أي أتوهم من كلّ جانب و اجتهدوا بهم،و عملوا فيهم كلّ حيلة،فلم يروا منهم إلاّ العتوّ و الإعراض،كما حكى اللّه تعالى عن الشّيطان: لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ يعني لآتينّهم من كلّ جهة،و لأعملنّ فيهم كلّ حيلة.
و تقول:استدرت بفلان من كلّ جانب،فلم يكن لي فيه حيلة.
و عن الحسن:أنذروهم من وقائع اللّه فيمن قبلهم من الأمم و عذاب الآخرة،لأنّهم إذا حذّروهم ذلك!!
ص: 100
فقد جاءوهم بالوعظ من جهة الزّمن الماضي،و ما جرى فيه على الكفّار،و من جهة المستقبل و ما سيجري عليهم.و قيل:معناه:إذ جاءتهم الرّسل من قبلهم و من بعدهم.
فإن قلت:الرّسل الّذين من قبلهم و من بعدهم كيف يوصفون بأنّهم جاءوهم و كيف يخاطبونهم بقولهم: فَإِنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ؟
قلت:قد جاءهم هود و صالح داعيين إلى الإيمان بهما،و بجميع الرّسل ممّن جاء من بين أيديهم،أي من قبلهم،و ممّن يجيء من خلفهم،أي من بعدهم،فكأنّ الرّسل جميعا قد جاءوهم.(3:447)
نحوه الفخر الرّازيّ(27:110)،و النّسفيّ ملخّصا(4:90)و البيضاويّ(2:346)،و الكاشانيّ (4:355)،و شبّر(5:371).
ابن عطيّة: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، أي قد تقدّموا في الزّمن،و اتّصلت نذارتهم إلى أعمار عاد و ثمود،و بهذا الاتّصال قامت الحجّة.
و قوله: وَ مِنْ خَلْفِهِمْ، أي جاءهم رسول بعد اكتمال أعمارهم،و بعد تقدّم وجودهم في الزّمن، فلذلك قال: وَ مِنْ خَلْفِهِمْ. و جاء من مجموع العبارة إقامة الحجّة عليهم في أنّ الرّسالة و النّذارة عمّتهم خبرا و مباشرة،و لا يتوجّه أن يجعل وَ مِنْ خَلْفِهِمْ عبارة عمّا أتى بعدهم في الزّمن،لأنّ ذلك لا يلحقهم منه تقصير.
و أمّا الطّبريّ فقال:الضّمير في قوله: وَ مِنْ خَلْفِهِمْ عائد على الرّسل،و الضّمير في قوله: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ على الأمم،و تابعه الثّعلبيّ.و هذا غير قويّ،لأنّه يفرّق الضّمائر و يشعّب المعنى.(5:8)
ابن الجوزيّ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، أي أتت آباءهم و من كان قبلهم، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ، أي من خلف الآباء،و هم الّذين أرسلوا إلى هؤلاء المهلكين.
(7:247)
النّيسابوريّ: قوله: إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ قيل:الضّميران عائدان إلى الرّسل،أي جاءهم رسل بعد الرّسل،و قيل: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، أي حذّروهم الدّنيا، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ: الآخرة.و قيل:
مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ: الّذين عاينوهم، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ:
الّذين وصل إليهم خبرهم و كتبهم.و حقيقة«بين يديه»أن يستعمل للشّيء الحاضر،و مجازه أن يستعمل للشّيء الماضي بزمان قريب.(24:63)
أبو حيّان:...قال الطّبريّ: الضّمير في قوله:
وَ مِنْ خَلْفِهِمْ عائد على الرّسل،و في مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، عائد على الأمم.و فيه خروج عن الظّاهر في تفريق الضّمائر و تعمية المعنى؛إذ يصير التّقدير:
جاءتهم الرّسل من بين أيديهم و جاءتهم من خلف الرّسل،أي من خلف أنفسهم.و هذا معنى لا يتعقّل إلاّ إن كان الضّمير يعود في خَلْفِهِمْ على الرّسل لفظا، و هو يعود على رسل أخرى معنى،فكأنّه قال:
جاءتهم الرّسل من بين أيديهم و من خلف رسل آخرين،فيكون كقولهم:عندي درهم و نصفه،أي و نصف درهم آخر،و هذا فيه بعد.(7:489)
الشّربينيّ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أي من قبلهم،لأنّ
ص: 101
نذير الأوّل نذير لكلّ من أتى بعده،بأنّه إن واقع ما واقعه أتاه ما عذّب به، وَ مِنْ خَلْفِهِمْ و هم من أتى إليهم،لأنّهم لم يكونوا يعلمون إتيانهم.فالخلف:كناية عن الخلفاء و القدّام عن الجلاء،و أنّهم أتوهم من كلّ جانب...[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](3:510)
أبو السّعود : مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ متعلّق ب(جاءتهم،)أي من جميع جوانبهم، و اجتهدوا بهم من كلّ جهة،أو من جهة الزّمان الماضي بالإنذار عمّا جرى فيه على الكفّار،و من جهة المستقبل بالتّحذير عمّا سيحيق بهم من عذاب الدّنيا و عذاب الآخرة.
و قيل:المعنى جاءتهم الرّسل المتقدّمون و المتأخّرون،على تنزيل مجيء كلامهم و دعوتهم إلى الحقّ منزلة مجيء أنفسهم،فإنّ هودا و صالحا كانا داعيين لهم إلى الإيمان بهما،و بجميع الرّسل ممّن جاء من بين أيديهم،أي من قبلهم،و ممّن يجيء من خلفهم، أي من بعدهم،فكأنّ الرّسل قد جاءوهم.(5:439)
البروسويّ: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ.. متعلّق ب (جاءتهم،)أي من جميع جوانبهم،و اجتهدوا بهم من كلّ جهة من جهات الإرشاد و طرق النّصيحة،تارة بالرّفق،و تارة بالعنف،و تارة بالتّشويق،و أخرى بالتّرهيب.فليس المراد الجهات الحسّيّة و الأماكن المحيطة بهم،أو من جهة الزّمان الماضي بالإنذار عمّا جرى فيه على الكفّار من الوقائع،و من جهة الزّمان المستقبل بالتّحذير عمّا أعدّ لهم في الآخرة.
و يحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة،كقوله تعالى:
يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ النّحل:112، فيراد بالرّسل ما يعمّ المتقدّمين منهم و المتأخّرين،أو ما يعمّ رسل الرّسل أيضا،و إلاّ فالجائي رسولان كما سبق،و ليس في الاثنين كثرة.(8:242)
الآلوسيّ: و(من خلفهم)متعلّق ب(جاءتهم) و الضّمير المضاف إليه ل«عاد»و«ثمود».و الجهتان كناية عن جميع الجهات،على ما عرف في مثله،أي أتتهم الرّسل من جمع جهاتهم.و المراد بإتيانهم من جميع الجهات بذل الوسع في دعوتهم على طريق الكناية.و يجوز أن يراد ب(ما بين ايديهم:)الزّمن الماضي و ب(ما خلفهم:)المستقبل و بالعكس، و استعير فيه ظرف المكان للزّمان،و المراد:جاءوهم بالإنذار عمّا جرى على أمثالهم الكفرة في الماضي، و بالتّحذير عمّا سيحيق بهم في الآخرة.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](24:110)
نحوه القاسميّ.(14:5193)
ابن عاشور : مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ... تمثيل لحرص رسول كلّ منهم على هداهم؛بحيث لا يترك وسيلة يتوسّل بها إلى إبلاغهم الدّين إلاّ توسّل بها.فمثّل ذلك بالمجيء إلى كلّ منهم تارة من أمامه،و تارة من خلفه،لا يترك له جهة،كما يفعل الحريص على تحصيل أمر أن يتطلّبه و يعيد تطلّبه،و يستوعب مظانّ وجوده أو مظانّ سماعه.و هذا التّمثيل نظير الّذي في قوله تعالى حكاية عن الشّيطان: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ الأعراف:17.
ص: 102
و إنّما اقتصر في هذه الآية على جهتين، و لم تستوعب الجهات الأربع،كما مثّل حال الشّيطان في وسوسته،لأنّ المقصود هنا تمثيل الحرص فقط و قد حصل،و المقصود في الحكاية عن الشّيطان تمثيل الحرص مع التّلهّف تحذيرا منه و إثارة لبغضه في نفوس النّاس.(25:26)
مغنيّة: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ... كناية عن مبالغة الرّسل و اجتهادهم في التّبشير و الإنذار،و أنّهم سلكوا من أجل هدايتهم كلّ سبيل...(6:482)
نحوه مكارم الشّيرازيّ.(15:339)
الطّباطبائيّ: أي من جميع الجهات،فاستعمال هاتين الجهتين في جميع الجهات شائع.و جوّز أن يكون المراد به الماضي و المستقبل،فقوله: جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ كناية عن دعوتهم لهم من جميع الطّرق الممكنة:خلوة و جلوة،و فرادى و مجتمعين،بالتّبشير و الإنذار.(17:376)
فضل اللّه :(جاءتهم...)فهذه حقيقة تفرض نفسها على العقل و الوجدان،فلا مجال للشّكّ في وحدانيّة اللّه،لذا لا بدّ للعباد من أن يوحّدوا عبادة اللّه بما تفرضه من خضوع مطلق و طاعة مطلقة له،فإذا كان لديكم شبهة حول وحدانيّة اللّه نتيجة ما يمكن أن تعيشوه من عقد مرضيّة مستعصية،فتعالوا إلى الحوار في كلّ جزئيّاتها و في فكرها العامّ،لأنّ الحوار هو الّذي يفتح العقل على العقل،و يفسح المجال لتكوين القناعات من أقرب طريق.
و لعلّ جمع الرّسل-مع أنّ الآية لم تأت إلاّ على ذكر رسولين فقط-يعود إلى أنّ دعوة الرّسل واحدة، كما أنّ الحديث عن إتيانهم من بين أيديهم و من خلفهم،يحمل بعض الإيحاء،بأنّهم استخدموا كلّ الأساليب الّتي تطوّق أفكارهم من كلّ جانب.
(20:102)
13- وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ... فصّلت:25
ابن عبّاس: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: من أمر الآخرة، أن لا جنّة و لا نار و لا بعث و لا حساب، وَ ما خَلْفَهُمْ: من خلفهم من أمر الدّنيا،أن لا تنفقوا و لا تعطوا و أنّ الدّنيا باقية لا تفنى.(402)
نحوه الكلبيّ.(الماورديّ 5:178)
السّدّيّ: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: من أمر الدّنيا، وَ ما خَلْفَهُمْ: من أمر الآخرة.(428)
مثله مجاهد(الماورديّ 5:178)،و نحوه الحسن (الطّبرسيّ 5:10).
الكلبيّ: أعمالهم الّتي يشاهدونها، وَ ما خَلْفَهُمْ:
ما هم عاملوه في المستقبل.(الآلوسيّ 24:118)
ابن زيد :زيّنوا لهم ما مضى من أعمالهم الخبيثة، و ما بقي من أعمالهم الخسيسة.
(الفخر الرّازيّ 27:119)
الفرّاء: [نحو ابن عبّاس و أضاف:]
و قد يكون ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ما هم فيه من أمر الدّنيا، وَ ما خَلْفَهُمْ من أمر الآخرة.(3:17)
الطّبريّ: يقول:فزيّن لهؤلاء الكفّار قرناؤهم من الشّياطين ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من أمر الدّنيا،فحسّنوا
ص: 103
ذلك لهم،و حبّبوه إليهم،حتّى آثروه على أمر الآخرة، وَ ما خَلْفَهُمْ يقول:و حسّنوا لهم أيضا ما بعد مماتهم، بأن دعوهم إلى التّكذيب بالمعاد،و أنّ من هلك منهم فلن يبعث،و أن لا ثواب و لا عقاب حتّى صدّقوهم على ذلك،و سهّل عليهم فعل كلّ ما يشتهونه، و ركوب كلّ ما يلتذّونه من الفواحش،باستحسانهم ذلك لأنفسهم.(11:103)
نحوه ملخّصا الثّعلبيّ(8:292)،و البيضاويّ(2:
347)،و الشّربينيّ(3:514)،و أبو السّعود(5:442)، و الكاشانيّ(4:357)،و شبّر(5:375)،و المراغيّ (24:124).
الزّجّاج: يقول:زيّنوا لهم أعمالهم الّتي يعملونها و يشاهدونها، وَ ما خَلْفَهُمْ: و ما يعزمون أن يعملوه.
(4:384)
الرّمّانيّ: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ هو فعل الفساد في زمانهم، وَ ما خَلْفَهُمْ هو ما كان قبلهم.
(الماورديّ 5:178)
الماورديّ: فيه أربعة تأويلات:[إلى أن قال:]
الرّابع: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: ما فعلوه، وَ ما خَلْفَهُمْ: ما عزموا أن يفعلوه.
و يحتمل خامسا: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: من مستقبل الطّاعات أن لا يفعلوها، وَ ما خَلْفَهُمْ: من سالف المعاصي أن لا يتوبوا منها.(5:177)
الزّمخشريّ: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ: ما تقدّم من أعمالهم و ما هم عازمون عليها،أو ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: من أمر الدّنيا و اتّباع الشّهوات، وَ ما خَلْفَهُمْ: من أمر العاقبة،و أن لا بعث و لا حساب.
(3:452)
مثله النّسفيّ(4:93)،و نحوه النّيسابوريّ(25:6)
ابن عطيّة: فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أي علّموهم و قرّروا في نفوسهم معتقدات سوء،في الأمور الّتي تقدّمتهم من أمر الرّسل و النّبوّات،و مدح عبادة الأصنام،و اتّباع فعل الآباء إلى غير ذلك ممّا يقال:إنّه بين أيديهم؛و ذلك كلّ ما تقدّمهم في الزّمان و اتّصل إليهم أثره أو خبره،و كذلك أعطوهم معتقدات سوء فيما خلفهم،و هو كلّ ما يأتي بعدهم من القيامة و البعث و نحو ذلك،ممّا يقال فيه:إنّه خلف الإنسان، فزيّنوا لهم في هذين كلّ ما يرديهم و يفضي بهم إلى عذاب جهنّم.(5:12)
الطّبرسيّ: ...و قيل: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: ما قدّموه من أفعالهم السّيّئة حتّى ارتكبوها، وَ ما خَلْفَهُمْ: ما سنّوه لغيرهم ممّن يأتي بعدهم.(5:11)
القرطبيّ: ...و ليس قوله: وَ ما خَلْفَهُمْ عطفا على ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ بل المعنى و أنسوهم ما خلفهم، ففيه هذا الإضمار...و قيل:المعنى:لهم مثل ما تقدّم من المعاصي، وَ ما خَلْفَهُمْ: ما يعمل بعدهم.(15:355)
أبو حيّان :[اكتفى بذكر أقوال الآخرين]
(7:494)
البروسويّ: [نحو الطّبريّ ملخّصا و أضاف:]
جعل أمر الدّنيا بين أيديهم،كما يقال:قدّمت المائدة بين أيديهم،و الآخرة لمّا كانت تأتيهم بعد هذا جعلت خلفهم،كما يقال:لمن يجيء بعد الشّخص:إنّه
ص: 104
خلفه،و هذا هو الّذي تقتضيه ملاحظة التّرتيب الوجوديّ.
و قيل: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ الآخرة،لأنّها قدّامهم و هم متوجّهون إليها، وَ ما خَلْفَهُمْ: الدّنيا،لأنّهم يتركونها خلفهم.
قال الجنيد: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من طول الأمل، وَ ما خَلْفَهُمْ من نسيان الذّنوب.(8:251)
الآلوسيّ: [نقل قول ابن عبّاس و الحسن و الكلبيّ و قال:]
و لعلّ الأحسن ما حكي عن الحسن.(24:118)
ابن عاشور : ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: يستعار للأمور المشاهدة، وَ ما خَلْفَهُمْ: يستعار للأمور المغيبة.
و المراد ب ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: أمور الدّنيا،أي زيّنوا لهم ما يعملونه في الدّنيا من الفساد،مثل عبادة الأصنام،و قتل النّفس بلا حقّ،و أكل الأموال، و العدول على النّاس باليد و اللّسان،و الميسر، و ارتكاب الفواحش،و الوأد.فعوّدوهم باستحسان ذلك كلّه،لما فيه من موافقة الشّهوات و الرّغبات العارضة القصيرة المدى،و صرفوهم عن النّظر فيما يحيط بأفعالهم تلك من المفاسد الذّاتية الدّائمة.
و المراد ب وَ ما خَلْفَهُمْ: الأمور المغيبة عن الحسّ من صفات اللّه،و أمور الآخرة،من البعث و الجزاء،مثل الشّرك باللّه،و نسبة الولد إليه،و ظنّهم أنّه يخفى عليه مستور أعمالهم،و إحالتهم بعثة الرّسل، و إحالتهم البعث و الجزاء.(25:44)
مغنيّة:المراد ب ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: الدّنيا و حطامها،و ب ما خَلْفَهُمْ: الآخرة،و هي مجرّد خرافة عند الجاهدين.(6:487)
الطّباطبائيّ: فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: لعلّ المراد:التّمتّعات المادّيّة الّتي هم مكبّون عليها في الحال، و ما تعلّقت به آمالهم و أمانيهم في المستقبل.
و قيل: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: ما قدّموه من أعمالهم السّيّئة حتّى ارتكبوها، وَ ما خَلْفَهُمْ: ما سنّوه لغيرهم ممّن يأتي بعدهم،و يمكن إدراج هذا الوجه في سابقه.
و قيل: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ هو ما يحضرهم من أمر الدّنيا،فيؤثرونه و يقبلون إليه و يعملون له، وَ ما خَلْفَهُمْ هو أمر الآخرة حيث يدعوهم قرناؤهم إلى أنّه لا بعث و لا نشور و لا حساب و لا جنّة و لا نار، و هو وجه بعيد؛إذ لا يقال لمن ينكر الآخرة:إنّها زيّنت له.(17:385)
عبد الكريم الخطيب : ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، أي ما هم فيه من ضلال، وَ ما خَلْفَهُمْ، أي ما كان عليه آباؤهم من منكرات و ضلالات ورثوها عنهم،حتّى لقد كادت تكون طبيعة لازمة لهم.(12:1309)
مكارم الشّيرازيّ: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ: يمكن أن يكون إشارة لإحاطة الشّياطين من كلّ جانب،و تزيين الأمور لهم.
و قد قيل أيضا في معنى قوله تعالى: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ: إنّ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ إشارة إلى لذّات الدّنيا و زخارفها، وَ ما خَلْفَهُمْ هو إنكار القيامة و البعث.
ص: 105
و قد يكون ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ إشارة إلى وضعهم الدّنيويّ، وَ ما خَلْفَهُمْ إلى المستقبل الّذي سينتظرهم و أبناؤهم،إذ عادة ما يرتكب هذه الجرائم تحت شعار تأمين المستقبل.(15:358)
فضل اللّه : فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ: ممّا يستغرقون فيه من المتع المادّيّة الّتي يعيشون في شهواتها و لذائذها،أو ممّا يتطلّعون إليه في المستقبل من ذلك،في ما تتعلّق به آمالهم و أمانيّهم.
(20:110)
فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ. البقرة:66
ابن عبّاس: لِما بَيْنَ يَدَيْها: لما قبلها من الذّنوب، وَ ما خَلْفَها و لكي يكونوا عبرة لمن خلفهم،لكي لا يقتدوا بهم.(11)
لِما بَيْنَ يَدَيْها: ليحذر من بعدهم عقوبتي، وَ ما خَلْفَها الّذين كانوا بقوا معهم.
لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها: من الذّنوب الّتي عملوا قبل الحيتان،و ما عملوا بعد الحيتان.
(الطّبريّ 1:376)
لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها: من القرى.
(الماورديّ 1:136)
مجاهد : بَيْنَ يَدَيْها: ما مضى من خطاياهم، وَ ما خَلْفَها: خطاياهم الّتي هلكوا بها.
(الطّبريّ 1:376)
الحسن :المراد أنّه تعالى جعلها عقوبة لجميع ما ارتكبوه من هذا الفعل و ما بعده.
(الفخر الرّازيّ 3:113)
الإمام الباقر عليه السّلام: لِما بَيْنَ يَدَيْها، أي لما معها ينظر إليها من القرى، وَ ما خَلْفَها نحن و لنا فيها موعظة.
مثله الإمام الصّادق عليه السّلام.(الطّبرسيّ 1:130)
قتادة :جعلنا تلك العقوبة جزاء لما تقدّم من ذنوبهم قبل نهيهم عن الصّيد، وَ ما خَلْفَها: من العصيان بأخذ الحيتان بعد النّهي.(الثّعلبيّ 1:213)
لِما بَيْنَ يَدَيْها: ذنوبها، وَ ما خَلْفَها: عبرة لمن يأتي خلفهم بعدهم من الأمم.(الطّوسيّ 1:292)
السّدّيّ: لِما بَيْنَ يَدَيْها: فما سلف من عملهم، وَ ما خَلْفَها: فمن كان من بعدهم من الأمم أن يعصوا فيصنع بهم مثل ذلك.(119)
الرّبيع: لِما بَيْنَ يَدَيْها: لما خلا لهم من الذّنوب، وَ ما خَلْفَها، أي عبرة لمن بقي من النّاس.
(الطّبريّ 1:376)
مثله أبو العالية.(الثّعلبيّ 1:213)
قطرب: لِما بَيْنَ يَدَيْها: ممّن شاهدها، وَ ما خَلْفَها: ممّن لم يشاهدها.(أبو حيّان 1:246)
ابن قتيبة : لِما بَيْنَ يَدَيْها: من القرى، وَ ما خَلْفَها: ليتّعظوا بها.[ثمّ نقل قول قتادة و قال:]
و الأوّل أعجب إليّ.(52)
الطّبريّ: فتأويل الكلام...فقلنا لهم:كونوا قردة خاسئين،فجعلناها عقوبتنا لهم عقوبة لما بين يديها من ذنوبهم السّالفة منهم،بمسخنا إيّاهم و عقوبتنا لهم،و لما
ص: 106
خلف عقوبتنا لهم،من أمثال ذنوبهم أن يعمل بها عامل،فيمسخوا مثل ما مسخوا،و أن يحلّ بهم مثل الّذي حلّ بهم،تحذيرا من اللّه تعالى ذكره عباده أن يأتوا من معاصيه،مثل الّذي أتى الممسوخون، فيعاقبوا عقوبتهم.(1:377)
الزّجّاج: (ما بين يديها:)يحتمل شيئين من التّفسير،يحتمل أن يكون(ما بين يديها:)لما أسلفت من ذنوبها،و يحتمل أن يكون(ما بين يديها:)للأمم الّتي تراها،(ما بين يديها:)ما يكون بعدها.(1:149)
النّحّاس: لمن حضر معهم و لمن يأتي بعدهم،و هو أشبه بالمعنى.(القرطبيّ 1:444)
الثّعلبيّ: [نقل بعض الأقوال و أضاف:]
و قيل:(ما بين يديها:)من عقوبة الآخرة وَ ما خَلْفَها: من نصيحتهم في دنياهم،فيذكّرون بها إلى يوم قيام السّاعة.
و قيل:في الآية تقديم و تأخير،و تقديرها:
فجعلناها و ما خلفها ممّا أعدّ لهم من العذاب في الآخرة نكالا و جزاء لما بين يديها،أي لما تقدّم من ذنوبهم في اعتدائهم يوم السّبت.(1:213)
البغويّ: ...و قيل:جعلناها،أي جعلنا قرية أصحاب السّبت عبرة(ما بين يديها:)أي القرى الّتي كانت مبنيّة في الحال، وَ ما خَلْفَها: ما يحدث من القرى بعد،ليتّعظوا.(1:127)
الزّمخشريّ: (ما بين يديها:)لما قبلها، وَ ما خَلْفَها: و ما بعدها من الأمم و القرون،لأنّ مسخهم ذكرت في كتب الأوّلين فاعتبروا بها،و اعتبر بها من بلغتهم من الآخرين.
أو أريد ب(ما بين يديها:)ما بحضرتها من القرى و الأمم،و قيل: نَكالاً: عقوبة منكلة لما بين يديها، لأجل ما تقدّمها من ذنوبهم،و ما تأخّر منها.(1:286)
نحوه الفخر الرّازيّ(3:113)،و النّسفيّ(1:53) و النّيسابوريّ(1:337)،و الشّربينيّ(1:67)، و أبو السّعود(1:144)،و القاسميّ(2:151) و البروسويّ(1:157)،و شبّر(1:108).
ابن عطيّة: [نقل قول السّدّيّ و قال:]
و هذا قول جيّد.و قال غيره:(ما بين يديها:)أي من حضرها من النّاجين، وَ ما خَلْفَها، أي لمن يجيء بعدها.
و قال ابن عبّاس:(ما بين يديها:)أي من بعدهم من النّاس ليحذر و يتّقي، وَ ما خَلْفَها: لمن بقي منهم عبرة.و ما أراه يصحّ عن ابن عبّاس رضى اللّه عنه،لأنّ دلالة ما بين اليد ليست كما في القول.
و قال ابن عبّاس أيضا: لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها، أي من القرى.فهذا ترتيب أجرام لا ترتيب في الزّمان.(1:161)
البيضاويّ: لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها: لما قبلها و ما بعدها من الأمم إذا ذكرت حالهم في زبر الأوّلين و اشتهرت قصّتهم في الآخرين،أو لمعاصريهم و من بعدهم،أو لما بحضرتها من القرى و ما تباعد عنها،أو لأهل تلك القرية و ما حواليها،أو لأجل ما تقدّم عليها من ذنوبهم و ما تأخّر منها.(1:61)
أبو حيّان :[نقل بعض الأقوال و أضاف:]
ص: 107
أو(ما بين يديها:)من حضرها من النّاجين، وَ ما خَلْفَها: ممّن يجيء بعدها،أو(ما بين يديها:) من عقوبة الآخرة، وَ ما خَلْفَها: في دنياهم فيذكّرون بها إلى قيام السّاعة...
فهذه أحد عشر قولا.قال بعضهم:و الأقرب للصّواب قول من قال:(ما بين يديها:)من يأتي من الأمم بعدها، وَ ما خَلْفَها: من بقي منهم و من غيرهم،لم تنلهم العقوبة.(1:246)
الآلوسيّ: لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها [ذكر قولين عن ابن عبّاس ثمّ قال:]أو للآتين و الماضين،و هو المختار عند جماعة،فكلّ من ظرفي المكان مستعار للزّمان،و(ما)أقيمت مقام«من»إمّا تحقيرا لهم في مقام العظمة و الكبرياء،أو لاعتبار الوصف،فإنّ(ما)يعبّر بها عن العقلاء تعظيما إذا أريد الوصف،كقوله:
«سبحان ما سخّر كنّ»و صحّح كونها نكالا للماضين أنّها ذكرت في زبر الأوّلين،فاعتبروا بها.[إلى أن قال:]
و حمل الذّنوب الّتي بعد المسخة على السّيّئات الباقية آثارها،ليس بشيء،كما لا يخفى.و قول أبي العالية:«إنّ المراد ب(ما بين يديها:)ما مضى من الذّنوب،و ب ما خَلْفَها: من يأتي بعد،و المعنى:
فجعلناها عقوبة لما مضى من ذنوبهم،و عبرة لمن بعدهم»منحطّ من القول جدّا،لمزيد ما فيه من تفكيك النّظم و التّكلّف.(1:284)
ابن عاشور :و المراد ب لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها: ما قارنها من معاصيهم و ما سبق،يعني أنّ تلك الفعلة كانت آخر ما فعلوه،فنزلت العقوبة عندها،و لما بين يديها من الأمم القريبة منها،و لما خلفها من الأمم البعيدة.(1:528)
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً...
يونس:92
ابن عبّاس: لِمَنْ خَلْفَكَ: من الكفّار.(179)
إنّ بني إسرائيل قالوا:ما مات فرعون،فألقاه اللّه تعالى على نجوة من الأرض ليروه.
مثله قتادة.(الطّوسيّ 5:492)
لتكون لمن بعدك في النّكال آية،لئلاّ يقولوا مثل مقالتك،فإنّك لو كنت إلها ما غرقت.
(ابن الجوزيّ 4:61)
أبو عبيدة :مجاز خَلْفَكَ: بعدك.(1:281)
ابن قتيبة :لمن بعدك.(199)
مثله الماورديّ(2:449)،و الشّربينيّ(2:36).
الطّبريّ: يقول:لمن بعدك من النّاس عبرة يعتبرون بك،فينزجرون عن معصية اللّه،و الكفر به، و السّعي في أرضه بالفساد.(6:606)
الثّعلبيّ: و قرأ عليّ بن أبي طالب رضى اللّه عنه (لمن خلقك) بالقاف،أي تكون آية لخالقك.(5:148)
الطّوسيّ: قيل:فيه قولان:
أحدها:لمن يأتي بعدك ممّن يراك على تلك الصّفة، و قد كنت تدّعي الرّبوبيّة.
الثّاني:[قول ابن عبّاس و قتادة](5:492)
الزّمخشريّ: لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً: لمن وراءك من
ص: 108
النّاس علامة و هم بنو إسرائيل،و كان في أنفسهم أنّ فرعون أعظم شأنا من أن يغرق...
و قيل: لِمَنْ خَلْفَكَ: لمن يأتي بعدك من القرون.(2:252)
نحوه البيضاويّ(1:457)،و النّسفيّ(2:175)، و البروسويّ(4:77).
ابن عطيّة: قرأت فرقة،هي الجمهور: خَلْفَكَ، أي من أتى بعدك،و قرأت فرقة: (خلفك) المعنى يجعلك اللّه آية له في عباده.(3:142)
ابن الجوزيّ: لمن تخلّف من قومه،لأنّهم أنكروا غرقه.(4:61)
القرطبيّ: أي لبني إسرائيل و لمن بقى من قوم فرعون،ممّن لم يدركه الغرق و لم ينته إليه هذا الخبر...
و قرئ (لمن خلفك) بفتح اللاّم،أي لمن بقي بعدك يخلفك في أرضك.(8:381)
نحوه أبو حيّان(5:189)،و أبو السّعود(3:272)، و الآلوسيّ(11:184).
ابن عاشور : لِمَنْ خَلْفَكَ أي من وراءك.
و الوراء هنا مستعمل في معنى المتأخّر و الباقي،أي من ليسوا معك.و المراد بهم من يخلفه من الفراعنة و من معهم من الكهنة و الوزراء،أي لتكون ذاته آية،على أنّ اللّه غالب من أشركوا به،و أنّ اللّه أعظم و أقهر من فرعون و آلهته في اعتقاد القبط؛إذ يرون فرعون الإله عندهم طريحا على شاطئ البحر غريقا.(11:172)
مكارم الشّيرازيّ: يوجد الآن في متاحف مصر و بريطانيا جثّة أو جثّتين من جثت الفراعنة الّتي بقيت بمحافظة المومياء،فهل أنّ بدن فرعون المعاصر لموسى من بينها؛حيث حفظوه فيما بعد بالمومياء أم لا؟
لا دليل بين أيدينا،إلاّ أنّ تعبير لِمَنْ خَلْفَكَ يمكن أن يقوّي هذا الاحتمال،في أنّ بدن ذلك الفرعون من بين هذه الأبدان،ليكون عبرة لكلّ الأجيال القادمة،لأنّ تعبير الآية مطلق،فهو يشمل كلّ الآتين مستقبلا.(6:398)
لاحظ:ب د ن:«ببدنك».
وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَ ما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. يس:45
ابن عبّاس: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: من أمر الآخرة، فآمنوا بها و اعملوا لها، وَ ما خَلْفَكُمْ: من أمر الدّنيا، فلا تغترّوا بها و بزهرتها.(371)
نحوه سعيد بن جبير(النّحّاس 5:500)، و الواحديّ(3:515)،و الطّبرسيّ(4:427)، و الكلبيّ(ابن الجوزيّ 7:23).
مجاهد : ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: ما يأتي من الذّنوب، وَ ما خَلْفَكُمْ: ما مضى من الذّنوب.الثّعلبيّ 8:129)
الحسن : ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: يعني وقائع اللّه فيمن كان قبلكم من الأمم، وَ ما خَلْفَكُمْ: من أمر السّاعة.(الثّعلبيّ 8:129)
نحوه قتادة.(الطّبريّ 10:447)
خوّفوا بما مضى من ذنوبهم و ما يأتي منها.
(أبو حيّان 7:340)
ص: 109
الإمام الصّادق عليه السّلام:اتّقوا ما بين أيديكم من الذّنوب،و ما خلفكم من العقوبة.(الطّبرسيّ 4:427)
مقاتل: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: عذاب الأمم الخالية، وَ ما خَلْفَكُمْ: عذاب الآخرة.(الثّعلبيّ 8:130)
نحوه حكم بن عتيبة(النّحّاس 5:500)، و الشّربينيّ(3:353).
الثّوريّ: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: من الدّنيا، وَ ما خَلْفَكُمْ: من عذاب الآخرة.(الماورديّ 5:21)
الفرّاء: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: من عذاب الآخرة، وَ ما خَلْفَكُمْ: من عذاب الدّنيا،ممّا لا تأمنون من عذاب ثمود و من مضى.(2:379)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و إذا قيل لهؤلاء المشركين باللّه،المكذّبين رسوله محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:احذروا ما مضى بين أيديكم من نقم اللّه و مثلاته،بمن حلّ ذلك به من الأمم قبلكم،أن يحلّ مثله بكم بشر ككم و تكذيبكم رسوله، وَ ما خَلْفَكُمْ يقول:و ما بعد هلاككم ممّا أنتم لاقوه،إن هلكتم على كفركم الّذي أنتم عليه.(10:447)
نحوه المراغيّ.(23:16)
الزّجّاج: ما أسلفتم من ذنوبكم،و ما تعملونه فيما تستقبلون.
و قيل: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَ ما خَلْفَكُمْ على معنى:
اتّقوا أن ينزل بكم من العذاب مثل الّذي نزل بالأمم قبلكم، وَ ما خَلْفَكُمْ، أي اتّقوا عذاب الآخرة.
(4:289)
الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:[إلى أن قال:]
و يحتمل تأويلا رابعا: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: ما ظهر لكم، وَ ما خَلْفَكُمْ: ما خفي عنكم.(5:21)
ابن عطيّة: [نقل قول مقاتل و قال:]
و هذا هو النّظر.[ثمّ ذكر قول الحسن و قال:]
فجعل التّرتيب كأنّهم يسيرون من شيء إلى شيء،و لم يعتبر وجود الأشياء في الزّمن،و هذا النّظر يكسره عليه قوله تعالى: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من التوراة و الانجيل المائدة:46،و إنّما المطّرد أن يقاس ما بين اليد و الخلف بما يسوقه الزّمن،فتأمّله.
(4:455)
الفخر الرّازيّ: في قوله تعالى: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَ ما خَلْفَكُمْ: وجوه:
أحدها: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: الآخرة،فإنّهم مستقبلون لها، وَ ما خَلْفَكُمْ: الدّنيا،فإنّهم تاركون لها.
و ثانيها: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: من أنواع العذاب مثل الغرق و الحرق،و غيرهما،المدلول عليه بقوله تعالى:
وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَ لا هُمْ يُنْقَذُونَ يس:43، وَ ما خَلْفَكُمْ: من الموت الطّالب لكم، إن نجوتم من هذه الأشياء فلا نجاة لكم منه،يدلّ عليه قوله تعالى: وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ يس:44.
و ثالثها: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: من أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه حاضر عندكم، وَ ما خَلْفَكُمْ: من أمر الحشر،فإنّكم إذا اتّقيتم تكذيب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و التّكذيب بالحشر رحمكم اللّه.(26:82)
نحوه النّيسابوريّ.(23:23)
ص: 110
ابن عربيّ: اِتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: من أحوال القيامة الكبرى، وَ ما خَلْفَكُمْ: من أحوال القيامة الصّغرى،فإنّ الأولى تأتي من جهة الحقّ،و الثّانية تأتي من جهة النّفس،بالفناء في اللّه في الأولى،و التّجرّد عن الهيئات البدنيّة في الثّانية،و النّجاة منها.(2:331)
البيضاويّ: ...ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَ ما خَلْفَكُمْ:
الوقائع الّتي خلت و العذاب المعدّ في الآخرة،أو نوازل السّماء و نوائب الأرض،كقوله: أَ فَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ سبأ:9،أو عذاب الدّنيا و عذاب الآخرة،أو عكسه،أو ما تقدّم من الذّنوب و ما تأخّر.(2:282)
نحوه النّسفيّ(4:9)،و شبّر(5:230)،و القاسميّ (14:5009).
أبو السّعود :من الآفات و النّوازل،فإنّها محيطة بكم،أو ما يصيبكم من المكاره من حيث تحتسبون و من حيث لا تحتسبون.[ثمّ أدام نحو البيضاويّ]
(5:301)
نحوه الآلوسيّ.(23:29)
البروسويّ: وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، أي احذروا من الدّنيا و ما فيها من شهواتها و لذائذها، وَ ما خَلْفَكُمْ: من الآخرة و ما فيها من نعيمها و حورها و قصورها و أشجارها و أثمارها و أنهارها،و فيها ما تشتهي الأنفس و تلذّ الأعين منها.(7:406)
ابن عاشور :ما بين الأيدي:يراد منه المستقبل، و ما هو خلف:يراد منه الماضي.قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السّلام: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ آل عمران:50،أي ما تقدّمني؛و ذلك أنّ أصل هذين التّركيبين تمثيلان،فتارة ينظرون إلى تمثيل المضاف إليه بسائر إلى مكان،فالّذي بين يديه هو ما سيرد هو عليه،و الّذي من ورائه هو ما خلّفه خلفه في سيره، و تارة ينظرون إلى تمثيل المضاف بسائر،فهو إذا كان بين يدي المضاف إليه فقد سبقه في السّير فهو سابق له، و إذا كان خلف المضاف إليه فقد تأخّر عنه،فهو وارد بعده.
و قد فسّرت هذه الآية بالوجهين،فقيل: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: من أمر الآخرة، وَ ما خَلْفَكُمْ: من أحوال الأمم في الدّنيا،و هو عن مجاهد و ابن جبير عن ابن عبّاس.و قيل: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: أحوال الأمم في الدّنيا. وَ ما خَلْفَكُمْ: من أحوال الآخرة، و هو عن قتادة و سفيان.
و متى حمل أحد الموصولين على ما سبق من أحوال الأمم،وجب تقدير مضافين قبل(ما)الموصولة هما المفعول،أي اتّقوا مثل أحوال ما بين أيديكم،أو مثل أحوال ما خلفكم،و لا يقدّر مضافان في مقابله، لأنّ ما صدق(ما)الموصولة فيه حينئذ هو عذاب الآخرة،فهو مفعول اِتَّقُوا. (22:239)
مغنيّة:ضمير(لهم)يعود إلى مشركي العرب.
و المراد ب«ما بين أيديهم»:معاصي اللّه و محارمه، و ب«ما خلفهم»:العقاب عليها.و في نهج البلاغة:
«إنّ السّاعة تحدوكم من خلفكم».و المعنى:أنّ رسول اللّه نهاهم عن المعاصي،و أنذرهم بنقمة اللّه و عذابه إن
ص: 111
عصوا،و بشّرهم برحمته و ثوابه إن أطاعوا،و لكنّهم انقلبوا على أعقابهم مدبرين.(6:317)
الطّباطبائيّ: لمّا ذكر الآيات الدّالّة على الرّبوبيّة،ذمّهم على عدم رعايتهم حقّها،و عدم إقبالهم عليها،و عدم ترتيبهم عليها آثارها،فإذا قيل لهم:
«هذه الآيات البيّنات ناطقة أنّ ربّكم اللّه،فاتّقوا معصيته في حالكم الحاضرة،و ما قدّمتم من المعاصي، أو عذاب الشّرك و المعاصي الّتي أنتم مبتلون بها،و ما خلّفتم وراءكم،أو اتّقوا ما بين أيديكم من الشّرك و المعاصي في الحياة الدّنيا،و ما خلفكم من العذاب في الآخرة»أعرضوا عنه،و لم يستجيبوا له،على ما هو دأبهم في جميع الآيات الّتي ذكّروا بها.
و من هنا يظهر أوّلا:أنّ المراد ب«ما بين أيديهم و ما خلفهم»:الشّرك و المعاصي الّتي هم مبتلون بها في حالهم الحاضرة،و ما كانوا مبتلين به قبل،أو العذاب الّذي استوجبوه بذلك-و المآل واحد-أو الشّرك و المعاصي في الدّنيا و العذاب في الآخرة،و هو أوجه الوجوه.
و ثانيا:أنّ حذف جواب(اذا)للدّلالة على أنّ حالهم بلغت من الجرأة على اللّه و الاستهانة بالحقّ مبلغا لا يستطاع معها ذكر ما يجيبون به داعي الحقّ إذا دعاهم إلى التّقوى،فيجب أن يترك أسفا و لا يذكر، و قد دلّ عليه بقوله: وَ ما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ يس:46.(17:92)
مكارم الشّيرازيّ: للمفسّرين أقوال عديدة حول ما هو معنى قوله: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ و وَ ما خَلْفَكُمْ منها:أنّ المقصود ب ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ:
العقوبات الدّنيويّة الّتي أوردت الآيات السّابقة نماذج منها،و المقصود ب ما خَلْفَكُمْ: عقوبات الآخرة، و كأنّه يراد القول بأنّها خلفهم و لم تأت إليهم، و سوف تصل إليهم في يوم ما و تحيط بهم.
و المقصود بالتّقوى من هذه العقوبات،هو عدم إيجاد العوامل الّتي تؤدّي إلى وقوع هذه العقوبات، و الدّليل على ذلك أنّ التّعبير ب اِتَّقُوا يرد في القرآن إمّا عند ذكر اللّه سبحانه و تعالى،أو عند ذكر يوم القيامة و العقوبات الإلهيّة،و هذان الذّكران وجهان لحقيقة واحدة؛إذ أنّ الاتّقاء من اللّه هو اتّقاء من عقوباته؛و ذلك دليل على أنّ الآية تشير إلى الاتّقاء من عذاب اللّه و مجازاته في الدّنيا و في الآخرة.
و من هذه التّفسيرات أيضا قول البعض بأنّ المعنى هو عكس ما ورد في التّفسير الأوّل،و هو أنّ ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ تعني عقوبات الآخرة،و ما خَلْفَكُمْ تعني عذاب الدّنيا،لأنّ الآخرة أمامنا.و هذا التّفسير لا يختلف كثيرا عن الأوّل من حيث النّتائج.
و لكنّ البعض قالوا:إنّ المقصود من بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: الذّنوب الّتي ارتكبت سابقا،فتكون التّقوى منها بالتّوبة،و جبران ما تلف بواسطتها، و ما خَلْفَكُمْ: الذّنوب الّتي سترتكب لاحقا.
و البعض الآخر قالوا: ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ إشارة إلى أنواع عذابات الدّنيا،و ما خَلْفَكُمْ إشارة إلى الموت،و الحال أنّ الموت ليس ممّا يتّقى منه.
و البعض كصاحب تفسير«في ظلال القرآن»
ص: 112
اعتبر هذين التّعبيرين كناية عن إحاطة موجبات الغضب و العذاب الإلهيّ الّتي تحيط بالكافر من كلّ جانب.
و الآلوسيّ في«روح المعاني»و الفخر الرّازيّ في «التّفسير الكبير»كلّ منهما ذكر احتمالات متعدّدة، ذكرنا قسما منها.
و العلاّمة الطّباطبائيّ في«الميزان»أنّ ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: الشّرك و المعاصي في الحياة الدّنيا،و ما خَلْفَكُمْ: العذاب في الآخرة.
على أنّ ظاهر الآية هو أنّ كلا الاثنين من جنس واحد،و ليس بينهما التّفاوت الزّمني،لا أنّ إحداهما إشارة إلى الشّرك و الذّنوب،و الأخرى إشارة إلى العقوبات الواقعة نتيجة ذلك.
على كلّ حال،فأحسن تفسير لهذه الجملة هو ما ذكرناه في البدء،و آيات القرآن المختلفة دليل على ذلك أيضا،و هو أنّ المقصود من ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ: هو عقوبات الدّنيا،و ما خَلْفَكُمْ: عقوبات الآخرة.
(14:182)
فضل اللّه : وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَ ما خَلْفَكُمْ من الأعمال السّيّئة الّتي اكتسبتموها، و العقائد الكافرة أو المنحرفة الّتي اعتقدتموها من دون حجّة و لا برهان،ممّا قد تتعرّضون للعذاب من خلاله، لتتوبوا عمّا مضى،و لتؤكّدوا العزم على التّخلّص منه في المستقبل،لتأخذوا الفكرة و العبرة من هذه الآيات الّتي توحي بعظمة اللّه و قدرته،لأنّ اللّه أراد للإنسان أن يجعل من عقله الأساس في سلامة مصيره، و استقامته في موقفه.(19:151)
وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ... مريم:64
ابن عبّاس: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا: من أمر الآخرة، وَ ما خَلْفَنا: من أمر الدّنيا، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: ما بين النّفختين.(258)
نحوه سعيد بن جبير(النّحّاس 4:344)،و الضّحّاك و قتادة(الطّبريّ 8:360)،و مقاتل(2:
633).
لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا: يريد الدّنيا إلى الأرض، وَ ما خَلْفَنا: يريد السّماوات، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ:
يريد الهواء.(القرطبيّ 11:129) أبو العالية : ما بَيْنَ أَيْدِينا: من الدّنيا، وَ ما خَلْفَنا: من أمر الآخرة، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: ما بين النّفختين.(الطّبريّ 8:360)
نحوه مجاهد.(ابن الجوزيّ 5:250)
«ما بين الأيدي»:في الدّنيا بأسرها إلى النّفخة الأولى،«و ما خلف»:الآخرة من وقت البعث وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: ما بين النّفختين.(ابن عطيّة 4:24)
نحوه الرّبيع(الطّبريّ 8:360)،و الفرّاء(2:
170).
ابن جريج: ما بَيْنَ أَيْدِينا: ما مضى أمامنا من الدّنيا، وَ ما خَلْفَنا: ما يكون بعدنا من الدّنيا و الآخرة، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: ما بين ما مضى أمامهم
ص: 113
و بين ما يكون بعدهم.(الطّبريّ 8:360)
الأخفش: ما بَيْنَ أَيْدِينا: قبل أن نخلق، وَ ما خَلْفَنا: بعد الفناء، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: حين كنّا.
(2:626)
الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:
لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ، فقال بعضهم:يعني بقوله: ما بَيْنَ أَيْدِينا: من الدّنيا، و بقوله: وَ ما خَلْفَنا: الآخرة، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ:
النّفختين.
و قال آخرون: ما بَيْنَ أَيْدِينا: الآخرة، وَ ما خَلْفَنا: الدّنيا، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: ما بين الدّنيا و الآخرة.[ثمّ ذكر مثل قول الأخفش و أضاف:]
و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،قول من قال:
معناه: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا من أمر الآخرة،لأنّ ذلك لم يجئ و هو جاء،فهو بين أيديهم،فإنّ الأغلب في استعمال النّاس إذا قالوا:هذا الأمر بين يديك،أنّهم يعنون به ما لم يجئ،و أنّه جاء،فلذلك قلنا:ذلك أولى بالصّواب وَ ما خَلْفَنا من أمر الدّنيا؛و ذلك ما قد خلّفوه فمضى،فصار خلفهم بتخليفهم إيّاه،و كذلك تقول العرب لما قد جاوزه المرء و خلّفه:هو خلفه و وراءه. وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: ما بين ما لم يمض من أمر الدّنيا إلى الآخرة،لأنّ ذلك هو الّذي بين ذينك الوقتين.
و إنّما قلنا:ذلك أولى التّأويلات به،لأنّ ذلك هو الظّاهر الأغلب،و إنّما يحمل تأويل القرآن على الأغلب من معانيه،ما لم يمنع من ذلك ما يجب التّسليم له.فتأويل الكلام إذا:فلا تستبطئنا يا محمّد في تخلّفنا عنك،فإنّا لا نتنزّل من السّماء إلى الأرض إلاّ بأمر ربّك لنا بالنّزول إليها،للّه ما هو حادث من أمور الآخرة الّتي لم تأت و هي آتية،و ما قد مضى فخلّفناه من أمر الدّنيا،و ما بين وقتنا هذا إلى قيام السّاعة،بيده ذلك كلّه،و هو مالكه و مصرّفه،لا يملك ذلك غيره، فليس لنا أن نحدث في سلطانه أمرا إلاّ بأمره إيّانا به.
(8:360)
الزّجّاج: ما بَيْنَ أَيْدِينا: أمر الآخرة و الثّواب و العقاب، وَ ما خَلْفَنا: جميع ما مضى من أمر الدّنيا، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: ما يكون منّا من هذا الوقت إلى يوم القيامة.(3:337)
نحوه الشّربينيّ.(2:437)
الثّعلبيّ: قيل:كان له ابتداء خلقنا،و له كان منتهى آجالنا،و له كان مدّة حياتنا.
و يقال: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا قبل أن يخلقنا، وَ ما خَلْفَنا بعد أن يميتنا، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ ما هو فيه من الحياة.
و يقال: ما بَيْنَ أَيْدِينا إلى الأرض إذا أردنا النّزول إليها، وَ ما خَلْفَنا أي السّماء إذا نزلنا منها، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ يعني السّماء و الأرض،يريد أنّ كلّ ذلك للّه سبحانه فلا نقدر على فعل إلاّ بأمره.(6:223)
الماورديّ: فيه قولان:[ذكر بعض الأقوال و أضاف:]
و يحتمل ثالثا: ما بَيْنَ أَيْدِينا: السّماء، وَ ما خَلْفَنا: الأرض، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: ما بين السّماء
ص: 114
و الأرض.(3:382)
البغويّ: أي له علم ما بين أيدينا و ما خلفنا.[ثمّ نقل الأقوال في ذلك](3:242)
الزّمخشريّ: و المراد:أنّ نزولنا في الأحايين وقتا غبّ وقت ليس إلاّ بأمر اللّه،و على ما يراه صوابا و حكمة،و له ما قدّامنا و ما خلفنا من الجهات و الأماكن، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ و ما نحن فيها،فلا نتمالك أن ننتقل من جهة إلى جهة و مكان إلى مكان إلاّ بأمر المليك و مشيئته،و هو الحافظ العالم بكلّ حركة و سكون،و ما يحدث و يتجدّد من الأحوال، لا يجوز عليه الغفلة و النّسيان،فأنّى لنا أن نتقلّب في ملكوته إلاّ إذا رأى ذلك مصلحة و حكمة،و أطلق لنا الإذن فيه؟
و قيل:ما سلف من أمر الدّنيا و ما يستقبل من أمر الآخرة، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: ما بين النّفختين،و هو أربعون سنة.
و قيل:ما مضى من أعمارنا و ما غبر منها،و الحال الّتي نحن فيها.
و قيل:ما قبل وجودنا و ما بعد فنائنا.
و قيل:الأرض الّتي بين أيدينا إذا نزلنا،و السّماء الّتي وراءنا،و ما بين السّماء و الأرض.
و المعنى:أنّه المحيط بكلّ شيء،لا تخفى عليه خافية،و لا يعزب عنه مثقال ذرّة،فكيف نقدم على فعل نحدثه إلاّ صادرا عمّا توجبه حكمته،و يأمرنا به، و يأذن لنا فيه.(2:516)
نحوه البيضاويّ ملخّصا(2:38)،و النّسفيّ(3:
40)،و أبو السّعود(4:249).
ابن عطيّة: ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ لفظ يحتاج إلى ثلاث مراتب،و اختلف المفسّرون فيها.[ذكر بعض الأقوال إلى أن قال:]
و الآية إنّما المقصد بها الإشعار بملك اللّه تعالى الملائكة،و أنّ قليل تصرّفهم و كثيره إنّما هو بأمره، و انتقالهم من مكان إلى مكان إنّما هو بحكمته؛إذ الأمكنة له و هم له،فلو ذهب بالآية إلى أنّ المراد ب «ما بين الأيدي و ما خلف»الأمكنة الّتي فيها تصرّفهم،و المراد ب ما بَيْنَ ذلِكَ هم أنفسهم و مقاماتهم،لكان وجهها،كأنّه قال:نحن مقيّدون بالقدرة لا ننتقل و لا نتنزّل إلاّ بأمر ربّك.
و قال ابن عبّاس و قتادة-فيما روي و ما أراه صحيحا عنهما-:«ما بين الأيدي»هي الآخرة،و«ما خلف»هو الدّنيا،و هذا مختلّ المعنى إلاّ على التّشبيه بالمكان،لأنّ ما بين اليد إنّما هو ما تقدّم وجوده في الزّمن بمثابة التّوراة و الإنجيل من القرآن،و قول أبي العالية إنّما يتصوّر في بني آدم،و هذه المقالة هي للملائكة،فتأمّله.(4:24)
الطّبرسيّ: ...و قيل: ما بَيْنَ أَيْدِينا: ما بقي من أمر الدّنيا، وَ ما خَلْفَنا: ما مضى من الدّنيا: وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: من حياتنا،أي هو المدبّر لنا في الأوقات الماضية و الآتية و الذّاهبة.و قيل: ما بَيْنَ أَيْدِينا، أي الأرض عند نزولنا، وَ ما خَلْفَنا: السّماوات إذ نزلنا منها، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: السّماء و الأرض.(3:521)
الفخر الرّازيّ: [نقل خمسة أقوال الّتي مضت في
ص: 115
ذلك،ثمّ قال:]
و على كلّ التّقديرات،فالمقصود أنّه المحيط بكلّ شيء،لا تخفى عليه خافية،و لا يعزب عنه مثقال ذرّة، فكيف نقدم على فعل إلاّ بأمره و حكمه.(21:239)
ابن عربيّ: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا من أطوار الجبروت الّتي فوقنا،و تتقدّم أطوارنا الّتي وجوهنا إليها،و لا يحيط علمنا بها، وَ ما خَلْفَنا من أطوار الملكوت الأرضيّة،الّتي دون أطوارنا، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ من الأطوار الملكوتيّة الّتي نحن فيها،كلّهم في ملكة قهره،و تحت سلطنة أمره،و إحاطة علمه.(2:22)
القرطبيّ: (له)أي للّه ما بَيْنَ أَيْدِينا أي علم ما بين أيدينا.[ذكر الأقوال إلى أن قال:]
و لم يقل:ما بين ذينك،لأنّ المراد ما بين ما ذكرنا، كما قال: لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ البقرة:
68،أي بين ما ذكرنا.(11:129)
البروسويّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]
و في«التّأويلات النّجميّة»: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا من التّقدير الأزليّ، وَ ما خَلْفَنا من التّدبير الأبديّ، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ من أزل إلى الأبد.(5:347)
الآلوسيّ: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا: ما قدّامنا من الزّمان المستقبل، وَ ما خَلْفَنا: من الزّمان الماضي، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: المذكور من الزّمان الحال،فلا ننزل في زمان دون زمان إلاّ بأمره سبحانه و مشيئته عزّ و جلّ.[إلى أن قال:]
و قيل:ما بين الأيدي:المكان الّذي ينتقلون إليه، و ما خلف:المكان الّذي ينتقلون منه، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ: المكان الّذي هم فيه،ف«الماءات»من الأمكنة.و اختار بعضهم تفسيرها بما يعمّ الزّمان و المكان،و المراد أنّه تعالى المالك لكلّ ذلك،فلا ننتقل من مكان إلى مكان،و لا ننزل في زمان دون زمان إلاّ بإذنه عزّ و جلّ.(16:114)
المراغيّ: أي إنّه تعالى هو المدبّر لنا في جميع الأزمنة،مستقبلها و ماضيها و حاضرها.
و قصارى ذلك:أنّ أمرنا موكول إلى اللّه تعالى، يتصرّف فينا بحسب مشيئته و إرادته،لا اعتراض لأحد عليه،فلا ننتقل من مكان إلى مكان،و لا ننزل في زمان دون زمان إلاّ بإذنه عزّ و جلّ.(16:71)
ابن عاشور :المراد ب ما بَيْنَ أَيْدِينا: ما هو أمامنا،و ب ما خَلْفَنا: ما هو وراءنا،و ب ما بَيْنَ ذلِكَ: ما كان عن أيمانهم و عن شمائلهم،لأنّ ما كان عن اليمين و عن الشّمال هو بين الأمام و الخلف.
و المقصود استيعاب الجهات.
و لمّا كان ذلك مخبرا عنه بأنّه ملك للّه،تعيّن أن يراد به الكائنات الّتي في تلك الجهات،فالكلام مجاز مرسل بعلاقة الحلول،مثل: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:
82،فيعمّ جميع الكائنات،و يستتبع عموم أحوالها و تصرّفاتها،مثل التّنزّل بالوحي.
و يستتبع عموم الأزمان المستقبل و الماضي و الحال و قد فسّر بها قوله: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ. (16:63)
مغنيّة: ما بَيْنَ أَيْدِينا: إشارة إلى ما يأتي، و ما خَلْفَنا: إشارة إلى ما مضى،و ما بَيْنَ
ص: 116
ذلِكَ: إشارة إلى الحاضر.(5:191)
الطّباطبائيّ: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ يقال:كذا قدّامه و أمامه و بين يديه، و المعنى واحد،غير أنّ قولنا:«بين يديه»إنّما يطلق فيما كان بقرب منه و هو مشرف عليه،له فيه نوع من التّصرّف و التّسلّط،فظاهر قوله: ما بَيْنَ أَيْدِينا أنّ المراد به ما نشرّف عليه ممّا هو مكشوف علينا مشهود لنا،و ظاهر قوله: وَ ما خَلْفَنا بالمقابلة ما هو غائب عنّا مستور علينا.
و على هذا فلو أريد بقوله: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ المكان،شمل بعض المكان الّذي أمامهم،و المكان الّذى هم فيه،و جميع المكان الّذي خلفهم،و لم يشمل كلّ مكان،و كذا لو أريد به الزّمان، شمل الماضي كلّه و الحال و المستقبل القريب فقط، و سياق قوله: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ ينادي بالإحاطة،و لا يلائم التّبعيض.
فالوجه:حمل ما بَيْنَ أَيْدِينا على الأعمال و الآثار المتفرّعة على وجودهم الّتي هم قائمون بها متسلّطون عليها،و حمل ما خَلْفَنا على ما هو من أسباب وجودهم ممّا تقدّمهم و تحقّق قبلهم،و حمل ما بَيْنَ ذلِكَ على وجودهم أنفسهم،و هو من أبدع التّعبير و ألطفه،و بذلك تتمّ الإحاطة الإلهيّة بهم من كلّ جهة،لرجوع المعنى إلى أنّ اللّه تعالى هو المالك لوجودنا،و ما يتعلّق به وجودنا من قبل و من بعد.
و لقد اختلفت كلماتهم في تفسير هذه الجملة، فقيل:المراد ب ما بَيْنَ أَيْدِينا: ما هو قدّامنا من الزّمان المستقبل،و ب ما خَلْفَنا: الماضي،و ب ما بَيْنَ ذلِكَ: الحال.
و قيل: ما بَيْنَ أَيْدِينا: ما قبل الإيجاد من الزّمان،و ما خَلْفَنا: ما بعد الموت إلى استمرار الآخرة،و ما بَيْنَ ذلِكَ: هو مدّة الحياة.
و قيل:«ما بين الأيدي»:الدّنيا إلى النّفخة الأولى،«و ما خلفهم»:هو ما بعد النّفخة الثّانية، ما بَيْنَ ذلِكَ: ما بين النّفختين،و هو أربعون سنة.
و قيل:ما بين أيديهم:الآخرة،و ما خلفهم:الدّنيا.
و قيل:ما بين أيديهم:ما قبل الخلق،و ما خلفهم:
ما بعد الفناء،و ما بين ذلك:ما بين الدّنيا و الآخرة.
و قيل:ما بين أيديهم:ما بقي من أمر الدّنيا،و ما خلفهم:ما مضى منه،و ما بين ذلك:ما هم فيه.
و قيل:المعنى ابتداء خلقنا،و منتهى آجالنا،و مدّة حياتنا.
و قيل:ما بين أيديهم:السّماء،و ما خلفهم:
الأرض،و ما بين ذلك:ما بينهما.و قيل:بعكس ذلك.
و قيل:ما بين أيديهم:المكان الّذي ينتقلون إليه، و ما خلفهم:المكان الّذي ينتقلون منه،و ما بين ذلك:
المكان الّذي هم فيه.
و تشترك الأقوال الثّلاثة الأخيرة في أنّ«الماءات» عليها مكانيّة،كما يشترك السّبعة في أنّ«الماءات» عليها زمانيّة،و هناك قول بكون الآية تعمّ الزّمان و المكان،فهذه أحد عشر قولا،و لا دليل على شيء منها مع ما فيها من قياس الملك على الإنسان،و الوجه ما قدّمناه.
ص: 117
فقوله: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ يفيد إحاطة ملكه تعالى بهم ملكا حقيقيّا، لا يجري فيه تصرّف غيره،و لا إرادة من سواه إلاّ عن إذن منه و مشيئة؛و إذ لا معصية للملائكة فلا تفعل فعلا إلاّ عن أمره و من بعد إذنه،و لا تريد إلاّ ما أراده اللّه،فلا يتنزّل ملك إلاّ بأمر ربّه.
و قد تقرّر بهذا البيان أنّ قوله: لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ في مقام التّعليل لقوله:
وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ. (14:82)
عبد الكريم الخطيب : لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ إقرار من الملائكة بما للّه سبحانه و تعالى من سلطان مطلق،لا يملك أحد معه شيئا،حتّى أقرب المقرّبين إليه و هم الملائكة،إنّ اللّه سبحانه و تعالى يملكهم،و يملك كلّ ما يعملون فيه،في ماضي أمرهم،و مستقبله،و ما بين ماضيه و مستقبله.
(8:752)
مكارم الشّيرازيّ: الخلاصة:فإنّ الماضي و الحاضر و المستقبل،و هنا و هناك و كلّ مكان، و الدّنيا و الآخرة و البرزخ،كلّ ذلك متعلّق بذات اللّه المقدّسة.
و قد ذكر بعض المفسّرين لجملة لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا وَ ما بَيْنَ ذلِكَ آراء عديدة بلغت أحيانا أحد عشر قولا،إلاّ أنّ ما ذكرناه أعلاه هو أنسبها جميعا،كما يبدو.(9:428)
فضل اللّه : لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا ممّا نقدّمه من أعمال،أو ممّا يحيط بنا من أوضاع، وَ ما خَلْفَنا ممّا يتّصل بسرّ الوجود و حركته في الماضي، وَ ما بَيْنَ ذلِكَ فليس هناك فراغ في حياتنا في المكان أو في الزّمان أو في الأفعال،أو في خصائص الوجود،ليملأه غيره،لأنّه يملك كلّ شيء،و يحيط بكلّ شيء،و يهيمن على الوجود كلّه.(15:64)
وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً الفرقان:62
ابن عبّاس: مختلفة بعضها لبعض.(305)
من فاته شيء من اللّيل أن يعمله أدركه بالنّهار، أو من النّهار أدركه باللّيل.(الطّبريّ 9:405)
نحوه سعيد بن جبير(الآلوسيّ 19:42)، و الكاشانيّ(4:22).
مجاهد :هذا يخلف هذا،و هذا يخلف هذا.
(الطّبريّ 9:406)
مثله ابن عطيّة(4:217)،و نحوه المراغيّ(19:
33).
يعني جعل كلّ واحد منهما مخالفا لصاحبه،فجعل هذا أسود و هذا أبيض.(الثّعلبيّ 7:144)
نحوه قتادة و الكسائيّ.(أبو حيّان 6:511)
الحسن :جعل أحدهما خلفا للآخر،إن فات رجلا من النّهار شيء أدركه من اللّيل،و إن فاته من اللّيل أدركه من النّهار.(الطّبريّ 9:405)
قتادة :يعني عوضا و خلفا يقوم أحدهما مقام صاحبه،فمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر، فأروا اللّه من أعمالكم خيرا في هذا اللّيل و النّهار،
ص: 118
فإنّهما مطيّتان تقحمان النّاس إلى آجالهم،و تقرّبان كلّ بعيد،و تبليان كلّ جديد،و تجيئان بكلّ موعود إلى يوم القيامة.(الثّعلبيّ 7:144)
الإمام الصّادق عليه السّلام:في حديث قال له رجل:
جعلت فداك يا ابن رسول اللّه ربّما فاتتني صلاة اللّيل الشّهر و الشّهرين و الثّلاثة فأقضيها بالنّهار أ يجوز ذلك؟قال:«قرّة عين لك و اللّه قرّة عين لك ثلاثا،إنّ اللّه يقول: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً...» .فهو قضاء صلاة النّهار باللّيل و قضاء صلاة اللّيل بالنّهار، و هو من سرّ آل محمّد المكنون.(القمّيّ 2:116)
مقاتل:فجعل النّهار خلفا من اللّيل لمن كانت له حاجة و كان مشغولا.(3:239)
ابن زيد :لو لم يجعلهما خلفة لم يدر كيف يعمل، لو كان الدّهر ليلا كلّه كيف يدري أحد كيف يصوم، أو كان الدّهر نهارا كلّه كيف يدري أحد كيف يصلّي.
و الخلفة:مختلفان،يذهب هذا و يأتي هذا،جعلهما اللّه خلفة للعباد.(الطّبريّ 9:406)
يعني يخلف أحدهما صاحبه،إذا ذهب أحدهما جاء الآخر،فهما يتعاقبان في الضّياء و الظّلام و الزّيادة و النّقصان.[ثمّ استشهد بشعر](الثّعلبيّ 7:144)
الفرّاء: يذهب هذا و يجيء هذا.[ثمّ استشهد بشعر]
و قد ذكر أنّ قوله خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أي من فاته عمل من اللّيل استدركه بالنّهار،فجعل هذا خلفا من هذا.(2:271)
أبو عبيدة :أي يجيء اللّيل بعد النّهار،و يجيء النّهار بعد اللّيل يخلف منه،و جعلهما خلفة و هما اثنان،لأنّ الخلفة مصدر فلفظه من الواحد و الاثنين و الجميع من المذكّر و المؤنّث واحد.[ثمّ استشهد بشعر]
(2:79)
الأخفش: يقول:يختلفان.(2:642)
ابن قتيبة :أي يخلف هذا هذا.[ثمّ استشهد بشعر]
(314)
الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله:
جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً، فقال بعضهم:معناه أنّ اللّه جعل كلّ واحد منهما خلفا من الآخر،في أنّ ما فات أحدهما من عمل يعمل فيه للّه أدرك قضاءه في الآخر.
و قال آخرون:بل معناه أنّه جعل كلّ واحد منهما مخالفا صاحبه،فجعل هذا أسود و هذا أبيض.
و قال آخرون:بل معنى ذلك أنّ كل واحد منهما يخلف صاحبه،إذا ذهب هذا جاء هذا،و إذا جاء هذا ذهب هذا.
و الخلفة:مصدر،فلذلك وحّدت،و هي خبر عن اللّيل و النّهار،و العرب تقول:خلف هذا من كذا خلفة؛و ذلك إذا جاء شيء مكان شيء ذهب قبله.[ثمّ استشهد بشعر](9:405)
الزّجّاج: قال أهل اللّغة:خلفة:يجيء هذا في إثر هذا.[ثمّ استشهد بشعر]
و جاء أيضا في التّفسير:(خلفة:)مختلفان،كما قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ... آل عمران:190،191.
(4:74)
ص: 119
النّحّاس:[نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]
و أولى الأقوال قول مجاهد.[قوله الأوّل]
و المعنى كلّ واحد منهما يخلف صاحبه،مشتقّ من الخلف،و منه خلف فلان فلانا بخير،أو شرّ.[ثمّ استشهد بشعر](5:44)
القشيريّ: الأوقاف متجانسة،و تفضيلها بعضها على بعض على معنى أنّ الطّاعة في البعض أفضل و الثّواب عليها أكثر.و اللّيل خلف النّهار و النّهار خلف اللّيل،فمن وقع له في طاعة اللّيل خلل فإذا حضر بالنّهار فذلك وجود جبرانه،و إن حصل في طاعة النّهار خلل فإذا حضر باللّيل ففي ذلك إتمام لنقصانه.
(4:320)
الزّمخشريّ: الخلفة:من«خلف»كالرّكبة من «ركب»و هي الحالة الّتي يخلف عليها اللّيل و النّهار كلّ واحد منهما الآخر،و المعنى:جعلهما ذوي خلفة أي ذوي عقبة،أي يعقب هذا ذاك و ذاك هذا.و يقال:
اللّيل و النّهار يختلفان كما يقال:يعتقبان،و منه قوله:
وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ. و يقال:بفلان خلفة و اختلاف،إذا اختلف كثيرا إلى متبرّزه.(3:99)
نحوه البيضاويّ(2:150)،و أبو السّعود(5:23).
ابن العربيّ: في تفسير الخلفة ثلاثة أقوال:
الأوّل:أنّه جعل أحدهما مخالفا للآخر،يتضادّان وصفا،و يتعارضان وضعا و وقتا،و بذلك نميّز.
الثّاني:أنّه إذا مضى واحد جاء آخر.[ثمّ استشهد بشعر]
الثّالث:معنى(خلفة)ما فات في هذا خلفه في هذا.
و في الحديث الصّحيح:«ما من امرئ تكون له صلاة بليل،فغلبه عليها نوم،فيصلّي ما بين طلوع الشّمس إلى صلاة الظّهر إلاّ كتب اللّه له أجر صلاته، و كان نومه صدقة عليه».(3:1428)
ابن عربيّ: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ليل ظلمة النّفس،و نهار نور القلب يعتقبان لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ في نهار نور القلب العهد المنسيّ،و ينظر في المعاني و المعارف،و يعتبر،(او اراد)في ليل ظلمة النّفس (شكورا)بأعمال الطّاعات،و اكتساب الأخلاق، و الملكات.(2:166)
القرطبيّ: قال أبو عبيدة:الخلفة:كلّ شيء بعد شيء،و كلّ واحد من اللّيل و النّهار يخلف صاحبه.
و يقال للمبطون:أصابته خلفة،أي قيام و قعود يخلف هذا ذاك.و منه خلفة النّبات،و هو ورق يخرج بعد الورق الأوّل في الصّيف.[ثمّ استشهد بشعر]
قال مجاهد:(خلفة)من الخلاف،هذا أبيض و هذا أسود،و الأوّل أقوى.
و قيل:يتعاقبان في الضّياء و الظّلام،و الزّيادة و النّقصان.
و قيل:هو من باب حذف المضاف،أي جعل اللّيل و النّهار ذوي خلفة،أي اختلاف.(13:65)
النّسفيّ: [نحو الزّمخشريّ ملخّصا و أضاف:]
أو يخلفه في قضاء ما فاته من الورد.(3:173)
أبو حيّان :انتصب(خلفة)على الحال،فقيل:هو
ص: 120
مصدر خلف خلفة،و قيل:هو اسم هيئة كالرّكبة، و وقع حالا اسم الهيئة في قولهم:مررت بماء قعدة رجل.
[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](6:511)
الشّربينيّ: أي ذوي حالة معروفة في الاختلاف، فيأتي هذا خلف ذاك،بضدّ ما له من الأوصاف.
(2:671)
البروسويّ: الخلفة:مصدر للنّوع،فلا يصلح أن يكون مفعولا ثانيا ل(جعل)و لا حالا من مفعوله، فلا بدّ من تقدير المضاف،و يستعمل بمعنى كان خليفته، أو بمعنى جاء بعده.
فالمعنى على الأوّل:جعلهما ذوي خلفة يخلف كلّ واحد منهما الآخر،بأن يقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه،فمن فرط في عمل أحدهما قضاه في الآخر، فيكون توسعة على العباد في نوافل العبادات و الطّاعات.
و على الثّاني:جعلهما ذوي اعتقاب يجيء اللّيل و يذهب النّهار و يجيء النّهار و يذهب اللّيل،و لم يجعل نهارا لا ليل له و ليلا لا نهار له،ليعلم النّاس عدد السّنين و الحساب،و ليكون للانتشار في المعاش وقت معلوم،و للاستقرار و الاستراحة وقت معلوم.ففي الآية تذكير لنعمته و تنبيه على كمال حكمته و قدرته.(6:238)
الآلوسيّ: ...و جعله بعضهم بمعنى اختلافا، و المراد:الاختلاف في الزّيادة و النّقصان كما قيل،أو في السّواد و البياض كما روي عن مجاهد،أو فيما يعمّ ذلك و غيره،كما هو محتمل.و في«البحر»يقال:بفلان خلفة و اختلاف،إذا اختلف كثيرا إلى متبرّزه.[ثمّ استشهد بشعر]
و جوّز عليه أن يكون المراد:يذهب كلّ منهما و يجيء كثيرا،و اعتبار المضاف المقدّر على حاله، و كذا فيما قبله.
و في«القاموس»:«الخلف و الخلفة بالكسر:
المختلف».و عليه لا حاجة إلى تقدير المضاف، و المعنى:جعلهما مختلفين،و الإفراد لكونه مصدرا في الأصل.(19:42)
ابن عاشور :الاستدلال هذا بما في اللّيل و النّهار من اختلاف الحال بين ظلمة و نور،و برد و حرّ،ممّا يكون بعضه أليق ببعض النّاس من بعض ببعض آخر.
و هذا مخالف للاستدلال الّذي في قوله: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَ النَّوْمَ سُباتاً وَ جَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً الفرقان:47،فهذه دلالة أخرى و نعمة أخرى،و الحكم في المخلوقات كثيرة.
و القصر هنا قصر حقيقيّ و ليس إضافيّا،فلذلك لا يراد به الرّدّ على المشركين،بخلاف صيغ القصر السّابقة من قوله: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً إلى قوله: وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً الفرقان:47-54.
و الخلفة بكسر الخاء و سكون اللاّم:اسم لما يخلف غيره في بعض ما يصلح له.صيغ هذا الاسم على زنة «فعلة»،لأنّه في الأصل:ذو خلفة،أي صاحب حالة خلف فيها غيره،ثمّ شاع استعماله فصار اسما.[ثمّ استشهد بشعر]
فالمعنى:جعل اللّيل خلفة و النّهار خلفة،أي كلّ
ص: 121
واحد منهما خلفة عن الآخر،أي فيما يعمل فيها من التّدبّر في أدلّة العقيدة و التّعبّد و التّذكّر.(19:85)
مغنيّة:(خلفة)أي أنّ اللّيل و النّهار يتعاقبان، و يخلف أحدهما الآخر،يذهب اللّيل و يأتي النّهار،ثمّ يذهب هذا و يأتي ذاك،و هكذا دواليك.و لا يمكث أحدهما إلى ما لا نهاية،أو طويلا أكثر من حاجة الخلائق.و التّعاقب على هذه الصّورة يدلّ دلالة قاطعة على وجود مدبّر حكيم.و تعاقب اللّيل و النّهار يستند مباشرة إلى حركة الأرض،و حركة الأرض تستند إلى سببها،و لكن سلسلة الأسباب تنتهي بجميع حلقاتها إلى المبدإ الأوّل.أمّا الحكمة من هذا التّعاقب، فلأنّه لو استمرّ وجود الظّلمة أو الضّياء لتعذّرت الحياة على وجه الأرض.
و قوله تعالى: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ معناه أنّ من طلب الدّليل على وجود اللّه وجده في جميع الأشياء، و منها تعاقب اللّيل و النّهار،و قوله: أَوْ أَرادَ شُكُوراً معناه أنّ من أراد أن يشكر اللّه على نعمه فليشكره أيضا على تعاقب اللّيل و النّهار،فإنّه من النّعم الكبرى.(5:479)
الطّباطبائيّ: الخلفة:هي الشّيء يسدّ مسدّ شيء آخر و بالعكس،و كأنّه بناء نوع أريد به معنى الوصف،فكون اللّيل و النّهار خلفة أنّ كلاّ منهما يخلف الآخر،و تقييد الخلفة بقوله: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً للدّلالة على نيابة كلّ منهما عن الآخر في التّذكّر و الشّكر...
و على هذا،فالآية اعتزاز أو امتنان بجعله تعالى اللّيل و النّهار بحيث يخلف كلّ صاحبه،فمن فاته الإيمان به في هذه البرهة من الزّمان تداركه في البرهة الأخرى منه،و من لم يوفّق لعبادة أو لأيّ عمل صالح في شيء منهما أتى به في الآخر.
هذا ما تفيده الآية،و لها مع ذلك ارتباط بقوله في الآية السابقة: وَ جَعَلَ فِيها سِراجاً وَ قَمَراً مُنِيراً، ففيه إشارة إلى أنّ اللّه سبحانه و إن دفع أولئك المستكبرين عن الصّعود إلى ساحة قربه،لكنّه لم يمنع عباده عن التّقرّب إليه و الاستضاءة بنوره،فجعل نهارا ذا شمس طالعة،و ليلا ذا قمر منير،و هما ذوا خلفة،من فاته ذكر أو شكر في أحدهما أتى به في الآخر.(15:236)
مكارم الشّيرازيّ: هذا النّظام البديع الحاكم على اللّيل و النّهار؛حيث يعقب أحدهما الآخر متناوبين متواصلين على هذا النّظم ملايين السّنين...
النّظم الّذي لولاه لانعدمت حياة الإنسان نتيجة لشدّة النّور و الحرارة،أو الظّلمة و العتمة.و هذا دليل رائع للّذين يريدون أن يعرفوا اللّه عزّ و جلّ.
و من المعلوم أنّ نشوء نظام«اللّيل»و«النّهار» نتيجة لدوران الأرض حول الشّمس،و أنّ تغيّراتهما التّدريجيّة و المنظّمة؛حيث ينقص من أحدهما و يزاد في الآخر دائما،بسبب ميل محور الأرض عن مدارها، ممّا يؤدّي لوجود الفصول الأربعة.
فإذا دارت كرتنا الأرضيّة في حركتها الدّورانيّة أسرع أو أبطأ من دورانها الفعليّ،ففي إحدى الصّور تطول اللّيالي إلى درجة أنّها تجمد كلّ شيء،و يطول
ص: 122
النّهار إلى درجة أنّ الشّمس تحرق كلّ شيء.و في صورة أخرى:فإنّ الفاصلة القصيرة بين اللّيل و النّهار كانت ستبطل تأثيرهما و فائدتهما.فضلا عن أنّ القوّة المركزيّة الطّاردة كانت سترتفع؛بحيث ستقذف جميع الموجودات الأرضيّة بعيدا عن الكرة الأرضيّة.
و الخلاصة أنّ التّأمّل في هذا النّظام يوقظ فطرة معرفة اللّه في الإنسان من جهة.و لعلّ التّعبير بالتّذكّر و التّذكير إشارة إلى هذه الحقيقة،و من جهة أخرى يحيي روح الشّكر فيه،و قد أشير إلى ذلك بقوله تعالى: أَوْ أَرادَ شُكُوراً.
الجدير بالذّكر أنّنا نقرأ في بعض الرّوايات الّتي نقلت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو الأئمّة المعصومين عليهم السّلام في تفسير الآية،أنّ تعاقب اللّيل و النّهار من أجل أنّ الإنسان إذا أهمل أداء واجب من واجباته تجاه اللّه سبحانه و تعالى،فإنّه بإمكانه جبرانه أو قضاءه في الوقت الآخر منهما.هذا المعنى من الممكن أن يكون تفسيرا ثانيا للآية،و ممّا سبق من كون الآيات القرآنيّة ذات بطون،فلا منافاة بين هذا المعنى و المعنى الأوّل أيضا.
و في ذلك ورد في حديث عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه قال:«كلّ ما فاتك باللّيل فاقضه بالنّهار،قال اللّه تبارك و تعالى: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً يعني أن يقضي الرّجل ما فاته باللّيل بالنّهار،و ما فاته بالنّهار باللّيل».(11:266)
فضل اللّه :يخلف كلّ منهما صاحبه،في خصائصه الكونيّة الّتي تحتوي حياة الإنسان و الحيوان و النّبات،فتبعث فيها روح التّوازن،حيث جعل اللّيل لباسا و النّهار معاشا،ممّا يفرض على الإنسان أن يفكّر فيه،ليكتشف جوانب الدّقّة في الخلق،و العظمة في الإبداع.(17:71)
فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ. التّوبة:77
الطّوسيّ: الإخلاف:نقض ما تقدّم به العقد من وعد أو عزم،و أصله:الخلاف،لأنّه فعل خلاف ما تقدّم به العقد و الوعد،متى كان بأمر واجب أو ندب أو أمر حسن،قبح الإخلاف،و إن كان الوعد وعدا بقبيح،كان إخلافه حسنا.(5:307)
أبو السّعود :أي بسبب إخلافهم ما وعده تعالى من التّصدّق و السّلاح.(3:172)
الطّباطبائيّ: الباء في الموضعين منه للسّببيّة،أي إنّ هذا البخل أورثهم نفاقا بما كان فيه من الخلف في الوعد و الاستمرار على الكذب،الموجبين لمخالفة باطنهم لظاهرهم،و هو النّفاق.
و معنى الآية:فأورثهم البخل و الامتناع عن إيتاء الصّدقات نفاقا في قلوبهم،يدوم لهم ذلك و لا يفارقهم إلى يوم موتهم،و إنّما صار هذا البخل و الامتناع سببا لذلك،لما فيه من خلف الوعد للّه،و الملازمة و الاستمرار على الكذب.(9:350)
ص: 123
...أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي* قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا... طه:86،87
الطّبريّ: كان إخلافهم موعده عكوفهم على العجل،و تركهم السّير على أثر موسى للموعد الّذي كان اللّه وعدهم،و قولهم لهارون،إذ نهاهم عن عبادة العجل،و دعاهم إلى السّير معه في إثر موسى: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى طه:91.
(8:443)
الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:أنّه وعدهم على أثره للميقات فتوقّفوا.[و لم يذكر الثّاني]
(3:418)
الطّباطبائيّ: تركتم ما وعدتموني من حسن الخلافة بعدي.
و ربّما قيل في معنى قوله: فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي بعض معان أخر:
كقول بعضهم:إنّ إخلافهم موعده أنّه أمرهم أن يلحقوا به،فتركوا المسير على أثره،و قول بعضهم:هو أنّه أمرهم بطاعة هارون بعده إلى أن يرجع إليهم، فخالفوه،إلى غير ذلك.(14:191)
وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ... إبراهيم:22
ابن عبّاس: كذبت لكم.(213)
أبو السّعود:(فاخلفتكم،)أي موعدي،على حذف المفعول الثّاني،أي نقضته،جعل خلف وعده كالإخلاف منه،كأنّه كان قادرا على إنجازه،و أنّى له ذلك.(3:481)
الآلوسيّ: أي لم يتحقّق ما أخبرتكم به و ظهر كذبه،و قد استعير الإخلاف لذلك،و لو جعل مشاكلة لصحّ.(13:208)
ابن عاشور :أي كذبت موعدي...
و شمل الخلف جميع ما كان يعدهم الشّيطان على لسان أوليائه،و ما يعدهم إلاّ غرورا.(12:246)
الطّباطبائيّ: و إخلاف الوعد كناية عن ظهور الكذب و عدم الوقوع،من إطلاق الملزوم و إرادة اللاّزم.(12:46)
فضل اللّه : وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ في ما منيّتكم به و دفعتكم إليه،ممّا لم يتحقّق،لأنّ الأمر كان مجرّد خدعة و تضليل،من أجل تحقيق ما أريده من إضلالكم.(13:101)
1- ..قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ. البقرة:80
الفخر الرّازيّ: فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ يدلّ على أنّه سبحانه و تعالى منزّه عن الكذب،وعده و وعيده.قال أصحابنا:لأنّ الكذب صفة نقص، و النّقص على اللّه محال.
و قالت المعتزلة:لأنّه سبحانه عالم بقبح القبيح
ص: 124
و عالم بكونه غنيّا عنه،و الكذب قبيح،لأنّه كذب، و العالم بقبح القبيح و بكونه غنيّا عنه يستحيل أن يفعله،فدلّ على أنّ الكذب منه محال،فلهذا قال:
فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ.
فإن قيل:العهد هو الوعد و تخصيص الشّيء بالذّكر يدلّ على نفي ما عداه،فلمّا خصّ الوعد بأنّه لا يخلفه،علمنا أنّ الخلف في الوعيد جائز،ثمّ العقل يطابق ذلك،لأنّ الخلف في الوعد لؤم،و في الوعيد كرم.
قلنا:الدّلالة المذكورة قائمة في جميع أنواع الكذب.(3:143)
أبو السّعود :الفاء فصيحة معربة عن شرط محذوف.[ثمّ استشهد بشعر]
أي إن كان الأمر كذلك فلن يخلفه،و الجملة اعتراضيّة،و إظهار الاسم الجليل للإشعار بعلّة الحكم، فإنّ عدم الإخلاف من قضيّة الألوهيّة.و إظهار العهد مضافا إلى ضميره عزّ و جلّ لما ذكر،أو لأنّ المراد جميع عهوده لعمومه بالإضافة،فيدخل فيه العهد المعهود دخولا أوّليّا،و فيه تجاف عن التّصريح بتحقّق مضمون كلامهم،و إن كان معلّقا بما لم يكد يشمّ رائحة الوجود قطعا،أعني اتّخاذ العهد.(1:156)
نحوه الآلوسيّ.(1:304)
ابن عاشور :الفاء فصيحة دالّة على شرط مقدّر و جزائه،و ما بعد الفاء هو علّة الجزاء،و التّقدير:فإن كان ذلك فلكم العذر في قولكم،لأنّ اللّه لا يخلف عهده، و تقدّم ذلك عند قوله تعالى: فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً البقرة:60،و لكون ما بعد فاء الفصيحة دليل شرط و جزائه،لم يلزم أن يكون ما بعدها مسبّبا عمّا قبلها،و لا مترتّبا عنه،حتّى يشكل عليه عدم صحّة ترتّب الجزاء في الآية على الشّرط المقدّر،لأنّ(لن)للاستقبال.(1:562)
2- رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ. آل عمران:9
3- ...حَتّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ.
الرّعد:31
4- وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ.... الحجّ:47
5- وَعْدَ اللّهِ لا يُخْلِفُ اللّهُ وَعْدَهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ. الرّوم:6
6- لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللّهِ لا يُخْلِفُ اللّهُ الْمِيعادَ. الزّمر:20
لاحظ:و ع د:«وعد»و«الميعاد».
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرّازِقِينَ. سبأ:39
النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث:]«إنّ اللّه عزّ و جلّ قال لي:أنفق أنفق عليك».(الثّعلبيّ 8:91)
[و في حديث آخر:]«ما من يوم يصبح العباد فيه إلاّ و ملكان ينزلان،فيقول أحدهما:اللّهمّ أعط منفقا
ص: 125
خلفا،و يقول الآخر:اللّهمّ أعط ممسكا تلفا».
(الواحديّ 3:497)
ابن عبّاس: فَهُوَ يُخْلِفُهُ في الدّنيا بالمال،و في الآخرة بالحسنات.(362)
سعيد بن جبير: ما أنفقتم من شيء في غير إسراف و لا تقتير فهو يخلفه.(الواحديّ 3:497)
مجاهد :من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد،فإنّ الرّزق مقسوم،و لعلّ ما قسّم له قليل و هو ينفق نفقة الموسّع عليه،فينفق جميع ما في يده،ثمّ يبقى طول عمره في فقر،و لا يتأوّلنّ: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، فإنّ هذا في الآخرة.
(الزّمخشريّ 3:292)
السّدّيّ: يخلفه بالأجر في الآخرة،إذا أنفقه في طاعة.(الماورديّ 4:453)
الكلبيّ: ما تصدّقتم من صدقة و أنفقتم في الخير و البرّ من نفقة،فهو يخلفه:إمّا أن يعجّله في الدّنيا، و إمّا أن يدّخر له في الآخرة.(الثّعلبيّ 8:91)
الرّمّانيّ: فهو يخلفه إن شاء،إذا رأى ذلك صلاحا كإجابة الدّعاء.(الماورديّ 4:453)
الثّعلبيّ: إنّ الانسان قد ينفق ما له في الخير و لا يرى له خلفا أبدا،و إنّما معنى الآية:ما كان من خلف فهو منه.(ابن الجوزيّ 6:462)
الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:[فذكر قول ابن عيسى و السّدّيّ،ثمّ قال:]
الثّالث:معناه:فهو أخلفه،لأنّ نفقته من خلف اللّه و رزقه،قاله سفيان بن الحسين.
و يحتمل رابعا:فهو يعني عنه.(4:453)
الطّوسيّ: أي يعطيكم عوضه،و ليس المراد أن يخلف في دار الدّنيا على كلّ حال،لأن اللّه يفعل ذلك بحسب المصلحة،و إنّما أراد أنّه يعوّض عليه إمّا في الدّنيا بأن يخلف بدله،أو يثيب عليه.(8:402)
نحوه الطّبرسيّ.(4:394)
الواحديّ: أي يخلفه لكم أو عليكم.يقال:
أخلف اللّه له و عليه،إذا أبدل له ما ذهب عنه.
(3:4097)
البغويّ: يعطي خلفه.(3:683)
الزّمخشريّ: فَهُوَ يُخْلِفُهُ فهو يعوّضه لا معوّض سواه:إمّا عاجلا بالمال أو بالقناعة الّتي هي كنز لا ينفد،و إمّا آجلا بالثّواب الّذي كلّ خلف دونه.
(3:292)
نحوه الشّربينيّ(3:303)،و المراغيّ(22:90)، و ملخّصا النّسفيّ(3:329)،و أبو السّعود(5:263)، و الكاشانيّ(4:223).
ابن العربيّ: فيها مسألتان:
المسألة الأولى:قوله: يُخْلِفُهُ يعني يأتي بثان بعد الأوّل،و منه الخلفة في النّبات.
و قال أعرابيّ لأبي بكر:«يا خليفة رسول اللّه!.
فقال:لا،بل أنا الخالفة بعده».الخالفة:الّذي يستخلفه الرّئيس على أهله و ماله.
المسألة الثّانية:في معنى«الخلف»هاهنا أربعة أوجه:
الأوّل:يخلفه إذا رأى ذلك صلاحا،كما يجيب
ص: 126
الدّعاء إذا شاء.
الثّاني:يخلفه بالثّواب.
الثّالث:معنى(يخلفه:)فهو أخلفه،لأنّ كلّ ما عند العبد من خلف اللّه و رزقه.[و نقل الحديث الأوّل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال:]
و هذه إشارة إلى أنّ الخلف في الدّنيا بمثل المنفق بها،إذا كانت النّفقة في طاعة اللّه،و هو كالدّعاء-كما تقدّم-سواء:إمّا أن تقضي حاجته،و كذلك في النّفقة يعوّض مثله و أزيد،و إمّا أن يعوّض،و التّعويض هاهنا بالثّواب،و إمّا أن يدّخر له،و الادّخار هاهنا مثله في الآخرة.[و لم يذكر الرّابع](4:1603)
ابن الجوزيّ: أي يأتي ببدله،يقال:أخلف اللّه له و عليه،إذا أبدل ما ذهب عنه.(6:461)
الفخر الرّازيّ: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ يحقّق معنى قوله عليه الصّلاة و السّلام:«ما من يوم يصبح العباد...»[الحديث]و ذلك لأنّ اللّه تعالى ملك عليّ و هو غنيّ مليّ،فإذا قال أنفق و عليّ بدله، فبحكم الوعد يلزمه،كما إذا قال قائل:«ألق متاعك في البحر و عليّ ضمانه».فمن أنفق فقد أتى بما هو شرط حصول البدل فيحصل البدل،و من لم ينفق فالزّوال لازم للمال،و لم يأت بما يستحقّ عليه من البدل، فيفوت من غير خلف و هو التّلف.
ثمّ إنّ من العجب أنّ التّاجر إذا علم أنّ مالا من أمواله في معرض الهلاك يبيعه نسيئة،و إن كان من الفقراء،و يقول:بأنّ ذلك أولى من الإمهال إلى الهلاك، فإن لم يبع حتّى يهلك ينسب إلى الخطإ.ثمّ إن حصل به كفيل مليء و لا يبيع،ينسب إلى قلّة العقل،فإن حصل به رهن و كتب به وثيقة،و لا يبيعه ينسب إلى الجنون.
ثمّ إنّ كلّ أحد يفعل هذا و لا يعلم أنّ ذلك قريب من الجنون،فإنّ أموالنا كلّها في معرض الزّوال المحقّق.
و الإنفاق على الأهل و الولد إقراض،و قد حصل الضّامن المليء و هو اللّه العليّ،و قال تعالى: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ثمّ رهن عند كلّ واحد إمّا أرضا أو بستانا أو طاحونة أو حمّاما أو منفعة،فإنّ الإنسان لا بدّ من أن يكون له صنعة،أو جهة يحصل له منها مال،و كلّ ذلك ملك اللّه و في يد الإنسان بحكم العارية،فكأنّه مرهون بما تكفّل اللّه من رزقه،ليحصل له الوثوق التّامّ،و مع هذا لا ينفق و يترك ماله ليتلف لا مأجورا و لا مشكورا.(25:263)
القرطبيّ: فيه إضمار،أي فهو يخلفه عليكم.
يقال:أخلف له و أخلف عليه،أي يعطيكم خلفه و بدله،و ذلك البدل إمّا في الدّنيا و إمّا في الآخرة.
(14:307)
الآلوسيّ: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ يحتمل أن تكون(ما)شرطيّة في موضع نصب ب(انفقتم،) و قوله تعالى: فَهُوَ يُخْلِفُهُ جواب الشّرط.و يحتمل أن تكون بمعنى«الّذي»في موضع رفع بالابتداء، و الجملة بعد خبره،و دخلت الفاء لتضمّن المبتدإ معنى الشّرط.و مِنْ شَيْءٍ تبيين على الاحتمالين،و معنى يُخْلِفُهُ... [فذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
و خصّه بعضهم بالآخرة.[ثمّ ذكر قول مجاهد و أضاف:]
ص: 127
و الأوّل أظهر،[القول بالعموم لا التّخصيص بالآخرة]لأنّ الآية في الحثّ على الإنفاق،و أنّ البسط و القدر إذا كانا من عنده عزّ و جلّ فلا ينبغي لمن وسّع عليه أن يخاف الضّيعة بالإنفاق،و لا لمن قدر عليه زيادتها.(22:150)
ابن عاشور : فَهُوَ يُخْلِفُهُ حثّا على الإنفاق، و المراد:الإنفاق فيما أذن فيه الشّرع.
و هذا تعليم للمسلمين بأنّ نعيم الآخرة لا ينافي نعيم الدّنيا،قال تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ* أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا البقرة:201،202.
فأمّا نعيم الدّنيا فهو مسبّب عن أحوال دنيويّة رتّبها اللّه تعالى و يسّرها،لمن يسّرها في علمه بغيبه،و أمّا نعيم الآخرة فهو مسبّب عن أعمال مبيّنة في الشّريعة، و كثير من الصّالحين يحصل لهم النّعيم في الدّنيا مع العلم بأنّهم منعّمون في الآخرة،كما أنعم على داود و سليمان و على كثير من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و كثير من أئمّة الدّين،مثل مالك بن أنس و الشّافعيّ و الشّيخ عبد اللّه بن أبي زيد و سحنون.
فأمّا اختيار اللّه لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم حالة الزّهادة في الدّنيا،فلتحصل له غايات الكمال من التّمحّض لتلقّي الوحي و جميل الخصال،و من مساواة جمهور أصحابه في أحوالهم-و قد بسطناه بيانا في رسالة طعام رسول اللّه عليه السّلام.-و أعقب ذلك بترغيب الأغنياء في الإنفاق في سبيل اللّه،فجعل الوعد بإخلاف ما ينفقه المرء كناية عن التّرغيب في الإنفاق،لأنّ وعد اللّه بإخلافه مع تأكيد الوعد،يقتضي أنّه يحبّ ذلك من المنفقين.
و أكّد ذلك الوعد بصيغة الشّرط،و بجعل جملة الجواب اسميّة،و بتقديم المسند إليه على الخبر الفعليّ بقوله: فَهُوَ يُخْلِفُهُ، ففي هذا الوعد ثلاثة مؤكّدات دالّة على مزيد العناية بتحقيقه،لينتقل من ذلك إلى الكناية عن كونه مرغوبه تعالى.(22:82)
مكارم الشّيرازيّ: جملة فَهُوَ يُخْلِفُهُ تعبير جميل يشير إلى أنّ ما ينفق في سبيل اللّه إنّما هو في الحقيقة تجارة وافرة الرّبح،لأنّ اللّه سبحانه و تعالى تعهّد بأن يخلفه،و نعلم أنّه في الوقت الّذي يتعهّد فيه الكريم بأداء العوض،فإنّه لا يراعي المقدار الّذي يريد تعويضه،بل إنّه يعوّض بأضعاف مضاعفة،بل بمئات الأضعاف.
طبعا،فإنّ هذا الوعد الإلهيّ لا ينحصر بالآخرة، فإنّ ذلك مسلّم به،و لكن في الدّنيا أيضا،فإنّه يخلف ما أنفق بمختلف البركات.(13:426)
فضل اللّه :ليس لكم أن تخافوا من الفقر إذا أنفقتم ممّا رزقكم اللّه من مال،لأنّ المسألة لا تتعلّق بجهدكم الذّاتيّ في تحصيل المال،لتخافوا من الضّياع و فقدان التّعويض إذا أذهبتم ما لديكم منه،فانطلقوا مع العطاء و انتظروا العوض من اللّه في الدّنيا مثل الآخرة.(19:57)
رَبَّنا وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ. آل عمران:194
ص: 128
لاحظ:و ع د:«وعدتنا»و«الميعاد».
...فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَ بَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَ لا أَنْتَ مَكاناً سُوىً. طه:58
ابن عبّاس: لا نجاوزه.(263)
الطّوسيّ: أي عدنا مكانا نجتمع فيه،و وقتا نأتي فيه.(7:180)
البغويّ: قرأ أبو جعفر: (لا نخلفه) جزما، لا نجاوزه.(3:265)
الزّمخشريّ: قرئ نخلفه بالرّفع على الوصف للموعد،و بالجزم على جواب الأمر.
(2:542)
نحوه ابن عطيّة.(4:48)
القرطبيّ: أي لا نخلف ذلك الوعد،و الإخلاف:
أن يعد شيئا و لا ينجزه...و قرأ أبو جعفر ابن القعقاع و شيبة و الأعرج (لا نخلفه) بالجزم،جوابا لقوله:
(اجعل.)و من رفع فهو نعت ل«موعد»و التّقدير:
موعدا غير مخلف.(11:212)
الآلوسيّ: (لا نخلفه)صفة له[للموعد] و الضّمير المنصوب عائد إليه.و متى كان زمانا أو مكانا لزم تعلّق الإخلاف بالزّمان أو المكان،و هو إنّما يتعلّق بالوعد،يقال:أخلف وعده،لا زمان وعده و لا مكانه،أي لا نخلف ذلك الوعد.(16:216)
الطّباطبائيّ: إخلاف الوعد:عدم العمل بمقتضاه.(14:172)
لاحظ:و ع د:«الموعد».
...وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ... طه:97
ابن عبّاس: لن تجاوزه.(265)
قتادة :(لن تخلفه):لن تغيب عنه.
(الطّبريّ 8:453)
الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءته،فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة و الكوفة لن تخلفه بضمّ التّاء و فتح اللاّم،بمعنى:و إنّ لك موعدا لعذابك و عقوبتك على ما فعلت من إضلالك قومي حتّى عبدوا العجل من دون اللّه،لن يخلفكه اللّه،و لكن يذيقكه.و قرأ ذلك الحسن و قتادة و أبو نهيك (و انّ لك موعدا لن تخلفه) بضمّ التّاء و كسر اللاّم،بمعنى:و إنّ لك موعدا لن تخلفه أنت يا سامريّ،و تأوّلوه بمعنى لن تغيب عنه.
...عبد المؤمن،قال:سمعت أبا نهيك يقرأ (لن تخلفه انت) يقول:لن تغيب عنه.
و القول في ذلك عندي أنّهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى،لأنّه لا شكّ أنّ اللّه موف وعده لخلقه بحشرهم لموقف الحساب،و أنّ الخلق موافون ذلك اليوم،فلا اللّه مخلفهم ذلك،و لا هم مخلفوه بالتّخلّف عنه،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب الصّواب في ذلك.
(8:452)
الزّجّاج: ...لَنْ تُخْلَفَهُ و (لن تخلفه) ،فمن قرأ لَنْ تُخْلَفَهُ فالمعنى يكافئك اللّه على ما فعلت في القيامة،و اللّه لا يخلف الميعاد،و من قرأ (لن تخلفه)
ص: 129
فالمعنى إنّك تبعث و توافي يوم القيامة،لا تقدر على غير ذلك،و لن تخلفه.(3:375)
نحوه البغويّ.(3:274)
الثّعلبيّ: قرأ الحسن و قتادة و أبو نهيك و أبو عمرو بكسر اللاّم،بمعنى:لن تغيب عنه بل توافيه،و قرأ الباقون بفتح اللاّم،بمعنى:لن يخلفكه اللّه.(6:259)
الماورديّ: يحتمل وجهين:
أحدهما:في الإمهال لن يقدّم.
الثّاني:في العذاب لن يؤخّر.(3:424)
الطّوسيّ: لَنْ تُخْلَفَهُ من جهتنا،فيمن قرأ بالفتح،و من قرأ بالكسر معناه:لا تخلفه أنت،و هما متقاربان.(7:204)
الواحديّ: أي وعدا لعذابك يعني يوم القيامة، لن تخلف ذلك الموعد و لن يتأخّر عنك.(3:220)
مثله الطّبرسيّ(4:29)،و نحوه المراغيّ(16:
146).
الزّمخشريّ: لَنْ تُخْلَفَهُ أي لن يخلفك اللّه موعده الّذي وعدك على الشّرك و الفساد في الأرض، ينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك بذلك في الدّنيا، فأنت ممّن خسر الدّنيا و الآخرة،ذلك هو الخسران المبين.
و قرئ: (لن تخلفه) ،و هذا من أخلفت الموعد،إذا وجدته خلفا.[ثمّ استشهد بشعر]
و عن ابن مسعود(نخلفه)بالنّون،أي لن يخلفه اللّه،كأنّه حكى قوله عزّ و جلّ كما مرّ في لِأَهَبَ لَكِ مريم:19.(2:551)
نحوه الفخر الرّازيّ(22:112)،و البيضاويّ(2:
59)،و النّسفيّ(3:64)،و أبو السّعود(4:305)، و الكاشانيّ(3:318).
ابن عطيّة: قرأ الجمهور(تخلفه)بفتح اللاّم، على معنى:لن يقع فيه خلف،و قرأ ابن كثير و أبو عمرو (لن تخلفه) بكسر اللاّم،على معنى:لن تستطيع الرّوغان عنه و الحيدة،فتزول عن موعد العذاب.
و قرأ الحسن بن أبي الحسن بخلاف (لن نخلفه) بالنّون،قال أبو الفتح:المعنى:لن نصادفه مخلفا، و كلّها بمعنى الوعيد و التّهديد.(4:62)
القرطبيّ: قرأ ابن كثير و أبو عمرو (تخلفه) بكسر اللاّم،و له معنيان:
أحدهما:ستأتيه و لن تجده مخلفا؛كما تقول:
أحمدته،أي وجدته محمودا.
و الثّاني:على التّهديد،أي لا بدّ لك من أن تصير إليه.
و الباقون بفتح اللاّم؛بمعنى:إنّ اللّه لن يخلفك إيّاه.(11:242)
أبو حيّان :قرأ الجمهور لَنْ تُخْلَفَهُ بالتّاء المضمومة و فتح اللاّم،على معنى:لن يقع فيه خلف، بل ينجزه لك اللّه في الآخرة على الشّرك و الفساد، بعد ما عاقبك في الدّنيا...
و قرأ ابن كثير و الأعمش و أبو عمرو بضمّ التّاء و كسر اللاّم،أي لن تستطيع الرّوغان عنه و الحيدة، فتزول عن موعد العذاب.
و قرأ أبو نهيك (لن تخلفه) بفتح التّاء و ضمّ اللاّم،
ص: 130
هكذا بالتّاء منقوطة من فوق عن أبي نهيك في نقل ابن خالويه.و في«اللّوامح»:أبو نهيك(لن يخلفه)بفتح الياء و ضمّ اللاّم و هو من:خلفه يخلفه،إذا جاء بعده، أي الموعد الّذي لك لا يدفع قولك الّذي تقوله فيما بعد: لا مِساسَ بالفعل،فهو مسند إلى الموعد،أو الموعد لن يختلف ما قدّر لك من العذاب في الآخرة.
و قال سهل-يعني أبا حاتم-:لا يعرف لقراءة أبي نهيك مذهبا،انتهى.
و قرأ ابن مسعود و الحسن بخلاف عنه (نخلفه) بالنّون و كسر اللاّم،أي لا ننقص ممّا وعدنا لك من الزّمان شيئا.و قال ابن جنّيّ:لن يصادفه مخلفا.
(6:275)
الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و الأعمش بضمّ التّاء و كسر اللاّم،على البناء للفاعل،على أنّه من أخلفت الموعد،إذا وجدته خلفا كأجبنته،إذا وجدته جبانا، و على ذلك قول الأعشى:
أثوى و قصر ليله ليزودا
فمضى و أخلف من قتيلة موعدا
و جوّز أن يكون التّقدير:لن تخلف الواعد إيّاه، فحذف المفعول الأوّل و ذكر الثّاني،لأنّه المقصود، و المعنى:لن تقدر أن تجعل الواعد مخلفا لوعده بل سيفعله...
[و ذكر قراءة ابن مسعود و الحسن بالنّون ثمّ قال:]
و قال ابن جنّيّ: أي لن نصادفه خلفا،فيكون من كلام موسى عليه السّلام لا على سبيل الحكاية،و هو ظاهر لو كانت النّون مضمومة.(16:256)
ابن عاشور :قرأ الجمهور: لَنْ تُخْلَفَهُ بفتح اللاّم،مبنيّا للمجهول للعلم بفاعله،و هو اللّه تعالى،أي لا يؤخّره اللّه عنك،فاستعير الإخلاف للتّأخير لمناسبة الموعد.
و قرأ ابن كثير،و أبو عمرو،و يعقوب بكسر اللاّم، مضارع«أخلف»و همزته للوجدان.يقال:أخلف الوعد،إذا وجده مخلفا،و إمّا على جعل السّامريّ هو الّذي بيده إخلاف الوعد و أنّه لا يخلفه،و ذلك على طريق التّهكّم تبعا للتّهكّم الّذي أفاده لام الملك.
(16:176)
فَلا تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ. إبراهيم:47
راجع:و ع د:«وعده».
وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ... التّوبة:118
ابن عبّاس: خلّفوا عن التّوبة.
(ابن الجوزيّ 3:513)
مثله عكرمة و قتادة(الطّبريّ 6:503)، و أبو مالك(النّحّاس 3:264).
مجاهد :خلّفوا عن قبول التّوبة،بعد قبول توبة من قبل توبته من المنافقين.(الطّوسيّ 5:364)
ص: 131
عكرمة:خلّفوا عن بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.
(الماورديّ 2:413)
الضّحّاك: خلّفوا عن التّوبة،و أخّرت عليهم حين تاب عليهم،أي على الثّلاثة الّذين لم يربطوا أنفسهم مع أبي لبابة.
مثله أبو مالك.(الماورديّ 2:413)
الحسن :خلّفوا عن غزوة تبوك كما تخلّفوا هم.
مثله قتادة.(الطّوسيّ 5:364)
المبرّد: معنى(خلفوا:)تركوا،لأنّ معنى خلّفت فلانا:فارقته قاعدا عمّا نهضت فيه.
(النّحّاس 3:264)
النّحّاس: ...قرأ عكرمة بن خالد (خلفوا) أي أقاموا بعقب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.و روي عن جعفر بن محمّد أنّه قرأ(خالفوا).(3:265)
الثّعلبيّ: يعني تاب على الثّلاثة الّذين تخلّفوا عن غزوة تبوك فلم يخرجوا،و قيل:خلّفوا عن توبة أبي لبابة و أصحابه،و أرجئ أمرهم،و قد مضت السّنة...
و قراءة الأعمش: (و على الثّلاثة المخلّفين) ،و هم كعب بن مالك الشّاعر و مرارة بن الرّبيع و هلال بن أميّة،كلّهم من الأنصار.
و روى عبيد عن عبد اللّه بن كعب بن مالك الأنصاريّ عن أبيه عبد اللّه بن كعب،و كان قائد أبيه كعب حين أصيب بصره.قال:سمعت أنّ كعب بن مالك يحدّث حديثه حين تخلّف عن رسول اللّه...[و ذكر القصّة بطولها فلاحظ،و قال في آخرها:]
هذا ما انتهى إلينا من حديث الثّلاثة الّذين خلّفوا.(5:105)
نحوه الشّربينيّ.(1:656)
الطّوسيّ: التّخليف:تأخير الشّيء عمّن مضى، فأمّا تأخير الشّيء عنك في المكان،فليس بتخليف.
و هو من الخلف الّذي هو مقابل لجهة الوجه...
و في قراءة أهل البيت عليهم السّلام (خالفوا) ،قالوا:
لأنّهم لو خلّفوا لما توجّه عليهم العتب.(5:364)
نحوه الطّبرسيّ(3:78 و 79)،و الطّباطبائيّ(9:
399).
البغويّ: ...و قيل:خلّفوا،أي أرجئ أمرهم عن توبة أبي لبابة و أصحابه.(2:397)
الزّمخشريّ: معنى(خلفوا:)خلّفوا عن الغزو و قيل:عن أبي لبابة و أصحابه؛حيث تيب عليهم بعدهم.
و قرئ (خلّفوا) ،أي خلّفوا الغازين بالمدينة،أو أفسدوا،من الخالفة و خلوف الفم.و قرأ جعفر الصّادق رضى اللّه عنه (خالفوا) و قرأ الأعمش (على الثّلثة المخلّفين) .
(2:218)
ابن عطيّة: معنى(خلفوا:)أخّروا و ترك أمرهم، و لم تقبل منهم معذرة و لا ردّت عليهم،فكأنّهم خلّفوا عن المعتذرين،و قيل:معنى(خلفوا)أي عن غزوة تبوك،قاله قتادة.و هذا ضعيف،و قد ردّه كعب بن مالك بنفسه،و قال:معنى(خلفوا:)تركوا عن قبول العذر و ليس بتخلّفنا عن الغزو،و يقوّي ذلك من اللّفظة جعله: إِذا ضاقَتْ، غاية للتّخليف،و لم يكن ذلك عن تخليفهم عن الغزو،و إنّما ضاقت عليهم
ص: 132
الأرض عن تخليفهم عن قبول العذر.[ثمّ ذكر القراءات نحو ما سبق](3:94)
ابن الجوزيّ: [ذكر القراءات،ثمّ قال:]
و هؤلاء[الثّلاثة]هم المرادون بقوله: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ التّوبة:106.(3:512)
الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:
المسألة الأولى:هذا معطوف على الآية الأولى، و التّقدير:لقد تاب اللّه على النّبيّ و المهاجرين و الأنصار الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة،و على الثّلاثة الّذين خلّفوا.و الفائدة في هذا العطف أنّا بيّنّا أنّ من ضمّ ذكر توبته إلى توبة النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،كان ذلك دليلا على تعظيمه و إجلاله،و هذا العطف يوجب أن يكون قبول توبة النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام و توبة المهاجرين و الأنصار في حكم واحد، و ذلك يوجب إعلاء شأنهم و كونهم مستحقّين لذلك.
المسألة الثّانية:إنّ هؤلاء الثّلاثة هم المذكورون في قوله تعالى: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ التّوبة:
106،و اختلفوا في السّبب الّذي لأجله وصفوا بكونهم مخلّفين،و ذكروا وجوها:
أحدها:أنّه ليس المراد أنّ هؤلاء أمروا بالتّخلّف، أو حصل الرّضا من الرّسول عليه الصّلاة و السّلام بذلك،بل هو كقولك لصاحبك:أين خلّفت فلانا؟ فيقول:بموضع كذا،لا يريد به أنّه أمره بالتّخلّف بل لعلّه نهاه عنه،و إنّما يريد أنّه تخلّف عنه.
و ثانيها:لا يمتنع أنّ هؤلاء الثّلاثة كانوا على عزيمة الذّهاب إلى الغزو،فأذن لهم الرّسول عليه الصّلاة و السّلام قدر ما يحصل الآلات و الأدوات،فلمّا بقوا مدّة ظهر التّواني و الكسل،فصحّ أن يقال:خلّفهم الرّسول.
و ثالثها:أنّه حكى قصّة أقوام و هم المرادون بقوله: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ، فالمراد من كون هؤلاء مخلّفين،كونهم مؤخّرين في قبول التّوبة عن الطّائفة الأولى.
قال كعب بن مالك و هو أحد هؤلاء الثّلاثة:قول اللّه تعالى في حقّنا: وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ليس من تخلّفنا،إنّما هو تأخير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أمرنا،ليشير به إلى قوله: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ.
المسألة الثّالثة:قال صاحب«الكشّاف»:[و ذكر قوله]
المسألة الرّابعة:هؤلاء الثّلاثة هم كعب بن مالك الشّاعر،و هلال بن أميّة الّذي نزلت فيه آية اللّعان، و مرارة بن الرّبيع،و للنّاس في هذه القصّة قولان:
القول الأوّل:أنّهم ذهبوا خلف الرّسول عليه الصّلاة و السّلام.قال الحسن:كان لأحدهم أرض ثمنها مائة ألف درهم،فقال:يا أرضاه ما خلّفني عن رسول اللّه إلاّ أمرك،اذهبي فأنت في سبيل اللّه، فلأكابدنّ المفاوز حتّى أصل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و فعل، و كان للثّاني أهل فقال:يا أهلاه ما خلّفني عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ أمرك فلأكابدنّ المفاوز حتّى أصل إليه و فعل،و الثّالث:ما كان له مال و لا أهل فقال:ما لي سبب إلاّ الضّنّ بالحياة و اللّه لأكابدنّ المفاوز حتّى أصل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فلحقوا بالرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،فأنزل
ص: 133
اللّه تعالى: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ.
و القول الثّاني،و هو قول الأكثرين:أنّهم ما ذهبوا خلف الرّسول عليه الصّلاة و السّلام.قال كعب:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يحبّ حديثي فلمّا أبطأت عنه في الخروج،قال عليه الصّلاة و السّلام:«ما الّذي حبس كعبا»؟فلمّا قدم المدينة اعتذر المنافقون فعذّرهم و أتيته،و قلت:إنّ كراعي و زادي كان حاضرا و احتبست بذنبي فاستغفر لي،فأبى الرّسول ذلك.ثمّ إنّه عليه الصّلاة و السّلام نهى عن مجالسة هؤلاء الثّلاثة،و أمر بمباينتهم حتّى أمر بذلك نساءهم، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت،و جاءت امرأة هلال بن أميّة و قالت:يا رسول اللّه لقد بكى هلال حتّى خفت على بصره،حتّى إذا مضى خمسون يوما أنزل اللّه تعالى: لَقَدْ تابَ اللّهُ...عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ التّوبة:117،و أنزل قوله: وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فعند ذلك خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى حجرته و هو عند أمّ سلمة،فقال:«اللّه أكبر قد أنزل اللّه عذر أصحابنا»،فلمّا صلّى الفجر ذكر ذلك لأصحابه،و بشّرهم بأنّ اللّه تاب عليهم،فانطلقوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و تلا عليهم ما نزل فيهم.فقال كعب:
توّبني إلى اللّه تعالى أن أخرج مالي صدقة،فقال:لا، قلت:فنصفه،قال:لا،قلت:فثلثه،قال:نعم.
(16:216)
القرطبيّ: حكي عن محمّد بن زيد معنى (خلفوا:)تركوا،لأنّ معنى:خلّفت فلانا:تركته و فارقته،قاعدا عمّا نهضت فيه...
و قيل:(خلفوا)أي أرجعوا و أخّروا عن المنافقين،فلم يقض فيهم بشيء.و ذلك أنّ المنافقين لم تقبل توبتهم،و اعتذر أقوام فقبل عذرهم،و أخّر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم هؤلاء الثّلاثة حتّى نزل فيهم القرآن.و هذا هو الصّحيح لما رواه مسلم و البخاريّ و غيرهما.
و اللّفظ لمسلم،قال كعب:كنّا خلّفنا أيّها الثّلاثة عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين حلفوا له،فبايعهم و استغفر لهم،و أرجأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أمرنا حتّى قضى اللّه فيه،فبذلك قال اللّه عزّ و جلّ: وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا و ليس الّذي ذكر اللّه ممّا خلّفنا تخلّفنا عن الغزو،و إنّما هو تخليفه إيّانا و إرجاؤه أمرنا،عمّن حلف له و اعتذر إليه فقبل منه.و هذا الحديث فيه طول،هذا آخره.(8:282)
البيضاويّ: تخلّفوا عن الغزو،أو خلّف أمرهم، فإنّهم المرجئون.(1:435)
النّيسابوريّ: (خلفوا)من النّفس و الهوى و الطّبع،و ما تبعوا الرّوح عند رجوعه إلى عالمه ابتلاء.
(11:37)
أبو حيّان :[نقل بعض الأقوال و القراءات و أضاف:]
و قرأ الأعمش: (و على الثّلثة المخلّفين) ،و لعلّه قرأ كذلك على سبيل التّفسير،لأنّها قراءة مخالفة لسواد المصحف.(5:109)
أبو السّعود :أي و تاب اللّه على الثّلاثة الّذين أخّر أمرهم عن أمر أبي لبابة و أصحابه؛حيث لم يقبل معذرتهم مثل أولئك،و لا ردّت و لم يقطع في شأنهم
ص: 134
بشيء إلى أن نزل فيهم الوحي،و هم كعب بن مالك و هلال بن أميّة و مرارة بن الرّبيع.
و قرئ (خلّفوا) ،أي خلّفوا الغازين بالمدينة،أو فسدوا،من الخالفة و خلوف الفم.و قرئ: (على المخلّفين) ،و الأوّل هو الأنسب،لأنّ قوله تعالى:
حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ غاية للتّخليف، و لا يناسبه إلاّ المعنى الأوّل،أي خلّفوا و أخّر أمرهم إلى أن ضاقت عليهم الأرض.(3:199)
نحوه البروسويّ ملخّصا(3:527)،و الآلوسيّ (11:41).
ابن عاشور : وَ عَلَى الثَّلاثَةِ معطوف[على] عَلَى النَّبِيِّ التّوبة:117،بإعادة حرف الجرّ لبعد المعطوف عليه،أي و تاب على الثّلاثة الّذين خلّفوا.
و هؤلاء فريق له حالة خاصّة من بين الّذين تخلّفوا عن غزوة تبوك،غير الّذين ذكروا في قوله: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ... التّوبة:81،و الّذين ذكروا في قوله: وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ... التّوبة:90.
و التّعريف في اَلثَّلاثَةِ تعريف العهد،فإنّهم كانوا معروفين بين النّاس،و هم:كعب بن مالك من بني سلمة،و مرارة بن الرّبيع العمري من بني عمرو بن عوف،و هلال بن أميّة الواقفي من بني واقف،كلّهم من الأنصار،تخلّفوا عن غزوة تبوك بدون عذر.و لمّا رجع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من غزوة تبوك سألهم عن تخلّفهم فلم يكذّبوه بالعذر،و لكنّهم اعترفوا بذنبهم و حزنوا.و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم النّاس عن كلامهم،و أمرهم بأن يعتزلوا نساءهم،ثمّ عفا اللّه عنهم بعد خمسين ليلة.و حديث كعب بن مالك في قصّته هذه مع الآخرين في«صحيح البخاري»و«صحيح مسلم»طويل أغرّ،و قد ذكره البغويّ في تفسيره.
و(خلفوا)بتشديد اللاّم مضاعف«خلف» المخفّف الّذي هو فعل قاصر،معناه أنّه وراء غيره، مشتقّ من«الخلف»بسكون اللاّم،و هو الوراء.
و المقصود بقي وراء غيره.يقال:خلف عن أصحابه، إذا تخلّف عنهم في المشي يخلف بضمّ اللاّم في المضارع،فمعنى(خلفوا)خلّفهم مخلّف،أي تركهم وراءه،و هم لم يخلّفهم أحد،و إنّما تخلّفوا بفعل أنفسهم.
فيجوز أن يكون(خلفوا)بمعنى خلّفوا أنفسهم على طريقة التّجريد،و يجوز أن يكون تخليفهم تخليفا مجازيّا استعير لتأخير البتّ في شأنهم،أي الّذين خلّفوا عن القضاء في شأنهم،فلم يعذرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و لا آيسهم من التّوبة،كما آيس المنافقين.
فالتّخليف هنا بمعنى الإرجاء،و بهذا التّفسير فسّره كعب بن مالك في حديثه المرويّ في«الصّحيح»،فقال:
و ليس الّذي ذكر اللّه ممّا خلّفنا عن الغزو،و إنّما تخليفه إيّانا و إرجاؤه أمرنا عمّن حلف له و اعتذر إليه،فقبل منه.انتهى.
يعني ليس المعنى أنّهم خلّفوا أنفسهم عن الغزو، و إنّما المعنى خلّفهم أحد،أي جعلهم خلفا و هو تخليف مجازيّ،أي لم يقض فيهم.و فاعل«التّخليف»يجوز أن يراد به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أو اللّه تعالى.
و بناء فعل(خلفوا)للنّائب على ظاهره،فليس المراد أنّهم خلّفوا أنفسهم.و تعليق التّخليف بضمير
ص: 135
(الثلاثة)من باب تعليق الحكم باسم الذّات،و المراد:
تعليقه بحال من أحوالها يعلم من السّياق،مثل:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ المائدة:3.
و هذا الّذي فسّر كعب به هو المناسب للغاية بقوله: حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، لأنّ تخيّل ضيق الأرض عليهم و ضيق أنفسهم هو غاية لإرجاء أمرهم،انتهى عندها التّخليف،و ليس غاية لتخلّفهم عن الغزو،لأنّ تخلّفهم لا انتهاء له.(10:220)
مغنيّة:اتّفق المفسّرون و الرّواة على أنّ ثلاثة من مؤمني الأنصار تخلّفوا عن النّبيّ في غزوة تبوك كسلا و تهاونا،لا نفاقا و عنادا و هم...[و نقل القصّة عن طه حسين في كتابه:«مرآة الإسلام»،فلاحظ](4:114)
فضل اللّه :تأخّروا عن السّير مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فبقوا في المدينة،و رجع النّبيّ من غزوته و جاءوا يعتذرون، فهم لم يتأخّروا عنه تمرّدا و عنادا و نفاقا و عصيانا، و لكنّه أراد أن يلقّنهم درسا،و يعلّم الآخرين شيئا منه،فأمر المؤمنين بمقاطعتهم،...القصّة.(11:231)
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ... التّوبة:81
ابن عبّاس: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ: رضي المنافقون خِلافَ رَسُولِ اللّهِ: خلف رسول اللّه.(163)
المؤرّج السّدوسيّ: خِلافَ رَسُولِ اللّهِ يعني مخالفة لرسول اللّه حين سار و أقاموا.
مثله قطرب.(الثّعلبيّ 5:78)
أبو عبيدة : خِلافَ رَسُولِ اللّهِ، أي بعده.[ثمّ استشهد بشعر](1:264)
الأخفش: خِلافَ رَسُولِ اللّهِ أي مخالفة.و قال بعضهم: (خلف) .و(خلاف)أصوبهما،لأنّهم خالفوا مثل«قاتلوا قتالا»،و لأنّه مصدر«خالفوا».
(2:558)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فرح الّذين خلّفهم اللّه عن الغزو مع رسوله و المؤمنين به و جهاد أعدائه بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ، يقول:بجلوسهم في منازلهم خِلافَ رَسُولِ اللّهِ، يقول:على الخلاف لرسول اللّه في جلوسه و مقعده،و ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أمرهم بالنّفر إلى جهاد أعداء اللّه،فخالفوا أمره و جلسوا في منازلهم.
و قوله: خِلافَ مصدر من قول القائل:
«خالف فلان فلانا فهو يخالفه خلافا»،فلذلك جاء مصدره على تقدير«فعال»،كما يقال:«قاتله فهو يقاتله قتالا»،و لو كان مصدرا من«خلفه»لكانت القراءة: (بمقعدهم خلف رسول اللّه) ،لأنّ مصدر:
«خلفه»،«خلف»لا«خلاف»،و لكنّه على ما بيّنت من أنّه مصدر«خالف»،فقرئ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ، و هي القراءة الّتي عليها قرأة الأمصار،و هي الصّواب عندنا.
و قد تأوّل بعضهم ذلك بمعنى«بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم».
[ثمّ استشهد بشعر]
ص: 136
و ذلك قريب لمعنى ما قلنا،لأنّهم قعدوا بعده على الخلاف له.(6:435)
الزّجّاج: خِلافَ رَسُولِ اللّهِ بمعنى مخالفة رسول اللّه،و هو منصوب لأنّه مفعول له،المعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول اللّه،و يقرأ (خلف رسول اللّه) ، و يكون هاهنا أنّهم تأخّروا عن الجهاد في سبيل اللّه.
(2:463)
النّحّاس: الخلاف:المخالفة،و المعنى:من أجل مخالفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،كما تقول:جئتك ابتغاء العلم.
و من قرأ (خلف رسول اللّه) أراد التّأخّر عن الجهاد.(3:238)
الماورديّ: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ، أي المتروكون.
خِلافَ رَسُولِ اللّهِ فيه وجهان:
أحدهما:يعني مخالفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هذا قول الأكثرين.
و الثّاني:[قول أبي عبيدة](2:386)
الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى بأنّ جماعة من المنافقين الّذين خلّفهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لم يخرجهم معه إلى تبوك، لمّا استأذنوه في التّأخّر فأذن لهم،فرحوا بقعودهم خلاف رسول اللّه.و المخلّف:المتروك خلف من مضى، و مثله المؤخّر عمّن مضى.تقول:خلّف تخليفا و تخلّف تخلّفا...
و معنى خِلافَ رَسُولِ اللّهِ [نقل قول أبو عبيدة و أضاف:]
و قال غيره:معناه المصدر،من قولك:«خالف خلافا»و هو نصب على المصدر.(5:312)
نحوه الواحديّ(2:515)،و البغويّ(2:374)، و القرطبيّ(9:216).
الزّمخشريّ: (المخلفون)الّذين استأذنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من المنافقين فأذن لهم و خلّفهم في المدينة في غزوة تبوك،أو الّذين خلّفهم كسلهم و نفاقهم و الشّيطان...
خِلافَ رَسُولِ اللّهِ خلفه،يقال:أقام خلاف الحيّ،بمعنى بعدهم ظعنوا و لم يظعن معهم،و تشهد له قراءة أبي حيوة (خلف رسول اللّه) ،و قيل هو بمعنى المخالفة،لأنّهم خالفوه حيث قعدوا و نهض.و انتصابه على أنّه مفعول له أو حال،أي قعدوا لمخالفته أو مخالفين له.(2:205)
نحوه ملخّصا البيضاويّ.(1:426)
ابن عطيّة: هذه آية تتضمّن وصف حالهم على جهة التّوبيخ لهم،و في ضمنها وعيد.و قوله:
(المخلفون)لفظ يقتضي تحقيرهم،و أنّهم الّذين أبعدهم اللّه من رضاه.و هذا أمكن في هذا من أن يقال:
المتخلّفون،...
و قوله:(خلاف)معناه:بعد.[ثمّ استشهد بشعر]
و قال الطّبريّ: «هو مصدر خالف يخالف».
فعلى هذا هو مفعول له،و المعنى فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ لخلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أو مصدر،و نصبه على القول الأوّل،كأنّه على الظّرف.(3:65)
الطّبرسيّ: خِلافَ رَسُولِ اللّهِ، أي بعده.
و قيل:معناه:لمخالفتهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(3:56)
ابن الجوزيّ: [نحو الطّوسيّ إلاّ أنّه قال:]
ص: 137
و قرأ ابن مسعود،و ابن يعمر،و الأعمش،و ابن أبي عبلة (خلف رسول اللّه) ،و معناها أنّهم تأخّروا عن الجهاد.(3:478)
الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ هذا نوع آخر من قبائح أعمال المنافقين،و هو فرحهم بالقعود و كراهتهم الجهاد.قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:يريد المنافقين الّذين تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في غزوة تبوك، و المخلّف:المتروك ممّن مضى.
فإن قيل:إنّهم احتالوا حتّى تخلّفوا،فكان الأولى أن يقال:فرح المتخلّفون.
و الجواب من وجوه:
الأوّل:أنّ الرّسول عليه السّلام منع أقواما من الخروج معه لعلمه بأنّهم يفسدون و يشوّشون،فهؤلاء كانوا مخلّفين لا متخلّفين.
و الثّاني:أنّ أولئك المتخلّفين صاروا مخلّفين في الآية الّتي تأتي بعد هذه الآية،و هي قوله: فَإِنْ رَجَعَكَ اللّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا التّوبة:
83،فلمّا منعهم اللّه تعالى من الخروج معه صاروا بهذا السّبب مخلّفين.
الثّالث:أنّ من يتخلّف عن الرّسول عليه السّلام بعد خروجه إلى الجهاد مع المؤمنين،يوصف بأنّه مخلّف من حيث لم ينهض،فبقي و أقام...
و قوله: خِلافَ رَسُولِ اللّهِ فيه قولان:
[نقل قول المؤرّج،و أضاف:]
و قال الأخفش:إنّ(خلاف)بمعنى خلف،و إنّ يونس رواه عن عيسى بن عمر،و معناه:بعد رسول اللّه.و يقوّي هذا الوجه قراءة من قرأ (خلف رسول اللّه) و على هذا القول:الخلاف:اسم للجهة المعيّنة كالخلف،و السّبب فيه أنّ الإنسان متوجّه إلى قدّامه، فجهة خلفه مخالفة لجهة قدّامه،في كونها جهة متوجّها إليها،و خلاف:بمعنى خلف مستعمل.[ثمّ استشهد بشعر](16:148)
نحوه النّيسابوريّ(10:139)،و الشّربينيّ(1:
637).
أبو حيّان :لمّا ذكر تعالى ما ظهر من النّفاق و الهزء من الّذين خرجوا معه إلى غزوة تبوك من المنافقين،ذكر حال المنافقين الّذين لم يخرجوا معه و تخلّفوا عن الجهاد،و اعتذروا بأعذار و علل كاذبة، حتّى أذن لهم،فكشف اللّه للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم عن أحوالهم، و أعلمه بسوء فعالهم،فأنزل اللّه عليه: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ، أي عن غزوة تبوك.
و كان الرّسول قد خلّفهم بالمدينة لمّا اعتذروا،فأذن لهم.
و هذه الآية تقتضي التّوبيخ و الوعيد،و لفظة (المخلفون)تقتضي الذّمّ و التّحقير،و لذلك جاء:
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ، و هي أمكن من لفظة«المتخلّفين»،إذ هم مفعول بهم ذلك،و لم يفرح إلاّ منافق،فخرج من ذلك الثّلاثة و أصحاب العذر...
و انتصب(خلاف)على الظّرف،أي بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.يقال:فلان أقام خلاف الحيّ،أي بعدهم،إذا ظعنوا و لم يظعن معهم،قاله أبو عبيدة،و الأخفش،
ص: 138
و عيسى بن عمرو.[ثمّ استشهد بشعر]
و يؤيّد هذا التّأويل قراءة ابن عبّاس،و أبي حيوة، و عمرو بن ميمون (خلف رسول اللّه) .
و قال قطرب،و مؤرّج،و الزّجّاج،و الطّبريّ:
انتصب(خلاف)على أنّه مفعول لأجله،أي لمخالفة رسول اللّه،لأنّهم خالفوه حيث نهض للجهاد و قعدوا.
و يؤيّد هذا التّأويل قراءة من قرأ (خلف) بضمّ الخاء،و ما تظاهرت به الرّوايات من أنّه أمرهم بالنّفر فغضبوا و خالفوا،و قعدوا مستأذنين و غير مستأذنين.
(5:79)
أبو السّعود : فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ أي الّذين خلّفهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالإذن لهم في القعود عند استئذانهم، أو خلّفهم اللّه بتثبيطه إيّاهم لمّا علم في ذلك من الحكمة الخفيّة،أو خلّفهم كسلهم أو نفاقهم...
خِلافَ رَسُولِ اللّهِ أي خلفه و بعد خروجه؛ حيث خرج و لم يخرجوا،يقال:أقام خلاف الحيّ،أي بعدهم،ظعنوا و لم يظعن.و يؤيّده قراءة من قرأ (خلف رسول اللّه) ،فانتصابه على أنّه ظرف ل(مقعدهم،) إذ لا فائدة في تقييد فرحهم بذلك.
و قيل:هو بمعنى المخالفة،و يعضده قراءة من قرأ (خلف رسول اللّه) بضمّ الخاء،فانتصابه على أنّه مفعول له،و العامل:إمّا(فرح،)أي فرحوا لأجل مخالفته صلّى اللّه عليه و سلّم بالقعود،و إمّا(مقعدهم)،أي فرحوا بقعودهم لأجل مخالفته عليه الصّلاة و السّلام.أو على أنّه حال،و العامل أحد المذكورين،أي فرحوا مخالفين له صلّى اللّه عليه و سلّم،أو فرحوا بالقعود مخالفين له صلّى اللّه عليه و سلّم.(3:174)
نحوه البروسويّ(3:474)،و الآلوسيّ(10:
150).
ابن عاشور :استئناف ابتدائيّ.و هذه الآية تشير إلى ما حصل للمنافقين عند الاستنفار لغزوة تبوك، فيكون المراد ب«المخلّفين»خصوص من تخلّف عن غزوة تبوك من المنافقين.
و مناسبة وقوعها في هذا الموضع،أنّ فرحهم بتخلّفهم قد قوي لمّا استغفر لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و ظنّوا أنّهم استغفلوه فقضوا مأربهم،ثمّ حصّلوا الاستغفار ظنّا منهم بأنّ معاملة اللّه إيّاهم تجري على ظواهر الأمور.
ف(المخلفون)هم الّذين تخلّفوا عن غزوة تبوك،استأذنوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأذن لهم و كانوا من المنافقين،فلذلك أطلق عليهم في الآية وصف «المخلّفين»بصيغة اسم المفعول،لأنّ النّبيّ خلّفهم.و فيه إيماء إلى أنّه ما أذن لهم في التّخلّف إلاّ لعلمه بفساد قلوبهم،و أنّهم لا يغنون عن المسلمين شيئا كما قال:
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً التّوبة:47.
و ذكر فرحهم دلالة على نفاقهم،لأنّهم لو كانوا مؤمنين لكان التّخلّف نكدا عليهم و نغصا،كما وقع للثّلاثة الّذين خلّفوا فتاب اللّه عليهم...
و(خلاف)لغة في«خلف».يقال:أقام خلاف الحيّ،بمعنى بعدهم،أي ظعنوا و لم يظعن.و من نكتة اختيار لفظ(خلاف)دون«خلف»أنّه يشير إلى أنّ قعودهم كان مخالفة لإرادة رسول اللّه حين استنفر النّاس كلّهم للغزو.و لذلك جعله بعض المفسّرين منصوبا على المفعول له،أي بمقعدهم لمخالفة أمر
ص: 139
الرّسول.(10:167)
الطّباطبائيّ: (المخلفون:)اسم مفعول،من قولهم:خلفه،إذا تركه بعده...
و الخلاف كالمخالفة مصدر خالف يخالف،و ربّما جاء بمعنى«بعد»-كما قيل-و لعلّ منه قوله: وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:76،و كان قياس الكلام أن يقال:«خلافك»لأنّ الخطاب فيه للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
و إنّما قيل: خِلافَ رَسُولِ اللّهِ للدّلالة على أنّهم إنّما يفرحون على مخالفة اللّه العظيم،فما على الرّسول إلاّ البلاغ.
و المعنى:فرح المنافقون الّذين تركتهم بعدك بعدم خروجهم معك خلافا لك،أو بعدك.(9:358)
مكارم الشّيرازيّ: إعاقة المنافقين مرّة أخرى.
يستمرّ الحديث في هذه الآيات حول تعريف المنافقين و أساليب عملهم و سلوكهم و أفكارهم، ليعرفهم المسلمون جيّدا،و لا يقعوا تحت تأثير وسائل إعلامهم،و خططهم الخبيثة و سمومهم.
في البداية تتحدّث الآية عن هؤلاء الّذين تخلّفوا عن الجهاد في غزوة تبوك،و تعذّروا بأعذار واهية كبيت العنكبوت،و فرحوا بالسّلامة و الجلوس في البيت بدل المخاطرة بأنفسهم و الاشتراك في الحرب، رغم أنّها مخالفة لأوامر اللّه و رسوله: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ... [إلى أن قال:]
1-لا شكّ أنّ هذه المجموعة من المنافقين لو كانوا قد ندموا على تخلّفهم و تابوا منه،و أرادوا الجهاد في ميدان آخر من أجل غسل ذنبهم السّابق،لقبل اللّه تعالى منهم ذلك،و لم يردّهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فعلى هذا يتبيّن لنا أنّ طلبهم هذا بنفسه نوع من المراوغة و الشّيطنة و عمل نفاقيّ،أو قل:إنّه كان تكتيكا من أجل إخفاء الوجه القبيح لهم،و الاستمرار في أعمالهم السّابقة.
2-إنّ كلمة«خالف»تأتي بمعنى المتخلّف،و هي إشارة إلى المتخلّفين عن الحضور في ساحات القتال، سواء كان تخلّفهم لعذر أو بدون عذر.
و ذهب البعض قال:إنّ«خالف»بمعنى مخالف، أي اذهبوا أيّها المخالفون و ضمّوا أصواتكم إلى المنافقين،لتكونوا جميعا صوتا واحدا.
و فسّرها البعض بأنّ معناها فاسد،لأنّ الخلوف بمعنى الفساد،و خالف جاء في اللّغة بمعنى فاسد.
و يوجد احتمال آخر،و هو أنّه قد يراد من الكلمة جميع المعاني المذكورة،لأنّ المنافقين و أنصارهم توجد فيهم كلّ هذه الصّفات الرّذيلة.
3-و كذا ينبغي أن نذكر بأنّ المسلمين يجب أن يستفيدوا من طرق مجابهة المنافقين في الأعصار الماضية،و يطبّقوها في مواجهة منافقي محيطهم و مجتمعهم،كما يجب اتّباع نفس أسلوب النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله معهم،و يجب الحذر من السّقوط في شباكهم،و أن لا ينخدع المسلم بهم،و لا يرقّ قلبه لدموع التّماسيح الّتي يذرفونها،«فإنّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين».(6:136)
2- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا
ص: 140
أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ... الفتح:11
ابن عبّاس: من غزوة الحديبيّة.(432)
يعني أعراب غفار،و مزينة،و جهينة،و أشجع، و أسلم و الدّيل.
مثله مجاهد.(الثّعلبيّ 9:45)
الفرّاء: الّذين تخلّفوا عن الحديبيّة.(3:65)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:
سيقول لك يا محمّد-الّذين خلّفهم اللّه في أهليهم عن صحبتك،و الخروج معك في سفرك الّذي سافرت، و مسيرك الّذي سرت إلى مكّة معتمرا،زائرا بيت اللّه الحرام،إذا انصرفت إليهم،فعاتبتهم على التّخلّف عنك -:شغلتنا عن الخروج...
و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيما ذكر عنه حين أراد المسير إلى مكّة عام الحديبيّة معتمرا،استنفر العرب و من حول مدينته من أهل البوادي و الأعراب، ليخرجوا معه حذرا من قومه قريش أن يعرضوا له الحرب،أو يصدّوه عن البيت،و أحرم هو صلّى اللّه عليه و سلّم بالعمرة، و ساق معه الهدي،ليعلم النّاس أنّه لا يريد حربا، فتثاقل عنه كثير من الأعراب،و تخلّفوا خلافه،فهم الّذين عنى اللّه تبارك و تعالى بقوله: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ.... (11:339)
الطّوسيّ: المخلّف هو المتروك في المكان خلف الخارجين عن البلد،و هو مشتقّ من«المتخلّف»، و ضدّه المتقدّم.تقول:خلّفته كما تقول:قدّمته تقديما، و إنّما تخلّفوا لتثاقلهم عن الجهاد،و إن اعتذروا بشغل الأموال و الأولاد.(9:321)
الزّمخشريّ: هم الّذين خلّفوا عن الحديبيّة، و هم أعراب غفار و مزينة و جهينة و أشجع و أسلم و الدّيل،و ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين أراد المسير إلى مكّة عام الحديبيّة معتمرا،استنفر من حول المدينة من الأعراب و أهل البوادي،ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدّوه من البيت، و أحرم هو صلّى اللّه عليه و سلّم،و ساق معه الهدي ليعلم أنّه لا يريد حربا،فتثاقل كثير من الأعراب،و قالوا:يذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة و قتلوا أصحابه فيقاتلهم.و ظنّوا أنّه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة، و اعتلّوا بالشّغل بأهاليهم و أموالهم،و أنّه ليس لهم من يقوم بأشغالهم.(3:543)
نحوه ابن عطيّة(5:130)،و الطّبرسيّ(5:114) و القرطبيّ(16:268)،و البيضاويّ(2:400)، و أبو السّعود(6:100)،و البروسويّ(9:26)، و الآلوسيّ(26:97)،و الطّباطبائيّ(18:277).
ابن عاشور :لمّا حذّر من النّكث و رغّب في الوفاء،أتبع ذلك بذكر التّخلّف عن الانضمام إلى جيش النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حين الخروج إلى عمرة الحديبيّة،و هو ما فعله الأعراب الّذين كانوا نازلين حول المدينة، و هم ستّ قبائل:غفار و مزينة و جهينة و أشجع و أسلم و الدّيل،بعد أن بايعوه على الخروج معه،فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا أراد المسير إلى العمرة،استنفر من حول المدينة منهم ليخرجوا معه،فيرهبه أهل مكّة فلا يصدّوه عن عمرته،فتثاقل أكثرهم عن الخروج معه
ص: 141
و كان من أهل البيعة زيد بن خالد الجهنيّ من جهينة،و خرج مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من أسلم مائة رجل،منهم مرداس بن مالك الأسلميّ والد عبّاس الشّاعر،و عبد اللّه بن أبي أوفى،و زاهر بن الأسود،و أهبان-بضمّ الهمزة-بن أوس،و سلمة بن الأكوع الأسلميّ.و من غفار خفاف-بضمّ الخاء المعجمة-بن أيماء بفتح الهمزة بعدها تحتيّة ساكنة.و من مزينة عائذ بن عمرو.
و تخلّف عن الخروج معه معظمهم،و كانوا يومئذ لم يتمكّن الإيمان من قلوبهم،و لكنّهم لم يكونوا منافقين،و أعدّوا للمعذرة بعد رجوع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّهم شغلتهم أموالهم و أهلوهم،فأخبر اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم بما بيّتوه في قلوبهم،و فضح أمرهم من قبل أن يعتذروا.
و هذه من معجزات القرآن بالأخبار الّتي قبل وقوعه. (1)
فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيّا لمناسبة ذكر الإيفاء و النّكث،فكمل بذكر من تخلّفوا عن الدّاعي للعهد.و المعنى:أنّهم يقولون ذلك عند مرجع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى المدينة،معتذرين كاذبين في اعتذارهم.
و(المخلفون)بفتح اللاّم،هم الّذين تخلّفوا.و أطلق عليهم(المخلفون)،أي غيرهم خلّفهم وراءه،أي تركهم خلفه،و ليس ذلك بمقتض أنّهم مأذون لهم،بل المخلّف هو المتروك مطلقا.يقال:خلّفنا فلانا،إذا مرّوا به و تركوه،لأنّهم اعتذروا من قبل خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فعذّرهم،بخلاف الأعراب،فإنّهم تخلّف أكثرهم بعد أن استنفروا،و لم يعتذروا حينئذ.(26:135)
مكارم الشّيرازيّ: اعتذار المخلّفين
ذكرنا-في تفسير الآيات الآنفة-أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله توجّه من المدينة إلى مكّة مع ألف و أربع مائة من صحابته للعمرة.و قد أبلغ عن النّبيّ جميع من في البادية من القبائل أن يحضروا معه في سفره هذا،إلاّ أنّ قسما من ضعيفي الإيمان لوّوا رءوسهم عن هذا الأمر و أعرضوا عنه،و كان تحليلهم هو أنّ المسلمين لا يستطيعون الحفاظ على أرواحهم في هذا السّفر،في حين أنّ كفار قريش كانوا في حالة حرب مع المسلمين،و قاتلوهم في أحد و الأحزاب على مقربة من المدينة،فإذا توجّهت هذه الجماعة القليلة العزلاء من كلّ سلاح نحو مكّة،و عرّضت نفسها إلى العدوّ المدجّج بالسّلاح،فكيف ستعود إلى بيوتها بعدئذ؟!
(16:408)
فضل اللّه :الأعراب يبرّرون تخلّفهم عن الفتح.
كانت واقعة الحديبيّة تجربة مريرة في المجتمع الإسلاميّ،ذلك أنّ بعض أفراده لم يستوعبوا فكر الرّسالة و حركتها و تطلّعاتها و أهدافها بروحيّة الإيمان الصّادق،لأنّهم دخلوه بصفته الشّكليّة دون امتلاك عمق المضمون الرّوحيّ المنفتح على اللّه،و لهذا كانوا يأخذون من انتمائهم إلى الإسلام المكاسب الّتي تمنحهم إيّاها هذه الصّفة،و يبتعدون عن المسئوليّات الصّعبة في مواقع الجهاد و التّضحية و العطاء،كما هو شأن كثير ممّن يندمجون في المجتمعات القائمة على المبادئ التّغييريّة،و يتجمّدون في داخل شئونهمه.
ص: 142
الخاصّة فيها،و يعملون على تجميد الحياة من حولهم، و تعطيل المبادرات الحركيّة في ساحتهم،و يثيرون المشاكل في السّاحة العامّة.
فقد تخلّف هؤلاء عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عند ما استنفرهم، فلم يستجيبوا لندائه،بل حاولوا الابتعاد عن المسيرة، و كان ممّا قالوه:إنّ محمّدا و من معه يذهبون إلى قوم غزوهم بالأمس في عقر دارهم فقتلوهم قتلا ذريعا، و أنّهم لن يرجعوا من هذه السّفرة،و لن ينقلبوا إلى ديارهم و أهلهم أبدا.
و في هذه الآيات،حديث عن هؤلاء المخلّفين من الأعراب الّذين قيل:إنّهم من الأعراب المقيمين حول المدينة من قبائل جهينة و مزينة و غفار و أشجع و أسلم و دئل،و عن منطقهم التّبريريّ في تخلّفهم عن الخروج مع النّبيّ،بعد رجوعه إلى المدينة،و ظهور الخلل في موقفهم،و الضّعف في إيمانهم.(21:108)
3-و بهذا المعنى جاء قوله تعالى:
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللّهِ. الفتح:15
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ... الفتح:16
ابن عبّاس: ديل و أشجع و قوم من مزينة و جهينة.(433)
الماورديّ: هؤلاء المخلّفون هم أحد أصناف المنافقين،لأنّ اللّه تعالى صنّف المنافقين من أهل المدينة و من حولهم من الأعراب ثلاثة أصناف:
منهم:من أعلم أنّه لا يؤمن،و أوعدهم العذاب في الدّنيا مرّتين،ثمّ العذاب العظيم في الآخرة،و ذلك قوله: وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ... التّوبة:101.
و منهم:من اعترف بذنبه و تاب،و هم من قال اللّه فيهم: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً... التّوبة:102.
و منهم:من وقفوا بين الرّجاء لهم و الخوف عليهم، بقوله تعالى: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ التّوبة:106،فهؤلاء المخاطبون بقوله: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ دون الصّنفين المتقدّمين،لتردّدهم بين أمرين.(5:315)
الطّوسيّ: أي لهؤلاء المخلّفين الّذين تخلّفوا عنك في الخروج إلى الحديبيّة.(9:324)
نحوه الزّمخشريّ.(3:545)
الفخر الرّازيّ: كان المخلّفون جمعا كثيرا،من قبائل متشعّبة،دعت الحاجة إلى بيان قبول توبتهم، فإنّهم لم يبقوا على ذلك،و لم يكونوا من الّذين مردوا على النّفاق،بل منهم من حسن حاله و صلح باله.
(28:91)
الآلوسيّ: كرّر ذكرهم بهذا العنوان مبالغة في الذّمّ،و إشعارا بشناعة التّخلّف.(26:102)
ابن عاشور :انتقال إلى طمأنة المخلّفين بأنّهم سينالون مغانم في غزوات آتية،ليعلموا أنّ حرمانهم
ص: 143
من الخروج إلى خيبر مع جيش الإسلام ليس لانسلاخ الإسلام عنهم،و لكنّه لحكمة نوط المسبّبات بأسبابها على طريقة حكمة الشّريعة،فهو حرمان خاصّ بوقعة معيّنة-كما تقدّم آنفا-و أنّهم سيدعون بعد ذلك إلى قتال قوم كافرين،كما تدعى طوائف المسلمين،فذكر هذا في هذا المقام إدخال للمسرّة بعد الحزن،ليزيل عنهم انكسار خواطرهم من جرّاء الحرمان.
و في هذه البشارة فرصة لهم ليستدركوا ما جنوه من التّخلّف عن الحديبيّة،و كلّ ذلك دالّ على أنّهم لم ينسلخوا عن الإيمان،أ لا ترى أنّ اللّه لم يعامل المنافقين المبطنين للكفر بمثل هذه المعاملة،في قوله: فَإِنْ رَجَعَكَ اللّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ التّوبة:83.(26:143)
...فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. النّور:63
أبو عبيدة :مجازه:يخالفون أمره سواء،و(عن) زائدة.(2:69)
القمّيّ: أي يعصون أمره.(2:110)
الطّوسيّ: حذّرهم من مخالفة رسوله بقوله:
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ، و إنّما دخلت (عن)في قوله: عَنْ أَمْرِهِ، لأنّ المعنى يعرضون عن أمره.و في ذلك دلالة على أنّ أوامر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على الإيجاب،لأنّها لو لم تكن كذلك لما حذّر من مخالفته.
و ليس المخالف هو أن يفعل خلاف ما أمره فقط،لأنّ ذلك ضرب من المخالفة.و قد يكون مخالفا بألاّ يفعل ما أمره به،و لو كان الأمر على النّدب لجاز تركه، و فعل خلافه.(7:466)
نحوه الطّبرسيّ.(4:158)
الزّمخشريّ: يقال:خالفه إلى الأمر،إذا ذهب إليه دونه،و منه قوله تعالى: وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ هود:88،و خالفه عن الأمر،إذا صدّ عنه دونه،و معنى: اَلَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ الّذين يصدّون عن أمره دون المؤمنين و هم المنافقون،فحذف المفعول،لأنّ الغرض ذكر المخالف و المخالف عنه.
(3:79)
الفخر الرّازيّ: ففيه مسائل:المسألة الأولى:قال الأخفش:(عن)صلة،و المعنى يخالفون أمره،و قال غيره:معناه يعرضون عن أمره و يميلون عن سنّته، فدخلت(عن)لتضمين المخالفة معنى الإعراض.
المسألة الثّانية:كما تقدّم ذكر الرّسول فقد تقدّم ذكر اللّه تعالى،لكنّ القصد هو الرّسول،فإليه ترجع الكناية،و قال أبو بكر الرّازي:الأظهر أنّها للّه تعالى، لأنّه يليه،و حكم الكناية رجوعها إلى ما يليها دون ما تقدّمها.
المسألة الثّالثة:الآية تدلّ على أنّ ظاهر الأمر للوجوب،و وجه الاستدلال به أن نقول:تارك المأمور به مخالف لذلك الأمر،و مخالف الأمر مستحقّ للعقاب،
ص: 144
فتارك المأمور به مستحقّ للعقاب،و لا معنى للوجوب إلاّ ذلك.إنّما قلنا:إنّ تارك المأمور به مخالف لذلك الأمر،لأنّ موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه، و المخالفة ضدّ الموافقة،فكانت مخالفة الأمر عبارة عن الإخلال بمقتضاه،فثبت أنّ تارك المأمور به مخالف و إنّما قلنا:إنّ مخالف الأمر مستحقّ للعقاب،لقوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، فأمر مخالف هذا الأمر بالحذر عن العقاب،و الأمر بالحذر عن العقاب إنّما يكون بعد قيام المقتضي لنزول العقاب،فثبت أنّ مخالف أمر اللّه تعالى أو أمر رسوله قد وجد في حقّه ما يقتضي نزول العذاب.
فإن قيل:لا نسلّم أنّ تارك المأمور به مخالف للأمر، قوله:موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه، و مخالفته عبارة عن الإخلال بمقتضاه.
قلنا:لا نسلّم أنّ موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه،فما الدّليل عليه؟ثمّ إنّا نفسّر موافقة الأمر بتفسيرين:
أحدهما:أنّ موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بما يقتضيه الأمر على الوجه الّذي يقتضيه الأمر،فإنّ الأمر لو اقتضاه على سبيل النّدب و أنت تأتي به على سبيل الوجوب،كان ذلك مخالفة للأمر.
الثّاني:أنّ موافقة الأمر عبارة عن الاعتراف بكون ذلك الأمر حقّا واجب القبول.فمخالفته تكون عبارة عن إنكار كونه حقّا واجب القبول،سلّمنا أنّ ما ذكرته يدلّ على أنّ مخالفة الأمر عبارة عن ترك مقتضاه،لكنّه معارض بوجوه أخر،و هو أنّه لو كان ترك المأمور به مخالفة للأمر،لكان ترك المندوب لا محالة مخالفة لأمر اللّه تعالى،و ذلك باطل.و إلاّ لاستحقّ العقاب على ما بيّنتموه في المقدّمة الثّانية.
سلّمنا أنّ تارك المأمور به مخالف للأمر،فلم قلت:
إنّ مخالف الأمر مستحقّ للعقاب،لقوله تعالى:
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ؟
قلنا:لا نسلّم أنّ هذه الآية دالّة على أمر من يكون مخالفا للأمر بالحذر،بل هي دالّة على الأمر بالحذر عن مخالفة الأمر،فلم لا يجوز أن يكون كذلك؟سلّمنا ذلك،لكنّها دالّة على أنّ المخالف عن الأمر يلزمه الحذر،فلم قلت:إنّ مخالف الأمر لا يلزمه الحذر؟
فإن قلت:لفظة(عن)صلة زائدة،فنقول:الأصل في الكلام-لا سيّما في كلام اللّه تعالى-أن لا يكون زائدا.سلّمنا دلالة الآية على أنّ مخالف أمر اللّه تعالى مأمور بالحذر عن العذاب،فلم قلت:إنّه يجب عليه الحذر عن العذاب؟أقصى ما في الباب أنّه ورد الأمر به لكن لم قلت:إنّ الأمر للوجوب؟و هذا أول المسألة.
فإن قلت:هب أنّه لا يدلّ على وجوب الحذر، لكن لا بدّ و أن يدلّ على حسن الحذر،و حسن الحذر إنّما يكون بعد قيام المقتضي لنزول العذاب.
قلت:لا نسلّم أنّ حسن الحذر مشروط بقيام المقتضي لنزول العذاب،بل الحذر يحسن عند احتمال نزول العذاب،و لهذا يحسن الاحتياط.و عندنا مجرّد الاحتمال قائم،لأنّ هذه المسألة احتماليّة لا قطعيّة.
سلّمنا دلالة الآية على وجود ما يقتضي نزول
ص: 145
العقاب،لكن لا في كلّ أمر بل في أمر واحد،لأنّ قوله:
عَنْ أَمْرِهِ لا يفيد إلاّ أمرا واحدا،و عند ما أنّ أمرا واحدا يفيد الوجوب،فلم قلت:إنّ كلّ أمر كذلك؟ سلّمنا أنّ كلّ أمر كذلك،لكنّ الضّمير في قوله: عَنْ أَمْرِهِ يحتمل عوده إلى اللّه تعالى و عوده إلى الرّسول، و الآية لا تدلّ إلاّ على أنّ الأمر للوجوب في حقّ أحدهما،فلم قلتم:إنّه في حقّ الآخر كذلك؟
الجواب:قوله:لم قلتم:إنّ موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه؟
قلنا:الدّليل عليه أنّ العبد إذا امتثل أمر السّيّد، حسن أن يقال:إنّ هذا العبد موافق للسّيّد و يجري على وفق أمره،و لو لم يمتثل أمره يقال:إنّه ما وافقه بل خالفه،و حسن هذا الإطلاق معلوم بالضّرورة من أهل اللّغة،فثبت أنّ موافقة الأمر عبارة عن الإتيان بمقتضاه.
قوله:الموافقة عبارة عن الإتيان بما يقتضيه الأمر على الوجه الّذي يقتضيه الأمر.قلنا:لمّا سلّمتم أنّ موافقة الأمر لا تحصل إلاّ عند الإتيان بمقتضى الأمر، فنقول:لا شكّ أنّ مقتضى الأمر هو الفعل،لأنّ قوله:
افعل،لا يدلّ إلاّ على اقتضاء الفعل،و إذا لم يوجد الفعل لم يوجد مقتضى الأمر،فلا توجد الموافقة، فوجب حصول المخالفة،لأنّه ليس بين الموافقة و المخالفة واسطة.
قوله:الموافقة عبارة عن اعتقاد كون ذلك الأمر حقّا واجب القبول.
قلنا:هذا لا يكون موافقة للأمر،بل يكون موافقة للدّليل الدّالّ على أنّ ذلك الأمر حقّ،فإنّ موافقة الشّيء عبارة عن الإتيان بما يقتضي تقرير مقتضاه، فإذا دلّ على حقّيّة الشّيء كان الاعتراف بحقّيّته يقتضي تقرير مقتضى ذلك الدّليل.أمّا الأمر فلمّا اقتضى دخول الفعل في الوجود،كانت موافقته عبارة عمّا يقرّر ذلك الدّخول،و إدخاله في الوجود يقتضي تقرير دخوله في الوجود،فكانت موافقة الأمر عبارة عن فعل مقتضاه.
قوله:لو كان كذلك لكان تارك المندوب مخالفا، فوجب أن يستحقّ العقاب.
قلنا:هذا الإلزام إنّما يصحّ أن لو كان المندوب مأمورا به و هو ممنوع.
قوله:لم لا يجوز أن يكون قوله:(فليحذر)أمرا بالحذر عن المخالف لا أمرا للمخالف بالحذر؟
قلنا:لو كان كذلك،لصار التّقدير:فليحذر المتسلّلون لواذا عن الّذين يخالفون أمره،و حينئذ يبقى قوله: أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ضائعا،لأنّ الحذر ليس فعلا يتعدّى إلى مفعولين.
قوله:كلمة(عن)ليست بزائدة.
قلنا:ذكرنا اختلاف النّاس فيها في المسألة الأولى.
قوله:لم قلتم:إنّ قوله:(فليحذر)يدلّ على وجوب الحذر عن العقاب؟
قلنا:لا ندّعي وجوب الحذر،و لكن لا أقلّ من جواز الحذر،و ذلك مشروط بوجود ما يقتضي وقوع العقاب.
قوله:لم قلت:إنّ الآية تدلّ على أنّ كلّ مخالف
ص: 146
للأمر يستحقّ العقاب؟
قلنا:لأنّه تعالى رتّب نزول العقاب على المخالفة، فوجب أن يكون معلّلا به،فيلزم عمومه لعموم العلّة.
قوله:هب أنّ أمر اللّه أو أمر رسوله للوجوب،فلم قلتم:إنّ الأمر كذلك؟
قلنا:لأنّه لا قائل بالفرق،و اللّه أعلم.(24:40)
البيضاويّ: يخالفون أمره بترك مقتضاه، و يذهبون سمتا خلاف سمته.و(عن)لتضمّنه معنى الإعراض أو يصدّون عن أمره دون المؤمنين،من خالفه عن الأمر إذا صدّ عنه دونه.و حذف المفعول، لأنّ المقصود بيان المخالف و المخالف عنه، و الضّمير ل«اللّه»تعالى،فإنّ الأمر له في الحقيقة أو للرّسول،فإنّه المقصود بالذّكر.(2:136)
الآلوسيّ: المخالفة،كما قال الرّاغب:أن يأخذ كلّ واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو فعله.
و الأكثر استعمالها بدون(عن)،فيقال:خالف زيد عمرا.و إذا استعملت ب(عن)فذاك على تضمين معنى الإعراض.و قيل:الخروج،أي يخالفون معرضين أو خارجين عن أمره.
و قال ابن الحاجب:عدّي(يخالفون)ب(عن) لما في المخالفة من معنى التّباعد و الحيد،كأنّه قيل:
الّذين يحيدون عن أمره بالمخالفة،و هو أبلغ من أن يقال:يخالفون أمره.
و قيل:على تضمين معنى الصّدّ.و قيل:إذا عدّي ب(عن)يراد به الصّدّ دون تضمين.و يتعدّى إلى مفعول بنفسه،يقال:خالف زيدا عن الأمر،أي صدّه عنه،و المفعول عليه هنا محذوف،أي يخالفون المؤمنين، أي يصدّونهم عن أمره.و حذف المفعول،لأنّ المراد تقبيح حال المخالف و تعظيم أمر المخالف عنه،فذكر الأهمّ و ترك ما لا اهتمام به.و قد يتعدّى ب«إلى»، فيقال:خالف إليه،إذا أقبل نحوه.
و قال ابن عطيّة:«(عن)هنا بمعنى بعد و المعنى يقع خلافهم بعد أمره،كما تقول:كان المطر عن ريح، و أطعمته عن جوع»و قال أبو عبيدة و الأخفش:هي زائدة،أي يخالفون أمره.و ضمير أمره ل«اللّه»عزّ و جلّ،فإنّ الأمر له سبحانه في الحقيقة،أو للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه المقصود بالذّكر.و الأمر له قيل:الطّلب أو الشّأن،أو ما يعمّهما.و لا يخفى أنّ في تجويز كلّ على كلّ من الاحتمالين في الضّمير نظرا فلا تغفل.
و قرئ: (يخلّفون) بالتّشديد،أي يخلفون أنفسهم عن أمره.(18:226)
ابن عاشور :المخالفة:المغايرة في الطّريق الّتي يمشي فيها،بأن يمشي الواحد في طريق غير الطّريق الّذي مشى فيه الآخر،ففعلها متعدّ.و قد حذف مفعوله هنا لظهور أنّ المراد:الّذين يخالفون اللّه.
و تعدية فعل المخالفة بحرف(عن)،لأنّه ضمّن معنى الصّدود،كما عدّي ب«إلى»في قوله تعالى: وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ هود:88،لمّا ضمّن معنى الذّهاب.يقال:خالفه إلى الماء،إذا ذهب إليه دونه،و لو تركت تعديته بحرف جرّ لأفاد أصل المخالفة في الغرض المسوق له الكلام.(18:249)
ص: 147
وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ... هود:88
ابن عبّاس: يقول:ما أريد أن أفعل ما أنهاكم عنه من البخس في الكيل و الوزن.(190)
قتادة :لم أكن لأنهاكم عن أمر أركبه أو آتيه.
(الطّبريّ 7:102)
نحوه الثّعلبيّ(5:186)،و البغويّ(2:462).
الطّبريّ: يقول:و ما أريد أن أنهاكم عن أمر،ثمّ أفعل خلافه،بل لا أفعل إلاّ ما آمركم به،و لا أنتهي إلاّ عمّا أنهاكم عنه.(7:102)
نحوه الماورديّ(2:497)،و القرطبيّ(9:89).
الزّجّاج: أي لست أنهاكم عن شيء و أدخل فيه، و إنّما أختار لكم ما أختار لنفسي،و معنى:«ما أخالفك إليه»،أي ما أقصد بخلافك القصد إلى أن أرتكبه.(3:73)
الطّوسيّ: قيل:في معناه قولان:
أحدهما:ليس نهيي لكم لمنفعة أجرّها إلى نفسي بما تتركون من منع الحقوق.
و الثّاني:إنّي لا أنهى عن القبيح و أفعله،بمثل من ليس بمستبصر في أمره.[ثمّ استشهد بشعر](6:51)
نحوه الطّبرسيّ.(3:188)
القشيريّ: يمكن للواعظ أو النّاصح أن يساهل المأمور في كلّ ما يأمره به،و لكن يجب ألاّ يجيز له ما ينهاه عنه.فإنّ الإتيان بجميع الطّاعات غير ممكن، و لكنّ التّجرّد عن جميع المحرّمات واجب.
و يقال:من لم يكن له حكم على نفسه في المنع عن الهوى،لم يكن له حكم على غيره فيما يرشده إليه من الهدى.(3:152)
الزّمخشريّ: يقال:خالفني فلان إلى كذا،إذا قصده و أنت مولّ عنه،و خالفني عنه،إذا ولّى عنه و أنت قاصده.و يلقاك الرّجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه،فيقول:خالفني إلى الماء،يريد أنّه قد ذهب إليه واردا و أنا ذاهب عنه صادرا.و منه قوله تعالى: وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ يعني أن أسبقكم إلى شهواتكم الّتي نهيتكم عنها،لأستبدّ بها دونكم.(2:287)
نحوه النّسفيّ(2:201)،و الآلوسيّ(12:120).
ابن عطيّة: و لست أريد أن أفعل الشّيء الّذي نهيتكم عنه،من نقص الكيل و الوزن،فأستأثر بالمال لنفسي.(3:201)
الفخر الرّازيّ: [نقل قول الكشّاف و أضاف:]
فهذا بيان اللّغة،و تحقيق الكلام فيه:أنّ القوم اعترفوا بأنّه حليم رشيد؛و ذلك يدلّ على كمال العقل،و كمال العقل يحمل صاحبه على اختيار الطّريق الأصوب الأصلح،فكأنّه عليه السّلام قال لهم:لمّا اعترفتم بكمال عقلي فاعلموا أنّ الّذي اختاره عقلي لنفسي لا بدّ و أن يكون أصوب الطّرق و أصلحها، و الدّعوة إلى توحيد اللّه تعالى و ترك البخس و النّقصان يرجع حاصلهما إلى جزءين:التّعظيم لأمر اللّه تعالى،و الشّفقة على خلق اللّه تعالى،و أنا مواظب
ص: 148
عليهما،غير تارك لهما في شيء من الأحوال البتّة، فلمّا اعترفتم لي بالحلم و الرّشد،و ترون أنّي لا أترك هذه الطّريقة،فاعلموا أنّ هذه الطّريقة خير الطّرق، و أشرف الأديان و الشّرائع.(18:46)
البيضاويّ: أي و ما أريد أن آتي ما أنهاكم عنه لأستبدّ به دونكم،فلو كان صوابا لآثرته و لم أعرض عنه،فضلا عن أن أنهى عنه.يقال:خالفت زيدا إلى كذا،إذا قصدته و هو مولّ عنه،و خالفته عنه،إذا كان الأمر بالعكس.(1:478)
نحوه أبو السّعود(3:343)،و الكاشانيّ(2:469) و البروسويّ(4:174).
أبو حيّان :...و قال صاحب«الغنيان»:ما أريد أن أخالفكم في السّرّ إلى ما أنهاكم عنه في العلانية.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
فعلى هذا،الظّاهر أنّ قوله: أَنْ أُخالِفَكُمْ في موضع المفعول ل(اريد،)أي و ما أريد مخالفتكم، و يكون«خالف»بمعنى خلف،نحو:جاوز و جاز،أي و ما أريد أن أخلفكم،أي أكون خلفا منكم.و تتعلّق (الى)ب(اخالفكم،)أو بمحذوف،أي مائلا إلى ما أنهاكم عنه،و لذلك قال بعضهم:فيه حذف يقتضيه (الى)،تقديره:و أميل إلى،أو يبقى أَنْ أُخالِفَكُمْ على ظاهر ما يفهم من المخالفة،و يكون في موضع المفعول به ب(اريد)،و تقدّر:مائلا إلى،أو يكون أَنْ أُخالِفَكُمْ مفعولا من أجله،و تتعلّق(الى)بقوله:
وَ ما أُرِيدُ، بمعنى:و ما أقصد،أي و ما أقصد لأجل مخالفتكم إلى ما أنهاكم عنه،و لذلك قال الزّجّاج:
و ما أقصد بخلافكم إلى ارتكاب ما أنهاكم عنه.
(5:254)
ابن عاشور :معنى وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ عند جميع المفسّرين من التّابعين فمن بعدهم:ما أريد ممّا نهيتكم عنه أن أمنعكم أفعالا و أنا أفعلها،أي لم أكن لأنهاكم عن شيء و أنا أفعله.و بيّن في«الكشّاف»إفادة التّركيب هذا المعنى بقوله:«يقال:
خالفني فلان إلى كذا،إذا قصده...».
و بيانه أنّ المخالفة تدلّ على الاتّصاف بضدّ حاله، فإذا ذكرت في غرض دلّت على الاتّصاف بضدّه،ثمّ يبيّن وجه المخالفة بذكر اسم الشّيء الّذي حصل به الخلاف مدخولا لحرف«إلى»الدّالّ على الانتهاء إلى شيء،كما في قولهم:خالفني إلى الماء،لتضمين (اخالفكم)معنى السّعي إلى شيء.و يتعلّق إِلى ما أَنْهاكُمْ بفعل أُخالِفَكُمْ، و يكون أَنْ أُخالِفَكُمْ مفعول(اريد).
فقوله: أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ أي أن أفعل خلاف الأفعال الّتي نهيتكم عنها،بأن أصرفكم عنها و أنا أصير إليها.و المقصود:بيان أنّه مأمور بذلك أمرا يعمّ الأمّة و إيّاه؛و ذلك شأن الشّرائع،كما قال علماؤنا:إنّ خطاب الأمّة يشمل الرّسول عليه الصّلاة و السّلام ما لم يدلّ دليل على تخصيصه بخلاف ذلك.
ففي هذا إظهار أنّ ما نهاهم عنه ينهى أيضا نفسه عنه.
و في هذا تنبيه لهم على ما في النّهي من المصلحة،و على أنّ شأنه ليس شأن الجبابرة الّذين ينهون عن أعمال و هم يأتونها،لأنّ مثل ذلك ينبئ بعدم النّصح فيما
ص: 149
يأمرون و ينهون؛إذ لو كانوا يريدون النّصح و الخير في ذلك لاختاروه لأنفسهم.و إلى هذا المعنى يرمي التّوبيخ في قوله تعالى: أَ تَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ البقرة:44،أي و أنتم تتلون كتاب الشّريعة العامّة لكم،أ فلا تعقلون،فتعلموا أنّكم أولى بجلب الخير لأنفسكم.
و الّذي يظهر لي في معنى الآية أنّ المراد من المخالفة:المعاكسة و المنازعة:إمّا لأنّه عرف من ملامح تكذيبهم أنّهم توهّموه ساعيا إلى التّملّك عليهم و التّجبّر،و إمّا لأنّه أراد أن يقلع من نفوسهم خواطر الشّرّ قبل أن تهجس فيها.
و هذا المحمل في الآية يسمح به استعمال التّركيب و مقاصد الرّسل،و هو أشمل للمعاني من تفسير المتقدّمين،فلا ينبغي قصر تفسير الآية على ما قالوه، لأنّه لا يقابل قول قومه: أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا هود:87، إنّهم ظنّوا به أنّه ما قصد إلاّ مخالفتهم و تخطئتهم،و نفوا أن يكون له قصد صالح فيما دعاهم إليه،فكان مقتضى إبطال ظنّتهم أن ينفي أن يريد مجرّد مخالفتهم،بدليل قوله عقبه: إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ.
فمعنى قوله: وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ أنّه ما يريد مجرّد المخالفة،كشأن المنتقدين المتقعّرين،و لكن يخالفهم لمقصد سام،و هو إرادة إصلاحهم.
فهذا التّفسير له وجه وجيه في هذه الآية.و في هذا ما يدلّ على أنّ المنتقدين قسمان:قسم ينتقد الشّيء و يقف عند حدّ النّقد،دون ارتقاء إلى بيان ما يصلح المنقود.و قسم ينتقد ليبيّن وجه الخطإ،ثمّ يعقبه ببيان ما يصلح خطأه.و على هذا الوجه يتعلّق إِلى ما أَنْهاكُمْ بفعل أُرِيدُ، و كذلك أَنْ أُخالِفَكُمْ، يتعلّق ب أُرِيدُ على حذف حرف لام الجرّ، و التّقدير:ما أريد إلى النّهي لأجل أن أخالفكم،أي لمحبّة خلافكم.(11:314)
الطّباطبائيّ: تعدية المخالفة ب(الى)لتضمينه معنى ما يتعدّى بها كالميل و نحوه،و التّقدير:أخالفكم مائلا إلى ما أنهاكم عنه،أو أميل إلى ما أنهاكم عنه مخالفا لكم.
و الجملة جواب عن ما اتّهموه به أنّه يريد أن يسلب عنهم الحرّيّة في أعمالهم،و يستعبدهم و يتحكّم عليهم.و محصّله أنّه لو كان مريدا ذلك لخالفهم فيما ينهاهم عنه،و هو لا يريد مخالفتهم،فلا يريد ما اتّهموه به،و إنّما يريد الإصلاح ما استطاع.
توضيحه:إنّ الصّنع الإلهيّ و إن أنشأ الانسان مختارا في فعله حرّا في عمله،له أن يميل في مظانّ العمل إلى كلّ من جانبي الفعل و التّرك،فله بحسب هذه النّشأة حرّيّة تامّة بالقياس إلى بني نوعه الّذين هم أمثاله و أشباهه في الخلقة،لهم ما له،و عليهم ما عليه، فليس لأحد أن يتحكّم على آخر عن هوى من نفسه.
إلاّ أنّه أفطره على الاجتماع،فلا تتمّ له الحياة إلاّ في مجتمع من أفراد النّوع،يتعاون فيه الجميع على رفع حوائج الجميع،ثمّ يختصّ كلّ منهم بما له من نصيب، بمقدار ما له من الزّنة الاجتماعيّة.و من البديهيّ أنّ
ص: 150
الاجتماع لا يقوم على ساق إلاّ بسنن و قوانين تجرى فيها،و حكومة يتولاّها بعضهم تحفظ النّظم و تجري القوانين،كلّ ذلك على حسب ما يدعو إليه مصالح المجتمع.
فلا مناص من أن يفدي المجتمعون بعض حرّيّتهم قبال القانون و السّنّة الجارية بالحرمان من الانطلاق و الاسترسال،ليسعدوا لذلك بنيل بعض مشتهياتهم، و إحياء البعض الباقي من حرّيّتهم.
فالإنسان الاجتماعيّ لا حرّيّة له قبال المسائل الحيويّة الّتي تدعو إليه مصالح المجتمع و منافعه،و الّذي يتحكّمه الحكومة في ذلك من الأمر و النّهي ليس من الاستعباد و الاستكبار في شيء؛إذ أنّها إنّما يتحكّم فيما لا حرّيّة للإنسان الاجتماعيّ فيه،و كذا الواحد من النّاس المجتمعين-إذا رأى من أعمال إخوانه المجتمعين ما يضرّ بحال المجتمع،أو لا ينفع لإبطاله ركنا من أركان المصالح الأساسيّة فيها،فبعثه ذلك إلى وعظهم بما يرشدهم إلى اتّباع سبيل الرّشد،فأمرهم بما يجب عليهم العمل به،و نهاهم عن اقتراف ما يجب عليهم الانتهاء عنه-لم يكن هذا الواحد متحكّما عن هوى النّفس،مستعبدا للأحرار المجتمعين من بني نوعه، فإنّه لا حرّيّة لهم قبال المصالح العالية و الأحكام اللاّزمة المراعاة في مجتمعهم،و ليس ما يلقيه إليهم من الأمر و النّهي في هذا الباب أمرا أو نهيا له في الحقيقة، بل كان أمرا و نهيا ناشئين عن دعوة المصالح المذكورة، قائمين بالمجتمع من حيث هو مجتمع بشخصيّته الوسيعة،و إنّما الواحد الّذي يلقي إليهم الأمر و النّهي بمنزلة لسان ناطق،لا يزيد على ذلك.
و أمارة ذلك أن يأتمر هو نفسه بما يأمر به،و ينتهي هو نفسه عمّا ينهى عنه،من غير أن يخالف قوله فعله و نظره عمله؛إذ الإنسان مطبوع على التّحفّظ على منافعه و رعاية مصالحه،فلو كان فيما يدعو إليه غيره من العمل خير-و هو مشترك بينهما-لم يخالفه بشخصه،و لم يترك لنفسه ما يستحسنه لغيره،و لذلك قال عليه السّلام فيما ألقاه إليهم من الجواب: وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ، و قال أيضا-كما حكاه اللّه تتميما للفائدة،و دفعا لأيّ تهمة تتوجّه إليه-:
وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ الشّعراء:180.
فهو عليه السّلام يشير بقوله: وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ...
إلى أنّ الّذي ينهاهم عنه من الأمور الّتي فيها صلاح مجتمعهم الّذي هو أحد أفراده،و يجب على الجميع مراعاتها و ملازمتها،و ليس اقتراحا استعباديّا عن هوى من نفسه،و لذلك عقّبه بقوله: إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ.
و ملخّص المقام:أنّهم لمّا سمعوا من شعيب عليه السّلام الدّعوة إلى ترك عبادة الأصنام و التّطفيف،ردّوه بأنّ ذلك اقتراح منه،مخالف لما هم عليه من الحرّيّة الإنسانيّة الّتي تسوّغ لهم أن يعبدوا من شاءوا و يفعلوا في أموالهم ما شاءوا.
فردّ عليهم شعيب عليه السّلام بأنّ الّذي يدعوهم إليه
ص: 151
ليس من قبل نفسه حتّى ينافي مسألتهم ذلك حرّيّتهم، و يبطل به استقلالهم في الشّعور و الإرادة،بل هو رسول من ربّهم إليهم،و له على ذلك آية بيّنة،و الّذي أتاهم به من عند اللّه الّذي يملكهم و يملك كلّ شيء، و هم عباده لا حرّيّة لهم قباله،و لا خيرة لهم فيما يريده منهم.
على أنّ الّذي ألقاه إليهم،من الأمور الّتي فيها صلاح مجتمعهم و سعادة أنفسهم في الدّنيا و الآخرة.
و أمارة ذلك أنّه لا يريد أن يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه، بل هو مثلهم في العمل به،و إنّما يريد الإصلاح ما استطاع،و لا يريد منهم على ذلك أجرا،إن أجره إلاّ على ربّ العالمين.(10:367)
مكارم الشّيرازيّ: لا تتصوّروا أنّني أقول لكم لا تبخسوا النّاس أشياءهم و لا تنقصوا المكيال و أنا أبخس النّاس أو أنقص المكيال،أو أقول لكم لا تعبدوا الأوثان و أنا أفعل ذلك كلّه،كلاّ،فإنّني لا أفعل شيئا من ذلك أبدا.
و يستفاد من هذه الجملة أنّهم كانوا يتّهمون شعيبا بأنّه كان يريد الرّبح لنفسه،و لهذا فهو ينفي هذا الموضوع صراحة،و يقول تعقيبا على ما سبق: إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ. (7:39)
فضل اللّه :فلم أنهكم عن شيء إلاّ و قد ألزمت نفسي بتركه،انطلاقا من قناعتي بما يتضمّنه من المفسدة،و ما يؤدّي إليه من الضّرر.و بذلك فإنّ موقفي ينطلق من موقع القناعة و الإيمان،لا من موقع الرّغبة في التّحكّم بكم،و التّضييق عليكم،و التّقييد لحرّيّتكم،كما تزعمون.لأجل ذلك كان لا بدّ لي من إثارة الفكرة أمامكم،لحثّكم على الدّخول معي في نقاش فكري حولها،و لكنّكم واجهتم المسألة باللاّمبالاة،و ابتعدتم عن مسئوليّة ما تحملونه من عقيدة،و ما يلقى عليكم من فكر،فاستسلمتم لعقائد آبائكم الّتي لا ترتكز على أساس،و لحرّيّة الأهواء الّتي لا تخضع لقاعدة،فوقفتم هذا الموقف السّلبيّ السّاخر المتعنّت.إنّ ذلك شأنكم في التّصرّف الّذي سوف تتحمّلون مسئوليّته أمام اللّه في الدّنيا و الآخرة.
أمّا أنا فسأبقى في ساحة الرّسالة من أجلكم،لأقدّم لكم النّصح الّذي يصلح أمر دنياكم و آخرتكم.
(12:119)
وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاّ قَلِيلاً. الإسراء:76
أبو عبيدة :أي بعدك.[ثمّ استشهد بشعر](1:387)
نحوه ابن قتيبة.(259)
الطّبريّ: يقول:و لو أخرجوك منها لم يلبثوا بعدك فيها إلاّ قليلا،حتّى أهلكهم بعذاب عاجل.
(8:121)
ابن الأنباريّ: معنى الكلام لا يلبثون على خلافك و مخالفتك،فسقط حرف الخفض
(ابن الجوزيّ 5:70)
النّحّاس: قال أهل التّفسير:(خلافك)أي بعدك.
ص: 152
و حكي عن العرب:جاء فلان خلف فلان و خلافه،أي بعده.و قد يجيء«خلاف»بمعنى مخالفة.
(4:180)
الماورديّ: يعني بعدك.يقال:خلفك و خلافك، و قد قرئا جميعا بمعنى بعدك.[ثمّ استشهد بشعر]
(3:261)
الطّوسيّ: قرأ ابن عامر و أهل الكوفة إلاّ أبا بكر (خلافك،)الباقون (خلفك) ،فمن قرأ (خلفك) فلقوله: فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها البقرة:66،و قوله: بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ التّوبة:82،أي لمخالفتهم إيّاه.و من قرأ(خلافك) قال:بعدك؛و خلفك و خلافك بمعنى واحد.(6:507)
ابن عطيّة: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]
و هذه اللّفظة قد لزم حذف المضاف،لأنّ التّقدير في آياتنا خلاف خروجك.قال أبو عليّ:أصابوا هذه الظّروف تضاف إلى أسماء الأعيان الّتي ليست أحداثا، فلم يستحبّوا إضافتها إلى غير ما جرى عليه كلامهم، كما أنّها لمّا جرت منصوبة في كلامهم تركوها على حالها إذا وقعت في غير موضع النّصب،كقوله تعالى:
وَ أَنّا مِنَّا الصّالِحُونَ وَ مِنّا دُونَ ذلِكَ الجنّ:11، و قوله: يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ الممتحنة:3.
(3:476)
ابن الجوزيّ: قرأ ابن كثير،و نافع،و أبو عمرو، و أبو بكر عن عاصم (خلفك) .و قرأ ابن عامر،و حمزة، و الكسائيّ،و حفص عن عاصم(خلافك).قال الأخفش: خِلافَكَ في معنى خلفك،و المعنى:
لا يلبثون بعد خروجك إلاّ قليلا،أي لو أخرجوك لأستأصلناهم بعد خروجك بقليل...
و قرأ أبو رزين،و أبو المتوكّل: «خلاّفك» بضمّ الخاء،و تشديد اللاّم،و رفع الفاء.(5:70)
الآلوسيّ: (خلافك)أي بعدك.و به قرأ عطاء بن رباح،و استحسن أنّها تفسير لا قراءة،لمخالفتها سواد المصحف.[ثمّ استشهد بشعر]
و قرأ أهل الحجاز،و أبو بكر،و أبو عمرو:
(خلفك)بغير ألف،و المعنى واحد،و اللّفظان في الأصل من الظّروف المكانيّة،فتجوّز فيهما و استعملا للزّمان، و قد اطّرد إضافتهما كقبل و بعد إلى أسماء الأعيان على حذف مضاف يدلّ عليه ما قبله،أي لا يلبثون خلف استفزازك و خروجك.(15:130)
ابن عاشور :...و(خلفك)أريد به بعدك.و أصل الخلف:الوراء،فاستعمل مجازا في البعديّة،أي لا يلبثون بعدك.(14:141)
1- كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ البقرة:213
ابن مسعود: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ، أي في محمّد.
(ابن الجوزيّ 1:230)
ص: 153
أبو هريرة: لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ أراد«الجمعة»، لأنّ أهل الكتاب اختلفوا فيها فضلّوا عنها،فجعلها اليهود السّبت،و جعلها النّصارى الأحد،فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا من الحقّ بإذنه،فهدى اللّه الّذين آمنوا إليها.(الماورديّ 1:272)
ابن عبّاس: فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ في الدّين...
وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ في الدّين و محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم... لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ من الاختلاف في الدّين.(29)
زيد بن أسلم: لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ اختلفوا، فاتّخذت اليهود السّبت،و النّصارى الأحد،فهدى اللّه أمّة محمّد للجمعة.(النّحّاس 1:163)
مقاتل: فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ من الدّين.(1:181)
ابن زيد :اختلفوا في الصّلاة:فمنهم من يصلّي إلى المشرق،و منهم من يصلّي إلى المغرب،و منهم من يصلّي إلى بيت المقدس؛فهدانا اللّه للكعبة.
و اختلفوا في الصّيام:فمنهم من يصوم بعض يوم، و منهم من يصوم بعض ليلة،فهدانا اللّه لشهر رمضان.
و اختلفوا في يوم الجمعة:أخذت اليهود السّبت، و أخذت النّصارى الأحد،فهدانا اللّه له.
و اختلفوا في إبراهيم:فقالت اليهود:كان يهوديّا، و قالت النّصارى:كان نصرانيّا،فهدانا اللّه للحقّ من ذاك.
و اختلفوا في عيسى:فجعلته اليهود ابنا،و جعلته النّصارى ربّا،فهدانا اللّه منه للحقّ.(الثّعلبيّ 2:134)
الفرّاء: ففيها معنيان:
أحدهما:أن تجعل اختلافهم كفر بعضهم بكتاب بعض...
و الوجه الآخر:أن تذهب باختلافهم إلى التّبديل كما بدّلت التّورة،ثمّ قال: فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا به للحقّ ممّا اختلفوا فيه.و جاز أن تكون«اللاّم»في الاختلاف و(من)في الحقّ،كما قال اللّه تعالى: وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ البقرة:171،و المعنى- و اللّه أعلم-كمثل المنعوق به،لأنّه وصفهم فقال تبارك و تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ كمثل البهائم.[ثمّ استشهد بشعر](1:131)
أبو زيد : لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ: اختلفوا في عيسى، فجعلته اليهود لفرية[أي أنّه ابن زنى]،و جعلته النّصارى ربّا،فهدى اللّه المؤمنين.(النّحّاس 1:163)
أبو سليمان الدّمشقيّ: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ، أي في الكتاب.(ابن الجوزيّ 1:230)
الزّجّاج: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ أي ما اختلف في أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ الّذين أعطوا علم حقيقته.(1:284)
النّحّاس: أي و ما اختلف في الكتاب إلاّ الّذين أعطوه...
و اختلفوا في القبلة،و اختلفوا في الصّلاة و الصّيام، فمنهم من يصوم عن بعض الطّعام،و منهم من يصوم بعض النّهار.
و اختلفوا في إبراهيم:فهدى اللّه أمّة محمّد للحقّ من ذلك.(1:161)
الماورديّ: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ فيه قولان:
أحدهما:في الحقّ.
ص: 154
و الثّاني:في الكتاب،و هو التّوراة...
لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فيه ثلاثة أقاويل:[إلى أن قال:]
و الثّالث:أنّهم اختلفوا في الكتب المنزلة،فكفر بعضهم بكتاب بعض،فهدانا اللّه للتّصديق بجميعها.
(1:271)
الطّوسيّ: اختلفوا في الدّين الّذي كانوا عليه، فقال ابن عبّاس،و الحسن،و اختاره الجبّائيّ:إنّهم كانوا على الكفر.و قال قتادة،و الضّحّاك:كانوا على الحقّ،فاختلفوا.
فإن قيل:إذا كان الزّمان لا يخلو من حجّة،كيف يجوز أن يجتمعوا كلّهم على الكفر؟
قلنا:يجوز أن يقال ذلك على التّغليب،لأنّ الحجّة إذا كان واحدا أو جماعة يسيرة،لا يظهرون خوفا و تقيّة،فيكون ظاهر النّاس كلّهم الكفر باللّه،فلذلك جاز الإخبار به على الغالب من الحال،و لا يعتدّ بالعدّة القليلة.[إلى أن قال:]
قوله تعالى: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الهاء عائدة على الحقّ،و قيل على الكتاب.و الأوّل أصحّ،لأنّ اختلافهم في الحقّ قبل إنزال الكتاب.
فإن قيل:إذا كانوا مختلفين على إصابة بعضهم له، فكيف يكون الكفر عمّهم به؟
قلنا:لا يمتنع أن يكون الكلّ كفّارا،و بعضهم يكفر من جهة الغلوّ،و بعضهم من جهة التّقصير كما كفرت اليهود،و النّصارى في عيسى عليه السّلام،فقالت النّصارى:
هو ربّ،فغالوا.و قصرت اليهود،فقالوا:كذّاب متخرّص.
فإن قيل:كيف يكون الكلّ كفّارا مع قوله:
فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا؟
قلنا:لا يمتنع أن يكونوا كلّهم كانوا كفّارا،فلمّا بعث اللّه إليهم بالأنبياء مبشّرين،و منذرين اختلفوا، فآمن قوم،و لم يؤمن آخرون.(2:194)
نحوه الطّبرسيّ.(1:306)
الزّمخشريّ: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً متّفقين على دين الإسلام فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ يريد:فاختلفوا فبعث اللّه،و إنّما حذف لدلالة قوله: لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ عليه.و في قراءة عبد اللّه:
(كان النّاس امّة واحدة فاختلفوا فبعث اللّه) .و الدّليل عليه قوله عزّ و علا: وَ ما كانَ النّاسُ إِلاّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا يونس:19،و قيل:كان النّاس أمّة واحدة كفّارا فبعث اللّه النّبيّين،فاختلفوا عليهم،و الأوّل الوجه.
فإن قلت:متى كان النّاس أمّة واحدة متّفقين على الحقّ؟
قلت:عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:أنّه كان بين آدم و بين نوح عشرة قرون على شريعة من الحقّ فاختلفوا.و قيل:هم نوح و من كان معه في السّفينة... فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ: في الحقّ و دين الإسلام الّذي اختلفوا فيه بعد الاتّفاق، وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ في الحقّ، إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ إلاّ الّذين أوتوا الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف،أي ازدادوا في الاختلاف لمّا أنزل عليهم الكتاب،و جعلوا نزول
ص: 155
الكتاب سببا في شدّة الاختلاف...
مِنَ الْحَقِّ: بيان لما اختلفوا فيه،أي فهدى اللّه الّذين آمنوا للحقّ الّذي اختلف فيه من اختلف.
(1:355)
ابن عطيّة: و الضّمير في(فيه)عائد على(ما)من قوله:(فيما)،و الضّمير في(فيه)الثّانية يحتمل العود على الكتاب،و يحتمل على الضّمير الّذي قبله...
و المراد ب اَلَّذِينَ آمَنُوا: من آمن بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم، فقالت طائفة:معنى الآية أنّ الأمم كذّب بعضهم كتاب بعض،فهدى اللّه أمّة محمّد التّصديق بجميعها.
و قالت طائفة:إنّ اللّه هدى المؤمنين للحقّ فيما اختلف فيه أهل الكتابين،من قولهم:إنّ إبراهيم كان يهوديّا أو نصرانيّا...
و قال الفرّاء:في الكلام قلب-و اختاره الطّبريّ- قال:و تقديره:فهدى اللّه الّذين آمنوا للحقّ ممّا اختلفوا فيه.و دعاه إلى هذا التّقدير خوف أن يحتمل اللّفظ أنّهم اختلفوا في الحقّ،فهدى اللّه المؤمنين لبعض ما اختلفوا فيه،و عساه غير الحقّ في نفسه،نحا إلى هذا الطّبريّ في حكايته عن الفرّاء.
و ادّعاء القلب على لفظ كتاب اللّه-دون ضرورة تدفع إلى ذلك-عجز و سوء نظر؛و ذلك أنّ الكلام يتخرّج على وجهه و رصفه،لأنّ قول: فَهَدَى يقتضي أنّهم أصابوا الحقّ،و تمّ المعنى في قوله(فيه)، و تبيّن بقوله: مِنَ الْحَقِّ جنس ما وقع الخلاف فيه.
قال المهدويّ: و قدّم لفظ«الخلاف»على لفظ «الحقّ»اهتماما؛إذ العناية إنّما هي بذكر الاختلاف.
و ليس هذا عندي بقويّ.و في قراءة عبد اللّه بن مسعود (لما اختلفوا عنه من الحقّ) ،أي عن الإسلام.
(1:286)
ابن الجوزيّ: ...لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، أي لمعرفة ما اختلفوا فيه،أو تصحيح ما اختلفوا فيه.
و في الّذي اختلفوا فيه ستّة أقوال:
أحدها:أنّه الجمعة،جعلها اليهود السّبت، و النّصارى الأحد.فروى البخاريّ و مسلم في الصّحيحين،من حديث أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة،بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا،و أوتيناه من بعدهم،فهذا يومهم الّذي فرض عليهم،فاختلفوا فيه،فهدانا اللّه له، فاليوم لنا،و غدا لليهود،و بعد غد للنّصارى.
و الثّاني:أنّه الصّلاة،فمنهم من يصلّي إلى المشرق،و منهم من يصلّي إلى المغرب.
و الثّالث:أنّه إبراهيم،قالت اليهود:كان يهوديّا، و قالت النّصارى:كان نصرانيّا.
و الرّابع:أنّه عيسى،جعلته اليهود لفرية.و جعلته النّصارى إلها.
و الخامس:أنّه الكتب،آمنوا ببعضها،و كفروا ببعضها.
و السّادس:أنّه الدّين،-و هو الأصحّ-لأنّ جميع الأقوال داخلة في ذلك.(1:230)
الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ الهاء في قوله: فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ يجب أن يكون راجعا إمّا إلى(الكتاب)، و إمّا إلى(الحقّ)،لأنّ ذكرهما جميعا قد تقدّم،لكن
ص: 156
رجوعه إلى(الحقّ)أولى،لأنّ الآية دلّت على أنّه تعالى إنّما أنزل الكتاب،ليكون حاكما فيما اختلفوا فيه.فالكتاب حاكم،و المختلف فيه محكوم عليه، و الحاكم يجب أن يكون مغايرا للمحكوم عليه.
أمّا قوله تعالى: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ فالهاء الأولى راجعة إلى(الحقّ)،و الثّانية إلى (الكتاب)،و التّقدير:و ما اختلف في الحقّ إلاّ الّذين أوتوا الكتاب.ثمّ قال أكثر المفسّرين:المراد بهؤلاء:
اليهود و النّصارى،و اللّه تعالى كثيرا ما يذكرهم في القرآن بهذا اللّفظ،كقوله: وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ المائدة:5، قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ آل عمران:64.
ثمّ المراد باختلافهم يحتمل أن يكون هو تكفير بعضهم بعضا،كقوله تعالى: وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ البقرة:113.و يحتمل أن يكون اختلافهم تحريفهم و تبديلهم،فقوله: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ أي و ما اختلف في الحقّ إلاّ الّذين أوتوا الكتاب،مع أنّه كان المقصود من إنزال الكتاب أن لا يختلفوا،و أن يرفعوا المنازعة في الدّين.
و اعلم أنّ هذا يدلّ على أنّ الاختلاف في الحقّ لم يوجد إلاّ بعد بعثة الأنبياء و إنزال الكتب؛و ذلك يوجب أنّ قبل بعثهم ما كان الاختلاف في الحقّ حاصلا،بل كان الاتّفاق في الحقّ حاصلا،و هو يدلّ على أنّ قوله تعالى: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً معناه أمّة واحدة في دين الحقّ...(6:16)
البيضاويّ: فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ: في الحقّ الّذي اختلفوا فيه،أو فيما التبس عليهم، وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ: في الحقّ أو الكتاب... فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، أي للحقّ الّذي اختلف فيه من اختلف، مِنَ الْحَقِّ: بيان لما اختلفوا فيه.(1:113)
نحوه النّسفيّ(1:106)،و النّيسابوريّ(2:214)، و أبو السّعود(1:258)،و البروسويّ(1:329).
أبو حيّان : فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ (فيه)متعلّق ب اِخْتَلَفُوا، و«الهاء»عائدة على(ما)الموصولة، و المراد بها:الدّين و الإسلام،أي ليحكم بين النّاس في الدّين الّذي اختلفوا فيه بعد الاتّفاق.
قيل:و يحتمل أن يكون الّذي اختلفوا فيه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أو دينه،أو هما،أو كتابه.
وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ الضّمير من قوله:
وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ يعود على ما عاد عليه في(فيه) الأولى،و قد تقدّم أنّها عائدة على(ما).و شرح ما المعنيّ ب(ما)،أ هو الدّين،أو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أم دينه؟أم هما؟ أم كتابه؟
و الضّمير في(اوتوه)عائد إذ ذاك على ما عاد عليه الضّمير في(فيه).و قيل:الضّمير في(فيه)عائد على(الكتاب)،و(اوتوه)عائد أيضا على(الكتاب)، التّقدير:و ما اختلف في الكتاب إلاّ الّذين أوتوه،أي أوتوا الكتاب.
و قال الزّجّاج:الضّمير في(فيه)الثّانية يجوز أن
ص: 157
يعود على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أي و ما اختلف في النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ الّذين أوتوه،أي أوتوا علم نبوّته،فعلوا ذلك للبغي.
و على هذا يكون(الكتاب):التّوراة،و اَلَّذِينَ أُوتُوهُ: اليهود.
و قيل:الضّمير في(فيه)عائد على(ما اختلفوا فيه)من حكم التّوراة و القبلة و غيرهما.
و قيل:يعود الضّمير في(فيه)على عيسى صلّى اللّه على نبيّنا و عليه.
و قال مقاتل:الضّمير عائد على«الدّين»،أي و ما اختلف في الدّين،انتهى.
و الّذي يظهر من سياق الكلام و حسن التّركيب أنّ الضّمائر كلّها في(اوتوه)و(فيه)الأولى و الثّانية، يعود على(ما)،الموصولة،في قوله: فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، و أنّ الّذين اختلفوا فيه مفهومه كلّ شيء اختلفوا فيه،فمرجعه إلى اللّه،بيّنه بما نزّل في الكتاب، أو إلى(الكتاب)،إذ فيه جميع ما يحتاج إليه المكلّف،أو إلى النّبيّ يوضّحه بالكتاب على الأقوال الّتي سبقت في الفاعل،في قوله:(ليحكم.)[إلى أن قال:]
فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، اَلَّذِينَ آمَنُوا هم من آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، و الضّمير: فِيمَا اخْتَلَفُوا، عائد على الّذين أوتوه، أي لما اختلف فيه من اختلف،و مِنَ الْحَقِّ تبيين المختلف فيه،و(من)،تتعلّق بمحذوف،لأنّها في موضع الحال من(ما)،فتكون للتّبعيض.و يجوز أن تكون لبيان الجنس،على قول من يرى ذلك،التّقدير:لما اختلفوا فيه،الّذي هو الحقّ.و الأحسن أن يحمل المختلف فيه هنا على الدّين و الإسلام،و يدلّ عليه قراءة عبد اللّه: (لما اختلفوا فيه من الاسلام) .
و قد حمل هذا المختلف فيه على غير هذا،و في تعيينه خلاف.[و نقل الأقوال و قول ابن عطيّة،ثمّ قال:]
و هو حسن.و القلب عند أصحابنا يختصّ بضرورة الشّعر،فلا نخرّج كلام اللّه عليه.(2:136)
الآلوسيّ: فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ أي في الحقّ الّذي اختلفوا فيه بناء على أنّ وحدة الأمّة بالاتّفاق على الحقّ،و إذا فسّرت الوحدة بالاتّفاق على الجهالة و الكفر،يكون الاختلاف مجازا عن الالتباس و الاشتباه اللاّزم له،و المعنى:فيما التبس عليهم.
وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ أي في الحقّ،بأن أنكروه و عاندوه،أو في الكتاب المنزل متلبّسا به،بأن حرّفوه و أوّلوه بتأويلات زائغة،و الواو حاليّة.
إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ أي الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف و إزاحة الشّقاق،أي عكسوا الأمر؛حيث جعلوا ما أنزل مزيحا للاختلاف سببا لرسوخه و استحكامه.و بهذا يندفع السّؤال بأنّه لمّا لم يكن الاختلاف إلاّ من الّذين أوتوه،فالاختلاف لا يكون سابقا على البعثة.و حاصله:أنّ المراد هاهنا:استحكام الاختلاف و اشتداده... مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ أي رسخت في عقولهم الحجج الظّاهرة الدّالّة على الحقّ،و(من)متعلّقة ب(اختلفوا)محذوفا.[ثمّ بحث حول مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إلى أن قال:] فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ
ص: 158
اَلْحَقِّ بِإِذْنِهِ أي بأمره أو بتوفيقه و تيسيره،و(من) بيان ل(ما)،و المراد:للحقّ الّذي اختلف النّاس فيه، فالضّمير عامّ شامل للمختلفين السّابقين و اللاّحقين، و ليس راجعا إلى اَلَّذِينَ أُوتُوهُ كالضّمائر السّابقة.
و القرينة على ذلك عموم الهداية للمؤمنين السّابقين على اختلاف أهل الكتاب،و اللاّحقين بعد اختلافهم.[ثمّ أدام الكلام في نقل الأقوال](2:101)
رشيد رضا :الاتيان بهذه القضيّة بعد وصف الأنبياء بالمبشّرين المنذرين،يدلّ على أنّ التّبشير و الإنذار عمل يسبق إنزال الكتب و هو حقّ،لأنّ الأنبياء أوّل ما يبعثون ينبّهون قومهم إلى ما غفلوا عنه، و يحذّرونهم عاقبة ما يكونون فيه،من عادة سيّئة أو خلق قبيح أو عمل غير صالح،فإذا تهيّأت الأذهان لقبول ما بعد ذلك من تشريع الأحكام و تحديد الحدود،أنزل اللّه الكتب لبيان ما يريد حمل النّاس عليه،ممّا هو صالح لهم،على حسب استعدادهم.ثمّ في قوله: وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ و عود الضّمير على جميع النّبيّين ما يفيد أنّ اللّه أنزل مع كلّ نبيّ كتابا،معجزا كان أو غير معجز،طويلا كان أم قصيرا،دوّن و حفظ أم لم يدوّن و لم يحفظ،ليؤدّي من سلف إلى خلف
و قوله: لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ قرأ يزيد بضمّ الياء و فتح الكاف،و الباقون بفتح الياء و ضمّ الكاف، و هي الرّواية المشهورة المعروفة.
أمّا على رواية يزيد فالمعنى:أنّ اللّه أنزل الكتب مع النّبيّين بالحقّ،أي بيان ما يجب أن يعتقد به ممّا هو منطبق على الواقع،و بيان ما يجب أن يعمل به ممّا هو صالح لا مفسدة فيه،ليقع الحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه من الأمرين.
و الحاكم:هو المتولّي للفصل بين النّاس في الخصومات بالنّسبة إلى الأعمال،و المرشد إلى صحيح العقائد على مقتضى ما جاء في الكتاب النّازل بالحقّ، و المبيّن لما ينطبق على نصوصه من الأعمال الّتي يحكم فيها الحاكمون.
أمّا على القراءة المعروفة،فالحكم مسند إلى الكتاب نفسه،فالكتاب ذاته هو الّذي يفصل بين النّاس فيما اختلفوا فيه.و فيه نداء على الحاكمين بالكتاب أن يلزموا حكمه،و أن لا يعدلوا عنه إلى ما تسوّله الأنفس و تزيّنه الأهواء،فإنّ الكتاب نفسه هو الحاكم،و ليس الحاكم في الحقيقة سواه،و لو ساغ للنّاس أن يؤوّلوا نصّا من نصوص الكتب على حسب ما تنزع إليه عقولهم،بدون رجوع إلى بقيّة النّصوص و بناء التّأويل على ما يؤخذ من جميعها جملة،لما كان لإنزال الكتب فائدة،و لما كانت الكتب في الحقيقة حاكمة،بل تتحكّم الأهواء و تذهب النّفوس منازع شتّى،فينضمّ إلى الاختلاف في المنافع اختلاف آخر جديد،و هو الاختلاف في ضروب التّأويل،و بناء كلّ واحد حكما على ما نزع إليه،فتعود المصلحة مفسدة، و ينقلب الدّواء علّة،و لهذا ردّ اللّه تعالى الحكم إلى الكتاب نفسه لا إلى هوى الحاكم به،و قال: فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لأنّ الاختلاف كان تابعا لتلك الوحدة الّتي بيّنّاها،فكان كأنّه لازم لها،و هو كذلك كما يبيّنه تاريخ البشر و ما توارثوه عن أسلافهم.
ص: 159
و كما يقضي فيما اختلفوا فيه يقضي فيما يختلفون به من بعد،و نسبة الحكم إلى(الكتاب)هي كنسبة النّطق و الهدى و التّبشير إليه في قوله: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ الجاثية:29،و قوله: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الإسراء:9،و كنسبة القضاء إليه في قول الشّاعر:
ضربت عليك العنكبوت بنسجها
و قضى عليك به الكتاب المنزل
و السّرّ في التّجوّز هو ما ذكرت لك.و قد يعود الضّمير على(اللّه)،أي أنزل اللّه معهم الكتاب بالحقّ، ليحكم سبحانه بين النّاس فيما اختلفوا فيه،و هو يشعر كذلك بأنّ الحاكم يجب أن يكون هو اللّه دون آراء البشر و ظنونهم الّتي لا ترد إليه جلّ شانه.
وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.
و قد عرفت فيما سبق أنّ النّاس بحكم اشتراكهم في الأعمال و ضرورة اشتباكهم في المعاملات عرضة للاختلاف في الحقّ،لأنّ عقولهم وحدها ليست كافية في الهداية إليه،على الوجه الّذي يحفظ جامعتهم من الاضطراب،و يؤدّي بهم إلى السّعادة العظمى في المآب،فلا يصحّ بعد ذلك أن يعود الضّمير في(فيه)إلى (الحقّ)،فلا يقال:و ما اختلف في الحقّ إلاّ الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات،فإنّ الحقّ يختلف فيه النّاس قبل مجيء البيّنات الأولى.و لا أعجب ممّا ذكره بعض المفسّرين من أنّ النّصّ في الآية دليل على أنّ النّاس لم يكن منهم اختلاف في الحقّ إلاّ بعد بعثة الأنبياء و إرسال الرّسل و إنزال الكتب،أمّا فيما قبل ذلك فكانوا متّفقين على الحقّ،فكأنّ رذيلة الاختلاف و التّفرّق لم تقع في العالم الإنسانيّ إلاّ ببعثة الرّسل، و القول بمثله من أغرب ما ينسب إلى صاحب دين ما، فما بالك به إذا صدر عن مسلم؟
و الحقّ أنّ الضّمير في قوله: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ يعود إلى(الكتاب)و هو استدراك على ما عساه، يقال:إذا كان النّاس في جامعتهم مستعدّين للتّخالف بمقتضى فطرتهم،إذا تركت وحدها،و لا غنى لهم عن هداية تعليميّة تأتيهم من اللّه تعالى،و لهذا بعث الأنبياء ليكونوا قوّادا للفكرة إلى ما هو خير الدّنيا و الآخرة.
فما بال النّاس بعد إنزال الكتب لا يزالون مختلفين، و لا يرتفع من بينهم ذلك الخلاف الّذي كان يخشى منه إفساد جماعتهم و هلاك خاصّتهم؟!فقد كانوا يختلفون على جلب المنافع و التّوسّع في مطالب الشّهوات، و لم تكن لديهم في ذلك آلة يستعملها كلّ منهم في نيل مطلبه من صاحبه سوى القوّة أو الحيلة.
و بعد إنزال الكتب قد انضمّ إلى تلك الآلات آلة أخرى ربّما كانت أقوى من سواها،و هي آلة الإقناع بالكتاب،فيتّخذ الواحد منهم كلمة من الكتاب أو أثرا ممّا جاء به،وسيلة إلى تسخير غيره لما يريد،و ذلك بقطع الكلمة أو الأثر عن بقيّة ما جاء بالكتاب و الآثار الأخر،وليّ اللّسان به و تأويله بغير ما قصد منه،و ما همّ المؤوّل أن يعمل بالكتاب،و إنّما كلّ ما يقصد هو أن يصل إلى مطلب لشهوته،أو عضد لسطوته،سواء عليه هدمت أحكام اللّه أم قامت،
ص: 160
و اعوجّت السّبيل أم استقامت.
ثمّ يأتي ضالّ آخر يريد أن ينال من هذا ما نال هذا من غيره،فيحرّف فيؤوّل حتّى يجد المخدوعين بقوله، و يتّخذهم عونا على ذلك الخادع الأوّل،فيقع الخلاف و الاضطراب،و آلة المختلفين في ذلك هي الكتاب.
و قد شوهد ذلك في الأزمان الغابرة بين اليهود و بين من سبقهم،و بين النّصاري،و لا يزال الأمر على ما كان عليه عند هاتين الطّائفتين إلى اليوم.و كم حروب وقعت بين المسلمين أنفسهم حتّى قصمت ظهورهم،و دمّرت ما كان قواهم،و ما كان آلة المبطلين في تلك المشاغب إلاّ دعوى الدّين،و حمل النّاس على الحقّ المبين.و اللّه يعلم إنّهم لكاذبون فيما يقولون،و إنّهم لخاطئون فيما يفعلون،و ما كلمة الدّين و دعوى تأييد الكتاب إلاّ وسائل لإرضاء الشّهوة و تمكين الظّالم من السّطوة.
ثمّ هناك داع آخر للخلاف،و هو اختلاف القوم في فهم ما جاء في الكتاب،فكلّ يذهب إلى أنّ الواجب أن يعتقد كذا،و ربّما كان حسن النّيّة فيما يقول،و يعدّ المخالف مخطئا فيما يزعم،و قد يعرض لكلّ منهم التّعصّب لرأيه فيذهب حسن النّيّة و لا يبقى الاّ الميل إلى تأييد المذهب،و تقرير المشرب،بدون رعاية للدّليل،و لا نظر إلى البرهان.فلم يستفد النّوع الإنسانيّ من إرسال الرّسل و نزول الكتب إلاّ حدوث سبب جديد للخلاف لم يكن،و إلاّ موضوعا للشّقاق كان العالم في سلامة منه،فما فائدة إرسال الرّسل، و كيف يمنّ اللّه على النّاس بأمر لم يزدهم إلاّ شقاء، و لم يكسب بصائرهم إلاّ عماء؟
أراد اللّه جلّ شأنه أن يستدرك على هذا الظّنّ و يبيّن وجه الخطإ فيه،فقال: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ....
و حاصل الاستدراك أنّ غرائز البشر وحدها ليست كافية في توجيه أعمالهم إلى ما فيه صلاحهم، فلا بدّ لهم من هداية أخرى تعليميّة تتّفق مع القوّة المميّزة لنوعهم،و هي قوّة الفكر و النّظر،تلك الهداية التّعليميّة هي هداية الرّسل منهم،و الكتب الّتي ينزلها اللّه عليهم،مع الأدلّة القائمة على عصمة الرّسل من الكذب،و عصمة الكتب من الخطإ.فعلى النّاس أن يستعملوا عقولهم في فهم الأدلّة على الرّسالة و العصمة أوّلا،و سطوع الأدلّة يحمل المستعدّين منهم على التّصديق حتما،فإذا عقلوا ما جاءت به الرّسل وجب عليهم أن يقوموا عليه،و لا يعدلوا بعمل من أعمالهم عنه،ذلك كما وهب لهم السّمع و البصر، ليهتدوا بهما إلى ما يوفّر لهم الفوائد،و يدفع عنهم الغوائل،و يتّقوا بهما الوقوع في المكاره،و كما وهب لهم العقل ليهتدوا به فيما يتبع الأعمال من العواقب.
و إنّما عليهم أن ينظروا في فهم الأحكام الإلهيّة إلى جملتها و مجموع ما تفرّق منها،لا يقصرون نظرهم على بعض و يغضّون بصرهم عن بعض آخر،ثمّ عليهم أن يقفوا على حكمة اللّه في تشريع شريعته،و وضع ما قرّره من الأحكام فيها؛بحيث لا يحيدون عن تلك الحكمة الّتي أشارت إليها كتبه،بل صرّحت بها نصوصها،لا يمنة و لا يسرة،حتّى يتمّ لهم الاهتداء بها.
فإنّ الغفلة عن حكمة العمل غفلة عن فائدته،و الغفلة
ص: 161
عن فائدته انصراف عن روحه الّتي لا يقوم إلاّ بها،غير أنّ عامّة الخاطئين لا يمكنهم أن يصلوا إلى كلّ ذلك بأفهامهم على قصرها،و إنّما ذلك فرض على الخاصّة الّذين قدّمهم الرّسل للنّيابة عنهم،و هؤلاء هم الّذين أوتوه،و أعطاهم اللّه الكتاب على أن يقرّروا ما فيه،و يراقبوا انطباق سير العامّة عليه،و لذلك قال: مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ.
و في آيات أخرى أنّ اختلافهم من بعد ما جاءهم العلم.(البينات)هي الدّلائل القائمة على عصمة الكتاب من وصمة إثارة الخلاف،و على أنّه ما جاء إلاّ لإسعاد النّاس و التّوفيق بينهم،لا لإشقائهم و تمزيق شملهم،و على أنّ الحكمة الإلهيّة فيه راجعة إلى جميع ما جاء به،فلا بدّ أن يكون فهم كلّ جزء منه مرتبطا بفهم بقيّة أجزائه،و على أنّ دعوة الرّسول الّذي جاء به إنّما كانت إلى جملته،لا إلى الأنقاض المتفرّقة منه، و قال:إنّ هذا الاختلاف الّذي وقع منهم لم يكن إلاّ بغيا بينهم،و تعدّيا لحدود الشّريعة الّتي أقامها حواجز بين النّاس و الخلاف داعية البغي.
إنّ الحبر أو الكاهن أو العالم أو الرّئيس أو أيّ واحد ممّن تسمّيه من أهل النّظر في الدّين القائمين عليه،الّذين ينوبون عن الرّسل في حفظه و الدّعوة إلى صيانته،الواحد من هؤلاء يرى الرّأي و يفهم الفهم و يأخذ الحكم من نصّ يقف عنده ذهنه،أو أثر يصل إليه،و ربّما لم يكن وصل إليه ما هو أصحّ منه.و آخر يرى غير ما يرى،و يزعم وصول أثر غير الّذي وصل إلى صاحبه،فكان اتّباع الكتاب يقضي عليهما بالاجتماع و التّمحيص و تخليص النّفس من كلّ هوى،سوى الميل إلى تقرير الحقّ و تطبيق الواقعة عليه،و لو لم يتيسّر لهما ذلك وجب على من يأتي بعدهما ما كان يجب عليهما،حتّى يستمرّ الاتّفاق بين هؤلاء الخاصّة،و يسود بهم بين العامّة.
لكن قد يشوب طلب الحقّ شيء من الرّغبة في عزّة الرّئاسة،أو ميل مع أربابها أو خوف منهم،أو شهوة خفيّة في منفعة أخري،فيلج ذلك بصاحب الرّأي حتّى يكون شقاق،و يحدث افتراق.و لا ريب أنّ هذا الشّوب و إن كان قد يكون غير ملحوظ لصاحبه بل دخل على نفسه من حيث لا يشعر،فهو من البغي على حقّ اللّه في عباده أوّلا،و البغي على حقوق العباد الّذين جاء الكتاب لتعزيز الوفاق بينهم ثانيا.
و أمّا العامّة من النّاس فلا جريمة لهم في هذا، و لذلك جاء بالحصر في قوله: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فإذا كان الرّؤساء قد جنوا هذه الجناية على أنفسهم و على النّاس بسبب البغي الخاصّ بهم،فهل هذا يقدح في هداية الكتاب إلى ما يتّفق النّاس عليه من الحقّ،و يرتفع به النّزاع فيما بينهم؟كلاّ،فقد رأينا كلّ دين في بدء نشأته يقرّب البعيد و يجمع المتشتّت و يلمّ الشّعث و يمحق أسباب الخلاف من النّفوس، و يقرّر بين الآخذين به أخوّة لا تدانيها أخوّة النّسب في شيء.
و هل يؤثر الأخ في النّسب أخاه بماله علي نفسه و هو في أشدّ الحاجة إليه،كما كان يفعل أولئك الّذين
ص: 162
يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة؟و هل يبذل الأخ النّسبيّ روحه دون أخيه و يؤثره بالحياة على نفسه كما آثره بالمال،كما كان يقع من أولئك الأبطال؟هذا شأن الدّين و هو باق على أصله،معروف بحقيقته لأهله،تبيّنه للنّاس رؤساءه،و يمشي بنوره فيهم علماؤه،لا خلاف و لا اعتساف،و لا طرق و لا مشارب،و لا منازعات في الدّين و لا مشاغب.
هذا هو الدّين الإلهيّ الّذي قدّر اللّه أن يكون هداية للبشر فوق الهدايات الّتي وهبها لهم من الحواسّ و العقول،فإذا لم يهتد بها الّذين أوتوها و هم علماء الدّين،و بغوا بالتّأويل،و كثرة القال و القيل،فهل يمسّ ذلك جانبها بعيب؟ما ذا يقول القائل في أولئك الّذين يؤتيهم اللّه العقل ثمّ لا يستعملونه فيما أوتي لأجله؟هل تنقص حالهم هذه من منزلة العقل،و تدلّ على أنّ العقل ليس من نعم اللّه على الإنسان؟ما ذا يقول القائل في أولئك الّذين لهم أبصار و أسماع و لكن يخبط الواحد منهم في سيره،فلا يستعمل بصره في معرفة الطّريق الّتي يسير فيها،أو في وقاية رجليه من الشّوك الواقع عليها،أو التّباعد عن حفرة يتردّى فيها.
و ربّما كانت نظرة واحدة تقيه من التّهلكة لو وجّهها نحوها.و قد يسمع من الأصوات الّتي تنذره بالخطر القريب منه،ثمّ لا يبالي بما يسمع،حتّى يصيبه ما ليس له مدفع.فهل تحطّ حال هؤلاء النّاس من قيمة السّمع و البصر؟(2:283)
ابن عاشور :... وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ...
لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ عطف على جملة أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، لبيان حقيقة أخرى من أحوال اختلاف الأمم،و هو الاختلاف بين أهل الكتاب بعضهم مع بعض،و بين أهل الكتاب الواحد مع تلقّيهم دينا واحدا.و المعنى و أنزل معهم الكتاب بالحقّ فاختلف فيه،كما قال تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ هود:110.و المعنى:و ما اختلف فيه إلاّ أقوامهم الّذين أوتوا كتبهم،فاستغنى بجملة القصر عن الجملة الأخرى،لتضمّن جملة القصر إثباتا و نفيا.فاللّه بعث الرّسل لإبطال الضّلال الحاصل من جهل البشر بصلاحهم،فجاءت الرّسل بالهدى، اتّبعهم من اتّبعهم فاهتدى،و أعرض عنهم من أعرض فبقي في ضلالة،فإرسال الرّسل لإبطال الاختلاف بين الحقّ و الباطل،ثمّ أحدث أتباع الرّسل بعدهم اختلافا آخر،و هو اختلاف كلّ قوم في نفس شريعتهم.و المقصود من هذا بيان:عجيب حال البشر في تسرّعهم إلى الضّلال،و هي حقيقة تاريخيّة من تاريخ الشّرائع، و تحذير المسلمين من الوقوع في مثل ذلك.
و التّعريض بأهل الكتاب،و هم أشهر أهل الشّرائع يومئذ فيما صنعوا بكتبهم من الاختلاف فيها، و هذا من بديع استطراد القرآن في توبيخ أهل الكتاب و خاصّة اليهود،و هي طريقة عربيّة بليغة.[و استشهد بشعر زهير و فرزدق ثمّ قال:
و الضّمير من قوله:(فيه)يجوز أن يعود إلى (الكتاب)و أن يعود إلى(الحقّ)الّذي تضمّنه الكتاب.
و المعنى على التّقديرين واحد،لأنّ الكتاب أنزل ملابسا للحقّ و مصاحبا له،فإذا اختلف في الكتاب
ص: 163
اختلف في الحقّ الّذي فيه،و بالعكس على طريقة قياس المساواة في المنطق.
و الاختلاف في الكتاب:ذهاب كلّ فريق في تحريف المراد منه مذهبا يخالف مذهب الآخر في أصول الشّرع لا في الفروع،فإنّ الاختلاف في أصوله يعطّل المقصود منه.
و جيء بالموصول دون غيره من المعرّفات لما في الصّلة من الأمر العجيب،و هو أن يكون المختلفون في مقصد الكتاب هم الّذين أعطوا الكتاب ليزيلوا به الخلاف بين النّاس،فأصبحوا هم سبب خلاف فيه، و لا شكّ أنّ ذلك يبطل المراد منه.
و المعنى:تشنيع حال الّذين أوتوه بأن كانوا أسوأ حالا من المختلفين في الحقّ قبل مجيء الشّرائع،لأنّ أولئك لهم بعض العذر بخلاف الّذين اختلفوا،بعد كون الكتاب بأيديهم.[إلى أن قال:]
و الضّمير في(اختلفوا)عائد للمختلفين كلّهم، سواء الّذين اختلفوا في الحقّ قبل مجيء الرّسل، و الّذين اختلفوا في الشّرائع بعد مجيء الرّسل و البيّنات،و لذلك بيّنه بقوله: مِنَ الْحَقِّ، و هو الحقّ الّذي تقدّم ذكره في قوله: وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ. اختلاف الفريقين راجع إلى الاختلاف في تعيين الحقّ:إمّا عن جهل،أو عن حسد و بغي.
(2:292-295)
الطّباطبائيّ: الآية تبيّن السّبب في تشريع أصل الدّين،و تكليف النّوع الإنسانيّ به،و سبب وقوع الاختلاف فيه،ببيان أنّ الإنسان و هو نوع مفطور على الاجتماع و التّعاون،كان في أوّل اجتماعه أمّة واحدة، ثمّ ظهر فيه-بحسب الفطرة-الاختلاف في اقتناء المزايا الحيويّة،فاستدعى ذلك وضع قوانين ترفع الاختلافات الطّارئة،و المشاجرات في لوازم الحياة، فألبست القوانين الموضوعة لباس الدّين،و شفّعت بالتّبشير و الإنذار-بالثّواب و العقاب-و أصلحت بالعبادات المندوبة إليها ببعث النّبيّين،و إرسال المرسلين.
ثمّ اختلفوا في معارف الدّين أو أمور المبدإ و المعاد، فاختلّ بذلك أمر الوحدة الدّينيّة،و ظهرت الشّعوب و الأحزاب،و تبع ذلك الاختلاف في غيره،و لم يكن هذا الاختلاف الثّاني إلاّ بغيا من الّذين أوتوا الكتاب، و ظلما و عتوّا منهم بعد ما تبيّن لهم أصوله و معارفه، و تمّت عليهم الحجّة.فالاختلاف اختلافان:اختلاف في أمر الدّين مستند إلى بغي الباغين دون فطرتهم و غريزتهم،و اختلاف في أمر الدّنيا،و هو فطريّ و سبب لتشريع الدّين،ثمّ هدى اللّه سبحانه المؤمنين إلى الحقّ المختلف فيه بإذنه،و اللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.(2:111)
مكارم الشّيرازيّ: تبدأ هذه الآية ببيان مراحل الحياة البشريّة،و كيفيّة ظهور الدّين لإصلاح المجتمع بواسطة الأنبياء؛و ذلك على مراحل:
المرحلة الأولى:مرحلة حياة الإنسان الابتدائيّة؛ حيث لم يكن الإنسان قد ألف الحياة الاجتماعيّة، و لم تبرز في حياته التّناقضات و الاختلافات،و كان يعبد اللّه تعالى استجابة لنداء الفطرة،و يؤدّي له
ص: 164
فرائضه البسيطة.و هذه المرحلة يحتمل أن تكون في الفترة الفاصلة بين آدم و نوح عليهما السّلام.
المرحلة الثّانية:و فيها اتّخذت حياة الإنسان شكلا اجتماعيّا،و لا بدّ أن يحدث ذلك،لأنّه مفطور على التّكامل.و هذا لا يتحقّق إلاّ في الحياة الاجتماعيّة.
المرحلة الثّالثة:هي مرحلة التّناقضات و الاصطدامات الحتميّة بين أفراد المجتمع البشريّ،بعد استحكام و ظهور الحياة الاجتماعيّة.و هذه الاختلافات سواء كانت من حيث الإيمان و العقيدة، أو من حيث العمل و تعيين حقوق الأفراد و الجماعات.تحتّم وجود قوانين لرعاية و حلّ هذه الاختلافات،و من هنا نشأت الحاجة الماسّة إلى تعاليم الأنبياء و هدايتهم.
المرحلة الرّابعة:و تتميّز ببعث اللّه تعالى الأنبياء لإنقاذ النّاس؛حيث تقول الآية: فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ.
فمع الالتفات إلى تبشير الأنبياء و إنذارهم يتوجّه الإنسان إلى المبدإ و المعاد،و يشعر أنّ وراءه جزاء على أعماله،فيحسّ أنّ مصيره مرتبط مباشرة بتعاليم الأنبياء،و ما ورد في الكتب السّماويّة من الأحكام و القوانين الإلهيّة،لحلّ التّناقضات و النّزاعات المختلفة بين أفراد البشر،لذلك تقول الآية: وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
المرحلة الخامسة:هي التّمسّك بتعاليم الأنبياء، و ما ورد في كتبهم السّماويّة لإطفاء نار الخلافات و النّزاعات المتنوّعة«الاختلافات الفكريّة و العقائديّة و الاجتماعيّة و الأخلاقيّة».
المرحلة السّادسة:و استمرّ الوضع على هذا الحال حتّى نفذت فيهم الوساوس الشّيطانيّة،و تحرّكت في أنفسهم الأهواء النّفسانيّة،فأخذت طائفة منهم بتفسير تعليمات الأنبياء و الكتب السّماويّة بشكل خاطئ و تطبيقها على مرادهم،و بذلك رفعوا علم الاختلاف مرّة ثانية.و لكن هذا الاختلاف يختلف عن الاختلاف السّابق،لأنّ الأوّل كان ناشئا عن الجهل و عدم الاطّلاع؛حيث زال و انتهى ببعث الأنبياء و نزول الكتب السّماويّة،في حين أنّ منبع الاختلافات الثّانية هو العناد و الانحراف عن الحقّ،مع سبق الإصرار و العلم،و بكلمة:«البغي».و بهذا تقول الآية بعد ذلك:
وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.
المرحلة السّابعة:الآية الكريمة بعد ذلك تقسّم النّاس إلى قسمين:القسم الأوّل:المؤمنون الّذين ينتهجون طريق الحقّ و الهداية،و يتغلّبون على كلّ الاختلافات بالاستنارة بالكتب السّماويّة و تعليم الأنبياء،فتقول الآية: فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ في حين أنّ الفاسقين و المعاندين ماكثون في الضّلالة و الاختلاف.(2:56)
فضل اللّه :[نقل كلام الطّباطبائيّ و قال:]
و يفسّر السّيّد الطّباطبائيّ الاختلاف الأوّل على أنّه كان في شئون الدّنيا،على أساس اقتناء المزايا الحيويّة في ذاته،من خلال حركة القوّة و الضّعف الّتي
ص: 165
تقود إلى الاختلاف و الانحراف،عمّا يقتضيه الاجتماع الصّالح من العدل الاجتماعيّ،فيستفيد القويّ من الضّعيف أكثر ممّا يفيده،و ينتفع الغالب من المغلوب من غير أن ينفعه.و يقابله الضّعيف المغلوب- ما دام ضعيفا مغلوبا-بالحيلة و المكيدة و الخديعة،فإذا قوي و غلب قابل ظالمه بأشدّ الانتقام،فكان بروز الاختلاف مؤدّيا إلى الهرج و المرج،و داعيا إلى هلاك الإنسانيّة،و فناء النّظرة،و بطلان السّعادة.
و خلاصة ذلك:أنّ المراد من الاختلاف الأوّل هو الاختلاف الواقعيّ،بينما يمثّل الاختلاف الثّاني الاختلاف الفكريّ،أو ما يشبه ذلك،و أنّ الأوّل تفرضه طبيعة حركة الفطرة في انفتاح الإنسان على ذاتيّاته،بينما ينطلق الثّاني من البغي الّذي يختلف فيه النّاس حول الكتاب.
و نلاحظ على ذلك،أنّ اختلاف النّاس في الواقع في موازين القوّة و الضّعف لم يكن منطلقا من الغريزة العمياء،بل من القيم المتّفق عليها فيما بينهم،و المفاهيم المزروعة في داخلهم،النّاشئة من الضّبابيّة الفكريّة في إيحاءات الفطرة،و من التّنوّع في التّجربة الإنسانيّة في هذا الموقع أو ذاك.
فهناك فريق من النّاس يتحرّك في حياته من ناحية القيمة الأخلاقيّة القائمة على احترام الإنسان و حقّه في الحياة،و في الحصول على النّتائج الإيجابيّة من خلال جهده،و هناك فريق آخر يرى ضرورة حصول النّاس على النّتائج الإيجابيّة أو السّلبيّة بشكل متساو، و إن كان جهدهم مختلفا،و هناك النّاس الّذين لا يؤمنون باللّه أو يشركون بعبادته غيره،و هناك النّاس الّذين يلتزمون الخطّ الإيمانيّ التّوحيديّ.
(4:148)
و لاحظ أم م«امّة واحدة»فهناك بحث طويل في كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً.
2- إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ.
آل عمران:19
الرّبيع:إنّ موسى عليه السّلام لمّا حضرته الوفاة دعا سبعين حبرا من أحبار بني إسرائيل،و استودعهم التّوراة،و جعلهم أمناء عليها،و استخلف يوشع بن نون.فلمّا مضى القرن الأوّل و الثّاني و الثّالث وقعت الفرقة بينهم،و هم الّذين أوتوا الكتاب من أبناء أولئك السّبعين،حتّى أوقعوا بينهم الدّماء،و وقع الشّرّ و الاختلاف.(الثّعلبيّ 3:34)
الكلبيّ: نزلت في يهوديّين،تركوا اسم الإسلام و تسمّوا باليهوديّة و النّصرانيّة،قال اللّه تعالى: وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.... (الثّعلبيّ 3:35)
الزّبير:نزلت هذه الآية في نصارى نجران، و معناها: وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ هو الإنجيل في أمر عيسى عليه السّلام،و[ما]فرّقوا القول فيه إلاّ من بعد ما جاءهم العلم،بأنّ اللّه واحد،و أنّ عيسى عبده و رسوله.(الثّعلبيّ 3:35)
الثّعلبيّ: ..و قال بعضهم:أراد وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ
ص: 166
أُوتُوا الْكِتابَ: في نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ من بعد ما جاءهم العلم،يعني بيان نعته و صفته في كتبهم.(3:35)
الماورديّ: فيما اختلفوا ثلاثة أقاويل:
أحدها:في أديانهم بعد العلم بصحّتها.
و الثّاني:في عيسى و ما قالوه فيه من غلوّ و إسراف.
و الثّالث:في دين الإسلام.(1:380)
الواحديّ: لم تختلف اليهود في صدق نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم لما كانوا يجدونه في كتابهم من نعته، إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ، يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و سمّي علما،لأنّه كان معلوما عندهم.
و المعنى:أنّهم كانوا يصدّقونه بنعته و صفته قبل بعثه،فلمّا جاءهم اختلفوا،فآمن بعضهم و كفر آخرون،فقالوا:لست الّذي وعدنا به،كقوله: فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ البقرة:89.(1:423)
نحوه الطّبرسيّ.(1:421)
الزّمخشريّ: اختلافهم أنّهم تركوا الإسلام، و هو التّوحيد و العدل مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ أنّه الحقّ الّذي لا محيد عنه،فثلّثت النّصارى،و قالت اليهود:عزير ابن اللّه،و قالوا كنّا أحقّ بأن تكون النّبوّة فينا من قريش،لأنّهم أمّيّون و نحن أهل الكتاب، و هذا تجويز للّه...
و قيل:هو اختلافهم في نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،حيث آمن به بعض و كفر به بعض.
و قيل:هو اختلافهم في الإيمان بالأنبياء،فمنهم من آمن بموسى،و منهم من آمن بعيسى...
و قيل:هم النّصارى،و اختلافهم في أمر عيسى بعد ما جاءهم العلم أنّه عبد اللّه و رسوله.(1:419)
نحوه النّسفيّ ملخّصا.(1:149)
ابن الجوزيّ: [نحو الماورديّ إلاّ أنّه قال:]
و الرّابع:نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و قد عرفوا صفته.
(1:363)
نحوه الفخر الرّازيّ(7:223)،و النّيسابوريّ(3:
153).
البيضاويّ: وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من اليهود و النّصارى،أو من أرباب الكتب المتقدّمة في دين الإسلام،فقال قوم:إنّه حقّ،و قال قوم:إنّه مخصوص بالعرب،و نفاه آخرون مطلقا،أو في التّوحيد،فثلّثت النّصارى،و قالت اليهود:عزير ابن اللّه،و قيل:هم قوم موسى اختلفوا بعده،و قيل:هم النّصارى اختلفوا في أمر عيسى عليه السّلام.(1:153)
نحوه الشّربينيّ(1:203)،و شبّر(1:304).
أبو حيّان :[نقل الأقوال في ذلك ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]
و الّذي يظهر أنّ اللّفظ عامّ في الّذين أوتوا الكتاب،و أنّ المختلف فيه هو الإسلام،لأنّه تعالى قرّر أنّ الدّين هو الإسلام،ثمّ قال: وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي في الإسلام،حتّى تنكّبوه إلى غيره من الأديان.(2:410)
نحوه الآلوسيّ.(3:107)
أبو السّعود :نزلت في اليهود و النّصارى حين تركوا الإسلام الّذي جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و أنكروا نبوّته.
ص: 167
و التّعبير عنهم بالموصول و جعل إيتاء الكتاب صلة، لزيادة تقبيح حالهم،فإنّ الاختلاف ممّن أوتي ما يزيله و يقطع شأفته في غاية القبح و السّماجة.(1:348)
المراغيّ: أي ما خرج أهل الكتاب من الإسلام الّذي جاء به أنبياؤهم،و صاروا مذاهب و شيعا يقتتلون في الدّين،و الدّين واحد لا مجال فيه للاختلاف و الاقتتال،إلاّ بسبب البغي و تجاوز الحدود من الرّؤساء،و لو لا بغيهم و نصرهم مذهبا على مذهب،و تضليلهم من خالفهم،بتفسيرهم نصوص الدّين بالرّأي و الهوى،و تأويل بعضه أو تحريفه،لما حدث هذا الاختلاف.(3:120)
ابن عاشور :عطف وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ على قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ للإخبار عن حال أهل الكتاب من سوء تلقّيهم لدين الإسلام،و من سوء فهمهم في دينهم.
و جيء في هذا الإخبار بطريقة مؤذنة بورود سؤال؛إذ قد جيء بصيغة الحصر،لبيان سبب اختلافهم،و كأنّ اختلافهم أمر معلوم للسّامع.و هذا أسلوب عجيب في الإخبار عن حالهم إخبارا يتضمّن بيان سببه،و إبطال ما يتراءى من الأسباب غير ذلك، مع إظهار المقابلة بين حال الدّين الّذي هم عليه يومئذ من الاختلاف،و بين سلامة الإسلام من ذلك...
و قد جاءت الآية على نظم عجيب يشتمل على معان:
منها:التّحذير من الاختلاف في الدّين،أي في أصوله،و وجوب تطلّب المعاني الّتي لا تناقض مقصد الدّين،عبرة بما طرأ على أهل الكتاب من الاختلاف.
و منها:التّنبيه على أنّ اختلاف أهل الكتاب حصل مع قيام أسباب العلم بالحقّ،فهو تعريض بأنّهم أساءوا فهم الدّين.
و منها:الإشارة إلى أنّ الاختلاف الحاصل في أهل الكتاب نوعان:
أحدهما:اختلاف كلّ أمّة مع الأخرى في صحّة دينها،كما قال تعالى: وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ البقرة:113.
و ثانيهما:اختلاف كلّ أمّة منهما فيما بينها، و افتراقها فرقا متباينة المنازع،كما جاء في الحديث:
«اختلفت اليهود على اثنتين و سبعين فرقة»،يحذّر المسلمين ممّا صنعوا.
و منها:أنّ اختلافهم ناشئ عن بغي بعضهم على بعض.
و منها:أنّهم أجمعوا على مخالفة الإسلام و الإعراض عنه بغيا منهم و حسدا،مع ظهور أحقّيّته عند علمائهم و أحبارهم،كما قال تعالى: اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ* اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ البقرة:146،147، و قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ البقرة:109،أي أعرضوا عن
ص: 168
الإسلام،و صمّموا على البقاء على دينهم،و ودّوا لو يردّونكم إلى الشّرك أو إلى متابعة دينهم،حسدا على ما جاءكم من الهدى،بعد أن تبيّن لهم أنّه الحقّ.
و لأجل أن يسمح نظم الآية بهذه المعاني،حذف متعلّق الاختلاف في قوله: اِخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ليشمل كلّ اختلاف منهم:من مخالفة بعضهم بعضا في الدّين الواحد،و مخالفة أهل كلّ دين لأهل الدّين الآخر،و مخالفة جميعهم للمسلمين في صحّة الدّين.
و حذف متعلّق(العلم)في قوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ لذلك.
و جعل(بغيا)عقب قوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ ليتنازعه كلّ من فعل(اختلف)و من لفظ (العلم.)
و أخّر(بينهم)عن جميع ما يصلح للتّعليق به، ليتنازعه كلّ من فعل(اختلف)و فعل(جاءهم) و لفظ(العلم)و لفظ(بغيا.)
و بذلك تعلم أنّ معنى هذه الآية أوسع معاني من معاني قوله تعالى: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ في سورة البقرة:213،و قوله: وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ في سورة البيّنة:4،كما ذكرناه في ذينك الموضعين لاختلاف المقامين.
فاختلاف اَلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يشمل اختلافهم فيما بينهم،أي اختلاف أهل كلّ ملّة في أمور دينها،و هذا هو الّذي تشعر بها صيغة(اختلف) كاختلاف اليهود بعد موسى غير مرّة،و اختلافهم بعد سليمان إلى مملكتين:مملكة إسرائيل،و مملكة يهوذا، و كيف صار لكلّ مملكة من المملكتين تديّن يخالف تديّن الأخرى.و كذلك اختلاف النّصارى في شأن المسيح،و في رسوم الدّين.و يكون قوله:(بينهم) حالا ل(بغيا:)أي بغيا متفشّيا بينهم،بأن بغى كلّ فريق على الآخر.
و يشمل أيضا الاختلاف بينهم في أمر الإسلام؛إذ قال قائل منهم:هو حقّ،و قال فريق:هو مرسل إلى الأمّيّين،و كفر فريق،و نافق فريق.و هذا الوجه أوفى مناسبة بقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ، و يكون قوله:(بينهم)على هذا وصفا ل(بغيا،) أي بغيا واقعا بينهم.
و مجيء العلم هو الوحي الّذي جاءت به رسلهم و أنبياؤهم،لأنّ كلمة(جاء)مؤذنة بعلم متلقّى من اللّه تعالى،يعني أنّ العلم الّذي جاءهم كان من شأنه أن يصدّهم عن الاختلاف في المراد،إلاّ أنّهم أساءوا فكانوا على خلاف مراد اللّه من إرسال الهدى.(3:53)
مغنيّة:قيل:المراد بأهل الكتاب هنا:اليهود، و قيل:بل النّصارى،و قيل:هما معا،و هو الصّواب، لأنّ اللّفظ عامّ،و لا دليل على التّخصيص.و يؤيّد العموم أنّ اللّه سبحانه أشار إلى اختلاف النّصارى بعضهم مع بعض في الآية:14،من سورة المائدة:
وَ مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ. و أشار إلى اختلاف اليهود في الآية:64،
ص: 169
من السّورة المذكورة: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ - إلى قوله - وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ. (2:28)
3- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ. مريم:37
ابن عبّاس: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ: الكفّار، مِنْ بَيْنِهِمْ: فيما بينهم،فقال بعضهم:هو اللّه،و قال بعضهم:هو ابن اللّه،و قال بعضهم:هو شريكه.(256)
قتادة :إنّ بني إسرائيل جمعوا من أنفسهم أربعة أحبار غاية في المكانة و الجلالة عندهم،و طلبوهم بأن يبيّنوا أمر عيسى،فقال أحدهم:عيسى هو اللّه نزل إلى الأرض،فأحيا من أحيا و أمات ثمّ صعد،فقال له الثّلاثة:كذبت،و أتبعه اليعقوبيّة،ثمّ قيل للثّلاثة،فقال أحدهم:عيسى ابن اللّه،فقال له الاثنان:كذبت، و أتبعه النّسطوريّة،ثمّ قيل للاثنين،فقال أحدهم:
عيسى أحد ثلاثة:اللّه إله،و مريم إله،و عيسى إله، فقال له الرّابع:كذبت،و أتبعه الإسرائيليّة،فقيل للرّابع،فقال:عيسى عبد اللّه و كلمته ألقاها إلى مريم، فاتّبع كلّ واحد من الأربعة فريق من بني إسرائيل،ثمّ اقتتلوا،فغلب المؤمنون و قتلوا،و ظهرت اليعقوبيّة على الجميع.(ابن عطيّة 4:16)
نحوه النّسفيّ(3:35)،و المراغيّ(16:51).
الثّعلبيّ: يعني النّصارى،و إنّما سمّوا أحزابا، لأنّهم تجزّءوا ثلاث فرق في أمر عيسى:النّسطوريّة، و الملكانيّة،و اليعقوبيّة.(6:216)
مثله البغويّ.(3:233)
الطّوسيّ: و قوله: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فالاختلاف في المذهب،هو أن يعتقد كلّ قوم خلاف ما يعتقده الآخرون...
و المعنى في الآية:اختلف الأحزاب من أهل الكتاب في عيسى عليه السّلام.فقال قتادة و مجاهد:قال قوم:
هو اللّه،و هم اليعقوبيّة.و قال آخرون:هو ابن اللّه،و هم النّسطوريّة.و قال قوم:هو ثالث ثلاثة،و هم الإسرائيليّة.و قال قوم:هو عبد اللّه،و هم المسلمون.
(7:126)
ابن عطيّة: هذا ابتداء خبر من اللّه تعالى لمحمّد عليه السّلام بأنّ بني إسرائيل اختلفوا أحزابا،أي فرقا.
و قوله: مِنْ بَيْنِهِمْ معناه:أنّ الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا المختلفين.(4:16)
الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ و أضاف:]
و إنّما قال: مِنْ بَيْنِهِمْ لأنّ منهم من ثبت على الحقّ،و قيل:إنّ(من)زائدة،و المعنى:اختلفوا بينهم.
(3:514)
البيضاويّ: اليهود و النّصارى،أو فرق النّصارى نسطوريّة قالوا:إنّه ابن اللّه،و يعقوبيّة قالوا:هو اللّه هبط إلى الأرض ثمّ صعد إلى السّماء،و ملكانيّة قالوا:
هو عبد اللّه و نبيّه.(2:34)
الشّربينيّ: قيل:هم النّصارى،و اختلافهم في عيسى أ هو ابن اللّه،أو إله معه،أو ثالث ثلاثة؟و سمّوا أحزابا،لأنّهم تحزّبوا ثلاث فرق في أمر عيسى:
النّسطوريّة،و الملكانيّة،و اليعقوبيّة.
ص: 170
و قيل:هم اليهود و النّصارى،فجعله بعضهم ولدا،و بعضهم كذّابا.
و قيل:هم الكفّار الشّامل لليهود و النّصارى، و غيرهم من الّذين كانوا في عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.قال ابن عادل:و هذا هو الظّاهر،لأنّه لا تخصيص فيه،و يؤيّده قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا. (2:426)
نحوه أبو السّعود.(4:240)
الآلوسيّ: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ لترتيب ما بعدها على ما قبلها،تنبيها على سوء صنيعهم،بجعلهم ما يوجب الاتّفاق منشأ للاختلاف، فإنّ ما حكي من مقالات عيسى عليه السّلام مع كونها نصوصا قاطعة،في كونه عبد اللّه تعالى و رسوله،قد اختلف اليهود و النّصارى بالتّفريط و الإفراط،فالمراد بالأحزاب:اليهود و النّصارى،و هو المرويّ عن الكلبيّ.و معنى مِنْ بَيْنِهِمْ أنّ الاختلاف لم يخرج عنهم بل كانوا هم المختلفين،و(بين)ظرف استعمل اسما بدخول(من)عليه.
و نقل في«البحر»القول بزيادة(من)،و حكي أيضا القول بأنّ«البين»هنا بمعنى البعد،أي اختلفوا فيه لبعدهم عن الحقّ،فتكون سببيّة،و لا يخفى بعده.
و قيل:المراد ب(الاحزاب)فرق النّصارى،فإنّهم اختلفوا بعد رفعه عليه السّلام فيه،فقال نسطور:هو ابن اللّه، تعالى عن ذلك،أظهره ثمّ رفعه.و قال يعقوب:هو اللّه تعالى،هبط ثمّ صعد.و قال ملكا:هو عبد اللّه تعالى و نبيّه.و في«الملل و النّحل»:أنّ الملكانيّة قالوا:إنّ الكلمة يعني أقنوم العلم اتّحدت بالمسيح عليه السّلام
و تدرّعت بناسوته.
و قال أيضا:إنّ المسيح عليه السّلام ناسوت كلّيّ لا جزئيّ، و هو قديم،و قد ولدت مريم إلها قديما أزليّا،و القتل و الصّلب وقع على النّاسوت و اللاّهوت معا...
و قيل:المراد بهم:المسلمون و اليهود و النّصارى.
و عن الحسن أنّهم الّذين تحزّبوا على الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام،لمّا قصّ عليهم قصّة عيسى عليه السّلام اختلفوا فيه من بين النّاس،قيل:إنّهم مطلق الكفّار،فيشمل اليهود و النّصارى و المشركين الّذين كانوا في زمن نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم و غيرهم،و رجّحه الإمام بأنّه لا مخصّص فيه،و رجّح القول بأنّهم أهل الكتاب،بأنّ ذكر الاختلاف عقيب قصّة عيسى عليه السّلام يقضي ذلك، و يؤيّده قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا فالمراد بهم:
الأحزاب المختلفون.(16:92)
ابن عاشور :الفاء لتفريع الإخبار بحصول الاختلاف على الإخبار بأنّ هذا صراط مستقيم،أي حاد عن الصّراط المستقيم الأحزاب،فاختلفوا بينهم في الطّرائق الّتي سلكوها،أي هذا صراط مستقيم لا يختلف سالكوه اختلافا أصليّا،فسلك الأحزاب طرقا أخرى هي حائدة عن الصّراط المستقيم،فلم يتّفقوا على شيء.و قوله: مِنْ بَيْنِهِمْ متعلّق ب (اختلف،)و(من)حرف توكيد،أي اختلفوا بينهم.
و المراد ب(الاحزاب:)أحزاب النّصارى،لأنّ الاختلاف مؤذن بأنّهم كانوا متّفقين،و لم يكن اليهود موافقين النّصارى في شيء من الدّين.و قد كان النّصارى على قول واحد على التّوحيد في حياة
ص: 171
الحواريّين،ثمّ حدث الاختلاف في تلاميذهم.و قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى: فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ النّساء:171،أنّ الاختلاف انحلّ إلى ثلاثة مذاهب:الملكانيّة و تسمّى الجاثليقيّة؛ و اليعقوبيّة،و النّسطوريّة.
و انشعبت من هذه الفرق عدّة فرق ذكرها الشّهرستانيّ؛و منها:الاليانية،و البليارسيّة، و المقدانوسيّة،و السّباليّة،و البوطينوسيّة،و البوليّة، إلى فرق أخرى.منها:فرقة كانت في العرب تسمّى الرّكوسيّة ورد ذكرها في الحديث:أنّ النّبيّ قال لعديّ ابن حاتم:«إنّك ركوسيّ».قال أهل اللّغة:هي نصرانيّة مشوبة بعقائد الصّابئة.و حدثت بعد ذلك فرقة الاعتراضيّة البروتستان أتباع لوثير.و أشهر الفرق اليوم هي الملكانيّة كاتوليك،و اليعقوبيّة أرثودوكس،و الاعتراضيّة بروتستان.
و لمّا كان اختلافهم قد انحصر في مرجع واحد يرجع إلى إلهيّة عيسى،اغترارا و سوء فهم في معنى لفظ(ابن)الّذي ورد صفة للمسيح في الأناجيل،مع أنّه قد وصف بذلك فيها أيضا أصحابه.و قد جاء في التّوراة أيضا:أنتم أبناء اللّه.و في إنجيل متّى الحواريّ و إنجيل يوحنّا الحواريّ كلمات صريحة في أنّ المسيح ابن إنسان،و أنّ اللّه إلهه و ربّه،فقد انحصرت مذاهبهم في الكفر باللّه،فلذلك ذيّل بقوله: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ، فشمل قوله:(الذين كفروا) هؤلاء المخبر عنهم من النّصارى،و شمل المشركين غيرهم.(16:39)
الطّباطبائيّ: اختلاف الأحزاب،هو قول كلّ منهم فيه عليه السّلام خلاف ما يقوله الآخرون.و إنّما قال:
مِنْ بَيْنِهِمْ لأنّ فيهم من ثبت على الحقّ،و ربّما قيل:
(من)زائدة،و الأصل:اختلف الأحزاب بينهم،و هو كما ترى.(14:49)
مكارم الشّيرازيّ: إنّ تاريخ المسيحيّة يشهد بوضوح على مدى الاختلاف الّذي حصل بعد المسيح عليه السّلام في شأنه،و حول مسألة التّوحيد،هذه الاختلافات الّتي ازدادت حدّتها،فشكّل«قسطنطين» إمبراطور الرّوم مجمعا للأساقفة-علماء النّصارى الكبار-و كان واحدا من المجامع التّاريخيّة المعروفة، و وصل عدد أعضاء هذا المجمع إلى ألفين و مائة و سبعين عضوا،و عند ما طرحت مسألة المسيح للبحث أظهر العلماء الحاضرون و جهات نظر مختلفة تماما،و كان لكلّ مجموعة عقيدتها.
فذهب البعض:أنّ المسيح هو اللّه الّذي نزل إلى الأرض!فأحيا جماعة،و أمات أخرى،ثمّ صعد إلى السّماء!
و قال البعض الآخر:إنّه ابن اللّه!
و رأى آخرون:إنّه أحد الأقانيم الثّلاثة-الذّوات الثّلاثة المقدّسة-:الأب و الابن و روح القدس:اللّه الأب،و اللّه الابن و روح القدس.
و آخرون:قالوا:إنّه ثالث ثلاثة:فاللّه معبود،و هو معبود،و أمّه معبودة!
و أخيرا قال البعض:إنّه عبد اللّه و رسوله.
و قال آخرون:أقوالا أخرى،و لم تتّفق الآراء
ص: 172
على أيّ من هذه العقائد،و كان أكبر عدد حازت عليه عقيدة المذكورات هو«308»فرد،و قبله الإمبراطور كرأي حصل على أكثريّة نسبيّة،و دافع عنه باعتباره الدّين الرّسميّ،و طرح الباقي جانبا.أمّا عقيدة التّوحيد فقد بقيت في الأقلّيّة،لقلّة ناصريها مع الأسف.
و لمّا كان الانحراف عن أصل التّوحيد يعتبر أكبر انحراف للمسيحيّين،فقد رأينا كيف أنّ اللّه قد هدّد هؤلاء في ذيل الآية،بأنّهم سيكون لهم مصير مؤلم مشئوم في يوم القيامة،في ذلك المشهد العامّ،و أمام محكمة اللّه العادلة.(9:400)
فضل اللّه : فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ في أمر عيسى،هل هو إله متجسّد،أو هو ابن اللّه،أو هو ابن نبيّ مرسل،أو هو شخص مزيّف؟فلكلّ واحد مقال يختلف فيه عن الآخر.و هكذا كان منهم المحقّ، و المبطل،و المؤمن،و الكافر.(15:44)
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى:
4- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ. الزّخرف:65
1- ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ. البقرة:176
ابن عبّاس: خالفوا ما في الكتاب من صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و نعته و كتموا.(24)
السّدّيّ: هم اليهود و النّصارى.(138)
الطّبريّ: يعني بذلك اليهود و النّصارى.اختلفوا في كتاب اللّه،فكفرت اليهود بما قصّ اللّه فيه من قصص عيسى ابن مريم و أمّه.و صدقت النّصارى ببعض ذلك،و كفروا ببعضه.و كفروا جميعا بما أنزل اللّه فيه من الأمر بتصديق محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:98)
أبو مسلم:قوله:(اختلفوا)من باب«افتعل» الّذي يكون مكان«فعل»،كما يقال:كسب و اكتسب، و عمل و اعتمل،و كتب و اكتتب،و فعل و افتعل، و يكون معنى قوله: اَلَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ الّذين خلفوا فيه،أي توارثوه و صاروا خلفاء فيه، كقوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ الأعراف:169، و قوله: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ يونس:6،أي كلّ واحد يأتي خلف الآخر،و قوله: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ الفرقان:
62،أي كلّ واحد منهما يخلف الآخر.
(الفخر الرّازيّ 5:37)
الثّعلبيّ: آمنوا ببعض و كفروا ببعض.(2:48)
مثله البغويّ.(1:203)
الطّوسيّ: معنى«الاختلاف»هاهنا يحتمل أمرين:
أحدهما:قول الكفّار في القرآن،فمنهم من قال:
هو كلام السّحرة،و منهم من قال:كلام تعلّمه،و منهم من قال:كلام تقوّله (1).
الثّاني:اختلاف اليهود و النّصارى في التّأويل
ص: 173
و التّنزيل من التّوراة و الإنجيل،لأنّهم حرّفوا الكتاب، و كتموا صفة محمّد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و جحدت اليهود الإنجيل و القرآن.(2:93)
نحوه الطّبرسيّ(1:260)،و شبّر:(1:177).
الزّمخشريّ: وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا في كتب اللّه، فقالوا في بعضها:حقّ،و في بعضها:باطل،و هم أهل الكتاب.(1:329)
ابن عطيّة: اَلَّذِينَ اخْتَلَفُوا: كفّار العرب، لقول بعضهم:هو سحر،و بعضهم:هو أساطير، و بعضهم:هو مفترى،إلى غير ذلك.(1:242)
ابن الجوزيّ: فيه قولان:
أحدهما:أنّه التّوراة،ثمّ في اختلافهم فيها ثلاثة أقوال:
أحدها:أنّ اليهود و النّصارى اختلفوا فيها، فادّعى النّصارى فيها صفة عيسى،و أنكر اليهود ذلك.
و الثّاني:أنّهم خالفوا ما في التّوراة من صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.
و الثّالث:أنّهم خالفوا سلفهم في التّمسّك بها.
و الثّاني:أنّه القرآن،فمنهم من قال:شعر،و منهم من قال:إنّما يعلّمه بشر.(1:177)
نحوه القرطبيّ.(2:237)
الفخر الرّازيّ: وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فيه مسألتان:
المسألة الأولى: إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا قيل:هم الكفّار أجمع اختلفوا في القرآن.و الأقرب حمله على التّوراة و الإنجيل اللّذين ذكرت البشارة بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فيهما،لأنّ القوم قد عرفوا ذلك و كتموه،و حرّفوا تأويله.فإذا أورد تعالى ما يجري مجرى العلّة في إنزال العقوبة بهم،فالأقرب أن يكون المراد كتابهم الّذي هو الأصل عندهم،دون القرآن الّذي إذا عرفوه،فعلى وجه التّبع لصحّة كتابهم.
و أمّا قوله: وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ فاعلم أنّا و إن قلنا:المراد من(الكتاب)هو القرآن، كان اختلافهم فيه أنّ بعضهم قال:إنّه كهانة،و آخرون قالوا:إنّه سحر،و ثالث قال:رجز،و رابع قال:إنّه أساطير الأولين،و خامس قال:إنّه كلام منقول مختلق.و إن قلنا:المراد من(الكتاب):التّوراة و الإنجيل،فالمراد باختلافهم يحتمل وجوها:
أحدها:أنّهم مختلفون في دلالة التّوراة على نبوّة المسيح،فاليهود قالوا:إنّها دالّة على القدح في عيسى، و النّصارى قالوا:إنّها دالّة على نبوّته.
و ثانيها:أنّ القوم اختلفوا في تأويل الآيات الدّالّة على نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فذكر كلّ واحد منهم له تأويلا آخر فاسدا،لأنّ الشّيء إذا لم يكن حقّا واجب القبول بل كان متكلّفا،كان كلّ أحد يذكر شيئا آخر على خلاف قول صاحبه،فكان هذا هو الاختلاف...
و في الآية تأويل ثالث،و هو أن يكون المراد ب(الكتاب):جنس ما أنزل اللّه،و المراد ب اَلَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ: الّذين اختلف قولهم في الكتاب،فقبلوا بعض كتب اللّه و ردّوا البعض،و هم اليهود و النّصارى،حيث قبلوا بعض كتب اللّه و هو التّوراة و الإنجيل،و ردّوا الباقي و هو القرآن.(5:36)
ص: 174
نحوه النّيسابوريّ.(2:76)
البيضاويّ: وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ اللاّم فيه:إمّا للجنس،و اختلافهم:إيمانهم ببعض كتب اللّه تعالى و كفرهم ببعض،أو للعهد.و الإشارة:
إمّا إلى التّوراة،و(اختلفوا)بمعنى:تخلّفوا عن المنهج المستقيم في تأويلها،أو خلفوا خلاف ما أنزل اللّه تعالى مكانه،أي حرّفوا ما فيها.و إمّا إلى القرآن،و اختلافهم فيه:قولهم:سحر،و تقوّل،و كلام علّمه بشر، و أساطير الأوّلين.(1:97)
نحوه أبو السّعود(1:234)،و الشّربينيّ(1:114) و البروسويّ(1:279)،و الآلوسيّ(2:44).
أبو حيّان :قيل:هم اليهود،و(الكتاب):التّوراة، و اختلافهم:كتمانهم بعث عيسى،ثمّ بعث محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، آمنوا ببعض:و هو ما أظهروه،و كفروا ببعض:و هو ما كتموه.
و قيل:هم اليهود و النّصارى،قاله السّدّيّ؛ و اختلاف كفرهم بما قصّه اللّه تعالى من قصص عيسى و أمّه عليهما السّلام،و بإنكار الإنجيل،و وقع الاختلاف بينهم حتّى تلاعنوا و تقاتلوا.
و قيل:كفّار العرب،و(الكتاب):القرآن.قال بعضهم:هو سحر،و بعضهم:هو أساطير الأوّلين، و بعضهم:هو مفترى إلى غير ذلك.
و قيل:أهل الكتاب و المشركون.قال أهل الكتاب:إنّه من كلام محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و ليس هو من كلام اللّه.و قالوا: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ النّحل:103،و قالوا:
(درست)الأنعام:105،و قالوا: إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ ص:7،إلى غير ذلك.و قال المشركون:
بعضهم قال:سحر،و بعضهم:شعر،و بعضهم:كهانة، و بعضهم:أساطير،و بعضهم:افتراء،إلى غير ذلك.
و الظّاهر الإخبار عمّن صدر منهم الاختلاف فيما أنزل اللّه من الكتاب،بأنّهم في معاداة و تنافر،لأنّ الاختلاف مظنّة التّباغض و التّباين،كما أنّ الائتلاف مظنّة التّحابّ و الاجتماع.
و في«المنتخب»:الأقرب،حمل الكتاب على التّوراة و الإنجيل اللّذين ذكرت البشارة بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، فيهما،لأنّ القوم قد عرفوا ذلك و كتموه،و عرفوا تأويله.فإذا أورد تعالى ما يجري مجرى العلّة في إنزال العقوبة به،فالأقرب أن يكون المراد كتابهم الّذي هو الأصل عندهم،دون القرآن.انتهى كلامه.(1:495)
القاسميّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]
و قيل:(اختلفوا:)أتوا بخلاف ما أنزل اللّه.و قيل:
(اختلفوا:)بمعنى خلفوا،نحو اكتسبوا و كسبوا، و عملوا و اعتملوا،أي صاروا خلفاء فيه،نحو: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ الأعراف:69.(3:386)
ابن عاشور :قوله: وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا...
تذييل،و لكنّه عطف بالواو،لأنّه يتضمّن تكملة وصف الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى و وعيدهم، و المراد ب اَلَّذِينَ اخْتَلَفُوا عين المراد من قوله:
اَلَّذِينَ يَكْتُمُونَ البقرة:174،و اَلَّذِينَ اشْتَرَوُا البقرة:175،فالموصولات كلّها على نسق واحد.
و المراد من(الكتاب)المجرور ب(في)،يحتمل أنّه المراد من(الكتاب)في قوله: نَزَّلَ الْكِتابَ فهو
ص: 175
القرآن،فيكون من الإظهار في مقام الإضمار،ليناسب استقلال جملة التّذييل بذاتها،و يكون المراد ب (اختلفوا)على هذا الوجه:أنّهم اختلفوا مع الّذين آمنوا منهم،أو اختلفوا فيما يصفون به القرآن من تكذيب به كلّه،أو تكذيب ما لا يوافق هواهم، و تصديق ما يؤيّد كتبهم.
و يحتمل أنّ المراد من(الكتاب)المجرور ب(في)هو المراد من المنصوب في قوله: ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتابِ البقرة:174،يعني التّوراة و الإنجيل،أي اختلفوا في الّذي يقرّونه و الّذي يغيّرونه،و في الإيمان بالإنجيل و الإيمان بالتّوراة.
و من المحتمل أن يكون المراد ب اَلَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ ما يشمل المشركين،و أن يكون الاختلاف هو اختلاف معاذيرهم عن القرآن،إذ قالوا:سحر،أو شعر،أو كهانة،أو أساطير الأوّلين.لكنّه خروج عن سياق الكلام على أهل الكتاب.
و من المحتمل أيضا أن يكون المراد ب(الكتاب):
الجنس،أي الّذين اختلفوا في كتب اللّه،فآمنوا ببعضها و كفروا بالقرآن.(2:125)
مغنيّة:اختلف المفسّرون في المراد بقوله تعالى:
اَلَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ، فذهب أكثرهم-على ما في مجمع البيان-إلى أنّهم الكفّار،و وجه الاختلاف أنّ منهم من قال:إنّ القرآن سحر،و منهم من قال:هو رجز،و قال آخرون:أساطير الأوّلين.
و قال بعض المفسّرين:بل المراد:المسلمون،فإنّهم بعد أن اتّفقوا على أنّ القرآن من عند اللّه اختلفوا في تفسيره و تأويله،و تشعّبوا إلى فرق و شيع،و كان عليهم أن تكون كلمتهم واحدة بعد أن كان قرآنهم واحدا.
و يجوز أن يكون المراد الكفّار،و لكن،لا لأنّ بعضهم قال:إنّ القرآن سحر،و آخر قال:إنّه رجز،بل لأنّهم السّبب الوحيد للخلاف و الشّقاق،و عدم جمع الكلمة على الحقّ بينهم و بين من آمن بالقرآن.
(1:268)
فضل اللّه :في تحريفه و تأويله و تحريكه في الواقع تبعا لأهوائهم الّتي لا تنطلق بهم من موقع وحدة و لا تسير بهم إلى قاعدة من اللّقاء.(3:199)
2،3- كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَ اللّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. البقرة:213
لاحظ:«اختلف».
4- ...وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ.
البقرة:253
ابن عبّاس: وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا في الدّين.(36)
لاحظ:ق ت ل:«اقتتلوا».
ص: 176
5- وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
آل عمران:105
ابن عبّاس: وَ اخْتَلَفُوا في الدّين،كتفرّق اليهود و النّصارى في الدّين.(53)
نحوه شبّر.(1:357)
هي إشارة إلى كلّ من افترق في الأمم في الدّين، فأهلكهم الافتراق.(ابن عطيّة 1:486)
أبو أمامة رضى اللّه عنه:هم الحروريّة بالشّام.
(البغويّ 1:489)
الحسن :هم اليهود و النّصارى.
(الطّبريّ 3:386)
قتادة :هم أصحاب البدع من هذه الأمّة.
(أبو حيّان 3:21)
الرّبيع:هم أهل الكتاب،نهى اللّه أهل الإسلام أن يتفرّقوا و يختلفوا،كما تفرّق و اختلف أهل الكتاب.
(الطّبريّ 3:386)
الطّبريّ: وَ اخْتَلَفُوا في دين اللّه و أمره و نهيه.(3:385)
الزّجّاج: أي لا تكونوا كأهل الكتاب،يعني به اليهود و النّصارى و كتابهم جميعا التّوراة،و هم مختلفون،كلّ فرقة منهم-و إن اتّفقت في باب النّصرانيّة أو اليهوديّة-مختلفة أيضا،كالنّصارى الّذين هم نسطوريّة و يعقوبيّة و ملكانيّة،فأمر اللّه بالاجتماع على كتابه.و أعلم أنّ التّفرّق فيه يخرج أهله إلى مثل ما خرج إليه أهل الكتاب في كفرهم.(1:453)
الثّعلبيّ: قال أكثر المفسّرين:هم اليهود و النّصارى.و قال بعضهم:هم المبتدعة من هذه الأمّة.
(3:123)
مثله البغويّ(1:489)،و نحوه القرطبيّ(4:
166).
الطّوسيّ: قال الحسن،و الرّبيع:المعنيّ بهذا التّفرّق في الآية:اليهود و النّصارى،فكأنّه قال:يا أيّها المؤمنون وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا يعني اليهود و النّصارى.
و قوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ معناه:من بعد ما نصبت لهم الأدلّة،و لا يدلّ ذلك على عناد الجميع،لأنّ قيام البيّنات إنّما يعلم بها الحقّ إذا نظر فيها،و استدلّ بها على الحقّ.
فإن قيل:إذا كان التّفرّق في الدّين هو الاختلاف فيه،فلم ذكر الوصفان؟
قلنا:لأنّ معنى(تفرقوا)يعني بالعداوة و اختلفوا في الدّيانة،فمعنى الصّفة الأولى مخالف لمعنى الصّفة الثّانية.
و فيمن نفى القياس و الاجتهاد،من استدلّ بهذه الآية على المنع من الاختلاف جملة في الأصول و الفروع.
و اعترض من خالف في ذلك بأن قال:لا يدلّ ذلك على فساد الاختلاف في مسائل الاجتهاد،كما لا يدلّ على فساد الاختلاف في المسائل المنصوص عليها، كاختلاف حكم المسافر و المقيم في الصّلاة و الصّيام،
ص: 177
و غير ذلك من الأحكام،لأنّ جميعه مدلول على صحّته:إمّا بالنّصّ عليه،و إمّا بالرّضى به.
و هذا ليس بشيء،لأنّ لمن خالف في ذلك أن يقول:الظّاهر يمنع من الاختلاف على كلّ حال إلاّ ما أخرجه الدّليل،و ما ذكره أخرجناه بالإجماع.
فالأجود في الطّعن أن يقال:و قد دلّ الدّليل على وجوب التّعبّد بالقياس و الاجتهاد!
قلنا:إن يخصّ ذلك أيضا و يصير الكلام في صحّة ذلك أو فساده،فالاستدلال بالآية إذا صحيح على نفي الاجتهاد.(2:550)
الطّبرسيّ: قيل:معناه تفرّقوا أيضا،و ذكرهما- تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا -للتّأكيد و اختلاف اللّفظين كقول الشّاعر:
*متى أدن منه ينأ عنّي و يبعد*
و قيل:معناه كالّذين تفرّقوا بالعداوة و اختلفوا في الدّيانة.(1:484)
الواحديّ: يعني صاروا فرقا مختلفين و كتابهم واحد.(1:475)
الزّمخشريّ: هم اليهود و النّصارى...و قيل:
هم مبتدعو هذه الأمّة،و هم المشبّهة و المجبّرة و الحشويّة و أشباههم.(1:453)
نحوه الشّربينيّ.(1:238)
الفخر الرّازيّ: المسألة الثّانية:قوله: تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا فيه وجوه:
الأوّل:تفرّقوا و اختلفوا بسبب اتّباع الهوى و طاعة النّفس و الحسد،كما أنّ إبليس ترك نصّ اللّه تعالى بسبب حسده لآدم.
الثّاني:تفرّقوا حتّى صار كلّ فريق منهم يصدّق من الأنبياء بعضا دون بعض،فصاروا بذلك إلى العداوة و الفرقة.
الثّالث:صاروا مثل مبتدعة هذه الأمّة،مثل المشبّهة و القدريّة و الحشويّة.
المسألة الثّالثة:قال بعضهم: تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا معناهما واحد،و ذكرهما للتّأكيد.
و قيل:بل معناهما مختلف،ثمّ اختلفوا،فقيل:
تفرّقوا بالعداوة و اختلفوا في الدّين.و قيل:تفرّقوا بسبب استخراج التّأويلات الفاسدة من تلك النّصوص،ثمّ اختلفوا بأن حاول كلّ واحد منهم نصرة قوله و مذهبه.و الثّالث:تفرّقوا بأبدانهم بأن صار كلّ واحد من أولئك الأحبار رئيسا في بلد،ثمّ اختلفوا بأن صار كلّ واحد منهم يدّعي أنّه على الحقّ و أنّ صاحبه على الباطل.
و أقول:إنّك إذا أنصفت علمت أنّ أكثر علماء هذا الزّمان صاروا موصوفين بهذه الصّفة،فنسأل اللّه العفو و الرّحمة.(8:180)
نحوه النّيسابوريّ.(4:31)
البيضاويّ: كاليهود و النّصارى،اختلفوا في التّوحيد و التّنزيه و أحوال الآخرة.(1:176)
مثله الكاشانيّ.(1:340)
النّسفيّ: (تفرقوا)بالعداوة(و اختلفوا)في الدّيانة،و هم اليهود و النّصارى،فإنّهم اختلفوا و كفّر بعضهم بعضا.(1:174)
ص: 178
أبو حيّان:[حكى قول قتادة و أبي أمامة ثمّ قال:]
قال بعض معاصرينا:في قول قتادة و أبي أمامة نظر،فإنّ مبتدعة هذه الأمّة و الحروريّة لم يكونوا إلاّ بعد موت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بزمان،و كيف نهى اللّه المؤمنين أن يكونوا كمثل قوم ما ظهر تفرّقهم و لا بدعهم إلاّ بعد انقطاع الوحي و موت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم؟فإنّك لا تنهى زيدا أن يكون مثل عمرو إلاّ بعد تقدّم أمر مكروه جرى من عمرو.و ليس لقوليهما وجه إلاّ أن يكون تفرّقوا و اختلفوا من الماضي الّذي أريد به المستقبل،فيكون المعنى:و لا تكونوا كالّذين يتفرّقون و يختلفون،فيكون ذلك من إعجاز القرآن و إخباره بما لم يقع ثمّ وقع، انتهى كلامه.(3:21)
أبو السّعود :هم أهل الكتابين؛حيث تفرّقت اليهود فرقا و النّصارى فرقا،(و اختلفوا)باستخراج التّأويلات الزّائغة،و كتم الآيات النّاطقة و تحريفها،بما أخلدوا إليه من حطام الدّنيا الدّنيئة. مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ أي الآيات الواضحة المبيّنة للحقّ [الموجبة]للاتّفاق عليه و اتّحاد الكلمة،فالنّهي متوجّه إلى المتصدّين للدّعوة أصالة،و إلى أعقابهم تبعا.
و يجوز تعميم الموصول للمختلفين من الأمم السّالفة،المشار إليهم بقوله عزّ و جلّ: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ البقرة:213،و قيل:هم المبتدعة من هذه الأمّة،و قيل:
هم الحروريّة
و على كلّ تقدير فالمنهيّ عنه إنّما هو الاختلاف في الأصول دون الفروع،إلاّ أن يكون مخالفا للنّصوص البيّنة أو الإجماع،لقوله عليه الصّلاة و السّلام:«اختلاف أمّتي رحمة»،و قوله عليه السّلام:«من اجتهد فأصاب فله أجران،و من أخطأ فله أجر واحد».
(2:14)
نحوه البروسويّ.(2:75)
الآلوسيّ: (و اختلفوا)في التّوحيد و التّنزيه و أحوال المعاد.قيل:و هذا معنى(تفرقوا)و كرّره للتّأكيد.و قيل:التّفرّق بالعداوة،و الاختلاف بالدّيانة...
ثمّ إنّ هذا الاختلاف المذموم محمول-كما قيل- على الاختلاف في الأصول دون الفروع،و يؤخذ هذا التّخصيص من التّشبيه.و قيل:إنّه شامل للأصول و الفروع،لما نرى من اختلاف أهل السّنّة فيها، كالماتريديّ و الأشعريّ.فالمراد حينئذ بالنّهي عن الاختلاف:النّهي عن الاختلاف فيما ورد فيه نصّ من الشّارع أو أجمع عليه،و ليس بالبعيد.[ثم أدام البحث في عدم المنع عن الاختلاف بحديث«اختلاف أمّتي رحمة»،فلاحظ](4:23)
ابن عاشور :و قوله: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا معطوف على قوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ آل عمران:104،و هو يرجع إلى قوله قبل: وَ لا تَفَرَّقُوا آل عمران:103،لما فيه من تمثيل حال التّفرّق في أبشع صوره المعروفة لديهم،من مطالعة أحوال اليهود.و فيه إشارة إلى أنّ ترك الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر يفضي إلى التّفرّق و الاختلاف؛
ص: 179
إذ تكثر النّزعات و النّزغات و تنشقّ الأمّة بذلك انشقاقا شديدا.
و المخاطب به يجري على الاحتمالين المذكورين في المخاطب بقوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ مع أنّه لا شكّ في أنّ حكم هذه الآية يعمّ سائر المسلمين:إمّا بطريق اللّفظ،و إمّا بطريق لحن الخطاب،لأنّ المنهيّ عنه هو الحالة الشّبيهة بحال الّذين تفرّقوا و اختلفوا.
و أريد ب(الذين تفرقوا و اختلفوا)،الّذين اختلفوا في أصول الدّين،من اليهود و النّصارى،من بعد ما جاءهم من الدّلائل المانعة من الاختلاف و الافتراق.و قدّم الافتراق على الاختلاف للإيذان بأنّ الاختلاف علّة التّفرّق،و هذا من المفادات الحاصلة من ترتيب الكلام،و ذكر الأشياء مع مقارناتها و في عكسه قوله تعالى: وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللّهُ البقرة:282.
و فيه إشارة إلى أنّ الاختلاف المذموم و الّذي يؤدّي إلى الافتراق،هو الاختلاف في أصول الدّيانة الّذي يفضي إلى تكفير بعض الأمّة بعضا،أو تفسيقه، دون الاختلاف في الفروع المبنيّة على اختلاف مصالح الأمّة في الأقطار و الأعصار،و هو المعبّر عنه بالاجتهاد.
و نحن إذا تقصّينا تاريخ المذاهب الإسلاميّة،لا نجد افتراقا نشأ بين المسلمين إلاّ عن اختلاف في العقائد و الأصول،دون الاختلاف في الاجتهاد في فروع الشّريعة.(3:183)
الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ لا تَكُونُوا...
لا يبعد أن يكون قوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ متعلّقا بقوله:(و اختلفوا)فقط،و حينئذ كان المراد بالاختلاف:التّفرّق من حيث الاعتقاد،و بالتّفرّق:
الاختلاف و التّشتّت من حيث الأبدان.و قدّم التّفرّق على الاختلاف،لأنّه كالمقدّمة المؤدّية إليه،لأنّ القوم مهما كانوا مجتمعين متواصلين اتّصلت عقائد بعضهم ببعض،و اتّحدت بالتّماسّ و التّفاعل،و حفظهم ذلك من الاختلاف،فإذا تفرّقوا و انقطع بعضهم عن بعض، أدّاهم ذلك إلى اختلاف المشارب و المسالك، و لم يلبثوا دون أن يستقلّ أفكارهم و آراؤهم بعضها عن بعض،و برز فيهم الفرقة،و انشقّ عصا الوحدة، فكأنّه تعالى يقول:و لا تكونوا كالّذين تفرّقوا بالأبدان أوّلا،و خرجوا من الجماعة،و أفضاهم ذلك إلى اختلاف العقائد و الآراء أخيرا.
و قد نسب تعالى هذا الاختلاف في موارد من كلامه إلى البغي،قال تعالى: وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ البقرة:213،مع أنّ ظهور الاختلاف في العقائد و الآراء ضروريّ بين الأفراد لاختلاف الأفهام،لكن كما أنّ ظهور هذا الاختلاف ضروريّ،كذلك دفع الاجتماع لذلك و ردّه المختلفين إلى ساحة الاتّحاد أيضا ضروريّ،فرفع الاختلاف ممكن مقدور بالواسطة،و إعراض الأمّة عن ذلك بغي منهم،و إلقاء لأنفسهم في تهلكة الاختلاف.
و قد أكّد القرآن الدّعوة إلى الاتّحاد،و بالغ في النّهي عن الاختلاف،و ليس ذلك إلاّ لما كان يتفرّس من أمر هذه الأمّة أنّهم سيختلفون كالّذين من قبلهم، بل يزيدون عليهم في ذلك.
ص: 180
و قد تقدّم مرارا أنّ من دأب القرآن أنّه إذا بالغ في التّحذير عن شيء و النّهي عن اقترافه،كان ذلك آية وقوعه و ارتكابه.و هذا أمر أخبر به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أيضا، كما أخبر به القرآن،و أنّ الاختلاف سيدبّ في أمّته،ثمّ يظهر في صورة الفرق المتنوّعة،و أنّ أمّته ستختلف كما اختلفت اليهود و النّصارى من قبل...
و قد صدّق جريان الحوادث هذه الملحمة القرآنيّة فلم تلبث الأمّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دون أن تفرّقوا شذر مدر،و اختلفوا في مذاهب شتّى،بعضهم يكفّر بعضا من لدن عصر الصّحابة إلى يومنا هذا،و كلّما رام أحد أن يوفّق بين مختلفين منها،أولد ذلك مذهبا ثالثا.
و الّذي يهدينا إليه البحث بالتّحليل و التّجزئة:
أنّ أصل هذا الاختلاف ينتهي إلى المنافقين الّذين يغلظ القرآن القول فيهم و عليهم،و يستعظم مكرهم و كيدهم،فإنّك لو تدبّرت ما يذكره اللّه تعالى في حقّهم في سور البقرة و التّوبة و الأحزاب و المنافقين و غيرها، لرأيت عجبا،و كان هذا حالهم في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و لمّا ينقطع الوحي،ثمّ لمّا توفّاه اللّه غاب ذكرهم، و سكنت أجراسهم دفعة:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا
أنيس و لم يسمر بمكّة سامر
و لم يلبث النّاس دون أن وجدوا أنفسهم،و قد تفرّقوا أيادي سبا،و باعدت بينهم شتّى المذاهب، و استعبدتهم حكومات التّحكّم و الاستبداد، و أبدلوا سعادة الحياة بشقاء الضّلال و الغيّ،و اللّه المستعان.(3:373)
6- ...وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً. النّساء:157
الحسن :معنى اختلافهم قول بعضهم:إنّه إله، و بعضهم:هو ابن اللّه.(القرطبيّ 6:9)
الطّبريّ: اليهود الّذين أحاطوا بعيسى و أصحابه حين أرادوا قتله؛و ذلك أنّهم كانوا قد عرفوا عدّة من في البيت قبل دخولهم-فيما ذكر-فلمّا دخلوا عليهم،فقدوا واحدا منهم،فالتبس أمر عيسى عليهم بفقدهم واحدا من العدّة الّتي كانوا قد أحصوها، و قتلوا من قتلوا على شكّ منهم في أمر عيسى.
و هذا التّأويل على قول من قال:لم يفارق الحواريّون عيسى حتّى رفع و دخل عليهم اليهود.
و أمّا تأويله على قول من قال:تفرّقوا عنه من اللّيل،فإنّه وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا في عيسى،هل هو الّذي بقي في البيت منهم بعد خروج من خرج منهم من العدّة الّتي كانت فيه،أم لا؟(4:355)
نحوه الطّوسيّ.(3:384)
الزّجّاج: أي الّذين اختلفوا في قتله شاكّون،لأنّ بعضهم زعم أنّه إله،و ما قتل،و بعضهم ذكر أنّه قتل، و هم في ذلك شاكّون.(2:128)
الماورديّ: فيه قولان:
أحدهما:أنّهم اختلفوا فيه قبل قتله،فقال بعضهم:
هو إله،و قال بعضهم:هو ولد،و قال بعضهم:هو ساحر،فشكّوا، ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ الشّكّ الّذي حدث فيهم بالاختلاف.
ص: 181
و الثّاني:ما لهم بحاله من علم-هل كان رسولا أو غير رسول؟-إلاّ اتّباع الظّنّ.(1:543)
الزّمخشريّ: اختلفوا،فقال بعضهم:إنّه إله لا يصحّ قتله،و قال بعضهم:إنّه قد قتل و صلب،و قال بعضهم:إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟و إن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟و قال بعضهم:رفع إلى السّماء،و قال بعضهم:الوجه وجه عيسى،و البدن بدن صاحبنا.(1:580)
ابن الجوزيّ: في«المختلفين»قولان:
أحدهما:أنّهم اليهود،فعلى هذا في هاء(فيه) قولان:
أحدهما:أنّها كناية عن قتله،فاختلفوا هل قتلوه أم لا؟
و في سبب اختلافهم في ذلك قولان:
أحدهما:أنّهم لمّا قتلوا الشّخص المشبّه كان الشّبه قد ألقي على وجهه دون جسده،فقالوا:الوجه وجه عيسى،و الجسد جسد غيره،ذكره ابن السّائب.
و الثّاني:أنّهم قالوا:إن كان هذا عيسى،فأين صاحبنا؟و إن كان هذا صاحبنا،فأين عيسى؟يعنون الّذي دخل في طلبه،هذا قول السّدّيّ.
و الثّاني:أنّ«الهاء»كناية عن عيسى،و اختلافهم فيه قول بعضهم:هو ولد زنى،و قول بعضهم:هو ساحر.
و الثّاني:أنّ المختلفين النّصارى،فعلى هذا في هاء (فيه)قولان:
أحدهما:أنّها ترجع إلى قتله،هل قتل أم لا؟
و الثّاني:أنّها ترجع إليه،هل هو إله أم لا؟
و في هاء(منه)قولان:
أحدهما:أنّها ترجع إلى قتله.
و الثّاني:إلى نفسه هل هو إله،أم لغير رشدة،أم هو ساحر؟(2:245)
الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ في قوله: وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قولين:
الأوّل:أنّهم هم النّصارى؛و ذلك لأنّهم بأسرهم متّفقون على أنّ اليهود قتلوه،إلاّ أنّ كبار فرق النّصارى ثلاثة:النّسطوريّة،و الملكانيّة،و اليعقوبيّة.
أمّا النّسطوريّة فقد زعموا:أنّ المسيح صلب من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته،و أكثر الحكماء يرون ما يقرب من هذا القول.قالوا:لأنّه ثبت أنّ الإنسان ليس عبارة عن هذا الهيكل،بل هو إمّا جسم شريف منساب في هذا البدن،و إمّا جوهر روحانيّ مجرّد في ذاته،و هو مدبر في هذا البدن،فالقتل إنّما ورد على هذا الهيكل،و أمّا النّفس الّتي هي في الحقيقة عيسى عليه السّلام،فالقتل ما ورد عليه.لا يقال:فكلّ إنسان كذلك، فما الوجه لهذا التّخصيص؟
لأنّا نقول:إنّ نفسه كانت قدسيّة علويّة سماويّة، شديدة الإشراق بالأنوار الإلهيّة،عظيمة القرب من أرواح الملائكة.و النّفس متى كانت كذلك،لم يعظم تألّمها بسبب القتل و تخريب البدن.ثمّ إنّها بعد الانفصال عن ظلمة البدن،تتخلّص إلى فسحة السّماوات و أنوار عالم الجلال،فيعظم بهجتها و سعادتها هناك.و معلوم أنّ هذه الأحوال غير حاصلة لكلّ النّاس،بل هي غير حاصلة من مبدإ
ص: 182
خلقة آدم عليه السّلام إلى قيام القيامة إلاّ لأشخاص قليلين.
فهذا هو الفائدة في تخصيص عيسى عليه السّلام بهذه الحالة.
و أمّا الملكانيّة فقالوا:القتل و الصّلب وصلا إلى اللاّهوت بالإحساس و الشّعور لا بالمباشرة.
و قالت اليعقوبيّة:القتل و الصّلب وقعا بالمسيح الّذي هو جوهر متولّد من جوهرين.فهذا هو شرح مذاهب النّصارى في هذا الباب،و هو المراد من قوله:
وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ.
القول الثّاني:أنّ المراد بالّذين اختلفوا هم اليهود، و فيه وجهان:
الأوّل:أنّهم لمّا قتلوا الشّخص المشبّه به كان الشّبه قد ألقى على وجهه و لم يلق عليه شبه جسد عيسى عليه السّلام،فلمّا قتلوه و نظروا إلى بدنه قالوا:الوجه وجه عيسى و الجسد جسد غيره.
الثّاني:قال السّدّيّ: إنّ اليهود حبسوا عيسى مع عشرة من الحواريّين في بيت،فدخل عليه رجل من اليهود ليخرجه و يقتله،فألقى اللّه شبه عيسى عليه و رفع إلى السّماء،فأخذوا ذلك الرّجل و قتلوه على أنّه عيسى عليه السّلام،ثمّ قالوا:إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا و إن كان صاحبنا فأين عيسى؟فذلك اختلافهم فيه.(11:101)
نحوه النّيسابوريّ(6:14)،و القرطبيّ(6:9)، و أبو حيّان(3:390)،و البروسويّ(2:318).
البيضاويّ: وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ في شأن عيسى عليه الصّلاة و السّلام،فإنّه لمّا وقعت تلك الواقعة اختلف النّاس،فقال بعض اليهود:إنّه كان كاذبا فقتلناه حقّا،و تردّد آخرون،فقال بعضهم:إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟و قال بعضهم:الوجه وجه عيسى و البدن بدن صاحبنا.و قال من سمع منه أنّ اللّه سبحانه و تعالى يرفعني إلى السّماء:أنّه رفع إلى السّماء.و قال بعضهم:صلب النّاسوت و صعد اللاّهوت.(1:255)
مثله الكاشانيّ(1:479)،و نحوه الشّربينيّ(1:
343)،و أبو السّعود(2:217).
النّسفيّ: وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ في عيسى، يعني اليهود،قالوا:إنّ الوجه وجه عيسى و البدن بدن صاحبنا.أو اختلف النّصارى،قالوا:إله،و ابن إله، و ثالث ثلاثة.(1:262)
الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]
و قالت النّصارى الّذين يدّعون ربوبيّته عليه السّلام:
صلب النّاسوت و صعد اللاّهوت،و لهذا لا يعدّون القتل نقيصة؛حيث لم يضيفوه إلى اللاّهوت.و يردّ هؤلاء أنّ ذلك يمتنع عند اليعقوبيّة القائلين:إنّ المسيح قد صار بالاتّحاد طبيعة واحدة،إذ الطّبيعة الواحدة لم يبق فيها ناسوت متميّز عن لاهوت،و الشّىء الواحد لا يقال:مات و لم يمت،و أهين و لم يهن.
و أمّا الرّوم القائلون:بأنّ المسيح بعد الاتّحاد باق على طبيعتين،فيقال لهم:فهل فارق اللاّهوت ناسوته عند القتل؟فإن قالوا:فارقه فقد أبطلوا دينهم،فلم يستحقّ المسيح الرّبوبيّة عندهم إلاّ بالاتّحاد.و إن قالوا:لم يفارقه،فقد التزموا ما ورد على اليعقوبيّة، و هو قتل اللاّهوت مع النّاسوت.و إن فسّروا الاتّحاد
ص: 183
بالتّدرّع،و هو أنّ الإله جعله مسكنا و بيتا ثمّ فارقه عند ورود ما ورد على النّاسوت،أبطلوا إلهيّته فى تلك الحالة،و قلنا لهم:أ ليس قد أهين؟
و هذا القدر يكفي في إثبات النّقيصة،إذ لم يأنف اللاّهوت لمسكنه أن تناله هذه النّقائص،فإن كان قادرا على نفيها،فقد أساء مجاورته و رضي بنقيصته؛ و ذلك عائد بالنّقص عليه في نفسه،و إن لم يكن قادرا، فذلك أبعد له عن عزّ الرّبوبيّة.
و هؤلاء ينكرون إلقاء الشّبه،و يقولون:لا يجوز ذلك،لأنّه إضلال.و ردّه أظهر من أن يخفى.
و يكفي في إثباته:أنّه لو لم يكن ثابتا لزم تكذيب المسيح و إبطال نبوّته،بل و سائر النّبوّات،على أنّ قولهم في الفصل:إنّ المصلوب قال:إلهي إلهي لم تركتني و خذلتني؟!و هو ينافي الرّضا بمرّ القضاء، و يناقض التّسليم لأحكام الحكيم،و أنّه شكى العطش و طلب الماء.و الإنجيل مصرّح بأنّ المسيح كان يطوي أربعين يوما و ليلة،إلى غير ذلك ممّا لهم فيه،إن صحّ ممّا ينادي على أنّ المصلوب هو الشّبه،كما لا يخفى
فالمراد من الموصول:ما يعمّ اليهود و النّصارى جميعا.(6:10)
ابن عاشور :يدلّ على وقوع خلاف في شأن قتل المسيح،و الخلاف فيه موجود بين المسيحيّين، فجمهورهم يقولون:قتلته اليهود،و بعضهم يقول:
لم يقتله اليهود،و لكن قتلوا يهوذا الاسخريوطي الّذي شبّه لهم بالمسيح،و هذا الاعتقاد مسطور في إنجيل برنابى الّذي تعتبره الكنيسيّة اليوم كتابا محرّفا، فالمعنى:أنّ معظم النّصارى المختلفين في شأنه غير مؤمنين بصلبه،بل يخالج أنفسهم الشّكّ،و يتظاهرون باليقين،و ما هو باليقين.(4:307)
مغنيّة:اختلف اليهود و النّصارى في السّيّد المسيح عليه السّلام،و وقفوا منه موقفين متناقضين،فقال اليهود:هو ابن زنى،و قال النّصارى:هو ابن اللّه.
و أيضا قال اليهود:صلبناه،و دفن تحت الأرض إلى غير رجعة،و قال النّصارى:إنّه صلب و دفن،و لكنّه قام من تحت التّراب،و رجع إلى الدّنيا بعد ثلاثة أيّام.
(2:485)
مكارم الشّيرازيّ: قد بحث المفسّرون حول موضوع الخلاف الوارد في هذه الآية،فاحتمل بعضهم أن يكون الخلاف حول منزلة و مقام المسيح عليه السّلام،حيث اعتبره جمع من المسيحيّين ابنا للّه،و رفض البعض الآخر-كاليهود-كونه نبيّا،و إنّ كلّ هؤلاء كانوا على خطإ من أمرهم.
و قد يكون المقصود بالخلاف هو موضوع كيفيّة قتل المسيح عليه السّلام،حيث قال البعض:بأنّه قتل،و قال آخرون:بأنّه لم يقتل،و لم يكن أيّ من هاتين الطّائفتين ليثق بقول نفسه.
أو لعلّ الّذين ادّعوا قتل المسيح وقعوا في شكّ من هذا الأمر،لعدم معرفتهم بالمسيح عليه السّلام،فاختلفوا في الّذي قتلوه هل كان هو المسيح،أو هو شخص غيره...؟!(3:463)
7- وَ ما كانَ النّاسُ إِلاّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ
ص: 184
يَخْتَلِفُونَ. يونس:19
أبيّ بن كعب:فاختلفوا في الدّين،فمؤمن و كافر.
(الماورديّ 2:428)
ابن عبّاس: فصاروا مؤمنين و كافرين.(171)
مجاهد :هو اختلاف بني آدم حين قتل قابيل أخاه هابيل.(الماورديّ 2:429)
الكلبيّ: (فاختلفوا:)فتفرّقوا،مؤمن و كافر.
(الثّعلبيّ 5:125)
الزّجّاج: آمن بعض و كفر بعض.(3:12)
البيضاويّ: (فاختلفوا)باتّباع الهوى و الأباطيل،أو ببعثة الرّسل عليهم الصّلاة و السّلام، فتبعتهم طائفة و أصرّت أخرى.(1:443)
النّسفيّ: (فاختلفوا)فصاروا مللا.(2:157)
الشّربينيّ: بأن ثبت بعض و كفر بعض.(2:12)
أبو السّعود :(فاختلفوا)بأن كفر بعضهم و ثبت آخرون على ما هم عليه،فخالف كلّ من الفريقين الآخر،لا أنّ كلاّ منهما أحدث ملّة على حدّة من ملل الكفر مخالفة لملّة الآخر،فإنّ الكلام ليس في ذلك الاختلاف؛إذ كلّ منهما مبطل حينئذ،فلا يتصوّر أن يقضى بينهما بإبقاء المحقّ و إهلاك المبطل.و«الفاء» التّعقيبيّة لا تنافي امتداد زمان الاتّفاق؛إذ المراد بيان وقوع الاختلاف عقيب انصرام مدّة الاتّفاق،لا عقيب حدوث الاتّفاق.(3:225)
نحوه الآلوسيّ.(11:90)
البروسويّ: أي تفرّقوا إلى مؤمن و كافر...
و يحتمل أن يكون المعنى:أنّ النّاس كانوا أمّة واحدة في بدء الخلقة،موجودين على أصل الفطرة الّتي فطر النّاس عليها،فاختلفوا بحسب تربية الوالدين،كما قال عليه السّلام:«كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه و ينصّرانه و يمجّسانه»،ثمّ اختلفوا بعد البلوغ بحسب المعاملات الطّبيعيّة و الشّرعيّة.ثمّ هذا الاختلاف كما كان بين الأمم السّالفة،كذلك كان بين هذه الأمّة،فمن مؤمن و من كافر و من مبتدع.و في اختلافهم فائدة جليلة و حكمة عظيمة؛حيث إنّ الكمال الإلهيّ إنّما يظهر بمظاهر جماله و جلاله،لكن ينبغي للنّاس أن يكونوا على التّآلف و التّوافق دون التّباغض و التّفرّق،لأنّ يد اللّه مع الجماعة،و إنّما يأكل الذّئب الشّاة المنفردة...(4:26)
الطّباطبائيّ: قد تقدّم في تفسير قوله تعالى:
كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً... البقرة:213،أنّ الآية تكشف عن نوعين من الاختلاف بين النّاس:
أحدهما:الاختلاف من حيث المعاش،و هو الّذي يرجع إلى الدّعاوي و ينقسم به النّاس إلى مدّع و مدّعى عليه،و ظالم و مظلوم،و متعدّ و متعدّى عليه، و آخذ بحقّه و ضائع حقّه،و هذا هو الّذي رفعه اللّه سبحانه بوضع الدّين،و بعث النّبيّين و إنزال الكتاب معهم،ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه،و يعلّمهم معارف الدّين،و يواجههم بالإنذار و التّبشير.
و ثانيهما:الاختلاف في نفس الدّين،و ما تضمّنه الكتاب الإلهيّ من المعارف الحقّة من الأصول و الفروع،و قد صرّح القرآن في مواضع من آياته أنّ هذا النّوع من الاختلاف ينتهي إلى علماء الكتاب بغيا
ص: 185
بينهم،و ليس ممّا يقتضيه طباع الإنسان كالقسم الأوّل،و بذلك ينقسم الطّريق إلى طريقي الهداية و الضّلال،فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ.
و قد ذكر سبحانه في مواضع من كلامه بعد ذكر هذا القسم من الاختلاف،أنّه لو لا قضاء من اللّه سبق لحكم بينهم فيما اختلفوا فيه،و لكن يؤخّرهم إلى أجل،قال تعالى: وَ ما تَفَرَّقُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ الشّورى:14،إلى غير ذلك من الآيات.
و سياق الآية السّابقة-أعني قوله تعالى:
وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ...، يونس:18-لا يناسب من الاختلافين المذكورين إلاّ الاختلاف الثّاني،و هو الاختلاف في نفس الدّين، لأنّها تذكر ركوب النّاس طريق الضّلال بعبادتهم ما لا يضرّهم و لا ينفعهم،و اتّخاذهم شفعاء عند اللّه.
و مقتضى ذلك أن يكون المراد من كون النّاس سابقا أمّة واحدة كونهم على دين واحد و هو دين التّوحيد، ثمّ اختلفوا فتفرّقوا فريقين:موحّد،و مشرك.
(10:31)
8- وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. يونس:93
ابن عبّاس: فَمَا اخْتَلَفُوا اليهود و النّصارى في محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن....(179)
الفرّاء: فَمَا اخْتَلَفُوا، يعني بني إسرائيل،إنّهم كانوا مجتمعين على الإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم قبل أن يبعث، فلمّا بعث كذّبه بعض و آمن به بعض،فذلك اختلافهم.(1:478)
الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:فما اختلف هؤلاء الّذين فعلنا بهم هذا الفعل من بني إسرائيل،حتّى جاءهم ما كانوا به عالمين؛و ذلك أنّهم كانوا قبل أن يبعث محمّد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مجمعين على نبوّة محمّد،و الإقرار به و بمبعثه،غير مختلفين فيه بالنّعت الّذي كانوا يجدونه مكتوبا عندهم،فلمّا جاءهم ما عرفوا كفر به بعضهم و آمن به بعضهم،و المؤمنون به منهم كانوا عددا قليلا...(6:608)
نحوه الشّربينيّ.(2:37)
الثّعلبيّ: يعني اليهود الّذين كانوا على عهد النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم...
و معنى الآية:فما اختلفوا في محمّد حتّى جاءهم المعلوم،و هو كون محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم نبيّا،لأنّهم كانوا يعلمونه قبل خروجه.(...يختلفون)من الدّين.(5:148)
نحوه البغويّ.(2:433)
الماورديّ: يعني أنّ بني إسرائيل ما اختلفوا أنّ محمّدا نبيّ.(2:450)
الزّمخشريّ: فَمَا اخْتَلَفُوا في دينهم و ما تشعّبوا فيه شعبا،إلاّ من بعد ما قرءوا التّوراة...
و قيل:هو العلم بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و اختلاف بني إسرائيل
ص: 186
-و هم أهل الكتاب-اختلافهم في صفته و نعته،و أنّه هو أم ليس،بعد ما جاءهم العلم...(2:252)
نحوه البيضاويّ(1:457)،و النّسفيّ(2:175)، و النّيسابوريّ(11:117).
ابن عطيّة: يحتمل معنيين:
أحدهما:فما اختلفوا في نبوّة محمّد و انتظاره حتّى جاءهم و بان علمه و أمره،فاختلفوا حينئذ.و هذا التّخصيص هو الّذي وقع في كتب المتأوّلين،و هذا التّأويل يحتاج إلى سند.
و التّأويل الآخر الّذي يحتمله اللّفظ:أنّ بني إسرائيل لم يكن لهم اختلاف على موسى في أوّل حاله، فلمّا جاءهم العلم و الأوامر و غرق فرعون،اختلفوا.
فمعنى الآية:مذمّة ذلك الصّدر من بني إسرائيل.
(3:142)
الفخر الرّازيّ: هاهنا بحثان:..
البحث الثّاني:اختلفوا في أنّ المراد ببني إسرائيل في هذه الآية أهم اليهود الّذين كانوا في زمن موسى عليه السّلام،أم الّذين كانوا في زمن محمّد عليه السّلام؟
أمّا القول الأوّل:فقد قال به قوم،و دليلهم أنّه تعالى لمّا ذكر هذه الآية عقيب قصّة موسى عليه السّلام،كان حمل هذه الآية على أحوالهم أولى،...
ثمّ قال تعالى: فَمَا اخْتَلَفُوا حَتّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ و المراد أنّ قوم موسى عليه السّلام بقوا على ملّة واحدة و مقالة واحدة من غير اختلاف حتّى قرءوا التّوراة، فحينئذ تنبّهوا للمسائل و المطالب،و وقع الاختلاف بينهم.
ثمّ بيّن تعالى أنّ هذا النّوع من الاختلاف لا بدّ و أن يبقى في دار الدّنيا،و أنّه تعالى يقضي بينهم يوم القيامة.
و أمّا القول الثّاني:و هو أنّ المراد ببني إسرائيل في هذه الآية اليهود الّذين كانوا في زمان محمّد عليه الصّلاة و السّلام،فهذا قال به قوم عظيم من المفسّرين.
قال ابن عبّاس:و هم قريظة و النّضير و بنو قينقاع،أنزلناهم منزل صدق ما بين المدينة و الشّام، و رزقناهم من الطّيّبات.و المراد ما في تلك البلاد من الرّطب و التّمر الّتي ليس مثلها طيّبا في البلاد،ثمّ إنّهم بقوا على دينهم،و لم يظهر فيهم الاختلاف حتّى جاءهم العلم،و المراد من العلم:القرآن النّازل على محمّد عليه الصّلاة و السّلام،و إنّما سمّاه علما،لأنّه سبب العلم،و تسمية السّبب باسم المسبّب مجاز مشهور.
و في كون القرآن سببا لحدوث الاختلاف وجهان:
الأوّل:أنّ اليهود كانوا يخبرون بمبعث محمّد عليه الصّلاة و السّلام،و يفتخرون به على سائر النّاس، فلمّا بعثه اللّه تعالى كذّبوه حسدا و بغيا و إيثارا لبقاء الرّئاسة،و آمن به طائفة منهم،فبهذا الطّريق صار نزول القرآن سببا لحدوث الاختلاف فيهم.
الثّاني:أن يقال:إنّ هذه الطّائفة من بني إسرائيل كانوا قبل نزول القرآن كفّارا محضا بالكلّيّة،و بقوا على هذه الحالة حتّى جاءهم العلم،فعند ذلك اختلفوا فآمن قوم و بقي أقوام آخرون على كفرهم.
و أمّا قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فالمراد منه أنّ هذا النّوع من الاختلاف لا حيلة في إزالته في دار الدّنيا،
ص: 187
و أنّه تعالى في الآخرة يقضي بينهم،فيتميّز المحقّ من المبطل،و الصّدّيق من الزّنديق.(17:158)
القرطبيّ: فَمَا اخْتَلَفُوا أي في أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم...
...يَخْتَلِفُونَ في الدّنيا.(8:381)
أبو حيّان : فَمَا اخْتَلَفُوا، أي كانوا على ملّة واحدة و طريقة واحدة مع موسى عليه السّلام في أوّل حاله، حتّى جاءهم العلم،أي علم التّوراة فاختلفوا.و هذا ذمّ لهم،أي إنّ سبب الإيقاف هو العلم،فصار عندهم سبب الاختلاف،فتشعّبوا شعبا بعد ما قرءوا التّوراة.
و قيل:(العلم)بمعنى المعلوم،و هو محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ رسالته كانت معلومة عندهم مكتوبة في التّوراة، و كانوا يستفتحون به،أي يستنصرون،و كانوا قبل مجيئه إلى المدينة مجمعين على نبوّته،يستنصرون به في الحروب،يقولون:اللّهمّ بحرمة النّبيّ المبعوث في آخر الزّمان انصرنا،فينصرون.فلمّا جاء قالوا:النّبيّ الموعود به من ولد يعقوب،و هذا من ولد إسماعيل، فليس هو ذاك،فآمن به بعضهم كعبد اللّه بن سلام و أصحابه.
و قيل(العلم):القرآن،و اختلافهم قول بعضهم:
هو من كلام محمّد،و قول بعضهم:من كلام اللّه،و ليس لنا إنّما هو للعرب،و صدّق به قوم فآمنوا.و هذا الاختلاف لا يمكن زواله في الدّنيا،و أنّه تعالى يقضي فيه في الآخرة،فيميّز المحقّ من المبطل.(5:190)
الآلوسيّ: فَمَا اخْتَلَفُوا في أمور دينهم،بل كانوا متّبعين أمر رسولهم عليه السّلام، حَتّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ أي إلاّ بعد ما علموا بقراءة التّوراة،و الوقوف على أحكامها.
و قيل:المعنى ما اختلفوا في أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ بعد ما علموا صدق نبوّته بنعوته المذكورة في كتابهم،و تظاهر معجزاته،و هو ظاهر على القول الأخير في المراد من بني إسرائيل المبوّئين و أمّا على القول الأوّل ففيه خفاء،لأنّ أولئك المبوّئين،الّذين كانوا في عصر موسى عليه السّلام لم يختلفوا في أمر نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم ضرورة،لينسب إليهم ذلك الاختلاف حقيقة،و ليس هذا نظير قوله تعالى: وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ... الأعراف:
141،و لا قوله سبحانه: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللّهِ البقرة:91،ليعتبر المجاز.(11:189)
ابن عاشور :الاختلاف:«افتعال»أريد به شدّة التّخالف،و لا يعرف لمادّة هذا المعنى فعل مجرّد.و هي مشتقّة من الاسم الجامد و هو«الخلف»لمعنى الوراء.
فتعيّن أنّ زيادة التّاء للمبالغة،مثل«اكتسب»مبالغة في«كسب»،فيحمل على خلاف شديد،و هو مضادّة ما جاء به الدّين،و ما دعا إليه الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و هو المناسب للسّياق.فإنّ الكلام ثناء مردف بغاية تؤذن أنّ ما بعد الغاية نهاية للثّناء و إثبات للّوم؛إذ قد نفى عنهم الاختلاف إلى غاية تؤذن بحصول الاختلاف منهم عند تلك الغاية،فالّذين لم يختلفوا هم الّذين بوّأهم اللّه مبوّأ صدق.
و قد جاءوا بعدهم إلى أن جاء الّذين اختلفوا على الأنبياء،و هؤلاء ما صدق ضمير الرّفع في قوله:
جاءَهُمُ الْعِلْمُ آل عمران:19،و ما جاءهم من العلم يجوز أن يكون ما جاءهم به الأنبياء من شرع اللّه،
ص: 188
فلم يعملوا بما جاءوهم به.و أعظم ذلك تكذيبهم بمحمّد عليه الصّلاة و السّلام.
فعن ابن عبّاس:هم اليهود الّذين كانوا في زمن النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،كانوا قبل مبعثه مقرّين بنبيّ يأتي،فلمّا جاءهم العلم و هو القرآن،اختلفوا في تصديق محمّد عليه الصّلاة و السّلام.قال ابن عبّاس:هم قريظة و النّضير و بنو قينقاع.
و يجوز أن يكون(العلم)هو القرآن،و على هذا الوجه يكون معنى الآية كمعنى قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلامُ وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ آل عمران:19،و قوله:
وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ البيّنة:4،فإنّ البيّنة هي محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّ قبل هذا قوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ* رَسُولٌ مِنَ اللّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً البيّنة:1،2.و قال تعالى:
فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ البقرة:89.
و هذا المحمل هو المناسب لحرف(حتّى)في قوله تعالى: فَمَا اخْتَلَفُوا حَتّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ و تعقيب فَمَا اخْتَلَفُوا بالغاية يؤذن بأنّ ما بعد الغاية منتهى حالة الشّكر،أي فبقوا في ذلك المبوّأ،و في تلك النّعمة، حتّى اختلفوا فسلبت نعمتهم،فإنّ اللّه سلبهم أوطانهم.
(11:175)
9- وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. النّحل:64
ابن عبّاس: اِخْتَلَفُوا: خالفوا.(226)
الثّعلبيّ: اِخْتَلَفُوا فِيهِ: من الدّين و الأحكام.
(6:25)
مثله البغويّ(3:85)،و القرطبيّ(10:122).
الطّوسيّ: اَلَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ من دلالة التّوحيد و العدل و صدق الرّسل و ما أوجبت فيه من الحلال و الحرام.(6:398)
نحوه الطّبرسيّ.(3:369)
الواحديّ: إلاّ لتبيّن لهؤلاء الكفّار ما اختلف فيه الأمم من الدّين و الأحكام،فذهبوا فيه إلى خلاف ما ذهب إليه المسلمون،فتقوم الحجّة عليهم بدعائك و بيانك.(3:69)
ابن عطيّة: اَلَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ لفظ عامّ لأنواع كفر الكفرة من الجحد باللّه تعالى،أو بالقيامة،أو بالنّبوات،أو غير ذلك،و لكنّ الإشارة في هذه الآية إنّما هي لجحدهم الرّبوبيّة،و تشريكهم الأصنام في الألوهيّة،يدلّ على ذلك أخذه بعد هذا في إثبات العبر الدّالّة على أنّ الأنعم و سائر الأفعال إنّما هي من اللّه تعالى،لا من الأصنام.(3:404)
الزّمخشريّ: الّذي اختلفوا فيه البعث-لأنّه كان فيهم من يؤمن به و منهم عبد المطّلب-و أشياء من التّحريم و التّحليل،و الإنكار و الإقرار.(1:416)
ابن الجوزيّ: أي ما خالفوا فيه المؤمنين من التّوحيد و البعث و الجزاء.(4:462)
الفخر الرّازيّ: المختلفون:هم أهل الملل و الأهواء،و ما اختلفوا فيه:هو الدّين،مثل التّوحيد
ص: 189
و الشّرك،و الجبر و القدر،و إثبات المعاد و نفيه،و مثل الأحكام،مثل أنّهم حرّموا أشياء تحلّ كالبحيرة و السّائبة و غيرهما،و حلّلوا أشياء تحرم كالميتة.
(20:62)
نحوه البيضاويّ(1:560)،و النّيسابوري(14:
85)،و أبو حيّان(5:507)،و الشّربينيّ(2:241)، و أبو السّعود(4:73)،و الكاشانيّ(3:142)، و البروسويّ(5:46).
الآلوسيّ: مقتضى رجوع الضّمائر السّابقة إلى الأمم السّالفة أن يرجع ضمير(لهم) (1)و(اختلفوا)إليهم أيضا،لكن منع عنه عدم تأتّي تبيين الّذي اختلفوا فيه لهم،فمنهم من جعله راجعا إلى قريش،لأنّ البحث فيهم،و منهم من جعله راجعا إلى النّاس مطلقا،لعدم اختصاص ذلك بقريش، و يدخلون فيه دخولا أوّليّا.(14:174)
ابن عاشور :عبّر عن الضّلال بطريقة الموصوليّة اَلَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ للإيماء إلى أنّ سبب الضّلال هو اختلافهم على أنبيائهم.فالعرب اختلفت ضلالتهم في عبادة الأصنام،عبدت كلّ قبيلة منهم صنما،و عبد بعضهم الشّمس و الكواكب،و اتّخذت كلّ قبيلة لنفسها أعمالا يزعمونها دينا صحيحا،و اختلفوا مع المسلمين في جميع ذلك الدّين.(13:157)
الطّباطبائيّ: المراد ب اَلَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، هو الحقّ،من اعتقاد و عمل...و المعنى هذا حال النّاس في الاختلاف في المعارف الحقّة و الأحكام الإلهيّة...
(12:284)
فضل اللّه : اِخْتَلَفُوا فِيهِ ممّا أثارته الأفكار المريضة من شكوك و شبهات و خلافات.(13:252)
10- وَ آتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. الجاثية:17
ابن عبّاس: فَمَا اخْتَلَفُوا في محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن و الإسلام.(421)
الطّوسيّ: فَمَا اخْتَلَفُوا، أي لم يختلفوا...
فالاختلاف اعتقاد كلّ واحد من النّفسين ضدّ ما يعتقده الآخر إذا كان اختلافا في المذهب،و قد يكون اختلافا في الطّريق بأن يذهب أحدهما يمنة و الآخر يسرة،و قد يكون الاختلاف في المعاني بأن لا يسدّ أحدهما مسدّ الآخر في ما يرجع إلى ذاته؛و اختلاف بني إسرائيل كان في ما يرجع إلى المذاهب.(9:255)
1- إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ لَوْ تَواعَدْتُمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ... الأنفال:42
لاحظ:و ع د:«تواعدتم».
2- وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّهِ ذلِكُمُ اللّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ. الشّورى:10
ص: 190
الطّوسيّ: معناه:إنّ الّذي تختلفون فيه من أمر دينكم و دنياكم و تتنازعون فيه.(9:146)
الزّمخشريّ: حكاية قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم للمؤمنين،أي ما خالفكم فيه الكفّار من أهل الكتاب و المشركين،فاختلفتم أنتم،و هم فيه من أمر من أمور الدّين.(3:461)
نحوه القرطبيّ(16:7)،و النّسفيّ(4:101)، و أبو السّعود(6:10)،و البروسويّ(8:292)، و الآلوسيّ(25:16).
ابن عطيّة: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ أيّها النّاس من تكذيب و تصديق و إيمان و كفر،و غير ذلك.
(5:28)
ابن الجوزيّ: أي من أمر الدّين،و قيل:بل هو عامّ.(7:275)
الفخر الرّازيّ: ...و قيل:و ما وقع بينكم فيه من خلاف من الأمور الّتي لا تصل بتكليفكم،و لا طريق لكم إلى علمه كحقيقة الرّوح،فقولوا:اللّه أعلم به.
(27:149)
البيضاويّ: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ أنتم و الكفّار فِيهِ مِنْ شَيْءٍ من أمر من أمور الدّنيا أو الدّين.(2:354)
ابن عاشور :الجملة معطوفة على الجمل الّتي قبلها،لأنّ الكلام موجّه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و إلى المسلمين، و الواو عاطفة فعل أمر بالقول،و حذف القول شائع في القرآن بدلالة القرائن،لأنّ مادّة الاختلاف مشعرة بأنّه بين فريقين،و حالة الفريقين مشعرة بأنّه اختلاف في أمور الاعتقاد الّتي أنكرها الكافرون من التّوحيد و البعث و النّفع و الإضرار.
و(من شىء)بيان لإبهام(ما)،أي أيّ شيء اختلفتم فيه،و المراد:من أشياء الدّين و شئون اللّه تعالى.(25:111)
الطّباطبائيّ: الاختلاف ربّما كان في عقيدة كالاختلاف في أنّ الإله واحد أو كثير،و ربّما كان في عمل أو ما يرجع إليه كالاختلاف في امور المعيشة و شئون الحياة،فهو أعني الحكم يساوق القضاء مصداقا و إن اختلفا مفهوما.(18:22)
مكارم الشّيرازيّ: لقد حاول بعض المفسّرين حصر مفهوم«الاختلاف»الّذي تشير إليه الآية،في قوله تعالى: مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ في الاختلاف الوارد في الآيات المتشابهة،أو في الاختلافات و المخاصمات الحقوقيّة فقط،إلاّ أنّ مفهوم الآية أوسع من ذلك؛إذ هي تشمل الاختلاف سواء كان في المعارف الإلهيّة و العقائد،أم الأحكام الشّرعيّة،أم القضايا الحقوقيّة و القضائيّة،أم غير ذلك ممّا يحدث بين النّاس،لقلّة معلوماتهم و محدوديّتها،إنّ كلّ ذلك ينبغي أن يحلّ عن طريق الوحي،و بالرّجوع إلى علم اللّه و ولايته.(15:437)
1- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ. هود:110
ابن عبّاس: (فيه)في كتاب موسى،آمن به بعض
ص: 191
و كفر به بعض.(192)
نحوه الطّبريّ(7:120)،و الزّمخشريّ(2:295).
أبو السّعود :أي في شأنه و كونه من عند اللّه تعالى،فآمن به قوم و كفر به آخرون،فلا تبال باختلاف قومك فيما آتيناك من القرآن.(3:354)
مثله الآلوسيّ.(12:148)
ابن عاشور : فَاخْتُلِفَ فِيهِ أي في الكتاب، و هو التّوراة.و معنى الاختلاف فيه:اختلاف أهل التّوراة في تقرير بعضها و إبطال بعض،و في إظهار بعضها و إخفاء بعض مثل حكم الرّجم.و في تأويل البعض على هواهم،و في إلحاق أشياء بالكتاب على أنّها منه،كما قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ البقرة:
79،فهذا من شأنه أن يقع من بعضهم لا من جميعهم، فيقتضي الاختلاف بينهم بين مثبت و ناف.
و هذا الاختلاف بأنواعه و أحواله يرجع إلى الاختلاف في شيء من الكتاب.فجمعت هذه المعاني جمعا بديعا في تعدية الاختلاف بحرف«في»الدّالّة على الظّرفيّة المجازيّة،و هي كالملابسة،أي فاختلف اختلافا يلابسه،أي يلابس الكتاب.
و لأنّ الغرض لم يكن متعلّقا ببيان المختلفين و لا بذمّهم،لأنّ منهم المذموم،و هم الّذين أقدموا على إدخال الاختلاف،و منهم المحمود و هم المنكرون على المبدّلين كما قال تعالى: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ المائدة:66،و سيجيء قوله:
وَ إِنَّ كُلاًّ لَمّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ هود:111،بل كان للتّحذير من الوقوع في مثله.
بني فعل(اختلف)للمجهول؛إذ لا غرض إلاّ في ذكر الفعل لا في فاعله.(11:335)
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى:
2- وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ. فصّلت:45
1- لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ. النّحل:39
ابن عبّاس: يخالفون في الدّين.(224)
الطّبريّ: الّذي يختلفون فيه من إحياء اللّه خلقه بعد فنائهم.(7:584)
الزّمخشريّ: الّذي اختلفوا فيه هو الحقّ.
(2:410)
ابن عاشور :الّذي يختلفون فيه من الحقّ و الباطل،فيظهر حقّ المحقّ و يظهر باطل المبطل في العقائد و نحوها،من أصول الدّين و ما ألحق بها.
و شمل قوله:(يختلفون)كلّ معاني المحاسبة على الحقوق،لأنّ تمييز الحقوق من المظالم كلّه محلّ اختلاف النّاس و تنازعهم.(13:124)
ص: 192
2- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. النّمل:76
ابن عبّاس: كلّ الّذي هم فيه في الدّين يخالفون.
(321)
الطّبريّ: الّذي اختلفوا فيه من أمر عيسى، فقالت اليهود فيه ما قالت،و قالت النّصارى فيه ما قالت،و تبرّأ لاختلافهم فيه هؤلاء من هؤلاء،و هؤلاء من هؤلاء،و غير ذلك من الأمور الّتي اختلفوا فيها.
(10:12)
الثّعلبيّ: (يختلفون)من أمر الدّين.(7:222)
الطّوسيّ: اختلاف بني اسرائيل نحو اختلافهم في المسيح حتّى قالت اليهود فيه ما قالت،و كذّبت بنبوّته،و قالت النّصارى ما قالته من نبوّته،و وجوب إلهيّته.و كاختلاف اليهود في نسخ الشّريعة،فأجازه قوم في غير التّوراة و أباه آخرون،فلم يجيزوا النّسخ أصلا،و اعتقدوا أنّه بداء.
و كاختلافهم في المعجز،فقال بعضهم:لا يكون إلاّ بما لا يدخل تحت مقدور العباد،و قال آخرون:قد يكون إلاّ أنّه ما يعلم أنّه لا يمكن العباد الإتيان به.
و كاختلافهم في صفة المبشّر به في التّوراة،فقال بعضهم:هو يوشع بن نون،و قال آخرون:بل هو منتظر لم يأت بعد.و كلّ ذلك قد دلّ القرآن على الحقّ فيه.
و قيل:قد بيّن القرآن اختلافهم في من سلف من الأنبياء.و قيل:إنّ بني اسرائيل اختلفوا حتّى لعن بعضهم بعضا كالإسماعيليّة و العنانيّة و السّامرة.
(8:116)
الزّمخشريّ: قد اختلفوا في المسيح،فتحزّبوا فيه أحزابا،و وقع بينهم التّناكر في أشياء كثيرة حتّى لعن بعضهم بعضا.(3:159)
البيضاويّ: اَلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ كالتّشبيه و التّنزيه،و أحوال الجنّة و النّار،و عزير و المسيح.(2:183)
أبو السّعود :من جملته ما اختلفوا في شأن المسيح و تحزّبوا فيه أحزابا،و ركبوا متن العتوّ و الغلوّ في الإفراط و التّفريط،و التّشبيه و التّنزيه،و وقع بينهم التّناكد في أشياء،حتّى بلغ المشاقّة إلى حيث لعن بعضهم بعضا.(5:101)
الآلوسيّ: ممّا اختلفوا فيه أمر المسيح عليه السّلام،فمن قائل:هو اللّه تعالى،و من قائل:ابن اللّه سبحانه،و من قائل:ثالث ثلاثة،و من قائل:هو نبيّ كغيره من الأنبياء عليهم السّلام،و من قائل:هو-و حاشاه-كاذب في دعواه النّبوّة.و ينسب مريم فيه إلى ما هي منزّهة عنه رضي اللّه تعالى عنها،و هم اليهود الّذين كذّبوه.و أمر النّبيّ المبشّر به في التّوراة،فمن قائل:هو يوشع عليه السّلام، و من قائل:هو عيسى عليه السّلام،و من قائل:إنّه لم يأت إلى الآن،و سيأتي في آخر الزّمان.و ممّا اختلفوا فيه أمر الخنزير،فقالت اليهود:بحرمة أكله،و قالت النّصارى:
بحلّه،إلى غير ذلك.(20:18)
3- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. السّجدة:25
الطّبريّ: يختلفون من أمور الدّين و البعث
ص: 193
و الثّواب و العقاب،و غير ذلك من أسباب دينهم.
(10:251)
نحوه الطّوسيّ(8:308)،و البيضاويّ(2:236).
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى:
4- وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ... فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. البقرة:113
5- ...إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ...
الزّمر:3
الطّبريّ: يختلفون في الدّنيا من عبادتهم ما كانوا يعبدون فيها.(10:612)
الزّمخشريّ: اختلافهم أنّ الّذين يعبدون موحّدون و هم مشركون و أولئك يعادونهم و يلعنونهم،و هم يرجون شفاعتهم و تقريبهم إلى اللّه زلفى.(3:386)
أبو السّعود : فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من الدّين الّذي اختلفوا فيه بالتّوحيد و الإشراك،و ادّعى كلّ فريق منهم صحّة ما انتحله.(5:378)
نحوه الآلوسيّ.(23:235)
ابن عاشور :أفاد نظم هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أمرين:أنّ الاختلاف ثابت لهم،و أنّه متكرّر متجدّد؛ فالأوّل من تقديم المسند إليه على الخبر الفعليّ، و الثّاني من كون المسند فعلا مضارعا.(24:14)
6- قُلِ اللّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. الزّمر:46
الطّبريّ: (يختلفون)من القول فيك،و في عظمتك و سلطانك،و غير ذلك من اختلافهم بينهم.
(11:11)
ابن عاشور :الإتيان بفعل الكون صلة ل(ما) الموصولة،ليدلّ على تحقّق الاختلاف،و كون خبر «كان»مضارعا تعريض بأنّه اختلاف متجدّد؛إذ لا طماعيّة في ارعواء المشركين عن باطلهم.و تقديم (فيه)على(يختلفون)للرّعاية على الفاصلة مع الاهتمام بالأمر المختلف فيه.(24:106)
1- إِذْ قالَ اللّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ.... ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. آل عمران:55
ابن عبّاس: (تختلفون:)تخاصمون.(48)
الطّبريّ: (تختلفون)من أمره.(3:291)
الواحديّ: فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من الدّين و أمر عيسى.(1:442)
مثله البغويّ(1:448)،و نحوه الآلوسيّ(3:
184).
2- ...ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. الأنعام:164
ابن عبّاس: تَخْتَلِفُونَ: تخالفون.(123)
ص: 194
الطّبريّ: (تختلفون)من الأديان و الملل؛إذ كان بعضكم يدين باليهوديّة،و بعض بالنّصرانيّة، و بعض بالمجوسيّة،و بعض بعبادة الأصنام و ادّعاء الشّركاء مع اللّه و الأنداد،ثمّ يجازي جميعكم...
(5:422)
ابن عطيّة: يريد-على ما حكى بعض المتأوّلين -من أمري في قول بعضكم:هو ساحر،و بعضكم هو شاعر،و بعضكم افتراه،و بعضكم اكتتبه و نحو هذا.
و هذا التّأويل يحسن في هذا الموضع،و إن كان اللّفظ يعمّ جميع أنواع الاختلافات،من الأديان و الملل و المذاهب و غير ذلك.(2:370)
النّسفيّ: (...تختلفون)من الأديان الّتي فرّقتموها.(2:43)
ابن عاشور :المعنى:بما كنتم فيه تختلفون مع المسلمين،لأنّ الاختلاف واقع بينهم و بين المسلمين،و ليس بين المشركين في أنفسهم اختلاف.فأدمج الوعيد بالوعيد.(7:155)
3- إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. النّحل:92
الطّبريّ: الّذي كانوا فيه يختلفون في الدّنيا،أنّ المؤمن باللّه كان يقرّ بوحدانيّة اللّه و نبوّة نبيّه،و يصدّق بما ابتعث به أنبياءه،و كان يكذّب بذلك كلّه الكافر، فذلك كان اختلافهم في الدّنيا الّذي وعد اللّه تعالى ذكره عباده أن يبيّنه لهم عند ورودهم عليه بما وصفنا من البيان.(7:639)
4- وَ لَمّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ. الزّخرف:63
ابن عبّاس: تَخْتَلِفُونَ فِيهِ: تخالفون في الدّين.
(415)
مجاهد : تَخْتَلِفُونَ فِيهِ من أحكام التّوراة.
(الطّبريّ 11:207)
مثله الطّبريّ(11:206)،و الثّعلبيّ(8:342).
من تبديل التّوراة.(الطّبريّ 11:207)
قتادة :و لأبيّن لكم اختلاف القرون الّذين تحزّبوا في أمر عيسى،في قوله: قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ، و هم قومه المبعوث إليهم،أي من تلقائهم و من أنفسهم بان شرّهم،و لم يدخل عليهم الاختلاف من غيرهم.
(أبو حيّان 8:26)
مقاتل: تَخْتَلِفُونَ فِيهِ من الحلال و الحرام، فبيّن لهم ما كان حرّم عليهم من الشّحوم و اللّحوم و كلّ ذي ظفر،فأخبرهم أنّه لهم حلال في الإنجيل، غير أنّهم يقيمون على السّبت.(3:800)
الأخفش: أي كلّ الّذي تختلفون فيه،فكان «البعض»هنا بمعنى الكلّ،لأنّه ما اقتصر على بيان بعض دون الكلّ.(الماورديّ 5:236)
الزّجّاج: أي كلّ الّذي تختلفون فيه.[ثمّ استشهد بشعر]
و هذا مذهب أبي عبيدة.و الصّحيح أنّ«البعض» لا يكون في معنى الكلّ،و هذا ليس في الكلام،و الّذي جاء به عيسى في الإنجيل إنّما هو بعض الّذي اختلفوا
ص: 195
فيه،و بيّن اللّه سبحانه لهم من غير الإنجيل ما احتاجوا إليه.(4:417)
الرّمّانيّ: ما تختلفون فيه من أمر دينكم لا من أمر دنياكم.(الماورديّ 5:236)
نحوه النّسفيّ(4:123)،و أبو السّعود(6:41).
الماورديّ: في قوله: بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ [قولان:أوّلهما قول مجاهد]
الثّاني:أنّه بيّن لهم بعضه دون جميعه،و يكون معناه:أبيّن لكم بعض ذلك أيضا،و أكلكم في بعضه إلى الاجتهاد،و أضمر ذلك لدلالة الحال عليه.
(5:236)
الزّمخشريّ: إن قلت:هلاّ بيّن لهم كلّ الّذي يختلفون فيه و لكن بعضه؟
قلت:كانوا يختلفون في الدّيانات و ما يتعلّق بالتّكليف،و فيما سوى ذلك ممّا لم يتعبّدوا بمعرفته و السّؤال عنه،و إنّما بعث ليبيّن لهم ما اختلفوا فيه،ممّا يعنيهم من أمر دينهم.(3:495)
نحوه البيضاويّ(2:370)،و مغنيّة(6:557).
ابن عطيّة: قوله: وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ قال أبو عبيدة:(بعض)بمعنى كلّ.
و هذا ضعيف تردّه اللّغة،و لا حجّة له من قول لبيد:
*أو يعتلق بعض النّفوس حمامها*
لأنّه أراد نفسه و نفس من معه؛و ذلك بعض النّفوس.
و إنّما المعنى الّذي ذهب إليه الجمهور:أنّ الاختلاف بين النّاس هو في أمور كثيرة لا تحصى عددا،منها:أمور أخرويّة و دينيّة.و منها:ما لا مدخل له في الدّين،فكلّ نبيّ فإنّما يبعث ليبيّن أمر الأديان و الآخرة،فذلك بعض ما يختلف فيه.(5:62)
ابن الجوزيّ: ...بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ أي من أمر دينكم.[إلى أن قال:]
و قد قال ابن جرير:كان بينهم اختلاف في أمر دينهم و دنياهم،فبيّن لهم أمر دينهم فقط.(7:326)
الفخر الرّازيّ: وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ يعني أنّ قوم موسى كانوا قد اختلفوا في أشياء من أحكام التّكاليف،و اتّفقوا على أشياء، فجاء عيسى ليبيّن لهم الحقّ في تلك المسائل الخلافيّة.
و بالجملة:ف(الحكمة:)معناها أصول الدّين، و بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ: معناه:فروع الدّين.
فإن قيل:لم لم يبيّن لهم كلّ الّذي يختلفون فيه؟
قلنا:لأنّ النّاس قد يختلفون في أشياء لا حاجة بهم إلى معرفتها،فلا يجب على الرّسول بيانها.(27:223)
القرطبيّ: ...و قيل:بيّن لهم بعض الّذي اختلفوا فيه من أحكام التّوراة على قدر ما سألوه.و يجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك لم يسألوه عنها.
و قيل:إنّ بني إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى في أشياء من أمر دينهم،و أشياء من أمر دنياهم،فبيّن لهم أمر دينهم...(16:108)
الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
و يحتمل أن يكون المراد أنّه يبيّن لهم بعض المتشابه،و هو ما يكون بيانه كافيا في ردّ بقيّة المتشابه إلى المحكم بالقياس عليه.(3:571)
ص: 196
البروسويّ: ...بَعْضَ الَّذِي... و هو ما يتعلّق بأمور الدّين،و أمّا ما يتعلّق بأمور الدّنيا فليس بيانه من وظائف الأنبياء،كما قال عليه السّلام:«أنتم أعلم بأمور دنياكم».
و فى«الأسئلة المقحمة»:كيف قال(بعض)،و إنّما بعث ليبيّن الكلّ؟
و الجواب:قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:إنّ «البعض»هاهنا بمعنى الكلّ،و كذا قال فى«عين المعاني»:الأصحّ أنّ«البعض»يراد به الكلّ،كعكسه فى قوله: ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً البقرة:
260.
و قال بعض أهل المعاني:كانوا يسألون عن أشياء لا فائدة فيها،فقال: وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ...، يعني أجيبكم عن الأسئلة الّتي لكم فيها فوائد.
و في الآية إشارة إلى أنّ الأنبياء كما يجيئون بالكتاب من عند اللّه،يجيئون بالحكمة ممّا آتاهم،كما قال: وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ الجمعة:2،و لذا قال: وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ... ،لأنّ البيان عمّا يختلفون فيه، هو الحكمة.(8:385)
الآلوسيّ: بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ و هو أمر الدّيانات و ما يتعلّق بالتّكليف،دون الأمور الّتي لم يتعبّدوا بمعرفتها،ككيفيّة نضد الأفلاك،و أسباب اختلاف تشكّلات القمر مثلا،فإنّ الأنبياء عليهم السّلام لم يبعثوا لبيان ما يختلف فيه من ذلك،و مثلها ما يتعلّق بأمر الدّنيا،ككيفيّة الزّراعة،و ما يصلح الزّرع و ما يفسده مثلا،فإنّ الأنبياء عليهم السّلام لم يبعثوا لبيانه أيضا، كما يشير إليه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم في قصّة تأبير النّخل:«أنتم أعلم بأمور دنياكم».
و جوّز أن يراد بهذا«البعض»:بعض أمور الدّين المكلّف بها،و أريد ب«البيان»البيان على سبيل التّفصيل،و هي لا يمكن بيان جميعها تفصيلا،و بعضها مفوّض للاجتهاد.(25:96)
نحوه المراغيّ.(25:105)
ابن عاشور :إنّما قال: بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ: إمّا لأنّ اللّه أعلمه بأنّ المصلحة لم تتعلّق ببيان كلّ ما اختلفوا فيه،بل يقتصر على البعض،ثمّ يكمّل بيان الباقي على لسان رسول يأتي من بعده يبيّن جميع ما يحتاج إلى البيان.و إمّا لأنّ ما أوحي إليه من البيان غير شامل لجميع ما هم مختلفون في حكمه،و هو ينتظر بيانه من بعد تدريجا في التّشريع،كما وقع في تدريج تحريم الخمر في الإسلام.
و قيل:المراد ب بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ: ما كان الاختلاف فيه راجعا إلى أحكام الدّين دون ما كان من الاختلاف في أمور الدّنيا.
و في قوله: بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ تهيئة لهم لقبول ما سيبيّن لهم حينئذ أو من بعد.(25:282)
الطّباطبائيّ: ...بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ، أي في حكمه من الحوادث و الأفعال.و الّذي يختلفون فيه و إن كان أعمّ من الاعتقادات الّتي يختلف في كونها حقّة أو باطلة،و الحوادث و الأفعال الّتي يختلف في مشروع حكمها،لكنّ المناسب لسبق قوله: قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ أن يختصّ ما اختلفوا فيه:بالحوادث
ص: 197
و الأفعال؛و اللّه أعلم.
و قيل:المراد بقوله: بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ:
كلّ الّذي تختلفون فيه،و هو كما ترى.
و قيل:المراد لأبيّن لكم أمور دينكم دون أمور دنياكم.و لا دليل عليه من لفظ الآية،و لا من المقام.
(18:119)
مكارم الشّيرازيّ: هنا يطرح سؤال التفت إليه أغلب المفسّرين،و هو:لما ذا يقول: قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ و لم لا يبيّن الجميع؟
و قد ذكرت أجوبة عديدة لهذا السّؤال،و أنسبها هو:
أنّ الاختلافات الّتي بين النّاس نوعان:منها:ما يكون مؤثّرا في مصيرهم من النّاحية العقائديّة و العمليّة،و منها:ما يكون في الأمور غير المصيريّة، كالنّظريّات المختلفة حول نشأة المنظومة الشّمسيّة و السّماوات،و كيفيّة الأفلاك و النّجوم،و ماهيّة روح الإنسان،و حقيقة الحياة،و أمثال ذلك.
و من الواضح أنّ الأنبياء مكلّفون أن ينهوا الاختلافات من النّوع الأوّل،و يقتلعوها بواسطة تبيان الحقائق،و لكنّهم غير مكلّفين برفع أيّ اختلاف كان،حتّى و إن لم يكن له تأثير في مصير الإنسان مطلقا.
و يحتمل أيضا أنّ تبيان بعض الاختلافات نتيجة و غاية لدعوة الأنبياء،أي إنّهم سيوفّقون أخيرا في حلّ بعض هذه الاختلافات،أمّا حلّ جميع الاختلافات في الدّنيا فإنّه أمر غير ممكن،و لذلك تبيّن آيات متعدّدة من القرآن المجيد أنّ إحدى خصائص القيامة هو ارتفاع كلّ الاختلافات و انتهاؤها،فنقرأ في الآية:92،من سورة النّحل: وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.
و قد جاء هذا المعنى في الآيات:55،آل عمران، و،48:المائدة،و،164:الأنعام،و،69:الحجّ، و غيرها.(16:83)
فضل اللّه : وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ من قضايا العقيدة،و من أحداث الحياة،ممّا تحتاجون فيه إلى القاعدة الثّابتة القويّة الّتي تكون أساسا للتّفكير،و منهجا للحركة،لأنّ مشكلة كثير من النّاس عند ما يختلفون،هي افتقارهم إلى اللّغة المشتركة في دائرة الفكر،الّتي يتفاهمون بها،و يلتقون عليها،و كلّ واحد منهم يتحدّث بطريقة لا يفهمها الآخر،نتيجة المؤثّرات الذّاتيّة الّتي لا يملكون-معها- حكما يحكم بينهم،في الحيثيّات الفكريّة،أو في القوّة المهيمنة الّتي يخضع لها الجميع.(20:259)
1- ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ... النّحل:69
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:يخرج من بطون النّحل شراب و هو العسل،مختلف ألوانه،لأنّ فيها أبيض و أحمر و أسحر،و غير ذلك من الألوان.-أسحر:
ص: 198
ألوان مختلفة مثل أبيض يضرب إلى الحمرة-.
(7:614)
ابن عطيّة: اختلاف الألوان في العسل بحسب اختلاف النّحل و المراعي،و قد يختلف طعمه بحسب اختلاف المراعي.(3:406)
الفخر الرّازيّ: المعنى:أنّ منه أحمر و أبيض و أسود.و نظيره قوله تعالى: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ فاطر:27، و المقصود منه:إبطال القول بالطّبع،لأنّ هذا الجسم مع كونه متساوي الطّبيعة،لمّا حدث على ألوان مختلفة، دلّ ذلك على أنّ حدوث تلك الألوان بتدبير الفاعل المختار،لا لأجل إيجاد الطّبيعة.(20:72)
أبو السّعود :أبيض و أسود و أصفر و أحمر، حسب اختلاف سنّ النّحل أو الفصل،أو الّذي أخذت منه العسل.(4:75)
الآلوسيّ: مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ بالبياض و الصّفرة و الحمرة و السّواد:إمّا لمحض إرادة الصّانع الحكيم جلّ جلاله،و إمّا لاختلاف المرعى،أو لاختلاف الفصل، أو لاختلاف سنّ النّحل.فالأبيض لفتيّها،و الأصفر لكهلها،و الأحمر لمسنّها،و الأسود للطّاعن في ذلك جدّا.
و تعقّب بأنّه ممّا لا دليل عليه،و قد سألت جمعا ممّن أثق بهم قد اختبروا أحوالها،فذكروا أنّهم قد استقرءوا و سبروا،فرأوا أقوى الأسباب الظّاهرة لاختلاف الألوان،اختلاف السّنّ،بل قال بعضهم:ما علمنا لذلك سببا إلاّ هذا بالاستقراء،و حينئذ يكون ما ذكر مؤيّدا للقول المشهور في تكوّن العسل،كما لا يخفى على من له أدنى ذوق.(14:184)
ابن عاشور :و وصفه ب مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ، لأنّ له مدخلا في العبرة،كقوله تعالى: يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ الرّعد:4، فذلك من الآيات على عظيم القدرة،و دقيق الحكمة.
(13:168)
مكارم الشّيرازيّ: تتفاوت ألوان العسل وفقا لتنوّع الأوراد الّتي يؤخذ رحيقها منها.فيبدو أحيانا بلون اللّبن القاتم،و أحيانا أخرى يكون أصفر اللّون، أو أبيض فضّيّ،أو ليس له لون،و تارة تراه شفّافا، و تارة أخرى ذهبيّ أو تمريّ،و قد تراه مائلا إلى السّواد!و لهذا التّفاوت في اللّون حكمة بالغة قد تبيّنت أخيرا،مفادها:أنّ للون الغذاء أثرا بالغا في تحريك رغبة الإنسان إليه.
و هذه الحقيقة ما كانت خافية على القدماء أيضا، فكانوا يعتنون بإظهار لون الغذاء المشهّي لدرجة كانوا يضيفون إليه بعض الموادّ تحصيلا لما يريدون،كإضافة الزّعفران و ما شابهه.
و لهذا الموضوع بحوث مفصّلة في كتب التّغذية، لا يسمح لنا المجال بعرضها كاملة،خوفا من الابتعاد عن مجال التّفسير.(8:220)
2 و 3- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ* وَ مِنَ النّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى
ص: 199
اَللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ.
فاطر:27،28
ابن عبّاس: مُخْتَلِفاً أَلْوانُها: أجناسها الحلو و الحامض و غير ذلك... مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها كألوان الثّمار...
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ: أجناسه مقدّم و مؤخّر.(366)
قتادة : مُخْتَلِفاً أَلْوانُها: أحمر و أخضر و أصفر... مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها، أي جبال حمر و بيض.(الطّبريّ 10:409)
الطّبريّ: مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها: مختلف ألوان الجدد مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كما من الثّمرات و الجبال مختلف ألوانه بالحمرة و البياض و السّواد و الصّفرة، و غير ذلك.(10:409)
الماورديّ: وَ مِنَ النّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ فيه وجهان:
أحدهما:كذلك مختلف ألوانه أبيض و أحمر و أسود.
الثّاني:يعني بقوله:(كذلك،)أي كما اختلف ألوان الثّمار و الجبال و النّاس و الدّوابّ و الأنعام، كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية.(4:471)
الطّوسيّ: مُخْتَلِفاً أَلْوانُها، لأنّ فيها الأحمر و الأبيض و الأصفر و الأخضر و غير ذلك،و لم يذكر اختلاف طعومها و روائحها،لدلالة الكلام عليه.
و الاختلاف،هو امتناع الشّيء من أن يسدّ مسدّ صاحبه في ما يرجع إلى ذاته.أ لا ترى أنّ السّواد لا يسدّ مسدّ البياض؛و ذلك لا يقدر عليه سواه تعالى من جميع المخلوقين.[إلى أن قال:]
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ أيضا مثل ذلك ممّا في الجبال و الثّمار.(8:426)
نحوه الطّبرسيّ.(4:406)
الفخر الرّازيّ: قال تعالى: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ.... كأنّ قائلا قال:اختلاف الثّمرات لاختلاف البقاع.أ لا ترى أنّ بعض النّباتات لا تنبت ببعض البلاد كالزّعفران و غيره،فقال تعالى:اختلاف البقاع ليس إلاّ بإرادة اللّه،و إلاّ فلم صار بعض الجبال فيه مواضع حمر و مواضع بيض.[إلى أن قال:]
ثمّ زاد عليه بيانا،و قال:(مختلفا)كذلك في الجبال في نفسها دليل للقدرة و الإرادة،لأنّ كون الجبال في بعض نواحي الأرض دون بعضها، و الاختلاف الّذي في هيئة الجبل،فإنّ بعضها يكون أخفض و بعضها أرفع،دليل القدرة و الاختيار.ثمّ زاده بيانا و قال: جُدَدٌ بِيضٌ، أي مع دلالتها بنفسها هي دالّة باختلاف ألوانها،كما أنّ إخراج الثّمرات في نفسها دلائل،و اختلاف ألوانها دلائل.
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها الظّاهر أنّ الاختلاف راجع إلى كلّ لون،أي بيض مختلف ألوانها،و حمر مختلف ألوانها،لأنّ الأبيض قد يكون على لون الجصّ،و قد يكون على لون التّراب الأبيض دون بياض الجصّ، و كذلك الأحمر.و لو كان المراد أنّ البيض و الحمر مختلف الألوان،لكان مجرّد تأكيد؛و الأوّل أولى.
و على هذا فنقول:لم يذكر مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها بعد
ص: 200
البيض و الحمر و السّود،بل ذكره بعد البيض و الحمر، و أخّر السّود الغرابيب،لأنّ الأسود لمّا ذكره مع المؤكّد و هو«الغرابيب»يكون بالغا غاية السّواد، فلا يكون فيه اختلاف.(26:20)
البيضاويّ: مُخْتَلِفاً أَلْوانُها: أجناسها و أصنافها،على أنّ كلاّ منهما ذو أصناف مختلفة،أو هيئاتها من الصّفرة و الخضرة و نحوهما....
بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها بالشّدّة و الضّعف...
...مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ كاختلاف الثّمار و الجبال.(2:271)
نحوه أبو السّعود.(5:280)
الآلوسيّ: ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها، أي أنواعها من التّفّاح و الرّمّان و العنب و التّين و غيرها ممّا لا يحصر،و هذا كما يقال:فلان أتى بألوان من الأحاديث،و قدّم كذا لونا من الطّعام.
و اختلاف كلّ نوع بتعدّد أصنافه كما في التّفّاح، فإنّ له أصنافا متغايرة لذّة و هيئة،و كذا في سائر الثّمرات.و لا يكاد يوجد نوع منها إلاّ و هو ذو أصناف متغايرة.و يجوز أن يراد اختلاف كلّ نوع باختلاف أفراده.
و أخرج عبد بن حميد و ابن جرير عن قتادة:أنّه حمل الألوان على معناها المعروف،و اختلافها:
بالصّفرة و الحمرة و الخضرة و غيرها،و روي ذلك عن ابن عبّاس أيضا،و هو الأوفق لما في قوله تعالى...
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها، أي أصنافها بالشّدّة و الضّعف،لأنّها مقولة بالتّشكيك،ف(مختلف) صفة(بيض)و(حمر)و(الوانها)فاعل له، و ليس بمبتدإ،و(مختلف)خبره،لوجوب مختلفة حينئذ،.[إلى أن قال:]
وَ مِنَ النّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ أي و منهم بعض مختلف ألوانه،أو بعضهم مختلف ألوانه،على ما ذكروا في قوله تعالى: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ البقرة:8،و الجملة عطف على الجملة الّتي قبلها،و حكمها حكمها.(22:189)
ابن عاشور :استئناف فيه إيضاح ما سبقه من اختلاف أحوال النّاس في قبول الهدى،و رفضه، بسبب ما تهيّأت خلقة النّفوس إليه،ليظهر به أنّ الاختلاف بين أفراد الأصناف و الأنواع ناموس جبلّيّ فطر اللّه عليه مخلوقات هذا العالم الأرضيّ.
و الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،ليدفع عنه اغتمامه من مشاهدة عدم انتفاع المشركين بالقرآن.
و ضرب اختلاف الظّواهر في أفراد الصّنف الواحد مثلا،لاختلاف البواطن تقريبا للأفهام،فكان هذا الاستئناف من الاستئناف البيانيّ،لأنّ مثل هذا التّقريب ممّا تشرئبّ إليه الأفهام عند سماع قوله: إِنَّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ فاطر:22.[إلى أن قال:]
و المقصود من الاعتبار هو اختلاف ألوان الأصناف من النّوع الواحد،كاختلاف ألوان التّفّاح مع ألوان السّفرجل،و ألوان العنب مع ألوان التّين، و اختلاف ألوان الأفراد من الصّنف الواحد تارات، كاختلاف ألوان التّمور و الزّيتون و الأعناب و التّفّاح و الرّمّان.[إلى أن قال:]
ص: 201
و قدّم الاعتبار باختلاف أحوال الثّمرات،لأنّ في اختلافها سعة تشبه سعة اختلاف النّاس في المنافع و المدارك و العقائد.و في الحديث:«مثل المؤمن الّذي يقرأ القرآن كمثل الأترجّة،ريحها طيّب و طعمها طيّب.و مثل المؤمن الّذي لا يقرأ القرآن كمثل التّمرة طعمها طيّب و لا ريح لها.و مثل المنافق الّذي يقرأ القرآن كمثل الرّيحانة ريحها طيّب و طعمها مرّ.و مثل المنافق الّذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مرّ و لا ريح لها».
و جرّد(مختلفا)من علامة التّأنيث مع أنّ فاعله جمع،و شأن النّعت السّببيّ أن يوافق مرفوعه في التّذكير و ضدّه،و الإفراد و ضدّه،و لا يوافق في ذلك منعوته،لأنّه لمّا كان الفاعل جمعا لما لا يعقل و هو الألوان،كان حذف التّاء في مثله جائزا في الاستعمال، و آثره القرآن إيثارا للإيجاز.
و المراد ب«الثّمرات»:ثمرات النّخيل و الأعناب و غيرها،فثمرات النّخيل أكثر الثّمرات ألوانا،فإنّ ألوانها تختلف باختلاف أطوارها،فمنها الأخضر و الأصفر و الأحمر و الأسود.[إلى أن قال:]
...مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ موقعه كموقع قوله:
وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ، و لا يلزم أن يكون مسوّغ الابتداء بالنّكرة غير مفيد معنى آخر،فإنّ تقديم الخبر هنا سوّغ الابتداء بالنّكرة.
و اختلاف ألوان النّاس منه اختلاف عامّ،و هو ألوان أصناف البشر،و هي الأبيض و الأسود و الأصفر و الأحمر،حسب الاصطلاح الجغرافيّ.
و للعرب في كلامهم تقسيم آخر لألوان أصناف البشر،و قد تقدّم عند قوله: وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ في سورة الرّوم:22.
و(من)تبعيضيّة،و المعنى:أنّ المختلف ألوانه بعض من النّاس،و مجموع المختلفات كلّه هو النّاس كلّهم، و كذلك الدّوابّ و الأنعام.و هو نظم دقيق دعا إليه الإيجاز.
و جيء في جملة وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ و وَ مِنَ النّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ بالاسميّة دون الفعليّة،كما في الجملة السّابقة،لأنّ اختلاف ألوان الجبال و الحيوان الدّالّ على اختلاف أحوال الإيجاد دائما لا يتغيّر،و إنّما يحصل مرّة واحدة عند الخلق و عند تولّد النّسل.(22:154)
الطّباطبائيّ: ...مُخْتَلِفاً أَلْوانُها... حجّة أخرى على التّوحيد،و هو أنّ اللّه سبحانه ينزّل الماء من السّماء بالأمطار،و هو أقوى العوامل المعيّنة لخروج الثّمرات،و لو كان خروجها عن مقتضى طباع هذا العامل و هو واحد،لكان جميعها ذا لون واحد، فاختلاف الألوان يدلّ على وقوع التّدبير الإلهيّ.
و القول بأنّ اختلافها منوط باختلاف العوامل المؤثّرة فيها،و منها اختلاف العناصر الموجودة فيها نوعا و قدرا و خصوصيّة التّأليف،مدفوع بأنّ الكلام منقول حينئذ إلى اختلاف نفس العناصر،و هي منتهية إلى المادّة المشتركة الّتي لا اختلاف فيها،فاختلاف العناصر المكوّنة منها يدلّ على عامل آخر وراء المادّة يدبّر أمرها،و يسوقها إلى غايات مختلفة.
ص: 202
و الظّاهر أنّ المراد باختلاف ألوان الثّمرات:
اختلاف نفس ألوانها،و يلزمه اختلافات أخر من حيث الطّعم و الرّائحة و الخواصّ.
و قيل:المراد باختلاف الألوان:اختلاف الأنواع، فكثيرا ما يطلق اللّون في الفواكه و الأطعمة على النّوع،كما يقال:قدّم فلان ألوانا من الطّعام و الفاكهة، فهو من الكناية،و قوله بعد: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ لا يخلو من تأييد للوجه الأوّل.[إلى أن قال:]
وَ مِنَ النّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ أي و من النّاس و الدّوابّ الّتي تدبّ في الأرض،و الأنعام كالإبل و الغنم و البقر،بعض مختلف ألوانه بالبياض و الحمرة و السّواد،كاختلاف الثّمرات و الجبال في ألوانها.
و قيل:قوله:(كذلك)خبر لمبتدإ محذوف، و التّقدير:الأمر كذلك،فهو تقرير إجماليّ للتّفصيل المتقدّم من اختلاف الثّمرات و الجبال و النّاس و الدّوابّ و الأنعام...(17:41)
مكارم الشّيرازيّ: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها.
شروع هذه الجملة بالاستفهام التّقريريّ، و بتحريك حسّ التّساؤل لدى البشر،إشارة إلى أنّ هذا الموضوع جليّ إلى درجة أنّ أيّ شخص إذا نظر أبصر،نعم يبصر هذه الفواكه و الزّهور الجميلة و الأوراق و البراعم المختلفة بأشكال مختلفة، تتولّد من ماء و تراب واحد.
«ألوان»:قد يكون المراد:«الألوان الظّاهريّة للفواكه»،و الّتي تتفاوت حتّى في نوع الفاكهة الواحد، كالتّفّاح الّذي يتلوّن بألوان متنوّعة،ناهيك عن الفواكه المختلفة.و قد يكون كناية عن التّفاوت في المذاق و التّركيب و الخواصّ المتنوّعة لها،إلى حدّ أنّه حتّى في النّوع الواحد من الفاكهة توجد أصناف متفاوتة،كما في العنب مثلا حيث إنّه أكثر من 50 نوعا و التّمر أكثر من سبعين نوعا.
و الملفت للنّظر هو استخدام صيغة الغائب في الحديث عنه عزّ و جلّ،ثمّ الانتقال إلى صيغة المتكلّم.
و هذا النّوع من التّعابير غير منحصر في هذه الآية فقط،بل يلاحظ في مواضع أخرى من القرآن المجيد أيضا،و كأنّ الجملة الأولى تعطي للمخاطب إدراكا و معرفة جديدة،و تستحضره بهذا الإدراك و المعرفة بين يدي الباري عزّ و جلّ،ثمّ عند حضوره يلقى عليه الحديث مباشرة.
ثمّ تشير الآية إلى تنوّع أشكال الجبال و الطّرق الملوّنة الّتي تمرّ من خلالها،و تؤدّي إلى تشخيصها و تفريقها الواحدة عن الأخرى،فتقول: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ.
هذا التّفاوت اللّونيّ يضفي على الجبال جمالا خاصّا من جهة،و من جهة أخرى يكون سببا لتشخيص الطّرق و عدم الضّياع فيما بين طرقها المليئة بالالتواءات و الانحدارات.و أخيرا فهو دليل على أنّ اللّه على كلّ شيء قدير.[إلى أن قال:]
و احتمل أيضا أن يكون التّفسير:أ لم تر أنّ الجبال نفسها مثل طرائق بيضا و حمرا و سودا مختلفا ألوانها،
ص: 203
خطّت على سطح الأرض،و خاصّة إذا نظر إليها الشّخص من فاصلة بعيدة،فإنّها ترى على شكل خطوط مختلفة ممدودة على وجه الأرض:بيض و حمر و سود،مختلف ألوانها.
على كلّ حال،فإنّ تشكيل الجبال بألوان مختلفة من جهة،و تلوين الطّرق الجبليّة بألوان متفاوتة من جهة اخرى،دليل آخر على عظمة و قدرة و حكمة اللّه سبحانه و تعالى،و الّتي تتجلّى و تتزيّن كلّ آن بشكل جديد.
و في الآية التّالية تطرح مسألة تنوّع الألوان في البشر و الأحياء الأخرى،فيقول تعالى: وَ مِنَ النّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ.
أجل،فالبشر مع كونهم جميعا لأب و امّ واحدين، إلاّ أنّهم عناصر و ألوان متفاوتة تماما،فالبعض أبيض البشرة كالوفر (1)،و البعض الآخر أسود كالحبر.
و حتّى في العنصر الواحد،فإنّ التّفاوت في اللّون شديد أيضا،بل إنّ التّوأمين اللّذين يطويان المراحل الجنينيّة معا،و اللّذين يحتضن أحدهما الآخر منذ البدء،إذا دقّقنا النّظر نجدهما ليسا من لون واحد،مع أنّهما من نفس الأبوين،و تمّ انعقاد نطفتيهما في وقت واحد،و تغذّيا من غذاء واحد.
ناهيك عن التّفاوت و الاختلاف الكامل في بواطنهم عدا أشكالهم الظّاهريّة،و في خلقهم و رغباتهم و خصوصيّات شخصيّاتهم،و استعداداتهم و ذوقهم؛بحيث يتكوّن بذلك كيان مستقلّ منسجم، بكلّ احتياجاته الخاصّة.
في عالم الكائنات الحيّة أيضا يوجد آلاف الآلاف من أنواع الحشرات،الطّيور،الزّواحف،الحيوانات البحريّة،الوحوش الصّحراويّة،بكلّ خصائصها النّوعيّة و عجائب خلقتها،كدلالة على قدرة و عظمة و علم خالقها.(14:68)
فضل اللّه : ...فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها فمن أين جاء اختلاف ألوان الثّمرات ما دام العنصر المائيّ-الّذي هو أقوى العوامل في نموّها و تكوّنها-واحدا؟و كيف حدث التّنوّع من موقع الوحدة؟و إذا كانت العوامل الأخرى المؤثّرة فيها مختلفة في العناصر الكامنة في ذاتها،فيبقى السّؤال عن السّرّ الكامن وراء اختلاف تلك العناصر.لكن الجواب الّذي يلاحق السّؤال في كلّ مواقعه،لا يمكن أن يقتصر في ردّ السّبب إلى الوحدة الكامنة في أعماق المادّة،فردّ الاختلاف في الألوان إلى جانب الاختلاف في الأشكال و غيرها،يتمحور حول اللّه الّذي أبدع ذلك كلّه بقدرته،فهي الّتي تفسّر الحقيقة في عمق أسبابها.
فالأسباب المباشرة تلامس السّطح،و تبقى تبحث عن العمق وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ فها نحن نجد الجبال في أشكالها و ألوانها أو في طرائقها تتنوّع بين ألوان بيض و حمر و سود شديدة السّواد،و هذا هو معنىء.
ص: 204
الغرابيب، وَ مِنَ النّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ من اللّون الأبيض و الأسود و الأحمر و الأصفر،كما هي الثّمرات و الجبال،فكيف تنوّعت هذه الألوان؟!و من أين جاء هذا التّنوّع؟!
(كذلك)خلق اللّه التّنوّع الّذي يدلّ على عظمته و سرّ إبداعه و امتداد قدرته،ما يفرض على النّاس أن يفكّروا فيه و يتأمّلوه،و يختزنوه في عقولهم فكرا،و في قلوبهم شعورا،و حركة في العبادة،تعبّر عن الالتزام العمليّ بالإيمان باللّه،فإنّ النّفس لا تعيش الخوف و الرّهبة و الانقياد إلاّ من خلال شعورها بالعظمة لمن تخافه،أو تنقاد له.(19:104)
4- إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ. الذّاريات:8
ابن عبّاس: مصدّق بمحمّد عليه الصّلاة و السّلام و القرآن،و مكذّب بهما.(441)
نحوه الفرّاء.(3:83)
الضّحّاك: قول الكفرة لا يكون مستويا،إنّما هو متناقض مختلف.(الزّمخشريّ 4:14)
قتادة :قال فريق منكم:آمنّا بمحمّد و كتابه،و قال فريق آخر:كفرنا.(ابن عطيّة 5:173)
مصدّق بهذا القرآن و مكذّب.(الطّبريّ 11:446)
السّدّيّ: يعني في أمر مختلف،فمطيع و عاص، و مؤمن و كافر.(الماورديّ 5:363)
ابن جريج:إنّهم أهل الشّرك مختلف عليهم بالباطل.(الماورديّ 5:363)
ابن زيد :يتخرّصون،يقولون:هذا سحر، و يقولون:هذا أساطير،فبأيّ قولهم يؤخذ،قتل الخرّاصون.هذا الرّجل لا بدّ له من أن يكون فيه أحد هؤلاء،فما لكم لا تأخذون أحد هؤلاء،و قد رميتموه بأقاويل شتّى؟فبأيّ هذا القول تأخذون،فهو قول مختلف؟فذكر أنّه تخرّص منهم ليس لهم بذلك علم.
قالوا:فما منع هذا القرآن أن ينزل باللّسان الّذي نزلت به الكتب من قبلك،فقال اللّه:أعجميّ و عربيّ؟ لو جعلنا هذا القرآن أعجميّا لقلتم نحن عرب و هذا القرآن أعجميّ،فكيف يجتمعان.(الطّبريّ 11:446)
أنتم في جنس من الأقوال مختلف في نفسه،قوم منكم يقولون:ساحر،و قوم:كاهن،و قوم:شاعر، و قوم:مجنون،إلى غير ذلك.(ابن عطيّة 5:173)
الطّبريّ: يقول:إنّكم أيّها النّاس لفي قول مختلف في هذا القرآن،فمن مصدّق به و مكذّب.
(11:446)
الزّجّاج: أي في أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(5:52)
القمّيّ: يعني مختلف في عليّ عليه السّلام،يعني اختلفت هذه الأمّة في ولايته،فمن استقام على ولاية عليّ عليه السّلام دخل الجنّة،و من خالف ولاية عليّ دخل النّار.[و هذا تأويل](2:329)
الثّعلبيّ: (مختلف)في القرآن و محمّد عليه السّلام،فمن مصدّق و مكذّب،و مقرّ و منكر.(9:110)
الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:[نقل الأقوال و أضاف:]
و يحتمل رابعا:إنّهم عبدة الأوثان و الأصنام، يقرّون بأنّ اللّه خالقهم و يعبدون غيره.(5:363)
ص: 205
الطّوسيّ: معناه:أنّكم في الحقّ لفي قول مختلف، لا يصحّ إلاّ واحد منه،و هو أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ما دعا إليه،و هو تكذيب فريق به و تصديق فريق،و دليل الحقّ ظاهر.و فائدته أنّ أحد الفريقين في هذا الاختلاف مبطل،لأنّه اختلاف تناقض،فاطلبوا الحقّ منه بدليله،و إلاّ هلكتم.(9:380)
القشيريّ: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يعني في أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فأحدهم يقول:إنّه ساحر،و آخر يقول:
مجنون،و ثالث يقول:شاعر،و غير ذلك.
و الإشارة فيه إلى القسم بسماء التّوحيد ذات الزّينة بشمس العرفان،و قمر المحبّة،و نجوم القرب، إنّكم في باب هذه الطّريقة لفي قول مختلف؛فمن منكر يجحد الطّريقة،و من معترض يعترض على أهلها، يتوهّم نقصانهم في القيام بحقّ الشّريعة،و من متعسّف لا يخرج من ضيق حدود العبوديّة،و لا يعرف خبرا عن تخصيص الحقّ أولياءه بالأحوال السّنيّة.قال قائلهم:
قد سحب النّاس أذيال الظّنون بنا
و فرّق النّاس فينا قولهم فرقا
فكاذب قد رمى بالظّنّ غيرتكم
و صادق ليس يدري أنّه صدقا
(6:28)
الواحديّ: في محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،بعضكم يقول:شاعر، و بعضكم يقول:مجنون.و في القرآن تقولون:إنّه سحر و كهانة و رجز و ما سطره الأوّلون.(4:174)
نحوه البغويّ(4:281)،و ابن الجوزيّ(8:29)
الزّمخشريّ: قولهم في الرّسول:ساحر و شاعر و مجنون،و في القرآن:شعر و سحر،و أساطير الأوّلين.
(4:14)
مثله النّسفيّ(4:183)،و نحوه الشّربينيّ(4:95)، و المراغيّ(26:176).
الطّبرسيّ: أي إنّكم يا أهل مكّة في قول مختلف في قول محمّد صلّى اللّه عليه و